الرجعة بین الظهور و المعاد

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، 1340-

عنوان و نام پدیدآور : الرجعة بین الظهور و المعاد/محمد سند.

مشخصات نشر : قم: سعیدبن جبیر، 1384، = 2005م، = 1426ق.

مشخصات ظاهری : 748ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : رجعت

موضوع : *Raj'ah

موضوع : رجعت -- احادیث

موضوع : *Raj'ah -- Hadiths

موضوع : آخر الزمان

موضوع : End of the world

رده بندی کنگره : BP222/4/س9ر3041 1397الف

رده بندی دیویی : 297/44

ص :1

المجلد 1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :5

ص :6

«ابواب الکتاب»

الباب الاول : حقیقه الرجعه و بعدها المعرفی.

الباب الثانی: اثبات الرجعه و ما یناسبه.

الباب الثالث: الرجعه و عوالم اخری.

الباب الرابع: رجعه الرسول صلی الله علیه و آله و الائمه علیهم السلام و دولتهم.

ص :7

ص :8

المقدمة

نُنوِّه فیها علی نقاط:

الأولی: إنَّ ما تم عرضه فی الکتاب من أبواب وفصول ومقالات ومسائل وبحوث الرجعة، لم یتمُّ إیفاء البحث فیها ولا توفیة المطالب بتمامها، نظراً إلی سعة بحوثها وتشعبها وقلة الجهود المبذولة فیها وترامی آفاق میادین المسائل ، وهذا مما یجعل إنجاز العمل بتمامه مستحیلاً فی الظرف الراهن، رغم أنَّ البحث فی الرجعة تواصل عندنا قرابة ستة أعوام، لکننا نجد أنفسنا لا زلنا فی ضفاف ساحل بحار ومحیطات باب الرجعة، ولا نصف الحال بذلک خیالاً وشاعریة بلْ إنَّ حقیقة الرجعة باب فی المعرفة من الغیوب الداهیة الدهیاء وتتوقف علی جهود أجیال من أهل التحقیق والبحث والتبحر، ولا یقوم به جیل واحد فضلاً عن شخص فارد.

وبین هَذَا الحال والشأن فی مباحث الرجعة نجد التعطش والإلحاح الشدید لدی أهل الفضل والتحقیق علی التعرف والوقوف علی إضاءات وومضات ونتف وإثارات تحرک المسیرة العلمیة فی درب وطریق معرفة الرجعة.

ص:9

فبین ذا وذا رأینا أننا لو أخذنا علی عاتقنا الجانب الأوَّل لطال بنا الزمان والمقام، وکان ما حررناه ونقحناه من فتات ونکات علمیة عرضة للضیاع والبعثرة والشتات.

فکان الأوفق مع کل هذا الحال إخراجها بهذا الثوب من دون أنْ یجعل ذلک حسماً نهائیاً ومنتهی المطاف، بلْ هو انطلاقة لأوَّل الغیث لیخضرم وینضج المسیر العلمی فی باب معرفة الرجعة إلی المزید من الغور والتوغل، لا سیما وأن الحقائق المفاجئة فی بحوث الرجعة تعید النظر والتقییم لکثیر من المباحث فی منظومة العقائد إلی مستویات أعمق مما هی علیه.

ونسأل الله أن یدیم علینا مواصلة البحث طیلة ما قدر لنا من أجل فی الحیاة الأولی من الدنیا.

الثانیة: إنَّ من الأهمیة والغایات الخطیرة لمعرفة الرجعة أمورا عدیدة سیأتی ذکرها فی الکتاب، إلا أنه یحسن فی التقدیم أن نذکر علی نحو الایجاز واحدة منها تستهوی العقول وأرواح النفوس، وهی أن المعرفة بها یهون علی الإنسان خشیة الموت ویبعد عنه کراهته، بل سیأنس به لما سیطلع علیه من المستقبل الذی ینتظره بعد ذلک، ولا یفوت عنه ما یحرص علیه، ومن ثم ینبثق له قوة الأمل الصادق فینزاح عنه الیأس والإیاس وتتعاظم همته وبالتالی تکبر نفسه.

ص:10

الباب الأول:حقیقة الرجعة وبُعدها المعرفی

اشارة

ص:11

ص:12

فصول الباب الأول

*الفصل الأول: أصول المنهج فی بحوث المعارف ومعرفة الرجعة.

*الفصل الثانی: حقیقة الرجعة.

*الفصل الثالث: غایات وفلسفات الرجعة.

*الفصل الرابع: مراحل وأدوار الرجعة وأقسامها.

*الفصل الخامس: الرجعة والإیمان وموقعیّتها فی العقیدة.

*الفصل السادس: الرجعة بلوغ وکمال فی معرفة حقیقة أصول الدین.

*الفصل السابع: الرجعة ومقامات الإمامة.

*الفصل الثامن: الرجعة ونظام الإمامة وأن کل إمام من الائمة الاثنی عشر(علیهم السلام) هو مهدی موعود منتظر.

*الفصل التاسع: المهدیون الإثنا عشر مقام الرجعة للائمة الاثنی عشر(علیهم السلام).

*الفصل العاشر: فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة.

ص:13

ص:14

الفصل الأول:أصول المنهج فی بحوث المعارف وبحث الرجعة

ص:15

ص:16

الفصل الأول: أصول المنهج فی بحوث المعارف وبحث الرجعة

اشارة

قدْ یتساءل عن المنهج المتبع فی بحث الرجعة لدینا، حیث إنَّ غایة ما یطفح من کلمات علماء الإمامیة هی کون أصل الرجعة ضرورة إیمانیة لا تفاصیلها، فالخوض فی تفاصیلها قدْ یعترض علیه بأنَّه لا یمکن بناؤه علی أساس رصین، لا سیما وأنَّ المعروف فی الأذهان أنَّ تعداد الروایات الواردة فی الرجعة إنَّما تبلغ من الروایات مأتین أو أکثر، ومن ثمّ لم یخض غالب علماء الإمامیة فی تفاصیلها. هذا وللجواب عن ذلک وفی البدء ینبغی الإشارة إلی أمور:

الأمر الأوَّل: سبب قلّة الجهود فی الرجعة:

ما هو سبب عدم خوض کثیر من أجیال علماء الإمامیة فی تنقیح صور تفاصیل أحداث ومراحل الرجعة کظاهرة تکوینیة مستقبلیة سیشهدها

ص:17

البشر؟ أی ما هو السبب فی انحسار جهود الأعلام طیلة هذهِ القرون وعدم توسعهم فی بحوث الرجعة؟

تلخیص الجواب:

یمکن تلخیصه فی جملة من الأسباب، وهی کالتالی:

1) إشتغال معظم الأصحاب بالدفاع والحوار الجدلی مع بقیة الفرق والأدیان، مما استنزف کثیرا من الجهود، ولیسَ ذلک فحسب بلْ إن هذا الاشتغال حبس دائرة ودرجة مستوی البحث العلمی إلی مستوی متواضع یعیشهُ فکر الطرف الآخر من الأدیان والمذاهب.

2) صعوبة البحث فی الرجعة وغموض جملة من المباحث والأبواب مع قلة الجهود المبذولة فی هذا الباب، مما یجعل طرق البحث فیه وعرة.

3) عدم جمع روایات الرجعة فی ضمن موسوعة کتاب وعدم تبویبها، لا سیما من المتقدمین، وهذا مما یستلزم صعوبة تکوین وتصویر نظرة جامعة حول الرجعة لدی الباحث.

4) صعوبة فهم الرجعة علی کثیر من الفرق والأدیان، حتّی أنَّ کثیراً منهم خلط بین الرجعة والتناسخ، نظیر الخلط الذی حصل لدی الفرق الأُخری فی مبحث الإمامة، حیث التبس الأمر لدیهم بینها وبین النبوة، واستعصی علیهم تمییزهُ وتفکیکه عن بحث (النبوة)، فکذلک حصل الخلط بین مبحث الرجعة وبین مباحث أُخری کمبحث المعاد، فإنَّه یصعب تفکیکه وتمییزهُ عن المعاد الأکبر الذی هو عقیدة حقّة، وکذلک یصعب تمییزهُ علی کثیرین عن التناسخ ونحوهِ صعوبة تمیز الرجعة عن

ص:18

العقائد الباطلة، هذا مع انضمام بعض الأسباب الأُخری سبب إحجام کثیر من الأعلام عن الخوض فی الرجعة وتفاصیلها، لا سیما وأنَّ کثیراً من أهل الخلاف قدْ شدّد الإنکار والتشنیع علی عقیدة الرجعة.

5) إنَّ عقیدة الرجعة مع کونها من المسائل والأبواب الاعتقادیة المهمة إلّا أنها ذات طابع سیاسی خطیر، لأنَّها ترمز إلی دولة آل مُحمَّد صلوات الله علیهم أجمعین ، وهذا مما یقلق الدولة العباسیة والدول والأنظمة السیاسیة التی نشأت بعدها، فکان الخوض فی الرجعة - ولا زال - نظیر الخوض فی الظهور والمشروع المهدوی ذو طابع سیاسی تتحسس منه السلطات والحکومات، لأنَّه مشروع إقامة دولة.

الأمر الثانی: المنهج الرجالی فی الرجعة:
اشارة

فی بیان المنهج الرجالی الذی نعتمده فی الروایات فی بحث باب الرجعة، بلْ فی عموم أبواب المعارف - وقد استوفینا البحث فیه فی کتاب الإمامة الإلهیة(1)، وکذا فی کتاب بحوث فی مبانی علم الرجال(2)، وکذا فی کتاب أصول استنباط العقائد(3)، ولکننا نشیر هنا إلی مجمل مقتضب لا یغنی عن الرجوع إلی تلک المصادر - نطرح عِدَّة نقاط:

الأولی: إنَّ هناک فرقا بین المسائل العقیدیة التی هی من أصول الاعتقادات

ص:19


1- (1) الإمامة الإلهیة، ج1 فی مقدمات الممهدة وفی الفصل الأوَّل.
2- (2) فی مجلداته الثلاثة وملخصه فی الأوَّل.
3- (3) المجلد الأوَّل والثانی والثالث.

أو أساسیاته أو هی أصل لباب أو فصل اعتقادی وبین تفاصیل العقائد.

فإنَّ رأی ومسلک جماعة عدیدة من أعلام الإمامیة ومحققیهم علی الاکتفاء بالظن المعتبر فی التفاصیل دون الأساسیات والأصول وما یجری مجراها، وبسط ذلک ذکرناه فی المصادرالتی تقدمت الإشارة إلیها.

الثانیة: إنَّ اعتبار الروایات الظنیة فی بحوث العقائد والمعارف لا یتوقف ولا ینحصر فی خصوص الصدور التعبدی واعتبار طریق الروایة، بلْ الشأن الأعظم فی الروایات هو البیان العلمی والدلائل المشار إلیها فی مضمون الروایة، حیث تتفق مع أصول وقواعد وثوابت الکتاب والسنة القطعیة.

فیکون التنبه لذلک هو الفائدة العظمی التی تفوق علی الاعتبار الظنی والصدور، بلْ هَمُّ الباحث المحقق هو اکتشاف المنظومة المعرفیة من مجموع مضامین الروایات، ولا یقتصر فی ذلک علی جهة تراکم الصدور وبلوغه إلی درجة الاستفاضة والتواتر فحسب، بلْ من جهة أخری أعظم منها أیضاً، وهی وضوح واتضاح حلقات المنظومة والنظام المعرفی لکل فصل وباب اعتقادی فضلاً عن اکتشاف الارتباط بین الأبواب والفصول الاعتقادیة فی المنظومة الکبری والنظام الأکبر واکتشاف هذا الترابط البنیوی والکیان البُنیانی، فإنَّ البحث فی ذلک ثبوتی، بینما الترکیز علی جهة الصدور واعتبار الطریق إثباتی محض.

وکم فرق بین الثبوت والإثبات وبین اکتشاف نظام الثبوت ومنظومته

ص:20

وبین متناثرات دلالات الإثبات، فإنَّ النمط الأوَّل أو المنهاج الأوَّل أقرب ما یکون من البرهان اللّمی واکتشاف الملازمات العامة والخاصة، بینما المنهج الثانی استدلال إنّی ظنی إجمالی.

الثالثة: إنَّ الروایات الضعیفة - علی اختلاف درجات ضعفها - لا یمکن إهمالها، فإنّها بالتکاثر والتعاضد ترتقی عن الضعف إلی درجة الاستفاضة بلْ التواتر، فکیف یهمل ما هو مادة للتواتر والاستفاضة.

وبعبارة أُخری إنَّ هناک نظرة ومنهجاً مجموعیاً لمعطیات ومواد الأدلة إلی جانب النظرة والمنهج الأحادی لآحاد الأدلة، ولا یغنی الثانی عن الأوَّل، کما لا یتفرد الأوَّل عن الثانی، وإنْ کان الشائع خطأً فی البحث العلمی فی عصرنا الحاضر العکوف والاقتصارعلی المنهج الثانی.

الرابعة: إنَّ الاستفاضة والتواتر المعنوی لا یقتصران علی تکرر المعنی الظاهر، بلْ یشمل تکرر المعنی المستخرج نظریاً ولو بوسائط، فیکون من المعنی الخفی المتکرر فی الأدلة، وهذا لا یقتنص تکرره فی الأدلة إلّا صاحب التحقیق المقتدر علی استنباط المعانی والحقائق من الأدلة، ذو الباع الطویل والتضلع الوفیر.

ولا یخفی أنَّ دائرة هذا التواتر ومساحته کبیرة جداً، ولکن لا ینالها عموم الباحثین من ذوی الفضیلة، بلْ مختصة بالمحققین المدققین، فهم الذین یدرکون هذا التواتر من مجموع الأدلة الظنیة سواء کانت آحادها معتبرة أو غیر معتبرة، وأنَّ هذهِ الأدلة الظنیة تنطوی علی مواد قطعیة کثیرة، وکذا الحال فی

ص:21

الاستفاضة النظریة، أی أن الباحث یقف علیها بإمعان النظر والتدبُّر والتدقیق.

والصعوبة فی الوصول إلی المعنی النظری والالتفات والتنبه إلی تکرره فی الأدلة تفوقُ الصعوبة المبذولة للفحص عن التواتر المعنوی المعتاد فی قبال سهولة التواتر اللفظی.

ومن هنا یتبین أنَّ بحث المضمون مقدم علی اعتبار الصدور علی هذا التقدیر، وأنَّ الاعتبار الیقینی أو الاطمئنانی بالطرق متوقفٌ علی بحث مضمون الروایات، وهذا التوقف لا یقتصر علی التواتر النظری أو الاعتیادی والاستفاضة النظریة أو الاعتیادیة، بلْ یشمل درجة الوثوق، فإنَّ الوثوق منهُ ما یعتمد علی قرائن اعتیادیة، ومنه ما یعتمد علی قرائن نظریة لا تستخرج إلّا بحذاقة النظر، لا سیما الذی یعتمد فی المضمون.

ومنهُ یظهر أنّ مبنی الوثوق فی الصدور فی الروایة هو الآخر یعتمد علی دراسة المضمون فی الجملة دراسة اجتهادیة تحقیقیة.

ولا یخفی أنَّ هذا الاستخراج النظری للمعانی من المضمون هو وفق قواعد وموازین، ولیس ابتدارا من القریحة واستحسانا من الذوق، بلْ قدْ بیَّنا فی الجزء الثانی والثالث من کتاب (بحوث فی علم الرجال) أنَّ کثیراً من علماء الرجال - إنْ لَمْ یکن الأغلب - تتکون لهم رؤیة حول المفردة الرجالیة من الرواة بتوسط دراسة مضامین الروایات التی یرویها الراوی، وهذا توقف واضح لاعتبار الطریق علی المضمون لا العکس، وتوقف ذلک بُیّن

ص:22

وقُرر صناعیاً فی مباحث علم الأصول.

الخامسة: إنَّ الترادف - کعنصر مؤثر فی الاستظهار والاستنباط من الأدلة، وکمقدمة ذات دخالة فی مواد الاستدلال البرهانی - ینقسم إلی ثلاثة أقسام: ترادف لغوی، وترادف عقلی، وترادف وجودی عینی.

الترادف اللغوی:

أمّا الترادف اللغوی: - والذی عادةً تکون مفرداته لغویة - فإن اکتشافه لم ینجز بشکل وافر وکامل فی اللغة لحد الآن، لتوقفه علی الترادف المعنوی، والترادف المعنوی یتوقف علی تحلیل علمی للمعانی الکثیرة، وعلی تنقیب ونقض وإبرام وتأمل وتدبر فی المواد الواصلة، وعلی ذلک فالترادف اللغوی متوقف علی الترادف العقلی الآتی، إذْ الترادف العقلی موطنه المعنی والمعانی، ومن ثم قدْ یسمی بالترادف المعنوی.

کما أنَّ لفصول الرجعة ومسلسل أحداثها أسماءٌ لم تکتشف فیما کُتب عن الرجعة، ولم ینقح البحث عنها فی ذلک، مع أنها مقررة وموجودة فی الروایات، نظیر فصول مسلسل (دابة الأرض)، مع أنها من أخطر حلقات مسلسل الرجعة، وقد وصف هذا الحدث فی روایات الفریقین المستفیضة والمتواترة أنها طامة وهولٌ عظیم، وأنه إذا قیس حدث ظهور الإمام المهدی(عج) إلی حدث ظهور دابة الأرض فهو کالقطرة فی البحیرة، هذا بالقیاس إلی المفاجئات الکونیة الحاصلة عند ذلک الحدث.

ص:23

وقد أطلق علیها (الطامة الکبری) أیضاً، أی نسبیاً بالقیاس إلی ما تقدمها من أحداث، إلی غیر ذلک من أحداث وتفاصیل کثیرة لم یقع الخوض والبحث والتنقیب فیها ملیّاً، ولا زالت الکثیر الکثیر من المباحث کمواد خام غیر منقب عنها.

والعامّة لم یلتفتوا إلی جملة من فصول الرجعة، مع أنَّهم رووها بطرق مستفیضة ومتواترة، إلّا أنها لم تتضمن لفظة الرجعة.

وسنتعرض إلی جملة من العناوین التی رووها من فصول وأبواب الرجعة مع أنهم لم یلتفتوا إلی کونها منها.

ومن أمثلة الترادف اللفظی المغفول عنه فی الرجعة، ما أشیر إلیه فی عِدَّة آیات من علامات الرجعة وإرهاصاتها، وهو مجیء آیات الرب.

وهذا العنوان القرآنی للرجعة عنوان أصیل فی کتب الحدیث لدی الفریقین، لکنه مغفول عن کونه من فصول الرجعة المهمة، وهذا نمط من أنماط الترادف اللفظی.

الترادف العقلی:

وأمّا الترادف العقلی فهو اشتراک شیئین وذاتین وماهیتین وهویتین فی جزء من معنیهما کالجنس القریب المشترک أو الجنس البعید أو الجنس المتوسط أو فصل الفصل أو الفصل الفوقی، واللازم هو وجود وتقرر

ص:24

جزء مشترک، فإذا تقرر وجود ذلک الجزء المشترک فلا محالة تکون آثار ذلک الجزء وأحکامه التکوینیة مشترکة بینهما، فیکون ما دلَّ علی آثار وأحکام الشیء الأوَّل دالاً علی ترتبها علی الثانی أیضا إذا کان ترتب تلک الآثار من حیثیة ذلک الجزء المشترک، فلا محالة یکون ذلک الدلیل دالّا ً علی تلک الآثار والأحکام فی الشیء الثانی.

ومن الواضح أنَّ هذا المنهج توسع فی استنطاق الأدلة وتحلیل مفادها ومعانیها بطریق أعمق وأغور، فلا یقتصر الاستدلال علی الألفاظ المشترکة، ولا علی سطح المعانی، أی لا یقتصر علی المعنی المتحد فی سطح الإدراک الأولی، وإنما یعتمد علی المعنی المتحد المطوی بخفاء فی طیات معانی متعددة، وهذا یؤدی إلی اکتشاف الأجزاء المشترکة بین المعانی کنظام موحِّد بینها، وهو اکتشافٌ لبنیان النظام فی المعانی.

وهذا بحث وتنقیح وتحر ثبوتی للواقعیات، ولیسَ مجرد استکشاف دلالی وإثباتی.

وأحد ثمرات هذا المنهج ما مر من اکتشاف المعنی المتواتر النظری والمستفیض والموثوق النظریین المکتشف بقوة الاجتهاد والتحقیق، بلْ کما تبیَّن هنا أنّ الفائدة فی الترادف العقلی أعظم من اکتشاف مجرد التواتر، بلْ ترجع الفائدة إلی اکتشاف نظام التوافق والموافقة مع قواعد الکتاب والسنة کبنیان منظومی.

ص:25

الترادف الوجودی:

وأمّا الترادف الوجودی فهو یغایر کلاً من الترادف اللفظی والعقلی، لأنَّه لا یعتمد علی وحدة تمام المعنی أو المعنی الظاهر کما فی الترادف اللفظی، کما أنّه لا یعتمد علی الجزء المشترک من المعنی الخفی کما فی الترادف العقلی، بلْ لا یعتمد علی الوحدة فی المعنی أصلاً، وإنَّما یعتمد علی وجود الرابطة الوجودیة بین شیئین وإنْ لم تکن بینهما رابطة وارتباط فی المعنی أصلاً.

واکتشاف هذا الترادف أصعب بکثیر من اکتشاف الترادف العقلی رغم صعوبة الترادف العقلی کما مرَّ، لا سیما مع اختلاف درجات الترادف العقلی فی الخفاء، وذلک لأنَّ الترادف الوجودی یتخطی عالم المعنی إلی تقصی العینیة الواقعیة وملاحظة الآثار والتأثیرات فی الوجود، وملاحظة أنَّ التقارن بسبب الملازمة والتسبب فی التأثیر أم لا.

وبعبارة أُخری إنَّ منظومة الوجود وأنظمته أوسع ترابطاً بین الأشیاء المختلفة من ترابط الأشیاء فی جانب معانیها اللغویة وذاتیاتها، فإنَّ الترابط بین الأشیاء فی جانب المعنی من ناحیة ذواتها - أجناساً أو أنواعاً أو أصنافاً - أضیق دائرةً من ترابطها فی جانب الوجود العینی.

السَّادسة: لیعلم القارئ الکریم والباحث اللبیب أنَّ مسیر البحث عن الرجعة طویل، ولم یبلغ کماله فضلاً عن نهایته، إذْ لا یزال البحث فی الرجعة أقرب إلی الإثارات والتساؤلات وتجمیع المواد التحلیلیة المتناثرة بقدر الوسع أکثر من کونه بناءا منظومیا لقوالب وأُطر منضدة، فلا یزال

ص:26

البحث فی مسیر التدقیق والتحقیق والتنقیب عن مفاصل هیکلیة الرجعة ومدی تأثیرها فی تعمیق قراءة جملة منظومة العقائد؛ لأنَّ الرجعة لیست مرحلة زمانیة ومعادا أصغر وبعثا صغیرا فحسب، بلْ هی نمط قراءة ولغة فی تفسیر مجمل أصول العقائد، ویتطلب ذلک منهجیة فی تتبع الإثارات وتحلیل المواد لبناء فهرسی کاشف عن نظم ومنظومة بنیة الرجعة ولو بنحو محتمل، تتمثل للباحث کالصورة المرئیة یتواصل فیه تکامل البحث وإنْ لم یصل إلی درجة الجزم، ولو لم یستنفذ البحث فی کل الأبعاد، لکنه یتمُّ التثبت والتنقیح لخطوات عدیدة، وإنْ کان ذلک لا یسد الطریق أمام المزید من البحث والتحقیق من قبل آخرین، بل من قبل أجیال عدیدة فضلاً عن أفراد جیل واحد، فإنه طریق بعید المدی.

السَّابعة: إنَّ هناک محاور ومفاصل معرفیة کثیرة وعدیدة فی منظومة المعارف یجدها الباحث المستقرئ فی الآیات والروایات والأدعیة والزیارات، فضلاً عن التفاصیل الکثیرة، وکثیر منها غیر موجود فی أبواب علم الکلام وعلم الفلسفة وعلم العرفان، ولیس ذلک بمستغرب؛ للفرق الفارق بین قصور البشر وبین لا تناهی الوحی، وهذا القصور والنقص المعرفی صار منشأً لتساؤلات وشبهات وإشکالیات، ولغیاب محاور فی أصول الدین، وأبواب المعرفة مفقودة فی هذه العلوم، بینما هی متوفرة فی بیانات الوحی.

ص:27

ص:28

منهاج الأعلام فی بحث کتب الرجعة
الأول : منهج الشیخ الصدوق:

اتخذ الشیخ الصدوق(قدس سره) فی کتاب الاعتقادات منهجا خاصا، حیث ذکر أنواعاً وألواناً من الرجعة معتمداً علی تقسیم الموت إلی أنواع ودرجات تتداخل فیها حقیقة النوم غیر الطبیعی مع الموت.

وهذا یدلل علی أنَّ الصدوق نقَّح بعداً عقلیاً فی الرجعة معتمداً علی إشارات فی روایات الرجعة تشیر إلی سعة وکثرة أنواع انفصال الروح من الجسد وعودها إلیه، وجعل هذا البعد العقلی محوراً مهماً فی تفسیر وتحلیل حقیقة الرجعة، لکنه لم یبسط فیه الکلام بلْ التفت إلیه إجمالاً وبنحو ارتکازی.

الثانی : منهج الحر العاملی:

اعتمد الحر العاملی فی کتابه ( الایقاظ من الهجعة فی اثبات الرجعة ) علی لغة وقراءة عقلیة ونظرة تعقلیة فی تحلیل مضمون ومضامین الآیات

ص:29

والروایات الواردة فی الرجعة، وهذهِ النظرة والمنهجیة ترتکر علی تحلیل منظومة أنواع الموت وبأزائها أنواع الرجوع.

أی أن الشیخ الحر انطلق من الترکیز علی مباحث وأقسام درجات الموت، وفی مقابلها البعث من تلک الدرجات من الموت، وهذا المنهج والهیکل هو الطابع الهندسی والصناعی فی کل کتابه وکافة أبوابه وفصوله، والظاهر أنه اتخذ هذا المنهج من کتاب اعتقادات الصدوق، إلّا أنَّ الحر العاملی فتق هذهِ الالتفاتة وبلورها بشکل مبسوط إلی حدٍّ ما، وترقی فخاض فی بحوث الموت والحیاة بلغة عقلیة وذوق شهودی فی مضامین الآیات والروایات لم یسبقه فی هذا المضمار غیره من الأعلام، حتّی أنَّ ما سطره الحکیم ملا صدرا فی أسفاره فی بحث کتاب ( المبدأ والمعاد) لم یتطرق فیه إلی هذهِ الکثرة من التصورات والاحتمالات والآفاق العقلیة من أقسام ومراتب وأنواع الموت والحیاة التی تطرق إلیها الحر العاملی.

فما أنجزه الحر یعدُّ بکراً فی هذا المضمار، وهو ذو تأثیر بالغ فی فهم مباحث الرجعة، هذا مضافاً إلی ما تمیَّز به من إحاطته بعدد من روایات انتخبها مما ورد فی الرجعة.

وسیأتی بیان تعداد ومصادر تلک الروایات فی الباب الثانی، وهی أضعاف علی ما انتخبه الحر فی کتابه، کما أنَّه إمتاز بإحاطة وافرة فی تتبع الأقوال والمصادر، وبترتیب منطقی فی المقدمات الشارحة لحقیقة الرجعة والبرهان علیها، وکان ذلک منهاجاً عقلیاً عمیقاً أدرکه فکره الثاقب من

ص:30

البنیان العلمی المذکور فی الآیات والروایات الخاصة بالرجعة.

والمنظومة العقلیة والفکریة والتکوینیة للرجعة المبینة لحقیقتها فی الآفاق التی رصدها فی بیانات روایات الرجعة تجاوزت مستوی الأفق المطروح لدی الحکیم الملا صدرا حول أصول حقیقة الموت والبعث والنشر إلی آفاق أوسع، واکتشاف أنواع وحالات للنفس والروح لا تجد رائحتها فی مبحث الموت والمعاد فی کتاب الأسفار، وذلک بفضل المعطیات وأفق المعلومات الموجود فی روایات الرجعة.

وبالمقارنة بین تألیف الحر العاملی وجملة کتب من عاصره أو تقدم أو تأخَّر علیه یلاحظ أنَّه اعتمد علی تبویب ومنهجیة فی البحث ترتبط بأعمدة تنتظم فی الصناعة العقلیة البالغة حذاقة فی التحلیل لمضامین أحادیث الرجعة، ونظمها ضمن مسلسل، وقدْ اکتشف المسلسل المنظومی لها بفهم قراءة عقلیة، بینما لا یشاهد ذلک فیما کتبه المجلسی حول الرجعة فی بحار الأنوار، مع أنه لا ینکر ما انجز المجلسی فی رجعة البحار من إثارات وبیانات ذات فوائد عمیقة مهمة.

الثالث: منهج الشیخ أحمد الإحسائی:

أمّا ما ألفه الشیخ أحمد الاحسائی فی کتابه (الرجعة) فسرد متناثر لم یعتمد فیه علی منهجیة راسمة للبحث رغم أنَّه متأخر عن الحر، لکنه قام بالترکیز علی العلاقة بین الظهور والرجعة، وقد أقتفی فی ذلک مسلک جملة

ص:31

من المتقدمین من الأعلام، حیث أنَّهم مزجوا بین روایات الظهور وروایات الرجعة؛ وذلک لشدة الصلة والارتباط بینهما حیث أنَّ الظهور فاتحة للرجعة، کما أنَّ رجعة أئمة أهل البیت(علیهم السلام) وهی بعث إلی دار الدنیا مرة أُخری قدْ أطلق علیه - فی الروایات المستفیضة - «ظهور»، أی أنَّ ذلک الرجوع هو ظهور لهم فی دار الدنیا بعد غیبتهم بالموت فی دار البرزخ.

ومن ثم فإنَّ الکتب الحدیثیة المؤلفة فی ظهور المهدی(عج) أحد منابع روایات الرجعة، وقد وقع الخلط لدی کثیر من الباحثین بین العدید من فصول الرجعة وبین فصول وأحداث الظهور.

وعکس ذلک لدی علماء العامة حیث مزجوا بین روایات الرجعة وروایات القیامة والساعة، فرووا جلّ فصول الرجعة فی اشراط الساعة وعلامات القیامة؛ وذلک بسبب أنّ الرجعة تقع قبل القیامة، وهی من المعالم الکبری لها، وذات ارتباط وصلة وطیدة بالقیامة.

ولذا قال علماء الإمامیة: أنّ الرجعة معاد أصغر فی قبال القیامة الکبری والمعاد الأکبر، فمن ثم صارت الکتب الحدیثیة للجمهور حول القیامة واشراط الساعة والملاحم والفتن فی آخر الزمان أحد المنابع المهمة والمصادر الملیئة لروایات الرجعة.

وقد وقع الخلط لدی کثیر من الباحثین لدیهم بین العدید من فصول الرجعة وأحداث الظهور والساعة والقیامة والمعاد.

ص:32

الرابع: منهج الشیخ محمد آل عبدالجبار القطیفی:
اشارة

وممن کتب فی الرجعة الشیخ محمد بن عبد علی آل عبد الجبار القطیفی تلیمذ الاحسائی ، قال فی کتابه: (القول بالرجعة کما نقول وهی شرط فی تحقق المعاد الجسمانی، ومقدمة من مقدماته، بل لا یتحقق بدونها؛ لأنه یفاض علی الأبدان زمنها قسط من ولایتهم(علیهم السلام)، أو من إنکارهم حتی تکمل وتصاغ صیغة لا تحتمل الفساد بالنفخ الثانی بعد النفخ الأول، لأنها تحتاج إلی صوغة وکسر غیر هذا الصوغ والکسر لتصلح إلی البقاء السرمدی) انتهی کلامه.

أقول: وما ذکره فی تصویرها والتی هی معاد مطابق لنظریة المعاد الجسمانی عند الحکیم الزنوزی(1)، ولعلَّ استاذه الشیخ احمد الاحسائی(قدس سره) قدْ سبقه إلی ذلک، وقد تبنی هذه النظریة المرحوم الاصفهانی الکمبانی(قدس سره) فی رسالته فی المعاد، وفی هذه النظریة یسیر البدن فی أطوار تکامل کی یصل إلی محل الروح وتکاملها عکس نظریة الملا صدرا فی المعاد حیث یصِّور الحرکة الجوهریة بقاءا فی الروح لا فی البدن ثم تنشئ الروح بدناً معادیّاً، وعلی النظریة الأولی تکون الرجعة شرطا ضروریا فی حصول المعاد الجسمانی الأکبر ومقدمة ضروریة له، وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن ابی عبدالله(علیه السلام) فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یَوْمَ هُمْ عَلَی النّارِ یُفْتَنُونَ 2 قال یکسرون فی الکرة کما یکسر الذهب حتی یرجع کل شیئ إلی شبهه، یعنی

ص:33


1- (1) من طبقات مدرسة الحکمة المتعالیة.

الی حقیقته»، وفی روایة أبی اسحاق اللیثی عن أبی محمد بن علی الباقر(علیهماالسلام) فی حدیث طویل عن طینة المؤمن وطینة الکافر قال فیه(علیه السلام) فی تفسیر جعل أعمال النواصب هباءا منثورا فی قوله عَزَّ وَجَلَّ وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً1.. . خلق الله عَزَّ وَجَلَّ الأشیاء کلها لا من شیئ، فکان مما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ أرضا طیبة ثم فجر منها ماءاً عذباً زلالاً فعرض علیها ولایتنا أهل البیت(علیهم السلام) فقبلتها...، وأخذ من صفوة ذلک الطین طینا فجعله طین الأئمة(علیهم السلام)، ثم أخذ ثفل ذلک الطین فخلق منه شیعتنا، ولو ترک طینتکم - یا إبراهیم - علی حاله کما ترک طینتنا لکنتم ونحن شیئاً واحداً ... خلق الله عَزَّ وَجَلَّ بعد ذلک أرضا سبخة خبیثة نتنة ثم فجر ماءا أُجاجا آسنا مالحاً فعرض علیها ولایتنا أهل البیت(علیهم السلام) ولم تقبلها ...، ثم أخذ من ذلک الطین فخلق منه الطغاة وأئمتهم، ثم مزجه بثفل طینتکم، ولو ترک طینتهم علی حاله ولم یمزج بطینتکم لم یشهدوا الشهادتین ولا صلّوا ولا صاموا ولا زکوا ولاحجوا ولا أدّوا أمانة ولا اشبهوکم فی الصور، ولیس شیئ أکبر علی المؤمن من أنْ یری صورة عدوه مثل صورته ...، ثم خلط بینهما فوقع من سنخ المؤمن وطینته علی سنخ الکافر وطینته، ووقع من سنخ الکافر وطینته علی سنخ المؤمن وطینته ... فإذا عرضت هذه الأعمال کلها علی الله عَزَّ وَجَلَّ قال أنا عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وحکم لا احیف، ولا أمیل ولا أشطط ، وألحق الأعمال

ص:34

السیّئة التی أجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطینته، وألحق الأعمال الحسنة التی اکتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطینته ردوها کلها إلی أصلها، فانی أنا الله لا اله الا أنا، علم السر وأخفی وانا المطّلع علی قلوب عبادی، لا أحیف ولا أظلم ولا ألزم أحدا الا ما عرفته منه قبل أخلقه... اقرأ یا ابراهیم أقرأ هذه الآیة ... قوله تعالی : قالَ مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ 1 هو فی الظاهر ما تفهمونه وهو والله فی الباطن هذا بعینه ... کذلک یعود کل شیئ إلی سنخه وجوهره وأصله، فإذا کان یوم القیامة نزع الله عَزَّ وَجَلَّ سنخ الناصب وطینته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فیلحقها کلها بالناصب، وینزع سنخ المؤمن وطینته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فیلحقها کلها بالمؤمن،... أفتری ههنا ظلماً أو عدواناً ... هذا والله القضاء الفاصل والحکم القاطع والعدل البین (لا یُسْئَلُ عَمّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ )، هذا - یا إبراهیم - الحق من ربک فلا تکن من الممترین هذا من حکم الملکوت ... حکم الله وحکم أنبیاءه، وقصة الخضر وموسی(علیه السلام) حین استصحبه فقال انک لن تستطیع معی صبرا ... وإنَّ ما اخبرتک لموجود فی القران کله ... یوجد فی اکثر من ثلاثین موضع فی القرآن ... قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطایاکُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْ ءٍ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ * وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ

ص:35

أَثْقالَهُمْ 1... قال: لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ ... قال فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً یبدل الله سیئات شیعتنا حسنات، ویبدل الله حسنات أعدائنا سیئات، وجلال الله إنَّ هذا لمن عدله وإنصافه لا رادّ لقضائه ولا معقب لحکمه وهو السمیع العلیم ألم أبین لک أمر المزاج والطینتین من القرآن؟ قلت: بلی یا بن رسول الله، قال اقرأ یا ابراهیم الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِکُمْ إِذْ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ یعنی من الأرض الطیبة والأرض المنتنة فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقی یقول لا یفتخر أحدکم لکثرة صلاته وصیامه وزکاته ونسکه لأن الله عَزَّ وَجَلَّ أعلم بمن اتقی منکم فإن ذلک من قبل اللمم وهو المزاج، أزیدک یا ابراهیم؟ قلت: بلی یا ابن رسول الله قال کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ * فَرِیقاً هَدی وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ اللّهِ یعنی أئمة الجور دون أئمة الحق وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ خذها الیک یابا اسحاق، فوالله أنه من غرر أحادیثنا وباطن سرائرنا ومکنون خزائننا ، وانصرف ولا تطلع علی سرّنا أحداً إلّا مؤمنا مستبصراً، فإنک إن اذعت سرنا بلیت فی نفسک ومالک واهلک وولدک»(1).

ص:36


1- (2) علل الشرایع للصدوق/ آخر حدیث فی الکتاب.

ولا یخفی التطابق الشدید بین الروایتین حیث إنه فی الروایة الأولی وَرَدَ التصریح برجوع کل شیئ إلی شبهه، أی أصله، فیفرز بین الطینات، کما هو الحال فی تصفیة المعادن بالنار، وکذلک هو مفاد روایة اللیثی، ولعلَّ اطلاق لفظ القیامة فی روایة اللیثی هو علی الرجعة، کما هو أحد اطلاقات لفظ القیامة، فکما یطلق علی القیامة الکبری یطلق علی الرجعة، وحینئذ یکون تمحیص الطینة أحد ملاحم الرجعة کما قال المجلسی فی البحار فی بیان الحدیث الأول (لعله اشارة إلی ما مرَّ فی الأخبار من المزج بین الطینتین أو المراد افتتانهم حتی تظهر حقائقهم)(1)، وأن الروایة الثانیة دالة علی أن الحساب أو أحد درجاته یحصل فی الرجعة.

وروی الصدوق فی العلل روایة أخری بسنده عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قریبة لمضمون روایة اللیثی عن أبی جعفر(علیه السلام) ، وفیها قول أبی بصیر قلت: جعلت فداک فتعود طینتنا ونورنا کما بدا فقال ای والله ... کذلک والله شیعتنا من نور الله خلقوا والیه یعودون، والله انکم لملحقون بنا یوم القیامة الحدیث(2).

وروی الصدوق فی العلل بسنده عن اسحاق القمی مثله، وفیه ولکن الله تبارک وتعالی جمع الطینتین طینتکم وطینتهم فخلطهما وعرکهما عرک الأدیم ومزجهما بالمائین، فما رأیت من أخیک من شر... فلیس من جوهریته

ص:37


1- (1) البحار مجلد/53 ص 44.
2- (2) علل الشرایع/الباب 85/ص 94 عِلَّة النسیان والذکر.

ولا من إیمانه، إنما بمسحة الناصب إجترح هذه السیئات التی ذکرت، ومارأیت من الناصب من حسن ... فلیس من جوهریته إنما تلک الافاعیل من مسحة الإیمان اکتسبها، وهو اکتساب مسحة الایمان.

قلت جعلت فداک فاذا کان یوم القیامة فمه ؟ قال لی ... یا اسحاق أیجمع الله الخیر والشر فی موضع واحد؟ إذا کان یوم القیامة نزع الله مسحة الایمان منهم فردها الی شیعتنا، ونزع مسحة الناصب بجمیع ما اکتسبوا من السیئات فردها علی أعدائنا، وعاد کل شیئ الی عنصره الأول الذی منه ابتدأ ... نعم یا اسحاق کل شیئ یعود الی جوهره الذی بدأ الحدیث »(1).

والحاصل إن اطلاق لفظ القیامة فی روایة الطینة لا یبعد کونه بلحاظ بعث الرجعة والقیام من القبور، وبالتالی فأحد غایات الرجعة تصفیة الطینة، أی طینة الأبدان الأصلیة.

ولعله لأجل ذلک یشیر ما روی عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی مختصر بصائر الدرجات - فی حدیث الرجعة -

«لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»؛ وذلک لأن أهل العناد تصفی الطینة الخبیثة لهم، ولا یعنی ذلک الجبر فی حال من الأحوال، وإنما تهیئة البیئة المناسبة لکل من الارادة الحسنة لاهل الخیر، وتهیئة البیئة السیئة لإرادة السوء، نظیر ما یمارسه العقلاء من وضع طلاب المدارس - الذین یتوسم فیهم الجد والمثابرة

ص:38


1- (1) علل الشرایع/الباب/240/ح 1.

والاجتهاد - فی المدارس النموذجیة الخاصة من أول السنة الدراسیة، وکذلک وضع الخاملین والعاطلین والبطالین فی المدراس الاعتیادیة دون المستوی؛ وذلک تفادیاً من تضییع الامکانیات هدرا، وکل ذلک بمقتضی العدل والإنصاف والحکمة البالغة.

وقفة أُخری مع منهج الصدوق والحر العاملی

إنَّ الصدوق رسم للرجعة رسماً عقلیاً متخذاً من الرسم القرآنی، حیث جعل نومة أصحاب الکهف ویقظتهم منه برهاناً علی عود وبعث الأموات إلی المعاد کما أشار إلی ذلک القرآن فی جملة من الآیات، کما فی قوله تعالی: لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1)، فأطلق علی اللبث فی القبر أنه نوم فی المضجع.

وکذا قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی (2)، فتشیر الآیة إلی حقیقة مشترک بین الموت والمنام.

وکذلک الحدیث النبوی المعروف

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقضون تبعثون»، وغیرها من بیانات القرآن والسنة المطهرة للمعصومین(علیهم السلام)، من أنَّ هناک

ص:39


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 154.
2- (2) سورة الزمر: الآیة 42.

ترادفاً عقلیاً بین النوم والموت وهو انفصال الروح عن البدن، وهو علی درجات متفاوتة، بلْ إنَّ النوم علی درجات کبیرة کما أنَّ الموت أیضاً علی درجات کثیرة، وأنَّ هناک اشتراکا وترادفا عقلیا بین الیقظة من النوم والبعث من الموت فی جزءٍ من ماهیتهما وهو عود الروح إلی البدن.

الخامس: منهج الشیخ حسین بن علی بن زعل:

وممن ألَّف فی الرجعة الشیخ حسین بن علی بن زعل فی رسالة له، حیث قام بالترکیز علی بحوث البرزخ ومراحله المختلفة، وتداخله مع الرجعة، وأنواع ارتباط أهل البرزخ مع مستقبل الرجعة، وما روی من أنَّ بعض أهل البرزخ فی جنة الخلد فی السماء، وأنَّ البعض الآخر فی جنان الدنیا.

مناهج الأعلام فی بحث الرجعة إثباتاً وتفسیراً:
اشارة

ولتوضیح مناهجهم نستعرض جملة من النماذج:

1) الترکیز علی بحوث البرزخ من مراحله المختلفة وتداخله مع الرجعة، وارتباط أهله مع مستقبل الرجعة، وقدْ قام بالترکیز علی هذهِ الجهة الشیخ حسین بن علی بن زعل فی رسالته فی الرجعة کما مرَّ.

2) رکّز الشیخ الإحسائی علی العلاقة بین ظهور المهدی(عج) والرجعة.

3) رکَّز الحر العاملی علی ألوان وأنواع الموت والرجوع وأنماط الحیاة والرجعة.

4) ما ذهب إلیه العلامة الطباطبائی(قدس سره) فی تفسیره (المیزان) من وجود

ص:40

وحدة وسنخیة بین القیامة والرجعة وظهور الإمام المهدی(عج)، ومن ثم وردت الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام) فی تفسیر آیة واحدة بیوم القیامة تارة وبالرجعة أو الظهور تارة أخری .

فنقول الذی یتحصل من کلامه تعالی فی ما ذکره تعالی من أوصاف یوم القیامة ونعوته أنَّه یوم لا یحجب فیه سبب من الأسباب ولا شاغل من الشواغل عنه سبحانه، فیفنی فیه جمیع الأوهام، ویظهر فیه آیاته کمال الظهور، وهذا یوم لا یبطل وجوده وتحققه تحقق هذهِ النشاة الجسمانیة ووجودها، فلا شیء یدلُّ علی ذلک من کتاب وسنة بلْ الأمر علی خلاف ذلک .

ولا مزاحمة بین النشأتین أعنی نشأة الدنیا ونشاة البعث حتّی یدفع بعضها بعضاً کما أنَّ النشأة البرزخیة وهی ثابتة الآن للأموات منّا لا تدفع الدنیا ولا الدنیا تدفعها قال تعالی: تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 1.

فهذهِ حقیقة یوم القیامة، یوم یقوم الناس لرب العالمین، یوم هم بارزون لا یخفی علی الله منهم شیء، ولذلک ربما یُسمی یوم الموت بالقیامة لارتفاع حجب الأسباب عن توهم المیت، فعن علی(علیه السلام)

«من مات قامت قیامته».

والروایات المثبتة للرجعة وإنْ کانت مختلفة الآحاد إلّا أنها علی کثرتها متحدة فی معنی واحد وهو أنَّ سیر النظام الدنیوی متوجِّه إلی یوم تظهر فیه

ص:41

آیات الله کل الظهور، فلا یعصی فیه سبحانه وتعالی بلْ یعبد عبادة خالصة، لا یشوبها هوی نفس، ولا یعتریه إغواء الشیطان، ویعود فیه بعض الاموات من أولیاء الله تعالی وأعدائه إلی الدنیا، ویفصل الحق من الباطل، وهذا یفید أنَّ یوم الرجعة من مراتب یوم القیامة، وإنْ کان دونه فی الظهور لإمکان الشر والفساد فیه فی الجملة دون یوم القیامة، ولذلک ربما ألحق به یوم ظهور المهدی(عج) أیضاً لظهور الحق فیه أیضاً تمام الظهور وإنْ کان أیضاً دون الرجعة، وقد ورد عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام)

«أیام الله ثلاثة: یوم الظهور ویوم الکرة ویوم القیامة»... وهذا المعنی أعنی الاتحاد بحسب الحقیقة، والاختلاف بحسب المراتب هو الموجب لما ورد من تفسیرهم(علیهم السلام) بعض الآیات بالقیامة تارة وبالرجعة أُخری وبالظهور ثالثة، وقد عرفت مما تقدم من الکلام أنَّ هذا الیوم ممکن فی نفسه بلْ واقع، ولا دلیل مع المنکر یدلُّ علی نفیه» انتهی کلامه.

ملاحظات علی منهج الطباطبائی والإحسائی فی الرجعة:

أقول:

1 - یمکن إثارة بعض الملاحظات علی ما قرّره(قدس سره) من بنیان لتصویر الرجعة - من أنه یوم ونشأة لا یبطل وجوده وتحققه تحقق هذه النشأة الجسمانیة ووجودها ولا مزاحمة بین النشأتین ونشأة البعث کما لاتتدافع النشأة البرزخیة مع الدنیا وأن سیر النظام الدنیوی متوجه إلی ظهور الآیات - أنه کیف یجمع بینه وبین قوله فی معنی الرجعة ویعود فیه بعض الأموات من

ص:42

أولیاء الله تعالی وأعدإءه إلی الدنیا ویفصل الحق من الباطل؟ ووجه التدافع أنه من جانب یجعل نشأة الرجعة نشأة مغایرة لنشاة الدنیا کتغایر نشاة القیامة مع نشأة الدنیا وأن هذا التعدد لا یستلزم ابطال أحدهما للآخر کما هو الحال فی تعدد نشأة البرزخ مع الدنیا من دون التدافع بینهما، فإذا کان والحال هذه تعدد فی النشاءات، فکیف تکون الرجعة عود إلی نشأ الدنیا، بخلاف ما لو تبنی أن الرجعة عود إلی الله کما أن القیامة عود إلی الله ومعاد وعود إلیه تعالی ولیس عود إلی الدنیا، أمَّا أن یجعل الرجعة معاداً أصغر وعود إلی الدنیا، فکیف تکون مع ذلک نشأتین متعددتین مختلفتین فی الأحکام التکوینیة.

2- أنَّه(قدس سره) جعل ظهور المهدی(عج) أیضاً نشأة تختلف عن نشأة الدنیا نظیر اختلاف نشاة القیامة مع نشأة الدنیا وإن کان الفارق بین نشأة الدنیا والقیامة أکثر من الفارق بین نشأة الدنیا والظهور، وهذا التفسیر لکل من الرجعة والظهور تطابق مع ما یذهب الیه الشیخ احمد الاحسائی وتلمیذه آل عبد الجبار فی تفسیر الرجعة والظهور ویؤاخذ علی هذا المسلک أنه کیف یجعل الرجعة والظهور مع ذلک سیر للنظام الدنیوی وتوجه لذلک النظام إلی منزلة ونشأة تظهر فیها آیات الله ومع ذلک نشأة الدنیا باقیة علی درجتها وحالها وتباینها مع نشأة الظهور والرجعة والقیامة ومع هذا کله فإن الشواهد التی اعتمدها من مفاد الآیات القرانیة والروائیة والعقلیة تامة حقة فی نفسها إلا أن الکلام فی تفسیرها بمعنی یتوافق ویتلائم مع کون الرجعة عود إلی الدنیا وفصل الحق من الباطل فیها.

ص:43

ص:44

الفصل الثانی:حقیقة الرجعة

اشارة

ص:45

ص:46

الفصل الثانی: حقیقة الرجعة

* تفاسیر الرجعة.

* علامات الرجعة.

* الفرق بین الرجعة والتناسخ.

* الفرق بین الرجعة والنزول.

* الفرق بین الرجعة والإیاب والکرّة.

* تفسیر البرزخ علی ضوء الرجعة.

* التکلیف فی الرجعة.

* الجبر والاختیار فی الرجعة.

* موقعیة الأدوار فی الرجعة ولیدة الأعمال فی الحیاة الأولی من الدنیا.

* خروج الناس فی الرجعة من التراب لا من الأرحام.

* امتحان المستضعفین فی الرجعة وهی مقطع أخیر فی الرجعة إلی الدنیا.

* وقوع المسخ فی الرجعة.

* إنّ الرجعة ذات صلة بقواعد فی الطبیعة الفیزیائیة والبیولوجیة للأبدان وکذا فسیولوجیاً وأنّه تعود الروح بتنشیط البدن.

* الرجعة تکامل نوعی خطیر.

* نزول وتنزّل للروح إلی جنب الجسد فی القبر قبل إحیائه فی الرجعة.

* الرجعة فتح الفتوح

* النظام القرآنی الراسم للرجعة.

* بقاء مجال التوبة فی الرجعة وکیفیة بقاء الاختیار والتوفیق بین ذلک وبین معاینة البرزخ والعذاب.

* استمرار الفتنة والامتحان والافتتان فی العوالم الأخری.

ص:47

ص:48

تفاسیر الرجعة
اشارة

قد ذکرت للرجعة عدة تفاسیر بعض منها خاطئة وأخری صائبة, ویمکن اصطیاد تعاریف أُخری لها من إشارات وبیانات الروایات، وإلیک جملة منها:

التفسیر الأوَّل: الرجعة والمعراج:

الرجعة ذات صلة بالمعراج، باعتبار أنّ السماوات تمثّل درجات فی التلطّف بنحو متفاوت کبیر لأنماط من الحیاة دون الجنّة والنار الأخرویة فی السابعة والسادسة أو دون سدرة المنتهی, والرجعة معراج عامّ بشری لتطوّر أحکام الحیاة الدنیویة، بخلاف المعراج الذی هو خاص بسید الأنبیاء.

وهذا التفسیر للرجعة یستلزم تفسیراً آخر للبرزخ وهو أنّه درجات بین أسافل الدنیا وأعالی الموجودات من السطح الأخروی.

التفسیر الثانی: الرجعة تناسخ:

ما تخیّله العامّة من أنّ الرجعة تناسخ وإنکار للآخرة، کما ذهب إلی ذلک بعض الفرق الباطنیة والغلاة والحلّاجیة، وتوهمه عدة من أهل الخلاف,

ص:49

والحال أن التناسخ إنما هو رجوع الروح ببدن جدید دنیوی، بینما الرجعة هی رجوع فی البدن الأصلی للإنسان کما هو الحال فی المعاد الجسمانی، وسیأتی تفصیل الفوارق بینهما.

التفسیر الثالث: الرجعة هی عدم الموت:

ما توهمه العامة أیضاً من أنّ الرجعة بمعنی عدم الموت والبقاء حیّاً , وذکروه عند تعرّضهم فی کتب التاریخ والرجال لعبد الله بن سبأ، وفسّروا علی طبق هذا التوهم أنّ القول بالرجعة تألیه لعلی(علیه السلام)، وذکر ذلک النوبختی(1)، نظیر توهّم النصاری من حیاة نبی الله عیسی ورجوعه، وقال: السبئیة فرقة قالت إن علیاً لم یقتل ولم یمت ولا یقتل ولا یموت حتی یسوق العرب بعصاه ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وهی أول فرقة قالت فی الإسلام بالوقف بعد النبی(صلی الله علیه و آله) من هذه الأمة(2).

وهذا خلط بین الرجعة وبین ما توهمه العامة من تفسیر لها, ونسبوا توهمهم إلی عبدالله بن سبأ, کما هو مطرد لدی العامة من تفاسیر لظواهر معرفیة ذات جذر قرآنی یستعصی فهمها وترجمتها علیهم, نظیر تخیلهم أن کل اتصال بالغیب نبوة، ومن ثم نسبوا إلی الإمامیة القول بالنبوة فی أهل البیت, ونظیر أن کل فعل خارق للعادة هو فعل إلهی وألوهیة، والخطورة

ص:50


1- (1) فرق الشیعة: 19.
2- (2) فرق الشیعة: 22.

تکمن فی إعتماد الباحثین أو بعض الإمامیة علی هذه التوهمات والتفاسیر الخاطئة لدی العامة، ومجاراتهم فیما ینسبونه إلی الأشخاص من مقالات.

التفسیر الرابع: الرجعة والتبری:

إنّ القول بالرجعة تبری من الشیخین والخلفاء الثلاثة، لأنّ معناه رجوع الحقّ لأهله.

ویشیر إلیه ما رواه فی منتخب بصائر الدرجات بالإسناد عن حماد، عن الفضیل، عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قال

:«لا تقولوا الجبت والطاغوت، ولا تقولوا الرجعة، فإن قالوا لکم: قد کنتم تقولون ذلک، فقولوا: أمّا الیوم فلا نقول، إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قد کان یتألّف الناس بالمائة ألف درهم لیکفّوا عنه، فلا تتألّفوهم بالکلام»(1).

حیث إنّ البراءة کانت قویّة، وهی من أهم معالم الدین، وإنّ الرجعة من شعب الولایة والبراءة، أمّا کونها من شعب الولایة فلإنّها مقام لأدوار الأئمّة(علیهم السلام)، وأمّا کونها من شعب البراءة فلأنه یتم فیها الانتقام من أعداء أهل البیت(علیهم السلام).

وروی الشیخ المفید(قدس سره) فی کتاب الفصول عن الحارث بن عبدالله الربعی أنّه قال: ... فقال سوار [قاضی أبی منصور الدوانیقی العباسی]: یا أمیر المؤمنین

ص:51


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : ح25/79 ص137.

إنّه یقول بالرجعة، ویتناول الشیخین بالسبّ والوقیعة فیهما، فقال السیّد [الحمیری]: أمّا قوله إنّی أقول بالرجعة، فإنّی أقول بذلک علی ما قال الله تعالی: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ 1، وقد قال فی موضع آخر: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً2، فعلمنا أنّ هاهنا حشرین أحدهما عامّ والآخر خاصّ، وقال سبحانه: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ 3 وقال تعالی: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ 4، وقال تعالی: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ 5، فهذا کتاب الله، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«یحشر المتکبّرون فی صورة الذرّ یوم القیامة »، وقال(صلی الله علیه و آله):

«لم یجر فی بنی إسرائیل شیء إلّا ویکون فی أمّتی مثله، حتّی الخسف والمسخ والقذف »، وقال حذیفة:

«والله ما أبعد أن یمسخ الله عَزَّ وَجَلَّ کثیراً من هذه الأمة قردة وخنازیر، فالرجعة التی أذهب إلیها ما نطق به القرآن، وجاءت به السنّة، وإنّی لأعتقد أنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یرد هذا - یعنی سواراً - إلی الدنیا کلباً أو قرداً أو خنزیراً

ص:52

أو ذرّة فإنّه والله متجبّر متکبّر کافر»(1).

کما أنّه ینطبع عند العامة حالیاً، وعند الذهنیة العصریة البشریة أن العقیدة لدی الشیعة بالإمام المهدی(عج) وظهوره وبالرجعة عنوان لمشروع سیاسی عالمی یطیح بالأنظمة الراهنة فی البلدان لإقامة الدولة المنشودة لإرساء العدل, فکان هذا المشروع مخیفاً لبنی أمیة وبنی العباس، فهی نوع رمز لإدانة أئمة المخالفین وحکام الجور وسلاطینهم، إذ الرجعة تعنی المقاصة والمداینة حیث یُدین الله ویدیل لأئمة الحق من أئمة الباطل، بعد إنباء القرآن بملحمة عظیمة، وهی کون العاقبة للمتقین فی عمر الأرض.

ومن ثم کان ذکر الرجعة عند الأئمة(علیهم السلام) علی خلاف التقیة، نظراً للتحسس البالغ عند السلطات منها .

وَحَیْثُ أنَّ الرجعة عنوان لمشروع سیاسی لإقامة دولة أهل البیت، فکان الحدیث عن الرجعة مقلقا لبنی أمیة وبنی العباس.

التفسیر الخامس: الرجعة هی الظهور:
اشارة

إنّ الرجعة تعنی ظهور الإمام المهدی(عج) ورجوع الملک إلیهم بید ولدهم الثانی عشر(علیه السلام)، کما روی ذلک الخصیبی فی (الهدایة الکبری)(2) أن هذا التفسیر للرجعة قول لشذاذ من مقصرة الشیعة، قال الإمام الصادق(علیه السلام):

«أحسنت یا مفضّل، فمن أین قلت برجعتنا ومقصّرة شیعتنا [یقولون] إنّ معنی

ص:53


1- (1) أنظر: بحار الأنوار 132 - 53 : 130.
2- (2) الهدایة الکبری ص 419.

الرجعة أن یرد الله إلینا ملک الدنیا فیجعله للمهدی(عج)، ویحهم متی سلبنا الملک حتّی یرد إلینا؟».

وفی ذیل التفسیر الخامس نذکر مطلبین لرفع هذه الشبهة:

الأول: الرجعة والدولة الإلهیة للإمامة:

هناک تفسیر سطحی سائد للرجعة، وهو أنَّ فی الرجعة یتمُّ إقامة بنیان دولة مُحمَّد وآل مُحمَّد(علیهم السلام)، وبالتالی یرجع الملک الإلهی إلیهم.

وهذا التفسیر للرجعة مبنی علی تصورات خاطئة أُخری، وهی کون أئمة أهلا لبیت(علیهم السلام) معزولون عن الإمساک بزمام أمور الأرض وإدارة المجتمعات؛ وذلک بسبب ظلم الجائرین وإقصائهم عن سُدَّة الحکم، وأنَّ نشاطهم فی هذا الموقع مُجمَّدٌ إلی أنْ یحین آون الظهور والرجعة.

هکذا بُنی التصوُّر عند کثیرین، وإلی فساد هذا التوهُّم تشیر روایة المفضل الطویلة التی استخرجها المجلسی(رحمه الله) (ورواها الخصیبی فی الهدایة الکبری) فمن أین قلت برجعتنا، ومقصرة شیعتنا تقول إن معنی الرجعة أنْ یرد الله إلینا ملک الدنیا، وأنْ یجعله للمهدی(عج)، ویحهم متی سُلبنا الملک حتّی یُردّ علینا ، قال المفضّل: لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه؛ لأنَّه ملک النبوة والرسالة والوصیة والإمامة(1).

ص:54


1- (1) البحار/ ج53/ ص26؛ الهدایة الکبری للحصین/ص410.

إذْ اللازم الاعتقاد والمعرفة بوجود الدولة الإلهیة التی یقودها خلیفة الله فی الأرض، وهی منذ بدء قیامها خفیّة، واستمرت فی الخفاء، وإنَّما تظهر عند ظهور المهدی(عج) والرجعة، ومن ثم سُمی الظهور ظهورا؛ لأنَّه بروز هذهِ الدولة من الخفاء إلی العلن، وکذلک الرجعة سمیت بالظهور، أی ظهور کل معصوم(علیه السلام) من مغیبه وقبره.

فقد أُطلق الظهور علی رجوع کل معصوم من مغیبه، وهو رمسُهُ وقبرُهُ، والوجه فی إطلاق الظهور علی رجوعهم(علیهم السلام) رغم رحیلهم من الحیاة الدنیا إلی البرزخ لأنَّهم لم ینقطعوا عن تدبیر وإدارة أمور العباد عبر آلیات وأدوات خفیة، نظیر التصرف عبر خدامهم وأعوانهم من الملائکة، کما تشیر سبع سور من القرآن الکریم إلی إنقیاد وتبعیة وطاعة جمیع نظام الملائکة لخلیفة الله فی الأرض، کقوله تعالی: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (1)، وغیرها من السور(2).

وَقَدْ روی الکلینی فی الکافی بسنده عن أبی خالد الکابلی عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنَّه قال:

«إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جعل الدین دولتین؛ دولة آدم - وهی دولة الله - ودولة إبلیس - فإذا أراد الله أنْ یعبد علانیة کانت دولة آدم، وإذا أرد الله أنْ یعبد فی السرِّ کانت دولة إبلیس، والمذیع لما أراد الله ستره ما رقَ من

ص:55


1- (1) سورة البقرة: الآیة 34.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 11؛ سورة الإسراء: الآیة 61؛ سورة الکهف: الآیة 50؛ سورة طه: الآیة 116؛ سورة الحجر: الآیة 3، ص: 73.

الدین»(1). ورواه بطریق آخر فی روضة الکافی(2).

ومفاد هذا الحدیث أنَّ هاتین الدولتین قائمتان علی طوال التاریخ منذ نشأة آدم(علیه السلام) وعداوة إبلیس له إلی یومنا هذا، غایة الأمر أنَّ الغلبة الظاهریة تارة یجعلها الله للدولة الإلهیة الحقّة، وأُخری یجعلها لدولة إبلیس، وأنَّ الدولة العظمی للشر التی تسیر بقیة دول الشر ومعسکره هی دولة إبلیس فی الحقیقة، وأنَّ دول الشرّ الظاهریة یتحکَّم فیها فی الخفاء ویسیطر علیها دولة إبلیس، فدولة الحق لا زالت قائمة إلّا أنَّ لها خفاء وظهورا لا أنَّ لها زوال ثم تتولد وتظهر للوجود.

ومن ثم کان قیام الإمام المهدی(عج) ظهوراً لدولة الحق، وکذلک أُطلق علی الرجعة أنَّها ظهور کما مرَّت الإشارة إلیها، بلْ إنَّ لإطلاق الظهور علی الرجعة وجه مناسبة آخر معاضد للذی سبق، وهو أنَّهم(علیهم السلام) رغم کونهم فی البرزخ إلّا أنَّهم حسب روایات مستفیضة فی الرجعة لهم نزول غیر مرئی إلی الدنیا یقومون بتصرفات کنزول الملائکة لنصرة المؤمنین، کما فی بدر وأُحُد وغیرها من المشاهد.

وقد عبَّر فی مستفیض الروایات عن ذلک بالنزول، وهو غیر الرجعة، وقد فصَّلنا الفارق بین حقیقة الرجعة والنزول فیما سیأتی.

وعلی ضوء ذلک فتدبیرهم وإداراتهم للأمور ضمن منظومة مُحمَّد

ص:56


1- (1) الکافی: ج372 :2، باب الإذاعة، الحدیث 11 فی الروضة.
2- (2) ....: ج159 :8، الحدیث 153.

وآل مُحمَّد(علیهم السلام) ومراتبهم ومقاماتهم التی رتَّبهم الله فیها، فیکون رجوع کل منهم إلی دار الدنیا وخروجه من القبر الشریف فی بعث الرجعة لإقامة دولة الرجعة حسب نوبة کل منهم ظهورا له بعد غیبته فی البرزخ والقبر، وظهورا لإدارته وتدبیره وولایته بعد أنْ کانت خفیة حین کینونته فی البرزخ.

وقد وَرَدَ إطلاق الغیبة علی موتهم ورحیلهم إلی البرزخ، وإطلاق الظهور علی بعثهم فی الرجعة فی روایات وزیارات عدیدة، نظیر ما وَرَدَ فی زیارة أمیر المؤمنین التی رواها بن المشهدی فی المزار الکبیر(1)، فقد وَرَدَ ضمن الزیارة «موقن بآتیک، مؤمن برجعتک، منتظر لأجرک، مترقِّب لدولتک، آخذ بقولک، عامل بأمرک مستجیراً بک» ، فتبیَّن أنَّ دولة الحق ما زالت وکانت منذ آدم(علیه السلام) إلی یومنا هذا فی الغیبة الکبری للإمام الثانی عشر(عج)، وأنَّ الظهور والرجعة ظهورٌ لها.

کما أنَّ دولة إبلیس دولة الباطل والشرور کانت وما زالت قائمة، وهی فی حین کونها دولة خفیة غیر مرئیة إلّا أنَّ دول الباطل الظاهرة أجنحة لها وبروز لها، غایة الأمر أنَّ فی الظهور والرجعة ینکسر ظهور دولة إبلیس ولکنَّها لا تزول، بلْ هی باقیة فی الصراع إلی قریب أواخر الرجعة، رغم أنَّ إبلیس یقتل عِدَّة مرات ولکنه یرجع عِدَّة مرات إلی أنْ تکون آخر قتلته علی ید رسول الله، فیکون تقویضاً لدولة الباطل فیعبد الله حقّ عبادته فی أرجاء الأرض.

ص:57


1- (1) المزار الکبیر/ باب 13/ زیارة 15.
الثانی: الحساب فی الرجعة:

ومما یدلُّ علی وقوع الحساب فی أواخر الرجعة قوله تعالی: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْکِتابُ وَ جِیءَ بِالنَّبِیِّینَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (1).

فقد ورد فی زیارة أمیر المؤمنین(علیه السلام) التی رواها المشهدی فی المزار الکبیر(2) یخاطبه الزائر بهذهِ الکلمات «... موقن بآیاتک مؤمن برجعتک منتظرٌ لأمرک مترقِّب لدولتک آخذ بقولک عامل بأمرک مستجیرٌ بک مفوِّض أمری إلیک متوکِّلٌ فیه علیک، زائر لک لائذٌ ببابک الذی فیه غبت ومنه تظهر حتّی تمکن الذی ارتضی وتبدل بعد الخوف أمنا، وتعبد المولی حقّاً ولا تشرک به شیئاً، ویصیر الدین کله لله، وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الکتاب وجیء بالنبیین والشهداء وقضی بینهم بالحق، وهم لا یظلمون، والحمد لله رب العالمین ... ».

ففیها إشارة واضحة إلی أنَّ فصل القضاء فی الحساب هو فی الرجعة، وأنّ الأرض التی تشرق هی أرض الدین کما وَرَدَ فی ذیل الآیات، وأنَّ الأرض التی تشرق بنور ربها هی أرض الدنیا، فهناک روایات عدیدة معتبرة تشیر إلی أنَّ الأرض أرض الدنیا عند الظهور والرجعة.

کما أنَّ الآیة اللاحقة لهذه الآیة هی الأُخری دالَّة علی أنَّ إشراق

ص:58


1- (1) سورة الزمر: الآیة 69.
2- (2) المزار للمشهدی، ب 13/ رقم الزیارة 15 ص308.

الأرض قبل البعث إلی الجنة أو إلی النار(1).

ووردت روایات فی تفسیر القمی وإرشاد المفید مفادها ذلک.

التفسیر السادس: الرجعة معاد:

إنّ الرجعة نوع مصغر من المعاد الجسمانی، ومعجزة من المعجزات کإحیاء عیسی للموتی، وقد ذکره الشیخ المظفّر فی (عقائد الإمامیة)(2) قال:

«أمّا أنّ الرجعة مستحیلة فقد قلنا: إنّها من نوع البعث والمعاد الجسمانی غیر أنّها بعث موقوت فی الدنیا».

وقد ذهب إلی هذا التفسیر من أنها معاد أصغر جملة من علماء الإمامیة سیأتی ذکر کلماتهم لاحقا.

التفسیر السابع: حقیقة البرزخ والرجعة والترابط بینهما:

بأن یقال بأن الرجعة تکثّف للوجود البرزخی لیتصرف فی الشؤون الأرضیة، وقد یدعی استظهاره من عدة من الأدلة الواردة، وأن الرجعة هی من عالم البرزخ، حیث إن الطینة الأصلیة الباقیة فی القبر - التی بها یرجع الموتی وهی غیر مرئیة - تکاد تکون مماثلة للمادة والجسم البرزخی، ویظهر احتماله فی کلمات الشیخ أحمد الاحسائی، أو حکایته عن بعض.

ص:59


1- (1) لاحظ فی ذلک تفسیر نور الثقلین؛ وتفسیر البرهان/ تحت ذیل الآیة 69.
2- (2) عقائد الإمامیة ص82.

قال الشیخ أحمد الاحسائی بعدما ذکر أن ما ورد من الحساب فی الرجعة، إنما هو الحساب فی البرزخ علی الأعمال:

«لأن الرجعة من نوع البرزخ، ألا تری أن المؤمن إذا مات التحقت روحه بجنة الدنیا، وإن کان کافراً أو مشرکاً أو منافقاً التحقت روحه بنار الدنیا، وجنة الدنیا هی الجنتان المدهامتان، وهی تخرج فی الرجعة، کما یأتی عند مسجد الکوفة» انتهی.

والصحیح - کَمَا سیأتی بیانه - أن البرزخ حالة متوسطة بین مقاطع من الدنیا أو قل یتوسط البرزخ مرات ودفعات بین الحیاة الأولی فی الدنیا وحیاة الآخرة من الدنیا، وهی الرجعة لا أن الحیاة البرزخیة هی الرجعة, فالبرزخ کالحالة المنامیة بین یقظتین وأما حیاة الرجعة فی الدنیا فهی بعث من القبر، وهی الواسطة بین الحیاة الأولی من الدنیا وعالم القیامة، وقال:

«و لذلک تظهر فی الرجعة الجنتان المدهامتان، وتظهر أحکام الباطن الملکوتی، وأسرار مقامات أهل البیت(علیهم السلام) عیاناً، ویزول الشرک ظاهراً وباطناً، ویحاسب الحسین(علیه السلام) أکثر الخلق فی أواخر الرجعة».

وقد روی بریدة الأسلمی، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«کیف أنت إذا استیأست أمّتی من المهدی، فیأتیها مثل قرن الشمس، یستبشر به أهل السماء وأهل الأرض؟ فقلت: یا رسول الله بعد الموت؟ فقال: والله إنّ بعد الموت هدی وإیماناً ونوراً، قلت: یا رسول الله، أیّ العمرین أطول؟ قال:الآخر بالضعف»(1)، بدعوی تقریب أنَّ الوجود البرزخی یتکاثف فتتکون لدیه قدرة علی

ص:60


1- (1) مختصر البصائر: 106 و 107 / ح3 .

التصرف فی الحیاة الأرضیة.

وَقَدْ یستظهر ذلک من التفرقة بین الوجودات البرزخیة کالذی ورد من التفرقة بین الموت العادی وبین الموت بالقتل، کما نبهت علیها الآیات والروایات ففی قوله تعالی: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (1)، وقوله تعالی: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ (2).

وما رواه فی مختصر بصائر الدرجات من صحیح زرارة، قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) فاحتلت مسألة لطیفة لأبلغ بها حاجتی منها،فقلت: أخبرنی عمَّن قتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت له: ما أحد یقتل إلّا مات، قال: فقال: یا زرارة، قول الله أصدق من قولک قد فرَّق بین القتل والموت فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ، وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ ، فلیس کما قلت یا زرارة، فالموت موت والقتل قتل. وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا (3)، قال: فقلت: إنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ، أفرأیت من قتل لم یذق الموت؟ فقال:

«لیس من قتل بالسیف کمن مات علی فراشه، إنّ من قتل لابدَّ أن یرجع إلی الدنیا حتّی یذوق

ص:61


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 158.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 144 .
3- (3) سورة التوبة: الآیة 111.

الموت(1)»، فهل التفرقة تقتصر علی السبب، أم فی ما یحصل منهما من وجود برزخی، أم فی کیفیة مفارقة الروح للبدن؟.

وقوله تعالی: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ، وقوله تعالی: إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ ، وقوله تعالی: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ إِلاّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، فهو موصوف أنه متوفّی أومرّ به هذا الوصف اثناء الرفع وان أعید له روحه فی السماء بعد رفعه، فلیس بمیت فعلاً وما قتل أصلاً.

التفسیر الثامن: الرجعة هی نزول:

أنّ الرجعة هی النزول من السماء والنزول من البرزخ.

وروی الراوندی فی الخرائج عن کتاب سهل الآدمی بسند محسّن عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «قال الحسین بن علی(علیهماالسلام) لأصحابه قبل أن یقتل: إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال لی: یا بنی إنَّک ستساق إلی العراق، وهی أرض قد التقی بها النبیّون، وأوصیاء النبیّین، وهی أرض تدعی: (عمورا)، وإنَّک تستشهد بها ویستشهد جماعة معک من أصحابک لا یجدون ألم مسّ الحدید، وتلا: یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ ، تکون الحرب علیک وعلیهم برداً وسلاماً فأبشروا، فوَالله لئن قتلونا فإنّا نرد علی نبیّنا(صلی الله علیه و آله)، ثمّ أمکث ما شاء الله، فأکون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة یوافق ذلک

ص:62


1- (1) العیاشی: 139/2:112؛ مختصر بصائر الدرجات: ح7/61 ص122.

خرجة أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وقیام قائمنا(عج)، وحیاة رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ثمّ لینزلنّ إلیَّ جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل، وجنود من الملائکة، ولینزلنّ محمّد وعلی وأنا وأخی وجمیع من منَّ الله علیه فی حمولات من حمولات الربّ، خیل بلق من نور، لم یرکبها مخلوق، ثمّ لیهزنَّ محمّد(صلی الله علیه و آله) لواءه ولیدفعنَّه إلی قائمنا(عج) مع سیفه، ثمّ إنّا نمکث بعد ذلک ما شاء الله، ثمّ إنّ الله یخرج من مسجد الکوفة عیناً من دهن وعیناً من لبن وعیناً من ماء، ثمّ إنَّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) یدفع إلیَّ سیف رسول الله(صلی الله علیه و آله) فیبعثنی إلی الشرق والغرب، ولا آتی علی عدوّ لله إلّا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته، حتّی أقع إلی الهند فأفتحها، وإنّ دانیال ویونس یخرجان إلی أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقولان: صدق الله ورسوله، ویبعث معهما إلی البصرة سبعین رجلاً فیقتلون مقاتلتهم، ویبعث بعثاً إلی الروم فیفتح الله لهم، ثمّ لأقتلنَّ کلّ دابّة حرم الله لحمها حتّی لا یکون علی وجه الأرض إلّا الطیّب، وأعرض علی الیهود والنصاری وسائر الملل ولأخیّرنّهم بین الإسلام والسیف، فمن أسلم مننت علیه، ومن کره الإسلام أهرق الله دمه، ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا أنزل الله إلیه ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرفه أزواجه ومنازله فی الجنّة، ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلنَّ البرکة من السماء إلی الأرض حتّی أنّ الشجرة لتقصف بما یرید الله فیها من الثمر، ولیأکلنَّ ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ

ص:63

بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ، ثمّ إنّ الله لیهب لشیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء من الأرض وما کان فیها، حتّی أنّ الرجل منهم یرید أن یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما یعملون»(1).

فهل الرجعة هی انشقاق الأرض والخروج منها کما فی صدر الروایة، أو نزول من السماء بجسم نورانی کما هو مفاد أواسط هذا المتن، أم هناک فرق بین بدایات الرجعات ونهایاتها کما هو مقتضی تصویر بدایة ونهایة الروایة مع الفصل ب (ثمّ)؟

ویدعمه ما ورد فی روایات مستفیضة فی ذیل قوله تعالی: وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ، حیث أوّل بنزول النبی(صلی الله علیه و آله) مع حمولة من الملائکة لنصرة أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حربه مع إبلیس، فینزل لیقتل إبلیس.

وفی بعض الروایات أنّه عند ظهوره(عج) ینزل النبیّ وعلی وجبرئیل فی غار حراء، فیملی رسول الله(صلی الله علیه و آله) علی علیّ(علیه السلام) کتاباً، فیأخذه جبرئیل ویسلّمه إلی الحجّة عند الکعبة لینفّذ ما فیه من أوامر.

لکن الظاهر - کَمَا سیأتی تحقیقه مفصلاً - أنّ النزول من السماء لیس رجعة ولا کرّة، ولکنّه نزول غیر مرئی إلی الأرض کنزول الملائکة فی بدر وغیرها من حروب رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ولذلک لا یری أحد النبی(صلی الله علیه و آله) حینما ینزل لقتل ابلیس کما أشیر الی ذلک فی سورة الأنفال، إلّا إبلیس فیقول:

ص:64


1- (1) الخرائج والجرائح: ج2 ص849؛ نوادر المعجزات: ح63.

إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ .

والقرینة الأُخری قول الحسین(علیه السلام) فی الروایة السابقة:

«ثمّ إنّا نمکث بعد ذلک ما شاء الله وهو مکث البرزخ کقوله فی صدر الروایة أنه بعدما یستشهد: «أمکث ما شاء الله، ثم أکون أول من تنشق الأرض عنه».

وأما قوله(علیه السلام) فی وسط الروایة:

«ولینزلن محمد وعلی وأنا وأخی» فهو من باب الالتفات والانتقال من بحث الرجعة إلی بحث النزول والذی حقیقته متداخلة زمنا مع الظهور و الرجعة - کَمَا سیأتی فی الباب الثَّالِث - بل هو زمنا أعم مطلقاً، وقد عقد المجلسی فی البحار فی کتاب الامامة بابا تحت عنوان «أنَّهم(علیهم السلام) یظهرون بعد موتهم وتظهر منهم الغرائب»(1)، وهذا الظهور لیس رجعة وانما حقیقته نزول وتنزل.

وقد توهم جملة من الأعلام الباحثین فی الرجعة أن النزول الذی تتعرض إلیه کثیر من الروایات رجعة، فاختلط لدیهم کثیر من مباحث الرجعة بمباحث النزول، وقد تمّم العنوان بعبارة «وتأتیهم أرواح الأنبیاء وتظهر لهم الأموات من أولیاءهم وأعداءهم» ومراده من هذا التتمة أن الائمة الاحیاء(علیهم السلام) تأتیهم ارواح الانبیاء ممن قد ماتوا، أی تتنزل إلیهم أرواح الانبیاء، کما أن ظهور الاموات للاحیاء منهم قدْ یکون بنحو تنزل الاموات لهم، وقد یکون بنحو کشف الغطاء عن ابصارهم، کما أن

ص:65


1- (1) بصائر الدرجات ص294 . ب5من ج6 ح3 .البحارج27 ص 302 .

الروایات التی أوردها دالة علی أن التنزل والنزول لایختص بأهل الخیر من الأموات، بل یعم الاشرار من أعداءهم لکن لا بمعنی أن الاشرار مطلقی العنان، وإنما ذلک ضمن تدبیر الهی وفق حکمة معینة.

وکذلک عقد فی بصائر الدرجات بابا بعنوان «أنَّ الائمة(علیهم السلام) یزورون الموتی وأن الموتی یزورونهم»(1)، وهذا العنوان هو الذی اقتبس منه المجلسی عنوانه السابق.

ومما رواه المجلسی فی ذلک الذی هو ظهور من نمط النزول ما رواه فی بصائر الدرجات بسند صحیح أعلائی عن إبراهیم ابن ابی البلاد، قال قلت لابی الحسن الرضا(علیه السلام) حدثنی عبدالکریم ابن حسان عن عبیدة بن عبدالله بن بشیر الخثعمی عن أبیک أنه قال: کنت ردف أبی وهو یرید العریض، فلقیه شیخ أبیض الرأس واللحیة یمشی قال فنزل إلیه، فقبل بین عینیه فقال إبرهیم: ولا أعلمه إلا أنه قبل یده، ثم جعل یقول له جعلت فداک والشیخ یوصیه فکان فی آخر ما قال له أنظر الاربع رکعات فلا تدعها، قال وقام أبی حتی تواری الشیخ ثم رکب، فقلت یا ابة من هذا الذی صنعت به ما لم أرک صنعته بأحد قال: هذا ابی یابنی»(2) والصحیحة تشیر الی ظهور الباقر(علیه السلام) ونزوله وتنزله للإمام الصادق(علیه السلام) .

وروی فی بصائر الدرجات موثق سماعة , قال دخلت علی أبی عبدالله(علیه السلام)

ص:66


1- (1) بصائر الدرجات ج 6 ب5.
2- (2) بصائر الدرجات ج6 الباب5 الحدیث 3.

وانا أحدث نفسی فرآنی فقال: مالک تحدث نفسک تشتهی ان تری أبا جعفر(علیه السلام)؟

قلت: نعم, قال: قم فادخل البیت, فدخلت فإذا هو أبو جعفر(علیه السلام). وقال اتی قوم من الشیعة الحسن بن علی(علیه السلام) بعد قتل أمیر المؤمنین(علیه السلام) فسألوه قال: تعرفون أمیر المؤمنین(علیه السلام) إذا رأیتموه، قالوا نعم قال فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمیر المؤمنین(علیه السلام) لا ینکرونه، وقال أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«یموت من مات منا ولیس بمیت ویبقی من بقی منا حجة علیکم»(1).

وقوله(علیه السلام):

«یموت من مات منا ولیس بمیت» إشارة إلی أن من مات منهم وانتقل إلی البرزخ لا ینقطع تصرفه وتدبیره لشؤون الدنیا، ومن أحد آلیات هذا التصرف نزوله وتنزله إلی الأرض، هذا مضافاً الی ولایة الطاعة لکل منهم علی منظومة الملائکة.

ولا یخفی ما فی الروایة من تنزل الباقر(علیه السلام) فی عهد الصادق(علیه السلام)، وتنزل أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی عهد الحسن(علیه السلام).

وروی فی بصائر الدرجات موثقة أخری لسماعة، قال کنت عند ابی الحسن(علیه السلام) فأطلت الجلوس عنده فقال اتحب ان تری ابا عبدالله، فقال وددت والله، فقال قم وادخل ذلک البیت فدخلت البیت فاذا ابو عبدالله قاعد(2).

ص:67


1- (1) بصائر الدرجات ص295 . ب5من ج6 ح4.
2- (2) بصائر الدرجات/ج 6.

وروی فی بصائر الدرجات صحیح الوشاء عن ابی الحسن الرضا(علیه السلام) قال قال لی فی خراسان رأیت رسول الله(صلی الله علیه و آله) هاهنا والتزمته(1) .

وروی روایات عدیدة بطرق کثیرة مستفیضة جدا أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) حاجج أبا بکر وأراه رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی مسجد قبا، وزجر رسول الله أبا بکر عن غصب الخلافة، وذکر روایات أُخری عن تنزل الانبیاء والاوصیاء السابقین لرسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حیاته، ولأمیر المؤمنین(علیه السلام) أیضا.

التفسیر التاسع: الرجعة یقظة من نوم الموت:
اشارة

ویستدعی بیان هذا التفسیر الإشارة إلی حقیقة الموت ومراتبه المنامیة:

فإن للنوم والموت مراتب ذات صلة وطیدة بتفسیر الرجعة , وعلیه لا بدَّ من ذکر النقاط الآتیة:

1 - إنّ الموت نوم أعمق من النوم العادی.

2 - قوله تعالی: فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً (2)، فسّرها الصدوق بالموت(3).

3 - قوله تعالی: قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ، فسَّرها الصدوق فی الاعتقاد فی الرجعة بأنّ

ص:68


1- (1) بصائر الدرجات / ج6 ب5 ح/1.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 11.
3- (3) اعتقادات الصدوق الاعتقاد فی الرجعة.

الرقود هو الموت، ووَرَدَ بذلک روایات کما ساتی.

4 - قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری ، تبین الآیة الکریمة اشتراک الموت والنوم فی حقیقة واحدة، وهو التوفّی، ومعناه قبض الروح وخروجها من التعلق بالبدن درجة لا بدرجة الانقطاع التام.

5 - قوله تعالی لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1) فسمَّ القبر مضجعاً.

6 - قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ (2).

وفی حدیث:

«... ما شبّه أمر أحد من أنبیاء الله وحججه للناس إلّا أمر عیسی بن مریم(علیه السلام) وحده، لأنَّه رفع من الأرض حیّاً، وقبض روحه بین السماء والأرض، ثمّ رفع إلی السماء وردّ علیه روحه وذلک قول الله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ وَ مُطَهِّرُکَ (3)...»(4).

وقوله تعالی: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ یَقِیناً بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَیْهِ وَ کانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً (5) وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ

ص:69


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 154.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 55.
3- (3) المصدر السابق.
4- (4) الخصال للصدوق، ص529.
5- (5) سورة النساء: الآیة 158.

إِلاّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکُونُ عَلَیْهِمْ شَهِیداً (1).

7 - قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقظون تبعثون»(2).

8 - قوله تعالی: فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصی لِما لَبِثُوا أَمَداً وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرفَقاً وَ تَرَی الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللّهِ مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ... .... وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها » (3). فجعل الله تعالی بعث اصحاب الکهف من رقودهم مئات السنین بالکهف - وهو نحو من الرجعة - برهاناً علی البعث فی المعاد الأکبر، ومن ثم قال عدة من علماء الامامیة بأنَّ الرجعة معادا أصغر وبرهان علی المعاد الاکبر.

ص:70


1- (1) سورة النساء: الآیة 159.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 11 - 21.
3- (3) الکافی، 128/8، الحدیث 57.

9 - الفرق بین البعث والإحیاء للموتی من قبل الأنبیاء والأوصیاء کمعجزه، أنَّ البعث فی الرجعة هو أن یبقی الذی بعث من قبره عمراً لحیاة أخری یستکمل فیها الامتحان والتکلیف، بینما صرف الإحیاء من القبر ومن الموت کمعجزة للأنبیاء والأوصیاء لیس بالضرورة أن یبقی المحیی طویلاً، بل هی إطلالة قصیرة غالباً، مثل قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَ عَلی والِدَتِکَ إِذْ أَیَّدْتُکَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُکَلِّمُ النّاسَ فِی الْمَهْدِ وَ کَهْلاً وَ إِذْ عَلَّمْتُکَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی فَتَنْفُخُ فِیها فَتَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِی وَ تُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِی وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (1).

فقوله: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی بیان لکون الرجوع والرجعة خروج من القبر، ولیس تولد من الأرحام والأصلاب .

وقوله تعالی: وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ .

وقوله تعالی: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (2)، وقوله تعالی: وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ (3) والخروج من القبر نمطٌ ونحو من البعث للموتی.

وقوله تعالی: إِنَّما یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتی یَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَیْهِ

ص:71


1- (1) سورة المائدة: الآیة 110.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 110.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 49.

یُرْجَعُونَ ، فالمقابلة فی الآیة بین من یستمع وبین الموتی - وهم الذین لا یسمعون - وهؤلاء یبعثهم الله فی الرجعة کحیاة أُخری لهم لیسمعوا دعوة الله.

10 - مراتب الموت عدیدة ، منها المنام فإنه بمراتبه مراتب من الموت، ومنها صعود عیسی ورفعه إلی السماء فهو مرتبة أخری، ومنها نوم أصحاب الکهف مرتبة ثالثة منه.

وَقَدْ روی أنّه لمّا جاء أمیر المؤمنین(علیه السلام) لیغسّل سلمان وجده قد مات، فرفع الشملة عن وجهه فتبسّم وتحرَّک وهمَّ أن یقعد، فقال له علی(علیه السلام):

«عُد إلی موتک، فعاد»(1). فإنه یدلُّ علی مرتبة من الرجوع ثم العود.

وروی الکشی بسنده عن ربعی بن عبدالله، قال حدثنی غاسل الفضیل بن یسار قال إنی أغسل الفضیل بن یسار وإن یده لتسبقنی إلی عورته، فخبرت بذلک أبا عبدالله(علیه السلام)، فقال لی:

«رحم الله الفضیل بن یسار وهو منا أهل البیت»(2).

وعن ابن عبّاس فی حدیث أهل الکهف: إنّهم لمّا أووا إلی الکهف أوحی الله إلی ملک الموت أن یقبض أرواحهم، ووکَّل بکلّ رجل منهم ملکین یقلّبانه ذات الیمین وذات الشمال، فمکثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنین، فلمّا أراد الله أن یحییهم أمر إسرافیل الملک أن ینفخ فیهم الروح، فنفخ

ص:72


1- (1) البحار22 :ص 384، باب کیفیة إسلام سلمان، حدیث : 21.
2- (2) إختیار معرفة الرجال : حدیث :381 .

فقاموا من رقدتهم، فقال بعضهم لبعض: قد غفلنا فی هذه اللیلة(1)....

11 - وقد مرَّ قول أبی جعفر(علیه السلام) لزرارة(2)

«من قتل لم یمت، الموت موت والقتل قتل»، أی إن هناک موتاً بالمعنی العام الشامل للموت الطبیعی وللنوم والقتل والموت بالمعنی الأخص، وهو زهوق الروح حتف أنفه، کما أن هناک نوم بالمعنی العام والأعم الشامل للموت بالمعنی الأخص، وهو حتف الأنف، وهذا المعنی شامل للموت الاعتیادی الطبیعی بلا سبب قاتل وهو الموت بالمعنی الخاص المقابل للقتل، والقتل مندرج تحت الموت بالمعنی العام ومقابل للموت بالمعنی الخاص.

فعن زرارة قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجعة واستخفیت ذلک، قلت: لأسألنّ مسألة لطیفة أبلغ فیها حاجتی، فقلت: أخبرنی عمَّن قتل أمات؟ قال:

«لا، الموت موت، والقتل قتل»، قلت: ما أحد یقتل إلّا وقد مات، فقال:

«قول الله أصدق من قولک، فرق بینهما فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ (3)،

وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (4)،

ولیس کما قلت یا زرارة، الموت موت والقتل قتل»، قلت: فإنّ الله یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (5)،

قال: «من قتل لم یذق الموت»، ثم قال: «لابدَّ من أن

ص:73


1- (1) الإیقاظ من الهجة : ص 219، حدیث 39، عن قصص الأنبیاء للراوندی ص: 259.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات ح7/61 ص121، باب الکرات.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 144.
4- (4) سورة آل عمران: الآیة 158
5- (5) سورة آل عمران: الآیة 185، تفسیر العیاشی،ج1، ص: 202،ج2، ص:112، حدیث 139،مختصر بصائر الدرجات :ص 109، حدیث 7.

یرجع حتّی یذوق الموت»(1).

فَ-مَنْ قتل لم یمت موتاً بالمعنی الأخص مع أنَّ کلّ نفس ذائقة الموت، فالنفس المقتولة لابدَّ من رجوعها إلی البدن وإلی الدنیا - وهی الرجعة - کی تموت بالنحو الاعتیادی فتذوق الموت الخاص، فهناک علقة من نمط خاص باقیة بین الروح والبدن فی حالة القتل بخلافه حالة الموت.

وفی بعض الروایات أن النفس التی ذاقت الموت لابدَّ من رجوعها إلی الدنیا فیجری علیها القتل، فلکل نفس موتة وقتلة.

فعن أبی خدیجة الجمّال قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«إنّی سألت الله فی إسماعیل أن یبقیه بعدی فأبی، ولکنَّه قد أعطانی فیه منزلة أخری، أنَّه أوّل منشور فی عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شریک العامری وهو صاحب لوائه»(2)وفی هذه الروایة إطلاق لفظ النشر والنشور علی رجوع المیت إلی الدنیا.

وعن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«لیس من المؤمنین أحد إلّا وله قتلة وموتة، إنّه من قتل نشر حتّی یموت، ومن مات نشر حتّی یقتل، وما من هذه الأمّة برّ ولا فاجر إلّا سینشر، فأمّا المؤمنون فینشرون إلی قرّة أعینهم، وأمّا الفجّار فینشرون إلی خزی الله إیّاهم، إنّ الله یقول: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ

ص:74


1- (1) ونقله فی البحار أیضاً، ج65/53 عن الاختصاص.
2- (2) إختیار معرفة الرجال : حدیث 391، ورواه عنه فی الإیقاظ من الهجعة، مختصر بصائر الدرجات : الحدیث 39/90،باب الکرات .

الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ » (1).

وعن عبد الرحمن القصیر، عن أبی جعفر(علیه السلام) أنَّه قرأ هذه الآیة: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ،

هل تدری من یعنی؟، «فقلت: یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون»، قال: «لا، ولکن من قتل رُدَّ حتّی یموت، ومن مات رُدَّ حتّی یُقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها»(2).

وعن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: سئل عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ ، فقال یا جابر أتدری ما سبیل الله؟ قلت: لا والله إلا إذا سمعت منک، فقال:

«القتل فی سبیل علی وذرّیته(علیهم السلام)، فمن قتل فی ولایته قتل فی سبیل الله، ومن مات فی ولایته مات فی سبیل الله ولیس من أحد یؤمن بهذه الآیة إلّا وله قتلة ومیتة، إنّه من قتل ینشر حتّی یموت، ومن مات ینشر حتّی یقتل»(3).

والنشر مرحلة أوغل فی الإحیاء من مجرّد البعث، قال تعالی: فَإِذا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ (4)، فالنشر بعد أصل البعث.

ص:75


1- (1) السجدة : 21، مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات،الحدیث 1/55 .
2- (2) تفسیر العیاشی ج2، ص 113، الحدیث 144، مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات، حدیث 21/75 .
3- (3) تفسیر العیاشی، ج1، ص202، حدیث: 162، معانی الأخبار للصدوق، ص 167، الحدیث:1، تفسیر فرات الکوفی، الحدیث 21/98.
4- (4) سورة الجمعة: الآیة 10.

12 - عن محمد بن عبد الله بن الحسین، قال: قال أبی لأبی عبدالله(علیه السلام): ما تقول فی الکرّة ؟ قال:

«أقول فیها ما قال الله عَزَّ وَجَلَّ، وذلک أنّ تفسیرها: جاء إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبل هذا فی قوله تعالی: تِلْکَ إِذاً کَرَّةٌ خاسِرَةٌ

إذا رجعوا إلی الدنیا ولم یقضوا ذحولهم، قال له أبی: فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ ،

قال: «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان، بقیت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت»(1)، فالساهرة حالة للأرواح لا تکون فیها حیة ولا میتة ولا نائمة، وهی مرحلة متوسطة (برزخیة) بین نهایة الرجعة وبدایة القیامة، وسیأتی تفصیلها فی الباب الثالث.

13 - إنّ الرجعة خطّ رجعة وفرصة أخیرة لاستکمال الامتحان، وهذه الفرصة لاتمنح للأمم التی نالها العذاب الإلهی وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ ، فإنّهم حرموا الفرصة، وعوجل لهم القضاء الأخروی فی الدنیا.

14 - روی عنهم(علیه السلام) مستفیضاً أنّه

«ما منّا إلّا مسموم أو مقتول»، ولا یبعد عمومه - بلْ وَرَدَ

«ما من نبی أو وصی إلّا مسموم أو مقتول» - لهم(علیهم السلام) حتی فی الرجعة کما هو الظاهر من روایات الرجعة.

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«لیس أحد من المؤمنین إلّا وله قتلة ومیتة، إنّه من قتل نشر

ص:76


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، باب الکرات، الحدیث :42/96 .

حتّی یموت، ومن مات نشر حتّی یقتل...» إلی أن قال فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، قال:

«یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة، وقوله: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ ،

یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وقوله: وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنّاسِ » ،

قال: «فی الرجعة، وقوله: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ » قال: فی الرجعة. وفی قوله: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ » ،

قال: «هو أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی الرجعة». قال: وقال أبو عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ ،

قال: «فی الرجعة»(1).

والحکمة من جمع عروض الموت والقتل للإنسان معاً أنّ طبیعة الموت والقتل لیست بمعنی الإنقطاع التام بین الروح والبدن کما توهّم ذلک الفلاسفة والمتکلّمون، فالارتباط الباقی تمر طبیعته بحالات من القوّة والضعف، فیموت موتة ثانیة حتّی یضعف الارتباط، وقد یکون هنالک نوع ثالث لا هو قتل ولا موت، کما أنّ درجات النوم نمط من الموت، فضلاً عن النوع الثالث.

ونظریة الحکیم الزنوزی: من رقی البدن إلی حیث الروح، أی یصبح أکثر شفّافیة، ویذهب الجسم حیث تذهب الروح، ولعلّ هذا ظاهر بعض الروایات الواردة فی الرجعة، فالموت والقتل لیسا نهایة المطاف کما قصرعلی ذلک البحث الفلسفی والکلامی، بل هما الإعداد لنوع ثالث أعظم.

ص:77


1- (1) مختصر بصائر الدرجات ح1/55 ص115 - 116.
اختلاف القتل عن الموت والموت عن النوم:

إن طریقة ونمط ودرجة انفصال الروح فی القتل تختلف عن إنفصالها فی الموت، فکما أنّ النوم علی درجات ومراتب مختلفة من انفصال الروح وکذلک فی الإغماء، والعمدة فی تحری کون إنفصال الروح فی الموت والقتل إنفصالاً تاماً أم لیس بتام، وأن الإنفصال ذو درجات کثیرة، وهو فعل له ارتداد فعل نظراً للتجاذب فی العلاقة الرابطة الإتصالیة بین الروح والبدن کما هو الحال فی إنفصال الروح عن البدن فی النوم، فإن فیه أنواعاً خفیفة ومتوسّطة وشدیدة.

مع أن هناک جامعاً بین مراتب النوم والموت وهو توفی النفس، أی خروجها من البدن کما فی قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی (1).

ویقرر هذا المبحث من درجات واختلاف مراتب تعلق الروح بالبدن بالمشاهدات التجریبیة لمراتب النوم والیقظة، وهی بمثابة برهانٌ فلسفی عقلی علی الرجعة، وقد بسط الحر العاملی فی کتابه الایقاظ من الهجعة الکلام فیه.

وإنّ الروح حیث لم تنفصل تماماً عن الجسد فإن فیها إقبالاً وإدباراً أو

ص:78


1- (1) سورة الزمر: الآیة 42.

لک أن تقرر أن عدم الانفصال التامّ یقابل اشتداد الاتّصال.

وهناک حالات طبیعیة أخری تمرّ علی البدن کالنوم المتصل مدة زمانیة طویلة جداً وکذلک الیقظة المتصلة الدائمة غیر الطبیعیة.

والعلاقة التی بین الروح والبدن لیس کما صوّرها ملّا صدرا فی بدایة حدوث النفس من أنها عملیة حرکة جوهریة تدریجیة، وأنها فی النهایة انفصال دفعی.

بل الصحیح أن الإنفصال والوصال یومیٌ تقوم به الروح بالنوم والیقظة کما یشیر إلیه البیان النبوی

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقظون تبعثون»، لا أنّه انفصال واتصال ثم انفصال تامّ.

وفی النهایة لیس هناک انفصال دفعی بل انفصال ووصال متناوب مرات وکرات، وهذا متقرر فی المعصوم فکیف بغیر المعصوم.

والحدیث النبوی السابق یشیر إلی أن الإنفصال لیس تاماً، بل انفصال غیر تامّ یعقبه وصال.

والموتی موجودون بأرواحهم وأجساد مثالیة برزخیة، ولهم وصال بالبدن الأرضی الطینی، وهناک مشاهدات کثیرة متواترة تعزز هذا الإتصال.

وروی الکلینی عن العدة، عن سهل، عن عثمان بن عیسی عن عدة من أصحابنا قال: لما قُبض أبو جعفر(علیه السلام) أمر أبو عبدالله(علیه السلام) بالسراج فی البیت الذی کان یسکنه، حتی قُبض أبو عبدالله(علیه السلام) ثم أمر أبو الحسن(علیه السلام) بمثل ذلک

ص:79

فی بیت أبی عبدالله(علیه السلام) حتی خرج به إلی العراق، ثم لا أدری ما کان(1).

والحدیث یبین مدی تعلق الروح بالمکان الذی کانت تأنسه فکیف بالبدن الطینی.

أنواع الموت:

وروی الشیخ فی الغیبة موثق جابر الجعفی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول: «والله لیملکنَّ منّا أهل البیت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة یزداد تسعاً»، قلت: متی یکون ذلک؟ قال: «بعد القائم»، قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال: «تسعة عشرة سنة، ثم یخرج المنتصر فیطلب بدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه، فیقتل ویسبی حتّی یخرج السفّاح»(2).

ومحلّ الشاهد: قوله(علیه السلام)

«ولیملکن منا اهل البیت رجل بعد موته» فهذه رجعة بعد الموت».

وعبر(علیه السلام) عن الرجوع الی الدنیا من البرزخ بالخروج من القبر، فالموت لیس انفصالاً تامّاً، بل انفصال بدرجة ما ورجوع.

وهناک نمط من درجات النوم والموت کحالة أصحاب الکهف فکانه لا هو موت ولا هو نوم.

وفی البحث اللاحق سیتبین أن هنا ک درجات من الرجوع فی مقابل

ص:80


1- (1) الکافی 251/3، کتاب الجنائز، باب النوادر ح5.
2- (2) الغیبة للشیخ الطوسی ص478ح505 والاختصاص357.

درجات من انکفاء الروح عن حیاة الحسّ وانفصالها عن البدن کما هو الحال فی أنواع النوم، وأنَّ تفاسیر الرجوع بعدد مراتب الموت والمراتب المنامیّة.

مراتب الرجوع والرجعة فی مقابل مراتب الوفاة والتوفّی والنوم:

قال بعض المکاشفین: أننا قد نذهب فی حالة المکاشفة الی البرزخ أوالآخرة ونرجع الی الدنیا. انتهی

والصحیح إن الإنسان فی حین أنَّه متواجد ببدنه الغلیظ فی الدنیا فإنَّ له بدناً برزخیاً أیضاً یتولد وینشئ فی البرزخ ساعة نفخ روحه فی بطن أمه، وکذلک یتولد له وینشئ بدن أخروی کلما یترعرع فی دار الدنیا، فالإنسان فی حین کونه متواجداً ببدنه الغلیظ فی الدنیا فهو متواجد ببدن آخر فی البرزخ وبدن ثالث فی الآخرة، وإن لم یشعر.

وغایة ما فی الأمر أنه ینکشف له تارة ویحجب عنّه أخری ما هو مرتبط به من بقیة الأجسام، فلدی الإنسان فی الوجود الراهن عین وأعضاء أُخرویة ببدنه الأخروی، وعین برزخیة ببدنه البرزخی، و بإمکانه فی الآن الراهن أن یسمع صراخ أهل النار، و صوت أهل الجنة إذا لم یلهی بإدراکات الحس، ومن هنا قال تعالی: فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ (1).

ص:81


1- (1) سورة ق: الآیة 22.
حقیقة الرجعة وأقسام الموت والعلاقة بین الروح والجسد:

روی فی بصائر الدرجات مصحح المعلی بن خنیس فی حدیث قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (1)

«نبیکم راجع إلیکم» وقوله راجع الیکم تعبیر یفید فی نبرته أنه لیس بالأمر البعید عنکم کونه فی البرزخ.

وروی بسنده عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«إنّ لعلی(علیه السلام) إلی الأرض کرّة مع الحسین(علیه السلام)، یقبل برایته حتّی ینتقم من بنی أمیّة ومعاویة وآل معاویة، ثم یبعث الله إلیهم بأنصاره یومئذٍ من الکوفة ثلاثین ألفاً، ومن سائر الناس سبعین ألفاً، فیقاتلهم بصفّین مثل المرّة الأولی، حتی یقتلهم فلا یبقی منهم مخبر... ثم کرّة أُخری مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتی یکون خلیفته فی الأرض، یعطی الله نبیّه ملک جمیع أهل الدنیا حتّی ینجز له موعوده فی کتابه، کما قال: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ » (2).

والتعبیر ب- «إلی الأرض» یدلّ علی أن البرزخ نوع من العلو عن الأرض، والرجعة نوع من العودة والهبوط إلی الأرض، «اهبطوا إلی الأرض».

نزول ورجوع عیسی کل عام:

وروی ابن بابویه عن معمّر بن راشد، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حدیث أنّه قال:

«ومن ذرّیتی المهدی، إذا خرج نزل عیسی بن مریم

ص:82


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /44/98.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات ح 45/99.

فقدَّمه وصلّی خلفه»(1).

و ذهب الحر العاملی وغیره فی بحث الرجعة إلی أن عروج عیسی(علیه السلام) نوع من الموت، کما هو ظاهر الآیة: إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ (2)، ففی مثال النبی عیسی موت ورجوع، فتوفی عیسی(علیه السلام) موت ونزوله رجوع وإنْ کان الصحیح أنَّه قد ورد فی روایاتنا أن توفی الله عیسی(علیه السلام) کان أثناء ما صعد الله به إلی السماء ثم بعد الصعود ارجع الله إلیه روحه.

بلْ روی فی الأصول الستة عشر موثق ابی حمزة الثمالی (علی الأصح) عن ابی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن سلمان قال(علیه السلام):

إنَّ سلیمان کان إدراکه العلم الأول أنه کان علی الشریعة من دین عیسی(علیه السلام) فخدم بعض رهبانهم ... - إلی أن قال(ع

)وقد ذکر تنقله بین الرهبان وأن سلمان مضی إلی رجل کان بأرض الروم قال(علیه السلام) فمضی إلیه، وإذا شیخ کبیر عالم فلم یلبث الا یسیرا حتی حضرته الوفاة، فقال سلمان له مثل ما قال لاصحابه الرهبان السابقین أنْ یدله علی رجل أفضل منه یخدمه - فقال لیس لک إلی ذاک حاجة فی هذه السنة المقبلة یظهر بأرض یثرب وهو راکب البعیر الذی بشر به المسیح عیسی بن مریم، فانطلق حتی تکون معه، فلما فرغ من دفنه مضی علی وجه، وقد أخذ صفته وأنه یقبل الهدیة ولا یقبل الصدقة وبین کتفیه خاتم النبوة، قال فبینا هو یسیر إذ هجم علی خلق کثیر مجتمعین فی صحراء حولها غیاض وقد اخرجوا

ص:83


1- (1) امالی الصدوق المجلس 39 ح5 ص287.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 55.

زمناهم ومرضاهم قال فسلَّم علیهم وقال ماقصتکم، ولأی شیئ اجتماعکم؟ فقالوا نحن نجتمع فی کل سنة فی مثل الوقت لأنَّه یخرج علینا من هذه الغیضة عبد صالح فنسأله أنْ یدعوا الله فبشفی زمنانا ویبرئ مرضانا، فربما أقمنا الیوم والیومین واکثر ما یخرج الینا فی الیوم الثالث قال فاقام معهم، فلما کان من غد الیوم إذا هم برجل قد خرج بثوبین ابیضین فقاموا إلیه یسألونه حوائجهم، فلما فرقوا تبعه سلمان فقال له ماترید؟ قال أنا رجل کنت اخدم العلماء من أبناء حواری عیسی(علیه السلام) فقالوا لی أنه یظهر نبی بیثرب فی هذه السنة المقبلة، فخرجت فی طلبه فاردت أن أسألک اصدقونی؟ قال نعم صدقوک منزله الیوم مکة، وستلقاه وإذا لقیته فاقرأه السلام عنی کثیرا، قال فلما أسلم سلمان ولقی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فحدثه حدیثه، فقال له النبی(صلی الله علیه و آله) «ذاک أخی عیسی»(1)، ومفاد هذا الموثق نزول ورجوع عیسی کل عام إلی الأرض ثم ارتفاعه مرة أخری أو غیبته فی الأرض.

وأشار الحرّ العاملی إلی أنّ الموت أنواع، ولم یقع الإلفات والتنبیه علی جملة منها فی البحوث الفلسفیة.

وانفصال الروح عن البدن فی القتل أقل انفصالا بالقیاس إلی درجة انفصالها فی الموت، فروح المقتول تبقی متعلّقة بالبدن بشکل أقوی من روح المیت ببدنه.

ص:84


1- (1) الأصول الستة عشر ص98 من کتاب عبد الملک بن حکیم الخثعمی من روایة التلعکبری عن ابن عقدة.

وعلی وجه العموم فإنّ الموت ذو درجات، فلیس حقیقة الموت انفصالاً تاماً للروح عن البدن الأصلی وهو الطینة الأصلیة التی خلق منها بدن الإنسان، بل تبقی خیوط تعلق للروح به ونحو مغنطة وانجذاب معه قد تشتد وترجع إلیه أو تحف به وتحوم حوله، فهی بین انفصال ووصال من دون مفارقة تامة، ومن ثم تعددت أسماء وأنواع الموت من اخترامی وطبیعی ومبرم ومؤجّل ومحتوم.

ثم إنَّ البدن الذی تفارقه الروح بالموت هو الطینة الأصلیة، وهی غیر مرئیة مما قد یسمی فی الاصطلاح الحدیث بالبدن الأثیری، وتقویم الروح للبدن حالة عیانیة ولیست سنخ بیان لمعنی مفهوم.

ثم إن دراسة ومعرفة المعاد لا تتم بدون دراسة ومعرفة الرجعة.

التفسیر العاشر: الرجعة نوع من البرزخ:

إنَّ الرجعة فی البرزخ هی نشأة برزخیة فی عالم البرزخ، وقد یظهرذلک من قول الشیخ أحمد الأحسائی فی کتاب الرجعة بعدما ذکر أنّ المجازاة فی الرجعة إنّما هی علی الأعمال البرزخیة، وما ورد من أنّ الحساب فی الرجعة إنّما هوالحساب علی الأعمال البرزخیة.

قال: لأنّ الرجعة من نوع البرزخ، ألا تری أنّ المؤمن إذا مات التحقت روحه بجنّة الدنیا، وإن کان کافراً أو مشرکاً أو منافقاً التحقت روحه بنار الدنیا، وجنّة الدنیا هی الجنّتان المدهامّتان وهی تخرج فی الرجعة کما یأتی عند

ص:85

مسجد الکوفة.

وقد رواه ابن قولویه فی الموثق عن المفضل بن عمر عن أبی عبدالله(علیه السلام)،

قال: «کأنی والله بالملائکة قد ازدحموا علی قبر الحسین(علیه السلام) وینزل الله علی زوار الحسین(علیه السلام) غدوة وعشیاً من طعام الجنة وخدامهم الملائکة لا یسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلّا أعطاها إیاه»، قال: قلت: هذه والله الکرامة، قال لی: «یا مفضل أزیدک: قلت: نعم سیدی، قال: «کأنی بسریر من نور قد وضع وقد ضربت علیه قبة من یاقوتة حمراء مکللة بالجواهر، وکأنی بالحسین(علیه السلام) جالس علی ذلک السریر وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وکأنی بالمؤمنین یزورونه ویسلمون علیه فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ لهم: أولیائی سلونی فطالما أوذیتم وذللتم واضطهدتم فهذا یوم لا تسألونی حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلّا قضیتها لکم فیکون أکلهم وشربهم فی الجنة، فهذه والله الکرامة التی لا انقضاء لها ولا یدرک منتهاها»(1).

وظاهر هذه الروایة أن هذه الجنان جنان برزخیة، وهی دنیویة إذ تکرر فی هذه الروایة (السؤال عن حوائج الدنیا والآخرة).

وقد استشهد بهذه الروایة الشیخ أحمد الأحسائی فی کتاب الرجعة علی کون الرجعة برزخیة ، وکون الجنان البرزخیة هی جنان دنیویة.

أقول: ماذهب إلیه الشیخ الأحسائی - وربما یظهر من تلمیذه الشیخ

ص:86


1- (1) کامل الزیارات باب 50 ح 3.

آل عبدالجبار - من تفسیر الرجعة بالنشأة البرزخیة إقتفیا فی ذلک ما علیه الفیض الکاشانی فی کتابه عین الیقین، أو وافقاه فی احتماله کون الرجعة عبارة عن ظهور أو تمثل الأشخاصٍ من عالم البرزخ فی الحس الظاهر، وسیأتی أن ذلک خلطٌ بین الرجعة والنزول، فإن أهل البرزخ ینزلون للدنیا، ولکن ذلک یغایر رجعتهم من القبور.

وسیأتی ذکر عبارته لاحقاً، وبالتالی هناک حالة تشابک بین حقیقة الرجعة والبرزخ من جهة، و ذلک من تطور أطوار الدُّنْیَا - وهی أحکام تکوینیة للرجعة - والرجعة فی حین کونها من الحیاة الدُّنْیَا - حسب بیانات آیات وروایات الرجعة - إلا أن الحیاة الدنیا تنقسم إلی الحیاة الدنیا الأولی والحیاة الآخرة من الدنیا، وهی حیاة الرجعة، وکلیهما غیر عالم الآخرة الأبدیة.

فالرجعة تطور وتشفف فی عالم الدنیا بما یتقارب مع النشأة البرزخیة، وقد ورد فی بعض الروایات أن أهل الرجعة یرون أهل البرزخ ویتحادثون معهم کما هو الشأن فی قدرة الأبدال والأولیاء فی الحیاة الأولی من الدنیا.

کما أنّ الرجعة مقاربة فی أحکامها التکوینیة من عالم البرزخ، حیث إنّ الطینة الأصلیة الباقیة فی القبر - التی بها یرجع الموتی غیرمرئیة - تکاد تکون مماثلة للمادة والجسم البرزخی، ویظهراحتمال هذا التفسیر فی کلمات الشیخ أحمدالأحسائی، أو حکایته عن بعض.

ص:87

التفسیر الحادی عشر: تفسیرها بالبرزخ:

قال الفیض الکاشانی فی کتابه (عین الیقین) عند کلامه عن النشأة المثالیة: إنّ فی الوجودعالماً مقداریاً غیر العالم الحسّی، لا تتناهی عجائبه، ولا تحصی مدنه، من جملة تلک المدن جابلقا، وجابرسا، وهما مدینتان عظیمتان، وکل ما فیها حی ناطق، وهی باقیة لا تفنی، ولا تتبدل، وفیها مدائن لا تحصی، بعضها یسمّی مدائن النور...

ثم ذکر روایات کثیرة عن أهل البیت(علیهم السلام) عن تلک المدائن، ثم قال من بعده: وأمثال هذه الروایات کثیرة جداً، وکلها إشارة إلی موجودات النشأة المثالیة فیما أحسب، ویشبه أن یکون تثنیة المدینتین الشرقی والغربی المسمّاتین بجابرسا وجابلقا إشارة إلی ما تقدّم من هذه النشأة علی النشأة الدنیویة، وما یتأخّر منها علیها.

ثم قال فی ذیل قول الإمام الصادق(علیه السلام):

«إن من وراء أرضکم هذه أرضاً بیضاء ضوؤها منها»(1)، وقول الإمام الباقر(علیه السلام):

«إنّ الله خلق جبلاً محیطاً بالدنیا من زبرجد أخَضر وإنَّ خضرة السماء من خضرة ذلک الجبل...»(2)وإنما وصف الأرض بالبیضاء حیث سمّاها أرضاً؛ فلأنّ نورها ذاتیّ، کما وصفها بقوله:

«ضوؤها منها»، بخلاف هذه الأرض، ووصف الجبل بالخضرة حیث سمّاها جبلاً؛ لأن الخضرة برزخ بین البیاض والسواد، کما

ص:88


1- (1) بصائر الدرجات 510
2- (2) بصائر الدرجات 512

أنها برزخ بین الأرواح النوریة والأجساد الظلمانیة.

والکلمات فی وصف هذه النشأة أکثر من أن تحصی، ولعلّ الرجعة التی تکون فی زمن القائم(علیه السلام) کما ورد من أهل البیت(علیهم السلام) فی أخبار کثیرة إنما تکون لأشخاص من هذا العالم فی الحس الظاهر والعلم عند الله»(1).

أقول: الظاهر أنّ ما احتمله قدس سره خلط بین الرجعة والنزول، أی رجعة أهل البرزخ من القبور ونزول أهل البرزخ إلی الدنیا بتکثف سواء مع ترائیهم فی الحس لأهل الدنیا أو بدون الترائی لهم، فإن الرجعة بعث من القبور من البدن المستقر طینته فی القبر وهی شفافة غیر مرئیة فی الحس الغریزی، لکنها هی الطینة والبدن الأصلی الدنیوی، وأما البدن الغلیظ من اللحم والعظام فهو بمثابة القالب والغلاف الذی یغطی ذلک البدن، أی أنّ البدن الأصلی اللطیف یلج فی البدن الغلیظ ویتصرف فیه، ویتضح ذلک بعد الإلتفات إلی تفاوت الأجسام والمواد الدنیویة فی الشفافیة والغلظة درجات متفاوتة کبیرة جداً، حتی توهم جملة من العرفاء والصوفیة فی مکاشفاتهم أنها نشأة مثالیة.

هذا بینما النزول هو تکثّف للبدن المثالی وتمثل فی نشأة الحس، وکلیهما غیر حقیقة الظهور للإمام الغائب(عج)، فإن ظهوره بروز من الخفاء والسریة.

کَمَا أنّ کلاً من الثلاثة غیر التولد من الأرحام فی بدء نشأة الدنیا، وکما

ص:89


1- (1) عین الیقین ج1 / 270 ، 277

أن الأربعة تغایر المسخ الذی هو تشکل جوهری لبدن الإنسان الدنیوی بسبب شدة الملکات الجوهریة الظلمانیة وتأثیرها فی تغییر بدن الإنسان الدنیوی أو بدنه البرزخی أو بدنه الدنیوی فی الرجعة أو بدنه فی القیامة، فالمسخ له عدة مواطن کما دلت علیه الآیات والروایات، وکل من الخمسة یغایر التناسخ الذی هو عود إلی الدنیا ببدن جدید من الأرحام والخمسة الأولی حق واقع، وبینما السادس الأخیر ممتنع باطل .

التفسیر الثانی عشر: الرجعة إحیاء الإمام(علیه السلام)للموتی بإذن الله:

وقد ذهب الی کون الرجعة معجزة یجریها الله عَزَّ وَجَلَّ علی ید أئمة أهل البیت(علیهم السلام) جملة عدیدة من علماء الامامیة، منهم الحرّ فی کتابه الرجعة کبرهان علی أمامتهم، کما جعل إحیاء الموتی آیة معجزة علی نبوة عیسی(علیه السلام) وبعض الانبیاء السابقین وسیأتی التعرض لکلمات علماء الامامیة حول الرجعة فی فصل مستقل .

قال الحرفی معرض الاستدلال علی صحة الرجعة فی الباب الثانی من کتابه (الإیقاظ من الهجعة).

«العاشر: إنّ الإمام یجب أن یکون مستجاب الدعوة فإذا دعی الله بإحیاء الموتی وقع ذلک بإذن الله تعالی.

والمقدمة الأولی ثابتة بالنصوص الکثیرة فی محلّها، والثانیة بدیهیة،

ص:90

فهذا دلیل علی الإمکان واضح قریب، إذ لا دلیل علی استحالة دعاء الإمام بذلک، وعدم قیام دلیل الاستحالة کاف.

الحادی عشر: إنّ الله ما أعطی أحداً من الأنبیاء فضیلة ولا علماً إلّا وقد أعطی نبینا(صلی الله علیه و آله) مثله بل أعظم منه، ومعلوم بأنّ کثیراً من الأنبیاء السابقین أحیی الله له الموتی ولا ریب أن الإمام(علیه السلام) یرث علم الرسول(صلی الله علیه و آله) وفضله، والمقدمات کلها ثابتة بالأحادیث الآتیة وغیرها، بل وقد وقع إحیاء الله تعالی الموتی لغیر المعصومین(علیهم السلام) من أهل العلم والعبادة، کما یأتی إن شاء الله تعالی، فیثبت مثله هنا بطریق الأولویة.

الثانی عشر: إن الإمام(علیه السلام) عالم بالاسم الأعظم الذی إذا دعی الله به لإحیاء الموتی لأحیاهم.

والتقریب ما تقدم، فهذا مما یَدُلّ علی الإمکان بل الوقوع.

وهذه الأدلة وإن کان فیها بعض التداخل وأن بعضها یدل علی الإمکان وبعضها علی الوقوع ویمکن الزیادة فیها»(1) أنتهی کلامه.

وهذا التعریف لحقیقة الرجعة عند من ذهب إلیه من أصحابنا هو السبب فی ذهاب العامة الی أن القول بالرجعة أفضع وأنکر أنوع الرفض، وأشد من القول بالنص علی الإمامة وأن القول بالرجعة سبأیة.

وممن ذهب إلی هذا التفسیر الحکیم ملا صدرا، فقال فی تفسیر سورة یس

ص:91


1- (1) الایقاظ من الهجعة ذیل الباب الثَّانِی.

ذیل الآیة / 31:

(قد صح عندنا بالروایات المتظافرة عن أئمتنا وساداتنا من أهل بیت النبوة والعلم حقّیة مذهب الرجعة ووقوعها عند ظهور قائم آل مُحمَّد(عج)، والعقل أیضاً لا یمنعه، لوقوع مثله کثیراً من إحیاء الموتی بإذن الله بید أنبیائه، کموسی وعیسی وشمعون وغیرهما علی نبینا وآله وعلیهم السلام ).

التفسیر الثالث عشر: تفسیر الرجعة بالتناسخ:

إنّ بعض من تمادی فی الإنحراف من السبائیة، کانوا قد بدأوا القول بالغلوّ حتی قالوا: إن الأئمة آلهة وملائکة وأنبیاء ورسل و تکلموا عن عالم الأظلّة وهو حق، وخلطوا بینه وبین التناسخ الباطل فی الأرواح، کما خلطوا بین الدور والکور التناسخی الباطل فی هذه الدار الدنیا وبین کرّات الرجعة التی هی حق، وأبطلوا بهذا الخلط القیامة والبعث والحساب والجنة والنار، وزعموا أن لا دار إلّا الدنیا وأن القیامة إنما هی خروج الروح من بدن دنیوی ودخولها فی بدن دنیوی آخر إن خیراً فخیر وإن شراً فشر، مسرورون فی هذه الأبدان أو معذبون فیها، ومن کان جزائه النعیم فالأبدان الدنیویة الحسنة الجمیلة الکریمة هی الجنات، ومن کان جزائه العذاب فالأبدان الدنیویة الشقیة القبیحة السیئة المشوهة هی النیران، فینقلون إما إلی الأجسام الإنسیة المنعمة فی حیاتهم أوینقلون إلی الأجسام الردیة المشوهة من کلاب وقردة وخنازیر وحیات وعقارب وخنافس وجعلان وغیر ذلک من الدواب والأنعام علی قدر أعمالهم، محوّلون من بدن إلی بدن، معذّبون فیها وهی جهنمهم ونارهم، وذلک علی قدر ما یکون منهم من عظیم الذنوب وکبائرها فی إنکارهم لأئمتهم

ص:92

ومعصیتهم لهم، وإنما تسقط الأبدان وتخرب، إذ هی مساکنهم فتتلاشی الأبدان وتفنی وترجع الروح فی قالب آخر منعمٌ أو معذّب.

وهذا معنی وتفسیر الرجعة عندهم وعند کثیر من الفرق الباطنیة المنحرفة الذین خلطوا بین عالم الأظلة الحق والتناسخ الباطل، وأیضاً خلطوا بین التناسخ الباطل وعالم الرجعة الحق وخلطوا أیضاً بین أبدان النشآت السابقة علی الدنیا وأبدان الدنیا، وکذلک خلطوا بین أبدان الدنیا الأولی وأبدان البرزخ کما خلطوا بین أبدان الرجعة وهی آخرة الدنیا وأبدان الدنیا الأولی، فإن أبدان الدنیا الأولی هی من الأصلاب والأرحام وأبدان الرجعة آخرة الدنیا هی أبدانٌ من طینة القبور، وکذلک خلطوا بین أبدان الدنیا الأولی وأبدان القیامة وأبدان الآخرة الأبدیة، وذلک لعدم معرفتهم وإیمانهم باختلاف النشآت والعوالم .

وإنَّما الأبدان عندهم قوالب ومساکن بمنزلة الثیاب التی یلبسها الناس فتبلی وتمزق وتطرح ویلبس غیرها، وبمنزلة البیوت یعمرها الناس فإذا ترکوها وعمروا غیرها خربت والثواب والعقاب علی الأرواح دون الأبدان وتأولوا فی ذلک قول الله: فِی أَیِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَکَّبَکَ (1) وقوله ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ یَطِیرُ بِجَناحَیْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُکُمْ (2).

وقوله: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِیها نَذِیرٌ (3) فتأولوه بأن جمیع الطیر

ص:93


1- (1) سورة الانفطار: الآیة 8.
2- (2) سورة الانعام الآیة 38.
3- (3) سورة الانفطار الآیة 24.

والدواب والسباع کانوا أمماً أناساً خلت فیهم نذر من الله واتخذ علیهم بهم الحجة، من کان منهم صالحاً مقراً بما یدعوه من مذاهبهم جعل الله روحه بعد وفاته وخراب قالبه وهدم مسکنه فی بدن صالح، فأکرمه ونعّمه، ومن کان منهم کافراً عاصیاً نقلت روحه إلی بدن خبیث مشوّه یعذّبه فیه فی الدنیا وأهانه وجعله فی أقبح صورة ورزقه أنتن رزق وأقذره.

وتأوّلوا فی ذلک قول الله: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ * وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهانَنِ (1) فکذب الله هؤلاء وردّ علیهم قولهم لمعصیتهم إیاه، فقال: کَلاّ بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ (2) وهو النبی(صلی الله علیه و آله) وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ (3).

وهو الإمام الوصی وَ تَأْکُلُونَ التُّراثَ أَکْلاً لَمًّا (4) لا تخرجون حقّ الإمام ممّا رزقکم وأجری لکم.

ص:94


1- (1) سورة الفجر الآیة 15.
2- (2) سورة الفجر الآیة 17.
3- (3) سورة الفجر الآیة 18.
4- (4) سورة الفجر الآیة 19.
الفرق بین الرجعة والتناسخ - إبطال قواعد الرجعة لأصول التناسخ:
اشارة

التناسخ هو رجوع الروح ببدن جدید دنیوی من نطفة أصلاب وتولد أرحام وأبوین آخرین وهویة أخری، فتتبدل شخصیته إلی شخصیة أخری، بینما الرجعة هی رجوع الروح فی البدن الأصلی السابق للإنسان، وخروجه من القبر وبنفس الهویة والشخصیة، کما هو الحال فی المعاد الجسمانی.

وقد دفع الشیخ محمد بن عبد علی بن محمد آل عبد الجبار شبهة التناسخ بوجود عدة فوارق بین الرجعة والتناسخ، بأن النفس لا تفقد کمالات البرزخ کما هو مقتضی الشبهة أیْضَاً - والتی یعترض بها علی حقیقة المعاد الجسمانی - وهی أنه لو کان الجسم فیه بمادة الدنیا .

والشبهة قد ذکرها وتبناها الملّا صدرا، وقدأجاب عنها العلامة الطباطبائی(رحمه الله) کَمَا سیأتی، بینما اعتمد الشیخ آل عبد الجبار علی أن عود کل شخص إلی مادته الصالحة له والصور من عمله المتجدد، والأحکام تلحق

ص:95

الصور بحسب طهارتها ونجاستها وغیرهما لا المادة من حیث هی هی، وخلق کل صورة من عمله هو مقتضی العدل.

والصور المتوارد من عملهم وعلمهم وقابلیتهم الإمکانیة علی المادة الأصلیة لاجسامهم التی یرجعون إلیها وإن کانت الروح فی البرزخ فی فترة الموت قبل الرجعة قائمة بمثالها البرزخی.

وروی الصدوق بسنده عن الحسن بن جهم - فی حدیث طویل - أنّ المأمون قال لأبی الحسن الرضا(علیه السلام): یا أبا الحسن فما تقول فی الرجعة؟ فقال الامام(علیه السلام) إنّها لحقّ، قد کانت فی الأمم السالفة، وقد نطق بها القرآن، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): یکون فی هذه الأمة کلّ ما کان فی الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذّة.

وقد قال(علیه السلام): إذا خرج المهدی من ولدی نزل عیسی بن مریم فصلّی خلفه.

وقال(علیه السلام): إنّ الإسلام بدأ غریباً وسیعود غریباً فطوبی للغرباء، قیل: یا رسول الله ثم یکون ماذا؟

قال: ثم یرجع الحق إلی أهله».

فقال المأمون: فما تقول فی القائلین بالتناسخ؟

فقال: «من قال بالتناسخ فهو کافر مکذّب بالجنّة... .

قال المامون: ما تقول فی المسوخ قال الرضا(علیه السلام) أولئک قوم غضب

ص:96

الله علیهم فمسخهم، فعاشوا ثلاثة ایام ثم ماتوا ولم یتناسلوا ... الحدیث(1). ویستفاد من هذه الروایة:

1 - ان القول بتناسخ الروح هو أن تنتقل الروح من بدن الی بدن.

2 - تفکیکه(علیه السلام) بین الرجعة والتناسخ وأن هناک فرقا بین حقیقة الرجعة والتناسخ، فالبعض یتصوّر أنّ الرجعة تناسخ - کالمأمون العباسی الذی توهَّم ذَلِکَ - .

3 - إنّ الرجعة من حقائق الدین لکن جهلها المسلمون وغفلوا عنها، ونزول النبی عیسی(علیه السلام) شاهد علی الرجعة، ویطلق علیه الرجوع بعد انقطاع وانحسار عن الحیاة الظاهرة، کما هو الحال فی یقظة أصحاب الکهف بعد نومهم مئات السنین، حیث جعله الله تعالی آیة للبعث وللمعاد الأکبر.

4 - استشهاده بوصف الإسلام بالغربة وقوله - طوبی للغرباء - دلالة علی أنّ الرجعة عقیدة أصلیة فی الدین إلّا أنّها جُهلت.

5 - کان العامة یطعنون علی أهل البیت(علیهم السلام) وأتباعهم بالرجعة، ویظنون أن القول بالرجعة من الغلو بالائمة(علیهم السلام)، وهذا ما یعطیه سیاق کلام المامون العباسی.

6 - توهّم المأمون العبّاسی أنّ الرجعة مسخ ومسوخ، فأجابه(علیه السلام): إنّ الرجعة غیر المسخ، وهذا فارق علمی آخر فی حقیقة الرجعة واختلافها

ص:97


1- (1) عیون اخبار الرضا الباب/46 ح 1ص213.

عن المسخ، وإن کان المسخ حقیقة واقعة فی دار الدنیا وفی حشر عالم القیامة، بل فی بعض الروایات إن المسخ یقع فی الرجعة، ورغم کل ذلک فحقیقة الرجعة غیر النسخ.

7 - إن عیسی(علیه السلام) حیّ ویظهر ویصلّی خلف الإمام(علیه السلام).

8 - إن الانحسار عن الحیاة الظاهر والرجوع إلیها یسمّی رجعة.

والعامة أوّلوا الرجعة بأنها تناسخ وإنکار للمعاد الجسمانی، والحال أنّ التناسخ هو انتقال الروح من بدن إلی تکون بدن آخر بنطفه ورحم جدید وأب وأم آخرین بهویة وشخصیة أخری، بینما الرجعة رجوع بنفس البدن الأصلی وبنفس الهویة والشخصیة وخروجاً من القبر لا من الأرحام والأصلاب.

ثم إن هناک نقطة أُخری فی الحدیث الشریف، وهی دفع توهم المأمون العباسی فی أن الرجعة مسخ ومسوخ، فالرجعة غیر المسخ، فبین(علیه السلام) بأن الرجعة مغایرة للمسخ، وإن لم تکن حقیقة المسخ ممتنعة بل واقعة فی جملة من المواطن والنشآت کما أن الرجعه تغایر التناسخ وأن الرجعة بعث من القبور لا تولد من أرحام النساء، کما فی التناسخ، ویبین هذا التغایر جمله من الشواهد التالیة:

الشاهد الأوَّل: تظافرت الآیات الواردة فی البعث من القبور، فقد فسر ظاهرها فی الروایات المتواترة أنه البعث فی الرجعة، أی فی القیامة الوسطی لا القیامة الکبری، کما ظن ذلک جلّ المفسرین والمتکلمین والفلاسفة

ص:98

والعرفاء، وقد نبه علی ذلک بیان أهل البیت(علیهم السلام) لظهورالفاظ لتلک الآیات.

الشاهد الثانی: ما ورد من نماذج متعددة للرجعة فی سورة البقرة، وهی آیة وبرهان للرجعة بمقتضی قاعدة کل ما حدث فی الأمم السابقة یحدث فی هذه الأمة، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، کاحیاء عزیر(علیه السلام) بعد موته، وکذلک أصحاب القریة الذین خرجوا ألوفاً حذر الموت فأماتهم الله تعالی، وأیضاً أصحاب موسی(علیه السلام) السبعون، الذین أماتهم الله تعالی ثم أحیاهم، وأیضاً صاحب البقرة الذی قال عنه القرآن: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ، وکاجزاء الطیر المقطعة علی کل جبل حیث دعاهن ابراهیم فحییت، وکذلک ما ورد فی سور عدیدة من احیاء النبی عیسی(علیه السلام) للموتی بنفس بدنهم وبهویتهم وشخصیتهم، وکذالک فی أصحاب الکهف بعد ما انامهم الله مئات السنین کالموتی ثم بعثهم بنفس أبدانهم وهویتهم وشخصیتهم.

الشاهد الثالث: ما وَرَدَ مستفیضاً فی الروایات «العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب» أنّهم عشرات من الأموات یرجعون، بأن یبعثوا من القبور فی الکوفة قبیل ظهور الإمام(عج) فی محرم، کما نُص علی ذلک فی الروایات.

والحاصل بالتتبع أن آیات وروایات الرجعة تطفح بالتواتر اللفظی علی التنصیص بکون الرجعة بعث من القبور، لا نفخ للأرواح فی الأرحام.

وهناک نکات عقلیة معرفیة التفت إلیها الحرّ العاملی ولم یلتفت إلیها الشاه آبادی والطباطبائی فی بحث الرجعة، وسیاتی بیان جملة منها.

ص:99

الفرق بین الرجعة والظهور:

ورد فی بعض الروایات المرسلة التی اوردها الشیخ آل عبد الجبار فی کتاب الرجعة ما قد یستظهر منها أن ظهور الصاحب(عج) نوع ونمط من الرجعة، وسیأتی تنقیح ذلک، إذ ینسب إلی استاذه الشیخ الاحسائی تفسیر الغیبة بأنها حالة برزخیة، وعلی هذا التصور یکون الظهور رجعة، ولکن هذا التفسیر للغیبة غیر تام، إذ کثیر من حالات النشأة الدنیویة غیر مرئیة کما هو الحال فی البدن الأصلی للإنسان والطینة الأصلیة له.

وقد روی أن هذا البدن الأصلی والطینة الأصلیة تکون کالطینة المستدیرة تسیخ فی أرض القبر وتظل باقیة إلی یوم البعث سواء بعث الرجعة أو غیره، وقد اعترف بذلک الشیخ الاحسائی فی جملة من کلماته فلا ملازمة بین کون الجسم غیر مرئی وکونه برزخیاً، وقد طالعتنا الأبحاث العلمیة الحدیثة أن هناک من الأجسام المادیة الدنیویة ما هو غیر مرئیة، بل بعضها لایدرک بالآلات المسلحة والأجهزة الاشعاعیه المتطورة، هذا وقد اطلق الظهور فی کثیر من روایات الزیارات علی رجوع الائمه(علیهم السلام) وخروجهم من قبورهم الشریفة إلی حیاة الدنیا مرة أُخری وهی حیاة الرجعة وآخرة الدنیا.

الفرق بین الرجعة والإیاب والکرة:

الظاهر من استعمال لفظ الرجعة فی الآیات والروایات أنَّها أعم من الکرّة, والکرة أخص من الرجعة، فالکرة هی الرجوع الذی یتضمن حروباً

ص:100

ومواجهات واقتتالا بمناسبة الأصل اللغوی لمادة الکرّ بخلاف الأصل اللغوی للرجوع.

ویُشیر إلی الفرق المزبور ما رواه أصحابنا فی المزار کالشهید والمفید وابن طاووس وغیرهم فی زیارة القائم(علیه السلام) فی السرداب:

«ووفقنی یا رب للقیام بطاعته والمثوی فی خدمته، فإن توفیتنی قبل ذلک فاجعلنی ممن یکرّ فی رجعته ویملّک فی دولته ویمکّن فی أیامه» حیث إنّ التعبیر بالکرّة إشارة إلی الرجوع المتضمن للجهاد بین یدیه(عج).

ولاحظ ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات فی کرَّة أمیر المؤمنین(علیه السلام) عن جابر بن یزید عن أبی عبدالله(علیه السلام):

«قال إن لعلی(علیه السلام) فی الأرض کرّة مع الحسین ابنه صلوات الله علیهما یقبل برایته حتی ینتقم له من بنی أمیة»(1).

وکذا الحدیث الذی رواه بعده بسنده عن خالد بن یحیی عن أبی عبد الله(علیه السلام): قال قلت لأبی عبدالله(علیه السلام) .... فقال: اتقوا دعوة سعد قلت فقال [رسول الله(صلی الله علیه و آله)] اتقوا دعوة سعد؟، قال نعم، قلت: وکیف ذاک؟ قال: یکرّ فیقاتل علیاً»(2).

وما رواه أیضا عن کتاب الواحدة بسند عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«وإن الله أخذ میثاقی مع میثاق

ص:101


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح45/99 ص150.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح46/100 ص151.

مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمداً(صلی الله علیه و آله) وجاهدت بین یدیه وقتلت عدوه، ووفیت لله بما أخذ علیّ من المیثاق والعهد والنصرة لمحمد(صلی الله علیه و آله) ولم ینصرنی أحد من أنبیاء الله ورسله، وذلک لما قبضهم الله إلیه، وسوف ینصروننی ویکون لی ما بین مشرقها إلی مغربها، ولیبعثنهم الله أحیاء من آدم إلی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) کل نبی مرسل یضربون بین یدی بالسیف هام الأموات والأحیاء والثقلین جمیعا .... وإن لی الکرة بعد الکرة، والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والکرات»(1).

والإیاب أیضاً أخص مطلقاً من الرجعة، وخصوصیتها التی تمتاز بها عن الکرة أنه یشیر إلی ملکهم ودولتهم وبسط سلطانهم(علیهم السلام) کما جاء فی دعاء الیوم الثالث من شعبان وهو یوم ولادة الحسین(علیه السلام):

«... وسید الأسرة الممدود بالنصرة یوم الکرة، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء فی ترتبه والفوز معه فی أوبته...»(2).

قاعدة فی تکلیف أهل الرجعة ودرجات الإختیار فیها:

یثار فی البدء سؤالان:

السؤال الأوَّل: لو کان أهل الرجعة مکلفین لجاز أن یتوب کل واحد من أعداء الدین ممن استحق اللعنة الإلهیة والعذاب الألیم، وذلک لاطلاعه علی جملة من أحوال الآخرة مما یوجب ارتداعهم عن غیّهم.

ص:102


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : ح2/102.
2- (2) مصباح المتهجد : أعمال شهر شعبان ح886.

وهذا التساؤل فی الحقیقة یندرج فی کل من قاعدة تکلیف أهل الرجعة، وفی تحقق درجات من الاختیار لأهل الرجعة.

السُّؤال الثَّانِی: ثمة أدلة دالة علی انقطاع التکلیف بالموت أو بالمعاینة، وثمة أدلة دالة أیضاً علی انقطاع التوبة دون التکلیف، وأن التکلیف باقٍ حتی بعد المعاینة، إذ لا یجوز للمکلف مثلاً أن یکفر بالله تعالی ولا بالمعتقدات الحقة بعد المعاینة فضلاً عن حال الرجعة فکیف یجمع بینهما؟

والجواب عن هذین التساؤلین وغیرهما مما یرتبط بالاختیار والتکلیف یتمّ عبر الالتفات إلی عدة أمور:

الأول: إن بعثهم من البرزخ إلی الدنیا مرة أُخری هو بمثابة بعث الإنسان من النوم، فلا یتذکر تفصیل ما جری له من قبل إلّا بمثابة خواطر ضعیفة کما ورد عنه(صلی الله علیه و آله):

«لتموتن کما تنامون ولتبعثن کما تستیقظون»(1)، إذْ المنام یوجب انتقال الروح إلی البرزخ النازل، وفی الموت إلی البرزخ الصاعد، ألا تری إلی أهل الآخرة عندما یبعثون فیُسئلون کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ (2) و یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً * یَتَخافَتُونَ بَیْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ

ص:103


1- (1) الإعتقادات للصدوق: باب 19 الإعتقاد فی البعث بعد الموت: ص157. مناقب آل أبی طالب: ج1 ص44.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 19.

طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ یَوْماً (1) فلا یتذکرون من أمور البرزخ شیئاً، وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ (2)، وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (3).

الثانی: إن الملکات الردیئة المترسخة تعاوقهم وتمانعهم عن التوبة نظیر من أدمن علی المخدرات دهراً من عمره، فیثقل علیه الامتناع عنها، فهذه الملکات المترسخة المتجوهرة فی ذواتهم تلحّ علیهم بالبقاء علی ما کانوا علیه نظیر قوله تعالی: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ مع أنّ عذاب الآخرة الکبری أشد من عذاب البرزخ، ومع ذلک أنبأ تعالی عن حالهم أنهم یعودون لما نهوا عنه لو ردّوا ورجعوا من الآخرة الأبدیة إلی دار الدنیا.

ثالثاً: إنّ ما أدعی من إشارة الأدلّة إلی انقطاع التکلیف بالموت أو بالمعاینة مدفوع بأن ما تشیرإلیه الأدلة إنما هو انقطاع قبول التوبة، وهذا لا یستلزم انقطاع التکلیف والقدرة والاختیار، بل هو نظیر ما ورد من أن من ارتکب بعض الکبائر المعینة یسلب قبول التوبة ویسلب قبول الأعمال الصالحة من دون أن یستلزم ذلک سقوط التکلیف ولا زوال القدرة والاختیار نظیر ما فی قوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها (4).

ص:104


1- (1) سورة طه: الآیة 102 - 104.
2- (2) سورة الروم: الآیة 56.
3- (3) سورة الروم: الآیة 54.
4- (4) سورة النساء / 93.
الفرق بین الدین والشریعة:

رابعاً: إن الصحیح أن الدین لا انقطاع ولا ارتفاع له فهو مستمر وممتد فی الآخرة والقیامة الکبری وفی دار الخلود فی الجنان أو الجحیم وإن انقطعت الشریعة بدار الامتحان، وذلک لأنّ معنی الدین هو المعارف الاعتقادیة الحقة من التوحید والإقرار بآیات الله تعالی من الأنبیاء والأوصیاء وبقیة المعارف الدینیة الإعتقادیة، وکذا بقیة أرکان الدین فی الفروع مما ترتبط بآداب العبودیة تجاه الساحة الإلهیة فهی لا تختص بنشأة دون أخری، وهذه الأرکان من معنی الدین لا تختص بالثقلین من الإنس والجن، بل هی ناموس للرابطة بین الخالق العزیز وکل مخلوق من الملائکة والأرواح وغیرها من أصناف المخلوقات.

وهذا ما یُشیر إلیه قوله تعالی: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1).

وقوله تعالی: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ (2).

وأما الشریعة فهی تفاصیل الفروع .

وعلی ضوء ذلک فإن القدرة والاختیار لا تنقطع عن المخلوق، غایة الأمر لکل مخلوق بحسب - مرتبته الوجودیة ودرجته - قدرته واختیاره وکماله المقرر له، فما اشتهر فی ألسنة المتکلمین والفلاسفة من انقطاع التکلیف واختصاص التکامل بنشأة دار الدنیا إن کان المراد بلحاظ تکلیف

ص:105


1- (1) سورة الأعراف / 83.
2- (2) سورة فصلت: الآیة 11.

الشریعة والشرایع فهو صحیح، وعلیه یحمل ما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«فإن الیوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل»(1)، وأما إن کان بلحاظ إنقطاع التکلیف والمسئولیة والطاعة ومولویة الباری تعالی بلحاظ دائرة الدین فغیر تام.

هذا مع أنَّ الرجعة من دار الدنیا، وهی الحیاة الآخرة من الدنیا، فالشریعة أیضاً فیها مستمرة، نعم للاختیار والقدرة درجات تختلف بحسب إمکانیة الفرص ودرجات القابلیة کما مرَّ بعض الإشارة له وسیأتی مزید بسط لذلک .

وقد ورد أن الملائکة عند اعتراضهم علی خلافة آدم(علیه السلام) قد أظلم الفضاء علیهم وضجّوا بالتوبة مما یدلُّ علی أنهم مخاطبون بأصل الدین، مضافاً إلی أمرهم بالسجود لخلیفة الله فی الأرض الذی هو کنایة عن طاعتهم وإنقیادهم له، ومداینتهم بولایته بعد ولایة الله .

وقال السید المرتضی فی رسائله: «إنّ التکلیف کما یصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآیات القاهرة فکذلک مع الرجعة لأنه لیس فی جمیع ذلک مُلجئ إلی فعل الواجب والامتناع من فعل القبیح»(2).

خامساً: إن الرجعة لیست من عوالم الآخرة الکبری، بل هی امتدادٌ

ص:106


1- (1) الکافی ج8 ص58 ح21 . نهج البلاغة خ42.
2- (2) رسائل السید المرتضی ج1 ص126.

لنشأة الدنیا وأحکامها غایة الأمر تنقسم الدنیا إلی الدنیا الأولی والدنیا الآخرة، وأما البرزخ فلیس کما اشتهر عند المتکلمین والفلاسفة من کونه من أبواب النشأة الأبدیة، بل کما سیأتی مفصلاً من بیانات روایات الرجعة هو حالة برزخیة بین الدنیا الأولی والدنیا الآخرة، أی فترة تتخلل بینهما نظیر تخلّل الحالة المنامیة بین یقظتین.

وما ورد من أن الموت أول یوم من أیام الآخرة وآخر یوم من أیام الدنیا فمحمول علی آخر یوم من الدنیا الأولی، وأول یوم من آخرة الدنیا، فإطلاق (الآخرة) علی معنیین بَلْ معان متعددة، کما هو الحال فی عنوان (البعث) فإنه یطلق علی بعث الرجعة، وبعث القیامة، وبعث ما بعد القیامة إلی الآخرة الأبدیة من البعث إلی الجنة والنار الأبدیتین.

ص:107

ص:108

الجبر والاختیار فی الرجعة
اشارة

هناک معطیات وأمور کثیرة تطالعنا بها بیانات الروایات بوقفات تحلیلة لملاحظة صفة الاختیار فی أبعاد عدیدة فی عالم الرجعة، وأن التکلیف مستمر والشریعة باقیة فی الرجعة ولو بظهور بعض ما کان باطناً وخافیاً من أحکامها.

فالرجعة استمرار للتکلیف لا انقطاع له ولا إعادة للتکلیف من البدء مرة أُخری.

قال الشیخ محمد آل عبدالجبار «الرجعة والبرزخ وزمن الرجعة یخالف ما سبق من الدنیا الأولی، فالرجعة برزخ بین الأولی من الدنیا والآخرة الأبدیة، ولذلک تظهر فیه الجنتان وتظهر أحکام الباطن وأسرار أهل البیت(علیهم السلام) عیاناً، وینفی الشرک ظاهراً أو باطناً، ویکون الحساب فی الرجعة وعلی ید الحسین(علیه السلام) فی زمن الرجعة لأکثر الخلق، وهو یقضی بوجود التکلیف فی مراتب الوجود وطبقات السماوات قبل مرتبة الجنة والنار، وأن الموت مراتب والحیاة مراتب

ص:109

وأن کل حیاة بعد موت هی حیاة أقوی من سابقتها وکذا الموت اللاحق أشد وأطمّ من السابق».

شواهد بیانیة فی الروایات علی استمرار التکلیف فی الرجعة:
الشاهد الأول: درجات الاختیار والرجعة:

إن ذهاب فرص الاختیار وقلتها علی درجات، فقابلیة الانسان فی الاختیار فی بدایة طفولته ومراهقته منفتحة علی خیارات کثیرة وآفاق وسیعة، ولکنه شیئا فشیئا عندما یکبر ویحدد مسیره واتجاهه تتعین وجهته وتتقلص جملة من خیاراته وتفوته جملة من الآفاق، وذلک بسبب نشؤ الملکات والصفات التی تشکل طابع خاص لذاته، فیجبل علی تلک الملکات وتقل منافذ الطرق فتقل سعة حراکه حتی إذا بلغ الاربعین إشتد رسوخ الملکات فیه وفی أرضیة نفسه، وکلما شاخ شب فیه ماتطبّع علیه من الخلق، فیکون تغیر شاکلة أفعاله عما هو علیه من الصعوبة بمکان کما هو الممتنع.

ولنمثل لذلک مثالا کمن رام الذهاب الی مقصد - کمکة المکرمة او المدینة المنورة أو أحد المراقد المقدسة - ثم التبس علیه الطریق فمال عنه یسیرا، فإنه کلما تمادی فی السیر إزداد بعدا حتی یصل الی منازل ومواطن قد توغل فیها عمقا، حیث إنه لایزیده السیر إلّا بعداً، فیکون الرجوع من الصعوبة بمکان بمثابة الممتنع وإن لم یکن ممتنعا حقیقة، إلّا أن الرجوع

ص:110

یحتاج الی مکابدات لاتطاق من ثقلها وعنائها، فالقدرة علیه بثقل السموات والأرض تجرعا ومرارة وعناءاً.

وبهذا یتضح معنی غلق أبواب الاختیار وذهاب الفرص وتبدد القدرة، کما یتضح ایضا معنی کون باب الرجوع والتوبة وامکانیتهما ینغلق علی درجات لا علی درجة واحد، فیتعدد باب غلق التوبة وهو علی درجات کما ورد فی الآیات والروایات.

تعدد مراتب الإختیار بمراتب سد التوبة:

1 - بلوغ الأربعین، حیث ورد وروی أنَّه إذا بلغ الرجل أربعین سنة ولم یتب مسح إبلیس وجهه، وقال بأبی وجه لایفلح(1).

2 - عند الموت درجة.

3 - ظهور الإمام المهدی(عج).

4 - الرجعة وکلّ مرحلة من مراحلها.

5 - خروج دابة الأرض، وقد ورد مستفیضاً أنه تغلق التوبة عنده.

6 - أربعین یوم قبل قیام القیامة الکبری .

7 - مجیئ الساعة وقیام القیامة الکبری .

وتعدد غلق الباب للتوبة یشیر إلی فقد خیارات الاختیار وتضائل

ص:111


1- (1) سفینة البحار /جلد /1 ص504.

القدرة والقوة أکثر فأکثر، فیضیَّق شیئاً فشیئاً طریق الرجوع والاصلاح والتوبة کأنه ینسد .

قال الله تعالی : الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ (1)، والخسارة تعنی ذهاب هذه القدرات فی النفس, ومن ثم قال الإمام العسکری(علیه السلام) کَمَا فی تحف العقول للحرانی: «ریاضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته کالمعجز».

ویؤیّد ذلک ما ورد من أن من بلغ الأربعین ینغلق علیه باب من أبواب التوبة ودرجة من درجاتها.

وقوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2)، وقوله یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ کلما تتجلّی الآیات فی الرجعة ینغلق باب التوبة شیئاً فشیئاً.

فالمؤمن ربما تحصل له عنایة خاصة من بکائه علی الحسین(علیه السلام) فتغفر ذنوبه، ولکن هل یستطیع إبلیس أن یبکی علی الحسین(علیه السلام) وهو فی فترة امتحان؟ إنّ ذلک کالممتنع علی قلبه.

ومثل عمر بن سعد عندما بکی علی الحسین(علیه السلام) لکنه بعد ذلک رجع وأمر برضّ صدر الحسین(علیه السلام).

فحالة الشقاوة متمکّنة منه، والحالة الأولی من البکاء عابرة منطلقة من

ص:112


1- (1) سورة الزمر: الآیة 15.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.

الفطرة التی دیس علیها, وأما عدوانیته وطغیانه علی الحسین(علیه السلام) فملکات متمکنة من جوهر ذاته .

الشاهد الثانی: تخییر المؤمن فی قبره:

روی فی دلائل الإمامة للطبری عن سیف بن عمیرة، قال: قال لی أبو جعفر(علیه السلام):

«المؤمن لیخیَّر فی قبره، إذا قام القائم، فیقال له: قد قام صاحبک، فإن أحببت أن تلحق به فإلحق، وإن أحببت أن تقیم فی کرامة الله فأقم»(1).

وکذلک رواه الطوسی فی الغیبة باختلاف یسیر(2).

وظاهر الحدیث أن أصل الرجوع فی الرجعة هو باختیار من المؤمن لا بإلجاء، نظیر ما ورد فی موت المؤمن أیضاً أنه لا یوقع علیه بإلجاء بل باختیار منه نسبیاً حیث یریه الله تعالی نعیمه وأولیاؤه محمدا وعترته الطاهرین صلوات الله علیهم فیختار الموت، لکن هذا محمول علی أوائل الرجعة، وأما الرجعات الأخری فی أواسط الرجعة وأواخرها فالظاهر أنها حتمیة.

الشاهد الثالث: التمادی فی المسیر المعنوی وأثره:

إذا تمادی شخص فی طریق الخطأ وذهب متوغلاً بعیداً فیه تجد أنّ رجوعه وتوبته بمکان من الصعوبة.

ومثال ذلک: المدمن علی المخدّرات فإنه لیس بمحال أن یقلع لکن

ص:113


1- (1) دلائل الامامه.ص 489.ح.75/471.
2- (2) الغیبه للطوسی.ص458./ح 470.

یصعب علیه ذلک، وقد تصل الصعوبة الی درجة شدیدة جداً یحسبها کالممتنع، ویقول لمن یعظونه لئن ترمونی من سبع سماوات أهون علیَّ من أن أقلع عن ما أنا علیه، فکلما ازداد التمادی فی الغیّ والباطل اشتدت صعوبة الرجوع علیه.

وکذلک السالک فی جانب الخیر یتمادی فی طریق الخیر والنور فیصعب علیه أن یرجع عنه إلی القهقری، فکلما شاخ وأسن وطال عهده بطریق الخیر کلما اشتد وغوله ورسوخه فی درجات الهدی الی أن یصل الی الدرجات العلیا، فیصبح محاسباً علی ترک الأولی کمن یحاسب علی الفواحش الظاهرة، وهذا معنی «حسنات الأبرار سیّئات المقرّبین» وکلما إرتقت درجته اشتدت الاولویات فی حقه وشأنه وازدادت مسؤلیاته ومسائلته عن دقائق الأمور وخفایا الخطور، بل وعن بواطن الاسرار .

فهناک تفاوت بین الأولویات والأولی الذی یحاسب علیه الانبیاء بترکه، وبین الأولی الذی یوآخذ به سید الانبیاء والائمه(علیهم السلام) ،فالمسؤولیة تتفاوت بدرجات کبیره بحسب المراتب والفضیله والقرب «تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ »1.

مثلاً إن المخالفات من ترک الأولی التی عرضت علی الأنبیاء بمستواها الظاهر دون الأولویات التی کانت علی عهدة النبی والائمة(علیهم السلام)، فهم فوق

ص:114

ذلک بکثیر إذ یستشعرون التقصیر (بالفتور عن ذکر الله) ویعدّونه معصیة فی قبال ما عدّه غیرهم مباحا غیر معصیة، فیتقون عن الفتور عن ذکر الله کما یتوقی سائر الناس عن الکفر، وهو معنی قوله تعالی : رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ (1) فالمحاسبة عندهم علی کل نفس، وکل خاطر، وکل هجسة من هواجس النفس، وعلی کل حدیث توسوس به أنفسهم.

ولذا توقی یوسف(علیه السلام) من الخطور الذی یتعاطاه الملایین من الناس، کما فی قوله تعالی: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ (2).

ص:115


1- (1) سورة النور: الآیة 37.
2- (2) سورة یوسف: الآیة 33.

ص:116

تکلیف أهل الرجعة ودرجة اختیارهم
اشارة

تساؤل: قَدْ یستدل علی نفی الرجعة بما ورد فی بعض أحادیث التلقین - عند وضع المیّت فی القبر - أنّه ینبغی أن یقال له: هذا أوّل یوم من أیّام الآخرة، وآخر یوم من أیّام الدنیا.

والجواب عنه - کَمَا تَقَدَّمَ - أن لفظ الآخرة کَمَا یطلق عَلَی عالم القیامة وما بعده من النشأة الأبدیة , کذلک یطلق لفظ الآخرة علی الفترة الثانیة من الحیاة الدنیا .

وقد أجاب الحرّ العاملی عنه، ونحن نضیف جملة من التعدیل علیه:

أولاً: إنّ الرجعة بحسب بدایاتها غیر عامّة لکلّ أحد، وإنّما ینبغی تلقین المیّت بذلک، لعدم العلم بأنّه من أهل بدایات الرجعة بنحو محقق مقطوع.

ثانیاً: إنّ الرجعة وإن کانت واسطة بین الدنیا الأولی والآخرة الأبدیة إلّا أنّه یجوز أن تطلق الآخرة علی کل واحد منهما، وبعبارة أُخری إنَّ للحیاة الدنیا حیاة أولی وحیاة آخرة من الدنیا، وقد عرفت إطلاق أهل

ص:117

اللغة اسم الدنیا علیها، وقد وردت الأحادیث التی تفید إطلاق کلّ واحد من لفظ الدنیا ولفظ الآخرة علی الرجعة باعتبارین، ووردت أحادیث صریحة فی إطلاق اسم الآخرة علیها أیضاً.

ثالثاً: إنّ الحیاة الأولی من الدنیا بالنسبة إلی الثانیة یجوز أن یطلق علیها اسم الدنیا بحسب وضع اللغة، بأن تکون وضعت للأولی خاصّة، إمّا من الدنو أو من الدناءة، ویکون إطلاقها علی الحیاة الثانیة محتاجاً إلی القرینة، لأنّه إنّما یصدق علیها ذلک المعنی بالنسبة إلی القیامة الکبری لا مطلقاً , وقد ورد أیضاً إطلاق الدنیا الأولی والآخرة من الدنیا علیهما .

رابعاً: إنّ أهل الرجعة یحتمل کونهم غیر مکلّفین بالشریعة وإن کانوا مکلفین بالدین، والمراد بالدنیا فی حدیث التلقین دار التکلیف بالشریعة کما یفهم منه بالقرینة, وقد تقدم النظر فی هذا الجواب ومنعه.

خامساً: إنّ الحدیث المشار إلیه غیر متواتر، فلا یقاوم أحادیث الرجعة وأدلتها لو کان صریحاً فی المعارضة فکیف واحتمالاته کثیرة.

التکلیف ومدار الحجیة فی الرجعة:

إن مدار الحجیة فی الرجعة هو مدار الحجیة فی الحیاة الأولی من الدنیا کما هو الحال فی زمن غیبة الإمام المهدی(عج)، وکما هو الحال فی زمن ظهوره، وقد روی الکلینی بسنده عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: وَ قَضَیْنا

ص:118

إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ (1) ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ (2)

خروج الحسین(علیه السلام) فی سبعین من أصحابه علیهم البیض المذهب، لکل بیضة وجهان المؤدون إلی الناس أن هذا الحسین قد خرج حتی لا یشک المؤمنون فیه، وإنه لیس بدجال ولا شیطان والحجة القائم بین أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة فی قلوب المؤمنین أنه الحسین(علیه السلام) جاء الحجة الموت، فیکون الذی یغسله ویکفنه ویحنطه ویلحده فی حفرته الحسین بن علی(علیهماالسلام) ولا یلی الوصی إلا الوصی»(3) .

ومفاد الروایة أن مقام الإمامة لا سیما فی الرجعة رغم أنه منصب عظیم وخطیر، إلا أن الإلتباس بشخصیة أخری تتقمص منصب الإمامة بأن یکون دجالاً أو شیطاناً أمر ممکن، فیظهر منه التلاعب فی منطق الکلام، وهو الإحتمال الأوَّل أی الدجل، أو التلاعب فی إظهار أمور خارقة للعادة بحسب الصورة لا الحقیقة، وهو الإحتمال الثانی وهو الشیطنة، بل کلا الأمرین فی کلا الإحتمالین یجتمعان، فلابد من توکید الدلالات والآیات علیه(علیه السلام) کی تتم الحجیة، لخطورة هذا المقام الذی هو سبب واصل بین الأرض وسماء الغیب، فلا تتم الدلالة إلا بدلالة إمام قبله، کما ورد أن الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، أی أن منطق الحجیة مهمین منهاجا علی طریق الإتصال بالسماء، ولیس إدعاءات

ص:119


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 4.
2- (2) سورة الإسراء: الآیة 6.
3- (3) روضة الکافی : ح250 ص206.

ومزاعم فارغة، ثم لا یکتفی بأصل الحجیة حتی تستقر المعرفة فی قلوب المؤمنین، ولا تکون معرفة مستودعة بَلْ مستقرة توکیداً شدیداً کما هو الدیدن فی سیرة الشیعة مع الأئمة(علیهم السلام) أنها کانت علی دوام إمتحان معرفتهم بشخص الإمام، وعدم الإکتفاء بالإمتحانات السابقة .

درجة الإختیار فی أفعال یوم القیامة:

إنّ أهل الآخرة یقومون بأفعال کثیرة سواءً فی مشهد القیامة الکبری أو فی الجنّة أو فی النار أو ما بین هذین المقامین، والفعل إنّما یصدر عن الفاعل عن قدرة وعلم واختیار، وهذا یقرّر أنّ تلک النشئات وإن لم یکن فیها تکلیف شریعة، إلّا أنّ الدین قائمٌ مُقامٌ فی کل النشئات وهو من أحکامها تکویناً وطریقة ومنهاجاً.

ومن نماذج تلک الأفعال:

1 - المشی إلی موقف الحساب.

2 - الجواب عن کلّ ما یُسألون عنه.

3 - التکذیب فی بعض مواقف یوم القیامة وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا أَیْنَ شُرَکاؤُکُمُ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَکُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَ اللّهِ رَبِّنا ما کُنّا مُشْرِکِینَ * انْظُرْ کَیْفَ کَذَبُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (1).

ص:120


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 22 - 24.

4 - المرور علی الحوض فی أواخر الرجعة قبل القیامة.

5 - حرکة أهل الجنّة والنار إلی منازلهم.

6 - الشفاعة.

7 - غضّ الأبصار.

8 - الجثو علی الرکب. وَ تَری کُلَّ أُمَّةٍ جاثِیَةً کُلُّ أُمَّةٍ تُدْعی إِلی کِتابِهَا الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1).

9 - الأکل والشرب والجماع.

10 - زیارة بعضهم بعضاً. وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ (2).

11 - التحمید والتسبیح دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللّهُمَّ وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (3).

وهذا یفید أنّ هناک مسیر تکامل وصدور أفعال عن علم وقدرة.

إغلاق باب التوبة:

وروی الصدوق بسنده عن عبدالله بن سلیمان العامری عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال:

«ما زالت الأرض إلّا ولله تعالی فیها حجّة، یعرف الحلال من الحرام، ویدعو

ص:121


1- (1) سورة الجاثیة: الآیة 28.
2- (2) سورة الحجر: الآیة 47.
3- (3) سورة یونس: الآیة 10.

إلی سبیل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل القیامة، وإذا رفعت الحجة أُغلق باب التوبة ف لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً

،أولئک شرار خلق الله وهم الذین تقوم علیهم القیامة»(1).

والظاهر من الحدیث أنّ ارتفاع التوبة علی درجات، فالموت درجة من غلق التوبة، وظهور الإمام(علیه السلام) درجة آخری من غلق التوبة.

وأربعون یوما قبل القیامة درجة ثالثة تغلق التوبة، أی یشتد الغلق، ومعنی اشتداده هوازدیاد درجات فقد الاختیار.

غلق باب التوبة وانقطاعها تدریجیٌ:

من الأحکام التکوینیة العامة فی الرجعة ما تشیر إلیه الآیة الکریمة من انقطاع التوبة فی قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2) وقد وردت روایات عن أهل البیت(علیهم السلام) تفسرها بالرجعة، بل إنّ روایات العامّة(3) الواردة فی ذیل الآیة فسَّرت قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ بخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها والدخان،

ص:122


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة الباب 22/ح24 ص229.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) الدر المنثور للسیوطی فی ذیل الآیة رواها عن مصادر عدیدة .

وهی من معالم الرجعة، وقد رواها العامة وهم لا یشعرون بأنها من روایات الرجعة، وقد استفاضت الروایات فی نزول مفاد هذه الآیة فی الرجعة، ولیس کما قیل: إنّها عامة فی معنی کلی وانطباقه علی الرجعة من باب الجری، لا سیما أنّ روایات أهل البیت(علیهم السلام) قد عالجت جملة من ألفاظ هذه الآیة الکریمة بحسب مالها من ظهور أوّلی، وبیان تعیین مفادها فی الرجعة وخروج القائم(علیه السلام).

وفی صحیح علی بن رئاب، عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنّه قال فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، فقال:

«الآیات هم الأئمة والآیة المنتظر هو القائم(علیه السلام)، فیومئذ لا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل قیامه بالسیف وإن آمنت بمن تقدَّمه من آبائه(علیهم السلام)»(1).

وفی کمال الدین عن أبی بصیر، قال: قال الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیهماالسلام) فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً ، قال:

«یعنی خروج القائم المنتظر منّا»، ثم قال(علیه السلام):

«یا أبا بصیر طوبی لشیعة قائمنا المنتظرین لظهوره فی غیبته، والمطیعین له فی ظهوره، أولئک أولیاء الله الذین لا خوف

ص:123


1- (1) الإمامة والتبصرة لعلی بن بابویه : باب إمامة القائم ح26 ص102، باب فی آیات خروجه ح130 ص128. کمال الدین للصدوق ب33 ح8 ص336. ورواه فی البحار ج51 ص51 ب5 ح25 عن ثواب الأعمال ولم یوجد فی المطبوع منه .

علیهم ولا هم یحزنون»(1).

وروی العیاشی عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبی جعفر وأبی عبدالله(علیهماالسلام)، فی قوله: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها ، قال:

«طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدجال، والرجل یکون مصرّاً ولم یعمل علی الإیمان، ثم تجیء الآیات فلا ینفعه إیمانه»(2).

والروایة قیدت بخصوص المصرّ دون المستضعف، بل دون المخالف غیر المصرّ، فالروایة دالة علی أنّ المجال مفتوح، لکن روی روایة عن مسعدة بن صدقة، عن أبی جعفر محمد بن علی، عن أبیه، عن جده(علیهم السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«إنّ الناس یوشکون أن ینقطع بهم العمل، ویسدّ علیهم باب التوبة، ف- لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً » (3).

وفی روایة أخری فی کمال الدین: أنّ ذلک - أی عدم النفع - إنّما هو إذا خرجت الدابة معها خاتم سلیمان وعصا موسی فتطبع علی وجه المؤمن بالإیمان وعلی وجه الکافر بالکفر، وأنّ ذلک بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلک ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل یرفع ولا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً، ثم قال(علیه السلام):

«لا تسألونی عمّا یکون

ص:124


1- (1) کمال الدین ب33 ح54 ص357.
2- (2) تفسیر العیاشی : ج1 ص384 ح128.
3- (3) تفسیر العیاشی : ج1 ص384 ح127.

بعد هذا، فإنّه عهد إلیّ حبیبی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن لا أخبر به غیر عترتی»(1).

وتوجیه سدّ باب التوبة علی وجوه، مضافاً إلی ما تقدم:

1 - أنْ یکون ذلک لأجل قرب یوم القیامة الکبری کما تشیر إلیه روایة أُخری فی کمال الدین للصدوق رواها عن عبدالله بن سلیمان العامری، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال:

«ما زالت الأرض إلّا ولله تعالی ذکره فیها حجّة یعرف الحلال والحرام ویدعو إلی سبیل الله عَزَّ وَجَلَّ ولا ینقطع الحجة من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل یوم القیامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولن ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، أولئک شرار من خلق الله، وهم الذین تقوم علیهم القیامة»(2).

2 - أن یکون معنی عدم النفع بمعنی أن یسلب التوفیق والقدرة علی الإیمان أو علی العمل الصالح، وذلک لما قرّر فی البحوث العقلیة لما جاء فی بیانات الوحی من أنّ أعمال الإنسان فی الدارالأولی من الدنیا تؤثر إیجاباً أو سلباً فی مسار الإنسان فی الدار الآخرة من الدنیا وهی الرجعة، نظیرتأثیر اختیارات الإنسان فی عالم الذرّ والمیثاق علی اختیاراته فی دار الدنیا، فحاصل هذا التأویل لیس ارتفاع الامتحان والاختیار، بلْ هو تقلّص فرص الاختیار وسلب أو ضعف القدرة علی تغییرالمسار لتسلط الملکات النفسانیة علی إرادة الإنسان.

ص:125


1- (1) کمال الدین : ب47 ح1 ص527.
2- (2) کمال الدین : ب 22 ح 24 ص229.

وفی الکافی عن هشام بن الحکم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث قال:

«لا ینفع إیمانها لأنّها سلبت »(1).

الفرق فی الاختیار بین نشأة الملکوت ونشأة الدُّنْیَا:

3 - أن یراد تعجیل العذاب الذی یصطلم الجاحدین أو الفاسقین علی ید الحجّة(عج) عند الظهور أو علی ید الأئمة(علیهم السلام) عند الرجعة، أی عند وقوع ذلک العذاب علیهم من قتل ونحوه لا قبل ذلک، أی أنهم لا یمهلوا، لا أن الإختیار من أفعالهم لا یقع.

کما ورد فی تفسیر أن النبی(صلی الله علیه و آله) بعث رحمة والحجة القائم(عج) یبعث نقمة، أن المراد من بعثته رحمة أن العباد فی مهلة فی زمنه(صلی الله علیه و آله)، وکذا فی العهد السابق للأئمة(علیهم السلام)، بینما فی عهد ظهور صاحب الأمر لا یمهل أعداءه ولا یمهل العصاة، بل یعاجل العقوبة علی ما ارتکبوه، وهذا الفارق بین الحیاة الأولی من الدنیا والرجعة بعد کون ظهور صاحب الأمر فاتحة للرجعة شبیه بالفرق بین نشأة الحیاة الدنیا التی هی دار إمتحان ونشأة الملکوت، فإنَّ فی نشأة الملکوت لا یسلب الإختیار ولکن لا یمهل من یرتکب المخالفة، فیعاجل له بالعقوبة کما فی القصة المعروفة لفطرس الملک، وکما فی ظلمة الفضاء علی الملائکة حینما اعترضوا علی استخلاف آدم(علیه السلام)، وکما فی إخراج ابلیس من الملکوت حینما عصی ربه ولم یسجد لآدم قالَ فَاهْبِطْ

ص:126


1- (1) الکافی ج1 ص428 باب فیه نکت ونتف من التنزیل فی الولایة ح81.

مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصّاغِرِینَ (1)، ففی الملکوت ودار القرب الإلهی لا یسلب الإختیار ولکنه یرتفع الإمهال، فمعنی کون دار الدنیا دار إمتحان ودار الآخرة دار الجزاء لیس الفارق بینهما بسلب الإختیار فی دار الجزاء ووجوده فی دار الإمتحان، بل الفارق أن فی دار الإمتحان إمهال وإعطاء فرصة للتصحیح والتغییر والتوبة بخلاف دار الجزاء فإنها یعاجل فیها العقوبة، إلا أن بین الدارین فارقا آخرا وهو إختلاف درجات الإختیار، فإن فرص الإختیار فی الأولی أکثر بخلافها فی الآخرة، وإن کان العلم فی دار الآخرة یزداد عما هو علیه فی الدار الأولی، ولعله أحد أسباب الإمهال فی دار الإمتحان دون دار الإجزاء.

بین الاختیار والحساب والجزاء:

ثم إن بین دار الحیاة الأولی من الدنیا ودار الجزاء الآخرة الأبدیة درجات متوسطات من الدور، کزمن ظهور صاحب العصر، ونشأة الرجعة وهی الحیاة الآخرة من الدنیا، وأواسط الرجعة وهو زمن خروج دابة الأرض، وأواخر الرجعة حیث یبدأ فی إقامة الحساب، وأربعین یوماً قبل القیامة حیث تنقطع وترتفع الحجة، ثم نشأة عالم القیامة، ثم من بعد ذلک نشأة الآخرة الأبدیة من الجنة والنار، فیتبین من ذلک طبقات الإختیار وطبقات المهلة والإمتحان عن مقامات ومراتب الحساب والجزاء، وأن مراتب الحساب متقدمة علی الجزاء ومتوسطة بین الإمتحان والجزاء، کما

ص:127


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 13.

أنه سیتبین أن للحساب مراتب أیضاً تشتد شیئاً فشیئاً، وکذلک الحال فی مراتب الجزاء وإشتداده شیئاً فشیئاً.

وعلی هذا التفسیر یبقی الاختیار فی عصر الظهور والرجعة، ولکن الجاحد لا یبقی مخیّراً علی جحوده، بل إن لم یؤمن فیعجل علیه العقاب وکذلک الفاسق لا یمهل.

ویعضد هذا التفسیر ما رواه الصدوق فی عیون الأخبار عن الرضا(علیه السلام) بإسناده عن إبراهیم بن محمد الهمدانی، قال: قلت لأبی الحسن علی بن موسی الرضا(علیه السلام): لأیّ علّة أغرق الله عَزَّ وَجَلَّ فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحیده؟ قال:

«لأنّه آمن عند رؤیة البأس، والإیمان عند رؤیة البأس غیر مقبول، وذلک حکم الله تعالی فی السلف والخلف، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ * فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (1)،

وقال عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (2)،

وهکذا فرعون لمّا أدرکه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ ،

فقیل له: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ * فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ آیَةً (3)...»(4).

ص:128


1- (1) سورة غافر: الآیة 84.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) سورة یونس: الآیة 91-92.
4- (4) عیون أخبار الرضا*: ج1 ص83 ح7.

4 - أن یکون هذا الإیمان غیر مقبول ولا یثابون علیه وإن وقع منهم، وذلک لتجلّی الآیات القاهرة فی العیان، فلا یکون من قبیل الإیمان بالغیب کما تشیر إلیه صحیحة ابن درّاج، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (1)، قال:

«یوم الفتح یوم تفتح الدنیا علی القائم لا ینفع أحداً تقرَّب بالإیمان ما لم یکن قبل ذلک مؤمناً وبهذا الفتح موقناً، فذلک الذی ینفعه إیمانه، ویعظم عند الله قدره وشأنه، وتزخرف له یوم البعث جنانه، وتحجب عنه نیرانه، وهذا أجر الموالین لأمیر المؤمنین وذرّیته الطیّبین، صلوات الله علیهم أجمعین»(2).

ویعضد هذا المفاد ما رواه الکلینی من قصّة النصرانی الذی فجر بامرأة مسلمة، فأراد المتوکّل أن یقیم علیه الحدّ فأسلم، فأفتی علماء العامّة بعدم وجوب إقامة الحدّ علیه، فسأل عن ذلک أبا الحسن الثالث(علیه السلام) فأمر أن یضرب حتی یموت، فسألوه(علیه السلام) فکتب:

«بسم الله الرحمن الرحیم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ ،

فأمر به المتوکل فضرب حتّی مات»(3).

ویقرّب هذا الوجه قوله تعالی: لا یَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا (4).

ص:129


1- (1) سورة السجدة الآیة 29.
2- (2) تأویل الآیات ج2 ص454 ح9.
3- (3) الکافی ج7 ص238 باب ما یجب علی أهل الذمة من الحدود ح2.
4- (4) سورة الحدید: الآیة 10.

5 - وهو جامع لما تقدَّم من الوجوه الأربعة ومطابق لما عقدناه من مقالة مستقلّة حول أنّ الأدوارفی الرجعة والموقعیّة فیها هی ولیدة أعمال الإنسان قبل الرجعة وقبل ظهور الحجّة وأنّ المعانی السابقة الأربعة غیر متدافعة، بل متراتبة یضیّق فیها الخیار والاختیار حتی یطبع علی القلب والجبهة بخاتم دابة الأرض.

وقد جاء عین هذا الحکم فی آیات أخری للرجعة، کقوله تعالی: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (1). وکذا قوله تعالی فی آیات لاحقة من سورة السجدة: وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ * قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (2).

فقد روی علی بن إبراهیم فی قوله تعالی: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُزِ (3)، قال: « الأرض الخراب، وهو مثل ضربه الله فی الرجعة والقائم(علیه السلام) فلما أخبرهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) بخبرالرجعة قالوا: مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ، وهذه معطوفة علی قوله: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ، فقالوا: مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ، فقال الله لهم: یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ یا محمد وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ » (4).

ص:130


1- (1) سورة السجدة: الآیة 21.
2- (2) سورة السجدة: الآیة 28-30.
3- (3) سورة السجدة: الآیة 27.
4- (4) تفسیر القمی: ج2 ص171.

وهذا إطلاق لعنوان الفتح علی الرجعة وهو أعظم من عنوان النصر، لأن النصر حسم عسکری وسیاسی، بینما الفتح حسم حضاری فی البصائر والإیمان والهویة.

6 - إنَّ التکلیف یرتفع عند خروج دابة الأرض:

قال الشیخ أمین الدین الطبرسی فی تفسیر قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ (1)، أی وجب العذاب والوعید علیهم، وقیل: معناه إذا صاروا بحیث لا یفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم، وقیل: إذا غضب الله علیهم، وقیل: إذا نزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تخرج بین الصفا والمروة، فتخبر المؤمن بأنه مؤمن، والکافر بأنّه کافر، وعند ذلک یرتفع التکلیف، ولا تقبل التوبة وهوعلم من أعلام الساعة، وقیل: لا یبقی مؤمن إلّا مسحته، ولا یبقی منافق إلّا خطمته، تخرج لیلة جمع، والناس یسیرون إلی منی»(2). انتهی کلامه.

وقدْ مر أن التکلیف بالشریعة غیر منقطع فی الرجعة فضلاً عن الوظائف والمسؤلیة بحسب الدین، بل إن الوظائف بحسب الدین لا ترتفع أصلا فی کل النشئات.

7 - علم الیقین فی الرجعة مختص بالشیعة، وغیرهم إذا آمن فی الرجعة لا یصل إلی ذلک المقام، فقد ورد عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) فی

ص:131


1- (1) سورة النمل: الآیة 82.
2- (2) تفسیر مجمع البیان ذیل الآیة 82 من النمل .

حدیث طویل له، قال:

«... ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا أنزل الله إلیه ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرّفه أزواجه ومنازله فی الجنة، ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلنّ البرکة من السماء إلی الأرض حتّی أنّ الشجرة لتنقصف بما یزید الله فیها من الثمرة، ولتأکلنّ ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (1)،

ثم إنّ الله لیهب لشیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء من الأرض وما کان فیها، حتّی أنّ الرجل منهم یرید أن یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما یعلمون»(2).

وهذه الروایة المتضمنة للآیة، وما مر من الآیات والروایات السابقة دالة علی استمرار التکامل فی الرجعة إلی درجات عالیة و تکامل هویة قوم بالعلم والقدرة، وهما عمودا الاختیار، وقوله(علیه السلام) یخبرهم بعلم ما یعلمون: أی الذی یعلمونه بالحس أمامهم یعلمه المؤمن بقلبه، فیکون جمیع المؤمنین أبدالاً فی الأرض، وإذا تقرر إزدیاد القدرة والعلم تحققت أرضیة التکلیف.

الرجعة وتصویر کیفیة الاختیار والامتحان:

رغم ظهور کثیر من الروایات فی ارتفاع التوبة والإمهال، ولکنّها محمولة علی صعوبة التغییر فی الاختیار لا انتفائه، کما فی بقاء الإختیار لأشقی الأشقیاء ابن ملجم قاتل أمیر المؤمنین(علیه السلام) قبل الاقتصاص منه فی

ص:132


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 96.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : ص171 باب الکرات ح7/107 .

فترة تلک الأیام بعدما ارتکب ما ارتکب، وکما هو الحال فی شأن شمر وعمر بن سعد وعبید الله بن زیاد ویزید بن معاویة علیهم لعائن الله العزیز الجبّار بعد قتل سیّد الشهداء(علیه السلام)، وکما هو الحال فی من غرق فی المعاصی حتی استحوذ علیه الشیطان، کما یشیر إلیه سید الشهداء(علیه السلام) فی خطبته یوم عاشوراء

«لقد استعوذ علیکم الشیطان فأنساکم ذکر الله العظیم»(1).

واستدلّ الشیخ المفید(رحمه الله) بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (2) علی الرجعة مع بیان بقاء التکلیف.

ففی المسائل السرویة أنّه سُئل الشیخ(قدس سره) عمّا یروی عن مولانا جعفر بن مُحمَّد الصادق(علیهماالسلام) فی الرجعة، وما معنی قوله:

«لیس منا من لم یقل بمتعتنا ویؤمن برجعتنا»(3)، أهی حشرفی الدنیا مخصوص للمؤمنین أو لغیرهم من الظلمة الجبّارین قبل یوم القیامة؟

فکتب الشیخ رحمه الله بعد الجواب عن المتعة: وأمّا قوله(علیه السلام):

«من لم یقل برجعتنا فلیس منا» فإنما أراد بذلک ما یختصّه من القول به فی أنّ الله تعالی یحشر قوماً من أمة مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) بعد موتهم قبل یوم القیامة، وهذا مذهب

ص:133


1- (1) مناقب آل أبی طالب : لإبن شهر آشوب : ج2 ص249.
2- (2) سورة غافر: الآیة 11.
3- (3) عن أبی عبدالله*: «لیس منا من لم یؤمن بکرتنا ویستحل متعتنا» من لا یحضره الفقیه ج3 ص458 ح4583.

یختصُّ به آل محمد(صلی الله علیه و آله)، والقرآن شاهد به، قال الله عَزَّ وَجَلَّ فی ذکر الحشرالأکبر یوم القیامة: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1) وقال سبحانه فی حشر الرجعة قبل یوم القیامة: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (2)، فأخبر أنّ الحشر حشران: عامّ وخاصّ.

وقال سبحانه مخبراً عمّن یحشر من الظالمین أنّه یقول یوم الحشر الأکبر: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (3)، وللعامّة فی هذه الآیة تأویل مردود، وهو أن قالوا: إنّ المعنی بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ أنّه خلقهم أمواتاً، ثم أماتهم بعد الحیاة، وهذا باطل لا یستمرُّ علی لسان العرب، لأنّ الفعل لا یدخل إلّا علی من کان بغیرالصفة التی انطوی اللفظ علی معناها، ومن خلقه الله أمواتاً لا یقال: أماته، وإنّما یقال ذلک فیمن طرأ علیه الموت بعد الحیاة، کذلک لا یقال: أحیی الله میّتاً إلّا أن یکون قد کان قبل إحیائه میتاً، وهذا بیّن لمن تأمَّله.

وقد زعم بعضهم أنّ المراد بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ الموتة التی تکون بعد حیاتهم فی القبور للمساءلة فتکون الأولی قبل الإقبار، والثانیة بعده، وهذا أیضاً باطل من وجه آخر، وهو أنّ الحیاة للمسألة لیست

ص:134


1- (1) سورة الکهف: الآیة 47 .
2- (2) سورة النمل: الآیة 83.
3- (3) سورة غافر: الآیة 11.

للتکلیف فیندم الإنسان علی ما فاته فی حاله، وندم القوم علی ما فاتهم فی حیاتهم المرّتین یدلُّ علی أنّه لم یرد حیاة المسألة لکنّه أراد حیاة الرجعة التی تکون لتکلیفهم، الندم علی تفریطهم، فلا یفعلون ذلک فیندمون یوم العرض علی ما فاتهم من ذلک) (1). انتهی .

اشتداد التکلیف فی الرجعة:

أقول: لا یخفی دلالة الآیة التی استدل بها علی الرجعة حیث أشارت الروایات الواردة عنهم(علیهم السلام) إلی دلالتها أیضاً، أن التکلیف والإختیار فی الرجعة علی نسق التکلیف فی الحیاة الأولی من الدنیا، وأنهم ضیعوا الفرصة فی الحیاة الثانیة من الدنیا کما ضیعوها فی ما قبلها، علی حذو تضییعهم للفرصة فی الحیاة الأولی من الدنیا، وأنهم أذنبوا فی کلا الحیاتین، ومقتضاه أن الحیاة الثانیة من الدنیا - وهی الرجعة - دار تکلیف وإمتحان وفرصة للتوبة والإصلاح وإن صعبت التوبة وثقلت بالنسبة إلی الحیاة الأولی، وأن فی الرجعة تکتسب الذنوب کما تکتسب الحسنات.

وروی عن أبی جعفر(علیه السلام):

«إنّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کان یقول: إنّ المدثر هو کائن عند الرجعة، فقال له رجل: یا أمیر المؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت؟ فقال له عند ذلک: نعم والله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشدّ من الکفرات قبلها»(2)، وکون الکفرة فی الرجعة أشد من الکفرات التی قبلها

ص:135


1- (1) المسائل السرویة : 32 - 35 .
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات :ح35/89 ص143.

مؤدّاه أنها دار امتحان واختیار، لا سیّما أنّ الروایة فی قوله تعالی: قُمْ فَأَنْذِرْ (1)، وهی کرّة الرسول(صلی الله علیه و آله) وإنذاره، فقد روی فی مختصر البصائر بسنده عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام)

«فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (2)

یعنی بذلک محمداً(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة، ینذر فیها»(3)، ومقتضی تقرر الإنذار فی الرجعة ثبوت التکلیف فیها، بل مفاد الروایة أن عمدة نذارة الرسول(صلی الله علیه و آله) الوارادة فی الآیة إنما هی فی الرجعة.

فالنذارة الکبری والتکلیف الأشد إنما هما فی الرجعة، وکأن ما تقدم من النذارة وبعثة الرسول(صلی الله علیه و آله) إنما هی تمهید وإعداد للنذارة والدعوة الأصلیة فی الرجعة، فالتکلیف یشتد فی الرجعة، نظیر ما ورد أن البالغ کلما کبر سنه اشتدت محاسبته، فعن أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام):

«إن العبد لفی فسحة من أمره ما بینه وبین أربعین سنة، فإذا بلغ أربعین سنة أوحی الله عَزَّ وَجَلَّ إلی ملکیه قد عمرت عبدی هذا عمرا فغلظا وشددا وتحفظا واکتبا علیه قلیل عمله وکثیره وصغیره وکبیره»(4).

والخلاصة: أن التکلیف فی الرجعة أشد منه فی الحیاة الأولی من الدنیا، وذلک لاکتساب الإنسان علماً بأحوال لم یکن مطلعاً علیها من قبل، کمروره بالموت والبرزخ ثم إحیائه مرة أُخری وخروجه من القبر، فمن ثمَّ

ص:136


1- (1) سورة المدثر: الآیة 2.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 1-2.
3- (3) مختصر بصار الدرجات : باب الکرات : ح34/88. ص144.
4- (4) وسائل الشیعة : باب 97 أبواب جهاد النفس ح1.

تشتد محاسبته علی الأفعال، نظیر قوله تعالی لحواری عیسی: قالَ اللّهُ إِنِّی مُنَزِّلُها عَلَیْکُمْ فَمَنْ یَکْفُرْ بَعْدُ مِنْکُمْ فَإِنِّی أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِینَ (1).

ومما یدلُّ علی التکلیف فی الرجعة قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ (2).

فإنَّ الآیة مقتضاها الإستخلاف فی الرجعة کما بین فی جملة من الروایات أنه مقتضی ظاهر الآیة، ومقتضی هذا المفاد أن الإستخلاف فی الرجعة إمتداد للحیاة الدنیا، بما لها من أحکام وأحوال التی منها التکلیف والإختیار .

والحاصل أنّ مع الوغول والإیغال فی الشرّ یصعب علی الشخص الشریر اختیار الخیر، وإن لم یکن مستحیلاً أو ممتنعاً، فإبلیس کلما تمادی به الزمن منذ عصیانه وامتناعه عن السجود لآدم إلی یومنا هذا إشتد استکباره ولجاجه وعناده وإن لم یمتنع علیه إختیار الخیر، ولکنه تزداد شدة الصعوبة أکثر فأکثر فیصیر کأنه ممتنع وإن لم یکن کذلک حقیقة.

وکذلک الحال فی صورة الوغول والإیغال فی الخیر یصعب علی الأبرار اختیار الشرّ کما فی قصّة یونس(علیه السلام)، فإنّ إلقاءه فی الحوت حثّ له

ص:137


1- (1) سورة المائدة: الآیة 115 .
2- (2) سورة النور: الآیة 55.

علی الاستقامة علی القرب، ومن ذلک یفسّر إشتراط التوبة بلوازم وشروط روحیة ومنازل بقدر الإیغال فی میادین وبیئات ومستنقعات الشرّ والردی، بقدر ما قاله أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«أن تذیق الجسم ألم الطاعة کما أذقته حلاوة المعصیة».

وفی کلام آخر للشیخ المفید(رحمه الله) بعض الآیات التی استدلّ بها علی عدم ارتفاع الاختیار لکن الإصلاح ذو صعوبة هائلة:

قال رحمه الله فی کتاب الفصول المختارة:

سأل بعض المعتزلة شیخاً من أصحابنا الإمامیة وأنا حاضر فی مجلس فیهم جماعة کثیرة من أهل النظر والمتفقّهة، فقال له: إذا کان من قولک أنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یرد الأموات إلی دار الدنیا قبل الآخرة عند القائم، لیشفی المؤمنین کما زعمتم من الکافرین، وینتقم لهم منهم کما فعل ببنی إسرائیل فیما ذکرتموه، حیث تتعلَّقون بقوله تعالی: ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (1)، فخبّرنی ما الذی یؤمنک أن یتوب یزید وشمر وعبدالرحمن بن ملجم، ویرجعوا عن کفرهم وضلالهم ویصیروا فی تلک الحال إلی طاعة الإمام، فیجب علیک ولایتهم، والقطع بالثواب لهم، وهذا نقض علی مذاهب الشیعة.

فقال الشیخ المسؤول: القول بالرجعة إنّما قلته من طریق التوقیف،

ص:138


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 6.

ولیس للنظر فیه مجال، وأنا لا أجیب عن هذا السؤال لأنّه لا نصَّ عندی فیه، ولیس یجوز لی أن أتکلّف من غیر جهة النصّ الجواب.

فشنع السائل وجماعة المعتزلة علیه بالعجز والانقطاع.

فقال الشیخ أیّده الله: فأقول أنا: إنَّ عن هذا السؤال جوابین:

أحدهما: أنّ العقل لا یمنع من وقوع الإیمان ممّن ذکره السائل، لأنه یکون إذ ذاک قادراً علیه ومتمکّناً منه، ولکن السمع الوارد عن أئمّة الهدی(علیهم السلام) بالقطع علیهم بالخلود فی النار، والتدیّن بلعنهم والبراءة منهم إلی آخر الزمان منع من الشک فی حالهم، وأوجب القطع علی سوء اختیارهم، فجروا فی هذا الباب مجری فرعون وهامان وقارون، ومجری من قطع الله عَزَّ وَجَلَّ علی خلوده فی النار، ودلّ القطع علی أنّهم لا یختارون أبداً الإیمان ممّن قال الله تعالی: وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَیْهِمُ الْمَلائِکَةَ وَ کَلَّمَهُمُ الْمَوْتی وَ حَشَرْنا عَلَیْهِمْ کُلَّ شَیْ ءٍ قُبُلاً ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ یَشاءَ اللّهُ (1)، یرید إلّا أن یلجأهم الله، والذین قال الله تعالی فیهم: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ * وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (2)، ثم قال عَزَّ وَجَلَّ قائلاً فی تفصیلهم و هو یوجه القول إلی إبلیس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ (3)،

ص:139


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 111 .
2- (2) سورة الأنفال: الآیة 32.
3- (3) سورة ص: الآیة 85.

وقوله تعالی: وَ إِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلی یَوْمِ الدِّینِ (1)، وقوله تعالی: تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ وَ تَبَّ * ما أَغْنی عَنْهُ مالُهُ وَ ما کَسَبَ * سَیَصْلی ناراً ذاتَ لَهَبٍ (2)، فقطع بالنار علیه وأمن من انتقاله إلی ما یوجب له الثواب، وإذا کان الأمر علی ما وصفناه، بطل ما توهَّمتموه علی هذا الجواب)(3) .

أقول: ویدعم کلام الشیخ المفید ما أشار إلیه من قوله تعالی لإبلیس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ قطع من الله تعالی علی إبلیس بسوء عاقبته وذلک لسوء اختیاره مع عدم ارتفاع القدرة عنه إلی یوم القیامة، فالقطع بسوء العاقبة لأصحاب الشر والعمل السیّیء لا ینافی بقاء الاختیار، کما أنّ بقاء الاختیار لا ینافی العلم بسوء العاقبة بإخبار من الله تعالی ورسوله وأوصیائه(علیهم السلام)، لعلم الله بالغیب وعاقبة الأمور، وکذلک بقاء الاختیار لا ینافی لزوم البراءة من أصحاب الشر والسوء بعد إخبار الله تعالی بسوء عاقبتهم کما فی قصة براءة إبراهیم من عمه آزر فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوّاهٌ حَلِیمٌ (4)، وکذلک الحال فی جملة من المعاصی والموبقات التی أنبأنا القرآن الکریم بأنها موبقة لمرتکبها فی النار وإن بقی الاختیار کقوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها (5)، فکیف بمن قتل ذریة رسول الله(صلی الله علیه و آله)، بل کیف بمن قتل

ص:140


1- (1) سورة ص 87.
2- (2) سورة المسد: الآیة 1- 3.
3- (3) الفصول المختارة : 153 - 155.
4- (4) سورة البراءة: الآیة 114.
5- (5) سورة النساء: الآیة 93.

سبط رسول الله، وبمن قتل بضعته(علیهاالسلام)، وبمن قتل وصیه وابن عمه وأخیه ومن هو بمثابة نفسه بنص آیة المباهلة، فهل یرجی له حُسن العاقبة وإن بقی اختیاره ؟ وهل یسوغ ترک البراءة منه وترک التبری لا سیما أن من أحب عمل قوم أشرک معهم؟

وقال المفید فی تتمة کلامه:

والجواب الآخر: أنّ الله سبحانه إذا ردّ الکافرین فی الرجعة لینتقم منهم لم یقبل لهم توبة، وجروا فی ذلک مجری فرعون لمّا أدرکه الغرق: قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ ، قال الله سبحانه له: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (1)، فردّ الله علیه إیمانه ولم ینفعه فی تلک الحال ندمه وإقلاعه، وکأهل الآخرة الذین لا یقبل الله لهم توبة ولا ینفعهم ندم لأنّهم کالملجئین إذ ذاک إلی الفعل، ولأنّ الحکمة تمنع من قبول التوبة أبداً، ویوجب اختصاص بعض الأوقات بقبولها دون بعض.

وهذا هو الجواب الصحیح علی مذهب أهل الإمامة، وقد جاءت به آثار متظافرة عن آل محمد(صلی الله علیه و آله)، فروی عنهم فی قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2)، فقالوا: إنّ هذه الآیة هو القائم(علیه السلام) فإذا ظهر لم یقبل توبة المخالف، وهذا یسقط ما اعتمده السائل»(3). انتهی.

ص:141


1- (1) سورة یونس: الآیة 91-92.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) الفصول المختارة : 155.
حقیقة عدم قبول التوبة:

کثر ورود هَذَا التعبیر فی لسان الآیات والروایات، وَمِنْ ثمَّ أستعمل أیضا کثیرا فی بحوث المتکلمین والفقهاء والمفسرین والمحدثین، وهذا العنوان فی بادیء النظر یفید تنویع التوبة وتقسیمها الی مقبولة وغیر مقبولة، ومقتضی ذلک أن التوبة غیر المقبولة عبارة عن تقّرر ووجود حقیقة التوبة وماهیتها، غایة الأمر أنها غیر واجدة للشرائط فلا تقبل، لکن واقع الأمر لیس کذلک، فإن عدم قبول التوبة من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا القضیة السالبة بانتفاء المحمول.

وبعبارة أُخری إن عدم قبول التوبة لعدم تحقق وعدم وقوع حقیقة التوبة لا أنَّ التوبة حقیقتها متحققة وحکمها عدم القبول لعدم الشرائط، فلا بدَّ من بیان عدم تحقق وعدم وقوع حقیقة التوبة، وذلک لأن التوبة هی الأوبة والرجوع عما هو مقیم علیه من شرور وسیئات، وهذا المقام لا یحصل الاقلاع والإنقطاع عنه بمجرد خطور ندم عابر بعد تکّون ملکات نفسانیة شریرة سیئة، فإنها تدعوه بالحاح لارتکاب الشر والسیئات والمعاصی والکبائر والطامات.

فلو قال بلسانه بالندم والتوبة والاستغفار کان کاذبا ولما کان صادقا، لأنه لم یحصل منه الاقلاع عن السیئات والشرور حقیقة، بل هو مقیم فیها آلف لها وآنس بها ومعانق لها وذو وداد بها لا مستوحش عنها ولا هارب منها، فإین هو من حقیقة التوبة والرجوع وهو لم یتطهر بعد من أدران

ص:142

وأوساخ الأعمال السابقة، بل مکبلً بآثارها وتداعیاتها، کما قال تعالی: وَ لَوْ تَری إِذْ وُقِفُوا عَلَی النّارِ فَقالُوا یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُکَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (1).

فمنه یعرف أن عدم قبول التوبة بمعنی عدم قبول ذاته لحقیقة التوبة، فلا تقبل من طبیعة ذاته وقوع التوبة، ولا تقبل من هویة ذاته - التی إنطبعت بالملکات الردیئة - إمکانیة وقابلیة تحقق التوبة بالفعل.

وفی الحدیث النبوی:

«الخیر عادة والشر لجاجة»(2)، فیشیر الحدیث إلی تراکم الملکات النفسانیة للخیر وتراکم الملکات النفسانیة للشر وهو تصویر للملکات الملحّة غیر الملجئة.

ثم إن التوبة کما تکون بالاختیار قد تکون بالعذاب، والتوبة حینئذ تطهیر قسری بدل الاختیار.

وإن الشفاعة والتوبة والاختیار والشرائط النفسانیة المعنویة للتوبة مرتبطة بحقیقة مراتب الاختیار بعد استحکام الملکات، سواء الخیریة أو الردیئة.

وعلی ذلک یتضح أنّ انقطاع التوبة علی درجات بمقتضی البیان العقلی من تراکم واشتداد الهیئات والصفات والملکات الجوهریة.

ص:143


1- (1) سورة الانعام / 27- 28.
2- (2) تحف العقول :ص86 ، سنن إبن ماجه : 1:80، حدیث 221 .

ونضیف هاهنا ما ورد فی مصادر عدیدة أنّ الحجة لا تنقطع من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل القیامة، وإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة وکل مرحلة من مراحله الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ ، فالرجعة درجة یغلق الباب فیها أکثر فأکثر وتضیق فرص الاختیار شیئاً فشیئاً، أی ذهبت قدراتهم النفسانیة، کما هو الحال فیمن بلغ الأربعین فإنه ینغلق علیه باب من أبواب التوبة ودرجات من درجاتها.

وکما فی قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ (1)، کلما تتجلی آیةٌ من الآیات فی الرجعة إنغلق باب من أبواب التوبة والأوبة وإمکانیة الرجوع والإقلاع عن الشر .

وعدم قبول التوبة لیس بمعنی سلب الاختیار أو عدم القبول مع وقوع التوبة، بل معناه سالبة بانتفاء الموضوع، أی لا تقع التوبة بواقعها وحقیقتها منهم، لأنّ للتوبة شروطاً تکوینیة مقومة لحقیقتها، وإلّا کانت صوریة لسانیة، فالتوبة لو افترضت منهم فی نهایة الرجعة قولیة وحالة عابرة لا تتوفر عند العاصی حقیقة وواقع التوبة.

وقد تقدم فی روایة (کمال الدین) للصدوق فی الوجه الأوَّل من وجوه سد باب التوبة(2)

«أنه لا ینقطع الحجة من الأرض إلا أربعین یوماً قبل یوم القیامة، فإذا رفعت الحجة أُغلق باب التوبة، ولم ینفع نفساً إیمانها لم تکن

ص:144


1- (1) سورة الانعام / 158
2- (2) محاسن البرقی : 1:236

آمنت من قبل أن ترفع الحجة وأولئک شرار من خلق الله هم الذین یقوم علیهم القیامة» ورواها الکلینی، وروی الشیخ وابن بابویه غیرها قریب من مضمونها بطرق کثیرة.

تعدد مواطن انقطاع ورفع التوبة:

وقد مر تعداد مواطن غلق التوبة وأنها سبعة مواطن بحسب تتبع فی بیانات الکتاب والسنة، ولعلها أکثر مع أن کل موطن هو ذو مراتب أیضاً کما مر، وعلی کل تقدیر فالتعدد لمواطن ومراحل تضّیق التوبة مما یدلل علی المعنی الذی قررناه کراراً وهو أنّ معناه اشتداد صعوبتها وشدة شرائطها بدرجة کأنها ممتنعة الوقوع لا عدم الإمکان ولا عدم الاختیار، بل یثقل إنجاز شرائطها وإلّا لما تعدد غلق باب التوبة.

ویمکن تفسیر غلقها بمعنی آخر مقارب وهو إمتناع وقوع التوبة والرجوع والتطهیر بلا عقوبات ولا جراحات ولا أهوال، أی إنَّ التوبة التی تغلق ولا تقبل وتنتفی قابلیة وقوعها هی نوع وقسم خاص من التوبة وهی التوبة المسقطة للعقوبة والعذاب دون بقیة أقسام التوبة، والتی هی بدایة الإرغام والإلجاء علی مسیرة العودة والإقلاع عن التوغل فی الشر والعزوف عن التمادی فی الجحود، والإیقاف لاشتداد الملکات الشریرة من دون أن یعنی ذلک قبول للتوبة من القسم الأول ومن دون أن یعنی ذلک طهارة من الذنوب ولا نجاة من أصل العذاب، وقد خلط ابن عربی فی فصوصه

ص:145

بین هذین القسمین فی حال فرعون .

ومما یَدُلّ عَلَی ما قررناه مِنْ معنی غلق التوبة وتضاؤل فرص الإختیار عدة شواهد واردة:

1 - خروج کثیر من النار ونجاتهم منها بعد المکث فیها أحقاباً أو مدداً مدیدة بعد تطهیرهم، وهو نحو توبة وأوبة لکن بالعقوبة کما یشیر الإمام السجاد(علیه السلام) فی دعائه الموسوم بدعاء أبی حمزة الثمالی: «إلهی لا تؤدبنی بعقوبتک».

2 - ما ورد من أن شاباً قبل دخوله النار یلتفت فیسأل مما إلتفاتک فیجیب إلهی قد حسن ظنی بک فینجیه الله منها مع علمه تعالی بأنّه أنما قال ذلک بلسانه .

3 - فی روایات العامة متواترة أو مستفیضة

«ثلاث إذا خرجن لا ینفعُ نفسٌ إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض»، وهی مرویة فی أکثر مصادرهم.

فهناک تلازم بین رفع الحجة وغلق التوبة.

ومعنی بقاء الحجة یلازم إفاضة الکمال علی النفوس، ورفع الحجة یعنی إنسداد باب إفاضة الکمال.

وقد مرّت روایات إنقطاع الحجة من الأرض قبل أربعین یوماً من القیامة.

فیظهر أنّ انقطاع التوبة بنحو تام شدید فی آخر مرحلة من الرجعة التی فیها الحساب الأکبر لا فی المراحل الأولی من الرجعة.

ص:146

وعلی ضوء ما تقدم فانقطاع التوبة وإغلاقها علی معان، ففی ظهوره(عج) بمعنی عدم إمهاله العصاة والمعاندین سنیناً وقروناً کما أمهل وفعل أجداده وآبائه، وکذلک الحال فی رجعة الأئمّة بمعنی قلّة فرصة الأوبة بأضیق مدة إلی أن تصل النوبة إلی الحساب الأکبر، فتنقطع تماماً وإن لم یرتفع الاختیار، وإنّما یشتدّ ویصعب لمرارة وثقل الأوبة والاختیار، والقرینة علی أن غلق التوبة علی مراتب بالمعنی العقلی - والذی مرّ أنّه وصف حال الناس قبل أربعین یوماً من قیام الساعة الکبری - أنّهم یکونون فیها هرجاً أی یفعلون کل سوء وکل القبائح بانفلاتٍ بلا رادع ولا مانع أصلاً، وهی أفعال تصدر منهم باختیار، ولکن مع الغلبة الشدیدة لملکات الشر علیهم، بل إن القرآن یحدثنا عن أهل جهنم وهم فیها یشربون ویأکلون ویتخاصمون ویفعلون عدة من الأفعال إستعرضتها عدة سور من القرآن وینادون خازن النیران «یامالک» کما ینادون ویستغیثون بأهل الجنة وینطقون باختیارهم، لکنهم مکبلون بجزاء وجرایر أعمالهم السابقة لا یستطیعون الخلاص منها وإن تضاءلت فرص الاختیار لدیهم، فبقاء الاختیار شأن والقدرة علی التخلص من الملکات الردیة شأن آخر.

وروی الصدوق بطریقین من مشایخه القمیین فی کتاب ثواب (الأعمال) و(الأمالی) بإسناده عن جابر عن أبی جعفر عن أبیه عن جده(علیهم السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) إنه إذا کان یوم القیامة وسکن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، مکث عبد فی النار سبعین خریفا، والخریف سبعون سنة، ثم أنه

ص:147

یسأل عَزَّ وَجَلَّ، وینادیه، فیقول: «یارب أسالک بحق محمد وأهل بیته لمّا رحمتنی» قال: فیوحی الله جل جلاله إلی جبرائیل(علیه السلام): أن اهبط إلی عبدی فأخرجه، فیقول جبرئیل: یارب وکیف لی بالهبوط فی النار؟ فیقول الله تبارک وتعالی: إنّی قدْ أمرتها أن تکون علیک بردا وسلاما، قال فیقول: یارب فما علمی بموضعه؟ فیقول: إنه فی جبّ من سجین، فیهبط جبرئیل إلی النار فیجده معقولاً علی وجهه، فیخرجه فیقف بین یدی الله عَزَّ وَجَلَّ، فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ: یا عبدی کم لبثت تناشدنی فی النار؟ فیقول: یارب ما احصیه، فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ: أما وعزتی وجلالی لولا من سألتنی بحقهم عندی لأطلت هوانک فی النار، ولکنه حتم علی نفسی أن لا یسألنی عبد بحقّ محمد وأهل بیته إلاّ غفرت له ما کان بینی وبینه، وقد غفرت لک الیوم، ثم یؤمر إلی الجنة(1).

السعی والاختیار فی جهنم:

ونظیر مفاد هذه کثیر مستفیض متواتر دال علی أنه لولا إلحاح ثلة ممن یعذب فی النار إلحاحهم بالدعاء، وإصرارهم علی الخضوع والتذلل مدة مدیدة لما کتبت لهم النجاة من النار بعد مکثهم فیها آمدا مدیدا، ونظیره قوله(علیه السلام)

«فبعزتک یاسیدی ومولای أقسم صادقا لئن ترکتنی ناطقا لأضجنَّ الیک

ص:148


1- (1) ثواب الأعمال:185، أمالی الصدوق:535 المجلس 96ح4، والخصال: 641، ب70ح9. أمالی المفید : 218 ، المجلس 25ح6 ، وذکر لها عدة طرق.

بین أهلها ضجیج الاملین، ولاصخرن الیک صراخ المستصرخین، ولأبکینَّ علیک بکاء الفاقدین، ولانادینک این کنت یاولّی المؤمنین..» مما یشیر(علیه السلام) إلی المضمون المتقدم وأن السعی والإختیار حتی فی جهنم لا ینقطع إلا أنه لا یثمر فی النجاة إلاّ بعد أحقابٍ من العذاب، وکل حقب ثمانین عاماً، ولیس من سنی الأرض فکأنه یقرب من الخلود فی العذاب وهو ما یشیر إلیه(علیه السلام):

«فکیف إحتمالی لبلاء الآخرة وجلیل وقوع المکاره فیها وهو بلاءٌ تطول مدته ویدوم مقامه ولا یخفف عن أهله لأنه لایکون إلاّ عن غضبک وإنتقامک وسخطک، وهذا ما لاتقوم له السماوات والأرض».

الافتتان فی الرجعة والعوالم الأُخری الأدوار فی الرجعة ولیدة أعمال الدنیا الأولی:

هناک جملة من الدلالات فی الآیات والروایات دالة علی أن موقعیة ودور کل إنسان فی الرجعة متأثر ومسبب عن نتائج أعماله فی الحیاة الأولی من الدنیا، وهو یعکس الترابط فی درجات الاختیار بین الحیاة الأولی من الدنیا وحیاة الرجعة التی هی الحیاة الآخرة من الدنیا، کما هو الحال فی سنین عمر الانسان فی هذه الحیاة الاولی، حیث ان أفعاله فی العقد الأوَّل من عمره لها نسبة تاثیر علی وضعیته واختیاراته فی العقد الثانی ثم هذا العقد له نسبة تاثیر فی العقد الثالث وهکذا متعاقباً متلاحقاً وان لم یکن التاثیر بنحو الحسم البات النافی للاختیار فی اللاحق.

ص:149

ومن أمثلة تلک الروایات الدالة علی إستمرار الامتحان:

1 - إن ممن یستثنی من الرجعة والامتحان فیها کل من عذب بالعذاب الدنیا، کما فیما روی القمی فی تفسیره صحیح حماد عن ابی عبدالله فی قوله وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (1) فقال الصادق(علیه السلام): کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب لا یرجعون فی الرجعة(2).

فیدلّ علی أن من اصطلمه العذاب الإلهی یفقد قابلیة التکامل، وإنّ ما أتی به فی دار الدنیا الأولی ناسف للقابلیة الذاتیة له.

2 - دلالة سورة الدخان علی بقاء مرتبة من الامتحان والاختیار الی أواخر الرجعة، وقد بین دلالة ظاهرآیات السورة ما رواه القمی فی قوله تعالی: فَارْتَقِبْ (3)، أی اصبر، یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ ، قال: ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر، یَغْشَی النّاسَ کلهم الظلمة فیقولون: هذا عَذابٌ أَلِیمٌ رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ فقال الله تعالی ردّاً علیهم: أَنَّی لَهُمُ الذِّکْری فی ذلک الیوم وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ أی رسول قد بیّن لهم ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ قال: قالوا ذلک لمّانزل الوحی علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأخذه الغشی، فقالوا: هو مجنون، ثم قال: إِنّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً إِنَّکُمْ عائِدُونَ یعنی إلی

ص:150


1- (1) سورة الانبیاء: الآیة 95.
2- (2) مختصر بصائر /ح 116 /16نقلا عن تفسیر القمی فی ذیل ایة النمل .
3- (3) سورة الدخان: الآیة 10، 16.

القیامة، ولو کان قوله: یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ فی القیامة لم یقل إِنَّکُمْ عائِدُونَ لأنّه لیس بعد الآخرة والقیامة حالة یعودون إلیها، ثم قال: یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری یعنی فی القیامة إِنّا مُنْتَقِمُونَ (1).

والروایة دالة علی مرتبة من الامتحان والاحتجاج والاختیار فی آخر الرجعات من الرجعة فضلاً عن بدایاتها وأواسطها.

3 - روی الکشی بسنده المعتبر عن علی بن المغیرة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«کأنی بعبد الله بن شریک العامری علیه عمامة سوداء وذوابتاها بین کتفیه مصعداً فی لحف الجبل بین یدی قائمنا أهل البیت فی أربعة آلاف مکرّون ومکرورون»(2).

وروی الکشی بسند معتبر آخر عن أبی خدیجة، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«إنّی سألت الله فی إسماعیل أن یبقیه بعدی فأبی، ولکنّه قد أعطانی فیه منزلة أخری، إنّه یکون أوّل منشور فی عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شریک وهو صاحب لوائه»(3).

ویفید هذان الحدیثان تبعیة الدور والموقعیة التی یُعطاها الشخص فی الرجعة بتبع أعماله التی أتی بها فی الحیاة الأولی، کما یُبین ذلک فی شأن خاص لإسماعیل وصاحبه عبدالله بن شریک.

ص:151


1- (1) تفسیر علی بن ابراهیم القمی/ذیل سورة الدخان/ونقله عنه مختصر الدرجات /ح 30/130.
2- (2) إختیار معرفة الرجال :2:481/ح390.
3- (3) إختیار معرفة الرجال /2:481/ح 391.

وَقَدْ وَرَدَ نظیر ذلک فی أصحاب الکهف حَیْثُ شرّفوا بالرجعة بین یدی القائم(عج) بسبب استقامتهم، وغیر ذلک من الموارد.

کما أن الحدیثین یشیران إلی أنَّ لعبدالله بن شریک رجعتین.

4 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی حدیث طویل یسأل فیه خالد بن یحیی الإمام الصادق(علیه السلام) عن قول النبی (صلی الله علیه و آله):

«اتقوا دعوة سعد، فقال(علیه السلام): نعم قلت: وکیف ذاک قال: إنّ سعداً یکر فیقاتل علیاً(علیه السلام)»(1).

ویشیر إلی أن عداء سعد بن أبی وقاص لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) لارتیابه فی إمامته فی الدارالأولی للدنیا، یدفعه فی الرجعة وهی الدار الآخرة من الدنیا إلی المزید من الانحراف عن علی(علیه السلام) إلی حدّ محاربته ودعوته الناس الی حربه التی هی بمثابة حرب الله تعالی ورسوله، کما یفید الحدیث توصیات النبی(صلی الله علیه و آله) وإنذاره الناس حول احداث الرجعة نظیر توصیاته وإنذره الناس حول احداث الرجعة والظهور.

5 - ما ورد فی تفسیر العیاشی عن علی بن الحلبی عن أبی بصیر عن أحدهما فی قوله تعالی وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (2) فقال: الرجعة، أی أن من کان أعمی البصیرة فی الحیاة الاولی من الدینا فهو أشد عُمیا فی البصیرة فی آخرة الدنیا وهی الرجعة.

6 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات من مصحح أبی بصیر قال: دخلت علی أبی عبد الله(علیه السلام) فقلت: إنا نتحدث أن عمر بن ذر لا یموت حتی یقاتل قائم آل محمد(صلی الله علیه و آله) فقال: إن مثل ابن ذر مثل رجل فی بنی

ص:152


1- (1) تفسیر القمی :مجلد /الاول:ص290ونقله عنه مختصر بصائر الدرجات /ح 46/100.
2- (2) تفسیر العیاشی فی ذیل آیة النساء /72

إسرائیل یقال له عبد ربه وکان یدعو أصحابه إلی ضلالة فمات، فکانوا یلوذون بقبره، ویتحدثون عنده إذا خرج علیهم من قبره! ینفض التراب من رأسه ویقول لهم کیت وکیت(1).

وقال الذهبی فی میزان الاعتدال فی ترجمة عمر بن ذر إنه رأس فی الإرجاء، أی من رؤوس المرجئة، أی من الدعاة لترویجها لصالح الحکم الأموی، کی لا یثور المسلمون علیهم، وبأن تسلطهم علی رقاب المسلمین قضاء وقدر من الله لیس لأحد أن یعترض، وبأن خلیفة الجور والفسوق مهما فعل فأمره یرجیء إلی الله.

وقال أیضاً فی وصفه إنه کان واعظاً بلیغاً، أی من الدعاة الکبار لمذهب بنی أمیة وهو الإرجاء(2).

وقریب منه ما ذکره ابن حجر عنه(3).

فهو إذا من رؤوس المرجئة، وأنه بعض ممن یرجع فی الرجعة من أهل الضلال فیزداد فی الفتنة والافتتان والإضلال.

وفی تهذیب التهذیب: من خطباء بنی أمیة(4).

فبعض من یرجع یکون سبباً فی الإضلال أکثر مما کان فی حیاته،

ص:153


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : حدیث 14/68، باب الکرات.
2- (2) میرزان الإعتدال :3:193.
3- (3) تقریب التهذیب : 1:116.
4- (4) تهذیب التهذیب:732،7:390

ویقول عن الموت السابق للرجعة إنه منام وخیال ولیس برزخاً وعذاباً ولقاء الله تعالی.

7 - إنَّ هناک تناسباً بین ما یقوم به کل إنسان من نمط شر ونوع فعل أو نمط ونوع الخیر مع ما یقوم به فی مستقبل أیامه فی الرجعة.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر(علیه السلام) کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول: من أراد أن یقاتل شیعة الدجال فلیقاتل الباکی علی دم عثمان والباکی علی أهل النهروان، إن من لقی الله عَزَّ وَجَلَّ مؤمناً بأن عثمان قتل مظلوماً لقی الله عَزَّ وَجَلَّ ساخطاً علیه ویدرک الدجال، فقال رجل: یا أمیر المؤمنین فإن مات قبل ذلک قال(علیه السلام): یبعث من قبره حتی یؤمن به وإن رغم أنفه(1) .

ومفاده ظاهر بیّن فی أن تبعات تحیط بالانسان العاصی فی الرجعة بسبب أعماله فی الحیاة الاولی من الدنیا.

وقد جُعل مقتل عثمان عند الأمویین والمروانیین حیلة وفتنة یضللون بها العباد مع أن عثمان نهجه نهج الأثرة والاستئثار والاستحواذ علی أموال بیت المال، وهو إنما صابر حرصاً علی الملک وکرسی السلطة والقدرة نظیر الملوک والسلاطین والحکام فی زماننا الذین یستمیتون للبقاء علی القدرة، وهو الذی سلّط بنی أمیة علی رقاب المسلمین یتخذون عباد الله خولاً

ص:154


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : حدیث 10/64.

ومال الله دولاً فلولا شهادة سید الشهداء لما أطفأت فتنة عثمان.

ومقایسة بنی أمیة لمقتل عثمان بمقتل الحسین(علیه السلام) هو من باب الدجل الأعمی، فإنّ سید الشهداء(علیه السلام) صابر واستشهد صبراً ثابتاً علی القیم والفضیلة والعزة والإباء أمام طغیان یزید وفسقه وفجوره.

الرجعة خروج من التراب لا من الأرحام:

من الخصائص التکوینیة للرجعة أن الناس یخرجون من القبور لا من أرحام الأمهات، فبذلک تفترق الرجعة - التی هی بعث أصغر وقیامة وسطی - عن مقالة التناسخ وعن عقیدة أهل التناسخ الذین یقولون بعود الإنسان إلی الأصلاب والأرحام وتولده منها حدثاً صغیراً ینمو مرة أخری بخلاف الخروج من القبر فهو یعود کیوم مات ودفن.

امتحان المستضعفین فی الرجعة فی مقطع أخیر من آخرة الدنیا

فقد روی فی الکافی صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: سألته هل سئل رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن الأطفال؟ فقال: قد سئل فقال: الله أعلم بما کانوا عاملین ثم قال: یا زرارة هل تدری قوله: الله أعلم بما کانوا عاملین؟ قلت: لا، قال: لله فیهم المشیئة إنه إذا کان یوم القیامة جمع الله عَزَّ وَجَلَّ الأطفال والذی مات من الناس فی الفترة، والشیخ الکبیر الذی أدرک النبی(صلی الله علیه و آله) وهو لا یعقل، والأصم والأبکم الذی لا یعقل، والمجنون والأبله الذی لا

ص:155

یعقل، وکل واحد منهم یحتج علی الله عَزَّ وَجَلَّ فیبعث الله إلیهم ملکاً من الملائکة فیؤجج لهم ناراً، ثم یبعث الله إلیهم ملکاً فیقول لهم: إنّ ربکم یأمرکم أن تثبوا فیها فمن دخلها کان علیه برداً وسلاماً وأدخل الجنة ومن تخلف عنها دخل النار(1).

وسیأتی أن المراد من القیامة لیس القیامة الکبری، وإنما القیامة الوسطی وبعث الرجعة الواقع فی أواخرها، کما سیأتی أن أواخر الرجعة متداخل مع القیامة الکبری بنمط ونحو ما.

ص:156


1- (1) الکافی :3/ص 248.
وقوع المسخ فی الرجعة
اشارة

ذکر فی المسائل التلعکبریة للمفید احتجاج الحمیری مع سوار القاضی عند المنصور العباسی فی أن بعض من یرجع یُمسخ فی الرجعة، وهو حدیث طویل موضع الشاهد فیه: (وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

یُحشر المتکبرون فی صورة الذر یوم القیامة، وقال(صلی الله علیه و آله): لم یجرِ فی بنی إسرائیل شیء إلّا ویکون فی أمتی مثله حتی الخسف والمسخ والقذف، وقال حذیفة: والله ما أبعد أن یمسخ الله عَزَّ وَجَلَّ کثیراً من هذه الأمة قردة وخنازیر، فالرجعة التی نذهب إلیها ما نطق به القرآن وجاءت به السنة، وإننی لأعتقد أن الله تعالی یردّ هذا - یعنی سواراً - إلی الدنیا کلباً أو قرداً أو خنزیراً أو ذرة، فإنه والله متجبر متکبر کافر قال: فضحک المنصور...(1).

واستشهاد المفید بکلام الحمیری وما رواه مقتضاه تقریر إطلاق یوم القیامة علی الرجعة، وهی قیامة وسطی لاخصوص القیامة الکبری، وأن ما ورد فی لسان الروایات فی یوم القیامة قد یراد منه القیامة الوسطی وآخرة الدنیا لا القیامة الکبری کما فی کلام الحمیری أن الرجعة حشر أصغر.

ص:157


1- (1) الفصول المختارة/الشریف ا لمرتضی:92.
الرجعة تکامل نوعی خطیر:الرجعة ذات صلة بقواعد أحکام الطبیعة:

1 - ظاهر جملة من دلالات الآیات والروایات أنَّ هناک جملة من التغیرات تحصل فی الطبیعة العامة للحیاة الأرضیة فیزیائیاً وحیویاً وغیرها للأبدان وکذا فسیولوجیّا، وأنَّ عملیة العود والرجوع من القبر تتم بتنشیط البدن فیعود تعلق الروح به.

2 - وقد روی فی الخرائج والجرائح عن الحسین(علیه السلام) فی روایة یصف فیها رجعته(علیه السلام) قوله:

«ثم لأقتلن کل دابة حرم الله لحمها، حتی لا یکون علی وجه الأرض إلّا الطیب ... ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلن البرکة من السماء إلی الأرض، إن الشجرة لتقصف بما یزید الله بها من الثمرة، ولتأکلن ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء، وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ » (1).

ولا یخفی أن فی الحدیث الشریف إشارة إلی الارتباط بین إزالة الحرام والمحرمات من الأکل عن وجه الأرض مع نزول وفتح برکات السماء والأرض وتولد الطیبات، وأن أبواب برکات السماء والأرض غیر مفتوحة

ص:158


1- (1) الخرائج والجرائح : 849،2.

فی هذه الحیاة الأولی من الدنیا.

وروی فی کتاب الخرائج والجرائح:

ولتنزلن البرکات (البرکة) من السماء إلی الأرض حتی أن الشجرة لتقصف بما یزید الله فیها من الثمرة، ولتأکلون ثمرة الشتاء فی الصیف وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ -

فی حدیث طویل عن أحوال الرجعة - » الحدیث(1)، وهو یفید مدی التغیر فی تطور الأحکام التکوینیة فی الرجعة.

3 - إنّ ظاهرة تخییر المؤمن فی الخروج من القبر إلی الرجعة بخلاف بعث ونشر القیامة له دلالات علی اختلاف الأطوار بین الرجعة وما یأتی من الأحوال والعوالم التی تستقبل الإنسان.

فقد روی الشیخ الطوسی فی الغیبة بسنده عن المفضل بن عمر قال: ذکرنا القائم(علیه السلام) ومن مات من أصحابنا ینتظره، فقال لنا أبو عبد الله(علیه السلام):

«إذا قام أتی المؤمن فی قبره فیقال له: یا هذا إنه قد ظهر صاحبک فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقیم فی کرامة ربک فأقم»(2).

فإنّ التخییر فی الإحیاء والنشر والبعث نظیر تخییر المؤمن فی الموت کما وردت بذلک الروایات بخلاف الحال فی القیامة الکبری.

ص:159


1- (1) الخرائج والجرائح: 850،1.
2- (2) غیبة الشیخ الطوسی :باب علائم ظهور الحجة ص458.

4 - فی الروایة عن المفضل قوله للإمام الصادق(علیه السلام): وتظهر الملائکة والجن للناس عند الظهور؟، فقال(علیه السلام):

«إی والله ویخاطبونهم کما یکون الرجل مع حاشیته وأهله»، قلت: یا سیدی ویسیرون معه قال:

«إی والله یا مفضل ...»(1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن المفضل بن عمر فی حدیث طویل عن الظهور:

«وتظهر الملائکة والجن، وتخالط الناس، ویسیرون معه»(2).

5 - وفی حدیث آخر سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«إن قائمنا إذا قام مدّ الله عَزَّ وَجَلَّ لشیعتنا فی أسماعهم وأبصارهم حتی لا یکون بینهم وبین القائم برید، یکلمهم فیسمعون وینظرون إلیه وهو فی مکانه»(3)، حیث دلَّ علی أن إیمان المؤمنین من شیعة أهل البیت(علیهم السلام) یقتضی فی الرجعة آثاراً للکمال تتمیزعن باقی البشر من غیر المؤمنین، کما هو الحال فی تمیز الأبدال عن غیرهم .

وروی فی الخرائج والجرائح عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال الحسین(علیه السلام) ... إلی أن یقول:

«ثم إن الله لیهب شیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء فی الأرض وما کان فیها حتّی أنَّ الرجل منهم یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما

ص:160


1- (1) رواه فی البحار فی باب عقدهُ فی حقیقة الجن.الحدیث 29، عن منتخب بصائر الدرجات بإسناده عن المفضل بن عمر فی خبر طویل فی الرجعة وأحوال القائم ، والظاهر أن الروایة واحدة ولکن فی المختصر إختلاف یسیر.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات :5/516،ص529.
3- (3) الکافی 240/8.

یعملون»(1).

وهذه الروایة تبین زیادة قدرات الشیعة المؤمنین علی درجة قدرات الأبدال وکرامتهم، وکذلک فی تتمة روایة الخرائج والجرائح

«ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا وأنزل الله ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرفه أزواجه ومنزله فی الجنة».

وروی الطبری فی دلائل الامامة بسنده عن المفضل بن عمر عن ابی عبدالله(علیه السلام) قال:

«إذا قام القائم(علیه السلام) إستنزل المؤمن الطیر من الهواء فیذبحه فیشویه ویأکل لحمه ولا یکسر عظمه، ثم یقول له: إحی بأذن الله فیحیی ویطیر، وکذلک الظباء من الصحاری ویکون ضوء البلاد نوره، ولا یحتاجون إلی شمس ولاقمر ولا یکون علی وجه الارض مؤذ ولا شر ولا إثم ولا فساد أصلاً، لأنَّ الدعوة سماویة، لیست بأرضیة، ولا یکون للشیطان فیها وسوسة ولا عمل ولاحسد ولا شیء من الفساد، ولا تشوک الأرض والشجر، وتبقی زروع الأرض قائمة، کلما أُخُذ منها شیء نبتت من وقته وعاد کحاله، وإن الرجل لیکسو إبنه الثوب فیطول معه کلما طال ویتلون علیه أی لون أحب وشاء، ولو أن الرجل الکافر دخل جحر ضّب أو تواری خلف مدرة أو حجر أو شجر لأنّطق الله ذلک الستر الذی یتواری فیه، حتّی یقول یا مؤمن: خلفی کافر فیأخذه ویقتله، ولا یکون لابلیس هیکل یسکن فیه - والهیکل: البدن - ویصافح المؤمنون الملائکة،

ص:161


1- (1) الخرائج والجرئح مجلد 2 /850.

ویوحی إلیهم، ویحیون - ویجتمعون - الموتی بإذن الله»(1).

ثم إنّ أحد معانی الخلوص هو إنکار الذات والتنکر لها وهو تخلص من سجن الذات وأنانیته، وتقدیم ما یریده الباری تعالی ورسوله(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام)، أی تقدیم إراداتهم علی ارادة الإنسان لنفسه ویجعل منطلق حرکته فی أفعاله هو الهدف الإلهی، وفی الإخلاص خلاص وخلوص الذات، والرجعة برمجة لسیر تکاملی یمرّ بمراتب ومراحل متراتبة رکن بعد رکن کی یتم الخلوص.

تنزل للروح إلی جنب الجسد فی القبر قبیل الإحیاء فی الرجعة:

روی الکلینی بسند صحیح عن یزید الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

إنَّ فتیة من أولاد ملوک بنی إسرائیل کانوا متعبدین، وکانت العبادة فی أولاد ملوک بنی اسرائیل، وأنهم خرجوا یسیرون فی البلاد لیعتبروا فمروا بقبر علی ظهر الطریق قد سفی علیه السافی لیس یبین منه إلا رسمه فقالوا: لو دعونا الله الساعة فینشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه کیف وجد طعم الموت، فدعوا الله وکان دعائهم الذی دعوا الله به: أنت الهنا یا ربنا لیس لنا إله غیرک، والبدیع الدائم غیر الغافل لک فی کل یوم شان تعلم کل شیئ بغیر تعلیم انشر لنا هذا المیت بقدرتک، قال: فخرج من ذلک القبر رجل أبیض الرأس واللحیة، ینفض

ص:162


1- (1) دلائل الامامة للطبری /ح 47/443.

رأسه من التراب شاخص بصره إلی السماء، فقال: لهم مایوقفکم علی قبری؟ فقالوا: دعوناک لنسألک کیف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم لقد سکنت فی قبری تسعة وتسعین سنة ما ذهب عنی ألم الموت وکربه، ولا خرج طعم مرارة الموت من حلقی، فقالوا له: متّ یوم متّ وأنت علی ما نری أبیض الرأس واللحیة، قال: لا، ولکن لما سمعت الصیحة أخرج اجتمعت تربة عظامی إلی روحی فنفثت (فنفست) فیه فخرجت شاخصاً بصری مهطعاً إلی صوت الداعی فابیّض لذلک رأسی ولحیتی..(1)، وظاهر هذه الروایة أن الصیحة توجب قوة للروح جاذبة لتربة العظام والبدن واجتماعها، فالإحیاء للبدن یتم من طریق الروح بقوة الصیحة.

وهذا کما هو مقرر الآن عصریاً فی العلوم الروحیة الحدیثة من أن الجانب غیر المرئی من ذات الإنسان وهو الروح أو البدن غیر المحسوس المسمی مادته بالاوکتوبلازما، والمسمی قدیما فی مکاشفات العرفاء والفلاسفة بالبدن البخاری، وذلک لأنَّ لونه کمادة بیضاء کالسحاب، وهذا ماکشفته الصور الحدیثة للأشعة فوق البنفسجیة وتحت الحمراء أن هذا هو الذی یتکون فی الإنسان أولاً فی النشأة الأولی فی رحم الأم، وهو سبب لاجتماع الحویمن والبویضة، وتکوّن النطفة والعلقة ثم المضغة والعظام للإنسان.

وعلی أیة حال فمفاد هذا الحدیث یقرب من مفاد قوله تعالی: «فَإِنَّما هِیَ

ص:163


1- (1) الکافی ج3 /231.

زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ » (1)، وقوله تعالی: فَالزّاجِراتِ زَجْراً (2)، وقوله تعالی: فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ یَنْظُرُونَ » (3)، ولعل هذه الزجرة الثانیة معاکسة للإماتة.

والحاصل أن مفاد الحدیث وأمثاله مما ورد فی هذا الشأن یبین کیفیة بعث الروح فی تراب وطینة الجسد، مما لم یصل إلیه عقلیة البحث الکلامی والفلسفی، وأن البعث فی الرجعة زجرٌ وصیحة هول فتنشط الروح فتُنفث فی البدن وتجذب ترابه.

الرجعة فتح الفتوح الرجعة مشروع بناء معرفة متعالیة ودولة حضاریة:

إنَّ هناک کثیراً من الشواهد والدلائل الدالة علی أن الرجعة والعود إلی الحیاة الدنیا، لا سیما بالنسبة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام)، لیس لمجرد مشروع إقامة الدولة السیاسیة وبسط العدل السیاسی والقسط فی الحقوق، بل إن هناک مشروعاً أکبر وأعظم وأهم من ذلک، وهو مشروع الدعوة الجدیدة إلی بناء فی العقیدة أعظم.

فإن هذا الدین له طبقات وطیات، فمن ثم وصفه النبی بأنه متین،

ص:164


1- (1) سورة النازعات: الآیة 13.
2- (2) سورة النازعات: الآیة 14.
3- (3) سورة الصافات: الآیة 19.

وهو دین الإسلام والوغول والولوج فیه برفق، وکما أن الإسلام ذو درجات والإیمان درجات فبلوغ البشر وتکاملهم یتطلب تخطی مراحل وأطوار.

وقد ورد عنهم(علیهم السلام) أن هناک مرتبة ظاهر الإسلام ثم مرتبة الإیمان ثم مرتبة التقوی ثم مرتبة الیقین، وإن کانت هذه الأقسام الأربعة بلحاظ آخرهی درجات الإسلام ودرجات الإیمان وأنها مراتب فی الدین، کما ورد أنّ الإیمان علی عشر درجات، وورد أن من عند أهل البیت النبی(صلی الله علیه و آله) وعترته(علیهم السلام) ظهرت دعوة الإسلام، کما أن منهم ظهرت دعوة الإیمان.

وکلا الدعوتین ذات مراتب من الدین الواحد، فالبشریة علی موعد وترقب أن تظهر من أهل البیت(علیهم السلام) دعوة جدیدة هی من مراتب دین الإسلام لم تظهر من قبل، وهذه الدعوة والدعوات الجدیدة لاتتناقض بحال مع ما تقدم منهم من دعوة ظاهر الإسلام ودعوة الإیمان، بل تتوالم وتتلائم بأشد ما یمکن إلی غور حقائق هی جذور لما تقدم من الدعوتین، فإن هذا الدین متین وعلی درجات ولا زالت الدعوة إلی الدین الحنیف فی بدایاتها حسب دلالة الآیات بتبیان الروایات، وهناک جملة من الشواهد علی ذلک:

1 - أن النذارة الکبری یقوم بها النبی(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وأن ما قد قام به من نذارة وبشارة فهی نذارة صغری ابتدائیة، وقد ورد فی ذلک روایات متعددة عنهم(علیهم السلام) فی ذیل الآیة یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، فقد روی فی منتخب بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید عن أبی جعفر(علیه السلام) فی

ص:165

حدیث عن الرجعة وقوله: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، یعنی بذلک محمداً(صلی الله علیه و آله) قیامه فی الرجعة ینذر فیها، وقوله إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ نَذِیراً لِلْبَشَرِ یعنی محمداً(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة، وقوله هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ قال: یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة(1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بنفس الإسناد عن أبی جعفر(علیه السلام) «أن أمیر المؤمنین(علیه السلام)کان یقول: إن المدثر هو کائن عند الرجعة»(2).

وغیرها من الروایات التی ستأتی فی الباب الرابع.

وکذلک ورد فی أن عمدة الدور الذی أسنده الله تعالی إلی أمیر المؤمنین(علیه السلام) لم ینجز بعد، وأنَّه سینجزه فی الرجعة، حیث ورد عنهم(علیهم السلام) فی ذیل قوله تعالی: کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ (3)، أی لم یقض أمیر المؤمنین(علیه السلام) ما أمره وسیرجع حتی یقضی ما أمره، وقوله ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ قال یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره(4)، ورواه ابن مهیار بسند صحیح عن أبی أسامة عن أبی جعفر(علیه السلام)(5).

ص:166


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ باب الکرات ح1/55، وحدیث 34/88 وحدیث 37/137.
2- (2) نفس المصدر /35/89.
3- (3) سورة عبس: الآیة 23.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /ح38/138وایضا/ح 139 /39.
5- (5) تاؤیل الایات/2:764ح/2.

2 - ما ورد فی الزیارة الجامعة، من قوله(علیه السلام): «مؤمن بإیابکم مصدق برجعتکم منتظر لأمرکم مرتقب لدولتکم»، فهو إشارة إلی أصل الإیاب، ثم حیاة الرجعة، ثم انتظار (أمرهم) الذی سیقع فی الرجعة، وهو إشارة إلی الدعوة إلی معرفة وعقیدة وفکر وظهور دعوة خفیة باطنة لهم، کما یشیر إلیه لفظ الأمر، حیث إنه إشارة الی قناة الاتصال الملکوتیة بینهم وبین الغیب، فالأمر یشیر إلی السفارة الخفیة بینهم وبین الخالق، فهم سفراء الله فی خلقه، یبلغون عن الله دعوته، کما ورد فی الزیارة الجامعة نفسها، «والمظهرین لأمر الله»، وَوَرَدَ فیها أیضاً «حتی أعلنتم دعوته»، ثم فی المرتبة الرابعة بناء الدولة والتدبیر السیاسی العملی، فهناک إیمان وتصدیق وانتظار وارتقاب، والإیمان بأصل الإعادة لتعلقه بفعل وقدرة الله تعالی، والتصدیق لتعلقه بصفة فی الحجج، إذ التصدیق والتکذیب إنما یتعلق بالحجج، والانتظار یرتبط بالتطلع إلی مجیء دعوة ورؤیة معرفیة بلحاظ ظهورها وبروزها، ومن ثم حقیقة الرجعة أنَّه یقع فیها مشروع معرفة قبل أن تکون مشروع دولة وسیاسة.

فأولاً: هی عقیدة وهی مشیئة الله تعالی وقدرته.

ثانیاً: هی تصدیق ایضا بأحوال حجج الله وخلفائه فی أرضه.

ثالثاً: الأخذ بمعارفهم ودعوتهم وأقوالهم وهومشروع معرفة أیضاً.

رابعاً: الارتقاء العملی کبرنامج عملی لظهور دولتهم.

ص:167

3 - ما رواه الحافظ رجب البرسی فی کتابه: (مشارق أنوار الیقین) فی الخطبة الافتخاریة عن الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حدیث، قال:

«ومن أنکر أن لی فی الأرض کرة بعد کرة، ودعوة بعد دعوة، وعودة بعد رجعة، حدیثاً کما کنت قدیماً، فقد رد علینا، ومن رد علینا فقد رد علی الله»(1).

وهذه الروایة صریحة فی وجود دعوات عدیدة منه(علیه السلام)، والمراد من التثنیة الکثرة، فوراء دعوة ظاهرالإسلام ودعوة الإیمان دعوات عدیدة لاعماق دین الإسلام.

4 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن کتاب خطب مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام) علیه خط السید رضی الدین بن طاووس، وذکر فیه خطبة له(علیه السلام) تسمی (بالمخزون)، وفیها: إنَّ لکل شیء إنیً (الف مقصور) یبلغه، لا یعجّل الله بشیء حتی یبلغ إناه ومنتهاه، فاستبشروا ببشری ما بشرتم به، واعترفوا بقربان ماقرب لکم، وتنجزوا من الله ما وعدکم، إن مّنا دعوة خالصة، یظهر الله بها حجته البالغة، ویتم بها النعمة السابغة، ویعطی بها الکرامة الفاضلة، من استمسک بها أخذ بحکمة منها، آتاکم الله رحمته، ومن رحمته نور القلوب، ووضع عنکم أوزار الذنوب، وعجل شفاء صدورکم، وصلاح أمورکم، وسلام منا لکم دائماً علیکم تسلمون به فی دول الأیام

ص:168


1- (1) مشارق انور الیقین/فص (خطبة الافتخار):260؛ ورواه فی الإیقاظ عنه بزیادة فی المتن وهی التی أثبتناها أعلاه.

وقرار الأرحام، أین کنتم، وسلامه لسلامه علیکم فی ظاهره وباطنه(1).

وفی هذه الخطبة یشیر(علیه السلام) إلی معالم الدعوة الجدیدة لهم(علیهم السلام):

منها: أنه وصفها بالخالصة، ای لایشوبها تقیة وخفاء، بل یتمحض الحق بالجلاء.

ومنها: اشتداد الحجیة، فتکون بالغة.

ومنها: أن تلک الدعوة ستکون سببا لإنزال النعمة الوافرة وأفضل درجات الکرامة.

ومنها: أنها برنامج لصیرورة الإنسان المؤمن ذی حکمة متصرف فی مقامات ومنازل تکوینیة من الأبدال

ومنها: تنویر القلوب بإزدیاد.

وغیرها مما مر فی کلامه(علیه السلام).

5 - ما رواه صاحب مختصر بصائر الدرجات فی کتابه (المحتضر) عن کتاب (القائم) للفضل بن شاذن: عن الحسن بن عبدالله عن أبی عبدالله(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه قال علی منبر الکوفة: ... وأنا الفاروق الأکبر والقرن من الحدید وباب الایمان وصاحب المیسم وصاحب السنین، وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر، وصاحب القضاء، وصاحب الکرات

ص:169


1- (1) مختصر بصائر الدرجات:ح14/525.

ودولة الدول، وانا الامام لمن بعدی والمؤدی عمن قبلی لا یتقدمنی الا أحمد، فان جمیع الملائکة والرسل والروح خلفنا ... وانا الشاهد علیهم، وعلی یدی یتم موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین، وانا النعمة التی أنعمها الله علی خلقه، وانا الإسلام الذی أرتضاه لنفسه کل ذلک منّ من الله تعالی»(1).

فبّین(علیه السلام) أن علی یدیه فی الرجعة تکمل کلمة الله، وبه یکمل الدین فی الرجعة.

6 - ما رواه فی الکافی عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال: کأنی بالقائم علی منبر الکوفة علیه قباء، فیخرج من وریان قبائه کتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فیفکه فیقرأه علی الناس، فیجفلون عنه اجفال الغنم، فلم یبق إلّا النقباء، فیتکلم بکلام، فلا یلحقون ملجأ حتی یرجعوا إلیه، وإنی لأعرف الکلام الذی یتکلم به(2).

ومثله ما رواه فی إکمال الدین بسنده عن المفضل بن عمر قال: «قال الصادق(علیه السلام): کأنی أنظر إلی القائم(علیه السلام) علی منبر الکوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألویة، وهم حکام الله فی أرضه علی خلقه، حتی یستخرج من قبائه کتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فیجفلون عنه إجفال الغنم

ص:170


1- (1) المحتضرللحسن بن سلیمان الحلی :ح/170.
2- (2) الکافی /م 8 /ص167ح 185.

البکم، فلا یبقی منهم إلّا الوزیر وأحد عشرنقیباً، کما بقوا مع موسی بن عمران(علیه السلام)، فیجولون فی الأرض فلا یجدون عنه مذهباً، فیرجعون إلیه، والله إنی لأعرف الکلام الذی یقوله لهم فیکفرون به»(1).

والروایتان ظاهرتان بوضوح فی أن ما یدعوهم الحجة(علیه السلام) إلیه من العهد المعهود من رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی ذلک الکتاب لم یسمع به قط، وهو من الصعوبة والثقل بمکان، بحیث لا یتحمله زبدة الناس وهم الثلاثمائة وثلاثة عشر، وهم أصحاب کرامات ومقامات وتطوی لهم الأرض کما فی الروایات، وبعضهم یمشی علی الماء، وبعضهم یمشی علی السحاب، کما وردت بذلک الروایات.

فجملتهم من الأبدال أو الأوتاد أو السیاح، ورغم ذلک یثقل علیهم ویصعب استیعاب هذه الدعوة الجدیدة.

ومن شدة ثقل هذه الدعوة یجفلون ویفرون فی نفس المجلس، هذا مع ما شاهدوه من قبل من معاجزالمهدی(علیه السلام) والآیات الکثیرة التی ظهرت علی یدیه(علیه السلام)، وهذا کله شواهد علی مدی غرابة وصعوبة ما یدعوهم إلیه من مراحل أعماق دین الإسلام، وراء دعوة ظاهر الإسلام ودعوة الإیمان، فضلاً عن سائر عموم الناس.

بلْ إنَّه فی مرحلة من المراحل وموقف یقوم به المهدی(علیه السلام) فی المدینة

ص:171


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة:673.

المنورة یفرّ عنه حتی النقباء الاثنا عشر، فقد روی الفضل بن شاذان بإسناده إلی إسحاق بن عمار عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال:

«إذا قدم القائم(علیه السلام) وثب أن یکسر الحائط الذی علی القبر، فیبعث الله تعالی ریحاً شدیدة وصواعق ورعوداً، حتّی یقول الناس: إنما ذا لذا، فیتفرق أصحابه عنه حتی لا یبقی معه أحد، فیأخذ المعول بیده، فیکون أول من یضرب بالمعول، ثم یرجع إلیه أصحابه إذا رأوه یضرب المعول بیده، فیکون ذلک الیوم فضل بعضهم علی بعض، بقدر سبقهم إلیه، فیهدمون الحائط ثم یخرجهما غضین رطبین، فیلعنهما ویتبرأ منهما ویصلبهما، ثم ینزلهما ویحرقهما، ثم یذریهما فی الریح»(1).

7 - إظهارهم(علیهم السلام) فی الرجعة أسرارا لا تتحمل فی الحیاة الأولی من الدنیا، فقد روی الکشی فی رجاله، وبن بابویه فی الإمامة والتبصرة، والکلینی فی الکافی، والصدوق فی اکمال الدین، والنعمانی فی الغیبة بأسانیدهم عن المفضل بن عمر الجعفی، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن تفسیر جابر، فقال: لا تحدث به السفلة فیذیعونه، أما تقرأ فی کتاب الله عَزَّ وَجَلَّ فَإِذا نُقِرَ فِی النّاقُورِ (2)؟ إن منا إماماً مستتراً، فإذا أراد الله إظهار أمره نکت فی قلبه نکتة، فظهر فقام (وأمر) بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ (3).

وهذه الروایة الشریفة تشیر إلی أنْ من المهام الأولی لدولتهم(علیهم السلام) -

ص:172


1- (1) بحار الانوار مجلد /52:386ح201.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 8.
3- (3) إختیار معرفة الرجال،ح 338/الامامة والتبصرة لعلی بن بابویه ح121/الکافی مجلد /1 ص343/کمال الدین للصدوق ص349ب33ح42/الغیبة للنعمانی ص193.

التی تبدأ بظهور الصاحب - مهمة ووظیفة الدعوة إلی مراحل أعلی من الإیمان، وإلی درجات أعماق الدین الحنیف، مما لم تحتمله البشریة والمسلمین من قبل، وقد وصل إلی تلک الأعماق وبواطن الدین بعض الخواص من حواری أهل البیت(علیهم السلام).

8 - ما رواه النعمانی عن أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

«یقوم القائم(علیه السلام) فی وتر من السنین،... فوالله لکأنی أنظر إلیه بین الرکن والمقام یبایع الناس بأمر جدید وکتاب جدید وسلطان جدید»(1).

9 - وروی الصفار فی بصائر الدرجات، صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال حدث عن بنی إسرائیل یا زرارة ولا حرج، قلت إن فی أحادیث الشیعة ما هو أعجب من أحادیثهم، فقال: وأی شیء هو یا زرارة؟ فاختلس فی قلبی فمکثت ساعة لا أذکر ما أرید، فقال(علیه السلام): لعلک ترید الرجعة؟ قلت: نعم، قال: حدث (صدق) بها فإنها حق(2).

وفی نسخة بصائر الدرجات الموجودة والبحار (لعلک ترید التقیة)، ولکن نسخة الحر العاملی فی الایقاظ لفظ الرجعة، وبلفظ التقیة ایضا ما فی خرائج الراوندی ومدینة المعاجز للسید هاشم البحرانی وبحار المجلسی، الّا أن الحدیث مروی بألفاظ أُخری أیضاً مؤداها کما ذکر المجلسی أنه سیقع فی هذه الأمة ما وقع فی بنی اسرائیل.

ص:173


1- (1) الغیبة للنعمانی /ب 14ح22ص270وکذلک ح24.
2- (2) بصائر الدرجات /الجزء 4 ب 10 ح19ص260.

وهذا المعنی یتناسب ویتلائم مع عنوان ومعنی الرجعة لا لفظ التقیة، کما أن وصف (أنها حق) یناسب معنی الرجعة لا التقیة، إذ هی لیست ثقافة منتشرة فی کل الدوائر من کل جیل وإن کان أصلها متناقل فی کل جیل لکن بدائرة أضیق، وإلا فالتقیة عنوان مشهور لدی امثال زرارة، ویشهد لکون تعجب زاررة من عنوان الرجعة ما فی روایة اخری تقدمت دالة علی حرصه علی السؤال عنها، وسیأتی الاشارة إلیه مرة أُخری، وهی تدلُّ علی صعوبة هضم مطالب الرجعة حتی علی کبار أصحاب الأئمة(علیهم السلام)، مثل زرارة، فضلاً عن کبار علماء الإمامیة فی الغیبة، ورغم ذلک فإن الإمام(علیه السلام) یأمر مثل زرارة بترویج ثقافة عقیدة الرجعة، لأنها من المعتقدات الحقة التی یجب أن یتربی علیها مجتمع المؤمنین والمسلمین.

النظام القرآنی الراسم للرجعة:

إن هناک طوائف من الآیات ومجامیع من السور تتعرض لبیان وتفسیر فصول أحداث ومراحل الرجعة مع غفلة جملة غالب المفسرین عن حقائق معانیها، وحسبانهم أنها فی المعاد الأکبر، وتبویب تلک الآیات والسور یبنی نظاماً ومنظومة هائلة للرجعة.

وسیأتی البحث فی تفاصیل ذلک فی الباب الثانی إنْ شاء الله تعالی.

ص:174

الفصل الثالث:غایات وفلسفات الرجعة و نمط تفسیر آخر

اشارة

ص:175

ص:176

غایات وفلسفات الرجعة ونمط تفسیر آخر
اشارة

*القدرة الإلهیة فی الرجعة.

*إنجاز الوعد وإقامته وإظهاره فی الرجعة.

قدْ ذکرت الآیات والروایات عِدَّة غایات وحکم للرجعة:

الغایة الأولی: معرفة الرجعة فریضة کبری علی جمیع الأمة کمعرفة المعاد الأکبر

وهذا مفاد جملة من الآیات والأحادیث منها:

ما روی فی کتاب سلیم بن قیس الهلالی الذی رواه عنه أبان بن أبی عیاش، وقد قرأ جمیعه علی علی بن الحسین(علیهماالسلام) بحضور جماعة من أعیان الصحابة منهم أبو الطفیل عامر بن واثلة، فأقرَّه علیه مولانا زین العابدین(علیه السلام) وقال:

«هذه أحادیثنا صحیحة».

قال أبان: ثم لقیت أبا الطفیل بعد ذلک فی منزله فحدّثنی فی الرجعة

ص:177

عن أناس من أهل بدر، وعن سلمان وأبی ذر والمقداد وأبی بن کعب، وقال أبو الطفیل فعرضت ذلک الذی سمعته منهم علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) بالکوفة فقال لی: هذا علم خاص لا یسع الأمة جهله وردّ علمه إلی الله تعالی، ثم صدَّقنی بکل ما حدَّثونی فیها، وقرأ علیَّ بذلک قرآناً کثیراً، وفسره تفسیراً شافیا حتّی صرت ما أنا بیوم القیامة بأشدّ یقیناً منّی بالرجعة، وکان مما قلت له: یا أمیر المؤمنین اخبرنی عن حوض رسول الله(صلی الله علیه و آله) أفی الدنیا هو أم فی الآخرة، فقال: بل فی الدنیا، قلت فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بیدی هذه فلیردنه أولیائی ولیصرفن عنه أعدائی، قلت یا أمیر المؤمنین قول الله تعالی وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ ... الآیة»، ما الدابة؟ قال: یا أبا الطفیل أُلْهُ عن هذا، فقلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی به جعلت فداک قال هی دابة تأکل الطعام وتمشی فی الأسواق وتنکح النساء: فقلت یا أمیر المؤمنین: من هو؟ قال: زر الأرض الذی إلیه تسکن الارض، قلت یا امیر المؤمنین من هو؟ قال: صدیق الأمّة وفاروقها ورئیسها وذو قرنیها، قلت یا أمیر المؤمنین: من هو؟ قال: الذی قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ و وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ ، وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ ، والذی وَ صَدَّقَ بِهِ أنا والناس کلّهم کافرون غیری وغیر (محمّد(صلی الله علیه و آله) ، قلت یا أمیر المؤمنین سمه لی: قال: قد سمَّیته لک.

یا أبا الطفیل والله لو دخلت علی عامة شیعتی الذین بهم اقاتل، الذین أقروا بطاعتی وسمونی أمیر المؤمنین واستحلوا جهاد من خالفنی فحدثتهم

ص:178

شهرا ببعض ما اعلم من الحق فی الکتاب الذی نزل به جبریئل علی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وببعض ماسمعت من رسول الله(صلی الله علیه و آله) لتفرقوا عنی حتی ابقی فی عصابة حق قلیلة، أنت وأشباهک من شیعتی، ففزعت وقلت یا أمیر المؤمنین، أنا واشباهی نتفرق عنک أو نثبت معک؟ قال: لا بل تثبتون، ثم أقبل علیّ فقال: إنّ أمرنا صعب مستصعب لا یعرفه ولایقرّبه الاّ ثلاث ملک مقرب أو نبی مرسل أو عبد مؤمن نجیب أمتحن الله قلبه للایمان، .یا با الطفیل إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبض فارتد الناس ضلاّلاً وجهالاً (بعده کفارا) إلّا من عصمه الله بنا أهل البیت»(1).

ومفاد هذا الحدیث أنَّ علم الرجعة ومعرفتها مقتصر حالیاً علی الخواص، والحال المفروض أنه لا یعذر عموم الأمة جهل الرجعة، وأن فریضته کفریضة الاعتقاد بیوم القیامة، وذلک لبیانه(علیه السلام) لأبی الطفیل أن دلائل القرآن والوحی علی الرجعة علی حذو دلائله علی یوم القیامة.

ولو یروج بین الناس التنبیه علی دلائل الرجعة وضرورتها لقلَّ حرص الناس علی لذائذ الدنیا، حیث سیکون لدیهم فرصة أخری ومجال آخر فی حیاة أخرة الدنیا قبل یوم القیامة، وفی الروایات أنّ الأئمة(علیهم السلام) یخفّفون الألم عن شیعتهم بانتظار دولة الحق فی الرجعة، فتزیدهم الرجعة من الصبر والإیمان.

ص:179


1- (1) کتاب سلیم بن قیس 129 -131.
الغایة الثانیة: القدرة الإلهیة فی الرجعة
الإیمان والمعرفة بالقدرة الالهیة:

قَدْ وَرَدَ مستفیضاً فی روایات الرجعة المتواترة أن الرجعة مظهر القدرة الإلهیة، وأن منشأ إنکار الرجعة لدی المنکرین الجاحدین هو إنکارهم وعدم إیمانهم بقدرة الله، وهو مفاد قوله تعالی فی الاستبعاد وهو استنکار خفیف أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی باب الکرات فی موثقة حنان بن سدیر، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجعة، فقال: القدریة تنکرها ثلاثاً(2).

والظاهر أن المراد بالقدریة لیس القائلین بالجبر فی فعل العباد، بل الجبر فی فعل الإله، کمقولة الیهود یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا (3)، فینکرون قدرته تعالی ومشیئته بدعوی أن القلم جف بما کان ویکون.

ص:180


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات ب /الکرات /13/67.
3- (3) سورة المائدة: الآیة 64.

الرجعة والقدرة والمشیئة الإلهیة:

قد بیَّنت جملة من الروایات أن جملة من أهل الخلاف المنکرین للرجعة إنما أنکروها بسبب یضاهی سبب المنکرین للمعاد، أی راجع إلی سبب واحد عند کلا الصنفین، وهو راجع إلی إنکار القدرة الإلهیة، وأطلق علیهم فی الروایات: القدریة، أی إنکارهم ذلک فی القدرة الإلهیة.

ومن تلک الروایات:

1 - عن عبد الرحمن القصیر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: قرأ هذه الآیة: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ (1)، فقال: هل تدری من یعنی؟، قلت: یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون، فقال: لا، ولکن من قتل من المؤمنین رُدّ حتی یموت، ومن مات رُدّ حتی یُقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها(2).

2 - ما نقل فی مصباح المتهجد: فی زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمّة من بعده، وفیها: إنّی من القائلین بفضلکم، مقرّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله(3).

3 - وروی فی کتاب (المزار) للمشهدی فی أحد زیارات أمیر المومنین التی أبَّنه بها الخضر بعد استشهاده

«...فقلبی لکم مسلم وامری لکم متبع،

ص:181


1- (1) سورة التوبة: الآیة 12.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب /الکرات /ح 21/75.
3- (3) مصباح المتهجد/289 /ح 11/399.

ونصرتی لکم معده حتی یحی الله بکم دینه ویردکم، فمعکم معکم لا مع غیرکم انی من المؤمنین برجعتکم لا منکر لله قدره ولا مکذب منه مشیة»(1).

4 - وفی مصباح الزائر لابن طاووس قال روی عن الإمام الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیهماالسلام) أنه قال: من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) والمعصومین صلوات الله علیهم من بعید،... وساق الزیارة إلی قوله: إنّی من القائلین بفضلکم، مقرّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله(2).

5 - ما روی فی کامل الزیارات عن سعدان بن مسلم قائد أبی بصیر، قال: حدثنی بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی زیارة الحسین(علیه السلام)... إلی قوله: ونصرتی لکم معدّة، حتی یحکم الله، وهو خیر الحاکمین لدینه، ویبعثکم فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنی من المؤمنین برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أکذّب له مشیّة، ولا أزعم أنّ ما شاء لایکون(3).

6 - ما رواه فی کامل الزیارات من معتبرة أبی حمزة الثمالی، عن الصادق(علیه السلام) فی زیارة للحسین(علیه السلام)

«و... نصرتی لکم معدّة، حتی یحییکم الله لدینه (حتی یحکم الله بدینه) ویبعثکم، وأشهد (الله) أنکم الحجة، وبکم ترجی الرحمة، فمعکم معکم لا مع عدوّکم، إنّی بإیابکم (بکم) من المؤمنین، لا أنکر لله قدرة،

ص:182


1- (1) المزار للمشهدی /ب 13 /ح6.
2- (2) بحار الانوار - ج 97 ص 189 /ح12.
3- (3) کامل الزیارات - ب 79/ح 17/633.

ولا أکذب منه بمشیّة، ثم قال: (... اللهمّ صلّ علی أمیرالمؤمنین عبدک وأخی رسولک... (إلی أن قال:) اللهمّ أتمم به کلماتک، وأنجز به وعدک، وأهلک به عدوک، واکتبنا فی أولیائه وأحبّائه، اللهمّ اجعلنا له شیعة وأنصاراً وأعواناً علی طاعتک، وطاعة رسولک، وما وکّلته به واستخلفته علیه، یا ربّ العالمین(1).

وهذه الروایات تبین أن الرجعة مرتبطة بالمشیئة والقدرة الإلهیة، کما تبین أن الإنکار یسند إلی القدرة فی مقابل الإقرار بها، والتکذیب یسند إلی المشیئة فی مقابل التصدیق بها، والإیمان بالرجعة هو بالإقرار والتصدیق بهما لا بالإنکار والتکذیب.

ووجهُ إسناد الإقرار إلی القدرة هو کون القدرة أمرا موجودا، وعینا مقررة بینما المشیئة علی وزان العلم حکایة ومرآة عمّا سیکون، فیتعلق بها التصدیق أو التکذیب نظیر مافی قوله تعالی: قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ (78) قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (79)..... أَ وَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلی وَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِیمُ (2).

الغایة الثالثة: تحقیق و وقوع غایة الخلقة من دار الدُّنْیَا:

وقد استفاد الشاه آبادی والطباطبائی والرفیعی من الآیات والروایات أن

ص:183


1- (1) کامل الزیارات /ب 79ح23/639وبحار الانوار /116/98.
2- (2) سورة یس: الآیة 78 - 80.

غائیة دار الدنیا لابدّ أن تتحقّق، وإنّما یتم ذلک فی الرجعة، وأقاموا علی ذلک البرهان المشار إلیه فی کثیرٍ من ظاهر الآیات والروایات فی الرجعة أن أکمل دولة سیشهدها البشر علی الإطلاق هی دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وأن دولة الأئمة ممهّدة له وإن کان أکثر من یدیر دولاً فی الرجعات هو أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، وأن أکبر دولة بعد الرسول هی دولة أمیر المؤمنین قبل دولة الرسول(صلی الله علیه و آله)، ودولة ظهور الإمام المهدی(علیه السلام) بدایة ذلک الإعداد.

وأنّ الانتظار والترقب الأکبر هو لدولة الرجعة وعلی رأسها دولة الرسول(صلی الله علیه و آله)، وأنّ انتظار دولة المهدی(علیه السلام) هی بادرة ذلک، ولیس الغایة النهائیة.

هذا علی صعید النظام الإجتماعی والمجموع البشری، وکذلک الحال علی الصعید الفردی، فإنّ تفتق فعلیة کمالات الإنسان المودعة فی قابلیته لم تنجز بعدُ فی الحیاة الأولی من الدنیا، وإنما تتحقق فی آخرة الدنیا فی ظل دول العدل الإلهی، حیث تتفجر کنوز خزائن الطبیعة وتبلغ أوجها ویرسل السماء علیکم مدراراً.

وقد خرج إلی أبی القاسم بن العلاء الهمدانی وکیل أبی محمد(علیه السلام) أنّ مولانا الحسین(علیه السلام) ولد یوم الخمیس لثلاث خلون من شعبان فصمه مندوباً وادع فیه بهذا الدعاء... وساق الدعاء إلی قوله: «وسیّد الأسرة، الممدود بالنصرة یوم الکرّة، المعوّض من قتله أنّ الأئمة من نسله، والشفاء فی ترتبه، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته، حتی یدرکوا الأوتار، ویثأروا

ص:184

الثار، ویرضوا الجبار، ویکونوا خیر أنصار... إلی قوله: «فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته آمین رب العالمین »(1).

یظهر من الآیات والروایات أن الحیاة النموذجیة المثالیة علی وجه الأرض التی تتصف بالهدایة التامة والعمران الکامل والنعیم بحسب قابلیة الأرض وارتفاع الاختلاف والجهل والتخلّف ونموّ العلم وتفشّی العدل تنسیقا للقلوب والنفوس فضلاً عن نظام الدولة العظمی إنّما یتمّ فی دولة الرجعة، وعلی ذلک ما ورد فی قوله تعالی : وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ * لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ (2)، فمعناه أن رفع الاختلاف والجهل إنّما هو غایة کمالیة فی دار الدنیا، وهی من ضوابط وأحکام الرجعة.

ومن ذلک الآیات المبارکة التی ذکر فیها رفع الاختلاف قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ وَ مُطَهِّرُکَ مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ جاعِلُ الَّذِینَ اتَّبَعُوکَ فَوْقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأَحْکُمُ بَیْنَکُمْ فِیما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (3)، وقوله تعالی: وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ

ص:185


1- (1) المزار للمشهدی: الباب السادس عشر، فی أعمال شهر شعبان، ص 398. الإقبال الفصل السادس عشر: أعمال شهر شعبان، ج3 ،ص303.
2- (2) سورة النحل: 38-39.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 55.

جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ إِلَی اللّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (1)، ولا یخفی أن المرجع الیه تعالی من مادة الرجعة والرجوع وأن فیها حکم الله الرافع للاختلاف، وقال تعالی: قُلْ أَ غَیْرَ اللّهِ أَبْغِی رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ لا تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (2).

وقال تعالی: وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (3) وقد مرّ وسیأتی أن عنوان القیامة کما یطلق علی القیامة الکبری فإنه یطلق علی الرجعة وهی القیامة الوسطی.

وقال تعالی: وَ قالَتِ الْیَهُودُ لَیْسَتِ النَّصاری عَلی شَیْ ءٍ وَ قالَتِ النَّصاری لَیْسَتِ الْیَهُودُ عَلی شَیْ ءٍ وَ هُمْ یَتْلُونَ الْکِتابَ کَذلِکَ قالَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (4)، وقال تعالی: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّی جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ

ص:186


1- (1) سورة المائدة: الآیة 48.
2- (2) سورة الانعام: الآیة 164.
3- (3) سورة النحل: الآیة 92.
4- (4) سورة البقرة: الآیة 113.

الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (1).

وقد ورد عنهم(علیهم السلام) - أن یوم القیامة الکبری أو بالأحری البعث الأکبر للجنة الأبدیة والنار الأبدیة - لا حساب فیه، بل أواخر القیامة مجرد جزاء فریق إلی الجنة وفریق إلی النار، وإنما عمدة الحساب فی الرجعة، وقد عقدنا لذلک مقالاً مستقلاً.

الغایة الرابعة: معرفة الرجعة وعلوّ الهمة:

ومن فلسفات معرفة الرجعة وغایاتها علو همة الإنسان عن الإکتراث بأحوال الموت وأهوال القبر والبرزخ، فضلاً عن إبتلاءات ومحن أحوال الحیاة الأولی من الدنیا، وذلک لأنَّ معرفة الرجعة تعطیه نظرة لهذه المراحل، نظرة عبور لا نظرة قرار، ونظرة ممر ومرور لا نهایة ولا مقرُ نهایة، فیعلو تطلعه وطموحه عنها، ویتجرد ویخلص للغایة الکبری عن التهاوی والانکباب إلی الدنیا السفلی ولواحقها من الموت والقبر، فالعلم بالرجعة بلوغ کامل فی المعرفة والإیمان، ووقایةٌ عن التشاغل بالأدنی، ولا یستثیره ولا یهوله ولا یحبس بصیرته هذه المراحل والعوالم النازلة.

الغایة الخامسة: الثبات بمعرفة الرجعة علی الإیمان عند البعث الأوّل:

وإنَّ من أمهات فلسفات وغایات معرفة الرجعة هو الثبات علی

ص:187


1- (1) سورة یونس: الآیة 93.

الإیمان عند البعث والإحیاء للرجعة، وذلک لأن الذین یرجعون من غیر سابقة معرفة بالرجعة والإیمان بها - من القرآن ومن قول حجج الله تعالی من الأئمة المعصومین - یظنون ویتوهمون أن نشرهم مَرَّة أخری دوران فی الدورة الطبیعیة، تنبتهم وتحییهم، وإنّ ما بلّغت به رسل الله وأنذروا به من جنة ونار وحساب لیس له صحة، وکان زیفاً والعیاذ بالله.

فتکون الرجعة لهم فتنة جدیدة، فیزدادون تکذیباً للأنبیاء، ومن ثم ورد أن کفرة من کفرات الرجعة أشد کفراً من الکفر فی الحیاة الأولی من الدنیا.

فیقولون ها نحن قد رجعنا إلی الدنیا، ولیس من آخرة ولا شیء من المعاد ، فیزدادون تکذیباً للمعاد، فها هم قد رجعوا إلی الدنیا ولم یروا ما أنذروا، فیزدادون غیّاً وإنکاراً وکفراً .

ومن ثم ورد أن الکفرة فی الرجعة أعظم من الکفرات السابقة.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر(علیه السلام)

«إنّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کان یقول: إن المدثر هو کائن عند الرجعة، فقال له رجل: یا أمیرالمؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت، فقال له عند ذلک: نعم والله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»(1).

ص:188


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح35/89 ص143.

وهذا بخلاف المؤمنین حیث علموا من حجج الله تَعَالَی - وهم أئمة أهل البیت(علیهم السلام) - أن الرجعة بإحیاء وقدرة منه تعالی، فیستبصروا ویستیقنوا بصدق مقالتهم وحق ما أخبروا به فیزدادون هدایة، نظیر ما ورد فی الصحیحة من علامات ظهور الإمام(عج) أن علم المؤمنین بوجود صیحتین صیحة حق ونداء بأن الحق مع علی(علیه السلام) وولده قبیل ظهور القائم(عج)، وهی الصیحة الأولی وهی من جبرئیل، والصیحة الثانیة من إبلیس فی آخرالنهار أن الحق مع عثمان، فلا یلتبس ذلک علی المؤمنین بسبب علمهم المسبق بذلک، من تعلیم وإرشاد أهل البیت(علیهم السلام).

فیکون تعلیم أهل البیت عاصماً لهم عن الفتنة والضلالة، بل یزیدهم یقیناً بالحق، وهو مما یشیر إلیه موثق زرارة، قال:

«سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: ینادی مناد من السماء: إنَّ فلاناً هو الأمیر، وینادی مناد: إن علیا وشیعته هم الفائزون .

قلت: فمن یقاتل المهدی بعد هذا ؟

فقال: إنَّ الشیطان ینادی: إنَّ فلاناً وشیعته هم الفائزون - لرجل من بنی أمیة - ، قلت: فمن یعرف الصادق من الکاذب ؟

قال: یعرفه الذین کانوا یروون حدیثنا، ویقولون: إنه یکون قبل أن یکون، ویعلمون أنهم هم المحقون الصادقون»(1).

ص:189


1- (1) غیبة النعمانی باب 14 ما جاء فی العلامات التی قبل قیام القائم : ح28 ص273.

وموثق هشام بن سالم، قال: «قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): إن الجریری أخا إسحاق یقول لنا: إنکم تقولون هما نداءان فأیهما الصادق من الکاذب؟ فقال أبو عبد الله(علیه السلام): قولوا له: إن الذی أخبرنا بذلک - وأنت تنکر أن هذا یکون هو الصادق»(1).

وموثقة هشام الأُخری: «قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: هما صیحتان صیحة فی أول اللیل، وصیحة فی آخر اللیلة الثانیة.

قال: فقلت: کیف ذلک؟

قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبلیس.

فقلت: وکیف تعرف هذه من هذه؟

فقال: یعرفها من کان سمع بها قبل أن تکون»(2).

وصدر حدیث جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) المتقدم فی الکفرات إشارة إلی الدور الکبیر الذی سیقوم به الرسول(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وسیأتی أن النذارة الکبری له(صلی الله علیه و آله)، بکونه نذیرا للبشر إنما هی فی الرجعة، مما یدلل علی کبر مسؤولیة الدعوة فیها، للمطالبة بکل أبواب الإیمان، والإیمان بالمعاد والبعث الأکبر مع غرور العصاة واغترارهم بوقوع الرجعة لهم.

ومن ثم ورد أن من لم یهتد فی هذه الحیاة الأولی من الدنیا وکان ضالاً

ص:190


1- (1) غیبة النعمانی: ب14 ح30 ص 272.
2- (2) غیبة النعمانی: باب 14 ح31 ص273.

عن الهدی وعاصیاً عن الحق فهو فی الحیاة الآخرة من الدنیا وهی الرجعة أشد ضلالاً وعمی، کما روی ذلک فی مختصر بصائر الدرجات بسند صحیح عن أبی بصیر عن أحدهما(علیهماالسلام)(1).

وهذا بخلاف من عرف الرجعة فی الحیاة الأولی، فلا یفتتن فی الآخرة.

الغایة السادسة: الاعتقاد بظهور الإمام المهدی(عج): توطئة وتمهید للاعتقاد والمعرفة بالرجعة:

کَمَا أنّ الاعتقاد بالرجعة ممهد وموطیء للاعتقاد والمعرفة بیوم القیامة، الذی هو یوم لا بمعنی قدر أربع وعشرین ساعة، بل هو عالم أکبر عمراً وطولاً من الحیاة الأولی من الدنیا ومن الآخرة من الدنیا وهی الرجعة .

ومن لا یعرف الرجعة فهو عقیم عن معرفة القیامة والآخرة الأبدیة.

وعن ابن محبوب عن الرضا(علیه السلام) فی حدیث له طویل فی علامات ظهور القائم(علیه السلام)، قال:

«والصوت الثالث یرون بدناً بارزاً نحو عین الشمس: هذا أمیر المؤمنین، قد کرَّ فی هلاک الظالمین» الخبر(2).

ومفاد هذا الحدیث أن ظهور القائم(عج) هو فاتحة لبدایة رجعة الأئمة(علیهم السلام)، وتخصیص أمیر المؤمنین(علیه السلام) بذکر کرّته لأنه المحور والقطب فی کل مراحل الرجعة، وأن ظهور المهدی(عج) عنوانه الأصلی وحقیقته الواقعیة هی بلحاظ

ص:191


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح 11/65 ص 125.
2- (2) غیبة الشیخ الطوسی: ح431 ص440.

غایة الظهور وهی الرجعة .

الغایة السابعة: نصرة الأنبیاءوالرسل والأوصیاء:

إن من ثمرات الرجعة إنجاز الوعد الالهی بنصرة رسله فی الحیاة الدنیا، والله لایخلف المیعاد، فإن وعد الله غایات کمالیة لفعله وهو الخلقة الالهیة، قال تعالی: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (1).

وفی حسنة جمیل بن دراج، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: قول الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ ، قال: ذلک والله فی الرجعة، أما علمت أنّ فی أنبیاء الله کثیراً لم ینصروا فی الدنیا وقتلوا، وأئمة قد قتلوا ولم ینصروا؟

فذلک فی الرجعة، قلت وَ اسْتَمِعْ یَوْمَ یُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ ، قال: هی الرجعة(2).

وفی حسنة عبدالله بن عطا، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: کنت مریضاً بمنی وأبی(علیه السلام) عندی فجاءه الغلام فقال: هاهنا رهط من العراقیین یسألون الإذن علیک، فقال أبی(علیه السلام): أدخلهم الفسطاط، وقام إلیهم فدخل علیهم

ص:192


1- (1) سورة غافر: الآیة 51.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح/6/60.

فما لبث أن سمعت ضحک أبی(علیه السلام) قد ارتفع فأنکرت ووجدت فی نفسی من ضحکه وأنا فی تلک الحال، ثم عاد إلیّ فقال: یا أبا جعفر عساک وجدت فی نفسک من ضحکی، فقلت: وما الذی غلبک منه الضحک، جُعلت فداک؟

فقال: إنّ هؤلاء العراقیین سألونی عن أمر کان مضی من آبائک وسلفک، یؤمنون به ویقرّون فغلبنی الضحک سروراً أنّ فی الخلق من یؤمن به ویقرّ، فقلت: وماهو جعلت فداک؟ قال: سألونی عن الأموات متی یبعثون فیقاتلون الأحیاء علی الدین(1).

وفیه بیان تآزر ونصرة جماعات الحق الأموات منهم بعد عودهم فی الرجعة مع الأحیاء لمقاتلة أهل الباطل.

الغایة الثامنة: استکمال الامتحان للنفوس:

إن المنکرین لها ینکرون حکمة وحقیقة الاختیار والامتحان، ومن ثَمّ هم من القدریة منهجاً، والرجعة زیادة فی الحجیة وقطع العذر للعصاة وزیادة امتحان، ویقع فیها امتحان من لم یستکمل امتحانه کالمستضعفین والأطفال والمجانین.

وفی موثق حنان بن سدیر، عن أبیه، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن

ص:193


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح:12/66.

الرجعة، فقال: القدریة تنکرها - ثلاثاً - (1).

وعن أبی الصباح، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) فقلت: جُعلت فداک مسالة أکره أن أسمّیها لک، فقال لی هو:عن الکرّات تسألنی؟، فقلت: نعم، فقال: تلک القدرة ولا ینکرها إلّا القدریة، لا تنکر تلک القدرة لا تنکرها إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) أتی بقناع من الجنة علیه عذق یقال له: سنة، فتناولها رسول الله(صلی الله علیه و آله) سنة من کان قبلکم(2).

الغایه التاسعة: تولد الأمل وقوته وشدة الطموح:

إنّ من الغایات الکبری والأهداف الکبیرة للاعتقاد بمعرفة الرجعة هو تولد الأمل وقوته وشدة الطموح نحو المستقبل لدی المؤمنین، وعدم الیأس والانکسار أمام الصعاب والشدائد، ولکی لاتقسوا القلوب بل تظل منتظرة مترقبة.

فقد روی الکلینی(3) عن الحسن بن شاذان الواسطی، قال: کتبت إلی أبی الحسن الرضا(علیه السلام) أشکو جفاء أهل واسط وحملهم علی، وکانت عصابة من العثمانیین تؤذینی، فوقع بخطه:

«إن الله تبارک وتعالی أخذ میثاق أولیائنا علی الصبر فی دولة الباطل، فاصبر لحکم ربک، فلو قد قام سید الخلق لقالوا: یا

ص:194


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات /ح - 13/67.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح 18/72.
3- (3) الکافی - ج الثامن /247ص/ح 346.

وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ »1 وهذه الروایة الشریفة تبین ان هذا المقطع من آیات سورة یس لیس المراد منه خصوص القیامة الکبری، بل المراد أولا الرجعة، کما تبین بأن الرجعة میعاد ومعاد أصغر، وأن فیه نفخ فی الصور، وأن الرجعة خروج من القبور والأجداث.

الغایة العاشرة: الانتقام من الظالمین:

الانتقام من الظالمین بأعظم مما یقوم به الامام المهدی(عج) من انتقام، کما هو مفاد ما مر من الدعاء یوم میلاد الامام الحسین(علیه السلام) الوارد فی مصباح المتهجد وإقبال الأعمال، من تعلیل الکرّة والأوبة للأوصیاء من عترته حتی یدرکوا الأوتار ویأثروا الثأر ویرضوا الجبّار ویکونوا خیر أنصار.

ومعنی الانتقام فیما ورد من أنّ المهدی(عج) ینتقم، وأن الرجعة نقمة من أعداء الله تعالی، لا یراد بذلک التشفی الشخصی بقدر ما هو البعد الدینی والاجتماعی وإزالة السنن الباطلة عند الناس، نظیر ما ورد أن زین العابدین(علیه السلام) قد رضی بانتقام المختار، فإنه بمعنی تطهیر العراق من أعراف النهج والنسیج الاجتماعی الأموی، وهو معنی ما ورد فی غایة الرجعة من أنه تعالی یرجعهم(علیهم السلام) لیثأروا الثأر، أی لیطهروا الأرض من مناهج الزیغ، فهی انتقام من مناهج وأعراف فاسدة، وبناء أعراف ومناهج

ص:195

صالحة، وهی الملة الحنیفیة الخالصة.

خرج إلی أبی القاسم بن العلاء الهمدانی وکیل أبی محمد(علیه السلام):

«إنّ مولانا الحسین(علیه السلام) ولد یوم الخمیس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فیه بهذا الدعاء...»، وساق الدعاء إلی قوله:

«وسیّد الأسرة، الممدود بالنصرة یوم الکرّة، المعوّض من قتله أنّ الأئمة من نسله، والشفاء فی ترتبه، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته، حتی یدرکوا الأوتار، ویثأروا الثار، ویرضوا الجبار، ویکونوا خیر أنصار...» إلی قوله: «فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته، آمین رب العالمین»(1).

الغایة الحادی عشر: استکمال الطاعة للإمام(عج)

ففی زیارة للامام المهدی(علیه السلام): وإن أدرکنی الموت قبل ظهورک فإنّی أتوسّل بک إلی الله سبحانه أن یصلّی علی محمد وآل محمد، وأن یجعل لی کرّة فی ظهورک، ورجعة فی أیّامک، لأبلغ من طاعتک مرادی، وأشفی من أعدائک فؤادی.

الغایة الثانیة عشر: إکمال الدین وإتمام الموعد الإلهی:
اشارة

من غایات الرجعة الأساسیة أن یکمل الدین وتکمل کلمته بأمیر المؤمنین(علیه السلام)، وإنجاز الوعد الإلهی لکل إمام من أهل البیت بتعجیل ظهوره

ص:196


1- (1) مصباح المتهجد 826 و 827 /ح 886 ، واقبال الاعمال 3/ 303

وخروجه إلی الرجعة.

وفیها أداء الدور الأساسی الأکبر لنذارة النبی(صلی الله علیه و آله)، والهدایة الکبری لإمامة علی(علیه السلام) والأئمة(علیهم السلام)، ففی تفسیر علی بن إبراهیم: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ (1)، قال: هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: (ما أکفره) أی ماذا فعل وأذنب حتّی قتلوه ثم قال: مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ

«قال: «یسّر له طریق الخیر، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » ،

قال: «فی الرجعة، کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ ،

أی لم یقض أمیر المؤمنین ما قد أمره، وسیرجع حتی یقضی ما أمره».

وروی القمی فی تفسیره فی الصحیح الی جمیل بن دراج، عن أبی سلمة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن قول الله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال:

«نعم، نزلت فی أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، ما أَکْفَرَهُ

یعنی بقتلکم إیّاه، ثم نسب أمیر المؤمنین(علیه السلام) فنسب خلقه وما أکرمه الله به، فقال: مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ ،

یقول: من طینة الأنبیاء خلقه، فقدَّره للخیر، ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ

یعنی سبیل الهدی، ثم أماته میتة الأنبیاء، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ،

قلت: ما قوله: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ؟،

قال: «یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره»(2).

وما رواه الکلینی أیضاً - فی باب أنّ الأئمة لم یفعلوا شیئاً ولا

ص:197


1- (1) سورة عبس: الآیة 17.
2- (2) تفسیر القمی: ذیل الآیة فی سورة عبس.

یفعلون إلّا بأمر من الله - بسنده عن حریز، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث قال:

«إنّ لکل واحد منّا صحیفة فیها ما یحتاج إلیه أن یعمل به فی مدّته، فإذا انقضی ما فیها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر، فأتاه النبی(صلی الله علیه و آله) ینعی إلیه نفسه، وأخبره بما له عند الله.

وإنّ الحسین(علیه السلام) قرأ صحیفته التی أعطیها وفسّر له ما یأتی وبقی أشیاء لم تقض، فخرج للقتال، وکانت تلک الأشیاء التی بقیت أنّ الملائکة سألت الله فی نصرته فأذن لها، فمکثت تستعدّ للقتال وتتأهّب لذلک حتّی قتل، فنزلت وقد انقطعت مدّته وقتل(علیه السلام)، فقالت الملائکة: یا ربّنا أذنت لنا فی الانحدار، وأذنت لنا فی نصره وقد قبضته؟!

فأوحی الله إلیهم: أن ألزموا قبره حتی تروه، وقد خرج فانصروه، وابکوا علیه وعلی ما فاتکم من نصرته، فإنّکم قد خصصتم بنصرته وبالبکاء علیه، فبکت الملائکة حزناً علی ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج یکونون أنصاره(1).

ومفاد الروایة أنّ أحد أسباب وحِکَمْ الرجعة هو إنجاز کل إمام ما تبقی علیه من أدوار ومسؤولیات أُمر بها فی الصحیفة المقررة من قبل الله تعالی الخاصة بکل إمام مما لم ینجزها فی الحیاة الأولی من الدنیا، فیخرج من قبره راجعاً إلی آخرة الدنیا لینجز ما تبقی کما یشیر إلیه قوله تعالی فی سورة عبسَ کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ بتبیان الروایة السابقة، فهناک من

ص:198


1- (1) الکافی /جلد/1ص283/باب أن الائمة لم یفعلوا شیئ ولایفعلون الا بعهد من الله عَزَّ وَجَلَّ وأمر منه.

مسؤولیات وأدوار الأئمة لم تنجز فیرجعون لینجزوها وذلک لأنهم قُتِلوا وحانت آجالهم من الحیاة الأولی من الدنیا.

وأنَّ کل إمام من الاثنی عشر هو مهدی موعود منتظر مرتقب ظهوره قائم یقیم دولة العدل علی کل الأرض.

وأن من آداب زیارة کل إمام منهم أن یدعی له بتعجیل فرجه وظهوره من قبره لیسکنه الله تعالی أرضه طوعاً ویمکنه فیها طویلاً.

عن الحسن بن عبدالله، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): أنا الفاروق الأکبر، وصاحب المیسم، وأنا صاحب النشر الأوّل، والنشر الآخر، وصاحب الکرّات، ودولة الدول، وعلی یدی یتمّ موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین(1).

الأربعة عشر معصوم لکل مقام محمود فی الرجعة:

عن عروة ابن أخی شعیب العقرقوفی، عمّن ذکره، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال:

«تقول إذا أتیت قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام(علیه السلام): السلام علیک من الله والسلام علی محمد بن عبدالله ...اللهمَّ صل علی محمد عبدک ورسولک الذی ... والسلام علیه ورحمة وبرکاته » وتقول فی زیارة أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«اللهمَّ صل علی أمیر المؤمنین عبدک واخی رسولک - الی آخره»، وفی زیارة فاطمة(علیهاالسلام): «أمتک وبنت رسولک - الی آخره» وفی زیارة سائر الائمة(علیهم السلام):

ص:199


1- (1) المحتضر ص161ح170.

أبناء رسولک - علی ماقلت فی النبی(صلی الله علیه و آله) أوَّل مَرَّة - حَتّی تنتهی إلی صاحبک ثم تقول:

«أشهد انکم کلمة التقوی وباب الهدی والعروة الوثقی ...» وساق الزیارة إلی قوله:

«اللهم لا تجعله آخر العهد من زیارة قبرابن نبیّک، وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الربّ الذی لا تخلف المیعاد». وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(1).

ومفاد هذه الروایة والزیارة عموم هذا الدعاء والاعتقاد فی کل إمام من ائمة أهل البیت، وأنه موعود بالنصرة، وأنَّه یبعث مقاما محموداً فی آخرة الدنیا وهی الرجعة، وهوإقامة دولة العدل علی یدیه مضافا إلی المقام المحمود فی القیامة الکبری، وفی الآخرة الأبدیة أیضاً، وهذه الروایة والزیارة لا تخص ذلک بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ولا بالحسین(علیه السلام)، بل لکل إمام من الأئمة الاثنی عشر یزارون بهذه الزیارة والدعاء والاعتقاد.

بل الروایة والزیارة تنص علی کل من النبی(صلی الله علیه و آله) وفاطمة(علیهاالسلام) ، وأنَّ کلاً منهما یخاطب بهذا الخطاب، أی أن فاطمة یبعثها الله مقاما محمودا فی آخرة الدنیا وهی الرجعة وینتصر بها لدینه بتوسط مالها من ولایة وتدبیر، ویقتل الله بها عدوه، وأنها موعود ة بذلک، وکیف لا یکون هذا المضمون للزیارة والمعتقد فیها شاملا لفاطمة(علیهاالسلام)، بلْ قد نص فی الزیارة علی إسمها، وقد دلَّت الآیات والروایات علی أن طاعتها مفروضة علی جمیع من خلق الله من الجن والانس والطیر والوحش والأنبیاء والملائکة، کما رواه الطبری فی

ص:200


1- (1) کامل الزیارة /ب 104 ح2/803ص526/523.

دلائل الامامة من معتبرة أبی بصیر عن أبی جعفر - فی حدیث طویل - عن مصحف فاطمة(علیهاالسلام) قال(علیه السلام) ولقد کانت(علیهاالسلام) مفروضة الطاعة علی جمیع من خلق الله من الجن والانس والطیر والوحش والأنبیاء والملائکة الحدیث(1).

الغایة الثالثة عشر: ظهور مقامات خاصة لأمیر المؤمنین(علیه السلام):

ظهور مقامات خاصة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) یأتی شرحها فی الباب الرابع کمقام أنه صاحب العصا والمیسم ومقام دابة الأرض، وأنّ له دولة الدول وغیرها، وهی المعبر عنها فی القرآن بمجیء الآیات.

فعن أبی الصامت الحلوانی، عن أبی جعفر(علیه السلام)،

«قال: قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه: لقد أعطیت الستّ: علم المنایا والبلایا والوصایا وفصل الخطاب، وإنی لصاحب الکرّات، ودولة الدول،وإنی لصاحب العصا والمیسم، والدابة التی تکلم الناس»(2).

الغایة الرابعة عشر: إنجاز الوعد وإقامته وإظهاره فی الرجعة:

قال تعالی: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ * لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ * إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ

ص:201


1- (1) دلائل الامامة للطبری /ص104 - 34/34، خبر مصحفها صلوات الله علیها.
2- (2) الکافی: ج1، ص 198.

نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (1).

فتُبیّن هذه الآیة أن الغایة من الرجعة هی إظهار الحقّ وبیانه جلیّاً وإعلام أهل الباطل إدانةً أنهم کانوا کاذبین، فتکون الغایة إعلاء کلمة الحقّ وإشهار حجّیتها، ودحض کلمة الباطل وإشهار غیّها.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: لیس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة، إنّه من قتل نشر حتی یموت، ومن مات نشر حتی یقتل...إلی أن قال فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (2) یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة یُنذر فیها. وقوله تعالی إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ (3) یعنی محمد(صلی الله علیه و آله) نذیر للبشر فی الرجعة. وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ (4) قال: یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة. وفی قوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ (5) قال: هو علی بن أبی طالب (علیه السلام) إذا رجع فی الرجعة. قال جابر: قال أبو جعفر(علیه السلام) قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فی قول الله تعالی: رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ

ص:202


1- (1) سورة النحل: الآیة 38 -40.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 1-2.
3- (3) سورة المدثر: الآیة 35.
4- (4) سورة الصف: الآیة 9.
5- (5) سورة المؤمنون: الآیة 77.

کانُوا مُسْلِمِینَ (1) قال هو أنا إذا خرجت أنا وشیعتی، وخرج عثمان بن عفان وشیعته، ونقتل بنی أمیة فی الرجعة

فعندها یودّ الذین کفروا لو کانوا مسلمین»(2).

وفیه دلالة علی غایات الرجعة المتقدمة:

منها: الانتقام من أعداء أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أی بتطهیر الأرض والمجتمعات، وذلک بإزالة منهج الجور والغی والضلال والمتجسد فی أشخاص أعدائه وإفسادهم فی المجتمعات والأقوام.

ومنها: إظهار النبی(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة مستولیاً علی کل حکم فی الأرض والدنیا.

ص:203


1- (1) سورة الحجر: الآیة 2.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /1/55باب الکرات.

ص:204

الفصل الرابع:مراحل وأدوار الرجعة و أقسامها

اشارة

ص:205

ص:206

محطات مسیر الرجعة
اشارة

1 -- بدایة الرجعة بظهور وقیام المهدی(عج).

2 -- عموم الرجعة استغراقی (أفواج) فی بدایتها إلی قریب أواخرها وفی أواخرها عمومها مجموعی (الکل دفعة).

3 -- سر سبق من محض الإیمان والکفر علی المستضعفین فی الرجعة.

4 -- قائمة وجدولة برجعة أهل الخیر والشر.

5 -- تکرر رجوع أهل الشر کتکرر رجوع أهل الخیر.

6 -- تکرر الرجعة لکل فرد.

7 -- الرجعة متکررة ومشککة عدداً وأفراداً وأمداً واختلاف أحکامها.

8 -- التفویج فی الرجعة.

9 -- رجعة أمم بأسرها.

10 -- افتراق الرجعة الموعودة عن رجعة الأمم.

11 -- مرحلة دابة الارض

12 -- مرحلة ما بعد الدابة.

13 -- رجعة الشیاطین.

14 -- رجعة إبلیس وأن له قتلات.

15 -- رجعة الحیوانات.

16 -- إن للرجعة أقساماً وأنواعاً بحسب اختلاف الآجال.

17 -- الرجعات والقبور وأن الرجعات اللاحقة لیست من القبر فضلاً عن عدم کونها لیست من الأرحام.

18 -- من أُهُلک بالعذاب الإلهی لا یرجع فی الرجعة.

19 -- بقاء دولة الروم إلی رجعة أمیر المؤمنین علیه السلام .

20 -- ترتب مراحل أواخر الرجعة.

21 -- الساعة مرحلة نهائیة فی الرجعة.

ص:207

ص:208

المحطة الأولی: بدایة الرجعة

قَدْ وَرَدَ أنّ بدایة الرجعة بظهور القائم(عج)، بَلْ إنَّ رجوع الناس یبدأ بین جمادی ورجب، وهو العجب کل العجب، وهو قبیل ظهوره(عج)، وإن کان رجوع أئمة أهل البیت(علیهم السلام) - والذی یبدأ برجوع الحسین(علیه السلام) - یبدأ فی أواخر حیاة الحجة(علیه السلام) بن الحسن العسکری قبل استشهاده.

وقد وردت روایات مستفیضة - قد تقدم بعضها ویأتی بعضها الآخر لاحقاً - فی هذه المقولة المشهورة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب»(1)، وأن تفسیره هو رجوع الموتی لا سیما من الموالین لأهل البیت(علیهم السلام).

کَمَا أنَّهُ وَرَدَتْ روایات أن جماعة من أصحاب القائم(عج) هم ممن یرجع من الموتی، یقاتلون بین یدیه ویکونون وزراءه، مثل ما رواه المفضل بن عمر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال:

«یُخرج القائم(علیه السلام) من ظهر الکوفة سبعة وعشرین

ص:209


1- (1) معانی الآخبار، الصدوق / 46 ، مختصر بصائر الدرجات / 198.

رجلاً، خمسة عشر من قوم موسی الذین کانوا یهدون بالحق وبه یعدلون، وسبعة من أهل الکهف، ویوشع بن نون، وسلمان وأبا دجانة الأنصاری، والمقداد ومالکا الأشتر، فیکونون بین یدیه أنصاراً وحکاماً»(1).

وروی الطبری فی دلائل الإمامة مسنداً عن المفضّل بن عمر، قال سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«یکرُّ مع القائم(علیه السلام) ثلاثة عشر امرأة!» قلت: وما یصنع بهنّ؟ قال:

«یداوین الجرحی، ویقمن علی المرضی کما کنّ مع رسول الله(صلی الله علیه و آله)»، قلت: فسمهنّ لی، قال:

«القنواء بنت رشید، وأمّ أیمن، وحبّابة الوالبیة، وسمّیة أم عمار بن یاسر، وزبیدة، وأمّ خالد الأحمسیة، وأم سعید الحنفیة، وصبانة الماشطة، وأمّ خالد الجهنیة»(2).

وروی المفضل قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام) یا مفضل أنت وأربع وأربعون رجلا تحشرون مع القائم، أنت علی یمین القائم(عج) تأمر وتنهی، والناس إذ ذاک أطوع لک منهم الیوم(3).

وروی الصدوق بسنده عن الشعبی، قال ابن الکوا لعلی(علیه السلام): یا أمیر المؤمنین أرأیت قولک العجب کل العجب بین جمادی ورجب قال(علیه السلام):

ص:210


1- (1) الارشاد للشیخ المفید /مجلد386/2- تفسیر العیاشی /مجلد 2 ص32وفیه «اذا قام قائم آل مُحمَّد* استخرج من ظهر الکعبة سبعة وعشرین رجلا...»، دلائل الامامة للطبری /ح 48/444ص463: وفی المصدرین الأخرین ذکر مؤمن آل فرعون.
2- (2) دلائل الإمامة للطبری ص484 ح84/480 .
3- (3) دلائل الامامة للطبری /حدیث 51/447ص464.

«ویحک یا أعور هو جمع أشتات ونشر أموات وحصد نبات» الحدیث(1).

ورواه فی مختصر بصائر الدرجات فی خطبة المخزون لأمیر المؤمنین(علیه السلام) حیث سأله رجل: ما هذا العجب یا أمیر المؤمنین؟ قال: «

وما لی لا أعجب وقد سبق القضاء فیکم وما تفقهون الحدیث إلا صوتات بینهن موتات حصد نبات ونشر أموات، یا عجباً کل العجب بین جمادی ورجب» قال الرجل أیضاً: یا أمیر المؤمنین ما هذا العجب الذی لا تزال تعجب منه قال:

«ثکلت الآخر أمه وأی عجب یکون أعجب من أموات یضربون هامات الأحیاء»(2)الحدیث.

ومن الملفت أیضاً أن الذی یسترعی الانتباه والتدبر الملی أن الصیحة السماویة التی هی من أکبر علامات الظهورأول ما ینادی فیها

«هذا أمیر المؤمنین قد کرّ فی هلاک الظالمین» أی ینادی بالرجعة وأنَّ هذا أمیر المؤمنین قد رجع لینتقم من الظالمین.

فقد روی النعمانی بسند موثق عن عبد الله بن سنان عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (3)،

«فلا یبقی فی الأرض یومئذ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته لها، ألا إن الحق فی علی(علیه السلام) وشیعته، فإذا کان من الغد صعد إبلیس فی الهواء حتی یتواری عن أهل الأرض ثم ینادی ألا إنّ الحق فی عثمان بن عفان

ص:211


1- (1) معانی الأخبار: ص 406 ،ح 81.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات :ص 552، الخطبة المسماة بالمخزون، حدیث 14/525.
3- (3) سورة الشعراء: الآیة 4.

وشیعته فإنه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه، قال: فیثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت علی الحق، وهو النداء الأوَّل»(1).

فتبین الروایة أن أول من ینادی باسمه هو أمیر المؤمنین(علیه السلام) قبل النداء بظهور المهدی القائم(عج).

وروی الراوندی فی الخرائج والجرائح عن الحمیری بسنده عن الحسن بن محبوب عن الرضا(علیه السلام)، وکذا الطوسی فی الغیبة بسند مصحح عن الحسن بن محبوب، وکذا النعمانی فی غیبته، والطبری فی دلائل الإمامة، والصدوق فی عیون أخبار الرضا، وکمال الدین، بطرق مستفیضة فی حدیث عن غیبة الإمام المهدی(عج)

«... کأنی بهم شر ما یکونون وقد نودوا نداءً یسمع من بعد کما یسمع من قرب،یکون رحمة للمؤمنین وعذاباً علی الکافرین» فقال له الحسن بن محبوب: وأی نداء هو؟

قال: «ینادون فی رجب ثلاثة أصوات من السماء:

صوتاً: ألا لعنة الله علی الظالمین، والصوت الثانی: أزفت الآزفة یامعشر المؤمنین، والصوت الثالث: یرون بدناً بارزاً نحو عین الشمس یقول: هذا أمیر المؤمنین قد کرّ فی هلاک الظالمین»(2).

ص:212


1- (1) الغیبة للنعمانی : ص 368،باب 14،ح19.
2- (2) الخرائج والجرائح:ج3، ص 1168،ح65، الغیبة للطوسی: ص439، ح431، الغیبة للنعمانی: ص180، ح28، دلائل الإمامة للطبری: ص 245، عیون أخبار الرضا: ج2، 6 2، ح14، کمال الدین: ص370،ح3.

والظاهر أن هذه الصیحة برجوع أمیر المؤمنین هی التی تقع فی رجب، وهی تزامن بدء وقوع الرجعة، کما مر قبیل الظهور فی شهر محرم.

وأما الصیحة باسم القائم(عج) فهی إما بعد ذلک أو فی شهر رمضان، کما وردت روایات عدیدة بتعدد الصیحات.

فللرجعة بدایتان:

بدایة لغیر المعصومین(علیهم السلام)، سواء من الأولیاء أو عموم المؤمنین أو من الأشرار الأعداء، وهذه تقع بین جمادی ورجب قبیل ظهور الإمام(عج) بأشهر.

وبدایة أخری للرجعة وهی رجوع المعصومین(علیهم السلام)، وأول من یرجع من الأئمة الأثنی عشر هو الحسین وذلک فی أُخریات حیاة القائم الحجة بن الحسن العسکری(عج)، ثم یرجع بعد الحسین(علیه السلام) أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام).

وأکثر المعصومین رجوعاً برجعات وکرات کثیرة هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، حیث سنشیر إلی ذلک فی الروایات، فهو صاحب الرجعات والکرات والدول ودولة الدول، وغیر ذلک من المقامات التی تظهر له فی الرجعات.

ولذا عبر فی روایات الرجعة، أن الرجعة من خواص أمیر المؤمنین(علیه السلام)، والمراد بذلک هذا المعنی، وإلّا فإنّ الروایات دالة علی أن کل إمام یرجع أکثر من مرة، مضافاً لما مرّ من رجوع فاطمة(علیهاالسلام)، إلّا أنَّ رجعات سائر

ص:213

المعصومین لا تبلغ عدد رجعات أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وآخر من یرجع هو رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وتکون دولته آخر دول الرجعة وأکبرها وأعظمها ویرجع معه الأئمة الاثنا عشر، ویکون وزیره أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وبقیة الأئمة(علیهم السلام) ولاة له فی الأرض، کما سیأتی تفصیل ذلک.

ص:214

المحطة الثانیة: اجتماع أجیال متباینة فی الرجعة

ثم إن هناک تساؤل ملح یطرح نفسه فی أدوار الرجعة، وهو أن الرجعة تتضمن رجوع أجیال من حقب زمنیة مختلفة لهم ثقافات متباینة، وعادات ولغات متنوعة وأسالیب فی المعیشة متشعبة بحسب تفرقهم فی الأزمان.

فکیف سینسجمون فی حیاة اجتماعیة لمجتمع واحد؟

وهذا نظیر الرجعة التی وقعت لأهل الکهف، بعد أن بعثهم الله وقص من أمرهم فی قوله تعالی: وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً * وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها (1).

ص:215


1- (1) سورة الکهف: الآیة 19و 20.

فهذه الآیات بضمیمة ما ورد فی الروایات المبینة لظاهر ألفاظها، أن عثور أهل القرون اللاحقة والتفاتهم إلی أصحاب الکهف بعدما أحیاهم الله، کان بتوسط التفات الناس إلی النقود التی أراد بعض أصحاب الکهف أن یشتری بها، حیث کانت من زمن (دقیانوس)، وقد مضی علیه أکثر من ثلاثمائة سنة، فهذا التضارب فی التفاهم بین أصحاب الکهف وأسلوب تعاملهم مع القرون اللاحقة سبب اضطراباً لهم وتعجباً من جیل الأمم اللاحقة، مما أدی إلی أن یلح أصحاب الکهف فی الدعاء بأن یمیتهم الله تعالی، کما تشیر إلی ذلک بعض الروایات.

والجواب: إنّ المؤمنین رغم تفرقهم فی الأزمان والقرون یجمعهم وحدة التآخی ومودة الإیمان، فهم علی قلب واحد، فالرؤی والمعالم المعنویة تجمع أهل الإیمان، لا سیما أنهم لیسوا من أهل الغرور والاغترار بالمظهر والزی وأسلوب المعیشة، کما هو الحال فی المؤمنین فی الزمن الواحد المتعاصر، فإنّ بعضهم فی الحضر وبعضهم فی الریف وبعضهم فی القری وبعضهم فی البلدان المترفهة معیشة، وبعضهم فی المناطق الفقیرة، وضمن عرقیات مختلفة وقومیات متنوعة ولغات مختلفة وعادات متلونة، لکن ذلک لا یمانع إلفتهم فی مودة الإیمان وتفاهمهم بروح واحدة.

ومن ثم وردت القاعدة النبویة المتواترة عند الفریقین، أن من أحب قوماً حشر معهم، ولو اختلفت الأزمان والقرون بین عمل قوم وبین من أحب عملهم، مما یدلُّ علی أن القاعدة الأصلیة فی الوحدة والمعیة هی

ص:216

الرؤی ونهج المعتقد وطریقة السلوک، وکذلک أهل الأشرار مع بعضهم البعض.

هذا مضافا لوجود المعصوم بین ظهرانی الراجعین للدنیا، وهو محورهم الجامع وملاذهم الذی یلتفون حوله، لیبین لهم مهامهم وتکالیفهم ویعلی من هممهم ویکامل أفکارهم وحلومهم، فلا یبقی أی مجال للتصادم والاختلاف.

ص:217

ص:218

المحطة الثالثة:الرجعة عامة لکل الناس أو خاصة للبعض
اشارة

قد اشتهر فی کلمات الأعلام من علماء الإمامیة قدیماً وحدیثاً أن الرجعة خاصة ولیست بعامة، خاصة بمن محض الإیمان محضاً فهو الذی یرجع من فریق الخیر.

بل عن الشیخ المفید فی المسائل السرویة أنه قال:

«والرجعة إنما هی لممحضی الإیمان من أهل الملة وممحضی النفاق منهم، دون من سلف من الأمم الخالیة»(1).

وسیأتی أن المراد من ممحض الإیمان لیس أکملهم، بل أدنی مراتب تحقق الإیمان، وخاصة بمن محض الکفر من فریق الشر الذی یرجع إلی الدنیا.

ص:219


1- (1) البحار: ج53، ص138.

وأما المستضعفون سواء من ملة الإسلام أو الملل الأخری وبقیة النحل والطوائف والبُله والأطفال ونحوهم من الأقسام، فإنهم لا یرجعون، کما ورد ذلک مستفیضاً فی أحادیث بیت النبوة(صلی الله علیه و آله)، وتأتی الإشارة إلیه نظیر ما ورد مستفیضاً أیضاً عنهم(علیهم السلام)، من اختصاص المسائلة فی القبر بمن محض الإیمان محضاً وبمن محض الکفر محضاً، وسیأتی أن هناک صلة وطیدة بین حالات وأطوار البرزخ وعالم الرجعة، إلّا أن هذا المفاد وإن کان مستیفضاً عن أئمة الهدی(علیهم السلام)، واقتصرت أنظار الأعلام علی ذلک غالباً، إلّا أن الصحیح أن ذلک فی أوائل مراحل الرجعة دون أدوارها ومراحلها الوسطی فضلاً عن أواخرها.

وذلک لورود طوائف أخری من الروایات عنهم(علیهم السلام)، دالة علی عموم الرجعة فی أواسطها وفی أواخرها.

کما أنّ ما یظهر من کلام الشیخ المفید السابق - بإختصاص الرجعة بالمسلمین من أهل هذه الملة من محض الإیمان منهم ومن محض الکفر والنفاق منهم دون الأمم الأخری والسابقة - هو قول غیر تام ، بل الصحیح أنه یعم جمیع الأمم من محض الإیمان منهم ومن محض الکفر.

نعم الغالب فی کثیر من الأمم الأخری نمط المستضعفین، هذا فضلاً عن أواخر الرجعة مما یجتمع فیه الأولین والآخرین نظیر القیامة، کما سیأتی بیانه فی الروایات.

ویستثنی من ذلک خصوص الأمم التی عذبت بالعذاب الإلهی

ص:220

العاجل، وکذا کل من یعذب بالعذاب الإلهی العاجل فی دار الدنیا بالمسخ أو نحوه فإنه لا یرجع.

بل ظاهر جملة من الروایات أن هذا القسم الأخیرلا یبعث فی یوم وعالم القیامة، بل یبعث فی البعث النهائی بعد القیامة إلی النار الأبدیة، کقوم عاد وثمود وفرعون وغیرهم.

وقد روی القمی وبسند صحیح عن حماد عن أبی عبدالله(علیه السلام) قوله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: «وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ »1 وقال الصادق(علیه السلام) :

«کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب لا یرجعون فی الرجعة، فأما إلی القیامة فیرجعون، ومن محض الإیمان محضاً وغیرهم ممن لم یهلکوا بالعذاب ومحضوا الکفر محضاً یرجعون».

ولنستعرض أولاً نبذة من الروایات المستفیضة الواردة فی کون الرجعة خاصة، ثم نعقبها بالطوائف الأخر الدالة علی عموم الرجعة.

طوائف الروایات فی من یرجع فی الرجعة:
الأولی: الطائفة الخاصة:

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات عن سعد بسنده الصحیح عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعین وأبا الخطاب یحدثان جمیعاً قبل أن یحدث أبو الخطاب ما أحدث، أنهما سمعا أبا عبدالله(علیه السلام)

ص:221

یقول:

«أول من تنشق الأرض عنه ویرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام)، وأن الرجعة لیست بعامة بل هی خاصة، لا یرجع إلّا من محض الإیمان محضاً، أو محض الشرک محضاً»(1).

2 -- ومصحح المفضل، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی قوله

:«ویوم نحشر من کل أمّة فوجاً» : «لیس أحد من المؤمنین قتل إلّا یرجع حتی یموت ولا یرجع إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفرمحضاً» الحدیث(2).

3 - وروی الصدوق مرسلاً فی الفقیه عن الصادق(علیه السلام)

«أنه لا یسئل فی القبر إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، والباقون ملهو عنهم إلی یوم القیامة»(3).

ومضمون هذا المرسل فی إختصاص المسائلة فی القبر بمن محض الإیمان محض بالکفر مضمون مسندٌ فی طرق عدیدة من المجلد الثالث من الکافی ، إلّا أن المیزة فی المرسل ذیله من أنه یلهی عن الباقین إلی یوم القیامة، ولعل المراد من القیامة هی الوسطی ولیست القیامة الکبری بل قیام البعث إلی الرجعة.

الثانیة: الطوائف الدالة علی عموم الرجعة:

أما ما یدل علی أن الرجعة عامة لکل الناس، ولو بلحاظ أواخرها أو ما بعد أواسطها:

ص:222


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح23/77، ص135.
2- (2) تفسیر القمی ذیل سورة النمل :83.
3- (3) الفقیه :ج1، ص 178،ح530.

الطائفة الأولی: ما ورد فی الروایات فی ذیل قوله تعالی: «کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » (ومنشورة) فی قراءة أهل البیت.

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات، عن أبی جعفر(علیه السلام)

«لیس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة، أنه من قتل نشر حتی یموت، ومن مات نشر حتی یقتل» ثم تلوت علی أبی جعفر(علیه السلام) هذه الآیة: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال: (ومنشورة)، قلت: قولک ومنشورة ما هو؟ فقال:

«هکذا أنزل بها جبرئیل علی محمد(صلی الله علیه و آله) وکل نفس ذائقة الموت ومنشورة»، ثم قال:

«ما فی هذه الأمة أحد بر ولافاجر إلّا وینشر، فأما المؤمنون فینشرون إلی قرة أعینهم، وأما الفجار فینشرون إلی خزی الله إیاهم»(1)الحدیث.

وصدر الحدیث وذیله وإن اختص بالمؤمن والکافر المنافق ولم یشمل المستضعف، إلّا أن وسط الروایة والاستشهاد بالآیة التی هی عامة للمستضعفین أیضاً دال علی کبری وقوع الرجعة لکل نفس، وشامل للأطفال والبُله والمستضعفین، کما یشمل المؤمنین والکافرین، فإن کل نفس کما تقتل أو تذوق الموت تنشر فی الرجعة لیصیبها الطرف الآخر، وقد أکد علی ذلک(علیه السلام) فی قوله:

«ما فی هذه الأمة أحد».

2 - وروی فی البحار عن ابن قولویه عن سعد عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قرأ رجل علی أبی جعفر «کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ »، فقال أبوجعفر(علیه السلام) : «ومنشورة

ص:223


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :باب الکرات، ح1/55،ص115.

هکذا والله نزل بها جبرئیل علی محمد صلوات الله علیهما، أنه لیس من أحد من هذه الأمة إلّا سینشر، فأما المؤمنون...»(1)الحدیث.

ورواه العیاشی(2) فی ذیل الآیة.

3 - وروی عن زرارة قال: قال أبو جعفر(علیه السلام) :

«کل نفس ذائقة الموت لم یذق الموت من قتل، وقال لا بد من أن یرجع حتی یذوق الموت»(3).

وهذه الروایة تشیر إلی القاعدة العامة فی الآیة من وجود سنة کونیة، وهی أن لکل نفس أجلین وحیاتین أجل طبیعی واخترامی والتأکید فی هذه الروایات علی استیعاب واستقصاء جمیع الأمة دلیل العموم.

4 - وفی صحیح عن عبد الرحیم القصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قرأ هذه الآیة «إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ »4 أتدری من یعنی؟

فقلت:

یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون قال: لا، ولکن من قتل من المؤمنین رُد حتی یموت، ومن مات رُد حتی یقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها»(4).

ص:224


1- (1) البحار: ج89، ص65.
2- (2) تفسیر العیاشی:ح169.
3- (3) تفسیر العیاشی:ج2، ح139، ح170، مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات، ح61 /7، ص 121.
4- (5) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح 21/75، تفسیر القمی فی ذ یل الایة، وتفسیر العیاشی أیضاً فی ذیل الآیة.

فتبین هذه الروایات أن کل إنسان قُتل یرجع حتی یموت، وکل إنسان مات یرجع حتی یقتل.

5 - وفی صحیح زرارة قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) فی الرجعة، فاحتلت مسألة لطیفة لأبلغ بها حاجتی منها، فقلت: أخبرنی عمن قتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت له: ما أحد یقتل إلّا وقد مات، قال: فقال: یا زرارة، قول الله أصدق من قولک قد فرَّق بین القتل والموت فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ (1)، وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (2)، فلیس کما قلت یا زرارة، فالموت موت والقتل قتل. وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا (3)، قال: فقلت: إنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (4)، أفرأیت من قتل لم یذق الموت؟ فقال: لیس من قتل بالسیف کمن مات علی فراشه، إنّ من قتل لابدّ أن یرجع إلی الدنیا حتّی یذوق الموت»(5).

وذیل الصحیح صریح بل نص فی أن من قتل ولو کان مستضعفاً کما

ص:225


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 144.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 158.
3- (3) سورة البراءة: الآیة 111.
4- (4) سورة آل عمران: الآیة 185، الانبیاء/ 35، العنکبوت /57.
5- (5) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات /ح 7/61، تفسیر العیاشی /مجلد2 ص112 ح139.

هو حاصل بالضرورة وقوع القتل علی المستضعفین، ممن لم یمحض الإیمان ولم یمحض الکفر، وما أکثر القتل فیهم فی الحروب، وکذلک الأطفال والبله وغیرهم، فیندرجون بالضرورة فی الرجوع والرجعة، لعموم القاعدة القرآنیة کل نفس ذائقة الموت کما أشار(علیه السلام) إلی ذلک، وأن حقیقة الموت بالمعنی الأخص تختلف عن حقیقة القتل، وإن کان کل منهما موت بالمعنی الأعم.

6 - مصححة الحسن بن راشد (عن أبی إبراهیم(علیه السلام) قال: قال لترجعن نفوس ذهبت ولیقتص (ولیقتصن) یوم یقوم أو (و) من عذّب یقتص بعذابه، ومن أُغُیط أغاظ بغیضه، ومن قتل أقتص بقتله، ویُرد لهم أعداؤهم معهم حتی یأخذوا بثأرهم، ثم یعمّرون بعدهم ثلاثین شهراً، ثم یموتون فی لیلة واحدة قد أدرکوا ثارهم وشفوا أنفسهم، ویصیرعدوهم إلی أشد النار عذاباً، ثم یوقفون بین یدی الجبار عَزَّ وَجَلَّ فیؤخذ لهم بحقوقهم(1).

وهذه الروایة تمثل إحدی مراحل الرجعات، بلحاظ تنوع واختلاف غایاتها.

وتقریب دلالة العموم فی هذه الروایة أن القاتل أو المقتول یعم بالضرورة المستضعفین ومن لم یمحض الایمان ولم یمحض الکفر فیما کان الطرف الآخر ممحض فی الإیمان أو ممحض فی الکفر.

ص:226


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ب الکرات ح41/95.

7 - وروی فی البحار من کتاب السید حسن بن کبش عن المقتضب، ورواه فی البحار أیضاً عن المقتضب مسنداً عن سلمان الفارسی(رحمه الله) فی حدیث عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن الأئمة الاثنی عشر وفاطمة(علیهاالسلام) ... ثم قلت یا رسول الله ادعُ الله لی بإدراکهم قال(صلی الله علیه و آله) :

«یا سلمان إنک مدرکهم وأمثالک ومن تولاهم بحقیقة المعرفة، قال سلمان: فشکرت الله کثیراً، ثم قلت: یا رسول الله مؤجل فیّ إلی أن أدرکهم؟ فقال: «یا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (1) قال سلمان: فاشتد بکائی وشوقی فقلت: یا رسول الله بعهد منک فقال: إی والذی أرسل محمداً إنه بعهدٍ منی وعلی وفاطمة والحسن والحسین وتسعة أئمة وکل من هو منا ومظلوم فینا، إی والله یا سلمان، ثم لیحضرن إبلیس وجنوده وکل من محض الإیمان محضاً ومحض الکفر محضاً حتی یؤخذ بالقصاص والأوتار والترات ولا یظلم ربک أحداً، ونحن تأویل هذه الآیة وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (2)

قال سلمان: فقمت بین یدی رسول الله وما یبالی سلمان متی لقی الموت أو لقیه(3).

ص:227


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 5 و 6.
2- (2) سورة القصص: الآیة 5 و6.
3- (3) المحتضر: 152، 153، البحارج25، ص6و7، ح9.
اختصاص الرجعة بمن محض فی المسائلة لا فی نفس الرجوع:

تأویل کون الرجعة خاصة بما لا ینافی عمومها:

فقد روی سعد بن عبدالله الأشعری فی الصحیح عن أبی بکر الحضرمی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

«لا یُسئل فی القبر إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، ولا یُسئل فی الرجعة إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً»، قلت له: فسائر الناس، فقال:

«یُلهی عنهم»(1). ورواه الکلینی فی الکافی إلاّ أنه اقتصر علی صدره.

وصریح هذه الروایة تأویل وتفسیر خصوص الرجعة بمن محض الإیمان ومحض الکفر بمعنی اختصاص المساءلة فی الرجعة بمن محض الإیمان ومحض الکفر، لا بمعنی اختصاص أصل الرجوع، فالجمیع یرجع لکن المسائلة فی الرجعة مختصّة بمن محضّ کما هو الحال فی القبر، فإن ولوج عالم القبر لا یختص بمن محض الإیمان ومحض الکفر، بل سائرالناس یلجون القبر، وإنما الذی یختص فی القبر بمن محض الإیمان ومحض الکفر هی المساءلة فقط، ففرق بین الورود فی عالم القبر فهو لجمیع الناس، وبین المساءلة فی القبر، وکذلک الحال بحسب نص هذه الروایة فی الرجعة،

ص:228


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات /ح 71 /17، الکافی /مجلد3 ص235 ح1 وص236ح4.

ففرق بین الرجوع والخروج إلی عالم الرجعة من القبر، فهو لجمیع وسائر الناس، وإنما المختص فی الرجعة بمن محض الإیمان والکفر إنما هو المساءلة.

وهذه الروایة الصحیحة تنبه علی أن ما ورد فی الروایات المستفیضة(1) من مساواة الاختصاص فی مساءلة القبر بمن محض الإیمان ومحض الکفر مع اختصاص الرجوع کذلک، أنّ المراد باختصاص الرجوع لیس أصل الرجوع، بل هو المساءلة والمحاسبة، والمداینة فی الرجعة، فسائر الناس یرجعون ولکن یلهی عنهم ولا یعبأ بهم حتی تستکمل معرفتهم.

وبعبارة أُخری: إنَّ ما وَرَدَ فی روایات مستفیضة من وحدة اختصاص مسائلة القبر أنه متحد مع الاختصاص فی الرجعة، فلم توحّد هذه الروایات المستفیضة بین أصل الورود فی القبر مع أصل الورود فی الرجعة، بل وحّدت بین المسائلة فی القبر مع الرجعة، مما ینبه علی أن الاختصاص فی الرجعة هو فی المسائلة لا فی أصل الرجوع.

کما أن من هذه الصحیحة مع انضمامها لتلک الروایات المستفیضة من التوحید بین شأن عالم القبر والبرزخ مع شأن عالم الرجعة، یظهر بوضوح أن للقبر وللبرزخ أحکاماًَ وشؤوناً ذات صلة وطیدة بعالم الرجعة، وأنه ممهد للخروج والبعث فی الرجعة.

نعم فی بعض نسخ مختصر بصائر الدرجات، یوجد سقط فی ذیل

ص:229


1- (1) الکافی/الجلد3 /کتاب الجنائز /باب 88، والبحار مجلد 6/ابواب الموت باب 8.

الروایة.

8 - ما ورد مستفیضاً فی ذیل قوله تعالی: إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ کانَ مِیقاتاً * یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (1)، حیث دلت الروایات الآتیة علی أن ظهور هذه الآیة هو فی الرجعة لا فی یوم القیامة، لأن فی یوم القیامة یُبعث الجمیع کما فی قوله تعالی: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2)، فهذه الآیات فی سورة النبأ بهذا التقریب من ظهورها الذی نُّبه علیها فی الروایات دالّ علی عموم الرجعة لعموم الناس غایة الأمر أنه بنحو تدریجی تفویجی.

أما الروایات الواردة فی ذیل الآیة :

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عقبة عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سئل عن الرجعة أحق هی؟ قال: نعم، فقیل له: من أول من یخرج؟ قال:

«الحسین(علیه السلام) یخرج علی أثر القائم»، قلت: ومعه الناس کلهم، قال:

«لا بل کما ذکر الله تعالی فی کتابه یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (3)

قوماً بعد قوم»(4).

وتقریب دلالة الروایة أنَّه الإمام قرر فی الجواب رجوع الناس کلهم لکن لا دفعة بلْ فوج بعد فوج.

ص:230


1- (1) سورة النبأ: الآیة 17- 18.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 47.
3- (3) سورة النباء: الآیة 18.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات ح42/142ص196.
معنی من محض الإیمان ومحض الکفر:

وقدْ وَرَدَتْ روایات صریحة فی أنَّ معنی محض الإیمان هو الإیمان والإقرار بالشهادة الأولی والثانیة والثالثة، أی بمعنی أصل تحقق الإیمان الأوَّلی وبدایة درجاته وإن لم یصل إلی نهایات کماله، وإنْ ورد بهذا المعنی الثانی استعمال آخر فی الآیات والروایات.

فقد روی الکلینی بسنده عن أبی بکرالحضرمی قال: قلت لأبی جعفر(علیه السلام): أصلحک الله من المسئولون فی قبورهم قال: من محض الإیمان ومن محض الکفر قال:

«فقلت: فبقیة هذا الخلق قال: یلهی والله عنهم ما یُعبأ بهم، قال وقلت وعما یسألون قال: عن الحجة القائمة بین أظهرهم، فیقال للمؤمن ما تقول فی فلان بن فلان فیقول: ذاک إمامی فیقال، نم أنام الله عینک ویفتح له باب من الجنة فما زال یُتحفه من رَوحها إلی یوم القیامة، ویقال للکافر ما تقول فی فلان بن فلان قال فیقول قد سمعت وما أدری ما هو فیقال لا دریت، قال ویفتح له باب من النار فلا یزال یتحفه من حرّها إلی یوم القیامة»(1).

وروی أیضاً بسنده عن إبراهیم بن أبی البلاد عن بعض أصحابه عن أبی الحسن موسی(علیه السلام) قال: یقال للمؤمن فی قبره من ربک قال فیقول: الله، فیقال له ما دینک فیقول الإسلام، فیقال من نبیک فیقول مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، فیقال من إمامک فیقول فلان، فیقال کیف علمت بذلک، فیقول أمر هدانی الله له

ص:231


1- (1) الکافی ج3 کتاب الجنائز /ب المسأئلة فی القبر وفیمن یسئل ومن لایسئل/ ح2ص237.

وثبّتنی علیه، فیقال: نم نومة لا حلم فیها نومة العروس ثم یفتح له باب إلی الجنة فیدخل علیه من روحها وریحانها الحدیث، وفی ذیلها ذکر عکس ذلک فی الکافر(1).

وروی أیضاً بسنده عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) -

(فی حدیث عن المؤمن إذا وضع فی قبره وعن منکر ونکیر) - ویسئلانه فیقولان له من ربک فیقول الله، فیقولان ما دینک فیقول الإسلام، فیقولان ومن نبیک، فیقول مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، فیقولان فمن إمامک فیقول فلان، فینادی مناد من السماء صدق عبدی افرشوا له فی قبره من الجنة، وافتحوا له فی قبره باباً إلی الجنة وألبسوه من ثیاب الجنة حتی یأتینا، وما عندنا خیر له، ثم یقال له نم نومة عروس نم نومة لا حلم فیها.

قال وإن کان کافراً... ثم یدخل علیه ملکا القبر ... فیقولان له من ربک فیتلجلج ویقول قد سمعت الناس یقولون فیقولان له لا دریت ویقولان له ما دینک فیتلجلج فیقولان له لا دریت ویقولان له من نبیک فیقول قد سمعت الناس یقولون، فیقولان له لا دریت ویسأل عن إمام زمانه، قال وینادی مناد من السماء کذب عبدی افرشوا له فی قبره من النار وألبسوه من ثیاب النار وافتحوا له باباً إلی النار حتی یأتینا وما عندنا شرٌّ له فیضربانه بمرزبة» الحدیث(2).

هذا والحاصل أن مقتضی اتحاد عنوان ووصف من محض الإیمان ومحض الکفر فی مسائلة القبر، وفی من یرجع فی الرجعة أی فی نصفها

ص:232


1- (1) الکافی الجلد 3/کتاب الجنائز /ب المسائلة فی القبر/ح11 ص238.
2- (2) الکافی /مجلد 3 ص239ب المسائلة فی القبر ح3 .

الأول هو اتحاد المعنی المراد من هذا العنوان والوصف.

وقد مرّ سرّ ووجه اتحاد من یُسائل فی القبر والذی یرجع فی الرجعة، وهذا الاتحاد کاشف عن أن من تکامل فی طریق الخیر أو تردی فی طریق الشر هو الذی یسائل فی القبر وهو الذی یکون له استعداد وقابلیة للرجوع أو للمسائلة فیه فی أوائل الرجعة دون المستضعفین والبله ونحوهم.

وهو مما یدعم إستعمال محض الایمان فی أصل الایمان لا فی أعلی مراتبه الکاملة.

سر سبق من محض الإیمان أو محض الکفر علی المستضعفین فی الرجعة:

والظاهر أن سببه هو وصول من محض إلی الکمال المستعد لمسیر کمال الرجعة أو کمال المحاسبة والمسائلة فیها، بخلاف المستضعف، فهو لا زال فی حالة تطور وتدرج قبل أن یستوی لقبول کمال الرجعة، أو لقبول المحاسبة والمسائلة فیها علی کلا التأویلین فی اختصاصها، والظاهر أن هذا هو تفسیر اختصاص المساءلة فی القبر بمن محض دون المستضعفین.

ص:233

ص:234

المحطة الرابعة: قائمة أسماء من یکر من أهل الخیر وأهل الشر
اشارة

1 - قد وردت الروایات المستفیضة بنظم وتنظیم خاص فی نظام مراحل الرجعة ومن یرجع، والطابع العام فی الرجعة یأخذ منحی التفویج، کما أشار إلی ذلک أئمة أهل البیت(علیهم السلام) فی قوله تعالی یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (1)، وظاهر الآیة کما أشیر فی الروایات یقتضی التفویج، کطابع عام فی غالب الرجعة، أی إلی قریب أواخرها.

2 - کما أن هناک طابعاً عاماً أیضاً فی الرجعة بیّنوا معالمه(علیهم السلام)، وهو ما فی قوله تعالی: یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ (2).

فقد روی البرقی فی الصحیح عن یعقوب بن شعیب قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): یوم ندعوا کل أناس بإمامهم، فقال:

«ندعوا کل قرن من هذه الأمة

ص:235


1- (1) سورة النمل 83
2- (2) سورة الاسراء 71

بإمامهم» قلت: فیجیء رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی قرنه، وعلی(علیه السلام) فی قرنه، والحسن(علیه السلام) فی قرنه، والحسین(علیه السلام) فی قرنه، وکل إمام فی قرنه الذی هلک بین أظهرهم؟ فقال: نعم »(1).

وهذا الصحیح ناصّ علی أنَّ للنبی رجعتین إحداهما هی التی أشار إلیه الصحیح وهی رجوعه(صلی الله علیه و آله) مع من کان فی قرنه لا مع عامّة الناس، والثانیة بضمیمة ما استفاض من رجوعه(صلی الله علیه و آله) آخر الرجعة ومعه جمیع الأئمة الاثنی عشر وفاطمة وجمیع البشر.

ثم إنَّ هناک قائمة بمن یرجع من أهل الخیر وأئمة الهدی، کما أن هناک قائمة بمن یرجع من أهل الشر وأئمة الضلال والکفر.

فأما أئمة الهدی فالعترة من آل محمد(صلی الله علیه و آله).

3 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن المعلی بن خنیس وزید الشحام عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سمعناه یقول: إنَّ أوَّل من یکر فی الرجعة الحسین بن علی ویمکث فی الأرض أربعین سنة حتی یسقط حاجباه علی عینیه(2).

4 - وروی سعد أیضاً - بسند صحیح أعلائی فی الصحة - عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعین وأبا الخطاب یحدثان جمیعاً - قبل أن

ص:236


1- (1) محاسن البرقی /1:144کتاب الصفوة والنور/ب12ح44.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات ح4/58.

یحدث أبو الخطاب ما أحدث - أنهما سمعا أبا عبدالله(علیه السلام)یقول: أول من تنشق الأرض عنه ویرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام) الحدیث(1).

وغیرها من الأحادیث المستفیضة فی أن أول من یرجع الحسین(علیه السلام).

والمراد من الأولیة هنا، هو أنه أول من یرجع من أئمة أهل البیت(علیهم السلام)، وستأتی جملة من الروایات أن الحسین(علیه السلام) یرجع والمهدی(علیه السلام) حیّ، أی أن رجوعه فی أواخر عمر المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) قبل استشهاده، فیعّرف الإمام المهدی(علیه السلام) الناس بأن الحسین سبط النبی وسید الشهداء الذی یؤمنون به هو هذا قد رجع الی الدنیا، حتی تستقر معرفة الناس به، ثم یستشهد الإمام المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج).

وأما بالنسبة لسائر عموم الناس، فإن أول من یرجع هم من یرجعون من المؤمنین الشیعة قبیل الظهور بین شهر جمادی ورجب.

وأما ثانی الأئمة(علیهم السلام) رجوعاً فهو أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) ، ویوافق رجوعه أواخر رجعة الحسین(علیه السلام)، وفی الروایات المستفیضة أن أکثر من یرجع من الأئمة(علیهم السلام) فی الرجعة، أی یرجع ثم یموت ثم یرجع ثم یموت.. وهکذا هو علی بن أبی طالب(علیه السلام)، فهو صاحب الکرات والرجعات، وهو من یقیم الدول الکثیرة فی الرجعة، بل یقیم أعظم الدول تدویلاً بین أئمة أهل البیت الاثنی عشر(علیهم السلام)، فهو صاحب دولة الدول، کما

ص:237


1- (1) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات /ح23/77.

ستأتی الروایات فی ذلک.

نعم أعظم دولة تقام فی الرجعة علی الإطلاق، وهی آخر دولة فی الرجعة، هی دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) وخلیفته أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ویکون بقیة الأئمة الأحد عشر(علیهم السلام) معه أعوان ووزراء.

5 - فقد روی سعد بن عبدالله فی الصحیح عن بکیر بن أعین قال: قال لی من لا شک فیه یعنی أبا جعفر(علیه السلام): «

إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وعلیاً(علیه السلام) سیرجعان»(1).

6 - وروی أیضاً فی المصحح عن أبان بن تغلب عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) - فی قتال علی لکفار قریش فی الرجعة لمن کفر منهم بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) - إن جبرئیل قال لرسول الله(صلی الله علیه و آله) واحدة لک واثنتان لعلی بن أبی طالب وموعدکم السلام، قال أبان: جعلت فداک وأین السلام، قال: یا أبان السلام من ظهر الکوفة»(2).

وسیأتی فی الباب الرابع أن الکوفة مرکز وعاصمة لدولة الإمام المهدی(علیه السلام) ،وعاصمة لکل دول أئمة أهل البیت(علیهم السلام) ،وعاصمة لدولة الرسول(صلی الله علیه و آله).

بَلْ قَدْ روی أیضاً أن کل إمام عندما یرجع یرجع معه طاغوت عصره وقاتله فتدور رحی المواجهة وینتقم لکل إمام من ذلک الطاغوت.

ص:238


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح 78 /24.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / ب الکرات/ح9/63.

7 - فقد روی العیاشی فی تفسیره عن رفاعة بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): إنَّ أوَّل من یکر إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام) وأصحابه ویزید بن معاویة (لع) وأصحابه فیقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال أبو عبدالله(علیه السلام): ثم رددنا لکم الکرة علیهم وأمددناکم بأموال وبنین وجعلناکم أکثر نفیراً(1).

8 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن الرجعة، قال(علیه السلام) : وقوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ یعنی بذلک محمد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة ینذر فیها وقوله تعالی: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ یعنی محمد(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة، وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ قال:

«یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة »، وقوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ

«هو علی بن أبی طالب(علیه السلام) إذا رجع فی الرجعة»، قال جابر: قال أبو جعفر:

«قال أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ» رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشیعتی، وخرج عثمان بن عفان وشیعته ونقتل بنی أمیة، فعندها یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین(2).

9 - وفی المختصر عن أبی عبدالله(علیه السلام) سئل عن الرجعة أحق هی قال:

ص:239


1- (1) تفسیر العیاشی ذیل آیة الاسراء مجلد/2:282.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح1/55.

نعم، فقیل له: من أول من یخرج؟ قال:

«الحسین(علیه السلام) یخرج علی أثر القائم(علیه السلام)، فقلت: معه الناس کلهم؟ قال:لا، بل کما ذکره الله تعالی فی کتابه: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً

(1) قوماً بعد قوم »(2).

وظاهرهذه الروایة ناظر إلی أغلب مراحل الرجعة من الابتداء إلی ما قبل أواخر الرجعة، وأن الطبیعة العامة للرجعة هی التفویج، أی بأفواج بعد أفواج .

10 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبد الله(علیه السلام) : (ویقبل الحسین فی أصحابه الذین قتلوا معه ومعه سبعون نبیاً کما بعثوا مع موسی بن عمران(علیه السلام) فیدفع إلیه القائم(عج) الخاتم

(فیلقاه الموت) فیکون الحسین(علیه السلام) هو الذی یلی غسله وکفنه وحنوطه ویواری به حفرته)(3).

وسیأتی فی معنی الروایة أحتمال إرادة أنّ السبعین من أصحابه الذین قتلوا معه یبعثون أنبیاء معه کما بُعث الذین أختارهم موسی(علیه السلام) من قومه سبعین رجلاً لمیقات الله، فلما ماتوا احیاهم الله مرة اخری وبعثوا فی رجعتهم، ورجوعهم إلی الدنیا مرة أخری أنبیاء، وقد ورد - فی شان السبعین من أصحاب موسی(علیه السلام) وأنهم رجعوا وبعثوا إلی دار الدنیا مرة أخری أنبیاء - روایات مستفیضة قد ذکر جملة منها الحر العاملی فی کتابه

ص:240


1- (1) سورة النبأ: الآیة 18.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ح42/142.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات /ح43/143.

(الایقاظ)، وکاف التشبیه فی الروایة ظاهرة فی الاشارة إلی ذلک کما فی جملة زیارات سید الشهداء فی الفقرات التی تخص التسلیم علی الشهداء إشارات عدیدة بصیرورتهم ربانیین صدیقین.

11 - وروی الشیخ الطوسی فی الغیبة والمفید فی الاختصاص عن جابر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«لیملکن رجل منا أهل البیت بعد موته ثلاثمائة سنة ویزداد تسعاً » قال: فقلت: فمتی یکون ذلک؟ قال فقال: بعد موت القائم... ، ثم یخرج المنتصر إلی الدنیا فیطلب بدمه ودماء أصحابه فیقتل ویسبی...، فإذا اشتد البلاء علیه وقتل المنتصر، خرج السفاح إلی الدنیا غضباً للمنتصر فیقتل کل عدو لنا ، وهل تدری من المنتصر ومن السفاح یا جابر؟ المنتصر الحسین بن علی والسفاح علی بن أبی طالب»(1).

ویفهم من هذه الروایات وهی نبذة یسیرة مما ورد فی أوائل الرجعة أن الرجعة متصلة بظهورالمهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) بلْ متشابکة معه ثم یرجع أول من یرجع من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) الحسین(علیه السلام) ثم أمیرالمؤمنین(علیه السلام) وآخرهم رجوعاً فی أواخر الرجعة سید الرسل(صلی الله علیه و آله) ، أی فی رجعته الثانیة، وأمَّا رجعته الأولی فهی مع من کان فی قرنه أیضاً کما مرَّ فی صحیح یعقوب بن شعیب، وأنَّ لکل إمام منهم(علیهم السلام) دولة عدل یقیمها.

ص:241


1- (1) الاختصاص ص275 والغیبة للطوسی ص478 ح505. والعیاشی ج2 ص326 ح24 ومختصر بصائر الدرجات ح45/145 .

12 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی المصحح عن قیصر ابن أبی شیبة سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول فی هذه الآیة: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قال: لیؤمنن برسول الله(صلی الله علیه و آله) ولینصرن أمیر المؤمنین علیاً(علیه السلام)، قال: نعم والله من لدن آدم وهلم جرّا ، فلم یبعث الله نبیاً ولا رسولاً إلّا ردّ جمیعهم إلی الدنیا حتی یقاتلون بین یدی علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین(علیه السلام)(1).

وأما جدول قائمة رجعة الشر وأهل الشرور فقد عرفت أنَّ کل إمام من أئمة أهل البیت(علیهم السلام)، بلْ وکذلک رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی رجعته الأولی عندما یرجع فإنه یرجع معه طاغوت زمانه وأنصار کل منهم، لیدیل الله الحق علی الباطل کرة وجولة للحق.

رجعة إبلیس والشیاطین والجن

1 - کما أن هناک ما یدل علی أن لإبلیس اللعین رجعة أو رجعات، فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عبد الکریم بن عمرو الخثعمی سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: «

إن إبلیس قال رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ

فأبی الله ذلک علیه وقال فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلی یَوْمِ

ص:242


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح32/86وح93/431 وح17/117 ورواه العیاشی فی ج1 ص181 ح76.

الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

فإذا کان یوم الوقت المعلوم ظهر إبلیس فی جمیع أشیاعه منذ خلق الله آدم إلی یوم الوقت المعلوم وهی آخر کرة یکرها أمیر المؤمنین(علیه السلام) فقلت: وإنها لکرات؟ قال: نعم، إنها لکرات وکرات، ما من إمام فی قرن إلّا ویکر معه البر والفاجر فی دهره حتی یدیل الله عَزَّ وَجَلَّ المؤمن من الکافر، فإذا کان یوم الوقت المعلوم کرّ أمیُر المؤمنین صلوات الله علیه فی أصحابه وجاء إبلیس فی أصحابه، ویکون میقاتهم فی ارض من أراضی الفرات یقال لها الروحاء قریب من کوفتکم فیقتتلون قتالاً لم یُقتتل مثله قط منذ خلق الله عَزَّ وَجَلَّ العالمین...»(1).

وقوله(علیه السلام)

«ظهر أبلیس لعنه الله فی جمیع أشیاعه منذ خلق الله آدم الی یوم الوقت المعلوم» دالّ علی رجوع جمیع أهل الشر والأشرار منذ زمن آدم الی أواخر الرجعة، وفیه دلالة أیضا علی عموم الرجعة.

وفی ذیل الروایة هبوط رسول الله(صلی الله علیه و آله) فیلاحق إبلیس فیطعنه طعنة بین کتفیه فیکون هلاکه وهلاک جمیع أشیاعه، فعند ذلک یُعبد الله عَزَّ وَجَلَّ ولا یُشرک به شیئاً.

وتقریب دلالة هذهِ الروایة أنَّه قدْ وَرَدَ أیضا أنَّ القائم المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) هو الذی یقتل إبلیس فی مسجد سهیل (السهلة فی الکوفة) کما سیأتی.

ووَرَدَ ثالثاً أیضاً أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی أحد کراته یقتل إبلیس کما

ص:243


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح37/91 باب الکرات.

سیأتی.

فیظهر من مجموع الروایات مع هذه الروایة، أن لإبلیس قتلات ورجعات، آخرها هو فی آخرالرجعة، وقد مرّ رجوع عثمان وأشیاعه لمقاتلة أمیر المؤمنین(علیه السلام) کما فی قوله(علیه السلام):

«ظهر إبلیس فی جمیع أشیاعه إلی یوم الوقت المعلوم» ودال علی رجوع کل الشیاطین الاشرارمن الأنس والجن من أعوان إبلیس اللعین.

2 - روی الصدوق بسنده المعتبر عن عبدالعظیم بن عبدالله الحسینی قال: سمعت أبا الحسن علی بن محمد العسکری یقول: معنی الرجیم أنه مرجوم باللعن مطرود من مواضع الخیر لا یذکره مؤمن إلّا لعنه، وأن فی علم الله السابق أنه إذا خرج القائم لا یبقی مؤمن فی زمانه إلّا رجمه بالحجارة، کما کان قبل ذلک مرجوماً باللعن(1).

وظاهر الخبر أنه یقتل بالرجم فی زمان ظهور المهدی(عج).

3 - وروی فی الأنوار المضیئة للسید علی بن السید عبدالحمید أن القائم(عج) یقتل إبلیس یوم الوقت المعلوم یجثو إبلیس علی رکبته فی المسجد فیأخذ بناصیته ویضرب عنقه.

وجمعه مع ما ورد من قتل الرسول(صلی الله علیه و آله) لإبلیس هو بحصول الرجعة لإبلیس.

ص:244


1- (1) معانی الاخبار ص139ح1.

4 - روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن خالد بن یحیی عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث سأل فیه عن قول الرسول(صلی الله علیه و آله):

«اتقوا دعوة سعد» أی سعد بن أبی وقاص، قال(علیه السلام): نعم قلت: وکیف ذلک قال

:«إن سعداً أی ابن أبی وقاص یکر فیقاتل علیاً»(1).

5 - ویظهر من بعض الروایات أن للدجال أیضاً رجعة، فقد روی الشیخ الطوسی فی مجالسه (أمالیه) بإسناده عن حذیفة بن أسید عن أبی ذر، أنه سمع النبی(صلی الله علیه و آله) یقول:

«من قاتلنی فی الأولی وقاتل أهل بیتی فی الثانیة حشره الله فی الثالثة مع الدجال [فهو فیها من شیعة الدجال]»(2). ویظهر أن الدجال بعد أن یقتل یرجع رجعة إلی الدنیا مرة أخری

6 - نعم استثنی من الرجعة کل قوم أهلکهم الله بالعذاب.

فقد روی القمی فی تفسیره فی الصحیح عن حماد عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ فقال الصادق(علیه السلام):

«کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب ومحضوا الکفر محضاً لا یرجعون فی الرجعة، وأما فی القیامة فیرجعون، أما غیرهم ممن لم یهلکوا بالعذاب

ص:245


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات/46/100، وتفسیر القمی /مجلد 1ص290: بصائر الدرجات للصفار: 14/442.
2- (2) آمالی الشیخ الطوسی: المجلس /2ح57/88، ورواه بطریق اخر المجلس /16 ح23/1026، ورواه الطبری فی بشارة المصطفی بسنده عن الشیخ سؤال 88، ورواه فی البحار عن مصادر الجمهور عن الخرکوشی فی اللوامع /322: 32.

ومحضوا الإیمان محضاً أو محضوا الکفر محضاً یرجعون»(1).

7 - ووَرَدَ فی رجوع عائشة، عن عبد الرحیم القصیر، قال: قال لی أبو جعفر(علیه السلام):

«أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إلیه الحمیراء، حتی یجلدها الحد، وحتی ینتقم لابنة محمد فاطمة(علیهاالسلام) منها، قلت جعلت فداک ولم تجلد الحد قال لفریتها علی أم ابراهیم، قلت فکیف أخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ للقائم؟ إنَّ الله بعث محمداً(صلی الله علیه و آله) رحمة ویبعث القائم(علیه السلام) نقمة »(2).

ص:246


1- (1) تفسیر القمی/1:42ونظیره رواه فی موضع آخر فی تفسیره عن محمد بن مسلم /2:75.
2- (2) محاسن البرقی: ح126ج2 ص339، علل الشرائع/ باب 385ح10 المجلد/2 ص579 وأیضاً مختصر بصائر الدرجات نقلاً عن علل الشرائع ح/:53/564.
المحطة الخامسة:مرحلة خروج دابة الأرض وما بعده

إنَّ مرحلة خروج الدابة ملحمة کبیرة فی الرجعة أشار إلیها القرآن الکریم فی قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (1).

والاعتقاد بخروج دابة الأرض کآیة إلهیة تحدث فی آخر الزمان عقیدة متأصلة بین جمیع المسلمین، مع کونها فصلاً مهماً فی فصول الرجعة.

وسیأتی البحث فیها مفصلاً إلّا أننا نشیر إلی بعض ما یرتبط بهذه المرحلة وما بعدها تبیاناً لجدولة مراحل الرجعة.

ص:247


1- (1) سورة النمل 82 ،83

فقد روی نعیم بن حماد فی کتاب الفتن(1) فی ذیل الآیة من سورة النمل أن ذلک أیّ - خروج الدابة - حین لا یأمرون بمعروف ولا ینهون عن منکر، أی أن ظهور الدابة عند عدم تناهی الناس عن المنکروعدم أمرهم بالمعروف، وهذه الظاهرة تقع فی أواسط الرجعة.

کما قد ورد عن مرحلة ما بعد الدابة إلی أواخر الرجعة فی روایة الصدوق فی إکمال الدین الواردة فی الدجال عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حدیث قال(علیه السلام):

«ولا تسألونی عما یکون بعد ذلک - أی بعد طامة الدابة فی الرجعة - فإنه عهد إلیّ حبیبی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن لا أخبر به غیر عترتی»(2).

وروی نعیم بن حماد بإسناده عن حذیفة فی کتاب الفتن أیضاً وتخرج الدابة والآیات بعد عیسی(علیه السلام) بسبعة أشهر(3)، وهذا التحدید لم نقف علیه من طرقنا.

وروی فی إرشاد القلوب:

(وتطلع الشمس من مغربها وتخرج الدابة، ویظهر الدجال، وینتشر یأجوج ومأجوج، وینزل عیسی بن مریم(علیه السلام)(4).

والظاهر أن الترتیب إما من الراوی أو المراد مطلق السرد من دون بیان الترتیب، وذلک لأن هذه العلامات ونحوها وردت فی روایات الفریقین

ص:248


1- (1) کتاب الفتن لنعیم بن حماد المروزی/ص404/باب خروج الدابة.
2- (2) إکمال الدین للصدوق/ص77، الخرائج والجرائح/ج3ص1137.
3- (3) کتاب الفتن لنعیم بن حماد المروزی /ص405باب خروج الدابة .
4- (4) إرشاد القلوب للدیلمی ج1/ص66باب 16أشراط الساعة وأهوالها.

کعلامات للساعة، والساعة کما سیأتی فی الباب الثالث تطلق تارة علی ساعة ظهور صاحب الأمر(عج)، وثانیة تطلق علی رجعة الأئمة(علیهم السلام) ، وثالثة تطلق علی خروج الدابة، والآیات الکونیة المهولة التی هی مراحل خطیرة من الرجعة، ورابعة تطلق علی القیامة الکبری کما أنَّ لفظة وعنوان القیامة هی الأخری تطلق علی هذه المواطن أیضاً، وخامسة تطلق أیضاً علی موت الإنسان کما ورد ( إذا مات ابن آدم قامت قیامته) .

وأمَّا توقیت خروج یأجوج ومأجوج فیحتاج إلی مزید من التتبع فی بیانات الروایات، وسیأتی مزید بحث عن أن من أسماء الرجعة وعناوینها (ظهور وخروج الآیات)، وهذا الاسم والعنوان لها ورد فی قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (1)، وقوله تعالی: سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ فَتَعْرِفُونَها (2) وقوله تعالی: قُلْ إِنَّمَا الْآیاتُ عِنْدَ اللّهِ وَ ما یُشْعِرُکُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا یُؤْمِنُونَ (3)، سیأتی فی الباب الثانی أن الرجعة مرویة بنحو متواتر فی روایات العامة، ولکن بأسماء جملة من فصولها ومراحلها کخروج الدابة وظهور الآیات وغیرها من المفاصل والمراحل الخطیرة فی الرجعة.

ص:249


1- (1) سورة الأنعام 158.
2- (2) سورة النمل 93.
3- (3) سورة الأنعام 109.

روی نعیم بن حماد فی کتاب الملاحم والفتن حول الأحداث التی تقع بعد خروج الدابة

«... ویلد المؤمن فلا یموت حتی یتم أربعین سنة بعد خروج دابة الأرض ثم یعود فیهم الموت فیمکثون بذلک (أی فی البرزخ أو نحوه) ما شاء الله ثم یسرع الموت فی المؤمنین، فلا یبقی مؤمن فیقول الکافر قد کنا مرعوبین من المؤمنین فلم یبقی منهم أحد، ولیس یفقد منا میت فما لنا لا نتهارج فیتهارجون فی الطریق تهارج البهائم، ثم یقوم أحدهم بأمه وأخته وابنته فینکحها فی وسط الطریق یقوم عنها واحد وینزل علیها آخر لا ینکر ولا یغیر فأفضلهم من یقول لو تنحیتم عن الطریق کان أحسن، فیکون بذلک لا یبقی أحد من أولاد النکاح یومئذ، ویکون جمیع أهل الأرض من أولاد السفاح، فیمکثون بذلک ما شاء الله، ثم یعقم الله أرحام النساء ثلاثین سنة فلا تلد امرأة ولا یکون فی الأرض طفل یکونون کلهم أولاد الزنا شرار الناس وعلیهم تقوم الساعة(1).

وروی السید ابن طاووس فی سرور أهل الإیمان فی حدیث عن بقاء أهل الروم ودولتهم إلی وقت خروج الدابة

«... وینادی مناد من ناحیة المشرق...ومن الغد تتلون الشمس وتصفر فتصیرسوداء مظلمة ویوم الثالث یفرق الله بین الحق والباطل وتخرج دابة الأرض وتقبل الروم إلی ساحل البحر عند کهف الفتیة فیبعث الله الفتیة»(2)ویحتمل قویا أن العطف غیر ترتیبی فی الروایة أوالخطأوالوهم من الراوی.

ص:250


1- (1) کتاب الفتن / للمروزی باب خروج الدابة ص402.
2- (2) البحار /ج52 ص272ح/167.
المحطة السادسة: رجعة الحیوان

ویُشیر إلی رجعة الحیوان قوله تعالی فی قصة عزیر: أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

وفی الآیة دلالة واضحة علی إحیاء الحیوان وهو الحمار بعد إماتته وهو حمار عزیر.

وکذا قوله تعالی : وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (2)، وإنْ کان للآیة عدة تأویلات صحیحة منصوصة، لما سیأتی من أن وقوع الحشر یتکررعدة

ص:251


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259 .
2- (2) سورة التکویر: الآیة 5.

مرات فی الرجعة زیادة قبل وقوع حشر القیامة الکبری، وعلی أی تقدیر فالآیة الأولی ناصّة علی المطلوب، وکذلک الشأن فی کلب أصحاب الکهف وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ وقدْ مرَّ أنَّ الحیوانات المأکولة فی الرجعة یأکلها المؤمن فیحییها مرة أُخری، وکذلک الطیور التی أحیاهن النبی إبراهیم فی سورة البقرة.

ص:252

المحطة السابعة: أواخر الرجعة

فقد روی المجلسی فی البحار عن بعض مؤلفات أصحابنا عن الخصیبی صاحب الهدایة الکبری بسند متصل ذکره فی البحار عن المفضل بن عمر عن أبی عبدالله فی حدیث طویل عن الظهور والرجعة قال فیه ... : (ثم یخرج الصدیق الأکبر أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، وینصب له القبة بالنجف، ویقام أرکانها رکن بالنجف ورکن بهجر ورکن بصنعاء ورکن بأرض طیبة لکأنی أنظر إلی مصابیح تشرق فی السماء والأرض کأضوأ من الشمس والقمر فعندها تُبْلَی السَّرائِرُ و یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَی النّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری وَ لکِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِیدٌ . ثم یخرج السید الأکبر محمد رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی أنصاره ومن آمن به وصدقه واستشهد معه، ویحضر مکذبوه والشاکون فیه والرادون علیه والقائلون فیه إنَّه ساحر

ص:253

وکاهن ومجنون وناطق عن الهوی ومن حاربه وقاتله، حتّی یقتص منهم بالحق ویجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلی ظهور المهدی(عج) مع إمام إمام ووقت ووقت ویحق تأویل هذه الآیة وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (1).

قال المفضل: یا سیدی ومن فرعون وهامان قال: أبو بکر وعمر، قال المفضل یا سیدی ورسول الله وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما یکونان معه(2) فقال: لابدَّ أن یطأ الأرض إی والله حتی ما وراء الخاف(3) ) إی والله وما فی الظلمات وما فی قعر البحار حتی لا یبقی موضع قدم إلّا وطیاه وأقام فیه الدین الواجب لله تعالی ثم لکأنی أنظر - یا مفضل إلینا معاشر الأئمة بین یدی رسول الله(صلی الله علیه و آله) نشکو إلیه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التکذیب والرد علینا وسبینا ولعننا وتخویفنا بالقتل وقصد طواغیتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة بترحیلنا عن الحرمة(4) إلی دار ملکهم وقتلهم إیانا بالسم والحبس. فیبکی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ویقول: یا بنیّ ما نزل بکم إلّا ما نزل بجدکم قبلکم، ثم تبتدیء فاطمة(علیهاالسلام) وتشکو ما نالها من

ص:254


1- (1) سورة القصص: الآیة 5 و 6.
2- (2) لعل الأصح: معاً.
3- (3) والاصح ظاهرا (القاف) والظاهر أنه أشتباه من الناسخ.
4- (4) لعل الاصح فی النسخ (الحرم).

أبی بکر وعمر - ... الحدیث(1).

ولا یخفی أنَّ هذهِ الروایة هی الأُخری یمکن أن نستظهر منها رجعتین لرسول الله(صلی الله علیه و آله)، أولی مع من کان فی رقنه، وثانیة مع جمیع الناس کما مرَّ فی صریح صحیح یعقوب بن شعیب.

وروی الشیخ الطوسی فی أمالیه وسعد بن عبدالله فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن بریدة الأسلمی عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«یا علی إن الله أشهدک معی فی سبع مواطن ... إلی أن قال: الموطن السابع نبقی حتی لا یبقی أحد وهلاک الأحزاب بأیدینا»(2).

ص:255


1- (1) الهدایة الکبری للخصیبی/407/392 باب/14، الامام المهدی، بحار الانوار /مجلد53ص16، مختصر بصائر الدرجات ح5/516 وهو من الاحادیث التی أضافها الحسن بن سلیمان الحلی الی ما اختصره من بصائر الدرجات وقد رواه عن کتاب عن الحسین بن حمدان.
2- (2) آمالی الطوسی: ص21/641 وأیضاً مختصر بصائر الدرجات / ح209 /49 ص257.

ص:256

الفصل الخامس:موقعیة الرجعة

فی العقیدة والإیمان

ص:257

ص:258

الفصل الخامس:موقعیة الرجعة فی العقیدة والإیمان

قال الحر العاملی فی الباب الثانی من کتاب الإیقاظ من الهجعة: (الأمر الثامن): إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة، وکلّ وقت کما أنّا مأمورون بالإقرار فی کثیر من الأوقات بالتوحید والنبوّة والإمامة والقیامة، وکلّ ما کان کذلک فهو حقّ، والصغری ثابتة بالنقل المتواتر الآتی، والکبری بدیهیة فالرجعة حقّ (1).

وفی هذا النصّ - للحر العاملی - تکمن حقیقة موقعیة الرجعة فی العقیدة، وتعتبر هذه العبارة من الحرّ العاملی فتح فی مسألة الرجعة بصورة خاصة والعقائد بصورة عامّة، وهذه العبارة ناظرة إلی أمور ثلاثة:

ص:259


1- (1) الإیقاظ من الهجة بالبرهان علی الرجعة :ص 88.

الأمر الأول: الإقرار بالرجعة.

الأمر الثانی: الإعتقاد بها.

الأمر الثالث: تجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة.

فهذا نصّ جامع ذکره الحر العاملی فی هذه المسألة الخطیرة ویشیر إلی عدم حصر الترکیز والأهمیة علی الجانب التنظیری الفکری فی الاعتقاد بها، بلْ لابدّ من الترکیز علی جانب التعلیم العملی، وهذا لابدّ فیه من الدیمومة والاستمراریة لذکرها فی کل آن، فجعل مسألة الرجعة المجمع الجامع لأصول الدین إذ فیها توحید ونبوّة وإمامة ومعاد.

فرکّز الحر العاملی علی أننا من جهة الرجعة مأمورون بذکرها ورداً، أی أن هناک أمرا واردا منهم(علیهم السلام) فی البین بأمور ثلاثة:

الإقرار باللسان، وهذا أمر مهم إذ لا یکتفی فی الإیمان بالاعتقاد القلبی دون اللسان فلابد من إظهار ذلک لساناً.

ثم الاعتقاد، أی عقد القلب علیها وهو لیس جانباً فکریاً فقط، بل تعایشاً عملیاً علمیاً معها.

ثم تجدید الإقرار بها کل یوم وفی کل ورد، و (تجدید فی عبارة الحر) فعل مضارع یدل علی الاستمرار، وهذا یحصل عبر الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة، وهذه الموارد لیست علی سبیل الحصر، بل من باب أوضح المصادیق، ثم عقّبها ب-: (کل آن علیک تجدید الاعتراف الفعلی بمسألة

ص:260

الرجعة فی کل حین).

ثم إنّ هناک شواهداً روائیة لا بأس بذکرها:

1 - عن عبدالله بن جندب، قال: سألت أبا الحسن الماضی(علیه السلام) عما أقول فی سجدة الشکر فقد اختلف أصحابنا فیه؟ فقال:

«قل وأنت ساجد: اللهم إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی والإسلام دینی ومحمد نبیّی وعلیاً وفلاناً وفلاناً ... إلی آخرهم، أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ، اللهمَّ إنی أنشدک دم المظلوم - ثلاثاً - اللهم إنی أنشدک بإیوائک علی نفسک لأولیائک لتظفرنهم بعدوک وعدوهم ان تصلی علی محمد وعلی المستحفظین من آل محمد»(1).

ویراد بالإیواء علی نفسه وعد الله تعالی فی قوله: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً (2).

وقوله: «لتظفرنهم» متعلق بالإیواء، واللام جواب للقسم الذی فی معنی الإیواء.

فمفاد الحدیث إستحباب ذکر الرجعة فی سجدة الشکر لکل صلاة

ص:261


1- (1) الحدیث السابع الکافی:3 ، ص325 ، باب السجود والتسبیح والدعاء عشر.
2- (2) سورة ن : الآیة 55.

یومیة، والدعاء لتعجیل إنجاز الله لوعد الله برجعة وإرجاع أئمة أهل البیت لإقامة دولة العدل.

2 - وروی فی مصباح المتهجد الشیخ الطوسی فی التشهد الثانی: «بسم الله وبالله والأسماء الحسنی کلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله(صلی الله علیه و آله)، أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون»(1)، والدعاء لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ عنوانٌ للرجعة، حیث یتم فیها الوعد الإلهی، وقد ورد بذلک روایات مستفیضة، إلی غیر ذلک من الروایات الواردة فی التشهد، مما یدل علی الأمر بالتشهد والإقرار بالرجعة کجزء ندبی فی تشهد الصلاة یومیاً.

3 - ما ورد فی إستحباب التشهد والإقرار بالرجعة فی خطبتی صلاة الجمعة، کما فی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) فی خطبة یوم الجمعة فی الخطبة الأولی:

«الحمد لله نحمده ونستعینه ... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون ...»(2)الحدیث.

4 - ما ورد من استحباب التشهد والاقرار بالعقائد الحقة فی الوصیة، فقد روی الصدوق فی الفقیه عن سلیم بن قیس الهلالی قال: شهدت وصیة

ص:262


1- (1) مصباح المتهجد للشیخ الطوسی: ص49 ،ح 65 / 38، فصل فی سیاقة الصلوات، من لایحضره الفقیه :ج1 ،ص 319،الحدیث 944.
2- (2) الکافی: ج3 ،ص423 .

علی بن ابی طالب(علیه السلام) حین أوصی لابنه الحسن :

«...بسم الله الرحمن الرحیم هذا ما أوصی به علی بن أبی طالب أنه یشهد أن لا إله الا الله وحده لاشریک له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون صلی الله علیه واله ... الحدیث»(1) .

ومفاد هذه الروایات فی تشهد الوصیة وتشهد کل صلاة والتشهد فی خطبة الجمعة أن من کمال التشهد بالشهادتین التشهد والاقرار بالرجعة، فإن إظهار الدین وغلبته علی کافة الارجاء إنما یتحقق فی الرجعة، کما دلت علیه روایات مستفیضة ومتواترة.

5 - تعلیم أمیر المؤمنین(علیه السلام) لأهل الکوفة عقیدة الرجعة:

أ - وذلک عبر تکراره(علیه السلام) رجزاً محفوظاً یکرره فی خطبه وأندیته الشریفة کورد ذکری یُحفظ، فقد ورد فی روایات عدیدة أنَّه(علیه السلام) قد لقن أهل الکوفة هذا الرجز المعروف

«العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب» حتی عاد ینشدها الأطفال فی سکک الکوفة وبقیت إلی زمان الإمام الباقر(علیه السلام)، حتی أن أبان بن تغلب سأل الباقر(علیه السلام)عن معنی هذه الأرجوزة التی ینشدها أطفال الکوفة.

ص:263


1- (1) من لا یحضره الفقیه /مجلد 4ص190ح5433، تهذیب الاحکام مجلد9 ص177 ح14/714.

وهذه الأرجوزة جُعلت فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) عنواناً للرجعة ولرجعة المؤمنین قبیل ظهور المهدی(عج).

فقد روی المفید فی الإرشاد ومختصر بصائر الدرجات: أن رجلاً قال یا أمیر المؤمنین(علیه السلام) ماهذا العجب الذی لا تزال تعجب منه قال(علیه السلام):

«ثکلت الآخرُ أمه وأی عجب یکون أعجب من أموات یضربون هامات الأحیاء» قال: أنی یکون ذلک یا أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال:

«والذی فلق الحب وبرأ النسمة کأنی أنظر إلیهم قد تخللوا سکک الکوفة وقد شهروا سیوفهم علی مناکبهم لیضربون کل عدو لله ولرسوله(صلی الله علیه و آله) وللمؤمنین وذلک قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ کَما یَئِسَ الْکُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ... الحدیث(1).

وأشار(علیه السلام) فی هذه الروایة الی أن الجاحد أو المنکر للرجعة یائس من عود أصحاب القبور وهو کافر بالایمان وأن الایمان برجعة أصحاب القبور بمنزلة الإیمان بالمعاد الأکبر، لأنَّ الرجعة معاد أصغر کما قرر ذلک علماء الامامیة إستفادة من بیان الآیات والروایات .

وهذا العنوان والارجوزة أحد عناوین وأسماء الرجعة الشهیرة فی لسان الروایات.

ص:264


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ح 14/525من خطبة المخزون لأمیر المؤمنین*، الارشاد مجاد 1ص290، منتخب کنز العمال :ص34.

6 - وهناک عنوان ثان کرّره أمیر المؤمنین(علیه السلام) أیضاً علی المسلمین فی الکوفة ونبّههم إلیه وهو أنَّه مثل ذی القرنین، وقد روی ابن بابویه القمی فی الإمامة والتبصرة صحیح أبی بصیر عن أبی جعفر علیه(علیه السلام) قال:

«إن ذی القرنین لم یکن نبیاً، ولکن کان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله وناصح لله وناصحه الله أمر قومه بتقوی الله فضربوه علی قرنه فغاب عنهم زماناً ثم رجع إلیهم فضربوه علی قرنه الآخر وفیکم من هوعلی سنته».

ورواه الصدوق فی علل الشرائع وکمال الدین(1).

7 - وهناک عنوان ثالث کان یکرره أمیر المؤمنین(علیه السلام) ایضا وهو أنَّه(علیه السلام) له شبه من النبی أیوب(علیه السلام)، وأنه سید الشیب، فقد قال الکشی: وجدت فی کتاب محمد بن الحسن بن بندار القمی بخطه، حدثنی فی الحسن بن أحمد المالکی عن جعفر بن فضیل قال: قلت لمحمد بن فرات لقیت أنت الأصبغ قال: نعم لقیته مع أبی فرأیته شخصاً أبیض الرأس واللحیة طوال، قال له أبی حدثنا بحدیث سمعته من أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: سمعت یقول علی المنبر:

«أنا سید الشیب وفیّ شبه (سنة) من أیوب، ولیجمعنّ الله لی شملی کما جمعه لأیوب»(2)الحدیث

ص:265


1- (1) الامامة والتبصرة باب فی الغیبة: ص 121ح116؛ علل الشرائع/باب 32 ح1 ص40، کمال الدین وتمام النعمة :393.
2- (2) معرفة رجال الکشی/ج396 .

وقد ورد ذلک فی روایات عدیدة(1).

8 - وهناک عنوان رابع فهو ما ورد مستفیضاً جداً بل متواتراً عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قوله:

«أنا صاحب الکرات والرجعات ودولة الدول».

وروی الصفار فی بصائر الدرجات صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: حدّث عن بنی إسرائیل یا زرارة ولاحرج، قلت: إنّ فی أحادیث الشیعة ما هو أعجب من أحادیثهم، فقال: وأی شیء هو یا زرارة؟ فاختلس فی قلبی فمکثت ساعة لا أذکر ما أرید، فقال(علیه السلام): لعلک ترید الرجعة؟ قلت: نعم قال حدّث (صدّق) بها فإنها حق(2).

وهی تدل علی صعوبة هظم مطالب الرجعة حتی علی کبار أصحاب الأئمة(علیهم السلام) مثل زرارة، فضلاً عن کبار علماء الإمامیة فی الغیبة، ورغم ذلک فإن الإمام(علیه السلام) یأمر مثل زرارة بترویج ثقافة عقیدة الرجعة، لأنها من المعتقدات الحقة التی یجب أن یتربی علیها مجتمع المؤمنین والمسلمین.

ص:266


1- (1) آمالی للشیخ المفید/من خطبة لعلی*: ح4 ص145، الارشادج1 ص290، مختصر بصائر الدرجات ص205.
2- (2) ولفظ الرجعة فی الحدیث کما فی کتاب الایقاظ للحر /134من نسخة بصائر الصفار لدیه، ولکن فی نسخة بصائر الدرجات المطبوع لفظ التقیة بدل الرجعة وکذلک فی الخرایج والجرائح للراوندی ج2ص733وکذلک مدینة المعاجز للسید البحرانی عن بصائر الدرجات مجلد 5 ص98، وکذلک فی البحار مجلد 2 ص237، وفی تاریخ آل زرارة لأبی غالب الزراری لفظ الغیبة بدل الرجعة نقلاً عن الکشی، ولکن فی الکشی لفظ الهفتیةَ ولعلها مصحف من التقیة، حدیث 260 المفسرة بمعنی التحیر وأنَّها کنایة عن الغیبة، وفی معجم الرجال نقلاً عن الکشی لفظ الغیبة.

وروی فی مختصر بصائر الدرجات صحیح آخر لزرارة، قال سألت أبی عبدالله(علیه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال:

«إنّ هذا الذی تسألون عنه لم یجئ أوانه»(1)، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: «بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ »2.

9 - الإقرار فی المناسبات بالاعتقادات الأساسیة والضروریة:

فقد روی الطوسی فی المصباح الکبیر - فی أعمال یوم الجمعة - عن الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیه السلام) أنه قال:

«من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین وفاطمة والحسن والحسین وقبور الحجج(علیهم السلام) وهو فی بلده فلیغتسل یوم الجمعة...» إلی أن قال:

«ولیقل: السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته، السلام علیک أیها النبی المرسل، والوصی المرتضی، والسیدة الکبری، والسیدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد الأعلام، والأمناء المستخزنون، جئت انقطاعاً إلیکم وإلی آبائکم وولدکم الخلف علی برکة الحق، فقلبی لکم سلم، ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه، فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنّی من القائلین بفضلکم، مقرٌّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ماشاء الله...» (2)الحدیث.

والإقرار فی یوم الجمعة وفی کل مناسبة إنما هو بأصول الاعتقاد

ص:267


1- (1) مختصر بصائر الدرجات:باب الکرات ح 26/80، ص137.
2- (3) مصباح المتهجد:ح 11/399،ص289.

والضروریات، وورودها فی أغلب الزیارات وأدعیة الأشهر والأیّام وتکرّرها إنما هو لمزید من تأصیل العقائد.

10 - مثل ما رواه الشیخ أیضاً فی المصباح - فی أعمال رجب - قال: زیارة رواها ابن عیاش، قال: حدّثنی خیر بن عبدالله، عن مولاه - یعنی أبا القاسم الحسین بن روح -، قال: زر أیّ المشاهد کنت بحضرتها فی رجب تقول:

«الحمد لله الذی أشهدنا مشهد أولیائه فی رجب، وأوجب علینا من حقّهم ماقد وجب، وصلّی الله علی محمد المنتجب، وعلی أوصیائه الحجب...» إلی أن قال:

«والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، حتی العود إلی حضرتکم، والفوز فی کرّتکم، والحشر فی زمرتکم»(1).

11 - ما رواه رئیس المحدثین أبو جعفر ابن بابویه فی الفقیه وعیون الأخبار، ورئیس الطائفة أبوجعفر الطوسی فی التهذیب بأسانیدهما الصحیحة عن محمد بن إسماعیل البرمکی، عن موسی بن عبدالله النخعی، عن الإمام علی بن مُحمَّد(علیهماالسلام) فی الزیارة الجامعة یقول فیها:

«أُشهد الله وأُشهدکم أنی مؤمن بکم وبما آمنتم به، کافر بعدوّکم وبما کفرتم به...» إلی أن قال:

«معترف بکم، مؤمن بإیابکم، مصدق برجعتکم، منتظر لأمرکم، مرتقب لدولتکم ... »، ثم قال:

«ونصرتی لکم معدّة، حتی یحیی الله دینه بکم، ویردّکم فی أیّامه، ویظهرکم لعدله، ویمکّنکم فی أرضه»، ثم قال:

«فثبّتنی الله أبداً ما بقیت علی موالاتکم، وجعلنی ممن یقتصّ آثارکم، ویسلک سبیلکم، ویهتدی بهدیکم،

ص:268


1- (1) مصباح المتهجد: باب أعمال شهر رجب.

ویحشر فی زمرتکم، ویکرُّ فی رجعتکم، ویملک فی دولتکم، ویشرف فی عافیتکم، ویمکَّن فی أیامکم، وتقرُّ عینه غداً برؤیتکم»(1).

12 - وقد کثر ورود لفظ الرجعة ومرادفاتها متواتراً فی روایات الزیارات والأدعیة فی کلّ الأوقات، وهو شاهد علی ما ذکره الحر العاملی من تأصیل الرجعة فی أصول العقائد فی بیانات الکتاب والسنة.

13 - ومثل ما رواه الشیخ وابن بابویه أیضاً بالسند السابق بعد الزیارة الجامعة فی زیارة الوداع قال

«إذا أردت الانصراف فقل: السلام علیکم سلام مودّع ... » إلی أن قال: «السلام علیکم حشرنی الله فی زمرتکم، وأوردنی حوضکم، وجعلنی فی حزبکم، وأرضاکم عنّی، ومکّننی فی دولتکم، وأحیانی فی رجعتکم، وملَّکنی فی أیّامکم....»(2).

ویراد بالأیّام الحقبة الزمنیة لدولتهم.

14 - ومثل ما رووه أیضاً فی دعاء العهد عن الصادق(علیه السلام) أنه قال:

«من دعا الله أربعین صباحاً بهذا العهد کان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله من قبره وأعطاه بکلّ کلمة ألف حسنة...» ثم ذکرالدعاء(3).

ص:269


1- (1) من لا یحضره الفقیه/مجلد الثانی ص609ح3213، التهذیب /مجلد6ص95 ح177، عیون اخبار الرضا ع/مجلد2 ص305.
2- (2) الفقیه /مجلد2 ص617،التهذیب /مجلد السادس ص101.
3- (3) المزار للمشهدی القسم الثامن/الباب الخامس/ص663،مصباح الزائر لابن طاووس، ص235،234، بحار الانوار/مجلد53 ص90 ح111، المناقب (الکتاب العتیق) ، ونقله فی البحار عن خط الشیخ محمد بن علی الجبعی بسنده المتصل إلی الإمام الصادق*، البحار ج 91،ص 42.

وغیرها من روایات الثواب علی الاستمرار بقراءة دعاء العهد، الدالة علی الرجعة.

وهذه نبذة یسیرة من الاوراد والادعیة والزیارات الیومیة والموسمیة، وإلّا فهناک ما یعجز عنه إحصاء المتتبع کثرة، فضلاً عن الروایات المتواترة فی ابواب المعارف وغیرها.

ص:270

الفصل السادس:الرجعة کمال وبلوغ فی معرفة أصول الدین

ص:271

ص:272

الفصل السادس:الرجعة کمال فی معرفة أصول الدین

اشارة

قَدْ وَرَدَ فی الروایات المستفیضة بیان وتأکید عَلَی أنَّ معرفة الرجعة توجب البلوغ فی معرفة قدرة الله، والبلوغ فی معرفة النبوة ومعرفة الإمامة ومعرفة المعاد، وإن من تدنت معرفته دون ذلک کان من المقصّرة فی المعرفة، ویکون فی معرفة التوحید من القدریة.

ولنستعرض مفاد وبیان الروایات فی ذلک:

الرجعة ومعرفة التوحید والمعاد:

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات وغیره عن أبی الصباح، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن الکرات، فقال:

«تلک القدرة ولا ینکرها إلّا القدریة، لا تنکرها تلک القدرة لا تنکرها، إنّ ّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) أُتی بقناع من الجنة علیه عذق یقال سنة، فتناولها رسول الله(صلی الله علیه و آله) سنة من کان قبلکم»(1).

ص:273


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ح 18/72،ص130.

وهذا الحدیث المستفیض مضموناً یشیر إلی أن من یجهل الرجعة ولم یذعن بها فلا یتحقق لدیه الإیمان بقدرة الله ولا بالمعاد.

وقد ورد مستفیضاً فی روایات الرجعة أنّ الإیمان بالیوم الآخر لا ینحصر إنطباقه وهویته وحقیقته علی القیامة الکبری والمعاد الأکبر، بل یراد به أیضاً یوم الرجعة وأنه الیوم الآخر من الدنیا، وفی هذا الحدیث إشارة إلی أن إنکار الرجعة إنکار لقدرة الله، وأن الرجعة سنة تکوینیة لله فیمن قبلنا من الأمم، وهذا المفاد یشیر إلی نفس المفاد فی قوله تعالی: أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

ومورد الآیة إحیاء بعد الإماتة فی دار الدنیا فهی حیاة ثانیة فی الدنیا بعد موت فیها، وأن استبعاد ذَلِکَ - فضلاً عن إنکاره - استبعاد وإنکار لقدرة الله، وأن هذا الإحیاء الذی حصل متکرراً فی بنی إسرائیل کما تستعرضه سورة البقرة وسور أخری، هو من السنة الإلهیة التی وقعت فی بنی إسرائیل وستقع فی هذه الأمة، بل إن فی الروایات المستفیضة - کَمَا مَرَّ بعضها وتأتی أیضاً - أن الإیمان بالرجعة مرتبط بالإیمان بالمشیئة الإلهیة، وأن

ص:274


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.

إنکار الرجعة إنکار للمشیئة الإلهیة.

والحاصل أنَّ من لم یعرف الرجعة یخفق فی معرفة الصفات الإلهیة، وذلک لأن الرجعة من أکبر مظاهر القدرة والمشیئة الالهیة،فلا یکفی المعرفة الاجمالی انه قادر یفعل مایشاء فی بلوغ المعرفة من دون المعرفة بالرجعة، وأنه قادر علی الإحیاء فی دار الدنیا.

وقد تقدمت الإشارة فی تعریفات الرجعة أن حقیقة البرزخ لیس کما ذکرها المتکلمون والفلاسفة والعرفاء من أنهُ عالمٌ متوسطٌ بین الدنیا والآخرة الأبدیة، بل حقیقته نشأةٌ متوسطةٌ بین الحیاة الأولی من الدنیا والحیاة الآخرة من الدنیا أیضاً، وکما مرَّ وسیأتی، فإنه یعد من الهوامش الوجودیة التابعة لدار الدنیا، وبمثابة الضواحی الجغرافیة الوجودیة التابعة لنشأة عالم الدنیا، ففی مصحح الولید بن صبیح عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنه قال : دخلت علیه یوما فألقی إلیّ وقال: یاولید ردها علی مطاویها، فقمت بین یدیه فقال ابو عبدالله(علیه السلام) (رحم الله المعلی بن خنیس) فظننت أنَّه شبّه قیامی بین یدیه بقیام المعلی بن خنیس بین یدیه.

ثم قال أفّ للدنیا، أفّ للدنیا ، إنما الدنیا دار بلاء سلط الله فیها عدوه علی ولّیه ، إن بعدها دارا لیست هکذا ،فقلت: جعلت فداک وأین تلک الدار؟ فقال هاهنا وأشار بیده الی الأرض»(1).

ص:275


1- (1) الکافی مجلد/8ص304ح469.

وظاهر قوله(علیه السلام)

«إن بعدها دارا» إشارة الی نشأة البرزخ، ثم إن قوله(علیه السلام) هاهنا فی جواب السائل أین تلک الدار دال علی شدة التصاق البرزخ وقربه من دار الدنیا، ولم یکتفی(علیه السلام) هنا إشارة الی القریب بل أتی بهاء التنبیه هاهنا إشارة ودلالة علی شدة القرب وتداخل عالم البرزخ بعالم الدنیا وتأثیر کل منهما علی الاخر، ثم لم یکتفی بذلک بل أشار بیدیه الی الارض تأکیداً لذلک القرب والتداخل، وأن نشأة البرزخ من فروع وشوؤن النشأة الارضیة وأن بینهما موازاة ومحاذاة وأوتار وأبوابا یطل من أحدهما علی الآخر.

وأما الذی یتوسط بین آخرة الدنیا وهی الرجعة وبین عالم القیامة فهی نشأة الساهرة وسیأتی المزید من البحث فی الباب الثالث.

کَمَا أنَّهُ تقدَّمت الإشارة - وستأتی مفصلاً - أن أغلب ما ظن أنه من آیات المعاد الأکبر هی فی الرجعة وهی المعاد الأصغر، وجملة منها مشترکة بین المعادین.

وکذلک الحال فی روایات المعارف الواردة فی المعاد، ومن ثم فما صوّرهُ وشرحه المتکلمون والفلاسفة والعرفاء من المعاد الجسمانی هو فی الحقیقة عالم الرجعة، وأما المعاد الجسمانی الأکبر فلا تشم رائحته فی کلماتهم، ولا تبدوا صورته جلیة فیما قرروه من المعاد، لمآل ما بحثوه إلی المعاد الأصغر وهو الرجعة، وهم یحسبون أنَّه المعاد الأکبر والقیامة.

وقد أشار إلی ذلک حدیث أبی الطفیل عن أمیر المؤمنین .... وقال

ص:276

أبی الطفیل وقرأ علیّ بذلک قراءة کثیرة (أی آیات وسور عدیدة) وفسره تفسیراً شافیاً حتی صرتُ ما أنا بیوم القیامة أشدُ یقیناً منی بالرجعة. الحدیث(1).

الرجعة ومعرفة النبوة:

فقد وردت روایات مستفیضة فی بیان أن النذارة الأصلیة التی هی أحد المهام الکبری فی تعریف النبوة إنما ستقام فی الرجعة، وأن ما قام به الرسول(صلی الله علیه و آله) من قبل إنما هی النذارة الصغری تمهیداً وتوطئة لما سیقوم به فی الرجعة.

وهذا یسلط الضوء بقوة علی أن المعرفة الکاملة لنبوة النبی(صلی الله علیه و آله) إنما تتحقق بمعرفة الرجعة، کما أنها تبین أن الشیء الأکبر الذی سینذر به النبی(صلی الله علیه و آله) من المعاد إنما سیتحقق فی الرجعة ولم یتحقق بعد، کما یشیر أیضاً إلی أن الدعوة الکبری لأعماق الدین هی فی الرجعة، فإن الدین عمیق والوغول فیه برفق، کما فی وصیة النبی(صلی الله علیه و آله) لعلی(علیه السلام).

فهذه الدعوة الکبری إنما تتم فی الرجعة، وقد تقدم سابقاً فی الفصل الأول، شواهد عدیدة علی ذلک تحت عنوان أن الرجعة مشروع عقیدة أولاً، ومشروع سیاسی ثانیاً.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات «عن جابر بن یزید عن أبی

ص:277


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح12/112، ص175.

جعفر فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (1)، یعنی بذلک مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة ینذر فیها وفی قوله: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ (2) یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة وفی قوله: وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنّاسِ (3) «فی الرجعة»(4) .

ومفاد هذه الروایة أن الأمر بالإنذار عُمدة ثقله ووظیفته هی فی الرجعة، وأنّ النذارة الکبری ستقع فی الرجعة، وهو مما یکشف عن أن الإنباء والإنذار سیکون عن عقوبة أکبر مما قدْ تمَّ الإنذار به سابقاً سیقع من سید الأنبیاء فی الرجعة، وأن هناک جملة عظیمة من العقوبات والجزاء الخطیر لم یتم إبلاغه تفصیلاً بعدُ وإن تم بنحو الإجمال، ثم إن هذا مما یکشف إنّاً أنّ التکلیف فی الرجعة سیکون أشد من الحیاة الأولی فی الدنیا.

وهذا مما أشرنا إلیه فی الفصل الأول تحت عنوان التکلیف فی الرجعة، وأن التکلیف یشتد درجة فیما یأتی من مراحل وأحوال أکثر مما سبق، وإلیه الإشارة فی قول أمیر المؤمنین(علیه السلام) وقولهم(علیهم السلام) (لکفرةٌ من کفرات الرجعة أشد کفراً مما سبق).

ومرت الإشارة وستأتی لاحقاً فی الباب الثالث أن القیامة عالم أکبر

ص:278


1- (1) سورة المدثر: الآیة 1 - 2.
2- (2) سورة المدثر 35 - 36
3- (3) سورة سبأ 28
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح34/88وح1/55.

وأعظم - فی کل شؤونه زماناً ومکاناً ومدة وشدة وعدة - من عالم الدنیا سواء أولاها أو أخراها وهی الرجعة، إذ لیست القیامة یوماً بمدة أربعة وعشرین ساعة، نعم ومن وراء عالم القیامة البعث النهائی لجنة الأبد أو لسعیر الجحیم.

وروی بالإسناد السابق عن أبی جعفر(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) کان یقول:

«إن المدثر هو کائن عند الرجعة فقال له رجل : یا أمیر المؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت ، قال : فقال له عند ذلک نعم و الله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»(1).

ورواه القمی فی تفسیره أیضاً فی ذیل الآیات.

الرجعة ومعرفة الإمامة:

وفی روایات الرجعة المستفیضة إشارات واضحة إلی أنْ حقّ معرفتهم بالإمامة لا تتمُّ بدون معرفة الرجعة، وإنَّ ما ذکره المتکلمون فی تعریف الإمامة واقتصروا علیه هو بیان لمحور من حقیقة وهویة الإمامة وغفلة عن محاور وأرکان أخری أهم، ولا تتم هویة وتفسیر الإمامة إلّا بها، وأن من تدنت معرفته دون ذلک کان من المقصّرة فی المعرفة.

فالمهم فی بیانات روایات الرجعة المستفیضة والمتواترة استخلاص ما

ص:279


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات ،ح35/89،ص143.

تشیر إلیه الروایات من أن مجرد الإیمان ومعرفتهم بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله تعالی لیست معرفة کاملة بل الاقتصار علی ذلک معرفة إجمالیة ناقصة وتقصیر فی معرفتهم، وکذا مجرد معرفتهم بأن الإمامة ملک إدارة الحکم السیاسی فی دار الدنیا فإن الجزء الأکبر من تعریف الإمامة هی ملک ولایة الأمور فی الرجعة وفی الدار الآخرة، وأن عالم القیامة وعالم الجنة الأبدیة وآخرة الأبد لا ینتظم کیانه وعیشه إلّا بنظام إمامتهم، وهذا التعریف کما تلاحظ لم یورده المتکلمون ولا الفلاسفة.

ومما سیأتی من هذه الروایات تتبین أن معرفة الإمامة بدون معرفة الرجعة هی معرفة بدائیة ناقصة، وقد وردت الروایات المستفیضة رواها الصفار فی بصائر الدرجات والکلینی والصدوق والمفید وغیرهم بأسانیدهم عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قال لی:

«یا أبا حمزة لا تضعوا علیاً دون ما وضعه الله ولا ترفعوا علیاً فوق ما رفعه الله کفی بعلی أن یقاتل أهل الکرة وأن یزوج أهل الجنة»(1).

وفی روایة الکلینی تفصیلٌ لدور أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی عالم القیامة الکبری وهذا الحدیث المستفیض یشیر إلی أن معرفة علی(علیه السلام) والأئمة بدون ذلک - أی بدون معرفة مقامهم فی الرجعة ومقامهم فی الآخرة - هو قصور فی معرفتهم، وأن من مقامهم فی القیامة أو فی الآخرة أن حساب الناس یوم

ص:280


1- (1) أمالی الصدوق : المجلس 38،أمالی المفید: المجلس الأول، الکافی 8،ص159، مختصر بصائر الدرجات:ح33/87،ص142.

فصل الخطاب یُجریه الله عَزَّ وَجَلَّ علی أیدیهم.

وقد روی الصفار فی بصائر الدرجات بسند صحیح عن ضریس الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام):

«إنی لأعجب من قوم یتولّونا ویجعلونا أئمة ویصفون بأن طاعتنا مفترضة علیهم کطاعة الله تعالی، ثم یکسرون حجتهم ویخصمون أنفسهم فینقصونا حقنا ویعیبون ذلک علی من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسلیم لأمرنا، أترون أن الله تعالی افترض طاعة أولیائه علی عباده ثم یخفی عنهم أخبار السماوات والأرض ویقطع عنهم مواد العلم فیما یرد علیه مما فیه قوام دینهم»(1).

ورواه الراوندی فی الخرائج والجرائح والکلینی فی الکافی باختلاف یسیر(2).

وفی هذه الروایة إشارة واضحة إلی أن مجرد الإیمان الإجمالی بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله مع عدم الإیمان بالتفاصیل أو الإنکار بجملة أخری من أبواب معرفتهم هو تقصیر فی معرفتهم ونقصان عن حق معرفتهم، وأنَّ برهان حق معرفتهم والتسلیم لأمرهم هو بالإیمان والمعرفة لبقیة أبواب معرفتهم، لا الاقتصارعلی إجمال بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله.

ص:281


1- (1) بصائر الدرجات: ص124،ح3، الخرائج والجرائح ج2: ص 870، ح78، الکافی ج1: ص261،ح4.
2- (2) الخرائج والجرائح ج2 ص 87 ب 15 ح 87 ، الکافی ج1: ص261،ح4 .
الرجعة وحقیقة الإمامة

ما رواه أیضاً فی مختصر بصائر الدرجات عن جماعة من أصحابنا، عن الحسن بن علی وإبراهیم بن إسحاق عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن أبیه، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ:

«إذ جعل فیکم أنبیاء وجعلکم ملوکاً»(1)، فقال:

«الأنبیاء: رسول الله وإبراهیم وإسماعیل، والملوک: الأئمة» قلت: وأی ملک أعطیتم؟ قال: «ملک الجنة وملک الکرة»(2).

ومفاد هذا الحدیث یشیر إلی أن التعریف الأکبر للإمامة هو بیان حقیقتها ومقامها فی الرجعة والقیامة والآخرة الأبدیة، فالذی کتبه المتکلمون عن الإمامة هو بلحاظ مقامها فی ظاهر الحیاة الدنیا، لا بلحاظ الرجعة والآخرة الأبدیة.

إطلاق الکرة والرجعة علی القیامة:

ثم إن فی الروایة إشارة أخری لطیفة وهی أنّ الکرة قد تطلق علی القیامة، حیث جعل الحدیث المقابلة بین الکرة والجنة الأبدیة والحال أن الجنة الأبدیة بعثٌ بعد القیامة الکبری فمن هذه المقابلة یتضح أن الکرة والرجعة بالمعنی الأعم تطلقان علی ما یشمل القیامة والرجعة بالمعنی الأخص، وأن المعاد کما یطلق علی الرجعة تارةً ویطلق المعاد الأکبر علی القیامة ثانیةً

ص:282


1- (1) سورة المائدة: الآیة 20.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات،ح 43/97،ص148.

فإنه یطلق ثالثةً علی البعث إلی جنة الأبد وإلی سعیر الجحیم.

فالقرآن عرّف الإمامة بعنوان مقوّم مهم، وهو الملک، وتعریف الملک علی مرحلتین وهو ملک الکرة - أی الرجعة - وملک الجنة - أی الآخرة - ، فالتعریف بافتراض الطاعة والنص والوصیة تعریف للمرحلة الأولی الابتدائیة، وأما المرحلة المتوسطة (وهی البلوغ فی المعرفة) فملک الرجعة، وأما المرحلة الثالثة (وهی الکمال فی المعرفة) فملک الجنة.

وسیأتی فی الفصل السابع مزید توضیح لأثر الرجعة فی معرفة الإمامة.

ص:283

ص:284

الفصل السابع:الرجعة ومقامات الإمامة

ص:285

ص:286

الفصل السابع:الرجعة ومقامات الإمامة

اشارة

إنّ الرجعة کما تقدم هی بمثابة معرفة متطورة للإمامة، وذلک لأنَّ فی الرجعة تظهر مقامات وأدوار للإمامة تکشف عن حقیقة الإمامة الإلهیة، فمن ثم کان هذا الفصل تتمة لما تقدم فی الفصل السادس من تأثیر معرفة الرجعة فی بلوغ المعرفة فی الإمامة.

ونذکر جملة من الأمور تبیّن هذا الشأن.

الرجعة من الأدلة الکبری للإمامة:

إن الرجعة کحقیقة معرفیة قامت علیها الأدلة القطعیة کتاباً وسنة - کما سیأتی بسط ذلک فی الباب الثانی- هی أحد الأدلَّة الکبری علی إمامة أهل البیت(علیهم السلام)، فکما أن المعاد أحد أدلة التوحید فکذلک الرجعة هی أحد أدلة الإمامة.

ص:287

والوجه فی ذلک أنَّ لسان الآیات القرآنیة الواردة فی الرجعة دال علی أنّ ملک الدولة فی الرجعة علی الأرض هو لأئمة الحق یدیل الله لهم علی أئمة الباطل، وأن ملک الحیاة الأولی من الدنیا هی لدول الباطل، بلْ وفی هذا المجال عِدَّة ألسن.

الدولة الإلهیة فی الرجعة فی الآیات القرآنیة:

1 - ما ورد فی القرآن الکریم من أن العاقبة للمتقین کما فی قوله تعالی: إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (1)، وغیرها من الآیات الدالة علی أن العاقبة للمتقین، وهذا اللسان یشیر إلی أن الأولی هی دولة للفاسقین.

2- قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (2)، وهی أیضاً بنفس التقریب دالة علی أن فی الحیاة الأولی من الدنیا یکون أئمة الحق وأهله مستضعفین، لکنهم یرثون الأرض فی العاقبة .

3 - قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً

ص:288


1- (1) سورة الأعراف 128
2- (2) سورة القصص 5 - 6

مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ حَتّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ (1)، وخروج الدابة إنما هو فی الرجعة کَمَا أن الحشر لبعّض دون آخر إنما هو فی الرجعة، وإلّا فإن الحشر یوم القیامة لا تبعیض فیه کما فی قوله تعالی: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2)، کما نبه علی هذه الدلالة الصادق(علیه السلام) فی عِدَّة روایات.

کما أنّ المراد من الآیات التی یکذب بها فی مقابل التصدیق بها إنما هی الآیات الناطقة من حجج الله، وإلّا فإن الآیات الکونیة إنما یُعرض عنها أو یُقبل علیها بالتدبر ولیس لها دعوی تنطق بها کی تکذّب أو تصدّق، ومن ثم بعد هذه الآیات قال تعالی: وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ (3)، أی أن النفخ فی الصور لحشر الجمیع بعد الرجعة.

والحاصل من مفاد هذه الآیات أن الجولة فی الحیاة الأولی من الدنیا هی للعصاة، والدولة فی الرجعة لآل مُحمَّد، وأمَّا العصاة والظلمة فإنهم یدانون من قبل دابة الأرض وهو أمیر المؤمنین(علیه السلام) کما سیأتی فی الروایات المستفیضة.

ص:289


1- (1) سورة النمل 82 - 85
2- (2) سورة الکهف 47
3- (3) سورة النمل 87

4 - قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1).

والوعد فی الآیة للمستقبل، والضمیر للجمع الاستغراقی، ویدل علی أن أصحاب الحق یعیشون علی طول الخط مستضعفین وفی خوف وعدم أمن ومقهورین لأهل الطغیان والباطل حتی یفرج الله لهم بالاستخلاف والتمکین والعبادة بالطاعة الخالصة له تعالی دون طغاة دول الباطل.

5- آیات الوعد بالنصر المستقبلی للأنبیاء والرسل والأئمة حیث لم یُنصروا فی حیاتهم الأولی من الدنیا ورحلوا عنها مضطهدین کقوله تعالی: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (2)، وقوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (3).

6- ما ورد فی السور القرآنیة والأحادیث المتواترة من نزول وظهور آیات کونیة فی المستقبل کقوله تعالی: إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلی أَنْ یُنَزِّلَ آیَةً

ص:290


1- (1) سورة النور 55
2- (2) سورة غافر 51
3- (3) سورة آل عمران 81

وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (1).

وقد فسّرت فی روایات الفریقین المستفیضة أنَّ هذه الآیات کدابة الأرض ونزول عیسی ابن مریم وطلوع الشمس من مغربها والدجال کما سیأتی فی الأبحاث اللاحقة.

ونظیره قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2).

وکذلک قوله تعالی: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (3).

والحاصل: أن ظهور ألفاظ الآیات المتقدمة للتدبر وبضمیمة روایات الفریقین الواردة فی ذیل هذه الآیات - مفاد هذه الطائفة - أن مسارالبشریة فی انتکاس من تفشی الظلم والجور حتی یظهر الله المهدی(عج) وهو تأویل ظهور الشمس من مغربها، ونزول عیسی بن مریم تابع له لنصرته، ومن ثم خروج دابة الأرض وهو رجوع أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، إلی غیر ذلک من تفاصیل الآیات الدالة علی أن دولة آل محمد فی آخر الزمان

ص:291


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 37.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) سورة الشعراء: الآیة 4.

لإنقاذ البشریة من براثین الجور والظلم والعدوان الذی بدأ من بعد وفاة رسول الله، واستمر یمتد حتی ظهور وبدء شروع دولة آل محمد فی آخر الزمان بدئها بالإمام المهدی(عج) ثم یعقبه دولة الأئمة من آبائه برجوعهم وانتهاءاً بدولة النبی(صلی الله علیه و آله).

7 - أن الله عَزَّ وَجَلَّ یُری الظالمین من الطغاة والجبابرة فی طول مسیر البشریة عذاباً فی أواخر عمر الدنیا قبل یوم القیامة.

کقوله تعالی: وَ إِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِکَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (1) أی عذاباً قبل عذاب یوم القیامة.

ونظیره قوله تعالی: فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ * یَغْشَی النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِیمٌ * رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ * أَنّی لَهُمُ الذِّکْری وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ (2).

ومفاد هذه الآیات والروایات الواردة فی ذیلها - أی بمعونة تنبیه الروایات بمواضع الدلالة فی الآیات - تبیّن أن مسیر البشریة کان ولا یزال علی سیرة حکّام الجور بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) وغصب مقام العترة حتی ینتقم منهم فی نهایة المطاف من عالم الدنیا عند بدء قیام دولة العترة.

ومثله قوله تعالی: وَ لا تُطِعْ کُلَّ حَلاّفٍ مَهِینٍ * هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِیمٍ * مَنّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِکَ زَنِیمٍ * أَنْ کانَ ذا مالٍ وَ بَنِینَ

ص:292


1- (1) سورة الطور: الآیة 47.
2- (2) سورة الدخان: الآیة 11 - 13.

إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا قالَ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ سَنَسِمُهُ عَلَی الْخُرْطُومِ (1).

والوسمُ إشارة إلی المیسم الوارد فی روایات الفریقین مستفیضاً من أنه فی آخر الزمان یوسم المؤمن بالإیمان علی وجهه، ویوسم المنافق بالکفر علی وجهه، وصاحب المیسم کما سیأتی أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی أواسط رجعاته وهی مرحلة من مراحل الرجعة.

والحاصل: أن مضمون هذه الآیات - کَمَا سیأتی بیانه - أن عاقبة الحیاة علی الأرض والحیاة الدنیا ستکون بإقامة دولة العدل التی یقام فیها الجزاء العادل والعقاب والعذاب علی الظالمین فی جمیع الأجیال السابقة للبشریة وذلک برجعتهم، مما یدل علی أن الظلم والجور هو طابع الحکام طوال الحیاة السابقة البشریة، وبعد وفاة رسول الله(صلی الله علیه و آله) أیضاً وینتهی هذا الطابع عند قیام دولة آل مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) علی ید المهدی والأئمة من آبائه برجعتهم بعده.

ظهور مقامات للإمامة فی الرجعة:

إعلم أن هناک مقامات عدیدة عظیمة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام) تظهر فی الرجعة.

وإعلم أن کل إمام هو تجلّ لکلمة إلهیة، وهو نوع تکلم من الله مع خلقه، والکلمة التامة فعل إلهی هو الحلقة التامة فی سلسلة الکمال والتکامل کما

ص:293


1- (1) سورة القلم: الآیة 10 - 16.

یشیر إلیه قوله تعالی: وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ (1)، فبهم تتم الهدایة الصادقة إلی صراط الله المستقیم، وبهم یقام عدل الله فی الأرض والعوالم الأخری.

ومن تلک المقامات:

المقام الأول: تحقق مقام المهدویة، وهو کما ینطبق علی الإمام الثانی عشر(عج) فهو ینطبق علی جمیع أئمة أهل البیت(علیهم السلام) أیضاً وله عدة معانی، فمن أحد معانیه: أنّ الأئمة مهدیون من قبل الله لدنیّاً یهدون بأمر الله الملکوتی الذی هو من عالم الأمر والروح الأمری، وبهذا المعنی فکلهم مهدیون.

ومن أحد معانی هذا المقام والعنوان أنه ینطبق علی الإمام حینما یقیم دولة الحق الظاهرة فی العلن، وبهذا المعنی یراد غالباً عند إطلاقه علی الإمام الثانی عشر.

وسیأتی فی الفصل اللاحق أنَّ المهدیین الاثنی عشر بعد الإمام الثانی عشر هم الأئمة الاثنا عشر(علیهم السلام) بلحاظ رجعة کل الأئمة الاثنی عشر إلی الدنیا وإقامتهم دولة الحق الظاهرة.

کَمَا سیأتی أیضا أنَّ المهدی الأکبر والموعود الأعظم هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، فقد روی السید ابن طاووس بطرقه عن شاذان بن جبریل، ورواه الحسن

ص:294


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 115.

بن سلیمان الحلی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی عبد الله الجدلی قال: دخلت علی علیّ(علیه السلام) یوماً فقال:

«أنا دابة الأرض »(1).

وروی روایة أخری مثلها قریبة من مضمونها حیث قال: دخلت علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) فقال:

«ألا أحدثک - ثلاثاً- قبل أن یدخل علینا داخل قلت: بلی، فقال: أنا عبد الله، أنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبیها، وأنا عبد الله ألا أخبرک بأنف المهدی وعینه، قال: قلت: نعم فضرب بیده إلی صدره فقال: أنا»(2).

ومفاد الحدیث الشریف أنَّ مقام المهدویة رأس انطباقه علی الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) بالقیاس إلی انطباقه علی الأئمة(علیهم السلام) وعلی الإمام الثانی عشر عجل الله فرجه.

المقام الثانی: ظهور عدة مقامات لأمیر المؤمنین(علیه السلام):

1- کدابة الأرض .

2- وکونه صاحب الحشر والنشر فی الرجعة .

3- ودولة الدول .

ص:295


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح 1/101 وحدیث 19/530، ص163، ص 564، أیضاً ح 27/538، ص 568.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح 28/539،ص 569، ورواه فی تأویل الآیات عن محمد بن عباس بسنده عن أبی عبدالله الجدلی، ص400.

4- صاحب العصا والمیسم .

5- صاحب الکرات والرجعات .

6- کونه صاحب لواء الحمد .

7- صاحب الأعراف .

8- نمط من المقام المحمود .

9- صاحب الحوض .

10- مقام السفاح .

ولهذه المقامات شروح مبسوطة سنتعرض لها فی الباب الرابع من أبواب هذه السلسلة إلّا أننا نتعرض هاهنا لتفسیر نبذة منها:

أما کونه صلوات الله علیه دابة الأرض فخروج الدابة نص علیه القرآن الکریم فی قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (1).

وخروج الدابة ملحمة عظیمة کبیرة عند المسلمین لآخر الزمان قد وردت فیها روایات مستفیضة عند الفریقین، وقد أکثر أهل سنة الجماعة فی الروایة عن النبی(صلی الله علیه و آله) حولها وهم لا یشعرون أنها من روایات الرجعة، وهی أحد الفصول المهمة العظیمة فی الرجعة.

ص:296


1- (1) سورة النمل: الآیة 82.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عبایة الأسدی أنه کان عند أمیر المؤمنین خامس خمسة - وهو أصغرهم یومئذ- فسمع أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول:

«حدثنی أخی أنه ختم ألف نبی وإنی ختمت ألف وصی، وإنی کلفت ما لم یکلفوا، وإنی لأعلم ألف کلمة ما یعلمها غیری وغیر مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، مامنها کلمة إلّا مفتاح ألف باب بعدُ ما تعلمون منها کلمة واحدة غیر أنکم تقرأون منها آیة واحدة فی القرآن، وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ

وما تدرونها من»(1).

وتفید هذه الروایة أن دابة الأرض مقام ینطوی علی ألف مقام مع أن أصل مقام دابة الأرض فی الرجعة مفتاح من ألف مفتاح آخر، فما هی هذه المقامات والمفاتیح التی تجعل البشریة بل تجعل المؤمنین بتعلمها یتکاملون فی معرفة النبوة والإمامة ولم ترد منها رائحة فی التعریفات التی ذکرها الفلاسفة والمتکلمون للنبوة والإمامة؟!

وسیأتی فی الباب الرابع أن مقام دابة الأرض یعتبر طامة کبری من جهة هول الأحداث والظواهر الکونیة والعوالمیة بالقیاس إلی الموت والبرزخ وظهور الإمام المهدی(عج).

وفی خطبةٍ لَهُ(علیه السلام):

«أنا صاحب الحشر والنشر»(2)، وفی دعاء النصف

ص:297


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح 32/543، ح33/544، ص571.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح 1/101، ص162، مشارق أنوار الیقین: ص 261.

من شعبان: (أصحاب الحشر والنشر)، وهو یغایر مقام دیّانیّة یوم الدین حیث یجری الله الحساب علی أیدیهم.

معالم الرجعة المرویة عند العامة بعناوین خاصة:

1 - دابة الأرض.

2 - المیسم والوسم.

ففی ذیل سورة الأنعام الآیة (158) روی العامة روایات مستفیضة حول الدابة وظهور الشمس من مغربها والدجال، فلاحظ ما رواه السیوطی(1)، وغیره من کتب التفسیر بالمأثور عن صحاحهم بما یبلغ الاستفاضة والتواتر، ومن ثمّ فإن روایات معالم الرجعة کالدابة والمیسم والدجال وظهور الشمس من مغربها ونزول عیسی(علیه السلام) وغیرها مستفیضة، بل متواترة عندهم، وکذا لاحظ جملة ما کتبوه فی الفتن والملاحم.

3 - ما رووه فی خروج وظهور الآیات .

4 - ما رووه عن النبی وأهل البیت من أنّ منّا المدثر ومنّا السفاح والمنصور والمهدی، وقد تقدم أن المدثر عنوان لمقام النبی فی الرجعة، والسفاح عنوان لمقام أمیر المؤمنین فی الرجعة، والمنصور عنوان لمقام الحسین فی الرجعة، والمهدی عنوانٌ لظهورالإمام الثانی عشر ولرجعة الأئمة الاثنی عشر.

ص:298


1- (1) الدر المنثور: ج3،ص57إلی 63.

5- ما رووه عن النبی(صلی الله علیه و آله) أنه هو الحاشر والعاقب.

6- ما رووه عن علیٍّ(علیه السلام) أن ذی القرنین عبدٌ صالح ضربه قومه علی قرنه فقتلوه فأرجعه الله مرةً أُخری إلی الدنیا فضربوه علی قرنه مرة أُخری فقتلوه، وأنّ فی هذه الأمة مثله.

وأما لواء الحمد فیقع فی الرجعة ولایُنافی ذلک تحققه فی عالم القیامة.

وأمَّا المقام المحمود فنمط منه یتحقق فی الرجعة کما دلَّت علیه الروایات الآتیة وکذلک یتحقق فی عالم القیامة، و یتحقق فی الجنة الأبدیة، فتحققه فی مواطن عدیدة.

وأما الحوض فهو فی الرجعة والتی هی آخرة الدنیا.

وأما الساعة فهی تطلق فی الآیات والروایات علی کل من الموت وظهور المهدی وعلی عموم الرجعة وعلی خصوص بعض مراحل الرجعة لتعاظم الهول فیها کخروج دابة الأرض، وعلی القیامة.

وأما الأعراف فالظاهر تحققها فی کل من الرجعة والقیامة کما سیاتی بیانه.

وأما کون الأمیر (علیه السلام) (صاحب الحشر والنشر) فسیأتی کلام جملة من علماء الامامیة من ذهب منهم إلی أن الرجعة إحیاء للموتی یجریه الله عزّوجل علی ید النبی(صلی الله علیه و آله) أو علی ید الإمام کمعجزة، وآیة أعظم مما أجراه الله علی ید عیسی بن مریم (علیه السلام).

ص:299

الحوض فی الرجعة:

1 - من کتاب سلیم بن قیس الهلالی(رحمه الله)، الذی رواه عنه أبان ابن أبی عیاش وقرأه جمیعه علی سیدنا علی بن الحسین(علیهماالسلام) بحضور جماعة من أعیان الصحابة منهم أبو الطفیل فأقرّه علیه مولانا زین العابدین(علیه السلام)، وقال:

«هذه أحادیثنا صحیحة».

قال أبان: لقیت أبا الطفیل بعد ذلک فی منزله فحدثنی فی الرجعة عن أناس من أهل بدر، وعن سلمان والمقداد، وأبی بن کعب، وقال أبو الطفیل: فعرضت هذا الذی سمعته منهم علی علی بن أبی طالب صلوات الله علیه بالکوفة، فقال: «هذا علم خاصّ (لا) یسع الأمّة جهله، وردّ علمه إلی الله». ثم صدّقنی بکل ما حدّثونی، وقرأ علیّ بذلک قراءة کثیرة وفسّره تفسیراً شافیاً، حتی صرت ما أنا بیوم القیامة أشد یقیناً منی بالرجعة، وکان مما قلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن حوض النبی(صلی الله علیه و آله) فی الدنیا أم فی الآخرة ؟ فقال:

بل فی الدنیا، قلت: فمن الذائد عنه؟ فقال:

أنا بیدی، فلیردنَّه أولیائی ولیصرفنّ عنه أعدائی»(1).

وفی روایة أخری:

«لأوردنَّه أولیائی، ولأصرفنّ عنه أعدائی». فقلت: یا أمیر المؤمنین قول الله: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (2)، ما الدابة؟ قال:

یا

ص:300


1- (1) کتاب سلیم بن قیس ص130/129.
2- (2) سورة النمل: الآیة 82.

أبا الطفیل أُلُه عن هذا فقلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی به جعلت فداک، قال: هی دابة تأکل الطعام، وتمشی فی الأسواق، وتنکح النساء ، فقلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال: هو زرّ (رب) الأرض الذی تسکن الأرض (به)، قلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال:

«صدّیق هذه الأمّة، وفاروقها، وربّیها، (ورئیسها) وذو قرنیها(وذو قرنها)، قلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال: «الذی قال الله تعالی: وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1)، و الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ (2) و الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ (3)، والذی ( صَدَّقَ بِهِ ) أنا، والناس کلّهم کافرون غیری وغیره ، «قلت: یا أمیر المؤمنین فسمه لی، قال: «قد سمیته لک یا أبا الطفیل، والله لو أدخلت علیّ عامّة شیعتی الذین بهم أقاتل، الذین أقرّوا بطاعتی، وسمّونی أمیرالمؤمنین، واستحلّوا جهاد من خالفنی، فحدّثتهم ببعض ما أعلم من الحق فی الکتاب الذی نزل به جبرئیل (علیه السلام) علی محمد(صلی الله علیه و آله) لتفرّقوا عنی حتی أبقی فی عصابة حقّ قلیلة، أنت وأشباهک من شیعتی«،ففزعت وقلت: یا أمیر المؤمنین أنا وأشباهی نتفرّق عنک أو نثبت معک؟ قال:

بل تثبتون، ثم أقبل علیّ فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا یعرفه ولا یقرُّ به إلّا ثلاثة: ملک مقرَّب، أو نبیّ مرسل، أو عبد مؤمن نجیب امتحن الله قلبه للإیمان، یا أبا الطفیل إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله)

قبض فارتدّ الناس ضلالاً وجهالاً إلّا من عصمه الله بنا أهل البیت»(4).

ص:301


1- (1) سورة هود: الآیة 17.
2- (2) سورة الرعد: الآیة 43.
3- (3) سورة الزمر: الآیة 33.
4- (4) کتاب سلیم بن قیس:131/130،ومختصر بصائر الدرجات عنه :ح12/112.
اللواء:

روی سلام بن المستنیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

لقد تسمّوا باسم ما سمّی الله به أحداً إلّا علی بن أبی طالب، وما جاء تأویله، قلت: جُعلت فداک متی یجیء تأویله؟ قال: إذا جاء جمع الله أمامه النبیین والمؤمنین حتی ینصروه وهو قول الله وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ... إلی قوله: وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ ،

فیومئذ یدفع رایة رسول(صلی الله علیه و آله) اللواء إلی علی بن ابی طالب فیکون أمیرالخلایق کلّهم أجمعین یکون الخلائق کلهم تحت لوائه ویکون هو أمیرهم فهذا تأویله»(1).

وروی الفضل بن شاذان فی کتاب القائم أن أمیر المؤمنین صلوات الله قال علی منبر الکوفة والله إنی لدیّان الناس یوم الدین، وقسیم الله بین الجنة والنار، لا یدخلهما داخل إلاّ علی أحد قسمی، أنا الفاروق الأکبر، والقرن من حدید، وباب الإیمان، وصاحب المیسم، وصاحب السنین، وأنا صاحب النشر الأوَّل، والنشر الآخر، وصاحب القضاء، وصاحب الکرّات، ودولة الدول، وأنا الإمام لمن بعدی، والمّؤدی عمن قبلی، لا یتقدمنی (أحد) الاّ أحمد صلوات الله علیه وآله، فإن جمیع الملائکة والرسل والروح خلفنا وإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وسلم لیدعی فینطق وأدعی فأنطق علی حد منطقه، ولقد أُعطیت السبع التی لم یسبق الیها أحد قبلی : بصّرت سبل الکتاب، وفتحت لی الأسباب، وعلمت الأنساب، ومجری الحساب،

ص:302


1- (1) تفسیر العیاشی: مجلد /1 ص181 ح77.

وعلمت المنایا والبلایا والوصیا، وفصل الخطاب، ونظرت فی الملکوت فلم یعزب عنی شیء غاب عنی، ولم یفتنی ماسبقنی ولم یشرکنی أحد فیما أشهدنی یوم شهادة الاشهاد، وأنا الشاهد علیهم وعلی یدی یتمّ موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین، وأنا النعمة التی أنعمها الله علی خلقه، وأن الاسلام الذی ارتضاه لنفسه، کل ذلک منٌّ من الله تعالی»(1).

عن عروة ابن أخی شعیب العقرقوفی، عمّن ذکره، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

«إذا أتیت عند قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام...»، وساق إلی قوله:

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیّک، وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الرب الذی لا تخلف المیعاد»، وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(2)، ومفاد هذا الحدیث فی الزیارة أنّ کل إمامٍ من الاثنی عشر موعود بالنصر عندما یبعثه الله إلی دار الدنیا مرةً أخری فی الرجعة، فیمکنه الله من المقام المحمود وهی إقامة دولة العدل فینتصر الله به لدینه ویقتل به أعدائه، ولیس هذا مختصٌ بالإمام الثانی عشر(عج) عند الظهور، بل هو صلوات الله علیه فاتحةُ لرجوع الأئمة(علیهم السلام).

وما فی سورة عبس ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (3).

ص:303


1- (1) المحتضر: ص 161، ح170، وأیضاً بصائر الدرجات: ج3، باب 9 ،ح1 وح3 وح4، وأیضاً باب 10، ح5، ح6، ص219، الکافی: ج1، ص196 - 198، باب أن الأئمة هم أرکان الأرض، ح1وح2وح3.
2- (2) کامل الزیارات : باب 104،ح2/804،ص523-526.
3- (3) سورة عبس: الآیة 17.

ففی تفسیر علی بن إبراهیم : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ (1)، قال:

«هو أمیر المؤمنین»، قال:

«ماأکفره» أی ماذا فعل وأذنب حتی قتلوه، ثم قال: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ * مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ ، قال: (یسّر له طریق الخیر ) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنشَرَه، قال: (فی الرجعة) کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ (2)، أی لم یقض أمیر المؤمنین ما قد أمره، وسیرجع حتی یقضی ما أمره».

ثم روی صحیح جمیل بن دراج، عن أبی سلمة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن قول الله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال: «نعم، نزلت فی أمیرالمؤمنین (علیه السلام)،

«ما أکفره» یعنی بقتلکم إیّاه، ثم نسب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فنسب خلقه وما أکرمه الله به، فقال:

«من أی شیء خلقه»، یقول: من طینة الأنبیاء خلقه، فقدّره للخیر،

«ثم السبیل یسره» یعنی سبیل الهدی، ثم أماته میتة الأنبیاء،

«ثم إذا شاء أنشره»، قلت: ما قوله

:«ثم إذا شاء أنشره»؟]، قال:

«یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره»(3).

الساعة:

وروی فی الهدایة بسنده عن المفضل بن عمر قال:

سألت سیدی الصادق(علیه السلام) هل للمأمول المنتظر المهدی (علیه السلام) من وقت

ص:304


1- (1) سورة عبس: الآیة 18.
2- (2) سورة عبس: الآیة 17 - 23.
3- (3) تفسیر القمی: ذیل سورة عبس،ج2،ص405-406.

مؤقت یعلمه الناس؟

فقال حاشا لله أن یوقت ظهوره بوقت یعلمه شیعتنا، قلت یاسیدی ولما ذاک؟

قال لأنه والساعة التی قال تعالی یَسْئَلُونَکَ عَنِ السّاعَةِ أَیّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِیکُمْ إِلاّ بَغْتَةً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ (1) الایة وهو الساعة التی قال تعالی یَسْئَلُونَکَ عَنِ السّاعَةِ أَیّانَ مُرْساها (2) وقال وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ (3) ولم یقل عند أحد دونه وقال فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (4).

وقال اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (5) وقال وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِیبٌ (6) وقال یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ یَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السّاعَةِ لَفِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (7) الحدیث(8).

ص:305


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 87.
2- (2) سورة النازعات: ألآیة 42.
3- (3) سورة الزخرف: الآیة 58.
4- (4) سورة مُحمَّد: الآیة 18.
5- (5) سورة القمر: الآیة 1.
6- (6) سورة الأحزاب: الآیة 63.
7- (7) سورة الشوری: الآیة 18.
8- (8) الهدایة الکبری للحضینی /باب 14 ص392
الساعة إنباء النبی بالرجعة:

روی أبو بصیر، عن أبی عبد الله فی قوله تعالی: حَتّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السّاعَةَ فَسَیَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً (1)،

«قال: أما قوله: حَتّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ

فهو خروج القائم وهو الساعة فَسَیَعْلَمُونَ

الیوم ما نزل بهم من الله علی یدی قائمه فذلک قوله: مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً

یعنی عند القائم وَ أَضْعَفُ جُنْداً » ،

قلت: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ (2)،

قال: «معرفة أمیر المؤمنین والأئمة(علیهم السلام)»، نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ ،

قال: نزیده منها ،قال: «یستوفی نصیبه من دولتهم» وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ

قال «لیس له فی دولة الحق مع القائم نصیب »(3).

وعن الباقر(علیه السلام) فی شرح قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

«علی یدی تقوم الساعة»، قال:

«یعنی الرجعة قبل القیامة، ینصر الله بی وبذرّیتی المؤمنین»(4).

روی أبو حمزة الثمالی، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) ... إلی أن قال:

«وإن لی الکرة بعد الکرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات

ص:306


1- (1) سورة مریم: الآیة 75.
2- (2) سورة الشوری: الآیة 20.
3- (3) الکافی الجلد /1ص431ح90.
4- (4) مناقب آل أبی طالب /ج2 ص207.

والکرّات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجیبات، وأنا قرن من حدید، وأنا عبدالله وأخو رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وأنا أمین الله وخازنه، وعیبة سرّه وحجابه، ووجهه وصراطه ومیزانه، وأنا الحاشر إلی الله... » (1).

أحد أسماء النبی(صلی الله علیه و آله) فی التوراة والإنجیل: الحاشر:

عن عوف بن مالک، قال: انطلق النبی(صلی الله علیه و آله) یوماً وأنا معه حتی دخلنا کنیسة الیهود بالمدینة یوم عید لهم فکرهوا دخولنا علیهم، فقال لهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) :

«یا معشر الیهود أنبُأنّا اثنا عشر رجلاً یشهدون أنه لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول ا لله یحبط الله عن کل یهودی تحت أدیم السماء الغضب الذی غضب علیه»، قال: فأسکتوا ما أجابه منهم أحد، ثم ردّ علیهم فلم یجبه أحد، ثم ثلّث فلم یجبه أحد، فقال:

«أبیتم فوالله إنّی لأنا الحاشر (وانا العاقب، وانا المقفّی) وأنا العاقب وأنا النبی المصطفی آمنتم أو کذبتم...»(2).

إنجاز الوعد وإقامة الدین وإظهار الحق فی الرجعة:

وقد تقدم خبر عروة ابن اخی شعیب العقرقوفی عمن ذکره عن أبی

ص:307


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح101 /1ص162.
2- (2) مسند احمد /ج6ص25ح: عوف بن مالک الاشجعی، مستدرک الحاکم النیسابوری /ج3ص 415، مجمع الزوائد للهیتمی/مجلد7 ص105، صحیح بن حبان/ مجلد/ 16ص119 وأضاف (وانا العاقب وانا المقفی )، وکذا الزیادة فی المعجم للطبرانی /مجلد18 ص47، وکذا مسند الشامیین للطبرانی /مجلد/2، موارد الضآن للهیتمی: جلد/6 ص664.

عبدالله(علیه السلام)، الوارد فی کامل الزیارة فی زیارة الامام الحسین(علیه السلام) وزیارة قبر کل امام: الدعاء لکل منهم(علیهم السلام) أن یبعثه الله مقاما محمودا ینتصر به لدینه ویقتل به عدوه، وأن ذلک وعدا من الله لا یخلف وعده(1).

وصحیح برید بن معاویة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: « والله لا تذهب الأیام واللیالی حتی یحیی الله الموتی، ویمیت الأحیاء، ویرد الحقّ إلی أهله، ویقیم دینه الذی ارتضاه لنفسه... (2).

إنجاز الوعد علی ید الرسول(صلی الله علیه و آله)

عن جابر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

«إنّ لعلی(علیه السلام) فی الأرض کرة مع الحسین ابنه صلوات الله علیهما، یُقبل برایته حتی ینتقم له من بنی أمیة ومعاویة وآل معاویة، ومن شهد حربه.

ثم یبعث الله إلیهم بأنصاره یومئذ من أهل الکوفة ثلاثین ألفاً، من سائر الناس سبعین ألفاً فیلقاهم بصفّین مثل المرة الأولی حتی یقتلهم فلا یبقی منهم مخبراً، ثم یبعثهم الله عَزَّ وَجَلَّ فیدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون وآل فرعون، ثم کرة أخری مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتی یکون خلیفته فی الأرض، ویکون الأئمة(علیهم السلام) عمّاله، وحتی یعبد الله علانیة فتکون عبادته علانیة فی الأرض، کما عبد الله سراً فی الأرض. ثم قال:

«أی والله وأضعاف

ص:308


1- (1) کامل الزیارات/باب 104 ح2/804ص5523 - 526.
2- (2) تهذیب الأحکام /باب الزیادات فی الزکاة: ح8/247 ج4ص97، الکافی :باب ادب المصّدق/ح1ج3ص538.

ذلک - ثم عقد بیده أضعافاً - یعطی الله نبیه ملک جمیع أهل الدنیا منذ یوم خلق الله الدنیا إلی یوم یفنیها، حتی ینجز له موعوده فی کتابه کما قال: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1).

وأما الحشر والنشر: فسیأتی فی الباب الثالث أنه متعدد ولا ینحصر بعالم یوم القیامة الکبری والمعاد الأکبر، وأن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هم أصحاب الحشر والنشر لأنَّهم حکّام الآخرة من قبله تعالی وجمیع الملائکة فی الحشر مأمورون من الله بطاعتهم .

وأما کونه(علیه السلام) دولة الدول وصاحب الکرات والرجعات أیضاً، بمعنی صاحب الصولات الخفیة للحق فی کل بقعة وفی کل زمان، فقد ورد بمعان عِدَّة:

أحدها: أنه صاحب دول ودولات عدیدة فی الرجعة، لأن له (علیه السلام) رجعات وکرّات، وفی کل رجعة وکرة دولة فهو صاحب دول، وأکثر من یرجع عدداً من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هو أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقد ورد أن الرجعة من مختصات علی (علیه السلام) فی قبال اختصاص النبی(صلی الله علیه و آله) بالقیامة، مع أن للنبی شأنا عظیما فی الرجعة، ولعلی شأنا کبیرا فی القیامة.

وثانیها: أن أکبر دولة یقیمها أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هی دولة أمیر المؤمنین(علیه السلام) دون دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) التی هی أعظم دولة علی الاطلاق.

ص:309


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح45/99ص150.

ثالثها: هو الدولة الإلهیة الخفیة القابضة علی الدول فی کل البقاع وکل الأزمان.

وأما کونه صاحب العصا والمیسم: فهو کما سیأتی تفصیله فی الباب الثالث والرابع مقام تکونی للإمام(علیه السلام) یضفی طور کمال علی الماهیة والذات النوعیة للمؤمن، وکذلک فی تسافل ماهیة وذات الکافر.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال:

«تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسی(علیه السلام) وخاتم سلیمان(علیه السلام) تجلوا وجه المؤمن بعصا موسی (علیه السلام) وتسم وجه الکافر بخاتم سلیمان(علیه السلام)»(1).

ولا یخفی أن سلیمان بخاتمه سخّر الشیاطین والعفاریت، فهو مقام قاهر للمتمردین وفیه إطواع ردعی تکوینی لتمرد الکفار.

وأما عصا موسی(علیه السلام) فمقام یظهر منه البرهان والنور والبیان فیناسب طوعان المؤمن، وقد روی أهل سنة الجماعة والخلاف روایات مستفیضة فی العصا والمیسم بخاتم سلیمان، وهی من الفصول والأحداث المهمة فی الرجعة لعلی(علیه السلام) ولم یشعروا بحقیقة هذه الروایات.

وأما کونه (علیه السلام) صاحب لواء الحمد والحوض وبعض مواطن الأعراف وغیرها من المقامات الذی یظن عامة المفسرین والمتکلمین وعامة المسلمین أنها من مشاهد القیامة الکبری فهی من مشاهد وأحداث الرجعة والحیاة

ص:310


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح34/545ص 572.

الآخرة من الدنیا وسیأتی تفاصیله فی الباب الثالث.

وروی عن الباقر(علیه السلام) فی شرح قول أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«علی یدی تقوم الساعة» قال یعنی الرجعة قبل القیامة ینصر الله بی وبذریتی المؤمنین(1).

المقام الثالث: تکامل دعوتهم: وقد مرّ البحث فی ذلک مفصلاً فی غایات وفلسفات الرجعة.

المقام الرابع: ظهور ملک الإمامة الإلهیة: وقد مرّ تعریف الإمامة بملک الرجعة وملک الجنة والآخرة فی حدیث المفضل عن الصادق (علیه السلام) وغیره من الأحادیث.

المقام الخامس: أنّ الرجعة کاشفة عن بقاء أدوارهم فی الأرض بعد الممات سواء عبر ما یسمی بالنزول - کنزول وتنزل الملائکة وقد مرت الاشارة فی تعریف حقیقة الرجعة الی الفرق بین النزول والرجعة وسیأتی شرحه مبسوطاً فی الباب الثالث - أو - أدورهم عبر رجعتهم إلی الدنیا الآن.

وقد روی الشیخ فی المصباح والسید ابن طاووس هذا الدعاء فی لیلة النصف من شعبان وهو بمثابة زیارة للإمام الغائب صلوات الله علیه إذْ قال فیه:

«والمنزّل علیهم ما یتنزل فی لیلة القدر وأصحاب الحشر والنشر تراجمة وحیه وولاة أمره ونهیه»(2)، وهو مقام یغایر مقام دیّانیة یوم الدین.

ص:311


1- (1) مناقب آل أبی طالب ج2 ص207 ،عنه بحار الانوار /مجلد 53 ص120 ح153.
2- (2) مصباح المتهجد: فصل فی الزیارات فی أعمال شهر رجب وشعبان.

المقام السَّادِس: تبعیة من یرجع من الأنبیاء للأئمة(علیهم السلام) کتبعیة موسی(علیه السلام) للخضر بل أعظم من ذلک، وقد ورد فی روایات الفریقین نزول النبی عیسی(علیه السلام) إلی الأرض وصیرورته وزیراً للإمام المهدی(عج) ویصلی خلفه، وأنه سیکون فی رکب الإمام المهدی (عج) وتحت رایته وتبعاً لإمامته عدة من الأنبیاء کإلیاس(علیه السلام)، بل سیأتی فی الباب الرابع أن أول رجعة للحسین(علیه السلام) سیکون فی رکبه سبعین نبیاً، بل سیأتی أیضاً أن فی أحد رجعات أمیر المؤمنین(علیه السلام) یکون فی رکبه وتحت إمرته ورایته جمیع الأنبیاء والمرسلین السابقین، ومن ثم کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) المهدی الأکبر وسیأتی تفصیل ذلک فی الباب الرابع.

وقد أنبأ عن ذلک القرآن الکریم فی جملة الآیات، من کقوله تعالی: ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ (1).

فهذه الآیة الشریفة تشریع خالد إلی یوم القیامة، وهو أن ولاة الفیء - الذی هو جمیع ثروات الأرض - تدبیره بولایة الله ورسوله وقربی النبی(صلی الله علیه و آله)، فلم یُسند الله هذه الحاکمیة لأحد من الأنبیاء السابقین عند رجوعهم إلی الدنیا، فلا تکون لهم حاکمیة وإمامة مع وجود قربی النبی(صلی الله علیه و آله) إلی یوم القیامة، بل ذکرت الآیة الکریمة أیضاً أن العدالة لن تستتب فی الأرض ولن یُزال استئثار الأغنیاء بالثروات إلّا بحاکمیة ذوی

ص:312


1- (1) سورة الحشر: الآیة 7.

القربی فی الأرض وإدارتهم لثرواتها، وحینئذ یفهم معنی قوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (1).

بضمیمة ما دل علی الرجعة ورجعة جمیع الأنبیاء والأوصیاء السابقین أن نصرتهم لسید الأنبیاء هو بنصرة أوصیائه من قرباه.

المقام السابع: إنجاز الوعد الإلهی وإقامة الدین وإظهار الحق فی الرجعة:

حیث قد وعدت کثیر من الآیات بإهلاک الجبابرة والطغاة وسؤدد المستضعفین والمحرومین کقوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (2)، وأیضاً قوله تعالی: وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ (3)، وغیرها من آیات الوعد الإلهی کالتی تذکر أن العاقبة للمتقین لا البدایة والأولی والوسطی.

المقام الثَّامِن: أن الرجعة بإرادة ولی الله من الأئمة(علیهم السلام) وکذا الإبقاء والتقدیر لمدة البقاء فیها.

المقام التَّاسِع: الأداء والقیام بالنذارة الکبری من قبل النبی(صلی الله علیه و آله)،

ص:313


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 81.
2- (2) سورة القصص: الآیة 5.
3- (3) سورة الأنبیاء: الآیة 105.

والقیام بالولایة الکبری من قبل أمیرالمؤمنین(علیه السلام) والأئمة من ولده کما سیأتی جملة من الکلام حول ذلک فی الباب الرابع، وتقدم شطراً منه فی الفصول السابقة ویشیر إلیه قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ (1).

فإن تأویلها الأعظم فی الرجعة کما ورد عنهم(علیهم السلام)، وکذا قوله تعالی: هذا نَذِیرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولی (2).

فی مقابل نذارته الأخیرة والآخرة فی الرجعة.

المقام العاشر: أنّ رجوع ورجعة کل إمام یعبّر عنه بظهوره(علیه السلام)، وأن موته یعبّر عنه بمغیبه وغیبته وأن کل إمام مات بین ظهرانی قوم فهم یرجعون معه کنظام المجموعات فی الرجعة، وقد روی الطبری فی دلائل الإمامة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال

«العام الذی لا یشهد صاحب هذا الأمر الموسم لا یُقبل من الناس حجهم»(3)، وقد أشار غیر واحد من أهل الفطنة والذوق من أهل الحدیث أن عمل الإمام إمام العمل لبقیة سائر الناس، فلا یرتفع من أعمالهم شیئاً ولا تفتح لها أبواب السماء إلّا بعمله صلوات الله علیه، فعمله شافع للأعمال.

نظیر الإشارة فی قوله تعالی: ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ (4)،

ص:314


1- (1) سورة المدثر: الآیة 1 - 2.
2- (2) سورة النجم: الآیة 56.
3- (3) دلائل الإمامة للطبری: ح485، ص487.
4- (4) سورة الفرقان: الآیة 77.

وقد بیّن شرط الدعاء فی القرآن أنه التوجه والتوسل بالنبی(صلی الله علیه و آله) إلی الحضرة الإلهیة واللواذ به کما فی قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِیماً قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً (1)، وقوله تعالی: وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (2) وکذا الإشارة إلیه فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ (3) فلا یکفی مجرد التصدیق بآیات الله الناطقة وهم الحجج بل لابدَّ من الخضوع لطاعتهم والانقیاد إلیهم.

ولا یکفی ذلک أیضاً، بلْ لابدَّ من ضمیمة الإقبال علیهم وعدم الصد عنهم وصلتهم ووصل أعمالنا بأعمالهم.

وفی الحقیقة هذا الحدیث الشریف یمثل تفسیر لاشتراط الولایة فی الأعمال لا فی مقام النیة فحسب، بل اقتران العمل بعمله(علیه السلام)، فعمله أمام أعمال الناس للوفود علی أبواب السماء وهکذا فی بقیة العبادات، وهذا نظیر ما ورد فی الحج مستفیضاً أنه من دون انضمامه لزیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والإمام (علیه السلام) والوفود علیهم لا یقبل الحج، کما هو تأویل قوله تعالی: ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ

ص:315


1- (1) سورة النساء: الآیة 64.
2- (2) سورة المنافقون: الآیة 5.
3- (3) سورة الأعراف: الآیة 40.

وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ 1 فقضاء التفث هو التطهیر بولایة النبی وأهل بیته(علیهم السلام)، والوفاء بالنذر إتمام الحج والإتیان بالنسک لأن ولایة أهل البیت(علیهم السلام) تنفی عن الإنسان بل عن جمیع المخلوقات الطاغوتیة والفرعونیة فی ذات کل نفس فتطهرها عن الشرک والتکبر.

المقام الحادی عشر: جملة من المقامات الأُخری التی سترد تفاصیلها فی الباب الثالث والرابع کاستشهاد سید الشهداء(علیه السلام) مرة أُخری فی رجعته الأولی، واستشهاد أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی رجعاته الأولی، والمقاصة والمطالبة فی الظلامات التی وقعت فی طیلة تاریخ البشریة، وهذا الاستشهاد لا یعنی زوال دولتهم بل دولتهم مستمرة لا تقوض إلی یوم القیامة فلیس بعد دولتهم دولة، وإنما یتعاقبون(علیهم السلام) فی الظهور والرجوع إلی دار الدنیا لیأخذ کل دوراً بعد الآخر.

المقام الثَّانِی عشر: الإعداد لجملة من مقاماتهم ومشاهدهم التی تظهر یوم القیامة کمنبر الوسیلة ومقام الشفاعة وغیرها.

ملاحم الرجعة:

وفی صحیح أبی أسامة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن قوله تعالی: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال نعم : نزلت فی أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ما أَکْفَرَهُ ،یعنی بقتلکم إیّاه ثم نسب أمیر المؤمنین(علیه السلام) فنسب خلقه

ص:316

وما اکرمه الله به فقال مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ ، یقول: من طینة الأنبیاء خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ للخیر، ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ یعنی سبیل الهدی، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ میتة الانبیاء ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ قلت ما قوله ثم إذا شاء أنشره قال یمکث بعد قتله فیفقضی ماآمره .الحدیث(1)

فالصحیح یبین أن الآیات مفادها أن برنامج أمیر المؤمنین(علیه السلام) طویل أمده ولایقتصر علی مجرد الانتقام من الأعداء، ولذلک ستکرّررجعاته.

ص:317


1- (1) تفسیر القمی /فی ذیل سورة عبس /ج2 ص406.

ص:318

الفصل الثامن:الرجعة ونظام الإمامة

ص:319

ص:320

الفصل الثامن:الرجعة ونظام الإمامة

اشارة

إن کل إمام من الأئمة الاثنی عشر مهدی منتظر موعود فی عقیدة مدرسة أهل البیت ویدعی بتعجیل فرجه وظهوره.

إن مقام المهدویة - کما سیتبین - هو مقام لکل إمام من الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) عندما یقیموا دولة الحق والعدل، وأن موتهم ومکثهم فی البرزخ بمثابة غیبة مؤقتة لهم تنتهی برجوعهم إلی الدنیا، وهو ظهورهم من بعد غیبة الموت.

وسیأتی فی مقال لاحق فی هذا الفصل أن المهدیِّین الاثنی عشر هم الأئمة الإثنا عشر، وهو مقام الرجعة لهم بإقامة الدولة المعلنة .

وقدْ وَرَدَ فی آداب زیارة کل معصوم الدعاء له بتعجیل فرجه وظهوره، لینجز الله له ما وعده من النصر وإقامة دولة العدل علی یدیه، وأن کل

ص:321

واحد منهم(علیهم السلام) موعود ومنتظر ظهوره.

وقد حصلت غفلة لدی غالب عامّة المؤمنین عن إتیان هذه الأدعیة والآداب فی زیارة کل معصوم، وهو ما أوجب الغفلة عن تعالیم العقیدة بالرجعة والمعرفة بکل إمام بحق معرفته، أی الغفلة عن المعرفة المستقبلیة لکل إمام، فإنَّ الدعاء بتعجیل الفرج لیس خاصاً بالإمام المهدی(عج)، بل وارد فی زیارة کل إمام معصوم، بل وارد فی آداب زیارة الرسول(صلی الله علیه و آله) أیضاً، لأن الرسول(صلی الله علیه و آله) أیضاً موعود منتظر رجعته فی آخر الرجعة، لیقیم أکبر دولة علی وجه الأرض، ویکون الأئمة الإثنا عشر وزراءا له.

ومن تلک الموارد:

1 - فقد روی الشیخ فی مصباح المتهجد عن جعفر بن محمد الصادق(علیه السلام) أنه قال: من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیه السلام) من بعید فلیقل وساق الزیارة إلی قوله:

«إنی من القائلین بفضلکم، مقر برجعتکم لا أنکر الله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله»(1).

2 - وروی ابن قولویه فی کامل الزیارات فی المعتبر، عن عمرو ابن أبی شعیب العقرقوفی، عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال:

«إذا أتیت عند قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام...»، وساق أدب الزیارة والدعاء فیها إلی قوله(علیه السلام) :

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیّک، وابعثه

ص:322


1- (1) مصباح المتهجد/ص289ح11/399.

مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الربّ الذی لا تخلف المیعاد»، وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(1).

وهذه الروایة والزیارة صریحة فی أن من المقام المحمود لکل إمام أن ینتصر الله به لدینه فی الدنیا، ویقتل به أعداء الله وأن کل إمام موعود من الله بذلک، وقد مرّت الآیات القرآنیة التی فیها هذا الوعد لکل إمام.

3 - وروی السید بن طاووس فی إقبال الأعمال فی أعمال شهر ذی الحجة أنه یستحب أن یدعی فی یوم دحو الأرض بهذا الدعاء وساقه إلی قوله:

«وابعثنا فی کرته حتی نکون فی زمانه من أعوانه» وهذا الدعاء فی شأن أمیر المؤمنین(علیه السلام) نظیر الدعاء الوارد فی الإمام الحجة (عج).

4 - وروی السید بن طاووس فی مصباح الزائر زیارة طویلة للحسین(علیه السلام) وفی آخرها هذا الدعاء:

«اللَّهُمَّ فصل علی سیدی ومولای ترفع بها ذکره، وتظهر بها أمره، وتعجل بها نصره، واخصصه بأفضل قسم الفضائل یوم القیامة ...» الحدیث(2)

ومتن هذه الزیارة صریح فی الدعاء بتعجیل نصر سید الشهداء(علیه السلام) بظهوره مرة أخری برجعة من القبر إلی دار الدنیا، وأن لفظ الدعاء بتعجیل نصره(علیه السلام) نظیر الدعاء الوارد بتعجیل فرج المهدی(علیه السلام) .

ص:323


1- (1) کامل الزیارات :ب/104ح2تحت عنوان زیارة لجمیع الائمة علیهم السلام.
2- (2) مصباح الزائر ص245.

5- ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات من صحیح أبی حمزة الثمالی عن الصادق(علیه السلام) فی زیارة الحسین(علیه السلام)

«ونصرتی لکم معدة حتی یحیکم الله لدینه ویبعثکم، وأشهد أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة فمعکم معکم لا مع عدوکم إنی بإیابکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذب منه بمشیئة»

ثم قال:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی أمیر المؤمنین عبدک وأخی رسولک الذی أنتجبته بعلمک، وجعلته هادیا لمن شئت من خلقک، والدلیل علی من بعثت برسالتک، ودیّان الدین بعدلک، وفصل قضائک بین خلقک، والمهمین علی ذلک کله، والسلام علیه ورحمة وبرکاته .اللهم أتمم به کلماتک وأنجز به وعدک وأهلک به عدوک واکتبنا فی أولیائه وأحبائه، اللهم اجعلنا شیعة وأنصاراً وأعواناً علی طاعتک وطاعة رسولک وما وکلت(وکلته) به واستخلفته علیه(1).

وهذا الدعاء قد ذکر فی الزیارة بضمیر الجمع أیضا بعد الصلاة علی کل امام امام، مما یفید ان کل إمام من الائمة الاثنی عشر سینجز الله لکل واحد منهم دولة الحق وإقامة العدل التی وعد بها وقطع بها علی نفسه فی العدید من السور القرآنیة.

6 - ما رواه شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی فی المصباح الکبیر - فی ذکر قنوت الوتر - قال: ویستحبّ أن یزاد هذا الدعاء:

«الحمد لله شکراً لنعمائه» - وذکر شکایة طویلة من أحوال الغیبة والدعاء لصاحب الزمان بتعجیل الفرج والخروج - إلی أن قال:

«اللَّهُمَّ وشرّف بما استقلّ به من

ص:324


1- (1) کامل الزیارات: باب 79 ح23/639ص404.

القیام بأمرک لدی مواقف الحساب مقامه، وسرّ نبیک محمداً(صلی الله علیه و آله) برؤیته ومن تبعه علی دعوته، ثم قال: ورُدّ عنه من سهام المکائد ما یوجّهه أهل الشنئآن إلیه وإلی شرکائه فی أمره، ومعاونیه علی طاعة ربّه...» الدعاء(1).

والتعبیر فی الدعاء (وسرّ نبیک محمد برؤیته) دال علی أن النبی(صلی الله علیه و آله) لا زال یولی الاهتمام والرعایة والتدبیر لمجریات وأحداث البشر فی دار الدنیا، وأنَّه(صلی الله علیه و آله) یتابع تفاصیل الامور.

کما أن التعبیر فی الدعاء إلی شرکائه فی أمره فی مقابل معاونیه یظهر منه الإشارة الی بقیة الائمة الاثنی عشر، وأنهم صلوات الله علیهم لایزالون مساهمین فی القیام بأمر الله.

7 - ما رواه الشیخ أیضاً فی المصباح - فی أدعیة الصباح والمساء - فی الدعاء الکامل المعروف بدعاء الحریق یقول فی آخره:

«اللَّهُمَّ صلِّ علی محمد وأهل بیته الطیبین وعجّل فرجهم وفرجی، وفرّج عن کل مهموم من المؤمنین والمؤمنات، اللهم صل علی محمد وآل محمد وارزقنی نصرهم وأشهدنی أیامهم واجمع بینی وبینهم فی الدنیا والآخرة، واجعل منک علیهم واقیة حتی لایخلص إلیهم إلّا بسبیل خیر وعلی من معهم وعلی شیعتهم ومحبّیهم وعلی أولیائهم» الدعاء(2).

والتعبیر فی الدعاء (وارزقنی نصرهم وأشهدنی أیامهم) دال علی أن لکل واحد من الائمة الاثنی عشر دولة وأیام نصر کتب الله له، کما أن لهم

ص:325


1- (1) مصباح المتهجد:ح46/250ص161.
2- (2) مصباح المتهجد ح73/335ص227.

فی الاخرة ملکا.

8 - وما رواه ابن قولویه أیضاً فی کامل الزیارات (المزار)- فی زیارة للحسین بن علی(علیه السلام) - بسنده عن سعدان بن مسلم - قائد أبی بصیر - قال: حدثنی بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) وذکر الزیارة للحسین(علیه السلام) یقول فیها بعد ذکر النبی والأئمة(علیهم السلام):

«وحبب إلیّ مشاهدهم حتی تُلحقنی بهم، وتجعلهم لی فرطاً، وتجعلنی لهم تبعاً فی الدنیا والآخرة، قال: ثم تقول: لبیک داعی الله، إن کان لم یجبک بدنی فقد أجابک قلبی وشعری وبشری ورأی وهوای علی التسلیم لخلف النبی المرسل والسبط المنتجب، والدلیل العالم ... فقلبی لکم مسلّم، وأمری لکم متبع، ونصرتی لکم معدّة حتی یحییکم الله لدینه ویبعثکم، فمعکم معکم لا مع عدوّکم، إنی من المؤمنین برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أکذب له مشیئة، ولا أزعم أن ما شاء الله لا یکون ... وذکر الزیارة»(1).

وفی الزیارة تنصیص علی أن الله یبعث الائمة من القبور رجوعا الی الدنیا ویُعلی أمره بهم ویحی بهم دینه.

9 - وما رواه الکلینی أیضاً فی الباب المذکور بالسند السابق یقول فیه أبو عبد الله(علیه السلام) : إذا أردت أن تودّعه فقل:

السلام علیک ورحمة الله وبرکاته أستودعک الله ... إلی أنْ قال:

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد منا ومنه، اللهم أنی أسألک أن تنفعنا بحبه، اللهم ابعثه مقاماً محموداً تنصر به دینک، وتقتل به عدوک، وتبیر به من نصب حرباً لآل محمد، فإنک وعدت ذلک وأنت لا تخلف

ص:326


1- (1) الکافی /المجلد /4 ص 572/باب زیارة قبر ابی عبدالله الحسین*.

المیعاد، والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته، أشهد أنکم شهداء نجباء، جاهدتم فی سبیل الله وقتلتم علی منهاج رسول الله(صلی الله علیه و آله) تسلیما کثیراً»(1).

وفی هذه الزیارة تنصیص علی بعث سید الشهداء بخصوصه من القبر راجعا الی الدنیا لینتصر الله به لدینه ویُبیر به أعداءه بإقامة دولة العدل الالهی وهو أحد درجات المقام المحمود .

ثم إن هذا المضمون قد ورد فی کثیر من زیارات الحسین(علیه السلام)، وکذلک فی کثیر من زیارات أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وکذلک ورد فی واحدة من زیارات کل إمام من بقیة الائمة أوأکثر من زیارة واحدة لکل منهم، وهذا مما یدلّل علی أن من مقومات زیارتهم مع عرفان حقهم حال زیارة الزائر العارف بأنهم(علیهم السلام) لازالوا ولاة یلون أمرالله فی الناس، وانهم ینتظر عودهم الی الدنیا ببعث الله إیاهم من قبورهم، وأن هذه القبور والمراقد الشریفة، کما هی موطن غیبتهم فهی موطن ظهورهم وخروجهم مرة أخری، وأن الالتزام بزیارة تلک القبور والمراقد عبارة عن إنتظار وترقب لعودتهم وثبات علی ولائهم وطاعتهم والإنقیاد لهم.

فقد ورد فی بعض زیارات أمیر المؤمنین(علیه السلام) والتی أوردها المشهدی فی مزاره الکبیر قول الزائر فی وسط الزیارة مخاطباً أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«... مؤمن برجعتک، منتظر لامرک مترقب لدولتک آخذ بقولک، عامل بأمرک، مستجیر بک، مفوض أمری إلیک متوکل فیه علیک، زائر لک، لائذ ببابک الذی فیه غبت

ص:327


1- (1) الکافی/المجلد 4/ ص575، أبواب الزیارات، باب زیارة الحسین بن علی*/ح1.

ومنه تظهر، حتی تُمکّن دینه الذی ارتضی، وتبدل بعد الخوف أمنا،وتعبد المولی حقا، ولاتشرک به شیئا، ویصیر الدین کله لله، وأشرقت الارض بنور ربها، ووضع الکتاب وجیء بالنبیین والشهداء وقضی بالحق وهم لایظلمون، والحمد لله رب العالمین»(1).

وفی الروایة جملة من الفوائد:

الأُولی: إن مواضع قبورهم ومراقدهم أبواب للاخرة یتجه منها تجاه دار الاخرة، فهی مشاعر أخرویة فی بقاع أرضیة، کما قال تعالی ( فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ ) (2) وقد روی الفریقان فی ذیل الایة أن بیت علی وفاطمة(علیهاالسلام) من أفاضلها(3).

الثانیة: أن مراقدهم وقبورهم أبواب غُیّبُوا فیها ومنها سیبعثون تارة اخری الی دار الدنیا فی الرجعة، فهی مواطن انتظار لرجعتهم ومطالع ترقب لأوبتهم ومشارف آمال لکرتهم، فمن ثّم کانت ملاذاً ومستجاراً ومعاذاً.

الثالثة: أن مفاد هذه الزیارة أن الحساب ووضع الکتاب والمجیئ

ص:328


1- (1) المزار الکبیر لبن المشهدی/القسم :3/الزیارة /15ص308.
2- (2) سورة النور : الآیة 36 .
3- (3) شواهد التنزیل ، الحسکانی ج6 ص534 533 ح 568 567 ، الدر المنثور ، السیوطی ج5 ص 50 قال اخرجه بن مردویه عن أنس بن مالک وبریده الاسلمی عن رسول الله .

بالنبیین والشهداء(1) للمحاسبة هی فی الرجعة فی أواخرها ویتم القضاء بالفصل بالحق.

الرابعة: إن کمال إزدهار عمارة الارض سیتم بظهور وسیطرة الدین علی سائر أرجاء الارض، وهو سیتحقق فی الرجعة بدءا من ظهور الصاحب وصعوداً وإرتقاءاً وانتهاءاً فی أواخر الرجعة.

ویظهر مما سبق من الروایات أن کل الائمة موعودون بالرجعة، وأن کلا منهم منتظر ومهدی یقیم دولة العدل الالهی، وقد ورد فی زیارات الحسین، بل فی عدة من زیارات الائمة(علیهم السلام) الدعاء «تنتصر به لدینک».

وهو إشارة الی رجعة الحسین(علیه السلام) ورجعة بقیة الائمة(علیهم السلام)، وهذا المفاد فی هذا الدعاء شبیه مفاد دعاء: «اللهمَّ کن لولیک الحجة...».

بل هذا الدعاء الاخیر فی الاصل لیس مخصوصاً بالامام الثانی عشر(عج)، بل عام لکل الائمة الاثنی عشر(علیهم السلام).

وقد ورد فی أحد زیارات الحسین(علیه السلام) خطاباً لأنصار الحسین(علیه السلام): «إن الله منجز لکم ما وعدکم»، بل وکذا فی زیارة أبی الفضل العباس(علیه السلام).

10- ما ذکره الشیخ الطوسی فی مصباح المتهجد فی أعمال یوم الجمعة قال: ویستحب زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام) فی یوم الجمعة، وروی عن جعفر بن محمدالصادق (علیه السلام) أنه قال: من أراد أنْ یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله)

ص:329


1- (1) سورة الزمر: الآیة 69.

وقبر أمیر المؤمنین(علیه السلام) وقبر فاطمة والحسن والحسین(علیهم السلام) وقبور الحجج(علیهم السلام) وهو فی بلده فلیغتسل فی یوم الجمعة، ثم ساق آداب مقدمة للزیارة (ویقدم صلاة الزیارة، فإذا تشهد وسلم فلیقم مستقبلاً القبلة ولیقل: السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته السلام علیک أیها النبی المرسل والوصی المرتضی والسیدة الکبری والسیدة الزهراء(علیهاالسلام)، والسبطان المنتجبان والأولاد والأعلام والأمناء المنتجبون ... جئت انقطاعاً إلیکم وإلی آبائکم وولدکم الخلف علی برکة الحق فقلبی لکم مسلّم، ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه، فمعکم معکم لا مع عدوکم إنّی لمن القائلین بفضلکم مقر برجعتکم لا أنکر لله قدرة ولا أزعم إلّا ما شاء الله سبحان الله ذی الملک والملکوت(1).

وهذه الروایة لهذه الزیارة لهم(علیهم السلام) من بُعد ظاهرة فی کون هذا من آداب الزیارة عند کل المعصومین(علیهم السلام)، وأن کل واحد منهم(علیهم السلام) مترقب منتظر لرجعته للحکم فی الأرض، بأن یبعثه الله فی الدنیا رجعة، وهذا شامل للنبی(صلی الله علیه و آله) وفاطمة(علیهاالسلام) کما هو للأئمة الاثنی عشر.

11 - ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات فی زیارة الحسین(علیه السلام) بطریق معتبر عن أبی حمزة الثمالی عن الصادق(علیه السلام) ... وذکر(علیه السلام) آداب الزیارة والدعاء قبلها، ثم ذکر الزیارة ثم قال(علیه السلام): «قل: لبیک داعی الله سبعاً. وقل: إن لم یجبک بدنی عند استغاثتک فقد أجابک قلبی وسمعی وبصری ورأی وهوای علی التسلیم لخلف النبی المرسل والسبط المنتجب والدلیل العالم والأمین

ص:330


1- (1) مصباح المتهجد :ح11/339ص289.

المستخزن والمؤدی المبلغ والمظلوم المضطهد جئتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلف من بعدک، فقلبی لکم مسلم ورأی لکم متبع ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه ویبعثکم، وأشهد الله أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة فمعکم معکم لا مع عدوکم إنی بکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذب منه بمشیئة(1).

وقد تضمنت الزیارة بعد ذلک التسلیم والصلاة علی النبی(صلی الله علیه و آله) ثم أمیر المؤمنین(علیه السلام) وفاطمة والحسن والحسین(علیهم السلام) ثم واحد واحد من الأئمة(علیهم السلام).

وورد فی أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی هذه الزیارة: «اللهمَّ أتمم به کلماتک وأنجز به وعدک وأهلک به عدوک واکتبنا فی أولیائه وأحبائه، اللهمَّ اجعلنا له شیعة وأنصاراً وأعواناً».

وفی الزیارة أیضاً بعد السلام والصلاة علی کل واحد واحد من الأئمة بأسمائهم وتقول: «اللهمَّ أتمم بهم کلماتک وأنجز بهم وعدک وأهلک بهم عدوک وعدوهم من الجن والإنس أجمعین ... اللهمَّ اجعلنا لهم شیعة وأنصاراًوأعواناً علی طاعتک وطاعة رسولک».

وهذا صریح فی أن کل واحد منهم موعود منتظر ینجز الله به وعده وینتقم بهم من أعدائه ویقیم به دینه ومواعیده فی نصر الدین وإعلاء الحق وإذلال الباطل وإقامة شرائعه وأحکامه وآیات کتابه.

ص:331


1- (1) کامل الزیاراة :باب 79 ح23.

فکل ما ورد من تعالیم فی المهدی المنتظر(عج) هو بعینه وارد فی کل إمام إمام أنَّه یبعثه الله مرة أخری فی الدنیا رجعة.

12 - وقد ورد فی دعاء مولد الحسین(علیه السلام) «اللهمَّ إنی أسألک بحق المولود فی هذا الیوم الموعود بشهادته قبل استهلاله ... الممدود بالنصرة یوم الکرة، المعوّض من قتله أن الأئمة من نسله، والشفاء فی تربته، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته حتی یدرکوا الأوتار ویثأروا الثار ویرضوا الجبار ویکونوا خیر أنصار ... فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته»(1).

وقد رواه الشیخ فی المصباح بطریقه عن القاسم بن علاء الهمدانی وکیل العسکری.

ومفاد الدعاء ظاهر بوضوح فی أن سید الشهداء(علیه السلام) موعود بمدد النصر یوم کرّته(علیه السلام)، وکذلک الأوصیاء من عترته وأنْ أوبتهم وکرتهم تقع بعد قائمهم وغیبته، وأنهم یدرکوا الأوتار ویثأروا الثار ویرضوا الجبار بتطهیر الأرض من المفسدین العتاة، وآخر الدعاء تضمن أن الحسین(علیه السلام) منتظرٌ أوبته ورجوعه.

13 - وقد روی الشیخ عن ابی حمزة الثمالی فی فی مصباح المتهجد فی زیارة العباس(علیه السلام): «أشهد أنک قتلت مظلوماً وأن الله منجزٌ لکم ما وعدکم،

ص:332


1- (1) مصباح المتهجد: أعمال شهر شعبان ، وکذا الاقبال لابن طاووس فی اعمال ذلک الشهر.

جئتک یابن أمیر المؤمنین وقلبی مسلم لکم وأنا لکم تابع ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله وهو خیر الحاکمین، فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنی بکم وبأیابکم من المؤمنین وبمن خالفکم وقتلکم من الکافر»(1).

وفیها تصریح أن جمیعهم موعودون بالنصر فی رجعتهم.

14 - ونظیر هذه الزیارة ورد فی زیارة مسلم بن عقیل(علیه السلام) التی رواها المشهدی فی المزارالکبیر(2)، ورواها السید بن طاووس فی مصباح الزائر.

15 - وفی زیارة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) رواها المشهدی فی المزار الکبیر وقد تضمنت «إنی مقرّ بکم معتصم بحبلکم متوقع لدولتکم منتظرٌ لرجعتکم»(3).

16 - وفی زیارة أخری رواها المشهدی وهی الزیارة الرجبیة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) فی رجب، بل لکل المعصومین(علیهم السلام) فی ذلک الشهر وفیها «حتی العود إلی حضرتکم والفوز فی کرتکم والحشر فی زمرتکم»(4).

17 - وروی فی الکافی صحیح عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسن الماضی(علیه السلام) عما أقول فی سجدة الشکر فقد اختلف أصحابنا فیه فقال:

«قل وأنت ساجد: اللهمَّ إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی والإسلام دینی ومحمد نبیّی وعلی وفلاناً وفلاناً وفلاناً

ص:333


1- (1) مصباح المتهجد :ص725.
2- (2) المزار للمشهدی :ص1789، مصباح الزائر:51، الزار للشهید الاول :278.
3- (3) المزار الکبیر للمشهدی: باب زیارات أمیر المؤمنین*: الزیارة /8 ص250.
4- (4) المزار الکبیر للمشهدی/ زیارة لامیر المؤمنین* فی رجب.

إلی آخرهم أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ، اللهم إنی أنشدک دم المظلوم - ثلاثاً - اللهمَّ إنی أنشدک بإیوائک(1) علی نفسک لأولیائک لتظفرنّهم بعدوک وعدوهم»(2).

فهذا دعاء یومی یؤتی به فی کل سجدة شکر لکل صلاة فریضة بل لکل صلاة نافلة أیضاً فی الیوم عدة مرات، وفیها الدعاء والإلحاح بتعجیل الظفر والنصر لکل واحد واحد من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) والانتقام لدم سید الشهداء وذلک بظهور قائمهم (عج) ورجعتهم بعده فی سیاق واحد.

ومنه یظهر أن ما یدعو به المؤمنون من تعجیل فرج صاحب الأمر(عج) لابدَّ من تتمیمه بالدعاء بتعجیل رجعتهم(علیهم السلام)، وأن رجوع کل إمام هو ظهور له بعد غیبته بالموت، کما ورد ذلک فی کثیر من الزیارات سواء أرید من الظهور معنی البروز، أو أرید منه معنی السیطرة والسلطة، فإن کل إمام یبرزبرجوعه الی الحیاة الدنیا بعد غیابه بخفاء الموت، فلکل إمام ظهور بعد غیبة، کما أن له دولة فی الرجعة بعد إستضعاف فی الحیاة الاولی .

18- وروی الکلینی عن محمد بن عیسی بإسناده عن الصالحین(علیهم السلام) قال: (تُکرر فی لیلة ثلاث وعشرین هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلی

ص:334


1- (1) بمعنی الوعد، ففی النهایة لابن الأثیر: فی حدیث وهب «إن الله تعالی قال: إنی آویت علی نفسی أن أذکر من ذکرنی» قال القتیبی: هذا غلط إلا أن یکون من المقلوب، والصحیح: وأیت من الوای: الوعد، یقول: جعلته وعدا علی نفسی. النهایة ج1 ص 83 فی مادة (أوی)
2- (2) الکافی :ج 3 باب السجود والتسبیح ص523ح17.

کل حال، وفی هذا الشهر کله، وکیف أمکنک ومتی حضرک من دهرک تقول بعد تحمید الله تبارک وتعالی والصلاة علی النبی(صلی الله علیه و آله): «اللهمَّ کن لولیک فلان بن فلان فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وناصراً ودلیلاً وقائداً وعوناً وعیناً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه فیها طویلاً»(1).

ورواه الشیخ الطوسی بنفس الاسناد وبنفس المتن فی مصباح المتهجد(2).

ورواه السید ابن طاووس فی فلاح السائل(3) وفی الإقبال مسنداً بنفس الإسناد إلّا أنه استبدل فلان بن فلان «لولیک القائم بأمرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام»، لکنه فی فلاح السائل أورد المتن «لولیک فلان بن فلان».

وأورده الکفعمی فی البلد الأمین بنفس اللفظ الموجود فی الکافی ومصباح الشیخ، لکنه فی مصباحه أورده کما فی إقبال ابن طاووس.

وفی البحار أورد هذا الدعاء ضمن دعاء طویل یُدعی به فی یوم الجمعة فی سیاق الدعاء لمحمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام) وفی وسط الدعاء اللهم احفظ محمد وآل محمد.

وبعبارة أخری: مما یوجب الاشتباه ما رواه السید ابن طاووس فی

ص:335


1- (1) الکافی: جلد/4ص162کتاب الصیام باب الدعاء فی العشرة الاواخر من شهر رمضان الحدیث /4.
2- (2) مصباح المتهجد /ص630.
3- (3) فلاح السائل /ص46.

الإقبال(1) من روایة محمد بن عیسی بن عبید بإسناده عن الصالحین(علیهم السلام) قال: وکرر فی لیلة ثلاثة وعشرین من شهررمضان «اللهمَّ کن لولیک القائم بأمرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً ومؤیداً حتی تسکنه أرضک طوعا».

19- وروی ابن قولویه مصحح أبی حمزة الثمالی، قال: قال الصادق(علیه السلام):

«إذا أردت المسیر إلی الحسین(علیه السلام) ... - ثم ذکر آداب الزیارة وأورد زیارة طویلة یقول فیها -: «وقد أتیتک زائراً قبر ابن بنت نبیک فاجعل تحفتی فکاک رقبتی من النار» إلی أن قال: «واجعلنی من أنصاره یا أرحم الراحمین»، ثم قال فیها: «أتیتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلف من بعدک، فقلبی لک مسلّم ورأیی لک متَّبع ونصرتی لک معدة حتی یحییکم الله لدینه ویبعثکم، وأشهد أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة، فمعکم لا مع عدوکم، إنی بإیابکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذّب منه مشیئة»، ثم قال الشیخ: وتصلی علی الأئمة کلهم کَمَا صلّیت علی الحسن والحسین(علیهماالسلام)، ثم تقول:

«اللهمَّ تمّم بهم کلماتک، وأنجز بهم وعدک، وأهلک بهم عدوک وعدوهم من الجن والإنس أجمعین. اللهم اجعلنالهم شیعة وأعواناً وأنصاراً علی طاعتک وطاعة رسولک، وأحینا محیاهم وأمتنا مماتهم، وأشهدنا مشاهدهم فی الدنیا والآخرة» إلی أن قال:

«اللَّهُمَّ أدخلنی فی أولیائک وحبّب إلیّ مشاهدهم وشهادتهم فی الدنیا

ص:336


1- (1) الاقبال/85.

والآخرة إنک علی کل شیء قدیر»،

ثم قال:

«اللهمَّ اجعلنی ممن ینصره وینتصر به لدینک فی الدنیا والآخرة...» إلی أنْ قال:

«اللهمَّ اجعلنی ممن له مع الحسین بن علی(علیه السلام) قدم ثابت، وأثبتنی فیمن یستشهد معه».

وهذه الزیارة فیما استعرضناه من المواضع فیها طافحة ظاهرة فی کون کل إمام موعود أن ینصره الله، والمؤمنون مأمورون بإعداد العدة لنصر کل إمام عند ظهوره فی الرجعة، فکل إمام لابدَّ علی المؤمنین من إعداد النصرة له فی الوقت الراهن فضلا عن الزمن اللاحق، وأن غایة إعداد النصرة لکل إمام یمتد زمنا الی أوان رجعته حیث یحییه الله لإقامة دینه بإقامة دولة العدل الالهی، وأن الدعاء ب-

«اجعلنا أعوانا أنصارا».

بالاضافة الی کل إمام إمام وفی نهایة الزیارة

«اجعلنی ممن ینصره وینتصر به فی الدنیا والاخرة» ای ینصر الحسین(علیه السلام) فی الدنیا فی الوقت الراهن وفی آخرة الدنیا، ای الرجعة ثم بعدها

«وأثبتنی فیمن یستشهد معه».

وهذه العبارة تحتمل وجهین:

الأوَّل: أنه دعاء بالشهادة مع الحسین فی الرجعة، لأنه قد ورد ذلک کما سیأتی فی الباب الرابع.

الثانی: أن یکتب له أجر من استشهد مع الحسین(علیه السلام)، والمعنی الاول أظهر، لصیغة فعل المضارع فی صلة الموصول «فیمن یستشهد معه».

ص:337

20 - وفی معتبرة ابی الصباح الکنانی: قال نظر أبو جعفر(علیه السلام) الی أبی عبدالله(علیه السلام) فقال تری هذا؟ هذا من الذین قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1).

21 - وفی معتبرة عبدالله بن سنان: قال سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: هم الائمة(2).

رجعة الائمة ذریة النبی(صلی الله علیه و آله) بعده المعارف وفقه متون الروایات:

22 - وروی السید ابن طاووس «اللهمَّ کن لولیک القائم بامرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً ومؤیداً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه فیها طولاً وعرضاً وتجعله وذریته من الأئمة الوارثین» الحدیث.

وظاهر نسخة هذه الروایة التی رواها ابن طاووس توهم أن الأئمة(علیهم السلام) بعد الثانی عشر المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) هم من ذریته، وهذا وهم من أحد الرواة أو النسّاخ لهذا الدعاء بشهادة:

1 - أنّ المجلسی(رحمه الله) روی هذا الدعاء باللفظ الذی ذکره ابن طاووس

ص:338


1- (1) الکافی: مجلد 1ص306.
2- (2) الکافی: مجلد 1ص194

فی ضمن أدعیة یوم الجمعة ولکن فی سیاق الدعاء لمحمد وآل محمد، فروی فی وسط ذلک الدعاء قوله(علیه السلام): «اللهمَّ احفظ محمد وآل محمد وأتباعهم وأولیائهم باللیل والنهار من أهل الجحد والإنکار واکفهم حسد کل حاسد متکبر جبار وسلطهم علی کل ناکث ختار حتی یقضوا من عدوک الأوطار واجعل عدوهم مع الأذلین والأشرار وکبّهم ربی علی وجوههم فی النار إنک الواحد القهار، اللهمَّ کنْ لولیک فی خلقک ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه منها طولاً وتجعله وذریته فیها الأئمة الوارثین واجمع له شمله واکمل له أمره وأصلح له رعیته وثبت رکنه وأفرغ الصبر منک علیه حتّی ینتقم فیتشفی ویشفی حزازة قلوب نغلة وحرارة صدور وغرة وحسرات أنفس ترحة من دماء مسفوکة وأرحام مقطوعة و(طاعة) مجهولة قد أحسنت إلیه البلاء ووسعت علیه الآلاء وأتممت علیه النعماء فی حسن الحفظ منک له، اللهم اکفه هول عدوه وأنسهم ذکره وارد من أراده وکد من کاده وأمکر بمن مکر به، واجعل دائرة السوء علیهم اللهمَّ فضّ جمعهم وفل حدّهم» الحدیث(1).

فإنّ ضمیر - ذریته - یعود بوضوح إلی النبی(صلی الله علیه و آله)، مضافاً إلی عدم تخصیص دعاء الفرج بالحجة بن الحسن العسکری(عج)، بلْ لکل إمام من الاثنی عشر عند کونه الولی بالفعل.

2 - وقد وردت روایات مستفیضة بل متواترة برجعة النبی(صلی الله علیه و آله) فی أواخر الرجعة، وأن الدولة التی سیقیمها هی أکبر دولة الرجعة، ویکون

ص:339


1- (1) البحار: مجلد 86: ص340 الباب 4من ابواب یوم الجمعة وآدابه.

فیها الأئمة الاثنا عشر وزراء للنبی(صلی الله علیه و آله) وأعواناً، وأن الانتقام الذی یحصل من الأعداء فی دولة الرجعة أعظم من الانتقام الذی یحصل فی دولة الظهور للإمام المهدی(عج) من الأعداء بأضعاف مضاعفة، وأن کل إمام من الأئمة الاثنی عشر یرجع ویقیم دولته وینتقم من قاتلیه، وذلک حیث یرجعهم الله إلی الحیاة مع رجوعه.

3 - ومن ذلک یتبین تنصیص هذه الروایة أن أول مَن یُدعی لهم بهذا الدعاء «اللهمَّ کن لولیک» هو النبی(صلی الله علیه و آله)، فیدعی بتعجیل رجعته وإقامة دولته، ومن ثم کان التعبیر «کن لولیک فی خلقک» لا فی أرضک.

کما یُدعی بهذا الدعاء لعلی(علیه السلام) أیضاً والحسن والحسین(علیه السلام) ولبقیة أئمة أهل البیت(علیهم السلام) کل واحد منهم باسمه واسم أبیه.

4 - ومن ثم ورد لفظ الحدیث فی عدة من الروایات المتقدمة «اللهمَّ کن لولیک فلان بن فلان» إشارة إلی عموم هذا الحدیث للمعصومین الأربعة عشر لا خصوص الإمام الثانی عشر(عج)، وقد نبه علی ذلک غیر واحد من المحدثین الکبار، أی نبه علی عموم الدعاء لکل المعصومین(علیهم السلام)، ولکن هذه التعالیم غائبة عن أذهان کثیر من المؤمنین کل ذلک بسبب غیاب المعرفة بالرجعة، والغفلة عن هذا الباب العظیم فی المعرفة الموجب لکمال المعرفة بالله وقدرته ومشیئته والمعرفة بمقامات النبی(صلی الله علیه و آله) الآتیة، والمقامات لأمیر المؤمنین والأئمة المستقبلیة.

ص:340

تحقیق فی صناعة الدرایة والحدیث

واعلم أن جماعة من فحول الفقهاء وأکابر المحدثین المتبحرین قد أشاروا إلی أن المتن الروائی ومتن الروایة الواحدة قد یختلف صورته وألفاظه من راو إلی آخر، سواء الراوی المباشر أو من سلسلة الرواة فی الطریق عن الراوی المباشر وذلک لأسباب عدیدة:

الأول: الاقتضاب والإیجاز، فقد یکون الراوی المباشر یروی المتن تارة باقتضاب وإیجاز وتارة أُخری بتفصیل وبسط، وهاتان الحالتان یختلف بحسبهما متن الروایة خبطاً وإتقاناً ووضوحاً وإبهاماً، وذلک بحسب ما یتمتع به الراوی المباشر من ضبط علمی وإتقان فی النقل والتصویر وقوة الحافظة والالتفات والترکیز، وکذلک الحال یسری فی سلسلة الرواة فی الطریق عن الراوی المباشر.

وهذا یوجب تعدد المتون فی الحدیث الواحد کثیراً، ویتوهم غیر الخبیر بالدرایة أن هذه أحادیث متعددة، أو ینساق الی متن واحد ویعکف علیه ویغفل عن إستقصاء المتون الأخری المنقولة مع کونها بالغة الأهمیة فی الوقوف علی حقیقة المضمون، لأن هذه المتون المختلفة إما بمثابة ألبسة وإما بمثابة وجوه وزوایا لحقیقة واحدة، فمن ثم کان الاغترار والاسترسال بمتن مروی واحد یوجب وقوع الفقیه أو المفسر أو المتکلم بعیداً عن حقیقة المدلول الأصلی الصحیح للروایة لاسیما إذا کان المبحث عقائدیاً والبحث فی مسألة اعتقادیة، فإنه لا یعوّل علی إیهام نقل آحاد وخبر منفرد من دون وصوله إلی استفاضة متواترة فی الدلالة لا من جهة خصوص أصل الصدور

ص:341

فحسب کما عرفت، بل الأهم من ذلک أیضاً هو الوصول إلی ضبط المتن الحقیقی بتمام کلماته وفقراته وألفاظه، وحینها یکون صورة المتن تامة کاملة، هذا مضافاً إلی الأسباب الأُخری لاختلاف المتن الآتی ذکرها الموجبة للتفاوت فی درجة الضبط والإتقان فی المضمون الحقیقی للروایات.

الثانی: الدرجة العلمیة أو المستوی العلمی للراوی، فإنه لا یخفی تأثیره فی درجة الضبط وله بالغ التأثیر سواء الراوی المباشر أو الرواة عنه أو صاحب الکتاب الذی أودع متن وطریق الروایة.

الثالث: قوة الحافظة للراوی أو الرواة ولا یخفی تأثیرها البالغ أیضاً.

الرابع: نسخ الکتب المودعة التی تخرج الروایة أو الکتب المستخرج منها الروایة، فإنَّ الکتب الحدیثیة المتأخرة کابن طاووس فی القرن السابع أو البحار وکتب الحر العاملی أو السید هاشم البحرانی فی القرن الحادی عشر، بل والصدوق والشیخ الطوسی فی القرن الرابع والخامس، وغیرهم ممن هم فی طبقاتهم فإنهم یستخرجون الروایات من کتب متقدمة علیهم، وتختلف تلک الکتب وما قبلها (مترامیاً) فی النسخ والضبط والإتقان إلی غیر ذلک من العوامل الکثیرة التی ذکرها علماء الدرایة والحدیث.

وهذا الاستقصاء بمثابة قرائن مصیریة مؤثرة علی استحصال الظهور والمراد الحقیقی لأیة روایة، وهذا هو أحد الأسباب المهمة المبررة لعدم اعتماد القدماء علی خبر منقول بطریق الآحاد واشترطوا احتفاف الخبر بقرائن تفید العلم أو الاطمئنان، فإن هذا السبب - کَمَا عرفت - لا یرتبط بأصل الصدور.

ص:342

المقام المحمود فی دولة الرجعة:

روی ابن قولویه فی کامل الزیارات(1)، بسند معتبر فیه إرسال خفیف عن أبی عبدالله(علیه السلام): - قال تقول إذا أتیت قبر الحسین بن علی(علیه السلام)، ویجزیک عند قبر کل إمام(علیه السلام) (ثم ساق الزیارة إلی أنْ قال فی آخر الزیارة) - أنْ یقول الزائر «اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیک وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک وتقتل به عدوک فإنک وعدته ذلک وأنت الرب الذی لا تخلف المیعاد»، ثم قال(علیه السلام): وکذلک تقول عند قبور کل الأئمة(علیهم السلام).

ومفاد صریح هذه الزیارة التی ذکرها ا بن قولویه أن المقام المحمود لهم(علیهم السلام) من مصادیقه البارزة مقام دولتهم فی الرجعة فلکل إمام مقام محمود بدولة عزیزة باهرة ظاهرة، وأنَّ کل إمام موعود بهذا المقام ینتصر الله به لدینه، فکل إمام منتظر موعود یدعی له بالفرج وتعجیل ذلک له، وأنْ یبعثه الله من قبره لذلک الوعد والمیعاد لقیادة دولة الحق والعدل، وأنَّ دعاء الفرج عام لکل من الأئمة(علیهم السلام) الاثنی عشر، وهو لیسَ من مختصات الإمام المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج)، بلْ قدْ نصَّ فی ذلک الدعاء علی عموم کل الأئمة(علیهم السلام)، کما یتّضح من ذلک أنَّ زیارة کل واحد منهم(علیهم السلام) هی لتجدید العهد والبیعة مع الإمام المزور لأجل النصرة والإعداد لدولة الرجعة «ونصرتی لکم معدّة حتّی یحیی الله دینه بکم».

ص:343


1- (1) کامل الزیارات: - باب / 104، الزیارة لجمیع الأئمة: ص526، الحدیث 2.

ص:344

مفاهیم الرجعة فی زیارة عاشوراء

وتتجلی تلک المفاهیم فی مواضع:

أحدها: «أنَّ یرزقنی طلب ثارک مع إمامٍ منصورٍ من أهل بیت مُحمَّد صلوات الله علیهم أجمعین».

الثانی: «وأنَّ یرزقنی طلب ثارکم مع إمام مهدی هدیً ظاهر ناطق بالحق منکم».

وطلب ثارهم والانتقام لهم لا ینطلق من ردَّة فعل نفسانی وغیض غرائزی، بلْ معنی الانتقام فی منطق الوحی وأهل البیت(علیهم السلام) هو إزالة الباطل وما تولَّد منه من فروع وتداعیات فی البلاد والعباد حصداً بجذوره وأشجاره، أی تطهیر البلاد والعباد من أشخاص الرجس والأنجاس.

وفی الموضع الأوَّل لم یُحصر طلب الثار بمعیة الإمام الثانی عشر(عج)، ولم یقصر علیه(عج)، بلْ عُمِّم إلی کل إمام من الإئمة الاثنی عشر(علیهم السلام)، کما أنَّ الحال کذلک فی الموضع الثانی مع تعمیم الثار إلی طلب ثار کل ظلامة

ص:345

ومظلمة وحق لهم، وکذلک تعمیم الإمام الذی یطلب الثار معه، والتوصیف بالمنصور أو الظاهر والناطق بالحق إشارة إلی إقامة الدولة الظاهرة وبتوسطها یمکن إنجاز ذلک، وأما المقام المحمود فقدْ مرَّ تصریح الروایات أنَّه من أوائل مصادیقه إقامة الدولة لهم فضلاً عن بقیة مصادیقه من مقاماتهم فی القیامة والآخرة.

وإنَّ من غایات الزیارة لهم(علیهم السلام) الحظوة بالکرَّة معهم، فقد وَرَدَ فی زیارة طویلة لسید الشهداء(علیه السلام) أوردها ابن قولویه، حیث وَرَدَ فی الدعاء بعد صلاة الزیارة «وأؤمل فی قربکم النجاة وأرجو فی إتیانکم الکرَّة، وأطمع فی النظر إلیکم وإلی مکانکم غداً فی جنان ربی مع آبائکم الماضین»(1).

وکذا وَرَدَ فی موضع آخر فی الزیارة نفسها «جئتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلفِ من بعدک، فقلبی لک مُسَلّمُ، ورأیی لک مُتَّبعٌ، ونصرتی لک معدة، حتّی یحکم الله بدینه ویبعثکم، وأُشهُد الله أنکُمُ الحُجَّةُ، وبکُم ترجی الرحمة، فمعکم مَعَکُم لا مع عدُوکُم، إنی بکم من المؤمنین، لا أُنکرُ لله قدرةً ولا أُکذبُ منه بمشیئةٍ»(2).

وکذلک: «ونصرتی لکم معدّة حتّی یحیی الله تعالی دینه بکم، ویردکم فی أیامه ویظهرکم لعدله، ویمکّنکم فی أرضه، وقلبی لکم مسلّم، ورائی لکم تبع».

ص:346


1- (1) ابن قولویه/ کامل الزیارات/ ص223.
2- (2) نفس المصدر.

وهذا المقطع من الزیارة قدْ وَرَدَ مضمونه مکرراً فی الزیارات العدیدة، ومفاده: أخذ الاستعداد والإعداد بالتهیء والتمدد فی القوة والقدرة إعداداً لإقامة دولتهم عند رجوعهم إلی دار الدنیا مرةً أُخری، فالتطلع والطموح والإعداد لا یقتصر علی دولة ظهور المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) ، بلْ یعمُّ إقامة دولة دائمة لمحمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام) لا تزول إلی یوم القیامة، وهو مشروع ضخم فیحتاج إلی إعداد واستعداد وتنمیة للقدرات علی کل الأصعدة یتناسب مع حجم وضخامة هذا المشروع.

فوظیفة الاستعداد والانتظار لیست تقتصر علی ظهور الإمام الثانی عشر(عج) فحسب، بلْ تشمل انتظار رجعة کل إمام منهم(علیهم السلام)، وأنَّ من غایات الزیارة توطید هذا المعنی والارتباط.

فالمراد من بعثهم بعثهم من القبور فی الرجعة.

المهدیون الاثنا عشر هم الأئمة الاثنا عشرفی مقام الرجعة:

وَقَدْ وَرَدَتْ الإشارة فی عدة من الروایات إلی رجعة الأئمة الاثنی عشر بلسان غیر عنوان الرجعة، وغیر لفظة الکرة والأوبة، وغیر بقیة عناوین وأسماء الرجعة.

وهذه الإشارة بعنوان المهدیین الاثنی عشر بعد الأئمة الاثنی عشر، ویراد من عدة الاثنی عشرمن المهدیین هم نفس الأئمة الاثنی عشر بلحاظ

ص:347

رجوعهم وکرّتهم بعد الموت إلی الدنیا، لإقامة دولة محمد وآل محمد.

وإنما اعتمد أهل البیت(علیهم السلام) هذا العنوان لعدة حکم ومغازی:

منها: اعتماد التعبیر الکنائی عن الرجعة حیث إنّ عقیدة الرجعة تعنی مشروع إقامة الدولة لدی أهل البیت(علیهم السلام) وإبراز هذا المشروع تصریحا بمکان من الخطورة السیاسیة والأمنیة، ولیس هو عقیدة تجریدیة بحتة.

ومنها: أنّه إشارة إلی أن هذا المقام من المقامات التی یصل إلیها أئمة أهل البیت، وهم موعودون بها من قبل الله تعالی، فی حین أن هذه العقیدة والمعرفة بالرجعة بهذا الشکل قد التبس علی جماعة لتقمّص أدعیاء أرادوا بالمؤمنین اضلالاً عن صراط الحق وعن التمسّک بأئمة الاثنی عشر لأهل البیت(علیهم السلام) إلی أنداد وشرکاء یُشرکون بهم فی الولایة الإلهیة لیزیلوا الحق عن مقرّه، ویصرفوا الناس عن الأئمة الاثنی عشر تلبیساً علیهم باسم الاتصال بالإمام المهدی(علیه السلام) الإمام الثانی عشر، بل ربّما تمادی الغیّ عندهم إلی تهمیش الإمام الثانی عشر ودفعه عن مقامه ومرتبته التی رتّبه الله فیها، وأنه لیس هو المهدی، ولیس هوالذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً، تمنّیهم أنفسهم وشیاطینهم إلی طاعة الشیطان والأبالسة مع استخدام للسحر والشعبذة لیغووا ضعفة العقول والقلوب ومرضی النفوس، الذین لم یتفقّهوا فی الدین، ولم یلجأوا إلی علم ورکن رکین.

فَقَدْ روی الشیخ الطوسی فی الغیبة، وکذا فی مختصر بصائر الدرجات عن جماعة، عن أبی عبدالله الحسین بن علی بن سفیان البزوفری، عن علی

ص:348

بن سنان الموصلی العدل، عن علی بن الحسین، عن أحمد بن محمد بن الخلیل، عن جعفر بن أحمد المصری، عن عمّه الحسن بن علی، عن أبیه، عن أبی عبدالله جعفر بن محمد، عن أبیه الباقر، عن أبیه ذی الثفنات سید العابدین، عن أبیه الحسین الزکی الشهید، عن أبیه أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی اللیلة التی کانت فیها وفاته لعلی(علیه السلام): یا أبا الحسن أحضر صحیفة ودواة، فأملی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وصیته حتی انتهی إلی هذا الموضع، فقال: یا علی إنه سیکون بعدی اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدیاً، فأنت یا علی أوّل الاثنی عشر إماماً، سمّاک الله تعالی فی سمائه: علیاً المرتضی، وأمیر المؤمنین، والصدیق الأکبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدی، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غیرک.

یا علی، أنت وصیی علی أهل بیتی حیهم ومیّتهم، وعلی نسائی فمن ثبَّتها لقیتنی غداً، ومن طلّقتها فأنا بریء منها، لم ترنی ولم أرَها فی عرصة القیامة، وأنت خلیفتی علی أمتی من بعدی. فإذا حضرتک الوفاة فسلمها إلی ابنی الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنی الحسین الشهید الزکی المقتول، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه سید العابدین ذی الثفنات علی، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه موسی الکاظم، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه علی الرضا، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه مُحمَّد الثقة التقی، فإذا حضرته

ص:349

الوفاة فلیسلمها إلی ابنه علی الناصح، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه محمد المستحفظ من آل مُحمَّد(علیهم السلام)، فذلک اثنا عشر إماماً، ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیاً، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه أول المقرّبین(1) له ثلاثة أسامی: اسم کاسمی، واسم أبی وهو عبدالله وأحمد، والاسم الثالث المهدی وهو أوَّل المؤمنین(2).

المغالطة فی فهم الروایة:
اشارة

توهّم: إنّ هذه الروایة دالة علی أن الإمام الثانی عشر یسلّم الوصیة إلی ابنٍ له ثلاثة أسماء، فیکون قول النبی(صلی الله علیه و آله) فی هذه الفقرة:

«فإذا حضرته الوفاة فلیسلّمها إلی ابنه أول المهدیین» بإرجاع الضمیر فی

«إذا حضرته» إلی الإمام الثانی عشر، وکذلک ضمیر

«ابنه» إلی الإمام الثانی عشر(علیه السلام)، وأنّ هذه الثلاثة أسماء هی أسماء لابن الإمام الثانی عشر.

دفع التوهّم:

1 - هذا الإرجاع للضمیر إلی الإمام الثانی عشر خطأ فاحش فی ترکیب عبارات الجمل وسیاقاتها، فإنّ الصحیح أن الضمیر یرجع إلی الإمام الحادی عشر، الإمام الحسن العسکری(علیه السلام)، أی إذا حضرت الإمام

ص:350


1- (1) مختصر بصائر الدرجات (اول المهدیین) بدل (أول المقربین).
2- (2) الغیبه للطوسی:150و151/ح111:مختصر البصائر159- 161/ح11بتفاویت یسیر.

العسکری(علیه السلام) الوفاة فلیسلّمها إلی ابنه الإمام الثانی عشر(علیه السلام) الذی له ثلاثة أسماء، وهو الإمام الثانی عشر أوّل المهدیین، والإمام الثانی عشر له ثلاثة أسماء: اسم کاسم النبی محمد(صلی الله علیه و آله)، والاسم الآخر عبد الله وأحمد، والثالث وهو اللقب المهدی، وهو الإمام الثانی عشر أول المؤمنین، وفی بعض النسخ:

«اسم کاسمی واسم أبیه وهو عبد الله»، وعلی هذه النسخة یکون اسم الإمام الحسن العسکری(علیه السلام) عبد الله، وسنبیّن وجه کون الإمام الثانی عشر أوّل المهدیین وأول المؤمنین.

وأن معنی ووصف ومنصب عنوان المهدی لکل من الأئمة الاثنی عشر من أهل البیت(علیهم السلام) کمقام خاص لمن یقیم دولة محمد وآل محمد فی الإعلان الظاهر وبنحو تبقی مستمرة إلی یوم القیامة، کما أنّ هناک مقام المنتصر أو المنصور للأئمة الاثنی عشر، کما أشیر إلی ذلک فی زیارة عاشور بالإمام المنصور والإمام المهدی(علیه السلام).

ولنذکر الشواهد علی هذا التفسیر:

الشاهد الأول:

ما ورد فی عدة روایات من الفریقین أنّ الذی له أسماء ثلاثة هو نفس الإمام الثانی عشر(علیه السلام):

1 - فقد روی الشیخ الطوسی فی کتاب الغیبة عن الفضل بن شاذان، عن إسماعیل بن عیاش، عن الأعمش، عن أبی وائل، عن حذیفة، قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) ذکر المهدی فقال:

«إنه یبایع بین الرکن والمقام، اسمه

ص:351

أحمد وعبد الله والمهدی، فهذه أسماؤه ثلاثتها»(1).

2 - وقد روی ایضا أنّه(علیه السلام) له اسمین: اسم یخفی واسم یعلن، وروی الصدوق فی کمال الدین بسند قوی أو حسن قال: حدثنا علی بن أحمد بن موسی رضی الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی، قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی، قال: حدثنا إسماعیل بن مالک، عن محمد بن سنان، عن أبی الجارود زیاد بن المنذر، عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر، عن جدّه (علیهم السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) وهو علی المنبر:

«یخرج رجل من ولدی فی آخر الزمان أبیض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عریض الفخذین، عظیم مشاش المنکبین، بظهره شامتان: شامة علی لون جلده، وشامة علی شبه شامة النبی(صلی الله علیه و آله)، له اسمان: اسم یخفی واسم یعلن، فأما الذی یخفی فأحمد، وأما الذی یعلن فمحمد، إذا هزّ رایته أضاء له ما بین المشرق والمغرب، ووضع یده علی رؤوس العباد فلا یبقی مؤمن إلّا صار قلبه أشدّ من زبر الحدید...» (2).

الشاهد الثانی:
اشارة

إنّ عنوان المهدی والمهدیین له تفسیر مستفیض بل متواتر فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) هو کالأصل فی معناه، ویراد به الإمام من الأئمة الاثنی

ص:352


1- (1) الغیبة للشیخ الطوس: ص454ح463، ورواه الراوندی أیضاً فی الخرائج والجرائح: المجلد 3/ص1149.
2- (2) کمال الدین ص653:الباب 57 ح17وراه الراوندی فی الجرائح والخرئج: ج3: ص1149و1150/باب العلامات الکائنة قبل خروج المهدی ومعهح58.

عشر عندما یقیم الدولة الظاهرة الممکّنة لدولة آل مُحمَّد(علیهم السلام)، ومن المستفیض فی روایاتهم(علیهم السلام) أنّ کل الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) یرجعون کما هو مقتضی عقیدة الرجعة بل لکل امام رجعات، وأکثرهم رجوعاً وکروراً أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، ویقیمون دولة آل مُحمَّد(علیهم السلام) واحداً بعد آخر، وهو مقتضی قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1).

وهذا الخطاب عام لکل الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) حتی أن الإمام الثانی عشر أیضاً تکون له رجعة وأن الله منّ علیهم بوعدین: المنّ الالهی الأول المتقدم هو بإصل الامامة، والمنّ الالهی الثانی المتأخرهو بجعلهم یملکون إرث الدولة فی الأرض.

ولا یخفی أن الآیة إنما هی وعد للذین مضی علیهم حالة إستضعاف وقهر فی حیاتهم السابقة الآولی من الدنیا وهو مقتضی دلالة اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ فعل ماض، أی جری علیهم فیما مضی من حیاتهم الأولی من الدنیا فی الأرض إستضعاف، فهولاء وعدهم الله بجعلهم الوارثین.

ومقتضی مفاد الْوارِثِینَ أنهم یکونون مرة أخری فی عاقبة وآخرة الحیاة فی الأرض، فیرثون ملک الأرض، ولا یخفی أن فی الآیة وعدین وعدا بإصل الامامة ووعدا بجعلهم الوارثین، والوعد الثانی هو

ص:353


1- (1) سورة القصص: الآیة 5.

بجعلهم ملوکا یملکون إدارة الدولة فی الأرض، وهو مقام وعنوان ووصف المهدویة.

فالمراد بالمهدیین الاثنی عشر هم الأئمة الاثنا عشر أنفسهم فی حال الرجعة وإقامة الدولة الظاهرة، فلهم مقام المهدویة بعد تسنّمهم أصل مقام الإمامة من دون دولة ظاهرة معلنة، والحال ذَلِکَ - أی مقام الإمامة - وصف ونعت للإمام الثانی عشر منذ الوصیة والإمامة من أبیه الحسن العسکری(علیه السلام) إلی یوم ظهوره، وحین ظهوره وبدء إقامته للدولة الظاهرة یتحقّق له الوصف الفعلی لمقام المهدی، وإلی هذا المفاد - أی تعدد الحال فی الامام الثانی عشر وأنه تمر به مرحلتان- یشیر قول النبی(صلی الله علیه و آله) فی الروایة المزبورة: فذلک اثنا عشر إماماً، ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیاً، أی بعد إمامة الإمام الثانی عشر وامتدادها فی عصر الغیبة یتحقق بدء إقامة دولة محمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام)، وأوَّل من یقیمها هو الإمام الثانی عشر، ومن ثمّ یکون الإمام الثانی عشر هو أول المهدیین بعد أن کان له أصل مقام الإمامة طیلة فترة الغیبة، فالامام الثانی عشر متمیز فی الائمة الاثنی عشر باتصال مقام امامته بمقام مهدویته.

وهذا هو سرّ تکرار قوله(صلی الله علیه و آله) فی ذیل الروایة:

«فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها الی ابنه محمد المستحفظ من آل مُحمَّد(علیهم السلام) فذلک إثنی عشر إماماً ثم یکون من بعدی إثنی عشر مهدیا، «فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها الی أبنه اول المقربین له ثلاثة أسامی: أسم کاسمی، واسم أبی وهو عبدالله وأحمد، والاسم

ص:354

الثالث المهدی وهو أول المؤمنین» فکرر(صلی الله علیه و آله) قوله فإذا حضرته الوفاة أی الحسن العسکری(علیه السلام) فلیسلمها إلی أبنه ای محمد، إذ فی المرة الثانیة أیضا صّرح(صلی الله علیه و آله) أن الابن أسمه محمد کما قال(صلی الله علیه و آله)

«اسم کأسمی» فسبب هذا التکرار بحضور وفاة الحسن العسکری(علیه السلام) أنه یسلمها الی ابنه محمد أن الامام الثانی عشر له مقامان متصلان زمانا الأول أصل الامامة والثانی مقام المهدویة، فمن ثم کرر التعبیر فیه دون بقیة الائمة الاثنی عشر لانفکاک زمان إمامتهم عن زمان مقام المهدویة لهم، وهو أول المؤمنین زمنا لا رتبة والمخاطبین أیضا فی آیة الوعد الالهی فی سورتی النور والقصص والذین هم الأئمة الاثناعشر الذین وعدهم الله أن یستخلفهم فی الأرض بدولة معلنة ویمکّن لهم إقامة الدین حیث یبدلهم بعد الخوف أمناً کما هو نصّ قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1).

ویتّضح هذا التفسیر بشکل مفهوم جلی من الروایات الواردة فی بیان هذا المعنی لعنوان ووصف المهدی.

أول المهدیین واحد من الائمة الاثنی عشر:

1 - روی فی تحف العقول وصیّة الصادق(علیه السلام) لمؤمن الطاق أبی جعفر محمد بن النعمان الأحول فی وصیة طویلة بلزوم مراعاة التقیة والکتمان

ص:355


1- (1) سورة النور 55

وعدم الإذاعة:

«فلا تعجلوا فوالله قد قرب هذا الأمر - ثلاث مرات - فأذعتموه، فأخّره الله»(1).

ومراده(علیه السلام): من هذا الأمر أی قیام دولة آل محمد(صلی الله علیه و آله) التی تبقی إلی یوم القیامة.

وروی الشیخ الطوسی فی الغیبة بإسناده إلی أبی حمزة الثمالی، عن أبی جعفر(علیه السلام) قوله:

«یا ثابت إن الله تعالی کان وقّت هذا الأمر فی السبعین، فلمّا قتل الحسین(علیه السلام) اشتدّ غضب الله علی أهل الأرض، فأخّره إلی أربعین ومائة سنة، فحدّثناکم فأذعتم الحدیث وکشفتم قناع السر، فأخّره الله ولم یجعل له بعد ذلک عندنا وقتاً...»(2).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسند صحیح عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: قال:

«إنَّ أصحاب محمّد(صلی الله علیه و آله) وعدوا سنة السبعین فلمَّا قتل الحسین(علیه السلام) غضب الله عَزَّ وَجَلَّ علی أهل الأرض فأضعف علیهم العذاب، وإنَّ أمرنا کان قد دنی فأذعتموه فأخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ... الحدیث»(3).

وروی النعمانی فی الغیبة بسند موثَّق عن أبی بصیر، عن أبی عبد

ص:356


1- (1) تحف العقول 310
2- (2) الغیبة للطوسی:428 /فص7/ح417، والغیبة للنعمانی:303 و304/ ب16/ ح10، الکافی المجلد1:368/باب کراهیة التوقیت /ح1، الخرائج والجرائح للراوندی: ج178:1و179/ح11.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات:ح16/297ص336.

الله(علیه السلام)، قال: قلت له:

«ما لهذا الأمر أمد ینتهی إلیه ویریح أبداننا؟ قال: بلی، ولکنَّکم أذعتم فأخَّره الله»(1).

وروی النعمانی أیضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار الصیرفی، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«قد کان لهذا الأمر وقت وکان فی سنة أربعین ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ»(2).

وروی فی الموثَّق عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لی أبو عبدالله(علیه السلام):

«یا أبا إسحاق، إنَّ هذا الأمر قد اخّر مرَّتین»(3).

وروی الشیخ الطوسی بسنده عن عثمان النوی، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«کان هذا الأمر فیَّ فأخَّره الله ویفعل بعد ذلک فی ذرّیتی ما یشاء»(4).

والمراد من الأمر فی هذه الروایات المستفیضة التی کان قد وقّت من قبل الله تعالی هو ظهور وقیام دولة آل محمّد(علیهم السلام)، الدولة الموعود باستمرارها إلی یوم القیامة یتعاقب الأئمّة الاثنا عشر علیها.

ویصطلح فی روایات أهل البیت علی الإمام الذی یتمّ علی یدیه بدء إنشاء إقامة هذه الدولة أنَّه المهدی من آل محمّد(صلی الله علیه و آله)، وإلی هذا تشیر الروایة

ص:357


1- (1) الغیبة للنعمانی: 299/باب16/ح1، الغیبة للطوسی :427و428/ح416بتفاوت یسیر.
2- (2) غیبة النعمانی :303/باب16/ح8.
3- (3) الغیبة للنعمانی:303/باب16/ح9.
4- (4) الغیبة للطوسی:428و429/فصل 7/ح418.

الأخیرة، وتشیر هذه الطائفة من الروایات إلی أنَّ مقام المهدی من آل محمّد(صلی الله علیه و آله) قد قدَّره الله عَزَّ وَجَلَّ فی السبعین، أی بدء إقامة هذه الدولة المستمرة علی ید سیّد الشهداء، فلمَّا فرَّط المؤمنون والمسلمون فی القیام بالمسؤولیة وقتل الحسین(علیه السلام) اشتدَّ غضب الله علی أهل الأرض فأخَّره الله من باب یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (1)، لأنَّه لم یکن ذلک التقدیر تقدیر جبر، وإنَّما أمر بین أمرین لسُنّة الله المشار إلیها فی قوله تعالی: إِنَّ اللّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (2)، فقدَّر الله أن یکون مهدی آل محمّد(صلی الله علیه و آله) هو الإمام جعفر الصادق(علیه السلام)، فحصل التفریط مرَّة أخری فقدَّره الله فی الإمام موسی بن جعفر، فوقع التفریط ثالثة فأخَّره الله إلی ما یشاء.

ومن ثَمّ أشارت هذه الطائفة من الروایات إلی أنَّ هذا الأمر قد وقَّته الله ثلاث مرَّات ولعلَّ الثلاث إلی زمن الصادق(علیه السلام) والتقدیر فی زمن موسی بن جعفر(علیه السلام) یکون رابعا.

وهذا التغییر من باب یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ لا یتنافی مع علم الله الحتمی بمقادیر الأمور وأقدارها وحتم إبرامها، ومن ثَمَّ لا تتنافی هذه الروایات مع الروایات الأخری أنَّ مهدی آل محمّد هو الإمام الثانی عشر.

ص:358


1- (1) سورة الرعد: الآیة 39.
2- (2) سورة الرعد: الآیة 11.

والحاصل: أنَّ هذه الطائفة تعزّز أنَّ المهدویة مقام لأئمّة أهل البیت(علیهم السلام) الاثنی عشر هو بلحاظ قیامهم بالدولة المعلنة التی تستمرّ إلی یوم القیامة.

وإلی ذلک یشیر ما رواه الکلینی فی الکافی بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«... والمهدی یجعله الله من شاء منّا أهل البیت»(1).

ص:359


1- (1) الکافی: 450/1/باب مولد النبی ووفاته/ ح34، تفسیر فرات الکوفی: 112/ ح113 /11.

ص:360

علی(علیه السلام) المهدی الأکبرمن المهدیین الاثنی عشر

2 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبد الله الجدلی، قال: دخلت علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) فقال:

«ألا احدّثک -ثلاثاً- قبل أن یدخل علیَّ وعلیک داخل»؟، قلت: بلی! فقال:

«أنا عبد الله، أنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبیّها وأنا عبد الله، ألا اخبرک بأنف المهدی وعینه؟، قال: قلت: نعم، فضرب بیده إلی صدره فقال: أنا»(1).

وروی أیضاً عن أبی عبد الله الجدلی، قال: دخلت علی علی(علیه السلام) فقال:

«اُحدّثک بسبعة أحادیث إلاَّ أن یدخل علینا داخل، قال: قلت: افعل جُعلت فداک، قال: أتعرف أنف المهدی وعینه؟، قال:قلت: أنت یا أمیر المؤمنین...»(2).

وَقَدْ وَرَدَتْ روایات مستفیضة بأنَّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) هو صاحب الکرّات والرجعات ودولة الدول، ومن ثَمَّ یکون هو المهدی الأکبر من أئمّة أهل البیت(علیه السلام)، کما هو مفاد هاتین الروایتین وروایات أخری أنَّه عین

ص:361


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ح28/539ص569.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات:ح29/540ص569.

المهدی وأنفه، حیث تضمَّن تشبیه المهدی بأعضاء جسم بعضها رئیسی مرکزی وهو العین والأنف، وأنّ مقام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) بین الأئمّة الاثنی عشر فی الاتّصاف بوصف المهدی هوموقع العین، وهذا یبیّن أنَّ صدق عنوان المهدی علی الأئمّة الاثنی عشر هو بتفاوت.

3 - ما رواه فی بصائر الدرجات عن عبد الله، عن إبراهیم بن محمّد الثقفی، قال: أخبرنا إسماعیل بن یسار، حدَّثنی علی بن جعفر الحضرمی، عن سلیم الشامی أنَّه سمع علیاً(علیه السلام) یقول:

«إنّی وأوصیائی من ولدی مهدیّون کلّنا محدّثون»، فقلت: یا أمیر المؤمنین من هم؟ قال:

«الحسن والحسین(علیهماالسلام)، ثمّ ابنی علی بن الحسین»، قال: وعلی یومئذٍ رضیع،

«ثمّ ثمانیة من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذین أقسم الله بهم فقال: وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ

أمَّا الوالد فرسول الله(صلی الله علیه و آله) وما ولد یعنی هؤلاء الأوصیاء...»(1)الحدیث.

وکون الأوصیاء الاثنی عشر أولاد رسول الله(صلی الله علیه و آله) مع أنَّ علیاً ابن عمّ النبیّ(صلی الله علیه و آله) وأخیه من باب التغلیب، أو أن علیا أبن رسول الله روحاً ونوراً، واُطلق فی هذه الروایة المهدی علی کلّ الأئمّة الاثنی عشر.

4 - ما رواه الصدوق فی الصحیح عن أبان بن أبی عیاش، عن إبراهیم بن عمر الیمانی، عن سلیم بن قیس الهلالی، قال: «

سمعت سلمان الفارسی رضی الله عنه یقول: کنت جالساً بین یدی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی مرضته التی قبض

ص:362


1- (1) بصائر الدرجات :392جزء8/ باب1ح15.

فیها فدخلت فاطمة(علیهاالسلام)... فقال(صلی الله علیه و آله) لها وأبناء بعلک أوصیائی إلی یوم القیامة، کلّهم هادون مهدیّون، وأوَّل الأوصیاء بعدی أخی علی، ثمّ حسن، ثمّ حسین، ثمّ تسعة من ولد الحسین فی درجتی، ولیس فی الجنَّة درجة أقرب إلی الله من درجتی...» الحدیث(1).

ورواه سلیم بن قیس فی کتابه مع تفاوت یسیر فی الألفاظ.

5 - وروی ابن أبی زینب النعمانی فی کتاب الغیبة عن ابن عقدة وغیره بإسنادهم عن عبدالرزّاق بن همام، عن معمّر بن راشد، عن أبان بن أبی عیاش، عن سلیم بن قیس، عن علی بن أبی طالب، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حدیث:

«... أیّها الناس، لیبلّغ مقالتی شاهدکم غائبکم، اللهمّ اشهد علیهم، ثمّ إنَّ الله نظر نظرة ثالثة فاختار من أهل بیتی بعدی، وهم خیار أمّتی أحد عشر إماماً بعد أخی واحداً بعد واحد، کلَّما هلک واحد قام واحد، مثلهم فی أهل بیتی کمثل نجوم السماء، کلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمّة هداة مهدیّون...»(2).

وهذا الحدیث طریقه موثّق، ولاحظ قول رسول الله(صلی الله علیه و آله) فوصف الاثنی عشر أولا بمقام الامامة، وثانیا بمقام (المهدیون)، وهو مطابق لتفسیر قوله(صلی الله علیه و آله)

«فذلک اثنا عشر اماما ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیا» بالضرورة، لأنَّه دور ثانٍ لهم کمجموعة وعدة یرجعون فیقومون به لاسیما وأنَّ الترتیب الزمانی لرجوعهم لیسَ بترتیب مراتبهم، وتفسیره برجعة

ص:363


1- (1) کمال الدین للصدوق: باب 24/ح262/10و263 ، کتاب سلیم بن قیس :132 /135.
2- (2) الغیبة للنعمانی ص85و86/باب 4/ح12، کتاب سلیم بن قیس: ص236.

الائمة الاثنی عشر وأن المهدیین الاثنی عشر مقام الرجعة للائمة الاثنی عشر وإقامتهم لدولة العدل.

وَقَدْ مرّ أنَّ الوعد الالهی فی آیة القصص وآیة النور یقتضی أن الموعود بالاستخلاف لوراثة الأرض وإقامة الدولة الالهیة هم نفس الائمة الاثنی عشر الذین استضعفوا فی الأرض سابقاً.

وورد کثیراً إطلاق المهدی والمهدیّین علی الأئمّة(علیهم السلام) فی الروایات.

الشاهد الثالث:

وممَّا یشهد إرادة الأئمّة الاثنی عشر من المهدیّین الاثنی عشر من هذه الروایة - أی روایة الوصیّة وتسلیمها من کلّ إمام إلی الإمام الذی بعده - أنَّ نفس هذه الروایة التی رواها الشیخ الطوسی فی الغیبة ورواها عنه فی مختصر بصائر الدرجات قد اشتملت علی کون اسم المهدی من أسماء علی(علیه السلام)التی قد سمّاه الله بها، والتی لا تصحُّ لأحد غیره.

فالصحیح المتعین الذی لا لبس فیه ولا زیغ یعتریه ولا ریب یمتریه أنَّ المراد من المهدیّین الاثنی عشر بعد الأئمّة الاثنی عشر هم نفس الأئمّة(علیهم السلام) بلحاظ دور الرجعة لهم(علیهم السلام)، فهم المهدیّون ولذلک ذکر فی بعض نسخ الروایة أنَّ الإمام الثانی عشر أوَّل المؤمنین وأوَّل المهدیین، وقد مرَّ أنَّ ذلک إشارة فی الآیة الواعدة بالرجعة.

ص:364

تساؤل:

ولعلَّک تسأل: فلماذا غایر النبیّ(صلی الله علیه و آله) فی التعبیر بین الأئمّة الاثنی عشر والمهدیّین الاثنی عشر، وکأنَّ المجموعة الأُولی أئمّة اثنا عشر، وأنَّ هناک مجموعة ثانیة عددها أیضاً اثنا عشر کلّهم مهدیّون.

والجواب:

إنَّ التعبیر وإن أوهم المغایرة للوهلة الأولی إلاَّ أنَّ اتّحاد المراد مألوف فی استعمال الروایات، نظیر ما رواه الشیخ فی الغیبة من موثَّق جابر الجعفی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«والله لیملکنَّ منّا أهل البیت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة یزداد تسعاً»، قلت: متی یکون ذلک؟ قال:

«بعد القائم»، قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال:

«تسع عشرة سنة، ثمّ یخرج المنتصر فیطلب بدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه، فیقتل ویسبی حتَّی یخرج السفّاح»(1).

فالناظر فی هذه الروایة فی المتبادر الأول یتوهَّم أنَّ الرجل من أهل البیت والذی یملک بعد القائم أو المنتصر الذی یخرج بعد القائم والذی یطلب بثأر وبدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه هو غیر الحسین(علیه السلام)بمقتضی تعدّد التعبیر مع أنَّه قد استفاضت الروایات أنَّ المنتصر هو الحسین(علیه السلام)، ففی روایات رواها المفید فی الاختصاص عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث: وهل تدری من المنتصر والسفّاح؟ یا جابر؟ المنتصر الحسین بن

ص:365


1- (1) الغیبة للطوسی: ص478و479/ فص 8/ح505.

علی، والسفّاح علی بن أبی طالب(علیهماالسلام)»(1).

وروی الشیخ الصدوق فی عیون أخبار الرضا(علیه السلام): بسنده عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: سمعته یقول:

«منّا اثنا عشر مهدیاً، مضی ستّة وبقی ستّة، ویصنع الله فی السادس ما أحبّ»(2).

الشاهد الرابع:

ما ورد من روایات مستفیضة أنَّ الذی یلی الوصیّة، ویلی مقالید الإمام الثانی عشر، ویلی الخاتم هو الحسین(علیه السلام)، حیث یدفع إلیه القائم(علیه السلام) کلّ ذلک:

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبدالله(علیه السلام):

«ویقبل الحسین(علیه السلام) فی أصحابه الذین قتلوا معه، ومعه سبعون نبیّاً کما بعثوا مع موسی بن عمران(علیه السلام)، فیدفع إلیه القائم(علیه السلام)الخاتم، فیکون الحسین(علیه السلام) هو الذی یلی غسله وکفنه وحنوطه ویواری به فی حفرته»(3).

2 - ما رواه فی الکافی بسنده إلی عبد الله بن القاسم البطل، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث: ... وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم(علیه السلام)، ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ خروج الحسین(علیه السلام) فی سبعین من أصحابه

ص:366


1- (1) الاختصاص ص258.
2- (2) عیون أخبار الرضا* المجلد 2ص69ح37.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات :ح43/143ص197.

علیهم البیض المذهَّب لکلّ بیضة وجهان،

(یؤذن المؤذنون) المؤدّون إلی الناس أنَّ هذا الحسین(علیه السلام) قد خرج حتَّی لا یشکّ المؤمنون فیه، وأنَّه لیس بدجّال ولا شیطان، والحجّة القائم بین أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة فی قلوب المؤمنین أنَّه الحسین(علیه السلام) جاء الحجّة الموت، فیکون الذی یغسّله ویکفّنه ویحنّطه ویلحّده فی حفرته الحسین بن علی(علیهماالسلام)، ولا یلی الوصیّ إلاَّ الوصیّ»(1).

ورواها العیاشی فی تفسیره ولکن مع اختلاف یسیر فی الألفاظ، ففی ذیل الروایة:

«المؤدّی إلی الناس - أنَّ الحسین قد خرج فی أصحابه حتَّی لا یشکُّ فیه المؤمنون وأنَّه لیس بدجّال ولا شیطان - ، الإمام الذی بین أظهر الناس یومئذٍ، فإذا استقرَّ عند المؤمن أنَّه الحسین لا یشکّون فیه، وبلغ عن الحسین الحجّة القائم بین أظهر الناس وصدَّقه المؤمنون بذلک، جاء الحجّة الموت فیکون الذی غسَّله، وکفَّنه، وحنَّطه، وإیلاجه فی حفرته الحسین، ولا یلی الوصیّ إلاَّ الوصیّ»، وزاد إبراهیم فی حدیثه:

«ثمّ یملکهم الحسین حتَّی یقع حاجباه علی عینیه»(2).

3 - ما تَقَدَّمَ من روایة الشیخ الطوسی فی الغیبة، من أنَّه یملک بعد القائم رجل من أهل البیت ثلاثمائة سنة ویزداد تسعة، وهو المنتصر وهو

ص:367


1- (1) الکافی :مجلد 8 ح250.
2- (2) تفسیر العیاشی ذیل سور ة الاسراء مجلد 2ص281ح20 ورواه ابن قولویه فی کامل الزیارات بسنده عن عبدالله بن القاسم الحضرمی عن صالح بن سهل عن ابی عبدالله* ص133الباب 18 ح1.

المنصور ویطلب بدمه وبدماء أصحابه»(1)، وقد رواها المفید فی الاختصاص ببسط فی الروایة عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«والله لیملکنَّ رجل منّا أهل البیت بعد موته ثلاث مائة سنة ویزداد تسعاً»، قال: فقلت: فمتی یکون ذلک؟ قال: فقال:

«بعد موت القائم»، قلت له: وکم یقوم القائم فی عالمه حتَّی یموت؟ قال: فقال:

«تسعة عشر سنة من یوم قیامه إلی یوم موته...» وذکر بقیّة الحدیث(2).

4 - بسنده عن عقبة عن ابی عبدالله(علیه السلام) أنه سئل عن الرجعة أحق هی؟

قال نعم فقیل له من أول من یخرج قال؟ قال: الحسین یخرج علی إثر القائم(عج)، قلت ومعه الناس کلهم؟ قال لا بل کما ذکر الله تعالی فی کتابه یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قوما بعد قوما(3).

الشاهد الخامس:

ما تواتر من عقیدة رجعة الأئمّة الاثنی عشر من أهل البیت إلی الدنیا، ورجوع الموتی ممَّن محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، ورجوع أعداء أهل البیت(علیهم السلام)، وأنَّ أوَّل من یرجع من أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) هو الحسین بن علی(علیه السلام) فی زمن الحجّة عجل الله فرجه، فیکون هو الإمام بعده، ثمّ یرجع

ص:368


1- (1) الغیبة للطوسی ح505ص478و479 ورواه فی مختصر بصائر الدرجات عن مصدر آخر ح45/145ص197.
2- (2) الاختصاص ص257 و258.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات: الحدیث 42/142.

بعد الحسین(علیه السلام) علی بن أبی طالب(علیه السلام).

وروایات رجعة الأئمّة الاثنی عشر إلی الدنیا بعد موت الإمام الثانی عشر قد بلغت مئات الروایات.

فما رواه الحرّ العاملی فی کتاب (الإیقاظ من الهجعة) ما یزید علی ستّة مائة روایة، فضلاً عمَّا رواه المجلسی وتلمیذه صاحب العوالم والأسترآبادی وغیرهم کثیرون، فضلاً عما رواه العامّة من روایات مرادفة للفظ الرجعة معنی وإنْ لم تکن مرادفاً لغویاً.

والإحصائیة الدقیقة لتلک الروایات قد تزید علی الألف بکثیر، فضلاً عن مجموع روایات عموم الرجعه عند الفریقین.

فإنَّ العدد یتضاعف علی ذلک اضعافاً، وسیأتی تفصیل ذلک فی الباب الثانی.

ومن الواضح أنَّ عقیدة رجعة الأئمّة الاثنی عشر بعد الإمام الثانی عشر تبطل توهّم أنَّ المهدیّین الاثنی عشر، أو أن الاثنی عشر مهدیاً هم غیر الأئمّة الاثنی عشر.

ویتناقض مع توهم التعدّد بین الأئمة الاثنی عشر والمهدیین الاثنی عشر جمله من الروایات:

1 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد بن عیسی، عن عمر بن عبد العزیز، عن رجل، عن جمیل بن درّاج، عن المعلّی بن خنیس وزید الشحّام، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قالا: سمعناه یقول:

«إنَّ أوَّل من یکرُّ فی الرجعة الحسین بن علی(علیهماالسلام)، ویمکث فی الأرض أربعین سنة حتَّی

ص:369

یسقط حاجباه علی عینیه»(1).

2 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات أیضاً عن أیّوب بن نوح والحسین بن علی بن عبد الله بن المغیرة، عن العبّاس بن العامر القصبانی، عن سعید، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعین، قال: قال أبو جعفر(علیه السلام):

«إنَّ أوَّل من یرجع لجارکم الحسین بن علی(علیه السلام)، فیملک حتَّی تقع حاجباه علی عینیه من الکبر»(2).

3 - ما روی فی مختصر بصائر الدرجات أیضا من صحیح المعلی بن خنیس، قال، قال: لی أبو عبدالله(علیه السلام)

«أول من یرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیهماالسلام) فیملک حتی یسقط حاجباه علی عینیه من الکبر... الحدیث». ثم ذکر(علیه السلام) رجعة النبی(صلی الله علیه و آله)(3) .

4- ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن جابر الجعفی قال: «سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول والله لیملکن منّا أهل البیت رجلاً بعد موته ثلاث مئة سنة، ویزاد تسعا قلت متی یکون ذلک؟

قال بعد القائم(علیه السلام) قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال: تسعة عشر سنة، ثم یخرج المنتصر إلی الدنیا وهو الحسین فیطلب بدمه ودم أصحابه، فیقتل ویسبی حتی یخرج السفاح وهو أمیر المومنین علی بن ابی طالب(علیه السلام)»(4).

ص:370


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ح 4/58 - ص119.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات/ح39/93 - ص174.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات /ح44/98ص149.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /45/145 /ص/197.

والسفاح فی اللغة: المعطاء والفصیح والقادر علی الکلام.

5 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی جعفر(علیه السلام) قال قال الحسین(علیه السلام)

لأصحابه قبل أن یقتل ... - وذکر(علیه السلام) أنه یستشهد ومن معه - وقال (الحسین(علیه السلام) ثم امکث ما شاء الله فاکون أول من تنشق الارض عنه فاخرج خرجة توافق خرجة أمیر المومنین(علیه السلام) وقیام قائمنا ... الحدیث(1).

6 - ما ورد مستفیضاً أنَّ الحسین(علیه السلام) عندما یخرج إلی الدنیا فی أواخر حیاة الإمام الثانی عشر حیث لا یکون للإمام الثانی عشر عَقِباً من ولدِه حیّاً حینئذٍ کی لا ینازع سیّد الشهداء فی انتقال الوصیّة والإمامة إلیه.

الشاهد الساد س:

1 - ما رواه الشیخ الطوسی فی الغیبة بسندٍ حسن عن الحسن بن علی الخزّاز، قال: دخل علی بن أبی حمزة علی أبی الحسن الرضا(علیه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: «إنّی سمعت جدّک جعفربن محمّد(علیهماالسلام) یقول: لا یکون الإمام إلاَّ وله عقب؟ فقال

:أنسیت یا شیخ أم تناسیت؟ لیس هکذا قال جعفر، إنَّما قال جعفر: لا یکون الإمام إلاَّ وله عقب إلاَّ الإمام الذی یخرج علیه الحسین بن علی(علیهماالسلام) فإنَّه لا عقب له، فقال له: صدقت جُعلت فداک هکذا سمعت جدّک یقول»(2).

ص:371


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح49/149/ص 201.
2- (2) الغیبه للطوسی ح/188 ص/224.

ورواه الطبری فی دلائل الامامه بطریق آخر إلا أن لفظه فی وسط الحدیث لا یکون الامام إلا وله ولد إلا الإمام الذی یخرج علیه الحسین(علیه السلام) ...(1).

وتفسیر هذه الطائفة من الروایات - والآتی عِدَّة أُخری منها من أنَّ الإمام الثانی عشر لا یکون له عقب عند خروج جدّه سیّد الشهداء(علیه السلام) إلی الدنیا فی الرجعة- هو لأجل أن یدفع الإمام الثانی عشر الوصیّة ومقالید الإمامة والأمانة الإلهیة إلی جدّه الحسین، فلا یکون هناک مانع من انتقال الوصیة الالهیة والملکوتیة ومقالید الامامة من الإمام الثانی عشر إلی جده الحسین(علیه السلام) عند ذلک من قبیل ولدٍ من صلبه مباشر یتقرَّر له استحقاق الوراثة فیمانع من انتقال الإمامة إلی الجدّ وهو سیّد الشهداء.

فالروایة فی هذه الطائفة لیست نافیة للولد والعقب للإمام الثانی عشر مطلقاً، بل فی ظرف أواخر حیاته الشریفة.

2 - وروی الکشی بسنده عن محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا جعفر بن أحمد، عن أحمد بن سلیمان، عن منصور بن العبّاس البغدادی، قال: حدَّثنا إسماعیل بن سهل، قال: حدَّثنی بعض أصحابنا وسألنی أن أکتم اسمه، قال کنت عند الرضا(علیه السلام) فدخل علیه علی بن ابی حمزه... قال له علی: إنّا روینا عن آبائک أنَّ الإمام لا یلی أمره إلاَّ إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن(علیه السلام):

«فأخبرنی عن الحسین بن علی(علیهم السلام) کان إماماً أو کان غیر إمام؟، قال: کان إماماً، قال:

فمن ولی أمره؟، قال: علی بن الحسین، قال:

وأین کان علی بن

ص:372


1- (1) دلائل الامامه للطبری ح /9/405 ص 435و436.

الحسین(علیهماالسلام)؟، قال: کان محبوساً بالکوفة فی ید عبید الله بن زیاد، قال:

خرج وهم لا یعلمون حتَّی ولی أمر أبیه ثمّ انصرف.

فقال له أبو الحسن(علیه السلام):

«إنَّ هذا أمکن علی بن الحسین(علیه السلام) أن یأتی کربلاء فیلی أمر أبیه، فهو یمکن صاحب هذا الأمر أن یأتی بغداد فیلی أمر أبیه ثمّ ینصرف ولیس فی حبس ولا فی إسار».

قال له علی: إنّا روینا أنَّ الإمام لا یمضی حتَّی یری عقبه؟ قال: فقال أبو الحسن(علیه السلام):

أمَارویتم فی هذا الحدیث غیر هذا؟، قال: لا، قال: بلی والله، لقد رویتم فیه إلاَّ القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قیل.

قال له علی: بلی والله إنَّ هذا لفی الحدیث، قال له أبو الحسن(علیه السلام):

«ویلک!! کیف اجترأت علیّ بشیء تدع بعضه؟، ثمّ قال: یا شیخ اتَّق الله ولا تکن من الصادّین عن دین الله تعالی»(1).

وفی روایة المسعودی فی إثبات الوصیة عن الحمیری عن سهل بن زیاد عن منصور بن العباس عن اسماعیل بن سهل عن بعض اصحابه قال کنت عند الرضا(علیه السلام) ...وروی مثله مع اختلاف فی بعض الألفاظ وفی ذیله: فقال له الرضا ویحک تجرأت علیّ أن تحتج علیّ بشیئ تدمج بعضه بعضا، ثم قال(علیه السلام) أن الله تعالی سیرینی عقبی انشاء الله، ثم قال لعلی بن حمزة یا شیخ اتق الله تعالی ولا تکن من الصدادین عن دین الله(2).

ص:373


1- (1) اختیار معرفة الرجال للطوسی ح/883 ج2 /ص 763 وراه المسعودی فی اثبات الوصیة .
2- (2) اثبات الوصیة للمسعودی ص201.
الشاهد السابع:
اشارة

ما ورد فی عدَّة روایات فی المقام من التأکید علی أنَّ هؤلاء (المهدیّون) لیسوا بأئمّة وراء الأئمّة الاثنی عشر، فلیس عدد الأئمّة یتغیَّر أو یزداد عن الأئمّة الاثنی عشر، بل الاثنا عشر مهدیاً عبارة عن إشارة إلی دولة الرجعة للائمّة الاثنی عشر، فالاثنا عشر مهدیاً عنوان آخر لعقیدة الرجعة یشار بها إلی دولتهم(علیهم السلام) فی الرجعة.

1 - ما رواه الصدوق عن أبی بصیر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد(علیهماالسلام): یا ابن رسول الله إنّی سمعت من أبیک(علیه السلام) أنَّه قال:

«یکون من بعد القائم اثنا عشر مهدیاً، فقال: إنَّما قال: اثنا عشرمهدیاً، ولم یقل: اثنا عشر إماماً، ولکنَّهم قوم من شیعتنا یدعون الناس إلی موالاتنا ومعرفة حقّنا»(1)، ورواها فی مختصر بصائر الدرجات(2).

فقوله(علیه السلام):

«ولم یقل: اثنا عشر إماماً» النفی منصبٌّ علی توهّم اثنا عشر إماماً کمجموعة ثانیة غیر الاثنا عشر الأولی، فنفی ذلک(علیه السلام) لئلاَّ یتوهَّم أنَّ مجموع الأئمّة أربعة وعشرون، بل هؤلاء الاثنا عشر مهدیاً هم نفس الأئمّة الاثنی عشر، غایة الأمر أنَّ التعبیر عن رجعتهم وکرَّتهم وأوبتهم وإقامتهم للدولة یعبَّر عنه بمقام الإمام المهدی، فهم مهدیّون اثنا عشر.

ص:374


1- (1) کمال الدین: ص358ب33ح56.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح50/561 ص579.

وأمَّا قوله(علیه السلام) فی ذیل الروایة:

«ولکنَّهم قوم من شیعتنا یدعون الناس إلی موالاتنا ومعرفة حقّنا»، فتفسیره وتأویله محتمل لوجوه:

أ - ما ذکره صاحب مختصر بصائر الدرجات: أنَّ المقصود بالمهدیّین رجعة الأئمّة الاثنی عشر، ولکن لعدم احتمال السائل عقیدة الرجعة لئلاَّ ینکرها فیکفر، قال:

«اعلم هداک الله بهداه أنَّ علم آل محمّد لیس فیه اختلاف بل بعضه یصدّق بعضاً، وقد روینا أحادیث عنهم صلوات الله علیهم جمَّة فی رجعة الأئمّة الاثنی عشر، فکأنَّه(علیه السلام) عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذی خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته وتکرَّم به علی من أراد من بریَّته، کما قال سبحانه وتعالی: ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ

فأوَّله بتأویل حسن بحیث لا یصعب علیه فینکر قلبه فیکفر»(1).

ویؤیّد استظهاره بأنَّ الإمام(علیه السلام) لم یرد أن یبرز للسائل - وهو أبو بصیر - ولا أن یفصح له عن (الرجعة ) کَمَا یظهر من جملة من روایات الرجعة، أنَّ الرجعة حیث تمثّل عنواناً لإقامة دولة آل محمّد(صلی الله علیه و آله) فکأنَّ الحدیث عنها یکتنفه حذر وسرّیة بالغة فی دولة بنی أمیّة وبنی العبّاس، حتَّی أنَّه قد ورد فی روایة أنَّ زرارة کان یلحُّ فی السؤال علی الإمام الصادق(علیه السلام) عن الرجعة بنحو متخفٍ وبآخر ملتوی والإمام(علیه السلام) لا ینفتح معه فی مداولة الحدیث عن الرجعة، نعم استظهاره أنَّ الاثنی عشر مهدیاً عنوان لرجعة أهل

ص:375


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ذیل ح50/561 ص580.

البیت(علیهم السلام) متین فی محلّه مطابق للشواهد التی مرَّت بأن المراد ب-

«قوم من شیعتنا» هم الأئمّة الأحد عشر، فإنَّهم شیعة لوالدهم سیّد الأوصیاء أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، کما وَرَدَ فی الأحادیث أنَّ الحسن والحسین من شیعة علی(علیه السلام)(1)، فضلاً عن بقیّة الأئمّة التسعة، وورد عن الإمام الصادق(علیه السلام):

«ولایتی لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) أحبُّ إلیَّ من ولادتی منه، لأنَّ ولایتی لعلی بن أبی طالب فرض، وولادتی منه فضل»(2)، وورد عنه(علیه السلام) أیضاً:

«ولایتی لآبائی أحبُّ إلیَّ من نسبی، ولایتی لهم تنفعنی من غیر نسب، ونسبی لا ینفعنی بغیر ولایة»(3)، وورد نظیر هذا المضمون عن الباقر(علیه السلام) والکاظم(علیه السلام) وتوصیف الاثنی عشر جمیعا بأنهم شیعة من باب التغلیب کما قد ورد فی روایات أخری وصفهم لکونهم من ولد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، أو بلحاظ أن جمیع الائمة الاثنی عشر شیعة لرسول الله(صلی الله علیه و آله) وهو سیدهم وامامهم کما وَرَدَ أن أمیر المؤمنین قال(علیه السلام):

«أنا عبد من عبید محمد».

2 - ما رواه الشیخ الطوسی فی الغیبة بإسناده عن أبی حمزة، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث طویل أنَّه قال:

«یا أبا حمزة إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر (اثنا عشر) مهدیاً من ولد الحسین(علیه السلام)»(4)، ورواه فی مختصر بصائر

ص:376


1- (1) الاحتجاج مجلد 2 ص237/باب احتجاج الامام الرضا*، تفسیر الإمام العسکری* ص313 ح159.
2- (2) الروضة فی فضائل أمیر المؤمنین* لشاذان بن جبرئیل القمی ص103/ح92؛ بحار الأنوار عنه مجلد 39ص299/ح 105.
3- (3) مشکاة الأنوار: ص575/باب 9 /فصل 4.
4- (4) الغیبة للطوسی: ص478/فص 8ح504.

الدرجات بطریق آخر(1).

وتوصیفهم(علیهم السلام) بکونهم من ولد الحسین من باب تغلیب هذا الوصف الثابت للتسعة من الاثنی عشر، کما ورد توصیف الأئمّة الاثنی عشر بکونهم من ولد رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی الأحادیث الکثیرة، مع أنَّ الوصف ثابت للأحد عشر تغلیباً، وکما ورد ذلک فی الزیارة الجامعة:

«وإِلَی جَدِّکُم بُعِثَ الرُّوحُ الأمِینُ»(2)، مع أنَّ المخاطب بالزیارة الجامعة هم الأئمّة الاثنا عشر، بل فی بعض روایات الزیارة(3) المخاطب بالزیارة الجامعة حقیقة وتصریح هم کل المعصومین الأربعة عشر، بل صرح أن أول المخاطبین هو الرسول(صلی الله علیه و آله) ثم أمیر المؤمنین(علیه السلام) ثم فاطمة(علیهاالسلام) ثم الحسنین(علیه السلام) ثم التسعة صلوات الله علیهم.

تنبیه علی أمور
التنبیه الأوَّل:

قَدْ وَرَدَ متواتراً فی روایات أهل البیت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، وأنَّ الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وورد عنهم(علیهم السلام) لو لم یبقَ

ص:377


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح44/144ص197.
2- (2) المزار لابن المشهدی ص532.
3- (3) کتاب المزار الکبیر للمشهدی/باب13 الزیارة الثامنة؛ بحار الانوار مجلد 97 ص345 الزیارة/4.

إلاَّ اثنان لکان أحدهما حجّة علی صاحبه(1)، والحجّة هو الإمام خلیفة الله فی الأرض، وهم حصراً الأئمّة الاثنا عشر، بلْ وَرَدَ متواتراً عند الفریقین الحدیث النبوی:

«من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة»(2)، وکذلک الحدیث النبوی المتواتر عند الفریقین:

«الخلفاء من بعدی اثنا عشر خلیفة»(3)وهو مفاد قوله تعالی إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی کِتابِ اللّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ (4).

وقدْ بیّنت جملة من الروایات دلالة ظاهر الآیة علی أنَّ قوام الدین القیِّم منذ خلق الله السموات والأرض بعدة الاثنی عشر من أئمة أهل البیت(علیهم السلام).

ص:378


1- (1) راجع بصائر الدرجات ص507 /509/ج10/باب11و12، الکافی مجلد 1: ص178 و179/باب إنَّ الأرض لا تخلو من حجة، والجزء /1/ص179 /180- باب انه لو لم یبقَ فی الارض إلّا رجلان لکان أحدهما الحجة.
2- (2) رواه الخاص والعامة بالفاظ مختلفة راجع: المحاسن للبرقی: مجلد 1ص154- ح78, بصائر الدرجات ص279/ب15/ح5, الکافی ج1 ص377 /ب من مات ولیس له امام /ح3, کمال الدین ص409 /ب38/ح9,مسند احمد 96 . 4, مجمع الزوائل 5.225, مسند ابی داود259, مسند ابی یعلی 13.366- ح7375, وغیرها من المصادر الکثیرة.
3- (3) رواه الخاصة والعامَّة بألفاظ مختلفة، راجع: امالی الصدوق: 386- ح495 - 4، الغیبة للنعمانی :104- باب 4- ح31، مسند احمد 68 :5،صحیح مسلم 6:3، سنن ابی داود2:309- ح4279، وغیرها من المصادر الکثیرة
4- (4) سورة براءة: الآیة 36.

وکون عدة الأئمة من أهل البیت اثنی عشر من ضروریات المذهب، ومن ثَمَّ یستحیل بعد وفاة الإمام الثانی عشر أن تخلو الأرض من أئمّة آل محمّد صلوات الله علیهم، ومن ثَمَّ کانت رجعتهم(علیهم السلام) متَّصلة بآخر حیاة الإمام الثانی عشر(عج).

التنبیه الثانی:

قد روی الصدوق فی کمال الدین بسنده عن محمّد بن مسلم الثقفی، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علی الباقر(علیهماالسلام) یقول فی حدیث ... قال: قلت: یا ابن رسول الله متی یخرج قائمکم؟ قال:

«إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال...، وخروج السفیانی من الشام، والیمانی من الیمن، وخسف بالبیداء، وقتل غلام من آل محمّد(صلی الله علیه و آله) بین الرکن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزکیة، وجاءت صیحة من السماء بأنَّ الحقَّ فیه وفی شیعته، فعند ذلک خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلی الکعبة، واجتمع إلیه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»(1).

وصریح هذه الروایة أنَّ خروج الیمانی من أرض الیمن وخروج السفیانی من أرض الشام، أی إنَّ انطلاق حرکتهما وجیشیهما السفیانی من أرض الشام ومقرّ انطلاقه، وکذلک الیمانی وجیشه من أرض الیمن.

وقد روی ابن حماد فی الملاحم عن سعید أبی عثمان، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن السفیانی والیمانی وأنَّه بعد ظهور السفیانی

ص:379


1- (1) کمال الدین :330-331/باب 32- ح16.

یسیر إلیهم منصور الیمانی من صنعاء بجنوده وله فورة شدیدة یستقبل الجاهلیة من قبل الناس فیلتقی هو والأخوص (السفیانی) وزیّاتهم صفر وثیابهم ملوَّنة، فیکون بینهما قتال شدید(1).

التنبیه الثالث:

لابدَّ من الالتفات إلی أنَّ الاثنی عشر مهدیاً لو فسّرت بغیر المعنی الصحیح الذی مرَّ فدور الاثناعشر مهدیاً إنَّما یکون بعد نهایة دولة الإمام الثانی عشر، أی بعد وفاته لا حین حیاة الإمام الثانی عشر وفی دولته فضلاً عن أن یکون لهم دور فی غیبته، وهذا ممَّا یقطع الطریق علی الأدعیاء فی الغیبة الکبری من تقمَّص هذا المنصب.

التنبیه الرابع:
قرعة الخیرة فی العقائداستقسام بالأزلام والنصب الشیطانیة:

إنَّ من الاستخفاف بالعقل بمکان الاستناد فی أصول العقائد إلی القرعة والخیرة!

وهذه مهزلة فکریة لم نجد لها نظیراً إلاَّ عند المهلوسین، فإنَّ من ضروریات فقه الإمامیة وفقه المسلمین أجمع أنّ القرعة آخر الأدلَّة والضوابط

ص:380


1- (1) الملاحم والفتن لابن حماد: 78.

فی المسائل الفرعیة فضلاً عن أن یتقحم بها فی المسائل العقائدیة فضلاًعن أن یقتحم بها فی أصول العقائد.

فالاستناد إلیها مصداق لقوله تعالی: إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً (1)، بل هو من الاستقسام بالأزلام والنصب التی هی کهانة الشیاطین، لأنَّ الاقتراع بالقرعة فی غیر موردها المقرَّر شرعاً فی دین الله غوایة وإطاعة للجنّ والشیاطین کما یشیر إلیه قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (2)، حیث إنَّ الأزلام کانت قرعة یقترع المشرکون بها وکانوا إذا قصدوا فعلاً مبهماً مثل السفر ضربوا ثلاثة أقداح مکتوب علی أحدها:

(أمرنی ربّی)، وعلی الآخر:

(نهانی ربّی)، وعلی الثالث:

(غفل لا کفایة علیه)، فإن خرج الأمر مضوا علی ذلک، وإن خرج النهی تجنَّبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانیاً، حتَّی أنَّ بعض الفقهاء کالسیّد ابن طاووس حرَّم الاستخارة بالقرعة لعموم الآیة الکریمة، واحتمله الأردبیلی فی زبدة البیان.

والحاصل أنَّ القرعة فی غیر موردها الشرعی معصیة لله تعالی وطاعة للشیطان والتجاء إلی إبلیس اللعین ونوع وضرب من الکهانة والتکهن ورجم الغیب بنفثات الشیاطین.

ص:381


1- (1) سورة یونس: الآیة 36.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 90.

ومن ثَمَّ کان عبد المطَّلب لا یستقسم بالأزلام، وهو مفاد قوله تعالی: حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ ... إلی قوله: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِکُمْ فِسْقٌ (1).

الاعتماد علی الرؤی فی الدین کهانة شیطانیة:

ونظیر هذا التوهّم الفاسد الاعتماد علی الرؤیا والرؤی، وکأن الرؤیا یتوهّم أنها قناة وطریق للوحی والنبوة یعتمد علیها کمصدر ومرجع ومنبع لاستکشاف الغیب والدین والصراط المستقیم والحق، فعلی هذا الوهم صار لکل إنسان لاقطة روحیة هی نبوة فی روحه، وهذا المقال الباطل أشار إلیه القران بقوله تعالی: بَلْ یُرِیدُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُؤْتی صُحُفاً مُنَشَّرَةً (2)، وهو یجعل المدار علی الرؤیا ولا یجعل المدار علی الثقلین اللذین أمر النبی بالتمسک بهما الکتاب والسنة المطهرة اللذان هما من نبوة خاتم الأنبیاء(صلی الله علیه و آله)، وأنّه خاتم، وأنه لا نبیّ بعده، وهما اللذان قال فی شأنهما ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی.

وهم إثنا عشر أماماً .. وهم اثنا عشر مهدیاً ... وهم اثنا عشر أمیر .. وهم اثنا عشر وصیاً ... وهم اثنا عشر خلیفة ... وهم إثنا عشر هادیاً ... وهم إثنا عشر وارثاً.

ص:382


1- (1) سورة المائدة: الآیة 3.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 52.

هذا ولا یخفی علی اللبیب الفطن أنَّ الأئمّة الاثنی عشر(علیهم السلام) کما ورد تسمیتهم بالأئمّة الاثنی عشر وبالمهدیّین الاثنی عشر فی روایات الفریقین المتواترة، أی فی روایات أهل سُنَّة العامة والخلاف أیضاً المتواترة أو المستفیضة ورد فیها أنَّ علیاً(علیه السلام) وولده هم المهدیّون الاثنا عشر بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، کذلک أیضاً ورد فی روایات الفریقین أسماء أُخری للاثنی عشر، نظیر کقوله(صلی الله علیه و آله)، بعدی أثنا عشر خلیفة، وأثنا عشر أمیرا، وأثنا عشر وصیّا، وأثنا عشر هادیا، وأثنا عشر وارثا، وغیرها هذه السبعة من العناوین والأوصاف.

وهذا التعدد فی أوصاف الاثنی عشر لا یتوهم منه مجموعات متعدد کل منها أثنی عشر، بل هی تشیر إلی مقامات متعددة للمعصومین الاثنی عشر، علی والحسن والحسین والتسعة من ولد الحسین(علیهم السلام)، فانتبه والتفت إلی بیانات القرآن الکریم والنبیّ(صلی الله علیه و آله) فی وصفهم(علیهم السلام).

ولابدَّ للقارئ من التدبّر والتمعّن والتکرار لقراءة هذه الشواهد والتنبیهات کی تتّضح له جملة من الزوایا من معارف ومقامات أهل البیت(علیهم السلام) ولا تبقی مبهمة لدیه.

ص:383

ص:384

قاعدة: نظام الإمامة فی الرجعة
اشارة

تساؤل:

قد یثار تساؤل عن کیفیة رجعة الأئمة(علیهم السلام) فی زمان الإمام المهدی(عج)، أو فی زمان بعضهم البعض حیث یلزم إما عزله أو تقدیم المفضول علی الفاضل.

وبعبارة أُخری: إنَّ الأدلة العقلیة والنقلیة الدالة علی امتناع خلو الأرض من إمام طرفة عین، وامتناع تقدیم المفضول علی الفاضل، مع الأحادیث الصریحة فی حصر الأئمة(علیهم السلام) فی اثنی عشر، وأنّ الإمامة فی ولد الحسین(علیه السلام) إلی یوم القیامة(1)، وقولهم(علیهم السلام) فی وصف الإمام:

«الإمام واحد دهره، لا یدانیه عالم، ولا یوجد له مثل ولا نظیر»(2)وما تقرّر من أنّ الإمامة

ص:385


1- (1) علل الشرائع للصدوق /باب 156 (العِلَّة التی من أجلها صارت الامامة فی ولد الحسین دون الحسن) ص205الی ص210.
2- (2) الکافی: جاد/1/باب نادر جامع فی فضل الامام وصفاته /ص201.

رئاسة عامة، وأن المهدی(عج) خاتم الأوصیاء والأئمة، فلا یجوز أن تکون الرجعة فی زمان المهدی الحجة بن الحسن(علیه السلام) ولا بعده، لأنَّه یلزم إما عزله(علیه السلام)، وقد ثبت استمرار إمامته إلی یوم القیامة، وإما تقدیم المفضول علی الفاضل أوزیادة الأئمة علی اثنی عشر، أوعدم عموم رئاسة الإمام، وهذه من أقوی شبهات منکر الرجعة، کما ذکر ذلک الحر العاملی فی کتابه.

الجواب:

إنَّ نظام الإمامة وفق مراتب رتبها الباری عَزَّ وَجَلَّ، وهذه المراتب رتبها الباری عَزَّ وَجَلَّ لا تتبدل سواء اجتمعوا فی دار الدنیا کاجتماع أهل الکساء، وزین العابدین(علیه السلام) والباقر(علیه السلام) أو اجتمعوا فی دار الآخرة، أو کان بعضهم فی البرزخ والبعض الآخر فی دار الدنیا، فإنَّ الأمر ینزل من الله تعالی أولاً علی النبی(صلی الله علیه و آله) ثم علی(علیه السلام) ثم الحسن والحسین(علیهماالسلام) ثم بقیة الأئمة(علیهم السلام) بحسب مراتبهم إلی أن یصل وینزل الی الإمام الحی الناطق، کما ورد ذلک فی نص روایات الکافی(1).

وعلی ضوء ذلک فمراتب صلاحیاتهم(علیهم السلام) هی تراتبیة ضمن تسلسل رتبی، فتصدی أحدهم(علیهم السلام) لا یخرجه عن موقع مرتبته، التی تهیمن علیها المراتب الفوقیة کما تهیمن مرتبته علی من دونه من مراتب الأئمة(علیهم السلام)، کما أنَّ الحال کذلک مع مرتبة فوقیة ولایة الله تعالی ، ففی حکومة الرسول(صلی الله علیه و آله)

ص:386


1- (1) الکافی: مجلد 1کتاب الحجة :باب لولا ان الائمة یزدادون (علماً) لنفد ماعندهم فی لیلة الجمعة: ح34- ص255.

الحاکمیة فی المرتبة الأولی هی لله تعالی، کما یبن ذلک القران الکریم فی کثیر من الآیات کقوله تعالی: إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ (1).

وقوله تعالی: أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ (2).

فإن الخطاب بأطیعوا الله أول من یخاطب به رسول الله(صلی الله علیه و آله)، کما ان الخطاب بأطیعوا الرسول أوَّل من یخاطب به الائمة(علیهم السلام).

وکذلک الإشارة فی قول الباقر(علیه السلام) فی صحیحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«لولا أنانزداد لأنفدنا» فقال: قلت: تزدادون شیئاً لا یعلمه رسول الله(صلی الله علیه و آله)، قال:

«أما إنه إذا کان ذلک عرض علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم علی الأئمة ثم انتهی الأمر إلینا»(3).

وهناک روایة أخری بهذا المضمون وهو ما جاء فی مصحح یونس بن عبدالرحمن عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال:

«لیس یخرج شیء من عند الله عَزَّ وَجَلَّ حتّی یبدأ برسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ثم بواحد بعد واحد لکی لا یکون آخرنا أعلم من أولنا»(4)، فالخطاب بالأمر بإطاعة الله متوجه أولاً إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم من بعده الأئمة(علیهم السلام) ثم سائر

ص:387


1- (1) سورة المائدة: الآیة 55.
2- (2) سورة النساء: الآیة 59.
3- (3) الکافی مجلد 1ص255:ح3.
4- (4) الکافی مجلد1 ص255ح4.

الناس، کما أن الخطاب بأطیعوا الرسول المخاطب به أولاً الأئمة(علیهم السلام) کما أن المخاطب بأطیعوا أولی الأمر منکم هم عموم الناس، فالآیة تبین نظام الطاعة والولایة، أنه بنحو المراتب المتسلسلة، وهذا النظام المتسلسل لا یتغیر عما هو علیه، سواء اجتمع هؤلاء المعصومون(علیهم السلام) فی دار الدنیا، أم کان بعضهم فی البرزخ والبعض الآخر فی دار الدنیا، وإن اختلف القائم بالأمر من الأربعة عشر معصوم بحسب الأزمان والأجیال إلی یو م القیامة المباشر لتدبیر أمور الناس.

ونظیر ذلک قول رسول(صلی الله علیه و آله):

«الحسن والحسین إمامان قاما أو قعداً»، فهما(علیهماالسلام) إمامان فی زمن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمکن اجتماعهم مع أن إمامتهم بالفعل فهی دولة إلهیة ذات نظام متراتب لا تنقضی إلی یوم القیامة، ففی روایة الصادق(علیه السلام)یخاطب المهدی(علیه السلام) بسیدی، فهو یخاطب الحی الحجة بن الحسن العسکری فی عالم الأظلة وعالم الذر، وکذلک الإمام الرضا(علیه السلام) یقوم ویضع یده علی رأسه إجلالاً لابنه المهدی(علیه السلام)، فهو موجود قبل ولادته بتقدم نشأة خلق الروح علی نشأة البدن.

تنبیه وتحقیق:

فی معنی قول أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی نهج البلاغة:

«نحن الشعار والأصحاب والخزانة والأبواب لا تؤتی البیوت الا من أبوابها، فمن أتاها من غیر أبوابها سمی سارقا»(1).

ص:388


1- (1) نهج البلاغة: خطبة 145.

ومفاد هذا الحدیث یحتمل وجوهاً:

أحدها: أن یکون إشارة إلی ما وَرَدَ فی دعاء لیلة النصف من شعبان أنهم أصحاب الحشر والنشر.

وروی عنه(علیه السلام) فی حدیث(1) محکی عن البصائر: أنا الحاشر إلی الله - الخبر - وسیأتی فی مقام شفاعته فی الباب الرابع مقام آخر له مقام الحاشر والناشر والعاقب وأحادیث من الفریقین دال علی ذلک أیضاً ومفاد هذه الأحادیث مطابقة لأصول قواعد المعارف فی الکتاب والسنة بقراءة عقلیة، لأنهم محال مشیئة الله وأنهم مناة وأذواد، کما ورد فی دعاء رجب عن الحجة(عج)، کما قد قال الله تعالی فی شأن عیسی(علیه السلام): وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (2) وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ (3) ولا شک أن محمد وآل محمد صلوات الله علیه وعلیهم أفضل من عیسی(علیه السلام) ومن إسرافیل صاحب النفخ فی الصور وإحیاء جمیع الخلائق.

وقد صدر من الانبیاء(علیهم السلام) إحیاء الموتی بإذن الله فی دار الدنیا کراراً، بحیث بلغ حدّ التواتر کتابا وسنة وفی الکتب السماویة، ولهذا المطلب براهین وتقریبات و مؤیدات لا یسع المقام ذکرها.

ثانیها: یحتمل أن یکون المراد بکونهم أصحاب الحشر والنشر فی

ص:389


1- (1) مرآة الانوار: ص60.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 110.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 49.

الرجعة والله العالم.

وقد ذهب إلی ذلک جملة من علماء الإمامیة کما سیأتی فی الباب الثانی أن الرجعة حشر ومعجزة یجریها الله تعالی علی ید النبی وأهل بیته(علیهم السلام).

وقد اعتبر السید ابن طاووس فی سعد السعود أن الرجعة ظاهرة ومعجزة یقوم بها النبی(صلی الله علیه و آله) کما قام موسی(علیه السلام) بإحیاء الموتی وعیسی(علیه السلام) ودانیال، فکما أن الله أحیی علی أیدیهم أمواتاً بنص القرآن الکریم فکذلک یحیی الله الأموات علی ید النبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام)، ویکون ذلک من معجزاتهم.

قال فی سعد السعود: «والرجعة التی تعتقدها علماؤنا أهل البیت(علیهم السلام) وشیعتهم تکون من جملة آیات النبی(صلی الله علیه و آله) ومعجزاته، ولأی حال یکون منزلته عند الجمهور دون موسی وعیسی ودانیال، وقد أحیی الله جّلَّ جَلاله علی أیدیهم أمواتاً کثیرة بغیر خلاف عند العلماء بهذه الأمور(1).

والذی ذکره السید الاصفهانی فی مکیاله فی تفسیرالرجعة هی بلورة لما بنی علیه السید ابن طاووس.

وکذلک ذهب إلی ذلک الشیخ محمد رضا المظفر فی کتابه عقائد الإمامیة حیث قال: إن الاعتقاد بالرجعة لا یخدش بعقیدة التوحید ولا فی عقیدة النبوة، بل یؤکد صحة العقیدتین، إذ الرجعة دلیل القدرة البالغة لله تعالی کالبعث أو النشور وهی من الأمور الخارقة للعادة التی تصلح أن

ص:390


1- (1) سعد السعود: 66.

تکون معجزة لنبینا محمد وآل بیته صلوات الله علیه وعلیهم وهی عین معجزة إحیاء الموتی التی کانت للمسیح(علیه السلام) بل أبلغ هنا لأنها بعد أن یصبح الأموات رمیماً قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ * قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (1)،(2) وعبارته فیها تصریح بأنَّ الرجعة من قبیل إحیاء الموتی علی ید عیسی(علیه السلام).

ص:391


1- (1) سورة یس: الآیة 79.
2- (2) عقائد الامامیة للمظفر: 18.

ص:392

الفصل التاسع:فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة

ص:393

ص:394

الفصل التاسع:فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة

إنَّ القارئ اللبیب الحاذق یتفطن إلی أنَّه قدْ تقدم الکلام فی کثیر من مواد بحث هذا الفصل بنحو منتشر فی الفصول السابقة، إلا أننا رغم ذلک عقدنا عنوان هذا الفصل تأکیداً لأهمیته منهجیاً وفهرسیاً لمنظومة الرجعة، وتبویبها للباحثین فی الرجعة، وبیانا لأهمیته کمحور من محاور فصولها، ویمکن لنا أن نلخص جملة من الامور فی ذلک .

الأوَّل: إنَّ فی معرفة تلک العلائم قطعاً للطریق علی المدعین کذباً للمهدویة، أو الارتباط الخاص به أو بأحد المعصومین من ابأئه(علیهم السلام).

الثانی: إنَّ فی بیان تلک العلائم تبین للمسؤولیة الکبری الملقاة علی عاتق المؤمنین بإعداد أرضیة تلک الأجواء، فتکون العلامات بمثابة بیان للأرضیة اللازم اعدادها نظیر ما ورد أن الرایات فی سنة الظهور کلها تدعو الی الرضا من آل مُحمَّد(علیهم السلام)، والدعوة لهم فی کل البلاد الاسلامیة والعربیة عدا جملة من مدن الشامات.

ص:395

وهذا یلقی بمسؤولیة علی المؤمنین بلزوم بیان معارف مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) فی أرجاء البلدان الإسلامیة.

الثالث: إنّ دولة الرجعة الممتدة إلی یوم القیامة مشروع ضخم بمدته الزمانیة کمّا، ومهول أیضاً من جهة درجات الاصلاح والإنماء کیفا، وهو مما یستلزم ویتوقف علی إعداد کبیر وطویل، لاسیما مع قول الصادق(علیه السلام) لعمار بن أبی ألاحوص فی شرح منهاجهم(علیهم السلام) فی الدعوة عندما قال له: إنَّ عندنا قوماً یقولون بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ویفضلونه علی الناس کلهم ولیس یصفون منصف من فضلکم أنتولاهم؟

فقال لی: نعم فی الجملة، ألیس عند الله ما لم یکن عند رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ولرسول الله عند الله ما لیس لنا، وعندنا ما لیس عندکم، وعندکم ما لیس عند غیرکم؟ إن الله وضع الإسلام علی سبعة أسهم ... فلا تحملوا علی صاحب السهم سهمین، ولا علی صاحب السهمین ثلاثة أسهم، ولا علی صاحب الثلاثة أربعة أسهم، ولا علی صاحب الأربعة خمسة أسهم، ولا علی صاحب الخمسة ستة أسهم، ولا علی صاحب الستة سبعة أسهم فتثقلوهم وتنفروهم، ولکن ترفقوا بهم وسهلّوا لهم المدخل ... فلا تخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بنی إمیة کانت بالسیف والعسف والجور، وإن إمامتنا (إمارتنا) بالرفق والتألّف والوقار والتقیة وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس فی دینکم وفیما أنتم فیه(1).

ص:396


1- (1) الخصال: 35/354، رواه الصدوق بسند صحیح أعلائی عن عمار ابن أبی الأحوص

وهذا المنهاج - کَمَا تری - فی الدعوة تدریجی لا یعتمد الاندفاع والتسّرع والعجلة مع کونه فی قمة النشاط والیقظة، وهو ما یستلزم أمدا طویلا وجهود کثیرة جبّارة متواصلة، سواء فی الآن الراهن متواصلاً مع کل مستقبل متجدد، فإنَّ هذا الإعداد الضخم لهذه الحرکة الانسیابیة التی لا تفسح للعجلة مجالاً کما لا تدع مجالاً للسکون والجمود لیس إعداداً لانتصار عابر ویزول، ولا لنجاح طارئ ینتهی أمده، ولا دولة تنقشع بعد زمن، بل هو بناء لبنیة متجذرة ذات مقاسات عرشیة سماویة لا تقبل الزوال ولا الانطماس، بلْ تزداد علواً وأرتفاعاً ونوراً وأشعاعاً.

لا سیما وأنَّ هذه الدولة هی دولة متعاقبة متمادیة متطاولة مترامیة متصلة ومتواصلة ذات صرح مشید، لا تقتصر علی الرجعة التی قدْ قدّرت فی بعض الروایات بأربعة أضعاف من عمر الدنیا، بلْ تمتد أیضاً إلی عالم القیامة، فإنَّ یوم القیامة علی ما تقرَّر من بیانات الروایات والآیات عالم ولیس أربعة وعشرین ساعة، وأمدهُ وعمرهُ أضعاف مضاعفة علی عمر مجموع الدنیا الأُولی والثانیة وهی آخرة الدنیا وهی الرجعة.

وَقَدْ وَرَدَ أنَّ ملک القیامة من مختصات النبی(صلی الله علیه و آله) ووزیره علی أمیر المؤمنین، کما أن ملک الرجعة من مختصات أمیر المؤمین.

هذا فضلاً عن ملک الجنة، وهو ما بعد بعد الرجعة أی ما بعد عالم القیامة، وقدْ مرّ فی الروایات وسیأتی قولهم أنَّ لهم ملک الکرة وملک الجنَّة أبدیٌ بتأبید الجنة، فهذا الإعداد فی الوقت الراهن لمسیرٍ ومصیرٍ متطاول، مضافاً لما سیأتی فی الأمر التالی.

ص:397

الرابع: إنّ إیمان ومعرفة المؤمن بالرجعة وتفاصیلها ومراحلها یؤدِّی به تلقائیاً إلی الوقوف والولوج علی معرفة عالم القیامة، کما سیتبین فی الباب الثالث والرابع.

والمعرفة بعالم القیامة یؤدی به إلی معرفة الجنة والنار الأبدیة، ومجموع هذه المعارف یوضح له مدی خطورة وتأثیر مسیرهم فی الحیاة الأولی من الدنیا علی موقعیته فی العوالم اللاحقة، ومدی إرتباط الأدوار فی النشأة الأولی والحیاة الأولی من الدنیا.

فعلامات وإرهاصات الرجعة فضلاً عن القیامة ذات إرتباط وطید بالمواقف فی الحیاة الأولی .

فقد ورد فی التفسیر المنسوب للإمام العسکری(علیه السلام) قول الإمام موسی بن جعفر: إن رسول الله لما اعتذر إلیه هؤلاء

«الذین فی قلوبهم مرض من الصحابة الذین ینصبون العداء لعلی» بما اعتذروا به، تکرّم علیهم بأن قبل ظواهرهم ووکل بواطنهم إلی ربهم، لکن جبرئیل أتاه فقال: یامحمد: إن العلی الأعلی یقرأ علیک السلام ویقول لک: إخرج هؤلاء المردة الذین اتصل بک عنهم فی علی ونکثهم ببیعته وتوطینهم نفوسهم علی مخالفتهم علیاً لیظهر من العجائب ما أکرمه الله به من طاعة الأرض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله بما أوقفه موقفک وأقامه مقامک، لیعلم أن ولی الله علیّاً غنی عنهم وأنه لا یکف عنهم إنتقامهُ إلا بأمر الله الذی له فیه وفیهم التدبیر الذی هو بالغه، والحکمة التی هو عالم بها وممضٍ لما یوجبها، فأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) جماعة من الذین اتصل به عنهم ما اتصل فی أمر علی(علیه السلام)

ص:398

والمواطئة علی مخالفته بالخروج، فقال لعلی(علیه السلام) لما استقر عند سفح بعض جبال المدینة: یا علی إن الله تعالی أمر هؤلاء بنصرتک ومساعدتک والمواظبة علی خدمتک والجد فی طاعتک، فإن أطاعوک فهو خیرٌ لهم یصیرون فی جنة الله ملوکاً خالدین ناعمین، وإنْ خالفوک فهو شرٌ لهم یصیرون فی جهنم خالدین معذبین .الحدیث(1)1).

فلاحظ قوله(صلی الله علیه و آله) بأنَّهم إن أطاعوا علیّاً فی الحیاة الأولی من الدنیا سیؤدی ذلک بهم إلی مواقع ومناصب خطیرة فی ملک الجنة، هذا فضلاً عن تأثیر أعمال الحیاة الأولی من الدنیا علی الرجعة والقیامة.

الخامس: إن علامات الظهور والرجعة لها قراءة عسکریة وأمنیة وإستراتیجیة ترسم للمؤمنین منهاجاً للتخطیط والعمل، فتوجب وقایتهم عن الخطأ فی المحاسبات والتقدیرات، فی حین أنها لا تعنی الجبر فی القدر والتقادیر، کما لا تعنی التفویض إلی إرادة الأشرار کی لا یکون هناک إیاس وجمود من المؤمنین، بل یبقوا علی عنفوان النشاط والأمل وقوة الثقة بالله وسعة مشیئته، وأنَّه کل یومٍ فی شأن.

ص:399


1- (1) تفسیر المنسوب للإمام العسکری: ذیل الآیة العاشرة من سورة البقرة.

المجلد 2

اشارة

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :5

ص :6

«ابواب الکتاب»

الباب الاول : حقیقه الرجعه و بعدها المعرفی.

الباب الثانی: اثبات الرجعه و ما یناسبه.

الباب الثالث: الرجعه و عوالم اخری.

الباب الرابع: رجعه الرسول صلی الله علیه و آله و الائمه علیهم السلام و دولتهم.

ص :7

ص :8

الباب الثانی:إثبات الرجعة وما یناسبه

اشارة

ص:9

ص:10

فصول الباب الثانی

*الفصل الأول: موقعیة الرجعة فی العقیدة والإیمان الأقوال فی أصل وضرورة الرجعة.

*الفصل الثانی: الرجعة والعقل.

*الفصل الثالث: مصادر أدلة الرجعة.

*الفصل الرابع: البرهان علی الرجعة فی آیات القرآن الکریم.

*الفصل الخامس: أدلة الرجعة فی تراث أهل السنة.

*الفصل السادس : الرجعة فی الأدیان والکتب السماویة.

*الفصل السابع: الرجعة لغة لقراءة أبواب المعارف.

ص:11

ص:12

الفصل الأول:موقعیة الرجعة فِی العقیدة والإیمان

اشارة

ص:13

ص:14

الفصل الأول:موقعیة الرجعة فی العقیدة و الایمان

*الفرق الشیعیة والرجعة.

*- ضرورة الرجعة فی کلمات علماء الامامیة.

*الرجعة من أرکان الایمان ولیست من الشرائع.

*الرجعة عنوان للإمامة.

*إنکار الرجعة قدریة والقول بها قول بالإختیار.

*الرجعة فی کلمات علماء العامة.

ص:15

ص:16

الفرق الشیعیة والرجعة
اشارة

قال الحسن بن موسی النوبختی فی کتاب فرق الشیعة، فی ذکر فرق الزیدیة العشرة: قالت الجارودیة منهم وهم أصحاب أبی الجارود وزیاد بن المنذر : أنَّ علی بن أبی طالب(علیه السلام) أفضل الخلق بعد رسول الله وأولاهم بالأمر من جمیع الناس وتبرؤوا من أبی بکر وعمر وزعموا أنَّ الإمامة مقصورة فی ولد فاطمة(ع) وأنها لمن خرج منهم یدعو إلی کتاب الله وسنة نبیه، وعلینا نصرته ومعونته لقول النبی(صلی الله علیه و آله):

«من سمع داعینا أهل البیت فلم یجبه أکبه الله علی وجهه فی النار» وبعضهم یری الرجعة ویحل المتعة(1).

وقدْ حکی القاضی عبدالجبار المعتزلی فی کتابه المغنی، قال: .... أنَّ أبا الجارود، کان یری مع ذلک الرجعة وإنْ کان فی أصحابه من لا یری ذلک(2).

ص:17


1- (1) فرق الشیعة النوبختی: ص57/ وحکاه عنه المزّی فی تهذیب الکمال/ج6/ ص519.
2- (2) المغنی، ج20، ص185.
فرقة الکیسانیة والرجعة

قال الصَّفدی: من علماء الجُمهور: الکیسانیة: فرقة من الرَّافضة منسوبة إلی کیسان مولی علی رضی الله عنه أخذ العُلوم من السید مُحمَّد بن الحنفیة، وقرأ علیه واقتبس الأسرار منه أختلف أصحابه اختلافاً کثیراً فمنهم مَنْ قال: لیسَ للناس إمام سوی رجلاً واحد من لا یموت وإنْ غاب رجع ، ومنهم من عداه إلی آخر ثم توقفوا وتحیروا، ومنهم من أوّل الأرکان الشرعیة وقال: هی أسماء رجال من الصلاة والصوم والحج والزکاة، ومنهم من ضعّف یقینه فی القیامة، ومنهم من قال بالتناسخ والحلول والرجعة بعد الموت وقبل القیامة، کما هو مذهب أهل الرجعة، ولهم فی هذا هذیان کثیر(1).

أقول: هذیانه فی أن کل من یقول بالرجعة یقول بالتناسخ قد مرّ منا دفع هذا التوهم، وأوضحنا أن حقیقة الرجعة حقیقة مباینة للتناسخ الباطل. ومنشأ هذا التوهم هو ذهاب جملة من الفرق الباطنیة - المنسوبة إلی التشیع بالمعنی الأعم - إلی ذلک.

ص:18


1- (1) الوافی بالوفیات للصفدی :ج24ص287
کلمات أعلام الامامیة فی الرجعة
اشارة

نستعرض جملة من کلمات أعلام الطائفة:

1- مؤمن الطاق:

ذکر النجاشی فی ترجمة مؤمن الطاق محمد بن علی النعمان الأحول، حیث جادله أبو حنیفة فی الرجعة وکانت له مع أبی حنیفة حکایات کثیرة، فمنها أنه قال له یوما: یا أبا جعفر تقول بالرجعة، فقال له: نم ، فقال له: اقرضنی من کیسک هذا خمسمائه دینار فإذا عدت أنا وأنت رددتها إلیک، فقال له فی الحال: أرید ضمیناً یضمن لی أنک تعود إنسانا فإنی أخاف أن تعود قرداً فلا أتمکن من إسترجاع ما أخذته منی(1).

2- الصدوق: الرجعة من دعائم الإیمان:

باب الرجعة من کتابه (صفات الشیعة) (إنَّ مَن أقرَّ بستة أشیاء فهو مؤمن ومنها الإیمان بالرجعة)(2).

وظاهر کلامه إنَّ هذا مفاد روایة الفضل بن شاذان وسیاق الکلام أنَّه من

ص:19


1- (1) فهرست النجاشی:رقم 886/ ص326.
2- (2) صفات الشیعة: ص29.

الضروریات والمعالم لهویة الإیمان والتشیع، وهو نص حدیث الصادق والرضا، وکذا قال فی کتابه الاعتقادات: (اعتقادنا فی الرجعة أنها حق)(2).

وذکر النجاشی فی ترجمته: أنَّ من کتب الصدوق - کتاب الرجعة - ، وقد قال فی کتابه الاعتقادات فی نهایة باب الرجعة: وسأجرد فی الرجعة کتاباً أبین فیه کیفیتها، والدلالة علی صحة کونها إنْ شاء الله تعالی.

3- المفید:
اشارة

2) وقال الشیخ المفید فی (الفصول المختارة) مفصّلاً فی توجیه فصول تفاصیل بحث الرجعة، وفی الرسائل العکّبریة حین سُئل عن قوله تعالی : إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ... (1).

وأجاب بوجوه فقال: وقد قالت الإمامیة: إنَّ الله تعالی ینجز الوعد بالنصر للأولیاء قبل الآخرة عند قیام القائم والکرَّة التی وعد بها المؤمنین فی العاقبة(2).

المفید: القول بالرجعة، الإمامیة بأجمعها علیه إلا شذّاذ منهم تأولوا:

قال القول فی الرجعة: وأقول إنَّ الله تعالی یردّ قوماً من الأموات إلی الدنیا فی صورهم التی کانوا علیها، فیعزّ منهم فریقاً ویذلّ فریقاً، ویدیل المحقّین من المبطلین

ص:20


1- (1) سورة غافر: الآیة 51.
2- (2) الفصول المختاره/المسائل العکبریة/ص47.

والمظلومین منهم من الظالمین وذلک عند قیام مهدیّ آل مُحمَّد(ع).

وأقول: إنَّ الراجعین إلی الدنیا فریقان:

أحدهما من علت درجته فی الإیمان وکثرت أعماله الصالحات، وخرج من الدنیا علی اجتناب الکبائر الموبقات فیدیر الله عَزَّ وَجَلَّ دولة الحق ویعزّه بها ویعطیه من الدنیا ما کان یتمنّاه.

والآخر من بلغ الغایة فی الفساد وانتهی فی خلاف المحقین إلی أقصی الغایات ، وکثر ظلمه لأولیاء الله واقترافه السیئات، فینتصر الله تعالی لمن تعدّی علیه قبل الممات ویشفی غیظهم منه بما یحلّه من النقمات، ثم یصیر الفریقان من بعد ذلک إلی الموت ومن بعده إلی النشور وما یستحقّونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحّة ذلک وتظافرت به الأخبار والإمامیة بأجمعها إلّا شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فیه ممّا ذکرناه علی وجه یخالف ما وصفناه.

* وقال فی موضع آخر فی أوائل المقالات تحت عنوان (القول فی الرجعة) : (واتفقت الإمامیة علی وجوب رجعة کثیر من الأموات إلی الدنیا قبل یوم القیامة وإنْ کان بینهم فی معنی الرجعة اختلاف)(1).

الرجعة مذهب یختص به آل مُحمَّد:

قال المفید فی (الإرشاد) عند ذکر علامات ظهور القائم: وأموات ینشرون من القبور حتّی یرجعوا إلی الدنیا فیتعارفون فیها ویتزاورون .

ص:21


1- (1) أوائل المقالات 46.

وذکر فی (المسائل السرویّة) أنَّه سُئل الشیخ(قدس سره) عمَّا یروی عن مولانا جعفر بن مُحمَّد الصادق فی الرجعة، وما معنی قوله:

«لیسَ منّا من لم یقل بمتعتنا ویؤمن برجعتنا»، أهی حشر فی الدنیا مخصوص للمؤمن أو لغیره من الظلمة الجبّارین قبل یوم القیامة؟

فکتب الشیخ بعد الجواب عن المتعة وأمَّا قوله :

«من لم یقل برجعتنا فلیس منّا» فإنَّما أراد بذلک ما یختصّه من القول به فی أنَّ الله تعالی یحیی قوماً من أمّة مُحمَّد بعد موتهم قبل یوم القیامة، وهذا مذهب یختصُّ به آل مُحمَّد، والقرآن شاهد به، قال الله عَزَّ وَجَلَّ فی ذکر الحشر الأکبر یوم القیامة: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1)،وقال سبحانه مخبراً عمَّن یحشر من الظالمین أنَّه یقول یوم الحشر الأکبر: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (2)، وللعامّة فی هذهِ الآیة تأویل مردود، وهو أنْ قالوا: إنَّ المعنی بقوله: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ أنَّه خلقهم أمواتاً، ثمّ أماتهم بعد الحیاة، وهذا باطل لا یستمرُّ (یجری) علی لسان العرب، لأنَّ الفعل لا یدخل إلّا علی من کان بغیر الصفة التی انطوی اللفظ علی معناها، ومن خلقه الله أمواتاً لا یقال إنه: أماته، وإنَّما یقال ذلک فیمن طرأ علیه الموت بعد الحیاة، کذلک لا یقال: أحیی الله میّتاً إلّا أنْ یکون قدْ کان قبل إحیائه میّتاً، وهذا بیّن لمن تأمَّله.

وقد زعم بعضهم أنَّ المراد بقوله رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ الموتة التی

ص:22


1- (1) سورة الکهف: الآیة 47.
2- (2) سورة غافر: الآیة 11.

تکون بعد حیاتهم فی القبور للمسائلة فتکون الأولی قبل الإقبار، والثانیة بعده، وهذا أیضاً باطل من وجه آخر وهو أنَّ الحیاة للمسائلة لیست للتکلیف فیندم الإنسان علی ما فاته فی حاله، وندم القوم علی ما فاتهم فی حیاتهم المرَّتین یدلُّ علی أنَّه لم یرد حیاة المسائلة لکنَّه أراد حیاة الرجعة، التی تکون لتکلیفهم الندم علی تفریطهم، فلا یفعلون ذلک فیندمون یوم العرض علی ما فاتهم من ذلک(1).

4- المرتضی: إنَّ المنکر لصحة الرجعة ملحد خارج عن أهل التوحید:

قَالَ السید المرتضی فی أجوبة المسائل الَّتِی وَرَدَتْ علیه من بلد الریّ - حَیْثُ سألوا عَنْ حقیقة الرجعة - : أنَّ شذاذ الإمامیة یذهبون إلی أنَّ الرجعة رجوع دولتهم فی أیام القائم من دون رجوع أجسامهم.

الجواب: اعلم أنَّ الذی تذهب الشیعة الإمامیة إلیه أنَّ الله تعالی یعید عند ظهور إمام الزمان المهدی قوماً، ممن کان قدْ تقدّم موته من شیعته... - وسیأتی بقیة تفصیل کلامه (2).

ثم قال: إنَّما المعوّل فی إثبات الرجعة علی إجماع الإمامیة علی معناها بأنَّ الله تعالی یحیی أمواتاً عند قیام القائم من أولیائه وأعدائه فکیف یطرّق التأویل علی ما

ص:23


1- (1) المسائل السرویة، الشیخ المفید 32 - 35 ، بحار الانوار :130 53- 137.
2- (2) بحار الانوار، المجلسی 53 / 138.

هو معلوم فالمعنی غیر محتمل(1).

وفی قول آخر للسید المرتضی ولا یخالف فی صحة رجعة الأموات إلّا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحید(2).

وقال : فالطریق الی اثباتها اجماع الامامیة علی وقوعها، فانهم لا یختلفون فی ذلک وإجماعهم قد بیناه فی مواضع من کتبنا أنه حجه، بدخول قول الامام فیه، وما اشتمل علی قول المعصوم من الأقوال لابد فیه من کونه صوابا.(3)

وقال ایضا فی رسائله: اعلم أنَّ الذی تقوله الإمامیة فی الرجعة لا خلاف بین المسلمین، بلْ بین الموحدین فی جوازه، وأنَّه مقدورٌ لله تعالی، وإنَّما الخلاف بینهم فی أنَّه یوجد لا محالة أو لیسَ کذلک، ولا یخالف فی صحة رجعة الأموات إلّا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحید؛ لأنَّ الله تعالی قادر علی إیجاد الجواهر بعد إعدامها وإذا کان قادراً علیها جاز أنْ یوجدها متی شاء... إلی أنْ قال:

وقد اجتمعت الإمامیة علی أنَّ الله تعالی عند ظهور القائم صاحب الزمان یُعیدُ قوماً من أولیاءه لنصرته والابتهاج بدولته وقوماً من أعدائه یفعل بهم ما یستحق من العذاب.

ص:24


1- (1) رسائل المرتضی، ج1، ص125 - 126 المسألة/8؛ البحار، مجلد/53، ص138 - 1391.
2- (2) رسائل السید المرتضی:ج3 /ص135.
3- (3) رسائل المرتضی، ج1، ص125

وإجماع هذهِ الطائفة قدْ بیّنا فی غیر موضع من کتبنا أنَّه حجة، لأنَّ المعصوم فیهم فیجب القطع علی ثبوت الرجعة، مضافاً إلی جوازها فی القدرة، ولیست الرجعة مما ینافی التکلیف ویحیل الإجماع معه، وذلک أنَّ الدواعی مع الرجعة مترددة، والعلم بالله تعالی فی تلک الحال لا یکون إلّا مُکتسباً غیر ضروری، کما أنَّ العلم به تعالی یکون مکتسباً غیر ضروری، والدواعی ثابتة مع تواتر المعجزات وترادف باهر الآیات، أو من هرب من أصحابنا من القول بثبات (بإثبات) التکلیف علی أهل الرجعة - لاعتقاده أنَّ التکلیف فی تلک الحال لا یصح له القول بالرجعة، إنَّما هی علی طریق الثواب وإدخال المسرة علی المؤمنین مما یشاء ومن ظهور کلمة الحق - فهو غیر مصیب، لأنَّه لا خلاف بین أصحابنا فی أنَّ الله تعالی لیعید من سبقت وفاته من المؤمنین لینصروا الإمام(1).

5- الطبرسی: إجماع الشیعة الامامیة علی الرجعة:

قال الطبرسی فی تفسیره مجمع البیان فی ذیل قوله تعالی : وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ (2)، ولأنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فیتطرق التأویل علیها، وإنَّما المعوَّل فی ذلک علی إجماع الشیعة الإمامیة وإنْ کانت الأخبار تعضده وتؤیده(3).

ص:25


1- (1) رسائل الشریف المرتضی: ج3ص136.
2- (2) سورة الملک: الآیة 82.
3- (3) تفسیر مجمع البیان 7 /406 .
6- ابن شهرآشوب:

قال ابن شهر آشوب فی (المناقب) عند شرح خطبة أمیر المؤمنین(ع) المعروفة حیث یقول فیها: (وبی وعلی یدی تقوم الساعة)، ونقل شرح الامام الباقر (ع) لتلک الخطبة وبالتحدید هذا المقطع یعنی الرجعة قبل القیامة ینصر الله فی ذریتی المؤمنین(1) .

7- ابن طاووس: الرجعة قدرة إعجازیة للنبی علی إحیاء الموتی:

قال ابن طاووس فی سعد السعود: والرجعة التی تعتقدها علماؤنا أهل البیت وشیعتهم تکون من جملة آیات النبی ومعجزاته، ولأی حال یکون منزلته عند الجمهور دون موسی وعیسی ودانیال، وقد أحیی الله جلّ جلاله علی أیدیهم أمواتاً کثیرة بغیر خلاف عند العلماء بهذهِ الأمور(2).

8- الحر العاملی: وجوب الإقرار بها کل یَوُم:
اشارة

قال الحر فی سیاق - أنّ الرجعة اعتقاد یجب الاقرار به کل یوم وفی کل عبادة کالتوحید والنبوة والمعاد. قال فی معرض الاستدلال علی الرجعة - «إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات

ص:26


1- (1) مناقب بن شهرآشوب، مجلد 2، ص207.
2- (2) سعد السعود/ ص66.

ویوم الجمعة وکل وقت کما أنا مأمورون بالإقرار فی کثیرمن الأوقات بالتوحید والنبوة والإمامة والقیامة، وکلما کان کذلک فهو حق والصغری ثابتة بالنقل المتواتر الآتی والکبری بدیهیة فالرجعة حق»(1).

وقال أیضاً:

الرابع: إجماع جمیع الشیعة الإمامیة وإطباق الطائفة الاثنا عشریة علی اعتقاد صحة الرجعة، فلا یظهر منهم مخالف یُعتّد به من العلماء السابقین ولا اللاحقین، وقد عُلم دخول المعصوم فی هذا الإجماع بورود الأحادیث المتواترة عن النبی والأئمة الدالّة علی اعتقادهم بصحة الرجعة حتّی أنَّه قدْ ورد ذلک عن صاحب الزمان مُحمَّد بن الحسن المهدی(عج) فی التوقیعات الواردة عنه وغیرها مع قلة ما ورد عنه فی مثل ذلک بالنسبة إلی ما ورد عن آبائه)(2).

ثم ذکر أقوال بقیة العلماء المتقدمین المصرحة بالإجماع کالطبرسی والصدوق، وقال: ومما یدلُّ علی ثبوت الإجماع اتفاقهم علی روایة أحادیث الرجعة حتّی أنَّهم لا یکاد یخلو منها کتاب من کتب الشیعة، ولا تراهم یضعّفون حدیثاً واحداً منها، ولا یتعرضون لتأویل شیء منها، فَعلم أنَّهم یعتقدون مضمونها، لأنهم یضعفون کل حدیث یخالف اعتقادهم أو یصرحون بتأویله وصرفه عن ظاهره، وهذا معلوم بالتتبع لکتبهم(3).

ص:27


1- (1) الایقاظ من الهجعة (الباب الثانی فی الاشارة الی الاستدلال علی صحة الرجعة وإمکانها ووقوعها) الحر العاملی 88.
2- (2) الایقاظ من الهجعة (الباب الثانی فی الاشارة الی الاستدلال علی صحة الرجعة وإمکانها ووقوعها) الحر العاملی 63.
3- (3) الایقاظ من الهجعة (الباب الثانی فی الاشارة الی الاستدلال علی صحة الرجعة وإمکانها ووقوعها) الحر العاملی 69.
الرجعة من ضروریات مذهب الإمامیة:

وقال الحرالعاملی فی ضمن الأدلة علی الرجعة:

الخامس: الضرورة، فإنَّ ثبوت الرجعة من ضروریات مذهب الإمامیة عند جمیع العلماء المعروفین والمصنفین المشهورین، بلْ یعلم العامة أنَّ ذلک من مذهب الشیعة، فلا تری أحداً یُعرف اسمه ویعلم له تصنیف من الإمامیة یصرح بإنکار الرجعة، ولا تأویلها، ومعلوم أنَّ الضروری والنظری یختلف عند الناظرین، فقد یکون الحکم ضروریاً عند قوم نظریاً عند آخرین، والذی یُعلم بالتتبع أنَّ صحة الرجعة أمرٌ محقق معلوم مفروغ منه مقطوع به ضروری عند أکثر علماء الإمامیة أو الجمیع، حتّی لقد صنّفت الإمامیة کتباً کثیرة فی إثبات الرجعة کما صنفوا فی إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغیر ذلک، ولا یحضرنی أسماء جمیع تلک الکتب، وأنا أذکر ما حضرنی من ذلک» .

ثم ذکر جملة ممن ألَّفوا فی الرجعة(1).

ثم قال بعدما رووا من قصة مؤمن الطاق مع أبی حنیفة : «وهذا کما تری أیضاً یدلُّ علی أنَّ القول بالرجعة أمرٌ معلوم من مذهب الإمامیة یعرفه المؤالف والمخالف، وهذا معنی ضروری المذهب، وهذا أعلی مرتبة من الإجماع، فیه دلالة واضحة علی بطلان تأویل الرجعة برجوع الدولة وقت

ص:28


1- (1) الإیقاظ من الهجة / الباب 2 للحر العاملی، 95.

خروج المهدی(عج).

ثم قال: ومما یدلُّ علی أنَّ صحة الرجعة قدْ صارت ضروریة عند کل من تتبع الأحادیث: أنک لا تجد فی الضروریات - کوجوب الصلاة وتحریم الزنا - أکثر من الأحادیث الدالة علی صحة الرجعة، ومما یدلُّ علی ذلک أنَّ العامة قدْ نقلوا فی کتبهم عن الإمامیة أنَّهم قائلون بالرجعة وأنکروا علیهم ذلک، فمنهم الرازی والنیشابوری والزمخشری والشهرستانی وابن أبی الحدید وغیرهم، فقد ذکروا أنَّ الشیعة تعتقد صحة الرجعة، وأنکروا علیهم ذلک وهو دالّ علی صحتها، وأنها من خواص الشیعة وضروریات مذهبهم». ثم نقل عن بعضهم ذلک.

أقول: إن الحر العاملی أدقّ فی توصیفه لموقعیة الرجعة فی الاعتقاد من تعبیر المجلسی، رغم أنَّ المجلسی فحل الفحول فی الکلام، لکن الحر اعتمد اللغة العقلیة والکلامیة الممزوجة بالحکمة فی قرائته لروایات الرجعة وتأطیر وقولبة نتائجها، وکلامه مملوء بالاحتمالات العقلیة الحکمیة.

والرجعة باب مُهمل، حتّی الذی اشتغل به کان اشتغاله سطحیاً.

وامتاز الحر العاملی ببصیرة فی المعارف عن المجلسی فی خصوص الرجعة، وانجازه (الإیقاظ) کان أعظم من عمله فی (الوسائل)، حیث ینمُّ تحقیقه فی الرجعة عن غور معرفی، ونظر ثاقب فی أبواب المعارف والعوالم .

ص:29

9- المجلسی: تواتر روایات الرجعة
تصریح المجلسی والحر بأنَّ ما رویاه هو بعض روایات الرجعة:

وقال المجلسی فی البحار - بعد نقله لکلام العامة والخاصة - (ولولا مخافة التطویل من غیر طائل لأوردت کثیراً من کلماتهم فی ذلک، وکیف یشک مؤمن بحقیة الأئمة الأطهار فیما تواتر فی قریب من مئتین حدیث صریح رواها نیف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام فی أزید من خمسین من مؤلفاتهم....إلی أنْ قال: وإذا لم یکن مثل هذا متواتراً ففی أی شیء یمکن دعوی التواتر مع ما روته کافة الشیعة خلفاً عن سلف»(1).

أقول: سیأتی فی فصل الرجعة فی تراث أهل البیت: أنَّ مقدار روایات الرجعة یزید تعداده عن ألف روایة، بل لو أُحصی مع ذلک کل زیارة ودعاء وورد مأثور عنهم(علیهم السلام) تضمن أحد ألفاظ الرجعة ومرادفاتها لبلغ العدد الآلاف، هذا فضلاً عن روایة العامة والجمهور تعداداً کبیراً من روایات فصول الرجعة - لیست بلفظ الرجعة - وهم لا یشعرون أنها منها - .

والظاهر أن تقدیر المجلسی(قدس سره) لعدد روایات الرجعة بالمائتین إما إشارة إلی السقف الأدنی من تعداد الأحادیث، وأن هناک عددا زائداً منها علی هذا العدد، وإما أنه إلی خصوص الأحادیث الواردة فی الرجعة المتعرضة لتفاصیلها وذات الدلالة بدرجة الظهور البین .

ص:30


1- (1) بحار الأنوار/ مجلد 53 ص122 - 123، المجلسی: - أورد 200 حدیث فی الرجعة عن خمسین من المصادر الأصلیة المعتبرة عن اثنین وأربعین راوی مباشر عن الأئمة.

ولکن الصحیح أنَّ هناک من الصریح ما یزید علی هذا العدد أضعافا کثیرا، کما سیأتی- والعذر للمجلسی سنذکر سببه- کیف وهو یصرّح فیما سیأتی من کلامه بعدم روایته کلما وجده من روایات الرجعة، وذلک لعدم وقوفه علی معرفة أسماء مؤلفی کتب تلک الأحادیث القدیمة، وهذا نظیر تصریح الحر العاملی فیما سیأتی من کلامه بأنه لم یروی کلما وجده من روایات الرجعة فی الکتب لعدة أسباب:

منها: عدم تحمّل العقول لثقل ما فیها من معارف

قال المجلسی(قدس سره): اعلم یا أخی أنی لا أظنک ترتاب بعد ما مهّدت وأوضحت لک فی القول بالرجعة التی أجمعت الشیعة علیها فی جمیع الأعصار، واشتهرت بینهم کالشمس فی رابعة النهار، حتّی نظموها فی أشعارهم، واحتجوا بها علی المخالفین فی جمیع أمصارهم، وشنع المخالفون علیهم فی ذلک، وأثبتوه فی کتبهم وأسفارهم، منهم الرازیّ والنیسابوریُّ وغیرهما، وقد مرَّ کلام ابن أبی الحدید حیث أوضح مذهب الإمامیة فی ذلک، ولولا مخافة التطویل من غیر طائل لأوردت کثیراً من کلماتهم فی ذلک. وکیف یشک مؤمن بحقیّة الأئمة الأطهار(علیهم السلام) فیما تواتر عنهم فی قریب من مائتی حدیث صریح، رواها نیف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، فی أزید من خمسین من مؤلفاتهم کثقة الإسلام الکلینی، والصدوق مُحمَّد ابن بابویه، والشیخ أبی جعفر الطوسی، والسید المرتضی، والنجاشی، والکشی، والعیاشی، وعلیّ بن إبراهیم، وسلیم الهلالی، والشیخ المفید،

ص:31

والکراجکی، والنعمانی، والصفار، وسعد بن عبدالله، وابن قولویه، وعلیّ بن عبدالحمید، والسید علیّ بن طاووس، وولده صاحب کتاب زوائد الفوائد، ومحمد بن علی بن إبراهیم، وفرات بن إبراهیم، ومؤلف کتاب التنزیل والتحریف، وأبی الفضل الطبرسی، وإبراهیم بن مُحمَّد الثقفی، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقیّ ،وابن شهر آشوب، والحسن بن سلیمان، والقطب الراوندی، والعلامة الحلّی والسید بهاء الدین علی بن عبدالکریم، وأحمد بن داود بن سعید، والحسن بن علی بن أبی حمزة، والفضل بن شاذان، والشیخ الشهید مُحمَّد بن مکّی، والحسین بن حمدان، والحسن بن مُحمَّد بن جمهور العمّی مؤلِّف کتاب الواحدة، والحسن ابن محبوب، وجعفر بن مُحمَّد بن مالک الکوفی ، وطهر بن عبدالله، وشاذان بن جبرئیل، صاحب کتاب الفضائل، ومؤلف کتاب العتیق، ومؤلف کتاب الخطب... وغیرهم من مؤلفی الکتب التی عندنا، ولم نعرف مؤلّفه علی التعیین؛ ولذا لم ننسب الاخبار إلیهم ، وإنْ کان بعضها موجوداً فیها.

وإذا لم یکن مثل هذا متواتراً ففی أیّ شیء یمکن دعوی التواتر، مع ما روته کافَّة الشیعة خلفاً عن سلف.

وظنی أنَّ من یشک فی أمثالها فهو شاکٌّ فی أئمة الدِّین ... ولا یمکنه إظهار ذلک من بین المؤمنین، فیحتال فی تخریب الملّة القویمة بإلقاء ما یتسارع إلیه عقول المستضعفین وتشکیکات الملحدین یُرِیدُونَ لِیُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ ، ولنذکر لمزید التشیید والتأکید

ص:32

أسماء بعض من تعرَّض لتأسیس هذا المدَّعی وصنّف فیه أو احتجَّ علی المنکرین أو خاصم المخالفین سوی ما ظهر ممّا قدّمنا فی ضمن الأخبار والله الموفق.

فمنهم: أحمد بن داود بن سعید الجرجانیُّ، قال الشیخ فی الفهرست: له کتاب المتعة والرجعة.

ومنهم: الحسن بن علی بن ابی حمزة البطائنی ، وعدّ النجاشی من جملة کتبه کتاب الرجعة.

ومنهم: الفضل بن شاذان النیسابوریُّ، ذکر الشیخ فی الفهرست والنجاشی أنَّ له کتاباً فی إثبات الرجعة.

ومنهم: الصدوق مُحمَّد بن علی بن بابویه، فإنَّه عدّ النجاشی من کتبه کتاب الرجعة.

ومنهم: مُحمَّد بن مسعود العیاشی ذکر الشیخ والنجاشی فی الفهرست کتابه فی الرجعة.

ومنهم: الحسن بن سلیمان علی ما ورینا عنه الأخبار.

وأمَّا سائر الأصحاب فإنَّهم ذکروها فیما صنّفوا فی الغیبة، ولم یفردوا لها رسالة، وأکثر أصحاب الکتب من أصحابنا أفردوا کتاباً فی الغیبة.

وقد عرفت سابقاً من روی ذلک من عظماء الأصحاب وأکابر المحدثین الذین لیسَ فی جلالتهم شک ولا ارتیاب.

وقال العلامة (قدس سره) فی خلاصة الرجال فی ترجمة میسر بن عبدالعزیز، وقال

ص:33

العقیقی: أثنی علیه آل مُحمَّد، وهو ممن یجاهد فی الرجعة انتهی(1).

وقال الحر فی کتابه (الإیقاظ) أن الأخبار بها متواترة، والأدلة العقلیة والنقلیة علی إمکانها ووقوعها کثیرة متظاهرة، وقد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامیة علی اعتقاد صحتها وإطباق الشیعة الاثنا عشریة علی نقل أحادیثها وروایاتها(2).

ثم قال إنَّ الذی وصل إلینا فی هذا المعنی قدْ تجاوز حدّ التواتر المعنوی (3)وأوجب لأهل التسلیم العلم القطعی الیقینی.

10 - الحکیم الملا صدرا ..الرجعة من القرآن والنصوص ... ومتواترة، وعلیها ضرورة المذهب
اشارة

قد قال فی شرحه لأصول الکافی تحت عنوان «.. تطبیق الدین الإلهی الذی جاء به خاتم النبیین(صلی الله علیه و آله) علی الأرض کلها وقهر سائر الأدیان» قال - بعد أنْ أشار إلی دولة الإمام المهدی(عج) وقد بقی هنا بحث آخر یتصل بالإبلاغ، وتطبیق الدین وهو مسألة الرجعة التی استفیدت من القرآن،

ص:34


1- (1) البحار: مجلد 53 ص122- 124.
2- (2) کتاب الإیقاظ من الهجعة فی مقدمة الکتاب، أخرج فیه ما یزید علی ستمائة ونیف حدیثا فی الرجعة.
3- (3) اقول: المراجع لروایات الرجعة یقف علی أنها متواترة لفظا فی أصلها ، وفی جملة من تفاصیلها متواترة معنا، وقد استعرضنا فی مواضع اخری تصریح الحر بذلک.

ودلَّت علیها نصوص کثیرة، وإذا لوحظ معناها المشترک کانت متواترة، وقد ادعی علیها الإجماع بل ضرورة المذهب...أحادیث متضافرة تتناول مسألة الرجعة، هذا بلحاظ أصل الرجعة. وأمَّا بلحاظ جزئیات وخصوصیات غیر متفق علیها عند أصحابنا فلیس یهمّنا هنا ما قیل لها أوعلیها، إنَّما المهم الإیمان بما جاء به رسل الله من دون أنْ نحتلّ له وجهاً من عندنا ولا ریب بلحاظ الأحادیث فی أصل رجعة الأئمة(علیهم السلام) وبعض الأنبیاء وعدد من الناس، بلْ قدْ علم رجعة عدد ممّن محض الإیمان وعدد ممّن محض الکفر، والعقل قدْ أذعن مسبقاً بأنَّ الحق هو ما قاله الله وأبلغه رسله وحججه(علیهم السلام) وإنْ افترض أنَّه لا یملک بالفعل ما یدلّل علیه تدلیلاً عقلیاً فلسفیاً لا بأس به، لکنّ الافتراض غیر مطابق الواقع إذْ نملک ما یبرهن علی الرجعة هذا إشارة إلی أنَّ ذلک موجود فی عقل أشرف من عقولنا وأکمل وهو أصل العقول وهو علی حساب ظواهر العلم الکلی، وساق دلیلاً عقلیاً علی الرجعة سیأتی نقله فی الأدلة العقلیة(1).

أقول: یستفاد من کلامه عدة نقاط منهجیة فی بحوث المعارف:

1 - أنَّ أصل الرجعة لا یُدانیها ریب بلحاظ الأحادیث الواردة وبلحاظ وقوعها .

2 - أنَّ الحق فیما أبلغه الوحی وإنْ لم یتمکن العقل المحدود الجزئی لنا

ص:35


1- (1) شرح أصول الکافی للحکیم الملا صدرا: ج1:98.

من إدراکه والدلالة علیه عقلاً بلْ ورود الوحی به کاشف عن ادراکه بالعقل الکلی الکامل الأشرف الذی هو أصل العقول.

3 - أنه لا یسوغ التأویل الاقتراحی لظواهر أدلة النقل للوحی بمجرد عدم ادراک وتصور عقولنا لحقیقة مفاد تلک الأدلة فضلا عن مجرد الاستبعاد البادی فی قصور العقول.

الحکیم الملا صدرا: .... حقّیّة مذهب الرجعة بالروایات المتظافرة، والنقل الصحیح القطعی

قال فی تفسیر سورة یس: وقد صح عندنا بالروایات المتظافرة عن أئمتنا وسادتنا من أهل بیت النبوة آل مُحمَّد علیه وعلیهم السلام والعقل أیضاً لا یمنعه لوقوع مثله کثیراً من إحیاء الموتی بإذن الله بید أنبیائه کعیسی وشمعون وغیرهما علی نبینا وآله وعلیه السلام(1).

وقد قال فی رد مقالة الزمخشری فی الکشّاف - عند استدلاله بالآیة فی رد القول بالرجعة واستدلاله بالروایة المرویة عن ابن عباس فی تکذیب الرجعة - فمدفوع بأنَّه مجرد حکایة غیر معلومة الصحة، وعلی تقدیر صحة الروایة عنه فالمروی ممنوع، فإنَّ المتبع فی الاعتقادات إمَّا البرهان وإمّا النقل الصحیح القطعی عن أهل العصمة والولایة(علیهم السلام).

ص:36


1- (1) تفسیر القرآن الکریم المجلد: 5 ص75 - 76.
الحکیم ملا صدرا ودلالة الأدلة علی صحة الرجعة:

قال فی شرح أصول الکافی فی ذیل حدیث عن رجعة الحسین(ع) إلی الدنیا(1) فی شرح قول الإمام الصادق(ع) «حتّی تروه: أی الحسین وقد خرج» دلَّ علی الرجعة، وممّا دلَّ علیها ما رواه المصنف فی کتاب الروضة بإسناده عن أبی عبدالله(ع) فی تفسیر قوله تعالی: ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ قال: أنَّه یخرج الحسین(ع) فی سبعین من أصحابه، علیهم البیض المذهب، لکل بیضة وجهان المؤدون إلی الناس أنَّ هذا الحسین(ع) قدْ خرج حتّی لا یشک المؤمنون فیه، وأنَّه لیسَ بدجال ولا شیطان والحجة القائمة بین أظهرهم(2).

11 - الطریحی:

وقال الشیخ فخر الدین الطریحی فی مجمع البحرین الرجعة بالفتح هی الکرة بعد الموت بعد ظهور المهدی(عج) وهی من ضروریات مذهب الإمامیة، وعلیها من الشواهد القرآنیة، وأحادیث أهل البیت(علیهم السلام) ما هو أشهر من أنْ یذکر، حتّی أنَّه ورد عنهم(علیهم السلام) من لم یؤمن برجعتنا ولم یقرُّ بمتعتنا فلیس منّا(3).

ص:37


1- (1) أصول الکافی، ج1، ص283 باب أنَّ الأئمة ع یفعلوا شیئاً ولا یفعلون إلّا بعهد من الله عَزَّ وَجَلَّ وأمر منه لا یتجاوزونه ح4.
2- (2) شرح أصول الکافی، ج6، ص91.
3- (3) مجمع البحرین/ فی مادة الرجعة.
12- الفیض الکاشانی: وتقریر کلام المتقدمین فی ضرورة الرجعة:

فقد نقل فی کتاب علم الیقین فی أصول الدین کلام الطبرسی فی مجمع البیان الذی تقدّم نقله المتضمن لضرورة الرجعة عند الإمامیة، وأنَّ روایاتها لا تقبل التأویل، ثم نقل کلام علی بن إبراهیم فی تفسیره حول الرجعة وما استدل به، ثم نقل کلام الصدوق فی الاعتقادات وقد أطال فی نقل کلمات الأعلام الثلاثة(1).

13 - المولی مُحمَّد صالح المازندرانی:

قال فی ذیل حدیث فی أصول الکافی وارد فی الرجعة المتضمن لشرح قوله تعالی: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ حیث بین الحدیث أنَّ هذا القول المنکر للبعث بعث الرجعة لا بعث القیامة، وأنَّ قوماً من المخالفین یقولون فی دولة الإمام المهدی(عج): یا معشر الشیعة ما أکذبکم هذهِ دولتکم وأنتم تقولون فیها الکذب نسبوا الکذب إلی الشیعة فی هذا القول ... إلی أنَّ قال:

وأنت خبیر بأنَّ قولهم بإبطال الرجعة باطل، إذْ لا دلیل لهم عقلاً ونقلاً علی بطلانه مع دلالة الآیات والروایات علی وقوعها فی هذهِ الأمة

ص:38


1- (1) علم الیقین فی أصول الدین، فصل الرجعة فی الآیات والروایات ج3، ص100 ثم عقد فصل آخر تابع البحث فی الرجعة إلی صفحة 109.

وفی الأمم السابقة کما فی حکایة عُزیر وموسی وعیسی(علیهم السلام)، ومن البین أنَّ الحکم بعدم وجود شیء لا یستحیل وجوده عقلاً باعتبار عدم وجدان الدلیل علی وجوده باطل، فکیف إذا وجد الدلیل علیه! وأمَّا عدم احتیاج هذهِ الدولة القاهرة إلی الاستعانة بالموتی فممنوع، وعلی تقدیر التسلیم یجوز أنْ یکون فائدة الرجوع إدخال السرور فیهم وتشفّی صدورهم من مشاهدة نکال الأعداء واکتسابهم الأجر مرتین(1) .

14 - الشهید الثالث القاضی التستری الرجعة أصل عند الشیعة ثابت بالکتاب والسنة

قال فی إحقاق الحق فی معرض ردّه علی الناصبی: بلْ الحق ما أجراه الله تعالی علی لسان ناصر الشیعة مع کونه من المخالفین، لأنَّ الإتیان والانتقام بعد عصر الصحابة والتابعین المرتدّین، إنَّما ینافی مدلول الآیة لو لم یحظر هناک أحد منهم، ولکن قدْ تقرر عند الشیعة - بناء علی أصل الرجعة الثابت بالکتاب والسنة - أنَّه یرجع إلی الدنیا عند ظهور المهدی(عج) جماعة من هؤلاء الصحابة المرتدین فیأتیهم المهدی(عج) وینتقم منهم أشد الانتقام»(2).

15 - السید عبدالله شبّر

قال فی شرح الزیارة الجامعة: وقد تظافرت الأخبار وتواترت الآثار

ص:39


1- (1) شرح أصول الکافی، ج11 ص335.
2- (2) إحقاق الحق، ج3، ص211.

وأجمعت الشیعة الأبرار علی الرجعة فی الجملة، وأنهم یرجعون إلی الدنیا فی زمان المهدی(عج) جماعة من خُلّص المؤمنین وأشقیاء المخالفین، وقد أنکر المخالفون ذلک علینا أشد إنکار، وشنّعوا بذلک علینا مع أنَّ الآیات القرآنیة ناطقة بذلک.

فقد ذکر الله تعالی رجعة عزیر وأصحاب الکهف والملأ من بنی إسرائیل فقال تعالی: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ (1).

...إلی أنْ قال بعد استدلاله بجملة من الآیات وأمَّا الأخبار التی وردت من طرقنا فهی قریبة التواتر، بلْ لعلها متواترة، فقد رواها جمع غفیر من ثقات علمائنا الأعلام، وجمع کثیر من الثقات العظام قریباً من مائتی حدیث، منهم الکلینی والصدوق والمفید والطوسی والمرتضی والنجاشی والکشی والعیاشی وعلی بن إبراهیم وسلیم الهلالی والکراجکی والنعمانی والصفار وسعد بن عبدالله وابن قولویه وولده وابن طاووس وفرات بن إبراهیم وأمین الإسلام أبو الفضل الطبرسی وأبو طالب الطبرسی والبرقی وابن شهرآشوب والقطب الراوندی والعلامة والفضل بن شاذان والشهید الأوَّل وغیرهم، وقد ألَّف جملة من قدماء الأصحاب فیها رسائل وکتباً کأحمد بن داود بن سعید الجرجانی، قال الشیخ فی الفهرست له کتاب المتعة والرجعة، والحسن بن علی بن أبی حمزة البطائنی عدّ النجاشی من جملة کتبه

ص:40


1- (1) سورة البقرة: الآیة 242.

کتاب الرجعة. والفضل بن شاذان النیشابوری ذکر الشیخ فی الفهرست والنجاشی أنَّ له کتاباً إلی أنْ قال بعد ذکر جملة من کتب الأصحاب، وذکر جملة من الروایات الواردة فی الرجعة، وکذلک ذکر جملة من شبهات المخالفین والإجابة عنها(1).

وقال فی حق الیقین فی معرفة أصول الدین: اعلم أنَّ ثبوت الرجعة مما اجمعت علیه الشیعة والفرقة المحقة، بل هی من ضروریات مذهبهم، والأحادیث النبویة الدالة علی الرجعة فهی کثیرة حتی ادعی تواترها(2).

16 - أحمد الإحسائی: کفر منکر الرجعة دون الجاهل بها

قال فی کتابه الرجعة :(فالإیمان بها مکمل للإیمان، والجهل بها غیر ناقض للإسلام وإنَّما الإشکال فی إسلام منکرها بعدما تبین له الهدی.

ولو لم یقل بها شخص لعدم ظهور الدلیل له، ومن شأنه الإیمان بملوک الرجعة والرد إلیهم والتسلیم لهم فإنَّ ذلک لا یکفّره، وأمَّا من أنکرها بعد ظهور الدلیل فالقرآن ناطق بکفره، وذلک فی قوله تعالی: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ ، لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ

ص:41


1- (1) الأنوار اللامعة فی شرح الزیارة الجامعة، ص165.
2- (2) حق الیقین/ ص 297 - 305.

الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ (1)

(2).

17 - الشیخ جعفر کاشف الغطاء

قال فی کشف الغطاء: «وثبوت الخلافة لا یتوقف علی بسط الید کما أنَّ النبوة والرسالة کذلک، وعلی تقدیر التوقف فحملها علی الرجعة موافق لرأینا، فإنَّ طائفة منّا حکموا بثبوت الرجعة للجمیع فی نهایة الاستدلال»(3).

أقول: (قوله طائفة منّا) تخصیصه لطائفة دون الجمیع منا إنما هو بلحاظ کون الرجعة للجمیع فی مقابل مشهور الشیعة القائلین بأن الرجعة خاصة ولیست بعامة، وهذا تصریح بوجود القائل من علماء الامامیة بعموم الرجعة للجمیع.

18 - ملا أحمد النراقی: الرجعة عند الشیعة:

قال فی کتابه (منهاج الوصول فی تفسیر آیات الأصول) یعنی بها الأصول الخمسة الدینیة کما ذکر ذلک أغا بزرگ الطهرانی فی ترجمته عن کتابه فقال فی أوَّل الخاتمة (إنَّ النفوس بعد معرفة آیات الأحکام والأصول تری نفسها ناقصة وتمیل إلی الحرکة نحو السعادة والتکمیل) فیستفید من العقول الأربعة عشر فی الخاتمة، وفی آخر الباب الرابع عشر خاض فی إثبات

ص:42


1- (1) سورة النحل: الآیة 38 - 39.
2- (2) کتاب الرجعة للشیخ أحمد الإحسائی ص28.
3- (3) کشف الغطاء 71/1.

الرجعة عند الشیعة مفصلاً(1).

19 - میرزا حبیب الله الرشتی: منکر الرجعة کافر مع التقصیر:

قال میرزا حبیب الله الرشتی فی کتابه (کاشف الظلام فی حل معضلات الکلام فی أصول الدین) باللغة الفارسیة - کَمَا ذکر ذلک عنه المحقق أغابزرگ الطهرانی فی الذریعة(2) - ومما ذکره فی أواخر الکتاب قبل الخاتمة: أنَّ منکر الرجعة کافرٌ مع التقصیر، والاعتقاد به کالاعتقاد بعصمة الصدیقة الطاهرة(علیهاالسلام) ومنکرهما سواء فی إنکار الضروری.

20 - الجنوباذی: الرجعة کالضروری فی هذهِ الأمَّة:

وقال السلطان الجنوباذی فی تفسیره بیان السعادات فی ذیل قوله تعالی - عندما ارجع قوم بنی إسرائیل الذین طالبوا أنْ یروا الله جهرة فأماتهم الله صعقة - فی قوله تعالی: فَأَخَذَتْکُمُ الصّاعِقَةُ ثُمَّ بَعَثْناکُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِکُمْ .

[هذه] إشارة إلی أنَّ البعثة کانت عن موت لا عن إغماء، وهذهِ الآیة تدلُّ علی جواز الرجعة وصارت کالضروری فی هذهِ الأمّة، وقد احتج أمیر

ص:43


1- (1) الذریعة لأغابزرگ / مجلد 22/ ص351 المسلسل 6937.
2- (2) الذریعة ج 17/ 237 رقم 60 من حرف الکاف.

المؤمنین(ع) بها علی ابن الکواء فی إنکاره الرجعة(1).

21 - العلامة الطباطبائی:الرجعة متواترة تزید علی خمسمائة روایة

قال فی المیزان حول الرجعة: أنَّ الروایات متواترة معنیً عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) حتّی عُدّ القول بالرجعة عند المخالفین من مختصات الشیعة وأئمتهم من لدن الصدر الأوَّل، والتواتر لا یبطل بقبول آحاد الروایات للخدشة والمناقشة علی أنَّ عدة من الآیات النازلة فیها والروایات الواردة فیها تامّة الدلالة قابلة الاعتماد.

وقال: فإذا تصفحت وجدت شیئاً کثیراً من الآیات وردت تفسیرها عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) تارة بالقیامة وأُخری بالرجعة وثالثة بالظهور ولیسَ ذلک إلّا لوحدة وسنخیة بین هذهِ المعانی، والناس لمّا لم یبحثوا عن حقیقة یوم القیامة، ولم یستفرغوا الوسع فی الکشف عما یعطیه القرآن من هویة هذا الیوم العظیم تفرقوا فی أمر هذهِ الروایات، فمنهم من طرحها وهی مئات وربما زادت علی خمسمائة روایة فی أبواب متفرقة، ومنهم من أوّلها علی ظهورها وصراحتها (ومنهم وهم أمثل طریقة) من ینقلها ویقف

ص:44


1- (1) المجلد الأوَّل ص95 - 96، تفسیر بیان السعادات.

علیها من غیر بحث.

وغیر الشیعة وهم عامة المسلمین وإنْ أذعنوا بظهور المهدی ورووه بطرق متواترة عن النبی(صلی الله علیه و آله)، لکنهم أنکروا الرجعة، وعدّوا القول بها من مختصات الشیعة، وربما لحق بهم فی هذهِ الأعصار بعض المنتسبین إلی الشیعة، وعدّ ذلک من الدسّ الذی عمله الیهود وبعض المتظاهرین بالإسلام کعبدالله بن سبأ وأصحابه...علی أنَّ هذهِ القضایا التی أخبرنا بها أئمة أهل البیت(علیهم السلام) من الملاحم المتعلقة بآخر الزمان، وقد أثبتها النقلة والرواة فی کتب محفوظة النسخ عندنا سابقة تألیفا وکتابة علی الوقوع بقرون وأزمنة طویلة نشاهد کل یوم صدق شطرٍ منها من غیر زیادة ونقیصة فلنحقق صحة جمیعها وجمیع مضامینها(1).

أقول ویستفاد من کلامه عِدَّة نقاط:

1- تواتر أخبار الرجعة.

2- بداهة ضرورة الرجعة واختصاصها بمذهب الشیعة عند عامة المسلمین.

3- إنَّ إنکار الرجعة یخرج من مذهب الإیمان، وإنَّما یکون المنکر رغم إقراره بمذهب الحق منتحلاً للانتساب إلی التشیع.

ص:45


1- (1) المیزان، سورة البقرة 210/ تحت عنوان بحث روائی آخر.:ج2 ص106.

4- إنَّ روایات الرجعة والملاحم لیست متواترة فقط، بل متطابقة مع البراهین العقلیة التی أشارة إلیها آیات وروایات القیامة والظهور.

5- أن روایات الرجعة لیست متواترة فقط، بل هی ملحمة علمیة إعجازیة.

6- حکمه بتحقق صحة جمیع روایات الرجعة صدورا بالأدلة السابقة، وهی نتائج بالغة المداقة، بلْ صحة جمیع مضامینها لتطابقه مع البراهین العقلیة فی القرآن، وهذه نتائج لم یسبقه الیها أحد من الأعلام.

22 - الشیخ کاشف الغطاء مُحمَّد حسین ... الرجعة ضرورة فی المذهب
اشارة

قال الشیخ مُحمَّد حسین کاشف الغطاء فی معرض ردّه علی الکاتب الناصبی المدعو بأحمد أمین فی کتابه (فجر الإسلام )عند تشنیعه علی الشیعة بقولهم بالرجعة: إنَّ الرجعة وإنْ کانت ضروریة فی مذهب الشیعة إلّا أنَّها لیست أصلاً من أصولهم نظیر الشهادات الثلاث، وهی الشهادة بالتوحید، والشهادة بالرسالة والشهادة بالإمامة، مما یتوقف أصل الدخول فی الإیمان علیها لتکون رکناً من أرکان مذهب الشیعة نظیر رکنیة الشهادات الثلاث.

قال فی معرض ذلک: فلیت شعری هل القول بالرجعة أصل من أصول الشیعة، ورکن من أرکان مذهبها حتّی یکون نبزا علیها ....

ص:46

ولیسَ التدین بالرجعة فی مذهب التشیع بلازم ولا إنکارها بضار، وإنْ کانت ضروریة عندهم، ولکن لا یناط التشیع بها وجوداً وعدماً، ولیست هی إلّا کبعض أنباء الغیب، وحوادث المستقبل، وأشراط الساعة مثل نزول عیسی من السماء(1). أنتهی

ص:47


1- (1) أصل الشیعة وأصولها 167.

ص:48

الفرق بین أصول الدین ...وضروریاته وأسباب الردّة

أقول: إنَّ ما تقدم من کلام الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء یقرر فیه ویثبت أنَّ الرجعة ضروریة فی مذهب التشیع، ولکن حیث تقرر فی أبحاث الفقه، ولاسیما عند المتأخرین أنَّ حکم الضرورة لیسَ هو علی حذو حکم الشهادتین، وحکم الشهادات الثلاث التی تسمی تارة بأصول الإسلام، وأصول الإیمان فی الاصطلاح، وأُخری بأرکان الإسلام، وأرکان الإیمان، وتسمی ثالثة بالأصل والأساس والرکن، وبینها وبین الضروری فروق فی الأحکام والآثار.

فإنَّ بین هذهِ الأقسام اختلافا مهما، کما أنَّ هناک قسما آخر قدْ وقع الخلط بینه وبین الأقسام السابقة، وهو ما یوجب إنکاره الخروج من الإسلام والإیمان مطلقاً، فقد جُعل المعاد فی بعض الکلمات المعاد من أصول الدین

ص:49

بمعنی أساسیاته مع أن الفرق فارق بینهما، کما أشار إلیه کاشف الغطاء، فإنه وإن کان من أصول الدین لکنه لیس من أساسیاته ولا من بوابتیه کالشهادتین، ولنوضح الأقسام وفوارق أحکامها وآثارها اجمالاً:

الأوَّل: أساسیات الدین وأساسیات الإیمان، والمراد بها خصوص الأصول التی یدخل بها الإنسان إلی حظیرة الإسلام، أو یدخل بها إلی بیئة الإیمانَ کالشهادتین أو الشهادات الثلاثة، فهی بوابة أصل الدخول إلی الإسلام، ولا یتمُّ الدخول إلّا بمعرفتها والإقرار بها، وهذا بخلاف الأقسام الآتیة فإنها وإن کان بعضها من الأصول إلا أنها لیست مما یتوقف الدخول إلی الإسلام أو الإیمان علیها ، وإن کان أصلاً من الأصول .

وهذا حال المعاد والاعتقاد به، فإنه وإن کان أصلا من الأصول وضروریا من الضروریات العظیمة إلا أن الداخل للإسلام لا یطالب أوَّل دخوله بالإقرار به، وکذلک الحال فی کثیر من الضروریات، فإنها وإن کان یترتب علی إنکارها الخروج والردة علی تفصیل یأتی، إلّا أنَّ ذلک لا یعنی کونها من الأساسیات بمصطلح البوابة للدخول، وهذا معنی زائد علی کونها أصلا من الأصول .

فکذلک الحال فی الرجعة فإَّنها وإنْ قامت علیها الضرورة إلّا أنَّها لیست من الأساسیات التی یطالب بالإقرار بها الداخل فی الإیمان أول دخوله، بل اللازم علیه مجرد الاقرار بالشهادات الثلاث .

الثانی: أصول الدین سواء أصول الإسلام الظاهری أو أصول الدین

ص:50

الواقعی وهو الإیمان، وهی أعم من القسم الأوَّل، أی الأساسیات.

والأصل هو الضروری الذی یوجب انکاره الردّة والخروج عن الإسلام، أو عن الإیمان بخلاف بقیة سائر الضروریات عند الفقهاء المتأخرین فی هذا العصر.

نعم عند المتقدمین تشترک جمیع الضروریات فی هذا الأثر فضلاً عن ترتبه علی القسم الأوَّل أیضاً، لکن یبقی فرق فی الضروریات عندهم أن بعض الضروریات واسعة الدائرة والرقعة والانتشار ولا یتوقف بداهتها علی تعلم وتعلیم، أو علی ارتفاع شبهة بخلاف غیرها .

الثالث: ضروریات الدین سواء الإسلام أو الإیمان، وهی ما قام الدلیل القطعی البدیهی أو القریب من البداهة علیها، وهی أعم من القسمین الأولین من الأساسیات والأصول.

وهی تنقسم إلی أقسام عدیدة بحسب دائرة الضروری، والضرورة إلی عامة وخاصة واخصیة، ولکل منها آثار وأحکام تختلف عن الأخری، کما أن بین المتقدمین والمتأخرین من الفقهاء اختلاف فی أحکامها من جهة انکارها للجهل بها، وفی مورد طرو الشبهة أو غیر ذلک من الحالات.

وبذلک یتضح أن نفی کون شیء أساسیا لا یعنی نفی کونه أصلا من الأصول، کما أن نفی کون شیء أصلا من الأصول لا یعنی نفی کونه ضروریا، لأن نفی الخاص لا یعنی نفی العام، بخلاف نفی العام فإنه نفی

ص:51

للخاص أیضا، وقد وقع الخلط فی ذلک کثیرا کما وقع الخلط بین الأقسام الثلاثة کثیرا موضوعا وأحکاما وآثارا، والتبس البحث لأجل ذلک.

والتمییز یکون بالتثبت والمداقة الصناعیة فی الآثار بعد الإلمام بتعدد الأقسام واختلاف الآثار والأحکام فی الأدلة وکلمات فحول الأعلام.

ثم أنَّ هناک أقساماً أُخری من الاعتقادات لها أحکام أُخری لا یسع المجال لذکرها .

الرَّابِع: القطعیات الیقینیة الواجبة الاعتقاد مطلقا، وإنکارها یوجب الضلال وإن لم یوجب الردة.

الخامس: الواجبات القطعیة بالیقین النظری وهی واجبة الاعتقاد مطلقاً أیضاً.

السَّادِس: الواجبات الیقینیة بالیقین النظری إلّا أنَّ الاعتقاد بها معلق علی العلم بها .

السَّابِع: الواجبات الاعتقادیة بالدلیل الظنی المعتبر ووجوبها معلق علی وصول دلیلها الظنی للمکلف.

ازاحة وهم:

ومن ذلک یظهر أن الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء لیس ینفی ضرورة الرجعة، وإنما ینفی کونها من أساسیات الإیمان، أی البوابة التی لابدَّ من الإقرار بها لأجل الدخول فی الإیمان.

ص:52

وقال فی کتابه (أصل الشیعة وأصولها) تحت عنوان کتب الرجعة عند الشیعة فی تتمة کلامه: ثم هل تری المتهوّسین علی الشیعة بحدیث الرجعة قدیماً وحدیثاً عرفوا معنی الرجعة والمراد بها عند من یقول بها من الشیعة ، وأی غرابة واستحالة فی العقول أنْ سیحیی الله سبحانه جماعة من الناس بعد موتهم، وأی نُکر فی هذا بعد إنْ وقع مثله بنص الکتاب الکریم! ألم یسمع المتهوسون قصة بن العجوز التی قصها الله سبحانه بقوله تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ (1) ألم تمر علیهم کریمة قوله تعالی وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (2) مع أنَّ فی یوم القیامة تحشر جمیع الأمم لا فوجا من کل أمة.

وحدیث الطعن بالرجعة کان هجیری علماء السنة من العصر الأول إلی هذه العصور، فکان علماء الجرح والتعدیل منهم إذا ذکروا بعض العظماء من رواة الشیعة ولم یجدوا مجالا للطعن فیه لوثاقته وورعه وأمانته نبزوه بأنَّه یقول بالرجعة!

فکأنهم یقولون: یعبد صنماً أو یجعل لله شریکاً ونادرة مؤمن الطاق مع أبی حنیفة معروفة(3). انتهی

أقول: یشیر (قدس سره) إلی تقادم معروفیة الرجعة کمعلم عقیدی للتشیع منذ

ص:53


1- (1) سورة البقرة: الآیة 243.
2- (2) سورة النحل: الآیة 83.
3- (3) راجع الفصل الأول من الجزء الثانی من کتابنا الرجعة (کلمات أعلام الامامیة فی الرجعة).

العصر الأوَّل إلی درجة أنَّهم بان عن الشیعة والتشیع وظهر بنحو واضح عند علماء السنة آنذاک.

وهذا یُبیِّن درجة قویة وشدیدة لضرورة الرجعة فی مذهب أهل البیت، وذلک رغم أنَّ ظروف التقیة والکتمان آنذاک کانت شدیدة لکن لقوة ضرورة الرجعة طفحت إلی درجة واصلة إلی الشیوع والانتشار عند المخالفین فضلاً عن الموالین لاسیما وأنَّ الرجعة کانت رمزاً للبراءة والتبری من أعداء أهل البیت(علیهم السلام) وأنَّ الرجعة مفادها مشروع إقامة الدول لأهل البیت(علیهم السلام) وهو مشروع سیاسی فی أحد أبعاده.

23 - المظفر: حقیقة الرجعة نوع من المعاد... الرجعة فعل إعجازی للنبی والوصی

قال المظفر فی عقائد الإمامیة: تحت عنوان عقیدتنا فی الرجعة: أنَّ الذی تذهب إلیه الإمامیة أخذاً بما جاء عن آل البیت(علیهم السلام) أنَّ الله تعالی یعید قوماً من الأموات إلی الدنیا فی صورهم التی کانوا علیها، فیعزّ فریقاً ویُذلّ فریقاً، ویُدیل المحقین من المبطلین والمظلومین منهم من الظالمین؛ وذلک عند قیام مهدی آل مُحمَّد علیهم أفضل الصلاة والسلام، ولا یرجع إلّا من علت درجته فی الإیمان، ومن بلغ الغایة من الفساد ثم یصیرون بعد ذلک إلی الموت ومن بعده إلی النشور وما یستحقونه من الثواب أو العقاب کما حکی تعالی فی قرآنه الکریم تمنی هؤلاء المرتجعین الذین لم یصلحوا

ص:54

بالارتجاع فنالوا مقت الله أنْ یخرجوا ثالثاً لعلهم یصلحون: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (1)، نعم قدْ جاء القرآن الکریم بوقوع الرجعة إلی الدنیا وتظافرت بها الأخبار عن بیت العصمة والإمامیة بأجمعها علیه إلّا قلیلون منهم تأولوا (أی لم ینکروا) ما ورد فی الرجعة بأنَّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهی إلی آل البیت بظهور الإمام المنتظر(عج) من دون رجوع الأشخاص وإحیاء الموتی.

والقول بالرجعة یُعدّ عند أهل السنة من المستنکرات التی یستقبح الاعتقاد بها وکان المؤلفون منهم فی رجال الحدیث یعدون الاعتقاد بالرجعة من الطعون فی الروای والشناعات علیه والتی تستوجب رفض روایته وطرحها.

ویبدوا أنَّهم یعدونها بمنزلة الشرک والکفر، بلْ أشنع، فکان هذا الاعتقاد من أکبر ما تُنبز به شیعة الإمامیة، ویشنع به علیهم.

ولا شک فی أنَّ هذا من نوع التهویلات التی تتخذها الطوائف الإسلامیة فیما غبر ذریعة لطعن بعضها فی بعض والدعایة ضده.

ولا نری فی الواقع ما یبرر هذا التهویل، لأنَّ الاعتقاد بالرجعة لا یخدش فی عقیدة التوحید ولا فی عقیدة النبوة، بلْ یؤکِّد صحة العقیدتین،

ص:55


1- (1) سورة غافر: الآیة 11.

إذْ الرجعة دلیل القدرة البالغة لله تعالی کالبعث والنشر.

وهی من الأمور الخارقة للعادة التی تصلح أنْ تکون معجزة لنبینا مُحمَّد وآل بیته صلی الله علیه وعلیهم وهی عیناً کمعجزة إحیاء الموتی التی کانت للمسیح(ع)، بلْ أبلغ هنا، لأنَّها بعد أنَّ یصبح الأموات رمیماً ... قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (1)، أمَّا من طعن فی الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل، فلأنّه لم یفرّق بین معنی التناسخ وبین المعاد الجسمانی، والرجعة من نوع المعاد الجسمانی فإنَّ معنی التناسخ: هو انتقال النفس من بدن إلی بدن آخر منفصلاً عن الأوَّل، ولیسَ کذلک معنی المعاد الجسمانی فإنَّ معناه: رجوع نفس البدن الأوَّل بمشخصاته النفسیة فکذلک الرجعة، وإذا کانت الرجعة تناسخاً فإنَّ إحیاء الموتی علی ید عیسی(ع) کان تناسخاً، وإذا کانت الرجعة تناسخاً کان البعث والمعاد الجسمانی تناسخاً.

إذاً لم یبق إلّا أنْ یناقش فی الرجعة من جهتین:

الأولی: أنها مستحیلة الوقوع.

الثانیة: کذب الأحادیث الورادة فیها.

وعلی تقدیر صحة المناقشتین فإنَّه لا یعتبر الاعتقاد بها بهذهِ الدرجة من الشناعة التی هوّلها خصوم الشیعة، وکم من معتقدات لباقی طوائف المسلمین هی

ص:56


1- (1) سورة یس: الآیة 79.

من الأمور المستحیلة أو التی لم یثبت فیها نص صحیح، ولکن لم یُوجب تکفیراً وخروجاً عن الإسلام؛ ولذلک أمثلة کثیرة منها: الاعتقاد بجواز سهو النبی(صلی الله علیه و آله) أو عصیانه ، ومنها: الاعتقاد بقدم القرآن، ومنها: القول بالوعید، ومنها: الاعتقاد بأنَّ النبی(صلی الله علیه و آله) لم ینص علی خلیفة من بعده، ثم أنَّ هاتین المناقشتین لا أساس لهما من الصحة.

أما المناقشة الأولی وهی - أنَّ الرجعة مستحیلة- فقد قلنا أنها من نوع البعث والمعاد الجسمانی غیر أنها بعث موقوت فی الدنیا، والدلیل علی إمکان البعث دلیل علی إمکانها ولا سبب لاستغرابها إلّا أنها أمرٌ غیر معهود لنا فی ما ألفناه فی حیاتنا الدنیا ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما یقرّبها إلی اعترافنا أو یبعدها، وخیال الإنسان لا یسهل علیه أن یتقبل تصدیق ما لم یألفه، وذلک کمن یستغرب البعث فیقول مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ ؟ فیقال له قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ .

نعم فی مثل ذلک مما لا دلیل عقلی لنا علی نفیه أو إثباته أو نتخیل عدم وجود الدلیل، یلزمنا الرضوخ إلی النصوص الدینیة التی هی من مصدر الوحی الإلهی، وقدْ وَرَدَ فی القرآن الکریم ما یثبت وقوع الرجعة إلی الدنیا لبعض الأموات، کمعجزة عیسی(ع) فی إحیاء الموتی وَ أُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ وکقوله تعالی أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ والآیة المتقدمة قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ ... فإنَّه لا یستقیم معنی هذهِ الآیة بغیر الرجوع إلی الدنیا بعد

ص:57

الموت، وإنْ تکلَّف بعض المفسرین فی تأویلها بما لا یروی الغلیل، ولا یحقق معنی الآیة)(1).

وأمَّا المناقشة الثانیة - وهی دعوی أنَّ الحدیث فیها موضوع- فإنَّه لا وجه له، لأنَّ الرجعة من الأمور الضروریة فیما جاء عن آل البیت ع من الأخبار المتواترة.

وبعد هذا أفلا تجب من کاتب شهیر یدعی المعرفة مثل أحمد أمین فی کتابه (فجر الإسلام) إذْ یقول: فالیهودیة ظهرت فی التشیع بالقول بالرجعة ! فأنا أقول له علی مدّعاه:

فالیهودیة أیضاً ظهرت فی القرآن بالرجعة- کما تقدم ذکر القرآن لها فی الآیات المتقدمة- ونزیده فنقول: والحقیقة أنَّه لابدَّ أنَّ تظهر الیهودیة والنصرانیة فی کثیر من المعتقدات والأحکام الإسلامیة لأنَّ النبی الأکرم(صلی الله علیه و آله) جاء مصدقاً لما بین یدیه من الشرایع السماویة وإنَ نسخ بعض أحکامها، فظهور الیهودیة أو النصرانیة فی بعض المعتقدات الإسلامیة لیسَ عیباً فی الإسلام علی تقدیر أنَّ الرجعة من الآراء الیهودیة کما یدّعیه هذا الکاتب.

وعلی کل حال فالرجعة لیست من الأصول التی یجب الاعتقاد بها والنظر فیها، وإنَّما اعتقادنا بها کان تبعاً للآثار الصحیحة الواردة عن آل البیت(علیهم السلام) الذین ندین بعصمتهم من الکذب، وهی من الأمور الغیبیة التی

ص:58


1- (1) عقائد الإمامیة - عقیدتنا فی الرجعة.

أخبروا عنها، ولا یمتنع وقوعها(1).

أقول: ویستفاد من کلامه جملة من النقاط

1) إنَّ الرجعة حقیقة من مصادیق هویة المعاد الأکبر، إلا انها معاد اصغر . وهذا ماصرح به جملة من علماء الامامیة.

2) إنَّ الأمر الذی لا دلیل عقلی علی نفیه ولا علی اثباته، وقامت النصوص الدینیة علی اثباته، یلزم الرضوخ إلیها والاقرار به.

3) إنَّ الرجعة من الضروریات الواردة عن آل البیت(علیهم السلام)، فضلاً عن دلالة القرآن علیها.

24 - 25 - وقفة مع السید الأمین والشیخ مغنیة
اشارة

قال الشیخ مغنیة فی کتابه (الشیعة فی المیزان): إنَّ علماء الإمامیة فریقان: فریق یثبت الرجعة، والفریق الآخر ینفی اعادة قوما من الأموات إلی هذه الحیاة نفیاً باتّاً...، ثم قال ونقل هذا الاختلاف الشیخ الإمامی الثقة أبو علی الطبرسی فی مجمع البیان عند تفسیر قوله تعالی وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (2)، قال استدلَّ بهذهِ الآیة علی صحة الرجعة من ذهب إلی ذلک من الإمامیة.

ص:59


1- (1) عقائد الإمامیة/ ص80 - 84.
2- (2) سورة النمل: الآیة 83.

وأمَّا الذین أنکروا الرجعة فقد قالوا أنَّ الحشر فی الآیة .....

ومهما یکن فإنَّ غرضنا الأوَّل من نقل کلام الشیخ الطبرسی الإمامی هو التدلیل علی أنَّ علماء الإمامیة لم یتفقوا بکلمة واحدة علی القول بالرجعة، وقد اعترف باختلافهم الشیخ أبو زهرة، حیث قال فی کتاب (الإمام الصادق حیاته وعصره وفقهه): ویظهر أنَّ فکرة الرجعة علی هذا الوضع لیست أمراً متفقاً عند إخواننا الاثنی عشریة، بلْ فیهم فریق لم یعتقده.

وقال السید محسن الأمین فی کتاب نقض الوشیعة:

الرجعة أمر نقلی إنْ صحّ النقل به لزم اعتقاده وإلّا فلا.

ثم قال الشیخ المُغنیة: ولو کانت الرجعة من أصول الدین أو المذهب عند الإمامیة لوجب الاعتقاد بها، ولما وقع بینهم اختلاف.

أمَّا الاخبار المرویة فی الرجعة عن أهل البیت(علیهم السلام) فهی کالأحادیث فی الدجال التی رواها مسلم فی صحیحه ورواها أبو داود فی سننه، وکالأحادیث التی رویت عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی أنَّ أعمال الأحیاء تعرض علی أقاربهم الأموات، أنَّ هذهِ الأحادیث التی رواها السنة فی الدجال وعرض أعمال الأحیاء علی الأموات، وما إلی ذاک تماما کالأخبار التی رواها الشیعة فی الرجعة عن أهل البیت(علیهم السلام)، فمن شاء آمن بها، ومن شاء جحدها، ولا بأس علیه فی الحالین، وما أکثر هذا النوع من الأحادیث فی کتب

ص:60

الفریقین(1).انتهی.

وفی کلام الشیخ مغنیة مواضع من الغفلة والالتباس:

1) أما ما نقله ونسبه إلی الطبرسی فی مجمع البیان من أنَّ کلامه یشیر إلی عدم ضرورة الرجعة! والحال أنَّه قدْ تقدم فی أول کلام الطبرسی فی ذیل سورة النمل(2): أنها تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدی من آل مُحمَّد(علیهم السلام) فی ذلک، وأنَّ مضمونها لا یشک عاقل أنَّه مقدور لله سبحانه وتعالی، وقد فعل ذلک فی الأمم الخالیة، ونطق القرآن فی ذلک فی عِدَّة مواضع مثل قصة عزیر وغیره، علی ما فسَّرناه فی موضعه وصح عن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) أنَّه سیقع فی هذهِ الأمة ما وقع فی الأمم السابقة، وأنَّ جماعة من الإمامیة تأولوا ما ورد من الأخبار فی الرجعة علی رجوع الدولة والأمر والنهی دون رجوع الأشخاص وإحیاء الأموات، وأوّلوا الأخبار الواردة فی ذلک لما ظنوا أن الرجعة تنافی التکلیف ولیس کذلک. ولم یذکر أنهم انکروا الأخبار الواردة فیها ولم یطرحوها. ثم ردّ علیهم بأن الرجعة لم تثبت بمجرد ظواهر الأخبار لکی یتطرق إلیها التأویل، وإنَّما قام علیها إجماع الشیعة الإمامیة. فلا یصح التأویل فیها. فما نسب الشیخ مغنیة للطبرسی عاری عن المداقة والصحة من أنَّه یقول أنَّ المسألة خلافیة واجتهادیة.

2) وأمَّا ما نقله عن السید محسن الأمین فقد قال نظیره السید فی کتابه

ص:61


1- (1) الشیعة فی المیزان ص54 - 55.
2- (2) فی ذیل قوله : وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاًسورة النمل 83 .

(أعیان الشیعة): وأمَّا الرجعة ففیها أخبار، فمن صحت عنده لزمه القول بها، ومن لا فلا(1).

وکلام السید محسن یناقض ما انتهی إلیه الشیخ مُغنیة من أنَّ المکلف والباحث فی الخیار بین الأخذ بروایات الرجعة وبین ترکها وطرحها، وأنها راجعة إلی مشیئة الشخص وتشهیه إنْ شاء آمن بها وإنْ شاء جحد، فهذا تدافع بین موضع ما استشهد به من کلام السید محسن الأمین وما انتهی إلیه من نتیجة.

نعم هناک تدافع فی کلام السید محسن الأمین أیضاً بین ما تقدم وما قاله فی موضع ثالث من کتابه أعیان الشیعة(2) فی معرض ردّه علی (أحمد أمین):

وأمَّا الرجعة فقد بدء قوله (یعنی الکاتب أحمد أمین) بأنَّ مُحمَّداً(صلی الله علیه و آله) یرجع... ثم تحول إلی القول بأنَّ علیاً(ع) یرجع، وفکرة الرجعة أخذها ابن سبأ من الیهودیة فعندهم أنَّ النبی إلیاس صعد إلی السماء وسیعود فیعید الدین والقانون، ووجدت الفکرة فی النصرانیة فی عصورها الأولی.

ونقول سواء کان ابن سبأ أخذ فکرة الرجعة من الیهودیة أم من غیرها، فإنَّ صحت الروایة بها کانت کأمر تأریخی لا علاقة له بالعقائد الدینیة، وإنْ لم تصح لم یقل أحد بها فلیست الرجعة مما یجب اعتقاده أو

ص:62


1- (1) أعیان الشیعة/ ج1، ص31.
2- (2) أعیان الشیعة ج 1/ ص 53.

یضر عدم الاعتقاد به!

وکلام السید محسن الأمین هذا من غرائب الکلام! وهو الذی أغری الشیخ مغنیة إلی توهم أنَّها من الأمور التاریخیة البحتة، مع أنَّه لا یستریب أی باحث فی الرجعة أنَّ الرجعة مسألة اعتقادیة غایة الأمر تثبتها الشیعة ویجحدها مذهب العامة.

وقد تظافرت الروایة المتواترة عن أهل البیت(علیهم السلام) بلزوم الإیمان بها علی نمط الإیمان بالمعاد، وأنَّها نوع من المعاد الجسمانی المصغّر وممهد للبعث الأکبر، بلْ دلَّ علی ذلک متظافر الآیات القرآنیة وإلی لزوم الإیمان بها کما سیأتی.

بلْ سیأتی أنَّ روایات المخالفین متواترة بجملة من فصول الرجعة کدابة الأرض والعصا والمیسم وظهور الآیات وخروج الشمس من مغربها وأشراط الساعة وغیرها مما سیأتی، وهذهِ کلها من مراحل وفصول الرجعة أثبتوا روایاتها فی کتبهم مع أنَّهم لا یعلمون بأنَّ مفادها هی الرجعة.

فالعجیب من السید غفلته عن هذا الکم الهائل من الروایات، والجمّ الکثیر من کلمات الأعلام حول الرجعة، والعصمة لأهلها، مع أنَّ الأصحاب قدْ أجابوا بأجوبة محکمة متقنة عن تهریج المخالفین فی الرجعة منها کلام الطبرسی فی مجمع البیان تحت ذیل قوله تعالی وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (1).

ص:63


1- (1) سورة النمل: الآیة 83.
وقفة مع رأی السید الأمین:

قال السید محسن الأمین فی موضع آخر فی معرض ردّه علی الکاتب (أحمد أمین):(1)

الیهودیة ظهرت فی التشیع بالقول بالرجعة: أنه قلد فی ذلک من قبله ممن یریدون التظلیل وباطل حملته علیه العداوة وقلة الخوف من الله تعالی.

وقد سئل الشریف المرتضی علم الهدی فی المسائل التی وردت علیه من الریّ عن حقیقة الرجعة فأجاب بما معناه: أنَّ هناک من یری فیها أنَّ الله تعالی یُعید عند ظهور المهدی قوماً ممن کان تقدم موته، وأنَّ غیرهم یری أنَّ المقصود رجوع الدولة والأمر والنهی من دون رجوع الأشخاص وإحیاء الأموات انتهی - أی کلام المرتضی - ثم قال:

فظهر من ذلک أنَّ القول بالرجعة لیسَ اتفاقیاً عند الشیعة بنص السید المرتضی ولیسَ معناها متفقاً علیه عندهم ولا یأثم منکرها الذی لم تثبت عنده وإنَّما هی شبه أمر تاریخی وحادث من حوادث المستقبل فمن صحت أخبارها عنده لم یسعه إنکارها ولم یکن فی اعتقادها ضررٌ دینی، ومن لم یرَ أخبارها أو لم تصح عنده فهو فی سعة من عدم الاعتقاد بها هذهِ هی الرجعة التی یطبل القوم بها ویزمّرون. انتهی.

ص:64


1- (1) أعیان الشیعة، مجلد الأوَّل/ ص56.فی رد کلام أحمد أمین فی کتاب (فجر الإسلام) الذی یتهجم فیه علی الشیعة.

وفی کلامه جملة من الغفلات الخطیرة وإنْ کان هو(قدس سره) فی صدد الجواب عن تهریج الکاتب أحمد أمین فی کتابه (فجر الإسلام) إلّا أنَّ الردّ علیه لا ینجح فیه الابتعاد عن حقائق المذهب فإنَّه هناک أجوبة شافیة وافیة محکمة متقنة قدْ اعتمدها الأصحاب منذ زمن بعید کالصدوق والمفید ومن بعدهم من أعلام وزعماء الطائفة.

ومن هذهِ الغفلات:

1) أنَّه(قدس سره) لم یتحری ولم یتثبت بدقة کلام السید المرتضی، فتوهّم من عبارة السید المرتضی أنَّه یری أنَّ المسألة خلافیة، وهذا بعید عن الحقیقة تماماً، والحال أنَّ اللازم علیه أن یراجع کلام السید المرتضی فی مواضع عِدَّة کی یَلمّ بحقیقة رؤیة السید فی هذهِ المسألة والباب، فإنَّ السید المرتضی (فی أجوبة مسائل الری) التی أشار إلیها السید محسن الأمین أشار إلی أنَّ من تأول الرجعة برجوع الدولة هم شذّاذ من الإمامیة، فوصفهم بهذا الوصف، بلْ قال المرتضی فی موضع آخر: ولا یخالف فی صحة رجعة الأموات إلّا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحید.

کما ذکر السید المرتضی فی موضع ثالث أنَّ الطریق إلی إثبات الرجعة إجماع الإمامیة علی وقوعها، فإنَّهم لا یختلفون فی ذلک ...

وغیرها من العبارات التی نقلناها عنه سابقاً تحت رقم (4) من أقوال العلماء حیث یرفض فیها تأویل الروایات.

ص:65

فبعد کل هذا کیف یستظهر السید الأمین وینسب إلی السید المرتضی ذلک، ویزعم بأنَّ القول بالرجعة لیسَ اتفاقیاً عند السید المرتضی! مع أنه یری أنَّ منکر صحة الرجعة ملحد یخرج عن الإسلام لا عن الإیمان فقط.

2) توهمه أنَّ المسألة تاریخیة بحتة مع أنَّ الرجعة کما مرَّ فی جملة من الکلمات هی نوع من المعاد، أی یتمُّ فیها المداینة من الظالمین لأئمة الحق المستضعفین، ویتم فیها بعث الأموات وإحیاءهم، وهی قدرة إلهیة عظیمة من نمط البعث فی المعاد الأکبر، فکیف لا یکون ما هو من شأن وشؤون المعاد أمراً اعتقادیاً!

3) أنَّه تکرر فی عبارته إیهام أنَّ ما ورد فی الرجعة مجموعة وعیّنة من الأخبار قدْ تکون صحیحة لدی باحث حسب رؤیته فی مسائل علم الرجال والحدیث، وقد لا تصح عند آخر، والحال أنَّ عدد روایات الرجعة کما سیأتی فاق حدّ التواتر، بلْ إنَّ تواتر روایاتها لیسَ فقط عند الشیعة، بلْ هو کذلک فی روایات العامة، ولکنَّها لیست بعنوان ولفظ الرجعة فی روایاتهم ، کما سیأتی، بلْ بعناوین وألفاظ فصول الرجعة والمراحل الخطیرة فیها، فأثبتوا روایاتها فی مصادرهم وهم لا یعلمون أن مفادها من فصول ومراحل الرجعة.

وَقَدْ مرَّ کلام الشریف المرتضی فی رسائله: «ولا یخالف فی صحة رجعة الأموات إلّا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحید»(1).

ص:66


1- (1) رسائل السید المرتضی 135/2.

وقد صرَّح الحر فی موضعین فی أوائل کتابه (الایقاظ) أنه رغم جمعه لستمائة ونیف حدیث فی الرجعة إلا أنه اعرض عن أحادیث کثیرة وجدها فی الرجعة لأسباب عدیدة منها: عدم تحمل العقول المبتدأة مضامینها الصعبة الفهم علی الخیال البشری، کما أشار الی ذلک کل من العلامة الطباطبائی والمظفر.

قال الحر «ولذا لم أنقل هنا من تلک الرسالة شیئاً مع أنَّ أحادیثها لا تقصر عن الأحادیث التی جمعناها فی العدد والاعتماد»(1).

فهو یشیر إلی زیادة أضعاف علی ما رواه من أحادیث وقف علیها فی الرجعة ولم ینقلها.

وقال بعد ذلک أیضاً: «إنّا لم نتمکن من مطالعة الجمیع، لضیق الوقت وکثرة الموانع، ولا حضرنا جمیع ما هو بأیدی الناس الآن من الکتب»، وکلامه هذا یشیر إلی أضعاف مضاعفة من کم الأحادیث فی الرجعة.

ومن حقائق المذهب الالتفات إلی منهج علمی معرفی، فقد تری غیر واحد من الأکابر (قدس الله أسرارهم) یغفلون عن أحادیث الرجعة المتواترة أو عن باب من المعارف المرویة کذلک، وهذهِ مسألة مهمة جداً، واللازم عدم الاغترار بمثل هذه الغفلات(2).

ص:67


1- (1) الإیقاظ من الهجعة، الباب الثانی عشر - الشبهة الثالثة.
2- (2) راجع ب11 ح9، 10، الإیقاظ.
26 - السِّیّد الگلبیگانی: الرجعة ضرورة:

سئل عن حکم الاعتقاد بالرجعة، وما هو ضابط الضروریات الواجب الاعتقاد بها؟ فأجاب:

بسمه تعالی: الرجعة وجزئیاتها فی الجملة ثابتة، ولا یبعد کونها من ضروریات المذهب، وضابط کون الشیء من الضروریات: أنْ یکون فی الوضوح بحیث یلازم اعتقاده الاعتقاد بالدین أو المذهب، والله العالم(1).

27 - الشیخ ناصر مکارم الشیرازی: الرجعة من ضروریات المذهب
اشارة

قال فی تفسیره (الأمثل) فی ذیل قوله تعالی أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ : والرجعة من عقائد الشیعة المعروفة.

وتفسیرها فی عبارته الموجزة بهذا النحو: بعد ظهور المهدی(عج) وبین یدی القیامة یعود طائفة من المؤمنین الخُلّص، وطائفة من الکفّار الأشرار إلی هذهِ الدنیا، فالطائفة الأوَلی تصعد فی مدارج الکمال، والطائفة الثانیة تنال عقابها الشدید... إلی أنْ قال: وآخر الکلام هنا أنَّ الشیعة مع اعتقادهم بالرجعة التی أخذوها عن أهل البیت(علیهم السلام) فإنَّهم لا یحکمون علی منکری الرجعة بالکفر؛ لأنَّ الرجعة من ضروریات المذهب الشیعی لا من ضروریات الإسلام(2).

ص:68


1- (1) إرشاد السائل، السید الگلبیگانی ص203.
2- (2) تفسیر الأمثل، مجلد 12 ص147.
الرجعة ضرورة أدیانیة وَإسْلامیِّة:

أقول: سیأتی تقریب أنَّ الرجعة من ضروریات الإسلام بعدة تقریبات.

الأول: ما أشار إلیه السید المرتضی فی کلامه المتقدم: ان صحة الرجعة (أی امکانیتها) لا ینکرها الا ملحد.

ومقصود السید أن صحة امکانها ضرورة فی الأدیان السماویة.

الثانی: ما أشرنا إلیه: أنَّ کافة المسلمین رووا أحادیث فصول ومراحل الرجعة کدابة الأرض، والعصا والمیسم وخروج الآیات ...وغیرها، وهی ضرورة قرآنیة فضلاً عن کونها ضرورة حدیثیة وإسلامیة، ولیست مذهبیة فقط نعم بعنوان وعناوین مرادفة عقلاً لا مرادفة لغة.

ص:69

ص:70

الرجعة فی کلام علماء العامة
1- القاضی عبدالجبار المعتزلی

قال فی تفسیره (متشابه القرآن) فی تفسیر قوله تعالی أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً : یدلُّ علی العدل وعلی تنزیهه عن القبیح، لأنَّه مع تجویز ذلک علیه یلزم القول بأنه عابث بسائر ما خلق الله، تعالی عن ذلک، ویدل علی بطلان قول من ینکر المعاد والرجعة(1).

2- الطبری

فی ذیل قوله تعالی: وَ قالَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا کَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ کَما تَبَرَّؤُا مِنّا کَذلِکَ یُرِیهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَیْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِینَ مِنَ النّارِ یعنی بقوله تعالی ذکره: وقال الذین اتبعوا: وقال أتباع الرجال الذین کانوا اتخذوهم أنداداً من دون الله یطیعونهم فی معصیة الله، ویعصون ربهم فی طاعتهم إذْ یرون عذاب الله فی الآخرة لَوْ أَنَّ لَنا کَرَّةً یعنی بالکرة: الرجعة إلی الدنیا(2).

ص:71


1- (1) متشابه القرآن 520/15 .
2- (2) جامع البیان للطبری 2 / 100.
3- الزمخشری

قال فی ذیل قوله تعالی: أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ وَ إِنْ کُلٌّ لَمّا جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ (1) (إلیهم لا یرجعون) بدل من (کَمْ أَهْلَکْنا) علی المعنی لا علی اللفظ، تقدیره: ألم یروا کثرة إهلاکنا القرون من قبلهم کونهم غیر راجعین إلیهم.

وعن الحسن: کسر إنَّ علی الاستئناف، وفی قراءة ابن مسعود: ألم یروا من أهلکنا، والبدل علی هذهِ القراءة بدل اشتمال، وهذا مما یرد قول أهل الرجعة.

ویحکی عن ابن عباس رضی الله عنهما أنَّه قیل له: إنَّ قوماً یزعمون أنَّ علیاً مبعوث قبل یوم القیامة! فقال: بئس القوم نحن إذْن نکحنا نساءه وقسمنا میراثه، انتهی(2).

4- 5 - المراغی وصاحب الظلال

حکی الشیخ مغنیة فی تفسیر الکاشف فی ذیل قوله تعالی أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ : فی الردّ علی أکثر المفسرین القدامی والجدد - ومنهم المراغی وصاحب الظلال، قال: قالوا فی معنی هذهِ الجملة الکریمة: ا لم یر المکذبون أن الأمم الذین أهلکناهم لا

ص:72


1- (1) سورة یس: الآیتان 31 - 32.
2- (2) الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل وعیون الاقاویل فی وجوه التأویل ، الزمخشری 321.

یعودون إلی الدنیا ثانیة - وفی هذا التفسیر نظر؛ لأنَّ عدم عودة الأموات إلی الدنیا للمکذبین بالبعث ولیسَ حجة علیهم، والمعنی الصحیح کما نظن ألم یرَ المکذبون أنَّ الله قدْ أهلک الماضین بقضهم وقضیضهم، ولم یبق منهم أحد یرجع إلی المکذبین اللاحقین ینبئهم بخبر المکذبین السابقین، وإنَّما دلَّ علی أهلاکهم المعالم والآثار(1).

6- ابن حجر العسقلانی:

ذکر ابن حجر فی مقدمة فتح الباری فی فصل فی تمییز أسباب الطعن فی المکذبین: (والتشیع محبة علی وتقدیمه علی الصحابة، فمن قدمه علی أبی بکر وعمر فهو غال فی تشیعه، ویطلق علیه الرافضی، وإلّا فشیعی فإن انضاف إلی ذلک السب او التصریح بالبغض فغال فی الرفض، وإنْ اعتقد الرجعة إلی الدنیا فأشد فی الغلو(2).

وهذا یفید أن الرجعة أخطر مقام فی امامة علی(ع) عندهم .

7- ابن عاشور فی التحریر والتنویر:

قال فی سورة البقرة فی ذیل قوله تعالی: لَوْ أَنَّ لَنا کَرَّةً : والکرّة الرجعة إلی محل کان فیه الراجع، وهی مرة من الکر، ولذلک تطلق فی

ص:73


1- (1) تفسیر الکاشف للشیخ مغنیة ج 6/ 312.
2- (2) فتح الباری لابن حجر ج495/1 .

القرآن علی الرجوع إلی الدنیا؛ لأنَّه رجوع بمکان سابق، وحذف متعلّق الکرة هنا لظهوره(1).

8- محمد عزة دروزة:

قال فی تفسیره (التفسیر الحدیث) فی ذیل الآیة وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا ومع أنَّ کل مفسری السنة مجمعون علی أنَّ الحشر هو حشر یوم القیامة فإنَّ مفسری الشیعة یستدلون بالآیات علی عقیدة الرجعة التی یدینون بها والتی هی من أهم عقائدهم حتّی أنَّ بعضهم یکفرون من لا یؤمن بها والتی یصفون بها رجعة علیّ وأئمتهم وأولیائهم مع أعدائهم وهاضمی حقوقهم حیث یحی الله قوما من أولیائهم وقوماً من أعدائهم قبل انقضاء الدنیا لینتقم الأولون من الآخرین، وبقطع النظر عن عقیدتهم العجیبة فإنَّ فی الاستدلال علیها بالآیات التی نحن فی صددها تعسفاً ظاهراً وتکلفاً حزبیاً صارخاً، سواء من ناحیة سیاقها أم من ناحیة فحواها.

وفی تفسیر الطبرسی وهو من أکثرهم اعتدالاً کلام طویل عجیب فی تفصیل وإثبات ذلک، ومما قاله أنَّه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدی من آل مُحمَّد وإجماعهم حجة، ونحن نرید أنْ ننزه أی واحد منهم فضلاً عن جمیعهم من أنْ یکون قدْ استنبط ذلک من هذهِ الآیات(2).

ص:74


1- (1) التحریر والتنویر 98/2.
2- (2) التفسیر الحدیث ، محمد عزة دروزة 3 / 304
9- أبو الفدا إسماعیل:

قال فی تفسیر روح البیان فی ذیل قوله تعالی: أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ : وهذهِ الآیة ترد قول أهل الرجعة، أی من یزعم أنَّ من الخلق من یرجع قبل القیامة بعد الموت، کما حکی عن ابن عباس رضی الله عنهما أنَّه قیل له: أنَّ قوماً یزعمون أنَّ علیاً سیعود قبل یوم القیامة! فقال: بئس القوم نحن إذا نکحنا نساءه وقسمنا میراثه، أی لو کان راجعاً لکان حیاً والحی لا تنکح نساؤه ولا یقسم میراثه، کما قال الفقهاء إذا بلغ إلی المرأة وفاة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الأوَّل فهی امرأته، لأنَّها کانت منکوحته، ولم یعترض شیء من أسباب الفرقة فبقیت علی النکاح السابق، ولکن لا یقربها حتّی تنقضی عدتها من النکاح الثانی.

ویجب إکفار الروافض فی قولهم بأنَّ علیاً وأصحابه یرجعون إلی الدنیا فینتقمون من أعدائهم ویملأون الأرض قسطاً کما ملئت جوراً وذلک القول مخالف للنص(1).

10 - ابن سعد:

روی فی الطبقات الکبری عن عمر بن الأصم قال: قیل للحسن بن علی إنَّ ناساً من شیعة أبی الحسن علی(ع) یزعمون أنَّه دابة الأرض، وأنهُ

ص:75


1- (1) روح البیان 390/7 - 391.

سیبعث قبل یوم القیامة، فقال کذبوا لیسَ أولئک شیعته أولئک أعداؤه، لو علمنا ذلک ما قسمنا میراثه ولا أنکحنا نساءه(1).

11-- الآلوسی:

قال فی روح المعانی فی ذیل قوله تعالی من سورة النحل: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ (2)،وزعم بعض الشیعة أنَّ الآیة فی علی کرم الله تعالی وجهه والأئمة من بنیه رضی الله تعالی عنهم وأنها من أدلة الرجعة التی قال بها أکثرهم، وهو زعم باطل، والقول بالرجعة محض سخافة لا یکاد یقول بها من یؤمن بالبعث، وقدْ بیَّن ذلک علی أتمّ وجه فی التحفة الأثنی عشرة، ،ولعل النوبة تفضی إنْ شاء الله تعالی إلی بیانه(3).

وقال فی موضع آخر فی ذیل سورة المؤمنون قوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ إِذا هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ ، وروت الإمامیة عن أبی جعفر أنَّ ذلک عذاب یعذبون به فی الرجعة.

ثم قام بتکذیب ما ترویه الإمامیة بشدة وألفاظ بعیدة عن المنهج العلمی(4).

وقال فی موضع ثالث فی ذیل سورة النور قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ

ص:76


1- (1) الطبقات الکبری لابن سعد، الطبقة الأولی علی بن أبی طالب، ج3، ص39.
2- (2) سورة النحل: الآیة 38.
3- (3) روح المعانی/ ج7، ص372.
4- (4) المصدر السابق/ ج9، ص256.

الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً (1)،قال وزعم الطبرسی أنَّ الخطاب للنبی وأهل بیته فهم الموعودون بالاستخلاف وما معه، ویکفی فی ذلک تحقق الموعود فی زمن المهدی ولا ینافی ذلک عدم وجوده عند نزول الآیة؛ لأنَّ الخطاب الشفاهی لا یخص الموجودین، وکذا لا ینافی عدم حصولهُ للکل؛ لأنَّ الکلام نظیر بنو فلان قتلوا فلاناً، واستدل علی ذلک بما روی العیاشی بإسناده عن علی بن الحسین أنَّه قرأ الآیة فقال: هم والله شیعتنا أهل البیت یفعل ذلک بهم علی ید رجل منّا وهو مهدی هذهِ الأمّة، وهو الذی قال رسول الله(صلی الله علیه و آله)

«لولم یبقَ من الدنیا إلّا یوم واحد لطوّل الله تعالی ذلک الیوم حتّی یلی رجلٌ من عترتی أسمه إسمی یملأ الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجورا» إلی أنْ قال - نعم ورد من طریقنا ما یستأنس به لهم فی هذا المقام لکنّه لا یعول علیه أیضاً مثل أخبارهم، وهو ما أخرجه عبد ابن حمید عن عطیة أنَّه علیه الصلوات والسلام قرأ الآیة فقال أهل البیت ها هنا وأشار بیده إلی القبلة، وزعم بعضهم نحو ما سمعت عن الطبرسی إلّا أنَّه قال هی فی حق جمیع أهل البیت علی کرم الله وجهه وسائر الأئمة الاثنی عشر وتحقق ذلک فیهم زمن الرجعة حین یقوم القائم،

ص:77


1- (1) سورة النور: الآیة 55.

وزعم أنها أحد أدلة الرجعة(1).

وقال فی موضع رابع فی ذیل سورة النمل قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ ... - إلی قوله - وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (2)، قال: أی تکلمهم بأنهم کانوا لا یتیقنّون بآیات الله تعالی الناطقة بمجیء الساعة ومبادیها، أو بجمیع آیاته التی من جملتها تلک الآیات.

وقیل: بآیاته التی من جملتها خروجها بین یدی الساعة ولیسَ بذاک ... - إلی أنْ قال - والظاهر أنَّ ضمیر الجمع فی تکلمهم للکفرة المنکرین للبعث مطقاً.

والرجعة التی یعتقدها الشیعة لا نعتقدها، والآیة الآتیة لا تدلّ کما یزعمون علیها، ویسهل أمر ذلک أنَّه لیسَ مدار الحدیث عنهم سواء ما هم علیها من الشرک والکفر بالآیات وإنکار البعث وذلک موجود فیهم وفی الکفرة الموجودین عند إخراج الدابة(3). انتهی.

والغریب أنَّه استظهر أنَّ المراد من الناس فی الآیة أهل مکة! واستشهد علی ذلک بما روی عن وهب أنَّ الدابة تخبر کل من تراه أنَّ أهل مکة کانوا

ص:78


1- (1) روح المعانی ج9، ص396.
2- (2) سورة النمل الآیة 82 - 83.
3- (3) روح المعانی ج9 ، ص 396.

بمُحمَّد والقرآن لا یوقنون.

أقول:

وفی کلامه جملة من الزیف والهراء منها:

1 - نسبته - علی ما فی التفسیر المطبوع - أنَّ الشیعة ینکرون البعث والمعاد! وهل فی المسلمین مثل الشیعة من یثبت المعاد! فهم یثبتون بعث للرجعة وبعثٌ أکبر للمعاد، وسیأتی فی الباب الثالث أنَّ فی الرجعة تکرر فی البعث عِدَّة مرات فضلاً عن البعث الأکبر فی القیامة، بلْ لا تجد فی تراث الحدیث حول المعاد بقدر ما یوجد لدی الشیعة فی تراث المسلمین، لأنَّ سائر المسلمین ترکوا علم أهل البیت فَنَضَبَ العلم عندهم عن أحوال الآخرة وشؤونها ومواقف عالم القیامة.

2) إنَّ اعترافهم بأن الدابة فی آخر الدنیا قبل یوم القیامة عندما تخرج لمحاسبة کفّار قریش ومشرکیها:

أ - فهل ذلک برجوع قبل یوم القیامة فی الدنیا أم ماذا؟

ب - وما هو وجه الحکمة فی تعرض الدابة - التی هی آیة إلهیة - لنشر ملف ومحاسبة کفّار قریش قبل یوم القیامة؟

ج - وما هو وجه مداینة دابة الأرض ومکافئتها للمؤمن بوسم الإیمان ومجازاتها للکافر والمنافق بوسم الکفر؟

د - ولماذا بقی کفّار قریش ملفهم معلقاً حتّی وقت خروج الدابة؟

ص:79

إلی غیر ذلک من التساؤلات التی تثار فی معالم خروج الدابة بحسب ما أشارت إلیه الآیات والروایات التی لا تنطبق تلک المعالم إلّا علی الرجعة وشؤونها الذی تعتقده مدرسة أهل البیت(علیهم السلام)، وآمنت به الشیعة.

3) ثمَّ ما وجه الاستلزام بین القول بالرجعة وتوهم إنکار البعث الأکبر والمعاد؟! مع أنَّ العکس - عقلاً - هو الصحیح، فإنَّ من یقول بالرجعة التی هی بعث من القبور هو الأولی عقلاً أنَّ یلتزم بالرجعة والرجوع فی معاد الآخرة الکبری کما یأتی ذلک فی بحث الرجعة والعقل.

وقال فی ذیل الآیة الثانیة وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ : وهذهِ الآیة من أشهر ما استدل به الإمامیة علی الرجعة...

ثم حکی کلام الطبرسی فی مجمع البیان، وقال: أول من قال بالرجعة عبدالله بن سبأ، ولکن خصصها بالنبی(صلی الله علیه و آله)، وتبعهُ جابر الجعفی فی أول المائة الثانیة، فقال: برجعة الأمیر کرّم الله تعالی وجهه أیضاً، لکن لم یوقتها بوقت، ولما أتی القرن الثالث قرَّرَ أهل الإمامیة رجعة الأئمة کلهم، وعینوا لذلک وقت ظهور المهدی، واستدلوا علی ذلک بما رووهُ عن أئمة أهل البیت.

والزیدیة کافةً منکرون لهذه الدعوی إنکاراً شدیداً، وقد ردّوها فی کتبهم علی وجهٍ مستوفی بروایات عن أئمة أهل البیت أیضاً تعارض روایات الإمامیة، والآیات المذکورة هنا لا تدل علی الرجعة حسبما یزعمون، ولا أظن أنَّ أحداً منهم یزعم دلالتها علی ذلک، بلْ قصاری ما یقول أنَّها

ص:80

تدلُّ علی رجعة المکذبین أو رؤسائهم، فتکون دالة علی أصل الرجعة وصحتها لا علی الرجعة بالکیفیة التی یذکرونها، وفی کلام الطبرسی ما یُشیر إلی هذا.

وأنت تعلم أنَّه لا یکاد یصح إرادة الرجعة إلی الدنیا من الآیة، لإفادتها أنَّ الحشر المذکور لتوبیخ المکذبین وتقریعهم من جهته عَزَّ وَجَلَّ، بلْ ظاهر ما بعد یقتضی أنَّه تعالی بذاته یوبخهم ویقرعهم علی تکذیبهم بآیاته سبحانه، والمعروف من الآیات لمثل ذلک هو یوم القیامة مع أنها تفید أیضاً وقوع العذاب علیهم واشتغالهم به عن الجواب، ولم تُفد موتهم ورجوعهم إلی ما هو أشدّ منه وأبقی وهو عذاب الآخرة الذی یقتضیه عظم جنایتهم، فالظاهر استمرار حیاتهم وعذابهم بعد هذا الحشر، ولا یتسنی ذلک إلّا حشر یوم القیامة.

وربما یقال أیضاً - مما یأبی حمل الحشر المذکور علی الرجعة - أنَّ فیه راحة لهم فی الجملة حیث یفوت به ما کانوا فیه من عذاب البرزخ الذی هو للمکذبین کیف ما کان أشد من عذاب الدنیا، وفی ذلک إهمال لما یقتضیه عظم الجنایة، وکیف تصح إرادة الرجعة منها وفی الآیات ما یأبی ذلک ، منه قوله تعالی: رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (1).

فإنَّ آخر الآیة ظاهرٌ فی عدم الرجعة مطلقاً، وکون الإحیاء بعد

ص:81


1- (1) سورة المؤمنون: الآیة 199.

الإماتة والإرجاع إلی الدنیا من الأمور المقدور له عَزَّ وَجَلَّ مما لا ینتطح فیه کبشان إلّا أنَّ الکلام فی وقوعه، وأهل السنة ومن وافقهم لا یقولون به ویمنعون إرادته من الآیة ویستندون فی ذلک إلی آیات کثیرة.

والأخبار التی روتها الإمامیة فی هذا الباب قدْ کفتنا الزیدیة مؤونة ردّها، علی أنَّ الطبرسی أشار إلی أنها لیست أدلة وأنَّ التعویل لیسَ علیها، وإنَّما الدلیل إجماع الإمامیة، والتعویل لیسَ إلّا علیه.

وأنت تعلم أنَّ مدار حجیة الإجماع - علی المختار عندهم- حصول جزم بموافقة المعصوم ولم یحصل للسنی هذا الجزم من إجماعهم هذا فلا ینتهض ذلک حجة علیه مع أنَّ له إجماعاً یخالفه، وهو إجماع قومه علی عدم الرجعة الکاشف عما علیه سید المعصومین صلی الله تعالی علیه وآله وسلم، وکل ما تقوله الإمامیة فی هذا الإجماع یقول السنی مثله فی إجماعه وما ذکر من قوله(صلی الله علیه و آله)

«سیکون فی أمتی» الحدیث لا نعلم صحته بهذا اللفظ، بلْ الظاهر عدم صحته، فإنَّه کان فی بنی إسرائیل ما لم یذکر أحد أنَّه یکون مثله فی هذهِ الأمة کنتق الجبل علیهم حین امتنعوا عن أخذ ما آتاهم الله تعالی من الکتاب، والبقاء فی التیه أربعین سنة حیث قالوا لموسی(ع) فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّکَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ (1)، ونزول المن والسلوی علیهم فیه إلی غیر ذلک.

ص:82


1- (1) سورة المائدة: الآیة 24.

وبالجملة القول بالرجعة - حسب ما تزعم الإمامیة - مما لا ینتهض علیه دلیل، وکم من آیة فی القرآن الکریم - تأباه - غیر قابلة للتأویل، وکأن ظلمة بغضهم للصحابة رضی الله تعالی عنهم حالت بینهم وبین أنْ یحیطوا علماً بتلک الآیات(1).انتهی

أقول: فی کلامه موارد زائفة عدیدة:

الأوَّل: القول بأن أوَّل من قال بالرجعة عبدالله بن سبأ کذب، فإنَّ مَنْ کتب فی أحوال الصحابة نسب القول بالرجعة إلی جماعة منهم: أبی الطفیل عامر بن واثلة وسلیم بن قیس وقبلهما سلمان وأبی ذر الغفاری وعمار وحذیفة وغیرهم، بل قبلهم أحادیث النبی(صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین علی(ع)، بلْ وما قصَّه القرآن من وقوعها فی عزیر وموارد عدیدة فی بنی اسرائیل ...إلی غیر ذلک.

الثَّانِی: هل مع کل ذلک یتنکر للرجعة! وأنه یستلزم انکار المعاد أو هی برهان علی المعاد! کما استدل القرآن علی المعاد برجوع أصحاب الکهف .

الثَّالِث: إن تراث الحدیث لأهل البیت(علیهم السلام) منذ القرن الأوَّل یعجّ برجوع کل الأئمة(علیهم السلام)، بل الرسول(صلی الله علیه و آله) أیضاً مبینین ذلک من الآیات القرآنیة، وهذا التراث متقادم النسخ محفوظ جیلا بعد جیل لا علی ما ابتلی به العامة من تحریم تدوین الحدیث لدیهم أکثر من قرن من الزمان ، فکیف

ص:83


1- (1) النهایة، مجلد1، ص238.

یدعی وینسج من تحامله علی الشیعة أنهم قرروا ذلک فی القرن الثالث!

الرَّابِع: دعوی اختصاص الزیدیة بأهل البیت(علیهم السلام) علی حدِّ اختصاص الاثنی عشریة بهم کلام من لا اطلاع له علی تاریخ الفرق والنحل، وکیف یستوی الزیدیة والإمامیة فی الأخذ عن أهل البیت(علیهم السلام)، وقد أخذ الزیدیة کثیراً عن غیرهم فی المعتقد وفی الأحکام، وهل یجهل معالم ذلک علی متتبع فی المذاهب والفرق!

الخامس: دعواه أن الآیات لا تدل علی الرجعة هی مکابرة إن کان یقصد فیما مضی من الأمم فلم یستلزم الاقرار بها انکارا للمعاد بل مزید برهان علیه، فإن استبعادات المعاد الأکبر کلها تدفع بوقوع الرجعة کما هو الحال فی قصة عزیر وقصة ابراهیم والطیور وقصة أصحاب الکهف، وغیرها من قصص القرآن فی الأمم السابقة، فکلها آیات ودلائل علی المعاد.

ومنه یظهر أنَّ الآیات المتوهم نفیها للرجعة کَسّنَّة إلهیة لیست الرجوع إلی الدنیا بعد الموت ومکث فی البرزخ، بلْ معانی أُخری کما مرَّ ویأتی.

السَّادِس: إن تسلیمه بدلالة الآیة برجوع رؤساء المکذبین دون الکیفیة التی یقول بها الشیعة فیه أن تفاصیل الرجعة لا تقتنص من آیة واحدة أو روایة فاردة بل من مجموع آیات وروایات .

السَّابِع: إنَّ ما وَرَدَ کثیراً فی القرآن من تمنی العصاة والکفار الجاحدین الرجوع إلی الدنیا ووعدهم بالتوبة واجابته تعالی کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها

ص:84

إنما هو بلحاظ الرجوع عند الموت وعدم تحمل مکابدات عذاب البرزخ.

واشکاله بانقطاع عذاب البرزخ بالرجعة جوابه أنه لیس هناک ما یدلُّ علی استمرار عذاب البرزخ کعذاب الآخرة والخلود فیه، بل هو کالحدود والتعزیرات بعدما کان فی الرجعة مرحلة امتحان آخر أشدُّ وأصعب .

الثامن: إن استبعاده قاعدة وقوع ما وقع فی الأُمم السابقة - لاسیما بنی اسرائیل - فی هذه الامة، وأنه لم یقع إلی یومنا کثیر مما وقع فیهم، ففیه أن الأمد لهذه الامة لازال ولم یأزف أجلها، فإشکاله مجرد استبعاد وتکهن .

والأغرب منه إنکاره ورود الحدیث النبوی بذلک! فهو قلة اطلاع علی مصادر الحدیث مع أنَّ هذا الحدیث مستفیض إنْ لم یکن متواتراً بمجموع طرق الفریقین، فضلاً عن دلالة عِدَّة آیات علی هذه القاعدة المرویة فی الحدیث النبوی.

ص:85

ص:86

الفصل الثانی:الرجعة والعقل

اشارة

ص:87

ص:88

المستقبل دلیل عقلی الرجعة شعار لعدالة مستقبلیة أرقی
اشارة

إنَّ تطلّع البشریة نحو علم المستقبل آخذ فی الازدیاد وبشغفٍ شدید، وقد أنشأت جملة من التخصصات الأکادیمیة الباحثة عن علم المستقبل ونظریته.

وبالأحری إنَّ الشعوب البشریة سواء الأوروبیة أو الغربیة أو الشرقیة ها هی تمدُّ بصرها إلی ما وراء الدیمقراطیة واللیبرالیة، ولا زالت العدالة الشغل الشاغل للفکر البشری.

الرجعة مخزون معرفی ضخم للعدالة والحریة:

والتعرف علی منظومة العدل طریق طویل لابدَّ أنْ تطویه البشریة، فنموذج الشیوعیة والاشتراکیة والرأسمالیة ونظام السوق الحر والنظام العالمی الموحَّد تحت ظل منظمة الأمم المتحدة وغیرها من الأطروحات لم

ص:89

تلبّی للبشریة طموحات فی العدالة.

وشعار البشریة المطالب بالحقوق، وأنَّ الشعب یرید إسقاط النظام لم یرق إلی مستوی تعلق إرادة الشعب ومطالبته بقیادة من هو مرکز العدل وقطب رحاه، وهو المعصوم المزوَّد بالعلم الشمولی الموجب لازدهار النظام البشری إلی السعادة، فشعار مطالبات الشعوب لا زالت فی وسط الطریق، ولیست غایات نهائیة لإرساء العدالة، وکثیر من النسیج والبنی الاجتماعیة تحتاج إلی تغیرات تحول دون بروز ألوان من الظلم والعدوان، فالبشریة رغم تجاوزها لاستبداد الفرد والقبیلة لکن لا زالت تعانی ألوان أُخری من الاستبداد سواء الناشئ من العرق أو الطبقة أو الجماعات أو الکتل.

بلْ إنَّ البشریة علی صعید التنظیر فضلا عن صعید التطبیق لا زالت عاجزة عن تصویر النظام العادل علی الصعید السیاسی أو الاقتصادی أو القضائی أو الحقوقی أو الجمرکی فضلاً عن عجز البشریة ونُخبها عن اکتشاف آلیات تطبیق العدالة.

الرجعة مشروع إصلاح متقدم علی الدیمقراطیة:

وإنَّ بحث الرجعة هو علم المستقبل ونظریته، وهو الریّ الروی لتعطش البشریة، وهو إعداد لها بتطویر معرفتها إلی آفاق من الإصلاح وآلیات العدل لم یرتق العقل البشری إلی تصورها.

ص:90

فإنَّ فی ما جاء من القرآن والسنة حول الرجعة یبنی غایات لدی البشریة لم تکن لدیها معرفة بها فی شعاراتها وتطلعها التی تهتف بها لأجل السعادة والکمال.

وهذا الرصید المعرفی للعدالة والإصلاح فی الرجعة من العظمة بمکان یثیر مخاوف مراکز الدراسات الغربیة بأنَّ تسویق مثل هذهِ المشاریع نظیر تسویق المشروع المهدوی ینذر بخطورته علی الأنظمة الغربیة، إذْ یجر ولاء الشعوب وتطلعاتها وطموحاتها نحو هذا المشروع، وهذه المشاریع دون ما یطبّل إلیها دعائیاً من شعار الدیمقراطیة واللیبرالیة.

وسیأتی بیان أنَّ لکل واحد من المعصومین(علیهم السلام) فی رجعته إلی دار الدنیا ملفا ومشروعا خاصا من الإصلاح یُقام علی شخص یدیه دون غیره من المعصومین أمراً من الله.

فرجوع شخص کل واحد واحد منهم ینطوی علی حلقة فرج خاص للبشریة غیر حلقة الفرج التی تتم للبشریة علی ید بقیة المعصومین(علیهم السلام)، فتکامل حلقات الفرج - من الضائقة التی تعانیها البشریة - برجوع جمیع المعصومین واحد بعد الآخر.

ومن ثمَّ ورد فی زیارات کل واحد منهم التعجیل بفرج ظهوره من عالم البرزخ إلی الحیاة الدنیا رجوعاً ورجعة کما فی الدعاء بتعجیل ظهور مهدیهم(عج)، وإنْ کان عقد الدر لحلقات هذا الفرج هو رجوع ورجعة أمیر المؤمنین(ع)، بلْ وعلی رجعاته تحوم وتدور أدوار الرجعة، ورجعاته وکراته

ص:91

توطئة لرجعة السید الأکبر فی نهایة المطاف وهو سید الأنبیاء(صلی الله علیه و آله).

ومن ثمَّ ورد فی الآیات والروایات أنَّ کل واحد من الأئمة(علیهم السلام) موعود مهدی منتظرٌ ظهوره وخروجه من قبره إلی الرجعة، لیقیم رکناً من دولة العدل الالهی فی الأرض.

ص:92

الرجعة والتطلع البشری نحو المستقبلالرجعة تزاوج حضارات ومشارکة إعمار بین الأموات والأحیاء
اشارة

کما وردت روایات عدیدة فی آداب زیارة کل واحد من المعصومین(علیهم السلام) بالدعاء بتعجیل فرجه، وتسهیل مخرجه، وأنَّ الرجعة ظهورٌ له من مغیّبه.

ولا ریب أنَّ الأمم السابقة تحمل ثقافات وتقالید وعادات تختلف عن الأمم الحیّة الحاضرة فمع اختلاط الأمم الغابرة واللاحقة فی مجتمع واحد یبدو المشهد غریباً، ویصعب تصوّر التفاعل الاجتماعی فیما بین أعضاء المجتمع، لا سیما أنَّ الأمم السابقة الراجعة من الموت قدْ مرَّت بها نشآت البرزخ، فاکتسبت طبیعة حیاة ونشأة لطیفة وشفافة وإنْ کانت أرضیة.

وإنَّ هذا التمازج والتفاعل بین الأجیال الماضیة والحاضرة بات حدیث الساعة فی الفکر والتطلع البشری، مما ینوِّه إلی استعداد العقل والذهنیة البشریة والنفسیة الإنسانیة المعاصرة لمثل هذا الحدث.

ص:93

النزعة الفطریة برهان علی الرجعة:

إنَّ ما تقدم بیانه من تطلع البشریة نحو مشارکة الأموات للأحیاء هی نزعة فطریة لعود الأموات، بلْ هذهِ النزعة الفطریة لیست تقتصر علی الأحیاء تجاه الأموات، بلْ هی من الأحیاء تجاه أنفسهم علی تقدیر موتهم، أی تطلعهم نحو مستقبل أنفسهم لما بعد موتهم، وهو أیضاً نزوع فطری عصری فی البشر نحو الرجعة تطلعاً لتکامل الحضارات وتمازجها وتفاعلها فیما بینها، أی بین القدیمة منها والحاضرة الرائدة، وهذا منشأ ثالث لنزوع الفطرة وتطلعها وطلبها للرجعة.

صیاغة أُخری للدلیل الفطری علی الرجعة:

إنَّ ما فی الرجعة من فتح المجال للفرص لجمیع المظلومین والمضطهدین فی الأمم والأجیال الماضیة لا الاقتصار علی الأحیاء فحسب، بل هو تطلع تنشده الفطرة البشریة عموماً، کما أنَّ تفعیل طاقات الأفراد البشریة فی ظل الأنظمة هو انطلاقة وهدفٌ تسعی نحوه العقول والنفوس البشریة، ویشمل ذلک من مضی وغبر من البشر، فالنظام العادل علی الأرض یفسح المجال أمام کل فرد قصّر وفرّط فی الرقی للکمال.

فهذا سبب الرجوع والرجعة لکل فرد وهو سبب کافی لرجوع کل الأئمة(علیهم السلام) لإقامة سلسلة النظام العادل بنحو متراتب.

ص:94

الرجعة والاستدلال العقلی

قدْ استدل جملة من علماء الإمامیة المحققین فی الآونة الأخیرة علی ضرورة وقوع الرجعة بالدلیل العقلی استخراجاً من البیانات العقلیة الموجودة فی الآیات الروایات.

وقد أشرنا إلی أنَّ الصدوق اتّجه إلی قراءة عقلیة للرجعة قائمة منهجیتها علی الوحدة والاتحاد بین باب النوم والموت وباب الیقظة والبعث، وهذا المنهج هو الآخر مستخرجٌ من الآیات والروایات کما سیتبین، وقد تابع الحر العاملی فی کتابه (الإیقاظ من الهجعة فی إثبات الرجعة) الصدوق علی هذا المنهج، بلْ بنی هیکل کتابه کلّه علی ذلک.

وممن نحی إلی المنهج العقلی فی الآونة الأخیرة الشیخ مُحمَّد الشاه آبادی والحکیم المولی السید أبو الحسن الرفیعی والعلامة المحقق الطباطبائی فی المیزان وأیضاً الفقیه العارف الصوفی المفسر الجونبادی (الگونبادی) فی تفسیره بیان السعادات والحکیم المولی علی النوری.

وأمَّا من استدل علی إمکان الرجعة وصحة وقوعها بالدلیل العقلی فأکثر علماء الإمامیة سواء بالمشرب الکلامی أو الفلسفی أو العرفانی، بدءا بالسید المرتضی والمفید وانتهاءً بالحکیم ملا صدرا فی تفسیر سورة یس ومواضع أُخری من تفسیره أیضا، بل یظهر من بعض کلماته المتقدمة تقریر الدلیل العقلی علی وقوع الرجعة.

ص:95

وجه عقلی آخر علی الرجعة للصدوق وآخر للعاملی:

قدْ اعتمد الصدوق علی بیان عقلی فی الآیات والروایات فی الرجعة وتفصیله سیأتی، وملخصه: أنَّ هناک حالة وماهیة عقلیة مشترکة بین الموت والنوم، کما أنَّ هناک هویة عقلیة مشترکة بین الیقظة من النوم والبعث من الموت، فالماهیة المشترکة الأولی بین الموت والنوم الذی هو بمثابة الترادف العقلی هو وجود هویة جامعة عقلیة ماهویة تکوینیة بین الموت والنوم، وإنْ کانت هناک فوارق عدیدة بینهما أیضاً، بلْ إنَّ للموت درجات.

وروی الکلینی فی باب ما یعاین المؤمن والکافر - فی القبر - بسنده عن عمّار بن مروان عمّن سمع أبا عبدالله(ع) فی حدیث عن موت المیت - وحالاته ومسائلة القبر ونحوها ثم یقال للمُؤمن - نم نومة العروس علی فراشها(1) مع أنَّ المخاطب میت فنومه فی برزخه مرتبة أُخری من الموت أو الانفصال للروح مرتبة أشدّ.

وفی روایة الأشعث عن أبی عبدالله(ع) یقول: (یسأل الرجل فی قبره فإذا أثبت فسح له فی قبره سبعة أذرع وفتح له باب إلی الجنة وقیل له: نُم نومة العروس قریر العین(2).

ص:96


1- (1) الکافی 3/ ص131؛ کتاب الجنائز - باب ما یعاین المؤمن والکافر ح4.
2- (2) الکافی 3/ ص238 - ح47 - 9.

وغیرها من الروایات المستفیضة المتضمنة لنوم المیت فی قبره بعد موته فهذهِ مراتب.

وروی الصدوق فی کتاب الاعتقادات باب مسائلة القبر روایة موت فاطمة بنت أسد(علیهاالسلام) ووضع النبی(صلی الله علیه و آله) لها فی القبر وتلقینه(صلی الله علیه و آله) لها فی الروایة:

«سئلت عن ولیها وإمامها فارتجّ علیها، فقلت لها إبنک، أبنک، فقالت ولدی ولیّ وإمامی فانصرفا عنها، وقالا: لا سبیل لک لنا علیک نامی کما تنام العروس فی خدرها، ثم إنّها ماتت موتة ثانیة»(1).

ثم قال الصدوق وتصدیق ذلک فی کتاب الله تعالی قوله: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (2).

کما أنَّ للنوم درجات متفاوتة عدیدة والحالة والماهیة الجامعة هو أنَّ کلا من الموت والنوم انفصال للروح عن البدن مع کون هذا الانفصال ذو درجات متفاوتة کبیرة وکثیرة جداً.

وروی الصدوق أیضا عن مُحمَّد بن علی الباقر أنَّه قیل له: ما الموت؟ فقال:

«هو النوم الذی یأتیکم فی کل لیلة إلّا أنَّه طویل مدّته لا ینتبه منه إلی یوم القیامة، فمن رأی فی نومه من أصناف الفرح ما لا یقادر قدره ورأی فی نومه من أصناف الأهوال ما لا یقادر قدره، فکیف حال فرح فی النوم ووجل

ص:97


1- (1) الاعتقادات للصدوق باب المسائلة فی القبر ص140 - علل الشرائع 469/2 ح32 ب222؛ الکافی 453/1 ح2.
2- (2) سورة غافر: الآیة 13.

فیه! هذا الموت فاستعدوا له»(1).

وکذلک هناک ماهیة عقلیة مشترکة بین الیقظة من النوم والبعث من الموت وهی رجوع الروح إلی البدن بعد انفصالها علی اختلاف درجات الرجوع بحسب وبسبب اختلاف درجات انفصال الروح، وقدْ وَرَدَ إطلاق النوم علی الموت والعکس کذلک کما فی قوله تعالی: قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (2) وقوله تعالی: قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (3).

وقوله تعالی: وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ (4).

وقوله تعالی: إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ (5).

وقد ورد التصریح بالجامع بین الموت والنوم فی قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (6).

فنلاحظ أنَّ الآیة جعلت التوفی للنفوس جامع بین الموت والنوم.

ص:98


1- (1) معانی الأخبار ص289 ح5.
2- (2) سورة یس: الآیة 52.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 154.
4- (4) سورة الکهف: الآیة 11.
5- (5) سورة آل عمران: الآیة 5.
6- (6) سورة الزمر: الآیة 42.

وفی قوله تعالی: وَ لَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (1).

فعبّر عن حالتهم باللبث وذکر عنوان اللبث نفسه فی شأن عزیر فی قوله تعالی: کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ (2).

وَوَرَدَ إطلاق اللبث علی الموت فی کثیر من الآیات کقوله تعالی: یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِیلاً (3).

وقوله تعالی: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً، یَتَخافَتُونَ بَیْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ یَوْماً (4).

وقوله تعالی: وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ ، وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (5).

وقدْ سلک وقرر الحر فی کتابه (الإیقاظ) أنَّ النوم مراتب وهی مراتب للموت وأنواع له.

ص:99


1- (1) سورة الکهف: الآیة 25.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 259.
3- (3) سورة الإسراء: الآیة 17.
4- (4) سورة طه: الآیة 103 - 104.
5- (5) سورة الروم: الآیة 55 - 56.

وقوله تعالی: فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً، ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصی لِما لَبِثُوا أَمَداً (1).

فأطلق عنوان البعث علی الاستیقاظ من النوم.

وعلی ضوء ذلک فکما یتکامل الإنسان بالنوم والیقظة یومیاً فی الطبیعة طیلة أیام عمره وهو تکاملٌ جسمانی وروحانی فکذلک تکامله بتکرر الموت الذی هو سنخ من النوم، وکذلک تکرر البعث من الموت فی الرجعة الذی هو سنخ من الیقظة والاستیقاظ.

فکما أنَّ النوم والیقظة دور ودوران طبیعی لتکامل الروح والبدن وهو عروج ونزول یومی للإنسان - أی انفصال للروح وعودها مرات وکرات - فکذلک الحال فی انفصال الروح بالموت وعودها بالبعث فی نفس الجسد الدنیوی، فإنَّه عروجٌ ونزول للروح فی نفس الجسد الواحد، ومن ثم سیأتی فی الروایات أنَّ لکل إنسان إلّا ما استثنی أکثر من رجعة.

من استدل بالبرهان العقلی علی وقوع الرجعة:

منهم الصدوق کما تقدم شرح منهجه وتابعه علیه ببلورة کبیرة الحر العاملی.

ومنهم السید بن طاووس قال: فإذا کان هذا قدْ رووه ودونوه عن

ص:100


1- (1) سورة الکهف: الآیة 11 - 12.

نباش القبور فهلا کان لعلماء أهل البیت(علیهم السلام) أسوة به! ولأی حال تقابل روایاتهم(علیهم السلام) بالنفور، وهذهِ المرأة المذکورة - أی التی رجعت من الموت - دون الذین یرجعون لمهمّات الأمور - أی أئمة أهل البیت(علیهم السلام) الذین یرجعون لإقامة العدل الإلهی -؟ والرجعة التی یعتقدها علماؤنا وأهل البیت(علیهم السلام) وشیعتهم تکون من جملة آیات النبی(صلی الله علیه و آله) ومعجزاته، ولأیّ حال تکون منزلته عند الجمهور دون موسی وعیسی ودانیال؟ وقد أحیی الله جَلَّ جَلاله علی أیدیهم أمواتاً کثیرة بغیر خلاف عند العلماء لهذه الأمور(1).

ومنهم الحکیم الملا صدرا الذی تقدم کلامه فی شرحه علی اصول الکافی، وکذا المولی النوری والعارف المفسر الجنابادی.

ومنهم الشیخ أحمد الإحسائی، وتلمیذه الشیخ محمد آل عبد الجبار القطیفی .

ومنهم الشاه آبادی فی رشحات البحار وشذرات الذهب، والرفیعی فی الرسائل، والعلّامة الطباطبائی فی المیزان، والأعلام الثلاثة برهنوا عقلیاً علی الرجعة کتقریر برهان ملّا صدرا علی المعاد .

وقد استخرج کل من استدل بالبرهان العقلی للرجعة ذلک من بیانات واشارات الآیات والروایات.

والأدلة العقلیة علی الرجعة تارة علی امکانها، وقد استدل بها علی

ص:101


1- (1) بحار الأنوار: 142 :53.

هذا المقام جل علماء الامامیة، وأُخری علی وقوعها وهم الذین تقدمت الإشارة إلی بعض اسمائهم.

ثم إنَّ هناک شبهات بلباس عقلی علی الرجعة قدْ تقدَّم التعرض لکثیر منها والجواب عنها فی الباب الأوَّل .

البرهان العقلی للرجعة فی الآیات والروایات:

1) قال تعالی: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ * مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ * ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ (1).

وهذهِ الآیات وإنْ ورد عنهم(علیهم السلام) أنَّها وردت فی أمیر المؤمنین(ع) ورجوعه، وأنَّ خلقته من طینة الأنبیاء، وأنَّ الله یسَّره لسبیل الهدی وأماته میتة الأنبیاء ونشره للرجعة فیقضی ما أمره، إلّا أنَّه یستفاد من الروایات وهذهِ الآیات قاعدة عامّة ومقدّمات استدلال برهانی لضرورة الرجعة کما استفاد ذلک کلّ من الحکیم الرفیعی والشاه آبادی والسیّد الطباطبائی(2).

حَیْثُ تبیّن الآیات أنَّ هُنَاک استعداد تکامل للإنسان بحسب التقدیر العقلی الماهوی، وحسب تقدیر الإمکانیات الَّتِی قدَّرها الباری تعالی لا

ص:102


1- (1) سورة عبس: الآیة 17 - 23.
2- (2) المیزان فی تفسیر القرآن ذیل الایة 210 من سورة البقرة.

یستوفی کمالها الإنسان فی عمره الأوَّل فی الدنیا، بلْ لابدَّ من نشره مرَّة أُخری لیقضی ویستوفی ما أمره الله تعالی باستیفائه من الکمالات والطاعات والخیرات فی هذهِ الدار.

وقدْ مرَّ فی الباب الأوَّل جملة من فلسفات وغایات الرجعة.

ومما یشیر إلی فلسفة الرجعة وأن غایتها استیفاء الکمالات المتبقیة کثیر من الروایات الواردة الشارحة للوعود القرآنیة بانجاز الکمالات القصوی فی الأرض .

مثل ما خرج إلی أبی القاسم بن العلاء الهمدانی وکیل أبی مُحمَّد(ع):

«أنَّ مولانا الحسین(ع) ولد یوم الخمیس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فیه بهذا الدعاء ...، وساق الدعاء إلی قوله: «وسیّد الأسرة، الممدود بالنصرة یوم الکرّة، المعوّض من قتله أنَّ الأئمّة من نسله، والشفاء فی تربته، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته، حتّی یدرکوا الأوتار، ویثأروا الثار، ویرضوا الجبّار، ویکونوا خیر أنصار ... إلی قوله: فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته، آمین ربّ العالمین»(1).

فبیَّن(ع) أن غایة الرجعة والرجوع هو استکمال انجاز الغایات واتمام ایجاد الاهداف وان الحظوة بالرجعة معه فوز عن الخسران.

ص:103


1- (1) بحار الأنوار 94 :53 و 95/ح107، عن إقبال الأعمال 303/3 و304، وعن مصباح المتهجّد: 826 و 827 / ح (886 /1)، وعن المصباح للکفعمی: 543، وقد مرَّ تحت رقم (12).

وعن حریز، قال: قلت لأبی عبدالله(ع): جُعلت فداک ما أقلّ بقاءکم أهل البیت وأقرب آجالکم بعضها من بعض، مع حاجة هذا الخلق إلیکم؟ فقال: «إنَّ لکلّ منّا صحیفة فیها ما یحتاج إلیه أنْ یعمل به فی مدَّته، فإذا انقضی ما فیها ممَّا أُمر به، عرف أنَّ أجله قدْ حضر، وأتاه النبیّ ینعی إلیه نفسه، وأخبره بما له عند الله.

وإنَّ الحسین صلوات الله علیه قرأ صحیفته التی أُعطیها وفسَّر له ما یأتی وما یبقی وبقی منها أشیاء لم تنقض، فخرج إلی القتال وکانت تلک الأمور التی بقیت أنَّ الملائکة سألت الله فی نصرته فأذن لهم فمکثت تستعدّ للقتال وتتأهب لذلک حتّی قُتل، فنزلت وقد انقطعت مدَّته وقُتل صلوات الله علیه.

فقالت الملائکة: یا ربّ أذنت لنا فی الانحدار، وأذنت لنا فی نصرته، فانحدرنا وقد قبضته؟ فأوحی الله تبارک وتعالی إلیهم أنْ ألزموا قبَّته حتّی ترونه قدْ خرج فانصروه، وأبکوا علیه وعلی ما فاتکم من نصرته، وإنَّکم خُصّصتم بنصرته والبکاء علیه، فبکت الملائکة تقرّباً وجزعاً علی ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج صلوات الله علیه یکونون أنصاره»(1).

وفیها تصریح بأن الخروج من القبر والبرزخ للرجعة لإتمام المأموریات الالهیة فی تخطیط دولة العدل الالهی.

ص:104


1- (1) بحار الأنوار 106 :63/ح133؛ عن کامل الزیارات: 178 و 179/ باب 27/ح (20/240).

وعن ابن عبّاس عن النبی(صلی الله علیه و آله) أنَّه قال فی خطبة خطبها فی حجّة الوداع:

«لأقتلنَّ العمالقة فی کتیبة»، فقال له جبرئیل(ع): أو علی، قال: أو علی بن أبی طالب(ع)»(1)، العمالقة أی الطواغیت ذوی الطغیان، کما اشیر إلی هذا العنوان فی قوله تعالی إِنَّ فِیها قَوْماً جَبّارِینَ (2).

ومن الغایات التی تنجز فی الرجعة جلاء الرسول(صلی الله علیه و آله) عظمة وشریعة ودیناً بدولة رجعتهم.

فعن ابن عبّاس فی قوله تعالی: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها ، قال: یعنی الأئمّة منّا أهل البیت یملکون الأرض فی آخر الزمان فیملؤنها عدلاً وقسطاً(3).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبدالله ع، قال: ... قلت: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها ، قال: «ذلک الإمام من ذرّیة فاطمة ع یُسئل عن دین رسول الله فیجلی لمن یسأله، فحکی الله قوله: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها ...»(4).

ومن غایات الرجعة استیفاء بقیة العمر فی قبال الأجل الاخترامی، کما أنَّ أهل القریة وعزیر بعد رجعتهم استکملوا آجالهم.

قال الصدوق فی رسالة الاعتقادات: اعتقادنا فی الرجعة أنَّها حقّ، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ

ص:105


1- (1) بحار الأنوار 114 :53/ح(138 /19)، عن مختصر بصائر الدرجات: 210.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 22.
3- (3) بحار الأنوار 118 :53 / ح148، عن تفسیر فرات الکوفی: 563 /ح(6/722).
4- (4) تفسیر القمی 424 :2؛ الکافی 50 :8/ ح12 باختلاف یسیر.

حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَشْکُرُونَ (1)، کان هؤلاء سبعین ألف بیت، وکان یقع فیهم الطاعون کلّ سنة، فیخرج الأغنیاء لقوّتهم، ویبقی الفقراء لضعفهم، فیقلُّ الطاعون فی الذین یخرجون، ویکثر فی الذین یقیمون، فیقول الذین یقیمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون، ویقول الذین خرجوا: لو أقمنا لأصابنا کما أصابهم، فأجمعوا علی أنْ یخرجوا جمیعاً من دیارهم، إذا کان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا علی شطّ بحر، فلمَّا وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا! فماتوا جمیعاً فکنستهم المارّة عن الطریق، فبقوا بذلک ما شاء الله تعالی.

ثمّ مرَّ بهم نبیّ من أنبیاء بنی إسرائیل یقال له: إرمیا، فقال: لو شئت یا ربّ لأحییتهم فعمّروا بلادک، ویلدوا عبادک، وعبدوک مع من یعبدک، فأوحی الله تعالی إلیه: أفتحبّ أنْ أحییهم لک؟ قال: نعم، فأحیاهم الله له، وبعثهم معه، فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلی الدنیا ثمّ ماتوا بآجالهم. وقال الله عَزَّ وَجَلَّ أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ

ص:106


1- (1) سورة البقرة: الآیة 243.

قَدِیرٌ (1)، فهذا مات مائة سنة ورجع إلی الدنیا وبقی فیها، ثمّ مات بأجله وهو عزیر(2).

ومن الغایات والکمالات المرجو استیفائها فی الرجعة: امتحان المستضعفین فی الرجعة وتکاملهم بدلیل أنَّ لهم حساب والحساب کما مرَّ فی الرجعة، وأیضاً مرَّ قاعدة أنَّ لکلّ بشر رجعة لأن له میتة وقتلة، وکذلک المستضعف له رجعة فیمتحن.

وعن سلمان الفارسی، قال: دخلت علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) یوماً فلمَّا نظر إلیَّ قال: «یا سلمان إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لم یبعث نبیّاً ولا رسولاً إلّا جعل له اثنی عشر نقیباً، قال: قلت: یا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الکتابین، قال: یا سلمان فهل علمت من نقبائی الاثنی عشر الذین اختارهم الله للإمامة من بعدی؟، فقلت: الله ورسوله أعلم: قال: یا سلمان خلقنی الله من صفوة نوره ودعانی فأطعته وخلق من نوری علیا فدعاه فأطاعه وخلق من نوری ونور علی فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق منّی ومن علی وفاطمة، الحسن والحسین فدعاهما فأطاعا فسمّانا الله عَزَّ وَجَلَّ بخمسة أسماء من أسمائه: فالله المحمود، وأنا مُحمَّد، والله العلی وهذا علی، والله فاطر وهذهِ فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسین، ثمّ خلق منّا ومن نور الحسین تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوا قبل أنْ یخلق الله عَزَّ وَجَلَّ سماء مبنیّة وأرضاً مدحیة، أو

ص:107


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.
2- (2) بحار الأنوار 128 :53، عن الاعتقادات: 60 و 61/باب (18) الاعتقاد فی الرجعة.

هواءً أو ماءً أو ملکاً أو بشراً، وکنّا بعلمه أنوراً نسبّحه ونسمع له ونطیع.

فقال سلمان: قلت: یا رسول الله بأبی أنت وأُمی ما لمن عرف هؤلاء؟ قال: یا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدی بهم، فوالی ولیّهم، وتبرَّأ من عدوّهم فهو والله منّا، یرد حیث نرد، ویسکن حیث نسکن»، قلت: یا رسول الله فهل یکون إیمان بهم بغیر معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال : لا یا سلمان، قلت: یا رسول الله فأنّی لی بهم؟ قال: قدْ عرفت إلی الحسین، قال: ثم سیّد العابدین علی بن الحسین ثمّ ابنه مُحمَّد بن علی باقر علم الأوّلین والآخرین من النبیّین والمرسلین، ثمّ جعفر ابن مُحمَّد لسان الله الصادق، ثمّ موسی بن جعفر الکاظم غیظه صبراً فی الله، ثمّ علی بن موسی الرضا لأمر الله، ثمّ مُحمَّد بن علی المختار من خلق الله، ثمّ علی بن مُحمَّد الهادی إلی الله، ثمّ الحسن بن علی الصامت الأمین علی دین الله ثمّ (م ح م د) سمّاه باسمه بن الحسن المهدی الناطق القائم بحقّ الله.

قال سلمان: فبکیت ثمّ قلت: یا رسول الله فأنّی لسلمان لإدراکهم؟ قال: یا سلمان إنَّک مدرکهم وأمثالک ومن تولّاهم حقیقة المعرفة، قال سلمان: فشکرت الله کثیراً، ثمّ قلت: یا رسول الله إنّی مؤجّل إلی عهدهم؟ قال: یا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً » (1).

قال سلمان: فاشتدّ بکائی وشوقی، وقلت: یا رسول الله بعهد منک؟

ص:108


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 5 و 6.

فقال: أی والذی أرسل محمّداً إنَّه لبعهد منّی ولعلی وفاطمة والحسن والحسین، وتسعة أئمّة وکلّ من هو منّا ومظلوم فینا، إی والله یا سلمان، ثمّ لیحضرنَّ إبلیس وجنوده وکلّ من محض الإیمان محضاً ومحض الکفر محضاً حتّی یؤخذ بالقصاص والأوتار والثارات ولا یظلم ربّک أحداً، ونحن تأویل هذهِ الآیة وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ » (1)،

قال سلمان: فقمت من بین یدی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وما یبالی سلمان متی لقی الموت أو لقیه(2).

والروایة تبیَّن أنَّ من آثار الاعتقاد والمعرفة بالرجعة عدم المبالاة بالموت، وذلک لطموح الأمل بانتظار الفرج الإلهی.

انتشار المعرفة بهم(علیهم السلام) أعظم إظهاراً للدین:

ومن أعظم وأکبر غایات الرجعة انتشار المعرفة والإیمان بالله تعالی وبرسوله(صلی الله علیه و آله) وبالأئمة(علیهم السلام)، وقدْ مرَّ فی الباب الأوَّل أنَّ الرجعة مشروع معرفی واعتقادی ودولة معرفة أولا قبل أنْ یکون مشروعاً سیاسیا وبناء دولة قدرة.

وقدْ روی فی ذیل قوله تعالی: وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا

ص:109


1- (1) سورة القصص: الآیة 5 و 6.
2- (2) بحار الأنوار، 142 :53 و 143/ ح162، عن المحتضر: 266 - 269/ ح353.

مِنَ الْمُنْذِرِینَ وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ (1)، قال: «أمیر المؤمنین والأئمّة ع إذا رجعوا یعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم»(2).

والروایة دالة علی أنَّ أعظم نصر وأکبر إظهار للدین لیسَ هو النصر العسکری أو النصر السیاسی، بلْ هو النصر المعرفی المعارفی الفکری الاعتقادی، وهو أکبر تأویل لقوله تعالی: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (3)، والمعرفة دالّة علی سابقة عهد ذهنی إذا أخذ فی قوامها - بحسب استعمال سیاق الترکیب فی الآیة - التذکّر والإیمان والإیقان بالآیات فتارة یقابل الجحود والإنکار وأُخری یقابل التکذیب وهو فی الآیات الناطقة، وهو أعظم انحراف وقع فیه الیهود، وندّد به القرآن علیهم فی عِدَّة سور.

وقال علی بن إبراهیم القمی فی قوله تعالی: وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ فَأَیَّ آیاتِ اللّهِ تُنْکِرُونَ ، یعنی أمیر المؤمنین والأئمّة صلوات الله علیهم فی الرجعة، فإذا رأوهم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ أی جحدنا بما أشرکناهم فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ (4)

(5).

ص:110


1- (1) سورة النمل: الآیة 91 - 93.
2- (2) مختصر البصائر: 170 و 171/ ح20، عن تفسیر القمی 132 :2.
3- (3) سورة التوبة: الآیة 33.
4- (4) سورة غافر: الآیة 81 - 85.
5- (5) مختصر البصائر: 188 /ح29/129، عن تفسیر القمی 261 :2.
إنجاز الوعد الإلهی:

ومن الغایات الإلهیة والعقلیة لخلقة الأرض وعالم الدنیا کما هو مطرد فی کل عالم خلقة: وصوله إلی غایات وکمالات خلقته وهو المسمی فی لغة الوحی بالوعد الإلهی، کما أشارت إلیه جملة من الآیات والروایات :

1 - قال تعالی: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (1)، وعطف یوم الأشهاد قرینة علی تعلّق الظرف بالنصرة، وهذا الوعد صریح فی نصرة الرسل أنفسهم لا نصرة ما بعثوا به فقط.

وعن جمیل بن دراج، عن أبی عبدالله(ع)، قال: قلت له: قول الله عَزَّ وَجَلَّ إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ ، قال: «ذلک - والله- فی الرجعة، أمَا علمت أنَّ أنبیاء الله کثیراً لم ینصروا فی الدنیا وقتلوا، والأئمّة قدْ قتلوا ولم ینصروا فذلک فی الرجعة»(2).

2- قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (3)، والعموم استغراقی ولکلّ الأئمّة والأنبیاء وغیر مختصّ بالمهدی(عج).

وعن عبدالله بن مسکان عن أبی عبدالله صلوات الله علیه فی قوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ

ص:111


1- (1) سورة غافر: الآیة 51.
2- (2) مختصر البصائر: 107 و 108/ ح6.
3- (3) سورة القصص: الآیة 5.

جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (1)، قال: «ما بعث الله نبیّاً من لدن آدم الی عیسی(ع) إلّا أن یرجع إلی الدنیا فینصر أمیر المؤمنین(ع)، وهو قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ یعنی رسول الله، وَ لَتَنْصُرُنَّهُ یعنی أمیر المؤمنین».

قال القمی : ومثله کثیر ومَّا وعد الله تبارک وتعالی الأئمّة من الرجعة والنصر، فقال: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ یا معشر الائمة - وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً (2)، فهذا مما یکون إذا رجعوا إلی الدنیا.

وقوله: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ (3)، فهذا کلّه ممَّا یکون فی الرجعة(4).

3- الوعد بالعذاب الأصغر دون الأکبر الأُخروی من وعید الرجعة، وقدْ تکرَّر فی عِدَّة سور، کما فی قوله تعالی: فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ ، قال: ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر، یَغْشَی النّاسَ کلهم الظلمة فیقولون: هذا عَذابٌ أَلِیمٌ * رَبَّنَا

ص:112


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 81.
2- (2) سورة النور: الآیة 55.
3- (3) سورة القصص: الآیة 5 و 6.
4- (4) مختصر البصائر: 166 و 167، عن تفسیر القمی 25 :1.

اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ فقال الله ردا علیهم، لَهُمُ الذِّکْری فی ذلک الیوم وقد جائهم رسول مبین، أی رسول قد تبین لهم ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ، قال: قالوا ذلک لمَّا نزل الوحی علی رسول الله وأخذه الغشی، فقالوا: هو مجنون، ثم قال: إِنّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً إِنَّکُمْ عائِدُونَ یعنی إلی القیامة، ولو کان قوله: یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ فی القیامة، لم یقل: إِنَّکُمْ عائِدُونَ ، لأنَّه لیسَ بعد الآخرة والقیامة حالة یعودون إلیها، ثم قال: یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری یعنی فی القیامة إِنّا مُنْتَقِمُونَ (1)

(2)، وظاهر فَارْتَقِبْ أنَّه مستقبلی لا یقع فی حیاته الشریفة الأولی(صلی الله علیه و آله).

وفی قوله تعالی: وَ إِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِکَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (3)، قوله تعالی وَ إِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا آل مُحمَّد حقّهم عَذاباً دُونَ ذلِکَ ، قال: عذاب الرجعة بالسیف(4).

الاعتقاد بالرجعة وقوة الصبر والتحمل:

إنَّ الاعتقاد بالرجعة باعث لقوّة وقدرة التحمّل والصبر للأئمة(علیهم السلام) فضلا ًعن غیرهم؛ لأنَّ الأمل منشط للقدرة وللحیویة کما هو فلسفة المعاد، ومن ثَمَّ قرن جبرئیل انباءه للرسول(صلی الله علیه و آله) ولفاطمة(علیهاالسلام) بشهادة الحسین

ص:113


1- (1) سورة الدخان: الآیة 10 - 16.
2- (2) مختصر البصائر: 174/ح27، عن تفسیر القمی 290 :2 و 291.
3- (3) سورة الطور: الآیة 47.
4- (4) مختصر البصائر: 176 و 177/ ح31، عن تفسیر القمی 333 :2.

بالإنباء برجعته وکرَّته وملکه.

قوله: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً ، قال: الإحسان رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وقوله بِوالِدَیْهِ ، إنَّما عنی الحسن والحسین، ثمّ عطف علی الحسین فقال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ کُرْهاً (1)، وذلک أنَّ الله أخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وبشَّره بالحسین(ع) قبل حمله، وأنَّ الإمامة تکون فی ولده إلی یوم القیامة، ثمّ أخبره بما یصیبه من القتل فی نفسه وولده، ثمّ عوَّضه بأنْ جعل الإمامة فی عقبه، ثمّ أعلمه أنَّه یُقتل، ثمّ یرده إلی الدنیا وینصره حتّی یقتل أعداءه، ویملّکه الأرض وهو قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ ... (2)، وقوله تعالی: وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ (3)، فبشَّر الله نبیّه(صلی الله علیه و آله) أنَّ أهل بیتک یملکون الأرض ویرجعون إلیها، ویقتلون أعداءهم، فأخبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) فاطمة(علیهاالسلام) بخبر الحسین وقتله فحملته کرهاً لما علمت من ذلک(4).

وکذلک فی ذیل سورة الضحی لشرح صدره بعدما انقطع عنه الوحی أربعین یوماً.

ص:114


1- (1) سورة الأحقاف: الآیة 15.
2- (2) سورة القصص: الآیة 5.
3- (3) سورة الأنبیاء: الآیة 105.
4- (4) مختصر البصائر: 174/ح28، عن تفسیر القمی 297 :2.

فعن أبی بصیر، عن أبی عبدالله(ع) فی قوله وَ لَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولی

، قال: یعنی الکرّة هی الآخرة للنبی صلی الله علیه وآله، قلت: قوله: وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی (1)،

قال: یعطیک من الجنّة فترضی»(2).

وإنَّ الوعد بالإعطاء بعد الآخرة دالٌّ علی أنَّ المراد بالآخرة الحقبة الآخر من الدنیا، أی الرجعة.

تقریر الإمکان العقلی للرجعة

إنَّ القول بإمکان المعاد کما فی(الإیقاظ) یلازم القول بإمکان الرجعة بالأولویة العقلیة، إذ تکوینها أقلّ فی حاجة الإمکانیات التکوینیة بخلاف المعاد فإنَّ فیها تغیّرات کونیة عامّة تستلزم قدرات هائلة.

شبهات علی الرجعة

1 - توبة الظالمین بعودتهم وهی تخالف ما تسالم عند الإمامیة من خلودهم فی النار.

وجوابه: ما مرَّ مفصلاً فی الباب الأوَّل من أنَّ مراتب الاختیار وضیق فرص الاختیار، فلیس الحال کالحیاة الأُولی بلْ الاقلاع عما کان لا

ص:115


1- (1) سورة الضحی: الآیة 4 و 5.
2- (2) مختصر البصائر: 179 و 180/ ح37، عن تفسیر القمی 427 :2.

یتمُّ قلعه الا بمرارة شدیدة بالغة ومقاساة هائلة من العذاب.

2- إیاسهم عن حصول توبتهم.

وجوابه: إن التوبة لیست ممتنعة ولکن کَمَا مَرَّ لا تتحقق حقیقة بمجرد اللسان، ولا بمجرد الندم بعد رسوخ ملکات الرذیلة، بل بهول عظیم من المقاومة والمعاناة لأجل اقتلاع الملکات والعادات الرذیلیة والاعتیاد للخلق غیر المرضی ولأفعال الشرور، وقد مر بسط الکلام بشرح واف فی الباب الأوَّل من جهات عدیدة .

3 - کیف یبقون علی اصرارهم علی الغی والعصیان وقدْ عاینوا البرزخ والعذاب؟

وقدْ مر الجواب عنه مفصلاً وإجمالاً إن البرزخ لا یبقی فی ذاکرتهم الا کنحو الحلم العابر کالذی یستیقظ من النوم بعد رؤیته لأهوال عظیمة فی المنام، فلاحظ مقالة الکفار وأهل الشرور یوم القیامة حین بعثهم کما یرسمه ویصوره قوله تعالی وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ * وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (1).

والحاصل لابدَّ من الالتفات إلی جملة من الأمور لیتضح الحال فی أحوال

ص:116


1- (1) سورة الروم: الآیة 55 - 56.

الرجعة، وکذلک أحوال القیامة التی هی أکثر غموضاً وإبهاماً إذا ما قیست بأحوال الحیاة الأُولی من الدنیا:

أ - إنَّ البرزخ یکون کالحالة المنامیة کما تدلُّ علیه الآیات والروایات.

ب - جبال الملکات الردیئة مانعة کالجبال الثقال وإنْ لم یستحیل التغییر لکن بمکابدة عذاب المرارة المهولة.

ج- إنَّ التوبة وإنْ لم تکن مستحیلة إلّا أنَّها حقیقة لا تتحقق بالتمنی والخواطر واللسان، بلْ بمداواة جراحیة لاستئصال جواهر ظلمانیة فی أعماق النفس، وکم هی معاناة فصل العضو البدنی فکیف بالتجوهر فی ذات النفس، ولک أن تراجع قدرتک فی هذا العمر هل یسهل علیک ترک الاعتیاد وما تطبعت علیه من سیئ أعمال وردیء أخلاق.

وهناک جملة أمور أُخری تقدم بسطها فی الباب الأوَّل فلاحظها .

ص:117

ص:118

الحکیم علی النوری تعدد غایات الرجعة عمومها لأفراد البشر
اشارة

قال فی تعلیقته علی تفسیر القرآن الکریم للملا صدرا: حیث خصص الرجعة بالأرواح العالیة : وفیه نظر لا یخفی، وحق الجواب هو اختصاص أهل الرجعة بغیر الهالکین بهلاک الاستیصال، فإنَّ الرحمة الواسعة تأبی من أنْ یعذب بعذاب الاستیصال مرتین، کما ورد فی الحدیث عن أئمتنا(علیهم السلام) - هذا.

وفی جوابه ما لا یخفی، إذْ أمر الرجعة لا تختص بالنفوس الکاملة فی السعادة، بلْ ذلک الرجوع - حسبما ورد عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) - یعم المؤمن والکافر، الکاملین البالغین فی الإیمان والکفر ولیسَ سر الرجعة منحصراً فی إستخلاص الاساری، کما لا یخفی من تتبع أخبار الرجعة وأحادیثها، بلْ السر فی حل إشکال هذهِ الآیة - التی بظاهر منطوقها احتج وتمسک الخصم المنکر للرجعة - هو ما تضمنه الحدیث الوارد عنهم(علیهم السلام) من کون حکم الرجعة مختصاً بغیر الهالکین، أی المهلکین بعذاب الاستیصال

ص:119

فی الدنیا.

وهذا هو مقتضی العدل والعدالة، فإنَّ حکم الرجعة من باب الکفرة البالغین فی درکات الکفر والعداوة للحق وأهله، هو معاینة ضرب من النقمة والعذاب فی الدنیا کمعاینة أهل عذاب الاستیصال قبل عذاب الآخرة فافهم ولا تغفل!.

الحکیم النوری: برهان عقلی علی الرجعة قبل القیامة الکبری

وقال فی تعلیقة أُخری علی موضع من تفسیر الملا صدرا فی مقام الجمع بین التزامه بالقول بالرجعة وقطعیته وقوله الآخر بأنَّ النفوس لا ترجع إلی البدن الدنیوی بدعوی أن الرجعة تستلزم التناسخ.

حیث قال الملا صدرا فی ذیل قوله سبحانه: فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَ لا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ .

هذا إخبار عما یغشی الناس فی النفخة الأولی عند قیام الساعة من الأحوال والأهوال.

قال: وما ذکره من الأحوال المشترکة بین القیامتین الکبری والصغری.

أمَّا أنَّهم لا یستطیعون - أی لا یقدرون علی الإیصاء بشیء ینفعهم فی

ص:120

أمر آخرتهم أو فی أعقابهم وأخلافهم - فلانقطاع العمل والسعی عند قیام الساعة وانتفاء العقب والأهل والولد بعد الموت، لأن ثبوت الشیء للشیء واضافته إلیه متوقف علی بقاء ذلک الشیء المنسوب إلیه بل بقاء الطرفین، والأوَّل منتف فی القیامة الصغری، والثانی فی الکبری.

وأمَّا نفی القدرة علی الرجوع إلی أهلهم لما علمت من استحالة رجوع النفوس من نشأة وقعوا فیها إلی نشأة سابقة علیها، فلأن الطبائع مفطورة علی التوجه إلی غایاتها الذاتیة، والتوجّهات الفطریة والتطوّرات الطبیعیة ممتنعة الانعکاس والانقلاب - فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ - وهذا أصل متین قد ابتنی علیه کثیر من القواعد والأحکام، وقد بنینا علیه إبطال التناسخ کما هو مذکور فی مقامه(1).

برهان عقلی آخر علی الرجعة

قال المولی علی النوری فی ذیل قول ملا صدرا:

(لما علمت من استحالة رجوع النفوس) قال: هذا بظاهره لا یلائم القول بالرجعة التی یقول بها أصحابنا الإمامیة والطائفة المحقة، والمفسر(قدس سره) - وهو من أساطین الحکمة المطلقة والعلوم الحقة الحقیقیة الموروثة من أهل بیت الولایة والعصمة(علیهم السلام) ممن له قدم راسخ فی القول بها والذب عنها کما سبق منه الذب والدفع قبیل هذا فی ذیل تفسیره الآیة الکریمة: أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ

ص:121


1- (1) تفسیر القرآن للملا صدرا ج5 /159 .

أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ .

وأما وجه الکشف عن سر وجه الجمع - بین ما صرح به هاهنا من الاستحالة وبین ما سبق منه قبیل هذا من الذب والدفع عن الرجعة المعروفة من مذهبنا المعروفة الموروثة من سادتنا وأئمتنا(علیهم السلام) هو الفرق والتفرقة بین نشأتی القیامتین الصغری - المعروفة بعالم القبر والبرزخ المتوسط بین النشأتین:

نشأة الدنیا ونشأة الآخرة الکبری المعروفة بالساعة التی بعث عند قیامها کل من فی القبور -وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ- ، وهو یوم البعث والنشور، لمکان سر إمکان رجوع الأنفس المقبورة إلی الدنیا ما دامت الأنفس برزخیة موجودة بوجود متوسط بین الدنیا والآخرة الکبری، متعلقة بضرب من التعلق بالدنیا، باقیة تعلقاتها بأبدانها الدنیویة بقاء لا یعرفه إلا الراسخون فی العلم(علیهم السلام) وبعدهم(علیهم السلام) من اقتبس نوره من مشکاة ولایتهم مع صیرورة أبدانها تراباً وعظامها رمیما.

وأمَّا سّر استحالة رجوعها إلی الدنیا عند قیام الساعة وتحقق النفخة الأُولی التی بها یتحقق فناء دار الدنیا طرا، ویرتفع کلها رأسا، ویصعق کل من فی السموات العلی والأرضین السفلی جمعاً وجمیعاً، ویرتفع آثار علاقة النفس بالدنیا کلیة: فهو انصرام أجل الدنیا بما فیها، وقلع أصول أشجارها ورقائق أصولها ودقائقها، بحیث لا یبقی منه علاقة من علائق الأنفس بها، لانتفاء مادة التعلق رأسا، وجهة العلاقة طرا، بانتهاء الشجرة إلی الثمرة القصوی وانقلاب المادة إلی الصورة التی هی الصورة القصوی بشراشر

ص:122

وجودها هذا - فافهم(1).

أقول: قَدْ بین الحکیم النوری برهاناً علی الرجعة وهو مؤلف من مقدمات:

المقدمة الأُولی: إنَّ الأنفس المقبورة والنفس البرزخیة متعلقة بنحو وبضرب من التعلق بالدنیا، وباقیة تعلقاتها بأبدانها الدنیویة بقاءا غیر محسوس ولا مرئی، لکنه موجود ومستمر غیر منقطع کما هو الحال فی النائم نوماً عمیقاً بلْ أشدّ بکثیر .

المقدمة الثانیة : إنَّ الأنفس البرزخیة موجودة بوجود متوسط بین الدنیا والآخرة الکبری.

المقدمة الثالثة: إنَّ الوجود المتوسط لا ینقطع تعلقه بمادَّة أجسام الدنیا، فالعلاقة تظل باقیة وإنْ صارت الأبدان الغلیظة تراباً وعظاماً لکنَّها تبقی متعلقة بمادة لطیفة دنیویة غیر مرئیة کما أشارت إلی ذلک النصوص من أهل البیت(علیهم السلام).

المقدمة الرابعة: استحالة رجوع النفوس إلی الدنیا عند القیامة الکبری والنفخ فی الصور، وذلک بسبب انقطاع علاقة النفس بالمادة الدنیویة تماماً سواء المادة الغلیظة أو المادة اللطیفة الدنیویة؛ وذلک لصیرورة الأجسام صورة محضة متمحِّضة فی الکمال الجسمانی فی بُعد الصورة

ص:123


1- (1) تفسیر القرآن الکریم للملا صدرا ج 5 / 424 .

الجوهریة فلا مادة قابلة للتکامل، وهذا مبنی النوری فی المعاد أنَّ صیرورة الأجسام وحرکتها الجوهریة حیث مقام الأرواح، أی حیث تقوم هی بها لا العکس کان فی بدء النشأة الدنیویة الجسمانیة.

وبذلک یتبیِّن برهان علی ضرورة عود الأنفس البرزخیة إلی دار الدنیا کی یحصل لها التکامل ویشتدّ کماله إلی درجة تصل إلی اشتداد کمال الآخرة من حیث الأجسام والصور.

وقال فی تعلیقته علی تفسیر الملا صدرا أیضاً قوله: (فی کل سبعة أیام) إنَّ هذا القضاء وجریان حکم النفوس الکلیة فی النفوس الجزئیة لهو فی القیامة الوسطی التی هی یوم الرجعة تتکرر هذهِ السبعة التی هی أسبوع واحد من الأسابع السبعة، ویوم الکرة هو یوم دولة آل مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) الذی قلنا به ولم یقل به مخالفونا فلا تغفل(1).

أقول: ویشیر النوری أیضا إلی کلام الملا صدرا فی ذیل الآیة/31 من سورة یس حیث قال: وفی الکشاف: «هذا مما یرد قول أهل الرجعة» وفیه نظر لا یخفی علی المنصف، فإن عدم رجعة قرون من الکفرة الناقصین الهالکین هلاک الأبد لا یدلُّ علی عدم رجعة غیرهم من النفوس الکاملة الحیّة بحیاة العلم والعرفان، فلا استحالة فی إنزال الأرواح العالیة بإذن الله وقدرته فی هذا العالم لخلاص الأساری والمحبوسین بقیود التعلقات من هذا السجن.

ص:124


1- (1) تفسر القرآن الکریم، ملا صدرا/ ج6 ص346.

وأما ما نقله تأییداً لمذهبه من منع الرجعة من قوله: «و یحکی عن ابن عباس أنه قیل له: إن قوما یزعمون أنَّ علیاً(ع) مبعوث قبل یوم القیامة. فقال بئس القوم، نحن اذن نکحنا نسائه وقسّمنا میراثه» فمدفوع بأنه مجرَّد حکایة غیر معلومة الصحة، وعلی تقدیر صحة الروایة عنه فالمروی ممنوع، فإنَّ المتبع فی الاعتقادیات إمَّا البرهان وإمَّا النقل الصحیح القطعی عن أهل العصمة والولایة.

وقدْ صحَّ عندنا بالروایات المتظافرة عن أئمتنا وساداتنا من أهل بیت النبوة والعلم حقّیة مذهب الرجعة ووقوعها عند ظهور قائم آل مُحمَّد - علیه وعلیهم السلام - والعقل أیضاً لا یمنعه لوقوع مثله کثیراً، من إحیاء الموتی بإذن الله بید أنبیائه کعیسی وشمعون وغیرهما - علی نبینا وآله وعلیهم السلام - (1).

أقول: وسیأتی فی کلام العلامة الطباطبائی والمحقق الشاه آبادی والفقیه الحکیم الرفیعی القزوینی أنَّ الرجعة بعث فی الأجساد ومن القبر بالبدن السابق لا ببدن جدید، وهی بهذا التفسیر لا تستلزم التناسخ کما توهمه عبارة الحکیم ملا صدرا ویوهمه کلامه فی الأسفار وسائر کتبه .

ومن ثم عدل الملا صدرا إلی تفسیر الرجعة بالإنزال والنزول والتنزل لا البعث فی الأجساد. وقدْ مرَّ أن حقیقة الرجعة مغایرة للنزول والتنزل

ص:125


1- (1) تفسیر القرآن للملا صدرا، 76/5.

والانزال فإنه لیس بعثا ولا احیاءا للموتی، بل هو کتنزل الملائکة وتکثف اللطیف، بینما الرجعة خروج بالبدن المقبور.

کما أنه یرد علی توجیهه لحقیقة الرجعة أنَّ الرجعة لا تختص بالأرواح العالیة بلْ کذلک تعم وتشمل الأرواح السافلة فی الدرکات بمقتضی أنَّ الرجعة تعم من محض الإیمان محضا ومن محض الکفر محضاً، بلْ تقدم فی الباب الأوَّل - وسیأتی فی الباب الثالث - أنَّ الرجعة فی أواخرها عامة لجمیع البشر حتّی المستضعفین، بلْ مرَّت روایة معتبرة مفسَّرة للاختصاص لا فی أصل الرجعة بلْ المحاسبة والمجازاة فی الرجعة کما هو الحال فی عالم القبر فإنَّه عام للجمیع إنَّما المختصّ مسائلة القبر بمن محض الإیمان ومن محضر الکفر.

واعلم أنَّه قدْ استدل علی إمکان الرجعة وصحة وقوعها جملة من علماء الإمامیة سواء کان علی الصعید الکلامی أو الفلسفی أو العرفانی.

کما أنَّه قدْ استدل جملة منهم علی ضرورة وقوعها عقلا بجملة من الوجوه والأدلة، وإلیک سرد لجملة من هذهِ الکلمات والاستدلالات:

1 - قَالَ السید المرتضی فی رسائله: لأنَّ الله تعالی قادر علی إیجاد الجواهر بعد إعدامها، وإذا کان علیها قادراً جاز أنْ یوجدها متی شاء، والأعراض التی بها یکون أحدنا حیاً مخصوصاً علی ضربین:

أحدهما: لا خلاف فی أنَّ الإعادة بعینها غیر واجبة کالکون والاعتماد

ص:126

وما یجری مجری ذلک.

والضرب الآخر: اختلف فی وجوب إعادته بعینه - وهو الحیاة والتألیف - وقد بینا فی کتاب الذخیرة أنَّ الإعادة بعینها غیر واجبة إنْ ثبت إنَّ الحیاة والتألیف من الأجناس الباقیة، ففی ذلک شک فالإعادة جائزة صحیحة علی کل حال(1).

2 - ما تقدم من استدلال الملا صدرا فی تفسیره ردا علی صاحب الکشاف من توهمه بطلان الرجعة من قوله تعالی: أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ . حیث قال فی ذیل رده:

وقد صحَّ عندنا بالروایات المتظافرة عن أئمتنا وسادتنا من أهل بیت النبوة والعلم حقیة مذهب الرجعة ووقوعها عند ظهور قائم آل مُحمَّد علیه وعلیهم السلام، والعقل أیضاً لا یمنعه لوقوع مثله کثیراً من إحیاء الموتی بإذن الله بید أنبیائه کعیسی وشمعون وغیرهما علی نبینا وآله وعلیهم السلام.

ثم یحتمل أنْ یرجع ضمیر «أَنَّهُمْ » إلی الکفرة وضمیر «إِلَیْهِمْ » إلی القرون ویکون معناه: أنَّ هؤلاء لا یرجعون - بحسب القوة والقدرة أو الشوکة والجاه أو العدة والکثرة - إلیهم، فکیف لا یعتبرون بمن سبقهم؟

ولا یبعد أنْ یکون المراد هلاکهم بحسب موت الجهل والکفر والعناء هلاکاً سرمدیاً، فحینئذٍ معنی «أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ » أی فی شِدَّة الجحود والنفاق والاستکبار والاغترار بالظنون الفاسدة والعقائد الباطلة،

ص:127


1- (1) رسائل المرتضی/ مجلد 3/ ص135.

کما هو شیمة أصحاب الجدال وأهل المکر والاحتیال، الذین هم أعدی أعداء الله ورسوله کما ذکر وصفهم وذمهم فی القرآن کثیراً.

ویؤیِّد هذا الحمل: کون هذه الآیة عقیب قوله وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ فالمعنی أنَّ هؤلاء لا یصلون فی الاستهزاء بالرسول إلی من أهلکنا قبلهم من المستهزئین بالرسل الذین کانوا أشد منهم فی الجحود والاستهزاء علی وزان قوله تعالی: کم أهلکنا من قبلهم من القرون کانوا أشد منهم قوة و أثاروا الأرض و عمروها (1).

ویستفاد من کلامه:

أوَّلاً: ذهابه إلی کون الرجعة فعل إحیاء یقوم به خلفاء الله فی أرضه بإذن من الله وإقدار منه تعالی.

الثانی: تفسیره العقلی للرجعة بأنَّها إنزال الأرواح لا بعث الأرواح فی الأجساد، وقدْ مرَّ کراراً فی الباب الأوَّل - وسیأتی فی الباب الثالث - أنَّ النزول والإنزال والتنزل یختلف عن بعث الرجعة.

الجناباذی: تقریر عقلی للرجعة

قال فی تفسیر قوله تعالی وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً .

قدْ فسّر الهدی فی أخبار عدیدة بولایة أمیر المؤمنین(ع) وبعلیّ(ع) نفسه،

ص:128


1- (1) تفسیر القرآن الکریم، ج5، ص75 - 76.

وهکذا فسّر الذّکر والمراد بالمعیشة الضنّک:

إمّا الضیّق فی ما یحتاج إلیه فی الدّنیا من المأکول والملبوس وغیرهما، وبهذا الاعتبار فسّرت بالضّیق فی الرّجعة فی أخبار کثیرة وأنَّهم یأکلون العذرة، وإما فسّر فی بعض الأخبار بعذاب القبر وضنکه.

والتّحقیق: إنّ الرّاحة وضعها الله تعالی فی الآخرة الّتی قلب الإنسان أنموذج منها، وسعة العیش والرّاحة للإنسان لیست الّا من طریق القلب الّذی هو طریق الولایة وطریق الآخرة، وضیق العیش وعناؤه لیس الّا من الدّنیا الّتی هی أنموذج الجحیم وطریقها، ومن أعرض عن الذّکر الّذی هو الولایة الّتی هی طریق القلب وطریق الآخرة توجّه إلی الدّنیا الّتی هی طریق الجحیم وفیها العناء والضّیق.

ومن توجّه إلی الدّنیا سدّ باب الرّاحة علی نفسه وفتح باب الضّیق والتّعب علیها، وکان فی ضیق استشعر به أم لم یستشعر، ومن تولّی علیّاً(ع) وفتح طریق القلب فتح طریق الرّاحة علی نفسه، فإن دخل فی باب القلب والآخرة دخل فی السّعة والرّاحة، وإن لم یدخل کان فی عناء لبقائه بعد فی الدّنیا لکنّه کان فی طریق الوصول إلی الرّاحة، وضیق العیش فی الدّنیا وضیق الصّدر وضیق القبر وضیق العیش فی الرّجعة کلّها لازم لسدّ طریق القلب.

وَ نَحْشُرُهُ قرئ بالرّفع، وقرئ فی الشّواذّ بالجزم یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی عن الولایة والامام والآیات ونعیم الآخرة قالَ رَبِّ لِمَ

ص:129

حَشَرْتَنِی أَعْمی وَ قَدْ کُنْتُ بَصِیراً قیل: یحشر من قبره بصیرا وإذا أتی المحشر یصیر أعمی قالَ کَذلِکَ أَتَتْکَ آیاتُنا العظمی الّتی هم الأنبیاء والأولیاء(علیهم السلام)، وآیاتنا الصّغری الّتی هی آیات الآفاق والأنفس فَنَسِیتَها وَ کَذلِکَ الْیَوْمَ تُنْسی أی ترکتها ولم تتبعها، وکذلک الیوم تترک ولا یعتنی بک وَ کَذلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ فی التّوجّه إلی الدّنیا زائدا علی قدر الواجب والنّدب وَ لَمْ یُؤْمِنْ بِآیاتِ رَبِّهِ الّتی هم الأنبیاء والأولیاء(علیهم السلام) وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقی من النّسیان والحشر أعمی ومن ضیق المعیشة حتّی أنّها تعدّ فی مقابل عذاب الآخرة نعمة(1).

أقول: ما ذکره فی هذا المقام فی غایة الجودة وهو قدْ استشعره من روایات الرجعة من أنَّ وضع ومکانة کل إنسان فی الرجعة مسبب عن أعماله فی الحیاة الأولی من الدنیا.

وقال فی تفسیر سورة الحجر فی ذیل قوله تعالی: وَ هُوَ الَّذِی أَحْیاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ قال: وَ هُوَ الَّذِی أَحْیاکُمْ من الجمادیة بالحیاة الحیوانیة أو من الحیوانیة بالحیاة البشریة أو من البشریة بالحیاة الإنسانیة، ثُمَّ یُمِیتُکُمْ عن الحیاة الحیوانیة والبشریة عند الموت، أو عن الحیاة الإنسانیة أیضاً عند النفخة الأولی، ثُمَّ یُحْیِیکُمْ بالحیاة الإنسانیة أو البهیمیة أو السبعیة أو الشیطانیة عند الرجعة إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ بنعمة الإحیاء الأوَّل، ولذلک لا ینتبه إلی

ص:130


1- (1) تفسیر بیان السعادة فی مقامات العبادات 3 /39 .

نعمة الإحیاء الثانی، وهو جواب لسؤال مقدر کأنه قیل: ما حال الإنسان أیشکر أم یکفر - أو بمعنی أنَّ الإنسان لجحود یعنی سجیته الجحود، لأنَّه یجحد الإعادة والمبدأ مع الأدلة الواضحة علی الإبداء والإعادة) انتهی(1).

ویستفاد من کلامه:

1 - تفسیر النفخة الأولی بأنَّها الإحیاء فی الرجعة مقابل النفخة الثانیة وهی الإحیاء یوم القیامة.

2 - کما أنَّه یشیر إلی أنَّ الموت والإماتة فی أفراد البشر درجات، فمنهم من یموت عن الحیاة الحیوانیة والبشریة، ومنهم من یموت عن الحیاة الإنسانیة، کما أنَّ الإحیاء فی الرجعة علی درجات بحسب الصورة الجوهریة التی اکتسبها الإنسان من الحیاة الأولی من الدنیا.

3 - کما أنَّه یشیر إلی أنَّ العصاة ومن محّض الکفر یزداد جحوداً فی الرجعة لجحوده نعمة الإحیاء الثانی بعد کون جحودهم کفورٌ بنعمة الإحیاء الأوَّل.

وَقَدْ مرَّ فی الباب الأوَّل الإشارة إلی ذلک فی مضمون الروایات الواردة، وأنَّ الکفر فی الرجعة أشد عتواً من الکفر فی الحیاة الدنیا الأولی، وإنَّ الرجعة تکون للکافرین فتنة أکثر لدعواهم بأنَّ الحیاة بعد الموت فی دار الدنیا من الدوران والدورة الطبیعیة للدنیا لیس الا.

ص:131


1- (1) تفسیر بیان السعادة، ج3، ص84.
الرجعة جعل النفس التی بالفعل ذات قدرة لإحیاء البدن المیت

وقال فی تفسیر سورة الدخان فی ذیل قوله تعالی: إِنَّ هؤُلاءِ لَیَقُولُونَ * إِنْ هِیَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولی أی أنَّ الموتة أو أنَّ الفتنة أو أنَّ العاقبة ونهایة الأمر إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولی إنکاراً للمعاد، وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِینَ معادین مبعوثین فَأْتُوا بِآبائِنا المیتین بالموتة الأولی إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ فی وعد الإعادة والثواب والعقاب، جعلوا الإعادة والبعث فی الآخرة والانتهاء عن الدنیا فی الدنیا، فقاسوا قیاساً سقیماً ولم یدروا أنَّ من صار بالفعل لا یمکن أنْ یعید بالقوة والإعادة فی الدنیا لا تکون إلّا بجعل ما بالفعل بالقوة، وأمَّا الرجعة إلی الدنیا التی ذکرت فی الأخبار فهی بنحو الإجمال وقال بها الفقهاء رضوان الله علیهم وإحیاء الأموات الذی نسب إلی الأکابر فهی لیست بجعل بالفعل بالقوة، وإنَّما هی توسعة من الکامل فی وجود المیت(1).

أقول: قدْ تعرض إلی جواب اعتراض وشبهة ذات إعضال یتوهم الإیراد بها علی القول بالرجعة وهی: أنَّ الرجعة إلی الدنیا إلی نفس البدن الدنیوی السابق هذا یستلزم جعل النفس التی صارت بالفعل حائزة جملة من درجات الوجود مرة أُخری بالقوة، فیسلب عنها ما قدْ اکتسبته من

ص:132


1- (1) تفسیر بیان السعادة، ج4، ص68.

کمال أو صور خیریة أو شریة.

فأجاب: بأنَّ الإعادة فی الدنیا غیر الرجعة إلی الدنیا، أی الإعادة التی یطلبها المشرکون من الصیرورة فی الأصلاب ثم الأرحام ثم الولادة کالحیاة الأولی من الدنیا لأنَّها تستلزم جعل ما بالفعل بالقوة وهذا بخلاف الرجعة إلی الدنیا فإنَّها بعث بالبدن السابق من القبور وتنشیط وتفعیل بزیادة الکمال للوجود البدنی لذلک المیت وهی توسعة فی التکامل.

* قال العلامة حسن زادة حول هذا الاعتراض فی کتابه (عیون مسائل النفس) فی التکامل البرزخی والبحث عن تکامل النفوس بعد انقطاعها عن هذهِ النشأة فی برازخها: ورود هذا البحث فی الصحف العقلیة إنَّما کان من قبل الشرائع الإلهیة وإلّا فالعقل وحده لا یحکم بذلک، وبعد ما نطق الشرع به تصدی العقل لإقامة البرهان علیه وتعرض بوجدان السبیل إلی دلیله.

فالتکامل البرزخی صار من أغمض المسائل العقلیة، لأنَّ الاستکمال لا یتحقق إلّا بالحرکة والاستعداد والخروج من القوة إلی الفعل، وبعد انقطاع النفس عن نشأة الحرکة کیف یتصور فیها الاستکمال! وغایة ما تیسّر لنا من الفحص والبحث عن ذلک هی ما حررناها فی النکتة السابعة والثلاثین وستمائة من ألف نکتة ونکتة فراجع إلیها، ولیسَ لنا مزید تحقیق وراء ما فیها حتّی نذکره ههنا، ولا یبعد أنْ یکون ذلک التحقیق فی التکامل

ص:133

البرزخی هو معنی من معانی الرجعة أیضاً فتبصر(1).

أقول: کون الرجعة تکاملا هذا قول متین فی محلّه لکن لیسَ تکاملاً برزخیاً بمعنی البقاء والمکث فی البرزخ ممن قد طوی بعض درجات الکمال بالفعل فی حیاة الدنیا الأولی، بل الرجعة هی زیادة کمال لوجود الشخص بتفعیل بدن المیت احیاء وبعثا.

الجناباذی: إنَّ علیاً هو النبأ العظیم وهو الرجعة

وقال فی تفسیر سورة النازعات فی ذیل الآیة (إِلی رَبِّکَ مُنْتَهاها) یعنی أنَّ الساعة منتهاها الرب، فإنْ کنت تقدر علی معرفة الرب تقدر علی معرفتها، أو المعنی إلی ربک المضاف وظهوره منتهی وقت الساعة یعنی أنَّ الساعة - أی وقت القیام عند الله - من أول الموت إلی ظهور ربک علیک، وحین ظهور الرب یکون تمام القیام عند الله سواء کان الموت اختیاریاً أو اضطراریاً، ولذلک فسَّرت الساعة تارةً بظهور القائم(عج)، وتارة بالقیامة، وتارة بالرجعة، وتارة بالموت.

فإنَّ الکل بعد طی البرازخ - اختیاراً أو اضطراراً - ینتهی إلی علی علیه السلام، فإنَّ إیاب الخلق إلیه وحسابهم علیه ورجوعهم إلیه علیه السلام وهو قیامتهم وهو رجعتهم، سواء جعل المراد بالرجعة الرجعة إلی الصحو بعد المحو، أو إلی القوی والجنود بعد الفناء عنها، أو الرجعة إلی الآخرة

ص:134


1- (1) عیون مسائل النفس. سرح العیون فی شرح العیون، ص686.

وهو ظاهر، أو الرجعة إلی الدنیا، فإنَّه بعد رجوعهم إلی إمامهم کان أوَّل رجعتهم إلی الدنیا وإلی المراتب الدانیة التی کانوا مدبرین معرضین عنها(1).

أقول: وفی کلامه جملة من الفوائد:

1 - تفسیره للساعة بأربعة معانی، وسیأتی الإشارة إلیها فی الروایات فی الباب الرابع.

2 - تفسیره بأنَّ المعاد هو لقیا أمیر المؤمنین(ع) فی یوم الفصل إذ هو خلیفة الله وخلیفة رسوله علی العباد، کما وردت الروایات بأنَّ النبأ العظیم علی(ع)، وکما إنَّ المعاد هو لقیاه فکذلک هو الرجعة.

نظیر ما أشیر إلیه فی جملة من الزیارات والروایات أنَّ إیاب الخلق إلی أهل البیت(علیهم السلام) وإلی علی(ع)، وحسابهم علیه وعلیهم(علیهم السلام)، لأنَّهم خلفاء الله، إذْ الباری تعالی لیسَ بجسم ولا جسمانی، کما هو الحال فی ملائکة الجنان وملائکة العذاب، ومن ثم علی(ع) قسیم الجنة والنار، وأنَّ المعاد قوامه بالحکم عن الله لا بالظرف المکانی لطبیعة نشأة المعاد فحسب .

ثم بین أن الکل إنَّما ینتهون إلی علی(ع) فی النشأة اللاحقة بعد طیهم برازخ کثیرة، وذلک یتخلله رجعات وموتات، وأنَّ مشاهدة الکل للآیات فی المراحل المختلفة من الإحیاء والإماتة إنَّما هی انعکاس للآیة الکبری لله تعالی، والآیة الکبری هی علی(ع) بعد نبیه(صلی الله علیه و آله)! فترجع الآیات فی الآفاق

ص:135


1- (1) تفسیر بیان السعاة، ج4، ص233 - 234.... .

والعوالم إلی أنها ظهورات وآیات لهذه الآیة الإلهیة.

فمن ثم کانت الرجعة والمعاد والقیامة تؤول إلیه(ع) بما هو آیة کبری لله تعالی.

نعم قد تکون کیفیة ذلک البدن فی الرجعة وقدراته - مع کونه فی دار الدنیا - متمیزة ببطانة أو طاقة أو قدرات خاصة کما یظهر من جملة من الروایات الآتیة فی الباب الثالث.

فمن ثم فسّر (النَّبَإِ الْعَظِیمِ ) فی الروایات المستفیضة بعلی(ع)، ومنه یظهر سبب رؤیة المؤمن والکافر عند الموت والاحتضار لأهل البیت(علیهم السلام) ، لذا قد ورد أنَّ علیاً صاحب الرجعة والنبی(صلی الله علیه و آله) صاحب الآخرة.

3 - تفسیره الرجعة بعدة رجعات، کالرجعة إلی الصحو بعد المحو أو کالرجعة إلی القوی النازلة فی النفس والجنود بعد الفناء عنها فی المشاهدة والشهود والمکاشفة أو کالرجعة إلی الآخرة وهی المعاد الأکبر أو کالرجعة إلی الدنیا.

الرجعة السفر الثالث من الأسفار الأربعة

قال السید مصطفی الخمینی فی تفسیره للقرآن الکریم مطابقاً لما تقدم من کلام الجناباذی فی تفسیر حقیقة الرجعة، فجعل الرجعة من السفر الثالث وهو سفر بالحق فی الخلق(1).

ص:136


1- (1) تفسیر القرآن الکریم، ج2، ص217.

وقال السید فی موضع آخر تفسیره تحت عنوان (المسألة الثالثة حول إعادة المعدوم) فی تفسیر قوله تعالی وَ کُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْیاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (1):

ومن الغریب توهم بعض أرباب الکشف أنَّ الإحیاء الثانی هو الإعادة فی هذهِ الدنیا ثم بعد ذلک «إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ »، ولعلّه اشتباه فی النقل وغلط فی الفهم أو تصور فی الکشف، ولو کان مفاد الآیة ما تخیّله لیکون الرجعة لکلّ أحد، مع أنها لجماعة خاصة ولیست الرجعة إلّا بالمعنی الذی یساعد علیه النقل والعقل، والکشف بأخبار الآحاد فی هذهِ المسائل العقلیة والاعتقادیة غیر جائز عند علمائنا الأصولیین، بلْ والظواهر فی هذهِ المواقف موکولة إلی أهله، دون العقول السوقیة والأفهام البدویة، ولا یقاس فقه الله الأکبر بفقه الله الأصغر(2).

أقول: ظاهره تفسیر الرجعة بغیر الإعادة إلی الدنیا مع أنَّ الذی ارتضاه من تفسیر الجناباذی للرجعة بالسفر الثالث والرابع وأنه الرجوع والإعادة إلی الدنیا.

نعم، کمالات الروح فی الرجعة بالبدن الدنیوی کسفر ثالث ورابع لیسَ کحالة الروح بالقوة فی مبتدء الحیاة الأولی فی الدنیا، فهی فی الرجعة أصبحت بالفعل ولکن لا زالت تتکامل وتستوفی فعلیات لم تستوفها من قبل.

ص:137


1- (1) سورة البقرة: الآیة 28.
2- (2) تفسیر القرآن الکریم، ج5، ص167 - 168.

وقد أشار إلی ذلک کل من الحکیم الشاه آبادی والسید الرفیعی والعلامة الطباطبائی.

وأمَّا أنَّ هذا المفاد هو من أخبار الآحاد فلیس فی محله، فإنَّ مفاد رجوع البدن الدنیوی والخروج من القبر مفاداً وظهوراً متواترا من الروایات.

تأیید أرواح الموتی للأحیاء والرجعة:

قال صاحب تفسیر روح البیان - وهو من المخالفین الصوفیة - فی سورة یس فی ذیل قوله تعالی: أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ (1).

وهذهِ الآیة ترد قول أهل الرجعة، أی من یزعم أنَّ من الخلق من یرجع قبل القیامة بعد الموت إلی أنْ قال: بأنَّ علیاً وأصحابه یرجعون إلی الدنیا فینقمون من أعدائهم، ویملؤون الأرض قسطاً کما ملئت جوراً، وذلک القول مخالف للنص.

نعم أنَّ روحانیة علی رضی الله عنه من وزراء المهدی فی آخر الزمان علی ما علیه أهل الحقائق، ولا یلزم من ذلک محذور قطعاً لأنَّ الأرواح تعین الأرواح والأجسام فی کل وقت وحال فاعرف هذا(2).

أقول: ستعرف فی بحث الرجعة والقرآن أنَّ الآیة أجنبیة عن نفی

ص:138


1- (1) سورة یس: الآیة 31.
2- (2) تفسیر روح البیان/ ج7/ ص390 - 391.

الرجعة، وإنَّما هی فی صدد إثبات قاهریة الله للعباد بالموت لما وَرَدَ عنهم فی دعاء الجوشن: «یا من فی الممات قدرته»، ومن ثم مفاد الآیة تنفی رجوع الموتی إلیهم حین سوقهم إلی الموت والبرزخ أو بلا مکث فیه یجازون فیه بقسط من الجزاء، ولا تنفی رجوع الموتی إلی الدنیا ولو بعد حین.

أو أنَّ الآیة تنفی رجوع من وقع علیه الهلاک والعذاب العاجل من الأمم وهؤلاء مستثنون من الرجعة کما فی قوله تعالی وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (1) حیث أشارت الروایات من أهل البیت(علیهم السلام) إلی مفاد هذهِ الآیة - کما سیأتی مفصلاً - أنَّ من عذّب من الأقوام والأمم لا یرجعون فی الرجعة وهم مستثنون من عموم الرجعة.

إلی هُنَا وصلت ...........

وهذا القائل حیث غفل عن بیانات أهل البیت(علیهم السلام) شط به الکلام إلی ما تری فلم یبصر قوله تعالی: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (2) بخلاف حشر القیامة الذی أشیر إلیه فی قوله تعالی: وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَی الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (3) فإنَّه حشر لجمیع الناس، وقد أشیر إلی ذلک کله فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) إلی غیر ذلک من عشرات الآیات الدالة علی

ص:139


1- (1) سورة الأنبیاء 55
2- (2) سورة النمل 83
3- (3) سورة الکهف 5 - 6

الرجعة کما سیأتی.

وأمَّا تمکین أئمة الحق الذین استضعفوا لینتقموا من الظالمین فهو مفاد قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1)، فإنَّ هذهِ سنة الله لا تتبدل ولا تتحول.

وأمَّا تفسیره للرجعة بإعانة أرواح الموتی للأحیاء والذی هو من باب التأیید منها للأحیاء وقریب من النزول والإنزال لأرواح الموتی ببدن برزخی فسیأتی بیان الفارق بین حقیقة کل منها مع حقیقة الرجعة فی الباب الثالث.

استدلال جماعة من أعلام هذا العصر

وقد استدلَّ غالب علماء الإمامیة بأنَّ إحیاء الموتی فی هذهِ الدنیا ورجوعهم إلیها لیسَ بمحال، بلْ قدْ وقع بکثرة وفی موارد عدیدة کما أشار إلیه القرآن، کما أنَّ إحیاء جمیع البشر فی یوم القیامة الکبری أمرٌ ممکن بلْ ضروری الوقوع، فأی استنکار للعقل من إحیاء الموتی قبل یوم القیامة إلی دار الدنیا فی عهد الرجعة!

وهذا الاستنکار لیس إلّا کاستنکار عقیدة المعاد، والتعجب والسخریة منها کالتعجب والسخریة من المعاد بعد کون الرجعة نوعاً من المعاد،

ص:140


1- (1) سورة القصص 55

والعقل لا یحکم علی مثل هذا الأمر بالاستحالة وقدرة الله واسعة، وهذهِ الأمور عنده هیّنة یسیرة.

* وقال العلامة حسن زاده الآملی فی کتابه (عیون مسائل النفس): ثم إنَّ للعلامة القیصری بحثاً مفیداً فی المقام أفاده فی شرحه علی آخر الفص من فصوص الحکم للشیخ العارف العربی ولنا ولغیرنا أیضاً فی بیان ما أفاده إشارات، نأتی بها جمیعاً تتمیماً للفائدة ومزیداً للاستبصار وهی ما یلی:

وما جاء فی کلام الأولیاء مما یشبه التناسخ إنَّما هو بحکم أحدیة الحقیقة وسریانها فی صور مختلفة کسریان المعنی الکلی فی صور جزئیاته وظهور هویة الحق فی مظاهر أسمائه وصفاته، لذلک نفوا التناسخ حین صدر منهم مثل هذا الکلام، کما قال الشیخ العارف المحقق ابن الفارض - قدس الله روحه -

فمن قائل بالنسخ فالمسخ لائق

به ابرأ وکن عما یراه بعزلة وللروح - من أوّل تنزلاته إلی الموطن الدنیاوی - صور کثیرة بحسب المواطن التی یعبّر علیها فی النزول وصور برزخیة علی حسب هیئاتها الروحانیة، وصور جنانیة وصور جهنمیة تطلبها الأعمال الحسنة والأفعال القبیحة تظهر فیها عند الرجوع، وإشاراتهم کلها راجعة إلیها لا إلی الأبدان العنصریة، لعدم انحصار العوالم، وأیضاً لیسَ قوة هذا الظهور بعد الانتقال إلی الغیب إلّا للکمل المسّرحین فی العوالم لا للمقیدین فی البرازخ والمحجوبین فیها کما قال تعالی حاکیاً عنهم: وَ لَوْ تَری إِذْ وُقِفُوا عَلَی النّارِ

ص:141

فَقالُوا یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُکَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (1) وقال: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (2)، وقال انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قِیلَ ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ (3).

وکما أنَّهم عند کونهم فی الشهادة لا یمنعون من الدخول فی عالم الغیب کذلک عند کونهم فی الغیب لا یمنعون من الظهور فی الشهادة إذا طلبوا من الحق بلسان استعدادهم ذلک لتکمیل الناقصین منهم من التقیید والتعشق بالبرازخ الظلمانیة، فیرتفع التغایر بینهم وبین الروح الأوَّل ویحصل لهم السرایة فی المظاهر.

ویعلم ما أشرنا إلیه من یعلم سر دخول النبی(صلی الله علیه و آله) فی جهنم لإخراج أمته مراراً ودخول باقی الأنبیاء والأولیاء کذلک کما دلَّ علیه حدیث الشفاعة وغیره من الأحادیث الصحیحة، ومن أمعن النظر فیما قرر یظهر له من الفرق بینه وبین التناسخ إذْ بینهما فوارق کثیرة یؤدی ذکرها إلی الإسهاب والله الهادی وإلیه المآب.

أقول: فقوله «وما جاء فی کلام الأولیاء ... الخ» ناظر إلی التناسخ الملکوتی السریانی.

وقوله لذلک نفوا التناسخ إلی لقولهم بسریان الحقیقة الذی یشبه

ص:142


1- (1) سورة الأنعام 27
2- (2) سورة الأنعام 28
3- (3) سورة الحدید 13

التناسخ وموهم للتناسخ، ینفی القوم من العرفاء التناسخ حین صدر منهم مثل هذا الکلام الذی یشبه التناسخ.

وقوله: وأیضاً - لیسَ قوة هذا الظهور... الخ - هنا أیضاً دلیل علی أنَّهم لیسوا قائلین بالتناسخ، لأنَّ القائلین بالتناسخ قالوا: «إنَّ النفوس الناقصة تتناسخ» والعرفاء قالوا: «إنَّ النفوس الکاملة تظهر بعد الانتقال فهذا الظهور لیسَ بالتناسخ».

وقوله: «کذلک عند کونهم فی الغیب لا یمنعون من الظهور فی الشهادة» : قدْ تقدم فی العین الخمسین ذکر روایات فی ذلک ناطقة بأنَّ المؤمن بعد انقطاعه من هذهِ النشأة یزور أهله، ففی روایة یزور علی قدر منزلته، وفی أُخری (علی قدر فضائلهم) وفی أُخری (علی قدر عمله)، ثم قال أستاذنا العلامة الشخ مُحمَّد حسین الفاضل التونی - قدس الله روحه وجزاه عنا خیر جزاء المعلمین - أنَّ القیصری ناظر فی هذا إلی الرجعة التی هی من اعتقادات الإمامیة أنار الله برهانهم، وکان یقول: الرجعة إنَّما هی بهذا المعنی الصحیح.

ثم لا یخفی علیک أنَّ کلام القیصری «کما أنَّهم عند کونهم فی الشهادة لا یمنعون من الدخول فی عالم الغیب کذلک عند کونهم فی الغیب لا یمنعون من الظهور فی الشهادة» لشأنٍ من الشأن(1). انتهی کلامه.

ص:143


1- (1) عیون مسائل النفس: مسرح العیون فی شرح العیون: عین فی التناسخ ص681 - 580.

أقول: ما ذکره من کون الظهور فی عالم الدنیا والشهادة لأهل البرزخ رجعة غفلة فإنَّ النزول والتنزل والتمثل من أهل البرزخ والکائنات السماویة فی الأرض والدنیا یغایر الرجعة،- فإنَّها کَمَا عرفت - بعث من القبور بالأبدان واستقرار إلی أجل - کَمَا مرَّ - مغایرة الرجعة لتأیید أرواح الموتی فی البرزخ لأرواح الأحیاء فی الدنیا، فهذه ثلاث أقسام فی مقابل الرجعة.

الجناباذی: تداعیات العمل فی هذهِ الحیاة علی موقعیة الإنسان فی الرجعة

قال فی تفسیر سورة طه ذیل قوله تعالی: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی ، حیث ورد فی بعض الروایات فی ذیل الآیة أن الضنک والضیق للناس فی الرجعة، قال: الهدی فی الآیة فَمَنِ اتَّبَعَ هُدایَ فَلا یَضِلُّ وَ لا یَشْقی فی أخبار عدیدة بولایة أمیر المؤمنین(ع) وبعلی(ع) نفسه، وهکذا فسَّر الذکر، والمراد بالمعیشة الضنک أنَّ الضیق فی ما یحتاج إلیه فی الدنیا من المأکول والملبوس وغیرهما، وبهذا الاعتبار فسَّرت بالضیق فی الرجعة فی أخبار کثیرة، وأنهم یأکلون العذرة، وفسّر فی بعض الأخبار بعذاب القبر وضنکه.

والتحقیق: أنَّ الراحة وضعها الله تعالی فی الآخرة التی قلب الإنسان

ص:144

انموذج منها وسعة العیش والراحة للإنسان لیس إلا من طریق القلب الذی هو طریق الولایة وطریق الآخرة، وضیق العیش وعناؤه لیس الا من الدنیا التی هی أنموذج الجحیم وطریقها ومن أعرض عن الذکر الذی هو الولایة التی هی طریق القلب وطریق الآخرة توجّه إلی الدنیا التی هی طریق الجحیم وفیها العناء والضیق، ومن توجّه إلی الدنیا سدّ باب الراحة علی نفسه وفتح باب الضیق والتعب علیه کان فی ضیق استشعر به أم لم یستشعر، ومن تولی علیا وفتح طریق القلب فتح طریق الراحة علی نفسه، فإن دخل فی باب القلب والآخرة دخل فی السعة والراحة، وإنْ لم یدخل کان فی عناء لبقائه بعد فی الدنیا لکنه کان فی طریق الوصول إلی الراحة وضیق العیش فی الدنیا وضیق الصدر. انتهی کلامه.

اعتراض ودفع:

وربما یعترض علی الرجعة بأنها تستلزم تعلّق نفسین ببدن واحد وهو عین محذور التناسخ إلی غیر ذلک من بقیة محاذیر التناسخ لکون البدن فی بدایة نموّه یستدعی افاضة نفس جدیدة علیه والنفس السابقة فی درجة الشیخوخة إلی غیر ذلک من محاذیر التناسخ.

وجه الاندفاع: إنَّ الرجعة لیست تعلقا ببدن جدید، بلْ هی تعلّق بالبدن الأوَّل کما مرَّ توضیحه، بلْ قدْ مرَّ أنَّه لیسَ تعلّق بالبدن الأوَّل بعد انقطاع تام، إذْ لا انقطاع تام بالموت، إنَّما هو الموت الأوَّل وهو ضعف تعلّق

ص:145

ولیسَ انقطاع بالمرّة، والبعث فی الرجعة تنشیط للعلقة الضعیفة الباقیة وتقویة لها مرة أُخری.

وقد تقدم فی الباب الأوَّل أنَّ للموت مراتب عدیدة کما أنَّ النوم أحد مراتب الموت - کما أشار إلیه الحدیث النبوی المتقدم - والیقظة من النوم أحد مراتب البعث، وقد تذوّق هذا التنوع والتفاوت فی درجات الموت.

وبسط الکلام فیه إلی حدّ ما وارتباطه بالرجعة الحر العاملی فی کتابه (الإیقاظ من الهجعة فی إثبات الرجعة).

آیات البعث والمعاد ... لمقامات ثلاث

ومن الملفت فی تفسیر بیان السعادة للحکیم العارف الجناباذی: أنَّه کرر الالتفات والإلفات إلی أنَّ آیات البعث والمعاد هی واردة فی کل من الموت والرجعة والمعاد الأکبر، أی القیامة الصغری والوسطی والکبری مسنداً ذلک إلی تنبیه روایات أهل البیت(علیهم السلام) إلی هذهِ الحقائق فی ذیل تلک الآیات.

الجناباذی: تعدّد الرجعة ودرجاتها فی الکمال:

* وقال فی موضع آخر فی تفسیر سورة مریم فی ذیل قوله تعالی: یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً : أعلم أنَّ التقوی الحقیقیة لا تحصل

ص:146

إلّا بالولایة، ومن تولّی علیاً کان تقیاً استشعر بتقواه أم لا، ویوم الأعراف - الذی هو آخر البرزخ - یحشر شیعة علی(ع) إلی مقاماتهم الأخرویة ونعیمهم وأزواجهم علی ما نقل فی الأخبار من التفاصیل واختیار اسم الرحمن؛ لأنَّ شیعة علی(ع) إذا وصل إلی الأعراف لم یبق علیه شیء من أوصاف النفس، ویطهر من کل ما ینبغی أنَّ یطهّر عنه من نسبة الأفعال والصفات إلی نفسه، بلْ من نسبة الأنانیة إلی نفسه، ویحصل له الفناء التام الذی هو آخر مقامات التقوی، وبعد الفناء التّامّ لا یکون بقاء الّا ببقاء الله، وبعد البقاء یصیر الباقی مبقیا لأهل عالمه ومملکته.

وهذا الإبقاء هو الرّجعة فی العالم الصّغیر وهو أنموذج رحمة الله الرّحمانیّة، وبهذا الاعتبار قال: نحشرهم إلی الرّحمن وبحسب السّلوک إذا تمّ السّفر الثانی للسّالک وانتهی تقواه إلی الفناء الذاتی وسار بالحقّ فی الحقّ إن أدرکته العنایة الإلهیّة وابقته بعد فنائه یصیر السّالک أیضا باقیا ببقاء الله، ومبقیا لأهل مملکته وأهل الملک الکبیر، ویصیر عادلا بعدل الله ومعطیاً لکلّ حقّه، وهذا من خواصّ اسم الرّحمن ولهذا قال: (یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمنِ ). انتهی کلامه.

وفی کلامه جملة من الفوائد العقلیة والحقائق المعرفیة استشعرها من الأخبار الواردة فی الرجعة والبرزخ والآخرة:

1 - إنَّ البرزخ متعدد، لأنَّ بعد کل موت برزخا، لا سیّما مع إشارة جملة من روایات الرجعة إلی أنَّ لکل إنسان رجعات، إلّا من أهلک بعذاب

ص:147

عاجل فی الحیاة الأولی من الدنیا، فهناک مراتب من الموت ومراتب من البرزخ ومراتب من البعث وتعداد من الحشر والنشر، کما ستأتی إلیه الإشارة فی روایات فی الباب الثالث.

2 - إنَّه أطلق علی مقام الأعراف ویوم الأعراف أنه من البرازخ، وأنه آخرها، ولا یخلو من تأمل ونظر، لأنه کما سیأتی فی الباب الثالث أن یوم القیامة عالم أکبر استعداداً وظرفاً من عالم الرجعة فضلاً عن عمر الحیاة الأولی للدنیا، أو أنَّ الأعراف هو فی مقامات أواخر عالم الرجعة، حیث سیأتی أن الحساب یقع فی أواخرها حسب ما تشیر إلیه جملة من الآیات والروایات.

3 - إنَّ الرجعات اللاحقة أشد تکاملاً من الرجعات الأولی، کما أن الرجعة اشد تکاملاً من الظهور للإمام المهدی(عج)، کما أنَّ الفارق فی کمال وتکامل نشأة دولة الظهور للإمام المهدی(عج) مع زمان غیبته فارق مهول جداً بأضعاف مضاعفة، فکیف الحال مع نشأة الرجعة! وقدْ أُشیر إلی ذلک فی روایات الرجعة - وسیأتی فی الباب الثالث والرابع -.

ولعظم هذا الفارق أشار الحر العاملی فی مقدمة کتابه (ان بعض المعاصرین له ممن کتب فی الرجعة قد ذکر فیه أشیاء غریبة مستبعدة کان ذلک سبباً لتوقف بعض الشیعة عن قبولها، حتّی انتهی إلی إنکار أصل الرجعة، وحاول إبطال برهانها ودلیلها، وربّما مال إلی صرفها عن ظاهرها وتأویلها مع أنَّ الأخبار بها متواتر)، ثم ذکر قیام الأدلة العقلیة والنقلیة

ص:148

وإطباق الشیعة الاثنی عشریة علیها.

وقال فی موضع آخر فی مقدمة کتابه: (ورأیت رسائل فی الرجعة لبعض المتأخرین تشتمل علی أحادیث غیر ما أوردته، ولم أنقلها أیضاً لاشتمالها علی أمور مستبعدة ینکرها أکثر الناس فی بادئ الأمر، مع أنها لا تخرج عن قدرة الله، لکن الإقرار بها صعب علی الناظر فیها).

تفسیر عرفانی للرجعة ---- ضرورة الرجعة ----لضرورة الأسفار الأربعة

قال الجنابادی فی تفسیر سورة البقرة فی ذیل الآیة 194 .

إعلم أنَّ الإنسان قبل هبوط آدم(1) فی العالم الصغیر وبعث الرسول الباطنی کافر محض لا یعرف مبدءًا ولا معاداً، وبعد بعث الرسول الباطنی یظهر له إقرار فطری بأنَّ له مبدءا ومسخّراً له، لکنّه إمَّا لا یستشعر بهذا الإقرار أصلاً ویحتاج إلی منبّه خارجیّ ینبّهه علی فطرته، أو یستشعر استشعاراً ضعیفاً مغلوبا ًفی غفلاته، وهذا فی قلیل من الناس، وقد یستشعر استشعاراً قویاً یحمله علی الطلب ولا یدعه حتّی یوصله إلی مطلوبه، مثل الکبریتیة تکاد تشتعل ولو لم تمسسها نار، وهذا فی غایة الندرة.

ص:149


1- (1) تفسیر بیان السعادة فی مقامات العبادة، مجلد/ 1 ص195.

والقسمان الأولان إمَّا یبقون فی کفرهم الصراح ولا یتنبهون من المنبهات الخارجیة والرسل الإلهیة، ولیسَ لهم إلّا قضاء شهواتهم ومقتضیات نفوسهم، وهؤلاء عامة الناس سواء دعاهم رسول خارجی، أو نوابهم إلی الله أو لا، وسواء قبلوا الدعوة الظاهرة وبایعوا البیعة العامة أو لا، غایة الأمر أنَّ من قَبل الدعوة الظاهرة ودخل فی الإسلام إنْ مات فی حال حیاة الرسول أو نائبه الذی بایعوه کان ناجیاً نجاةً ما، وکل هؤلاء مرجون لأمر الله لکن البائعین لیسوا مرجین لأمر الله بحسب أول درجات النجاة، بلْ بحسب کمال درجات النجاة أو یتنبهون فیطلبون من یدلهم علی مبدئهم فإما لا یصلون أو یصلون.

والواصل إلی الدلیل إمَّا یعمل بمقتضی دلالة الدلیل أو لا یعمل، والعامل إمَّا یبقی فی الکفر بحسب الحال أو یتجاوز إلی الشرک الحالیّ أو الشرک الشهودی أو یتجاوز إلی التوحید الشهودی والتحققی، وفی هذا الحال إنْ لم یبقَ له إشارة إلی التوحید ولا توحید کان عبدالله وهو آخر مقامات العبودیة وتمامیة الفقر، وحینئذٍ یحصل له بدایة مقامات الربوبیة إنْ أبقاه الله تعالی بعنایته، وإنْ بقی علی هذهِ الحالة ولم یبقه الله بعد فناءه لم یکن له عین ولا أثر، فلم یکن له اسم ولا رسم ولا حکم، وهذا أحد مصادیق الحدیث القدسی

«إنَّ أولیائی تحت قبابی لا یعرفهم غیری» وأحد مصادیق الولی والإمام کما نبینه فی (تحقیق الولی والنبی والرسول والإمام) وإنْ أبقاه الله بعنایته بعد فناءه.

ص:150

وقال أیضا فی وصف السفر الثانی: أنَّه یسمّی بمقام التحدیث والتکلیم بتحدیث الملائکة للعبد فیها من غیر رؤیتهم نوماً ویقظة، وأنَّه یسمی بالولایة وغیر ذلک من الأسماء کالصحو بعد المحو، والبقاء بعد الفناء والبقاء بالله.

وقال فی وصف السفر الثالث الذی هو الرجعة: أنَّه یسمع صوت الملک فی النوم والیقظة، ویری فی المنام شخصه ولا یری فی الیقظة ویسمع فی تلک المرتبة إخبار الملائکة وتلقّی العلوم من دون إخبار الملائکة بالوحی والإلهام لا بالتحدیث والتکلیم.

وقال فی وصف السفر الرابع الذی هو الرجعة أیضاً: أنَّه یری العبد ویسمع من الملائکة یقظة ونوماً، وقد ذکر أنَّ ذلک ورد فی أخبار کثیرة عن أهل البیت(علیهم السلام) فی الفرق بین الرسول والنبی والمحدّث والإمام بأنَّ الرسول یسمع من الملک ویری شخصه فی المنام ویعاینه فی الیقظة، والنبی یسمع ویری فی المنام ولا یعاین، والمحدّث أو الإمام یسمع ولا یری ولا یعاین.

وإن ابقاه الله بعنایته بعد فناءه وتفضل علیه بالصحو بعد المحو صار ولیاً لله، وهذهِ الولایة روح النبوة والرسالة ومقدمة علیها وهی المنام التی تکون قبل النبوة والرسالة، فإنَّ تفضل علیه وأرجعه إلی مملکته وأحیا له أهل مملکته بالحیاة الثانیة الأخرویة، وهذهِ هی الرجعة التی لابدَّ منها لکل أحد اختیاراً فی حال الحیاة أو اضطراراً بعد الممات، وهی الرجعة فی العالم الصغیر صار نبیاً أو خلیفة للنبی وللنبوة، والخلافة مراتب ودرجات لا

ص:151

یحُصها إلّا الله، وتطلق الإمامة علیهما أو علی خلافة النبوة وهی النبوة التی هی روح الرسالة ومقدمة علیها، فإنَّ وجده الله أهلاً لإصلاح مملکته بأنَّ لم یکن مُفرطاً ولا مفرّطاً فی الحقوق وأرجعه إلی الخلق لإصلاحهم صار رسولاً أو خلیفته، وتطلق الإمامة علیهما أو علی خلافة الرسالة ومراتب الرسالة وخلافتها أیضاً لا تحصی (وهذهِ الأربعة أمهات مراتب الکمال)، ولکل من هذهِ حکم هو اسم غیر ما للأُخری، فإنَّ (الأولی) تسمی العبودیة، والثانیة تسمی بالإمامة، والثالثة تسمی النبوة، لکون العبد فیها خبیر من الله ومخبراً عنه، والرابعة تسمی بالرسالة، لرسالة العبد فیها من الله إلی الخلق. انتهی(1).

الرجعة تفسیر وبرهان آخر

یستخلص من کلامه السابق أنَّ الضرورة القائمة علی لزوم السفر الثالث والرابع لکل إنسان فی التکامل هو بعینه دلیل ضرورة الرجعة لکل إنسان، فمع أنَّ السفر الأوَّل والثانی قوس صعود إلا أنّهَ لابدَّ من قوس النزول وهو السفر الثالث والرابع وهو بحسب الصورة قوس نزول إلّا أنَّه بحسب اللب والحقیقة درجات أکبر من قوس الصعود، وهو بهذا البیان یبین إلزام وملازمة لکل من قال بضرورة الأسفار الأربعة أنَّه لابدَّ أنْ یلتزم بضرورة الرجعة، وبذلک یندفع أیضاً جملة من الشبهات أو الإشکالات التی

ص:152


1- (1) بیان السعادات/ مجلد 1/ من ص194 - 195.

قدْ یعترض بها علی القول بالرجعة:

1 - کالاعتراض بأنَّ الرجعة تقهقر من حرکة ودرجة الکمال التی وصلت إلیها النفس بمفارقة البدن الدنیوی بالهبوط إلی البدن الدنیوی مرة أُخری.

وجه الاندفاع: بأنَّ هذا الهبوط إلی الأرض لیسَ تقهقر وتراجع عن الکمال، بلْ هو ترقّی وتصاعد إلی درجات الکمال الأکبر کما هو الحال فی السفر الثالث والرابع للنفس، وصرف کون السفر الثالث من الحق إلی الخلق بالحق لا یعنی الهبوط حقیقةً بلْ هو هبوط صورةً فی حین کونه عروجا أکبر حقیقةً، کما هو الحال فی یومیات الإنسان عندما تصعد روحه فی الیوم ثم تهبط فی الیقظة.

وکما فی بدو وابتداء الحیاة الأولی من الدنیا سواء علی القول بکون النفس حادثة بحدوث البدن، أو القول بأن النفس قدیمة قبل البدن، فإنَّه علی کلا القولین هو هبوط للنفس ولکن هذا الهبوط هو طریق للتکامل کما هو الحال فی هبوط آدم إلی الأرض من الجنة.

فکما لا یتوهم عند القائلین بالسفر الثالث والرابع للنفس الإنسانیة أنَّه تقهقر وهبوط لباً وحقیقةً بلْ هو مزید کمال وتکامل، فکذلک الحال فی الرجعة.

هذا مع ما تقدم فی جواب علی النوری المتقدم: من أنَّ النفس لم تنقطع رابطتها بالبدن الدنیوی بالموت وإنْ کان هذا الارتباط غیر مرئی، بلْ مرتبة

ص:153

البدن الذی ترتبط به النفس مرتبة غیر مرئیة.

وقد أشارت إلی ذلک کلّه الروایات الواردة عن أهل البیت(علیهم السلام) فی الموت والقبر، کما سنشیر إلی جملة منها.

2 - ومن الاعتراضات التی ربما یعترض به علی القول بالرجعة: أنها قول بالتناسخ إذْ معاودة تعلّق النفس بالبدن یستلزم التناسخ.

وقدْ تقدم جوابه وهو أنَّ النفس لم تقطع نهائیاً ارتباطها بالبدن، بلْ بقی لها نحو ارتباطی غیر مرئی، کما أنَّها لا تتعلق ببدن جدید کی یتوهم توارد نفسان علی بدن واحد.

الرجعة فی قوس النزول والمعراج فی قوس الصعود

3 - إنَّ مراده فی شرح الاسفار الأربعة للإنسان من النبوة والرسالة والإمامة والخلافة لیسَ المعنی المعهود الذی هو مناصب إلهیة، بلْ مراده مطلق المعنی اللغوی من الهدایة والهادی من معنی الإمام ومطلق الإلهام والإفهام، من النبأ اللغوی أو الرؤیة والمشاهدة القبلیة، کما إنَّ مراده من الرسالة لغةً مطلق مسؤولیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والدعوة إلی الله تعالی.

ومن ثمَّ یشیر إلی أنَّ المؤمنین فی الرجعة یزادون کفاءةً فی الدعوة إلی الله بعدما شاهدوا وعاینوا من الموت والبرزخ ومعاینة لقاء الله الذی هو بمثابة

ص:154

عروج لهم.

وبیَّن أنَّ الإنسان الراجع فی الرجعة یزوّد بقدرات وإدراکات ومشاهدات وهو بهذا البدن الدنیاوی الذی بعث فیه بعد الموت وبعد البرزخ لم تکن تلک القدرات والإدراکات لدیه فی جسده الدنیوی قبل الموت.

وهذا ما أشارت إلیه روایات الرجعة المتظافرة، وقد أشار إلی اقتباسه هو من الروایات المستفیضة والمتواترة الواردة.

الرجعة تقابل العروج

وکلامه هذا یشیر إلی الأسفار الأربعة وهی:

الأول: من الخلق إلی الحق.

والثانی: من الحق إلی الحق بالحق.

والثالث: من الحق إلی الخلق بالحق.

والرابع: من الخلق إلی الخلق بالحق. فهو یُشیرُ إلی أنَّ الرجعة هی السفر الثالث وهی الرجوع من الحق إلی الخلق، فإمّا أنْ یکون اختیاراً إذا کان الموت اختیار، وإمّا أنْ یکون الرجوع اضطراراً إذا کان الموت اضطراراً.

وبعبارة أخری: إنَّ عروج الروح وتکامُلها بمشاهدة العوالم العلویة - سواء فی جانب الجمال والرحمة أو جانب الجلال والقهر والعذاب - لابدَّ

ص:155

منه، ثم عودها بعد العروج کذلک لابدَّ منه إلی عالم البدن والمادة وشؤونها.

وقد یحصل هذا العروج والرجوع اختیاریاً، فإنَّ لم یحصل اختیاریاً حصل اضطراریاً حینئذٍ، فالرجعة والرجوع تقابل العروج والصعود کما ورد عنه(صلی الله علیه و آله):

«کما تنامون تموتون وکما تستیقظون تبعثون» فالموت نقطة الانطلاق الی العروج والبعث نقطة الانطلاق الی الرجعة .

وهذا بخلاف شأن النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام) الذین قدْ حصلت لدیهم هذهِ الشؤون بالموت الاختیاری والعروج الإرادی قبل الموت وارتحالهم إلی الرفیق الأعلی .

وهو یشیر إلی الروایات التی عقد لها الکلینی باباً فی أصول الکافی ، وعقد لها الصفار أیضاً بابا فی بصائر الدرجات، وغیرهما فی کتب أُخری للأصحاب.

ومن ثم قال الجنابادی: إنَّ السالک الناقص قدْ یطرو علیه تلک الحالات من الإفاقة والرجوع إلی مملکته وإلی مملکة الخارج، بلْ التکمیل لا یتمُّ إلّا بطرو تلک الأحوال، وأنَّ الإنسان خلق ذا مراتب عدیدة فی کل مرتبة منها له جنود، وکل منها فی بقائه تحتاج إلی أشیاء، ففی مرتبة النباتیة والحیوانیة تحتاج قواه النباتیة والحیوانیة وبقاء بدنه وبقاء نفسه النباتیة والحیوانیة والإنسانیة إلی المأکول والمشروب والملبوس والمسکن والمرکوب والمنکوح، ولکن لابدَّ فی تلبیة تلک الحاجات من الجانب الوسطی، لا إفراط ولا تفریط، وذلک إنَّما یتحقق فی الرجعة فی السفر الثالث والرابع،

ص:156

حیث یتمُّ التوازن فی الجهة الدنیویة والأخرویة وإعطاء کل ذی حق حقه، وأنَّ الإنسان فی المرتبة الإنسانیة خلق ذا قوة عاقلة مُدبّرة لأمور أهل مملکته، مسخرة للواهمة وهی مسخرة للخیال وهو مسخر للمدارک والقوی الشوقیة وهی مسخرة للقوی المحرّکة وهی مسخرة للأعصاب والأوتار والعضلات فهو یحتاج إلی بقاء العاقلة بهذهِ الکیفیة بحیث یؤدّی بالإنسان إلی السلوک إلی الله(1).انتهی

أقول: من ثم یکون السلوک إلی الله فی الرجعة - التی هی السفر الثالث والرابع - أقوی من السفر إلی الله فی السفر الأوَّل، فالتکامل فی الرجعة وهی الحیاة الآخرة من الدنیا، أکمل من الحیاة الدنیا الأولی.

وهاهنا ملاحظة وهی: إنَّ جملة ممّا نقلنا عنه بالتلخیص، کما أنَّ جملة من النتائج لم یذکرها بالصراحة، ولم یذکرها بالتفصیل، ولم یرکِّز علیها بالالتفات، إلّا أنَّ أشارته الاجمالیة فی قوله: «وهذهِ هی الرجعة التی لابدَّ منها لکل أحد اختیاراً فی حال الحیاة أو اضطراراً بعد الممات، وهی الرجعة فی العالم الصغیر».

الرفیعی:الرجعة والدلیل العقلی

قال الحکیم الفقیه السید ابو الحسن الرفیعی القزوینی: (والعقل قدْ

ص:157


1- (1) تفسیر بیان السعادة ج1، ص196 - 194.

أذعن مسبقاً بأنَّ الحق هو ما قاله الله وأبلغه رسله وحججه(علیهم السلام) وإنَّ افترض أنَّه لا یملک بالفعل ما یدلّل علیه تدلیلاً عقلیاً فلسفیاً لا بأس به، لکن الافتراض غیر مطابق الواقع إذْ نملک ما یبرهن علی الرجعة.

هذا منبه إلی: کأن ذلک موجود فی عقل أشف من عقولنا وأکمل، وهو أصل العقول وهو علی حساب ظواهر العلم الکلی یسمّی عقلاً أولاً علی ملاحظة وعقلاً فعالاً علی ملاحظة أُخری، کما یسمّی قلماً باعتبار آخر ولوحاً محفوظاً باعتبار آخر، وأمَّا علی حساب بطون العلم الکلی ومعطیات علوم المکاشفة ومدالیل آیات الکتاب المجید وأحادیث رسول الله وأوصیائه فهو روحانیة النبی وأهل بیته المعصومین(علیهم السلام) وعقلهم الأتم الأشرف الذی منه یستضیء الاملاک وهو نفسه المتصل بالفیض الإلهی.

هذا بید أنَّ أصول العلم الکلی تنص عندنا علی إمکان الرجعة، أو علی نزولها ....

و قال أیضا فی رسالة له فی الرجعة ما ملخصه: «إنَّ دور الرجعة من تتمة أنحاء کمالات المعصومین(علیهم السلام) والأصفیاء، ولیسَ رجوع نفوسهم الشریفة إلی الدنیا رجوعاً تعلقیاً انفعالیاً یحتاج إلی استعداد مادی سابق، بلْ هو رجوع فعلی ناشئ عن الجهات الفاعلیة التی لا تحتاج فی تخصصاتها إلی استعدادات مادیة ولا فی حصولاتها إلی کیفیات عنصریة، وإنَّما تلک الجهات تلزمها التخصصات والاستعدادات والکیفیات، بلْ الأجساد العنصریة متعلقة بتلک النفوس الکاملة الراجعة بإذن الله ولازم لها متی ما أراد ذلک، فالأمر علی عکس تعلّق النفوس

ص:158

بالأبدان بلْ هو تعلّق الأبدان بالنفوس.

فلیست النفوس فی الرجعة تتعلق بالأبدان علی نحو الانفعال بها ولا النفوس ترجع عن فعلیتها وتتقهقر إلی القوة کما قدْ یتوهم من الرجعة إلی الدنیا، کما أنَّه لیسَ تعلّق الأبدان بالنفوس ناتجاً عن الحرکة الجوهریة فی ظرف الرجعة ووعائها.

بلْ هذا التعلق للأبدان بالنفوس موجود بوجود فعلی لدی تلک النفوس عزمها فی دور الرجوع إلی الدنیا تخصصات وضعیة وأبدان عنصریة واستعدادات وکیفیات جسمانیة، فالأبدان هی متعلقة بالنفوس فی الرجعة ولیست النفوس متعلقة بالأبدان، کما أنَّ تعلّق الابدان بالنفوس لیسَ عن حرکة جوهریة، بلْ لکمال فعلی لدی تلک النفوس».

ص:159

ص:160

الفصل الثالث:مصادر أدلة الرجعة

اشارة

ص:161

ص:162

*استقصاء العدد الکمی والکیفی للروایات الواردة فی الرجعة.

*احتفاف الحدیث عن الرجعة بالتقیة والخوف.

*تواتر رجعة أمیر المؤمنین(علیهم السلام) وسائر الأئمة(علیهم السلام).

ص:163

ص:164

المصادر القرآنیة للرجعة

1) استقصی الحر العاملی - فی الباب الثالث من کتابه (الایقاظ من الهجعة) الذی عقده فی دلالة الآیات القرآنیة الدالة علی الرجعة - أربعة وستین موضعاً من سور القرآن کل موضع بمثابة طائفة مستقلة من الآیات القرآنیة، وأکثر تلک الطوائف مشتملة علی عدید من الآیات.

2) آیات الحجة والرجعة للشیخ مُحمَّد علی بن المولی حسن علی الهمدانی الحائری فی مجلدین جمع فیه 313 من الآیات فی الرجعة والحجة، وقد ذکر ذلک المحقق الطهرانی فی الذریعة (1).

المصادر الروائیة الحدیثیة
اشارة

1) قال الشیخ المجلسی فی البحار: (القول بالرجعة التی أجمعت الشیعة علیها فی جمیع الأعصار واشتهرت بینهم کالشمس فی رابعة النهار حتّی

ص:165


1- (1) الذریعة الی تصانیف الشیعة للمحقق الطهرانی ج 19/ ص 367 / رقم 34/16 .

نظموها فی أشعارهم واحتجوا بها علی المخالفین فی جمیع أمصارهم وشنّع المخالفون علیهم فی ذلک وأثبتوه فی کتبهم وأسفارهم ... إلی أنْ قال: وکیف یشک مؤمن بحقیة الأئمة الأطهار فیما تواتر عنهم فی قریب من مائتی حدیث صریح رواها نیّف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام فی أزید من خمسین من مؤلفاتهم ... ثم ذکر جملة من المؤلفین أکثرهم من القرن الثالث والرابع وقلّة منهم فی القرون اللاحقة، بلْ ذکر ضمنهم جماعة من أصحاب الأئمة. ثم قال بعد ذلک (وغیرهم من مؤلفی الکتب التی عندنا ولم نعرف مؤلفه علی التعیین؛ ولذا لم تنسب الأخبار إلیهم وإنْ کان بعضها موجوداً فیها، وإذا لم یکن مثل هذا متواتراً ففی أی شیء یمکن دعوی التواتر مع ما روته کافة الشیعة خلفاً عن سلف؟!(1).

أقول: وهذا یفید أنَّ هناک جملة من المصادر المشتملة علی روایات الرجعة لم ینقل عنها المجلسی لعدم معرفة مؤلفیها.

وهذا مما یشیر إلی کثرة المصادر الروائیة القدیمة للرجعة، وأن العدد للأحادیث لا ینحصر بالمائتین حدیث التی انتقاها(قدس سره).

ثم قال: «وظنی أنَّ من یشک فی أمثالها فهو شاک فی أئمة الدین ولا یمکنه إظهار ذلک بین المؤمنین، فیحتال فی تخریب الملّة القویمة بإلقاء ما یتسارع إلیه عقول المستضعفین وتشکیکات الملحدین یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ

ص:166


1- (1) بحار الأنوار، ج53، ص122 - 123.

بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللّهُ إِلاّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ » (1).

ثم ذکر کلمات جملة أُخری من طبقات الرواة الذین ألَّفوا فی الرجعة.

2) واستدرک علیه تلمیذه صاحب العوالم فی کتابه العوالم ما یزید علی السبعین روایة(2).

3) جمع الحر العاملی فی کتابه (الإیقاظ) ما یقرب من ستمائة وعشرین روایة، وقد أنَّه ذکر أنَّه أعرض عن کثیر من المصادر الحدیثیة فضلاً عن استقصاء الروایات الواردة فی کل زیارة وکل دعاء وکل ورد المتضمنة للإقرار بالرجعة، ومرادفاتها لفظاً فی سیاق الإقرار بأصول الدین، وأنَّه لو استقصی ذلک کله لکان کمّاً هائلاً مضاعفاً فوق التواتر.

مع أنَّه قال أیضاً فی الباب الأوَّل فی المقدمة الثانیة عشر (فی ذکر الکتب المعتمدة التی قدْ نقلت منها أدلة الرجعة وأحادیثها ومقدماتها ولم تحضرنی جمیع الکتب التی تشتمل علی الأحادیث بهذا وفیما حضرنی منها، بل فی بعضها، بل فی کتاب واحد منها، بل فی حدیث واحد منها کفایة لأهل التحقیق والتسلیم، ولم استوفی جمیع ما حضرنی، ولا نقلت جمیع ما فیها، وإنما نظرت فی مظان تلک الأحادیث، وکثیراً ما توجد أحادیث فی غیر مظانها، ومن تتبع أمکنه الزیادة علی ما نقلت من تلک الکتب انتهی، ثم أذکر أسماء الکتب التی حضرته.

ص:167


1- (1) المصدر السابق نفسه.
2- (2) عوالم العلوم للشیخ عبدالله البحرانی الأصفهانی، 4 - 26.

أقول: فهو یشیر فی عشر ملاحظات ونقاط الی أن العدد الأحادیث یفوق العدد ستمائة وعشرین حدیثا بکثیر مضاعفا مضافاً إلی عدم توفِّر جمیع الکتب الحدیثیة لدیه، أنَّه لم یستوفی استقصاءً واستقراءاً جمیع ما توفَّر لدیه من کتب، بلْ ولا نقل جمیع من وقف علیه فیها.

وقال فی مطلع الباب الثانی: (وقد رأیت أحادیث کثیرة فی الرجعة غیر ما جمعته فی هذهِ الرسالة، ولم أنقلها لأنَّ مؤلف ذلک الکتاب غیر مشهور ولا معلوم الحال، ورأیت رسائل فی الرجعة لبعض المتأخرین تشتمل علی أحادیث غیر ما أوردته، ولم أنقلها أیضاً، لاشتمالها علی أمور مستبعدة ینکرها أکثر الناس فی بادئ الأمر مع أنها لا تخرج عن قدرة الله تعالی، لکن الإقرار بها صعب علی الناظر فیها، وتحتمل الحمل علی المبالغة إذا ثبت ما یعارضها(1)، وفی الأحادیث التی أوردناها بلْ فی بعضها کفایة).

ثم قال: (وممّا یدلُّ علی ذلک کثرة المصنفین الذین رووا أحادیث الرجعة فی مصنفات خاصة بها وشاملة لها وقد عرفت من أسماء الکتب التی نقلنا منها ما یزید علی سبعین کتاباً قدْ صنّفها عظماء علماء الإمامیة).

ثم ذکر جملة وافرة من أسماء الأعلام سواء من الرواة أصحاب الأئمة، أو من علماء الطائفة فی الغیبة الصغری، أو فی بدایات الغیبة الکبری والقرون اللاحقة.

وقال «وغیرهم فقد صرّحوا بصحة الرجعة ونقلوا أحادیثها»(2).

ص:168


1- (1) ص101، الإیقاظ، الحر العاملی.
2- (2) ص73 ، الإیقاظ، الحر العاملی.

وقال: «ومما یدلُّ علی أن صحة الرجعة قدْ صارت ضروریة عند کل من تتبع الأحادیث أنک لا تجد فی الضروریات کوجوب الصلاة وتحریم الزنا أکثر من الأحادیث الدالة علی صحة الرجعة»(1).

وقال فی الباب الثانی أیضاً فی الوجه الثامن من الوجوه الدالة علی الرجعة، قال: «الثامن أنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات وکل وقت، کما أنّا مأمورون بالإقرار فی کثیر من الأوقات بالتوحید والنبوة والإمامة والقیامة، وکل ما کان کذلک فهو حق، والصغری ثابتة بالنقل المتواتر»(2).

ویالیته نقل تلک الأحادیث فإنَّ کثیراً من تراث المعارف قدْ ضاع وحرمت منه الإنسانیة، بسبب قصور أفق الأجیال السابقة عن تحمل المعارف الباهرة لکون أفق العقل آنذاک غیر بالغ المستوی الحالی، وغیر ناضج إلی مستوی الإدراک البشری الراهن فیما یتعاقب من تطور ونضوج للعقل البشری.

وکلامه یشیرُ إلی أنَّ ما ورد فی:

1- روایات الأدعیة.

2 - وروایات الزیارات.

3- وروایات الاوراد والأذکار..

ص:169


1- (1) ص83، الإیقاظ ، الحر العاملی.
2- (2) ص102، الإیقاظ، الحر العاملی.

تبلغ عدداً کبیراً جداً، ولم یورد هذا الکم من هذهِ الأبواب أحداً ممن کتب فی الرجعة؛ وذلک لأنَّ هذهِ الروایات فی هذهِ الأبواب أکثر من أن تحصی وتستقصی من ناحیة ومن ناحیة أُخری ذکر الرجعة فی هذهِ الروایات قدْ یکون فی کلمة من الزیارات أو جملة من الدعاء أو کلمتین من الورد أو الذکر، فلا تحظی لدی الباحث والکاتب فی الرجعة باهتمام أنْ یوردها فی ضمن روایات الرجعة، لا سیما وأنَّ الروایات فی هذهِ الأبواب هو بعنوان الزیارة أو الدعاء أو الورد أو الذکر لا بعنوان الرجعة کمسألة اعتقادیة، فلا تسترعی انتباه المتتبع والباحث فتغیبُ عن دائرة تتبعه وتعداد الأحادیث التی یستقصیها.

ویشیر أیضا إلی أنَّ روایات هذا الباب تدشن الرجعة فی مصاف أصول الدین، وتربی المکلف علی حفظ الاعتقاد بها کل یوم فی کل ورد ودعاء وزیارة، لا سیما وأنّها ترد بألفاظ مترادفة أُخری عدیدة جداً لا بخصوص الرجعة.

خمسون أو سبعون ألف حدیث فی الرجعة

وسیأتی فی مصادر العامة الحدیثیة والرجالیة ان الخمسین أو السبعین ألف حدیث التی یرویها جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر الباقر(ع) هی فی الرجعة .

وهذا الذی ذکروه غیر مستبعد بعد ما أشار إلیه الحرّ العاملی: أن ما من روایة فی زیارة او دعاء او ورد وذکر إلا وهی متضمنة للرجعة أو مرادفاتها

ص:170

ولو بکلمة، والذی ذکره بیّن ظاهر لمن تدبر وتتبع بترکیز وتدقیق.

4) کتاب (تفریج الکربة فی إثبات الرجعة) الذی ألَّفه السید محمود بن فتح الله الحسینی الکاظمی النجفی الذی کان معاصرا الشیخ الحر، فقد أودع فی کتابه ما یقرب من خمسمائة حدیث - کما صرَّح هو بذلک- ، وأشار الحر العاملی أنَّه لم یعتمد أحادیث کتاب هذا السید!

ویظهر من کلام الحر أنَّ السید ألَّف کتابه قبل کتاب الإیقاظ، وهذا یفید أنَّ الخمسمائة حدیث التی رواها السید فی کتابه جلّها لم یرویها الحر فی کتابه والذی قدْ اشتمل علی ستمئة وعشرین حدیثا، وهذا ممّا یقرر أنَّ إجمالی عدد أحادیث الرجعة فی هذین الکتابین فقط یربو علی ألف حدیث.

قال الحر فی مقدمة کتابه:« قدْ جمع بعض السادات المعاصرین رسالة فی إثبات الرجعة التی وعد الله به المؤمنین والنبی والأئمة الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین وفیها أشیاء غریبة مستبعدة! لم یعلم من أین نقلها لیظهر أنَّها من الکتب المعتمدة، فکان ذلک سبباً لتوقف بعض الشیعة عن قبولها حتّی إنتهی إلی إنکار أصل الرجعة، وحاول إبطال برهانها ودلیلها، وربما مال إلی صرفها عن ظاهرها وتأویلها مع أنَّ الأخبار بها متواترة والأدلة العقلیة والنقلیة علی إمکانها ووقوعها کثیرة متظافرة».

ومفاد کلامه یعطی ما ذکرناه، وأمَّا استبعاده للروایات ففی غیر محله - کما سیظهر فی الأبواب الآتیة- بلْ لها قراءة عقلیة علی طبق القواعد والموازین.

ص:171

وقال فی الذریعة(1): «إنَّ الحر عنی بذلک السید الجلیل محمود بن فتح الله الحسینی الکاظمی النجفی - معاصر الشیخ الحر والمجاز من الفاضل الجواد الکاظمی تلمیذ الشیخ البهائی- فی کتابه إثبات الرجعة الذی ذکر فیه أحادیث الرجعة وأنَّ اسم الکتاب الأصلی (تفریج الکربة فی إثبات الرجعة)».

وذکر له کتابا فی أصول الدین ذکر فی خاتمته بعد المعاد قوله فیها: ومما ینبغی اعتقاده رجعة مُحمَّد وأهل بیته علی نحو ما ذکرناه فی کتابنا الموضوع للرجعة أنَّه إذا کانت السنة التی یظهر فیها (قائم آل مُحمَّد)، وذکر فی هذا المختصر - کما بین ذلک المحقق الطهرانی فی الذریعة بقوله: « وذکر فی هذا المختصر الذی أورده فی الخاتمة کثیراً من الغرائب المستبعدة التی أشار الشیخ الحر إلیها فی أوَّل کتابه (إیقاظ الهجعة)».

وقال فی الذریعة أیضاً: «رأیت نسخته (تفریج الکربة فی إثبات الرجعة) عند السید مُحمَّد باقر حفید الآیة الطباطبائی الیزدی، وهی ضمن مجموعة بخط العالم الکامل الفاضل المولی مُحمَّد الجانی، ورأیت أوصاف الکاتب کذلک بخط العالم الجلیل الشیخ خضر بن شلال العفکاوی النجفی.

ثم قال: وذکرت فی الکرام البررة ترجمته وبعض تصانیفه ثم أنَّ المؤلف بعد ذکر فی الخاتمة رجعة سائر الأئمة واحداً بعد واحد علی نحو

ص:172


1- (1) الذریعة، ج2، ص193، وذکر له کتاب أصول الدین فی خاتمته بعد المعاد بحث الرجعة أیضاً.

الإرسال، قال: ما ذکرناه هنا ما ملتقط من روایات الأئمة(علیهم السلام) واعتقاد رجعتهم واجب وإنَّما قلنا ینبغی اتقاء من خلاف بعض العلماء، حیث یظن أنَّ المراد بالرجعة قیام القائم.

والحق أنَّ رجعتهم حق بنص الأخبار ولا یسمع دعوی أنها آحاد بعد ظاهر القرآن ونص نحو خمسمائة حدیث ولو لم یکن إلّا إنکار المخالفین لکفی»(1).

وقال فی مقدمة کتابه: «إنَّه لم یروِ فیها ما تشمئز منها النفوس)، وقال رسالة یرغب فیها أرباب المعقول» فهذان قیدان فی کلامه للروایات التی استخرجها فی الرجعة وأنَّه لم یروِ فی الرجعة کل ما وجده، هذا رغم أنَّ الحر العاملی فی الإیقاظ أکَّد مرتین أنَّه لم یروِ کلما رواه السید، فهذا انتقاء مرتین من منابع روایات الرجعة، وبقی روایات عدیدة لم یرویاها».

روایات الرجعة فی کتب الغیبة

5) ذکر المجلسی أنَّ أکثر الأصحاب الأقدمین ذکروا روایات الرجعة فیما صنّفوه فی الغیبة، قال: «وأمَّا سائر الأصحاب فإنَّهم ذکروها فیما صنفوا فی الغیبة، ولم یفردو لها رسالة، وأکثر أصحب الکتب من أصحابنا أفردوا کتاباً فی الغیبة»(2).

ص:173


1- (1) الذریعة تحت عنوان أصول الدین، رقم المسلسل 736 المجلد الثانی صفحة 193، (ج2- ص193).
2- (2) بحار الأنوار، ج53، ص124.

أقول: وما أشار إلیه الشیخ المجلسی بالغ الأهمیة فإنَّ أکثر أصحاب الکتب الروائیة - الذین ألَّفوا فی الغیبة - لم یفردوا ولم یفصلوا روایات الرجعة عن روایات غیبة الإمام المهدی لما یوجد من الترابط والتلاحم بین الغیبة والرجعة باعتبار أنَّ الظهور فاتحة الرجعة.

الرجعة فی مصادر الحدیث للعامة

وأمّا العامة فقد رووا روایات الرجعة بکم متواتر لکن لا بلفظ الرجعة، بل بألفاظ مراحل الرجعة وفصولها من دون أن یستشعروا أنها من مسلسل أحداث الرجعة والأبواب التی اوردوا فیها تلک الروایات.

هذا مضافا إلی ما سیأتی من کلماتهم الکثیرة أن جابر الجعفی قد روی خمسین أو سبعین ألف حدیث فی الرجعة عن أبی جعفر الباقر(ع).

وأمّا الأبواب والعناوین التی رووها فی فصول الرجعة من غیر التفاتهم إلی ارتباطها بالرجعة فهی:

1 - ملاحم آخر الزمان.

2 - کتاب الفتن.

3 - خروج وظهور الآیات.

4 - ظهور الشمس من مغربها.

ص:174

5 - ما رووه فی نزول عیسی(ع).

6 - علامات وأشراط الساعة.

7 - خروج دابة الأرض.

8 - العصا والمیسم.

9 - الحوض.

10 - الحشر والمحشر والبعث والنشور.

11 - الحساب.

12 - الحاشر من أسماء النبی(صلی الله علیه و آله).

13 - العاقب من أسمائه(صلی الله علیه و آله) أیضاً.

14 - الماحی من أسمائه(صلی الله علیه و آله) أیضاً.

15 - المنصور والسفّاح والمهدی من أهل البیت(علیهم السلام).

16 - ما رووه فی ذی القرنین.

17 - ما رووه فی أصحاب الکهف.

وغیرها من الأبواب والفصول التی یقف علیها المتتبع بعد إلمامه تحلیلا وغورا بما جاء عن أهل البیت من حقائق أحداث الرجعة وفصولها ومراحلها، فیتعرف علی ارتباط کل ذلک بالرجعة ومسلسل أمورها ، وإلا لن یظهر له من الروایات ما کان بلفظ الرجعة، ولن یتعرف علی مرادفاتها

ص:175

اللغویة فضلاً مرادفاتها العقلیة الغامضة فضلاً عن مرادفاتها الوجودیة الأشدّ خفاءاً.

الرجعة فی العهدین: التوراة والانجیل

وقد تقدم فی طعن أحمد أمین فی کتابه علی عقیدة الرجعة بأنها عقیدة متأصلة فی التوراة وأنها متجذرة فیها بکثافة فی أسفارها ، وکیف لا یکون الحال کذلک وقد أکثر القرآن فی سور عدیدة من قص وقوع رجعة الأموات فی بنی اسرائیل.

وقد کثرت تنبؤاتهم فی عصرنا الحاضر عن توقیت زمان رجوع الموتی کما یوقتون ظهور المسیح .

والحاصل أن الاعتقاد بها متجذرة فی مصادرهم کما هو الحال فی ظهور المصلح الالهی، ویحتاج الی دراسة متکاملة الأطراف فی مصادرهم مشفوعة بالتحلیل والتبویب الهندسی للمباحث .

وکذلک الحال فی الانجیل، وقد بدأت الثقافة الغربیة فی مسلسلات استکشاف المستقبل انتاج أفلام کثیرة عن عود الموتی ومشارکتهم الأحیاء فی مجمل الاحداث الواقعة.

والحاصل أن رجعة الاموات باتت ثقافة عصریة تلهج بها الافکار البشریة، ولا یقتصر البحث والتنقیب والتتبع علی العهدین، بل المفروض

ص:176

توسعته الی مجمل الکتب السماویة الموروثة بأیدی البشر رغم التحریف الواقع فیها، فإن ذلک لا یسد باب الاحتجاج والتنقیب البحثی المعرفی کما احتج القرآن علی الیهود بالتوراة الموجودة واحتج علی النصاری بالإنجیل الموجود.

وکذلک الحال بالنسبة الی النحل والملل الأخری والموروث الاعتقادی لدیهم .

ص:177

ص:178

الفصل الرابع :الرجعة والقرآن

اشارة

ص:179

ص:180

آیات وقوع الرجعة فی الأمم السابقة
اشارة

قال تعالی: وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی کُنْتَ عَلَیْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ یَنْقَلِبُ عَلی عَقِبَیْهِ وَ إِنْ کانَتْ لَکَبِیرَةً إِلاّ عَلَی الَّذِینَ هَدَی اللّهُ وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (1).

الاولی: قال تعالی: أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ

ص:181


1- (1) سورة البقرة: الآیة 143.

شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1). وفی هذه الآیات مثال رجعة الإنسان والحیوان .

الثانیة: قوله تعالی: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتی قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی وَ لکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلی کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیاً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ فمع أن سؤال إبراهیم(ع) عن عموم طبیعة الأحیاء إلا أن إحیاءه کان لأربعة من الطیر کما أن الأحیاء أجراه الله علی یدیه، فرجعة الطیور وقعت علی یدیه .

الثالثة: قوله تعالی: وَ رَسُولاً إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (2). وإحیاء الموتی معجزة أجراها الله تعالی علی یدی النبی عیسی، وهی إرجاع الموتی الی دار الدنیا ، وهو مؤشر أن الرجعة العامة لعموم البشر معجزة یجریها الله تعالی علی یدی النبی وأهل بیته علیهم السلام .

الرابعة: قوله تعالی: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ إِلاّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ

ص:182


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 49.

مَوْتِهِ (1). وهذه الآیة تتعرض لرجعة مستقبلیة للنبی عیسی بناءً علی أن رفعه للسماء توف، وهی متطابقة مع الرجعة المزامنة لأول الظهور .

الخامسة: ما وَرَدَ من آیات فی السبعین الذین اتهموا موسی بقتل هارون، وطلبوا رؤیة الله جهرةً فأماتهم الله ثم أحیاهم، وهی عِدَّة آیات:

أ) وَ إِذْ قُلْتُمْ یا مُوسی لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتّی نَرَی اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْناکُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (2).

ب) وَ اخْتارَ مُوسی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً لِمِیقاتِنا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِیّایَ أَ تُهْلِکُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِیَ إِلاّ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ (3).

السادسة: قوله تعالی وَ لَمّا جاءَ مُوسی لِمِیقاتِنا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ لَنْ تَرانِی وَ لکِنِ انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانِی فَلَمّا تَجَلّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسی صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ وقدْ وَرَدَ فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) أن الصعق موت لموسی(ع)، کما وَرَدَ اللفظ نفسه فی السبعین الذین

ص:183


1- (1) سورة النساء: الآیة 159.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 55 - 56.
3- (3) سورة الأعراف: الآیة 155.

اخذتهم الصاعقة .

السابعة: قوله تعالی فی قصة الذین خرجوا حذر الموت : أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَشْکُرُونَ (1).

الثامنة: قوله تعالی وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِیها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها کَذلِکَ یُحْیِ اللّهُ الْمَوْتی وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (2).

والضمیر فی قوله (اضربوه ببعضها) یرجع إلی البقرة التی أشیر إلیها فی قوله تعالی: وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ (3)، فجعل الله إحیاء الشاب المقتول علی ضربه ببعض لحم البقرة، فکیف إذا مس المیت بدن أحد أنبیائه أو خلفاؤه فی أرضه من الأوصیاء(علیهم السلام).

التاسعة: قوله تعالی فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصی لِما لَبِثُوا أَمَداً .

وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ ... وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها وهذه الآیة ناصة علی

ص:184


1- (1) سورة البقرة: الآیة 243.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 72 - 73.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 67.

أن رجعة أصحاب الکهف آیة وبرهان علی المعاد الأکبر.

والاستدلال بالآیة وبما تقدم من بعض الآیات المتقدمة مبنی علی ما تمّ تنقیحه من اتحاد حقیقة النوم والموت فی الجنس وإن اختلفت درجات کل منهما بنحو متفاوت کبیر جدا فی کل واحد فی درجاته فضلا عن مقارنته بالآخر .

العاشرة: قوله تعالی فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَکَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَیْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِکْری لِلْعابِدِینَ (1). فأرجع الله تعالی له أهله اولاده بعد ما أماتهم الله تعالی ، وهذه السنة سیجریها الله تعالی فی أمیر المؤمنین علیه السلام وسیجمع له أولاده.

الآیات الدالّة علی قاعدة أنَّ ما وقع فی الأمم السابقة یقع فی هذهِ الأمة
اشارة

1) سُنَّةَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِیلاً (2).

2) اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَ مَکْرَ السَّیِّئِ وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِیلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِیلاً (3).

ص:185


1- (1) سورة الأنبیاء: الآیة 84.
2- (2) سورة الفتح: الآیة 23.
3- (3) سورة فاطر: الآیة 43.

3) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَ اللَّیْلِ وَ ما وَسَقَ * وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (1). أی لترکبن ولیجری علیکم ما جری للأمم السابقة بنحو متطابق طبقا عن طبق .

4) وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها وَ إِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلاّ قَلِیلاً * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلاً (2).

هذا مضافاً إلی ما استفاض عن النبی صلی الله علیه وآله عند الفریقین من قوله أنه سیجری علی هذه الأمة کلما جری علی الأمم السابقة أو علی بنی اسرائیل .

التفویج فی الحشرالخاص عند خروج الآیات

الطائفة الأولی والثانیة: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (3) وهذهِ الآیة فی سیاق شأن خروج دابة الارض وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا

ص:186


1- (1) سورة الانشقاق: الآیة 16 - 17 - 18.
2- (2) سورة الأسراء: الآیة 77.
3- (3) سورة النمل: الآیة 83.

فَهُمْ یُوزَعُونَ حَتّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ .... .

وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ وَ کُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِینَ * وَ تَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِی أَتْقَنَ کُلَّ شَیْ ءٍ إِنَّهُ خَبِیرٌ بِما تَفْعَلُونَ * مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ فَکُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِی النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ... وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ .

2) سورة النبأ: إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ کانَ مِیقاتاً * یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً * وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَکانَتْ أَبْواباً * وَ سُیِّرَتِ الْجِبالُ فَکانَتْ سَراباً * إِنَّ جَهَنَّمَ کانَتْ مِرْصاداً * لِلطّاغِینَ مَآباً * لابِثِینَ فِیها أَحْقاباً وهی تستدعی بحثا مستقلاً، وهی تشترک مع آیة دابّة الارض وآیة الحشر الخاص أنها فی الذین وقعوا فی التکذیب بالآیات.

3) ثم أنَّ هناک آیات عدیدة دالّة علی أنَّ الحشر فی القیامة لمجموع البشر و للکل:

1- فَسَیَحْشُرُهُمْ إِلَیْهِ جَمِیعاً (1).

2- وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا أَیْنَ شُرَکاؤُکُمُ

ص:187


1- (1) سورة النساء: ألآیة 178.

الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (1).

3 - وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً یا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَکْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ(2).

4 - وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا مَکانَکُمْ (3).

5- وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَی الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (4).

ووجه دلالة آیات النمل المتقدمة علی الرجعة من وجوه:

الأوَّل: إنَّ الحشر فی الآیة لبعض الناس لا کلهم، فإنَّ (من) فی (من کل أمة فوجاً) للتبعیض، فالحشر التبعیضی یغایر الحشر المجموعی، والذی سیقع فی القیامة الکبری والمیعاد الأکبر هو الحشر العام لا الحشر الخاص، فالحشر الخاص لا محالة یغایر یومه و یباین یوم الحشر العام الذی هو یوم القیامة الکبری.

وتخصیص الحشر بالبعض یدفع ما یتوهم من (أنَّ الآیة فی صدد تخصیص الهوان والتعذیب بالمکذبین لا تخصیص الحشر وإنَّما ذکر مقدمة لذلک) لأنَّ تخصیص الحشر یغایر تخصیص التوبیخ والتقریع، فإنَّ الحشر

ص:188


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 22.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 128.
3- (3) سورة یونس: الآیة 28.
4- (4) سورة الکهف: الآیة 47 .

لا مخصص له یوم القیامة بأحد، بلْ الحشر یتناول الجمیع والمجموع، ثم بعد الحشر یخصص کل بما یستحق، فأین تخصیص الحشر من تخصیص العذاب والتقریع، وکم بینهما من الفرق.

الثانی: تعقیب هذا الحشر الخاص فی آیة النمل بآیات بعدها متصلة بالنفخ فی الصور الظاهر فی نفخ القیامة، فهو ممّا یدلُّ علی تقدم الحشر الخاص علی نفخ الصور.

الثالث: إنَّ هذهِ الآیة متصلة بخروج الدابّة، ودابّة الأرض خروجها قبل القیامة الکبری فی روایات الفریقین المتواترة، وآیة الدابّة وآیة الحشر الخاص تتحدث عن أمر متعدد، وهو تکذیب المکذبین بآیات الله، والآیات جمع ولیسَ مفرداً فلا تحمل الآیة علی خصوص المکذبین بسید الأنبیاء صلی الله علیه وآله، بلْ لا محالة تشمل المکذبین لأهل بیته علیهم السلام أیضاً، لتعارف إطلاق الآیة فی القرآن علی حجج الله تعالی، کما فی إطلاقها علی النبی عیسی وأمّه مریم.

الرابع: تعبیر آیة الدابّة وآیة الحشر الخاص إنَّ کلاّ منهما إذا (وقع القول علیهم) الدالّ علی وحدة الحدیث والوقت والزمان، وسنبسط جملة من الکلام فیما سیأتی من أنَّ روایات العامّة فی خروج دابّة الأرض کلها خروج حجة لله تعالی علی الناس، وأنَّ الخروج من الأرض وهو عنوان الرجعة فی مقابل الخروج من أرحام الامهات.

وقد تعرض جملة من مفسری العامّة للآیة فی تفاسیرهم:

1 - قال السیوطی فی ذیل قوله تعالی: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً

ص:189

مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ وهم رؤساؤهم المتبعون، فهم یوزعون، أی یجمعون برد آخرهم إلی أولهم ثم یساقون(1)، أی کأن الحشر تدریجی فیحشر الکل بالتالی، وهذا ینافی التبعیض، وأنَّ الذین یجمعون هم الأبعاض الذین حشروا من کل أمة لا حشر الکل من الکل ولا جمع کل الکل.

2 - تفسیر الرازی: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ فاعلم أنَّ هذهِ الأمور الواقعة بعد قیام القیامة، فالفرق بین (من) الأولی والثانیة، أنَّ الأولی للتبعیض والثانیة للتبین، کقوله (من الأوثان) .

وقوله (فهم یوزعون) معناه یحبس أولهم علی آخرهم حتّی یجتمعوا فیکبکبوا فی النار، وهذهِ عبارة عن کثرة العدد وتباعد أطرافه، کما وصفت جنود سلیمان بذلک، والجواب ما مرَّ ولیس فی الآیة کبکبتهم، وإنَّما لصقها من آیات أُخری، بلْ فی آیات سورة النمل کما مرَّ تعقب النفخ فی الصور بعد الحشر الخاص الذی هو فی الرجعة.

إشکالات الآلوسی فی دلالة الآیة علی الرجعة:

قال فی ذیل الآیة(2): أوَّل من قال بالرجعة عبدالله بن سبأ، ولکن خصها بالنبی(صلی الله علیه و آله)، وتبعه جابر الجعفی فی أوَّل المائة الثانیة، فقال برجعة

ص:190


1- (1) تفسیر الجلالین ذیل الایة 83 من سورة النمل.
2- (2) تفسیر الجلالین، ج1، ص387.

الأمیر أیضاً، لکن لم یوقتها بوقت، ولما أتی القرن الثالث کثّر أهله من الإمامیة، رجعة الأئمة کلهم وأعدائهم، وعیّنوا لذلک وقت ظهور المهدی علیه السلام، واستدلوا علی ذلک بما رووه عن أئمة أهل البیت علیهم السلام، والزیدیة کافة منکرون لهذه الدعوی إنکاراً شدیداً.

وقد ردوها فی کتبهم علی وجه مستوف بروایات عن أئمة أهل البیت أیضاً تعارض روایات الإمامیة.

2 - والآیة المذکورة هنا لا تدلُّ علی الرجعة حسبما یزعمون ولا أظن أنَّ أحداً منهم یزعم دلالتها علی ذلک، بلْ قصاری ما یقول أنَّها تدلُّ علی رجعة المکذبین أو رؤسائهم، فتکون دالة علی أصل الرجعة وصحتها لا علی الرجعة بالکیفیة التی یذکرونها، وفی کلام الطبری ما یشیر إلی هذا.

3- وأنت تعلم أنَّه لا یکاد یصح إرادة الرجعة إلی الدنیا من الآیة، لإفادتها أنَّ الحشر المذکور لتوبیخ المکذبین وتقریعهم من جهته عَزَّ وَجَلَّ، بلْ ظاهر ما بعد یقتضی أنَّه تعالی بذاته یوبخهم ویقرعهم علی تکذیبهم بآیاته سبحانه، والمعروف من الآیات لمثل ذلک هو یوم القیامة.

4 - مع أنَّها تفید أیضاً وقوع العذاب علیهم واشتغالهم به عن الجواب، ولم تفد موتهم ورجوعهم إلی ما هو اشد منه وأبقی وهو عذاب الآخرة الذی یقتضیه عظم جنایتهم، فالظاهر استمرار حیاتهم وعذابهم بعد هذا الحشر، ولا یتسنی ذلک إلّا إذا کان حشر یوم القیامة.

ص:191

5 - وربما یقال أیضاً مما یأبی انطباق الحشر المذکور علی الرجعة أنَّ فیه راحة لهم فی الجملة، حیث یفوت به ما کانوا فیه من عذاب البرزخ الذی هو للمکذبین، وهو کیفما کان أشدّ من عذاب الدنیا، وفی ذلک إهمال لما یقتضیه عظم الجنایة.

6- وأیضاً کیف یصحّ إرادة الرجعة وفی الآیات ما یأبی ذلک، منه قوله تعالی، قال: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ .

فإنَّ آخر الآیة ظاهر فی عدم الرجعة مطلقاً وکون الإحیاء بعد الإماتة.

7 - والإرجاع إلی الدنیا من الأمور المقدورة له عَزَّ وَجَلَّ ممّا لا ینتطح فیه کبشان، إلّا أن الکلام فی وقوعه، وأهل السنة ومن وافقهم لا یقولون به، ویمنعون إرادته من الآیة ویستندون فی ذلک إلی آیات کثیرة.

والجواب عن الأوَّل: أنّا قدْ أثبتنا من روایات العامّة الواردة فی دابّة الأرض وفی العصا والمیسم لها، وفی أشراط الساعة وفی ملاحم آخر الزمان وغیرها من الأبواب التی تقدمت الاشارة الیها، وسیأتی المزید من الکلام عنها المرویة لدیهم باستفاضة وتواتر فی فصول وأبواب عدیدة عن النبی(صلی الله علیه و آله) وعن الصحابة، مما ظاهره أنَّهم یروونه عن النبی(صلی الله علیه و آله) وإنْ أضمروا الإسناد، وأنَّ تلک الروایات کلها فی شؤون الرجعة ورجوع حجج الله تعالی ورجوع الموتی، وأنَّ خروج الدابّة من الأرض لا من الرحم، هو عنوان

ص:192

الرجوع من القبر ومن التراب، وله شواهد عدیدة فی روایاتهم أنَّه علی بن أبی طالب(ع).

وهذا قبل أنْ یدخل عبدالله بن سبأ فی الإسلام، وأمَّا وجود عقیدة الرجعة فی التوراة والإنجیل فهذا حقّ، فإنَّها من جملة أصول العقیدة مما اتفقت کل الکتب السماویة بالتصریح بها، وهذا ممّا یعزز أنَّ عقیدة الرجعة من الدین الواحد بین بعثات الأنبیاء والرسل، لا من الشرائع المنسوخة.

وأمَّا الزیدیة فقد ذکرنا عن غیر مصدر أنَّ الجارودیة من الزیدیة یقولون بها، وهی فرقة کبیرة منهم.

وعن الثانی: من أنَّ دلالة الآیة تدلُّ علی حشر خصوص رموز المکذبین ورؤساؤهم وعتاتهم، وهذا فی الأدوار الأولی من مراحل الرجعة، وهو الذی وَرَدَ مستفیضاً عن أهل البیت(علیهم السلام) أنَّه إنَّما یرجع من محض الإیمان محضاً ومن محض الکفر محضاً دون المستضعفین ونحوهم، وإن کان الاصح فی معنی هذه القاعدة المرویة مستفیضا عنهم علیهم السلام هو انه لا یساءل ولا یحاسب ولا یعاقب فی الرجعة إلا من محض الایمان ومن محض الکفر کما هو الحال فی مسائلة القبر، لا أن أصل الرجوع مخصوص بالممحض، کما ولوج القبر لا یختص بالممحض بل یشمل المستضعف والبله والصغار وغیرهم، وإنما تختص المحاسبة والمسائلة بالممحض فکذلک الرجعة کما افصحت عن ذلک احدی الصحاح من الروایات .

ص:193

وعن الثالث: أنَّ الرجعة أحدی غایاتها الانتقام من المجرمین فی دار الدنیا قبل الآخرة، کما فی قوله تعالی: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ فالعذاب الأدنی هو فی الرجعة، کما نبّه وبیَّن ذلک أهل البیت علیهم السلام فی روایاتهم، والعذاب الأکبر فی القیامة والآخرة بعدها، والتقابل فی الوصف ظاهر.

وأمَّا کون التعذیب من الله تعالی فهو صادق علی التعذیب الصادر من حجج الله تعالی وأصفیائه، کَمَا فی وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللّهَ رَمی وإلّا فإنَّ الذات الإلهیة لا تباشر الأفعال الجسمانیة، بلْ یخلقها الباری تعالی ویجریها علی أیدی أولیاؤه وملائکته.

وعن الرابع: والعجیب من اعتراضه هذا فإنَّ الآیات اللاحقة لآیة الحشر الخاص تسوق وقوع النفخ فی الصور بعده، فکیف لا تفید موتهم بعد ذلک الحشر الخاص.

وعن الخامس: أنَّ الحشر الخاص لیسَ تخفیفاً من عذاب المکذبین، بلْ إرجاعهم انتقاماً منهم فی الدار التی ارتکبوا فیها ما ارتکبوا من الجنایات، وهو المعبر عنه فی قوله تعالی: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ .

وعن السادس: فهناک عِدَّة وجوه للآیات النافیة لطلب الرجعة:

الأوَّل: أنَّ النفی فی بعض تلک الآیات کما فی سورة یس، إنَّما هو للأقوام

ص:194

التی أُهلکت بالعذاب الإلهی العاجل فی دار الدنیا، فهؤلاء مستثنون من الرجعة، کما دلَّ علیه قوله تعالی: وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (1) کما أشارت الروایات فی بیان الآیات، وسیأتی بیان ذلک فی الباب الثالث.

الثانی: إنَّ المنفی هو الرجعة عند الموت بأنْ یؤخر وینسی موته عن الحیاة الأولی، لا مطلق الرجعة بعد الموت بأمد ومدة.

الثالث: إن المنفی هو رجعة أهل النار بعد دخولهم فی الآخرة الأبدیة للنار الکبری، کما فی قوله تعالی: اخْسَؤُا فِیها وَ لا تُکَلِّمُونِ (2)، أو فی یوم القیامة الکبری، فإنَّهم لا یرجعون إلی دار الدنیا.

الرابع: قوله تعالی: حَتّی إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (3).

ومن تفسیرها أنَّ البعث قدْ أطلق مع الرجعة، کما أنَّ مطالبة من استحق العذاب بالرجوع، ولیسَ هو الرجوع فی الرجعة کی یستدلّ بهذهِ الآیة لنفی الرجعة لمن محّض الکفر محضاً، بلْ إنَّما یطالب بالرجوع بأنْ لا یموت ولا یدخل البرزخ، بینما الرجعة هی بعد البرزخ بعثاً من البرزخ إلی الدنیا مرة أُخری، ومن

ص:195


1- (1) سورة الأنبیاء: الآیة 95.
2- (2) سورة المؤمنون: الآیة 108 - 111.
3- (3) سورة المؤمنون: الآیة 99.

ثم إشارة الآیة أنَّ من وراء الموت برزخا ممتدا إلی غایة البعث، وکما أنَّ هنالک بعثا فی القیامة الکبری فهناک بعث فی القیامة الوسطی والصغری.

وهذهِ الآیة نظیر ما فی سورة النبأ: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً .

ص:196

آیة دابّة الأرض وخروج ومجیء الآیات

1) قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (1)، وقد أشبعنا البحث فی دلالتها فی فصل دابّة الأرض فی تراث العامّة والجمهور فیما یأتی.

والخروج من الأرض عنوان قرآنی للرجعة یقابل الحیاة الأولی من الدنیا الذی هو خروج من الأرحام، وقد قرأها أُبی (تنبئهم) وقرأها ابن مسعود (تکلمهم بأنَّ الناس) وقرئت بإن مکسورة حکایة لقول الدابّة.

فإنْ قیل إذا کانت حکایة لقول دابّة الأرض فکیف یقول (بآیاتنا)، وأجاب الفخر الرازی بأنَّ قولها حکایة لقول الله تعالی أو علی معنی بآیات ربنا أو لاختصاصها بالله تعالی أضافت آیات الله إلی نفسها، کما یقال بعض خاصة الملک خیلنا وبلادنا، وإنَّما خیل مولاه وبلاده.

ص:197


1- (1) سورة النمل 83

وهذه دلالة فی الآیة علی أن دابة الأرض لها مقام إلهی، وأنها حجة ناطقة عن الله تعالی وتداین وتحاسب البشر، وأنها مبعوثة من الله تعالی لإقامة العدل الإلهی فی الأرض .

2) - قوله تعالی: سَنَسِمُهُ عَلَی الْخُرْطُومِ والضمیر یرجع إلی الحلّاف المهین الهّماز، والنمیم المنّاع للخیر المعتدی الأثیم والعُتلّ والزنیم، والمسنوم علی الخرطوم - حسب روایات الفریقین - عند خروج دابّة الأرض، ومعها عصا موسی وخاتم سلیمان، فتسم الکافر علی خرطومه بأنَّه کافر أو منافق، وتسم المؤمن علی ناصیته بأنَّه مؤمن.

فالآیة الکریمة واضحة الدلالة بقرینة (دابّة الأرض) وروایات الفریقین فی ذیلها أنَّ الکفّار والمنافقین یعودون إلی الدنیا فی زمن دابّة الأرض ویوسمون علی خراطیمهم - وهی أنوفهم - بالکفر والنفاق، وأنَّ ذلک الشخص الذی نزلت فی مورده هذهِ الآیات ووصفته بتلک الأوصاف یرجع فی زمن خروج دابّة الأرض.

3) - نعم یرتبط بهذهِ الآیة ما فی مجیء الآیات فی قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (1).

وقد فسّرها کثیر من مفسری العامة بمجیء أشراط الساعة التی منها

ص:198


1- (1) سورة الأنعام 158

دابّة الأرض وظهور الشمس من مغربها، وقد استوفینا جملة من الکلام فی ذلک فی روایات دابّة الأرض.

4) - وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلی أَنْ یُنَزِّلَ آیَةً وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (1).

5) - قوله: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ یَأْتِیَهُمُ اللّهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِکَةُ وَ قُضِیَ الْأَمْرُ وَ إِلَی اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (2).

6) - نزول النبی عیسی(ع) کما فی قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ وَ مُطَهِّرُکَ مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ جاعِلُ الَّذِینَ اتَّبَعُوکَ فَوْقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأَحْکُمُ بَیْنَکُمْ فِیما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ * وَ أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الظّالِمِینَ (3).

الطائفة الثالثة: استثناء الأمم الهالکة بالعذاب من الرجوع فی الرجعة

الرجوع فی الرجعة وهی قوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا کُفْرانَ لِسَعْیِهِ وَ إِنّا لَهُ کاتِبُونَ * وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها

ص:199


1- (1) سورة الأنعام 38
2- (2) سورة البقرة 210
3- (3) سورة آل عمران 66

أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ * حَتّی إِذا فُتِحَتْ یَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ کُلِّ حَدَبٍ یَنْسِلُونَ * وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِیَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِینَ کَفَرُوا یا وَیْلَنا قَدْ کُنّا فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ کُنّا ظالِمِینَ (1).

وقبل الخوض فی دلالة الآیة لابدَّ أنْ نلفت إلی محطات ومواد متفق علیها فی دلالة الآیة، أو ما مال إلیها الکثیر إنْ لم یکن الأکثر:

المحطة الأولی: أنَّه قدْ وقع اختلاف کثیر بین المفسرین فی لفظة (لا) فی الآیة وهل هی زائدة أو أصلیة، ورغم أنَّها نقطة خلافیة، لا وفاقیة، ولکننا نستشعر منها وفاقاً فی عدم تعین کون معنی الآیة هو الرجوع إلی الدنیا عند الموت لا الرجوع بعد الموت إلی الدنیا، کما قدْ یدعی البعض أنَّ هذا المفاد مسلم فی الآیة.

المحطة الثانیة: أنَّ الرجعة فی الآیة الأکثر من المفسرین - إنَّ لم یکن الأغلب - علی أنَّها الرجعة إلی الدنیا، ولیسَ المراد بها الرجعة إلی الله فی القیامة.

المحطة الثالثة: إنَّ الإهلاک فی الآیة بمعنی العذاب والاصطلام، وقد ذهب إلیه الکثیر من المفسرین ولیسَ بمعنی مجرد الموت.

وأشار الراغب الأصفهانی فی المفردات أنَّ الإهلاک للذم إلّا ما استثنی، کما فی قوله تعالی: هَلْ یُهْلَکُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ (2) وقوله

ص:200


1- (1) سورة الأنبیاء 94 - 97
2- (2) سورة الأنعام 47

تعالی: فَهَلْ یُهْلَکُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (1) وقوله تعالی فی سورة العنکبوت فی شأن قوم لوط (2)، وقوله تعالی: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً (3)، وقوله تعالی: فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِکُوا بِالطّاغِیَةِ * وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِکُوا بِرِیحٍ صَرْصَرٍ عاتِیَةٍ (4) وقوله تعالی: ذلِکَ أَنْ لَمْ یَکُنْ رَبُّکَ مُهْلِکَ الْقُری بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ (5) وقوله تعالی: وَ ما کُنّا مُهْلِکِی الْقُری إِلاّ وَ أَهْلُها ظالِمُونَ (6) وغیرها من الموارد العدیدة فی الآیات التی أسند فیها الإهلاک إلی القری بمعنی العذاب والاستئصال.

المحطة الرابعة: إنَّ هذهِ الآیة الکریمة أتی بعدها ذکر یأجوج ومأجوج، وخروجهم متفق علیه، وأنَّه قبل یوم القیامة.

ومن ثم ذکر اقتراب الوعد الحق أی ساعة القیامة، وهذا یشکل قرینة علی أنَّ الرجعة المنفیة عن کل قریة أهلکت، هی الرجعة إلی الدنیا قبل یوم القیامة.

فیبقی حینئذٍ دوران الأمر فی هذهِ الرجعة إلی الدنیا بین کونها رجعة

ص:201


1- (1) سورة الأحقاف 35
2- (2) سورة العنکبوت 31
3- (3) سورة الإسراء 16
4- (4) سورة الحاقة 5 - 6
5- (5) سورة الأنعام 131
6- (6) سورة القصص 59

إلی الدنیا عند أوان وحین الإماتة، وعند بلوغ الروح التراقی والتی مرَّ أنَّها منفیة عن سنة الله تعالی، إلّا ما شاء الله، کما یشیر إلیه قوله تعالی: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَ أَنْتُمْ حِینَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْکُمْ وَ لکِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لا إِنْ کُنْتُمْ غَیْرَ مَدِینِینَ * تَرْجِعُونَها إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (1) .

أو بین کونها الرجعة إلی الدنیا بعد الموت والمکث مدة فی البرزخ طالت ام قصرت بفاصل زمنی مدید قبل یوم القیامة، وهی التی تعتقد بها مدرسة أهل البیت ع وأنَّها بعث أصغر.

وحینئذٍ یقع الکلام فی کون (لا) زائدة أو أصلیة، وهل هی متعلّق للحرمة أو عطف بدل عن الحرام، فإذا کانت عطف بدل تکون تفسیراً لنفس الحرمة لا أنَّها متعلّق الحرمة، فیکون حاصل المعنی حینئذٍ علی تقدیر کون الإهلاک بمعنی العذاب، أنَّ کل قریة أهلکت بالنقمة والعذاب الإلهی العاجل لا ترجع هی علی وجه الخصوص قبل یوم القیامة بخلاف بقیة الأمم والقری التی إمَّا أنْ تکون مؤمنة أو کافرة وضالة لکنَّها لم یعاجل لها العقوبة والنقمة الإلهیة، فإن لها رجعة إلی دار الدنیا.

فالآیة علی هذا التقدیر فی صدد التفصیل بین الأمم، وأنَّ الأمم المغضوب علیها والذین عوجلوا بالعذاب لا یمهلون بامتحان آخر فی دار

ص:202


1- (1) سورة الواقعة /83 - 87.

الدنیا، بلْ یساقون إلی بعث الآخرة دائبین فی العذاب حتّی ذلک المیعاد، وحیث قدْ عرفت أنَّ الإهلاک فی الآیة بمعنی تعجیل النقمة فتخصیص القری والأمم الهالکة بالعذاب بهذا المنع التکوینی منه تعالی، یقتضی - مفهوما - وجود هذا الرجوع إلی الدنیا فی البقیة دون من خصص المنع بهم.

وأمَّا لو جعلت (لا) متعلقاً للحرمة فأما أن تقدر (لا) زائدة فیکون حاصل المعنی، منعهم من الرجوع حین الإماتة وحین الاهلاک، أو أن تقدر (لا) غیر زائدة فیکون حاصل المعنی ضرورة رجوعهم ویقدر رجوع یوم المعاد.

وعلی کلا التقدیرین تخصیص ذلک المعنی بالقریة التی أهلکت بالعذاب لا وجه له، بلْ هو عام لکل القری والأمم التی ماتت ولو بدون عذاب إلهی، نعم علی التقدیر الأوَّل قدْ یقرَّر حاصل المعنی أنَّ المراد بالرجوع ما قبل یوم القیامة.

وعلی أی تقدیر ظهر أنَّ الآیة فی صدد الرجوع إلی الدنیا لا فی حین أوان الموت، بلْ بعده قبل یوم القیامة، وأنَّ التخصیص فی الآیة بالقری التی أهلکت دون غیرها دالّ بقوة علی التفصیل فی الحکم بین أمم مهلکة وأمم أُخری.

وأمَّا احتمال أنَّ الإهلاک لا بمعنی العذاب العاجل فی دار الدنیا، بلْ بمعنی مجرد الموت، فقد تقدَّم أنَّ الإهلاک فی أغلب الآیات فی السور إلّا ما استثنی مستعمل فی العذاب والنقمة العاجلة، والإماتة بنزول العذاب، مع

ص:203

أنَّ الآیة لا یستقیم معناها فی المقام لو فسَّر الإهلاک بمعنی الإماتة المعتادة، فإنَّ محط النظر حینئذٍ أنَّ الموت لا یوجب عجز الباری عن إعادتهم یوم المعاد لا أکثر، بینما الملحوظ فی الآیة أنَّ محط النظر علی أهل القریة والأقوام الذین اهلکهوا، فیکون وصف الإهلاک قیداً احترازیاً لا مقسّم وموضوع مبتدأ.

وبین المعنیین والترکیب اللفظی لهما بون بعید.

فتعیّن بقرینة کون القید احترازیاً أنَّه مفصّل بین القری، فالحکم لیسَ بعام فی الآیة، بلْ خاص تفوح من ألفاظها وسبک ترکیبها الخصوصیة والتخصیص، هذا مضافاً للقرائن التی مرَّت فیتطابق المفاد المذکور مع الروایات المستفیضة عن أهل البیت(علیهم السلام) أنَّ الآیة فی صدد نفی الرجعة الی الدنیا - بعد الموت والمکث فی البرزخ - قبل یوم القیامة للأقوام التی عوجلت بالعذاب الإلهی فی دار الدنیا.

الطائفة الرابعة: آیات الوعد الإلهی بالنصر

1) قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1).

ص:204


1- (1) سورة النور 55

2) قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (1)

(2).

قال السید المرتضی فی الاستدلال علی الرجعة بالآیة :

فإنْ قیل فما عندکم فیما تستدلَّ به الإمامیة علی ثبوت الرجعة من قوله تعالی - وذکر الآیة.

وظاهر هذا الکلام یقتضی الاستقبال فلا یجوز أنَّ یحمل علی أنَّ المراد به موسی(ع) وشیعته، وإذا حملنا فرعون وهامان علی أنهما الرجلان المعروفان اللذان کانا فی عهد موسی(ع) فیجب أنْ یعادا لیُریا ما منَّ الله تعالی به علی ما ذکره من المستضعفین، وهذا یوجب الرجعة علی ما بیّناه لا محالة.

قلنا: لیسَ الاستدلال بذلک مرضیاً، ولا دلیل یقتضی ثبوت الرجعة إلّا ما بیّناه من إجماع الإمامیة، وإنَّما قلنا أنَّ ذلک لیسَ بصحیح، إذْ لفظ الاستقبال فی الآیة لا یدلُّ علی أنَّ ذلک ما وقع؛ لأنَّ الله تعالی تکلم بالقرآن عند جمیع المسلمین قبل خلق آدم(ع) فضلاً عن موسی(ع)، والألفاظ التی تقتضی المضی فی القرآن هی التی تحتاج أنْ نتأولها إذا کان إیجاده متقدماً، وإذا سلّمنا أنَّ ذلک ما وقع إلی الآن وأنَّه منتظرٌ منعنا من اقتضاه الرجعة فی

ص:205


1- (1) معانی الأخبار، باب أنتم المستضعفون بعدی، ص79، هذهِ الآیة جاریة فینا إلی یوم القیامة؛ أمالی مجالس الصدوق، مجلس 92، ح26، «هی لنا وفینا».
2- (2) سورة القصص: الآیة 6.

الدنیا، ولعلَّ ذلک خبرٌ عما یکون فی الآخرة، وعند دخول الجنّة والنار فإنَّ الله تعالی لا محالة یمنّ علی مستضعفی أولیائه المؤمنین فی الدنیا بأنْ یورثهم الثواب فی الجنّة، ویُمَکِّن لهم فی أرضها ویجعلهم أئمة وأعلاماً یوصل إلیهم من حقوق التعظیمات، وفنون الکرامات ویُعلم فرعون وهامان وجنودهما فی النار- ذلک لیزدادوا حسرةً وغماً وأسفاً، وقوله تعالی:

ما کانُوا یَحْذَرُونَ صحیح ینبوا عن التأویل الذی ذکرناه؛ لأنَّ فرعون وهامان وشیعتهم یکرهون وصول الثواب والمسارعة والتعظیم والتبجیل إلی أعدائهما من موسی(ع) وأنصاره وشیعته، ومشاهدتهم لذلک وعلمهم به زائد فی عقابهم، ومقوی لعذابهم ومضاعف لإیلامهم، وهذا مما لا یخفی صحته واطراده علی متأمل(1).

أقول: ما ذکره من ردّ الاستدلال بالآیة لا یخلو من تکلّف وتمحل؛ وذلک لأنَّ ظاهر الآیة هو التمکین فی أرض الدنیا، کما أُرید من الأرض التی استضعفوا فیها، کما أنَّ التعبیر بالوارثین وراثة الأرض التی استضعفوا فیها.

وأمَّا کون القرآن عند جمیع المسلمین قبل خلق آدم فلا ینافی کون النزول فی الآیات وألفاظ التنزیل هو بحسب ألفاظ التنزیل ومواطنها الزمانیة، وإنْ کان المعنی الکلی یجری کما تجری الشمس واللیل والنهار.

ص:206


1- (1) رسائل المرتضی، المجلد 3/ص139.

ومن ثمَّ لا محالة یکون سبب النزول له شأن مهم فی تأطیر قالب الدلالة والمعنی، وإنْ کان من جهة أُخری لا ینحصر المعنی العام به.

وعلی هذا فلفظ المضارع والماضی بلحاظ موارد النزول باق علی حاله، وعلی هذا فالآیة الکریمة لابدَّ أنْ تلحظ ویلحظ مفادها بحسب الموطن الزمانی لنزولها أیضاً.

فلا محالة ستکون الإرادة مستقبلیة لهامان وفرعون ومتعلِّقة بتمکین المستضعفین فی الأرض، وعلی قاعدة أنَّ الآیة تجری مجری الشمس واللیل والنهار، فأهل البیت(علیهم السلام) استضعفوا وقتلوا وشُرّدوا فلا محالة یتعلّق بهم الوعد الإلهی بتمکینهم فی الأرض وإراءة الظالمین لهم من أعدائهم من فراعنة أزمانهم ووزرائهم الذین هم علی مثال نمرود وفرعون وهامان، بعد ما ذکر القرآن أن قصصهم عبرة وعبور لا تتوقف عندهم وتجمد، بل تجری فی غیر من نزلت فیهم (لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ).

3) قوله تعالی: وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ * إِنَّ فِی هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِینَ (1).

4) قوله تعالی: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (2).

5) قوله تعالی : هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ

ص:207


1- (1) سورة الأنبیاء: الآیة 105 - 106.
2- (2) سورة القصص: الآیة 85.

عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1).

ومتی یظهره علی سائر الملل ومتی یکون ذلک؟ فقد وقع المفسرین فی حیص وبیص فیه وقد تقدمت الاشارة فی الباب الأول أن اظهار الدین علی درجات ومراتب کثیرة بعدد درجات الإسلام والإیمان - کما اشیر إلیه فی روایات أهل البیت(علیهم السلام)- تبیانا لما فی آیات القرآن، فإذا کان المهدی(عج) یملأها عدلاً وقسطاً فإن امیر المؤمنین(ع) یملأها صدقا وتقوی وهی مرتبة أعلی من المرتبة السابقة .

کما مر أن الاظهار الأکبر للدین سیتم علی ید رسول الله(صلی الله علیه و آله)، حیث یبعث فی الرجعة للنذارة الکبری والدعوة للدین ما لم یظهره من قبل (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ) بتراب القبر (قُمْ فَأَنْذِرْ) و(إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ ) وأن ما دعا الیه إنما هو النذارة الصغری - وسیأتی کل ذلک مفصلا فی الباب الثالث انشاء الله.

6) قوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ کَفی بِاللّهِ شَهِیداً (2).

7) وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (3).

8) الآیات الناطقة أنَّ عاقبة الأرض للمتقین، وقدْ وَرَدَ فی روایات

ص:208


1- (1) سورة براءة: الآیة 33.
2- (2) سورة الفتح الآیة 28.
3- (3) سورة الصف: الآیة 9.

الفریقین أنَّ من أسماء الرسول(صلی الله علیه و آله) العاقب، وکذلک فی وصف أمیر المؤمنین(ع)، وقوله تعالی : إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (1).

- وقوله تعالی: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ (2).

- وقوله تعالی: وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوی (3).

- وقوله تعالی: تِلْکَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (4).

9) سورة غافر/ 51: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ قال(ع) ذلک والله فی الرجعة، أمَا علمت أنَّ أنبیاء الله کثیر منهم لم ینصروا فی الدنیا، وقتلوا، وأئمة قدْ قتلوا ولم ینصروا فذلک فی الرجعة(5).

والروایة تبین وجه الدلالة فی الوعد المذکور فی الآیة علی ضرورة الرجعة.

10) قوله تعالی: قُلْ رَبِّ إِمّا تُرِیَنِّی ما یُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِی فِی الْقَوْمِ الظّالِمِینَ وَ إِنّا عَلی أَنْ نُرِیَکَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (6).

11) قوله تعالی: فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِیَنَّکَ

ص:209


1- (1) منتخب البصائر، الحدیث 52.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 128.
3- (3) سورة هود: الآیة 49.
4- (4) سورة طه: الآیة 132.
5- (5) سورة القصص: الآیة 83.
6- (6) تفسیر فرات الکوفی الصافی.

الَّذِی وَعَدْناهُمْ فَإِنّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (1)، والروایة فی ذیلها قول جبرئیل لرسول الله(صلی الله علیه و آله):

«واحدة لک واثنتان لعلی وموعدکم السلام» أی فی الرجعة تلتقیان فی الکوفة .

12) قوله تعالی: فَهَلْ یَنْتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أَیّامِ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ * ثُمَّ نُنَجِّی رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذلِکَ حَقًّا عَلَیْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ (2).وعنوان الانتظار والوعد بالنجاة للرسل وللمؤمنین، وأنه حق جعله وقطعه الله علی نفسه، وکل هذه الأمور مستقبلیة من أیام الدنیا بحسب ألفاظ الآیة.

13) قوله تعالی: وَ کانَ حَقًّا عَلَیْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ (3).

الطائفة الخامسة: الإحیاء والإماتة مرتین

1 - قوله تعالی: کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللّهِ وَ کُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْیاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (4).

2 - قوله تعالی: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا

ص:210


1- (1) أمالی الطوسی، مجلس 13، ح11 ص3663.
2- (2) سورة یونس: الآیة 202، 203.
3- (3) سورة الروم: الآیة 47.
4- (4) سورة البقرة: الآیة 28.

بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (1).

وتقریب دلالة الآیة الأولی: إنَّ عنوان الأموات یغایر عنوان الإماتة، والمتکررة فی الآیة الثانیة، وَ کُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْیاکُمْ هی الحیاة الأولی فی الدنیا ثُمَّ یمیتکم الموتة الأولی ثم یحییکم وهی الحیاة الثانیة، ثم إلیه ترجعون، وهی القیامة فالحیاة الثانیة قبلها هی الرجعة فی الدنیا.

وأمَّا تقریب دلالة الثانیة: فعنوان الإماتة یغایر الموت والموات، وهی موتتان من کان حیاً، فالإماتة مرتین یقتضی وجود حیاتان قبلهما، کما أنَّ ظاهر الإحیاء فی الترتیب الذکری أنَّه بعد الإماتة فیقتضی أنَّه بعد کل إماتة حصل إحیاء، فالإحیاء الثانی حیاة ثالثة فی القیامة یغایر الإحیاء الأوَّل، وهی الحیاة الثانیة بعد الإماتة الأولی.

واما قوله تعالی لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولی وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِیمِ (2)، فتوجیه دلالته مع الآیتین :

1 - قال الشیخ محمد رضا المشهدی: بل یحیون فیها دائما ، والاستثناء منقطع أو متصل، والضّمیر للآخرة، والموت أوّل أحوالها، أو الجنّة والمؤمن یشارفها بالموت ویشاهدها عنده فکأنّه فیها. أو الاستثناء للمبالغة فی تعمیم النّفی.

ص:211


1- (1) سورة غافر: الآیة 11.
2- (2) سورة الدخان: الآیة 56.

وامتناع الموت ، فکأنّه قال: لا یذوقون فیها الموت إلَّا إذا أمکن ذوق الموتة الأولی فی المستقبل)(1).

وحاصل کلامه: تفسیر (الأولی) لا بمعنی الواحدة، بلْ بمعنی القبل والقبیل المحتفة الحافة والمشارفة، فلیست الآیة فی صدد تعداد أعداد الموت، بلْ وصف الموتة بالسابقة.

2 - أنَّ الموتة الأولی فی مقابل القتل، لأنَّ لکل مؤمن موتة وقتلة کما دلت علی ذلک الآیات والروایات .

3 - إنَّ وصف (الأولی) بمعنی المخففة النازلة درجة من جهات شدائد الموت ومرارته، فلا یذوقون الموت الشدید علی أنَّ النوم بدرجاته - حتی السنة - درجات من الموت.

هذا ولا تنافی بین الوجوه التی ذکرت ولا مانع من الجمع بینها مع أنَّ أقربها مرادا فی الآیة الوجه الأوَّل .

ص:212


1- (1) کنز الحقائق ص 142.

الفصل الخامس:الرجعة فی مصادر الحدیث العامة

اشارة

ص:213

ص:214

الرجعة فی مصادر الحدیث للعامة

روی العامّة فی کتب الحدیث لدیهم روایات مستفیضة، بلْ متواترة عن الرجعة، ولکنَّها لیسَت بلفظ الرجعة، بلْ بعناوین أخری کثیرة عدیدة کما مر تحمل أسماء فصول ومراحل الرجعة.

فرووها من حیث لا یشعرون، ودونوّها فی کتب الحدیث لدیهم، حیث أوردت الصحاح الستة فضلاً عن غیرها أخباراً عن دابة الأرض والمسیح والعصا وغیرها من العناوین الآتیة، ودابة الأرض من أعظم مراحل الرجعة کما سیأتی.

وقد سبق أن أشرنا إلی سبعة عشر عنوانا أو تزید فمن تلک العناوین التی رووها:

1 - ما رووه فی عنوان دابة الأرض.

ص:215

دابة الأرض: وهی فصل من الفصول المهمة من مراحل الرجعة وهی أحد رجعات أمیر المؤمنین(ع) الهامّة، وقدْ رووا فیها تفاصیل کثیرة، وکثیر منها متطابق مع ما ورد فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) فی دابة الأرض، بلْ سیأتی أنَّهم رووا أنَّ دابة الأرض هی علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین(ع).

2 - وکذا ما رووهُ بعنوان خروج الآیات.

وقد رووا فی هذا العنوان أیضاً الشیء الکثیر من أحداث الرجعة، وهم یظنونها أنها من إرهاصات ساعة القیامة الکبری، بینما هی من أحداث الرجعة، وإنْ کانت أحداث الرجعة فی نهایتها تعقبها القیامة الکبری.

3 - وما رووهُ أیضاً بعنوان أشراط الساعة.

4 - ما رووه من ظهور الشمس من مغربها، ونزول عیسی(ع)، ونزوله(ع) عندهم رجعة ورجوع من الموت إلی الحیاة الدنیا؛ لأن عیسی عندهم قد مات وتوفاه الله عند رفعه إلیه.

5 - وکذا ما رووه فی عنوان کتاب الفتن، وقدْ ألَّفوا فی هذا العنوان کتباً عدیدة.

6 - وما رووه فی عنوان الملاحم، وقد ألَّفوا فی ذلک کتباً أیضاً.

7 - وما رووه أیضاً فی أسماء الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) أنَّه الحاشر، وأنَّه العاقب والماحی والمقفی وغیرها من أسمائه وصفاته المرتبطة بالرجعة من حیث لا یشعرون.

وقد روی العامة بطرق مستفیضة عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی احتجاجه علی

ص:216

الیهود بما فی کتبهم وأناجیلهم من أنَّه الحاشر والعاقب(1)، والحال أنَّ النبی قدْ ذکر فی التوراة والإنجیل باسم الحاشر، فقد رووه وهم لا یشعرون بکون مفاده هو مقام الرجعة لسید الأنبیاء(صلی الله علیه و آله)، حیث أنَّ معنی العاقب هو الشخص الذی لا بعده أحد، کما رووا هم نص ذلک أی أنَّ رجعته هی آخر رجعات المعصومین من أهل البیت(علیهم السلام)، ورووا أنَّ الحاشر هو الذی یحشر الناس.

وما رواه مالک فی کتابه (الموطأ) أنَّ النبی(صلی الله علیه و آله) قال: لی خمسة أسماء، أنا مُحمَّد، وأنا أحمد، وأنا الماحی، الذی یمحو الله بی الکفر، وأنا الحاشر الذی یُحشر الناس علی قدمی، وأنا العاقب)(2)، ویکون الماحی الذی یمحو الله به الکفر وذلک فی الرجعة حیث یمحو الله - بدولته فی رجعته - ظاهرة الکفر وهی آخر دول الرجعة، ویکون أکمل مراحل إظهار الدین.

8 - ما رووهُ من قوله(صلی الله علیه و آله) وقول أهل بیته:

(إنَّ منّا المهدی والمنصور، والسفّاح والمنذر).

ولم یعلموا أنَّ هذهِ أسماء وصفات ومقامات للنبی(صلی الله علیه و آله) وللأئمة فی الرجعة، فإنَّ بظهور الإمام المهدی(عج) یرجع الامام الحسین وهو الملقب بالمنصور، ثم یرجع أمیر المؤمنین حیث یسفح عروش الظالمین، وفی آخر الرجعة

ص:217


1- (1) روی ابن حنبل فی مسنده عن توفی بن مالک الأشجعی، مجلد 6، ص25، ورواه الحاکم فی المستدرک فی قصة إسلام عبدالله بن سلام/ مجلد3 ص415، وکذا رواه البیهقی.
2- (2) الموطئ للإمام مالک، ج2، کتاب أسماء النبی ، ص104.

یرجع سید الأنبیاء(صلی الله علیه و آله) ویبعث بالنذارة الکبری(1).

9 - المیسم والعصا.

10 - ما ذکروه فی باب البعث والنشور والحشر والمحشر نظیر ما أخرجه الحافظ أبو بکر البیهقی فی البعث والنشور، فإنَّه أورد فی سننه روایات عدیدة عن دابة الأرض وغیرها من فصول الرجعة.

11 - ما رووه فی ذی القرنین.

12 - ما رووه فی أصحاب الکهف .

وفی الحقیقة أنَّ ما روته العامة فی کتب الحدیث فی باب الفتن، وأشراط الساعة، وخروج الآیات، ودابة الأرض، وباب ملاحم آخر الزمان جلّها ومعظمها روایات فی الرجعة وفصولها وأخطر أحداثها لکنَّها لم تتضمن لفظة الرجعة، وهی مشحونة بأسرار ما ورد فی الرجعة من روایات أهل بیت العصمة، وکلها مع تدبر الباحث فی ألفاظها وألسنتها یکتشف إشتمالها وتطابقها مع نفائس معارف الرجعة المرویة عن الأئمة(علیهم السلام) ولکن من دون إستشعار وإلتفات علماء العامة ومحدثیهم بلطائف مفاد هذهِ الروایات المستفیضة.

ص:218


1- (1) تاریخ بغداد، ج1، ص84.
نقاط منهجیة فی البحث العقائدی
أهمیة تراث الحدیث والتفسیرلدی العامّة علی علم الکلام

النقطة الأولی :لابدَّ من الالتفات إلی أنَّ مصادر وکتب الحدیث وشروحها، وکتب التفسیر لدی أهل سنة الجماعة والخلافة أسلم فی الاحتفاظ علی حقائق العقائد من کتب الکلام والمتکلمین لدیهم، فکم من عقیدة أصیلة فی القرآن وأحادیث الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) ممّا هی مقررة فی مدرسة أهل البیت تجدها محذوفة فی منظومة العقائد فی کتب المتکلمین لدیهم أو لم یستخرجوها، بینما تجد بصماتها وعناوینها لا زالت باقیة فی کتب الحدیث ولو بعناوین أخری مرادفة لغویة أو مرادفة عقلیة أو عناوین ملازمة، بینما یشاهد خفاء ذلک تماماً فی ساحة کتب الکلام والمتکلمین عندهم.

وهذهِ نقطة منهجیة هامّة فی البحث والتتبع ورصد المتسالم علیه بین المسلمین، فإنَّ ثوابت العقیدة المشترکة بین رصد کافة المسلمین لا یمکن

ص:219

الاعتماد فی تحدیدها علی کتب الکلام وکتابة المتکلمین، وما استخرجوه من المصادر من الآیات والروایات.

ولیسَ هذا حال التراث والمصادر عند العامّة فقط، بلْ عند الخاصة أیضاً، فإنَّ ما قام به علماء الإمامیة (شکر الله مساعیهم) من رسم واستخراج منظومة العقائد فی کتبهم لا یمثّل تمام منظومة العقائد فی تراث أهل البیت فإنَّ هناک أبوابا وفصولا وقواعد ومسائل کثیرة فی مضامین الروایات لم یتعرض لها علماء الکلام من الإمامیة.

کما هو الحال فی فقه الفروع أیضاً، فإنَّ التراث الروائی الفقهی، بلْ وآیات الأحکام فی القرآن أوسع بکثیر مما قدْ استخرجه الفقهاء فی الکتب والأبواب الفقهیة، ولأجل ذلک نری توسّع الفقه أبواباً وفصولاً قرناً بعد قرن.

ومن ثَمَّ کان اللازم علی الباحث المحقق أن یتتبع مهما أمکن فی أبواب الحدیث وطوائف الآیات والتصفح لکتبه وشروحه، فإنَّه سیقف علی العدید من المباحث والمسائل التی لم یعنونها.

النقطة الثانیة: إنَّ کثیراً من الحقائق الاعتقادیة لدی مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) موجودة فی تراث الحدیث لدی العامة، لکن بعناوین وأُطر وألفاظ أُخری.

ولخفاء مفاد تلک الألفاظ النبویة والعناوین والأُطر لم یهتد العامّة إلی أنها هی الحقائق التی أنکروها وجحدوها من مقامات أهل بیت النبوة، وخفاء

ص:220

دلالتها وغموض المعنی علیهم هو الذی کان سبباً فی حفظ هذا التراث عن الإبادة والطمس مثل ما جری لکثیر من الحدیث النبوی الذی منع عن تدوینه الأوَّل والثانی، بلْ قاما بحرقه واستمر منع التدوین لدیهم أکثر من قرن.

وهذا النمط من الحدیث الخفی الدلالة هو ما یعرف بالتعریض فی البیان وهو أسلوب مرموز ومشفر مکنونة فیه الحقائق بدلالة موزونة علی القواعد والضوابط المقررة المعروفة فی علوم اللغة، ولکن لا یهتدون إلی دلالتها عفویاً، بلْ ولا بالتدبر الیسیر کی لا تطمس هذهِ الآثار، فقاموا بروایاتها والاعتراف بها رغم جحودهم لحقائقها.

وکذلک الحال فی دلالة الکثیر من الآیات، فإنَّ خفاء الدلالة صان الآیات فی القرآن الکریم عن التحریف من قبل الجاحدین والمنکرین لهذه الحقائق العقائدیة.

الثالثة: إن عملیة المقابلة والمقارنة بین ما رووه من تراث الحدیث وما رویناه عن أهل البیت(علیهم السلام) من تراث له فوائد عظیمة جدا، إذ أن کثیر مما لدیهم من تراث مبعثر الدلالة أو مشتت المقاطع ولا یهتدی الباحث الی مغزاه ومآله إلا بالرجوع إلی تفسیر أهل البیت(علیهم السلام) إلی هذه الملاحم والمعالم المرویة عن النبی(صلی الله علیه و آله)، فانهم(علیهم السلام) یکشفون عن الخیط الواصل بین الحلقات المختلفة من الأحداث والمقامات، وبدون تفسیر لا ینجلی الابهام والغموض عن کثیر من الحقائق.

وهذا ما سیجد مثاله القارئ من بعض طوائف الروایات التی رواها

ص:221

العامة فی ملاحم آخر الزمان وهو المنطبق علی الرجعة.

وهذا مطرد فی أبواب المعارف لمن مارس هذه المقارنة بین التراثین من الحدیث، فإنه یکشف عن کثیر من الخفایا وأسرار الحقائق التی رووها ولم یفطن العامة أنها من دلائل وحقائق مقامات أهل البیت(علیهم السلام) ومعارفهم.

فعلیک بالقیام بهذه المقارنة والمقابلة مع شیء من الیقظة والفطنة إلی المرادفات والملازمات، فسیظهر لک من ذلک العجائب التی خفیت أو غفل عنها أجیال من الباحثین والمحققین من الفریقین.

جابر الجعفی وخمسون أو سبعون ألف حدیث فی الرجعة

قال المحقق الطهرانی فی کتابه (الذریعة) أنَّ السید ابن طاووس فی کتاب الطرائف(1) ذکر أنَّ صحیح مسلم بإسناده عن جراح قال سمعت جابر یقول عندی سبعون ألف حدیث عن أبی جعفر عن النبی کلها فی الرجعة(2).

لکن الموجود من النسخة المطبوعة لکتاب الطرائف لابن طاووس قوله فی نقد العامّة فی ترکهم لعترة النبی: وممّا یدلُّ علی ذلک ما رواه جماعة سبب إطراحهم لأخبار أهل البیت(علیهم السلام) وشیعتهم ورواه مسلم فی صحیحه فی أوائل الجزء الأوَّل بإسناده إلی الجرّاح بن ملیح، قال سمعت جابراً یقول عندی سبعون ألف حدیث عن أبی جعفر عن النبی کلها، ثم ذکر مسلم فی

ص:222


1- (1) الطرائف /48.
2- (2) الذریعة: للمحقق الطهرانی.

صحیحه بإسناده إلی مُحمَّد بن عمر الرازی، قال: سمعت جریر یقول لقیت جابر بن یزید الجعفی فلم أکتب عنه کان یؤمن بالرجعة!

وکذلک روی مسلم فی الجزء المذکور بإسناده إلی عبدالله بن المبارک أنَّه یقول علی رؤوس الأشهاد:

«دعوا حدیث عمرو بن ثابت فإنَّه کانوا یسبّوا السلف».

قال عبد المحمود: انظر رحمک الله کیف حرموا أنفسهم الانتفاع بروایة سبعین ألف حدیث عن نبیهم بروایة أبی جعفر الذی هو من أعیان أهل بیته الذین أمرهم بالتمسّک بهم!

ثم وإنَّ أکثر المسلمین أو کلهم قدْ رووا إحیاء الأموات فی الدنیا وحدیث إحیاء الله تعالی الأموات فی القبور للمسألة، وقد تقدمت روایتهم عن أصحاب الکهف، وهذا کتابهم یتضمن: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ .

والسبعین الذین أصابتهم الصاعقة مع موسی(ع)، وحدیث العزیر، ومن أحیاه عیسی(ع)، وحدیث جُریح الذی أجمع علی صحته، وحدیث الذین یُحییهم الله تعالی للمسألة، فأی فرق بین هؤلاء الأربعة وبین ما رواه أهل البیت وشیعتهم من الرجعة، فأی ذنب کان لجابر حتّی یُسقط حدیثه»(1).

أقول: ما ذکره ابن طاووس من حدیث مسلم عن جابر لیسَ فیه

ص:223


1- (1) الطرائف، ص191.

تقیید کون مجموع السبعین ألف حدیث عن جابر، ولکن یظهر من الحدیث اللاحق لمسلم عن سبب ترکهم الروایة - روایة سبعین ألف حدیث - أنَّ جابر أظهر الاعتقاد بالرجعة، والظاهر أنَّ إظهار جابر الاعتقاد بالرجعة کان عبر ما سمعوه منه من أحادیث عن الباقر عن النبی فی الرجعة، کما یشیر ذیل کلام ابن طاووس «ما رواه أهل البیت وشیعتهم عن الرجعة».

ویؤید هذا الاستظهار من ابن طاووس أن جابر کان یروی أحادیث فی الرجعة: ما رواه مسلم فی نفس الباب فی أوائل کتابه بسنده عن السفیان، قال کان الناس یحملن عن جابر قبل أنْ یظهر ما أظهر فاتهمه الناس فی حدیثه وترکه بعض الناس، فقیل له وما أظهر، قال الإیمان بالرجعة.

والظاهر من هذا الحدیث أنَّ إظهاره کان عبر روایته ونقله حدیث الرجعة، وکذلک ما رواه مسلم بإسناده عن جریر الذی تقدم فی کلام ابن طاووس انه لقیه ولم یکتب عنه، لأنه کان یؤمن بالرجعة.

ودأب الرواة فی کیفیة استکشاف مذاهب بعضهم للبعض الآخر هو عبر ما یروونه من مضامین الأحادیث، وروایتهم لمضمون ما یمثل تبنیا منهم لذلک المضمون کمذهب ومسلک.

ویشهد لهذا الاستظهار وأن أحادیث جابر کانت فی الرجعة: ما رواه مسلم فی نفس الباب أیضاً بإسناده عن زهیر، قال: قال جابر - أو سمعت جابراً یقول - : أنی عندی لخمسین ألف حدیث ما حدثت منها بشیء، قال ثم

ص:224

حدث یوماً بحدیث، فقال هذا من الخمسین ألفاً.

فکأنما الحدیث الذی حدّث به واستغربوا منه هو حدیث الرجعة وأنَّ هذهِ الأحادیث فیها.

ویدعم هذا الاستظهار: ما رواه مسلم أیضاً فی نفس الباب فی سیاق الکلام عن أحادیث جابر عن الباقر عن النبی(صلی الله علیه و آله) فبإسناده إلی سفیان أیضاً قال سمعت رجلاً یسأل جابراً عن قوله عَزَّ وَجَلَّ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّی یَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ یَحْکُمَ اللّهُ لِی وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ فقال جابر لم یجئ تأویل هذهِ (1). قال سفیان وکذب فقلنا لسفیان وما أرد بهذا؟ فقال: إنَّ الرافضة تقول أنَّ علیاً فی السحاب فلا نخرج مع من خرج من ولده حتّی ینادی منادٍ من السماء - یرید علیاً - أنَّه ینادی أخرجوا مع فلان. یقول جابر فهذا تأویل هذهِ الآیة، وکذب، کانت فی أخوة یوسف صلی الله علیه وسلم.

وروی بعده بإسناده إلی سفیان أیضاً قال سمعت جابر یحدث بنحو من ثلاثین ألف حدیث ما استحل أنْ أذکر منها شیئاً وأنَّ لی کذا وکذا.

وهذهِ الروایة شاهد علی أنَّ ما فهمه سفیان - والذی أشار إلیه جابر فی الروایة السابقة - أنَّ قوله تعالی: أَوْ یَحْکُمَ اللّهُ لِی وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ هو حکومة دولة أهل البیت(علیهم السلام) علی الأرض من ظهور المهدی(عج) والرجعة.

ص:225


1- (1) المشار إلیه أو یحکم الله أی حکم الله فی الأرض.

فکل هذهِ قرائن عدیدة علی أن الرواة سمعوا منه أو فهموا منه أنَّ السبعین ألف حدیث أو الخمسین ألف أو الثلاثین ألف هی فی الرجعة التی استبشعوها، وإلّا لو کانت فی أبواب الفقه والفروع لرووها عن الباقر(ع) عن النبی(صلی الله علیه و آله)، کما رووا عن جابر نفسه عن الباقر فی أبوب الفروع.

ویشهد علی کون تعداد هذهِ الروایات لجابر فی الرجعة: أنَّ المانع الذی ذکره جملة وجوه ومشاهیر رواة العامة کسبب لامتناعهم عن روایات جابر هو الرجعة، ولم یذکروا سبباً آخر کقول جابر بإمامة أهل البیت(علیهم السلام) ، ولا قوله بالوصیة من النبی(صلی الله علیه و آله) لعلی وعترته من أئمة أهل البیت(علیهم السلام)، ولا تبری جابر من صحابة السقیفة، بلْ حصروا السبب فی الرجعة کما یلاحظ المتتبع فی الروایات العدیدة التی أوردها مسلم فی أوَّل صحیحه أو التی أوردها عن رواتهم حول جابر فی تراجم کتب الرجال(1)، مع أنَّ المروی فی الکتب وکتب الحدیث لدینا أنَّ جابر کان یجاهر بالوصیة النبویة للأئمة(علیهم السلام) وبولایة أهل البیت(علیهم السلام) فی مسجد الکوفة، ومع ذلک لم یجعلوا السبب فی امتناعهم عن الحدیث عنه إلّا الرجعة.

وهذا کله شاهد ویدل علی أنَّهم فهموا أو سمعوا منه أنَّ هذهِ الأحادیث هی فی الرجعة.

نعم ذکر النادر منهم أنَّه رافضی یشتم أصحاب الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله)، وروی العقیلی

ص:226


1- (1) العقیلی فی کتاب القضاء.

فی کتابه (الضعفاء) بإسناده عن ابن أکثم الخراسانی، قال لسفیان أرأیت - یا أبا مُحمَّد - الذین عابوا علی جابر الجعفی حدثنی وصی الأوصیاء یعنی الباقر؟! فقال سفیان: هذا أهونه.

وهذا تصریح أنَّ هناک سبباً أکبر من ذلک هو الذی منعهم من نقل الروایة عنه ، وهو عود الحکم فی الأرض إلی أهل البیت(علیهم السلام) فی الرجعة.

وروی أیضاً بسنده عن سفیان بن عیینة أنَّه کان یقول: قال جابر أنَّ دابة الأرض علیٌّ».

وقدْ مرَّت روایته عن سفیان

«أنَّ الناس کانوا یحملون الحدیث عن جابر قبل أنْ یظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر فی حدیثه وترکه بعض الناس، فقیل له وما أظهر، قال الإیمان بالرجعة» ففیه تخصیص المانع بالرجعة.

وری العقیلی بإسناده عن سفیان بن عیینة قال أتیت جابر الجعفی فسمعت منه ذاک الکلام - یعنی الإیمان بالرجعة -.

وذکر الذهبی عن ابن حبان فی ترجمة جابر قوله عن جابر: کان سبئیاً من أصحاب عبدالله بن سبأ کان یقول أنَّ علیاً یرجع إلی الدنیا.

ویظهر من هذا الموقف لابن حبان أنَّ الرجعة عند العامّة أعظم خطباً وأکثر هولاً فی المعرفة بالأئمة(علیهم السلام) من معرفة الأئمة بأنهم مفترضو الطاعة موصی إلیهم، وهذهِ حقیقة بأنَّ معرفتهم بالرجعة أعظم من معرفتهم أنهم مفترضو الطاعة، وأنَّ لدیهم علما لدنیا ونحو ذلک، مما به

ص:227

معرفة بمقاماتهم فی الحیاة الأولی من الدنیا.

وقد أشار إلی ذلک حدیث الإمام الباقر(ع) الذی مرَّ فی الباب الأوَّل فی الفصل الأوَّل فی معرفة الرجعة وتأثیرها فی المعرفة الدینیة.

وعلی أی حال یظهر جلیّاً من کلام بن حبان أنَّ أحادیث جابر وروایاته أکثر ما تدور هو حول الرجعة، ومن الشواهد علی ذلک: ما ذکره الذهبی فی میزان الاعتدال عن ابن عدی قوله فی جابر: عامّة ما قذفوه به أنَّه کان یؤمن بالرجعة(1).

وروی الذهبی عن بن عیینة، قال: جابر الجعفی یقول دابة الأرض علیّ (2).

وقال الطبری فی تفسیر جامع البیان فی ذیل قوله تعالی: وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (3)، روی بطریقه عن ابن حمید عن عیسی بن فرقد عن جابر الجعفی، قال: سألت أبا جعفر(ع) عن الرجعة فقرأ هذهِ الآیة وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ ، فکأنَّ أبا جعفر وجّه تأویل ذلک إلی أنَّه حرام علی أهل قریة أمتناهم أنَّ یرجعوا إلی الدنیا(4).

ص:228


1- (1) میزان الاعتدال، مجلد 1، ص383.
2- (2) نفس المصدر، ص384.
3- (3) سورة الأنبیاء: الآیة 95.
4- (4) جامع البیان، ج17، ص69.
خطبة أبی حمزة الخارجی

وأمَّا هذهِ الشیع فشیع ظاهرت بکتاب الله، وأعلنت الفریة علی الله لم یفارقوا الناس ببصر ... جفاة علی القرآن، أتباع کهان یؤملون الدول فی بعث الموتی، ویعتقدون الرجعی إلی الدنیا قلّدوا دینهم رجلاً لا ینظر إلیهم(1).

کلام الطبری عن مقالة الرجعة عند عبدالله بن سبأ

روی الطبری عن سیف عن عطیة عن یزید الفقعسی فی شأن عبدالله بن سبأ: حتّی أتی مصر فاعتمر فیهم، فقال لهم فیما یقول: العجب ممن یزعم أنَّ عیسی یرجع ویکذب بأنَّ محمداً یرجع، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ فمحمد أحقّ بالرجوع من عیسی، قال: فقبل ذلک عنه ووضع لهم الرجعة فتکلموا فیها، ثم قال لهم بعد ذلک: إنْه کان ألف نبی ولکل نبی وصی، وکان علی وصی مُحمَّد(2).

روایتهم النزول فی الرجعة

1 - حدثنا نعیم بن حماد ثنا أو المغیرة عن ابن عیّاش عن شیخ له عن وهب بن منبه، قال: طلوع الشمس الآیة العاشرة، وهی آخر الآیات، ثمَّ

ص:229


1- (1) البیان وتبیین، الجاحظ، ص276.
2- (2) تاریخ الطبری، أحداث سنة 35 . ج3، ص378.

تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ (1)، ویطرح کل ذی مال ماله، یُشغل کل تاجر عن تجارته(2).

2 - أبو المغیرة عن ابن عیّاش عن شیخ له عن وهب بن منبه قال: بعد الآیة السابعة: أنْ یبعث الله ملائکة علی خیل بلق تطیر بین السماء والأرض تنعی الأرض ومن علیها ومن فیها، والآیة الثامنة: أنَّه لا یبقی علی الأرض شجرة إلّا بکت دماً، والتاسعة: أنَّه لا یبقی علی الأرض صخرة إلّا ونّت ونین النساء، والعاشرة: طلوع الشمس من مغربها(3).

ص:230


1- (1) سورة الحج 2
2- (2) کتاب الفتن، الجزء التاسع، ص477، الحدیث 1840.
3- (3) کتاب الفتن، الجزء التاسع، ص468، الحدیث 1791.
من تراث الرجعة عند أهل السنة الآیات التی تخرج فی آخر الزمان فی أشراط الساعة
النار التی تسوق الناس إلی المحشر

روی العامة باستفاضة بلْ بتواتر خروج النار من قعر عدن أو الحجاز وأنَّها تسوق الناس إلی المحشر، وتقع هذهِ الآیة الکبری قبل الساعة الکبری للقیامة.

وهذا المفاد مطابق لما وَرَدَ فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) من أنَّ الحساب فی آخر الرجعة قبل یوم عالم القیامة وسیأتی بیانه.

1 - فقد روی ابن حنبل فی مسنده عن حذیفة بن أسید الغفاری، قال أشرف علینا رسول الله(صلی الله علیه و آله) من غرفة ونحن نتذاکر الساعة، فقال: لا تقوم الساعة حتّی ترون عشر آیات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج یأجوج ومأجوج وخروج عیسی بن مریم والدجال وثلاث خسوف، خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف جزیرة العرب ونار

ص:231

تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبیت معهم حیث باتوا وتقیل معهم(1).

2 - وروی أحمد بن حنبل عن عبدالله بن عمر، قال: قال لنا رسول الله(صلی الله علیه و آله) ستخرج نارٌ قبل یوم القیامة من بحر حضرموت أو من حضرموت، قالوا فبما تأمرنا یا رسول الله؟ قال علیکم بالشام(2).

3 - روی ابن حنبل عن حذیفة بن أسید: نارٌ تخرج من قبل تطرد الناس الی محشرهم(3).

4 - روی عبدالله بن سنان عن النبی(صلی الله علیه و آله) أنَّهُ سُئل عن أوَّل أشراط الساعة، فقال النبی: أنَّ أوَّل أشراط الساعة نارٌ تخرج من المشرق وتحشرهم إلی المغرب(4).

5 - وروی البخاری ومسلم فی صحیحهما عن أبی هریرة أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: لا تقوم الساعة حتّی تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضیئ أعناق الإبل ببصری(5).

ص:232


1- (1) مسند أحمد بن حنبل، ج4، ص7.
2- (2) مسند أحمد مسند عبدالله بن عمر، ج2، ص53، ص69.
3- (3) مسند أحمد، ج4، ص6.
4- (4) مَجمع کزوائد، ج8، ص13.
5- (5) صحیح البخاری، کتاب الفتن، باب خروج النار، ج8، ص100؛ وصحیح مسلم باب کتاب الفتن، وأشراط الساعة، ج8، ص180.
ملاحظة:

إنَّ عند مقابلة ومقارنة روایات الفریقین یلاحظ تشاکل وتقارب کبیر فی النعوت بین دابة الأرض والنار التی تخرج، فکما وَرَدَ خروج الدابة فی خرجاتها الثلاث تارةً من الیمن وأُخری من الحجاز، فکذلک وَرَدَ فی خروج النار التی تسوق الناس إلی محشرهم.

فقد روی القمی فی تفسیره فی ذیل سورة المعارج: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، قال: سئل أبو جعفر عن معنی هذا، فقال: نار تخرج من المغرب وملک یسوقها من خلفها(1).

6- روی الصدوق بسنده فی الخصال عن أبی الطفیل عامر بن وائلة عن حذیفة بن أُسید الغفاری، قال کنّا جلوساً فی المدینة فی ظل حائط، قال وکان رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی غرفة فاطلع علینا، قال: فیما أنتم؟ فقلنا نتحدث. قال: عماذا؟ قلنا عن الساعة،

فقال: أنکم لا ترون الساعة حتّی ترون قبلها عشر آیات: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض، وثلاثة خسوف فی الأرض ... خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزیرة العرب، وخروج عیسی بن مریم وخروج یأجوج ومأجوج، وتکون فی آخر الزمان نارٌ تخرج من الیمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً تسوق الناس إلی المحشر

ص:233


1- (1) تفسیر القمی، ج22، ص385.

کلما قاموا قامت لهم تسوقهم إلی المحشر(1).

7 - وروی الحسین بن سعید فی کتاب الزهد عن إبراهیم بن أبی البلاد عن یعقوب بن سعیب بن میثم قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول نارٌ تخرج من قعر عدن تضیء لها أعناق الإبل تُبصر من أرض الشام، تسوق الناس إلی المحشر(2) .

أقول: ولا یخفی إنَّ هذا التعبیر المستفیض فی روایات الفریقین من أنَّ هذهِ النار التی تخرج من قعر عدن أو من مکان آخر قریب منها، وتسوق الناس إلی المحشر هذا التعبیر المستفیض فی روایاتهم نص فی رجعة الاموات؛ وذلک لمکان التعبیر بمادة (الحشر)، فإنَّ سوق الناس إلی محشرهم إنَّما هو بلحاظ المیت الذی أحیی یساق بعد إحیائه إلی المحشر، کما هو الاستعمال فی القرآن الکریم.

کما إنَّ الحشر والمحشر نص فی الحساب والمحاسبة وإقامة الحساب - والذی مرَّ استظهاره من الروایات أنه فی آخر الرجعة - فیکون هذا اللسان فی الروایات المستفیضة نص فی أنَّ الحساب فی آخر الرجعة قبل قیام الساعة للقیامة الکبری، وهی مطابقة لکثیر من نصوصنا - کما سیأتی فی الباب الثالث - مضافاً إلی ورود هذا اللسان نفسه فی طرقنا أیضاً عن أهل البیت(علیهم السلام).

ص:234


1- (1) الخصال للصدوق، ص449، مختصر بصائر الدرجات، ص203.
2- (2) کتاب الزهد للحسین بن سعید، ص95، الباب / 18.

8 - وروی نعیم بن حماد بسنده عن عبدالله بن عمر، قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) یقول أنَّها ستکون هجرة بعد هجرة حتّی یهاجر الناس إلی مهاجر إبراهیم علیه السلام حتّی لا یبقی علی الأرض إلّا شرار أهلها تقذرهم روح الله تعالی وتلفظهم أرضوهم وتحشرهم نارٌ من عدن مع القردة والخنازیر تبیت معهم أینما باتوا وتقبل معهم أینما قالوا ولها ما سقط منهم(1).

9 - وروی بسنده أیضاً عن عبدالله بن عمر، قال: ستکون هجرة من بعد هجرة لخیار أهل الأرضین إلی مهاجر إبراهیم(ع) حتّی لا یبقی فی الأرض إلّا شرار أهلها تلفظهم أرضهم وتمقتهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازیر، تقیل معهم حیث قالوا وتبیت معهم حیث باتوا ولها ما سقط منهم(2).

10 - وروی عنه أیضاً نفس الحدیث إلّا أنَّ فیه: تلفظهم أرضوهم وتعذرهم نفس الله تعالی(3).

11 - وروی بسنده عن عمر بن الخطّاب أنَّه قال یوم بمکة فی الحج، بأهل الیمن هاجروا قبل الظلمتین: إمَّا أحدهما فالحبشة یخرجون حتّی یبلغوا مقامی هذا، والأُخری نار تخرج من عدن تسوق الناس والدواب

ص:235


1- (1) کتاب الفتن لنعیم بن حماد، ح1767 و ح1765 و ح1758.
2- (2) نفس المصدر/ ح1748.
3- (3) کتاب الفتن لنعیم بن حمّاد/ ح1765.

والوحش والسباع ودقاق الدواب وجلالها إذا قامت قاموا، وإذا تحرکت تحرکوا.

قال: وقال کعب: إذا عثر إنسان أو دابته قالت له النار: وانتکست! لو شئت لها لهاجرت قبل الیوم حتّی تنتهی إلی بُصری فتقیم أربعین عاماً لا یصطلی بها أحدٌ إلّا کتب جهنمی، وحتّی یسأل الکافر فیقول: هذهِ النار التی کنا نوعد فکیف أنتم إذا رأیتم تلک الآیة العظیمة؟ فینظر الناظر منکم إلی مشارق الأرض فیراها بزروعها خضراء یتناکحون ویلحقون، أفتراکم تارکی أعمالکم التی تعملون الیوم. وأنتم تنظرون إلی تلک الآیة العظمی، ورب الکعبة لتعلمن أعمالکم وأنتم تنظرون إلیها(1)

(2).

ملاحظة:

لا یخفی إنَّ فیما تقدَّم فی لسان الروایات التی رووها تشابه عظیم بین النار التی تخرج وتسوق الناس إلی المحشر وبین دابة الأرض، - کما مرَّ وزیادة علی ما مرَّ - أنَّ روایات النار هنا قدْ تضمنت نعت من یدبر ویدیر ویقوم بحشر الناس إلی المحشر بنفس الله فی الروایات المتقدمة تارة وأُخری بنعت من یقوم بالحشر بروح الله، وهذهِ النعوت مقامات رفیعة بمن یوکله الله للقیام بحشر الناس.

ص:236


1- (1) لعلَّ الأنسب لتعلمن والخطأ من الناسخ.
2- (2) کتاب الفتن، لنعیم بن حمّاد/ ح1743.

کما أنَّ فی تلک الروایات المتقدمة أیضاً أنَّ النار التی تحشر الناس وتسوقهم تکتب علی الکافر جهنمی، وهذا ما تقوم به دابة الأرض بالمیسم والعصا کما مرَّ هی روایات الفریقین.

کما أنَّه قدْ أُشیر فی هذه الروایات إلی حشر کل المخلوقات التی تدبّ علی الأرض وهو من خواص الحشر الأکبر.

12- وروی نعیم بسنده عن عکرمة، قال محشر الناس نحو الشام وأوَّل من حشر من هذهِ الأمة النضیر(1).

13- وروی نعیم بسنده عن أرطأة، قال: تکون نار ودخان فی المشرق أربعین لیلة(2).

14- وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید عن أبی جعفر(ع) حدیثا فی الرجعة، وفیه قوله: وقوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ هو علی بن أبی طالب علیه السلام إذا رجع فی الرجعة(3).

15- وروی نعیم بسنده عن أبی هریرة، قال: تخرج نار من المشرق وأُخری من قبل المغرب تحشران الناس بین أیدیهم القردة، تسیران بالنهار وتکمنان باللیل حتّی تجتمعان بحب منبج.

ص:237


1- (1) کتاب الفتن لنعیم: ح1750.
2- (2) نفس المصدر، ح1768.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات ح1.

16- وروی أیضاً عن کعب عن عبدالله بن عمر تعدد النار التی تخرج، فذکر النار التی من عدن وناراً أُخری من نحو المغرب وثالثة من نحو المشرق وأنَّ لکل نار زماناً تقییم فیه لا تنطفئ، ویحشر جمیع الناس بهذهِ النیران إلّا الإعرابیین(1).

وقد روی روایات عدیدة فی حشر الناس جمیعاً إلّا الإعرابیین!!.

17- وروی علی بن إبراهیم القمی فی سورة المعارج عن قوله تعالی: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قال سئل أبو جعفر علیه السلام عن معنی هذا فقال نار تخرج من المغرب وملک یسوقها من خلفها حتّی یأتی من جهة دار سعد بن همام عند مسجدهم فلا تدع داراً لبنی أمیة إلّا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فیها وترٌ لآل مُحمَّد إلّا أحرقتها وذلک المهدی(عج).

النار التی تخرج حرب یقوم بها حجة الله

أقول: یظهر من بیان أئمة أهل البیت(ع) أنَّ المراد بالنار فی أحادیث النبی(صلی الله علیه و آله) هی الحروب والحرب التی تکون بعد ظهور المهدی(عج) والتی فی الرجعة ایضا، والتی فیها ملک ودولة آل مُحمَّد صلوات الله علیهم.

فأحدها: الحروب التی تقوم علی ید المهدی(عج) ضد الجبابرة والظالمین من عتاة هذهِ الأمة، والباقی تقوم علی أیدی الأئمة(علیهم السلام) فی الرجعة لا سیما

ص:238


1- (1) کتاب الفتن لنعیم، 1761، 1751، 1745.

علی ید دابة الأرض وهو علی بن أبی طالب(ع)، فإنَّ أحد خرجات دابة الأرض تکون من الیمن.

کما لا یبعد أنْ یکون الدخان أیضاً إشارة إلی الحرب.

قال القمی تحت قوله تعالی: فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ قال ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر یَغْشَی النّاسَ کلهم الظلمة فیقولون هذا عَذابٌ أَلِیمٌ * رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ فقال الله ردا علیهم أَنّی لَهُمُ الذِّکْری فی ذلک الیوم وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ أی رسول قدْ تبین لهم ثم تولوا عنه، وقالوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ، قال: قالوا ذلک لما نزل الوحی علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأخذه الغشی فقالوا: هو مجنون، ثم قال: إِنّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً إِنَّکُمْ عائِدُونَ یعنی إلی یوم القیامة، ولو کان قوله: یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ فی القیامة لم یقل أنکم عائدون؛ لأنَّه لیسَ بعد الآخرة والقیامة حالة یعودون إلیها، ثم قال: یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری یعنی یوم القیامة: إِنّا مُنْتَقِمُونَ (1).

ومن علامات انطباق دابة الأرض علی النار - بمعنی أنَّ حرب دابة الأرض هی النار - ما رواه الشیخ فی کتابه الغیبة من أنَّ دابة الأرض أیضاً تسوق الناس إلی المحشر.

ص:239


1- (1) تفسیر القمی فی ذیل الآیةیَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ .

فقد روی بسنده عن حبیب بن محمد بن یونس بن شاذان الصنعانی، قال: دخلت إلی علی بن إبراهیم بن مهزیار الأهوازی فسألته عن آل أبی مُحمَّد(علیهم السلام) ... حیث روی عن الناحیة المقدسة(عج) فقلت: یا سیدی متی یکون هذا الأمر؟، فقال: إذا حیل بینکم وبین سبیل الکعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الکواکب والنجوم، فقلت: متی یا ابن رسول الله؟، فقال لی: فی سنة کذا وکذا تخرج دابة الأرض من بین الصفا والمروة ومعه عصا موسی وخاتم سلیمان تسوق الناس إلی المحشر»(1) ورواه الطبری فی دلائل الإمامة(2)بطریق آخر مسند عن ابن مهزیار.

وفی هذه الروایة فائدة اخری أنه عجل الله فرجه أطلق الظهور والفرج علی خروج جده أمیر المؤمنین(ع) خروج دابة الارض، ووجه ذلک أن کلا من ظهوره(عج) وظهور جده(ع) هو إقامة لدولة محمد آل محمد صلوات الله علیهم.

المحشر فی روایات أهل البیت علیهم السلام

روی الحر العاملی عن مُحمَّد بن الحسن الطوسی فی التهذیب بسند متصل إلی عبدالرحمن بن کثیر عن أبی عبدالله(ع) فی کلام له مع أبی حمزة الثمالی حول مسجد السهلة قال:

ص:240


1- (1) غیبة الطوسی.
2- (2) دلائل الإمامة.

«فیه بیت إبراهیم الذی کان یخرج منه إلی العمالقة، وفیه بیت إدریس الذی کان یخیط فیه، وفیه صخرة خضراء فیها صورة جمیع النبیین(علیهم السلام)، وتحت الصخرة الطینیة التی خلق الله منها النبیین، وفیها المعراج وهو الفارق موضع منه وجوهر الناس وهو من کوفان، وفیه ینفخ فی الصور وإلیه المحشر، ویحشر من جانبه سبعون ألفاً یدخلون الجنة»(1).

قدْ أشار العلامة الأمینی فی الغدیر إلی أنَّ أهل سنة الخلافة قدْ رووا فی کتب أحادیثهم ما یشیر إلی الرجعة من حیث لا یشعرون أو یشعرون ولکن یتعلمون ویتغامضون، فقد عقد البیهقی فی سننه فصلاً أو باباً فی عدّ من تکلم بعد الموت أی أنَّه حیَیَ بعد الممات ومنها:

1 - ما رووه فی زید بن خارجة الأنصاری الصحابی أنَّه تکلم بعد الموت، فقد أخرج البَیْهقی بإسناده عن سعید بن المسیب: أنَّ زید بن خارجة الأنصاری توفی زمن عثمان فسُجّی بثوبه ثم أنَّهم سمعوا جللة فی صدره ثم تکلم ... إلی آخر الحدیث الذی لفقوا فیه جملة من الأراجیف، ورواه بطریق آخر عن النعمان بن بشیر(2).

ص:241


1- (1) الوسائل، ب49، أبواب أحکام المساجد، ح1؛ وروی فی التهذیب وکامل الزیارات.
2- (2) الاستیعاب، مجلد/1/ ص192، تاریخ بن کثیر/ مجلد 6 ص156؛ الشفاء للقاضی عیاش/ الروض الآنف ملجد2 ، ص370؛ الإصابة المجلد الأوَّل، ص565/ مجلد 2، ص24؛ الخصائص الکبری، مجلد 2/ ص85، شرح الشفاء للخفاجی/ مجلد 3/ ص108، نقلاً عن الطبرانی وأبی نعیم وابن مندة، ورواه بن أبی الدنیا عن أنس.

2 - ما رووه فی أنصاری یتکلم بعد القتل: أخرج البیهقی بسنده عن عبدالله بن عبید الأنصاری، قال: بین ما هو یوارون القتلی یوم صفین أو یوم الجمل إذا تکلم رجل من الأنصار من القتلی ... ثم ذکر عِدَّة من الأراجیف(1).

ص:242


1- (1) دلائل النبوة ، البهیقی ج6 / ص58 ، البدایة والنهایة ج6 ص175 ،تاریخ بن عساکر ج30 ص408 وایضا ج 39 ص 222
دابة الأرض ملحمة کبری للرجعة فی تراث العامّة
اشارة

إنَّ الروایات التی روتها العامة فی الدابّة بنحو مستفیض متضمنة لکثیر من الحقائق حول الرجعة ومشتملة علی البراهین العدیدة علیها، وهی ناطقة مفصحة عن مقامات عظیمة لأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(ع).

ولنأخذ فی استعراض معالم تلک المضامین فی روایاتهم:

المَعْلَم الأوَّل: دابة الأرض معها عصا موسی وخاتم سلیمان
اشارة

وقد رووا هذا المعلم بنحو مستفیض أو متواتر، وقد عجّت به روایاتهم نظیر ما رواه ابن أبی حاتم فی تفسیره بسنده المتصل عن أبی هریرة، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) تخرج دابّة الأرض ومعها عصا موسی وخاتم سلیمان صلی الله علیه وسلم تحطم أنف الکافر بالعصی وتُجلی وجه المؤمن بالخاتم

ص:243

حتّی یجتمع الناس علی الخوان یعرف المؤمن من الکافر(1).

وقال فی تفسیر قوله تعالی : (وإذا وقع القول علیهم): یعنی إذا وجب علیهم العذاب، وقیل: إذا غضب الله علیهم، وقیل: إذا وجبت الحجة علیهم؛ وذلک أنَّهم لم یأمروا بالمعروف ولم ینهوا عن المنکر، وقیل: إذا لم یرج صلاحهم وذلک فی آخر الزمان قبل قیام الساعة أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ .

ورواها الترمذی عن أبی هریرة وحسَّنه أیضاً إلّا أنَّه أضاف فی آخرها: حتّی أنَّ أهل الحق لیجتمعون، فیقول هذا یا مؤمن، ویقول هذا یا کافر(2)، وأخرج هذا الحدیث عن أبی هریرة أیضاً الطیالسی وأحمد فی مسنده ونعیم بن حمّاد وابن ماجة وابن جریر وابن المنذر والحاکم وابن مردویه والبیهقی فی البعث(3).

فقه الحدیث

(1) وأوَّل ما یتبادر من هذا المَعْلم لدابة الأرض أنَّ دابّة الأرض هی إنسان حجة لله تعالی ناطقة نظیر نفس موسی وسلیمان؛ لأنَّ عصی موسی

ص:244


1- (1) تفسیر ابن أبی حاتم، سورة النمل/ مجلد 11 ص203؛ سنن ابن ماجة، مجلد/2، ص1351، کتاب الفتن باب/ الله باب دابة الأرض؛ سنن الترمذی، الجزء الخامس، ص21، الحدیث، 3240؛ مستدرک الحاکم النیسابوری، مجلد/ 4، ص83؛ وإیقاظ ص482 وص 484 و ص485 وص522.
2- (2) سنن الترمذی، مجلد 5 ص 21.
3- (3) مسند الطیالسی ب- ما أسنده أبو هریرة ج7، ص219.

کانت بید النبی موسی وهو من أولوا العزم کمعجزةٍ وحجة له، وکانت العصی برهان وعلامة علی هدایة وصدق دعوی موسی، فالعصی آیة النبوة وعلامة صدق الهدایة والأنباء عن الله.

وحینئذٍ لا یکون وارثُها وصاحبها إلّا إنسانا مصطفیً حجة لله تعالی علی خلقه، وهو الوارث لمقام موسی، وحیث أنَّه لا نبی بعد سید الأنبیاء، فلا محالة تکون الدابة وخروجها هی رجعة أحد حجج الله تعالی ممن لهم وصایا من سید الأنبیاء علی هذا الدین وهذهِ الأمَّة، إذْ لا دین بعد الإسلام ولا شریعة بعد شریعة سید الأنبیاء.

وأمَّا خاتم سلیمان فمن الواضح أنَّه آیة لملک ولقدرة سلیمان علی الحکم والولایة وخلافته لله فی أرضه فهو آیة الحاکمیة والملک من الله تعالی کمنصب وجعل إلهی.

(2) ولا یکون وارثاً لخاتم سلیمان إلّا إنسان لا بقیة المخلوقات، ولا ملکاً من الملائکة فضلاً عن أنْ یکون حیواناً بهیمیاً، کما أنَّه لا یمکن أنْ یکون إنساناً عادیاً غیر مصطفیً اصطفاء الحجیة من الله، حیث إنَّ خاتم سلیمان یرمز ویشیر فی القرآن إلی مقامٍ إلهی فی الحکم والإمامة وخلافة الله فی الارض.

(3) ویرمز کذلک إلی درجة من الولایة التکوینیة یُسخّر له فیها جملة من الأسباب، وتسخّر العفاریت والطیر والجبال وغیرهما.

ص:245

فهو یشیرُ إلی ملک سلیمان وحاکمیة خلیفة الله وحجته علی عباده.

فإذا اجتمع العصا والخاتم عند شخص واحد فسیکون وارثاً لمقام موسی وملک سلیمان.

(4) ثم أنَّه لا یخفی أنَّ إضافة العصا لموسی والخاتم لسلیمان، وأنَّ هذهِ العصا والخاتم مع الدابّة دلالة علی أنَّ هناک فی المسلمین بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) شخصا قدْ اصطفاه الله وأورثه مواریث الأنبیاء، ویبعثه الله حاکماً من لدنه کما فی بعثة الله لطالوت ملکاً حاکماً بعد ما اصطفاه الله تعالی وهو یرث مواریث الأنبیاء.

(5) وفی هذا دلالة علی أنَّه بعد حاکمیة المهدی من آل محمد عج من ولد فاطمة علیهم السلام هناک حاکم آخر بعده من قبل الله تعالی.

المَعْلَم الثانی: تخطم أنف الکافر والمنافق بالعصا وتجلی وجه المؤمن بالخاتم

وقد وَرَدَ هذا المعلم فی جملة من الروایات التی قدْ سبق أنْ أشرنا إلیها فی جملة من المصادر.

فقد روی الطبری فی تفسیره فی ذیل الآیة فی سورة النمل بسند متصل ذکره عن بن عمر، قال: «یَبیت الناس یسیرون إلی جَمع وتبیت دابة

ص:246

الأرض وتسایرهم فیصبحون، وقد خطمتهم من رأسها وذنبها فما من مؤمن إلّا مسحته ولا من کافر ولا منافق إلّا تخبطه»(1).

وروی الحاکم النیسابوری فی سنده المتصل عن أبی عوانة بسنده عن بن عمر: (وروی مثل الذی مرَّ وزاد علیه

«وأنَّ التوبة مفتوحة حتّی یخرج الدجال فیأخذ المؤمن منه کهیئة الزکمة، وتدخل فی مسامع الکافر والمنافق حتّی یکون کالشیء الحنیذ»(2).

وروی ابن أبی حاتم فی تفسیره بسنده المتصل عن أبی الزبیر أنَّه وصف الدابّة، فقال: (تخرج ومعها عصی موسی وخاتم سلیمان، ولا یبقی مؤمن إلّا نکتت فی مسجده بعصا موسی نکتة بیضاء، فتفشوا تلک النکتة حتّی تبیض لها وجهه، ولا یبقی کافر إلّا نکتت فی وجهه نکتة سوداء بخاتم سلیمان فتفشوا تلک النکتة حتّی یسود لها وجهه، حتّی أنَّ الناس یتبایعون فی الأسواق: - بکم ذا یا مؤمن وبکم ذا یا کافر - وحتّی أنَّ أهل البیت یجلسون علی مائدتهم فیعرفون مؤمنهم من کافرهم، ثم تقول لهم الدابة، یا فلان أبشر أنت من أهل الجنة، ویا فلان أنت من أهل النار، فذلک قول الله عَزَّ وَجَلَّ: (وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ ) (3).

ص:247


1- (1) الطبری، ج19، ص498، ب79.
2- (2) المستدرک علی الصحیحین للحاکم، حدیث أبی عوانة، ج19 ص387، ح8629.
3- (3) تفسیر ابن أبی حاتم الرازی - ج9 ص2924.

(5) وهذا المعْلَم یُشیر إلی نحو من المُجازاة الإلهیة فی الدنیا یُجریها الله تعالی علی ید دابة الأرض، وهذا نحو من الحاکمیة لدابّة الأرض بین الناس من قبل الله تعالی، وهو نحو مظهر للحساب الإلهی فی دار الدنیا .

(7) وهذا النمط لیسَ علی نمط الحکم الاعتباری التواضعی بین البشر بلْ هو حکم بقدرة ربانیة.

(8) ویظهر من ذلک أنَّ هذهِ الحکومة نمط من الحکومة التکوینیة، ومقام یفیض الحاکم من قبل الله علی المؤمن بمزید من الکمالات، وعلی الکافر بالدرکات.

(9) ثم إنَّ الظاهر من هذهِ الروایات، وهذا المَعْلَم أنَّ شأن مقام حاکمیة دابة الأرض فصل الخطاب بین المؤمنین والمنافقین، أی الفصل بین المسلمین المؤمن منهم والمنافق، إذْ الکافر فی مقابل المؤمن یراد به المنافق، ولیسَ فی مقابل المسلم إذْ الروایات أخذت عنوان المؤمن دون عنوان المسلم.

(10) إنَّ إسناد مجازاة المؤمن بالکمال والترقی علی ید دابّة الارض، ومجازاة الکافر بالإیمان المنافق من المسلمین علی یدها، إشارة واضحة إلی کون دابة الارض عالمة بسجل أعمال المؤمن والکافر، فهی شاهدة لأعمال الخلائق، وهذا مقام فی الحجیة عظیم، فخروج دابّة الارض فی المسلمین رجوع حجة لله تعالی فی الأمَّة الإسلامیة بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله).

ص:248

وأنَّ هذا الخروج إحیاء لحجة الله بعد مماته، لأنه خروج له من الأرض لا من الأرحام، والخروج من الأرض عنوان لإحیاء الموتی فی استعمال القرآن.

(11) وفی روایة سنن ابن ماجة وکذلک فی روایات المصادر الأُخری: (أنَّ أهل الخوان یجتمعون، فیقول هذا یا مؤمن، ویقول هذا یا کافر).

وفی هذا إشارة إلی أنَّ تجوهر الإنسان یتصاعد إلی درجة یبدو ویبرز ویتجسّد الجوهر الروحی بلونه إلی العیان، فیکون الجسد تابعا إلی جوهر الروح لا من قبیل الحیاة الأولی فی الدنیا، حیث کان لجوهر الجسد الغلیظ نحو استقلالیة عن جوهر الروح.

وهذا یعطی مؤشراً أنَّ الطور التکوینی فی الرجعة - لا سیما فی مرحلة دابّة الأرض - یختلف الکون والزمان والمکان فی أحکامه التکوینیة عن النشأة الأولی فی الحیاة من الدنیا.

المَعْلَم الثالث: لدابة الأرض ثلاث خرجات من الدهر
اشارة

فقد روی الحاکم النیسابوری فی مستدرکه علی الصحیحین فی باب حدیث أبی عوانة حدیثاً صحیح الإسناد لم یخرج فی البخاری ومسلم، وقال عنه: هو أبین حدیث فی ذکر دابة الأرض(1).

ص:249


1- (1) وروی الحدیث الأوَّل فی مجمع الزوائد، ج8 ص7؛ وفی مسند أبی داود الطیالسی، ص114؛ وفی الأحادیث الطوال للطبرانی، ص91؛ والمعجم الکبیر، ج3، ص174؛ وکنز العمال للمتقی الهندی، ج14، ص623؛ ومصادر عدیدة أُخری، (المصادر حسب مکتبة أهل البیت علیهم السلام .

فبسنده المتصل عن أبی سریح الأنصاری عن النبی(صلی الله علیه و آله)، قال: یکون للدابّة ثلاث خرجات من الدهر؛ تخرج أوّل خرجة بأقصی الیمن، فیفشو ذکرها فی البادیة، ولا یدخل ذکرها القریة یعنی مکة، ثم تمکث زماناً طویلاً بعد ذلک، ثم تخرج خرجة أُخری قریباً من مکة فینشر ذکرها فی أهل البادیة، وینشر ذکرها بمکة، ثم تکمن زماناً طویلاً، ثم بینما الناس فی أعظم المساجد حرمة وأحبها إلی الله وأکرمها علی الله تعالی المسجد الحرام لم یرعهم إلّا وهی فی ناحیة المسجد.

تدنوا وتربوا بین الرکن الأسود وبین باب بنی مخزوم عن یمین الخارج فی وسع من ذلک، فیرفض الناس عنها شتی وجعاً ویثبت لها عصابة من المسلمین عرفوا أنَّهم لن یعجزوا الله فخرجت تنفض عن رأسها التراب فبدأت بهم فجلت عن وجوههم حتّی ترکتها کأنها الکوکب الدریة ...) الحدیث.

وروی الحاکم روایة أُخری صحیحة الإسناد فی نفس الباب ذیل الحدیث السابق عن أبی الطفیل عن حذیفة:

«أنَّها تخرج ثلاث خرجات فی بعض البوادی، ثم تکمن ثم تخرج فی بعض القری حتّی یذعروه حتّی تهریق فیها الأمراء الدماء».

ص:250

فقه الحدیث:

(10) إنَّ التعبیر بالخروج لتلک الدابة سواء تلک الروایات التی ذکرت خرجة واحدة، أو التی ذکرت ثلاث خرجات، فإنَّ عنوان الخروج یشاکل عنوان الخروج من القبر، وحیث إنَّ هذا الخروج فی دار الدنیا فلیس هو خروج البعث للقیامة الکبری.

فلا محالة یکون من نوع الرجعة إلی الدنیا، وهو إحیاء للمیت وحیث أنَّه خروج من الأرض والتراب والقبر فلیس هو من نمط التناسخ ولا خروج مرة أُخری من الأصلاب والأرحام.

(11) إنَّ دابة الأرض عندما یکون لها ثلاث خرجات، وکل خرجة من التراب حتّی إنَّها فی الخرجة الثالثة تخرج وتنفض التراب عن رأسها أی تراب القبر.

وفی هذا إشارة واضحة لکون الخروج من الأرض، وأنَّه حیاة بعد موت، وهو معنی الرجعة وأنَّ هذهِ الرجعة تتکرر للدابة عِدَّة مرات، أی لها کرات ورجعات.

وهذا یتطابق مع ما لدینا من أنَّ المدعو بدابّة الأرض وهو أمیر المؤمنین(ع) له کرات ورجعات، ومن المهم الالتفات الی أن الروایات الدالة علی خروج الدابّة - کلها أو جلها - ینص علی الخروج من الأرض ومن التراب، وهو نفس التعبیر القرآنی عن المعاد بأنَّه خروج من الأرض، إلّا أنَّ هذهِ حیث کانت فی دار الدنیا فلا محالة ینطبق علی الرجعة فقط.

ص:251

المعلم الرابع:القدرة التکوینیة فی نظام حکم دابة الأرض

1- روی المتقی الهندی فی کنز العمال: مثل أمتی ومثل الدابة حین تخرج کمثل حیّز بنی ورفعت حیطانه وسدت أبوابه وطرح فیها من الوحش کلها، ثم جیء بالأسد فطرح وسطها فارتعدت وأقبلت إلی النفق تلحسه من کل جانب، کذلک أمتی عند خروج الدابة لا یفر منها أحد إلّا مثلت بین عینیه، ولها سلطان من ربنا عظیم، قال رواه أبو نعیم والدیلمی(1).

وفی هذه الروایة اشارة الی شدة القدرة التکوینیة لنظام الحکم لدابة الأرض، ولیس حکمه علی حذو الحکومات البشریة الأخری، بل تفوق قدرة نظام حکم المهدی(عج)، لاختصاص هذا الوصف بنظام حکم دابة الارض.

2 - وروی نعیم بن حمّاد فی کتاب الفتن بسنده عن حذیفة فی حدیثٍ عن دابّة الأرض «... فتخرج علیهم الدابة فتجلوا وجوههم مثل الکوکب الدری، ثم تنطلق فلا یدرکها طالب ولا یفوتها هارب، وتأتی الرجل وهو یصلی، فتقول:

والله ما کنت من أهل الصلاة، فیلتفت إلیها فتخطمه، قال: وتجلو وجه المؤمن وتخطم الکافر»(2). الحدیث.

ومثل هذین الحدیثین أحادیث کثیرة رواها العامّة، وهی دالّة علی مدی سلطان الحکومة والحکم الذی یقیمه حجة الله علی خلقه والمنعوت

ص:252


1- (1) کنز العمال ح 38881 ج 14 ص 344 .
2- (2) کتاب الفتن، الجزء العاشر، ص485، الحدیث 1868.

بدابّة الأرض، وأنَّ هذهِ القدرة فی حکومته لیست علی نمط باقی الحکومات، بلْ الظاهر من روایات الفریقین أنَّ نمط القدرة والسیطرة فی حکومة حجة الله علی خلقه وهو علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین(ع) المنعوت بدابّة الأرض تفوق سیطرة حکومة الإمام المهدی(عج)، کیف لا وقد نص القرآن علی مقام من مقامات علی(ع) وهو دابة الارض بالخصوص، وهو من مقاماته العظیمة فضلاً عن بقیة مقاماته ، بینما ذکر ظهور المهدی(عج) بالعموم الشامل لکل الائمة(علیهم السلام) فی آیات عدیدة، وذلک اشارة لطیفة الی تعاظم مقامات أمیر المؤمنین(ع) علی مقامات بقیة الائمة(علیهم السلام).

المعلم الخامس: تضاؤل قدرة إبلیس وخفوت قوته

روی القوم بطرق عدیدة أنَّ دابّة الأرض بعد خروجها تلطم إبلیس وهو ساجد(1).

فقد روی الطبرانی فی الکبیر والأوسط عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): (إذا طلعت الشمس من مغربها خرَّ إبلیس ساجداً ینادی ویجهر، إلهی مرنی أنا أسجد لمن شئت، قال فتجتمع إلیه زبانیته، فیقولون یا سیدهم ما هذا التضرع، فیقول إنَّما سئلتُ ربی عَزَّ وَجَلَّ أنْ ینظرنی إلی الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابّة الأرض من صدع فی

ص:253


1- (1) مستدرک الحاکم النیشابوری، ج4، ص521، وأیضاً مجمع الزوائد.

الصخر، فأوَّل خطوة تضعها فی أنطاکیا فتأتی إبلیس فتلطمه)(1).

وهناک روایات أُخری رووها بألسنةٍ أُخری مُحصّلها أنَّ إبلیس وجنوده تتقلص قوتهم وفی بعضها یقتل بالدابّة، وهذا مما یشیر إلی درجة من تفشی الخیر والخیرات وانتشار العدالة بأنماط مُرکزة واسعة.

فقد روی الحاکم فی المستدرک عن ابن مسعود أنَّها إذا خرجت تقتل إبلیس (وهو ساجد)، وذلک بعد طلوع الشمس من مغربها.

وعن أنس بن مالک، قال فی دابة الأرض: إنَّ فیها من کل أمّة سیماء وإنَّ سیماءها من هذهِ الأمّة أنَّها تتکلم بلسان عربی مبین(2).

ومفاد هذهِ الروایة أنَّ دابّة الأرض تتکلم بکل اللغات البشریة، وهذا یشیر إلی أنَّ مقام دابّة الأرض حجة من حجج الله تعالی، وهو المنطبق علی وصایة علی بن أبی طالب(ع).

المعلم السادس:تفشی العدل فی أعلی درجاته عهد الدابة
اشارة

فقد روی الحاکم النیسابوری فی المستدرک علی الصحیحین بسنده عن عبدالله بن مسعود عن النبی(صلی الله علیه و آله)، قال:

«خروج الدابة بعد طلوع الشمس من مغربها، فإذا خرجت لطمت إبلیس وهو ساجدٌ ویتمتع المؤمنون فی الأرض

ص:254


1- (1) مجمع الزوائد، الهیثمی، ح8، ص8، باب طلوع الشمس من مغربها أخرجه الطبرانی.
2- (2) عقد الدرر فی أخبار المنتظر: یوسف بن یحیی المقدسی، ص315.

بعد ذلک أربعین سنة لا یتمنون شیئاً إلّا أعطوه ووجدوه، ولا جور ولا ظلم، وقد أسلم الأشیاء لرب العالمین طوعاً وکرهاً حتّی أنَّ السبع لا یؤذی دابّةً ولو طیراً، ویلد المؤمن فلا یموت حتّی یتمّ أربعین سنة بعد خروج الدابّة، ثمَّ یعود فیهم الموت فیمکثون فی ذلک ما شاء الله، ثم یُسرع الموت فی المؤمنین فلا یبقی مؤمن، فیقول الکافر قدْ کنّا مرعوبین من المؤمنین فلم یبقَ منهم أحد ولیسَ تقبل منّا توبة فیتهارجون فی الطرق تهارج البهائم ثم یقوم أحدهم بأمه وأخته وابنته فینکحها وسط الطریق یقوم عنها واحد وینزوا علیها آخر ...» إلی آخر الحدیث.(1).

وفیه یُبین قیام الساعة علی أولاد الزنا شرار الناس.

وبمضمون هذهِ الروایة رووا بطرق فی مصادر أُخری.

وفی مفاد هذهِ الروایة محاور جمّة:

الأوَّل: ما نحن فی صدده من ازدیاد تفشی العدل کیفاً وکمّاً، وهو ما أشار إلیه بقوله صلی الله علیه وآله

«ولا جور ولا ظلم وقد أسلمَ الأشیاء لرب العالمین طوعاً وکرهاً حتّی أنَّ السبع لا یؤذی دابّةً ولا طیراً».

وهذهِ درجة من أفق العدل تتفشی حتّی فی الحیوانات، وهذا المعنی من نظام العدل الشمولی الشامل للحیوانات لم یهتد إلی تصوره البشر إلی الآن، فأی آلیة وأی نظام وأی منظومة بإمکانها إقامة العدل حتّی فی أرواح وطباع

ص:255


1- (1) المستدرک، النیشابوری، مجلد 4، ص521.

الحیوانات! فضلاً عن الجن والإنس، وقد أُشیر فی الروایة إلی تضاؤل الشر وتکاثر الخیر وضعف قدرة إبلیس والسیطرة علیه.

وکل هذهِ الأمور مما یقوی صرح وهیکل العدل ویضعف کیان الشر والظلم.

الثانی: تقلیل الشرور فی الأرض وضعف کیان الشر، فقد روی أحمد بن حنبل فی مسنده عن أبی هریرة عن النبی(صلی الله علیه و آله) یقول لا تقوم الساعة حتّی لا تنطح ذات قرن جماء(1).

مفاد الحدیث إشارة إلی تفشی العدل بین الحیوانات البهیمة الذی مرَّ الإشارة إلیه فضلاً عن الجن والإنس، وقد أشار الحدیث إلی خمول الشر بقوله:

«إنَّ دابّة الأرض تلطم إبلیس وهو ساجد» کنایة عن سیطرة صاحب مقام دابّة الأرض علی قدرات إبلیس وهو ساجد، أی منقاد وذلیل فی قدرته تحت قدرة وحاکمیة دابّة الأرض.

الثالث: تکامل الطبائع المادیة إلی الذروة فضلاً عن التکامل الروحی الذی أُشیر إلیه، ومن معالم هذا التکامل طول عمر المؤمنین وأنهم لا یتمنون شیئاً إلّا أعطوه ووجدوه.

الرابع: إنَّ خروج الدابة من الأرض ورجعتها للدنیا وحاکمیتها فی الأرض الذی هو حاکمیة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(ع)، کما سیاتی فی

ص:256


1- (1) مسند أحمد، ج2، ص442.

روایات العامة فضلاً عن روایات أهل البیت(علیهم السلام) فضلاً عن الإشارات العدیدة التی مرَّ ذکرها أنَّ دابّة الأرض هو حجة من حجج الله تعالی، فخروج الدابّة بعد طلوع الشمس من مغربها، إنَّما هو ظهور الإمام المهدی عجل الله فرجه من مکة کما مرَّ تحقیق ذلک فی مباحث معرفة الإمام المهدی.

فهذهِ البعدیة نصٌّ فی قیام دولة العدل الإلهی بعد دولة الإمام المهدی، واستمرار دول العدل إلی مراتب أعظم فأعظم فی العدل، وأبرز ذلک دولة حجة الله علی عباده صاحب مقام دابّة الأرض، وهو أمیر المؤمنین.

دابةُ الأرض حقیقتها فی روایات العامّة

روی بن أبی حاتم فی تفسیره عن أبی الزعراء أنَّ رجلاً سأل عبدالله عن الدابّة، فقال له: سل علیاً فإنَّه بذلک، فسأل علیاً، فقال: تأکل الطعام وتمشی فی الأسواق وتُکلِّم الناس إنَّ الناس کانوا بآیاتنا لا یوقنون(1).

روی ابن أبی حاتم أیضا عن مُحمَّد بن کعب القرظی عن علی(ع) أنَّه کان إذا سئل عن الدابة، قال:

«أمَا والله ما لها ذنب وأنَّ لها لحیة»(2).

وفی تفسیر بیان المعانی: قال علی کرم الله وجهه لها لحیة ولا ذنب لها، وقال وهب: وجهها وجه رجل وسائر خلقها کالطیر، والله أعلم بحقیقتها، والحکم الشرعی وجوب الاعتقاد بخروجها جزماً، اعتقاداً لا مریة فیه، ومن

ص:257


1- (1) تفسیر ابن أبی حاتم، مجلد/9، ص2926/ ح16609.
2- (2) تفسیر ابن ابی حاتم، مجلد 9 ،ص2924/ ح16596.

أنکرها یکفر والعیاذ بالله لثبوتها نصاً بالقرآن العظیم(1).

الاعتقاد برجعة علی(ع) فرض علی الأنبیاء

روی السیوطی فی تفسیره الدر المنثور، قال اخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم عن الحسن: أنَّ موسی(ع) سأل ربه أنَّ یریه الدابة، فخرجت ثلاثة أیام ولیالهن تذهب فی السماء لا یری واحد من طرفها، قال: فرأی منظراً فظیعاً، فقال: ربِّ ردّها، فردّها(2).

وکذلک روی العامّة فی مصادرهم أنَّ موسی طلب من الله أنَّ یریه دابّة الأرض، فأراه الله تعالی.

وهذا مؤشر إلی أنَّ الاعتقاد بدابة الأرض وهو رجعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه قدْ أخذ اعتقاده علی الأنبیاء السابقین وعرَّفهم تعالی الإیمان بها، کما یدلُّ علی أنَّ دابة الأرض مقام من مقامات علی بن أبی طالب(ع)، وقد أخذ علی الأنبیاء الاعتقاد به کما أخذ علیهم الاعتقاد بأنَّ علیاً مفترض الطاعة من الله بعد سید الأنبیاء رتبةً ومقاماً.

وهذا ممَّا یظهر بوضوح أنَّ معرفة إمامة أمیر المؤمنین بالرجعة ومقاماته فیها لهو رکن هامّ فی معرفة الإمامة، کَمَا تقدَّمت الإشارة إلیه فی الأحادیث المرویة عن الباقر(ع).

ص:258


1- (1) تفسیر بیان المعانی، ج3، ص344.
2- (2) تفسیر السیوطی، الدر المنثور، ح5، ص115.
إشارة روایات العامة أن دابة الارض علی(ع)

وفی کتاب الضعفاء للعقیّلی فی ترجمة جابر روی سفیان بن عیینة عن جابر أنَّه کان یقول:

«إنَّ دابّة الأرض علیٌّ»(1).

روی العقیلی أیضا عن أبی بکر، قال: سمعت علیاً علی المنبر یقول:

«إنَّ دابة الأرض تأکل وتحدث»، فقال رشید الهجری: أشهد أنک تلک الدابّة، فقال له علی قولاً شدیداً(2).

وقد روی ابن عساکر فی تاریخ دمشق (3) عن الغطافی عن رجاله عن الصادق علیه السلام عن آبائه الطاهرین عن جابر، قال: لما بویع علیٌّ خطب الناس، فقام إلیه عبدالله بن سبأ، فقال له: أنت دابّة الأرض، قال: فقال له: اتق الله. الحدیث.

فیظهر من روایاتهم أنَّ جملة من الصحابة والتابعین فی الصدر الأوَّل کانوا یقولون ویروون أنَّ دابّة الأرض هو علی بن أبی طالب(ع).

وقال المقدسی: أخرج الإمام أبو عمر المُقری فی سننه عن أنس بن مالک، قال فی دابة الأرض: إنَّ فیها من کل أمّة سیماء، وإنَّ سیماءها من هذهِ

ص:259


1- (1) ضعفاء العقیلی، باب الجیم، رقم 240، ترجمة جابر بن یزید الجعفی، ج1، ص194، ورواه الذهبی فی میزان الاعتدال فی ترجمة جابر بن یزید، رقم 1425 ج1 ص384.
2- (2) ضعفاء العقیلی، باب الراء، ج2ن ص63، رقم 603.
3- (3) ترجمة عبدالله بن سبأ، رقم المترجم له، 3306، ج29، ص9.

الأمة أنَّها تتکلم بلسان عربی مبین(1).

ومفاد هذهِ الروایة أنَّ دابّة الأرض تتکلم بکل اللغات البشریة، وهذا مما یشیر إلی أنَّ مقام دابّة الأرض حجة من حجج الله تعالی، وهو المنطبق علی وصایة علی بن أبی طالب(ع).

1) فروی ابن أبی عاصم فی (کتاب السنة) المتوفی 287 فی الغیبة الصغری عن أبی الطفیل بطریق عامی روایة، قال: کان - یعنی ذا القرنین - رجلاً صالحاً ناصح الله فنصحه فضرب علی قرنه الأیمن فمات فأحیاه الله ثم ضُرب علی قرنه الأیسر فمات فأحیاه الله، وإنَّ فیکم مثله.

ومفادها: وجود امام فی الأمة منصوب من قبل الله یُمکِّن له الله فی الأرض ویؤتیه الأسباب، وأنَّه یُضرب علی قرن رأسه مرتین، أی یقتل مرتین ویُحیی ویرجع مرتین إلّا أنَّه یمکَّن ویُعطی الأسباب بعد رجوعه من الموت إلی الدنیا بعد ما قتل.

وقد رواه المتقی الهندی فی کنز العمال(2) عن بن عاصم فی السند وابن الأنباری فی المصاحف وابن مردویه وابن المنذر وبن عبد الحکم فی فتوح مصر.

وروی فی کنز العمال عن ابن مردویه عن سالم بن أبی الجعد، قال:

ص:260


1- (1) عقد الدرر فی أخبار المنتظر: یوسف بن یحیی المقدسی، ص315.
2- (2) کتاب السنة لابن أبی عاصم، ص385.

سئل علیٌّ عن ذی القرنین أنبیٌّ هو؟ فقال: سمعتُ نبیکم صلی الله علیه وآله یقول: هو عبدٌ، وفی لفظ رجل ناصح الله فنصحه، وأنَّ فیکم لشبهه أو مثله(1).

وذکر ابن أبی حاتم(2) فی تفسیره روایات أنَّ فی زمن علی(ع) کان الاعتقاد لدی جملة من المسلمین أن دابة الأرض هو علی(ع)، فقد روی بسنده عن النزال بن سبره، قال: قیل لعلی بن أبی طالب(ع) أنَّ ناساً یزعمون أنک دابّة الأرض، فقال علی(ع): والله إنَّ لدابة الأرض ریشاً وزغباً ... (3).

وذکر السمعانی المتوفی سنة 489ه- فی تفسیره فی ذیل قوله تعالی : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ ) عن علی بن أبی طالب(ع) أنَّه قال: «لیسَ بدابة لها ذنب ولکن لها لحیة» کان یشیر إلی أنَّه رجل ولیسَ بدابّة ذات الاربع.

والأکثرون علی أنَّها دابّة، وهی تخرج فی آخر الزمان، ویقال أنَّ أوّل أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الأرض(4).

ورواه الزمخشری فی تفسیر الکشّاف فی ذیل سورة الکهف.

ص:261


1- (1) کنز العمال، مجد 2، ص456، رقم الحدیث المسلسل 4491.
2- (2) نفس المصدر/ 4490.
3- (3) تفسیر ابن أبی حاتم تحت ذیل الآیة الکریمة فی سورة النمل،/82، الحدیث/ 16595.
4- (4) ابن أبی حاتم المتوفی 327ه-.

2) روی ابن أبی حاتم فی تفسیره بسند عن أبی الزعراء عن رجل سأل عبد البر عن الدابّة، فقال له: سل علیاً فإنَّه بذلک، فسأل علیاً(ع)، فقال: تأکل الطعام وتمشی فی الأسواق(1) وتُکلِّم الناس.

وهذا الوصف لدابة الارض منه(ع) یحاکی وصف القرآن للرسول(صلی الله علیه و آله) بأنه بشر، ففی توصیف دابة الأرض بذلک إشارة الی أنها بشر قد اصطفاه الله للحکم فی الارض فی حین انه یأکل ویمشی فی الأسواق.

3) وذکر مقاتل فی تفسیر آیة دابة الأرض أنَّ قوله تعالی - فی الآیة - أنَّ الناس کانوا بآیاتنا (بخروج الدابة) هذا قول الدابّة للناس أنَّ الناس بخروجی لا یوقنون؛ لأنَّ خروجها آیة من آیات الله عَزَّ وَجَلَّ. انتهی کلامه.

وتفسیره للآیة مقتضاه أنَّ کثیراً من الناس لا یؤمنون بخروج الدابة کآیة من آیات الله، والخروج من الأرض عبارة أُخری عن الرجعة؛ لأنَّها خروج من القبر، أی من الأرض بینما الحیاة الأولی لأی کائن حی یدب علی الأرض هو خروجٌ من الأرحام والأصلاب.

فرجعة دابة الأرض إلی الدنیا تمشی فی الأسواق وتُکلِّم الناس کحاکم من الله وبأمره آیة من آیات الله الکبری.

4) وروی مستفیضاً عندهم أنَّ لدابة الأرض ثلاث مراحل وخرجات

ص:262


1- (1) تفسیر السمعانی، مجلد/ 4، ص113.

فی بعض البوادی، وفی بعض القری، حتّی تهریق الأمراء فیها الدماء. وهذا یدلُّ علی أنَّ لدابة الأرض رجعات.

الفرق بین حکومتی دابة الأرض والإمام الحجة

5) ورووا مستفیضاً أنَّ دابة الأرض تأتی الرجل وهو یصلّی فتقول له: «أتتعوذ بالصلاة والله ما کنت من أهل الصلاة فیلتفت إلیها فتخطمه»(1).

وفی بعض ما رووه

«فإذا رآها الناس دخلوا المسجد یصلون فتجیء إلیهم، فتقول: الآن تصلون! فتخطم الکافر وتمسح علی جبین المُسلم غرّة».

ومفادها هذهِ الروایات أنَّ هذا الحاکم بأمر الله المدعو (بدابّة الأرض) لا یقبل ظاهر الإسلام، بلْ یداین ویحاکم الناس علی البواطن وواقع حالهم من الإیمان القلبی والکفر القلبی.

ورووا مستفیضاً أنَّ دابة الأرض تسم الناس مؤمناً وکافراً، وهذا الوسم والفصل والمیز المتواتر فی روایاتهم مقارب جدا لما فی روایاتنا.

وروی الشیخ الطوسی عن النبی ص «أنَّ علیاً قسیم الجنة والنار»(2)

ونظیر

«أنَّ علیاً حبه إیمان وبغضه کفر» وهذهِ الصفة والشأن فی علیّ أمیر المؤمنین(ع) بعینها هی صفة دابّة الأرض وأنَّها تسم الناس مؤمناً وکافراً.

ص:263


1- (1) تقدَّم ذکر مصادرها.
2- (2) التبیان فی تفسیر القرآن - الشیخ الطوسی، ص411 ج4.

فهی فیصل وفاصلٌ وفاروق أعظم وحاکم ودیّان یداین الناس یوم الدین وأنَّها تکتب بین عینی الإنسان مؤمن أو کافر فلا یبقی أحد إلّا وسمت وجهه فتترکه أبیضا أو أسودا.

وقد وَرَدَ ابیضاض الوجه واسوداده مستفیضاً عندنا وعندهم: یَوْمَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِینَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِکُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ * وَ أَمَّا الَّذِینَ ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِی رَحْمَتِ اللّهِ هُمْ فِیها خالِدُونَ تِلْکَ آیاتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَیْکَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعالَمِینَ (1).

وهذا الحدث الذی تشیر إلیه سورة آل عمران مرتبطاً بشأن دابّة الأرض فی سورة النمل.

وإلّا فما هو حقیقة موقعیة شخصیة تفصل بین الناس بحسب حقائق قلوبهم ودینهم، وتداین الناس علی حسب واقعهم، فهل هی إلّا شخصیة جعلها الله شاهدة علی أعمال العباد، وحاکمة علیهم بحسب حقائق الدین وواقع جزاء الأعمال، لا حکومة ظاهریة بحسب ظاهر الإسلام ذات سیطرة محدودة فی ظاهر أوضاع الناس.

بلْ بولایة وقدرة علی قلوب وأرواح الناس وبواطن ضمائرهم وبالمقارنة مع ما وَرَدَ مستفیضاً عن الفریقین فی أوصاف حاکمیة دابة الارض

ص:264


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 106 - 108.

عند خروجها انه لا یدرکها طالب ولا یعجزها هارب.

وهذا فارق کبیر بین قدرة حاکمیة دابة الارض وحاکمیة الإمام المهدی عجل الله فرجه فی دولة الظهور، فإنَّه وَرَدَ فی وصف قدرة حاکمیة حکومته ودولته أنَّه یسیر والرعب أمامه شهراً.

بینما قدرة وسیطرة حاکمیة دابّة الأرض، أنَّ کل نقاط الأرض تحت سیطرتها بالفعل فی آن واحد، وأنَّه لا تستطیع أی قوة فی البشر أنَّ تستهدفها وأنَّها تصرخ فیسمعها من بین الخافقین. ولا ینال أحد من سیطرتها شیئاً.

ومن ثم کان درجة انتشار العدل فی دولة الرجعة لأمیر المؤمنین(ع) فی مرحلة دولة دابّة الأرض، وهی منتصف رجعات أمیر المؤمنین(ع) أعظم بمراتب کمالاً من دولة الظهور للإمام الثانی عشر(عج).

وروی الطبرانی فی المعجم الأوسط أنَّ دابة الأرض تلطم إبلیس.

وفی عمدة القارئ فی شرح البخاری للعینی: أن دابة الارض تقتل إبلیس.

وروی ابن أبی شیبة الکوفی فی المصنف: أنَّ الدابة تنتقم من المنافقین یومئذٍ وهم أشر من الدجال(1).

وروی نظیره ابن أبی حاتم فی تفسیره فی ذیل آیة دابة الأرض.

وروی فی عمدة القارئ للعینی ضعف الشیاطین بخروج دابة الأرض

ص:265


1- (1) المصنف لابن شیبة، مجلد 8، ص671، ذکره فی باب فقه الرجال.

عن الشر.

وروی الحاکم فی المستدرک بسنده عن أبی الطفیل کنّا جلوساً عند حذیفة فذکرت الدابة، فقال حذیفة أنَّها تخرج ثلاث خرجات فی بعض البوادی، ثم تکمل ثم تخرج فی بعض القری حتّی یذعروا حتّی تهریق فیها الأمراء الدماء، ثم تکمن، قال فبینما الناس عند أعظم المساجد وأفضلها وأشرفها حتّی قلنا لمسجد الحرام، وما سمّاه إذْ ارتفعت الأرض ویهرب الناس ویبقی عامّة من المسلمین یقولون أنَّه لن ینجینا من أمر الله شیء؟ فتخرج فتجلو ووجوههم حتّی تجعلها کالکواکب الدریة، وتتبع الناس جیران فی الرباع شرکاءٌ فی الأموال وأصحاب فی الإسلام).

وقول الناس أنَّه لم ینجینا من أمر الله شیء دالٌّ علی أنَّ حاکمیة دابّة الأرض من الله تعالی وأنَّها من أمر الله.

کما أنَّ ما رووه مستفیضاً:

«من أنَّ معها عصی موسی وخاتم سلیمان» مقتضاه أنَّها حجة الله وأنَّها شخصیةٌ ترثُ مواریث الأنبیاء فلها مقام الحجیة، وأنَّها شخصیة مصطفاة کالأنبیاء، وأنَّها تجمع معاجز الأنبیاء.

وهل یقوم ویقتدر علی معاجز إلهیة قام بها الأنبیاء متفرقین، ویقوم هو بها وحده إلّا رجل مصطفیً باصطفاء عظیم ولیسَ هو سید الأنبیاء صلی الله علیه وآله، ولا نبی بعده فلم یبق إلّا أوصیاؤه وسید أوصیاءه ابن عمه من أهل بیته، کما هو مفاد حدیث الدار وأحادیث أخر رواها الفریقان، ونصّ علیه العدید من الآیات فی القرآن .

ص:266

کما أنَّ تجلیتها تکوینأً لنفاق المنافق وإیمان المؤمن وآثار أعمال کل منهما هو نمط من حاکمیة یوم الدین، وأنَّه هو من یجازی الخلق من قبل الله تعالی علی نمط الجزاء الأخروی.

بدأ الحساب فی أواخر الرجعة قبل یوم القیامة

من مظاهر شخصیة دابة الارض أنَّ حاکمیته حاکمیة یوم الدین، وقد روی ابن أبی شیبة فی المصنف بسنده أنَّه إذا خرجت أوَّل الآیات حبست الحفظة وطرحت الأقلام وشهدت الأجساد علی الأعمال(1).

وقد رووا أنَّ من الآیات التی تخرج لأشراط الساعة خروج دابّة الأرض، وهذا مما یشیر إلی أنَّ حاکمیتها مداینة یوم الحساب، وقد وَرَدَ فی روایات أهل البیت بدؤه فی أواخر الرجعة قبل یوم القیامة.

وروی بسنده عن حذیفة بن أسید، قال کنّا نتحدث فی ظل غرفة لرسول الله(صلی الله علیه و آله) فذکرنا الساعة فارتفعت أصواتنا فأشرف علینا رسول الله(صلی الله علیه و آله) من غرفته، فقال: عمّا یتحدثون، فقلنا: ذکر الساعة، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): إنَّ الساعة لن تکون أو لن تقوم حتّی یکون قبلها عشر آیات؛ طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وخروج یأجوج ومأجوج، والدجال، وعیسی بن مریم والدخان، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزیرة العرب، وآخر ذلک نارٌ تخرج من قعر عدن فتسوق الناس إلی

ص:267


1- (1) المصنف لابن أبی شیبة الکوفین ج8، الحدیث 145، 155 ص670 - 671.

المحشر(1) .

ولا یخفی أنَّهم قدْ رووا أیضاً أنَّ الدابة لها ثلاث خرجات، وأنَّ احدی خرجاتها من عدن وأنَّها تسوق الناس من هناک.

کما أنَّ سوق النار للناس یدلُّ علی أنَّ المراد أنَّ هناک سائق یسوق ویستهدف سوقهم إلی موقع المحشر، فلیس هذهِ النار إلّا عبارة عن الرهبة والرعب الذی ینتاب الناس من هذا السائق وهو ینطبق علی الدابة دابة الأرض. وقد وَرَدَ فی مصادر أهل البیت(علیهم السلام) أنَّ دابة الأرض تسوق الناس إلی المحشر(2).

وروی الطبرانی فی الأحادیث الطوال. بسنده عن أبی الطفیل عن أبی سریحة الغفاری، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): ثم تذهب فیتجاور الناس فی دورهم، ویصطحبون فی أسفارهم، ویشترکون فی الأموال، ویعرف الکافر من المؤمن حتّی أنَّ الکافر یقول للمؤمن یا مؤمن أقضی حقی، ویقول المؤمن للکافر أقضی حقی(3).

ومفاد هذهِ الروایة - المرویة عندهم بطرق متعددة - یشیر إلی درجة

ص:268


1- (1) السنن الکبری للنسائی، ص424، ج6، الحدیث 11380. المستدرک للحاکم النیشابوری، ج4 ص484؛ الأحادیث الطوال للطبرانی. الأحادیث الطوال، ص92.
2- (2) الغیبة للطوسی، ص266.
3- (3) بحار الأنوار، ج52، ص12؛ دلائل الإمامة للطبری عند علی بن إبراهیم بن مهزیار، مثله علی وجه أبسط مما رواه الشیخ والمضمون قریب.

من تآلَّف من الناس وتوادهم وانسجام فی الحیاة والتعامل الاجتماعی، تترقی إلی درجة البناء وفق الأصول الأخلاقیة لا مجرد قوانین العدل والقسط بجفاف.

وبعبارة أُخری بناء العلاقة الاجتماعیة المعیشیة علی الإحسان، وهو أعلی رتبة من بناءه علی مجرد العدل والقسط.

و تتکامل درجة الإصلاح فی زمان دولة دابّة الأرض بدرجات أعلی وأعظم من ما یتحقق فی دولة الظهور للمهدی(عج) من عدل وقسط، ومن ثم ورد أن أمیر المؤمنین علیه السلام یملأها صدقا وایمانا وهی رتبة أعلی من ملأها قسطا وعدلا، لأن الصدق والایمان باطن النفس وأما القسط والعدل فظاهر التعامل بین الناس.

وقد روی الحاکم فی المستدرک عن أبی الطفیل، قال: کنّا جلوساً عند حذیفة فذکرت الدابّة، فقال حذیفة: وأنَّ لها ثلاث خرجات فتخرج فتجلو وجوههم حتّی تجعلها کالکوکب الدری، وتتبع الناس جیران فی الرباع شرکاء فی الأموال وأصحاب فی الإسلام(1).

وقد رووا مستفیضاً أنَّ تعامل الناس فیما بینهم یتمّ علی الباطن لا علی الظواهر.

فقد روی الطبری فی ذیل آیة الدابّة بسنده عن أوس بن خالد عن

ص:269


1- (1) المستدرک للحاکم النیسابوری، ج4، ص485.

أبی هریرة، قال: قال: رسول الله(صلی الله علیه و آله): تخرج الدابّة معها خاتم سلیمان، وعصی موسی فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الکافر بالخاتم، حتّی أنَّ أهل البیت لیجتمعون فیقول: هذا یا مؤمن، ویقول: هذا یا کافر(1).

وروی الطبری أیضاً بسنده عن قتادة، قال: هی دابة: قال: قال عبدالله بن عمر أنَّه تنکت فی وجه الکافر نکتة سوداء فتفشو فی وجه فیسود وجه، وتنکت فی وجه المؤمن نکتة بیضاء فتفشو فی وجه حتّی یبیضّ وجه، فیجلس أهل البیت علی المائدة فیعرفون المؤمن من الکافر ویتبایعون فی الأسواق، فیعرفون المؤمن من الکافر(2).

وقد رووا روایات مستفیضة أنَّ دابّة الأرض تسمّ الناس مؤمناً وکافراً، وهذا المقام عین مقام علی(ع) قسیم الجنة والنار، وأنَّه حاکم ودیّان یوم الدین کخلیفة لله تعالی.

فقد روی الطبری فی جامع البیان فی ذیل آیة الدابّة من سورة النمل بسنده عن ربعی ابن حراش، قال: سمعت حذیفة بن الیمان، یقولُ: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) یقول: وذکر الدابّة، فقال: حذیفة قلت: یا رسول الله من أین تخرج؟

قال: من أعظم المساجد حرمةً علی الله بینما عیسی یطوف بالبیت

ص:270


1- (1) جامع البیان، مجدل 20، ص19، ح20624.
2- (2) جامع البیان، مجلد 20، ص20، ح20625.

ومعه المسلمون إذْ تضطرب الأرض حولهم تحرّک القندیل وینشق الصفا مما یلی المسعی، وتخرج الدابّة من الصفا أوَّل ما یبدوا رأسها ملمّعة ذات وبر وریش، لم یُدرکها طالب، ولم یفوتها هارب، تسمّ الناس مؤمناً وکافرا، أمَّا المؤمن فتترک وجهه کأنه کوکب دریّ، وتکتب بین عینیه مؤمن، وأمَّا الکافر فتنکت بین عینیه نکتة سوداء کافر(1).

ملحوظة معترضة

اقول: قد یظهر من الروایات تزامن رجعة أمیر المؤمنین(ع) مع حضور ونزول عیسی(ع) وهو عصر ظهور المهدی(عج) فیستلزم أن أول من یرجع من المعصومین(علیهم السلام) هو علیّ(ع)، لا الحسین(ع) معاصراً لأواخر عهد المهدی(عج)، وقد یظهر هذا المعنی ایضا من روایة الناحیة المقدسة التی ذکر من علامات وقت الظهور خروج دابة الارض، ویمکن توجیهه أن التزامن بین خروج دابة الأرض یکون فی رجعة عیسی(ع)، أو مراده من وقت الظهور لیس خصوص ظهوره(عج) بل مطلق ظهور دولتهم ، وقد عرفت أن رجوع الائمة(علیهم السلام) یطلق علیه رجوع بعد غیبة الموت.

رجوع الی أحوال دابة الأرض

وروی قریباً منه أنَّها تختم أنف الکافر بالخاتم، وتنکت فی وجه المؤمن

ص:271


1- (1) جامع البیان، مُحمَّد بن جریر الطبری/ ج20 ص19.

نکتة بیضاء فتفشو فی وجه حتّی یبیّض وجهه فیجلس أهل البیت علی المائدة فیعرفون المؤمن من الکافر، ویتبایعون فی الأسواق فیعرفون المؤمن من الکافر، ورووا أنَّ شخصیة دابّة الأرض تکتب بین عینی الشخص مؤمناً أو کافراً.

وممّا مرَّت الإشارة إلیه فی طوائف الروایات التی رواها العامة من أنَّها تسمّ الناس مؤمناً وکافراً وغیرها من الدلالات، یظهر أنَّ حکومة دابّة الأرض لا تکون علی طبق الظواهر والسطح المعلن من الناس، بلْ تداین وتحاکم علی الباطن والواقع من حقائق الأشخاص.

مثل ما رووا من أنَّه إذا رآها الناس دخلوا المسجد الحرام یصلون فتجیء إلیهم، فتقول: الآن تصلون فتخطم الکافر وتمسح علی جبین المسلم غرة.

مقام الحاشر والحشر للنبی(صلی الله علیه و آله)

وقد رووا فی ذلک روایات مستیفیضة:

1 - روی أحمد بن حنبل فی مسنده عن حذیفة، قال: سمعت النبی(صلی الله علیه و آله) یقول فی سکة من سکک المدینة: أنا مُحمَّد وأنا أحمد والحاشر والمقفی ونبی الرحمة(1).

2 - وروی فی مسنده عن جبیر بن مطعم عن أبیه، قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) یقول أنَّ لی أسماء أنا أحمد وأنا مُحمَّد وأنا الماحی الذی یمحو

ص:272


1- (1) مسند أحمد بن حنبل (حدیث حذیفة بن الیمان) ، ج5، ص405.

الله بی الکفر، وأنا الحاشر الذی یحشر الناس علی قدمی، وأنا العاقب(1).

وفی روایة (والخاتم)(2) وفی روایة

«والعاقب الذی لیسَ بعده نبی»(3).

وفی روایة

«ونبی الرحمة ونبی التوبة ونبی الملحمة»(4)

وفی روایة

«ونبی الملاحم»(5)

وفی روایة

«وأنا النبی المصطفی»(6)

وفیه

«والعاقب الذی لیسَ بعده أحد»(7).

وروی نحوها البخاری فی صحیحه(8) ومسلم فی صحیحه فی مواضع، وفیه

«والعاقب الذی لیسَ بعده أحد»(9)، والترمذی فی سننه(10)؛ والحاکم فی المستدرک فی مواضع(11).

ص:273


1- (1) مسند أحمد ج4، ص84.
2- (2) المصدر السابق نفسه.
3- (3) مسند أحمد، ج4، ص80.
4- (4) مسند أحمد، حدیث أبی موسی الأشعری، ج4، ص395.
5- (5) نفسه ج5، ص405.
6- (6) مسند أحمد ج6، ص25.
7- (7) سنن الدارمی، باب أسماء النبی ج2، ص318.
8- (8) صحیح البخاری کتاب بدء الخلق، باب ما جاء فی أسماء رسول الله ج4، ص162، وج6، ص62.
9- (9) صحیح مسلم باب، باب فی أسمائه ج7، ص89.
10- (10) سنن الترمذی، باب ما جاء فی أسماء النبی، ج4، ص214.
11- (11) مستدرک الحاکم، باب أسماء النبی ج2، ص

وفی شرح صحیح مسلم للنووی «وأنا الحاشر الذی یحشر الناس علی عقبی»(1).

وفی مجمع الزوائد عن الطبرانی فی الکبیر والأوسط عن جابر بن عبدالله عن النبی(صلی الله علیه و آله):

«أنا أحمد وأنا مُحمَّد وأنا الحاشر الذی أحشر الناس علی قدمی وأنا الماحی الذی یمحو الله بی الکفر، فإذا کان یوم القیامة کان لواء الحمد معی وکنت أمام المرسلین وصاحب شفاعتهم»(2).

وهذهِ الروایات لها دلالة علی الرجعة من وجوه:

الأوَّل والثانی: تسمیته من الله تعالی الماحی و(العاقب) قدْ ذکر فی عِدَّة روایات رووها، وتفسیرها:

بأن الله یمحو به الکفر، وهو مطابق لمفاد وعد الله تعالی، هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ والذی ینجز هذا الوعد فی رجعته(صلی الله علیه و آله) حیث أنَّ فی رجعته التی هی أیضاً مفاد قوله تعالی إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ .

وقد أُشیر فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) - کما سیأتی فی الباب الثالث - أنَّ رجعته(صلی الله علیه و آله) هی فی آخر حیاة الرجعة، وأنَّ دولته(صلی الله علیه و آله) آخر دول المعصومین.

ومنه یفسِّر اسم العاقب، حیث رووا أنَّه «لیسَ بعده أحد» کالصریح

ص:274


1- (1) شرح صحیح مسلم لأسمائه: ج15، ص105.
2- (2) مجمع الزوائد فی أسمائه، ج8 ص284.

فی أنَّ رجعته(صلی الله علیه و آله) هی فی آخر عمر الدنیا، ولا محالة تکون فی الحیاة الآخرة من الدنیا.

فلابدَّ إذنْ من رجعته کی یمحو به جمیع الکفر من الأرض ویکون عاقباً لا معقب بعده یحکم الأرض.

الثالث: وصفه واسمهُ بالمُقفی وهو مقارب لاسم (العاقب) فهو الذی یقفو الخلائق والقرون، وهو یفید أنهُ آخر المعصومین رجوعاً فلابدَّ من رجوعه کی یکون مقفیاً وعاقباً لیسَ بعدهُ أحد.

الرابع: تسمیته صلوات الله علیه بنبی الملحمة ونبی الملاحم، والملحمة والملاحم فی الروایات واللغة تُطلق علی الأحداث الهامة الخطیرة المستقبلیة، فعندما یکون نبی تلک الأحداث فهذا یفید رجوعه لا سیما الإضافة إلی المفرد (نبی الملحمة) الظاهرة فی حضوره فی الملحمة المستقبلیة لا مجرد إخباره عنها.

الخامس: تسمیته(صلی الله علیه و آله) بالحاشر، وقد صرَّح فی روایة جابر عنه(صلی الله علیه و آله) التی رواها الطبرانی بقوله(صلی الله علیه و آله):

«أنا الحاشر الذی أحشر الناس» .

فیدلّ علی أنَّ حشر الناس یجریه الله علی یدیه، ولا ینافی ذلک أنَّ النافخ فی صور النفوس هو إسرافیل، کما أشیر إلی ذلک فی الآیات والروایات، فإنَّ جمیع الملائکة بما فیهم إسرافیل فی طوع خلیفة الله فی الأرض، ثم إنَّ هذا الحشر الذی یجریه الله علی ید سید الأنبیاء لیسَ المراد الید الجسمانیة، بلْ القدرة

ص:275

التی أعطیت له بحسب کثیر من الروایات التی رووها.

وهذهِ التسمیة لهُ مقرونة بتسمیته بالماحی أو عند تسمیته (بالعاقب) قبل تسمیته (بنبی الملحمة) الدالّ علی أنَّ هذا الحشر منه(صلی الله علیه و آله) للناس هو حشر الرجعة، إذ هو لا یختص بالحشر الأکبر تواجدا فی یوم القیامة.

وقد وَرَدَ هذا العنوان فی روایات أهل البیت(علیهم السلام):

1 - فی الکافی بسند صحیح عن أبی عبدالله(ع) فی حدیث عن المعراج «فاجتمعت الملائکة، وقالت: مرحباً بالأوَّل ومرحباً بالآخر، ومرحباً بالحاشر ومرحباً بالناشر، مُحمَّد خیر النبیین وعلی خیر الوصیین»(1).

2 - وفی الخصال فی موثق مُحمَّد بن مسلم عن أبی جعفر ع، قال: «إنَّ لرسول الله(صلی الله علیه و آله) عشرة أسماء خمسة منها فی القرآن وخمسة لیست فی القرآن، فأما التی فی القرآن: فمحمد وطه وأحمد وعبدالله ویس ونون، وأمَّا التی لیست فی القرآن: فالفاتح والخاتم والکافی والمقفی والحاشر»(2).

3 - وفی مختصر بصائر الدرجات عن أمیر المؤمنین(ع):

«وإنَّ لی الکرة بعد الکرة. والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والکرات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجیبات، وأنا قرن من حدید، وأنا عبدالله وأخو رسول الله، وأنا أمین الله وخازنه، وعیبة سره وحجابه ووجه وصراطه، ومیزانه وأنا

ص:276


1- (1) الکافی، کتاب الصلاة، باب النوادر، ح1، ج3، ص482.
2- (2) الخصال، باب العشرة، ح2، ص425.

الحاشر إلی الله وأنا کلمة الله التی یجمع بها المفترق ویفرّق بها المجتمع وأنا أسماء الله الحسنی، وأمثاله العلیا وآیاته الکبری. وأنا صاحب الجنة والنار أسکن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وإلیَّ شروع أهل الجنة وإلیَّ عذاب أهل النار، وإلیَّ إیاب الخلق جمیعاً وأنا الإیاب الذی یؤوب إلیه کل شیء بعد الفناء وإلیَّ حساب الخلق جمیعاً»(1).

4 - وفی الهدایة الکبری للخصیبی (وفی صحف إبراهیم إلی آدم صلی الله علیهما) بالسریانیة - مفسراً بالعربیة - النبی والمحمود والعاقب والناجی والحاشر والباعث والأمین)(2).

5 - وفی سبل الهُدی للصالحی الشامی (وأنا الحاشر بعثت مع الساعة)(3). وهی روایة نافع بن جبیر.

وهذا المتن قرینة علی کون المراد من الحشر وحاشریته(صلی الله علیه و آله) هی للناس مقترن بالساعة للبعث وهی ساعة بعث الرجعة لا خصوص القیامة الکبری، بلْ شاملة للصغری والوسطی، وهی الرجعة، والقرینة فی هذا المتن معیته للساعة قبیلها واقتران التسمیة بالحاشر.

ص:277


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، وأحادیث الرجعة من غیر طریق سعد (ح101 - 2) ص163.
2- (2) الهدایة الکبری للخصیبی، الباب الأوَّل ص39.
3- (3) سب الهدی والرشاد للصاحی الشامی.

ص:278

الفصل السادس:الرجعة فی الأدیان والکتب السماویة

اشارة

ص:279

ص:280

*الرجعة بشَّرت بها الأنبیاء والمرسلین.

*فلسفة بقاء النبی عیسی(ع) لنصرة سید الأنبیاء(صلی الله علیه و آله) والإمام المهدی (عج).

*الرجعة فی العهد القدیم والعهد الجدید.

*نزول عیسی(ع) رجعة، ورجوع عند الحرّ العاملی ولیسَ عود وظهور.

*قصَّة ذی القرنین ورجعته مرَّتین وأنَّ الغایة فی الدین لا تتحقَّق إلا بالرجعة کما أنَّ بدایته بالفطرة.

*مراتب الأنبیاء وإحاطتهم فی الرجعة.

*ظاهرة جرجیس النبی(ع) وقصَّة إحیاء إدریس لیونس(ع) ومجیء جملة من أوصیاء الأنبیاء السابقین.

*نزول الأخبار بالرجعة فی الکتب السماویة السابقة وکذا ظهور المهدی(عج).

*ذکر الرجعة فی الزبور فی تفسیر القمّی أوَّل سورة النمل.

*إنَّ دابة الأرض مذکورة فی التوراة وأنَّها إیلیا.

ص:281

ص:282

الرجعة بشرت بها الأنبیاء والمرسلین
السید المرتضی: «الرجعة متّفق علیهابین أهل الأدیان السماویة»:

حیث قال: اعلم أنَّ الذی یقوله الإمامیة فی الرجعة لا خلاف بین المسلمین - بلْ بین الموحدین - فی جوازه وأنَّه مقدور لله تعالی.

وإنَّما الخلاف بینهم فی أنَّه یوجد لا محالة أو لیسَ کذلک ولا یخالف فی صحة رجعة الأموات إلّا خارج عن أقوال التوحید؛ لأنَّ الله تعالی قادر علی إیجاد الجواهر بعد إعدامها وإذا کان علیها قادر جاز أنَّ یوجدها متی شاء.وکلامه یشیر إلی :

1) أهل التوحید ویشیر بأهل التوحید إلی أهل الدیانات السماویة بما فیهم المسلمین والنصاری والیهود والمجوس والصابئة.

2) إنَّ إمکان الرجعة عند أهل هذهِ الدیانات السماویة ضرورة

ص:283

اتفاقیة فیما بینهم، فالذی ینکر الإمکان وإمکان الوقوع خارج عن أهل الدیانات السماویة برمّتها.

3) وبذلک یشیر السید المرتضی إلی أنَّ الرجعة عقیدة راسخة فی الأدیان السماویة ولیست خاصة بالمسلمین، وهذا ممّا یعطی مؤشر أنَّ الحکّام فی الرجعة وهم روّاد الرجعة، والذین هم النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) عقیدة بشّر بها جمیع الأنبیاء السابقین أی أنَّهم بشروا أممهم وأمروهم بولایة النبی وأهل بیته، وقد مرَّ أنَّ الرجعة عنوان لولایة النبی(صلی الله علیه و آله)ص والإمامة لأهل البیت(علیهم السلام).

مفروغیة الاعتقاد بالرجعة فی التوراة

قال الشیخ کاشف الغطاء فی کتابه أصل الشیعة وأصولها فی سیاق الجواب عن اعتراض الکاتب أحمد أمین فی فجر الإسلام عند قوله «إنَّ الیهودیة ظهرت عند التشیّع بالقول بالرجعة».

قال فهل اتفاقهم أی الشیعة مع الیهود بهذا یوجب کون الیهودیة ظهرت فی التشیع، وهل یصحّ أنْ یقال أنَّ الیهودیة ظهرت فی الإسلام؛ لأنَّ الیهود یقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون؟ وهل هذا قول زائف واستنباط سخیف(1).

وکل من الاعتراض والإجابة یشیران إلی مفروغیة الاعتقاد بالرجعة فی عقیدة التوراة.

ص:284


1- (1) أصل الشیعة وأصولها، ص167، عنوان الحدیث عن الرجعة.
ظهور الرجعة فی القرآن

لأنَّ النبی(صلی الله علیه و آله) جاء مصدِّقاً لما بین یدیه من الشرایع السماویة.

وقال المظفر بعد قوله: بأنَّ الرجعة من الأمور الضروریة فیما جاء عن آل البیت من الأخبار المتواترة، قال أفلا تعجب من کاتب شهیر یدّعی المعرفة مثل أحمد أمین فی کتابه (فجر الإسلام) إذْ یقول: «فالیهودیة ظهرت فی التشیع بالقول بالرجعة» فأنا أقول له علی مدّعاه فالیهودیة ظهرت فی القرآن بالرجعة، کما تقدم ذکر القرآن فی الآیات المتقدِّمة.

ونزیده فنقول: والحقیقة أنَّه لابدَّ أنْ تظهر الیهودیة والنصرانیة فی کثیر من المعتقدات والأحکام الإسلامیة؛ لأنَّ النبی الأکرم(صلی الله علیه و آله) جاء مصدِّقاً لما بین یدیه من الشرایع السماویة وإنَّ نسخ بعضَ أحکامه فظهور الیهودیة أو النصرانیة فی بعض المعتقدات الإسلامیة لیسَ عیباً فی الإسلام(1) علی تقدیر ان الرجعة من الآراء الیهودیة کما یدعیه هذا الکاتب.

الرجعة بشّرت بها الأنبیاء والمرسلون

إنَّ الرجعة قدْ بشَّرت بها ودعت إلیها جمیع الأنبیاء والمرسلون من لدن آدم حتّی النبی عیسی سواء فی کتبهم وصحفهم المنزلة أو فی أحادیث الأنبیاء المأثورة، ویظهر من إبلاغهم المشترک الموحَّد أنَّها من الدین الواحد الذی بعثت علیه کافّة الأنبیاء، هذا من جانب ومن جانب آخر یدلُّ هذا

ص:285


1- (1) عقائد الإمامیة، تحت عنوان عقیدتنا فی الرجعة.

التظافر من تبلیغ الأنبیاء علی أهمیة موقعیة الرجعة کعقیدة فی الدین، وأنَّها بمثابة تتلوا المعاد وتتلوا أصل المعرفة بسید الأنبیاء(صلی الله علیه و آله) وأوصیاءه(علیهم السلام). وهی فی الحقیقة معرفة عالیة راقیة من مرتبة النبوة والإمامة والمعاد، کما أسلفنا سابقاً. ومن روایات أهل البیت(علیهم السلام) المشیرة إلی ذلک:

1) ما رواه الکلینی بسنده عن الحسن بن شاذان الواسطی، قال کتبت إلی أبی الحسن الرضا(ع): أشکو جفاء أهل واسط وحملهم علیّ وکانت عصابة من العثمانیة تؤذینی فوقع بخطه(عج):

إنَّ الله جلَّ ذکره أخذ میثاق أولیائه علی الصبر فی دولة الباطل، فاصبر لحکم ربک، فلو قدْ قام سید الخلق لقالوا: یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (1).

وهو یشیر ع إلی رجعة سید الأنبیاء أو سید الأوصیاء من بعده وأنَّ فی دولتهم سیندم أعدائهم، وأنَّ رجعة سید الأنبیاء وسید الأوصیاء مما قدْ قامت بتبلیغه جمیعُ المرسلین. وأنَّ الرجعة بمثابة من الأهمیة فی العقیدة تسمی بالمعاد الأصغر والبعث الأوَّل.

2) و روی ابن قولویه بأسانید متعدِّدة:

منها: موثق مرون بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی، قال: قلت لأبی عبدالله(ع): یا بن رسول الله أخبرنی عن إسماعیل الذی ذکره الله فی کتابه.

ص:286


1- (1) روضة الکافی، مجلد/8، ص247.

حیث یقول: وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا .

أکان إسماعیل بن إبراهیم ع فإنَّ الناس یزعمون أنَّه إسماعیل بن إبراهیم، فقال(ع): إنَّ إسماعیل مات قبل إبراهیم وأنَّ إبراهیم کان حجة لله کلها قائماً صاحب شریعة، فإلی من أرسل إسماعیل إذاً، فقلت: جعلت فداک فمن. قال(ع): ذاک إسماعیل بن حزقیل النبی(ع) بعثه الله إلی قوم فکذبوه فقتلوه، وسلخوا وجهه، فغضب الله له علیهم فوجه إلیه اسطاطائیل ملک العذاب، فقال له یا إسماعیل أنا إسطاطیل ملک العذاب وجّهنی إلیک رب العزة. لأعذب قومک بأنواع العذاب، إنْ شئت، فقا له إسماعیل لا حاجة لی فی ذلک.

فأوحی الله إلیه فما حاجتک یا إسماعیل، فقال: یا رب إنک أخذت المیثاق لنفسک بالربوبیة ولمحمد بالنبوة ولأوصیائه بالولایة وأخبرت خیر خلقک بما تفعل أمته بالحسین بن علی(ع) من بعد نبیها، وأنک وعدت الحسین(ع) أنَّ تکرّه إلی الدنیا حتّی ینتقم بنفسه ممن فعل ذلک به، فحاجتی إلیک یا رب أنْ تکرّنی إلی الدنیا حتّی انتقم ممن فعل ذلک بی کما تکر للحسین فوعد الله إسماعیل بن حزقیل ذلک فهو یکر مع الحسین(ع) (1).

وقد روی ابن قولویه أحادیث أُخری بطرق أُخری فی هذا الباب

ص:287


1- (1) کامل الزیارات، باب 19، ح3.

بهذا المضمون، ومفادها أنَّ الرجعة معرفتها من الدین الذی أخذه الله علی جمیع الأنبیاء ولیسَ من الشرایع الفرعیة.

3) وکذا قوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (1).

ومفاد هذهِ الآیة الشریفة أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أخذ فی میثاق النبوة علی جمیع الأنبیاء أنْ یؤمنوا بالنبی(صلی الله علیه و آله)، کما أخذ علیهم جمیعاً أنْ ینصروه فلم یؤخذ علیهم مجرد الإیمان فقط، بلْ أخذ علیهم النصرة والمؤازرة .

ولا تستقیم النصرة حقیقةً إلّا بأنْ یرجعوا إلی دار الدنیا فینصرون دین النبی(صلی الله علیه و آله) ویکونون تحت رایته وذلک بنصرة أمیر المؤمنین ع إذْ هو دابة الأرض کما تبین فی روایات الفریقین التی تخرج من الأرض الذی هو عنوان الرجعة، أی من القبور لا من الأرحام، وأمَّا حمل نصرة الأنبیاء ع علی إبلاغهم أممهم وأقوامهم بمجیء سید الأنبیاء فی الزمان السابق الذی بعثوا فیه فهو وإنْ کان درجة من النصرة، ولکنه لیسَ یجری مجری الحقیقة.

وهذهِ الآیة تبیِّن مدی رکنیة معرفة الرجعة فی العقیدة بحیث أخذت علی الأنبیاء فی میثاق نبوتهم، کما أخذ الإیمان بسید الأنبیاء علیهم فی میثاق

ص:288


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 81.

النبوة وهذا مما یفید أنَّ أخذ الإمامة والولایة لعلی(ع) علی الأنبیاء عنوانها الرجعة. وهذا مؤشر لمدی أهمیة مقام الرجعة فی معرفة إمامة أمیر المؤمنین(ع) والأئمة المعصومین(علیهم السلام)، وقد استفاضت الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام) فی تبیان رجوع الضمیر فی (لتنصرنه) إلی نصرة الأنبیاء(علیهم السلام) إلی أمیر المؤمنین(ع).

الیهودیة والرجعة (عبدالله بن سبأ)

قال الطبری فی تاریخه(1):

فیما کتب به إلی السری عن شعیب عن سیف عن عطیة عن یزید الفقعسی، قال: کان عبدالله بن سبأ یهودیاً من أهل صنعاء أمه سوداء، فأسلم فی زمان عثمان، ثم تنقل فی بلدان المسلمین یحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الکوفة ثم الشام، فلم یقدر علی ما یرید عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتّی أتی مصر فاعتمر فیهم، فقال لهم فیما یقول: - لعجب ممن یزعم أنَّ عیسی یرجع ویکذب بأنَّ مُحمَّداً یرجع، وقدْ قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ فمُحمَّد أحقّ بالرجو من عیسی: قال: فقبل ذلک عنه ووضَّع لهم الرجعة، فتکلَّموا فیها. ثم قال: - مُحمَّد خاتم الأنبیاء وعلی خاتم الأوصیاء. ثم قال بعد ذلک من أظلم ممن لم یجز وصیته رسول الله(صلی الله علیه و آله) ووثب علی وصی رسول الله صلی الله علیه (وآله) وسلم وتناول أمر الأمة. ثم قال لهم بعد ذلک:

ص:289


1- (1) تاریخ الطبری 5 / 98 .

إنَّ عثمان أخذها بغیر حق، وهذا وصی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فانهضوا فی هذا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر تستمیلوا الناس وأدعوهم إلی هذا الأمر.

جملة فصول فی الأدیان ذات صلة بالرجعة:

1 - نزول عیسی(ع):

فإنَّه رجعة ورجوع عند البعض من الفریقین ممن یذهب الی موت ووفاته عند رفعه الی السماء، نظیر الحر العاملی حیث نفی کون نزوله ظهورا بعد خفاء بل عود رجعة ورجوع بعد الموت. وعلی ای تقدیر فعلی القول الاخر من کونه علی قید الحیاة وإن هو کائن الآن فی السماء، فکذلک هو رجعة لعیسی(ع) لانه قبضت روحه حین رفعه الی السماء علی ای حال ثم أحیی مرة اخری وردت إلیه روحه فی السماء.

2 - قصة ذی القرنین ورجعته مرتین:

روی الطبرسی عن أمیر المؤمنین(ع)، قال:

«إنَّ ذا القرنین کان عبداً صالحاً، أحبَّ الله فأحبَّه، ونصح لله فنصحه الله، أمر قومه بتقوی الله فضربوه بالسیف علی قرنه فمات زماناً، ثمَّ رجع إلیهم فدعاهم إلی الله فضربوه علی قرنه الآخر بالسیف، فذلک قرناه، وفیکم مثله» یعنی نفسه(ع).

وروی بن بابویه فی الامامة والتبصرة صحیح أبی بصیر، عن أبی جعفر(ع) قال: إن ذا القرنین لم یکن نبیاً، ولکنه کان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله، وناصح لله فناصحه الله، أمر قومه بتقوی الله، فضربوه علی

ص:290

قرنه، فغاب عنهم زماناً، ثم رجع إلیهم، فضربوه علی قرنه الآخر، وفیکم من هو علی سنته).

وقد ورد هذا المضمون بطرق عدیدة فی مصادر حدیث اهل البیت(علیهم السلام).

3- مدینة جابرسا وجابلقا مدینتین فی الفضاء، وسفرة ذی القرنین فی المنظومة الشمسیة أو فی المجرَّة التی نحن فیها.

4 - مراتب الأنبیاء وإحاطتهم فی الرجعة.

5 - ظاهرة جرجیس النبی(ع) وقصة إحیاء إلیاس لیونس(ع). ومجیء جملة من أوصیاء الأنبیاء السابقین.

6 - نزول الأخبار بالرجعة فی الکتب السماویة السابقة وکذا ظهور المهدی(عج).

7 - البشارة فی التوراة ب (دابة الأرض) إیلیا:

عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال لی معاویة: یا معشر الشیعة تزعمون أنَّ علیاً ع دابّة الأرض؟ فقلت: نحن نقول، والیهود، تقول. فأرسل إلی رأس الجالوت، فقال: ویحک تجدون دابّة عندکم مکتوبة؟ فقال: نعم، فقال: ما هی؟ فقال: رجل، فقال: أتدری ما اسمه؟ قال: نعم، اسمه إلیا، قال: فالتفت إلیَّ فقال: ویحک یا أصبغ! ما أقرب إلیا من (علیاً)(1).

ص:291


1- (1) مختصر بصائر الدرجات ص207.
الغایة فی الدین لا تتحقّق إلا بالرجعة کما أنَّ بدایته بالفطرة:

وفیما کتب الحمیری إلی القائم(عج) عن الرجل یقول بالحقّ ویری المتعة، ویقول بالرجعة ... (1).

وفیما خرج من الناحیة إلی مُحمَّد الحمیری علی ما سیأتی: أشهد أنَّک حجّة الله، أنتم الأوَّل والآخر، وأنَّ رجعتکم حقّ لا ریب فیها یوم لا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً(2).

الرجعة فی العهد القدیم والعهد الجدید:

حَیْثُ فیهما اشارات تفشی العدل بدرجة هیمنة النور المعنوی علی کل کائن ذی روح ورقی الحیاة علی الأرض بمستوی صفاء الحیاة فی السماء، ونزول کلمة الله ووصفه بأوصاف مطابق أوصاف دابة الارض کذکر العصا وقوة سلطانها فی الارض وغیرها مما ذکرفی القرآن وروایات الفریقین، وذکر إقامة الاثنی عشر لدولة العدل الالهیة، ونزول الملائکة للنصرة وغیرها من حوادث الرجعة المذکورة فی الروایات لدی الفریقین ، ممایتفطن لها بالتدبر و المقارنة.

ص:292


1- (1) بحار الأنوار، 131 :53.
2- (2) التوراة والإنجیل: 1129 و 1130.
العهد القدیم:

أشعیاء (1/10 - 13): «ویفرخ برعم من جذع یسی، وینبت غصن من جذوره، ویستقرّ علیه روح الرب، روح الحکمة والفطنة، روح المشورة والقوّة، روح معرفة الربّ ومخافته. وتکون مسرّته فی تقوی الربّ، ولا یقضی بحسب ما تشهد عیناه، ولا یحکم بمقتضی ما تسمع أذناه، إنَّما یقضی بعدل للمساکین، ویحکم بالإنصاف لبائسی الأرض، ویعاقب الأرض بقضیب فمه، ویمیت المنافق بنفخة شفتیه؛ لأنَّه سیرتدی البرّ ویتمنطق بالأمانة. فیسکن الذئب مع الحمل، ویربض النمر إلی جوار الجدی، ویتآلف العجل والأسد وکلّ حیوان معلوف معاً، ویسوقها جمیعاً صبی صغیر.ترعی البقرة والدب معاً، ویربض أولادهما متجاورین، ویأکل الأسد التبین کالثور، ویلعب الرضیع فی (أمان) عند جحر الصل، ویمدّ الفطیم یده إلی وکر الأفعی (فلا یصیبه سوء). لا یؤذون ولا یسیئون فی کلّ جبل قدسی؛ لأنَّ الأرض تمتلئ من معرفة الربّ کما تغمر المیاه البحر. فی ذلک الیوم ینتصب أصل یسی رایة للأمم، وإلیه تسعی جمیع الشعوب، ویکون مسکنه مجیداً، فیعود الربّ لیمدّ یده ثانیة لیسترد البقیّة الباقیة من شعبه، من أشور ومصر وفتروس وکوش وعیلام وشنعار وحماة، ومن جزائر البحر، وینصب رایة للأمم ...»(1).

العهد الجدید:

إنجیل متّی (5/6 - 10): «ومتّی صلَّیت فلا تکن کالمرائین. فإنَّهم یحبّون أنْ یصلّوا قائمین فی المجامع وفی زوایا الشوارع لکی یظهروا للناس. الحقّ

ص:293


1- (1) التوراة والإنجیل: 1129 و 1130.

أقول لکم: إنَّهم قدْ استوفوا أجرهم. وأمَّا أنت فمتّی صلَّیت فادخل إلی مخدعک وأغلق بابک وصلَّ إلی أبیک الذی فی الخفاء. فأبوک الذی یری فی الخفاء یجازیک علانیة. وحینما تصلّون لا تکرّروا الکلام باطلاً کالأمم. فإنَّهم یظنّون أنَّه بکثرة کلامهم یستجاب لهم. فلا تتشبَّهوا بهم؛ لأنَّ أباکم یعلم ما تحتاجون إلیه قبل أنْ تسألوه، فصلّوا أنتم هکذا. أبانا الذی الذی فی السموات. لیتقدَّس اسمک. لیأت ملکوتک. لتکن مشیئتک کما فی السماء کذلک علی الأرض».

إنجیل متّی (5/10 - 7): «هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم یسوع وأوصاهم قائلاً: إلی طریق الأمم لا تمضوا وإلی مدینة للسامریین لا تدخلوا. بلْ اذهبوا بالحری إلی إلی خراف بیت إسرائیل الضالّة. وفیما أنتم ذاهبون اکرزوا قائلین: إنَّه قدْ اقترب ملکوت السماوات».

الرؤیا (11/19 - 16): «ثمَّ رأیت السماء مفتوحة وإذا فرس أبیض والجالس علیه یدعی أمیناً وصادقاً وبالعدل یحکم ویحارب. وعیناه کلهیب نار وعلی رأسه تیجان کثیرة وله اسم مکتوب لیسَ أحد یعرفه إلّا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ویدعی اسمه (کلمة الله). والأجناد الذین فی السماء کانوا یتبعونه علی خیل بیض لابسین بزاً أبیض ونقیّاً. ومن فمه یخرج سیف ماض لکی یضرب به الأمم وهو سیرعاهم بعصا من حدید وهو یدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر علی کلّ شیء. وله علی ثوبه وعلی فخذه اسم مکتوب: ملک الملوک وربّ الأرباب».

ص:294

الرجعة فی زبور داود:

وفی تفسیر القمی: وقوله: (وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ -الی قوله -اَلْمُبِینُ ) قال : اعطی داود وسلیمان ما لم یعط أحدا من أنبیاء الله من الآیات علمهما منطق الطیر وألان لهما الحدید والصفر من غیر نار وجعلت الجبال یسبحن مع داود.

وانزل الله علیه الزبور فیه توحید وتمجید ودعاء وأخبار رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین(ع) والأئمة(علیهم السلام) من ذریتهما(علیهم السلام) وأخبار الرجعة والقائم(عج) لقوله وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ .

کتاب سلیم: (نص ما فی کتب عیسی)

«بسم الله الرحمن الرحیم، أحمد رسول الله واسمه مُحمَّد ویاسین وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحی، وهو نبی الله وخلیل الله وحبیب الله وصفیه وأمینه وخیرته، یری تقلبه فی الساجدین - یعنی فی أصلاب النبیین - ویکلمه بحرمته، فیذکر إذا ذکر وهو أکرم خلق الله علی الله وأحبهم إلی الله، لم یخلق الله خلقاً ملکاً مقرباً ولا نبیاً مرسلاً من آدم، فمن سواه - خیراً عند الله ولا أحب إلی الله من یقعده الله یوم القیامة علی عرشه ویشفعه فی کل من شفع فیه وباسمه جری القلم فی اللوح المحفوظ فی أُمِّ الکتاب وبذکره، مُحمَّد رسول الله.

ص:295

ثم أخوه صاحب اللواء یوم القیامة یوم الحشر الأکبر وأخوه ووصیه ووزیره، وخلیفته فی أمته وأحب خلق الله إلی الله بعده علی بن أبی طالب، ولی کل مؤمن بعده، ثم أحد عشر إماماً من ولد أوَّل الاثنی عشر، أثنان سمیا هارون شبر وشبیروتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسین واحداً بعد واحد، آخرهم الذی یصلی عیسی بن مریم خلفه» - انتهی مانقله سلیم من کتاب الراهب - فیه تسمیة کل من یملک منهم ومن یستسر بدینه ومن یظهر فأوَّل من یظهر منهم یملأ جمیع بلاد الله قسطاً وعدلاً، یملَک ما بین المشرق والمغرب، حتّی یظهره الله علی الأدیان کلها(1)انتهی.

وقدْ مرَّ أنَّ مقام الحاشر والناشر للنبی وللوصی - صلوات الله علیهما وآلهما - لا یختص بالقیامة الکبری، بلْ هو من معالم الرجعة أیضاً.

وبذلک یتبین أنَّ عقیدة الرجعة قدْ نزل بها الإنجیل، وبقیة الکتب السماویة من قبل وأنَّ معرفة النبی(صلی الله علیه و آله) وعلی(ع) وأهل البیت بالرجعة وبمقامهم ومقاماتهم فی القیامة الکبری محور أساسی فی معرفة النبی(صلی الله علیه و آله) والوصی(ع)، أکَّدت علیه الکتب السماویة فی المعرفة وأصول الدین.

مقام الحاشر للنبی(صلی الله علیه و آله) فی کتب عیسی بن مریم(ع)

روی السید ابن طاووس فی إقبال الأعمال فی احتجاج النبی(صلی الله علیه و آله) مع نصاری نجران حدیثاً طویلاً.

ص:296


1- (1) کتاب سلیم بن قیس، نبوءات نبی الله عیسی عن الرسول ص254.

وفیه:

فقال أبو حارثة: اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سیدکم المسیح فصار إلی الکتب والأناجیل التی جاء بها عیسی(ع)، فألَّفوا فی المفتاح الرابع من الوحی إلی المسیح: ... أوَّل النبیین خلقاً وآخرهم مبعثاً، ذلک العاقب الحاشر فبشر به بنی إسرائیل»(1).

وفی مسند أحمد بن حنبل:

فی احتجاج النبی(صلی الله علیه و آله) علی الیهود فی نهایة الاحتجاج، فقال:

«أبیتم فوالله إنی لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبی المصطفی آمنتم أو کذبتم ثم انصرف»(2). ای ابوا الأقرار باسمائه المذکورة فی التوراة عندهم.

روی الشیخ الصدوق فی العیون والتوحید والطبرسی فی الاحتجاج فی احتجاجات الإمام الرضا(ع) مع أهل الأدیان: فی حواره مع الجاثلیق: قال الرضا(ع): ما أنکرت أنَّ عیسی(ع) کان یحیی الموتی بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ، قال الجاثلیق: أنکرت ذلک من أجل أنّ من أحیی الموتی وأبرء الأکمه والأبرص فهو رب مستحق لأنَّ یعبد،

ص:297


1- (1) إقبال الأعمال الباب السادس ، الفصل الأوَّل ج2، ص340، ورواه فی الدر المنثور عن البیهقی، کما فی البحار، ج21، ص317 ، باب المباهلة وما ظهر فیها من الدلائل وباب أنَّ الله تعالی عرض علی آدم الأنبیاء وذریته.
2- (2) مسند أحمد بن حنبل، فی حدیث عوف بن مالک الأشجعی، وقد وصف الهیثمی طریقه الآخر، أنَّ رجاله ، ج6، ص25، ورواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط.

قال الرضا(ع): فإنَّ الیسع قدْ صنع مثل صنع عیسی(ع) مشی علی الماء وأحیی الموتی وأبرأ الأکمه والأبرص فلم تتخذه أمته رباً ولم یعبده أحد من دون الله عَزَّ وَجَلّ،

ولقد صنع حزقیل النبی(ع) مثل ما صنع عیسی بن مریم فأحیا خمسة وثلاثین ألف رجل من بعد موتهم بستین سنة،

ثم التفت إلی رأس الجالوت، فقال له: یا رأس الجالوت أتجد هؤلاء فی بنی إسرائیل فی التوراة اختارهم بخت نصر من سبی بنی إسرائیل حین غزا بیت المقدس، ثم انصرف بهم إلی بابل فأرسله الله عَزَّ وَجَلَّ إلیهم فأحیاهم، هذا فی التوراة لا یدفعه إلّا کافر منکم، قال رأس الجالوت: قدْ سمعنا به وعرفناه، قال صدقت، ثم قال یا یهودی خذ علی هذا السفر من التوراة فتلا(ع) من التوراة. آیات فأقبل الیهودی یترجج لقرائته ویتعجب! ثم أقبل النصرانی، فقال: یا نصرانی أفهؤلاء کانوا قبل عیسی أم عیسی کان قبلهم. قال: بلْ کانوا قبله، فقال الرضا ع: لقد اجتمعت قریش علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فسألوه أنَّ یحیی لهم موتاهم فوجه معهم علی بن أبی طالب(ع)، فقال له: اذهب إلی الجبانة فنادِ بأسماء هؤلاء الرهط الذین یسألون عنهم بأعلی صوتک، یا فلان ویا فلان ویا فلان، یقول لکم مُحمَّد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، قوموا بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ فقاموا ینفضون التراب عن رؤوسهم فأقبلت قریش یسألهم عن أمورهم، ثم أخبروهم أنَّ محمداً بعث نبیاً، فقالوا: وددنا أنا أدرکناه فنؤمن به، ولقد أبرء الأکمه والأبرص والمجانین وکلمه البهائم

ص:298

والطیر والجن والشیاطین، ولم نتخذه رباً من دون الله عز وجل ولم ننکرلاحد من هؤلاء فضلهم فمتی اتخذتم عیسی ربا جاز لکم أنْ تتخذوا الیسع وحزقیل رباً! لأنهما قدْ صنعا مثل ما صنع عیسی بن مریم(ع) من إحیاء الموتی وغیره، وإنَّ قوماً من بنی إسرائیل خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله فی ساعة واحدة، فعمد أهل تلک القریة فحظروا علیهم حظیرة فلم یزالوا فیها حتّی نخرت عظامهم وصاروا رمیماً. فمرَّ بهم نبیٌّ من أنبیاء بنی إسرائیل فتعجب منهم ومن کثرة العظام البالیة، فأوحی الله عَزَّ وَجَلَّ إلیه: أنْ نادهم، فقال: أیتها العظام البالیة قومی بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ، فقاموا أحیاء أجمعون ینفضون التراب عن رؤوسهم، ثم إبراهیم خلیل الرحمن(ع) حین أخذ الطیر فقطعهن قطعاً .ثم وضع علی کل جبل منهن جزءً ثم ناداهن فأقبلن سعیا إلیه، ثم موسی بن عمران(ع) وأصحابه السبعون الذین اختارهم صاروا معه إلی الجبل فقالوا له: انک قد رأیت الله سبحانه : فأرناه رایته فقال : لهم انی لم أره فقالوا : لن نؤمن حتّی نری الله جهره فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقی موسی وحیدا فقال: یا رب اخترت سبعین رجلاً من بنی إسرائیل فجئت بهم وارجع وحدی فکیف یصدقنی قومی بما أخبرهم به؟! فلو شئت أهلکتهم من قبل وإیای أتهلکنا بما فعل السفهاء منا؟ فأحیاهم الله عز وجل من بعد موتهم، وکل شئ ذکرته لک من هذا لا تقدر علی دفعه لأنَّ التوراة والإنجیل والزبور والفرقان قدْ نطقت فإنَّ کان کل من أحیی الموتی وأبرء

ص:299

الأکمه والأبرص والمجانین. یتخذ رباً من دون الله فاتخذ هؤلاء کلهم أرباباً ما تقول یا یهودی؟(1).الحدیث

وفی مختصر بصائر الدرجات عن عمرو بن شمر، قال: ذکر عند أبی جعفر صلوات الله علیه جابر، فقال: رحم الله جابراً، لقدْ بلغ من عمله أنَّه کان یعرف تأویل هذهِ الآیة: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (2).

ص:300


1- (1) عیون أخبار الرضا، ج1، ص143، باب ذکر مجلس الرضا ع مع أهل الأدیان؛ التوحید، ص422؛ الاحتجاج ج2، ص204؛ احتجاج الرضا علی أهل الکتاب والمجوس ورئیس الصابئیین وغیرهم.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات، باب أحادیث فی الرجعة عن غیر طریق ح18، ص181.

الفصل السابع:الرجعة لغة لقراءة أبواب المعارف

اشارة

ص:301

ص:302

الرجعة لغة لقراءة أبواب المعارف
اشارة

إنَّ معرفة الرجعة بحسب ما جاء فی الآیات والروایات مرحلة بلوغ فی المعرفة والعارفُ بها وبعالم القیامة کامل فی المعرفة بخلاف الجاهل بهما کما مر فی الباب الاول، فإنَّه ناقص فی المعرفة مقصّر أو قاصر، فمعرفة الرجعة لیست معرفة بمقطع زمانی فی مستقبل البشریة فحسب یکبر ویعظم علی المقطع الأوَّل فی الحیاة الدنیا فحسب ، بلْ هو فی الحقیقة لغة وقراءة لمنظومة المعارف بدرجة راقیة فائقة علی اللغة والقراءة المعهودة لدی المتکلمین والفلاسفة والعرفاء والمفسرین لمنظومة المعارف.

فالرجعةُ لغةً وقراءةً للأصول الاعتقادیة ولمنظومة المعارف بدرجة أعمق مما هو سائد وغور کبیر وظهور فی المعرفة.

فبحسب الغور الذی یراه الباحث منظومیاً فی نظام معارف الرجعة بحسب الآیات والروایات وبیاناتهم ع یجد أنَّ نتاج علم الکلام وغیره من

ص:303

علوم المعارف بالمستوی الموجود بعد أکثر من عشرة قرون لیسَ إلّا بمثابة المراحل الأولی التمهیدیة للمعرفة الاعتقادیة، وأمَّا المراحل العلیا فی المعرفة فهی من نصیب اللغة التی یحصل علیها الباحث من معرفة الرجعة والقیامة سواء علی صعید التوحید أو النبوة أو الإمامة أو المعاد.

فعلی صعید التوحید وَرَدَ من باب المثال أنَّ القدرة الإلهیة والمشیئة لا تدرک إلّا بمعرفة الرجعة وإلّا تکون المعرفة بهما معرفة نظریة تجریدة مقتضبة، ففی مختصر بصائر الدرجات عن أبی الصباح الکنانی، قال: سألت أبا جعفر ع، فقلت: جعلت فداک مسألة أکره أسمیها لک. فقال لی: هو أعن الکرات تسألنی؟ فقلت: نعم، فقال: تلک القدرة ولا ینکرها إلّا القدریة، لا تنکرها تلک القدرة لا تنکرها، أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) أتی بقناع من الجنة علیه عذق یقال له سنة، فتناولها رسول الله(صلی الله علیه و آله) سنة من کان قبلکم)(1).

وفیه عن سدیر، قال: سألت أبا جعفر(ع) عن الرجعة؟ فقال: القدریة تنکرها ثلاثاً)(2) .

وروی فی کامل الزیارة فی زیارة سید الشهداء(ع) فقلبی لکم مسلم وأمری لکم متبع ونصرتی لکم معدة حتّی یحکم الله وهو خیر الحاکمین ویبعثکم فمعکم معکم لا مع عدوکم أنی من المؤمنین برجعتکم لا أنکر لله

ص:304


1- (1) مختصر الدرجات، باب الکرات وحالاتها، ح18، ص130، حدیث 18/72.
2- (2) نفس المصدر ح13، ص126.

قدرة ولا أکذب له مشیئة ولا أزعم أنَّ ما شاء الله لا یکون (1) و هذاِ المتن تکرر کثیرا فی الزیارات المرویة بألفاظ متعددة وبطرق عدیدة وهو تبیان واضح أنَّ المشیئة الإلهیة لا تدرک ولا تعرف إلّا بمعرفة الرجعة مع إنَّ المشیئة أوَّل فعل إلهی صادر، ومن أعظم الصوادر الأولی ذات الشأن الکبیر فی معرفة الأفعال الإلهیة والصفات الفعلیة.

الرجعة لغة فی معرفة النبوة

وعلی صعید النبوة وَرَدَ أنَّ معرفة النبوة بمعرفة دور النبی(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة هی المعرفة الکبری لها، وأمَّا معرفة النبوة بما سبق فإنَّها المعرفة الصغری بالنبوة أو المعرفة بالنبوة الصغری فضلاً عما قرَّره المتکلمون والحکماء من تعریف للنبوة فإنَّه دون المعرفة الصغری للنبوة فشتان وشتان ما بین بینهما.

وروی فی مختصر بصائرات الدرجات عن ابی جعفر(ع): وقوله یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ یعنی بذلک محمداً(صلی الله علیه و آله) قیامه فی الرجعة ینذر فیها وقوله إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ یعنی محمداً(صلی الله علیه و آله) نذیر للبشر فی الرجعة وقوله هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ قال یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی

ص:305


1- (1) کامل الزیارات، الباب 79/ح17 ص385؛ ومصباح المتهجد، أعمال یوم الجمعة فی زیارة المعصومین علیهم السلام ص279، ونحوه فی المزار، باب/13 ح6؛ مجال الأسبوع للسید ابن طاووس، فصل 26، ح154. الزیارات وکذلک فی باب 79 ح23، ح

الرجعة.

ومفاد الحدیث الوارد المتعرض لشرح لفظ آیات سورة المدثر، وبیان ظهور الآیات فی أنَّ سید الأنبیاء سیقوم بالنذارة فی الرجعة، وهی نذارةٌ أُخری لم یقم بها من قبل، وهی النذارة الکبری.

وقد روی العامة بطرق مستفیضة - کما مرَّ - عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی احتجاجه علی الیهود بما فی کتبهم وأناجیلهم أنَّ من أبرز أوصافه ص فی الکتب التی لدیهم والأناجیل أنَّه العاقب والحاشر، وقوله ص فی نهایة الاحتجاج:

«أبیتم فوالله أنی لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنَّ النبی المصطفی أمنتم أم کذبتم»(1).

وقد بیَّنا أنَّ معنی العاقب بقرائن عدیدة هو الذی یعقب الجمیع أی الذی لا بعده أحد کما رووه العامة نص فی ذلک وهو أشار إلی کون رجعته آخر رجعات المعصومین ع والحاشر - کما رووا - هو الذی یحشر الناس إلی المحشر.

مراتب إظهار الدین فی الوعد الإلهی:

فقدْ وَعَدَ الله نبیه فی قوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (2).

ص:306


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، باب أحادیث فی الرجعة عن غیر طریق سعد، ح18، ص181.
2- (2) رواه ابن حنبل فی مسنده عن مالک بن الأشجعی/ مجلد 6 ص25.

وهذا الإظهار للدین علی مراتب سواء من جهة الإظهار لکون الظهور والإظهار درجات، ومن ناحیة الدین أنَّه درجات ومراتب فتتضاعف الدرجات، فدرجات إظهار الدین وهیمنته فی دولة ظهور الإمام المهدی(عج) تختلف عن درجة ظهور الدین وإظهار التی تقع فی دولة الرجعة لسید الشهداء(ع)، بلْ إنَّ ظهور الرجعة وإظهار الدین فی دول الرجعة لأمیر المؤمنین(ع) لا سیما دولة رجعته المسماة بدابّة الأرض . فإنَّه قدْ روی الفریقان أنَّ قدرة سیطرة دولته علی أرجاء الأرض منقطعة النظیر، وبحیث لا یتخفی المنافق والکافر بنفاقه وکفره. ولا یفلت من حکومة أمر الله فی عهد دابّة الأرض أحداً قط ،إلی أنَّ تتهیأ الأرضیة إلی آخر حکومة فی عهد الرجعة، وهی أعظم حکومة وهی حکومة الرسول(صلی الله علیه و آله) ووزیره أمیر المؤمنین(ع) وبقیة الأئمة(علیهم السلام) ولاته فی أرجاء الارض وقبلها تکون حکومات امیرالمؤمنین(ع) المتعددة، فهذا جانب من تعدد مراحل الرجعة فی الهیکل والجانب التنفیذی.

وأمَّا الجانب النظری:- الرجعة قراءة ومعرفة فی الإمامة:

وکذلک الحال فی الإمامة، فقدْ کثرت الروایات فی باب الرجعة الدالّة علی أنَّ معرفة أمیر المؤمنین وبقیة الأئمة بأنهم مفترضو الطاعة اجمالا هی دون معرفة دورهم فی الرجعة والقیامة والآخرة الأبدیة، بل هی

ص:307

تقصیرٌ فی المعرفة ومعرفة مُقصرة، أی أنَّها معرفةٌ ابتدائیة تمهیدیة دون سطح المعرفة البالغة الحاصلة لمعرفة الرجعة والقیامة.

وفی صحیح حریز عن أبی جعفر(ع) قال سأل عن جابر، فقال رحم الله جابراً قد بلغ من فقهه انه کان یعرف تأویل هذه الآیة ان الذی فرض علیک القرآن لرادک إلی معاد یعنی الرجعة.

فعبَّر(ع) عن معرفة جابر بالرجعة وبالنبوة فی مقام الرجعة بالبلوغ فی المعرفة. ولهذه الروایة طرق عدیدة(1) بنفس المضمون.

وروی الصدوق فی أمالیه بسند صحیح إلی عامر بن معقل، عن أبی حمزة الثمالی، عن أبی جعفر، وکذا المفید فی أمالیه بسند صحیح إلی عامر أیضاً، والصفّار فی بصائر الدرجات، قال: قال لی:

«یا أبا حمزة لا ترفعوا علیّاً فوق ما رفعه الله، ولا تضعوا علیّاً دون ما وضعه الله، کفی بعلی(ع) أنَّ یقاتل أهل الکرّة، ویزوّج أهل الجنة»(2).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن سلیمان الدیلمی بسنده، قال سألت أبا عبدالله(ع) عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ إذْ جعل فیکم أنبیاء وجعلکم ملوکاً. فقال: الأنبیاء رسول الله وإبراهیم وإسماعیل وذریته والملوک الأئمة(علیهم السلام)، قال: فقلت: فأی ملک أعطیتم، قال: ملک الجنة وملکة

ص:308


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب أحادیث فی الرجعة عن طریق سعد ح18 ص 181.
2- (2) أورده الصفّار فی بصائر الدرجات: 5/415، والسند فیه: عن أحمد بن مُحمَّد، عن علی بن الحکم ... وباقی السند کما فی المختصر، الحدیث (33/87).

الکرة(1).

فبیَّن(ع) کما هو مقتضی ظاهر کلامه أن قوام معرفة الامام بملک الائمة فی الرجعة وملکهم فی الجنة الذی هو ذو طابع ملکوتی وملکی، وملک إلهی وولایة تکوینیة وتمکین منه تعالی(علیهم السلام).

ولا یخفی أنَّه(ع) فی صدد بیان ماهیة وهویة الإمامة المذکورة فی القرآن بعنوان الملک. وحینئذٍ فیکون معرفة مقامهم ودورهم فی الرجعة والآخرة مقوّم أساسی لمعرفة حقیقة الإمامة والإمام.

وفی الحقیقة إنَّما أفرزه علم الکلام من نتاج من کتب أصحابنا فضلاً عن المدارس الکلامیة لمذاهب الأُخری یُعد مرحلة تمهیدیة أولیة لمراحل المعرفة.

وروی فی الکافی ونهج البلاغة(2): - خطبةً لأمیر المؤمنین علی فراش الشهادة. ودعتکم وداع مرصدٍ للتلاقی غداً ترون أیامی ویکشف الله عن سرائری).

قال المجلسی فی مرآة العقول فی شرحه(3) ویحتمل المراد بقوله غداً أیام الرجعة ویوم القیامة. فإنَّ فیهما تظهر شکوتهم ورفعتهم ونفاذ حکمهم

ص:309


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ باب الکرات وحالاته ص149، وکذا ورواه البیهقی.
2- (2) نهج البلاغة، الخطبة 149/ الکافی، مجلد الأوَّل/299/ باب الإشارة والنص علی الحسن بن علی* ح6.
3- (3) مرآة العقول، ج3، ص302.

فی عالم الملک والملکوت فَهُوَ(ع) فی الرجعة ولیّ الانتقام من العصاة والکفّار وتمکین المتقین الأخیار فی الأصقاع والأقطاب، وفی القیامة ولیّ الحساب وقسیم الجنة والنار وغیر ذلک مما یظهر من درجتهم ومراتبهم السنیة فیهما .. بأنْ یکون ترون أیامی ویکشف الله عن سرائری فی الرجعة والقیامة لاتصاله بقوله: «وداع مرصد للتلاقی» ... انتهی کلامه.

و ظاهر کلامه(ع) أنَّ معرفتهم بالرجعة والقیامة أکمل من درجة معرفتهم الإجمالیة بأنَّهم مفترضو الطاعة من الله تعالی.

وممّا یعزِّز عمق قراءة لغة الرجعة فی المعرفة وأنَّها لیست قراءة فی معرفة الأئمة الاثنی عشر، فحسب بلْ فی معرفة النبی(صلی الله علیه و آله) ما فی الإشارة المذکورة فی الروایة التی تقدمت الاشارة الیها المرویة بطرق مستفیضة عند العامة عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی احتجاجه علی الیهود بما فی کتبهم وأناجیلهم أنَّ من أبرز أوصافه فی الکتب التی لدیهم والأناجیل أنَّه(صلی الله علیه و آله) العاقب والحاشر والماحی.

ومما یشیر إلی مکانة معرفة الرجعة وتأثیرها کلغة وقراءة فی معرفة الإمامة ما یلاحظ عند العامّة من أنَّ الاعتقاد بالرجعة أعظم فضاعة عندهم وأکبر خطورة من أصل القول بإمامة أهل البیت(علیهم السلام) ووصیة النبی(صلی الله علیه و آله) علیهم، وهم أشدّ استنکاراً للرجعة من القول بالوصیة الإلهیة فیشنعون علی القول بالرجعة تشنیعاً بالغاً.

ویعتبرون عقیدة الرجعة عقیدة سبئیة من مقالة عبدالله بن سبأ وأنَّه

ص:310

کان یقول أنَّ علیاً یرجع إلی الدنیا، فقد قال الذهبی فی ترجمة جابر بن یزید الجعفی، نقل عن ابن حبان أنَّه کان جابر - سبئیاً من أصحاب عبدالله بن سبأ - کان یقول أنَّ علیاً(ع) یرجع(1) وقد جعلوا المانع من قبول روایة جابر قوله بالرجعة لا قوله بالأمامة والوصیة لهم عن النبی(صلی الله علیه و آله). وقال ابن عدی حول جابر، کما ذکر ذلک الذهبی فی میزان الاعتدال أنَّ عامّة ما قذفوه به أنَّه کان یؤمن بالرجعة(2).

وقدْ فرق ابن حجر العسقلانی بین التشیع والرفض والغلو فی الرفض، فقال: فی مقدمة فتح الباری فی شرح صحیح البخاری والتشیع، محبة علی وتقدیمه علی الصحابة فمن قدّمه علی أبی بکر وعمر فهو غالٍ فی تشیعه، ویطلق علیه رافضی وإلّا فشیعی فإنْ انضاف إلی ذلک السبب أو التصریح بالبغض فغالٍ فی الرفض وإنْ اعتقد الرجعة إلی الدنیا فأشدّ فی الغلو)(3).

وهُنا یُثار تساؤل عن سبب جعلهم الاعتقاد بالرجعة أشدُّ غلواً من الاعتقاد بأصل الإمامة وأنها بنصٍّ من الله بمنصب إلهی، فهل هذا الموقف منهم صدفةً واتفاقاً أم أنَّه بسبب ما تحمله عقیدة الرجعة من بنیة معرفیة ومقامات وصلاحیات لأهل البیت(علیهم السلام) أکثر تبیِّن ما مدی للإمامة من

ص:311


1- (1) الذهبی فی میزان الاعتدال، ترجمة جابر، ج1، ص383.
2- (2) المصدر السابق نفسه.
3- (3) مقدمة فتح الباری، لابن حجر ، فصل فی تمییز أسباب الطعن، ص459.

موقعیة خطیرة لا ترتسم بالدرجة المذکورة إجمالاً فی أصل معرفة الإمامة الإلهیة علی أنَّها بالنص الإلهی.

وبذلک یتبیِّن أنَّ معرفة الإمامة بمعرفة الرجعة لغةً أکثر غوراً وعمقاً من المعرفة الإجمالیة بأصل الإمامة الإلهیة.

ص:312

الرجعة قراءة فی معرفة المهدی والظهور
اشارة

وذلک أنَّ هناک تشابک وترابط کبیر بین حدث الرجعة وحدث الظهور وإنْ کانا هویتین مختلفتین إلّا أنَّ بینهما أشدّ التداخل؛ وذلک من زوایا عدیدة:

الأولی: أنَّ ظهور الإمام المهدی(عج) بدایة افتتاح للرجعة.

الثانیة: أنَّ الرجعة لغیر المعصومین تقع قبل ظهور المهدی فی العاشر من محرم، حیث تقع ما بین جمادی ورجب أی قبل الظهور بأشهر قلیلة - کما سیأتی تفصیله إنْ شاء الله -

الثالثة: إنَّ أوَّل ما ینادی به فی الصیحة السماویة ینادی برجعة علی أمیر المؤمنین(ع) قبل أنْ ینادی بظهور المهدی(عج)، وهذا ممّا یدلل علی أنَّ الرجعة هی الغایة الکبری والعنوان الأعظم لظهور المهدی وأنَّ ظهوره(عج) هو فاتحة للرجعة ولدولة أهل البیت(علیهم السلام). بلْ إنَّ ظهور المهدی یعدُّ علامة من العلامات المُمَهِّدة لخروج جدّه أمیر المؤمنین(ع) وإرهاصٌ للمشروع

ص:313

الأعظم الذی یقوم به علیّ(ع) فی الأرض.

وفی صحیحة الحسن بن محبوب عن الرضا(ع) فی حدیث له طویل، قال:

«ینادون فی رجب ثلاثة أصوات من السماء صوتاً منها؛ ألا لعنة الله علی الظالمین، والصوت الثانی: أزفت الأزفة یا معشر المؤمنین. والصوت الثالث: یرون بدنا بارزاً نحو عین الشمس، هذا أمیر المؤمنین قدْ کَرَّ فی هلاک الظالمین»، وفی روایة الحمیری «الصوت الثالث: بدن یری فی قرن الشمس یقول إنَّ الله بعث فلاناً فاسمعوا له وأطیعوا، وقالا جمیعاً فعند ذلک یأتی الناس الفرج»(1).

الرابعة: إنَّ الهیئة المرکزیة لحکومة دولة الإمام المهدی(عج) هم عبارة عن سبعة وعشرین شخصاً کلهم من الاموات الذین یرجعون ما بین جمادی ورجب، خمسة عشر منه قوم موسی الذین نعتهم فی القرآن: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (2)، وسبعة من أهل الکهف ویوشع بن نون وصی موسی(ع) وسلمان الفارسی وأبو دجانة الأنصاری والمقداد، ومالک الاشتر فیکونون بین یدیه أنصاراً.

فقد روی المفید فی الارشاد عن المفضل بن عمر، عن أبی عبدالله(ع) قال:

«یخرج القائم(ع) من ظهر الکوفة سبعة وعشرین رجلاً، خمسة عشر من

ص:314


1- (1) الغیبة للشیخ الطوسی، ص439، الحدیث 431؛ غیبة النعمانی ص186، الحدیث 28؛ عیون أخبار الرضا؛ کمال الدین للصدوق؛ دلائل الإمامة للطبری، الخرائج الراوندی، ج2، ص848 - 563. مختصر بصائر الدرجات.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 159

قوم موسی(ع) الذین کانوا یهدون بالحق وبه یعدلون، وسبعة من أهل الکهف، ویوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاری، والمقداد، ومالکاً الأشتر، فیکونون بین یدیه أنصاراً وحکاماً»(1).

تعدد درجات وأدوارالإصلاح فی الرجعة لکل إمام:

الخامسة: ان دولة الظهور وان اشتملت علی اصلاح عظیم لا یکاد یتصوره البشر من عظمته وإکباره، إلا أن مایتم فی الظهور رغم کل ذلک تمهید لما اکثر عظمة واشد درجة من الاصلاح فی الرجعة بنحو مهول غایة العظمة، فإن إقامة العدل فی النظام السیاسی ذو درجات کبیرة کثرة، إلی غیر ذلک من البیئات الأُخری.

فقدْ روی أنَّ فی دولة الرجعة لسید الشهداء(ع) أنَّه تُباد کل دابّة حرَّم الله أکلها وتطهر الأرض من کلِّ ما هو رجس ونجس، ممّا له مدی تأثیر فی تکامل الإنسان، وکالاصلاح فی البیئة الاجتماعیة الدیمغرافیة، وهو الترکیبة السکانیة فی البلدان والأعراق والقومیات، فإنَّ العامل الاجتماعی لا ینکر تأثیره علی إرادة الإنسان ومساره ومصیره.

ومجرد کون الحکومة السیاسیة عادلة وقائمة بالقسط لا یستلزم

ص:315


1- (1) الارشاد للمفید 2 /386 .

الإصلاح والموازنة العادلة فی الترکیبة الاجتماعیة والدیمغرافیة، وکذلک البیئة الحیوانیة المحیطة بالإنسان وبقیة نظام البیئات الطبیعیة المحیطة به، فإنَّها هی الأُخری أیضاً مؤثرة علی الإنسان وتکامله.

وکذلک البیئة الباطنة الخفیّة لروح الإنسان وطویته، فإنَّ التعامل بالظاهر بین الأفراد فیما بینهم غیر ما لو تمَّ التعامل فیما بینهم بحسب الطویة الباطنة مع أنَّه وَرَدَ، لو تکاشفتهم لما تدافنتم، إلّا أنَّه قدْ وَرَدَ فی روایات الفریقین - کَمَا مرَّ - فی الرجعة فی مرحلة دابّة الأرض أنَّ الطویة الباطنة للمؤمن تظهر علناً بمیسم الدابة وخاتمها، کما أنَّ الطویة الباطنة للمنافق تظهر علناً.

ویتمیز النسیج الاجتماعی حینها کمجموعات متمایزة ویتمّ التعامل فیما بینها علی أساس الطویة الباطنة التی ظهرت وبرزت. ولا یخفی مدی الانقلاب فی نظام التعامل علی هذا الأساس بخلاف ما لو کان نظام التعامل علی أساس الظاهر، فإنَّ الظاهر قشر بینما الواقع والحقیقة لبّ، فلربما کان القشر صحیحاً وسالماً واللب عفناً خراباً فنسبة الأصلاح فی نظام التعامل الظاهر التی تتم فی ظهور الإمام المهدی(عج) بالقیاس والنسبة إلی درجة الإصلاح التی تتم علی یدی أمیر المؤمنین(ع) فی أواسط مراحل الرجعة، وهو مرحلة دابّة الأرض متفاوت کتفاوت الظاهر والباطن وکتفاوت القشر واللبّ.

وبعبارة أُخری: إنَّ صلاح الدولة الحاکمة بأیِّ درجة من الکمال

ص:316

بلغت لا یعنی صلاح المجتمع؛ لأنَّ إصلاح النسیج الترکیبی للمجتمع من جهات عدیدة یحتاج إلی طی مراحل من جهات وزوایا عدیدة.

کما أنَّ إصلاح النظام السیاسی العالمی الحاکم بین الدول لا یکفی عن إصلاح الداخلی فی کل دولة دولة وإنْ کان إصلاح النظام من إصلاح وکمال النظام العالمی الموحَّد المهیمن هو درجة من إصلاح النسیج الترکیبی للمجتمع من جهات عدیدة یحتاج إلی طیّ مراحل من جهات وزوایا عدیدة.

لکن لابدَّ من تتالی وتوالی وتتابع بقیة حرکات ودرجات الإصلاح، وهذهِ هی النسبة بین الإصلاح فی زمن دولة الظهور للمهدی عج والإصلاح المتتالی بعده فی دولة ودول الرجعة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام)(1) ونظیر هذا الفرق فی النظام القضائی فإنَّ القضاء بالموازین الظاهریة یختلف عن القضاء بحاق الواقع، کما أنَّ الملاحقة القضائیة والمتابعة الجنائیة تارة تکون بما یبرز من الإنسان من أعمال وأفعال تظهر و تطفح إلی العلن بأدلة إثبات وأُخری بمجرد إقدامه واندفاعه وإفاضته فی العمل، وهذا الفرق هو الذی رواه الفریقان بین دولة ظهور الإمام المهدی ودولة دابّة الأرض، حیث وَرَدَ فی وصف الثانی وهی دولة أمیر المؤمنین(ع) فی روایات الفریقین فی الثانیة أنَّ دابة الارض لا یعجزها ولا یفوتها هارب ولا یلحقها طالب، وغیر ذلک مما رواه الفریقان فی معالم دولة دابّة الأرض أنَّ سیطرة الدولة

ص:317


1- (1) النظام القضائی.

وقوتها تمتدّ إلی کل فرد فرد بنحو المتابعة والمراقبة لا بمجرد السیطرة علی الوضع العام.

موازاة مراتب کمال الإنسان لمراتب کمال المجتمع فی دولة الرجعة:

1) إنَّه من المقرَّر فی الآیات والروایات أنَّ الإسلام ذو درجات ومراتب عشرة، کما فی بعض ما وَرَدَ من الروایات فظاهر الإسلام أولی الدرجات وبدایتها ثم الإیمان ثم التقوی والهدایة والصلاح والیقین والصدق والإحسان والإخلاص وغیرها من المراتب، وکما أنَّ الفارق شاسع بین ظاهر الإسلام والإیمان، کما یلمس ویحس بذلک کل مؤمن، وکما هو مفاد قوله تعالی: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ (1).

فکذلک الفرق شاسع بین أهل التقوی من المؤمنین ومقامهم ومرتبتهم ومنازلهم مع المؤمنین غیر المتقین ویکفیک ملاحظة خطبة أمیر المؤمنین(ع) لهمّام، فی أوصاف المتقین، وشرعتهم واحکامهم وسننهم وسیرتهم «فاستلانوا ما استوعره الاخرون واستحلَوا ما استمرره الاخرون واستمرروا ما استحلاه

ص:318


1- (1) سورة الحجرات: الآیة 14.

الاخرون» وکأن نظام منهاجهم یبعد بعد السماء عن الارض مع عموم منهاج المؤمنین غیر المتقین وکذلک الحال فی الفرق الشاسع بین اهل الهدایة ومقاماتهم ومنازلهم ومقامات المتقین.

وکذلک الفرق بین مقامات أهل الصلاح والصالحین مع مقامات ومنازل أهل الهدایة والمهتدین، وکذلک الصالحین والمحسنین، وبین المحسنین والصدیقین وبین الصدیقین والمخلِصین وبین المخلِصین والمخلَصین.

ألا تری ما ضربه القرآن من مثل لذلک من تعجب واستغراب النبی موسی(ع) وهو نبی من أولی العزم، مما کان یصدر من أفعال الخضر إلی أنْ أوضح له الخضر(ع) أنَّ الموازین والقواعد الشرعیة منحفظة بدقّة أکثر بالعلم لدنی.

2) وقدْ وَرَدَ فی روایات أهل البیت ع أنَّ کل مؤمن یبلغ فی حُقب ومراحل وسط دولة الرجعة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام) إلی مقام الأبدال ویتوفّر علی درجة من العلم اللدنی ثم یترقی إلی أنَّ بعض المؤمنین یصل إلی درجة یکون قاضیاً بین قبائل من الملائکة. ومن ثم وَرَدَ أیضاً أنَّ المؤمنین یرتقون إلی السموات فی الرجعة. فقد روی ...

3) إنَّه بموازاة رُقی وتکامل الفرد الإنسانی والمسلم والمؤمن فإنَّه تتکامل أیضاً للإنسان الکبیر وهو المجتمع فعلی حذو مسیر الإنسان الفرد، کذلک الحال للإنسان المجتمع، فکم فرق یشاهده الناظر بین ترکیبة مجتمع المسلمین ومجتمع الکافرین، فإنَّ المسلمین وإنْ تخلفوا عن کثیر من أحکام

ص:319

الإسلام لا سیما علی الصعید السیاسی إلّا أنَّ هناک بون شاسع فی بناء الأسرة من جهة العلائق الروحیة والتربویة وغیرها مع الأسر الکافرة، وکذلک الفرق الشاسع بین مجتمع المؤمنین مع مجتمع المسلمین سواء علی صعید الأسرة أو علی صعید العلائق الاجتماعیة، فکما أنَّ الفرق بین المجتمع المسلم والمجتمع الکافر، وکذلک الفرق الشاسع بین مجتمع المؤمنین مع مجتمع المسلمین سواء علی صعید الأسرة أو علی صعید العلائق الاجتماعیة، فکما أنَّ الفرق بین المجتمع المسلم والمجتمع الکافر محسوس لدی المسلمین، کذلک الفرق بین المجتمع المسلم والمجتمع المؤمن محسوس لدی المؤمنین، وهکذا الحال فی الفرق بین مجتمع المؤمنین ومجتمع المتقین، المتقون أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصادومشیهم التواضع قلوبهم محزونة شرورهم مأمونة حاجاتهم خفیفة وأنفسهم عفیفة، حُلماء علماء أبرارٌ أتقیاءٌ لا یرضون من أعمالهم بالقلیل ولا یستکثرون الکثیر لهم تجمّلاً فی فاقة وصبراً فی شدّة یمزجوا الحلم بالعلم والقول بالعمل. لا ینابز بالألقاب ولا یضار بالجار ولا یشمت بالمصائب ولا یدخل بالباطل ولا یخرج من الحق.

مجتمع أهل الیقین:

ومرتبة أُخری فوق مجتمع المتقین من وصفهم الله: یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ وهم وإنَّ وَرَدَ عنهم علیهم السلام أنَّ المراد بهم الأئمة ع(1)

ص:320


1- (1) بصائر الدرجات ب 17 ح 8.

إلّا أنَّه قدْ یراد بهم أیضا، إمَّا أهل الیقین أو فوقهم أی أهل الصدق والإخلاص، وَوَرَدَ(1) أنَّ صفاتهم أنَّهم أمة مقسطة عادلة یقسمون بالسویة فلیس فیهم مسکین ولا فقیر ویحکمون بالعدل ویتواسون ویتراحمون، حالهم واحدة وکلمتهم واحدة وقلوبهم مؤتلفة وطریقتهم مستقیمة؛ لأنَّهم لا یتکاذبون ولا یتخادعون ولا یغتاب بعضهم بعضاً، وسیرتهم جمیلة، وقبور موتاهم فی أفنیتهم وعلی أبواب دورهم وبیوتهم لئلا ینسوا الموت، ولا یخرج ذکره من قلوبهم، ولیسَ لبیوتهم أبواب؛ لأنَّه لیسَ فیهم لصٌّ ولا ظنین ولیسَ فیهم إلا أمین، ولیسَ بینهم قضاة؛ لأنهم لا یتظالمون ولا یتخاصمون، ولیسَ فیهم أغنیاء ولا أشراف ولا یتفاوتون ولا یتفاضلون ولا یختلفون ولا یتنازعون ولا یتسابون ولا یقتتلون ولا تصیبهم الآفات؛ لأنهم لا یتکاثرون بإزدیاد الأموال ولا یتنافسون فی الدنیا متآلفة قلوبهم وصلح ذات بینهم غلبوا طبائعهم بالعزم وساسوا أنفسهم بالحلم ولیسَ فیهم فض ولا غلیظ؛ لأنهم تواضعوا وذللوا أنفسهم بالتواضع ویتعاطون بالحق ویحکمون بالعدل فتطول أعمارهم ولا یفترون عن الاستغفار فلا یصبهم القحط ولا یتبرون من البلاء فلا یحزنون ولا یتکلون علی غیر الله جل جلاله فلا یستمطرون بالانواء والأوضاعالفلکیة ویصلون أرحامهم ویؤدون أمانتهم ویصدقون ولا یکذبون ویعفون عمن ظلمهم ویحسنون إلی من أساء إلیهم ویستغفرون لمسیئهم فاصلح الله بذلک أمرهم.

ص:321


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة ص 404 ، وکذلک فی أمالی الصدوق، / ص235، علل الشرایع، ج2، ص412.
عظمة کمال مجتمع المؤمنین فی الرجعة:

ومن عجائب الرجعة وعظمتها أنَّها تبلغ بالمجتمع البشری إلی هذهِ الدرجات منَّ هذهِ الأوصاف لأمة یهدون بالحق وبه یعدلون التی قدْ وَرَدَت کوصف لجماعة من قوم موسی(ع) وأنَّ هذهِ الجماعة سترجع ویبعثون عند ظهور الإمام المهدی(عج) ویکونون من النواة المرکزیة لحکومته فإذا کانت هذهِ الأوصاف لجماعة من الأعضاء المرکزیة لحکومة الإمام المهدی فکیف بک إذا أصبح المجتمع کله بهذه الأوصاف فی أدوار أواخر الرجعة، فقد روی عن الصادق(ع): - کَمَا فی تفسیر العیاشی وروضة الواعظین لابن فتال عن المفید، قال: قال: إذا قام قائم آل مُحمَّد(عج) استخرج من ظهر الکعبة سبعة وعشرین رجلاً خمسة عشر من قوم موسی(ع) الذین یهدون بالحق وبه یعدلون وسبعة من أصحاب الکهف ویوشع وصی موسی ومؤمن آل فرعون وسلمان الفارسی، وابودجانة الأنصاری ومالک الأشتر(1) فیکونون بین یدیه أنصاراً وحکّاماً)(2).

وقدْ وردت بیانات فی روایات الرجعة أنَّ الحوض حوض الکوثر. لیسَ فی نشأة القیامة، بلْ هو فی عالم الدنیا أی فی الحیاة الآخرة من الدنیا وهی الرجعة خلافاً لما توهمه کثیر من المتکلمین، فقد روی فی مختصر بصائر

ص:322


1- (1) تفسیر العیاشی، مُحمَّد بن مسعود العیاشی، ج2.
2- (2) نور الثقلین، ج2، ص86.

الدرجات عن کتاب سلیم بن قیس الهلالی عن أبان ابن عیّاش عن ابن الطفیل فی حدیث عن الرجعة، قلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن حوض النبی(صلی الله علیه و آله) فی الدنیا أم فی الآخرة، فقال: بلْ فی الدنیا، قلت: فمن الذاید عنه، قال: أنا بیدی فلیردنه أولیائی ولیصرفن عنه إعدائی(1).

إطلاق اسم الآخرة والبعث والحشر والمعاد علی الرجعة:

وقد وَرَدَ هذا الإطلاق فی الآیات والروایات کثیراً کما فی قوله تعالی: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ (2) ففی روایة الکافی بسنده عن أبی بصیر، قال: قلتُ: لأبی عبدالله(ع) وذکر الآیة، قال: فقال لی: یا أبا بصیر ما تقول فی هذهِ الآیة، قال: قلت: إنَّ المشرکین یزعمون ویحلفون لرسول الله(صلی الله علیه و آله) إنَّ الله لا یبعث الموتی.

قال: فقال: تباً لمن قال هذا إسألهم هل کان المشرکون یحلفون بالله؟ أم باللآت والعزی، قال: قلت: جعلت فداک أوجدنیه، قال: فقال لی: یا أبا بصیر لو قدْ قام قائمنا بعث الله إلیه قوماً من شیعتنا قباع سیوفهم علی عواتقهم فیبلغ ذلک قوماً من شیعتنا لم یموتوا، فیقولون: بعث فلان وفلان

ص:323


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، ص40.
2- (2) سورة النحل: الآیة 41.

وفلان من قبورهم، وهم مع القائم عج، فیبلغ ذلک قوماً من عدونا فیقولون یا معشر الشیعة ما أکذبکم، هذهِ دولتکم فأنتم تقولون فیها الکذب، لا والله ما عاش هؤلاء ولا یعیشون إلی یوم القیامة. قال فحکی الله قولهم، فقال: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ (1)

(2).

ومفاد هذهِ الروایة استدلال صریح بظاهر الآیة علی إطلاق البعث علی الرجعة.

قوله تعالی: أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیّانَ یُبْعَثُونَ * إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (3) وکذا فیما رواه العیاشی عن جابر عن أبی جعفر ع فی قوله تعالی: أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ یعنی کفّار غیر مؤمنین، وأمَّا قوله: وَ ما یَشْعُرُونَ أَیّانَ یُبْعَثُونَ فإنَّهم یعنی أنَّهم لا یؤمنون وأنَّهم یشرکون إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فإنَّهم کما قال، وأمَّا قوله والذین لا یؤمنون یعنی أنَّهم لا یؤمنون بالرجعة أنَّها حق ورواه العیاشی بطریق آخر عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر(ع).

فقد أُطلق البعث الأخرة فی هذهِ الآیات علی الرجعة.

وروی النعمانی فی تفسیره عن أمیر المؤمنین ع، قال: وأمَّا الردّ علی من

ص:324


1- (1) الکافی، مجلد 8/ ص51 ح14،.
2- (2) سورة النحل: الآیة 41.
3- (3) سورة النحل: الآیة 21 - 22.

أنکر الرجعة، فقول الله عَزَّ وَجَلَّ وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ أی إلی الدنیا فأما معنی حشر الآخرة، فقوله عَزَّ وَجَلَّ وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1).

فقد أطلق الحشر علی الرجعة فی هذهِ الآیة، وقد تعرضت روایات کثیرة لشرح ظاهر الآیة وأنَّه متعین فی الرجعة، حیث أنَّ حشر البعض لا یکون إلّا فی الرجعة تفویجاً بخلاف حشر القیامة والآخرة الأبدیة فإنه لمجموع الجمیع وقد استدلَّ بظاهر الآیة وفقاً لتلک الدلالة جملة علماء الإمامیة.

وروی النعمانی أیضاً فی تفسیره ما رواه عن أمیر المؤمنین(ع) فی قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ (2) أی رجعة الدنیا، وقدْ وَرَدَ فی ذیل الآیة روایات عدیدة دالَّة علی ذلک(3).

المعاد والرجعة:

إنَّ أکثر أدلة المتکلمین العقلیة علی المعاد هی أدلة علی الرجعة، کما أنَّ أکثر بیانات القرآن فیما یظن من دلالة الآیات علی المعاد هی فی الرجعة أولاً وفی المعاد الاکبر ثانیاً، ولذلک قال الصحابی أبو الطفیل(صلی الله علیه و آله) وکذلک سلیم بن قیس بعد ما اطلع علی بیانات أمیر المؤمنین(ع)، قال ما أنا بیوم القیامة أشد یقیناً منی بالرجعة.

ص:325


1- (1) تفسیر النعمانی، البحار، ح53، ص147.
2- (2) سورة القصص: الآیة 85.
3- (3) البحار، 53 ص119.
الفارق بین بعث الرجعة وبعث المعاد:

أمَّا قراءة المعاد بلغة الرجعة ، فیشیر إلیه قوله تعالی فی سورة الکهف: وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ... (1) ... وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها (2).

فتبیِّن الآیة أنَّ أحد الغایات المهمة الکبیرة من الرجعة أنَّها آیة کبری للمعاد وبرهان علی وقوعه، بلْ إنَّ کثیرا أو أکثر الآیات المشیرة إلی البعث من القبور إنَّما تشیر إلی بعث الرجعة، وسیأتی فی الباب الثالث الإشارة إلی الفارق بین البعث فی الرجعة والبعث فی المعاد الأکبر وقد شاع فی کلمات علماء الإمامیة أنَّ الرجعة معاد أصغر، سواء منهم ذوی المشرب الکلامی أو المشرب الفلسفی.

وأحد الفوارق المهمة فی بعث الرجعة عن بعث القیامة الکبری؛ أنَّ بعث الرجعة کما تشیر إلیه جملة آیات الرجعة وجملة روایاتها أنَّ بعث الرجعة هو من القبر والقبور من أرض الدنیا وکوکب الأرض، وأمَّا البعث لیوم القیامة والمعاد الأکبر فهو بعث من أرض الساهرة وأرض

ص:326


1- (1) سورة الکهف: الآیة 20.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 21.

القیامة، وقد أشیر إلی خصوصیات أرض القیامة فی قوله تعالی: یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ وَ تَرَی الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ (1).

وفی الحقیقة أنَّ روایات الرجعة وآیاتها تبین شرائط فیزیائیة وتکوینیة تختلف عن الخصائص والأحکام التکوینیة للقیامة وبعثها، وأنَّ کثیراً مما یحسب ویقرر فی البحوث الکلامیة والفلسفیة أنَّه بعث معاد هو بعث الرجعة، أمَّا بعث المعاد فهو أعظم هولاً من ذلک وطامته هی الکبری کما فی الآیات والروایات.

وبعبارة أُخری: إنَّ معرفة المعاد الأکبر بدون الرجعة کالممتنع؛ لأنَّ الرجعة بوابة تکوینیة لبعث المعاد، بلْ سیأتی أنَّ الرجعة هی الأُخری ذات درجات ومراحل تختلف عن بعضها البعض فی الأحکام التکوینیة، واشتداد ظهور جملة من أحکام الملکوت، کما یلاحظه المتتبع بالتحلیل والتدقیق فی مفاد طوائف روایات الرجعة.

البرزخ والرجعة والساهرة:

أحد الأمثلة فی البحوث المتّصلة بذلک أنَّ البرزخ علی ضوء بیانات آیات وروایات الرجعة لیسَ متوسطاً بین الدنیا والآخرة کما اشتهر بین المتکلمین والفلاسفة والعرفاء وانسیاقهم فهم ذلک من ظهور قوله تعالی:

ص:327


1- (1) سورة إبراهیم: الآیة 48 - 49.

وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ وکذلک جل المفسرین ، أنَّه المراد من هذهِ الآیة، بلْ هو عالم ومرحلة متوسطة بین الحیاة الدنیا الأولی والحیاة الآخرة من الدنیا،والبعث فی الآیة بعث الرجعة، وإنَّ کثیراً مما یظن أنَّه من أحکام الآخرة هو من أحکام الرجعة، بلْ العالم المتوسط بین الحیاة الدنیا والآخرة هی الساهرة، وأنَّ البرزخ والرجعة من عالم الدنیا.

ثلاث انماط للبعث والحساب:

وسیأتی فی الباب الثالث أنَّ البعث الثانی نمطا وهو الذی لیوم القیامة المسمی بالمعاد یغایر البعث الثالث نمطا والذی هو للجنة والنار الأبدیتین الذی هو آخر مراحل البعث، وأنَّ عمدة الحساب قبل یوم القیامة وإنَّ وقعت تتمته فی القیامة قبل البعث الأبدی إلی الجنة والنار.

عالم القیامة والرجعة:

وأمَّا یوم القیامة فبحسب بیانات الرجعة لیسَ هو یوماً فی عرض الأیام، کما یتوهم بلْ هو عالم أکبر من عالم الدنیا، بمجموع الحیاة الأولی والآخرة فیها بأضعاف مضاعفة. وقدْ بیَّن فی آیات وروایات الرجعة والقیامة أنَّ مسیرة التکامل مقررة مستمرة فی عالم القیامة، لکن بنمط مغایر لما علیه فی دار الدنیا الاولی والاخرة منها التی هی الرجعة. کما أنَّ ملک النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) فی عالم القیامة أعظم من ملکهم وحاکمیتهم وحکومتهم فی عالم الدنیا الأولی والرجعة، کما أن ملکهم فی الجنة أعظم من ملکهم فی عالم القیامة.

ص:328

تطابق آخر الرجعة مع القیامة:

إنَّ فی ألسن بیان الروایات الواردة فی الرجعة عند الفریقین إنَّ آخر الرجعة متداخل مع القیامة بلْ قدْ یراد به القیامة نفسها، إذْ هی عقب الرجعة. مثلما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبدالله(ع) إنَّ الیوم الذی ذکر الله مقداره فی القرآن فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ وهی کرة رسول الله(صلی الله علیه و آله) فیکون ملکه فی کرّته خمسین ألف سنة ویملک أمیر المؤمنین(ع) فی کرته أربعاً وأربعین ألف سنة(1). ویحتمل انطباق کرّة رسول الله(صلی الله علیه و آله) علی القیامة إذْ قدْ وَرَدَ فی بعض الروایات أنَّ ملک الرجعة لأمیر المؤمنین(ع) وملک القیامة لرسول الله(صلی الله علیه و آله).

إذْ قدْ روی الکلینی فی موثّقة حفص بن غیاث فی حدیث قوله(ع) فإنَّ للقیامة خمسین موقفاً کل موقف مقداره ألف سنة ثم تلا هذهِ الآیة: فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ (2)

(3) ورواه الشیخ المفید فی الأمالی بسنده عن حفص بن غیّاث(4) ورواه الشیخ الطوسی فی الأمالی بسنده عنه حفص(5).

لاسیما وأنَّ عالم القیامة مغایر للبعث الأخیر للآخرة الأبدیة للجنة وللنار والخلط بینهما قد وقع کثیرا فی بحوث المعارف.

ص:329


1- (1) مختصر البصائر، ص198، ط سلسلة مصادر بحار الأنوار/ مختصر بصائر الدرجات، ح46/146.
2- (2) سورة المعارج الآیة 4.
3- (3) الکافی، مجلد/ 8، الحدیث 108، ص143.
4- (4) الأمالی للصدوق، ص274 مجلس 33.
5- (5) الأمالی للشیخ الطوسی، ص36، مجلس 37، 7.
تطابق المعراج مع الرجعة:

وهذا مما یتطابق مع المعراج وتتطابق الرجعة معه، فقد روی فی الاحتجاج للطبرسی عن موسی بن جعفر(ع) عن آبائه فی احتجاج أمیر المؤمنین(ع) علی الیهود، وقوله(ع) لهم أنَّه أسری به (أی بمُحمَّد(صلی الله علیه و آله) من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی مسیرة شهرٍ وعرج به فی ملکوت السموات مسیرة خمسین ألف عام فی أقل من ثلث لیلة حتّی انتهی إلی ساق العرش(1).

وهذا التطابق مرتبط بالتکامل والعروج بالکامل ولاسیما للبدن.

تعدد الحساب والقیامة:

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن یونس بن ظبیان عن أبی عبدالله(ع)، قال: - إنَّ الذی یلی حساب الناس قبل یوم القیامة الحسین بن علی(ع)، فأما یوم القیامة فإنما هو بعث إلی الجنة أو بعث إلی النار(2).

ملحوظة معترضة:

وقبل الخوض فی مفاد الروایة قدْ أطلق فیها لفظ القیامة علی البعث الثالث للجنة والنار الأبدیة وهو اطلاق ثالث للفظ القیامة فی مقابل

ص:330


1- (1) الاحتجاج المجلد، الأوَّل ص328.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات، باب الکرّات، ح38/92، ص146.

اطلاقها علی الرجعة ومقابل اطلاقها علی البعث الی عالم القیامة المشتمل علی المواقف والعقبات .

وظاهرُ هذا الحدیث أنَّ الحساب فی الرجعة والذی یقوم به ویتولاه خلیفة الله سید الشهداء الحسین بن علی(ع)، وقدْ وردت بذلک روایات متعددة من روایات الرجعة کالذی أورده السید الاسترآبادی فی کتاب الرجعة وهو معاصر للمجلسی وغیرها.

إلّا أنَّه یمکن حمل ذلک علی تعدد الحساب ووقوعه فی کل من الرجعة والقیامة لتکثّر دلالة الآیات والروایات المستفیضة علی وجود عقبات للحساب فی القیامة،

وسیأتی الوجوه والغایات المحتملة لتعدده إلّا أنَّ الملحوظ فی دلالة الروایة هنا إطلاق عنون القیامة علی البعث إلی الجنّة والبعث إلی النار، وسیأتی فی محله فی الباب الثالث إنَّ بعث یوم القیامة یغایر بعث الرجعة، ویقع بعدها وأنَّ یوم القیامة بمعنی عالم القیامة وهو عالم أوسع مدةً ومقداراً وطولاً بأضعاف أضعاف عالم الدنیا الأولی والآخرة أی آخرة الدنیا التی هی الرجعة، ثم بعد بعث القیامة وانقضائها یکون البعث إلی الجنّة والنار الأبدیة، وقبل کل بعثٍ نفخ فی الصور، وإنْ کان بعث الرجعة لیسَ نفخا فی الصور بلْ أفواجاً أفواجاً أو أفراداً أفراداً.

لأنَّ حشر الرجعة لیسَ حشراً عاماً فی بدایاتها، حسبما هو ظاهر الروایات المستفیضة، وإنْ کان الأصح حسبما أشرنا سابقا بمقتضی بعض

ص:331

الروایات المعتبرة انها وإنْ کانت تفویجاً فی بدایاتها لکنها لاتختص بعثا وإحیاءاً بمن محض الایمان ومن محض الکفر، بلْ تختص حسابا ومحاسبة ومجازاة بمن محض الایمان او محض الکفر.

وسیأتی بیان وتفصیل هذهِ المراحل فی بیانات طوائف الروایات فی الباب الثالث إلّا أنَّ فی هذهِ الروایة قدْ أُطلق علی البعث الأبدی الجنة وأُطلق علی ما قبله أنه قبل یوم القیامة.

والظاهر أنَّ هذا من باب تعدّد إطلاق القیامة علی مواطن عدیدة، کما فی إطلاق القیامة علی الموت فی الحیاة الدنیا،بلحاظ ان بالموت تنبعث الروح فی حیاة برزخیة وتکون قائمة وموجودة فیه.

کذلک أُطلقت القیامة علی الرجعة، وذلک لان للقیامة معنی عام شامل لکل هذهِ المواطن وهو الانبعاث للحیاة بعد الموت، وقیامٌ فی عالم آخر فمن ثم یفهم من دلالة طوائف الروایة أنَّ هناک قیامة صغری ووسطی وکبری، والتقیید بالکبری تمییز للعالم الذی یتوسَّط بین الرجعة والجنّة والنار الأبدیتان، وإلّا فعالم الجنة لیسَ هو عالم القیامة، بلْ بعده وهذا التنوّع فی تعدّد القیامة واستعمال لفظها یتبیَّن وجه التداخل بین آخر الرجعة وعالم القیامة، وأنَّ آخر دولة فی الرجعة، وهی دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) کما یفهم من العدید من الروایات، وهی خمسون ألف سنة وقبلها آخر دولة لأمیر المؤمنین(ع) وهما آخر دول یقیمها أمیر المؤمنین(ع) فی الرجعة بعد ما أقام دولاً کثیرة قبلها ومقدارها أربعة وأربعین ألف سنة، أنَّ من المحتمل قویاً أنَّ

ص:332

دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) هی القیامة. حیث خصّ الرسول(صلی الله علیه و آله) بملک القیامة وخصّ أمیر المؤمنین(ع) بملک الرجعة وأنَّ الخمسین ألف سنة التی هی عمر دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) متطابقة مع عمر القیامة کما فی قوله تعالی: فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ .

ومما یشیر إلی هذا التفسیر فی جملة من تفاصیله ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات(1) بإسناده عن عبدالکریم بن عمر الخثعمی قال سمعت أبا عبدالله(ع) یقول:

«إنَّ إبلیس قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (2) فأبی الله ذلک علیه قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

(3) فإذا کان الیوم المعلوم ظهر إبلیس لعنه الله فی جمیع أشیاعه منذ خلق الله آدم إلی یوم الوقت المعلوم. وهی آخر کرّة یکرّها أمیر المؤمنین صلوات الله علیه، فقلت: وإنَّها لکرّات؟، قال: نعم، إنَّها لکرّات وکرّات، ما من إمام فی قرن إلّا ویکرّ معه البرّ والفاجر فی دهره حتّی یدیل الله عَزَّ وَجَلَّ المؤمن من الکافر».

فإذا کان یوم الوقت المعلوم کرّ أمیر المؤمنین ع فی أصحابه، وجاء إبلیس فی أصحابه ثم ذکر(ع) حصول الاقتتال وهبوط رسول الله(صلی الله علیه و آله) وقتله لإبلیس، وقال(ع) فیکون هلاکه وهلاک جمیع أشیاعه، فعند ذلک یُعبد الله عَزَّ وَجَلَّ ولا یشرک به شیئاً، ویملک أمیر المؤمنین(ع) أربع وأربعین

ص:333


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، ص145.
2- (2) سورة الحجر: الآیة 36 .
3- (3) سورة ص: الآیة 80 - 81.

ألف سنة الحدیث)(1)..

فالتعبیر فی الروایة عن آخر دولة لأمیر المؤمنین(ع) بأنَّها آخر کرّة یکرّها یفید أنَّها آخر الرجعة؛ لأنَّه(ع) هو محور کل الرجعات کما دلّت علی ذلک الروایات، ومقتضی ذلک أنَّ دولة أمیر المؤمنین(ع) تکون آخر الرجعة، وعلی ذلک تکون دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) هی فی عالم القیامة قبل عالم الجنة والنار، ومع ذلک یطلق علیها رجعة بالمعنی العام لانها رجوع الی الحیاة قبل عالم الجنة والنار.

فیتطابق مع ما وَرَدَ من اختصاص ملک رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالقیامة وملک أمیر المؤمنین(ع) بالرجعة لا سیما مع ما وَرَدَ أنَّ أمیر المؤمنین(ع) هو آخر الأئمة الذی یقبض الله روحه قبل القیامة.

ففی مصححة عبدالله بن سنان التی رواه فی بصائر الدرجات عن الصادق(ع) عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): فی حدیث قدسی قول الله تعالی علی آخر من أقبض روحه من الأئمة وهی الدابّة التی تکلمهم، الحدیث(2).

نعم، قدْ یسأل أنَّ کرّة رسول الله(صلی الله علیه و آله) لابدَّ أنْ تکون فی الرجعة، وهو تأویل قوله تعالی: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ وأنَّه یبعث بالنذارة الکبری، کَمَا فی جملة من روایات الرجعة، وأنَّ ذلک تأویل

ص:334


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، باب الکرّات، ح37/91.
2- (2) بصائر الدرجات، ج9/ باب 18 ح36 ص535.

یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ یعنی مدثر بتراب القبر.

وقد روی أیضا فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید عن أبی عبدالله(ع)، قال: إنَّ لعلی(ع) فی الأرض کرّة مع الحسین ابنه صلوات الله علیهما، یُقبل برایته حتّی ینتقم له من بنی أمیة ... ثم کرّة أُخری مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتّی یکون خلیفته فی الأرض ویکون الأئمة(علیهم السلام) عمّاله، وحتّی یُعبد الله علانیة فتکون عبادته علانیة فی الأرض کما عُبد الله سرَّاً فی الأرض، ثم قال: إی والله وأضعاف ذلک، ثم عقد بیده (أضعافاً) یُعطی الله نبیه ملک جمیع أهل الدنیا منذ خلق الله الدنیا إلی یوم یفنیها حتّی ینجز له موعده فی کتابه، کما قال: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1)

(2).

بل قد مرت الاشارة لروایة ظاهرها مفاده أن له ص رجعتین.

وقدْ وَرَدَت روایات أیضاً فی رجعة رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلی الدنیا فی ذیل قوله تعالی إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (3) کصحیحة الکابلی عن علی بن الحسین(ع) فی قوله تعالی : إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ قُلْ رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی وَ مَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ . قال یرجع إلیکم نبیکم(صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین(ع) والأئمة(علیهم السلام)(4).

ص:335


1- (1) سورة التوبة: الآیة 33.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات، باب الکرّات، الحدیث 45/99.
3- (3) سورة القصص : الآیة 85.
4- (4) تفسیر القمی : ج2 ، ص 147.

فظاهر کل هذه الروایات رجوعه(صلی الله علیه و آله) إلی الدنیا بل ربما بات هذا بیناً بدیهیا فی مجموع الروایات فکیف التوفیق؟.

فهل یملک(صلی الله علیه و آله) فی آخر الرجعة وکذلک یملک فی القیامة أم أن القیامة عاقبة الرجعة وتنقیح ذلک یحتاج إلی مزید إستبیان وتتبع فی مفاد الأدلة .

إن البرزخ والرجعة من الدنیا والقیامة حقیقة مباینة لهما:

ففی روایة تفسیر النعمانی عن شیخه عن القمی رواه عن أمیر المؤمنین(ع) ورواه القمی فی مقدمة تفسیره. وأما الردّ علی من أنکر الثواب والعقاب فقوله یوم یأتی لا تکلم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقی وسعید فأما الذین شقوا ففی النار لهم فیها زفیر وشهیق خالدین فیها ما دامت السموات والأرض.

وأما قوله ما دامت السموات والأرض إنَّما هو فی الدنیا فإذا قامت القیامة تبدلت السموات والأرض. وقوله النار یعرضون علیها غدواً وعشیاً فالغدو والعشی إنما یکون فی الدنیا فی دار المشرکین وأما فی القیامة فلا یکون غدواً ولا عشیاً.

قوله لهم رزقهم فیها بکرة وعشیا یعنی فی جنان الدنیا التی تنتقل إلیها أرواح المؤمنین فأما فی جنات الخلد فلا یکون غدواً ولا عشیاً. وقوله

ص:336

ومن ورائهم برزخ إلی یوم یبعثون فقال الصادق(ع) البرزخ فی القبر وفیه الثواب والعقاب بین الدنیا والآخرة والدلیل علی ذلک) الحدیث.

القیامة لها أحکام ومواطن مختلفة:

قال علی(ع). وأما قوله عَزَّ وَجَلَّ یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً وقوله وَ اللّهِ رَبِّنا ما کُنّا مُشْرِکِینَ وقوله عَزَّ وَجَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً وقوله إِنَّ ذلِکَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ وقوله قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ وقوله الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ .

فإن ذلک فی مواطن غیر واحد من مواطن ذلک الیوم الذی کان مقداره خمسین ألف سنة ثم ذکر(ع) إجتماع أهل القیامة فی مواطن بعد مواطن ففی بعضها یتخاصمون وفی بعضها یبکون وفی بعضها یستنطق أهل التوحید خاصة وفی بعضها الآخر یستنطق أولیاؤه وأصفیاؤه خاصة دون غیرهم.

ومنهم الرسل والأنبیاء والأوصیاء ثم یجتمعون فی مواطن أُخر یکون فیه المقام المحمود لمحمد(صلی الله علیه و آله). ثم یجتمعون فی مواطن أُخر یدیل لبعضهم من بعض آخر. وهذا کله قبل الحساب فإذا أُخذ فی الحساب

ص:337

شُغل کل إنسان بما لدیه(1).

وقدْ أشارت الروایات الواردة فی الرجعة إلی أنَّ یوم القیامة لیسَ الیوم بمعنی الدورة الزمانیة لأربعة وعشرین ساعة، بلْ المراد عالم هو أکبر عمراً من عالم الدنیا، وهی الحیاة الأولی وأکبر من عالم الرجعة الذی هو الحیاة الآخرة من الرجعة مع أنَّ عالم الرجعة أکبر بأضعاف من الحیاة الأولی من الدنیا، ومن ثَمَّ کانت نشأة القیامة والبعث والحیاة فیها یختلف عن البعث الأخیر للجنة الأبدیة والنار الأبدیة، فهو ما قبل ذلک وفیه کما وَرَدَ فی الروایات یبدو ملک وحاکمیة النبی وأهل بیته بأعظم مما بدا لهم من ملک وحاکمیة فی الرجعة، وقد وَرَدَ أیضاً فی تلک الروایات أنَّ الله اختصَّ أمیر المؤمنین بملک الرجعة، واختصَّ النبی(صلی الله علیه و آله) بملک القیامة. وهذا بالاضافة الی ملک الجنة والنار الذی هو اعظم بمراتب مماتقدمه من الملک .

الامتحان فی القیامة:

و یظهر من تلک الروایات أنَّ الامتحان فی عالم القیامة أعظم من الامتحان فی الرجعة، وفی الرجعة أعظم من الامتحان فی عالم الدنیا. ولا ینافی ذلک ما تقرّر من عموم الیوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل.

کما هو الحال بالنسبة إلی وجود التکلیف فی الرجعة، وهی الرجوع إلی

ص:338


1- (1) التوحید للصدوق : باب 36/ح5،ص224

الحیاة الدنیا بعد الموت، مع أنَّه قدْ وَرَدَ أنَّ بالموت ینقطع عمل ابن آدم وقد بسطنا الکلام فی عدم المنافات بین الأمرین فی مبحث الرجعة والاختیار، وإنْ کان ذلک خلافاً لمشهور المتکلمین والفلاسفة والعرفاء وهو وجود الامتحان فی عالم القیامة، وأنَّه عالم ولیسَ بمدة قصیرة ومحدودة.

والمتحصل من الأدلة الواردة فی الآیات والروایات وجود الامتحان الأکبر فی عالم القیامة نظیر قوله تعالی: إِنَّهُ عَلی رَجْعِهِ لَقادِرٌ * یَوْمَ تُبْلَی السَّرائِرُ * فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ (1).

1- وابتلاء السرائر امتحانها، وهی القلوب والأرواح، لا سیما وأنَّ السر قدْ أطلق فی سورة طه علی ما هو أخفی من القلب: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی (2).

2 - وقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوی لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ (3).

فأثبتت الآیة أنَّ للقلب امتحان غیر عمل الأبدان والجوارح.

ونظیره قوله تعالی نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ (4).

3 - وقوله تعالی: أَ فَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُورِ * وَ حُصِّلَ ما فِی

ص:339


1- (1) سورة الطارق: الآیة 8 - 10.
2- (2) سورة طه: الآیة 7.
3- (3) سورة الحجرات: الآیة 3.
4- (4) سورة الهمزة: الآیة 6 - 7.

الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ (1).

4 - وقوله تعالی: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْکُمْ بِهِ اللّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (2).

5 - قدْ وَرَدَ فی جملة من الآیات وصف القیامة الکبری بعدم تکلیم الله عَزَّ وَجَلَّ المجرمین والعصاة، وأنَّه لا اختصام ولا احتجاج فیه مع أنَّ الحساب تجری المحاسبة والاستنطاق والاستشهاد وذلک محمول ویفسر بتعدد المواطن وان کل موقف ألف سنة .

من الصحابة والتابعین القائلیین بالرجعة:

وطعن العامة(3) علیهم بذلک: وقد تقدم ان اباالطفیل عامر بن واثلة ممن یقول بالرجعة وکذلک من نقل عنهم سلیم بن قیس الهلالی العامری التابعی عن جملة من الصحابة کسلمان وابی ذر وعمار بن یاسر وحذیفة وغیرهم .

وکذا الأصبع بن نباتة:قال العقیلی فی کتاب الضعفاء.

«أصبغ بن نباتة الحنظلی کوفی کان یقول بالرجعة»(4).

ص:340


1- (1) سورة العادیات: الآیة 9 - 11.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 284.
3- (3) ضعفاء العقیلی، ج1، ص129.
4- (4) المجروحین لابن حبّان، ج1، ص289.

وقال ابن حبّان فی کتابه المجروحین فی ترجمة داود بن یزید بن عبدالرحمن الأودی الزعافری (من أهل الکوفة، کنیته أبو یزید، وهو عم عبدالله بن إدریس یروی عن أبیه والشعبی روی عن وکیع والمکی، مات سنة 151، وکان ممن یقول بالرجعة...).

ومسلم بن نذیر، وقیل بن یزید: ویقال أنَّ یزید جده أبو نذیر، ویقال أبو عیّاض وهو ابن عم عتی بن ضمرة روی عن حذیفة روی عنه أبو إسحاق السبیعی وزیاد بن فیّاض ....

وهو من أهل الکوفة کان قلیل الحدیث ویذکرون أنَّه کان یقول بالرجعة(1).

ص:341


1- (1) تهذیب التهذیب، لابن حجر/ مجلد 10، ص126، رقم المسلسل/ 258.

ص:342

نبذة عمن رصد عدد الحدیث فی الرجعة

1 - المجلسی 200 حدیث البحار.

2 - تلمیذه، صاحب العوالم استدرک علیه ب- 100 فصار 300.

3 - الحر العاملی، الإیقاظ 600 حدیث وأکثر من نصف أو قرابة ثلثاه تغایر ما ذکره المجلس.

4 - السید محمود بن فتح الله الحسینی الکاظمی فی کتابه إثبات الرجعة فی تفریج الکربة أورد 500 حدیث وله کتاب آخر سماه بأصول الدین أشار فی خاتمته إلی بعض أحادیث الرجعة.

5 - کتاب الرجعة للمیرزا مُحمَّد مؤمن البندوست مُحمَّد الحسینی الاستربادی المعاصر للمجلسی والحر العاملی الذی ذکر بأنه لم تحضره حین تألیفه الکتاب کل المصادر الروائیة.

6 - السید بن طاووس فی کتاب الطرائف ص48 ذکر أنَّ صحیح مسلم بإسناده عن جراح قال سمعت جابر یقول عندی 70 ألف حدیث عن أبی جعفر(ع) عن النبی(صلی الله علیه و آله) کلها فی الرجعة.

ص:343

7 - العیاشی عنده کتاب فی الرجعة کما ذکره ذلک النجاشی.

8 - الفضل بن شاذان له کتاب فی الرجعة.

9 - للشیخ مُحمَّد علی بن المولی حسن علی الهمدانی الحائری فی مجلدین آیات الحجة والرجعة.

جمع فیه 313 آیات فی الرجعة الحجة / آغابزرک مجلد 19 ص367 رقم التسلسل 34/16.

10 - عبدالعزیز بن یحیی بن أحمد بن عیسی الحلودی الأزدی البصری من أصحاب أبی جعفر(ع) عنده کتاب الرجعة ذکره النجاشی فی باب العین.

11 - السید حسن الصدر صاحب تأسیس الشیعة للعلوم له کتاب اسمه أحادیث الرجعة.

12 - لصاحب الحدائق کتاب فی الرجعة کما ذکر ذلک فی تعلیقه شرح إحقاق الحق، المجلد 3 ص211.

13 - عوالم العلوم الشیخ عبدالله البحرانی الأصفهانی/ باب الرجعة.

14 - الرجعة للشیخ أحمد الإحسائی.

ص:344

نبذة أُخری عمن کتب فی الرجعة من الإمامیة

1 - السید مُحمَّد مؤمن الحسینی الاسترآبادی الشهید بمکة سنة 1088 ه- قد جمع فی رسالته المختصرة فی الرجعة نحو 111 حدیثاً من الکتب المعتمدة، وجمیعها تنصّ علی الرجعة.

2 - وللفضل بن شاذان کتاب إثبات الرجعة ذکره النجاشی فی ترجمته، وکذلک له کتاب الرجعة وهو غیر إثبات الرجعة.

3 - جمع العلامة المجلسی المتوفی سنة 1111ه- نحو 200 حدیث فی باب الرجعة من کتاب بحار الأنوار فی الرجعة نقلها عن سبعین کتاباً قدْ صنّفها عظماء الإمامیة.

5 - کتاب الرجعة للحسن بن علی بن أبی حمزة البطائنی ذکره النجاشی فی الرجال (رجال النجاشی/ 37).

ص:345

6 - کتاب الرجعة لاحمد بن داود بن سعید الفزّاری، أبو یحیی الجرجانی، ذکره النجاشی والشیخ الطوسی فی الفهرست (رجاس النجاشی: 454، والفهرست للشیخ الطوسی: 33).

7 - کتاب الرجعة للشیخ الصدوق مُحمَّد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی المتوفی سنة 381ه- .

8 - کتاب الرجعة للشیخ أبی النضر مُحمَّد بن مسعود العیاشی صاحب التفسیر ذکره النجاشی والشیخ الطوسی فی الفهرست . رجال النجاشی 351، الشیخ الطوسی 138 الفهرست.

9- کتاب إثبات الرجعة، للعلامة الحلی المتوفی سنة 726ه- (الذریعة، للشیخ آقابزرک 92 :1 دار الأضواء).

10- کتاب الرجعة للشیخ الحسن بن سلیمان الحلی، تلمیذ الشهید الأوَّل، وهو صاحب مختصر بصائر الدرجات.

11 - إثبات الرجعة للمحقق آغا جمال الدین مُحمَّد بن آغا حسین الخونساری/ الذریعة، مجلد 2/ ص91؛ کتاب إثبات الرجعة للمیرزا حسن بن مولی عبدالرزاق اللاهیجی القمی مجلد الأوَّل فی الذریعة ص92، کتاب إثبات الرجعة للمحقق الکرکی، الذریعة، مجلد 2 ص92.

12 - مولانا سلطان محمود بن غلام علی الطبسی، قال عنه الحر فی أهل

ص:346

الأمل کان فاضلاً فقیهاً عارفاً بالعربیة جلیلاً معاصراً قاضیاً بالمشهد له رسالة فی إثبات الرجعة، رقم التسلسل/ 964.

13 - ذکر الحر فی أمل الآمل تسلسل/891 السید الجلیل الأمیر مُحمَّد مؤمن الاسترابادی، ساکن مکّة عالم فاضل فقیه محدث صالح عابد شهید، له رسالة فی الرجعة من المعاصرین.

ص:347

ص:348

مصادر الرجعة

1 - الإیقاظ من الهجعة فی إثبات الرجعة، للحر العاملی.

2 - بحار الأنوار، باب الرجعة.

3 - عوالم العلوم، الشیخ عبدالله البحرانی الأصفهانی، باب الرجعة.

4 - الرجعة، للشیخ أحمد الإحسائی.

5 - مختصر البصار، الحسن بن سلیمان الحلی.

6 - الرجعة، الاسترابادی.

7 - وغیرها من کتب الحدیث.

ص:349

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.