العقائد الاسلامیة

اشارة

سرشناسه : کورانی، علی، 1944 - م.Kurani,Ali

عنوان و نام پدیدآور : العقائد الاسلامیة/ [علی الکورانی العاملی]

مشخصات نشر : قم: مرکز المصطفی للدراسات الاسلامیه،1422ق.= 1380.

مشخصات ظاهری : 108ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : کتاب های چاپی -- فهرست ها

موضوع : عقائد شیعه

رده بندی کنگره : Z7835/ک9م6 1380

رده بندی دیویی : 016/297

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

مقدمة

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول :لفطرة

اشارة

ص: 5

ص: 6

آیات فطرة السماوات والکون

اشارة

فی هذا الفصل بحوث کثیرة ، لکن أصوله بشکل عام موضع اتفاق بین المسلمین ، لذلک رتبنا مواد موضوعاته من المصادر المختلفة تحت عناوین مناسبة ، لیسهل علی الباحث الرجوع إلیها . وبسطنا القول أحیاناً فی بعضها لحاجتها إلی ذلک .

وهذه آیات فطرة الکون ، وهی تنفع فی فهم فطرة الإنسان:

فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّی هَذَا أَکْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ یَا قَوْمِ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ . إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِیفًا وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الانعام : 78-79

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِی اللهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ یَدْعُوکُمْ لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَیُؤَخِّرَکُمْ إلی أَجَلٍ مُسَمًّی قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِیدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا کَانَ یَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ . إبراهیم : 10

قَالَ بَلْ رَبُّکُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَی ذَلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ . وَتَاللهِ لأَکِیدَنَّ أَصْنَامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ . الأنبیاء : 56 - 57

یَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . وَیَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَارًا وَیَزِدْکُمْ قُوَّةً إلی قُوَّتِکُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ . هود : 51 - 52

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ

ص: 7

فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌوَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ . الشوری : 11

الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَی مِنْ فُطُورٍ . الملک : 3

الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنَی وَثُلاثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَئْ قَدِیرٌ . فاطر : 1

قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبَادِکَ فِی مَا کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ . الزمر : 46

قُلْ أَغَیْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِیًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ یُطْعِمُ وَلا یُطْعَمُ قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الأنعام : 14

إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِیفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الأنعام : 79

رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الأَحَادِیثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالآخرة تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ . یوسف : 101

إنفطار الکون عند القیامة

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ . وَإِذَا الْکَوَاکِبُ انْتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ . عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ . الانفطار: 1 - 5

فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْمًا یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیبًا . السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ کَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا .

إِنَّ هَذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلی رَبِّهِ سَبِیلاً . المزمل : 17 - 19

تکاد السماوات تتفطر من عظمة الله

تَکَادُالسَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ الشوری : 5 ، وقال فی بحار الأنوار:70/346: تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ ، أی یتشققن من عظمة الله ، وروی علی بن إبراهیم عن الباقر

ص: 8

(علیه السّلام): أی یتصدعن من فوقهن. انتهی. وروی نحوه السیوطی فی الدرالمنثور:6/3

تکاد السماوات تتفطر من الافتراء علی الله

تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا یَنْبَغِی لِلرَّحْمَنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِی الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . مریم 90 - 93

فطرة الله التی فطر الناس علیها

وَقَالُوا کُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَی تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفًا وَمَا کَانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ. قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَی وَعِیسَی وَمَا أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِی شِقَاقٍ فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ . صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِی اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّکُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . البقرة : 135 - 139

إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلا تَعْقِلُونَ . هود : 51

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ لأبِیهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِی بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلا الَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ . وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ . الزخرف : 26 - 28

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَی قَالَ یَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ . اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْأَلُکُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَمَا لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئاً وَلا یُنْقِذُونَ. یس : 20 - 23.

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَی . قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَفَلأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَیُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَی . قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلَی مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَیِّنَاتِ وَالَّذِی

ص: 9

فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِی هَذِهِ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا . طَهَ : 70 - 72

الفطرة الأولی والفطرة الثانیة

اشارة

وَقَالُوا أَئِذَا کُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِیدًا . قُلْ کُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا. أَوْ خَلْقًا مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنَا قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُوسَهُمْ وَیَقُولُونَ مَتَی هُوَ قُلْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَرِیبًا . یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِیلاً . الإسراء : 49 - 52

فطرة الناس علی معرفة الله تعالی وتوحیده

نهج البلاغة:1/215: (110 - ومن خطبة له(علیه السّلام): إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلی الله سبحانه وتعالی الإیمان به وبرسوله ، والجهاد فی سبیله فإنه ذروة الإسلام ، وکلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فإنها الملة).ورواه فی الفقیه:205/1

الکافی:2/12: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال قلت: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ؟ قال: التوحید .

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، ما تلک الفطرة ؟ قال: هی الإسلام ، فطرهم الله حین أخذ میثاقهم علی التوحید ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ وفیهم المؤمن والکافر .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ؟ قال: الحنیفیة من الفطرة التی فطر الله الناس علیها. لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ؟ قال: فطرهم علی المعرفة

ص: 10

به .

المحاسن للبرقی:241/1: (عنه ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة قال سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قول الله: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ، ما الحنیفیة ؟ قال: هی الفطرة التی فطر الناس علیها ، فطر الله الخلق علی معرفته .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ؟ قال: فطرهم جمیعاً علی التوحید .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن فضال ، عن ابن أبی جمیلة ، عن محمد الحلبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا؟ قال: فطرهم علی التوحید .

عنه ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن ابن بکیر ، عن زرارة قال سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی. قال: ثبتت المعرفة فی قلوبهم ونسوا الموقف وسیذکرونه یوماً ما ، ولو لا ذلک لم یدر أحد من خالقه ولا من رازقه .

ورواه فی علل الشرائع:117/1 ، ورواه فی تفسیر القمی ، وفیه: فمنهم من أقر بلسانه فی الذر ولم یؤمن بقلبه فقال الله: فما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل .

التوحید للصدوق/328-330: (روی الصدوق عشر روایات تحت عنوان ( باب فطرة الله عز وجل الخلق علی التوحید ) وقد تقدم أکثرها ، وجاء فی السابعة منها (التوحید ومحمد رسول الله وعلی أمیر المؤمنین ) .

معانی الأخبار للصدوق/350: (محمد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة ، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ، وقلت: ما

ص: 11

الحنفیة ؟ قال: هی الفطرة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:276/3 ، وروی عدداً وافراً من هذه الأحادیث:276/3 وج 196/5 وص 223 ، والحلی فی مختصر بصائر الدرجات/158-160 ، والحویزی فی تفسیر نور الثقلین:96/2 وج 186/4.... وغیرهم .

الفطرة حالة استعداد لا تعنی الاجبار وسلب الإختیار

نهج البلاغة:120/1: (اللهم داحی المدحوات وداعم المسموکات ، وجابل القلوب علی فطرتها ، شقیها وسعیدها ، إجعل شرائف صلواتک ونوامی برکاتک علی محمد عبدک ورسولک ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ) .

علل الشرائع:121/1: (أبی ، قال حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن أبیه ، عن غیر واحد ، عن الحسین بن نعیم الصحاف قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): أیکون الرجل مؤمناً قد ثبت له الإیمان ینقله الله

بعد الإیمان إلی الکفر ؟ قال: إن الله هو العدل ، وإنما بعث الرسل لیدعو الناس إلی الإیمان بالله ، ولا یدعو أحداً إلی الکفر . قلت فیکون الرجل کافراً قد ثبت له الکفر عند الله فینقله الله بعد ذلک من الکفر إلی الإیمان ؟ قال: إن الله عز وجل خلق الناس علی الفطرة التی فطرهم الله علیها لا یعرفون إیماناً بشریعة ولا کفراً بجحود ، ثم ابتعث الله الرسل إلیهم یدعونهم إلی الإیمان بالله ، حجةً لله علیهم ، فمنهم من هداه الله ، ومنهم من لم یهده. انتهی. ورواه فی الکافی:416/2 ، وجاء فی هامشه:

قال المجلسی(رحمه الله): الظاهر أن کلام السائل استفهام ، وحاصل الجواب: أن الله خلق العباد علی فطرة قابلة للایمان ، وأتم علی جمیعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج ، فلیس لأحد منهم حجة علی الله فی القیامة، ولم یکن أحد منهم مجبوراً علی الکفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصیر فی الهدایة وإقامة الحجة ،

ص: 12

لکن بعضهم استحق الهدایات الخاصة منه تعالی فصارت مؤیدة لایمانهم ، وبعضهم لم یستحق ذلک لسوء اختیاره ، فمنعهم تلک الألطاف فکفروا ، ومع ذلک لم یکونوا مجبورین ولا مجبولین بعد ذلک من الإیمان إلی الکفر .

تفسیر العیاشی:104/1:

عن مسعدة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: کَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ .

فقال: کان ذلک قبل نوح. قیل: فعلی هدیً کانوا ؟ قال: بل کانوا ضلالاً ، وذلک أنه لما انقرض آدم وصالح ذریته بقی شیث وصیه لا یقدر علی إظهار دین الله الذی کان علیه آدم وصالح ذریته ، وذلک أن قابیل تواعده بالقتل کما قتل أخاه هابیل ، فسار فیهم بالتقیة والکتمان ، فازدادوا کل یوم ضلالاً حتی لم یبق علی الأرض معهم إلا من هو سلف ، ولحق الوصی بجزیرة فی البحر یعبد الله ، فبدا لله تبارک وتعالی أن یبعث الرسل ، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا: قد فرغ من الأمر وکذبوا إنما هی ( هو ) أمر یحکم به الله فی کل عام ، ثم قرأ: فیها یفرق کل أمر حکیم ، فیحکم الله تبارک وتعالی ما یکون فی تلک السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غیر ذلک .

قلت: أفضلالاً کانوا قبل النبیین أم علی هدی ؟

قال: لم یکونوا علی هدی ، کانوا علی فطرة الله التی فطرهم علیها لا تبدیل لخلق الله ، ولم یکونوا لیهتدوا حتی یهدیهم الله ، أما تسمع یقول إبراهیم: لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لاکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ ، أی ناسیاً للمیثاق. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:736/1

تفسیر التبیان:195/1: (فإن قیل: کیف یکون الکل کفاراً مع قوله: فَهَدَیَ اللهُ الَّذِینَ

ص: 13

آمَنُوا ؟قلنا: لا یمتنع أن یکونوا کلهم کانوا کفاراً ، فلما بعث الله إلیهم الأنبیاء مبشرین ومنذرین اختلفوا ، فآمن قوم ولم یؤمن آخرون .

وروی عن أبی جعفر(علیه السّلام)أنه قال: کانوا قبل

نوح أمة واحدة علی فطرة الله ، لا مهتدین ولا ضلالاً ، فبعث الله النبیین . . . .

بحار الأنوار:246/65: (وقال النیسابوری: إعلم أن جمهور الحکماء زعموا أن الإنسان فی مبدأ فطرته خال عن المعارف والعلوم ، إلا أنه تعالی خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوی المدرکة حتی ارتسم فی خیاله بسبب کثرة ورود المحسوسات علیه حقائق تلک الماهیات وحضرت صورها فی ذهنه. ثم إن مجرد حضور تلک الحقائق إن کان کافیاً فی جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلک الأحکام علوم بدیهیة ، وإن لم یکن کذلک بل کانت متوقفة علی علوم سابقة علیها - ولا محالة تنتهی إلی البدیهیات قطعاً للدور أو التسلسل - فهی علوم کسبیة. فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف فی النفوس الإنسانیة هو أنه تعالی أعطی الحواس والقوی الدارکة للصور الجزئیة. وعندی أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هی التی ینبغی أن تسمی بالبدیهیات ، وإنما لا یظهر آثارها علیها ، حتی إذا قوی وترقی ظهرت آثارها شیئاً فشیئاً. وقد برهنا علی هذه المعانی فی کتبنا الحکمیة فالمراد بقوله: لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا ، أنه لا یظهر أثر العلم علیهم ، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة یکتسب سائر العلوم. ومعنی: لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ، إن تصرفوا کل آلة فی ما خلقت لاجله ، ولیس الواو للترتیب حتی یلزم من عطف ( جعل ) علی ( أخرج ) أن یکون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخراً عن الاخراج من البطن .

بحار الأنوار:93/1: (مص: قال الصادق(علیه السّلام): الجهل صورة رکبت فی بنی آدم ،

ص: 14

إقبالها ظلمة ، وإدبارها نور ، والعبد متقلب معها کتقلب الظل مع الشمس ، ألا تری إلی الإنسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعیبها فی غیره ساخطاً ، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها فی غیره ، فهو متقلب بین العصمة والخذلان ، فإن قابلته العصمة أصاب ، وإن قابله الخذلان أخطأ ، ومفتاح الجهل الرضا والإعتقاد به ، ومفتاح العلم الإستبدال مع إصابة موافقة التوفیق ، وأدنی صفة الجاهل دعواه العلم بلا إستحقاق ، وأوسطه جهله بالجهل ، وأقصاه جحوده العلم ، ولیس شئ إثباته حقیقة نفیه إلا الجهل والدنیا والحرص ، فالکل منهم کواحد ، والواحد منهم کالکل .

وقال فی هامشه: وقوله(علیه السّلام): الجهل صورة رکبت.. إلخ. لأن طبیعة الإنسان فی أصل فطرتها خالیة عن الکمالات الفعلیة والعلوم الثابتة ، فکأن الجهل عجن فی طینتها ورکب مع طبیعتها ، ولکن فی أصل فطرته له قوة کسب الکمالات بالعلوم والتَّنَورٌّ والمعارف .

قوله(علیه السّلام): فالکل کواحد ، لعل معناه أن هذه الخصال کخصلة واحدة لتشابه مبادیها ، وانبعاث بعضها عن بعض ، وتقوی بعضها ببعض ، کما لا یخفی .

بحار الأنوار:10/11:

. . . عن الباقر(علیه السّلام)أنه قال: إنهم کانوا قبل نوح أمة واحدة علی فطرة الله لا مهتدین ولا ضلالاً ، فبعث الله النبیین. انتهی .

قال المجلسی(رحمه الله): وعلی هذا فالمعنی أنهم کانوا متعبدین بما فی عقولهم غیر مهتدین إلی نبوة ولا شریعة .

الاقتصاد للشیخ الطوسی/100: (فإن قیل: لو کانت المعرفة لطفاً لما عصی أحد .

قلنا: اللطف لا یوجب الفعل ، وإنما یدعو إلیه ویقوی الداعی إلیه ویسهله ، فربما

ص: 15

وقع عنده الفعل ، وربما یکون معه أقرب وإن لم یقع .

شرح الأسماء الحسنی:84/2: (کما سئل (علیه السّلام): أنحن فی أمر فرغ أم فی أمر مستأنف ؟ فقال: فی أمر فرغ وفی أمر مستأنف ، فالموضوعان السعید والشقی الاخرویان کما قال تعالی: یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ .

إن قلت: هذا فیما سوی هذا الوجه ینافی قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی فطرة الإسلام ، إلا أن أبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه ؟

قلت: کل مولود یولد علی الفطرة روحاً وصورة بالجهة النورانیة ، والسعید سعید فی بطن أمه وکذا الشقی جسداً ومادة ، وإذا جعلنا بطن الأم النشاة العلمیة فکل مولود یولد علی الفطرة وجوداً ، والسعید سعید ماهیة ومفهوماً ، وکذا الشقی شقی ماهیة ومفهوماً ، کل منهما بالحمل الأولی ، لیس فاقداً لنفسه ، ولیس مفهوم أحدهما

هو المفهوم من الآخر ، فإن المفاهیم من أیة نشأة کانت فطرتها وذاتیها الإختلاف ، والوجود أیة مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والإتفاق ، ما به الإمتیاز فیه عین ما به الإشتراک ، به استمساک الماهیات التی هی مثار الکثرة والمخالفة ، فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها .

وبالجملة قد ظهر لک أن اختلاف الوجودات مرتبة فی العین ، واختلاف قبول الماهیات لمراتب الوجود المقول بالتشکیک فیه ، علی طبق اختلاف الماهیات بحسب المفهوم فی العلم. وهذا معنی اختلاف الطینة فی الأزل کما هو عن الأئمة(علیهم السّلام) مأثور . . . وهو مقتضی العدل .

ویمکن التوفیق بین هذا القول التحقیقی البرهانی والذوقی الوجدانی ، وبین القول بالتسویة فی الطینة باعتبار الوجود والماهیة ، ولا سیما فی مقام الجمع .

شرح الأسماء الحسنی:54/1: (قال صدر المتألهین: إن الله عز وجل لا یولی أحداً

ص: 16

إلا ما تولاه طبعاً وإرادة ، وهذا عدل منه ورحمة. وقد ورد أن الله تعالی خلق الخلق کلهم فی ظلمة ثم قال: لیختر کل منکم لنفسه صورة أخلقه علیها ، وهو قوله: خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاکُمْ ، فمنهم من قال رب اخلقنی خلقاً قبیحاً أبعد ما یکون فی التناسب وأوغله فی التنافر ، حتی لا یکون مثلی فی القبح والبعد عن الاعتدال أحد ، ومنهم من قال خلاف ذلک ، وکل منهما أحب لنفسه التفرد فإن حب الفردانیة فطرة الله الساریة فی کل الأمم التی تقوم بها وجود کل شئ ، فخلق الله کلاً علی ما اختاره لنفسه ، فتحت کل منکر معروف وقبل کل لعنة رحمة وهی الرحمة التی وسعت کل شئ ، فإن الله یولی کلاً ما تولی ، وهو قوله تعالی: وَ مَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا، فإن شک فی ذلک شاک فلیتأمل قوله تعالی: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَهَا .. الآیة ، لیعلم أن الله تعالی لا یحمل أحداً شیئاً قهراً وقسراً ، بل یعرضه أولاً فإن تولاه ولاه وإلا فلا. وهذا من رحمة الله وعدله .

لا یقال: لیس تولی الشئ ما تولاه عدلاً حیث لا یکون ذلک التولی عن رشد وبصیرة فإن السفیه قد یختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إلیه وضر لجهله وسفاهته ، فالعدل والشفقة علیه منعه إیاه ، لأنا نقول: هذا التولی والتوجیه الذی کلامنا فیه أمر ذاتی لا یحکم علیه بالخیر والشر بل هو قبلهما ، لأن ما یختاره السفیه إنما یعد شراً بالقیاس إلیه لأنه مناف لذاته بعد وجوده ، فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقیض هذه السفاهة ، فذلک هو الذی أوجب أن یسمی ذلک شراً بالقیاس إلیه .

وأما الاقتضاء الأول الذی کلامنا فیه فلا یمکن وصفه بالشر ، لأنه لم یکن قبله اقتضاء یکون هذا بخلافه فیوصف بأنه شر ،

بل هو الإقتضاء الذی جعل الخیر

ص: 17

خیراً ، لأن الخیر لشئ لیس إلا ما یقتضیه ذاته. والتولی الذی کلامنا فیه هو الإستدعاء الذاتی الأزلی والسؤال الوجودی الفطری الذی یسأله الذات المطیعة السامعة لقول کن ، وقوله لیس أمر قسر وقهر ، لأن الله عز وجل غنی عن العالمین ، فکأنه قال لربه إئذن لی أن أدخل فی عدلک وهو الوجود ، فقال الله تعالی کن .

تفسیر المیزان:346/2 : (لکن یمکن أن یقال إن الإنسان بحسب خلقته علی نور الفطرة هو نور إجمالی یقبل التفصیل ، وأما بالنسبة إلی المعارف الحقة والأعمال الصالحة تفصیلاً فهو فی ظلمة بعد لعدم تبین أمره. والنور والظلمة بهذا المعنی لا یتنافیان ولا یمتنع اجتماعهما ، والمؤمن بإیمانه یخرج من هذه الظلمة إلی نور المعارف والطاعات تفصیلاً ، والکافر بکفره یخرج من نور الفطرة إلی ظلمات الکفر والمعاصی التفصیلیة.

والاتیان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً فی قوله تعالی: یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلی النُّورِ ، وقوله تعالی: یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلی الظُّلُمَاتِ ، للإشارة إلی أن الحق واحد لا اختلاف فیه کما أن الباطل متشتت مختلف لا وحدة فیه ، قال تعالی: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ . . . الانعام : 153

مجموعة الرسائل للشیخ الصافی 243: (للشیخ المفید فی بحث الإعتقاد بالفطرة رأی آخر غیر ما ذهب إلیه الشیخ الصدوق ، ولتوضیح ذلک نقول: توجد فی باب الإعتقاد

بالفطرة وآیات الفطرة وأحادیثها کالحدیث ( فطرهم علی التوحید ) أو ( کل مولود یولد علی الفطرة ) ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن المراد من ذلک هو أن الله جعل فطرة الإنسان نقیة مقتضیة للتوحید والعقائد الحقة ، وحب الحق والخیر والتصدیق بحسن العدل وقبح الظلم

ص: 18

والنفور عن الباطل والشر ، بحیث لو لم یحجب هذه الفطرة الأمور المخالفة من قبیل التربیة فالإنسان بنفسه سیهتدی إلی الله ویقر بوجود الصانع ، کما یتقبل العقائد الحقة عندما تعرض علیه .

والصدوق فسر الفطرة بهذا المعنی وقد بحثنا بتفصیل فی (رسالتنا) فی تفسیر آیة الفطرة حول هذا الوجه وکونه موافقاً لاصول العقائد الإسلامیة فی الفطرة والأحادیث الشریفة التی تدل علی هذا المعنی .

الوجه الثانی: أن معنی ( فطر الله الخلق علی التوحید ) فطرهم للتوحید ، أی خلق الناس للاعتقاد بالتوحید ، وإلی هذا المعنی ذهب الشیخ الاعظم الشیخ المفید ، واختاره .

الوجه الثالث: هو أنه عبر عن إرادة التوحید منهم بالإرادة التکوینیة ، والظاهر أن المفید استظهر من کلام الصدوق هذا الوجه ، فأجاب عن ذلک بقوله: لو کان الأمر کذلک لکان الجمیع موحدین .

وبدیهی أنه لو کان الأمر دائراً بین الوجه الثانی والثالث ، فالقول الصحیح والمعتبر هو قول المفید ( الوجه الثانی) .

لکن بما أننا قلنا بأن الوجه المعتبر المستفاد من الآیة والروایات هو القول الأول وهو ما اختاره الصدوق ظاهراً ، وفیه رجحان علی القول الثانی ظاهراً .

ص: 19

ص: 20

الفصل الثانی: لفطرة والمیثاق وعالم الذر

اشارة

ص: 21

ص: 22

عالم الذر

تفسیر نور الثقلین:55/1: (فی کتاب علل الشرایع بإسناده إلی حبیب قال: حدثنی الثقة عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: إن الله تبارک وتعالی أخذ میثاق العباد وهم أظلة قبل المیلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناکر منها اختلف .

وبإسناده إلی حبیب ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: ما تقول فی الأرواح إنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف ؟ قال فقلت إنا نقول ذلک ، قال: فإنه کذلک ، إن الله عز وجل أخذ من العباد میثاقهم وهم أظلة قبل المیلاد وهو قوله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ ، إلی آخر الآیة ، قال: فمن أقر به یومئذ جاءت ألفته هاهنا ، ومن أنکره یومئذ جاء خلافه هاهنا .

فی کتاب التوحید ، بإسناده إلی أبی بصیر عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قلت له: أخبرنی عن الله عز وجل هل یراه المؤمن یوم القیمة ؟ قال: نعم وقد رأوه قبل یوم القیمة ، فقلت متی ؟ قال: حین قال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، ثم سکت ساعة ثم قال: وإن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیمة ، ألست تراه فی وقتک هذا ؟ قال أبو بصیر فقلت له: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک ؟ فقال: لا ، فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنی ما تقول ثم قدر أن ذلک تشبیه کفر. ولیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین ، تعالی الله عما یصفه المشبهون والملحدون .

فی الکافی ، محمد بن یحیی ، عن محمد بن موسی ، عن العباس بن معروف ،

ص: 23

عن ابن أبی نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن أبی یعفور ، عن أبی حمزة عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: قال له رجل: کیف سمیت الجمعة جمعة ؟ قال: إن الله عز وجل جمع فیها خلقه لولایة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ووصیه فی المیثاق ، فسماه یوم الجمعة لجمعه فیه خلقه .

فی غوالی اللئالی ، وقال(علیه السّلام): أخذ الله المیثاق من ظهر آدم بنعمان ، یعنی عرفة، فأخرج من صلبه کل ذریة ذرأها فنثرهم بین یدیه کالذر ثم کلمهم، وتلا: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی .

فی الکافی ، أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبی عمیرة ، عن عبد الرحمان الحذاء ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: کان علی بن الحسین (علیهما السلام) لا یری بالعزل بأساً ، أتقرأ هذه الآیة: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فکل شئ أخذ الله منه المیثاق فهو خارج وإن کان علی صخرة صماء .

عن ابن مسکان، عن بعض أصحابه ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أمتی عرضت علی فی المیثاق ، فکان أول من آمن بی علی (علیه السّلام) ، وهو أول من صدقنی حین بعثت، وهو الصدیق الأکبر ، والفاروق یفرق بین الحق والباطل.

عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السّلام) فی قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، قالوا بألسنتهم ؟ قال: نعم وقالوا بقلوبهم ، فقلت: وأی شئ کانوا یومئذ ؟ قال: صنع منهم ما اکتفی به .

عن الأصبغ بن نباتة ، عن علی (علیه السّلام) قال: أتاه ابن الکوا فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن الله تبارک وتعالی هل کلم أحداً من ولد آدم قبل موسی ؟ فقال علی (علیه السّلام): قد کلم الله جمیع خلقه برّهم وفاجرهم وردوا علیه الجواب ، فثقل ذلک

ص: 24

علی ابن الکوا ولم یعرفه ، فقال له: کیف کان ذلک یا أمیر المؤمنین ؟ فقال له: أو ما تقرأ کتاب الله إذ یقول لنبیه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فقد أسمعهم کلامه وردوا علیه الجواب ، کما تسمع فی قول الله یابن الکوا وقالوا بلی ، فقال لهم: إنی أنا الله لا إله إلا أنا ، وأنا الرحمان ، فأقروا له بالطاعة والربوبیة ، ومیز الرسل والأنبیاء والاوصیاء، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلک فی المیثاق، فقال الملائکة عند إقرارهم: شهدنا علیکم یا بنی آدم أن تقولوا یوم القیمة إنا کنا عن هذا غافلین .

فی الکافی ، محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد عن موسی بن عمر ، عن ابن سنان عن سعید القماط ، عن بکیر بن أعین قال: سألت أبا عبد الله (علیه السّلام): لأی علة وضع الله الحجر فی الرکن الذی هو فیه ولم یضع فی غیره ؟ ولأی علة یُقَبَّل ؟ ولأی علة أخرج من الجنة ، ولأی علة وضع میثاق العباد فیه والعهد فیه ولم یوضع فی غیره ، وکیف السبب ذلک ؟ تخبرنی جعلنی الله فداک فإن تفکری فیه لعجب! قال فقال: سألت وأعضلت فی المسالة واستقصیت ، فافهم الجواب وفرغ قلبک وأصغ سمعک ، أخبرک إن شاء الله ، إن الله تبارک وتعالی وضع الحجر الأسود وهی جوهرة أخرجت من الجنة إلی آدم(علیه السّلام)فوضعت فی ذلک الرکن لعلة المیثاق ، وذلک أنه لما أخذ من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم حین أخذ الله علیهم المیثاق فی ذلک المکان وفی ذلک المکان ترائی لهم ، وفی ذلک المکان یهبط الطیر علی القائم(علیه السّلام)فأول من یبایعه ذلک الطیر ، وهو والله جبرئیل(علیه السّلام) وإلی ذلک المقام یسند القائم ظهره وهو الحجة والدلیل علی القائم ، وهو الشاهد لمن وافی فی ذلک المکان ، والشاهد علی من أدی إلیه المیثاق والعهد الذی أخذ الله عز وجل علی العباد .

ص: 25

فأما علة ما أخرجه الله من الجنة ، فهل تدری ما کان الحجر ؟ قلت: لا ، قال: کان ملکاً من عظماء الملائکة عند الله فلما أخذ الله من الملائکة المیثاق کان أول من آمن به وأقر ذلک الملک ، فاتخذه لله أمیناً علی جمیع خلقه ، فألقمه المیثاق وأودعه عنده ، واستعبد الخلق أن یجددوا عنده فی کل سنة الإقرار بالمیثاق والعهد الذی أخذ الله عز وجل علیهم ، ثم جعله الله مع آدم فی الجنة یذکره المیثاق ویجدد عنده الإقرار فی کل سنة ، فلما عصی آدم أخرج من الجنة أنساه الله العهد والمیثاق الذی أخذ الله علیه وعلی ولده لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولوصیه(علیه السّلام)وجعله تائهاً حیراناً ، فلما تاب الله علی آدم حول ذلک الملک فی صورة بیضاء ، فرماه من الجنة إلی آدم وهو بأرض الهند ، فلما نظر إلیه أنس إلیه وهو لا یعرفه بأکثر من أنه جوهرة، وأنطقه الله عز وجل، فقال له: یاآدم أتعرفنی؟ قال لا ، قال: أجل استحوذ علیک الشیطان فأنساک ذکر ربک ، ثم تحول إلی صورته التی کان مع آدم(علیه السّلام)فی الجنة ، فقال لادم: أین العهد والمیثاق ، فوثب إلیه آدم(علیه السّلام)وذکر المیثاق وبکی وخضع وقبله ، وجدد الإقرار بالعهد والمیثاق ، ثم حوله الله عز وجل إلی جوهرة درة بیضاء صافیة تضی ، فحمله آدم علی عاتقه إجلالاً له وتعظیماً ، فکان إذا أعیا حمله عنه جبرئیل(علیه السّلام)حتی وافی به مکة فما زال یأنس به بمکة ویجدد الإقرار له کل یوم ولیلة ، ثم إن الله عز وجل لما بنی الکعبة وضع الحجر فی ذلک المکان ، لأنه تبارک وتعالی حین أخذ المیثاق من ولد آدم أخذه فی ذلک المکان ، وفی ذلک المکان ألقم الله الملک المیثاق ، ولذلک وضع فی ذلک الرکن وتنحی آدم من مکان البیت إلی الصفا وحوالی المروة ، ووضع الحجر فی ذلک الرکن ، فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر فی الرکن کبر الله وهلله ومجده ، فلذلک جرت السنة بالتکبیر واستقبال

ص: 26

الرکن الذی فیه الحجر من الصفا ، فإن الله أودعه المیثاق والعهد دون غیره من الملائکة...

بحار الأنوار:276/3:

سن البزنطی ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی. قال: نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق هکذا وقبض یده. نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق ، هکذا وقبض یده .

بحار الأنوار:244/5:

عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب ، وکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق من أبغض مما أبغض وکان ما أبغض أن خلقه من طینة النار ، ثم بعثهم فی الظلال: فقلت وأی شئ الظلال ؟ فقال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ؟ ثم بعث منهم النبیین فدعوهم إلی الإقرار بالله وهو قوله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللهُ ، ثم دعوهم إلی الإقرار بالنبیین فأنکر بعض وأقر بعض ، ثم دعوهم إلی ولایتنا فأقر بها والله من أحب ، وأنکرها من أبغض ، وهو قوله عز وجل: فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ، ثم قال أبو جعفر (علیه السّلام): کان التکذیب ثَمَّ .

توضیح: قوله(علیه السّلام): فی الظلال ، أی عالم الأرواح بناء علی أنها أجسام لطیفة ، ویحتمل أن یکون التشبیه للتجرد أیضاً تقریباً إلی الافهام ، أو عالم المثال علی القول به قبل الانتقال إلی الابدان .

ص: 27

تذکیر الأنبیاء بمیثاق الفطرة

سمی الله عز وجل القرآن الکریم: الذِّکْرَ ، ووصف عمل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأنه تذکیر ، واستعمل مادة التذکیر فی القرآن للتذکیر بالله تعالی ، والتذکیر بالیوم الآخر ، والتذکیر بالفطرة والمیثاق .

ووصف أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام)عمل الأنبیاء(علیهم السّلام) بأنه مطالبة للناس بالانسجام مع میثاق الفطرة ، قال(علیه السّلام)فی خطبة طویلة فی نهج البلاغة:23/1 ، یذکر فیها خلق آدم(علیه السّلام)وصفته:

« فأهبطه إلی دار البلیة ، وتناسل الذریة ، اصطفی سبحانه من ولده أنبیاء ، أخذ علی الوحی میثاقهم ، وعلی تبلیغ الرسالة أمانتهم ، لما بدل أکثر خلقه عهد الله إلیهم فجهلوا حقه واتخذوا الانداد معه ، واجتالتهم الشیاطین عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فیهم رسله وواتر إلیهم أنبیاءه ، لیستأدوهم میثاق فطرته ، ویذکروهم منسی نعمته ، ویحتجوا علیهم بالتبلیغ ، ویثیروا لهم دفائن العقول ، ویروهم آیات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع.... إلی آخر الخطبة » .

وقال الشیخ محمد عبده فی شرح قوله(علیه السّلام)« لیستأدوهم میثاق فطرته »: کأن الله تعالی بما أودع فی الإنسان من الغرائز والقوی ، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدی قد أخذ علیه میثاقاً بأن یصرف ما أوتی من ذلک فیما خلق له ، وقد کان یعمل علی ذلک المیثاق ولا ینقضه لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات ، فبعث إلیه النبیین لیطلبوا من الناس أداء ذلک المیثاق ، أی لیطالبوهم بما تقتضیه فطرتهم وما ینبغی أن تسوقهم إلیه غرائزهم .

دفائن العقول: أنوار العرفان التی تکشف للانسان أسرار الکائنات ، وترتفع به إلی الایقان بصانع الموجودات ، وقد یحجب هذه الأنوار غیوم من الأوهام وحجب

ص: 28

من الخیال ، فیأتی النبیون لإثارة تلک المعارف الکامنة وإبراز تلک الأسرار الباطنة .

وقال الراغب الأصفهانی فی المفردات/179:

الذِّکْرَ: تارة یقال ویراد به هیئة للنفس بها یمکن للإنسان أن یحفظ ما یقتنیه من المعرفة ، وهو کالحفظ إلا أن الحفظ یقال اعتباراً بإحرازه ، والذکر یقال اعتباراً باستحضاره ، وتارة یقال لحضور الشئ القلب أو القول ، ولذلک قیل الذکر ذکران: ذکر بالقلب وذکر باللسان ، وکل واحد منهما ضربان ، ذکر عن نسیان وذکر لا عن نسیان بل عن إدامة الحفظ. وکل قول یقال له ذکر .

فمن الذکر باللسان قوله تعالی: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَیْکُمْ کِتَابًا فِیهِ ذِکْرُکُمْ ، وقوله تعالی: وَهَذَا ذِکْرٌ مُبَارَکٌ أَنْزَلْنَاهُ ، وقوله: هَذَا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَذِکْرُ مَنْ قَبْلِی، وقوله: أَءُنْزِلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ مِنْ بَیْنِنَا ، أی القرآن ، وقوله تعالی: وَالْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ ... ومن الذکر عن النسیان قوله: فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَ مَا أَنْسَانِیهُ إِلا الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ .

ومن الذکر بالقلب واللسان معاً قوله تعالی: فَاذْکُرُوا اللهَ کَذِکْرِکُمْ آباءَکُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِکْرًا، وقوله: فَاذْکُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْکُرُوهُ کَمَا هَدَاکُمْ . . .

والذکری: کثرة الذکر ، وهو أبلغ من الذکر ، قال تعالی: رَحْمَةً مِنَّا وَذِکْرَی لأُولِی الأَلْبَابِ ، وذکر فإن الذکری تنفع المؤمنین... .

وقال الراغب أیضاً: الوعظ زجر مقترن بتخویف. قال الخلیل: هو التذکیر بالخیر فیما یرق له القلب. والعظة والموعظة الاسم ، قال تعالی: یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ، قُلْ إِنَّمَا أَعِظُکُمْ . ذَلِکُمْ تُوعَظُونَ بِهِ. قَدْ جَاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ... .

وقال أبو هلال العسکری فی الفروق اللغویة/121:

ص: 29

الفرق بین التذکیر والتنبیه: أن قولک ذکر الشئ ، یقتضی أنه کان عالماً به ثم نسیه فرده إلی ذکره ببعض الأسباب ، وذلک أن الذکر هو العلم الحادث بعد النسیان علی ما ذکرنا. ویجوز أن ینبه الرجل علی الشئ لم یعرفه قط ، ألا تری أن الله ینبه علی معرفته بالزلازل والصواعق وفیهم من لم یعرفه البتة فیکون ذلک تنبیهاً له کما یکون تنبیهاً لغیره ، ولا یجوز أن یذکره ما لم یعلمه قط . انتهی .

وفیما ذکره اللغویون فوائد ومحال للنظر ، وحاصل المسألة: أنه یصح القول إن تسمیة القرآن والدین بالذکر لأنه یدل علی ما أودعه الله تعالی فی عمق فکر الإنسان ومشاعره من الفطرة علی التوحید ومعرفة الله ، ولکن السبب الأهم أنه یثیر ما بقی فی ذهنه ووجدانه من نشأته الأولی وحنینه إلی عالم الغیب والآخرة ، وإحساسه بالمیثاق الذی أخذ علیه فی تلک النشأة .

وقد لاحظت أن الروایات صریحة فی أخذ المیثاق علی الناس قبل خلقهم فی هذه الدنیا ، وهی متواترة فی مصادر المسلمین ، ولذا فإن تفسیر تذکیر الأنبیاء لا یصح حصره بتذکیر الإنسان بفطرته لکی ینسجم معها ، والتغافل عن التذکیر الحقیقی بالمیثاق الذی صرحت به الأحادیث الشریفة .

کل مولود یولد علی الفطرة

الکافی:12/2:

قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة ، یعنی المعرفة بأن الله عز وجل خالقه ، کذلک قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ .

علل الشرائع:376/2:

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زیاد ،

ص: 30

عن علی بن الحکم ، عن فضیل بن عثمان الأعور قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام) یقول: ما من مولود ولد إلا علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه ، وإنما أعطی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذمة وقبل الجزیة عن رؤوس أولئک بأعیانهم علی أن لا یهودوا ولا ینصروا ولا یمجسوا . فأما الأولاد وأهل الذمة الیوم فلا ذمة لهم ! انتهی. ورواه الصدوق فی الفقیه:2/49 ، وفی التوحید/330 ، وروی المجلسی عدداً من هذه الأحادیث فی بحار الأنوار:65/100 ، والعاملی فی وسائل الشیعة:96/11

من لا یحضره الفقیه:2 هامش/50:

وقال الفاضل التفرشی: قوله: إلا علی الفطرة ، أی علی فطرة الإسلام وخلقته ، أی المولود خلق فی نفسه علی الخلقة الصحیحة التی لو خلی وطبعه کان مسلماً صحیح الإعتقاد والأفعال ، وإنما یعرض له الفساد من خارج ، فصیرورته یهودیاً أو نصرانیاً أو مجوسیاً إنما هی من قبل أبویه غالباً لأنهما أشد الناس اختلاطاً وتربیة له، ولعل وجه انتفاء ذمتهم أن ذمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم تشملهم، بل أعطاهم الذمة بسبب أن لا یفسدوا اعتقاد أولادهم لیحتاجوا إلی الذمة. ولم یعطوا الذمة من قبل الأوصیاء(علیهم السّلام) لعدم تمکنهم فی تصرفات الإمامة ، وإنما یعطوها من قبل من لیس له تلک الولایة ، فإذا ظهر الحق وقام القائم(علیه السّلام)لم یقروا علی ذلک ولا یقبل منهم إلا الإسلام. وأخذ الجزیة منهم هذا الزمان من قبیل أخذ الخراج من الأرض ، والمنع عن التعرض لهم باعتبار الأمان. وأما قوله فی حدیث زرارة الآتی: ذلک إلی الإمام ، فمعناه أنه إذا کان متمکناً ویری المصلحة فی أخذ الجزیة منهم کما وقع فی زمان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو لا ینافی انتفاء الذمة عنهم الیوم. انتهی .

تفسیر التبیان:247/8: (قال مجاهد: فطرة الله الإسلام ، وقیل فطر الناس علیها ولها

ص: 31

وبها بمعنی واحد ، کما یقول القائل لرسوله: بعثتک علی هذا ولهذا وبهذا بمعنی واحد. ونصب فطرة الله علی المصدر ، وقیل تقدیره: اتبع فطرة الله التی فطر الناس علیها ، لأن الله تعالی خلق الخلق للإیمان ، ومنه قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه .

ومعنی الفطر الشق ابتداءً ، یقولون: أنا فطرت هذا الشئ أی أنا ابتدأته ، والمعنی خلق الله الخلق للتوحید والإسلام .

بحار الأنوار:3/22: (غوالی: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة حتی یکون أبواه یهودانه وینصرانه .

بیان: قال السید المرتضی(رحمه الله)فی کتاب الغرر والدرر بعد نقل بعض التأویلات عن المخالفین فی هذا الخبر: والصحیح فی تأویله أن قوله یولد علی الفطرة ، یحتمل أمرین:

أحدهما: أن تکون الفطرة هاهنا الدین ، ویکون علی بمعنی اللام ، فکأنه قال: کل مولود یولد للدین ومن أجل الدین ، لأن الله تعالی لم یخلق من یبلغه مبلغ المکلفین إلا لیعبده فینتفع بعبادته ، یشهد بذلک قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ . والدلیل علی أن علی تقوم مقام اللام ما حکاه یعقوب بن السکیت عن أبی یزید ، عن العرب أنهم یقولون: صف علیَّ کذا وکذا حتی أعرفه ، بمعنی صف لی ، ویقولون: ما أغبطک علیَّ یریدون ما أغبطک لی ، والعرب تقیم بعض الصفات مقام بعض ، وإنما ساغ أن یرید بالفطرة التی هی الخلقة فی اللغة الدین من حیث کان هو المقصود بها ، وقد یجری علی الشئ اسم ماله به هذا الضرب من التعلق والاختصاص ، وعلی هذا یتأول قوله تعالی: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، أراد دین الله الذی خلق الخلق

ص: 32

له. وقوله تعالی: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ، أراد به أن ما خلق الله العباد له من العبادة والطاعة لیس مما یتغیر ویختلف حتی یخلق قوماً للطاعة وآخرین للمعصیة . ویجوز أن یرید بذلک الأمر ، وإن کان ظاهره ظاهر الخبر فکأنه قال: لا تبدلوا ما خلقکم الله له من الدین والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا .

والوجه الآخر فی تأویل قوله(علیه السّلام)علی الفطرة: أن یکون المراد به الخلقة ، وتکون لفظة ( علی ) علی ظاهرها لم یرد بها غیره ، ویکون المعنی: کل مولود یولد علی الخلقة الدالة علی وحدانیة الله تعالی وعبادته والإیمان به ، لأنه عز وجل قد صور الخلق وخلقهم علی وجه یقتضی النظر فیه معرفته والإیمان به وإن لم ینظروا ویعرفوا ، فکأنه (علیه السّلام) قال: کل مخلوق ومولود فهو یدل بخلقته وصورته علی عبادة الله تعالی وإن عدل بعضهم فصار یهودیاً أو نصرانیاً. وهذا الوجه أیضاً یحتمله قوله تعالی: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا .

وإذا ثبت ما ذکرناه فی معنی الفطرة فقوله علیه الصلاة والسلام: حتی یکون أبواه یهودانه وینصرانه ، یحتمل وجهین:

أحدهما: أن من کان یهودیاً أو نصرانیاً ممن خلقته لعبادتی ودینی فإنما جعله أبواه کذلک ، أو من جری مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدین ، وإنما خص الابوین لأن الأولاد فی الاکثر ینشؤون علی مذاهب آبائهم ویألفون أدیانهم ونحلهم ، ویکون الغرض بالکلام تنزیه الله تعالی عن ضلال العباد وکفرهم ، وأنه إنما خلقهم للإیمان فصدهم عنه آباؤهم ، أو من جری مجراهم .

والوجه الآخر: أن یکون معنی یهودانه وینصرانه أی یلحقانه بأحکامهما ، لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحکامهم بأحکامهم ، فکأنه(علیه السّلام)قال: لا

ص: 33

تتوهموا من حیث لحقت أحکام الیهود والنصاری أطفالهم أنهم خلقوا لدینهم ، بل لم یخلقوا إلا للإیمان والدین الصحیح ، لکن آباءهم هم الذین أدخلوهم فی أحکامهم ، وعبر عن إدخالهم فی أحکامهم بقوله: یهودانه وینصرانه .

وقال البخاری فی صحیحه:97/2: (أن أبا هریرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): ما من مولود إلا یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمجسانه کما تنتج البهیمة بهیمة ، هل تحسون فیها من جدعاء ، ثم یقول أبو هریرة (رض): فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم .

وقال فی:104/2: (عن أبی هریرة (رض) قال قال رسول الله (ص): کل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمجسانه ، کمثل البهیمة تنتج البهیمة ، هل تری فیها جدعاء. انتهی. وروی نحوه فی:620 وفی:211/7 ورواه أحمد فی مسنده:233/2 کما فی روایة البخاری الأولی. ورواه فی:275/2 وزاد ( ثم یقول واقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ) .

وروی أحمد فی:282/2: (عن طاوس عن أبی هریرة أن النبی(ص)قال: کل مولود ولد علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ، مثل الأنعام تنتج صحاحاً فتکوی آذانها. انتهی. وروی نحوه فی:346/2 وج 353/3 ، وروی نحوه مسلم فی:52/8 وأبو داود فی:416/2 ، والترمذیج 303/3 ، والحاکم:233/2 ، وکنز العمال:266/1 ، والسیوطی فی الدر المنثور:224/2 وج155/5 ، والبیهقی فی سننه:202/6 و:130/9

وفی شعب الإیمان:97/1: عن أبی هریرة ، وروی عنه أیضاً أن رسول الله (ص) قال: کل إنسان تلده أمه علی الفطرة یلکزه الشیطان فی حضنیه ، إلا مریم وابنها. انتهی. وهو غریب یشبه مقولات النصاری .

ص: 34

وکل الحیوانات فطرت علی معرفة الله تعالی

الکافی:539/6: (أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن الحجال ، وابن فضال ، عن ثعلبة ، عن یعقوب بن سالم ، عن رجل ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: مهما أبهم علی البهائم من شئ فلا یبهم علیها أربعة خصال: معرفة أن لها خالقاً ، ومعرفة طلب الرزق ومعرفة الذکر من الأنثی ، ومخافة الموت. انتهی .

ورواه فی من لایحضره الفقیه:288/2 وقال: (وأما الخبر الذی روی عن الصادق(علیه السّلام)أنه قال: لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أکلتم منها سمیناً قط ، فلیس بخلاف هذا الخبر ، لأنها تعرف الموت لکنها لا تعرف منه ما تعرفون. انتهی ، ورواه فی وسائل الشیعة:352/8 .

ومحل هذا الموضوع فی المعرفة ، لکن أوردناه هنا لیتضح أن الإنسان والحیوان مفطوران علی معرفة الله تعالی ، بل والجماد أیضاً کما قال تعالی ( وَإِنْ مِنْ شَئْ إِلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ ) .

التوجه الفطری إلی الله تعالی

اشارة

شرح الأسماء الحسنی:67/1: (یا ملجئی عند اضطراری: فإن الإنسان إذا انقطعت جمیع وسائله وانبتت تمام حبائله التجأ إلیه تعالی بالفطرة وتشبث به بالجبلة ، ولذا استدل الأئمة المعصومون کثیراً علی منکری الصانع بالحالات المشاهدة ، والوقوع فی مظان التهلکة .

شرح الأسماء الحسنی:164/1: ( یا أحب من کل حبیب: أما أنه أحب من کل حبیب لأهله فواضح، وقد مر ، وأما أنه أحب للکل کما هو مقتضی الإطلاق فلأن کل کمال وإفضال لما کان عکس کماله وإفضاله ومحبوبیتها باعتبار

ص: 35

وجهها إلی الله ، رجع محبوبیتها إلی محبوبیته ، فإلیه یرجع عواقب الثناء کما ورد عن المعصوم ، ولکن لا یستشعر بذلک إلا الخواص .

والتفاضل والإیمان والکفر بذلک الاستشعار ، أو لأنه أحب لهم إجمالاً أو فطرة ، کما أن الجاهل یعلم أن العالم خیر منه، والغضبان یصدق بأن الحلیم أشرف منه ، والبخیل بأن الجواد أفضل منه ، فهم یحبون الصفات الحمیدة فطرةً وإن أحبوا تلک الرذایل بالغریزة الثانیة .

شرح الأسماء الحسنی:4/2 : (تنبیهاً علی أنه تعالی هو المعروف بتلک الصلات والصفات عند الفطرة الأولی التی فطر الناس علیها، فلا تذهب العقول إلی غیره تعالی حتی عقول الکفار ، کما قال تعالی: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ، وحین قال الخلیل (علیه السّلام): إن الله یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، لم ینکره نمرود بل بهت ، لأن فطرته حاکمة بأن القادر علی ذلک لیس إلا هو .

رأی صاحب تفسیر المیزان فی عالم الذر والمعرفة والمیثاق

تفسیر المیزان للطباطبائی:305/8: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا

أخذ الشئ من الشئ یوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو یختلف باختلاف العنایات المتعلقة بها والإعتبارات المأخوذة فیها کأخذ اللقمة من الطعام وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زید الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعیر، وهو نوع آخر، أو أنواع مختلفة أخری ، وکأخذ العلم من العالم وأخذ الأهبة من

ص: 36

المجلس وأخذ الحظ من لقاء الصدیق ، وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربیة، وهو نوع.. إلی غیر ذلک .

فمجرد ذکر الأخذ من الشئ لا یوضح نوعه إلا ببیان زائد ، ولذلک أضاف الله سبحانه إلی قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ، الدال علی تفریقهم وتفصیل بعضهم من بعض: قوله مِنْ ظُهُورِهِمْ ، لیدل علی نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادة منها بحیث لا تنقص المادة المأخوذ منها بحسب صورتها ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثم تکمیل الجزء المأخوذ شیئاً تاماً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فیؤخذ الولد من ظهر من یلده ویولده وقد کان جزء ، ثم یجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تاماً مستقلاً من والدیه بعد ما کان جزء منهما ، ثم یؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر وعلی هذه الوتیرة حتی یتم الأخذ وینفصل کل جزء عما کان جزء منه ویتفرق الأناسی وینتشر الأفراد وقد استقل کل منهم عمن سواه ، ویکون لکل واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها وعلیها ما علیها .

فهذا مفاد قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، ولو قال أخذ ربک من بنی آدم ذریتهم أو نشرهم ونحو ذلک ، بقی المعنی علی إبهامه .

وقوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، ینبی عن فعل آخر إلهی تعلق بهم بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بین کل واحد منهم وغیره ، وهو إشهادهم علی أنفسهم ، والإشهاد علی الشئ هو إحضار الشاهد عنده وإراءته حقیقته لیتحمله علماً تحملاً شهودیاً ، فإشهادهم علی أنفسهم هو إراءتهم حقیقة أنفسهم لیتحملوا ما أرید تحملهم من أمرها ، ثم یؤدوا ما تحملوه إذا سئلوا .

وللنفس فی کل ذی نَفَس جهات من التعلق والإرتباط بغیرها یمکن أن یستشهد الإنسان علی بعضها دون بعض ، غیر أن قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، یوضح ما أشهدوا

ص: 37

لأجله وأرید شهادتهم علیه ، وهو أن یشهدوا ربوبیته سبحانه لهم فیؤدوها عند المسألة . فالإنسان وإن بلغ من الکبر والخیلاء ما بلغ وغرته مساعدة الأسباب ما غرته واستهوته ، لا یسعه أن ینکر أنه لایملک وجود نفسه ولا یستقل بتدبیر أمره، ولو ملک نفسه لوقاها مما یکرهه من الموت وسائر آلام الحیاة ومصائبها ، ولو استقل بتدبیر أمره لم یفتقر إلی الخضوع قبال الأسباب الکونیة والوسائل التی یری لنفسه أنه یسودها ویحکم فیها ، ثم هی کالإنسان فی الحاجة إلی ماوراءها والإنقیاد إلی حاکم غائب عنها یحکم فیها لها أو علیها ، ولیس إلی الإنسان أن یسد خلتها ویرفع حاجتها.

فالحاجة إلی رب مالک مدبر حقیقة الإنسان ، والفقر مکتوب علی نفسه ، والضعف مطبوع علی ناصیته، لا یخفی ذلک علی إنسان له أدنی الشعور الإنسانی والعالم والجاهل والصغیر والکبیر والشریف والوضیع فی ذلک سواء. فالإنسان فی أی منزل من منازل الإنسانیة نزل ، یشاهد من نفسه أن له رباً یملکه ویدبر أمره ، وکیف لا یشاهد ربه وهو یشاهد حاجته الذاتیة ، وکیف یتصور وقوع الشعور بالحاجة من غیر شعور بالذی یحتاج إلیه .

فقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ بیان ما أشهد علیه ،وقوله: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ، اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه .

ولذا قیل إن الآیة تشیر إلی ما یشاهده الإنسان فی حیاته الدنیا أنه محتاج فی جمیع جهات حیاته من وجوده وما یتعلق به وجوده من اللوازم والأحکام ، ومعنی الآیة إنا خلقنا بنی آدم فی الأرض وفرقناهم ومیزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد وأوقفناهم علی احتیاجهم ومربوبیتهم لنا ، فاعترفوا بذلک قائلین: بلی شهدنا أنک ربنا. وعلی هذا یکون قولهم بلی شهدنا من قبیل القول

ص: 38

بلسان الحال أو إسناداً للازم القول إلی القائل بالملزوم ، حیث اعترفوا بحاجاتهم ولزمهم الإعتراف بمن یحتاجون إلیه . والفرق بین لسان الحال والقول بلازم القول ، أن الأول انکشاف المعنی عن الشئ لدلالة صفه من صفاته وحال من أحواله علیه ، سواء شعر به أم لا ، کما تفصح آثار الدیار الخربة عن حال ساکنیها وکیف لعب الدهر بهم وعدت عادیة الایام علیهم فأسکنت أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وکما یتکلم سیماء البائس المسکین عن فقره ومسکنته وسوء حاله. والثانی انکشاف المعنی عن القائل لقوله بما یستلزمه أو تکلمه بما یدل علیه بالالتزام .

فعلی أحد هذین النوعین من القول أعنی القول بلسان الحال والقول بالإستلزام یحمل اعترافهم المحکی بقوله تعالی: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ، والأول أقرب وأنسب فإنه

لا یکتفی فی مقام الشهادة إلا بالصریح منها المدلول علیه بالمطابقة دون الإلتزام . ومن المعلوم أن هذه الشهادة علی أی نحو تحققت فهی من سنخ الإستشهاد المذکور فی قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، فالظاهر أنه قد استوفی الجواب بعین اللسان الذی سألهم به ، ولذلک کان هناک نحو ثالث یمکن أن تحمل علیه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإن الکلام الإلهی یکشف به عن المقاصد الإلهیة بالفعل والإیجاد ، کلام حقیقی ، وإن کان بنحو التحلیل کما تقدم مراراً فی مباحثنا السابقة فلیکن هنا قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وقولهم: بَلَی شَهِدْنَا ، من ذاک القبیل ، وسیجئ للکلام تتمة .

وکیف کان ، فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ . . . الآیة ، یدل علی تفصیل بنی آدم بعضهم من بعض وإشهاد کل واحد منهم علی نفسه ، وأخذ الإعتراف علی الربوبیة منه ، ویدل ذیل الآیة وما یتلوه - أعنی قوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، أو تقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما

ص: 39

فعل المبطلون - علی الغرض من هذا الأخذ والإشهاد. و هو علی ما یفیده السیاق إبطال حجتین للعباد علی الله ، وبیان أنه لولا هذا الأخذ والإشهاد وأخذ المیثاق علی انحصار الربوبیة کان للعباد أن یتمسکوا یوم القیامة بإحدی حجتین یدفعون بها تمام الحجة علیهم فی شرکهم بالله والقضاء بالنار علی ذلک من الله سبحانه .

والتدبر فی الآیتین وقد عطفت إحدی الحجتین علی الأخری بأو التردیدیة ، وبنیت الحجتان جمیعاً علی العلم اللازم للإشهاد ، ونقلتا جمیعاً عن بنی آدم المأخوذین المفرقین ، یعطی أن الحجتین کل واحدة منهما مبنیه علی تقدیر من تقدیری عدم الاشهاد کذلک .

والمراد إنا أخذنا ذریتهم من ظهورهم وأشهدناهم علی أنفسهم فاعترفوا بربوبیتنا فتمت لنا الحجة علیهم یوم القیامة ، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد کل فرد منهم علی نفسه بعد أخذه ، فإن کنا أهملنا الاشهاد من رأس ، فلم یشهد أحد نفسه وأن الله ربه ولم یعلم به، لأقاموا جمیعاً الحجة علینا یوم القیامة بأنهم کانوا غافلین فی الدنیا عن ربوبیتنا ، ولا تکلیف علی غافل ولا مؤاخذة ، وهو قوله تعالی: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ .

وإن کنا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس وأشهدنا بعضهم علی أنفسهم دون بعض، بأن أشهدنا الإباء علی هذا الأمر الهام العظیم دون ذریاتهم ثم أشرک الجمیع کان شرک الإباء شرکاً عن علم بأن الله هو الرب لا رب غیره ، فکانت معصیة منهم ، وأما الذریة فإنما کان شرکهم بمجرد التقلید فیما لا سبیل لهم إلی العلم به لا إجمالاً ولا تفصیلاً ، ومتابعة عملیة محضة لآبائهم ، فکان آباؤهم هم المشرکون بالله العاصون فی شرکهم لعلمهم بحقیقة الأمر ، وقد قادوا ذریتهم الضعاف فی سبیل شرکهم بتربیتهم علیه وتلقینهم ذلک ، ولا سبیل لهم إلی العلم بحقیقة الأمر

ص: 40

وإدراک ضلال آبائهم وإضلالهم إیاهم ، فکانت الحجة لهؤلاء الذریة علی الله یوم القیامة لأن الذین أشرکوا وعصوا بذلک وأبطلوا الحق هم الآباء ، فهم المستحقون للمؤاخذة والفعل فعلهم ، وأما الذریة فلم یعرفوا حقاً حتی یؤمروا به فیعصوا بمخالفته فهم لم یعصوا شیئاً ولم یبطلوا حقاً ، وحینئذ لم تتم حجة علی الذریة فلم تتم الحجة علی جمیع بنی آدم. وهذا معنی قوله تعالی: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

فإن قلت: هنا بعض تقادیر أخر لا یفی بها البیان السابق ، کما لو فرض إشهاد الذریة علی أنفسهم دون الاباء مثلاً ، أو إشهاد بعض الذریة مثلاً ، کما أن تکامل النوع الإنسانی فی العلم والحضارة علی هذه الوتیرة یرث کل جیل ما ترکه الجیل السابق ویزید علیه بأشیاء ، فیحصل للاّحق ما لم یحصل للسابق .

قلت: علی أحد التقدیرین المذکورین تتم الحجة علی الذریة أو علی بعضهم الذین أشهدوا ، وأما الآباء الذین لم یشهدوا فلیس عندهم إلا الغفلة المحضة عن أمر الربوبیة ، فلا یستقلون بشرک إذ لم یشهدوا ، ولا یسع لهم التقلید إذ لم یسبق علیهم فیه سابق ، کما فی صورة العکس فیدخلون تحت المحتجین بالحجة الأولی ( إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ) .

وأما حدیث تکامل الإنسان فی العلم والحضارة تدریجاً فإنما هو فی العلوم النظریة الإکتسابیة التی هی نتائج وفروع تحصل للانسان شیئاً فشیئاً ، وأما شهود الإنسان نفسه وأنه محتاج إلی رب یربه فهو من مواد العلم التی إنما تحصل قبل النتائج ، وهو من العلوم الفطریة التی تنطبع فی النفس انطباعاً أولیاً ثم یتفرع علیها الفروع. وما هذا شأنه لا یتأخر عن غیره حصولاً ، وکیف لا ونوع الإنسان إنما یتدرج إلی معارفه وعلومه عن الحس الباطنی بالحاجة ، کما قرر فی محله .

ص: 41

فالمتحصل من الآیتین أن الله سبحانه فصل بین بنی آدم بأخذ بعضهم من بعض ، ثم أشهدهم جمیعاً علی أنفسهم وأخذ منهم المیثاق بربوبیته ، فهم لیسوا بغافلین عن هذا المشهد وما أخذ منهم من المیثاق ، حتی یحتج کلهم بأنهم کانوا غافلین عن ذلک لعدم معرفتهم بالربوبیة ، أو یحتج بعضهم بأنه إنما أشرک وعصی آباؤهم وهم برآء .

ولذلک ذکر عدة من المفسرین أن المراد بهذا الظرف المشار إلیه بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، هو الدنیا ، والآیتان تشیران إلی سنة الخلقة الإلهیة الجاریة علی الإنسان فی الدنیا ، فإن الله سبحانه یخرج الذریة الإنسانیة من أصلاب آبائهم إلی أرحام أمهاتهم ومنها إلی الدنیا ، ویشهدهم فی خلال حیاتهم علی أنفسهم ویریهم آثار صنعه وآیات وحدانیته ووجوه احتیاجاتهم المستغرقة لهم من کل جهة ، الدالة علی وجوده ووحدانیته ، فکأنه یقول لهم عند ذلک أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وهم یجیبونه بلسان حالهم بَلَی شَهِدْنَا بذلک وأنت ربنا لا رب غیرک ، وإنما فعل الله سبحانه ذلک لئلا یحتجوا علی الله یوم القیامة بأنهم کانوا غافلین عن المعرفة ، أو یحتج الذریة بأن آباءهم هم الذین أشرکوا ، وأما الذریة فلم یکونوا عارفین بها وإنما هم ذریة من بعدهم نشأوا علی شرکهم من غیر ذنب .

وقد طرح القوم عدة من الروایات تدل علی أن الآیتین تدلان علی عالم الذر ، وأن الله أخرج ذریة آدم من ظهره فخرجوا کالذر فأشهدهم علی أنفسهم وعرفهم نفسه ، وأخذ منهم المیثاق علی ربوبیته ، فتمت بذلک الحجة علیهم یوم القیامة . وقد ذکروا وجوهاً فی إبطال دلالة الآیتین علیه وطرح الروایات بمخالفتها لظاهر الکتاب ، وهی:

1 - أنه لا یخلو إما أنه جعل الله هذه الذریة المستخرجة من صلب آدم عقلاء أو

ص: 42

لم یجعلهم کذلک ، فإن لم یجعلهم عقلاء فلا یصح أن یعرفوا التوحید وأن یفهموا خطاب الله تعالی ، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم المیثاق وبنی صحة التکلیف علی ذلک وجب أن یذکروا ذلک ولا ینسوه ، لأن أخذ المیثاق إنما تتم الحجة به علی المأخوذ منه إذا کان علی ذکر منه من غیر نسیان ، کما ینص علیه قوله تعالی: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ . ونحن لا نذکر وراء ما نحن علیه من الخلقة الدنیویة الحاضرة شیئاً ، فلیس المراد بالآیة إلا موقف الإنسان فی الدنیا وما یشاهده فیه من حاجته إلی رب یملکه ویدبر أمره و هو رب کل شئ .

2 - أنه لا یجوز أن ینسی الجمع الکثیر والجم الغفیر من العقلاء أمراً قد کانوا عرفوه ومیزوه حتی لا یذکره ولا واحد منهم ، ولیس العهد به بأطول من عهد أهل الجنة بحوادث مضت علیهم فی الدنیا وهم یذکرون ما وقع علیهم فی الدنیا کما یحکیه تعالی فی مواضع من کلامه کقوله: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّی کَانَ لِی قَرِینٌ . . . إلی آخر الآیات ، الصافات : 51 . وقد حکی نظیر ذلک عن أهل النار کقوله: وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَی رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ .ص : 62 . . . إلی غیر ذلک من الآیات .

ولو جاز النسیان علی هؤلاء الجماعة مع هذه الکثرة لجاز أن یکون الله سبحانه قد کلف خلقه فیما مضی من الزمن ثم أعادهم لیثیبهم أو لیعاقبهم جزاء لأعمالهم فی الخلق الأول وقد نسوا ذلک ، ولازم ذلک صحة قول التناسخیة أن المعاد إنما هو خروج النفس عن بدنها ثم دخولها فی بدن آخر لتجد فی الثانی جزاء الأعمال التی عملتها فی الأول .

3 - ما أورد علی الأخبار الناطقة بأن الله سبحانه أخذ من صلب آدم ذریته وأخذ منهم المیثاق بأن الله سبحانه قال: أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ولم یقل من آدم ، وقال مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم یقل من ظهره ، وقال ذُرِّیَّتَهُمْ ولم یقل ذریته ، ثم أخبر بأنه إنما فعل

ص: 43

بهم ذلک لئلا یقولوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ أو یقولوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ . . . الآیة. وهذا یقتضی أن یکون لهم آباء مشرکون فلا یتناول ظاهر الآیة أولاد آدم لصلبه .

ومن هنا قال بعضهم إن الآیة خاصة ببعض بنی آدم غیر عامة لجمیعهم ، فإنها لا تشمل آدم وولده لصلبه وجمیع المؤمنین ، ومن المشرکین من لیس له آباء مشرکون ، بل تختص بالمشرکین الذین لهم سلف مشرک .

4 - إن تفسیر الآیة بعالم الذر ینافی قولهم کما فی الآیة: إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا لدلالته علی وجود آباء لهم مشرکین ، وهو ینافی وجود الجمیع هناک بوجود واحد جمعی .

5 - ما ذکره بعضهم أن الروایات مقبولة مسلمة غیر أنها لیست بتأویل للآیة ، والذی تقصه من حدیث عالم الذر إنما هو أمر فعله الله سبحانه ببنی آدم قبل وجودهم فی هذه النشأة لیجروا بذلک علی الأعراق الکریمة فی معرفة ربوبیته ، کما روی أنهم ولدوا علی الفطرة ، وکما قیل إن نعیم الأطفال فی الجنة ثواب إیمانهم بالله فی عالم الذر. وأما الآیة فلیست تشیر إلی ما تشیر إلیه الروایات ، فإن الآیة تذکر أنه إنما فعل بهم ذلک لتنقطع به حجتهم یوم القیامه: إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، ولو کان المراد به ما فعل بهم فی عالم الذر لکان لهم أن یحتجوا علی الله فیقولوا ربنا إنک أشهدتنا علی أنفسنا یوم أخرجتنا من صلب آدم فکنا علی یقین بأنک ربنا ، کما أنا الیوم وهو یوم القیامة علی یقین من ذلک لکنک أنسیتنا موقف الإشهاد فی الدنیا التی هی موطن التکلیف والعمل ووکلتنا إلی عقولنا ، فعرف ربوبیتک من عرفها بعقله وأنکرها من أنکرها بعقله ، کل ذلک بالإستدلال ، فما ذنبنا فی ذلک وقد نزعت منا عین المشاهدة وجهزتنا بجهاز شأنه الإستدلال وهو

ص: 44

یخطئ ویصیب .

6 - أن الآیة لا صراحة لها فیما تدل علیه الروایات لإمکان حملها علی التمثیل ، وأما الروایات فهی إما مرفوعة أو موقوفة ولا حجیة فیها .

هذه جملة ما أوردوه علی دلالة الآیة وحجیة الروایات ، وقد زیفها المثبتون لنشأة الذر وهم عامة أهل الحدیث وجمع من غیرهم من المفسرین بأجوبة:

فالجواب عن الأول ، أن نسیان الموقف وخصوصیاته لا یضر بتمام الحجة ، وإنما المضر نسیان أصل المیثاق وزوال معرفة وحدانیة الرب تعالی وهو غیر منسی ولا زائل عن النفس ، وذلک یکفی فی تمام الحجة ، ألا تری أنک إذا أردت أن تأخذ میثاقاً من زید فدعوته إلیک وأدخلته بیتک وأجلسته مجلس الکرامة ثم بشرته وأنذرته ما استطعت ولم تزل به حتی أرضیته فأعطاک العهد وأخذت منه المیثاق ، فهو مأخوذ بمیثاقه مادام ذاکراً لأصله وإن نسی حضوره عندک ودخوله بیتک وجمیع ما جری بینک وبینه وقت أخذ المیثاق ، غیر أصل العهد .

والجواب عن الثانی ، أن الإمتناع من تجویز نسیان الجمع الکثیر لذلک مجرد استبعاد من غیر دلیل علی الإمتناع ، مضافاً إلی أن أصل المعرفة بالربوبیة مذکور غیر منسی کما ذکرنا وهو یکفی فی تمام الحجة ، وأما حدیث التناسخیة فلیس الدلیل علی امتناع التناسخ منحصراً فی استحالة نسیان الجماعة الکثیرة ما مضی علیهم فی الخلق الأول، حتی لو لم یستحل ذلک صح القول بالتناسخ ، بل لابطال القول به دلیل آخر کما یعلم بالرجوع إلی محله ، وبالجملة لا دلیل علی استحالة نسیان بعض العوالم فی بعض آخر .

والجواب عن الثالث ، أن الآیة غیر ساکتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه ،

ص: 45

فإن قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ، کاف وحده فی الدلالة علیه ، فإن فرض بنی آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غیر حاجة إلی مؤونة زائدة ، ثم إخراج ذریتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد وهکذا ، ویتحصل منه أن الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ثم أولادهم من أصلابهم ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتی ینتهی إلی آخرهم ، نظیر ما یجری علیه الأمر فی هذه النشأة الدنیویة التی هی نشأة التوالد والتناسل .

وقد أجاب الرازی عنه فی تفسیره بأن الدلالة علی إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحیة الخبر ، کما أن الدلالة علی إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحیة الآیة ، فبمجموع الآیة والخبر تتم الدلالة علی المجموع ، وهو کما تری .

وأما الأخبار المشتملة علی ذکر إخراج ذریة آدم من صلبه وأخذ المیثاق منهم ، فهی فی مقام شرح القصة لا فی مقام تفسیر ألفاظ الآیة حتی یورد علیها بعدم موافقه الکتاب أو مخالفته. وأما عدم شمول الآیة لأولاد آدم من صلبه لعدم وجود آباء مشرکین لهم وکذا بعض من عداهم فلا یضر شیئاً ، لأن مراد الآیة أن الله سبحانه إنما فعل ذلک لئلا یقول المشرکون یوم القیامة إنما أشرک آباؤنا ، ولا أن یقول کل واحد منهم إنما أشرک آبائی ، فهذا مما لم یتعلق به الغرض ألبتة ، فالقول قول المجموع من حیث المجموع لا قول کل واحد ، فیؤول المعنی إلی أنا لو لم نفعل ذلک لکان کل من أردنا إهلاکه یوم القیامة یقول لم أشرک أنا وإنما أشرک من کان قبلی ولم أکن إلا ذریاً وتابعاً لا متبوعاً .

والجواب عن الرابع ، یظهر من الجواب عن سابقه ، قد دلت الآیة والروایة علی أن الله فصل هناک بین الآباء والأبناء ثم ردهم إلی حال الجمع .

ص: 46

والجواب عن الخامس ، أنه خلاف ظاهر بعض الروایات وخلاف صریح بعض آخر منها ، وما فی ذیله من عدم تمام الحجة من جهة عروض النسیان ، ظهر الجواب عنه من الجواب عن الإشکال الأول .

والجواب عن السادس ، أن استقرار الظهور فی الکلام کاف فی حجیته ، ولا یتوقف ذلک علی صفة الصراحة ، وإمکان الحمل علی التمثیل لا یوجب الحمل علیه ما لم یتحقق هناک مانع عن حمله علی ظاهره، وقد تبین أن لا مانع من ذلک.

وإما أن الروایات ضعیفة لا معول علیها فلیس کذلک ، فإن فیها ما هو الصحیح ، وفیها ما یوثق بصدوره کما سیجئ إن شاء الله تعالی فی البحث الروائی التالی .

هذا ملخص ما جری بینهم من البحث فیما استفید من الآیة من حدیث عالم الذر إثباتاً ونفیاً ، واعتراضاً وجواباً . واستیفاء التدبر فی الآیة والروایات ، والتأمل فیما یرومه المثبتون بإثباتهم ویدفعه المنکرون بإنکارهم ، یوجب توجیه البحث إلی جهة أخری غیر ما تشاجر فیه الفریقان بإثباتهم ونفیهم .

فالذی فهمه المثبتون من الروایة ثم حملوه علی الآیة وانتهضوا لإثباته محصله: أن الله سبحانه بعدما خلق آدم إنساناً تاماً سویاً أخرج نطفه التی تکونت فی صلبه ثم صارت هی بعینها أولاده الصلبیین إلی الخارج من صلبه ، ثم أخرج من هذه النطف نطفها التی ستتکون أولاداً له صلبیین ففصل بین أجزائها والأجزاء الأصلیة التی اشتقت منها ، ثم من أجزاء هذه النطف أجزاء أخری هی نطفها ثم من أجزاء

الأجزاء أجزاءها ، ولم یزل حتی أتی آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة فی التجزی .

وبعبارة أخری: أخرج نطفة آدم التی هی مادة البشر ووزعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلی ما لا یحصی من عدد بنی آدم بحذاء کل فرد ما هو نصیبه من

ص: 47

أجزاء نطفة آدم ، وهی ذرات منبثة غیر محصورة ، ثم جعل الله سبحانه هذه الذرات المنبثة عند ذلک أو کان قد جعلها قبل ذلک کل ذرة منها إنساناً تاماً فی إنسانیته هو بعینه الإنسان الدنیوی الذی هو جزء المقدم له ، فالجزء الذی لزید هناک هو زید هذا بعینه والذی لعمرو هو عمرو هذا بعینه ، فجعلهم ذوی حیاة وعقل وجعل لهم ما یسمعون به وما یتکلمون به وما یضمرون به معانی فیظهرونها أو یکتمونها ، وعند ذلک عرفهم نفسه فخاطبهم فأجابوه وأعطوه الإقرار بالربوبیة ، إما بموافقة ما فی ضمیرهم لما فی لسانهم أو بمخالفة ذلک .

ثم إن الله سبحانه ردهم بعد أخذ المیثاق إلی مواطنهم من الأصلاب حتی اجتمعوا فی صلب آدم وهی علی حیاتها ومعرفتها بالربوبیة وإن نسوا ما وراء ذلک مما شاهدوه عند الإشهاد وأخذ المیثاق ، وهم بأعیانهم موجودون فی الأصلاب حتی یؤذن لهم فی الخروج إلی الدنیا فیخرجون ، وعندهم ما حصلوه فی الخلق الأول من معرفة الربوبیة ، وهی حکمهم بوجود رب لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلی من یملکهم ویدبر أمرهم .

هذا ما یفهمه القوم من الخبر والآیة ویرومون إثباته ، وهو مما تدفعه الضرورة وینفیه القرآن والحدیث بلا ریب ، وکیف الطریق إلی اثبات أن ذرة من ذرات بدن زید وهو الجزء الذری الذی انتقل من صلب آدم من طریق نطفته إلی ابنه ثم إلی ابن ابنه حتی انتهی إلی زید هو زید بعینه وله إدراک زید وعقله وضمیره وسمعه وبصره ، وهو الذی یتوجه إلیه التکلیف وتتم له الحجة ویحمل علیه العهود والمواثیق ویقع علیه الثواب والعقاب، وقد صح بالحجة القاطعة من طریق العقل والنقل أن إنسانیة الإنسان بنفسه التی هی أمر وراء المادة حادث بحدوث هذا البدن الدنیوی ، وقد تقدم شطر من البحث فیها .

ص: 48

علی أنه قد ثبت بالبحث القطعی أن هذه العلوم التصدیقیة البدیهیة والنظریة ، ومنها التصدیق بأن له رباً یملکه ویدبر أمره ، تحصل للانسان بعد حصول التطورات ، والجمیع تنتهی إلی الإحساسات الظاهرة والباطنة ، وهی تتوقف علی وجود الترکیب الدنیوی المادی ، فهو حال العلوم الحصولیة التی منها التصدیق بأن له رباً هو القائم برفع حاجته .

علی أن هذه الحجة إن کانت متوقفة فی تمامها علی العقل والمعرفة معاً فالعقل مسلوب عن الذرة حین أرجعت إلی موطنها الصلبی حتی تظهر ثانیاً فی الدنیا ، وإن

قیل إنه لم یسلب عنها ما تجری فی الأصلاب والأرحام فهو مسلوب عن الإنسان ما بین ولادته وبلوغه أعنی أیام الطفولیة ، ویختل بذلک أمر الحجة علی الإنسان وإن کانت غیر متوقفة علیه، بل یکفی فی تمامها مجرد حصول المعرفة ، فأی حاجة إلی الاشهاد وأخذ المیثاق، وظاهر الآیة أن الإشهاد وأخذ المیثاق إنما هما لأجل إتمام الحجة ، فلا محالة یرجع معنی الآیة إلی حصول المعرفة فیؤول المعنی إلی ما فسرها به المنکرون .

وبتقریر آخر إن کانت الحجة إنما تتم بمجموع الإشهاد والتعریف وأخذ المیثاق سقطت بنسیان البعض وقد نسی الإشهاد والتکلیم وأخذ المیثاق ، وإن کان الإشهاد وأخذ المیثاق جمیعاً مقدمة لثبوت المعرفة ثم زالت المقدمة ولزمت المعرفة وبها تمام الحجة ، تمت الحجة علی کل إنسان حتی الجنین والطفل والمعتوه والجاهل ، ولا یساعد علیه عقل ولا نقل ، وإن کانت المعرفة فی تمام الحجة بها متوقفة علی حصول العقل والبلوغ ونحو ذلک وقد کانت حصلت فی عالم الذر فتمت الحجة ثم زالت وبقیت المعرفة حجة ناقصة ثم کملت ثانیاً لبعضهم فی الدنیا فتمت الحجة ثانیاً بالنسبة إلیهم ، فکما أن لحصول العقل فی

ص: 49

الدنیا أسباباً تکوینیة یحصل بها وهی الحوادث المتکررة من الخیر والشر ، وحصول الملکة الممیزة بینهما من التجارب حصولاً تدریجیاً ینتهی من جانب إلی حد من الکمال ومن جانب إلی حد من الضعف لا یعبأ به ، کذلک المعرفة لها أسباب إعدادیة تهی الإنسان إلی التلبس بها ولیست تحصل قبل ذلک ، وإذا کانت تحصل فی ظرفنا هذا بأسبابها المعدة لها کالعقل ، فأی حاجة إلی تکوینه تکویناً آخر فی سالف من الزمان لاتمام الحجة والحجة تامة دونه وماذا یغنی ذلک .

علی أن هذا العقل الذی لا تتم حجة ولا ینفع إشهاد ولا یصح أخذ میثاق بدونه حتی فی عالم الذر ، المفروض هو العقل العملی الذی لا یحصل للانسان إلا فی هذا الظرف الذی یعیش فیه عیشة اجتماعیة ، فتتکرر علیه حوادث الخیر والشر وتهیج عواطفه وإحساساته الباطنیة نحو جلب النفع ودفع الضرر ، فتتعاقب علیه الأعمال عن علم وإرادة فیخطی ویصیب ، حتی یتدرب فی تمییز الصواب من الخطأ والخیر من الشر والنفع من الضر .

والظرف الذی یثبتونه أعنی ما یصفونه من عالم الذر لیس بموطن العقل العملی ، إذ لیس فیه شرائط حصوله وأسبابه ، ولو فرضوه موطناً له وفیه أسبابه وشرائطه کما یظهر مما یصفونه تعویلاً علی ما فی ظواهر الروایات أن الله دعاهم هناک إلی التوحید فأجابه بعضهم بلسان یوافقه قلبه وأجابه آخرون وقد أضمروا الکفر وبعث إلیهم الأنبیاء والاوصیاء فصدقهم بعض وکذبهم آخرون ، ولا یجری ما هاهنا إلا علی ما جری به ما هنالک ، إلی غیر ذلک مما ذکروه ، کان ذلک إثباتاً لنشأة طبیعیة قبل هذه النشأة الطبیعیة فی الدنیا نظیر ما یثبته القائلون بالأدوار والأکوار ، واحتاج إلی تقدیم کینونة ذریة أخری تتم بها الحجة علی من هنالک

ص: 50

من الإنسان ، لأن عالم الذر علی هذه الصفة لا یفارق هذا العالم الحیوی الذی نحن فیه الآن ، فلو احتاج هذا الکون الدنیوی إلی تقدیم إشهاد وتعریف حتی تحصل المعرفة وتتم الحجة لاحتاج إلیه الکون الذری من غیر فرق فارق ألبتة .

علی أن الإنسان لو احتاج فی تحقق المعرفة فی هذه النشأة الدنیویة إلی تقدم وجود ذری یقع فیه الإشهاد ویوجد فیه المیثاق حتی تثبت بذلک المعرفة بالربوبیة ، لم یکن فی ذلک فرق بین إنسان وإنسان ، فما بال آدم وحواء استثنیا من هذه الکلیة ، فإن لم یحتاجا إلی ذلک لفضل فیهما أو لکرامة لهما ففی ذریتهما من هو أفضل منهما وأکرم ، وإن کان لتمام خلقتهما یومئذ فأثبتت فیهما المعرفة من غیر حاجة إلی إحضار الوجود الذری ، فلکل من ذریتهما أیضاً خلقة تامة فی ظرفه الخاص به ، فلم لم یؤخر إثبات المعرفة فیهم ولهم إلی تمام خلقتهم بالولادة حتی تتم عند ذلک الحجة ، وأی حاجة إلی التقدیم .

فهذه جهات من الإشکال فی تحقق الوجود الذری للإنسان علی ما فهموه من الروایات لا طریق إلی حلها بالأبحاث العلمیة، ولا حمل الآیة علیه معها حتی بناء علی عادة

القوم فی تحمیل المعنی علی الآیة إذا دلت علیه الروایة وإن لم یساعد علیه لفظ الآیة، لأن الروایة القطعیة الصدور کالآیة مصونة عن أن تنطق بالمحال.

وأما الحشویة وبعض المحدثین ممن یبطل حجة العقل الضروریة قبال الروایة ویتمسک بالآحاد فی المعارف الیقینیة ، فلا بحث لنا معهم .

هذا ما علی المثبتین. بقی الکلام فیما ذکره النافون أن الآیة تشیر إلی ما علیه حال الإنسان فی هذه الحیاة الدنیا ، وهو أن الله سبحانه أخرج کلا من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلی مرحلة الإنفصال والتفرق ، ورکب فیهم ما یعرفون به ربوبیته واحتیاجهم إلیه ، کأنه قال لهم إذا وجه وجوههم نحو أنفسهم

ص: 51

المستغرقة فی الحاجة: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وکأنهم لما سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا: بلی أنت ربنا شهدنا بذلک ، وإنما فعل الله ذلک لتتم علیهم حجتة بالمعرفة وتنقطع حجتهم علیه بعدم المعرفة ، وهذا میثاق مأخوذ منهم طول الدنیا جار ما جری الدهر والإنسان یجری معه .

والآیة بسیاقها لا تساعد علیه ، فإنه تعالی افتتح الآیة بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ . . . الآیة فعبر عن ظرف هذه القضیة بإذ ، وهو یدل علی الزمن الماضی أو علی أی ظرف محقق الوقوع نحوه ، کما فی قوله: وَإِذْ قَالَ اللهُ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ، إلی أن قال: قَالَ اللهُ هَذَا یَوْمُ یَنْفَعُ

الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ . المائدة : 119 ، فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقق وقوعه .

وقوله: وإذ أخذ ربک خطاب للنبی (ص) أوله ولغیره کما یدل علیه قوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ . . . الآیة ، إن کان الخطاب متوجهاً إلینا معاشر السامعین للآیات المخاطبین بها والخطاب خطاب دنیوی لنا معاشر أهل الدنیا ، والظرف الذی یتکی علیه هو زمن حیاتنا فی الدنیا أو زمن حیاة النوع الإنسانی فیها وعمره الذی هو طول إقامته الأرض ، والقصة التی یذکرها فی الآیة ظرفها عین ظرف وجود النوع فی الدنیا فلا مصحح للتعبیر عن ظرفها بلفظة إذ الدالة علی تقدم ظرف القصة علی ظرف الخطاب ، ولا عنایة أخری فی المقام تصحح هذا التعبیر من قبیل تحقق الوقوع ونحوه وهو ظاهر .

فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، فی عین أنه یدل علی قصة خلقه تعالی النوع الإنسانی بنحو التولید ، وأخذ الفرد من الفرد وبث الکثیر من القلیل، کما هو المشهود فی نحو تکون الآحاد من الإنسان وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض علی التعاقب ، یدل علی أن للقصة وهی تنطبق علی

ص: 52

الحال المشهود نوعاً من التقدم علی هذا المشهود من جریان الخلقة وسیرها .

وقد تقدمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدم من تقدم هذه الخلقة بنحو تقدماً زمانیاً بأن یأخذ الله أول فرد من هذا النوع فیأخذ منه مادة النطفة التی منها نسل هذا النوع فیجزؤها أجزاء ذریة بعدد أفراد النوع إلی یوم القیامة ، ثم یلبس وجود کل فرد بعینه بحیاته وعقله وسمعه وبصره وضمیره وظهره وبطنه ویکسیه وجوده التی هی له قبل أن یسیر مسیره الطبیعی فیشهده نفسه ویأخذ منه المیثاق ، ثم ینزعه منها ویردها إلی مکانها الصلبی ، حتی یسیر سیره الطبیعی وینتهی إلی موطنها الذی لها من الدنیا ، فقدتقدم بطلان ذلک وأن الآیة أجنبیة عنه .

لکن الذی أحال هذا المعنی هو استلزامه وجود الإنسان بماله من الشخصیة الدنیویة مرتین فی الدنیا واحدة بعد أخری، المستلزم لکون الشئ غیر نفسه بتعدد شخصیته ، فهو الأصل الذی تنتهی إلیه جمیع المشکلات السابقة .

وأما وجود الإنسان أو غیره فی امتداد مسیره إلی الله ورجوعه إلیه فی عوالم مختلفة النظام متفاوتة الحکم فلیس بمحال ، وهو مما یثبته القرآن الکریم ولو کره ذلک الکافرون الذین یقولون إن هی إلا حیاتنا الدنیا نموت ونحیا وما یهلکنا إلا الدهر فقد أثبت الله الحیاة الآخرة للإنسان وغیره یوم البعث وفیه هذا الإنسان بعینه ، وقد وصفه بنظام وأحکام غیر هذه النشأة الدنیویة نظاماً وأحکاماً. وقد أثبت حیاة برزخیة لهذا الإنسان بعینه وهی غیر الحیاة الدنیویة نظاماً وحکماً. وأثبت بقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.الحجر : 21 ، أن لکل شئ عنده وجوداً وسیعاً غیر مقدر فی خزائنه وإنما یلحقه الأقدار إذا نزله إلی الدنیا مثلاً ، فللعالم الإنسانی علی سعته سابق وجود عنده تعالی فی خزائنه ، أنزله إلی هذه النشأة .

ص: 53

وأثبت بقوله: إنما أمره إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون. فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ. یس : 83 ، وقوله: وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. القمر : 50 ، وما یشابههما من الآیات .

أن هذا الوجود التدریجی الذی للأشیاء ومنها الإنسان هو أمر من الله یفیضه علی الشئ ویلقیه إلیه بکلمة کن ، إفاضة دفعیة وإلقاء غیر تدریجی .

فلوجود هذه الأشیاء وجهان: وجه إلی الدنیا وحکمه أن یحصل بالخروج من القوة إلی الفعل تدریجاً ومن العدم إلی الوجود شیئاً فشیئاً ، ویظهر ناقصاً ثم لا یزال یتکامل حتی یفنی ویرجع إلی ربه .

ووجه إلی الله سبحانه وهی بحسب هذا الوجه أمور تدریجیة ، وکل ما لها فهو لها فی أول وجودها من غیر أن تحتمل قوة تسوقها إلی الفعل .

وهذا الوجه غیر الوجه السابق وإن کانا وجهین لشئ واحد ، وحکمه غیر حکمه وإن کان تصوره التام یحتاج إلی لطف قریحة ، وقد شرحناه فی الأبحاث السابقة بعض الشرح ، وسیجی إن شاء الله استیفاء الکلام فی شرحه .

ومقتضی هذه الآیات أن للعالم الإنسانی علی ما له من السعة وجوداً جمیعاً عند الله سبحانه ، وهو الذی یلی جهته تعالی ویفیضه علی أفراده لا یغیب فیها بعضهم عن بعض ولا یغیبون فیه عن ربهم ولا هو یغیب عنهم ، وکیف یغیب فعل عن فاعله أو ینقطع صنع عن صانعه ، وهذا هو الذی یسمیه الله سبحانه بالملکوت ، ویقول: وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ. الانعام: 75 ویشیر إلیه بقوله:کَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْیَقِینِ . لَتَرَوُنَّ الْجَحِیمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیْنَ الْیَقِینِ . التکاثر: 7 .

وأما هذا الوجه الدنیوی الذی نشاهده نحن من العالم الإنسانی ، وهو الذی

ص: 54

یفرق بین الآحاد ویشتت الأحوال والأعمال بتوزیعها علی قطعات الزمان وتطبیقها علی مر اللیالی والأیام ویحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلی التمتعات المادیة الأرضیة واللذائذ الحسیة ، فهو متفرع علی الوجه السابق متأخر عنه. وموقع تلک النشأة وهذه النشأة فی تفرعها علیها موقعاً کن ویکون فی قوله تعالی: أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ . یس : 82 .

ویتبین بذلک أن هذه النشأة الإنسانیة الدنیویة مسبوقة بنشأة أخری إنسانیة هی هی بعینها غیر أن الآحاد موجودون فیها غیر محجوبین عن ربهم ، یشاهدون فیها وحدانیته تعالی فی الربوبیة بمشاهده أنفسهم ، لا من طریق الإستدلال ، بل لأنهم لا ینقطعون عنه ولا یفقدونه ویعترفون به وبکل حق من قبله. وأما قذارة الشرک وألواث المعاصی فهو من أحکام هذه النشأة الدنیویة دون تلک النشأة التی لیس فیها إلا فعله تعالی القائم به ، فافهم ذلک .

وأنت إذا تدبرت هذه الآیات ثم راجعت قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ... الآیة ، وأجدت التدبر فیها وجدتها تشیر إلی تفصیل أمر تشیر هذه الآیات إلی إجماله ، فهی تشیر إلی نشأة إنسانیة سابقة فرق الله فیها بین أفراد هذا النوع ومیز بینهم وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا .

ولا یرد علیه ما أورد علی قول المثبتین فی تفسیر الآیة علی ما فهموه من معنی عالم الذر من الروایات علی ما تقدم ، فإن هذا المعنی المستفاد من سائر الآیات والنشأة السابقة التی تثبته لا تفارق هذه النشأة الإنسانیة الدنیویة زماناً ، بل هی معها محیطة بها لکنها سابقة علیها السبق الذی فی قوله تعالی: کُنْ فَیَکوُنْ ، ولا یرد علیه شئ من المحاذیر المذکورة .

ولا یرد علیه ما أوردناه علی قول المنکرین فی تفسیرهم الآیة بحال وجود النوع

ص: 55

الإنسانی فی هذه النشأة الدنیویة من مخالفته لقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، ثم التجوز فی الإشهاد بإرادة التعریف منه وفی الخطاب بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ بإرادة دلالة الحال ، وکذا فی قوله: قالوا بلی ، وقوله: شَهِدْنَا ، بل الظرف ظرف سابق علی الدنیا وهو غیرها ، والإشهاد علی حقیقته والخطاب علی حقیقته .

ولا یرد علیه أنه من قبیل تحمیل الآیة معنی لا تدل علیه ، فإن الآیة لا تأبی عنه ، وسائر الآیات تشیر إلیه بضم بعضها إلی بعض .

وأما الروایات فسیأتی أن بعضها یدل علی أصل تحقق هذه النشأة الإنسانیة کالآیة ، وبعضها یذکر أن الله کشف لادم(علیه السّلام)عن هذه النشأة الإنسانیة وأراه هذا العالم الذی هو ملکوت العالم الإنسانی وما وقع فیه من الاشهاد وأخذ المیثاق ، کما أری إبراهیم(علیه السّلام)ملکوت السماوات والأرض .

رجعنا إلی الآیة ، قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، أی واذکر لأهل الکتاب فی تتمیم البیان السابق ، أو واذکر للناس فی بیان ما نزلت السورة 20: لاجل بیانه ، وهو أن لله عهداً علی الإنسان وهو سائله عنه وأن أکثر الناس لا یفون به وقد تمت علیهم الحجة ، أذکر لهم موطناً قبل الدنیا أخذ فیه ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم فما من أحد منهم إلا استقل من غیره وتمیز منه فاجتمعوا هناک جمیعاً وهم فرادی فأراهم ذواتهم المتعلقة بربهم وأشهدهم علی أنفسهم فلم یحتجبوا عنه وعاینوا أنه ربهم ، کما أن کل شئ بفطرته یجد ربه من نفسه من غیر أن یحتجب عنه ، وهو ظاهر الآیات القرآنیة کقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ. الاسراء : 44 .

أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وهو خطاب حقیقی لهم لا بیان حال ، وتکلیم إلهی لهم فإنهم یفهمون مما یشاهدون أن الله سبحانه یرید به منهم الإعتراف وإعطاء الموثق ،

ص: 56

ولا نعنی بالکلام إلا ما یلقی للدلالة به علی معنی مراد ، وکذا الکلام فی قوله: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا .

وقوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، الخطاب للمخاطبین بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ القائلین بَلَی شَهِدْنَا ، فهم هناک یعاینون الاشهاد والتکلیم من الله

والتکلم بالإعتراف من أنفسهم ، وإن کانوا فی نشأة الدنیا علی غفلة مما عدا المعرفة بالإستدلال ، ثم إذا کان یوم البعث وانطوی بساط الدنیا وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلی مشاهدتهم ومعاینتهم ، وذکروا ما جری بینهم وبین ربهم . ویحتمل أن یکون الخطاب راجعاً إلینا معاشر المخاطبین بالآیات ، أی إنما فعلنا ببنی آدم ذلک حذر أن تقولوا أیها الناس یوم القیامة کذا وکذا ، والأول أقرب ویؤیده قراءة أن یقولوا بلفظ الغیبة .

وقوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ، هذه حجة الناس إن فرض الإشهاد وأخذ المیثاق من الآباء خاصة دون الذریة ، کما أن قوله أن تقولوا الخ ، حجة للناس إن ترک الجمیع فلم یقع إشهاد ولا أخذ میثاق من أحد منهم .

ومن المعلوم أن لو فرض ترک الإشهاد وأخذ المیثاق فی تلک النشأة کان لازمه عدم تحقق المعرفة بالربوبیة فی هذه النشأة إذ لا حجاب بینهم وبین ربهم فی تلک

النشأة ، فلو فرض هناک علم منهم کان ذلک إشهاداً وأخذ میثاق ، وأما هذه النشأة فالعلم فیها من وراء الحجاب وهو المعرفة من طریق الإستدلال ، فلو لم یقع هناک بالنسبة إلی الذریة إشهاد وأخذ میثاق کان لازمه فی هذه النشأة أن لا یکون لهم سبیل إلی معرفة الربوبیة فیها أصلاً ، وحینئذ لم یقع منهم معصیة شرک بل کان ذلک فعل آبائهم ولیس لهم إلا التبعیة العملیة لآبائهم والنشوء علی شرکهم من غیر علم ، فصح لهم أن یقولوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ

ص: 57

بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .

قوله تعالی: وَکَذَلِکَ نُفَصِّلُ الآیَاتِ وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ . ، تفصیل الآیات تفریق بعضها وتمییزه من بعض لیتبین بذلک مدلول کل منها ولا تختلط وجوه دلالتها ، وقوله: وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ ، عطف علی مقدر والتقدیر لغایات عالیة کذا وکذا ولعلهم یرجعون من الباطل إلی الحق .

( ثم أورد صاحب المیزان(رحمه الله)روایة ابن الکوا المتقدمة ، وقال ):

أقول والروایة کما تقدم وبعض ما یأتی من الروایات یذکر مطلق أخذ المیثاق من بنی آدم من غیر ذکر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إیاه. وکان تشبیههم بالذر کما فی کثیر من الروایات تمثیل لکثرتهم کالذر لا لصغرهم جسماً أو غیر ذلک ، ولکثرة ورود هذا التعبیر فی الروایات سمیت هذه النشأة بعالم الذر .

وفی الروایة دلالة ظاهرة علی أن هذا التکلیم کان تکلیماً حقیقیاً لا مجرد دلالة الحال علی المعنی. وفیها دلالة علی أن المیثاق لم یؤخذ علی الربوبیة فحسب ، بل علی النبوة وغیر ذلک. وفی کل ذلک تأیید لما قدمناه .

وفی تفسیر العیاشی عن رفاعة قال: سالت أبا عبدالله عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، قال نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق هکذا ، وقبض یده .

أقول: وظاهر الروایة أنها تفسر الأخذ فی الآیة بمعنی الإحاطة والملک .

وفی تفسیر القمی عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن مسکان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، قلت: معاینة کان هذا ؟ قال: نعم . . . ( إلی آخر الروایة المتقدمة ) . .

ص: 58

أقول: والروایة ترد علی منکری دلالة الآیة علی أخذ المیثاق فی الذر تفسیرهم قوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، أن المراد به أنه عرفهم آیاته الدالة علی ربوبیته ، والروایة صحیحة ومثلها فی الصراحة والصحة ما سیأتی من روایة زرارة وغیره .

وفی الکافی عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن زرارة: أن رجلاً سأل أبا جعفر (علیه السّلام) عن قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ.. إلی آخر الآیة ، فقال وأبوه یسمع: حدثنی

أبی أن الله عز وجل قبض قبضه من تراب التربة التی خلق منها آدم فصب علیها الماء العذب الفرات، ثم ترکها أربعین صباحاً ، ثم صب علیها الماء المالح الاجاج ، فترکها أربعین صباحاً ، فلما اختمرت الطینة أخذها فعرکها عرکاً شدیداً ، فخرجوا کالذر من یمینه وشماله ، وأمرهم جمیعاً أن یقعوا فی النار ، فدخلها أصحاب الیمین فصارت علیهم برداً وسلاماً ، وأبی أصحاب الشمال أن یدخلوها .

أقول: وفی هذا المعنی روایات أخر ، وکأن الأمر بدخول النار کنایة عن الدخول حظیرة العبودیة والإنقیاد للطاعة .

وفیه بإسناده عن عبدالله بن محمد الحنفی وعقبه جمیعاً عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إن الله عز وجل خلق الخلق ، فخلق من أحب مما أحب ، فکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق من أبغض مما أبغض ، وکان ما أبغض أن خلقه من طینه النار ، ثم بعثهم فی الظلال ، فقیل: وأی شئ الظلال قال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ، ثم بعث معهم النبیین فدعوهم إلی الإقرار بالله ، وهو قوله ولئن سألتهم من خلقهم لیقولن الله ، ثم دعوهم إلی الإقرار فأقر بعضهم وأنکر بعض، ثم دعوهم إلی ولایتنا ، فأقر بها والله من أحب وأنکرها من أبغض،

ص: 59

وهو قوله: وما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل ، ثم قال أبوجعفر(علیه السّلام)کان التکذیب ثَمَّ .

أقول: والروایة وإن لم تکن مما وردت فی تفسیر آیة الذر ، غیر أنا أوردناها لاشتمالها علی قصة أخذ المیثاق وفیها ذکر الظلال ، وقد تکرر ذکر الظلال فی لسان أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) والمرادبه کما هو ظاهر الروایة وصف هذا العالم الذی هو بوجه عین العالم الدنیوی وبوجه غیره ، وله أحکام غیر أحکام الدنیا بوجه وعینها بوجه ، فینطبق علی ما وصفناه فی البیان المتقدم .

وفی الکافی وتفسیر العیاشی عن أبی بصیر قال: قلت لابی عبدالله (علیه السّلام)کیف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فیهم ما إذا سألهم أجابوه ، وزاد العیاشی یعنی فی المیثاق .

أقول: وما زاده العیاشی من کلام الراوی ، ولیس المراد بقوله جعل فیهم ما إذا سألهم أجابوه دلالة حالهم علی ذلک ، بل لما فهم الراوی من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنیویة استبعد صدوره عن الذر ، فسأل عن ذلک فأجابه(علیه السّلام)بأن الأمر هناک بحیث إذا نزلوا فی الدنیا کان ذلک منهم جواباً دنیویاً باللسان والکلام اللفظی ، ویؤیده قوله(علیه السّلام)ما إذا سألهم ولم یقل ما لو تکلموا ونحو ذلک .

وفی تفسیر العیاشی أیضاً عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام): فی قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، قالوا بألسنتهم ؟ قال نعم وقالوا بقلوبهم ، فقلت وأین کانوا یومئذ ؟ قال صنع منهم ما اکتفی به..

أقول: جوابه(علیه السّلام)إنهم قالوا بلی بألسنتهم وقلوبهم مبنی علی کون وجودهم یومئذ بحیث لو انتقلوا إلی الدنیا کان ذلک جواباً بلسان علی النحو المعهود فی الدنیا ، لکن اللسان والقلب هناک واحد ، ولذلک قال(علیه السّلام)نعم وبقلوبهم فصدق اللسان

ص: 60

وأضاف إلیه القلب. ثم لما کان فی ذهن الراوی أنه أمر واقع فی الدنیا ونشأة الطبیعة وقد ورد فی بعض الروایات التی تذکر قصة إخراج الذریة من ظهر آدم تعیین المکان له وقد روی بعضها هذا الراوی أعنی أبا بصیر ، سأله(علیه السّلام)عن مکانهم بقوله وأین کانوا یومئذ ؟ فأجابه(علیه السّلام)بقوله: صنع منهم ما اکتفی به ، فلم یجبه بتعیین المکان بل بأن الله سبحانه خلقهم خلقاً یصح معه السؤال والجواب ، وکل ذلک یؤید ما قدمناه فی وصف هذا العالم .

والروایة کغیرها مع ذلک کالصریح فی أن التکلیم والتکلم فی الآیة علی الحقیقة دون المجاز ، بل هی صریحة فیه .

وفی الدر المنثور أخرج عبد بن حمید والحکیم الترمذی فی نوادر الأصول ، وأبوالشیخ فی العظمة ، وابن مردویه ، عن أبی إمامة أن رسول الله (ص) قال: خلق الله الخلق وقضی القضیة ، وأخذ میثاق النبیین وعرشه علی الماء ، فأخذ أهل الیمین بیمینه ، وأخذ أهل الشمال بیده الأخری ، وکلتا یدی الرحمن یمین ، فقال: یا أصحاب الیمین ، فاستجابوا له ، فقالوا: لبیک ربنا وسعدیک ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی . قال: یا أصحاب الشمال ، فاستجابوا له ، فقالوا: لبیک ربنا وسعدیک ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ قالوا: بلی. فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بیننا ، قال وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِکَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ، أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، ثم ردهم فی صلب آدم ، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها . فقال قائل یا رسول الله فما الأعمال ؟ قال: یعمل کل قوم لمنازلهم ، فقال عمر بن الخطاب: إذاً نجتهد .

أقول: قوله (ص): وعرشه علی الماء ، کنایة عن تقدم أخذ المیثاق ولیس المراد به تقدم خلق الأرواح علی الأجساد زماناً ، فإن علیه من الإشکال ما علی عالم

ص: 61

الذر بالمعنی الذی فهمه جمهور المثبتین ، وقد تقدم .

وقوله (ص) یعمل کل قوم لمنازلهم ، أی أن کل واحد من المنزلین یحتاج إلی أعمال تناسبه فی الدنیا ، فإن کان العامل من أهل الجنة عمل الخیر لا محالة وإن کان من أهل النار عمل الشر لا محالة ، والدعوة إلی الجنة وعمل الخیر ، لأن عمل الخیر یعیِّن منزله فی الجنة وإن عمل الشر یعیِّن منزله فی النار لا محالة ، کما قال تعالی: وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ. البقره : 148 فلم یمنع تعین الوجهة عن الدعوة إلی استباق الخیرات ، ولا منافاة بین تعین السعادة والشقاوة بالنظر إلی العلل التامة ، وبین عدم تعینها بالنظر إلی اختیار الإنسان فی تعیین عمله ، فإنه جزء العلة وجزء علة الشئ لا یتعین معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة ، وقد تقدم استیفاء هذا البحث فی موارد من هذا الکتاب ، وآخرها فی تفسیر قوله تعالی: کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ . فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلَالَةُ الاعراف : 30 ، وأخبار الطینة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه .

وفیه ، أخرج عبد بن حمید ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ ، عن ابن عباس: فی قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ الآیة ، قال: خلق الله آدم وأخذ میثاقه أنه ربه ، وکتب أجله ورزقه ومصیبته ، ثم أخرج ولده من ظهره کهیئة الذر، فأخذ مواثیقهم أنه ربهم، وکتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.

أقول: وقد روی هذا المعنی عن ابن عباس بطرق کثیرة فی ألفاظ مختلفة ، لکن الجمیع تشترک فی أصل المعنی وهو إخراج ذریة آدم من ظهره وأخذ المیثاق منهم .

وفیه ، أخرج ابن عبدالبر فی التمهید من طریق السدی عن أبی مالک وعن أبی صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمدانی ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة: فی قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، قالوا: لما

ص: 62

أخرج الله آدم من الجنة ، قبل تهبیطه من السماء مسح صفحه ظهره الیمنی ، فأخرج منه ذریة بیضاء مثل اللؤلؤ کهیئة الذر ، فقال لهم أدخلوا الجنة برحمتی ، ومسح صفحة ظهره الیسری فأخرج منه ذریة سوداء کهیئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالی ، فذلک قوله أصحاب الیمین وأصحاب الشمال. ثم أخذ منهم المیثاق ، فقال أَلَسْتُ

بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فأعطاه طائفة طائعین ، وطائفة کارهین علی وجه التقیة ، فقال هو والملائکة: شهدنا أن یقولوا یوم القیامة إنا کنا عن هذا غافلین ، أو یقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل ، قالوا فلیس أحد من ولد آدم إلا وهو یعرف الله أنه ربه وذلک قوله عز وجل: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ طَوْعًا وَکَرْهًا، وذلک قوله: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ ، یعنی یوم أخذ المیثاق .

أقول: وقد روی حدیث الذر کما فی الروایه موقوفة وموصولة عن عدة من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کعلی(علیه السّلام)، وابن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، وسلمان ، وأبی هریرة ، وأبی أمامة ، وأبی سعید الخدری ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالرحمان بن قتادة ، وأبی الدرداء وأنس ومعاویة وأبی موسی الأشعری . کما روی من طرق الشیعة عن علی وعلی بن الحسین ، ( ومحمد بن علی ) ، وجعفر بن محمد ، والحسن بن علی العسکری(علیهم السّلام) .

ومن طرق أهل السنة أیضاً عن علی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد بطرق کثیرة ، فلیس من البعید أن یدعی تواتره المعنوی .

واعلم أن الروایات فی الذر کثیره جداً ، وقد ترکنا إیراد أکثرها لوفاء ما أوردنا من ذلک بمعناها . وهنا روایات أخر فی أخذ المیثاق عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسائر الأنبیاء (علیهم السّلام) سنوردها فی محلها إن شاء الله تعالی. انتهی .

ص: 63

عوالم وجود الإنسان

تحصل من بحث صاحب المیزان(رحمه الله)أنه جعل الاقوال فی عالم الذر ثلاثة:

الأول: نفی وجود عالم الذر ، والقول بأن ما ورد فی الآیة من إشهاد الناس وإقرارهم بالربوبیة ، إنما هو تعبیر مجازی عن تکوینهم الذی یهدیهم إلی ربهم تعالی. وهو قول عدد من المتأثرین بالفلسفة الیونانیة من القدماء ، وبالثقافة الغربیة من المتأخرین .

الثانی: أن عالم الذر بمعنی أن الله تعالی استخرج نطف أبناء آدم(علیه السّلام)من ظهره ، ثم من ظهور أبنائه إلی آخر أب ، ثم کونهم بشکل معین وأشهدهم فأقروا ، ثم أعادهم إلی حالتهم الأولی فی ظهر آدم(علیه السّلام). وقد ذهب إلیه بعض المفسرین من السنة والشیعة .

الثالث: أن عالم الذر هو عالم الملکوت والخزائن ، وهو الوجه الذی اختاره صاحب المیزان(رحمه الله)وأطال فی الکلام حوله واختصر فی الإستدلال علیه .

ولکن یرد علیه إشکالات متعددة ، أهمها:

أولاً: أن عالم الملکوت اسم عام لکل عوالم ملک الله تعالی ، وتفسیر عالم الذر به لا یحل المشکلة ، لأنه یبقی السؤال وارداً: فی أی عالم من ملکوت الله تعالی تم خلق الناس وأخذ المیثاق منهم ؟

ثانیاً: أن تفسیر عالم الذر بعالم الملکوت تفسیر استحسانی لا دلیل علیه، وطریقنا إلی معرفة عوالم خلق الله وأفعاله سبحانه وتعالی ، محصور بما أخبرنا به النبی وآله صلی الله علیهم ، وما دل العقل علیه بدلالة قطعیة ، لا ظنیة أو احتمالیة.

ثالثاً: أن عوالم وجود النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ووجود الناس قبل هذا العالم ، وردت فیها

ص: 64

أحادیث کثیرة لا یمکن إغفالها فی البحث ، کما فعل بعضهم ، ولا نفیها بجرة قلم کما فعل بعضهم ، کما لا یمکن دمجها فی عالم واحد کعالم الملکوت أو الخزائن کما فعل صاحب المیزان(رحمه الله)بل هی عوالم متعددة قد تصل إلی عشرة عوالم ، نذکر منها:

عالم الأنوار الأولی: أو عالم الاشباح ، وهو أول ظلال أو فی خلقه الله تعالی من نور عظمته ، وهو نور نبینا وآله صلی الله علیه وعلیهم .

عالم الأظلة: الذی تم فیه خلق جمیع الناس وتعارفهم .

عالم الذر ، الذی أخذ فیه المیثاق علی الناس ، وتدل الأحادیث علی أنه نفس عالم الأظلة أو مرتبط به بنحو من الإرتباط .

عالم الطینة ، التی خلق منها الناس .

وذکرت أحادیث أخری أن خلق الأرواح تم قبل خلق الاجساد . . الخ .

کما ذکرت الآیات والأحادیث عوالم أخری مثل قوله تعالی : هَلْ أَتَی عَلَی الإنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُوراً . أی کان فی ذلک الحین شیئاً ، ولکنه غیر مذکور ، کما ورد فی الروایة عن الإمام الباقر(علیه السّلام).

وهذه العوالم کلها من عالم الملکوت ومن خزائن ملکه تعالی ، ولکنها لیست نفس عالم الملکوت ولا الخزائن .

وقد تقدم عدد من روایات العوالم الأربعة الأولی ، ونورد فیما یلی عدداً آخر ، وبعضها نص علی أن عالم الذر هو عالم الأظلة .

من روایات عالم الأشباح ( ظلال النور )

الأصول الستة عشر/15: (عباد عن عمرو ، عن أبی حمزة قال: سمعت علی بن الحسین(علیه السّلام)یقول: إن الله خلق محمداً وعلیاً وأحد عشر من ولده من نور عظمته

ص: 65

، فأقامهم أشباحاً فی ضیاء نوره یعبدونه قبل خلق الخلق ، یسبحون الله ویقدسونه ، وهم الأئمة من ولد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ورواه الکلینی فی الکافی:530/1 ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسین ، عن أبی سعید العصفوری ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبی حمزة . . . کما فی الأصول الستة عشر .

الکافی:442/1 : (الحسین ( عن محمد ) بن عبد الله ، بن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن جابر بن یزید قال: قال لی أبو جعفر(علیه السّلام): یا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعترته الهداة المهتدین ، فکانوا أشباح نور بین یدی الله ، قلت: وما الأشباح ؟ قال: ظل النور ، أبدان نورانیة بلا أرواح ، وکان مؤیداً بروح واحدة وهی روح القدس ، فبه کان یعبد الله وعترته ، ولذلک خلقهم حلماء علماء بررة أصفیاء ، یعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبیح والتهلیل ، ویصلون الصلوات ویحجون ویصومون. انتهی. ورواه البحرانی فی حلیة الأبرار:19/1

علل الشرائع:208/1: (حدثنا إبراهیم بن هارون الهاشمی قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبی الثلج قال: حدثنا عیسی بن مهران قال: حدثنا منذر الشراک قال: حدثنا إسماعیل بن علیة قال: أخبرنی أسلم بن میسرة العجلی ، عن أنس بن مالک ، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله عز وجل خلقنی وعلیاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق الدنیا بسبعة آلاف عام. قلت فأین کنتم یا رسول الله ؟ قال: قدام العرش نسبح الله تعالی ونحمده ونقدسه ونمجده. قلت: علی أی مثال ؟ قال: أشباح نور ، حتی إذا أراد الله عز وجل أن یخلق صورنا صیرنا عمود نور ، ثم قذفنا فی صلب آدم ، ثم أخرجنا إلی أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ،

ص: 66

ولا یصیبنا نجس الشرک ولا سفاح الکفر ، یسعد بنا قوم ویشقی بنا آخرون ، فلما صیرنا إلی صلب عبد المطلب أخرج ذلک النور فشقه نصفین فجعل نصفه فی عبد الله ونصفه فی أبی طالب ، ثم أخرج النصف الذی لی إلی آمنة والنصف إلی فاطمة بنت أسد فأخرجتنی آمنة وأخرجت فاطمة علیاً ، ثم أعاد عز وجل العمود إلی فخرجت منی فاطمة ، ثم أعاد عز وجل العمود إلی علی فخرج منه الحسن والحسین - یعنی من النصفین جمیعاً - فما کان من نور علی فصار فی ولد الحسن ، وما کان من نوری صار فی ولد الحسین ، فهو ینتقل فی الأئمة من ولده إلی یوم القیامة .

شرح الأخبار:6/3: (صفوان الجمال قال: دخلت

علی أبی عبدالله جعفر بن محمد(علیه السّلام)وهو یقرأ هذه الآیة: فَتَلَقَّیءادَمُ مِن رَّبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ. ثم التفت إلی فقال: یا صفوان إن الله تعالی ألهم آدم(علیه السّلام)أن یرمی بطرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمسة أشباح من نور یسبحون الله ویقدسونه ، فقال آدم: یا رب من هؤلاء ؟ قال: یا آدم صفوتی من خلقی ، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، خلقت الجنة لهم ولمن والاهم ، والنار لمن عاداهم. لو أن عبداً من عبادی أتی بذنوب کالجبال الرواسی ثم توسل إلیّ بحق هؤلاء لعفوت له .

فلما أن وقع آدم فی الخطیئة قال: یا رب بحق هؤلاء الأشباح اغفر لی ، فأوحی الله عز وجل إلیه: إنک توسلت إلی بصفوتی وقد عفوت لک. قال آدم: یا رب بالمغفرة التی غفرت إلا أخبرتنی من هم ؟ فأوحی الله إلیه: یا آدم هؤلاء خمسة من ولدک ، لعظیم حقهم عندی اشتققت لهم خمسة أسماء من أسمائی ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا الأعلی وهذا علی ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا

ص: 67

المحسن وهذا الحسن ، وأنا الإحسان وهذا الحسین .

شرح الأخبار:514/3: (عن عبدالقادر بن أبی صالح ، عن هبة الله بن موسی ، عن هناد بن إبراهیم ، عن الحسن بن محمد ، عن محمد بن فرحان ، عن محمد بن یزید ، عن اللیث بن سعد ، عن العلاء بن عبدالرحمان ، عن أبیه ، عن أبی هریرة ، عن النبی (علیهماالسّلام):

أنه لما خلق الله تعالی آدم أبا البشر ونفخ فیه من روحه التفت آدم یمنة العرش فإذا فی النور خمسة أشباح . . . الحدیث .

شرح الأخبار:2/500: (أحمد بن محمد بن عیسی المصری ، بإسناده عن أبی هریرة قال: سمعت رسول الله (علیهماالسّلام) یقول: لما خلق الله عز وجل آدم (علیه السّلام) ونفخ فیه من روحه ، نظر آدم (علیه السّلام) یمنة العرش ، فإذا من النور خمسة أشباح علی صورته رکعاً سجداً فقال: یا رب هل خلقت أحداً من البشر قبلی ؟ قال: لا. قال: فمن هؤلاء الذین أراهم علی هیئتی وعلی صورتی ؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدک ، لولاهم ما خلقتک ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الکرسی ولا السماء ولا الأرض ولا الملائکة ولا الإنس ولا الجن ، هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائی ، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا الأعلی وهذا علی ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا حسن ، وأنا المحسن وهذا الحسین... .

تحف العقول/163:

-... بل اشتقاق الحقیقة والمعنی من اسمه تعالی کما جاء فی حدیث المعراج: إن الله تعالی قال لی: یا محمد اشتققت لک إسماً من أسمائی فأنا المحمود وأنت محمد ، واشتققت لعلی إسماً من أسمائی فأنا الأعلی وهو علی ، وهکذا فاطمة والحسن والحسین(علیهم السّلام) فکلهم أشباح نور من نوره تعالی جل اسمه .

ص: 68

کفایة الاثر/70: (قال هارون: حدثنا حیدر بن محمد بن نعیم السمرقندی ، قال حدثنی أبوالنصر محمد بن مسعود العیاشی ، عن یوسف بن المشحت البصری ، قال حدثنا إسحق بن الحارث ، قال حدثنا محمد بن البشار ، عن محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ، عن هشام بن یزید ، عن أنس بن مالک قال: کنت أنا وأبوذر وسلمان وزید بن ثابت وزید بن أرقم عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودخل الحسن والحسین (علیهماالسّلام) فقبلهما رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقام أبوذر فانکب علیهما وقبل أیدیهما ، ثم رجع فقعد معنا ، فقلنا له سراً: أرأیت رجلاً شیخاً من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقوم إلی صبیین من بنی هاشم فینکب علیهما ویقبل أیدیهما ؟ فقال: نعم ، لو سمعتم ما سمعت فیهما من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لفعلتم بهما أکثر مما فعلت. قلنا: وماذا سمعت یا أباذر ؟ قال: سمعته یقول لعلی ولهما: یا علی والله لو أن رجلاً صلی وصام حتی یصیر کالشن البالی إذاً ما نفعه صلاته وصومه إلا بحبکم ، یا علی من توسل إلی الله بحبکم فحق علی الله أن لا یرده ، یا علی من أحبکم وتمسک بکم فقد تمسک بالعروة الوثقی. قال: ثم قام أبوذر وخرج ، وتقدمنا إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقلنا: یا رسول الله أخبرنا أبوذر عنک بکیت وکیت .

قال: صدق أبوذر ، صدق والله ، ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر. ثم قال: خلقنی الله تبارک وتعالی وأهل بیتی من نور واحد قبل أن

یخلق آدم بسبعة آلاف عام ، ثم نقلنا إلی صلب آدم ، ثم نقلنا من صلبه فی أصلاب الطاهرین إلی أرحام الطاهرات ، فقلت: یا رسول الله فأین کنتم وعلی أی مثال کنتم ؟ قال: کنا أشباحاً من نور تحت العرش نسبح الله تعالی ونمجده ، ثم قال: لما عرج بی إلی السماء وبلغت سدرة المنتهی ودعنی جبرئیل

ص: 69

(علیه السّلام)فقلت:حبیبی جبرئیل أفی هذا المقام تفارقنی ؟ فقال: یا محمد إنی لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتی .

ثم زج بی فی النور ما شاء الله ، فأوحی الله إلی: یا محمد إنی اطلعت إلی الأرض اطلاعة فاخترتک منها فجعلتک نبیاً ، ثم اطلعت ثانیاً فاخترت منها علیاً فجعلته وصیک ووارث علمک والإمام بعدک ، وأخرج من أصلابکما الذریة الطاهرة والأئمة المعصومین خزان علمی ، فلولاکم ما خلقت الدنیا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار. یا محمد أتحب أن تراهم قلت: نعم یا رب ، فنودیت: یا محمد إرفع رأسک ، فرفعت رأسی فإذا أنا بأنوار علی والحسن والحسین وعلی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد وموسی بن جعفر وعلی بن موسی ومحمد بن علی وعلی بن محمد والحسن بن علی ، والحجة یتلألأ من بینهم کأنه کوکب دری ، فقلت: یا رب من هؤلاء ، ومن هذا ؟ قال: یا محمد هم الأئمة بعدک المطهرون من صلبک ، وهو الحجة الذی یملا الأرض قسطاً وعدلاً ویشفی صدور قوم مؤمنین .

قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت یا رسول الله لقد قلت عجباً. فقال(علیه السّلام): وأعجب من هذا أن قوماً یسمعون منی هذا ثم یرجعون علی أعقابهم بعد إذ هداهم الله ، ویؤذونی فیهم ، لا أنالهم الله شفاعتی .

بصائر الدرجات/83: (أحمد بن محمد ویعقوب بن یزید ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبی جمیلة ، عن محمد بن الحلبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله مثَّل لی أمتی فی الطین وعلمنی أسماءهم کلها ، کما علم آدم الأسماء کلها ، فمر بی أصحاب الرایات فاستغفرت لعلی وشیعته ، إن ربی

ص: 70

وعدنی فی شیعة علی خصلة ، قیل یا رسول الله وما هی ؟ قال المغفرة منهم لمن آمن واتقی ، لا یغادر منهم صغیرة ولا کبیرة ، ولهم تبدل السیئات حسنات .

الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل عن أبی عبد الله(علیه السّلام): أن بعض قریش قال لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بأی شئ سبقت الأنبیاء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال: إنی کنت أول من أقر بربی وأول من أجاب ، حیث أخذ الله میثاق النبیین وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، وکنت أنا أول نبی قال بلی ، فسبقتهم بالإقرار بالله .

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن النعمی ، عن ابن مسکان ، عن عبدالرحیم القصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أمتی عرضت علیَّ عند المیثاق ، وکان أول من آمن وصدقنی علی ، وکان أول من آمن بی وصدقنی حیث بعثت فهو الصدیق الأکبر .

حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی الجارود ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات یوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقنی إخوانی مرتین، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانک یا رسول ؟ فقال: لا ، إنکم أصحابی ، وإخوانی قوم من آخر الزمان آمنوا بی ولم یرونی ، لقد عرفنیهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن یخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقیة علی دینه من خرط القتاد فی اللیلة الظلماء ، أو کالقابض علی جمر الغضا. أولئک مصابیح الدجی ، ینجیهم الله من کل فتنة غبراء مظلمة. انتهی. وروایات البصائر هذه لیس فیها تصریح بعالم الأظلة أو الأشباح ، لکن یصح حملها علیه بالقرائن .

ص: 71

من روایات عالم الاظلة

الإعتقادات للصدوق/26: (وقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناکر منها اختلف. وقال الصادق(علیه السّلام): إن الله آخی بین الأرواح فی الأظلة قبل أن یخلق الأبدان بألفی عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البیت لورَّث الأخ الذی آخا بینهما فی الأظلة ، ولم یورث الأخ من الولادة. انتهی. ورواه فی الفقیه:352/4 ، ورواه فی بحار الأنوار:249/6 ، ورواه الصدوق فی الخصال/169 ، قال:حدثنا علی بن أحمد بن موسی (رض) قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوی قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمران البرقی قال: حدثنا محمد بن علی الهمدانی ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی عبدالله وأبی الحسن (علیهماالسّلام) قالا: لو قد قام القائم لحکم بثلاث لم یحکم بها أحد قبله: یقتل الشیخ الزانی ، ویقتل مانع الزکاة ، ویورث الأخ أخاه فی الأظلة .

الکافی:441/1: (علی بن محمد ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن علی بن إبراهیم ، عن علی بن حماد ، عن المفضل قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): کیف کنتم حیث کنتم فی الاظلة ؟ فقال: یا مفضل کنا عند ربنا لیس عنده أحد غیرنا ، فی ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده ، وما من ملک مقرب ولا ذی روح غیرنا ، حتی بدا له فی خلق الأشیاء ، فخلق ما شاء کیف شاء من الملائکة وغیرهم ، ثم أنهی علم ذلک إلینا. انتهی. والمقصود بقوله(علیه السّلام): ثم أنهی علم ذلک إلینا ، شبیه قوله تعالی: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمآءَ کُلَّهَا .

الکافی:436/1: (محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفری ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)وعن عقبة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إن الله خلق ، فخلق ما أحب مما أحب

ص: 72

، وکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق ما أبغض مما أبغض ، وکان ما أبغض أن خلقه من طینة النار ، ثم بعثهم فی الظلال. فقلت: وأی شئ الظلال ؟ قال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ، ثم بعث الله فیهم النبیین یدعونهم إلی الإقرار بالله وهو قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللهُ . ثم دعاهم إلی الإقرار بالنبیین ، فأقر بعضهم وأنکر بعضهم، ثم دعاهم إلی ولایتنا فأقر بها والله من أحب وأنکرها من أبغض ، وهو قوله: فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ. ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): کان التکذیب ثَمَّ. انتهی.

ورواه فی الکافی:10/2: عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفی وعقبة ، جمیعاً عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال... ورواه فی علل الشرائع:1/118 ، رواه فی بصائر الدرجات /80 ، وفیه ( کان التکذیب ثمت ) .

الکافی:8/2: (حدثنی علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن فضال ، عن حفص المؤذن ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، وعن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه کتب بهذه الرسالة إلی أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فیها وتعاهدها والعمل بها ، فکانوا یضعونها فی مساجد بیوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فیها .

قال: وحدثنی الحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن مالک الکوفی ، عن القاسم بن الربیع الصحاف ، عن إسماعیل بن مخلد السراج ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: خرجت هذه الرسالة من أبی عبد الله (علیه السّلام) إلی أصحابه:

بسم الله الرحمن الرحیم

أما بعد ، فاسألوا ربکم

ص: 73

العافیة ، وعلیکم بالدعة والوقار والسکینة ، وعلیکم بالحیاء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلکم ، وعلیکم بمجاملة أهل الباطل... .

وإیاکم وما نهاکم الله عنه أن ترکبوه ، وعلیکم بالصمت إلا فیما ینفعکم الله به من أمر آخرتکم ویأجرکم علیه.. وعلیکم بالدعاء ، فإن المسلمین لم یدرکوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إلیه... .

فاتقوا الله أیتها العصابة الناجیة أن أتم الله لکم ما أعطاکم ، فإنه لا یتم الأمر حتی یدخل علیکم مثل الذی دخل علی الصالحین قبلکم... .

واعلموا أنه لیس من علم الله ولا من أمره أن یأخذ أحد من خلق الله فی دینه بهوی ولا رأی ولا مقائیس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فیه تبیان کل شئ ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً لا یسع أهل علم القرآن الذین آتاهم الله علمه أن یأخذوا فیه بهوی لا رأی ولا مقائیس ، أغناهم الله عن ذلک بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم ، کرامة من الله أکرمهم بها ، وهم أهل الذکر الذین أمر الله هذه الأمة بسؤالهم ، وهم الذین من سألهم - وقد سبق فی علم الله أن یصدقهم ویتبع أثرهم - أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما یهتدی به إلی الله بإذنه ، وإلی جمیع سبل الحق ، وهم الذین لا یرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذی أکرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق علیه فی علم الله الشقاء فی أصل الخلق تحت الاظلة ،فأولئک الذین یرغبون عن سؤال أهل الذکر والذین آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم ، وأولئک الذین یأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائیسهم حتی دخلهم الشیطان... .

الأصول الستة عشر/63: (جابر قال سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن تفسیر هذه الآیة ، عن

ص: 74

قول الله عز وجل: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لاسْقَیْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ، یعنی لو أنهم استقاموا علی الولایة فی الأصل تحت الأظلة ، حین أخذ الله میثاق ذریة آدم ، لاسقیناهم ماء غدقاً: یعنی لأسقینا أظلتهم الماء العذب الفرات .

تفسیر القمی:391/2: (أخبرنا أحمد بن إدریس قال: حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن القاسم بن سلیمان ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر(علیه السّلام) یقول فی هذه الآیة: وأن لو استقاموا علی الطریقة لاسقیناهم ماء غدقاً: یعنی من جری فیه شئ من شرک الشیطان. علی الطریقة: یعنی علی الولایة فی الأصل عند الأظلة ، حین أخذ الله میثاق ذریة آدم. انتهی. ونحوه فی تفسیر نور الثقلین:438/5

بصائر الدرجات/73: (حدثنا أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیره ، عن أبی بکر الحضرمی ، عن حذیفة بن أسید الغفار ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما تکاملت النبوة لنبی فی الأظلة حتی عرضت علیه ولایتی وولایة أهل بیتی ، ومثلوا له ، فأقروا بطاعتهم وولایتهم .

تفسیر العیاشی:126/2: (عن زرارة وحمران ، عن أبی جعفر وأبی عبدالله (علیهماالسّلام) قالا: إن الله خلق الخلق وهی أظلة ، فأرسل رسوله محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فمنهم من آمن به ومنهم من کذبه ، ثم بعثه فی الخلق الآخر فآمن به من کان آمن فی الأظلة ، وجحده من جحد به یومئذ ، فقال: ما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل .

تفسیر فرات الکوفی/147:

( فرات قال: حدثنی عثمان بن محمد معنعناً: عن أبی خدیجة قال: قال محمد بن

ص: 75

علی (علیهماالسّلام): لو علم الناس متی سمی علی أمیر المؤمنین ما اختلف فیه اثنان.

قال: قلت: متی ؟ قال فقال لی: فی الأظلة حین أخذ الله من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا: بلی. محمد نبیکم ، علی أمیر المؤمنین ولیکم . )

الایضاح لابن شاذان/106: (( . . . فوالله ما الحق إلا واضح بیِّن منیر ، وما الباطل إلا مظلم کدر ، وقد عرفتم موضعه ومستقره ، إلا أن المیثاق قد تقدم فی الاظلة بالسعادة والشقاوة ، وقد بین الله جل ذکره لنا ذلک بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ) .

شرح الأسماء الحسنی:1/166: ( قد عرف النور بأنه الظاهر بذاته المظهر لغیره وهو القدر المشترک بین جمیع مراتبه من الضوء وضوء الضوء والظل وظل الظل ، فی کل بحسبه وهذا المعنی حق حقیقة الوجود ، إذ کما أنها الموجودة بذاتها وبها توجد المهیات المعدومة بذواتها بل لا موجودة ولا معدومة ، کذلک تلک الحقیقة ظاهرة بذاتها مظهرة لغیرها من الأعیان ، والمهیات المظلمة بذواتها بل لا مظلمة ولا نوریة ، فمراتب الوجود من الحقایق والرقایق والأرواح والأشباح والأشعة والأظلة کلها أنوار لتحقق هذا المعنی فیها ، حتی فی الأشباح المادیة وأظلال الأظلال. انتهی .

ویدل النص التالی علی أن حدیث عالم الظلال کان معروفاً فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ثم غاب من بعده کما غابت أحادیث کثیرة فی فضائله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والسبب فی ذلک أن هذه الأحادیث فیها ذکر فضل بنی هاشم وبنی عبد المطلب وفضل علی وفاطمة والأئمة الإثنی عشر الموعودین فی هذه الأمة ! وقد عتموا علیها ما استطاعوا ! وما

ص: 76

رووه منها من فضائل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جردوه من فضائل أهل بیته وعترته إلا ما أفلت منها ، وما رواه أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم ! )

قال فی کنز العمال:427/12: ( عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداک أبی وأمی أین کنت وآدم فی الجنة ؟ فتبسم حتی بدت نواجذه ثم قال: کنت فی صلبه

ورکب بی السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذف بی فی صلب أبی إبراهیم ، لم یلتق أبوای قط علی سفاح ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الحسنة إلی الأرحام الطاهرة مصفی مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، قد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام عهدی ، ونشر فی التوراة والإنجیل ذکری ، وبین کل نبی صفتی ، تشرق الأرض بنوری والغمام لوجهی ، وعلمنی کتابه ، ورقی بی فی سمائه وشق لی اسماً من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض والکوثر ، وأن یجعلنی أول مشفع ، ثم أخرجنی من خیر قرن لأمتی وهم الحمادون ، یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر .

قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت فی النبی (ص):

من قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یُخْصَف الورقُ

ثم سکنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفةٌ ولا علقُ

مطهرٌ ترکب السفین وقد

ألجمَ أهل الضلالة الغرق

تُنقل من صلب إلی رحم إذا

مضی عالم بدا طبق

فقال النبی (ص): یرحم الله حساناً ! فقال علی بن أبی طالب: وجبت الجنة لحسان ورب الکعبة. کر ، وقال: هذا حدیث غریب جداً ، والمحفوظ أن هذه الأبیات للعباس. انتهی. ولکن نسبة هذه الأبیات إلی حسان أولی ، فهی تشبه شعره إلی

ص: 77

حد کبیر ، ولم یعهد فی التاریخ شعر للعباس عم النبی ، کما عهد لعمه أبی طالب(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ورواه فی مجمع الزوائد للعباس فی:217/8 ، وقال: رواه الطبرانی وفیهم من لم أعرفهم ، قال:

وعن خریم بن أوس بن جاریة بن لام قال: کنا عند النبی(ص)فقال له العباس بن عبدالمطلب: یا رسول الله إنی أرید أن أمدحک ، فقال له (ص): هات لا یفضض الله فاک ، فأنشأ یقول:

قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة ترکب السفین وقد

ألجم نسراً وأهله الغرق

تنقل من صالب إلی رحم

إذا مضی عالم بدا طبق

حتی احتوی بیتک المهیمن

من خندف علیاء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأ

رض وضاءت بنورک الأفق

فنحن فی ذلک الضیاء وفی

النور سبل الرشاد نخترق

وروی نحوه فی مناقب آل ابی طالب:27/1

وفی مناقب آل ابی طالب:17/2:

أشباحکم کن فی بدو الظلال له

دون البریة خداماً وحجابا

وأنتمُ الکلمات اللای لقنها

جبریل آدم عند الذنب إذ تابا

وأنتمُ قبلة الدین التی جعلت

للقاصدین إلی الرحمن محرابا

وقد روی إخواننا السنة أحادیث کثیرة وصححوا عدداً منها تنص علی أن خلق النبی ونبوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد تما قبل خلق آدم(علیه السّلام)ولکنها مجردة عن فضل أهل بیته ، ففی مسند أحمد:127/4: (الکلبی عن عبد الله بن هلال السلمی ، عن عرباض بن

ص: 78

ساریة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی عبد الله لخاتم النبیین وإن آدم(علیه السّلام)لمنجدل فی طینته ، وسأنبئکم بأول ذلک: دعوة أبی إبراهیم ، وبشارة عیسی بی ، ورؤیا أمی التی رأت ، وکذلک أمهات النبیین یَرَیْنَ. انتهی. ورواه فی مستدرک الحاکم:418/2 وص600 فی/608 وزاد فیه: ( وإن أم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأت حین وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام ، ثم تلا: یا أیها النبی یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَنَذِیرًا وَدَاعِیًا إلی اللهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُنِیرًا. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

ورواه فی مجمع الزوائد:223/8 تحت عنوان: باب قدم نبوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما فی الحاکم وقال ( رواه أحمد بأسانید ، والبزار ، والطبرانی بنحوه ، وقال: سأحدثکم بتأویل ذلک: دعوة إبراهیم دعا ، وابعث فیهم رسولاً منهم ، وبشارة عیسی بن مریم قوله ، ومبشراً برسول یأتی من بعدی إسمه أحمد ، ورؤیا أمی التی رأت فی منامها أنها وضعت نوراً أضاءت منه قصور الشام. وأحد أسانید أحمد رجاله رجال الصحیح غیر سعید بن سوید وقد وثقه ابن حبان .

وعن میسرة العجر قال قلت یا رسول الله متی کتبت نبیاً ؟ قال: وآدم بین الروح والجسد. رواه أحمد والطبرانی ورجاله رجال الصحیح.

وعن عبدالله بن شقیق عن رجل قال قلت یا رسول الله متی جعلت نبیاً ؟ قال: وآدم بین الروح والجسد. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

وعن ابن عباس قال: قیل یا رسول الله متی کتبت نبیاً ؟ قال وآدم بین الروح والجسد. رواه الطبرانی فی الأوسط والبزار ، وفیه جابر بن یزید الجعفی وهو ضعیف.

وعن أبی مریم قال أقبل أعرابی حتی أتی النبی(ص)وعنده خلق من الناس فقال:

ص: 79

ألا تعطینی شیئاً أتعلمه وأحمله وینفعنی ولا یضرک، فقال الناس مه أجلس ، فقال النبی(ص)دعوه فإنما یسأل الرجل لیعلم ، فأفرجوا له حتی جلس ، فقال: أی شئ کان أول نبوتک ؟ قال: أخذ المیثاق کما أخذ من النبیین ، ثم تلا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِیِّینَ مِیثَاقَهُمْ وَ مِنْکَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْرَاهِیمَ وَ مُوسَی وَ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ وَ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِیثَاقًا غَلِیظًا ، وبشری المسیح عیسی بن مریم ، ورأت أم رسول الله (ص)فی منامها أنه خرج من بین رجلیها سراج أضاءت له قصور الشام .

فقال الأعرابی هاه وأدنی منه رأسه وکان فی سمعه شئ ، فقال النبی(ص)ووراء ذلک. رواه الطبرانی ورجاله وثقوا .

وروی أحادیثه فی کنز العمال:409/11 وقال فی مصادرها: ( ابن سعد ، حل - عن میسرة الفجر ، ابن سعد - عن ابن أبی الجدعاء ، طب - عن ابن عباس ). وقال فی هامشه: أخرجه الترمذی کتاب المناقب باب فضل البنی(ص)رقم( 3609 ) وقال: حسن صحیح غریب .

وفی:418/11 وص 449 وص 450 ، وقال فی مصادره ( حم ، طب ، ک ، حل ، هب - عن عرباض بن ساریة ) . ( حم وابن سعد ، طب ، ک ، حل هب - عن عرباض بن ساریة ) ( ابن سعد - عن مطرف بن عبدالله بن الشخیر ) ( ابن سعد - عن عبدالله بن شقیق عن أبیه أبی الجدعاء ، ابن قانع - عن عبدالله بن شقیق عن أبیه ، طب - عن ابن عباس ، ابن سعد - عن میسرة الفجر ) ( ابن عساکر - عن أبی هریرة )

ورواها السیوطی عن المصادر المتقدمة وغیرها فی الدر المنثور:139/1 وج 184/5 وص 207 وج 213/6 .

وروی إخواننا کذلک أحادیث متعددة عن اختیار الله تعالی لبنی هاشم تؤید هذه

ص: 80

الأحادیث ، ولیس هذا مقام الکلام فیها .

من روایات عالم طینة الخلق

مجمع الزوائد:9/128: (وعن بریدة قال: بعث رسول الله(ص)علیاً أمیراً علی الیمن ، وبعث خالد بن الولید علی الجبل ، فقال: إن اجتمعتما فعلی علی الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم یصیبوا مثله ، وأخذ علیٌّ جاریةً من الخمس ، فدعا خالد ابن الولید بریدة فقال: إغتنمها فأخبر

النبی(ص)ما صنع !

فقدمت المدینة ودخلت المسجد ورسول الله(ص)فی منزله ، وناس من أصحابه علی بابه ، فقالوا: ما الخبر یا بریدة ؟

فقلت: خیراً فتح الله علی المسلمین. فقالوا: ما أقدمک ؟ قلت: جاریة أخذها علی من الخمس ! فجئت لاخبر النبی(ص).

فقالوا: فأخبر النبی(ص)فإنه یسقط من عین النبی(ص)! ورسول الله(ص)یسمع الکلام ، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ینتقصون علیاً ! من تنقص علیاً فقد تنقصنی ، ومن فارق علیاً فقد فارقنی. إن علیاً منی وأنا منه ، خلق من طینتی وخلقت من طینة إبراهیم ، وأنا أفضل من إبراهیم ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم . یا بریدة أما علمت أن لعلی أکثر من الجاریة التی أخذ ، وأنه ولیکم بعدی ! فقلت: یا رسول الله بالصحبة إلا بسطت یدک فبایعتنی علی الإسلام جدیداً ! قال: فما فارقته حتی بایعته علی الإسلام. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه جماعة لم أعرفهم وحسین الأشقر ضعفه الجمهور ، ووثقه ابن حبان .

مجمع الزوائد:208/5: (وعن جابر - قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله ، فلما نظر إلی رسول الله حجل إعظاماً لرسول الله(ص)فقبل رسول الله

ص: 81

بین عینیه ، وقال له: یا حبیبی أنت أشبه الناس بخلقی وخلقی ، وخلقت من الطینة التی خلقت منها ، یا حبیبی حدثنی عن بعض عجائب أهل الحبشة. قال: نعم بأبی أنت وأمی یا رسول الله ، بینا أنا قائم فی بعض طرقها إذ أنا بعجوز علی رأسها مکیل ، وأقبل شاب یرکض علی فرس فزحمها وألقی المکیل عن رأسها ، واستوت قائمة وأتبعته البصر وهی تقول: الویل لک غداً إذا جلس الملک علی کرسیه فاقتص للمظلوم من الظالم ! قال جابر: فنظر إلی رسول الله(ص)وهو یقول: لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غیر متعتع. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه مکی بن عبد الله الرعینی وهو ضعیف. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:272/9 ، وروی أیضاً:

وعن أسامة بن زید أن النبی(ص)قال لجعفر: خلقک کخلقی وأشبه خلقی خلفک فأنت منی ، وأنت یا علی فمنی وأبو ولدی. رواه الطبرانی عن شیخه أحمد بن عبدالرحمن بن عفال وهو ضعیف .

کنز العمال:662/11: (خلق الناس من أشجار شتی ، وخلقت أنا وجعفر من طینة واحدة. ابن عساکر عن وهب بن جعفر بن محمد عن أبیه مرسلاً ، ووهب کان یضع الحدیث .

مسند جابر بن عبدالله ، عن مکی بن عبدالله الرعینی ، ثنا سفیان بن عیینة ، عن ابن الزبیر ، عن جابر قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله ، فلما نظر جعفر إلی رسول الله حجل إعظاماً منه لرسول الله(ص)، فقبل رسول الله بین عینیه وقال: یا حبیبی ! أنت أشبه الناس بخلقی وخلقی وخلقت من الطینة التی خلقت منها یا حبیبی. عق ، وأبو نعیم ، قال عق غیر محفوظ ، وقال فی المیزان: مکی له مناکیر ، وقال فی المغنی: تفرد عن ابن عیینة بحدیث عب. انتهی. ورواه

ص: 82

فی کنز العمال:662/11، بعدة روایات فی بعضها من طینتی وفی بعضها من شجرتی.

الکافی:2/2: (علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن حماد بن عیسی ، عن ربعی بن عبد الله عن رجل، عن علی بن الحسین (علیهماالسّلام) قال: إن الله عز وجل خلق النبیین من طینة علیین: قلوبهم وأبدانهم ، وخلق قلوب المؤمنین من تلک الطینة و ( جعل ) خلق أبدان المؤمنین من دون ذلک وخلق الکفار من طینة سجین ، قلوبهم وأبدانهم ، فخلط بین الطینتین ، فمن هذا یلد المؤمن الکافر ویلد الکافر المؤمن ، ومن هاهنا یصیب المؤمن السیئة ، ومن هاهنا یصیب الکافر الحسنة. فقلوب المؤمنین تحن إلی ما خلقوا منه وقلوب الکافرین تحن إلی ما خلقوا منه. انتهی. ورواه فی علل الشرائع:82/1 وروی فی/116: محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعیب ، عن عبدالغفار الجازی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طینة الجنة وخلق الکافر من طینة النار. وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خیراً طیب روحه وجسده فلا یسمع شیئاً من الخیر إلا عرفه ولا یسمع شیئاً من المنکر إلا أنکره .

قال وسمعته یقول: الطینات ثلاث: طینة الأنبیاء والمؤمن من تلک الطینة إلا أن الأنبیاء هم من صفوتها ، هم الأصل ولهم فضلهم ، والمؤمنون الفرع من طین لازب ، کذلک لا یفرق الله عز وجل بینهم وبین شیعتهم. وقال: طینة الناصب من حمأ مسنون ، وأما المستضعفون فمن تراب ، لا یتحول مؤمن عن إیمانه ولا ناصب عن نصبه ، ولله المشیئة فیهم .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل قال: قلت لابی

ص: 83

عبد الله(علیه السّلام): جعلت فداک من أی شئ خلق الله عزوجل طینة المؤمن ؟ فقال: من طینة الأنبیاء ، فلم تنجس أبداً .

محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد بن محمد وغیره ، عن محمد بن خلف ، عن أبی نهشل قال: حدثنی محمد بن إسماعیل ، عن أبی حمزة الثمالی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: إن الله عز وجل خلقنا من أعلی علیین ، وخلق قلوب شیعتنا مما خلقنا منه ، وخلق أبدانهم من دون ذلک ، وقلوبهم تهوی إلینا لأنها خلقت مما خلقنا منه ، ثم تلا هذه الآیة: کَلاَّ إِنَّ کِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَمَا أَدْرَاکَ مَا عِلِّیُّونَ .کتاب مرقوم یشهده المقربون. وخلق عدونا من سجین ، وخلق قلوب شیعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلک ، فقلوبهم تهوی إلیهم ، لأنها خلقت مما خلقوا منه ، ثم تلا هذه الآیة: کَلاَّ إِنَّ کِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَمَا أَدْرَاکَ مَا سِجِّینٌ کِتَابٌ مَرْقُومٌ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ . انتهی. ورواه فی علل الشرائع: 116/1

الکافی:389/1: (أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عیسی بن عبید ، عن محمد بن شعیب ، عن عمران بن إسحاق الزعفرانی ، عن محمد بن مروان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سمعته یقول: إن الله خلقنا من نور عظمته ، ثم صور خلقنا من طینة مخزونة مکنونة من تحت العرش ، فأسکن ذلک النور فیه ، فکنا نحن خلقاً وبشراً نورانیین لم یجعل لاحد فی مثل الذی خلقنا منه نصیباً ، وخلق أرواح شیعتنا من طینتنا وأبدانهم من طینة مخزونة مکنونة أسفل من تلک الطینة . . . الحدیث .

الکافی:402/1: (أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسین ، عن منصور بن العباس ، عن صفوان بن یحیی ، عن عبد الله بن مسکان ، عن محمد بن عبد الخالق وأبی

ص: 84

بصیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): یا أبا محمد . . . وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله أمرنا الله بتبلیغه ، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبلیغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة یحتملونه حتی خلق الله لذلک أقواماً ، خلقوا من طینة خلق منها محمد وآله وذریته(علیهم السّلام) ومن نور خلق الله منه محمداً وذریته ، وصنعهم بفضل صنع رحمته التی صنع منها محمداً وذریته ، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبلیغه فقبلوه واحتملوا ذلک ، وبلغهم ذکرنا فمالت قلوبهم إلی معرفتنا وحدیثنا ، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما کانوا کذلک ، لا والله ما احتملوه . . . الحدیث .

من آیات وروایات عالم الملکوت

قال تعالی: أَوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِیرٌ مُبِینٌ أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ . الاعراف 184-185

وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ الْلَیْلُ رَآ کَوْکَبًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِینَ . فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ . الأنعام : 75 - 77

قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ وَهُوَ یُجِیرُ وَلا یُجَارُ عَلَیْهِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَیَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّی تُسْحَرُونَ . المؤمنون : 88 - 89

فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . یس : 83

نهج البلاغة:162/1: (. . . هو القادر الذی إذا ارتمت الأوهام لتدرک منقطع قدرته، وحاول الفکر المبرأ من خطرات الوساوس أن یقع علیه فی عمیقات غیوب

ص: 85

ملکوته، وتولهت القلوب إلیه لتجری فی کیفیة صفاته ، وغمضت مداخل العقول فی حیث لا تبلغه ... .

نهج البلاغة:163/1: (وأرانا من ملکوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حکمته ، واعتراف الحاجة من الخلق إلی أن یقیمها بمساک قدرته ، ما دلنا باضطرار قیام الحجة . . .

نهج البلاغة:168/1: (ثم خلق سبحانه لاسکان سماواته ، وعمارة الصفیح الأعلی من ملکوته ، خلقاً بدیعاً من ملائکته ملا بهم فروج فجاجها ، وحشی بهم فتوق أجوائها . وبین فجوات تلک الفروج زجل المسبحین منهم فی حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد. ووراء ذلک الرجیج الذی تستک منه الأسماع . . . .

نهج البلاغة:45/2: (الحمد لله الذی انحسرت الأوصاف عن کنه معرفته ، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلی بلوغ غایة ملکوته... .

مستدرک الوسائل:185/11: (الآمدی فی الغرر ، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: التفکر فی ملکوت السماوات والأرض عبادة المخلصین .

الکافی:35/1: (عن حفص بن غیاث قال: قال لی أبوعبدالله(علیه السّلام): من تعلم العلم وعمل به وعلم لله، دعی فی ملکوت السماوات عظیماً، فقیل: تعلم لله واعمل لله وعلم لله. انتهی .

وروی نحوه فی کنز العمال:164/10 وفی سنن الترمذی:155/4 ، وروی فی مجمع

ص: 86

الزوائد:248/10: ( البراء بن عازب قال قال رسول الله (ص): من قضی نهمته فی الدنیا حیل بینه وبین شهوته فی الآخرة ، ومن مد عینیه إلی زینة المترفین ، کان مهیناً فی ملکوت السموات. ومن صبر علی القوت الشدید صبراً جمیلاً أسکنه الله من الفردوس حیث شاء .

وسائل الشیعة:278/11: (ثم قال: وذلک إذا انتهکت المحارم ، واکتسب المآثم ، وتسلط الأشرار علی الاخیار ، ویفشو الکذب ، وتظهر الحاجة ، وتفشو الفاقة ، ویتباهون فی الناس ، ویستحسنون الکوبة والمعازف ، وینکر الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر .. إلی أن قال: فأولئک یدعون فی ملکوت السماء: الأرجاس الأنجاس.... الحدیث .

الکافی:93/1: (محمد بن أبی عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله(علیه السّلام): یا ابن آدم لو أکل قلبک طائر لم یشبعه ، وبصرک لو وضع علیه خرق أبرة لغطاه ، ترید أن تعرف بهما ملکوت السماوات والأرض ، إن کنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تملأ عینیک منها فهو کما تقول .

الکافی:273/1: (علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی، قال: خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل ، کان مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو مع الأئمة ، وهو من الملکوت .

الکافی:263/2: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): طوبی للمساکین بالصبر ، وهم الذین یرون ملکوت السماوات والأرض .

ص: 87

تفسیر الإمام العسکری/513:

وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ ، قوی الله بصره لما رفعه دون السماء حتی أبصر الأرض ومن علیها ظاهرین ومستترین ، فرأی رجلاً وامرأة علی فاحشة فدعا علیهما بالهلاک فهلکا ، ثم رأی آخرین فدعا علیهما بالهلاک فهلکا ، ثم رأی آخرین فهم بالدعاء علیهما ، فأوحی الله تعالی إلیه: یا إبراهیم أکفف دعوتک من عبادی وإمائی . . . الحدیث . انتهی . وروی نحوه فی الکافی:305/8 وفی کنز العمال:269/4 .

علل الشرائع:131/1: (قالوا حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی الأسدی ، عن موسی بن عمران النخعی، عن عمه الحسین بن یزید النوفلی، عن علی بن سالم عن أبیه ، عن ثابت بن دینار قال سألت زین العابدین علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)عن الله جل جلاله: هل یوصف بمکان ؟ فقال: تعالی عن ذلک. قلت: فلم أسری بنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السماء ؟ قال: لیریه ملکوت السموات ، وما فیها من عجائب صنعه وبدایع خلقه . . . .

علل الشرائع:15/1: (حدثنا علی بن أحمد ، عن محمد بن أبی عبدالله ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا جعفر بن سلیمان بن أیوب الخزاز قال: حدثنا عبدالله بن الفضل الهاشمی قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): لأی علة جعل الله عز وجل الأرواح فی الأبدان بعد کونها فی ملکوته الأعلی فی أرفع محل ؟ فقال(علیه السّلام): إن الله تبارک وتعالی علم أن الأرواح فی شرفها وعلوها متی ما ترکت علی حالها نزع أکثرها إلی دعوی الربوبیة دونه عز وجل ، فجعلها بقدرته فی الأبدان التی قدر لها فی ابتداء التقدیر نظراً لها ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلی بعض وعلق بعضها علی بعض ورفع بعضها علی بعض فی الدنیا ، ورفع بعضها

ص: 88

فوق بعض درجات فی الآخرة ، وکفی بعضها ببعض .

قلت: فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی .؟ قال: ذاک

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دنا من حجب النور فرأی ملکوت السموات ، ثم تدلی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنظر من تحته إلی ملکوت الأرض حتی ظن أنه فی القرب من الأرض، کقاب قوسین أو أدنی .

وقد روت مصادر إخواننا السنة عدداً من الروایات عن عالم الملکوت ، کالتی رواها أحمد فی مسنده:263/2 ، من حدیث المعراج . . . فلما نزلت وانتهیت إلی سماء الدنیا فإذا أنا برهج ودخان وأصوات فقلت من هؤلاء ؟ قال: الشیاطین یحرفون علی أعین بنی آدم أن لا یتفکروا فی ملکوت السموات والأرض، ولولا ذلک لرأت العجائب .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:178/9: (وعن رقبة بن مصقلة قال لما حصر الحسین بن علی رضی الله عنهما قال: أخرجونی إلی الصحراء لعلی أتفکر أنظر فی ملکوت السماوات یعنی الآیات ، فلما أخرج به قال: اللهم إنی أحتسب نفسی عندک فإنها أعز الأنفس علیَّ ، وکان مما صنع الله له أنه أحتسب نفسه. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ، إلا أن رقبة لم یسمع من الحسن فیما أعلم ، وقد سمع من أنس فیما قیل .

من آیات وروایات عالم الخزائن

وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَیْنَا فِیهَا رَوَاسِیَ وَأَنْبَتْنَا فِیهَا مِنْ کُلِّ شَئْ مَوْزُونٍ . وَجَعَلْنَا لَکُمْ فِیهَا مَعَایِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِینَ . وَإِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ . الحجر : 19 - 21

ص: 89

الصحیفة السجادیة:71/1: (اللهم یا منتهی مطلب الحاجات ، ویا من عنده نیل الطلبات ، ویا من لا یبیع نعمه بالأثمان ، ویا من لا یکدر عطایاه بالإمتنان ، ویا من یستغنی به ولا یستغنی عنه، ویا من یرغب إلیه ولا یرغب عنه ، ویا من لا تفنی خزائنه المسائل ، ویا من لا تبدل حکمته الوسائل ، ویا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجین ، ویا من لا یعنیه دعاء الداعین... .

مصباح المتهجد/467: (سبحان الحی القیوم ، سبحان الدائم الباقی الذی لا یزول ، سبحان الذی لا تنقص خزائنه ، سبحان من لا ینفد ما عنده ، سبحان من لا تبید معالمه ، سبحان من لا یشاور فی أمره أحداً ، سبحان من لا إله غیره .

مصباح المتهجد/578: (الحمد لله الفاشی فی الخلق أمره وحمده ، الظاهر بالکرم مجده ، الباسط بالجود یده ، الذی لا تنقص خزائنه ، ولا تزیده کثرة العطاء إلا کرماً وجوداً ، إنه هو العزیز الوهاب .

مستدرک الحاکم:525/1: (عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه کان یدعو: اللهم احفظنی بالإسلام قائماً ، واحفظنی بالإسلام قاعداً ، واحفظنی بالإسلام راقداً ، ولا تشمت بی عدواً حاسداً. اللهم إنی أسألک من کل خیر خزائنه بیدک ، وأعوذ بک من کل شر خزائنه بیدک. هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه .

هذا ماتیسر لنا تتبعه من الأحادیث الدالة علی وجود الإنسان فی عوالم قبل الدنیا. وفیها بحوث شریفة فی عدد هذه العوالم وترتیبها وصفاتها ، قلما تعرض المتکلمون والمفسرون لبحثها .

وفیهابحوث أخری فی امتحان الإنسان فیها واختیاره الکفر أو الإیمان قبل وصوله

ص: 90

إلی عالم الأرض. وقد بحثها المفسرون والمتکلمون فی باب الجبر والاختیار ، والقضاء والقدر .

قال المجلسی(رحمه الله)فی بحار الأنوار:260/5: (بیان: إعلم أن أخبار هذا الباب من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، ولاصحابنا رضی الله عنهم فیها مسالک:

منها ، ما ذهب إلیه الأخباریون ، وهو أنا نؤمن بها مجملاً ، ونعترف بالجهل عن حقیقة معناها ، وعن أنها من أی جهة صدرت ، ونرد علمها إلی الأئمة(علیهم السّلام) .

ومنها ، أنها محمولة علی التقیة لموافقتها لروایات العامة ، ولما ذهبت إلیه الأشاعرة وهم جلهم ، ولمخالفتها

ظاهراً لما مر من أخبار الإختیار والإستطاعة .

ومنها ، أنها کنایة عن علمه تعالی بما هم إلیه صائرون ، فإنه تعالی لما خلقهم مع علمه بأحوالهم فکأنه خلقهم من طینات مختلفة .

ومنها ، أنها کنایة عن اختلاف استعداداتهم وقابلیاتهم ، وهذا أمر بین لا یمکن إنکاره ، فإنه لا شبهة فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأبا جهل لیسا فی درجة واحدة من الإستعداد والقابلیة ، وهذا لا یستلزم سقوط التکلیف ، فإن الله تعالی کلف النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حسب ما أعطاه من الاستعداد لتحصیل الکمالات ، وکلف أبا جهل حسب ما أعطاه من ذلک ، ولم یکلفه ما لیس فی وسعه ، ولم یجبره علی شئ من الشر والفساد .

ومنها ، أنه لما کلف الله تعالی الأرواح أولاً فی الذر وأخذ میثاقهم فاختاروا الخیر والشر باختیارهم فی ذلک الوقت ، وتفرع اختلاف الطینة علی ما اختاروه باختیارهم کما دل علیه بعض الأخبار السابقة ، فلا فساد فی ذلک .

ولا یخفی ما فیه وفی کثیر من الوجوه السابقة ، وترک الخوض فی أمثال تلک المسائل الغامضة التی تعجز عقولنا عن الاحاطة بکنهها أولی ، لا سیما فی تلک

ص: 91

المسألة التی نهی أئمتنا عن الخوض فیها. ( مسألة القضا والقدر ) .

ولنذکر بعض ما ذکره فی ذلک علماؤنا رضوان الله علیهم ومخالفوهم .

فمنها: ما ذکره الشیخ المفید قدس الله روحه فی جواب المسائل السرویة حیث سئل: ما قوله - أدام الله تأییده - فی معنی الأخبار المرویة عن الأئمة الهادیة(علیهم السّلام) فی الأشباح وخلق الله تعالی الأرواح قبل خلق آدم(علیه السّلام)بألفی عام ، وإخراج الذریة من صلبه علی صور الذر ، ومعنی قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف .

الجواب: وبالله التوفیق ، إن الأخبار بذکر الأشباح تختلف ألفاظها ، وتتباین معانیها ، وقد بنت الغلاة علیها أباطیل کثیرة ، وصنفوا فیها کتباً لغوا فیها ، وهزئوا فیما أثبتوه منه فی معانیها ، وأضافوا ما حوته الکتب إلی جماعة من شیوخ أهل الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إلیهم ، من جملتها کتاب سموه کتاب ( الأشباح والأظلة ) نسبوه فی تألیفه إلی محمد بن سنان ، ولسنا نعلم صحة ما ذکروه فی هذا الباب عنه .

وإن کان صحیحاً فإن ابن سنان قد طعن علیه وهو متهم بالغلو ، فإن صدقوا فی إضافة هذا الکتاب إلیه فهو ضلال لضال عن الحق، وإن کذبوا فقد تحملوا أوزار ذلک.

والصحیح من حدیث الأشباح الروایة التی جاءت عن الثقاة بأن آدم(علیه السّلام)رأی علی العرش أشباحاً یلمع نورها فسأل الله تعالی عنها ، فأوحی إلیه أنها أشباح رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین والحسن والحسین وفاطمة صلوات الله علیهم ، وأعلمه أنه لولا الأشباح التی رآها ما خلقه ولا خلق سماءً ولا أرضاً.

والوجه فیما أظهره الله تعالی من الأشباح والصور لادم أن دله علی تعظیمهم وتبجیلهم ،

ص: 92

وجعل ذلک إجلالاً لهم ومقدمة لما یفترضه من طاعتهم ، ودلیلاً علی أن مصالح الدین والدنیا لا تتم إلا بهم ، ولم یکونوا فی تلک الحال صوراً مجیبة، ولا أرواحاً ناطقة ، لکنها کانت علی مثل صورهم فی البشریة ، یدل علی ما یکونوا علیه فی المستقبل فی الهیئة ، والنور الذی جعله علیهم یدل علی نور الدین بهم وضیاء الحق بحججهم. وقد روی أن أسماءهم کانت مکتوبة إذ ذاک علی العرش ، وأن آدم(علیه السّلام)لما تاب إلی الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم علیه ومحلهم عنده فأجابه ، وهذا غیر منکر فی العقول ولا مضاد للشرع المنقول ، وقد رواه الصالحون الثقاة المأمونون ، وسلم لروایته طائفة الحق ، ولا طریق إلی إنکاره ، والله ولی التوفیق. انتهی .

ویدل کلام المفید(قدسّ سرّه)أن الغلاة فی عصره کانوا استغلوا أحادیث الأشباح والظلال وبنوا علیها أباطیل تخالف مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، فشنع بسببها الخصوم علی المذهب ، فنفی المفید دعوی الخصوم ، وفی نفس الوقت أثبت أحادیث الأشباح والظلال ، ثم فسرها بتفسیر یفهمه العوام ولا یثیر الخصوم .

وقال فی هامش الکافی:3/2: (الأخبار مستفیضة فی أن الله تعالی خلق السعداء من طینة علیین ( من الجنة ) وخلق الأشقیاء من طینة سجین ( من النار ) وکل یرجع إلی حکم طینته من السعادة والشقاء ، وقد أورد علیها: أولاً: بمخالفة الکتاب. وثانیاً: باستلزام الجبر الباطل .

أما البحث الأول ، فقد قال الله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ، وقال: وبدأ خلق الإنسان من طین ، فأفاد أن الإنسان مخلوق من طین ، ثم قال تعالی: وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا . . الآیة. وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الأَرْضِ وَلا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلا فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا.. الآیة. فأفاد أن للإنسان غایة ونهایة من السعادة

ص: 93

والشقاء ، وهو متوجه إلیها سائر نحوها. وقال تعالی: کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ . . الآیة. فأفاد أن ما ینتهی إلیه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ماکان علیه فی بدء خلقه وقد کان فی بدء خلقه طیناً ، فهذه الطینة طینة سعادة وطینة شقاء ، وآخرالسعید إلی الجنة وآخرالشقی إلی النار ، فهما أولهما لکون الآخر هو الأول ، وحینئذ صح أن السعداء خلقوا من طینة الجنة والأشقیاء خلقوا من طینة النار. وقال تعالی: کَلا إِنَّ کِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَمَا أَدْرَاکَ مَا عِلِّیُّونَ کِتَابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ، کَلا إِنَّ کِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَمَا أَدْرَاکَ مَا سِجِّینٌ کِتَابٌ مَرْقُومٌ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ.. الآیات. وهی تشعر بأن علیین وسجین هما ما ینتهی الیه أمر الأبرار والفجار من النعمة والعذاب ، فافهم .

وأما البحث الثانی، وهو أن أخبار الطینة تستلزم أن تکون السعادة والشقاء لازمین حتمیین للإنسان ، ومعه لا یکون أحدهما اختیاریاً کسبیاً للإنسان وهو الجبر الباطل . والجواب عنه ، أن اقتضاء الطینة للسعادة أو الشقاء لیس من قبل نفسها بل من قبل حکمه تعالی وقضائه ماقضی من سعادة وشقاء ، فیرجع الإشکال إلی سبق قضاء السعادة والشقاء فی حق الإنسان قبل أن یخلق ، وإن ذلک یستلزم الجبر. وقد ذکرنا هذا الإشکال مع جوابه فی باب المشیئة والإرادة فی المجلد الأول من الکتاب/150 ، وحاصل الجواب: أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختیار العبد فهو فعل اختیاری فی عین أنه حتمی الوقوع ، ولم یتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم یختره ، حتی یلزم منه بطلان الإختیار. وأما شرح ما تشمل علیه هذه الأخبار تفصیلاً فأمر خارج عن مجال هذا البیان المختصر ، فلیرجع فیه إلی مطولات الشروح والتعالیق والله الهادی .( الطباطبائی ) انتهی .

ص: 94

ونختم بالقول: إن مسألة وجود الإنسان فی عوالم قبل عالم الأرض ، أوسع مما بحثه المتکلون والفلاسفة ، وهی تحتاج إلی تتبع کامل وبحث دقیق فی أحادیثها الشریفة ، للتوصل إلی عدد تلک العوالم وصفاتها ، ولا یبعد أنها تحل کثیراً من المشکلات ، ومنها مشکلة الجبر والاختیار ، وقد تبین من مجموعها أن أخذ المیثاق تم من الذر المأخوذ من طین آدم کما فی بعضها ، وفی عالم الظلال کما فی بعضها ، ومن المحتمل أنه حصل فی أکثر من عالم .

کما لا یصح استبعاد أن تکون الذرة إنساناً کاملاً عاقلاً بعد ما سمعنا عن عالم الذرة والجینات .

ولا یصح القول بأن عالم الذر هو عالم الملکوت وإن کان جزء من عالم الملکوت إلا من باب تسمیة الجزء باسم الکل. والملکوت کما رأیت فی آیاته وأحادیثه شامل لعوالم الشهادة والغیب ، والبعد عن الله تعالی والحضور ، وعالم الذر أو الظلال واحد من عوالم الحضور .

ص: 95

ص: 96

الفصل الثالث:الفطرة بمعنی الولادة فی الإسلام

اشارة

ص: 97

ص: 98

قولهم من ولد علی الإسلام فهو من أهل الجنة

الکافی:340/8:

قال علی بن الحسین: ولم یولد لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من خدیجة علی فطرة الإسلام إلا

فاطمة(علیهاالسّلام)وقد کانت خدیجة(علیهاالسّلام)ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خدیجة بسنة ، فلما فقدهما رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سئم المقام بمکة ودخله حزن شدید وأشفق علی نفسه من کفار قریش ، فشکا إلی جبرئیل(علیه السّلام)ذلک ، فأوحی الله عز وجل إلیه: أخرج من القریة الظالم أهلها وهاجر إلی المدینة فلیس لک الیوم بمکة ناصر ، وانصب للمشرکین حرباً. فعند ذلک توجه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی المدینة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:117/19

مستدرک الوسائل:58/11:

وعن إسماعیل بن موسی ، بإسناده عن أبی البختری قال: لما انتهی علی(علیه السّلام)إلی البصرة خرج أهلها . . . إلی أن قال: فقاتلوهم وظهروا علیهم وولوا منهزمین ، فأمر علی منادیاً ینادی: لا تطعنوا فی غیر مقبل ، ولا تطلبوا مدبراً ، ولا تجهزوا علی جریح ، ومن ألقی سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، وما کان بالعسکر فهو لکم مغنم ، وما کان فی الدور فهو میراث یقسم بینهم علی فرائض الله عز وجل ، فقام إلیه قوم من أصحابه فقالوا: یا أمیر المؤمنین من أین أحللت

ص: 99

لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علینا نساءهم ؟ فقال: لأن القوم علی الفطرة ، وکان لهم ولاء قبل الفرقة ، وکان نکاحهم لرشدة. فلم یرضهم ذلک من کلامه. فقال لهم: هذه السیرة فی أهل القبلة فأنکرتموها ، فانظروا أیکم یأخذ عائشة فی سهمه ؟ ! فرضوا بما قال ، فاعترفوا صوابه وسلموا لامره. انتهی. ورواه المغربی فی شرح الأخبار:395/1 ، وروته أیضاً مصادر التاریخ .

القول بأن من ولد فی الإسلام فهو من أهل الجنة

الدر المنثور:115/2: وأخرج البیهقی عن ابن عابد قال: خرج رسول الله(ص)فی جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل علیه یا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله(ص)إلی الناس قال: هل رآه أحد منکم علی الإسلام ؟ فقال رجل: نعم یا رسول الله حرس لیلة فی سبیل الله ، فصلی علیه رسول الله(ص)وحثی علیه التراب وقال: أصحابک یظنون أنک من أهل النار ، وأنا أشهد أنک من أهل الجنة. وقال: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ولکن تسأل عن الفطرة .

صحیح مسلم:4/2: . . . فسمع رجلاً یقول الله اکبر ، الله اکبر ، فقال رسول الله (ص): علی الفطرة ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله (ص): خرجت من النار ، فنظروا فإذا هو راعی معزی .

کنز العمال:366/8: کنا مع رسول الله(ص)فی سریة فسمعنا منادیاً ینادی: الله اکبر ، الله اکبر ، فقال

ص: 100

النبی (ص): علی الفطرة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال: خرج من النار ، فابتدرناه فإذا هو شاب حبشی یرعی غنماً له فی واد، فأدرک صلاة المغرب فأذن لنفسه - أبو الشیخ .

سنن الترمذی:87/3: ... واستمع ذات یوم فسمع رجلاً یقول: الله اکبر ، الله اکبر ، فقال: علی الفطرة ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال خرجت من النار .

مسند أحمد:241/31: ... نحن مع رسول الله(ص)فی سفر إذ سمع رجلاً یقول الله اکبر، الله اکبر ، فقال النبی(ص): علی الفطرة ، قال أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال النبی (ص): خرج هذا من النار. انتهی .

وقد صحت الروایات عند اخواننا أن الخلیفة عمر قد وسع دائرة شفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی تشمل المنافقین بل والکفار ، بل صحت روایاتهم بأن مذهب الخلیفة عمر أن جهنم تنتهی بعد مدة وینقل أهلها إلی الجنة.. إلخ. وسیأتی ذلک فی بحث الشفاعة إن شاء الله تعالی .

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهیة

الکافی:424/8: علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: کانت شریعة نوح(علیه السّلام)أن یعبد الله بالتوحید والإخلاص وخلع الأنداد ، وهی الفطرة التی فطر الناس علیها ، وأخذ الله میثاقه علی نوح وعلی النبیین أن یعبدوا الله تبارک

وتعالی ولا یشرکوا به شیئاً،

ص: 101

وأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والحلال والحرام، ولم یفرض علیه أحکام حدود ولا فرض مواریث فهذه شریعته ، فلبث فیهم نوح ألف سنة إلا خمسین عاماً یدعوهم سراً وعلانیة ، فلما أبوا وعتوا قال: رب إنی مغلوب فانتصر. فأوحی الله عز وجل إلیه أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا کَانُوا یَفْعَلُونَ. فلذلک قال نوح (علیه السّلام): وَلا یَلِدُوا إِلا فَاجِرًا کَفَّارًا. فأوحی الله عز وجل إلیه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ. انتهی. ورواه العیاشئ فی تفسیره:144/2 ، ورواه فی بحار الأنوار: 331/11

الکافی:17/2

علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهیم بن محمد الثقفی ، عن محمد بن مروان ، جمیعاً عن أبان بن عثمان ، عمن ذکره عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: إن الله تبارک وتعالی أعطی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شرایع نوح وإبراهیم وموسی وعیسی(علیهم السّلام) : التوحید والاخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنفیة السمحة لا رهبانیة ولا سیاحة، أحل فیها الطیبات وحرم فیها الخبائث ، ووضع عنهم إصرهم والاغلال التی کانت علیهم ، ثم افترض علیه الصلاة والزکاة والصیام والحج والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والحلال والحرام والمواریث والحدود والفرائض والجهاد فی سبیل الله، وزاده الوضوء، وفضله بفاتحة الکتاب وخواتیم سورة البقرة والمفصل، وأحل له المغنم والفی ، ونصره بالرعب ، وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً ، وأرسله کافة إلی الابیض والاسود والجن والانس ، وأعطاه الجزیة وأسر المشرکین وفداهم ، ثم کلفه ما لم یکلف أحداً من الأنبیاء ، أنزل علیه سیف من السماء فی غیر غمد وقیل له: قاتل فی سبیل الله لا تکلف إلا نفسک .

ص: 102

ورواه فی بحار الأنوار:317/72 وقال:

تبیین: قوله(علیه السّلام)( شرایع نوح ) یحتمل أن یکون المراد بالشرایع أصول الدین ، ویکون التوحید والإخلاص وخلع الأنداد بیاناً لها ، والفطرة الحنیفیة معطوفة علی الشرایع ، وإنما خص(علیه السّلام)ما به الاشتراک بهذه الثلاثة ، مع اشتراکه(علیه السّلام)معهم فی کثیر من العبادات لاختلاف الکیفیات فیها دون هذه الثلاثة ، ولعله(علیه السّلام)لم یرد حصر المشترکات فیما ذکر لعدم ذکر السائل أصول الدین کالعدل والمعاد، مع أنه یمکن إدخالها بعض ما ذکر ، لا سیما الإخلاص بتکلف .

ویمکن أن یکون المراد منها الأصول وأصول الفروع المشترکة وإن اختلفت فی الخصوصیات والکیفیات ، وحینئذ یکون جمیع تلک الفقرات إلی قوله(علیه السّلام) (وزاده) بیاناً للشرایع ، ویشکل حینئذ ذکر الرهبانیة والسیاحة ، إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إلا أن یقال المراد عدم الوجوب وهو مشترک ، أو یقال إنهما لم یکونا فی شریعة عیسی(علیه السّلام)أیضاً .

وإن استشکل بالجهاد وأنه لم یجاهد عیسی(علیه السّلام)فالجواب أنه یمکن أن یکون واجباً علیه لکن لم یتحقق شرائطه ، ولذا لم یجاهد .

ولعل قوله (علیه السّلام) ( زاده وفضله ) بهذا الوجه أوفق .

وکأن المراد بالتوحید نفی الشریک فی الخلق ، وبالاخلاص نفی الشریک فی العبادة ، و خلع الأنداد تأکید لهما ، أو المراد به ترک أتباع خلفاء الجور وأئمة الضلالة أو نفی الشرک الخفی ، أو المراد بالإخلاص نفی الشرک الخفی ، وبخلع الأنداد نفی الشریک فی استحقاق العبادة .

والأنداد: جمع ند ، وهو مثل الشئ الذی یضاده فی أموره ، ویناده أی یخالفه .

والفطرة: ملة الإسلام التی فطر الله الناس علیها ، کما مر .

ص: 103

والحنیفیة: المائلة من الباطل إلی الحق ، أو الموافقة لملة إبراهیم(علیه السّلام)قال فی النهایة: الحنیف عند العرب من کان علی دین إبراهیم ، وأصل الحنف المیل ، ومنه الحدیث بعثت بالحنیفیة السمحة السهلة ، وفی القاموس: السمحة الملة التی ما فیها ضیق .

بحار الأنوار:68/76:

مکا: عن الصادق(علیه السّلام)قال: کان بین نوح وإبراهیم (علیهماالسّلام) ألف سنة ، وکانت شریعة إبراهیم بالتوحید والاخلاص وخلع الانداد ، وهی الفطرة التی فطر الناس علیها وهی الحنیفیة. وأخذ علیه میثاقه وأن لا یعبد إلا الله ، ولا یشرک به شیئاً ، قال: وأمره بالصلاة والأمر والنهی ، ولم یحکم له أحکام فرض المواریث، وزاده فی الحنیفیة: الختان وقص الشارب ونتف الابط وتقلیم الاظفار وحلق العانة ، وأمره ببناء البیت والحج والمناسک ، فهذه کلها شریعته(علیه السّلام) .

معنی الفطرة والصبغة

اشارة

تفسیر التبیان:485/1: قوله تعالی: صِبْغَةَ اللهِ: معناه فطرة الله فی قول الحسن وقتادة وأبی العالیة ومجاهد وعطیة وابن زید والسدی .

وقال الفراء والبلخی: إنه شریعة الله فی الختان الذی هو التطهیر .

وقوله صبغة الله ، مأخوذ من الصبغ ، لأن بعض النصاری کانوا إذا ولد لهم مولود جعلوه فی ماء طهور یجعلون ذلک تطهیراً له ویسمونه العمودیة ، فقیل صبغة الله أی تطهیر الله ، تطهیرکم بتلک الصبغة وهو قول الفراء .

وقال قتادة: الیهود تصبغ أبناءها یهوداً والنصاری تصبغ أبناءها نصاری ، فهذا غیر

ص: 104

المعنی الأول ، وإنما معناه أنهم یلقنون أولادهم الیهودیة والنصرانیة ، فیصبغونهم بذلک لما یشربون قلوبهم منه ، فقیل صبغة الله التی أمر بها ورضیها یعنی الشریعة، لا صبغتکم .

وقال الجبائی: سمی الدین صبغة لأنه هیئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغیر ذلک من الآثار الجمیلة التی هی کالصبغة ، وقال أمیة :

فی صبغة الله کان إذ نسی ال- هد وخلی الصواب إذ عزما

تفسیر التبیان:334/3:

وقوله: وَلامُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ: اختلفوا فی معناه فقال ابن عباس ، والربیع بن أنس ، عن أنس: إنه الأخصاء ، وکرهوا الأخصاء فی البهائم ، وبه قال سفیان ، وشهر بن حوشب ، وعکرمة ، وأبوصالح. وفی روایة أخری عن ابن عباس: فلیغیرن دین الله ، وبه قال إبراهیم ومجاهد ، وروی ذلک عن أبی جعفر وأبی عبدالله (علیهماالسّلام). قال مجاهد: کذب العبد یعنی عکرمة فی قوله إنه الأخصاء ، وإنما هو تغییر دین الله الذی فطر الناس علیه فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ. وهو قول قتادة والحسن والسدی والضحاک وابن زید .

وقال الکفعمی فی المصباح/340

الفاطر: أی المبتدع لأنه فطر الخلق أی ابتدعهم ، وخلقهم من الفطر وهو الشق ، ومنه: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ، أی انشقت ، وقوله: تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ ، أی یتشققن کأنه سبحانه شق العدم بإخراجنا منه، وقوله تعالی: فَاطِرِ السَّمَوَاتِ، أی مبدی خلقها.

بحار الأنوار:3/276-281: (سن: المحسن بن أحمد ، عن أبان الأحمر ، عن أبی

ص: 105

جعفر الأحول ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: عروة الله الوثقی التوحید ، والصبغة الإسلام .

بیان: قال البیضاوی فی قوله تعالی: صِبْغَةَ اللهِ: أی صبغنا الله صبغته وهی فطرة الله التی فطر الناس علیها ، فإنها حلیة الإنسان ، کما أن الصبغة حلیة المصبوغ ، أو هدانا هدایته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإیمان تطهیره. وسماه صبغة لأنه ظهر أثره علیهم ظهور الصبغ علی المصبوغ ، وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاکلة فإن النصاری کانوا یغمسون أولادهم فی ماء أصفر یسمونه العمودیة ویقولون هو تطهیر لهم وبه تحقق نصرانیتهم .

مع: أبی ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) فی قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ، قال: هی الإسلام .

شف: من کتاب القاضی القزوینی ، عن هارون بن موسی التلعکبری ، عن محمد بن سهل ، عن الحمیری ، عن ابن یزید ، عن علی بن حسان ، عن عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، قال : هی التوحید ، وأن محمداً رسول الله ، وأن علیاً أمیر المؤمنین .

شی: عن زرارة ، عن أبی جعفر وحمران ، عن أبی عبدالله (علیهماالسّلام) قال: الصبغة الإسلام .

شی: عن عبدالرحمن بن کثیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة:

قال: الصبغة معرفة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)بالولایة فی المیثاق .

بحار الأنوار:209/1: (ل: ماجیلویه ، عن محمد العطار ، عن الأشعری ، عن أحمد

ص: 106

بن محمد ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزیار ، عن حکم بن بهلول ، عن ابن همام ، عن ابن أذینة ، عن أبان بن أبی عیاش ، عن سلیم بن قیس الهلالی قال: سمعت علیاً(علیه السّلام)یقول لأبی الطفیل عامر بن واثلة الکنانی: یا أبا الطفیل العلم علمان: علم لا یسع الناس إلا النظر فیه وهو صبغة الإسلام ، وعلم یسع الناس ترک النظر فیه وهو قدرة الله عز وجل .

بیان: قال الفیروزآبادی: الصبغة بالکسر: الدین والملة ، وصبغة الله: فطرة الله ، أو التی أمر الله بها محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهی الختانة. انتهی .

أقول: المراد بالصبغة هنا الملة أوکل ما یصبغ الإنسان بلون الإسلام من العقائد الحقة ، والأعمال الحسنة ، والأحکام الشرعیة .

وقدرة الله تعالی: لعل المراد بها هنا تقدیر الأعمال ، وتعلق قدرة الله بخلقها ، أی علم القضاء والقدر والجبر والإختیار ، فإنه قد نهی عن التفکر فیها .

وفی نهج البلاغة: أنه قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وقد سئل عن القدر فقال: طریق مظلم فلا تسلکوه. انتهی .

بحار الأنوار:130/67:

البقرة-138: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ الروم-30:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ

کا: عن علی ، عن أبیه ومحمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً، قال: الإسلام .

ص: 107

بیان: قیل علی هذه الأخبار یحتمل أن تکون ( صبغة ) منصوبة علی المصدر من مسلمون فی قوله تعالی قبل ذلک: لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. ثم یحتمل أن یکون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبین ب(قولوا) فی صدر الآیات حیث قال: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا ، دون سائر أفراد بنی آدم بل یتعین هذا المعنی إن فسر الإسلام بالخضوع والانقیاد للأوامر والنواهی کما فعلوه ، وإن فسر بالمعنی العرفی فتوجیه التعمیم فیه کتوجیه التعمیم فی فطرة الله . . . .

وقیل: صبغة الله إبداع الممکنات وإخراجها من العدم إلی الوجود وإعطاء کل ما یلیق به من الصفات والغایات وغیرهما... .

وقیل: معناه کل مولود یولد علی معرفة الله والإقرار به ، فلا تجد أحداً إلا وهو یقر بأن الله صانعه ، وإن سماه بغیر اسمه أو عبد معه غیره ، ومنه حدیث حذیفة (علی غیر فطرة محمد ) أراد دین الإسلام الذی هو منسوب إلیه. انتهی .

وقال بعضهم: المراد بالفطرة کونه خلقاً قابلاً للهدایة ومتهیئاً لها ، لما أوجد فیه من القوة القابلة لها ، لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع فی العقول ، وإنما یدفع العقول عن إدراکها تغییر الابوین ، أو غیرهما .

وأجیب عنه بأن حمل الفطرة علی الإسلام لا یأباه العقل ، وظاهر الروایات یدل علیه . وحملها علی خلاف الظاهر لا وجه له من غیر مستند .

. . . لا تبدیل لخلق الله: أی بأن یکونوا کلهم أو بعضهم عند الخلق مشرکین ، بل کان کلهم مسلمین مقرین به أو قابلین للمعرفة ، وأراهم نفسه: أی بالرؤیة العقلیة الشبیهة بالرؤیة العینیة فی الظهور لیرسخ فیهم معرفته ، ویعرفوه فی دار التکلیف، ولولا تلک المعرفة المیثاقیة لم یحصل لهم تلک القابلیة ، وفسر(علیه السّلام)الفطرة فی

ص: 108

الحدیث بالمجبولیة علی معرفة الصانع والإذغان به. کذلک قوله فی هذه الآیة أیضاً محمولة علی هذا المعنی: ولئن سألتهم، أی کفار مکة کما ذکره المفسرون أو الاعم کما هو الاظهر من الخبر ، لیقولن الله ، لفطرتهم علی المعرفة. وقال البیضاوی: لوضوح الدلیل المانع من إسناد الخلق إلی غیره ، بحیث اضطروا إلی إذعانه .

والمشهور أنه مبنی علی أن کفار قریش لم یکونوا ینکرون أن الصانع هو الله ، بل کانوا یعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن کل کافر لو خلی وطبعه وترک العصبیة ومتابعة الأهواء وتقلید الاسلاف والاباء، لاقر بذلک کما ورد ذلک الأخبار الکثیرة .

قال بعض المحققین: الدلیل علی ذلک ما تری أن الناس یتوکلون بحسب الجبلة علی الله ویتوجهون توجهاً غریزیاً إلی مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب ، وإن لم یتفطنوا لذلک، ویشهد لهذا قول الله عز وجل قال: أَرَأَیْتَکُمْ إِنْ أَتَاکُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْکُمُ السَّاعَةُ أَغَیْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَکْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شَاءَ وَ تَنْسَوْنَ مَا تُشْرِکُونَ .

وفی تفسیر مولانا العسکری(علیه السّلام)أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل: یا عبدالله هل رکبت سفینة قط ؟ قال: بلی ، قال: فهل کسر بک حیث لا سفینة تنجیک ولا سباحة تغنیک ؟ قال بلی ، قال: فهل تعلق قلبک هناک أن شیئاً من الأشیاء قادر علی أن یخلصک من ورطتک ؟ قال: بلی ، قال الصادق: فذلک الشئ هو الله القادر علی الأنجاء حین لا منجی ، وعلی الإغاثة حین لا مغیث .

ولهذا جعلت الناس معذورین فی ترکهم اکتساب المعرفة بالله عزوجل متروکین علی ما فطروا علیه، مرضیاً عنهم بمجرد الإقرار بالقول ، ولم یکلفوا الإستدلالات

ص: 109

العلمیة فی ذلک ، وإنما التعمق لزیادة البصیرة ولطائفة مخصوصة. وأما الإستدلال فللرد علی أهل الضلال .

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة فی قبول مراتب العرفان ، وتحصیل الإطمینان کماً وکیفاً ، شدةً وضعفاً ، سرعةً وبطئاً ، حالاً وعلماً ، وکشفاً وعیاناً ، وإن کان أصل المعرفة فطریاً ، إما ضروری أو یهتدی إلیه بأدنی تنبیه ، فلکل طریقة هداه الله عز وجل إلیها إن کان من أهل الهدایة ، والطرق إلی الله بعدد أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله ، یرفع الذین آمنوا منکم والذین أوتوا العلم درجات .

قال بعض المنسوبین إلی العلم: إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل ، فکأن هذا یقتضی أن یکون معرفته أول المعارف ، وأسبقها إلی الأفهام وأسهلها علی العقول ، ونری الأمر بالضد من ذلک ، فلا بد من بیان السبب فیه .

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعنی لا تفهمه إلا بمثال ، هو: أنا إذا رأینا إنساناً یکتب أو یخیط مثلاً ، فإن کونه حیاً من أظهر الموجودات فحیاته وعلمه وقدرته للخیاطة أجلی عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة ، إذ صفاته الباطنة کشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه ، وکل ذلک لا نعرفه ، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها ، وبعضها نشک فیه ، کمقدار طوله ، واختلاف لون بشرته وغیر ذلک من صفاته. أما حیاته وقدرته وإرادته وعلمه وکونه حیواناً فإنه جلی عندنا من غیر أن یتعلق حس البصر بحیاته وقدرته وإرادته ، فإن هذه الصفات لا تحس بشئ من الحواس الخمس ، ثم لا یمکن أن یعرف حیاته وقدرته وإرادته إلا بخیاطته وحرکته ، فلو نظرنا إلی کل ما فی العالم سواء لم نعرف به صفاته ، فما علیه إلا دلیل واحد ، وهو مع ذلک جلی واضح .

ص: 110

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته یشهد له بالضرورة کل ما نشاهده وندرکه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ، ونبات وشجر ، وحیوان وسماء ، وأرض وکوکب ، وبر وبحر ، ونار وهواء ، وجوهر وعرض ، بل أول شاهد علیه أنفسنا ، وأجسامنا وأصنافنا ، وتقلب أحوالنا ، وتغیر قلوبنا ، وجمیع أطوارنا ، فی حرکاتنا وسکناتنا .

وأظهر الأشیاء فی علمنا أنفسنا ، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ، ثم مدرکاتنا بالبصیرة والعقل، وکل واحد من هذه المدرکات له مدرک واحد ، وشاهد ودلیل واحد ، وجمیع ما فی العالم شواهد ناطقة ، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحرکها ، ودالة علی علمه وقدرته ولطفه وحکمته. والموجودات المدرکة لا حصر لها .

فإن کانت حیاة الکاتب ظاهرة عندنا ولیس یشهد له إلا شاهد واحد ، وهو ما أحسسنا من حرکة یده ، فکیف لا یتصور فی الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد علیه وعلی عظمته وجلاله ، إذ کل ذرة فإنها تنادی بلسان حالها أنه لیس وجودها بنفسها ، ولا حرکتها بذاتها وإنما یحتاج إلی موجد ومحرک لها ، یشهد بذلک أولاً ترکیب أعضائنا وائتلاف عظامنا ، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا ، وتشکل أطرافنا ، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها ، کما نعلم أن ید الکاتب لم تتحرک بنفسها . ولکن لما لم یبق فی الوجود مدرک ، ومحسوس ومعقول ، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ، ودهشت عن إدراکه .

فإذن ما یقصر عن فهمه عقولنا له سببان: أحدهما خفاؤه فی نفسه وغموضه ، وذلک لا یخفی مثاله ، والآخر ما یتناهی وضوحه. وهذا کما أن الخفاش یبصر

ص: 111

باللیل ولا یبصر بالنهار ، لا لخفاء النهار واستتاره ، ولکن لشدة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعیف یبهره نور الشمس إذا أشرق ، فیکون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا یری شیئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء ، وضعف ظهوره. فکذلک عقولنا ضعیفة ، وجمال الحضرة الإلهیة فی نهایة الأشراق والإستنارة وفی غایة الإستغراق والشمول ، حتی لا یشذ عن ظهوره ذرة من ملکوت السماوات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره ، واختفی عن البصائر والأبصار بظهوره . ولا تتعجب من اختفاء ذلک بسبب الظهور ، فإن الأشیاء تُستبان بأضدادها وما عم وجوده حتی لا ضد له عسر إدراکه ، فلو اختلفت الأشیاء فدل بعضها دون البعض أدرکت التفرقة علی قرب ،

ولما اشترکت فی الدلالة علی نسق واحد أشکل الأمر. ومثاله نور الشمس المشرق علی الأرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض یحدث فی الأرض ، ویزول عند غیبة الشمس . . . .

الدر المنثور:155/5:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ . . . الآیة . أخرج الفریابی وابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر عن مجاهد (رض) قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، قال: الدین الإسلام ، لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، قال لدین الله .

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، قال: دین الله. ذلک الدین القیم ، قال: القضاء القیم .

دور الفطرة فی المعرفة والثقافة والحضارة

تفسیر نور الثقلین:175/4:

فی توحید المفضل بن عمر المنقول عن أبی عبدالله الصادق(علیه السّلام)فی الرد علی

ص: 112

الدهریة:

تأمل یا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به علی الإنسان من هذا النطق الذی یعبر به عما فی ضمیره وما یخطر بقلبه ونتیجة فکره ، به یفهم غیره ما فی نفسه ، ولولا ذلک کان بمنزلة البهائم المهملة التی لا تخبر عن نفسها بشئ ، ولا تفهم عن مخبر شیئاً ، وکذلک الکتابة التی بها تقید أخبار الماضین للباقین وأخبار الباقین للاتین وبها تجلد الکتب فی العلوم والآداب وغیرها ، وبها یحفظ الإنسان ذکر ما یجری بینه وبین غیره من المعاملات

والحساب ، ولولاها لا نقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبین عن أوطانهم ، ودرست العلوم وضاعت الآداب ، وعظم ما یدخل علی الناس من الخلل فی أمورهم ومعاملاتهم ، وما یحتاجون إلی النظر فیه من أمر دینهم وما روی لهم مما لا یسعهم جهله .

ولعلک تظن أنها مما یخلص إلیه بالحیلة والفطنة ، ولیست مما أعطیه الإنسان من خلقه وطباعه. وکذلک الکلام إنما هو شئ یصطلح علیه الناس فیجری بینهم ، ولهذا صار یختلف فی الأمم المختلفة بألسن مختلفة ، وکذلک الکتابة ککتابة العربی والسریانی والعبرانی والرومی وغیرها من سایر الکتابة التی هی متفرقة فی الأمم ، إنما اصطلحوا علیها کما اصطلحوا علی الکلام .

فیقال لمن ادعی ذلک إن الإنسان وإن کان له فی الأمرین جمیعاً فعل أو حیلة ، فإن الشئ الذی یبلغ به ذلک الفعل والحیلة عطیة وهبة من الله عز وجل فی خلقه ، فإنه لولم یکن له لسان مهیأ للکلام وذهن یهتدی به للأمور، لم یکن لیتکلم أبداً، ولو لم یکن له کف مهیأة وأصابع للکتابة لم یکن لیکتب أبداً ، واعتبر ذلک من البهائم التی لا کلام لها ولا کتابة. فأصل ذلک فطرة الباری عز وجل ، وما تفضل به علی خلقه ، فمن شکر أثیب ، ومن کفر فإن الله غنی عن العالمین .

ص: 113

بحث فی دور الفطرة والنبوة فی الحیاة الإنسانیة

تفسیر المیزان:128/10:

قوله تعالی: وَمَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلا الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ بَغْیًا بَیْنَهُمْ .

قد مر أن المراد به الإختلاف الواقع فی نفس الدین من حملته ، وحیث کان الدین من الفطرة کما یدل علیه قوله تعالی:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا . . . الروم : 30

علی أن الفطرة لا تنافی الغفلة والشبهة ولکن تنافی التعمد والبغی ، ولذلک خص البغی بالعلماء ومن استبانت له الآیات الإلهیة ، قال تعالی: وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ. البقره : 39 ، والآیات فی هذا المعنی کثیرة ، وقد قید الکفر فی جمیعها بتکذیب آیات الله ثم أوقع علیه الوعید. وبالجملة فالمراد بالآیة أن هذا الإختلاف ینتهی إلی بغی حملة الکتاب من بعد علم . . وقد تبین من الآیة:

أولاً: حد الدین ومعرفته وهو أنه نحو سلوک فی الحیاة الدنیا یتضمن صلاح الدنیا بما یوافق الکمال الأخروی والحیاة الدائمة الحقیقیة عند الله سبحانه ، فلابد فی الشریعة من قوانین تتعرض لحال المعاش علی قدر الإحتیاج .

وثانیاً: أن الدین أول ما ظهر ظهر رافعاً للإختلاف الناشئ عن الفطرة ، ثم استکمل رافعاً للإختلاف الفطری وغیر الفطری معاً .

وثالثاً: أن الدین لا یزال یستکمل حتی تستوعب قوانینه جهات الإحتیاج فی الحیاة فإذا

ص: 114

استوعبها ختم ختماً فلا دین بعده ، وبالعکس إذا کان دین من الأدیان خاتماً کان مستوعباً لرفع جمیع جهات الإحتیاج ، قال تعالی: مَا کَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِکُمْ وَلَکِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خَاتَمَ النَّبِیِّینَ. الأحزاب : 40 ، وقال تعالی: وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِکُلِّ شَئْ النحل: 89 ، وقال تعالی: إِنَّهُ لَکِتَابٌ عَزِیزٌ . لا یَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ . حم السجدة : 42 .

ورابعاً: أن کل شریعة لاحقة أکمل من سابقتها .

وخامساً: السبب فی بعث الأنبیاء وإنزال الکتب ، وبعبارة أخری العلة فی الدعوة الدینیة هو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الإختلاف ، کما أنه سالک نحو الإجتماع المدنی ، وإذا کانت الفطرة هی الهادیة إلی الإختلاف لم تتمکن من رفع الإختلاف ، وکیف یدفع شئ ما یجذبه إلیه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الإختلاف بالنبوة والتشریع بهدایة النوع إلی کماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم.

وهذا الکمال کمال حقیقی داخل فی الصنع والإیجاد ، فما هو مقدمته کذلک ، وقد قال تعالی: الَّذِی أَعْطَی کُلَّ شَئٍْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی . طه : 50 ، فبین أن من شأنه وأمره تعالی أن یهدی کل شئ إلی ما یتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الإنسان أن یهتدی إلی کمال وجوده فی الدنیا والآخرة ، وقد قال تعالی أیضاً: کُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ

رَبِّکَ وَمَا کَانَ عَطَاءُ رَبِّکَ مَحْظُورًا . الإسراء : 20 ، وهذه الآیة تفید أن شأنه تعالی هو الإمداد بالعطاء یمد کل من یحتاج إلی إمداده فی طریق حیاته ووجوده ویعطیه ما یستحقه ، وأن عطاءه غیر محظور ولا ممنوع من قبله تعالی إلا أن یمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالی .

ومن المعلوم أن الإنسان غیر متمکن من تتمیم هذه النقیصة من قبل نفسه ، فإن

ص: 115

فطرته هی المؤدیة إلی هذه النقیصة ، فکیف یقدر علی تتمیمها وتسویة طریق السعادة والکمال فی حیاته الإجتماعیة .

وإذا کانت الطبیعة الإنسانیة هی المؤدیة إلی هذا الإختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلی کماله الحری به ، وهی قاصرة عن تدارک ما أدت إلیه وإصلاح ما أفسدته فالأصلاح لو کان یجب أن یکون من جهة غیر جهة الطبیعة وهی الجهة الإلهیة التی هی النبوة بالوحی ، ولذا عبر تعالی عن قیام الأنبیاء بهذا الأصلاح ورفع الإختلاف بالبعث ، ولم ینسبه فی القرآن کله إلا إلی نفسه ، مع أن قیام الأنبیاء کسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانیة والمکانیة .

فالنبوة حالة إلهیة ، وإن شئت قل غیبیة ، نسبتها إلی هذه الحالة العمومیة من الإدراک والفعل نسبة الیقظة إلی النوم، بها یدرک الإنسان المعارف التی بها یرتفع الإختلاف والتناقض فی حیاة الإنسان ، وهذا الإدراک والتلقی من الغیب هو المسمی فی لسان القرآن بالوحی، والحالة

التی یتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة .

ومن هنا یظهر أن هذا - أعنی تأدیة الفطرة إلی الإجتماع المدنی من جهة وإلی الإختلاف من جهة أخری وعنایته تعالی بالهدایة إلی تمام الخلقة - مبدأ حجة علی وجود النبوة ، وبعبارة أخری دلیل النبوة العامة .

تقریره: أن نوع الإنسان مستخدم بالطبع وهذا الإستخدام الفطری یؤدیه إلی الإجتماع المدنی وإلی الإختلاف والفساد فی جمیع شئون حیاته الذی یقضی التکوین والإیجاد برفعه ، ولا یرتفع إلا بقوانین تصلح الحیاة الإجتماعیة برفع الإختلاف عنها. وهدایة الإنسان إلی کماله وسعادته بأحد أمرین ، إما بفطرته وإما بأمر وراءه ، لکن الفطرة غیر کافیة فإنها هی المؤدیة إلی الإاختلاف فکیف ترفعه ، فوجب أن یکون بهدایة من غیر طریق الفطرة والطبیعة وهو التفهیم

ص: 116

الإالهی غیر الطبیعی المسمی بالنبوة والوحی ، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها فی کتاب الله تعالی کما عرفت فیما تقدم ، وکل واحدة من هذه المقدمات تجربیة بینتها التجربة للانسان تاریخ حیاتة واجتماعاته المتنوعة التی ظهرت وانقرضت فی طی القرون المتراکمة الماضیة إلی أقدم أعصار الحیاة الإنسانیة التی یذکرها التاریخ. فلا الإنسان انصرف فی حین من أحیان حیاته عن حکم الإاستخدام ، ولا استخدامه لم یؤد إلی الإاجتماع وقضی بحیاة فردیة ، ولا اجتماعه المکون خلا عن الإاختلاف ، ولا الإختلاف ارتفع بغیر قوانین اجتماعیة ، ولا أن فطرته وعقله الذی یعده عقلاً سلیماً قدرت علی وضع قوانین تقطع منابت الإختلاف وتقلع مادة الفساد .

وناهیک فی ذلک ما تشاهده من جریان الحوادث الإجتماعیة وما هو نصب عینیک من انحطاط الأخلاق وفساد عالم الإنسانیة والحروب المهلکة للحرث والنسل والمقاتل المبیدة للملایین بعد الملایین من الناس ، وسلطان التحکم ونفوذ الإستعباد فی نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم فی هذا القرن الذی یسمی عصر المدنیة والرقی والثقافة والعلم ، فما ظنک بالقرون الخالیة أعصار الجهل والظلمة.

وأما أن الصنع والإیجاد یسوق کل موجود إلی کماله اللائق به فأمر جار فی کل موجود بحسب التجربة والبحث ، وکذا کون الخلقة والتکوین إذا اقتضی أثراً لم یقتض خلافه بعینه أمر مسلّم تثبته التجربة والبحث ، وأما أن التعلیم والتربیة الدینیین الصادرین من مصدر النبوة والوحی یقدران علی دفع هذا الإختلاف والفساد ، فأمر یصدقه البحث والتجربة معاً ، أما البحث فلان الدین یدعو إلی حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال ، فصلاح العالم الإنسانی مفروض فیه ، وأما التجربة فالإسلام أثبت ذلک فی الیسیر من الزمان الذی کان

ص: 117

الحاکم فیه علی الإجتماع بین المسلمین هو الدین ، وأثبت ذلک بتربیة أفراد من الإنسان صلحت نفوسهم وأصلحوا نفوس غیرهم من الناس علی أن جهات الکمال والعروق النابضة فی هیکل الإجتماع المدنی الیوم التی تضمن حیاة الحضارة والرقی مرهونة للتقدم الإسلامی وسریانه فی العالم الدنیوی علی ما تعطیه التجزیة والتحلیل من غیر شک. انتهی .

وأنت تلاحظ أن صاحب المیزان(رحمه الله)فسر الفطرة بالغرائز الخیرة والشریرة معاً ، ولکن والذی یظهر من الأحادیث الشریفة اختصاصها ببعض الغرائز الخیرة .

تفسیر المیزان:151/11:

فلو کان فی الدنیا خیر مرجو وسعادة لوجب أن ینسب إلی الدین وتربیته. ویشهد بذلک ما نشاهده من أمر الأمم التی بنت اجتماعها علی کمال الطبیعة وأهملت أمر الدین والأخلاق فإنهم لم یلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقیة والفطریة ، مع وجود أصل الفطرة فیهم ، ولو کانت أصل الفطرة کافیة ولم تکن هذه الصفات بین البشر من البقایا الموروثة من الدین ، لما افتقدوا شیئاً من ذلک .

علی أن التاریخ أصدق شاهد علی الإقتباسات التی عملتها الأمم المسیحیة بعد الحروب الصلیبیة فاقتبسوا مهمات النکات من القوانین العامة الإسلامیة فتقلدوها وتقدموا بها ، والحال أن المسلمین اتخذوها وراءهم ظهریاً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئک . . والکلام طویل الذیل .

وبالجملة الأصلان المذکوران - أعنی السرایة والوراثة وهما التقلید الغریزی فی الإنسان والتحفظ علی السیرة المألوفة - یوجبان نفوذ الروح الدینی فی

ص: 118

الإجتماعات کما یوجبان فی غیره ذلک ، وهو تأثیر فعلی .

فإن قلت: فعلی هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغنی طائلاً ، وإنما أمر السعادة بید النبوة ، وما فائدة بناء التشریع علی أساس الفطرة علی ما تدعیه النبوة .

قلت: ما قدمناه فی بیان ما للفطرة من الإرتباط بسعادة الإنسان وکماله یکفی فی حل هذه الشبهة ، فإن السعادة والکمال الذی تجلبه النبوة إلی الإنسان لیس أمراً خارجاً عن هذا النوع ولا غریباً عن الفطرة ، فإن الفطرة هی التی تهتدی إلیه لکن هذا الإهتداء لا یتم لها بالفعل وحدها من غیر معین یعینها علی ذلک ، وهذا المعین الذی یعینها علی ذلک وهو حقیقة النبوة لیس أیضاً أمراً خارجاً عن الإنسانیة وکمالها منضماً إلی الإنسان کالحجر الموضوع فی جنب الإنسان مثلاً ، وإلا کان ما یعود منه إلی الإنسان أمراً غیر کماله وسعادته کالثقل الذی یضیفه الحجر إلی ثقل الإنسان فی وزنه ، بل هو أیضاً کمال فطری للإنسان مذخور فی هذا النوع وهو شعور خاص وإدراک مخصوص مکمون فی حقیقته لا یهتدی إلیه بالفعل إلا آحاد من النوع

أخذتهم العنایة الإلهیة ، کما أن للبالغ من الإنسان شعوراً خاصاً بلذة النکاح لا تهتدی إلیه بالفعل بقیة الأفراد غیر البالغین بالفعل ، وإن کان الجمیع من البالغ وغیر البالغ مشترکین فی الفطرة الإنسانیة والشعور شعور مرتبط بالفطرة. وبالجملة لاحقیقة النبوة أمر زائد علی إنسانیة الإنسان الذی یسمی نبیاً وخارج عن فطرته، ولا السعادة التی تهتدی سائر الأمة إلیها أمر خارج عن إنسانیتهم وفطرتهم غریب عما یستأنسه وجودهم الإنسانی ، وإلا لم تکن کمالاً وسعادة بالنسبه إلیهم .

فإن قلت: فیعود الإشکال علی هذا التقریر إلی النبوة فإن الفطرة علی هذا کافیة وحدها والنبوة غیر خارجة عن الفطرة . فإن المتحصل من هذا الکلام هو أن

ص: 119

النوع الإنسانی المتمدن بفطرته والمختلف فی اجتماعه یتمیز من بین أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقیمة وعقولهم سلیمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات ، فیهتدون بإستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلی ما فیه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان فیضعون قوانین فیها مصلحة الناس وعمران الدنیا والآخرة ، فإن النبی هو الإنسان الصالح الذی له نبوغ اجتماعی .

قلت: کلا وإنما هو تفسیر لا ینطبق علی حقیقة النبوة ولا ما تستتبعه .

أما أولاً ، فلان ذلک فرض افترضه بعض علماء الإجتماع ممن لا قدم له فی البحث الدینی والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد. فذکر أن النبوة نبوغ خاص اجتماعی استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل ، وهذا النبوغ یدعوا إلی الفکر فی حال الإجتماع وما یصلح به هذا الإجتماع المختل وما یسعد به الإنسان الإجتماعی فهذا النابغة الإجتماعی هوالنبی والفکر الصالح المترشح من قواه الفکریة هو الوحی، والقوانین التی یجعلها لصلاح الإجتماع هو الدین ، وروحه الطاهر الذی یفیض هذه الأفکار إلی قواه الفکریة ولا یخون العالم الإنسانی بإتباع الهوی هو الروح الأمین وهو جبرائیل ، والموحی الحقیقی هو الله سبحانه والکتاب الذی یتضمن أفکاره العالیة الطاهرة هو الکتاب السماوی ، والملائکة هی القوی الطبیعیة أو الجهات الداعیة إلی الخیر ، والشیطان هی النفس الإمارة بالسوء أو القوی أو الجهات الداعیة إلی الشر والفساد ، وعلی هذا القیاس . وهذا فرض فاسد وقد مر فی البحث عن الإعجاز ، وأن النبوة بهذا المعنی لأن تسمی لعبة سیاسیة أولی بها من أن تسمی نبوة إلهیة .

وقد تقدم أن هذا الفکر الذی یسمی هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة ، من خواص العقل العملی الذی یمیز بین خیر الأفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة ،

ص: 120

وهو أمر مشترک بین العقلاء من أفراد الإنسان ومن هدایة الفطرة المشترکة ، وتقدم أیضاً إن هذا العقل بعینه هو الداعی إلی الإختلاف ، وإذا کان هذا شأنه لم یقدر من حیث هو کذلک علی رفع الإختلاف واحتاج فیه إلی متمم یتمم أمره ، وقد عرفت أنه یجب أن یکون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور یختص به بحسب الفعلیة بعض الآحاد من الإنسان ، وتهتدی به الفطرة إلی سعادة الإنسان الحقیقیة فی معاشه ومعاده .

ومن هنا یظهر أن هذا الشعور من غیر سنخ الشعور الفکری ، بمعنی أن ما یجده الإنسان من النتائج الفکریة من طریق مقدماتها العقلیة ، غیر ما یجده من طریق الشعور النبوی والطریق غیر الطریق .

ولا یشک الباحثون فی خواص النفس فی أن فی الإنسان شعوراً نفسیاً باطنیاً ، ربما یظهر فی بعض الآحاد من أفراده یفتح له باباً إلی عالم وراء هذا العالم ، ویعطیه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما یناله العقل والفکر ، صرح به جمیع علماء النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الإنجلیزی وغیره .

فقد تحصل أن باب الوحی النبوی غیر باب الفکر العقلی ، وأن النبوة وکذا الشریعة والدین والکتاب والملک والشیطان لاینطبق علیها ما اختلقوه من المعانی.

أمور ورد أنها من الفطرة

من لا یحضره الفقیه:130/1:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نجز الشوارب ونعفی اللحی ، وهی الفطرة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:423/1

الخصال/310:

ص: 121

حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار ، قال حدثنا جعفر بن محمد بن نوح ، قال حدثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حماد من أهل قومس ، قال حدثنا أبومحمد الحسن بن علی الحلوانی ، قال حدثنا بشر بن عمر ، قال حدثنا مالک بن أنس ، عن سعید بن أبی سعید المقبری ، عن أبی هریرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): خمس من الفطرة: تقلیم الأظفار: وقص الشارب ، ونتف الابط ، وحلق العانة ، والإختتان . انتهی . ورواه فی وسائل الشیعة:434/1

مستدرک الوسائل:120/2:

دعائم الإسلام: عن أمیر المؤمنین أنه قال: من الفطرة أن یستقبل بالعلیل القبلة إذا احتضر. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:85/243 وروی نحوه الحاکم فی المستدرک: 1/353 والبیهقی فی سننه:384/3

الکافی:496/5:

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن مسمع أبی سیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أحب أن یکون علی فطرتی فلیستن بسنتی وإن من سنتی النکاح .

بحار الأنوار:263/22:

کا: العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الأشعری ، عن ابن القداح عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقالت: یا رسول الله إن عثمان یصوم النهار ویقوم اللیل، فخرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مغضباً یحمل نعلیه

ص: 122

حتی جاء إلی عثمان فوجده یصلی ، فانصرف عثمان حین رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال له: یا عثمان لم یرسلنی الله بالرهبانیة، ولکن بعثنی بالحنیفیة السهلة السمحة، أصوم وأصلی وألمس أهلی،فمن أحب فطرتی فلیستن بسنتی ومن سنتی النکاح.

بحار الأنوار:220/103:

جع: قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی .

وقال: تناکحوا تکثروا فإنی أباهی بکم الأمم یوم القیامة ولو بالسقط .

وروی البخاری فی صحیحه:56/7:

. . . عن ابن عمر رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: من الفطرة قص الشارب . . . عن أبی هریرة روایة الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان ، والاستحداد ، ونتف الابط ، وتقلیم الأظفار ، وقص الشارب .

. . . عن نافع عن ابن عمر رضی الله عنهما أن رسول الله(ص)قال: من الفطرة حلق العانة ، وتقلیم الاظفار ، وقص الشارب .

... عن أبی هریرة (رض) سمعت

النبی(ص)یقول: الفطرة خمس: الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقلیم الأظفار ، ونتف الاباط .

... عن ابن عمر عن النبی(ص)قال: خالفوا المشرکین ، ووفروا اللحی واحفوا الشوارب . انتهی . وروی نحوه فی:143/7 ورواه النسائی:14/1

وروی مسلم فی:153/1: عن عائشة . . . قالت: قال رسول الله(ص): عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحیة ، والسواک ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الابط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء. قال زکریا: قال

ص: 123

مصعب: ونسیت العاشرة إلا أن تکون المضمضة ، زاد قتیبة قال وکیع: انتقاص الماء ، یعنی الإستنجاء. انتهی. ورواه النسائی:126/8 ونحوه فی سنن ابن ماجة:107/1 والبیهقی فی سننه:3/1 .

وروی فی کنز العمال:520/9: عن مجاهد قال: غسل الدبر من الفطرة .

أمور ورد أنها تضر بالفطرة

الکافی:400/2: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن عثمان بن عیسی ، عن رجل عن عبدالله(علیه السّلام)قال: من شک فی الله بعد مولده علی الفطرة لم یفئ إلی خیر أبداً .

شرح الأسماء الحسنی:43/2:

اللهم إن الطاعة تسرک والمعصیة لا تضرک ، فهب لی ما یسرک ، واغفر لی ما لا یضرک ، یا أرحم الراحمین .

أی: لو خلیتنی یا إلهی ونفسی الخائنة الجانیة وأوهامی المؤملة المرجیة ، فمن یزیل آثار زلاتی الجمة الکثیرة، کما هو مقتضی الجمع المضاف المفید للعموم ، لأن إمهال العظیم الصبور مدید موفور ، فإذا استحکمت الملکات الرذیلة وتجوهرت العادات السیئة صارت طبیعة ثانیة مخالفة للفطرة الأولی الإسلامیة (المحکمة الراسخة کیفاً ) والذاتی لا یتبدل ، والنفس موضوع بسیط ولا ضد له .

تهذیب الأحکام:269/3: . . . عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر(علیه السّلام): کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام) یقول: من قرأ خلف إمام یأتم به فمات بعث علی غیر الفطرة .

ص: 124

کنز العمال:286/8: عن علی قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. لیس من الفطرة القراءة مع الإمام .

کنز العمال:62/3: لن تزال أمتی علی الفطرة ما لم یتخذوا الأمانة مغنماً ، والزکاة مغرماً ، عن ثوبان .

صحیح البخاری:192/1: شعبة عن سلیمان ، قال سمعت زید بن وهب قال رأی حذیفة رجلاً لا یتم الرکوع والسجود قال: ما صلیت ، ولو مت مت علی غیر الفطرة التی فطر الله محمداً(ص). انتهی. ونحوه فی سنن البیهقی:386/2 ، وکنز العمال:200/8 ، ومسند أحمد:384/5 .

ص: 125

ص: 126

الفصل الرابع : تقویة الفطرة وتضعیفها وإساءة استعمالها

اشارة

ص: 127

ص: 128

قابلیة الفطرة للتقویة والتخریب

بحار الأنوار:269/73: . . . ثم الناس فی هذه القوة علی درجات ثلاث فی أول الفطرة وبحسب ما یطرأ علیها من الأمور الخارجة من التفریط والإفراط والإعتدال ، أما التفریط فیفقد هذه القوة أو یضعفها بأن لا یستعملها فیما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه علی وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش علیهم ، وإقامة الحدود علی الوجه المعتبر ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، فتحصل فیه ملکة الجبن بل ینتهی إلی عدم الغیرة علی حرمه وأشباه ذلک. انتهی. أقول: ویدل علیه أیضاً قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( ولکن أبواه یهودانه أو ینصرانه ) .

بحار الأنوار:372/60:

الإقبال: عن الحسین بن علی (علیهماالسّلام) فی دعاء یوم عرفة:

. . . ابتدأتنی بنعمتک قبل أن أکون شیئاً مذکوراً وخلقتنی من التراب ، ثم أسکنتنی الأصلاب ، آمناً لریب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعناً من صلب إلی رحم فی تقادم الأیام الماضیة والقرون الخالیة ، لم تخرجنی لرأفتک

ص: 129

بی ولطفک لی وإحسانک إلی فی دولة أئمة الکفرة الذین نقضوا عهدک، وکذبوا رسلک ، لکنک أخرجتنی رأفةً منک وتحنناً علی للذی سبق لی من الهدی الذین یسرتنی وفیه أنشأتنی، ومن قبل ذلک رؤفت بی بجمیل صنعک ، وسوابغ نعمتک ، فابتدعت خلقی ، من منی یمنی ، ثم أسکنتنی فی ظلمات ثلاث بین لحم وجلد ودم، لم تشهرنی بخلقی ، ولم تجعل إلیَّ شیئاً من أمری ، ثم أخرجتنی إلی الدنیا تاماً سویاً،وحفظتنی فی المهد طفلاً صبیاً ، ورزقتنی من الغذاء لبناً مریاً، وعطفت علی قلوب الحواضن ، وکفلتنی الأمهات الرحائم ، وکلاتنی من طوارق الجان ، وسلمتنی من الزیادة والنقصان ، فتعالیت یا رحیم یا رحمان .

حتی إذا استهللت ناطقاً بالکلام ، أتممت علی سوابغ الانعام ، فربیتنی زائداً فی کل عام حتی إذا کملت فطرتی ، واعتدلت سریرتی ، أوجبت علیَّ حجتک بأن ألهمتنی معرفتک ، وروعتنی بعجائب فطرتک ، وأنطقتنی لما ذرأت لی فی سمائک وأرضک من بدائع خلقک ، ونبهتنی لذکرک وشکرک ، وواجب طاعتک وعبادتک ، وفهمتنی ما جاءت به رسلک.. إلخ. انتهی .

قال المجلسی(رحمه الله)الفطرة إشارة إلی قوة الأعضاء والقوی الظاهرة ، واعتدال السریرة إلی کمال القوی الباطنة . . . ألقیت فی روعی أی قلبی عجائب الفطرة ، لکنه بعید عن الشائع فی إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة. انتهی .

أقول: الظاهر أن معناه: جعلتنی أدرک روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتک .

تفسیر المیزان:178/16:

الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنی الإیجاد والإبداع ، وفطرة الله منصوب علی الأغراء أی إلزم الفطرة، ففیه إشارة إلی أن هذا الدین الذی یجب إقامة الوجه له، هو الذی تهتف به الخلقة وتهدی إلیه الفطرة الإلهیة التی لا تبدیل لها .

ص: 130

وذلک أنه لیس الدین إلا سنة الحیاة والسبیل التی یجب علی الإنسان أن یسلکها حتی یسعد فی حیاته ، فلا غایة للإنسان یتبعها إلا السعادة ، وقد هدی کل نوع من أنواع الخلیقة إلی سعادته التی هی بغیة حیاته بفطرته ونوع خلقته ، وجهزه فی وجوده بما یناسب غایته من التجهیز ، قال تعالی: رَبُّنَا الَّذِی أَعْطَی کُلَّ شَئْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی. طه : 50 ، وقال: الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّی وَالَّذِی قَدَّرَ فَهَدَی. الأعلی : 3 . فالإنسان کسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهدیه إلی تتمیم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ینفعه وما یضره فی حیاته ، قال تعالی: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا الشمس : 8 ، وهو مع ذلک مجهز بما یتم له به ما یجب له أن یقصده من العمل ، قال تعالی: ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ . عبس : 20 .

فللإنسان فطرة خاصة تهدیه إلی سنة خاصة فی الحیاة وسبیل معینة ذات غایة مشخصة لیس له إلا أن یسلکها خاصة ، وهو قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، ولیس الإنسان العائش فی هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا یختلف ما ینفعه وما یضره بالنظر إلی هذه البنیة المؤلفة من روح وبدن ، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد ، فمن الضروری حینئذ أن یکون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة یهدیه إلیها هاد واحد ثابت ، ولیکن ذاک الهادی هو الفطرة ونوع الخلقة ، ولذلک عقب قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی

فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، بقوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ینعقد مجتمع واحد صالح یضمن سعادة الأفراد المجتمعین ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التی تعیش فیها الأمم المختلفة بمعنی أن یکون الأساس الوحید للسنة الإجتماعیة ، أعنی الدین هو ما یقتضیه حکم المنطقة ، کان الإنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الأقطار ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة ، بمعنی أن

ص: 131

تکون الأعصار والقرون هی الأساس الوحید للسنة الدینیة، اختلفت نوعیة کل قرن وجیل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم، ولم یسر الإجتماع الإنسانی سیر التکامل، ولم تکن الإنسانیة متوجهة من النقص إلی الکمال ، إذ لا یتحقق النقص والکمال إلا مع أمر مشترک ثابت محفوظ بینهما .

ولیس المراد بهذا إنکار أن یکون لاختلاف الأفراد أو الأمکنة أو الأزمنة بعض التأثیر فی انتظام السنة الدینیة فی الجملة ، بل إثبات أن الأساس للسنة الدینیة هو البنیة الإنسانیة التی هی حقیقة واحدة ثابتة مشترکة بین الأفراد ، فللإنسانیة سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذی هو الإنسان ، وهی التی تدیر رحی الإنسانیة مع ما یلحق بها من السنن الجزئیة المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمکنة أو الأزمنة. وهذا هو الذی یشیر إلی قوله بعد ذلک: الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ . . . .

وللقوم فی مفردات الآیة ومعناها أقوال أخر متفرقة ، منها: أن المراد بإقامة الوجه تسدید العمل ، فإن الوجه هو ما یتوجه إلیه وهو العمل وإقامته تسدیده. وفیه أن وجه العمل هو غایته المقصودة منه وهی غیر العمل ، والذی فی الآیة هو: فَأَقِمْ وَجْهَکَ، ولم یقل فأقم وجه عملک . . . .

ومنها ، أن لا فی قوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، تفید النهی أی لا تبدلوا خلق الله أی دینه الذی أمرتم بالتمسک به ، أولا تبدلوا خلق الله بإنکار دلالتة علی التوحید ، ومنه من نسب إلی ابن عباس أن المراد به النهی عن الخصاء .

وفیه ، أن لا دلیل علی أخذ الخلق بمعنی الدین ولا موجب لتسمیة الأعراض عن دلالة الخلقة أو إنکارها تبدیلاً لخلق الله ، وأما ما نسب إلی ابن عباس ففساده ظاهر .

ومنها ، ما ذکره الرازی فی التفسیر الکبیر قال: ویحتمل أن یقال خلق الله الخلق

ص: 132

لعبادته وهم کلهم عبیده لا تبدیل لخلق الله ، أی لیس کونهم عبیداً مثل کون المملوک عبداً للإنسان فإنه ینتقل عنه إلی غیره ویخرج عن ملکه بالعتق ، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودیة. وهذا لبیان فساد قول من یقول العبادة لتحصیل الکمال والعبد یکمل بالعبادة فلا یبقی علیه تکلیف ، وقول المشرکین إن الناقص لا یصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الکواکب والکواکب عبید الله، وقول النصاری إن عیسی کان یحل الله فیه وصار إلها ، فقال: لا تبدیل لخلق الله بل کلهم عبید لا خروج لهم عن ذلک. إنتهی .

وفیه، أنه مغالطة بین الملک والعبادة التکوینیین والملک والعبادة التشریعیین، فإن ملکه تعالی الذی لا یقبل الإنتقال والبطلان ملک تکوینی بمعنی قیام وجود الأشیاء به تعالی ، والعبادة التی بإزائه عبادة تکوینیة وهو خضوع ذوات الأشیاء له تعالی ، ولا تقبل التبدیل والترک کما فی قوله: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ إسراء : 44 .

وأما العبادة الدینیة التی تقبل التبدیل والترک فهی عبادة تشریعیة بإزاء الملک التشریعی المعتبر له تعالی ، فأفهمه. ولو دل قوله لا تبدیل لخلق الله علی عدم تبدیل الملک والعبادة والعبودیة لدل علی التکوینی منهما ، والذی یبدله القائلون بارتفاع التکلیف عن الإنسان الکامل أو بعبادة الکواکب أو المسیح ، فإنما یعنون به التشریعی منهما .

تفسیر المیزان:312/5:

البیانات القرآنیة تجری فی بث المعارف الدینیة وتعلیم الناس العلم النافع هذا المجری ، وتراعی الطرق المتقدمة التی عینتها للحصول علی المعلومات ، فما کان من الجزئیات التی لها خواص تقبل الاحساس فإنها تصریح فیها إلی

ص: 133

الحواس کالآیات المشتملة علی قوله: ألم تر، أفلا یرون ، أفرأیتم، أفلا تبصرون، وغیر ذلک .

وما کان من الکلیات العقلیة مما یتعلق بالأمور الکلیة المادیة ، أو التی هی وراء عالم الشهادة ، فإنها تعتبر فیها العقل اعتباراً جازماً وإن کانت غائبة عن الحس خارجة عن محیط المادة والمادیات کغالب الآیات الراجعة إلی المبدأ والمعاد المشتملة علی أمثال قوله: لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ، لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ ، لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ ، یَفْقَهُونَ ، وغیرها.

وما کان من القضایا العملیة التی لها مساس بالخیر والشر والنافع والضار فی العمل والتقوی والفجور ، فإنها تستند فیها إلی الإلهام الإلهی بذکر ما بتذکره یشعر الإنسان بإلهامه الباطنی کالآیات المشتملة علی مثل قوله: ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ ، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ، وَالإثْمَ وَالْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ، إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی، وغیرها ، وعلیک بالتدبر فیها .

ومن هنا یظهر أولاً أن القرآن الکریم یُخطّئ طریق الحسیین وهم المعتمدون علی الحس والتجربة النافون للأحکام العقلیة الصرفة فی الابحاث العلمیة، وذلک أن أول ما یهتم القرآن به فی بیانه هو أمر توحید الله عز اسمه ، ثم یرجع إلیه ویبنی علیه جمیع المعارف الحقیقیة التی یبینها ویدعو إلیها .

ومن المعلوم أن التوحید أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبینونة للمادة وارتباطاً بالأحکام العقلیة الصرفة. والقرآن یبین أن هذه المعارف الحقیقیة من الفطرة ، قال: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ. الروم : 30، أی أن الخلقة الإنسانیة نوع من الایجاد یستتبع هذه العلوم والإدراکات، ولا معنی لتبدیل خلق إلا أن یکون نفس التبدیل أیضاً من الخلق والإیجاد ، وأما تبدیل الإیجاد المطلق أی إبطال حکم الواقع فلا یتصور له معنی ، فلن یستطیع الإنسان وحاشا ذلک أن یبطل علومه الفطریة ویسلک فی الحیاة سبیلاً آخر غیر سبیلها

ص: 134

البتة .

وأما الانحراف المشهود عن أحکام الفطرة فلیس إبطالاً لحکمها ، بل استعمالاً لها غیر ما ینبغی من نحو الإستعمال ، نظیر ما ربما یتفق أن الرامی لا یصیب الهدف فی رمیته ، فإن آلة الرمی وسائر شرائطه موضوعه بالطبع للإصابة ، إلا أن الإستعمال یوقعها فی الغلط ، والسکاکین والمناشیر والمثاقب والإبر وأمثالها إذا عبئت فی الماکینات تعبئة معوجة تعمل عملها الذی فطرت علیه بعینه من قطع أو نشر أو ثقب وغیر ذلک ، لکن لا علی الوجه المقصود ، وأما الإنحراف عن العمل الفطری کأن یخاط بنشر المنشار بأن یعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فیضع الخیاطة موضع النشر ، فمن المحال ذلک .

وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم علی صحة طریقهم ، کقولهم إن الأبحاث العقلیة المحضة والقیاسات المؤلفة من مقدمات بعیدة من الحس یکثر وقوع الخطأ فیها ، کما یدل علیه کثرة الإختلافات فی المسائل العقلیة المحضة ، فلا ینبغی الإعتماد علیها لعدم إطمئنان النفس إلیها. وقولهم فی الإستدلال علی صحة طریق الحس والتجربة إن الحس آلة لنیل خواص الأشیاء بالضرورة وإذا أحس بأثر فی موضوع من الموضوعات علی شرائط مخصوصة ثم تکرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلک الشرائط بعینها من غیر تخلف واختلاف، کشف ذلک عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غیر اتفاق ، لأن الإتفاق ( الصدفة ) لا یدوم البتة .

والدلیلان کما تری سیقاً لإثبات وجوب الإعتماد علی الحس والتجربة ورفض السلوک العقلی المحض ، مع کون المقدمات المأخوذة فیهما جمیعاً مقدمات عقلیة خارجة عن الحس والتجربة ، ثم أرید بالأخذ بهذه المقدمات العقلیة

ص: 135

إبطال الأخذ بها، وهذا هو الذی تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة ، وإنما یغلط الإنسان فی کیفیة استعمالها .

قدوات البشریة فی فطرتهم المستقیمة

آدم(علیه السّلام)فطرة الله تعالی

الصحیفة السجادیة:39/2: فی الصلاة علی آدم(علیه السّلام): اللهم وآدم بدیع فطرتک ، وأول معترف من الطین بربوبیتک ، وبکر حجتک علی عبادک وبریتک .

بحار الأنوار:230/101:

( زیارة أخری ) رواها الکفعمی فی البلدالأمین عن الصادق(علیه السّلام)قال: إذا وصلت إلی الفرات فاغتسل وألبس أنظف ثوب تقدر علیه ، ثم صر إلی القبر حافیاً وعلیک السکینة والوقار ، وقف بالباب وکبر أربعاً وثلاثین تکبیرة وقل: السلام علیک یا وارث آدم فطرة الله ، السلام علیک یا وارث نوح صفوة الله .

إبراهیم(علیه السّلام)إمام الإستقامة علی الفطرة

الصحیفة السجادیة:256/2: . . . یا موضع کل شکوی ، ویا شاهد کل نجوی ، ویا عالم کل خفیة ، ویا دافع کل بلیة ، یا کریم العفو ، یا حسن التجاوز ، توفنی علی ملة إبراهیم وفطرته ، وعلی دین محمد وسنته ، وعلی خیر الوفادة فتوفنی ، موالیاً لأولیائک ومعادیاً لأعدائک. اللهم إنی أسألک التوفیق لکل عمل أو قول أو فعل یقربنی إلیک زلفی، یا أرحم الراحمین .

ص: 136

الکافی:336/8:علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبان بن عثمان عن حجر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: خالف إبراهیم(علیه السّلام)قومه وعاب آلهتهم حتی أدخل علی نمرود فخاصمه ، فقال إبراهیم(علیه السّلام): ربی الذی یحیی ویمیت قال: أنا أحیی وأمیت . قال إبراهیم: فإن الله یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذی کفر والله لا یهدی القوم الظالمین .

وقال أبو جعفر(علیه السّلام): عاب آلهتهم فنظر نظرة فی النجوم فقال إنی سقیم ، قال أبو جعفر(علیه السّلام): والله ما کان سقیماً وما کذب ، فلما تولوا عنه مدبرین إلی عید لهم دخل إبراهیم(علیه السّلام)إلی آلهتهم بقدوم فکسرها إلا کبیراً لهم ووضع القدوم فی عنقه ، فرجعوا إلی آلهتهم فنظروا إلی ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ علیها ولا کسرها إلا الفتی الذی کان یعیبها ویبرأ منها ، فلم یجدوا له قتلةً أعظم من النار ، فجمعوا له الحطب واستجادوه ، حتی إذا کان الیوم الذی یحرق فیه برز له نمرود وجنوده وقد بنی له بناء لینظر إلیه کیف تأخذه النار ، ووضع إبراهیم(علیه السّلام) فی منجنیق ، وقالت الأرض: یا رب لیس علی ظهری أحد یعبدک غیره یحرق بالنار ؟ قال الرب: إن دعانی کفیته .

فذکر أبان عن محمد بن مروان ، عمن رواه عن أبی جعفر(علیه السّلام)أن دعاء إبراهیم (علیه السّلام)یومئذ کان ( یا أحد یا أحد ، یا صمد یا صمد ، یا من لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً أحد . ثم قال: توکلت علی الله ) فقال الرب تبارک وتعالی: کفیت ، فقال للنار: کُونِی بَرْدًا. قال فاضطربت أسنان إبراهیم(علیه السّلام)من البرد حتی قال الله عز وجل: وَسَلامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ. وانحط جبرئیل(علیه السّلام)وإذا هو جالس مع إبراهیم(علیه السّلام)

ص: 137

یحدثه فی النار ، قال نمرود: من اتخذ إلهاً فلیتخذ مثل إله إبراهیم ! قال: فقال عظیم من عظمائهم: إنی عزمت علی النار أن لا تحرقه ، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتی أحرقه ! قال: فآمن له لوط ، وخرج مهاجراً إلی الشام هو وسارة ولوط .

- علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد جمیعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی قال: سمعت أبا عبدالله (علیه السّلام)یقول: ان إبراهیم(علیه السّلام)کان مولده بکوثی رباً ، وکان أبوه من أهلها وکانت أم إبراهیم وأم لوط سارة ورقة وفی نسخة رقیة أختین ، وهما ابنتان للاحج ، وکان لاحج نبیاً منذراً ولم یکن رسولاً ، وکان إبراهیم(علیه السّلام)فی شبیبته علی الفطرة التی فطر الله عز وجل الخلق علیها ، حتی هداه الله تبارک وتعالی إلی دینه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهی ابنة خالته ، وکانت سارة صاحبة ماشیة کثیرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وکانت قد ملکت إبراهیم(علیه السّلام)جمیع ما کانت تملکه ، فقام فیه وأصلحه وکثرت الماشیة والزرع ، حتی لم یکن بأرض کوثی ربا رجل أحسن حالاً منه .

وإن إبراهیم(علیه السّلام)لما کسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق ، وعمل له حیراً وجمع له فیه الحطب وألهب فیه النار ، ثم قذف إبراهیم(علیه السّلام)فی النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتی خمدت النار ، ثم أشرفوا علی الحیر فإذا هم بإبراهیم(علیه السّلام)سلیماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ینفوا إبراهیم(علیه السّلام)من بلاده وأن یمنعوه من الخروج بماشیته وماله ، فحاجهم إبراهیم(علیه السّلام)عند ذلک فقال: إن أخذتم ماشیتی ومالی فإن حقی علیکم أن تردوا علیَّ ما ذهب من عمری فی بلادکم ، واختصموا إلی قاضی نمرود فقضی علی إبراهیم (علیه السّلام) أن یسلم إلیهم

ص: 138

جمیع ما أصاب فی بلادهم ، وقضی علی أصحاب نمرود أن یردوا علی إبراهیم (علیه السّلام) ما ذهب من عمره فی بلادهم !

فأخبر بذلک نمرود فأمرهم أن یخلوا سبیله وسبیل ماشیته وما له وأن یخرجوه ، وقال: إنه إن بقی فی بلادکم أفسد دینکم وأضر بآلهتکم ، فأخرجوا إبراهیم ولوطاً معه صلی الله علیهما من بلادهم إلی الشام ، فخرج إبراهیم ومعه لوط لا یفارقه وسارة ، وقال لهم: إنی ذاهب إلی ربی سیهدین ، یعنی بیت المقدس .

فتحمل إبراهیم(علیه السّلام)بماشیته وماله وعمل تابوتاً وجعل فیه سارة وشد علیها الأغلاق غیرةً منه علیها ، ومضی حتی خرج من سلطان نمرود وصار إلی سلطان رجل من القبط یقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر لیعشر ما معه ، فلما انتهی إلی العاشر ومعه التابوت .

قال العاشر لابراهیم(علیه السّلام): إفتح هذا التابوت حتی نعشر ما فیه .

فقال له إبراهیم(علیه السّلام): قل ما شئت فیه من ذهب أو فضة حتی نعطی عشره ولا نفتحه .

قال فأبی العاشر إلا فتحه ، قال وغضب إبراهیم(علیه السّلام)علی فتحه ، فلما بدت له سارة وکانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر: ما هذه المرأة منک ؟

قال إبراهیم(علیه السّلام): هی حرمتی وابنة خالتی .

فقال له العاشر: فما دعاک إلی أن خبیتها فی هذا التابوت ؟فقال إبراهیم(علیه السّلام): الغیرة علیها أن یراها أحد .

فقال له العاشر: لست أدعک تبرح حتی أعلم الملک حالها وحالک ، قال: فبعث رسولاً إلی الملک فأعلمه فبعث الملک رسولاً من قبله لیأتوه بالتابوت فأتوا لیذهبوا به. فقال لهم إبراهیم(علیه السّلام): إنی لست أفارق التابوت حتی تفارق روحی

ص: 139

جسدی ، فأخبروا الملک بذلک فأرسل الملک أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهیم(علیه السّلام)والتابوت وجمیع ما کان معه حتی أدخل علی الملک فقاله له الملک: إفتح التابوت .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): أیها الملک إن فیه حرمتی وابنة خالتی وأنا مفتد فتحه بجمیع ما معی. قال: فغضب الملک وأجبر إبراهیم(علیه السّلام)علی فتحه ، فلما رأی سارة لم یملک حلمه سفهه أن مد یده إلیها فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)بوجهه عنها وعنه غیرة منه وقال: اللهم احبس یده عن حرمتی وابنة خالتی ، فلم تصل یده إلیها ولم ترجع إلیه !

فقال له الملک: إن إلهک الذی فعل بی هذا ؟

فقال له: نعم ، إن إلهی غیور یکره الحرام وهو الذی حال بینک وبین ما أردت من الحرام .

فقال له الملک: فادع إلهک یرد علیَّ یدی فإن أجابک فلم أعرض لها .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): إلهی رد علیه یده لیکف عن حرمتی .

قال: فرد الله عز وجل علیه یده فأقبل الملک نحوها ببصره ، ثم أعاد بیده نحوها فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)عنه بوجهه غیرة منه وقال: اللهم احبس یده عنها ، قال فیبست یده ولم تصل إلیها !

فقال الملک لابراهیم(علیه السّلام): ان إلهک لغیور وإنک لغیور فادع إلهک یرد علی یدی فإنه إن فعل لم أعد .

فقال له إبراهیم(علیه السّلام): أسأله ذلک علی أنک إن عدت لم تسألنی أن أسأله .

فقال الملک: نعم .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): اللهم إن کان صادقاً فرد علیه یده ، فرجعت إلیه یده !

ص: 140

فلما رأی ذلک الملک من الغیرة ما رأی ورأی الآیة فی یده ، عظم إبراهیم(علیه السّلام) وهابه وأکرمه واتقاه ، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معک ، فانطلق حیث شئت ولکن لی إلیک حاجة .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): ما هی ؟

فقال له: أحب ان تأذن لی أن أخدمها قبطیة عندی جمیلة عاقلة تکون لها خادماً.

قال: فأذن له إبراهیم(علیه السّلام)فدعا بها فوهبها لسارة وهی هاجر أم إسماعیل(علیه السّلام) .

فسار إبراهیم(علیه السّلام)بجمیع ما معه وخرج الملک معه یمشئ خلف إبراهیم(علیه السّلام) إعظاماً لابراهیم(علیه السّلام)وهیبة له ، فأوحی الله تبارک وتعالی إلی إبراهیم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ویمشئ هو خلفک ، ولکن اجعله أمامک وامش خلفه وعظمه وهبه ،

فإنه مسلط ولابد من إمرة فی الأرض برة أو فاجرة ، فوقف إبراهیم(علیه السّلام)وقال للملک: إمض فإن إلهی أوحی إلیَّ الساعة أن أعظمک وأهابک وأن أقدمک أمامی وأمشئ خلفک إجلالاً لک .

فقال له الملک: أوحی إلیک بهذا ؟ فقال له إبراهیم(علیه السّلام): نعم .

فقال له الملک: أشهد أن إلهک لرفیق حلیم کریم ، وإنک ترغبنی فی دینک .

قال: وودعه الملک فسار إبراهیم(علیه السّلام)حتی نزل بأعلی الشامات ، وخلف لوطاً(علیه السّلام) فی أدنی الشامات .

ثم إن إبراهیم(علیه السّلام)لما أبطأ علیه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتنی هاجر لعل الله أن یرزقنا منها ولداً فیکون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهیم(علیه السّلام)هاجر من سارة فوقع علیها فولدت اسماعیل. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:416/4 ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:48/12 .

وفی هذا الحدیث من الحقائق والاضواء علی حیاة سیدنا إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما یرد

ص: 141

کثیراً من الشبه الواردة فی الإسرائیلیات ، والتهم التی اتهمه بها الیهود ، وقلدهم بعض المسلمین !!

نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )رائد العارفین ورائد سعادتنا

نهج البلاغة:44/3:

... والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا ، فهو رائد سعادتنا .

مروج الذهب للمسعودی:32/1:

فهذا ما روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، عن أبیه علی بن الحسین ، عن أبیه الحسین بن علی، عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه:

إن الله حین شاء تقدیر الخلیقة وذرأ البریة وإبداع المبدعات ، نصب الخلق فی صور کالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء ، وهو فی انفراد ملکوته وتوحد جبروته فأتاح ( فأساح ) نوراً من نوره فلمع ، و] نزع [ قبساً من ضیائه فسطع ، ثم اجتمع النور فی وسط تلک الصور الخفیة فوافق ذلک صورة نبینا محمد(ص)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب ، وعندک مستودع نوری وکنوز هدایتی، من أجلک أسطح البطحاء ، وأمرج الماء، وأرفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار ، وأنصب أهل بیتک للهدایة ، وأوتیهم من مکنون علمی ما لا یشکل علیهم دقیق ولا یعییهم خفی ، وأجعلهم حجتی علی بریتی ، والمنبهین علی قدرتی ووحدانیتی ، ثم أخذ الله الشهادة علیهم بالربوبیة والإخلاص بالوحدانیة. فبعد أخذ ما أخذ من ذلک شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ( فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله )

ص: 142

وأراهم أن الهدایة معه والنور له والإمامة فی آله ، تقدیماً لسنة العدل ، ولیکون الأعذار متقدماً .

ثم أخفی الله الخلیقة فی غیبه ، وغیبها فی مکنون علمه ، ثم نصب العوامل وبسط الزمان ، ومرج الماء ، وأثار الزبد ،

وأهاج الدخان ، فطفا عرشه علی الماء ، فسطح الأرض علی ظهر الماء ] وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء [ ثم استجلبهما إلی الطاعة فأذعنتا بالإستجابة .

ثم أنشأ الله الملائکة من أنوار أبدعها ، وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحیده نبوة محمد(ص)، فشهرت فی السماء قبل بعثته فی الأرض ، فلما خلق آدم أبان فضله للملائکة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حیث عرفه عند استنبائه إیاه أسماء الأشیاء ، فجعل الله آدم محراباً وکعبة وباباً وقبلة أسجد إلیها الأبرار والروحانیین الأنوار ، ثم نبه آدم علی مستودعه ، وکشف له ] عن [ خطر ما ائتمنه علیه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائکة ، فکان حظ آدم من الخیر ما أراه من مستودع نورنا ، ولم یزل الله تعالی یخبئ النور تحت الزمان إلی أن فضل محمداً (ص)فی ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعی(علیه السّلام)التنبیه علی العهد الذی قدمه إلی الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدی إلی سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .

ثم انتقل النور إلی غرائزنا ، ولمع فی أئمتنا ، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض ، فبنا النجاء ، ومنا مکنون العلم ، والینا مصیر الأمور ، وبمهدینا تنقطع الحجج ، خاتمة الأئمة ، ومنقذ الأمة ،وغایة النور ، ومصدر الأمور ، فنحن أفضل المخلوقین ، وأشرف الموحدین ، وحجج رب العالمین ، فلیهنأ بالنعمة من

ص: 143

تمسک بولایتنا ، وقبض علی عروتنا . انتهی. وروی شبیهاً به ابن الجوزی فی تذکرة الخواص ص128-130

- علل الشرائع:5/1:

حدثنا الحسن بن محمد سعید الهاشمی قال: حدثنا فرات بن إبراهیم بن فرات الکوفی قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علی الهمدانی ، قال حدثنی أبوالفضل العباس بن عبدالله البخاری ، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهیم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبی بکر، قال حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروی، عن علی بن موسی الرضا ، عن أبیه موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، عن أبیه علی بن الحسین ، عن أبیه الحسین بن علی ، عن أبیه علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما خلق الله خلقاً أفضل منی ولاأکرم علیه منی، قال علی(علیه السّلام)فقلت یا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئیل؟ فقال: یا علی إن الله تبارک وتعالی فضل أنبیاءه المرسلین علی ملائکته المقربین وفضلنی علی جمیع النبیین والمرسلین ، والفضل بعدی لک یا علی وللأئمة من بعدک ، وإن الملائکة لخدامنا وخدام محبینا. یا علی الذین یحملون العرش ومن حوله یسبحون بحمد ربهم ویستغفرون للذین آمنوا بولایتنا ، یا علی لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فکیف لا نکون أفضل من الملائکة ، وقد سبقناهم إلی معرفة ربنا وتسبیحه وتهلیله وتقدیسه ، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحیده وتحمیده، ثم خلق الملائکة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائکة إنا خلق مخلوقون ، وإنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائکة بتسبیحنا

ص: 144

ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائکة أن لا إله إلا الله وأنَّا عبید ولسنا بآلهة یجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلا الله ، فلما شاهدوا کبر محلنا کبرَّنا لتعلم الملائکة أن الله أکبر من أن ینال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائکة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علینا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائکة ما یحق الله تعالی ذکره علینا من الحمد علی نعمته ، فقالت الملائکة الحمد لله .

فبنا اهتدی إلی معرفة توحید الله وتسبیحه وتهلیله وتحمیده وتمجیده ، ثم أن الله تبارک وتعالی خلق آدم ، فأودعنا صلبه وأمر الملائکة بالسجود له تعظیماً لنا وإکراماً .

علل الشرائع:117/1:

- حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحمیری عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمان بن کثیر ، عن داود الرقی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لما أراد الله عز وجل أن یخلق الخلق خلقهم ونشرهم بین یدیه ، ثم قال لهم: من ربکم ؟ فأول من نطق رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین والأئمة صلوات علیهم أجمعین ، فقالوا: أنت ربنا ، فحمَّلهم العلم والدین ، ثم قال للملائکة: هؤلاء حملة دینی وعلمی وأمنائی فی خلقی وهم المسؤولون ، ثم قیل لبنی آدم أقروا لله بالربوبیة ولهؤلاء النفر بالطاعة والولایة ، فقالوا نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائکة: إشهدوا ، فقالت الملائکة شهدنا . . . علی أن لا یقولوا غداً إنا کنا عن هذا غافلین ، أو یقولوا إنما أشرک

ص: 145

آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما فعل المبطلون ، یا داود الأنبیاء مؤکدة علیهم فی المیثاق .

الإعتقادات للصدوق/67:

- . . . وأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سیدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلین ، وأن الذین کذبوه لذائقوا العذاب الألیم . وأن الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذی أنزل معه أولئک هم المفلحون الفائزون . ویجب أن یعتقد أن الله عز وجل لم یخلق خلقاً أفضل من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) ، وأنهم أحب الخلق إلی الله وأکرمهم ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله میثاق النبیین وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی. وأن الله بعث نبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للأنبیاء فی الذر. وأن الله عز وجل أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر معرفته ، ومعرفة نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وسبقه إلی الإقرار به. ونعتقد: أن الله تبارک وتعالی خلق جمیع الخلق له ولاهل بیته(علیهم السّلام) ، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائکة ، ولا شیئاً مما خلق ، صلوات الله علیهم أجمعین. انتهی .

وقد أوردنا فی فصل الفطرة تحت عنوان: عوالم وجود الإنسان ، عدداً من أحادیث خلق نور النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم قبل الخلق .

خط الفطرة لم ینقطع من ذریة إبراهیم

بحار الأنوار:117/15:

بیان: اتفقت الإمامیة رضوان الله علیهم علی أن والدی الرسول وکل أجداده إلی آدم(علیه السّلام)کانوا مسلمین ، بل کانوا من الصدیقین: إما أنبیاء مرسلین ، أو أوصیاء

ص: 146

معصومین ، ولعل بعضهم لم یظهر الإسلام لتقیة أو لمصلحة دینیة . . . .

ورووا عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لم یزل ینقلنی الله من أصلاب الطاهرین إلی أرحام المطهرات ، حتی أخرجنی فی عالمکم هذا ، لم یدنسنی بدنس الجاهلیة. ولو کان من آبائه(علیه السّلام)کافر لم یصف جمیعهم بالطهارة ،مع قوله سبحانه: إنما المشرکون نجس . . .

وهذا المسلک ذهبت إلیه طائفة ، منهم الإمام فخر الدین الرازی ، فقال فی کتابه أسرار التنزیل ما نصه: قیل: إن آزر لم یکن والد إبراهیم بل کان عمه واحتجوا علیه بوجوه :

منها: أن آباء الأنبیاء ما کانوا کفاراً ، ویدل علیه وجوه: منها قوله تعالی: أَلَّذِی یَرَاکَ حِینَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَکَ فِی أَلسَّاجِدِینَ ... .

الثانیة: أن الأحادیث والاثار دلت علی أنه لم تخل الأرض من عهد نوح(علیه السّلام)إلی بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی أن تقوم الساعة من ناس علی الفطرة یعبدون الله ویوحدونه ویصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ، ولولاهم لهلکت الأرض ومن علیها ... .

وأما المخالفون: فذهب أکثرهم إلی کفر والدی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثیر من أجداده کعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله علیهم اجمعین ، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة . . . وقال فی هامشه:

وذهب بعضهم إلی إیمان والدیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده ، واستدلوا علیه بالکتاب والسنة ، منهم السیوطی ، قال فی کتاب مسالک الحنفاء: المسلک الثانی أنهما أی عبد الله وآمنة لم یثبت عنهما شرک ، بل کانا علی الحنیفیة دین جدهما إبراهیم علی نبینا وعلیه الصلاة والسلام... .

ثم قال ( السیوطی ): وعندی فی نصرة هذا المسلک وما ذهب إلیه الإمام فخر

ص: 147

الدین أمور: أحدها دلیل استنبطه مرکب من مقدمتین .

الأولی: أن الأحادیث الصحیحة دلت علی أن کل أصل من أصول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من آدم(علیه السّلام)إلی أبیه عبدالله ، فهو خیر أهل قرنه وأفضلهم ، ولا أحد فی قرنه ذلک خیر منه ولا أفضل .

الثانیة: إن الأحادیث والآثار دلت علی أنه لم تخل الأرض من عهد نوح(علیه السّلام)أو آدم(علیه السّلام)إلی بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی أن تقوم الساعة من ناس علی الفطرة یعبدون الله ویوحدونه ویصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ولولا هم لهلکت الأرض ومن علیها ، وإذا قرنت بین هاتین المقدمتین أنتج منهما قطعاً أن آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن فیهم مشرک، لأنه ثبت فی کل منهم أنه خیر قرنه ... ( ثم ذکر عن السیوطی آیات وأحادیث لإثبات ذلک منها ): ما ورد فی تفسیر قوله تعالی: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، تدل علی أن التوحید کان باقیاً فی ذریة إبراهیم(علیه السّلام)ولم یزل ناس من ذریته علی الفطرة یعبدون الله تعالی حتی تقوم الساعة . . . .

فحصل مما أوردناه أن آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من عهد إبراهیم إلی کعب بن لؤی کانوا کلهم علی دین إبراهیم (علیه السّلام) ... .

الدر المنثور:341/3:

وأخرج أبو الشیخ عن زید بن علی (رض) قال: قالت سارة رضی الله عنها لما بشرتها الملائکة(علیهم السّلام) : یا ویلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلی شیخاً إن هذا لشئ عجیب ، فقالت الملائکة ترد علی سارة: أتعجبین

من أمر الله رحمة الله وبرکاته علیکم أهل البیت إنه حمید مجید ، قال فهو کقوله: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، بمحمد(ص)من عقب إبراهیم .

ص: 148

الدر المنثور:87/4:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جریج (رض) فی قوله: رب اجعلنی مقیم الصلاة ومن ذریتی ، قال فلن یزال من ذریة إبراهیم(علیه السّلام)ناس علی الفطرة یعبدون الله تعالی حتی تقوم الساعة .

الدر المنثور:16/6:

وأخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، قال: فی الإسلام أوصی بها ولده .

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر عن مجاهد: وجعلها کلمة باقیة فی عقبه... الآیة ، قال: الإخلاص والتوحید لا یزال فی ذریته من یقولها من بعده .

وأخرج عبد بن حمید عن ابن عباس: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ . . . الآیة ، قال: لا إله إلا الله ، فی عقبه: قال عقب إبراهیم ولده .

عمار علم الثابتین علی الفطرة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

بحار الأنوار:320/22:

لی: بهذا الاسناد عن إبراهیم بن الحکم ، عن عبیدالله بن موسی ، عن سعد بن أوس ، عن

بلال بن یحیی العبسی قال: لما قتل عمار ( کذا والصحیح عثمان ) أتوا حذیفة فقالوا: یا عبدالله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال إذا أتیتم فأجلسونی، قال: فأسندوه إلی صدر رجل منهم فقال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أبو الیقظان علی الفطرة ثلاث مرات ، لن یدعها حتی یموت. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:9/33 .

ص: 149

شرح الأخبار:412/1:

أبو أحمد بإسناده عن حذیفة بن الیمان ، أنه لما احتضر قیل له أوصنا ، فقال: أما إذا قلتم ذلک فأسندونی ، فأسندوه ، فقال: سمعت رسول الله صلوات الله علیه وآله یقول: أبو الیقظان علی الفطرة لا یدعها ثلاث مرات، لا یدعها حتی یموت.

روضة الواعظین للنیسابوری/286:

. . . وقال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أبوالیقظان علی الفطرة ثلاث مرات لن یدعها حتی یموت ، وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما خیر عمار بین أمرین إلا اختار أشدهما .

مستدرک الحاکم:393/3:

. . . عن عائشة أنها قالت: أنظروا عمار بن یاسر فإنه یموت علی الفطرة ، إلا أن تدرکه هفوة من کبر . صحیح الإسناد .

. . . عن قیس بن أبی حازم قال قال عبدالله: ما أعلم أحداً خرج فی الفتنة یرید به وجه الله تعالی والدار الآخرة إلا عمار بن یاسر. صحیح الإسناد .

مجمع الزوائد:295/9:

وعن بلال بن یحیی قال: لما قتل عثمان (رض) أتی حذیفة فقیل له یا أبا عبدالله قتل هذا الرجل ، وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال أسندونی فأسندوه إلی ظهر رجل ، فقال: سمعت رسول الله(ص)یقول: أبو الیقظان علی الفطرة لا یدعها حتی یموت أو یمسه الهرم . رواه البزار والطبرانی فی الأوسط باختصار ، ورجالهما ثقات .

ص: 150

کنز العمال:723/11:

أبو الیقظان علی الفطرة ، أبوالیقظان علی الفطرة ، أبو الیقظان علی الفطرة ، لا یدعها حتی یموت أو یمسه الهرم. ن ، وابن سعد ، عد وضعفه ، عن حذیفة .

کنز العمال:532/13 و 537:

عن حذیفة قال: إن عماراً لا تصیبه الفتنة حتی یخرف ، سمعت رسول الله(ص) یقول: أبوالیقظان علی الفطرة لم یدعها حتی یموت ، أو ینسیه الهرم. کر. انتهی .

ملاحظة: من واضحات تاریخنا الإسلامی أن عمار بن یاسر (رض) وقف بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع علی(علیه السّلام)فی مواجهة بیعة السقیفة ، ثم فی عهد أبی بکر وعمر ، وأحداث خلافة عثمان ، وکان عمار من قادة جیش علی(علیه السّلام)فی حرب الجمل ، وله فیها مواقف سجلها التاریخ ، ومنها مواقف مع عائشة ، ثم ختم الله له بالشهادة تحت رایة علی فی صفین ، وقتلته فئة معاویة الباغیة کما أخبر بذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ولذلک لا یشک الإنسان بأن جعل النبی عماراً علماً علی خط الفطرة من بعده ، یعنی جعله علیاً(علیه السّلام)علماً للامة ، وتأکیده بأن خط علی من بعده هو خط الفطرة .

ومن الطبیعی أن تکون مواقف عمار إلی جانب علی ثقیلة علی عائشة وعلی قریش ، وأن لا یرووا فی حقه مثل هذه الشهادة النبویة التی تدینهم ، ولکنها کانت شهادة معروفة بین المسلمین ، ومن هنا أدخل خصوم علی(علیه السّلام)فی روایتها غمغمة واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها !

ویدل علی بطلان هذه الإضافات أن الشهادة النبویة وردت فی حق عمار مطلقة بنصوص صحیحة عندنا وعند إخواننا ولیس فیها تلک الإستثناءات. مضافاً إلی أن طبیعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الإستثناء ، لأنه یؤدی إلی نسبة التناقض إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث یشهد لشخص بأنه علی الفطرة حتی یموت ، ویجعله علماً لأمته من

ص: 151

بعده ویأمرهم بأن یکونوا فی خطه ، ثم یستثنی من ذلک ویشترط شرطاً مبهماً یبطل کلامه الأول ، ویوقع الأمة فی الشک والریب ! !

وقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:243/7 حدیثاً یدل علی مدی تأثیر هذه الشهادة النبویة ومدی حسد قریش لعلی(علیه السّلام)قال:

وعن سیار أبی الحکم قال: قالت بنو عبس لحذیفة: إن أمیر المؤمنین عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال آمرکم أن تلزموا عماراً. قالوا إن عماراً لا یفارق علیاً ! قال إن الحسد هو أهلک الجسد ، وإنما ینفرکم من عمار قربه من علی ؟ ! فوالله لعلی أفضل من عمار أبعد ما بین التراب والسحاب ، وإن عماراً لمن الاحباب. وهو یعلم أنهم إن لزموا عماراً کانوا مع علی. رواه الطبرانی ورجاله ثقات ، إلا أنی لم أعرف الرجل المبهم. انتهی. ولا یبعد أن یکون إسم بنی عبس وضع فی هذه الروایة بدل قریش لأن حسدة بنی هاشم الذین عناهم حذیفة والذین تحدث عنهم القرآن هم قبائل قریش ، ولیسوا بنی عبس أو تمیم .

علی (علیه السّلام) إمام الثابتین علی الفطرة

نهج البلاغة:105/1:

ومن کلام له(علیه السّلام)لأصحابه: أما إنه سیظهر علیکم بعدی رجل رحب البلعوم مندحق البطن یأکل ما یجد ویطلب ما لا یجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سیأمرکم بسبی والبراءة منی ، فأما السب فسبونی فإنه لی زکاة ولکم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا منی فإنی ولدت علی الفطرة وسبقت إلی الإیمان والهجرة .

شرح الأخبار:159/1:

ص: 152

عن الشعبی أنه کان یقول: سمعت رشید الهجری والحارث الأعور الهمدانی وصعصعة بن صوحان العبدی وسالم بن دینار الأزدی ، کلهم یذکرون أنهم سمعوا علی بن أبی طالب(علیه السّلام)علی منبر الکوفة یقول فی خطبته: یا معشر أهل الکوفة ، والله لتصبرن علی قتال عدوکم أو لیسلطن الله علیکم أقواماً أنتم أولی بالحق منهم ، فیعذبکم الله بهم ثم یعذبهم بما شاء من عنده ، أَوَ من قتلة بالسیف تفرون إلی الموت علی الفراش. فإنی أشهد إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن معالجة ملک الموت لأشد من ضربة ألف سیف ، أخبرنی جبرئیل یا علی إنه یصیبکم بعدی أَثَرةٌ وزلزال ، فعلیکم بالصبر الجمیل .

وقال لی أیضاً: قضاء مقضی علی لسان النبی الأمی: إنه لا یبغضک یا علی مؤمن ولا یحبک کافر ، وقد خاب من حمل ظلماً وافتری. ثم جعل یقول لنفسه: یا علی إنک میت مقتول ، بل مقتول إن شاء الله ، فما ینتظر أشقاها أن یخضب هذه من هذا ، ثم أمرَّ یده الیمنی علی لحیته، ثم وضعها علی رأسه ، ثم قال: أما لقد رأیت فی منامی أنه یهلک فی اثنان ولا ذنب لی: محب غال ، ومبغض قال. ثم قال: إلا أنکم ستعرضون علی البراءة منی فلا تتبرأ وا منی ، فإن صاحبکم والله علی فطرة الله التی فطر الناس علیها. ثم نزل عن المنبر .

شرح الأخبار:169/1:

. . . ثم قال: سیظهر علیکم بعدی رجل وإنه سیعرضکم علی سبی والبراءة منی ، فإن خفتموه فسبونی فإنما هی زکاة ونجاة ، وإن سألکم البراءة منی فلا تبرؤوا منی فإنی علی الفطرة .

مناقب أمیر المؤمنین:64/2

ص: 153

ثم قال: یکون بعدی أئمة یأمرونکم بسبی والبراءة منی ، أما السب فسبونی ، ولا تتبرؤوا منی فإنی ولدت علی الفطرة وأموت علی الفطرة إن شاء الله .

بحار الأنوار:350/36:

عن سعید بن المسیب قال: سمعت رجلاً یسأل ابن عباس عن علی بن أبی طالب فقال له ابن عباس: إن علی بن أبی طالب صلی القبلتین وبایع البیعتین ، ولم یعبد صنماً ولا وثناً ، ولم یضرب علی رأسه بزلم ولا قدح ، ولد علی الفطرة ولم یشرک بالله طرفة عین. فقال الرجل: إنی لم أسألک عن هذا إنما أسألک عن حمله سیفه علی عاتقه یختال به حتی أتی البصرة فقتل بها أربعین ألفاً ، ثم سار إلی الشام فلقی حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتی قتلهم ، ثم أتی النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم !

فقال له ابن عباس: أعلیٌّ أعلم عندک أم أنا ؟ فقال: لو کان علی أعلم عندی منک ما سألتک !

قال: فغضب ابن عباس حتی اشتد غضبه ثم قال: ثکلتک أمک علیٌّ علمنی ، وکان علمه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورسول الله علمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبی من علم الله ، وعلم علی من علم النبی ، وعلمی من علم علی ، وعلم أصحاب محمد کلهم فی علم علی کالقطرة الواحدة فی سبعة أبحر !!

بحار الأنوار:316/43:

ما: بإسناد أخی دعبل عن الرضا عن آبائه(علیهم السّلام) عن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)أنه قال: إلا

أنکم ستعرضون علی سبی ، فإن خفتم علی أنفسکم فسبونی ، إلا وأنکم ستعرضون علی البراءة منی فلا تفعلوا فإنی علی الفطرة . . .

ص: 154

فإن قیل: کیف علل نهیه لهم من البراءة منه بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة ، فإن هذا التعلیل لا یختص به لأن کل ولد یولد علی الفطرة وإنما أبواه یهودانه وینصرانه ؟

والجواب: أنه علل نهیه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو کونه ولد علی الفطرة وسبق إلی الإیمان والهجرة ، ولم یعلل بآحاد هذا المجموع. ومراده هنا بالولادة علی الفطرة أنه لم یولد فی الجاهلیة لأنه ولد لثلاثین عاماً مضت من عام الفیل، والنبی أرسل لاربعین مضت من عام الفیل، وقد جاء فی الأخبار الصحیحة أنه مکث قبل الرسالة سنین عشراً یسمع الصوت ویری الضوء ولا یخاطبه أحد ، وکان ذلک إرهاصاً لرسالته فحکم تلک السنین العشر حکم أیام رسالته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فالمولود فیها إذا کان فی حجره وهو المتولی لتربیته مولود فی أیام کأیام النبوة ، ولیس بمولود فی جاهلیة محضة ، ففارقت حاله حال من یدعی له من الصحابة مماثلته فی الفضل .

وقد روی أن السنة التی ولد فیها هذه السنة التی بدی فیها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وکشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم یخاطب منها بشئ ، وهذه السنة هی السنة التی ابتدأ فیها بالتبتل والإنقطاع والعزلة فی جبل حراء ، فلم یزل به حتی کوشف بالرسالة وأنزل علیه الوحی ، وکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتیمن بتلک السنة وبولادة علی(علیه السّلام)فیها ، ویسمیها سنة الخیر وسنة البرکة ، وقال لأهله لیلة ولادته ، وفیها شاهد ما شاهد من الکرامات والقدرة الإلهیة ولم یکن من قبلها شاهد من ذلک شیئاً: لقد ولد لنا مولود یفتح الله علینا به أبواباً کثیرة من النعمة والرحمة. وکان کما قال صلوات الله علیه ، فإنه کان ناصره والمحامی عنه وکاشف الغم عن وجهه ، وبسیفه ثبت دین الإسلام ورست

ص: 155

دعائمه وتمهدت قواعده .

وفی المسألة تفصیل آخر ، وهو أن یعنی بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة التی لم تتغیر ولم تحل ، وذلک أن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة ، أن کل مولود فإن الله تعالی قد هیأه بالعقل الذی خلقه فیه وبصحة الحواس والمشاعر لأن یتعلم التوحید والعدل ، ولم یجعل فیه مانعاً یمنعه من ذلک ، ولکن التربیة والعقیدة فی الوالدین والألف لاعتقادهما وحسن الظن فیهما یصده عما فطر علیه ، وأمیر المؤمنین(علیه السّلام)دون غیره ولد علی الفطرة التی لم تحل ، ولم یصد عن مقتضاها مانع ، لا من جانب الأبوین ولا من جهة غیرهما .

وغیره ولد علی الفطرة ولکنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها .

ویمکن أن یفسر أنه أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ ولد لم یواقع قبیحاً ، ولا کان کافراً طرفة عین ، ولا مخطئاً ولا غالطاً فی شئ من الأشیاء المتعلقة بالدین ، وهذا تفسیر الإمامیة. انتهی .

أقول: التفسیران الأخیران اللذان ذکرهما المجلسی(رحمه الله)متحدان ، لأن قصد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)والله أعلم ، إنی ولدت علی فطرة الله الصافیة ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتکاب ذنب، وسبقت إلی الإیمان بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والوقوف معه والهجرة معه..

ولا شک أن فطرة الله تعالی التی خلق علیها ولیه ووزیر رسوله صلی الله علیهما أرقی من الفطرة العادیة التی یولد علیها کل مولود ، فالنبی وآله خیرة الله تعالی وفطرتهم خیرة الفطر ، وقد ورد فی الدعاء: یا دائم الفضل علی البریة ، یا باسط الیدین بالعطیة ، یا صاحب المواهب السنیة ، صل علی محمد وآله خیر الوری سجیة ، واغفر لنا یاذا العلی فی هذه العشیة .

وتوجد هنا مسألتان فی هذا الحدیث یناسب التعرض لهما ، وإن کان محلهما

ص: 156

باب الإمامة .

المسألة الأولی: أن الفرق بین السب والبراءة من وجهین:

أولهما، أن البعد السیاسی فی السب أقوی وأظهر منه فی البراءة، والبعد العقائدی فی البراءة أقوی وأظهر. فالخطر العقائدی علی المسلمین فی البراءة أکثر ، بینما سب السلطة له(علیه السّلام)وإجبارها المسلمین علی ذلک لاتصل خطورته إلی خطورة البراءة ، وإن کان فیه خطر کبیر علی أجیال المسلمین .

ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذین اعتبروا أن البراءة شهادة بالکفر بعکس السب واللعن ، قال السید الگلپایگانی(رحمه الله)فی الدر النضید:253/2: ولعل الفرق بین السب والبراءة حیث أمر بالأول ونهی عن الثانی ، أن السب صادر بالنسبة إلی المسلم أیضاً ، بخلاف البراءة فإنها تکون عن المشرکین والکافرین ، کما قال الله تعالی: بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ إلی الَّذِینَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ. وکان من کان یأمر بالبراءة عن الإمام(علیه السّلام)یرید أن یجعل الإمام فی عداد المشرکین والخارجین عن الدین ، ومن کان یتبرأ منه صلوات الله علیه یعده من الکفار ، وبهذه المناسبة علل الإمام (علیه السّلام)نهیه عن البراءة بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة وسبقت إلی الإیمان والهجرة وعلی هذا فلو أکره علی السب فسب فلا شئ علیه ، بل وربما کان محموداً علی فعله کما یشهد بذلک حکایة عمار ونزول الآیة الکریمة: مَنْ کَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِیمَانِهِ إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ. انتهی .

والفرق الثانی ، أن الحق الشخصی فی السب أقوی منه فی البراءة ، فالحق العام فی السب وإن کان عظیماً بسبب أنه ظلم وعدوان علی وصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی یمثل دین الله تعالی ، ولکن فیه حقاً شخصیاً أیضاً لأنه ظلم وعدوان علی شخص علی(علیه السّلام)وباعتبار هذا الحق الشخصی کان له(علیه السّلام)أن یجعل المؤمنین فی حل

ص: 157

عند الضرورة بخلاف البراءة منه. فکأنه(علیه السّلام)قال: بما أن السب مرکب من حقین ، فأنتم فی حل من حقی، ویبقی حق الله تعالی فهو حکم شرعی بینکم وبینه ، وهو تعالی یجیزه عند الضرورة. أما البراءة فحقها الالهی غالب ، لأن البراءة منی براءة من الفطرة النقیة التی أنا علیها، وبراءة من إیمانی بالله ورسوله وجهادی وهجرتی فلا أستطیع أن أجعلکم فی حل منها ، بل یجری علیها الحکم الشرعی .

والمسألة الثانیة: أن فقهاءنا رضوان الله علیهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة کالخوف من القتل ، ولم یفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة ، إلا ما یظهر من المفید کما سیأتی ، وذلک لأنه لم یثبت عندهم النص الذی تضمن النهی عن البراءة ، بل رووا تکذیب حدیث علی(علیه السّلام)، فقد روی الحمیری فی قرب الإسناد/12:

- عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، قال قیل له: إن الناس یروون أن علیاً(علیه السّلام)قال علی منبر الکوفة: أیها الناس إنکم ستدعون إلی سبی فسبونی ، ثم ستدعون إلی البراءة منی ، وإنی لعلی دین محمد. ولم یقل وتبرؤوا منی ، فقال له السائل: أرأیت إن اختار القتل دون البراءة منه ؟

فقال: والله ما ذلک علیه ، وما له إلا ما مضی علیه عمار بن یاسر حیث أکرهه أهل مکة وقلبه مطمئن بالإیمان ، فأنزل الله تبارک وتعالی فیه: إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ ، فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندها: یا عمار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عز وجل عذرک فی الکتاب وأمرک ان تعود إن عادوا . انتهی . وقد أفتی بهذا الحدیث ابن إدریس فی السرائر: 624/3 وأکثر فقهائنا .

لکن اختلفوا فی أن أیهما أرجح ، ولعل الذین ثبت عندهم النهی عن البراءة حملوه علی کراهة البراءة وترجیح تحمل القتل علیها ، ویشهد له ما رواه فی

ص: 158

وسائل الشیعة: 475/11 عن الکشی فی رجاله عن جبرئیل بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علی الصیرفی ، عن علی بن محمد عن یوسف بن عمران المیثمی قال: سمعت میثم النهروانی یقول: دعانی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)وقال: کیف أنت یا میثم إذا دعاک دعی بنی أمیة عبید الله بن زیاد إلی البراءة منی ؟

فقلت: یا أمیر المؤمنین أنا والله لا أبرأ منک ؟

قال: إذاً والله یقتلک ویصلبک .

قلت: أصبر فذاک فی الله قلیل !

فقال: یا میثم إذا تکون معی فی درجتی . . الحدیث. انتهی . وقال فی الوسائل: رواه الراوندی فی الخرائج والجرائح عن عمران عن أبیه میثم .

وفی المقابل توجد روایات یفهم منها ترجیح التقیة والبراءة ، ففی الوسائل:11 ص 475: . . . عن عبدالله بن عطاء قال: قلت لابی جعفر(علیه السّلام): رجلان من أهل الکوفة أخذا فقیل لهما إبرآ من أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فبرئ واحد منهما وأبی الآخر، فخلی سبیل الذی بریء وقتل الآخر ، فقال: أما الذی بری فرجل فقیه فی دینه ، وأما الذی لم یبرأ فرجل تعجل إلی الجنة .

ولعل تعارض روایات الترجیح جعل السید الخوئی(رحمه الله)یفتی بتخییر المکلف وعدم ترجیح أی من التقیة أو الشهادة ، قال فی مستند العروة ( التنقیح ):4/264: وقد یقال إن ترک التقیة أرجح من التقیة بإظهار التبری منه(علیه السّلام)، وعلیه فیکون المقام من موارد التقیة المکروهة والمرجوحة ، وإذا قلنا بعکس ذلک وإن التقیة بإظهار التبری أرجح من ترکها فیکون المقام مثالاً للتقیة المستحبة لا محالة. والصحیح أن الأمرین متساویان ولا دلالة لشئ من الروایات علی أرجحیة

ص: 159

أحدهما عن الآخر ، أما روایة عبدالله بن عطاء فلأنها إنما دلت علی أن من ترک التقیة فقتل فقد تعجل إلی الجنة ، ولا دلالة لذلک علی أن ترک التقیة باختیار القتل أرجح من فعلها ، وذلک لأن العامل بالتقیة أیضاً من أهل الجنة وإنما لم یتعجل بل تأجل ، فلا یستفاد منه إلا تساویهما. انتهی .

لکن یبدو من المفید(رحمه الله)أنه یفتی بحرمة البراءة ووجوب تحمل القتل ، فقد عبر عن حدیث نهج البلاغة بأنه مستفیض ، وفیه نهی مشدد عن البراءة ، قال فی الإرشاد:322/1:

ومن ذلک ما استفاض عنه (علیه السّلام) من قوله: إنکم ستعرضون من بعدی علی سبی فسبونی ، فإن عرض علیکم البراءة منی فلا تبرؤوا منی فإنی ولدت علی الإسلام، فمن عرض علیه البراءة منی فلیمدد عنقه ، فمن تبرأ منی فلا دنیا له ولا آخرة ، وکان الأمر ذلک کما قال (علیه السّلام). انتهی .

وقد رد الشیخ الأنصاری علی القول بوجوب تحمل القتل ، فقال فی المکاسب/ 325: بل عن المفید فی الإرشاد أنه قد استفاض عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: ستعرضون من بعدی علی سبی فسبونی ، ومن عرض علیه البراءة فلیمدد عنقه ، فإن برأ منی فلا دنیا له ولا آخرة. وظاهرها حرمة التقیة فیها کالدماء ، ویمکن حملها علی أن المراد الإستمالة والترغیب إلی الرجوع حقیقة عن التشیع إلی النصب ، مضافاً إلی أن المروی فی بعض الروایات أن النهی من التبری مکذوب علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وأنه لم ینه عنه. انتهی .

وذکر السید الگلپایگانی: أنه قد یجب العمل بالتقیة أحیاناً فلا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد ، قال(رحمه الله)فی الدر النضید:253/4:

قلت: بل وربما یستفاد منه ( حدیث مسعدة ) ومن غیره أن

الأفضل له ذلک وإن

ص: 160

کان لو لم یجبهم إلی ذلک ولم یسب وقتل لذلک لم یکن آثماً ومؤاخذاً علیه ، بل هو مأجور وقد تعجل إلی جنات النعیم وإلی جوار الله رب العالمین ، علی حسب ما ورد فی بعض الروایات ، إلا أن التقیة أفضل. ومع ذلک کله لابد من ملاحظة المصالح والمفاسد والعمل علی وفقها ، فربما یترتب علی ترک التقیة وعلی قتله مثلاً مفاسد عظیمة ، فهنا لابد له من التقیة. انتهی .

ولا یبعد أن یکون أصل الحکم فی المسألة جواز الأمرین للمکلف ، وأنه قد یطرأ عنوان من المصلحة أو المفسدة الملزمة فیوجب اختیار التقیة أو اختیار تحمل الشهادة. ویکون تشخیص ذلک راجعاً إلی المکلف نفسه ، أو إلی أهل الخبرة .

ولایة علی(علیه السّلام)علامة علی صحة الفطرة وطیب المولد

شرح الأخبار:449/3:

- . . . عمران بن میثم قال: دخلت علی حبابة الوالبیة فسمعتها تقول: والله ما أحد علی الفطرة إلا نحن وشیعتنا ، والناس براء. وهذا صحیح لأن من لم یکن من شیعة محمد وآل محمد فهو من عدوهم ، وقال الله تعالی: هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ، ومن کان عدواً لمحمد وآله لم یکن علی فطرة الإسلام. انتهی. وروی نحوه فی:573/3 .

وسائل الشیعة:160/20:

أقول: وفی الکشی، عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن میثم قال: دخلت أنا وعبایة الأسدی علی امرأة من بنی أسد یقال لها حبابة الوالبیة ، فقال لها عبایة:

ص: 161

تدرین من هذا الشاب الذی هو معی ؟ قالت: لا ، قال: مه ابن أخیک میثم.

قالت: إی والله إی والله ، ثم قالت: ألا أحدثکم بحدیث سمعته من أبی عبدالله الحسین بن علی(علیهم السّلام) ؟ قلنا بلی ، قالت: سمعت الحسین بن علی(علیه السّلام)یقول: نحن وشیعتنا علی الفطرة التی بعث الله علیها محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وسائر الناس منها براء .

مناقب أمیر المؤمنین:226/1:

. . . سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: یا علی أنت وشیعتک علی الفطرة ، وسائر الناس منهم براء

بحار الأنوار:23/67:

. . . یخرجونهم من النور إلی الظلمات ، قیل من نور الفطرة إلی فساد الإستعداد ، وفی الکافی عن الصادق(علیه السّلام): النور آل محمد ، والظلمات عدوهم .

تهذیب الأحکام:145/4:

- . . . عن الحرث بن المغیرة النصری قال: دخلت علی أبی جعفر(علیه السّلام)فجلست عنده ، فإذا نجیة قد استأذن علیه فأذن له ، فدخل فجثی علی رکبتیه ثم قال: جعلت فداک إنی أرید أن أسألک عن مسألة والله ما أرید بها إلا فکاک رقبتی من النار ، فکأنه رق له فاستوی جالساً فقال له . . . وقال: یا نجیة ما علی فطرة إبراهیم (علیهم السّلام) غیرنا وغیر شیعتنا. انتهی. وروی نحوه فی الاختصاص / 107 عن الإمام زین العابدین (علیه السّلام) .

بحار الأنوار:276/3:

فس: الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن

ص: 162

جعفر بن بشیر ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قوله: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا ، قال: الولایة .

کنز: محمد بن العباس ، عن أحمد بن الحسین بن سعید ، عن جعفر بن بشیر ، عن علی بن حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: هی الولایة. انتهی. ورواه أیضاً فی:365/23 .

تفسیر القمی:154/2 و 155:

حدثنا الهیثم بن عبدالله الرمانی ، قال حدثنا علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)، عن أبیه ، عن جده محمد بن علی بن الحسین(علیهم السّلام) فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: هو لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علی أمیر المؤمنین ولی الله ، إلی هاهنا التوحید .

التوحید للصدوق/328:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علی بن حسان الواسطی ، عن الحسن بن یونس ، عن عبدالرحمن بن کثیر مولی جعفر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: التوحید ، ومحمد رسول الله ، وعلی أمیر المؤمنین. انتهی. ورواه فرات الکوفی فی تفسیره/322، والمجلسی فی بحار الأنوار:276/3 وج277/26 والحویزی فی نور الثقلین:277/4 .

وفی بصائر الدرجات/78:

ص: 163

أحمد بن موسی ، عن الحسین بن موسی الخشاب ، عن علی بن حسان ، عن عبدالرحمان بن کثیر ، عن أبی عبد الله (علیه السّلام) فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: فقال: علی التوحید ، ومحمد رسول الله ، وعلی أمیر المؤمنین .

وفی بحار الأنوار:276/3:

شی: عن عبدالرحمن بن کثیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ، قال: الصبغة معرفة أمیر المؤمنین (علیه السّلام) بالولایة فی المیثاق .

وفی المحاسن:138/1:

عن أبی عبدالله المداینی قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): إذا برد علی قلب أحدکم حبنا فلیحمد الله علی أولی النعم ، قلت: علی فطرة الإسلام ؟ قال: لا ، ولکن علی طیب المولد ، إنه لا یحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا یبغضنا إلا الملزق الذی تأتی به أمه من رجل آخر فتلزقه زوجها ، فیطلع علی عوراتهم ویرثهم أموالهم فلا یحبنا ذلک أبداً ، ولا یحبنا إلا من کان صفوة ، من أی الجِبَل کان. انتهی ، والجِبَل هی الجِبِلاَّت ، جمع جِبِلَّة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:27/152 .

مناقب آل أبی طالب:11/3:

وقال آخر:

أحب النبی وآل النبی

لانی ولدت علی الفطرة

إذا شک فی ولدوالد

فآیته البغض للعترة

ثواب الأعمال/174:

أبی(رحمه الله)قال حدثنی سعد بن عبدالله، قال حدثنی الحسن بن موسی الخشاب ، عن

ص: 164

عقیل بن المتوکل المکی ، یرفعه عن جعفر بن محمد ، عن أبیه عن جده(علیهم السّلام) ، قال: من صاغ خاتماً عقیقاً فنقش فیه (محمد نبی الله وعلی ولی الله) وقاه الله میتة السوء ولم یمت إلا علی الفطرة. ورواه فی وسائل الشیعة:403/3 .

ص: 165

ص: 166

الفصل الخامس :وجوب المعرفة والنظر

اشارة

ص: 167

ص: 168

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها

وجوب معرفة الله تعالی وأنها أساس الدین

نهج البلاغة:14/1:

أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف ، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة . . .

الهدایة للصدوق/1:

یجب أن یعتقد أن الله تعالی واحد لیس کمثله شئ لا یحد ولایحس ولا یجس، ولا یدرک بالأوهام والأبصار ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، شاهد کل نجوی ، ومحیط بکل شئ ، لا یوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سکون ولا حرکة ولا صعود ولا هبوط ولا قیام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جیئة ولا ذهاب ولا مکان ولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا یمین ولا شمال ولا وراء ولا أمام ، وأنه لم یزل ولا یزال سمیعاً بصیراً حکیماً علیماً حیاً قیوماً قدوساً عزیزاً أحداً فرداً صمداً لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً

ص: 169

أحد ، وأنه شئ لیس کمثله شئ وخارج من الحدین حد الأبطال وحد التشبیه ، خالق کل شئ ، لا إله إلا هو ، لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار ، وهو اللطیف الخبیر .

وقال(علیه السّلام): من زعم أن الله تعالی من شئ أو فی شئ أو علی شئ فقد أشرک ، ثم قال(علیه السّلام): من زعم أن الله تعالی من شئ فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه فی شئ فقد زعم أنه محصور ومن زعم أنه علی شئ فقد جعله محمولاً .

وقال فی هامشه:

قال الصدوق فی رسالة الإعتقادات بعد أن ذکر نحواً مما ذکر ما نصه: من قال بالتشبیه فهو مشرک ، ومن نسب إلی الإمامیة غیر ما وصف فی التوحید فهو کاذب ، وکل خبر یخالف ما ذکرت فی التوحید فهو موضوع مخترع ، وکل حدیث لا یوافق کتاب الله فهو باطل ، وإن وجد فی کتب علمائنا فهو مدلس ، والأخبار التی یتوسمها الجهال تشبیهاً لله تعالی بخلقه فمعانیها محمولة علی ما فی القرآن من نظائرها . . .

الإقتصاد للشیخ الطوسی/4:

الذی یلزم المکلف أمران: علم ، وعمل. فالعمل تابع للعلم ومبنی علیه. والذی یلزم العلم به أمران: التوحید ، والعدل .

فالعلم بالتوحید لا یتکامل إلا بمعرفة خمسة أشیاء: أحدها معرفة ما یتوصل به إلی معرفة الله تعالی ، والثانی معرفة الله علی جمیع صفاته ، والثالث معرفة کیفیة استحقاقه لتلک الصفات ، الرابع معرفة ما یجوز علیه وما لا یجوز ، الخامس معرفته بأنه واحد لا ثانی له فی القدم .

ص: 170

معرفة الله تعالی وتوحیده نصف الدین

التوحید للصدوق/68

حدثنا أبوعبدالله الحسین بن محمد الأشنانی الرازی العدل ببلخ ، قال: حدثنا علی بن مهرویه القزوینی ، عن داود بن سلیمان الفراء عن علی بن موسی الرضا ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

التوحید نصف الدین ، واستنزلوا الرزق بالصدقة. انتهی. ورواه فی دعائم الإسلام:1/13

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة

علل الشرائع:9/1

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدریس ، عن الحسین بن عبیدالله ، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان ، عن عبدالکریم بن عبدالله ، عن سلمة ابن عطاء ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: خرج الحسین بن علی (علیهماالسّلام) علی أصحابه فقال: أیها الناس إن الله جل ذکره ما خلق العباد إلا لیعرفوه فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه . . .

علل الشرائع:13/1

حدثنا محمد بن الشیبانی (رض) قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی قال: حدثنا موسی بن عمران النخعی ، عن عمه الحسین بن یزید النوفلی ، عن علی بن سالم ، عن أبیه بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، قال: خلقهم لیأمرهم بالعبادة ، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذَلِکَ خَلَقَهُمْ ؟ قال: لیفعلوا ما یستوجبون به رحمته فیرحمهم .

ص: 171

جواهر الکلام:30/29

نعم ربما قیل بالتفصیل بین من کانت عبادته من الأعمال فالتزویج أفضل منها ، لإطلاق ما دل علی ذلک ، وبین من کانت عبادته تحصیل العلوم الدینیة فهی أفضل منه ، لأن کمال الإنسان العلم الذی هو الغرض الأصلی من خلقته ، قال الله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، والمراد بها کما فی الحدیث المعرفة .

شرح الأسماء الحسنی:23/2

قوله (علیه السّلام): یا من دل علی ذاته بذاته .

وهو مجمع علیه للعرفاء الشامخین والعقلاء والمتکلمین ، بل جمیع إرسال الرسل وإنزال الکتب وإرشاد الکاملین المکملین إنما هو للإیصال إلی هذه البغیة العظمی والغبطة الکبری ، کما قال تعالی وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، وفی القدسی: خلقت الخلق لکی أعرف... .

فانظر إلی جعلهم غایة العمل هی المعرفة والشهود ، ولذا فسر المفسرون لیعبدون بقولهم لیعرفون .

شرح الأسماء الحسنی:189/1

. . . ولا یجوز للمؤمن إنکار ذلک الشهود لأن انکاره إنکار الکتب السماویة والسنن النبویة والآثار الولویة ، بل هو غایة إرسال المرسلین وإرشاد الأئمة الهادین وسیر السائرین وسلوک السالکین ، ولولاه لم یکن سماء ولا أرض ولا بسیط ولا مرکب ، کما قال تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ أی

ص: 172

لیعرفون. وفی الحدیث القدسی فخلقت الخلق لأعرف... .

الرواشح السماویة/21

. . . لأن المعرفة غایة وجودهم وغرض خلقهم کما فی قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون ، ومعرفتهم بالله وبالیوم الآخر لا تحصل إلا من طریق النبوة والرسالة لأن عقولهم غیر کافیة فیها ، سیما ما یتعلق منها بأحوال المعاد وحشر العباد فیحتاجون إلی معلم بشری ...

فضل معرفة الله تعالی

الکافی:247/8 : (محمد بن سالم بن أبی سلمة ، عن أحمد بن الریان ، عن أبیه ، عن جمیل بن دراج، عن عبدالله(علیه السّلام)قال: لو یعلم الناس ما فی فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعینهم إلی ما متع الله به الأعداء من زهرة الحیاة الدنیا ونعیمها ، وکانت دنیاهم أقل عندهم مما یطوونه بأرجلهم ، ولنعموا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم یزل فی روضات الجنان مع أولیاء الله .

إن معرفة الله عز وجل أنس من کل وحشة ، وصاحب من کل وحدة ، ونور من کل ظلمة ، وقوة من کل ضعف ، وشفاء من کل سقم .

ثم قال(علیه السّلام): وقد کان قبلکم قوم یقتلون ویحرقون وینشرون بالمناشیر وتضیق علیهم الأرض برحبها ، فما یردهم عما هم علیه شئ مما هم فیه ، من غیر ترة وتروا من فعل ذلک بهم ولا أذی ، بل ما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله العزیز الحمید ، فاسألوا ربکم درجاتهم واصبروا علی

نوائب دهرکم تدرکوا سعیهم .

مستدرک الوسائل:236/11 (وقال (علیه السّلام): أکثر الناس معرفة أخوفهم لربه .

ص: 173

الحث علی مجالسة أهل المعرفة

مستدرک الوسائل:8/832

الکشی فی الرجال: روی علی بن جعفر عن أبیه ، عن جده ، عن علی بن الحسین (علیهم السّلام) أنه کان یقول لبنیه: جالسوا أهل الدین والمعرفة ، فإن لم تقدروا علیهم فالوحدة آنس وأسلم ، فإن أبیتم مجالسة الناس ، فجالسوا أهل المروات ، فإنهم لا یرفثون فی مجالسهم. انتهی. ورواه فی مسائل علی بن جعفر/338

فضل من مات علی المعرفة

نهج البلاغة:133/2

. . . ولا تستعجلوا بما لم یعجله الله لکم. فإنه من مات منکم علی فراشه وهو علی معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بیته ، مات شهیداً ووقع أجره علی الله ، واستوجب ثواب ما نوی من صالح عمله. وقامت النیة مقام إصلاته لسیفه. وإن لکل شئ مدة وأجلاً .

نعمة معرفة حمد الله وشکره

الصحیفة السجادیة:22/1

والحمدلله الذی لو حبس عن عباده معرفة حمده علی ماأبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ علیهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرفوا فی مننه فلم یحمدوه ، وتوسعوا

فی رزقه فلم یشکروه ، ولو کانوا کذلک لخرجوا من حدود الإنسانیة إلی حد البهیمة ، فکانوا کما وصف فی محکم کتابه: إن هم إلا کالأنعام بل هم أضل سبیلاً . والحمد لله علی ما عرَّفنا من نفسه .

ص: 174

الکافی:394/8

علی بن محمد ، عن بعض أصحابه رفعه قال: کان علی بن الحسین(علیه السّلام)إذا قرأ هذه الآیة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا ، یقول: سبحان من لم یجعل فی أحد من معرفه نعمه إلا المعرفة بالتقصیر عن معرفتها ، کما لم یجعل فی أحد من معرفة إدراکه أکثر من العلم أنه لا یدرکه ، فشکر عز وجل معرفة العارفین بالتقصیر عن معرفة شکره ، فجعل معرفتهم بالتقصیر شکراً ، کما جعل علم العالمین أنهم لا یدرکونه إیماناً. علماً منه أنه قدر وسع العباد فلا یجاوزون ذلک .

نعمة معرفة کرم الله وآلائه

الصحیفة السجادیة:407/2

وإن أنامتنی الغفلة عن الإستعداد للقائک ، فقد نبهتنی المعرفة بکرمک وآلائک ، وإن أوحش ما بینی وبینک فرط العصیان والطغیان ، فقد آنسنی بشری الغفران والرضوان .

الصحیفة السجادیة:225/2

فو عزتک لو انتهرتنی ما برحت عن بابک ، ولا کففت عن تملقک ، لما أُلهم قلبی من المعرفة بکرمک ، وسعة رحمتک ، إلی من یذهب العبد إلا إلی مولاه ، وإلی من یلتجی المخلوق إلا إلی خالقه .

معرفة الله لا تکون إلا بالله ومن الله

مصباح المتهجد/582

روی أبوحمزة الثمالی قال: کان علی بن الحسین سیدالعابدین صلوات الله علیهما یصلی عامة اللیل فی شهر رمضان ، فإذا کان السحر دعا بهذا الدعاء: إلهی لا

ص: 175

تؤدبنی بعقوبتک ولا تمکر بی فی حیلتک ، من أین لی الخیر یا رب ولا یوجد إلا من عندک ، ومن أین لی النجاة ولا تستطاع إلا بک ، لا الذی أحسن استغنی عن عونک ورحمتک، ولا الذی أساء واجترأ علیک ولم یرضک خرج عن قدرتک ، یا رب یا رب یا رب ، بک عرفتک وأنت دللتنی علیک ودعوتنی إلیک ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . . . إلخ .

الکافی:851/1

علی بن محمد ، عمن ذکره ، عن أحمد بن عیسی ، عن محمد حمران ، عن الفضل بن السکن ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، وأولی الأمر بالمعروف والعدل والاحسان .

ومعنی قوله(علیه السّلام): إعرفوا الله بالله ، یعنی أن الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعیان ، فالأعیان الأبدان ، والجواهر الأرواح ، وهو عز وجل لا یشبه جسماً ولا روحاً ، ولیس لأحد فی خلق الروح الحساس الدراک أمر ولا

سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفی عنه الشبهین: شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور ، فلم یعرف الله بالله .

لا یفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالی

أمالی المرتضی:301/1

إن قال قائل: ما تأویل قوله تعالی: ( وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَیَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ ) یونس : 10 .

. . . فأما ظن السائل دخول الإرادة فی محتمل اللفظ فباطل ، لأن الاذن لا یحتمل

ص: 176

الإرادة فی اللغة ، ولو احتملها أیضاً لم یجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الإیمان لا یقع إلا وأنا مرید له لم ینف أن یکون مریداً لما لم یقع، ولیس فی صریح الکلام ولا دلالته شئ من ذلک .

وأما قوله تعالی: وَیَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ ، فلم یعن بذلک الناقصی العقول، وإنما أراد الذین لم یعقلوا ولم یعلموا ما وجب علیهم علمه من معرفة الله خالقهم ، والإعتراف بنبوة رسله والإنقیاد إلی طاعتهم. ووصفهم تعالی بأنهم لا یعقلون تشبیهاً ، کما قال تعالی صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ ، وکما یصف أحدنا من لم یفطن لبعض الأمور أو لم یعلم ما هو مأمور بعمله بالجنون وفقد العقل .

الهدایة والإضلال من الله تعالی لکن الإضلال باستحقاق العبد

الکافی:163/1

محمد بن یحیی وغیره، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن أبی عمیر، عن محمد بن حکیم قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): المعرفة من صنع من هی ؟ قال: من صنع الله ، لیس للعباد فیها صنع .

محمد بن أبی عبدالله ، عن سهل بن زیاد ، عن علی بن إسباط ، عن الحسین بن زید ، عن درست بن أبی منصور ، عمن حدثه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ستة أشیاء لیس للعباد فیها صنع: المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم والیقظة .

الکافی:165/1

باب الهدایة أنها من الله عز وجل: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن إسماعیل ، عن إسماعیل السراج ، عن ابن مسکان ، عن ثابت بن سعید قال: قال أبوعبدالله: یا ثابت ما لکم وللناس ، کفوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلی أمرکم ، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضین اجتمعوا

ص: 177

علی أن یهدوا عبداً یرید الله ضلالته ما استطاعوا أن یهدوه ، ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضین اجتمعوا علی أن یضلوا عبداً یرید الله هدایته ما استطاعوا أن یضلوه ، کفوا عن الناس ولا یقول أحد: عمی وأخی وابن عمی وجاری ، فإن الله إذا أراد بعبد خیراً طیب روحه فلا یسمع معروفاً إلا عرفه ولا منکراً إلا أنکره ، ثم یقذف الله فی قلبه کلمة یجمع بها أمره .

علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن محمد بن حمران ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خیراً نکت فی قلبه نکتة من نور وفتح مسامع قلبه ووکل به ملکاً یسدده ، وإذا أراد بعبد سوءاً نکت فی قلبه نکتة سوداء وسد مسامع قلبه ووکل به شیطاناً یضله، ثم تلا هذه الآیة: فَمَنْ یُرِدِ اللهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقًا حَرَجًا کَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی السَّمَاءِ .

دعائم الإسلام:13/1

وروینا عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه أنه سئل ما الإیمان وما الإسلام ؟

فقال: الإسلام الإقرار والإیمان الإقرار والمعرفة فمن عرفه الله نفسه ونبیه وإمامه ثم أقر بذلک فهو مؤمن .

قیل له: فالمعرفة من الله والإقرار من العبد ؟

قال: المعرفة من الله حجة ومنة ونعمة والإقرار من یمن الله به علی من یشاء ، والمعرفة صنع الله فی القلب ، والإقرار فعل القلب بمن من الله وعصمه ورحمه ، فمن لم یجعله الله عارفاً فلا حجة علیه ، وعلیه أن یقف ویکف عما لا یعلم ، ولا

ص: 178

یعذبه الله علی جهله ویثیبه علی عمله بالطاعة ویعذبه علی عمله بالمعصیة ، ولا یکون شئ من ذلک إلا بقضاء الله وقدره وبعلمه وبکتابه بغیر جبر ، لأنهم لو کانوا مجبورین لکانوا معذورین وغیر محمودین ، ومن جهل فعلیه أن یرد إلینا ما أشکل علیه ، قال الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . انتهی .

وقد عقد البخاری باباً فی:10/1 تحت عنوان ( باب قول النبی(ص)أنا أعلمکم بالله وإن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالی ولکن یؤاخذکم بما کسبت قلوبکم ) ولکنه لم یرو حدیثاً علی أن المعرفة فعل القلب ، ومثل هذه الظاهرة متکررة فی البخاری ، حیث تجد عنواناً ولا معنون له .

دعاء طلب المعرفة من الله تعالی

مصباح المتهجد/411

وما روی عن أبی عمرو بن سعید العمری (رض) قال: أخبرنا جماعة ، عن محمد هرون بن موسی التلعکبری أن أبا علی محمد بن همام أخبره بهذا الدعاء ، وذکر أن الشیخ أبا عمرو العمری قدس الله روحه أملاه علیه وأمره أن یدعو به ، وهو الدعاء فی غیبة القائم من آل محمد علیه وعلیهم السلام :

اللهم عرفنی نفسک ، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف رسولک .

اللهم عرفنی رسولک ، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک .

اللهم عرفنی حجتک ، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی .

الکافی:337/1

علی بن إبراهیم ، عن الحسن بن موسی الخشاب ، عن عبدالله بن موسی عن عبدالله بن بکیر ، عن زرارة قال: سمعت أباعبدالله(علیه السّلام)یقول: إن للغلام غیبة قبل

ص: 179

أن یقوم ، قال : قلت ولم ؟ قال: یخاف - وأومأ بیده إلی بطنه - ثم قال: یا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذی یشک فی ولادته ، منهم من یقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من یقول حمل ، ومنهم من یقول إنه ولد قبل موت أبیه بسنتین ، وهو المنتظر غیر أن الله عز وجل یحب أن یمتحن الشیعة ، فعند ذلک یرتاب المبطلون یا زرارة .

قال قلت: جعلت فداک إن أدرکت ذلک الزمان أی شئ أعمل ؟ قال: یا زرارة إذا أدرکت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء : اللهم عرفنی نفسک ، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف نبیک ، اللهم عرفنی رسولک ، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک ، اللهم عرفنی حجتک ، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی .

ثم قال: یا زرارة لابد من قتل غلام بالمدینة ، قلت: جعلت فداک ألیس یقتله جیش السفیانی ؟ قال: لا ولکن یقتله جیش آل بنی فلان ، یجی حتی یدخل المدینة فیأخذ الغلام فیقتله ، فإذا قتله بغیاً وعدواناً وظلماً لا یمهلون ، فعند ذلک توقع الفرج إن شاء الله .

وسائل معرفة الله

أداة معرفة الله تعالی: العقل

الکافی:48/1

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن نوح بن شعیب النیسابوری ، عن عبید الله بن عبدالله الدهقان ، عن درست بن أبی منصور ، عن عروة بن أخی شعیب العقرقوفی عن شعیب ، عن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول:

ص: 180

کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یقول: یا طالب العلم إن العلم ذو فضائل کثیرة: فرأسه التواضع ، وعینه البراءة من الحسد ، وأذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حسن النیة وعقله معرفة الأشیاء والأمور ، ویده الرحمة ، ورجله زیارة العلماء .

الکافی:13/1

أبوعبدالله الأشعری ، عن بعض أصحابنا ، رفعه عن هشام بن الحکم قال: قال لی أبوالحسن موسی بن جعفر(علیهماالسّلام): یا هشام إن الله تبارک وتعالی بشر أهل العقل والفهم فی کتابه فقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللهُ وَ أُولَئِکَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ .

یا هشام ، إن الله تبارک وتعالی أکمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبیین بالبیان، ودلهم علی ربوبیته بالأدلة فقال: « وَإِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ . إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِمَا یَنْفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

یا هشام ، قد جعل الله ذلک دلیلاً علی معرفته بأن لهم مدبراً فقال: « وَسَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ». وقال: « هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخًا وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّی وَ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ ». وقال: « وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ

ص: 181

تَصْرِیفِ الرِّیَاحِ آیَاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ». وقال: « یُحْیِی الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الأیَاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ » .

وقال: « وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَ زَرْعٌ وَنَخِیلٌ صِنْوَانٌ وَغَیْرُ صِنْوَانٍ یُسْقَی بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَی بَعْضٍ فِی الأُکُلِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

وقال: « وَمِنْ آیَاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَیُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَیُحْیِی بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

وقال: « قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ أَلا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئًا وَ بِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُکُمْ وَإِیَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ».

وقال: « هَلْ لَکُمْ مِمَّا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ مِنْ شُرَکَاءَ فِی مَا رَزَقْنَاکُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ کَذَلِکَ نُفَصِّلُ الأیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

یا هشام ، ما بعث الله أنبیاءه ورسله إلی عباده إلا لیعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأکملهم عقلاً أرفعهم درجة فی الدنیا والآخرة .

یا هشام ، إن لله علی الناس حجتین: حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) ، وأما الباطنة فالعقول .

یا هشام ، إن العاقل الذی لا یشغل الحلال شکره ، ولا یغلب الحرام صبره .

یا هشام ، الصبر علی الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنیا والراغبین فیها ، ورغب فیما عند الله ، وکان الله أنسه فی الوحشة ، وصاحبه فی الوحدة ، وغناه فی العیلة ، ومعزه من غیر عشیرة .

ص: 182

یا هشام ، إن الله حکی عن قوم صالحین أنهم قالوا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنَا وَ هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، حین علموا أن القلوب تزیغ وتعود إلی عماها ورداها. إنه لم یخف الله من لم یعقل عن الله ، ومن لم یعقل عن الله لم یعقد قلبه علی معرفة ثابتة یبصرها ویجد حقیقتها فی قلبه ، ولا یکون أحد کذلک إلا من کان قوله لفعله مصدقاً ، وسره لعلانیته موافقاً ، لأن الله تبارک اسمه لم یدل علی الباطن الخفی من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه .

رسائل الشریف المرتضی:127/1

المسألة التاسعة قد سئل(رحمه الله)عن الطریق إلی معرفة الله بمجرد العقل أو من طریق السمع

الجواب: إن الطریق إلی معرفة الله تعالی هو العقل ، ولا یجوز أن یکون السمع ، لأن السمع لا یکون دلیلاً علی الشئ إلا بعد معرفة الله وحکمته ، وإنه لا یفعل القبیح ولا یصدق الکذابین ، فکیف یدل السمع علی المعرفة. ووجه دلالته مبنی علی حصول المعارف بالله حتی یصح أن یوجب علیه النظر. ورددنا علی من یذهب من أصحابنا إلی أن معرفة الله تستفاد من قول الإمام ، لأن معرفة کون الإمام إماماً مبنیة علی المعرفة بالله تعالی . . . .

وبینا أن العاقل إذا نشأ بین الناس ، وسمع اختلافهم فی الدیانات ، وقول کثیر منهم أن للعالم صانعاً خلق العقلاء لیعرفوه ، ویستحقوا الثواب علی طاعاتهم ، وأن من فرط فی المعرفة استحق العقاب: لابد من کونه خائفاً من ترک النظر وإهماله ، لأن خوف الضرر وجهه علی وجوب کل نظر فی دین أو دنیا ، وأنه متی خاف الضرر وجب علیه النظر وقبح منه إهماله والاخلال به .

ص: 183

الرسالة السعدیة للعلامة الحلی/54

وخامسها: أن معرفة الله تعالی واجبة ، ولیس مدرک الوجوب السمع ، لأن معرفة الإیمان یتوقف علی معرفة الموجب ، فیستحیل معرفة الإیجاب قبل معرفة الموجب ، فلو أسندت معرفة الموجب به ، دار .

نهج الحق للعلامة الحلی/51

الحق أن وجوب معرفة الله تعالی مستفاد من العقل وإن کان السمع قد دل علیه بقوله: فاعلم أنه لا إله إلا الله ، لأن شکر المنعم واجب بالضرورة وآثار النعمة علینا ظاهرة ، فیجب أن نشکر فاعلها ، وإنما یحصل بمعرفته ، ولأن معرفة الله تعالی واقعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة .

وقالت الأشعریة: إن معرفة الله تعالی واجبة بالسمع لا بالعقل فلزمهم ارتکاب الدور المعلوم بالضرورة بطلانه، لأن معرفة الایجاب تتوقف علی معرفة الموجب فإن من لا نعرفه بشئ من الإعتبارات البتة نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أنه أوجب ، فلو استفیدت معرفة الموجب من معرفة الایجاب لزم الدور المحال!

وأیضاً لو کانت المعرفة إنما تجب بالأمر لکان الأمر بها إما أن یتوجه إلی العارف بالله تعالی أو إلی غیر العارف والقسمان باطلان ، فتعلیل الایجاب بالأمر محال ، أما بطلان الأول فلانه یلزم منه تحصیل الحاصل وهو محال ، وأما بطلان الثانی: فلان غیر العارف بالله تعالی یستحیل أن یعرف أن الله قد أمره وأن امتثال أمره واجب ، وإذا استحال أن یعرف أن الله تعالی قد أمره وأن امتثال أمره واجب استحال أمره وإلا لزم تکلیف ما لا یطاق. وسیأتی بطلانه إن شاء الله تعالی .

ص: 184

لا یحاسب الله الناس إلا علی قدر معرفتهم ، وما بیَّن لهم ، وما آتاهم

الکافی:163/1-164

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله لم ینعم علی عبد نعمة إلا وقد ألزمه فیها الحجة من الله ، فمن منَّ الله علیه فجعله قویاً فحجته علیه القیام بما کلفه ، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه ، فمن منَّ الله علیه فجعله موسعاً علیه فحجته علیه ماله ، ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله ، ومن منَّ الله علیه فجعله شریفاً فی بیته ، جمیلاً فی صورته ، فحجته علیه أن یحمد الله تعالی علی ذلک وأن لا یتطاول علی غیره ، فیمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبدالأعلی بن أعین قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)من لم یعرف شیئاً هل علیه شئ ؟ قال: لا .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم .

محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن ابن الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: إن الله احتج علی الناس بما آتاهم وعرفهم .

وبهذا الإسناد ، عن یونس ، عن حماد ، عن عبدالاعلی قال: قلت لابی عبدالله (علیه السّلام): أصلحک الله هل جعل فی الناس أداة ینالون بها المعرفة ؟ قال: فقال: لا، قلت: فهل کلفوا المعرفة ؟ قال: لا ، علی الله البیان: لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ، لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ، قال: وسألته عن قوله: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ

ص: 185

حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ ، قال: حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن حمزة بن محمد الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: « وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ ». قال: « حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه ». وقال: « فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا » ، قال: بین لها ما تأتی وما تترک ، وقال: « إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَ إِمَّا کَفُورًا » ، قال: عرفناه ، إما آخذ وإما تارک. وعن قوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی ، قال: عرفناهم فاستحبوا العمی علی الهدی وهم یعرفون ؟ وفی روایة: بینا لهم .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: أکتب فأملی علی: إن من قولنا أن الله یحتج علی العباد بما آتاهم وعرفهم ، ثم أرسل إلیهم رسولاً وأنزل علیهم الکتاب فأمر فیه ونهی ، أمر فیه بالصلاة والصیام فنام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الصلاة فقال: أنا أنیمک وأنا أوقظک فإذا قمت فصل لیعلموا إذا أصابهم ذلک کیف یصنعون ، لیس کما یقولون إذا نام عنها هلک ،وکذلک الصیام أنا أمرضک وأنا أصحک ، فإذا شفیتک فأقضه .

ثم قال أبو عبد الله(علیه السّلام): وکذلک إذا نظرت فی جمیع الأشیاء لم تجد أحداً فی ضیق ، ولم تجد أحداً إلا ولله علیه الحجة ولله فیه المشیئة ، ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا ، ثم قال: إن الله یهدی ویضل ، وقال: وما أمروا إلا بدون سعتهم ، وکل شئ أمر الناس به فهم یسعون له ، وکل شئ لا یسعون له فهو موضوع عنهم ، ولکن الناس لا خیر فیهم ، ثم تلا(علیه السّلام): « لَیْسَ عَلَی الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَی الْمَرْضَی وَلا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ مَا یُنْفِقُونَ حَرَجٌ » - فوضع عنهم - ما علی المحسنین من سبیل

ص: 186

والله غفور رحیم. ولا علی الذین إذا ما أتوک لتحملهم - قال: فوضع عنهم لانهم لا یجدون .

الإعتقادات للصدوق/168

قال الشیخ أبوجعفر (رحمه الله): إعتقادنا فی ذلک أن الله تعالی فطر جمیع الخلق علی التوحید وذلک قوله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا . وقال الصادق(علیه السّلام) فی قوله تعالی: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ . وقال (علیه السّلام): حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه .

وقال فی قوله تعالی: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قال: بین لها ما تأتی وما تترک من المعاصی .

وقال فی قوله تعالی: إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا ، قال: عرفناه إما آخذاً وإما تارکاً .

وفی قوله تعالی: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی ، قال: وهم یعرفون .

وسئل عن قول الله عز وجل: وَهَدَیْنَاهُ النَّجْدَیْنِ ، قال: نجد الخیر ونجد الشر .

وقال (علیه السّلام): ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم .

وقال (علیه السّلام): إن الله تعالی احتج علی الناس بما آتاهم وعرفهم .

ص: 187

من أسباب المعرفة وآثارها

ما یورث المعرفة

مستدرک الوسائل:500/7

الحسن بن أبی الحسن الدیلمی فی إرشاد القلوب: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال فی لیلة المعراج:

یا رب ما أول العبادة ؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم ، قال: یا رب وما میراث الصوم؟ قال: یورث الحکمة ، والحکمة تورث المعرفة ، والمعرفة تورث الیقین، فإذا استیقن العبد لا یبالی کیف أصبح بعسر أم بیسر.

ما تورثه المعرفة

مستدرک الوسائل:185/11

. . . قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فکر ساعة خیر من عبادة سنة ، ولا ینال منزلة التفکر إلا من خصه الله بنور المعرفة والتوحید .

ما یفسد المعرفة ویطفئ نورها

مستدرک الوسائل:218/16

الحسن بن فضل الطبرسی فی مکارم الاخلاق: عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا تشبعوا فیطفأ نور المعرفة من قلوبکم .

مستدرک الوسائل:213/16

القطب الراوندی فی لب اللباب: عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) أنه قال:

ص: 188

فساد الجسد فی کثرة الطعام ، وفساد الزرع فی کسب الأثام ، وفساد المعرفة فی ترک

الصلاة علی خیر الأنام .

ص: 189

ص: 190

الفصل السادس :خطر ضلال الأمم بعد المعرفة

اشارة

ص: 191

ص: 192

کان نبینا یخاف علی أمته الضلال بعد المعرفة

الکافی:79/2

قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ثلاث أخافهن علی أمتی من بعدی: الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة البطن والفرج. انتهی.

ورواه فی وسائل الشیعة:11/198 وفی مستدرک الوسائل:276/11 وفی مسند الإمام زید/494

أمالی المفید/111

قال: أخبرنی أبوحفص عمر بن محمد الصیرفی قال: حدثنا علی بن مهرویه القزوینی قال: حدثنا داود بن سلیمان الغاری قال: حدثنا الرضا علی بن موسی قال: حدثنی موسی بن جعفر قال: حدثنی أبی جعفر بن محمد قال: حدثنی أبی محمد بن علی قال: حدثنی علی بن الحسین قال: حدثنی أبی الحسین بن علی قال: حدثنی أبی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ثلاثة أخافهن علی أمتی: الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة الفرج والبطن .

وقد روت هذا المعنی مصادر إخواننا السنة ، ففی مسند أحمد:420/4:

عن أبی برزة الأسلمی ، قال أبو الأشهب لا أعلمه إلا عن النبی(ص)قال: « إن مما

ص: 193

أخشی علیکم شهوات الغی فی بطونکم وفروجکم ومضلات الفتن ». وفی روایة ومضلات الهوی. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:305/7 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح. ورواه فی کنز العمال:45/16 .

وضع المعرفة فی بنی اسرائیل بعد موسی

العهد القدیم:282/2

الإصحاح الرابع 1 إسمعوا قول الرب یا بنی اسرائیل. إن للرب محاکمة مع سکان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله فی الأرض. 2 لعنٌ وکذبٌ وقتل وسرقة وفسق.

یعتنفون ودماء تلحق دماء . . . .

قد هلک شعبی من عدم المعرفة. لأنک أنت رفضت المعرفة أرفضک أنا حتی لاتکهن لی . ولأنک نسیت شریعة إلهک أنسی أنا أیضاً بنیک .

العهد القدیم/254

الإصحاح الخامس والعشرون 1 وأقام إسرائیل فی شطیم وابتدأ الشعب یزنون مع بنات موآب. 2 فدعون الشعب إلی ذبائح آلهتهن فأکل الشعب وسجدوا لآلهتهن. 3 وتعلق إسرائیل ببعل فغور. فحمی غضب الرب علی إسرائیل .

العهد القدیم/296

الإصحاح الحادی عشر 1 فأحبب الرب إلهک واحفظ حقوقه وفرائضه وأحکامه ووصایاه کل الأیام. 2 واعلموا الیوم أنی لست أرید بنیکم الذین لم یعرفوا ولا رأوا تأدیب الرب إلهکم عظمته ویده الشدیدة وذراعه الرفیعة. 3 وآیاته وصنائعة التی عملها فی مصر بفرعون ملک مصر وبکل أرضه. 4 والتی عملها بجیش مصر

ص: 194

بخیلهم ومراکبهم حیث أطاف میاه بحر سوف علی وجوههم حین سعوا وراءکم فأبادهم الرب إلی هذا الیوم. 5 والتی عملها لکم فی البریة حتی جئتم إلی هذا المکان. 6 والتی عملها بداثان وأبیرام ابنی الیاب ابن راوبین اللذین فتحت الأرض فاها وابتلعتهما مع بیوتهما وخیامهما وکل الموجودات التابعة لهما فی وسط کل إسرائیل.... 27

البرکة إذا سمعتم لوصایا الرب إلهکم التی أنا أوصیکم بها الیوم. 28 واللعنة إذا لم تسمعوا لوصایا الرب إلهکم وزغتم عن الطریق التی أنا أوصیکم بها الیوم ، لتذهبوا وراء آلهة أخری لم تعرفوها .

العهد القدیم/300

الإصحاح الثالث عشر 1 إذا قام فی وسطک نبی أو حالم حلماً وأعطاک آیة أو أعجوبة 2 ولو حدثت الآیة أو الأعجوبة التی کلمک عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخری لم نعرفها ونعبدها 3 فلا تسمع لکلام ذلک النبی أو الحالم ذلک الحلم ، لأن الرب إلهکم یمتحنکم لکی یعلم هل تحبون الرب إلهکم من کل قلوبکم ومن کل أنفسکم . . . .

وإذا أغواک سراً أخوک ابن أمک أو ابنک أو ابنتک أو امرأة حضنک أو صاحبک الذی مثل نفسک قائلاً: نذهب ونعبد آلهة أخری لم تعرفها أنت ولا آباؤک 7 من آلهة الشعوب الذین حولک القریبین منک أو البعیدین عنک من أقصاء الأرض إلی أقصائها 8 فلا ترض منه ولا تسمع لا ولا تشفق عینک علیه ولا ترق له ولا تستره... .

قد خرج أناس بنو لئیم من وسطک وطوحوا سکان مدینتهم قائلین: نذهب ونعبد آلهة أخری لم تعرفوها .

العهد القدیم/196

ص: 195

وقال الرب من أجل أن بنات صهیون یتشامخن ویمشین ممدودات الأعناق وغامزات بعیونهن وخاطرات فی مشیهن ویخشخشن بأرجلهن. 17 یصلع السید هامة بنات صهیون

ویعری الرب عورتهن. 18 ینزع السید فی ذلک الیوم زینة الخلاخیل والضفائر والاهلة. 19 والحلق والاساور والبراقع. 20 والعصائب والسلاسل والمناطق وحناجر الشمامات والاحراز. 21 والخواتم وخزائم الأنف. 22 والثیاب المزخرفة والعطف والأردیة والأکیاس. 23 والمرائی والقمصان والعمائم والازر. 24 فیکون عوض الطیب عفونة ، وعوض المنطقة حبل ، وعوض الجدائل قرعة ، وعوض الدیباج زنار مسح ، وعوض الجمال کی .

إتهامهم نبیهم موسی بأنه لم یعرف الله تعالی

العهد القدیم 142

وقال موسی للرب أنظر ، أنت قائل لی أصعد هذا الشعب ، وأنت لم تعرفنی من ترسل معی ، وأنت قد قلت عرفتک باسمک ، ووجدت أیضاً نعمة فی عینی ، 13 فالان إن کنت قد وجدت نعمة فی عینیک فعلمنی طریقک حتی أعرفک لکی أجد نعمة فی عینیک .

بولس یصف فساد الناس فی عصره وبعدهم عن المعرفة

العهد الجدید/246

الإصحاح الأول 21 لانهم لما عرفوا الله لم یمجدوه أو یشکروه کإله بل حمقوا فی أفکارهم وأظلم قلبهم الغبی. 22 وبینما هم یزعمون أنهم حکماء صاروا جهلاء. 23 وأبدلوا مجد الله الذی لا یفنی بشبه صورة الإنسان الذی یفنی والطیور والدواب والزحافات... .

ص: 196

وکذلک الذکور أیضاً تارکین استعمال الأنثی الطبیعی اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلین الفحشاء ذکوراً بذکور ونائلین فی أنفسهم جزاء ضلالهم المحق. 28 وکما لم یستحسنوا أن یبقوا الله فی معرفتهم أسلمهم الله إلی ذهن مرفوض لیفعلوا ما لا یلیق. 29 مملوئین من کل إثم وزناً وشر وطمع وخبث ، مشحونین حسداً وقتلاً وخصاماً ومکراً وسوءاً. 30 نمامین مفترین مبغضین لله ، ثالبین متعظمین مدعین مبتدعین شروراً ، غیر طائعین للوالدین. 31 بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضی ولا رحمة. 32 الذین إذ عرفوا حکم الله أن الذین یعملون مثل هذه یستوجبون الموت لا یفعلونها فقط ، بل أیضاً یسرون بالذین یعملون .

المعرفة التی دعا إلیها بولس الذی نَصَّر النصاری

العهد الجدید/381

رسالة بطرس الرسول الثانیة الإصحاح الأول. 1 سمعان بطرس عبد یسوع المسیح ورسوله إلی الذین نالوا معنا إیماناً ثمیناً مساویاً لنا ببر إلهنا والمخلص یسوع المسیح. 2 لتکثر لکم النعمة والسلام بمعرفة الله ویسوع ربنا. 3 کما أن قدرته الإلهیة قد وهبت لنا کل ما هو للحیاة والتقوی بمعرفة الذی دعانا بالمجد والفضیلة. 4 اللذین بهما قد وهب لنا المواعید العظمی والثمینة ، لکی تصیروابها شرکاء الطبیعة الإلهیة هاربین من الفساد الذی فی العالم بالشهوة . . . لأن هذه إذا کانت فیکم وکثرت تُصَیِّرکم لا متکاسلین ولا غیر مثمرین لمعرفة ربنا یسوع المسیح... .

العهد الجدید/389

الاصحاح الرابع 1 أیها الأحباء لا تصدقوا کل روح بل امتحنوا الأرواح هل هی

ص: 197

من الله لأن أنبیاء کذبة کثیرین قد خرجوا إلی العالم. 2 بهذا تعرفون روح الله. کل روح یعترف بیسوع المسیح أنه قد جاء فی الجسد فهو من الله. 3 وکل روح لا یعترف بیسوع المسیح أنه قد جاء فی الجسد فلیس من الله . . . نحن من الله فمن یعرف الله یسمع لنا ومن لیس من الله لا یسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال .

ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التی لله فینا. الله محبة ومن یثبت فی المحبة یثبت فی الله والله فیه .

العهد الجدید/390

الإصحاح الخامس 1 کل من یؤمن أن یسوع هو المسیح فقد ولد من الله ، وکل من یحب الوالد یحب المولود منه أیضاً. 2 بهذا نعرف إننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصایاه . . . ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصیرة لنعرف الحق ، ونحن فی الحق فی ابنه یسوع المسیح ، هذا هو الاله الحق والحیاة الابدیة. 21 أیها الأولاد إحفظوا أنفسکم من الأصنام .

متی اخترع المسیحیون التثلیث بعد التوحید

قاموس الکتاب المقدس/232

الثالوث الأقدس ( تثلیث ) عرف قانون الإیمان هذه العقیدة بالقول ( نؤمن بإله واحد الأب والابن والروح القدس إله واحد جوهر واحد متساوین فی القدرة والمجد ). فی طبیعة هذا الإله الواحد تظهر ثلاثة خواص أزلیة ، یعلنها الکتاب فی صورة شخصیات ( أقانیم ) متساویة. ومعرفتنا بهذه الشخصیة المثلثة الأقانیم لیست إلا حقاً سماویاً أعلنه لنا الکتاب فی العهد القدیم بصورة غیر واضحة

ص: 198

المعالم ، لکنه قدمه فی العهد الجدید واضحاً ، ویمکن أن نلخص العقیدة فی هذه النقاط الست التالیة:

1 - الکتاب المقدس یقدم لنا ثلاث شخصیات یعتبرهم شخص الله .

2 - هؤلاء الثلاثة یصفهم الکتاب بطریقة تجعلهم شخصیات متمیزة الواحدة عن الأخری .

3 - هذا التثلیث فی طبیعة الله لیس موقتاً أو ظاهریاً بل أبدی وحقیقی .

4 - هذا التثلیث لا یعنی ثلاثة آلهة بل إن هذه الشخصیات الثلاث جوهر واحد .

5 - الشخصیات الثلاث الأب والابن والروح القدس متساوون .

6 - ولا یوجد تناقض فی هذه العقیدة ، بل بالاحری أنها تقدم لنا المفتاح لفهم باقی العقائد المسیحیة. ولقد کانت هذه الحقیقة متضمنة فی تعلیم المسیح ( یو:9-141: 1 ویو 14: 26 ویو 15: 26 ) .

وقد تمسکت الکنیسة بما جاء واضحاً فی مت 28: 19 ، وتحدث الرسل مقدمین هذه الحقیقة فی 2 کو 13: 14 و 1 بط 1: 2 و 1 یو 5: 7 .

ولا نستطیع أن نغفل منظر معمودیة المسیح وفیه یسمنع صوت الأب واضحاً موجهاً إلی المسیح ، ویستقر الروح القدس علی رأس المسیح الابن فی شکل حمامة ( مت 3: 16 و 17 ومر 1: 10 و 11 ولو 3: 21 و 22 ویو 1: 32 و 33 ) .

ولقد کان یقین الکنیسة وإیمانها بلاهوت المسیح هو الدافع الحتمی لها لتصوغ حقیقة التثلیث فی قالب یجعلها المحور الذی تدور حوله کل معرفة المسیحیین بالله فی تلک البیئة الیهودیة أو الوثنیة وتقوم علیه .

والکلمة نفسها ( التثلیث أو الثالوث ) لم ترد فی الکتاب المقدس ، ویظن أن أول من صاغها واخترعها واستعملها هو ترتلیان فی القرن الثانی للمیلاد. ثم ظهر

ص: 199

سبیلیوس ببدعته فی منتصف القرن الثالث وحاول أن یفسر العقیدة بالقول: إن التثلیث لیس أمراً حقیقیاً لله لکنه مجرد إعلان خارجی ، فهو حادث موقت ولیس أبدیاً. ثم ظهرت بدعة إریوس الذی نادی بأن الاب وحده هو الأزلی بینما الابن والروح القدس مخلوقان متمیزان عن سائر الخلیقة .

وأخیراً ظهر إثناسیوس داحضاً هذه النظریات وواضعاً أساس العقیدة السلیمة التی قبلها واعتمدها مجمع نیقیة فی عام 325 میلادیة .

ولقد تبلور قانون الإیمان الاثناسیوسی علی ید اغسطینوس فی القرن الخامس ، وصار القانون عقیدة الکنیسة الفعلیة من ذلک التاریخ إلی یومنا هذا .

ص: 200

الفصل السابع : متی تجب المعرفة علی الإنسان

اشارة

ص: 201

ص: 202

فی أی سن یجب التفکیر والمعرفة

رسائل الشهید الثانی:135/2

إعلم أن المتکلمین حددوا وقت التکلیف بالمعرفة بالتمکن من العلم بالمسائل الأصولیة ، حیث قالوا فی باب التکلیف أن المکلف یشترط کونه قادراً علی ما کلف به ممیزاً بینه وبین غیره مما لم یکلف به متمکناً من العلم بما کلف به ، إذ التکلیف بدون ذلک محال. وظاهر أن هذا لا یتوقف علی تحقق البلوغ الشرعی بإحدی العلامات المذکورة فی کتب الفروع ، بل قد یکون قبل ذلک بسنتین أو بعده کذلک ، بحسب مراتب الإدراک قوة وضعفاً. وذکر بعض فقهائنا أن وقت التکلیف بالمعارف الإلهیة هو وقت التکلیف بالأعمال الشرعیة ، إلا أنه یجب أولاً بعد تحقق البلوغ والعقل المسارعة إلی تحصیل المعارف قبل الإتیان بالأعمال .

أقول: هذا غیر جید ، لأنه یلزم منه أن یکون الاناث أکمل من الذکور ، لأن الأنثی تخاطب بالعبادات عند کمال التسع إذا کانت عاقلة ، فتخاطب بالمعرفة أیضاً عند ذلک، والصبی لا یبلغ عند کمال التسع بالإحتلام ولا بالانبات علی ما جرت به العادة، فلا یخاطب بالمعرفة وإن کان ممیزاً عاقلاً لعدم خطابه بالعبادات ، فتکون أکمل منه استعداداً للمعارف ، وهو بعید عن مدارک العقل والنقل. ومن

ص: 203

ثم ذهب بعض العلماء إلی وجوب المعرفة علی من بلغ عشراً عاقلاً ، ونسب ذلک إلی الشیخ أبی جعفر الطوسی(قدسّ سرّه)وأیضاً هذا لا یوافق ما هو الحق من أن معرفة الله تعالی واجبة عقلاً لا سمعاً ، لأنا لو قلنا إن المعرفة لا تجب إلا بعد تحقق البلوغ الشرعی الذی هو مناط وجوب العبادات الشرعیة ، لکنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل ، لأن البلوغ المذکور إنما علم من الشرع ، ولیس فی العقل ما یدل علی أن وجوب المعرفة إنما یکون عند البلوغ المذکور ، فلو وجبت عنده لکان الوجوب معلوماً من الشرع ، لا من العقل .

لا یقال: العقل إنما دل علی وجوب المعرفة فی الجملة دون تحدید وقته ، والشرع إنما دل علی تحدید وقت الوجوب وهو غیر الوجوب ، فلا یلزم کون الوجوب شرعیاً .

لأنا نقول: لا نسلم أن فی الشرع ما یدل علی تحدید وقت وجوب المعرفة أیضاً، بل إنما دل علی تحدید وقت العبادات فقط ، نعم دل الشرع علی تقدم المعرفة علی العبادات فی الجملة ، وهو أعم من تعیین وقت التقدم ، فلا یدل علیه .

وأیضاً لامعنی لکون العقل یدل علی وجوب المعرفة فی الجملة من دون اطلاعه علی وقت الوجوب ، إذ لا ریب أنه یلزم من الحکم بوجوبها کونها واجبة فی وقت الحکم .

والحاصل: أنه لا یمکن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها ، فالوقت کما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أیضاً .

وتوضیحه: أن العبد متی لاحظ هذه النعم علیه وعلم أن هناک منعماً أنعم بها علیه ، أوجب علی نفسه شکره علیها فی ذلک الوقت ، خوفاً من أن یسلبه إیاها لو لم یشکره ، وحیث أنه لم یعرفه بعد یوجب علی نفسه النظر فی معرفته فی ذلک

ص: 204

الوقت لیمکنه شکره ، فقد علم أنه یلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أیضاً .

نعم ما ذکروه إنما یتم علی مذهب الأشاعرة ، حیث أن وجوب المعرفة عندهم سمعی .

فإن قلت: قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ ، فیه دلالة علی تحدید وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعی ، لأن رفع القلم کنایة عن رفع التکلیف وعدم جریانه علیه إلی الغایة المذکورة ، فقبلها لا یکون مکلفاً بشئ ، سواء کان قد عقل أم لا .

قلت: لا نسلم دلالته علی ذلک ، بل إن دل فإنما یدل علی أن البلوغ الشرعی غایة لرفع التکلیف مطلقاً. وإن کان عقلیاً ، فیبقی الدلیل الدال علی کون التکلیف بالمعرفة عقلیاً سالماً عن المعارض ، فإنه یستلزم تحدید وقت وجوب المعرفة بکمال العقل ، کما تقدمت الإشارة إلیه .

والحاصل: أن عموم رفع القلم مخصص بالدلیل العقلی ، وقد عرف العقل الذی هو مناط التکالیف الشرعیة بأنه قوة للنفس بها تستعد للعلوم والإدراکات ، وهو المعنی بقولهم غریزة یتبعها العلم بالضروریات عند سلامة الآلات ، وهذا التفسیر اختاره المحقق الطوسی(رحمه الله)وجماعة .

مجمع الفائدة والبرهان:409/10

المراهق إذا أسلم حکم بإسلامه ، فإن ارتد بعد ذلک یحکم بارتداده وإن لم یتب قتل . . .

وقال أبو حنیفة: یصح إسلامه وهو مکلف بالإسلام ، وإلیه ذهب بعض أصحابنا

ص: 205

، لأنه یمکنه معرفة التوحید بالنظر والإستدلال ، فصح منه کالبالغ ، ونقل الشیخ عن أصحابه أنهم حکموا بإسلام علی(علیه السّلام)وهو غیر بالغ وحکم بإسلامه بالإجماع. والإستدلال بالروایة مشکل ، لعدم ظهور الصحة والدلالة علی هذا المطلب ، وما نقل عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)مما لا یقاس علیه غیره ، فإن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة(علیهم السّلام) لیسوا من قبیل سائر الناس ، ولهذا حکموا بکون الحجة صلوات الله وسلامه علیه إماماً مع کونه ابن خمس سنین .

نعم الحکم بإسلام المراهق غیر بعید لعموم من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهو مسلم ، وقاتلوهم حتی یقولوا لا إله إلا الله ، وأمثاله کثیرة. ولأنهم إذا قدروا علی الإستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحید وما یتوقف علیه، ووجوب المعرفة والنظر فی المعرفة ، یمکن أن یجب علیهم ذلک ، لأن دلیل وجوب المعرفة عقلی ، فکل من یعرف ذلک یدخل تحته ، ولا خصوصیة له بالبالغ ، ولا استثناء فی الأدلة العقلیة ، فلا یبعد تکلیفهم ، بل یمکن أن یجب ذلک ، فإذا أوجب علیهم یجب أن یصح منهم ، بل یلزم من الحکم بالصحة وجوبه أیضاً ، ویترتب علیه الأحکام . . . وقد أجمعوا علی عدم وجوب الفروع علیهم وعدم تکلیفهم بها ، ولهذا صرح بعض العلماء بأن الواجبات الأصولیة العقلیة تجب علی الصغیر قبل بلوغه دون الفرعیة. والظاهر أن ضابطة القدرة علی الفهم والأخذ والإستدلال علی وجه مقنع ، ففی کل من وجب فیه ذلک یصح ویمکن أن یجب علیه ذلک المقدار ، ومن لم یوجد فیه ذلک لم یجب. وقال فی الدروس ، وهو لما قاله الشیخ قریب ولا شک أنه أحوط ، وما استدل به الشیخ مؤید فقوله قریب .

قال فی التذکرة: غیر الممیز والمجنون لا یصح إسلامهما مباشرة إجماعاً ولا

ص: 206

یحکم بإسلامهما إلا بالتبعیة لغیره. فیرید بهما من لا قدرة له علی الإستدلال ، ولا یفهم وجوب المعرفة ونحوه ، وجنون المجنون أخرجه عن الفهم والقدرة علی الإستفهام والإستدلال مثل غیر الممیز ، وأما إذا کان لهم فهم مستقل لا یبعد اعتباره حینئذ وإجراء الأحکام فی حقه علیه ، فتأمل .

حکم الإنسان فی مرحلة التفکیر والبحث

رسائل الشهید الثانی:133/2

المبحث الثالث فی أن الإنسان فی زمان مهلة النظر . . . هل هو کافر أو مؤمن ؟ جزم السید الشریف المرتضی (رض) بکفره ، واستشکل بعضهم. والظاهر أن محل النزاع فی من لم یسبق منه اعتقاد ما یوجب الکفر ، فإنه فی زمان طلب الحق بالنظر فیه مع بقاء ذلک الإعتقاد لا ریب فی کفره. بل النزاع فی من هو فی أول مراتب التکلیف إذا وجه نفسه للنظر فی تحقیق الحق لیعتقده ولم یکن معتقداً لما یوجب الکفر بل هو متردد حتی یرجح عنده شئ فیعتقده. وکذا من سبق له اعتقاد ما یوجب الکفر رجع عنه إلی الشک بسبب نظره فی تحقیق الحق ولما یترجح عنده الحق ، فهذان هل هما کافران فی مدة النظر أم لا ؟

أقول: ما تقدم من تعریف الکفر بأنه عدم الإیمان مما من شأنه أن یکون مؤمناً یقتضی الحکم بکفرهما حالة النظر ، لصدق عدم الإیمان علیهما فی تلک الحالة، وهذا مشکل جداً ، لأنه یقتضی الحکم بکفر کل أحد أول کمال عقله الذی هو أول وقت التکلیف بالمعرفة ، لأنه أول وقت إمکان النظر ، إذ النظر قبله لا عبرة به ، ویقتضی أن یکون من أدرکه الموت فی تلک الحالة مخلداً فی جهنم. ولا یخفی بعد ذلک عن حکمة الله تعالی وعدله ، ولزوم: إما تکلیف ما لا یطاق إن

ص: 207

عذبه علی ترک الإیمان ، حیث لم یمض له وقت یمکن تحصیله فیه قبل الموت کما هو المفروض، أو الظلم الصرف إن لم یقدر علی ذلک ، تعالی الله عن ذلک، إذ لم یسبق له إعتقاد ما یوجب الکفر کما هو المفروض أیضاً ، لیکون التعذیب علیه .

ویلزم من ذلک القدح فی صحة تعریف الکفر بذلک. اللهم إلا أن یقال: إن مثل هذا النوع من الکفر لا یعذب صاحبه ، لکن لا یلزم منه القدح فی الإجماع علی أن کل کافر مخلد فی النار ، ولیس بعیداً التزام ذلک ، وأن یکون المراد من الکافر المخلد من کان کفره عن اعتقاد ، فیکون الإجماع مخصوصاً بمن عدا الأول .

إن قلت: إن لم یکن هذا الشخص من أهل النار ، یلزم أن یکون من أهل الجنة ،إذ لا واسطة بینهما فی الآخرة علی المذهب الحق ، فیلزم أن یخلد فی الجنة من لا إیمان له أصلاً کما هو المفروض ، وهو مخالف لما انعقد علیه الإجماع من أن غیر المؤمن لا یدخل الجنة .

قلت: یجوز أن یکون إدخاله الجنة تفضلاً من الله تعالی کالأطفال ، ویکون الإجماع مخصوصاً بمن کلف الإیمان ومضت علیه مدة کان یمکنه تحصیله فیها فقصر .

وأقول أیضاً: الذی یقتضیه النظر إن هذا الشخص لا یحکم علیه بکفر ولا بإیمان فی زمان النظر حقیقة بل تبعاً کالأطفال ، فإنه لم یتحقق له التکلیف التام لیخرج عن حکم الأطفال ، فهو باق علی ذلک إلی أن یمضی علیه زمان یمکن فیه النظر الموصل إلی الإیمان ، لکن هذا لا یتم فی من لم یسبق له کفر ، کمن هو فی أول بلوغه. أما من سبق له اعتقاد الکفر ثم رجع عنه إلی الشک ، فیتم فیه .

ص: 208

تجب المعرفة بالتفکیر ولا یصح فیها التقلید

الاقتصاد للشیخ الطوسی/9

الطریق إلی معرفة الأشیاء أربعة لا خامس لها:

أولها ، أن یعلم الشئ ضرورة لکونه مرکوزاً فی العقول ، کالعلم بأن الإثنین أکثر من واحد ، وأن الجسم الواحد لا یکون فی مکانین فی حالة واحدة ، وأن الجسمین لا یکونان مکان واحد فی حالة واحدة ، والشئ لا یخلو من أن یکون ثابتاً أو منفیاً ، وغیر ذلک مما هو مرکوز فی العقول .

والثانی، أن یعلم من جهة الإدراک إذا أدرک وارتفع اللبس ، کالعلم بالمشاهدات والمدرکات بسائر الحواس .

والثالث ، أن یعلم بالأخبار کالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوک وغیر ذلک .

والرابع ، أن یعلم بالنظر والإستدلال .

والعلم بالله تعالی لیس بحاصل من الوجه الأول ، لأن ما یعلم ضرورة لا یختلف العقلاء فیه بل یتفقون علیه ، ولذلک لا یختلفون فی أن الواحد لا یکون أکثر من اثنین ، وأن الشبر لا یطابق الذراع . والعلم بالله فیه خلاف بین العقلاء فکیف یجوز أن یکون ضروریاً .

ولیس الإدراک أیضاً طریق العلم بمعرفة الله تعالی ، لأنه تعالی لیس بمدرک بشئ من الحواس علی ما سنبینه فیما بعد ، ولو کان مدرکاً محسوساً لأدرکناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة .

والخبر أیضاً لا یمکن أن یکون طریقاً إلی معرفته ، لأن الخبر الذی یوجب العلم هو ما کان مستنداً إلی مشاهدة وإدراک ، کالبلدان والوقائع وغیر ذلک ، وقد بینا أنه لیس بمدرک ، والخبر الذی لا یستند إلی الإدراک لا یوجب العلم. ألا تری

ص: 209

أن جمیع المسلمین یخبرون من خالفهم بصدق محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا یحصل لمخالفیهم العلم به لأن ذلک طریقه الدلیل ، وکذلک جمیع الموحدین یخبرون الملحدة بحدوث العالم فلا یحصل لهم العلم به لأن ذلک طریقه الدلیل .

فإذا بطل أن یکون طریق معرفته الضرورة أو المشاهدة أو الخبر ، لم یبق إلا أن یکون طریقة النظر .

فإن قیل: أین أنتم عن تقلید المتقدمین ؟

قلنا: التقلید إن أرید به قبول قول الغیر من غیر حجة وهو حقیقة التقلید فذلک قبیح فی العقول ، لأن فیه إقداماً علی ما لا یأمن کون ما یعتقده عند التقلید جهلاً لتعریه من الدلیل ، والأقدام علی ذلک قبیح فی العقول ، ولانه لیس فی العقول أن تقلید الموحد أولی من تقلید الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا یجوز أن یتساوی الحق والباطل .

فإن قیل: نقلد المحق دون المبطل .

قلنا: العلم بکونه محقاً لا یمکن حصوله إلا بالنظر ، لانا إن علمناه بتقلید آخر أدی إلی التسلسل ، وإن علمناه بدلیل فالدلیل الدال علی وجوب القبول منه یخرجه عن باب التقلید ، ولذلک لم یکن أحدنا مقلداً للنبی أو المعصوم فیما نقبله منه لقیام الدلیل علی صحة ما یقوله .

ولیس یمکن أن یقال: نقلد الأکثر ونرجع إلیهم ، وذلک لأن الأکثر قد یکونون علی ضلال بل ذلک هو المعتاد المعروف ، ألا تری أن الفرق المبطلة بالإضافة إلی الفرق المحقة جزء من کل وقلیل من کثیر .

ولا یمکن أن یعتبر أیضاً بالزهد والورع ، لأن مثل ذلک یتفق فی المبطلین ، فلذلک تری رهبان النصاری علی غایة العبادة ورفض الدنیا مع أنهم علی باطل

ص: 210

فعلم بذلک أجمع فساد التقلید .

فإن قیل: هذا القول یؤدی إلی تضلیل أکثر الخلق وتکفیرهم ، لأن أکثر من تعنون من العقلاء لا یعرفون ما یقولونه ، من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام ، ولا یهتدون إلی ما یقولونه ، وإنما یختص بذلک طائفة یسیرة من المتکلمین ، وجمیع من خالفهم یبدعهم فی ذلک ، ویؤدی إلی تکفیر الصحابة والتابعین وأهل الأمصار ، لأنه معلوم أن أحداً من الصحابة والتابعین لم یتکلم فیما تکلم فیه المتکلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شئ منه ، فکیف یقال بمذهب یؤدی إلی تکفیر أکثر الأمة وتضلیلها ، وهذا باب ینبغی أن یزهد فیه ویرغب عنه .

قیل: هذا غلط فاحش وظن بعید ، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدی إلی معرفة الله ، ولسنا نرید بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التی یتداولها المتکلمون ویجری بینهم ، فإن جمیع ذلک صناعة فیها فضیلة وإن لم تکن واجبة ، وإنما أوجبنا النظر الذی هو الفکر فی الأدلة الموصلة إلی توحید الله تعالی وعدله ومعرفة نبیه وصحة ما جاء به ، وکیف یکون ذلک منهیاً عنه أو غیر واجب والنبی(علیه السّلام)لم یوجب القبول منه علی أحد إلا

بعد إظهار الإعلام والمعجزة من القرآن وغیره ، ولم یقل لأحد إنه یجب علیک القبول من غیر آیة ولا دلالة. وکذلک تضمن القرآن من أوله إلی آخره التنبیه علی الأدلة ووجوب النظر ، قال الله تعالی: أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وقال: أَفَلا یَنْظُرُونَ إلی الإبِلِ کَیْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَی السَّمَاءِ کَیْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَی الْجِبَالِ کَیْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَی الأَرْضِ کَیْفَ سُطِحَتْ. وقال: وَفِی أَنْفُسِکُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وقال: قتل الإنسان ما أکفره. من أی شئ خلقه. من نطفة خلقه.

ص: 211

الآیة. وقال: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لایَاتٍ لأُولِی الأَلْبَابِ. إلی قوله: إِنَّکَ لا تُخْلِفُ الْمِیعَادَ. وقال: فَلْیَنْظُرِ الإنْسَانُ إلی طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، إلی قوله: مَتَاعًا لَکُمْ وَلأَنْعَامِکُمْ. وقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ. إلی قوله فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ. وقال: إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ ، لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ، ولأُولِی الأَلْبَابِ ، ولمن کان له قلب ، یعنی عقل. وغیر ذلک من الآیات التی تعدادها یطول .

وکیف یحث تعالی علی النظر وینبه علی الأدلة وینصبها ویدعو إلی النظر فیها ، ومع ذلک یحرمها. إن هذا لا یتصوره إلا غبیٌّ جاهل. فأما من أومی إلیه من الصحابة والتابعین وأهل الأعصار من الفقهاء والفضلاء والتجار والعوام ، فأول ما فیه أنه غیر مسلم ، بل کلام الصحابة والتابعین مملؤ من ذلک .

. . . وروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه. وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی خطبته المعروفة: أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحیده ، ونظام توحیده نفی الصفات عنه ، لشهادة العقول إن من حلته الصفات فهو مخلوق ، وشهادتها أنه خالق لیس بمخلوق ثم قال: بصنع الله یستدل علیه ، وبالعقول یعتقد معرفته ، وبالنظر یثبت حجته ، معلوم بالدلالات، مشهور بالبینات، إلی آخر الخطبة. وخطبه فی هذا المعنی أکثر من أن تحصی .

وقال الحسن(علیه السّلام): والله ما یعبد الله إلا من عرفه ، فأما من لم یعرفه فإنما یعبده هکذا ضلالاً ، وأشار بیده .

وقال الصادق(علیه السّلام): وجدت علم الناس فی أربع: أولها أن تعرف ربک ، والثانی أن تعرف ما صنع بک ، والثالث أن تعرف ما أراد منک ، والرابع أن تعرف ما

ص: 212

یخرجک من دینک... .

فإن قالوا: أکثر من أومأتم إلیه إذا سألته عن ذلک لا یحسن الجواب عنه .

قلنا: وذلک أیضاً لا یلزم ، لأنه لا یمتنع أن یکون عارفاً علی الجملة وإن تعذرت علیه العبارة عما یعتقده ، فتعذر العبارة عما فی النفس لا یدل علی بطلان ذلک ولا ارتفاعه .

الرسالة السعدیة للعلامة الحلی/3-9

وقد حرم الله تعالی علی جمیع العبید سلوک طریق التقلید ، بل أوجب البحث فی أصول العقاید الیقینیة وتحصیلها باستعمال البراهین القطعیة . . . المقدمة

الثانیة فی تحریم التقلید. طلب الله تعالی من المکلف اعتقاداً جازماً یقینیاً مأخوذاً من الحجج والأدلة ، وذلک فی المسائل الأصولیة ، واعتقاداً مستفاداً إما من الحجة ، أو من التقلید فی المسائل الفروعیة .

رسائل المحقق الکرکی:59/1

یجب علی کل مکلف حرّ وعبد ذکر وأنثی أن یعرف الأصول الخمسة التی هی أرکان الإیمان ، وهی: التوحید ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدلیل لا بالتقلید. ومن جهل شیئاً من ذلک لم ینتظم فی سلک المؤمنین ، واستحق العقاب الدائم مع الکافرین .

رسائل المحقق الکرکی:80/1 وج 173/3

ویجب أمام فعلها معرفة الله تعالی ، وصفاته الثبوتیة والسلبیة ، وعدله وحکمته ، ونبوة نبینا محمد صلوات الله علیه وآله ، وإمامة الائمة(علیهم السّلام) والإقرار بکل ما جاء

ص: 213

به النبی صلوات الله علیه وآله من أحوال المعاد ، بالدلیل لا بالتقلید .

قوله: بالدلیل لا بالتقلید ، الدلیل هو ما یلزم من العلم به العلم بشئ آخر إثباتاً أو نفیاً. والتقلید هو الأخذ بقول الغیر من غیر حجة ملزمة ، مأخوذ من تقلیده بالقلادة وجعلها عنقه کأن المقلد یجعل ما یعتقده من قول الغیر من حق أو باطل قلادة فی عنق من قلده .

رسائل الشهید الثانی:56/2

إعلم أن العلماء أطبقوا علی وجوب معرفة الله تعالی بالنظر وأنها لا تحصل بالتقلید ، إلا من شذ منهم کعبدالله بن الحسن العنبری والحشویة والتعلیمیة ، حیث ذهبوا إلی جواز التقلید فی العقائد الأصولیة ، کوجود الصانع وما یجب له ویمتنع ، والنبوة ، والعدل وغیرها ، بل ذهب إلی وجوبه .

لکن اختلف القائلون بوجوب المعرفة فی أنه عقلی أو سمعی ، فالإمامیة والمعتزلة علی الأول والأشعریة علی الثانی ، ولا غرض لنا هنا ببیان ذلک ، بل ببیان أصل الوجوب المتفق علیه .

من ذلک: أن لله تعالی علی عبده نعماً ظاهرة وباطنة لا تحصی ، یعلم ذلک کل عاقل ، ویعلم أنها لیست منه ولا من مخلوق مثله. ویعلم أیضاً أنه إذا لم یعترف بإنعام ذلک المنعم ولم یذعن بکونه هو المنعم لا غیره ولم یسع فی تحصیل مرضاته، ذمه العقلاء ، ورأوا سلب تلک النعم عنه حسناً ، وحینئذ فتحکم ضرورة العقل بوجوب شکر ذلک المنعم. ومن المعلوم أن شکره علی وجه یلیق بکمال ذاته یتوقف علی معرفته ، وهی لا تحصل بالظنیات کالتقلید وغیره ، لاحتمال کذب المخبر وخطأ الإمارة ، فلابد من النظر المفید للعلم .

وهذا الدلیل إنما یستقیم علی قاعدة الحسن والقبح ، والأشاعرة ینکرون ذلک ،

ص: 214

لکنه کما یدل علی وجوب المعرفة بالدلیل، یدل أیضاً علی کون الوجوب عقلیاً.

واعترض أیضاً بأنه مبنی علی وجوب ما لا یتم الواجب المطلق الابه ، وفیه أیضاً منع للأشاعرة. ومن ذلک أن الأمة اجتمعت علی وجوب المعرفة، والتقلید وما فی حکمه لا یوجب العلم ، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدین فی مثل تقلید من یعتقد حدوث العالم ویعتقد قدمه .

وقد اعترض علی هذا بمنع الإجماع ، کیف والمخالف معروف ، بل عورض بوقوع الإجماع علی خلافه ، وذلک لتقریر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصحابه العوام علی إیمانهم وهم الأکثرون فی کل عصر ، مع عدم الإستفسار عن الدلائل الدالة علی الصانع وصفاته ، مع أنهم کانوا لا یعلمونها ، وإنما کانوا مقرین باللسان ومقلدین فی المعارف ، ولو کانت المعرفة واجبة لما جاز تقریرهم علی ذلک مع الحکم بإیمانهم .

وأجیب عن هذا: بأنهم کانوا یعلمون الأدلة إجمالاً، کدلیل الاعرابی حیث قال: البعرة تدل علی البعیر ، وأثر الاقدام علی المسیر ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان علی اللطیف الخبیر ؟! فلذا أقروا ولم یسألوا عن اعتقاداتهم، أو أنهم کان یقبل منهم ذلک للتمرین ، ثم یبین لهم ما یجب علیهم من المعارف بعد حین .

ومن ذلک: الإجماع أنه لا یجوز تقلید غیر المحق ، وإنما یعلم المحق من غیره بالنظر فی أن ما یقوله حق أم لا ، وحینئذ فلا یجوز له التقلید إلا بعدالنظر والإستدلال ، وإذا صار مستدلاً امتنع کونه مقلداً ، فامتنع التقلید فی المعارف الإلهیة .

ونقض ذلک بلزوم مثله فی الشرعیات ، فإنه لا یجوز تقلید المفتی إلا إذا کانت

ص: 215

فتیاه عن دلیل شرعی ، فإن اکتفی فی الإطلاع علی ذلک بالظن وإن کان مخطئاً فی نفس الأمر لحط ذلک عنه ، فلیجز مثله فی مسائل الأصول .

وأجیب بالفرق بأن الخطأ فی مسائل الأصول یقتضی الکفر بخلافه فی الفروع ، فساغ فی الثانیة مالم یسغ فی الأولی .

إحتج من أوجب التقلید فی مسائل الأصول بأن العلم بأمر الله غیر ممکن ، لأن المکلف به إن لم یکن عالماً به تعالی إمتنع أن یکون عالماً بأمره ، وحال امتناع کونه عالماً بأمره یمتنع کونه مأموراً من قبله ، وإلا لزم تکلیف ما لا یطاق ، وإن کان عالماً به استحال أیضاً أمره بالعلم به لاستحالة تحصیل الحاصل .

والجواب عن ذلک علی قواعد الإمامیة والمعتزلة ظاهر ، فإن وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلی لا سمعی . نعم یلزم ذلک علی قواعد الأشاعرة ، إذ الوجوب عندهم سمعی .

أقول: ویجاب أیضاً معارضةً ، بأن هذا الدلیل کما یدل علی امتناع العلم بالمعارف الأصولیة ، یدل علی امتناع التقلید فیها أیضاً ، فینسد باب المعرفة بالله تعالی ، وکل من یرجع إلیه فی التقلید لابد وأن یکون عالماً بالمسائل الأصولیة لیصح تقلیده ، ثم یجری الدلیل فیه فیقال: علم هذا الشخص بالله تعالی غیر ممکن ، لأنه حین کلف به إن لم یکن عالماً به تعالی استحال أن یکون عالماً بأمره بالمقدمات ، وکل ما أجابوا به فهو جوابنا ، ولا مخلص لهم إلا أن یعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلی ، فیبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالی غیر ممکن ، أو سمعی فکذلک .

فإن قیل: ربما حصل العلم لبعض الناس بتصفیة النفس أو إلهام إلی غیر ذلک فیقلده الباقون .

ص: 216

قلنا: هذا أیضاً یبطل قولکم أن العلم بالله تعالی غیر ممکن ، نعم ما ذکروه یصلح أن یکون دلیلاً علی امتناع المعرفة بالسمع ، فیکون حجة علی الأشاعرة ، لا دلیلاً علی وجوب التقلید .

واحتجوا أیضاً بأن النهی عن النظر قد ورد فی قوله تعالی: مَا یُجَادِلُ فِی آیَاتِ اللهِ إِلا الَّذِینَ کَفَرُوا . والنظر یفتح باب الجدال فیحرم. ولانه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی الصحابة یتکلمون فی مسألة القدر ، فنهی عن الکلام فیها وقال: إنما هلک من کان قبلکم بخوضهم هذا ، ولقوله(علیه السّلام): علیکم بدین العجائز ، والمراد ترک النظر ، فلو کان واجباً لم یکن منهیاً عنه .

وأجیب عن الأول: إن المراد الجدال بالباطل ، کما فی قوله تعالی: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ، لا الجدال بالحق لقوله تعالی: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ، والأمر بذلک یدل علی أن الجدال مطلقاً لیس منهیاً عنه .

وعن الثانی: بأن نهیهم عن الکلام فی مسألة القدر علی تقدیر تسلیمه لا یدل علی النهی عن مطلق النظر ، بل عنه فی مسألة القدر، کیف وقد ورد الإنکار علی تارک النظر فی قوله تعالی: أَوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ ، وقد أثنی علی فاعله فی قوله تعالی: وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ .

علی أن نهیهم عن الخوض فی القدر لعله لکونه أمراً غیبیاً وبحراً عمیقاً ، کما أشار إلیه علی(علیه السّلام)بقوله: بحر عمیق فلا تلجه . بل کان مراد النبی تفویض مثل ذلک إلی الله تعالی ، لأن ذلک لیس من الأصول التی یجب اعتقادها، والبحث عنها مفصلة .

وهاهنا جواب آخر عنهما معاً ، وهو أن النهی فی الآیة والحدیث مع قطع النظر عما ذکرناه إنما یدل علی النهی عن الجدال الذی لا یکون إلا عن متعدد ،

ص: 217

بخلاف النظر فإنه یکون من واحد ، فهو نصب الدلیل علی غیر المدعی .

وعن الثالث: بالمنع من صحة نسبته إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن بعضهم ذکر أنه من مصنوعات سفیان الثوری ، فإنه روی أن عمر بن عبدالله المعتزلی قال: إن بین الکفر والإیمان منزلة بین منزلتین ، فقالت عجوز ، قال الله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کَافِرٌ وَمِنْکُمْ مُؤْمِنٌ ، فلم یجعل من عباده إلا الکافر والمؤمن ، فسمع سفیان کلامها ، فقال: علیکم بدین العجائز .

علی أنه لو سلم فالمراد به التفویض إلی الله تعالی فی قضائه وحکمه والإنقیاد له فی أمره ونهیه .

واحتج من جوز التقلید : بأنه لو وجب النظر فی المعارف الإلهیة لوجد من الصحابة ، إذ هم أولی به من غیرهم ، ولم یوجد ، وإلا لنقل کما نقل عنهم النظر والمناظرة فی المسائل الفقهیة ، فحیث لم ینقل لم یقع ، فلم یجب .

وأجیب: بالتزام کونهم أولی به لکنهم نظروا ، وإلا لزم نسبتهم إلی الجهل بمعرفة الله تعالی ، وکون الواحد منا أفضل منهم ، وهو باطل إجماعاً ، وإذا کانوا عالمین ولیس بالضرورة فهو بالنظر والإستدلال . وأما إنه لم ینقل النظر والمناظرة فلاتفاقهم علی العقائد الحقة، لوضوح الأمر عندهم، حیث کانوا ینقلون عقائدهم عمن لا ینطق عن الهوی ، فلم یحتاجوا إلی کثرة البحث والنظر ، بخلاف الأخلاف بعدهم فإنهم لما کثرت شبه الضالین ، واختلفت أنظار طالبی الیقین لتفاوت أذهانهم فی إصابة الحق ، احتاجوا إلی النظر والمناظرة ، لیدفعوا بذلک شبه المضلین ویقفوا علی الیقین .

أما المسائل الفروع ، فإنها لما کانت أموراً ظنیة اجتهادیة خفیة ، لکثرة تعارض الإمارات فیها ، وقع بینهم الخلاف فیها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض ،

ص: 218

فلذا نقل .

واحتجوا أیضاً: بأن النظر مظنة الوقوع فی الشبهات والتورط فی الضلالات بخلاف التقلید فإنه أبعد عن ذلک وأقرب إلی

السلامة فیکون أولی، ولأن الأصول أغمض أدلة من الفروع وأخفی ، فإذا جاز التقلید فی الأسهل جاز فی الأصعب بطریق أولی، ولأنهما سواء فی التکلیف بهما، فإذا جاز فی الفروع فلیجز فی الأصول .

وأجیب عن الأول: بأن اعتقاد المعتقد إن کان عن تقلید ، لزم إما التسلسل ، أو الإنتهاء إلی من یعتقد عن نظر لإنتفاء الضرورة ، فیلزم ما ذکرتم من المحذور مع زیادة وهی احتمال کذب المخبر ، بخلاف الناظر مع نفسه ، فإنه لا یکابر نفسه فیما أدی إلیه نظره .

علی أنه لو اتفق الإنتهاء إلی من اتفق له العلم بغیر النظر کتصفیة الباطن کما ذهب إلیه بعضهم ، أو بالإلهام ، أو بخلق العلم فیه ضرورة ، فهو إنما یکون لأفراد نادرة ،لانه علی خلاف العادة ، فلا یتیسر لکل أحد الوصول إلیه مشافهة بل بالوسائط ، فیکثر احتمال الکذب ، بخلاف الناظر فإنه لایکابر نفسه، ولأنه أقرب إلی الوقوع فی الصواب .

إن قلت: ما ذکرت من الجواب إنما یدل علی کون النظر أولی من التقلید ، ولا یدل علی عدم جوازه ، فجواز التقلید باق لم یندفع ، علی أن ما ذکرته من احتمال الکذب جار فی الفروع ، فلو منع من التقلید فیها لمنع فی الأصول .

قلت: متی سلمت الأولویة وجب العمل بها ، وإلا لزم العمل بالمرجوح مع تیسر العمل بالراجح ، وهو باطل بالإجماع ، لا سیما فی الإعتقادیات .

وأما الجواب عن العلاوة ، فلانه لما کان الطریق إلی العمل بالفروع إنما هو

ص: 219

النقل ساغ لنا التقلید فیها ، ولم یقدح احتمال کذب المخبر ، وإلا لانسد باب العمل فیها ،بخلاف الإعتقادات فإن الطریق إلیها بالنظر میسر ، فاعتبر قدح الإحتمال فی التقلید فیها .

وأما احتمال الخطأ فی النظر ، فإنه وإن أمکن إلا أنه نادر جداً بالقیاس إلی الخطأ فی النقل ، فکان النظر أرجح ، وقد بینا أن العمل بالأرجح واجب .

وأجیب عن الثانی: أولاً بالمنع من کونها أغمض أدلة ، بل الأمر بالعکس لتوقف الشرعیات علی العقلیات عملاً وعلماً .

وثانیاً بالمنع من الملازمة ، فإن کونها أغمض أدلة لا یستلزم جواز التقلید فیها فضلاً عن کونه أولی ، لأن المطلوب فیها الیقین ، بخلاف الشرعیات فإن المطلوب فیها الظن اتفاقاً. ومن هذا ظهر الجواب عن الثالث .

واحتجوا أیضاً: بأن هذه العلوم إنما تحصل بعد الممارسة الکثیرة والبحث الطویل ، وأکثر الصحابة لم یمارسوا شیئاً منها ، فکان اعتقادهم عن تقلید .

وأجیب: بأنهم لمشاهدتهم المعجزات وقوة معارفهم بکثرة البینات من صاحب الوحی(علیه السّلام)لم یحتاجوا فی تیقن تلک المعارف إلی بحث کثیر فی طلب الأدلة علیها .

أقول: ومما یبطل به مذهب القائلین بالتقلید أنه إما أن یفید العلم أولاً ، فإن أفاده لزم اجتماع الضدین فیما لو

قلد واحداً فی قدم العالم وآخر فی حدوثه ، وهو ظاهر. وإن لم یفده وجب ترجیح النظر علیه ، إذ من المعلوم ضرورة أن النظر الصحیح یفید العلم ، فإذا ترجح النظر علیه وجب اعتباره وترک المرجوح اجماعاً .

وأقول: مما یدل علی اعتبار الیقین فی الإیمان أن الأمة فیه علی قولین: قول

ص: 220

باعتبار الیقین فیما یتحقق به الإیمان. وقول بالإکتفاء بالتقلید أو ما فی حکمه فإذا انتفی الثانی بما ذکرناه من الأدلة ثبت الأول .

وأقول أیضاً مما یصلح شاهداً علی ذلک قوله تعالی: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الإیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ ، فنفی ما زعموه إیماناً ، وهو التصدیق القولی ، بل ماسوی التصدیق الجازم ، حیث لم یثبت لهم من الإیمان إلا ما دخل القلب. ولا ریب أن ما دخل القلب یحصل به الإطمئنان ، ولا إطمئنان فی الظن وشبهه لتجویز النقیض معه ، فیکون الثبات والجزم معتبراً فی الإیمان .

فإن قلت: قوله تعالی حکایة عن إبراهیم: أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ ؟ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی ، یدل علی أن الجزم والثبات غیر معتبر فی الإیمان ، وإلا لما أخبر(علیه السّلام)عن نفسه بالإیمان ، بقوله بلی مع أن قوله ( وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی ) یدل علی أنه لم یکن مطمئناً فلم یکن جازماً .

قلت: یمکن الجواب بأنه(علیه السّلام)طلب العلم بطریق المشاهدة ، لیکون العلم بإحیاء الموتی حاصلاً له من طریق الأبصار والمشاهدة ، ویکون المراد من اطمئنان قلبه (علیه السّلام)استقراره وعدم طلبه لشئ آخر بعد المشاهدة ، مع کونه موقناً بإحیاء الموتی قبل المشاهدة. أیضاً ولیس المراد أنه لم یکن متیقناً قبل الارائة ، فلم یکن مطمئناً لیلزم تحقق الإیمان مع الظن فقط .

وأیضاً إنما طلب(علیه السّلام)کیفیة الأحیاء ، فخوطب بالإستفهام التقریری علی الإیمان بالکیف الذی هو نفس الاحیاء ، لأن التصدیق به مقدم علی التصدیق بالکیفیة فأجاب(علیه السّلام)بلی آمنت بقدرة الله تعالی علی الأحیاء ، لکنی أرید الإطلاع علی کیفیة الأحیاء ، لیطمئن قلبی بمعرفة تلک الکیفیة الغریبة ، البدیعة ، ولا ریب أن

ص: 221

الجهل بمعرفة تلک الکیفیة لا یضر بالإیمان ، ولا یتوقف علی معرفتها . وأما سؤال الله سبحانه عن ذلک مع کونه عالماً بالسرائر ، فهو من قبیل خطاب المحب لحبیبه .

إن قلت: فما الجواب أیضاً عن قوله تعالی: وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِکُونَ ، فإنه یفهم من الآیة الکریمة وصف الکافر المشرک بالإیمان حال شرکه ، إذ الجملة الإسمیة حالیة ، فضلاً عن الإکتفاء بالظن وما فی حکمه فی الإیمان ، وهو ینافی اعتبار الیقین .

قلت: لا ، فإن الآیة الکریمة إنما دلت علی إخباره تعالی عنهم بالإیمان بالصانع والتصدیق بوجوده ، لکنهم لم یوحدوه فی حالة تصدیقهم به ، بل اعتقدوا له شریکاً تعالی الله عما یشرکون. وحینئذ فیجوز کونهم جازمین بوجود الصانع تعالی مع کونهم غیر موحدین ، فإن التوحید مطلب آخر ، فکفرهم کان کذلک، فلم یتحقق لهم الإیمان الشرعی بل الإیمان جزء منه ، وهو غیر کاف .

علی أنه یجوز أن یکون المراد من الإیمان المنسوب إلیهم فی الآیة الکریمة التصدیق اللغوی ، وقد بینا سابقاً أنه أعم من الشرعی ، ولیس النزاع فیه بل فی الشرعی. ویکون المعنی والله أعلم: ومایؤمن أکثرهم بلسانه إلا وهو مشرک بقلبه، أی حال إشراکه بقلبه ، نعوذ بالله من الضلالة. ونسأله حسن الهدایة. هذا ما تیسر لنا من المقال فی هذا المقام .

شرح المقاصد للتفتازانی:266/1

. . . الثالث: أنا لا نسلم أن المعرفة الکاملة لا تحصل إلا بالنظر ، بل قد تحصل بالتعلیم علی ما یراه الملاحدة . . أو بقول المعصوم علی ما یراه الشیعة . . .

ص: 222

الفصل الثامن : المعرفة والعمل

اشارة

ص: 223

ص: 224

اشتراط کل من المعرفة والعمل بالآخر

نهج البلاغة:50/4

وسئل(علیه السّلام)عن الإیمان فقال: الإیمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأرکان .

نهج البلاغة:32/2

. . . وأنه لا ینبغی لمن عرف عظمة الله أن یتعظم ، فإن رفعة الذین یعلمون ما عظمته أن یتواضعوا له ، وسلامة الذین یعلمون ما قدرته أن یستسلموا له .

الکافی:44/1

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسکان ، عن حسین الصیقل قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: لا یقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلته المعرفة علی العمل ، ومن لم یعمل فلا معرفة له. ألا إن الإیمان بعضه من بعض .

الکافی:2/33-37

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن بکر بن صالح ، عن القاسم بن برید قال: حدثنا أبوعمرو الزبیری، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قلت له: أیها العالم أخبرنی أی

ص: 225

الأعمال أفضل عند الله ؟ قال: ما لا یقبل الله شیئاً إلا به ، قلت: وما هو ؟ قال: الإیمان بالله الذی لا إلا هو ، أعلی الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً ، قال: قلت ألا تخبرنی عن الإیمان أقَوْلٌ هو وعمل أم قولٌ بلا عمل؟ فقال: الإیمان عمل کله والقول بعض ذلک العمل ، بفرض من الله ، بین فی کتابه ، واضح نوره، ثابتة حجته ، یشهد له به الکتاب ویدعوه إلیه .

قال: قلت: صفه لی جعلت فداک حتی أفهمه .

قال: الإیمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التام المنتهی تمامه ومنه الناقص البین نقصانه ومنه الراحج الزائد رجحانه .

قلت: إن الإیمان لیتم وینقص ویزید ؟

قال: نعم .

قلت: کیف ذلک ؟

قال: لأن الله تبارک وتعالی فرض الإیمان علی جوارح ابن آدم وقسمه علیها وفرقه فیها ، فلیس من جوارحه جارحة إلا وقد وکلت من الإیمان بغیر ما وکلت به أختها ، فمنها قلبه الذی به یعقل ویفقه ویفهم وهو أمیر بدنه الذی لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأیه وأمره ، ومنها عیناه اللتان یبصر بهما ، وأذناه اللتان یسمع بهما ، ویداه اللتان یبطش بهما ، ورجلاه اللتان یمشی بهما ، وفرجه الذی الباه من قبله ، ولسانه الذی ینطق به ، ورأسه الذی فیه وجهه. فلیس من هذه جارحة إلا وقد وکلت من الإیمان بغیر ما وکلت به أختها بفرض من الله تبارک اسمه ، ینطق به الکتاب لها ویشهد به علیها .

ففرض علی القلب غیر ما فرض علی السمع، وفرض علی السمع وغیر ما فرض علی العینین ، وفرض علی العینین غیر ما فرض علی اللسان ، وفرض علی اللسان

ص: 226

غیر ما فرض علی الیدین ، وفرض علی الیدین غیر ما فرض علی الرجلین ، وفرض علی الرجلین غیر ما فرض علی الفرج ، وفرض علی الفرج غیر ما فرض علی الوجه .

فأما ما فرض علی القلب من الإیمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسلیم بأن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، إلهاً واحداً ، لم یتخذ صاحبةً ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله صلوات الله علیه وآله ، والإقرار بما جاء من عند الله من نبی أو کتاب ، فذلک ما فرض الله علی القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول الله عز وجل: « إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ وَلَکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْرًا».

وقال: « أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . » .

وقال: « الذین آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » .

وقال: « وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ . . » فذلک ما فرض الله عز وجل علی القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإیمان .

وفرض الله علی اللسان القول التعبیر عن القلب بما عقد علیه وأقر به ، قال الله تبارک وتعالی: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، وقال: قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَأُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فهذا ما فرض الله علی اللسان ، وهو عمله .

وفرض علی السمع أن یتنزه عن الإستماع إلی ما حرم الله وأن یعرض عما لا یحل له مما نهی الله عز وجل عنه والأصغاء إلی ما أسخط الله عز وجل ، فقال فی ذلک: « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آیَاتِ اللهِ یُکْفَرُ بِهَا وَ یُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ » ، ثم استثنی الله عز وجل موضع النسیان فقال:

ص: 227

« َإِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ . وقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِینَ

یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِکَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ .» .

وقال عز وجل: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِینَ هُمْ لِلزَّکَوةِ فَاعِلُونَ .» .

وقال: « وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ» .

وقال: « وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَامًا ». فهذا ما فرض الله علی السمع من الإیمان أن لا یصغی إلی ما لا یحل له ، وهو عمله وهو من الإیمان .

وفرض علی البصر أن لا ینظر إلی ما حرم الله علیه ، وأن یعرض عما نهی الله عنه مما لا یحل له ، وهو عمله وهو من الإیمان ، فقال تبارک وتعالی: قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، فنهاهم أن ینظروا إلی عوراتهم وأن ینظر المرء إلی فرج أخیه ویحفظ فرجه أن ینظر إلیه. وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ، من أن تنظر إحداهن إلی فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ینظر إلیها .

وقال: کل شئ فی القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآیة فإنها من النظر. ثم نظم ما فرض علی القلب واللسان والسمع والبصر فی آیة أخری فقال: «وَمَا کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصَارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ » ، یعنی بالجلود: الفروج والافخاذ .

وقال: « وَلا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولَئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ». فهذا ما فرض الله علی العینین من غض البصر عما حرم الله عز وجل ، وهو عملهما وهو من الإیمان .

ص: 228

وفرض الله علی الیدین أن لا یبطش بهما إلی ما حرم الله ، وأن یبطش بهما إلی ما أمر الله عز وجل ، وفرض علیهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد فی سبیل الله والطهور للصلاة ، فقال: « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلی الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إلی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إلی الْکَعْبَیْنِ ». وقال: « فَإِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّی إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ». فهذا ما فرض الله علی الیدین لأن الضرب من علاجهما.

وفرض علی الرجلین أن لا یمشی بهما إلی شئ من معاصی الله ، وفرض علیهما المشی إلی ما یرضی الله عز وجل فقال: « وَلا تَمْشِ فِی الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً » ، وقال: « وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ » ، وقال فیما شهدت الأیدی والأرجل علی أنفسهما وعلی أربابهما من تضییعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه علیهما: « الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ » .

فهذا أیضاً ممافرض الله علی الیدین وعلی الرجلین وهو عملهما وهو من الإیمان.

وفرض علی الوجه السجود له باللیل والنهار فی مواقیت الصلاة فقال: « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ». فهذه فریضة جامعة علی الوجه والیدین والرجلین ، وقال فی موضع آخر: « وَأَنَّ

الْمَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا » .

وقال فیما فرض علی الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلک أن الله عز وجل لما صرف نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الکعبة عن البیت المقدس فأنزل الله عز وجل: « وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَکُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِیمٌ .» ، فسمی الصلاة إیماناً فمن لقی الله عز

ص: 229

وجل حافظاً لجوارحه موفیاً کل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل علیها لقی الله عز وجل مستکملاً لإیمانه ، وهو من أهل الجنة. ومن خان فی شئ منها أو تعدی ما أمر الله عز وجل فیها لقی الله عز وجل ناقص الإیمان .

قلت: قد فهمت نقصان الإیمان وتمامه ، فمن أین جاءت زیادته .

فقال: قول الله عز وجل: « وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِیمَانًا فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِیمَانًا وَهُمْ یَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلی رِجْسِهِمْ ». وقال: « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنَاهُمْ هُدًی » ، ولو کان کله واحداً لا زیادة فیه ولا نقصان لم یکن لاحد منهم فضل علی الآخر ، ولاستوت النعم فیه ولاستوی الناس وبطل التفضیل . ولکن بتمام الإیمان دخل المؤمنون الجنة وبالزیادة فی الإیمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرطون النار .

الکافی:2/553

عنه ، عن أبی إبراهیم(علیه السّلام)دعاء فی الرزق:

یا الله یا الله یا الله ، أسألک بحق من حقه علیک عظیم أن تصلی علی محمد وآل محمد ، وأن ترزقنی العمل بما علمتنی من معرفة حقک ، وأن تبسط علی ما حظرت من رزقک .

دعائم الإسلام:1/52

. . . ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلی الله علیه . . . وإنما یقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التی افترضها علیهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ودعاهم إلیه ، فأول ذلک معرفة من دعا إلیه ، وهو الله الذی لا إله إلا هو وحده ، والإقرار بربوبیته ، ومعرفة الرسول الذی بلغ عنه ، وقبول ما جاء به ، ثم معرفة

ص: 230

الوصی ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذین افترض الله طاعتهم فی کل عصر وزمان علی أهله ، والإیمان والتصدیق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علی العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً ، واجتناب ما حرم الله عز وجل علیهم ظاهره وباطنه ، وإنما حرم الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معاً جمیعاً ، والأصل والفرع ، فباطن الحرام حرام کظاهره ، ولا یسع تحلیل أحدهما ، ولا یجوز ولا یحل إباحة شئ منه ، وکذلک الطاعات مفروض علی العباد إقامتها ، ظاهرها وباطنها ، لا یجزی إقامة ظاهر منها دون باطن ولا باطن دون ظاهر ، ولا تجوز صلاة الظاهر مع ترک صلاة الباطن ، ولا صلاة الباطن مع ترک صلاة الظاهر. وکذلک الزکاة ، والصوم والحج والعمرة ،

وجمیع فرائض الله افترضها علی عباده ، وحرماته وشعائره.

وسائل الشیعة:11/260

وفی عیون الأخبار بأسانیده عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا(علیه السّلام)فی کتابه إلی المأمون قال: الإیمان هو أداء الأمانة ، واجتناب جمیع الکبائر ، وهو معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأرکان. إلی أن قال: واجتناب الکبائر وهی: قتل النفس التی حرم الله تعالی ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدین ، والفرار من الزحف ، وأکل مال الیتیم ظلماً ، وأکل المیتة والدم ولحم الخنزیر وما أهل لغیر الله به من غیر ضرورة ، وأکل الربا بعد البینة ، والسحت ، والمیسر وهو القمار، والبخس فی المکیال والمیزان ، وقذف المحصنات ، والزنا، واللواط ، والیأس من روح الله ، والأمن من مکر الله ، والقنوط من رحمة الله ، ومعونة الظالمین ، والرکون الیهم ، والیمین الغموس ، وحبس الحقوق من غیر عسر ، والکذب والکبر ، والاسراف والتبذیر ، والخیانة ، والإستخفاف بالحج ،

ص: 231

والمحاربة لأولیاء الله ، والإشتغال بالملاهی ، والإصرار علی الذنوب. ورواه ابن شعبة فی (تحف العقول) مرسلاً نحوه .

وروت مصادر إخواننا السنة اقتران المعرفة والعمل عن علی(علیه السّلام)، ففی کنز العمال: 1/273 ، عن علی قال: سألت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الإیمان ما هو ؟ قال: معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ،

وعمل بالارکان - أبو عمرو بن حمدان فی فوائده .

وفی سنن ابن ماجة:1/25

حدثنا سهل بن أبی سهل ومحمد بن إسماعیل قالا ثنا عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروی ، ثنا علی بن موسی الرضا ، عن أبیه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن علی بن الحسین ، عن أبیه ، عن علی بن أبی طالب قال: قال رسول الله (ص): الإیمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأرکان. قال أبو الصلت:

لو قری هذا الإسناد علی مجنون لبرأ. انتهی ورواه البیهقی فی شعب الإیمان:1/47 ورواه فی کنز العمال:1/273 ، بعدة روایات عن علی(علیه السّلام). ونحوه الجزری فی أسنی المطالب:1/125 .

وفی مروج الذهب للمسعودی:4/171

قال علی بن محمد بن علی بن موسی عن أبیه عن أجداده عن علی (رض) قال: قال رسول الله (ص): أکتب یا علی ، قلت وما أکتب ؟

قال لی: أکتب: بسم الله الرحمن الرحیم. الإیمان ما وقرته القلوب ، وصدقته الأعمال ، والإسلام ما جری به اللسان ، به المناکحة .

وفی إرشاد الساری:1/86-87

الإیمان قول وفعل.. وهو موافق لقول السلف ، اعتقاد بالقلب ونطق اللسان. وقال

ص: 232

المتأخرون منهم الأشعریة ، ووافقهم ابن الراوندی من المعتزلة: هو تصدیق الرسول (ص) بما علم مجیئه به... .

إذا تقرر هذا فاعلم أن الإیمان ( یزید ) بالطاعة ( وینقص ) بالمعصیه کما عند المؤلف وغیره وأخرجه أبو نعیم . . . بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب وعلی بن أبی طالب . . . ومن التابعین کعب الأحبار . . . وعمر بن عبدالعزیز . . . أما توقف مالک(رحمه الله)عن القول بنقصانه فخشیة أن یتأول علیه موافقة الخوارج .

أفضل الأعمال بعد معرفة العقائد

الکافی:2/130 و 317: محمد بن مسلم بن عبید الله قال سئل علی بن الحسین (علیهماالسّلام) أی الأعمال أفضل عند الله ؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل من بغض الدنیا فإن لذلک لشعباً کثیرة ، وللمعاصی شعب فأول ما عصی الله به الکبر ، معصیة إبلیس حین أبی واستکبر وکان من الکافرین ، ثم الحرص وهی معصیة آدم وحواء (علیهماالسّلام)حین قال الله عز وجل لهما: فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُمَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ . فأخذا ما لا حاجة بهما إلیه ، فدخل ذلک علی ذریتهما إلی یوم القیامة ، وذلک أن أکثر ما یطلب ابن آدم ما لا حاجة به إلیه ، ثم الحسد وهی معصیة ابن آدم حیث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلک حب النساء وحب الدنیا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الکلام وحب العلو والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن کلهن فی حب الدنیا، فقال الأنبیاء والعلماء بعد معرفة ذلک: حب الدنیا رأس کل خطیئة ، والدنیا دنیا آن: دنیا بلاغ ، ودنیا ملعونة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:11/308 .

ص: 233

الکافی:3/264

- حدثنی محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاویة بن وهب قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی ربهم وأحب ذلک إلی الله عز وجل ما هو ؟ فقال: ما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا تری أن العبد الصالح عیسی ابن مریم(علیه السّلام) قال: « وأوصانی بالصلاة والزکوة ما دمت حیاً ». انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:1/17 وج 11/308 .

أقل ما یجب ، وأقصی ما یمکن ، من المعرفة

الکافی:1/91

محمد بن أبی عبدالله رفعه ، عن عبدالعزیز بن المهتدی قال: سألت الرضا(علیه السّلام) عن التوحید ، فقال: کل من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحید ، قلت: کیف یقرؤها ؟ قال: کما یقرؤها الناس وزاد فیه کذلک الله ربی ، کذلک الله ربی .

الکافی:1/91

أحمد بن ادریس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الیهود سألوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقالوا: أنسب لناربک ، فلبث ثلاثاً لا یجیبهم ثم نزل: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، إلی آخرها .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، ومحمد بن الحسین ، عن ابن محبوب ، عن حماد بن عمرو النصیبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سألت أبا عبدالله عن قل هو الله أحد ، فقال: نسبة الله إلی خلقه أحداً صمداً أزلیاً صمدیاً لا

ص: 234

ظل له یمسکه وهو یمسک الأشیاء بأظلتها ، عارف بالمجهول ، معروف عند کل جاهل ، فردانیاً ، لا خلقه فیه ولا هو خلقه ، غیر محسوس ولا محسوس ، لا تدرکه الأبصار ، علا فقرب ودنا فبعد ، وعصی فغفر وأطیع فشکر ، لا تحویه أرضه ولا تقله سماواته ، حامل الأشیاء بقدرته ، دیمومی أزلی، لا ینسی ولا یلهو ولا یغلط ولا یلعب ، ولا لإرادته فصل وفصله جزاء وأمره واقع ، لم یلد فیورث ولم یولد فیشارک ، ولم یکن له کفواً أحد .

دعائم الإسلام:1/13

وعنه صلوات الله علیه أنه قیل له: یا أمیر المؤمنین ما أدنی ما یکون به العبد مؤمناً، وما أدنی ما یکون به کافراً ، وما أدنی ما یکون به ضالاً ؟

قال: أدنی ما یکون به مؤمناً أن یعرفه الله نفسه فیقر له بالطاعة ، وأن یعرفه الله نبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیقر له بالطاعة ، وأن یعرفه الله حجته فی أرضه وشاهده علی خلقه فیعتقد إمامته فیقر له بالطاعة .

قیل: وإن جهل غیر ذلک ؟ قال: نعم ولکن إذا أمر أطاع وإذا نهی انتهی .

وأدنی ما یصیر به مشرکاً أن یتدین بشئ مما نهی الله عنه فیزعم أن الله أمر به ، ثم ینصبه دیناً ویزعم أنه یعبد الذی أمر به وهو غیر الله عزوجل. وأدنی ما یکون به ضالاً أن لا یعرف حجة الله فی أرضه وشاهده علی خلقه فیأتم به .

الرسائل للشیخ الأنصاری:1/275

وقد ذکر العلامة فی الباب الحادی عشر فیما یجب معرفته علی کل مکلف ، من تفاصیل التوحید والنبوة والإمامة والمعاد ، أموراً لا دلیل علی وجوبها کذلک ، مدعیاً أن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإیمان مستحق للعذاب

ص: 235

الدائم. وهو فی غایة الإشکال .

نعم یمکن أن یقال: إن مقتضی عموم وجوب المعرفة ، مثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون. وقوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، بناء علی أن الأفضلیة من الواجب ، خصوصاً مثل الصلاة ، تستلزم الوجوب .

وکذا عمومات وجوب التفقه فی الدین الشامل للمعارف بقرینة استشهاد الإمام (علیه السّلام)بها ، لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق(علیه السّلام)وعمومات طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذکره ومعرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإمام(علیه السّلام)ومعرفة ما جاء به النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی کل قادر یتمکن من تحصیل العلم ، فیجب الفحص حتی یحصل الیأس ، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصیل إعتقد وتدین به ، وإلا توقف ولم یتدین بالظن لو حصل له .

ومن هنا قد یقال: إن الإشتغال بالعلم المتکفل لمعرفة الله ومعرفة أولیائه صلوات الله علیهم أهم من الإشتغال بعلم المسائل العلمیة بل هو المتعین ، لأن العمل یصح عن تقلید ، فلا یکون الإشتغال بعلمه إلا کفائیاً بخلاف المعرفة .

هذا ، ولکن الإنصاف ممن جانب الإعتساف یقتضی الإذعان بعدم التمکن من ذلک إلا للأوحدی من الناس ، لأن المعرفة المذکورة لا تحصل إلا بعد تحصیل قوة استنباط المطالب من الأخبار وقوة نظریة أخری لئلا یأخذ بالأخبار المخالفة للبراهین العقلیة ، ومثل هذا الشخص مجتهد فی الفروع قطعاً، فیحرم علیه التقلید. ودعوی جوازه له للضرورة لیس بأولی من دعوی جواز ترک الإشتغال بالمعرفة التی لا تحصل غالباً بالأعمال المبتنیة علی التقلید .

هذا إذا لم یتعین علیه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة المجتهدین. وأما فی مثل زماننا

ص: 236

فالأمر واضح .

فلا تغتر حینئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصیل مقدمات استنباط المطالب الإعتقادیة الأصولیة والعلمیة عن الأدلة العقلیة والنقلیة ، فیترکها مبغضاً لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ویشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذکره وأوصاف حججه صلوات الله علیهم بنظر فی الأخبار لا یعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول ، فضلاً عن معرفة الخاص من العام. وبنظر فی المطالب العقلیة لا یعرف به البدیهیات منها ، ویشتغل فی خلال ذلک بالتشنیع علی حملة الشریعة العملیة واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النیة ، فیسأتیهم أنباء ما کانوا به یستهزئون. هذا کله حال وجوب المعرفة مستقلاً .

وأما اعتبار ذلک فی الإسلام أو الإیمان فلا دلیل علیه ، بل یدل علی خلافه الأخبار الکثیرة المفسرة لمعنی الإسلام والإیمان .

ففی روایة محمد بن سالم عن أبی جعفر(علیه السّلام)المرویة فی الکافی: إن الله عز وجل بعث محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو بمکة عشر سنین ، ولم یمت بمکة فی تلک العشر سنین أحد یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إیمان التصدیق .

فإن الظاهر أن حقیقة الإیمان التی یخرج الإنسان بها عن حد الکفر الموجب للخلود فی النار لم تتغیر بعد انتشار الشریعة . نعم ظهر فی الشریعة أمور صارت ضروریة الثبوت من النبی(ص)، فیعتبر فی الإسلام عدم إنکارها .

لکن هذا لا یوجب التغییر ، فإن المقصود أنه لم یعتبر فی الإیمان أزید من التوحید والتصدیق بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبکونه رسولاً صادقاً فیما یبلغ. ولیس المراد معرفة تفاصیل ذلک ، وإلا لم یکن من آمن بمکة من أهل الجنة أو کان حقیقة

ص: 237

الإیمان بعد انتشار الشریعة غیرها فی صدر الإسلام .

وفی روایة سلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن أدنی ما یکون به العبد مؤمناً أن یعرفه الله تبارک وتعالی إیاه فیقر له بالطاعة، ویعرفه نبیه فیقر له بالطاعة ، ویعرفه إمامه وحجته فی أرضه وشاهده علی خلقه فیقر له بالطاعة .

فقلت له: یا أمیر المؤمنین ! وإن جهل جمیع الأشیاء إلا ما وصفت قال: نعم. وهی صریحة فی المدعی .

وفی روایة أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جعلت فداک ، أخبرنی عن الدین الذی افترضه الله تعالی علی العباد ما لایسعهم جهله ولا یقبل منهم غیره، ما هو ؟ فقال: أعده علی ، فأعاد علیه ، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة ، وحج البیت من استطاع إلیه سبیلاً ، وصوم شهر رمضان ، ثم سکت قلیلاً ، ثم قال: والولایة والولایة ، مرتین ثم قال: هذا الذی فرض الله عز وجل علی العباد ، لا یسأل الرب العباد یوم القیامة ، فیقول: ألا زدتنی علی ما افترضت علیک ، ولکن من زاد زاده الله. إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سن سنة حسنة ینبغی للناس الأخذ بها .

ونحوها روایة عیسی بن السری ، قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): حدثنی عما بنیت علیه دعائم الإسلام التی إذا أخذت بها زکی عملی . . . .

وفی روایة أبی الیسع قال: قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): أخبرنی عن دعائم الإسلام التی لا یسع أحداً التقصیر عن معرفة شئ منها . . . (وقد أوردنا الروایتین فی بحث معرفة الإمام )

وفی روایة إسماعیل: قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن الدین الذی لا یسع العباد جهله فقال: الدین واسع ، وإن الخوارج ضیقوا علی أنفسهم بجهلهم .

ص: 238

فقلت: جعلت فداک أما أحدثک بدینی الذی أنا علیه. فقال: بلی. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأتولاکم وأبرأ من عدوکم ومن رکب رقابکم وتأمر علیکم وظلمکم حقکم. فقال: ما جهلت شیئاً. فقال: هو والله الذی نحن علیه. فقلت: فهل یسلم أحد لا یعرف هذا الأمر. قال: لا إلا المستضعفین. قلت: من هم قال: نساؤکم وأولادکم. قال: أرأیت أم أیمن! فإنی أشهد أنها من أهل الجنة ، وما کانت تعرف ما أنتم علیه .

فإن فی قوله ( ما جهلت شیئاً ) دلالة واضحة علی عدم اعتبار الزائد فی أصل الدین. والمستفاد من الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزید مما ذکر فیها فی الدین ، وهو الظاهر أیضاً من جماعة من علمائنا الأخیار کالشهیدین فی الألفیة وشرحها ، والمحقق الثانی فی الجعفریة ، وشارحها وغیرهم ، وهو أنه یکفی فی معرفة الرب التصدیق بکونه موجوداً وواجب الوجود لذاته والتصدیق بصفاته الثبوتیة الراجعة إلی صفتی العلم والقدرة ونفی الصفات الراجعة إلی الحاجة والحدوث ،وأنه لا یصدر منه القبیح فعلاً أو ترکاً .

والمراد بمعرفة هذه الأمور رکوزها فی اعتقاد المکلف ، بحیث إذا سألته عن شئ مما ذکر أجاب بما هو الحق فیه ، وإن لم یعرف التعبیر عنه بالعبارات المتعارفة علی ألسنة الخواص .

ویکفی فی معرفة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به ، والتصدیق بنبوته وصدقه ، فلا یعتبر فی ذلک الإعتقاد بعصمته ، أعنی کونه معصوماً بالملکة من أول عمر إلی آخره. قال فی المقاصد العلیة: ویمکن اعتبار ذلک ، لأن الغرض المقصود من الرسالة لا یتم إلا به ، فینتفی بالفائدة التی

ص: 239

باعتبارها وجب إرسال الرسل. وهو ظاهر بعض کتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذکروه فیها فلیس مؤمناً مع ذکرهم ذلک ، والأول غیر بعید عن الصواب. انتهی .

أقول: والظاهر أن مراده ببعض کتب العقائد هو الباب الحادی عشر للعلامة (قدسّ سرّه)حیث ذکر تلک العبارة ، بل ظاهره دعوی إجماع العلماء علیه .

نعم یمکن أن یقال: إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالإستقلال علی من هو متمکن منه بحسب الإستعداد وعدم الموانع ، لما ذکرنا من عمومات وجوب التفقه وکون المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة ، وأن الجهل بمراتب سفراء الله جل ذکره مع تیسر العلم بها تقصیر فی حقهم وتفریط فی حبهم ونقص یجب بحکم العقل رفعه ، بل من أعظم النقائص .

وقد أومأ النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلی ذلک حیث قال مشیراً إلی بعض العلوم الخارجة من العلوم الشرعیة: إن ذلک علم لا یضر جهله. ثم قال: إنما العلوم ثلاثة ، آیة محکمة وفریضة عادلة وسنة قائمة ، وما سواهن فهو فضل .

وقد أشار إلی ذلک رئیس المحدثین فی دیباجة الکافی ، حیث قسم الناس إلی أهل الصحة والسلامة وأهل المرض والزمانة ، وذکر وضع التکلیف عن الفرقة الأخیرة .

ویکفی فی معرفة الأئمة صلوات الله علیهم ، معرفتهم بنسبهم المعروف والتصدیق بأنهم أئمة یهدون بالحق ویجب الإنقیاد إلیهم والأخذ منهم . وفی وجوب الزائد علی ما ذکر من عصمتهم الوجهان. وقد ورد فی بعض الأخبار تفسیر معرفة حق الإمام بمعرفة کونه إماماً مفترض الطاعة .

ویکفی فی التصدیق بما جاء به النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التصدیق بما علم مجیؤه به متواتراً

ص: 240

من أحوال المبدأ والمعاد، کالتکلیف بالعبادات والسؤال فی القبر وعذابه والمعاد الجسمانی والحساب والصراط والمیزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل فی اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسمانی من تلک الأمور فی الإیمان المقابل للکفر الموجب للخلود فی النار ، للأخبار المتقدمة المستفیضة والسیرة المستمرة ، فإنا نعلم بالوجدان جهل کثیر من الناس بها من أول البعثة إلی یومنا هذا. ویمکن أن یقال: إن المعتبرهو عدم إنکار هذه الأمور وغیرها من الضروریات ، لا وجوب الإعتقاد بها ، علی ما یظهر من بعض الأخبار ، من أن الشاک إذا لم یکن جاحداً فلیس بکافر. ففی روایة زرارة عن أبی عبدالله(علیه السّلام): لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا. ونحوها غیرها. ویؤیدها ما عن کتاب الغیبة للشیخ(قدسّ سرّه) بإسناده عن الصادق(علیه السّلام): إن جماعة یقال لهم الحقیة ، وهم الذین یقسمون بحق علی ولا یعرفون حقه وفضله ، وهم یدخلون الجنة .

وبالجملة ، فالقول بأنه یکفی فی الإیمان الإعتقاد بوجود الواجب الجامع للکمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبإمامة الائمة(علیهم السّلام) والبراءة من أعدائهم ، والإعتقاد بالمعاد الجسمانی الذی لا ینفک غالباً عن الإعتقادات السابقة غیر بعید ، بالنظر إلی الأخبار والسیرة المستمرة .

وأما التدین بسائر الضروریات ففی اشتراطه ، أو کفایة عدم إنکارها ، أو عدم اشتراطه أیضاً ، فلا یضر إنکارها إلا مع العلم بکونها من الدین وجوه ، أقواها الأخیر ثم الأوسط. وما استقربناه فی ما یعتبر فی الإیمان وجدته بعد ذلک فی کلام محکی عن المحقق الورع الأردبیلی فی شرح الإرشاد

کفایة الأصول/329

ص: 241

نعم یجب تحصیل العلم فی بعض الإعتقادات لو أمکن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها کمعرفة الواجب تعالی وصفاته ، أداء لشکر بعض نعمائه ، ومعرفة أنبیائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک ، ولإحتمال الضرر فی ترکه .

ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر ، إلا ما وجب شرعاً معرفته کمعرفة الإمام(علیه السّلام) علی وجه آخر غیر صحیح ، أو أمر آخر مما دل الشرع علی وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل ، کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة. ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ . . الآیة ، ولا لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس. ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم ، ضرورة أن المراد من ( لیعبدون ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً. ومثل آیة النفر ، إنما هو بصدد بیان الطریق المتوسل به إلی التفقه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته ، کما لا یخفی. وکذا ما دل علی وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علی طلبه لا بصدد بیان ما یجب العلم به .

ثم إنه لا یجوز الإکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً حیث أنه لیس بمعرفة قطعاً ، فلا بد من تحصیل العلم لو أمکن ، ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد ، کما هو المشاهد فی کثیر من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الإجتهاد ، ولو لأجل حب طریقة الآباء والأجداد واتباع سیرة السلف ، فإنه کالجبلی للخلف ،

ص: 242

وقلما عنه تخلف. ولا یصغی إلی ما ربما قیل: بعدم وجود القاصر فیها ، لکنه إنما یکون معذوراً غیر معاقب علی عدم معرفة الحق ، إذا لم یکن یعانده بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله .

حاشیة السید البروجردی علی کفایة الأصول:193/2

فصل. إنما الثابت بمقدمات دلیل الإنسداد فی الأحکام هو حجیة الظن فیها ، لا حجیته فی تطبیق المأتی به فی الخارج معها ، فیتبع مثلاً فی وجوب صلاة الجمعة یومها ، لا فی إتیانها ، بل لا بد من علم أو علمی بإتیانها ، کما لا یخفی. نعم ربما یجری نظیر مقدمة الإنسداد فی الأحکام فی بعض الموضوعات الخارجیة ، من إنسداد باب العلم به غالباً ، وإهتمام الشارع به بحیث علم بعدم الرضا بمخالفة الواقع بإجراء الأصول فیه مهما أمکن ، وعدم وجوب الإحتیاط شرعاً أو عدم إمکانه عقلاً ، کما فی موارد الضرر المردد أمره بین الوجوب والحرمة مثلاً ، فلا محیص عن اتباع الظن حینئذ أیضاً ، فافهم .

خاتمة: یذکر فیها أمران استطراداً:

الأول: هل الظن کما یتبع عند الإنسداد عقلاً فی الفروع العملیة ، المطلوب فیهاأولاً العمل بالجوارح ، یتبع فی الأصول الإعتقادیة المطلوب فیها عمل الجوانح من الإعتقاد به وعقد القلب علیه وتحمله والإنقیاد له ، أو لا. الظاهر لا ، فإن الأمر الإعتقادی وإن أنسد باب القطع به ، إلا أن باب الإعتقاد إجمالاً - بما هو واقعه والإنقیاد له وتحمله - غیر منسد ، بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا یکاد یعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالإحتیاط ، والمفروض عدم وجوبه شرعاً ، أو عدم جوازه عقلاً ، ولا أقرب من العمل علی وفق الظن. وبالجملة: لا موجب مع

ص: 243

إنسداد باب العلم فی الإعتقادیات لترتیب الأعمال الجوانحیة علی الظن فیها ، مع إمکان ترتیبها علی ما هو الواقع فیها ، فلا یتحمل إلا لما هو الواقع ، ولا ینقاد إلا له ، لا لما هو مظنونه ، وهذا بخلاف العلمیات ، فإنه لا محیص عن العمل بالظن فیها مع مقدمات الإنسداد .

نعم یجب تحصیل العلم فی بعض الإعتقادات لو أمکن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها ، کمعرفة الواجب تعالی وصفاته أداء لشکر بعض نعمائه ، ومعرفة أنبیائه ، فإنهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک ، ولاحتمال الضرر فی ترکه ، ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر، إلا ما وجب شرعاً معرفته، کمعرفة الإمام(علیه السّلام) علی وجه آخر غیر صحیح ، أو أمر آخر مما دل الشرع علی

وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل ، کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة .

ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ . . الآیة ، ولا لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم ، ضرورة أن المراد من ( لیعبدون ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً ، ومثل آیة النفر إنما هو بصدد بیان الطریق المتوسل به إلی التفقه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته کما لا یخفی ، وکذا ما دل علی وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علی طلبه ، لا بصدد بیان ما یجب العلم به .

ثم إنه لا یجوز الإکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً ، حیث أنه لیس

ص: 244

بمعرفة قطعاً ، فلا بد من تحصیل العلم لو أمکن ، ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد ، کما هو المشاهد فی کثیر من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الإجتهاد ، ولو لاجل حب طریقة الآباء والأجداد واتباع سیرة السلف ، فإنه کالجبلی ، وقلما عنه تخلف .

والمراد من المجاهدة فی قوله تعالی: وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا ،بتخلیتها عن الرذائل وتحلیتها بالفضائل ، وهی التی کانت أکبر من الجهاد ، لا النظر والإجتهاد ، وإلا لأدی إلی الهدایة ، مع أنه یؤدی إلی الجهالة والضلالة ، إلا إذا کانت هناک منه تعالی عنایة ، فإنه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه علیه هو الحق ، لا بصدد الحق ، فیکون مقصراً مع اجتهاده ومؤاخذ إذا أخطأ علی قطعه واعتقاده .

ثم لا إستقلال للعقل بوجوب تحصیل الظن مع الیأس عن تحصیل العلم ، فیما یجب تحصیله عقلا لو أمکن ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه ، لما أشرنا إلیه من أن الأمور الإعتقادیة مع عدم القطع بها أمکن الإعتقاد بما هو واقعها والإنقیاد لها ، فلا إلجاء فیها أصلاً إلی التنزل إلی الظن فیما انسد فیه باب العلم ، بخلاف الفروع العملیة کما لا یخفی .

وکذلک لا دلالة من النقل علی وجوبه فیما یجب معرفته مع الامکان شرعاً ، بل الأدلة الدالة علی النهی عن اتباع الظن ، دلیل علی عدم جوازه أیضاً .

وقد انقدح من مطاوی ما ذکرنا أن القاصر یکون فی الإعتقادیات للغفلة ، أو عدم الإستعداد للإجتهاد فیها ، لعدم وضوح الأمر فیها بمثابة لا یکون الجهل بها إلا عن نقص کما لا یخفی ، فیکون معذوراً عقلاً .

ص: 245

ولا یصغی إلی ما ربما قیل بعدم وجود القاصر فیها ، لکنه إنما یکون معذوراً غیر معاقب علی عدم معرفة الحق ، إذا لم یکن یعانده ، بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله .

حقائق الأصول:2/211

قوله: فإن الأمر الإعتقادی ، یعنی أن العمل علی الظن فی الأصول الإعتقادیة یتوقف علی تتمیم مقدمات الإنسداد فیها وهو غیر ممکن إذ منها عدم إمکان الإحتیاط الموجب للدوران بین الأخذ بالطرف المظنون والموهوم ، وبقاعدة قبح ترجیح المرجوح یتعین الأول ، وفی المقام لا مجال للدوران المذکور لإمکان الإعتقاد بها إجمالاً علی ما هی علیه واقعاً ، إلا أن یدعی وجوب الإعتقاد بها تفصیلاً حتی فی حال الجهل ، فإنه حیث لا یمکن العلم بها لابد من سلوک الظن لأنه أقرب إلی الواقع، لکن لابد من الإلتزام بالکشف إذ لو لم تکشف المقدمات عن کون الظن حجة شرعاً کان الإعتقاد المطابق له تشریعاً محرماً عقلاً ، فتأمل جیداً .

إلا أن دعوی وجوب الإعتقاد تفصیلاً مطلقاً لا دلیل علیها من عقل أو شرع فلاحظ .

قوله: کمعرفة الواجب تعالی ، لا ریب ظاهراً فی وجوب هذه المعارف وإنما الخلاف فی وجوبها عقلاً أو شرعاً ، فالمحکی عن العدلیة الأول ، وعن الأشاعرة الثانی ، والخلاف فی ذلک منهم مبنی علی الخلاف فی ثبوت قاعدة التحسین والتقبیح العقلیین ، فعلی القول بها - کما هو مذهب الأولین - تکون واجبة عقلاً لأن شکر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما یتوقفان علی المعرفة وما یتوقف علیه الواجب واجب ، وظاهر تقریر هذا الدلیل کون وجوب المعرفة

ص: 246

غیری ، والمصنف(رحمه الله)جعل وجوبها نفسیاً بناء منه علی کون المعرفة بنفسها شکراً ، فإذا کان الشکر واجباً عقلاً لکونه حسناً بنفسه کانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب ، ولذا قال فی تعلیل وجوبها: أداء لشکر بعض . . . الخ .

نعم لو کان الشکر واجباً من باب وجوب دفع الضرر کان وجوبه غیریاً فیکون وجوب المعرفة حینئذ غیریاً ، بل لو قلنا حینئذ بأن وجوب دفع الضرر لیس عقلیاً بل فطریاً کان وجوبها فطریاً غیریاً لا عقلیاً لا نفسیاً ولا غیریاً .

والإنصاف یقتضی التأمل فی وجوب الشکر لنفسه وإن کان حسناً لأن حسنه لا یلازم وجوبه ، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، فیکون وجوب المعرفة غیریاً لا نفسیاً . وأما کونه عقلیاً أو فطریاً فقد عرفت فیما سبق تحقیقه. فلاحظ .

ثم إنه قد یتوهم کون وجوب المعرفة غیریاً من جهة توقف الإعتقاد علیها ، لکنه إنما یتم لو کان الإعتقاد واجباً تفصیلاً مطلقاً غیر مشروط بالمعرفة مع توقفه علی المعرفة ، وقد عرفت الإشکال فی الأول ، کما یمکن منع الثانی لإمکان تحقق الإعتقاد بلا معرفة غایة الأمر أنه تشریع محرم عقلاً لکن تحریمه کذلک لا یقتضی وجوب المعرفة. نعم لو کان الواجب عقلاً هو الإعتقاد عن معرفة کانت واجبة لغیرها لکنه أول الکلام .

قوله: فإنهم وسائط ، یعنی فتکون معرفتهم أداء للشکر الواجب ، وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ( هامش: وهو کون الإمامة کالنبوة منصباً إلهیاً یحتاج إلی تعیینه تعالی ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المکلفین وهو الوجه الآخر منه (قدسّ سرّه) ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک

ص: 247

ولاحتمال الضرر فی ترکه، ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر إلا ما وجب شرعاً معرفته - کمعرفة الإمام(علیه السّلام) - علی وجه آخر غیر صحیح أو أمر آخر مما دل الشرع علی وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة ، ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ ، الآیة ولا لقوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم أن المراد من: لیعبدون ، هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة فتجب .

قوله: وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)، یعنی واجبة لنفسها لأن الإمامة کالنبوة من المناصب الإلهیة فیکون الإمام(علیه السّلام)من وسائط النعم فتجب معرفته کمعرفة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهذا هو الوجه الصحیح ... .

نهایة الافکار:2/188

أما المقام الأول ، فلا ینبغی الإشکال فی وجوب تحصیل معرفة الواجب تعالی ومعرفة ما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال ، ککونه واحداً قادراً عالماً مریداً حیاً غنیاً لم یکن له نظیر ولا شبیه ، ولم یکن بجسم ولا مرئی ولا له حیز ونحو ذلک . . کما لا إشکال أیضاً فی کون الوجوب المزبور نفسیاً ، لأن المعرفة بالمبدأ سبحانه هی الغایة القصوی والغرض الأصلی من خلق العباد وبعث الرسل کما ینبی عنه قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، حیث أن حقیقة العبودیة هی المعرفة ولا ینافی ذلک مقدمیتها لواجب آخر عقلی أو شرعی

ص: 248

کالتدین والإنقیاد ونحوه. ثم إن عمدة الدلیل علی وجوب المعرفة إنما هو حکم العقل الفطری واستقلاله بوجوب تحصیل المعرفة بالمبدأ تعالی علی کل مکلف بمناط شکر المنعم باعتبار کونها من مراتب أداء شکره فیجب بحکم العقل تحصیل المعرفة به سبحانه ، وبما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال ، بل ویجب أیضاً معرفة أنبیائه ورسله وحججه الذین هم وسائط نعمه وفیضه .

وإلا فمع الأغماض عن هذا الحکم العقلی الفطری لا تجدی الأدلة السمعیة کتاباً وسنة من نحو قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، لعدم تمامیة مثل هذه

الإستدلالات للجاهل بهما لا إلزاماً ولا إقناعاً ، لأن دلیلیتهما فرع الإعتقاد بهما وبکلامهما ، وحینئذ فالعمدة فی الدلیل علی الوجوب هو حکم العقل الفطری .

نعم بعد تحصیل المعرفة بالمبدأ ووسائط نعمه بحکم العقل ، لا بأس بالإستدلال بالکتاب والسنة لإثبات وجوب المعرفة لما عداهما فی فرض تمامیة إطلاق تلک الأدلة من حیث متعلق المعرفة ، وإلا فبناء علی عدم إطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسک بها أیضاً .

ثم إنه مما ذکرنا ظهر الحال فی المقام الثانی ، حیث أنه بعد ما وجب تحصیل المعرفة بالواجب تعالی وبوسائط نعمه یجب بحکم العقل الإعتقاد وعقد القلب والانقیاد له سبحانه ، لکون مثله أیضاً من مراتب أداء شکره الواجب علیه. بل الظاهر أن وجوب ذلک أیضاً کوجوب أصل المعرفة مطلق غیر مشروط بحصول العلم من الخارج ، فیجب علیه حینئذ تحصیل العلم مقدمة للإنقیاد الواجب .

هذا کله بالنسبة إلی أصل وجوب المعرفة ، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانیته وبما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال

ص: 249

، وکذا معرفة أنبیائه ورسله وحججه الذین هم وسائط نعمه وفیضه ، وکذلک الحشر والنشر ولو بنحو الاجمال .

وأما ما عدا ذلک کتفاصیل التوحید وکیفیة علمه وإرادته سبحانه ، وتفاصیل المحشر وخصوصیاته ، وأن المیزان والصراط بأی کیفیة ، ونحو ذلک فلا یجب تحصیل العلم ولا الإعتقاد بها بتلک الخصوصیات .

نعم فی فرض حصول العلم بها من الخارج یجب الإعتقاد وعقد القلب بها. فوجوب الإعتقاد بخصوصیات الأامور المزبورة إنما کان مشروطاً بحصول العلم بها من باب الإتفاق ، لا أن وجوبها مطلق حتی یجب تحصیل العلم بها من باب المقدمة. نعم الواجب علی المکلف هو الإعتقاد الإجمالی بما هو الواقع ونفس الأمر فیعتقد وینقاد بتلک الأمور علی ما هی علیها فی الواقع ونفس الأمر .

ومن هذا البیان ظهر الحال فی المقام الثالث أیضاً ، فإن مقتضی الأصل فیما عدا المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصیل المعرفة زائداً علی المقدار الذی یستقل العقل بوجوب تحصیله ، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الإعتقاد به من ضرورة ونحوه کالمعاد الجسمانی .

وأما الإستدلال علی وجوب المعرفة بتفاصیل الأمور المزبورة بما ورد من الأدلة النقلیة کتاباً وسنة کقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، وعموم آیة النفر ، وقوله(علیه السّلام): لا أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس ، وقوله: طلب العلم فریضة علی کل مسلم ومسلمة ، فیدفعه مضافاً إلی قضاء العادة بامتناع حصول المعرفة بما ذکر إلا للأوحدی من الناس ، أنه لا إطلاق لها من حیث متعلق المعرفة لأنها بین ما کان فی مقام بیان فضیلة الصلاة والحث والترغیب إلیها لا فی مقام بیان حکم المعرفة ، وبین ما کان بصدد إثبات أصل

ص: 250

وجوب المعرفة بالمبدأ ورسله وحججه لا فی مقام وجوبها علی الإطلاق ، حتی بالنسبة إلی التفاصیل المزبورة. وعلیه فعند الشک لابد من الرجوع إلی الأصل المقتضی لعدم وجوبها .

نعم حیث قلنا بعدم وجوب تحصیل المعرفة فی الزائد عن المقدار المعلوم فلیس له إنکاره والحجد به ، إذ لا یستلزم عدم وجوب المعرفة بشئ جواز إنکاره ، بل ربما یکون إنکاره حراماً علیه ، بل موجباً لکفره إذا کان من الضروریات ، لما یظهر منهم من التسالم علی کفر منکر ضروری الدین کالمعراج والمعاد الجسمانی ونحوهما . فلا بد لمثل هذا الشخص حینئذ من الإعتقاد إجمالاً بما هو الواقع .

شرح المواقف للجرجانی:8/105

... والجواب منع التکلیف بکمال معرفته إذ هو أی التکلیف بقدر وسعنا فنحن مکلفون بأن نعرف من صفاته ما یتوقف تصدیق النبی(علیه السّلام)علی العلم به لا بمعرفة صفات أخری. أو بأن نقول سلمنا تکلیفنا بکمال معرفته لکن لا یلزم من التکلیف به حصوله من جمیع المکلفین بل ربما یعرفه معرفة کاملة بعض منهم کالأنبیاء والکاملین من أتباعهم ... . فإن قلت: مرادهم أنا مکلفون بکمال معرفة ممکنة ، وقد لا یسلمون کون معرفته تعالی بالکنه ممکنة .

قلت: لو سلم فلعل له تعالی صفة لا یمکن لنا معرفتها أیضاً فلا یتجه لهم بما ذکروه نفی صفة غیر السمع بالکلیة ، فتأمل .

قوله: فنحن مکلفون إلی آخره.. هذا مترتب علی منة التکلیف بکمال المعرفة،

ص: 251

ثم الترتب باعتبار الأخبار نظیره الفاء فی قوله تعالی: وَمَا بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ، أی إذا کان التکلیف بکمال المعرفة ممنوعاً فأخبرکم أنا مکلفون بکذا لا بکذا ، وحینئذ لا یرد أن مثل السمع والبصر والکلام داخل تحت الوسع ، فیقتضی قوله إذ هو بقدر وسعنا أن نکون مکلفین بمعرفته أیضاً مع أن التفریع یقتضی عدم التکلیف بها ، إذ لا یتوقف تصدیق النبی(علیه السّلام)علی شئ منها ، فتدبر .

المعرفة لا تتوقف علی علم الکلام

مستدرک الوسائل:1/161

فقه الرضا(علیه السّلام): إیاک والخصومة فإنها تورث الشک وتحبط العمل ، وتردی صاحبها ، وعسی أن یتکلم بشئ لا یغفر له .

ونروی: إنه کان فیما مضی قوم انتهی بهم الکلام إلی الله عز وجل فتحیروا ، فإن کان الرجل لیدعی من بین یدیه فیجیب من خلفه .

وأروی: تکلموا فیما دون العرش ، فإن قوماً تکلموا فی الله عز وجل فتاهوا .

وأروی عن العالم: وسألته عن شئ من الصفات فقال: لا تتجاوز ما فی القرآن .

وأروی: إنه قری بین یدی العالم(علیه السّلام)قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، فقال: إنما عنی أبصار القلوب وهی الاوهام ، فقال: لا تدرک الأوهام کیفیته ، وهو یدرک کل وهم ، وأما عیون البشر فلا تلحقه ، لأنه لا یحل فلا یوصف. هذا ما نحن علیه کلنا .

رسائل الشهید الثانی:2/174

التوحید علی ثلاثة أقسام:

الأول: توحید الذات ونفی الشریک فی واجب الوجود .

ص: 252

الثانی: بحسب الصفات هو نفی الصفة الموجودة القائمة بذاته تعالی .

الثالث: توحیده تعالی بحسب العبودیة وتخصیص العبادة له جل جلاله .

والعمدة فی الإستدلال علی الأول قوله تعالی: لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. والدلیل علی الثانی والثالث قوله تعالی: وَلا یُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ، وقول مولانا أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، بشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله. صدق ولی الله(علیه السّلام). وروی محمد بن أبی عمیر عن الکاظم(علیه السّلام)حین سأله عن التوحید ؟ فقال: یا أبا أحمد لا تجاوز فی التوحید عما ذکره الله تعالی فی کتابه

فتهلک .

وسائر صفاته الثبوتیة مذکورة فی القرآن ، مصرحة بواجب الوجود ، وهو دلیل علی نفی الصفات السلبیة ، لإستلزامها الامکان المضاد للوجوب. وباقی الأصول من النبوة والإمامة والمعاد الجسمانی مستفاد من الکتاب العزیز والسنة النبویة والإمامیة ، بحیث لا مزید علیها .

فظهر أن تحصیل الإیمان لا یتوقف علی تعلم علم الکلام ولا المنطق، ولا غیرها من العلوم المدونة، بل یکفی مجرد الفطرة الإنسانیة علی اختلاف مراتبها ، والتنبیهات الشرعیة من الکتاب والسنة المتواترة أو الشائعة المشهورة ، بحیث یحصل من العلم بها العلم بالمسائل المذکورة. وکل ممکن برهان ، وکل آیة حجة ، وکل حدیث دلیل ، وفهم المقصود استدلال ، وکل عاقل مستدل ، وإن لم یعلم الصغری ولا الکبری ولا التالی ولا المقدم ، بهذه العبارات والقانونات

ص: 253

والإصطلاحات .

رسائل الشهید الثانی:2/176

الباب السادس ، فی الکلام علی تعلم علم الکلام ، واعلم أنه علم إسلامی وضعه المتکلمون لمعرفة الصانع وصفاته العلیا ، وزعموا أن الطریق منحصر فیه وهو أقرب الطرق. والحق أنه أبعدها وأصعبها وأکثرها خوفاً وخطراً ، ولذلک نهی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الغور فیه ، حیث روی أنه مر علی شخصین متباحثین علی مسألة ،

کالقضاء والقدر ، فغضب(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی احمرت وجنتاه .

وروی هارون بن موسی التلعکبری أستاد شیخنا المفید قدس سرهما، عن عبدالله ابن سنان قال: أردت الدخول علی أبی عبدالله(علیه السّلام) ، فقال لی مؤمن الطاق ، استأذن لی علی أبی عبدالله(علیه السّلام)، فقلت: نعم ، فدخلت علیه فاعلمته مکانه ، فقال (علیه السّلام): یابن سنان لا تأذن له علی ، فإن الکلام والخصومات یفسدان النیة وتمحق الدین .

وعن عاصم بن حمید الحناط عن أبی عبیدة الحذاء قال: قال لی أبوجعفر(علیه السّلام) وأنا عنده: إیاک وأصحاب الکلام والخصومات ومجالستهم ، فإنهم ترکوا ما أمروا بعلمه وتکلفوا ما لم یؤمروا بعلمه حین تکلفوا أهل أبناء السماء. یا أبا عبیدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم فی أعمالهم ، یا أبا عبیدة إنا لا نعد الرجل فقیهاً عالماً حتی یعرف لحن القول ، وهو قوله تعالی: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ .

وعن جمیل بن دراج قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: متکلموا هذه الأمة من شرار أمتی ومن هم منهم .

وعنه (علیه السّلام): یهلک أهل الکلام وینجو المسلمون .

ص: 254

وورد فی موضع آخر: إن شر هذه الأمة المتکلمون .

وروی أن یونس قال للصادق(علیه السّلام): جعلت فداک إنی سمعت أنک تنهی عن الکلام تقول: ویل لاصحاب الکلام. فقال(علیه السّلام): إنما قلت ویل لهم إن ترکوا ما أقول وذهبوا إلی ما یقولون .

أقول: یمکن أن یکون هذا إشارة إلی أنهم ترکوا التشبیهات کما عرفت الواردة فی القرآن والآثار النبویة والإمامیة صلوات الله علیهم، وعدلوا عنها إلی خیالاتهم الفاسدة وحکایاتهم الباردة ، المذکورة فی الکتب الکلامیة .

قال سید المحققین رضی الدین علی بن طاووس(قدسّ سرّه): مثل مشائخ المعتزلة فی تعلیمهم معرفة الصانع ، کمثل شخص أراد أن یعرف غیره النار ، فقال: یا هذا معرفتها تحتاج إلی أسباب: أحدها الحجر ولا یوجد إلا طریق مکة. والثانی الحدید وصفته کذا وکذا. والثالث حراق علی هذه الصفة. والرابع مکان خال عن شدة الهواء ، فأخذ المسکین فی تحصیل هذه الأسباب .

ولو قال له فی أول الحال: إن هذه الجسم المضی الذی تشاهده هو النار التی تطلبها لأراح واستراح .

فمثل هذا العالم حقیق أن یقال إنه قد أضل ، ولا یقال إنه قد هدی ، أو عدل بالخلائق ( فی معرفة الخالق ) إلی تلک الطرائق الضیقة البعیدة ، وضیق علیهم سبیل الحقیقة ، کما عدل من أراد تعریف النار المعلومة بالإضطرار إلی استخراجها من الأخبار .

أقول: هذا حال الکلام الذی کان فی أول الإسلام ، ولا شک أنه ما کان بهذه المثابة من البحث والخصومة ، فما ظنک بهذه المباحثات والخصومات الشائعة فی زماننا. ولیت شعری أن هؤلاء الجماعة هل لهم دلیل عقلی ونقلی علی وجوبه

ص: 255

واستحبابه ؟ أو مجرد تقلید آبائهم وأسلافهم ، وأنهم علی آثارهم لمقتدون. وأنهم هل یقرون بإیمان السابقین أو ینکرونه ؟ وهل یعترفون بإیمان العوام الغافلین عنه أو لا یعترفون ؟ فإن أقروا واعترفوا فما فائدته ؟ وإلا فکیف یعاشرونهم بالرطوبات ؟ مع اعتقادهم بأن عدم المعرفة بالأصول کفر والکافر نجس. وکیف یجوز الإشتغال بالواجب مع استلزامه ترک ما هو أوجب ؟ فذرهم یخوضوا ویلعبوا حتی یلاقوا یومهم الذی کانوا یوعدون .

ویکفی الدلیل الاجمالی فی المعرفة

الاقتصاد للشیخ الطوسی/15

فإن قیل: قد ذکرتم أنه یخرج الإنسان عن حد التقلید بعلم الجملة ، ما حد ذلک بینوه لنقف علیه ؟

قلنا: أحوال الناس تختلف فی ذلک: فمنهم من یکفیه الشئ الیسیر ، ومنهم من یحتاج إلی أکثر منه بحسب ذکائه وفطنته وخاطره ، حتی یزید بعضهم علی بعض إلی أن یبلغ إلی حد لا یجوز له الإقتصار علی علم الجملة بل یلزمه علی التفصیل لکثرة خواطره وتواتر شبهاته. ولیس یمکن حصر ذلک لشئ لا یمکن الزیادة علیه ولا النقصان عنه .

فإن قیل: فعلی کل حال بینوا لذلک مثالاً علی وجه التقریب .

قلنا: أما علی وجه التقریب فإنا نقول: من فکر فی نفسه فعلم أنه لم یکن موجوداً ثم وجد نطفة ثم صار علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم جنیناً فی بطن أمه میتاً ثم صار حیاً فبقی مدة ثم ولد صغیراً ، فتتقلب به الأحوال من صغر إلی کبر ومن طفولة إلی رجلة ومن عدم عقل إلی عقل کامل ثم إلی الشیخوخة وإلی الهرم ثم

ص: 256

الموت ، وغیر ذلک من أحواله ، عَلِمَ أن هنا من یصرفه هذا التصریف ویفعل به هذا الفعل ، لأنه یعجز عن فعل ذلک بنفسه ، وحال غیره من أمثاله حاله من العجز عن مثل ذلک. فعلم بذلک أنه لابد من أن یکون هناک من هو قادر علی ذلک مخالف له ، لأنه لو کان مثله لکان حکمه حکمه. ویعلم أنه لا بد أن یکون عالماً من حیث أن ذلک فی غایة الحکمة والإتساق ، مع علمه الحاصل بأن بعض ذلک لا یصدر ممن لیس بعالم ، وبهذا القدر یکون عالماً بالله تعالی علی الجملة .

وهکذا إذا نظر فی بذر یبذر فینبت منه أنواع الزرع والغرس ویصعد إلی منتهاه ، فمنه ما یصیر شجراً عظیماً یخرج منه أنواع الفواکه والملاذ ، ومنه ما یصیر زرعاً یخرج منه أنواع الأقوات ، ومنه ما یخرج منه أنواع المشمومات الطیبة الروائح ، ومنه ما یکون خشبه فی غایة الطیب کالعود الرطب وغیر ذلک ، وکالمسک الذی یخرج من بعض الظباء والعنبر الذی یخرج من البحر ، فیعلم بذلک أن مصرف ذلک وصانعه قادر عالم لتأتی ذلک وإتساقه ، ولعجزه وعجز أمثاله عن ذلک ،فیعلم بذلک أنه مخالف لجمیع أمثاله ، فیکون عارفاً بالله علی الجملة .

وکذلک إذا نظر إلی السماء صاحیة فتهب الریاح وینشأ السحاب ویصعد ولا یزال یتکاثف ویظهر فیه الرعد والبرق والصواعق ، ثم ینزل منه من المیاه والبحار العظیمة التی تجری منها الأنهار العظیمة والأودیة الوسیعة ، وربما کان فیه من البرد مثل الجبال ، کل ذلک فی ساعة واحدة ثم تنقشع السماء وتبدو الکواکب وتطلع الشمس أو القمر کأن ما کان لم یکن من غیر تراخ ولا زمان بعید ، فیعلم ببدیهة أنه لابد أن یکون من صح ذلک منه قادراً علیه ممکن منه ، وأنه مخالف له ولأمثاله ، فیکون عند ذلک عارفاً بالله. وأمثال ذلک کثیرة لا نطول بذکره .

فمتی عرف الإنسان هذه الجملة وفکر فیها هذا الفکر واعتقد هذا الإعتقاد ، فإن

ص: 257

مضی علی ذلک ولم یشعثه خاطر ولا طرقته شبهة فهو ناج متخلص .

وأکثر من أشرتم إلیه یجوز أن یکون هذه صفته ، وإن بحث عن ذلک وعن علل ذلک فطرقته شبهات وخطرت له خطرات وأدخل علیه قوم ملحدون ما حیره وبلبله فحینئذ یلزمه التفتیش ولا تکفیه هذه الجملة ، ویجب علیه أن یتکلف البحث والنظر علی ما سنبینه لیسلم من ذلک ویحصل له العلم علی التفصیل .

ونحن نبین ذلک فی الفصل الذی یلی هذا الفصل علی ما وعدنا به إنشاء الله .

فإن قیل: أصحاب الجُمَل ( بضم الجیم أی أصحاب المعرفة الإجمالیة ) علی ما ذکرتم لا یمکنهم أن یعرفوا صفات الله تعالی وما یجوز علیه وما لا یجوز علیه منها علی طریق الجمله ، وإذا لم یمکنهم ذلک لم یمکنهم أن یعلموا أن أفعاله کلها حکمة ولا حسن التکلیف ولا النبوات ولا الشرعیات ، لأن معرفة هذه الأشیاء لا یمکن إلا بعد معرفة الله تعالی علی طریق التفصیل .

قلنا: یمکن معرفة جمیع ذلک علی وجه الجملة ، لأنه إذا علم بما قدمناه من الافعال ووجوب کونه قادراً عالماً ، وعلم أنه لا یجوز أن یکون قادراً بقدرة محدثة لأنها کانت تجب أن تکون من فعله ، وقد تقرر أن المحدث لابد له من محدث ، وفاعلها یجب أن یکون قادراً أولاً ، فلولا تقدم کونه قادراً قبل ذلک لما صح منه تعالی فعل القدرة ، فیعلم أنه لم یکن قادراً بقدرة محدثة ، ولأجله علم أنه کذلک لامر لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، فیعلم أنه یجب أن یکون قادراً علی جمیع الأجناس ومن کل جنس علی ما لا یتناهی لفقد التخصیص .

وکذلک إذا علم بالمحکم من أفعاله کونه عالماً علم أن ما لاجله علم ما علمه لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم ، إذ المخصص هو العلم المحدث والعلم لا یقع

ص: 258

إلا من عالم ، فلابد أن یتقدم کونه عالماً لا بعلم محدث ، وما لأجله علم لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم ، فیعلم أنه عالم

بما لا یتناهی وبکل ما یصح أن یکون معلوماً لفقد الاختصاص. فیعلم أنه لا یشبه الأشیاء ، لأنه لو أشبهها لکان مثلها فی کونها محدثة ، لأن المثلین لا یکون أحدهما قدیماً والآخر محدثاً. ویعلم أنه غیر محتاج ، لأن الحاجة من صفات الاجسام ، لأنها تکون إلی جلب المنافع ودفع المضار وهما من صفات الأجسام ، فیعلم عند ذلک أنه غنی. ویعلم أنه لا تجوز علیه الرؤیة والإدراکات ، لأنه لا یصح أن یدرک إلا ما یکون هو أو محله فی جهة ، وذلک یقتضی کونه جسماً أو حالاً فی جسم ، وهکذا یقتضی حدوثه وقد علم أنه قدیم. وإذا علم أنه عالم بجیمع المعلومات ، وعلم کونه غنیاً ، علم أن جمیع أفعاله حکمة وصواب ولها وجه حسن وأن لم یعلمه مفصلاً ، لأن القبیح لا یفعله إلا من هو جاهل بقبحه أو محتاج إلیه وکلاهما منتفیان عنه ، فیقطع عند ذلک علی حسن جمیع أفعاله من خلق الخلق والتکلیف وفعل الآلام وخلق المؤذیات من الهوام والسباع وغیر ذلک .

ویعلم أیضاً عند ذلک صحة النبوات ، لأن النبی إذا ادعی النبوة وظهر علی یده علم معجز یعجز عن فعله جمیع المحدثین علم أنه من فعل الله ، ولو لا صدقه لما فعله ، لأن تصدیق الکذاب لا یحسن ، وقد أمن ذلک بکونه عالماً غنیاً. فإذا علم صدق الأنبیاء بذلک علم صحة ما أتوا به من الشرعیات والعبادات ، لکونهم صادقین علی الله ، وأنه لا یتعبد الخلق إلا بما فیه مصلحتهم .

وإذا ثبت له هذه العلوم فتشاغل بالعبادة أو بالمعیشة ولم تخطر له شبهة ولا أورد علیه ما یقدح فیما علمه ، ولا فکر هو فی فروع ذلک ، لم یلزمه أکثر من ذلک. ومتی أورد علیه شبهة فإن تصورها قادحة فیما علمه یلزمه حینئذ النظر فیها حتی

ص: 259

یحلها لیسلم له ما علمه ، وإن لم یتصورها قادحة ولا اعتقد أنها تؤثر فیما علمه لم یلزمه النظر فیها ولا التشاغل بها .

وهذه أحوال أکثر العوام وأصحاب المعایش والمترفین ، فإنهم لیس یکادون یلتفتون إلی شبهة تورد علیهم ولا یقبلونها ولا یتصورونها قادحة فیما اعتقدوه ، بل ربما أعرضوا عنها واستغنوا عن سماعها وإیرادها وقالوا: لا تفسدوا علینا ما علمناه. وقد شاهدت جماعة هذه صورتهم. فبان بهذه الجملة ما أشرنا إلیه من أحوال أصحاب الجُمَل .

رسائل الشهید الثانی:2/142

الثانی فی بیان معنی الدلیل الذی یکفی فی حصول المعرفة المحققة للایمان عند من لا یکتفی بالتقلید فی المعرفة .

إعلم أن الدلیل بمعنی الدال ، وهو لغة المرشد ، وهو الناصب للدلیل کالصانع ، فإنه نصب العالم دلیلاً علیه ، والذاکر له کالعالم ، فإنه دال بمعنی أنه یذکرون العالم دلیلاً علی الصانع ، ویقال لما به الإرشاد کالعالم ، لأنه بالنظر

فیه یحصل الإرشاد ، أی الإطلاع علی الصانع تعالی .

واصطلاحاً: هو ما یمکن التوصل بصحیح النظر فیه إلی مطلوب خبری ، وهذا یشمل الإمارة ، لأنها توصل بالنظر فیها إلی الظن بمطلوب خبری ، کالنظر إلی الغیم الرطب فی فصل الشتاء ، فإن التأمل فیه یوجب الظن بنزول المطر فیه. وقیل: إنه ما یمکن التوصل به إلی العلم بمطلوب خبری ، فلا یشمل الإمارة. وهذان التعریفان للأصولیین . وقوله: ما یمکن ، یشمل ما نظر فیه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم ینظر فیه بعد ، فالعالم قبل النظر فیه دلیل علی وجود الصانع عند

ص: 260

الأصولیین دون المنطقیین حیث عرفوه بأنه قولان فصاعداً یکون عنهما قول آخر ، وهذا یشمل الإمارة ، وقیل: قولان فصاعداً یلزم عنه لذاته قول آخر ، وهذا لا یشمل الإمارة. فالدلیل عندهم إنما یصدق علی القضایا المصدق بها حالة النظر فیها أی ترتیبها ، لأنها الحالة التی تکون فیه أو یلزم منها قول آخر .

ویمکن أن یقال: علی اعتبار اللزوم لا یصدق الدلیل علی المقدمات حال ترتیبها، لأن اللزوم لا یحصل عنده بل بعده. اللهم إلا أن یراد باللزوم اللغوی ، أی الإستتباع .

ثم إن الذی یکفی إعتباره فی تحقق الإیمان من هذه التعاریف هو التعریف الثانی للأصولیین لکن بعد النظر فیما یمکن التوصل به ، لا الأول ، لأن ما یفید الظن بالمعارف الأصولیة غیر کاف فی تحقق الإیمان علی المذهب الحق .

ولا یعتبر فی تحققه شئ من تعریف المنطقیین ، لأن العلم بترتیب المقدمات وتفصیلها علی الوجه المعتبر عندهم غیر لازم فی حصول الإیمان ، بل اللازم من الدلیل فیه ما تطمئن به النفس بحسب استعدادها ویسکن إلیه القلب ، بحیث یکون ذلک ثابتاً مانعاً من تطرق الشک والشبهة إلی عقیدة المکلف ، وهذا یتفق کثیراً بملاحظة الدلیل إجمالاً ، کما هو الواقع لأکثر الناس .

أقول: یمکن أن یقال أن حصول العلم عن الدلیل لا یکون إلا بعد ترتیب المقدمات علی الوجه التفصیلی المعتبر فی شرائط الإستدلال ، وحصوله فی النفس وإن لم یحصل الشعور بذلک الترتیب ، إذ لیس کل ما اتصفت به النفس تشعر به ، إذ العلم بالعلم غیر لازم .

والحاصل أن الترتیب المذکور طبیعی لکل نفس ناطقة مرکوز فیها. وهذا معنی ما قالوه من أن الشکل الأول بدیهی الإنتاج لقربه من الطبع ، فدل علی أن فی

ص: 261

الطبیعة ترتیباً مطبوعاً متی أشرفت علیه النفس حصل به العلم ، وحینئذ فالمعتبر فی حصول العلم بالدلیل لیس إلا ما ذکره المنطقیون. والخلاف بینهم وبین الأصولیین لیس إلا فی التسمیة ، لانهم یطلقون الدلیل علی نفس المحسوس کالعالم ، وأهل المعقول لا یطلقونه إلا علی نفس المعقول کالقضایا المرتبة ، مع أن حصول العلم بالفعل علی الإصطلاحین یتوقف علی ترتیب القضایا المعقولة ، وما نحن فیه من هذا القبیل ،فإن حصول الإیمان بالفعل أعنی التصدیق بالمعارف الإلهیة إنمایکون بعد الترتیب المذکور .

فقولهم إن الدلیل الإجمالی کاف فی الإیمان لا یخلو عن مسامحة ، لما بینا من أن الترتیب لابد منه فی النظریات ، وکأنهم أرادوا بالإجمال عدم الشعور بذلک الترتیب وعدم العلم بشرائط الإستدلال، لا عدم حصول ذلک فی النفس ، والثانی هو المعتبر فی حصول العلم دون الأول. نعم الأول إنما یعتبر فی المناظرات ودفع المغالطات ورد الشبهة وإلزام الخصوم .

ویؤید ما ذکرناه أنک لا تجد فی مباحث الدلیل وتعریفه إشارة إلی أنه قد یکون تفصیلیاً وقد یکون إجمالیاً ، وما یوجد فی مباحث الإیمان من أنه یکفی فیه الدلیل الجملی ، فقد بینا المراد منه .

العجز عن معرفة ذات الله تعالی

الکافی:1/92

باب النهی عن الکلام فی الکیفیة:

محمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن أبی بصیر قال: قال أبوجعفر(علیه السّلام): تکلموا فی خلق الله ولا تتکلموا فی

ص: 262

الله فإن الکلام فی الله لا یزداد صاحبه إلا تحیراً. وفی روایة أخری عن حریز: تکلموا فی کل شئ ولا تتکلموا فی

ذات الله .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن سلیمان بن خالد قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): إن الله عز وجل یقول: وَأَنَّ إلی رَبِّکَ الْمُنْتَهَی ، فإذا انتهی الکلام إلی الله فأمسکوا .

علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): یا محمد إن الناس لا یزال بهم المنطق حتی یتکلموا فی الله ، فإذا سمعتم ذلک فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذی لیس کمثله شئ .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسین بن المیاح ، عن أبیه قال سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: من نظر فی الله کیف هو ؟ هلک .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عبدالحمید ، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إیاکم والتفکر فی الله ، ولکن إذا أردتم أن تنظروا إلی عظمته فانظروا إلی عظیم خلقه .

محمد بن أبی عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله(علیه السّلام): یا ابن آدم لو أکل قلبک طائر لم یشبعه ، وبصرک لو وضع علیه خرق إبرة لغطاه ، ترید أن تعرف بهما ملکوت السماوات والأرض، إن کنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله، فإن قدرت تملأ عینیک منها فهو کما تقول .

نهج البلاغة:2/67

... فمن هداک لإجترار الغذاء من ثدی أمک ، وعرفک عند الحاجة مواضع طلبک

ص: 263

وإرادتک. هیهات ، إن من یعجز عن صفات ذی الهیئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز. وَمِن تناولِه بحدود المخلوقین أبعد .

نهج البلاغة:2/119

ومن خطبة له(علیه السّلام)فی التوحید وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من کیفه ، ولا حقیقته أصاب من مَثَّله ، ولا إیاه عنی من شَبَّهه ، ولا صمده من أشار إلیه وتوهمه .

کل معروف بنفسه مصنوع ، وکل قائم فی سواه معلول .

فاعلٌ لا باضطراب آلة ، مقدر لا بجول فکرة ، غنی لا بإستفادة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات کونه ، والعدم وجوده ، والإبتداء أزله .

بتشعیره المشاعر عُرِفَ أن لا مُشْعِرَ له ، وبمضادته بین الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بین الأشیاء عُرِفَ أن لا قرین له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة والجمود بالبلل... .

نهج البلاغة:1/158

ومن خطبة له(علیه السّلام): الحمد لله المعروف من غیر رؤیة ، والخالق من غیر رَوِیَّة ، الذی لم یزل قائماً دائماً إذ لا سماء ذات أبراج ، ولا حجب ذات أرتاج ، ولا لیل داج، ولا بحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج... .

نهج البلاغة:1/164

ص: 264

... وأشهد أن من شبهک بتباین أعضاء خلقک، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبیر حکمتک ، لم یعقد غیب ضمیره علی معرفتک ، ولم یباشر قلبه الیقین بأنه لا ند لک وکأنه لم یسمع تبرأ التابعین من المتبوعین ، إذ یقولون: تَأَللهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِینَ. کذب العادلون بک ، إذ شبهوک بأصنامهم، ونحلوک حلیة المخلوقین بأوهامهم ، وجزؤوک تجزئة المجسمات بخواطرهم ، وقدروک علی الخلقة المختلفة القوی بقرائح عقولهم ... .

الکافی:1/137

علی بن محمد ، عن صالح بن أبی حماد ، عن الحسین بن یزید ، عن الحسن بن علی ابن أبی حمزة ، عن إبراهیم عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله تبارک اسمه ، وتعالی ذکره ، وجل ثناؤه ، سبحانه وتقدس ، وتفرد وتوحد، ولم یزل ولا یزال ، وهو الأول والآخر و الظاهر والباطن فلا أول لأولیته، رفیعٌ فی أعلی علوه ، شامخ الأرکان ، رفیع البنیان عظیم السلطان ، منیف الآلاء ، سنی العلیاء ، الذی عجز الواصفون عن کنه صفته ، ولا یطیقون حمل معرفة إلهیته ، ولا یحدون حدوده ، لأنه بالکیفیة لا یتناهی إلیه .

علی بن إبراهیم ، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن ، عن عبدالله ابن الحسن العلوی جمیعاً ، عن الفتح بن یزید الجرجانی قال: ضمنی وأبا الحسن(علیه السّلام)الطریق فی منصرفی من مکة إلی خراسان وهو سائر إلی العراق ، فسمعته یقول: من اتقی الله یتقی ، ومن أطاع الله یطاع ، فتلطفت الوصول إلیه ، فوصلت فسلمت علیه ، فرد علی السلام ثم قال: یا فتح من أرضی الخالق لم یبال بسخط المخلوق ،

ص: 265

ومن أسخط الخالق فقمن أن یسلط الله علیه سخط المخلوق ، وإن الخالق لا یوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنی یوصف الذی تعجز الحواس أن تدرکه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به ، جل عما وصفه الواصفون ، وتعالی عما ینعته الناعتون ، نأی فی قربه ، وقرب فی نأیه ، فهو فی نأیه قریب ، وفی قربه بعید ، کیَّف الکیف فلا یقال: کیف ؟ وأیَّن الاین فلا یقال: أین ؟ إذ هو منقطع الکیفوفیة والاینونیة .

النهی عن الفضولیة فی معرفة الله تعالی

مستدرک الوسائل:12/47

محمد بن مسعود العیاشی فی تفسیره: عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه (علیهماالسّلام): إن رجلاً قال لامیر المؤمنین(علیه السّلام): هل تصف ربنا نزداد له حباً وبه معرفة ؟ فغضب وخطب الناس ، فقال فیما قال:

علیک یا عبدالله بما دلک علیه القرآن من صفته ، وتقدمک فیه الرسول من معرفته، فائتم به ، واستضی بنور هدایته ، فإنما هی نعمة وحکمة أوتیتها ، فخذ ما أوتیت وکن من الشاکرین ، وما کلفک الشیطان علمه مما لیس علیک فی الکتاب فرضه ، ولا فی سنة الرسول وأئمة الهدی أثره ، فکل علمه إلی الله ، ولا تقدر عظمة الله علیه قدر عقلک ، فتکون من الهالکین ، وأعلم یا عبدالله أن الراسخین فی العلم ، هم الذین أغناهم الله عن الاقتحام علی السدد المضروبة دون الغیوب ، إقراراً بجهل ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب ، فقالوا: آمنا به کل من عند ربنا ، وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علماً ، وسمی ترکهم التعمق فیما لم یکلفهم البحث عن کنهه رسوخاً .

ص: 266

الفصل التاسع : أنواع من المعرفة والعارفین

اشارة

ص: 267

ص: 268

المعرفة الحقیقیة والمعرفة الشکلیة

الصحیفة السجادیة:2/108

... عن ثابت البنانی قال: کنت حاجاً وجماعة عباد البصرة مثل أیوب السجستانی، وصالح المری ، وعتبة الغلام

، وحبیب الفارسی ، ومالک بن دینار ، فلما أن دخلنا مکة رأینا الماء ضیقاً ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغیث ، ففزع إلینا أهل مکة والحجاج یسألوننا أن نستسقی لهم ، فأتینا الکعبة وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعین متضرعین بها ، فمنعنا الإجابة. فبینما نحن کذلک إذا نحن بفتی قد أقبل وقد أکربته أحزانه وأقلقته أشجانه ، فطاف بالکعبة أشواطاً ، ثم أقبل علینا ، فقال: یا مالک بن دینار ویا ثابت البنانی ویا صالح المری ویا عتبة الغلام ویا حبیب الفارسی ویا سعد ویا عمر ویا صالح الأعمی ویا رابعة ویا سعدانة ویا جعفر بن سلیمان ، فقلنا: لبیک وسعدیک یا فتی. فقال: أما فیکم أحد یحبه الرحمن ؟ فقلنا: یا فتی علینا الدعاء وعلیه الإجابة ، فقال: أبعدوا عن الکعبة فلو کان فیکم أحد یحبه الرحمن لأجابه !

ثم أتی الکعبة فخر ساجداً ، فسمعته یقول فی سجوده: سیدی بحبک لی إلا سقیتهم الغیث. قال: فما استتم الکلام حتی أتاهم الغیث کأفواه القرب. فقلت: یا فتی من أین علمت أنه یحبک ؟ قال: لو لم یحبنی لم یستزرنی ، فلما استزارنی

ص: 269

علمت أنه یحبنی ، فسألته بحبه لی فأجابنی. ثم ولی عنا وأنشأ یقول:

من عرف الرب فلم تُغْنِهِ

معرفة الرب فذاک الشقِی

ما ضر ذو الطاعة ما ناله

فی طاعة الله وما ذا لقِی

ما یصنع العبد بغیر التقی

والعز کل العز للمتقِی

فقلت یا أهل مکة من هذا الفتی ؟ قالوا: علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب. ورواه فی مستدرک الوسائل:6/209

تحیر المتصوفة فی دور العقل فی المعرفة

التعرف لمذهب أهل التصوف للکلاباذی/63-67 (تحقیق د. عبد الحلیم محمود طبع عیسی الحلبی مصر 1960 )

قولهم فی معرفة الله تعالی:

أجمعوا علی أن الدلیل علی الله هو الله وحده ، وسبیل العقل عندهم سبیل العاقل فی حاجته إلی الدلیل لأنه محدث ، والمحدث لا یدل إلا علی مثله. وقال رجل للنوری: ما الدلیل علی الله ؟ قال: الله. قال فما العقل ؟ قال العقل عاجز ، والعاجز لا یدل إلا علی عاجز مثله !

وقال ابن عطاء: العقل آلة للعبودیة لا للأشراف علی الربوبیة. وقال غیره: العقل یجول حول الکون ، فإذا نظر إلی المکون ذاب. وقال أبوبکر القحطبی: من لحقته العقول فهوت مقهورة إلا من جهة الإثبات ، ولولا أنه تعرف إلیها بالألطاف لما أدرکته من جهة الإثبات . وأنشدونا لبعض الکبار:

من رامه بالعقل مسترشداً

سرحه فی حیرة یلهو

وشاب بالتلبیس أسراره

یقول من حیرته هل هو

ص: 270

وقال بعض الکبار من المشایخ: البادی من المکونات معروف بنفسه لهجوم العقل علیه ، والحق أعز من أن تهجم العقول علیه وإنه عرفنا نفسه أنه ربنا فقال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ ولم یقل: من أنا ؟ فتهجم العقول علیه حین بدأ معرفاً ، فلذلک انفرد عن العقول ، وتنزه عن التحصل غیر الإثبات .

وأجمعوا أنه لا یعرفه إلا ذو عقل ، لأن العقل آلة للعبد یعرف به ما عرف ، وهو بنفسه لا یعرف الله تعالی .

وقال أبوبکر السباک: لما خلق الله العقل قال له: من أنا ؟ فسکت فکحله بنور الوحدانیة ففتح عینیه فقال: أنت الله لا إله إلا أنت. فلم یکن للعقل أن یعرف الله إلا الله .

تحیرهم فی الفرق بین العلم والمعرفة

ثم اختلفوا فی المعرفة نفسها: ما هی ؟ والفرق بینها وبین العلم .

فقال الجنید: المعرفة وجود جهلک عند قیام علمه. قیل له زدنا ، قال: هو العارف وهو المعروف. معناه: إنک جاهل به من حیث أنت ، وإنما عرفته من حیث هو ، وهو کما قال سهل: المعرفة هی المعرفة بالجهل .

وقال سهل: العلم یثبت بالمعرفة ، والعقل یثبت بالعلم ، وأما المعرفة فإنها تثبت بذاتها. معناه: إن الله إذا عرف عبداً نفسه فعرف الله تعالی بتعرفه إلیه ، أحدث له بعد ذلک علماً ، فأدرک العلم بالمعرفة وقام العقل فیه بالعلم

الذی أحدثه فیه .

وقال غیره: تبین الأشیاء علی الظاهر علم ، وتبینها علی استکشاف بواطنها معرفة. وقال غیره: أباح العلم للعامة وخص أولیاءه بالمعرفة .

وقال أبوبکر الوراق: المعرفة معرفة الأشیاء بصورها وسماتها ، والعلم علم الأشیاء

ص: 271

بحقائقها .

وقال أبو سعید الخراز: المعرفة بالله هی علم الطلب لله من قبل الوجود له ، والعلم بالله هو بعد الوجود ، فالعلم بالله أخفی وأدق من المعرفة بالله .

وقال فارس: المعرفة هی المستوفیة فی کنه المعروف .

وقال غیره: المعرفة هی حقر الأقدار إلا قدر الله ، وأن لا یشهد مع قدر الله قدراً .

وقیل لذی النون: بم عرفت ربک ؟ قال: ما هممت بمعصیة فذکرت جلال الله إلا استحییت منه. جعل معرفته بقرب الله منه دلالة المعرفة له .

وقیل لعلیان: کیف حالک مع المولی ؟ قال: ما جفوته منذ عرفته. قیل له: متی عرفته ؟ قال: منذ سمونی مجنوناً. جعل دلالة معرفة له تعظیم قدره عنده .

قال سهل: سبحان من لم یدرک العباد من معرفته إلا عجزاً عن معرفته .

تصوراتهم عن العارف بالله تعالی

التعرف لمذهب أهل التصوف للکلاباذی/136-138

سئل الحسن بن علی بن یزدانیار: متی یکون العارف بمشهد الحق ؟ قال: إذا بدا الشاهد ، وفنی الشواهد ، وذهب الحواس ، واضمحل الإخلاص .

معنی بدا الشاهد: یعنی شاهد الحق ، وهو أفعاله بک مما سبق منه إلیک من بره لک ، وإکرامه إیاک بمعرفته ، وتوحیده ، والإیمان به ، تفنی رؤیة ذلک منک رؤیة أفعالک وبرک وطاعتک ، فتری کثیر ما منک مستغرقاً فی قلیل ما منه ، وإن کان ما منه لیس بقلیل ، وما منک لیس بکثیر .

وفناء الشواهد: بسقوط رؤیة الخلق عنک ، بمعنی الضر والنفع والذم والمدح .

وذهاب الحواس هو معنی قوله: فبی ینطق وبی یبصر ، الحدیث.

ص: 272

ومعنی اضمحل الإخلاص: أن لا یراک مخلصاً ، وما خلص من أفعالک خلص ، ولن یخلص أبداً إذا رأیت صفتک ، فإن أوصافک معلولة مثلک .

سئل ذوالنون ، عن نهایة العارف ، فقال: إذا کان کما کان حیث کان قبل أن یکون ، معناه: أن یشاهد الله وأفعاله دون شاهده وأفعاله .

قال بعضهم: أعرف الخلق بالله أشدهم تحیراً فیه .

قیل لذی النون: ما أول درجة یرقاها العارف ؟

فقال: التحیر ، ثم الافتقار ، ثم الإتصال ، ثم التحیر .

الحیرة الأولی فی أفعاله به ونعمه عنده ، فلا یری شکره یوازی نعمه ، وهو یعلم أنه مطالب بشکرها ، وإن شکر کان شکره نعمة یجب علیه شکرها ، ولا یری أفعاله أهلاً أن یقابله بها استحقاراً لها ، ویراها واجبة علیه ، لا یجوز له التخلف عنها .

وقیل قام الشبلی یوماً یصلی فبقی طویلاً ثم صلی ، فلما انفتل عن صلاته قال: یا ویلاه إن صلیت جحدت ، وإن لم أصل کفرت .

أی جحدت عظم النعمة وکمال الفضل حیث قابلت ذلک بفعلی شکراً له مع حقارته. ثم أنشد:

الحمد لله علی أننی

کضفدع یسکن فی الیم

إن هی فاهت ملات فمها

أو سکتت ماتت من الغم

والحیرة الأخیرة: أن یتحیر فی متاهات التوحید ، فیضل فهمه ویخنس عقله فی عظم قدرة الله تعالی وهیبته وجلاله. وقد قیل: دون التوحید متاهات تضل فیها الأفکار .

سأل أبو السوداء بعض الکبار فقال: هل للعارف وقت ؟ قال:

لا. فقال: لم ؟ قال:

ص: 273

لأن الوقت فرجة تنفس عن الکربة ، والمعرفة أمواج تغط ، وترفع وتحط ، فالعارف وقته أسود مظلم. ثم قال:

شرط المعارف محو الکل منک إذا

بدا المرید بلحظ غیر مطلع

قال فارس العارف: من کان علمه حالة ، وکانت حرکاته غلبة علیه .

سئل الجنید عن العارف فقال: لون الماء لون الإناء. یعنی أنه یکون فی کل حال بما هو أولی فتختلف أحواله ، ولذلک

قیل: هو ابن وقته .

سئل ذو النون عن العارف ، فقال: کان هاهنا فذهب. یعنی أنک لا تراه فی وقتین بحالة واحدة ، لأن مصرفه غیره. وأنشدونا لابن عطاء:

ولو نطقت فی السن الدهر خبرت

بأنی فی ثوب الصبابة أرفل

وما أن لها علم بقدری وموضعی

وما ذاک موهوم لانی أنقل

وقال سهل بن عبدالله: أول مقام فی المعرفة أن یعطی العبد یقیناً فی سره تسکن به جوارحه، وتوکلاً فی جوارحه یسلم به فی دنیاه، وحیاة فی قلبه یفوز بها فی عقباه .

قلنا: العارف هو الذی بذل مجهوده فیما لله ، وتحقق معرفته بما من الله ، وصح رجوعه من الأشیاء إلی الله. قال الله تعالی: تری أعینهم تفیض من الدمع مما عرفوا من الحق .

المؤلفة قلوبهم بالمال لکی یعرفوا

اجتهد الخلیفة عمر بن الخطاب فی آیة المؤلفة قلوبهم فأسقط سهمهم رغم نص الآیة علیه ، وقد خالفه فی ذلک علی والأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) وعدد من الصحابة لأن الآیة نصت علی ذلک ولا یجوز نسخها بالإجتهاد !

ص: 274

الکافی:2/412

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد ، عن علی بن حسان، عن موسی بن بکر، عن رجل قال: قال أبو جعفر(علیه السّلام): ما کانت المؤلفة قلوبهم قط أکثر منهم الیوم ، وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرک ولم تدخل معرفة محمد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قلوبهم وما جاء به ، فتألفهم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لکی ما یعرفوا .

مجمع الفائدة والبرهان:4/158

الرابع: المؤلفة قلوبهم ، قال المصنف فی المنتهی: أجمع علمائنا علی أن من المشرکین قوم مؤلفة یستمالون بالزکاة لمعاونة المسلمین ، ونقل فی التهذیب من تفسیر علی بن إبراهیم ، عن العالم(علیه السّلام)أنه قال: والمؤلفة قلوبهم قال: هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتألفهم یعلمهم ویعرفهم کیما یعرفوا ، فجعل لهم نصیباً فی الصدقات لکی یعرفوا ویرغبوا .

راجع أیضاً: الحدائق الناضرة:12/175 ، وذخیرة المعاد/454 ، ومستند الشیعة:2/46 ، وجواهر الکلام:15/339 ، وفقه السید الخوئی:23/247 ، ومصباح الفقیة:3/95 ، وغیرها من مصادر الحدیث والفقه والتفسیر .

دعوة العدو فی الجهاد إلی معرفة الله تعالی

الکافی:5/36

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقری ، عن سفیان بن عیینة ، عن الزهری قال: دخل رجال من قریش علی علی بن الحسین صلوات الله

ص: 275

علیهما، فسألوه کیف الدعوة إلی الدین ؟ قال: تقول: بسم الله الرحمن الرحیم أدعوکم إلی الله عز وجل وإلی دینه ، وجماعه أمران: أحدهما معرفة الله عز وجل ، والآخر العمل برضوانه ، وأن معرفة الله عز وجل أن یعرف بالوحدانیة والرأفة والرحمة والعزة والعلم والقدرة والعلو علی کل شئ وأنه النافع الضار ، القاهر لکل شئ، الذی لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الابصار وهو اللطیف الخبیر وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن ما جاء به هو الحق من عند الله عز وجل ، وما سواه هو الباطل ، فإذا أجابوا ذلک فلهم ما للمسلمین وعلیهم ما علی المسلمین .

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن مسمع بن عبدالملک ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): لما وجهنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الیمن قال:یا علی لا تقاتل أحداً حتی تدعوه إلی الإسلام ، وأیم الله لأن یهدی الله عز وجل علی یدیک رجلاً خیر لک مما طلعت علیه الشمس وغربت ، ولک ولاؤه. انتهی. وروی نحو الحدیث الأول فی تهذیب الأحکام:6/141

معرفة أهل الآخرة بدیهیة لا کسبیة

رسائل الشریف المرتضی:2/133

قال المرتضی (رض): سألت بیان أحکام أهل الآخرة فی معارفهم وأحوالهم ، وأنا ذاکر من ذلک جملة وجیزة: إعلم أن لأهل الآخرة ثلاث أحوال: حال ثواب ، وحال عقاب ، وحال أخری للمحاسبة. ویعمهم فی هذه الأحوال الثلاث سقوط التکلیف عنهم ، وأن معارفهم ضروریة ، وأنهم ملجؤون إلی الإمتناع من القبیح وإن کانوا مختارین لأفعالهم مؤثرین لها، وهذا هو الصحیح دون ما ذهب إلیه من خالف هذه الجملة... .

ص: 276

وأما الذی یدل علی أن أهل الآخرة لابد أن یکونوا عارفین بالله تعالی وأحواله ، فهو أن المثاب متی لم یعرفه تعالی ، لم یصح منه معرفة کون الثواب ثواباً وواصلاً إلیه علی الوجه الذی یستحقه ، وأنه دائم غیر منقطع ، وإذا کانت هذه المعارف واجبة فما لا یتم هذه المعرفة إلا به - من معرفة الله تعالی وإکمال العقل وغیرهما - لابد من حصوله .

بحث للشیخ الطوسی فی تعریف الإیمان والکفر

الاقتصاد/140

الإیمان هو التصدیق بالقلب، ولا إعتبار بما یجری علی اللسان، وکل من کان عارفاً بالله وبنبیه وبکل ما أوجب الله علیه معرفته مقراً بذلک مصدقاً به فهو مؤمن. والکفر نقیض ذلک ، وهو الجحود بالقلب دون اللسان مما أوجب الله تعالی علیه المعرفة به ، ویعلم بدلیل شرعی أنه یستحق العقاب الدائم الکثیر .

وفی المرجئة من قال: الإیمان هو التصدیق باللسان خاصة وکذلک الکفر هو الجحود باللسان ، والفسق هو کل ما خرج به عن طاعة الله تعالی إلی معصیته ، سواء کان صغیراً أو کبیراً. وفیهم من ذهب إلی أن الإیمان هو التصدیق بالقلب واللسان معاً ، والکفر هو الجحود بهما .

وفی أصحابنا من قال: الإیمان هو التصدیق بالقلب واللسان والعمل بالجوارح ، وعلیه دلت کثیر من الأخبار المرویة عن الائمة(علیهم السّلام) .

وقالت المعتزلة: الإیمان إسم للطاعات ، ومنهم من جعل النوافل والفرائض من الإیمان ، ومنهم من قال النوافل خارجة عن الإیمان. والإسلام والدین عندهم شئ واحد ، والفسق عندهم عبارة عن کل معصیة یستحق بها العقاب ، والصغائر

ص: 277

التی تقع عندهم مکفرة لا تسمی فسقاً. والکفر عندهم هو ما یستحق به عقاب عظیم ، وأجریت علی فاعله أحکام مخصوصة ، فمرتکب الکبیرة عندهم لیس بمؤمن ولا کافر بل هو فاسق .

وقالت الخوارج قریباً من قول المعتزلة إلا أنهم لا یسمون الکبائر کلها کفراً ، وفیهم من یسمیها شرکاً .

والفضیلیة منهم تسمی کل معصیة کفراً صغیرة کانت أو کبیرة .

والزیدیة من کان منهم علی مذهب الناصر یسمون الکبائر کفر نعمة ، والباقون یذهبون مذهب المعتزلة .

والذی یدل علی ما قلناه: أولاً ، هو أن الإیمان فی اللغة هو التصدیق ، ولا یسمون أفعال الجوارح إیماناً ، ولا خلاف بینهم فیه .

ویدل علیه أیضاً قولهم: فلان یؤمن بکذا وکذا وفلان لا یؤمن بکذا. وقال تعالی: یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. وقال: وما أنت بمؤمن لنا ، أی بمصدق ، وإذا کان فائدة هذه اللفظة فی اللغة ما قلناه وجب إطلاق ذلک علیها إلا أن یمنع مانع ، ومن ادعی الانتقال فعلیه الدلالة ، وقد قال الله تعالی: بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ. وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ. وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِیًّا. وکل ذلک یقتضی حمل هذه اللفظة علی مقتضی اللغة. ولیس إذا کان هاهنا ألفاظ منتقلة وجب أن یحکم فی جمیع الألفاظ بذلک ، وإنما ینتقل عما ینتقل بدلیل یوجب ذلک. وإن کان فی المرجئة من قال لیس هاهنا لفظ منتقل ولا یحتاج إلی ذلک .

ولا یلزمنا أن نسمی کل مصدق مؤمنا لأنا إنما نطلق ذلک علی من صدق بجمیع ما أوجبه الله علیه. والإجماع مانع من تسمیة من صدق بالجبت والطاغوت مؤمناً ، فمنعنا ذلک بدلیل وخصصنا موجب اللغة ، وجری ذلک مجری تخصیص العرف

ص: 278

لفظ الدابة ببهیمة مخصوصة ، وإن کان موجب اللغة یقتضی تسمیة کل ما دب دابة ، ویکون ذلک تخصیصاً لا نقلاً. فعلی موجب هذا ، یلزم من ادعی انتقال هذه اللفظة إلی أفعال الجوارح أن یدل علیه .

ولیس لأحد أن یقول: إن العرف لا یعرف التصدیق فیه إلا بالقول ، فکیف حملتموه علی ما یختص القلب ؟

قلنا: العرف یعرف بالتصدیق باللسان والقلب ، لانهم یصفون الاخرس بأنه مؤمن وکذلک الساکت، ویقولون: فلان یصدق بکذا وکذا وفلان لا یصدق ، ویریدون ما یرجع إلی القلب ، فلم یخرج بما قلناه عن موجب اللغة .

وإنما منعنا إطلاقه فی المصدق باللسان لأنه لو جاز ذلک لوجب تسمیته بالإیمان وإن علم جحوده بالقلب ، والإجماع مانع من ذلک .

... وأما الکفر فقد قلنا إنه عند المرجئة من أفعال القلوب ، وهو جحد ما أوجب الله تعالی معرفته مما علیه دلیل قاطع کالتوحید والعدل والنبوة وغیر ذلک ، وأما فی اللغة فهو الستر والجحود ، وفی الشرع عبارة عما یستحق به العقاب الدائم الکثیر ، ویلحق بفاعله أحکام شرعیة کمنع التوارث والتناکح .

والعلم بکون المعصیة کفراً طریقه السمع لا مجال للعقل فیه ، لأن مقادیر العقاب لا تعلم عقلاً ، وقد أجمعت الأمة علی أن الإخلال بمعرفة الله تعالی و توحیده وعدله وجحد نبوة رسله کفر ، لا یخالف فیه إلا أصحاب المعارف الذین بینا فساد قولهم .

ولا فرق بین أن یکون شاکاً فی هذه الأشیاء أو یکون معتقداً لما یقدح فی حصولها ، لأن الاخلال بالواجب یعم الکل .

فعلی هذا ، المجبرة والمشبهة کفار ، وکذلک من قال بالصفات القدیمة لأن

ص: 279

اعتقادهم الفاسد فی هذه الأشیاء ینافی الإعتقاد الصحیح من المعرفة بالله تعالی وعدله وحکمته .

بحث للشهید الثانی فی تعریف الإیمان والکفر

رسائل الشهید الثانی:2/50

فی تعریف الإیمان لغة وشرعاً ، فاعلم أن الإیمان لغةً: التصدیق ، کما نص علیه أهلها ، وهو إفعال من الأمن ، بمعنی سکون النفس واطمئنانها لعدم ما یوجب الخوف لها ، وحینئذ فکان حقیقة آمن به سکنت نفسه واطمأنت بسبب قبول قوله وامتثال أمره ، فتکون الباء للسببیة. ویحتمل أن یکون بمعنی آمنه التکذیب والمخالفة ، کما ذکره بعضهم فتکون الباء فیه زائدة ، والأول أولی کما لا یخفی وأوفق لمعنی التصدیق ، وهو یتعدی باللام کقوله تعالی: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ، فَأَمَنَ لَهُ لُوطٌ . وبالباء کقوله تعالی: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ .

وأما التصدیق: فقد قیل أنه القبول والإذعان بالقلب ، کما ذکره أهل المیزان .

ویمکن أن یقال: معناه قبول الخبر أعم من أن یکون بالجنان أو باللسان ، ویدل علیه قوله تعالی: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا. فأخبروا عن أنفسهم بالإیمان وهم من أهل اللسان ، مع أن الواقع منهم هو الإعتراف باللسان دون الجنان ، لنفیه عنهم بقوله تعالی: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا . وإثبات الإعتراف بقوله تعالی: وَلَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ، الدال علی کونه إقراراً بالشهادتین ، وقد سموه إیماناً بحسب عرفهم ، والذی نفاه الله عنهم إنما هو الإیمان فی عرف الشرع .

ص: 280

إن قلت: یحتمل أن یکون ما ادعوه من الإیمان هو الشرعی ، حیث سمعوا الشارع کلفهم بالإیمان ، فیکون المنفی عنهم هو ما ادعوا ثبوته لهم ، فلم یبق فی الآیة دلالة علی أنهم أرادوا اللغوی .

قلت: الظاهر أنه فی ذلک الوقت لم تکن الحقائق الشرعیة متقررة عندهم ، لبعدهم عن مدارک الشرعیات، فلا یکون المخبر عنه إلا ما یسمونه إیماناً عندهم.

وقوله تعالی: آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ، وقوله تعالی: وَمِنَ النَّاسِ مَن یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْیَوْمِ الآخِرِ وَ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِینَ .

وجه الدلالة فی هذه الآیات أن الإیمان فی اللغة التصدیق ، وقد وقع فی الأخبار عنهم أنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم ، فیلزم صحة إطلاق التصدیق علی الإقرار باللسان وإن لم یوافقه الجنان. وعلی هذا فیکون المنفی هو الإیمان الشرعی أعنی القلبی ، جمعاً بین صحة النفی والإثبات فی هذه الآیات .

لا یقال: هذا الإطلاق مجاز ، وإلا لزم الإشتراک ، والمجاز خیر منه .

لانا نقول: هو من قبیل المشترک المعنوی لا اللفظی ، ومعناه قبول الخبر أعم من أن یکون باللسان أو بالجنان ، واستعمال اللفظ الکلی فی أحد أفراد معناه باعتبار تحقق الکلی فی ضمنه حقیقة لا مجازاً ، کما هو المقرر فی بحث الالفاظ .

فإن قلت: إن المتبادر من معنی الإیمان هو التصدیق القلبی عند الإطلاق، وأیضاً یصح سلب الإیمان عمن أنکر بقلبه وإن أقر بلسانه ، والأول علامة الحقیقة والثانی علامة المجاز .

قلت: الجواب عن الأول أن التبادر لا یدل علی أکثر من کون المتبادر هو الحقیقی لا المجازی ، لکن لا یدل علی کون الحقیقة لغویة أو عرفیة ، وحینئذ فلا یتعین أن اللغوی هو التصدیق القلبی ، فلعله العرفی الشرعی .

ص: 281

إن قلت: الأصل عدم النقل ، فیتعین اللغوی .

قلت: لا ریب أن المعنی اللغوی الذی هو مطلق التصدیق لم یبق علی إطلاقه بل أخرج عنه إما بالتخصیص عند بعض أو النقل عند آخرین. ومما یدل علی ذلک أن الإیمان الشرعی هو التصدیق بالله وحده وصفاته وعدله ، وبنبوة نبینا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبما علم بالضرورة مجیئه به لا ما وقع فیه الخلاف وعلی هذا أکثر المسلمین. وزاد الإمامیة التصدیق بإمامة إمام الزمان ، لأنه من ضروریات مذهبهم أیضاً أنه مما جاء به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد عرفت أن الإیمان فی اللغة التصدیق مطلقاً ، وهذا أخص منه .

ویؤید ذلک قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ. أخبر عنهم تعالی بالإیمان ، ثم أمرهم بإنشائه فلابد أن یکون الثانی غیر الأول ، وإلا لکان أمراً

بتحصیل الحاصل. وإذا حصلت المغایرة کان الثانی المأمور به هو الشرعی ، حیث لم یکن حاصلاً لهم ، إذ لا محتمل غیره إلا التأکید ، والتأسیس خیر منه. وعن الثانی بالمنع من کون ما صح سلبه هو الإیمان اللغوی بل الشرعی ، ولیس النزاع فیه .

إن قلت: ما ذکرته معارض بما ذکره أهل المیزان فی تقسیم العلم إلی التصور والتصدیق ، من أن المراد بالتصدیق الإذعان القلبی ، فیکون فی اللغة کذلک لأن الأصل عدم النقل .

قلت: قد بینا سابقاً أن الخروج عن هذا الأصل ولو سلم فلا دلالة فی ذلک علی حصر معنی التصدیق مطلقاً فی الإذعان القلبی ، بل التصدیق الذی هو قسم من العلم ولیس محل النزاع .

علی أنا نقول: لو سلمنا صحة الإطلاق مجازاً ثبت مطلوبنا أیضاً ، لانا لم ندع إلا

ص: 282

أن معناه قبول الخبر مطلقاً ، ولا ریب أن الألفاظ المستعملة لغة فی معنی من المعانی حقیقة أو مجازاً تعد من اللغة ، وهذا ظاهر .

واما الإیمان الشرعی: فقد اختلفت فی بیان حقیقته العبارات بحسب اختلاف الإعتبارات. وبیان ذلک: إن الإیمان شرعاً: إما أن یکون من أفعال القلوب فقط ، أو من أفعال الجوارح فقط ، أو منهما معاً. فإن کان الأول فهو التصدیق بالقلب فقط ، وهو مذهب الأشاعرة وجمع من متقدمی الإمامیة ومتأخریهم ، ومنهم المحقق الطوسی(رحمه الله)فی فصوله ، لکن اختلفوا فی معنی التصدیق فقال أصحابنا: هو العلم. وقال الأشعریة: هو التصدیق النفسانی ، وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب علی ما علم من أخبار المخبر ، فهو أمر کسبی یثبت باختیار المصدق ، ولذا یثاب علیه بخلاف العلم والمعرفة ، فإنها ربما تحصل بلا کسب ، کما فی الضرویات .

وقد ذکر حاصل ذلک بعض المحققین ، فقال: التصدیق هو أن تنسب باختیارک الصدق للمخبر حتی لو وقع ذلک فی القلب من غیر اختیار لم یکن تصدیقاً وإن کان معرفة ، وسنبین إن شاء الله تعالی [ قصور ] ذلک .

وإن کان الثانی ، فإما أن یکون عبارة عن التلفظ بالشهادتین فقط ، وهو مذهب الکرامیة. أوعن جمیع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً ، وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والغلاة والقاضی عبدالجبار. أو عن جمیعها من الواجبات وترک المحظورات دون النوافل ، وهو مذهب أبی علی الجبائی وابنه هاشم وأکثر معتزلة البصرة .

وإن کان الثالث ، فهو إما أن یکون عبارة عن أفعال القلوب مع جمیع أفعال الجوارح من الطاعات ، وهو قول المحدثین وجمع من السلف کابن مجاهد

ص: 283

وغیره ، فإنهم قالوا: إن الإیمان تصدیق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأرکان .

وإما أن یکون عبارة عن التصدیق مع کلمتی الشهادة ، ونسب إلی طائفة ، منهم أبوحنیفة .

أو یکون عبارة عن التصدیق بالقلب مع الإقرار باللسان ، وهو مذهب المحقق نصیر الدین الطوسی(رحمه الله)فی تجریده ، فهذه سبعة مذاهب ذکرت فی الشرح الجدید للتجرید وغیره .

واعلم أن مفهوم الإیمان علی المذهب الأول یکون تخصیصاً للمعنی اللغوی ، وأما علی المذاهب الباقیة فهومنقول ، والتخصیص خیر من النقل .

وهنا بحث وهو أن القائلین بأن الإیمان عبارة عن فعل الطاعات ، کقدماء المعتزلة والعلاف والخوارج ، لا ریب أنهم یوجبون اعتقاد مسائل الأصول ، وحینئذ فما الفرق بینهم وبین القائلین بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح ؟

ویمکن الجواب ، بأن اعتقاد المعارف شرط عند الأولین وشطر عند الاخرین...

إعلم أن المحقق الطوسی(رحمه الله)ذکر فی قواعد العقائد أن أصول الإیمان عند الشیعة ثلاثة: التصدیق بوحدانیة الله تعالی فی ذاته تعالی ، والعدل فی أفعاله ، والتصدیق بنبوة الأنبیاء(علیهم السّلام) والتصدیق بإمامة الأئمة المعصومین من بعد الأنبیاء (علیهم السّلام) .

وقال أهل السنة: إن الإیمان هو التصدیق بالله تعالی ، وبکون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صادقاً ، والتصدیق بالأحکام التی یعلم یقیناً أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حکم بها دون ما فیه اختلاف واشتباه .

والکفر یقابل الإیمان ، والذنب یقابل العمل الصالح، وینقسم إلی کبائر وصغائر .

ویستحق المؤمن بالإجماع الخلود فی الجنة ، ویستحق الکافر الخلود فی العقاب.

ص: 284

انتهی .

وذکر فی الشرح الجدید للتجرید أن الإیمان فی الشرع عند الأشاعرة هو التصدیق للرسول فیما علم مجیئه به ضرورة ، فتفصیلاً فیما علم تفصیلاً ، وإجمالاً فیما علم إجمالاً ، فهو فی الشرع تصدیق خاص. انتهی .

فهؤلاء اتفقوا علی أن حقیقة الإیمان هی التصدیق فقط ، وإن اختلفوا فی المقدار المصدق به. والکلام هاهنا فی مقامین:

الأول: فی أن التصدیق الذی هو الإیمان المراد به الیقین الجازم الثابت ، کما یظهر من کلام من حکینا عنه .

الثانی: فی أن الأعمال لیست جزء من حقیقة الإیمان الحقیقی ، بل هی جزء من الإیمان الکمالی. أما الدلیل علی الأول فآیات بینات:

منها قوله تعالی: إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا. والإیمان حق للنص والإجماع ، فلا یکفی فی حصوله وتحققه الظن .

ومنها: إن یتبعون إلا الظن ، إن هم إلا یظنون ، إن بعض الظن إثم. فهذه قد اشترکت فی التوبیخ علی اتباع الظن ، والإیمان لا یوبخ من حصل له بالإجماع ، فلا یکون ظناً .

ومنها قوله: إنما المؤمنون الذین آمنوا بالله ورسوله ثم لم یرتابوا. فنفی عنهم الریب ، فیکون الثابت هو الیقین .

إن قلت: هذه الآیة الکریمة لا تدل علی المدعی بل علی خلافه ، وهو عدم اعتبار الیقین فی الإیمان ، وذلک أنها إنما دلت علی حصر الإیمان فیما عدا الشک ، فیصدق الإیمان علی الظن .

قلت: الظن فی معرض الریب ، لأن النقیض مجوز فیه ویقوی بأدنی تشکیک ،

ص: 285

فصاحبه لا یخلو من ریب حیث أنه دائماً یجوز النقیض ، علی أن الریب قد یطلق علی ما هو أعم من الشک ، یقال: لا أرتاب فی کذا. ویرید أنه منه علی یقین ، وهذا شائع ذائع .

ومن السنة المطهرة قوله (علیه السّلام): یا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبی علی دینک، فلو لم یکن ثبات القلب شرطاً فی الإیمان لما طلبه(علیه السّلام)، والثبات هو الجزم والمطابقة ، والظن لإثبات فیه ، إذ یجوز ارتفاعه .

وفیه ، منع کون الثبات شرطاً فی تحقیق الإیمان ، ویجوز أن یکون(علیه السّلام)طلبه لکونه الفرد الأکمل ، وهو لا نزاع فیه .

ومن جملة الدلائل علی ذلک أیضاً الإجماع ، حیث ادعی بعضهم أنه یجب معرفة الله تعالی التی لا یتحقق الإیمان بها إلا بالدلیل إجماعاً من العلماء کافة ، والدلیل ما أفاد العلم ، والظن لا یفیده .

وفی صحة دعوی الإجماع بحث ، لوقوع الخلاف فی جواز التقلید فی المعارف الأصولیة ، کما سنذکره إن شاء الله تعالی .

واعلم أن جمیع ما ذکرناه من الأدلة لا یفید شئ منه العلم بأن الجزم والثبات معتبر فی التصدیق الذی هو الإیمان إنما یفید الظن باعتبارهما ، لأن الآیات قابلة للتأویل وغیرها کذلک ، مع کونها من الاحاد .

ومن الآیات أیضاً قوله تعالی: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ . واعترض علی هذا الدلیل بأنه أخص من المدعی ، فإنه إنما یدل علی اعتبار الیقین فی بعض المعارف ، وهو التوحید دون غیره ، والمدعی اعتبار الیقین فی کل ما التصدیق به شرط فی تحقق الإیمان ، کالعدل والنبوة والمعاد وغیرها .

وأجیب بأنه لا قائل بالفرق ، فإن کل من اعتبر الیقین اعتبره فی الجمیع ، ومن لم

ص: 286

یعتبره لم یعتبره فی شئ منها. واعلم أن ما ذکرناه علی ما تقدم وارد هاهنا أیضاً .

واعترض أیضاً بأن الآیة الکریمة خطاب للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فهی إنما تدل علی وجوب العلم علیه وحده دون غیره .

وأجیب بأن ذلک لیس من خصوصیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإجماع ، وقد دل دلیل وجوب التأسی به علی وجوب اتباعه ، فیجب علی باقی المکلفین تحصیل العلم بالعقائد الأصولیة .

وأیضاً أورد أنه إنما یفید الوجوب لو ثبت أن الأمر للوجوب ، وفیه منع لاحتماله غیره ، وکذا یتوقف علی کون المراد من العلم هاهنا القطعی ، وهو غیر معلوم ، إذ یحتمل أن یراد به الظن الغالب، وهو یحصل بالتقلید. وبالجملة فهو دلیل ظنی.

وأما المقالة الثانیة وهو أن الأعمال لیست جزء من الإیمان ولا نفسه فالدلیل علیه من الکتاب العزیز ، والسنة المطهرة ، والإجماع .

أما الکتاب ، فمنه قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، فإن العطف یقتضی المغایرة ، وعدم دخول المعطوف فی المعطوف علیه ، فلو کان عمل الصالحات جزء من الإیمان أو نفسه لزم خلو العطف عن الفائدة لکونه تکراراً .

وَرُدَّ ذلک بأن الصالحات جمع معرف یشمل الفرض والنفل ، والقائل بکون الطاعات جزء من الإیمان یرید بها فعل الواجبات واجتناب المحرمات ، وحینئذ فیصح العطف لحصول المغایرة المفیدة لعموم المعطوف ، فلم یدخل کله فی المعطوف علیه، نعم ذلک یصلح دلیلاً علی إبطال مذهب القائلین بکون المندوب داخلاً فی حقیقة الإیمان کالخوارج .

ومنه قوله تعالی: وَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، أی حالة إیمانه ، فإن عمل الصالحات فی حالة الإیمان یقتضی المغایرة لما أضیف إلی تلک الحالة وقارنه

ص: 287

فیها ، وإلا لصار المعنی: ومن یعمل بعض الإیمان حال حصول ذلک البعض ، أو ومن یعمل من الإیمان حال حصوله ، وحینئذ فیلزم تقدم الشئ علی نفسه وتحصیل الحاصل .

إن قلت: الآیة الکریمة إنما تدل علی المغایرة فی الجملة ، لکن لا یلزم من ذلک أن لا تکون الأعمال جزءاً ، فإن

المعنی والله أعلم: ومن یعمل من الصالحات حال إیمانه ، أی تصدیقه بالمعارف الإلهیة ، وحینئذ فیجوز أن یکون الإیمان الشرعی بمجموع الجزئین ، أی عمل الصالحات والتصدیق المذکور ، فالمغایرة إنما هی بین جزئی الإیمان ولا محذور فیه ، بل لابد منه وإلا لما تحقق الکل ، بل لابد لنفی ذلک من دلیل .

قلت: من المعلوم أن الإیمان قد غیر عن معناه لغة ، فأما التصدیق بالمعارف فقط فیکون تخصیصاً ، أو مع الأعمال فیکون نقلاً ، لکن الأول أولی ، لأن التخصیص خیر من النقل . ووجه الإستدلال بالآیة أیضاً بأن ظاهرها کون الإیمان الشرعی شرطاً لصحة الأعمال ، حیث جعل سعیه مقبولاً إذا وقع حال الإیمان ، فلابد أن یکون الإیمان غیر الأعمال ، وإلا لزم إشتراط الشئ بنفسه .

ویرد علی هذا ما ورد علی الأول بعینه ، نعم اللازم هنا أن یکون أحد جزئی المرکب شرطاً لصحة الآخر ولا محذور فیه .

والجواب عن هذا هو الجواب عن ذلک فتأمل .

ومنه قوله تعالی: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا... فإنه أثبت الإیمان لمن ارتکب بعض المعاصی ، فلو کان ترک المنهیات جزء من الإیمان لزم تحقق الإیمان وعدم تحققه فی موضع واحد فی حالة واحدة وهو محال .

ص: 288

ولهم أن یجیبوا عن ذلک بمنع تحقق الإیمان حالة ارتکاب المنهی ، وکون تسمیتهم بالمؤمنین باعتبار ما کانوا علیه وخصوصاً علی مذهب المعتزلة ، فإنهم لا یشترطون فی صدق المشتق علی حقیقة بقاء المعنی المشتق منه .

ویمکن دفعه بأن الشارع قد منع من جواز إطلاق المؤمن علی من تحقق کفره وعکسه ، والکلام فی خطاب الشارع ، فلا نسلم لهم الجواب .

ومنه قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ ، فإن أمرهم بالتقوی التی لا تحصل إلا بفعل الطاعات والإنزجار عن المنهیات مع وصفهم بالإیمان ، یدل علی عدم حصول التقوی لهم ، وإلا لما أمروا بها مع حصول الإیمان لو صفهم به ، فلا تکون الأعمال نفس الإیمان ولا جزء منه ، وإلا لکان أمراً بتحصیل الحاصل .

ویرد علیه ، جواز أن یراد من الإیمان الذی وصفوا به اللغوی ، ویکون المأمور به هو الشرعی وهو الطاعات ، أو جزؤه عند من یقول بالجزئیة. ویجاب عنه بنحو ما أجیب عما أورد علی الدلیل الثانی ، فلیتأمل .

ومنه أیضاً الآیات الدالة علی کون القلب محلاً للایمان من دون ضمیمة شئآخر ، کقوله تعالی: أُولَئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الإیمَانَ . أی جمعه وأثبته فیها والله أعلم .

ولو کان الإقرار غیره من الأعمال نفس الإیمان أو جزءه ، لما کان القلب محل جمعه ، بل هو مع اللسان وحده ، أو مع بقیة الجوارح علی اختلاف الآراء .

وقوله تعالی: وَلَمَّا یَدْخُلِ الإیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ . ولو کان غیر القلب من أعمال الجوارح نفس الإیمان أو جزءه ، لما جعل کله محل القلب ، کما هو ظاهر الآیة الکریمة .

ص: 289

وقوله تعالی: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ. فإن إطمئنانه بالإیمان یقتضی تعلقه کله به ، وإلا لکان مطمئناً ببعضه لا کله .

أقول: یرد علی الأخیر أنه لا یلزم من اطمئنانه بالإیمان کونه محلاً له ، إذ من الجائز کونه عبارة عن الطاعات وحدها ، أو مع شئ آخر واطمئنان القلب لإطلاعه علی حصول ذلک ، فإن القلب یطلع علی الأعمال .

ویرد علی الأولین أن الإیمان المکتوب والداخل فی القلب إنما هو العقائد الأصولیة ، ولا یدل علی حصر الإیمان فی ذلک ، ونحن لا نمنع ذلک بل نقول بإعتبار ذلک فی الإیمان إما علی طریق الشرطیة لصحته ، أو الجزئیة له ، إذ من یزعم أنه الطاعات فقط لابد من حصول ذلک التصدیق عنده أیضاً لتصح تلک الأعمال ، غایة الأمر أنه شرط للإیمان أو جزؤه لا نفسه ، کما تقدمت الاشارة إلیه .

نعم هما یدلان علی بطلان مذهب الکرامیة ، حیث یکتفون فی تحققه بلفظ الشهادتین من غیر شئ آخر أصلاً لا شرطاً ولا جزءاً .

قیل: وکذا آیات الطبع والختم تشعر بأن محل الإیمان القلب ، کقوله تعالی: أُولَئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللهُ عَلَی قُلُوبِهِمْ . . . فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ . . . وَخَتَمَ عَلَی سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَی بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ . وفیه ما تقدم .

وأما السنة المطهرة ، فکقوله(علیه السّلام): یا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبی علی دینک ، وجه الدلالة فیه أن المراد من الدین هنا الإیمان ، لأن طلب تثبیت القلب علیه یدل علی أنه متعلق بالإعتقاد ، ولیس هناک شئ آخر غیر الإیمان من الإعتقاد یصلح لثبات القلب علیه بحیث یسمی دیناً ، فتعین أن یکون هو الإیمان، وحیث لم یطلب غیره فی حصول الإیمان علم أن الإیمان یتعلق بالقلب لا بغیره .

ص: 290

وکذا ما روی أن جبرئیل(علیه السّلام)أتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فسأله عن الإیمان ؟ فقال: أن تؤمن بالله ورسوله والیوم الاخر. ومعنی ذلک: أن تصدق بالله ورسله والیوم الآخر ، فلو کان فعل الجوارح أو غیره من الإیمان لذکره له ، حیث سأله الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عما هو الإیمان المطلوب للشارع .

وإن قیل: ظاهر الحدیث فیه مناقشة ، وذلک أن الرسول(علیه السّلام)سأله عن حقیقة الإیمان ، فکان من حق الجواب فی شرح معناه أن یقال: أن تصدق بالله لا أن تؤمن ، لأن أن مع الفعل فی تأویل المصدر ، فیصیر حاصله الإیمان هو الإیمان بالله ، فیلزم منه تعریف الشئ بنفسه فی الجملة ، وذلک لا یلیق بنفس الأمر .

والجواب أن المراد من قوله: أن تؤمن بالله ، أن تصدق ، وقد کان التصدیق معلوماً له(علیه السّلام)لغة ، فلم یکن تعریف الشئ بنفسه ، فهذا إنما یکون بالقیاس إلی غیرهما (علیهماالسّلام) ، وإلا فالسائل والمسؤول غنیان عن معرفة المعانی من الألفاظ .

وأما الإجماع ، فهو أن الأمة أجمعت علی أن الإیمان شرط لسائر العبادات ، والشئ لا یکون شرطاً لنفسه ، فلا یکون الإیمان هو العبادات .

أقول: علی تقدیر تسلیم دعوی الإجماع ، فللخصوم أن یقولوا: نحن نقول بکون التصدیق بمسائل الأصول شرطاً لصحة العبادات التی هی الإیمان ، ولا یلزمنا بذلک أن یکون تلک المسائل هی الإیمان ، فإن سمیتموها إیماناً بالمعنی اللغوی فلا مشاحة فی ذلک ، وإن قلتم بل هی الإیمان الشرعی ، فهو محل النزاع ودلیلکم لا یدل علیه .

وأجمعت أیضاً علی أن فساد العبادات لا یوجب فساد الإیمان ، وذلک یقتضی کون الإیمان غیر أعمال الجوارح .

أقول: إن صح نقل الإجماع ، فلا ریب فی دلالته علی المدعی ، وسلامته عن

ص: 291

المطاعن المتقدمة .

هل یمکن أن یصیر المؤمن کافراً

... المؤمن هل یجوز أن یکفر بعد إیمانه أم لا ؟ ذهب إلی الأول جماعة من العلماء ، وظاهر القرآن العزیز یدل علیه فی آیات کثیرة ، کقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ... إلی غیر ذلک من الآیات ، ولو کان التصدیق بالمعارف الأصولیة یعتبر فیه الجزم والثبات لما صح ذلک ، إذ الیقین لا یزول بالأضعف ، ولا ریب أن موجب الکفر أضعف مما یوجب الإیمان .

قلت: لا ریب أن الإیمان من الکیفیات النفسانیة ، إذ هو نوع من العلم علی ما هو الحق ، فهو عرض، وقبوله للزوال بعروض ضده أو مثله ، عند من یقول الأعراض لا تبقی زمانین کالأشاعرة ظاهر. وکذا علی القول بأن الباقی محتاج إلی المؤثر فی بقائه أو غیر محتاج مع قطع النظر عن بقاء الأعراض زمانین ، لأن الفاعل مختار ، فیصح منه الإیجاد والإعدام فی کل وقت. غایة الأمر أن تبدیل الإیمان بالکفر لا یجوز أن یکون من فعل الله تعالی علی ما تقتضیه قواعد العدلیة ، من أن العبد له فعل ، وأن اللطف واجب علی الله تعالی ، ولو کان التبدیل منه تعالی لنافی اللطف . علی أنا نقول : قد یستند الکفر إلی الفعل دون الإعتقاد ، فیجامع الجزم الیقین فی المعارف الأصولیة ، کما فی السجود للصنم وإلقاء المصاحف فی القاذورات مع کونه مصدقاً بالمعارف .

إن قلت: فعلی هذا یلزم جواز اجتماع الإیمان والکفر فی محل واحد وزمان واحد ، وهو محال ، لأن الکفر عدم الإیمان عما من شأنه أن یکون مؤمناً .

قلت: الإیمان هو التصدیق بالأصول المذکورة بشرط عدم السجود وغیره مما

ص: 292

یوجب فعله الکفر بدلالة الشارع علیه ، وانتفاء الشرط یستلزم انتفاء المشروط .

ثانیها یلزم أن یکون الظان ولو فی أحد من الأصول الخمسة کافراً وإن کان عالماًبالباقی ، لأن الظن من أضداد الیقین فلا یجامعه. فیلزم ( القول ) بکفر مستضعفی المسلمین بل کثیر من عوامهم ، لعدم التصدیق فی الأول والثبات فی الثانی ، کما نشاهد من تشککهم عند التشکیک ، مع أن الشارع حکم بإسلامهم وأجری علیهم أحکامه. ومن هاهنا اکتفی بعض العلماء فی الإیمان بالتقلید ، کما تقدمت الاشارة إلیه .

ویمکن الجواب عن ذلک: بأن من یشترط الیقین یلتزم الحکم بکفرهم لو علم کون اعتقادهم بالمعارف عن ظن ، لکن هذا الإلتزام فی المستضعف فی غایة البعد والضعف. وأما إجراء الأحکام الشرعیة فإنما هو للاکتفاء بالظاهر إذ هو المدار فی إجراء الأحکام الشرعیة فهو لا ینافی کون المجری علیه کذلک کافراً فی نفس الأمر. وبالجملة ، فالکلام إنما هو فی بیان ما یتحقق به کون المکلف مؤمناً عند الله سبحانه ، وأما عندنا فیکفی ما یفید الظن حصول ذلک له ، کإقراره بالمعارف الأصولیة مختاراً غیر مستهزی ، لتعذر العلم علینا غالباً بحصول ذلک له.

ثالثها: أنه إذا کان الإیمان هو التصدیق الجازم الثابت ، فلا یمکن الحکم بإیمان أحد حتی نعلم یقیناً أن تصدیقه بما ذکر یقینی ، وأنی لنا بذلک ، ولا یطلع علی الضمائر إلا خالق السرائر .

والجواب عن هذا هو الجواب عن الثانی .

رابعها: انتقاض حد الإیمان والکفر جمعاًومنعاً بحالة النوم والغفلة وکذا بالصبی لأنه إن کان مصدقاً فهو مؤمن وإلا فکافر ، لعدم الواسطة ، مع أن الشارع لم یحکم علیه بشئ منهما حقیقة بل تبعاً .

ص: 293

وأجیب عن الأولین بأن التصدیق باق لم یزل ، والذهول والغفلة إنما هو عن حصوله واتصاف النفس به ، إذ العلم بالعلم وبصفات النفس غیر لازم، ولا عدمه ینافی حصولهما .

علی أن الشارع جعل الأمر المحقق الذی لم یطرأ علیه ما یضاده ویزیله فی حکم الباقی ، فسمی من اتصف بالإیمان مؤمناً ، سواء کان مستشعراً بإیمان نفسه ، أو غافلاً عن ذلک مع اتصاف نفسه به .

وعن الثالث بأن الکلام فی الإیمان الشرعی فهو من أفراد التکلیف ، فلا یوصف الصبی بشئ منها حقیقة ، لعدم دخوله فی المکلف ، نعم یوصف تبعاً .

هل تزول المعرفة والإیمان بإنکار الضروری ؟

نهایة الافکار:2/190

وحیث انجر الکلام إلی هنا ینبغی عطف الکلام إلی بیان أن کفر منکر الضروری هل هو لمحض إنکاره أو أنه من جهة استتباعه لتکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وتظهر الثمرة فیما لو کان منشأ الإنکار الإعتقاد بعدم صدور ما أنکره عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو اشتباه الأمر علیه ، فإنه علی الأول

یحکم علیه بالکفر ویرتب علیه آثاره بمحض إنکاره ، بخلاف الثانی حیث لا یحکم علیه بالکفر فی الفرض المزبور .

فنقول: إن ظاهر إطلاق کلماتهم فی کفر منکر الضروری وإن کان یقتضی الوجه الأول ، ولکن النظر الدقیق فیها یقتضی خلافه ، وذلک لما هو المعلوم من انصراف إطلاق کلماتهم إلی المنکر المنتحل للاسلام المعاشر للمسلمین. ومن الواضح ظهور إنکار مثل هذا الشخص فی تکذیبه للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومع هذا الانصراف

ص: 294

لا مجال للأخذ بإطلاق کلامهم فی الحکم بکفر منکر الضروری حتی مع العلم بعدم رجوع إنکاره إلی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبعد عدم دلیل فی البین علی ثبوت الکفر بمحض الإنکار أمکن الإلتزام بعدم الکفر فیمن یحتمل فی حقه الشبهة وخفاء الأمر علیه بحسب ظهور حاله کما فیمن هو قریب عهد بالإسلام عاش فی البوادی ولم یختلط بالمسلمین ، حیث أن إنکار مثله لا یکون له ظهور فی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبذلک یندفع ما قد یتوهم من اقتضاء البیان المزبور عدم الحکم بالکفر حتی فی من نشأ فی الإسلام وعاشر المسلمین مع احتمال الشبهة فی حقه خصوصاً مع دعواه عدم اعتقاده بصدور ما أنکره عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه من الموضوعات. إذ نقول إنه کذلک لولا ظهور حال مثله فی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعدم خفاء شئ علیه من أساس الدین وضروریاته ، حیث أن العادة قاضیة بأن من عاشر المسلمین مدة مدیدة من عمره لا یخفی علیه شئ من أساس الدین وضروریاته فضلاً عمن کان مسلماً وکان نشوؤه من صغره بین المسلمین ، فإنکار مثل هذا الشخص یکشف لا محالة بمقتضی ظهور حاله عن تکذیب النبی بحیث لو ادعی جهله بذلک أو اعتقاده بعدم صدور ما أنکره عن النبی لا یسمع منه بل یحکم بکفره .

وهذا بخلاف غیره ممن کان نشوه فی البوادی أو البلاد التی لا یوجد فیها المسلم فإن ظهور حاله ربما یکون علی العکس ، ومن ذلک لا نحکم بکفره بمجرد انکاره لشئ من ضروریات الدین خصوصاً مع دعواه عدم علمه بکون ما أنکره صادراً عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

بل ولعل فی جعل مدار الکفر علی إنکار الضروری دلالة علی ما ذکرنا من طریقیة الإنکار للتکذیب بلحاظ بُعد خفاء ما هو أساس الدین وضروریاته علی

ص: 295

المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمین ، بخلاف غیر الضروری حیث لا بُعد فی خفائه ، وإلا فلا فرق فی استلزام الإنکار للتکذیب بین الضروری وغیره ، وحینئذ فیمکن الجمع بین إطلاق کلامهم فی کفر منکر الضروری وبین ما هو الظاهر من طریقیة الإنکار للتکذیب بحمل الإطلاقات علی المنکر المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمین برهة من عمره .

وقد یستدل علی استتباع مجرد الإنکار للکفر بما رواه زرارة عن أبی عبدالله (علیه السّلام)من قوله: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا ، ولکن یدفعه ظهور الروایة فی الإنکار الناشئ عن العناد إذ الجحد لیس إلا عبارة عن ذلک ومن المعلوم عدم صلاحیة مثله للدلالة علی ثبوت الکفر بمحض الإنکار ، ومجرد کون الإنکار العنادی موجباً للکفر لا یقتضی تسریة الحکم إلی مطلق الإنکار ، ومن ذلک نقول أن الإنکار العنادی موجب للکفر مطلقاً ولو فی غیر الضروری .

هذا کله فی صورة التمکن من تحصیل العلم والإعتقاد الجزمی ، ولقد عرفت وجوبه علیه فیما یرجع إلی الله جل شأنه وما یرجع إلی أنبیائه ورسله وحججه وأنه مع الإخلال به یکون معاقباً لا محالة .

نعم یبقی الکلام حینئذ فی کفره وترتیب آثاره علیه من النجاسة وغیرها مع الإخلال بتحصیل المعرفة ، فنقول:

أما مع عدم إظهاره للشهادتین فلا إشکال فی کفره وترتیب آثاره علیه من النجاسة وعدم الارث والمناکحة. وأما مع إظهار الشهادتین ففیه إشکال ینشأ من کفایة مجرد إظهار الشهادتین مع عدم الإنکار فی الحکم بالإسلام ، ومن عدم کفایته ولزوم الإعتقاد فی الباطن أیضاً .

ص: 296

ولکنه لا ینبغی التأمل فی عدم کفایته ، فإن حقیقة الإسلام عبارة عن الإعتقاد بالواجب تعالی والتصدیق بالنبی(علیه السّلام)بکونه رسولاً من عند الله سبحانه ، وأن الإکتفاء بإظهار الشهادتین من جهة کونه أمارة علی الإعتقاد فی الباطن کما یظهر ذلک أیضاً من النصوص الکثیرة . ولا ینافی ذلک ما یترائی فی صدر الإسلام من معاملة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع المنافقین معاملة

الإسلام بمجرد إظهارهم الشهادتین مع علمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعدم کونهم مؤمنین بالله ولا مصدقین برسوله واقعاً ، وأن إظهارهم الشهادتین کان لمحض الصورة ، إما لاجل خوفهم من القتل ، وإما لبعض المصالح المنظورة لهم کالوصول إلی مقام الریاسة والامال الدنیویة لما سمعوا وعلموا من الکهنة بارتقاء الإسلام وتفوقه علی سائر المذاهب والأدیان ، مع أنهم لم یؤمنوا بالله طرفة عین کما نطقت به الأخبار والاثار المرویة عن الأئمة الأطهار .

إذ نقول إن فی معاملة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والوصی مع هؤلاء المنافقین فی الصدر الأول معاملة الإسلام بمحض إظهارهم الشهادتین وجوها ومصالح شتی:

منها: تکثیر جمعیة المسلمین وازدیادهم فی قبال الکفار وعبدة الأوثان الموجب لازدیاد صولة المسلمین فی أنظار المشرکین .

ومنها: حفظ من فی أصلابهم من المؤمنین الذین یوجدون بعد ذلک .

ومنها: تعلیم الأمة فی الأخذ بما یقتضیه ظاهر القول بالشهادتین فی الکشف عن الإعتقاد فی الباطن ، فإنه لو فتح مثل هذا الباب فی الصدر الأول لقتل کل أحد صاحبه لاجل ما کان بینهم من العداوة فی الجاهلیة بدعوی أن اعتقاده علی خلاف ما یظهره باللسان وأن إظهار الشهادتین کان لأجل الخوف من القتل أو الطمع فی الشرکة فی أخذ الغنیمه ، ومثله لا یزید المسلمین وشوکتهم إلا ضعفاً

ص: 297

کما یشهد لذلک الآیة الشریفة: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَی إِلَیْکُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ، وقضیة أسامة بن زید فی ذلک معروفة .

ومنها: غیر ذلک من المصالح التی لاحظها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع علمه بکونهم حقیقة غیر مؤمنین علی ما نطق به الکتاب المبین فی مواضع عدیدة فی قوله سبحانه: یَحْلِفُونَ

بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْکُمْ وَمَا هُمْ مِنْکُمْ ، وقوله: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلی بَعْضٍ ... الخ. وغیر ذلک من الآیات الکثیرة .

وأین ذلک وزماننا هذا الذی قد کثر فیه المسلمون کثرة عظیمة ، وحینئذ فلا یمکن الإلتزام بترتیب آثار الإسلام علی مجرد إظهار الشهادتین مع العلم بعدم کون إظهارها إلا صوریاً محضاً خصوصاً مع ظهور اعتبار القول فی کونه لأجل الحکایة والطریقیة عن الإعتقاد فی الباطن ، بل لابد من ترتیب آثار الکفر علیه فی الفرض المزبور .

هل أن الکافر یعرف الله تعالی ؟

مسالک الافهام:2/75

النیة معتبرة فی الکفارة لأنها عبادة تقع علی وجوه مختلفة فلا یتمیز المقصد منها بالنیة لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنما الأعمال بالنیات ویعتبر فیها نیة القربة لقوله تعالی: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ. وهذا هو القدر المتفق علیه منها ... .

إذا تقرر ذلک فقد فرع المصنف علی اعتبار نیة القربة به أنه لا یصح من الکافر کتابیاً کان أم غیره ، محتجاً بتعذر نیة القربة فی حقه ، وفیه نظر ، لأنه إن أراد بنیة القربة المتعذرة منه نیة إیقاع الفعل طلباً للتقرب إلی الله بواسطه نیل الثواب أو ما جری مجری ذلک سواء حصل له ما نواه أم لا، منعنا من تعذر نیة القربة من مطلق

ص: 298

الکافر ، لأن من اعترف منهم بالله تعالی وکان کفره بجحد نبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو غیره من الأنبیاء أو بعض شرایع الإسلام یمکن منه هذا النوع من التقرب ، وإنما یمتنع من الکافر المعطل الذی لا یعترف بوجود الله تعالی کالدهری وبعض عبدة الأصنام ، وإن أراد بها إیقاعه علی وجه التقرب إلی الله تعالی بحیث یستحق بها الثواب طالبناه بدلیل علی اشتراط مثل ذلک وعارضناه بعبارة المخالف من المسلمین وعتقه فإنه لا یستتبع الثواب عنده مع صحة عتقه ، وفی صحة عبادات غیره بحث فُرِد فی محله .

وبالجملة فکلامهم فی هذا الباب مختلف غیر منقح ، لانهم تارة یحکمون ببطلان عبادة الکافر مطلقاً استناداً إلی تعذر نیة القربة منه ، ومقتضی ذلک إرادة المعنی الثانی لأن ذلک هو المتعذر منه لا الأول ، وتارة یجوزون منه بعض العبادات کالعتق وسیأتی تجویز جماعة من الأصحاب له منه ، مع اشتراط القربة فیه نظراً إلی ما ذکرناه من الوجه فی الأول .

وقد وقع الخلاف بینهم فی وقفه وصدقته وعتقه المتبرع به ونحو ذلک من التصرفات المالیة المعتبر فیها القربة ، واتفقوا علی عدم صحة العبادات البدنیة منه نظراً إلی أن المال یراعی فیه جانب المدفوع إلیه ولو بفک الرقبة من الرق فیرجح فیه جانب القربات بخلاف العبادات البدنیة ، ومن ثم ذهب بعض العامة إلی عدم اشتراط النیة فی العتق والإطعام واعتبرها فی الصیام ، إلا أن هذا الإعتبار غیر منضبط عند الأصحاب کما أشرنا إلیه ، وسیأتی له فی العتق زیادة بحث .

ثم عد إلی العبارة واعلم أن قوله ذمیاً کان الکافر أو حربیاً أو مرتداً لا یظهر للتسویة بین هذه الفرق مزیة ، لأن الکافر المقر بالله تعالی لا یفرق فیه بین الذمی والحربی ، وإن افترقا فی الإقرار بالجزیة فإن ذلک أمر خارج عن هذا المطلق ،

ص: 299

وإنما حق التسویة بین أصناف الکفار أن یقول سواء کان مقراً بالله کالکتابی أم جاحداً له کالوثنی ، لأن ذلک هو موضع الإشکال ومحل الخلاف .

وأما ما قاله بعضهم من أن الکافر مطلقاً لا یعرف الله تعالی علی الوجه المعتبر ولو عرفه لأقر بجمیع رسله ودین الإسلام فهو کلام بعید عن التحقیق جداً ، ولا ملازمة بین الأمرین کما لا ملازمة بین معرفة المسلم لله تعالی ومعرفة دین الحق من فرق الإسلام ، وکل حزب بما لدیهم فرحون .

مسالک الافهام:2/153

قوله: ویصح الیمین من الکافر .. إلخ.

إذا حلف الکافر بالله تعالی علی شئ سواء کان مقراً بالله کالیهودی والنصرانی ، أو من کفر بجحد فریضة من المسلمین ، أو غیر مقر به کالوثنی ، ففی انعقاد یمینه أقوال أشهرها الأول ، وهو الذی اختاره المصنف والشیخ فی المبسوط وأتباعه وأکثر المتأخرین لوجود المقتضی وهو حلفه بالله تعالی مع باقی الشرایط وانتفاء المانع ، إذ لیس هناک إلا کفره وهو غیر مانع لتناول الأدلة الدالة علی انعقاد الیمین له من الآیات والأخبار، ولأن الکفار مخاطبون بفروع الشرایع فیدخلون تحت عموم قوله تعالی: وَلَکِنْ یُؤَاخِذُکُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَیْمَانَ ، وغیره .

وقال الشیخ فی الخلاف وابن إدریس: لا ینعقد مطلقاً لأن شرط صحتها الحلف بالله والکافر لا یعرف الله ، وفی إطلاق القولین معاً منع ظاهر .

وفصل العلامة جیداً فی المختلف فقال: إن کان کفره باعتبار جهله بالله وعدم علمه به لم ینعقد یمینه لأنه یحلف بغیر الله ، ولو عبر به فعبارته لغو لعدم اعتقاده ما یقتضی تعظیمه بالحلف به ، وإن کان جحده باعتبار جحد نبوة أو فریضة

ص: 300

انعقدت یمینه ، لوجود المقتضی وهو الحلف بالله تعالی من عارف به إلی آخر ما اعتبر. وتوقف فعل المحلوف علیه لو کان طاعة ، والتکفیر علی تقدیر الحنث علی الإسلام لا یمنع أصل الإنعقاد ، لأنه مشروط بشرط زاید علی أصل الیمین فلا ملازمة بینهما .

وفائدة الصحة تظهر فی بقاء الیمین لو أسلم فی المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة ، وفی العقاب علی متعلقها لو مات علی کفره ولما یفعله لا فی تدارک الکفارة ولو سبق الحنث الإسلام ، لأنها تسقط به عنه.

قوله: وفی صحة التکفیر .. إلخ. إذا قلنا بصحة یمین الکافر علی بعض الوجوه وحنث فی یمینه وجبت علیه الکفارة مطلقاً ، ومذهب الأصحاب عدم صحتها منه حال الکفر لأنها من العبادات المشروطة بنیة القربة ، وهی متعذرة فی حقة سواء عرف الله أم لا ، لأن المراد من القربة ما یترتب علیه الثواب وهو منتف فی حقه .

والمصنف(رحمه الله)تردد فی ذلک ، ووجه التردد ما ذکر ومن احتمال أن یراد بالقربة قصد التقرب إلی الله تعالی سواء حصل له القرب والثواب أم لا کما سبق تحقیقه فی عتق الکافر ، ومن حیث أن بعض خصال الکفارة قد یشک فی اعتبار نیة القربة فیها کالإطعام والکسوة کما یقوله العامة فإنهم لا یعتبرون النیة إلا فی الصوم من خصالها ویجوزون الإطعام ونحوه بدونها ، ولکن مذهب الأصحاب اعتبار نیة القربة فی جمیع خصالها ، وظاهرهم اختیار المعنی الأول من معانی القربة ، ومن ثم أبطلوا عبادات الکافر ، ومن اختار منهم صحة یمینه منع من صحة التکفیر منه مادام علی کفره ، فما تردد المصنف(رحمه الله)فیه لا یظهر فیه خلاف معتد به .

ص: 301

بحث فی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس

تفسیر المیزان للطباطبائی:6/169 وما بعدها

فی الغرر والدرر للآمدی عن علی(علیه السّلام) قال: من عرف نفسه عرف ربه .

أقول ورواه الفریقان عن النبی أیضاً وهو حدیث مشهور ، وقد ذکر بعض العلماء أنه من تعلیق المحال ، ومفاده استحالة معرفة النفس لإستحالة الاحاطة العلمیة بالله سبحانه. ورد أولاً ، بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی روایة أخری: أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه. وثانیاً ، بأن الحدیث فی معنی عکس النقیض ، لقوله تعالی: وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ .

وفیه عنه(علیه السّلام): قال الکیس من عرف نفسه وأخلص أعماله .

أقول: تقدم فی البیان السابق معنی ارتباط الإخلاص وتفرعه علی الإشتغال بمعرفة النفس .

وفیه عنه(علیه السّلام): قال المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین .

أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتین المعرفة بالآیات الأنفسیة والمعرفة بالآیات الآفاقیة ، قال تعالی: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ شَهِیدٌ . حم السجده : 53 ، وقال تعالی: وَفِی الأَرْضِ آیَاتٌ لِلْمُوقِنِینَ وَفِی أَنْفُسِکُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ . الذاریات : 21 .

وکون السیر الأنفسی أنفع من السیرالآفاقی لعله لکون المعرفة النفسانیة لا تنفک عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقیة ، وذلک أن کون معرفة الآیات نافعة إنما هو لأن معرفة الآیات بما هی آیات موصلة إلی معرفة الله

ص: 302

سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ککونه تعالی حیاً لا یعرضه موت ، وقادراً لا یشوبه ، عجز وعالماً لا یخالطه جهل ، وأنه تعالی هو الخالق لکل شئ ، والمالک لکل شئ ، والرب القائم علی کل نفس بما کسبت ، خلق الخلق لا لحاجة منه إلیهم بل لینعم علیهم بما استحقوه ، ثم یجمعهم لیوم الجمع لا ریب فیه ، لیجزی الذین أساؤوا بما عملوا ویجزی الذین احسنوا بالحسنی .

وهذه وأمثالها معارف حقة ، إذا تناولها الإنسان وأتقنها مثلت له حقیقه حیاته وأنها حیاة مؤبدة ذات سعادة دائمة أو شقوة لازمة ، ولیست بتلک المتهوسة المنقطعة اللاهیة اللاغیة .

وهذا موقف علمی یهدی الإنسان إلی تکالیف ووظائف بالنسبة إلی ربه وبالنسبة إلی أبناء نوعه فی الحیاة الدنیا والحیاة الآخرة ، وهی التی نسمیها بالدین ، فإن السنة التی یلتزمها الإنسان فی حیاته ولا یخلو عنها حتی البدوی والهمجی ، إنما یضعها ویلتزمها أو یأخذها ویلتزمها لنفسه من حیث أنه یقدر لنفسه نوعاً من الحیاة أی نوع کان، ثم یعمل بما استحسنه من السنة لاسعاد تلک الحیاة،

وهذا من الوضوح بمکان .

فالحیاة التی یقدرها الإنسان لنفسه تمثل له الحوائج المناسبة لها فیهتدی بها إلی الأعمال التی تضمن عادة رفع تلک الحوائج فیطبق الإنسان عمله علیها ، وهو السنة أو الدین .

فتلخص مما ذکرنا أن النظر فی الآیات الأنفسیة والآفاقیة ومعرفة الله سبحانه بها یهتدی الإنسان إلی التمسک بالدین الحق والشریعة الإلهیة ، من جهه تمثیل المعرفة المذکورة الحیاة الإنسانیة المؤبدة له عند ذلک ، وتعلقها بالتوحید والمعاد والنبوة .

ص: 303

وهذه الهدایة إلی الإیمان والتقوی یشترک فیها الطریقان معاً ، أعنی طریقی النظر إلی الآفاق والأنفس ، فهما نافعان جمیعاً ، غیر أن النظر إلی آیات النفس أنفع ، فإنه لا یخلو من العثور علی ذات النفس وقواها وأدواتها الروحیة والبدنیة وما یعرضها من الإعتدال فی أمرها أو طغیانها أو خمودها ، والملکات الفاضلة أو الرذیلة والأحوال الحسنة أو السیئة التی تقارنها .

واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الأمور والإذعان بما یلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ینفک من أن یعرفه الداء والدواء من موقف قریب ، فیشتغل بإصلاح الفاسد منها والإلتزام بصحیحها ، بخلاف النظر فی الآیات الافاقیة ، فإنه إن دعا إلی إصلاح النفس وتطهیرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها وتحلیتها بالفضائل الروحیة ، لکنه ینادی لذلک من مکان بعید ، وهو ظاهر .

وللروایة معنی آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقیقیة فی علم النفس ، وهو أن النظر فی الآیات الآفاقیة والمعرفة الحاصلة من ذلک نظر فکری وعلم حصولی ، بخلاف النظر فی النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلیة منها ، فإنه نظر شهودی وعلم حضوری ، والتصدیق الفکری یحتاج فی تحققه إلی نظم الأقیسه واستعمال البرهان وهو باق ما دام الإنسان متوجهاً إلی مقدماته غیر ذاهل عنها ولا مشتغل بغیرها ، ولذلک یزول العلم بزوال الأشراف علی دلیله وتکثر فیه الشبهات ویثور فیه الإختلاف .

وهذا بخلاف العلم النفسانی بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العیان ، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلی آیات نفسه وشاهد فقرها إلی ربها وحاجتها فی جمیع أطوار وجودها وجد أمراً عجیباً ، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والکبریاء متصلة فی وجودها وحیاتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها

ص: 304

وأفعالها ، بما لا یتناهی بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وکمالاً من الوجود والحیاة والعلم والقدرة وغیرها من کل کمال .

وشاهد ما تقدم بیانه أن النفس الإنسانیة لا شأن لها إلا فی نفسها ، ولا مخرج لها من نفسها ، ولا شغل لها إلا السیر الإضطراری فی مسیر نفسها ، وإنها منقطعة عن کل شئ کانت تظن أنها مجتمعه معه مختلطه به إلا ربها ، المحیط بباطنها وظاهرها وکل شئ دونها ، فوجدت أنها دائماً فی خلا مع ربها وإن کانت فی ملا من الناس .

وعند ذلک تنصرف عن کل شیء وتتوجه إلی ربها وتنسی کل شئ ، وتذکر ربها فلا یحجبه عنها حجاب ، ولا تستتر عنه بستر ، وهو حق المعرفة الذی قدر للإنسان .

وهذه المعرفة الأحری بها أن تسمی بمعرفة الله بالله ... .

وأما المعرفة الفکریة التی یفیدها النظر فی الآیات الآفاقیة سواء حصلت من قیاس أو حدس أو غیر ذلک ، فإنما هی معرفة بصورة ذهنیة عن صورة ذهنیة ، وجل الاله أن یحیط به ذهن أو تساوی ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه ، ولا یحیطون به علما .

وقد روی فی الإرشاد والإحتجاج علی ما فی البحار ، عن الشعبی ، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی کلام له: إن الله أجل من أن یحتجب عن شئ أو یحتجب عنه شئ .

وفی التوحید، عن موسی بن جعفر(علیه السّلام)فی کلام له: لیس بینه وبین خلقه حجاب غیر خلقه ، احتجب بغیر حجاب محجوب ، واستتر بغیر ستر مستور ، لا إله إلا هو الکبیر المتعال .

ص: 305

وفی التوحید مسنداً عن عبد الاعلی، عن الصادق(علیه السّلام)فی حدیث: ومن زعم أنه یعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال ، فهو مشرک ،لأن الحجاب والصورة والمثال غیره ، وإنما هو واحد موحد ، فکیف یوحد من زعم أنه یوحده بغیره ! إنما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم یعرفه به فلیس یعرفه ، إنما یعرف غیره.. الحدیث .

والأخبار المأثورة عن أئمة أهل البیت(علیه السّلام)فی معنی ما قدمناه کثیرة جداً لعل الله یوفقنا لایرادها وشرحها فی ماسیأتی إن شاء الله العزیز من تفسیر سورة الاعراف.

فقد تحصل أن النظر فی آیات الانفس أنفس وأغلی قیمةً ، وأنه هو المنتج لحقیقة المعرفة فحسب ، وعلی هذا فعده(علیه السّلام)إیاها أنفع المعرفتین لا معرفة متعینة إنما هو لأن العامة من الناس قاصرون عن نیلها ، وقد أطبق الکتاب والسنة وجرت السیرة الطاهرة النبویة وسیرة أهل بیته الطاهرین علی قبول من آمن بالله عن نظر آفاقی وهو النظر الشائع بین المؤمنین. فالطریقان نافعان جمیعاً ، لکن النفع فی طریق النفس أتم وأغزر .

وفی الدرر والغرر عن علی(علیه السّلام)قال: العارف من عرف نفسه فاعتقها ونزهها عن کل ما یبعدها. أقول: أی أعتقها عن إسارة الهوی وَرِقِّیة الشهوات .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أعظم الحکمه معرفة الإنسان نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أکثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه. أقول: وذلک لکونه أعلمهم بربه وأعرفهم به ، وقد قال الله سبحانه: إِنَّمَا یَخْشَی اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: أفضل العقل معرفة المرء بنفسه ، فمن عرف نفسه عقل ، ومن جهلها ضل .

ص: 306

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: عجبت لمن ینشد ضالته وقد أضل نفسه فلا یطلبها .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: عجبت لمن یجهل نفسه کیف یعرف ربه .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: غایه المعرفة أن یعرف المرء نفسه. أقول: وقد تقدم وجه کونها غایة المعرفة فإنها المعرفة حقیقة .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: کیف یعرف غیره من یجهل نفسه .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: کفی بالمرء معرفةً أن یعرف نفسه ، وکفی بالمرء جهلاً أن یجهل نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه تجرد. أقول: أی تجرد عن علائق الدنیا ، أو تجرد عن الناس بالإعتزال عنهم ، أو تجرد عن کل شئ بالإخلاص لله .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه جاهدها ، ومن جهل نفسه أهملها .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه جل أمره .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه کان لغیره أعرف ، ومن جهل نفسه کان بغیره أجهل .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه فقد انتهی إلی غایة کل معرفة وعلم .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من لم یعرف نفسه بعد عن سبیل النجاة ، وخبط فی الضلال والجهالات .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: معرفة النفس أنفع المعارف .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: نال الفوز الأکبر من ظفر بمعرفة النفس .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: لا تجهل نفسک فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بکل شئ .

وفی تحف العقول ، عن الصادق(علیه السّلام)فی حدیث: من زعم أنه یعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرک ، ومن زعم أنه یعرف الله بالإسم دون المعنی فقد أقر بالطعن

ص: 307

لأن الإسم محدث ، ومن زعم أنه یعبد الإسم والمعنی فقد جعل مع الله شریکاً ، ومن زعم أنه یعبد بالصفة لا بالإدراک فقد أحال علی غائب ، ومن زعم أنه یضیف الموصوف إلی الصفة فقد صغر بالکبیر ، وما قدروا الله حق قدره .

قیل له: فکیف سبیل التوحید ؟ قال: باب البحث ممکن وطلب المخرج موجود ، إن معرفة عین الشاهد قبل صفته ، ومعرفة صفة الغائب قبل عینه. قیل وکیف یعرف عین الشاهد قبل صفته ؟ قال: تعرفه وتعلم علمه ، وتعرف نفسک به ولا تعرف نفسک من نفسک ، وتعلم أن ما فیه له وبه ، کما قالوا لیوسف إنک لانت یوسف ، قال أنا یوسف وهذا أخی ، فعرفوه به ولم یعرفوه بغیره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب . . . الحدیث .

أقول: قد أوضحنا فی ذیل قوله(علیه السّلام): المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین ، الروایة الثانیة من الباب أن الإنسان إذا اشتغل بآیة نفسه وخلا بها عن غیرها انقطع إلی ربه من کل شئ ، وعقب ذلک معرفة ربه معرفة بلا توسیط وسط وعلماً بلا تسبیب سبب ، إذ الإنقطاع یرفع کل حجاب مضروب، وعند ذلک یذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والکبریاء عن نفسه. وأحری بهذه المعرفة أن تسمی معرفة الله بالله . . . وانکشف له عند ذلک من حقیقه نفسه أنها الفقیرة إلی الله سبحانه المملوکة له ملکاً لا تستقل بشئ دونه، وهذا هو المراد بقوله (علیه السّلام): تعرف نفسک به ، ولا تعرف نفسک بنفسک من نفسک ، وتعلم أن ما فیه له وبه .

وفی هذا المعنی ما رواه المسعودی فی إثبات الوصیة عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال فی خطبة له: فسبحانک ملات کل شئ وباینت کل شئ ، فأنت لا یفقدک شئ وأنت الفعال لما تشاء . . . إلی أن قال: سبحانک أی عین تقوم نصب بهاء نورک وترقی إلی نور ضیاء قدرتک ، وأی فهم یفهم ما دون ذلک إلا أبصار کشفت

ص: 308

عنها الأغطیة وهتکت عنها الحجب العمیة فرقت أرواحها علی أطراف أجنحة الأرواح ، فناجوک فی أرکانک وولجوا بین أنوار بهائک ، ونظروا من مرتقی التربة إلی مستوی کبریائک ، فسماهم أهل الملکوت زواراً ، ودعاهم أهل الجبروت عماراً .

وفی البحار عن إرشاد الدیلمی وذکر بعد ذلک سندین لهذا الحدیث وفیه: فمن عمل برضائی ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شکراً لا یخالطه الجهل ، وذکراً لا یخالطه النسیان ، ومحبةً لا یؤثر علی محبتی محبة المخلوقین. فإذا أحبنی أحببته وأفتح عین قلبه إلی جلالی ولا أخفی علیه خاصة خلقی وأناجیه فی ظلم اللیل ونور النهار ، حتی ینقطع حدیثه مع المخلوقین ومجالسته معهم ، واسمعه کلامی وکلام ملائکتی وأعرفه السر الذی سترته عن خلقی، وألبسه الحیاء حتی یستحیی منه الخلق کلهم ، ویمشئ علی الأرض مغفوراً له ، واجعل قلبه واعیاً وبصیراً ، ولا أخفی علیه شیئاً من جنة ولا نار ، وأعرفه ما یمر علی الناس فی القیامة من الهول والشدة ، وما أحاسب به الأغنیاء والفقراء والجهال والعلماء ، وأنومه فی قبره وأنزل علیه منکراً ونکیراً حتی یسألاه ، ولا یری غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع ، ثم أنصب له میزانه وأنشر دیوانه ، ثم أضع کتابه فی یمینه فیقرؤه منشوراً ، ثم لا أجعل بینی وبینه ترجماناً. فهذه صفات المحبین.

یا أحمد إجعل همک هماً واحداً ، واجعل لسانک لساناً واحداً ، واجعل بدنک حیاً لا یغفل أبداً ، من یغفل عنی لا أبالی بأی واد هلک .

والروایات الثلاثة الأخیرة وإن لم تکن من أخبار هذا البحث المعقود علی الإستقامة ، إلا أنا إنما أوردناها لیقضی الناقد البصیر بما قدمناه من أن المعرفة الحقیقیة لا تستوفی بالعلم الفکری حق استیفائها ، فإن الروایات تذکر أموراً من

ص: 309

المواهب الإلهیة المخصوصة بأولیائه لاینتجها السیر الفکری البتة. وهی أخبار مستقیمة صحیحة یشهد علی صحتها الکتاب الإلهی علی ما سنبین ذلک فیما سیوافیک من تفسیر سوره الأعراف إن شاء الله العزیز... .

وأما سائر الفرق المذهبیة من الهنود ، کالجوکیة أصحاب الأنفاس والأوهام ، وکأصحاب الروحانیات ، وأصحاب الحکمة ، وغیرهم ، فلکل طائفة منهم ریاضات شاقة عملیة لا تخلو عن العزلة وتحریم اللذائذ الشهوانیة علی النفس .

وأما البوذیة فبناء مذهبهم علی تهذیب النفس ومخالفة هواها وتحریم لذائذها علیها للحصول علی حقیقة المعرفة ، وقد کان هذا هو الطریقة التی سلکها بوذا نفسه فی حیاته فالمنقول أنه کان من أبناء الملوک أو الرؤساء فرفض زخارف الحیاة وهجر أریکة العرش إلی غابة موحشة لزمها فی ریعان شبابه واعتزل الناس وترک التمتع بمزایا الحیاة وأقبل علی ریاضة نفسه والتفکر فی أسرار الخلقة ، حتی قذفت المعرفة فی قلبه وسنه إذ ذاک ستة وثلاثون ، وعند ذاک خرج إلی الناس فدعاهم إلی ترویض النفس وتحصیل المعرفة ، ولم یزل علی ذلک قریباً من أربع وأربعین سنة علی ما فی التواریخ .

وأما الصابئون ، ونعنی بهم أصحاب الروحانیات فهم وإن أنکروا أمر النبوة غیر أن لهم فی طریق الوصول إلی کمال المعرفة النفسانیة طرقاً لا تختلف کثیراًعن طرق البراهمة والبوذیین ، قالوا علی ما فی الملل والنحل: أن الواجب علینا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبیعیة ، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوی الشهوانیة والغضبیة ، حتی یحصل مناسبة ما بیننا وبین الروحانیات ، فنسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا علیهم ونصبوا فی جمیع أمورنا إلیهم ، فیشفعون لنا إلی خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم .

ص: 310

وهذا التطهیر لیس یحصل إلا باکتسابنا وریاضتنا ، وفطامنا أنفسنا عن دنیئات الشهوات ، استمداداً من جهة الروحانیات ، والإستمداد هو التضرع والإبتهال بالدعوات وإقامة الصلوات ، وبذل الزکوات ، والصیام عن المطعومات والمشروبات ، وتقریب القرابین والذبائح ، وتبخیر البخورات وتعزیم العزائم ، فیحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غیر واسطة. انتهی .

وهؤلاء وإن اختلفوا فیما بین أنفسهم بعض الإختلاف فی العقائد العامة الراجعة إلی الخلق والایجاد لکنهم متفقوا الرأی فی وجوب ترویض النفس للحصول علی کمال المعرفة وسعادة النشأة .

وأما المانویة من الثنویة ، فاستقرار مذهبهم علی کون النفس من عالم النور العلوی وهبوطها إلی هذه الشبکات المادیة المظلمة المسماة بالأبدان ، وأن سعادتها وکمالها التخلص من دار الظلمة إلی ساحة النور ، إما اختیاراً بالترویض النفسانی ، وإما اضطراراً بالموت الطبیعی المعروف .

وأما أهل الکتاب ونعنی بهم الیهود و النصاری والمجوس ، فکتبهم المقدسة وهی العهد العتیق والعهد الجدید وأوستا ، مشحونة بالدعوة إلی إصلاح النفس وتهذیبها ومخالفة هواها. ولاتزال کتب العهدین تذکر الزهد فی الدنیا والإشتغال بتطهیر السر ، ولا یزال یتربی بینهم جم غفیر من الزهاد وتارکی الدنیا ، جیلاً بعد جیل وخاصة النصاری فإن من سننهم المتبعة الرهبانیة. وقد ذکر أمر رهبانیتهم فی القرآن الشریف قال تعالی: ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسیِنَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ. المائده : 82 ، وقال تعالی: وَرَهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا ، الحدید : 27 . کما ذکر المتعبدون من الیهود فی قوله: لَیْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ ، یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ

ص: 311

بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُولَئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ. آل عمران : 114 .

وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتیاضات والأعمال النفسیة کأصحاب السحر والسیمیاء ، وأصحاب الطلسمات وتسخیر الأرواح والجن وروحانیات الحروف والکواکب وغیرها ، وأصحاب الإحضار وتسخیر النفوس ، فلکل منهم ارتیاضات نفسیة خاصة تنتج نوعاً من السلطة علی أمر النفس .

وجملة الأمر علی ما یتحصل من جمیع ما مر: أن الوجهة الأخیرة لجمیع أرباب الأدیان والمذاهب والأعمال هو تهذیب النفس بترک هواها والإشتغال بتطهیرها من شوب الأخلاق والأحوال غیر المناسبة للمطلوب .

لعلک ترجع وتقول إن الذی ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسیرهم هو الزهد فی الدنیا وهو غیر مسألة معرفة النفس أو الإشتغال بأمر النفس بالمعنی الذی تقدم البحث عنه. وبلفظ أوضح: الذی یندب إلیه الأدیان والمذاهب التی تدعو إلی العبودیة بنحو أن یتزهد الإنسان نوع تزهد فی الدنیا بإتیان الأعمال الصالحة وترک الهوی والاثام ورذائل الأخلاق لیتهیأ بذلک لأحسن الجزاء ، إما فی الآخرة کما تصرح به الأدیان النبویة کالیهودیة والنصرانیة والإسلام ، أو فی الدنیا کما استقر علیه دین الوثنیة ومذهب التناسخ وغیرهما ، فالمتعبد علی حسب الدستور الدینی یأتی بما ندب إلیه من نوع التزهد من غیر أن یخطر بباله أن هناک نفساً مجردة وأن لها نوعاً من المعرفة فیه سعادتها وکمال وجودها .

وکذلک الواحد من أصحاب الریاضات علی اختلاف طرقها وسننها إنما یرتاض بما یرتاض من مشاق الأعمال ولا همَّ له فی ذلک إلا حیازه المقام الموعود فیها والتسلط علی نتیجه العمل کنفوذ الإرادة مثلاً ،وهو فی غفلة من أمر النفس المذکور من حین یأخذ فی عمله إلی حین یختمه. علی أن فی هؤلاء من لا یری

ص: 312

فی النفس إلا أنها أمر مادی طبیعی کالدم أو الروح البخار أو الأجزاء الأصلیة ، ومن یری أن النفس جسم لطیف مشاکل للبدن العنصری حال فیه وهو الحامل للحیاة ، فکیف یسوغ القول بکون الجمیع یرومون بذلک أمر معرفة النفس .

لکنه ینبغی لک أن تتذکر ما تقدم ذکره أن الإنسان فی جمیع هذه المواقف التی یأتی فیها بأعمال تصرف النفس عن الإشتغال بالأمور الخارجیة والتمتعات المتفننة المادیة إلی نفسها ، للحصول علی خواص وآثار لا توصل إلیها الأسباب المادیة والعوامل الطبیعیة العادیة ، لا یرید إلا الإنفصال عن العلل والأسباب الخارجیة والإستقلال بنفسه للحصول علی نتائج خاصة لا سبیل للعوامل المادیة العادیة إلیها .

فالمتدین المتزهد فی دینه یری أن من الواجب الإنسانی أن یختار لنفسه سعادته الحقیقیة ، وهی الحیاه الطیبة الأخرویة عند المنتحلین بالمعاد ، والحیاة السعیدة الدنیویة التی تجمع له الخیر وتدفع عنه الشر عند المنکرین له کالوثنیة وأصحاب التناسخ ، ثم یری أن الإسترسال فی التمتعات الحیوانیة لا تحوز له سعادته ولا تسلک به إلی غرضه ، فلا محیص له عن رفض الهوی وترک الإنطلاق إلی کل ما تتهوسه نفسه بأسبابها العادیة فی الجملة ، والإنجذاب إلی سبب أو أسباب فوق الأسباب المادیة العادیة بالتقرب إلیه والإتصال به ، وأن هذا التقرب والإتصال إنما یتأتی بالخضوع له والتسلیم لامره ، وذلک أمر روحی نفسانی لا ینحفظ إلا بأعمال وتروک بدنیة ، وهذه هی العبادة الدینیة من صلاة ونسک أو ما یرجع إلی ذلک .

فالأعمال والمجاهدات والإرتیاضات الدینیة ترجع جمیعاً إلی نوع من الإشتغال بأمر النفس ، والإنسان یری بالفطرة أنه لا یأخذ شیئاً ولا یترک شیناً إلا لنفع نفسه،

ص: 313

وقد تقدم أن الإنسان لا یخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته ، وأنه لا یخطی فی شعوره هذا البتة ، وإن أخطأ فإنما یخطی فی تفسیره بحسب الرأی النظری والبحث الفکری .

فظهر بهذا البیان أن الأدیان والمذاهب علی اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس فی الجملة ، سواء علم بذلک المنتحلون بها أم لم یعلموا. وکذلک الواحد من أصحاب الریاضات والمجاهدات وإن لم یکن منتحلاً بدیلاً ولا مؤمناً بأمر حقیقة النفس ، لا یقصد بنوع ریاضته التی یرتاض بها إلا الحصول علی نتیجتها الموعودة له ، ولیست النتیجة الموعودة مرتبطة بالأعمال والتروک التی یأتی بها ارتباطاً طبیعیاً نظیر الإرتباط الواقع بین الأسباب الطبیعیة ومسبباتها ، بل هو ارتباط إرادی غیر مادی متعلق بشعور المرتاض وإرادته المحفوظین بنوع العمل الذی یأتی به ، دائر بین نفس المرتاض وبین النتیجة الموعودة .

فحقیقة الریاضة المذکورة هی تأیید النفس وتکمیلها فی شعورها وإرادتها للنتیجة المطلوبة. وإن شئت قلت: أثر الریاضة أن تحصل للنفس حالة العلم بأن المطلوب مقدور لها ، فإذا صحت الریاضة وتمت صارت بحیث لو أرادت المطلوب مطلقاً أو أرادته علی شرائط خاصة ، کإحضار الروح للصبی غیر المراهق فی المرآة ، حصل المطلوب .

وإلی هذا الباب یرجع معنی ما روی: أنه ذکر عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن بعض أصحاب عیسی(علیه السّلام)کان یمشئ علی الماء فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو کان یقینه أشد من ذلک لمشی علی الهواء ، فالحدیث کما تری یومئ إلی أن الأمر یدور مدار الیقین بالله سبحانه وإمحاء الأسباب الکونیة عن الإستقلال فی التأثیر .

فإلی أی مبلغ بلغ رکون الإنسان إلی القدرة المطلقة الإلهیة انقادت له الأشیاء

ص: 314

علی قدره ، فافهم ذلک .

ومن أجمع القول فی هذا الشأن قول الصادق(علیه السّلام): ما ضعف بدن عما قویت علیه النیة. وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحدیث المتواتر: إنما الأعمال بالنیات .

فقد تبین أن الاثار الدینیة للاعمال والعبادات وکذلک آثار الریاضات والمجاهدات إنما تستقر الرابطة بینها وبین النفس الإنسانیة بشؤونها الباطنیة ، فالإشتغال بشئ منها اشتغال بأمر النفس... .

إیاک أن یشتبه علیک الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدین هو العرفان والتصوف ، أعنی معرفة النفس کما توهمه بعض الباحثین من المادیین ، فقسم المسلک الحیوی الدائر بین الناس إلی قسمین المادیة والعرفان وهو الدین. وذلک أن الذی یعقد علیه الدین أن للانسان سعادة حقیقیة لیس ینالها إلا بالخضوع لما فوق الطبیعة ، ورفض الإقتصار علی التمتعات المادیة .

وقد أنتجت الابحاث السابقة أن الأدیان أیما کانت من حق أو باطل تستعمل تربیة الناس وسوقهم إلی السعادة التی تعدهم إیاها ، وتدعوهم إلیها إصلاح لنفس وتهذیبها إصلاحاً وتهذیباً یناسب المطلوب. وأین هذا من کون عرفان النفس هو الدین .

فالدین یدعو إلی عبادة الاله سبحانه من غیر واسطة ، أو بواسطة الشفعاء والشرکاء ، لأن فیها السعادة الإنسانیة والحیاة الطیبة التی لا بغیة للإنسان دونها ، ولا ینالها الإنسان ولن ینالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالمادیات والتمتعات المرسلة الحیوانیة ، فمست الحاجة إلی أن یدرج فی أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهیرها لیستعد المنتحل به المتربی فی حجره للتلبس بالخیر والسعادة ولا یکون کمن یتناول الشئ بإحدی یدیه ویدفعه بالأخری .

ص: 315

فالدین أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه وإن استلزم الدین العرفان نوعاً من الإستلزام .

وبنظیر البیان یتبین أن طرق الریاضة والمجاهدة المسلوکة لمقاصد متنوعة غریبة عن العادة أیضاً غیر عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحواً من الإرتباط .

نعم لنا أن نقضی بأمر وهو: إن عرفان النفس بأی طریق من الطرق فرض السلوک إلیه إنما هو أمر مأخوذ من الدین ، کما أن البحث البالغ الحر یعطی أن الأدیان علی اختلافها وتشتتها إنما انشعبت هذه الانشعابات من دین واحد عریق تدعو إلیه الفطرة الإنسانیة وهو دین التوحید .

فإنا إذا راجعنا فطرتنا الساذجة بالأغماض عن التعصبات الطارئة علینا بالوراثة من أسلافنا أو بالسرایة من أمثالنا لم نرتب فی أن العالم علی وحدته فی کثرته وارتباط أجزائه فی عین تشتتها ، ینتهی إلی سبب واحد فوق الأسباب وهو الحق الذی یجب الخضوع لجانبه ، وترتیب السلوک الحیوی علی حسب تدبیره وتربیته ، وهو الدین المبنی علی التوحید .

والتأمل العمیق فی جمیع الأدیان والنحل یعطی أنها مشتملة نوع اشتمال علی هذا الروح الحی حتی الوثنیة والثنویة ، وإنما وقع الإختلاف فی تطبیق السنة الدینیة علی هذا الأصل والإصابة والخطأ فیه ، فمن قائل مثلاً أنه أقرب إلینا من حبل الورید وهو معنا أینما کنا لیس لنا من دونه من ولی ولا شفیع ، فمن الواجب عبادته وحده من غیر إشراک ، ومن قائل أن تسفل الإنسان الأرضی وخسة جوهره لا یدع له مخلصاً إلی الإتصال بذاک الجناب، وأین التراب ورب الأرباب فمن الواجب أن نتقرب إلی بعض عباده المکرمین المتجردین عن جلباب المادة ، الطاهرین المطهرین من ألواث الطبیعة ، وهم روحانیات الکواکب ، أو أرباب

ص: 316

الأنواع ، أو المقربون من الإنسان ، وما نعبدهم إلا لیقربونا إلی الله زلفی. وإذ کانوا غائبین عن حواسنا متعالین عن جهاتنا کان من الواجب أن نجسدهم بالأنصاب والأصنام حتی یتم بذلک أمر التقرب العبادی . وعلی هذا القیاس فی سائر الأدیان والملل ، فلا نجد فی متونها إلا ما هو بحسب الحقیقة نحو توجیه لتوحید الاله عز اسمه .

ومن المعلوم أن السنن الدائرة بین الناس وإن انشعبت أی انشعاب واختلفت أی إختلاف شدید ، فإنها تمیل إلی التوحد إذا رجعنا إلی سابق عهودها القهقری ، وتنتهی بالآخرة إلی دین الفطرة الساذجة الإنسانیة وهو التوحید .

فدین التوحید أبو الأدیان وهی أبناء له صالحة أو طالحة .

ثم إن الدین الفطری إنما یعتبر أمر عرفان النفس لیتوصل به إلی السعادة الإنسانیة التی یدعو إلیها ، وهی معرفة الإله التی هی المطلوب الأخیر عنده .

وبعبارة أخری: الدین إنما یدعو إلی عرفان النفس دعوة طریقیة لا غائیة ، فإن الذوق الدینی لا یرتضی الإشتغال بأمر إلا فی سبیل العبودیة ، وإن الدین عند الله الإسلام ولا یرضی لعباده الکفر ، فکیف یرضی بعرفان النفس إذا استقل بالمطلوبیة .

ومن هنا یظهر أن العرفان ینتهی إلی أصل الدین الفطری إذ لیس هو بنفسه أمراً مستقلاً تدعو إلیه الفطرة الإنسانیة ، حتی تنتهی فروعه وأغصانه إلی أصل واحد هو العرفان الفطری .

ویمکن أن یستأنس فی ذلک بأمر آخر وهو: أن الإنسانیة وإن اندفعت بالفطرة إلی الإجتماع والمدنیة لاسعاد الحیاة ، وأثبت النقل والبحث أن رجالاً أو أقواماً اجتماعیین دعوا إلی طرائق قومیة أو وضعوا سنناً اجتماعیة وأجروها بین أممهم ،

ص: 317

کسنن القبائل ، والسنن الملوکیة ، والدیمقراطیة ، ونحوها ، ولم یثبت بنقل أو بحث أن یدعو إلی عرفان النفس وتهذیب أخلاقها أحد من غیر أهل الدین فی طول التاریخ البشری .

نعم من الممکن أن یکون بعض أصحاب هذه الطرق غیر الدینیة ، کأصحاب السحر والأرواح ونحوهما إنما تنبه إلی هذا النوع من عرفان النفس من غیر طریق الدین ، لکن لا من جهة الفطرة ، إذ الفطرة لا حکم لها فی ذلک کما عرفت ، بل من جهه مشاهدة بعض الآثار النفسانیة الغریبة علی سبیل الإتفاق ، فتتوق نفسه إلی الظفر بمنزلة نفسانیة یملک بها أعمالاً عجیبة وتصرفات فی الکون نادرة تستغربها النفوس ، فیدفعه هذا التوقان إلی البحث عنه والسلوک إلیه ، ثم السلوک بعد السلوک یمهد السبیل إلی المطلوب ویسهل الوعر منه .

یحکی عن کثیر من صلحائنا من أهل الدین أنهم نالوا فی خلال مجاهداتهم الدینیة کرامات خارقة للعادة ، وحوادث غریبة اختصوا بها من بین أمثالهم کتمثل أمور لأبصارهم غائبة عن أبصار غیرهم ، ومشاهدة أشخاص أو وقائع لا یشاهدها حواس من دونهم من الناس ، واستجابة للدعوة وشفاء المریض الذی لا مطمع لنجاح المداواة فیه ، والنجاة من المخاطر والمهالک من غیر طریق العادة .

وقد یتفق نظائر ذلک لغیر أهل الصلاح إذا کان ذا نیة صادقة ونفس منقطعة ، فهؤلاء یرون ما یرون وهم علی غفلة من سببه القریب ، وإنما یسندون ذلک إلی الله سبحانه من غیر توسیط وسط .

وإستناد الأمور إلیه تعالی وإن کان حقاً لا محیص عن الإعتراف به ، لکن نفی الأسباب المتوسطة مما لا مطمع فیه .

وربما أحضر الروحی روح أحد من الناس فی مرآة أو ماء ونحوه بالتصرف فی

ص: 318

نفس صبی علی ما هو المتعارف ، وهو کغیره یری أن الصبی إنما یبصره بالبصر الحسی ، وأن بین أبصار سائر الناظرین وبین الروح المحضر حجاباً مضروباً ، لو کشف عنه

لکانوا مثل الصبی فی الظفر بمشاهدته .

وربما وجدوا الأرواح المحضرة أنها تکذب فی أخبارها فیکون عجباً لأن عالم الأرواح عالم الطهارة والصفاء لا سبیل للکذب والفریة والزور إلیه .

وربما أحضروا روح إنسان حی فیستنطقونه بأسراره وضمائره وصاحب الروح فی حالة الیقظة مشغول بأشغاله وحوائجه الیومیة لا خبر عنده من أن روحه محضر مستنطق یبث من القول ما لا یرضی هو ببثه .

وربما نوم الإنسان تنویماً مغناطیسیاً ، ثم لقن بعمل حتی ینعم بقبوله ، فإذا أوقظ ومضی لشأنه أتی بالعمل الذی لقنه علی الشریطة التی أرید بها وهو غافل عما لقنوه ، وعن إنعامه بقبوله .

وبعض الروحیین لما شاهدوا صوراً روحیة تماثل الصور الإنسانیة أو صور بعض الحیوان ظنوا أن هذه الصور فی عالم المادة وظرف الطبیعة المتغیرة ، وخاصة بعض من لا یری لغیر الأمر المادی وجوداً ، حتی حاول بعض هؤلاء أن یخترع أدوات صناعیة یصطاد بها الأرواح ! کل ذلک استناداً منهم إلی فرضیة افترضوها فی النفس أنها مبدأ مادی أو خاصة لمبدأ مادی ، یفعل بالشعور والإرادة ، مع أنهم لم یحلوا مشکلة الحیاة والشعور حتی الیوم .

ونظیر هذه الفرضیة فرضیة من یری أن الروح جسم لطیف مشاکل للبدن العنصری فی هیئاته وأشکاله ، لما وجدوا أن الإنسان یری نفسه فی المنام وهو علی هیئته فی

الیقظه ، وربما یمثل لأرباب المجاهدات صور أنفسهم قبالاً خارج أبدانهم وهی مشاکلة للصورة البدنیة مشاکلة تامة ، فحکموا أن الروح جسم

ص: 319

لطیف حال البدن العنصری مادام الإنسان حیاً فإذا فارق البدن کان هو الموت .

وقد فاتهم أن هذه صورة إدراکیة قائمة بشعور الإنسان نظیره صورته التی یدرکها من بدنه ، ونظیره صور سائر الأشیاء الخارجة المنفصلة عن بدنه ، وربما تظهر هذه الصورة المنفصلة لبعض أرباب المجاهدة أکثر من واحدة ، أو فی هیئة غیر هیئة نفسه ، وربما یری نفسه عین نفس غیره من أفراد الناس ، فإذا لم یحکموا فی هذه الصور المذکور أنها هی صورة الروح ، فجدیر بهم أن لا یحکموا فی الصورة الواحدة المشاکلة التی تتراءی لارباب المجاهدات أنها صورة الروح .

وحقیقة الأمر أن هؤلاء نالوا شیئاً من معارف النفس وفاتهم معرفة حقیقتها ، فأخطاوا فی تفسیر ما نالوه ، وضلوا فی توجیه أمره . والحق الذی یهدی إلیه البرهان والتجربة أن حقیقة النفس التی هی هذا الشعور المتعقل المحکی عنه بقولنا ( أنا ) أمر مغایر فی جوهره لهذه الأمور المادیة کما تقدم ، وأن أقسام شعوره وأنواع إدراکاته من حس أو خیال أو تعقل من جهة کونها مدرکات إنما هی متقررة فی عالمه وظرفه غیر الخواص الطبیعیة الحاصلة فی أعضاء الحس والإدراک من البدن ، فإنها أفعال وانفعالات مادیة فاقدة فی نفسها للحیاة والشعور ، فهذه الأمور المشهودة الخاصة بالصلحاء وأرباب المجاهدات والریاضات غیر خارجة عن حیطة نفوسهم ، وإنما الشأن فی أن هذه المعلومات والمعارف کیف استقرت فی النفس وأین محلها منها ، وأن للنفس سمة علیة لجمیع الحوادث والأمور المرتبطة بها ارتباطاً ما. فجمیع هذه الأمور الغریبة المطاوعة لأهل الریاضة والمجاهدة ، إنما ترتضع من إرادتهم ومشیئتهم ، والإرادة ناشئة من الشعور، فللشعور الإنسانی دخل فی جمیع الحوادث المرتبطة به والأمور المماسة

ص: 320

له .

فمن الحری أن نقسم المشتغلین بعرفان النفس فی الجملة إلی طائفتین ، إحداهما: المشتغلون بالإشتغال بإحراز شئ من آثار النفس الغریبة الخارجة عن حومة المتعارف من الأسباب والمسببات المادیة کأصحاب السحر والطلسمات وأصحاب تسخیر روحانیات الکواکب والموکلین علی الأمور والجن وأرواح الآدمیین وأصحاب الدعوات والعزائم ونحو ذلک .

والثانیة: المشتغلون بمعرفة النفس بالانصراف عن الأمور الخارجة عنها والانجذاب نحوها ، للغور فیها ومشاهدة جوهرها وشؤونها کالمتصوفة علی اختلاف طبقاتهم ومسالکهم .

ولیس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما ( ثبت ) أنه یوجد بین الأمم التی تتقدمهم فی النشوء کالنصاری وغیرهم ، حتی الوثنیة من البرهمانیة والبوذیة ، ففیهم من یسلک الطریقة حتی الیوم ، بل هی طریقة موروثة ورثوها من أسلافهم. لکن لا بمعنی الأخذ والتقلید العادی کوراثة الناس ألوان المدنیة بعضهم من بعض ، وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة ، کما جری علی ذلک عده من الباحثین الأدیان والمذاهب وذلک لما عرفت فی الفصول السابقة من أن دین الفطرة یهدی إلی الزهد ، والزهد یرشد إلی عرفان النفس .

فاستقرار الدین بین أمة وتمکنه من قلوبهم یعدهم ویهیؤهم لأن تنشأ بینهم طریقة عرفان النفس لا محالة ، ویأخذ بها بعض من تمت فی حقه العوامل المقتضیة لذلک. فمکث الحیاة الدینیة فی أمة من الأمم برهه معتداً بها ینشئ بینهم هذه الطریقة لا محالة صحیحة أو فاسدة ، وإن انقطعوا عن غیرهم من الأمم الدینیة کل الإنقطاع. وما هذا شأنه لا ینبغی أن یعد من السنن الموروثة

ص: 321

التی یأخذها جیل عن جیل .

ثم ینبغی أن نقسم أصحاب القسم الثانی من القسمین المتقدمین وهم أهل العرفان حقیقة إلی طائفتین: فطائفة ، منهم یسلکون الطریقة لنفسها فیرزقون شیئاً من معارفها من غیر أن یتم لهم تمام المعرفة لها ، لأنهم لما کانوا لا یریدون غیر النفس فهم فی غفلة عن أمر صانعها

وهو الله عز اسمه الذی هو السبب الحق الأخذ بناصیة النفس فی وجودها وآثار وجودها. وکیف یسع الإنسان تمام معرفة شئ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذی هو سبب کل سبب ، وهل هو إلا کمن یدعی معرفة السریر علی جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره ، وغرضه فی صنعه ، إلی غیر ذلک من علل وجود السریر .

ومن الحری بهذا النوع من معرفة النفس أن یسمی کهانة بما فی ذیله من الحصول علی شئ من علوم النفس وآثارها .

وطائفة منهم یقصدون طریقة معرفة النفس لتکون ذریعة لهم إلی معرفة الرب تعالی ، وطریقتهم هذه هی التی یرتضیها الدین فی الجملة وهی أن یشتغل الإنسان بمعرفة نفسه بما أنها آیة من آیات ربه وأقرب آیة ، وتکون النفس طریقاً مسلوکاً والله سبحانه هو الغایة التی یسلک إلیها ، وأن إلی ربک المنتهی .

وهؤلاء طوائف مختلفة ذووا مذاهب متشتتة فی الأمم والنحل ، ولیس لنا کثیر خبرة بمذاهب غیر المسلمین منهم وطرائقهم التی یسلکونها. وأما المسلمون فطرقهم فیها کثیرة ربما انهیت بحسب الأصول إلی خمس وعشرین سلسلة ، تنشعب من کل سلسلة منها سلاسل جزئیة أخر ، وقد استندوا فیها إلا واحدة ، إلی علی علیه أفضل السلام .

وهناک رجال منهم لا ینتمون إلی واحدة من هذه السلاسل ویسمون الأویسیة

ص: 322

نسبة إلی أویس القرنی ، وهناک آخرون منهم لا یتسمون بإسم ولا یتظاهرون بشعار .

ولهم کتب ورسائل مسفورة ترجموا فیها عن سلاسلهم وطرقهم والنوامیس والآداب التی لهم عن رجالهم ، وضبطوا فیها المنقول من مکاشفاتهم ، وأعربوا فیها عن حججهم ومقاصدهم التی بنوها علیها، من أراد الوقوف علیها فلیراجعها.

وأما البحث عن تفصیل الطرق والمسالک وتصحیح الصحیح ونقد الفاسد ، فله مقام آخر ، وقد تقدم فی الجزء الخامس من هذا الکتاب بحث لا یخلو عن نفع فی هذا الباب ، فهذه خلاصه ما أردنا إیراده من البحث المتعلق بمعنی معرفة النفس .

واعلم أن عرفان النفس بغیة عملیة لا یحصل تمام المعرفة بها إلا من طریق السلوک العملی دون النظری .

وأما علم النفس الذی دَوَّنه أرباب النظر من القدماء فلیس یغنی من ذلک شیئاً ، وکذلک فن النفس العملی الذی دونه المتأخرون حدیثاً ، فإنما هو شعبة من فن الاخلاق علی ما دونه القدماء ، والله الهادی. انتهی .

الموقف الفقهی من الدعوة إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس

ما ذکره صاحب المیزان(رحمه الله)من الطریقین لمعرفة الله تعالی: طریق النظر فی الآفاق وطریق النظر فی الأنفس ، مطلب شائع بین العرفانیین والمتصوفة، والظاهر أنهم

أخذوه من قوله تعالی ( سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ولابد هنا من تسجیل الملاحظات التالیة:

أولاً: وردت أحادیث شریفة فی تفسیر الآیة المذکورة بأنها من علامات ظهور

ص: 323

الإمام المهدی(علیه السّلام)أو من الاحداث التی تظهر علی یده ، وأن المقصود بالآفاق آفاق الأرض حیث ( تنتقض الأطراف علیهم ) أی علی الجبارین قرب ظهوره (علیه السّلام). ویؤید ذلک سین الإستقبال فی الآیة ، التی تخبر عن حدث فی المستقبل ، وإلا لقال ( ولقد أریناهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم ) مثلاً. أو قال ( أو لم ینظروا فی الآفاق ) کما قال تعالی (أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) .

ثانیاً: لا شک أن النظر فی ملکوت السماوات والأرض ، أی فیما یمکن للإنسان معرفته وفهمه وأخذ العبرة منه ، أمر محبوب شرعاً وموصل إلی معرفة الله تعالی وزیادة الإیمان به. قال تعالی: أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ الاعراف : 185 ، ولکن نفس الإنسان جزء من هذا الملکوت وواحدة من هذه الآفاق ، ولیست طریقاً فی مقابل بقیة الآفاق .

ثالثاً: لم أجد سنداً للحدیث الذی ذکره ( المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین ) ومن البعید أن یکون حدیثاً شریفاً ، وعلی فرض صحته لا یصح تفسیره بما ذکره (رحمه الله)فإن المقابل لمعرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالی ، أو معرفة الله بأنبیائه وأولیائه ، أو معرفة الله بآیاته غیر النفس..فمن أین جعل(رحمه الله)المعرفة التی تقابل معرفة النفس ، معرفة الآفاق وحصره المقابلة بها. ثم إذا کانت المعرفة بالسیر الآفاقی تشمل معرفة الله بالله تعالی وبأولیائه صلوات الله علیهم ، فکیف یصح تفضیل معرفته عن طریق النفس علی هذه المعرفة ؟!

رابعاً: تقدم بحث الحد الأدنی الواجب من معرفة الله تعالی ، ولم یتعرض الفقهاء والمتکلمون إلی طرقه ، ولم یفضلوا بعضها علی بعض. کما تقدم أن معرفة الله هی من صنعه تعالی فی نفس الإنسان وألطافه به ، ولا صنع للإنسان فیها .

ص: 324

خامساً: لا شک فی صحة ما ذکره(رحمه الله)من أن تزکیة النفس وتهذیبها من الرذائل والشهوات والتعلق بحطام الدنیا ومتاعها ، مقدمة لازمة لتحقیق هدف الدین الذی هو عبادة الله تعالی. قال تعالی ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ) وقال تعالی ( هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُواْ عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ ) ولکن الوارد فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة هو تزکیة النفس وجهاد النفس ومخالفة النفس ، وهی أمور عملیة غیر ما یطرحه المتصوفة والعرفاء من معرفة النفس ، وإن کانت تزکیة النفس تتوقف علی قدر من معرفتها .

سادساً: لو سلمنا أن تزکیة النفس ومخالفتها وجهادها هی نفس معرفة النفس التی طرحها المتصوفة والعرفاء ، ولکن الدعوة إلی معرفة الله تعالی وطاعته عن طریق معرفة النفس علی إجمالها وإهمالها تتضمن مخاطر عدیدة لا یمکن قبولها ، لأنها تتسع للضد والنقیض فی الأسالیب والاهداف والقدوات . . جمیعاً .

فبعض الدعوات إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس تتبنی العزلة والرهبانیة ، وبعضها یتبنی إصلاح النفس والمجتمع والحکم. وبعضها یدعو إلی التقید بأحکام الشریعة المقررة فی هذا المذهب أو ذاک . . . وبعضها یدعو إلی تقلید الأستاذ شیخ الطریقة أو أستاذ الأخلاق وما شابه، دون الحاجة إلی أخذ أی مفهوم أو حکم شرعی من غیره !

وبعضها یدعی أنه یتصل بالله تعالی عن طریق المعرفة فیلهم العقائد والأحکام الشرعیة ، ولا یحتاج عند ذلک إلی شریعة ! بل ولا إلی نبوة !!

وبعض الدعوات تجعل قدوتها فی المعرفة بعض الصحابة أو الأولیاء الذین لم یجعلهم الله تعالی ولا رسوله قدوة. بل قد یتخذ بعضهم قدوة من العرفاء والمتصوفة غیر المسلمین .. إلی آخر ما هنالک من تعدد الأسالیب والأهداف

ص: 325

والقدوات .

ولهذا ، فإن من المشکل جداً أن ندعو الناس إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس ، ونقول لهم اقتدوا بأستاذکم حتی یصل أحدکم إلی الله تعالی فیصیر أستاذاً مجتهداً ! فما أیسر أن یجلس الشیطان فی

هذا الطریق وینحرف بالإنسان !

سابعاً: بما أن حب الذات أقوی غرائز الإنسان علی الإطلاق ، فإن دعوة العوام بل وأکثر المتعلمین إلی سلوک طریق العرفان والتصوف بدون تحدید الوسائل والأهداف والقدوة ، یجعلهم فی معرض الوقوع فی عبادة الذات وتعظیمها ، فیتخیل أحدهم أنه وصل إلی الله تعالی ، وحصل علی ارتباط به ، وصار صاحب أسرار إلهیة ، ویزین له الشیطان العیش فی عالم من نسیج الخیال وحب الذات ، وقد تظهر منه ادعاءات باطلة واتجاهات منحرفة ، أعاذنا الله وجمیع المؤمنین .

لذلک فإن الإئتمام فی المعرفة وتعیین وسائلها وهدفها من أول ضروریاتها ، فالواجب الترکیز علی القدوة فی معرفة النفس والسلوک ، قبل الدعوة إلی سلوک طریق لا إمام له .

ثامناً: ما دامت معرفة النفس عند المتصوفة طریقاً إلی معرفة الله تعالی ، ومعرفة الله تعالی طریقاً إلی عبادته ، فالهدف المتفق علیه عند الجمیع هو عبادة الله سبحانه. وهذه العبادة التی هی غایة الخلق وطریق التکامل الإنسانی الوحید ، إنما تحصل بإطاعته سبحانه ، وإطاعة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإطاعة أهل بیته(علیهم السّلام) أولی الأمر الذین أمرنا الله ورسوله بإطاعتهم والاقتداء بهم . .

ولذلک فلابد فی الدعوة إلی المعرفة والعرفان وتزکیة النفس وتطهیرها وجهادها وغرس الفضائل فیها .. أن تتقید بإطاعة الأحکام الشرعیة کاملة ، وتتخذ من

ص: 326

النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم قدوة وأئمة فی المسلک والسلوک .. حتی تکون طریقاً صحیحاً فی الحیاة ، موصلة إلی رضوان الله تعالی. ولذلک أجاب أحد الفقهاء شخصاً سأله ما هو العرفان ، وکیف یکون الإنسان عارفاً ، فقال له: هذه الأحکام الشرعیة التی تطبقها یومیاً فتصلی وتقوم بالواجبات وتترک المحرمات هی العرفان ، وأنت بسلوکک هذا تمارس المعرفة .

ومن الطبیعی أن یکون ذلک السلوک علی درجات ومراتب ومقامات ، ولکنها تتحق من هذا الطریق الذی سلکه النبی وآله وتلامذتهم ، لا من غیره .

ص: 327

ص: 328

الفصل العاشر : معرفة النبی والأئمة صلوات الله علیهم

اشارة

ص: 329

ص: 330

یجب علی کل الناس معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:1/168

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن العباس بن عمر الفقیمی ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال للزندیق الذی سأله من أین أثبتت الأنبیاء والرسل ؟ قال: أنه لما أثبتنا أن لنا خالقاًصانعاً متعالیاً عنا وعن جمیع ما خلق ، وکان ذلک الصانع حکیماً متعالیاً لم یجز أن یشاهده خلقه ولا یلامسوه ، فیباشرهم ویباشروه ویحاجهم ویحاجوه ، ثبت أن له سفراء فی خلقه ، یعبرون عنه إلی خلقه وعباده، ویدلونهم علی مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفی ترکه فناوهم ، فثبت الأمرون والناهون عن الحکیم العلیم فی خلقه والمعبرون عنه عز وجل ، وهم الأنبیاء(علیهم السّلام) وصفوته من خلقه ، حکماء مؤدبین بالحکمة ، مبعوثین بها ، غیر مشارکین للناس - علی مشارکتهم لهم فی الخلق والترکیب - فی شئ من أحوالهم ، مؤیدین من عند الحکیم العلیم بالحکمة ، ثم ثبت ذلک فی کل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبیاء من الدلائل والبراهین ، لکیلا تخلو أرض الله من حجة ، یکون معه علم یدل علی صدق مقالته وجواز عدالته .

دعائم الإسلام:1/5

فأما ما فرض علی القلب من الإیمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسلیم

ص: 331

بأن الله تبارک وتعالی هو الواحد ، لا إله إلا هو وحده لا شریک له إلهاً واحداً أحداً صمداً لم یتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإقرار بما کان من عند الله من نبی أو کتاب ، وذلک ما فرض علی القلب من الإقرار والمعرفة .

الهدایة للصدوق/5

یجب أن یعتقد أن النبوة حق کما اعتقدنا أن التوحید حق ، والأنبیاء الذین بعثهم الله مئة ألف نبی وأربعة وعشرون ألف نبی ،جاؤوا بالحق من عند الحق وأن قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصیتهم معصیة الله ، فإنهم لم ینطقوا إلا عن الله تبارک وتعالی وعن وحیه. وأن سادة الأنبیاء خمسة الذین علیهم دارت الرحی ، وهم أصحاب الشرایع وهم أولوا العزم: نوح ، وإبراهیم ، وموسی ، وعیسی، ومحمد صلوات الله علیهم ، وأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سیدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلین ، وأن الذین کذبوه لذائقوا العذاب الألیم ، وأن الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذی أنزل معه أولئک هم المفلحون .

ویجب أن یعتقد أن الله تعالی لم یخلق خلقاً أفضل من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن بعده الأئمة صلوات الله علیهم ، وأنهم أحب الخلق إلی الله عز وجل وأکرمهم علیه ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله میثاق النببین من الذر ، وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی ، وأن الله بعث نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الذر ، وأن الله أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر معرفته ، ونبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سبقهم إلی الإقرار به .

ویعتقد أن الله تبارک وتعالی خلق جمیع ما خلق له ولاهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه لولاهم ما خلق السماء والأرض ، ولا الجنة والنار ، ولا آدم ولا حواء ولا الملائکة ، ولا

ص: 332

شیئاً مما خلق ، صلوات الله علیهم أجمعین... .

رسائل الشهید الثانی:2/144

الثالث ، فی بیان المعارف التی یحصل بها الإیمان ، وهی خمسة أصول: الأصل الأول ، معرفة الله تعالی وتقدس. المراد بها التصدیق الجازم الثابت بأنه تعالی موجود أزلاً وأبداً ، واجب الوجود لذاته... .

الأصل الثانی ، التصدیق بعدله ، أی بأنه عادل. والتصدیق بحکمته... .

الأصل الثالث ، التصدیق بنبوة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبجمیع ما جاء به ، تفصیلاً فیما علم تفصیلاً ، وإجمالاً فیما علم إجمالاً. ولیس بعیداً أن یکون التصدیق الإجمالی بجمیع ما جاء به(علیه السّلام)کافیاً فی تحقق الإیمان ، وإن کان المکلف قادراً علی العلم بذلک تفصیلاً یجب العلم بتفاصیل ما جاء به من الشرائع للعمل به .

وأما تفصیل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد ، کالتکلیف بالعبادات ، والسؤال فی القبر وعذابه ، والمعاد الجسمانی ، والحساب والصراط ، والجنة ، والنار ، والمیزان ، وتطایر الکتب ، مما ثبت مجیؤه به تواتراً ، فهل التصدیق بتفاصیله معتبرة فی تحقق الإیمان ؟ صرح باعتباره جمع من العلماء. والظاهر أن التصدیق به إجمالاً کاف، بمعنی أن المکلف لو اعتقد حقیة کل ما أخبر به(علیه السّلام) بحیث کلما ثبت عنده جزئی منها صدق به تفصیلاً کان مؤمناً وإن لم یطلع علی تفاصیل تلک الجزئیات بعد ، ویؤید ذلک أن أکثر الناس فی الصدر الأول لم یکونوا عالمین بهذه التفاصیل فی الأول ، بل کانوا یطلعون علیها وقتاً فوقتاً ، مع الحکم بإیمانهم فی کل وقت من حین التصدیق بالوحدانیة والرسالة ، بل هذا حال أکثر الناس فی جمیع الاعصار کما هو المشاهد ، فلو اعتبرناه لزم خروج

ص: 333

أکثر أهل الإیمان عنه ، وهو بعید عن حکمة العزیز الحکیم. نعم العلم بذلک لا ریب أنه من مکملات الإیمان . . . .

کشف الغطاء/4

. . . ثم لا تجب علی الأمم اللاحقة معرفة الأنبیاء السابقین، نعم ربما وجب معرفة أن لله أنبیاء قد سبقت دعوتهم وانقرضت ملتهم علی الاجمال. ویجب معرفة عصمته بالدلیل ، ویکفی فیه أنه لو جاز علیه الخطأ والخطیئة لم یبق وثوق بإخباره ولا إعتماد علی وعده ووعیده ، فتنتفی فائدة البعثة .

یعرف النبی بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة

رسائل الشریف المرتضی:3/18

باب ما یجب اعتقاده فی النبوة. متی علم الله سبحانه أن لنا فی بعض الأفعال مصالح وألطافاً ، أو فیها ما هو مفسدة فی الدین ، والعقل لا یدل علیها ، وجب بعثة الرسول لتعریفه ، ولا سبیل إلی تصدیقه إلا بالمعجز. وصفة المعجز أن یکون خارقاً للعادة ، ومطابقاً لدعوی الرسول ومتعلقاً بها ، وأن یکون متعذراً فی جنسه أو صفته المخصوصة علی الخلق ، ویکون من فعله تعالی أو جاریاً مجری فعله تعالی ، وإذا وقع موقع التصدیق فلا بد من دلالته علی المصدق وإلا کان قبیحاً .

. . . باب ما یجب إعتقاده فی الإمامة وما یتصل به أوجب فی الإمام عصمته ، لأنه لو لم یکن کذلک لکانت الحاجة إلیه فیه، وهذا یتناهی من الرؤساء والإنتهاء إلی رئیس معصوم. وواجب أن یکون أفضل من رعیته وأعلم ، لقبح تقدیم المفضول علی الفاضل فیما کان أفضل منه فیه فی العقول. فإذا وجبت عصمته وجب النص من الله تعالی علیه وبطل إختیار الإمامة ، لأن العصمة لا طریق للأنام إلی العلم

ص: 334

بمن هو علیها .

الاقتصاد للشیخ الطوسی/151

ولا طریق إلی معرفة النبی إلا بالمعجز ، والمعجز فی اللغة عبارة عمن جعل غیره عاجزاً ، مثل المقدور الذی یجعل غیره قادراً إلا أنه صار بالعرف عبارة عما یدل علی صدق من ظهر علی یده واختص به ، والمعتمد علی ما فی العرف دون مجرد اللغة .

والمعجز یدل علی ما قلناه بشروط: أولها أن یکون خارقاً للعادة ، والثانی یکون من فعل الله أو جاریاً مجری فعله ، والثالث أن یتعذر علی الخلق جنسه أو صفته المخصوصة ، والرابع أن یتعلق بالمدعی علی وجه التصدیق لدعواه .

. . . فعلی هذا لا یلزم أن یظهر الله علی ید کل إمام معجزاً ، لأنه یجوز أن یعلم إمامته بنص أو طریق آخر ، ومتی فرضنا أنه لا طریق إلی معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلک علیه وجری مجری النبی سواء ، لأنه لابد لنا من معرفته کما لابد لنا من معرفة النبی المتحمل لمصالحنا.

ولو فرضنا فی نبی علمنا نبوته بالمعجز أنه نص علی نبی آخر لاغنی ذلک عن ظهور المعجز علی ید النبی الثانی ، بأن نقول: النبی الأول أعلمنا أنه نبی ، کما یعلم بنص إمام علی إمامته ولا یحتاج إلی معجز .

وتجب معرفة الأئمة لأن الله تعالی فرض طاعتهم

رسائل الشهید الثانی:2/145

الأصل الرابع: التصدیق بإمامة الإثنی عشر صلوات الله علیهم أجمعین ، وهذا الأصل اعتبرته فی تحقق الإیمان الطائفة المحقة الإمامیة، حتی أنه من ضروریات

ص: 335

مذهبهم ، دون غیرهم من المخالفین ، فإنه عندهم من الفروع . . . .

الکافی:1/180

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه ، عمن ذکره ، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إنکم لا تکونون صالحین حتی تعرفوا ولا تعرفوا ، حتی تصدقوا ولا تصدقوا ، حتی تسلموا ، أبواباً أربعة لا یصلح أولها إلا بآخرها . . . إنما یتقبل الله من المتقین ، فمن اتقی الله فیما أمره لقی الله مؤمناً بما جاء به محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هیهات هیهات فات قوم وماتوا قبل أن یهتدوا وظنوا أنهم آمنوا ، وأشرکوا من حیث لا یعلمون. إنه من أتی البیوت من أبوابها اهتدی ، ومن أخذ فی غیرها سلک طریق الردی ، وصل الله طاعة ولی أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترک طاعة ولاة الأمر لم یطع الله ولا رسوله ، وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عز وجل ، خذوا زینتکم عند کل مسجد والتمسوا البیوت التی أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه ، فإنه أخبرکم أنهم رجال لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة یخافون یوماً تتقلب فیه القلوب والأبصار .

إن الله قد استخلص الرسل لأمره ، ثم استخلصهم مصدقین بذلک فی نذره فقال: وإن من أمة إلا خلا فیها نذیر ، تاه من جهل ، واهتدی من أبصر وعقل. إن الله عز وجل یقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَی الأَبْصَارُ وَلَکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ ، وکیف یهتدی من لا یبصر ؟ وکیف یبصر من لم یتدبر ؟ إتبعوا رسول الله وأهل بیته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدی، فإنهم علامات الإمامة والتقی، واعلموا أنه لو أنکر رجل عیسی ابن مریم(علیه السّلام)وأقر بمن سواه من الرسل لم

ص: 336

یؤمن. اقتصوا الطریق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار ، تستکملوا أمر دینکم وتؤمنوا بالله ربکم . . .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضا الرحمن تبارک وتعالی: الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال: إن الله تبارک وتعالی یقول: مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّی فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظًا .

الحسین بن محمد الأشعری ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء عن أبان بن عثمان ، عن أبی الصباح قال: أشهد أنی سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: أشهد أن علیاً إمام فرض الله طاعته ، وأن الحسن إمام فرض الله طاعته ، الحسین إمام فرض الله طاعته ، وأن علی بن الحسین إمام فرض الله طاعته ، وأن محمد بن علی إمام فرض الله طاعته .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد بن عیسی عن الحسین بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا . قال: الطاعة المفروضة .

أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی الصباح الکنانی قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا ، ولنا صفوا المال ، ونحن الراسخون فی العلم ، ونحن المحسودون الذین قال الله: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ .

أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن الحسین بن أبی العلاء قال: ذکرت لابی عبد الله(علیه السّلام)قولنا فی الاوصیاء أن طاعتهم مفترضة قال فقال: نعم ، هم الذین قال الله تعالی: أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ. وهم الذین قال الله

ص: 337

عز وجل: إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا .

وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسی الحسن(علیه السّلام)فقال: طاعتک مفترضة ؟ فقال نعم ، قال: مثل طاعة علی ابن أبی طالب(علیه السّلام)؟

فقال: نعم .

وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد عن علی بن الحکم ، عن علی بن أبی حمزة عن بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال سألته عن الأئمة هل یجرون فی الأمر والطاعة مجری واحداً ؟ قال: نعم .

علی ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن محمد بن الفضیل قال: سألته عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی الله عز وجل ، قال: أفضل ما یتقرب به العباد إلی الله عز وجل طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولی الأمر ، قال أبو جعفر(علیه السّلام): حبنا إیمان وبغضنا کفر .

محمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن عیسی ، عن فضالة بن أیوب ، عن أبان ، عن عبدالله بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر ، قال: قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): أعرض علیک دینی الذی أدین الله عز وجل به ؟ قال: فقال هات ، قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله ، وأن علیاً کان إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده الحسن إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده الحسین إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده علی بن الحسین إماماً فرض الله طاعته حتی انتهی الأمر إلیه ، ثم قلت: أنت یرحمک الله ؟ قال: فقال: هذا دین الله ودین ملائکته .

دعائم الإسلام:1/52

ص: 338

. . . ثم قال أبوعبدالله جعفر بن محمد صلی الله علیه . . . وإنما یقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التی افترضها علیهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ، ودعاهم إلیه ، فأول ذلک معرفة من دعا إلیه ، وهو الله الذی لا إله إلا هو وحده والإقرار بربوبیته ، ومعرفة الرسول الذی بلغ عنه ، وقبول ما جاء به ، ثم معرفة الوصی ، ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذین افترض الله طاعتهم فی کل عصر وزمان علی أهله ، والإیمان والتصدیق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علی العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً ، واجتناب ما حرم الله عز وجل علیهم ظاهره وباطنه... .

الهدایة للصدوق/6

باب الإمامة. یجب أن یعتقد أن الإمامة حق ، کما اعتقد أن النبوة حق ، ویعتقد أن الله عز وجل الذی جعل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نبیاً هو الذی جعل الإمام إماماً ، وأن نصب الإمام واختیاره إلی الله عز وجل ، وأن فضله منه .

ویجب أن یعتقد أنه یلزمنا من طاعة الإمام ما یلزمنا من طاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل فضل آتاه الله عز وجل نبیه فقد آتاه الإمام إلا النبوة ... .

باب معرفة الأئمة الذین هم حجج الله علی خلقه بعد نبیه صلوات الله علیه وعلیهم بأسمائهم .

یجب أن یعتقد أن حجج الله عز وجل علی خلقه بعد نبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأئمة الإثنا عشر: أولهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ثم الحسن ، ثم الحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم محمد بن علی ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسی بن جعفر ، ثم الرضا علی بن موسی ، ثم محمد بن علی ، ثم علی بن محمد ، ثم الحسن بن علی ، ثم الحجة القائم صاحب الزمان خلیفة الله فی أرضه ، صلوات الله علیهم

ص: 339

أجمعین .

ویجب أن یعتقد أنهم أولوا الأمر الذین أمر الله بطاعتهم ، وأنهم الشهداء علی الناس ، وأنهم أبواب الله والسبیل إلیه والأدلاء علیه ، وأنهم عیبة علمه وتراجمة وحیه وأرکان توحیده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً ، وأن لهم المعجزات والدلائل ، وأنهم أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماوات ، ومَثَلُهم فی هذه الأمة کمثل سفینة نوح وباب حطة الله ، وأنهم عباد الله المکرمون الذین لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون. ویجب أن یعتقد أن حبهم إیمان وبغضهم کفر ، وأن أمرهم أمر الله ونهیهم نهی الله ، وطاعتهم طاعة الله ومعصیتهم معصیة الله ، وولیهم ولی الله وعدوهم عدو الله .

ویجب أن یعتقد أن حجة الله فی أرضه وخلیفته علی عباده فی زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، وأنه هو الذی أخبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )به عن الله عز وجل بإسمه ونسبه ، وأنه هو الذی یملا الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً ،وأنه هو الذی یظهر الله عز وجل به دینه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الدین کله ولو کره المشرکون ، وأنه هو الذی یفتح الله عز وجل علی یده مشارق الأرض ومغاربها ، حتی لا یبقی مکان إلا ینادی فیه بالأذان ویکون الدین کله لله ، وأنه هو المهدی الذی إذا خرج نزل عیسی بن مریم(علیه السّلام)فصلی خلفه ، ویکون إذا صلی خلفه مصلیاً خلف الرسول (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه خلیفته .

ویجب أن یعتقد أنه لا یجوز أن یکون القائم غیره ، بقی فی غیبته ما بقی ، ولو

ص: 340

بقی فی غیبته عمر الدنیا لم یکن القائم غیره ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) عرفوا باسمه ونسبه ونصوا به وبشروا .

ویجب أن یتبرأ إلی الله عز وجل من الأوثان الأربعة: یغوث ویعوق ونسر وهبل ، ومن الأنداد الأربع اللات والعزی ومناة والشعری ، وممن عبدوهم ومن جمیع أشیاعهم وأتباعهم ، ویعتقد فیهم أنهم أعداء الله وأعداء رسوله وأنهم شر خلق الله ، ولا یتم الإقرار بجمیع ما ذکرناه إلا بالتبری منهم .

المقنعة/32

ویجب علی کل مکلف أن یعرف إمام زمانه ، ویعتقد إمامته وفرض طاعته ، وأنه أفضل أهل عصره وسید قومه ، وأنهم فی العصمة والکمال کالأنبیاء(علیهم السّلام) یعتقد أن کل رسول لله تعالی فهو نبی إمام ، ولیس کل إمام نبیاً ولا رسولاً ، وأن الأئمة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حجج الله تعالی وأولیائه وخاصة أصفیاء الله

، أولهم وسیدهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، علیه أفضل السلام ، وبعده الحسن والحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم محمد بن علی بن الحسین ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسی بن جعفر ، ثم علی بن موسی ، ثم محمد بن علی بن موسی ، ثم علی بن محمد بن علی ، ثم الحسن بن علی بن محمد ، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی(علیهم السّلام) ، لاإمامة لاحد بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غیرهم ، ولا یستحقها سواهم ، وأنهم الحجة علی کافة الانام کالأنبیاء(علیهم السّلام) وأنهم أفضل خلق الله بعد نبیه علیه وآله السلام ، والشهداء علی رعایاهم یوم القیامة ، کما أن الأنبیاء(علیهم السّلام) شهداء الله علی أممهم ، وأنه بمعرفتهم وولایتهم تقبل الأعمال ، وبعداوتهم والجهل بهم

ص: 341

یستحق النار .

رسائل الکرکی:2/298

مسألة: معرفة تعداد الأئمة(علیهم السّلام) شرط فی صحة عقد النکاح ، أم یکفی معرفتهم وإعتقاد إمامتهم إجمالاً من الزوجین من غیر معرفة التعداد علی الترتیب أو من غیر تعداد مطلقاً ؟

الجواب: إن کانت الزوجة عارفة فلا بد من معرفة الزوج .

العروة الوثقی:2/318

مسألة: استشکل بعض العلماء فی جواز إعطاء الزکاة لعوام المؤمنین الذین لا یعرفون الله إلا بهذا اللفظ ، أو النبی أو

الأئمة کلاً أو بعضاً ، شیئاً من المعارف ، الخمس واستقرب عدم الأجزاء ، بل ذکر بعض آخر أنه لا یکفی معرفة الأئمة بأسمائهم بل لابد فی کل واحد أن یعرف أنه من هو وابن من ، فیشترط تعیینه وتمییزه عن غیره ، وأن یعرف الترتیب فی خلافتهم ، ولو لم یعلم أنه هل یعرف ما یلزم معرفته أم لا یعتبر الفحص عن حاله ، ولا یکفی الإقرار الإجمالی بأنی مسلم مؤمن واثنی عشری. وما ذکروه مشکل جداً ، بل الاقوی کفایة الإقرار الإجمالی وإن لم یعرف أسماؤهم أیضاً فضلاً عن أسماء آبائهم والترتیب فی خلافتهم .

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض مودتهم

الغدیر للامینی:2/324

أخرج القاضی عیاض فی الشفاء عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمان من

ص: 342

العذاب. ویوجد فی الصواعق/139 ، والإتحاف/15 ، ورشفة الصادی/459 .

الغدیر:2/307

أخرج الحافظ أبو عبد الله الملا فی سیرته أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله جعل أجری علیکم المودة فی أهل بیتی ، وإنی سائلکم غداً عنهم. ورواه محب الدین الطبری فی الذخائر/25 وابن حجر فی الصواعق/102 و 136 والسمهودی فی جواهر العقدین .

قال جابر بن عبدالله: جاء أعرابی إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: یا محمد أعرض علی الإسلام .

فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، وأن محمداً عبده ورسوله .

قال: تسألنی علیه أجراً قال: لا ، إلا المودة فی القربی .

قال: قرابتی أو قرابتک !

قال: قرابتی .

قال: هات أبایعک ، فعلی من لا یحبک ولا یحب قرابتک لعنة الله .

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): آمین .

أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة/31 من طریق الحافظ أبی نعیم ، عن محمد بن أحمد بن مخلد ، عن الحافظ ابن أبی شیبة بإسناده .

وأخرج الحافظ الطبری ، وابن عساکر ، والحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل لقواعد التفضیل ، بعدة طرق عن أبی أمامة الباهلی ، قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله خلق الأنبیاء من أشجار شتی ، وخلقنی من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلی فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسین ثمرها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوی ، ولو أن عبداً عبد الله بین الصفا والمروة ألف عام ثم

ص: 343

ألف عام ثم ألف عام ، ثم لم یدرک محبتنا ، أکبه الله علی منخریه فی النار. ثم تلا: قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی .

الغدیر:1/242

شمس الدین أبوالمظفر سبط ابن الجوزی الحنفی المتوفی 654 ، رواه فی تذکرته/19

قال: ذکر أبوإسحاق الثعلبی فی تفسیره بإسناده أن النبی(ص)لما قال ذلک ( یعنی حدیث الولایة ) طار فی الأقطار وشاع فی البلاد والأمصار فبلغ ذلک الحرث بن النعمان الفهری فأتاه علی ناقة له فأناخها علی باب المسجد ، ثم عقلها وجاء فدخل فی المسجد فجثا بین یدی رسول الله(ص)فقال: یا محمد إنک أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله فقبلنا منک ذلک ، وإنک أمرتنا أن نصلی خمس صلوات فی الیوم واللیلة ونصوم رمضان ونحج البیت ونزکی أموالنا فقبلنا منک ذلک ، ثم لم ترض بهذا حتی رفعت بضبعی ابن عمک وفضلته علی الناس وقلت: من کنت مولاه فعلی مولاه. فهذا شئ منک أو من الله ؟ !

فقال رسول الله(ص)وقد احمرت عیناه: والله الذی لا إله إلا هو ما هو إلا من الله .

فولی الحرث وهو یقول: اللهم إن کان ما یقول محمد حقاً فأرسل من السماء علینا حجارة أو ائتنا بعذاب ألیم ! قال: فوالله ما بلغ ناقته حتی رماه الله من السماء بحجر فوقع علی هامته فخرج من دبره و مات ، وأنزل الله تعالی: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . الآیات... .

شمس الدین الشربینی القاهری الشافعی المتوفی 977 ( المترجم/135 ) قال: فی تفسیره السراج المنیر 4/364: اختلف فی هذا الداعی فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث ، وقیل: هو الحرث بن النعمان . . . انتهی .

ص: 344

ملاحظة: لا ینافی هذا الحدیث نزول الآیة فی مکة ، لأن ما وقع فی المدینة یکون تأویلها ، فیکون المعنی أن الحرث الفهری هو السائل بالعذاب الذی أخبر عنه الله تعالی قبل ذلک ، أو یکون مصداقاً للسائلین بالعذاب.

علی أنه لا مانع من القول بنزول جبرئیل مرة أخری بالآیة مؤکداً حادثة تأویلها ، بل لا مانع من نزول الآیة مرتین .

الشفا للقاضی عیاض جزء 2/47

فصل. ومن توقیره(ص)وبره بر آله وذریته وأمهات المؤمنین أزواجه کما حض علیه(ص)وسلکه السلف الصالح رضی الله عنهم ، قال الله تعالی: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ ، الآیة. وقال تعالی: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ .

أخبرنا الشیخ أبو محمد بن أحمد العدل من کتابه وکتبت من أصله ، حدثنا أبو الحسن المقری الفرغانی ، حدثتنی أم القاسم بنت الشیخ أبی بکر الخفاف ، قالت حدثنی أبی حدثنا خاتم هو ابن عقیل ، حدثنا یحیی هو ابن اسماعیل ، حدثنا یحیی هو الحمائی ، حدثنا وکیع ، عن أبیه ، عن سعید بن مسروق ، عن یزید بن حیان ، عن زید بن أرقم (رض) قال قال رسول الله (ص): أنشدکم الله أهل بیتی ، ثلاثاً. قلنا لزید: من أهل بیته ؟ قال آل علی وآل جعفر وآل عقیل وآل العباس .

وقال (ص): إنی تارک فیکم ما إن أخذتم به لم تضلوا: کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما .

وقال (ص): معرفة آل محمد(ص)براءة من النار ، وحب آل محمد جواز علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمان من العذاب .

ص: 345

قال بعض العلماء: معرفتهم هی معرفة مکانهم من النبی(ص)وإذا عرفهم بذلک ، عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه. انتهی .

ونلاحظ أن القاضی عیاضاً قد بتر حدیث الغدیر الذی یرویه مسلم وغیره ، فلم یرو إلا جزءً من آخره، ثم فسر معرفة آل محمد بأنها معرفة نسبهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو معرفة معزته لهم، مدعیاً أن الإنسان یستحق براءة من النار ! ! وهذا من عجائب الفتاوی التی تجعل الجنة مشروطة بمعرفة نسب آل النبی صلی الله علیه وعلیهم ! أما اتِّباعهم وإطاعتهم ، وموالاة من ولیهم ومعاداة عدوهم فلا یجب منه شی..!

وقد تعرض السید شرف الدین لهذا الحدیث فی المراجعات/82 وقال فی هامشه:

أورده القاضی عیاض فی الفصل الذی عقده لبیان أن من توقیره وبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بر آله وذریته ، من کتاب الشفا فی أول/40 من قسمه الثانی طبع الاستانة سنة 1328 ، وأنت تعلم أن لیس المراد من معرفتهم هنا مجرد معرفة أسمائهم وأشخاصهم وکونهم أرحام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن أبا جهل وأبا لهب لیعرفان ذلک کله ، وإنما المراد معرفة أنهم أولوا الأمر بعد رسول الله علی حد قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة. انتهی .

ومن الطریف أن القاضی عیاضاً روی بعد هذا الحدیث أحادیث أخری تفسر معرفة أهل البیت(علیهم السّلام) بخلاف ما فسرها ، قال:

وعن عمر بن أبی سلمة لما نزلت: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ ، الآیة - وذلک فی بیت أم سلمة - دعا فاطمة وحسناً وحسیناً فجللهم بکساء وعلی خلف ظهره ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بیتی فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا.

وعن سعد بن أبی وقاص: لما نزلت آیة المباهلة دعا النبی(ص)علیاً وحسناً وحسیناً وفاطمة وقال: اللهم هؤلاء أهلی .

ص: 346

وقال النبی(ص)فی علی: من کنت مولاه فعلی مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال فیه: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق . . . وقال أبو بکر (رض): إرقبوا محمداً فی أهل بیته. انتهی !

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض الصلاة علیهم

رسائل الشریف المرتضی:2/249

الرسالة الباهرة فی العترة الطاهرة. بسم الله الرحمن الرحیم. قال (رض): مما یدل أیضاً علی تقدیمهم(علیهم السّلام) وتعظیمهم علی البشر أن الله تعالی دلنا علی أن المعرفة بهم کالمعرفة به تعالی فی أنها إیمان وإسلام ، وإن الجهل والشک فیهم کالجهل به والشک فیه فی أنه کفر وخروج من الإیمان ، وهذه منزلة لیس لاحد من البشر إلا لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعده لامیر المؤمنین(علیه السّلام)والأئمة من ولده علی جماعتهم السلام. لأن المعرفة بنبوة الأنبیاء المتقدمین من آدم إلی

عیسی(علیهم السّلام) أجمعین غیر واجبة علینا ولا تعلق لها بشئ من تکالیفنا ، ولولا أن القرآن ورد بنبوة من سمی فیه من الأنبیاء المتقدمین فعرفناهم تصدیقاً للقرآن وإلا فلا وجه لوجوب معرفتهم علینا، ولا تعلق لها بشئ من أحوال تکلیفنا .

وبقی علینا أن ندل علی أن الأمر علی ما ادعیناه .

والذی یدل علی أن المعرفة بإمامة من ذکرناه(علیهم السّلام) من جملة الإیمان وأن الإخلال بها کفر ورجوع عن الإیمان ، إجماع الشیعة الإمامیة علی ذلک فإنهم لا یختلفون فیه ، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذی قد دلت العقول علی وجوده فی کل زمان فی جملتهم وفی زمرتهم ، وقد دللنا علی هذه الطریقة فی مواضع کثیرة من کتبنا واستوفیناها فی جواب التبانیات خاصة ، وفی

ص: 347

کتاب نصرة ما انفردت به الشیعة الإمامیة من المسائل الفقهیة ، فإن هذا الکتاب مبنی علی صحة هذا الأصل .

ویمکن أن یستدل علی وجوب المعرفة بهم(علیهم السّلام) بإجماع الأمة ، مضافاً إلی ما بیناه من إجماع الإمامیة وذلک أن جمیع أصحاب الشافعی یذهبون إلی أن الصلاة علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی التشهد الاخیر فرض واجب ورکن من أرکان الصلاة من أخل به فلا صلاة له ، وأکثرهم یقول: إن الصلاة فی هذا التشهد علی آل النبی علیهم الصلوات فی الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة علیها کالصلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والباقون منهم یذهبون إلی أن الصلاة علی الال مستحبة ولیست بواجبة .

فعلی القول الأول لابد لکل من وجبت علیه الصلاة من معرفتهم من حیث کان واجباً علیه الصلاة علیهم ، فإن الصلاة علیهم فرع علی المعرفة بهم ، ومن ذهب إلی أن ذلک مستحب فهو من جملة العبادة وإن کان مسنوناً مستحباً والتعبد به یقتضی التعبد بما لا یتم إلا به من المعرفة. ومن عدا أصحاب الشافعی لا ینکرون أن الصلاة علی النبی وآله فی التشهد مستحبة ، وأی شبهة تبقی مع هذا فی أنهم(علیهم السّلام) أفضل الناس وإجلالهم وذکرهم واجب فی الصلاة .

وعند أکثر الأمة من الشیعة الإمامیة وجمهور أصحاب الشافعی أن الصلاة تبطل بترکه وهل مثل هذه الفضیلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم ؟

ومما یمکن الإستدلال به علی ذلک أن الله تعالی قد ألهم جمیع القلوب ، وغرس فی کل النفوس تعظیم شأنهم وإجلال قدرهم علی تباین مذاهبهم واختلاف دیاناتهم ونحلهم ، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباینون مع تشتت الاهواء وتشعب الاراء علی شئ کإجماعهم علی تعظیم من ذکرناه وإکبارهم ، إنهم

ص: 348

یزورون قبورهم ویقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التی وسمت بصلاتهم فیها وحلولهم بها ، وینفقون فی ذلک الأموال ویستنفدون الأحوال ، فقد أخبرنی من لا أحصیه کثرة أن أهل نیسابور ومن والاها من تلک البلدان یخرجون فی کل سنة إلی

طوس لزیارة الإمام أبی الحسن علی بن موسی الرضا صلوات الله علیهما بالجمال الکثیرة والاهبة التی لا توجد مثلها إلا للحج إلی بیت الله. وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب .

وما تسخیر هذه القلوب القاسیة وعطف هذه الأمم البائنة إلا کالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفین لهذه النحلة المنحازین عن هذه الجملة علی أن یراوحوا هذه المشاهد ویغادوها ویستنزلوا عندها من الله تعالی الأرزاق ویستفتحوا الإغلال ویطلبوا ببرکاتها الحاجات ویستدفعوا البلیات ، والأحوال الظاهرة کلها لا توجب ذلک ولا تقتضیه ولا تستدعیه وإلا فعلوا ذلک فیمن یعتقدونهم ، وأکثرهم یعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه فی الدیانة موافق لهم غیر مخالف ومساعد غیر معاند .

ومن المحال أن یکونوا فعلوا ذلک لداع من دواعی الدنیا ، فإن الدنیا عند غیر هذه الطائفة موجودة وعندها هی مفقودة ، ولا لتقیة واستصلاح ، فإن التقیة هی فیهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم ، وکل خوف إنما هو علیهم فلم یبق إلا داعی الدین ، وذلک هو الأمر الغریب العجیب الذی لا ینفذ فی مثله إلا مشیة الله وقدرة القهار التی تذلل الصعاب ، وتقود بأزمتها الرقاب .

ولیس لمن جهل هذه المزیة أو تجاهلها وتعامی عنها وهو یبصرها أن یقول: إن العلة فی تعظیم غیر فرق الشیعة لهؤلاء القوم لیست ما عظمتموه وفخمتموه

ص: 349

وادعیتم خرقه للعادة وخروجه من الطبیعة ، بل هی لأن هؤلاء القوم من عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل من عظم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا بد من أن یکون لعترته وأهل بیته معظماً مکرماً ، وإذا انضاف إلی القرابة الزهد وهجر الدنیا والعفة والعلم زاد الإجلال والإکرام لزیادة أسبابهما .

والجواب عن هذه الشبهة الضعیفة: أنه شارک أئمتنا(علیهم السّلام) فی حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غیرهم ، وکانت لکثیر منهم عبادات ظاهرة وزهادة فی الدنیا بادیة ، وسمات جمیلة وصفات حسنة ، من ولد أبیهم علیه وآله السلام ، ومن ولد العباس رضوان الله علیه ، فما رأینا من الإجماع علی تعظیمهم وزیارة مدافنهم والاستشفاع بهم فی الاغراض ، والاستدفاع بمکانهم للأعراض والأمراض ، وما وجدنا مشاهداً معایناً فی هذا الشراک ، وإلا فمن ذا الذی أجمع علی فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة فی هذه الحالة یجری مجری الباقر والصادق والکاظم والرضا صلوات الله علیهم أجمعین ، لأن من عدا من ذکرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن یعظمه فریق من الأمة ویعرض عنه فریق، ومن عظمه منهم وقدمه لا ینتهی فی الاجلال والاعظام إلی الغایة التی ینتهی إلیها من ذکرناه .

ولو لا أن تفصیل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها علی طول ذلک ولاسمینا من کنینا عنه ونظرنا بین کل معظم مقدم من العترة لیعلم أن الذی ذکرناه هو الحق الواضح ، وما عداه هو الباطل الماضح .

وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن ولیهما من الأئمة صلوات الله علیهم أجمعین کانوا فی الدیانة والإعتقاد وما یفتون من حلال وحرام علی خلاف ما یذهب إلیه مخالفوا الإمامیة ، وإن ظهر شک فی ذلک کله فلا شک ولا شبهة علی

ص: 350

منصف فی أنهم لم یکونوا علی مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة علی تعظیمهم والتقرب إلی الله تعالی بهم .

وکیف یعترض ریب فیما ذکرناه ، ومعلوم ضرورة أن شیوخ الإمامیة وسلفهم فی تلک الازمان کانوا بطانة للصادق والکاظم والباقر(علیهم السّلام) وملازمین لهم ومتمسکین بهم ، ومظهرین أن کل شئ یعتقدونه وینتحلونه ویصححونه أو یبطنونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه ، فلو لم یکونوا عنهم بذلک راضین وعلیه مقرین لابوا علیهم نسبة تلک المذاهب إلیهم وهم منها بریئون خلیون ، ولنفوا ما بینهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ، ولابدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة ، فلو لم یکونوا(علیهم السّلام) لهذه المذاهب معتقدین وبها راضین لبان لنا واتضح ، ولو لم یکن إلا هذه الدلالة لکفت وأغنت. وکیف یطیب قلب عاقل أو یسوغ فی الدین لأحد أن یعظم فی الدین من هو علی خلاف ما یعتقد أنه الحق وما سواه باطل ، ثم

ینتهی فی التعظیمات والکرامات إلی أبعد الغایات وأقصی النهایات ، وهل جرت بمثل هذا عادة أو مضت علیه سنة ؟

أو لا یرون أن الإمامیة لا تلتفت إلی من خالفها من العترة وحاد عن جادتها فی الدیانة ومحجتها فی الولایة ، ولا تسمح له بشئ من المدح والتعظیم فضلاً عن غایته وأقصی نهایته ، بل تتبرأ منه وتعادیه وتجریه فی جمیع الأحکام مجری من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة. وهذا یوقظ علی أن الله خرق فی هذه العصابة العادات وقلب الجبلات ، لیبین من عظیم منزلتهم وشریف مرتبتهم. وهذه فضیلة تزید علی الفضائل وتربی علی جمیع الخصائص والمناقب ، وکفی بها برهاناً لائحاً ومیزاناً راجحاً ، والحمد لله رب العالمین. انتهی .

ص: 351

ملاحظة: نعرف قوة استدلال الشریف الرضی قدس الله نفسه عندما نلاحظ أن نیشابور کانت مرکزاً للعلماء والمذاهب المخالفة لأهل البیت(علیهم السّلام) فمنها أئمة الحدیث وأساتیذ أصحاب الصحاح والشخصیات العلمیة السنیة. بل کانت إلی القرن السادس العاصمة العلمیة للسنة ، ومع ذلک کانت تخرج کلها لزیارة قبر الإمام الرضا(علیهم السّلام) فی طوس ، کل سنة بقوافل کقوافل الحج !! ولا یتسع المقام للتفصیل .

الغدیر للامینی:2/303

فی المقام أخبار کثیرة وکلمات ضافیة توجد فی طیات کتب الفقه والتفسیر والحدیث. ذکر ابن حجر فی الصواعق/87

قوله تعالی: إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا. وروی جملة من الأخبار الصحیحة الواردة فیها وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرن الصلاة علی آله بالصلاة علیه لما سئل عن کیفیة الصلاة والسلام علیه ، ثم قال: وهذا دلیل ظاهر علی أن الأمر بالصلاة علی أهل بیته وبقیة آله مراد من هذه الآیة ، وإلا لم یسألوا عن الصلاة علی أهل بیته وآله عقب نزولها ، ولم یجابوا بما ذکر ، فلما أجیبوا به دل علی أن الصلاة علیهم من جملة المأمور به ، وأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أقامهم فی ذلک مقام نفسه ، لأن القصد من الصلاة علیه مزید تعظیمه ومنه تعظیمهم، ومن ثم لما دخل من مر فی الکساء قال: اللهم إنهم منی وأنا منهم فاجعل صلاتک ورحمتک ومغفرتک ورضوانک علیَّ وعلیهم. وقضیة استجابة هذا الدعاء: أن الله صلی علیهم معه ، فحینئذ طلب من المؤمنین صلاتهم علیهم معه .

ویروی: لا تصلوا علی الصلاة البتراء ، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صل علی محمد وتمسکون ، بل قولوا اللهم صلِّ علی محمد وعلی آل

ص: 352

محمد. ثم نقل للامام الشافعی قوله:

یا أهل بیت رسول الله حبکم

فرض من الله فی القرآن أنزله

کفاکم من عظیم القدر أنکم

من لم یصل علیکم لا صلاة له

فقال: فیحتمل لا صلاة له صحیحة ، فیکون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة علی الال ،ویحتمل لا صلاة کاملة فیوافق أظهر قولیه .

وقال فی هامش الغدیر: نسبهما إلی الإمام الشافعی الزرقانی فی شرح المواهب: 7/7 وجمع آخرون .

وقال ابن حجر فی/139 من الصواعق: أخرج الدار قطنی والبیهقی حدیث: من صلی صلاة ولم یصل فیها علیّ وعلی أهل بیتی لم تقبل منه. وکأن هذا الحدیث هو مستند قول الشافعی(رض): إن الصلاة علی الآل من واجبات الصلاة کالصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لکنه ضعیف ، فمستنده الأمر فی الحدیث المتفق علیه: قولوا اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد ، والأمر للوجوب حقیقة علی الأصح .

وقال الرازی فی تفسیره:7/391: إن الدعاء للآل منصب عظیم ، ولذلک جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد فی الصلاة ، وقوله: اللهم صلِّ علی محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد ، وهذا التعظیم لم یوجد فی حق غیر الآل ، فکل ذلک یدل علی أن حب آل محمد واجب .

وقال: أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ساووه فی خمسة أشیاء: فی الصلاة علیه وعلیهم فی التشهد. وفی السلام. والطهارة. وفی تحریم الصدقة. وفی المحبة .

وقال النیسابوری فی تفسیره عند قوله تعالی: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی ، کفی شرفاً لال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفخراً ختم التشهد بذکرهم والصلاة علیهم فی کل صلاة .

ص: 353

وروی محب الدین الطبری فی الذخایر/19 عن جابر (رض) أنه کان یقول: لو صلیت صلاة لم أصل فیها علی محمد وعلی آل محمد ، ما رأیت أنها تقبل .

وأخرج القاضی عیاض فی الشفا عن ابن مسعود مرفوعاً: من صلی صلاة لم یصل علیَّ فیها وعلی أهل بیتی ، لم تقبل منه .

وللقاضی الخفاجی الحنفی فی شرح الشفا 3/500-505 فوائد جمة حول المسألة وذکر مختصر ما صنفه الإمام الخیصری فی المسألة سماه: زهر الریاض فی رد ما شنعه القاضی عیاض .

وصور الصلوات المأثورة علی النبی وآله مذکورة فی ( شفاء السقام ) لتقی الدین السبکی/181-187 ، وأورد جملة منها الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد: 10/163 وأول لفظ ذکره عن بریدة قال: قلنا یا رسول الله قد علمنا کیف نسلم علیک ، فکیف نصلی علیک؟ قال قولوا: اللهم اجعل صلواتک ورحمتک وبرکاتک علی محمد وآل محمد ، کما جعلتها علی آل إبراهیم إنک حمید مجید. انتهی .

وقد روت مصادر إخواننا السنة هذا الحدیث وصححته ، ولکنهم لا یعملون به إلا فی صلاتهم ، فتراهم غالباً یصلون علی النبی وحده فی غیر صلاتهم ، حتی فی أدعیتهم ، مع أنهم رووا أن الدعاء لا یقبل ولا یصعد إلی الله تعالی إذا لم یصل معه علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورووا أن النبی علمهم کیفیة الصلاة علیه ، فکأن استجابة أدعیتهم لیست مهمة عندهم !

ولا یسع المجال لایراد الأحادیث الکثیرة فی فضل الصلاة علی النبی وآله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأحکامها وکیفیتها التی یسمونها الصلاة الإبراهیمیة ، وهی جدیرة ببحث مفصل ، وقد ألف فیها عدد من القدماء رسائل مستقلة .

وقد روی أحادیث الصلاة الابراهیمیة الإمام مالک فی کتاب الموطأ:1/165 ، وکتاب

ص: 354

المسند/349 ، وکتاب الام:1/140 ، والبخاری فی صحیحه:4/118 - 19 وج 6/27 وج 7/156-157 ، ومسلم:2/16-17 ، وابن ماجة:1/293 ، وأبو داود:1/221-222 ، والترمذی:5/38 ، والنسائی:3/45-50 ، وأحمد:4/118-119 وص 244 وج 5/353 وص 424 ، والدارمی:1/165 وص 309، والحاکم:1/268-270 ، والبیهقی فی سننه:2/146-153 وص 378-379 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد:2/144-145 ، والهندی فی کنز العمال:2/266-283 وج 5 ، وأورد السیوطی عدداً کبیراً من أحادیثها فی الدر المنثور:5/215-220 ، وغیره من المفسرین ، والفقهاء کالنووی فی المجموع:3/466 ، وابن قدامة فی المغنی:1/580 ، وابن حزم فی المحلی:3/272.... ولا نطیل بذکر کلماتهم .

الشفا للقاضی عیاض جزء 2/64

...فی الحدیث: لا صلاة لمن لم یصل علی ، قال ابن القصار معناه کاملة أو لمن لم یصل علی مرة فی عمره. وضعف أهل الحدیث کلهم روایة هذا الحدیث .

وفی حدیث أبی جعفر عن ابن مسعود عن النبی (ص): من صلی صلاة لم یصل فیها علی وعلی أهل بیتی لم تقبل منه. قال الدارقطنی: الصواب أنه من قول أبی جعفر محمد بن الحسین: لو صلیت صلاة لم أصل فیها علی النبی(ص)ولا علی أهل بیته لرأیت أنها لا تتم . . . .

فقال النبی (ص): عجل هذا ، ثم دعاه فقال له ولغیره: إذا صلی أحدکم فلیبدأ بتحمید الله والثناء علیه ، ثم لیصل علی النبی(ص)، ثم لیدع بعد بما شاء ، ویروی من غیر هذا السید بتمجید الله وهو أصح .

وعن عمر بن الخطاب (رض) قال: الدعاء والصلاة معلق بین السماء والأرض فلا یصعد إلی الله منه شئ حتی یصلی علی النبی(ص).

ص: 355

وقال الأردبیلی فی زبدة البیان/84

التاسعة: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا . . .

قال فی الکشاف: الصلاة علیه واجبة ، وقد اختلفوا فی حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها کلما جری ذکره ، وفی الحدیث: من ذکرت عنده فلم یصل علی فدخل النار فأبعده الله . . . ومنهم من قال: تجب فی کل مجلس مرة ، وإن تکرر ذکره ، کما قیل فی آیة السجدة ، وتسمیت العاطس وکذلک فی کل دعاء فی أوله وآخره ، ومنهم من أوجبها فی العمر مرة وکذا قال فی إظهار الشهادتین مرة ، والذی یقتضیه الإحتیاط الصلاة علیه عند کل ذکر ، لما ورد من الأخبار. انتهی .

والأخبار من طرقنا أیضاً مثل الأول موجودة مع صحة بعضها ، ولا شک أن احتیاط الکشاف أحوط ، واختار فی کنز العرفان الوجوب کلما ذکر وقال إنه اختیار الکشاف . . . ثم قال فی الکشاف: فإن قلت: فما تقول فی الصلاة علی غیره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

قلت: القیاس یقتضی جواز الصلاة علی کل مؤمن ، لقوله تعالی: هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ ، وقوله: وصل علیهم إن صلوتک سکن لهم ، وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): اللهم صل علی آل أبی أوفی ، ولکن للعلماء تفصیلاً فی ذلک ، وهو أنها إن کان علی سبیل التبع کقولک صلی الله علی النبی وآله ، فلا کلام فیها ، وأما إذا أفرد غیره من أهل البیت بالصلاة کما یفرد هو ، فمکروه لأن ذلک صار شعاراً لذکر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولانه یؤدی إلی الاتهام بالرفض ! ( راجع تفسیر الکشاف:2/549 )

ولا یخفی ما فیه فإن ما ذکره برهان لا قیاس ، وإن البرهان من العقل والنقل کتاباً وسنة کما نقله ، ومثله قوله تعالی: وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ الَّذِینَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، فإنها تدل علی أن صلوات الله

ص: 356

علی من یقول هذا بعد المصیبة ، ولا شک فی صدوره کذلک عن أهل البیت بل غیرهم أیضاً. فإذا ثبت لهم الصلاة من الله فیجوز القول بذلک لهم، وهو ظاهر اقتضی جوازه مطلقاً ، بل الإنفراد بخصوصه فلا مجال للتفصیل.... وإنما صار ذلک شعار الرافضة لانهم فعلوا ذلک ، وترکه غیرهم بغیر وجه ، وإلا فهو مقتضی البرهان ، ومع ذلک لا یستلزم کونه شعاراً لهم ، ومتداولاً بینهم ترکه ، وإلا یلزم ترک العبادات کذلک فإنها شعارهم .

وبالجملة لا ینبغی منع ما یقتضی العقل والنقل جوازه بل استحبابه وکونه عبادة ، بسبب أن جماعة من المسلمین یفعلون هذه السنة والعبادة ، فإن ذلک تعصب وعناد محض ، ولیس فیه تقرب إلی الله تعالی وطلب لمرضاته وعمل لله تعالی وهو ظاهر ، ولا یناسب من العلماء العمل إلا لله .

ولهم أمثال ذلک کثیرة ، مثل ما ورد فی تسنیم القبور أن المستحب هو التسطیح ، ولکن هو شعار للرفضة فالتسنیم خیر منه ، وکذلک فی التختم بالیمین وغیر ذلک، ومنه ذکر ( علی ) بعد قوله صلی الله علیه وعلی آله ، وترک الآل معه(ص)مع أنه مرغوب بغیر نزاع، وإنما النزاع کان فی الأفراد ، فإنهم یترکون الآل معه ویقولون صلی الله علیه !

والعجب أنهم یترکون الآل وفی حدیث کعب حیث یقولون سأله عن کیفیة الصلاة علیه ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قولوا: اللهم صل علی محمد وآل محمد کما صلیت علی إبراهیم وآل إبراهیم . . إلخ. فتأمل .

وقال ابن أبی جمهور الإحسائی عن الصلاة البتراء فی کتابه غوالی اللئالی:2/40 : وبمعناه ما رواه الإمام السخاوی الشافعی فی القول البدیع فی الصلاة علی الحبیب الشفیع فی الباب الأول ، فی الأمر بالصلاة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولفظ الحدیث:

ص: 357

ویروی عنه(ص)مما لم أقف علی إسناده: لا تصلوا علیَّ الصلاة البتیرا ، قالوا وما الصلاة البتیرا یا رسول الله ؟ قال: تقولوا: اللهم صل علی محمد وتمسکون ، بل قولوا اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد. أخرجه أبو سعد فی شرف المصطفی. انتهی .

ملاحظة: کان أکثر علماء السنة فی القرون الماضیة یصلون علی النبی فی کتبهم بصیغة (علیهماالسّلام) ونلاحظ ذلک بوضوح فی مخطوطات کتبهم التی وصلت إلینا سالمة ولم تمسها ید المحرفین والنواصب. ویظهر أن حذف الصلاة علی آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )انتشر مع موجة التعصب العثمانی الأخیرة ضد الشیعة. وقد ورث هذه الموجة وأفرط فیها الوهابیون و ( المحققون ) والناشرون الذین أطعموهم من سحت أموالهم ، فمدوا أیدیهم إلی کتب التراث وخانوا مؤلفیها فحذفوا منها وحرفوا کثیراً من المواضع ، ومن ذلک عبارة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضعوا بدلها(ص).

والحمدلله أنه بقی فی المحققین والناشرین أفراد أمناء وأصحاب ضمائر مستقیمة أثبتوا الصلاة علی آل النبی کما وردت فی مخطوطات المؤلفین مثل مستدرک الحاکم. کما بقیت النسخ المخطوطة ومصوراتها وستبقی شاهدة علی نواصب التحقیق والنشر .

کما ینبغی الاشارة إلی أن المسلمین الاوائل فهموا معنی التسلیم فی قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا ، بأنه التسلیم لأمر النبی ولیس السلام علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه لم یقل وسلموا سلاماً. ولذا نجد أن الصلاة علیه استعملت مجردة فی القرون الأولی بدون ( وسلم ) وإن کان الدعاء بتسلیم الله علیه من نوع الدعاء بالصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم تسلیماً کثیراً ، ولکنی أظن أنهم بعد أن حذفوا کلمة

ص: 358

(وآله) التی کانت سائدة عند الجمیع قروناً طویلة وجدوا خلاً فملؤوه بکلمة (وسلم) . وهذا موضوع مهم ، یحتاج إلی بحث واسع موثق .

وتجب معرفتهم لانهم أهل الذکر الذین أمرنا الله بسؤالهم

بصائر الدرجات/37-41

حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عیسی ، عن عمرو بن یزید ، قال قال أبو جعفر (علیه السّلام): وإنه لذکر لک ولقومک وسوف تسألون ، قال: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته أهل الذکر وهم المسؤولون .

حدثنا یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینه ، عن برید ، عن معاویة قال أبوجعفر(علیه السّلام)فی قول الله تبارک وتعالی: وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ، قال: إنما عنانا بها ، نحن أهل الذکر ونحن المسؤولون . . . .

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن أبی عثمان ، عن المعلی بن خنیس، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال هم آل محمد ، فذکرنا له حدیث الکلبی أنه قال: هی فی أهل الکتاب ، قال فلعنه وکذبه .

حدثنا السندی بن محمد ، عن علا ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قلت له إن من عندنا یزعمون أن قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، أنهم الیهود والنصاری ، قال: إذاً یدعونهم

إلی دینهم ، ثم أشار بیده إلی صدره فقال: نحن أهل الذکر ونحن المسؤولون .

حدثنا عبدالله بن جعفر ، عن محمد بن عیسی ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر وعبدالکریم ، عن عبدالحمید بن أبی الدیلم ، عن أبی عبدالله

ص: 359

(علیه السّلام)فی قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال: کتاب الله الذکر ، وأهله آل محمد الذین أمر الله بسؤالهم ولم یؤمروا بسؤال الجهال. وسمی الله القرآن ذکراً فقال: وأنزلنا إلیک الذکر لتبین للناس مانزل إلیهم ولعلهم یتفکرون .

روضة الواعظین/203

وقال الباقر(علیه السّلام)فی قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال نحن أهل الذکر. قال أبو زرعة: صدق محمد بن علی ، ولعمری إن أبا جعفر لمن أکبر العلماء .

العمدة/303

ومنها قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وهذا أیضاً غایة فی الأمر باتباعه ، لموضع الأمر بسؤاله ، وبجعله تعالی أهل الذکر ، والذکر هو القرآن ، وهو أهله بنص کتاب الله تعالی ، فوجب اتباعه واتباع ذریته ، لموضع الأمر بسؤالهم .

نهج الحق/210

الثالثة والثمانون: روی الحافظ ، محمد

بن موسی الشیرازی من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسیر الإثنی عشر ، عن ابن عباس فی قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ ، قال: هم محمد ، وعلی ، وفاطمة ، والحسن ، والحسین. هم أهل الذکر ، والعلم ، والعقل ، والبیان ، وهم أهل بیت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائکة ، والله ما سمی المؤمن مؤمناً إلا کرامة لامیر المؤمنین. ورواه سفیان الثوری عن السدی عن الحارث .

ص: 360

أمان الأمة/196

وأخرج الثعلبی فی تفسیره الکبیر فی تفسیر قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، عن جابر قال: قال علی بن أبی طالب: نحن أهل الذکر. وأخرجه الطبری فی تفسیره. وأخرج الحسکانی فی ذلک روایات غیرها .

الخطط السیاسیة لتوحید الامة/97

وما یؤکد أنهم أولو الأمر وأهل الذکر: أن الهدایة لا تدرک بعد النبی إلا بالقرآن وبهم معاً ، وأن الضلالة لا یمکن تجنبها إلا بالقرآن وبهم معاً ، فهم أحد الثقلین بالنص ، وإن کنت فی شک من ذلک فارجع مشکوراً إلی صحیح الترمذی:5/328 حدیث 3874 ، وجامع الأصول لابن الاثیر:1/187 حدیث 65 ، والمعجم الکبیر للطبرانی/137 ، ومشکاة المصابیح:2/258 ، وإحیاء المیت للسیوطی بهامش الاتحاف /114 ، والفتح الکبیر للنبهانی:1/503 وج 3/385 والصواعق المحرقة لابن حجر/147 و 226 ، والمعجم الصغیر للطبرانی:1/135 ، ومقتل الحسین للخوارزمی:1/104 ، والطبقات الکبری لابن سعد:2/194 ، وخصائص النسائی/21 ، ومجمع الزوائد للهیثمی:5/195. ولولا الرغبة بالاختصار لذکرت لک 192 مرجعاً .

الخطط السیاسیة لتوحید الأمة/266

فإذا ذکر ذاکر أن الله تعالی قد أذهب الرجس عن أهل البیت وطهرهم تطهیراً ، جاءک الجواب سریعاً ، إن أهل البیت هم نساء النبی وحدهن ، ومنهم من یتبرع بالمباهلة إذا کان أهل البیت غیر نساء النبی !

وإذا قیل إن النبی لا یسأل أجراً إلا المودة فی القربی ، قیل: کل قریش قرابة النبی ، بل کل العالم أقارب النبی ، وهو جد التقی ولو کان عبداً حبشیاً !

ص: 361

وإذا قیل: هم أهل الذکر. قیل لک: إن العلماء هم أهل الذکر ، وهم ورثة الأنبیاء!

وباختصار فلا تجد نصاً فی القرآن الکریم یتعلق بأهل البیت الکرام أو ببنی هاشم ، إلا وقد حضرت له البطون ومن والاها عشرات التفسیرات والتأویلات لإخراجه عن معناه الخاص بأهل البیت الکرام ! ولا تجد فضلاً اختص به أهل البیت الکرام إلا وقد أوجدت بطون قریش لرجالاتها فضلاً یعادله عن طریق التفسیر والتأویل ! ومع سیطرة البطون وإشرافها علی وسائل الأعلام ، وهیمنتها علی الدولة الإسلامیة خلطت کافة الأوراق ، حتی إذا أخرجت یدک لم تکد تراها .

معالم الفتن لسعید أیوب:1/123

والخلاصة: إن الروایات التی فسرت الآیة بینت أن الذکر رسول الله وأن عترته أهله. وروی فی قوله عز وجل: وَأْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَیْهَا ، إن الآیة مکیة وعلی هذا فالمراد بقوله: أهلک ، بحسب وقت النزول خدیجة زوج النبی (ص) وعلی بن أبی طالب ، وکان من أهله وفی بیته أو هما وبعض بنات النبی(ص). وعلی هذا فإن القول بأن أهله جمیع متبعیه من أمته غیر سدید . . . وروی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ظل یأمر أهله بالصلاة فی مکة والمدینة حتی فارق الدنیا .

وفی الدر المنثور أخرج الطبرانی فی الأوسط وأبونعیم فی الحلیة والبیهقی فی شعب الإیمان بسند صحیح عن عبدالله بن سلام قال: کان النبی(ص)إذا نزلت بأهله شدة أو ضیق أمرهم بالصلاة وتلا: وأمر أهلک بالصلاة ، وروی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یجی إلی باب علی وفاطمة ثمانیة أشهر ، وفی روایة تسعة أشهر ویقول: الصلاة رحمکم الله. إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً... .

ص: 362

وتجب معرفتهم لأن الأعمال لا تقبل إلا بولایتهم

الکافی:1/183

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن صفوان بن یحیی ، عن العلاء بن رزین عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: کل من دان الله عز وجل بعبادة یجهد فیها نفسه ولا إمام له من الله فسعیه غیر مقبول ، وهو ضال متحیر والله شأنی لأعماله ، ومثله کمثل شاة ضلت عن راعیها وقطیعها ، فهجمت ذاهبة وجائیة یومها ، فلما جنها اللیل بصرت بقطیع غنم مع راعیها ، فحنت إلیها واغترت بها ، فباتت معها فی مربضها فلما أن ساق الراعی قطیعة أنکرت راعیها وقطیعها ، فهجمت متحیرة تطلب راعیها وقطیعها فبصرت بغنم مع راعیها فحنت إلیها واغترت بها فصاح بها الراعی: الحقی براعیک ، وقطیعک فأنت تائهة متحیرة عن راعیک وقطیعک ، فهجمت ذعرة متحیرة تائهة لا راعی لها یرشدها إلی مرعاها أو یردها ، فبینا هی کذلک إذا اغتنم الذئب ضیعتها فأکلها ، وکذلک والله یا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل. انتهی. ونحوه فی المحاسن/92 ، وتفسیر العیاشی:2/252 .

علل الشرائع:1/250

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه(رحمه الله)، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن یحیی بن علی الکوفی ، عن محمد بن سنان ، عن صباح المداینی ، عن المفضل بن عمر ، أن أباعبدالله(علیه السّلام)کتب إلیه کتاباً فیه: إن الله تعالی لم یبعث نبیاً قط یدعو إلی معرفة الله لیس معها طاعة فی أمر ولا نهی ، وإنما یقبل الله من العباد العمل

ص: 363

بالفرایض التی فرضها الله علی حدودها ، مع معرفة من دعا إلیه. ومن أطاع وحرم الحرام ظاهره وباطنه وصلی وصام وحج واعتمر وعظم حرمات الله کلها ولم یدع منها شیئاً ، وعمل بالبر کله ومکارم الاخلاق کلها وتجنب سیئها .

ومن زعم أنه یحل الحلال ویحرم الحرام بغیر معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یحل لله حلالاً ولم یحرم له حراماً ، وإن من صلی وزکی وحج واعتمر وفعل ( البر ) کله بغیر معرفة من افترض الله علیه طاعته ، فلم یفعل شیئاً من ذلک ، لم یصل ولم یصم ولم یزک ولم یحج ولم یعتمر ولم یغتسل من الجنابة ولم یتطهر ولم یحرم لله ، ولیس له صلاة وإن رکع وإن سجد ، ولا له زکاة ولا حج ، وإنما ذلک کله یکون بمعرفة رجل مَنَّ الله تعالی علی خلقته بطاعته وأمر بالأخذ عنه ، فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله .

ومن زعم أن ذلک إنما هی المعرفة وأنه إذا عرف اکتفی بغیر طاعة فقد کذب وأشرک ، وإنما قیل إعرف واعمل ما شئت من الخیر فإنه لا یقبل منک ذلک بغیر معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسک ما شئت من الطاعة قل أو کثر ، فإنه مقبول منک. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:1/95 .

وسائل الشیعة:1/90

وعن علی بن إبراهیم ، عن أبیه وعن عبدالله بن الصلت جمیعاً ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز بن عبدالله ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)( فی حدیث ) قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضا الرحمان الطاعة للإمام بعد معرفته ، أما لو أن رجلاً قام لیله وصام نهاره ، وتصدق بجمیع ماله وحج جمیع دهره ، ولم یعرف

ولایة ولی الله فیوالیه وتکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ، ما کان له علی الله حق فی ثوابه ولا کان من أهل الإیمان. ورواه البرقی فی

ص: 364

المحاسن عن عبدالله بن الصلت بالإسناد .

وعن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن أبیه عقبة بن خالد ، عن میسر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)( فی حدیث ) قال: إن أفضل البقاع ما بین الرکن والمقام ، وباب الکعبة وذاک حطیم إسماعیل ، ووالله لو أن عبداً صف قدمیه فی ذلک المکان ، وقام اللیل مصلیاً حتی یجیئه النهار ، وصام النهار حتی یجیئه اللیل ، ولم یعرف حقنا وحرمتنا أهل البیت لم یقبل الله منه شیئاً أبداً .

علی بن إبراهیم فی تفسیره ، عن أحمد بن علی ، عن الحسین بن عبید الله ، عن السندی بن محمد ، عن أبان ، عن الحارث ، عن عمرو ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قوله تعالی: وَإِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَی ، قال: ألا تری کیف اشترط ولم تنفعه التوبة والإیمان والعمل الصالح حتی اهتدی ؟ والله لو جهد أن یعمل ما قبل منه حتی یهتدی ، قال: قلت: إلی من جعلنی الله فداک ؟ قال: إلینا. أقول: والأحادیث فی ذلک کثیرة جداً .

مستدرک الوسائل:1/149-155

وعن سلام بن سعید المخزومی عن یونس بن حباب عن علی بن الحسین(علیه السّلام) قال قام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال

أقوام إذا ذکر عندهم آل إبراهیم وآل عمران فرحوا واستبشروا ، وإذا ذکر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم ! والذی نفس محمد بیده لو أن عبداً جاء یوم القیامة بعمل سبعین نبیاً ما قبل الله ذلک منه حتی یلقی الله بولایتی وولایة أهل بیتی !

ورواه ابن الشیخ الطوسی فی أمالیه ، عن أبیه ، عن المفید ، عن علی بن خالد المراغی ، عن الحسن بن علی الکوفی ، عن إسماعیل بن محمد المزنی ، عن

ص: 365

سلام بن أبی عمرة ، عن سعد بن سعید ، مثله .

(وقال فی هامشه: کتاب سلام بن أبی عمرة/117 ، أمالی الطوسی:1/140 باختلاف یسیر وعنه فی بحار الأنوار:27/172 ح 15 ) .

أحمد بن محمد بن خالد البرقی فی المحاسن ، عن خلاد المقری ، عن قیس بن الربیع ، عن لیث بن سلیمان ، عن ابن أبی لیلی ، عن الحسین بن علی(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إلزموا مودتنا أهل البیت فإنه من لقی الله وهو یودنا أهل البیت دخل الجنة بشفاعتنا. والذی نفسی بیده لا ینتفع عبد بعلمه إلا بمعرفة حقنا .

( وقال فی هامشه: المحاسن/61 ح 105 ، أمالی المفید/43 ح2 باختلاف یسیر. أمالی المفید/13 ح 1 ، عنه فی بحار الأنوار:75/101 ح 7 )

وعن أبیه ، عن أبی منصور السکری ، عن جده علی بن عمر عن العباس بن یوسف الشکلی ، عن عبید الله بن هشام ، عن محمد بن مصعب ، عن الهیثم بن حماد عن یزید الرقاشئ ، عن أنس بن مالک ، قال رجعنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قافلین من تبوک ، فقال لی فی بعض الطریق ألقوا لی الأحلاس والأقتاب ففعلوا ، فصعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله ، ثم قال معاشر: الناس ما لی إذا ذکر آل إبراهیم تهللت وجوهکم ، وإذا ذکر آل محمد کأنما یفقأ فی وجوهکم حب الرمان ، فوالذی بعثنی بالحق نبیاً لو جاء أحدکم یوم القیامة بأعمال کأمثال الجبال ولم یجی بولایة علی بن أبی طالب أکبه الله عز وجل فی النار .

( وقال فی هامشه: أمالی الطوسی:1/314 باختلاف یسیر ، عنه فی بحار الأنوار: 27/171 ح 12. الاحلاس: واحده حلس بکسر فسکون کحمل وأحمال: کساء یوضع علی ظهر البعیر تحت القتب -لسان العرب:6/54 ، مجمع البحرین:4/63

ص: 366

حلس ، والأقتاب: جمع قتب وهو بالتحریک: رحل البعیر - لسان العرب:1/660 ، مجمع البحرین:2/139 قتب ) .

الغدیر للامینی:2/301

عن ابن عباس فی حدیث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو أن رجلاً صفن بین الرکن والمقام فصلی وصام ثم لقی الله وهو مبغض لأهل بیت محمد ، دخل النار. أخرجه الحاکم فی المستدرک 3/149 وصححه ، والذهبی فی تلخیصه .

وأخرج الطبرانی فی الأوسط من طریق أبی لیلی ، عن الإمام السبط الشهید ، عن جده رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) انه قال: إلزموا مودتنا أهل البیت فإنه من لقی الله عز وجل وهو یودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا. و ذکره الهیثمی فی المجمع 9/172 ، وابن حجر فی الصواعق ، ومحمد سلیمان محفوظ فی أعجب ما رأیت 1/8 والنبهانی فی الشرف المؤبد/96 والحضرمی فی رشفة الصادی/43 .

وأخرج الحافظ السمان فی أمالیه بإسناده عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو أن عبداً عبدالله سبعة آلاف سنة و( هو ) عمر الدنیا ثم أتی الله عز وجل یبغض علی بن أبی طالب جاحداً لحقه ناکثاً لولایته ، لاتعس الله خیره وجدع أنفه. وذکره القرشئ فی شمس الأخبار/40 .

وأخرج الخوارزمی فی المناقب/39 عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال لعلی: یا علی لو أن عبداً عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح فی قومه وکان له مثل أحد ذهباً فأنفقه فی سبیل الله ، ومد فی عمره حتی حج ألف عام علی قدمیه ، ثم قتل بین الصفا والمروة مظلوماً ، ثم لم یوالک یا علی ، لم یشم رائحة الجنة ولم یدخلها .

عن أم سلمة عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: یا أم سلمة أتعرفینه ؟ قلت: نعم هذا علی

ص: 367

بن أبی طالب. قال: صدقت، سجیته سجیتی ودمه دمی وهو عیبة علمی ، فاسمعی واشهدی لو أن عبداً من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بین الرکن والمقام ثم لقی الله عز وجل مبغضاً لعلی بن أبی طالب وعترتی ، أکبه الله تعالی علی منخره یوم القیامة فی نار جهنم .

أخرجه الحافظ الکنجی بإسناده من طریق الحافظ أبی الفضل السلامی ثم قال: هذا حدیث سنده مشهور عند أهل النقل .

وأخرج ابن عساکر فی تاریخه مسنداً عن جابر بن عبدالله عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث: یا علی لو أن أمتی صاموا حتی یکونوا کالحنایا ، وصلوا حتی یکونوا کالاوتار ، ثم أبغضوک لأکبهم الله فی النار .

وذکره الکنجی فی الکفایة/179 ، وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب ، ونقله عنه القرشئ فی شمس الأخبار/33 ورواه شیخ الإسلام الحموینی فی الفراید فی الباب الأول. وهناک أخبار کثیرة تضاهی هذه فی ولاء أمیر المؤمنین وعترته لا یسعنا ذکرها... .

- قال الشیخ أبوبکر بن شهاب السقاف، وهو شیخ محمد بن عقیل الحضرمی صاحب النصائح الکافیة:

حب آل البیت قربَهْ

وهو أسمی الحب رتبَهْ

ذنب من والأهم

یغسله مزن المحبَّهْ

والذی یبغضهم لا

یسکن الإیمان قلبَهْ

علمه والنسک رجسٌ

عسلٌ فی ضَرْعِ کلبَهْ

لعن الله عدو الآل

إبلیس وحزبَهْ

ص: 368

وتجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالی

الکافی:4/578

محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن هارون بن مسلم ، عن علی بن حسان، عن الرضا(علیه السّلام)قال: سئل أبی ، عن إتیان قبر الحسین(علیه السّلام)فقال: صلوا فی المساجد حوله ویجزی فی المواضع کلها أن تقول: السلام علی أولیاء الله وأصفیائه ، السلام علی أمناء الله وأحبائه ، السلام علی أنصار الله وخلفائه ، السلام علی محال معرفة الله ، السلام علی مساکن ذکر الله ، السلام علی مظهری أمر الله ونهیه ، السلام علی الدعاة إلی الله ، السلام علی المستقرین فی مرضات الله ، السلام علی الممحصین فی طاعة الله ، السلام علی الأدلاء علی الله ، السلام علی الذین من والأهم فقد وال الله ومن عاداهم فقد عادی الله ومن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلی منهم فقد تخلی من الله. انتهی .ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/608

من لا یحضره الفقیه:2/609

... السلام علی أئمة الهدی ، ومصابیح الدجی وأعلام التقی ، وذوی النهی ، وأولی الحجی ، وکهف الوری ، وورثة الأنبیاء ، والمثل الأعلی ، والدعوة الحسنی ، وحجج الله علی أهل الدنیا والآخرة والأولی ، ورحمة الله وبرکاته ، السلام علی محال معرفة الله ، ومساکن برکة الله ، ومعادن حکمة الله وحفظة سر الله ، وحملة کتاب الله ، وأوصیاء نبی الله ، وذریة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورحمة الله وبرکاته . . . .

ص: 369

المزار/176

باب زیارة جامعة لسائر الأئمة(علیهم السّلام) وتجزؤک فی جمیع المشاهد علی ساکنیها السلام أن تقول: السلام علی أولیاء الله وأصفیائه ، السلام علی أمناء الله وأحبائه ، السلام علی أنصار الله وخلفائه ، السلام علی محال معرفة الله ، السلام علی معادن حکمة الله ، السلام علی مساکن ذکر الله ، السلام علی عباد الله المکرمین الذین لا یسبقونه بالقول ، وهم بأمره یعملون... .

وتجب معرفتهم لأنها طریق معرفة الله تعالی

الکافی:1/180

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء قال: حدثنا محمد بن الفضیل ، عن أبی حمزة قال قال لی أبو جعفر(علیه السّلام): إنما یعبد الله من یعرف الله ، فأما من لا یعرف الله فإنما یعبده هکذا ضلالاً. قلت: جعلت فداک فما معرفة الله؟ قال: تصدیق الله عز وجل وتصدیق رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وموالاة علی(علیه السّلام) والإئتمام به وبأئمة الهدی(علیهم السّلام) والبراءة إلی الله عز وجل من عدوهم ، وهکذا یعرف الله عز وجل.

علل الشرائع:1/9

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدریس ، عن الحسین بن عبید الله ، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان ، عن عبدالکریم بن عبدالله ، عن سلمة ابن عطا ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: خرج الحسین بن علی (علیهماالسّلام) علی أصحابه فقال أیها الناس: إن الله جل ذکره ما خلق العباد إلا لیعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوا استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه .

ص: 370

فقال له رجل: یابن رسول الله بأبی أنت وأمی فما معرفة الله ؟ قال معرفة أهل کل زمان إمامهم الذی یجب علیهم طاعته ؟

قال مصنف هذا الکتاب یعنی ذلک: أن یعلم أهل کل زمان أن الله هو الذی لا یخلیهم فی کل زمان عن إمام معصوم ، فمن عبد رباً لم یقم لهم الحجة فإنما عبد غیر الله عز وجل .

وتجب معرفتهم لحدیث: من مات ولم یعرف إمام زمانه

هذا الحدیث بصیغه المتعددة متواتر فی مصادرنا ومصادر إخواننا السنة ، ولکن المهم معرفة صیغته الأصلیة وظروفه التی قاله فیها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه نص علی الوصیة بنظام الإمامة من بعده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

لذلک نورد صِیَغَه وتطبیقاته علی مذهب أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم علی مذاهب إخواننا السنة ، لکی نستکشف منها أصل الحدیث. وقد أوردنا عدداً من صیغه ومصادره فی ( معجم أحادیث الإمام المهدی(علیه السّلام)) ونضیف إلیها هنا ما عثرنا علیه مجدداً .

صیغ الحدیث فی مصادر مذهب أهل البیت

المجموعة الأولی: فی وجوب معرفة الإمام من أهل البیت(علیهم السّلام)

روی البرقی فی المحاسن:1/153:

عنه ( أحمد بن أبی عبدالله البرقی ) عن أبیه ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن بشیر الدهان قال قال أبو عبد الله (علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات

ص: 371

وهو لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ، ثم قال: فعلیکم بالطاعة ، قد رأیتم أصحاب علی ، وأنتم تأتمون بمن لا یعذر الناس بجهالته ، لنا کرائم القرآن ، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا ، ولنا الانفال ولنا صفو المال .

وروی فی/154: عنه ( أحمد بن عبدالله البرقی ) عن أبیه ، عن النضر ، عن یحیی الحلبی ، عن حسین بن أبی العلاء قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لیس له إمام مات میتة جاهلیة ، فقال: نعم ، لو أن الناس تبعوا علی بن الحسین (علیهماالسّلام) وترکوا عبدالملک بن مروان اهتدوا ، فقلنا من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة میتة کفر ؟ فقال: لا ، میتة ضلال .

وفی تفسیر العیاشی:2/303 ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لا تترک الأرض بغیر إمام یحل حلال الله ویحرم حرامه ، وهو قول الله: یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، ثم قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. فمدوا أعناقهم ، وفتحوا أعینهم ، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): لیست الجاهلیة الجهلاء .

وروی الکلینی فی الکافی:1/376

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبی أذینة ، عن الفضیل بن یسار قال: إبتدأنا أبو عبدالله(علیه السّلام)یوماً وقال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس علیه إمام فمیتته میتة جاهلیة. فقلت: قال ذلک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ فقال: إی والله قد قال. قلت: فکل من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ؟ قال: نعم .

وفیها: الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الوشاء قال: حدثنی عبدالکریم بن عمرو ، عن ابن أبی یعفور قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول

ص: 372

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ، قال قلت میتة کفر ؟ قال: میتة ضلال ، قلت: فمن مات الیوم ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ؟ فقال: نعم .

وفی/377: أحمد بن إدریس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان، عن الفضیل، عن الحارث بن المغیرة قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه ، مات میتة جاهلیة ؟ قال: نعم ، قلت: جاهلیة جهلاء جاهلیة لا یعرف امامه ؟ قال: جاهلیة کفر ونفاق وضلال .

وفی/378: علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس بن عبدالرحمن، قال: حدثنا حماد ، عن عبدالاعلی قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام) عن قول العامة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال فقال: الحق والله . . . الحدیث-کما فی روایته الثانیة بتفاوت .

وفی:1/371: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن النعمان ، عن محمد بن مروان ، عن فضیل بن یسار قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ، ومن مات وهو عارف لامامه لم یضره تقدم هذا أو تأخر. ومن مات وهو عارف لامامه کان کمن هو مع القائم فی فسطاطه .

وفی:1/390: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن ابن سنان، عن ابن مسکان عن سدیر قال: قلت لابی جعفر(علیه السّلام): إنی ترکت موالیک مختلفین یتبرأ بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاک ، إنما کلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة ، والتسلیم لهم فیما ورد علیهم ، والرد إلیهم فیما اختلفوا فیه .

وفی:8/146: یحیی الحلبی ، عن بشیر الکناسی قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: وصلتم وقطع الناس ، وأحببتم وأبغض الناس ، وعرفتم وأنکر الناس ، وهو الحق، إن الله اتخذ محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عبداً قبل أن یتخذه نبیاً وإن علیاً(علیه السّلام)کان عبداً ناصحاً لله

ص: 373

عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا فی کتاب الله بین ، لنا صفو الأموال ولنا الأنفال وإنا قوم فرض الله عزو جل طاعتنا وإنکم تأتمون بمن لا یعذر الناس بجهالته ، وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، علیکم بالطاعة فقد رأیتم أصحاب علی(علیه السّلام) .

الغیبة للنعمانی/127-130: کما فی المحاسن ، بسند آخر، عن معاویة بن وهب... .

رجال الکشی/424: قریباً من روایة الکافی الخامسة .

کمال الدین:2/413: عن سلیم بن قیس الهلالی أنه سمع من سلمان ومن أبی ذر ومن المقداد حدیثاً عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات.. ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، ثم عرضه علی جابر وابن عباس فقالا: صدقوا وبروا ، وقد شهدنا ذلک وسمعناه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإن سلمان قال: یا رسول الله إنک قلت من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، من هذا الإمام ؟ قال: من أوصیائی یا سلمان ، فمن مات من أمتی ولیس له إمام منهم یعرفه فهی میتة جاهلیة ، فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، وإن جهله ولم یعاده ولم یوال له عدواً فهو جاهل ولیس بمشرک. انتهی. ومثله فی الإمامة والتبصرة/33

ثواب الأعمال/205: قریباً من روایة الکافی الخامسة .

عیون أخبار الرضا:2/58: عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام من ولدی مات میتة جاهلیة ، ویؤخذ بما عمل فی الجاهلیة والإسلام .

الإختصاص/268: عن عمر بن یزید ، عن أبی الحسن الأول(علیه السّلام)قال سمعته یقول: من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، إمام حی یعرفه ، فقلت: لم أسمع أباک

ص: 374

یذکر هذا یعنی إماماً حیاً فقال: قد والله قال ذاک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام یسمع له ویطیع مات میتة جاهلیة .

رسائل المفید/384: کما فی المحاسن ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: خبر صحیح یشهد به إجماع أهل الآثار ویقوی منار صریح القرآن حیث یقول جل اسمه: یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، فمن أوتی کتابه بیمینه فأولئک یقرؤون کتابهم ولا یظلمون فتیلاً .

دعائم الإسلام:1/27: وعنه ( الإمام الصادق(علیه السّلام) ) أنه قال فی قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمام دهره مات میتة جاهلیة ، فقال: إماماً حیاً. قیل له: لم نسمع حیاً ، قال: قد قال والله ذلک ، یعنی رسول الله .

وعنه(علیه السّلام)أنه قال فی قول الله عز وجل یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، فقال: بمن کانوا یأتمون به فی الدنیا ، یدعی علیٌّ بالقرن الذی کان فیه ، والحسن بالقرن الذی کان فیه، والحسین بالقرن الذی کان فیه ، وعدد الأئمة ، ثم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمام دهره مات میتة جاهلیة. انتهی. ورواه فی مناقب آل أبی طالب:1/212 وج 2/246 و:3/18 وص413 ، بعدة روایات. ورواه الحر العاملی فی وسائل الشیعة:13/352 .

وروی نحوه فی:18/565 وفی:11/491 وقال: ورواه علی بن عیسی فی کشف الغمة نقلاً عن الطبرسی فی إعلام الوری. وفی کنز الفوائد/151: بسند آخر ، عن علی(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): - کما فی روایة العیون .وفی تلخیص الشافی: 4/132: کما فی رسائل المفید ، مرسلاً . وفی إثبات الهداة:1/87: عن روایات الکافی. وفی غایة المرام/266 - عن روایة

الکافی الخامسة بتفاوت یسیر. وفی /273 - عن روایة العیاشئ الثانیة. وفی تفسیر البرهان:1/382 - عن روایة الکافی

ص: 375

الخامسة .وفی/386 - عن روایة العیاشی الأولی. وفی:2/430 - عن روایة العیاشی الثانیة. وفی تفسیر نور الثقلین:1/503 - عن روایتی الکافی السادسة والخامسة. وفی بحار الأنوار: 8/12 - عن روایة العیاشی الثانیة. وفی: 23/76 - عن روایة المحاسن الأولی. وفی/81 - عن روایة العیون . وفی/92 - عن کنز الکراجکی بتفاوت یسیر. وفی/78 - عن النعمانی. وفی/85 - عن ثواب الأعمال .وفی/88 - عن کمال الدین . وفی/89 - عن رجال الکشئ . وفی/92 - عن الاختصاص . وفی:68/337 - عن روایة الکافی السادسة . وفی/387 - عن روایة العیاشی الأولی ، وفیه ( عیسی بن السری ، بدل یحیی بن السری ).

المجموعة الثانیة: فی أن معرفتهم وولایتهم من دعائم الإسلام

روی الکلینی فی الکافی:2/19

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن یحیی ، عن عیسی بن السری الیسع قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): أخبرنی بدعائم الإسلام التی لا یسع أحد التقصیر عن معرفة شئ منها ، الذی من قصر عن معرفة شئ منها فسد دینه ولم یقبل الله منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دینه وقبل منه عمله ، ولم یضق به مما هو فیه لجهل شئ من الأمور جهله ؟

فقال: شهادة أن لا إله إلا الله ، والإیمان بأن محمداً رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحق فی الأاموال الزکاة ، والولایة التی أمر الله عز وجل بها ولایة آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). قال: فقلت له: هل فی الولایة فضل یعرف لمن أخذ به ؟

قال: نعم قال الله عز وجل: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ . وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة. وکان رسول

ص: 376

الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان علیاً(علیه السّلام)وقال الاخرون: کان معاویة ، ثم کان الحسن (علیه السّلام)ثم کان الحسین(علیه السّلام)وقال الآخرون: یزید بن معاویة وحسین بن علی ، ولا سواء ولا سواء .

قال: ثم سکت ثم قال: أزیدک ؟ فقال له حکم الأعور: نعم جعلت فداک قال: ثم کان علی بن الحسین ثم کان محمد بن علی أبو جعفر وکانت الشیعة قبل أن یکون أبو جعفر وهم لا یعرفون مناسک حجهم وحلالهم وحرامهم حتی کان أبوجعفر ففتح لهم وبین لهم مناسک حجهم وحلالهم وحرامهم حتی صار الناس یحتاجون إلیهم من بعد ما کانوا یحتاجون إلی الناس ، وهکذا یکون الأمر ، والأرض لا تکون إلا بإمام، ومن مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ، وأحوج ما تکون إلی ما أنت علیه إذا بلغت نفسک هذه، وأهوی بیده إلی حلقه، وانقطعت عنک الدنیا تقول: لقد کنت علی أمر حسن. انتهی. ومثله فی تفسیر العیاشی:1/252 .

وفی الکافی:2/21 علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن حماد بن عثمان

، عن عیسی بن السری قال قلت لابی عبدالله (علیه السّلام).... کما فی روایة العیاشی الأولی ، وزاد فیه: وأحوج ما یکون أحدکم إلی معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا قال وأهوی بیده إلی صدره ، یقول حینئذ: لقد کنت علی أمر حسن. انتهی. ونحوه فی المحاسن/92 ونحوه فی وسائل الشیعة:20/287 عن النجاشئ 209 وخلاصة الرجال/60 والشیخ/257 والفهرست/143 وجامع الرواة:ص 651 والکشی/ 1. 36 .

وفی رجال الکشی/424: جعفر بن أحمد ، عن صفوان ، عن أبی الیسع قال قلت لابی عبدالله(علیه السّلام)حدثنی عن دعائم الإسلام التی بنی علیها ولا یسع أحداً من

ص: 377

الناس تقصیر عن شئ منها . . . کما فی روایة الکافی الثانیة بتفاوت . وفی ثواب الأعمال/205 - کما فی روایة الکافی الأخیرة . وفی تفسیر الصافی: 1/463 - عن روایة الکافی الثانیة . وفی تفسیر البرهان:1/383 - عن روایة الکافی الثانیة، بتفاوت یسیر . وفی بحار الأنوار:23/289 ب 4 ح 35 - عن روایة الکافی الثانیة. وفی تفسیر نور الثقلین:1/503 - عن روایة الکافی الثانیة . وفی تنقیح المقال/360-عن الکشی .

المجموعة الثالثة: فی أن الإمام من أهل البیت قد یغیب

روی الصدوق فی کمال الدین:2/409

حدثنا محمد بن إبراهیم بن إسحاق (رض) قال: حدثنی أبوعلی بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه یقول: سمعت أبی یقول سئل أبو محمد الحسن بن علی (علیهماالسّلام) وأنا عنده عن الخبر الذی روی عن آبائه(علیهم السّلام) : إن الأرض لا تخلو من حجة لله علی خلقه إلی یوم القیامة ، وإن من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة ، فقال: إن هذا حق کما أن النهار حق ، فقیل له: یا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدک ؟ فقال: إبنی محمد هو الإمام والحجة بعدی ، من مات ولم یعرفه مات میتة جاهلیة ، أما إن له غیبة یحار فیها الجاهلون ، ویهلک فیها المبطلون ، ویکذب فیها الوقاتون ، ثم یخرج فکأنی أنظر إلی الاعلام البیض تخفق فوق رأسه بنجف الکوفة .

وفی کفایة الاثر/292: أخبرنا أبوالمفضل(رحمه الله)قال: حدثنی أبو همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه یقول: - کما فی کمال الدین .

وفی إعلام الوری/415 و442 - کما فی کمال الدین بتفاوت یسیر عن الإمام الباقر .وفی کشف الغمة: 3/318 - عن إعلام الوری ، بتفاوت یسیر .وفی إثبات الهداة:

ص: 378

3/482 - عن کمال الدین، وقال: ورواه علی بن محمد الخزاز فی کتاب الکفایة. وفی وسائل الشیعة:11/491 - أوله ، عن إعلام الوری .وفی حلیة الابرار:2/552 - کما فی کمال الدین ، عن ابن بابویه . وفی بحار الأنوار:58/160 - عن کمال الدین ، وأشار إلی مثله عن کفایة الأثر .وفی منتخب الاثر/226 - عن کفایة الأثر.

کما توجد فی مصادرنا أحادیث أخری عدیدة ، یمکن أن تصل إلی مجموعات أخری:

-کالذی رواه فی الکافی:1/397

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن منصور ، عن فضل الاعور ، عن أبی عبیدة الحذاء قال: کنا زمان أبی جعفر(علیه السّلام)حین قبض نتردد کالغنم لا راعی لها ، فلقینا سالم بن أبی حفصة فقال لی: یا أبا عبیدة من إمامک ؟ فقلت أئمتی آل محمد فقال: هلکت وأهلکت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من مات ولیس علیه إمام مات میتة جاهلیة ؟ فقلت: بلی لعمری ، ولقد کان قبل ذلک بثلاث أو نحوها دخلت علی أبی عبدالله(علیه السّلام)فرزق الله المعرفة فقلت لأبی عبدالله(علیه السّلام): إن سالماً قال لی کذا وکذا ، قال فقال: یا أبا عبیدة أنه لا یموت منا میت حتی یخلف من بعده من یعمل بمثل عمله ویسیر بسیرته ویدعو إلی ما دعا إلیه ، یا أبا عبیدة إنه لم یمنع ما أعطی داود أن أعطی سلیمان ، ثم قال: یا أبا عبیدة إذا قام قائم آل محمد(علیه السّلام)حکم بحکم داود وسلیمان لا یسأل بینة. انتهی. وروی مثله فی بصائر الدجات/259 ، ونحوه فی/509 وص 510

والذی رواه فی أعلام الدین/459

وسأله أبوبصیر عن قول الله تعالی: وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، ما عنی

ص: 379

بذلک ؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الکبائر ، ومن مات ولیس فی رقبته بیعة لإمام مات میتة جاهلیة ، ولا یعذر الناس حتی یعرفوا إمامهم ، فمن مات وهو عارف بالإمامة لم یضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، فکان کمن هو مع القائم فی فسطاطه.

قال: ثم مکث هنیئة ثم قال: لا بل کمن قاتل معه ، ثم قال: لا بل والله کمن استشهد مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:27/126 - عن أعلام الدین .

تفسیر الحدیث فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام)

فی هذا الحدیث الشریف عناصر ومفاهیم عدیدة ، نذکر أهمها:

المفهوم الأول: أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بلغ الأمة نظام الإمامة من بعده، وأنه الطریق الوحید لضمان عدم الوقوع فی الجاهلیة. وأن الله تعالی جعل الإمام رکناً عملیاً من أرکان الإسلام مثل الصلاة والزکاة والحج، وجعل طاعته فریضة علی کل مسلم.

روی فی الإمامة والتبصرة/63

سعد ، عن محمد بن عیسی بن عبید ، عن حماد بن عیسی ، عن إسماعیل بن جعفر: عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی أبی عبدالله(علیه السّلام)فسأله عن الأئمة (علیهم السّلام) فسماهم حتی انتهی إلی ابنه ، ثم قال: والأمر هکذا یکون ، والأرض لا تصلح إلا بإمام ، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه ، مات میتة جاهلیة. ثلاث مرات .

المفهوم الثانی: أن الأئمة الذین قصدهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هم الأئمة من ذریته(علیهم السّلام) فقد أخبره الله تعالی أنهم سیکونون فی الأمة فی کل عصر مع القرآن لا یفترقان حتی یردا علیه الحوض ، کما ورد فی حدیث الثقلین الذی صح عند الجمیع .

ص: 380

بل روت مصادرنا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد نص فی هذا الحدیث علی أن الأئمة من ذریته ففی مستدرک الوسائل:18/176 قال:

أبو الفتح الکراجکی فی کنز الفوائد ، عن محمد بن أحمد بن شاذان القمی عن أحمد بن محمد بن عبید الله بن عیاش ، عن محمد بن عمر ، عن الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازی ، عن أبیه ، عن علی بن موسی الرضا، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنین(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام من ولدی مات میتة جاهلیة ، یؤخذ بما عمل فی الجاهلیة والإسلام. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:1/503 وص540 وج 2/282 وج 3/194 وج 4/240 وتفسیر کنز الدقائق: 2/595 ، وغیرها .

وقد روی جمیع المسلمین شهادات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حق علی والحسن والحسین (علیهم السّلام) وروی الشیعة شهاداته وشهادات علی والحسنین فی حق بقیة الائمة(علیهم السّلام) ومن ذلک:

ما رواه البرقی فی المحاسن/155: عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن بشیر العطار ، قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، ثم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعنی إمامکم ، وکم من إمام یجی یوم القیامة یلعن أصحابه ویلعنونه ، نحن ذریة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمنا فاطمة(علیهاالسّلام)وما آتی الله أحداً من المرسلین شیئاً إلا وقد آتاه محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما آتی المرسلین من قبله ، ثم تلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّیَّةً .

وروی الطبرسی فی أعلام الدین/459: عن أبی بصیر عن الإمام الصادق(علیه السّلام)فی قول الله تعالی:

وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، ما عنی بذلک ؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الکبائر ، ومن مات ولیس فی رقبته بیعة لامام مات میتة جاهلیة ،

ص: 381

ولا یعذر الناس حتی یعرفوا إمامهم .

المفهوم الثالث: أن هذا الحدیث الثابت المتواتر ، یؤید نفی أهل البیت وشیعتهم للروایات القائلة بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یوص بشئ فی أمر الخلافة ، لأنه یدل علی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أرسی نظام الإمامة وعین أشخاصه من ذریته ، کما أمره الله تعالی ، وهو فی هذا الحدیث یوجه الأمة إلی ضرورة معرفة الإمام فی کل عصر ، فإن تعبیر ( لا یعرف إمام زمانه ) یدل علی أن مشکلة وجود الإمام فی کل زمان محلولة فی الإسلام بتکفل الله تعالی ببقاء ذریة نبیه إلی یوم القیامة واختیاره إماماً منهم فی کل عصر ، وإنما هی مشکلة المسلمین فی أن یعرفوا إمام زمانهم ویبایعوه !

والمتأمل فی الحدیث الشریف یری أن اختیار الله تعالی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للنبوة واختیار آله من بعده للامامة ، منسجم مع سنة الله تعالی فی الأنبیاء السابقین وذریاتهم ، وبالتالی فالحدیث بعید کل البعد عن عالم اختیار الناس لانفسهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعیدٌ عن منطق تقسیم الأمر بین بنی هاشم الذین کانت لهم النبوة ، وبین قبائل قریش الذین ینبغی أن تکون لهم الخلافة مناوبةً أو مغالبةً کما قالوا.... إلی آخر المنطق القرشئ القبلی الذی ظهر فی مرض النبی ویوم وفاته ، وانتصر فی السقیفة فی فترة انشغال أهل البیت بجنازة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وسیطر علی الحکم فی تاریخنا الإسلامی إلی أن انتهی علی ید العثمانیین بأسوأ نهایة !

المفهوم الرابع: أن المسلم فی کل عصر لا یتم إسلامه حتی یبایع الإمام من ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن یعتقد به ویعترف بما له من حق الطاعة بأمر الله تعالی وأمر رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). فالذی لا یعرف الإمام یکون فیه نوع من الجهل والجاهلیة ، وإن مات علی ذلک مات علی نوع من الجاهلیة .

ص: 382

المفهوم الخامس: أن أهل بیت النبی صلی الله علیه وعلیهم هم امتحان الأمة بعد نبیها ، فهم میزان الإسلام والجاهلیة ، وهم میزان الإیمان والنفاق ، وهم میزان الوفاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإطاعته بعد رحیله أو عصیانه. وقد وردت أحادیث کثیرة فی مصادر الطرفین تنص علی هذه المفاهیم الإسلامیة وتؤکدها وتؤیدها .

من ذلک ما روته مصادر الطرفین وصححه علماء الحدیث ، من أن بغض علی (علیه السّلام)علامة علی النفاق وعدم الإیمان بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

فقد روی أحمد فی مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبیش عن علی (رض) قال: عهد إلیَّ النبی(ص)أنه لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. ورواه الترمذی فی سننه:5/306 ، وقال الترمذی فی سننه:5/298:

حدثنا قتیبة أخبرنا جعفر بن سلیمان ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخدری قال: إن کنا لنعرف المنافقین نحن معشر الأنصار ببغضهم علی بن أبی

طالب. هذا حدیث غریب. وقد تکلم شعبة فی أبی هارون العبدی ، وقد روی هذا عن الأعمش عن أبی صالح عن سعید .

وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/132

وعن جابر بن عبدالله قال: والله ما کنا نعرف منافقینا علی عهد رسول الله(ص)إلا ببغضهم علیاً. رواه الطبرانی فی الأوسط والبزار بنحوه ، إلا أنه قال ما کنا نعرف منافقینا معشر الأنصار ، بأسانید کلها ضعیفة (.... ) .

وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله(ص)إلی علی فقال: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق ، من أحبک فقد أحبنی ومن أبغضک فقد أبغضنی ، وحبیبی حبیب الله وبغیضی بغیض الله ، ویل لمن أبغضک بعدی. رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله ثقات إلا أن فی ترجمة أبی الأزهر أحمد بن الأزهر النیسابوری

ص: 383

أن معمراً کان له ابن أخ رافضی فأدخل هذا الحدیث فی کتبه ، وکان معمر مهیباً لا یراجع وسمعه عبدالرزاق. وعن عمران بن الحصین أن رسول الله(ص) قال لعلی: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه محمد بن کثیر الکوفی حرق أحمد حدیثه وضعفه الجمهور ووثقه ابن معین ، وعثمان بن هشام لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات ( . . . ) .

-وروی فی کنز العمال:13/106

عن أبی ذر قال: ما کنا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله(ص)إلا بثلاث: بتکذیبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلاة وببغضهم علی بن أبی طالب. خط ، فی المتفق .

وروی الحاکم فی المستدرک:3/128

... عن ابن عباس رضی الله عنهما قال نظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی فقال: یا علی أنت سید فی الدنیا ، سید فی الآخرة ، حبیبک حبیبی وحبیبی حبیب الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله ، والویل لمن أبغضک بعدی. صحیح علی شرط الشیخین ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحدیث فهو علی أصلهم صحیح .

وروی الحاکم فی:3/135

... سمعت عمار بن یاسر (رض) یقول سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی: یا علی طوبی لمن أحبک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

وروی الحاکم فی:3/142 ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أخبر علیاً بأن الأمة ستغدر به من بعده!

ص: 384

فقال: عن حیان الأسدی سمعت علیاً یقول قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الأمة ستغدر بک بعدی ، وأنت تعیش علی ملتی وتقتل علی سنتی. من أحبک أحبنی ومن أبغضک أبغضنی، وإن هذه ستخضب من هذا یعنی لحیته من رأسه. صحیح. انتهی .

بل روی الشیعة والسنة إخبار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن مبغض علی(علیه السّلام) (یموت میتة جاهلیة) فقد روی الصدوق فی علل الشرائع:1/157:

حدثنی الحسین بن یحیی بن ضریس ، عن معاویة بن صالح بن ضریس البجلی قال: حدثنا أبوعوانة قال: حدثنا محمد بن یزید وهشام الزراعی قال: حدثنی عبدالله بن میمون الطهوی قال: حدثنا لیث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال بینا أنا مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی نخیل المدینة وهو یطلب علیاً(علیه السّلام)إذا انتهی إلی حایط فاطلع فیه فنظر إلی علی وهو یعمل فی الأرض وقد اغْبَارَّ ، فقال: ما ألوم الناس أن یکنوک أبا تراب ، فلقد رأیت علیاً تمعر وجهه وتغیر لونه واشتد ذلک علیه ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ألا أرضیک یا علی ؟ قال: نعم یا رسول الله، فأخذ بیده فقال: أنت أخی ووزیری وخلیفتی فی أهلی تقضی دینی وتبری ذمتی ، من أحبک فی حیاة منی فقد قضی له بالجنة، ومن أحبک فی حیاة منک بعدی ختم الله له بالامن والإیمان، ومن أحبک بعدک ولم یرک ختم الله له بالامن والإیمان وآمنه یوم الفزع الأکبر ، ومن مات وهو یبغضک یا علی مات میتة جاهلیة یحاسبه الله عز وجل بما عمل فی الإسلام .وروی نحوه فی ص144 ، وروی نحوه المغربی فی شرح الأخبار: 1/113 ، وقال فی/157: وبآخر عن علی صلوات الله علیه ، أنه قال: قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله أمرنی أن أدنیک فلا أقصیک ، وأن أعلمک فلا أجفوک ، وحق علی أطیع ربی عز وجل ، وحق علیک أن تعی. یا علی من مات وهو یحبک کتب

ص: 385

الله له بالأمن والأمان ما طلعت شمس وما غربت ، ومن مات وهو یبغضک مات میتة الجاهلیة وحوسب بعمله فی الإسلام. انتهی. وروی فی: 2/477: یا علی إنه من أبغضک فی حیاتی وبعد موتی مات میتة جاهلیة ، وحوسب بعمله فی الإسلام. یا علی أنت معی فی الجنة. انتهی. وروی نحوه فی مستدرک الوسائل: 18/181 وص 187 وص 182 وفیه ( من مات لا یعرف إمام دهره .. )

وروی محمد بن سلیمان فی مناقب أمیر المؤمنین:1/320 ، وروی نحوه فی:2/486 فقال: محمد بن منصور عن أبی هشام الرفاعی محمد بن یزید ، عن عبدالله بن میمون الطهوی، عن لیث عن مجاهد: عن ابن عمر قال: بینا أنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی نخل بالمدینة وهو یطلب علیاً إذ انتهی إلی حائط فاطلع فیه فنظر إلی علی وهو یعمل فی الأرض وقد أغبار فقال له: ما ألوم الناس أن یکنوک بأبی تراب. قال ابن عمر: فلقد رأیت علیاً تمعر وجهه وتغیر لونه واشتد ذلک علیه فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ألا أرضیک یا علی ؟ قال: بلی یا رسول الله ، قال: أنت أخی ووزیری وخلیفتی فی أهلی، تقضی دینی وتبری ذمتی. من أحبک فی حیاة منی فقد قضی نحبه ، ومن أحبک فی حیاة منک بعدی فقد ختم الله له بالامن والإیمان ، ومن أحبک بعدک ولم یرک ختم الله له بالامن والإیمان وآمنه یوم الفزع الأکبر. ومن مات وهو یبغضک یا علی مات میتة جاهلیة یهودیاً أو نصرانیاً ، ویحاسبه الله بما عمل فی الإسلام. ثم قال ابن عمر: لقد سماه الله فی أکثر من ثلاثین آیة سماه فیها کلها مؤمناً .

وقال فی هامشه: هذا الحدیث - أو قریب منه سند ومتناً - رواه الحافظ الطبرانی فی الحدیث: 100 أو ما حوله من مسند عبدالله بن عمر من کتاب المعجم الکبیر:3 من

المخطوطة الورق 20/ب .

ص: 386

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/121 ، وتوقف فی صحته ، قال: رواه الطبرانی وفیه من لم أعرفه. وقال عن روایة أخری له: رواه أبو یعلی وفیه زکریا الأصبهانی وهو ضعیف. وقال عن روایة ثالثة له فی:9/111: رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط وفیه حامد بن آدم المروزی وهو کذاب. وقال عن روایة رابعة له: رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه أشعث ابن عم الحسن بن صالح وهو ضعیف ولم أعرفه. انتهی. وقد رأیت تضعیفه للأحادیث المتقدمة التی صححها الحاکم علی شرط الشیخین وعلی شرطه !

ولکن الهندی رواه ووثقه ، قال فی کنز العمال:11/610 و:13/159:

عن علی قال: طلبنی رسول الله(ص)فوجدنی فی جدول نائماً فقال: قم ما ألوم الناس یسمونک أبا تراب ، قال فرآنی کأنی وجدت فی نفسی من ذلک: قم والله لأرضینک ! أنت أخی وأبو ولدی ، تقاتل عن سنتی وتبری ذمتی ، من مات فی عهدی فهو کنز الله ، ومن مات فی عهدک فقد قضی نحبه ، ومن مات بحبک بعد موتک ختم الله له بالأمن والإیمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات یبغضک مات میتة جاهلیة وحوسب بما عمل فی الإسلام. ع ، قال البوصیری: رواته ثقات. انتهی .

المفهوم السادس: أن معنی (مات میتة جاهلیة) یتفاوت حسب حالة الشخص فقد روی فی الکافی:1/377 . . . عن الحارث بن المغیرة قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ؟ قال: نعم ، قلت جاهلیة جهلاء أو جاهلیة لا یعرف إمامه ؟ قال جاهلیة کفر ونفاق وضلال. ونحوه فی المحاسن/155 ونحوه فی الإمامة والتبصرة 82 عن الإمام الباقر

ص: 387

(علیه السّلام)وفی روایة منها ( مات میتة جاهلیة کفر وشرک وضلال ) .

وروی الصدوق فی کمال الدین:2/413: عن سلیم بن قیس الهلالی . . . عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة . . . وإن سلمان قال: یا رسول الله إنک قلت من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، من هذا الإمام ؟ قال: من أوصیائی یا سلمان ، فمن مات من أمتی ولیس له إمام منهم یعرفه فهی میتة جاهلیة ، فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، وإن جهله ولم یعاده ولم یوال له عدواً فهو جاهل ولیس بمشرک. انتهی. ونحوه فی/668 .

وهذا الحکم النبوی غیر عجیب ، وإن بدا شدیداً ، لأن الجمیع رووا عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أبغض أهل البیت(علیهم السّلام) أو نصب لهم العداوة فهو کافر . ولا یتسع المجال لاستعراض حکم الناصبی والنواصب فی مصادر فقه الطرفین. ولذلک فإن قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مات میتة جاهلیة ، وقوله فی هذا الحدیث: فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، منسجم مع آیة المودة فی القربی ، وما رواه الجمیع فی تفسیرها. أما إذا کان موقف المسلم الجهل بأهل البیت(علیهم السّلام) بدون موقف عدائی منهم . . فلا یکون ناصبیاً.

وفی الحدیث الذی وثقه البوصیری دلالة مهمة علی أن محب علی (علیه السّلام)یموت علی الإسلام ولا یحاسب بما عمل فی الإسلام ، وأن مبغضه یموت علی جاهلیة ویحاسب بما عمل فی الجاهلیة وفی الإسلام !! فیکون علی علیه السلام میزاناً لجمیع الأمة مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

تفسیر الشیعة الزیدیة للحدیث

مسند زید بن علی/361

حدثنی زید بن علی عن أبیه عن جده عن علی ( ع م ) قال: من مات ولیس له

ص: 388

إمام مات میتة جاهلیة إذا کان الإمام عدلاً براً تقیاً .

الأحکام فی الحلال والحرام:2/466

تقریب القول فیما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة .

قال یحیی بن الحسین صلوات الله علیه: إذا کان فی عصر هذا الإنسان إمام قائم زکی ، تقی ، علم ، نقی ، فلم یعرفه ولم ینصره وترکه وخذله ومات علی ذلک مات میتة جاهلیة ، فإذا لم یکن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم بقیامه ، فالإمام الرسول والقرآن وأمیر المؤمنین ، وممن کان علی سیرته وفی صفته من ولده .

فتجب معرفة ما ذکرنا علی جمیع الانام إذا لم یعلم فی الأرض فی ذلک العصر إمام ، ویجب علیهم أن یعلموا أن هذا الأمر فی ولد رسول الله صلی الله علیه وعلی آله وسلم خاصاً دون غیرهم ، وأنه لا یعدم فی کل عصر حجة لله یظهر منهم إمام یأمربالمعروف وینهی عن المنکر ، فإذا علم کلما ذکرنا وکان الأمر عنده علی ما شرحنا ثم مات فقد نجا من المیتة الجاهلیة ومات علی المیتة الملیة، ومن جهل ذلک ولم یقل به ولم یعتقده فقد خرج من المیتة الملیة ومات علی المیتة الجاهلیة. هذا تفسیر الحدیث ومعناه .

الفرق بین صیغ الحدیث فی مصادرنا ومصادر إخواننا

روت مصادر إخواننا السنة هذا الحدیث بشکل واسع وصیغ متعددة ، وفی بعضها لفظة: إمام کما فی مصادرنا ، وفی أکثر صیغه حلت محلها لفظة: أمیر. وقد خلت صیغه عندهم تقریباً من مادة معرفة الإمام وحلت محلها بیعة الإمام أو الأمیر .

ونلاحظ وجود عناصر جدیدة فی روایاتهم ، منها أن یکون ذلک الإمام إمام

ص: 389

جماعة ، والمقصود به الذی یستطیع أن یسیطر علی أکثریة الناس فی منطقته ، مهما کان أسلوبه فی السیطرة ، فهو فی مصطلح إخواننا إمام جماعة ، ومن یعارضه إمام فرقة .

ومنها ، حرمة نکث بیعته والخروج علیه .

ومنها ، أنه لا یشترط فیه أی شروط إلا أن یکون من قبائل قریش ، ویسیطر علی أکثریة الناس فی بلده ، أو أکثریة الأمة . .

ومنها ، أنه لا یجوز لغیر قریش أن تتصدی لحکم المسلمین أو تطمع فیه ، کما أن الصراع القبلی بین قبائل قریش علی

الخلافة حرام . . . إلی آخر الإضافات التی تعکس الخلاف الدموی علی الخلافة ومحاولة فرقائه بإسناد مواقفهم بتطویر هذا الحدیث وغیره ! کما روت مصادر إخواننا تطبیقات الصحابة والتابعین لهذا الحدیث ، خاصة عبدالله بن عمر ، وأبی سعید الخدری .

والسبب فی سعة روایته عندهم أن أصل الحدیث کان مشهوراً ، وکانت السلطة تحتاج إلیه - بشرط تحریفه ومصادرته-لیکون شعاراً لإثبات شرعیتها ثم لتحریم الخروج علیها ، ولذلک کثر توظیفه لمصلحة الحاکم حتی لو کان فی أول أمره خارجاً علی الشرعیة وتسلط علی المسلمین بالقهر والغلبة ، فقد استشهد بهذا الحدیث معاویة بن أبی سفیان ، قال الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218: عن معاویة قال: قال رسول الله (ص): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. وفی روایة من مات ولیس من عنقه بیعة مات میتة جاهلیة. انتهی .

ولکن مهما کانت الفروقات فی صیغ الحدیث، ففیه عنصران ثابتان عند الطرفین، وهما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تحدث عن نظام الحکم من بعده. وأنه تحدث عن الإمام ونظام الإمامة ولم یتحدث عن نظام الخلافة .

ص: 390

وهذه الحقیقة رأس خیط فی الإعتقاد بأن الله تعالی قد اختار نوع نظام الحکم للامة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضع له آلیة ، وأن هذا الحدیث إحدی مفردات هذه الآلیة التی وصلت إلینا باتفاق جمیع الأطراف !

ومن السهل أن نتعقل معنی الحدیث أو صیغة الحکم الإسلامی علی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) وأن الله تعالی اختار ذریة نبیه للامامة من بعده ، وضَمِن بقدرته استمرار وجود إمام منهم فی کل عصر ، وکلف الأمة بمعرفته وبیعته ، وجعل خاتمهم الإمام المهدی الموعود(علیه السّلام)الذی یظهر سبحانه علی یده دینه علی الدین کله، ویملا به الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً ، علی حد تعبیر جده المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وأما علی مذهب إخواننا السنة فمن المشکل أن یتعقل الإنسان أن مشروع الله تعالی لخاتم الأدیان هو نظام الخلافة الذی بدأ یوم وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی السقیفة ، وامتد فی تاریخ الأمة صراعات متصلة علی الخلافة وأمواجاً من الإنقسامات والدماء ، حتی انتهی بسقوط الخلافة العثمانیة ، واستسلام الأمة استسلاماً ذلیلاً لأعدائها الغربیین !!

روایات إخواننا التی وردت فیها لفظة إمام

روی أحمد فی مسنده:4/96

عن عاصم عن أبی صالح ، عن معاویة ، قال قال رسول الله (ص): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة .

وروی الطیالسی فی مسنده/1259

حدثنا أبوداود قال: حدثنا خارجة بن مصعب ، عن زید بن أسلم ، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، ومن نزع

ص: 391

یداً من طاعة جاء یوم القیامة لا حجة له .

وروی ابن حبان فی صحیحه:7/49

عن معاویة ، قال: قال رسول الله (ص): من مات ولیس له مات میتة جاهلیة. وقال ابن حبان: قوله (ص): مات میتة الجاهلیة معناه: من مات ولم یعتقد أن له إماماً یدعو الناس إلی طاعة الله حتی یکون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل ، مقتنعاً فی الإنقیاد علی من لیس نعته ما وصفنا ، مات میتة جاهلیة .

وروی الطبرانی فی معجمه الکبیر:10/350

حدثنا الحسن بن جریر الصوری ، ثنا أبو الجماهر، ثنا خلید بن دعلج ، عن قتادة، عن سعید بن المسیب ، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من فارق جماعة المسلمین قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس علیه إمام فمیتته جاهلیة ، ومن مات تحت رایة عمیة یدعو إلی عصبة أو ینصر عصبة فقتلته جاهلیة .

وروی الحاکم فی المستدرک:1/117

.. من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتی یراجعه. وقال: من مات ولیس علیه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلیة .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218-219

عن معاویة قال: قال رسول الله(ص)من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. وفی روایة من مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة. رواه الطبرانی وإسنادهما ضعیف. انتهی. ولکنه مال إلی تصحیحه فی:5/225

وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، ومن

ص: 392

لقی الله ناکثاً بیعته لقیه وهو أجذم ، ومن خرج من الجماعة قید شبر متعمداً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس لإمام جماعة علیه طاعة مات میتة جاهلیة. رواه الطبرانی وفیه عمرو بن واقد وهو متروک .

وعن أبی الدرداء قال قام فینا رسول الله(ص)فقال: ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، من لقی الله وهو ناکث بیعته یوم القیامة لقیه وهو أجذم ، ومن خرج من الطاعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن أصبح لیس لأمیر جماعة علیه طاعة بعثه الله یوم القیامة من میتة جاهلیة ، ولو أعذر عبد أسنه الناس یوم القیامة . رواه الطبرانی وعمر بن رویبة وهو متروک .

وروی النووی فی المجموع:19/190

حدیث مسلم الآتی وقال: وأخرجه عن زید بن أسلم عن أبیه عن ابن عمر بمعنی حدیث نافع ، وأخرجه الحاکم عن ابن عمر بلفظ: من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتی یراجعه ، ومن مات ولیس علیه إمام جماعة فإن میتته میتة جاهلیة. وأخرج مسلم من حدیث أبی هریرة بلفظ: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمیتته جاهلیة. انتهی. ورواه البیهقی فی سننه: 8/156 .

وروی فی کنز العمال:1/103: من مات بغیرإمام مات میتة جاهلیة. حم ، طب ، عن معاویة .

وروی فی کنز العمال:1/207-208

من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه حتی یراجعه. ومن مات ولیس علیه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلیة. ک ، عن ابن عمر .

من فارق المسلمین قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس علیه إمام فمیتته میتة الجاهلیة ، ومن مات تحت رایة عمیة یدعو إلی عصیبة أو

ص: 393

ینصر عصیبة فقتلته جاهلیة. طب .

من فارق جماعة المسلمین شبراً أخرج من عنقه ربقة الإسلام ، والمخالفین بألویتهم یتناولونها یوم القیامة من وراء ظهورهم ، ومن مات من غیر إمام جماعة مات میتة جاهلیة. ک ، عن ابن عمر .

وفی کنز العمال أیضاً:6/65

من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، ومن نزع یداً من طاعة جاء یوم القیامة لا حجة له. ط ، حل ، عن ابن عمر .

روایاتهم التی فیها لفظ طاعة

روی ابن أبی شیبة فی مصنفه:15/38

حدثنا علی بن حفص ، عن شریک ، عن عاصم ، عن عبدالله بن عامر ، عن أبیه قال: قال رسول الله (ص): من مات ولا طاعة علیه مات میتة جاهلیة ، ومن خلعها بعد عقده إیاها فلا حجة له .

وروی أحمد فی مسنده:3/446

عن عبدالله بن عامر ، یعنی ابن ربیعة عن أبیه قال: قال رسول الله (ص): من مات ولیست علیه طاعة مات میتة جاهلیة ، فإن خلعها من بعد عقدها فی عنقه لقی الله تبارک وتعالی ولیست له حجة. وقال قال الحسن: بعد عقده إیاها فی عنقه .

وروی البخاری فی تاریخه:6/445 ، أوله ، کما فی ابن أبی شیبة .

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/223 وقال: رواه أحمد ، وأبو یعلی ، والبزار ، والطبرانی. وروی نحوه فی:2/252 . . وغیرهم . . . وغیرهم .

ص: 394

روایاتهم التی توجب طاعة الحاکم الجائر

وهی کثیرة جداً فی مصادر إخواننا ، وقد وصل فیها التحذیر إلی حد اعتبار الثائر علی الحاکم الجائر خارجاً عن الإسلام ، باغیاً ، واجب القتل ، مهدور الدم ، یموت موتة جاهلیة وأنه کافر مخلد فی النار ، لکنه إذا انتصر صار حاکماً شرعیاً واجب الطاعة ، وصار الخارج علیه ملعوناً کما کان هو ملعوناً قبل ساعة . . وهکذا تصنع السیاسة ومخالفة الرسول ! !

روی مسلم فی صحیحه:6/21

عن أبی هریرة عن النبی(ص)أنه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات میتة جاهلیة .

وروی مسلم فی:6/22

عن الحسن بن الربیع ، عن حماد قال: من رأی من أمیره شیئاً یکرهه فلیصبر علیه، فإنه لیس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات علیه إلا مات میتة جاهلیة . . . انتهی. وروی نحوه ابن ماجة:2/1302

وروی الحاکم فی المستدرک:1/118

عن أبی هریرة أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: من فارق الجماعة فمات ، مات موتة جاهلیة. انتهی. وروی نحوه أحمد فی مسنده:2/93 وص 123 وص 154 وص 296 وص 306 وص 488 وج 3/445 و446

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218

وعن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: سیلیکم بعدی ولاة ، فیلیکم البر ببره

ص: 395

والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم. انتهی. والنسائی:7/123 ، والدارمی:2/241 ، والبیهقی فی سننه:8/157 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد:1/324 وج 6/286 ، وکنز العمال:3/509 وج 6/52 ، وابن حزم فی المحلی:9/359..، وغیرهم..، وغیرهم. .

مدرسة البخاری فی تفسیر هذا الحدیث

لعل أکثر هذا الروایات صراحة فی التأکید علی حرمة الخروج علی الحاکم ، تلک التی تحذر المسلمین من موتة الجاهلیة إذا هم لم یطیعوه ویتحملوا منه مهما کانت أعماله مکروهة ، وقد اقتصر البخاری فی صحیحه علی هذه الروایات فلم یرو شیئاً فی التحذیر من میتة الجاهلیة غیرها ! ولان إطاعة الحاکم عنده ولو کان جائراً هی الضمان الوحید لعدم رجوع المسلم إلی الجاهلیة ، قال فی صحیحه: 8/87:

. . . عن أبی رجاء عن ابن عباس عن النبی صلی الله وسلم قال: من کره من أمیره شیئاً فلیصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات میتة جاهلیة. ورواه أیضاً فی نفس الصفحة بعدة روایات. ورواه أیضاً فی: 8/105 ، ورواه مسلم فی صحیحه: 6/21 ، والبیهقی فی سننه:8/156 - 157 وج 10/234 ، وأحمد فی مسنده:1/297 وص 310 ، ونحوه فی:2/70 وص93 وص123 وص 445 وفی:3/446.

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/219 اعلاناً من الله ورسوله ببراءة ذمة المسلمین عند الله تعالی فی طاعتهم لحکام الجور ، قال:

عن المقدام بن معدی کرب أن رسول الله(ص)قال: أطیعوا أمراءکم مهما کان ، فإن أمروکم بشئ مما جئتکم به فإنهم یؤجرون علیه وتؤجرون بطاعتهم ، وأن أمروکم بشئ مما لم آتکم به فإنه علیهم وأنتم منه براء ، ذلکم بأنکم إذا لقیتم

ص: 396

الله قلتم ربنا لا ظلم فیقول لا ظلم ، فتقولون ربنا أرسلت إلینا رسلاً فأطعناهم بإذنک واستخلفت علینا خلفاء فأطعناهم بإذنک ، وأمرت علینا أمراء فأطعناهم بإذنک ، فیقول صدقهم هو علیهم وأنتم منه براء. رواه الطبرانی وفیه إسحق بن إبراهیم بن زبریق وثقه أبو حاتم وضعفه النسائی ، وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

والفریة الکبری فی هذا الحدیث أن الحاکم الجائر قد استخلفه الله تعالی علی عباده وأمرهم بطاعته مهما عصی الله تعالی (واستخلفت علینا خلفاء فأطعناهم بإذنک

) بل ادعی واضع الحدیث أن ذلک یشمل عمال الحاکم وموظفیه أیضاً (وأمرت علینا أمراء فأطعناهم بإذنک ) !

ومن العجیب أن مخالفی أهل البیت(علیهم السّلام) یستکثرون أن یکون الله عزوجل اختار لهذه الأمة اثنی عشر إماماً بعد نبیها من ذریته ، وقد صحت روایاته عند الطرفین ، ولا یستکثرون مافی مصادرهم وعقائدهم من الإفتراء علی الله تعالی بأنه اختار کل الحکام والطغاة والمفسدین فی الأرض بل والکفار المستعمرین أئمة وحکاماً وأمر المسلمین بطاعتهم !!

عبدالله بن عمر یطبق تفسیر إخواننا للحدیث

من أبرز من روی عنه حدیث المیتة الجاهلیة عبدالله بن عمر ، وقد اقترنت روایته بقصة عبد الله مع الحدیث وتطبیقاته له فی حیاته التی امتدت إلی زمن الحجاج الثقفی وخلافة عبد الملک بن مروان ، وقد ذکرت مصادر الحدیث والتاریخ والفقه أن عبدالله بن عمر کان یعارض کل تحرک ضد الحاکم مهما فسق وطغی بحجة هذا الحدیث ، لأن المهم برأیه أن یکون فی عنق المسلم بیعة لأحد ، أی أحد ، وأن لا ینام علی فراشه لیلة إلا والبیعة فی عنقه ، حتی لا یموت موتة

ص: 397

جاهلیة ! !

روی مسلم صحیحه:6/22

عن زید بن محمد عن نافع قال: جاء عبدالله بن عمر إلی عبدالله بن مطیع حین کان من أمر الحرة ما کان زمن یزید بن معاویة فقال: إطرحوا لأبی عبدالرحمن وسادة، فقال: إنی لم آتک لأجلس ، أتیتک لأحدثک حدیثاً سمعت رسول الله (ص)یقوله ، سمعت رسول الله(ص)یقول: من خلع یداً من طاعة لقی الله یوم القیامة لا حجة له ، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة .

وروی ابن سعد فی الطبقات:5/144

عن أمیة بن محمد بن عبدالله بن مطیع ، أن عبدالله بن مطیع أراد أن یفر من المدینة لیالی فتنة یزید بن معاویة ، فسمع بذلک عبدالله بن عمر فخرج إلیه حتی جاءه قال: أین ترید یابن عم ؟ فقال: لا أعطیهم طاعة أبداً ، فقال: یابن عم ، لا تفعل فإنی أشهد أنی سمعت رسول الله(ص)یقول: من مات ولا بیعة علیه مات میتة جاهلیة. انتهی. وروی نحوه أحمد فی مسنده:3/1478 - 1479: عن عبد الله بن عمر. وروی نحوه الحاکم فی المستدرک:1/77 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین. وقد حدث به الحجاج بن محمد أیضاً عن اللیث ولم یخرجاه. ورواه الطبرانی الأوسط:1/175 - کما فی ابن سعد..ورواه غیرهم. .

وعبد الله بن مطیع الذی ذهب إلیه عبدالله بن عمر لینصحه بالتسلیم هو الذی اختاره أهل المدینة أمیراً علیهم عندما ثاروا علی ظلم بنی أمیة وطردوهم من المدینة ، فأرسل یزید جیشاً من الشام لغزو مدینة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجرت بین أهلها بقیادة ابن مطیع وبین جیش یزید معرکة الحرة المشهورة التی استشهد فیها مئات

ص: 398

ممن بقی من الأنصار والمهاجرین ، واستباح علی أثرها

جیش یزید المدینة ، وعاث فیها فساداً وتعدیاً علی الحرمات والأعراض ، وأخذوا البیعة من أهلها وختموهم فی أعناقهم علی أنهم عبید أقنان لیزید !

قال الذهبی فی تاریخ الإسلام:6/314: وعن إسحاق بن یزید قال: رأیت أنساً (رض) مختوماً فی عنقه ، ختمه الحجاج ، أراد أن یذله بذلک . . . وقال عمر بن عبد العزیز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم . . . وقال عاصم بن أبی النجود: ما بقیت لله حرمة إلا وقد انتهکها الحجاج ! انتهی .

ولا بد أن یکون هذا الختم فی زمن الحجاج ختماً آخر ختمه بنو أمیة فی أعناق أهل المدینة !!

وقال الذهبی فی:5/274

جمع ابن عمر بنیه وأهله ، وقال: أما بعد فإنا قد بایعنا هذا الرجل علی بیع الله ورسوله وإنی سمعت رسول الله(ص)یقول: إن الغادر ینصب له لواء یوم القیامة یقال هذه غدرة فلان . . . فلا یخلعن منکم أحد یزید .

وقال الشاطبی فی الاعتصام 2/128 - 29

عن نافع قال: لما خلع أهل المدینة یزید بن معاویة جمع إبن عمر حشده وولده وقال: إنی سمعت رسول الله یقول: لینصب لکل غادر لواء یوم القیامة. وإنا قد بایعنا هذا الرجل وإنی لا أعلم أحداً منکم خلعه ولا تابع فی هذا الأمر ، إلا کانت الفیصل بینی وبینه .

قال ابن العربی: وقد قال ابن الخیاط إن بیعة عبد الله لیزید کانت کرهاً ، وأین یزید من ابن عمر ؟ ولکن رأی بدینه وعلمه التسلیم لامر الله والفرار عن التعرض لفتنة فیها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا یخفی .

ص: 399

وقال النووی فی شرح مسلم:6/22

. . . ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میته جاهلیة . . . فی هذا دلیل علی مذهب عبد الله بن عمر کمذهب الأکثرین فی منع القیام علی الإمام وخلعه إذا حدث فسقه

وقال الشاطبی فی الاعتصام:2/128

قیل لیحیی بن یحیی: البیعة مکروهة ؟ قال لا ، قیل له: فإن کانوا أئمة جور ؟ فقال: قد بایع ابن عمر لعبد الملک بن مروان ، وبالسیف أخذ الملک !

وقال ابن حزم فی المحلی:1/45-46

مسألة . . . ومن بات لیلة ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة . . . عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله (ص): من خلع یداً من طاعة لقی الله یوم القیامة لا حجة له ، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة .

وقال ابن باز فی فتاویه:4/303

فی صحیح البخاری: أن عبد الله بن عمر کان یصلی خلف الحجاج بن یوسف الثقفی وکذا أنس بن مالک ، وکان الحجاج فاسقاً ظالماً. انتهی .

- ولکن النووی ادعی أن بیعة إبن عمر لعبد الملک کانت أیضاً خوفاً وتقیة من بنی أمیة ، قال فی شرح مسلم 8 جزء 16/98:

. . . قوله رأیت عبد الله بن الزبیر علی عقبة المدینة فجعلت قریش تمر علیه والناس حتی مر علیه عبد الله بن عمر فوقف علیه فقال: السلام علیک أبا حبیب. فیه استحباب السلام علی المیت فی قبره وغیره وتکریر السلام ثلاثاً. وفیه منقبة

ص: 400

لابن عمر لقوله الحق فی الملأ وعدم اکتراثه بالحجاج ، لأنه یعلم أنه یبلغه مقامه علیه وقوله وثناؤه علیه ، فلم یمنعه ذلک أن یقول الحق ویشهد لابن الزبیر بما یعلمه فیه من الخیر وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله إنه عدو الله وظالم.. ومذهب أهل الحق أن ابن الزبیر کان مظلوماً وأن الحجاج ورفقته کانوا خوارج علیه .

وامتنع عبدالله بن عمر عن بیعة علیٍّ ، ثم ندم

قال المسعودی فی مروج الذهب:2/361

وقعد عن بیعة علی جماعة عثمانیة لم یروا إلا الخروج عن الأمر ، منهم سعد بن أبی وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وبایع ( عبد الله بن عمر ) یزید بعد ذلک ، والحجاج لعبد الملک بن مروان .

وقال ابن الاثیر فی أسد الغابة:2/229-228

ولم یقاتل فی شئ من الفتن ولم یشهد مع علی شیئاً من حروبه حین أشکلت علیه ، ثم کان بعد ذلک یندم علی ترک القتال معه. أخبرنا القاضی أبوغانم محمد بن هبة الله ابن محمد بن أبی جرادة . . . حدثنا عبدالله بن حبیب أخبرنی أبی قال قال ابن عمر حین حضره الموت: ما أجد فی نفسی من الدنیا إلا أنی لم أقاتل الفئة الباغیة ، أخرجه أبو عمر ، وزاد فیه مع علی .

وقال ابن عبد البر فی الاستیعاب:1/-77

وصح عن عبدالله بن عمر من وجوه أنه قال: ما آسی علی شئ کما آسی أنی لم أقاتل الفئه الباغیة مع علی (رض). ونحوه فی:3/953

ورووا أن ندمه علی عدم إطاعة علی کان شدیداً إلی حد أنه کاد أن یثور فی

ص: 401

وجه معاویة. فقد روی البخاری فی صحیحه:3 جزء 5/48: قال خطب معاویة فقال: من کان یرید أن یتکلم فی هذا الأمر فلیطلع لنا قرنه ، فلنحن أحق به منه ومن أبیه ! قال حبیب بن مسلمة: فهلا أجبته ؟ قال عبد الله: هممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منک من قاتلک وأباک علی الإسلام ، فخشیت أقول کلمة تفرق بین الجمع ! وجاء فی تاریخ الإسلام للذهبی:3/553 و: 5/463: قال ابن عمر: فحللت حبوتی وهممت أن أقول: أحق به من قاتلک وأباک علی الإسلام !

ثم کانت علاقاته حسنة مع بنی أمیة ومع الثائرین علیهم

روی البخاری فی الادب المفرد/299

عن عبد الله بن دینار أن عبد الله بن عمر کتب إلی عبد الملک ابن مروان یبایعه فکتب إلیه . . فإنی أحمد إلیک الله الذی لا إله إلا هو ، وأقر لک بالسمع والطاعة .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:8/195

عن عمیر بن هانی قال: وجهنی عبد الملک بکتاب إلی الحجاج وهو محاصر ابن الزبیر ، وقد نصب المنجنیق یرمی علی البیت ، فرأیت ابن عمر إذا أقیمت الصلاة صلی مع الحجاج ، وإذا حضر ابن الزبیر المسجد صلی معه .

وقال ابن أبی شیبة فی المصنف:4/340

عن مغیرة عن رجل أنه رأی ابن عمر صلی خلف ابن الزبیر بمنی رکعتین ، قال: ورأیته صلی خلف الحجاج أربعاً !

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:5/60

وکان المختار محسناً إلی ابن عمر یبعث إلیه بالجوائز والعطایا لأنه کان زوج

ص: 402

أخت المختار . . وکان ( المختار ) غلاماً یعرف بالانقطاع إلی بنی هاشم ثم خرج فی آخر خلافة معاویة إلی البصرة فأقام بها یظهر ذکر الحسین ، فأخبر بذلک عبید الله بن زیاد فأخذه وجلده مائة وبعث به إلی الطائف . . . ثم أن عبدالله بن عمر کتب فیه إلی یزید لما بکت صفیة أخت المختار علی زوجها ابن عمر . . . فکتب یزید إلی عبید الله فأخرجه . . . فأتی الحجاز واجتمع بابن الزبیر فحضه علی أن یبایع الناس .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:5/462: إن المختار بن أبی عبیدة کان یرسل إلی ابن عمر المال فیقبله .

وروت مصادر الشیعة احتیاطاً غریباً له فی تطبیق الحدیث

قال الطبری الشیعی فی کتابه المسترشد/16

عبدالله بن عمر الذی قعد عن بیعة علی(علیه السّلام)ثم مضی إلی الحجاج فطرقه لیلاً فقال: هات یدک لأبایعک لأمیر المؤمنین عبد الملک فإنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: من مات ولیس علیه إمام فمیتته جاهلیة ، حتی أنکرها علیه الحجاج مع کفره وعتوه .

وروی ذلک المحدث القمی فی الکنی والألقاب ، وفیه: فأخرج الحجاج رجله وقال: خذ رجلی فإن یدی مشغولة ، فقال ابن عمر: أتستهزی منی ؟ ! قال الحجاج: یا أحمق بنی عدی ما بایعت علیاً وتقول الیوم: من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة ! أو ما کان علیٌّ إمام زمانک ؟ ! والله ما جئت إلیَّ لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل جئت مخافة تلک الشجرة التی صلب علیها ابن الزبیر. انتهی .

ص: 403

ولم یزد أحد علی ابن عمر فی تطبیق الحدیث إلا أبو سعید الخدری

- مجمع الزوائد:5/219

وعن بشر بن حرب أن ابن عمر أتی أبا سعید فقال: یا أبا سعید ألم أخبر أنک بایعت أمیرین قبل أن تجتمع الناس علی أمیر واحد ؟ قال نعم بایعت ابن الزبیر ، فجاء أهل الشام فساقونی إلی حبیش بن دلجة فبایعته ! فقال ابن عمر: إیاها کنت أخاف ؟ !

قال أبو سعید: یا أبا عبدالرحمن ألم تسمع أن رسول الله(ص)قال: من استطاع أن لا ینام یوماً ولا یصبح صباحاً ولا یمسی مساء إلا وعلیه أمیر ؟ قال نعم ، ولکنی أکره أن أبایع أمیرین من قبل أن یجتمع الناس علی أمیر واحد . انتهی . وقال الهیثمی: رواه أحمد ، وبشر بن حرب ضعیف .

تحیر إخواننا السنة فی هذا الحدیث قدیماً وحدیثاً

لا مشکلة عندنا نحن الشیعة بسبب هذا الحدیث بل هو منسجم مع مذهبنا ، وهو من أدلتنا علی نظام الإمامة فی الإسلام وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد بلغه إلی الأمة ، وقد ثبت عندنا بأدلة قاطعة أن الله تعالی جعل إمامة هذه الأمة فی ذریة نبیها ، وکفاها مؤونة اختیار الحاکم وأخطار الصراع علی الحکم ، لو أنها أطاعت. أما إذا أعرضت الأمة عنهم ومشت خلف آخرین فالمشکلة مشکلتها ، ولا یتغیر من أمر الله تعالی شئ ، ولا تبطل إمامة الأئمة الذین اختارهم الله تعالی .

أما طریق معرفة الإمام فهی النص علیه من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو من الإمام السابق ، کما أنه یعرف بما یجریه الله تعالی علی یده من المعجزات والدلالات لإثبات إمامته، وسیأتی ذلک فی بحث الإمامة إن شاء الله تعالی .

ص: 404

ولکن هذا الحدیث ، سبب مشکلة لا تنحل عند إخواننا السنة ، مهما تکن صیغه التی رووه بها ، لأنه یوجب علیهم معرفة الإمام فی کل عصر أو بیعته ، وإلا فإنهم یموتون موتة جاهلیة علی غیر الإسلام !

فلا مخرج للسنی من الموتة الجاهلیة ، إلا بأحد أمور أربعة: بأن یصیر شیعیاً ، أو یبایع إماماً قرشیاً جامع الشروط ، أو یلتزم بأن الإمام الشرعی فی الإسلام کل من تسلط علی المسلمین ولو بالحدید والنار ، فتجب بیعته وطاعته مهما عصی الله تعالی، أو یکون علی مذهب حرکة التکفیر والهجرة ! ومن لم یفعل ذلک ومات، فموتته جاهلیة ! !

قال الشهید الثانی فی رسائله:2/150

واعلم أن من مشاهیر الأحادیث بین العامة والخاصة وقد أوردها العامة فی کتب أصولهم وفروعهم أن: من مات ولم یعرف إمام زمانه فقد مات میتة جاهلیة ، فنحن والحمد لله نعرف إمام زماننا فی کل وقت ، ولم یمت أحد من الإمامیة میتة جاهلیة ، بخلاف غیرنا من أهل الخلاف فإنهم لو سئلوا عن إمام زمانهم لسکتوا ولم یجدوا إلی الجواب سبیلاً ، وتشتت کلمتهم فی ذلک ، فقائل بأن إمامهم القرآن العزیز ، وهؤلاء یحتج علیهم بأن القرآن العزیز قد نطق بأن الإمام والمطاع غیره ، حیث قال الله تعالی: أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ .

علی أنه لو سلم لهم ذلک لزمهم اجتماع إمامین فی زمان واحد ، وهو باطل بالإجماع منا ومنهم، کما صرحوا به فی کتب أصولهم ، وذلک لأن القرآن العزیز منذ رحلة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الدنیا ، وقد حکموا بإمامة الأربعة الخلفاء فی وقت وجود القرآن العزیز ، فیلزم ما ذکرناه .

ص: 405

وقائل إن الأمویین والعباسیین کانوا أئمة بعد الخلفاء الأربعة الماضین ، ثم استشکل هذا القائل الأمر بعد هؤلاء المذکورین ، فهو أیضاً ممن لا یعرف إمام زمانه .

فإن قالوا: إن الآیة الکریمة دلت علی أن کل ذی أمر تجب طاعته ، وأولوا الأمر من الملوک موجودون فی کل زمان ، فیکون الإمام أو من یقوم مقامه متحققاً .

قلنا لهم ، أولاً: إنکم أجمعتم علی عدم جواز تعدد الإمام فی عصر واحد ، فمن یکون منهم إماماً ؟ ولا یمکنهم الجواب باختیار واحد لأنا نجد الأمة مختلفة باختلافهم ، فإن أهل کل مملکة یطیعون ملیکهم مع اختلاف أولئک الملوک ، فیلزم اجتماع الأمة علی الخطأ ، وهو عدم نصب إمام مطاع فی الکل وهو باطل ، لأن الأمة معصومة بالإجماع منهم ، ومنا بدخول المعصوم عندنا .

ولا یرد مثل ذلک علینا ، لأن الإمامة عندنا بنص الله تعالی ورسوله ، وقد وقعا ، لا بنصب ( أهل ) الشریعة ، والإمام عندنا موجود فی کل زمان ، وإنما غاب عنا خوفاً أو لحکمة مخفیة ، وبرکاته وآثاره لم تنقطع عن شیعته فی وقت من الأوقات وإن لم یشاهده أکثرهم ، فإن الغرض من الإمامة الأول لا الثانی .

وثانیاً ، بأن ما ذکرتم من الملوک ظلمة جائرون لا یقومون بصلاح الشریعة فی الدنیا فضلاً عن الدین ، وقد قال تعالی عز من قائل: لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ، أی لا تنال الظالمین ولایتی ، والإمامة من أعظم الولایات. انتهی .

ص: 406

معرفة الإمام هی الحکمة

الکافی:1/182

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أیوب بن الحر ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) فی قول الله عز وجل: وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، فقال: طاعة الله ومعرفة الإمام .

الکافی:2/284

یونس ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال سمعته یقول: ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خبراً کثیراً. قال: معرفة الإمام ، واجتناب الکبائر التی أوجب الله علیها النار. انتهی. ورواه فی مستدرک الوسائل:11/354 .

لا یمکن للناس معرفة الإمام المعصوم لیختاروه

الکافی:1/201

( عن الإمام الرضا(علیه السّلام)من حدیث طویل ): الإمام واحد دهره ، لا یدانیه أحد ، ولا یعادله عالم ، ولا یوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظیر ، مخصوص بالفضل کله من غیر

طلب منه له ولا إکتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام أو یمکنه اختیاره، هیهات هیهات ضلت العقول وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب وخسئت العیون ، وتصاغرت العظماء ، وتحیرت الحکماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الالباء ، وکلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعییت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضیلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصیر .

ص: 407

وکیف یوصف بکله، أو ینعت بکنهه ، أو یفهم شئ من أمره ، أو یوجد من یقوم مقامه ویغنی غناه ، لا کیف وأنی ؟ وهو بحیث النجم من ید المتناولین ووصف الواصفین، فأین الاختیار من هذا ؟ وأین العقول عن هذا؟ وأین یوجد مثل هذا؟! أتظنون أن ذلک یوجد فی غیر آل الرسول محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، کذبتهم والله أنفسهم... .

معنی: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت

وسائل الشیعة:1/88

محمد بن علی بن الحسین ، فی معانی الأخبار عن أبیه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أبیه ، عن علی بن النعمان ، عن فضیل بن عثمان ، قال: سئل أبوعبدالله(علیه السّلام)عما روی عن أبیه: إذا عرفت فاعمل ما شئت ، وأنهم یستحلون بعد ذلک کل محرم ، فقال: ما لهم لعنهم الله ؟ إنما قال أبی (علیه السّلام): إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خیر یقبل منک .

دعائم الإسلام:1/52

وعن أبی عبدالله جعفر بن محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن رجلاً من أصحابه ذکر له عن بعض من مرق من شیعته واستحل المحارم ممن کان یعد من شیعته ، وقال: إنهم یقولون الدین المعرفة ، فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت ، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد: إنا لله وإنا إلیه راجعون ، تأمَّل الکفرة ما لا یعلمون ، وإنما قیل إعرف الإمام واعمل ما شئت من الطاعة فإنها مقبولة منک ، لأنه لا یقبل الله عز وجل عملاً بغیر معرفة. ولو أن الرجل عمل أعمال البر کلها وصام دهره وقام لیله ، وأنفق ماله فی سبیل الله ، وعمل بجمیع طاعات الله عمره کله ، ولم یعرف نبیه الذی جاء بتلک الفرائض ثم معرفة وصیه والأئمة من بعده .

ص: 408

مستدرک الوسائل:1/174

وعنه (علیه السّلام) أن رجلاً من أصحابه ذکر له عن بعض من مرق من شیعته واستحل المحارم وأنهم یقولون إنما الدین المعرفة فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت ! فقال أبوعبدالله(علیه السّلام): إنا لله وإنا إلیه راجعون ، تأول الکفرة ما لا یعلمون ، وإنما قیل إعرف واعمل ما شئت من الطاعة فإنه مقبول منک ، لأنه لا یقبل الله عملاً من عامل بغیر معرفة. لو أن رجلاً عمل أعمال البر کلها وصام دهره وقام لیله وأنفق ماله فی سبیل الله وعمل بجمیع طاعة الله عمره کله ولم یعرف نبیه الذی جاء بتلک الفرائض فیؤمن به ویصدقه ، وإمام عصره الذی افترض الله طاعته فیطیعه ، لم ینفعه الله بشئ من عمله ، قال الله عز وجل فی مثل هؤلاء: وقدمنا إلی ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً .

بعلی عرف المؤمنون بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أمالی المفید/213

حدثنا أبوجعفر محمد بن علی بن الحسین قال: حدثنی أبی قال: حدثنی محمد بن یحیی العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن الحکم، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): یا علی أنت منی وأنا منک: ولیک ولیی وولیی ولی الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله .

یا علی أنا حرب لمن حاربک ، وسلم لمن سالمک .

یا علی لک کنز فی الجنة وأنت ذو قرنیها .

ص: 409

یا علی أنت قسیم الجنة والنار، لا یدخل الجنة إلا من عرفک وعرفته ، ولا یدخل النار إلا من أنکرک وأنکرته .

یا علی أنت والأئمة من ولدک علی الأراف یوم القیامة تعرف المجرمین بسیماهم ، والمؤمنین بعلاماتهم .

یا علی لولاک لم یعرف المؤمنون بعدی. انتهی. وقد تقدم أن المؤمنین والمنافقین کانوا یُعْرَفون حتی فی زمان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بموقفهم النفسی من علی(علیه السّلام).

معرفة الآخرة والمعاد والحساب

رسائل الشهید الثانی/145

الأصل الخامس ، المعاد الجسمانی. اتفق المسلمون قاطبة علی إثباته ، وذهب الفلاسفة إلی نفیه وقالوا بالروحانی. والمراد من الأول إعادة البدن بعد فنائه ما کان علیه قبله . . . لنفع دائم أو ضرر دائم ، أو منقطع یتعلقان به ، وذهب جمع من الأشاعرة إلی أن المراد منه هو إعادة مثل البدن لا هو نفسه ، وهو ضعیف لما سیأتی. واعلم أن العقل لا یستقل بإثبات المعاد البدنی کاستقلاله بإثبات الصانع تعالی ووحدته ، بل إنما ثبت علی وجه یقطع العقل بوقوعه بمعونة السمع .

کشف الغطاء/5

والمقدار الواجب بعد معرفة أصل المعاد ، معرفة الحساب وترتب الثواب والعقاب. ولا یجب المعرفة علی التحقیق التی لا یصلها إلا صاحب النظر الدقیق کالعلم بأن الأبدان هل تعود بذواتها أو إنما یعود ما یماثلها بهیئاتها، وإن الأرواح هل تعدم کالأجساد أو تبقی مستمرة حتی تتصل بالأبدان عند المعاد ، وأن

ص: 410

المعاد هل یختص بالإنسان أو یجری علی کافة ضروب الحیوان ، وأن عودها بحکم الله دفعی أو تدریجی .

وحیث لزمه معرفة الجنان وتصور النیران ، لا یلزم معرفة وجودهما الآن ولا العلم بأنهما فی السماء أو فی الأرض أو یختلفان .

وکذا حیث یجب معرفة المیزان ، لا یجب علیه معرفة أنها میزان معنویة أو لها کفتان ، ولا یلزم معرفة أن الصراط جسم دقیق أو هو عبارة عن الإستقامة المعنویة علی خلاف التحقیق .

والغرض أنه لا یشترط فی تحقق الإسلام معرفة أنهما من الاجسام وإن کانت الجسمیة هی الاوفق بالإعتبار ، وربما وجب القول بها عملاً بظاهر الأخبار .

ولا تجب معرفة أن الأعمال هل تعود إلی الاجرام وهل ترجع بعد المعنویة إلی صور الأجسام ، ولا یلزم معرفة عدد الجنان والنیران وإدراک کنه حقیقة الحور والولدان .

وحیث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبیاء لا یلزم معرفة مقدار تأثیرها فی حق الأشقیاء .

وحیث یلزم معرفة الحوض لا یجب علیه توصیفه ولا تحدیده وتعریفه، ولا یلزم معرفة ضروب العذاب وکیفیة ما یلقاه العصاة من أنواع النکال والعقاب. انتهی. ونکتفی هنا بهذه السطور عن معرفة الآخرة والمعاد ، وستأتی مسائله فی محالها إن شاء الله تعالی .

تم المجلد الأول من کتاب العقائد الإسلامیة

ویلیه المجلد الثانی إن شاء الله تعالی ، وأوله بحث الرؤیة .

ص: 411

ص: 412

فهرس المجلد الأول

الفصل الأول: الفطرة...........................................5

آیات فطرة السماوات والکون..................................7

فطرة الله التی فطر الناس علیها..........................9

الفطرة الأولی والفطرة الثانیة.............................10

الفطرة حالة استعداد لا تعنی الاجبار وسلب الإختیار12

الفصل الثانی:الفطرة........................................21

عالم الذر......................................................23

تذکیر الأنبیاء بمیثاق الفطرة..............................28

کل مولود یولد علی الفطرة...............................30

وکل الحیوانات فطرت علی معرفة الله تعالی..........35

التوجه الفطری إلی الله تعالی...........................35

عوالم وجود الإنسان.......................................64

من روایات عالم الاظلة....................................72

من روایات عالم طینة الخلق..............................81

من آیات وروایات عالم الملکوت............................85

الفصل الثالث: الفطرة بمعنی الولادة فی الإسلام97

قولهم من ولد علی الإسلام فهو من أهل الجنة99

ص: 413

القول بأن من ولد فی الإسلام فهو من أهل الجنة100

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهیة........................101

معنی الفطرة والصبغة...................................104

بحث فی دور الفطرة والنبوة فی الحیاة الإنسانیة114

أمور ورد أنها من الفطرة.................................121

أمور ورد أنها من الفطرة ...................................124

الفصل الرابع : تقویة الفطرة وتضعیفها وإساءة استعمالها127

قابلیة الفطرة للتقویة والتخریب...............................129

قدوات البشریة فی فطرتهم المستقیمة..................136

آدم(علیه السّلام)فطرة الله تعالی ...........................136

إبراهیم(علیه السّلام)إمام الإستقامة علی الفطرة 136

نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )رائد العارفین ورائد سعادتنا142

خط الفطرة لم ینقطع من ذریة إبراهیم ................146

عمار علم الثابتین علی الفطرة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 149

علی (علیه السّلام) إمام الثابتین علی الفطرة152

ولایة علی(علیه السّلام)علامة علی صحة الفطرة وطیب المولد 161

الفصل الخامس :وجوب المعرفة والنظر..................167

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها.......................169

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها.........................171

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة...............................171

فضل معرفة الله تعالی .......................................173

ص: 414

الحث علی مجالسة أهل المعرفة...........................174

فضل من مات علی المعرفة ..................................174

نعمة معرفة حمد الله وشکره ................................174

نعمة معرفة کرم الله وآلائه.....................................175

معرفة الله لا تکون إلا بالله ومن الله ..........................175

لا یفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالی ..........176

الهدایة والإضلال من الله تعالی لکن الإضلال باستحقاق العبد177

دعاء طلب المعرفة من الله تعالی........................179

وسائل معرفة الله ............................................180

أداة معرفة الله تعالی: العقل............................180

من أسباب المعرفة وآثارها ................................188

ما یورث المعرفة .............................................188

ما تورثه المعرفة ............................................188

ما یفسد المعرفة ویطفئ نورها..........................188

الفصل السادس :خطر ضلال الأمم بعد المعرفة191

کان نبینا یخاف علی أمته الضلال بعد المعرفة 193

وضع المعرفة فی بنی اسرائیل بعد موسی 194

إتهامهم نبیهم موسی بأنه لم یعرف الله تعالی 196

بولس یصف فساد الناس فی عصره وبعدهم عن المعرفة 196

المعرفة التی دعا إلیها بولس الذی نَصَّر النصاری 197

متی اخترع المسیحیون التثلیث بعد التوحید 198

الفصل السابع : متی تجب المعرفة علی الإنسان201

ص: 415

فی أی سن یجب التفکیر والمعرفة.....................203

حکم الإنسان فی مرحلة التفکیر والبحث .............207

تجب المعرفة بالتفکیر ولا یصح فیها التقلید ...........209

الفصل الثامن : المعرفة والعمل...........................223

اشتراط کل من المعرفة والعمل بالآخر ..................225

أفضل الأعمال بعد معرفة العقائد...........................233

أقل ما یجب ، وأقصی ما یمکن ، من المعرفة 234

المعرفة لا تتوقف علی علم الکلام......................252

ویکفی الدلیل الاجمالی فی المعرفة....................256

العجز عن معرفة ذات الله تعالی..........................266

الفصل التاسع : أنواع من المعرفة والعارفین267

المعرفة الحقیقیة والمعرفة الشکلیة269

تحیر المتصوفة فی دور العقل فی المعرفة 270

تحیرهم فی الفرق بین العلم والمعرفة......271

تصوراتهم عن العارف بالله تعالی...............272

المؤلفة قلوبهم بالمال لکی یعرفوا..............274

دعوة العدو فی الجهاد إلی معرفة الله تعالی 275

معرفة أهل الآخرة بدیهیة لا کسبیة ..............276

بحث للشیخ الطوسی فی تعریف الإیمان والکفر 277

ص: 416

بحث للشهید الثانی فی تعریف الإیمان والکفر 280

هل یمکن أن یصیر المؤمن کافراً.....................292

هل تزول المعرفة والإیمان بإنکار الضروری ؟ 294

هل أن الکافر یعرف الله تعالی ؟ 298

بحث فی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس 302

الفصل العاشر : معرفة النبی والأئمة صلوات الله علیهم329

یجب علی کل الناس معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )331

یعرف النبی بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة 334

وتجب معرفة الأئمة لأن الله تعالی فرض طاعتهم 335

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض مودتهم 342

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض الصلاة علیهم347

وتجب معرفتهم لانهم أهل الذکر الذین أمرنا الله بسؤالهم 359

وتجب معرفتهم لأن الأعمال لا تقبل إلا بولایتهم 363

وتجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالی 369

وتجب معرفتهم لأنها طریق معرفة الله تعالی 370

وتجب معرفتهم لحدیث: من مات ولم یعرف إمام زمانه 371

صیغ الحدیث فی مصادر مذهب أهل البیت.............371

کما توجد فی مصادرنا أحادیث أخری عدیدة ، یمکن أن تصل إلی مجموعات أخری: 379

تفسیر الحدیث فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) 380

تفسیر الشیعة الزیدیة للحدیث..............................388

روایاتهم التی فیها لفظ طاعة................................394

ص: 417

روایاتهم التی توجب طاعة الحاکم الجائر .............395

مدرسة البخاری فی تفسیر هذا الحدیث 396

عبدالله بن عمر یطبق تفسیر إخواننا للحدیث 397

وامتنع عبدالله بن عمر عن بیعة علیٍّ ، ثم ندم 401

تحیر إخواننا السنة فی هذا الحدیث قدیماً وحدیثاً 404

معرفة الإمام هی الحکمة 407

لا یمکن للناس معرفة الإمام المعصوم لیختاروه 407

معنی: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت 408

بعلی عرف المؤمنون بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )409

معرفة الآخرة والمعاد والحساب410

ص: 418

المجلد 2

اشارة

العقائد الإسلامیة مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

بقلم: علی الکورانی العاملی المجلد الثانی

یشتمل علی مسائل: الرؤیة والتشبیه والتجسیم

الطبعة الثانیة مزیدة ومنقحة

ص: 1

ص: 2

مقدمة

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول: جذور مسألة الرؤیة والتشبیه والتجسیم

اشارة

ص: 5

ص: 6

اعتقاد السنیین أن الله تعالی یری بالعین

المقصود بمسألة الرؤیة: إمکان أن یری الإنسان الله تعالی بحاسة العین فی الدنیا أو فی الآخرة .

1 - والمقصود بالتشبیه والتجسیم: تشبیه ذات الله تعالی بشئ من مخلوقاته .

وقد نفی کل ذلک نفیاً مطلقاً أهل البیت(علیهم السّلام) وأم المؤمنین عائشة وجمهور الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغیرهم ، واستدلوا علی ذلک بالقرآن بمثل قوله تعالی ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ) وقوله تعالی ( لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ) . . إلخ. واستدلوا أیضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمکان رؤیته سبحانه بالعین یستلزم تشبیهه وتجسیمه لا محالة ، لأن ما یری بالعین لا یکون إلا وجوداً مادیاً یشبه غیره بأنه محدود بالمکان والزمان .

بینما تبنی الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعریة وهم أکثر الحنفیة والمالکیة والشافعیة ، القول برؤیة الله تعالی بالعین فی الدنیا أو فی الآخرة بسبب روایات رووها ، وبعض الآیات المتشابهة التی یبدو منها ذلک ، وحاولوا أن یؤولوا الآیات المحکمة والأحادیث الصحیحة النافیة لإمکان الرؤیة بالعین .

وبسبب الإرتباط بین مسائل الرؤیة والتشبیه والتجسیم والإشتراک فی بحوثها

ص: 7

ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد .

متی ظهرت أحادیث الرؤیة والتشبیه

تدل نصوص الحدیث والتاریخ علی أن الجو الذی کان سائداً فی صحابة النبی فی عهده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعهد الخلیفة أبی بکر هو الإنسجام مع آیات القرآن النافیة لإمکان الرؤیة ، وأن الله تعالی لیس من نوع الأشیاء التی تری بالعین أو تحس بالحواس الخمس . . لأنه وجود أعلی من الأشیاء المادیة ، فهو یدرک بالعقل ویحس بالقلب والبصیرة لا بالبصر .

ویبدو أن أفکار التشبیه والرؤیة ظهرت بین المسلمین فی عهد الخلیفة عمر وما بعده ، فنهض أهل البیت(علیهم السّلام) وبعض الصحابة لردها وتکذیبها .

وتدل أحادیث التکذیب التی رویت عن أم المؤمنین عائشة أنها کغیرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغریبة عن عقائد الإسلام ، المناقضة لما بَلَّغه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن ربه تعالی، سواء فی آیات القرآن أو فی أحادیثه الشریفة ! ولذلک أعلنت أم المؤمنین أن هذه الأحادیث مکذوبة ، بل هی فریة عظیمة علی الله تعالی ورسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن واجب المسلمین ردها وتکذیبها !!

عائشة تکذب أحادیث الرؤیة والتشبیه

صحیح البخاری:6/50:

. . . عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة رضی الله عنها: یا أمتاه هل رأی محمد(ص)ربه ؟ فقالت لقد قَفَّ شعری مما قلت ! أین أنت من ثلاث من حدثکهن فقد کذب: من حدثک أن محمداً(ص)رأی ربه فقد کذب ثم

ص: 8

قرأت: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ ، وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، ومن حدثک أنه یعلم ما فی غد فقد کذب ثم قرأت: وما تدری نفس ماذا تکسب غداً ، ومن حدثک أنه کتم فقد کذب ثم قرأت: یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الآیة ، ولکنه رأی جبرئیل(علیه السّلام)فی صورته مرتین .

صحیح البخاری:8/166:

. . . عن الشعبی عن مسروق عن عائشة رضی الله عنها قالت: من حدثک أن محمداً(ص)رأی ربه فقد کذب ، وهو یقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، ومن حدثک أنه یعلم الغیب فقد کذب ، وهو یقول: لا یعلم الغیب إلا الله. انتهی. وروی نحوه فی:2 جزء 4/83 وج 3 جزء 6/50 وج 4/83 وقداستوفینا بقیة مصادره فی کتاب ( الوهابیة والتوحید ) .

موج الفریة جاء من الشام

مع أن الخلیفة عمر أخذ من ثقافة کعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمیاً أن یحدثوا المسلمین فی مساجدهم ، وأن یکتب المسلمون عنهم ، ولکن روایات الرؤیة واجهت سداً من الصحابة فبقی انتشارها محدوداً فی زمن الخلیفة عمر ، ولکن الدولة الأمویة تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام ، ووصلت إلی المدینة فاستنکرها أهل البیت وعائشة والصحابة !

تدل الروایة التالیة علی أن الشام کانت مرکز القول بالتشبیه والتجسیم ، وسبب ذلک أن کعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وکانوا

ص: 9

مقربین من معاویة ، وقد أطلق یدهم لیملوا أفکارهم وثقافتهم علی المسلمین ، ویظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتی تأصلت أفکارهم فیهم .

ومن الظواهر الملفتة أن الشام فی تاریخنا الإسلامی کانت موطناً للتشبیه والتجسیم أکثر من أی قطر إسلامی آخر ! فلا توجد فی العالم الإسلامی منطقة یعتبر فیها تأویل صفات الله تعالی التی یتوهم منها التشبیه والتجسیم جریمةً وخروجاً عن الدین إلا الشام ، فقد صارت کلمة ( متاولة ) تساوی کلمة کفار أو أسوأ منها ، وکم من مسلم قتل فی بلاد الشام بجرم أنه (متوالی) أی متأول ! وما زالت هذه الکلمة إرثاً عند العوام ینبزون بها شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) وهی فی فهم عوامهم أسوأ من الکفر أو مساوقة له !

قال الصدوق فی التوحید/179:

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوی السمرقندی (رض) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبیه محمد بن مسعود العیاشی قال: حدثنا الحسین بن أشکیب قال: أخبرنی هارون بن عقبة الخزاعی ، عن أسد بن سعید النخعی قال: أخبرنی عمرو بن شمر ، عن جابر بن یزید الجعفی قال: قال محمد بن علی الباقر (علیهماالسّلام): یا جابر ما أعظم فریة أهل الشام علی الله عز وجل ، یزعمون أن الله تبارک وتعالی حیث صعد إلی السماء وضع قدمه علی صخرة بیت المقدس ، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه علی حجر فأمرنا الله تبارک وتعالی أن نتخذه مصلی ، یا جابر إن الله تبارک وتعالی لا نظیر له ولا شبیه ، تعالی عن صفة الواصفین ، وجلَّ عن أوهام

ص: 10

المتوهمین ، واحتجب عن أعین الناظرین ، لا یزول مع الزائلین ، ولا یأفل مع الأفلین ، لیس کمثله شئ وهو السمیع العلیم .

ورواه العیاشئ فی تفسیره:1/59 ، ورواه المجلسی فی بحار الأنوار: 102/ 270 وقال: بیان: الظاهر أن المراد بالعبد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث وضع قدمه الشریف علیه لیلة المعراج وعرج منه کما هو المشهور ویحتمل غیره من الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) وعلی أی حال یدل علی استحباب الصلاة علیه. انتهی. ولکن الصحیح ما قاله الربانی فی هامش بحار الأنوار:

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهیم وبه أثر قدمه الشریف ، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ مُصَلًّی، أن نتخذه مصلی. انتهی .

ولا یبعد أن یکون مقصود الإمام الباقر(علیه السّلام)بتعبیره ( أهل الشام ) بنی أمیة ، وهو تعبیر یستعمله عنهم أهل البیت(علیهم السّلام) وهذا یدعونا إلی القول بأن سبب عدم نجاح أفکار کعب فی المدینة المنورة أو فی الکوفة أو محدودیة نجاحها فی القرن الأول ، الخلیفة عمر رغم أنه أعطی کعباً مکانة عظیمة فی دولة الخلافة وکان یقبل أفکاره ، ولکن کان یوجد فی عهده صحابة کثیرون یجابهون کعباً ویردون إسرائیلیاته کما شاهدنا فی موقف عائشة ، وکما نری فی الموقف التالی لعلی(علیه السّلام)حیث غضب من کلام کعب ونهض لیخرج من مجلس الخلیفة عمر محتجاً علی أفکاره التجسیمیة الیهودیة !

فقد روی المجلسی فی بحار الأنوار:44/194:

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب یوماً وعنده کعب الحبر إذ

ص: 11

قال: یا کعب أحافظ أنت للتوراة .

قال کعب: إنی لاحفظ منها کثیراً .

فقال رجل من جنبة المجلس: یا أمیر المؤمنین سله أین کان الله جل ثناؤه قبل أن یخلق عرشه ، ومم خلق الماء الذی جعل علیه عرشه. فقال عمر: یا کعب هل عندک من هذا علم ؟

فقال کعب: نعم یا أمیر المؤمنین نجد فی الأصل الحکیم أن الله تبارک وتعالی کان قدیماً قبل خلق العرش وکان علی صخرة بیت المقدس فی الهواء ، فلما أراد أن یخلق عرشه تفل تفلة کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التی کانت تحته ، وآخر ما بقی منها لمسجد قدسه !

قال ابن عباس: وکان علی بن أبی طالب(علیه السّلام)حاضراً فعظم علی ربه وقام علی قدمیه ونفض ثیابه فأقسم علیه عمر لما عاد إلی مجلسه ففعله .

قال عمر: غص علیها یا غواص ، ما تقول یا أبا الحسن فما علمتک إلا مفرجاً للغم. فالتفت علی(علیه السّلام)إلی کعب فقال: غلط أصحابک وحرفوا کتب الله وفتحوا الفریة علیه ! یا کعب ویحک إن الصخرة التی زعمت لا تحوی جلاله ولا تسع عظمته ،والهواء الذی ذکرت لا یحوز أقطاره ، ولو کانت الصخرة والهواء قدیمین معه لکان لهما قدمته ، وعز الله وجل أن یقال له مکان یومی إلیه ، والله لیس کما یقول الملحدون ولا کما یظن الجاهلون ، ولکن کان ولا مکان بحیث لا تبلغه الأذهان، وقولی ( کان ) عجز عن کونه وهو مما علم من البیان یقول الله عز وجل ( خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَیَانَ )

ص: 12

فقولی له ( کان ) ما علمنی من البیان لأنطق بحججه وعظمته ، وکان ولم یزل ربنا مقتدراً علی ما یشاء محیطاً بکل الأشیاء ، ثم کوَّن ما أراد بلا فکرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت علیه فیما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غیر شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وکان قدیراً أن یخلق الظلمة لا من شئ کما خلق النور من غیر شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور یاقوتة غلظها کغلظ سبع سماوات وسبع أرضین ، ثم زجر الیاقوتة فماعت لهیبته فصارت ماء مرتعداً ولا یزال مرتعداً إلی یوم القیامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علی الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان یسبح الله کل لسان منها بعشرة آلاف لغة لیس فیها لغة تشبه الأخری ، وکان العرش علی الماء من دونه حجب الضباب ، وذلک قوله: وکان عرشه علی الماء لیبلوکم .

یا کعب ویحک ، إن من کانت البحار تفلته علی قولک ، کان أعظم من أن تحویه صخرة بیت المقدس أو یحویه الهواء الذی أشرت إلیه أنه حل فیه ، فضحک عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهکذا یکون العلم لا کعلمک یا کعب ، لأعشت إلی زمان لا أری فیه أبا حسن. انتهی .

وفی هذه الروایة مادة غنیة للبحث نکتفی منها بأن کعب الأحبار طرح التجسیم رسمیاً فی دار الخلافة ومجلس الخلیفة ولم یرده إلا علی(علیه السّلام)وقد قبل الخلیفة تنزیه علیّ لله تعالی ووبخ کعب الأحبار فی ذلک المجلس ، ولکن یظهر أنه قبل منه التجسیم بعد ذلک کما سیأتی فی أحادیث الخلیفة عن تجسیم الله تعالی، وأنه یجلس علی عرشه ویطقطق العرش من ثقله . . إلخ .

ص: 13

وابن عباس یحکم بشرک من یشبه الله تعالی بغیره

قال الدیلمی فی فردوس الأخبار:4/206:

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشئ أو ظن أن الله عز وجل یشبهه شئ ، فهو من المشرکین .

وروی الطبری فی تفسیره:9/38:

عن ابن عباس قوله تعالی: سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ یقول: أنا أول من یؤمن أنه لا یراک شئ من خلقک .

وقال النویری فی نهایة الإرب: 7 جزء 13/211:

قال وهب: واختلف العلماء فی معنی التجلی ، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل .

وقال ابن قیم الجوزیة فی زاد المعاد:3/29-30:

واختلف الصحابة رضی الله عنهم هل رأی ربه تلک اللیلة أم لا ؟ فصح عن ابن عباس أنه رأی ربه ، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهی .

وقال ناشر الکتاب الشیخ عبد القادر عرفان فی هامشه:

لم أقف علی هذه الروایة فی الصحیح بل الذی صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم فی الإیمان 176/285 فی قوله تعالی: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی، وقوله تعالی: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی ، قال: رآه بفؤاده مرتین. وأخرجه الترمذی فی التفسیر. (3280) .

ثم قال ابن قیم الجوزیة: وصح عن عائشة وابن مسعود إنکار ذلک وقالا: إن

ص: 14

قوله ولقد رآه نزلة أخری عند سدرة المنتهی إنما هو جبریل. وصح عن أبی ذر أنه سأله هل رأیت ربک ؟ فقال (ص): نور ، أنی أراه ! أی: حال بینی وبین رؤیته النور ، کما قال فی لفظ آخر: رأیت نوراً. وقد حکی عثمان بن سعید الدارمی اتفاق الصحابة علی أنه لم یره .

ثم قال ابن قیم الجوزیة: قال شیخ الإسلام ابن تیمیة قدس الله روحه: ولیس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأیت ربی تبارک وتعالی ولکن لم یکن هذا فی الإسراء ولکن کان فی المدینة لما احتبس عنهم فی صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤیة ربه تبارک وتعالی تلک اللیلة فی منامه ، وعلی هذا بنی الإمام أحمد(قدسّ سرّه)وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤیا الأنبیاء حق ولا بد ، ولکن لم یقل أحمد(قدسّ سرّه)أنه رآه بعینی رأسه یقظة ، ومن حکی عنه ذلک فقد وهم علیه ، ولکن قال مرة رآه ، ومرة قال رآه بفؤاده ، فحکیت عنه روایتان ، وحکیت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعینی رأسه ، وهذه نصوص أحمد موجودة لیس فیها ذلک. انتهی .

وقد کفانا ناشر الکتاب الجواب علی کلام ابن تیمیة أیضاً حیث قال فی هامشه: ( 6 ) جزء من حدیث ضعیف أخرجه أحمد فی مسنده 3484/1 من طریق أبی قلابة عن ابن عباس (رض). وأبو قلابة - واسمه عبدالله بن زید الجرمی - لم یسمع من ابن عباس - التهذیب 5 - 197 ومن طریقه أخرجه الترمذی 3233 وقال: وقد ذکر بین أبی قلابة وبین ابن عباس فی هذا الحدیث رجلاً. وقد رواه قتادة عن

أبی قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن

ص: 15

عباس اه. أقول: لم یسمع قتادة من أبی قلابة. تهذیب الکمال 3266/10 ط. دار الفکر وأخرجه ابن الجوزی فی العلل المتناهیة رقم 12 و13 و14 وتعقبه بقوله: أصل هذا الحدیث وطرقه مضطربة ، قال الدار قطنی: کل أسانیده مضطربة لیس فیها صحیح . . . وقال أبوبکر البیهقی: قد روی من أوجه کلها ضعاف . . . وقال أبو زرعة فیما نقله عنه المزی فی تحفة الأشراف 4/383 عن أحمد بن حنبل: حدیث قتادة هنا لیس بشی . . . وأخرجه ابن خزیمة فی کتاب التوحید/319 - 320 والاجری فی الشریعة /496 والترمذی بنحوه 3234 وابن أبی عاصم فی السنة 469 وأبو یعلی 2608 من طرق عن ابن عباس. وتعقبه الحافظ ابن حجر فی ( النکت الظراف 4/382 نقلاً عن محمد بن نصر فی تعظیم قدر الصلاة قوله: هذا حدیث اضطرب الرواة فی إسناده ولیس یثبت عند أهل المعرفة. وفی الباب عن جابر بن سمرة (رض) عند ابن أبی عاصم فی السنة 465 وعن أبی أمامة (رض) فی المصدر المذکور 466 وعن ثوبان (رض) أیضاً برقم 470 وعند البزار 2128 وعن أم الطفیل عن ابن أبی عاصم 471 وعن أبی رافع عند الطبرانی فی الکبیر 938 وعن ابن عمر عند البزار 2129 من طرق ضعیفة أو واهیة لا یعتدبها ولا تصح للإحتجاج بها ، والله تعالی أعلم. وقد تقدم القول فی هذا الحدیث فی أول الکتاب. راجع الفهرس أخی الکریم رحمک الله تعالی. انتهی .

وروی المجلسی فی بحار الأنوار:3/36:

25 - لی ید: ابن المتوکل عن السعد آبادی ، عن البرقی ، عن أبیه ، عن

ص: 16

أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبی صالح ، عن عبدالله بن عباس فی قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ ، قال یقول: سبحانک تبت إلیک من أن أسألک رؤیة ، وأنا أول المؤمنین بأنک لا تری. انتهی .

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنکار التشبیه والرؤیة هو ما ادعوه فی زمانه وردت علیه عائشة وأکدت أنه إفتراء. وهذه الروایة وغیرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالی یری بالعین أو أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه بعینه .

وأبو هریرة یوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود

یظهر أن أبا هریرة کان یوافق عائشة وابن عباس ویروی أحادیث نفی التشبیه والرؤیة..إلی أن غلب الجو القائل بالرؤیة فرویت عنه أحادیثها ! قال ابن ماجة فی سننه:2/1426: . . . عن سعید بن یسار عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: إن المیت یصیر إلی القبر فیجلس الرجل الصالح فی قبره غیر فزع ولا مشعوف ، ثم یقال له فیم کنت ؟ فیقول: کنت فی الإسلام فیقال له: ما هذا الرجل فیقول: محمد رسول الله(ص)جاءنا بالبینات من عند الله فصدقناه فیقال له: هل رأیت الله فیقول: ما ینبغی لأحد أن یری الله ، فیفرج له فرجة قبل النار فینظر إلیها یحطم بعضها بعضاً فیقال له: أنظر إلی ما وقاک الله ، ثم یفرج له قبل الجنة فینظر إلی زهرتها وما فیها فیقال له: هذا مقعدک ، ویقال له: علی الیقین کنت وعلیه مت وعلیه تبعث إن شاء الله .

ص: 17

وکان الجمهور یرون رأی عائشة ویکذبون أحادیث الرؤیة بالعین

قال الثعالبی فی الجواهر الحسان:3/253:

ولقد رآه . . . فقالت عائشة والجمهور هو عائد علی جبرئیل . وقال الشاطبی فی الاعتصام:2/176:

الأولون ردوا کثیراً من الأحادیث الصحیحه بعقولهم وأساؤوا الظن ( . . . ) بما صح عن النبی(ص) حتی ردوا کثیراً من الأمور الاخری . . . وأنکروا رؤیة الباری .

وقال فی الاعتصام:2 الهامش 1/197:

بعض علماء الکلام . . عدوا من البدعة قول من یصف الباری تعالی بالعلو وبأنه علی عرشه . . . وهذا هو عین السنة المأثوره عن الصحابه .

وقال فی الإعتصام: 2/334:

وذهب جماعة من العلماء إلی أن المراد بالرأی المذموم فی هذه الأخبار البدع المحدثة کرأی أبی جهم وغیره..فقالوا لایجوز أن یری الله فی الآخرة لأنه تعالی یقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ . .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:20/153:

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاری عالم أهل بخاری وشیخهم وکان فقیها ورعاً زاهداً ، ویکفر من قال بخلق القرآن ویثبت أحادیث الرؤیة والنزول ، ویحرم المسکر توفی سنة 264 هفی

ص: 18

رمضان. انتهی. ومدحه للبخاری بأنه یثبت أحادیث الرؤیة والنزول یدل علی أنه یوجد کثیرون ینفونها .

وقال الطوسی فی تفسیر التبیان: 4/226:

روی مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثک أن رسول الله رأی ربه فقد کذب: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ولکن رأی جبرئیل فی صورته مرتین. وفی روایة أخری أن مسروقاً لما قال لها: هل رأی محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعری مما قلت ! ثم قرأت الآیة. وقال الشعبی: قالت عائشة: من قال إن أحداً رأی ربه فقد أعظم الفریة علی الله ، وقرأت الآیة ، وهو قول السدی وجماعة أهل العدل من المفسرین کالحسن والبلخی والجبائی والرمانی وغیرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤیة علی الله تعالی فی الآخرة ، وتأولوا الآیة علی الإحاطة ، وقد بینا فساد ذلک .

علی (علیه السّلام) یوضح ما لم توضحه عائشة

نهج البلاغة:1/14:

الحمد لله الذی لا یبلغ مدحته القائلون ، ولا یحصی نعمه العادون ، ولا یؤدی حقه المجتهدون .

الذی لا یدرکه بعد الهمم ، ولا یناله غوص الفطن ، الذی لیس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود .

ص: 19

فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الریاح برحمته ، ووتد بالصخور میدان أرضه .

أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به، وکمال التصدیق به توحیده، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إلیه ، ومن أشار إلیه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فیم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلی منه. کائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع کل شئ لا بمقارنة ، وغیر کل شئ لا بمزایلة ، فاعل لا بمعنی الحرکات والالة ، بصیر إذ لا منظور إلیه من خلقه ، متوحد إذ لا سکن یستأنس به ولا یستوحش لفقده. انتهی .

وسیأتی فی الفصل الرابع المزید من جواهر النبی وآله فی التوحید ونفیهم المطلق للرؤیة والتشبیه والتجسیم عن الله تبارک وتعالی .

وأصل روایات الرؤیة بالعین لا تتجاوز العشرة

قال الذهبی فی سیره:10/455:

قال أحمد بن حنبل: أخبرنی رجل من أصحاب الحدیث أن یحیی بن صالح قال: لو ترک أصحاب الحدیث عشرة أحادیث یعنی هذه التی فی الرؤیة ، ثم قال أحمد: کأنه نزع إلی رأی جهم . . . قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثین ترکوا ألف حدیث فی الصفات والأسماء والرؤیة والنزول

ص: 20

لاصابوا. والقدریة تقول أنهم ترکوا سبعین حدیثاً فی إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور ترکوا من الأحادیث التی یدعون صحتها ألف حدیث لأصابوا ، وکثیر من ذوی الرأی یردون أحادیث شافه بها الحافظ المفتی المجتهد أبو هریرة رسول الله(ص)، ویزعمون أنه ما کان فقیهاً ویأتوننا بأحادیث ساقطة أو لا یعرف لها إسناد أصلاً محتجین بها .

قلنا: وللکل موقف بین یدی الله تعالی ، یا سبحان الله أحادیث رؤیة الله فی الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها ، فأین الإنصاف. انتهی .

نقول: الإنصاف أن فی القرآن آیات تنفی الرؤیة بالعین بشکل قاطع فهی محکمة، وفیه آیات یفهم من ظاهرها الرؤیة بالعین فیجب تأویلها لأنها متشابه یحمل علی المحکم ، أما أحادیث الرؤیة بالعین فهی مهما کثرت مخالفة للقرآن ، مضافاً إلی أن بعضها کذبه الصحابة ، وجمیعها کذبها أهل بیت النبی الذین أمر النبی أمته أن تأخذ معالم دینها منهم صلوات الله علیه وعلیهم ، وکذبتها عائشة وغیرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف ! جعلنا الله جمیعاً من المنصفین فی الأمور العلمیة والعملیة .

الأحادیث القدسیة من الصحاح:1/147:

اختلف العلماء فی الحدیث أعلاه لأنه حدیث من أحادیث الصفات ، قال الإمام أبو بکر بن فورک: إنها غیر ثابته عند أهل النقل ولکن قد رواها مسلم وغیره فهی صحیحة..وقول أهل السلف إنه حق ولایتکلم فی تأویلها. انتهی.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذین لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعدیل وأئمة الحدیث النقاد ، بینما هی ثابتة عند المتساهلین، وعند الذین

ص: 21

یمیلون إلی ما تریده الدولة. کما أن شهادة ابن فورک بأن مسلماً روی فی صحیحه ما لم یثبت عند أهل النقل یجب أن تفتح الباب لإعادة تقییم روایات مسلم .

وغلبت موجة کعب ودخلت الرؤیة والتشبیه فی عقائد المسلمین

کانت موجة التشبیه التی ساندتها الدولة أقوی من مواجهة الراوین فقد استطاع الخلیفة عمر ومن سار علی خطه أن یحدثوا موجة من القول بالرؤیة کما ستعرف ، وقد غلبت هذه الموجة رأی عائشة وکل الصحابة ورجحت علیهم ، وصارت الرؤیة بالعین جزءً من عقیدة جمهور المسلمین إلی یومنا هذا ، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأویل کلام عائشة رغم صراحته ، بل تجرؤوا علی رد کلامها رغم ثقتهم بها ومکانتها فی عقائدهم ، وقالوا إنها قالت ذلک باجتهادها ! ! مع أن الطبری وغیره رووا أنها لم تنف الرؤیة من اجتهادها بل روت ذلک عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

قال الدمیری فی حیاة الحیوان:2/72:

واختلف العلماء من السلف والخلف فی أنه هل رأی نبینا محمد(ص)ربه تعالی أم لا ، فأنکرته عائشة وأبو هریرة وابن مسعود وجماعة من السلف ، وبه قال جماعة من المتکلمین والمحدثین ، وأجازه جماعة من السلف وأنه(ص)رأی ربه لیلة الاسراء بعینی رأسه ، وهو قول ابن عباس وأبی ذر وکعب الأحبار والحسن البصری والشافعی وأحمد بن حنبل ، وحکی أیضاً عن ابن مسعود وأبی هریرة ، والمشهور عنهما الأول ، وبهذا القول الثانی

ص: 22

قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه ، وهو الاصح ، وهو مذهب المحققین من السادة الصوفیة . . . قلت: رؤیة الله تعالی فی الدنیا والآخرة جائزة بالأدلة العقلیة والنقلیة . . . وأما استدلال عائشة رضی الله عنها علی عدم الرؤیة بقوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، ففیه بُعْدٌ ، إذ یقال بین الادراک والأبصار فرق ، فیکون معنی لا تدرکه الأبصار أی لا تحیط به مع أنها تبصره ، قاله سعید بن المسیب وغیره. وقد نفی الإدراک مع وجود الرؤیة فی قوله تعالی: فَلَمَّا تَرَاءَی أَلْجَمْعَانِ قال أصحاب موسی إنا لمدرکون قال کلا ، أی لا یدرکونکم. وأیضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصیص فیختص المنع بالکافرین کما قال تعالی عنهم: کَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، ویکرم المؤمنین أو

من شاء الله منهم بالرؤیة کما قال تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وبالجملة فالآیة لیست نصاً ولا من الظواهر الجلیة فی عدم جواز الرؤیة ، فلا حجة فیها والله أعلم. انتهی .

وقد لاحظت کیف صاغ صاحب حیاة الحیوان الموضوع ، وجعله مسألة ذات وجهین وکثَّر القائلین بالرؤیة من السلف والخلف ، ثم خلط الإدراک بمعنی اللحوق بالإدراک بمعنی الرؤیة ، وجعل إمکان تخصیص الله تعالی لعموم آیة تخصیصاً بالفعل ، ثم کابر فی إنکار الظاهر . . ثم جعل روایة عائشة استدلالاً من زمیلة له . . کل ذلک لأنه یرید مذهب کعب الأحبار فی الرؤیة بالعین بأی ثمن ! !

وقال فی عارضة الأحوذی: 6 جزء 11 هامش/188:

ص: 23

عن ابن عربی إن الله لم ینزل هذه الآیة لنفی الرؤیة لله ولا جاءت بها عائشة، فإنه سبحانه وتعالی یری فی الدنیا والآخرة جوازاً ووقوعاً !!

وقال النووی فی شرح مسلم:2 جزء 3/4-5:

قال القاضی عیاض: اختلف السلف والخلف هل رأی نبینا (ص) ربه لیلة الإسراء فأنکرته عائشة . . وجاء مثله عن أبی هریرة. .

. . . الراجح عند أکثر العلماء أن رسول الله (ص) رأی ربه بعینی رأسه لیلة الإسراء . . . عائشة لم تنف الرؤیة وإنما اعتمدت الإستنباط من الآیات . . . أما احتجاج عائشة بقول الله: لا تدرکه الابصار فإن الإدراک هو الإحاطة !

وقال النووی فی شرح مسلم:2/94 - هامش الساری:

عن عبدالله بن مسعود (رض) فی قوله تعالی مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی قال: رأی جبریل له ستمائة جناح وهو مذهبه فی هذه الآیة . . وذهب الجمهور من المفسرین إلی أن المراد أنه رأی ربه سبحانه وتعالی ! انتهی .

وقال الطبری فی تفسیره:7/201 - 202:

إلا أنه جائز أن یکون معنی الآیة: لا تدرکه أبصار الظالمین فی الدنیا والآخرة وتدرکه أبصار المؤمنین وأولیاء الله ! قالوا وجائز أن یکون معناها لا تدرکه الأبصار بالنهایة والإحاطة وأما الرؤیة فبلی. وقال آخرون الآیة علی العموم ولن یدرک الله بصر أحد فی الدنیا والآخرة ، ولکن الله یحدث لأولیائه یوم القیامه حاسة سادسة سوی حواسهم الخمس فیرونه بها ! انتهی .

ولکن دعوی الحاسة السادسة تعنی التنازل عن أحادیث الرؤیة التی تصرح بالرؤیة بالعین البشریة المعهودة ، کما سیأتی .

ص: 24

وأیدوا قول کعب بحدیث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالی

مسند أحمد:4/11:

ابن سلمة عن یعلی بن عطاء عن وکیع بن حدس عن عمه أبی رزین قال قلت یا رسول الله أین کان ربنا عز وجل قبل أن یخلق خلقه ؟ قال: کان فی عماء. ما تحته هواء وما فوقه هواء. ثم خلق عرشه علی الماء .

سنن الترمذی:4/351:

قال: کان فی عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علی الماء. قال أحمد قال یزید: العماء أی لیس معه شی. هکذا یقول حماد بن سلمة. هذا حدیث حسن. انتهی ورواه ابن ماجة فی سننه:1/64 ورواه البیهقی فی المحاسن والمساوئ:1/47 .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/322:

وأخرج الطیالسی وأحمد والترمذی وحسنه وابن ماجه وابن جریر وابن المنذر وأبوالشیخ فی العظمة وابن مردویه والبیهقی فی الأسماء والصفات عن أبی رزین (رض) . . . قال: کان فی عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علی الماء. قال الترمذی (رض): العماء أی لیس معه شی. انتهی. ورواه فی کنز العمال:1/236 وفی:10/370 وقال فی مصادره ( حم وابن جریر ، طب وأبوالشیخ فی العظمة. عن أبی رزین ) وقال فی هامشه: العماء بالفتح والمد: السحاب.

قال أبو عبید: لایدری کیف کان ذلک العماء. وفی روایة کان فی عما بالقصر ، ومعناه لیس معه شی. النهایة 3-304. انتهی.

ملاحظة: مقصود الراوی بالعماء الفضاء الخالی ، وبعض روایات الحدیث

ص: 25

نصت علی ذلک ، فیکون الفضاء حسب تصوره إلهاً مع الله تعالی ، أو قبله ! ویکون وجوده تعالی مادیاً محتاجاً لأن یکون فی فضاء ! وقد کان الترمذی محتاطاً فابتعد عن مسؤولیة تفسیره بأنه لیس معه أحد ، وجعل ذلک علی عهدة یزید وحماد بن سلمة !

ویؤید ما ذکرنا ، أن کلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمکان الخراب فی مقابل العمران ، شبیهاً بالأرض البائرة والمزروعة ، فیقولون کانت هذه المنطقة عماء لا عمران فیها أو لا إنسان فیها. فیکون معنی أن الله تعالی کان فی عماء أن الراوی تصور أن الکون کان فضاء وهواء وکان الله تعالی فی ذلک الفضاء العماء ، ثم أعمره بالخلق .

وقد یقال فی توجیه الحدیث إنه تفسیر لقوله تعالی ( وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ ) ولکن السؤال فیه عما قبل العرش وقبل کل الخلق ، أی عما هو قبل القبل ، فکیف یصح جعل العماء والهواء قدیماً أو واجب الوجود قبل القبل!

وقد یقال إن المقصود بالخلق فی السؤال الملائکة والناس. ولکن إطلاق السؤال عما قبل الخلق یأبی تخصیصه بذوی الأرواح أو ببعض المخلوقات .

وکذلک لا یصح تفسیر العماء بالعدم المطلق ، لأن تعبیر ( ما تحته هواء وما فوقه هواء ) یجعل تفسیره بالعدم المطلق تعامیاً !

وهاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

کتاب التوحید لابن خزیمة/225-230:

قال أبوبکر: هذه لفظة أحسب عائشة تکلمت بها فی وقت غضب ، ولو

ص: 26

کانت لفظة أحسن منها یکون فیها درک لبغیتها کان أجمل بها ، لیس یحسن فی اللفظ أن یقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفریة وأبوذر وأنس بن مالک وجماعات من الناس الفریة علی ربهم ! ولکن قد یتکلم المرء عند الغضب باللفظة التی یکون غیرها أحسن وأجمل منها . . . إلی آخر هجوم ابن خزیمة المجسم وغیره علی أمهم عائشة. راجع الفصل الأول من کتاب الوهابیة والتوحید .

ثم رووا الرؤیة بالعین حتی عن ابن عباس وعائشة

مستدرک الحاکم:2/316:

أخبرنا أبو زکریا یحیی بن محمد العنبری ، ثنا محمد بن عبدالسلام ،ثنا إسحاق بن إبراهیم ، أنبأ إبراهیم بن الحکم بن أبان ، حدثنی أبی ، عن عکرمة ، عن ابن عباس رضی الله عنهما أنه سئل هل رأی محمد ربه ؟ قال: نعم رأی کأن قدمیه علی خضرة دونه ستر من لؤلؤ ! فقلت یا ابن عباس ألیس یقول الله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ؟ قال: یا لا أم لک ، ذلک نوره وهو نوره ، إذا تجلی بنوره لا یدرکه شی. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

وقال فی هامش تهذیب التهذیب:4/113:

فی تهذیب الکمال عن عکرمة عن ابن عباس قال: رأی محمد(ص)ربه تعالی ، فقلت لابن عباس: ألیس الله یقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ؟ قال: أسکت لا أم لک ، إنما ذلک إذا تجلی بنوره لم یقم لنوره

ص: 27

شی. اه.

مجمع الزوائد:7/114:

وعن ابن عباس قال: إن محمد(ص)رأی ربه ، قال عکرمة: یا أبا عباس ألیس یقول الله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ؟ فقال ابن عباس لا أم لک ، إنما ذلک إذا تجلی بکیفیة لم یقم له بصر .

قلت: له حدیث رواه الترمذی غیر هذا رواه الطبرانی وفیه إبراهیم بن الحکم بن أبان وهو متروک. انتهی .

مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس أنه کان یقول: إن محمداً(ص)رأی ربه مرتین مرة ببصره ومرة بفؤاده. رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله رجال الصحیح ، خلا جهور بن منصور الکوفی ، وجهور بن منصور ذکره ابن حبان فی الثقات .

کتاب التوحید لابن خزیمة/198:

. . . عن عبدالله بن أبی سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلی عبدالله بن العباس یسأله هل رأی محمد(ص)ربه ؟ فأرسل إلیه عبد الله بن العباس أن نعم ، فرد علیه عبدالله بن عمر رسوله أن کیف رآه ؟ قال فأرسل أنه رآه فی روضة خضراء دونه فراش من ذهب علی کرسی من ذهب یحمله أربعة من الملائکة، ملک فی صورة رجل ، وملک فی صورة ثور ، وملک فی صورة نسر ، وملک فی صورة أسد. انتهی .

هذه هی الروایة التی شهرها ابن خزیمة سیفاً علی مذهب أمه عائشة ، لأنها خالفت فیه مذهب الخلیفة عمر ، وهی روایة إسرائیلیة مع الاسف ! وقد

ص: 28

علق علیها الشیخ محمد الهراس بقوله ( لعل ابن عباس أخذ رأیه هذا من کعب الأحبار فقد کان کعب یقول إن الله قسم کلامه ورؤیته بین موسی ومحمد ) .

ثم قال ابن خزیمة فی/199:

عن عکرمة عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: إن الله اصطفی إبراهیم بالخلة ، واصطفی موسی بالکلام ، واصطفی محمداً بالرؤیة . . . عن عکرمة عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: رأی محمد(ص)ربه . .

. عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالک قال: رأی محمد ربه. انتهی .

وعلق علیه الهراس بقوله ( هذا رأی لا دلیل علیه ، وهذا مخالف لقوله(علیه السّلام) فی حدیث أبی ذر ( نور ) أنی أراه ) .

وقد روی ابن خزیمة نفسه حدیث أبی ذر فی نفی النبی رؤیة ربه بعینه ! قال فی/206: . . . محمد بن بشار بندار حدثنا بهذا الخبر ، قال ثنا معاذ بن هشام، قال حدثنی أبی ، عن قتادة ، عن عبدالله بن شقیق ، قال قلت لأبی ذر: لو رأیت رسول الله(ص)لسألته ، فقال عن أی شئ کنت تسأله ؟ فقال کنت أسأله هل رأیت ربک ؟ فقال أبوذر: قد سألته فقال رأیت نوراً. انتهی .

ویلاحظ أن ابن خزیمة لم یرو تعجب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من سؤال أبی ذر ( أنی أراه ! ) فقد علق علیه الهراس بقوله ( قوله رأیت نوراً: یفید أنه لم یرد بذلک النور نور ذاته عز وجل ، وإلا لقال للسائل نعم رأیته ، فهو أراد أن یفهم السائل أن الذی رآه هو النور ، ولعله نور الحجاب کما ورد فی حدیث أبی موسی ( حجابه النور ) وهو الذی حال دون رؤیته له سبحانه ). انتهی. ولم

ص: 29

یترک ابن خزیمة شیئاً إلا وتشبث به لاثبات الرؤیة بالعین فقد روی أن الحسن البصری کان یحلف الإیمان علی الرؤیة بالعین !! قال فی/199: . . ابن سلیمان عن المبارک بن فضالة قال: کان الحسن یحلف بالله لقد رأی محمد ربه. انتهی .

وعلق علیه الهراس بقوله: کیف یحلف الحسن سامحه الله علی أمر لم یتبین صدقه ، وهو محل خلاف بین الصحابة وجمهورهم علی نفیه ! انتهی .

ثم أفتوا بکفر وضلال من خالفهم وشملت فتواهم أمهم عائشة !

قال النووی فی شرح مسلم:2 جزء 3/15:

باب إثبات رؤیة المؤمنین فی الآخرة لربهم..إن مذهب أهل السنة أن رؤیة الله ممکنة . . وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالی لا یراه أحد من خلقه ، وأن رؤیته مستحیلة عقلاً .

قال الشاطبی فی الاعتصام:1/231:

ومنها ردهم أهل البدع للاحادیث التی غیر موافقه لاغراضهم ومذاهبهم . .کالمنکر لعذاب القبر والصراط المستقیم والمیزان ، ورؤیة الله فی الآخرة ، وکذلک حدیث الذباب وقتله ، وأن فی أحد جناحیه داء والآخر دواء !

وقال الذهبی فی سیره:14/396:

أخبرنا إسماعیل بن إسماعیل فی کتابه: أخبرنا أحمد بن تمیم اللبلی ببعلبک، أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعیل ، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد الملیجی، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج

إملاء قال: من لم یقر بأن الله تعالی یعجب ویضحک وینزل کل لیلة إلی

ص: 30

السماء الدنیا فیقول من یسألنی فأعطیه ، فهو زندیق کافر ، یستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا یصلی علیه ولا یدفن فی مقابر المسلمین .

قلت: لا یکفر إلا إن علم أن الرسول(ص)قاله ، فإن جحد بعد ذلک فهذا معاند ، نسأل الله الهدی ، وإن اعترف أن هذا حق ولکن قال أخوض فی معانیه فقد أحسن ، وإن آمن وأول ذلک کله أو تأول بعضه ، فهو طریقة معروفة .

وقال الذهبی فی سیره:7/381:

قال حفص بن عبدالله: سمعت إبراهیم بن طهمان یقول: والله الذی لا إله إلا هو لقد رأی محمد ربه .

وقال أبوحاتم: شیخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السکری وإبراهیم بن طهمان وهما ثقتان. وقال أبو زرعة: کنت عند أحمد بن حنبل فذکر إبراهیم بن طهمان وکان متکئاً من علة فجلس وقال: لا ینبغی أن یذکر الصالحون فیتکأ. وقال أحمد: کان مرجئاً شدیداً علی الجهمیة .

وقال الدمیری فی حیاة الحیوان:2/72:

واختلف فی جواز الرؤیة فأکثر المبتدعة علی إنکار جوازها فی الدنیا والآخرة وأکثر أهل السنة والسلف علی جوازها فیهما ووقوعها فی الآخرة .

وقال الذهبی فی تذکرة الحفاظ:2/435:

وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهویه یقول: جمعنی وهذا المبتدع ابن أبی صالح مجلس الأمیر عبدالله بن طاهر فسألنی الأمیر عن أخبار النزول فسردتها ، فقال ابن أبی صالح: کفرت برب ینزل من سماء

ص: 31

إلی سماء ! فقلت: آمنت برب یفعل ما یشاء .

هذه حکایة صحیحة رواها البیهقی فی الأسماء والصفات. قال البخاری: مات لیلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثین ومائتین وله سبع وسبعون سنة .

وقال السبحانی فی بحوث فی الملل والنحل:2/373:

. . . وقفنا علی فتوی لعبد العزیز بن عبد الله بن باز مؤرخة 8/3/1407 مرقمة 1717/2 جواباً علی سؤال عبدالله عبدالرحمن فی جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا یعتقد بمسألة الرؤیة یوم القیامة فأفتی: من ینکر رؤیة الله سبحانه وتعالی فی الآخرة لا یصلی خلفه وهو کافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلک بما ذکره ابن القیم فی کتابه ( حادی الأرواح ) ذکر الطبری وغیره أنه قیل لمالک: إن قوماً یزعمون أن الله لا یری یوم القیامة فقال مالک (رحمه الله): السیف السیف .

وقال أبو حاتم الرازی: قال أبو صالح کاتب اللیث: أملی علیَّ عبدالعزیز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمیة فقال: لم یزل یملی لهم الشیطان حتی جحدوا قول الله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .

. . . عن أحمد بن حنبل وقیل له فی رجل یحدث بحدیث عن رجل عن أبی العواطف إن الله لا یری فی الآخرة فقال: لعن الله من یحدث بهذا الحدیث الیوم ثم قال: أخزی الله هذا .

وقال أبو بکر المروزی: من زعم أن الله لا یری فی الآخرة فقد کفر. وقال: من لم یؤمن بالرؤیة فهو جهمی والجهمی کافر .

وقال إبراهیم بن زیاد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل یقول: الرؤیة من

ص: 32

کذب بها فهو زندیق ، وقال: من زعم أن الله لا یری فقد کفر بالله وکذب بالقرآن ورد علی الله أمره ، یستتاب فإن تاب وإلا قتل . . إلخ ) انتهی .

ویشمل حکم الشیخ ابن باز هذا أم المؤمنین عائشة لأنها کذبت من زعم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی الله تعالی واستدلت علی نفی إمکانیة رؤیة الله تعالی مطلقاً فی الدنیا والآخرة بقوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ. ولا طریق أمام ابن باز إلا أّن یقول بکفر عائشة ، أو یکذب روایات البخاری ومسلم عنها !!

وقد کان الألبانی أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حکم التکفیر عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمین فقال فی فتاویه/123:

علماء السلف کفروا الجهمیة وأعلنواکفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لکنهم لا یکفرون الأباضیة الذین ینکرون رؤیة الله فی الآخرة کذلک المعتزلة . . لکنهم یکتفون بتضلیلهم دون کفرهم . . وقال فی/292 قال ابن تیمیة : . . . کان أبو حنیفة والشافعی وغیرهما یقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابیة ویصححون الصلاة خلفهم . . أئمة الدین لا یکفرون ولا یفسقون ولا یؤثمون أحداً من المجتهدین المخطئین لا فی مسائل علمیة ولا عملیة . . . کتنازع الصحابة هل رأی محمد ربه .

.. وأهل السنة لا یبتدعون قولاً ولا یکفرون من اجتهد فأخطأ ، کما لم تکفر الصحابة الخوارج مع تکفیرهم لعثمان وعلی ومن والاهما .

وفی مقابل حملة التکفیر هذه ، فإن الذین نفوا رؤیة الله تعالی بالعین لم یکفروا أصحاب الرؤیة بل أفتوا بأنهم: لا یفهمون ما یقولون !

قال الشاطبی فی الاعتصام:1/236: حکی أبو بکر بن العربی عن بعض من

ص: 33

لقی بالمشرق من المنکرین للرؤیة أنه قیل له: هل یکفر من یقول بإثبات الرؤیة ؟ فقال لا ، لأنه قال بما لا یعقل..قال ابن العربی: فهذه منزلتنا عندهم !

وکبَّر کعب الأحبار لأنه انتصرعلی المسلمین !!

روی الذهبی فی سیره:14/45 عن عکرمة حدیث ابن عباس ، وقال الناشر فی هامشه: أخرجه ابن خزیمة فی التوحید/199 من طریق عبد الوهاب بن الحکم الوراق ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن قیس بن الربیع ، عن عاصم الاحول ، عن عکرمة ، عن ابن عباس قال: إن الله .. الخ. وأخرجه أیضاً/197 من طریق محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنی قالا: حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنی أبی ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس . . . وهذا رأی لا دلیل علیه ، وهو مخالف للأدلة الکثیرة الوفیرة فی أنه(ص)لم یر ربه فی تلک اللیلة. وقد حکی عثمان بن سعید الدارمی اتفاق الصحابة علی ذلک. أنظر التفصیل فی زاد المعاد:3/36-37. انتهی .

هذا ، ولکن المعروف عن ابن عباس أنه کان ینفی التشبیه والرؤیة کما تقدم ، فلا یبعد أن یکون الحدیث مکذوباً علیه من عکرمة غلامه ، فقد کان عکرمة معروفاً بالکذب علی ابن عباس فی حیاته وبعد وفاته ، حتی ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب فی المرحاض ، کما هو معروف فی کتب الجرح والتعدیل. وکان عکرمة یروی الاسرائیلیات عن وهب وکعب وغیرهما من الیهود .

ویؤید ذلک أن السهیلی روی هذا الحدیث فی الروض الأنف:2/156 عن

ص: 34

کعب ولیس عن ابن عباس. وغرض کعب من هذه الروایة أن یثبت تجسم الله تعالی ورؤیته بالعین ، فقد کان ذلک مطلباً مهماً یسعی إلیه ، فقد روی ابن خزیمة فی کتاب التوحید/225 -230: . . . عن الشعبی عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وکعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأی ربه مرتین ، قال فکبر کعب حتی جاوبته الجبال ! فقال: إن الله قسم رؤیته وکلامه بین محمد وموسی صلی الله علیهما وسلم ! انتهی .

ومن الواضح أن تکبیر کعب الأحبار ( حتی جاوبته الجبال ! ) یدل علی أن إثبات رؤیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان مطلباً مهماً عند کعب وأنه کان یبحث عمن یوافقه علیه ولا یجد ، فلما وافقه ابن عباس کما تدعی الروایة صرخ بصوت عال من فرحه ، لأن ذلک یوافق مصادره الیهودیة فی تجسید الله تعالی وجلوسه علی عرشه ونزوله إلی الأرض ومصارعته لیعقوب . . إلی آخر افتراءات الیهود علی الله تعالی !

واشتغل الوضاعون وکثرت أحادیث الرؤیة والتشبیه والتجسیم

تقدم عن عائشة وغیرها تکذیب أحادیث الرؤیة عموماً ، وقد طفح کیل هذه الأحادیث من کل لون ، لأن الدول کانت

تشجعه ، ولأن الموضوع قابل للأسطورة . .حتی اعترفت مصادر الجرح والتعدیل عند إخواننا بوضع عدد کبیر منها !

هل روی حماد أحادیث الرؤیة والتشبیه أم دسوها فی لحیته ؟

قال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:3/15:

ص: 35

حدثنی إبراهیم بن عبدالرحمن بن مهدی قال: کان حماد بن سلمة لا یعترف بهذه الأحادیث أی فی الصفات ، حتی أخرج مرة إلی عبادان فجاء وهو یرویها ، فسمعت عباد بن صهیب یقول: إن حماداً کان لا یحفظ ، وکانوا یقولون إنها دست فی لحیته. وقد قیل إن ابن أبی العوجاء کان ربیبه فکان یدس فی کتبه. .

وأنکر مالک أحادیث التشبیه واعتذر عنه الذهبی بأنه جاهل

قال الذهبی فی سیره:8/103:

أبو أحمد بن عدی: حدثنا أحمد بن علی المدائنی ، حدثنا إسحاق ابن إبراهیم بن جابر ، حدثنا أبوزید بن أبی الغمر ، قال قال ابن القاسم: سألت مالکاً عمن حدث بالحدیث الذین قالوا: إن الله خلق آدم علی صورته. والحدیث الذی جاء: إن الله یکشف عن ساقه ، وأنه یدخل یده فی جهنم حتی یخرج من أراد. فأنکر مالک ذلک إنکاراً شدیداً ونهی أن یحدث بها أحد ! فقیل له: أن ناساً من أهل العلم یتحدثون به فقال: من هو ؟ قیل ابن عجلان عن أبی الزناد. قال: لم یکن ابن عجلان یعرف هذه الأشیاء ، ولم یکن عالماً. وذکر أبا الزناد فقال: لم یزل عاملاً لهؤلاء حتی مات. رواها مقدام الرعینی عن ابن أبی الغمر والحارث بن مسکین قالا: حدثنا ابن القاسم .

قلت: أنکر الإمام ذلک لأنه لم یثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور ، کما أن صاحبی الصحیحین معذوران فی إخراج ذلک أعنی الحدیث الأول والثانی لثبوت سندهما ، وأما الحدیث الثالث فلا أعرفه ! انتهی .

ص: 36

وهذا النص یدل بوضوح علی أن الأمویین کانوا یتبنون أحادیث الرؤیة والتجسیم ، وأن الإمام مالک ذم الراوی بأنه کان عاملاً مطیعاً لهم حتی مات. وأن أجواء هذه الإعتقادات کانت محدودة بالدولة بخلاف الجو العام للمسلمین الذی یعیش فیه الإمام مالک . وقد بینا فی کتاب الوهابیة والتوحید عدم صحة ما نسبه الوهابیون إلی الإمام مالک من تفسیر الصفات بالظاهر .

نماذج من الأحادیث الموضوعة لتأیید مذهب کعب !

قال فی کتابه الموضوعات:1/124 - 125:

حدیث آخر فی ذکر النزول یوم عرفة ، إذ لو رواه الثقات کان مردوداً والرسول منزه أن یحکی عن الله عز وجل ما یستحیل علیه ، وأکثر رجاله مجاهیل وفیهم ضعفاء . أنبأنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد العرار (القزاز) قال أنبأنا أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت ، قال أنبأنا الحسن بن أبی بکر ، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعی ، قال حدثنا محمد بن إسماعیل الترمذی ، قال حدثنا نعیم بن حماد ، قال حدثنا ابن وهب ، قال حدثنا عمرو بن الحرث ، عن سعید بن أبی هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفیل امرأة أبی أنها سمعت رسول الله(ص)یذکر أنه رأی ربه تعالی فی المنام فی أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه فی مخصر علیه نعلان من ذهب فی وجهه مراس من ذهب .

أما نعیم فقد وثقه قوم وقال ابن عدی: کان یضع الحدیث ، وکان یحیی بن معین یهجنه فی روایته حدیث أم الطفیل وکان یقول: ما کان ینبغی له أن یحدث بمثل هذا ولیس نعیم بشئ فی الحدیث .

ص: 37

وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائی: ومن مروان حتی یصدق علی الله عز وجل ، قال مهنی: سألت أحمد عن هذا الحدیث فحول وجهه عنی وقال: هذا حدیث منکر هذا رجل مجهول عنی مروان. قال: ولا یعرف أیضاً عمارة .

وقال الذهبی فی میزان الاعتدال:4/269:

نعیم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعید بن أبی هلال ، عن مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفیل - أنها سمعت النبی (ص) یقول: رأیت ربی فی أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه فی خصر علیه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائی: ومن مروان حتی یصدق علی الله تعالی .

وقال فی سیره:10/602:

قال عبد الخالق بن منصور: رأیت یحیی بن معین کأنه یهجن نعیم بن حماد فی خبر أم الطفیل فی الرؤیة ویقول: ما کان ینبغی له أن یحدث بمثل هذا. وقال أبو زرعة النصری: عرضت علی دحیم ما حدثناه نعیم بن حماد ، عن الولید بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن ابن أبی زکریا ، عن رجاء بن حیوة ، عن النواس: إذا تکلم الله بالوحی. الحدیث فقال لا أصل له. فأما خبر أم الطفیل فرواه محمد بن إسماعیل الترمذی وغیره حدثنا نعیم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعید بن أبی هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفیل امرأة أبی بن کعب: سمعت رسول الله(ص)یذکر أنه رأی ربه فی صورة کذا. فهذا خبر منکر جداً .

ص: 38

وقال فی هامش سیر أعلام النبلاء:18/49:

( 4 ) أخرجه الخطیب فی تاریخه 13 - 311 من طریق نعیم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعید بن أبی هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفیل إمرأة أبی أنها سمعت النبی(ص)یذکر

أنه رأی ربه تعالی فی المنام فی أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه فی خضرة له نعلان من ذهب علی وجهه مراس من ذهب ، وأورده ابن الجوزی فی الموضوعات وقال: موضوع ، نعیم وثقه قوم وقال ابن عدی: یضع ، وصفه ابن عدی بسبب هذا الحدیث ، ومروان کذاب ، وعمارة مجهول ، وسئل أحمد عن هذا الحدیث فقال: منکر. وفی المیزان 4 - 92: مروان بن عثمان بن أبی سعید بن المعلی الزرقی: ضعفه أبوحاتم ، وقال أبوبکر محمد بن أحمد الحداد الفقیه: سمعت النسائی یقول: ومن مروان بن عثمان حتی یصدق علی الله ! قاله فی حدیث أم الطفیل. وأورده فیالمیزان 4 - 229 فی ترجمة نعیم بن حماد فی جملة الأحادیث التی أنکرت علیه. وقال الحافظ فی الإصابة 4 - 470 فی ترجمة أم الطفیل بعد أن أورده عن الدار قطنی من طریق مروان بن عثمان . . . ومروان متروک ، قال ابن معین: ومن مروان حتی یصدق .

وقال ابن الجوزی فی الموضوعات:1/290:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إن الله أعطی موسی الکلام وأعطانی الرؤیة وفضلنی بالمقام المحمود والحوض المورود .

هذا حدیث موضوع علی رسول الله(ص)، والمتهم به محمد بن یونس وهو

ص: 39

الکدیمی ، وکان وضاعاً للحدیث. قال ابن حبان لعله قد وضع أکثر من ألف حدیث !

وقال فی الموضوعات:3/259:

عن أنس بن مالک عن النبی(ص)قال: إذا أسکن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. قال: فیهبط تبارک وتعالی إلی الجنة فی کل جمعة فی کل سبعة آلاف یعنی سنة مرة. قال وفی وحیه: وإن یوماً عند ربک کألف سنة مما تعدون فیهبط عز وجل إلی مرج الجنة فیمد بینه وبین الجنة حجاباً من نور فیبعث جبریل إلی أهل الجنة فیأمر فلیزوروه ، فیخرج رجل من موکب عظیم حوله صفق أجنحة الملائکة ودوی تسبیحهم والنور بین أیدیهم أمثال الجبال فیمد أهل الجنة أعناقهم فیقولون: من هذا قد أذن له علی الله عز وجل فتقول الملائکة: هذا المجبول بیده والمنفوخ فیه من 7روحه والمعلم الأسماء والمسجود له من الملائکة الذی أبیح له الجنة ، هذا آدم .

وذکر نحو هذا فی إبراهیم ومحمد وقال: ثم یخرج کل نبی وأمته فیخرج الصدیقون والشهداء علی قدر منازلهم حتی یحفوا حول العرش فیقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته: مرحباً بعبادی. وذکر حدیثاً طویلاً لا فائدة فی ذکره. وهو حدیث موضوع لا نشک فیه والله عز وجل متنزه عن أن یوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فکافأ الله من وضع هذا. وفی إسناده یزید الرقاشی وهو متروک الحدیث وضرار بن عمرو قال یحیی: لیس بشئ ولا یکتب حدیثه ، وقال الدار قطنی: ذاهب متروک. ویحیی بن عبد الله قال

ص: 40

ابن حبان: یأتی عن الثقاة بأشیاء معضلات .

وقال فی الموضوعات:3/260:

عن أنس بن مالک: أن النبی(ص)قرأ هذه الآیة: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها یزورون ربهم فیطعمون ویسقون ویطیبون ویحلون وترفع الحجب بینه وبینهم وینظرون إلیه وینظر إلیهم ، وذلک قوله تعالی: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیهَا بُکْرَةً وَعَشِیًّا . هذا حدیث لا یصح وفیه میمون بن شیاه قال ابن حبان: یتفرد بالمناکیر عن المشاهیر ، لا یحتج به إذا انفرد. وفیه صالح المری ، قال النسائی: متروک الحدیث .

. . . قال سمعت أنس بن مالک یقول: سمعت رسول الله(ص)یقول: إن الله تعالی یتجلی لأهل الجنة فی مقدار کل یوم علی کثیب کافور أبیض. هذا حدیث لا أصل له وجعفر وجدّه وعاصم مجهولون .

... عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): بینما أهل الجنة فی نعیمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف علیهم من فوقهم فقال: السلام علیکم یا أهل الجنة فذلک قوله: سلام قولاً من رب رحیم ، قال فینظر إلیهم وینظرون إلیه فلا یزالون کذلک حتی یحتجب فیبقی نوره وبرکته علیهم وفی دارهم .

طریق ثان . . . طریق ثالث . . .

هذا حدیث موضوع علی رسول الله(ص)ومدار طرقه کلها علی الفضل بن عیسی الرقاشی ، قال یحیی: کان رجل سوء. ثم فی طریقه الأول والثانی عبدالله بن عبید ، قال العقیلی: لا یعرف إلا به ولا یتابع علیه. وفی طریقة

ص: 41

الثالث محمد بن یونس الکدیمی وقد ذکرنا أنه کذاب ، وقال ابن حبان: کان یضع الحدیث .

وقال الشاطبی فی الاعتصام:1 هامش/39:

ولا یغترن أحد بترغیب الخطباء الجاهلین ولا بالحدیث الذی یذکرونه علی منابرهم وهو إذا کانت لیلة النصف من شعبان فقوموا لیلها وصوموا نهارها فإن الله ینزل فیها لغروب الشمس إلی سماء الدنیا فیقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلی فأعافیه ألا کذا إلا کذا حتی یطلع الفجر. فإن هذا حدیث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبی بکر بن عبدالله بن أبی سبرة ، وقد قال فیه ابن معین والإمام أحمد أنه یضع الحدیث. نقل ذلک محشئ سنن ابن ماجة عن الزوائد. ووافقه الذهبی فی المیزان فی الإمام أحمد ، وذکر عن ابن معین أنه قال فیه: لیس حدیثه بشئ،وقال الناس: متروک .

وقال ابن خزیمة فی کتاب التوحید/214:

وقد روی الولید بن مسلم خبراً یتوهم کثیر من طلاب العلم ممن لا یفهم علم الأخبار أنه خبر صحیح من وجه النقل ولیس کذلک هو عند علماء أهل الحدیث ، وأنا مبین علله إن وفق الله لذلک حتی لا یغتر بعض طلاب الحدیث به فیلتبس الصحیح بغیر الثابت من الأخبار ، وقد أعلمت ما لا أحصی من مرة أنی لا أستحل أن أموه علی طلاب العلم بالاحتجاج بالخبر الواهی وإنی خائف من خالقی جل وعلا إذا موهت علی طلاب العلم بالاحتجاج بالأخبار الواهیة وإن کانت الأخبار حجة لمذهبی. روی الولید

ص: 42

قال حدثنی عبدالرحمن بن یزید بن جابر ، قال ثنا خالد ابن اللجلاج ، قال حدثنی عبدالرحمن بن عائش الحضرمی ، قال سمعت رسول الله (ص): رأیت ربی فی أحسن صورة فقال فیم یختصم الملأ الأعلی . . إلخ. انتهی .

وقال ابن الأثیر فی أسد الغابة: 3/304:

اللجلاج وأبو سلام الحبشی لا تصح صحبته لأن حدیثه مضطرب ، أخبرنا أبومنصور ابن مکارم بن أحمد بن سعد المؤدب بإسناده عن المعافی بن عمران ، عن الأوزاعی ، عن عبدالرحمن بن زید أنه سمع خالد بن اللجلاج یحدث مکحولاً ، عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمی ، أن النبی(ص)قال: رأیت ربی فی أحسن صورة فذکر أشیاء . . .

وقال المزی فی تهذیب الکمال:17/202:

عبدالرحمان بن عائش الحضرمی ویقال: السکسکی الشامی مختلف فی صحبته وفی إسناد حدیثه ، روی عنه عن النبی (ص): رأیت ربی فی أحسن صورة وقیل: عنه عن رجل من أصحاب النبی(ص)عن النبی(ص)وقیل: عنه عن مالک بن یخامر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبی(ص)وقیل: غیر ذلک .

وقال أبو زرعة الدمشقی: سألت عبدالرحمن بن إبراهیم قلت له: لعبد الرحمان بن عائش حدیث سوی: رأیت ربی فی أحسن صورة ؟ فقال لی عبدالرحمن بن إبراهیم: حدثنا الولید بن مسلم ، عن الولید بن سلیمان بن أبی السائب ، عن ربیعة بن یزید ، عن عبدالرحمان بن عائش قال: الفجر فجران . . . فذکر الحدیث. وقال أبو زرعة الدمشقی أیضاً: قلت لأحمد بن حنبل إن ابن جابر یحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش

ص: 43

عن النبی (ص): رأیت ربی فی أحسن صورة ، ویحدث به قتادة عن أبی قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبدالله بن عباس فأیهما أحب الیک قال: حدیث قتادة هذا لیس بشئ والقول ما قال ابن جابر .

وقال أبوحاتم الرازی: هو تابعی وأخطأ من قال له صحبة .

وقال أبو زرعة: الرازی لیس بمعروف. روی له الترمذی وقد وقع لنا حدیثه بعلو .

وقال ابن ناصر فی توضیح المشتبه:1/588:

محمد بن شجاع الثلجی الفقیه صاحب التصانیف مشهور مبتدع.. قلت : . . وبدعته کونه من أصحاب بشر المریسی یقول بقوله فی القرآن ، ومع ذلک رمی بالوضع والکذب ، ومن افترائه أنه تکلم فی الشافعی وأحمد . .کان یضع أحادیث التشبیه وینسبها إلی أصحاب الحدیث لیثلبهم بذلک. .

وقال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/440 - 441:

فصل: فی بیان أربعة أحادیث باطلة تتعلق بالکرسی:

الحدیث الأول: روی عن سیدنا ابن عباس رضی الله عنهما أنه قال: سئل النبی(ص)عن قول الله تعالی: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قال: کرسیه موضع قدمیه والعرش لا یقدر قدره .

وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً ! وما هو إلا هراء یجل مقام سیدنا رسول الله (ص) أو ابن عباس رضی الله عنهما أن یفوها به ، إلا إن حکیاه عن الیهود فی مقام ذم عقائدهم الباطلة وذکر فساد ما یقولون ! وقد رواه مرفوعاً الخطیب البغدادی فی تاریخه 9-251 ، وابن الجوزی فی العلل المتناهیة 1 -

ص: 44

22 ، ورواه موقوفاً الطبرانی فی الکبیر 12 - 39 ، والحاکم 2 - 282 ، والمجسم الکذاب محمد بن عثمان بن أبی شیبة فی کتاب ( العرش ) ، قال ابن کثیر فی تفسیره 1 - 317 کذا أورد هذا الحدیث الحافظ أبو بکر بن مردویه من طریق شجاع بن مخلد الفلاس فذکره وهو غلط ، ثم قال بعد ذلک بقلیل وقد رواه ابن مردویه من طریق الحاکم بن ظهیر الفزاری الکوفی وهو متروک ، عن السدی عن أبیه عن أبی هریرة مرفوعاً ولا یصح أیضاً .

قلت: الصحیح عندنا فی هذا الحدیث أنه إسرائیلی مأخوذ من کعب الأحبار لأن أبا هریرة وابن عباس رضوان الله علیهما رویا عن کعب الأحبار کما فی تهذیب الکمال للحافظ المزی 24 - 190 فإذا علمت ذلک فستعرف خطأ الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد 6 - 323 حیث اکتفی بالتصریح بأن رجاله رجال الصحیح ، وکذا الإمام الحاکم فی المستدرک صحح الموقوف أیضاً علی شرط الشیخین ، وأقره الذهبی (رحمهم الله)فلا تغفل عن هذا ، لأن هؤلاء (رحمهم الله) کثیراً ما یصححون فیرد تصحیحهم .

وقد روی نحو هذا الحدیث عن أبی موسی الأشعری موقوفاً کما فی الأسماء والصفات/404 للحافظ البیهقی(رحمه الله)وقد تأول هذا النص البیهقی هناک بقوله: ذکرنا أن معناه فیما نری أنه - أی الکرسی - موضوع من العرش موضع القدمین من السریر ، ولیس فیه إثبات المکان لله

سبحانه .

وفی أثر أبی موسی هذا ذکر للاطیط!وقد صرح الحفاظ بأنه لایصح حدیث فی الاطیط وقد اعترف الشیخ المتناقض ( یقصد الالبانی ) بذلک فی

ص: 45

ضعیفته 2 - 257 و 307 !

وفتحوا الطریق لنقد أحادیث الرؤیة بتنازلهم عن عصمة البخاری

فتاوی الألبانی/524-535:

السؤال هو: هل سبق للشیخ أن ضعف أحادیث فی البخاری وضعفها فی کتاب ما ؟ وإن حصل ذلک فهل سبقک إلی ذلک العلماء ؟ نرجو الجواب مع الإشارة جزاک الله خیراً .

جواب: حدد لی ذلک . . إلی ماذا . . لأن سؤالک یتضمن شیئین . . هل سبق لک أن ضعفت شیئاً من أحادیث البخاری وهل جمعت ذلک فی کتاب . . فلما ذکرت هل سبقک إلی ذلک . . ماذا تعنی: إلی تضعیف أو إلی تألیف .

سؤال: إلی الاثنین .

جواب: أما أنه سبق لی أن ضعفت أحادیث البخاری فهذه الحقیقة یجب الإعتراف بها ولا یجوز إنکارها. ذلک لأسباب کثیرة جداً أولها: المسلمون کافة لا فرق بین عالم أو متعلم أو جاهل مسلم ..کلهم ( . . . ) یجمعون علی أنه لا عصمة لاحد بعد رسول الله(ص).. وعلی هذا ، من النتائج البدیهیة أیضاً أن أی کتاب یخطر فی بال المسلم أو یسمع باسمه قبل أن یقف علی رسمه ، لابد أن یرسخ فی ذهنه أنه لا بد أن یکون فیه شئ من الخطأ ، لأن العقیدة السابقة أن العصمة من البشر لم یحظ بها أحد إلا رسول الله(ص).

من هنا یروی عن الإمام الشافعی (رض) أنه قال: أبی الله أن یتم إلا کتابه. فهذه حقیقة لا تقبل المناقشة .

هذا أولاً . . هذا کأصل . . أما کتفریع، فنحن من فضل الله علینا وعلی الناس

ص: 46

لکن أکثر الناس لا یعلمون ولکن أکثر الناس لا یشکرون. قد مکننی الله عز وجل من دراسة علم الحدیث أصولاً وفروعاً وتعلیلاً وتجریحاً ، حتی تمکنت إلی حد کبیر بفضل الله ورحمته أیضاً أن أعرف الحدیث الصحیح من الضعیف من الموضوع ، من دراستی لهذا العلم .

علی ذلک طبقت هذه الدراسة علی بعض الأحادیث التی جاءت فی صحیح البخاری فوجدت نتیجة هذه الدراسة أن هناک بعض الأحادیث التی تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة فی صحیح البخاری ، فضلاً عن صحیح مسلم .

هذا جوأبی عما یتعلق بی أنا . . أما عما یتعلق بغیری مما جاء فی سؤالک وهو هل سبقک أحد ، فأقول والحمد لله سبقت من ناس کثیرین هم أقعد منی وأعرف منی بهذا العلم الشریف وقدامی جداً بنحو ألف سنة .

فالإمام الدارقطنی وغیره قد انتقدوا الصحیحین فی عشرات الأحادیث . . أما أنا فلم یبلغ بی الأمر أن أنتقد عشرة أحادیث. ذلک لأننی وجدت فی عصر لا یمکننی من أن أتفرغ لنقد أحادیث البخاری ثم أحادیث مسلم . . ذلک لاننا نحن بحاجة أکبر إلی تتبع الأحادیث التی وجدت فی السنن الأربعة فضلاً عن المسانید والمعاجم ونحو ذلک لنبین صحتها من ضعفها. بینما الإمام البخاری والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقیة هذه الأحادیث التی أو دعوها فی الصحیحین من مئات الالوف من الأحادیث .

هذا جهد عظیم جداً . . ولذلک فلیس من العلم ولیس من الحکمة فی شئ أن أتوجه أنا إلی نقد الصحیحین ( . . . ) وأدع الأحادیث الموجودة فی

ص: 47

السنن الأربعة وغیرها ، غیر معروف صحیحها من ضعیفها .

لکن فی أثناء البحث العلمی تمر معی بعض الأحادیث فی الصحیحین أو فی أحدهما ، فینکشف لی أن هناک بعض الأحادیث الضعیفة. لکن من کان فی ریب من ما أحکم أنا علی بعض الأحادیث فلیعد إلی فتح الباری فسیجد هناک أشیاء کثیرة وکثیرة جداً ینتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلانی الذی یسمی بحق أمیر المؤمنین فی الحدیث ، والذی أعتقد أنا وأظن أن کل من کان مشارکاً فی هذا العلم یوافقنی علی أنه لم تلد النساء بعده مثله .

هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلانی یبین فی أثناء شرحه أخطاء کثیرة فی أحادیث البخاری ، بوجه ما کان لیس فی أحادیث مسلم فقط بل وما جاء فی بعض السنن وفی بعض المسانید .

ثم نقدی الموجود فی أحادیث صحیح البخاری تارة یکون للحدیث کله . . أی یقال هذا حدیث ضعیف وتارة یکون نقداً لجزء من حدیث ، أصل الحدیث صحیح ، لکن یکون جزء منه غیر صحیح .

من النوع الأول مثلاً حدیث ابن عباس قال: تزوج أو نکح رسول الله (ص)میمونة وهو محرم .

هذا حدیث لیس من الأحادیث التی تفرد بها البخاری دون صاحبه مسلم ، بل اشترکا واتفقا علی روایة الحدیث فی صحیحیهما .

والسبب فی ذلک أن السند إلی راوی هذا الحدیث وهو عبدالله بن عباس لاغبار علیه فهو إسناد صحیح لا مجال لنقد أحد رواته ، بینما هناک أحادیث

ص: 48

أخری هناک مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته .

مثلاً من رجال البخاری اسمه: فلیح بن سلیمان ، هذا یصفه ابن حجر فی کتابه التقریب أنه صدوق سی الحفظ. فهذا إذا روی حدیثاً فی صحیح البخاری وتفرد به ولم یکن له متابع أو لم یکن لحدیثه شاهد ، یبقی حدیثه فی مرتبة الضعیف الذی یقبل التقویة بمتابع أو مشاهد.

فحدیث ابن عباس أن رسول الله(ص) تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حیث فرد من رواته کفلیح بن سلیمان مثلاً . . لا ..کلهم ثقات. لذلک لم یجد الناقدون لهذا الحدیث من العلماء الذین سبقونا بقرون لم یجدوا مجالاً لنقد هذا الحدیث إلا فی روایة الأول وهو صحابی جلیل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس ، ذلک لأنه کان صغیر السن من جهة ، ومن جهة أخری أنه خالف فی روایته لصاحبة القصة أی زوجة النبی(ص)التی هی میمونة ، فقد صح عنها أنه(علیه السّلام)تزوجها وهما محلان .

إذاً هذا حدیث وهم فیه راویه الأول وهو ابن عباس فکان الحدیث ضعیفاً ، وهو کما ترون کلمات محدودات ( تزوج میمونة وهو محرم ) أربع کلمات . . مثل هذا الحدیث وقد یکون أطول منه له أمثلة أخری فی صحیح البخاری .

النوع الثانی ، یکون الحدیث أصله صحیحاً لکن أحد رواته أخطأ من حیث أنه أدرج فی متنه جملة لیست من حدیث النبی(ص).. من ذلک الحدیث المعروف فی صحیح البخاری أن النبی(ص)قال: إن أمتی یأتون یوم القیامة غراً محجلین من آثار الوضوء. إلی هنا الحدیث صحیح وله شواهد کثیرة

ص: 49

زاد أحد الرواة فی صحیح البخاری: فمن استطاع منکم أن یطیل غرته فلیفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلانی ، وقال ابن قیم الجوزیة ، وقال شیخه ابن تیمیة ، وقال الحافظ المنذری وعلماء آخرون: هذه الزیادة مدرجة لیست من کلام الرسول (علیه السّلام) ... وإنما هو من کلام أبی هریرة .

إذاً الجواب تم حتی الان عن الشطر الأول . . أی انتقدت بعض الأحادیث وسبقت من أئمة کثیرین .

أما أننی ألفت أو ألف غیری فأنا ما ألفت ، أما غیری فقد ألفوا لکن لا نعرف الیوم کتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت . . .

الآن ندخل بتصحیح البخاری وندع تضعیف مسلم ، وقد تکون المسألة بالعکس حدیث ضعفه البخاری وصححه مسلم وهذا یقع کثیراً . . الذی لیس عنده مرجح آخر لا شک أنه یطمئن لقول البخاری ، سواء کان تصحیحاً أو تضعیفاً أو کان توثیقاً أو کان تجریحاً فیقدم قوله علی قول من دونه کمسلم مثلاً علی شهرته بعلمه ، فضلاً عما إذا خالف البخاری بعض المتأخرین کالدارقطنی أو ابن حبان أو غیرهما. هذا من المرجحات بلا شک. الآن نأتی إلی مثال عرف فی العصر الحاضر قیمته وهو: التخصص فی العلم . . .

تعرفون الیوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه ، هناک مثلاً طب عام وهناک طب خاص. رجل یشکو من ألم فی فمه أو فی عینه أو فی أذنه لا یذهب إلی الطبیب العام بل إلی المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل یرید أن

یعرف الحکم هل هو حلال أو حرام ما یسأل اللغوی ولا یسأل

ص: 50

الطبیب ولا عدداً الامثلة کلها. وإنما یسأل عالماً بالشرع. وأنا أعنی التعمیم الآن یسأل عالماً بالشرع ، لکن العلماء بالشرع ینقسمون إلی أقسام: علماء بما یسمی الیوم بالفقه المقارن فیقول لک قال فلان کذا وقال فلان کذا وقال فلان کذا فیجعلک فی حیرة ، علی کل حال سؤالک إیاه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من کان عالماً أو متخصصاً باللغة العربیة. لکن إذا کنت تعلم أن هناک رجلاً آخر عالماً بالشرع لکنه یفتی علی الراجح من أقوال العلماء بناء علی الدلیل من الکتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف ، لا شک أنک تطمئن لهذا أکثر من الأول. وهکذا .

الآن ندخل فی ما نحن بصدده. الان کما قلت اختلف الأقوال وبعضهم یرد علی بعض. الشئ الذی ینبغی أن یلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقی ، وأنا لا أرید لنفسی وإن کان هذا یتعلق بی تماماً ، لکن هذا مثل للقاعدة العلمیة التی ینبغی للعالم - عفواً لطالب العلم - أن ینطلق منها .

عندنا مثلاً الآن مشکلة تتعلق بالعقیدة . . عندنا الشیخ عبدالعزیز بن باز حفظه الله ، وعندنا هذا الرجل الذی ابتلی الشعب الأردنی بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف ، یقول مثلاً عن الشیخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحید.

أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذین التفوا حوله متی عرف هذا الرجل بالعلم حتی یعتمد علیه والشیخ ابن باز یملا علمه العالم الإسلامی .

إذاً هنا أحد شیئین إما الجهل أو اتباع الهوی. فهؤلاء الذین یلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن الیوم فی العلم ، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا

ص: 51

من العلماء المهتدین ، ولا من العلماء الضالین ، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا یلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شیئین: إما أنهم لا یعلمون هذا التدقیق الذی نحن نتسلسل فیه من الصحابة إلی الیوم..صحابیان اختلفا ، رجل من الأولین السابقین وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغیره ممن تأخروا بالإسلام ، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم . . لکن هؤلاء من السابقین الأولین. فهنا نفس القضیة تمشئ تماماً . . رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وینشر العلم ویعترف بعلمه وفضله .. وآخر لا قیمة له ولا یعترف بعلمه ولیس له منزلة علمیة إطلاقاً فی بلده فضلاً عن بلاد أخری .

إذاً من هنا یأخذ الإنسان منهج ممن یتلقی العلم ، أمن هذا الحدث أو من ذاک الرجل الفاضل الذی ملا بعلمه

الدنیا .

نأتی الان إلی صلب سؤالک..والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم یرد علی بعض . . وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشدید ینطبق علیهم ما ینطبق علی هؤلاء المغشوشین مثل السقاف . . ترکوا العلماء قدیماً وحدیثاً والتفوا حوله وهو ابن الیوم لا أقول فی العلم..فی طلب العلم ، وربما لا یصدق علیه ذلک ! !

أهل البیت(علیهم السّلام) ینفون أحادیث الرؤیة والتشبیه

روی المجلسی فی بحار الأنوار:4/38:

15 - ید: أبی عن محمد العطار عن ابن عیسی عن البزنطی عن الرضا(علیه السّلام)

ص: 52

قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أسری بی إلی السماء بلغ بی جبرئیل(علیه السّلام)مکاناً لم یطأه جبرئیل قط ، فکشف لی فأرانی الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .

وروی الکلینی فی الکافی:1/95 باب فی إبطال الرؤیة:

1 - محمد بن أبی عبد الله عن علی بن أبی القاسم عن یعقوب بن إسحاق قال: کتبت إلی أبی محمد(علیه السّلام)أسأله: کیف یعبد العبد ربه وهو لا یراه ؟ فوقع(علیه السّلام): یا أبا یوسف جل سیدی ومولای والمنعم علی وعلی آبائی أن یری. قال وسألته: هل رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ربه ؟ فوقع(علیه السّلام): إن الله تبارک وتعالی أری رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهی. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:4/43

وروی الکلینی فی الکافی:1/95:

2 - أحمد بن إدریس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن یحیی قال: سألنی أبو قرة المحدث أن أدخله علی أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)فاستأذنته فی ذلک فأذن لی ، فدخل علیه فسأله عن الحلال والحرام والأحکام حتی بلغ سؤاله إلی التوحید ، فقال أبو قرة: إنا روینا أن الله قسم الرؤیة والکلام بین نبیین فقسم الکلام لموسی ولمحمد الرؤیة .

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): فمن المبلغ عن الله إلی الثقلین من الجن والإنس: لا تدرکه الأبصار ولا یحیطون به علماً ولیس کمثله شئ ألیس محمد ! قال: بلی. قال: کیف یجی رجل إلی الخلق جمیعاً فیخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه یدعوهم إلی الله بأمر الله فیقول: لا تدرکه الأبصار ، ولا یحیطون به

ص: 53

علماً ، ولیس کمثله شئ ، ثم یقول أنا رأیته بعینی وأحطت به علماً وهو علی صورة البشر ! أما تستحیون ! ما قدرت الزنادقة أن ترمیه بهذا أن یکون یأتی من عند الله بشئ ثم یأتی بخلافه من وجه آخر !

قال أبو قرة: فإنه یقول: ولقد رآه نزلة أخری .

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): إن بعد هذه الآیة ما

یدل علی ما رأی حیث قال: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، یقول: ما کذب فؤاد محمد ما رأت عیناه ، ثم أخبر بما رأی فقال: لقد رأی من آیات ربه الکبری ، فآیات الله غیر الله ، وقد قال الله: ولا یحیطون به علماً، فإذا رأته الابصار فقدأحاطت به العلم ووقعت المعرفة!

فقال أبو قرة: فتکذِّب بالروایات !

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): إذا کانت الروایات مخالفة للقرآن کذبتها. وما أجمع المسلمون علیه أنه لا یحاط به علماً ، ولا تدرکه الأبصار ، ولیس کمثله شی. انتهی .

وقال فی هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا فی رؤیة الله سبحانه وتعالی عن ذلک علی أقوال: فذهب المشبهة والکرامیة إلی جواز رؤیته تعالی فی الدارین فی الجهة والمکان لکونه تعالی عندهم جسماً ! وذهب الأشاعرة إلی جواز رؤیته تعالی فی الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمکان. وذهب المعتزلة والإمامیة إلی امتناعها فی الدنیا والآخرة، وقد دلت الآیات الکریمة والبراهین العقلیة والأخبار المتواترة عن أهل بیت الرسول صلوات الله علیهم علی امتناعها مطلقاً کما ستعرف ، وقد أفرد العلامة المجاهد السید

ص: 54

عبدالحسین شرف الدین العاملی(قدسّ سرّه)کتاباً أسماه: کلمة حول الرؤیة فجاء - شکر الله سعیه - وافیاً کما یهواه الحق ویرتضیه الإنصاف ونحن نذکر منه بعض الأدلة العقلیة:

منها: أن کل من استضاء بنور العقل یعلم أن الرؤیة البصریة لا یمکن وقوعها ولا تصورها إلا أن یکون المرئی فی جهة ومکان ومسافة خاصة بینه وبین رائیه ، ولابد أن یکون مقابلاً لعین الرائی ، وکل ذلک ممتنع علی الله تعالی مستحیل بإجماع أهل التنزیه من الأشاعرة وغیرهم .

ومنها: أن الرؤیة التی یقول الأشاعرة بإمکانها ووقوعها ، إما أن تقع علی الله کله فیکون مرکباً محدوداً متناهیاً محصوراً یشغل فراغ الناحیة المرئی فیها فتخلو منه بقیة النواحی، وإما أن تقع علی بعضه فیکون مبعضاً مرکباً متحیزاً، وکل ذلک مما یمنعه ویبرأ منه أهل التنزیه من الأشاعرة وغیرهم .

ومنها: أن کل مرئی بجارحة العین مشار إلیه بحدقتها ، وأهل التنزیه من الأشاعرة وغیرهم ینزهون الله تعالی عن أن یشار إلیه بحدقة ، کما ینزهونه عن الإشارة إلیه بإصبع أو غیرها .

ومنها: أن الرؤیة بالعین الباصرة لا تکون فی حیز الممکنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئی ، ومنزهوا الله تعالی من الأشاعرة وغیرهم مجمعون علی امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا .

ومنها: أن الإستقراء یشهد أن کل متصور لابد أن یکون إما محسوساً أو متخیلاً ، من أشیاء محسوسة أو قائماً فی نفس المتصور بفطرته التی فطر علیها ، فالأول کالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وکالحلاوة والمرارة

ص: 55

ونحوهما من المحسوسة بالذائقة ، والثانی کقول القائل: أعلام یاقوت نشرن علی رماح من زبرجد ، ونحوه مما تدرکه المخیلة مرکباً من عدة أشیاء أدرکه البصر . والثالث: کالالم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما یدرکه الإنسان من نفسه بفطرته ، وحیث أن الله سبحانه متعال عن هذا کله لم یکن تصوره ممکناً. انتهی. وروی النیسابوری فی روضة الواعظین/33 حدیث أبی قرة المتقدم. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:4/36 وقال فی/37: قوله تعالی: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، یحتمل کون ضمیر الفاعل فی رأی راجعاً إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإلی الفؤاد .

قال البیضاوی: ما کذب الفؤاد ما رأی ببصره من صورة جبرئیل ، أو ما کذب الفؤاد بصره بما حکاه له ، فإن الأمور القدسیة تدرک أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلی البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفک ، ولو قال ذلک کان کاذباً لأنه عرفه بقلبه کما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه. والمعنی لم یکن تخیلاً کاذباً ، ویدل علیه أنه سئل(علیه السّلام)هل رأیت ربک فقال: رأیته بفؤادی ، وقرأ: ما کذب أی صدقه ولم یشک فیه. أفتمارونه علی ما یری أفتجادلونه علیه ، من المراء وهو المجادلة. انتهی .

قوله تعالی: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی ، قال الرازی: یحتمل الکلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالی والثانی جبرئیل(علیه السّلام)والثالث الآیات العجیبة الإلهیة. انتهی. أی ولقد رآه نازلاً نزلة أخری فیحتمل نزوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونزول مرئیة. فإذا عرفت محتملات تلک الآیات عرفت سخافة استدلالهم بها علی جواز الرؤیة ووقوعها بوجوه:

ص: 56

الأول: أنه یحتمل أن یکون المرئی جبرئیل ، إذ المرئی غیر مذکور فی اللفظ ، وقد أشار أمیر المؤمنین (علیه السّلام) إلی هذا الوجه فی الخبر السابق. وروی مسلم فی صحیحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما کذب الفؤاد ما رأی قال: رأی جبرئیل (علیه السّلام)له ستمائة جناح. وروی أیضاً بإسناده عن أبی هریرة: ولقد رآه نزلة أخری قال: رأی جبرئیل(علیه السّلام)بصورته التی له فی الخلقة الأصلیة .

الثانی: ما ذکره(علیه السّلام)فی هذا الخبر ، وهو قریب من الأول لکنه أعم منه .

الثالث: أن یکون ضمیر الرؤیة راجعاً إلی الفؤاد ، فعلی تقدیر إرجاع الضمیر إلی الله تعالی أیضاً لافساد فیه .

الرابع: أن یکون علی تقدیر ارجاع الضمیر إلیه(علیه السّلام)وکون المرئی هو الله تعالی والمراد بالرؤیة غایة مرتبة المعرفة ونهایة الانکشاف .

وأما استدلاله(علیه السّلام)بقوله تعالی: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ، فهو إما لأن الرؤیة تستلزم الجهة والمکان وکونه جسماً أو جسمانیاً ، أو لأن الصورة التی تحصل منه فی المدرکة تشبهه .

قوله(علیه السّلام): حیث قال ، أی أولاً قبل هذه الآیة ، وإنما ذکر(علیه السّلام)ذلک لبیان أن المرئی قبل هذه الآیة غیر مفسر أیضاً ، بل إنما یفسره ما سیأتی بعدها .

قوله(علیه السّلام): وما أجمع المسلمون علیه ، أی اتفق المسلمون علی حقیة مدلول ما فی الکتاب مجملاً. والحاصل أن الکتاب قطعی السند متفق علیه بین جمیع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التی تفردتم بروایتها .

ثم اعلم أنه(علیه السّلام)أشار فی هذا الخبر إلی دقیقة غفل عنها الأکثر وهی أن

ص: 57

الأشاعرة وافقونا فی أن کنهه تعالی یستحیل أن یتمثل فی قوة عقلیة ، حتی أن المحقق الدوانی نسبه إلی الأشاعرة موهماً اتفاقهم علیه وجوزوا ارتسامه وتمثله فی قوة جسمانیة ، وتجویز إدراک القوة الجسمانیة لها دون العقلیة بعید عن العقل مستغرب ، فأشار(علیه السّلام)إلی أن کل ما ینفی العلم بکنهه تعالی من السمع ینفی الرؤیة أیضاً ، فإن الکلام لیس فی رؤیة عرض من أعراضه تعالی ، بل فی رؤیة ذاته وهو نوع من العلم بکنهه تعالی .

الإمام الکاظم والإمام الرضا یکشفان تحریف حدیث النزول

قال الصدوق فی کتابه التوحید/183:

18 - حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(قدسّ سرّه)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی ، عن علی بن العباس عن الحسن بن راشد ، عن یعقوب بن جعفر الجعفری ، عن أبی إبراهیم موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) قال: ذکر عنده قوم یزعمون أن الله تبارک وتعالی ینزل إلی السماء الدنیا فقال: إن الله تبارک وتعالی لا ینزل ولا یحتاج إلی أن ینزل ، إنما منظره فی القرب والبعد سواء ، لم یبعد منه قریب ولم یقرب منه بعید ، ولم یحتج بل یحتاج إلیه ، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزیز الحکیم. أما قول الواصفین: إنه تبارک وتعالی ینزل فإنما یقول ذلک من ینسبه إلی نقص أو زیادة ، وکل متحرک محتاج إلی من یحرکه أو یتحرک به ، فظن بالله الظنون فهلک ، فاحذروا فی صفاته من أن تقفوا له علی حد فتحدوه بنقص أو زیادة أو تحرک أو زوال أو نهوض أو قعود ،

ص: 58

فإن الله جل عن صفة الواصفین ونعت الناعتین وتوهم المتوهمین .

وقال الصدوق فی کتابه التوحید/176:

7 - حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمدبن هارون الصوفی قال: حدثنا عبید الله بن موسی أبو تراب الرویانی، عن عبدالعظیم بن عبد الله الحسنی ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال قلت للرضا(علیه السّلام): یا ابن رسول الله ما تقول فی الحدیث الذی یرویه الناس عن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: إن الله تبارک وتعالی ینزل کل لیلة إلی السماء الدنیا ؟ فقال(علیه السّلام): لعن الله المحرفین الکلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کذلک ، إنما قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی یُنْزِلُ ملکاً إلی السماء الدنیا کل لیلة فی الثلث الاخیر ولیلة الجمعة فی أول اللیل فیأمره فینادی: هل من سائل فأعطیه ، هل من تائب فأتوب علیه ، هل من مستغفر فأغفر له ، یا طالب الخیر أقبل ، یا طالب الشر أقصر ، فلا یزال ینادی بهذا حتی یطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلی محله من ملکوت السماء. حدثنی بذلک أبی عن جدی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ص: 59

ص: 60

الفصل الثانی :مذاهب السنیین فی الألوهیة والتوحید

اشارة

ص: 61

ص: 62

کیف نشأت هذه المذاهب ؟

عندما قبل إخواننا السنة أحادیث الرؤیة والتشبیه ، تورطوا فیها ، وانقسموا فی تفسیرها منذ القرن الأول إلی أربعة مذاهب وأکثر ، وقد ولدت هذه المذاهب العقائدیة قبل أن تتکون مذاهبهم الفقهیة بمدة طویلة ، بقیت حاکمة علی أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم إلی یومنا هذا !

المذهب الأول: مذهب المتأولین الذین یوافقون مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) تقریباً ، ویدافعون عن تنزیه الله تعالی ویجعلون الاساس الآیات المحکمة فی التوحید مثل قوله تعالی ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ) و ( لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ) ویقولون بتأویل کل نص یظهر منه التشبیه أو الرؤیة بالعین ، لینسجم مع حکم العقل وبقیة الآیات والأحادیث .

المذهب الثانی: مذهب التفویض وتحریم التأویل ، ومعناه تجمید تفسیر آیات الصفات وأحادیثها ، وتفویضها إلی الله تعالی ، وتحریم الکلام فی معانیها مطلقاً. وهو مذهب عدد من قدامی رواة الأحادیث ، وقلیل من المتأخرین .

المذهب الثالث: مذهب تحریم التأویل ووجوب تفسیر آیات الصفات

ص: 63

وأحادیثها بمعناها الظاهری الحسی ، والقول بأن لله تعالی یداً ووجهاً ورجلاً وجنباً بالمعنی اللغوی المعروف ، غایة الأمر أنهم لایقولون إن شکل ذلک مثل جوارح الإنسان ، وهو مذهب الیهود وکعب الأحبار ومن وافقهم من الصحابة ، وهو المجسمة من الحنابلة ، الذی تعصب له ابن تیمیة والذهبی والوهابیون ، وادعوا أنه مذهب السلف وأهل السنة .

المذهب الرابع: مذهب المتنقلین بین المذاهب ، والمذبذبین ، والمتحیرین ، وهم أنواع ثلاثة .

والظاهر أن لقب ( المتاولة ) الذی یطلقه السنة علی الشیعة فی بلاد الشام وفلسطین ومصر ، جاء من هؤلاء المجسمة الذین کانوا یکفرون الشیعة وغیرهم ، لانهم یقولون بتأویل أحادیث الصفات . . ومع أن التأویل موجود عند إخواننا السنة بل أکثرهم ( متاولة ) إلا أن نبز هذا اللقب وَسُبَّتَهُ بقیت من نصیب شیعة أهل البیت المظلومین ، وبقیت کلمة ( مِتْوَالی ) بکسر المیم فی ذهن کثیر من عوام السنة أسوأ من کلمة کافر !

ونکتفی هنا بالاشارة إلی هذه المذاهب، وبما کتبناه فی (الوهابیة والتوحید)

نعم لابد من ذکر شیء عن أصحاب المذهب الرابع:

المذهب الرابع: مذهب المتنقلین بین المذاهب والمذبذبین والمتحیرین الإنتقال من مذهب فقهی إلی مذهب آخر أمر طبیعی یکثر حدوثه فی المسلمین، وکذا الإنتقال من مذهب عقائدی إلی مذهب آخر. ونلاحظ فی مسألتنا أن المنتقلین من مذهب عقائدی إلی مذهب آخر کثیرون. کما نلاحظ ظاهرةً ثانیة عند بعضهم هی الجمع بین التأویل والتفویض فتری

ص: 64

أحدهم متأولاً تارة مفوضاً أخری. والظاهر أن ذلک کان أمراً شائعاً ومقبولاً عند القدماء ، لأنهم یجوزون الأمرین .

ولکن تبقی ظاهرة التناقض بین التأویل والتفویض والحمل علی الظاهر عند أصحاب الظاهر ، أمراً لا یقبل الحل ، لأنهم حرموا التأویل والتفویض وهاجموا الآخرین بسببه بل کفروهم ، ثم ارتکبوا ما حرموه. وفیما یلی نماذج من التهافت عند أهل هذه المذاهب ، فبدؤها بما ذکره ابن تیمیة عن تهافت آراء ابن فورک ، فی حین نسی هو تهافت آرائه ، قال ابن تیمیة فی تفسیره:6/108:

فصل. أقوال الفرق فی صفات الله تعالی . . . هذا مع أن ابن فورک هو ممن یثبت الصفات الخبریة کالوجه والیدین وکذلک المجی والإتیان موافقة لأبی الحسن فإن هذا قوله وقول متقدمی أصحابه ، فقال ابن فورک فیما صنف فی أصول الدین: فإن سألت الجهمیة عن الدلالة علی أن القدیم سمیع بصیر ؟ قیل لهم : قد اتفقنا علی أنه من تستحیل علیه الآفات والحی إذا لم یکن مأووفاً بآفات تمنعه من إدراک المسموعات والمبصرات کان سمیعاً بصیراً .

وإن سألت فقلت: أین هو ؟ فجوابنا إنه فی السماء کما أخبر فی التنزیل عن نفسه بذلک ، فقال عز من قائل: أأمنتم من فی السماء ، وإشارة المسلمین بأیدیهم عند الدعاء فی رفعها إلیه ، وإنک لو سألت صغیرهم وکبیرهم فقلت: أین الله ؟ لقالوا إنه فی السماء ، ولم ینکروا بلفظ السؤال ب- ( أین ) لأن النبی(ص)سأل الجاریة التی عرضت للعتق فقال: أین الله ؟ فقالت فی

ص: 65

السماء مشیرة بها. فقال النبی (ص): إعتقها فإنها مؤمنة ، ولو کان ذلک قولاً منکراً لم یحکم بإیمانها ولانکره علیها ، ومعنی ذلک أنه فوق السماء لأن (فی) بمعنی ( فوق ) قال الله تعالی: فَسِیحُوا فِی الأَرْضِ أی فوقها .

قال ابن فورک: وإن سألت کیف هو ؟ قلنا له: کیف سؤال عن صفته وهو ذو الصفات العلی ، هو العالم الذی له العلم ، والقادر الذی له القدرة ، والحی الذی له الحیاة ، الذی لم یزل منفرداً بهذه الصفات ، لا یشبه شیئاً ولا یشبهه شئ .

( قلت ) فهذا الکلام هو موافق لما ذکره الأشعری فی کتاب الإبانة ولما ذکره ابن کلاب لما حکاه عنه ابن فورک ، لکن ابن کلاب یقول إن العلو والمباینة من الصفات العقلیة ، وأما هؤلاء فیقولون: کونه فی السماء صفة خبریة کالمجی والإتیان ، ویطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش وذلک صفة ذاتیة عندهم. والأشعری یبطل تأویل من تأول الإستواء بمعنی الإستیلاء والقهر بأنه لم یزل مستولیاً علی العرش وعلی کل شئ ، والاستواء مختص بالعرش ، فلو کان بمعنی الاستیلاء لجاز أن یقال ( هو مستولیاً ( کذا ) علی کل شئ وعلی الأرض وغیرها ) کما یقال إنه مستول علیها ، ولما اتفق المسلمون علی أن الإستواء مختص بالعرش ، فهذا الإستواء الخاص لیس بمعنی الإستیلاء العام، وأین للسلطان جعل الاستواء بمعنی الغلبة والقهر وهو الإستیلاء فیشبه والله أعلم أن یکون اجتهاده مختلفاً فی هذه المسائل کما اختلف اجتهاد غیره ، فأبو المعالی کان یقول بالتأویل ثم حرمه ، وحکی إجماع السلف علی تحریمه ، وابن عقیل له أقوال مختلفة ، وکذلک لأبی

ص: 66

حامد والرازی وغیرهم .

ومما بین اختلاف کلام ابن فورک أنه فی مصنف آخر قال: فإن قال قائل: أین هو فقال: لیس بذی کیفیة فنخبر عنها إلا أن یقول: کیف صنعه ؟ فمن صنعه أنه یعز من یشاء ویذل من یشاء وهو الصانع للاشیاء کلها .

فهنا أبطل السؤال عن الکیفیة ، وهناک جوزه وقال: الکیفیة هی الصفة وهو ذو الصفات ، وکذلک السؤال عن الماهیة. قال فی ذلک المصنف: وإن سألت الجهمیة فقلت ما هو یقال لهم ( ما ) یکون استفهاماً عن جنس أو صفة فی ذات المستفهم ، فإن أردت بذلک سؤالاً عن صفته فهو العلم والقدرة والکلام والعزة والعظمة .

سیر أعلام النبلاء:10/610:

أخبرنا محمد بن إسماعیل الترمذی ، سمعت نعیم بن حماد یقول: من شبه الله بخلقه ، فقد کفر ، ومن أنکر ما وصف به نفسه ، فقد کفر ، ولیس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبیه .

قلت: هذا الکلام حق ، نعوذ بالله من التشبیه ومن إنکار أحادیث الصفات ، فما ینکر الثابت منها من فقه ، وإنما بعد الإیمان بها هنا مقامان مذمومان: تأویلها وصرفها عن موضوع الخطاب ، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها ، بل آمنوا بها ، وأمروها کما جاءت .

المقام الثانی: المبالغة فی إثباتها ، وتصورها من جنس صفات البشر ، وتشکلها فی الذهن ، فهذا جهل وضلال ، وإنما الصفة تابعة للموصوف ، فإذا کان الموصوف عز وجل لم نره ، ولا أخبرنا أحد أنه عاینه مع قوله لنا

ص: 67

فی تنزیله: لیس کمثله شئ ، فکیف بقی لأذهاننا مجال فی إثبات کیفیة الباری تعالی الله عن ذلک ، فکذلک صفاته المقدسة ، نقر بها ونعتقد أنها حق ، ولا نمثلها أصلاً ولا نتشکلها .

وقال الذهبی فی سیره:20/80 - 86:

التیمی الإمام العلامة الحافظ شیخ الإسلام أبوالقاسم إسماعیل بن محمد . . . حدث عنه: أبوسعد السمعانی وأبو العلاء الهمذانی وأبوطاهر السلفی وأبو القاسم بن عساکر . . . قال أبو موسی المدینی: أبوالقاسم إسماعیل الحافظ إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة فی زمانه ، حدثنا عنه جماعة فی حال حیاته . . . قال أبو موسی: ولا أعلم أحداً عاب علیه قولاً ولا فعلاً ولا عانده أحد إلا ونصره الله . . . وقال السلفی: وسمعت أبا الحسین بن الطیوری غیر مرة یقول: ما قدم علینا من خراسان مثل إسماعیل بن محمد .

. . . وقد سئل أبو القاسم التیمی(قدسّ سرّه): هل یجوز أن یقال لله حد أو لا ، وهل جری هذا الخلاف فی السلف ؟ فأجاب: هذه مسألة أستعفی من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفی علی غرض السائل منها ، لکنی أشیر إلی بعض ما بلغنی: تکلم أهل الحقائق فی تفسیر الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد کل شئ موضع بینونته عن غیره ، فإن کان غرض القائل: لیس لله حد لا یحیط علم الحقائق به فهو مصیب ، وإن کان غرضه بذلک لا یحیط علمه تعالی بنفسه فهو ضال ، أو کان غرضه أن الله بذاته فی کل مکان فهو أیضاً ضال .

قلت: الصواب الکف عن إطلاق ذلک إذ لم یأت فیه نص ، ولو فرضنا أن

ص: 68

المعنی صحیح فلیس لنا أن نتفوه بشئ لم یأذن به الله خوفاً من أن یدخل القلب شئ من البدعة اللهم إحفظ علینا إیماننا .

وقال فی هامش سیر أعلام النبلاء:19/443:

وقد بین شیخ الإسلام فی درء تعارض العقل والنقل 8 - 60 - 61 نوع الخطأ الذی وقع فیه ( ابن عقیل ) فقال:

ولابن عقیل أنواع من الکلام ، فإنه کان من أذکیاء العالم کثیر الفکر والنظر فی کلام الناس ، فتارة یسلک مسلک نفاة الصفات الخبریة وینکر علی من یسمیها صفات ویقول: إنما هی إضافات موافقة للمعتزلة کما فعله فی کتابه ذم التشبیه وإثبات التنزیه ، وغیره من کتبه ، واتبعه علی ذلک أبوالفرج ابن الجوزی فی کف التشبیه بکف التنزیه ، وفی کتابه منهاج الوصول .

وتارة یثبت الصفات الخبریة ویرد علی النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات ، وتارة یوجب التأویل کما فعله فی کتابه الواضح وغیره. وتارة یحرم التأویل ویذمه وینهی عنه کما فعله فی کتابه الإنتصار لأصحاب الحدیث ، فیوجد فی کلامه من الکلام الحسن البلیغ ما هو معظم مشکور ، ومن الکلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور . . . ولابن عقیل من الکلام فی ذم من خرج عن الشریعة من أهل الکلام والتصوف ما هو معروف کما قال فی الفنون، ومن خطه نقلت ثم ذکر فصلاً مطولاً استوعب سبع صفحات من الکتاب فراجعه .

وصار الترمذی متأولاً ذات یوم فکفره المجسمة

قال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/170-171:

ص: 69

. . . فهذا ابن القیم یقول فی کتابه الصواعق المرسلة - أنظر مختصر الصواعق 2 - 275: وأما تأویل الترمذی وغیره له بالعلم فقال شیخنا: ( 98 ) وهو ظاهر الفساد من جنس تأویلات الجهمیة . . . وهذا الخلال یقول فی سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا فی عصرنا هذا إلا وهو منکر لما أحدث الترمذی ( 99 ) من رد حدیث محمد بن فضیل عن لیث عن مجاهد فی قوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً قال یقعده علی العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمی یهجر ونحذر عنه .

وقال السقاف فی هامش کتابه:

( 98 ) یعنی بشیخه: ابن تیمیة کما لا ینتطح فی ذلک کبشان .

( 99 ) مع أن التأویل والتفویض لم یحدثه ولم یخترعه الترمذی(قدسّ سرّه). ومن الغریب العجیب أیضاً أن محقق سنة الخلال عطیة الزهرانی - حاول أن ینفی أن کون الترمذی المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 فی الهامش تعلیق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلک/232 فقال فی الهامش التعلیق رقم 8 ( کنت أظنه جهم ولکن اتضح من الروایات أن یقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلی معرفته ) فیا للعجب ! !

( 100 ) وهذا القعود الذی یتحدثون عنه هو قعود سیدنا محمد(ص)بجنب الله تعالی علی العرش ! تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً ! والدلیل علیه قول الخلال هناک/244:حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذیل عن محمد بن فضیل عن لیث عن مجاهد: قال: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، قال: یجلسه معه علی العرش ، قال عبد الله: سمعت هذا الحدیث من جماعة وما رأیت أحداً

ص: 70

من المحدثین ینکره ، وکان عندنا فی وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحدیث إنما تنکره الجهمیة .

أقول: ومن العجیب الغریب أن الالبانی ینکر هذا ویقول بعدم صحته وأنه لم یثبت کما سیأتی ، وکذلک محقق الکتاب وهو متمسلف معاصر ینکر ذلک أیضاً ،ویحکم علی هذا الاثر بالضعف حیث یقول فی هامش تلک الصحیفة تعلیق رقم 19: إسناده ضعیف !

فهل هؤلاء جهمیة ! وما هذا الخلاف الواقع بین هؤلاء فی أصول اعتقادهم !

ومن الغریب العجیب أیضاً أنهم اعتبروا أن نفی قعود سیدنا محمد(ص) بجنب الله نافیاً ودافعاً لفضیلة من فضائل النبی(ص)، والدلیل علی ما قلناه قول الخلال هناک/237:

( وقال أبو علی إسماعیل بن إبراهیم الهاشمی (وهو مجهول بنظر المحقق ): إن هذا المعروف بالترمذی عندنا مبتدع جهمی ، ومن رد حدیث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضیلة الرسول(ص)فهو عندنا کافر مرتد عن الإسلام ) !

وقال/234 ناقلاً ( وأنا أشهد علی هذا الترمذی أنه جهمی خبیث ) ! !

ودافع رشید رضا عن أکثر الحنابلة وجعلهم متأولة

قال فی تفسیر المنار:3/198-199:

. . . الصفات التی هی فی الحادث انفعالات نفسیة کالمحبة والرحمة والرضا والغضب والکراهة ، فالسلف یقرونها علی ظاهرها مع تنزیه الله تعالی عن انفعالات المخلوقین ، فیقولون إن لله تعالی محبة تلیق بشأنه

ص: 71

لیست انفعالاً نفسیاً کمحبة الناس. والخلف یؤولون ما

ورد من النصوص فی ذلک فیرجعونه إلی القدرة أو إلی الإرادة فیقولون الرحمة هی الإحسان بالفعل أو إرادة الإحسان .

ومنهم من لا یسمی هذا تأویلاً بل یقولون إن الرحمة تدل علی الإنفعال الذی هو رقة القلب المخصوصة علی الفعل الذی یترتب علی ذلک الإنفعال، وقالوا إن هذه الألفاظ إذا أطلقت علی الباری تعالی یراد بها غایتها التی هی أفعال دون مبادیها التی هی انفعالات .

وإنما یردون هذه الصفات إلی القدرة والإرادة بناء علی أن إطلاق لفظ القدرة والإرادة وکذا العلم علی صفات الله إطلاق حقیقی لا مجازی .

والحق أن جمیع ما أطلق علی الله تعالی فهو منقول مما أطلق علی البشر ، ولما کان العقل والنقل متفقین علی تنزیه الله تعالی عن مشابهة البشر ، تعین أن نجمع بین النصوص فنقول إن لله تعالی قدرة حقیقیة ولکنها لیست کقدرة البشر ، وإن له رحمة لیست کرحمة البشر ، وهکذا نقول فی جمیع ما أطلق علیه تعالی جمعاً بین النصوص ، ولا ندعی أن إطلاق بعضها حقیقی وإطلاق البعض الآخر مجازی ، فکما أن القدرة شأن من شؤونه لا یعرف کنهه ولا یجهل أثره کذلک الرحمة شأن من شؤونه لا یعرف کنهه ولا یخفی أثره ، وهذا هو مذهب السلف فهم لا یقولون إن هذه الالفاظ لا یفهم لها معنی بالمرة ، ولا یقولون إنها علی

ظاهرها بمعنی أن رحمة الله کرحمة الإنسان ویده کیده وإن ظن ذلک فی الحنابلة بعض الجاهلین .

ومحققوا الصوفیة لا یفرقون بین صفات الله تعالی ولا یجعلون بعضها

ص: 72

محکماً إطلاق اللفظ علیه حقیقی ، وبعضها متشابهاً إطلاقه علیه مجازی ، بل کل ما أطلق علیه تعالی فهو مجاز .

ثم تبنی رشید رضا رأی الغزالی مع أنه کاد أن یکفر الحنابلة

للغزالی رسالة إسمها ( إلجام العوام عن علم الکلام ) حرم فیها علی العوام حتی السؤال عن معنی أحادیث الرؤیة والتجسیم ، وقد تبناها الشیخ رشید رضا ونقلها کلها فی تفسیره قال فی:3/207-208:

وللإمام الغزالی تفصیل فی کیفیة الإستعمال وتحقیق فی هذا البحث قاله بعد الرجوع إلی مذهب السلف ( ! ) فننقله هنا من کتابه ( إلجام العوام عن علم الکلام ) وهو: الباب الأول فی شرح اعتقاد السلف فی هذه الأخبار:

إعلم أن الحق الصریح الذی لأمراء فیه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعنی مذهب الصحابة والتابعین ، وها أنا أورد بیانه وبیان برهانه فأقول: حقیقة مذهب السلف - وهو الحق عندنا - أن کل من بلغه حدیث من هذه الأحادیث من عوام الخلق یجب علیه فیه سبعة أمور: التقدیس ، ثم التصدیق ، ثم الإعتراف بالعجز ، ثم السکوت ، ثم الامساک ، ثم الکف ، ثم التسلیم لأهل المعرفة .

أما التقدیس فأعنی به تنزیه الرب تعالی عن الجسمیة وتوابعها .

وأما التصدیق فهو الإیمان بما قاله(ص)، وأن ما ذکره حق وهو فیما قاله صادق ، وأنه حق علی الوجه الذی قاله وأراده .

وأما الإعتراف بالعجز ، فهو أن یقر بأن معرفة مراده لیست علی قدر طاقته ،

ص: 73

وأن ذلک لیس من شأنه وحرفته .

وأما السکوت فأن لا یسأل عن معناه ولا یخوض فیه ویعلم أن سؤاله عنه بدعة ، وأنه فی خوضه فیه مخاطر بدینه ، وأنه یوشک أن یکفر لو خاض فیه من حیث لا یشعر .

وأما الإمساک فأن لا نتصرف فی تلک الالفاظ بالتصریف والتبدیل بلغة أخری والزیادة فیه والنقصان منها والجمع والتفریق ، بل لا ینطق إلا بذلک اللفظ وعلی ذلک الوجه من الإیراد والإعراب والتصریف والصیغة .

وأما الکف فأن یکف باطنه عن البحث عنه والتفکر فیه .

وأما التسلیم لأهله فأن لا یعتقد أن ذلک إن خفی علیه لعجزه فقد خفی علی رسول الله(ص)أو علی الأنبیاء أو علی الصدیقین والأولیاء .

فهذه سبع وظائف اعتقد کافة السلف وجوبها علی کل العوام ، لا ینبغی أن یظن بالسلف الخلاف فی شئ منها ، فلنشرحها وظیفة وظیفة إن شاء الله تعالی . . . انتهی .

ومع أن الغزالی أنزل بالعوام هذه الفتاوی الشدیدة منعاً لهم من تکذیب روایات السلف وأشاد بالسلف مدعیاً أن ما یقوله هو مذهبهم ، لکنه قدم تأویلاً لها مخالفاً للحنابلة والسلف وهاجم اتجاههم فی تحریم التأویل والمیل إلی التشبیه حتی جعل منهم عبدة أصنام !

قال فی/209:

الوظیفة الأولی التقدیس ومعناه: أنه إذا سمع الید والأصبع وقوله (ص): إن الله خمر طینة آدم بیده وإن قلب المؤمن بین أصبعین من أصابع الرحمن

ص: 74

فینبغی أن یعلم أن الید تطلق لمعنیین: أحدهما هو الوضع الأصلی وهو عضو مرکب من لحم وعظم وعصب ، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة ، أعنی بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق یمنع غیره من أن یوجد بحیث هو إلا بأن یتنحی عن ذلک المکان . وقد یستعار هذا اللفظ أعنی الید لمعنی آخر لیس ذلک المعنی بجسم أصلاً کما یقال البلدة فی ید الأمیر فإن ذلک مفهوم وإن کان الأمیر مقطوع الید مثلاً .

فعلی العامی وغیر العامی أن یتحقق قطعاً ویقیناً أن الرسول(علیه السّلام)لم یرد بذلک جسماً هو عضو مرکب من لحم ودم وعظم وأن ذلک فی حق الله تعالی محال وهو عنه مقدس ، فإن خطر بباله أن الله جسم مرکب من أعضاء فهو عابد صنم ! فإن کل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق کفر وعبادة الصنم کان کفراً لأنه مخلوق وکان مخلوقاً لأنه جسم ، فمن عبد جسماً فهو کافر بإجماع الأئمة ، السلف منهم والخلف ، سواء کان ذلک الجسم کثیفاً کالجبال الصم الصلاب أو لطیفاً کالهواء والماء ، وسواء کان مظلماً کالأرض أو مشرقاً کالشمس والقمر والکواکب، أو مشفاً لالون له کالهواء، أو عظیماً کالعرش والکرسی والسماء ، أو صغیراً کالذرة والهباء ، أو جماداً کالحجارة ، أو حیواناً کالإنسان. فالجسم صنم ، فبأن یقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا یخرج عن کونه صنماً .

ومن نفی الجسمیة عنه وعن یده وإصبعه ، فقد نفی العضویة واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما یوجب الحدوث لیعتقد بعده أنه عبارة عن معنی من المعانی لیس بجسم ولا عرض فی جسم یلیق ذلک

ص: 75

المعنی بالله تعالی ، فإن کان لا یدری ذلک المعنی ولا یفهم کنه حقیقته فلیس علیه فی ذلک تکلیف أصلاً ، فمعرفة تأویله ومعناه لیس بواجب علیه، بل واجب علیه أن لا یخوض فیه . انتهی .

وبذلک وافق الغزالی ورشید رضا مذهبنا ومذهب المتأولین ، وخالف المفوضة وأهل الظاهر !

وکل علماء السنة حتی المجسمة یصیرون متأولة عند الحاجة

کل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابیین الذین حرموا التأویل ، وأنکروا وجود المجاز فی القرآن ، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحادیث الصفات علی معانیها الظاهرة الحقیقیة ، بل حتی أولئک الذین حکموا بأن المتاولة أهل ضلالة وبدعة وکفر وحذروا منهم..کلهم یصیرون متأولة من الدرجة الأولی عندما یقعون فی مأزق الآیات والأحادیث التی تخالف مذهبهم وتنفی إمکان الرؤیة بالعین والتشبیه والتجسیم کقوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ . . . لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ... لا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا . . . لَنْ تَرَانِی . . إلخ . وهکذا نجد أن إخواننا الذین نبزونا بألفاظ ( متاولة ، متوالی ، بنی متوال ) یقومون هم بتأویل جمیع الآیات والأحادیث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً وجوباً قربة إلی الله تعالی ، من أجل الدفاع عن أحادیث الرؤیة بالعین وظاهر الآیات المتشابهة فیها !

وهکذا یسقط منهجهم العلمی بتحریمهم التأویل فی بعض الآیات والأحادیث وتحلیله فی بعضها ! وکان الأولی بهم

أن لا یلقوا أنفسهم فی هذا المأزق ویتأولوا الآیات التی یوهم ظاهرها الرؤیة من أول الأمر من

ص: 76

أجل الجمع المنطقی بینها وبین الآیات النافیة للرؤیة .

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآیات والأحادیث وحرمتم تأویلها ، وأوجبتم تأویل تلک المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها ! فلیس عندهم جواب ، إلا أنهم أرادوا المحافظة علی ظواهر آیات الرؤیة بالعین وأحادیث الاحاد ، مهما کلفهم ذلک من تناقض فی المنهج العلمی ، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روایات الرؤیة بالعین عن کعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء !

قال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/148:

ومن ذلک قول الحافظ ابن حجر فی الفتح 13-432: فمن أجری الکلام علی ظاهره أفضی به الأمر إلی التجسیم ، ومن لم یتضح له وعلم أن الله منزه عن الذی یقتضیه ظاهرها إما أن یکذب نقلتها وإما أن یؤولها. انتهی .

وقد تبنی ابن تیمیة والوهابیون هذا الحل ( الشرعی ) فحکموا بوجوب تصدیق هذه الروایات وتحریم تأویلها حتی لو أدت إلی التجسیم ، ثم هجموا علی روایات التنزیه ونفی التجسیم بمعول التأویل !

وقال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/156-159:

وقد نقل الحافظ ابن جریر فی تفسیره 27 - 7 تأویل لفظة ( أید ) الواردة فی قوله تعالی: وَالسَّمَاءَ بَنَیْنَاهَا بِأَیْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، بالقوة أیضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زید وسفیان . . . ومما یجدر التنبیه علیه هنا ولا یجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذین یحاربون التأویل ویزعمون أنه ضلال وبدعة وتحریف للقرآن والسنة هم أنفسهم

ص: 77

یؤولون ما لا یوافق آراءهم من نصوص الکتاب والسنة فی مسائل الصفات ! فنراهم یؤولون مثل قوله تعالی: وهو معکم وقوله تعالی: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْکُمْ وَ لَکِنْ لا تُبْصِرُونَ ، وقوله تعالی: مَا یَکُونُ مِنْ نَجْوَی ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ ، وقوله تعالی: إِنَّنِی مَعَکُمَا أَسْمَعُ وَ أَرَی ، وقوله تعالی: وَهُوَ مَعَکُمْ ، إلی غیر ذلک من نصوص واضحة !

فإذا کان هذا قرآن وذاک قرآن فما الذی أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاک وکله قرآن ؟! ولماذا جوزوا تأویل ظاهر هذا دون ذلک ؟!

. . . روی الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه یقول: احتجوا علی یوم المناظرة فقالوا: تجئ یوم القیامة سورة البقرة... الحدیث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اه-. فتأمل فی هذا التأویل الصریح... نقل الحافظ البیهقی فی الأسماء والصفات/470 عن البخاری أنه قال: معنی الضحک: الرحمة اه-. وقال الحافظ البیهقی/298: روی الفربری عن محمد بن إسماعیل البخاری أنه قال: معنی الضحک فیه - أی الحدیث - الرحمة اهفتأمل. وقد نقل هذا التأویل أیضاً الحافظ ابن حجر فی فتح الباری 6-40 .

وقال التلمسانی فی نفح الطیب:8/34:

حکایة أبی بکر بن الطیب مع رؤساء بعض المعتزلة. وذلک أنه اجتمع معه فی مجلس الخلیفه فناظره فی مسألة رؤیة الباری فقال رئیسهم: ما الدلیل أیها القاضی علی جواز رؤیة الله تعالی قال قوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، فنظر بعض المعتزلة إلی بعض وقالوا: جن القاضی ! وذلک أن هذه الآیة هی

ص: 78

معظم ما احتجوا علی مذهبهم وهو ساکت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولک الحائط لا یبصر قالوا: لا . . . قال فلا یصح إذا نفی الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له ؟ قالوا: نعم ، قال فکذلک قوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، لو لا جواز إدراک الابصار له لم یصح نفیه عنه ! انتهی .

وهکذا نری أن الذین حرموا التأویل وکفروا المسلمین بسببه ، أفرطوا فی ارتکابه ووصلوا به إلی حد السفسطة ، فأولوا النفی الصریح بالاثبات ، ولم یبق علیهم إلا أن یؤلوا ( لا إله إلا الله ) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالی عما یصفون. وسوف تری مزیداً من فنونهم فی تأویل آیات نفی الرؤیة والتنزیه ، عند استعراض تفسیرها ، إن شاء الله تعالی .

ونختم بما قاله الشیخ محمد رضا جعفری فی بحث الکلام عند الإمامیة/151 من مجلة تراثنا عدد 30:

قال أبو الفرج ابن الجوزی: « واعلم أن عموم المحدثین حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباری سبحانه علی مقتضی الحس فشبهوا ، لانهم لم یخالطوا الفقهاء فیعرفوا حمل المتشابه علی مقتضی الحکم..» (1)

وقال أیضاً: «واعلم أن الناس فی أخبار الصفات علی ثلاث مراتب: إحداها، إمرارها علی ما جاءت من غیر تفسیر ولا تأویل ، إلا أن تقع ضرورة کقوله تعالی ( وَجَاءَ رَبُّکَ ) (2) أی: جاء أمره ، وهذا مذهب السلف .

والمرتبة الثانیة ، التأویل ، وهو مقام خطر .

والمرتبة الثالثة ، القول فیها بمقتضی الحس ، وقد عمَّ جهلة الناقلین (3) ، إذ

ص: 79

لیس لهم حظ من علوم المعقولات

التی یعرف بها ما یجوز علی الله تعالی وما یستحیل ، فإن علم المعقولات یصرف ظواهر المنقولات عن التشبیه ، فإذا عدموا تصرفوا فی النقل بمقتضی الحس » (4)

وقال تقی الدین ابن تیمیة ، راداً علی من قال: إن أکثر الحنابلة مجسمة ومشبهة: « المشبهة والمجسمة فی غیر أصحاب الإمام أحمد أکثر منهم فیهم ، فهؤلاء أصناف الأکراد ، کلهم شافعیة ، وفیهم من التشبیه والتجسیم ما لا یوجد فی صنف آخر ، وأهل جیلان فیهم شافعیة وحنبلیة ، وأما الحنبلیة المحضة فلیس فیهم من ذلک ما فی غیرهم ، والکرامیة کلهم حنفیة». (5) ولست أقر ابن تیمیة علی دفاعه عن أهل مذهبه ولکنی أسکت عنه .

4 - نماذج مختارة: وکنموذج لما أشار إلیه ابن الجوزی فی کلامه عن المحدثین أختار ثلاثة لم یکونوا من الحنابلة الصرحاء ، وأقدم لکل منهم بعض الترجمة کی لا یتهمنی متهم بأنی عثرت علی مغمورین خاملین لم یکونوا ذوی شأن عند المحدثین:

1 - إسحاق بن إبراهیم بن مخلد بن إبراهیم ، أبو یعقوب الحنظلی المروزی، ابن راهویه النیسابوری ( 161/778 ت 238/853 ) .

قال الخطیب: کان أحد أئمة المسلمین ، وعلماً من أعلام الدین ، اجتمع له الحدیث والفقه ، والحفظ والصدق ، والورع والزهد ، ورحل إلی العراق ، والحجاز ، والیمن، والشام . . . وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاکرهم، وعاد إلی خراسان فاستوطن نیسابور إلی أن توفی بها ، وانتشر علمه عند

ص: 80

الخراسانیین. وهکذا قال المزی والسبکی. وهو شیخ البخاری ، ومسلم ، والترمذی ، وأبوداود ، والنسائی ، وبقیة بن الولید ، ویحیی بن آدم-وهما من شیوخه - وأحمد بن حنبل ، وإسحاق الکوسج ، ومحمد بن رافع ، ویحیی بن معین - هؤلاء من أقرانه - وجماعة .

قال نعیم بن حماد: إذا رأیت العراقی یتکلم فی أحمد بن حنبل فاتهمه فی دینه ، وإذا رأیت الخراسانی یتکلم فی إسحاق بن راهویه فاتهمه فی دینه .

وقال النسائی: أحد الأئمة ، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثک أبو یعقوب أمیر المؤمنین فتمسک به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمین. وقال ابن حبان: وکان إسحاق من سادات زمانه فقهاً ، وعلماً ، وحفظاً ، ونظراً ، ممن صنف الکتب ، وفرع السنن ، وذب عنها ، وقمع من خالفها ، وقبره مشهور یزار. وقال أبو عبدالله الحاکم: إمام عصره فی الحفظ والفتوی. وقال أبو نعیم الأصبهانی: کان إسحاق قرین أحمد ] بن حنبل [ وکان للآثار مثیراً ، ولأهل الزیغ مبیراً .

وقال الذهبی: الإمام الکبیر، شیخ المشرق ، سید الحفاظ ، قد کان مع حفظه إماماً فی التفسیر ، رأساً فی الفقه ، من أئمة الإجتهاد. (6)

أبو عیسی الترمذی - بعد أن أخرج الروایات التی تقول: إن الله یقبل الصدقة ویأخذها بیمینه . . . الحدیث - قال: وقد قال غیر واحد من أهل العلم فی هذا الحدیث وما یشبه هذا من الروایات من الصفات ، ونزول الرب تبارک وتعالی کل لیلة إلی السماء الدنیا ، قالوا: قد تثبت الروایات فی هذا ویؤمن بها ولا یتوهم ، ولا یقال: کیف ؟

ص: 81

هکذا روی عن مالک ، وسفیان بن عیینة ، وعبدالله بن المبارک أنهم قالوا فی هذه الأحادیث: أمروها بلا کیف. وهکذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمیة فأنکرت هذه الروایات ، وقالوا: هذا تشبیه. وقد ذکر الله عزوجل فی غیر موضع من کتابه: الید ، والسمع ، والبصر ، فتأولت الجهمیة هذه الآیات ففسروها علی غیر ما فسر أهل العلم ، وقالوا: إن الله لم یخلق آدم بیده ، وقالوا: إن معنی الید ها هنا القوة .

وقال إسحاق بن إبراهیم (7): إنما یکون التشبیه إذا قال: ید کید ، أو مثل ید، أو سمع کسمع ، أو مثل سمع ، فإذا قال: سمع کسمع أو مثل سمع ، فهذا التشبیه. وأما إذا قال - کما قال الله تعالی : ید ، وسمع ، وبصر ، ولا یقول: کیف ، ولا یقول مثل سمع ، ولا کسمع ، فهذا لا یکون تشبیهاً ، وهو کما قال الله تعالی: ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ ). (8)

2 - أبوبکر محمد بن إسحاق بن خزیمة السلمی النیسابوری ( 223/838 - 311/924 ) قالوا عنه: إنه کان إمام نیسابور فی عصره ، فقیهاً ، مجتهداً ، بحراً من بحور العلم ، اتفق أهل عصره علی تقدمه فی العلم ، ولقبه الصفدی ، والیافعی ، والذهبی ، والسبکی ، وابن الجزری ، والسیوطی ، وابن عبدالحی بإمام الأئمة. وقال الدار قطنی: کان إماماً معدوم النظیر. وقال ابن کثیر: هو من المجتهدین فی دین الإسلام. وذکروا له الکرامات. وقال السمعانی: وجماعة ] من المحدثین [ینسبون إلیه ، یقال لکل واحد منهم خزیمی ] فهو إمام مدرسة حدثیة [. وهذا بعض ما قیل فیه (9):

أثبت ابن خزیمة الوجه لله سبحانه ، وقال: ( لیس معناه أن یشبه وجهه وجه

ص: 82

الآدمیین ، وإلا لکان کل قائل إن لبنی آدم وجهاً ، وللخنازیر ، والقردة ، والکلاب . . . - إلی آخر ما عدد من الحیوانات - وجوهاً ، قد شبه وجوه بنی آدم بوجوه الخنازیر والقردة والکلاب .. . ) (10)

وذکر مثل هذا فی العین ، والید ، والکف ، والیمین ، وقال: إن عینی الله لا تشبهان أی عین لغیره ، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عینان یبصر بهما ما تحت الثری وتحت الأرض السابعة السفلی وما فی السماوات العلی وما بینهما ونزید شرحاً وبیاناً ونقول: عین الله عزوجل قدیمة لم تزل باقیة ، ولا یزال محکوم لها بالبقاء منفی عنها الهلاک والفناء ، وعیون بنی آدم محدثة ، کانت عدماً غیر مکونة فکونها الله وخلقها بکلامه الذی هو صفة من صفات ذاته... »(11)

وقال: إن لله یدین ویداه قدیمتان لم تزالا باقیتین ، وأیدی المخلوقین محدثة فأی تشبیه ! . . . (12) ونفی التأویل عن کل هذا ، خاصة تأویل الید بالنعمة أو القوة . (13)

وذکر « أن کلام ربنا عزوجل لا یشبه کلام المخلوقین ، لأن کلام الله کلام متواصل لا سکت بینه ولا سمت ، لا ککلام الآدمیین الذی یکون بین کلامه سکت وسمت لانقطاع النفس ، أو التذاکر ، أو العی . . . »(14)

3 - عثمان بن سعید ، أبو سعید الدارمی ، التمیمی ، السجستانی ( ح 199/ 815-280/894 ) الإمام العلامة الحافظ ، الناقد الحجة ، وکان جذعاً وقذئ فی

أعین المبتدعة ، قائماً بالسنة ، ثقة ، حجة ، ثبتاً . وقیل فیه: کان إماماً یقتدی به فی حیاته وبعد مماته. ذکره الشافعیة فی طبقاتهم ، وعده الحنابلة

ص: 83

من أصحاب ابن حنبل (15) .

قال الدارمی بأن لله مکاناً حده ، وهو العرش (16) و ( هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بینه فی هواء الآخرة ، حیث لا خلق معه هناک غیره ، ولا فوقه سماء ) (17) وقال ( قد عینا له مکاناً واحداً ، أعلی مکان ، وأطهر مکان ، وأشرف مکان: عرشه العظیم فوق السماء السابعة العلیا ، حیث لیس معه هناک إنس ولا جان ، ولا بجنبه حش ، ولا مرحاض ، ولا شیطان. وزعمت أنت (18) والمضلون من زعمائک أنه فی کل مکان ، وکل حش ومرحاض ، وبجنب کل إنسان وجان ! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول فی الأماکن أم نحن ؟ ! ) (19)

وقال ( ولو لم یکن لله یدان بهما خلق آدم ومسه مسیساً کما ادعیت ، لم یجز أن یقال ( لله ): بیدک الخیر . . . ) (20) وأحال فی ذلک کل معنی أو تأویل من نعمة أو قوة إلا الیدین (21) ( بما لهما من المعنی ، وهو العضو الخاص المحسوس) ، ( وأن لله إصبعین ، من غیر تأویل بمعنی آخر ) (22) (والقدمان قدمان من غیر تأویل ) (23) ( غیر أنا نقول ، کما قال الله ( وَیَبْقَی وَجْهُ رَبِّکَ ) (24) إنه عنی به الوجه الذی هو الوجه عند المؤمنین ، لا الأعمال الصالحة ، ولا القبلة . . . ) (25) وإن نفی التشبیه إنما هو بأن یکون لله کل هذا ، ولکن لا یشبه شئ منه شیئاً مما فی المخلوقین ) (26)

وقال الجعفری فی هوامشه:

( 1 ) تلبیس ابلیس: ط ادارة الطباعة المنیریة ، القاهرة: 1368/116 .

( 2 ) الفجر 89:: 22 .

( 3 ) ویقصد بهم المحدثین .

ص: 84

( 4 ) دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه ، المکتبة التوفیقیة ، القاهرة: 1976/73-74 . ( 5 ) المناظرة فی العقیدة الواسطیة ، مجموعة الرسائل الکبری ، دار إحیاء التراث العربی ، بیروت ، لبنان ، ط 2:1392/1972 ، 1/418 .

( 6 ) التاریخ الکبیر 1-379-380 = 1209 ، التاریخ الصغیر 2/368 ، الجرح والتعدیل 1-1 ( 2 ) 209-210= 714 ، ابن حبان ، الثقات 8/115-116 ، طبقات الحنابلة 1/109 = 122 ، المنهج الاحمد 1/108-109 = 43 ،تاریخ بغداد 6/345-335 = 3381 ، حلیة الأولیاء 9/234-238 ابن خلکان 1/199-201 ، الانساب 6/56 -57 ، السبکی ، طبقات الشافعیة 2/83-93 ، میزان الاعتدال 1/182-183 = 733 ، سیر أعلام النبلاء 11/358 -382 ، تذکرة الحفاظ 2/433-435 ، العبر 1/426 ، الوافی بالوفیات 8/386-388 = 3825 ، طبقات الحفاظ /188-189 = 419 ، ابن کثیر 10/317 ، تهذیب التهذیب 1/216-219 = 408 ، تهذیب الکمال 2/373-388 -332 ، طبقات المفسرین 1/102-103 ، شذرات الذهب 2/89 .

( 7 ) هو إسحاق بن راهویه-عارضة الأحوذی: 3/332.

( 8 ) الجامع الصحیح ، الزکاة ( ما جاء فی فضل الصدقة ) 3/50-51 أی 662 .

( 9 ) الذهبی سیر أعلام النبلاء: 14/365-382 ، تذکرة الحفاظ: 2/720-731 ، العبر: 2/149 ، السمعانی ، الانساب: 5/124 ، ابن الاثیر ، اللباب: 1/442 ، ابن الجوزی ، المنتظم: 6/184-186 ، ابن کثیر ، البدایة والنهایة ،11/149 ، السبکی ، طبقات الشافعیة: 3/109-119 ، الصفدی ، الوافی بالوفیات: 2/196 ، الیافعی ، مرآة الجنان:2/264 ، ابن عبد الحی ، شذرات الذهب: 2/262-263 ، السیوطی ، طبقات الحفاظ: 310-311 ، ابن الجزری ،طبقات القراء: 2/97-98 .

( 10 ) التوحید واثبات صفات الرب ، راجعه وعلق علیه محمد خلیل هراس ، المدرس بکلیة أصول الدین (بالأزهر )، مکتبة الکلیات الأزهریة، القاهرة: 1387/1968 ، /23.

ص: 85

( 11 ) المصدر/50 -52 .

( 12 ) المصدر/82-85 .

( 13 ) المصدر/85-87 .

( 14 ) المصدر/145 .

( 15 ) سیر أعلام النبلاء: 13/319-326 ، تذکرة الحفاظ: 2/621-622 ، العبر: 2/64 ، مرآة الجنان: 2/193 ، ابن کثیر 11/69، طبقات الشافعیة: 2/302-306 ، طبقات الحفاظ: 274 ، طبقات الحنابلة: 1/221 ، شذرات الذهب: 2/176 .

( 16 ) الرد علی بشر المریسی ، عقائد السلف ، نشر: دکتور علی سامی النشار ،عمار جمعی الطالبی ، منشأة المعارف الاسکندریة ، مصر: 1971/382 .

( 17 ) المصدر/439 .

( 18 ) یخاطب به بشر المریسی ، الذی یرد علیه الدارمی ، وهو بشر بن غیاب المریسی ، البغدادی ، الحنفی ( ح 138/755-218/833 ) من أعلام الحنفیة، وممن نادی بخلق القرآن ودافع عنه ، وعن کثیر من آراءالمعتزلة

( 19 ) المصدر/454 .

( 20 ) المصدر/387

( 21 ) ( بما لهما من المعنی ، وهو العضو الخاص المحسوس ) المصدر/398 .

( 22 ) المصدر/420.

( 23 ) المصدر/423-424، 427-428 .

( 24 ) الرحمن 55/27 .

( 25 ) المصدر/516 .

( 26 ) المصدر/432-433 ، 508.. انتهی .

ص: 86

الفصل الثالث : بازار الأحادیث فی الرؤیة والتشبیه والتجسیم

اشارة

ص: 87

ص: 88

قالوا إن الله تعالی علی صورة بشر !

صحیح مسلم:8/32:

عن أبی هریرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدکم أخاه فلیجتنب الوجه فإن الله خلق آدم علی صورته. .

فردوس الأخبار للدیلمی:2/299:

أبو هریرة: خلق الله عز وجل آدم علی صورته وطوله ستون ذراعاً . . . فکل من یدخل الجنة علی صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتی الان. انتهی. ونحوه فی:5/165 ونحوه فی مصابیحه:3/266

مختصر تاریخ دمشق:3 جزء 5/125:

عن أبی هریرة ، عن النبی (ص) قال: خلق الله آدم علی صورته طوله سبعون ذراعاً . . . إلی آخره. وقد تقدم تکذیب الإمام مالک لهذا الحدیث وغیره من أحادیث رؤیة الله تعالی بالعین ، من سیر أعلام النبلاء:8/103

وروی ابن حجر فی لسان المیزان:3/299: صیغة معقولة لهذا الحدیث قال: . . . العلاء بن مسلمة ، حدثنا عبدالله بن سیف ، ثنا إسماعیل بن رافع ، عن المقبری ، عن أبی هریرة (رض) مرفوعاً: لا یضربن أحدکم وجه خادمه ولا یقول لعن الله من أشبه وجهک ، فإن الله خلق آدم علی صورة وجهه. انتهی. فهل یقبلها اخوانناویخلصون أنفسهم من ورطة التجسیم .

ص: 89

لجنة الافتاء الوهابیة:3/368 فتوی رقم 2331:

س 1 : عن أبی هریرة (رض) عن النبی(ص) أنه قال: خلق الله آدم علی صورته ستون ذراعاً ، فهل هذا الحدیث صحیح ؟

ج: نص الحدیث: خلق الله آدم علی صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم علی أولئک النفر ، وهم نفر من الملائکة جلوس ، فاستمع فما یحیونک فإنها تحیتک وتحیة ذریتک ، فذهب فقال: السلام علیکم ، فقالوا: السلام علیک ورحمة الله فزادوه ورحمة الله ، فکل من یدخل الجنة علی صورة آدم طوله ستون ذراعاً ، فلم یزل الخلق تنقص بعده إلی الآن. رواه الإمام أحمد والبخاری ومسلم. وهو حدیث صحیح ولا غرابة فی متنه فإن له معنیان:

الأول: أن الله لم یخلف آدم صغیراً قصیراً کالأطفال من ذریته ثم نما وطال حتی بلغ ستین ذراعاً ، بل جعله یوم خلقه طویلاً علی صورة نفسه النهائیة طوله ستون ذراعاً .

والثانی: أن الضمیر فی قوله ( علی صورته ) یعود علی الله بدلیل ما جاء فی روایة أخری صحیحة: علی صورة الرحمن وهو ظاهر السیاق ولا یلزم علی ذلک التشبیه ، فإن الله سمی نفسه بأسماء سمی بها خلقه ، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه ، ولم یلزم من ذلک التشبیه وکذا الصورة ، ولا یلزم من إتیانها لله تشبیهه بخلقه لأن الاشتراک فی الاسم وفی المعنی الکلی لا یلزم منه التشبیه فیما یخص کلا منهما ، لقوله تعالی: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ .

ص: 90

وقالوا له سمع وبصر کسمع الإنسان وبصره !

سنن أبی داود:2/419:

. . . مولی أبی هریرة قال سمعت أبا هریرة یقرأ هذه الآیة: إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلی أَهْلِهَا . . إلی قوله تعالی سمیعاً بصیراً ، قال: رأیت رسول الله (ص) یضع إبهامه علی أذنه والتی تلیها علی عینه ، قال أبو هریرة: رأیت رسول الله(ص)یقرؤها ویضع إصبعیه ، قال ابن یونس قال المقریء: یعنی أن الله سمیع بصیر ، یعنی أن لله سمعاً وبصراً ، قال أبو داود: وهذا رد علی الجهمیة. انتهی. ورواه فی:2/233، وکأن قصد أبی داود أن الجهمیة أفرطوا فی التنزیه ، فیجب أن نرد علیهم بالتجسیم !

وقالوا له عینان مثل الإنسان وهما سالمتان !

صحیح البخاری:2 جزء 4/141:

قال عبدالله ( یعنی ابن عمر ) ذکر النبی (ص) یوماً بین ظهری الناس المسیح الدجال فقال: إن الله لیس بأعور ، إلا أن المسیح الدجال أعور العین. انتهی. وقد فسرها الوهابیون وأسلافهم ، بأن الله تعالی له عینان سالمتان ! ورواه البغوی فی مصابیحه:3/497 ، 507 عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذکر الدجال: تعلمون أنه أعور ، وأن الله لیس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسیح الدجال رجلٌ قصیر أفجح جعد أعور ، وإن ربکم لیس بأعور .

ص: 91

وقالوا له أیدی وأعین ورجلان

قال ابن حزم فی المحلی:1/33:

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإکراماً ، ویداً ویدین وأیدیاً (کذا ) ووجهاً وعیناً وأعیناً ، وکبریاء ، وکل ذلک حق لا یرجع منه ولا من علمه تعالی وقدره وقوته إلا إلی الله تعالی لا إلی شئ غیر الله عز وجل أصلاً ، نقر من ذلک مما فی القرآن وما صح عن رسول الله(ص)، ولا یحل أن یزاد فی ذلک ما لم یأت به نص من قرآن أو سنة صحیحة .

قال عز وجل: ذُو الْجَلالِ وَ الإکْرَامِ وقال تعالی: یَدُ اللهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ ، لما خلقت بیدی ، ومما عملت أیدینا أنعاماً ، إنما نطعمکم لوجه الله ، ولتصنع علی عینی ، إنک بأعیننا. ولا یحل أن یقال عینین لأنه لم یأت بذلک نص ، ولا أن یقال سمع وبصر ولا حیاة ، لأنه لم یأت بذلک نص لکنه تعالی سمیع بصیر حی قیوم. انتهی .

ولعل ابن حزم لم یطلع علی نص العینین وحدیث السمع والبصر وغیرها ، وإلا لقال بها !

وقالوا قد یکون له أذن وقد یکون بلا أذن

فتاوی الالبانی/344:

سؤال السائل: صفة الاذن لله ، موقف أهل السنة والجماعة منها ؟

جواب: لا یثبتون ولا ینفون بالرأی ، أما ما أثبته النص فهم یثبتونه بدون تکییف . . . السلفیون مستریحون من هذه الکیفیة یعنی استراحوا من التشبیه

ص: 92

عملاً بالتنزیه . . . وأن العین: صفة من صفاته تلیق بعظمته وجلاله .

وقالوا له جنب وحقو

تفسیر الطبری:26/36:

عن أبی هریرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه ! فقالت: هذا مقام العائذ بک من القطیعة . . . ورواه البغوی فی مصابیحه:3/350 .

وقال الشاطبی فی الاعتصام:2/303:

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالی جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس یا حسرتا علی ما فرطت من جنب الله .

وقالوا إنه یمشئ وقد یرکض ویهرول

فتاوی الألبانی/506:

سؤال: حول الهرولة ، وهل أنکم تثبتون صفة الهرولة لله تعالی ؟

جواب: الهرولة کالمجئ والنزول صفات لیس یوجد عندنا ما ینفیها .

فتاوی ابن باز:5/374:

. . . ومن ذلک الحدیث القدسی وهو قول الله سبحانه: من تقرب إلی شبراً تقربت إلیه ذراعاً ، ومن تقرب إلی ذراعاً تقربت إلیه باعاً ، ومن أتانی یمشئ أتیته هرولة . . . أما التأویل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب

ص: 93

أهل البدع من الجهمیة والمعتزلة . . . انتهی .

وقالوا إنه تعالی یری بالعین فی الدنیا

الفرق بین الفرق للبغدادی/294:

وأجمع أهل السنة علی أن الله تعالی یکون مرئیاً للمؤمنین فی الآخرة ، وقالوا بجواز رؤیته فی کل حال ولکل حی من طریق العقل ووجوب رؤیته للمؤمنین خاصة فی الآخرة ، من طریق الخبر. .

مسند أحمد:4/66:

. . . عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبی(ص)أن رسول الله(ص)خرج علیهم ذات غداة وهو طیب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: یا رسول الله إنا نراک طیب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه ، فقال: وما یمنعی وأتانی ربی عز وجل اللیلة فی أحسن صورة ، قال یا محمد ، قلت لبیک ربی وسعدیک ، قال: فیم یختصم الملأ الأعلی ؟ قلت لا أدری أی رب ! قال ذلک مرتین أو ثلاثاً ، قال فوضع کفیه بین کتفی فوجدت بردها بین ثدیی حتی تجلی لی ما فی السموات وما فی الأرض، ثم تلا هذه الآیة: وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ. انتهی. ورواه فی:5/378 ، وستأتی بقیة روایاته فی تفسیر قوله تعالی (مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ) .

ص: 94

وقالوا إنه یلبس قباء وجبة ویرکب علی جمل

لسان المیزان:2/238:

ومما فی الصفات له ( حدثنا ) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن یوسف الأصبهانی ثنا شعیب بن بیان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس (رض) مرفوعاً: إذا کان یوم الجمعة ینزل الله بین الأذان والإقامة علیه رداء مکتوب علیه إننی أنا الله لا إله إلا أنا ، یقف فی قبلة کل مؤمن مقبلاً علیه ، فإذا سلم الإمام صعد إلی السماء. وروی عن ابن سلمون بإسناد له: رأیت ربی بعرفات علی جمل أحمر علیه إزار ! انتهی. ورواه فی میزان الاعتدال:1/512

وقالوا إنه فتی أمرد جعد الشعر

میزان الاعتدال:1/593:

. . . عن ثابت عن أنس أن النبی(ص) قرأ: فلما تجلی ربه للجبل ، قال: أخرج طرف خنصره وضرب علی إبهامه فساخ الجبل ، فقال حمید الطویل لثابت: تحدث بمثل هذا ! قال فضرب فی صدر حمید وقال: یقوله أنس ویقوله رسول الله(ص)وأکتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذی. إبراهیم بن أبی سوید وأسود بن عامر ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ،

ص: 95

عن ابن عباس مرفوعاً: رأیت ربی جعداً أمرد ، علیه حلة خضراء .

وقال ابن عدی: حدثنا عبدالله بن عبدالحمید الواسطی ، حدثنا النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الأسود بن عامر ، عن حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس أن محمداً رأی ربه فی صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدمیه أو رجلیه فی خضرة .

. . . قال المرودی: قلت لأحمد: یقولون لم یسمع قتادة عن عکرمة فغضب وأخرج کتابه بسماع قتادة عن عکرمة فی ستة أحادیث. ورواه الحکم بن أبان عن زیرک عن عکرمة. وهو غریب جداً .

وقالوا إنه یضحک فی الدنیا والآخرة

صحیح البخاری:2 جزء 3/210:

عن أبی هریرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: یضحک الله إلی رجلین یقتل أحدهما الآخر یدخلان الجنة ، یقاتل هذا فی سبیل الله فیقتل ثم یتوب الله علی القاتل فیستشهد .

صحیح البخاری:4/226:

. . . فباتا طاویین ، فلما أصبح غد إلی رسول الله(ص)فقال: ضحک الله اللیلة أو عجب من فعالکما ، فأنزل الله: ویؤثرون علی أنفسهم ولو کان بهم خصاصة ومن یوق شح نفسه فأولئک هم المفلحون .

سنن النسائی:6/38:

. . . عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: إن الله عز وجل یعجب من رجلین یقتل أحدهما صاحبه ، وقال مرة أخری: لیضحک من رجلین یقتل أحدهما صاحبه ثم یدخلان الجنة. تفسیر ذلک أخبرنا محمد بن سلمة . . . عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال یضحک الله إلی رجلین یقتل أحدهما الآخر

ص: 96

کلاهما یدخل الجنة ، یقاتل هذا فی سبیل الله فیقتل ثم یتوب الله علی القاتل فیقاتل فیستشهد. انتهی. ورواه ابن ماجة فی:1/68 .

وروی أحمد فی مسنده:1/392:

عبدالله بن مسعود عن النبی(ص)قال: إن آخر من یدخل الجنة رجل یمشئ علی الصراط فینکب مرة ویمشئ مرة وتسفعه النار مرة ، فإذا جاوز الصراط التفت إلیها فقال: تبارک الذی نجانی منک لقد أعطانی الله ما لم یعط أحداً من الأولین والآخرین ، قال فترفع له شجرة فینظر إلیها فیقول: یا رب أدننی من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها ، فیقول: أی عبدی فلعلی إن أدنیتک منها سألتنی غیرها ، فیقول: لا یا رب ، ویعاهد الله أن لا یسأله غیرها والرب عز وجل یعلم أنه سیسأله لأنه یری ما لا صبر له یعنی علیه ، فیدنیه منها ثم ترفع له شجرة وهی أحسن منها فیقول: یا رب أدننی من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فیقول: أی عبدی ألم تعاهدنی أنک لا تسألنی غیرها ، فیقول: یا رب هذه لا أسألک غیرها ویعاهده والرب یعلم أنه سیسأله غیرها فیدنیه منها ، فترفع له شجرة عند باب الجنة هی أحسن منها فیقول: رب أدننی من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فیقول: أی عبدی ألم تعاهدنی أن لا تسألنی غیرها ، فیقول:

یا رب هذه الشجرة لا أسألک غیرها ویعاهده والرب یعلم أنه سیسأله غیرها لأنه یری ما لا صبر له علیها فیدنیه منها فیسمع أصوات أهل الجنة فیقول: یا رب الجنة الجنة ، فیقول: عبدی ألم تعاهدنی أنک لا تسألنی غیرها ، فیقول: یا رب أدخلنی الجنة. قال فیقول عز وجل: ما یصرینی منک أی عبدی أیرضیک أن

ص: 97

أعطیک من الجنة الدنیا ومثلها معها ؟ قال فیقول: أتهزؤ بی وأنت رب العزة ! قال فضحک عبدالله حتی بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألونی لم ضحکت ؟ قالوا له لم ضحکت ؟ قال: لضحک رسول الله(ص).

ثم قال لنا رسول الله (ص): ألا تسألونی لم ضحکت ؟ قالوا: لم ضحکت یا رسول الله ؟ قال: لضحک الرب حین قال أتهزأ بی وأنت رب العزة ! ! انتهی. ورواه فی:1/411 وج 2/318 وص 464 وص 511 وروی نحوه فی:2 /276 وص 294 وص534 وج 3/80 وابن ماجة فی سننه:1/64 والدیلمی فی فردوس الأخبار:3/9 ح 3703 والبغوی فی مصابیحه:1/433 وص 544 وج 3/546 والبیهقی فی شعب الإیمان:1/249 وفی دلائل النبوة: 6/143 والهیثمی فی مجمع الزوائد:10/615 والشوکانی فی نیل الأوطار:3 /57 وغیرهم . . وغیرهم . .

وسیأتی عدد آخر من روایات ضحک الله المزعوم علی هذا الرجل فی روایات رؤیته بالعین فی الآخرة .

وقال ابن تیمیة فی الإیمان/424:

وفی الصحیحین فی حدیث الشفاعة یقول کل من الرسل إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله . . . وکذلک ضحکه إلی رجلین یقتل أحدهما الآخر کلاهما یدخل الجنة وضحکه إلی الذی یدخل الجنة آخر الناس ویقول: أتسخر بی وأنت رب العالمین ! وکل هذا فی الصحیح .

ص: 98

وقالوا إنه یضحک لمن یستلقی علی دابته

وروی أحمد فی:1/330 روایة غریبة نسب فیها تصرفاً غیر معقول للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ونسب فیها إلی الله تعالی أنه یضحک لمن یذکره علی دابته ثم یستلقی ! قال الإمام أحمد:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(ص)أردفه علی دابته فلما استوی علیها کبر رسول الله(ص)ثلاثاً ، وحمد الله ثلاثاً ، وسبح الله ثلاثاً ، وهلل الله واحدة ثم استلقی علیه فضحک ، ثم أقبل علیَّ فقال: ما من إمرئ یرکب دابته فیصنع کما صنعت إلا أقبل الله تبارک وتعالی فضحک إلیه کما ضحکت إلیک !

وقالوا مادام الله یضحک فأملنا فیه کبیر

روی أحمد فی مسنده:4/11 وص 12 وص 13 روایة تعطی الناس الامل بالله تعالی لأنه یضحک ! قال: . . . عن وکیع بن حدس عن عمه أبی رزین قال قال رسول الله (ص): ضحک ربنا من قنوط عباده وقرب غیره ، قال قلت: یا رسول الله أو یضحک الرب عز وجل ! قال نعم ، قال: لن نعدم من رب یضحک خیراً !

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:3/10:

أبوذر الغفاری: ضحک الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غیره ولن نعدم من رب یضحک خیراً. وستأتی روایته عن النویری وغیره .

ص: 99

وقالوا إنه یضحک..ویظل یضحک

قال ابن قیم الجوزیة فی زاد المعاد:3/566-567:

قوله (ص): فیضل یضحک ، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالی التی لا یشبهه فیها شئ من مخلوقاته کصفات ذاته..وکذلک: فأصبح ربک یطوف فی الأرض ، هو من صفات فعله کقوله تعالی: وَجَاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ، وینزل ربنا کل لیلة إلی السماء الدنیا ، ویدنو عشیة عرفة فیباهی بأهل الموقف الملائکة. والکلام فی الجمیع صراط واحد مستقیم إثبات بلا تمثیل وتنزیه بلا تحریف ولا تعطیل .

وقال النویری فی نهایة الارب:7 جزء 14/292:

عن لقیط بن عامر العقیلی قال . . . أتینا رسول الله (ص) حین انصرف من صلاة الغداة فقام خطیباً فقال أیها الناس . . . یشرف علیکم أزلین فیظل یضحک ، قد علم أن غوثکم قریب. قال لقیط له: لن نعدم من رب یضحک خیراً . . انتهی. وروی نحوه المنذری فی الترغیب والترهیب:1/434 وص 436 وج 4/503 .

وقالوا إنه ضحک لطلحة وسعد

أسد الغابة:3/83:روی أنه ( طلحة بن البراء ) توفی لیلاً فقال أدفنونی . . ولا تدعوا رسول الله (ص) فإنی أخاف علیه (ص) یصاب فی سببی ، فأخبر رسول الله حین أصبح فجاء (ص) حتی وقف علی قبره وقال: اللهم إلقَ طلحة وأنت تضحک إلیه وهو یضحک إلیک. .

ص: 100

مسند أحمد:6/456:

. . . أسماء بنت یزید بن سکن قالت: لما توفی سعد بن معاذ صاحت أمه ، فقال النبی (ص): ألا یرفأ دمعک ویذهب حزنک فإن ابنک أول من ضحک الله له واهتز له العرش .

وقالوا إنه یظهر لعباده ضاحکاً

فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسی: یتجلی ربنا ضاحکاً یوم القیامة ، حتی ینظروا إلی وجهه فیخرون له سجداً فیقول: ارفعوا رؤوسکم فلیس هذا یوم عبادة .

وقالوا منطقه کالرعد ، وضحکه کالبرق

فردوس الأخبار للدیلمی:5/366:

أبو هریرة: ینشیء الله عز وجل السحاب ثم ینزل فیه ، لا شئ أحسن من ضحکه ولا شئ أحسن من منطقه ، منطقه الرعد ومضحکه البرق !

أسد الغابة:3/83 وج 6/399:

عن رجل من بنی غفار..قال: سمعت رسول الله (ص) یقول: إن الله عز وجل ینشیء السحاب فیضحک أحسن الضحک وینطق أحسن النطق !

وقالوا یظهر متجسداً لابی بکر وحده بدون ضحک

قال السیوطی فی الدر المنثور:6/292:

وأخرج أحمد وعبد بن حمید والدار قطنی عن جابر عن النبی (ص): إن الله لیتجلی للناس عامة ویتجلی لأبی بکر خاصة .

وأخرج الدار قطنی عن جابر قال قال النبی (ص): إن الله

ص: 101

لیتجلی للناس عامة ویتجلی لأبی بکر الصدیق خاصة .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/400:

أنس بن مالک: یا أبا بکر لأبشرک أن الله عز وجل یتجلی لک یوم القیامة خاصة وللناس عامة .

وقال ابن حبان فی المجروحین:1/143:

أحمد بن محمد بن عمر بن یونس الیمامی . . . والصحیح من حدیثه موقوف علی أبی هریرة وروی عن أبیه . . . عن أبی هریرة قال لما قدم رسول الله (ص) من الغار یرید المدینة أخذ أبو بکر بغرزه فقال . . ألا أبشرک یا أبا بکر ؟ قال: بلی بأبی أنت وأمی یا رسول الله ، قال: إن الله عز وجل یتجلی للخلائق یوم القیامة عامة ، ویتجلی لک خاصة .

وقال فی المجروحین:2/115:

علی بن عبدة بن قتیبة . . . کان یسرق الحدیث ولا یحل الاحتجاج به .. عن جابر قال رسول الله (ص) إن الله یتجلی للمؤمنین عامة ولأبی بکر خاصة .

وقال عمر یجلس علی العرش ولعرشه أطیط وصریر من ثقله

ذکرنا عدداً من روایات أطیط العرش عن الخلیفة عمر من فردوس الأخبار وکنزالعمال ومجمع الزوائد وقد وثقها الهیثمی ، ونضیف إلیها هنا من سنن أبی داود:2/418:

ص: 102

. . . إن عرشه علی سمواته لهکذا وقال بأصابعه مثل القبة علیه ، وإنه لیئط به أطیط الرحل بالراکب. قال ابن بشار فی حدیثه: إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحدیث . . وقال عبد الأعلی وابن المثنی وابن بشار عن یعقوب بن عتبة وجبیر بن محمد بن جبیر عن أبیه عن جده والحدیث بإسناد أحمد بن سعید هو الصحیح وافقه علیه جماعة منهم یحیی بن معین وعلی بن المدینی ورواه جماعة عن ابن إسحاق کما قال أحمد أیضاً وکان سماع عبد الأعلی وابن المثنی وابن بشار من نسخة واحدة فیما بلغنی .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/220:

جبیر بن معطم: إن الله عز وجل فوق عرشه وعرشه فوق سمائه وإنه لیئط به أطیط الرحل بالراکب !

الهیثمی فی مجمع الزوائد:10/398:

وعن أبی أمامة عن النبی(ص)قال: سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس لیسمعون أطیط العرش. رواه الطبرانی وفیه جعفر بن الزبیر وهو متروک. انتهی. ورواه فی کنز العمال:2/73

وفی کنز العمال:1/224:

ویحک إنه لا یستشفع بالله علی أحد إن شاء والله أعظم من ذلک. ویحک أتدری ما الله؟ إن الله فوق عرشه وعرشه علی سمواته، وأرضه مثل القبة ، وإنه لیئط به أطیط الرحل بالراکب. د عن جبیر بن مطعم. ورواه فی: 10/363 وروی فی/367

إن کرسیه وسع السماوات والأرض ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید

ص: 103

إذا رکب من شقه بز. انتهی. أی من مسافة بعیدة !

وفی کنز العمال:14/469:

إن أهل الفردوس یسمعون أطیط العرش. ابن مردویه عن أبی أمامة .

تاریخ بغداد:4/39:

. . . عن جبیر بن محمد بن جبیر بن مطعم عن أبیه عن جده. قال: جاء أعرابی إلی النبی(ص)فقال: یا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العیال وهلکت الأموال فاستسق لنا ربک فإنا نستشفع بالله علیک وبک علی الله. فقال النبی (ص): سبحان الله سبحان الله فما زال یسبح حتی عرف ذلک فی وجوه أصحابه ، ثم قال له: ویحک ما تدری ما الله ، إن شأنه أعظم من ذلک ، إنه لا یستشفع به علی أحد ، إنه لفوق سماواته علی عرشه ، وإنه علیه هکذا وأشار بیده مثل القبة ، وإنه لیئط به أطیط الرحل بالراکب .

معنی الاطیط:

هامش سنن أبی داود:2/418: أط الرحل: صوت أی أصدر صوتاً هو کصوت الطقطقة .

وقال ابن الاثیر فی النهایة:1/54 فی معنی أطت السماء: الأطیط: صوت الأقتاب ، وأطیط الإبل: أصواتها وحنینها . . . وإنما هو کلام تقریب أرید به تقریر عظمة الله تعالی . . . إذ کان معلوماً أن أطیط الرحل بالراکب إنما یکون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله .

ص: 104

وقالوا العرش مطوق بحیة تحمیه

العقد الفرید لابن عبد ربه:6/208:

ومن حدیث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحیة ، والوحی ینزل فی السلاسل .

وقالوا الشمس تذهب کل یوم إلی تحت العرش

صحیح البخاری:3 جزء 6/30:

عن أبی ذر . . . قال کنت مع النبی (ص) فی المسجد عند غروب الشمس فقال: یا أبا ذر أتدری أین تغرب الشمس . . . قال فإنها تذهب حتی تسجد تحت العرش. انتهی. ورواه الشوکانی فی فتح القدیر:4/494 .

صحیح البخاری:4 جزء 8/178:

عن إبراهیم التیمی عن أبیه عن أبی ذر قال: سألت النبی (ص) عن قوله والشمس تجری لمستقر لها . . . قال مستقرها تحت العرش... ونحوه فی فردوس الأخبار للدیلمی: 5/133 .

وفی صحیح مسلم:1/96:

عن أبی ذر أن النبی (ص) قال یوماً أتدرون أین تذهب هذه الشمس ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: إن هذه تجری حتی تنتهی إلی مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة . . . فقال لها ارتفعی أصحبی طالعة من مغربک. .

ص: 105

وقالوا حملة العرش ملائکة صوفیة

فردوس الأخبار للدیلمی:5/26:

ابن مسعود : نزل جبریل فی بعض اللیل فقعد فمسحت یدی علی ظهره فأصبت الشعر فقلت: یا جبریل ما هذا الشعر ؟ قال الصوف ، قلت: سبحان الله ، الملائکة یلبسون الصوف ؟ قال: نعم یا محمد ، والله للباس حملة العرش الصوف .

وقالوا حملة العرش یتکلمون بالفارسیة

المصنف لابن أبی شیبة:7/160:

عن أبی أمامة قال: إن الملائکة الذین یحملون العرش یتکلمون بالفارسیة .

وقالوا جبل لبنان من حملة العرش

مختصر تاریخ دمشق:1 جزء 1/288:عن أبی الزاهریة قال: أنبئنا: جبل لبنان أحد حملة العرش الثمانیة یوم القیامة .

وقالوا حملة العرش حیوانات کما فی التوراة

سنن ابن ماجة:1/69:

حدثنا محمد بن یحیی ثنا محمد بن الصباح ثنا الولید بن أبی ثور الهمدانی، عن سماک ، عن عبدالله بن عمیرة ، عن الأحنف بن قیس ، عن العباس بن عبد المطلب ، قال: کنت بالبطحاء فی عصابة وفیهم رسول الله(ص)، فمرت به سحابة فنظر إلیها فقال: ما تسمون هذه ؟ قالوا السحاب ، قال والمزن ، قالوا والمزن ، قال والعنان ، قال أبو بکر قالوا والعنان ، قال کم ترون بینکم

ص: 106

وبین السماء ؟ قالوا لا ندری ، قال فإن بینکم وبینها إما واحداً أو اثنین أو ثلاثاً وسبعین سنة ، والسماء فوقها کذلک ، حتی عد سبع سموات ، ثم فوق السماء السابعة بحر بین أعلاه وأسفله کما بین سماء إلی سماء ، ثم فوق ذلک ثمانیة أوعال بین أظلافهن ورکبهن کما بین سماء إلی سماء ، ثم علی ظهورهن العرش بین أعلاه وأسفله کما بین سماء إلی سماء ، ثم الله فوق ذلک تبارک وتعالی !

فردوس الأخبار للدیلمی:5/130:

العباس بن عبد المطلب: ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة: ثمانیة أملاک فی صورة الأوعال ، ما بین ظلف أحدهم ورکبته مسیرة خمسمائة عام . انتهی .

حیاة الحیوان للدمیری:2/428:

عن عروة بن الزبیر (رض) قال: حملة العرش أحدهم علی صورة إنسان ، والثانی علی صورة ثور ، والثالث علی صورة نسر، والرابع علی صورة أسد .

تفسیر الطبری:1/118:

عن شعیب الجبائی قال: فی کتاب الله ( یقصد التوراة ) الملائکة حملة العرش لکل ملک منهم وجه إنسان وثور وأسد ، فإذا حرکوا أجنحتهم فهو البراق. .

کتاب الحیوان للجاحظ: 6/221 - 222:

روی تصدیق النبی (ص) لأمیة بن أبی الصلت حین أنشده:

رجل وثور تحت رجل یمینه

والنسر للاخری ولیث مرصد

ص: 107

وقال فی هامش:1/222 وفی الإصابة 549 عن ابن عباس أن النبی (ص) أنشد هذا البیت فقال: صدق. هکذا صفة حملة العرش. .

وقالوا جالس علی کرسیه وغائب عن العالم

مجمع الزوائد:1/86:

وعن ابن مسعود (رض) أنه قال: ما بین سماء الدنیا والتی تلیها مسیرة خمسمائة عام ، وما بین کل سماءین خمسمائة عام ، وما بین السماء السابعة والکرسی مسیرة خمسمائة عام ، وما بین الکرسی والماء خمسمائة عام ، والعرش علی الماء والله جل ذکره علی العرش یعلم ما أنتم علیه. رواه الطبرانی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح .

وقالوا جالس علی العرش وحوله الأنبیاء علی کراسی

المصنف لابن أبی شیبة:2/58:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أتانی جبریل وفی یده کالمرآة البیضاء... قال (جبریل) لأن ربک تبارک وتعالی اتخذ فی الجنة وادیاً من مسک أبیض ، فإذا کان یوم الجمعة هبط من علیین علی کرسیه تبارک وتعالی ثم حف کرسیه منابر من ذهب مکللة بالجواهر ثم یجی النبیون حتی یجلسوا علیها .

وروی السیوطی حدیث المرآة عن الدارقطنی فی: 6/290 وروی روایة لقیط مفصلة عن زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل . . .

تهذیب الکمال: 16/423 :

أخبرنا أبوالحسن ابن البخاری . . . أخبرنا أبو حفص بن طبرزد . . . عن

ص: 108

سعید بن المسیب: أنه لقی أبا هریرة فقال أبو هریرة: أسأل الله أن یجمع بینی وبینک فی سوق الجنة. فقال سعید: أو فیها سوق ؟ قال أبو هریرة: نعم ، أخبرنی رسول الله (ص): أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فیها بفضل أعمالهم فیؤذن لهم فی مقدار یوم الجمعة من أیام الدنیا فیرون الله ، ویبرز لهم عرشه ، ویتبدا لهم فی روضة من ریاض الجنة ، فیوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة ، ویجلس أدناهم وما فیهم دنی علی کثبان المسک والکافور ، لا یرون أن أصحاب الکراسی أفضل منهم مجلساً .

قال أبو هریرة: وهل نری ربنا یا رسول الله قال: نعم ، هل تمارون فی رؤیة الشمس والقمر لیلة البدر قلنا: لا ، قال: کذلک لا تمارون فی رؤیة ربکم عز وجل. ولا یبقی فی ذلک المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ، حتی إنه لیقول

للرجل منهم: یا فلان بن فلان. أتذکر یوم عملت کذا وکذا ، فیذکره بعض غدراته فی الدنیا ، فیقول: یا رب ، أفلم تغفر لی ؟ فیقول: بلی بسعة مغفرتی بلغت منزلتک هذه .

قال فبیناهم علی ذلک غشیتهم سحابة من فوقهم فأمطرت علیهم طیباً لم یجدوا مثل ریحه شیئاً قط ، قال: ثم یقول ربنا عز وجل: قوموا إلی ما أعددت لکم من الکرامة ، فخذوا ما اشتهیتم. قال: فنأتی سوقاً قد حفت به الملائکة ، فیه ما لم تنظر العیون إلی مثله. ولم یخطر علی القلوب ، قال: فیحمل لنا ما اشتهینا ، لیس یباع فیه شئ ولا یشتری ، فی ذلک السوق یلقی أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فیقبل الرجل ذو المنزلة الرفیعة فیلقی من هو دونه وما فیهم یعنی دنی ، فیروعه ما یری یعنی علیه من اللباس ، فما یتقضی

ص: 109

آخر حدیثه حتی یتمثل علیه أحسن منه ، وذلک أنه لا ینبغی لاحد أن یحزن فیها ، قال: ثم ننصرف إلی منازلنا فنلقی أزواجنا ، فیقولون ( فیقلن ): مرحباً وأهلاً بحبنا لقد جئت وإن بک من الجمال والطیب أفضل مما فارقتنا علیه ، قال: فنقول: إنا جالسنا الیوم ربنا الجبار عز وجل ویحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. رواه الترمذی عن محمد بن إسماعیل البخاری ، عن هشام بن عمار ، عنه ، فوقع لنا بدلاً عالیاً بدرجتین ولیس عنده غیره ، وقال: غریب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار. فوافقناه فیه بعلو. (سنن ابن ماجة:2/1450 )

هشام بن عمار صاحب حدیث الکراسی حول العرش

سیر أعلام النبلاء:11/420:

هشام بن عمار ، الإمام الحافظ العلامة المقرئ عالم أهل الشام ، أبو الولید السلمی ویقال الظفری خطیب دمشق ، نقل عنه الباغندی قال: ولدت سنة ثلاث وخمسین ومئة ، وسمع من مالک وتمت له معه قصة . . .

وحدث عنه بشر کثیر وجم غفیر . . . وعدة سواهم مذکورین فی تهذیب الکمال وفی تاریخ دمشق. فلقد کان من أوعیة العلم . . .

وروی عنه: أبو عبید القاسم بن سلام ، ومات قبله بنیف وعشرین سنة ، ومحمد بن سعد ومات قبله ببضع عشرة سنة ، ومؤمل بن الفضل الحرانی کذلک ، ویحیی بن معین ، کذلک وحدث عنه من کبار شیوخه: الولید بن مسلم ، ومحمد بن شعیب ابن شابور . . .

وحدث عنه من أصحاب الکتب: البخاری ، وأبوداود ، والنسائی ، وابن

ص: 110

ماجة ، وروی الترمذی عن رجل عنه ، ولم یلقه مسلم ، ولا ارتحل إلی الشام ، ووهم من زعم أنه دخل دمشق .

. . . وکان خطیباً بدمشق رزق کبر السن وصحة العقل والرأی ، فارتحل الناس إلیه فی نقل القراءة والحدیث .

. . . فلما توفی ابن ذکوان سنة اثنتین وأربعین ، اجتمع الناس علی إمامة هشام بن عمار فی القراءة والنقل .

قال صالح بن محمد جزرة: کان هشام بن عمار یأخذ علی الحدیث ، ولا یحدث ما لم یأخذ . . . کنت شارطت هشاماً أن أقرأ علیه بانتخابی ورقة ، فکنت آخذ الکاغد الفرعونی وأکتب مقرمطاً ، فکان إذا جاء اللیل ، أقرأ علیه إلی أن یصلی العتمة ، فإذا صلی العتمة ، یقعد وأقرأ علیه ، فیقول: یا صالح لیس هذه ورقة ، هذه شقة !

. . . قال: وکان یأخذ علی کل ورقتین درهما ویشارط ویقول إن کان الخط دقیقاً ، فلیس بینی وبین الدقیق عمل .

قال أبوبکر المروذی: ذکر أحمد بن حنبل هشام بن عمار ، فقال: طیاش خفیف .

خیثمة: سمعت محمد بن عوف ، یقول: أتینا هشام بن عمار فی مزرعة له ، وهو قاعد علی مورج له وقد انکشفت سوءته ، فقلنا: یا شیخ غط علیک. فقال: رأیتموه لن ترمد عینکم أبداً ، یعنی یمزح .

قال الحافظ محمد بن أبی نصر الحمیدی: أخبرنی بعض أصحاب الحدیث ببغداد أن هشام بن عمار قال: سألت الله تعالی سبع حوائج ، فقضی لی منها

ص: 111

ستاً ، والواحدة ما أدری ما صنع فیها. سألته أن یغفر لی ولوالدی فما أدری ، وسألته أن یرزقنی الحج ففعل ، وسألته أن یعمرنی مئة سنة ففعل. قلت: إنما عاش اثنتین وتسعین سنة .

ثم قال: وسألته أن یجعلنی مصدقاً علی حدیث رسول الله(ص) ، ففعل .

وسألته أن یجعل الناس یغدون إلی فی طلب العلم ففعل .

وسألته أن أخطب علی منبر دمشق ففعل .

وسألته أن یرزقنی ألف دینار حلالاً ففعل .

قال: فقیل له: کل شئ قد عرفناه ، فألف دینار حلال من أین لک ؟ فقال: وجه المتوکل بعض ولده لیکتب عنی لما خرج إلینا،یعنی لما سکن دمشق، وبنی له القصر بداریا . قال: ونحن نلبس الأزر ، ولا نلبس السراویلات فجلست فانکشف ذکری ، فرآه الغلام فقال: إستتر یا عم. قلت رأیته قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عینک أبداً إن شاء الله !

قال: فلما دخل علی المتوکل ضحک ، قال فسأله فأخبره بما قلت له ، فقال: فأل حسن تفاءل لک به رجل من أهل العلم ! احملوا إلیه ألف دینار ، فحملت إلی فأتتنی من غیر مسألة ، و لا استشراف نفس. فهذه حکایة منقطعة. ولعلها جرت .

وذکر الذهبی قصته مع مالک فی/428 فقال:

قال أبوبکر محمد بن سلیمان الربعی: حدثنا محمد بن الفیض الغسانی ، سمعت هشام بن عمار یقول: باع أبی بیتاً له بعشرین دیناراً، وجهزنی للحج ، فلما صرت إلی المدینة ، أتیت مجلس مالک ، ومعی مسائل أرید أن أسأله

ص: 112

عنها. فأتیته ، وهو جالس فی هیئة الملوک وغلمان قیام والناس یسألونه وهو یجیبهم ! فلما انقضی المجلس قال لی بعض أصحاب الحدیث: سل عن ما معک ، فقلت له: یا أبا عبدالله ما تقول فی کذا وکذا ؟ فقال: حصلنا علی الصبیان ، یا غلام احمله ! فحملنی کما یحمل الصبی وأنا یومئذ غلام مدرک ، فضربنی بدرة مثل درة المعلمین سبع عشرة درة ، فوقفت أبکی فقال لی: ما یبکیک أوجعتک هذه الدرة ؟ قلت: إن أبی باع منزله ووجه بی أتشرف بک وبالسماع منک فضربتنی ! فقال: أکتب ، قال: فحدثنی سبعة عشر حدیثاً ، وسألته عما کان معی من المسائل فأجابنی !

قال یعقوب بن إسحاق الهروی ، عن صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار، یقول: دخلت علی مالک فقلت له حدثنی ، فقال: إقرأ ، فقلت: لا بل حدثنی، فقال إقرأ ، فلما أکثرت علیه ، قال: یا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر ، فذهب بی فضربنی خمس عشرة درة ، ثم جاء بی إلیه فقال قد ضربته ، فقلت له: لم ظلمتنی ضربتنی خمس عشرة درة بغیر جرم ، لا أجعلک فی حل ، فقال مالک فما کفارته قلت: کفارته أن تحدثنی بخمسة عشر حدیثاً . قال: فحدثنی بخمسة عشر حدیثاً. فقلت له: زد من الضرب ، وزد فی الحدیث ، فضحک مالک ، وقال: اذهب !

قال الخلیلی: سمعت علی بن أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا الحسن بن علی الطوسی ، سمعت محمد بن طرخان ، سمعت هشام بن عمار ، یقول: قصدت باب مالک ، فهجمت علیه بلا إذن فأمر غلاماً له ، حتی ضربنی سبعة عشر ضرب السلاطین. وأخرجت ! فقعدت علی بابه أبکی ، ولم أبک

ص: 113

للضرب بل بکیت حسرة ، فحضر جماعة قال فقصصت علیهم، فشفعوا فی، فأملی علی سبعة عشر حدیثاً... قلت: لم یخرج له الترمذی سوی حدیث سوق الجنة ثم قال عبدان: ما کان فی الدنیا مثله .

قال ابن حبان البستی: کانت أذناه لاصقتین برأسه ، وکان یخضب بالحناء .

وقال فی هامشه: أخرجه الترمذی ( 2549 ) باب ما جاء فی سوق الجنة ، من طریق محمد بن إسماعیل ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبدالحمید بن حبیب بن أبی العشرین ، حدثنا الأوزاعی ، حدثنا حسان بن عطیة ، عن سعید بن المسیب ، عن أبی هریرة ، عن رسول الله(ص). وقال أبو عیسی الترمذی: هذا حدیث غریب ، لانعرفه إلا من هذا الوجه .

ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها ، نزلوا فیها بفضل أعمالهم ، ثم یؤذن فی مقدار یوم الجمعة من أیام الدنیا ، فیزورون ربهم ، ویبرز لهم عرشه ، ویتبدی لهم فی روضة من ریاض الجنة ، فتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ویجلس أدناهم-وما فیهم من دنی-علی کثبان المسک والکافور ، وما یرون أن أصحاب الکراسی بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هریرة: قلت: یا رسول الله ، وهل نری ربنا ؟ قال: نعم ، قال: هل تتمارون فی رؤیة الشمس والقمر لیلة البدر قلنا: لا. قال: کذلک لا تمارون فی رؤیة ربکم ، ولا یبقی فی ذلک المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتی یقول للرجل منهم: یا فلان ابن فلان ، أتذکر یوم کذا وکذا، فیذکره ببعض غدراته فی الدنیا ، فیقول: یا رب ، أفلم تغفر لی ؟ فیقول: بلی ، فسعة مغفرتی بلغت بک منزلتک هذه .

ص: 114

فبینما هم علی ذلک ، غشیتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت علیهم طیباً لم یجدوا مثل ریحه شیئاً قط. ویقول ربنا ، تبارک وتعالی: قوموا إلی ما أعددت لکم من الکرامة ، فخذوا ما اشتهیتم. فنأتی سوقاً قد حفت به الملائکة ، وفیه ما لم تنظر العیون إلی مثله ولم تسمع الأذان ولم یخطر علی القلوب ، فیحمل لنا ما اشتهینا ، لیس یباع فیها ولا یشتری. وفی ذلک السوق یلقی أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فیقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة ، فیلقی من هو دونه - وما فیهم دنی - فیروعه ما یری علیه من اللباس ، فما ینقضی آخر حدیثه حتی یتخیل إلیه ما هو أحسن منه ، وذلک أنه ما ینبغی لأحد أن یحزن فیها .

ثم ننصرف إلی منازلنا ، فیتلقانا أزواجنا ، فیقلن: مرحباً وأهلاً ، لقد جئت وإن بک من الجمال أفضل مما فارقتنا علیه ، فیقول: إنا جالسنا الیوم ربنا الجبار ، ویحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. وأخرجه ابن ماجة ( 4336 ) عن هشام بن عمار به .

وقالوا جنة عدن مسکن الله تعالی وعرشه فیها

وقد تقدمت أحادیثها فی الفصل الخامس عن عمر وکعب وأبی موسی الأشعری ، ومنها ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:4/254 .

وأخرج ابن أبی حاتم عن أبی موسی الأشعری قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن فیها خیار الأنهار والأثمار .

تفسیر الطبری:15/94:

ص: 115

عن أبی الدرداء قال: قال رسول الله (ص): إن الله یفتح الذکر فی ثلاث ساعات یبقین من اللیل، فی الساعة الأولی منهن ینظر فی الکتاب الذی لاینظر فیه أحد غیره، فیمحو ما یشاء ویثبت ، ثم ینزل فی الساعة الثانیة إلی جنة عدن وهو داره التی لم ترها عین . . وهی مسکنه ولا یسکن معه من بنی آدم غیر ثلاثة: النبیین والصدیقین والشهداء..ثم ینزل فی الساعة الثالثة إلی السماء الدنیا بروحه وملائکته. .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:10/154:

وعن أبی الدرداء قال قال رسول الله (ص): ینزل الله تبارک وتعالی فی آخر ثلاث ساعات بقین من اللیل فینظر فی الساعة الأولی فی الکتاب الذی لا ینظر فیه غیره فیمحو ما یشاء ویثبت ، وینظر فی الساعة الثانیة فی جنة عدن وهی مسکنه التی لا یکون فیها معه إلا الأنبیاء والشهداء والصدیقون ، وفیها ما لم یره أحد ولا خطر علی قلب بشر ، ثم یهبط آخر ساعة من اللیل فیقول ألا مستغفر یستغفرنی فأغفر له ، ألا سائل یسئلنی فأعطیه ، ألا داع یدعونی. ولذلک قال الله: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر کان مشهوداً ، فیشهده الله والملائکة. رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط والبزاز بنحوه. وفیه زیادة بن محمد الأنصاری ، وهو منکر الحدیث .

وروینا ورووا أن الفردوس مسکن إبراهیم وآله ومحمد وآله

روی النسائی فی سننه:4/12 عن فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)أن الفردوس مسکن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولم یذکر أنها مسکن الله تعالی. قال: عن أنس أن فاطمة

ص: 116

بکت علی رسول الله(ص)حین مات فقالت: یا أبتاه من ربه ما أدناه ، یا أبتاه إلی جبریل ننعاه ، یا أبتاه جنة الفردوس مأواه. وروی ذلک غیره أیضاً .

وفی کنز العمال:2/274:

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علیاً یقول: ألا إن لکل شئ ذروة ، وإن ذورتنا جبال الفردوس فی بطنان الفردوس قصراً من لؤلؤة بیضاء وصفراء من عرق واحد ، وإن فی البیضاء سبعین ألف قصر ، منازل إبراهیم وآل إبراهیم ، فإذا صلیتم علی محمد فصلوا علی إبراهیم وآل إبراهیم. خط فی تلخیص المتشابه .

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری:5/38:

فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة أی أفضلها ، قال: وفوقه عرش الرحمن. انتهی .

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:3/162 حدیثاً غریباً طریفاً لطیفا ، قال: عمر بن الخطاب: فاطمة وعلی والحسن والحسین فی حظیرة القدس فی قبة بیضاء سقفها عرش الرحمن عز وجل .

وقالوا أرواح الشهداء فی حواصل طیور فی قنادیل معلقة بالعرش

صحیح مسلم:6/38:

عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآیة: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ ، قال: أما إنا قد سألناه عن ذلک فقال: أرواحهم فی جوف طیر خضر لها قنادیل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حیث شاءت ، ثم تأوی إلی تلک القنادیل ، فاطلع إلیهم ربهم

ص: 117

اطلاعةً فقال هل تشتهون شیئاً ؟ قالوا أی شئ نشتهی ونحن نسرح من الجنة حیث شئنا ، ففعل ذلک بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن یترکوا من أن یسألوا ، قالوا: یا رب نرید أن ترد أرواحنا فی أجسادنا حتی نقتل فی سبیلک مرة أخری ، فلما رأی أن لیس لهم حاجة ، ترکوا .

وروی الدمیری فی حیاة الحیوان:1/657:

أرواح الشهداء فی حواصل طیور خضر ترعی فی الجنة وتأوی إلی قنادیل معلقة تحت العرش. قال شیخنا: أولئک شهداء السیوف ، وأما شهداء الصفوة فأجسادهم أرواح !

وقال الدارمی فی سننه:2/206:

عن مسروق قال سألنا عبدالله عن أرواح الشهداء ولو لا عبدالله لم یحدثنا أحد ، قال: أرواح الشهداء عند الله یوم القیامة فی حواصل طیر خضر لها قنادیل معلقة بالعرش ( ترعی ) أی الجنة حیث شاءت ، ثم ترجع إلی قنادیلها فیشرف علیهم ربهم فیقول: ألکم حاجة تریدون

شیئاً ، فیقولون لا ، إلا أن نرجع إلی الدنیا فنقتل مرة أخری. انتهی. وروی نحوه ابن ماجة فی:1/466 و:2/936 وأبو داود:1/566 والترمذی فی:4/299 وقال: هذا حدیث حسن صحیح. وأحمد:1/265 وص 386 والحاکم ج2/88 وص 297 وابن منصور فی سننه:2/216 والبیهقی فی سننه:9/163 والهیثمی فی مجمع الزوائد:6/328 والهیثمی فی:5/298 والهندی فی کنز العمال:4/308 وص 403 وص 413 وص 414 وج 13/481

ص: 118

ورد أهل البیت(علیهم السّلام) حدیث القنادیل وحواصل الطیور

الکافی:3/244:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی ولاد الحناط عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال قلت له: جعلت فداک یروون أن أرواح المؤمنین فی حواصل طیور خضر حول العرش ؟ فقال: لا ، المؤمن أکرم علی الله من أن یجعل روحه فی حوصلة طیر ، ولکن فی أبدان کأبدانهم .

الکافی:3/245:

محمد ، عن أحمد ، عن الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن أبی بصیر قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): إنا نتحدث عن أرواح المؤمنین أنها فی حواصل طیور خضر ترعی فی الجنة وتأوی إلی قنادیل تحت العرش ، فقال: لا ، ما هی فی حواصل طیر ، قلت: فأین هی قال: فی روضة کهیئة الأجساد فی الجنة. انتهی.وروی نحوه الطوسی فی تهذیب الأحکام:1/466

واختلفت روایاتهم فیما هو مکتوب علی العرش

تاریخ بغداد:11/173:

عن أنس بن مالک قال قال النبی (ص): لما عرج بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أیدته بعلی ، نصرته بعلی .

لسان المیزان:2/484:

وحدثنا محمد بن عثمان ثنا زکریا بن یحیی الکسائی ثنا یحیی بن سالم ثنا

ص: 119

أشعث بن عم الحسن بن صالح ثنا مسعر عن عطیة العوفی عن جابر (رض) مرفوعاً: مکتوب علی باب الجنة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أیدته بعلی. قال أبو نعیم الحافظ حدثنا أبو علی بن الصواف ومحمد بن علی بن سهل وسلیمان الطبرانی والحسن بن علی بن الخطاب قالوا: ثنا محمد بن عثمان بن أبی شیبة فساقه بنحوه ، لکن لفظه علی باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علی أخو رسول الله قبل أن یخلق الله السموات بألفی عام ، ساقه الخطیب عن أبی نعیم فی ترجمة الحسن هذا ، وقد روی الکسائی عن ابن فضیل وجماعة ، وقال النسائی والدارقطنی متروک. انتهی. وقد تقدم فی ترجمة أشعث ابن عم الحسن بن صالح لهذا الرجل ذکر بالتشیع ،

وسیأتی کلام ابن عداء فیه فی ترجمة علی بن القاسم .

الجواهر الحسان للثعالبی:1/67:

وقالت طائفة إن آدم رأی مکتوباً علی ساق العرش: محمد رسول الله ، فتشفع به ، فهی الکلمات. .

لسان المیزان:3/237:

ومن أباطیله عن خالد بن أبی عمرو الازدی عن الکلبی عن أبی صالح عن أبی هریرة (رض) قال: مکتوب علی العرش لاإله إلا الله ، محمد عبدی ورسولی أیدته بعلی.

میزان الاعتدال:3/182:

عمر بن إسماعیل بن مجالد بن سعید الهمدانی. عن أبیه وغیره. کذبه ابن معین. وقال النسائی والدارقطنی: متروک. وقال ابن عدی: یسرق الحدیث...

ص: 120

وقال ابن جریر الطبری: حدثنا عمر بن إسماعیل ، حدثنا ابن فضیل ، عن ابن جریج ، عن عطاء ، عن أبی الدرداء مرفوعاً: رأیت لیلة الإسراء جریدة خضراء فیها مکتوب بنور: لا إله إلا الله ، أبوبکر الصدیق ، عمر الفاروق. تابعه السری بن عاصم .

فردوس الأخبار للدیلمی:4/410:

البراء بن عازب: مکتوب علی العرش لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أبی بکر الصدیق ، عمر الفاروق ، عثمان الشهید ، علی الرضا .

فردوس الأخبار للدیلمی:5/468:

تحشر ابنتی فاطمة ومعها ثیاب مصبوغة بدم ، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: یا عدل ، أحکم بینی وبین قاتل ولدی ، فیحکم لابنتی ورب الکعبة .

لسان المیزان:3/423:

عبدالرحمن بن عفان... قال ابن الجنید سمعت یحیی بن معین وذکر أبابکر بن عفان ختن مهدی بن حفص فقال: کذاب مکذب رأیت له حدیثاً حدث به عن أبی إسحاق الفزاری کذباً .

قلت: وله خبر آخر عن محمد بن محمد بن الصائغ عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده مرفوعاً: لما أسری بی رأیت علی العرش مکتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أبو بکر الصدیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورین ، یقتل ظلماً. رواه الختلی فی الدیباج عنه ، والمتهم به صاحب الترجمة .

الموضوعات:1/327:

ص: 121

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علی بن ثابت قال: أخبرنی أحمد بن عمر بن علی القاضی قال: أنبأنا أحمد بن علی بن محمد بن الجهم قال: حدثنا محمد بن جریر الطبری قال: حدثنی عمر بن إسماعیل بن مجالد قال: حدثنا ابن فضیل عن ابن جریج ، عن عطاء ، عن أبی الدرداء عن النبی(ص)قال: رأیت لیلة أسری بی فی العرش فرندة خضراء فیها مکتوب بنورأبیض: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدیق ، عمر الفاروق. هذا حدیث لا یصح ، والمتهم به عمر بن اسماعیل ، قال یحیی: لیس بشئ کذاب دجال سوء خبیث ، وقال النسائی والدارقطنی: متروک الحدیث .

الموضوعات:1/336:

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأنا أحمد بن علی بن ثابت قال: أنبأنا القاضی أبوالفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعی قال: حدثنا أبوبکر أحمد بن جعفر بن مالک القطیعی قال: حدثنا أحمد ابن محمد القاضی قال: حدثنا الاحتیاطی قال: حدثنا علی بن جمیل ، عن جریر بن عبدالحمید ، عن لیث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): ما فی الجنة شجرة إلا مکتوب علی ورقة محمد رسول الله ، أبوبکر الصدیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورین. اسم الإحتیاطی الحسن بن عبد الرحمن بن عباد أبو علی .

قال أبوحاتم بن حبان: هذا باطل موضوع ، وعلی بن جمیل کان یضع الحدیث لا تحل الروایة عنه بحال . . .

ص: 122

أنبأنا أبو منصور القزاز قال: أنبأنا أبوبکر أحمد بن علی ابن ثابت قال: أنبأنا محمد بن عبیدالله الحنائی قال: أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أنبأنا إسحاق بن إبراهیم الختلی قال: حدثنا أبوبکر عبدالرحمن بن عنان الصوفی قال: حدثنا محمد بن مجیب الصائغ قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبیه عن جده قال قال رسول الله (ص): لیلة أسری بی رأیت علی العرش مکتوباً لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورین یقتل مظلوماً. هذا حدیث لا یصح عن رسول الله(ص). وأبو بکر الصوفی ومحمد بن مجیب کذابان ، قاله یحیی بن معین .

لسان المیزان:2/295:

وقال الهیثم بن خلف حدثنا الحسن بن عبدالرحمن الاحتیاطی ، ثنا جریر ، عن لیث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضی الله عنهما قال قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لیس فی الجنة شجرة إلا علی کل ورقة منها مکتوب لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أبوبکر الصدیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذوالنورین. قلت: هذا باطل والمتهم به الحسین. انتهی. وکذا فی میزان الاعتدال:1/540 ونحوه فی لسان المیزان:6/61 ومیزان الاعتدال: 4/145 وفی کتاب المجروحین:1/116 وقال أخبرناه الحسن بن عبدالله بن یزید القطان بالرقة قال: حدثنا علی بن جمیل. وهذان خبران باطلان موضوعان لا شک فیه ، وله مثل هذا أشیاء کثیرة یطول الکتاب بذکرها. ومات علی بن جمیل بالرقة سنة تسع وأربعین ومائتین. ونحوه فی المجروحین:1/366

ص: 123

نهج الحق للعلامة الحلی/252:

وقد ذکرت فی کتاب: کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین: أن الفضائل إما قبل ولادته ، مثل ما روی أخطب خوارزم ، من علماء الجمهور ، عن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): لما خلق الله آدم ونفخ فیه من روحه عطس آدم ، فقال: الحمد لله ، فأوحی الله تعالی إلیه حمدنی عبدی ، وعزتی وجلالی لو لا عبدان أرید أن أخلقهما فی دار الدنیا ما خلقتک ، قال: إلهی فیکونان منی قال: نعم یا آدم ، ارفع رأسک ، وانظر ، فرفع رأسه ، فإذا مکتوب علی العرش: لا إله إلا الله ، محمد نبی الرحمة ، وعلی مقیم الحجة ، من عرف حق علی زکا وطاب ، ومن أنکر حقه لعن وخاب ، أقسمت بعزتی وجلالی: أن أدخل الجنة من أطاعه ، وإن عصانی ، وأقسمت بعزتی: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعنی. والأخبار فی ذلک کثیرة .

وقال فی هامشه: رواه فی المناقب ، بسنده عن الاعمش ، عن أبی وائل ، عن ابن مسعود ، کما فی ینابیع المودة/11 .

وقالوا إنه تعالی أثقل من الحدید

الدر المنثور:6/3:

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وأبوالشیخ والحاکم وصححه عن ابن عباس رضی الله عنهما: تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ، قال:

ص: 124

من الثقل. انتهی. أی من ثقل الله تعالی ! وستأتی بقیة روایاتهم عن أطیط العرش وصریره فی تفسیر آیات الإستواء علی العرش .

وقالوا یری بالعین فی الآخرة ویناقش رجلاً ویضحک علیه

صحیح البخاری:1/195:

( عن أبی هریرة ) أن الناس قالوا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة ؟

قال: هل تمارون فی القمر لیلة البدر لیس دونه سحاب ؟

قالوا: لا یا رسول الله .

قال: فهل تمارون فی الشمس لیس دونها سحاب ؟

قالوا: لا .

قال: فإنکم ترونه کذلک. یحشر الناس یوم القیامة فیقول: من کان یعبد شیئاً فلیتبع ، فمنهم من یتبع الشمس ومنهم من یتبع القمر ، ومنهم من یتبع الطواغیت ، تبقی هذه الأمة فیها منافقوها ، فیأتیهم الله عز وجل فیقول أنا ربکم. فیقولون: هذا مکاننا حتی یأتینا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه ، فیأتیهم الله فیقول: أنا ربکم. فیقولون: أنت ربنا ؟ ! فیدعوهم فیضرب الصراط بین ظهرانی جهنم فأکون أول من یجوز من الرسل بأمته ، ولا یتکلم یومئذ أحد إلا الرسل و کلام الرسل یومئذ اللهم سلم سلم. وفی جهنم کلالیب مثل شوک السعدان ، هل رأیتم شوک السعدان ؟ قالوا: نعم .

قال فإنها مثل شوک السعدان غیر أنه لا یعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من یوبق بعمله ومنهم من یخردل ثم ینجو ، حتی إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائکة أن یخرجوا من کان

ص: 125

یعبد الله فیخرجونهم ویعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله علی النار أن تأکل أثر السجود ، فیخرجون من النار ، فکل ابن آدم تأکله النار إلا أثر السجود ، فیخرجون من النار قد امتحشوا فیصب علیهم ماء الحیاة ، فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل !

ثم یفرغ الله من القضاء بین العباد ، ویبقی رجل بین الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار ، فیقول: یا رب إصرف وجهی عن النار قد قشبنی ریحها وأحرقنی ذکاؤها .

فیقول: هل عسیت إن فعل ذلک بک أن تسأل غیر ذلک ؟

فیقول: لا وعزتک ، فیعطی الله ما یشاء من عهد ومیثال فیصرف الله وجهه عن النار ، فإذا أقبل به علی الجنة رأی بهجتها سکت ما شاء الله أن یسکت ثم قال: یا رب قدمنی عند باب الجنة .

فیقول الله له: ألیس قد أعطیت العهود والمیثاق أن لا تسأل غیر الذی کنت سألت: فیقول: یا رب لا أکون أشقی خلقک .

فیقول: فما عسیت أن أعطیت ذلک أن لا تسأل غیره .

فیقول: لا وعزتک لا أسأل غیر ذلک ، فیعطی ربه ما شاء من عهد و میثاق فیقدمه إلی باب الجنة ، فإذا بلغ بابها فرأی زهرتها وما فیها من النضرة والسرور فیسکت ما شاء الله أن یسکت فیقول: یا رب أدخلنی الجنة .

فیقول الله تعالی: ویحک یا ابن آدم ما أغدرک ، ألیس قد أعطیت العهد والمیثاق أن لا تسأل غیر الذی أعطیت ؟

فیقول: یا رب لا تجعلنی أشقی خلقک ، فیضحک الله عز وجل منه ثم یأذن

ص: 126

له فی دخول الجنة فیقول له: تمنَّ ، فیتمنی ، حتی إذا انقطع أمنیته قال الله عز وجل: زد من کذا وکذا ، وأقبل یذکره ربه عز وجل ، حتی إذا انتهت به الأمانی ، قال الله تعالی: لک ذلک ومثله معه .

قال أبو سعید الخدری لأبی هریرة رضی الله عنهما: إن رسول الله(ص)قال: قال الله عز و جل لک ذلک و عشرة أمثاله .

قال أبو هریرة: لم أحفظ من رسول الله صلی الله علیه و سلم إلا قوله لک ذلک ومثله معه .

قال أبو سعید الخدری: إنی سمعته یقول ذلک لک وعشرة أمثاله .

وروی نحوه فی:7/205 وفیه ( فلا یزال یدعوا حتی یضحک ، فإذا ضحک منه أذن له بالدخول فیها فإذا دخل فیها ، قیل تمن من کذا فیتمنی ، ثم یقال له تمن من کذا فیتمنی ، حتی تنقطع به الأمانی فیقول: هذا لک ومثله معه .

قال أبو هریرة: وذلک الرجل آخر أهل الجنة دخولاً. قال عطاء وأبو سعید الخدری جالس مع أبی هریرة لا یغیر علیه شیئاً من حدیثه حتی انتهی إلی قوله هذا لک ومثله معه ، قال أبو سعید سمعت رسول الله(ص)یقول: هذا لک وعشرة أمثاله ، قال أبو هریرة: حفظت مثله معه ) .وروی البخاری نحوه أیضاً فی عدة مواضع من صحیحه کما فی:1 جزء 1/138 و 143 و 195 وجزء 2/113-114 وج 3 جزء 6/48 ، 56 و 72 وج 4 جزء 7/198 ، 203 ، 204 ، 205 و 206 وج 4 جزء 8/179 ، 181 ، 184 ، 203 وج 5/179 وج 6 ص48 وج 8/ص 167 ، 179 و 186 !!

وقالوا یکشف عن ساقه بل عن ساقیه ویعفو عن المنافقین

زاد مسلم علی البخاری إضافات وتفصیلات عن تجسد الله تعالی وعن

ص: 127

شمول شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للمنافقین والمشرکین حتی لا یکاد یبقی فی النار أحد ! فقال فی:1/112:

عن أبی سعید الخدری أن ناساً فی زمن رسول الله(ص)قالوا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة ؟

قال رسول الله (ص): نعم .

قال هل تضارون فی رؤیة الشمس بالظهیرة صحواً لیس معها سحاب ؟ وهل تضارون فی رؤیة القمر لیلة البدر صحواً لیس فیها سحاب ؟

قالوا: لا یا رسول الله .

قال: ما تضارون فی رؤیة الله تبارک وتعالی یوم القیامة إلا کما تضارون فی رؤیة أحدهما .

إذا کان یوم القیامة أذن مؤذن لیتبع کل أمة ما کانت تعبد ، فلا یبقی أحد کان یعبد غیر الله سبحانه من الأصنام والانصاب إلا یتساقطون فی النار ، حتی إذا لم یبق إلا من کان یعبدالله من بر وفاجر ، وغیر أهل الکتاب فیدعی الیهود فیقال لهم ما کنتم تعبدون ؟ قالوا: کنا نعبد عزیراً بن الله ، فیقال کذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فماذا تبغون ؟ قالوا عطشنا یا ربنا فاسقنا ، فیشار إلیهم ألا تردون ، فیحشرون إلی النار کأنها سراب یحطم بعضها بعضاً فیتساقطون فی النار .

ثم یدعی النصاری فیقال لهم ما کنتم تعبدون ؟ قالوا: کنا نعبد المسیح ابن الله، فیقال لهم کذبتم مااتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فیقال لهم ماذا تبغون؟ فیقولون عطشنا یا ربنا فاسقنا ، قال فیشار إلیهم ألا تردون ، فیحشرون إلی

ص: 128

جهنم کأنها سراب یحطم بعضها بعضاً فیتساقطون فی النار .

حتی إذا لم یبق إلا من کان یعبد الله تعالی من بر وفاجر أتاهم رب العالمین سبحانه وتعالی فی أدنی صورة من التی رأوه فیها .

قال فما تنتظرون ، تتبع کل أمة ما کانت تعبد !

قالوا یا ربنا فارقنا الناس فی الدنیا أفقر ما کنا إلیهم ولم نصاحبهم .

فیقول أنا ربکم .

فیقولون نعوذ بالله منک لا نشرک بالله شیئاً ، مرتین أو ثلاثاً !

حتی أن بعضهم لیکاد أن ینقلب فیقول هل بینکم وبینه آیة فتعرفونه بها ؟

فیقولون نعم، فیکشف عن ساق ، فلا یبقی من کان یسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ، ولا یبقی من کان یسجد اتقاء وریاء ، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة کلما أراد أن یسجد خر علی قفاه ، ثم یرفعون رؤسهم وقد تحول فی صورته التی رأوه فیها أول مرة فقال: أنا ربکم .

فیقولون أنت ربنا .

ثم یضرب الجسر علی جهنم ، وتحل الشفاعة ، ویقولون اللهم سلم سلم .

قیل یا رسول الله وما الجسر ؟ قال دحض مزلة فیه خطاطیف وکلالیب وحسک تکون بنجد فیها شویکة یقال لها السعدان ، فیمر المؤمنون کطرف العین وکالبرق وکالریح وکالطیر وکأجاوید الخیل والرکاب ، فناج مسلم ومخدوش مرسل ،ومکدوس فی نار جهنم ، حتی إذا خلص المؤمنون من النار فوالذی نفسی بیده ما منکم من أحد بأشد منا شدة لله فی استقصاء الحق من المؤمنین لله یوم القیامة لاخوانهم الذین فی النار ، یقولون ربنا

ص: 129

کانوا یصومون معنا ویصلون ویحجون ، فیقال لهم أخرجوا من عرفتم ، فتحرم صورهم علی النار فیخرجون خلقاً کثیراً قد أخذت النار إلی نصف ساقیه وإلی رکبتیه ، ثم یقولون ربنا ما بقی فیها أحد ممن أمرتنا به ، فیقول إرجعوا ، فمن وجدتم فی قلبه مثقال دینار من خیر فأخرجوه ، فیخرجون خلقاً کثیراً ، ثم یقولون ربنا لم نذر فیها أحداً ممن أمرتنا ، ثم یقول إرجعوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال نصف دینار من خیر فأخرجوه فیخرجون خلقاً کثیراً ، ثم یقولون ربنا لم نذر فیها ممن أمرتنا أحداً ، ثم یقول إرجعوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال ذرة من خیر فأخرجوه ، فیخرجون خلقاً کثیراً ، ثم یقولون ربنا لم نذر فیها خیراً .

وکان أبو سعید الخدری یقول: إن لم تصدقونی بهذا الحدیث فاقرؤوا إن شئتم: إِنَّ اللهَ لا یَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَکُ حَسَنَةً یُضَاعِفْهَا وَیُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِیمًا، فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون ولم یبق إلا أرحم الراحمین ، فیقبض قبضة من النار فیخرج منها قوماً لن یعملوا خیراً قط ، قد عادوا حمماً فیلقیهم فی نهر فی أفواه الجنة یقال له نهر الحیاة ، فیخرجون کما تخرج الحبة فی حمیل السیل ، ألا ترونها تکون إلی الحجر أو إلی الشجر ما یکون إلی الشمس أصیفر وأخیضر وما یکون منها إلی الظل یکون أبیض ، فقالوا یا رسول الله کأنک کنت ترعی بالبادیة ، قال فیخرجون کاللؤلؤ فی رقابهم الخواتم یعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذین أدخلهم الله الجنة بغیر عمل عملوه ولا خیر قدموه ، ثم یقول أدخلوا الجنة فما رأیتموه فهو لکم ، فیقولون ربنا

ص: 130

أعطیتنا مالم تعط أحداً من العالمین ، فیقول لکم عندی أفضل من هذا فیقولون یا ربنا أی شئ أفضل من هذا ؟ فیقول رضای فلا أسخط علیکم بعده أبداً .

وروی مسلم عدداً من أحادیث الرؤیة أیضاً فی:2/113

وروی أبو داود فی سننه نحو حدیث البخاری المتقدم فی:2/419

وروی أحمد فی مسنده:3/383: . . . أخبرنی أبوالزبیر أنه سمع جابر بن عبدالله یسأل عن الورود قال: نحن یوم القیامة علی کذا وکذا أنظر أی ذلک فوق البأس ، قال فتدعی الأمم بأوثانها وما کانت تعبد الأول فالأول ، ثم یأتینا ربنا بعد ذلک فیقول من تنظرون ؟ فیقولون ننتظر ربنا عز وجل ، فیقول أنا ربکم ، یقولون حتی ننظر إلیک ، فیتجلی لهم یضحک ، قال سمعت النبی (ص)قال: فینطلق بهم ویتبعونه ویعطی کل إنسان منافق أو مؤمن نوراً ، ثم یتبعونه وعلی جسر جهنم کلالیب وحسک تأخذ من شاء الله ، ثم یطفأ نور المنافق ثم ینجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم کالقمر لیلة البدر سبعون ألفاً لا یحاسبون ، ثم الذین یلونهم کأضوأ أنجم فی السماء ، ثم کذلک ، ثم تحل الشفاعة حتی یخرج من النار من قال لا إله إلا الله وکان فی قلبه من الخیر ما یزن شعیرة ، فیجعلون بفناء أهل الجنة ، ویجعل أهل الجنة یرشون علیهم الماء حتی ینبتون نبات الشئ فی السیل ، ثم یسأل حتی یجعل له الدنیا وعشرة أمثالها معها .

ورواه ابن ماجه فی سننه:1/63 ، 66 ، 590 وج 2/731 و 1450 وفیه ( ویتبدی لهم فی روضة من ریاض الجنة... ویجلس أدناهم ) .

وأبو داود فی سننه:2/420 وج 4/233-والترمذی:4/90 وج 4/92 ، 93 ، 95-والبغوی فی

ص: 131

المصابیح:3/533 وص 542 وص 569-وروی من أحادیث الرؤیة فی الآخرة ابن أبی شیبة فی المصنف:2/58-والهیثمی فی مجمع الزوائد:10/343-وابن الاثیر فی أسد الغابة:1/334-والهندی فی کنز العمال:14/436 و446 و493-والبیهقی فی سننه:10/41 وفی البعث والنشور/262 وفی شعب الإیمان:3/202 ،

وقال فی شعب الإیمان:3/99: عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله أن الناس یجلسون یوم القیامة من الله علی قدر رواحهم إلی الجمعة ، الأول ثم الثانی ثم الثالث.

انتهی. ورواه الحاکم فی المستدرک:4/560 و/582 مع تفاوت فی التفاصیل. ورواه الطبری فی تفسیره:25/94 وفی:29/26 وج 30/119 ، - وقال فی:29/24:

قال أبو الزهراء عن عبد الله یتمثل الله للخلق یوم القیامة. .

وأورد السیوطی فی الدر المنثور:6/290 عدداً وفیراً من أحادیث الرؤیة قال: وأخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حمید والبخاری ومسلم والنسائی والدارقطنی فی الرؤیة والبیهقی فی الأسماء والصفات عن أبی هریرة قال قال الناس یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة قال هل تضارون الشمس... الخ .

وأخرج الدار قطنی فی الرؤیة عن أبی هریرة قال: سأل الناس رسول الله (ص)فقالوا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة قال هل تضارون . . . الخ . وفیه تفصیلات لا توجد فی غیره .

وأخرج الدارقطنی فی الرؤیة عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): إذا جمع الله الأولین والآخرین یوم القیامة جاء الرب عز وجل إلی المؤمنین فوقف علیهم والمؤمنون علی کوم فیقول هل تعرفون ربکم عز وجل

ص: 132

فیقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فیقول لهم الثانیة هل تعرفون ربکم فیقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فیتجلی لهم عز وجل فیضحک فی وجوههم فیخرون له سجداً .

وأخرج النسائی والدار قطنی وصححه عن أبی هریرة قال قلنا یا رسول الله هل نری ربنا . . . الخ .

وأخرج الدار قطنی عن أبی هریرة أن النبی(ص)قال ترون الله عز وجل یوم القیامة کما ترون القمر لیلة البدر . . . الخ .

وأخرج أحمد وعبد بن حمید والبخاری ومسلم والدار قطنی والحاکم والبیهقی عن أبی سعید الخدری قال قلنا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة . . . الخ .

وقال البخاری فی:6/72:

عن أبی سعید (رض) قال سمعت النبی(ص)یقول: یکشف ربنا عن ساقة فیسجد له کل مؤمن ومؤمنة ویبقی من کان یسجد فی الدنیا ریاء وسمعة فیذهب لیسجد فیعود ظهره طبقاً واحداً. انتهی. ورواه فی:8/181 وهو یشبه ما تقدم عن رؤیة الله تعالی وفیه:

( فیقال لهم ما یحبسکم وقد ذهب الناس . . . وإنما ننتظر ربنا قال فیأتیهم الجبار فی صورة غیر صورته التی رأوه فیها أول مرة فیقول أنا ربکم فیقولون أنت ربنا فلا یکلمه إلا الأنبیاء فیقول هل بینکم وبینه آیة تعرفونه فیقولون الساق فیکشف عن ساقه فیسجد له کل مؤمن ویبقی من کان یسجد لله ریاء وسمعة فیذهب کیما یسجد فیعود ظهره طبقاً واحداً ). وروی

ص: 133

نحوه فی:3 جزء 6/72 وروی نحوه الدارمی فی سننه:2/326 والحاکم فی المستدرک:4/590 وج 4/599 وأحمد فی:3/17 والهیثمی فی مجمع الزوائد:10/329 وج 10/340 والهندی فی کنز العمال:14/298 وص 441 والسیوطی فی الدر المنثور:6/292-وقال الصنعانی فی تفسیره:2/248-عن ابن مسعود فی قوله تعالی: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: یعنی ساقیه تبارک وتعالی ! وقال المنذری فی الترغیب والترهیب:4/391:عن عبدالله ابن مسعود قال النبی (ص) . . . أن أمة محمد تبقی یوم القیامة تنتظر خروج ربها فلا یعرفونه إلا بکشف ساقه. انتهی. وقال فی:5/369: ابن مسعود: یکشف ربنا عز وجل عن ساقه یوم القیامة .

وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد:10/340:

وعن عبدالله بن مسعود عن النبی(ص)قال یجمع الله الأولین الآخرین لمیقات یوم معلوم قیاماً أربعین سنة شاخصة أبصارهم ینتظرون فصل القضاء، قال وینزل الله عز وجل فی ظلل من الغمام من العرش إلی الکرسی، ثم ینادی مناد أیها الناس ألم ترضوا من ربکم الذی خلقکم ورزقکم وأمرکم أن تعبدوه ولا تشرکوا به شیئاً أن یولی کل أناس منکم ما کانوا یعبدون فی الدنیا ، ألیس ذلک عدلاً من ربکم ؟ قالوا بلی ، قال فینطلق کل قوم إلی ما کانوا یعبدون ویقولون فی الدنیا قال فینطلقون ویمثل لهم أشباه ما کانوا یعبدون فمنهم من ینطلق إلی الشمس ومنهم من

ینطلق إلی القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما کانوا یعبدون ، قال ویمثل لمن کان یعبد عیسی شیطان عیسی ویمثل لمن کان یعبد عزیراً شیطان عزیر .

ویبقی محمد(ص)وأمته ، قال فیتمثل الرب تبارک وتعالی فیأتیهم فیقول: ما لکم لا تنطلقون کانطلاق الناس ؟ فیقولون إن لنا لالهاً ما رأیناه ، فیقول هل

ص: 134

تعرفونه إن رأیتموه ؟ فیقولون إن بیننا وبینه علامة إذا رأیناها عرفناها ، قال فیقول ما هی ؟ فنقول یکشف عن ساقه ، قال فعند ذلک یکشف عن ساقه فیخر کل من کان نظره ، ویبقی قوم ظهورهم کصیاصی البقر یریدون السجود فلا یستطیعون ، وقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون ، ثم یقول ارفعوا رؤوسکم فیرفعون رؤسهم فیعطیهم نورهم علی قدر أعمالهم فمنهم من یعطی نوره مثل الجبل العظیم یسعی بین یدیه ، ومنهم من یعطی نوره أصغر من ذلک ، ومنهم من یعطی مثل النخلة بیده ، ومنهم من یعطی أصغر من ذلک ، حتی یکون آخرهم رجلاً یعطی نوره علی إبهام قدمیه یضیء مرة ویطفأ مرة ، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفیء قام ، قال والرب تبارک وتعالی أمامهم حتی یمر فی النار فیبقی أثره کحد السیف ، قال فیقول مروا فیمرون علی قدر نورهم ، منهم من یمر کطرفة العین ، ومنهم من یمر کالبرق ، ومنهم من یمر کالسحاب ، ومنهم من یمر کانقضاض الکوکب ، ومنهم من یمر کالریح ، ومنهم من یمر کشد الفرس ، ومنهم من یمر کشد الرحل ، حتی یمر الذی یعطی نوره علی ظهر قدمیه یجثو علی وجهه ویدیه ورجلیه تخرُّ یدٌ وتعلق ید ، وتخر رجل وتعلق رجل ، وتصیب جوانبه النار ، فلا یزال کذلک حتی یخلص فإذا خلص وقف علیها فقال الحمد لله فقد أعطانی الله ما لم یعط أحداً إذ نجانی منها بعد إذ رأیتها ، قال فینطلق به إلی غدیر عند باب الجنة فیغتسل فیعود إلیه ریح أهل الجنة وألوانهم ، فیری ما فی الجنة من خلل الباب فیقول رب أدخلنی الجنة فیقول الله أتسأل الجنة وقد نجیتک من النار ، فیقول رب اجعل بینی وبینها

ص: 135

حجاباً لا أسمع حسیسها ، قال فیدخل الجنة ویری أو یرفع له منزل أمام ذلک کأن ما هو فیه إلیه حلم ، فیقول رب أعطنی ذلک المنزل فیقول له لعلک إن أعطیتکه تسأل غیره فیقول لا وعزتک لا أسألک غیره ، وأنی منزل أحسن منه ، فیعطی فینزله ویری أمام ذلک منزلاً کأن ما هو فیه إلیه حلم ، قال رب أعطنی ذلک المنزل، فیقول الله تبارک وتعالی له فلعلک إن أعطیتکه تسأل غیره ، فیقول وعزتک یا رب وأنی منزل یکون أحسن منه فیعطاه وینزله ثم یسکت ، فیقول الله جل ذکره مالک لا تسأل ، فیقول رب قد سألتک حتی قد استحییتک وأقسمت حتی استحییتک ، فیقول الله جل ذکره ألم ترض أن أعطیک مثل الدنیا منذ خلقتها إلی یوم أفنیتها وعشرة أضعافه ، فیقول أتهزأ بی وأنت رب العزة ؟ فیضحک الرب تبارک وتعالی من قوله !

قال فرأیت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المکان من هذا الحدیث ضحک ، فقال له رجل یا أبا عبدالرحمن قد سمعتک تحدث هذا الحدیث مراراً کلما بلغت هذا المکان ضحکت ، قال إنی سمعت رسول الله(ص)یحدث هذا الحدیث مراراً کلما بلغ هذا المکان من هذا الحدیث ضحک حتی تبدو أضراسه ، قال فیقول الرب جل ذکره لا ولکنی علی ذلک قادر ، سل فیقول ألحقنی بالناس ، فیقول الحق بالناس ، قال فینطلق یرمل فی الجنة حتی إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فیخر ساجداً، فیقال له إرفع رأسک مالک ، فیقول رأیت ربی أو تراءی لی ربی ، فیقال له إنما هو منزل من منازلک ، قال ثم یلقی رجلاً فیتهیأ للسجود له فیقال له مه ، فیقول رأیت أنک ملک من الملائکة ، فیقول إنما أنا خازن من خزانک وعبد من عبیدک تحت یدی

ص: 136

ألف قهرمان علی مثل ما أنا علیه ، قال فینطلق أمامه حتی یفتح له القصر قال وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتیحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فیها سبعون باباً کل باب یفضی إلی

جوهرة خضراء مبطنة کل جوهرة تفضی إلی جوهرة علی غیر لون الأخری فی کل جوهرة سرر وأزواج ووصائف ، أدناهن حوراء عیناء علیها سبعون حلة یری مخ ساقها من وراء حللها ، کبدها مرآته وکبده مرآتها ، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت فی عینه سبعین ضعفاً عما کانت قبل ذلک ، فیقول لها والله لقد أزددت فی عینی سبعین ضعفاً ، وتقول له وأنت ازددت فی عینی سبعین ضعفاً ، یقال له أشرف فیشرف فیقال له ملکک مسیرة مائة عام ینفذه بصرک .

قال فقال عمر ألا تسمع ما یحدثنا ابن أم عبد یا کعب عن أدنی أهل الجنة منزلاً فکیف أعلاهم؟ قال یا أمیر المؤمنین ما لا عین رأت ولا أذن سمعت ، إن الله جل ذکره خلق داراً جعل فیها ما شاء من الازواج والثمرات والاشربة ثم أطبقها فلم یرها أحد من خلقه لا جبریل ولا غیره من الملائکة ، ثم قال کعب: فلا تعلم نفس ما أخفی لهم من قرة أعین جزاءاً بما کانوا یعملون ، قال وخلق دون ذلک جنتین وزینهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ، ثم قال من کان کتابه فی علیین نزل فی تلک الدار التی لم یرها أحد ، حتی أن الرجل من أهل علیین لیخرج فیسیر فی ملکه فلا تبقی خیمة من خیم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه ، فیستبشرون لریحه فیقولون واهاً لهذا الریح هذا ریح رجل من أهل

علیین قد خرج یسیر فی ملکه .

ص: 137

قال ویحک یا کعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ، فقال کعب إن لجهنم یوم القیامة لزفرة ما من ملک مقرب ولا نبی مرسل إلا خرَّ لرکبتیه ، حتی أن إبراهیم خلیل الله لیقول: رب نفسی نفسی حتی لو کان لک عمل سبعین نبیاً إلی عملک لظننت أن لا تنجو... رواه کله الطبرانی من طرق ورجال أحدها رجال الصحیح غیر أبی خالد الدالانی وهو ثقة ). انتهی .

ویدل هذا الحدیث الذی وثقه الطبرانی علی أن دار الخلافة بحضور الخلیفة عمر کانت عامرة بمثل هذه الأحادیث ، وأن کعب الأحبار کان المرجع الذی یؤخذ برأیه ! وتفصیل ذلک فی الفصل الخامس .

وقال البغوی فی مصابیحه:3/529:

وقال (ص): یکشف ربنا عن ساقه فیسجد له کل مؤمن ومؤمنة. انتهی. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/369 ورواه السهمی فی تاریخ جرجان/391

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/254:

قوله تعالی ( یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) الآیة . . أخرج البخاری وابن المنذر وابن مردویه عن أبی سعید . . . .

وأخرج ابن مندة فی الرد علی الجهمیة عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): یوم یکشف عن ساق ، قال یکشف الله عز وجل عن ساقه .

وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حمید وابن المنذر وابن مندة عن ابن مسعود فی قوله: یوم یکشف عن ساق ، قال عن ساقیه تبارک وتعالی ، قال ابن مندة: لعله فی قراءة ابن مسعود یکشف بفتح الیاء وکسر الشین .

وأخرج ابن مردویه عن کعب الحبر قال: والذی أنزل التوراة علی موسی

ص: 138

والانجیل علی عیسی والزبور علی داود والفرقان علی محمد أنزلت هذه الآیات فی الصلوات المکتوبات حیث ینادی بهن یوم یکشف عن ساق إلی قوله وقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون الصلوات الخمس إذا نودی بها .

وأخرج إسحق بن راهویه فی مسنده وعبد بن حمید وابن أبی الدنیا والطبرانی والاجری فی الشریعة والدارقطنی فی الرؤیة والحاکم وصححه وابن مردویه والبیهقی فی البعث عن عبدالله بن مسعود ، عن النبی(ص) قال . . . الخ . ونحوه فی الدر المنثور:5/341 .

وحاول الصنعانی والنووی تخلیص الله تعالی من کشف ساقه

تفسیر الصنعانی: 2/247:

عن إبراهیم فی قوله تعالی: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: عن أمر عظیم وقال: قد قامت الحرب علی ساق. وقال إبراهیم . . . قال ابن عباس: یکشف عن ساق فیسجد کل مؤمن ویقسو ظهر الکافر فیکون عظماً واحداً .

وقال النووی فی شرح مسلم:2 جزء 3/27:

قوله (ص) فیکشف عن ساق . . . أی یکشف عن شدة وأمر مهول . . . وکشف عن ساقه للإهتمام به. قال القاضی: وقیل المراد بالساق هنا نور عظیم . . وقیل قد یکون الساق علامة بینه وبین المؤمنین. انتهی .

وسوف نورد فی تفسیر آیة: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ، أن کشفت الحرب عن

ص: 139

ساقها ، أو کشف الأمر عن ساقه ، فی اللغة العربیة تعبیر عن حلول الأمر الشدید ، وسنورد عدداً من الأحادیث التی فسرت الآیة بذلک .

وقالوا إنه یجلس علی الجسر ویضع رجله علی الاخری

روی ابن أبی شیبة فی المصنف:6/112:

عن الحکم قال: سألت أبا مجلز عن الرجل یجلس ویضع إحدی رجلیه علی الأخری فقال: لا بأس به إنما هو شئ کرهته الیهود ، قالوا إنه خلق السموات والأرض فی ستة أیام، ثم استوی یوم السبت فجلس تلک الجلسة.

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/369:

عن ثوبان مولی النبی (ص): یقبل الجبار عز وجل یوم القیامة فیثنی رجله علی الجسر !

وروی الذهبی فی تاریخ الإسلام:9/520:

عثمان بن أبی عاتکة . . . روی عن أبی أمامة عن رسول الله (ص): إن الله یجلس یوم القیامة علی القنطرة الوسطی بین الجنة والنار .

الإمام الصادق یقول إنها روایة یهودیة

تفسیر العیاشی:1/137:

. . . عن حماد عنه ( الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)) قال: رأیته جالساً متورکاً برجله علی فخذه فقال له رجل عنده: جعلت فداک هذه جلسة مکروهة ، فقال: لا ، إن الیهود قالت: إن الرب لما فرغ من خلق السموات والأرض

ص: 140

جلس علی الکرسی هذه الجلسة لیستریح ، فأنزل الله: الله لا إله إلا هو الحی القیوم لا تأخذه سنة ولا نوم .

وقالوا لا تمتلی النار حتی یضع رجله فیها

صحیح البخاری:3 جزء 6/47:

. . . عن أنس (رض) عن النبی(ص)قال یلقی فی النار وتقول هل من مزید حتی یضع قدمه فتقول قط قط .

. . . عن أبی هریرة . . . یقال لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزید ، فیضع الرب تبارک وتعالی قدمه علیها فتقول قط قط . . إلی آخر الروایة وفیها من مناظرة بین الجنة والنار .

. . . عن أبی هریرة (رض) قال قال النبی(ص)تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتکبرین والمتجبرین ، وقالت الجنة مالی لا یدخلنی إلا ضعفاء الناس وسقطهم ، قال الله تبارک وتعالی للجنة أنت رحمتی أرحم بک من أشاء من عبادی ، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بک من أشاء من عبادی ، ولکل واحدة منهما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلی حتی یضع رجله فتقول قط قط ، فهنالک تمتلی ویزوی بعضها إلی بعض .

صحیح البخاری:4 جزء 7/224:

عن أنس بن مالک: قال النبی (ص) لا تزال جهنم تقول هل من مزید حتی یضع رب العزة فیها قدمه فتقول قط قط .

صحیح البخاری:4 جزء 8/166:

وقال أنس قال النبی(ص)تقول جهنم قط قط وعزتک .

ص: 141

صحیح البخاری:4 جزء 8/167:

عن أنس عن النبی (ص) قال: لا یزال یلقی فیها وتقول هل من مزید حتی یضع فیها رب العزة قدمه فینزوی بعضها إلی بعض ثم تقول قد قد بعزتک .

صحیح البخاری:4 جزء 8/186:

عن أبی هریرة عن النبی (ص) قال..وإنه ینشأ للنار من یشاء فیلقون فیها ، فتقول هل من مزید ثلاثاً ، حتی یضع قومه فتمتلئ ویرد بعضها إلی بعض وتقول قط قط قط .

صحیح مسلم:8/151:

فأما النار فلا تمتلی فیضع قدمه علیها فتقول قط قط فهنالک تمتلی ویزوی بعضها إلی بعض . . . فأما النار فلا تمتلی حتی یضع الله تبارک وتعالی رجله تقول قط قط قط ، فهنالک تمتلی ویزوی بعضها إلی بعض ، ولا یظلم الله من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن الله ینشیء لها خلقاً .

صحیح مسلم:8/152:

. . . جهنم تقول هل من مزید حتی یضع فیها رب العزة تبارک وتعالی قدمه فتقول قط قط وعزتک ، ویزوی بعضها إلی بعض . . .

. . . عن أنس بن مالک عن النبی(ص)أنه قال لا تزال جهنم یلقی فیها وتقول هل من مزید حتی یضع رب العزة فیها قدمه فینزوی بعضها إلی بعض وتقول قط قط بعزتک وکرمک. ولا یزال فی الجنة فضل حتی ینشیء الله لها خلقاً فیسکنهم فضل الجنة .

سنن الترمذی:4/95:

ص: 142

عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: یجمع الله الناس یوم القیامة فی صعید واحد ثم یطلع علیهم رب العالمین فیقول: ألا یتبع کل إنسان ما کانوا یعبدون فیمثل لصاحب الصلیب صلیبه ولصاحب التصاویر تصاویره ولصاحب النار ناره ، فیتبعون ما کانوا یعبدون ، ویبقی المسلمون فیطلع علیهم رب العالمین فیقول: ألا تتبعون الناس ؟ فیقولون: نعوذ بالله منک نعوذ بالله منک ، الله ربنا وهذا مکاننا حتی نری ربنا ، وهو یأمرهم ویثبتهم ! قالوا: وهل نراه یا رسول الله قال: وهل تضارون فی رؤیة القمر لیلة البدر قالوا: لا یا رسول الله قال: فإنکم لا تضارون فی رؤیته تلک الساعة ثم یتواری ، ثم یطلع فیعرفهم نفسه ثم یقول: أنا ربکم فاتبعونی ، فیقوم المسلمون ویوضع الصراط فیمر علیه مثل جیاد الخیل والرکاب وقولهم علیه سلم سلم ، ویبقی أهل النار فیطرح منهم فیها فوج فیقال هل امتلات ، فتقول هل من مزید ، ثم یطرح فیها فوج فیقال هل امتلات، فتقول هل من مزید ، حتی إذا أوعبوا فیها وضع الرحمن قدمه فیها وأزوی بعضها إلی بعض ، ثم قال: قط. قالت: قط قط . . . هذا حدیث حسن صحیح .

الطبری فی تفسیره:26/105:

إن الله الملک قد سبقت منه کلمة لأملأن جهنم ، لا یلقی فیها شئ إلا ذهب فیها لا یملؤها شئ حتی إذا لم یبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهی لا یملؤها شئ ، أتاها الرب فوضع قدمه علیها ثم قال لها: هل امتلات یا جهنم ؟ فتقول قط قط قد امتلات ، ملاتنی من الجن والإنس ، فلیس فیَّ مزید ! قال ابن عباس ولم یکن یملؤها شئ حتی وجدت مس قدم الله تعالی ذکره.

ص: 143

فتضایقت فما فیها موضع إبرة ! !. انتهی. وروی نحوه الدارمی فی سننه:2/341 والبیهقی فی سننه:ص 42 وروی نحوه أحمد فی:2/276

بأربع قطات وفی/314 وص 369 بثلاث قطات .

وفی/507 وفی:3/134 وص 141 وص 230 وص 234 وص 279 بقطین ، ورواه الصنعانی فی المصنف:11/422 بثلاث قطات ، والدیلمی فی فردوس الأخبار:5 ص237 بقطین ، والبغوی فی معالم التنزیل:4/224 بقطین ، وفی مصابیح السنة:4/14 و/15 بدون قط ، والبیهقی فی البعث والنشور/136 بقطین ، وأبو الشیخ فی طبقات المحدثین بإصبهان:1/238 بقطین ، وابن القیم فی زاد المعاد:1/337 ، ورواه الهندی فی کنز العمال:1/234 وج 14/428 وص 521 وص 436 وص 544 وج 16/208 بروایات کثیرة عن مصادر متعددة .

وادعوا أن رؤیته بالعین من أکبر اللذات

قال القسطلانی فی إرشاد الساری:10/410:

الأشعری فی کتابه الابانة فقال أفضل لذات الجنة رؤیة الله تعالی ثم رؤیة نبیه (ص) فلذلک لم یحرم الله أنبیاءه المرسلین وملائکته المقربین وجماعة المؤمنین ( . . . ) النظر إلی وجهه الکریم ووافقه البیهقی وابن القیم والجلال البلقینی .

فتاوی الألبانی/142:

. . . المعتزلة وغیرهم ینکرون هذه النعمة ویضللون من یؤمن بها وینسبونهم إلی التشبیه والتجسیم . . . ونحن أهل السنة نؤمن بأن من نعم الله علی عباده أن یتجلی لهم یوم القیامة ویرونه کما نری القمر لیلة البدر. انتهی .

وستأتی بقیة الروایات المشابهة لعقائد الیهود فی تفسیر الآیات المتشابهة .

ص: 144

لکن اختلفوا هل تراه النساء فی الجنة !

إرشاد الساری:10/409:

( قوله (ص) قال جنتان من فضة . . . وما بین القوم وبین أن ینظروا إلی ربهم رداء الکبر ) والحاصل أن رؤیة الله تعالی واقعه یوم القیامة فی الموقف لکل أحد من الرجال والنساء وقال قوم من أهل السنة تقع أیضاً للمنافقین . . . وأما الرؤیة فی الجنة فأجمع أهل السنة علی أنها حاصلة للأنبیاء والرسل والصدیقین من کل أمة ورجال المؤمنین من البشر ، واختلف فی نساء هذه الأمة .

السیوطی فی الدر المنثور:6/293:

وأخرج الدار قطنی عن أنس قال قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة رأی المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهداً بالنظر إلیه فی کل جمعة ، ویراه المؤمنات یوم الفطر ویوم النحر. انتهی. وکأن فی الجنة صوم وحج !

زاد المعاد:1/311:

عن أنس ابن مالک: قال: رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة رأی المؤمنون ربهم فأحدثهم عهداً بالنظر إلیه . . . من بکر فی کل جمعة ، وتراه المؤمنات

یوم الفطر ویوم النحر . . .

إرشاد الساری:10/410:

. . الأشعری فی کتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤیة الله تعالی ثم رؤیة نبیه (ص) فلذلک لم یحرم الله أنبیاءه المرسلین وملائکته المقربین وجماعة المؤمنین ( . . . ) النظر إلی وجهه الکریم ، ووافقه البیهقی وابن

ص: 145

القیم والجلال البلقینی .

بازار أحادیث النزولات

قالوا: إن الله تعالی جسم ینزل إلی الأرض کل لیلة

روی البخاری فی صحیحه:1 جزء 2/47:

. . . عن أبی هریرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: ینزل ربنا تبارک وتعالی کل لیلة إلی سماء الدنیا حین یبقی ثلث اللیل الآخر ، یقول: من یدعونی فأستجیب له، من یسألنی فأعطیه، من یستغفرنی فأغفر له. انتهی. ونحوه فی ج4 جزء 7/149-150 وج 4 جزء 8/197 ورواه فی الادب المفرد/207 ورواه مسلم فی صحیحه:2/175 وأبو داود فی سننه:2 جزء 3/34 وج 4/234 وابن ماجة فی سننه:1/435 ومالک فی کلیات الموطأ:1/142 وأحمد فی مسنده:1/120 و 403 و 446 والصنعانی فی تفسیره:1/259 وفی مصنفه:2/160 وج 10 ص444 ورواه فی عارضة الأحوذی ج1 جزء1 ص2 وص232 والبغوی فی معالم التنزیل ج1/431:3 ص22 ومصابیح السنة:1/431 وابن الاثیر فی أسد الغابة ج2 ص231 وج 6/91 والدیلمی فی فردوس الأخبار:1/321 وج 5/358-365 والابشیهی فی المستطرف:2/250 والمنذری فی الترغیب والترهیب:2/489 والشوکانی فی نیل الاوطار ج3/57 والنویری فی نهایة الارب:3 جزء 5/290 وابو الشیخ فی طبقات المحدثین:2/540 وجامع الأحادیث القدسیة من الصحاح:1/72 و 75 والثعالبی فی الجواهر الحسان:1/286 والنویری فی نهایة الارب:3 جزء 5 ص290 والخطیب فی تاریخ بغداد 17/242 والمزی فی تهذیب الکمال:9/207 والهیثمی فی مجمع الزوائد:8/125 وج 10/236 وص 621 وص 760 وص 9.. وروته مصادر کثیرة أخری .

وروی الطبری فی تفسیره:13/114:

عن أبی الدرداء قال: قال رسول الله (ص) إن الله ینزل فی ثلاث ساعات یبقین من اللیل . . وروی فی:15/94:

ص: 146

عن أبی الدرداء قال قال رسول الله (ص): إن الله یفتح الذکر فی ثلاث ساعات یبقین من اللیل ، فی الساعة الأولی منهن ینظر فی الکتاب الذی لا ینظر فیه أحد غیره فیمحو ما یشاء ویثبت ، ثم ینزل فی الساعة الثانیة إلی جنة عدن وهو داره التی لم ترها عین . . وهی مسکنه ولا یسکن معه من بنی آدم غیر ثلاثة النبیین والصدیقین والشهداء . . ثم ینزل فی الساعة الثالثة إلی السماء الدنیا بروحه وملائکته. .

وقال ابن خزیمة فی کتاب التوحید/125:

باب ذکر أخبار ثابتة السند صحیحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبی(ص)فی نزول الرب جل وعلا إلی سماء الدنیا کل لیلة. نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستیقن بما فی هذه الأخبار من ذکر نزول الرب من غیر أن نصف الکیفیة ، لأن نبینا المصطفی لم یصف لنا کیفیة نزول خالقنا إلی سماء الدنیا وأعلمنا أنه ینزل والله جل وعلا لم یترک ولا نبیه(علیه السّلام)بیان ما بالمسلمین إلیه الحاجة من أمر دینهم ، فنحن قائلون مصدقون بما فی هذه الأخبار من ذاک النزول غیر متکلفین القول بصفته أو بصفة الکیفیة ، إذ النبی(ص)لم یصف لنا کیفیة النزول ، وفی هذه الأخبار مابان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنیا الذی أخبرنا نبینا(ص)أنه ینزل إلیه ، إذ محال فی لغة العرب أن یقول ینزل من أسفل إلی أعلا ومفهوم فی الخطاب أن النزول من أعلا إلی أسفل . . .

وقال الذهبی فی سیره:17/656:

قال أبونصر السجزی فی کتاب الإبانة: وأئمتنا کسفیان ومالک والحمادین

ص: 147

وابن عیینة والفضیل وابن المبارک وأحمد بن حنبل وإسحاق ، متفقون علی أن الله سبحانه فوق العرش ، وعلمه بکل مکان ، وأنه ینزل إلی السماء الدنیا وأنه یغضب ویرضی ویتکلم بما شاء .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/361:

ینزل ربنا عز وجل فی ظلل من الغمام والملائکة ویضع عرشه حیث یشاء من الأرض. !

نقل ابن بطوطة فی رحلته/90 تمثیل ابن تیمیة لنزول الله تعالی ، فقال:

وکان بدمشق من کبار الفقهاء الحنابله تقی الدین بن تیمیه کبیر الشام یتکلم فی الفنون إلا أن فی عقله شیئاً . . وکنت إذ ذاک بدمشق فحضرته یوم الجمعة وهو یعظ الناس علی منبر الجامع ویذکرهم ، فکان من جملة کلامه أن قال: إن الله ینزل إلی سماء الدنیا کنزولی هذا ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقیه مالکی یعرف بابن الزهراء وأنکر ما تکلم به ، فقامت العامة إلی هذا الفقیه وضربوه بالایدی والنعال ضرباً کثیراً حتی سقطت عمامته !

وقالوا لو دلی رجل حبلاً لهبط علی الله

تفسیر الصنعانی:2/139:

عن قتادة قال: بینما النبی (ص) جالس مع أصحابه إذ مر سحاب فقال النبی (ص) أتدرون ما هذه العنان ؟ هذه روایا أهل الأرض ، یسوقها الله إلی قوم لا یعبدونه. ثم قال: أتدرون ما هذه السماء ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: فوق ذلک سماء أخری . . . ثم قال: والذی نفسی بیده لو دلی رجل بحبل

ص: 148

حتی یبلغ أسفل الأرض السابعة لهبط علی الله ، ثم قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بکل شئ علیم .

تفسیرابن کثیر:4/325:

عن أبی هریرة عن رسول الله (ص) بین کل سماء وسماء مسیرة خمسمائة عام وعد سبع سماوات ، ثم العرش ، وبین أرضکم والأرض الأخری سبعمائة عام فعد سبع أرضین ، فإذا أدلیتم حبلاً هبط علی الله .

وقالوا إنه تعالی ینزل لیلة النصف من شعبان

روی ابن ماجه فی سننه:1/444:

عن عائشة قالت: فقدت النبی(ص)ذات لیلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقیع رافع رأسه إلی السماء ، فقال یا عائشة أکنت تخافین أن یحیف الله علیک ورسوله ؟ قالت قد قلت: وما بی ذلک ، ولکنی ظننت أنک أتیت بعض نسائک ، فقال: إن الله تعالی ینزل لیلة النصف من شعبان إلی السماء الدنیا فیغفر لاکثر من عدد شعر غنم کلب. انتهی. وروی هذه الأحادیث أحمد فی مسنده:1/120 و ص403 و446 وفی:6/238 والبیهقی فی شعب الإیمان:3/380 وفی:5 ص272 والبخاری فی الادب المفرد/207 وأبو داود فی سننه:1 جزء 1/447 وابن أبی شیبة فی مصنفه:7/139 والدیلمی فی فردوس الأخبار:1/188 وص 321 وج 5/359 والبغوی فی مصابیحه:1/431 وص 449 ومعالم التنزیل:4/148 والمنذری فی الترغیب والترهیب:3/460 والعسقلانی فی تهذیب التهذیب:3/315 وعارضة الأحوذی شرح الترمذی:2 جزء 3/275 وجامع الأحادیث القدسیة من الصحاح:1/77 وأبو الشیخ فی طبقات المحدثین بإصبهان:1/218 والهندی فی کنز العمال:3/466 وج 12/313 وابن حجر تهذیب التهذیب:3/272 وفی لسان المیزان:4/67 وص 252 والمزی فی تهذیب الکمال:9/308 .

ص: 149

وقال ابن باز فی فتاویه: 1/195:

وقد اغتر بهذا الحدیث ( فی صلاة لیلة نصف شعبان ) جماعة من الفقهاء کصاحب الاحیاء وغیره ، وکذا من المفسرین وقد رویت صلاة هذه اللیلة أعنی لیلة النصف من شعبان علی أنحاء مختلفة کلها باطلة موضوعة ، ولا ینافی هذا روایة الترمذی من حدیث عائشة لذهابه(ص)إلی البقیع ونزول الرب لیلة النصف إلی سماء الدنیا وأنه یغفر لأکثر من عدة شعر غنم کلب ، فإن الکلام إنما هو فی هذه الصلاة الموضوعة فی هذه اللیلة ، علی أن حدیث عائشة هذا فیه ضعف وانقطاع ، کما أن حدیث علی الذی تقدم ذکره فی قیام لیلها لا ینافی کون هذه الصلاة موضوعة ، علی ما فیه من الضعف حسبما ذکرناه .

وقالوا إنه تعالی ینزل یوم عرفة

مصابیح السنة للبغوی:2/254:

عن جابر ( رض ) أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا کان یوم عرفة فإن الله ینزل إلی السماء الدنیا فیباهی بهم الملائکة. .

ورواه المنذری فی الترغیب والترهیب:2/187 وص 200 وص 204

والدیلمی فی فردوس الأخبار:5/16

الإمام الرضا(علیه السّلام)یلعن الذین حرفوا حدیث النزول

قال الصدوق فی کتابه التوحید/176:

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفی قال: حدثنا عبید الله بن موسی أبو تراب الرویانی ، عن

ص: 150

عبدالعظیم بن عبدالله الحسنی ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال: قلت للرضا (علیه السّلام):

یا ابن رسول الله ما تقول فی الحدیث الذی یرویه الناس عن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: إن الله تبارک وتعالی ینزل کل لیلة إلی السماء الدنیا ؟ فقال (علیه السّلام): لعن الله المحرفین الکلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کذلک ، إنما قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی یُنْزِلُ مَلَکاً إلی السماء الدنیا کل لیلة فی الثلث الأخیر ولیلة الجمعة فی أول اللیل ، فیأمره فینادی: هل من سائل فأعطیه ، هل من تائب فأتوب علیه ، هل من مستغفر فأغفر له ، یا طالب الخیر أقبل ، یا طالب الشر أقصر ، فلا یزال ینادی بهذا حتی یطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلی محله من ملکوت السماء. حدثنی بذلک أبی عن جدی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وأحادیث إخواننا تؤید ما قاله الإمام الرضا

قال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/343 - 344:

وإنما المعنی الصحیح للحدیث والتوجیه السدید أن النازل هو ملک من الملائکة یأمره الله تعالی بأن ینادی فی السماء الدنیا فی وقت السحر فیما یوازی کل جزء من الکرة الأرضیة طوال الأربع والعشرین ساعة ، ویصح فی اللغة العربیة أن ینسب الفعل إلی الأمر به فتقول العرب مثلاً: غزا الملک البلدة الفلانیة أی أمر وأرسل قائد جیشه بذلک ، مع أنه لم یفارق قصره ، ولله المثل الأعلی .

ص: 151

والذی یثبت هذا المعنی وینفی ما تتوهمه المجسمة وتدعو إلیه أنه ورد الحدیث أیضاً بروایتین صحیحتین فی الدلالة علی ذلک. أما الروایة الأولی: فقد روی الإمام النسائی فی السنن الکبری 6 - 124 بإسناد صحیح وهو فی عمل الیوم واللیلة له المطبوع/340 برقم 482 عن سیدنا أبی سعید الخدری وسیدنا أبی هریرة رضی الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل یمهل حتی یمضی شطر اللیل الأول ثم یأمر منادیاً ینادی یقول: هل من داع فیستجاب له ، هل من مستغفر یغفر له ، هل من سائل یعطی .

وأما الروایة الثانیة: فعن سیدنا عثمان بن أبی العاص الثقفی قال رسول الله (ص): تفتح أبواب السماء نصف اللیل فینادی مناد: هل من داع فیستجاب له ، هل من سائل فیعطی ، هل من مکروب فیفرج عنه ، فلا یبقی مسلم یدعو بدعوة إلا استحباب الله عز وجل له إلا زانیة تسعی بفرجها ، أو عشاراً. رواه أحمد 4 - 22 و 217 والبزار 4 - 44 کشف الاستار والطبرانی 9 - 51 وغیرهم بأسانید صحیحة والعشار: صاحب المکس .

فهذه الأحادیث الواضحة تقرر بلا شک ولا ریب بأن النازل إلی السماء الدنیا هو ملک من الملائکة یأمره الله تعالی أن ینادی بذلک ، علی أن الحافظ ابن حجر حکی فی الفتح 3 - 30 فی شرح الحدیث الأول الذی فی الصحیحین أن بعض المشایخ ضبط الحدیث بضم الیاء فی ( ینزل ) فیکون اللفظ هکذا: ینزل الله تعالی کل لیلة إلی السماء الدنیا ، أی: ینزل ملکاً کما تقدم .

ص: 152

وتؤیده أحادیث فیها اطلع الله بدل ینزل

سنن ابن ماجة:1/444:

. . . عن أبی موسی الأشعری عن رسول الله(ص)قال: إن الله لیطلع فی لیلة النصف من شعبان ، فیغفر لجمیع خلقه إلا لمشرک أو مشاحن .

مسند أحمد:2/176:

عن عبدالله بن عروة أن رسول الله(ص)قال: یطلع الله عز وجل إلی خلقه لیلة النصف من شعبان ، فیغفر لعباده إلا لإثنین: مشاحن وقاتل نفس .

کنز العمال:3/464:

إن الله تعالی یطلع علی عباده فی لیلة النصف من شعبان فیغفر للمستغفرین ویرحم المسترحمین ، ویؤخر أهل الحقد کما هم علیه. هب عن عائشة. إذا کان لیلة النصف من شعبان إطلع الله إلی خلقه فیغفر للمؤمنین ویملی للکافرین ویدع أهل الحقد بحقدهم حتی یدعوه. هب عن أبی ثعلبة الخشنی ) . . . تعرض أعمال الناس فی کل جمعة مرتین یوم الإثنین ویوم الخمیس ، فیغفر لله لکل عبد مؤمن ، إلا عبد بینه وبین أخیه شحناء فیقال أترکوا هذین حتی یفیئا. حم عن أبی هریرة .

کنز العمال:3/467:

یطلع الله تعالی إلی خلقه فی لیلة النصف من شعبان فیغفر لجمیع خلقه إلا لمشرک أو مشاحن . حب ، طب ، وابن شاهین فی الترغیب ، هب ، وابن عساکر عن معاذ . . . یطلع الله تعالی علی خلقه لیلة النصف من شعبان فیغفر لعباده إلا اثنین: مشاحناً أو قاتل نفس. حم ت عن ابن عمرو .

ص: 153

کنز العمال:12/313:

إن الله لیطلع فی لیلة النصف من شعبان فیغفر لجمیع خلقه ، إلا لمشرک أو مشاحن. هعن أبی موسی .

وأحادیث خالیة من ینزل ویصعد

کنز العمال:12/314:

إذا کان لیلة النصف من شعبان نادی مناد: هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فأعطیه ، فلا یسأل أحد شیئاً إلا أعطاه ، إلا زانیة بفرجها أو مشرک. هب عن عثمان بن أبی العاص . . . إذا کان لیلة النصف من شعبان یغفر الله من الذنوب أکثر من عدد شعر غنم کلب. هب عن عائشة . . . إن الله تعالی یغفر لیلة النصف من شعبان للمسلمین ویملی للکافرین ویدع أهل الحقد بحقدهم. ابن قانع عن أبی ثعلبة الخشنی .

وادعوا أن رؤیة الله تعالی فی المنام تدل علی الإیمان

شرح مسلم للنووی:8 جزء 15/25:

قال القاضی: واتفق العلماء علی جواز رؤیة الله تعالی فی المنام وصحتها وإن رآه الإنسان علی صفة لا تلیق بحاله من صفات الأجسام ، لأن ذلک المرئی غیر ذات الله تعالی ، إذ لا یجوز علیه سبحانه وتعالی التجسم ، ولا اختلاف الأحوال ، بخلاف رؤیة النبی (ص). قال ابن الباقلانی: رؤیة الله تعالی فی المنام خواطر فی القلب ، وهی دلالات للرائی علی أمور مما کان أو یکون کسائر المرئیات .

تهذیب التهذیب لابن حجر:11/380:

یوسف الحمانی عن أبیه عن یوسف بن میمون عن ابن سیرین قال: من رأی ربه فی المنام دخل الجنة ! !

تهذیب التهذیب لابن حجر:3/397:

ص: 154

عن عبد الله بن أحمد: سمعت سریح بن یونس یقول: رأیت رب العزة فی المنام فقال لی: یا سریح سل حاجتک ، فقلت: رحمان سر بسر. انتهی. یعنی رأساً برأس ! قال البخاری: مات فی ربیع الآخر منه (235) .

صفة الصفوة لابن الجوزی جزء 1 و 2/618:

عن إسحاق بن إبراهیم الجیلی قال: سمعت سریج بن یونس یقول: رأیت فیما یری النائم کأن الناس وقوف بین یدی الله وأنا فی أول صفه فی آخره ونحن ننظر إلی رب العزة تعالی .. إذ قال: أی شئ تریدون ؟ فسکت الناس..وجزت الصف الأول . . . فقال: أی شئ ترید ؟ فقلت رحمان سر بسر . . . قال تعالی قد خلقتکم ولا أعذبکم ! ثم غاب فی السماء فذهب .

تاریخ الإسلام للذهبی:17/169:

سریج بن یونس بن إبراهیم . . . وقال عبدالله بن أحمد: سمعت سریج بن یونس یقول رأیت رب العزة من المنام فقال سل حاجتک . . . له حکایات شبه الکرامات(رحمه الله). وکان إماماً فی السنة .

حیاة الحیوان للدمیری:1/51:

وروی الإمام أحمد بن حنبل (رض): أنه رأی رب العزة فی المنام تسعاً وتسعین مرة فقال: إن رأیته تمام المائة لاسألنه ، فرآه تمام المائة فسأله وقال: یا رب بماذا ینجو العباد یوم القیامة ؟

ص: 155

وقال فی سیره:19/114:

أبوالمظفر السمعانی الإمام العلامة مفتی خراسان شیخ الشافعیة أبو المظفر منصور ابن محمد بن عبدالجبار بن أحمد التمیمی السمعانی المروزی الحنفی ثم الشافعی . . . ولد سنة ست وعشرین وأربع مئة... وسمعت شهردار بن شیرویه سمعت منصور بن أحمد وسأله أبی فقال: سمعت أبا المظفر السمعانی یقول: کنت حنفیاً فبدا لی وحججت ، فلما بلغت سمیراء رأیت رب العزة فی المنام فقال لی: عد إلینا یا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه یرید مذهب الشافعی فرجعت إلیه !. انتهی. ورواه فی تاریخ الإسلام: 33/321 لکن فیه ( عد یا أبا المظفر إلی الشافعیة ) .

شعب الإیمان للبیهقی:3/164:

عن رقبة قال: رأیت رب العزة فی المنام فقال: وعزتی لأکرمن مثوی سلیمان التیمی .

تاریخ الإسلام للذهبی:9/158:

عن ابن مصقلة: رأیت رب العزة فی المنام فقال: وعزتی وجلالی لأکرمن مثوی سلیمان التیمی .

تاریخ الإسلام للذهبی:20/412:

الفتح بن شخرف أبو نصر الکشئ الزاهد نزیل بغداد ومن کبار مشایخ الصوفیة قال ابن البربهاری: سمعت الفتح یقول: رأیت رب العزة فی المنام فقال لی: یا فتح احذر لا آخذک علی غرة ، توفی سنة 273 ه- ، وکذا فی صفوة الصفوة لابن الجوزی: ص 643

ص: 156

تاریخ الإسلام للذهبی:21/192:

صالح بن یونس . . . ورد عنه أنه رأی الحق فی المنام ، وحج علی قدمیه سبعین حجة . . . والدعاء عند قبره مستجاب .

تاریخ الإسلام للذهبی: 25/350:

عبد الله بن إبراهیم بن واضح . . یقال أنه رأی الحق فی النوم مرتین .

تاریخ الإسلام للذهبی: 26/316:

یعلی بن موسی البربری الصوفی . . رأی رب العزة فی المنام . . .

تاریخ الإسلام للذهبی:26/650:

محمد بن عبدالله بن أحمد بن ربیعة . . . أبو سلیمان بن القاضی بن محمد الربعی . . . روی عنه أبو نصر بن الجبان أنه رأی رب العزة فی المنام . . .

تاریخ الإسلام للذهبی:27/134:

عن جعفر الابهری قال سمعت أبا علی القومسانی یقول: رأیت رب العزة فی المنام . . . فناولنی کوزین شبه القواریر ، فشربت منهما وأنا أتلو هذه الآیة: ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ). ورأیت رب العزة فی أیام القحط فقال: یا أبا علی لا تشغل خاطرک فإنک من عیالی وعیالک عیالی وأضیافک عیالی .

تاریخ الإسلام للذهبی:29/185:

أحمد بن محمد بن إبراهیم . . الثعلبی صاحب التفسیر . . . وقد جاء عن أبی القاسم القشیری قال: رأیت رب العزة فی المنام وهو یخاطبنی وأخاطبه فکان فی أثناء ذلک أن قال الرب جل اسمه:أقبل الرجل الصالح ، فالتفت

ص: 157

فإذا أحمد الثعلبی مقبل. انتهی. ورواه فی هامش معجم الادباء للحموی:3 جزء 5/36 ، وفیه ( الثعالبی ) .

تاریخ الإسلام للذهبی:29/381:

عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان . . . شیخ همدان . . . قال شیرویه رأیت بخط بن عبدان: رأیت رب العزة فی المنام فقلت له: أنت خلقت الأرض وخلقت الخلق ثم أهلکتهم ، ثم خلقت خلقاً بعدهم ؟ وکأنی أری أنه ارتضی کلامی ومدحی له ، فقال لی کلاماً یدل علی أنه یخاف علیَّ الافتخار..وقبره یزار ویتبرک به. .

المستطرف للابشیهی:1/147:

وحکی أن بعضهم کان ملاحاً ببحر النیل . . . فبینما أنا ذات یوم فی الزورق إذا بشیخ مشرق الوجه علیه مهابة فقال..إنی أرید أن أحملک أمانة قلت ما هی قال: إذا کان غداً وقت الظهر تجدنی عند تلک الشجرة میتاً وستنسی ، فإذا ألهمت فأتنی وغسلنی وکفنی فی الکفن الذی تجده تحت رأسی . . . ثم نمت فرأیت رب العزة جل جلاله فی النوم فقال: یا عبدی أثقل علیک أن مننت علی عبد عاص بالرجوع .

معجم الادباء للحموی:3 جزء 5/70:

أبا الحسن بن سالم البصری یقول . . . قال: سمعت أبا بکر محمد بن مجاهد المقرئ یقول: رأیت رب العزة فی

المنام فختمت علیه ختمتین فلحنت فی موضعین فاغتممت ، فقال: یابن مجاهد الکمال لی الکمال لی !

مختصر تاریخ دمشق:3 جزء 5/204:

ص: 158

قال أبو عبدالرحمن . . . رفیق بشر بن الحارث: رأی صاحب لنا رب العزة فی النوم قبل موت بشر بقلیل فقال: قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لی علی الجمر ما کنت تکافئنی بما نوهت اسمک فی الناس . . .

مختصر تاریخ دمشق:3 جزء 6/348:

قال إسحاق الحربی: بلغنی أن أبا حسان الزیادی رأی رب العزة تبارک وتعالی فی النوم . . .

صفوة الصفوة لابن الجوزی جزء 3 و 4/214:

عن رقبة قال سلیمان بن طرخان: رأیت رب العزة تبارک وتعالی فی النوم .

صفوة الصفوة لابن الجوزی جزء 3 و 4/355:

قال علی بن المثنی سمعت عمی یقول: سمعت أبی یقول سمعت أبا یزید البسطامی یقول: رأیت رب العزة تبارک وتعالی فی المنام. .

الاعتصام للشاطبی:1/260:

عن أبی یزید السبطایی قال: رأیت ربی فی المنام فقلت: کیف الطریق إلیک ؟ قال أترک نفسک وتعال. وشأن هذا الکلام من الشرع موجود . . .

صفوة الصفوة لابن الجوزی جزء 3 و 4/356:

عن جعفر بن علی الترمذی: أن أحمد بن خضرویه قال: رأیت رب العزة فی منامی فقال لی: یا أحمد کل الناس یطلبون منی إلا أبا یزید البسطامی فإنه یطلبنی .

صفوة الصفوة لابن الجوزی جزء 3 و 4/388:

قال إبراهیم بن عبدالله: فرأیت الله تعالی فی النوم فوقفنی بین یدیه .

ص: 159

صفوة الصفوة لابن الجوزی جزء 3 و 4/468:

یوسف بن موسی القطان یحدث أن أبا عمرو الأوزاعی قال: رأیت رب العزة فی المنام .

المواعظ للمقریزی:2/255:

عن رجل من صلحاء المصریین یقال له أبو هادون الخرقی قال: رأیت الله عز وجل فی منامی فقلت: یا ربی أنت ترانی وتسمع کلامی قال: نعم . . . انتهی .

ومما یلاحظ أن أکثر الذین رأوا ربهم فی المنام ، من الفرس المشبهة والمجسمة !

أما درجة ابن عربی وأمثاله فهی أکبر من الرؤیة فی المنام

مذاهب التفسیر الإسلامی لجولد تسیهر/239:

وقد عرض ابن عربی تعالیمه .. بأنه استمد علمه لا من فم الرسول الذی ظهر له ، ولا من الملائکة فحسب ، بل من کلام الله المباشر الذی حظی به تکراراً. فهو یتحدث کثیراً عن لقائه مع الله سبحانه . . إنی رأیت الحق فی النوم مرتین وهو یقول لی: إنصح عبادی ! ! انتهی .وقد

ادعی ابن عربی لنفسه مقامات الأنبیاء وأوصیائهم ، ودون ذلک فی کتبه ! !

کرامات الأولیاء للنبهانی:1/588:

اسماعیل الأنبابی: کان یطلع علی اللوح المحفوظ فیقول: یقع کذا ، فلا یخطی !

مقالات الإسلامیین للأشعری:1/289:

ص: 160

وفیهم ( یعنی النساک ) من یزعم أن العبادة تبلغ بهم أن یروا الله سبحانه ، ویأکلوا من ثمار الجنة ، ویعانقوا الحور العین فی الدنیا ، مُنَاوَلَةً .

ونختم بما جاء فی هامش تاریخ الإسلام للذهبی: 38/135:

قال أبو محمد العکبری رأیت رسول الله (ص) فی المنام فقلت یا رسول الله إمسح بیدک عینی فإنها تؤلمنی فقال: إذهب إلی نصر بن العطار یمسح عینک . . . هذا نصر قد صافحته ید الحق. انتهی .

لکن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤیة

بحار الأنوار:4/32:

عن إبراهیم الکرخی قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (علیهم السّلام) : إن رجلاً رأی ربه عز وجل فی منامه فما یکون ذلک ؟ فقال: ذلک رجل لا دین له ، إن الله تبارک وتعالی لا یری فی الیقظة ولا فی المنام ، ولا فی الدنیا ولا فی الآخرة .

بیان: لعل المراد أنه کذب فی تلک الرؤیا ، أو أنه لما کان مجسماً تخیل له ذلک ، أو أن هذه الرؤیا من الشیطان ، وذکرها یدل علی کونه معتقداً للتجسیم .

وقال النیشابوری فی روضة الواعظین/33:

وقیل له(علیه السّلام): إن رجلاً رأی ربه فی منامه فما یکون ذلک فقال: ذلک رجل لا دین له ، إن الله تعالی لا یری فی الیقظة ولا فی المنام ، ولا فی الدنیا ولا فی الآخرة .

ص: 161

ص: 162

الفصل الرابع :خلاصة اعتقادنا فی التنزیه ونفی التشبیه

اشارة

ص: 163

ص: 164

العقل والآیات والأحادیث تنفی إمکان رؤیة الله تعالی بالعین

نعتقد نحن الشیعة بأن الله تعالی لا یمکن أن یری بالعین لا فی الدنیا ولا فی الآخرة ، لأنه لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ، لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، وَلا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا . . إلی آخر الآیات الصریحة بأنه تعالی لا یمکن أن یری بالعین ، بل یری بالعقل والقلب وهی أعمق وأصح من رؤیة العین .

وقد استدل أئمتنا(علیهم السّلام) وعلماؤنا رضی الله عنهم ، علی نفی التجسیم والرؤیة بالکتاب والسنة والعقل.. واعتبروا أن ذلک من أصول مذهبنا ، بل هو کالبدیهیات حتی عند عوامنا .

وستعرف أن القول برؤیة الله تعالی جاءت من تأثر المسلمین بالیهود والنصاری والمجوس ، وأن أهل البیت(علیهم السّلام) وجمهور الصحابة وقفوا فی وجه ذلک ، وکذبوا نسبة الرؤیة بالعین إلی الإسلام ، وکل ما تستلزمه من التشبیه والتجسیم ، ولکن موجة التشبیه والتجسیم غلبت.. لأن دولة الخلافة تبنتها !

والدلیل البسیط علی نفی إمکان رؤیة الله تعالی بالعین أن ما تراه العین لابد

ص: 165

أن یکون موجوداً داخل المکان والزمان ، والله تعالی وجود متعال علی الزمان والمکان، لأنه خلقهما وبدأ شریطهما من الصفر والعدم ، فکیف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانینهما !

لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمکان ، حتی لیصعب علیها أن تتصور موجوداً خارج قوانین الزمان والمکان ، وحتی أننا نتصور خارج الفضاء والکون بأنه فضاء ! وهذه هی طبیعة الإنسان قبل أن یکبر ویطلع ، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنین کقرنیها !

لکن مع ذلک فإن عقل الإنسان یدرک أن الوجود لا یجب أن یکون محصوراً بالمکان والزمان ، وأن بإمکان الإنسان أن یرتقی فی إدراکه الذهنی فیدرک ما هو أعلی من الزمان والمکان ویؤمن به ، وإن عرف أنه غیر قابل للرؤیة بالعین .

وهذا الإرتقاء الذهنی هو المطلوب منا نحن المسلمین بالنسبة إلی وجود الله تعالی ، لا أن نجره إلی محیط وجودنا ومألوف أذهاننا ، کما فعل الیهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده فی عزیر(علیه السّلام)وغیره ، وکما فعل النصاری فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسیح(علیه السّلام)وغیره !!

الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعلم الأمة التوحید

قال الصدوق فی کتابه التوحید/107:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله)قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبدالله عن آبائه(علیهم السّلام)

ص: 166

قال: مرالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی رجل وهو رافع بصره إلی السماء یدعو ، فقال له رسول: غض بصرک ، فإنک لن تراه .

وقال: ومر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی رجل رافع یدیه إلی السماء وهو یدعو ، فقال رسول الله: أقصر من یدیک ، فإنک لن تناله .

الکافی:1/94:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن الحسن بن علی ، عن الیعقوبی ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالأعلی مولی آل سام ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام): قال إن یهودیاً یقال له سبحت ، جاء إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا رسول الله جئت أسألک عن ربک ، فإن أنت أجبتنی عما أسألک عنه ، وإلا رجعت ؟

قال: سل عما شئت .

قال: أین ربک ؟

قال: هو فی کل مکان ، ولیس فی شئ من المکان المحدود .

قال: وکیف هو ؟

قال: وکیف أصف ربی بالکیف والکیف مخلوق ، والله لا یوصف بخلقه .

قال: فمن أین یعلم أنک نبی الله ؟

قال: فما بقی حوله حجر ولا غیر ذلک إلا تکلم بلسان عربی مبین: یا سبحت إنه رسول الله !

فقال سبحت: ما رأیت کالیوم أمراً أبین من هذا !

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله .

ص: 167

ویعلمنا أن أقصی ما یمکن أن یراه الإنسان نور عظمة الله

بحار الأنوار:4/38:

ید: أبی ، عن محمد العطار ، عن ابن عیسی ، عن البزنطی ، عن الرضا(علیه السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أسری بی إلی السماء بلغ بی جبرئیل(علیه السّلام) مکاناً لم یطأه جبرئیل قط ، فکُشِفَ لی فأرانی الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .

علی(علیه السّلام)یثبت مشاهدة القلوب وینفی مشاهدة العیان

نهج البلاغة:2/99:

179 ومن کلام له(علیه السّلام)وقد سأله ذعلب الیمانی فقال: هل رأیت ربک یا أمیر المؤمنین ؟

فقال (علیه السّلام): أفأعبد ما لا أری !

فقال: وکیف تراه !

فقال: لا تراه العیون بمشاهدة العیان، ولکن تدرکه القلوب بحقائق الإیمان ، قریب من الأشیاء غیر ملامس ، بعید منها غیر مباین ، متکلم لا برویة ، مرید لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطیف لا یوصف بالخفاء ، کبیر لا یوصف بالجفاء ، بصیر لا یوصف بالحاسة ، رحیم لا یوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته .

ورواه فی بحار الأنوار:4/27 عن:

ید ، لی: القطان والدقاق والسنانی ، عن ابن زکریا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن أبی السری ، عن أحمد بن عبدالله بن یونس ، عن

ص: 168

ابن طریف ، عن الأصبغ فی حدیث قال: قام إلیه رجل یقال له ذعلب فقال: یا أمیر المؤمنین هل رأیت ربک ؟ فقال: ویلک یا ذعلب لم أکن بالذی أعبد رباً لم أره. قال: فکیف رأیته صفه لنا. قال: ویلک لم تره العیون بمشاهدة الأبصار ، ولکن رأته القلوب بحقائق الإیمان. ویلک یا ذعلب إن ربی لا یوصف بالبعد ولا بالحرکة ولا بالسکون ، ولا بالقیام قیام انتصاب ولا بجیئة ولا بذهاب ، لطیف اللطافة لا یوصف باللطف ، عظیم العظمة لا یوصف بالعِظَم ، کبیر الکبریاء لا یوصف بالکبر ، جلیل الجلالة لا یوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا یوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرک لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو فی الأشیاء علی غیر ممازجة ، خارج منها علی غیر مباینة ، فوق کل شئ ولا یقال شئ فوقه ، أمام کل شئ ولا یقال له أمام ، داخل فی الأشیاء لا کشئ فی شئ داخل ، وخارج منها لا کشئ من شئ خارج

. . فخر ذعلب مغشیاً علیه . . . الخبر .

لم یحلل فی الأشیاء . . . ولم ینأ عنها

نهج البلاغة:1/112:

65 ومن خطبة له (علیه السّلام): الحمد لله الذی لم یسبق له حال حالاً. فیکون أولاً قبل أن یکون آخراً. ویکون ظاهراً قبل أن یکون باطناً. کل مسمی بالوحدة غیره قلیل ، وکل عزیز غیره ذلیل ، وکل قوی غیره ضعیف ، وکل مالک غیره مملوک ، وکل عالم غیره متعلم ، وکل قادر غیره یقدر ویعجز ، وکل سمیع غیره یصمُّ عن لطیف الأصوات ویصمه کبیرها ویذهب عنه ما بعد منها ، وکل بصیر غیره یعمی عن خفی الألوان ولطیف الأجسام، وکل ظاهر

ص: 169

غیره باطن ، وکل باطن غیره ظاهر .

لم یخلق ما خلقه لتشدید سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا إستعانة علی ند مثاور ، ولا شریک مکاثر ، ولا ضد منافر ، ولکن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون .

لم یحلل فی الأشیاء فیقال هو فیها کائن ، ولم ینأ عنها فیقال هو منها بائن .

لم یؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبیر ما ذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت علیه شبهة فیما قدر ، بل قضاء متقن وعلم محکم ، وأمر مبرم. المأمول مع النقم ، والمرهوب مع النعم . . .

لا تقدر عظمة الله سبحانه علی قدر عقلک

نهج البلاغة:1/160:

91 ومن خطبة له(علیه السّلام)تعرف بخطبة الاشباح وهی من جلائل خطبه(علیه السّلام) وکان سأله سائل أن یصف الله حتی کأنه یراه عیاناً ، فغضب(علیه السّلام)لذلک:

الحمد لله الذی لا یَفِرْهُ المنع والجمود ، ولا یکدیه الإعطاء والجود ، إذ کل معط منتقص سواه ، وکل مانع مذموم ما خلاه ، وهو المنان بفوائد النعم ، وعوائد المزید والقسم. عیاله الخلق ، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم ، ونهج سبیل الراغبین إلیه ، والطالبین ما لدیه ، ولیس بما سئل بأجود منه بما لم یسأل .

الأول الذی لم یکن له قبل فیکون شئ قبله ، والاخر الذی لیس له بعد فیکون شئ بعده ، والرادع أناسیَّ الابصار عن أن تناله أو تدرکه .

ص: 170

ما اختلف علیه دهر فیختلف منه الحال ، ولا کان فی مکان فیجوز علیه الإنتقال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحکت عنه أصداف البحار ، من فلز اللجین والعقیان ، ونثارة الدر وحصید المرجان ، ما أثر ذلک فی جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولکان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الانام ، لأنه الجواد الذی لا یغیضه سؤال السائلین ، ولا یبخله إلحاح الملحین .

فانظر أیها السائل فما دلک القرآن علیه من صفته فائتم به ، واستضی بنور هدایته ، وما کلفک الشیطان علمه مما لیس فی الکتاب علیک فرضه ، ولا فی سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأئمة الهدی أثره ، فکل علمه إلی الله سبحانه ، فإن ذلک منتهی حق الله علیک .

واعلم أن الراسخین فی العلم هم الذین أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علماً ، وسمی ترکهم التعمق فیما لم یکلفهم البحث عن کنهه رسوخاً. فاقتصر علی ذلک ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه علی قدر عقلک فتکون من الهالکین .

هو القادر الذی إذا ارتمت الاوهام لتدرک منقطع قدرته ، وحاول الفکر المبرأ من خطرات الوساوس أن یقع علیه فی عمیقات غیوب ملکوته ، وتولهت القلوب إلیه لتجری فی کیفیة صفاته ، وغمضت مداخل العقول فی حیث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ، دعاها وهی تجوب مهاوی سدف الغیوب متخلصة إلیه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ینال

ص: 171

بجور الاعتساف کنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولی الرویات خاطرة من تقدیر جلال عزته .

الذی ابتدع الخلق علی غیر مثال امتثله ، ولا مقدار احتذی علیه ، من خالق معهود کان قبله. وأرانا من ملکوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حکمته ، واعتراف لحاجة من الخلق إلی أن یقیمها بمساک قدرته ، ما دلنا باضطرار قیام الحجة له علی معرفته ، وظهرت فی البدائع التی أحدثها آثار صنعته ، وأعلام حکمته ، فصار کل ما خلق حجة له ودلیلاً علیه ، وإن کان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبیر ناطقة ، ودلالته علی المبدع قائمة .

فأشهد أن من شبهک بتباین أعضاء خلقک ، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبیر حکمتک ، لم یعقد غیب ضمیره علی معرفتک ، ولم یباشر قلبه الیقین بأنه لا ندلک ، وکأنه لم یسمع تبرأ التابعین من المتبوعین إذ یقولون: تالله إن کنا لفی ضلال مبین ، إذ نسویکم برب العالمین .

کذب العادلون بک إذ شبهوک بأصنامهم ، ونحلوک حلیة المخلوقین بأوهامهم ، وجزأوک تجزئة المجسمات بخواطرهم ، وقدروک علی الخلقة المختلفة القوی بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواک بشئ من خلقک فقد عدل بک ، والعادل بک کافر بما تنزلت به محکمات آیاتک ، ونطقت عنه شواهد حجج بیناتک. وأنک أنت الله الذی لم تتناه فی العقول فتکون فی مهب فکرها مکیفاً ، ولا فی رویات خواطرها فتکون محدوداً مصرفاً .

وروی هذه الخطبة الصدوق فی التوحید/48 فقال:

13 حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد

ص: 172

بن أبی عبدالله الکوفی قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی ، قال: حدثنی علی بن العباس ، قال: حدثنی إسماعیل بن مهران الکوفی ، عن إسماعیل بن إسحاق الجهنی ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: بینما أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یخطب علی المنبر بالکوفة إذ قام إلیه رجل فقال: یا أمیر المؤمنین صف لنا ربک تبارک وتعالی لنزداد له حباً وبه معرفة ، فغضب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)ونادی الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتی غص المسجد بأهله ، ثم قام متغیر اللون فقال . . . کما فی نهج البلاغة بتفاوت فی بعض الکلمات .

لا تدرکه الشواهد ولا تحویه المشاهد

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له(علیه السّلام): الحمد الله الذی لا تدرکه الشواهد ، ولا تحویه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدال علی قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه علی وجوده ، وباشتباههم علی أن لا شبه له .

الذی صدق فی میعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط فی خلقه ، وعدل علیهم فی حکمه. مستشهد بحدوث الأشیاء علی أزلیته ، وبما وسمها به من العجز علی قدرته ، وبما اضطرها إلیه من الفناء علی دوامه .

واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد ، وقائم لا بعمد. تتلقاه الاذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائی لا بمحاضرة. لم تحط به الاوهام بل تجلی لها ، وبها امتنع منها ، وإلیها حاکمها .

لیس بذی کبر امتدت به النهایات فکبرته تجسیماً ، ولا بذی عظم تناهت به

ص: 173

الغایات فعظمته تجسیداً. بل کبر شأناً ، وعظم سلطاناً .

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفی ، وأمینه الرضی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). أرسله بوجوب الحجج ، وظهور الفلج ، وإیضاح المنهج ، فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل علی المحجة دالاً علیها ، وأقام أعلام الإهتداء ومنار الضیاء ، وجعل أمراس الإسلام متینة، وعری الإیمان وثیقة .

نهج البلاغة:2/116:

186 ومن خطبة له(علیه السّلام)فی التوحید ، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من کیفه ، ولا حقیقته أصاب من مثله ، ولا إیاه عنی من شبهه ، ولا صمده من أشار إلیه وتوهمه. فاعل لا باضطراب آلة ، مقدر لا بجول فکرة ، غنی لا بإستفادة ، لا تصحبه الاوقات ، ولا ترفده الادوات ، سبق الأوقات کونه ، والعدم وجوده ، والإبتداء أزله .

بتشعیره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبمضادته بین الأمور عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بین الأشیاء عرف أن لا قرین له. ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بین متعادیاتها، مقارن بین متبایناتها ، مقرب بین متباعداتها ، مفرق بین متدانیاتها .

لا یشمل بحد ، ولا یحسب ببعد ، وإنما تحد الادوات أنفسها ، وتشیر الآلة إلی نظائرها ، منعتها منذ القدمیة ، وحمتها قد الأزلیة ، وجنبتها لولا التکملة. بها تجلی صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العیون .

لا یجری علیه السکون والحرکة ، وکیف یجری علیه ما هو أجراه ، ویعود

ص: 174

فیه ما هو أبداه ، ویحدث فیه ما هو أحدثه ، إذن لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ کنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولکان له وراء إذ وجد له أمام ، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذا لقامت آیة المصنوع فیه ، ولتحول دلیلاً بعد أن کان مدلولاً علیه ، وخرج بسلطان الامتناع من أن یؤثر فیه ما یؤثر فی غیره .

الذی لا یحول ولا یزول ، ولا یجوز علیه الافول ، ولم یلد فیکون مولوداً ، ولم یولد فیصیر محدوداً. جل عن اتخاذ الأبناء ، وطهر عن ملامسة النساء. لا تناله الاوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدرکه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الایدی فتمسه .

لا یتغیر بحال ، ولا یتبدل بالاحوال ، ولا تبلیه اللیالی والأیام ، ولا یغیره الضیاء والظلام . ولا یوصف بشئ من الأجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغیریة والأبعاض ، ولا یقال له حد ولا نهایة، ولا انقطاع ولا غایة ، ولا أن الأشیاء تحویه ، فتقله أو تهویه ، أو أن شیئاً یحمله فیمیله أو یعدله .

لیس فی الأشیاء بوالج ، ولا عنها بخارج ، یخبر لا بلسان ولهوات ، ویسمع لا بخروق وأدوات. یقول ولا یلفظ، ویحفظ ولا یتحفظ ، ویرید ولا یضمر.

یحب ویرضی من غیر رقة ، ویبغض ویغضب من غیر مشقة. یقول لمن أراد کونه کن فیکون. لا بصوت یقرع ، ولا بنداء یسمع ، وإنما کلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثله لم یکن من قبل ذلک کائناً ، ولو کان قدیماً لکان إلهاً ثانیاً .

لا یقال کان بعد أن لم یکن ، فتجری علیه الصفات المحدثات ، ولا یکون

ص: 175

ینها وبینه فصل ، ولا له علیها فضل ، فیستوی الصانع والمصنوع ، ویتکافأ لمبتدی والبدیع .

خلق الخلائق علی غیر مثال خلا من غیره ، ولم یستعن علی خلقها بأحد من خلقه ، وأنشأ الأرض فأمسکها من غیر اشتغال ، وأرساها علی غیر قرار ، وأقامها بغیر قوائم ، ورفعها بغیر دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسی أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عیونها ، وخد أودیتها ، فلم یهن ما بناه ، ولا ضعف ما قواه .

هو الظاهر علیها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالی علی کل شئ منها بجلاله وعزته ، لا یعجزه شئ منها طلبه ، ولا یمتنع علیه فیغلبه ، ولا یفوته السریع منها فیسبقه ، ولا یحتاج إلی ذی مال فیرزقه .

خضعت الأشیاء له ، وذلت مستکینة لعظمته ، لا تستطیع الهرب من سلطانه إلی غیره فتمتنع من نفعه وضره ، ولا کفؤ له فیکافئه ، ولا نظیر له فیساویه .

هو المفنی لها بعد وجودها ، حتی یصیر موجودها کمفقودها ، ولیس فناء الدنیا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها .

أول الدین معرفته . . . وکمال الاخلاص له نفی الصفات عنه

نهج البلاغة:1/14:

ومن خطبة له(علیه السّلام)یذکر فیها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذی لا یبلغ مدحته القائلون ، ولا یحصی نعماءه العادون ، ولا یؤدی حقه المجتهدون. الذی لا یدرکه بعد الهمم، ولا یناله غوص الفطن ،

ص: 176

الذی لیس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الریاح برحمته ، ووتد بالصخور مَیَدَان أرضه . . أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف ، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إلیه ، ومن أشار إلیه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فیم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلی منه .

کائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم ، مع کل شئ لا بمقارنة ، وغیر کل شئ لا بمزایلة ، فاعل لا بمعنی الحرکات والآلة ، بصیر إذ لا منظور إلیه من خلقه ، متوحد إذ لا سکن یستأنس به ، ولا یستوحش لفقده .

أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، بلا رَوِیَّةً أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حرکة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فیها ، أحال الأشیاء لأوقاتها ، ولاءم بین مختلفاتها ، وغرز غرائزها ، وألزمها أشباحها ، عالماً بها قبل ابتدائها ، محیطاً بحدودها وانتهائها ، عارفاً بقرائنها وأحنائها .

ثم أنشأ سبحانه فتق الاجواء ، وشق الأرجاء ، وسکائک الهواء ، فأجری فیها ماء متلاطماً تیاره ، متراکماً زخاره ، حمله علی متن الریح العاصفة ، والزعزع القاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها علی شده ، وقرنها إلی حده ، الهواء من تحتها فتیق ، والماء من فوقها دفیق .

ص: 177

ثم أنشأ سبحانه ریحاً اعتقم مهبهاً ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفیق الماء الزخار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله إلی آخره ، وساجیه إلی مائره ، حتی عب عُبَابُه ، ورمی بالزبد رکامه ، فرفعه فی هواء منفتق ، وجو منفهق ، فسوی منه سبع سموات ، جعل سفلاهن موجاً مکفوفاً ، وعلیاهن سقفاً محفوظاً ، وسمکاً مرفوعاً ، بغیر عمد یدعمها ، ولا دسار ینظمها .

ثم زینها بزینة الکواکب ، وضیاء الثواقب ، وأجری فیها سراجاً مستطیراً ، وقمراً منیراً ، فی فلک دائر ، وسقف

سائر ، ورقیم مائر ، ثم فتق ما بین السموات العلا ، فملاهن أطواراً من ملائکته ، منهم سجود لا یرکعون ، ورکوع لا ینتصبون ، وصافون لا یتزایلون ، ومسبحون لا یسأمون ، لا یغشاهم نوم العین ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الابدان ، ولا غفلة النسیان. ومنهم أمناء علی وحیه ، وألسنة إلی رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لابواب جنانه. ومنهم الثابتة فی الارضین السفلی أقدامهم ، والمارقة من السماء العلیا أعناقهم، والخارجة من الاقطار أرکانهم والمناسبة لقوائم العرش أکتافهم ، ناکسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بینهم وبین من دونهم حجب العزة وأستار القدرة ، لا یتوهمون ربهم بالتصویر، ولا یجرون علیه صفات المصنوعین ، ولا یحدونه بالاماکن ، ولا یشیرون إلیه بالنظائر .

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ، تربة سنَّها بالماء حتی خلصت ، ولاطها بالبلة حتی لزبت ، فجبل منها صورة ذات

ص: 178

أحناء ووصول ، وأعضاء وفصول ، أجمدها حتی استمسکت ، وأصلدها حتی صلصلت ، لوقت معدود ، وأمد معلوم ، ثم نفخ فیها من روحه ، فمثلت إنساناً ذا أذهان یجیلها ، وفکر یتصرف بها ، وجوارح یختدمها ، وأدوات یقلبها ، ومعرفة یفرق بها بین الحق والباطل ، والاذواق والمشام ، والالوان والاجناس. معجوناً بطینة الالوان المختلفة ، والاشباه المؤتلفة ، والاضداد المتعادیة، والاخلاط المتباینة ، من الحر والبرد ، والبلة والجمود ، واستأدی الله سبحانه الملائکة ودیعته لدیهم ، وعهد وصیته إلیهم ، فی الاذعان بالسجود له ، والخشوع لتکرمته....

کان المسلمون یعرفون قیمة الجواهر فیکتبونها

التوحید للشیخ الصدوق/31:

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن أبی عبدالله ، عن أبیه محمد بن خالد البرقی ، عن أحمد بن النضر وغیره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سماه ، عن أبی إسحاق السبیعی ، عن الحارث الاعور قال: خطب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)یوماً خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذکر من تعظیم الله جل جلاله ، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد کتبتها ، فأملاها علینا من کتابه:

الحمد لله الذی لا یموت ، ولا تنقضی عجائبه ، لأنه کل یوم فی شأن ، من إحداث بدیع لم یکن. الذی لم یولد فیکون فی العز مشارکاً ، ولم یلد

ص: 179

فیکون موروثاً هالکاً ، ولم تقع علیه الاوهام فتقدره شبحاً ماثلاً ، ولم تدرکه الابصار فیکون بعد انتقالها حائلاً ، الذی لیست له فی أولیته نهایة ، ولا فی آخریته حد ولا غایة ، الذی لم یسبقه وقت ، ولم یتقدمه زمان ، ولم یتعاوره زیادة ولا نقصان ، ولم یوصف بأین ولا بمکان، الذی بطن من خفیات الأمور ، وظهر فی العقول بما یری فی خلقه من علامات التدبیر. الذی سئلت الأنبیاء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص ، بل وصفته بأفعاله ، ودلت علیه بآیاته ، ولا تستطیع عقول المتفکرین جحده ، لأن من کانت السماوات والأرض فطرته وما فیهن وما بینهن هو الصانع لهن ، فلا مدفع لقدرته .

الذی بان من الخلق فلا شئ کمثله. الذی خلق الخلق لعبادته وأقدرهم علی طاعته بما جعل فیهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بینة هلک من هلک وعن بینة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعیدا . . .

الحمد لله اللابس الکبریاء بلا تجسد ، والمرتدی بالجلال بلا تمثل ، والمستوی علی العرش بلا زوال ، والمتعالی عن الخلق بلا تباعد منهم ، القریب منهم بلا ملامسة منه لهم ، لیس له حد ینتهی إلی حده ، ولا له مثل فیعرف بمثله ، ذل من تجبر غیره ، وصغر من تکبر دونه ، وتواضعت الأشیاء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته، وکلت عن إدراکه طروف العیون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الأول قبل کل شئ والآخر بعد کل شئ ، ولا یعدله شئ ، الظاهر علی کل شئ بالقهر له ، والمشاهد لجمیع الاماکن بلا انتقال إلیها ، ولا تلمسه لا مسة ولا تحسه حاسة ، وهو الذی فی

ص: 180

السماء إله وفی الأرض إله وهو الحکیم العلیم. أتقن ما أراد خلقه من الأشیاء کلها بلا مثال سبق إلیه ، ولا لغوب دخل علیه ، فی خلق ما خلق . . . إلی آخر الخطبة .

أمیر المؤمنین یرد علی تجسیم الیهود

قال الصدوق فی کتابه التوحید/77:

حدثنا أبوسعید محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذکر المعروف بأبی سعید المعلم بنیسابور ، قال حدثنا إبراهیم بن محمد بن سفیان ، قال حدثنا علی بن سلمة اللیفی ، قال حدثنا إسماعیل بن یحیی بن عبدالله ، عن عبدالله بن طلحة بن هجیم ، قال حدثنا أبو سنان الشیبانی سعید بن سنان ، عن الضحاک ، عن النزال بن سبرة قال: جاء یهودی إلی علی بن أبی طالب (علیه السّلام)فقال: یا أمیر المؤمنین متی کان ربنا ؟ قال فقال له علی(علیه السّلام): إنما یقال: متی کان لشئ لم یکن فکان، وربنا تبارک وتعالی هو کائن بلاکینونة کائن، کان بلا کیف یکون ، کائن لم یزل بلا لم یزل ، وبلا کیف یکون ، کان لم یزل لیس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غایة ولا منتهی ، غایة ولا غایة إلیها ، غایة انقطعت الغایات عنه ، فهو غایه کل غایة .

أخبرنی أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الکندی فیما أجازه لی بهمدان سنة أربع وخمسین وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل یعنی العطار البغدادی لفظاً من کتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبدالله بن محمد البلوی قال: حدثنی عمارة بن زید ، قال: حدثنی عبد الله بن العلاء قال: حدثنی صالح بن سبیع ، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان

ص: 181

قال: حدثنی أبی، عن أبی المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس علی(علیه السّلام)فی جامع الکوفة فقام إلیه رجل مصفر اللون کأنه من متهودة الیمن فقال: یا أمیر المؤمنین صف لنا خالقک وانعته لنا کأنا نراه وننظر إلیه ، فسبح علی(علیه السّلام)ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذی هو أول بلا بدء مما ، ولا باطن فیما ، ولا یزال مهما ، ولا ممازج مع ما ، ولا خیال وهما ، لیس بشبح فیری ، ولا بجسم فیتجزی ، ولا بذی غایة فیتناهی ، ولا بمحدث فیبصر ، ولا بمستتر فیکشف ، ولا بذی حجب فیحوی .

کان ولا أماکن تحمله أکنافها ، ولا حملة ترفعه بقوتها ، ولا کان بعد أن لم یکن، بل حارت الأوهام أن تکیف المکیف للاشیاء ومن لم یزل بلا مکان، ولا یزول باختلاف الازمان ، ولا ینقلب شاناً بعد شان .

البعید من حدس القلوب ، المتعالی عن الأشیاء والضروب ، والوتر علام الغیوب، فمعانی الخلق عنه منفیة ، وسرائرهم علیه غیر خفیة ، المعروف بغیر کیفیة ، لا یدرک بالحواس ، ولا یقاس بالناس ، ولا تدرکه الأبصار ، ولا تحیط به الأفکار ، ولا تقدره العقول ، ولا تقع علیه الاوهام ، فکل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود ، وکیف یوصف بالأشباح ، وینعت بالألسن الفصاح ، من لم یحلل فی الأشیاء فیقال هو فیها کائن ، ولم ینأ عنها فیقال هو عنها بائن ، ولم یخل منها فیقال أین ، ولم یقرب منها بالإلتزاق ، ولم یبعد عنها بالإفتراق ، بل هو فی الأشیاء بلا کیفیة ، وهو أقرب إلینا من حبل الورید ، وأبعد من الشبه من کل بعید .

ص: 182

لم یخلق الأشیاء من أصول أزلیة ، ولا من أوائل کانت قبله بدیة ، بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه ، وصور ما صور ، فأحسن صورته ، فسبحان من توحد فی علوه ، فلیس لشئ منه امتناع ، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع ، إجابته للداعین سریعة ، والملائکة له فی السماوات والأرض مطیعة ، کلم موسی تکلیماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات ، سبحانه وتعالی عن الصفات ، فمن زعم أن إله الخلق محدود ، فقد جهل الخالق المعبود . . . والخطبة طویلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهی .وقد تقدم فی الفصل الأول رده علی کعب الأحبار فی مجلس الخلیفة عمر .

ویوجه المسلمین إلی التفکر فی عظمة المخلوقات فیصف الطاووس

نهج البلاغة:2/70:

165 ومن خطبة له(علیه السّلام)یذکر فیها عجیب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجیباً من حیوان وموات ، وساکن وذی حرکات ، فأقام من شواهد البینات علی لطیف صنعته وعظیم قدرته ، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت فی أسماعنا دلائله علی وحدانیته .

وما ذرأ من مختلف صور الاطیار ، التی أسکنها أخادید الأرض وخروق فجاجها ، ورواسی أعلامها ، من ذات أجنحة مختلفة ، وهیئات متباینة ، مصرفة فی زمان التسخیر ، ومرفرفة بأجنحتها فی مخارق الجو المنفسح ، والفضاء المنفرج .

کَوَّنها بعد أن لم تکن ، فی عجائب صور ظاهرة ، ورکبها فی حقاق مفاصل

ص: 183

محتجبة ، ومنع بعضها بعبالة خلقة ، أن یسمو فی السماء خفوفاً ، وجعله یدف دفیفاً، ونسقها علی اختلافها فی الأصابیغ بلطیف قدرته، ودقیق صنعته فمنها مغموس فی قالب لون لا یشوبه غیر لون ما غمس فیه ، ومنها مغموس فی لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به ، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذی أقامه فی أحکم تعدیل ، ونضد ألوانه فی أحسن تنضید ، بجناح أشرج قصبه ، وذنب أطال مسحبه .

إذا درج إلی الأنثی نشره من طیه ، وسما به مطلاً علی رأسه، کأنه قلع داری عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ ، یختال بألوانه ، ویمیس بزیفانه ، یفضی کإفضاء الدیکة ، وَیُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب .

أحیلک من ذلک علی معاینة ، لا کمن یحیل علی ضعیف إسناده ، ولو کان کزعم من یزعم أنه یلقح بدمعة تسفحها مدامعه ، فتقف فی ضفتی جفونه ، وأن أنثاه تطعم ذلک ، ثم تبیض لا من لقاح فحل ، سوی الدمع المنبجس ، لما کان ذلک بأعجب من مطاعمة الغراب .

تخال قصبه مداری من فضة ، وما أنبت علیها من عجیب داراته ، وشموسه خالص العقیان ، وفلذ الزبرجد ، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جنی جنی من زهرة کل ربیع ، وإن ضاهیته بالملابس فهو کموشی الحلل ، أو مونق عصب الیمن ، وإن شاکلته بالحلی فهو کفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجین المکلل .

یمشئ مشئ المرح المختال ، ویتصفح ذنبه وجناحیه فیقهقه ضاحکاً لجمال سرباله ، وأصابیغ وشاحه ، فإذا رمی ببصره إلی قوائمه ، زقا معولاً بصوت

ص: 184

یکاد یبین عن استغاثته ، ویشهد بصادق توجعه ، لأن قوائمه حمش کقوائم الدیکة الخلاسیة ، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صیصیة خفیة .

وله فی موضع العرف قنزعة خضراء موشاة ، ومخرج عنقه کالإبریق ، ومغرزها إلی حیث بطنه کصبغ الوسمة الیمانیة ، أو کحریرة ملبسة مرآة ذات صقال ، وکأنه متلفع بمعجر أسحم ، إلا أنه یخیل لکثرة مائه وشدة بریقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به ، ومع فتق سمعه خط کمستدق القلم فی لون الاقحوان ، أبیض یقق ، فهو ببیاضه فی سواد ما هنالک یأتلق ، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط ، وعلاه بکثرة صقاله وبریقه ، وبصیص دیباجه ورونقه ، فهو کالازاهیر المبثوثة لم تربها أمطار ربیع ، ولا شموس قیظ ، وقد یتحسر من ریشه ، ویعری من لباسه ، فیسقط تتری ، وینبت تباعاً ، فینحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان ، ثم یتلاحق نامیاً حتی یعود کهیئته قبل سقوطه ، لا یخالف سالف ألوانه ، ولا یقع لون فی غیر مکانه .

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتک حمرة وردیة ، وتارة خضرة زبرجدیة، وأحیاناً صفرة عسجدیة .

فکیف تصل إلی صفة هذا عمائق الفطن ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفین ! وأقل أجزائه قد أعجز الاوهام أن تدرکه ، والالسنة أن تصفه، فسبحان الذی بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعیون ، فأدرکته محدوداً مکوناً ، ومؤلفاً ملوناً ، وأعجز الألسن عن تلخیص صفته ، وقعد بها عن تأدیة نعته .

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة ، إلی ما فوقهما من خلق الحیتان

ص: 185

والأفیلة ، ووأی علی نفسه أن لا یضطرب شبح مما أولج فیه الروح ، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غایته . . .

ویصف النملة والجرادة

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له (علیه السّلام): . . . ولو فکروا فی عظیم القدرة وجسیم النعمة ، لرجعوا إلی الطریق، وخافوا عذاب الحریق ، ولکن القلوب علیلة ، والبصائر مدخولة .

ألا تنظرون إلی صغیر ما خلق کیف أحکم خلقه ، وأتقن ترکیبه ، وفلق له السمع والبصر ، وسوی له العظم والبشر. أنظروا إلی النملة فی صغر جثتها ، ولطافة هیئتها ، لا تکاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرک الفکر ، کیف دبت علی أرضها ، وصبت علی رزقها ، تنقل الحبة إلی جحرها ، وتعدها فی مستقرها، تجمع فی حرها لبردها ، وفی وردها لصدرها ، مکفولة برزقها مرزوقة بوفقها ، لا یغفلها المنان ، ولا یحرمها الدیان، ولو فی الصفا الیابس، والحجر الجامس .

ولو فکرت فی مجاری أکلها ، فی علوها وسفلها ، وما فی الجوف من شراسیف بطنها ، وما فی الرأس من عینها وأذنها ، لقضیت من خلقها عجباً ، ولقیت من وصفها تعبا. فتعالی الذی أقامها علی قوائمها ، وبناها علی دعائمها ، لم یشرکه فی فطرتها فاطر ، ولم یعنه فی خلقها قادر .

ولو ضربت فی مذاهب فکرک لتبلغ غایاته ، ما دلتک الدلالة إلا علی أن

ص: 186

فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقیق تفصیل کل شئ ، وغامض اختلاف کل حی ، وما الجلیل واللطیف ، والثقیل والخفیف ، والقوی والضعیف ، فی خلقه إلا سواء ، وکذلک السماء والهواء ، والریاح والماء. فانظر إلی الشمس والقمر ، والنبات والشجر، والماء والحجر ، واختلاف هذا اللیل والنهار ، وتفجر هذه البحار ، وکثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات ، والألسن المختلفات .

فالویل لمن جحد المقدر وأنکر المدبر. زعموا أنهم کالنبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، ولم یلجؤوا إلی حجة فیما ادعوا ، ولا تحقیق لما أوعوا . وهل یکون بناء من غیر بان ، أو جنایة من غیر جان .

وإن شئت قلت فی الجرادة ، إذ خلق لها عینین حمراوین ، وأسرج لها حدقتین قمراوین ، وجعل لها السمع الخفی ، وفتح لها الفم السوی ، وجعل لها الحس القوی، ونابین بهما تقرض ، ومنجلین بهما تقبض ، یرهبها الزراع فی زرعهم ، ولا یستطیعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم ، حتی ترد الحرث فی نزواتها ، وتقضی منه شهواتها ، وخلقها کله لا یکون إصبعاً مستدقة .

فتبارک الله الذی یسجد له من فی السموات والأرض طوعاً وکرهاً ، ویعفرِّ له خداً ووجهاً ، ویلقی إلیه بالطاعة سلماً وضعفاً ، ویعطی له القیاد رهبة وخوفاً ، فالطیر مسخرة لامره ، أحصی عدد الریش منها والنفس ، وأرسی قوائمها علی الندی والیبس ، وقدر أقواتها، وأحصی أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب، وهذا حمام ، وهذا نعام. دعا کل طائر باسمه ، وکفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل دیمها، وعدد قسمها ، فبلَّ الأرض بعد جفوفها

ص: 187

، وأخرج نبتها بعد جدوبها .

علی(علیه السّلام)مؤسس علم التوحید

أمالی المرتضی:1/148:

إعلم أن أصول التوحید والعدل مأخوذة من کلام أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام) وخطبه ، وأنها تتضمن من ذلک ما لا مزید علیه ولا غایة وراءه ، ومن تأمل المأثور فی ذلک من کلامه ، علم أن جمیع ما أسهب المتکلمون من بعد فی تصنیفه وجمعه ، إنما هو تفصیل لتلک الجمل ، وشرح لتلک الأصول .

وروی عن الأئمة من أبناءه(علیهم السّلام) من ذلک ما لا یکاد یحاط به کثرة ، ومن أحب الوقوف علیه وطلبه من مظانه أصاب منه الکثیر الغزیر ، الذی فی بعضه شفاء للصدور السقیمة ، ونتاج للعقول العقیمة ، ونحن نقدم علی ما نرید ذکره شیئاً مما روی عنهم فی هذا الباب. فمن ذلک ما روی عن أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام)وهو یصف الله تعالی:

بمضادته بین الأشیاء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بین الأمور علم أن لا قرین له، ضاد النور بالظلمة ، والخشونة باللیل ، والیبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بین متباعداتها ، مفرق بین متدانیاتها .

وروی عنه(علیه السّلام)أنه سئل: بم عرفت ربک ؟ فقال: بما عرفنی به. قیل: وکیف عرفک؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا یحس بالحواس ، ولا یقاس بقیاس الناس.

وقیل له(علیه السّلام): کیف یحاسب الله الخلق ؟ قال: کما یرزقهم. فقیل کیف یحاسبهم ولا یرونه ؟ فقال: کما یرزقهم ولا یرونه .

ص: 188

وسأله رجل فقال: أین کان ربک قبل أن یخلق السماء والأرض ؟ فقال: أین سؤال عن مکان ، وکان الله ولا مکان .

الإمام زین العابدین(علیه السّلام)ینظم زبور آل محمد

قال(علیه السّلام)فی أدعیته المعروفة بالصحیفة السجادیة ، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول کان قبله ، والاخر بلا آخر یکون بعده ، الذی قصرت عن رؤیته أبصار الناظرین ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفین ، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم علی مشیته اختراعاً ، ثم سلک بهم طریق إرادته ، وبعثهم فی سبیل محبته ، لا یملکون تأخیراً عما قدمهم إلیه ، ولا یستطیعون تقدماً إلی ما أخرهم عنه ، وجعل لکل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ینقص من زاده ناقص ، ولا یزید من نقص منهم زائد ، ثم ضرب له فی الحیاة أجلاً موقوتاً ، ونصب له أمداً محدوداً ، یتخطی إلیه بأیام عمره ، ویرهقه بأعوام دهره ، حتی إذا بلغ أقصی أثره ، واستوعب حساب عمره ، قبضه إلی ما ندبه إلیه من موفور ثوابه ، أو محذور عقابه ، لیجزی الذین أساؤا بما عملوا ویجزی الذین أحسنوا بالحسنی ، عدلاً منه تقدست أسماؤه ، وتظاهرت آلاؤه ، لا یسأل عما یفعل وهم یسألون . . .

الصحیفة السجادیة الدعاء الثانی والثلاثون:

وکان من دعائه(علیه السّلام)بعد الفراغ من صلاة اللیل: اللهم یاذا الملک المتأبد بالخلود والسلطان ، الممتنع بغیر

جنود ولا أعوان ، والعز الباقی علی مر الدهور وخوالی الأعوام ، ومواضی الأزمان والأیام ، عز سلطانک عزاً لا حد

ص: 189

له بأولیة ، ولا منتهی له بآخریة ، واستعلی ملکک علواً سقطت الأشیاء دون بلوغ أمده ، ولا یبلغ أدنی ما استأثرت به من ذلک أقصی نعت الناعتین ، ضلت فیک الصفات ، وتفسخت دونک النعوت ، وحارت فی کبریائک لطائف الأوهام .

کذلک أنت الله الأول فی أولیتک ، وعلی ذلک أنت دائم لا تزول .

وأنا العبد الضعیف عملاً، الجسیم أملاً ، خرجت من یدی أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتک ، وتقطعت عنی عصم الامال إلا ما أنا معتصم به من عفوک، قلَّ عندی ما أعتد به من طاعتک، وکثر علی ما أبوء به من معصیتک، ولن یضیق علیک عفو عن عبدک وإن أساء فاعف عنی . . .

الصحیفة السجادیة:2/21:

دعاؤه(علیه السّلام)فی التحمید لله عز وجل: الحمد لله الذی تجلی للقلوب بالعظمة ، واحتجت عن الابصار بالعزة ، واقتدر علی الأشیاء بالقدرة ، فلا الأبصار تثبت لرؤیته ، ولا الأوهام تبلغ کنه عظمته ، تجبر بالعظمة والکبریاء ، وتعطف بالعز والبر والجلال ، وتقدس بالحسن والجمال ، وتجمل بالفخر والبهاء ، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضیاء. خالق لا نظیر له، وواحد لاند له ، وماجد لا ضد له ، وصمد لا کفو له ، وإله لا ثانی معه ، وفاطر لا شریک له ، ورازق لا معین له ، الأول بلا زوال ، والدائم بلا فناء ، والقائم بلا عناء ، والباقی بلا نهایة ، والمبدئ بلا أمد ، والصانع بلا ظهیر ، والرب بلا شریک ، والفاطر بلا کلفة ، والفاعل بلا عجز .

لیس له حد فی مکان ، ولا غایة فی زمان ، لم یزل ولا یزول ولن یزال ،

ص: 190

کذلک أبداً هو الاله الحی القیوم ، الدائم القدیم ، القادر الحکیم . . .

الإمام محمد الباقر (علیه السّلام) یجیب علی سؤال متی وجد الله

الکافی:8/120:

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی حمزة ثابت بن دینار الثمالی وأبی منصور ، عن أبی الربیع قال: حججنا مع أبی جعفر(علیه السّلام)فی السنة التی کان حج فیها هشام بن عبد الملک ، وکان معه نافع مولی عمر بن الخطاب ، فنظر نافع إلی أبی جعفر(علیه السّلام)فی رکن البیت وقد اجتمع علیه الناس فقال نافع: یا أمیر المؤمنین من هذا الذی قد تداک علیه الناس ؟ فقال: هذا نبی أهل الکوفة ، هذا محمد بن علی !

فقال: أشهد لاتینه فلأسألنه عن مسائل لا یجیبنی فیها إلا نبی أو ابن نبی أو وصی نبی ، قال: فاذهب إلیه وسله لعلک تخجله .

فجاء نافع حتی اتکأ علی الناس ثم أشرف علی أبی جعفر(علیه السّلام)فقال: یا محمد بن علی إنی قرأت التوراة والإنجیل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألک عن مسائل لا یجیب فیها إلا نبی أو وصی نبی أو ابن نبی ، قال فرفع أبو جعفر(علیه السّلام)رأسه فقال: سل عما بدا لک.

فقال: أخبرنی کم بین عیسی وبین محمد من سنة .

قال: أخبرک بقولی أو بقولک ؟

قال: أخبرنی بالقولین جمیعاً .

قال: أما فی قولی فخمسمائة سنة ، وأما فی قولک فستمائة سنة .

قال: فأخبرنی عن قول الله عز وجل لنبیه: وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ

ص: 191

رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ . من الذی سأل محمد ، وکان بینه وبین عیسی خمسمائة سنة .

فقال: فتلا أبو جعفر(علیه السّلام)هذه الآیة: سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلی الْمَسْجِدِ الأَقْصَی الَّذِی بَارَکْنَا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیَاتِنَا. فکان من الآیات التی أراها الله تبارک وتعالی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث أسری به إلی بیت المقدس أن حشر الله عز ذکره الأولین والآخرین من النبیین والمرسلین ، ثم أمر جبرئیل(علیه السّلام)فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال فی أذانه حی علی خیر العمل ، ثم تقدم محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فصلی بالقوم فلما انصرف قال لهم: علی ما تشهدون وما کنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، وأنک رسول الله ، أخذ علی ذلک عهودنا ومواثیقنا .

فقال نافع: صدقت یا أبا جعفر، فأخبرنی عن قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ کَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا .

قال: إن الله تبارک وتعالی لما أهبط آدم إلی الأرض وکانت السماوات رتقاً لا تمطر شیئاً ، وکانت الأرض رتقاً لا تنبت شیئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل علی آدم(علیه السّلام)أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزالیها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فکان ذلک رتقها، وهذا فتقها .

قال نافع: صدقت یابن رسول الله ، فأخبرنی عن قول الله عز وجل: یَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَیْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ، أی أرض تبدل یومئذ .

فقال أبو جعفر(علیه السّلام): أرض تبقی خبزة یأکلون منها حتی یفرغ الله عز وجل

ص: 192

من الحساب .

فقال نافع: إنهم عن الأکل لمشغولون .

فقال أبو جعفر: أهم یومئذ أشغل أم إذ هم فی النار ؟

فقال نافع: بل إذ هم فی النار .

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا الحمیم. قال: صدقت یابن رسول الله ، ولقد بقیت مسألة واحدة .

قال: وما هی .

قال: أخبرنی عن الله تبارک وتعالی متی کان ؟

قال: ویلک متی لم یکن حتی أخبرک متی کان ! سبحان من لم یزل ولا یزال ، فرداً صمداً لم یتخذ صاحبة ولا ولداً ، ثم قال: یا نافع أخبرنی عما أسألک عنه .

قال: وما هو .

قال: ما تقول فی أصحاب النهروان ، فإن قلت إن أمیر المؤمنین قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد کفرت .

قال: فولی من عنده وهو یقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا ، فأتی هشاماً فقال له: ما صنعت ؟ قال: دعنی من کلامک ، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً ، ویحق لاصحابه أن یتخذوه نبیاً !! انتهی .

والظاهر أن الإمام الباقر(علیه السّلام)سأل نافعاً عن رأیه فی الخوارج ، لأن نافعاً کان ناصبیاً مؤیداً لرأی الخوارج فی تکفیر علی(علیه السّلام) .

ص: 193

ویرکز فی المسلمین قاعدة: لا تشبیه ولا تعطیل

التوحید للصدوق/104:

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبدالله الأشعری قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد ،عن محمد بن عیسی عمن ذکره قال: سئل أبو جعفر(علیه السّلام)أیجوز أن یقال: إن الله عز وجل شئ قال: نعم ، یخرجه عن الحدین حد التعطیل وحد التشبیه .

الإمام الصادق(علیه السّلام): لا نفی ولا تشبیه ولا جبر ولا تفویض

قال الصدوق فی کتابه التوحید/102:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبی نجران عن حماد بن عثمان ، عن عبدالرحیم القصیر قال: کتبت علی یدی عبد الملک بن أعین إلی أبی عبدالله(علیه السّلام)بمسائل ، فیها: أخبرنی عن الله عز وجل هل یوصف بالصورة وبالتخطیط فإن رأیت جعلنی الله فداک أن تکتب إلی بالمذهب الصحیح من التوحید ، فکتب(علیه السّلام)بید عبد الملک بن أعین:

سألت رحمک الله عن التوحید وما ذهب إلیه من قبلک ، فتعالی الله الذی لیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر ، تعالی الله عما یصفه الواصفون المشبهون الله تبارک وتعالی بخلقه ، المفترون علی الله. واعلم رحمک الله أن المذهب الصحیح فی التوحید ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل ، فانف عن الله البطلان والتشبیه ، فلا نفی ولا تشبیه ، هو الله الثابت الموجود ،

ص: 194

تعالی الله عما یصفه الواصفون ، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البیان .

توحید الصدوق/103:

حدثنی محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله)قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحمیری ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن یعقوب السراج قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): إن بعض أصحابنا یزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان ، وقال آخر إنه فی صورة أمرد جعد قطط ، فخر أبو عبدالله ساجداً ، ثم رفع رأسه ، فقال: سبحان الله الذی لیس کمثله شئ ، ولا تدرکه الابصار ، ولا یحیط به علم ، لم یلد لأن الولد یشبه أباه ، ولم یولد فیشبه من کان قبله ، ولم یکن له من خلقه کفواً أحد، تعالی عن صفة من سواه علواً کبیرا .

المؤمنون یرون الله بعقولهم وقلوبهم فی الدنیا والآخرة

بحار الأنوار:4/31:

لی: الطالقانی ، عن ابن عقدة ، عن المنذر بن محمد ، عن علی بن إسماعیل المیثمی ، عن إسماعیل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق (علیهماالسّلام) عن الله تبارک وتعالی هل یری فی المعاد فقال: سبحان الله وتعالی عن ذلک علواً کبیرا. یا ابن الفضل ، إن الابصار لا تدرک إلا ماله لون وکیفیة ، والله خالق الالوان والکیفیة .

بحار الأنوار:4/44:

ید: الدقاق ، عن الأسدی ، عن النخعی ، عن النوفلی ، عن البطائنی ، عن

ص: 195

أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال قلت له: أخبرنی عن الله عز وجل هل یراه المؤمنون یوم القیامة .

قال: نعم وقد رأوه قبل یوم القیامة .

فقلت: متی ؟

قال: حین قال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی . ثم سکت ساعة ثم قال: وإن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة ، ألست تراه فی وقتک هذا ؟ قال أبو بصیر فقلت له: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک ؟ فقال لا ، فإنک إذا حدثث به فأنکره منکر جاهل بمعنی ما تقوله ، ثم قدر أن ذلک تشبیه کَفَر ، ولیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین ، تعالی الله عما یصفه المشبهون والملحدون .

ضه: سأل محمد الحلبی الصادق(علیه السّلام)فقال: رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدرکه أبصار حدق الناظرین ، ولا تحیط به أسماع السامعین.

بحار الأنوار:4/33:

ج: عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قوله: لا

تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، قال: إحاطة الوهم ، ألا تری إلی قوله: قَدْ جَاءَکُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ ، لیس یعنی بصر العیون. فمن أبصر فلنفسه ، لیس یعنی من أبصر بعینه ، ومن عمی فعلیها ،

لیس یعنی عمی العیون ، إنما عنی إحاطة الوهم ، کما یقال فلان بصیر بالشعر ، وفلان بصیر بالفقه ، وفلان بصیر بالدراهم ، وفلان بصیر بالثیاب. الله أعظم من أن یری بالعین .

ص: 196

الإمام الصادق(علیه السّلام)یرد علی الحلول والثنائیة بین الذات والصفات

الکافی:1/82:

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی ، عن أبیه ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن ابن مسکان ، عن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ، وکل ما وقع علیه شئ ما خلا الله فهو مخلوق ، والله خالق کل شئ ، تبارک الذی لیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر .

الکافی:1/83:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن العباس بن عمرو الفقیمی ، عن هشام بن الحکم عن أبی عبدالله(علیه السّلام)أنه قال للزندیق حین سأله: ما هو قال: هو شئ بخلاف الأشیاء ، أرجع بقولی إلی إثبات معنی وأنه شئ بحقیقة الشیئیة، غیر أنه لا جسم ولا صورة ولا یحس ولا یجس ولا یدرک بالحواس الخمس ، لا تدرکه الاوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغیره الازمان ، فقال له السائل: فتقول إنه سمیع بصیر قال: هو سمیع بصیر: سمیع بغیر جارحة وبصیر بغیر آلة ، بل یسمع بنفسه ویبصر بنفسه ، لیس قولی إنه سمیع یسمع بنفسه وبصیر یبصر بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر ، ولکن أردت عبارة عن نفسی إذ کنت مسؤولاً وإفهاماً لک إذ کنت سائلاً ، فأقول: إنه سمیع بکله لا أن الکل منه له بعض ، ولکنی أردت إفهامک والتعبیر عن نفسی ، ولیس مرجعی فی ذلک إلا إلی أنه السمیع .

الکافی:1/87:

ص: 197

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النضر بن سوید ، عن هشام بن الحکم أنه سأل أبا عبدالله(علیه السّلام)عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق ؟ قال: فقال لی: یا هشام الله مشتق من أله ، والاله یقتضی مألوهاً والاسم غیر المسمی ، فمن عبد الإسم دون المعنی فقد کفر ولم یعبد شیئاً ، ومن عبد الإسم والمعنی فقد کفر وعبد اثنین ، ومن عبد المعنی دون الإسم فذاک التوحید ، أفهمت یا هشام ؟ قال فقلت: زدنی قال: إن لله تسعة وتسعین إسماً فلو کان الإسم هو المسمی لکان کل إسم منها إلهاً ، ولکن الله معنی یدل علیه بهذه الأسماء وکلها غیره ، یا هشام الخبز إسم للمأکول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق ، أفهمت یا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذین مع الله عز وجل غیره ؟ قلت: نعم .قال فقال: نفعک الله به وثبتک یا هشام ، قال هشام فوالله ما قهرنی أحد فی التوحید حتی قمت

مقامی هذا .

علی بن إبراهیم ، عن العباس بن معروف ، عن عبدالرحمن بن أبی نجران قال: کتبت إلی أبی جعفر(علیه السّلام)أو قلت له: جعلنی الله فداک نعبد الرحمن الرحیم الواحد الاحد الصمد ؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمی بالأسماء أشرک وکفر وجحد ولم یعبد شیئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمی بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه .

الکافی:1/103:

علی بن محمد ، عن سهل بن زیاد ، وعن غیره ، عن محمد بن سلیمان ،

ص: 198

عن علی بن إبراهیم ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال: إن الله عظیم رفیع لا یقدر العباد علی صفته ، ولا یبلغون کنه عظمته ، لا

تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ ، ولا یوصف بکیف ولا أین وحیث ، وکیف أصفه بالکیف وهو الذی کیف الکیف حتی صار کیفاً فعرفت الکیف بما کیف لنا من الکیف ، أم کیف أصفه بأین وهو الذی أین الاین حتی صار أیناً فعرفت الاین بما أین لنا من الأین ، أم کیف أصفه بحیث وهو الذی حیث الحیث حتی صار حیثاً فعرفت الحیث بما حیث لنا من الحیث ، فالله تبارک وتعالی داخل فی کل مکان وخارج من کل شئ ، لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ . لا إله إلا هو العلی العظیم ، وهو اللطیف الخبیر .

الإمام الکاظم(علیه السّلام)یرد علی تجسید النصاری

وقال الصدوق فی کتابه التوحید/75:

حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی (رض) قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن القاسم بن یحیی ، عن جده الحسن بن راشد ، عن یعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهیم موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) وهو یکلم راهباً من النصاری ، فقال له فی بعض ما ناظره: إن الله تبارک وتعالی أجل وأعظم من أن یحد بید أو رجل أو حرکة أو سکون ، أو یوصف بطول أو قصر ، أو تبلغه الأوهام ، أو تحیط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعیده ، أمر بلا شفة ولا لسان ، ولکن کما شاء أن یقول له کن ، فکان خبراً کما أراد فی اللوح .

ص: 199

ویبین أن الله تعالی غنی عن النزول والحرکة

قال الصدوق فی کتابه التوحید/183:

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بأبی عبد الله الکوفی قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی ، عن علی بن العباس ، عن الحسن بن راشد ، عن یعقوب بن جعفر الجعفری ، عن أبی إبراهیم موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) قال: ذکر عنده قوم یزعمون أن الله تبارک وتعالی ینزل إلی السماء الدنیا ، فقال: إن الله تبارک وتعالی لا ینزل ، ولا یحتاج إلی أن ینزل ، إنما منظره فی القرب والبعد سواء، لم یبعد منه قریب، ولم یقرب منه بعید ، ولم یحتج بل یحتاج إلیه ، وهو ذو الطَّول ، لا إله إلا هو العزیز الحکیم. أما قول الواصفین: إنه تبارک وتعالی ینزل، فإنما یقول ذلک من ینسبه إلی نقص أو زیادة ، وکل متحرک محتاج إلی من یحرکه أو یتحرک به ، فظن بالله الظنون فهلک ، فاحذروا فی صفاته من أن تقفوا له علی حد ، فتحدوه بنقص أو زیادة أو تحرک أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفین ونعت الناعتین وتوهم المتوهمین .

الإمام الرضا(علیه السّلام)یعلم تلامیذه الدفاع عن التوحید

توحید الصدوق/107:

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثنی عدة من أصحابنا ، عن محمد بن عیسی بن عبید قال قال لی أبو الحسن(علیه السّلام): ما تقول إذا قیل لک أخبرنی عن الله عز وجل شئ هو أم لا ؟

ص: 200

قال فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شیئاً حیث یقول: قل أی شئ أکبر شهادة قل الله شهید بینی وبینکم ، فأقول: إنه شئ لا کالأشیاء ،إذ فی نفی الشیئیة عنه إبطاله ونفیه. قال لی: صدقت وأصبت .

ثم قال لی الرضا(علیه السّلام): للناس فی التوحید ثلاثة مذاهب: نفی ، وتشبیه ، وإثبات بغیر تشبیه ، فمذهب النفی لا یجوز ، ومذهب التشبیه لا یجوز ، لأن الله تبارک وتعالی لا یشبهه شئ، والسبیل فی الطریقة الثالثة: إثبات بلا تشبیه.

توحید الصدوق/98:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید (رض) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیغ ، عن محمد ابن زید قال: جئت إلی الرضا(علیه السّلام)أسأله عن التوحید فأملی علی: الحمد لله فاطر الأشیاء إنشاء ، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحکمته ، لا من شئ فیبطل الإختراع ، ولا لعلة فلا یصح الإبتداع. خلق ما شاء کیف شاء ، متوحداً بذلک لاظهار حکمته وحقیقة ربوبیته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الاوهام ، ولا تدرکه الابصار ، ولا یحیط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وکلت دونه الأبصار ، وضل فیه تصاریف الصفات ، احتجب بغیر حجاب محجوب ، واستتر بغیر ستر مستور ، عرف بغیر رؤیة ، ووصف بغیر صورة ، ونعت بغیر جسم ، لا إله إلا الله الکبیر المتعال .

ورواه فی علل الشرائع:1/10

ویکشف حقیقة جدیدة فی الإسراء والمعراج

التوحید للصدوق/113:

ص: 201

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی ، عن الحسین بن الحسن ، عن بکر بن صالح ، عن الحسین بن سعید ، عن إبراهیم بن محمد الخزاز ، ومحمد بن الحسین ، قالا: دخلنا علی أبی الحسن الرضا(علیه السّلام) فحکینا له ما روی أن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه فی هیئة الشاب الموفق فی سن أبناء ثلاثین سنة ، رجلاه فی خضرة ، وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والمیثمی یقولون: إنه أجوف إلی السرة والباقی صمد ، فخر ساجداً ثم قال: سبحانک ما عرفوک ولا وحدوک ، فمن أجل ذلک وصفوک ، سبحانک لو عرفوک لوصفوک بما وصفت به نفسک ، سبحانک کیف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوک بغیرک. إلهی لا أصفک إلا بما وصفت به نفسک ، ولا أشبهک بخلقک ، أنت أهل لکل خیر ، فلا تجعلنی من القوم الظالمین .

ثم التفت إلینا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غیره ، ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط ، الذی لا یدرکنا الغالی ولا یسبقنا التالی. یا محمد إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین نظر إلی عظمة ربه کان فی هیئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثین سنة . .

یا محمد عظم ربی وجل أن یکون فی صفة المخلوقین .

قال قلت: جعلت فداک من کانت رجلاه فی خضرة ؟ قال: ذاک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان إذا نظر إلی ربه بقلبه جعله فی نور مثل نور الحجب حتی یستبین له ما فی الحجب ! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر ، ومنه احمرَّ ما احمر ، ومنه

ص: 202

أبیضَّ ما أبیض ، ومنه غیر ذلک. یا محمد ما شهد به الکتاب والسنة فنحن القائلون به .

ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:4/41 وقال:

بیان: قوله(علیه السّلام): النمط الوسطی وفی الکافی الأوسط قال الجزری: فی حدیث علی: خیر هذه الأمة النمط الأوسط ، النمط: الطریقة من الطرائق والضروب ، یقال: لیس هذا من ذلک النمط أی من ذلک الضرب ، والنمط: الجماعة من الناس أمرهم واحد. انتهی .

قوله(علیه السّلام): لا یدرکنا الغالی فی أکثر النسخ بالغین المعجمة ، وفی بعضها بالعین المهملة ، وعلی التقدیرین المراد به من یتجاوز الحد فی الأمور ، أی لا یدرکنا ولا یلحقنا فی سلوک طریق النجاة من یغلو فینا أوفی کل شئ ، والتالی أی التابع لنا لا یصل إلی النجاة إلا بالأخذ عنا ، فلا یسبقنا بأن یصل إلی المطلوب لا بالتوصل بنا .

وفی الکافی: إن نور الله منه أخضر ،ومنه أحمر ، ومنه أبیض ، ومنه غیر ذلک. وسیأتی فی باب العرش فی خبر أبی الطفیل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة ، فمن ذلک النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، ونور أبیض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار .

ثم اعلم أنه یمکن إبقاء الحجب والأنوار علی ظواهرها بأن یکون المراد بالحجب أجساماً لطیفة مثل العرش والکرسی یسکنها الملائکة الروحانیون، کما یظهر من بعض الدعوات والأخبار ، أی أفاض علیه شبیه نور الحجب

ص: 203

لیمکن له رؤیة الحجب کنور الشمس بالنسبة إلی عالمنا .

ویحتمل التأویل أیضاً بأن یکون المراد بها الوجوه التی یمکن الوصول إلیها فی معرفة ذاته تعالی وصفاته إذ لا سبیل لاحد إلی الکنه ، وهی تختلف باختلاف درجات العارفین قرباً وبعداً ، فالمراد بنور الحجب قابلیة تلک المعارف وتسمیتها بالحجب ، إما لأنها وسائط بین العارف والرب تعالی کالحجاب ، أو لأنها موانع عن أن یسند إلیه تعالی ما لا یلیق به ، أو لأنها لما لم تکن موصلة إلی الکنه فکأنها حجب ، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبین له حقیقة الشئ کما هی .

وقیل: إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار ، ووسائط النفوس الکاملة، والنفس إذا استکملت ناسبت نوریتها نوریة تلک الأنوار، فاستحقت الإتصال بها والاستفادة منها ، فالمراد بجعله فی نور الحجب جعله فی نور العلم والکمال مثل نور الحجب ، حتی یناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فیستبین له ما فی ذواتهم ، ولا یخفی فساده علی أصولنا بوجوه شتی .

وأما تأویل ألوان الأنوار فقد قیل فیه وجوه:

الأول: أنها کنایة عن تفاوت مراتب تلک الأنوار بحسب القرب والبعد من نور الأنوار ، فالابیض هو الاقرب ، والاخضر هو الابعد ، کأنه ممزوج بضرب من الظلمة ، والأحمر هو المتوسط بینهما ، ثم ما بین کل اثنین ألوان أخری کألوان الصبح والشفق المختلفة فی الالوان لقربها وبعدها من نور الشمس .

الثانی: أنها کنایة عن صفاته المقدسة ، فالاخضر قدرته علی إیجاد

ص: 204

الممکنات وإفاضة الأرواح التی هی عیون الحیاة ومنابع الخضرة ، والأحمر غضبه وقهره علی الجمیع بالإعدام والتعذیب ، والأبیض رحمته ولطفه علی عباده کما قال تعالی: وَأَمَّا

الَّذِینَ ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِی رَحْمَةِ اللهِ .

الثالث: ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذکر أنه مما أفیض علیه من أنوار الکشف والیقین ، وبیانه

یتوقف علی تمهید مقدمة وهی: أن لکل شئ مثالاً فی عالم الرؤیا والمکاشفة ، وتظهر تلک الصور والأمثال علی النفوس مختلفة باختلاف مراتبها فی النقص والکمال ، فبعضها أقرب إلی ذی الصورة ، وبعضها أبعد ، وشأن المعبر أن ینتقل منها إلی ذواتها ، فإذا عرفت هذا فالنور الأصفر عبارة عن العبادة ونورها کما هو المجرب فی الرؤیا ، فإنه کثیراً ما یری الرائی الصفرة فی المنام فیتیسر له بعد ذلک عبادة یفرح بها ، وکما هو المعاین فی جباه المتهجدین ، وقد ورد فی الخبر فی شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به. والنور الابیض العلم لأنه منشأ للظهور ، وقد جرب فی المنام أیضاً. والنور الاحمر المحبة کما هو المشاهد فی وجوه المحبین عند طغیان المحبة ، وقد جرب فی الاحلام أیضاً. والنور الأخضر المعرفة ، کما تشهد به الرؤیا ویناسبه هذا الخبر ، لأنه(علیه السّلام)فی مقام غایة العرفان کانت رجلاه فی خضرة .

ولعلهم(علیهم السّلام) إنما عبروا عن تلک المعانی علی تقدیر کونها مرادة بهذه التعبیرات ، لقصور أفهامنا عن محض الحقیقة کما تعرض علی النفوس الناقصة فی الرؤیا هذه الصور ، ولانا فی منام طویل من الغفلة عن الحقائق ، کما قال (علیه السّلام): الناس نیام فإذا ماتوا انتبهوا .

ص: 205

وهذه التأویلات غایة ما تصل إلیه أفهامنا القاصرة ، والله أعلم بمراد حججه وأولیائه(علیهم السّلام) . انتهی .

ملاحظة:

إذا شرح لنا عالم الفیزیاء مثلاً بعض قوانین الضوء وتحدث عن تغیر ترکیب الاجسام وطاقاتها إذا تحرکت بسرعة الضوء أو بأسرع منه ، فإننا نتعجب لذلک ونحترم آراءه . .

أما النبی والإمام المعصوم فإن حدیثهما أولی بالإحترام والثقة من عالم الفیزیاء ، ومن کل علماء الأرض، لأنهما یتحدثان عن الفیزیاء کما أخبرهما عنها خالقها تبارک وتعالی. فحدیث الإمام الرضا(علیه السّلام)عن المعراج وعن أصل الأنوار والألوان إنما هو عن جده المصطفی سید البشر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی أوحی إلیه الله تعالی وعرج به مرات متعددة کما فی الأحادیث الشریفة ، فأراه ملکوت السماوات والأرض .وأحادیث المعراج فیها أحادیث صحیحة ومهمة ، وهی تحتاج إلی دراسة من علماء الطبیعة ، لعلهم یکتشفون منها حقائق جدیدة عن الکون والطبیعة .

ولا نعنی بذلک رفض التفسیرات العقلیة والاشراقیة کالتی أوردها المجلسی (رحمه الله)، ولکنها تبقی تفسیراً لجانب ، أو احتمالات .. ونعم ما ختم به المحدث المجلسی(رحمه الله)کلامه فقال ( وهذه التأویلات غایة ما تصل إلیه أفهامنا القاصرة ، والله أعلم بمراد حججه وأولیائه(علیهم السّلام) .

ص: 206

الإمام الرضا(علیه السّلام)یعلم بنی العباس التوحید

توحید الصدوق/34:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید (رض) قال: حدثنا محمد بن عمر والکاتب، عن محمد بن زیاد القلزمی ، عن محمد بن أبی زیاد الجدی صاحب الصلاة بجدة قال: حدثنی محمد بن یحیی بن عمر بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)قال: سمعت أبا الحسن الرضا(علیه السّلام)یتکلم بهذا الکلام عند المأمون فی التوحید ، قال ابن أبی زیاد: ورواه لی أیضاً أحمد بن عبدالله العلوی مولی لهم وخالاً لبعضهم ، عن القاسم بن أیوب العلوی ، أن المأمون لما أراد أن یستعمل الرضا(علیه السّلام)علی هذا الأمر جمع بنی هاشم فقال: إنی أرید أن أستعمل الرضا علی هذا الأمر من بعدی ، فحسده بنو هاشم وقالوا: أتولی رجلاً جاهلاً لیس له بصر بتدبیر الخلافة ، فابعث إلیه رجلاً یأتنا فتری من جهله ما یستدل به علیه ، فبعث إلیه فأتاه فقال له بنو هاشم: یا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله علیه ، فصعد(علیه السّلام)المنبر ، فقعد ملیاً لا یتکلم مطرقاً ، ثم انتفض انتفاضة واستوی قائماً ، وحمد الله وأثنی علیه وصلی علی نبیه وأهل بیته. ثم قال:

أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحیده ، ونظام توحید الله نفی الصفات عنه ، لشهادة العقول أن کل موصوف مخلوق ، وشهادة کل مخلوق أن له خالقاً لیس بصفة ولا موصوف ، وشهادة کل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث ، فلیس الله عرف من عرف بالتشبیه ذاته ، ولا إیاه وحد

ص: 207

من اکتنهه ، ولا حقیقة أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إلیه ، ولا إیاه عنی من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إیاه أراد من توهمه .

کل معروف بنفسه مصنوع ، وکل قائم فی سواه معلول ، بصنع الله یستدل علیه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته. خلق الله حجاباً بینه وبینهم ، ومباینته إیاهم مفارقته إنیتهم ، وابتداؤه إیاهم دلیلهم علی أن لا ابتداء له ، لعجز کل مبتدأ عن ابتداء غیره ، وأَدْوه إیاهم دلیل علی أن لا أداة فیه ، لشهادة الادوات بفاقة المتأدین ، وأسماؤه تعبیر ، وأفعاله تفهیم ، وذاته حقیقة ، وکنهه تفریق بینه وبین خلقه ، وغبوره تحدید لما سواه .

فقد جهل الله من استوصفه ، وقد تعداه من اشتمله ، وقد أخطأه من اکتنهه ، ومن قال کیف فقد شبهه ، ومن قال لم فقد علله ، ومن قال متی فقد وقته ، ومن قال فیم فقد ضمنه ، ومن قال إلی م فقد نهاه ، ومن قال حتی م فقد غیاه ، ومن غیاه فقد غایاه، ومن غایاه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فیه ، لا یتغیر الله بانغیار المخلوق ، کما لا یتحدد بتحدید المحدود ، أحد لا بتأویل عدد ، ظاهر لا بتأویل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤیة ، باطن لا بمزایلة ، مبائن لا بمسافة ، قریب لا بمداناة ، لطیف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بجول فکرة ، مدبر لا بحرکة ، مرید لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرک لا بمجسة، سمیع لا بآلة، بصیر لا بأداة .

لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمنه الأماکن ، ولا تأخذه السنات ، ولا تحده

ص: 208

الصفات ، ولا تقیده الأدوات .

سبق الأوقات کونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله .

بتشعیره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهیره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بین الأشیاء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بین الأمور عرف أن لا قرین له ، ضاد النور بالظلمة ، والجلایة بالبهم ، والجسو بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بین متعادیاتها ، مفرق بین متدانیاتها ، دالة بتفریقها علی مفرقها ، وبتألیفها علی مؤلفها ، ذلک قوله عز وجل: ومن کل شئ خلقنا زوجین لعلکم تذکرون ، ففرق بها بین قبل وبعد لیعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غریزة لمغرزها ، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقیتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض لیعلم أن لا حجاب بینه وبینها غیرها ، له معنی الربوبیة إذ لا مربوب ، وحقیقة الإلهیة إذ لا مألوه ، ومعنی العالم ولا معلوم ، ومعنی الخالق ولا مخلوق ، وتأویل السمع ولا مسموع .

لیس منذ خلق استحق معنی الخالق، ولا بإحداثه البرایا استفاد معنی البارئیة، کیف ولا تغیبه مذ ، ولا تدنیه قد ، ولا تحجبه لعل ، ولا توقته متی ، ولا تشمله حین ، ولا تقارنه مع ، إنما تحد الأدوات أنفسها ، وتشیر الالة إلی نظائرها ، وفی الأشیاء یوجد فعالها ، منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الأزلیة ، وجبتها لولا التکملة ، افترقت فدلت علی مفرقها ، وتباینت فأعربت من مباینها ، لما تجلی صانعها للعقول ، وبها احتجب عن الرؤیة ، وإلیها تحاکم الاوهام ، وفیها أثبت غیره ، ومنها أنیط الدلیل ، وبها عرفها الإقرار .

ص: 209

وبالعقول یعتقد التصدیق بالله ، وبالإقرار یکمل الإیمان به ، ولا دیانة إلا بعد المعرفة ، ولا معرفة إلا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبیه ، ولا نفی مع إثبات الصفات للتشبیه ، فکل ما فی الخلق لا یوجد فی خالقه ، وکل ما یمکن فیه یمتنع من صانعه ، لا تجری علیه الحرکة والسکون ، وکیف یجری علیه ما هو أجراه ، أو یعود إلیه ما هو ابتداه ، إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ کنهه ، ولامتنع من الأزل معناه، ولما کان للبارئ معنی غیر المبروء .

ولو حد له وراء إذاً حد له أمام ، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان ، کیف یستحق الأزل من لا یمتنع من الحدث ، وکیف ینشئ الأشیاء من لا یمتنع من الانشاء، إذاً لقامت فیه آیة المصنوع ، ولتحول دلیلاً بعدما کان مدلولاً علیه .

لیس فی محال القول حجة ، ولا فی المسألة عنه جواب ، ولا فی معناه له تعظیم ، ولا فی إبانته عن الخلق ضیم ، إلا بامتناع الأزلی أن یثنی ، وما لا بدأ له أن یبدی ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، کذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعیداً ، وخسروا خسراناً مبینا. وصلی الله علی محمد النبی وآله الطیبین الطاهرین .

نماذج من کلمات علماء مذهب أهل البیت(علیهم السّلام)

الإعتقادات/3 9 للصدوق المتوفی سنة 381:

إعلم أن اعتقادنا فی التوحید: أن الله تعالی واحد أحد لیس کمثله شئ ، قدیم لم یزل ولا یزال ، سمیعاً بصیراً علیماً حکمیاً حیاً قیوماً عزیزاً قدوساً

ص: 210

عالماً قادراً غنیاً ، لا یوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سکون ولا حرکة ولا مکان ولا زمان ، وأنه تعالی متعال من جمیع صفات خلقه ، خارج عن الحدین حد الإبطال وحد التشبیه. وأنه تعالی شئ لا کالأشیاء ، صمد ، لم یلد فیورث ولم یولد فیشارک ولم یکن له کفواً أحد ، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه ، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظیر ولا شریک له ، لا تدرکه الابصار وهو یدرک الأبصار ولا الأوهام وهو یدرکها ، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطیف الخبیر، خالق کل شئ ، لا إله إلا هو ، له الخلق والأمر ، تبارک الله رب العالمین .

ومن قال بالتشبیه فهو مشرک ، ومن نسب إلی الإمامیة غیر ما وصف فی التوحید فهو کاذب ، وکل خبر یخالف ما ذکرت فی التوحید فهو موضوع مخترع ، وکل حدیث لا یوافق کتاب الله فهو باطل ، وإن وجد فی کتب علمائنا فهو مدلس .

والأخبار التی یتوهمها الجهال تشبیهاً لله تعالی بخلقه فمعانیها محمولة علی ما فی القرآن من نظائرها ، لأن ما فی القرآن: کل شئ هالک إلا وجهه ، ومعنی الوجه الدین ، والوجه الذی یؤتی الله منه ویتوجه به إلیه .

وفی القرآن: یوم یکشف عن ساق ویدعون إلی السجود وهم سالمون ، والساق وجه الأمر وشدته .

وفی القرآن: أن تقول نفس یا حسرتی علی ما فرطت فی جنب الله ، والجنب الطاعة .

وفی القرآن: وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی ، وهو روح مخلوقة جعل الله منها فی

ص: 211

آدم وعیسی ، وإنما قال روحی کما قال: نبیی وعبدی وجنتی أی: مخلوقی ، وناری وسمائی وأرضی. وفی القرآن: بل یداه مبسوطتان ، یعنی نعمة الدنیا ونعمة الآخرة .

وفی القرآن: والسماء بنیناها بأید ، والأید القوة ، ومنه قوله تعالی: وَاذْکُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَیْدِ ، یعنی ذا القوة .

وفی القرآن: یا إبلیس ما منعک أن تسجد لماخلقت بیدی ، یعنی بقدرتی وقوتی .

وفی القرآن: وَالأَرْضُ جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ، یعنی ملکه ولایملکها معه أحد .

وفی القرآن: والسماوات مطویات بیمینه ، یعنی بقدرته .

وفی القرآن: وَجَاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ، یعنی وجاء أمر ربک .

وفی القرآن: کَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، یعنی عن ثواب ربهم .

وفی القرآن: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلا أَنْ یَاتِیَهُمُ اللَّهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَ الْمَلائِکَةُ ، أی عذاب الله .

وفی القرآن: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، یعنی مشرقة تنظر ثواب ربها .

وفی القرآن: وَمَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوَی ، وغضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه.

وفی القرآن: تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِکَ ، أی تعلم غیبی ولا أعلم غیبک .

ص: 212

وفی القرآن ، وَیُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ، یعنی إنتقامه .

وفی القرآن: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ .

وفیه: هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائکة استغفار وتذکیة ومن الناس دعاء .

وفی القرآن: وَمَکَرُوا وَ مَکَرَ اللهُ وَاللهُ خَیْرُ الْمَاکِرِینَ .

وفی القرآن: یُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ .

وفیه: اللهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ .

وفی القرآن: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ .

وفیه: نَسُوا اللهَ فَنَسِیَهُمْ .

ومعنی ذلک کله أنه عز وجل یجازیهم جزاء المکر وجزاء المخادعة وجزاء الإستهزاء وجزاء النسیان وهو أن ینسیهم أنفسهم کما قال عز وجل: وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، لأنه عز وجل فی الحقیقة لا یمکر ولا یخادع ولا یستهزی ولا یسخر ولا ینسی ، تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً .

ولیس یرد فی الأخبار التی یشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا بمثل هذه الألفاظ ومعانیها معانی ألفاظ القرآن .

الکافی/38 ، لأبی الصلاح الحلبی المتوفی سنة 447:

. . . وثبوت کونه تعالی قدیماً مقتض لکونه سبحانه غنیاً تستحیل علیه الحاجة ،( لأن ) الحاجة لا تکون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ، من حیث علمنا استحالة الحاجة علی من یستحیل علیه الضرر والنفع کالموات

ص: 213

والجماد . والنفع والضرر لا یجوزان إلا علی من یلذ ویألم ، لأن الحی إنما ینتفع بما یلذ به أو یسر له ، ویستضر بما یألم به أو یغتم لأجله، واللذة والألم لا یجوزان إلا علی ذی شهوة ونفور ، إذ معنی ملتذ أنه أدرک ما یشتهیه ، ومعنی متألم أنه أدرک ما ینفر عنه ، ومعنی مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إلیه أو إلی من یجری مجراه واندفاع ضرر ، ومعنی مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر الیه أو إلی من یجری مجراه أو فوت نفع ، فعاد معنی السرور والغم إلی النفع والضرر .

إذا تقرر هذا وکانت الشهوة والنفار معانی تفتقر إلی محل استحال تخصیصها . وکونه تعالی لا یشبه شیئاً یحیل إدراکه سبحانه بشئ من الحواس ، لاختصاص الإدراک المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض ، ولیس هو من الجنسین ، فاستحال إدراکه تعالی .

ولأنه لو کان مما یصح أن یدرک بشئ من الحواس لوجب أن ندرکه الآن ، لأنا علی الصفة التی معها یجب أن یدرک کلما یصح إدراکه بشرط ارتفاع الموانع ، وهو سبحانه موجود والموانع مستحیلة علیه ، لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والکون فی غیر جهة المقابلة ، وذلک أجمع من صفات المتحیزات ، وقد دللنا علی کونه سبحانه بخلافها ، فلو کان مما یصح أن یدرک لأدرکناه الان ، ولو أدرکناه لعلمناه ضرورة ، من حیث کان العلم بالمدرک من کمال العقل ، وفی عدم العلم به سبحانه ضرورة دلیل علی عدم إدراکه . . .

وثبوت کونه تعالی لا یشبه شیئاً یحیل علیه التنقل والإختصاص بالحیاة

ص: 214

والمجاورة ، لأن ذلک من أحکام المتحیزات ولیس بمتحیز. ویحیل علیه سبحانه الحلول وإیجاب الاحوال والأحکام ، لأن ذلک من خواص الاعراض، فتسقط لذلک مذاهب الثنویة والمجوس والصابئین وعباد الأصنام والمنجمین والنصاری والغلاة ، لاثبات هؤلاء أجمع إلهیة الاجسام ، أو کونها مؤثرة ما یستحیل من الجسم تأثیره ، علی ما سلف بیانه .

کشف المراد للعلامة الحلی ص320 : المتوفی سنة 726:

المسألة العشرون: فی أنه تعالی لیس بمرئی .

أقول: وجوب الوجود یقتضی نفی الرؤیة أیضاً. واعلم أن أکثر العقلاء ذهبوا إلی امتناع رؤیته تعالی ، والمجسمة جوزوا رؤیته لاعتقادهم أنه تعالی جسم ولو اعتقدوا تجرده لم یجوزوا رؤیته عندهم. والأشاعرة خالفوا العقلاء کافة هنا وزعموا أنه تعالی مع تجرده یصح رؤیته .

والدلیل علی امتناع الرؤیة أن وجوب الوجود یقتضی تجرده ونفی الجهة والحیز عنه ، فتنتفی الرؤیة عنه بالضرورة ، لأن کل مرئی فهو فی جهة یشار إلیه بأنه هناک أو هنا ، ویکون مقابلاً أو فی حکم المقابل ، ولما انتفی هذا المعنی عنه تعالی انتفت الرؤیة . . . أقول: لما استدل علی نفی الرؤیة شرع فی الجواب عن الاحتجاج ، والأشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف (رحمه الله)عنها .

الأول ، إن موسی(علیه السّلام)سئل الرؤیة ولو کانت ممتنعة لم یصح عنه السؤال .

والجواب: أن السؤال کان من موسی(علیه السّلام)لقومه لیبین لهم امتناع الرؤیة لقوله تعالی: لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ ، وقوله: أَتُهْلِکُنَا

ص: 215

بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا... .

الوجه الثانی لهم ، أنه تعالی حکی عن أهل الجنة النظر الیه فقال: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، والنظر المقرون بحرف إلی یفید الرؤیة ، لأنه حقیقة فی تقلیب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤیة ، وهذا متعذر فی حقه تعالی لإنتفاء الجهة ، عنه فیتعین أن یکون المراد منه المجاز ، وهی الرؤیة التی هی معلولة النظر الحقیقی ، واستعمال لفظ السبب فی المسبب من أحسن وجوه المجاز .

والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز ، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلی لا یفید الرؤیة ، ولهذا یقال نظرت إلی الهلال فلم أره ، وإذا لم یتعین هذا المعنی للإرادة أمکن حمل الآیة علی غیره ، وهو أن یقال إن إلی واحد إلاء ویکون معنی ناظرة أی منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقدیره إلی ثواب ربها ناظرة .

لا یقال: الإنتظار سبب الغم والآیة سیقت لبیان النعم .

لانا نقول: سیاق الآیة یدل علی تقدم حال أهل الثواب والعقاب علی استقرارهم فی الجنة والنار بقوله: وجوه یومئذ ناظرة ، بدلیل قوله تعالی: وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ، فإن فی حال استقرار أهل النار فی النار قد فعل بها فاقرة فلا یبقی للظن معنی. وإذا کان کذلک فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا یکون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه کمن یعلم وصول نفع إلیه یقیناً فی وقت ، فإنه یسر بذلک وإن لم یحضر الوقت ، کما أن انتظار العقاب بعد الانذار بوروده یوجب الغم

ص: 216

ویقتضی بسارة الوجه .

قال: وتعلیق الرؤیة باستقرار المتحرک لا یدل علی الإمکان .

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للاشعریة وتقریر احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالی علق الرؤیة فی سؤال موسی(علیه السّلام)علی استقرار الجبل ، والإستقرار ممکن لأن کل جسم فسکونه ممکن ، والمعلق علی الممکن ممکن .

والجواب: أنه تعالی علق الرؤیة علی الإستقرار لا مطلقاً بل علی استقرار الجبل حال حرکته ، واستقرار الجبل حال الحرکة محال ، فلا یدل علی إمکان المعلق .

قال: واشتراک المعلولات لا یدل علی اشتراک العلل مع منع التعلیل والحصر.

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طریق العقل استدلوا بها علی جواز رؤیته تعالی ، وتقریرها أن الجسم والعرض قد اشترکا فی صحة الرؤیة ، وهذا حکم مشترک یستدعی علة مشترکة ، ولا مشترک بینهما إلا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا یصلح للعلیة لأنه مرکب من قید عدمی فیکون عدمیاً ، فلم یبق إلا الوجود فکل موجود یصح رؤیته وأنه تعالی موجود .

وهذا الدلیل ضعیف جداً لوجوه:

الأول: المنع من رؤیة الجسم ، بل المرئی هو اللون أو الضوء لا غیر .

الثانی، لا نسلم اشتراکهما فی صحة الرؤیة ، فإن رؤیة الجوهر مخالفة لرؤیة العرض .

الثالث ، لا نسلم أن الصحة ثبوتیة بل هی أمر عدمی ، لأن جنس صحة

ص: 217

الرؤیة وهو الامکان عدمی ، فلا یفتقر إلی العلة .

الرابع ، لا نسلم أن المعلول المشترک یستدعی علة مشترکة ، فإنه یجوز اشتراک العلل المختلفة فی المعلولات المتساویة .

الخامس ، لا نسلم الحصر فی الحدوث والوجود ، وعدم العلم لا یدل علی العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الامکان ، وجاز التعلیل به وإن کان عدمیاً ، لأن صحة الرؤیة عدمیة .

السادس ، لا نسلم أن الحدوث لا یصلح للعلیة ، وقد بینا أن صحة الرؤیة عدمیة ، علی أنا نمنع من کون الحدوث عدمیاً ، لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغیر لا المسبوق بالعدم .

السابع ، لم لا یجوز أن تکون العلة هی الوجود بشرط الامکان أو بشرط الحدوث ، والشروط یجوز أن تکون عدمیة .

الثامن ، المنع من کون الوجود مشترکاً ، لأن وجود کل شئ نفس حقیقته ، ولو سلم کون الوجود الممکن مشترکاً ، لکن وجود الله تعالی مخالف لغیره من الوجودات ، لأنه نفس حقیقته ، ولا یلزم من کون وجود بعض الماهیات علة لشئ کون ما یخالفه علة لذلک الشئ .

التاسع ، المنع من وجود الحکم عند وجود المقتضی ، فإنه جاز وجود مانع فی حقه تعالی ، أما ذاته أو صفة من صفاته ، أو نقول الحکم یتوقف علی شرط کالمقابلة هنا وهی تمتنع فی حقه تعالی ، فلا یلزم وجود الحکم فیه .

الرسالة السعدیة للعلامة الحلی/39:

والدلیل علی المذهب الأول: العقل ، والنقل .

ص: 218

أما العقل ، فإن الضرورة قاضیة: بأن کل مرئی ، فإنه لابد وأن یکون مقابلاً للرائی ، أو فی حکم المقابل کالمرئی فی المرایا. وکل مقابل أو فی حکمه فهو فی جهة ، والله تعالی لیس فی جهة فلا یکون مرئیاً .

ولانه لو کان مرئیاً لرأیناه الان ، لوجود العلة المقتضیة للرؤیة وهی حصول الشرایط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة .

وأما النقل ، فقوله تعالی: لَنْ تَرَانِی ، ولو کانت صحیحة ویراه بعض المؤمنین ، لکان موسی(علیه السّلام)أولی بالرؤیة .

وقوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، تمدح بنفی الرؤیة فیکون ثبوتها نقصاً ، والنقص علی الله تعالی محال .

ولأن الخصم یسلم أن معرفة الله تعالی لیست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقیقته ، فکیف تصح رؤیته والاحاطة بکنه حقیقته ، تعالی الله عن ذلک .

ص: 219

ص: 220

الفصل الخامس : من أین نشأت المشکلة عند إخواننا السنة

اشارة

ص: 221

ص: 222

العامل الأول: میل العوام إلی التشبیه والتجسیم

للذهن البشری حالة ابتدائیة طفولیة یتصور فیها کثیراً من الأمور تصوراً خاطئاً ، حتی إذا تعمق فی الفکر والتجربة . . تصححت نظرته ! ولعل أکثر الناس یتصورون الله تعالی فی طفولتهم بصور من محیطهم ، فیتخیله أحدهم کأبیه مثلاً ، أو کإنسان صاحب صفات حسنة . . . وهذا أمر طبیعی ، بل قد یکون فطریاً ، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنین کقرنیها ( نحوه فی بحار الأنوار:69/293 )ولکن هذه الحالة الطفولیة إذا استمرت مع الإنسان ولم تتطور ، فإنها تتحول إلی حالة عامیة مستعصیة ، ولذا تری أصحابها یمیلون إلی الإعتقاد بأن الله تعالی جسم ، ویروون عنه القصص والخیالات !

وقد کانت هذه ( العامیة ) سائدة فی مجتمع الیهود الذی انحرف عن رسالات أنبیائه ، وکذا فی مجتمع العرب الوثنی ، وصارت أرضیة لتقبل نظریات الرؤیة والتشبیه والتجسیم من الیهود ، وترویجها بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والتنظیر لها ! حتی أن بعض الحنابلة والأشعریین کابن عقیل والذهبی ادعیا أن الإسلام دین عوامی یتبنی منهج العوامیة !

قال الذهبی فی سیره:19/448: قال ابن عقیل فی الفنون: الأصلح لإعتقاد

ص: 223

العوام ظواهر الای ، لأنهم یأنسون بالإثبات ، فمتی محونا ذلک من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم فی التشبیه أحب إلینا من إغراقهم فی التنزیه ، لأن التشبیه یغمسهم فی الاثبات فیخافون ویرجون ، والتنزیه یرمی بهم إلی النفی ، فلا طمع ولا مخافة فی النفی. ومن تدبر الشریعة رآها غامسة للمکلفین فی التشبیه بالالفاظ الظاهرة التی لا یعطی ظاهرها سواه کقول الاعرابی: أو یضحک ربنا ؟ قال النبی (ص): نعم ، فلم یکفهر لقوله وترکه وما وقع له ! انتهی .

وقد تبنی الذهبی هذا الإتجاه الخطیر وأشاد بأهله ! وبلغ به الأمر أنه نقل کلام أبی حاتم بن خاموش الذی کفر فیه کل المسلمین ما عدا الحنابلة ولم یعلق علیه ، قال فی سیره:18/507:

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعیل یقول: قصدت أبا الحسن الخرقانی الصوفی ، ثم عزمت علی الرجوع ، فوقع فی نفسی أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالری وألتقیه ، وکان مقدم أهل السنة بالری ، وذلک أن السلطان محمود بن سبکتکین لما دخل الری ، وقتل بها الباطنیة منع الکل من الوعظ غیر أبی حاتم ، وکان من دخل الری یعرض علیه اعتقاده فإن رضیه أذن له فی الکلام علی الناس وإلا فمنعه ، قال: فلما قربت من الری کان معی رجل فی الطریق من أهلها فسألنی عن مذهبی فقلت: حنبلی ، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبی ، وقال: لا أفارقک إلی الشیخ أبی حاتم ، فقلت خیرة ، فذهب بی إلی داره ، وکان له ذلک الیوم مجلس عظیم ، فقال: هذا سألته عن مذهبه ، فذکر مذهباً لم أسمع به قط.

ص: 224

قال: وما قال ؟ فقال قال: أنا حنبلی. فقال: دعه ، فکل من لم یکن حنبلیاً فلیس بمسلم. فقلت فی نفسی: الرجل کما وصف لی ، ولزمته أیاماً وانصرفت. انتهی .

وقال الناشر عما وجده فی المخطوطة: ( فی حاشیة الأصل بخط مغایر ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له فی تصویبه ذلک وکذلک المادح له، بل لو قیل: إن قائل هذه المقالة یکفر بها لم یبعد ، لأنه نفی الإسلام عن عالم عظیم من هذه الأمة لیسوا بحنابلة ، بل هم الجمهور الاعظم ، ولقد بالغ المصنف فی هذا الکتاب فی تعظیم رؤوس التجسیم ، وسیاق مناقبهم ، والتغافل عن بدعهم ، بل یعدها سنة. ویهضم جانب أهل التنزیه ، ویعرض بهم أو یصرح ، ویتغافل عن محاسنهم العظیمة وآثارهم فی الدین ، کما فعل فی ترجمة إمام الحرمین والغزالی ، والله حسیبه ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم ). انتهی .

وقد کان العوام الرعاع فی کل جیل یتعصبون للقول بالتشبیه ولمن یقول به، ویؤیدونه ضد خصومه بأسالیب خشنة عدوانیة ! فقد روی ابن بطوطة فی رحلته:1/90 إحدی مشاهداته فقال: (وکان بدمشق من کبار الفقهاء الحنابلة تقی الدین بن تیمیة کبیر الشام ، یتکلم فی الفنون إلا أن فی عقله شیئاً.. وکنت إذ ذاک بدمشق فحضرته یوم الجمعة وهو یعظ الناس علی منبر الجامع ویذکرهم فکان من جملة کلامه أن قال: إن الله ینزل إلی سماء الدنیا کنزولی هذا ، ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقیه مالکی یعرف بابن الزهراء وأنکر ما تکلم به ، فقامت العامة إلی هذا الفقیه وضربوه

ص: 225

بالایدی والنعال ضرباً کثیراً ، حتی سقطت عمامته وظهر علی رأسه شاشیة حریر ) انتهی .

وبقی هذا السلوک العوامی لاصحاب الرؤیة والتجسیم ، إرثاً موروثاً من قرون الإسلام الأولی ! بل زاد علیه الأشعریون والمجسمة والدولة فی ابتکار أسالیب القمع والإرهاب للذین یخالفونهم ، کما عرفت فی موقفهم من

التأویل والمتأولة ، وکما فعلوا مع الطبری المؤرخ لأنه لم یوافقهم علی أن الله تعالی یجلس علی عرشه ، فیفضل منه أربع أصابع لیجلس علیها الأنبیاء إلی جنبه ! قال الحموی فی معجم الأدباء:9 جزء 18/57 فی ترجمة الطبری: (فلما قدم إلی بغداد من طبرستان بعد رجوعه إلیها تعصب علیه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبیاضی. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل فی الجامع یوم الجمعة وعن حدیث الجلوس علی العرش. فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا یعد خلافه. فقالوا له: فقد ذکره العلماء فی الإختلاف ، فقال: ما رأیته روی عنه ، ولا رأیت له أصحاباً یعول علیهم. وأما حدیث الجلوس علی العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من لیس له أنیس ولا له فی عرشه جلیس

فلما سمع ذلک الحنابلة منه وأصحاب الحدیث وثبوا ورموه بمحابرهم ، وقیل کانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتی صار علی بابه کالتل العظیم . . . إلی آخر القصة التی سنذکرها فی مکانة المجسمین فی مصادر إخواننا . . . .

وقال ابن قیم الجوزیة فی بدائع الفوائد:4/39:

ص: 226

قال القاضی: صنف المروزی کتاباً فی فضیلة النبی(ص)وذکر فیه إقعاده علی العرش وهو قول أبی داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد . . . إلخ. ثم قال ابن القیم: قلت: وهو قول ابن جریر الطبری وإمام هؤلاء کلهم مجاهد إمام التفسیر. انتهی .

ولم یذکر ابن القیم عمن أخذه مجاهد ، ولا ذکر إهانة الحنابلة للطبری وإجبارهم إیاه علی القول بذلک !

وقال ابن خلدون فی تاریخه:4/477:

کانت مدینة بغداد قد احتفلت فی کثرة العمران بما لم تنته إلیه مدینة فی العالم منذ مبدأ الخلیقة فیما علمناه ، واضطربت آخر الدولة العباسیة بالفتن وکثر فیها المفسدون والدعار والعیارون من الرها ، وأعیا علی الحکام أمرهم ، وربما أرکبوا العساکر لقتالهم ویثخنون فیهم ، فلم یحسم ذلک من عللهم شیئاً ، وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشیعة من الخلاف فی الإمامة ومذاهبها ، وبین الحنابلة والشافعیة وغیرهم من تصریح الحنابلة بالتشبیه فی الذات والصفات ونسبتهم ذلک إلی الإمام أحمد وحاشاه منه ، فیقع الجدال والنکیر ثم یفضی إلی الفتنة بین العوام ، وتکرر ذلک منذ حُجِرَ الخلفاء ، ولم یقدر بنو بویه ولا السلجوقیة علی حسم ذلک منها ، لسکنی أولئک بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد ، والشوکة التی تکون بها حسم العلل لاتفاقهم ، وإنما تکون

ببغداد شحنة (حامیة عسکریة ) تحسم ما خف من العلل ما لم ینته إلی عموم الفتنة .

. . . لم یحصل من ملوکهم اهتمام لحسم ذلک لإشتغالهم بما هو أعظم منه

ص: 227

فی الدولة والنواحی ، وعامة بغداد أهون علیهم من أن یصرفوا همتهم عن العظائم إلیهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها ، إلی أن اختلفت جدتها وتلاشی عمرانها ، وبقی طراز فی ردائها لم تذهبه الأیام ! !

وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة:12/143:

ثم دخلت سنة سبعین وأربعمائة قال ابن الجوزی . . . وفی شوال منها وقعت فتنة بین الحنابلة وبین فقهاء النظامیة ، وحمی لکل من الفریقین طائفة من العوام ، وقتل بینهم نحو من عشرین قتیلاً ، وجرح آخرون ثم سکنت الفتنة.

وقال الصدیق المغربی فی فتح الملک العلی/95:

وقال ابن قتیبة فی اختلاف الحدیث: الحدیث یدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتیالهم للإسلام بدس الأحادیث المستبشعة والمستحیلة. والقصاص فإنهم یمیلون وجوه العوام إلیهم ویستدرون ما عندهم بالمناکیر وغرائب الأحادیث، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام یأتی بالعجائب الخارجة عن نظر العقول .

وقال ابن الجوزی فی الموضوعات: معظم البلاء فی وضع الحدیث إنما یجری من القصاص لأنهم یریدون أحادیث ترقق وتنفق ، والصحیح فیها یقل . ویحکی عن أبی عبدالله النهاوندی أنه قال: قلت لغلام خلیل: هذه الأحادیث التی تحدث بها فی الرقاق قال: وضعناها لنقوی بها قلوب العامة ، قال: وکان یتزهد ویهجر شهوات الدنیا ویتقوت الباقلاء صرفاً ، وغلقت الأسواق ببغداد یوم موته ! . . . وقد نص السلف علی أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أیضاً. انتهی .

ص: 228

لکن ذکرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصین وأعطاهم الشرعیة هو الخلیفة عمر . . قال أحمد فی مسنده:3/449: عن السائب بن یزید: أنه لم یکن یقص علی عهد رسول الله(ص)ولا أبی بکر ، وکان أول من قص تمیماً الداری ، استأذن عمر بن الخطاب أن یقص علی الناس قائماً فأذن له عمر !

وقال فی کنز العمال:10/280: عن ثابت البنانی قال: أول من قص عبید بن عمیر علی عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسکری فی المواعظ .

العامل الثانی: الخوف من أن یؤدی التنزیه إلی التعطیل

أفرط بعضهم فی التأکید علی الصفات السلبیة وتنزیه الله تعالی ، فسبب ذلک عند الآخرین الخوف من سلب فاعلیته تعالی وتأثیره فی الوجود .

ولکن هؤلاء المتخوفین وقعوا فی الإفراط من الجهة الأخری فی الصفات الثبوتیة، فتصوروا أن فاعلیة الله تعالی وتدبیره للکون یتوقف علی أن یکون وجوداً محدوداً ، یتجول فی سماواته وینزل إلی أرضه ویتجسد فی صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذین الخطین من الإفراط والتفریط موجودان عند المتکلمین والفلاسفة من الأمم السابقة کما هما فی هذه الأمة !

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحمید ومقاومة التعطیل ، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزیه ومقاومة التشبیه .

ونفس الکلام یرد أیضاً فی أفعال الإنسان ، أوالجبر والإختیار ، أو القضاء والقدر ، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلیة الله تعالی فی الوجود . .

ص: 229

بینما قال المعتزلة بحریة الإنسان ومسؤولیته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالی وتنزیهه عن الظلم .

أما أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم فکان لهم موقف ثالث یمثل أصالة الدین الإلهی من آدم(علیه السّلام)إلی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی تنزیه الله تعالی وتحمیده فی آن واحد ، فنفوا عنه التشبیه والتجسیم والرؤیة ، کما نفوا عنه الظلم والإجبار ، وأثبتوا فاعلیته تعالی وهیمنته الشاملة علی الوجود ، ومسؤولیة الإنسان عن عمله ، کما ستری إن شاء الله تعالی .

وقد اشتبه الأمر علی بعض الباحثین فتخیلوا أن موقف أهل البیت(علیهم السّلام) حل وسط بین الإتجاهین ، بینما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبی الأشاعرة والمعتزلة ، وهو یختلف عنهما فی أساسه وعدد من تفاصیله ، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصیل .

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمین للیهود

کان الجدل بین المسلمین والیهود کثیراً فی عهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفی صدر الإسلام ، ومن أبرز مسائله المفاضلة بین نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبین النبی موسی(علیه السّلام) .

وقد حاول بعض المسلمین مضاهاة الیهود بمعارضة کل فضیلة یذکرونها لموسی(علیه السّلام)بإثبات فضیلة مقابلها لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکأن المسألة مغالبة بین نبیین، وکأن أذهان البشر هی التی تزن فضائل الأنبیاءوتعطی أحدهم درجة الأفضلیة أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضیلة تکلیم الله تعالی لموسی(علیه السّلام)التی نص علیها

ص: 230

القرآن ، باختراع حدیث رؤیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لربه ، لکی یتم بذلک تقسیم الفضائل بین الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ویکون الترجیح لفضائل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولکن ادعاء هذه الفضیلة المستحیلة بنص القرآن جاء علی حساب تنزیه الله تعالی! وفیما یلی عدد من الأحادیث التی رووها فی ذلک:

روی النسائی فی تفسیره:2/348:

عن ابن عباس: أتعجبون أن تکون الخلة لإبراهیم ، والکلام لموسی ، والرؤیة لمحمد (ص) .

وقال النووی فی شرح مسلم:2 جزء 3/5:

. . . والحجج فی هذه المسألة . . . حدیث ابن عباس ( رض ) أتعجبون أن تکون الخلة لإبراهیم والکلام لموسی والرؤیة لمحمد (ص) . .

وروی الحاکم فی المستدرک:1/65:

. . . عن قتادة عن عکرمة عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: أتعجبون أن تکون الخلة لابراهیم والکلام لموسی والرؤیة لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه. وله شاهد صحیح عن ابن عباس فی الرؤیة . . . قال رأی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ربه. وله شاهد ثالث صحیح الإسناد . . . عن ابن عباس قال قد رأی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ربه . . . وهذه الأخبار التی ذکرتها صحیحة کلها ، والله اعلم. انتهی. ورواه الحاکم أیضاً فی:2/282 ، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه . وروی نحوه فی:2/316 وص 469 .

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:1/217:

ص: 231

جابر: إن الله أعطی موسی الکلام فأعطانی الرؤیة . . وفضلنی بالمقام المحمود والحوض المورود . انتهی . وروی نحوه الدمیری فی حیاة الحیوان: 2/72 .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس قال: نظر محمد(ص)إلی ربه تبارک وتعالی ، قال عکرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلی ربه ! قال نعم ، جعل الکلام لموسی والخلة لإبراهیم والنظر لمحمد(ص). رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه حفص بن عمر العدنی روی ابن أبی حاتم توثیقه عن أبی عبد الله الطهرانی، وقد ضعفه النسائی وغیره .

وروی الذهبی فی سیره:14/45 عن عکرمة حدیث ابن عباس ، وقال الناشر فی هامشه: أخرجه ابن خزیمة فی التوحید/199 من طریق عبد الوهاب بن الحکم الوراق ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن قیس بن الربیع ، عن عاصم الأحول ، عن عکرمة ، عن ابن عباس قال: إن الله .. الخ. وأخرجه أیضاً / 197 من طریق محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنی قالا: حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنی أبی ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس . . . وهذا رأی لا دلیل علیه ، وهو مخالف للأدلة الکثیرة الوفیرة فی أنه(ص)لم یر ربه فی تلک اللیلة. وقد حکی عثمان بن سعید الدارمی اتفاق الصحابة علی ذلک. أنظر التفصیل فی زاد المعاد:3/36-37. انتهی .

هذا ، ولکن المعروف عن ابن عباس أنه کان ینفی التشبیه والرؤیة کما تقدم ، فلا یبعد أن یکون الحدیث مکذوباً علیه من عکرمة غلامه ، فقد

ص: 232

کان عکرمة معروفاً بالکذب علی ابن عباس فی حیاته وبعد وفاته ، حتی ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب فی المرحاض ، کما هو معروف فی کتب الجرح والتعدیل .

وکان عکرمة یروی الإسرائیلیات عن وهب وکعب وغیرهما من الیهود .

ویؤید ذلک أن السهیلی روی هذا الحدیث فی الروض الأنف: 2/156 عن کعب ولیس عن ابن عباس. وغرض کعب من هذه الروایة أن یثبت تجسم الله تعالی ورؤیته بالعین ، فقد کان ذلک مطلباً مهماً یسعی إلیه ، وکثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلک إلی ابن عباس وبنی هاشم ! کالذی رواه ابن خزیمة فی کتاب التوحید/225 - 230 . . . عن الشعبی عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وکعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأی ربه مرتین ، قال فکبر کعب حتی جاوبته الجبال ! فقال: إن الله قسم رؤیته وکلامه بین محمد وموسی صلی الله علیهما وسلم ! انتهی. والمطلع علی أحادیث ابن عباس وبنی هاشم یعرف ان رأیهم یخالف کعباً وجماعته ، ومن أجل هذا رووا تکبیر کعب المزعوم !!

العامل الرابع: تأثیر ثقافة الیهود

اعتقاد الیهود والنصاری بتشبیه الله تعالی ورؤیته بالعین

بلغ من تحریف الیهود لدینهم أنهم قالوا بتشبیه الله تعالی بخلقه وأنه محدود بشکل مادی ، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزیر ابن الله ، بل قالوا إن کل الیهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار . . إلی آخر ما حکی الله تعالی عنهم فی

ص: 233

القرآن .

وفیما یلی نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القدیم والجدید ، طبعة مجمع الکنائس الشرقیة فی بیروت:

جاء فی/4: 27 فخلق الله الإنسان علی صورته. علی صورة الله خلقه. ذکراً وأنثی خلقهم .

وجاء فی/6: 8 وسمعا صوت الرب الاله ماشیاً فی الجنة عند هبوب ریح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فی وسط شجر الجنة. 9 فنادی الرب الإله آدم وقال له أین أنت. 10 فقال سمعت صوتک فی الجنة فخشیت لأنی عریان فاختبأت. 11 فقال من أعلمک أنک عریان. هل أکلت من الشجرة التی أوصیتک أن لا تأکل منها. 12 فقال آدم

المرأة التی جعلتها معی هی أعطتنی من الشجرة فأکلت .

وجاء فی/24: 1 ولما کان أبرام ابن تسع وتسعین سنة ظهر الرب لابرام وقال له أنا الله القدیر. سر أمامی وکن کاملاً. 2 فأجعل عهدی بینی وبینک وأکثرک کثیراً جداً. 3 فسقط أبرام علی وجهه وتکلم الله معه قائلاً. 4 أما أنا فهوذا عهدی معک وتکون أبا الجمهور من الأمم .

وجاء فی/169: 3 وکلم بنی إسرائیل قائلاً خذواً تیساً من المعز لذبیحة خطیة وعجلاً وخروفاً حولیین صحیحین لمحرقة 4 وثوراً وکبشاً لذبیحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزیت. لأن الرب الیوم یتراءی لکم. 5 فأخذوا ما أمر به موسی إلی قدام خیمة الاجتماع وتقدم کل الجماعة ووقفوا أمام الرب .

ص: 234

وجاء فی/183: 2 وقال الرب لموسی کلم هرون أخاک أن لا یدخل کل وقت إلی القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذی علی التابوت لئلا یموت لأنی فی السحاب أتراءی علی الغطاء .

وجاء فی/330: فانطلق موسی ویشوع ووقفا فی خیمة الإجتماع 15 فتراءی الرب فی الخیمة فی عمود سحاب ووقف عمود السحاب علی باب الخیمة. 16 وقال الرب لموسی ها أنت ترقد مع آبائک فیقوم هذا الشعب ویفجر وراء آلهة الأنبیین فی الأرض التی هو داخل إلیها فی ما

بینهم ، ویترکنی وینکث عهدی الذی قطعته معه .

وجاء فی/404: 22 فقال منوح لامرأته نموت موتاً لاننا قد رأینا الله. 23 فقالت له امرأته لو أراد الرب أن یمیتنا لما أخذ من یدنا محرقة وتقدمة ، ولما أرانا کل هذه ولما کان فی مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه .

وجاء فی/549: 2 إن الرب تراءی لسلیمان ثانیة کما تراءی له فی جبعون. 3 وقال له الرب قد سمعت صلاتک وتضرعک الذی تضرعت به أمامی .

وجاء فی/431: 21 وعاد الرب یتراءی فی شیلوه ، لأن الرب استعلن لصموئیل فی شیلوه بکلمة الرب. 4 فأرسل الشعب إلی شیلوه وحملوا من هناک تابوت عهد رب الجنود الجالس علی الکروبیم . . .

وجاء فی/491: 2 وقام داود وذهب هو وجمیع الشعب الذی معه من بعلة یهوذا لیصعدوا من هناک تابوت الله الذی یدعی علیه بالإسم إسم رب الجنود الجالس علی الکروبیم .

وجاء فی/534: 5 فی جبعون تراءی الرب لسلیمان فی حلم لیلاً ، وقال الله

ص: 235

إسأل ماذا أعطیک .

وجاء فی/554: 9 فغضب الرب علی سلیمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائیل الذی تراءی له مرتین 10 وأوصاه فی هذا الأمر أن لا یتبع آلهة أخری فلم یحفظ ما أوصی به الرب. 11 فقال الرب لسلیمان من أجل أن ذلک عندک ولم تحفظ عهدی وفرائضی التی أوصیتک بها فإنی أمزق المملکة عنک تمزیقاً وأعطیها لعبدک .

وجاء فی/569: 15 فقال إیلیا حی هو رب الجنود الذی أنا واقف أمامه ، إنی الیوم أتراءی له .

وجاء فی/579: 17 فقال رأیت کل إسرائیل مشتتین علی الجبال کخراف لا راعی لها. فقال الرب لیس لهؤلاء أصحاب فلیرجعوا کل واحد إلی بیته بسلام. 18 فقال ملک إسرائیل لیهوشافاط أما قلت لک إنه لا یتنبأ علی خیراً بل شراً. 19 وقال فاسمع إذاً کلام الرب. قد رأیت الرب جالساً علی کرسیه وکل جند السماء وقوف لدیه عن یمینه وعن یساره. 20 فقال الرب من یغوی أخآب فیصعد ویسقط فی راموت جلعاد. فقال هذا هکذا وقال ذاک هکذا .

وجاء فی/586: 14 فقال ألیشع حی هو رب الجنود الذی أنا واقف أمامه إنه لولا أنی رافع وجه یهوشافاط ملک یهوذا لما کنت أنظر إلیک ولا أراک. 15 والآن فأتونی بعواد. ولما ضرب العواد بالعود کانت علیه ید الرب 16 فقال هکذا قال الرب إجعلوا هذا الوادی جباباً جباباً .

وجاء فی/683: 1 وشرع سلیمان فی بناء بیت الرب فی أورشلیم فی جبل

ص: 236

المریا حیث تراءی لداود أبیه حیث هیأ داود مکاناً فی بیدر أرنان الیبوسی .

وجاء فی/690: 12 وتراءی الرب لسلیمان لیلاً وقال له. قد سمعت صلاتک واخترت هذا المکان لی بیت ذبیحة .

وجاء فی/848: 8 من هو هذا ملک المجد. الرب القدیر الجبار الرب الجبار فی القتال. 9 إرفعن أیتها الارتاج رؤوسکن وارفعنها أیتها الابواب الدهریات فیدخل ملک المجد. 10 من هو هذا ملک المجد رب الجنود هو ملک المجد .

وجاء فی/799: 1 یا راعی إسرائیل إصغ ، یا قائد یوسف کالضأن ، یا جالساً علی الکروبیم أشرق. 2 قدام أفرایم وبنیامین ومنسی أیقظ جبروتک وهلم لخلاصنا.

وجاء فی/840: 4 الرب فی هیکل قدسه ، الرب فی السماء کرسیه ، عیناه تنظران ، أجفانه تمتحن بنی آدم. 5 الرب یمتحن الصدیق ، أما الشریر ومحب الظلم فتبغضه نفسه. 6 یمطر علی الأشرار فخاخاً ناراً وکبریتا، وریح السموم نصیب کأسهم.

وجاء فی/998: 1 فی سنة وفاة عزیا الملک رأیت السید جالساً علی کرسی عال ومرتفع وأذیاله تملا الهیکل. 2 السرافیم واقفون فوقه لکل واحد ستة أجنحة. باثنین یغطی وجهه وباثنین یغطی رجلیه وباثنین یطیر. 3 وهذا نادی ذاک وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ کل الأرض. 4 فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلا البیت دخاناً 5 فقلت ویل لی إنی هلکت لأنی إنسان نجس الشفتین ، وأنا ساکن بین شعب نجس

ص: 237

الشفتین ، لأن عینی قد رأتا الملک رب الجنود .

وجاء فی/1186: 8 وکان بینما هم یقتلون وأبقیت أنا أنی خررت علی وجهی وصرخت وقلت: آه یا سید الرب. هل أنت مهلک بقیة إسرائیل کلها بصب رجزک علی أورشلیم 9 فقال لی: إن إثم بیت إسرائیل ویهوذا عظیم جداً جداً ، وقد امتلات الأرض دماء وامتلات المدینة جنفاً. لأنهم یقولون الرب قد ترک الأرض والرب لا یری .

وجاء فی الانجیل/42: 20 فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبکل ما علیه. 21 ومن حلف بالهیکل فقد حلف به وبالساکن فیه. 22 ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس علیه .

وجاء فی/280: 7 فإن الرجل لا ینبغی أن یغطی رأسه لکونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهی مجد الرجل. 8 لأن الرجل لیس من المرأة بل المرأة من الرجل. 9 ولان الرجل لم یخلق من أجل المرأة ، بل المرأة من أجل الرجل .

وجاء فی/321: 5 فلیکن فیکم هذا الفکر الذی فی المسیح یسوع أیضاً 6 الذی إذ کان فی صورة الله لم یحسب خلسة أن یکون معادلاً لله 7 لکنه أخلی نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فی شبه الناس .

وجاء فی/325: 14 الذی لنا فیه الفداء بدمه غفران الخطایا. 15 الذی هو صورة الله غیر المنظور بکر کل خلیقة .

وجاء فی/366: 2 ناظرین إلی رئیس الإیمان ومکمله یسوع الذی من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصلیب مستهیناً ، بالخزی ، فجلس فی یمین

ص: 238

عرش الله .

وجاء فی/399: 21 من یغلب فسأعطیه أن یجلس معی فی عرشی کما غلبت أنا أیضاً وجلست مع أبی فی عرشه. 22 من له أذن فلیسمع ما یقوله الروح للکنائس .

وجاء فی/399 - 400: 1 بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح فی السماء والصوت الأول الذی سمعته کبوق یتکلم معی قائلاً إصعد إلی هنا فأریک ما لابد أن یصیر بعد هذا. 2 وللوقت صرت فی الروح وإذا عرش موضوع فی السماء وعلی العرش جالس. 3 وکان الجالس فی المنظر شبه حجر الیشب والعقیق وقوس قزح حول العرش فی المنظر شبه الزمرد. 4 وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأیت علی العروش أربعة وعشرین شیخاً جالسین متسربلین بثیاب بیض وعلی رؤوسهم أکالیل من ذهب. 5 ومن العرش یخرج

بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابیح نار متقدة هی سبعة أرواح الله .

وجاء فی/400: وشکراً للجالس علی العرش الحی إلی أبد الابدین .

وجاء فی/401: 11 ونظرت وسمعت صوت ملائکة کثیرین حول العرش والحیوانات والشیوخ وکان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف . . . 13 وکل خلیقة مما فی السماء وعلی الأرض وتحت الأرض وما علی البحر کل ما فیها سمعتها قائلة: للجالس علی العرش وللخروف البرکة والکرامة والمجد والسلطان إلی أبد الابدین .

وجاء فی/403: 15 من أجل ذلک هم أمام عرش الله ویخدمونه نهاراً ولیلاً

ص: 239

فی هیکله ، والجالس علی العرش یحل فوقهم .

وجاء فی/417: 4 وخرالأربعة والعشرون شیخاً والأربعة الحیوانات وسجدوا لله الجالس علی العرش .

وجاء فی/419: 5 وقال الجالس علی العرش: ها أنا أصنع کل شئ جدیداً. وقال لی: أکتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمینة .

وقال الدکتور أحمد شلبی فی کتابه مقارنة الأدیان:2/243 طبعة مکتبة النهضة المصریة 1973 تحت عنوان ( الله عند الیهود ):

لم یستطع بنو إسرائیل فی أی فترة من فترات تاریخهم أن یستقروا علی عبادة الله الواحد الذی دعا له الأنبیاء ، وکان

اتجاههم إلی التجسیم والتعدد والنقیصة واضحاً فی جمیع مراحل تاریخهم ، وعلی الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهیم إلا أن البدائیة الدینیة کانت طابعهم ، وکثرة أنبیائهم دلیل علی تجدد الشرک فیهم ، وبالتالی تجدد الحاجة إلی أنبیاء یجددون الدعوة إلی التوحید ، وکانت هذه الدعوات قلیلة الجدوی علی أی حال ، فظهروا للتاریخ بدائیین یعبدون الأرواح والاحجار ، وأحیاناً مقلدین یعبدون معبودات الأمم المجاورة التی کانت لها حضارة وفکر قلدهما الیهود . . . ویقول: إن الیهود کانوا فی مطلع ظهورهم علی مسرح التاریخ بدواً رحلاً تسیطر علیهم الأفکار البدائیة کالخوف من الشیاطین، والإعتقاد فی الأرواح وکانوا یعبدون الحجارة والأغنام والأشجار ، ویقول: إن الیهود اتخذوا فی بیوتهم أصناماً صغیرة کانوا یعبدونها ویتنقلون بها من مکان إلی مکان ( 1 ) وقد ظل بنو إسرائیل علی هذا الإعتقاد حتی جاء موسی وخرج بهم من

ص: 240

مصر .

ولکن بنی إسرائیل کما یقول ول دیورانت ( 2 ) لم یتخلوا قط عن عبادة العجل والکبش والحمل ، ولم یستطع موسی أن یمنع قطیعه من عبادة العجل الذهبی. عبادة العجول کانت لا تزال حیة فی ذاکرتهم منذ کانوا فی مصر ، وظلوا زمناً طویلاً یتخذون هذا الحیوان القوی آکل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذی عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسی فی العودة إلیهم ، وکیف خلعوا ملابسهم وأخذوا یرقصون عراة أمام هذا الرب ، وقد أعدم موسی ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم علی عبادة هذا الوثن ( 3 ) وقد بقیت عبادة العجل تتجدد فی حیاة بنی إسرائیل من حین إلی حین، فقد عمل یربعام بن سلیمان عجلی ذهب لیعبدهما أتباعه حتی لا یحتاجوا إلی الذهاب إلی الهیکل ( 4 ) وقد عبد أهاب ملک إسرائیل الأبقار بعد سلیمان بقرن واحد ( 5 ) .

وقال فی هوامشه: ( 1 ) 176. ( 2 ) قصة الحضارة:2/338. ( 3 ) خروج 32: 18 26 والقرآن الکریم یقرر أن السامری هو الذی عمل العجل. ( 4 ) الملوک الأول 12: 26 28. ( 5 ) ول دیورانت:2/339 .

وقال الدکتور شلبی فی:1/174:

وبعد موسی وفی عهد القضاة ، تأثر بنو إسرائیل بمعبودات الکنعانیین تأثراً کبیراً، ویوضح أن إله الکنعانیین ( بعل ) أصبح معبوداً لبنی اسرائیل فی کثیر من قراهم ، وفی أحوال کثیرة أصبح للطائفتین معبد واحد به تمثال یهوه وتمثال بعل ، بل أصبح یهوه ینادی بعل ، وقد ظل ذلک إلی عهد

ص: 241

یوشع. ( 1 )

وقال فی هامشه:

( 1 ) CHARLES FOSTER: HISTERY OF THE HEPREW POPEL P.94

وقال الدکتور شلبی فی:1/187:

ویوضح الکتاب المقدس أن بنی اسرائیل عبدوا أنواعاً من هذه الإلهة ، وقد ندد بها أرمیا فی سفره ، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا کلمة الرب یا بنات یعقوب وکل عشائر بیت إسرائیل ، هکذا قال الرب: ماذا وجد فی آباؤکم من جور حتی ابتعدوا عنی وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً (1) .

وحین تقولون لماذا صنع الرب إلهنا کل هذه أقول لکم: کما أنکم ترکتمونی وعبدتم آلهة غریبة فی أرضکم. ( 2 )

یقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون کذباً ، وتبخرون للبعل وتسیرون وراء آلهة أخری ( 3 ) . . . .

یقول الرب: إن آباءکم قد ترکونی وذهبوا وراء آلهة أخری ، وعبدوها وسجدوا لها ، وإیای ترکوا وشریعتی لم یحفظوها ، وأنتم أسأتم فی عملکم أکثر من آبائکم ، وها أنتم ذاهبون کل واحد وراء عناد قلبه الشریر حتی لا تسمعوا لی ( 4 ) .

وعلی هذا فمع وجود الهیکل فی عهد سلیمان کانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وینسب العهد القدیم لسلیمان نفسه أنه أقام مذابح للإلهة الخارجیة التی کانت تعبدها زوجاته الأجنبیات ، فبنی مذبحاً لعشتروت رجاسة

ص: 242

الصیدونیین ، ولکموش رجاسة المؤابیین ، ولملکوم إلهة بنی عمون ( 5 ) وعقب موت سلیمان انقسم ملکه بین ابنیه یربعام ورحبعام ، وهذا التغییر فی تاریخ العبرانیین صحبه تغیر فی عقیدتهم ، فإسرائیل فی الشمال کانت دولة غنیة حظی سکانها بالاستقرار ، وقبلوا عادات الکنعانیین وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة یهوذا فی الجنوب فکانت دولة فقیرة یشتغل سکانها بالزراعة والرعی وظلوا علی تبعیتهم لإلهم یهوه، إله الفقراء ، وإلی هذه الفترة ینسب الأنبیاء ( 6 ) وقد صنع یربعام عجلین من ذهب ووضع أحدهما فی بیت إبل وثانیهما فی دان ، وبنی عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتکم التی أصعدتکم من مصر ، فاذبحوا وعیدوا عندها ولا تصعدوا إلی أورشلیم ، فاستجاب له الشعب. ( 7 ) .

وقال فی هامشه: 1 أرمیا: 2: 4 5. 2 أرمیا 5: 19 20. 3 أرمیا 7: 9 10. 4 أرمیا: 16: 11 13. 5 الملوک الثانی33: 12 . : إقرأ الصحاح الثالث والعشرین من سفر الملوک الثانی .

وقال الدکتور شلبی فی:1/267:

یروی التلمود أن الله ندم لما أنزله بالیهود وبالهیکل ، ومما یرویه التلمود علی لسان الله قوله: تب لی لأنی صرحت بخراب بیتی وإحراق الهیکل ونهب أولادی. ولیست العصمة من صفات الله فی رأی التلمود ، لأنه غضب مرة علی بنی إسرائیل فاستولی علیه الطیش ، فحلف بحرمانهم من الحیاة الأبدیة ، ولکنه ندم علی ذلک بعد أن هدأ غضبه ، ولم ینفذ قسمه ، لأنه

ص: 243

عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة .

ویقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر کما أنه مصدر الخیر ، وأنه أعطی الإنسان طبیعة ردیئة وسن له شریعة لم یستطع بطبیعته الردیئة أن یسیر علی نهجها ، فوقف الإنسان حائراً بین اتجاه الشر فی نفسه ، وبین الشریعة المرسومة إلیه ، وعلی هذا فإن داود الملک لم یرتکب خطیئة بقتله أوریا واتصاله بامرأته ، لأن الله هو السبب فی کل ذلک ( التلمود شریعة إسرائیل / 17 - 19 ) .

وقال فی/192 تحت عنوان: الیهود والألوهیة عموماً:

علی أن مسألة الألوهیة کلها ، سواء اتجهت للوحدانیة أو للتعدد ، لم تکن عمیقة الجذور فی نفوس بنی اسرائیل ، فقد کانت المادیة والتطلع إلی أسلوب نفعی فی الحیاة من أکثر ما یشغلهم ، وإذا تخطینا عدة قرون فإننا نجد الفکر الیهودی الحدیث یجعل للیهود رباً جدیداً نفعیاً کذلک ، ذلک هو تربة فلسطین وزهر برتقالها ، والذی یقرأ روایة ( طوبی للخائفین ) للکاتبة الیهودیة یائیل دیان ابنة القائد الصهیونی العسکری موشی دیان ، یجد أحد أبطالها ( إیفری ) ینصح ابنه الطفل بأن یتخلی عن الذهاب للکنیسة، وأن یحول اهتمامه لالهه الجدید: تراب فلسطین. ونقتبس فیما یلی سطوراً من هذه الروایة:

. . . الصبی یحب أن یذهب إلی الکنیس مع أمه ، ولکنه عندما عاد مرة من المعبد الذی لا یذهب إلیه إلا القلیلون ، ثار أبوه فی وجهه بحدیث له مغزی عمیق قال له: أیام زمان حین کنا یهوداً فی روسیا وغیرها کان من الضروری

ص: 244

بالنسبة لنا أن نطیع التعلیمات ونحافظ علی دیننا، فقد کان الدین الیهودی لنا وسیلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردی ، أما الان فقد أصبح لدینا شئ أهم هو الأرض ، أنت الان إسرائیلی ولست مجرد یهودی ، إنی قد ترکت فی روسیا کل شئ ، ملابسی ومتاعی وأقاربی وإلهی ، وعثرت هنا علی رب جدید ، هذا الرب الجدید هو خصب الأرض وزهر البرتقال ، ألا تحس بذلک ؟ . . . وأخذ إیفری حفنة من تراب الأرض وسکبها فی کف ابنه ، وقال له: إمسک هذا التراب ، إقبض علیه ، تحسسه ، تذوقه ، هذا هو ربک الوحید ،

إذا أردت أن تصلی للسماء فلا تصل لها لکی تسکب الفضیلة فی أرواحنا ، ولکن قل لها أن تنزل المطر علی أرضنا ، هذا هو المهم ، إیاک أن تذهب مرة أخری إلی المعبد .

وقال ابن حزم فی الفصل فی الملل:1 جزء 1/160:

قال فی التوراة: إن الله عز وجل قال لبنی إسرائیل: لقد رأیتمونی کلکم من السماء فلا تتخذوا معی آلهة الفضة ، ثم قال بعد ذلک ثم صعد موسی وهارون . . ونظروا إلی إله إسرائیل .

وقال فی/141:

ذکر فی هذا المکان ( من التوراة ) أن یعقوب صارع الله عز وجل . . حتی قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن یصرع یعقوب.. وفیه أن یعقوب قال: رأیت الله مواجهة وسلمت علیه .

وقال فی/218:

وفی بعض کتبهم: إن الله تعالی قال لبنی إسرائیل: من تعرض لکم فقد

ص: 245

تعرض حدقة عینی .

وقال فی/222:

ونقل فی توراتهم وکتب الأنبیاء بأن رجلاً اسمه إسماعیل کان إثر خراب البیت المقدس سمع الله یئن کما تئن الحمامة ویبکی وهو یقول: الویل الویل لمن أخرب بیته . . . ویلی علی ما أخربت من بیتی ویلی علی ما فرقت من بنی ،وبناتی .

وقال فی/221:

وفی کتاب لهم یسمی شعر توما من کتاب التلمود . . ففی الکتاب المذکور أن تکسیر جبهة خالقهم من أعلاها إلی أنفه خمسة آلاف ذراع .

محاولة بعض الیهود أن یتبرؤوا من التشبیه والتجسیم

جاء فی هامش المطالب العالیة:جزء 2/25:

فی التوراة أن الله إله واحد . وفی التوراة أن الله لیس کمثله شئ . ففی الإصحاح السادس من سفر التثنیة: إسمع یا إسرائیل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهک بکل قلبک وکل نفسک وکل قدرتک. ولتکن هذه الکلمات التی أنا آمرک بها الیوم فی قلبک ، وکررها علی بنیک وکلمهم بها إذا جلست فی بیتک وإذا مشیت فی الطریق وإذا نمت وإذا قمت ، واعقدها علامة علی یدک ، ولتکن عصائب بین عینیک واکتبها علی عضائد أبواب بیتک وعلی أبوابک. تثنیة 6:4 . 9 ترجمة الیسوعیین. وفی الإصحاح الثالث والثلاثین من سفر التثنیة: لا کفء لله. وفی ترجمة

ص: 246

البروتستانت: لیس مثل الله. تثنیة 33: 26 .

وقال موسی بن میمون فی دلالة الحائرین: إن ما ورد فی التوراة مما یوحی بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته ، فذلک مؤول علی معنی: أن الله یقرب ذاته إلی عقول الخلق ، حدیثه عن نفسه کأنه واحد منهم. أما هو فلیس مثل إنسان ولیس کمثله شئ، وذلک لیفهم الخلق ذات الله علی نحو قریب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة الیهود أن الله یبکی علی خراب هیکل سلیمان ویلعب مع الحیتان ، فهو قول قال به سفهاء من الیهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس . انتهی .

والمتأمل فی التوراة یقبل مقولة هذا الباحث الیهودی القدیم بأنها تشتمل علی عبارات فی التوحید شبیهة بالتوحید الخالص الذی یقدمه القرآن ، ولکن نصوص التشبیه والتجسیم فیها أکثر من نصوص التوحید. وهذا من الأدلة علی وقوع التحریف فیها ، وأن أیدی سفهاء الیهود الذین ذکرهم وصلت إلی نصوص التوراة وملؤوها من تجسیمهم وتشبیههم. وقد وجدنا فی نسخة التوراة المذکورة النصوص التالیة فی التوحید: جاء فی العهد القدیم/98: 9 فقال موسی لفرعون عین لی متی أصلی لأجلک ولاجل عبیدک وشعبک لقطع الضفادع عنک وعن بیوتک ، ولکنها تبقی فی النهر. 10 فقال غداً فقال کقولک لکی تعرف أن لیس مثل الرب إلهنا. 11 فترتفع الضفادع عنک وعن بیوتک وعبیدک وشعبک .

وجاء فی/100: 14 لأنی هذه المرة أرسل جمیع ضرباتی إلی قلبک وعلی عبیدک وشعبک ، لکی تعرف أن لیس مثلی فی کل الأرض .

ص: 247

وجاء فی/493: 22 لذلک قد عظمت أیها الرب الإله، لأنه لیس مثلک ولیس إله غیرک حسب کل ما سمعناه بآذاننا . . . .

وجاء فی/530: 20 یا رب لیس مثلک ، ولا إله غیرک ، حسب کل ما سمعناه بآذاننا .

وجاء فی:2/43: 9 أذکروا الأولیات منذ القدیم ، لأنی أنا الله ولیس آخر. الإله ولیس مثلی .

وجاء فی:2/84: 6 لا مثل لک یا رب ، عظیم أنت ، وعظیم اسمک فی الجبروت . 7 من لا یخافک یاملک الشعوب ، لأنه بک یلیق ، لأنه فی جمیع حکماء الشعوب وفی کل ممالکهم لیس مثلک .

العهد القدیم والجدید:1/253:

الإصحاح الثانی 1 یا ابنی إن قبلت کلامی وخبأت وصایای عندک 2 حتی تمیل أذنک إلی الحکمة وتعطف قلبک علی الفهم 3 إن دعوت المعرفة ورفعت صوتک إلی الفهم 4 إن طلبتها کالفضة وبحثت عنها کالکنوز 5 فحینئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. 6 لأن الرب یعطی حکمة من فمه المعرفة والفهم. 7 یذخر معونة للمستقیمین. هو مجن السالکین بالکمال. 8 لنصر مسالک الحق وحفظ

طریق أتقیائه. 9 حینئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. کل سبیل صالح 10 إذا دخلت الحکمة قلبک ولذت المعرفة لنفسک .

ص: 248

لکن البابا فی عصرنا یصر علی التجسیم
وینتقد التوحید عند المسلمین

کتاب العبور إلی الرجاء للبابا یوحنا بولس الثانی:

والعبور إلی الرجاء هو التسجیل الکامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافی الإیطالی الکبیر فیتوری میسوری ، لمناسبة ذکری مرور خمس عشرة سنة علی اعتلائه السدة البابویة . . . کان الأول بین ( خلفاء القدیس بطرس ) یظهر أمام آلات التصویر والتسجیل لیجیب علی أسئلة ترک اختیارها لمبادرة حرة من قبل صحافی. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولی لیلة الذکری ، عرضت تلک المقابلة فی کبریات المحطات العالمیة .

ویروی فیتوری میسوری قصة المقابلة التی تمت بعد ما قدم عشرین سؤالاً خطیاً تشمل مختلف الموضوعات والقضایا الکبری ، وتلقی مخطوطة الأجوبة علیها من مکتب البابا فی نهایة شهر نیسان 1994. کما أن البابا وضع عنوان هذا الکتاب بنفسه . . . من هذا الحوار الوثیقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم علی سؤالین ، یتصل أولهما بالعلاقة مع الدین الإسلامی ، فی حین یتصل الثانی بعلاقة المسیحیةبالدین الیهودی ، وقد رأینا فیهما أکمل رأی للبابا فی هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بین إله المسلمین وإله المسیحیین ؟

الجواب: لاشک فی أن القاریة مختلفة عندما یتعلق الأمر بالکنیس والمسجد حیث مجتمع الذین یعبدون الإله الواحد . نعم ، صحیح ما تقوله ، فالأمر یختلف فی ما یتعلق بهاتین الدیانتین التوحیدیتین ، بدءً بإسلام. ففی الاعلان

ص: 249

المجمعی ( فی عصرنا ) الانف الذکر ، یمکننا أن نقرأ ما یأتی ( وتنظر الکنیسة أیضاً بتقدیر إلی المسلمین الذین یعبدون الله الواحد ، الحی القیوم ، الرحمن القدیر ، الذی خلق السماء والأرض ) إن المؤمنین بالتوحید هم بنوع خاص الأقرب إلینا . أتذکر حدثاً من أحداث شبابی یوم کنا نزور دیر القدیس مرقس فی فلورنسا ، فقد وقفنا مندهشین معجبین أمام جدرانیات فردا انجلیکو .. فی تلک الاثناء انضم إلینا رجل راح یشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلک الراهب والفنان العظیم ، غیر أنه ما لبث أن أضاف: ولکن ما من شئ هنا یبلغ مدی جمال توحیدنا الإسلامی ! لم یمنعنا ذلک التصریح من أن نکمل زیارتنا برفقة ذلک الرجل ، وأن نتابع معه نقاشاً ودیاً. لقد تذوقت سلفاً فی تلک المناسبة ما یمکن أن یکون علیه الحوار بین المسیحیة والإسلام. والذی حاولنا أن نطوره منهجیاً منذ المجمع .

من یطالع القرآن، وکان ملماً بالعهدین القدیم والجدید یتبین له جلیاً ما وقع فیه للوحی الإلهی من اختزال. ومن المستجبل ألا یلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبیاء أولاً فی العهد القدیم ، ثم وبشکل نهائی بواسطة ابنه فی العهد الجدید. إن الغنی الذی یتجلی فی کشف الله لذاته والذی یشکل تراث العهدین القدیم والجدید ، کل ذلک قد تغاضی عنه الإسلام بالفعل. ( ! )

إن القرآن یصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشری من الأسماء الحسنی ، ولکنه فی النهایة، إله متعال عن العالم ، ذو جلال، لا ( إلهنا معنا ) عمانوئیل.

لیس الإسلام دین فداء فلا مجال فیه للصلب ! یذکر عیسی ، ولکن لیس إلا

ص: 250

بوصفه نبیاً ، یمهد لخاتمة جمیع الأنبیاء محمد . کذلک ورد ذکر السیدة مریم البتول ، ولکن لا ذکر لمأساة الفداء .

لذلک تختلف نظرة الإسلام عن المسحیة، لا علی الصعید اللاهوتی فحسب، بل أیضاً علی الصعید الانتروبولوجی .

بید أن التدین الإسلامی یستحق کل تقدیر ، فلا یمکننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة علی الصلاة. إذ أن الذی یسمی الرب ( الله ) یجثو علی رکبته غیر آبه بالزمان أو بالمکان ، مستغرقاً فی الصلاة مرات عدیدة فی النهار. هذه الصورة تبقی نموذجاً لمن یعترفون بالله الحق ، وبخاصة لاولئک المسیحیین الذین یهجرون کاتدرائیاتهم الرائعة ویصلون قلیلاً أو لا یصلون مطلقاً . . . ) انتهی .

أقول: السبب فی تهمة البابا للدین الإسلامی بأنه اختزل التصور الذی قدمته کتب الیهود والنصاری عن الله تعالی، وبیت القصید عنده وإشکاله الأساسی علی الإسلام: أن القرآن یقرر أن الله تعالی لیس کمثله شئ ، وأنه غیر متجسد فی وجود مادی فی السماء أو الأرض ، وبتعبیره ( لکنه فی النهایة إله متعال عن العالم ، ذو جلال ، لا ( إلهنا معنا عمانوئیل ) .

ولکن الظاهر أن البابا لم یقرأ الصحاح الستة لیری أن ما یریده من نزول الله تعالی وصعوده وتجسده موجود فیها ، وأن هذا البلاء الذی ابتلی به الیهود والنصاری قد سری إلی إخواننا السنة وصحاحهم ! !

کما أنه لو تأمل فی تاریخ المسیحیة لتوصل إلی أن دعوة المسیح(علیه السّلام) کانت دعوة إلی التوحید ولم یکن فیها تجسیم ، وأن تجسم الله تعالی فی

ص: 251

المسیح إنما هو فکرة( بولسیة ) ولیست مسیحیة..

قال الدکتور أحمد شلبی فی کتابه مقارنة بین الأدیان:2/245 تحت عنوان: الله فی التفکیر المسیحی:

عندما نصل إلی الحدیث عن الله فی التفکیر المسیحی نحتاج إلی مزید من الصبر لنری التحول الخطیر الذی أصاب الفکر المسیحی فی هذه القضیة الهامة: تقرر الأناجیل المسیحیة وأعمال الرسل ثلاث قضایا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شریک له .

والثانیة: أن عیسی رسول الله ولیس أکثر من رسول .

والثالثة: أن عیسی رسول لبنی إسرائیل فقط .

وعن القضیة الأولی نورد النصوص التالیة من هذه الأناجیل:

یروی متی عن عیسی قوله: إن أباکم واحد الذی فی السموات (إصحاح 23 الفقرة 8 )

ویروی مرقص قول عیسی: الرب إلهنا إله واحد ولیس آخر سواء(12: 30 31).

ویروی یوحنا عن عیسی قوله: إنی أصمد إلی أبی وأبیکم وإلهی وإلهکم (20:18 )

وعن القضیة الثانیة من الاناجیل النصوص التالیة:

( جاء فی إنجیل متی قوله: هذا یسوع النبی الذی من ناصرة الجلیل ( 21: 11 ) .

وجاء فی لوقا: قد خرج نبی عظیم ( 7: 16 ) .

ویروی یوحنا: إن هذا هو بالحقیقة النبی الآتی إلی العالم (4: 14 و 7: 40 ).

ص: 252

ویروی یوحنا کذلک عن عیسی قوله: وأنا إنسان قد کلمکم بالحق الذی سمعه من الله ( 8: 40 ) .

ویروی لوقا عن عیسی قوله عندما أحس بقرب نهایته بسبب مؤامرات الیهود علیه: ینبغی أن أسیر الیوم وغداً وما یلیه ، لأنه لا یمکن أن یهلک نبی خارج أورشلیم ، یا أورشلیم ، یا أورشلیم یا قاتلة الأنبیاء وراجمة المرسلین.

وعن القضیة الثالثة نورد النصوص التالیة:

جاء فی متی ما نصه: ثم خرج یسوع من هناک ، وانصرف إلی نواحی صور وصیدا ، وإذا امرأة کنعانیة خارجة من تلک التخوم صرخت قائلة: إرحمنی یا سید یا ابن داود ، ابنتی مجنونة جداً ، فلم یجبها بکلمة ، فتقدم تلامیذه وطلبوا إلیه قائلین: إصرفها لأنها تصیح وراءنا ، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلی خراف بنی إسرائیل الضالة ( متی 15: 21 24 ) .

وفی متی کذلک أن عیسی عند ما حدد الحواریین الإثنی عشر أوصاهم قائلاً: إلی طریق أمم لا تمضوا ، وإلی مدینة للسامریین لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحری إلی خراف بنی اسرائیل الضالة ( 10: 5 6 ) .

وقد خاصم الیهود بطرس لأنه دخل علی غیر الیهود وتکلم معهم ( أعمال الرسل 11 الفقرة الأولی ) .

وورد فی عبارات بطرس قوله لغیر الیهود: أنتم تعلمون کیف هو محرم علی رجل یهودی أن یلتصق بأحد أجنبی أو یأتی إلیه ( أعمال الرسل 10: 28 ) .

والقرآن الکریم یقرر هذه الاتجاهات الثلاث فی المسیحیة ، قال تعالی:

وَقَالَ الْمَسِیحُ یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ . المائدة : 72 .

ص: 253

لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ . المائدة : 73 .

مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . المائدة : 75 .

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِی بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ وَ کُنْتُ عَلَیْهِمْ شَهِیدًا مَا دُمْتُ فِیهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّیْتَنِی کُنْتَ أَنْتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ المائدة : 17 .

وَیُعَلِّمُهُ الْکِتَابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ التَّوْرَاةَ وَ الإنْجِیلَ وَرَسُولاً إلی بَنِی إِسْرَائِیلَ . المائدة : 48 - 49 .

ومن أجل هذا کان نقل المسیحیة من الوحدانیة إلی التثلیث ، ونقل عیسی من رسول إلی إله ، والقول بأن المسیحیة رسالة عامة، والقول بأن عیسی ابن الله نزل لیضحی بنفسه للتکفیر عن خطیئة البشر ، وأنه عاد مرة أخری إلی السماء لیجلس علی یمین أبیه ، کان هذا کله عملاً جدیداً علی المسیحیة التی جاء بها عیسی .

کیف انتقلت المسیحیة من حال إلی حال ، ومن الذی قام بذلک ومتی ؟ هذا ما سنحاول إبرازه فیما یلی:

ترتبط هذه الأمور بشخصیة مهمة فی المسیحیة ، هی شخصیة شاؤول (بولس ) ولذلک یری الباحثون الغربیون أن المسیحیة الحالیة بهذه العناصر الجدیدة من صنع هذا الرجل ، ویقول إن بولس هو فی الحقیقة مؤسس المسیحیة ، ویقول إن کثیراً من الثقات العصریین یعدونه المؤسس الحقیقی للمسیحیة .

وبولس کما یقول عن نفسه ( یهودی فریسی ابن فریسی علی رجاء قیامة

ص: 254

الاموات - أعمال الرسل 23: 6 ) وکان عدواً للمسیحیین ، وهو فی ذلک یقول ( سمعتم بسیرتی قبلاً فی الدیانة الیهودیة ، إنی کنت أضطهد کنیسة الله بإفراط وأتلفها ، وکنت أتقدم فی الدیانة الیهودیة علی کثیرین من أترابی فی جنسی ، إذ کنت أوفر غیرة فی تقلیدات آبائی ( غلاطیة 1: 13 14 ) .

ویبدو أنه کان من وسائل بولس لتدمیر المسیحیة أن یحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلک طریقة تکفل له الوقوف فی وجه معارضیه عندما یظهر بأفکاره الجدیدة ، فادعی شاؤول أن السید المسیح بعد نهایته علی الأرض ظهر له وصاح فیه وهو فی طریقه إلی دمشق: لماذا تضطهدنی فخاف شاؤول وصرخ: من أنت یا سید ؟ قال: أنا یسوع الذی تضطهده. قال شاؤول: ماذا ترید أن أفعل ؟ قال یسوع: قم وکرز بالمسیحیة. ویقول لوقا فی ختام هذه القصة جملة ذات بال غیرت وجه التاریخ هی: وللوقت جعل یکرز فی المجامع بالمسیح أنه ابن الله ( أعمال 9: 3-30 ) انتهی .

وقال أبو ریة فی أضواء علی السنة المحمدیة الهامش 1/189:

یعتقد المسیحیون أن المسیح(علیه السّلام)قد ارتفع بجسمه بعد صلبه وأنه یجلس هناک مع أبیه. وعند الکاثولیکیة الرومانیة عقیدة جوهریة تقضی بأن أمه مریم العذراء قد ارتفعت هی الأخری بجسدها إلی السماء وأنها لم تمت. ومنذ سبع عشرة سنة انعقد مجمع دینی مقدس بریاسة البابا بیوس الثانی عشر بمیدان القدیس بطرس اشترک فیه 35 کردینالاً ونحو 500 بطریرکا من

ص: 255

جمیع أنحاء العالم واحتشد له ملیون مسیحی وقرر هذا المجمع هذه العقیدة الدینیة ، وقال إنها لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن یناقشها أو یشک فیها یعتبر من وجهة نظر الکنیسة الکاثولیکیة ملحداً أو کافراً ( یراجع جریدة الوفد المصری فی 31/10 ، و1 و2 و3 /11/1950 )والإقباط المصریون جمیعاً یؤمنون بهذه العقیدة وتحتفل کل طوائفهم فی یوم 16 مسری من کل سنة ، بعید انتقال السیدة مریم بجسدها إلی السماء ، ویطلقون علی هذا الإحتفال اسم: عید العذراء الکبیر ، ولیس لأحد أن یعترض علی هذه العقیدة أو یماری فیها ، إذ مادام المسیح(علیه السّلام)قد ارتفع إلی السماء وجلس بجوار أبیه ، فإنه لا مانع من أن تصعد إلیه أمه من بعده لتقیم وإیاه مع الله فی السماء ، ویحیون جمیعاً حیاة طیبة فی هناء وصفاء !

وإلیک هذه الکلمة الصغیرة ننقلها من کتاب العقیدة والشریعة للمستشرق الکبیر جولد تسیهر/42 و43:

وهناک جمل أخذت من العهد القدیم والعهد الجدید ، وأقوال للربانیین ، أو مأخوذة من الأناجیل الموضوعة وتعالیم من الفلسفة الیونانیة وأقوال من حکم الفرس والهنود ، کل ذلک أخذ فی الإسلام عن طریق ( الحدیث ) حتی لفظ ( أبونا ) لم یعدم مکانه فی الحدیث المعترف به ، وبهذا أصبحت ملکاً خالصاً للاسلام بطریق مباشر أو غیر مباشر ! وقد تسرب إلی الإسلام کنز ( . . . ) کبیر من القصص الدینیة حتی إذا ما نظرنا إلی المواد المعدودة فی الحدیث ونظرنا إلی الأدب الدینی الیهودی ، فإننا نستطیع أن نعثر علی قسم کبیر

دخل الأدب الدینی الإسلامی من هذه المصادر الیهودیة. ولا

ص: 256

نستقصی کل ما دخل الإسلام من المسیحیات. انتهی .

أول قنوات التشبیه والتجسیم والرؤیة من الیهودیة إلی الإسلام

ینبغی أن نعرف أن نظرة العرب فی الجاهلیة والإسلام إلی ثقافة الیهود کانت نظرة إیجابیة ، وأن الخلیفة عمر قد تبنی سیاسة الإنفتاح علی هذه الثقافة ، فسبب ذلک تأثیراً واسعاً علی ثقافة الإسلام وعقائده . . لذلک نمهد للموضوع ببعض ما کتبناه فی ( تدوین القرآن )/ 409 تحت عنوان ( احترام عرب الجاهلیة للثقافة الیهودیة ):

( کان اعتداد العرب بقومیتهم ووثنیتهم فی الجاهلیة اعتداداً قویاً إلی حد التعصب ، ولم یکونوا یحترمون الیهود کأمة ولکنهم کانو یحترمون علماءهم وثقافتهم ، ویرجعون إلیهم فی العدید من مسائل التاریخ والتنبؤ بالمستقبل والأمور الروحیة . بل کان الکثیر من عرب الجاهلیة یعیشون حالة الإنهزام أمام الثقافة الیهودیة لأن الیهود أصحاب کتاب سماوی وعلماء وأنبیاء ، والعرب أمیون وثنیون ، وإن بقیت عندهم بقایا من دین إبراهیم . . .

والشواهد علی ذلک من مصادر التاریخ والتفسیر والحدیث والفقه کثیرة ، نکتفی منها بالنص التالی الذی یدل علی أن تأثیرات الثقافة الیهودیة بقیت حتی بعد بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحتی علی ذهن زوجته عائشة وأبیها الخلیفة أبی بکر ! روی مالک فی الموطأ:2/502 ( عن یحیی بن سعید ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن أبا بکر الصدیق دخل علی عائشة وهی تشتکی ، ویهودیة ترقیها ! فقال أبو بکر: إرقیها بکتاب الله ) .

ص: 257

وقال فی کتاب الأم للشافعی:7/241 ( باب ما جاء فی الرقیة. سألت الشافعی عن الرقیة ؟

فقال: لا بأس أن یرقی الرجل بکتاب الله وما یعرف من ذکر الله .

قلت: أیرقی أهل الکتاب المسلمین ؟

فقال: نعم ، إذا رقوا بما یعرف من کتاب الله أو ذکر الله .

فقلت: وما الحجة فی ذلک ؟

قال: غیر حجة ، فأما روایة صاحبنا وصاحبک فإن مالکاً أخبرنا عن یحیی بن سعید عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بکر دخل علی عائشة وهی تشتکی ویهودیة ترقیها فقال أبو بکر إرقیها بکتاب الله .

فقلت للشافعی: فإنا نکره رقیة أهل الکتاب .

فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبی بکر ، ولا أعلمکم تروون عن غیره من أصحاب النبی(ص)خلافه. وقد أحل الله جل ذکره طعام أهل الکتاب ونساءهم ، وأحسب الرقیة إذا رقوا بکتاب الله مثل هذا ، أو أخف ). انتهی .

ورواه البیهقی فی سننه:9/347 ، کما روی أن امرأة عبدالله بن مسعود کانت تذهب بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی یهودی لرقیة عینها .

وقال النووی فی المجموع:9/64 ( فرع فی جواز الرقیة بکتاب الله تعالی وبما یعرف من ذکر الله . . . وروی البیهقی بإسناده الصحیح عن یحیی بن سعید عنعمرة عن عائشة قالت: دخل أبو بکر (رض) علیها وعندها یهودیة ترقیها فقال: إرقیها بکتاب الله عز وجل. وبإسناده الصحیح عن الربیع بن سلیمان قال سألت الشافعی عن الرقیة . . . ). انتهی .

ص: 258

یلاحظ علی هذه الفتوی المجمع علیها عند إخواننا السنیین ، أن الخلیفة أبا بکر لم ینه عائشة عن هذا العمل ، وإنما طلب من المرأة الیهودیة باحترام أن ترقیها ببعض آیات القرآن ، باعتبار أن ذلک أفضل من الأدعیة التی تقرؤها من عندها ، أو أراد منها أن تضم إلی أدعیتها آیات من القرآن لیکون ذلک أرجی لشفائها ابنته.. هذا إذا کان مقصوده بکتاب الله: القرآن ، وإلا فیکون قصده: إرقیها بنص من التوراة ، لا بدعاء من عندک !

وبذلک یتضح أن الشرط الذی شرطه الشافعی وغیره لما یجب أن یقرأه الیهودی أو النصرانی فی رقیة المسلم لا أساس له فی الروایة. وغایة ما یمکن استفادته منها أن الاحسن للمسلم أن یطلب من الکتابی أن یقرأ علی مریضه شیئاً من القرآن.. خاصة أن الذی یکلف أحداً أن یرقی مریضه لا یملی علیه ماذا یقرأ علیه ، لانهلا یکلفه بالرقیة إلا وهو یعتقد بأنه عبد صالح قریب إلی الله تعالی ، فهو أعرف بما یقرأ علیه !

کما یلاحظ استغراب السائل لهذه الروایة والفتوی ! فأجابه الشافعی بأن الروایة صحیحة ولم یصل إلینا إنکار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبی بکر. والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابی شیئاً فهو جائز وحجة علی غیره ، إلا إذا عارضه صحابی آخر ، ویشترط أن یکون الصحابی المعارض من الصحابة الذین تؤثر معارضتهم عند الاخوة السنیین . . فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم مثل علی المظلوم ، وبعضهم تضر !

. . . إن معرفة هذا الجو فی الجزیرة من التأثر العام بثقافة الیهود ، تمکننا من تفسیر مواقف الخلیفة عمر تجاه الثقافة الیهودیة . . فقد کان من نشأته فی

ص: 259

مکة یحترم هذه الثقافة کثیراً قبل بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتدل عدة نصوص علی أنه استمر علی احترامها حتی وهو إلی جانب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم عندما صار خلیفة .

وبهذا نفهم سبب احترامه لکعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام .. وأمثالهم من الیهود الذین أعلنوا دخولهم فی الإسلام . . وتمیم الداری وأمثاله من النصاری الذین دخلوا فی الإسلام . . وکذا ثقته بما عند علماء الیهود والنصاری من کتب وتاریخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل !

وینبغی للباحث فی هذا الموضوع أن یعرف المقومات الأساسیة لشخصیة الخلیفة عمر . . فهو أولاً ، عربی معتز بقومیته إلی حد أنه یری أن المخاطب بقوله تعالی (یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَی وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا . . ) هم العرب خاصة ! قال السیوطی فی الدر المنثور:6/98 ( وأخرج ابن مردویه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآیة فی الحجرات. إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَی ، هی مکیة وهی للعرب خاصة. الموالی أی قبیلة لهم وأی شعاب ؟ وقوله: إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاکُمْ ، قال: أتقاکم للشرک).

وعلی تفسیر الخلیفة فإن الآیة لا تساوی بین العرب وغیرهم کما فهم منها المسلمون. ولعله لذلک أفتی بأنه لا ملک علی عربی وبأن العرب لهم أن یتزوجوا من الأمم الأخری ولکن لیس لهم أن یزوجوهم ، لأن العربیة لا کفؤ لها إلا العربی . . إلی آخر فتاواه وقراراته فی هذا المجال .

وهو ثانیاً: قرشئ یحب قریش ویعتز بها اعتزازاً شدیداً .. حتی بالطلقاء وقادة

ص: 260

الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم.. فیقول عن معاویة: کسری العرب ، وعن أبی سفیان: سید العرب ! بل یثقل علیه یوم فتح مکة أن یدخل أنصاری برایة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو یتحدی قادة الاحزاب من قریش.. فقد روی البیهقی فی سننه:10/228 . . . عن أنس قال دخل رسول الله(ص)مکة فقام أهلها سماطین ینظرون إلی رسول الله وإلی أصحابه ، قال وابن رواحة یمشئ بین یدی رسول الله ، فقال ابن رواحة:

خلوا بنی الکفار عن سبیله

فالیوم نضربکم علی تنزیله

ضرباً یزیل الهام عن مقیله

ویذهل الخلیل عن خلیله

یا رب إنی مؤمن بقیله

فقال عمر (رض): یابن رواحة أفی حرم الله وبین یدی رسول الله تقول الشعر !! فقال رسول الله (ص): مه یا عمر فوالذی نفسی بیده لکلامه هذا أشد علیهم من وقع النبل ! وروی نحوه الترمذی فی سننه:4/217 ، وسیر أعلام النبلاء:1/235 .

وعلی هذا الأساس یجب أن نعرف أن إعجاب الخلیفة عمر بالثقافة الیهودیة لا یتنافی فی نظره مع عروبته وقرشیته بل یخدمهما . . وقد کان تقریبه لکعب الأحبار وتمیم الداری وغیرهما ، مشروطاً بأن یحترموا العرب وخاصة قریش

.. فإن شعر منهم انتقاصاً للعرب أو قریش لم یتردد فی اتخاذ الموقف الحاسم منهم . . وقد عنف کعب الأحبار وتمیماً الداری أکثر من مرة. إنها نظرة مرکبة إلی الیهود من عناصر متعددة فی ذهنیة الخلیفة ، وقد نتجت عنها هذه السیاسة المرکبة مع الیهود ، ومع أن فیها مواقف مضادة

ص: 261

لهم ، لکنها علی العموم کانت ترضیهم .

وقد روت المصادر - المحبة للخلیفة - مواقفه الدالة علی هذه السیاسة ، وروت أن بعض مواقفه جاء علی شکل اندفاع خطیر منه لادخال الثقافة الیهودیة فی الإسلام ، فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مرات متعددة عن ذلک.. ثم ذات یوم غضب غضباً شدیداً ودعا المسلمین إلی اجتماع طارئ لیحذرهم من خطورة ما یریده عمر وأصحابه . . . إلی آخر ما ذکرناه هناک .

من أفکار کعب الأحبار فی الرؤیة والتشبیه والتجسیم

وروی الطبری فی تفسیره:25/6:

فقال کعب : . . . سألت أین ربنا ، وهو علی العرش العظیم متکئ واضع إحدی رجلیه علی الأخری ، ومسافة هذه الأرض التی أنت علیها خمسمائة سنة ، ومن الأرض إلی الأرض مسیرة خمسمائة سنة وکثافتها . . . ثم قال: إقرؤوا إن شئتم: تَکَادُ

السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ !

وروی البغوی فی معالم التنزیل:4/460: قال کعب الأحبار: علیین هو قائمة العرش الیمین .

وقال الصنعانی فی تفسیره:2/37: عن قتادة فی قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، قال قال کعب: إن الله لم یخلق بیده إلا ثلاثة: خلق آدم بیده والتوراة بیده وغرس الجنة بیده . . . الخ .

وقال الطبری فی تفسیره:7/100 : قال محمد لکعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال: کتاباً لم یکتبه بقلم ولا مداد..

ص: 262

فتح القدیر للشوکانی:4/560: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعاً بیده: العرش وجنة عدن والقلم وآدم . . . .

وقال الطبری فی تفسیره:18/2 : عن میسرة قال: لم یخلق الله شیئاً غیر أربعة أشیاء: خلق آدم بیده، وکتب الألواح بیده، والتوراة بیده، وغرس عدناً بیده .

وقال البغوی فی معالم التنزیل 4/236 : . . . وکتاب مسطور ، قال الکلبی: هو ما کتب الله بیده لموسی من التوراة ، وموسی یسمع صریر القلم .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/6: وأخرج ابن جریر عن أبی المخارق زهیر بن سالم ، قال قال عمر لکعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال کعب: کتب الله کتاباً لم یکتبه بقلم ولا مداد ، ولکن کتب بإصبعه یتلوها الزبرجد واللؤلؤ والیاقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتی غضبی .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/121:

وأخرج الطبرانی فی السنة عن ابن عمر قال: خلق الله آدم بیده ، وخلق جنة عدن بیده ، وکتب التوراة بیده ، ثم قال لسائر الأشیاء کن فکان .

وأخرج أبو الشیخ عن عطاء قال: کتب الله التوراة لموسی بیده ، وهو مسند ظهره إلی الصخرة یسمع صریف القلم فی ألواح من زمرد ، لیس بینه وبینه إلا الحجاب .

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة قال: إن الله لم یمس شیئاً إلا ثلاثة: خلق آدم بیده ، وغرس الجنة بیده ، وکتب التوراة بیده .

وأخرج عبد بن حمید وابن أبی حاتم عن عکرمة قال: کتبت التوراة بأقلام من ذهب .

ص: 263

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد ابن حمید وابن المنذر عن حکیم بن جابر: قال أخبرت أن الله تبارک وتعالی لم یمس من خلقه بیده شیئاً إلا ثلاثة أشیاء: غرس الجنة بیده ، وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسک ، وخلق آدم بیده ، وکتب التوراة لموسی بیده .

وأخرج عبد بن حمید عن وردان بن خالد قال: خلق الله آدم بیده ، وخلق جبریل بیده ، وخلق القلم بیده ، وخلق عرشه

بیده ، وکتب الکتاب الذی عنده لا یطلع علیه غیره بیده ، وکتب التوراة بیده .

وأخرج أبو الشیخ عن ابن جریج قال: أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة ، أمر الرب تعالی جبریل فجاء بها من عدن وکتبها بیده ، بالقلم الذی کتب به الذکر ، واستمد الرب من نهر النور ، وکتب به الألواح .

وأخرج ابن أبی حاتم عن سعید بن جبیر قال: کانوا یقولون کانت الألواح من یاقوتة ، وأنا أقول إنما کانت من زبرجد وکتابها الذهب ، کتبها الله بیده فسمع أهل السموات صریف القلم .

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: کانت الألواح من زمرد أخضر ، أمر الرب تعالی جبریل فجاء بها من عدن فکتب الرب بیده بالقلم الذی کتب به الذکر ، واستمد الرب من نهر النور وکتب به الألواح .

وأخرج عبد بن حمید عن مغیث الشامی قال بلغنی أن الله تعالی لم یخلق بیده إلا ثلاثة أشیاء: الجنة غرسها بیده ، وآدم خلقه بیده ، والتوراة کتبها بیده .

ص: 264

کعب یدعی أن جنة عدن مسکن الله والأنبیاء والخلفاء !

روی السیوطی فی الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصری أن عمر قال لکعب: ماعدن ؟ قال: هو قصر فی الجنة لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل .

وأخرج ابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن مجاهد (رض) قال: قرأ عمر (رض) علی المنبر: جنات عدن ، فقال: أیها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له عشرة آلاف باب ، علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین ، لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید.

وروی فی کنز العمال:12/560 و573:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثنی یا کعب عن جنات عدن. قال: نعم یا أمیر المؤمنین ، قصور فی الجنة لا یسکنها إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل . فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها ، وأما الصدیقون فقد صدقت الله ورسوله: وأما الحکم العدل فإنی أرجو الله أن لا أحکم بشئ إلا لم آل فیه عدلاً ، وأما الشهادة فأنی لعمر بالشهادة ؟ ابن المبارک وأبو ذر الهروی فی الجامع .

. . . عن کعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدک بالله یا کعب ، أتجدنی خلیفة أم ملکاً ؟ قال: بل خلیفة. فاستحلفه ، فقال کعب: خلیفة والله ، من خیر الخلفاء ، وزمانک خیر زمان .

وروی فی الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمید عن قتادة (رض) . . . فی قوله تعالی:

ص: 265

وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ ، قال: إن عمر بن الخطاب(رض) قال: یا کعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب فی الجنة یسکنها النبیون والصدیقون وأئمة العدل .

وروی فی الدر المنثور:6/257:

. . . فقال عمر بن الخطاب عند ذلک: ألا تسمع یا کعب ما یحدثنا به ابن أم عبد عن أدنی أهل الجنة ، ماله فکیف بأعلاهم ؟! قال: یا أمیر المؤمنین مالا عین رأت ولا أذن سمعت ، إن الله کان فوق العرش والماء فخلق لنفسه داراً بیده فزینها بما شاء ، وجعل فیها ما شاء من الثمرات والشراب ، ثم أطبقها فلم یرها أحد من خلقه منذ خلقها ، جبریل ولا غیره من الملائکة ، ثم قرأ کعب: فَلا

تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ . . الآیة ، وخلق دون ذلک جنتین فزینهما بما شاء وجعل فیهما ماذکر من الحریر والسندس والإستبرق، وأراهما من شاء من خلقه من الملائکة ، فمن کان کتابه فی علیین نزل تلک الدار ، فإذا رکب الرجل من أهل علیین فی ملکه لم یبق خیمة من خیام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتی أنهم لیستنشقون ریحه ویقولون واهاً هذه الریح الطیبة، ویقولون لقد أشرف علینا الیوم رجل من أهل علیین. فقال عمر: ویحک یا کعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ! فقال کعب: یاأمیر المؤمنین إن لجهنم زفرة ما من ملک ولا نبی إلا یخر لرکبتیه ، حتی یقول إبراهیم خلیل الله: رب نفسی نفسی ، وحتی لو کان لک عمل سبعین نبیاً إلی عملک لظننت أن لن تنجو منها !

قال فی معجم ما استعجم:2/74:

ص: 266

( الحثمة ) بفتح أوله وإسکان ثانیه: صخرات بأسفل مکة ، بها ربع عمر بن الخطاب ، روی عنه مجاهد (أی عن عمر) أنه قرأ علی المنبر (جنات عدن) فقال: أیها الناس ، أتدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له خمسة آلاف باب ، علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین ، لا یدخله إلا نبی ، وهنیئاً لصاحب القبر ، وأشار إلی النبی(ص)، أو صدیق وهنیئاً لابی بکر وأشار إلی قبره ، أو شهید ، وأنی لعمر بالشهادة ؟ وإن الذی أخرجنی من منزلی بالحثمة قادر أن یسوقها إلی. انتهی .

هذا ، وقد ضعف الذهبی فی میزان الاعتدال:2/98 زیاد بن محمد الأنصاری أحد رواة هذا الحدیث ولکن تضعیف هذا السند لایعنی تضعیفهم للحدیث لأنه روی عندهم بطرق أخری ومضمونه عندهم صحیح. وقد تقدم توثیق الهیثمی لروایة السیوطی الثانیة ، وفی مشابهاتها صحیح عندهم. وسوف نذکر بقیتها فی تفسیر قوله تعالی ( عَلَی

الْعَرْشِ اسْتَوَی ) إن شاء الله. وقد تقدمت أحادیثهم فی أن الفردوس هو مسکن الله تعالی وبعض الخلفاء . . .

وروی الطبری فی تفسیره:15/94:

عن أبی الدرداء ، قال قال رسول الله (ص): إن الله یفتح الذکر فی ثلاث ساعات بقین من اللیل فی الساعة الأولی منهن ینظر فی الکتاب الذی لا ینظر فیه أحد غیره فیمحو ما یشاء ویثبت ، ثم ینزل فی الساعة الثانیة إلی جنة عدن وهی داره التی لم ترها عین . . وهی مسکنه ، ولا یسکن معه من بنی آدم غیر ثلاثة النبیین والصدیقین والشهداء . . ثم ینزل فی الساعة الثالثة إلی السماء الدنیا بروحه وملائکته. الخ .

ص: 267

وروی السیوطی فی الدر المنثور:4/254:

أخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی وابن مردویه والحکم وصححه عن أبی أمامة ، قال قال رسول الله (ص): سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة ، وإن أهل الفردوس یسمعون أطیط العرش .

وأخرج البخاری ومسلم وابن أبی حاتم عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): إذا سألتم الله فاسألوه الفرودس ، فإنه وسط الجنة وأعلی الجنة وفوقه عرش الرحمن .

وقال عبد الرزاق فی تفسیره:2/37:

عن قتادة فی قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، قال قال کعب: إن الله لم یخلق بیده إلا ثلاثة: خلق آدم بیده والتوراة بیده وغرس الجنة بیده ، ثم قال للجنة تکلمی فقالت: قد أفلح المؤمنون ، لما علمت فیها من کرامة الله لاهلها. انتهی. ورواه الطبری فی تفسیره:18/6 .

وفی مصادر اخواننا روایات کثیرة عن صحابة وتابعین مثل أبی هریرة وأبی الدرداء وقتادة وغیرهم،وأصلها کلها عن کعب ووهب وأمثالهما من الیهود.

نموذج من علم کعب بالله تعالی

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر کعباً عن آیات أول سورة الحدید فقال: معناها إن علمه بالأول کعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر کعلمه بالباطن . انتهی .

وهذا یدل علی أن فکر کعب الأحبار سطحی وحشوی ، لأن الآیات المسؤول عنها هی قوله تعالی ( سَبَّحَ للهِ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ

ص: 268

الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ یُحْیِی وَیُمِیتُ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَئْ قَدِیرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَ هُوَ بِکُلِّ شَئْ عَلِیمٌ ) الحدید : 1 - 3 ، وقد فسر کعب قوله تعالی ( هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ . . . ) بأنه یعلم الأول والآخر !

وقال کعب وعمر: یفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

مجمع الزوائد:1/83:

عن عمر (رض) أن امرأة أتت النبی(ص)فقالت: أدع الله أن یدخلنی الجنة ، فعظم الرب تبارک وتعالی وقال: إن کرسیه وسع السموات والأرض ،وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید إذا رکب من ثقله. رواه البزار ورجاله رجال الصحیح .

وقال فی مجمع الزوائد:10/159: رواه أبو یعلی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح غیر عبد الله بن خلیفة الهمذانی وهو ثقة .

ورواه فی کنز العمال:10/373 ، وقال: ( ع ، وابن أبی عاصم ، وابن خزیمة قط فی الصفات ، طب فی السنة ، وابن مردویه ،/) .

ونحوه فی کنز العمال:2/466 ، وقال: ابن مردویه خط / ونحوه فی:6 ص152 وقال الخطیب من طریق أبی إسرائیل عن أبی إسحاق عن عبد الله بن خلیفة الهمدانی .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:1/328:

وأخرج عبد بن حمید وابن أبی عاصم فی السنة والبزار وأبویعلی وابن جریر وأبوالشیخ والطبرانی وابن مردویه والضیاء المقدسی فی المختارة عن

ص: 269

عمر أن امرأة أتت النبی(ص)فقالت أدع الله أن یدخلنی الجنة ، فعظم الرب تبارک وتعالی وقال: إن کرسیه وسع السموات والأرض ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید إذا رکب من ثقله ، ما یفضل منه أربع أصابع .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:3/86:

عمر بن الخطاب: عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، حتی یسمع له أطیط کأطیط الرحل.

تاریخ بغداد:1/295:

عن عبد الله بن خلیفة عن عمر بن الخطاب عن النبی(ص)فی قوله تعالی: عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، قال: حتی یسمع أطیط کأطیط الرحل .

وقال ابن الاثیر فی النهایة:1/54:

الأطیط: صوت الأقتاب. وأطیط الإبل: أصواتها وحنینها . . . أی أنه لیعجز عن حمله وعظمته ، إذ کان معلوماً أن أطیط الرحل بالراکب إنما یکون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار: 1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه یفضل منه کما یدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل. انتهی .

ویلاحظ أنه جعل العرش أکبر من حجم الله تعالی بأربع أصابع مرة ، وجعل الله تعالی أکبر من کرسیه بأربع أصابع بأصابع الرحمن مرة أخری ، وبما أن آدم فی روایاتهم مخلوق علی صورة الله تعالی وطوله ستون ذراعاً وفی بعضها سبعون ذراعاً، فتکون إصبع الرحمن أکثر من متر ! سبحانه وتعالی

ص: 270

عما یصفون ، ونبرأ إلیه وإلی رسوله من هذه المقولات ، وقد تقدم أکثر منها فی فصل بازار الأحادیث . . .

وقالوا: نبی الله داود یمسک بقدم الله تعالی وهو أعبد من جمیع الأنبیاء

کنز العمال:2/488:

من مسند عمر (رض). عن عمر قال: ذکر النبی(ص): یوم القیامة فعظم شأنه وشدته ، قال ویقول الرحمن لداود(علیه السّلام): مر بین یدی ، فیقول داود: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی ، فیقول: مر خلفی ، فیقول: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی ، فیقول خذ بقدمی ، فیأخذ بقدمه عز وجل فیمر ، قال: فتلک الزلفی التی قال الله تعالی: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآبٍ ! انتهی. ورواه فی کنز العمال:2/488 ورواه الشوکانی فی فتح القدیر:4/583 والسیوطی فی الدر المنثور:5/305 عن ابن مردویه .

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الدیلمی عن عمر (رض) قال قال رسول الله (ص): لا ینبغی لأحد أن یقول إنی أعبد من داود .

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حمید عن السدی بن یحیی قال حدثنی أبو حفص رجل قد

ص: 271

أدرک عمر بن الخطاب أن الناس یصیبهم یوم القیامة عطش وحر شدید ، فینادی المنادی داود فیسقی علی رؤوس العالمین ، فهو الذی ذکر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآبٍ !

وقالوا: عمر أفضل من داود لأنه یصافح الله ویعانقه

روی ابن ماجة فی:1/38:

. . . عن سعید بن المسیب ، عن ( أبی بن ) کعب قال: قال رسول الله (ص): أول من یصافحه الحق عمر ، وأول من یسلم علیه ، وأول من یأخذ بیده فیدخله الجنة ! انتهی. ورواه الحاکم فی المستدرک:3/83 .

عبدالله بن عمر یؤکد أحادیث أبیه

سنن ابن ماجه:1/65:قال ابن عمر: سمعت رسول الله (ص) یقول: یدنی المؤمن من ربه یوم القیامة حتی یضع علیه کتفه .

تفسیر الطبری:12/14: عبد الله بن عمر: قال سمعت نبی الله (ص) یقول یدنو المؤمن من ربه حتی یضع علیه کتفه . .

تفسیر الطبری:23/119: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعة بیده: العرش وعدن والقلم وآدم. .

ص: 272

مصابیح البغوی:3/497: عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص)... ثم ذکر الدجال . . . تعلمون أنه أعور وأن الله لیس بأعور .

البعث والنشور للبیهقی/251: . . . سمعت ابن عمر یحدث رفع الحدیث إلی النبی (ص) . . . وأکرمهم علی الله عز وجل من ینظر إلی وجه غدوةً وعشیة .

کنز العمال:14/493: إن أدنی أهل الجنة منزلة لمن ینظر إلی جنانه وأزواجه ونعیمه وخدمه وسرره مسیرة ألف سنة ، وأکرمهم علی الله من ینظر إلی وجهه غدوة وعشیة ، ثم قرأ: وجوه یومئذ ناضرة ت ، طب عن ابن عمر .

العقد الفرید:6/208: ومن حدیث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحیة والوحی ینزل فی السلاسل .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/214: ابن عمر: إن الله عز وجل کلم موسی بمائة ألف وعشرین ألفاً وثلاثمائة وثلاث عشر کلمة ، فکان الکلام من الله والإستماع من موسی فقال: أی رب أنت الذی تکلمنی أم غیرک ؟ قال الله عز وجل: یا موسی أنا أکلمک لا رسول بینی وبینک .

فردوس الأخبار للدیلمی:3/85: ابن عمر: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا، یجلسنی معه علی السریر .

ص: 273

فردوس الأخبار للدیلمی:5/165: ابن عمر: لا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم علی صورته .

فردوس الأخبار للدیلمی:5/128: ابن عمر: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، من البهاء والحسن ناظرة فی وجه الله تعالی .

وقال المنذری فی الترغیب والترهیب:4/507: روی عن ابن عمر: أکرم أهل الجنة علی الله من ینظر إلی وجهه غدوة وعشیاً. وروی نحوه فی:4/539 وص 551 وص 552 وص 553 وص 556 ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/86 وص 125 وص 128 .

وقال الدیلمی فی:3/473:ابن عمر: لما کان فی اللیلة التی ولد فیها أبو بکر الصدیق أقبل ربکم عز وجل علی جنات عدن فقال: وعزتی وجلالی لا أدخلک إلا من أحب هذا المولود .

من روایات أبی موسی الأشعری وابنه

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/254:

وأخرج ابن أبی حاتم عن أبی موسی الأشعری قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن ، فیها خیار الأنهار والأثمار .

وقال فی الدر المنثور:1/327:

وأخرج ابن جریر وابن المنذر وأبوالشیخ والبیهقی فی الأسماءوالصفات

ص: 274

عن أبی موسی الأشعری قال: الکرسی موضع القدمین وله أطیط کأطیط الرحل .

تفسیر الطبری:3/7:

وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ . . . عن أبی موسی: قال الکرسی موضع القدمین. وعن السدی: والکرسی بین یدی العرش وهو موضع قدمیه .

صحیح البخاری:4 جزء 8/185

عن أبی بکر بن عبدالله بن قیس عن أبیه ( أبی موسی الأشعری ) عن النبی (ص) قال: جنتان من فضة آنیتهما وما فیهما ، وجنتان من ذهب آنیتهما وما فیهما ، وما بین القوم وبین أن ینظروا إلی ربهم إلا رداء الکبر علی وجهه فی جنة عدن. انتهی. ورواه البخاری فی:3 جزء 6/56 ، وفی:4/86 ، وفی:8/185 ومسلم:1/112 والدارمی:2/333 ورواه أحمد:4/411 کما فی مسلم وکذا ابن ماجة:1/66 والحاکم:2/392 والذهبی فی سیره:8/370 .

ورواه أحمد فی:4/4162 وفیه ( فی جنة عدن وهذه الأنهار تشخب من جنة عدن ثم تصدع بعد ذلک أنهاراً ) .

وروی فی:4/400 وص 411:

عن أبی بکر بن عبد الله بن قیس الأشعری عن أبیه أن النبی(ص)قال: الخیمة درة مجوفة طولها فی السماء ستون میلاً ، فی کل زاویة منها للمؤمن أهل لا یراهم الآخرون ، ورباً قال عفان لکل زاویة. انتهی. یعنی بالرب المسؤول عن أهله فی کل زاویة من زوایا الخیمة !

ص: 275

وروی أحمد روایة تدل علی أن المقصود کثرة النساء فی تلک الدرة الکرویة الهائلة ! قال فی:4/411: عن أبی بکر بن عبد الله بن قیس عن أبیه عن رسول الله(ص)أنه قال: فی الجنة خیمة من لؤلؤة مجوفة ، عرضها ستون میلاً ، فی کل زاویة منها أهل ما یرون الاخرین یطوف علیهم ( علیهن ) المؤمن .

وروی أحمد روایات أخری غیر معقولة عن أبی موسی الأشعری فی تجسیم الله تعالی والتکفیر عن المسلمین المستحقین لدخول النار بغیرهم ! قال فی:4/408: عن أبی بردة عن أبی موسی الأشعری قال قال رسول الله (ص): یجمع الله عز وجل الأمم فی صعید یوم القیامة ، فإذا بدا لله عز وجل أن یصدع بین خلقه ، مثل لکل قوم ما کانوا یعبدون ، فیتبعونهم حتی یقحمونهم النار ، ثم یأتینا ربنا عز وجل ونحن علی مکان رفیع فیقول: من أنتم ؟ فنقول: نحن المسلمون. فیقول: ما تنتظرون ؟ فیقولون: ننتظر ربنا عز وجل. قال فیقول: وهل تعرفونه إن رأیتموه ؟

فیقولون: نعم. فیقول: کیف تعرفونه ولم تروه ؟! فیقولون: نعم إنه لا عدل له .

فیتجلی لنا ضاحکاً فیقول: أبشروا أیها المسلمون فإنه لیس منکم أحد إلا جعلت مکانه فی النار یهودیاً أو نصرانیاً !

وقال فی:4/410 وص 411 وص 418:

عن أبی موسی قال قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة دفع إلی کل مؤمن رجل من أهل الملل ، فقال له هذا فداؤک من النار !

ص: 276

عن سعید بن أبی بردة عن أبیه عن جده أبی موسی قال قال رسول الله (ص): إن أمتی أمة مرحومة لیس علیها فی الآخرة عذاب ! إنما عذابها فی الدنیا القتل والبلابل والزلازل ! قال أبو النضر بالزلازل والقتل والفتن !

وروی أحمد عن أبی موسی فی:4/414:

عن أسید بن أبی أسید عن موسی بن أبی موسی الأشعری عن أبیه أن النبی (ص) قال: المیت یعذب ببکاء الحی علیه ، إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واکاسباه ، جبذ المیت وقیل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت کاسبها ؟ فقلت: سبحان الله یقول الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَی ! فقال: ویحک ، أحدثک عن أبی موسی عن رسول الله(ص)وتقول هذا فینا کذب ؟! فوالله ما کذبت علی أبی موسی ، ولا کذب أبو موسی علی رسول الله(ص)!

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسی: یتجلی ربنا ضاحکاً یوم القیامة حتی ینظروا إلی وجهه فیخرون له سجداً فیقول: إرفعوا رؤوسکم فلیس هذا یوم عبادة .

البعث والنشور للبیهقی/262:

سمعت أبا موسی الأشعری یخطب علی منبر البصره یقول: إن الله عز وجل یبعث یوم القیامه ملکاً إلی أهل الجنة فیقول . . . قد بقی شئ إن الله یقول: لِلَّذِینَ

أَحْسَنُوا الْحُسْنَی وَ زِیَادَةٌ ، قال ألا إن الحسنی الجنة ، وزیاده: النظر إلی وجه الله .

ص: 277

وقال الجرجانی وغیره: أطیط العرش فکرة یهودیة

شرح المواقف للجرجانی:8/19:

المقصد الأول ، أنه تعالی لیس فی جهة من الجهات ولا فی مکان من الأمکنة ، وخالف فیه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقاً ، ثم اختلفوا فیما بینهم فذهب أبو عبد الله محمد بن کرام إلی أن کونه فی الجهة ککون الأجسام فیها ، وهو أن یکون بحیث یشار إلیه أنه هاهنا أو هناک ، قال: وهو مماس للصفحة العلیا من العرش ویجوز علیه الحرکة والإنتقال وتبدل الجهات، وعلیه الیهود حتی قالوا العرش یئط من تحته أطیط الرحل الجدید تحت الرکب الثقیل ، وقالوا إنه یفضل علی العرش من کل جهة أربعة أصابع ، وزاد بعض المشبهة کمضر وکهمس وأحمد الهجیمی أن المخلصین من المؤمنین یعانقونه فی الدنیا والآخرة! ومنهم من قال هو محاذ للعرش غیر مماس له ، فقیل بعده عنه بمسافة متناهیة ، وقیل بمسافة غیر متناهیة ! ! . . .

التجسیم فی مصادر إخواننا من روایات الحاخامات

من أقدم النصوص وأوسعها انتشاراً فی مصادر إخواننا قصة الحاخام الیهودی التی رواها أهل الصحاح بروایات عدیدة عن عبد الله بن عمر ، ومفادها أن هذا الحاخام جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعرض علیه عقیدة التجسیم ،

ص: 278

فصدق النبی قوله وضحک له حتی بدت نواجذه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقد روی البخاری فی صحیحه:6/33:

. . . عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من الأحبار إلی رسول الله(ص)فقال: یا محمد ، إنا نجد أن الله یجعل السماوات علی إصبع والأرضین علی إصبع والشجر علی إصبع والماء والثری علی إصبع وسائر الخلائق علی إصبع ، فیقول أنا الملک، فضحک النبی(ص)حتی بدت نواجذه تصدیقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله (ص): وما قدروا الله حق قدره .

وروی فی:8/173:

عن عبدالله أن یهودیاً جاء إلی النبی(ص)فقال یا محمد إن الله یمسک السماوات علی إصبع والأرضین علی إصبع والجبال علی إصبع والشجر علی إصبع والخلائق علی إصبع ، ثم یقول أنا الملک ، فضحک رسول الله (ص)حتی بدت نواجذه ، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ. قال یحیی بن سعید وزاد فیه فضیل بن عیاض عن منصور عن إبراهیم عن عبیدة عن عبدالله فضحک رسول الله(ص)تعجباً وتصدیقاً له .

. . . قال عبدالله جاء رجل إلی النبی(ص)من أهل الکتاب فقال: یا أبا القاسم إن الله یمسک السماوات علی إصبع والأرضین علی إصبع والشجر والثری علی إصبع والخلائق علی إصبع ، ثم یقول أنا الملک ، أنا الملک فرأیت النبی(ص)ضحک حتی بدت نواجذه ، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ .

صحیح البخاری:8/187:

. . . عن عبد الله قال جاء حبر إلی رسول الله(ص)فقال: یا محمد إن الله یضع

ص: 279

السماء علی إصبع والأرض علی إصبع والجبال علی إصبع والشجر والأنهار علی إصبع وسائر الخلق علی إصبع ثم یقول بیده أنا الملک ، فضحک رسول الله(ص)وقال: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ .

صحیح البخاری:8/202:

. . . عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من الیهود فقال: إنه إذا کان یوم القیامة جعل الله السماوات علی إصبع والارضین علی إصبع والماء والثری علی إصبع والخلائق علی إصبع ثم یهزهن ، ثم یقول أنا الملک أنا الملک ، فلقد رأیت النبی صلی الله علیه وسلم یضحک حتی بدت نواجذه تعجباً وتصدیقاً لقوله ، ثم قال النبی (ص): وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، إلی قوله یشرکون .

ورواه مسلم فی:8/125 بعدة روایات منها بلفظ البخاری وفیها عبارة ( وقال فلقد رأیت رسول الله(ص)ضحک حتی بدت نواجذه تعجباً لما قال تصدیقاً له ) .

ورواه أحمد فی مسنده:1/378 وص 429 وص 457 وذکر فی جمیع روایاته أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ضحک حتی بدت نواجذه تصدیقاً للیهودی ! انتهی. ورواه البغوی فی معالم التنزیل:4/87 وفی مصابیحه:3/523 والمراغی فی تفسیره جزء 21/31

والصنعانی فی تفسیره:2/250 والأحادیث القدسیة:2/39 وأبو الشیخ فی طبقات المحدثین:1/287.. وغیرهم .

ورواه الطبری فی تفسیره:24/18 ، بصیغة کأنها ابتداء من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بدون ذکر للیهودی ! قال: عن ابن عمر قال سمعت رسول الله (ص) یقول: یأخذ

ص: 280

الجبار سمواته وأرضیه بیمینه وقبض یده فجعل یقبضها

ویبسطها ثم یقول أنا الجبار أنا الملک ، أین الجبارون أین المتکبرون ! قال ویمیل رسول الله (ص) عن یمینه وعن شماله حتی نظرت إلی المنبر یتحرک من أسفل شئ منه ، حتی أنی لأقول أساقط هو برسول الله (ص) !

نکتفی بهذا القدر من النصوص عن الخلیفة عمر وابنه وأبی موسی الأشعری وابنه ، وهی أقدم من جمیع نصوص الرؤیة والتشبیه والتجسیم !

ومنها یتضح أن الخلیفة عمر أول رائد فی هذا المجال ، وأن کعب الأحبار هو أول مصدر یهودی بعد یهود المدینة تلقی منه الخلیفة ومن أطاع الخلیفة من المسلمین بشکل رسمی ! وکان من أبرز المتأثرین بالخلیفة ولده عبد الله وأبا موسی الأشعری وولده أبا بکر . ثم جاء الذین من بعدهم فوجدوا طریقاً ممهداً فسلکوه ، لأن فتح الخلیفة عمر لهذا الباب لم یکن حدثاً عادیاً ، بل کان وضع أساس من صدر الإسلام لکل من جاء بعده ، وفتح ( قناة شرعیة ) بین نهر ثقافة أحبار الیهود ومکتوباتهم لتصب فی نهر الإسلام الصافی !

وقد نشطت قناة الخلیفة عمر ، وصارت مصدراً أساسیاً لثقافة المسلمین فی عهد معاویة ، وشرب الرواة وعلماء السلطة من أفکار کعب وجماعته ، وشیدوا أبنیتهم بأحجارها ! وهذه آثارها شاخصة فی مصادر المسلمین وصحاحهم !

ومن جهة سیاسیة فقد سببت هذه الافکار اختلافات فی الأمة وانقسامات

ص: 281

وصراعات مریرة . . وحاول المؤرخون کعادتهم أن یبرئوا منها السلطة والخلیفة ویتهموا بها المعارضة من أهل البیت وشیعتهم ، لمجرد أنهم معارضة مکروهون !

ویطول البحث لو أردنا تعداد الذین رووا عن الیهود من رواة القرن الأول والثانی . . . ومن باب المثال نذکر ما قاله السبکی فی طبقات الشافعیة:9/73 فی رده علی ابن تیمیة: ( . . . ثم أفاد المدعی ( ابن تیمیة ) وأسند أن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة الیهود والمشرکین وضلال الصابئین. قال: فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة: الجعد بن درهم ، وأخذها عنه جهم بن صفوان ، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمیة إلیه ، قال والجعد أخذها عن أبان بن سمعان ، وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبید بن الأعصم ، وأخذها طالوت من لبید الیهودی الذی سحر النبی(ص). قال: وکان الجعد هذا فیما یقال من أهل حران .

فیقال له: أیها المدعی إن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة الیهود، قد خالفت الضرورة فی ذلک ، فإنه ما یخفی علی جمیع الخواص وکثیر من العوام أن الیهود مجسمة مشبهات ، فکیف یکون ضد التجسیم والتشبیه مأخوذاً عنهم ! )

انتهی .

ویسهل علی الباحث أن یلاحظ أن بعض الأحادیث التی استدل بها ابن تیمیة وغیره من القائلین بالرؤیة بالعین والتشبیه ، هی نصوص یهودیة أو نصرانیة موجودة فی مصادرهم ، وبعضها الآخر یشم منها رائحة یهودیة قویة !

ص: 282

ومن ذلک الحدیثان اللذان أوردهما السبکی فی مناقشته لابن تیمیة ، قال فی طبقات الشافعیة:9/53: ( حدیث الرقیة: ربنا الله الذی فی السماء تقدس اسمک . . . حدیث الأوعال: والعرش فوق ذلک کله والله فوق ذلک کله. فقد فهمه هذا المدعی ( یقصد ابن تیمیة ) أن الله فوق العرش حقیقة. انتهی .

وحدیث الأوعال هو الحدیث الذی یدعی أن الله تعالی یجلس علی عرشه وأن الحیوانات تحمل عرشه ، تعالی الله عما یصفون ، وستأتی روایاته فی تفسیر قوله تعالی: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی .

هذا وقد حاول بعض شراح البخاری ومسلم الدفاع عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإثبات أنه لم یصدق الحاخام بل رد عقیدة الیهود فی الله تعالی ، ولکنهم ثاروا فی وجههم !

قال فی الأحادیث القدسیة من الصحاح:2/42:

قال القسطلانی: هذا من شدید الإشتباه وقد حمله بعضهم علی أن الیهود مشبهة، وروی الحدیث من غیر واحد فلم یذکروا قوله (ص) إنه تعجب من قول الحبر تصدیقاً لقوله بل ذکروا أنه (ص) تعجب من کذب الیهودی. انتهی. وذکر نحوه فی إرشاد الساری:10/388 وقال: . . . وهذه الأوصاف فی حق الله تعالی محال . انتهی .

وقال النووی فی شرح مسلم 9 جزء 17/130:

قوله ( فضحک رسول الله (ص) تعجباً مما قال الحبر تصدیقاً له ، ثم قرأ: وَمَا

ص: 283

قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ . . ) ظاهر الحدیث أن النبی (ص) صدق الحبر فی قوله إن الله تعالی یقبض السماوات والأرضین والمخلوقات بالاصابع. قال القاضی: وقال بعض المتکلمین لیس ضحکه (ص) وتعجبه تصدیقاً للحبر ، بل هو رد لقوله وإنکار تعجب من سوء اعتقاده ، فإن مذهب الیهود التجسیم . . . انتهی. ونحوه فی:9 جزء 17/131 وفی:2/46 .

ولکن جمهور علماء إخواننا السنة لم یقبلوا هذه النقود العلمیة لأنها رد لما صرح به البخاری ومسلم ، فعصمة هذین الکتابین واجبة عندهم حتی من اشتباهات الرواة والنساخ ، وحتی لو استلزم ذلک تهمة النبی بتصدیق الیهود فی التجسیم ! قال فی الأحادیث القدسیة من الصحاح:2/43: قال الشیخ أبو عمرو بن الصلاح: ما اتفق علیه الشیخان بمنزلة التواتر ، وإن ضحک الرسول لیس إنکاراً . . . إن ما اتفق علیه الشیخان بمنزلة المتواتر فلا ینبغی التجاسر علی الطعن فی ثقاة الرواة ، ورد الأخبار الثابتة ! انتهی .

وأمام ذلک التشدد تراجع القسطلانی فی کتاب التوحید:10/388 ونقل قول أبی عمر الصلاح وأیده ! وقال جامع الأحادیث القدسیة من الصحاح: 2/45: قال ابن فورک: . . . وقد اشتد إنکار ابن خزیمة علی من ادعی أن الضحک المذکور علی سبیل الإنکار منه(ص)!

وهکذا أخذ أکثر علماء إخواننا السنة بحدیث البخاری عن الحاخام ، وشهدوا أن النبی أیده وصدقه ، وضحک له ضحکاً کثیراً شدیداً من فرحه

ص: 284

بهذا العلم العظیم علی حد تعبیر إمام الوهابیة. ولکن عدداً منهم بقی یراوده الشک والتحیر کیف یمکن أن یؤید النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قول یهودی فی التجسیم ، مع أن الآیة التی قرأها النبی تدل علی رده قول الیهودی .

الکوثری یصعد درجات ولایصل إلی لب الحقیقة

اقترب الشیخ محمد زاهد الکوثری من الحقیقة ، فاعترف بأن التشبیه والتجسیم انتقل إلی المسلمین من

الیهود عن طریق رواة إخواننا السنة من التابعین ومن بعدهم، ولکنه لم ینفذ إلی لب الحقیقة ، ولم یجرأ علی نسبة ذلک إلی الصحابة الذین أخذوا هذه العقائد من الیهود وأدخلوها فی عقائد المسلمین .

قال فی مقدمته لکتاب الأسماء والصفات للبیهقی:

للمحدثین ورواة الأخبار منزلة علیا عند جمهرة أهل العلم ، لکن بینهم من تعدی طوره وألف فیما لایحسنه ، فأصبح مجلبة العار لطائفته بالغ الضرر لمن یسایره ویتقلد رأیه ! من هؤلاء غالب من ألف منهم فی صفات الله سبحانه ، فدونک مرویات حماد بن سلمة فی الصفات تجدها تحتوی علی کثیر من الأخبار التالفة یتناقلها الرواة طبقة عن طبقة ، مع أنه قد تزوج نحو مائة امرأة من غیر أن یولد له ولد منهن ، وقد فعل هذا التزواج والتنکاح فی الرجل فعله بحیث أصبح فی غیر حدیث ثابت البنانی لایمیز بین مرویاته الأصلیة وبین مادسه فی کتبه أمثال ربیبه ابن أبی العوجاء وربیبه الآخر زید المدعو بابن حماد ، بعد أن کان جلیل القدر بین الرواة قویاً فی اللغة ، فضلّ

ص: 285

بمرویاته الباطلة کثیر من بسطاء الرواة .

ویجد المطالع الکریم نماذج شتی من أخباره الواهیة فی باب التوحید من کتب الموضوعات المبسوطة ، وفی کتب الرجال ، وإن حاول أناس الدفاع عنه بدون جدوی ، وشرع الله أحق بالدفاع من الدفاع عن شخص ، ولاسیما عند تراکب التهم القاطعة لکل عذر.

فعلت مرویات نعیم بن حماد أیضاً مثل ذلک بل تحمسه البالغ أدی به إلی التجسیم کما وقع مثل ذلک لشیخ شیخه مقاتل بن سلیمان تجد آثار الضرر الوبیل فی مرویاتهما فی کتب الرواة الذین کانوا یتقلدونها من غیر معرفة منهم لما هنالک ، فدونک کتاب الإستقامة لخشیش بن أصرم ، والکتب التی تسمی السنة لعبد الله وللخلال ، ولأبی الشیخ ، وللعسال ، ولأبی بکر بن عاصم ، وللطبرانی ، والجامع ، والسنة والجماعة لحرب بن إسماعیل السیرجانی ، والتوحید لابن خزیمة ، ولابن مندة ، والصفات للحکم بن معبد الخزاعی ، والنقض لعثمان بن سعید الدارمی ، والشریعة للأجری ، والإبانة لابی نصر السجزی ، ولابن بطة ، ونقض التأویلات لأبی یعلی القاضی ، وذم الکلام ، والفاروق لصاحب منازل السائرین.. تجد فیها ما ینبذه الشرع والعقل فی آن واحد ولا سیما النقض لعثمان بن سعید الدارمی السجزی المجسم فإنه أول من اجترأ من المجسمة بالقول إن الله لو شاء لاستقر علی ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ، فکیف علی عرش عظیم !!

وتابعه الشیخ الحرانی ( ابن تیمیة ) فی ذلک کما تجد نص کلامه فی غوث العباد المطبوع سنة 1351 بمطبعة الحلبی. وکم لهذاالسجزی من طامات مثل

ص: 286

إثبات الحرکة له تعالی وغیر ذلک ! کم من کتب من هذا القبیل فیها من الأخبار الباطلة والآراء السافلة ما الله به علیم، فاتسع الخرق بذلک علی الراقع وعظم الخطب إلی أن قام علماء أمناء برأب الصدع نظراً وروایة وکان من هؤلاء العلماء الخطابی ، وأبو الحسن الطبری ، وابن فورک ، والحلیمی ، وأبو إسحاق الأسفراینی ، والأستاذ عبد القاهر البغدادی، وغیرهم من السادة القادة الذین لایحصون عدداً . . . انتهی .

نقول: مع شکرنا لمن تصدی لهذه التحریفات فی عقائد الإسلام . . فإن المشکلة مازالت قائمة فی مصادر إخواننا لکثرة أحادیث الرؤیة والتشبیه والتجسیم فیها ، وجلها إن لم یکن کلها یرجع مصدره إلی کعب الأحبار وزملائه وتلامیذهم ومن تأثر بهم مثل أبی هریرة وعکرمة ووهب ومقاتل والسفیانین والحمادین ونعیم بن حماد.. الخ. ! فلا بد من فتح باب الاجتهاد فی الجرح والتعدیل وقیام الدراسات النقدیة الجادة لرواة أخبار الصفات .

وفیما یلی نقدم خلاصة أقوال علماء الجرح والتعدیل فی اثنین من قدماء الرواة ذکرهما الکوثری فی کلامه ، وهما: حماد بن سلمة ، ونعیم بن حماد.

السفیانان والحمادان

السفیانان والحمادان من کبار أئمة الحدیث عند إخواننا السنیین ، بل هم شیوخ أئمة المذاهب سوی مالک ، وکلهم من الفرس ماعدا سفیان الثوری الذی نسب إلی تمیم طابخة ! وقد ولد الثوری سنة 97 ومات سنة 161 ثم

ص: 287

سفیان بن عیینة الرازی ، أی الطهرانی ولد سنة 107 وتوفی سنة 178 ، ثم حماد بن سلمة الفارسی أیضاً الذی توفی سنة 167 ثم حماد بن زید الفارسی أیضاً الذی توفی سنة 179 کما فی سیر أعلام النبلاء للذهبی .

فالحمادان متعاصران ومتقاربان فی السن ، بل ذکر الکوثری أن حماد بن زید هو ربیب حماد بن سلمة.. وقد حکم أهل الجرح بأن عقل ابن زید أکبر من دینه ، وأن دین ابن سلمة أکبر من عقله .

حماد بن سلمة

حماد بن سلمة الربعی فارسی مولی ربیعة الجوع ، أو ربیعة کلب ، قال فی إکمال الکمال:4/147:

وفی اللباب ( ربیعة الجوع وهو ربیعة بن مالک بن زید مناة ، منهم حماد بن سلمة الربعی مولاهم إمام مشهور ) وذکر أیضاً ربیعة کلب ( ربیعة بن حصن بن ضمضم بن عدی بن جناب بن هبل... .)

قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء:7/456:

حماد بن زید بن درهم ، العلامة ، الحافظ الثبت ، محدث الوقت ، قال إبراهیم بن سعید الجوهری: سمعت أبا أسامة یقول: کنت إذا رأیت حماد بن زید قلت: أدبه کسری ، وفقهه عمر (رض) .

قال الخلیلی: سمعت عبد الله بن محمد الحافظ ، سمعت أبا عبید محمد بن محمد بن أخی هلال الرأی ، سمعت هشام بن علی یقول: کانوا یقولون

ص: 288

کان علم حماد بن سلمة أربعة دوانیق ، وعقلة دانقین ، وعلم حماد بن زید دانقین ، وعقله أربعة دوانیق .

وقال المزی فی تهذیب الکمال:7/251 عن حماد بن زید:

وقال أبو حاتم بن حبان: کان ضریراً یحفظ حدیثه کله ، وکان درهم جده من سبی سجستان ، وما کان یحدث إلا من حفظه ، وقد وهم من زعم أن بینهما کما بین الدینار والدرهم ، إلا أن یکون القائل أراد فضل ما بینهما مثل الدینار والدرهم فی الفضل والدین ، لأن حماد بن سلمة کان أفضل وأدین وأورع من حماد بن زید ، ولسنا ممن یطلق الکلام علی أحد بالجزاف بل نعطی کل شیخ قسطه ، وکل راو حظه ، والله الموفق .

تهذیب التهذیب:3/10:

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زید أحب إلینا من عبد الوارث. حماد من أئمة المسلمین من أهل الدین والإسلام، وهو أحب إلی من حماد بن سلمة.

میزان الاعتدال:3/136:

وقال الذهلی: قلت لأحمد فی علی بن عاصم فقال: کان حماد بن سلمة یخطئ ، وأومأ أحمد بیده کثیراً ، ولم نر بالروایة عنه بأساً.

ونحوه فی سیر أعلام النبلاء:9/253 وفی تهذیب الکمال:20/510

سیر أعلام النبلاء:5/236:

قال أبوداود: سمعت أبا عبدالله أحمد یقول: حماد (بن أبی سلیمان) مقارب

ص: 289

الحدیث ، ما روی عنه سفیان وشعبة ، ولکن حماد بن سلمة عنده عنه تخلیط .

الانساب:1/121:

الإمام أبو إسماعیل حماد بن زید بن درهم الازدی البصری المعروف بالأزرق . . .

وروی الذهبی فی سیر أعلام النبلاء:9/114 أن حماد بن سلمة کان لا یحترم علم حماد بن زید.. قال الذهبی: وروی عفان قال: کنا عند حماد بن سلمة ، فأخطأ فی حدیث ، وکان لا یرجع إلی قول أحد ، فقیل له: قد خولفت فیه فقال: من ؟ قالوا: حماد بن زید فلم یلتفت ، فقیل إن إسماعیل ابن علیة یخالفک ، فقام ودخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعیل .

بعض روایات ابن سلمة فی التشبیه والتجسیم

لسان المیزان:1/485:

أیوب بن عبدالسلام ، أبو عبد السلام ، قال ابن حبان: کانه کان زندیقاً ! یروی عن أبی بکرة عن ابن مسعود رضی الله عنهما: إن الله إذا غضب انتفخ علی العرش حتی یثقل علی حملته. رواه حماد بن سلمة وکان کذاباً .

قلت ، بئس ما فعل حماد بن سلمة بروایة مثل هذا الضلال ، فقد قال النبی (ص): کفی بالمرء إثما إن یحدث بکل ما سمع ، بل ولا أعرف له إسنادا عن حماد فیتأمل هذا ، فإن ابن حبان صاحب تشنیع وتشغب. انتهی.

ص: 290

وکذا فی میزان الإعتدال:1/290 وفیه:/590:

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن ابن أبی لیلی ، عن صهیب-مرفوعاً: للذین أحسنوا الحسنی وزیادة ، قال: هی النظر إلی وجه الله .

حماد ، عن ثابت ، عن أنس أن النبی(ص)قرأ: فلما تجلی ربه للجبل ، قال: أخرج طرف خنصره ، وضرب علی إبهامه ، فساخ الجبل ! فقال حمید الطویل لثابت: تحدث بمثل هذا ! قال فضرب فی صدر حمید وقال: یقوله أنس ، ویقوله رسول الله(ص)وأکتمه أنا ! رواه جماعة عن حماد ( وصححه الترمذی ) .

إبراهیم بن أبی سوید ، وأسود بن عامر ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس - مرفوعاً : رأیت ربی جَعْداً أمرد علیه حلة خضراء .

وقال ابن عدی: حدثنا عبد الله بن عبد الحمید الواسطی ، حدثنا النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الأسود بن عامر ، عن حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس أن محمداً رأی ربه فی صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدمیه أو رجلیه فی خضرة. وحدثنا ابن أبی سفیان الموصلی وابن شهریار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسی ، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن کیسان ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس ، عن النبی(ص)، قال: رأیت ربی. ( ومثله فی تذکرة الحفاظ: 2/596 ) .

وقال أبوبکر بن أبی داود: حدثنا الحسن بن یحیی بن کثیر ، حدثنا أبی ، حدثنا حماد بنحوه. فهذا من أنکر ما أتی به حماد بن سلمة ، وهذه الرؤیة

ص: 291

رؤیة منام إن صحت . . . قال المرودی: قلت لأحمد: یقولون لم یسمع قتادة عن عکرمة فغضب وأخرج کتابه بسماع قتادة ، عن عکرمة ، فی ستة أحادیث. ورواه الحکم بن أبان عن زیرک عن عکرمة. وهو غریب جداً ... .

وقال . . . فی الموضوعات: 1/122 عن حدیث ( أخرج خنصره أو طرف خنصره ): وهذا حدیث لا یثبت. قال ابن عدی الحافظ: کان ابن أبی العوجاء ربیب حماد بن سلمة فکان یدس فی کتبه هذه الأحادیث. ومثله فی/100 .

سیر أعلام النبلاء:7/451:

وروی عبد العزیز بن المغیرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحدیث نزول الرب عز وجل فقال: من رأیتموه ینکر هذا ، فاتهموه . . . .

وقال فی میزان الاعتدال:1/590:

الدولابی ، حدثنا محمد بن شجاع الثلجی ، حدثنی إبراهیم بن عبدالرحمن بن مهدی ، قال: کان حماد بن سلمة لا یعرف بهذه الأحادیث یعنی التی فی الصفات حتی خرج مرة إلی عبادان فجاء وهو یرویها ، فلا أحسب إلا شیطاناً خرج إلیه من البحر ، فألقاها إلیه !

قال ابن الثلجی: فسمعت عباد بن صهیب یقول: إن حماداً کان لا یحفظ ، وکانوا یقولون إنها دُسَّت فی کتبه .

وقد قیل: إن ابن أبی العوجاء کان ربیبه فکان یدس فی کتبه. قلت: ابن الثلجی لیس بمصدق علی حماد وأمثاله ، وقد اتهم. نسأل الله السلامة .

ص: 292

وفی تهذیب التهذیب:3/11:

وقال الدولابی ثنا محمد بن شجاع البلخی حدثنی إبراهیم بن عبدالرحمن بن مهدی قال کان حماد بن سلمة لا یعرف بهذه الأحادیث التی فی الصفات حتی خرج مرة إلی عبادان فجاء وهو یرویها ! فسمعت عباد ابن صهیب یقول: إن حماداً کان لا یحفظ وکانوا یقولون إنها دست فی کتبه. وقد قیل إن ابن أبی العوجاء کان ربیبه فکان یدس فی کتبه . . .

وحکی أبو الولید الباجی فی رجال البخاری أن النسائی سئل عنه فقال ثقة. قال الحکم بن مسعدة فکلمته فیه فقال: ومن یجترئ یتکلم فیه لم یکن عند القطان هناک . ثم جعل النسائی یذکر الأحادیث التی انفرد بها فی الصفات کأنه خاف أن یقول الناس تکلم فی حماد من طریقها انتهی .

وهو یدل علی ما ذکرناه من أن العوام یحبون التجسیم لأن المعبود المادی أسهل علی أذهانهم ، وقد کان ذلک عاملاً فی رواج سوق روایات التجسیم الیهودیة ، حتی أن أئمة المحدثین مثل النسائی یخاف أن یقولوا عنه إنه ضعف حماداً الروایات التجسیم !!

سیر أعلام النبلاء:5/31:

وروی جعفر بن أبی عثمان الطیالسی ، عن یحیی بن معین قال: إذا رأیت إنساناً یقع فی عکرمة ، وفی حماد بن سلمة ، فاتهمه علی الإسلام !.

قلت: هذا محمول علی الوقوع فیهما بهوی وحیف فی وزنهما ، أما من نقل ما قیل فی جرحهما وتعدیلهما علی الإنصاف فقد أصاب ، نعم إنما قال یحیی هذا فی معرض روایة حدیث خاص فی رؤیة الله تعالی فی المنام ،

ص: 293

وهو حدیث یستنکر. وقد جمع ابن مندة فیه جزءاً سماه: صحة حدیث عکرمة .

حماد یروی أن النبی لایحفظ القرآن !

تهذیب الکمال:2/267:

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الجارود بن أبی سبرة ، عن أبی بن کعب: أن رسول الله(ص)صلی بالناس فترک آیة ! فقال: أیکم أخذ علی شیئاً من قراءتی ؟ فقال أبی: أنا یا رسول الله ، ترکت آیة کذا وکذا ، فقال النبی (ص): قد علمت إن کان أحد أخذها علی فإنک أنت هو !

وقال فی تهذیب الکمال:2/268: رواه البخاری فی کتاب القراءة خلف الإمام عن أبی سلمة موسی بن إسماعیل ، عن حماد. فوقع لنا بدلاً عالیاً !

أخذ حماد القول بالجبر من شیخ شیخه وهب

میزان الاعتدال:4/353:

وروی حماد بن سلمة عن أبی سنان: سمعت وهب بن منبه یقول: کنت أقول بالقدر حتی قرأت بضعة وسبعین کتاباً من کتب الأنبیاء فی کلها: من جعل لنفسه شیئاً علی المشیئة فقد کفر ، فترکت قولی انتهی. ومثله فی

ص: 294

تهذیب الکمال:31/147 .

ویقصد وهب بکتب الأنبیاء: کتب بنی إسرائیل المنسوبة إلی الأنبیاء .

ویقصد بعبارته التی نقلها من کتب الیهود: أن من یجعل للإنسان شیئاً من الإرادة فی أفعاله فقد کفر ! بل أفعاله کلها بما فیها المعاصی والجرائم من الله تعالی!! وبذلک رفع الیهود مسؤولیة مخالفتهم لأنبیائهم وقتلهم إیاهم عن عواتقهم ، ونسبوها إلی الله تعالی.. !! وتبعهم فی ذلک بعض المسلمین حذو القذة بالقذة !!

ربیبه عبد الکریم بن أبی العوجاء

نذکر فیما یلی شیئا عن ابن العوجاء ابن زوجة حماد الذی اتهموه بالدس فی أحادیثه ، لکی تعرف خطورته.. قال فی لسان المیزان:4/51:

عبد الکریم بن أبی العوجاء خال معن بن زائدة زندیق مغتر ، قال أحمد بن عدی: لما أخذ لیضرب عنقه قال: لقد وضعت فیکم أربعة آلاف حدیث أحرم فیه الحلال وأحلل الحرام !! قتله محمد بن سلیمان العباسی الأمیر بالبصرة. انتهی .

وذکر أبو الفرج الأصبهانی فی کتاب الأغانی عن جریر بن حازم: کان بالبصرة ستة من أصحاب الکلام: واصل بن عطاء وعمرو بن عبید وبشار بن برد وصالح بن عبد القدوس وعبد الکریم بن أبی العوجاء ورجل من الأزد، فکانوا یجتمعون فی منزل الأزد . . .

وفی تهذیب المقال:3/101 ابن أبی العوجاء: هو عبد الکریم بن أبی

ص: 295

العوجاء ، أحد زنادقة عصر الإمام الصادق(علیه السّلام). کان من تلامذة الحسن البصری فانحرف عن التوحید ، فقیل له ترکت مذهب صاحبک ودخلت فیما لا أصل له ولا حقیقة ! قال: إن صاحبی کان مخلطاً یقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر ، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام علیه .

قتله أبو جعفر محمد بن سلیمان عامل البصرة من جهة المنصور. وکان خال معن بن زائدة. وقد جری بینه وبین مولاناالصادق(علیه السّلام)احتجاجات کثیرة . . . انتهی .

وتجد مناظرات الإمام الصادق(علیه السّلام)وتلامیذه مع ابن أبی العوجاء وصاحبیه أبی شاکر الدیصانی وعبد الله بن المقفع ، وبقیة أخباره ونشاطه فی نشر الالحاد، فی: الکنی والألقاب للقمی: 1/201، وفی إختیار معرفة الرجال للطوسی: 2/430، جامع الرواة للاردبیلی:2/160 و296 و438، والإحتجاج للطبرسی . . وغیرها .

عشرات الألوف من الأحادیث ومئات التلامیذ

تهذیب الکمال:19/147:

وقال أبوحاتم: صدوق ثقة ، روی عنه أحمد بن حنبل وکان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حدیث . . . !!

تهذیب الکمال:22/89:

قال إسحاق بن سیار النصیبی: سمعت عمرو بن عاصم یقول: کتبت عن

ص: 296

حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً ! وکذا: 7/263 وفی سیر أعلام النبلاء:10/257 وتهذیب التهذیب:8/52 .

وفی سیر أعلام النبلاء:7/446:

قال عمرو بن عاصم: کتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً .

جعفر الطیالسی: سمعت عفان یقول: کتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً .

وفی تهذیب الکمال:20/172:

وقال جعفر بن أبی عثمان الطیالسی: سمعت عفان یقول: یکون عند أحدهم حدیث فیخرجه بالمقرعة ، کتبت عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حدیث ما حدثت منها بألفی حدیث .

وقال علی بن سهل بن المغیرة: سمعت یحیی بن معین یقول: لی حانوت بباب الطاق وددت أن عفان قرأ علیَّ کتب حماد بن سلمة فأبیعه وأدفع ثمنه إلیه .

سیر أعلام النبلاء:9/500:

قال علی بن المدینی: کان عند یحیی بن ضریس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حدیث !

تذکرة الحفاظ:1/202:

قال ابن المدینی: کان عندیحیی بن ضریس عن حماد عشرة آلاف حدیث.

ص: 297

وقال فی الجرح والتعدیل:3/140:

قال یحیی بن معین . . . وکان عند یحیی بن ضریس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حدیث ، وعن الثوری عشرة آلاف أو نحوه . . . .

الجرح والتعدیل:1/335:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة یقول: کتبت عن أبی سملة التبوذکی عشرة آلاف حدیث ، أما حدیث حماد بن سلمة فعشرة آلاف حدیث ، وکنا نظن أنه یقرأ کما یقرأ قدیماً فاستکتبنا الکثیر ، ومات فبقی علینا شئ نحو قوصرة فوهبت لقوم بالبصرة. انتهی. أی بقی من أحادیث التبوذکی تلمیذ ابن حماد کیس کبیر (خیشة) ، وسیأتی أن أحمد بن حنبل روی عنه تسعة آلاف حدیث !

تهذیب التهذیب:3/11:

البخاری فی التعالیق ومسلم والاربعة: حماد بن سلمة بن دینار البصری أبو سلمة مولی تمیم. ویقال مولی قریش وقیل غیر ذلک. روی عن: ثابت البنانی وقتادة وخاله حمید الطویل وإسحاق بن عبدالله بن أبی طلحة وانس بن سیرین وثمامة بن عبدالله بن أنس ومحمد بن زیاد القرشی وأبی الزبیر المکی وعبد الملک بن عمیر وعبد العزیز بن صهیب وأبی عمران الجونی وعمرو بن دینار وهشام بن زید بن انس وهشام بن عروة ویحیی ابن سعید الأنصاری وأیوب السختیانی وخالد الحذاء وداود بن أبی هند وسلیمان التیمی وسماک بن حرب وخلق کثیر من التابعین فمن بعدهم .

وعنه: ابن جریج والثوری وشعبة وهم أکبر منه وابن المبارک وابن مهدی

ص: 298

والقطان وأبوداود و أبوالولید الطیالسیان وأبوسلمة التبوذکی وآدم بن أبی ایاس والأشیب وأسود بن عامر شاذان وبشر بن السری وبهز بن أسد وسلیمان بن حرب وأبونصر الثمار وهدبة بن خالد وشیبان بن فروخ وعبید الله العیشی وآخرون . . . انتهی. وقد أورد الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 7/444 عدداً أکبر من شیوخه وتلامیذه .

تهذیب التهذیب:10/294:

دعس ( أبی داود والنسائی فی مسند علی ) مهنأ بن عبد الحمید أبوشبل ویقال أبو سهل البصری. روی عن حماد بن سلمة ، وعنه أحمد بن حنبل .

کان مفتی البصرة وله مسجد ویلزم تلامیذه بالکتابة عنه

تهذیب التهذیب:3/14:

وحماد من أجلة المسلمین وهو مفتی البصرة ، وقد حدث عنه من هو أکبر منه سناً. ونحوه فی میزان الإعتدال:1/590

میزان الاعتدال:1/608:

حمزة بن واصل البصری . .. قلت: هو صاحب حدیث المرأة البیضاء بطوله، رواه الدارقطنی فی کتاب الرؤیة من

طریق محمد بن سعید القرشئ ، حدثنا حمزة بن واصل المنقری ، وکان یلزم مسجد حماد بن سلمة ، وحماد أمرنا أن نکتب عنه..

ص: 299

تذکرة الحفاظ:1/202:

قال أبو داود لم یکن لحماد بن سلمة کتاب إلا کتاب قیس بن سعد...! ومثله فی سیر أعلام النبلاء:7/444 .

الانساب:2/356:

قلت: وعباد أیضاً لیس بشئ وقد قال أبو داود لم یکن لحماد بن سلمة کتاب غیر کتاب قیس بن سعد یعنی کان یحفظ علمه .

وقال عبد الله بن أحمد عن أبیه: ضاع کتاب حماد عن قیس بن سعد وکان یحدثهم من حفظه .

سیر أعلام النبلاء:11/99:

وقال ابن عدی: سمعت أبا یعلی وسئل عن هدبة وشیبان أیهما أفضل فقال: هدبة أفضلهما وأوثقهما وأکثرهما حدیثاً ، کان حدیث حماد بن سلمة عنده نسختین: واحدة علی الشیوخ ، وأخری علی التصنیف .

ومع هذا وثقه إخواننا وغالوا فیه

إکمال الکمال:2/185:

وفی المشتبه: فقیه العصر أبو حنیفة الخزاز ، وإمام المحدثین حماد بن سلمة . . .

میزان الاعتدال:1/590:

ص: 300

حماد بن سلمة بن دینار الإمام العلم ، أبوسلمة البصری . . . وقال ابن المدینی: من سمعتموه یتکلم فی حماد فاتهموه .

وقال رجل لعفان: أحدثک عن حماد قال: من حماد ویلک ! قال: ابن سلمة. قال: ألا تقول أمیر المؤمنین . . . .

تهذیب الکمال:19/147:

قال أبوطالب، عن أحمد بن حنبل: صدوق فی الحدیث . . . روی عنه أحمد بن حنبل وکان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حدیث...!

تهذیب الکمال:7/261:

وقال شهاب بن المعمر البلخی: کان حماد بن سلمة یعد من الأبدال ، وعلامة الأبدال أن لا یولد لهم ! تزوج سبعین امرأة فلم یولد له . انتهی. وکذا فی أنساب السمعانی:2/356 .

ولم أجد فیما راجعت من کتب الجرح والتعدیل أنه تزوج نحو مئة امرأة کما ذکر العلامة الکوثری ، وإن کانت السبعین أکثر من ثلثی المئة !

تذکرة الحفاظ:1/202:

شهاب بن معمر کان حماد بن سلمة یعد من الأبدال .

وقال فی الجرح والتعدیل:3/140:

نا سعید بن أبی سعید الاراطی الرازی قال سئل أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة فقال: صالح . . . المدینی: لم یکن فی أصحاب ثابت أثبت من

ص: 301

حماد بن سلمة . . . عن یحیی بن معین قال: حماد بن سلمة ثقة .

سیر أعلام النبلاء:7/444:

حماد بن سلمة بن دینار ، الإمام القدوة ، شیخ الإسلام ، أبوسلمة البصری ، النحوی، البزاز ، الخرقی ، البطائنی ، مولی آل ربیعة بن مالک . . . .

وقال حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة ، وکان من أئمة الدین .

قال أبو عبد الله الحاکم: قد قیل فی سوء حفظ حماد بن سلمة ، وجمعه بین جماعة فی الإسناد بلفظ واحد ، ولم یخرج له مسلم فی الأصول إلا من حدیثه عن ثابت ، وله فی کتابه أحادیث فی الشواهد عن غیر ثابت . . . .

قال أحمد بن حنبل: إذا رأیت من یغمزه ، فاتهمه فإنه کان شدیداً علی أهل البدع ، إلا أنه لما طعن فی السن ساء حفظه ، فلذلک لم یحتج به البخاری ، وأما مسلم فاجتهد فیه وأخرج من حدیثه عن ثابت، مما سمع منه قبل تغیره، وما عن غیر ثابت فأخرج نحو اثنی عشر حدیثاً فی الشواهد دون الإحتجاج، فالإحتیاط أن لا یحتج به فیما یخالف الثقات . . . .

قال أبو القاسم البغوی: حدثنی محمد بن مطهر قال: سألت أحمد بن حنبل فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات ، ما نزداد فیه کل یوم إلا بصیرة .

قال أبوسلمة التبوذکی: مات حماد بن سلمة وقد أتی علیه ست وسبعون سنة .

وقال ابن سعد: أخبرنی أ بوعبد الله التمیمی قال: أخبرنی أبوخالد الرازی ، عن حماد بن سلمة قال: أخذ إیاس بن معاویة بیدی وأنا غلام فقال: لا تموت حتی تقص ، أما إنی قد قلت هذا لخالک یعنی حمید الطویل ، فما

ص: 302

مات حماد حتی قص. قال أبو خالد قلت لحماد: أنت قصصت قال: نعم.

قلت: القاص هو الواعظ .

قال علی بن عبدالله: قلت لیحیی : حملت عن حماد بن سلمة إملاء . قال : نعم ، إملاء کلها ، إلا شیئا کنت أسأله عنه فی السوق ، فأتحفظ. قلت لیحیی: کان یقول: حدثنی وحدثنا قال: نعم ، کان یجئ بها عفواً ، حدثنی وحدثنا . . . انتهی .

أقول: ینبغی للباحث أن یتوقف عند فراسة إیاس بن معاویة بأن حماداً قصاص ، وأن فراسته قد تحققت فی حماد !

فالقصاص فی القرون الأولی له مواصفات محددة ، ومن أولها أن یعرف الإسرائیلیات ویقصها علی الناس.. ولابد أن حمادا کان صاحب بضاعة کبیرة من الإسرائیلیات ، وأین هی . . . إلا فی مرویاته !

تذکرة الحفاظ:1/202:

حماد بن سلمة بن دینار الإمام الحافظ شیخ الإسلام أبو سلمة الربعی مولاهم البصری . . . وقال وهیب: حماد بن سلمة سیدنا وأعلمنا .

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت البنانی وأثبتهم فی حمید . . . قلت: هو أول من صنف التصانیف . . . وقیل إن حماد بن سلمة تزوج سبعین امرأة ولم یولد له ولد. وعن حمد بن حنبل قال: إذا رأیت الرجل ینال من حماد بن سلمة فاتهمه علی الإسلام . مناقب حماد یطول شرحها . . .

ص: 303

واحترمه البخاری وروی عنه ولم یکتفوا بذلک

مع أن البخاری ترجم لحماد فی تاریخه الکبیر: 3/22 بکل احترام ، وروی عنه فی صحیحه ، ولکن المتعصبین لحماد هاجموا البخاری لماذا لم یحتج بحماد فیما خالف فیه الثقات ! وقد دافع بعضهم عن البخاری !

قال فی الموضوعات:1/34: وإنما اشترط البخاری ومسلم الثقة والإشتهار وقد ترکا أشیاء کثیرة ترکها قریب وأشیاء لا وجه لترکها ، فمما ترک البخاری الروایة عن حماد بن سلمة مع علمه بثقته لأنه قیل له إنه کان له ربیب یدخل فی حدیثه ما لیس منه .

تهذیب الکمال:7/266:

یعرض ابن حبان هنا بمحمد بن اسماعیل البخاری صاحب الصحیح ، وقد رد ابن حبان علی البخاری رداً قویاً فی مقدمة صحیحه 114 - 117 بسبب عدم تخریجه له .

الأنساب للسمعانی:2/356:

ولم ینصف من جانب حدیثه واحتج بأبی بکر بن عیاش فی کتابه وبابن أخی الزهری وبعبد الرحمن بن عبدالله بن دینار ، فإن کان ترکه إیاه لما کان یخطئ فغیره من أقرانه مثل الثوری وشعبة ودونهما کانوا یخطئون ، فإن زعم أن خطأه قد کثر من تغیر حفظه فقد کان ذلک فی أبی بکر بن عیاش موجوداً، وأنی یبلغ أبوبکر حماد بن سلمة ، ولم یکن من أقران حماد

ص: 304

بالبصرة مثله فی الفضل والدین والعلم والنسک والجمع والکتبة والصلابة فی السنة والقمع لأهل البدعة ، ولم یکن مثله فی أیامه معتزلی قدری جهمی لما کان یظهر من

السنن الصحیحة التی ینکرها المعتزلة ، وأنی یبلغ أبوبکر بن عیاش حماد بن سلمة فی إتقانه أم فی جمعه أم فی ضبطه. هذا کله کلام أبی حاتم بن حبان البستی .

. . . واعتذر أبوالفضل بن طاهر عن ذلک لما ذکر أن مسلماً أخرج أحادیث أقوام ترک البخاری حدیثهم ، قال: وکذلک حماد بن سلمة إمام کبیر لمدحه الأئمة وأطنبوا لما تکلم بعض منتحلی المعرفة أن بعض الکذبة أدخل فی حدیثه ما لیس منه. لم یخرج عنه البخاری معتمداً علیه ، بل استشهد به فی مواضع لیبین أنه ثقة ، وأخرج أحادیثه التی یرویها من حدیث أقرانه کشعبة وحماد بن زید وأبی عوانة وغیرهم.

ومسلم اعتمد علیه لأنه رأی جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرین لم یختلفوا وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم. ثم عدالة الرجل فی نفسه وإجماع أئمة أهل النقل علی ثقته وأمانته !!

نعیم بن حماد

التاریخ الکبیر:8/100:

نعیم بن حماد المروزی سکن مصر کنیته أبو عبد الله سمع ابن المبارک وابن عیینة والفضل بن موسی ، هو الفارض . .

الجرح والتعدیل:8/463:

ص: 305

نعیم بن حماد وکنیته أبو عبد الله المروزی الخزاعی الأعور المعروف بالفارض سکن مصر روی عن عبد المؤمن بن خالد . . . مات سنة ثمان وعشرین ومئتین . . .

بعض مناکیره وروایاته فی التجسیم

میزان الإعتدال:2/102:

نعیم بن حماد ، حدثنا عبد الرحیم بن زید العمی ، عن أبیه ، عن سعید بن المسیب، عن عمر - مرفوعاً: سألت ربی فیما اختلف فیه أصحابی من بعدی، فأوحی الله إلی: یا محمد إن أصحابک عندی بمنزلة النجوم بعضهم أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشئ مما هم علیه من اختلافهم فهو عندی علی هدی. فهذا باطل ، وعبد الرحیم ترکوه ، ونعیم صاحب مناکیر .

میزان الإعتدال: 4/268:

قال أبو داود: کان عند نعیم بن حماد نحو عشرین حدیثاً عن النبی(ص)، لیس لها أصل . وقال النسائی : هو ضعیف .

وقال أبو زرعة الدمشقی: عرضت علی دحیم حدیثاً حدثناه نعیم بن حماد ، عن الولید بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن ابن أبی زکریا ، عن رجاء بن حیاة، عن النواس بن سمعان: إذا تکلم الله بالوحی.... فقال دحیم: لا أصل له .

نعیم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ،حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعید بن أبی هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفیل أنها

ص: 306

سمعت النبی(ص)یقول: رأیت ربی فی أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه فی خضرة علیه نعلان من ذهب. قال أبو عبد الرحمن النسائی: ومن مروان حتی یصدق علی الله تعالی ! وقد سرد ابن عدی فی الکامل جملة أحادیث انفرد بها نعیم . . .

سیر أعلام النبلاء:13/299:

عن ابن قتیبة: وما أحسن قول نعیم بن حماد ، الذی سمعناه بأصح إسناد عن محمد بن إسماعیل الترمذی، أنه سمعه یقول: من شبه الله بخلقه ، فقد کفر ، ومن أنکر ما وصف الله به نفسه ، فقد کفر ، ولیس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبیهاً .

قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف ، فإذا کان الموصوف تعالی: صفاته لا مثل لها ، إذ لا فرق بین القول فی الذات والقول فی الصفات ، وهذا هو مذهب السلف. انتهی .

وهکذا یدافع الذهبی عن تشبیه ابن حماد وتجسیمه ، وقد صحح خبر أم الطفیل کما ستری !

تهذیب التهذیب:10/409:

وقال صالح بن محمد الأسدی فی حدیث شعیب عن الزهری کان محمد بن جبیر یحدث عن معاویة فی: الأمراء من قریش ، والزهری إذا قال کان فلان یحدث فلیس هو سماع. قال: وقد روی هذا الحدیث نعیم بن حماد عن ابن المبارک عن معمر عن الزهری عن محمد بن جبیر عن معاویة نحوه ولیس لهذا الحدیث أصل من ابن المبارک ! ولا أدری من أین جاء به نعیم !

ص: 307

وکان نعیم یحدث من حفظه وعنده مناکیر کثیرة لا یتابع علیها . قال: وسمعت یحیی بن معین سئل عنه فقال لیس فی الحدیث بشئ ولکنه صاحب سنة .

وقال الآجری عن أبی داود عند نعیم نحو عشرین حدیثاً عن النبی(ص)لیس لها أصل. وقال النسائی نعیم ضعیف ، وقال فی موضع آخر لیس بثقة ... وقال غیره: کان یضع الحدیث فی تقویة السنة !! وحکایات فی ثلب أبی حنیفة کلها کذب . . . .

وقال أبو الفتح الأزدی: قالوا کان یضع الحدیث فی تقویة السنة!! وحکایات مزورة فی ثلب أبی حنیفة کلها کذب . . . قال النسائی ضعیف . . .

سیر أعلام النبلاء:10/595:

قال عبد الخالق بن منصور: رأیت یحیی بن معین کأنه یهجن نعیم بن حماد فی خبر أم الطفیل فی الرؤیة ویقول: ما کان ینبغی له أن یحدث بمثل هذا...

فأما خبر أم الطفیل ، فرواه محمد بن إسماعیل الترمذی وغیره، حدثنا نعیم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن

الحارث ، عن سعید بن أبی هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفیل امرأة أبی بن کعب: سمعت رسول الله(ص)یذکر أنه رأی ربه فی صورة کذا. فهذا خبر منکر جدا ، أحسن النسائی حیث یقول: ومن مروان بن عثمان حتی یصدق علی الله !

وهذا لم ینفرد به نعیم ، فقد رواه أحمد بن صالح المصری الحافظ ، وأحمد بن عیسی التستری ، وأحمد بن عبدالرحمن بن وهب ، عن ابن وهب. قال

ص: 308

أبو زرعة النصری: رجاله معروفون .

قلت: بلا ریب قد حدث به ابن وهب وشیخه وابن أبی هلال وهم معروفون عدول ، فأما مروان ، وما أدراک ما مروان ، فهو حفید أبی سعید بن المعلی الأنصاری، وشیخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاری. ولئن جوزنا أن النبی(ص)قاله ، فهو أدری بما قال !! ولرؤیاه فی المنام تعبیر لم یذکره (علیه السّلام)، ولا نحن نحسن أن نعبره ، فأما أن نحمله علی ظاهره الحسی ، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض (!) فی ذلک بحیث إن بعض الفضلاء قال: تصحف الحدیث ، وإنما هو: رأی رئیة ، بیاء مشددة. وقد قال علی (رض): حدثوا الناس بما یعرفون ، ودعوا ما ینکرون. وقد صح أن أبا هریرة کتم حدیثا کثیرا مما لا یحتاجه المسلم فی دینه ، وکان یقول: لو بثثته فیکم لقطع هذا البلعوم ، ولیس

هذا من باب کتمان العلم فی شئ ، فإن العلم الواجب یجب بثه ونشره ویجب علی الأمة حفظه ، والعلم الذی فی فضائل الأعمال مما یصح إسناده یتعین نقله ویتأکد نشره ، وینبغی للامة نقله ، والعلم المباح لا یجب بثه ولا ینبغی أن یدخل فیه إلا خواص العلماء .!! انتهی .

فقد صحح الذهبی حدیث أم الطفیل وفسره بالظاهر الحسی المادی ، ثم حبذ عدم الخوض فیه ! وهذا هو مذهبه ومذهب ابن تیمیة ومحمد بن عبد الوهاب ، کما بینا فی کتاب الوهابیة والتوحید .

وقال ابن کثیر فی تفسیره ، فی قوله تعالی: ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ الأعراف : 54 : بل الأمر کما قال الأئمة ، منهم نعیم بن حمادالخزاعی شیخ البخاری: من

ص: 309

شبه الله بخلقه فقد کفر. ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد کفر. ولیس فیما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبیه !

قال السبکی الکبیر فی السیف الصقیل فی الرد علی ابن زفیل - ومعه تکملة الرد علی نونیة ابن القیم للکوثری - مکتبة زهران بمصر. وابن زفیل هو ابن القیم وزفیل اسم أبیه الذی کان قیما للمدرسة الجوزیة وهی مدرسة للحنابلة بدمشق فعرف باسم ابن قیم الجوزیة .

قال فی/205:

ومما یزیدک بصیرة فی هذا الباب اجتراء الذهبی علی حذف لفظ ( إن صحت الحکایة عنه ) من کلام البیهقی فی الأسماء والصفات (/303 ) عندما نقل کلامه فی کتاب العلو (/126 ) فی صدد نسبة القول بأن الله فی السماء إلی أبی حنیفة لیخیل إلی السامع أن سند هذه الروایة لا مغمز فیه !

مع أن نوحاً الجامع ربیب مقاتل بن سلیمان المجسم فی السند هالک مثل زوج أمه ، وکذلک نعیم بن حماد ربیب نوح وقد ذکره کثیر من أئمة أصول الدین فی عداد المجسمة ! فأین التعویل علی روایة مجسم فیما یحتج به لمذهبه ؟! ولیس بقلیل ما ذکره الذهبی فی حقهما فی میزان الإعتدال . .

ومع ذلک وثقوا نعیماً لأنه صلب فی السنة !!

سیر أعلام النبلاء:10/595:

نعیم بن حماد بن معاویة بن الحارث بن همام بن سلمة بن مالک ، الإمام

ص: 310

العلامة الحافظ ، أبو عبد الله الخزاعی المروزی الفرضی الأعور . . . روی عنه: البخاری مقرونا بآخر ، وأبو داود ، والترمذی ، وابن ماجة بواسطة ، ویحیی بن معین ، والحسن بن علی الحلوانی ، وأحمد بن یوسف السلمی ، ومحمد بن یحیی الذهلی ،ومحمد بن عوف ، والرمادی ، وأبومحمد الدارمی ، وسمویه ، وأبو الدرداء عبدالعزیز بن منیب، وعبید بن شریک البزار ، وأبو حاتم ، ومحمد بن إسماعیل الترمذی ، ویعقوب الفسوی ، وأبو الأحوص العکبری ، وبکر بن سهل الدمیاطی ، وخلقٌ . . .

تهذیب التهذیب:10/409:

روی عنه البخاری مقروناً وروی له الباقون سوی النسائی بواسطة . . . وقال المیمونی عن أحمد: أول من عرفناه یکتب المسند نعیم. وقال الخطیب یقال إنه أول من جمع المسند .

وقال عبد الله بن أحمد عن أبیه: کان نعیم کاتباً لأبی عصمة وهو شدید الرد علی الجهمیة وأهل الاهواء ومنه تعلم نعیم بن حماد . . .

وقال أیضاً: ثنا الحسن بن سفیان ثنا عبدالعزیز بن سلام حدثنی أحمد بن ثابت أبویحیی سمعت أحمد ویحیی بن معین یقولان: نعیم معروف بالطلب ثم ذمه بأنه یروی عن غیر الثقات... .

قال ابن عدی وابن حماد متهم فیما یقوله عن نعیم لصلابته فی أهل الرأی وأورد له ابن عدی أحادیث مناکیر وقال: ولیعلم غیر ما ذکرت. وقد أثنی علیه قوم وضعفه قوم وکان أحد من یتصلب فی السنة .

تهذیب التهذیب:10/411:

ص: 311

قال عبد الغنی بن سعید المصری: کل من حدث به عن عیسی بن یونس غیر نعیم بن حماد فإنما أخذه من نعیم. وبهذا الحدیث سقط نعیم عند کثیر من أهل العلم بالحدیث إلا أن یحیی ابن معین لم یکن ینسبه إلی الکذب بل کان ینسبه إلی الوهم . . . وذکره ابن حبان فی الثقات وقال ربما أخطأ ووهم . . . أما نعیم فقد ثبتت عدالته وصدقه ولکن فی حدیثه أوهام معروفة . . . قال فیه الدارقطنی إمام فی السنة کثیر الوهم. وقال أبو أحمد الحاکم ربما یخالف فی بعض حدیثه وقد مضی أن ابن عدی یتتبع ما وهم فیه ، فهذا فصل القول فیه .

هامش سیر أعلام النبلاء:19/505:

هو نعیم بن حماد بن معاویة بن الحارث الخزاعی المروزی نزیل مصر ، مشهور من الحفاظ ، لقیه البخاری ولکنه لم یخرج عنه فی الصحیح سوی موضع أو موضعین ، وعلق له أشیاء أخر ، وروی له مسلم فی المقدمة موضعاً واحداً ، وأصحاب السنن إلا النسائی ، وکان أحمد یوثقه ، وکذا فی روایة عن ابن معین ، وسئل عنه ابن معین فقال: لیس فی الحدیث بشئ ولکنه صاحب سنة ، وقال الاجری عن أبی داود: عند نعیم نحو عشرین حدیثا عن النبی(ص)لیس لها أصل ، وقال النسائی: نعیم ضعیف ، وقال فی موضع آخر: لیس بثقة ، وقال الحافظ أبوعلی النیسابوری: سمعت النسائی یذکر فضل نعیم بن حماد وتقدمه فی العلم والمعرفة بالسنن ، فقیل له فی قبول حدیثه ، فقال: قد کثر تفرده عن الأئمة فصار فی حد من لا یحتج به. وقال ابن قاسم: کان صدوقاً وهو کثیر الخطأ ، وله أحادیث منکرة ( فی

ص: 312

الملاحم ) انفرد بها. وقال الدارقطنی: إمام فی السنة کثیر الوهم.

ص: 313

ص: 314

الفصل السادس :مکانة المشبهین والمجسمین فی مصادر السنیین

اشارة

ص: 315

ص: 316

المشبهون سادة فی التاریخ ومصادر السنة

لا نحتاج إلی إثبات احترام مصادر إخواننا السنة لأهل التشبیه والتجسیم ، بعد أن کشفنا أن التشبیه والتجسیم دخل إلی المسلمین من کعب الأحبار وجماعته ، عن طریق أکبر شخصیات الدولة الإسلامیة ، وبذلک شقت أحادیثه طریقها إلی مصادرهم ، فصارت جزء من عقائد الأمة وتاریخها ، وتأثر بها علماء وجماهیر ! وتحقق قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تقلید المسلمین للیهود والنصاری: حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل !

إنه بحث مفید أن یتتبع الباحث مجری هذه الأحادیث وتأثیرها علی حیاة الأمة الفکریة والإجتماعیة والسیاسیة ، ویؤرخ لقصة التجسیم والمجسمین ابتداء من کعب الأحبار . . إلی . . عصرنا ، وما سببته من انقسامات فی الأمة وصراعات ، وحروب وخسارات . .

ونکتفی هنا بلقطات من عصور مختلفة یظهر منها احترام أکثر المصادر وأکثر الحکام للتجسیم والمجسمین .

ص: 317

وهب بن منبه: فارسی ، یهودی ، مجسم محترم وشیخ للمحدثین

روی عنه الصنعانی فی تفسیره کثیراً من أفکار التوراة والتلمود فی التجسیم، منها فی:1/216: عن وهب بن منبه .. . لما أکل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما دخل آدم فی جوف الشجرة فناداه ربه أین أنت یا آدم ؟

قال: ها هنا یا رب .

قال: ألا تخرج ؟

قال: أستحی منک یا رب !

فقال: ملعونة الأرض التی خلقت منها !

ورواه الطبری مفصلاً فی تاریخه:1/72 ، وروی عنه أنواعاً من الإسرائیلیات تکفی للتدلیل علی أن ثقافة وهب یهودیة تلمودیة ، فمما رواه فی تاریخه: 1/337: عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائیل الملک لطالوت أوحی الله إلی نبی بنی إسرائیل أن قل لطالوت فلیغز أهل مدین فلا یترک فیها حیاً إلا قتله ، فإنی سأظهره علیهم ، فخرج بالناس حتی أتی مدین فقتل من کان فیها إلا ملکهم فإنه أسره وساق مواشیهم .

فأوحی الله إلی أشمویل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمری فأختل فیه فجاء بملکهم أسیراً وساق مواشیهم ، فالقه فقل له لأنزعن الملک من بیته ثم لا یعود فیه إلی یوم القیامة ، فإنی إنما أکرم من أطاعنی وأهین من هان علیه

ص: 318

أمری .

فلقیه فقال له: ما صنعت لم جئت بملکهم أسیراً ، ولم سقت مواشیهم !

قال: إنما سقت المواشئ لأقربها .

قال له أشمویل: إن الله قد نزع من بیتک الملک ثم لا یعود فیه إلی یوم القیامة !

فأوحی الله إلی أشمویل إنطلق إلی إیشئ فیعرض علیک بنیه فادهن الذی آمرک بدهن القدس یکن ملکاً علی بنی إسرائیل ! فانطلق حتی أتی إیشی فقال: إعرض علیَّ بنیک .

فدعا إیشی یأکبر ولده فأقبل رجل جسیم حسن المنظر ، فلما نظر إلیه أشمویل أعجبه ، فقال الحمد لله إن الله بصیر بالعباد ، فأوحی الله إلیه: إن عینیک تبصران ما ظهر ، وإنی أطلع علی ما فی القلوب لیس بهذا .

فقال لیس بهذا ، إعرض علی غیره فعرض علیه ستة ، فی کل ذلک یقول لیس بهذا إعرض علیَّ غیره ، فقال هل لک من ولد غیرهم ؟

فقال بلی لی غلام أمغر وهو راع فی الغنم .

قال أرسل إلیه ، فلما أن جاء داود جاء غلام أمغر فدهنه بدهن القدس ، وقال لأبیه: أکتم هذا فإن طالوت لو

یطلع علیه قتله !

فسار جالوت فی قومه إلی بنی إسرائیل فعسکر ، وسار طالوت ببنی إسرائیل وعسکر وتهیؤوا للقتال فأرسل جالوت إلی طالوت: لم یقتل قومی وقومک؟ أبرز لی أو أبرز لی من شئت ، فإن قتلتک کان الملک لی وإن قتلتنی کان لک ، فأرسل طالوت فی عسکره صائحاً من یبرز لجالوت.. ثم ذکر قصة

ص: 319

طالوت وجالوت وقتل داود إیاه وما کان من طالوت إلی داود. انتهی .

وقد قبل الطبری هذه الروایة فقال: قال أبو جعفر: وفی هذا الخبر بیان أن داود قد کان الله حول الملک له قبل قتله جالوت وقبل أن یکون من طالوت إلیه ما کان من محاولته قتله ، وأما سائر من روینا عنه قولاً فی ذلک فإنهم قالوا إنما ملک داود بعد ما قتل طالوت وولده .

وروی الطبری فی تاریخه عن وهب أیضاً:1/343:

ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه یقول: إن داود أراد أن یعلم عدد بنی إسرائیل کم هم ، فبعث لذلک عرفاء ونقباء وأمرهم أن یرفعوا إلیه ما بلغ عددهم ، فعتب الله علیه ذلک وقال:

قد علمت أنی وعدت إبراهیم أن أبارک فیه وفی ذریته حتی أجعلهم کعدد نجوم السماء وأجعلهم لا یحصی عددهم ، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا یحصی عددهم ، فاختاروا بین أن أبتلیکم بالجوع ثلاث سنین أو أسلط علیکم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أیام !

فاستشار داود فی ذلک بنی إسرائیل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنین صبر ، ولا بالعدو ثلاثة أشهر ، فلیس لهم بقیة ، فإن کان لابد فالموت بیده لا بید غیره .

فذکر وهب بن منبه أنه مات منهم فی ساعة من نهار ألوف کبیرة لا یدری ما عددهم !

فلما رأی ذلک داود شق علیه ما بلغه من کثرة الموت فتبتل إلی الله ودعاه فقال:

ص: 320

یا رب أنا آکل الحماض وبنو إسرائیل یضرسون ! أنا طلبت ذلک فأمرت به بنی إسرائیل فما کان من شئ فبی واعف عن بنی إسرائیل .

فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت ، فرأی داود الملائکة سالین سیوفهم یغمدونها یرتقون فی سلم من ذهب من الصخرة إلی السماء ، فقال داود: هذا مکان ینبغی أن یبنی فیه مسجد .

فأراد داود أن یأخذ فی بنائه فأوحی الله إلیه أن هذا بیت مقدس وأنک قد صبغت یدک فی الدماء فلست ببانیه ، ولکن ابن لک أملکه بعدک أسمیه سلیمان أسلمه من الدماء ، فلما ملک سلیمان بناه وشرفه !

وروی عنه المزی فی تهذیب الکمال:20/33:

وقال حنظلة بن أبی سفیان ، عن عروة بن محمد: لما استعملت علی الیمن قال لی أبی: أولیت الیمن قلت: نعم. قال: إذا غضبت فانظر إلی السماء فوقک وإلی الأرض أسفل منک ثم أعظم خالقهما. وقال سماک بن الفضل: کنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتی بعامل لعروة فشکی ، فأکثروا علیه فقالوا: فعل وفعل وثبتت علیه البینة. قال: فلم یملک وهب نفسه فضربه علی قرنه بعصا فإذا دماؤه تشخب وقال: أفی زمن عمر بن عبد العزیز تصنع مثل هذا ! قال: فاشتهاها عروة وکان حلیماً واستلقی علی قفاه وضحک وقال: یعیب علینا أبو عبد الله الغضب فی حکمته وهو یغضب ! فقال وهب: وما لی لا أغضب وقد غضب خالق الاحلام ! إن الله تعالی یقول: فَلَمَّا

آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ، یقول: أغضبونا. انتهی .

أقول: حاول وهب أن یستدل علی نسبة الغضب إلی الله تعالی بالآیة ففسر

ص: 321

( آسفونا ) بأن الله تعالی یغضب کغضب البشر ، ولکن أصل الغضب الإلهی فی رأس وهب هو الغضب التلمودی الذی قال عنه الدکتور أحمد شلبی فی مقارنة الأدیان:1/267:

یروی التلمود أن الله ندم لما أنزله بالیهود وبالهیکل ، ومما یرویه التلمود علی لسان الله قوله: تب لی لانی صرحت بخراب بیتی وإحراق الهیکل ونهب أولادی. ولیست العصمة من صفات الله فی رأی التلمود، لأنه غضب مرة علی بنی إسرائیل فاستولی علیه الطیش ، فحلف بحرمانهم من الحیاة الأبدیة ، ولکنه ندم علی ذلک بعد أن هدأ غضبه ، ولم ینفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة .

وترجم السمعانی لوهب فی الانساب بکل احترام فقال فی:3/11:

وأبو عبد الله وهب بن منبه بن کامل بن سیج بن سبسجان الذماری من أبناء فارس، کان ینزل ذمار ، یروی عن جابر بن عبدالله وابن عباس رضی الله عنهم وأخیه همام بن منبه ، وکان عابداً فاضلاً ، قرأ الکتب ومکث أربعین سنة یصلی الصبح بوضوء العشاء الآخرة ، وهم أخوة خمسة: وهب وهمام وغیلان وعقیل ومعقل والد عقیل بن معقل ، روی عنه عمرو بن دینار والمغیرة بن حکیم وعوف الأعرابی وسماک بن الفضل والمنذر بن النعمان وبکار وعبدالصمد بن معقل ، وسئل أبو زرعة عن وهب بن منبه فقال: یمانی ثقة . . . الخ .

وترجم له الذهبی فی میزان الاعتدال کما یترجم لثقاة الرواة فقال فی:

ص: 322

4/352:

وهب بن منبه أبو عبد الله الیمانی ،صاحب القصص ، من أحبار علماء التابعین ، ولد فی آخر خلافة عثمان ، حدیثه عن أخیه همام فی الصحیحین. وروی عن ابن عباس ، وعبدالله بن عمرو ، وروی عنه عمرو بن دینار وعوف الاعرابی وأقاربه . وکان ثقة صادقاً ، کثیر النقل من کتب الإسرائیلیات . قال العجلی: ثقة تابعی ، کان علی قضاء صنعاء. انتهی. وماذا یقول الباحث أمام حقیقة: حدیثه فی الصحیحین . . . کثیر النقل من کتب الإسرائیلیات !

وترجم له کذلک فی سیره:4/1 فقال:

وهب بن منبه بن کامل بن سیج بن ذی کبار ، وهو الأسوار ، الإمام العلامة الأخباری القصصی ، أبوعبد الله الأبناوی الیمانی الذماری الصنعانی ، أخو همام بن منبه ، ومعقل بن منبه ، وغیلان بن منبه. مولده فی زمن عثمان سنة أربع وثلاثین ، ورحل وحج ، وأخذ عن ابن عباس ، وأبی هریرة إن صح وأبی سعید ، والنعمان بن بشیر ، وجابر ، وابن عمر ، وعبدالله بن عمرو بن العاص علی خلاف فیه وطاووس. حتی إنه ینزل ویروی عن عمرو بن دینار ، وأخیه همام ، وعمرو بن شعیب وفنج الیمانی ولا یدری من فنج .

حدث عنه ولداه: عبدالله وعبد الرحمن ، وعمرو بن دینار ، وسماک بن الفضل ، وعوف الأعرابی ، وعاصم بن رجاء بن

حیوة ، ویزید بن یزید بن جابر ، وعبد الله بن عثمان بن خثیم ، وإسرائیل أبو موسی ، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق ، والمغیرة بن حکیم ، والمنذر بن النعمان ، وابن أخیه عقیل

ص: 323

بن معقل ، وابن أخیه عبدالصمد بن معقل ، وسبطه إدریس بن سنان ، وصالح بن عبید ، وعبد الکریم بن حوران ، وعبدالملک بن خلج ، وداود بن قیس ، وعمران بن هربذ أبو الهذیل ، وعمران بن خالد الصنعانیون ، وخلق سواهم .

وروایته للمسند قلیلة ، وإنما غزارة علمه فی الإسرائیلیات ، ومن صحائف أهل الکتاب .

قال أحمد: کان من أبناء فارس له شرف ، قال: وکل من کان من أهل الیمن له ذی هو شریف ، یقال: فلان له ذی ، وفلان لا ذی له. قال العجلی: تابعی ثقة ، کان علی قضاء صنعاء . . وقال أبو زرعة والنسائی: ثقة .

قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت سلمة بن همام بن مسلمة بن همام یذکر عن آبائه: أن هماماً ووهبا وعبد الله ومعقلاً ومسلمة بنو منبه أصلهم من خراسان ، من هراة ، فمنبه من أهل هراة ، خرج أیام کسری ، وکسری أخرجه من هراة ، ثم إنه أسلم علی عهد النبی(ص)فحسن إسلامه. ومسکنهم بالیمن، وکان وهب بن منبه یختلف إلی هراة ، ویتفقد أمر هراة .

حسان بن إبراهیم: حدثنا یحیی بن زبان ، أنبأنا عبدالله بن راشد ، عن مولی لسعید بن عبدالملک: سمعت خالد بن معدان یحدث عن عبادة بن الصامت، سمع النبی(ص)یقول: سیکون فی أمتی رجلان: أحدهما یقال له وهب ، یؤتیه الله الحکم ، والآخر یقال له غیلان ، هو أشد علی أمتی من إبلیس. سئل ابن معین عن ابن زبان وشیخه فقال: لا أعرفهما . . . .

وعن عبدالرزاق ، عن أبیه ، عن وهب قال: یقولون عبدالله بن سلام کان

ص: 324

أعلم أهل زمانه ، وإن کعباً أعلم أهل زمانه ، أفرأیت من جمع علمهما ، أهو أعلم أم هما ، إسنادها مظلم .

وعن کثیر ، أنه سار مع وهب ، فباتوا بصعدة عند رجل ، فخرجت بنت الرجل فرأت مصباحاً ، فاطلع صاحب المنزل فنظر إلیه صافا قدمیه . . .

وقال ابن کثیر کلاماً ناعماً حول إسرائیلیات کعب ووهب کما فی سیر أعلام النبلاء فی ترجمة وهب:

قال الحافظ ابن کثیر فی تفسیره ، فیه ( کعب الأحبار ) وفی وهب بن منبه: سامحهما الله تعالی فیما نقلاه إلی هذه الأمة من أخبار بنی إسرائیل من الأوابد والغرائب والعجائب ، مما کان ومما لم یکن ، ومما حرف وبدل ونسخ. انتهی. والدعاء لهما بالمسامحة والمغفرة شئ ، ومعالجة آثار عدوانهما من مصادر المسلمین شئ آخر .

مقاتل بن سلیمان البلخی ، مجسم وشیخ ابن حماد وأستاذ للمفسرین

قال ابن حبان فی المجروحین:3/14:

مقاتل بن سلیمان الخراسانی مولی الأزد ، أصله من بلخ وانتقل إلی البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمیة ، کنیته أبو الحسن ، کان یأخذ عن الیهود والنصاری علم القرآن الذی یوافق کتبهم ، وکان شَبَهیاً یشبه الرب بالمخلوقین ، وکان یکذب مع ذلک فی الحدیث .

ص: 325

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن حبال قال: حدثنا عمر بن عبدالغفار: سمعت سفیان بن عیینة وذکر عنده مقاتل بن سلیمان فقال: کنت أتیته سراً فقلت له: إن الناس یزعمون أنک لم تسمع من الضحاک ، فقال: لقد کان یغلق علی وعلیه باب واحد .

سمعت إبراهیم بن محمد بن یوسف قال: سمعت الخضر بن حیان سمعت یحیی بن نصر بن حاجب: سمعت أبا حنیفة یقول: یا أبا یوسف إحذر صنفین من خراسان: الجهمیة والمقاتلیة .

سمعت ابن خزیمة یقول سمعت علی بن خشرم یقول سمعت وکیعاً یقول: لقینا مقاتل بن سلیمان کان کذاباً... .

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمدبن عبد بن حمید قال: حدثنا ابن أبی شیبة وهو عثمان قال: حدثنا جریر عن مغیرة بن عبدالرحمن قال: العجب لقوم یکون ذلک فیهم رأساً یعنی مقاتل بن سلیمان. أخبرناه الحسین بن صالح بن حمویه بهمدان قال: حدثنا عبدالعزیز بن منیب قال: حدثنا أبو معاویة النحوی قال: حدثنا خارجة قال: سمعت الکلبی یقول: ما قتلت مسلماً ولا معاهداً ولو رأیت مقاتل بن سلیمان حیث لا یکون بینی وبینه أحد لتقربت بدمه إلی الله عز وجل .

وقال الرازی فی الجرح والتعدیل:8/354:

ثنا عبد الرحمن قال ذکره أبی نا محمود بن غیلان قال سئل وکیع عن مقاتل بن سلیمان فقال: سمعنا منه والله المستعان .

نا عبد الرحمن نا العباس بن الولید بن مزید البیروتی سمعت بعض مشیختنا

ص: 326

یقول: جلس مقاتل بن سلیمان فی مسجد بیروت فقال: لا تسألونی عن شئ ما دون العرش إلا أنبأتکم عنه، فقال الأوزاعی لرجل: قم إلیه فسله ما میراثه من جدتیه ، فحار ولم یکن عنده جواب ، فما بات فیها إلا لیلة ثم خرج بالغداة .نا عبدالرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبی: مقاتل بن سلیمان صاحب التفسیر ما یعجبنی أن أروی عنه

شیئاً .

نا عبد الرحمن نا محمد بن سعید المقرئ قال: سئل عبد الرحمن یعنی ابن الحکم بن بشیر عن مقاتل بن سلیمان فقال: کان قاصاً ، ترک الناس حدیثه .

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:10/249:

وروی عن الشافعی أن وجوه الناس عیال علی مقاتل فی التفسیر !

وقال نعیم بن حماد: رأیت عند ابن عیینة کتاباً لمقاتل فقلت: یا أبا محمد تروی لمقاتل فی التفسیر ! قال لا ، ولکن أستدل به وأستعین . . . .

وقال مکی بن إبراهیم عن یحیی بن شبل قال لی عباد بن کثیر: ما یمنعک من مقاتل ؟ قلت: إن أهل بلادنا کرهوه ، فقال: لا تکرهه فما بقی أحد أعلم بکتاب الله تعالی منه .

وقال القاسم بن أحمد الصفار: قلت لإبراهیم الحربی ما بال الناس یطعنون علی مقاتل ؟ قال : حسداً منهم له . . . .

وکان یقص فی الجامع فوقعت العصبیة بینه وبین جهم فوضع کل واحد منهما کتاباً علی الآخر ینقض علیه . . . .

وقال محمد بن سماعة عن أبی یوسف عن أبی حنیفة: أفرط جهم فی النفی

ص: 327

حتی قال إنه لیس بشئ ، وأفرط مقاتل فی الإثبات حتی جعل الله تعالی مثل خلقه . . . وقال عبد الله ابن أبی القاضی الخوارزمی سمعت إسحاق بن إبراهیم الحنظلی یقول: أخرجت خراسان ثلاثة لم یکن لهم فی الدنیا نظیر یعنی فی البدعة والکذب ، جهم ومقاتل وعمر بن صبح .

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:10/251:

وقال أبو إسماعیل الترمذی عن عبد العزیز بن عبد الله الأوسی قال: حدثنا مالک بن أنس أنه بلغه أن مقاتل بن سلیمان جاءه إنسان فقال له: إن إنساناً جاءنی فسألنی عن لون کلب أصحاب الکهف فلم أدر ما أقول له ، فقال له: ألا قلت أبقع ، فلو قلته لم تجد أحداً یرد علیک !! . . . .

وقال أحمد بن سیار المروزی: کان من أهل بلخ وتحول إلی مرو وخرج إلی العراق فمات بها ، وهو متهم متروک الحدیث مهجور القول ، وکان یتکلم فی الصفات بما لا یحل ذکره . . . .

وقال العباس بن الولید بن مزید عن أبیه: سألت مقاتل بن سلیمان عن أشیاء فکان یحدثنی بأحادیث کل واحد ینقض الآخر ! فقلت: بأیها ؟ قال: بأیها شئت !

الذهبی فی میزان الاعتدال:4/173:

مقاتل بن سلیمان البلخی المفسر أبو الحسن . روی عن مجاهد، والضحاک ، وابن بریدة. وعنه حرمی بن عمارة ، وعلی بن الجعد ، وخلق .

قال ابن المبارک: ما أحسن تفسیره لو کان ثقة . . . .

ص: 328

وترجم له الذهبی فی سیره باحترام أکثر فقال فی:7/201:

مقاتل کبیر المفسرین أبو الحسن مقاتل بن سلیمان البلخی . یروی عن مجاهد والضحاک وابن بریدة وعطاء وابن سیرین وعمرو بن شعیب وشرحبیل بن سعد والمقبری والزهری ، وعدة. وعنه: سعد بن الصلت ، وبقیة ، وعبدالرزاق ، وحرمی بن عمارة ، وشبابة ، والولید بن مزید ، وخلق آخرهم علی بن الجعد .

قال ابن المبارک وأحسن: ما أحسن تفسیره لو کان ثقة . . . ! انتهی .

ویبدو للباحث من مراجعة کتب إخواننا فی الجرح والتعدیل أن کفة تکذیب مقاتل هی الراجحة عندهم ، ولکن جرح الجارحین لیس هو المقیاس العملی ، بل المقیاس هو مصادرهم التفسیریة وغیرها الملیئة بآراء مقاتل ، والمؤلم أنهم ینقلونها کأنها مسلمات السلف الصالح ، بل کأنها أحادیث نبویة شریفة !

یزید بن هارون من شیوخ الإمام أحمد

سیر أعلام النبلاء: 9/358 - 362:

یزید بن هارون بن زاذی ، الإمام القدوة شیخ الإسلام أبو خالد السلمی مولاهم الواسطی الحافظ. مولده فی سنة ثمان عشرة ومئة... .

وکان رأساً فی العلم والعمل ، ثقة حجة ، کبیر الشأن .

حدث عنه: بقیة بن الولید مع تقدمه ، وعلی بن المدینی ، وأحمد بن

ص: 329

حنبل... .

یقال: إن أصله من بخاری .

قال علی بن المدینی: ما رأیت أحفظ من یزید بن هارون .

وقال زیاد بن أیوب: ما رأیت لیزید کتاباً قط ، ولا حدثنا إلا حفظاً .

قال أبو حاتم الرازی: یزید ثقة إمام ، لا یسأل عن مثله .

وقال مؤمل بن یهاب: سمعت یزید بن هارون یقول: ما دلست حدیثاً قط إلا حدیثاً واحداً عن عوف الأعرابی ، فما بورک لی فیه .

عن عاصم بن علی قال: کنت أنا ویزید بن هارون عند قیس بن الربیع ، فأما یزید ، فکان إذا صلی العتمة ، لا یزال قائماً حتی یصلی الغداة بذلک الوضوء نیفاً وأربعین سنة . . . .

قلت: احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم یزید ، وازدحموا علیه لجلالته وعلو إسناده . . . العباس بن عبد العظیم ، وأحمد بن سنان ، عن شاذ بن یحیی ، سمع یزید بن هارون یقول: من قال القرآن مخلوق ، فهو زندیق . . . وقد

کان یزید رأساً فی السنة معادیاً للجهمیة ، منکراً تأویلهم فی مسألة الإستواء. انتهی .

ومعناه أنه کان یرفض تفسیر الآیة بالاستواء المعنوی ، ویفسرها بالقعود الحسی لله تعالی علی العرش !!

ص: 330

السمنانی المجسم رئیس الأشعریة

قال الذهبی فی سیره:17/651:

السمنانی العلامة قاضی الموصل ، أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمنانی الحنفی. حدث عن نصر المرجی وعلی بن عمر الحربی وأبی الحسن الدارقطنی ، وجماعة. ولازم ابن الباقلانی حتی برع فی علم الکلام .

قال الخطیب: کتبت عنه ، وکان صدوقاً فاضلاً حنفیاً ، یعتقد مذهب الأشعری ، وله تصانیف .

قلت: کان من أذکیاء العالم وقد ذکره ابن حزم فقال: هو أبو جعفر السمنانی المکفوف ، هو أکبر أصحاب أبی بکر الباقلانی ومقدم الأشعریة فی وقتنا ، ومن مقالته قال: من سمی الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته فی ذاته فقد أصاب المعنی وأخطأ فی التسمیة فقط . . . .

توفی أبو جعفر بالموصل سنة أربع وأربعین وأربع مئة وله ثلاث وثمانون سنة. تخرج به فی العقلیات القاضی أبو الولید الباجی ، وغیره. انتهی .

ومن العجیب أن الأشاعرة والمجسمة یتهمون الشیعة بالتجسیم لمجرد أن هشاماً بن الحکم قال للمعتزلة تقولون إنه شیء لا کالأشیاء فلماذا لاتقولون إنه جسم لا کالأجسام !

ص: 331

الإمام الدارمی المجسم

سیر أعلام النبلاء:10/199:

المریسی المتکلم المناظر البارع أبو عبدالرحمن بشر بن غیاث بن أبی کریمة العدوی مولاهم البغدادی المریسی ، من موالی آل زید بن الخطاب (رض) کان بشر من کبار الفقهاء ، أخذ عن القاضی أبی یوسف ، وروی عن حماد بن سلمة وسفیان بن عیینة. ونظر فی الکلام فغلب علیه وانسلخ من الورع والتقوی ، وجرد القول بخلق القرآن ودعا إلیه حتی کان عین الجهمیة فی عصره وعالمهم فمقته أهل العلم ، وکفره عدة . . . ذکره الندیم وأطنب فی تعظیمه وقال: کان دینا ورعاً متکلما. ثم حکی أن البلخی قال: بلغ من ورعه أنه کان لا یطأ أهله لیلاً مخافة الشبهة ، ولا یتزوج إلا من هی أصغر منه بعشر سنین مخافة أن تکون رضیعته .

وکان جهمیاً له قدر عند الدولة ، وکان یشرب النبیذ . . . وصنف کتاباً فی التوحید . . . وکتاب الرد علی الرافضة فی الإمامة . . . .

قلت: وقع کلامه إلی عثمان بن سعید الدارمی الحافظ ، فصنف مجلداً فی الرد علیه . . . فیه بحوث عجیبة مع المریسی ، یبالغ فیها فی الإثبات والسکوت عنها ، أشبه بمنهج السلف فی القدیم والحدیث .

وقال الشیخ محمد حامد الفقی: إنه أتی فیه ببعض ألفاظ دعاه إلیها عنف الرد وشدة الحرص علی إثبات صفات الله وأسمائه التی کان یبالغ بشر المریسی وشیعته فی نفیها ، وکان الأولی والأحسن أن لا یأتی بها ، وأن

ص: 332

یقتصر علی الثابت من الکتاب والسنة الصحیحة کمثل الجسم والمکان والحیز ، فإننی لا أوافقه علیها ولا أستجیز إطلاقها ، لأنها لم تأت فی کتاب الله ولا فی سنة صحیحة .

أبو العباس السراج وإسحاق الحنظلی إمامان مجسمان

قال الذهبی فی سیره:11/376:

قال أبو العباس السراج: سمعت إسحاق الحنظلی یقول: دخلت علی طاهر بن عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة ، فقال لی منصور: یا أبا یعقوب تقول: إن الله ینزل کل لیلة قلت: نؤمن به ، إذا أنت لا تؤمن أن لک فی السماء رباً لا تحتاج أن تسألنی عن هذا. فقال له طاهر الأمیر: ألم أنهک عن هذا الشیخ: قال أبو داود السجستانی: سمعت ابن راهویه یقول: من قال لا أقول مخلوق ولا غیر مخلوق ، فهو جهمی .

وورد عن إسحاق أن بعض المتکلمین قال له: کفرت برب ینزل من سماء إلی سماء. فقال: آمنت برب یفعل ما یشاء .

وقال فی سیره:14/396:

أخبرنا إسماعیل بن إسماعیل فی کتابه ، أخبرنا أحمد بن تمیم اللبلی ببعلبک أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعیل ، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد الملیجی ، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم یقر بأن الله تعالی یعجب ویضحک وینزل کل لیلة

ص: 333

إلی السماء الدنیا فیقول من یسألنی فأعطیه ، فهو زندیق کافر ، یستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا یصلی علیه ، ولا یدفن فی مقابر المسلمین . . . .

وصار ابن عقیل شیخ الحنابلة

سیر أعلام النبلاء:19/443:

ابن عقیل. الإمام العلامة البحر شیخ الحنابلة ، أبوالوفاء علی بن عقیل بن محمد بن عقیل بن عبد الله البغدادی الظفری الحنبلی المتکلم ، صاحب التصانیف ، کان یسکن الظفریة ، ومسجده بها مشهور .

ولد سنة إحدی وثلاثین وأربع مئة وسمع أبا بکر بن بشران ، وأبا الفتح بن شیطا ، وأبا محمد الجوهری ، والحسن بن غالب المقری، والقاضی أبا یعلی بن الفراء ، وتفقه علیه ، وتلا بالعشر علی أبی الفتح بن شیطا ، وأخذ العربیة عن أبی القاسم بن برهان، وأخذ علم العقلیات عن شیخی الإعتزال أبی علی بن الولید ، وأبی القاسم بن التبان صاحبی أبوالحسین البصری ، فانحرف عن السنة .

وکان یتوقد ذکاء ، وکان بحر معارف وکنز فضائل ، لم یکن له فی زمانه نظیر علی بدعته ، وعلق کتاب الفنون ، وهو أزید من أربع مئة مجلد ، حشد فیه کل ما کان یجری له مع الفضلاء والتلامذة ، وما یسنح له من الدقائق والغوامض ، وما یسمعه من العجائب والحوادث . . . .

قال المبارک بن کامل: صلی علی شیخنا بجامع القصر فأمهم ابن شافع ، وکان الجمع ما لا یحصی ، وحمل إلی جامع المنصور فصلی علیه ، وجرت

ص: 334

فتنة وتجارحوا، ونال الشیخ تقطیع کفن ، ودفن قریباً من الإمام أحمد . . . .

وفی تاریخ ابن الأثیر قال: کان قد اشتغل بمذهب المعتزلة فی حداثته علی بن الولید ، فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنین ، ثم أظهر التوبة .

وقال ابن عقیل فی الفنون: الأصلح لإعتقاد العوام ظواهر الای لأنهم یأنسون بالإثبات ، فمتی محونا ذلک من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم فی التشبیه أحب إلینا من إغراقهم فی التنزیه ، لأن التشبیه یغمسهم فی الإثبات فیخافون ویرجون ، والتنزیه یرمی بهم إلی النفی فلا طمع ولا مخافة فی النفی. ومن تدبر الشریعة رآها غامسة للمکلفین فی التشبیه بالألفاظ الظاهرة التی لا یعطی ظاهرها سواه ، کقول الأعرابی : أو یضحک ربنا قال النبی (ص): نعم. فلم یکفهر لقوله ، وترکه وما وقع له . . . .

من عقائد الدولة: إطاعة الحاکم الجائر والتجسیم والرؤیة

سیر أعلام النبلاء:12/67:

وعن یحیی بن عون: قال: دخلت مع سحنون علی ابن القصار وهو مریض فقال: ما هذا القلق ؟ قال له: الموت والقدوم علی الله. قال له سحنون: ألست مصدقاً

بالرسل والبعث والحساب ، والجنة والنار ، وأن أفضل هذه الأمة أبوبکر ، ثم عمر ، والقرآن کلام الله غیر مخلوق ، وأن الله یری یوم القیامة ، وأنه علی العرش استوی ، ولا تخرج علی الأئمة بالسیف وإن جاروا ؟ قال: إی والله ، فقال: مت إذا شئت ، مت إذا شئت !!

ص: 335

تاریخ الإسلام للذهبی:29/73:

محمود السلطان کان صادق النیة فی إعلاء کلمة الله.. وقبره بغزنة یدعی عنده.. دخل ابن فورک علی السلطان محمود فقال: لا یجوز أن یوصف الله بالفوقیه لأنه یلزمک أن تصفه بالتحتیه.. فقال السلطان: هو وصف نفسه !

هجمة الحنابلة علی الطبری

قال الحموی فی معجم الادباء:9 جزء 18/57 فی ترجمة الطبری:

فلما قدم إلی بغداد من طبرستان بعد رجوعه إلیها تعصب علیه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبیاضی. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل فی الجامع یوم الجمعة ، وعن حدیث الجلوس علی العرش ، فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا یعد خلافه. فقالوا له: فقد ذکره العلماء فی الإختلاف ، فقال: ما رأیته روی عنه ولا رأیت له أصحاباً یعول علیهم. وأما حدیث الجلوس علی العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من لیس له أنیس

ولا له فی عرشه جلیس

فلما سمع ذلک الحنابلة منه وأصحاب الحدیث وثبوا ورموه بمحابرهم وقیل کانت ألوفاً ، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتی صار علی بابه کالتل العظیم ! ورکب نازوک صاحب الشرطة فی ألوف من الجند یمنع عنه العامة ، ووقف علی بابه یوماً إلی اللیل وأمر برفع الحجارة عنه. وکان قد کتب علی بابه: سبحان من لیس له أنیس ولا له فی عرشه

ص: 336

جلیس ، فأمر نازوک بمحو ذلک ، وکتب مکانه بعض أصحاب الحدیث:

لاحمد منزل لا شک عال

إذا وافی إلی الرحمن وافد

فیدنیه ویقعده کریماً

علی رغم لهم فی أنف حاسد

علی عرش یغلفه بطیب

علی الاکباد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقاً

کذاک رواه لیث عن مجاهد

فخلا فی داره وعمل کتابه المشهور فی الإعتذار إلیهم ، وذکر مذهبه واعتقاده وجرح من ظن فیه غیر ذلک ، وقرأ الکتاب علیهم وفضل أحمد بن حنبل ،وذکر مذهبه وتصویب اعتقاده ولم یزل فی ذکره إلی أن مات، ولم یخرج کتابه فی الإختلاف حتی مات فوجدوه مدفوناً فی التراب، فأخرجوه ونسخوه أعنی اختلاف الفقهاء ، هکذا سمعت من جماعة منهم أبی(رحمه الله)!

وقال ابن قیم الجوزیة فی بدائع الفوائد:4/39:

قال القاضی: صنف المروزی کتاباً فی فضیلة النبی(ص)وذکر فیه إقعاده علی العرش ، وهو قول أبی داود وأحمد بن أصرم . . . وعبد الله بن الإمام أحمد . . . إلخ. ثم قال ابن قیم: قلت وهو قول ابن جریر الطبری ، وإمام هؤلاء کلهم مجاهد إمام التفسیر. انتهی .

ولم یذکر ابن القیم عمن أخذه مجاهد ، ولم یذکر تهدید الحنابلة للطبری وإجبارهم إیاه علی القول بذلک حتی صار لیناً هینا مع التجسیم وأهله .

ولکن جولد تسیهر الیهودی قال فی مذاهب التفسیر الإسلامی/118:

وهو ( الطبری ) یعارض أشد صرامة وعنفاً فهم التجسید فی عبارات التشبیه المضافة إلی الله والذهاب إلی أن مثل هذه العبارات دالة علی صفات الله

ص: 337

الحقیقیة . . فقد اختلف أهل الجدل.. فی تأویل قوله ( بل یداه مبسوطتان ) فقال بعضهم . . عنی بالید النعمة أو القدرة أو الملک. وقال آخرون: بل ید الله صفة من صفاته ، هی ید غیر أنها لیست بجارحة.. والطبری یجزم بالرأی الثانی . .

هجمة الحنابلة علی ابن حبان

المجروحین لابن حبان:1 مقدمة:

قال أبواسماعیل عبدالله بن محمد . . . قال سألت یحیی بن عمار عن ابن حبان ، قلت رأیته ؟ قال: وکیف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان ، لأنه أنکر الحد لله !

وقال السبکی تعلیقاً علی ذلک: من أحق بالاخراج من یجعل ربه محدوداً ، أو من ینزهه عن الجسمیة . . . .

وقال ابن حجر فی لسان المیزان:5/113:

وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فیه بها. قال أبو إسمعیل الأنصاری شیخ الإسلام: سألت یحیی بن عمار عن أبی حاتم بن حبان فقال: رأیته ونحن أخرجناه من سجستان ، کان له علم کثیر ولم یکن له کبیر دین ، قدم علینا فأنکر الحد لله فأخرجناه .

قلت: إنکاره الحد وإثباتکم للحد نوع من فضول الکلام ، والسکوت من الطرفین أولی إذ لم یأت نص بنفی ذلک ولا إثباته ، والله تعالی لیس کمثله شئ ، فمن أثبته قال له خصمه جعلت لله حداً برأیک ولا نص معک بالحد ،

ص: 338

والمحدود مخلوق تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً.

وقال هو للنافی ساویت ربک بالشئ المعدوم ، إذ المعدوم لا حد له. فمن نزه الله وسکت سلم وتابع السلف .

وقال الذهبی فی سیره:16/94:

وقال أبو بکر الخطیب: کان ابن حبان ثقة نبیلاً فهماً. وقال أبو عمرو بن الصلاح فی طبقات الشافعیة: غلط ابن حبان الغلط الفاحش فی تصرفاته. قال ابن حبان فی أثناء کتاب الأنواع: لعلنا قد کتبنا عن أکثر من ألفی شیخ .

قلت: کذا فلتکن الهمم ، هذا مع ما کان علیه من الفقه والعربیة والفضائل الباهرة وکثرة التصانیف . . . .

وقال أبو إسماعیل الأنصاری: سمعت یحیی بن عمار الواعظ، وقد سألته عن ابن حبان ، فقال: نحن أخرجناه من سجستان ، کان له علم کثیر ، ولم یکن له کبیر دین ، قدم علینا ، فأنکر الحد لله ، فأخرجناه !

قلت: إنکارکم علیه بدعة أیضاً ، والخوض فی ذلک مما لم یأذن به الله ، ولا أتی نص بإثبات ذلک ولا بنفیه. ومن حسن إسلام المرء ترکه مالا یعنیه. وتعالی الله أن یحد أو یوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعنی الذی أراد بلا مثل ولا کیف: لیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر. انتهی .

وهکذا مدح الذهبی ابن حبان وأظهر

إعجابه بعلو همته ، ولکنه خطَّأه فی إنکاره الحد لله تعالی وحکم بأنه صاحب بدعة ، فهو یستحق الطرد من سجستان ، بل قد یستحق الاعدام إن لم یتب !

ومن عجب الزمان أن یکون الجو الحاکم فی بعض مناطق المسلمین فی

ص: 339

أواخر القرن الثالث أن الذی یقول إن الله تعالی غیر محدود بمکان ولا زمان یعتبر مبدعاً فی الإسلام ، وکأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد بلغ الأمة بأن ربکم محدود بالمکان والزمان ، ومن أنکر ذلک فقد أبدع !

ولا تغتر بتخطئة الذهبی للذین طردوا ابن حبان من سجستان ، فإنه لم یخطئهم لطرده علی بدعته ، بل خطَّأهم لمجادلته حتی أظهر بدعته ، ولأنه کان الواجب علیهم أن یسکتوا عن لوازم التجسیم فی نزول الله تعالی وجلوسه علی العرش ، کما هو مذهبه !!

من تکفیرات المجسمین لمن خالفهم

سیر أعلام النبلاء:11/70:

قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبا معمر الهذلی یقول: من زعم أن الله لا یتکلم ولا یسمع ولا یبصر ولا یرضی ولا یغضب ، فهو کافر ، إن رأیتموه واقفاً علی بئر فألقوه فیها ، بهذا أدین الله عز وجل !

سیر أعلام النبلاء:11/302:

حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخری قال: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل: هذا مذهب أهل العلم والأثر ، فمن خالف شیئاً من ذلک أو عاب قائلها ، فهو مبتدع.

وکان قولهم: إن الإیمان قول وعمل ونیة وتمسک بالسنة ، والإیمان یزید وینقص ، ومن زعم أن الإیمان قول والأعمال شرائع فهو جهمی ، ومن لم

ص: 340

یر الإستثناء فی الإیمان فهو مرجی ، والزنی والسرقة وقتل النفس والشرک کلها بقضاء وقدر من غیر أن یکون لاحد علی الله حجة. إلی أن قال: والجنة والنار خلقتا ثم خلق الخلق لهما لا تفنیان ، ولا یفنی ما فیهما أبداً. إلی أن قال: والله تعالی علی العرش ، والکرسی موضع قدمیه. إلی أن قال: وللعرش حملة. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن کلام الله ، فهو جهمی. ومن لم یکفره فهو مثله. وکلم الله موسی تکلیماً من فیه ! إلی أن ذکر أشیاء من هذا الأنموذج المنکر ، والأشیاء التی والله ما قالها الإمام. فقاتل الله واضعها . ومن أسمج مافیها قوله : ومن زعم أنه لا یری التقلید ولا یقلد دینه أحداً فهذا قول فاسق عدو لله. فانظر إلی جهل المحدثین کیف یروون هذه الخرافة ویسکتون عنها. انتهی .

ومع أن الذهبی وصف الانموذج بأنه منکر وخرافة ، فهو یتبنی أکثر عقائده!

التحفة اللطیفة للسخاوی:2/285:

علی بن عبد الله.. قال قبل أن یموت بشهرین.. من زعم أن الله لا یری فهو کافر ، ومن زعم أن الله لم یکلم موسی علی الحقیقة فهو کافر. انتهی .

وقصدهم أن الله تعالی کلم موسی من فمه ، ولم یخلق الصوت فی شئ مخلوق ، وقد نصت علی ذلک أحادیث أهل البیت(علیهم السّلام) وقال به أکثر المسلمین .

تاریخ الإسلام للذهبی:17/386:

هارون بن معروف . . . وقال هارون الجبال: سمعت هارون بن معروف یقول: من زعم أن القرآن مخلوق فکأنما عبد اللات والعزی ! وروی عبدالله

ص: 341

بن أحمد بن حنبل عن هارون بن معروف قال: من زعم أن الله لا یتکلم فهو یعبد الأصنام ! انتهی. وقصده أن الله تعالی یتکلم من فمه ! وأن الذی یعتقد بأن الله لافم له فقد جعله صنماً! والذی یقول له فم ، فقد نزهه عن الصنمیة!!

سیر أعلام النبلاء:17/255:

قال الإمام تقی الدین ابن الصلاح فی فتاویه: وجدت عن الإمام أبی الحسن الواحدی المفسر(رحمه الله)أنه قال: صنف أبو عبدالرحمن السلمی حقائق التفسیر ، فإن کان اعتقد أن ذلک تفسیر فقد کفر. قلت: واغوثاه ! واغربتاه ! .

سیر أعلام النبلاء:8/403:

حدثنا أحمد بن یونس ، سمعت ابن المبارک قرأ شیئاً من القرآن ، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق ، فقد کفر بالله العظیم .

سیر أعلام النبلاء:10/18:

الحاکم: سمعت أبا سعید بن أبی عثمان ، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشی ، سمعت الربیع ، سمعت الشافعی وسئل عن القرآن فقال: أف أف ، القرآن کلام الله ، من قال: مخلوق ، فقد کفر. هذا إسناد صحیح .

سیر أعلام النبلاء:11/58:

ابن مخلد العطار: حدثنا محمد بن عثمان ، سمعت علی بن المدینی ، یقول قبل أن یموت بشهرین: القرآن کلام الله غیر مخلوق. ومن قال مخلوق ، فهو کافر . وقال عثمان بن سعید الدارمی ، سمعت علی بن المدینی یقول : هو کفر ، یعنی من قال : القرآن مخلوق .

ص: 342

ملحد ( سنی ) یحبه المجسمة لأنه یلعن من خالفهم

مروج الذهب للمسعودی:3/43:

کان رجل فی أیام هارون الرشید ببغداد ، وإنه کان دهریاً من أهل السنة والجماعة! ویلعن أهل البدع. . . ویعرف بالسنی ، تنقاد له العامة فکان یجتمع إلیه خلق من الناس ، وإذا اجتمعوا وثب قائماً علی قدمه فقال: یامعشر المسلمین قلتم لا ضار ولا نافع إلا الله ، فلای شئ مصیرکم إلیَّ تسألونی عن مضارکم ومنافعکم ؟ إلجؤوا إلی ربکم وتوکلوا علی بارئکم..

من الفتن التی حدثت بسبب التجسیم

فی القرن الثانی انتقل ثقل التشبیه والتجسیم من الشام إلی بغداد ، وأرخ المؤرخون لفتن متعددة حدثت فی بغداد ذکرنا بعضها فی الفصل الخامس، ونشیر منها هنا إلی الفتنة التی ذکرها الذهبی فی تاریخ الإسلام:23/384 بسبب تفسیر آیة: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قالت الحنابلة معناه أن یقعده علی عرشه کما فسره مجاهد. وقال غیرهم: بل هی الشفاعة العظمی. وقد تقدم أن ابن خلدون یری أن الفتن بین الحنابلة ومخالفیهم کانت أحد الأسباب فی خراب بغداد .

سیر أعلام النبلاء:18/89:

القاضی أبو یعلی الإمام العلامة ، شیخ الحنابلة ، القاضی أبویعلی ، محمد بن

ص: 343

الحسین بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادی ، الحنبلی ، ابن الفراء ، صاحب التعلیقة الکبری ، والتصانیف المفیدة فی المذهب. ولد فی أول سنة ثمانین وثلاث مئة . . . أفتی ودرس ، وتخرج به الأصحاب ، وانتهت إلیه الإمامة فی الفقه ، وکان عالم العراق فی زمانه ، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسیره ، والنظر والأصول ، وکان أبوه من أعیان الحنفیة ، ومن شهود الحضرة ، فمات ولابی یعلی عشرة أعوام ، فلقنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقی ، فلذ له الفقه ، وتحول إلی حلقة أبی عبدالله بن حامد ، شیخ الحنابلة ، فصحبه أعواماً ، وبرع فی الفقه عنده ، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتین وأربع مئة ، وأول سماعه من علی بن معروف فی سنة 385 .

وقد سمع بمکة ودمشق من عبد الرحمن بن أبی نصر ، وبحلب ، وجمع کتاب « إبطال تأویل الصفات » ، فقاموا علیه لما فیه من الواهی والموضوع، فخرج إلی العلماء من القادر بالله المُعتقَدُ الذی جمعه ، وحمل إلی القادر کتاب « إبطال التأویل » فأعجبه ، وجرت أمور وفتن - نسأل الله العافیة - ثم أصلح بین الفریقین الوزیر علی بن المسلمة ، وقال فی الملا: القرآن کلام الله ، وأخبار الصفات تمر کما جاءت. ثم ولی أبو یعلی القضاء بدار الخلافة والحریم ، مع قضاء حران وحلوان..

ص: 344

وواجه بعض الخلفاء تطرف المجسمین

نشوار المحاضرة للتنوخی:3/144:

وکانت العامة قد هاجت فی أیام وزارته ( أی أبو محمد المهلبی ) وعظمت الفتنة . . . وکثر کلام القصاص فی المساجد ورؤساء الصوفیة . . . فاتفق أن بدئ برجل من رؤساء الصوفیة یعرف بإسحاق بن ثابت أحد الربانیین عند أصحابه ، فقال له: بلغنی أنک تقول فی دعائک: یا واحدی بالتحقیق یا جاری اللصیق ، فمن لا یعلم بأن الله لا یجوز أن یوصف أنه لصیق علی الحقیقة فهو کافر، لأن الملاصقة من صفات الاجسام. إنکم تهذون وتوهمون الناس علی أنکم ربانیین . . . وکتب إلیه أن لا یتکلم علی الناس.

تاریخ الإسلام للذهبی:32/171:

أبو بکر الواعظ البکری . . . قدم إلی بغداد وجلس للوعظ وذکر ما یلطخ به الحنابلة من التجسیم . . . وضربه جماعة من الهاشمیین (یقصد العباسیین ) بالحصی وهم من أصحاب أحمد ، فأخذهم النقیب وعاقبهم .

وقتل خلفاء شرعیون إماماً مجسماً طمع بالحکم

تهذیب الکمال:1/507:

. . . حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمی قال: وقُتِل أحمد بن نصر بن مالک الخزاعی سنة إحدی وثلاثین ومئتین. قال الحافظ أبوبکر: وکان قتله فی

ص: 345

خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن . وبه حدثنی القاضی أبو عبدالله الصیمری ، حدثنا محمد بن عمران المرزبانی ، أخبرنی محمد بن یحیی الصولی قال: کان أحمد بن نصر بن مالک بن الهیثم الخزاعی من أهل الحدیث ، وکان جده من رؤساء نقباء بنی العباس ، وکان أحمد وسهل بن سلامة ، حین کان المأمون بخراسان ، بایعا الناس علی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، إلی أن دخل المأمون بغداد ، فرفق بسهل حتی لبس السواد ، وأخذ الأرزاق ولزم أحمد بیته ، ثم إن أمره تحرک ببغداد فی آخر أیام الواثق ، واجتمع إلیه خلق من الناس ، یأمرون بالمعروف، إلی أن ملکوا بغداد، وتعدی رجلان من أصحابه یقال لأحدهما : طالب فی الجانب الغربی ویقال للآخر أبو هارون فی الجانب الشرقی ، وکانا موسرین فبذلا مالاً ، وعزما علی الوثوب ببغداد فی شعبان سنة إحدی وثلاثین ومئتین ، فنم علیهم قوم إلی إسحاق بن إبراهیم فأخذ جماعة فیهم أحمد بن نصر ، وأخذ صاحبیه طالباً وأبا هارون فقیدهما ، ووجد فی منزل أحدهما أعلاماً ، وضرب خادماً لاحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء کانوا یصیرون إلیه لیلاً فیعرفونه ما عملوا ، فحملهم إسحاق مقیدین إلی سر من رأی ، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر : دع ما أخذت له ، ما تقول فی القرآن قال: کلام الله. قال: أفمخلوق هو قال: کلام الله. قال: أفتری ربک فی القیامة قال: کذا جاءت الروایة ، قال: ویحک ، یری کما یری المحدود المتجسم ویحویه مکان ویحصره الناظر ، أنا أکفر برب هذه صفته ، ما تقولون فیه ؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق، وکان قاضیاً علی الجانب الغربی ببغداد فعزل:

ص: 346

هو حلال الدم ، وقال جماعة من الفقهاء کما قال ، فأظهر ابن أبی دؤاد أنه کاره لقتله ، فقال للواثق: یا أمیرالمؤمنین شیخ مختل لعل به عاهة أو تغیر عقله یؤخر أمره ویستتاب. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدیاً لکفره قائماً بما یعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمت إلیه فلا یقومن أحد معی ، فإنی أحتسب خطای إلی هذا الکافر الذی یعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التی وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس علیه وهو مقید وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن یمدوه، ومشی إلیه حتی ضرب عنقه ، وأمر بحمل رأسه إلی بغداد فنصب بالجانب الشرقی أیاماً ، وفی الجانب الغربی أیاماً ، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا فی الحبوس !. انتهی. ورواه الذهبی أیضاً فی:17/56 .

سیر أعلام النبلاء:11/165:

قال الحسن بن محمد الحربی: سمعت جعفر بن محمد الصائغ ، یقول: رأیت أحمد بن نصر حین قتل قال رأسه: لا إله إلا الله. قال المروذی: سمعت أحمد ذکر أحمد بن نصر فقال(رحمه الله): لقد جاد بنفسه. وعلق فی أذن أحمد بن نصر ورقة فیها: هذا رأس أحمد بن نصر ، دعاه الإمام هارون إلی القول بخلق القرآن ونفی التشبیه ، فأبی إلا المعاندة فعجله الله إلی ناره. وکتب محمد بن عبد الملک .

تاریخ الإسلام للذهبی:17/58:

قال: رأی بعضی أصحابنا أحمد بن نصر فی النوم فقال: ما فعل ربک ؟ قال:

ص: 347

ما کانت إلا غفوه حتی لقیت الله فضحک لی . . . وقال غضبت له فأباحنی النظر إلی وجهه !

وکان التجسیم منتشراً فی عصر ابن الجوزی والسبکی

کشف الظنون:1/218:

للشیخ أبی الفرج عبدالرحمن بن علی بن الجوزی الحنبلی المتوفی سنة 597 سبع وتسعین وخمسمائة ، مختصر صنف فی تأیید مذهبه والرد علی الحنابلة المجسمة. انتهی.

وله أیضاً کتاب دفع شبهة التشبیه بأکف التنزیه ، حققه فی عصرنا ونشره الباحث السید حسن السقاف ، وتجد فی ترجمة ابن الجوزی وکتبه قصة محنته مع الحنابلة المجسمین فی عصره !

کشف الظنون:1/879:

رسالة الغفران من المکث بحران ، مختصر لبعض العلماء ، أولها الحمد لله علی کل حال . . . الخ . ألفها سنة 627 سبع وعشرین وستمائة رد فیها علی حنبلی مجسم منکر ، علی قواعد علم الکلام .

وقد ذکر السبکی فی طبقات الشافعیة وغیره نماذج عدیدة للمجسمة العلنیین والسریین ، قال فی:2/19: وقد وصل حال بعض المجسمة فی زماننا إلی أن کتب شرح صحیح مسلم للشیخ محی الدین النووی وحذف

ص: 348

من کلام النووی ما تکلم به علی أحادیث الصفات ، فإن النووی أشعری العقیدة ، فلم تحمل قوی هذا الکاتب أن یکتب الکتاب علی الوضع الذی صنفه مصنفه ! انتهی .

ووصل الحال فی عصرنا إلی أن بعض الوهابیین ینشرون کتب النووی وغیره ویحذفون منها کل مایخالف مذهبهم حتی أنهم حذفوا فضل زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أحد کتبه. وهذا غیض من فیض فإن دور نشرهم فی عدة بلدان تعمل مناشیرها وسکاکینها فی کتب التراث الإسلامی ، ومستأجریهم ینفذون تعلیماتهم بحذف کل ما لا یلیق لهم !

هذا مضافاً إلی نشرهم کتب المشبهة والمجسمة وتکبیر شخصیاتهم وإشاعة تعظیمهم وتقدسیهم ، وتکفیر مخالفیهم من سلف الأمة ومعاصریها !

وانتقل التجسیم من بغداد إلی مصر

سیر أعلام النبلاء:15/429:

أبو إسحاق المروزی الإمام الکبیر ، شیخ الشافعیة وفقیه بغداد ، أبو إسحاق إبراهیم بن أحمد المروزی ، صاحب أبی العباس بن سریج وأکبر تلامذته ، اشتغل ببغداد دهراً وصنف التصانیف وتخرج به أئمة کأبی زید المروزی ، والقاضی أبی حامد أحمد بن بشر المروروذی مفتی البصرة ، وعدة .

شرح المذهب ولخصه ، وانتهت إلیه رئاسة المذهب. ثم إنه فی أواخر عمره تحول إلی مصر فتوفی بها فی رجب فی تاسعه ، وقیل فی حادی عشرة سنة أربعین وثلاث مئة ، ودفن عند ضریح الإمام الشافعی ولعله قارب

ص: 349

سبعین سنة . . . صنف المروزی کتاباً فی السنة، وقرأه بجامع مصر ، وحضره آلاف فجرت فتنة ، فطلبه کافور فاختفی ، ثم أدخل إلی کافور ، فقال: أما أرسلت إلیک أن لا تشهر هذا الکتاب فلا تظهره. وکان فیه ذکر الإستواء ، فأنکرته المعتزلة. انتهی. یقصد أنه کان فی الکتاب ذکر القعود الحسی لله تعالی علی عرشه ، فأنکره علماء مصر. ولکن الحاکم کافوراً الأخشیدی کان یمیل إلی التجسیم فطلب منه أن لا ینشر کتابه فقط !

الإمام العبدری المغربی المجسم

تذکرة الحفاظ:4/1272:

العبدری: الإمام الحافظ العلامة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجی القرشئ العبدری المیورقی الأندلسی نزیل بغداذ ، وکان من أعیان الحفاظ ومن فقهاء الظاهریة ، سمع أبا عبدالله مالک بن أحمد البانیاسی ورزق الله التمیمی وأبا الفضل ابن خیرون وطراد بن محمد الزینبی ویحیی بن أحمد السیبی وأبا عبدالله الحمیدی وطبقتهم ، قال القاضی أبوبکر بن العربی فی معجمه: أبوعامر العبدری هو أنبل من لقیته. وقال ابن ناصر: کان فهماً عالماً متعففاً وکان یذهب إلی أن المناولة کالسماع. وقال السلفی فی معجمه: کان من أعیان علماء الإسلام بمدینة السلام ، متصرفاً فی فنون من العلوم أدباً ونحواً ومعرفة بالأنساب ، وکان داودی المذهب قرشی النسب ، کتب عنی وکتبت عنه ، مولده بقرطبة. وقال أحمد بن أبی بکر البندنیجی: لما دفنوا أبا

ص: 350

عامر العبدری قال ابن ناصر: خلا لک الجو فبیضی واصفری. مات أبوعامر حافظ حدیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من شاء فلیقل ما شاء .

قال الحافظ ابن عساکر: کان أبو عامر داودیاً وکان أحفظ شیخ لقیته . . . ذکر أنه دخل دمشق ، سمعته یقول جری ذکر الإمام مالک فقال: جلف جاف ضرب هشام بالدرة . . . بلغنی أنه قال فی: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، وضرب علی ساقه فقال: ساق کساقی هذه. قلت: هذه حکایة منقطعة ، وهذا قول الضلال المجسمة ، وما أعتقد أن بلغ بالعبدری هذا. ثم قال: وبلغنی أنه قال إن أهل البدع یحتجون بقوله تعالی: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئْ ، أی فی الإلهیة أما فی الصورة فهو مثلی ومثلک . . . قال ثم تلا قوله تعالی: یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ ، أی فی الحرمة !!

وترجم له ترجمة مفصلة فی تاریخ الإسلام:36/103 .

التجسیم ینتشر فی المغرب فیقاومه المهدی بن تومرت

تاریخ ابن خلدون:7/225:

الخبر عن مبدأ أمر المهدی ودعوته وما کان للموحدین القائمین بها علی یدی بنی عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتین وإفریقیة . . . وکانت وفاة المهدی لأربعة أشهر بعدها، وکان یسمی أصحابه بالموحدین ، تعریضاً بلمتونة فی أخذهم بالعدول عن التأویل ومیلهم إلی التجسیم. وکان حصوراً لا یأتی النساء ، وکان یلبس العباءة المرقعة ، وله قدم فی التقشف والعبادة ، ولم تحفظ عنه فلتة فی البدعة ، إلا ما کان من وفاقه الإمامیة من الشیعة فی

ص: 351

القول بالإمام المعصوم ، والله تعالی أعلم. انتهی. یستکثر علینا إخواننا السنة أن نقول بعصمة أهل البیت وهم الأئمة الاثنی عشر والصدیقة الزهراء(علیهم السّلام) الذین نص علیهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی ونص الله تعالی علی طهارتهم ، وأوجب محبتهم وجعل بغضهم نفاقاً ، وجعل الصلوة علیهم فی صلاة المسلمین الیومیة . . ثم نراهم یقولون بعصمة الخلیفة عمر وأبی بکر وعثمان ، بل وعصمة کل الصحابة وعدالتهم. فهل یریدون بذلک استثناء أهل البیت فقط من عشرة آلاف صحابی. واذا أجابوا بأنا لا نقول بعصمة الصحابة طالبناهم بأن یذکروا أخطاء الذین یقدسونهم منهم .

تاریخ ابن خلدون:7/266:

هذا العهد لما دعا المهدی إلی أمره فی قومه من المصامدة بجبال درن ، وکان أصل دعوته نفی التجسیم الذی آل إلیه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترک

التأویل فی المتشابه من الشریعة ، وصرح بتکفیر من أبی ذلک ، أخذاً بمذهب التکفیر بالمآل ، فسمی لذلک دعوته بدعوة التوحید وأتباعه بالموحدین ، نعیاً علی الملثمین فإن مذاهبهم إلی اعتقاد الجسمیة .

وقال الدکتور حسن إبراهیم فی تاریخ الإسلام:4/368:

صرف ابن تومرت الناس عن اتباع مذهب السلف الذی قد یجر معتنقیه إلی التشبیه والتجسیم . وابن تومرت فی هذا المیدان العلمی یعتبر من الشخصیات العلمیة البارزة فی التاریخ الإسلامی .

ص: 352

وکثر الحشویة والمخلطون فی العالم الإسلامی

قال العلامة الأرموی فی منهاج الکرامة / 6 : وقالت جماعة الحشویة والمشبهة: إن الله تعالی جسم له طول وعرض وعمق ، وإنه یجوز علیه المصافحة ، وإن الصالحین من المسلمین یعانقونه فی الدنیا ، وحکی الکعبی عن بعضهم أنه کان یجوز رؤیته فی الدنیا وأنه یزورهم ویزورونه ، وحکی عن داود الظاهری أنه قال: أعفونی عن الفرج واللحیة واسألونی عما وراء ذلک ، وقال: إن معبودهم له جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء کید ورجل ولسان وعینین وأذنین ، وحکی أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلی صدره مصمت ما سوی ذلک ، وله شعر قطط. حتی قالوا: اشتکت عیناه فعادته الملائکة ، وبکی علی طوفان نوح حتی رمدت عیناه ، وأنه یفضل من العرش من کل جانب أربع أصابع. وذهب بعضهم إلی أنه تعالی ینزل فی کل لیلة جمعة علی شکل أمرد حسن الوجه راکباً علی حمار ، حتی أن بعضهم ببغداد وضع علی سطح داره معلفاً یضع کل لیلة جمعة فیه شعیراً وتبناً لتجویز أن ینزل الله علی حماره علی ذلک السطح فیشتغل الحمار بالأکل ویشتغل الرب بالنداء، ویقول: هل من تائب هل من مستغفر ، تعالی الله عن مثل ذلک .

. . . وحکی عن بعض المنقطعین التارکین من شیوخ الحشویة أنه اجتاز علیه فی بعض الأیام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر علی الصفات التی یصفون ربهم بها ، فألح الشیخ بالنظر إلیه وکرره وأکثر تصویبه إلیه ، فتوهم

ص: 353

فیه النفاط فجاء إلیه لیلاً فقال: أیها الشیخ رأیتک تلح بالنظر إلی هذا الغلام وقد أتیتک به فإن کان لک فیه نیة فأنت الحاکم ، فحرد الشیخ علیه وقال: إنما کررت النظر إلیه لأن مذهبی أن الله تعالی ینزل علی صورة هذا الغلام ، فتوهمت أنه الله تعالی ! فقال له النفاط: ما أنا علیه من النفاطة أجود مما أنت علیه من الزهد مع هذه المقالة... .

وأضاف الأرموی: أقول: لا یسع المقام أکثر من ذلک وإلا لنقلنا أضعاف ما ذکرنا . . . وقال الطبرانی: حدثنا علی بن سعید الرازی حدثنا أحمد بن إبراهیم الدورقی حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جریج عن الضحاک عن ابن عباس قال: رأی محمد ربه عز وجل فی صورة شاب أمرد وبه قال ابن جریج.. عن صفوان بن سلیم عن عائشة قالت: رأی النبی ربه علی صورة شاب جالس علی کرسی رجله فی خضرة من لؤلؤ یتلالا !

ص: 354

الفصل السابع : کل الناس مبرؤون.... والشیعة متهمون

اشارة

ص: 355

ص: 356

منطق السلطة وأتباعها

المنطق الحاکم فی کتب العقائد عند إخواننا ، هو منطق الدولة الذی یصدر الأحکام ولا یقبل الإعتراض ، وأحکامه هنا تقول :

أولاً: السنة هم المسلمون الموحدون ، حتی لو کانت مصادرهم تنادی بالتشبیه والتجسیم بأحادیث صحیحة عندهم !

والشیعة هم المجسمون والمعطلون ، وإن کانت مصادرهم تنادی بالتنزیه ونفی التشبیه بأحادیث صحیحة عندهم !

ثانیاً: یحرم قراءة أی کلام والخوض فی أی بحث یوجب اتهام السنة بالتجسیم ! کما یحرم قراءة کتب الشیعة وأحادیثهم فی العقائد ، لأنهم یجسمون الله تعالی ویؤلهون الأئمة من ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

هذا هو حکم أکثر الکتاب والمؤلفین فی العقائد ، ودلیلهم أن التاریخ عامل الشیعة بهذه الأحکام ، فصارت هی الجو العام الذی نشأوا فیه ، فکتبوا کما قرؤوا وکما سمعوا .

لقد استطاع کثیر من المظلومین فی التاریخ ، أن یرفعوا أیدیهم أو أصواتهم ویسجلوا ( آخهم ) من ظالمیهم. أما نحن الشیعة فلم نستطع إلی الآن أن

ص: 357

نسجل ( آخنا ) من التاریخ .

یکفیک أن تلقی نظرة علی مصادر التاریخ والعقائد وما کتبوه عن الفرق والملل والنحل ، وما یکتبه خصوم الشیعة وأهل البیت فی عصرنا . . لتراها تکرر ادعاء أن الشیعة أخذوا عقائدهم من الیهود والفرس والهندوس ، فهم المجسمون الذین یعبدون إلهاً مادیاً له طول وعرض وأعضاء ، ولذا فهم یعبدون صنماً ولا یعبدون الله تعالی !

أما السنة فهم المسلمون الأصیلون الذین أخذوا عقائدهم من منبع الإسلام الصافی ، من الکتاب والسنة ، عن طریق الصحابة الأبرار بدون أی تأثر بالیهود ولا بغیرهم ، فهم الموحدون المنزهون لله تعالی عما افتراه علیه الیهود والنصاری والمجوس والشیعة !

إن مشکلتنا نحن شیعة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن الکتب التی اتهمتنا قد کتبت بحبر حکام الجور وأقلام موظفیهم ! وأن الذین أنصفونا ومدحونا ، کتبوا ذلک وهم علی وجل من غضب السلاطین !

ولکن ذلک من مفاخرنا أیضاً !

محاولات الدولة والمشبهین إلصاق التشبیه بالنبی وآله

یدل النص التالی علی أن تهمة التشبیه والتجسیم للشیعة کانت موجودة فی القرن الثانی ، أی منذ أن راج التشبیه والتجسیم وطفح کیله فمجه الناس ، فاتهمت به السلطة معارضیها من أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) .

وفی نفس الوقت عمد المشبهون والمجسمون إلی نسبة مذهبهم إلی النبی

ص: 358

وأهل بیته صلی الله علیه وعلیهم ، لیثبتوا شرعیة فریتهم ! وهو اسلوب مزدوج فی ترویج التهمة فی الناس ، بسبتها إلی أهل البیت(علیهم السّلام) ، ثم رمی أهل البیت وشیعتهم بها !!

روی النیسابوری فی روضة الواعظین/33:

قال الحسن بن خالد: قلت للرضا(علیه السّلام): یابن رسول الله إن الناس ینسبونا إلی القول بالتشبیه والجبر لما روی فی الأخبار فی ذلک عن آبائک(علیهم السّلام) !

فقال: یابن خالد أخبرنی عن الأخبار التی رویت عن آبائی(علیهم السّلام) فی التشبیه أکثر ، أم الأخبار التی رویت عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی ذلک ؟

فقلت: بل ما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أکثر .

فقال: فلیقولوا إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یقول بالتشبیه إذن !!

فقلت له: إنهم یقولون إن رسول الله لم یقل من ذلک شیئاً ، وإنما روی علیه.

قال: قولوا فی آبائی(علیهم السّلام) إنهم لم یقولوا من ذلک شیئاً وإنما روی علیهم .

ثم قال(علیه السّلام): من قال بالتشبیه والجبر فهو

کافر مشرک ، ونحن منه براء فی الدنیا والآخرة. یابن خالد: إنما وضع الأخبار عنا فی التشبیه الغلاة الذین صغروا عظمة الله جل جلاله ، فمن أحبهم فقد أبغضنا.. إلی آخر الخبر .

وقال الشیخ الصدوق المتوفی سنة 381 فی مقدمة کتابه التوحید/17:

إن الذی دعانی إلی تألیف کتابی هذا أنی وجدت قوماً من المخالفین لنا ینسبون عصابتنا إلی القول بالتشبیه والجبر ، لما وجدوا فی کتبهم من الأخبار التی جهلوا تفسیرها ولم یعرفوا معانیها ووضعوها فی غیر موضعها ، ولم یقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن ، فقبحوا بذلک عند الجهال صورة مذهبنا،

ص: 359

ولبسوا علیهم طریقتنا ، وصدوا الناس عن دین الله ، وحملوهم علی جحود حجج الله ، فتقربت إلی الله تعالی ذکره بتصنیف هذا الکتاب فی التوحید ونفی التشبیه والجبر ، مستعیناً به ومتوکلاً علیه .

بغض أهل البیت وشیعتهم إرث غیر شرعی

إن التهم لأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشیعتهم موروثة إرثاً ( غیر شرعی ) وقد کانت بدایتها یوم فارق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الحیاة

وترکوا جنازته لأهل بیته ، وأعلنوا ولادة حکومة السقیفة ، فعارضها أهل البیت وجماعة من الأنصار والمهاجرین ، واعتصموا فی بیت فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)فکان الهجوم علی بیت فاطمة بالحطب والنار !

ولم یهدأ الهجوم علینا بالحطب والنار إلی یومنا هذا !

نحن لا ننتظر من تاریخنا الإسلامی الذی لم یتحمل کلمة معارضة من بنت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهاجم بیتها وبدأ بإحراقه بمن فیه ، أن یتحمل معارضتنا فی بحوث وکتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا ، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا ، أو تترک تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر ، دون أن ترمینا بها !

لکن یحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفین بعد قرون وقرون ، أن لا یرثوا بغض أهل بیت نبیهم وشیعتهم ، وأن یقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذین اضطهدوهم وأبغضوهم .

ص: 360

قال السید شرف الدین فی الفصول المهمة/180:

فهنا مقصدان: المقصد الأول ، فی الأمور التی ینفر منها الشیعی ولا یکاد یمتزج بسببها مع السنی ، وأهمها شیئان:

الأول ، ما سمعته فی الفصول السابقة من التکفیر والتحقیر والشتم والتزویر .

الثانی ، إعراض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البیت ، وعدم الإعتناء بأقوالهم فی أصول الدین وفروعه بالمرة ، وعدم الرجوع إلیهم فی تفسیر القرآن العزیز ( وهو شقیقهم ) إلا دون ما یرجعون فیه إلی مقاتل بن سلیمان المجسم المرجی الدجال ، وعدم الإحتجاج بحدیثهم إلا دون ما یحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدریة ! ولو أحصیت جمیع ما فی کتبهم من حدیث ذریة المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما کان إلا دون ما أخرجه البخاری وحده عن عکرمة البربری الخارجی المکذب. انتهی .

وإنی لاعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد ، الذین بحثوا فی توحید الله تعالی وصفاته ، ورووا حتی عن أقل الصحابة والتابعین ، برهم وفاجرهم ، وعن الیهود والنصاری ، معتدلهم ومتطرفهم.. کیف لم یطلعوا علی الخطب الغنیة لعلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وکلمات أهل البیت البلیغة فی حقائق التوحید ، التی تشهد بأنهم باب مدینة علم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد کانت هذه الخطب والأحادیث وما تزال فی متناولهم، مودعة فی المصادر المختلفة ، ومجموعة فی نهج البلاغة وأمثاله.. !

فلو أنهم اطلعوا علیها لفتحت لهم أبواباً جدیدة ، وحلت لهم مشکلات مستعصیة ولظهر شئ من آثارها وأنوارها فی مؤلفاتهم !

ص: 361

إن مقتضی قاعدة ( إحمل أخاک المسلم علی الأحسن ) أن نقول إنهم لم یقرؤوا شیئاً من أحادیث الشیعة ومؤلفاتهم وبحوثهم فی التوحید والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها ، فذلک یعنی وجود کارثة فی بحوث العقائد عندهم .

وتعجبی الأکبر من جرأة بعض إخواننا علی تبرئة مصادرهم من التشبیه والتجسیم ، وإتهام الشیعة ومذهبهم بذلک !

وتواصلت علینا الإفتراءات عبر العصور

قال السمعانی المتوفی 562 فی کتابه الأنساب:5/643:

والهشامیة جماعة من غلاة الشیعة ، وهم الهشامیة الأولی والأخری . أما الأولی فهم أصحاب هشام بن الحکم الرافضی المفرط فی التشبیه والتجسیم وکان یقول إن معبوده جسم ذو حد ونهایة وإنه طویل عریض عمیق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه ، وله مقالات فی هذا الفن حکیت عنه .

وأما الهشامیة الأخری فهم أصحاب هشام بن سالم الجوالیقی ، وکان یزعم أن معبوده جسم ، وأنه علی صورة الإنسان ولکنه لیس بلحم ولا دم ، بل هو نور ساطع یتلالا بیاضاً ، وله حواس خمس کحواس الإنسان وید ورجل وسائر الاعضاء ، وأن نصفه الاعلی مجوف ، إلا الفرج واللحیة. وزعم هشام بن الحکم أنه کسبیکة الفضة ، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار . وکل واحد منهما یکفر صاحبه ، ویکفرهما غیرهما. انتهی .

وقد وصل الأمر بالسمعانی وأمثاله أن ادعوا أن تجسیم الکرامیة جاءهم من

ص: 362

تأثرهم بالشیعة وغیرهم ، وإلا فشیخهم الکرام عالم متقشف زاهد وإن کان فی مذهبه شئ من التشبیه والتجسیم ! قال السمعانی فی الأنساب:5/43: الکرامی: بفتح الکاف وتشدید الراء المهملة. هذه النسبة إلی أبی عبد الله محمد بن کرام النیسابوری . . . من أهل نیسابور ، ثم أزعج عنها وانتقل إلی بیت المقدس وسکنها ومات بها. یروی عن مالک بن سلیمان الهروی. روی عنه محمد بن إسماعیل بن إسحاق وحکی عنه من الزهد والتقشف أشیاء ، وفی المذهب أشیاء من التشبیه والتجسیم ، وذکر فی کتاب له سماه (عذاب القبر ) فی وصف الرب عز وجل ، أنه أحدی الذات أحدی الجوهر ، فشارک النصاری فی وصفه إیاه بالجوهر ، وشارک الیهود والهشامیة والجوالقیة من مشبهة الروافض فی وصفه إیاه بأنه جسم. وناقض أصحابه فی امتناعهم عن وصفهم إیاه أنه جوهر ، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم ، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذکر فی هذا الکتاب أنه معبود فی مکان مخصوص ، وأنه مماس لعرشه من فوقه ، وهکذا حکی عنه. انتهی. ولکن من حکی عنه ، ومن أین أخذ ما نقله عنه . . هذا لیس مهماً عند من یرید الإتهام .

وقال المسعودی فی مروج الذهب: 4/103:

وکان أبو الهذیل محمد بن الهذیل اجتمع مع هشام بن الحکم الکوفی ، وکان هشام شیخ المجسمه والرافضة فی وقته ممن وافقه علی مذهبه ، وکان أبو الهذیل یذهب إلی نفی التجسیم ورفض التشبیه .

ص: 363

وقال الأمینی فی الغدیر:3/142:

الملل والنحل ، هذا الکتاب وإن لم یکن یضاهی (الفصل) فی بذاءة المنطق غیر أن فی غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأکاذیب جمة ، لا یجد القاری ملتحداً عن تفنیدها ، فإلیک نماذج منها:

1 - قال: قال هشام بن الحکم متکلم الشیعة: إن الله جسم ذو أبعاض فی سبعة أشبار بشبر نفسه ، فی مکان مخصوص وجهة مخصوصة .

2 - قال فی حق علی: إنه إله واجب الطاعة..

3 - وقال هشام بن سالم: إن الله علی صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع یتلألأ ، وله حواس خمس وید ورجل وأنف وأذن وعین وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود لکنه لیس بلحم ولا دم ، وإن هشام هذا أجاز المعصیة علی الأنبیاء مع قوله بعصمة الأئمة .

4 - وقال زرارة بن أعین: لم یکن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حیاً ولا بصیراً ولا مریداً ولا متکلماً .

5 - قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور علی صورة إنسان ، ویأبی أن یکون جسماً .

6 - وزعم یونس بن عبدالرحمن القمی أن الملائکة تحمل العرش والعرش تحمل الرب ، وهو من مشبهة الشیعة ، وصنف لهم فی ذلک کتباً .

وقال الأمینی فی الغدیر:3/89:

وذکر ابن تیمیة فی منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة ، وراقه أن یری المجتمع أنه أقدر فی تنسیق الأکاذیب من سلفه ، وأنه أبعد منه عن

ص: 364

أدب الصدق والأمانة فزاد علیها:

الیهود لا یخلصون السلام علی المؤمنین إنما یقولون السام علیکم ( السام:

الموت ) وکذلک الرافضة .

الیهود لا یرون المسح علی الخفین ، وکذلک الرافضة .

الیهود یستحلون أموال الناس کلهم ، وکذلک الرافضة .

الیهود تسجد علی قرونها فی الصلاة ، وکذلک الرافضة .

الیهود لا تسجد حتی تخفق برؤسها مراراً تشبیهاً بالرکوع، وکذلک الرافضة.

الیهود یرون غش الناس ، وکذلک الرافضة .

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف ، وحسبک فی تکذیب هذه التقولات المعزوة إلی الشیعة شعورک الحر ، وحیطتک بفقههم وکتبهم وعقائدهم وأعمالهم ، وما عرف منهم قدیماً وحدیثاً. فإلی الله المشتکی .

وقال الأمینی فی الغدیر:3 هامش/90 واصفاً کتاب الإنتصار لعبد الرحیم الخیاط:

إنک غیر مائن لو سمیته بمصدر الأکاذیب، ولو عزی إلیه علی عدد صفحاته 173 الصفحة لما کذب القائل ، ولو جست خلال صحایفه لأوقفک الفحص علی العجب العجاب ، من کذب شائن وتحکم بارد وتهکم ممض ونسب مفتعلة ، وإنا نرجئ إیقافک علیها إلی ظفرک بالکتاب نفسه ، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف کتابنا بنقل هاتیلک الاساطیر کلها، وإنما نذکر لک نماذج منها لتعرف مقدار توغله فی القذائف وتهالکه دون الطامات ، وتغلغل الحقد فی ضمیره الدافع له إلی تشویه سمعة أمة کبیرة

ص: 365

کریمة نزیهة عن کل ما تقوله علیها قال:

1 - الرافضة تعتقد أن ربها ذو هیئة وصورة یتحرک ویسکن ویزول وینتقل ، وأنه کان غیر عالم فعلم . . . إلی أن قال: هذا توحید الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم یسیراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحید ، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم ، فأما جملتهم ومشایخهم مثل هشام بن سالم، وشیطان الطاق، وعلی بن میثم ، وهشام بن الحکم بن منور ، والسکاک ، فقولهم ما حکیت عنهم .

2 - الرافضة تقول وهی معتقدة: إن ربها جسم ذو هیئة وصورة یتحرک ویسکن ویزول وینتقل وأنه کان غیر عالم ثم علم .

3 - فهل علی وجه الأرض رافضی إلا وهو یقول: إن الله صورة ویروی فی ذلک الروایات ، ویحتج فیه بالأحادیث عن أئمتهم ! إلا من صحب المعتزلة منهم قدیماً فقال بالتوحید فنفته الرافضة عنها ولم تقر به !!

وتضاعفت التهم فی عصرنا عصر العلم وحریة الفکر

قال الدکتور حسن إبراهیم فی تاریخ الإسلام:1/424:

الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحکم وهشام بن سالم وشیطان الطاق من معتقدی الرافضة .

وقال فی تاریخ الإسلام:2/158:

الشیعة انقسمت حسب اعتقادها إلی ثلاثة أقسام: غالیة ورافضة وزیدیة ، والشیعة الغالیة هم الذین غلوا فی علی وقالوا فیه قولاً عظیماً . . والشیعة

ص: 366

الرافضة هم الذین قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء !

فتاوی الالبانی/441:

إن الإسلام کفکر لا یمکن أن یصور أنه مصفی . . کیف وهناک فرق کثیرة جداً کالمعتزلة . . . والشیعة والرافضة ، کل هؤلاء یدعون الإسلام فلا بد أن یقوم العلماء بواجب تصفیة هذا الإسلام وتقدیمه للناس .

وقال الدکتور القفاری فی کتابه أصول مذهب الشیعة ، الذی منحته السعودیة درجة دکتوراه برتبة الشرف الأولی ، وأوصت بجعله مصدراً (أکادیمیاً ) فی جامعات المملکة ، علماً أن نسبة کبیرة من سکان المملکة من الشیعة ! قال القفاری فی ج1/87:

المذهب الشیعی مباءة للعقائد الأسیویة القدیمة. ویضیف البعض أن مذهب الشیعة کان مباءة ومستقراً للعقائد الأسیویة القدیمة کالبوذیة وغیرها. یقول الأستاذ أحمد أمین: وتحت التشیع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسیم الله والحلول ، ونحو ذلک من الاقوال التی کانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ویشیر بعض المستشرقین إلی تسرب الکثیر من العقائد غیر الإسلامیة إلی الشیعة ویقول: إن تلک العقائد انتقلت إلیها من المجوسیة والمانویة والبوذیة ، وغیرها من الدیانات التی کانت سائدة فی آسیا قبل ظهور الإسلام. انتهی .

وکأن هذا ( الباحث ) لا یعرف أن الفرس المجوس صاروا سنیین أولاً ، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم ، ونظَّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم ، وبعد قرون طویلة صار أبناؤهم شیعة ! فإن کانوا

ص: 367

متأثرین بعقائدهم المجوسیة والاسیویة فقد نقلوها معهم إلی التسنن الذی الذی صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طویلة ، وما زالوا ، فالعلامة المجلسی الشیعی مثلاً صاحب موسوعة ( بحار الأنوار ) المتوفی سنة 1111 هجریة هو من أولاد الحافظ أبی نعیم الأصفهانی السنی المتوفی سنة 435 هجریة ! وهکذا العشرات بل المئات غیره من الفرس الذین صاروا أئمة المذاهب السنیة أولاً ، ثم صار أبناؤهم شیعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتی أنک تجد الکثیر من أبنائهم الیوم ما زالوا یحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة !

فمن أولی بتهتة التأثر بالعقائد المجوسیة والأسیویة ، الاجداد السنیون أم الأبناء الشیعیون !

علی أن الباحث علمیاً لا یمکنه أن یرسل أحکامه هکذا جزافاً ، ولابد له أن یفحص الأفکار والعقائد واحدة واحدة ، ویری من أین جاءت ومن تبناها ، ومن وقف ضدها . . الخ .

وقد رأیت أن أفکار الرؤیة والتشبیه والتجسیم وأحادیثها ولدت فی بیوت الدولة ، ودرجت فی قصورها ومساجدها، وتربت علی ید کبار شخصیاتها، وأن أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم وقفوا ضدها ، وأفتوا بأنها دخیلة ، وأن آباءها یهوداً !!

ص: 368

الفصل الثامن : تفسیر مقارن للآیات المتعلقة بالموضوع

اشارة

ص: 369

ص: 370

الآیات المحکمة النافیة لإمکان الرؤیة

ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ کُلِّ شَئْ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَئْ وَکِیلٌ لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ. الأنعام : 102 - 103 .

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ. الشوری : 11 .

یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا. طه : 110 .

الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَکُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ . البقرة : 22 .

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَخَرَّ مُوسَی صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ. الأعراف : 143.

وَإِذْ قُلْتُمْ یَامُوسَی لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصّاعِقَةُ

ص: 371

وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة : 55 .

یَسْأَلُکَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَیْهِمْ کِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَی أَکْبَرَ مِنْ ذَلِکَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِکَ وَ آتَیْنَا مُوسَی سُلْطَانًا مُبِینًا. النساء : 153 .

وَقَالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِکَةُ أَوْ نَرَی رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَکْبَرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا کَبِیرًا یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَةَ لا بُشْرَی یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ وَیَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا. الفرقان : 21 - 22 .

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . أَللهُ الصَّمَدُ . لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ . وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ . الإخلاص : 1 - 4 .

الآیات المتشابهة التی استدلوا بها علی الرؤیة

کَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ. وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. القیامة : 20 - 25 .

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی . مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَی . وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی . إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَی . عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی . ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَی . وَهُوَ بِالْأُفُقِ الأَعْلَی . ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی . فَأَوْحَی إلی عَبْدِهِ مَا أَوْحَی . مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَی مَا یَرَی . وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَی . إِذْ یَغْشَی

السِّدْرَةَ مَا یَغْشَی . مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَی . لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی . النجم : 1 -

ص: 372

18 .

أَمْ لَکُمْ أَیْمَانٌ عَلَیْنَا بَالِغَةٌ إلی یَوْمِ الْقِیَامَةِ إِنَّ لَکُمْ لَمَا تَحْکُمُونَ . سَلْهُمْ أَیُّهُمْ بِذَلِکَ زَعِیمٌ . أَمْ لَهُمْ شُرَکَاءُ فَلْیَأْتُوا بِشُرَکَائِهِمْ إِنْ کَانُوا صَادِقِینَ . یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَ یُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ فَلا یَسْتَطِیعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ کَانُوا یُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ وَ هُمْ سَالِمُونَ . القلم : 39 - 43 .

آیات: استوی علی العرش

إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَکَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ. الأعراف : 54 .

إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ. یونس : 3 .

اللهُ الَّذِی رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لأَجَلٍ مُسَمًّی یُدَبِّرُ الأَمْرَ یُفَصِّلُ الأیَاتِ لَعَلَّکُمْ بِلِقَاءِ رَبِّکُمْ تُوقِنُونَ الرعد : 2 .

طَهَ . مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَی . إِلا تَذْکِرَةً لِمَنْ یَخْشَی . تَنْزِیلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَی . الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی . لَهُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَی . طه : 1 - 6 .

الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی

ص: 373

الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِیرًا . الفرقان : 59 .

اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا شَفِیعٍ أَفَلا تَتَذَکَّرُونَ . السجدة : 4 .

هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی الأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا یَعْرُجُ فِیهَا وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ مَا کُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ . لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَی اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحدید : 4 - 5 .

وقد أوردنا عدداً من الأحادیث الشریفة ومن کلمات العلماء فی تفسیر هذه الآیات ، ونورد هنا ما بقی من تفسیرها ، وفیها أحادیث وآراء مشترکة بین أکثر من آیة، لأنها وردت فی موضوع الرؤیة ککل .

ص: 374

تفسیر آیة: لا تدرکه الابصار

ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ کُلِّ شَئْ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلَی کُلِّ شَئْ وَکِیلٌ . لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ . الأنعام : 102 - 103 .

النبی وآله یقولون: لا تدرکه الابصار ولا.. الاوهام

روی الصدوق فی التوحید الهامش 1/397:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل (رض) قال حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی، قال حدثنی محمد بن أبی بشیر ، قال حدثنی الحسین بن أبی الهیثم ، قال حدثنا سلیمان بن داود ، عن حفص بن غیاث ، قال حدثنی خیر الجعافر جعفر بن محمد ، قال حدثنی باقر علوم الأولین والآخرین محمد بن علی ، قال حدثنی سید العابدین علی بن الحسین ، قال حدثنی سید الشهداء الحسین بن علی، قال حدثنی سید الأوصیاء علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) قال: کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات یوم جالساً فی مسجده إذ دخل علیه رجل من الیهود فقال: یا محمد إلی ما تدعو ؟

قال: إلی شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنی رسول الله .

قال: یا محمد أخبرنی عن هذا الرب الذی تدعو إلی وحدانیته وتزعم أنک رسوله ، کیف هو ؟

قال: یا یهودی إن ربی لا یوصف بالکیف ، لأن الکیف مخلوق وهو

ص: 375

مکیفه .

قال: فأین هو ؟

قال: إن ربی لا یوصف بالاین ، لأن الاین مخلوق وهو أینه .

قال: فهل رأیته یا محمد ؟

قال: إنه لا یری بالأبصار ولا یدرک بالأوهام .

قال: فبأی شئ نعلم أنه موجود ؟

قال: بآیاته وأعلامه .

قال: فهل یحمل العرش أم العرش یحمله ؟

فقال: یا یهودی إن ربی لیس بحال ولا محل .

قال: فکیف خروج الأمر منه ؟

قال: بإحداث الخطاب فی المحال .

قال: یا محمد ألیس الخلق کله له ؟

قال: بلی .

قال: فبأی شئ اصطفی منهم قوماً لرسالته ؟

قال: بسبقهم إلی الإقرار بربوبیته .

قال: فلم زعمت أنک أفضلهم ؟

قال: لانی أسبقهم إلی الإقرار بربی عز وجل ؟

قال: فأخبرنی عن ربک هل یفعل الظلم ؟

قال: لا .

قال: ولم ؟

ص: 376

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه .

قال: فهل أنزل علیک فی ذلک قرآناً یتلی ؟

قال: نعم إنه یقول عز وجل: وَمَا رَبُّکَ بِظَلامٍ لِلْعَبِیدِ ، ویقول: إِنَّ اللهَ لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئًا وَلَکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ ، ویقول: وَمَا اللهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِینَ ، ویقول: وَمَا اللهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ .

قال الیهودی: یا محمد فإن زعمت أن ربک لا یظلم فکیف أغرق قوم نوح (علیه السّلام)وفیهم الأطفال ؟

فقال: یا یهودی إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعین عاماً فأغرقهم حین أغرقهم ولا طفل فیهم ، وما کان الله لیهلک الذریة بذنوب آبائهم ، تعالی عن الظلم والجور علواً کبیراً .

قال الیهودی: فإن کان ربک لا یظلم فکیف یخلد فی النار أبد الآبدین من لم یعصه إلا أیاماً معدودة ؟

قال: یخلده علی نیته ، فمن علم الله نیته أنه لو بقی فی الدنیا إلی انقضائها کان یعصی الله عز وجل خلده فی ناره علی نیته ، ونیته فی ذلک شر من عمله ، وکذلک یخلد من یخلد فی الجنة بأنه ینوی أنه لو بقی فی الدنیا أیامها لاطاع الله أبداً ، ونیته خیر من عمله ، فبالنیات یخلد أهل الجنة فی الجنة وأهل النار فی النار ، والله عز وجل یقول: قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَی سَبِیلا

قال الیهودی: یا محمد إنی أجد فی التوراة أنه لم یکن لله عز وجل نبی إلا کان له وصی من أمته فمن وصیک ؟

ص: 377

قال: یا یهودی وصیی علی بن أبی طالب ، واسمه فی التوراة إلیا وفی الإنجیل حیدار ، وهو أفضل أمتی وأعلمهم بربی ، وهو منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی ، وإنه لسید الأوصیاء کما أنی سید الأنبیاء .

فقال الیهودی: أشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله وأن علی بن أبی طالب وصیک حقاً ، والله إنی لاجد فی التوراة کل ما ذکرت فی جواب مسائلی ، وإنی لأجد فیها صفتک وصفة وصیک ، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة ، وإنه أبو سبطیک وولدیک شبراً وشبیراً سیدی شباب أهل الجنة .

وروی الکلینی فی الکافی:1/98:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن ابن أبی نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، قال: إحاطة الوهم ، ألا تری إلی قوله: قَدْ جَاءَکُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ ، لیس یعنی بصر العیون. فمن أبصر فلنفسه ، لیس یعنی من البصر بعینه. ومن عمی فعلیها ، لیس یعنی عمی العیون إنما عنی إحاطة الوهم، کما یقال فلان بصیر بالشعر، وفلان بصیر بالفقه ، وفلان بصیر بالدراهم ، وفلان بصیر بالثیاب. الله أعظم من أن یری بالعین . . . .

محمد بن أبی عبدالله ، عمن ذکره ، عن محمد بن عیسی ، عن داود بن القاسم أبی هاشم الجعفری قال: قلت لابی جعفر(علیه السّلام): لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ فقال: یا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العیون ، أنت قد تدرک بوهمک السند والهند والبلدان التی لم تدخلها ، ولا تدرکها ببصرک وأوهام القلوب لا تدرکه فکیف أبصار العیون !

ص: 378

ید: ابن الولید، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبی هاشم الجعفری، عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)قال: سألته عن الله عز وجل هل یوصف ؟ فقال: أما تقرأ القرآن قلت بلی ، قال أما تقرأ قوله عز وجل: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ قلت بلی ، قال: فتعرفون الابصار قلت: بلی ، قال: وما هی قلت: أبصار العیون فقال: إن أوهام القلوب أکثر من أبصار العیون فهو لا تدرکه الأوهام ، وهو یدرک الأوهام .

وروی النیسابوری فی روضة الواعظین/33:

عن الإمام الرضا(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ قال: لا تدرکه أوهام القلوب ، فکیف تدرکه أبصار العیون .

وسئل الصادق(علیه السّلام)هل یری الله فی المعاد ؟ فقال: سبحان الله تبارک وتعالی عن ذلک علواً کبیرا ، إن الأبصار لا تدرک إلا ماله لون وکیفیة ، والله خالق الألوان والکیفیة .

وقال محمد بن أبی عمیر: دخلت علی سیدی موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) فقلت له: یابن رسول الله علمنی التوحید فقال: یا أبا أحمد لا تتجاوز فی التوحید ما ذکره الله تبارک وتعالی فی کتابه فتهلک ، واعلم أن الله تعالی واحد أحد صمد لم یلد فیورث ولم یولد فیشارک ، ولم یتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شریکاً ، وأنه الحی الذی لا یموت، والقادر الذی لا یعجز ، والقاهر الذی لا یغلب ، والحلیم الذی لا یعجل ، والدائم الذی لا یبید ، والباقی الذی لا یفنی، والثابت الذی لا یزول ، والغنی الذی لا یفتقر ، والعزیز الذی لا یذل،

ص: 379

والعالم الذی لا یجهل ، والعدل الذی لا یجور ، والجواد الذی لا یبخل. وأنه لا تقدره العقول ، ولا تقع علیه الأوهام ، ولا تحیط به الأقطار ، ولا یحویه مکان ، ولا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر ، ولیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر ، ما یکون من نجوی ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلا هو معهم أینما کانوا ، وهو الأول الذی لا شئ قبله ، والآخر الذی لا شئ بعده ، وهو القدیم وما سواه محدث ، تعالی عن صفات المخلوقین علواً کبیرا .

وسئل الصادق(علیه السّلام)هل لله تعالی رضی وسخط ؟ فقال: نعم ، ولیس ذلک علی ما یوجد من المخلوقین ، ولکن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه .

وقال أیضاً(علیه السّلام): إن الله تعالی لا یوصف بزمان ولا مکان ولا حرکة ولا انتقال ولا سکون ، بل هو خالق الزمان والمکان ، والحرکة والسکون والانتقال ، تعالی عما یقول الظالمون علواً کبیرا .

وروی المجلسی فی بحار الأنوار:4/46:

نص: الحسین بن علی ، عن هارون بن موسی ، عن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام قال: کنت عند الصادق جعفر بن محمد(علیه السّلام)إذ دخل علیه معاویة بن وهب و عبدالملک بن أعین ، فقال له معاویة بن وهب: یابن رسول الله ما تقول فی الخبر الذی روی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه ، علی أی صورة رآه، وعن الحدیث الذی رووه أن المؤمنین یرون ربهم فی الجنة، علی أی صورة یرونه ؟ فتبسم(علیه السّلام) ثم قال: یا معاویة ما أقبح بالرجل یأتی علیه سبعون سنة أو ثمانون سنة

ص: 380

یعیش فی ملک الله ویأکل من نعمه ، ثم لا یعرف الله حق معرفته .

ثم قال(علیه السّلام): یا معاویة إن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یر الرب تبارک وتعالی بمشاهدة العیان ، وإن الرؤیة علی وجهین: رؤیة القلب ، ورؤیة البصر ، فمن عنی برؤیة القلب فهو مصیب ومن عنی برؤیة البصر فقد کفر بالله وبآیاته ، لقول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من شبه الله بخلقه فقد کفر. ولقد حدثنی أبی ، عن أبیه ، عن الحسین بن علی قال: سئل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فقیل: یا أخا رسول الله هل رأیت ربک فقال: وکیف أعبد من لم أره لم تره العیون بمشاهدة العیان ، ولکن رأته القلوب بحقائق الإیمان.

فإذا کان المؤمن یری ربه بمشاهدة البصر فإن کل من جاز علیه البصر والرؤیة فهو مخلوق ، ولابد للمخلوق من الخالق ، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً ، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شریکاً ، ویلهم أولم یسمعوا یقول الله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ.

وقوله: لَنْ تَرَانِی ولکن انظر إلی الجبل فإن استقر مکانه فسوف ترانی فلما تجلی ربه للجبل جعله دکاً ، وإنما طلع من نوره علی الجبل کضوء یخرج من سم الخیاط فدکدکت الأرض وصعقت الجبال فخر موسی صعقاً ، أی میتاً ، فلما أفاق ورد علیه روحه ، قال سبحانک تبت إلیک من قول من زعم أنک تری ، ورجعت إلی معرفتی بک أن الأبصار لا تدرکک ، وأنا أول المؤمنین ، وأول المقرین بأنک تری ولا تری ، وأنت بالمنظر الاعلی .

ثم قال(علیه السّلام): إن أفضل الفرائض وأوجبها علی الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودیة ، وحد المعرفة أن یعرف أنه لا إله غیره ، ولا شبیه له ولا نظیر ،

ص: 381

وأن یعرف أنه قدیم مثبت موجود غیر فقید ، موصوف من غیر شبیه ولا مبطل ، لیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة .

وأدنی معرفة الرسول الإقرار بنبوته ، وأن ما أتی به من کتاب أو أمر أو نهی فذلک من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذی به تأتم بنعته وصفته واسمه فی حال العسر والیسر . . . .

ثم قال: یا معاویة جعلت لک أصلاً فی هذا فاعمل علیه ، فلو کنت تموت علی ما کنت علیه لکان حالک أسوأ الاحوال ، فلا یغرنک قول من زعم أن الله تعالی یری بالبصر .

قال: وقد قالوا أعجب من هذا ، أو لم ینسبوا آدم(علیه السّلام)إلی المکروه !

أو لم ینسبوا إبراهیم(علیه السّلام)إلی ما نسبوه !

أو لم ینسبوا داود(علیه السّلام)إلی ما نسبوه من حدیث الطیر !

أو لم ینسبوا یوسف الصدیق إلی ما نسبوه من حدیث زلیخا !

أو لم ینسبوا موسی(علیه السّلام)إلی ما نسبوه من القتل !

أو لم ینسبوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی ما نسبوه من حدیث زید !

أو لم ینسبوا علی بن أبی طالب(علیه السّلام)إلی ما نسبوه من حدیث القطیفة !

إنهم أرادوا بذلک توبیخ الإسلام لیرجعوا علی أعقابهم ، أعمی الله أبصارهم کما أعمی قلوبهم ، تعالی الله عن ذلک علواً کبیرا .

وروی نحوه فی بحار الأنوار:4/33 وص 39 وفیه ( إن أوهام القلوب أکثر من أبصار العیون فهی لا تدرکه ، وهو یدرک الأوهام ) .

ص: 382

وروی نحوه فی بحار الأنوار:4/29 وفیه ( لا تدرکه أوهام القلوب فکیف تدرکه أبصار العیون ! وقال المجلسی (رحمه الله):

بیان: هذه الآیة إحدی الدلالات التی استدل بها النافون للرؤیة وقرروها بوجهین:

أحدهما: أن إدراک البصر عبارة شائعة فی الإدراک بالبصر إسناداً للفعل إلی الآلة، والإدراک بالبصر هو الرؤیة بمعنی اتحاد المفهومین أو تلازمهما ، والجمع المعرف باللام عند عدم قرینة العهدیة والبعضیة للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربیة والأصول وأئمة التفسیر ، وبشهادة استعمال الفصحاء ، وصحة الإستثناء ، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا یراه أحد فی المستقبل ، فلو رآه المؤمنون فی الجنة لزم کذبه تعالی وهو محال .

واعترض علیه: بأن اللام فی الجمع لو کان للعموم والاستغراق کما ذکرتم کان قوله تدرکه الأبصار موجبة کلیة ، وقد دخل علیها النفی ، فرفعها وهو رفع الإیجاب الکلی، ورفع الإیجاب الکلی سلب جزئی . ولو لم یکن للعموم کان قوله لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ سالبة مهملة فی قوة الجزئیة، فکان المعنی لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، ونحن نقول بموجبة حیث لا یراه الکافرون ، ولو سلم فلا نسلم عمومه فی الأحوال والأوقات فیحمل علی نفی الرؤیة فی الدنیا جمعاً بین الأدلة .

والجواب: أنه قد تقرر فی موضعه أن الجمع المحلی باللام عام نفیاً وإثباتاً فی المنفی والمثبت کقوله تعالی: وَمَا اللهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ، مَا عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ، حتی أنه لم یرد فی سیاق النفی فی شئ من الکتاب

ص: 383

الکریم إلا بمعنی عموم النفی ، ولم یرد لنفی العموم أصلاً ، نعم قد اختلف فی النفی الداخل علی لفظة کل لکنه فی القرآن المجید أیضاً بالمعنی الذی ذکرنا کقوله تعالی : وَاللهُ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، إلی غیر ذلک ، وقد اعترف بما ذکرنا فی شرح المقاصد وبالغ فیه .

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا یخفی فساده ، فإن النفی المطلق الغیر المقید لا وجه لتخصیصه ببعض الأوقات إذ لا ترجیح لبعضها علی بعض ، وهو أحد الأدلة علی العموم عند علماء الأصول .

وأیضاً صحة الإستثناء دلیل علیه، وهل یمنع أحد صحة قولنا: ما کلمت زیداً إلا یوم الجمعة ، ولا أکلمه إلا یوم العید ، وقال تعالی: وَلاتَعْضُلُوهُنَّ ، إلی قوله: إِلا أَنْ یَأتِینَ . وقال: لا

تُخْرِجُوهُنَّ ، إلی قوله إِلا أَنْ یَاتِینَ .

وأیضاً کل نفی ورد فی القرآن بالنسبة إلی ذاته تعالی فهو للتأبید وعموم الأوقات لا سیما فیما قبل هذه الآیة .

وأیضاً عدم إدراک الأبصار جمیعاً لشئ لا یختص بشئ من الموجودات ، خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات ، فلا یختص به تعالی ، فتعین أن یکون التمدح بعدم إدراک شئ من الأبصار له فی شئ من الأوقات .

وثانیهما: أنه تعالی تمدح بکونه لا یری فإنه ذکره فی أثناء المدائح ، وما کان من الصفات عدمه مدحاً کان وجوده نقصاً یجب تنزیه الله تعالی عنه ، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال کالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل ، والثانی عدل ، وکلاهما کمال .

الإقتصاد للشیخ الطوسی/39:

ص: 384

ولا یجوز علیه تعالی الرؤیة بالبصر ، لأن من شرط صحة الرؤیة أن یکون المرئی نفسه أو محله مقابلاً للرائی بحاسة ، أو فی حکم المقابل ، والمقابلة یستحیل علیه لأنه لیس بجسم ، ومقابلة محله أیضاً یستحیل علیه لأنه لیس بعرض علی ما بیناه .

ولأنه لو کان مرئیاً لرأیناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده ، لأن المرئی إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه ، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب

مفرط أو لحائل بیننا وبینه أو للطافة أو صغر ، وکل ذلک لا یجوز علیه تعالی لأنه من صفات الأجسام والجواهر .

وبمثل ذلک بعینه یعلم أنه لا یدرک بشئ من الحواس الباقیة ، فلا وجه للتطویل بذکره ، والحاسة السادسة غیر معقولة ، ولو کانت معقولة لکان حکمها حکم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها فی هذا الحکم .

وأیضاً قوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، دلیل علی استحالة رؤیته ، لأنه تمدح بنفی الإدراک عن نفسه ، وکل تمدح تعلق بنفی فإثباته لا یکون إلا نقصاً ، کقوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، وقوله تعالی: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ، وقوله تعالی: وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ، وقوله تعالی: لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئًا ، وغیر ذلک مما تعلق المدح بالنفی ، فکان إثباته نقصاً. والآیة فیها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا فی جهة المدح ، والادراک فی الآیة بمعنی الرؤیة ، لأنه نفی عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو یدرک الابصار .

وقوله: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، لا یعارض هذه الآیة ، لأن النظر المذکور فی الآیة معناه الإنتظار ، فکأنه قال: لثواب ربها منتظرة .

ص: 385

ومثله قوله: وإنی مرسلة إلیهم بهدیة فناظرة ، أی منتظرة. ولیس النظر بمعنی الرؤیة فی شئ من کلام العرب ،

ألا تری أنهم یقولون: نظرت إلی الهلال فلم أره ، فیثبتون النظر وینفون الرؤیة ، ولو کان معناه الرؤیة لکان ذلک مناقضة ، ویقولون: ما زالت أنظر إلیه حتی رأیته ، ولا یقولون: ما زلت أراه حتی رأیته. ولو سلم أن النظر بمعنی الرؤیة لجاز أن یکون معناه: إلی ثواب ربها رائیة ، وثواب الله یصح رؤیته .

ویحتمل أن تکون إلی فی الآیة واحد الالاء ، لأنه یقال إلی وإلی وألی ، وإنما لم تنون لمکان الاضافة ، فتکون إلی فی الآیة إسماً لا حرفاً ، فتسقط بذلک شبهة المخالف .

وقول موسی(علیه السّلام): رب أرنی أنظر الیک ، یحتمل أن یکون سأل الرؤیة لقومه علی ما حکاه الله عز وجل فی قوله: فقد سألوا موسی أکبر من ذلک فقالوا أرنا الله جهرة ، فسأل الله تعالی ذلک لیرد الجواب من جهته فیکون أبلغ .

ویحتمل أن یکون سأل العلم الضروری الذی تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آیة من آیات الساعة التی یحصل عندها العلم الذی لا شک فیه ، وللأنبیاء أن یسألوا تخفیف البلوی فی التکلیف ، کما سأل ابراهیم(علیه السّلام) فقال: رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَی قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی وکل ذلک لا ینافی الآیة التی ذکرناها. انتهی. ویؤید الوجه الأخیر الذی ذکره الشیخ

الطوسی(رحمه الله)ترکیب الآیة: أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، ولم یقل أنظرک ، فهو یرید أن یریه شیئاً یجعله کأنه یشاهد الله تعالی .

ص: 386

تفسیر التبیان:4/223:

قوله تعالی: لاتُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیر الأنعام : 103 .

فی هذه الآیة دلالة واضحة علی أنه تعالی لا یری بالابصار ، لأنه تمدح بنفی الإدراک عن نفسه ، وکلما کان نفیه مدحاً غیر متفضل به فإثباته لا یکون إلا نقصاً ، والنقص لا یلیق به تعالی. فإذا ثبت أنه لا یجوز إدراکه ولا رؤیته .

وهذه الجملة تحتاج إلی بیان أشیاء: أحدها ، أنه تعالی تمدح بالآیة. والثانی أن الادراک هو الرؤیة. والثالث أن کلما کان نفیه مدحاً لا یکون إثباته إلا نقصاً.

والذی یدل علی تمدحه شیئان:

أحدهما ، إجماع الأمة فإنه لا خلاف بینهم فی أنه تعالی تمدح بهذه الآیة ، فقولنا تمدح بنفی الادراک عن نفسه لإستحالته علیه ، وقال المخالف تمدح لأنه قادر علی منع الأبصار من رؤیته. فالإجماع حاصل علی أن فیها مدحة .

والثانی ، أن جمیع الأوصاف التی وصف بها نفسه قبل هذه الآیة وبعدها مدحة ، فلا یجوز أن یتخلل ذلک ما لیس بمدحة. والذی یدل علی أن الإدراک یفید الرؤیة

أن أهل اللغة لا یفرقون بین قولهم: أدرکت ببصری شخصاً ، وآنست ، وأحسست ببصری. وأنه یراد بذلک أجمع الرؤیة. فلو جاز الخلاف فی الادراک لجاز الخلاف فیما عداه من الاقسام .

فأما الإدراک فی اللغة ، فقد یکون بمعنی اللحوق کقولهم: أدرک قتادة

ص: 387

الحسن. ویکون بمعنی النضج ، کقولهم أدرکت الثمرة ، وأدرکت القدر ، وإدرک الغلام إذا بلغ حال الرجال .

وأیضاً فإن الإدراک إذا أضیف إلی واحد من الحواس أفاد ما تلک الحاسة آلة فیه. ألا تری أنهم یقولون: أدرکته بأذنی یریدون سمعته ، وأدرکته بأنفی یریدون شممته ، وأدرکته بفمی یریدون ذقته. وکذلک إذا قالوا: أدرکته ببصری یریدون رأیته. وأما قولهم أدرکت حرارة المیل ببصری فغیر معروف ولا مسموع ، ومع هذا لیس بمطلق بل هو مقید ، لأن قولهم حرارة المیل تقیید لأن الحرارة تدرک بکل محل فیه حیاة ، ولو قال أدرکت المیل ببصری لما استفید به إلا الرؤیة .

وقولهم إن الإدراک هو الاحاطة باطل ، لأنه لو کان کذلک لقالوا: أدرک الجراب بالدقیق وأدرک الحب بالماء وأدرک السور بالمدینة لإحاطة جمیع ذلک بما فیه ، والأمر بخلاف ذلک. وقوله: حتی إذا أدرکه الغرق ، فلیس المراد به الإحاطة بل المعنی حتی إذا لحقه الغرق ، کما یقولون أدرکت فلاناً إذا لحقته ، ومثله: فلما تراءی الجمعان قال أصحاب موسی إنا لمدرکون ، أی لملحوقون .

والذی یدل علی أن المدح إذا کان متعلقاً بنفی فإثباته لا یکون إلا نقصاً ، قوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ ، وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مَا کَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ، لما کان مدحاً متعلقاً بنفی فلو ثبت فی حال لکان نقصاً .

فإن قیل: کیف یتمدح بنفی الرؤیة ومع هذا یشارکه فیها ما لیس بممدوح من المعدومات والضمائر.

ص: 388

قلنا: إنما کان ذلک مدحاً بشرط کونه مدرکاً للأصار ، وبذلک تمیز من جمیع الموجودات ، لأنه لیس فی الموجودات ما یدرک ولا یدرک .

فإن قیل: ولم إذا کان یدرک ولا یدرک یجب أن یکون ممدوحاً .

قلنا: قد ثبت أن الآیة مدحة بما دللنا علیه ، ولابد فیها من وجه مدحة فلا یخلو من أحد وجهین: إما أن یکون وجه المدحة أنه یستحیل رؤیته مع کونه رائیاً ، أو ما قالوه من أنه یقدر علی منع الابصار من رؤیته بأن لا یفعل فیها الإدراک ، وما قالوه باطل لقیام الدلالة علی أن الإدراک لیس بمعنی الإحاطة ، فإذا بطل ذلک لم یبق إلا ما قلناه ، وإلا خرجت الآیة من کونها مدحة. وقد قیل: إن وجه المدحة فی ذلک أن من حق المرئی أن یکون مقابلاً أو فی

حکم المقابل ، وذلک یدل علی مدحته ، وهذا دلیل من أصل المسألة لا یمکن أن یکون جواباً فی الآیة .

فإن قیل: إنه تعالی نفی أن تکون الابصار تدرکه فمن أین أن المبصرین لا یدرکونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرک شیئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غیره ، وأیضاً فإن العادة أن یضاف الإدراک إلی الأبصار ویراد به ذووا الأبصار ، کما یقولون: بطشت یدی وسمعت أذنی وتکلم لسانی ، ویراد به أجمع ذووا الجارحة .

فإن قیل: إنه تعالی نفی أن جمیع المبصرین لا یدرکونه ، فمن أین أن البعض لا یدرکونه وهم المؤمنون ؟

قلنا: إذا کان تمدحه فی استحالة الرؤیة علیه لما قدمناه ، فلا اختصاص لذلک براء دون رائی ، ولک أن تستدل بأن تقول: هو تعالی نفی الإدراک عن

ص: 389

نفسه نفیاً عاماً کما أنه أثبت لنفسه ذلک عاماً ، فلو جاز أن یخص ذلک بوقت دون وقت لجاز مثله فی کونه مدرکاً. وإذا ثبت نفی إدراکه علی کل حال ، فکل من قال بذلک قال الرؤیة مستحیلة علیه. ومن أجاز الرؤیة لم ینفها نفیاً عاماً فالقول بنفیها عموماً ، مع جواز الرؤیة علیه قول خارج عن الإجماع .

فإن عورضت هذه الآیة بقوله: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، فإنا نبین أنه لا تعارض بینهما وأنه لیس فی هذه الآیة مایدل علی جواز الرؤیة إذا انتهینا إلیها إنشاء الله.

تفسیر التبیان:1/228:

وقال قوم: إن النظر إذا کان معه إلی لا یحتمل إلا الرؤیة. وحملوا قوله: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ علی ذلک وقالوا لا یحتمل التأمل. وذلک غلط لانهم یقولون: إنما أنظر إلی الله ثم إلیک بمعنی أتوقع فضل الله ثم فضلک. وقال الطریح بن إسماعیل:

وإذا نظرت إلیک من ملک

والبحر دونک جرتنی نعماء

وقال جمیل بن معمر:

إنی إلیک لما وعدت لناظر

نظر الفقیر إلی الغنی الموسر

وقال آخر:

وجوه یوم بدر ناظرات

إلی الرحمان تأتی بالفلاح

وأتوا ب( إلی ) علی معنی نظر الإنتظار .

والصحیح أن النظر لا یفید الرؤیة وإنما حقیقته تحدیق الجارحة الصحیحة

ص: 390

نحو المرئی طلباً لرؤیته ، ولو أفاد الرؤیة لما جعل غایة لنفسه ، ألا تراهم یقولون: مازلت أنظر إلیه ( حتی رأیته ) ولا یقولون ما زلت أراه حتی رأیته، ولانهم یثبتون النظر وینفون الرؤیة فیقولون: نظرت إلیه فلم أره ، ولا یقولون رأیته فلم أره .

تفسیر التبیان:10/197:

ثم قسم تعالی أهل الآخرة فقال ( وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) أی مشرقة مضیئة ، فالنضرة الصورة الحسنة التی تملأ القلب سروراً عند الرؤیة ، نضر وجهه ینضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة ، وضده العبوس والبسور ، فوجوه المؤمنین المستحقین للثواب بهذه الصفة بما جعل الله علیها من النور علامة للخلق ، والملائکة علی أنهم مؤمنون مستحقون الثواب .

وقوله: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن یصل إلیهم .

وقیل ( نَاضِرَةٌ ) أی مشرفة ( إلی ) ثواب ربها ( نَاظِرَةٌ ) ولیس فی ذلک تنغیص ، لأن الإنتظار إنما یکون فیه تنغیص إذا کان لا یوثق بوصوله إلی المنتظر أو هو محتاج إلیه فی الحال ، والمؤمنون بخلاف ذلک ، لأنهم فی الحال مستغنون منعمون، وهم أیضاً واثقون أنهم یصلون إلی الثواب المنتظر.

والنظر هو تقلیب الحدقة الصحیة نحو المرئی طلباً للرؤیة ، ویکون النظر بمعنی الإنتظار ، کما قال تعالی ( وَإِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ فَنَاظِرَةٌ ، أی

ص: 391

منتظرة ، وقال الشاعر:

وجوه یوم بدر ناظرات

إلی الرحمن تأتی بالفلاح

أی منتظرة للرحمة التی تنزل علیهم .

وقد یقول القائل: إنما عینی ممدودة إلی الله وإلی فلان ، وأنظر إلیه أی أنتظر خیره ونفعه وأؤمل ذلک من جهته ، وقوله: وَلا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ، معناه لا ینیلهم رحمته .

ویکون النظر بمعنی المقابلة ، ومنه المناظرة فی الجدل ، ومنه نظر الرحمة أی قابله بالرحمة ، ویقال: دور بنی فلان تتناظر أی تتقابل ، وهو ینظر إلی فلان أی یؤمله وینتظر خیره ، ولیس النظر بمعنی الرؤیة أصلاً ، بدلالة أنهم یقولون: نظرت إلی الهلال فلم أره ، فلو کان بمعنی الرؤیة لکان متناقضاً ، ولأنهم یجعلون الرؤیة غایة للنظر یقولون: ما زلت أنظر إلیه حتی رأیته ، ولا یجعل الشئ غایة لنفسه لا یقال: بما زلت أراه حتی رأیته ، ویعلم الناظر ناظراً ضرورة ، ولا یعلم کونه رائیاً بل یسأل بعد ذلک هل رأیت أم لا .

ودخول ( إلی ) فی الآیة لا یدل علی أن المراد بالنظر الرؤیة ، ولا تعلیقه بالوجوه یدل علی ذلک ، لانا أنشدنا البیت وفیه تعلیق النظر بالوجه وتعدیه بحرف ( إلی ) والمراد به الإنتظار ، وقال جمیل بن معمر:

وإذا نظرت إلیک من ملک

والبحر دونک جدتنی نعما

والمراد به الإنتظار والتأمیل .

وأیضاً ، فإنه فی مقابلة قوله فی صفة أهل النار: تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، فالمؤمنون یؤمنون بتجدید الکرامة وینتظرون الثواب ، والکفار یظنون

ص: 392

الفاقرة ، وکله راجع إلی فعل القلب .

ولو سلمنا أن النظر یعد الرؤیة لجاز أن یکون المراد أنها رؤیة ثواب ربها ، لأن الثواب الذی هو أنواع اللذات من المأکول والمشروب والمنکوح تصح رؤیته .

ویجوز أیضاً أن یکون إلی واحد إلاء وفی واحدها لغات ( ألا ) مثل قفا و (ألی ) مثل معی و ( ألی ) مثل حدی و ( أل ) مثل حسا ، فإذا أضیف إلی غیره سقط التنوین، ولا یکون ( إلی ) حرفاً فی الآیة. وکل ذلک یبطل قول من أجاز الرؤیة علی الله تعالی .

ولیس لأحد أن یقول: إن الوجه الأخیر یخالف الإجماع ، أعنی إجماع المفسرین، وذلک لأنا لا نسلم لهم ذلک ، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعید بن جبیر والضحاک: إن المراد نظر الثواب. وروی مثله عن علی(علیه السّلام) .

وقد فرق أهل اللغة بین نظر الغضبان ونظر الراضی ، یقولون: نظر غضبان ، ونظر راض ، ونظر عداوة ونظر مودة ، قال الشاعر:

تخبرنی العینان ما الصدر کاتم ولا حن بالبغضاء والنظر الشزر

والرؤیة لیست کذلک فإنهم لا یضیفونها ، فدل علی أن النظر غیر الرؤیة ، والمرئی هو المدرک ، والرؤیة هی الإدراک بالبصر ، والرائی هو المدرک ، ولا تصح الرؤیة وهی الإدراک إلا علی الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئی أن یکون هو أو محله مقابلاً أو فی حکم المقابل، وذلک یستحیل علیه تعالی ، فکیف تجیز الرؤیة علیه تعالی !

ص: 393

أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یدفع الشبهات

کتاب التوحید للصدوق/254-269:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن یحیی ، عن بکر بن عبدالله بن حبیب قال: حدثنی أحمد بن یعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزیز الأحدب الجند بنیسابور قال: وجدت فی کتاب أبی بخطه: حدثنا طلحة بن یزید ، عن عبید الله بن عبید عن أبی معمر السعدانی أن رجلاً أتی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)فقال: یا أمیر المؤمنین إنی قد شککت فی کتاب الله المنزل ، قال له(علیه السّلام): ثکلتک أمک وکیف شککت فی کتاب الله المنزل ؟

قال: لانی وجدت الکتاب یکذب بعضه بعضاً فکیف لا أشک فیه .

فقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): إن کتاب الله لیصدق بعضه بعضاً ولا یکذب بعضه بعضاً ، ولکنک لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شککت فیه من کتاب الله عز وجل .

قال له الرجل: إنی وجدت الله یقول: فالیوم ننساهم کما نسوا لقاء یومهم هذا ، وقال أیضاً: نسوا الله فنسیهم ، وقال: وما کان ربک نسیاً ، فمرة یخبر أنه ینسی ، ومرة یخبر أنه لا ینسی ، فأنی ذلک یا أمیر المؤمنین !

قال: هات ما شککت فیه أیضاً .

قال: وأجد الله یقول: یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ

ص: 394

أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما کنا مشرکین ، وقال: یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضًا ، وقال: إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقال: لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ ، وقال: نَخْتِمُ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ ، فمرة یخبر أنهم یتکلمون ومرة یخبر أنهم لا یتکلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ، ومرة یخبر أن الخلق لا ینطقون ویقول عن مقالتهم: وَاللهِ رَبِّنَا مَا کُنَّا مُشْرِکِینَ: ومرة یخبر أنهم یختصمون ، فأنی ذلک یا أمیر المؤمنین ، وکیف لا أشک فیما تسمع . . .

قال: هات ویحک ما شککت فیه .

قال: وأجد الله عز وجل یقول: وُجُوهٌ

یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . ویقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ . ویقول: وَلَقَدْ

رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی ، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی ، ویقول: یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلاً ، یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا ، ومن أدرکته الأبصار فقد أحاط به العلم ، فأنی ذلک یا أمیر المؤمنین وکیف لا أشک فیما تسمع ؟... .

فقال(علیه السّلام): وأما قوله عز وجل: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وقوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، وقوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی، وقوله: یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلا یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا ، فأما قوله: وُجُوهٌ

یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، فإن ذلک فی موضع ینتهی فیه

ص: 395

أولیاء الله عز وجل بعدما یفرغ من الحساب إلی نهر یسمی الحیوان فیغتسلون فیه ویشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فیذهب عنهم کل قذی ووعث ، ثم یؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ینظرون إلی ربهم کیف یثیبهم ، ومنه یدخلون الجنة ، فذلک قوله عز وجل من تسلیم الملائکة علیهم: سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ، فعند ذلک أیقنوا بدخول الجنة والنظر إلی ما وعدهم ربهم فذلک قوله: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وإنما ( عنی ) بالنظر إلیه النظر إلی ثوابه یعنی لا تحیط به الأوهام . وهو یدرک الأبصار ، یعنی یحیط بها وهو اللطیف الخبیر ، وذلک مدح امتدح به ربنا نفسه تبارک وتعالی وتقدس علواً کبیرا ، وقد سأل موسی (علیه السّلام)وجری علی لسانه من حمد الله عزوجل: رب أرنی أنظر إلیک ، فکانت مسألته تلک أمراً عظیماً ، فقال الله تبارک وتعالی: لَنْ تَرَانِی . . انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی ، فأبدی الله سبحان بعض آیاته وتجلی ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رمیماً وخر موسی صعقاً ، یعنی میتاً ، ثم أحیاه الله وبعثه وتاب علیه ، فقال: سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین ، یعنی أول مؤمن آمن بک منهم أنه لن یراک .

وأما قوله: ولقد رآه نزلة أخری عند سدرة المنتهی ، یعنی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان عند سدرة المنتهی حیث لا یتجاوزها خلق من خلق الله ، وقوله فی آخر الآیة: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَی . لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی . رأی جبرئیل(علیه السّلام) فی صورته مرتین هذه المرة ومرة أخری ، وذلک أن خلق جبرئیل عظیم فهو من الروحانیین الذین لا یدرک خلقهم وصفتهم إلا الله

ص: 396

رب العالمین. ورواه الطبرسی فی الاحتجاج: 1/358 - 362 ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:4/32 .

شرح الأسماء الحسنی:1/185:

( یا من یَری ولا یُری )

طال التشاجر بین الأشاعرة والمعتزلة فی مسألة الرؤیة فذهب الأشاعره إلی أن الله تعالی یری فی الآخرة وینکشف انکشاف البدر المرئی ولکن بلا مقابلة وجهة ومکان، خلافاً للمعتزلة حیث نفوها ، وللمشبهه والکرامیة فإنهم وإن جوزوا رؤیته تعالی ولکن فی الجهة والمکان وعلی سبیل المقابلة ، لإعتقادهم جسمیته تعالی عما یقول الظالمون علواً کبیرا .

وحرر بعض متأخری الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافین فی جواز الإنکشاف التام العلمی ، ولا للمثبتین فی امتناع ارتسام صورة المرئی فی العین ، أو اتصال الشعاع الخارج من العین بالمرئی .

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم کان نوعاً من المعرفة ، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العین کان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول ، ثم إذا فتحنا العین حصل نوع آخر من الإدراک فوق الأولین، نسمیها الرؤیة ولا یتعلق فی الدنیا إلا بما هو فی جهة ومکان ، فمثل هذه الحالة الإدراکیة هل یصح أن تقع بدون المقابلة والجهة ، وأن تتعلق بذات الله تعالی منزها عن الجهة والمکان أم لا .

واحتج الأشاعرة بحجة عقلیة کلامیة لا نطیل الکلام بذکرها ، وأدلة نقلیة منها قوله تعالی حکایة عن موسی(علیه السّلام): رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ . . . .

ص: 397

ومنها ، قوله تعالی لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ .

ومنها ، هذا الإسم الشریف الذی هو نظیر هذه الآیة .

وبالجملة کل الآیات والسنن التنزیهیة تدل علیه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً ، والحق أن مراد محققی الأشاعرة من الرؤیة هو الشهود بنوره لنوره والإنکشاف البالغ حد العیان ، أیدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان ، بدلیل قولهم بلا مقابلة وجهة ومکان ، وکذا قولهم فی تحریر محل النزاع ، فمثل تلک الحالة الإدراکیة أعدل شاهد علی ذلک ، إذ لیس مرادهم ما هو ظاهره حتی یقال حصول مثل تلک الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة ، ومع هذا تکون رؤیة لا تعقلاً ، بل مرادهم أنه کما أن تلک الحالة ممتازة عن التعقل والتخیل والإحساس بالحس المشترک ومشاهدة وشهود للبصر ، کذلک سیحصل لنا حالة عیانیة ممتازة عنها وعلم حضوری بالنسبة إلیه تعالی ، هو شهود لا علی المشاعر الجامع لجمیعها بنحو أعلی ، خذ الغایات ودع المبادی أی المبادی الطبیعیة المحدودة ، کما ذکرنا فی کونه سمیعاً بصیراً أن المشاهدة التی یترتب علی قوانا یترتب علی ذاته النوریة بنحو أنور فإنه سمیع بصیر بذاته لا بالسمع والبصر ، فهذا مرادهم ، وإلا فکما لا یلیق بالعلماء التکلم فی مسموعیته أو مشمومیته مثلاً إذ لیس من سنخ المسموعات أو المشمومات ، کذلک لا یلیق بهم التکلم فی مبصریته إذ لیس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقیق وإن کانت الجواهر الفردة عند المتکلم مبصرة بالذات .

ص: 398

فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الکلم عن مواضعه فلم یتفوهوا بما هو مخ القول ، وعموا وصموا عما هو لب الحق ، إذ کان المراد هو الشهود، والمعتزلة أیضاً لا ینکرونه ، وإنما أنکروا الرؤیة الظاهریة التی بالجارحة کما مر فی محل النزاع أنه لانزاع للنافین فی جواز الإنکشاف التام العلمی بأن یکون المراد بالعلمی العلم الحضوری ، ولکن لا علی سبیل الاکتناه ، کما قیل إن العارفین المتألهین یشاهدونه ولکن لا بالکنه بل علی سبیل الفناء الذی هو قرة عین العرفاء والعلماء ، بأن یری کل فعل وصفة ووجود مستهلکة فی فعله وصفته ووجوده تعالی .

ولا یجوز للمؤمن إنکار ذلک الشهود لأن إنکاره إنکار الکتب السماویة والسنن النبویة والآثار الولویة ، بل هو غایة إرسال المرسلین وإرشاد الأئمة الهادین وسیر السایرین وسلوک السالکین ، ولولاه لم یکن سماء ولا أرض ولا بسیط ولا مرکب ، کما قال تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون ، وفی الحدیث القدسی: فخلقت الخلق لأعرف ، فالکتاب المجید الذی هو تنزیل من حکیم حمید مشحون منه قال تعالی مَنْ کَانَ یَرْجُواْ لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لاتٍ. یَا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِی إلی رَبِّکِ. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِکَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ. والشهادة بالوحدانیة فرع الشهادة بالوجود وشهوده ، وهکذا کل آیة مشتملة علی ما دل علی الشهود حتی لفظ الإیمان باعتبار بعض درجاته العالیة . . . .

قال سید الأولیاء(علیه السّلام): لم أعبد رباً لم أره. ما رأیت شیئاً إلا ورأیت الله فیه أو قبله أو معه .

ص: 399

وقال ابنه سید الشهداء (علیه السّلام): عمیت عین لا تراک .

وقال أیضاً: تعرفت بکل شئ فما جهلک شی. تعرفت إلی فی کل شئ فرأیتک ظاهراً فی کل شئ ، فأنت الظاهر لکل شئ .

ولیکف هذا الیسیر من الکثیر لأن کل أشراک مقالاتهم وحبایل تحریراتهم لإصطیاد هذا الصید العدیم المثال ، فتمام سهام قصودهم واقعة علی هذا الغرض الرفیع المنال ، وحیث حملنا الرؤیة علی الشهود فلا تخصیص له بالآخرة ، فإن أبناء الیقین لموتهم الإرادی قبل موتهم الطبیعی وفنائهم عن ذواتهم قامت قیامتهم ورأوا ما رأوا ، ومن کان فی هذه أعمی فهو فی الآخرة أعمی .

روی الشیخ الصدوق(رحمه الله)عن أبی بصیر قال قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): أخبرنی عن الله تعالی هل یراه المؤمنون یوم القیمة قال: نعم وقد رأوه قبل یوم القیامة ، فقلت متی ؟ قال: حین قال ألست بربکم قالوا بلی. ثم سکت ساعة ثم قال: وإن المؤمنین یرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة. ألست تراه فی وقتک هذا قال أبو بصیر فقلت: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک ؟ فقال: لا فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنی ماتقول ثم قدر أن هذا تشبیه کفر ، ولیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین تعالی عما یصفه المشبهون والملحدون .

وقال سید الموقنین ومولی المکاشفین: لو کشف الغطاء ما ازددت یقیناً... .

وقوله(علیه السّلام)ما ازددت یقیناً ، لعل المراد منه نفی الزیادة الکمیة لا الکیفیة ، ومن ثم قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن العیش عیش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبدالرحمن

ص: 400

الجامی (قدسّ سرّه)السامی:

تا بود باقی بقایای وجود

کی شود صاف از کدر جام شهود

تا بود پیوند جان وتن بجای

کی شود مقصود کل برقع گشای

تا بود قالب غبار چشم جان

کی توان دیدن رخ جانان عیان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله فی الدنیا لیس لهم بما هم بأبدانهم فرشیون دنیویون، بل بما هم بقلوبهم عرشیون أخرویون، فیصدق أن الرؤیة والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة .

ویمکن أیضاً التوفیق بین المذهبین بأن الرؤیة وإن کانت بمعنی الشهود لا یمکن فی الدنیا والآخرة بالنسبة إلی کنه ذاته ، احتجب عن العقول کما احتجب عن الأبصار، ویمکن بالنسبة إلی وجهه: فَأَیْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ .

بل هاهنا نظر آخر فیه حصر النظر علی وجهه الکریم کما قال المعصوم (علیه السّلام)بنقل القاضی سعید القمی: لا أری إلا وجهک ولا أسمع إلا صوتک ، یا من یخلق ولا یخلق، یا من یهدی ولا یهدی ، یا من یحیی ولا یحیی ، یا من یسأل ولا یسأل. هذا الإسم الشریف مأخوذ من الآیة الشریفة وهی: لا یسأل عما یفعل وهم یسألون .

وقد تمسک الأشاعرة بها فی کثیر من المواضع ، منها أنهم قالوا بنفی اللمیة الغائیة والداعی وجواز الترجیح من غیر مرجح ، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم فی وقت مخصوص دون سایر الأوقات مع تشابهها ، وما المرجح للإمساک فی أوقات غیر متناهیة ، کما هو مذهبهم من التعطیل والإفاضة فی وقت ؟ مع کونه تعالی علة تامة غیر محتاج إلی شرط

ص: 401

أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة ، وبالجملة ما به یتم فاعلیته ؟ قالوا: لا یسئل عما یفعل ، والتزموا القدرة الخرافیة .

ومنها ، أنهم حیث قالوا بالتحسین والتقبیح الشرعیین دون العقلیین قالوا بنفی العلاقة اللزومیة بین الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبین الأعمال القبیحة ودخول النار ، بحیث جوزوا أن یدخل الله السعید فی النار خالداً والشقی فی الجنة أبداً ، فإذا قیل علیهم إن هذا ظلم صریح ، قالوا: لا یسأل عما یفعل . . . إلخ .

واحتج المعتزلة أیضاً بحجج عقلیة ونقلیة کثیرة، نذکر بعضها ونترک أکثرها لأن من أنس بالقواعد العقلیة وحافظ علی تنزیه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر علی إقامة حجج کثیرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤیة .

فمنها ، أنه فیما عندنا من المبصرات یجب الرؤیة عند تحقق شروط ثمانیة ککون الحاسة سلیمة وکون الشئ جایز الرؤیة وکون الشئ مقابلاً أو فی حکم المقابل وعدم کون المرئی فی غایة القرب وغایة البعد وغایة اللطافة وغایة الصغر وأن لا یکون بین الرائی والمرئی حجاب ، إذ لو لم تجب الرؤیة عند حصول الشرائط جاز أن یکون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها ، والستة الاخیرة لا یمکن اعتبارها فی رؤیته تعالی لتنزهه عن الجهة والحیز ، بقی سلامة الحاسة وجواز الرؤیة ، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤیة وجب أن تراه فی الدنیا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثانی بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة علی اشتغالهم بغیر ذلک من اللذات .

ص: 402

تفسیرهم الموافق لمذهبنا

روی السیوطی فی الدر المنثور:3/37 عدداً من الروایات التی توافق مذهبنا ومذهب عائشة ، قال:

وأخرج عبد ابن حمید وأبوالشیخ عن قتادة: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، قال هو أجلُّ من ذلک وأعظم من أن تدرکه الأبصار .

وأخرج ابن أبی حاتم عن السدی فی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، یقول لا یراه شئ وهو یری الخلائق .

تفسیر الطبری:9/38:

معاویة عن علی ( بن طلحة ) عن ابن عباس قوله تعالی: سُبْحَانَکَ

تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ ، یقول أنا أول من یؤمن أنه لا یراک شئ من خلقک. انتهی .

وقد تقدم استدلال عائشة بالآیة علی عدم إمکان الرؤیة ، قال الرازی فی المطالب العالیة:1 جزء 1/87: إن عائشة (رض) قالت: من حدثکم أن محمداً رأی ربه فقد أعظم الفریة ، ثم قرأت: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ .

محاولاتهم تأویل الآیة وإبطال معناها

رد النووی علی عائشة فی شرح مسلم-هامش الساری:2/93 فقال: فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالی لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ . فجوابه ظاهر فإن

ص: 403

الإدراک هو الإحاطة والله تعالی لایحاط به ! وإذا ورد النص بنفی الإحاطة فلما یلزم منه نفی الرؤیة بغیر إحاطة. انتهی. ولکن المنفی هنا هو إدراک البصر ، وهو أعم من الرؤیة الجزئیة والإحاطة !

وقال الجوینی فی لمع الأدلة/101-105:

مذهب أهل الحق أن الباری تعالی مرئی، ویجوز أن یراه الراؤون بالأبصار...

والدلیل علی جواز الرؤیة عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالی موجود ، وکل موجود مرئی. وبیان ذلک: أنا نری الجواهر والألوان، فإن رئی الجوهر لکونه جوهراً لزم ألا یری الجوهر ، وإن رئیا لوجودهما لزم أن یری کل موجود ، والباری سبحانه وتعالی: موجود فصح أن یری .

فإن قالوا: إنما یری ما یری لحدوثه والرب تعالی أزلی قدیم الذات فلا یری ، فالجواب من وجهین: أحدهما أن نقول کلامکم هذا نقض علیکم لجواز رؤیة الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث ، وعندکم یستحیل أن تری .

ثم الجواب الحقیقی أن نقول: الحدوث ینبی عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا یصحح الرؤیة ، فانحصر التصحیح فی الوجود ، فدل علی أن کل موجود صح أن یری .

ویستدل علی جواز الرؤیة وأنها ستکون فی الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . والنظر إذا عدی بإلی اقتضی رؤیة البصر. وإن عارضونا بقوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ . قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالی یری ولا یدرک فإن الإدراک ینبئ

ص: 404

عن الإحاطة ودرک الغایة، والرب مقدس عن الغایة والنهایة. فإن عارضونا بقوله تعالی فی جواب موسی(علیه السّلام): لَنْ تَرَانِی، فزعموا أن لن تقتضی النفی علی التأبید . . .

قلنا: هذه الآیة من أوضح الأدلة علی جواز الرؤیة ! فإنها لو کانت مستحیلة لکان معتقد جوازها ضالاً أو کافراً ، وکیف یعتقد ما لا یجوز علی الله تعالی من اصطفاه الله تعالی لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتکریمه وشرفه بتکلیمه وجعله أفضل أهل زمانه وأیده ببرهانه ، ویجوز علی الأنبیاء الریب فی أمر یتعلق بعلم الغیب ، أما ما یتعلق بوصف الباری عز وعلا فلا یجوز الریب علیهم ، فیجب حمل الآیة علی أن ما اعتقد موسی(علیه السّلام)جوازه جائز ، لکن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فیرجع النفی فی الجواب إلی السؤال. وما سأل موسی(علیه السّلام)ربه رؤیة فی الدنیا لینصرف النفی إلیها ، والجواب نزل علی قضیة الخطاب. انتهی. وقد تقدم أن موسی(علیه السّلام)لم یطلب رؤیة ذات الله تعالی ، بل طلب أن یریه شیئاً من آیاته کأنه ینظر إلیه .

وروی السیوطی فی الدر المنثور:3/37:

وأخرج ابن أبی حاتم وأبو الشیخ عن إسماعیل بن علیة ، فی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، قال: هذا فی الدنیا !

وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن عکرمة عن ابن عباس قال: إن النبی(ص)رأی ربه ، فقال له رجل عند ذلک ألیس قال الله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ! فقال له عکرمة: ألست تری السماء ؟ قال: بلی ، قال فکلها تری ! ( یقصد بما أن الله تعالی کبیر فإنا نری جزءً منه فقط ! )

ص: 405

وأخرج الترمذی وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وصححه وابن مردویه واللالکائی فی السنة عن ابن عباس قال: رأی محمد ربه ، قال عکرمة فقلت له: ألیس الله یقول لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ قال: لا أم لک، ذاک نوره الذی هو نوره إذا تجلی بنوره لا یدرکه شئ ، وفی لفظ: إنما ذلک إذا تجلی بکیفیته لم یقم له بصر. انتهی. وهو یقصد أن ذات اللّه تعالی تری ولکن نوره لا تدرکه الابصار !!

ثم أکد السیوطی رأی عکرمة فنقل فی:3/37 قول ابن جریح فی تفسیر الآیة أن الابصار لا تدرک الله تعالی کله لکبر حجمه ! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جریح فی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ، قال: قالت امرأة استشفع لی یا رسول الله علی ربک. قال: هل تدرین علی من تستشفعین ، إنه ملا کرسیه السموات والأرض ثم جلس علیه فما یفضل منه من کل أربع أصابع ، ثم قال: إن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید فذلک قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ، ینقطع به بصره قبل أن یبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من یعلم بقیام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب فی المشرق والمغرب والیمن والشام. انتهی .

وأعجب منه روایتهم التی تفسر الأبصار التی لا تدرکه بأنها أبصار العقول ، ومع ذلک تدرکه أبصار العیون !! قال: وأخرج ابن أبی حاتم وأبو الشیخ واللالکائی من طریق عبدالرحمن بن مهدی قال سمعت أبا الحصین یحیی بن الحصین قاری أهل مکة یقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ قال أبصار العقول. انتهی.

ص: 406

وقد تقدم فی أول الباب عن ( إمام الأئمة ) ابن خزیمة حملته الشدیدة علی عائشة وتفسیره للآیة بأن جمیع الأبصار لا تدرکه ولکن البصر الواحد یدرکه ! قال فی کتاب التوحید/226:

لأن قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، قد یحتمل معنیین علی مذهب من یثبت رؤیة النبی (ص) خالقه عز وجل ، قد یحتمل بأن یکون معنی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، علی ما قال ترجمان القرآن لمولاه عکرمة ذاک نوره الذی هو نوره إذا تجلی بنوره لا یدرکه شیء. والمعنی الثانی أی لا تدرکه الابصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع علی أبصار جماعة ، لا أحسب غریباً یجی من طریق اللغة أن یقال لبصر امری واحد أبصار وإنما یقال لبصر امری واحد بصر ، لا ولا سمعنا غریباً یقال لعین امری واحد بصران فکیف أبصار ، ولو قلنا: إن الأبصار تری ربنا فی الدنیا لکنا قد قلنا الباطل والبهتان ، فأما من قال إن النبی(ص)قد رأی ربه دون سائر الخلق فلم یقل إن الابصار قد رأت ربها فی الدنیا فکیف یکون - یا ذوی الحجا - من ینفی أن النبی(ص)محمداً قد رأی ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها ، فتفهموا یا ذوی الحجا هذه النکتة تعلموا أن ابن عباس رضی الله عنهما وأباذر وأنس بن مالک ومن وافقهم لم یعظموا الفریة علی الله ، لا ولا خالفوا حرفاً من کتاب الله فی هذه المسألة ! انتهی .

وقد علق علی ذلک محقق کتابه وهو الشیخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة کیف خانه علمه فتوهم أن المنفی هو إدراک الأبصار له

ص: 407

إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمکن أن یراه ! فهل إذا قال قائل لا آکل الرمان ، یکون معنی هذا أنه لا یأکل الحبات منه ولکن یأکل الحبة ! یرحم الله ابن خزیمة فلقد کبا ولکل جواد کبوة .

وقد کان الطبری من أعقلهم فی تفسیر الآیة حیث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفی إمکان الرؤیة مطلقاً ، وأن الأخبار المرویة فی رؤیته تعالی تنافیها ، ولکن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآیة ! قال فی تفسیره:7/200-203:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنکرتم أن یکون معنی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، لا تراه الأبصار ؟ قلنا له: أنکرنا ذلک لأن الله جل ثناؤه أخبر فی کتابه أن وجوهاً فی القیامة إلیه ناظرة ، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سیرون ربهم یوم القیامة کما یری القمر لیلة البدر... .

وقال آخرون.. لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ، إلا أنه جائز أن یکون معنی الآیة لا تدرکه أبصار الظالمین فی الدنیا والآخرة ، وتدرکه أبصار المؤمنین وأولیاء الله. قالوا وجائز أن

یکون معناها لا تدرکه الأبصار بالنهایة والإحاطة وأما الرؤیة فبلی. وقال آخرون: الآیة علی العموم ولن یدرک الله بصر أحد فی الدنیا والآخرة ، ولکن الله یحدث لاولیائه یوم القیامة حاسة سادسة سوی حواسهم الخمس فیرونه بها . . . والصواب من القول فی ذلک: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنکم سترون ربکم یوم القیامة کما ترون القمر لیلة البدر. انتهی .

ولم یبین الطبری ولا غیره کیف صار هذا هو الصواب ، وهل کلما عارض

ص: 408

صریح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن !

قال القسطلانی فی إرشاد الساری:10/364:

قوله تعالی فی سورة الانعام: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، وأجاب المثبتون بأن معنی الآیة لا تحیط به الأبصار أو لا تدرکه الأبصار ، وإنما یدرکه المبصرون ! أو لا تدرکه فی الدنیا لضعف ترکیبها فی الدنیا ، فإذا کان فی الآخرة خلق الله تعالی فیهم قوة یقدرون بها علی الرؤیة. انتهی .

ولکنهم بهذه المواصفات الجدیدة للعین ونظام الرؤیة، خرجوا عن موضوع البحث ، بل هربوا منه ، وفی نفس الوقت ردوا أحادیثهم فی الرؤیة التی ظاهرها رؤیته تعالی فی الدنیا والآخرة بالعین المتعارفة المجردة ، فی أحسن صورة ، وکما یری القمر لیلة البدر علی حد زعمهم !

وقال الشوکانی فی فتح القدیر:2/185:

فی قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ . . . التقدیر لا تدرکه کل الابصار بل بعضها ، وهی أبصار المؤمنین ! . . . .

وقال التلمسانی فی نفح الطیب:7/296:

سئل النصیبی عن الرؤیة بمجلس عضد الدولة فأنکرها محتجاً بأن کل شئ یری بالعین فهو فی مقابلتها ، فقال له القاضی ابن الطیب: لا یری بالعین ، قال له الملک: فبماذا یری ؟ قال: بالإدراک الذی یحدثه الله فی العین . . وهذا الأجهر عینه قائمة ولا یری بها شیئاً ! انتهی .

ص: 409

وقال فی نفح الطیب:8/ص 34:

حکایة أبی بکر بن الطیب مع رؤساء بعض المعتزلة ، وذلک أنه اجتمع معه فی مجلس الخلیفة ، فناظره فی مسألة رؤیة الباری فقال رئیسهم: ما الدلیل أیها القاضی علی جواز رؤیة الله تعالی ؟ قال: قوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ! فنظر بعض المعتزلة إلی بعض وقالوا: جنَّ القاضی ، وذلک أن هذه الآیة هی معظم ما احتجوا علی مذهبهم ، وهو ساکت ، ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولک: الحائط لا یبصر قالوا: لا . . قال: فلا یصح إذن نفی الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له ؟ قالوا نعم ، قال: فکذلک قوله تعالی ( لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ) لولا جواز إدراک الابصار له لم یصح نفیه عنه. انتهی. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذی یصحح النفی هو توهم جواز الرؤیة لا جوازها وإمکانها !

وهکذا یحرِّم إخواننا التأویل ، ولکنهم إذا وصلوا إلی آیات نفی الرؤیة وأحادیثها هجموا علیها بمعاول التأویل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة ، حتی یجعلوا من النفی إثباتاً ، وقد یجعلون من الکفر إیماناً !

ص: 410

تفسیر آیة: ما کذب الفؤاد ما رأی

قال الله تعالی: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَی. وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی . إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَی. عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَی. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَی. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی. فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی. فَأَوْحَی إلی عَبْدِهِ مَا أَوْحَی. مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی. أَفَتُمَارُونَهُ

عَلَی مَا یَرَی. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَی. إِذْ یَغْشَی السِّدْرَةَ مَا یَغْشَی. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَی. لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی.

النجم : 1 - 18 .

قال أهل البیت: رأی ربه بفؤاده ورأی آیاته بعینیه

تقدم فی الفصول السابقة عدد من الأحادیث عن النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی تفسیر هذه الآیة ، ونضیف إلیها هنا مایلی:

روی الصدوق فی کتاب التوحید/108:

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن یحیی العطار، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، قال: حدثنا ابن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أسری بی إلی السماء بلغ بی جبرئیل مکاناً لم یطأه جبرئیل قط ، فکشف لی فأرانی الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .

و فی/116:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید (رض) قال: حدثنا إبراهیم بن

ص: 411

هاشم ، عن ابن أبی عمیر ، عن مرازم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سمعته یقول: رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ربه عز وجل یعنی بقلبه ، وتصدیق ذلک: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن محمد بن الفضیل قال: سألت أبا الحسن(علیه السّلام)هل رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ربه عز وجل ؟ فقال: نعم بقلبه رآه ، أما سمعت الله عز وجل یقول: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، أی لم یره بالبصر ، لکن رآه بالفؤاد .

وقد عقد الصدوق فی التوحید باباً بعنوان ( ما جاء فی الرؤیة )/107 ، نورد بعض روایته قال:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل، قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبدالله ، عن آبائه(علیهم السّلام) قال: مر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی رجل وهو رافع بصره إلی السماء یدعو ، فقال له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): غض بصرک فإنک لن تراه .

وقال: ومر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی رجل رافع یدیه إلی السماء وهو یدعو ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أقصر من یدیک فإنک لن تناله .

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی ، عن علی بن أبی القاسم ، عن یعقوب بن إسحاق قال: کتبت إلی أبی محمد (علیه السّلام) أسأله کیف یعبد العبد ربه وهو لا یراه ؟ فوقع (علیه السّلام) یا أبا یوسف جل سیدی وم ولأی والمنعم علی وعلی آبائی أن یری .

قال: وسألته هل رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ربه ؟ فوقع (علیه السّلام)إن الله تبارک وتعالی

ص: 412

أری رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب .

حدثنا الحسین بن أحمد بن إدریس(رحمه الله)، عن أبیه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن یحیی ، عن عاصم بن حمید ، قال: ذاکرت أبا عبدالله(علیه السّلام) فیما یروون من الرؤیة ، فقال: الشمس جزء من سبعین جزءاً من نور الکرسی ، والکرسی جزء من سبعین جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعین جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعین جزءاً من نور الستر ، فإن کانوا صادقین فلیملؤوا أعینهم من الشمس لیس دونها سحاب .

وفی علل الشرائع:1/131:

حدثنا محمد بن أحمد بن السنانی وعلی بن أحمد بن محمد الدقاق والحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلی بن عبدالله الوراق رضی الله عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی الأسدی ، عن موسی بن عمران النخعی ، عن عمه الحسین بن یزید النوفلی ، عن علی بن سالم ، عن أبیه ، عن ثابت بن دینار ، قال سألت زین العابدین علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)عن الله جل جلاله هل یوصف بمکان ؟ فقال: تعالی عن ذلک. قلت: فلم أسری بنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السماء ؟ قال: لیریه ملکوت السموات وما فیها من عجائب صنعه وبدایع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثُمَّ

دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی ؟ قال: ذاک رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )دنا من حجب النور فرأی ملکوت السموات ، ثم تدلی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنظر من تحته إلی ملکوت الأرض حتی ظن أنه فی القرب من الأرض کقاب قوسین أو أدنی .

ص: 413

وروای النیسابوری فی روضة الواعظین/33:

قال عکرمة: بینما ابن عباس یحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: یابن عباس ، تفتی فی النملة والقملة ، صف لنا إلهک الذی تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل ، وکان الحسین بن علی قاعداً فی موضع فقال: إلیَّ یابن الأزرق ، فقال: لست إیاک أسأل ، فقال ابن عباس: یابن الأزرق إنه من أهل بیت النبوة وهم ورثة العلم ، فأقبل نافع بن الازرق نحو الحسین فقال الحسین(علیه السّلام): یا نافع ، إن من وضع دینه علی القیاس لم یزل الدهر فی التباس ، مائلاً علی المنهاج ظاعناً فی الاعوجاج ، ضالاً عن السبیل قائلاً غیر الجمیل ، یابن الأزرق أصف إلهی بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا یدرک بالحواس ولا یقاس بالناس ، فهو قریب غیر ملتصق ، وبعید غیر منفصل ، یوحد ولا یبعض ، معروف بالآیات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الکبیر المتعال .

وقال الطوسی فی تفسیر التبیان:9/424:

وقوله: ما کذب الفؤاد ما رأی ، قال ابن عباس: رأی ربه بقلبه ، وهو معنی قوله علمه ، وإنما علم ذلک بالآیات التی رآها .

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأی محمد جبرائیل علی صورته .

وقال الحسن: یعنی ما رأی من مقدورات الله تعالی وملکوته .

وقال الحسن: عرج بروح محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السماء وجسده فی الأرض .

وقال أکثر المفسرین وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور فی

ص: 414

أخبارهم: أن الله تعالی صعد بجسمه حیاً سلیماً حتی رأی ملکوت السموات وما ذکره الله بعینی رأسه ، ولم یکن ذلک فی المنام بل کان فی الیقظة . . . ومعنی: ما کذب الفؤاد ، أی ما توهم أنه یری شیئاً وهو لا یراه من جهة تخیله لمعناه ، کالرائی للسراب بتوهمه ماء ویری الماء من بعید فیتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم یکذب فؤاد محمد ما رأت عیناه من الآیات الباهرات فعداه .

وفی تفسیر نور الثقلین:5/155:

فی تفسیر علی بن ابراهیم: حدثنی أبی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)قال قال لی: یا أحمد ما الخلاف بینکم وبین أصحاب هشام بن الحکم فی التوحید ؟ فقلت: جعلت فداک قلنا نحن بالصورة ، للحدیث الذی روی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه فی صورة شاب، وقال هشام بن الحکم بالنفی للجسم ، فقال: یا أحمد إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما أسری به إلی السماء وبلغ عند سدرة المنتهی ، خرق له فی الحجب مثل سم الإبرة فرأی

من نور العظمة ما شاء الله أن یری وأردتم أنتم التشبیه ، دع هذا یا أحمد لا ینفتح علیک منه أمر عظیم .

ورواه فی بحار الأنوار:3/307، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنویة، وبالرؤیة الرؤیة القلبیة ، أو الحجب الصوریة ، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤیة عجائب خلقه .

وفی بحار الأنوار:4/37:

ص: 415

بیان: إعلم أن المفسرین اختلفوا فی تفسیر تلک الآیات قوله تعالی: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، یحتمل کون ضمیر الفاعل فی رأی راجعاً إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلی الفؤاد. قال البیضاوی: ما کذب الفؤاد ما رأی ببصره من صورة جبرئیل، أو الله ، أی ما کذب الفؤاد بصره بما حکاه له ، فإن الأمور القدسیة تدرک أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلی البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفک ، ولو قال ذلک کان کاذباً ، لأنه عرفه بقلبه کما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنی لم یکن تخیلاً کاذباً. ویدل علیه أنه سئل(علیه السّلام)هل رأیت ربک فقال: رأیته بفؤادی ، وقرئ( ما کذَّب ) أی صدقه ولم یشک فیه... .

قوله تعالی: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی، قال الرازی: یحتمل الکلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالی ، والثانی جبرئیل(علیه السّلام)، والثالث الآیات العجیبة الإلهیة.

انتهی. أی ولقد رآه نازلاً نزلة أخری فیحتمل نزوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونزول مرئیة .

فإذا عرفت محتملات تلک الآیات عرفت سخافة استدلالهم بها علی جواز الرؤیة ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه یحتمل أن یکون المرئی جبرئیل ، إذا المرئی غیر مذکور فی اللفظ ، وقد أشار أمیر المؤمنین(علیه السّلام)إلی هذا الوجه فی الخبر السابق .

وروی مسلم فی صحیحه بإسناده عن زرعة عن عبدالله: ما کذب الفؤاد ما رأی ، قال: رأی جبرئیل(علیه السّلام)له ستمائة جناح. وروی أیضاً بإسناده عن أبی هریرة ، ولقد رآه نزلة أخری قال: رأی جبرئیل(علیه السّلام)بصورته التی له فی الخلقة الأصلیة .

الثانی: ما ذکره(علیه السّلام)فی هذا الخبر وهو قریب من الأول لکنه أعم منه .

ص: 416

الثالث: أن یکون ضمیر الرؤیة راجعاً إلی الفؤاد ، فعلی تقدیر إرجاع الضمیر إلی الله تعالی أیضاً لافساد فیه .

الرابع: أن یکون علی تقدیر إرجاع الضمیر إلیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکون المرئی هو الله تعالی ، المراد بالرؤیة غایة مرتبة المعرفة ونهایة الانکشاف .

وأما استدلاله(علیه السّلام)بقوله تعالی: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئْ، فهو إما لأن الرؤیة تستلزم الجهة والمکان وکونه جسماً أو جسمانیاً ، أو لأن الصورة التی تحصل منه فی المدرکة تشبهه .

رأی الشیعة الزیدیة فی نفی الرؤیة

مختصر فی العقیدة لللدکتور المرتضی بن زید المحطوری/11:

8 - الله سبحانه وتعالی لا یری بالأبصار. لأنه لیس جسماً ولا عرضاً لا یُری ، والدلیل علی ذلک - عقلاً ونقلاً:

دلیل العقل: إن حاسة الرؤیة إذا کانت سلیمة ولم یمنع مانع من الرؤیة من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعین ، فعندما توجد شروط الرؤیة المذکورة تستطیع العین رؤیة الموجودات. والله سبحانه وتعالی موجود ولم نره ، ولا یصح لنا أن نراه ، لأن المرئی یجب أن یکون جسماً یری ، وله لون ، وفی جهة من الجهات ، والله سبحانه وتعالی لیس کذلک ، فعظمته سبحانه فی خفائه بدلیل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحیاة والروح والعقل والتفکیر والتمییز والفرح والحزن ونحو ذلک مما لا نقدر علی وضع الید علیه مع علمنا بوجوده ، فالکائنات الحیة معجزة فی تکوینها .ولکن

ص: 417

الروح التی لا ندرکها معجزة أکبر ( ویسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربی ) فکیف یری الله والروح بعض أسراره ؟

وکیف یخفی والشمس بعض آیاته ؟!

نراه سبحانه بعیون التصدیق والإیمان فی آیاته الباهرة وآثاره الظاهرة ، نراه بالبصائر لا بالأبصار .

ومن زعم أنه یری فی الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه (إِلَی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) وهی مؤولة بحذف مضاف والتقدیر إلی رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآیة التی بعدها ( تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) والمقابلة تقتضی ذلک فوجوه منتظرة لرحمة الله ، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته .

ومن جهة ثانیة: فقد ورد ناظر بمعنی منتظر کما فی قوله سبحانه (مَا یَنْظُرُونَ إِلا صَیْحَةً ) والصیحة لا تنظر بالعین وإنما تنتظر. وکذلک قوله تعالی - حکایة عن بلقیس - ( فَنَاظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ). والدلیل إذا طرقه الاحتمال بطل الإستدلال به .

کما أن أهل البیت(علیهم السّلام) مجمعون علی عدم تجویز رؤیة الله ، وإجماعهم حجة ، کما قال ابن تیمیة وغیره ، والأحادیث الواردة فی هذا الشأن تعرض علی القرآن ، والقرآن ینفی عن الله الرؤیة لأنها تقتضی التشبیه .

فالحدیث الذی یقول ( إنکم ترون ربکم کالقمر ) یؤدی إلی تشبیه الله بخلقه کالقمر ، وإن کان الحدیث لا یفید ذلک ، فهو الذی نرید ویکون معناه ترون وعده ووعیده وصدق ما أخبرکم به کالقمر عیاناً ، وإلا توقفنا عن العمل بحدیث ظنی یؤدی إلی التشبیه والتجسیم تعالی الله عن ذلک ،

ص: 418

والأخذ بالآیة المحکمة أولی من الأخذ بالمتشابه .

تفسیرهم الموافق لمذهبنا

صحیح مسلم:1/109:

عن أبی ذر قال سألت رسول الله (ص): هل رأیت ربک قال: نور، أنی أراه !

عن عبدالله بن شقیق قال قلت لأبی ذر: لو رأیت رسول الله(ص)لسألته، فقال عن أی شئ کنت تسأله ؟ قال کنت أسأله هل رأیت ربک ؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأیت نوراً حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشیبانی قال سألت زر بن حبیش عن قول الله عز وجل: فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی ، قال أخبرنی ابن مسعود أن النبی (ص)رأی جبریل له ستمائة جناح .

عن زر ، عن عبدالله قال: ما کذب الفؤاد ما رأی ، قال: رأی جبریل(علیه السّلام)له ستمائة جناح .

زر بن حبیش ، عن عبدالله قال: لقد رأی من آیات ربه الکبری ، قال: رأی جبریل فی صورته له ستمائة جناح .

عن عطاء ، عن أبی هریرة: ولقد رآه نزلة أخری ، قال: رأی جبریل .

عن عبد الملک عن عطاء ، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه .

عن أبی العالیة ، عن ابن عباس قال: ما کذب الفؤاد ما رأی ، ولقد رآه نزلة أخری ، قال: رآه بفؤاده مرتین. انتهی .

ص: 419

وروی الترمذی فی:5/70 ، عدة روایات فی رؤیة النبی لربه فی الإسراء بقلبه، وروایتین فی رؤیته له بعینه ، قال: عن عکرمة ، عن ابن عباس قال: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، قال رآه بقلبه. هذا حدیث حسن . . . .

عن قتادة ، عن عبدالله ابن شقیق ، قال قلت لابی ذر لو أدرکت النبی (ص)لسألته ، فقال عما کنت تسأله ؟ قلت: أسأله هل رأی محمد ربه ؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً ، أنی أراه ! هذا حدیث حسن .

عن عبد الرحمن بن یزید عن عبدالله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، قال: رأی رسول الله(ص)جبرائیل فی حلة من رفرف قد ملا ما بین السماء والأرض. هذا حدیث حسن صحیح .

عن عکرمة عن ابن عباس قال: رأی محمد ربه ، قلت ألیس الله یقول: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، قال ویحک ذاک إذا تجلی بنوره الذی هو نوره وقد رأی محمد ربه مرتین. هذا حدیث حسن غریب .

عن ابن عباس فی قول الله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی ، فَأَوْحَی إلی عَبْدِهِ مَا أَوْحَی. فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی.

قال ابن عباس: قد رآه النبی (ص). هذا حدیث حسن. انتهی .

وروی أحمد فی مسنده:1/223:

عن ابن عباس فی قوله عز وجل: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، قال: رأی محمد ربه عز وجل بقلبه مرتین .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/123:

ص: 420

وأخرج الفریابی وعبد بن حمید والترمذی وصححه وابن جریر وابن المنذر والطبرانی وأبوالشیخ والحاکم وصححه وابن مردویه وأبونعیم والبیهقی معاً فی الدلائل عن ابن مسعود (رض) قوله مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی، قال: رأی (ص) جبریل علیه حلتا رفرف أخضر قد ملا ما بین السماء والأرض .

وأخرج مسلم وأحمد والطبرانی وابن مردویه والبیهقی فی الأسماء والصفات عن ابن عباس فی قوله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی . وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی ، قال: رأی محمد ربه بقلبه مرتین .

وأخرج عبد بن حمید والترمذی وحسنه وابن جریر وابن المنذر والطبرانی عن ابن عباس فی قوله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، قال: رآه بقلبه .

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم عن محمد بن کعب القرظی عن بعض أصحاب النبی(ص)قال قالوا یا رسول الله هل رأیت ربک ؟ قال لم أره بعینی ، ورأیته بفؤادی مرتین .

وأخرج ابن المنذر وابن أبی حاتم عن أبی العالیة قال سئل رسول الله (ص)هل رأیت ربک ؟ قال: رأیت نهراً ورأیت وراء النهر حجاباً ، ورأیت وراء الحجاب نوراً لم أره غیر ذلک .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر عن أبی العالیة فی قوله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی، قال: محمد ، رآه بفؤاد ولم یره بعینیه .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر عن أبی صالح فی قوله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی، قال: رآه مرتین بفؤاده .

وأخرج عبد بن حمید عن سعید بن جبیر قال: ما أزعم

أنه رآه ، وما أزعم

ص: 421

أنه لم یره .

وأخرج مسلم والترمذی وابن مردویه عن أبی ذر قال: سألت رسول الله(ص)هل رأیت ربک ؟ فقال نور ، أنی أراه ؟! وأخرج مسلم وابن مردویه عن أبی ذر أنه سأل رسول الله(ص)هل رأیت ربک ؟ فقال رأیت نوراً !

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن أبی ذر قال: رآه بقلبه ولم یره بعینیه .

وأخرج النسائی عن أبی ذر قال: رأی رسول الله(ص)ربه بقلبه ولم یره ببصره .

وأخرج مسلم والبیهقی فی الدلائل عن أبی هریرة فی قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی، قال: رأی جبریل(علیه السّلام) .

وأخرج عبد بن حمید عن إبراهیم قال:

رأی جبریل فی صورته .

وأخرج عبد بن حمید عن مرة الهمدانی قال: لم یأته جبریل فی صورته إلا مرتین، فرآه فی خضر یتعلق به الدر .

وأخرج عبد بن حمید عن قتادة فی قوله وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی، قال: رأی نوراً عظیماً عند سدرة المنتهی .

وأخرج أبوالشیخ وابن مردویه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخری ، قال: رأی جبریل معلقاً رجله بسدرة علیه الدر کأنه قطر المطر علی البقل .

وأخرج أبوالشیخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخری عند سدرة المنتهی ، قال: رأی رسول الله(ص)جبریل فی صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق یتناثر من أجنحته التهاویل الدر والیاقوت ما لایعلمه إلا

ص: 422

الله .

وأخرج آدم بن أبی إیاس والبیهقی فی الأسماء والصفات عن مجاهد ، إذ یغشی السدرة ما یغشی ، قال: کان أغصان السدرة من لؤلؤ ویاقوت ، وقد رآها محمد بقلبه ورأی ربه .

وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم والبیهقی فی الدلائل عن عائشة رضی الله عنها قالت: کان أول شأن رسول الله(ص)أنه رأی فی منامه جبریل بأجیاد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبریل یا محمد یا محمد ، فنظر یمیناً وشمالاً فلم یر شیئاً ثلاثاً ، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدی

رجلیه علی الأخری علی أفق السماء ، فقال یا محمد جبریل جبریل یسکنه ، فهرب النبی(ص)حتی دخل فی الناس ، فنظر فلم یر شیئاً ، ثم خرج من الناس فنظر فرآه ، فذلک قول الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی . مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَ مَا غَوَی إلی قوله: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی، یعنی جبریل إلی محمد، فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی ، یقول القاب نصف الأصبع ، فأوحی إلی عبده ما أوحی ، جبریل إلی عبد ربه .

ص: 423

وروی حدیث ( فی حلة من رفرف ) أحمد فی:1/394 و/418 والحاکم:2 ص 468 ، وکلها عن عبدالله بن عمر ، وقال الحاکم ( صحیح علی شوط الشیخین ولم یخرجاه )

الجواهر الحسان للثعالبی:3 الهامش 1/252:

أنکر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حدیث مشرک بن أبی خمر الذی یثبت فیه الدنو والتدلی لرب العزة ، سبحانه وتعالی عما یصفون . . . ذهب البیهقی إلی ترجیح ما روی عن عائشة وابن مسعود وأبی هریرة ومن حملهم هذه الآیات ( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . . ) عن رؤیة جبرئیل ، وروایة شریک تنقضها روایة أبی ذر الصحیحة ، قال یا رسول الله هل رأیت ربک ؟ قال: نور ، أنی أراه !

مصابیح السنة للبغوی:4/30:

عن زرارة بن أوفی: أن رسول الله (ص) قال لجبرئیل: هل رأیت ربک ؟ فانتفض جبرئیل وقال: یا محمد إن بینی وبینه سبعین حجاباً من نور ، لو دنوت من بعضها لاحترقت .

ونفی قدماء المتصوفة الرؤیة بالعین فی الدنیا

التعرف لمذهب أهل التصوف للکلاباذی المتوفی سنة 380 قال فی/43:

وأجمعوا أنه لا یری فی الدنیا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإیقان ،

ص: 424

لأنه غایة الکرامة وأفضل النعم ، ولا یجوز أن یکون ذلک إلا فی أفضل المکان ، ولو أعطوا فی الدنیا أفضل النعم لم یکن بین الدنیا الفانیة والجنة الباقیة فرق ، ولما منع الله سبحانه کلیمه موسی(علیه السّلام)ذلک فی الدنیا ، وکان من هو دونه أحری. وأخری أن الدنیا دار فناء ، ولا یجوز أن یری الباقی فی الدار الفانیة ، ولو رأوه فی الدنیا لکان الإیمان به ضرورة .

والجملة أن الله تعالی أخبر أنها تکون فی الآخرة ، ولم یخبر أنها تکون فی الدنیا فوجب الانتهاء إلی ما أخبر الله تعالی به .

واختلفوا فی النبی (ص): هل رأی ربه لیلة المسری ، فقال الجمهور منهم والکبار إنه لم یره محمد(ص)ببصره ، ولا أحد من الخلائق فی الدنیا ، علی ما روی عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأی ربه فقد کذب . . . .

وقال بعضهم: رآه النبی(ص)لیلة المسری ، وإنه خص من بین الخلائق بالرؤیة کما خص موسی(علیه السّلام)بالکلام ، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس ، منهم أبو عبدالله القرشئ والشبلی وبعض المتأخرین .

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم یره ببصره ، واستدل بقوله: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی.

ولا نعلم أحداً من مشایخ هذه العصبة المعروفین منهم والمتحققین به ، ولم نر فی کتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم ، ولا فی الحکایات الصحیحة عنهم ، ولا سمعنا ممن أدرکنا منهم من زعم أن الله تعالی یری فی الدنیا أو رآه أحد من الخلق ، إلا طائفة لم یعرفوا بأعیانهم .

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفیة ادعوها لأنفسهم ، وقد أطبق

ص: 425

المشایخ کلهم علی تضلیل من قال ذلک وتکذیب من ادعاه ، وصنفوا فی ذلک کتباً ، منهم أبو سعید الخراز ، وللجنید فی تکذیب من ادعاه وتضلیله رسائل وکلام کثیر. وزعموا أن من ادعی ذلک فلم یعرف الله عز وجل ، وهذه کتبهم تشهد علی ذلک .

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

یلاحظ أن روایات إخواننا التی ادعت أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه تعالی بعینه ، ورد قلیل منها فی حادثة الإسراء والمعراج ، وأکثرها ورد فی حادثة غیر مفهومة ادعی راویها أنها وقعت للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المدینة ، وبعض روایاتها نصت علی أنها منام ، أو شک راویها فی أن تکون فی المنام.. الخ .

شرح مسلم للنووی - الساری:2/94:

قوله عن عبدالله بن مسعود (رض) فی قوله تعالی: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، قال رأی جبریل له ستمائة جناح ، وهو مذهبه فی هذه الآیة.. وذهب الجمهور من المفسرین إلی أن المراد أنه رأی ربه سبحانه وتعالی. انتهی .

ویلاحظ أنه نسب القول بالرؤیة بالعین إلی جمهور المفسرین ، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموی من تلامذة کعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم ! ولکنه عاد ونسبها إلی أکثر العلماء ، فقال فی هامش الساری:2/92:

الراجح عند أکثر العلماء أن رسول الله (ص) رأی ربه یعنی بعینی رأسه لیلة الاسراء. انتهی. وهذا إن صحّ فهو یعنی أن أکثریة علماء إخواننا قلدوا المفسرین من تلامیذ کعب وأعرضوا عن الأحادیث الصحیحة المعارضة

ص: 426

لها .

روای أحمد فی مسنده:4/66 وج 5/378 وفی:1/368:

عن أبی قلابة عن ابن عباس أن النبی(ص)قال: أتانی ربی عز وجل اللیلة فی أحسن صورة أحسبه یعنی فی النوم فقال یا محمد هل تدری فیم یختصم الملأ الأعلی ؟ قال قلت لا ، قال النبی(ص)فوضع یده بین کتفی حتی وجدت بردها بین ثدیی أو قال نحری ، فعلمت ما فی السموات وما فی الأرض ، ثم قال یا محمد هل تدری فیم یختصم الملأ الأعلی ؟ قال قلت نعم یختصمون فی الکفارات والدرجات ، قال وما الکفارات والدرجات ؟ قال المکث فی المساجد والمشئ علی الأقدام إلی الجمعات وابلاغ الوضوء فی المکاره ، ومن فعل ذلک عاش بخیر ومات بخیر وکان من خطیئته کیوم ولدته أمه ! وقل: یا محمد إذا أصلیت اللهم إنی أسألک الخیرات وترک المنکرات وحب المساکین وإذا أردت بعبادک فتنة أن تقبضنی إلیک غیر مفتون ، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة باللیل والناس نیام .

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/176 - 178 بعدة روایات ، وقال عن روایة ابن عایش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربیع بن أنس أن النبی (ص) قال رأیت ربی . . . قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحدیث ابن عباس بعینه ، رآه رآه حتی انقطع نفس أحمد .

وروی الترمذی فی سننه:5/44 وقال:

ص: 427

وقد ذکروا بین أبی قلابة وبین ابن عباس فی هذا الحدیث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبی قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، عن ابن عباس .

ورواه فی 2/45 وص 46 بروایتین أیضاً وقال: هذا حدیث حسن غریب من هذا الوجه ، قال: وفی الباب عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عائش ، عن النبی(ص).

وقال النویری فی نهایة الارب:8 جزء 16/295:

عن ربیع بن أنس أن النبی (ص) قال رأیت ربی . . . ثم ذکر قول أحمد: أنا أقول بحدیث بن عباس بعینه رآه رآه ، حتی انقطع نفس أحمد .

وقال السهیلی فی الروض الانف:2/156 وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤیة قال: رآه رآه رآه حتی انقطع صوته .

ورواه أیضاً عن أبی هریرة وابن عباس . . . وروی: رأی ربه فی أحسن صورة ووضع یدیه بین کتفیه حتی وجد بردها بین ثدییه .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:1/257:

وأما الروایات عن ابن مسعود فإنما فیها تفسیر ما فی النجم ، ولیس فی قوله ما یدل علی نفی الرؤیة لله .

تاریخ الإسلام للذهبی:16/429:

عن نعیم عن . . . أم الطفیل أنها سمعت النبی (ص) یقول رأیت ربی فی أحسن صورة ، شاباً ، موقراً ، رجلاه فی مخصر ، علیه نعلان من ذهب .

ص: 428

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/24:

وأخرج أحمد وابن جریر وابن مردویه والبیهقی فی الأسماء والصفات عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمی عن بعض أصحاب النبی(ص)قال سمعت رسول الله(ص)یقول: رأیت ربی فی أحسن صورة... .

وقال الذهبی فی میزان الاعتدال:1/593:

إبراهیم بن أبی سوید ، وأسود بن عامر ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً: رأیت ربی جعداً أمرد ، علیه حلة خضراء .

وقال ابن عدی: حدثنا عبدالله بن عبدالحمید الواسطی ، حدثنا النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الاسود بن عامر ، عن حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس أن محمداً رأی ربه فی صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدمیه أو رجلیه فی خضرة .

وحدثنا ابن أبی سفیان الموصلی وابن شهریار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسی ، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن کیسان ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن عکرمة ، عن ابن عباس ، عن النبی(ص)قال: رأیت ربی .

وقال أبوبکر بن أبی داود: حدثنا الحسن بن یحیی بن کثیر ، حدثنا أبی ، حدثنا حماد بنحوه ، فهذا من أنکر ما أتی به حماد بن سلمة ، وهذه الرؤیة رؤیة منام إن صحت. قال المرودی قلت لأحمد: یقولون لم یسمع قتادة عن عکرمة ! فغضب وأخرج کتابه بسماع قتادة عن عکرمة فی ستة أحادیث. ورواه الحکم بن أبان ، عن زیرک ، عن عکرمة. وهو غریب جداً. انتهی.

ص: 429

وروی نحوه الدارمی فی سننه:2/126 والبغوی فی مصابیحه:1/290 والسهیلی فی الروض الأنف:1/268 وابن الاثیر فی أسد الغابة:3/465 وج 7/356 ورواه الهندی فی کنز العمال:15/897 - 598 وفی:16/245 - 247 بروایات متعددة وقال فی مصادره ( عب ، حم وعبد بن حمید ، ت عن ابن عباس ) ( ت، ک عن معاذ ) ( کر ) ( ابن مندة ، والبغوی ، ق، کر ). والنویری فی نهایة الإرب: 8 جزء 16/295 والمنذری فی الترغیب والترهیب:1/262 .

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:6/185

عبدالرحمن بن عائش الحضرمی ، روی عنه حدیث: رأیت ربی فی أحسن صورة .

الأحادیث القدسیة من الصحاح:1/158:

حدیث: أتانی ربی فی أحسن صورة ، أخرجه الترمذی عن ابن عباس: إن الله وضع یده علی کتف رسول الله (ص) حتی وجد رسول الله بردها بین ثدییه أو قال فی خدی. وروی نحوه أیضاً فی:2/44 والقسطلانی فی إرشاد الساری:7/320 وص 359

وقال أبو الشیخ فی طبقات المحدثین:2/432:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج یوماً علی أصحابه مستبشراً .. فقال لهم: إن ربی أتانی اللیلة فی أحسن صورة . . . فوضع یده علی کتفی فوجدت بردها بین ثدیی . . الخ .

ص: 430

وقال فی:1/129:

عن عبدالرحمن بن المبارک بن فضالة عن أبیه: کان الحسن یحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأی ربه تبارک وتعالی .

وقال الطبری فی تفسیره:7/162:

خالد الحلاج ، قال سمعت عبدالرحمن بن عیاش ، یقول صلی بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأیت أسعد منک الغداة ، قال: ومالی وقد أتانی ربی فی أحسن صورة فقال: فیم یختصم الملأ الأعلی یا محمد ؟ قلت أنت أعلم، فوضع یده علی کتفی فعلمت ما فی السموات والأرض . . . الخ.

وقال الدمیری فی حیاة الحیوان:2/359:

من حدیث معاذ بن جبل (رض) قال: احتبس عنا رسول الله(ص)ذات غداة عن صلاة الصبح حتی کدنا نتراءی عین الشمس ، فخرج سریعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلی وتجوز فی صلاته . . . ثم انفتل إلینا فقال: أما إنی سأحدثکم ما حبسنی عنکم الغداة: إنی قمت من اللیل فتوضأت وصلیت ما قدر لی فنعست فی صلاتی حتی استثقلت ، فإذا أنا بربی تعالی فی أحسن صورة ! فقال یا محمد . . . فیم یختصم الملأ الأعلی . . . الخ .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/319:

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حمید والترمذی وحسنه ومحمد بن نصر . . . الخ .

ص: 431

وأخرج الترمذی وصححه ومحمد بن نصر والطبرانی والحاکم وابن مردویه عن معاذ بن جبل (رض) . . . الخ .

وأخرج الطبرانی فی السنة وابن مردویه عن جابر بن سمرة (رض).... عن أبی هریرة (رض) . . .

وأخرج الطبرانی فی السنة والشیرازی فی الألقاب . . . .

وابن مردویه عن أنس (رض) . . . .

وأخرج ابن نصر والطبرانی وابن مردویه عن أبی أمامة . . . .

وأخرج الطبرانی فی السنة والخطیب عن أبی عبیدة بن الجراح (رض) . . . .

وأخرج محمد بن نصر فی کتاب الصلاة والطبرانی فی السنة عن عبدالرحمن بن عابس الحضرمی (رض) . . . .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/124:

وأخرج ابن جریر عن ابن عباس قال قال(ص)رأیت ربی فی أحسن صورة فقال لی: یا محمد هل تدری فیم یختصم الملأ الأعلی ؟ فقلت لا یا رب ، فوضع یده بین کتفی فوجدت بردها بین ثدیی فعلمت ما فی السماء والأرض ، فقلت یا رب فی الدرجات والکفارات ونقل الأقدام إلی

الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فقلت یا رب إنک اتخذت ابراهیم خلیلاً وکلمت موسی تکلیماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لک صدرک ألم أضع عنک وزرک ألم أفعل بک ألم أفعل ، فأفضی إلیَّ بأشیاء لم یؤذن لی أن أحدثکموها فذلک قوله: ثم دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی فأوحی إلی عبده ما أوحی ما کذب الفؤاد ما رأی. فجعل نور بصری فی

ص: 432

فؤادی فنظرت إلیه بفؤادی. انتهی .

قال الذهبی فی سیره:2/166:

ولم یأتنا نص جلی بأن النبی(ص)رأی الله تعالی بعینیه. وهذه المسألة مما یسع المرء المسلم فی دینه السکوت عنها ، فأما رؤیة المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفیضة ، وأما رؤیة الله عیاناً فی الآخرة فأمر متیقن تواترت به النصوص. جمع أحادیثها الدارقطنی والبیهقی وغیرهما .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/123:

وأخرج عبد بن حمید والترمذی وابن جریر وابن المنذر والحاکم وابن مردویه عن الشعبی قال: لقی ابن عباس کعباً بعرفة ، فسأله عن شئ فکبر حتی جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأی ربه مرتین ، فقال کعب: إن الله قسم رؤیته وکلامه بین موسی ومحمد (علیهما السلام) فرأی محمد ربه مرتین وکلم موسی مرتین .

قال مسروق فدخلت علی عائشة فقلت هل رأی محمد ربه ؟ فقالت لقد تکلمت بشئ قَفَّ له شعری ، قلت رویداً ، ثم قرأت لقد رأی من آیات ربه الکبری ، قالت أین یذهب بک ! إنما هو جبریل. من أخبرک أن محمداً رأی ربه أو کتم شیئاً مما أمر به أو یعلم الخمس التی قال الله إن الله عنده علم الساعة الآیة ، فقد أعظم الفریة ، ولکنه رأی جبریل لم یره فی صورته إلا مرتین ، مرة عند سدرة المنتهی ، ومرة عند جیاد له ستمائة جناح قد سد الأفق .

وروی الطبری فی تفسیره:9/34: ما یوهم قرب النبی المادی من الله تعالی

ص: 433

فی الإسراء ، قال: عن عبد الله بن أبی جعفر، عن أبیه، عن الربیع فی قوله: وقربناه نجیا، قال: حدثنی من لقی أصحاب النبی أنه قرب للرب حتی سمع صریف القلم من الشوق إلیه. انتهی .

وروی النویری فی نهایة الارب:8 جزء 16/299:

قال جعفر بن محمد . . . والدنو من الله لا حد له ، ومن العباد بالحدود. انتهی. ویقصد بجعفر الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام) .

والملاحظات علی هذه الروایات کثیرة: منها تعارض نصوصها ، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالی لنبیه عن اختصام الملأ

الأعلی غیر مفهوم ، بل غیر منطقی ! وکذا تأخر النبی عن صلاة الصبح ، وطریقة تحدیثه المسلمین بالقصة ، ثم شباهة متونها بأحادیث الیهود مثل قوله ( فوضع یده بین کتفی فوجدت بردها بین ثدیی فعلمت ما فی السماء والأرض ). هذا مضافاً إلی أن بعضها خلط بین القصة المزعومة وبین روایات المعراج وآیاته ، والمعراج کان فی مکة ، وهذه القصة المزعومة فی المدینة .

کل ذلک ، وغیره ، یوجب الشک فی هذه الروایة والتریث فی الحکم بصحتها ، خاصة أن بعضها اشتمل علی التناقض کروایة الطبری التی یذکر فی أولها أنه رآه فی أحسن صورة ، وفی آخرها أنه رآه بفؤاده !

وبعضها روی عن صاحبها ما یناقضها کروایة ابن عباس ، وقد شهد ابن قیم أن روایتی الرؤیة بالعین وضدها کلتاهما صحتا عن ابن عباس ، فلابد أن تکون إحداهما مکذوبة! قال فی زاد المعاد:3/29 - 30: واختلف الصحابة رضی الله عنهم ، هل رأی ربه تلک اللیلة أم لا ؟ فصح عن ابن عباس أنه

ص: 434

رأی ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهی .

وقد علق علی ذلک ناشر الکتاب الشیخ عبد القادر عرفان فقال فی هامشه: لم أقف علی هذه الروایة فی الصحیح، بل الذی صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند

مسلم فی الإیمان 176 - 285 فی قوله تعالی: مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی ، وقوله تعالی: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی ، قال رآه بفؤاده مرتین. وأخرجه الترمذی فی التفسیر 3280 .

ثم قال ابن قیم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنکار ذلک وقالا إن قوله: ولقد رآه نزلة أخری عند سدرة المنتهی ، إنما هو جبریل. وصح عن أبی ذر أنه سأله هل رأیت ربک فقال (ص): نور ، أنی أراه ! أی: حال بینی وبین رؤیته النور ، کما قال فی لفظ آخر: رأیت نوراً. وقد حکی عثمان بن سعید الدارمی اتفاق الصحابة علی أنه لم یره .

ثم قال ابن قیم: قال شیخ الإسلام ابن تیمیة . . . وقد صح عنه أنه قال: رأیت ربی تبارک وتعالی ولکن لم یکن هذا فی الإسراء ، ولکن کان فی المدینة لما احتبس عنهم فی صلاة الصبح ، ثم أخبرهم عن رؤیة ربه تبارک وتعالی تلک اللیلة فی منامه ، وعلی هذا بنی الإمام أحمد(رحمه الله)وقال: نعم رآه حقاً ، فإن رؤیا الأنبیاء حق ولا بد ، ولکن لم یقل أحمد(رحمه الله): إنه رآه بعینی رأسه یقظة ، ومن حکی عنه ذلک فقد وهم علیه ، ولکن قال مرة رآه ، ومرة قال رآه بفؤاده ، فحکیت عنه روایتان ، وحکیت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعینی رأسه ، وهذه نصوص أحمد موجودة ، لیس فیها ذلک. انتهی .

ص: 435

راجع ما تقدم فی أول الباب من أن جمهور الصحابة کانوا یوافقون عائشة علی نفی الرؤیة بالعین .

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلی إلی الله تعالی !

تاریخ الإسلام للذهبی:1/267:

وقال سلیمان بن بلال . . وذکر حدیث الاسراء وفیه ثم عرج به محمد (ص) إلی السماء السابعة ثم علا به فوق ذلک بما لا یعلمه إلا الله حتی جاء إلی سدرة المنتهی، ودنا الجبار رب العزة فتدلی . . . .

تفسیر الطبری:12/14:

عبد الله بن عمر ، قال سمعت نبی الله (ص) یقول یدنو المؤمن من ربه حتی یضع علیه کتفه !

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن جریر عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله(ص)لما عرج بی مضی جبریل حتی جاء الجنة فدخلت فأعطیت الکوثر ، ثم مضی حتی جاء لسدرة المنتهی فدنا ربک فتدلی ، فکان قاب قوسین أو أدنی !

وأخرج ابن جریر وابن مردویه عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلی .

وأخرج أبوالشیخ وأبونعیم فی الدلائل عن سریج بن عبید قال لما صعد النبی(ص)إلی السماء فأوحی الله إلی عبده ما أوحی ، قال فلما أحس جبریل بدنو الرب خر ساجداً ، فلم یزل یسبحه تسبیحات ذی الجبروت

ص: 436

والملکوت والکبریاء والعظمة حتی قضی الله إلی عبده ما قضی ، ثم رفع رأسه فرأیته فی خلقه الذی خلق علیه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والیاقوت فخیل إلیَّ أن ما بین عینیه قد سد الافقین وکنت لا أراه قبل ذلک إلا علی صور مختلفة ، وأکثر ما کنت أراه علی صورة دحیة الکلبی ، وکنت أحیاناً لا أراه قبل ذلک إلا کمایری الرجل صاحبه من وراء الغربالی.

وقال السهیلی فی الروض الانف:2/156:

وروی: لما أحس جبریل دنو الرب خر ساجداً. انتهی .

وقدتقدم ذکر روایات أخری تنسب التدلی إلی الله تعالی، وتقدم عن أهل البیت(علیهم السّلام) أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( دنا من حجب النور فرأی ملکوت السماوات ، ثم تدلی فنظر من تحته إلی ملکوت الأرض ، حتی ظن أنه فی القرب من الأرض کتاب قوسین أو أدنی ) .

ووصفوا عرشه بأنه تحمله حیوانات کما وصفه الیهود

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن إسحاق والبیهقی فی الأسماء والصفات وضعفه عن عبدالله بن أبی سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلی عبدالله بن عباس یسأله هل رأی محمد ربه ؟ فأرسل إلیه عبد الله بن عباس: أن نعم ، فرد علیه عبدالله بن عمر رسوله أن کیف رآه ؟ فأرسل أنه رآه فی روضة خضراء دونه فراش من ذهب علی کرسی من ذهب یحمله أربعة من الملائکة ،

ص: 437

ملک فی صورة رجل وملک فی صورة ثور وملک فی صورة نسر وملک فی صورة أسد ! انتهی .

وسیأتی ذکر بقیة الحیوانات التی ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالی فی بازار الأحادیث ، ویأتی بعصها فی تفسیر: الرحمن علی العرش استوی .

وقالوا رأی ربه واقفاً علی أرض خضرة خلف ستر شفاف

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/124:

وأخرج البیهقی فی الأسماء والصفات وضعفه من طریق عکرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأی محمد ربه ؟ قال نعم رآه کأن قدمیه علی خضرة دونه ستر من لؤلؤ ، فقلت یا أبا عباس ألیس یقول الله لا تدرکه الأبصار ! قال لا أم لک ذاک نوره الذی هو نوره ، إذا تجلی بنوره لا یدرکه شئ ! انتهی .

ومضافاً إلی تضعیف البیهقی لهذه الروایة ، فإنها تحاول تفسیر قوله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، أی لا تدرک نوره ، أما ذاته تعالی فتدرکها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآیة ، ولم یفسرها به أحد .

وحاول بعضهم أن یخفف القصة ویجعلها رؤیا فی المنام

تقدم فی روایة الترمذی نقل قول الراوی وهو ابن عباس بزعمهم ( أحسبه قال فی المنام ) .

ص: 438

وروی عبد الرزاق فی تفسیره:2/137:

عن ابن عباس: أن النبی (ص) قال: أتانی ربی اللیلة فی أحسن صورة أحسبه قال: یعنی فی المنام ، فقال: یا محمد هل تدری فیم یختصم الملأ الأعلی ؟ قال النبی (ص) قلت: لا ، قال النبی (ص): فوضع یده بین کتفی فوجدت بردها بین ثدیی . . فعلمت ما فی السموات والأرض . . . !!

وروی ابن حبان فی المجروحین:3-135:

عن أنس أن الرسول (ص) قال: أتاه ربه فی المنام فی أحسن صورة ، حتی وضع یده بین کتفه فوجد بردها بین ثدییه .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/319:

وأخرج ابن نصر والطبرانی فی السنة عن ثوبان (رض) . . . وفی بعض روایات السیوطی أنه رآه بقلبه ، وفی بعضها ( فعلمت فی منامی ذلک ما سألنی عنه من أمر الدنیا والآخرة ، فقال: فیم یختصم الملأ الأعلی ) .

تفسیر آیة: وجوه یومئذ ناضرة ، إلی ربها ناظرة

کَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ . وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القیامة :20 - 25 .

ص: 439

تفسیر أهل البیت(علیهم السّلام) وفقهاء مذهبهم

تفسیر القمی:2/397:

وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: أی مشرقة. إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال ینظرون إلی وجه الله أی إلی رحمة الله ونعمته. وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ: أی ذلیلة. انتهی. ورواه فی الاحتجاج:2/191 وفی تفسیر نور الثقلین:5/464 وقال: وفی مجمع البیان ، وقال: وروی ذلک عن مجاهد والحسن وسعید بن جبیر والضحاک ، وهو المروی عن علی(علیه السّلام) .

أمالی المرتضی:1/22:

مسألة: إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا فی إبطال ما ظنه أصحاب الرؤیة فی قوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، علی وجوه معروفة ، لأنهم بینوا أن النظر لیس یفید الرؤیة ولا الرؤیة من أحد محتملاته ، ودلوا علی أن النظر ینقسم إلی أقسام کثیرة ، منها تقلیب الحدقة الصحیحة فی جهة المرئی طلباً لرؤیته ، ومنها النظر الذی هو الإنتظار ، ومنها النظر الذی هو التعطف والمرحمة ، ومنها النظر الذی هو الفکر والتأمل ، وقالوا إذا لم یکن قی أقسام النظر الرؤیة لم یکن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جمیعاً إلی طلب تأویل الآیة من غیر جهة الرؤیة .

وتأولها بعضهم علی الإنتظار للثواب وإن کان المنتظر فی الحقیقة محذوفاً والمنتظر منه مذکوراً ، علی عادة للعرب معروفة .

وسلم بعضهم أن النظر یکون الرؤیة بالبصر وحمل الآیة علی رؤیة أهل

ص: 440

الجنة لنعم الله تعالی علیهم ، علی سبیل حذف المرئی فی الحقیقة وهذا کلام مشروح فی مواضعه ، وقد بینا ما یرد علیه وما یجاب به عن الشبهة المعترضة فی مواضع کثیرة. وهاهنا وجه غریب فی الآیة حکی عن بعض المتأخرین لا یفتقر معتمده إلی العدول عن الظاهر أو إلی تقدیر محذوف ولا یحتاج إلی منازعتهم فی أن النظر یحتمل الرؤیة أو لا یحتملها ، بل یصح الاعتماد علیه سواء کان النظر المذکور فی الآیة هو الإنتظار بالقلب أم الرؤیة بالعین ، وهو أن یحمل قوله تعالی إلی ربها إلی أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفی واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا ، وألی مثل رمی، وألی مثل معی ، وألَّی مثل حتَّی ، قال أعشی بکر بن وائل:

أبیض لا یرهب الهزال ولا

یقطع رحماً ولا یخون إلی

أراد أنه لا یخون نعمة ، وأراد تعالی إلی ربها فأسقط التنوین للإضافة .

فإن قیل: فأی فرق بین هذا الوجه وبین تأویل من حمل الآیة علی أنه أراد به إلی ثواب ربها ناظرة بمعنی رائیة لنعمه وثوابه .

قلنا: ذلک الوجه یفتقر إلی محذوف لأنه إذا جعل إلی حرفاً ولم یعلقها بالرب تعالی فلابد من تقدیر محذوف ، وفی الجواب الذی ذکرناه لا یفتقر إلی تقدیر محذوف ، لأن إلی فیه اسم یتعلق به الرؤیة ولا یحتاج إلی تقدیر غیره ، والله أعلم بالصواب .

بحار الأنوار:4/28:

لی: علی بن أحمد بن موسی ، عن الصوفی ، عن الرویانی ، عن عبدالعظیم الحسنی ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال قال علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)فی

ص: 441

قول الله عز وجل:وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَانَاظِرَةٌ : یعنی مشرفة تنتظر ثواب ربها .

بیان: إعلم أن للفرقة المحقة فی الجواب عن الإستدلال بتلک الآیة علی جواز الرؤیة وجوها:

الأول: ما ذکره(علیه السّلام)فی هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة کقوله تعالی: فَنَاظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ . روی ذلک عن مجاهد والحسن وسعید بن جبیر والضحاک ، وهو المروی عن علی(علیه السّلام)، واعترض علیه بأن النظر بمعنی الإنتظار لا یتعدی بإلی ، وأجیب بأن تعدیته بهذا المعنی بإلی کثیرة ، کما قال الشاعر:

إنی إلیک لما وعدت لناظر

نظر الفقیر إلی الغنی الموسر

وقال آخر:

ویوم بذی قار رأیت وجوههم

إلی الموت من وقع السیوف نواظر

والشواهد علیه کثیرة مذکورة فی مظانه ، ویحکی عن الخلیل أنه قال: یقال: نظرت إلی فلان بمعنی انتظرته ، وعن ابن عباس أنه قال: العرب تقول إنما أنظر إلی الله ثم إلی فلان ، وهذا یعم الاعمی والبصیر ، فیقولون: عینی شاخصة إلی فلان وطامحة إلیک ، ونظری إلی الله وإلیک . . . . الثانی: أن یکون فیه حذف مضاف أی إلی ثواب ربها ، أی هی ناظرة إلی نعیم الجنة حالاً بعد حال ، فیزداد بذلک

سرورها ، وذکر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه ، روی ذلک عن جماعة من علماء المفسرین من الصحابة والتابعین وغیرهم .

ص: 442

الثالث: أن تکون إلی بمعنی عند ، وهو معنی معروف عند النحاة وله شواهد ، کقول الشاعر:

فهل لکم فیما إلی فإننی

طبیب بما أعیی النطاسی حذیما

أی فیما عندی ، وعلی هذا یحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والأول أظهر .

الرابع: أن یکون النظر إلی الرب کنایة عن حصول غایة المعرفة بکشف العلائق الجسمانیة، فکأنها ناظرة إلیه تعالی کقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعبد الله کأنک تراه.

وقال السید شرف الدین فی کتاب أبو هریرة:1/61:

أما رؤیة الله عز وجل بالعین الباصرة فقد أجمع الجمهور علی إمکانها فی الدنیا والآخرة ، وأجمعوا أیضاً علی وقوعها فی الآخرة وأن المؤمنین والمؤمنات سیرونه یوم القیامة بأبصارهم، وأن الکافرین والکافرات لا یرونه أبداً. وأکثر هؤلاء علی أن الرؤیة لا تقع فی الدنیا ، وربما قال بعضهم بوقوعها أیضاً .

ثم أن المجسمة یرونه ماثلاً أمامهم فینظرون إلیه کما ینظر بعضهم إلی بعض ، لا یمارون فیه کما لا یمارون فی

الشمس والقمر لیس دونهما سحاب ، علی ما یقتضیه حدیث أبی هریرة. وقد خالف هؤلاء حکم العقل والنقل ، وخرقوا إجماع الأمة بأسرها ، وخرجوا علیها ومرقوا من الدین ، وخالفوا ما علم منه بحکم الضرورة الإسلامیة ، فلا کلام لنا معهم .

وأما غیرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعریة فقد قالوا بأن الرؤیة قوة سیجعلها الله تعالی یوم القیامة بأبصار المؤمنین والمؤمنات خاصة ، لا

ص: 443

تکون بإتصال الأشعة ، ولا بمقابلة المرئی ولا بتحیزه ولا بتکیفه ، ولا ، ولا، فهی علی غیر الرؤیة المعهودة للناس ، بل هی رؤیة خاصة تقع من أبصار المؤمنین والمؤمنات علی الله عز وجل لا کیف فیها ولا جهة من الجهات الست .

وهذا محال لا یعقل ، ولا یمکن أن یتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنین فی الدار الآخرة ببصر آخر لا تکون فیه خواص الأبصار المعهودة فی الحیاة الدنیا علی وجه تکون فیه الرؤیة البصریة کالرؤیة القلبیة ، وهذا خروج عن محل النزاع فی ظاهر الحال. ولعل النزاع بیننا وبینهم فی الواقع ونفس الأمر لفظی. انتهی .

وقد بیننا فی تفسیر لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، أن محاولة جعل الرؤیة بحاسة أخری کالعین خروج عن الموضوع ، وأن روایات إخواننا تأبی ذلک لأنها ظاهرة فی الرؤیة بالعین المتعارفة .

رؤیة العارفین بقلوبهم أرقی من الرؤیة البصریة

روی الصدوق فی التوحید/117:

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی قال: حدثنا موسی بن عمران النخعی ، عن الحسین بن یزید النوفلی، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال قلت له: أخبرنی عن الله عز وجل هل یراه المؤمنون یوم القیامة ؟ قال: نعم ، وقد رأوه قبل یوم القیامة، فقلت متی ؟ قال: حین قال لهم: أَلَسْتُ

ص: 444

بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، ثم سکت ساعة ، ثم قال: وإن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة ، ألست تراه فی وقتک هذا ؟ قال أبو بصیر فقلت له: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک ؟ فقال لا ، فإنک إذا حدثت به فأنکر منکر جاهل بمعنی ما تقوله، ثم قدَّر أن ذلک تشبیه کفر. ولیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین ، تعالی الله عما یصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:4/44 .

التحفة السنیة/84:

ومن ثمت کان العلم الحاصل من الرؤیة ألذ من العلم الحاصل من غیرها لازدیاد الکشف فیها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن ، فاللذة الزایدة إنما هی باعتبار هذا الإنکشاف الزاید من تصور معشوقه فی خیاله ، فإنه یلتذ بتصوره لا محالة .

لکن لا نسبة لهذه اللذة إلی اللذة الحاصلة من مشاهدته رأی العین ، وحیث أنها أقوی طرق الإنکشاف ربما یعبر عن مطلق الإنکشاف التام بأی طریق حصل بالرؤیة والنظر کما فی قوله سبحانه: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وما ورد من بعض الطرق: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه لیلة المعراج ونحو ذلک ، لتطابق العقل والنقل علی امتناع الرؤیة الحسیة فی حقه تعالی ، لاشتراطها بالوضع والجهة وکثافة المرئی وغیر ذلک. فالمراد بها أینما أطلقت فی کلمات من یعتنی بتصحیح کلامهم: غایة الإنکشاف التام الذی لا یکون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البینة ، إن ثبت کون اللفظ حقیقة فی خصوص البصریة ، وإلا فمن استعمال المشترک فی معناه الآخر حقیقة اعتماداً علی

ص: 445

وضوح القرینة وهی اشتراط الحسیة بما یمتنع فی حقه سبحانه .

وأحسن ما ینکشف به هذا المطلب ما سبقت روایته عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) من قوله: لم أعبد رباً لم أره ، لا تدرکه العیون بمشاهدة العیان ولکن تدرکه القلوب بحقایق الإیمان ، حیث أثبت(علیه السّلام)الرؤیة أولاً ، ثم استدرک ذلک بصرفها من العینیة لأنها المتبادر ، إلی القلبیة .

شرح الأسماء الحسنی:1/185-191:

. . . ومنها قوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وجه الإحتجاج: أن النظر فی اللغة جاء بمعنی الإنتظار ویتعدی بنفسه ، وبمعنی التفکر ویستعمل بفی، وبمعنی الرأفة ویستعمل باللام ، وبمعنی الرؤیة ویستعمل بإلی کما فی الآیة ، فوجب حمله علی الرؤیة کما قیل .

ویظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدی بنفسه یجی بمعنی الرؤیة أیضاً ، وجعله من باب الحذف والإیصال خلاف الأصل ، وأنه جاء بمعنی الحکم ویستعمل بکلمة بین فقال: نظره کضربه وسمعه ، وإلیه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً: تأمله بعینه کتنظره ، والأرض أرت العین نباتها ، ولهم: أعانهم ، وبینهم: حکم .انتهی.

واعترض علی هذا الدلیل أیضاً بأن النظر لا یدل علی الرؤیة ، فإن النظر تقلیب الحدقة نحو المرئی. بل ادعی بعضهم أن النظر المستعمل بإلی موضوع لذلک ولتحققه بدونها ، یقال نظرت إلی الهلال فما رأیته ، ولو کان بمعنی الرؤیة لکان تناقضاً ، ولم أزل أنظر إلی الهلال حتی رأیته ، ولو حمل علی الرؤیة لکان الشی غایة لنفسه .

ص: 446

أقول: یمکن جعله من باب الإکتفاء بالمراد عن الإرادة ، کقوله تعالی: إِذَا قُمْتُمْ إلی الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ، وهذا باب واسع کما فی المغنی وغیره ، فمعنی قولهم نظرت إلی الهلال فما رأیته أردت رؤیة الهلال فما رأیته ، وهکذا فی الآخر ، بل فی کل موضع یقال إنه لتقلیب الحدقة ، فالنظر محمول علی معناه الحقیقی وهو الرؤیة المرادة بتلک الإرادة ، بل إذا نظرت المعانی المستعمل فیها النظر وجدت روح جلها لو لم یکن کلها ، الرؤیة. وأجیب أیضاً: بأن معنی قولهم نظرت إلی الهلال فما رأیته ونحوه ، نظرت إلی مطلع الهلال .

واعترض أیضاً علی هذا الدلیل بأنا لا نسلم أن لفظة إلی صلة للنظر ، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنی الإنتظار ، أی نعمة ربها منتظرة ، ولو سلم فالنظر الموصول بإلی قد جاء للانتظار قال الشاعر:

وشعث ینظرون إلی هلال

کما نظر الظما حب الغمام

والجواب: أما عن الثانی فبمثل ما ذکر عن حدیث التقلیب وکون النظر المستعمل بإلی بمعنی الإنتظار مما لم یثبت عند البلغاء ، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم ، بل قیل الإنتظار موت أحمر ، والآیة مسوقة لبیان النعم .

وهذا الجواب زیف ، لأن الآیة دالة علی أن الحالة التی عبر عنها بقوله سبحانه: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، سابقة علی حالة استقرار أهل الجنة فی الجنة وأهل النار فی النار ، بقرینة المقابلة لقوله تعالی: وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ، أی تظن أن یفعل بها فعل هو فی شدته وفظاعته داهیة فاقرة تقصم فقار الظهر، ولم یفعل بها بعد ، وحینئذ

ص: 447

کان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً یستتبع نضارة الوجه ، کما أن انتظار إکرام الملک لا یکون موجباً للغم إذا تیقن وصوله إلیه .

بل الحق فی الجواب أن کون إلی فی الآیة بمعنی النعمة لا یخفی بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به ، ولهذا لم یحمل الآیة علیه أحد من أئمة التفسیر .

تفسیرهم الموافق لمذهبنا

أورد السیوطی فی الدر المنثور:6/290 - أکثر من ثلاثین روایة وقولاً فی تفسیر قوله تعالی: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، منها روایتان توافقان مذهبنا وهما:

وأخرج ابن أبی شیبة وابن جریر عن أبی صالح (رض) فی قوله وُجُوهٌ

یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال: حسنة ، إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال: تنتظر الثواب من ربها . . . وأخرج ابن جریر عن مجاهد (رض) فی قوله: إلی ربها ناظرة ، قال: تنتظر منه الثواب. انتهی.

وستأتی بقیة روایاته التی فیها تجسیم. وقد تقدم عدد من روایاتهم النافیة لامکان الرؤیة بالعین فی تفسیر لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ، کروایة أبی سعید الخدری فی الدر المنثور:3/37 وغیرها .

قال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/583:

وأما فی الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلی إثبات رؤیة الله تعالی للمؤمنین فی الجنة ، واحتجوا بقوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وبقوله تعالی عن الکافرین: کَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ،

ص: 448

وبحدیث: إنکم سترون ربکم کما ترون هذا البدر ، وفی روایة: کما ترون الشمس فی رابعة النهار لیس دونها سحاب ، وهو فی البخاری ومسلم .

وخالفهم فی ذلک جماعة من أهل السنة والجماعة وغیرهم کالسیدة عائشة رضی الله عنها ومجاهد وأبی صالح السمان وعکرمة وغیرهم ، وکذا المعتزلة والأباضیة والزیدیة ، واحتجوا بقول الله تعالی: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، وأوَّلوا الآیات التی احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآیة هو :

وجوه ناضرة مسرورة لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه ، کما أنه هناک بالمقابل وجوه یومئذ باسرة عابسة تظن أن یفعل بها فاقرة أی مصابة بداهیة کبیرة ، وهذا الکلام هو بیان ما یکون فی أرض المحشر ، وحال المؤمنین والکافرین یومئذ ، والرؤیا إنما تکون فی الجنة .

قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بین وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب ، ورؤیة الله تعالی غیر مرادة هنا وخصوصاً أن الکلام یتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار ، وأنتم - یا جمهور أهل السنة والجماعة - تقولون بأن الرؤیة إنما تتم فی الجنة لا فی أرض المحشر ، وهذا الکلام یتعلق فی أرض المحشر .

ورد هؤلاء علی من قال من أهل السنة بأن لفظ ( ناظرة ) لا تأتی عربیة بمعنی منتظرة ، فقالوا: إن ذلک لیس صحیحاً ، بل قد ورد القرآن الکریم بإثبات أن معنی ناظرة منتظرة ! من ذلک قوله تعالی عن بلقیس: وإنی مرسلة إلیهم بهدیة فناظرة بهم یرجع المرسلون. النمل: 35 ، أی منتظرة بم یرجع

ص: 449

المرسلون ، وهو واضح ظاهر .

کذلک قالوا بأن المراد بقوله تعالی: کَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، أی عن ثواب ربهم وإکرامه وإنعامه ، والحجاب أیضاً هو عن کلامه لا عن رؤیته ، لأن الله تعالی یقول وهو أصدق القائلین: وَلا یُکَلِّمُهُمُ اللهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَلا یُزَکِّیهِمْ . البقرة : 174

ثم قال فی آخر بحثه/590 فتبین من هذا کله أن هذه الآیات لا یصح الإستدلال بها فی مسألة إثبات الرؤیة ، والله تعالی الموفق. انتهی .

ونؤکد هنا علی ضرورة ملاحظة قوله تعالی ( وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) الذی یدل علی أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار کما روی عن علی(علیه السّلام). وهذا قرینة علی أن ( ناظرة ) بمعنی منتظرة. ودلیل علی أن الذین فسروها بالنظر إلی الله تعالی فی الجنة لم یلتفتوا إلی بقیة الآیات !

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

صحیح البخاری:8/179:

باب قول الله تعالی وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . . . عن جریر قال کنا جلوساً عند النبی(ص)إذ نظر إلی القمر لیلة البدر قال: إنکم سترون ربکم کما ترون هذا القمر لا تضامون فی رؤیته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا علی صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا .

سنن الترمذی:4/93:

ص: 450

عن إسرائیل ، عن ثویر ، قال سمعت ابن عمر یقول: قال رسول الله (ص): إن أدنی أهل الجنة منزلة لمن ینظر إلی جنانه وزوجاته ونعیمه وخدمه وسرره مسیر ألف سنة، وأکرمهم علی الله من ینظر إلی وجهه غدوة وعشیة، ثم قرأ رسول الله (ص): وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وقد روی هذا الحدیث من غیر وجه عن إسرائیل عن ثویر عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملک بن أبجر عن ثویر ، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبید الله الأشجعی عن سفیان عن ثویر عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم یرفعه .

سنن الترمذی:5/103:

عن إسرائیل عن ثویر قال سمعت ابن عمر یقول . . . الخ. هذا حدیث غریب ، وقد روی غیر واحد عن إسرائیل مثل هذا مرفوعاً ، وروی عبد الملک بن الجبر عن ثویر ، عن ابن عمر قوله ولم یرفعه. وروی الأشجعی عن سفیان عن ثویر عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم یرفعه ، ولا نعلم أحداً ذکر فیه عن مجاهد غیر الثوری. انتهی. ورواه أحمد فی:2/64 ورواه الحاکم فی المستدرک:2/509 ، ولکن فیه ( ألفی سنة ) بدل ألف سنة ، قال: عن ثویر بن أبی فاختة عن ابن عمر رضی الله عنهما قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أدنی أهل الجنة منزلة لرجل ینظر فی ملکه ألفی سنة یری أقصاه کما یری أدناه ، ینظر فی أزواجه وخدمه وسرره .

وقال السیوطی فی الدرالمنثور:3/37:

وأخرج أبوالشیخ والبیهقی فی کتاب الرؤیة عن الحسن فی قوله: لا تُدْرِکُهُ

ص: 451

الأَبْصَارُ، قال: فی الدنیا ، وقال الحسن: یراه أهل الجنة فی الجنة ، یقول الله وُجُوهٌ

یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . ، قال ینظر إلی وجه الله .

وقد استعرض السیوطی فی الدر المنثور:6/290 ، أکثر روایاتهم وأقوالهم فی تفسیر الآیة ، وقد تقدم منها ما یوافق مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، ونورد فیما یلی بقیتها ، ونلاحظ أن أکثرها غیر مسند إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بل هو أقوال مفسرین ، وأکثرهم علماء سلطة أو معادون لأهل البیت (علیهم السّلام) . قال السیوطی فی:6/290:

وأخرج ابن المنذر والآجری فی الشریعة واللالکائی فی السنة والبیهقی فی الرؤیة عن ابن عباس فی قوله: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال یعنی حسنها ، إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: نظرت إلی الخالق .

وأخرج ابن المنذر والآجری عن محمد بن کعب القرظی فی قوله: وُجُوهٌ

یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، قال نضر الله تلک الوجوه وحسنها للنظر إلیه .

وأخرج ابن المنذر والآجری واللالکائی والبیهقی عن عکرمة: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، قال: ناضرة من النعیم ، إلی ربها

ناظرة ، قال: تنظر إلی الله نظراً .

وأخرج الدار قطنی والآجری واللالکائی والبیهقی عن الحسن فی الآیة قال: النضرة الحسن ، نظرت إلی ربها فنضرت بنوره .

وأخرج ابن جریر عن الحسن ، وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: یقول حسنة ، إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال: تنظر إلی الخالق .

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة فی قوله: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال

ص: 452

مسرورة. إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال أنظر ماذا أعطی الله عبده من النور فی عینیه أن لو جعل نور أعین جمیع خلق الله من الإنس والجن والدواب وکل شئ خلق الله فجعل نور أعینهم فی عینی عبد من عباده ثم کشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر علی أن ینظر إلی الشمس ، والشمس جزء من سبعین جزء من نور الکرسی ، والکرسی جزء من سبعین جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعین جزء من نور الستر. قال عکرمة: أنظروا ماذا أعطی الله عبده من النور فی عینیه أن نظر إلی وجه الرب الکریم عیاناً .

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس فی قوله: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال: تنظر إلی وجه ربها .

وأخرج ابن مردویه عن أنس بن مالک قال قال رسول الله(ص)فی قول الله وجوه یومئذ ناضرة إلی ربها ناظرة قال: ینظرون إلی ربهم بلا کیفیة ولا حد محدود ولا صفة معلومة. ( وهل لهذا معنی مفهوم غیر النظر بالقلب ؟!)

وأخرج الدارقطنی والخطیب عن أنس أن النبی(ص)أقرأه هذه الآیة: وجوه یومئذ ناضرة إلی ربها ناظرة ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها ، یزورون ربهم تبارک وتعالی فیطعمون ویسقون ویتطیبون ویحلون ، ویرفع الحجاب بینه وبینهم فینظرون إلیه وینظر إلیهم عز وجل ، وذلک قوله عز وجل: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیهَا بُکْرَةً وَ عَشِیًّا .

وأخرج أبوالشیخ عن الحسن (رض) قال: أول من ینظر إلی الله تبارک وتعالی الأعمی .

ص: 453

وأخرج ابن أبی حاتم وأبوالشیخ عن موسی بن صالح بن الصباح قال: إذا کان یوم القیامة یؤتی بأهل ولایة الله فیقومون بین یدیه ثلاثة أصناف ، فیؤتی برجل من الصنف الأول فیقول عبدی لماذا عملت ؟ فیقول: یا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعیمها وما أعددت لأهل طاعتک فیها فأسهرت لیلی وأظمأت نهاری شوقاً إلیها . . . ثم یؤتی برجل من الصنف الثالث فیقول عبدی لماذا عملت ؟ فیقول ربی حباً لک وشوقاً إلیک وعزتک لقد أسهرت لیلی وأظمأت نهاری شوقاً إلیک وحباً لک ، فیقول الله عبدی إنما عملت شوقاً إلی وحباً لی ، فیتجلی له الرب فیقول ها أنا ذا أنظر إلیَّ ! ثم یقول فضلی علیک أن أعتقک من النار وأبیحک جنتی وأزیرک ملائکتی وأسلم علیک بنفسی ، فیدخل هو ومن معه الجنة .

الجواهر الحسان للثعالبی:3/416:

قوله تعالی: إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، حمل جمیع أهل السنة هذه الآیة علی أنها متضمنة رؤیة المؤمنین لله عز وجل بلا تکییف ولا تحدید. انتهی. ولکن هل ذلک نظراً بالعین!

تفسیر الطبری:29/119:

عن مجاهد فی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، قال مسرورة. إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال: إلی ربها نظراً .

وقال ابن حزم فی المحلی:1/34:

مسألة: وأن الله تعالی یراه المسلمون یوم القیامة بقوة غیر هذه القوة. قال عز

ص: 454

وجل: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . . . ولو کانت هذه القوة لکانت لا تقع إلا علی الالوان ، تعالی الله عن ذلک. وأما الکفار فإن الله عز وجل قال: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. انتهی. وقد اضطر ابن حزم أن یجعل الرؤیة غیر بصریة وأن یوافق أهل البیت (علیهم السّلام) .

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری:10/398:

قوله تعالی ( إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) بلا کیفیة ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضی: تراه مستغرقة فی مطالعة جماله بحیث تغفل عما سواه. انتهی. وهی رؤیة غیر بصریة کما تری .

وقال الألبانی فی فتاویه/143:

إن عقیدة رؤیة الله لم ترد فی السنة فقط حتی تشککوا فیها ، إن هذه العقیدة أیضاً قد جاءت فی القرآن الکریم المتواتر روایته عن رسول الله . . . إن قوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، هی وجوه المؤمنین قطعاً إلی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . . . المعتزلة والشیعة جاءوا بفلسفة ففسروا: وجوه إلی ربها ناظرة ، أی إلی نعیم ربها ناظرة ، أعطوا دلالة الآیة ورفضوا التفسیر الثانی للذین أحسنوا ، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحیحة. انتهی .

وبذلک کشف الشیخ الالبانی حقیقة موقف القائلین بالرؤیة ، فقد اعترف بأن تفسیر ( ناظرة ) بالنظر المعنوی یحقق الانسجام والتوافق بین الآیات المحکمات مثل: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ، وبین هذه الآیة. ولکن الخطر کل الخطر منه علی ( السنة الشریفة ) أن یهدمها معول تأویل هذه الآیة !

ص: 455

فلماذا یا تری یهتمون بالمحافظة علی روایات الرؤیة ویخافون أن تهدم ، ولا یهتمون بالآیات المحکمات النافیة للرؤیة ولایخافون أن تهدم!

ثم إن أحادیث السنة عند إخواننا منها ما ینفی الرؤیة بالعین مطلقاً ومنها ما یثبتها صراحة ، وجمیعها فی البخاری ، الکتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلی الجلد ، فکیف صار بعض البخاری سنة یجب أن یحفظ من خطر الهدم وبعضه سنة لا مانع أن یهدم ، وتهدم معه آیات محکمات !

لعل جوابهم: أن الذین رووا أحادیث نفی الرؤیة عن النبی هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بینما الذین رووا أحادیث الرؤیة الخلیفة عمر والمقربون منه ، وعند التعارض یجب أن نحافظ علی روایات عمر ولا نسمح لاحد أن یهدمها أو یمسها ، ویجب أن نعمل معول التأویل أو الهدم فی آیات نفی الرؤیة وأحادیثها لکی تخضع لما قاله کعب الأحبار والخلیفة عمر ومن وافقهما !

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال کل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاری برد بعض أحادیثه ، لأنهم إنما یریدون عصمة البخاری من أجل عصمة المولی عمر ! إنهم یقولون: الخلیفة قال برؤیة الله بالعین ، والقول ما قاله عمر ، وانتهی الکلام .

وإذا وصل الأمر إلی هذا ، فعلی المسلم أن یسکت کما سکت نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو علی فراش الموت عندما صاحوا فی وجهه ( القول ما قاله عمر ) عندما کرروا شعارهم فی وجهه قال لهم: قوموا عنی ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم !

ص: 456

تفسیر آیات التجلی لموسی (علیه السّلام)

قال اللّه تعالی: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسَی صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ. الأعراف : 143 .

قال أهل البیت (علیهم السّلام): تجلی بنوره الذی خلقه ، لا بذاته

الإمام الرضا یدفع التهم عن الأنبیاء (علیهم السّلام)

روی الصدوق فی کتابه التوحید/118-122:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله)قال: حدثنا علی بن الحسین السعد آبادی، عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی ، عن أبیه محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبی الصالح ، عن عبدالله بن عباس فی قوله عز وجل: « فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ » قال یقول: سبحانک تبت إلیک من أن أسألک الرؤیة ، وأنا أول المؤمنین بأنک لا تری .

قال محمد بن علی بن الحسین مصنف هذا الکتاب (رض): إن موسی(علیه السّلام)

ص: 457

علم أن الله عز وجل لا یجوز علیه الرؤیة ، وإنما سأل الله عز وجل أن یریه ینظر إلیه عن قومه حین ألحوا علیه فی ذلک ، فسأل موسی ربه ذلک من غیر أن یستأذنه فقال: قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ، فی حال تدکدکه فسوف ترانی. ومعناه أنک لا ترانی أبداً، لأن الجبل لا یکون ساکناً متحرکاً فی حال أبداً ، وهذا مثل قوله عز وجل: وَلا یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیَاطِ، ومعناه أنهم لا یدخلون الجنة أبداً کما لا یلج الجمل فی سم الخیاط أبداً .

فلما تجلی ربه للجبل: أی ظهر بآیة من آیاته ، وتلک الآیة نور من الأنوار التی خلقها ألقی منها علی ذلک الجبل ، فجعله دکا وخر موسی صعقا ، من هول تدکدک ذلک الجبل علی عظمه وکبره ، فلما أفاق قال سبحانک تبت إلیک ، أی رجعت إلی معرفتی بک عادلاً عما حملنی علیه قومی من سؤالک الرؤیة ، ولم تکن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبیاء لا یذنبون ذنباً صغیراً ولا کبیراً ، ولم یکن الإستیذان قبل السؤال بواجب علیه ، لکنه کان أدباً أن یستعمله ویأخذ به نفسه متی أراد أن یسأله .

علی أنه قد روی قوم أنه قد استأذن فی ذلک فأذن له لیعلم قومه بذلک أن الرؤیة لا تجوز علی الله عز وجل .

وقوله: وأنا أول المؤمنین ، یقول أنا أول المؤمنین من القوم الذین کانوا معه وسألوه أن یسأل ربه أن یریه ینظر إلیه ، بأنک لا تری .

والأخبار التی رویت فی هذا المعنی وأخرجها مشایخنا رضی الله عنهم فی مصنفاتهم عندی صحیحة ، وإنما ترکت إیرادها فی هذا الباب خشیة أن

ص: 458

یقرأها جاهل بمعانیها فیکذب بها فیکفر بالله عز وجل وهو لا یعلم . . . .

ومعنی الرؤیة الواردة فی الأخبار العلم، وذلک أن الدنیا دار شکوک وارتیاب وخطرات ، فإذا کان یوم القیامة کشف للعباد من آیات الله وأموره فی ثوابه وعقابه ما تزول به الشکوک ، وتعلم به حقیقة قدرة الله عز وجل .

وتصدیق ذلک فی کتاب الله عز وجل: لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَکَشَفْنَا عَنْکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ ، فمعنی ما روی فی الحدیث أنه عز وجل یری أی یعلم علماً یقینیاً ، کقوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إلی رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ. وقوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِی حَاجَّ إِبْرَاهِیمَ فِی رَبِّهِ، وقوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ: وقوله: أَلَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحَابِ الْفِیلِ ، وأشباه ذلک من رؤیة القلب ولیست من رؤیة العین .

وأما قول الله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل بآیة من آیات الآخرة التی تکون بها

الجبال سراباً ، والذی ینسف بها الجبال نسفاً ، تدکدک الجبل فصار تراباً ، لأنه لم یطق حمل تلک الآیة ، وقد قیل إنه بدا له نور العرش... .

وتصدیق ما ذکرته ما حدثنا به تمیم القرشئ ، عن أبیه ، عن حمدان بن سلیمان ، عن علی بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علی بن موسی (علیهم السّلام) فقال له المأمون: یا ابن رسول الله ألیس من قولک: إن الأنبیاء معصومون قال: بلی ، فسأله عن آیات من القرآن فکان فیما سأل أن قال له: فما معنی قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا

ص: 459

وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی، الآیة کیف یجوز أن یکون کلیم الله موسی بن عمران (علیه السّلام) لا یعلم أن الله تعالی ذکره لا یجوز علیه الرؤیة حتی یسأله عن هذا السؤال .

فقال الرضا(علیه السّلام): إن کلیم الله موسی بن عمران(علیه السّلام)علم أن الله تعالی عن أن یری بالأبصار ، ولکنه لما کلمه الله عز وجل وقربه نجیاً رجع إلی قومه فأخبرهم أن الله عز وجل کلمه وقربه وناجاه ، فقالوا: لن نؤمن لک حتی نسمع کلامه کما سمعت وکان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعین ألفاً ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعین رجلاً لمیقات ربه ، فخرج بهم إلی طور سیناء فأقامهم فی سفح الجبل ، وصعد موسی(علیه السّلام)إلی الطور ، وسأل الله تبارک وتعالی أن یکلمه ویسمعهم کلامه ، فکلمه الله تعالی ذکره وسمعوا کلامه من فوق وأسفل ویمین وشمال ووراء وأمام ، لأن الله عز وجل أحدثه فی الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتی سمعوه من جمیع الوجوه ، فقالوا: لن نؤمن لک بأن هذا الذی سمعناه کلام الله حتی نری الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظیم واستکبروا وعتوا بعث الله عز وجل علیهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسی: یا رب ما أقول لبنی إسرائیل إذا رجعت إلیهم وقالوا: إنک ذهبت بهم فقتلتهم لانک لم تکن صادقاً فیما ادعیت من مناجاة الله ، إیاک فأحیاهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنک لوسألت الله أن یریک تنظر إلیه لأجابک، وکنت تخبرنا کیف هو فنعرفه حق معرفته ! فقال موسی(علیه السّلام): یا قوم إن الله لا یری بالأبصار ولا کیفیة له ، وإنما یعرف بآیاته ویعلم بأعلامه. فقالوا: لن

ص: 460

نؤمن لک حتی تسأله فقال موسی(علیه السّلام): یا رب إنک قد سمعت مقالة بنی إسرائیل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحی الله جل جلاله إلیه: یا موسی اسألنی ما سألوک فلن أؤاخذک بجهلهم ، فعند ذلک قال موسی(علیه السّلام): قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ ، وهو یهوی ، فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَخَرَّ مُوسَی صَعِقًا ، فلما أفاق قال سبحانک تبت إلیک ، یقول: رجعت إلی معرفتی بک عن جهل قومی ، وأنا أول المؤمنین ، منهم بأنک لا تری .

فقال المأمون: لله درک یا أبا الحسن . . . الخبر . . .

ولو أوردت الأخبار التی رویت فی معنی الرؤیة لطال الکتاب بذکرها وشرحها وإثبات صحتها ، ومن وفقه الله تعالی ذکره للرشاد آمن بجمیع ما یرد عن الأئمة (علیهم السّلام) بالاسانید الصحیحة وسلم لهم ، ورد الأمر فیما اشتبه علیه إلیهم ، إذ کان قولهم قول الله وأمرهم أمره ، وهم أقرب الخلق إلی الله عز وجل وأعلمهم به ، صلوات الله علیهم أجمعین .

وقال فی علل الشرائع:2/497:

حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی العلوی الحسینی(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن إبراهیم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زیاد القطان قال: حدثنی أبوالطیب أحمد بن محمد بن عبدالله قال حدثنی عیسی بن جعفر العلوی العمری عن آبائه عن عمر بن علی عن أبیه علی بن أبی طالب(علیه السّلام)أنه سئل مم خلق الله الذر الذی یدخل فی کوة البیت ؟ فقال: إن موسی(علیه السّلام): لما قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، قال الله تعالی: إن استقر الجبل لنوری فإنک ستقوی

ص: 461

علی أن تنظر إلی ، وإن لم یستقر فلا تطیق إبصاری لضعفک ، فلما تجلی الله تبارک وتعالی للجبل تقطع ثلاث

قطع ، فقطعة ارتفعت فی السماء ، وقطعة غاصت تحت الأرض ، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلک الغبار ، غبار الجبل.

تفسیر العیاشی:2/26:

عن أبی بصیر عن أبی جعفر وأبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لما سأل موسی ربه تبارک وتعالی: قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی ، قال: فلما صعد موسی علی الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائکة أفواجاً فی أیدیهم العمد وفی رأسها النور ، یمرون به فوجاً بعد فوج یقولون: یابن عمران أثبت فقد سألت عظیماً ، قال: فلم یزل موسی واقفاً حتی تجلی ربنا جل جلاله ، فجعل الجبل دکاً وخر موسی صعقاً ، فلما أن رد الله إلیه روحه أفاق قال: سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین .

قال ابن أبی عمیر: وحدثنی عدة من أصحابنا أن النار أحاطت به ، حتی لا یهرب من هول ما رأی .

وقال الشریف المرتضی فی أمالیه:4/125:

فإن قیل: کیف یجوز منه علیه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤیة علیه تعالی أن یسأل فیها لقومه ، ولئن جاز ذلک لیجوزن أن یسأل لقومه سائر ما یستحیل علیه تعالی من کونه جسماً وماأشبهه متی شکوا فیه .

قلنا: إنما صح ما ذکرناه فی الرؤیة ولم یصح فیما سألت عنه لأنه مع الشک

ص: 462

فی جواز الرؤیة التی لا یقتضی کونه جسماً یمکن معرفة السمع وأنه تعالی حکیم صادق فی إخباره ، فیصح أن یعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالی استحالة ما شکوا فی صحته وجوازه ، ومع الشک فی کونه جسماً لا یصح معرفة السمع فلا یقع بجوابه انتفاع ولا علم . .

وقد قال بعض من تکلم فی هذه الآیة قد کان جائزاً أن یسأل موسی(علیه السّلام) لقومه ما یعلم استحالته وإن کانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متی کان المعلوم أن فی ذلک صلاحاً للمکلفین فی الدین ، وإن ورود الجواب یکون لطفاً لهم فی النظر فی الأدلة وإصابة الحق منها ، غیر أن من أجاب بذلک شرط أن یتبین فی مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه فی السؤال ورود الجواب لیکون لطفاً . .

والجواب الثانی فی الآیة أن یکون موسی(علیه السّلام)إنما سأل ربه أن یعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التی تضطره إلی المعرفة فتزول عنه الدواعی والشکوک والشبهات ویستغنی عن الإستدلال فتخف المحنة علیه بذلک ، کما سأل إبراهیم(علیه السّلام)ربه تعالی أن یریه کیف یحیی الموتی طلباً للتخفیف علیه بذلک ، وإن

کان قد عرف ذلک قبل أن یراه ، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤیة فإن الرؤیة تفید العلم کما تفید الإدراک بالبصر ، وذلک أظهر من أن یستدل علیه أو یستشهد به ، فقال له جل وعز: لن ترانی ، أی لن تعلمنی علی هذا الوجه الذی التمسته منی ، ثم أکد تعالی ذلک بأن أظهر فی الجبل من آیاته وعجائبه ما دل به علی أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضروریة فی الدنیا مع التکلیف وبیانه لا یجوز ، وأن الحکمة تمنع منه .

ص: 463

والوجه الأول أولی لما ذکرناه من الوجوه ولانه لا یخلو موسی(علیه السّلام)من أن یکون شاکاً فی أن المعرفة ضروریة لا یصح حصولها فی الدنیا أو عالماً بذلک ، فإن کان شاکاً فهذا مما لا یجوز علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأن الشک فیما یرجع إلی أصول الدیانات وقواعد التکلیف لا یجوز علیهم سلام الله علیهم، لا سیما وقد یجوز أن یعلم ذلک علی الحقیقة بعض أمتهم فیزید علیهم فی المعرفة ، وهذا أبلغ فی التنفیر عنهم من کل شئ یمنع منه فیهم. وإن کان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن یقال إنه سأل لقومه ، فیعود إلی معنی الجواب الأول .

والجواب الثالث فی الآیة ، ما حکی عن بعض من تکلم فی هذه الآیة من أهل التوحید وهو أن قال: یجوز أن یکون موسی(علیه السّلام)فی وقت مسألته ذلک کان شاکاً فی

جواز الرؤیة علی الله تعالی فسأل ذلک لیعلم هل یجوز علیه أم لا ، قال ولیس شکه فی ذلک بمانع من أن یعرف الله تعالی بصفاته بل یجری مجری شکه فی جواز الرؤیة علی بعض ما لا یری من الاعراض فی أنه غیر مخل بما یحتاج إلیه فی معرفته تعالی .

قال: ولا یمتنع أن یکون غلطه فی ذلک ذنباً صغیراً وتکون التوبة الواقعة منه لاجل ذلک .

وهذا الجواب یبعد من قبل أن الشک فی جواز الرؤیة التی لاتقتضی تشبیهاً ، وإن کان لا یمنع من معرفته تعالی بصفاته فإن الشک فی ذلک لا یجوز علی الأنبیاء (علیهم السّلام) من حیث یجوز من بعض من بعثوا إلیه أن یعرف ذلک علی الحقیقة فیکون النبی صلی الله علیه شاکاً فیه وغیره عارفاً به مع رجوعه إلی

ص: 464

المعرفة بالله تعالی وما یجوز علیه وما لا یجوز علیه ، وهذا أقوی فی التنفیر وأزید علی کل ما وجب أن یجنبه الأنبیاء (علیهم السّلام) .

فإن قیل: فعن أی شئ کانت توبة موسی(علیه السّلام)علی الجوابین المتقدمین ؟

قلنا: أما من ذهب إلی أن المسألة کانت لقومه ، فإنه یقول إنما تاب لأنه أقدم علی أن سأل علی لسان قومه ما لم یؤذن له فیه ، ولیس للأنبیاء ذلک لأنه لا یؤمن أن یکون الصلاح فی المنع منه فیکون ترک إجابتهم إلیه منفراً عنهم.

ومن ذهب إلی أنه سأل المعرفة الضروریة یقول إنه تاب من حیث سأل معرفة لا یقتضیها التکلیف. وعلی جمیع الأحوال تکون التوبة من ذنب صغیر لا یستحق علیه العقاب ولا الذم .

والأولی أن یقال فی توبته علیه الصلاة والسلام: إنه لیس فی الآیة ما یقتضی أن تکون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر یرجع إلیها ، وقد یجوز أن یکون ذلک منه إما لذنب صغیر تقدم تلک الحال أو تقدم النبوة ، فلا یرجع إلی سؤال الله تعالی الرؤیا أو ما أظهره من التوبة علی سبیل الرجوع إلی الله تعالی وإظهار الإنقطاع إلیه والتقرب منه وإن لم یکن هناک ذنب صغیر ، وقد یجوز أیضاً أن یکون الغرض فی ذلک مضافاً إلی ما قلناه تعلیماً وتوقیفاً علی ما نستعمله وندعوه به عند الشدائد ونزول الأهوال وتنبیه القوم المخطئین خاصة علی التوبة مما التمسوه من الرؤیة المستحیلة علیه تعالی ، فإن الأنبیاء(علیهم السّلام) وإن لم یقع منهم القبیح عندنا فقد یقع من غیرهم ویحتاج من رفع ذلک عنه إلی التوبة من الإستقالة..

فأما قوله تعالی: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فإن التجلی هاهنا هو التعریف

ص: 465

والإعلام والإظهار لما یقتضی المعرفة ، کقولهم هذا کلام جلی أی واضح ظاهر ، وکقول الشاعر:

تجلی لنا بالمشرفیة والقنا

وقد کان عن وقع الاسنة نائیا

أراد أن تدبیره دل علیه حتی علم أنه المدبر له وإن کان نائیاً فأقام ما أظهره من دلالة فعله علی مقام مشاهدته وعبر عنه بأنه تجلی منه .

وفی قوله تعالی ( للجبل ) وجهان ، أحدهما ، أن یکون المراد لأهل الجبل ومن کان عند الجبل فحذف کما قال تعالی: واسأل القریة ، وما بکت علیهم السماء والأرض ، وقد علمنا أنه بما أظهره من الآیات إنما دل من کان عند الجبل علی أن رؤیته تعالی غیر جائزة. والوجه الآخر ، أن یکون المعنی للجبل أی بالجبل ، فأقام اللام مقام الباء کما قال تعالی: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ ، أی به ، وکما تقول: أخذتک لجرمک أی بجرمک ، ولما کانت الآیة الدالة علی منع ما سأل إنما حلت الجبل وظهرت فیه جاز أن یضاف التجلی إلیه .

وقد استدل بهذه الآیة کثیر من العلماء الموحدین علی أنه تعالی لا یری بالأبصار من حیث نفی الرؤیة نفیاً عاماً بقوله تعالی: لَنْ تَرَانِی ، ثم أکد ذلک بأن علق الرؤیة باستقرار الجبل الذی علمنا أنه لم یستقر ، وهذه طریقة للعرب معروفة فی تبعید الشئ لأنهم یعلقونه بما یعلم أنه لا یکون کقولهم: لا کلمتک ما أضاء الفجر وطلعت الشمس ،

وکقول الشاعر:

إذا شاب الغراب رجوت أهلی

وصار القیر کاللبن الحلیب

بحار الأنوار:3/45: أورد روایة الصدوق الأولی عن الأمالی والتوحید وقال:

ص: 466

بیان: إعلم أن المنکرین للرؤیة والمثبتین لها کلیهما استدلوا بما ورد فی تلک القصة علی مطلوبهم ، فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهین:

الأول: أن موسی(علیه السّلام)سأل الرؤیة ولو امتنع کونه تعالی مرئیاً لما سأل ، لأنه حینئذ إما أن یعلم امتناعه أو یجهله فإن علمه فالعاقل لا یطلب المحال لأنه عبث ، وإن جهله فالجاهل بما لا یجوز علی الله تعالی ویمتنع لا یکون نبیاً کلیماً .

وأجیب عنه بوجوه: الأول: ما ورد فی هذا الخبر من أن السؤال إنما کان بسبب قومه لا لنفسه ، لأنه کان عالماً بامتناعها ، وهذا أظهر الوجوه واختاره السید الأجل المرتضی فی کتابی تنزیه الأنبیاء وغرر الفوائد ، وأیده بوجوه:

منها ، حکایة طلب الرؤیة من بنی إسرائیل فی مواضع کقوله تعالی: فقد سألوا موسی أکبر من ذلک فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. وقوله تعالی: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَی أَکْبَرَ مِنْ ذَلِکَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ

الصَّاعِقَةُ ؟؟ وأنتم تنظرون؟؟ . ومنها ، أن موسی(علیه السّلام)أضاف ذلک إلی السفهاء ، قال الله تعالی: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِیَّایَ أَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. وإضافة ذلک إلی السفهاء تدل علی أنه کان بسببهم ومن أجلهم حیث سألوا ما لا یجوز علیه تعالی.

فإن قیل: فلم أضاف السؤال إلی نفسه ووقع الجواب مختصاً به .

قلنا: لا یمتنع وقوع الإضافة علی هذا الوجه ، مع أن السؤال کان لأجل الغیر إذا کانت هناک دلالة تؤمن من اللبس، فلهذا یقول أحدنا إذا شفع فی حاجة غیره للمشفوع إلیه: أسألک أن تفعل بی کذا وتجیبنی إلی ذلک ، ویحسن أن

ص: 467

یقول المشفوع إلیه: قد أجبتک وشفعتک ، وما جری مجری ذلک ، علی أنه قد ذکر فی الخبر ما یغنی عن هذا الجواب .

وأما ما یورد فی هذا المقام من أن السؤال إذا کان للغیر ، فأی جرم کان لموسی حتی تاب منه ؟

فأجاب(رحمه الله)بحمل التوبة علی معناها اللغوی أی الرجوع ، أی کنت قطعت النظر عما کنت أعرفه من عدم جواز رؤیتک ، وسألت ذلک للقوم فلما انقضت المصلحة فی ذلک ترکت هذا السؤال ورجعت إلی معرفتی بعدم جواز رؤیتک وما تقتضیه من عدم السؤال .

وأجاب السید قدس الله روحه عنه بأنه یجوز أن یکون التوبة لأمر آخر غیر هذا الطلب ، أو یکون ما أظهره من التوبة علی سبیل الرجوع إلی الله تعالی ، وإظهار الانقطاع إلیه والتقرب منه وإن لم یکن هناک ذنب .

والحاصل أن الغرض من ذلک إنشاء التذلل والخضوع ، ویجوز أن یضاف إلی ذلک تنبیه القوم المخطئین علی التوبة مما التمسوه من الرؤیة المستحیلة علیه. بل أقول یحتمل أن تکون التوبة من قبلهم کما کان السؤال کذلک .

الثانی: أنه(علیه السّلام)لم یسأل الرؤیة بل تجوز بها عن العلم الضروری لأنه لازمها ، وإطلاق اسم الملزوم علی اللازم شائع سیما استعمال رأی بمعنی علم وأری بمعنی أعلم ، والحاصل أنه سأله أن یعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التی تضطره إلی المعرفة ، فتزول عنه الدواعی والشکوک ، ویستغنی عن الإستدلال کما سأل إبراهیم(علیه السّلام): رب أرنی کیف تحیی الموتی .

الثالث: أن فی الکلام مضافاً محذوفاً أی أرنی آیة من آیاتک أنظر إلی

ص: 468

آیتک ، وحاصله یرجع إلی الثانی .

الرابع: أنه(علیه السّلام)سأل الرؤیة مع علمه بامتناعها لزیادة الطمأنینة بتعاضد دلیل العقل والسمع، کما فی طلب إبراهیم(علیه السّلام)، وحاصله یرجع إلی منع أن العاقل لا یطلب المحال الذی علم استحالته إذ یمکن أن یکون الطلب لغرض آخر غیر حصول المطلوب ، فلا یلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر علیه ، والعبث ما لا فائدة فیه أصلاً ، ولعل فی هذا السؤال فوائد عظیمة سوی ما ذکر أیضاً ولا یلزمنا تعیین الفائدة بل علی المستدل أن یدل علی انتفائها مطلقاً ، ونحن من وراء المنع ، ومما یستغرب من الأشاعرة أنهم أجمعوا علی أن الطلب غیر الإرادة ، واحتجوا علیه بأن الأمر ربما أمر عبده بأمر وهو لا یریده ، بل یرید نقیضه ، ثم یقولون هاهنا: بأن طلب ما علم استحالته لا یتأتی من العاقل .

الثانی من وجهی احتجاجهم: هو أنه تعالی علق الرؤیة علی استقرار الجبل وهو أمر ممکن فی نفسه ، والمعلق علی الممکن ممکن ، لأن معنی التعلیق أن المعلق یقع علی تقدیر وقوع المعلق علیه ، والمحال لا یقع علی شئ من التقادیر .

ویمکن الجواب عنه بوجوه ، أوجهها أن یقال: التعلیق إما أن یکون الغرض منه بیان وقت المعلق وتحدید وقوعه بزمان وشرط ، ومن البینِّ أن ما نحن فیه لیس من هذا القبیل. وإما أن یکون المطلوب فیه مجرد بیان تحقق الملازمة وعلاقة الاستلزام بأن یکون لافادة النسبة التی بین الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفین وعدم وقوعه ، ولا یخفی علی ذی

ص: 469

لب أن لا علاقة بین استقرار الجبل ورؤیته تعالی فی نفس الأمر ولا ملازمة. علی أن إفادة مثل هذا الحکم وهو تحقق علاقة اللزوم بین هاتین القضیتین لا یلیق بسیاق مقاصد القرآن الحکیم مع ما فیه من بعده عن مقام سؤال الکلیم ، فإن المناسب لما طلب من الرؤیة بیان وقوعه ولا وقوعه ، لا مجرد إفادة العلاقة بین الأمرین فالصواب حینئذ أن یقال: المقصود من هذا التعلیق بیان أن الجزاء لا یقع أصلاً بتعلیقه علی ما لا یقع ، ثم هذا التعلیق إن کان مستلزماً للعلاقة بین الشرط والجزاء فواجب أن یکون إمکان الجزاء مستتبعاً لامکان الشرط ، لأن ماله هذه العلاقة مع المحال لا یکون ممکناً علی ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال، وإلا فلا وجه لوجوب إمکان الجزاء. والأول وإن کان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثانی أیضاً مذهب معروف للعرب کثیر الدوران بینهم ، وهو عمدة البلاغة ودعامتها ، ومن ذلک قول الشاعر:

إذا شاب الغراب أتیت أهلی

وصار القار کاللبن الحلیب

ومعلوم أن مشیب الغراب وصیرورة القار کالحلیب لا ملازمة بینهما وبین إتیان الشاعر أهله . ونظیره فی الکتاب الکریم کثیر کتعلیق خروج أهل النار منها علی ولوج الجمل فی سم الخیاط ، وبعید من العاقل أن یدعی علاقة

بینهما، وإذا کان ذلک التعلیق أمراً شائعاً کثیر الوقوع فی کلامهم فلا ترجیح للإحتمال الأول بل الترجیح معنا ، فإن البلاغة فی ذلک ، وأما إذا تحققت العلاقة فی الواقع بینهما وعلق علیه لمکان تلک العلاقة فلیس له ذلک الموقع من حسن القبول ، ألا تری أن المتمنی لوصال حبیبه المیت لو قال: إذا رجع

ص: 470

الموتی إلی الدنیا أمکن لی زیارة الحبیب ، لم یکن کقول الصب المتحسر علی مفارقة الاحباء: متی أقبل الامس الدابر وحیی المیت الغابر طمعت فی اللقاء .

وأیضاً لا یخفی علی ذی فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بین استقرار الجبل فی تلک الحال وبین رؤیته تعالی بحیث لو فرض وقوع ذلک الاستقرار امتنع أن لا تقع رؤیته تعالی ، مستبعد جداً یکاد یجزم العقل ببطلانه ، فإذن المقصود من ذلک الکلام مجرد بیان انتفائه بتعلیقه علی أمر غیر واقع ، ویکفی فی ذلک عدم وقوع المعلق علیه ، ولا یستدعی امتناع المعلق امتناعه. ولو سلم فنقول: إن المعلق علیه هو الإستقرار لا مطلقاً بل فی المستقبل وعقیب النظر ، بدلالة الفاء وإن ، وذلک لأنه إذا دخلت الفاء علی إن تفید اشتراط التعقیب لا تعقیب الإشتراط ، فالشرط هاهنا وقوع الإستقرار عقیب النظر ، والنظر ملزوم لوقوع حرکة الجبل عقیبه ، فوقوع السکون عقیبه محال لإستحالة وقوع الشئ عقیب ما یستعقب منافی ذلک الشئ ویستلزم وقوعه عقیبه .

وأما أن النظر لا یستلزم اندکاک الجبل وتزلزله ولا علاقة بینه وبینه وإنما هو مصاحبة اتفاقیة فممنوع ، ولعل النظر ملزوم للحرکة کما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤیته تعالی، وتحقق العلاقة بین النظر والحرکة لیس بأبعد من تحقق العلاقة بین الإستقرار والرؤیة .

ولنقتصر علی ذلک فإن إطناب الکلام فی کل من الدلائل والأجوبة یوجب الخروج عما هو المقصود من الکتاب .

ص: 471

وأما المنکرون فاحتجوا بقوله تعالی: لَنْ تَرَانی ، إن کلمة لن تفید إما تأبید النفی فی المستقبل ، کما صرح به الزمخشری فی أنموذجه ، فیکون نصاً فی أن موسی(علیه السّلام)لا یراه أبداً ، أو تأکیده علی ما صرح به فی الکشاف ، فیکون ظاهراً فی ذلک لأن المتبادر فی مثله عموم الاوقات ، وإذا لم یره موسی لم یره غیره إجماعاً .

وإن نوقش فی کونها للتأکید أو للتأبید فکفاک شاهداً استدلال أئمتنا (علیهم السّلام) بها علی نفی الرؤیة مطلقاً ، لانهم أفصح الفصحاء طراً باتفاق الفریقین ، مع أنا لکثرة براهیننا لا نحتاج إلی الأکثار فی دلالة هذه الآیة علی المطلوب .

وقال فی هامشه: قال الرضی فی تلخیصه:

هذه استعارة علی أحد وجهی التأویل وهو أن یکون المعنی: فلما حقق تعالی بمعرفته لحاضری الجبل الآیات التی أحدثها فی العلم بحقیقته عوارض الشبه وخوالج الریب ، وکأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب .

شرح الأسماء الحسنی:1/185 - 191:

واحتج الأشاعرة بحجة عقلیة کلامیة لا نطیل الکلام بذکرها ، وأدلة نقلیة منها قوله تعالی حکایة عن موسی(علیه السّلام): رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی .

والإحتجاج به من وجهین ، أحدهما ، أن موسی سأل الرؤیة فلو استحالت کان سؤاله(علیه السّلام)إما عبثاً إن علم المحالیة وإما جهلاً إن لم یعلم ، وکلاهما محالان علی النبی ولاسیما أنه کلیم الله ، کیف والنبی یدعو إلی العقاید الحقة والأعمال الصالحة. وثانیهما ، أنه تعالی علق الرؤیة علی استقرار

ص: 472

الجبل ، وهو أمر ممکن فی نفسه فکذا ما علق علیه .

واعترض علی الأول ، بأن سؤال موسی(علیه السّلام)عن لسان قومه بدلیل قوله تعالی: لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً ، وقوله تعالی: أَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ .

وأجیب بأنه مع مخالفته للظاهر حیث لم یقل أرهم ینظروا إلیک، وهو فاسد، أما أولاً فلانهم لما قالوا أرنا الله جهرة زجرهم بأخذ الصاعقة فلم یحتج إلی سؤال الرؤیة ولیس أخذ الصاعقة دلیلاً لهم لجواز أن یکون ذلک لقصدهم إعجاز موسی(علیه السّلام)عن إتیان ما طلبوه عناداً ، أو لعدم قابلیتهم بما هم منهمکون فی الدنیا ، ولذا قال الأشاعرة: المؤمنون یرونه تعالی فی الآخرة .

وأما ثانیاً ، فلان تجویز الرؤیة باطل عند المعتزلة فلا یجوز لموسی(علیه السّلام) تأخیر رد الرؤیة وتقریر الباطل ، ألا تری أنهم لما قالوا إجعل لنا إلهاً کما لهم آلهة ، رد علیهم من ساعة بقوله: إنکم قوم تجهلون .

وعلی الوجه الثانی بأنها علقت علی الاستقرار عقیب النظر بدلیل الفاء وکلمة إن ، وهو حالة الاندکاک ، ولا نسلم إمکان الاستقرار حینئذ. والجواب: أن الاستقرار حال الحرکة ممکن لا بشرط الحرکة کما أن قیام زید ممکن حال قعوده لا بشرط قعوده .

ص: 473

أنواع التجلی الإلهی

شرح الأسماء الحسنی:2/5:

بیان ذلک: أن لله تعالی تجلیات: تجل ذاتی هو تجلی ذاته بذاته علی ذاته ، إذ لم یکن إسم ولا رسم .

وتجل صفاتی ، هو تجلی ذاته فی أسمائه الحسنی وصفاته العلیا علی وجه یستتبع تجلیه فی صور أسمائه وصفاته ، أعنی الأعیان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات لزوماً غیر متأخر فی الوجود ، بل هی هناک موجودة بوجود الأسماء الموجودة بوجود المسمی جل شأنه .

وهذا التجلی یسمی بالمرتبة الواحدیة ، کما أن الأول یسمی بالمرتبة الأحدیة .

وتجل أفعالی ، هو تجلی ذاته بفعله ، وهو الوجود الإنبساطی علی کل ماهیة ماهیة من الدراة البیضاء إلی ذرة الهباء ، فی کل من الجبروت والملکوت والناسوت بحسبه. وهذا مسمی بالرحمة الفعلیة ، کما أن الثانی مسمی بالرحمة الصفتیة ، وهذا بالفیض المقدس وذاک بالفیض الأقدس .

وصبح الأزل یمکن أن یراد به الثانی ، کما یمکن أن یراد به الثالث .

وبیان النطق الحقیقی للصباح سواء کان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعنی: أن النطق الظاهری اللفظی إنما یکون نطقاً لکونه وجوداً کاشفاً عن وجود ذهنی وهو عن وجود عینی ، لا لکون خصوصیة الصوت معتبرة فیه حتی لو لم یکن صوتاً لم یکن نطقاً ، وإنما هذه بالمواضعة للتسهیل. کما أن

ص: 474

کاشفیته عن وجود آخر ذهنی بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع ، ولو کان بالطبع لأکد نطقیته کما فی الوجودات الذهنیة بالنسبة إلی الوجودات العینیة ، ولذا تسمی العقول المدرکة للکلیات نواطق والنفس ناطقة وقیل شعراً:

إن الکلام لفی الفؤاد وإنما جعل اللسان علی الفؤاد دلیلا

والأشاعرة ذهبوا إلی الکلمات النفسیة ، ولکن لاوجه للتخصیص ، فإذن إن کان بدل الکیفیات المسموعة الموضوعة أشیاء أخری موضوعة ، بحیث یکون حضور الأشیاء الدالة منشأ لحضور الأشیاء المدلولة فی الذهن ، کان حالها حینئذ حالها .

تفسیر عرفانی لعدم إمکان رؤیة الله تعالی

شرح الأسماء الحسنی:1/210:

( یا من لا تدرک الأفهام جلاله ، یا من لا تنال الأوهام کنهه )

کما قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله احتجب عن العقول کما احتجب عن الأبصار ، وإن الملأ الأعلی یطلبونه کما تطلبونه أنتم. ولذلک یطلق علی الذات باعتبار الحضرة الأحدیة غیب الغیوب والغیب المطلق والغیب المکنون والغیب المصون والمنقطع الوحدانی ومنقطع الإشارات والتجلی الذاتی والکنز المخفی والعماء ، وغیر ذلک .

وإنما لا یدرک کنه الذات لما تقرر أنه إذا جاوز الشئ حده انعکس ضده فإذا کان ظهوره فی قصیا مراتب الظهور أنتج غایة الخفاء وانعکس عکس

ص: 475

الجلاء .

وأیضاً لما کان قهاراً للکل فلم یبق أحد فی سطوع نوره حتی یراه ، بل یتلاشی ویضمحل بتأجج نار محیاه .

وأیضاً هو تعالی بکل شئ محیط ، والمحیط لا یصیر محاطاً . . . .

الله تعالی یتجلی بخلقه

شرح الأسماء الحسنی:1/150:

( یا من فی الآفاق آیاته )

أی فی النواحی من عوالم الوجود علاماته ، والاسم مأخوذ من الآیة أعنی قوله تعالی: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ ، وفی التعبیر بالآیات إشارة إلی أن عالم الافاق کتاب تکوینی له کالکتاب التدوینی ، کما قال الإمام الغزالی: العالم کله تصنیف الله ، وقیل بالفارسیة:

به نزد آنکه جانش در تجلی است همه

عالم کتاب حق تعالی است

عرض اعراب وجوهر چون حروفست مراتب همچو

آیات وقوفست از هر عالمی چون سوره خاص یکی زان فاتحه وآن دیگر اخلاص وفی الإکتفاء بالآفاق فی الإسم إشارة إلی تطابق الکتاب الآفاقی والکتاب الأنفسی وأن کلاً منهما تام فیه جمیع ما فی الآخر .

قال ابن جمهور: الکتب ثلاثة: الآفاقی والقرآنی والانفسی، فمن قرأ الکتاب القرآنی الجمعی علی الوجه الذی ینبغی فکمن قرأ الکتاب الآفاقی بأسره

ص: 476

إجمالاً وتفصیلاً ، ومن قرأ الکتاب الآفاقی علی الوجه المذکور فکمن قرأ الکتاب الأنفسی إجمالاً وتفصیلاً ، ولهذا اکتفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بواحد منهما فی معرفته تعالی بقوله: من عرف نفسه فقد عرف ربه ، لأنه کان عارفاً بأن من یعرف نفسه علی ما ینبغی ویطالع کتابه علی ما هو علیه فی نفسه یعرف ربه علی ما ینبغی ، وإلیه الإشارة بقوله تعالی: إقرأ کتابک کفی بنفسک الیوم علیک حسیبا .

وکذلک من طالع الکتاب القرآنی علی وجه التطبیق تجلی له الحق تعالی فی صور ألفاظه وترکیبه وآیاته وکلماته تجلیاً معنویاً ، کما أشار إلیه أمیر المؤمنین(علیه السّلام)بقوله: لقد تجلی لعباده فی کلامه ولکن لا یبصرون .

ومن طالع الکتاب الافاقی علی ما هو علیه تجلی له الحق تعالی فی صور مظاهره الأسمائیة وملابسه الفعلیة الکونیة المسماة بالحروف والکلمات والآیات ، المعبر عنها بالموجودات العلویة والسفلیة والمخلوقات الروحانیة والجسمانیة علی الإطلاق والتعیین تجلیاً شهودیاً عیانیاً ، لأنه لیس فی الوجود سوی الله وصفاته وأسمائه وأفعاله ، فالکل هو وبه ومنه وإلیه .

ومن طالع الکتاب الأنفسی الصغیر الإنسانی وطبقه بالکتاب الآفاقی تجلی له الحق تعالی فی الصورة الإنسانیة الکاملة والنشأة الحقیقیة الجامعة ، تجلیاً ذاتیاً شهودیاً عیانیاً بحسب ما یشاهده فی کل عین من حروفه وکلماته وآیاته ، المعبر عنها بالقوی والأعضاء والجوارح .

فکل من طالع کتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهریتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها ، عرف الحق وشاهده وعرف

ص: 477

أنه محیط بالأشیاء وصورها ومعانیها عالیها وسافلها شریفها وخسیسها ، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غیر تغیر فی ذاته وحقیقته .

قالوا: وکذلک الحق إذا أراد أن یشاهد نفسه فی المرآة الکاملة الذاتیة الجامعة یشاهدها فی الإنسان الکامل بالفعل ، وفی غیر الکامل بالقوة لأنه مظهر الذات الجامعة لا غیر ... ومن هذا قیل: أراد الله أن یظهر ذاته الجامعة فی صورة جامعة فأظهرها فی صورة الإنسان ، وأراد أن یظهر الأسماء والصفات والأفعال فی صورة کاملة مفصلة فأظهرها فی صورة العالم .

أقول: فی هذا التقسیم لکتب الکون تأملات فکریة وروحیة مفیدة ، ولا شک فی صحة القول بأن الله تعالی قد تجلی بخلقه بمعنی من معانی التجلی، ولکن قولهم بأنه تعالی خلق الإنسان لیکون مظهراً تتجلی به ذاته ، وخلق الکون لیکون مظهراً لاسمائه ، کلام جمیل لو وجد علیه دلیل. وإلا فمن أین للعرفانی والفیلسوف أن یعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاک ؟ إن الدلیل علی ذلک منحصر بإخباره تعالی عن أهدافه عن طریق أنبیائه وأوصیائهم ، وما ربما یجزم به العقل . . وما سوی ذلک فهو ظنون من عقولنا واحتمالات ، لا یمکننا أن ننسبها إلی الله تعالی !

کما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفین والعرفانیین یمیلون إلی قبول أحادیث التشبیه بلا تحقیق فی سندها ، ویحاولون الإستشهاد بها علی أفکارهم ، بل قد یبنون علیها نظریاتهم ، مع أن الحدیث لا وجود له ! أو له وجود فی المصادر لکن ورد عن الأئمة (علیهم السّلام) أو عن علماء الجرح والتعدیل تکذیبه ، کما رأیت فی حدیث ( خلق الله آدم علی صورته ) !

ص: 478

وهذا البلاء عام فی مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشیعة !

تفسیرهم الموافق لمذهبنا

قال النویری فی نهایة الإرب:7 جزء 13/211:

واختلف العلماء فی معنی التجلی ، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل. . . فقام موسی یسبح الله تعالی ویقول: آمنت أنک ربی وصدقت أنه لا یراک أحد .

وأورد السیوطی فی الدر المنثور:3/118 - 123 بضع عشرة روایة فی بعضها تصریح بعدم إمکان الرؤیة فی الدنیا ، ولیس فیها ذکر خنصر الله تعالی ولا أصابعه ، وفی بعضها أن الله تعالی تجلی بأن أظهر خنصر یده ! وفی بعضها اتهامات لموسی(علیه السّلام)بما اتهمه الیهود ، وتأثر واضح بأساطیر الإسرائیلیات . . ونذکر منها هنا الروایات الموافقة لمذهبنا ، وشبه الموافقة . . قال السیوطی:

وأخرج ابن أبی حاتم وأبوالشیخ عن ابن عباس ، وخر موسی صعقا ، قال: غشی علیه إلا أن روحه فی جسده ، فلما أفاق قال لعظم ما رأی: سبحانک تنزیهاً لله من أن یراه. تبت إلیک ، رجعت عن الأمر الذی کنت علیه. وأنا أول المؤمنین ، یقول: أول المصدقین الآن أنه لا یراک أحد .

وأخرج ابن جریر وابن المنذر عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنین ، یقول: أنا أول من یؤمن أنه لا یراک شئ من خلقک .

وأخرج ابن أبی حاتم وأبو الشیخ عن مجاهد فی قوله: فلما تجلی ربه للجبل ، قال: کشف بعض الحجب .

ص: 479

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم وأبوالشیخ عن قتادة فی قوله: وخر موسی صعقاً ، أی میتاً. فلما أفاق ، قال: فلما رد الله علیه روحه ونفسه قال: سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین، أنه لن تراک نفس فتحیا .

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم وأبوالشیخ عن مجاهد فی قوله: تبت إلیک ، قال من سؤالی إیاک الرؤیة ، وأنا أول المؤمنین ، قال: أول قومی إیماناً .

وأخرج عبدبن حمید وأبوالشیخ عن أبی العالیة فی قوله: وأنا أول المؤمنین، قال: قد کان إذن قبله مؤمنون ، ولکن یقول أنا أول من آمن بأنه لا یراک أحد من خلقک إلی یوم القیامة .

وأخرج الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول وأبو نعیم فی الحلیة عن ابن عباس قال: تلا رسول الله(ص)هذه الآیة ، رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، قال قال الله عز وجل: یا موسی إنه لا یرانی حی إلا مات ، ولا یابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما یرانی أهل الجنة الذین لا تموت أعینهم ولا تبلی أجسادهم .

عبد بن حمید عن مجاهد قال: لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ ، فإنه أکبر منک وأشد خلقاً قال ، فلما تجلی ربه للجبل فنظر إلی الجبل لا یتمالک ، وأقبل الجبل یندک علی أوله ، فلما رأی موسی ما یصنع الجبل ، خر موسی صعقا .

وأخرج ابن مردویه عن أبی هریرة قال قال رسول الله(ص)لما أوحی الله إلی موسی بن عمران أنی مکلمک علی جبل طور سینا ، صار من مقام موسی

ص: 480

إلی الجبل طور سینا أربع فراسخ فی أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فکانت لیلة قر ، فجاء موسی حتی وقف بین یدی صخرة جبل طور سینا فإذا هو بشجرة خضراء الماء یقطر منها وتکاد النار تلفح من جوفها ، فوقف موسی متعجباً فنودی من جوف الشجرة یامیشا فوقف موسی مستمعاً للصوت ، فقال موسی من هذا الصوت العبرانی یکلمنی ؟ فقال الله له: یا موسی إنی لست بعبرانی إنی أنا الله رب العالمین ، فکلم الله موسی فی ذلک المقام بسبعین لغة لیس منها لغة إلا وهی مخالفة للغة الأخری ، وکتب له التوراة فی ذلک المقام ، فقال موسی: إلهی أرنی أنظر الیک ، قال: یا موسی إنه لا یرانی أحد إلا مات ، فقال موسی: إلهی أرنی أنظر إلیک وأموت ، فأجاب موسی جبل طور سینا: یا موسی بن عمران لقد سألت أمراً عظیماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فیهن والأرضون السبع ومن فیهن ، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت یا ابن عمران ، فقال موسی وأعاد الکلام: رَبِّ

أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، فقال: یا موسی انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسَی صَعِقًا ، مقدار جمعة فلما أفاق موسی مسح التراب عن وجهه وهو یقول: سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین ، فکان موسی بعد مقامه لا یراه أحد إلا مات ، واتخذ موسی علی وجهه البرقع فجعل یکلم الناس بقفاه ، فبینا موسی ذات یوم فی الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر یحفرون قبراً حتی انتهوا إلی الضریح ، فجاء موسی حتی أشرف علیهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر ، قالوا له لرجل کأنه أنت أو مثلک وفی طولک أو نحوک ، فلو نزلت

ص: 481

فقدرنا علیک هذا الضریح فنزل موسی فتمدد فی الضریح فأمر الله الأرض فانطبقت علیه ! انتهی .

وهذه واحدة من تهم الیهود لنبیهم موسی علی نبینا وآله و علیه السلام ، وهو یدل علی أن وجوده کان ثقیلاً علیهم ، حتی زعموا أن الله تعالی أراحهم منه بهذه الطریقة !!

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

مسند أحمد:3/125:

عن ثابت عن أنس بن مالک عن النبی(ص)فی قوله تعالی فَلَمَّاتَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال قال: هکذا ، یعنی أنه أخرج طرف الخنصر ! قال أبی أرانا معاذ، قال فقال له حمید الطویل: ما ترید إلی هذا یا أبا محمد ! قال فضرب صدره ضربة شدیدة وقال: من أنت یا حمید وما أنت یا حمید ! یحدثنی به أنس بن مالک عن النبی(ص)فتقول أنت: ما ترید إلیه !

مسند أحمد:3/209:

عن ثابت عن أنس بن مالک عن النبی(ص)فی قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، قال: فأومأ بخنصره ، قال فساخ .

میزان الاعتدال:1/593:

عن ثابت عن أنس أن النبی(ص)قرأ: فلما تجلی ربه للجبل. قال: أخرج طرف خنصره وضرب علی إبهامه ، فساخ الجبل. فقال حمید الطویل لثابت:

ص: 482

تحدث بمثل هذا قال: فضرب فی صدر حمید وقال: یقوله أنس ، ویقوله رسول الله(ص)وأکتمه أنا ! رواه جماعة عن حماد ، وصححه الترمذی .

مستدرک الحاکم:1/25:

. . . عن ثابت عن أنس (رض) أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال فی هذه الآیة فلما تجلی ربه للجبل جعله: بدا منه قدر هذا . . . عن ثابت عن أنس (رض)قال قرأ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بیده إلی نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد ،قال فساخ الجبل. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه .

مستدرک الحاکم:2/320:

عن ثابت عنه ( أنس ) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا، قال حماد: هکذا ووضع الأبهام علی مفصل الخنصر الأیمن ، قال فقال حمید لثابت: تحدث بمثل هذا ! قال فضرب ثابت صدر حمید ضربة بیده وقال: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یحدث به وأنا لا أحدث به ، هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم .

مستدرک الحاکم:2/576:

عن عکرمة عن ابن عباس رضی الله عنهما أن موسی بن عمران لما کلمه ربه أحب أن ینظر إلیه فقال: رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ ، قَالَ لَنْ تَرَانِی وَ لَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی ، فحف حول الجبل

ص: 483

الملائکة وحف حول الملائکة بنار ، وحف حول النار بملائکة وحف حول الملائکة بنار ، ثم تجلی ربک للجبل ، ثم تجلی منه مثل الخنصر فجعل الجبل دکاً وخر موسی صعقاً ما شاء الله ، ثم إنه أفاق فقال: سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین ، یعنی أول من آمن من بنی إسرائیل. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

عن أنس (رض) أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تلا هذه الآیة: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا ، أشار

حماد ووضع إبهامه علی مفصل الخنصر ، قال فساخ الجبل. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه .

بقیة روایات السیوطی فی الدر المنثور:3/118-123:

وأخرج أحمد وعبد بن حمید والترمذی وصححه ، وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن عدی فی الکامل وأبو الشیخ والحاکم وصححه ، وابن مردویه والبیهقی فی کتاب الرؤیة من طرق عن أنس بن مالک أن النبی (ص)قرأ هذه الآیة: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا ، قال هکذا وأشار بإصبعیه ووضع طرف إبهامه علی أنملة الخنصر ، وفی لفظ علی المفصل الأعلی من الخنصر ، فساخ الجبل وخر موسی صعقا. وفی لفظ فساخ الجبل فی الأرض فهو یهوی فیها إلی یوم القیامة .

وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم وأبو الشیخ والبیهقی فی الرؤیة عن ابن عباس: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، قال: ما تجلی منه إلا قدر الخنصر ، جعله دکاً ، قال تراباً وخر موسی صعقاً ، قال مغشیاً علیه .

وأخرج الطبرانی فی الأوسط عن ابن عباس أن رسول الله(ص)قال: لما

ص: 484

تجلی الله لموسی تطایر سبعة أجبال ، ففی الحجاز منها خمسة وفی الیمن اثنان ، فی الحجاز أحد وثبیر وحراء وثور وورقان ، وفی الیمن حصور وصیر .

وأخرج ابن مردویه عن ابن عمر قال قال رسول الله(ص)فی قوله: فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا ، قال: أخرج خنصره !

من هو قیس بن ثابت راوی حدیث خنصر الله تعالی

الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا فی الحدیث المرفوع إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، هو ثابت بن قیس غلام بنی أمیة ، ولذلک نعرض شیئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعدیل، ونلاحظ أن حمیداً الطویل الذی هو غلام کابلی من منطقة ثابت قد استنکر علی ثابت أن یروی هذا الحدیث الذی فیه تجسیم ، وأن الذهبی علی عادته فی مدح المجسمین وصف ثابتاً بالصادق ، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط ، قال ابن حبان فی کتاب المجروحین:1/206:

ثابت بن قیس أبو الغصن من أهل المدینة مولی عثمان بن عفان ، روی عنه ابن مهدی وابن أبی أویس ، وکان قلیل الحدیث کثیر الوهم فیما یرویه ، لا یحتج بخبره إذا لم یتابعه غیره علیه ، سمعت الحنبلی یقول: سمعت أحمد بن زهیر یقول: سئل یحیی بن معین عن ثابت بن قیس أبی الغصن فقال: ضعیف .

ص: 485

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:2/13:

20 - ی د س. البخاری فی جزء رفع الیدین وأبی داود والنسائی. ثابت بن قیس الغفاری مولاهم أبوالغصن المدنی. رأی أبا سعید الخدری وروی عن أنس ونافع بن جبیر بن مطعم وسعید المقبری وأبیه أبی سعید وخارجة بن زید بن ثابت وجماعة .

وعنه ، ابن مهدی ، وزید بن الحباب ، وإسماعیل ابن أبی أویس، والقعنبی ، وخالد بن مخلد ، وغیرهم . . . .

قال أبوطالب عن أحمد: ثقة ، وقال عباس عن ابن معین: لیس به بأس ، وقال فی موضع آخر حدیثه لیس بذاک وهو صالح ، وقال النسائی: لیس به بأس .

وقال ابن سعد مات سنة ( 168 ) وهو یومئذ ابن مائة سنة وکان قدیماً قد رأی الناس وروی عنهم ، وهو شیخ قلیل الحدیث .

وقال ابن أبی عدی هو ممن یکتب حدیثه .

قلت: وقال الآجری عن أبی داود: لیس حدیثه بذاک ، وقال مسعود الشحری عن الحاکم: لیس بحافط ولا ضابط . وقال ابن حبان فی الضعفاء: کان قلیل الحدیث کثیر الوهم فیما یرویه لا یحتج بخبره إذا لم یتابعه علیه غیره. وأعاده فی الثقات .

وترجم له الذهبی فی میزان الإعتدال ج1ص366 وقال فی سیر أعلام النبلاء: 7/25 أبوالغصن ، هو الشیخ العالم الصادق المعمر بقیة المشیخة أبوالغصن ثابت

ص: 486

بن قیس الغفاری ، مولاهم المدنی: عداده فی صغار التابعین .

یروی عن: أنس بن مالک ، وسعید بن المسیب ، ونافع بن جبیر . . . .

قال یحیی بن معین والنسائی: لیس به بأس. وقال ابن معین أیضاً فی روایة عباس: هو صالح ، لیس حدیثه بذاک ، وروی أحمد بن أبی خیثمة عن یحیی: ضعیف. قال ابن حبان: هو من موالی عثمان بن عفان. وکان قلیل الحدیث ، کثیر الوهم فیما یروی ، لا یحتج بخبره إذا لم یتابعه غیره علیه. وقال ابن عدی: یکتب حدیثه. انتهی .

ومن الملاحظ فی کتب الجرح والتعدیل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحادیث التشبیه والتجسیم ارتفعت مع العصور، حتی بلغت أوجها علی ید المجسمین من أمثال الذهبی ، وأن الوهابیین أهتموا بتعظیمهم ونشر کتبهم فی أنحاء العالم الإسلامی !!

تفسیر قوله تعالی: یوم یکشف عن ساق

قال تعالی: أَمْ لَکُمْ أَیْمَانٌ عَلَیْنَا بَالِغَةٌ إلی یَوْمِ الْقِیَامَةِ إِنَّ لَکُمْ لَمَا تَحْکُمُونَ سَلْهُمْ أَیُّهُمْ بِذَلِکَ زَعِیمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَکَاءُ فَلْیَأْتُوا بِشُرَکَائِهِمْ إِنْ کَانُوا صَادِقِینَ . یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَیُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ فَلا یَسْتَطِیعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ کَانُوا یُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . فَذَرْنِی وَمَنْ یُکَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِیثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ .

ص: 487

وَأُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ . القلم : 39 - 45 .

وقد تقدم قسم من تفسیر إخواننالهذه الآیة تحت عنوان ( بازار الأحادیث والآراء فی الرؤیة )

فسرها أهل البیت (علیهم السّلام) بکشف حجاب الآخرة وأهوالها

تفسیر نور الثقلین:5/395:

فی عیون الأخبار فی باب ما جاء عن الرضا(علیه السّلام)من الأخبار فی التوحید بإسناده إلی الحسن بن سعید عن أبی الحسن(علیه السّلام)فی قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَیُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ ، قال: حجاب من نور یکشف ، فیقع المؤمنون سجداً ، وتدمج أصلاب المنافقین فلا یستطیعون السجود .

فی مجمع البیان: وروی عن أبی جعفر وأبی عبد الله (علیهماالسّلام) أنهما قالا فی هذه الآیة: أفحم القوم ودخلتهم الهیبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزی والذلة ، وقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون ، أی لا یستطیعون الأخذ بما أمروا والترک لما نهوا عنه ، ولذلک ابتلوا .

فی کتاب التوحید بإسناده إلی حمزة بن محمد الطیار قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَقَدْ کَانُوا یُدْعَوْنَ إلی السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ .، قال: مستطیعون یستطیعون الأخذ بما أمروا به والترک لما نهوا عنه ، وبذلک ابتلوا. ثم قال: لیس شئ مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فیه ابتلاء وقضاء .

ص: 488

تفسیر التبیان:10/86:

وقوله یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال الزجاج: هو متعلق بقوله: فلیأتوا بشرکائهم . . . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعید بن جبیر وقتادة والضحاک معناه: یوم یبدو عن الأمر الشدید کالقطیع من هول یوم القیامة. والساق ساق الإنسان وساق الشجرة لما یقوم علیه بدنها ، وکل نبت له ساق فهو شجر ، قال الشاعر:

للفتی عقل یعیش به

حیث یهدی سَاقَهُ قَدَمُهْ

فالمعنی یوم یشتد الأمر کما یشتد ما یحتاج فیه إلی أن یقوم علی ساق ، وقد کثر فی کلام العرب حتی صار کالمثل فیقولون: قامت الحرب علی ساق وکشفت عن ساق ، قال زهیر بن جذیمة:

فإذا شَمَّرَتْ لک عن ساقها

فَوَیْهاً ربیعُ ولا تسأمِ

وقال جد أبی طرفة:

کشفت لهم عن ساقها

وبدا من الشر الصراح

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا

وجدَّت الحرب بکم فجدوا

والقوس فیها وترٌ غِرَدُّ

وقوله: ویدعون إلی السجود ، قیل: معناه إنه یقال لهم علی وجه التوبیخ: اسجدوا فلا یستطیعون ، وقیل: معناه إن شدة الأمر وصعوبة الحال تدعوهم إلی السجود ، وإن کانوا لا ینتفعون به .

ص: 489

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا

مستدرک الحاکم:2/499:

عن عکرمة عن ابن عباس رضی الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، قال: إذا خفی علیکم شئ من القرآن فابتغوه فی الشعر فإنه دیوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر. إصبر عناق إنه شر باق ... .

وقد روی الحاکم وغیره عدة أحادیث فیها ( یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) بدون نسبة الساق إلی الله تعالی ، کما فی: 2/376 وج 4/551 وقال عنه: حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. ورواه فی: 4/582 ونحوه فی مسلم فی:1/115 وج 8/202 .

مجمع الزوائد:7/128:

قوله تعالی: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، عن أبی موسی عن النبی (ص): یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال عن نور عظیم یخرون له سجداً. رواه أبو یعلی وفیه روح بن جناح وثقه دحیم وقال فیه لیس بالقوی ، وبقیة رجاله ثقات .

وقال فی مجمع الزوائد:6/303 ، ونحوه فی:9/277:

وعن الضحاک بن مزاحم الهلالی قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عویمر فی نفر من رؤوس الخوارج ینقرون عن العلم ویطلبونه ، حتی قدموا مکة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قریباً من زمزم وعلیه رداء له أحمر وقمیص ، فإذا أناس قیام یسألونه عن التفسیر یقولون یا أبا عباس ما تقول فی کذا وکذا ، فیقول هو کذا وکذا ، فقال له نافع به الازرق: ما أجراک یا

ص: 490

ابن عباس علی ما تخبر به منذ الیوم !

فقال له ابن عباس: ثکلتک أمک یا نافع وعدمتک ! ألا أخبرک من هو أجرأ منی ؟

قال: من هو یا ابن عباس ؟

قال: رجل تکلم بما لیس له به علم ، أو کتم علماً عنده .

قال صدقت یا ابن عباس ، أتیتک لاسألک .

قال: هات یا ابن الأزرق فسل .

قال: فأخبرنی عن قول الله عز وجل ( یُرْسَلُ عَلَیْکُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ ) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذی لا دخان فیه .

قال: وهل کانت العرب تعرف ذلک قبل أن ینزل الکتاب علی محمد(ص)؟

قال: نعم ، أما سمعت قول أمیة بن أبی الصلت:

ألا من مبلغ حسان عنی

مغلغلةً تدبُّ إلی عُکاظِ

ألیس أبوک قیناً کان فینا

إلی الفتیات فَسْلاً فی الحفاظ

یمانیاً یظل یشب کیراً

وینفخ دائباً لهب الشواظ

قال: صدقت فأخبرنی عن قوله: ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس ؟

قال: الدخان الذی لا لهب فیه .

قال: وهل کانت العرب تعرف ذلک قبل أن ینزل الکتاب علی محمد(ص).

قال: نعم ، قال أما سمعت نابغة بنی ذبیان یقول:

یضی کضوء سراج السلیط

لم یجعل الله فیه نحاسا

ص: 491

یعنی دخانا .

قال: صدقت فأخبرنی عن قول الله: أمشاج نبتلیه ؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا فی الرحم کانا مشجاً .

قال: وهل کانت العرب تعرف ذلک قبل أن ینزل الکتاب علی محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبی ذؤیب الهذلی وهو یقول:

کأن النصل والفوقین فیه

خلاف الریش سیط به مشیج

قال: صدقت ، فأخبرنی عن قول الله عز وجل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ .، ما الساق بالساق ؟

قال: الحرب .

قال: هل کانت العرب تعرف ذلک قبل أن ینزل الکتاب علی محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبی ذؤیب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

الدر المنثور:6/254:

وأخرج الفریابی وسعید بن منصور وابن منده والبیهقی فی الأسماء والصفات من طریق إبراهیم النخعی فی قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، قال قال ابن عباس: یکشف عن أمر عظیم ، ثم قال: قد قامت الحرب علی ساق .

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم والحاکم وصححه والبیهقی فی الأسماء والصفات من طریق عکرمة عن ابن عباس أنه سئل

ص: 492

عن قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، قال: إذا خفی علیکم شئ من القرآن فابتغوه فی الشعر فإنه دیوان العرب . . . وقامت الحرب بنا علی ساق ، قال ابن عباس: هذا یوم کرب وشدة .

وأخرج الطستی فی مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الازرق سأله عن قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ . . . .

وأخرج ابن أبی حاتم والبیهقی فی الأسماء والصفات عن ابن عباس . . . .

وأخرج ابن منده عن ابن عباس . . . .

وأخرج الفریابی وعبد بن حمید وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد فی قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ . . . .

وأخرج البیهقی فی الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: یرید القیامة والساعة لشدتها .

وأخرج البیهقی عن ابن عباس فی قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، قال: حین یکشف الأمر وتبدو الأعمال ، وکشفه دخول الآخرة وکشف الأمر عنه .

وأخرج سعید بن منصور وعبد بن حمید وابن منده من طریق عمرو ابن دینار قال کان ابن عباس یقرأ یوم تکشف عن ساق بفتح التاء ، قال أبو حاتم السجستانی: أی تکشف الآخرة عن ساقها یستبین منها ما کان غائباً .

وأخرج عبد بن حمید عن عاصم أنه قرأ: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، بالیاء ورفع الیاء.

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر والبیهقی فی الأسماء والصفات عن عکرمة أنه سئل عن قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ . . . .

ص: 493

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر عن سعید بن جبیر أنه سئل عن قوله: یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فغضب غضباً شدیداً وقال:

إن أقواماً یزعمون أن الله یکشف عن ساقه ، وإنما یکشف عن الأمر الشدید. انتهی. ورواه أیضاً عن مجاهد والنخعی. ورواه فی:6/292 عن قتادة .

الأحادیث القدسیة للمجلس الاعلی المصری:1/98:

قوله: فیکشف عن ساق ، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة ، أی یکشف عن الشدة. انتهی .

وقد تقدمت روایاتهم التی فیها تجسیم ، فی الفصل الثالث فی بازار الأحادیث ، وهی کثیرة. وقد تبنی علماء الوهابیة تفسیرها بساق الله تعالی عما یصفون !

تفسیر آیات الإستواء علی العرش

قال الله تعالی: إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَکَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ . الأعراف : 54 .

إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ . یونس - 3 .

ص: 494

اللهُ الَّذِی رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لأَجَلٍ مُسَمًّی یُدَبِّرُ الأَمْرَ یُفَصِّلُ الأیَاتِ لَعَلَّکُمْ بِلِقَاءِ رَبِّکُمْ تُوقِنُونَ . الرعد : 2 .

طَهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَی . إِلا تَذْکِرَةً لِمَنْ یَخْشَی . تَنْزِیلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَی . الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی . لَهُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَ مَا فِی الأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَی . طه : 1 - 6 .

الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِیرًا . الفرقان : 59 .

اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا شَفِیعٍ أَفَلا تَتَذَکَّرُونَ . السجدة : 4 .

هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی الأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا یَعْرُجُ فِیهَا وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ مَا کُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ . لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَی اللهِ تُرْجَعُ الأمور . الحدید : 4 - 5 .

وقد تقدم قسم من تفسیر إخواننا للإستواء علی العرش تحت عنوان ( بازار الأحادیث والآراء فی الرؤیة ) .

ص: 495

تفسیر أهل البیت (علیهم السّلام)

الإستواء علی العرش: استواء نسبة الله إلی العالم

روی الکلینی فی الکافی:1/127:

علی بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن موسی الخشاب عن بعض رجاله ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، فقال استوی علی کل شئ ، فلیس شئ أقرب إلیه من شئ .

وعنه ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن صفوان بن یحیی، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله تعالی: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی .، فقال: استوی فی کل شئ فلیس شئ أقرب إلیه من شئ ، لم یبعد منه بعید ، ولم یقرب منه قریب ، استوی فی کل شئ .

وعنه ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید عن النضر بن سوید ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: من زعم أن الله من شئ ، أو فی شئ ، أو علی شئ ، فقد کفر ، قلت: فسر لی، قال: أعنی بالحوایة من الشئ له أو بإمساک له أو من شئ سبقه .

وفی روایة أخری: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه فی شئ فقد جعله محصوراً ، ومن زعم أنه علی شئ فقد جعله محمولاً .

ص: 496

وروی فی الکافی:1/128:

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقی رفعه، قال: سأل الجاثلیق أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فقال: أخبرنی عن الله عز وجل یحمل العرش أو العرش یحمله فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فیهما وما بینهما ، وذلک قول الله إِنَّ اللهَ یُمْسِکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَکَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کَانَ حَلِیمًا غَفُورًا .

قال: فأخبرنی عن قوله: ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة ، فکیف قال ذلک وقلت إنه یحمل العرش والسماوات والأرض ؟

فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن العرش خلقه الله تعالی من أنوار أربعة: نور أحمر ، منه احمرت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ، ونور أبیض منه ابیض البیاض ، وهو العلم الذی حمله الله الحملة وذلک نور من عظمته ، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنین ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغی من فی السماوات والأرض من جمیع خلائقه إلیه الوسیلة ، بالأعمال المختلفة والأدیان المشتبهة ، فکل محمول یحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا یستطیع

لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حیاة ولا نشورا، فکل شئ محمول ، والله تبارک وتعالی الممسک لهما أن تزولا ، والمحیط بهما من شئ وحیاة کل شئ ونور کل شئ ، سبحانه وتعالی عما یقولون علواً کبیراً .

قال له: فأخبرنی عن الله عز وجل أین هو ؟

فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحیط بنا ومعنا

ص: 497

وهو قوله: ما یکون من نجوی ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلا هو معهم أینما کانوا ، فالکرسی محیط بالسماوات والأرض وما بینهما وما تحت الثری ، وإن تجهر بالقول فإنه یعلم السر وأخفی ، وذلک قوله تعالی: وَسِعَ

کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا یَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ .

فالذین یحملون العرش هم العلماء الذین حملهم الله علمه ، ولیس یخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله فی ملکوته الذی أراه الله أصفیاءه وأراه خلیله (علیه السّلام)فقال: وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ ، وکیف یحمل حملة العرش الله ، وبحیاته حییت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلی معرفته !

التوحید للصدوق - الهامش ص 247 من حدیث عن الإمام الصادق(علیه السّلام):

قال السائل: فله کیفیة ؟

قال: لا ، لأن الکیفیة جهة الصفة والإحاطة ، ولکن لابد من الخروج من جهة التعطیل والتشبیه ، لأن من نفاه أنکره ورفع ربوبیته وأبطله ، ومن شبهه بغیره فقد أثبته بصفة المخلوقین المصنوعین الذین لا یستحقون الربوبیة ، ولکن لابد من إثبات ذات بلا کیفیة لا یستحقها غیره ، ولا یشارک فیها ، ولا یحاط بها ، ولا یعلمها غیره .

قال السائل: فیعانی الأشیاء بنفسه ؟

قال أبو عبد الله(علیه السّلام): هو أجل من أن یعانی الأشیاء بمباشرة ومعالجة ، لأن ذلک صفة المخلوق الذی لا تجی الأشیاء له إلا بالمباشرة والمعالجة ، وهو

ص: 498

تعالی نافذ الإرادة والمشیة ، فعال لما یشاء .

قال السائل: فله رضی وسخط ؟

قال أبو عبدالله(علیه السّلام): نعم ، ولیس ذلک علی ما یوجد فی المخلوقین ، وذلک أن الرضا والسخط دَخَالٌ یدخل علیه فینقله من حال إلی حال ، وذلک صفة المخلوقین العاجزین المحتاجین، وهو تبارک وتعالی العزیز الرحیم لا حاجة به إلی شئ مما خلق ، وخلقه جمیعاً محتاجون إلیه ، وإنما خلق الأشیاء من غیر حاجة ولا سبب ، اختراعاً وابتداعاً .

قال السائل فقوله: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ؟

قال أبو عبد الله(علیه السّلام): بذلک وصف نفسه ، وکذلک هو مستول علی العرش بائن من خلقه من غیر أن یکون العرش حاملاً له ولا أن یکون العرش حاویاً له، ولا أن العرش محتاز له ، ولکنا نقول: هو حامل العرش وممسک العرش، ونقول من ذلک ما قال: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فثبتنا من العرش والکرسی ما ثبته ، ونفینا أن یکون العرش والکرسی حاویاً له ، أو یکون عز وجل محتاجاً إلی مکان ، أو إلی شئ مما خلق ، بل خلقه محتاجون إلیه .

قال السائل: فما الفرق بین أن ترفعوا أیدیکم إلی السماء وبین أن تخفضوها نحو الأرض ؟

قال أبو عبد الله(علیه السّلام): ذلک فی علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولکنه عز وجل أمر أولیاءه وعباده برفع أیدیهم إلی السماء نحو العرش ، لأنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین قال: إرفعوا أیدیکم إلی الله عز وجل ، وهذا یجمع علیه فرق الأمة کلها .

ص: 499

التوحید للصدوق - الهامش - ص 315:

روی الحدیثین المتقدمین فی الکافی ثم قال:

استعمل الإستواء فی معان: استقرار شئ علی شئ ، وهذا ممتنع علیه تعالی کما نفاه الإمام(علیه السّلام)فی أخبار من هذا الباب ، لأنه من خواص الجسم. والعنایة إلی الشئ لیعمل فیه ، وعلیه فسر فی بعض الأقوال قوله تعالی: ثم استوی إلی السماء. والإستیلاء علی الشئ ، کقول الشاعر:

فلما علونا واستوینا علیهم ترکناههم صرعی لِنِسْر وکاسرِ

والآیة التی نحن فیها فسرت به فی بعض الأقوال ، وفی الحدیث الأول من الباب الخمسین .

والإستقامة ، وفسر بها قوله تعالی: فَاسْتَوَی عَلَی سُوقِهِ، وهذا قریب من المعنی الأول. والإعتدال فی شئ وبه ، فسر قوله تعالی: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَی. والمساواة فی النسبة ، وهی نفیت فی الآیات عن أشیاء کثیرة کقوله تعالی: وَمَا یَسْتَوِی الأَحْیَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ . وفسر الإمام(علیه السّلام)الآیة بها فی هذا الباب ، وظاهره مساواة النسبة من حیث المکان ، لأنه تعالی فی کل مکان ولیس فی شئ من المکان بمحدود ، ولکنه تعالی تساوت نسبته إلی الجمیع من جمیع الحیثیات ، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممکنات ، ولا تبعد الروایات من حیث الظهور عن هذا المعنی .

حدثنا أبوالحسین محمد بن إبراهیم بن إسحاق الفارسی قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعید النسوی قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدی بمرو قال: حدثنا محمد بن یعقوب بن الحکم العسکری وأخوه

ص: 500

معاذ بن یعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلی

قال: حدثنا عبدالله بن عاصم قال: حدثنا عبدالرحمن بن قیس ، عن أبی هاشم الرمانی ، عن زاذان، عن سلمان الفارسی فی حدیث طویل یذکر فیه قدوم الجاثلیق المدینة مع مائة من النصاری بعد قبض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسؤاله أبا بکر عن مسائل لم یجبه عنها ، ثم أرشد إلی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)فسأله عنها فأجابه ، وکان فیما سأله أن قال له: أخبرنی عن الرب أین هو وأین کان ؟

فقال علی(علیه السّلام): لا یوصف الرب جل جلاله بمکان ، هو کما کان ، وکان کما هو ، لم یکن فی مکان ، ولم یزل من مکان إلی مکان ، ولا أحاط به مکان ، بل کان لم یزل بلا حد ولا کیف .

قال: صدقت ، فأخبرنی عن الرب أفی الدنیا هو أو فی الآخرة ؟

قال علی(علیه السّلام): لم یزل ربنا قبل الدنیا ، ولا یزال أبداً ، هو مدبر الدنیا ، وعالم بالآخرة ، فأما أن تحیط به الدنیا والآخرة فلا ، ولکن یعلم ما فی الدنیا والآخرة .

قال: صدقت یرحمک الله ، ثم قال: أخبرنی عن ربک أیحمل أو یحمل ؟

فقال علی(علیه السّلام): إن ربنا جل جلاله یحمل ولا یحمل .

قال النصرانی: فکیف ذاک ونحن نجد فی الإنجیل ( کذا ): ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة ؟

فقال علی(علیه السّلام): إن الملائکة تحمل العرش ، ولیس العرش کما تظن کهیئة السریر ، ولکنه شئ محدود مخلوق مدبر ، وربک عز وجل مالکه ، لا أنه علیه ککون الشئ علی الشی. وأمر الملائکة بحمله فهم یحملون العرش بما

ص: 501

أقدرهم علیه .

قال النصرانی: صدقت رحمک الله . . والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه فی آخر کتاب النبوة . . . .

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه(رحمه الله)، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن أحمد ابن أبی عبدالله ، عن أبیه، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو فی شئ أو علی شئ فقد أشرک ، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه فی شئ فقد زعم أنه محصور ، ومن زعم أنه علی شئ فقد جعله محمولاً .

قال مصنف هذا الکتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إِنَّ

رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثًا . ولا حجة لها فی ذلک لأنه عز وجل عنی بقوله: ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ ، أی ثم نقل إلی فوق السماوات وهو مستول علیه ومالک له ، وقوله عز وجل ( ثم ) إنما لرفع العرش إلی مکانه الذی هو فیه ونقله للإستواء ، فلا یجوز أن یکون معنی قوله استوی استولی لأن استیلاء الله تبارک وتعالی علی الملک وعلی الأشیاء لیس هو بأمر حادث ، بل لم یزل مالکاً لکل شئ ومستولیاً علی کل شئ ، وإنما ذکر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو یعنی الرفع مجازاً ، وهو کقوله: ولنبلونکم حتی نعلم المجاهدین منکم والصابرین ، فذکر ( نعلم ) مع قوله ( حتی ) وهو عز وجل یعنی حتی یجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلک ، لأن حتی لا یقع إلا

ص: 502

علی فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشیاء لا یکون حادثاً. وکذلک ذکر قوله عز وجل: اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ، بعد قوله ( ثم ) وهو یعنی بذلک ثم رفع العرش لإستیلائه علیه ، ولم یعن بذلک الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا یجوز أن یکون جسماً ولا ذا بدن ، تعالی الله عن ذلک علواً کبیرا .

الإقتصاد للشیخ الطوسی/37:

وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، معناه استولی علیه لما خلقه ، کما قال الشاعر:

قد استوی بشرٌ علی العراق من غیر سیف ودم مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بیدی ، معناه أنه تولی خلقه بنفسه ، کما یقول القائل هذا ما عملت یداک ، أی أنت فعلته. وقیل: معناه لما خلقت لنعمتی الدینیة والدنیویة وقوله: فی جنب الله معناه فی ذات الله وفی طاعته .

وقوله: والسماوات مطویات بیمینه ، أی بقدرته ، کما قال الشاعر:

إذا ما رایةٌ رفعت لمجد

تلقاها عَرَابةُ بالیمین

وقوله: تجری بأعیننا ، أی ونحن عالمون .

ولا یجوز أن یکون تعالی بصفة شئ من الاعراض ، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع ، فلو کان بصفة شئ من الأعراض لکان محدثاً ، وقد بینا قدمه. ولأنه لو کان بصفة شئ من الاعراض لم یخل من أن یکون بصفة ما یحتاج إلی محل أو بصفة ما لا یحتاج إلی المحل کالغنی وإرادة القدیم تعالی وکراهته ، فإن کان بصفة القسم الأول أدی إلی قدم المحال وقد بینا حدوثها ، ولو کان بصفة القسم الثانی لاستحال وجوده وقتین کاستحالة

ص: 503

ذلک علی هذه الأشیاء. وأیضاً لو کان بصفة الغنی لاستحال وجود الأجسام معه ، وذلک باطل . . . .

ولا یجوز أن یکون تعالی فی جهة من غیر أن یکون شاغلاً لها ، لأنه لیس فی الفعل ما یدل علی أنه فی جهة لا بنفسه ولا بواسطة ، وقد بینا أنه لا یجوز وصفه بما یدل علیه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة .

ولا یجوز علیه تعالی الحاجة ، لأن الحاجة لا تجوز إلا علی من یجوز علیه المنافع والمضار ، والمنافع والمضار لا یجوزان إلا علی من تجوز علیه الشهوة والنفار ، وهما یستحیلان علیه تعالی. والذی یدل علی أنه یستحیل علیه الشهوة والنفار أنه لیس فی الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما یدل علی کونه مشتهیاً ونافراً ، وقد بینا أنه لا یجوز إثباته علی صفة لا یقتضیها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة .

وأیضاً فالشهوة والنفار لا یجوزان إلا علی الأجسام ، لأن الشهوة تجوز علی من إذا أدرک المشتهی صلح علیه جسمه وإذا أدرک ما ینفر عنه فسد علیه جسمه ، وهما یقتضیان کون من وجدا فیه جسماً ، وقد بینا أنه لیس بجسم ، فیجب إذا نفی الشهوة والنفار عنه . وإذا انتفیا عنه انتفت عنه المنافع والمضار ، وإذا انتفیا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب کونه غنیاً ، لأن الغنی هو الحی الذی لیس بمحتاج .

تفسیر التبیان:4/34:

والإستواء علی أربعة اقسام: استواء فی المقدار ، واستواء فی المکان ، واستواء فی الذهاب ، وإستواء فی الإنفاق . والإستواء بمعنی الإستیلاء راجع

ص: 504

إلی الإستواء فی المکان ، لأنه تمکن واقتدار .

تفسیر التبیان:7/159:

الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، قیل فی معناه قولان: أحدهما ، أنه استولی علیه ، وقد ذکرنا فیما مضی شواهد ذلک. الثانی، قال الحسن: استوی لطفه وتدبیره وقد ذکرنا ذلک أیضاً فیما مضی وأوردنا شواهده فی سورة البقرة ، فأما الإستواء بمعنی الجلوس علی الشئ فلا یجوز علیه تعالی ، لأنه من صفة الأجسام والأجسام کلها محدثة. ویقال: استوی فلان علی مال فلان وعلی جمیع ملکه أی احتوی علیه ، قال الفراء: یقال کان الأمر فی بنی فلان ثم استوی فی بنی فلان ، أی قصد إلیهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شروری انی واستویْنَ من النُّجوعِ

أی خرجن وأقبلن .

کتاب العین:7/326:

والمساواة والاستواء واحد ، فأما یسوی فإنها نادرة . . . ویقال: هما علی سویة من الأمر أی: علی سواء وتسویة واستواء .

مفردات الراغب/251:

واستوی یقال علی وجهین ، أحدهما: یسند إلیه فاعلان فصاعداً نحو استوی زید وعمرو فی کذا أی تساویا ، وقال: لا یستوون عند الله. والثانی أن یقال لإعتدال الشئ فی ذاته نحو: ذو مرة فاستوی ، وقال: فإذا استویت أنت. لتستووا علی ظهوره. فاستوی علی سوقه. واستوی فلان علی عمالته واستوی

ص: 505

أمر فلان .

ومتی عدی بعلی اقتضی معنی الاستیلاء کقوله: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی ، وقیل معناه استوی له ما فی السموات وما فی الأرض ، أی استقام الکل علی مراده بتسویة الله تعالی إیاه ، کقوله: ثم استوی إلی السماء فسواهن. وقیل معناه استوی کل شئ فی النسبة إلیه فلا شئ أقرب إلیه من شئ ، إذ کان تعالی لیس کالأجسام الحالة فی مکان دون مکان .

وإذا عدی بإلی اقتضی معنی الإنتهاء إلیه إما بالذات أو بالتدبیر، وعلی الثانی قوله: ثم استوی إلی السماء وهی دخان .

معنی العرش والکرسی عند أهل البیت (علیهم السّلام)

الکافی للکلینی:1/130:

أحمد بن إدریس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن یحیی قال: سألنی أبو قرة المحدث أن أدخله علی أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)فأستأذنته فأذن لی، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن(علیه السّلام): کل محمول للمفعول مضاف ، إلی غیره محتاج ، والمحمول اسم نقص فی اللفظ والحامل فاعل وهو فی اللفظ مدحة ، وکذلک قول القائل: فوق وتحت وأعلا وأسفل ، وقد قال الله: وَللهِ

الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا ، ولم یقل فی کتبه إنه المحمول ، بل قال: إنه الحامل فی البر وبالبحر والممسک السماوات والأرض أن تزولا ، والمحمول ما سوی الله ، ولم یسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال فی دعائه: یا محمول !

ص: 506

قال أبوقرة: فإنه قال: وَیَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ ، وقال: الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ .

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): العرش لیس هو الله والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فیه کل شئ ، ثم أضاف الحمل إلی غیره خلق من خلقه ، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه ، وخلقاً یسبحون حول عرشه وهم یعملون بعلمه ، وملائکة یکتبون أعمال عباده ، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بیته ، والله علی العرش استوی کما قال ، والعرش ومن یحمله ومن حول العرش ، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسک القائم علی کل نفس وفوق کل شئ وعلی کل شئ ، ولا یقال محمول ولا أسفل ، قولاً مفرداً لا یوصل بشئ فیفسد اللفظ والمعنی .

قال أبوقرة: فتکذب بالروایة التی جاءت أن الله إذا غضب إنما یعرف غضبه أن الملائکة الذین یحملون العرش یجدون ثقله علی کواهلهم فیخرون سجداً ، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلی مواقفهم ؟

فقال أبوالحسن(علیه السّلام): أخبرنی عن الله تبارک وتعالی منذ لعن إبلیس إلی یومک هذا هو غضبان علیه فمتی رضی ، وهو فی صفتک لم یزل غضبان علیه وعلی أولیائه وعلی أتباعه ! کیف تجتری أن تصف ربک بالتغیر من حال إلی حال وأنه یجری علیه ما یجری علی المخلوقین ! سبحانه وتعالی لم یزل مع الزائلین ولم یتغیر مع المتغیرین ولم یتبدل مع المتبدلین ، وَمَنْ دونَه یدُه وتدبیره ، وکلهم إلیه محتاج وهو غنی عمن سواه !

محمد بن إسماعیل، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عیسی ، عن ربعی

ص: 507

بن عبدالله ، عن الفضیل بن یسار قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فقال: یا فضیل کل شئ فی الکرسی ، السماوات والأرض وکل شئ فی الکرسی .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن عیسی ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن زرارة بن أعین قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، السماوات والأرض وسعن الکرسی أم الکرسی وسع السماوات والأرض ؟ فقال: بل الکرسی وسع السماوات والأرض والعرش ، وکل شئ وسع الکرسی .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن عبدالله بن بکیر، عن زرارة بن أعین قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، السماوات والأرض وسعن الکرسی أو الکرسی وسع السماوات والأرض ؟ فقال: إن کل شئ فی الکرسی .

التوحید للصدوق/108:

حدثنا الحسین بن أحمد بن إدریس(رحمه الله)، عن أبیه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن یحیی ، عن عاصم بن حمید ، قال: ذاکرت أبا عبد الله(علیه السّلام) فیما یروون من الرؤیة، فقال: الشمس جزء من سبعین جزء من نور الکرسی، والکرسی جزء من سبعین جزء من نور العرش ، والعرش جزء من سبعین جزء من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعین جزء من نور الستر ، فإن کانوا صادقین فلیملؤوا أعینهم من الشمس لیس دونها سحاب .

ص: 508

التوحید للصدوق/319:

باب معنی قوله عز وجل: وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ .

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا جذعان بن نصر أبونصر الکندی قال: حدثنی سهل بن زیاد الادمی ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمن بن کثیر عن داود الرقی قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام)عن قوله عز وجل: وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ، فقال لی: ما یقولون فی ذلک. قلت: یقولون إن العرش کان علی الماء والرب فوقه. فقال:

کذبوا ، من زعم هذا فقد صیر الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقین ، ولزمه أن الشئ الذی یحمله أقوی منه ! قلت: بین لی جعلت فداک .فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودینه الماء قبل أن تکون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر ، فلما أراد أن یخلق الخلق نثرهم بین یدیه فقال لهم: من ربکم فکان أول من نطق رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین(علیه السّلام)والأئمة صلوات الله علیهم ، فقالوا: أنت ربنا ، فحملهم العلم والدین ، ثم قال للملائکة: هؤلاء حملة علمی ودینی وأمنائی فی خلقی وهم المسؤولون ، ثم قیل لبنی آدم: أقروا لله بالربوبیة ولهؤلاء النفر بالطاعة ، فقالوا: نعم ربنا أقررنا ، فقال للملائکة: إشهدوا ، فقالت الملائکة شهدنا علی أن لا یقولوا إنا کنا عن هذا غافلین ، أو یقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما فعل المبطلون. یا داود ولایتنا مؤکدة علیهم فی المیثاق .

حدثنا تمیم بن عبدالله بن تمیم القرشئ قال: حدثنا أبی ، عن أحمد بن علی

ص: 509

الأنصاری ، عن أبی الصلت عبدالسلام بن صالح الهروی قال: سأل المأمون أبا الحسن علی بن موسی الرضا (علیهماالسّلام) عن قول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ، فقال: إن الله تبارک وتعالی خلق العرش والماء والملائکةقبل خلق السموات والأرض ، وکانت الملائکة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء علی الله عز وجل ، ثم جعل عرشه علی الماء لیظهر بذلک قدرته للملائکة فیعلموا أنه علی کل شئ قدیر ، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع ، وخلق السموات والأرض فی ستة أیام ، وهو مستول علی عرشه ، وکان قادراً علی أن یخلقها فی طرفة عین ، ولکنه عز وجل خلقها فی ستة أیام لیظهر للملائکة ما یخلقه منها شیئاً بعد شئ ، وتستدل بحدوث ما یحدث علی الله تعالی ذکره مرة بعد مرة ، ولم یخلق الله العرش لحاجة به إلیه ، لأنه غنی عن العرش وعن جمیع ما خلق ، لا یوصف بالکون علی العرش لأنه لیس بجسم، تعالی الله عن صفة خلقه علواً کبیرا .

وأما قوله عز وجل: لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ، فإنه عز وجل خلق خلقه لیبلوهم بتکلیف طاعته وعبادته لا علی سبیل الإمتحان والتجربة ، لأنه لم یزل علیماً بکل شئ .

فقال المأمون: فرجت عنی یا أبا الحسن فرج الله عنک .

التوحید للصدوق/321:

باب العرش وصفاته .

ص: 510

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی ، قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی ، قال: حدثنا الحسین بن الحسن قال: حدثنی أبی ، عن حنان بن سدیر قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن العرش والکرسی فقال: إن للعرش صفات کثیرة مختلفة ، له فی کل سبب وضع فی القرآن صفة علی حدة. فقوله: رب العرش العظیم ، یقول: الملک العظیم ، وقوله: الرحمن علی العرش استوی ، یقول: علی الملک احتوی ، وهذا ملک لکیفوفیة الأشیاء .

ثم العرش فی الوصل متفرد من الکرسی ، لأنهما بابان من أکبر أبواب الغیوب ، وهما جمیعاً غیبان ، وهما فی الغیب مقرونان ، لأن الکرسی هو الباب الظاهر من الغیب الذی منه مطلع البدع ومنه الأشیاء کلها ، والعرش هو الباب الباطن الذی یوجد فیه علم الکیف والکون والقدر والحد والاین والمشیة وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحرکات والترک ، وعلم العود والبدء ، فهما فی العلم بابان مقرونان ، لأن ملک العرش سوی ملک الکرسی وعلمه أغیب من علم الکرسی ، فمن ذلک قال: رب العرش العظیم ، أی صفته أعظم من صفة الکرسی ، وهما فی ذلک مقرونان .

قلت: جعلت فداک فلم صار فی الفضل جار الکرسی ؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الکیفوفیة فیه ، وفیه الظاهر من أبواب البداء وأینیتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه فی الصرف وبمثل صرف العلماء ( کذا ) ولیستدلوا علی صدق دعواهما لأنه یختص برحمته من یشاء وهو القوی العزیز .

ص: 511

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارک وتعالی: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ ، وهو وصف عرش الوحدانیة لأن قوماً أشرکوا کما قلت لک ، قال تبارک وتعالی: رَبِّ الْعَرْشِ، رب الواحدانیة عما یصفون. وقوماً وصفوه بیدین فقالوا: یَدُ الله مَغْلُولَةٌ . وقوماً وصفوه بالرجلین فقالوا: وضع رجله علی صخرة بیت المقدس فمنها ارتقی إلی السماء . وقوماً وصفوه بالانامل فقالوا: إن محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إنی وجدت برد أنامله علی قلبی !

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما یصفون ، یقول رب المثل الأعلی عما به مثلوه ، ولله المثل الأعلی الذی لا یشبهه شئ ولا یوصف ولا یتوهم ، فذلک المثل الأعلی ، ووصف الذین لم یؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنی الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فیما جهلوا به ، فلذلک قال: وما أوتیتم من العلم إلا قلیلاً ، فلیس له شبه ولا مثل ولا عدل ، وله الأسماء الحسنی التی لا یسمی بها غیره ، وهی التی وصفها فی الکتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذین یلحدون فی أسمائه ، جهلاً بغیر علم ،

فالذی یلحد فی أسمائه بغیر علم یشرک وهو لا یعلم، ویکفر به وهو یظن أنه یحسن ، فلذلک قال: وما یومن أکثرهم بالله إلا وهم مشرکون ، فهم الذین یلحدون فی أسمائه بغیر علم فیضعونها غیر مواضعها .

یا حنان إن الله تبارک وتعالی أمر أن یتخذ قوم أولیاء ، فهم الذین أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم یخص به غیرهم ، فأرسل محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فکان الدلیل علی الله بإذن الله عز وجل ، حتی مضی دلیلاً هادیاً ، فقام من بعده وصیه(علیه السّلام)دلیلاً هادیاً علی ما کان هو دل علیه من أمر ربه من ظاهر علمه ،

ص: 512

ثم الأئمة الراشدون (علیهم السّلام) .

التوحید للصدوق/324:

باب أن العرش خلق أرباعاً .

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علی بن إسماعیل ، عن حماد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن أبی الطفیل ، عن أبی جعفر ، عن علی بن الحسین (علیهم السّلام) قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً ، لم یخلق قبله إلا ثلاثة أشیاء: الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلک النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، ونور أبیض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار ، ثم جعله سبعین ألف طبق ، غلظ کل طبق کأول العرش إلی أسفل السافلین ، لیس من ذلک طبق إلا یسبح بحمد ربه ویقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غیر مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شیئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلک ما دونه .

له ثمانیة أرکان علی کل رکن منها من الملائکة ما لا یحصی عددهم إلا الله عز وجل ، یسبحون اللیل والنهار لا یفترون ، ولو أحس شئ مما فوقه ما قام لذلک طرفة عین. بینه وبین الإحساس الجبروت والکبریاء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم ، ولیس وراء هذا مقال .

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: وَسِعَ

ص: 513

کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فقال: السماوات والأرض وما بینهما فی الکرسی، والعرش هو العلم الذی لا یقدر أحد قدره .

أخبار مکة للازرقی:1/50:

عن أبی الطفیل قال: شهدت علیاً (رض) وهو یخطب وهو یقول: سلونی فوالله لا تسألونی عن شئ یکون إلی یوم القیامة إلا حدثتکم به. وسلونی عن کتاب الله فوالله ما منه آیة إلا وأنا أعلم أنها بلیل نزلت أم بنهار ، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الکواء وأنا بینه وبین علی (رض)وهو خلفی قال: أفرأیت البیت المعمور ما هو قال: ذاک الضراح فوق سبع سموات ، تحت العرش ، یدخله کل یوم سبعون الف ملک لا یعودون فیه إلی یوم القیامة .

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا

تفسیر البیضاوی:3/12:

ثم استوی علی العرش: استوی أمره أو استولی ، وعن أصحابنا أن الإستواء علی العرش صفة لله بلا کیف ، والمعنی: أن له تعالی استواء علی العرض علی الوجه الذی عناه ، منزهاً عن الإستقرار والتمکن .

والعرش الجسم المحیط بسائر الأجسام ، سمی به لارتفاعه أو للتشبیه بسریر الملک ، فإن الأمور والتدابیر تنزل منه ، وقیل الملک .

ص: 514

سیر أعلام النبلاء:20/87:

قال أبو موسی المدینی: سألت إسماعیل یوماً ( إسماعیل بن محمد الحافظ): ألیس قد روی عن ابن عباس فی قوله استوی ، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهویه یقول: إنما یوصف بالقعود من یمل القیام. قال: لا أدری أیش یقول إسحاق .

وسمعته یقول: أخطأ ابن خزیمة فی حدیث الصورة ، ولا یطعن علیه بذلک ، بل لا یؤخذ عنه هذا فحسب .

قال أبوموسی: أشار بهذا إلی أنه قل إمام إلا وله زلة ، فإذا ترک لاجل زلته ، ترک کثیر من الأئمة ، وهذا لا ینبغی أن یفعل .

إرشاد الساری:3/24:

إضافة الظل إلیه سبحانه وتعالی إضافة تشریف ... والله تعالی منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام ، فالمراد ظل عرشه ، کما فی حدیث سلمان .

إرشاد الساری:10/420:

قوله تعالی: ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ ، وتفسیر العرش بالسریر والإستواء بالإستقرار کما یقول المشبه باطل ، لأنه تعالی کان قبل العرش ولا مکان ، وهو الآن کما کان ، والتغیر من صفات الأکوان .

الجواهر الحسان للثعالبی:2/179:

قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ ، إنه سبحانه مستوی علی العرش علی الوجه الذی قاله وبالمعنی الذی أراده، استواء منزهاً عن المماسة والإستقرار

ص: 515

والتمکن والحلول والإنتقال .

نهایة الارب للنویری:1/32:

روی أن أبا ذر قال یا رسول الله (ص) أی آیة أنزلت علیک أعظم ؟ قال: آیة الکرسی ، ثم قال: یا أبا ذر أتدری ما الکرسی قلت لا ، فقال ما السماوات والأرض فی الکرسی إلا کحلقة ألقاها ملق فی فلاة .ونحوه فی الجواهر الحسان للثعالبی:1/196 ونحوه فی فتح القدیر للشوکانی:1/347 .

لسان المیزان:1/78:

إبراهیم بن عبدالصمد ، عن عبدالوهاب بن مجاهد عن أبیه عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی علی جمیع بریته فلا یخلو منه مکان، وعنه عبدالله بن داود الواسطی بهذا. أورده ابن عبد البر فی التمهید وقال لا یصح ، وعبد الله وعبدالوهاب ضعیفان ، وإبراهیم مجهول لا یعرف .

حیاة الحیوان للدمیری:1/382:

سئل إمام الحرمین: هل الباری تعالی فی جهة ؟ فقال: هو متعال عن ذلک .

الفرق بین الفرق للنوبختی/292:

وقد قال أمیر المؤمنین علی (رض): إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مکاناً لذاته. وقال أیضاً: قد کان ولا مکان ، وهو الان علی ما کان .

معالم السنن للخطابی:4/302:

ص: 516

قال الشیخ: هذا الکلام ( أتدری ما الله إن عرشه علی سماواته وقال بأصابعه مثل القبة . . ) إذا جری علی ظاهره

کان فیه نوع من الکیفیة ، والکیفیة عن الله وصفاته منفیة .

تفسیر المنار لرشید رضا:12/16:

أما عرش الرحمن عز وجل فهو من عالم الغیب الذی لا ندرکه بحواسنا ، ولا نستطیع تصویره بأفکارنا ، فأجدر بنا أن لا نعلم کنه استوائه علیه . . . إن بعض المتکلمین تکلفوا تفسیر السموات السبع والکرسی والعرش العظیم ، أو تأویلهن بالأفلاک التسعة عند فلاسفة الیونان المخالف للقرآن . . .

خزانة الادب للحموی:1/240:

قال الزمخشری: . . . قوله تعالی: الرَّحْمَنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی . الإستواء علی معنیین ، أحدهما الاستقرار فی المکان وهو المعنی القریب الموری به الذی هو غیر مقصود ، لأن الحق تعالی وتقدس منزه عن ذلک .

وقد طعن المستشرق الیهودی جولد تسیهر فی تفسیر الإستواء علی العرش بغیر القعود المادی ، تأییداً لمذهبه فی التجسیم ، فقال فی مذاهب التفسیر الإسلامی/169: وجاء ذکر کرسی الله سبحانه فی آیة الکرسی . . . ویقول الزمخشری فی ذلک: وما هو إلا تصویر لعظمته وتخییل فقط. ولا کرسی ثمة ولا قعود ولا قاعد. انتهی. وقد کذب هذا الیهودی علی الزمخشری لیشنع علیه ، لأنه خالف

مذهبه فی التجسیم .

ص: 517

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

قالوا إن الله جالس علی کرسیه کما قال الیهود

تاریخ بغداد:1/295:

محمد بن أحمد بن خالد بن شیرزاذ.. أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرئ علی أبی الحسین بن مظفر وأنا أسمع ، حدثکم أبوبکر محمد بن أحمد بن خالد القاضی ، قال نا سعید بن محمد ، قال نا سلم بن قتیبة ، قال نا شعبة ، عن أبی إسحاق، عن عبد الله بن خلیفة عن عمر بن الخطاب عن النبی(ص)فی قوله تعالی: عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی .، قال: حتی یسمع أطیط کأطیط الرحل. انتهی. ونحوه فی فردوس الأخبار:1 ص220 وفتح القدیر:1/347 .

مسند احمد:1/295:

عن أبی نضرة قال خطبنا ابن عباس علی هذا المنبر منبر البصرة قال: قال رسول الله (ص): إنه لم یکن نبی إلا له دعوة تنجزها فی الدنیا ، وإنی اختبأت دعوتی شفاعة لأمتی ، وأنا سید ولد آدم یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ، وبیدی لواء الحمد ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لوائی. قال: ویطول یوم القیامة علی الناس . . . قال ثم آتی باب الجنة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقرع الباب فیقال من أنت فأقول محمد فیفتح لی فأری

ص: 518

وأحمده بمحامد لم یحمده بها أحد کان قبلی ولا یحمده بها أحد بعدی ، فیقال: إرفع رأسک وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع .

قال فأرفع رأسی فأقول: أی رب أمتی أمتی ، فیقال لی: أخرج من النار من کان فی قلبه مثقال کذا وکذا فأخرجهم ، ثم أعود فأخر ساجداً وأحمده بمحامد لم یحمده بها أحد کان قبلی ولا یحمده بها أحد بعدی ، فیقال لی: إرفع رأسک وقل یسمع لک وسل تعطه واشفع تشفع ، فأرفع رأسی فأقول: أی رب أمتی أمتی ، فیقال: أخرج من النار من کان فی قلبه مثقال کذا وکذا فأخرجهم ، قال وقال فی الثالثة مثل هذا أیضاً ! انتهی .

وهذه الروایة مضافاً إلی ما فیها من تجسیم فهی واحدة من روایات توسیع الشفاعة لتشمل جمیع الأمة بر وفاجرها وظالمها ومظلومها ، وقاتلها ومقتولها بل لتشمل کل الکفار تقریباً کما ستری فی باب الشفاعة إن شاء الله تعالی. ولم یستثن إخواننا من هذه الشفاعة الموسعة المجانیة إلا أهل بیت النبی وشیعتهم !!

مجمع الزوائد:1/126:

وعن ثعلبة بن الحکم قال قال رسول الله (ص): یقول الله عز وجل للعلماء یوم القیامة إذا قعد علی کرسیه لفصل عباده: إنی لم أجعل علمی وحلمی فیکم، إلا وأنا أرید أن أغفر لکم علی ما کان فیکم ولا أبالی. رواه الطبرانی فی الکبیر ورجاله موثقون .

سیر أعلام النبلاء:17/656:

قال أبونصر السجزی فی کتاب الابانة: وأئمتنا کسفیان، ومالک ، والحمادین

ص: 519

وابن عیینة، والفضیل ، وابن المبارک ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، متفقون علی أن الله سبحانه فوق العرش ، وعلمه بکل مکان ، وأنه ینزل إلی السماء الدنیا ، وأنه یغضب ویرضی ، ویتکلم بما شاء !

دلائل النبوة للبیهقی:5/481:

یأتی رسول الله(ص)یوم القیامة إلی الله وهو جالس علی کرسیه. انتهی .

وقد أوردنا فی الفصلین الثالث والخامس عدداً آخر من روایاتهم فی جلوس الله تعالی علی عرشه وأطیط العرش من ثقله بزعمهم ، وأثبتنا أن أول من فتح القول بالتجسیم فی الإسلام هو کعب الأحبار والخلیفة عمر .

وتناقضت روایاتهم فی العرش والکرسی

فردوس الأخبار للدیلمی:1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه ، یفضل منه کما یدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل .

تفسیر الطبری:3/8:

عن عبدالله بن خلیفة أتت امرأة النبی فقال أدع الله أن یدخلنی الجنة.. ثم قال (ص) إن کرسیه وسع السموات والأرض وإنه لیقعد علیه فما یفضل منه مقدار أربع أصابع .

تفسیر الطبری:3/7:

ص: 520

عن الربیع: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، قال لما نزلت . . قال أصحاب النبی: یا رسول الله هذا الکرسی وسع السموات والأرض فکیف العرش ؟ فأنزل الله تعالی وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... عن أبی موسی: قال الکرسی موضع القدمین. وعن السدی: والکرسی بین یدی العرش وهو موضع قدمیه .

فردوس الأخبار للدیلمی:5/128:

ابن عباس: وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، کرسیه موضع قدمه ، والعرش لا یقدر قدره. ونحوه فی تاریخ بغداد: 9/251 وفی تفسیر الصنعانی:2/203 وفی فردوس الأخبار:5/128 .

مجمع الزوائد:10/343:

وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله(ص)قال: إن الله یجمع الأمم یوم القیامة ثم ینزل من عرشه إلی کرسیه ، وکرسیه وسع السموات والأرض .

سنن أبی داود:2/419:

قال ابن بشار فی حدیثه: إن الله فوق عرشه ، وعرشه فوق سمواته. وساق الحدیث .

إرشاد الساری للقسطلانی:5/249:

عن بعض السلف أن العرش فلک مستدیر من جمیع جوانبه محیط بالعالم من کل جهه .

ص: 521

إرشاد الساری للقسطلانی:7/42:

قال قوم هو ( أی الکرسی ) جسم بین یدی العرش . . . وزعم بعض أهل الهیئة من الإسلامیین أن الکرسی هو الفلک الثامن . . . وهو الأطلس .

إرشاد الساری للقسطلانی:7/312:

قال ابن کثیر: والعرش فوق العالم مما یلی رؤس الناس .

وقالوا عرش الله کرسی متحرک

مجمع الزوائد:10/154:

وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله (ص): ینزل ربنا تبارک وتعالی إلی السماء الدنیا حین یبقی ثلث اللیل فیقول . . . فیکون کذلک حتی یصبح الصبح ثم یعلو عز وجل علی کرسیه. رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط بنحوه . . . ویحیی بن إسحاق لم یسمع من عبادة ولم یرو عنه غیر موسی بن عقبة ، وبقیة رجال الکبیر رجال الصحیح .

فردوس الأخبار للدیلمی:5/360:

عبادة بن الصامت: ینزل الله عز وجل کل لیلة إلی السماء الدنیا فلا یزال کذلک حتی یصلی الصبح ، ثم یعلو ربنا عز وجل علی کرسیه .

فردوس الأخبار للدیلمی:5/361:

ص: 522

ینزل ربنا عز وجل فی ظلل من الغمام والملائکة ، ویضع عرشه حیث یشاء من الأرض .

وقالوا العرش غیر الکرسی ، وقالوا العرش هو الکرسی!

فردوس الأخبار للدیلمی:5/365:

ینزل الله عز وجل فی ظلل من الغمام من العرش إلی الکرسی .

معالم التنزیل للبغوی:1/239:

أبو هریرة: الکرسی هو العرش .

وروی السیوطی فی:1/324:

وأخرج ابن جریر عن الضحاک قال کان الحسن یقول الکرسی هو العرش . . . فقال رسول الله(ص) . . . وسع کرسیه السموات والأرض ، فهی تئط من عظمته وجلاله کما یئط الرحل الجدید. ورواه فی کنز العمال:14/636 .

ص: 523

تفسیر قوله تعالی: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً

أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلی غَسَقِ اللَّیْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کَانَ مَشْهُودًا. وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 78-79

وقالوا یجلس الله علی عرشه ویُجْلس النبی إلی جانبه

روی الدارمی فی سننه:2/325:

عن ابن مسعود عن النبی(ص)قال قیل له ما المقام المحمود ؟ قال: ذاک یوم ینزل الله تعالی علی کرسیه یئط کما یئط الرحل الجدید من تضایقه به ، وهو کسعة ما بین السماء والأرض ، ویجاء بکم حفاة عراة غرلاً ، فیکون أول من یکسی إبراهیم ، یقول الله تعالی أکسوا خلیلی ، فیؤتی بریطتین بیضاوین من ریاط الجنة ، ثم أکسی علی أثره ثم أقوم عن یمین الله مقاماً یغبطنی الأولون والاخرون. ورواه الحاکم فی المستدرک:2/364 والبغوی فی مصابیحه:3/552 والهندی فی کنز العمال:14/412 والسیوطی فی الدر المنثور:3/84 .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324:

وأخرج ابن المنذر وأبوالشیخ عن ابن مسعود قال قال رجل یا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال: ذلک یوم ینزل الله علی کرسیه یئط منه کما یئط

ص: 524

الرحل الجدید من تضایقه ، وهو کسعة ما بین السماء والأرض. ورواه فی کنز العمال:14/636 .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/198:

وأخرج الطبرانی عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محمودا ، قال: یجلسه بینه وبین جبریل (علیه السّلام)ویشفع لامته ، فذلک المقام

المحمود .

وروی البیهقی فی دلائل النبوة:5/481:

یأتی رسول الله (ص) یوم القیامة إلی الله وهو جالس علی کرسیه .

دلائل النبوة للبیهقی:5/486:

عن عبد الله بن سلام:.. وینجو النبی (ص) والصالحون معه وتتلقاهم الملائکة یرونهم منازلهم.. حتی ینتهی إلی الله عز وجل فیلقی له کرسی .

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:3/85:

ابن عمر: عسی الله أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، یجلسنی معه علی السریر.

وفی فردوس الأخبار:4/298:

أنس بن مالک: من کرامتی علی ربی عز وجل قعودی علی العرش .

وقال الشوکانی فی فتح القدیر:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه یجلس محمداً (ص) معه علی کرسیه،

ص: 525

حکاه ابن جریر . . . وقد ورد فی ذلک حدیث .

تاریخ بغداد:3/22:

أخبرنا القاضی أبو العلاء محمد بن علی، أخبرنا یحیی بن وصیف الخواص، حدثنا أحمد بن علی الخراز، حدثنا المعیطی وغیر واحد قالوا: حدثنا محمد بن فضیل عن لیث بن مجاهد فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: یقعده معه علی العرش..

تاریخ بغداد:8/52:

عن أبی إسحاق عن عبد الله بن خلیفة قال قال رسول الله (ص): الکرسی الذی یجلس علیه الرب عز وجل وما یفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید !

قال أبوبکر المروذی قال لی أبو علی الحسین بن شبیب قال لی أبو بکر بن سلم العابد حین قدمنا إلی بغداد: أخرج ذلک الحدیث الذی کتبناه عن أبی حمزة فکتبه أبو بکر بن سلم بخطه وسمعناه جمیعاً ، وقال أبو بکر بن سلم: إن الموضع الذی یفضل لمحمد(ص)لیجلسه علیه. قال أبو بکر الصیدلانی: من رد هذا فإنما أراد الطعن علی أبی بکر المروذی ، وعلی أبی بکر بن سلم العابد... .

ص: 526

ونفی الفکرة بعض علماء السنة

صحیح شرح العقیدة الطحاویة:1/570:

قال الإمام الطحاوی(رحمه الله): والشفاعة التی ادخرها لهم حق کما روی فی الأخبار ،ونرجو للمحسنین من المؤمنین أن یعفو عنهم ویدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن علیهم ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسیئهم ونخاف علیهم ، ولا نقنطهم .

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً فی القرآن الکریم وخاصة للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ومن تلک الآیات قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، الضحی : 3 ، وقال تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79 ، وتفسیر المقام المحمود بالشفاعة ثابت فی الصحیحین وغیرهما ( 338 ). وقال الله تعالی: یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلاً . طه : 9-10. وقال تعالی: مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ یونس : 3. وفی شفاعة الملائکة قوله تعالی: بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ. لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبیاء: 78 .

وقال فی هامشه: ( 338 ) أنظر البخاری 3-338 و 8-399 و 13-422 ومسلم 1-179. ومن الغریب العجیب أن یعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت فی الصحیحین ، ویفسروا المقام المحمود بجلوس سیدنا محمد علی العرش بجنب الله!! تعالی الله عن إفکهم وکذبهم علواً کبیراً ، وهم یعتمدون

ص: 527

علی ذلک علی ما یروی عن مجاهد بسند ضعیف من أنه قال ما ذکرناه من التفسیر المنکر المستشنع ،وتکفل الخلال فی کتابه السنة 1-209 بنصرة التفسیر المخطئ المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جمیع العقلاء !

وقال المستشرقون إنها فکرة مسیحیة

مذاهب التفسیر الإسلامی لجولد تسیهر/122:

. . . سجلت فتنة ببغداد ، أثارها نزاع علی مسألة من التفسیر ذلک هو تفسیر الآیة 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة . . . إلی أن الذی یفهم من ذلک هو أن الله سبحانه یقعد النبی معه علی العرش . . . ربما کان هذا متأثراً بما جاء فی إنجیل مرقص 16، 19 ، وآخرون ذهبوا إلی أن المقام المحمود . . هو مرتبة الشفاعة التی یرفع الیها النبی .

واعترفوا بأن بعض هذه الأحادیث موضوع

میزان الاعتدال:4/174:

أنبأنی جماعة عن عین الشمس الثقفیة ، أخبرنا محمد بن أبی ذر سنة ست وعشرین وخمسمائة ، أخبرنا أبوطاهر عبدالرحیم ، أخبرنا عبدالله بن محمد القباب،أخبرنا أحمد بن الحسن بن هارون الأشعری ، حدثنا علی بن محمد القادسی بعکبرا سنة ست وخمسین ومائتین ، حدثنا محمد بن حماد ، عن

ص: 528

مقاتل بن سلیمان ، عن الضحاک ، عن ابن عباس ، قال: إذا کان یوم القیامة ینادی مناد: أین حبیب الله فیتخطی صفوف الملائکة حتی یصیر إلی العرش حتی یجلسه معه علی العرش ، حتی یمس رکبته. فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسی .

وقالوا یجلس صاحب أحمد بن حنبل علی سجاد العرش

تاریخ بغداد:12/112:

حدثنا أحمد بن عبد الله الحفار ، قال رأیت أحمد بن حنبل فی النوم فقلت: یا أبا عبد الله ما صنع الله بک ؟ قال: حبانی وأعطانی وقربنی وأدنانی. قال قلت: الشیخ الزمن علی بن الموفق ما صنع الله به ؟ قال: الساعة ترکته علی زلالی ، یرید العرش. انتهی. وقال فی هامشه: الزلیة: بکسر الزای واللام البساط ، والجمع زلالی. عن القاموس .

وقالوا یُجْلس أبا بکر علی کرسی عند العرش

تاریخ بغداد:4/386:

عن ابن أبی ذئب ، عن معن بن الولید ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال قال النبی (ص): إذا کان یوم القیامة نصب لإبراهیم منبر أمام العرش ونصب لی منبر أمام العرش ، ونصب لابی بکر کرسی ، فنجلس علیها وینادی مناد یالک من صدیق بین خلیل وحبیب. !!

ص: 529

تفسیر قوله تعالی: فلما آسفونا انتقمنا منهم

قال تعالی عن فرعون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوُه إِنَّهُمْ کَانُوا قَوْمًا فَاسِقِینَ . فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِینَ . الزخرف : 54-55 .

قال أهل البیت (علیهم السّلام) : إن الله لا یأسف کأسفنا

الکافی:1/144:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن عمه حمزة بن بزیع ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فقال: إن الله عز وجل لا یأسف کأسفنا ولکنه خلق أولیاء لنفسه یأسفون ویرضون وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه

جعلهم الدعاة إلیه والادلاء علیه ، فلذلک صاروا کذلک ، ولیس أن ذلک یصل إلی خلقه ، لکن هذا معنی ما قال من ذلک ، وقد قال: من أهان لی ولیاً فقد بارزنی بالمحاربة ودعانی إلیها ، وقال: ومن یطع الرسول فقد أطاع الله. وقال: إن الذین یبایعونک إنما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم. فکل هذا وشبهه علی ما ذکرت لک ، وهکذا الرضا والغضب وغیرهما من الأشیاء مما یشاکل ذلک .

ولو کان یصل إلی الله الأسف والضجر وهو الذی خلقهما وأنشأهما ، لجاز لقائل هذا أن یقول: إن الخالق یبید یوماً ما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر

ص: 530

دخله التغییر ، وإذا دخله التغییر لم یؤمن علیه الابادة ، ثم لم یعرف المکون من المکون ولا القادر من المقدور علیه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالی الله عن هذا القول علواً کبیرا ، بل هو الخالق للاشیاء لا لحاجة ، فإذا کان لا لحاجة استحال الحد والکیف فیه ، فافهم إن شاء الله تعالی. انتهی .

أقول: ومما یؤید تفسیر آسفونا فی الآیة بأنهم آسفوا الأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) ، أنه تعالی قال ( آسفونا ) بجمع المتکلم ولم یقل آسفونی بالمفرد ، وقد فسرها الإمام(علیه السّلام)بأن الله تعالی نسب الفعل إلی نفسه لانهم آسفوا عباده الخاصین ، لأن إغضابهم إغضاب له تعالی .

وهذا یفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الإلهی وقانونها فی القرآن ، ومتی یسند الفعل إلی الله تعالی بصیغة المفرد المتکلم ، ومتی یسند بصیغة الجمع ، أو بصیغة الغائب. فإن دراسة الأفعال المسندة إلی الله تعالی فی القرآن ، عن طریق إحصائها وتقسیمها وتحلیلها ، سیعطینا فوائد متعددة فی معرفة أنواع الفعل الالهی ووسائله. ففی کل نوع من صیغ نسبته إلی الله تعالی هدف ، ووراءه قاعدة..

فبعض الأفعال أسندها عز وجل إلی نفسه بصیغة المفرد المتکلم وجمع المتکلم والمفرد الغائب ، مثل: أوحیت ، أوحینا ، نوحی ، أوحی . . . وبعضها أسندها بصیغة جمع المتکلم والغائب فقط ولم یسندها بصیغة المفرد مثل: بشرنا ، أرسلنا ، صورنا ، رزقنا ، بینا.. الخ. ولم یقل بشرت أو رزقت.... الخ .

إن کلمات القرآن وحروفه موضوعة فی مواضعها بموجب علوم إلهیة

ص: 531

عمیقة وحسابات ربانیة دقیقة ، کما وضعت النجوم فی مواضعها ومداراتها فی الکون ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ ). وإن کشف أصل وجود القاعدة فی نسبة الفعل الإلهی فی القرآن بحد ذاته أمر مهم. ولکن معادلتها وتطبیقاتها ستبقی علی

الأرجح ظناً وتخمیناً ، لأننا محرومون من الذی عنده علم الکتاب روحی فداه !

روی فی الاحتجاج أن شخصاً جاء إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وقال له: لولا ما فی القرآن من الإختلاف والتناقص لدخلت فی دینکم ! فقال له (علیه السّلام): وما هو فقال: . . . أجد الله یقول: قل یتوفاکم ملک الموت الذی وکل بکم ، وفی موضع آخر یقول: الله یتوفی الأنفس حین موتها ، والذین تتوفاهم الملائکة طیبین ، وما أشبه ذلک ، فمرة یجعل الفعل لنفسه ومرة لملک الموت ، ومرة للملائکة ... فقال أمیر المؤمنین: سبوح قدوس رب الملائکة والروح ، تبارک وتعالی ، هو الحی الدائم ، القائم علی کل نفس بماکسبت، هات أیضاً ما شککت فیه:

قال: حسبی ما ذکرت ... قال(علیه السّلام): فأما قوله: الله یتوفی الأنفس حین موتها ، وقوله: یتوفاکم ملک الموت، وتوفته رسلنا، والذین تتوفاهم الملائکة طیبین والذین تتوفاهم الملائکة ظالمی أنفسهم . . . فهو تبارک وتعالی أعظم وأجل من أن یتولی ذلک بنفسه ، وفعل رسله وملائکته فعله ، لأنهم بأمره یعملون ، فاصطفی جل ذکره من الملائکة رسلاً وسفرة بینه وبین خلقه وهم الذین قال فیهم: الله یصطفی من الملائکة رسلاً ومن الناس.. فمن کان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائکة الرحمة ، ومن کان من أهل

ص: 532

المعصیة تولت قبض روحه ملائکة النقمة ، ولملک الموت أعوان من ملائکة الرحمة والنقمة یصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وکل ما یأتون به منسوب إلیه ، وإذا کان فعلهم فعل ملک الموت وفعل ملک الموت فعل الله لأنه یتوفی الانفس علی ید من یشاء ، ویعطی ویمنع ویثیب ویعاقب علی ید من یشاء ، وإن فعل أمنائه فعله. انتهی .

التوحید للصدوق/168:

باب معنی رضاه عز وجل وسخطه .

حدثنا أبی(رحمه الله)قال: حدثنی أحمد بن إدریس ، عن أحمد بن أبی عبد الله ، عن محمد عیسی الیقطینی، عن المشرقی ، عن حمزة بن الربیع ، عمن ذکره قال: کنت فی مجلس أبی جعفر(علیه السّلام)إذ دخل علیه عمرو بن عبید فقال له: جعلت فداک قول الله تبارک وتعالی: وَمَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوَی، ما ذلک الغضب ؟ فقال أبو جعفر (علیه السّلام): هو العقاب یا عمرو ، إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شئ إلی شئ فقد وصفه صفة مخلوق ، إن الله عز وجل لا یستفزه شئ ولا یغیره .

وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن أبی عبد الله : . . . کما فی روایة الکافی المتقدمة .

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل (رض) قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن العباس بن عمرو الفقیمی ، عن هشام بن الحکم أن رجلاً سأل أباعبدالله(علیه السّلام)عن الله تبارک وتعالی له رضا وسخط ؟ فقال: نعم ، ولیس ذلک علی ما یوجد من المخلوقین ، وذلک أن الرضا والغضب دَخَال

ص: 533

یدخل علیه فینقله من حال إلی حال (لأن المخلوق أجوف) معتمل مرکب، للأشیاء فیه مدخل ، وخالقنا لا مدخل للأشیاء فیه ، واحد أحدی الذات واحدی المعنی ، فرضاه ثوابه ، وسخطه عقابه ، من غیر شئ یتداخله فیهیجه وینقله من حال إلی حال ، فإن ذلک صفة المخلوقین العاجزین المحتاجین ، وهو تبارک وتعالی القوی العزیز الذی لا حاجة به إلی شئ مما خلق، وخلقه جمیعاً محتاجون إلیه ، إنما خلق الأشیاء من غیر حاجة ولا سبب ، اختراعاً وابتداعاً .

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علی السکری قال: حدثنا محمد بن زکریا الجوهری ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبیه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (علیهم السّلام) فقلت له: یابن رسول الله أخبرنی عن الله عز وجل هل له رضا وسخط ؟ فقال: نعم ولیس ذلک علی ما یوجد من المخلوقین ولکن غضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه .

بحار الأنوار:4/63:

روی حدیث توحید الصدوق الثالث ، وقال:

بیان: فی الکافی هکذا: فینقله من حال إلی حال لأن المخلوق أجوف معتمل. وهو الظاهر. والحاصل أن عروض تلک الاحوال والتغیرات إنما یکون لمخلوق أجوف له قابلیة ما یحصل فیه ویدخله ، معتمل یعمل بأعمال صفاته وآلاته ، مرکب من أمور مختلفة وجهات مختلفة للأشیاء من الصفات والجهات والآلات فیه مدخل، وخالقنا تبارک اسمه لا مدخل للاشیاء فیه لإستحالة الترکیب فی ذاته ، فإنه أحدی الذات واحدی المعنی ،

ص: 534

فإذن لا کثرة فیه لا فی ذاته ولا فی صفاته الحقیقیة ، وإنما الإختلاف فی الفعل فیثیب عند الرضا ویعاقب عند السخط. قال السید الداماد(رحمه الله): المخلوق أجوف لما قد برهن واستبان فی حکمة ما فوق الطبیعة أن کل ممکن زوج ترکیبی ، وکل مرکب مروج الحقیقة فإنه أجوف الذات لا محالة ، فما لا جوف لذاته علی الحقیقة هو الاحد الحق سبحانه لا غیر ، فإذن الصمد الحق لیس هو إلا الذات الأحدیة الحقة من کل جهة ، فقد تصحح من هذا الحدیث الشریف تأویل الصمد بما لا جوف له وما لا مدخل لمفهوم من المفهومات وشئ من الأشیاء فی ذاته أصلاً .

الإحتجاج: عن هشام بن الحکم أنه سأل الزندیق عن الصادق(علیه السّلام). فقال: فلم یزل صانع العالم عالماً بالأحداث التی أحدثها قبل أن یحدثها ؟ قال: لم یزل یعلم فخلق. قال: أمختلف هو أم مؤتلف ؟ قال: لا یلیق به الإختلاف ولا الایتلاف،إنما یختلف المتجزی ویأتلف المتبعض، فلا یقال له: مؤتلف ولا مختلف .

قال: فکیف هو الله الواحد ؟

قال: واحد فی ذاته فلا واحد کواحد ، لأن ما سواه من الواحد متجزئ ، وهو تبارک وتعالی واحد لا متجزئ ، ولا یقع علیه العد .

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا

إرشاد الساری:4/235:

الغضب من المخلوقین شئ یداخل قلوبهم ، ولا یلیق أن یوصف الباری

ص: 535

تعالی بذلک، فیؤول ذلک علی ما یلیق به تعالی ، فیحمل علی آثاره ولوازمه. وفی:5 ص 229 والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إیصال الشر إلی المغضوب علیه .وفی ج 6/156 نسبة الضحک والتعجب إلی الباری جل وعلا مجازیة ، والمراد بهما الرضا بصنیعهما .

شرح مسلم للنووی:2 جزء 3/68:

المراد بغضب الله تعالی ما یظهر من انتقامه فیمن عصاه . . لأن الله تعالی یستحیل فی حقه التغیر فی الغضب .

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

تفسیر الصنعانی:2/166:

حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت ابن جریج یقول: وغضب فی شئ فقیل له: أتغضب یا أبا خالد ! فقال: قد غضب خالق الأحلام ، إن الله تعالی یقول لما آسفونا ، أغضبونا .

عن سماک بن الفضل قال: کنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتی بعامل لعروة .. فقالوا فعل وفعل ، وثبت علیه البینة ، قال فلم یملک وهب بن منبه نفسه فضربه علی قرنه بعصا وقال: أفی زمن عمر بن عبدالعزیز یصنع مثل هذا قال: فاشتهاها عروة . . . وقال: یعیب علینا أبو عبد الله الغضب وهو یغضب! قال وهب: قد غضب خالق الأحلام ، إن الله یقول: فلما أسفونا انتقمنا منهم ، یقول أغضبونا. انتهی. وقد ذکرنا فی فصل مکانة المشبهین

ص: 536

والمجسمین فی مصادر إخواننا: أن وهباً استند فی الظاهر إلی الآیة لیثبت أن الغضب الإلهی کغضب البشر ، ولکن أصل الغضب الإلهی فی ثقافته هو الغضب التلمودی الذی قال عنه الدکتور أحمد شلبی فی مقارنة الأدیان: 1/267: یروی التلمود أن الله ندم لما أنزله بالیهود وبالهیکل ، ومما یرویه التلمود علی لسان الله قوله: تب لی لأنی صرحت بخراب بیتی وإحراق الهیکل ونهب أولادی. ولیست العصمة من صفات الله فی رأی التلمود، لأنه غضب مرة علی بنی إسرائیل فاستولی علیه الطیش فحلف بحرمانهم من الحیاة الأبدیة، ولکنه ندم علی ذلک بعد أن هدأ غضبه ، ولم ینفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة . انتهی . والمصیبة أن اخواننا أخذوا نسبة الغضب البشری إلی الله تعالی من وهب وأمثاله من الیهود وجعلوها من عقائد الإسلام ، ثم قعدوا یبکون من خطر الاسرائیلیات علی الإسلام والمسلمین !

الدر المنثور:6/19:

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة: فَلَمَّا آسَفُونَا ، قال أغضبونا .

وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: فَلَمَّاآسَفُونَا ، قال أغضبونا . وأخرج الفریابی وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن مجاهد فی قوله: فَلَمَّا

آسَفُونَا ، قال أغضبونا .

دلائل النبوة للبیهقی:5/477:

عن أبی هریرة قال: . . . فیأتون موسی فیقولون: یا موسی أنت رسول الله..

ص: 537

إشفع لنا عند ربک . . فیقول لهم موسی: إن ربی غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله، وإنی قتلت نفساً لم أومر بقتلها.. نفسی نفسی ، إذهبوا إلی عیسی . . . قال: فیأتون عیسی فیقولون: یا عیسی أنت رسول الله إشفع لنا عند ربک . . . فیقول لهم عیسی: إن ربی غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله ، ولم یذکر ذنباً ،نفسی نفسی ، إذهبوا إلی غیری ، إذهبوا إلی محمد (ص) .

مقالات الإسلامیین للأشعری:1/211:

واختلف الناس فی حملة العرش ما الذی یحمله ؟ فقال قائلون الحملة تحمل الباری وأنه إذا غضب ثقل علی کواهلهم ، وإذا رضی خف ! .. وقال بعضهم الحملة ثمانیة أملاک. وقال بعضهم ثمانیة أصناف. وقال قائلون: إنه علی العرش .

الإیمان لابن تیمیة/424:

وفی الصحیحین فی حدیث الشفاعة: یقول کل من الرسل إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله ... عن النبی: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دویة مهلکة . . وکذلک ضحکه إلی رجلین یقتل أحدهما الآخر کلاهما یدخل الجنه ، وضحکه إلی الذی یدخل الجنه آخر الناس ویقول أتسخر بی وأنت رب العالمین . . . وکل هذا فی الصحیح . .

فتاوی ابن باز:2/96:

ص: 538

وهکذا القول فی باقی الصفات ، من السمع ، والبصر ، والرضی ، والغضب ، والید ، والقدم ، والاصابع ، والکلام ، والإرادة ، وغیر ذلک ، کلها یقال إنها معلومة من حیث اللغة العربیة !

فالإیمان بها واجب والکیف مجهول لنا لا یعلمه إلا الله . . . انتهی .

وإذا کان الکیف مجهولاً کما یقول المفتی ابن باز فلماذا یصر علی تفسیره بالظاهر الحسی ولماذا لا یکون مفوضاً مثل مفوضة السلف ، اللذین أوکلوا هذه الصفات إلی الله تعالی ؟!

تفسیر آیات أخری تتعلق بالموضوع

اشارة

قال الصدوق فی التوحید/159:

باب تفسیر قول الله عز وجل: نسوا الله فنسیهم

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الکلینی(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن یعقوب الکلینی قال: حدثنا علی بن محمد المعروف بعلان قال: حدثنا أبوحامد عمران بن موسی بن إبراهیم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم ، عن أخیه عبدالعزیز بن مسلم قال: سألت الرضا علی بن موسی (علیهماالسّلام) عن قول الله عز وجل: نَسُوااللهَ فَنَسِیَهُمْ ، فقال: إن الله تبارک وتعالی لا ینسی ولا یسهو ، وإنما ینسی ویسهو المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عز وجل یقول: وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیًّا ، وإنما یجازی من نسیه ونسی لقاء یومه بأن

ص: 539

ینسیهم أنفسهم ، کماقال عز وجل: وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وقوله عز وجل: فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا. أی نترکهم کما ترکوا الإستعداد للقاء یومهم هذا .

قال مصنف هذا الکتاب (رض): قوله: نترکهم أی لا نجعل لهم ثواب من کان یرجو لقاء یومه ، لأن الترک لا یجوز علی الله عز وجل .

وأما قول الله عز وجل: وَتَرَکَهُمْ فِی ظُلُمَاتٍ لا یُبْصِرُونَ ، أی لم یعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم لیتوبوا .

باب تفسیر قوله عز وجل:

والأرض جمیعاً قبضته یوم القیمة والسموات مطویات بیمینه.

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الکلینی (رض) قال: حدثنا محمد بن یعقوب الکلینی قال: حدثنا علی بن محمد المعروف بعلان الکلینی قال: حدثنا محمد بن عیسی بن عبید قال: سألت أبا الحسن علی بن محمد العسکری (علیهماالسّلام) عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ

جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ ، فقال: ذلک تعبیر الله تبارک وتعالی لمن شبهه بخلقه، ألا تری أنه قال: وما قدروا الله حق قدره ، ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جمیعاً قبضته یوم القیمة والسموات مطویات بیمینه ، کما قال عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إذ قالوا: ما أنزل الله علی بشر من شئ ، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة والیمین فقال: سبحانه وتعالی عما یشرکون .

ص: 540

حدثنا أحمد بن محمد بن الهیثم العجلی(رحمه الله)قال: حدثنا أحمد بن یحیی بن زکریا القطان قال: حدثنا بکر بن عبدالله بن حبیب قال: حدثنا تمیم بن بهلول، عن أبیه ، عن أبی الحسن العبدی ، عن سلیمان بن مهران قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ، فقال: یعنی ملکه لا یملکها معه أحد ، والقبض من الله تبارک وتعالی فی موضع آخر المنع ، والبسط منه الإعطاء والتوسیع ، کما قال عز وجل: وَاللهُ یَقْبِضُ وَیَبْصُطُ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ ، یعنی یعطی ویوسع ویمنع ویضیق ، والقبض منه عز وجل فی وجه آخر الأخذ فی وجه القبول منه کما قال: ویأخذ الصدقات ، أی یقبلها من أهلها ویثیب علیها .

قلت: فقوله عز وجل: وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ قال: الیمین الید ، والید القدرة والقوة ، یقول عز وجل: السماوات مطویات بقدرته وقوته ، سبحانه وتعالی عما یشرکون .

باب تفسیر قول الله عز وجل: کلا إنهم عن ربهم یومئذ لمحجوبون

حدثنا محمد بن إبراهیم بن أحمد بن یونس المعاذی قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی الهمدانی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبیه قال: سألت الرضا علی بن موسی (علیهماالسّلام) عن قول الله عز وجل: کَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، فقال: إن الله تبارک وتعالی لا یوصف بمکان یحل فیه فیحجب عنه فیه عباده ، ولکنه یعنی أنهم عن

ص: 541

ثواب ربهم لمحجوبون .

باب تفسیر قوله عز وجل: وجاء ربک والملک صفاً صفاً

حدثنا محمد بن إبراهیم بن أحمد بن یونس المعاذی قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی الهمدانی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبیه قال: سألت الرضا علی بن موسی (علیهماالسّلام) عن قول الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ، فقال: إن الله عز وجل لا یوصف بالمجی والذهاب ، تعالی عن الانتقال ، إنما یعنی بذلک: وجاء أمر ربک والملک صفاً صفاً .

باب تفسیر قوله عزوجل: هل ینظرون إلا أن یأتیهم الله فی ظلل من الغمام والملائکة

حدثنا محمد بن إبراهیم بن أحمد بن یونس المعاذی قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی الهمدانی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبیه ، عن الرضا علی بن موسی (علیهماالسّلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلا أَنْ یَاتِیَهُمُ اللهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِکَةُ، قال: یقول هل ینظرون إلا أن یأتیهم الله بالملائکة فی ظلل من الغمام ، وهکذا نزلت. انتهی. أی هکذا نزل تفسیرها معها .

باب تفسیر قوله عز وجل: سخر الله منهم ، وقوله عز وجل: اللهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ، وقوله عز وجل: وَمَکَرُوا وَمَکَرَ اللهُ وَاللهُ خَیْرُ الْمَاکِرِینَ ،

ص: 542

وقوله عز وجل: یُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ .

حدثنا محمد بن إبراهیم بن أحمد بن یونس المعاذی قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی الهمدانی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبیه ، عن الرضا علی بن موسی (علیهماالسّلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ، وعن قول الله عز وجل: اللهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وعن قوله: وَمَکَرُوا وَمَکَرَ اللهُ ، وعن قوله: یُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ، فقال: إن الله تبارک وتعالی لا یسخر ولا یستهزی ولا یمکر ولا یخادع ، ولکنه عز وجل یجازیهم جزاء السخریة وجزاء الإستهزاء وجزاء المکر والخدیعة، تعالی الله عما یقول الظالمون علواً کبیرا .

باب معنی الحجزة

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه(رحمه الله)، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن أحمد بن أبی عبدالله البرقی ، عن أبیه ، عن محمد بن سنان ، عن أبی الجارود ، عن محمد بن بشر الهمدانی قال: سمعت محمد بن الحنفیة یقول: حدثنی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبینا ، وشیعتنا آخذون بحجزتنا ، قلت: یا أمیر المؤمنین وما الحجزة قال: الله أعظم من أن یوصف بالحجزة أو غیر ذلک ، ولکن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبینا ، وشیعتنا آخذون بأمرنا .

أبی(رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبدالله ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی

ص: 543

عن الحسن بن علی الخزاز ، عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)قال: إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبینا ، وشیعتنا آخذون بحجزتنا ، ثم قال: والحجزة النور .

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنی علی بن العباس قال: حدثنا الحسن بن یوسف ، عن عبدالسلام ، عن عمار بن أبی الیقظان عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: یجی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة آخذاً بحجزة ربه ، ونحن آخذون بحجزة نبینا ، وشیعتنا آخذون بحجزتنا ، فنحن وشیعتنا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولکنها أعظم من ذلک ، یجی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )آخذاً بدین الله ، ونجی نحن آخذین بدین نبینا ، وتجی شیعتنا آخذین بدیننا. وقد روی عن الصادق(علیه السّلام)أنه قال: الصلاة حجزة الله ، وذلک أنها تحجز المصلی عن المعاصی مادام فی صلاته ، قال الله عز وجل: إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ .

باب معنی العین والاذن واللسان

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید، عن فضالة بن أیوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: إن لله عز وجل خلقاً من رحمته خلقهم من نوره ورحمته ، من رحمته لرحمته فهم عین الله الناظرة ، وأذنه

ص: 544

السامعة ، ولسانه الناطق فی خلقه بإذنه ، وأمناؤه علی ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة ، فبهم یمحو السیئات ، وبهم یدفع الضیم، وبهم ینزل الرحمة ، وبهم یحیی میتاً ، وبهم یمیت حیاً ، وبهم یبتلی خلقه ، وبهم یقضی فی خلقه قضیته. قلت: جعلت فداک من هؤلاء ؟ قال: الأوصیاء .

باب معنی قوله عز وجل: وقالت الیهود ید الله مغلولة غلت أیدیهم ولعنوا بما قالوا بل یداه مبسوطتان .

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا أحمد بن أبی عبد الله البرقی عن أبیه ، عن علی بن نعمان ، عن إسحاق بن عمار ، عمن سمعه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)أنه قال فی قوله الله عز وجل: وَقَالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، لم یعنوا أنه هکذا ، ولکنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا یزید ولا ینقص ، فقال الله جل جلاله تکذیباً لقولهم: غلت أیدیهم ولعنوا بما قالوا ، بل یداه مبسوطتان ینفق کیف یشاء. ألم تسمع الله عز وجل یقول: یَمْحُواْ اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ .

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن المشرقی، عن عبد الله بن قیس ، عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)قال سمعته یقول: بل یداه مبسوطتان، فقلت: له یدان هکذا، وأشرت بیدی إلی یده ، فقال: لا ، لو کان هکذا لکان مخلوقاً .

باب معنی قوله عز وجل: ونفخت فیه من روحی

حدثنا حمزة بن محمد العلوی(رحمه الله)، قال: أخبرنا علی بن إبراهیم بن هاشم ،

ص: 545

عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة ، عن محمد بن مسلم ، قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قوله الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی، قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلی نفسه ( کذا ) وفضله علی جمیع الأرواح ، فأمر فنفخ منه فی آدم .

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی ، عن ابن فضال ، عن الحلبی وزرارة ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن الله تبارک وتعالی أحد ، صمد ، لیس له جوف ، وإنما الروح خلق من خلقه ، نصر وتأیید وقوة ، یجعله الله فی قلوب الرسل والمؤمنین .

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا الحسین بن الحسن ، قال: حدثنا بکر بن صالح ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الحمید الطائی ، عن محمد بن مسلم ، قال: سألت أبا جعفر (علیه السّلام) عن قول الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی ، کیف هذا النفخ ؟ فقال: إن الروح متحرک کالریح ، وإنما سمی روحاً لأنه اشتق اسمه من الریح ، وإنما أخرجه علی لفظ الروح لأن الروح مجانس للریح ، وإنما أضافه إلی نفسه لأنه اصطفاه علی سائر الأرواح ، کما اصطفی بیتاً من البیوت فقال بیتی ، وقال لرسول من الرسل خلیلی ، وأشباه ذلک ، وکل ذلک مخلوق مصنوع محدث ، مربوب مدبر .

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله)قال: حدثنا علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة ، عن أبی جعفر الاصم قال:

ص: 546

سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن الروح التی فی آدم(علیه السّلام)والتی فی عیسی(علیه السّلام)ماهما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما ، روح آدم(علیه السّلام)وروح عیسی (علیه السّلام) .

حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا علی بن العباس ، قال: حدثنا علی بن أسباط ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قوله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی ، قال: من قدرتی.

حدثنا محمد بن أحمد السنانی ، والحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المکتب ، وعلی بن أحمد بن محمد بن عمران رضی الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی قال: حدثنا محمد بن أسماعیل البرمکی قال: حدثنا علی بن العباس قال: حدثنا عبیس بن هشام ، عن عبد الکریم بن عمرو ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قوله عز وجل: فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی، قال: إن الله عز وجل خلق خلقاً وخلق روحاً ، ثم أمر ملکاً فنفخ فیه ، فلیست بالتی نقصت من قدرة الله شیئاً من قدرته .

تم المجلد الثانی من کتاب العقائد الإسلامیةویلیه المجلد الثالث إن شاء الله تعالی ، وأوله بحث الشفاعة

ص: 547

ص: 548

فهرس المجلد الثانی من کتاب العقائد الإسلامیة

الفصل الأول : جذور مسألة الرؤیة والتشبیه والتجسیم5

اعتقاد السنیین أن الله تعالی یری بالعین..................7

متی ظهرت أحادیث الرؤیة والتشبیه.........................8

عائشة تکذب أحادیث الرؤیة والتشبیه.......................8

موج الفریة جاء من الشام......................................9

وابن عباس یحکم بشرک من یشبه الله تعالی بغیره14

وأبو هریرة یوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود17

علی (علیه السّلام) یوضح ما لم توضحه عائشة19

وأصل روایات الرؤیة بالعین لا تتجاوز العشرة........20

وأیدوا قول کعب بحدیث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالی25

وهاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب................26

ثم رووا الرؤیة بالعین حتی عن ابن عباس وعائشة27

وکبَّر کعب الأحبار لأنه انتصرعلی المسلمین !!34

وفتحوا الطریق لنقد أحادیث الرؤیة بتنازلهم عن عصمة البخاری46

أهل البیت(علیهم السّلام) ینفون أحادیث الرؤیة والتشبیه52

الإمام الکاظم والإمام الرضا یکشفان تحریف حدیث النزول58

الفصل الثانی: مذاهب السنیین فی الألوهیة والتوحید61

کیف نشأت هذه المذاهب ؟..................................63

وصار الترمذی متأولاً ذات یوم فکفره المجسمة...........69

ص: 549

ودافع رشید رضا عن أکثر الحنابلة وجعلهم متأولة71

ثم تبنی رشید رضا رأی الغزالی مع أنه کاد أن یکفر الحنابلة73

وکل علماء السنة حتی المجسمة یصیرون متأولة عند الحاجة76

الفصل الثالث: بازار الأحادیث فی الرؤیة والتشبیه والتجسیم87

قالوا إن الله تعالی علی صورة بشر !..................89

وقالوا له سمع وبصر کسمع الإنسان وبصره !91

وقالوا له عینان مثل الإنسان وهما سالمتان !91

وقالوا له أیدی وأعین ورجلان........................92

وقالوا له جنب وحقو....................................93

وقالوا إنه تعالی یری بالعین فی الدنیا..............94

وقالوا إنه یلبس قباء وجبة ویرکب علی جمل......95

وقالوا إنه فتی أمرد جعد الشعر.........................95

وقالوا إنه یضحک فی الدنیا والآخرة.....................96

وقالوا إنه یضحک لمن یستلقی علی دابته..........99

وقالوا إنه ضحک لطلحة وسعد............................100

وقالوا منطقه کالرعد ، وضحکه کالبرق....................101

معنی الاطیط:....................................................104

وقالوا العرش مطوق بحیة تحمیه.........................105

وقالوا حملة العرش ملائکة صوفیة..........................106

وقالوا حملة العرش حیوانات کما فی التوراة..............106

وقالوا جالس علی کرسیه وغائب عن العالم..............108

وقالوا جالس علی العرش وحوله الأنبیاء علی کراسی108

هشام بن عمار صاحب حدیث الکراسی حول العرش110

وقالوا جنة عدن مسکن الله تعالی وعرشه فیها......115

ص: 550

ورد أهل البیت(علیهم السّلام) حدیث القنادیل وحواصل

الطیور119

واختلفت روایاتهم فیما هو مکتوب علی العرش119

واختلفت روایاتهم فیما هو مکتوب علی العرش119

وقالوا إنه تعالی أثقل من الحدید.......................124

وقالوا یکشف عن ساقه بل عن ساقیه ویعفو عن المنافقین127

وحاول الصنعانی والنووی تخلیص الله تعالی من کشف ساقه139

وقالوا إنه یجلس علی الجسر ویضع رجله علی الاخری140

الإمام الصادق یقول إنها روایة یهودیة...................140

وادعوا أن رؤیته بالعین من أکبر اللذات.....................144

لکن اختلفوا هل تراه النساء فی الجنة !..................145

قالوا: إن الله تعالی جسم ینزل إلی الأرض کل لیلة146

وقالوا إنه تعالی ینزل یوم عرفة...............................150

وأحادیث إخواننا تؤید ما قاله الإمام الرضا.................151

وتؤیده أحادیث فیها اطلع الله بدل ینزل...................153

الفصل الرابع: خلاصة اعتقادنا فی التنزیه ونفی التشبیه163

العقل والآیات والأحادیث تنفی إمکان رؤیة الله تعالی بالعین165

الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعلم الأمة التوحید166

علی(علیه السّلام)یثبت مشاهدة القلوب وینفی

مشاهدة العیان168

لم یحلل فی الأشیاء . . . ولم ینأ عنها....................169

لا تقدر عظمة الله سبحانه علی قدر عقلک...............170

لا تدرکه الشواهد ولا تحویه المشاهد..................173

کان المسلمون یعرفون قیمة الجواهر فیکتبونها179

أمیر المؤمنین یرد علی تجسیم الیهود.................181

ویصف النملة والجرادة.......................................186

ص: 551

علی(علیه السّلام)مؤسس علم التوحید...............188

الإمام زین العابدین(علیه السّلام)ینظم زبور آل محمد189

الإمام محمد الباقر (علیه السّلام)یجیب علی سؤال

متی وجد الله 191

ویرکز فی المسلمین قاعدة: لا تشبیه ولا تعطیل194

الإمام الصادق(علیه السّلام): لا نفی ولا تشبیه

ولا جبر ولا تفویض194

المؤمنون یرون الله بعقولهم وقلوبهم فی الدنیا والآخرة195

الإمام الکاظم(علیه السّلام)یرد علی تجسید النصاری199

ویبین أن الله تعالی غنی عن النزول والحرکة200

الإمام الرضا(علیه السّلام)یعلم تلامیذه الدفاع

عن التوحید200

الإمام الرضا(علیه السّلام)یعلم بنی العباس

التوحید207

نماذج من کلمات علماء مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) 210

الفصل الخامس: من أین نشأت المشکلة عند إخواننا السنة221

العامل الأول: میل العوام إلی التشبیه والتجسیم223

العامل الثانی: الخوف من أن یؤدی التنزیه إلی التعطیل229

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمین للیهود230

العامل الرابع: تأثیر ثقافة الیهود .............................233

اعتقاد الیهود والنصاری بتشبیه الله تعالی ورؤیته بالعین233

محاولة بعض الیهود أن یتبرؤوا من التشبیه والتجسیم246

لکن البابا فی عصرنا یصر علی التجسیم وینتقد التوحید عند المسلمین249

أول قنوات التشبیه والتجسیم والرؤیة من الیهودیة إلی الإسلام257

من أفکار کعب الأحبار فی الرؤیة والتشبیه والتجسیم262

کعب یدعی أن جنة عدن مسکن الله والأنبیاء والخلفاء !265

نموذج من علم کعب بالله تعالی............................268

ص: 552

وقالوا: نبی الله داود یمسک بقدم الله تعالی وهو أعبد من جمیع الأنبیاء271

وقالوا: عمر أفضل من داود لأنه یصافح الله ویعانقه272

من روایات أبی موسی الأشعری وابنه....................274

وقال الجرجانی وغیره: أطیط العرش فکرة یهودیة278

التجسیم فی مصادر إخواننا من روایات الحاخامات278

الکوثری یصعد درجات ولایصل إلی لب الحقیقة285

السفیانان والحمادان ...................................287

حماد بن سلمة ............................................288

بعض روایات ابن سلمة فی التشبیه والتجسیم290

حماد یروی أن النبی لایحفظ القرآن !................294

أخذ حماد القول بالجبر من شیخ شیخه وهب294

ربیبه عبد الکریم بن أبی العوجاء ....................295

عشرات الألوف من الأحادیث ومئات التلامیذ296

ومع هذا وثقه إخواننا وغالوا فیه...................300

واحترمه البخاری وروی عنه ولم یکتفوا بذلک304

نعیم بن حماد.......................................305

بعض مناکیره وروایاته فی التجسیم............306

ومع ذلک وثقوا نعیماً لأنه صلب فی السنة !!310

الفصل السادس: مکانة المشبهین والمجسمین فی مصادر السنیین315

المشبهون سادة فی التاریخ ومصادر السنة317

وهب بن منبه: فارسی ، یهودی ، مجسم محترم وشیخ للمحدثین318

مقاتل بن سلیمان البلخی ، مجسم وشیخ ابن حماد وأستاذ للمفسرین325

ص: 553

یزید بن هارون من شیوخ الإمام أحمد329

السمنانی المجسم رئیس الأشعریة331

الإمام الدارمی المجسم..............332

أبو العباس السراج وإسحاق الحنظلی إمامان مجسمان333

وصار ابن عقیل شیخ الحنابلة.................................334

من عقائد الدولة: إطاعة الحاکم الجائر والتجسیم والرؤیة335

هجمة الحنابلة علی الطبری...............................336

هجمة الحنابلة علی ابن حبان..............................338

من تکفیرات المجسمین لمن خالفهم......................340

ملحد ( سنی ) یحبه المجسمة لأنه یلعن من خالفهم343

من الفتن التی حدثت بسبب التجسیم....................343

وواجه بعض الخلفاء تطرف المجسمین......................345

وقتل خلفاء شرعیون إماماً مجسماً طمع بالحکم .....345

وکان التجسیم منتشراً فی عصر ابن الجوزی والسبکی348

وانتقل التجسیم من بغداد إلی مصر.....................349

الإمام العبدری المغربی المجسم............................350

التجسیم ینتشر فی المغرب فیقاومه المهدی بن تومرت351

وکثر الحشویة والمخلطون فی العالم الإسلامی353

الفصل السابع: کل الناس مبرؤون.... والشیعة متهمون355

منطق السلطة وأتباعها....................................357

ص: 554

محاولات الدولة والمشبهین إلصاق التشبیه بالنبی وآله358

بغض أهل البیت وشیعتهم إرث غیر شرعی...........360

وتواصلت علینا الإفتراءات عبر العصور.......................362

وتضاعفت التهم فی عصرنا عصر العلم وحریة الفکر366

الفصل الثامن: تفسیر مقارن للآیات المتعلقة بالموضوع369

الآیات المحکمة النافیة لإمکان الرؤیة...................371

الآیات المتشابهة التی استدلوا بها علی الرؤیة372

آیات: استوی علی العرش.................................373

تفسیر آیة: لا تدرکه الابصار...............................375

النبی وآله یقولون: لا تدرکه الابصار ولا.. الاوهام375

أمیر المؤمنین(علیه السّلام) یدفع الشبهات394

تفسیرهم الموافق لمذهبنا.......................403

محاولاتهم تأویل الآیة وإبطال معناها...............403

تفسیر آیة: ما کذب الفؤاد ما رأی....................411

قال أهل البیت: رأی ربه بفؤاده ورأی آیاته بعینیه411

رأی الشیعة الزیدیة فی نفی الرؤیة...................417

تفسیرهم الموافق لمذهبنا.................................419

ونفی قدماء المتصوفة الرؤیة بالعین فی الدنیا...........424

تفسیرهم الذی فیه تجسیم.................................426

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلی إلی الله تعالی !436

ص: 555

ووصفوا عرشه بأنه تحمله حیوانات کما وصفه الیهود437

وحاول بعضهم أن یخفف القصة ویجعلها رؤیا فی المنام438

تفسیر آیة: وجوه یومئذ ناضرة ، إلی ربها ناظرة439

تفسیر أهل البیت(علیهم السّلام) وفقهاء مذهبهم440

رؤیة العارفین بقلوبهم أرقی من الرؤیة البصریة444

تفسیرهم الموافق لمذهبنا............................448

تفسیرهم الذی فیه تجسیم..............................450

تفسیر آیات التجلی لموسی (علیه السّلام)..........457

قال أهل البیت (علیهم السّلام) : تجلی بنوره الذی خلقه ، لا بذاته 457

الإمام الرضا یدفع التهم عن الأنبیاء (علیهم السّلام) 457

أنواع التجلی الإلهی..........................................474

تفسیر عرفانی لعدم إمکان رؤیة الله تعالی...............475

الله تعالی یتجلی بخلقه.......................................476

تفسیرهم الموافق لمذهبنا....................................479

تفسیرهم الذی فیه تجسیم..............................482

من هو قیس بن ثابت راوی حدیث خنصر الله تعالی485

تفسیر قوله تعالی: یوم یکشف عن ساق487

فسرها أهل البیت (علیهم السّلام) بکشف حجاب الآخرة وأهوالها488

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا.............................490

تفسیر آیات الإستواء علی العرش...........................494

تفسیر أهل البیت (علیهم السّلام) .........................496

ص: 556

معنی العرش والکرسی عند أهل البیت (علیهم السّلام) 506

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا.............................514

تفسیرهم الذی فیه تجسیم قالوا إن الله جالس علی کرسیه کما قال الیهود518

وتناقضت روایاتهم فی العرش والکرسی....................520

وقالوا عرش الله کرسی متحرک..........................552

تفسیر قوله تعالی: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً524

وقالوا یجلس الله علی عرشه ویُجْلس النبی إلی جانبه524

ونفی الفکرة بعض علماء السنة..............................527

وقالوا یُجْلس أبا بکر علی کرسی عند العرش............529

وقالوا یُجْلس أبا بکر علی کرسی عند العرش529

تفسیر قوله تعالی: فلما آسفونا انتقمنا منهم530

قال أهل البیت (علیهم السّلام) : إن الله لا یأسف کأسفنا530

تفسیر إخواننا الموافق لمذهبنا.........................535

تفسیرهم الذی فیه تجسیم...............................536

تفسیر آیات أخری تتعلق بالموضوع.........................539

باب تفسیر قول الله عز وجل: نسوا الله فنسیهم539

باب تفسیر قوله عز وجل: والأرض جمیعاً قبضته یوم القیمة والسموات مطویات بیمینه.540

باب تفسیر قول الله عز وجل: کلا إنهم عن ربهم یومئذ لمحجوبون541

باب تفسیر قوله عزوجل: هل ینظرون إلا أن یأتیهم الله فی ظلل من الغمام والملائکة542

باب معنی قوله عز وجل: وقالت الیهود ید الله مغلولة غلت أیدیهم ولعنوا بما قالوا بل یداه مبسوطتان .545

ص: 557

ص: 558

المجلد 3

اشارة

العقائد الإسلامیة مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

بقلم: علی الکورانی العاملی المجلد الثالث

یشتمل علی مسائل: الشفاعة ا

ص: 1

لطبعة الثانیة مزیدة ومنقحة

ص: 2

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین ، وأفضل الصلاة وأتم السلام علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین

وبعد ، فهذا هو المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة ، وقد اشتمل علی أکثر مسائل الشفاعة ، وعدد من البحوث النافعة فیها .

ونظراً لاهمیة مسائل الشفاعة ، فقد حاولنا استقصاء الآراء فیها ، وتعرضنا أحیاناً لاراء غیر المسلمین .

وتلاحظ ما تعرضت له من تحریفات کبیرة بعد الأنبیاء(علیهم السّلام) خدمةً لاغراض سیاسیة وثقافیة ، بعیدة عن الدین الإلهی !!

وقد ساعد علی ذلک أنها من عقائد الغیب والآخرة غیر المنظورة ، التی یسهل علی المحرفین التحریف فیها ، ویصعب کشف عملهم. نسأله تعالی أن یجعلنا من المشمولین بشفاعة سید المرسلین وآله الطیبین الطاهرین ، وأن یصلی علیهم أجمعین .

مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة علی الکورانی العاملی

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول :تعریف الشفاعة وتاریخها

اشارة

ص: 5

ص: 6

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهیة

الرحمة الإلهیة وسعت کل شئ ، ولا یمکن للبشر أن یحصوا أعدادها . . ولا أنواعها . . لکن نشیر إلی ستة أنواع کبری منها ، لیتضح موقع الشفاعة من بینها.

النوع الأول : التوبة ، التی تمحو السیئات .

النوع الثانی: أن السیئة بواحدة والحسنة بعشرة .

النوع الثالث : أن نیة الحسنة تکتب ، ونیة السیئة لا تکتب .

النوع الرابع : أن الحسنات یذهبن السیئات .

النوع الخامس : أنواع الرحمة الإلهیة الخاصة بالآخرة .

النوع السادس : الشفاعة ، وهی نوع من الوساطة إلی الله تعالی من ولیٍّ مقرب عنده لیغفر لمذنب ویسامحه .

شبهة حول أصل الشفاعة

یدور فی ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده: أن رحمة الله تعالی

ص: 7

ومغفرته وسعت وتسع کل شئ ، وهی تتم بشکل مباشر ، فلماذا یجعلها الله تعالی

تحتاج إلی واسطة عباده مثل الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السّلام) ؟

والجواب: أن الرحمة الإلهیة المباشرة فی الدنیا والآخرة أنواع کثیرة لا تحصی ، ولا یمنع أن یکون منها رحمة غیر مباشرة جعلها الله تعالی مرتبطة بالدعاء والشفاعة لمصالح یعلمها سبحانه ، کأن یرید رحمة عدد کبیر من عباده بالشفاعة ، ویُظهر کرامة أنبیائه وأولیائه عنده. .

فالشفاعة من ناحیة عقلیة لا مانع منها ولا إشکال فیها ، نعم ، لا تثبت إلا بدلیل ، وفی الحدود والدائرة التی یدل علیها الدلیل .

مثال لتقریب فهم عقیدة الشفاعة

یمکن تقریب الشفاعة إلی الذهن بأنها ( قاعدة الإستفادة من الدرجات الإضافیة ) کأن یقال للطالب الذی حصل علی معدل عال: یمکنک أن تستفید من النمرات الإضافیة علی معدل النجاح فتعطیها إلی أصدقائک ، الاقرب فالأقرب من النجاح. .

ولنفرض أن الإنسان یحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلی 51 درجة ( من رجحت حسناته علی سیئاته ) فالذی بلغ عمله 400 درجة مثلاً یسمح له أن یوزع 349 درجة علی أعزائه ، ولکن ضمن شروط ، مثل أن یکونوا من أقربائه القریبین ، وأن یکون عند أحدهم ثلاثین درجة فما فوق ، وذلک لتحقیق أفضل استفادة وأوسعها من هذه الدرجات الاضافیة .

وقد نصت بعض الأحادیث عن الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) علی أن شفاعة المؤمن تکون علی قدر عمله ، ففی مناقب آل أبی طالب:2/15 عن الإمام

ص: 8

الباقر (علیه السّلام) فی قوله تعالی: وَتَرَی کُلَّ أُمَّةٍ جَاثِیَةً . . الآیة ، قال: ذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعلی(علیه السّلام)یقوم علی کوم قد علا الخلایق فیشفع ثم یقول: یا علی إشفع ، فیشفع الرجل فی القبیلة ، ویشفع الرجل لأهل البیت ویشفع الرجل للرجلین علی قدر عمله. فذلک المقام المحمود. انتهی. وورد شبیه به فی مصادر السنة أیضاً .

وعلی هذا ، فالشفاعة مقننة بقوانین دقیقة حکیمة مثل کل الأعمال الإلهیة الدقیقة والحکیمة ، ولیست کما یتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبیات والمنسوبیات الدنیویة .

وبما أن درجات الملائکة والأنبیاء والأوصیاء صلوات الله علیهم ودرجات المؤمنین متفاوتة ، وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلیس غریباً أن یکون أعظمهم شفاعة عند الله تعالی .

وبما أن سیئات الناس تتفاوت درکاتها ویصل بعضها إلی تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً..فإن الذین تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلی النجاح والافضل من مجموع المسیئین ، وقد وردت فی شروطهم عدة أحادیث ، منها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( إن أدناکم منی وأوجبکم علیَّ شفاعةً: أصدقکم حدیثاً ، وأعظمکم أمانةً ، وأحسنکم خلقاً ، وأقربکم من الناس ). مستدرک الوسائل:11/171 .

قال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/497:

إن قیل: فإذا کانت الإثابة والمعاقبة مختصتین به تعالی، فکیف یصح لکم ما تذهبون إلیه من الحوض واللواء والوقوف علی الاعراف ، وقسمة النار

ص: 9

وإدخال بعض إلیها وإخراج بعض منها ، مع کون ذلک ثواباً وعقاباً ؟

قیل: لا شبهة فی اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالی ، غیر أنه تعالی ردَّها أو ردَّ منها إلی المصطفین من خلقه: رسول الله وأمیر المؤمنین والأئمة من آلهما صلوات الله علیهم ، فأوردوها عن أمره وأصدروها. کما یضاف تعذیب أهل النار وتنزیل أهل الجنة حاصلاً بالملائکة المأذون لهم فیه . . . ولیس لأحد أن یقول: فأی میزة لهم بتولی هذه الأمور علی غیرهم فی الفضل وهی موقوفة علی إذنه تعالی ، لأن الآخرة لما کانت أفضل الدارین بکونها دار الجزاء وغایة المستحقین ، وجعل الله سبحانه إلی هؤلاء المصطفین أفضل منازله وأسنی درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار ، دل علی تخصصهم من الفضل بما لا مشارک لهم فیه .

محاولات المستشرقین التشکیک فی الشفاعة

وقد حاول بعضهم الإشکال علی قانون الشفاعة فی الإسلام فتصوره أو صوره بأنه من نوع الوساطات الدنیویة المخالفة للعدالة ، التی یفعلها الناس عند الحکام الظلمة لمن یحبونه من المجرمین..وقد مدح جولد تسیهر فی کتابه مذاهب التفسیر الإسلامی/192 المعتزلة وزعم أنهم لم یقبلوا الشفاعة لأنها تنافی العدالة، قال: والمعتزلة . . لا یریدون التسلیم بقبول الشفاعة علی وجه أساسی حتی لمحمد ذلک بأنه یتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهی المطلق . انتهی .

ولکن لایمکن لعاقل أن یدعی بأن زیادة الرحمة الإلهیة والمغفرة للمذنبین

ص: 10

بأسباب متعددة ، أمرٌ یتنافی مع العدالة الإلهیة ! !

ثم إن الذی نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لأهل الکبائر ، ولم ینفوا الشفاعة لمرتکبی المعاصی الصغائر ، کما سیأتی فی محله .

علی أن تسیهر الیهودی نفسه یعتقد بالشفاعة التی یزعمها الیهود لکل بنی إسرائیل دون سواهم من البشر ، ولایراها منافیة للعدالة الإلهیة ، فلا معنی لمدحه المعتزلة بأنهم یرفضون الشفاعة لأنهم طلاب مساواة !

تهافت منطق الوهابیین فی الشفاعة والاستشفاع

والأعجب من المستشرقین الوهابیون . . حیث یتوسعون فی الشفاعة فیجعلونها تشمل الیهود والنصاری وجمیع الخلق ، علی حد تعبیر ابن تیمیة، قال فی مجموعة رسائله:1/10: أجمع المسلمون علی أن النبی (ص) یشفع للخلق یوم القیامة بعد أن یسأله الناس ذلک وبعد أن یأذن الله فی الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علی ما اتفقت علیه الصحابة ... أنه یشفع لأهل الکبائر ، ویشفع أیضاً لعموم الخلق. انتهی.

ولکنهم فی نفس الوقت یحرّمون الاستشفاع والتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویعتبرونه شرکاً ، مع أن الاستشفاع هو طلب شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الله تعالی فی الآخرة ، أو فی أمر من أمور الدنیا !

إن التناسب بین الإعتقاد بسعة الشفاعة فی الآخرة یقتضی تجویز الإستشفاع بأهلها فی الدنیا !

وبتعبیر آخر: إن تحریم الإستشفاع والتوسل فی الدنیا ، یناسبه إنکار الشفاعة

ص: 11

فی الآخرة ، لا القول بسعتها لجمیع الخلق !

وقد التفت إلی ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرین بالفکر الوهابی فی تحریم التوسل والاستشفاع ، فأنکر شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمعناها المعروف ، وفسرها بتفسیر شاذٍّ جعل منها أمراً شکلیاً بعیداً عن أفعال الله تعالی .

قال فیما قال: إن الشفاعة هی کرامة من الله لبعض عباده فیما یرید أن یظهره من فضلهم فی الآخرة فیشفعهم فی من یرید المغفرة له ورفع درجته عنده ، لتکون المسألة فی الشکل واسطة فی النتائج التی یتمثل فیها العفو الإلهی الربانی ، تماماً کما لو کان النبی السبب أو الولی هو الواسطة.

إلی أن قال: وفی ضوء ذلک لا معنی للتقرب للأنبیاء والأولیاء لیحصل الناس علی شفاعتهم، لأنهم لا یملکون من أمرها شیئاً بالمعنی الذاتی المستقل. بل الله هو المالک لذلک کله علی جمیع المستویات ، فهو الذی یأذن لهم بذلک فی مواقع محددة لیس لهم أن یتجاوزوها. الأمر الذی یفرض التقرب إلی الله فی أن یجعلنا ممن یأذن لهم بالشفاعة له. انتهی.

ولم یصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الأنبیاء والأولیاء (علیهم السّلام) ، ولکن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلک ، واعتبر طلب الشفاعة منهم (علیهم السّلام) شرکاً ! قال ( فالشفاعة کلها لله فاطلبها منه ، وقل: اللهم لا تحرمنی شفاعته اللهم شفعه فیَّ. وأمثال هذا .

فإن قال: النبی (ص) أعطی الشفاعة ، وأنا أطلب مما أعطاه الله.

فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاک عن هذا ، وقال: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا . . . الخ. ) .

وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة إلی شفاعة منفیة ، وهی التی ( تطلب من

ص: 12

غیر الله فیما لا یقدر علیه إلا الله ) وشفاعة مثبتة ، وهی ( التی تطلب من الله الشافع المکرم بالشفاعة . . . الخ. ) انتهی.

والجواب الکلی علی هذه المقولة أنها دعوی بدون دلیل ، نشأت من سوء الفهم لمعنی الشفاعة ، ومعنی طلبها من الشافع ، ومعنی الاستشفاع والتوسل إلی الله تعالی بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأولیائه المقربین ! فافترضت فیها معان لا توجد فیها !!

والجواب عنها بشیء من التفصیل ، أنها تتضمن شبهتین ینبغی التفکیک بینهما:

فالشبهة الأولی حول الشفاعة ، ومفادها أن آیات الشفاعة وأحادیثها ، یجب أن تحمل علی المجاز ، لأن الشفاعة فیها أمرٌ شکلی لا حقیقی !

ولم یذکر صاحب هذه الشبهة دلیلاً علی لزوم ترک المعنی الحقیقی وحمل نصوص الشفاعة علی المجاز، بل لم نجد أحداً من الوهابیین ذکر ذلک.. نعم ذکر محمد رشید رضا إشکال بعضهم علی ذلک وأجاب عنه بما قد یفهم منه أن الشفاعة أمرٌ شکلی !

قال فی تفسیر المنار:8/13:

فإن قیل: ألیس الشفعاء یؤثرون فی إرادته تعالی ، فیحملونه علی العفو عن المشفوع لهم والمغفرة لهم ؟

قلنا: کلا إن المخلوق لا یقدر علی التأثیر فی صفات الخالق الأزلیة الکاملة . . . فیکون ذلک إظهار کرامة وجاه لهم عنده ، لا إحداث تأثیر الحادث فی

ص: 13

صفات القدیم وسلطان له علیها ، تعالی الله عن ذلک. انتهی .

ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقیقیة یستلزم أن تکون إرادة الخالق متأثرة بإرادة المخلوق ، وهو محال ، فلا بد من القول بأن الشفاعة شکلیة !!

وکذلک القول بتعلیق بعض أفعاله تعالی علی طلب أنبیائه وأولیائه منه ، مثل الرزق ، والشفاء ، والمغفرة ، والنجاة من النار وإدخال الجنة . . لابد أن یکون شکلیاً ، لأن الحقیقی منه محال .

والجواب عنها: أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا فی تخیلهم أن تعلیق الله تعالی لمغفرته أو عطائه علی طلب مخلوق ، معناه تأثیر المخلوق فی إرادته سبحانه وتعالی ! فإن تعلیق الإرادة علی شیء ممکنٌ بالوجدان ، ولا محذور فیه ، لأنه بذاته فعلٌ إرادی وتأکیدٌ للارادة لا سلبها ، أو جعلها متأثرة بفعل آخر ، أو شیء آخر . . لقد تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله ، إذا أعطیت لاحد تصیر شفاعةً من دون الله تعالی ، فوقعوا فی هذه الشبهة !

أما إذا قالوا إن ذلک ممکنٌ ولکن الله تعالی لا یفعله لأنه لا یجوز له ، فلا دلیل لهم علیه من عقل ، ولا قول الله تعالی ولا قول رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وإن کانوا یمنعونه من عند أنفسهم ، فهو تعدٍّ علی الله تعالی ، وتحدیدٌ لصلاحیات من لایسأل عما یفعل ، وهم یسألون !

ثم إن اللغة تأبی علیهم ما قالوه ، فآیات الشفاعة وأحادیثها ظاهرة فی الشفاعة الحقیقیة لا الشکلیة ، ولا یمکنهم صرفها عن ظاهرها !

والشبهة الثانیة حول الاستشفاع بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهی الشبهة التی

ص: 14

یکررها ابن تیمیة والوهابیون ، وهی غیر شبهة الشفاعة وإن کانت مرتبطة بها .

ومفادها أن طلب الشفاعة حتی ممن ثبت أن الله تعالی أعطاهم إیاها حرامٌ ، لأنه شرکٌ بالله ، وادعاءٌ لهؤلاء المخلوقین بأنهم یملکون الشفاعة من دون الله تعالی !!

وقد استدل ابن عبد الوهاب علی ذلک بآیات النهی عن اتخاذ شریک مع الله کقوله تعالی (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) .

والجواب عنها: أنه ثبت من القرآن والسنة أن کثیراً من الأفعال الإلهیة تتم بواسطة الملائکة ، ولیس فی ذلک أی شرک لهم مع الله تعالی، لا فی ملکه ، ولا فی أمره ، بل هم عبادٌ مکرمون مطیعون.

ولا مانع من العقل أو النقل أن یجعل الله تعالی أنواعاً من أفعاله وعطائه بواسطة الأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) أو یجعلها معلقةً علی طلبهم منه !

ولا یصح التفریق بین الأمرین والقول بأن ذلک إن کان بواسطة الملائکة فهو إیمان لانهم لایصیرون شرکاء ، أما إن کان بواسطة غیرهم فیصیرون شرکاء لله تعالی !

أو القول بأن تعلیق العطاء الالهی علی طلب الأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) شراکةٌ لله تعالی وشرکٌ به ، لکن شراکة الملائکة لله تعالی والشرک بهم لا بأس به !!

نقول لأصحاب هذه الشبهة: إقرؤوا قول الله تعالی: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَکَانَ اللهُ عَلِیمًا حَکِیمًا. الفتح : 4 .

ص: 15

وقوله تعالی: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَکَانَ اللهُ عَلِیمًا حَکِیمًا. الفتح : 7 .

وقوله تعالی: وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلا هُوَ وَمَا هِیَ إِلا ذِکْرَی لِلْبَشَرِ. المدثر:31.

ثم نقول لهم: نحن وأنتم لایحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالی أو نحصرها، أو نحصر طرقها ، أو نضع له لائحة فتاوی لما یجوز له أن یفعله وما لا یجوز !

ومعرفتنا ومعرفتکم بما یمکن له تعالی أن یفعله وما لا یمکن ، إنما جاءت مما دلنا علیه العقل دلالةً قطعیة ، أو دلنا علیه کتاب الله وسنة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

والعقل لا یری مانعاً فی أن یربط الله تعالی أفعاله بطلب ملائکته أو أولیائه ، فیجعلهم أدوات رحمته ، ووسائط فیضه ، ووسائل عطائه . . وذلک لا یعنی تشریکهم فی ألوهیته ، بل هم عباده المکرمون المطیعون ، ووسائله وأدواته التی یرحم بها عباده .

هذا من ناحیة نظریة . . وأما من ناحیة الوقوع والثبوت ، فقد دل الدلیل علی أن أنظمة الفعل الالهی وقوانینه واسعةٌ ومعقدةٌ ، ودل علی أنه تعالی جعل کثیراً من عطائه - إن لم یکن کله - عن طریق خِیَرِةِ عباده من الملائکة والأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) ودل الدلیل علی جواز الاستشفاع والتوسل بنبینا وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والطلب من الله تعالی بحقهم وحرمتهم وواسطتهم ، سواءً فی ذلک أمور الدنیا والآخرة . .

ودل الدلیل علی أن موتهم (علیهم السّلام) لیس کموت غیرهم ، وأن حرمتهم أمواتاً کحرمتهم أحیاء صلوات الله علیهم .

وقد قال تعالی فی آخر سورة أنزلها من کتابه: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة : 35 ، ولا فرق فی أصحاب الوسیلة إلی الله تعالی بین الملائکة وغیرهم ، بل التوسل

ص: 16

بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أفضل وأرجی من التوسل بالملائکة ، لأنه أفضل مقاماً عند الله منهم.

وسیأتی ذلک فی بحث التوسل والإستشفاع ، إن شاء الله تعالی. ویأتی أنه یجوز لنا أن نطلب العطاء الإلهی المعلق علی شفاعة الأنبیاء والأولیاء ، أو غیر المعلق ، منهم أنفسهم (علیهم السّلام) ولا یعتبر ذلک شرکاً ، بل هو طلبٌ من الله تعالی .

وأن حکم التوسل بالأنبیاء والأولیاء والإستشفاع بهم إلی الله تعالی ، لا یختلف بین الاموات منهم والاحیاء (علیهم السّلام) .. إلی آخر المسائل التی خالف فیها الوهابیون عامة المسلمین .

وقد أجاب السید جعفر مرتضی فی کتابه خلفیات مأساة الزهراء(علیهاالسّلام) / 221 - 225 علی الشبهتین المذکورتین ، ومما قاله:

1 - إن الکل یعلم: أن لا أحد یدعو محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو علیاً(علیه السّلام)أو أی نبی أو ولی کوجودات منفصلة عن الله تعالی ومستقلة عنه بالتأثیر ، ولم تحدث فی کل هذا التاریخ الطویل أن تکونت ذهنیة شرک عند الشیعة نتیجة لذلک فضلاً عن غیرهم .

2 - إننا نوضح معنی الشفاعة فی ضمن النقاط التالیة:

أ - إن الإنسان المذنب قد لا یجد فی نفسه الاهلیة أو الشجاعة لمخاطبة ذلک الذی أحسن إلیه وأجرم هو فی حقه ، أو هکذا ینبغی أن یکون شعوره فی مواقع کهذه ، فیوسط له من یحل مشکلته معه ممن لا یرد هذا المحسن طلبهم ولا یخیب مسألتهم. .

ب - إن الله إنما یرید المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفیع له . . ولم

ص: 17

تکن تلک الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولاتحقق الشفاعة..فلو أن الشفیع لم یبادر إلی الشفاعة لکان العذاب قد نال ذلک العبد المذنب .

وهذا کما لو صدر من أحد أولادک ذنب فتبادر إلی عقوبته ، فإذا وقف فی وجهک من یعز علیک وتشفع به فإنک تعفو عنه إکراماً له، وإن لم یفعل ذلک کما لو لم یکن حاضراً مثلاً فإنک ستمضی عقوبتک فی ذلک الولد المذنب لا محالة..فالشفاعة علی هذا سبب فی العفو أو جزء سببه له .

إذن فلیس صحیحاً ما یقوله البعض من أن الله تعالی له قد تعلقت إرادته بالمغفرة للعبد قبل الشفاعة بحیث تکون المغفرة له حاصلة علی کل حال ، ثم یکرم الله نبیه ویقول له: هذا العبد أرید أن أغفر له فتعال وتشفع إلی فیه..

ج - إذا کان الشخص المذنب قد أقام علاقة طیبة مع ذلک الشافع وتودد إلیه ورأی منه سلوکاً حسناً واستقامة وانقیاداً ، فإن الشافع یری أن من اللائق المبادرة إلی مساعدته فی حل مشکلته أما إذا کان قد أغضبه وأساء إلیه أو تعامل معه بصورة لا توحی بالثقة ولا تشیر إلی الإستقامة ، فإنه لا یبادر إلی مساعدته ولا یلتفت إلیه . . فسلوک المشفوع له أثر کبیر فی مبادرة الشافع إلی الشفاعة .

د - وحین یکون الشفیع لا یرید شیئاً لنفسه من ذلک الشخص ولا من غیره ویکون ما یرضیه هو ما یرضی الله سبحانه فإن تقدیم الصدقات والقربات للفقراء والإهتمام بما یرضی الشافع ، هو فی الواقع إثباتات عملیة علی أن ذلک المذنب راغبٌ فی تصحیح خطئه وتدارک مافاته ، وهو براهین وإثباتات علی أنه قد التزم جادة الإستقامة وندم علی ما فرط منه ، فإذا قدم مالاً للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها علی المحتاجین ، فإن ذلک لا

ص: 18

یکون رشوةً للنبی أو الولی . . وهو یعلم أن النبی والولی لا یأخذ ذلک لنفسه بل یعود نفعه إلی الفقراء والمحتاجین أو یستثمر فی سبیل الله وفی نشر الدین والباذل إنما یبذل ذلک رغبة فی الحصول علی رضا الشافع الذی رضاه رضا الله .

ه- - أما إذا أدار ذلک المذنب ظهره للنبی والوصی ولم یلمس الشافع منه أنه یتحرق لتحصیل العفو والرضا عنه ، ویقرع کل باب ویتوسل بکل ما من شأنه أن یحل هذا الإشکال ، ویبادر إلی العمل بکل مایعلم أنه یرضی سیده عنه ، فإنه لا یشفع له ولا کرامة . .

و - ومن الواضح: أن من یکون جرمه هائلاً وعظیماً فإن إمکانیة وفرص الاقدام علی الشفاعة له تتضاءل وتضعف . . فلا یضع النبی والوصی نفسه فی مواضع کهذه ولا یرضی الله سبحانه له ذلک. کما أن من یدیر ظهره لأولیاء الله ولا یهتم لرضاهم ولا یزعجه سخطهم فإنه لا یستحق شفاعتهم قطعاً ، لأن الإهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالی ومن المقربات إلیه وموجبات رضاه . . فالتوسل إلیهم والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبیل نجاة وطریق هدی وسلامة وسعادة .

ز - إن من الواضح أن المجرم لا یمکن أن یتشفع فی مجرم مثله ، وأن المقصر لا یتشفع بنظیره ، لأن الشفاعة مقامٌ عظیمٌ وکرامةٌ إلهیة فلا یقبل الله سبحانه شفاعة کل أحد ، بل الذین یشفعون هم أناسٌ مخصصون بکرامة الله سبحانه لانهم یستحقونها . .

ح - قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تکن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة لتکون شفاعة النبی أو الوصی بعدها - بالشکل - ومن دون أن یکون

ص: 19

لها تسبیب حقیقی . . بل هناک تسبیب حقیقی للشفاعة ، فإنها هی سبب المغفرة وهی سبب إرادة الله بأن یغفر لذلک المذنب ولو لم یقم الشافع بها لم یغفر الله لذلک المذنب .

ولولا ذلک فإنه لا یبقی معنی للشفاعة..ولا یکون العفو إکراماً للشافع واستجابة له. انتهی .

تعریف الشفاعة فی اللغة

قال الخلیل فی کتاب العین:1/260:

الشافع: الطالب لغیره ، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لی إلیه فشفعه فیَّ. والاسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشفیع. قال:

زعمت معاشر أننی مستشفع

لما خرجت أزوره أقلامها

أی: زعموا أنی أستشفع ( بأقلامهم ) أی بکتبهم إلی الممدوح ، لا بل إنی أستغنی عن کتب المعاشر بنفسی عند الملک. والشفعة فی الدار ونحوها معروفة یقضی لصاحبها . والشافع: المعین ، یقال فلان یشفع لی بالعداوة ، أی یعین علی ویضادنی قال النابغة:أتاک امرؤ مستعلن شنآنهله من عدوٍّ مثل ذلک شافع أی : معین. وقال الاحوص:بأنَّ من لامَنِی لاصْرمهاکانوا علینا بلومهم شفعواأی: أعانوا .

وقال الراغب فی المفردات/263:

ص: 20

الشفع: ضم الشئ إلی مثله ویقال للمشفوع شفع. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: قیل الشفع المخلوقات من حیث إنها مرکبات کما قال: ومن کل شئ خلقنا زوجین. والوتر هو الله من حیث إن له الوحدة من کل وجه .

وقیل: الشفع یوم النحر من حیث إن له نظیراً یلیه ، والوتر یوم عرفة. وقیل الشفع ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد .

والشفاعة: الإنضمام إلی آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأکثر ما یستعمل فی انضمام من هو أعلی حرمة ومرتبة إلی من هو أدنی. ومنه الشفاعة فی القیامة قال ( لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا . لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ . لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ، أی لا یشفع لهم. وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ. مِنْ حَمِیمٍ وَ لا شَفِیعٍ مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً . وَمَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً ، أی من انضم إلی غیره وعاونه وصار شفعاً له أو شفعیاً فی فعل الخیر والشر فعاونه وقواه وشارکه فی نفعه وضره .

وقیل الشفاعة هاهنا أن یشرع الإنسان للآخر طریق خیر أو طریق شر فیقتدی به ، فصار کأنه شفع له وذلک کما قال(علیه السّلام): من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سن سنة سیئة فعلیه وزرها ووزر من عمل بها، أی إثمها وإثم من عمل بها وقوله: ما من شفیع إلا من بعد إذنه ، أی یدبر الأمر وحده لا ثانی له فی فصل الأمر إلا أن یأذن للمدبرات والمقسمات من الملائکة فیفعلون ما یفعلونه بعد إذنه. واستشفعت بفلان علی فلان فتشفع لی ، وشفعه أجاب شفاعته ، ومنه قوله(علیه السّلام): القرآن شافع مشفع .

والشفعة: هو طلب مبیع فی شرکته بما بیع به لیضمه إلی ملکه ، وهو من

ص: 21

الشفع وقال(علیه السّلام): إذا وقعت الحدود فلا شفعة .

وقال فی المفردات/436:

وأما قوله: مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً إلی قوله: یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا ، فإن الکفل ههنا لیس بمعنی الأول بل هو مستعار من الکفل وهو الشئ الردی .

وقال الزبیدی فی تاج العروس:5/401:

وشفعته فیه تشفیعاً حین شفع کمنع شفاعة ، أی قبلت شفاعته ، کما فی العباب قال حاتم یخاطب النعمان:

فَکَکْتَ عدیّاً کلها من إسارها فأفضلْ وشفعنی بقیسِ بن جُحْدرِ وفی حدیث الحدود: إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .

وفی حدیث أبی مسعود (رض): القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، أی من اتبعه وعمل بما فیه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته ، ومن ترک العمل به ندم علی إساءته وصدق علیه فیما یرفع من مساویه ، فالمشفع الذی یقبل الشفاعة .

والمشفع الذی تقبل شفاعته ، ومنه حدیث الشفاعة: إشفع تشفع ، واستشفعه إلینا ، وعبارة الصحاح واستشفعه إلی فلان أی سأله أن یشفع له إلیه ، وأنشد الصاغانی للاعشی:

تقول بنتی وقد قربت مرتحلاً یا رب جنِّب أبی الاوصاب والوجعا واستشفعت من سراة الحی ذا شرف فقد عصاها أبوها والذی شفعا یرید والذی أعان وطلب الشفاعة فیها.

وأنشد أبو لیلی:

ص: 22

زعمت معاشر أننی مستشفعٌ

لما خرجت أزوره أقلامها

قال زعموا أنی أستشفع بأقلامهم فی الممدوح أی بکتبهم .

ومما یستدرک علیه الشفیع من الأعداد ما کان زوجاً ، والشفع ما شفع به سمی بالمصدر ، وجمعه شفاع ، قال کثیر:

وأخو الاباءة إذ رأی خلانه

تلی شفاعاً حوله کالاذخر

شبههم بالأذخر لأنه لا یکاد ینبت إلا زوجاً زوجاً . وشاة شفوع کشافع ویقال هذه شاة الشافع کقولهم صلاة الأولی ومسجد الجامع .

وهکذا روی فی الحدیث الذی تقدم عن سعر بن دیسم (رض) ، وشاة مشفع کمکرم ترضع کل بهیمة ، عن ابن الأعرابی. وتشفع إلیه فی فلان: طلب الشفاعة ، نقله الجوهری. وتشفعه أیضاً مطاوع استشفع به کما فی المفردات. وتشفع صار شافعی المذهب وهذه مولدة .

والشفاعة ذکرها المصنف ولم یفسرها وهی کلام الشفیع للملک فی حاجة یسألها لغیره. وشفع الیه فی معنی طلب إلیه. وقال الراغب: الشفع ضم الشئ إلی مثله ، والشفاعة الإنضمام إلی آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأکثر ما تستعمل فی إنضمام من هو أعلی مرتبة إلی من هو أدنی ومنه الشفاعة فی القیامة. وقال غیره: الشفاعة التجاوز عن الذنوب والجرائم . وقال ابن القطاع: الشفاعة المطالبة بوسیلة أو ذمام .

تعریف الشفاعة عند المتکلمین

قال الشریف المرتضی فی رسائله:1/150:

ص: 23

وحقیقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه ، وإنما تستعمل فی طلب إیصال المنافع مجازاً وتوسعاً ، ولا خلاف فی أن طلب إسقاط الضرر والعقاب یکون شفاعة علی الحقیقة .

وقال فی:3/17:

وشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنما هی فی إسقاط عقاب العاصی لا فی زیادة المنافع ، لأن حقیقة الشفاعة تختص بذلک ، من جهة أنها لو اشترکت لکنا شافعین فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا سألنا فی زیادة درجاته ومنازله. انتهی .

وقال فی:2/273:

الشفاعة: طلب رفع المضار عن الغیر ممن هو أعلی رتبة منه ، لاجل طلبه .

وقال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/469:

وقلنا: إن الشفاعة وجهٌ عندنا لإجماع الأمة علی ثبوتها له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومضی إلی زمان حدوث المعتزلة علی الفتوی بتخصیصها بإسقاط العقاب ، فیجب الحکم بکونها حقیقة فی ذلک ، لانعقاد الإجماع فی الازمان السابقة لحدوث هذه الفرقة .

تفسیر التبیان:5/334:

قوله تعالی: إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ . . .

ص: 24

وقوله: مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ، فالشفیع هو السائل فی غیره لاسقاط الضرر عنه . وعند قوم أنه متی سأله فی زیادة منفعة توصل إلیه کان شفیعاً. والذی اقتضی ذکره هاهنا صفات التعظیم مع الیأس من الإتکال فی دفع الحق علی الشفیع .

والمعنی هاهنا أن تدبیره للاشیاء وصنعته لها، لیس یکون منه بشفاعة شفیع ، ولا تدبیر مدبر لها سواه ، وأنه لا یجسر أحدٌ أن یشفع الیه إلا بعد أن یأذن له فیه ، من حیث کان تعالی أعلم بموضع الحکمة والصواب من خلقه بمصالحهم . . .

وإنما ذکر الشفیع فی الآیة ولم یجر له ذکر ، لأن المخاطبین بذلک کانوا یقولون الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وذکر بعدها: ویعبدون من دون الله ما لا یضرهم ولا ینفعهم ویقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإذا کانت الأصنام لا تعقل فکیف تکون شافعة ! مع أنه لا یشفع عنده إلا من ارتضاه الله .

کنز الدقائق:1/238:

واتقوا یوماً لا تجزی نفس عن نفس شیئاً ولا یقبل منها شفاعة ولا یؤخذ منها عدل ولا هم ینصرون. واستدلت المعتزلة بهذه الآیة علی نفی الشفاعة لأهل الکبائر .

قال البیضاوی: وأجیب بأنها مخصوصة بالکفار للآیات والأحادیث الواردة فی الشفاعة ، قال: ویؤیده أن الخطاب معهم ، والآیة نزلت رداً لما کانت الیهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .

أقول: الآیة یحتمل أن تکون مخصصة للآیات والأحادیث الواردة فی

ص: 25

الشفاعة الدالة علی عمومها ، کما أن کون الخطاب معهم یحتمل أن یکون مؤیداً للتخصیص بالکفار ، فلا یتم الإستدلال من الجانبین ، فتأمل .

مجمع البحرین:2/522:

قال تعالی: مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُنْ لَهُ نَصِیبٌ مِنْهَا ، قیل معناه من یصلح بین اثنین یکن له جزء منها. ومن یشفع شفاعة سیئة ، أی یمشئ بالنمیمة مثلاً ، یکن له کفل منها أی إثم منها .

وقیل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنین ، وبالشفاعة السیئة الدعاء علیهم .

قوله: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی ، دینه ، وهو مروی عن الرضا(علیه السّلام)وعن بعض المفسرین ولایشفعون إلا لمن ارتضی دینه من أهل الکبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغیر محتاجین إلی الشفاعة. قال الصدوق: المؤمن من تسره حسنته وتسوءه سیئته لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من سرته حسنته وساءته سیئته فهو مؤمن ، ومتی ساءته سیئته ندم علیها والندم توبة ، والتائب مستحق الشفاعة والغفران. ومن لم تسوؤه سیئته فلیس بمؤمن ومن لم یکن مؤمناً لم یستحق الشفاعة ، لأن الله تعالی غیر مرتض دینه .

قوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعین قیل فی معناه لا شافع ولا شفاعة ، فالنفی راجع إلی الموصوف والصفة ، کقوله لا یسألون الناس إلحافاً .

وفی الحدیث تکرر ذکر الشفاعة فیما یتعلق بأمور الدنیا والآخرة ، وهی السؤال فی التجاوز عن الذنوب والجرائم، ومنه قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعطیت الشفاعة .

قال الشیخ أبو علی: واختلفت الأمة فی کیفیة شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة

ص: 26

فقالت المعتزلة ومن تابعهم: یشفع لأهل الجنة لیزید فی درجاتهم. وقال غیرهم من فرق الأمة: بل یشفع لمذنبی أمته ممن ارتضی الله دینهم ، لیسقط عقابهم بشفاعته .

وفی حدیث الصلاة علی المیت: وإن کان المستضعف بسبیل منک فاستغفر له علی وجه الولایة. وفی الخبر: إشفع تشفع ، أی تقبل شفاعتک ، وفیه: أنت أول شافع وأول مشفع ، هو بفتح الفاء ، أی أنت أول من یشفع وأول من تقبل شفاعته.

وفی الحدیث: لا تشفع فی حق امرئ مسلم إلا بإذنه. وفیه: یشفعون الملائکة لإجابة دعاء من یسعی فی المسعی کأنهم یقولون: اللهم استجب دعاء هذا العبد .

تفسیر الرازی:2 جزء 3/55:

أجمعت الأمة علی أن لمحمد (ص) شفاعة فی الآخرة ، وحمل علی ذلک قوله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وقوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . . . ثم اختلفوا بعد هذا فی أن شفاعته(علیه السّلام)لمن تکون ؟ أتکون للمؤمنین المستحقین للثواب ، أم تکون لأهل الکبائر المستحقین للعقاب ؟ فذهب المعتزلة إلی أنها للمستحقین للثواب . . . وقال أصحابنا تأثیرها فی إسقاط العذاب عن المستحقین للعقاب .

ص: 27

ص: 28

الفصل الثانی :تحریف الیهود والنصاری للشفاعة

اشارة

ص: 29

ص: 30

أولاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرهم عراقة عقیدة الشفاعة

اشارة

قاموس الکتاب المقدس/513:

شفع - شفیع - شفاعة: وهی التوسط بین شخص وآخر. وهی دلیل محبة الإنسان لأخیه الإنسان. کما أنها مؤسسة علی أن معاملة الله للبشر معاملة لیست فردیة فحسب بل جماعیة أیضاً .

والصلاة الشفاعیة قدیمة قدم نوح ( تک 8: 20 و 22 ) وإبراهیم ( تک 17: 18 و23-33 ) وموسی ( خر 15: 25 ) .

وخلیفة موسی الذی رفع صلواته کقاضی وکاهن ونبی هو صموئیل ( 1 صم 7:5 و 8) وحیاة المسیح کانت ملیئة بالصلوات الشفاعیة. بل إن الصلاة الربانیة تحمل روح الشفاعة فی طلب الملکوت ومغفرة ذنوب الآخرین .

والصلاة الشفاعیة یرفعها الإنسان لاجل صدیق أو لاجل عدو ( مت 5: 44 ) أما الروح القدس فهو یشفع فینا (رو 8: 26) أما المسیح فی حیاته الشخصیة وموته علی الصلیب فهو شفیعنا الذی ساقته شفاعته للموت علی الصلیب کفارة لخطایا البشریة. أنظر ( وسیط ) .

ص: 31

قاموس الکتاب المقدس/933:

وکان موسی وسیطاً بین الله وشعب بنی إسرائیل وهکذا المسیح هو وسیط بین الله والناس .

العهد القدیم والجدید:3/307:

18 - لأنه إن کانت الوراثة من الناموس فلم تکن أیضاً من موعد . ولکن الله وهبها لإبراهیم بموعد .

19 - لماذا الناموس. قد زید بسبب التعدیات إلی أن یأتی النسل الذی قد وعد له مرتباً بملائکة فی ید وسیط .

20 - وأما الوسیط فلا یکون لواحد ولکن الله واحد .

شفاعة ابراهیم للمؤمنین ولاسماعیل ولوط

قاموس الکتاب المقدس/11:

ثم أعلن الرب لإبراهیم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهیم لاجل الابرار هناک فأنقذ الرب لوطاً بید ملاکین ( تک/18 و 19 ) . . . وحیثما سکن إبراهیم کان یقیم مذبحاً للرب ویدعو باسمه (تک 12: 7 و 8 ) وقد قدم صلوات تشفعیة لأجل الآخرین ففی تک 17:20 صلی لأجل إسماعیل وفی تک 18: 23 - 32 تشفع لاجل لوط .

ص: 32

شفاعة زکریا لبنی إسرائیل

قاموس الکتاب المقدس/441:

کما ظهر لزکریا بروح النبوة واقفاً علی هذا الجبل شافعاً فی شعبه ( زک 14: 4 ) .

البشارة بالشفیع الذی سیأتی ( البراقلیطس )

قاموس الکتاب المقدس/627:

معز: ( یو 14: 16 و 15: 26 و 16: 7 ) وهو الروح القدس. ولم ترد إلا فی إنجیل یوحنا. والکلمة الأصلیة الیونانیة ( پرا کلیتیس ) وتعنی ( معز ومعین وشفیع ومحام ) وتشیر إلی عمل الروح القدس لأجلنا .

توسیع بولس للشفاعة وحصرها بالمسیح

قاموس الکتاب المقدس/124:

ومع أن بنی الإنسان قد فقدوا الصورة الإلهیة التی خلقوا علیها ، ومع أنهم وقعوا تحت طائلة العقاب الإلهی الرهیب ، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ینالوا غفران خطایاهم غفراناً تاماً کاملاً إذا آمنوا بالرب یسوع المسیح (الشفیع الوحید بین الله والناس ) وندموا علی خطایاهم ندامة صحیحة حقیقیة ، وأصبحوا أهلاً للتحرر من عبودیة الخطیئة ورقها والانتقال إلی حریة أبناء الله بالنعمة المجانیة .

ص: 33

قاموس الکتاب المقدس/795:

وقد وصف یسوع بأنه رئیس کهنة المؤمنین العظیم الذی نضح قدس الاقداس السماوی بدمه ، والذی جلس عن یمین الاب هناک حیث هو الان یشفع فیهم ( عب 4: 14 و7: 25 و 9: 12 ) الخ .

قاموس الکتاب المقدس/869:

وأعلن لهم أن یهوذا الذی کان واحداً منهم سیسلمه ( مر 14: 18-21 ویو 13 21 - 30 ) ورسم لهم فریضة العشاء الربانی ( مت 26: 26-29 وما یلیه ) ثم قدم صلاته الشفاعیة العظمی من أجل أتباعه ( یو 17: 1-26. من ثم قدم نفسه نهائیاً للاب وسلم إرادته تسلیماً کلیاً له فی بستان جثسیمانی ( مت 26: 39-46 غیره ) .

قاموس الکتاب المقدس/889:

وسیط 1 تی 2: 5 وسیط العهد الجدید عب 12: 24 .

قاموس الکتاب المقدس/904:

وکذلک یذکر فیلو ( ملکی صادق ) کرمز ومجاز للعقل الصائب الخیر ، بینما یذکره کاتب الرسالة إلی العبرانیین رمزاً للمسیح الفادی والوسیط الأعظم .

العهد القدیم والجدید:2/57:

لأن معاصینا کثرت أمامک وخطایانا تشهد علینا لأن معاصینا معنا وآثامنا

ص: 34

نعرفها .

13 - تعدینا وکذبنا علی الرب وحدنا من وراء إلهنا . تکلمنا بالظلم والمعصیة ، حبلنا ولهجنا من القلب بکلام الکذب .

14 - وقد ارتد الحق إلی الوراء والعدل یقف بعیداً. لأن الصدق سقط فی الشارع والإستقامة لا تستطیع الدخول .

15 - وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر یسلب ، فرأی الرب وساء .

16 - فرأی أنه لیس إنسان وتحیر من أنه لیس شفیع . . .

34 - من هو الذی یدین. المسیح هو الذی مات بل بالحری قام أیضاً الذی هو أیضاً عن یمین الله الذی أیضاً یشفع فینا .

العهد القدیم والجدید:3/339:

5 - لأنه یوجد إله واحد ووسیط واحد بین الله والناس : الإنسان یسوع المسیح .

6 - الذی بذل نفسه فدیة لاجل الجمیع ، الشهادة فی أوقاتها الخاصة .

7 - التی جعلت أنا لها کارزاً ورسولاً. الحق أقول فی المسیح ولا أکذب. معلماً للأمم فی الإیمان والحق .

8-فأرید أن یصلی الرجال فی کل مکان رافعین أیادی طاهرة بدون غضب ولا جدال

العهد القدیم والجدید:3/256:

26 - وکذلک الروح أیضاً یعین ضعفاءنا ، لاننا لسنا نعلم ما نصلی لأجله کما ینبغی ولکن الروح نفسه یشفع فینا بأنات لا ینطق بها .

ص: 35

27 - ولکن الذی یفحص القلوب یعلم ما هو اهتمام الروح ، لأنه بحسب مشیئة الله یشفع فی القدیسین .

العهد القدیم والجدید:3/358:

25 - فمن ثم یقدر أن یخلص أیضاً إلی التمام الذین یتقدمون به إلی الله ، إذ هو حی فی کل حین لیشفع فیهم .

26 - لأنه کان یلیق بنا رئیس کهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلی من السموات .

27 - الذی لیس له اضطرار کل یوم مثل رؤساء الکهنة أن یقدم ذبائح أولاً عن خطایا نفسه ثم عن خطایا الشعب ، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه .

العهد القدیم والجدید:3/361:

11 - وأما المسیح وهو قد جاء رئیس کهنة للخیرات العتیدة ، فبالمسکن الأعظم والأکمل غیر المصنوع بید أی الذین لیس من هذه الخلیقة .

12 - ولیس بدم تیوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلی الأقداس فوجد فداء أبدیاً .

العهد القدیم والجدید:3/362:

ولأجل هذا هو وسیط عهد جدید ، لکی یکون المدعوون إذ صار موت لفداء التعدیات التی فی العهد الأول ، ینالون وعد المیراث الأبدی .

ص: 36

العهد القدیم والجدید:3/367:

22 - بل قد أتیتم إلی جبل صهیون ، وإلی مدینة الله الحی أورشلیم السماویة وإلی ربوات هم محفل ملائکة .

23 - وکنیسة أبکار مکتوبین فی السموات ، وإلی الله دیان الجمیع ، وإلی أرواح أبرار مکملین .

24 - وإلی وسیط العهد الجدید یسوع ، وإلی دم رش یتکلم أفضل من هابیل .

25 - انظروا أن لا تستعفوا من المتکلم. لأنه إن کان أولئک لم ینجوا إذ استعفوا من المتکلم علی الأرض ، فبالأولی جداً لا ننجو نحن المرتدین عن الذی من السماء .

العهد القدیم والجدید:3/386:

1 - یا أولادی أکتب إلیکم هذا لکی لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا شفیع عند الأب، یسوع المسیح البار. 2 - وهو کفارة لخطایانا. لیس لخطایانا فقط، بل لخطایا کل العالم أیضاً .

3 - وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصایاه .

نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عدیدة أهمها:

أولاً: أن أصل شفاعة الأنبیاء والاوصیاء وخیار المؤمنین للخاطئین ، هی عندهم کما عندنا ، أمرٌ ثابتٌ فی الرسالات الإلهیة من عهد إبراهیم ، بل من عهد نوح (علیهماالسّلام) .

ص: 37

ثانیاً: أنها أخذت فی الیهود شکل شفاعة رؤساء الکهنة ومسؤولی القرابین فی المعابد ، ثم وصلت إلی ادعاء الیهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم شعب الله المختار ، وأنهم لا تمسهم النار إلا أیاماً معدودة . . فلا یحتاجون إلی شفاعة !

ثالثاً: أن ( عقیدة الفداء المسیحیة ) التی تدعی أن المسیح(علیه السّلام)قد شفع فی خطایا کل البشر بتحمله الصلب والقتل . . هی توسیع لعقیدة الشفاعة الیهودیة ، وقد اخترعها بولس الذی نصَّرَ النصاری ، وعممها لغیر القومیة الیهودیة .

قال الدکتور أحمد شلبی فی کتابه مقارنة بین الأدیان: 2/245 تحت عنوان: الله فی التفکیر المسیحی:

ومن أجل هذا کان نقل المسیحیة من الوحدانیة إلی التثلیث ونقل عیسی من رسول إلی إله ، والقول بأن المسیحیة رسالة عامة ، والقول بأن عیسی ابن الله نزل لیضحی بنفسه للتکفیر عن خطیئة البشر، وأنه عاد مرة أخری إلی السماء لیجلس علی یمین أبیه ، کان هذا کله

عملاً جدیداً علی المسیحیة التی جاء بها عیسی .

کیف انتقلت المسیحیة من حال إلی حال ومن الذی قام بذلک ومتی ؟

هذا ما سنحاول إبرازه فیما یلی:

ترتبط هذه الأمور بشخصیة مهمة فی المسیحیة هی شخصیة شاؤول ( بولس ) ولذلک یری الباحثون الغربیون أن المسیحیة الحالیة بهذه العناصر

ص: 38

الجدیدة من صنع هذا الرجل . . . !

وبولس کما یقول عن نفسه ( یهودی فریسی ابن فریسی علی رجاء قیامة الأموات - أعمال الرسل 23: 6 ) وکان عدواً للمسیحیین وهو فی ذلک یقول ( سمعتم بسیرتی قبلاً فی الدیانة الیهودیة ، إنی کنت أضطهد کنیسة الله بإفراط وأتلفها ، وکنت أتقدم فی الدیانة الیهودیة علی کثیرین من أترابی فی جنسی ، إذ کنت أوفر غیرة فی تقلیدات آبائی ( غلاطیة 1: 13-14 ) .

ویبدو أنه کان من وسائل بولس لتدمیر المسیحیة أن یحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلک طریقة تکفل له الوقوف فی وجه معارضیه عندما یظهر بأفکاره الجدیدة ،

فادعی شاؤول أن السید المسیح - بعد نهایته علی الأرض - ظهر له وصاح فیه وهو فی طریقه إلی دمشق: لماذا تضطهدنی ، فخاف شاؤول وصرخ: من أنت یا سید؟ قال: أنا یسوع الذی تضطهده!

قال شاؤول: ماذا ترید أن أفعل؟ قال یسوع: قم وکرز بالمسیحیة !!

ویقول لوقا فی ختام هذه القصة جملة ذات بال غیرت وجه التاریخ هی:

وللوقت جعل یکرز فی المجامع بالمسیح أنه ابن الله(أعمال 9: 3-30 ) انتهی .

رابعاً: أن الإتجاه العام عند محرفی الأدیان بعد أنبیائهم هو تسهیل أمر المغفرة الإلهیة ودخول الجنة لاتباعهم ، والافراط فی ذلک إلی حد إلغاء قانون العقوبة الإلهیة ، وفی المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفیهم من التابعین لنفس الدین ، والحکم علیهم بأنهم من أهل النار !

ص: 39

خامساً: بما أنه ثبت عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأحادیث صحیحة عند الجمیع ، أن الأمة الإسلامیة سوف تتبع سنن الیهود والنصاری فی انحرافها عن الإسلام وتحریفها له ، وفی صراعاتها الداخلیة . . فإن علی الباحث أن یکون حذراً متثبتاً فی أحادیث الصحابة فی الشفاعة ، لکی یمیز بین الثابت منها بنصوص متفق علیها عند جمیع المسلمین ، وبین الذی یتبناه صحابی نافذ ، أو فئة حاکمة ، وفی نفس الوقت یوجد فی الصحابة من ینفیه أو یکذبه !

ثانیاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرنا

قال الله تعالی: وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَللهِ مُلْکُ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ . یَا أَهْلَ الْکِتَابِ قَدْ جَاءَکُمْ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَکُمْ عَلَی فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِیرٍ وَلا نَذِیرٍ فَقَدْ جَاءَکُمْ بَشِیرٌ وَنَذِیرٌ وَاللهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ قَدِیرٌ . المائدة 18-19 .

تفسیر التبیان:3/477:

وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . . . روی عن ابن عباس أن جماعة من الیهود قالوا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه .

وقال السدی: إن الیهود تزعم أن الله عز وجل أوحی إلی بنی اسرائیل أن ولدک بکر من الولد. وقال الحسن: إنما قالوا ذلک علی معنی قرب الولد من الوالد .

ص: 40

وأما قول النصاری فقیل فیه : إنهم تأولوا ما فی الإنجیل من قول عیسی أذهب إلی أبی وأبیکم. وقال قوم: لما قالوا المسیح ابن الله أجری ذلک علی جمیعهم کما یقولون: هذیل شعراء ، أی منهم شعراء . . .

وقوله: وأحباؤه ، جمع حبیب فقال الله لنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قل لهؤلاء المفترین علی ربهم: فلم یعذبکم بذنوبکم ؟ فلای شئ یعذبکم بذنوبکم إن کان الأمر علی ما زعمتم ، فإن الاب یشفق علی ولده والحبیب علی حبیبه .

والیهود تقرُّ أنهم یعذبون أربعین یوماً ، وهی عدد الأیام التی عبدوا فیها العجل !

وقوله: بل أنتم بشر ، معناه قل لهم لیس الأمر علی ما زعمتم أنکم أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق من بنی آدم ، إن أحسنتم جوزیتم علی إحسانکم مثلهم ، وإن أسأتم جوزیتم علی إساءتکم ، کما یجازی غیرکم ، ولیس لکم عند الله إلا ما لغیرکم من خلقه .

تفسیر التبیان:1/486:

أَتُحَاجُّونَنَا فِی اللهِ . . . وکانت محاجتهم له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنهم زعموا أنهم أولی بالحق لانهم راسخون فی العلم وفی الدین ، لتقدم النبوة فیهم والکتاب ، فهم أولی بأن یکون الرسول منهم .

وقال قوم: بل قالوا نحن أحق بالإیمان ، لأنا لسنا من العرب الذین عبدوا الأوثان. وقال الحسن: کانت محاجتهم أن قالوا نحن أولی بالله منکم، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، وقالوا کونوا هوداً أو نصاری تهتدوا. وغرضهم بذلک الإحتجاج بأن الدین

ص: 41

ینبغی أن یلتمس من جهتهم ، وأن النبوة أولی أن تکون فیهم. ولیس الأمر علی ما ظنوا ، لأن الله أعلم حیث یجعل رسالته ، ومن الذی یقوم بأعبائها ویتحملها علی وجه یکون أصلح للخلق وأولی بتدبیرهم. وقوله: لنا أعمالنا ، معناه الإنکار لإحتجاجهم بأعمالهم ، لأنهم مشرکون ونحن له مخلصون. وقیل معناه الإنکار للإحتجاج بعبادة العرب للاوثان، فقیل: لا حجة فی ذلک ، إذ لکل أحد عمله لا یؤخذ بجرم غیره .

سیرة ابن هشام:2/403:

وأتی رسول الله(ص)نعمان بن أضاء ، وبحری بن عمرو ، وشاس بن عدی ، فکلموه وکلمهم رسول الله(ص)ودعاهم إلی الله وحذرهم نقمته ، فقالوا: ما تخوفنا یا محمد ؟ ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، کقول النصاری فأنزل الله تعالی فیهم: وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ . . . الخ . ورواه فی الدر المنثور:2/269 عن ابن اسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والبیهقی فی الدلائل ، عن ابن عباس .

الدر المنثور:2/14:

عن قتادة: وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون ، حین قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر عن مجاهد: وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون ، قال: غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أیاماً معدودة .

ص: 42

الدر المنثور:2/170:

وأخرج عبد الرزاق وابن جریر وابن أبی حاتم عن الحسن فی قوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، قال: هم الیهود والنصاری ، قالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری .

وأخرج ابن جریر عن السدی فی قوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، قال: نزلت فی الیهود قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا یکون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار کُفِّرَ عنا باللیل .

الدر المنثور:3/37:

وأخرج عبد بن حمید وابن أبی حاتم عن قتادة فی قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَبَنَاتٍ ، قال کذبوا له ، أما الیهود والنصاری فقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وأما مشرکوا العرب فکانوا یعبدون اللات والعزی ، فیقولون : العزی بنات الله ، سبحانه وتعالی عما یصفون ، أی عما یکذبون. .

وأخرج الطستی عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرنی عن قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَ بَنَاتٍ ، قال: وصفوا لله بنین وبنات افتراء علیه ، قال: وهل تعرف العرب ذلک ؟ قال نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت یقول:

اخترق القول بها لاهیاً

مستقبلاً أشعث عذب الکلام

الدر المنثور:1/89:

أخرج ابن جریر عن أبی العالیة قال: قالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، فأنزل الله: قل إن کانت لکم

ص: 43

الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن کنتم صادقین ، فلم یفعلوا .

وأخرج البیهقی فی الدلائل عن ابن عباس فی هذه الآیة قال: قُلْ إِنْ کَانَتْ لَکُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ ، یعنی الجنة کما زعمتم خالصة من دون الناس ، یعنی المؤمنین فتمنوا الموت إن کنتم صادقین أنها لکم خالصة من دون المؤمنین. فقال لهم رسول الله (ص): إن کنتم فی مقالتکم صادقین قولوا: اللهم أمتنا ، فوالذی نفسی بیده لا یقولها رجل منکم إلا غص بریقه فمات مکانه ، فأبوا أن یفعلوا وکرهوا ما قال لهم ، فنزل: وَلَنْ یَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ ، یعنی عملته أیدیهم وَاللهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ .

وأخرج ابن اسحق وابن جریر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، أی ادعوا بالموت علی أی الفریقین أکذب ، فأبوا ذلک ، ولو تمنوه یوم قال ذلک ما بقی علی وجه الأرض یهودی إلا مات .

وأخرج ابن اسحق وابن جریر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَی حَیَاةٍ ، یعنی الیهود ، ومن الذین أشرکوا ، وذلک أن المشرک لا یرجو بعثاً بعد الموت فهو یحب طول الحیاة ، وأن الیهودی قد عرف ماله فی الآخرة من الخزی بما ضیع ما عنده من العلم .

وقال الله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 80 - 82 .

ص: 44

تفسیر التبیان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، وإنما لم یبین عددها فی التنزیل لأنه تعالی أخبر عنهم بذلک وهم عارفون بعدد الأیام التی یوقتونها فی النار ، فلذلک نزل تسمیة عدد الأیام وسماها معدودة لما وصفنا. وقال أبو العالیة وعکرمة والسدی وقتادة: هی أربعون یوماً. ورواه الضحاک عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الأیام التی عبدوا فیها العجل .

وقال ابن عباس: إن الیهود تزعم أنهم وجدوا فی التوراة مکتوباً إن ما بین طرفی جهنم مسیرة أربعین سنة ، وهم یقطعون مسیرة کل سنة فی یوم واحد ، فإذا انقطع المسیر انقطع العذاب ، وهلکت النار .

وقال مجاهد وسعید بن جبیر عن ابن عباس: إنها سبعة أیام ، لأن عمر الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنهم یعذبون بعدد کل ألف سنة یوماً واحداً من أیام الآخرة ، وهو کألف سنة من أیام الدنیا .

ولما قالت الیهود ما قالت من قولها: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاأَیَّامًا مَعْدُودَةً علی ما بیناه، قال الله تعالی لنبیه: قل أتخذتم عند الله عهداً بما تقولون من ذلک أو میثاقاً ، فالله لا ینقض عهده ، أم تقولون علی الله ما لا تعلمون من الباطل جهلاً وجرأة علیه . . .

قوله تعالی: بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . . . قوله بلی جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أیاماً معدودة ، فرد الله علیهم بأن قال: بلی من أحاطت به خطیئته . . .

کنز الدقائق:2/47:

ص: 45

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً: بسبب تسهیلهم أمر العذاب. وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون، من قولهم السابق، أو أن آبائهم الأنبیاء یشفعون لهم، أو أنه تعالی وعد یعقوب أن لا یعذب أولاده إلا تحلة القسم ، وتکریر الکذب والإفتراء یصیره فی صورة الصدق عند قائله ومفتریه .

تفسیر نور الثقلین:1/93:

فی تفسیر علی بن ابراهیم قوله: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، قال: قال بنو اسرائیل: لن تمسنا

النار ولن نعذب إلا الایام المعدودات التی عبدنا فیها العجل ، فرد الله علیهم: قُلْ - یا محمد لهم - أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .

سیرة ابن هشام:2/380:

وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .

قال ابن إسحاق: وحدثنی مولی لزید بن ثابت عن عکرمة أو عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدینة والیهود تقول: إنما مدة الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنما یعذب الله الناس فی النار بکل ألف سنة من أیام الدنیا یوماً واحداً فی النار من أیام الآخرة ، وإنما هی سبعة أیام ثم ینقطع العذاب ، فأنزل الله فی ذلک من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ ، أی من

ص: 46

عمل بمثل أعمالکم وکفر بمثل ما کفرتم به حتی یحیط کفره بماله عند الله من حسنة ، فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ، أی خلداً أبداً. وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . أی من آمن بما کفرتم به وعمل بما ترکتم من دینه فلهم الجنة خالدین فیها ، یخبرهم أن الثواب بالخیر والشر مقیم علی أهله أبداً ولا انقطاع له .

قال ابن إسحاق: ثم قال الله عز وجل یؤنبهم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِیثَاقَ بَنِی إِسْرَائِیلَ، أی میثاقکم ، لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَذِی الْقُرْبَی وَالْیَتَامَی وَالْمَسَاکِینِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ إِلا قَلِیلاً مِنْکُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ. أی ترکتم ذلک کله...

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآیة. أخرج ابن إسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والواحدی عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون مدة الدنیا سبعة آلاف سنة . . . الخ .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن عکرمة قال: اجتمعت یهود یوماً فخاصموا النبی(ص)فقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وسموا أربعین یوماً ثم یخلفنا فیها ناس وأشاروا إلی النبی(ص) وأصحابه ! فقال رسول الله(ص)ورد یده علی رؤسهم: کذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فیها لا نخلفکم فیها إن شاء الله تعالی أبداً ، ففیهم أنزلت هذه الآیة: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، یعنون أربعین لیلة .

ص: 47

وأخرج ابن جریر عن زید بن أسلم أن رسول الله(ص)قال للیهود: أنشدکم بالله وبالتوراة التی أنزل الله علی موسی یوم طور سیناء: من أهل النار الذین أنزلهم الله فی التوراة قالوا: إن ربهم غضب علیهم غضبة فنمکث فی النار أربعین لیلة ثم نخرج فتخلفوننا فیها ! فقال رسول الله (ص): کذبتم والله لا نخلفکم فیها أبداً ، فنزل القرآن تصدیقاً لقول النبی(ص)وتکذیباً لهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلی قوله هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ .

مجمع الزوائد:6/314:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً عن ابن عباس أن یهوداً کانوا یقولون هذه الدنیا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لکل سنة یوماً فی النار وإنما سبعة أیام معدودات ، فأ نزل الله عز وجل: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، إلی قوله: فِیهَا خَالِدُونَ .

وقال الله تعالی: وَقَالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ کَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَی تِلْکَ أَمَانِیُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ بَلَی مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ . البقرة : 111 - 112 .

یَا بَنِی إِسْرَاءِیلَ اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَأَنِّی فَضَّلْتُکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ. وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 47 - 48 .

قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ . آل عمران : 31 .

ص: 48

إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَی إِثْمًا عَظِیمًا . أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً . اُنْظُرْ کَیْفَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَکَفَی بِهِ إِثْمًا مُبِینًا . أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیبًا مِنَ الْکِتَابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلاً . النساء : 48 - 51 .

تفسیر التبیان:3/221:

وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، تلک أمانیهم. قال الزجاج: الیهود جاؤوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأولادهم الأطفال فقالوا: یامحمد أعلی هؤلاء ذنوب؟ فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا، فقالوا: کذلک نحن مانعمل باللیل یغفر بالنهار، وما نعمل بالنهار یغفر باللیل، فقال الله تعالی: بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ .

وقال: مجاهد وأبو مالک: کانوا یقدمونهم فی الصلاة ویقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: کانوا یقولون: أطفالنا یشفعون لنا عند الله .

کنز الدقائق:2/58:

قال الله تعالی: إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ . . .

قال البیضاوی: روی أنها نزلت لما قالت الیهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقیل: نزلت فی وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسیح حباً لله..انتهی .

حقائق التأویل/126:

ص: 49

وقال بعضهم إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، فالخلائق غیرنا عبید لنا ومنخفضون عن علونا ، فلیس علینا جناح فی أکل أموال عبیدنا ومن هم فی الرتبة دوننا. قال صاحب هذا القول: والیهود یتدینون باستحلال أموال کل من خالفهم باستعمال الغش فی معاملاتهم ، ویدعون أن ذلک فرض علیهم فی دینهم ، ولیس تأولهم لذلک علی حد ما یتأوله المسلمون فی أهل الحرب .

وذهب أبو علی إلی أن قولهم: لَیْسَ عَلَیْنَا فِی الأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ ، إنما یعنون به لیس علینا لهم سلطان ولا قدرة ، فلا یجب علینا اتباعهم ولا النزول تحت حکمهم ، یریدون بذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصحابه ، فلذلک استحلوا أموالهم. انتهی .

تفسیر التبیان:1/213:

وقوله: وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ، مخصوص عندنا بالکفار ، لأن حقیقة الشفاعة عندنا أن یکون فی إسقاط المضار دون زیادة المنافع. والمؤمنون عندنا یشفع لهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیشفعه الله تعالی ویسقط بها العقاب عن المستحقین من أهل الصلاة ، لما روی من قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ادخرت شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی...

والشفاعة ثبتت عندنا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثیر من أصحابه ، ولجمیع الأئمة المعصومین ، وکثیر من المؤمنین الصالحین .

وقیل إن نفی الشفاعة فی هذه الآیة یختص بالیهود من بنی إسرائیل ، لأنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبیائه ، وأن آباءهم یشفعون إلیه ،

ص: 50

فآیسهم الله من ذلک فأخرج الکلام مخرج العموم والمراد به الخصوص .

تفسیر التبیان:3/221:

قوله تعالی: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً . . . قال الحسن والضحاک وقتادة وابن زید وهو المروی عن أبی جعفر(علیه السّلام): إنهم الیهود والنصاری فی قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وَقَالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ کَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَی تِلْکَ أَمَانِیُّهُمْ .

قال الزجاج: الیهود جاؤوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأولادهم الاطفال فقالوا: یا محمد أعلی هؤلاء ذنوب؟ فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا ، فقالوا: کذلک نحن ما نعمل باللیل یغفر بالنهار وما نعمل بالنهار یغفر باللیل ، فقال الله تعالی: بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ. وقال: مجاهد وأبو مالک: کانوا یقدمونهم فی الصلاة ویقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: کانوا یقولون: أطفالنا یشفعون لنا عند الله .

تفسیر التبیان:3/222:

وافتراؤهم الکذب علی الله هاهنا المراد به تزکیتهم لانفسهم بأنا أبناء الله وأحباؤه، وأنه لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، ذکره ابن جریج. وقوله: وَکَفَی بِهِ إِثْمًا مُبِینًا ، معناه تعظیم إثمه ، وإنما یقال کفی به فی العظم علی جهة المدح أو الذم کقولک کفی بحال المؤمن نبلاً ، وکفی بحال الکافر إثماً .

تفسیر التبیان:3/76:

ص: 51

وقوله: وَیُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِمَا لَمْ یَفْعَلُوا . . . قال البلخی: إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وأهل الصوم والصلاة. ولیسوا بأولیاء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة والصیام ، ولکنهم أهل شرک ونفاق. وهو المروی عن أبی جعفر (علیه السّلام)...

تفسیر نور الثقلین:1/489:

فی نهج البلاغة من کلام له(علیه السّلام)یصف فیه المتقین: لا یرضون من أعمالهم القلیل ولا یستکثرون الکثیر ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زُکِّیَ أحد منهم خاف مما یقال له ، فیقول أنا أعلم بنفسی من غیری وربی أعلم بی من نفسی ، اللهم لا تؤاخذنی بما یقولون واجعلنی أفضل مما یظنون ، واغفر لی ما لا یعلمون. انتهی .

هذا ، والآیات والأحادیث فی تحریفات الیهود للشفاعة ومقولاتهم فیها کثیرة ، وسوف نری أن بعض الصحابة قد أخذوا أفکار الیهود وتحریفاتهم للشفاعة حرفاً بحرف ، حَذْوَ القُذَّةِ بالقذة ، والنعل بالنعل..کما أخبر به الصادق الامین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ص: 52

الفصل الثالث :الشفاعة عند عرب الجاهلیة

اشارة

ص: 53

ص: 54

عبد العرب الأصنام أملاً بشفاعتهن

تدل آیات القرآن الکریم علی أن عبادة العرب للأصنام کانت علی أساس أنها رموز لمخلوقات مقربة عند الله تعالی تشفع لهم عنده. قال الله عز وجل:

وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ . وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَ کَانُوا بِشُرَکَائِهِمْ کَافِرِینَ . الروم : 12 - 13 .

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یُنْقِذُونَ . إِنِّی إِذًا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ . یس : 23 - 24 .

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . وَإِذَا ذُکِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخرة وَإِذَا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ. الزمر : 43-45 .

أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إلی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ . لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَی مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . الزمر : 3 - 4 .

ص: 55

رسائل الشریف المرتضی:3/223:

حکی أبو عیسی الوراق فی کتابه کتاب المقالات أن العرب صنوف شتی: صنف أقر بالخالق وبالإبتداء والإعادة وأنکروا الرسل وعبدوا الأصنام ، زعموا لتقربهم إلی الله زلفی ومعبراً إلیها ، ونحروا لها الهدایا ونسکوا لها النسائک ، وأحلوا لها وحرموا .

ومنهم صنف أقروا بالخالق وبابتداء الخلق وأنکروا الإعادة والبعث والنشور.

ومنهم صنف أنکروا الخالق والبعث والاعادة ، ومالوا إلی التعطیل والقول بالدهر، وهم الذین أخبر القرآن عن قولهم: ما هی إلا حیاتنا الدنیا نموت ونحیا وما یهلکنا إلا الدهر . ومنهم صنف مالوا إلی الیهودیة ، وآخر إلی النصرانیة .

رسائل الشریف المرتضی:3/228:

وقد عبد الأصنام قوم من الأمم الماضیة من أهل الهند والسند وغیرها ، وقد أخبر الله تعالی عن قوم نوح أنهم عبدوها أیضاً فقال: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَکُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسْرًا . . . وکان ( سواع ) لهذیل وکان ( برهاط ) وکان بدومة الجندل ، وکان ( یغوث ) لمذحج ولقبائل الیمن ، وکان ( نسر ) لذی الکلاع بأرض حمیر ، وکان ( یعوق ) لهمدان ، وکانت ( اللات ) لثقیف وکانت بالطائف ، وکانت ( العزی ) لقریش وجمیع بنی کنانة وسدنتها من بنی سلیم ، وکانت ( مناة ) للاوس والخزرج وغسان وکانت بالمسلک ، وکان (الهبل) أعظم أصنامهم عند أنفسهم وکان

ص: 56

علی الکعبة. وکان ( أساف ونائلة ) علی الصفا والمروة ، ووضعهما عمرو بن یحیی فکان یذبح علیهما تجاه الکعبة .

مجمع الزوائد:7/115:

عن ابن عباس أن العزی کانت ببطن نخلة ، وأن اللات کانت بالطائف ، وأن مناة کانت بقدید ، قال علی بن الجعد: بطن نخلة هو بستان بنی عامر .

تفسیر القمی:2/250:

قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ ، یعنی الأصنام لیشفعوا لهم یوم القیامة ، وقالوا إن فلاناً وفلاناً یشفعون لنا عند الله یوم القیامة. وقوله: قل لله الشفاعة جمیعاً، قال: لا یشفع أحد إلا بإذن الله تعالی .

تفسیر القمی:2/289:

وقال علی بن ابراهیم: ولا یملک الذین یدعون من دونه الشفاعة ، قال: هم الذین قد عبدوا فی الدنیا، لا یملکون الشفاعة لمن عبدهم .

تفسیر التبیان:4/207:

وَمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ... یقول تعالی لهؤلاء الکفار: َمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ ، الذین کنتم تزعمون فی الدنیا أنهم یشفعون لکم عند ربکم یوم القیامة. وقال عکرمة: إن الآیة نزلت فی النضر بن الحارث بن کلدة حیث قال: سوف یشفع فیَّ اللات والعزی ، فنزلت الآیة .

ص: 57

وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَیْنَکُمْ ، أی وصلکم. وَضَلَّ عَنْکُمْ مَا کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ، أی جار عن طریقکم ما کنتم تزعمون من آلهتکم أنه شریک لله تعالی ، وأنه یشفع لکم عند ربکم ، فلا شفیع لکم الیوم .

تفسیر التبیان:9/33:

ثم أخبر عن هؤلاء الکفار فقال ( أم اتخذوا ) معناه بل اتخذ هؤلاء الکفار ( من دون الله شفعاء ) بزعمهم من الأصنام والأوثان فقال (قل) لهم یا محمد: أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَ لا یَعْقِلُونَ ، تنبیهاً لهم علی أنهم یتخذونهم شفعاء وإن کانوا لا یقدرون علی شئ من الشفاعة ، ولا غیرهما ولا یعقلون شیئاً. والألف فی ( أ ولو ) ألف الإستفهام یراد به التنبیه .

ثم قال ( قل ) لهم یا محمد ( للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أی الشفاعة لمن له التدبیر والتصرف فی السموات والأرض ، لیس لأحد الإعتراض علیه فی ذلک .

ثم إلیه ترجعون ، معاشر الخلق أی إلی حیث لا یملک أحد التصرف والأمر والنهی سواه ، وهو یوم القیامة فیجازی کل إنسان علی عمله علی الطاعات بالثواب وعلی المعاصی بالعقاب .

الدر المنثور:3/302:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا ... أخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة قال قال النضر: إذا کان یوم القیامة شفعت لی اللات والعزی ، فأنزل الله تعالی: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآیَاتِهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ

ص: 58

الْمُجْرِمُونَ . وَیَعْبُدُونَ مِنْ دونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَ یَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. ومثله فی:3/8

الدر المنثور:5/329:

قوله تعالی: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ . . أخرج عبد بن حمید وابن جریر عن قتادة (رض) فی قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قال: الإلهة .

الدر المنثور:3/149:

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ قال: اشتقوا العزی من العزیز ، واشتقوا اللات من الله .

مکانة اللات والعزی عند مشرکی العرب

کان لصنمی اللات والعزی مکانة عظیمة عند قریش خاصة ، وعند بعض قبائل العرب ، ویلیهما صنم مناة ، أما هبل فهو وإن کان الإله الأکبر عندهم ولکن ارتباطهم المباشر وقَسَمَهُم الرسمی ومراسم عبادتهم الاساسیة إنما کانت لللات والعزی ، ولیس لهبل. .

قال المحدث البحرانی فی حلیة الابرار:1/127:

الشیخ فی أمالیه بإسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی قتلی بدر فقال: جزاکم الله من عصابة شراً ! لقد کذَّبتمونی صادقاً ، وخوَّنتمونی أمیناً. ثم التفت إلی أبی جهل بن هشام فقال: إن هذا أعتی علی الله من فرعون ! إن فرعون لما أیقن بالهلاک وَحَّدَ الله ، وهذا لما أیقن بالهلاک دعا باللات والعزی!! راجع أمالی الطوسی:1 - 316 والبحار: 19 - 272 ح

ص: 59

11 ومثله فی مجمع الزوائد:6/91 ) .

وقال فی مجمع الزوائد:6/21:

وعن رجل من بنی مالک بن کنانة قال: رأیت رسول الله(ص)بسوق ذی المجاز یتخللها یقول: یا أیها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، قال وأبو جهل یحثی علیه التراب ویقول: لا یغوینکم هذا عن دینکم فإنما یرید لتترکوا آلهتکم وتترکوا اللات والعزی ، وما یلتفت إلیه رسول الله(ص)! قلت: إنعت لنا رسول الله(ص). قال: بین بردین أحمرین ، مربوع ، کثیر اللحم ، حسن الوجه ، شدید سواد الشعر ، أبیض شدید البیاض، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/408:

وأخرج أبونعیم فی الدلائل عن ابن عباس قال: ما کان أبولهب إلا من کفار قریش،ما هو حتی خرج من الشعب حین تمالات قریش حتی حصرونا فی الشعب وظاهرهم ، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقی هنداً بنت عتبة بن ربیعة حین فارق قومه فقال: یا ابنة عتبة هل نصرتُ اللات والعزی ؟ قالت: نعم فجزاک الله خیراً یا أبا عتبة ! قال: إن محمداً یعدنا أشیاء لا نراها کائنة ، یزعم أنها کائنة بعد الموت فما ذاک ! وصنع فی یدی ثم نفخ فی یدیه ، ثم قال: تباً لکما ما أری فیکما شیئاً مما یقول محمد! فنزلت: تبت یدا أبی لهب. قال ابن عباس: فحصرونا فی الشعب ثلاث سنین وقطعوا عنا المیرة ، حتی أن الرجل لیخرج منا بالنفقة فما یبایع حتی یرجع، حتی هلک فینا من هلک !!

ص: 60

الیمین الرسمی المقدس عند قریش باللات والعزی

روی الحاکم فی المستدرک:1/163:

عن ابن عباس قال دخلت فاطمة علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهی تبکی فقال: یابنیة ما یبکیک قالت: یا أبت مالی لا أبکی وهؤلاء الملا من قریش فی الحجر یتعاقدون باللات والعزی ومناة الثالثة الأخری لو قد رأوک لقاموا إلیک فیقتلونک ، ولیس منهم رجل إلا وقد عرف نصیبه من دمک ! فقال یا بنیة إئتنی بوضوء فتوضأ رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ثم خرج إلی المسجد فلما رأوه قالوا: ها هوذا ،فطأطأوا رؤوسهم وسقطت أذقانهم بین یدیهم ، فلم یرفعوا أبصارهم ! فتناول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصاته إلا قتل یوم بدر کافراً. هذا حدیث صحیح ، قد احتجا جمیعاً بیحیی بن سلیم. واحتج مسلم بعبد الله بن عثمان بن خثیم ولم یخرجاه. انتهی. ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد: 8/228 وقال: رواه أحمد بإسنادین ، ورجال أحدهما رجال الصحیح .

وروی العیاشئ فی تفسیره:2/259:

عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله: وأقسموا بالله جهد أیمانهم لا یبعث الله من یموت ، قال: ما یقولون فیها ؟ قلت: یزعمون أن المشرکین کانوا یحلفون لرسول الله أن الله لا یبعث الموتی. قال: تباً لمن قال هذا ،

ص: 61

ویلهم هل کان المشرکون یحلفون بالله أم باللات والعزی ؟ قلت: جعلت فداک فأوجدنیه أعرفه. قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إلیه قوماً من شیعتنا قَبَایِعُ سیوفهم علی عواتقهم ، فیبلغ ذلک قوماً من شیعتنا لم یموتوا فیقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم، فیبلغ ذلک قوماً من أعدائنا فیقولون: یا معشر الشیعة ما أکذبکم ! هذه دولتکم وأنتم تکذبون فیها ، لا والله ما عاشوا ولا تعیشوا إلی یوم القیامة ، فحکی الله قولهم فقال:وأقسموا بالله جهد أیمانهم. انتهی .

المسألة... بعض الصحابة کانوا یقسمون باللات والعزی !

تدل مصادر الفقه السنی علی أن عادة القسم باللات والعزی بقیت فی أذهان القرشیین وعلی ألسنتهم حتی بعد إسلامهم ! فقد روی البخاری فی صحیحه: 6/51: عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال فی حلفه واللات والعزی فلیقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرک فلیتصدق .انتهی. (ورواه أیضاً فی: 7/97 وص144 وص222 و223.

ورواه مسلم فی: 5/81 وص82 ، ورواه ابن ماجة فی: 1/678، وروی بعده عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبی وقاص قال: حلفت باللات والعزی فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، ثم انفث عن یسارک ثلاثاً ، وتعوَّذ ولا تعد). ( ورواه أبو داود فی:2/90 ، والترمذی فی: 3/ 46 وص51 ، والنسائی فی: 7/7 ، وأحمد: 1/ 183 و186 و:2/ 309 ، والبیهقی:1/ 149 و:10/30 ، ومالک فی

ص: 62

المدونة: 2/108 ) .

الأسئلة

1 - هذا یدلنا علی أن الصحابة کانوا حدیثی عهد بالإسلام ، وأن رواسب الجاهلیة حتی عبادة الأصنام کانت ما

تزال فی مشاعرهم وعلی ألسنة بعض کبارهم کسعد بن وقاص ، ومن یخلف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لابد أن یکون کرم الله وجهه عن السجود للأصنام ، حتی یکون نقیاً من هذه الرواسب الجاهلیة.. فهل تعرفون هذه الصفة فی غیر علی(علیه السّلام)؟

2 - نحن نفتی بأن الیمین الشرعی لاینعقد إلا بالله تعالی ، ومن حلف بغیره فلا یمین له ولا شئ علیه. وقد أفتی ابن حزم فی المحلی: 8/51 ، وابن قدامة فی المغنی:1/169 و:11/162 ،بأن من حلف باللات والعزی فلا شئ علیه إلا الإستغفار ، وعلله ابن حزم فی:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغیر الله سیئة والحسنة تمحو السیئة ، وقد قال الله تعالی: إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ، وقال النبی (ص): إذا عملت سیئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغیر الله فقد عظم غیر الله تعظیماً یشبه تعظیم الرب تبارک وتعالی ، ولهذا سمی شرکاً لکونه أشرک غیر الله مع الله تعالی فی تعظیمه بالقسم به ، فیقول لا إله إلا الله توحیداً لله تعالی وبراءة من الشرک ).

فهل تفتون بأن من حلف بصنم لا یخرج عن الملة ، ومن حلف بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو بأحد من عترته(علیهم السّلام) فهو مشرک یخرج من الملة ؟!

ص: 63

اعتقاد قریش بنفع اللات والعزی وضرهما

مناقب آل أبی طالب:1/102 عن امرأة یقال لها زهرة قال:

أسلمت فأصیب بصرها ، فقالوا لها أصابک اللات والعزی ، فرد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیها بصرها فقالت قریش: لو کان ما جاء محمد خیراً ما سبقتنا إلیه زهرة ! فنزل: وقال الذین کفروا للذین آمنوا لو کان خیراً ما سبقونا إلیه .

مسند أحمد:1/264:

عن عبدالله بن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بکر ضمام بن ثعلبة وافداً إلی رسول الله(ص)فقدم علیه وأناخ بعیره علی باب المسجد ثم عقله ، ثم دخل المسجد ورسول الله(ص)جالس فی أصحابه ، وکان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غریرتین ، فأقبل حتی وقف علی رسول الله(ص)فی أصحابه فقال: أیکم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله (ص): أنا ابن عبد المطلب. قال محمد ؟ قال نعم فقال: یا ابن عبد المطلب إنی سائلک ومغلظ فی المسألة فلا تجدن فی نفسک. قال: لا أجد فی نفسی فسل عما بدا لک. قال: أنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک ، آلله بعثک إلینا رسولاً ؟ فقال: اللهم نعم. قال: فأنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک آلله أمرک أن تأمرنا أن نعبده وحده لانشرک به شیئاً وأن نخلع هذه الأنداد التی کانت آباؤنا یعبدونها معه ؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک آلله أمرک أن نصلی هذه الصلوات الخمس ؟ قال: اللهم نعم. قال ثم جعل یذکر فرائض الإسلام فریضة فریضة الزکاة والصیام والحج وشرائع الإسلام کلها یناشده عند کل

ص: 64

فریضة کما یناشده فی التی قبلها ، حتی إذا فرغ قال: فإنی أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سیدنا محمداً رسول الله ، وسأؤدی هذه الفرائض وأجتنب ما نهیتنی عنه ، ثم لا أزید ولا أنقص .

قال ثم انصرف راجعاً إلی بعیره فقال رسول الله(ص)حین ولی: إن یصدق ذو العقیصتین یدخل الجنة. قال فأتی إلی بعیره فأطلق عقاله ثم خرج حتی قدم علی قومه فاجتمعوا إلیه ، فکان أول ما تکلم به أن قال: بئست اللات والعزی ! قالوا مه یا ضمام ، إتق البرص والجذام ، إتق الجنون. قال: ویلکم إنهما والله لا یضران ولا ینفعان ، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل علیه کتاباً استنقذکم به مما کنتم فیه ، وإنی أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله ، إنی قد جئتکم من عنده بما أمرکم به ونهاکم عنه. قال فوالله ما أمسی من ذلک الیوم وفی حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً !

قال یقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم کان أفضل من ضمام بن ثعلبة .

مصادرنا تروی بغض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأصنام قریش

کمال الدین وتمام النعمة:1/184:

قال بحیری: یاغلام أسألک عن ثلاث خصال بحق اللات والعزی إلا ما أخبرتنیها. فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ذکر اللات والعزی وقال: لا تسألنی بهما فوالله ما أبغضت شیئاً کبغضهما ، وإنما هما صنمان من حجارة لقومی ! فقال بحیری: هذه واحدة ، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتنی ، فقال: سل عما بدا

ص: 65

لک فإنک قد سألتنی بإلهی وإلهک الذی لیس کمثله شئ ، فقال: أسألک عن نومک ویقظتک ، فأخبره عن نومه ویقظته وأموره وجمیع شأنه ، فوافق ذلک ما عند بحیری من صفته التی عنده ، فانکب علیه بحیری فقبل رجلیه وقال: یا بنی ما أطیبک وأطیب ریحک ، یا أکثر النبیین أتباعاً

الخرائج والجرائح:1/71:

فی خبر الراهب بحیری مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قال: یا غلام أتخبرنی عن أشیاء أسألک عنها قال: سل. قال: أنشدک باللات والعزی إلا أخبرتنی عما أسألک عنه ، وإنما أراد أن یعرف لأنه سمعهم یحلفون بهما فذکروا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال له: لا تسألنی باللات والعزی فإنی والله لم أبغض بغضهما شیئاً قط. قال: فبالله إلا أخبرتنی عما أسألک عنه قال: فجعل یسأله عن حاله فی نومه وهیئته وأموره فجعل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یخبره فکان یجدها موافقة لما عنده ... فأخذه الافکل وهو الرعدة واهتز الدیرانی فقال: من أبو هذا الغلام ؟ قال أبو طالب: هو ابنی. قال: لا والله لا یکون أبوه حیاً. قال أبو طالب: إنه ابن أخی. قال: فما فعل أبوه قال: مات وهو ابن شهرین. قال صدقت !-وروی فی:3/1089 تتمة قول الراهب: کأنی بک قد قدت الاجناب والخیل وقد تبعک العرب والعجم طوعاً وکرها ، وکأنی باللات والعزی قد کسرتهما وقد صار البیت العتیق تضع مفاتیحه حیث ترید . . . معک الذبح الأکبر وهلاک الأصنام. أنت الذی لا تقوم الساعة حتی تدخل الملوک کلها فی دینک صاغِرَةً قَمِئَة .

ص: 66

وتمسک سدنة اللات والعزی بهما إلی آخر نفس

شرح الأخبار:2/163:

ولما فتح رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الطائف سأله أهلها أن یدع لهم اللات - وکانوا یعبدونها - لمدة ذکروها وقالوا: إنا نخشی فی هدمها سفهاءنا ، فأبی علیهم .

مناقب آل أبی طالب:1/52:

ابن عباس فی قوله: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنَا ، قال وفد ثقیف: نبایعک علی ثلاث: لا ننحنی ، ولا نکسر إلهاً بأیدینا ، وتمتعنا باللات سنة. فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا خیر فی دین لیس فیه رکوع وسجود ، فأما کسر أصنامکم بأیدیکم فذاک لکم ، وأما الطاغیة اللات فإنی غیر ممتعکم بها .

وحطم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل الأصنام

مناقب آل أبی طالب:1/399:

وحدثنی أبو الحسن علی بن أحمد العاصمی ، عن اسماعیل بن أحمد الواعظ ، عن أبی بکر البیهقی بإسناده عن أبی مریم عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إحملنی لنطرح الأصنام عن الکعبة ، فلم أطق حمله ! فحملنی فلو شئت أتناول السماء فعلت ! وفی خبر والله لو شئت أن أنال السماء بیدی لنلتها .

وروی القاضی أبو عمرو عثمان بن أحمد ، عن شیوخ بإسناده عن ابن عباس قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لعلی (علیه السّلام): قم بنا إلی الصنم فی أعلی الکعبة

ص: 67

لنکسره ، فقاما جمیعاً فلما أتیاه قال له النبی: قم علی عاتقی حتی أرفعک علیه ، فأعطاه علی ثوبه فوضعه رسول الله علی عاتقه ثم رفعه حتی وضعه علی البیت ، فأخذ علی الصنم وهو من نحاس فرمی به من فوق الکعبة...

حلیة الابرار:2/125:

عن علی(علیه السّلام): أنا الذی قال فیَّ الامین جبرئیل(علیه السّلام): لا سیف إلا ذوالفقار ولا فتی إلا علی ، أنا صاحب فتح مکة ، أنا کاسر اللات والعزی ، أنا هادم الهبل الاعلی ، ومناة الثالثة الأخری ، أنا علوت علی کتف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وکسرت الأصنام ، أنا الذی کسرت یغوث ویعوق ونسراً .

واخترعت قریش قصة الغرانیق انتصاراًلللات والعزی

قال الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی . فَأَوْحَی إلی عَبْدِهِ مَا أَوْحَی . مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَی مَا یَرَی . وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَی . إِذْ یَغْشَی السِّدْرَةَ مَا یَغْشَی . مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَی . لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی . أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . أَلَکُمُ الذَّکَرُ وَلَهُ الأُنْثَی . تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَی . إِنْ هِیَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَی الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَی . أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّی . فَلِلَّهِ الآخرة وَالأُولَی . وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی . إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الأُنْثَی . وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّی عَنْ ذِکْرِنَا وَلَمْ یُرِدْ إِلا

ص: 68

الْحَیَوةَ الدُّنْیَا . ذَلِکَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَی . وَللهِ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَیَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی . النجم : 8 - 31 .

نزلت هذه الآیات فی مکة بعد مرحلة ( َأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) وبعد مرحلة ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) وإعلان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دعوته لجمیع الناس ودخول عدد من المستضعفین فی الإسلام وتضییق قریش علیهم وتعذیبهم ، وهجرة بعضهم إلی الحبشة . . ومن الواضح أن الصراع فی تلک المرحلة کان یتفاقم بین الإسلام والمشرکین ، وکان أهم ما یتسلح به المشرکون ویطرحونه سبباً لمقاومتهم الإسلام هو ( أن محمداً قد سبَّ آلهتنا وسفَّه أحلامنا ) .

وقد کان موقف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من آلهتهم موقفاً صریحاً قویاً لامساومة فیه ولامهادنة . . وقد اتضح ذلک من السور الأولی للقرآن ، وآیاتها القاطعة فی مسألة الأصنام . . ولم تکن سورة النجم إلا استمراراً لذلک الخط الربانی الصریح القوی ، بل هی الحسم الالهی النهائی فی المسألة ، ووضع النقاط علی الحروف بتسمیة أصنام قریش المفضلة ( اللات والعزی ومناة ) بأسمائها ، وإسقاطها إلی الابد !

ومن الطبیعی أن تکون هذه الآیات شدیدة جداً علی قریش ، وأن تثیر کبریاءها وعواطفها لأصنامها ، وأن تقوم بردة فعل بإشکال متعددة. وقصة الغرانیق ما هی إلا واحدة من ردات الفعل القرشیة..!

لکن متی اختُرِعَتْ ومن اخترعها ؟!

یغلب علی الظن ماذکره الشریف المرتضی من أن المشرکین عبدة هذه

ص: 69

الأصنام الثلاثة لما سمعوا ذمها فی آیات السورة حرَّفَ بعضهم الآیات ، ووضع بعد أسماء الأصنام الثلاثة عبارة ( تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی )

فأعجب ذلک القرشیین ، وتمنوا لو یضاف هذا المدیح لآلهتهم فی السورة !

ولکن کیف یمکن ذلک ؟ وکیف ینسجم مع السیاق ، والسیاق کله حملة شدیدة علی فکر الأصنام وأهلها ؟ ! !

هکذا ولدت قصة الغرانیق علی ألسنة القرشیین ، ولکنها کانت هذیاناً ولغواً فی القرآن من قریش المشرکة لا أکثر !

ولکن الجریمة الکبری عندما حولت قریش المنافقة هذا اللغو فی القرآن إلی آیات الغرانیق واتهمت بها النبی بعد وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لإثبات أنه لم یکن معصوماً عصمة مطلقة لتکون کل تصرفاته وأقواله حجة ، بل کان یخطئ حتی فی تبلیغ الوحی ! وفی ذلک فوائد عدیدة لقریش للالتفاف علی أوامر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتبریر أخطاء حکامها ومخالفاتهم لسنته !!

وهکذا سجلت مصادر السنیین قصة الغرانیق التی تزعم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد ارتکب خیانة والعیاذ بالله فی نص القرآن ، وشهد بالشفاعة لأصنام اللات والعزی ومناة ، وسجد لها لکی ترضی عنه قریش !

وقد طار منافقو قریش بهذه القصة فرحاً، ثم طار بها فرحاً ورثتهم الغربیون!!

وقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:6/32 بعض روایات الغرانیق ، وروی السیوطی عدداً وافراً منها فی الدر المنثور: 4/194 وص 366 وبعضها صحیح السند ، خلافاً لمن برّأ منها الرواة المعتمدین عند

ص: 70

حکام قریش ! قال السیوطی فی/366:

وأخرج البزار والطبرانی وابن مردویه والضیاء فی المختارة بسند رجاله ثقات من طریق سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)قرأ أفرأیتم اللات والعزی ومنات الثالثة الأخری تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! ففرح المشرکون بذلک وقالوا قد ذکر آلهتنا ! فجاء جبریل فقال: إقرأ علیَّ ما جئتک به ، فقرأ: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! فقال ما أتیتک بهذا ، هذا من الشیطان !! فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی . . إلی آخر الآیة . وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه بسند صحیح عن سعید بن جبیر . . . الخ !! انتهی .

وقد ورد فی بعض روایاتهم الافتراء علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأنه سجد للاصنام ! (فقال: وإنهن لهن الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لهی التی ترتجی ، فکان ذلک من سجع الشیطان وفتنته ، فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک بمکة ، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها ، وقالوا إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم سجد وسجد کل من حضر من مسلم ومشرک ، ففشت تلک الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت أرض الحبشة فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . . ) .

وفی بعضها ( ألقی الشیطان علی لسانه: وهی الغرانیق العلی شفاعتهن ترتجی فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشرکون إلا أبا أحیحة سعید بن العاص فإنه أخذ کفاً من تراب فسجد علیه وقال: قد آن لابن أبی

ص: 71

کبشة أن یذکر آلهتنا بخیر ، فبلغ ذلک المسلمین الذین کانوا بالحبشة أن قریشاً قد أسلمت ، فأرادوا أن یُقْبِلوا واشتد علی رسول الله(ص)وعلی أصحابه ما ألقی الشیطان علی لسانه فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ . . الآیة ) انتهی .

وقد تجرأ بعض العلماء السنیین وردُّوا روایات الغرانیق ولکنهم ضعفوا سندها رغم صحته عندهم ، من أجل أن لا یطعنوا فی مؤلفی صحاحهم والموثقین من رواتهم !

قال المجلسی فی بحار الأنوار:17/56:

قوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . . قال الرازی: ذکر المفسرون فی سبب نزول هذه الآیة أن الرسول لما رأی إعراض قومه عنه شق علیه ما رأی من مباعدتهم عما جاءهم به تمنی فی نفسه أن یأتیهم من الله ما یقارب بینه وبین قومه ، وذلک لحرصه علی إیمانهم فجلس

ذات یوم فی ناد من أندیة قریش کثیر أهله وأحب یومئذ أن لا یأتیه من الله شئ ینفروا عنه وتمنی ذلک ! فأنزل تعالی سورة والنجم إذا هوی ، فقرأها رسول الله(ص)حتی بلغ: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ألقی الشیطان علی لسانه: تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی ! فلما سمعت قریش فرحوا ومضی رسول الله(ص)فی قراءته وقرأ السورة کلها ، فسجد المسلمون لسجوده وسجد جمیع من فی المسجد من المشرکین ، فلم یبق فی المسجد مؤمن ولا کافر إلا سجد ، سوی الولید بن المغیرة وسعید بن العاص ، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلی جبهتیهما وسجدا علیها ، لأنهما کانا شیخین کبیرین لم یستطیعا السجود ، وتفرقت قریش وقد

ص: 72

سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذکر محمد آلهتنا بأحسن الذکر ، فلما أمسی رسول الله أتاه جبرئیل فقال: ماذا صنعت ! تلوت علی الناس ما لم آتک به عن الله ، وقلت ما لم أقل لک ! فحزن رسول الله(ص)حزناً شدیداً وخاف من الله خوفاً عظیماً حتی نزل قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ . . الآیة .

هذا روایة عامة المفسرین الظاهریین ، وأما أهل التحقیق فقد قالوا: هذه الروایة باطلةٌ موضوعةٌ واحتجوا بالقرآن ، والسنة ، والمعقول ، أما القرآن فوجوه:

أحدها: قوله تعالی: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ .

وثانیها: قل ما یکون لی أن أبدله من تلقاء نفسی إن أتبع إلا ما یوحی إلی .

وثالثها: قوله: وما ینطق عن الهوی ، إن هو إلا وحیٌ یوحی .

فلو أنه قرأ عقیب هذه الآیة تلک الغرانیق العلی لکان قد أظهر کذب الله تعالی فی الحال ، وذلک لا یقول به مسلم .

ورابعها: قوله تعالی: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ ، وکاد معناه قرب أن یکون لأمر کذلک مع أنه لم یحصل .

وخامسها: قوله: ولولا أن ثبتناک ، وکلمة ( لولا ) تفید انتفاء الشئ لإنتفاء غیره ، فدل علی أن الرکون القلیل لم یحصل .

وسادسها: قوله: کذلک لنثبت به فؤادک .

وسابعها: قوله: سنقرئک فلا تنسی .

ص: 73

وأما السنة فهی أنه روی عن محمد بن إسحاق بن خزیمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة ، وصنف فیه کتاباً .

وقال الإمام أبوبکر البیهقی: هذه القصة غیر ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ یتکلم فی أن رواة هذه القصة مطعونون ، وأیضاً فقد روی البخاری فی صحیحه أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ سورة ( والنجم ) وسجد فیها المسلمون والمشرکون والانس والجن ولیس فیه حدیث الغرانیق ، وروی هذا الحدیث من طرق کثیرة ولیس فیها البتة حدیث الغرانیق .

وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوز علی الرسول(ص)تعظیم الأوثان فقد کفر ، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعیه(ص)کان فی نفی الأوثان .

وثانیها: أنه(ص)ما کان یمکنه فی أول الأمر أن یصلی ویقرأ القرآن عند الکعبة آمناً لأذی المشرکین له ، حتی کانوا ربما مدوا أیدیهم إلیه ، وإنما کان یصلی إذا لم یحضروها لیلاً أو فی أوقات خلوة ، وذلک یبطل قولهم .

وثالثها: أن معاداتهم للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت أعظم من أن یقروا بهذا القدر من القراءة دون أن یقفوا علی حقیقة الأمر ، فکیف أجمعوا علی أنه عظم آلهتهم حتی خروا سجداً ، مع أنه لم یظهر عندهم موافقته لهم .

ورابعها: قوله: فینسخ الله ما یلقی الشیطان ثم یحکم الله آیاته ، وذلک أن أحکام الآیات بإزالة تلقیة الشیطان عن الرسول أقوی من نسخه بهذه الآیات التی تنتفی الشبهة معها ، فإذا أراد الله تعالی إحکام الآیات لئلا یلتبس ما لیس بقرآن قرآناً ، فبأن یمنع الشیطان من ذلک أصلاً ، أولی .

ص: 74

وخامسها: وهو أقوی الوجوه: أنا لو جوزنا ذلک ارتفع الأمان عن شرعه ، وجوزنا فی کل واحد من الأحکام والشرائع أن یکون کذلک ، ویبطل قوله تعالی: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ ، فإنه لا فرق بین النقصان من الوحی وبین الزیادة فیه !

فبهذه الوجوه عرفنا علی سبیل الإجمال أن هذه القصة موضوعة ، أکثر ما فی الباب أن جمعاً من المفسرین ذکروها لکنهم ما بلغوا حد التواتر . وخبر الواحد لا یعارض الدلائل العقلیة والنقلیة المتواترة . . . انتهی .

ولم یلتفت هذا المفسر الکبیر إلی أن الآیة التی ادعوا أنها نزلت علی أثر القصة مدنیة ، نزلت بعد النجم بنحو عشر سنوات ! کما لم یلتفت إلی أن روایة البخاری وغیره التی ذکرها هی قصة الغرانیق بعینها !

البخاری ومسلم رویا فریة الغرانیق

وینبغی أن نحسن الظن بالرازی وأمثاله الذین دافعوا عن البخاری والصحاح فقالوا إنهم لم یرووا قصة الغرانیق ، حیث لم یقرؤوا الصحاح جیداً ، وإلا لوجدوا فیها قصة الغرانیق بأکثر من روایة ! غایة الأمر أن أصحابها حذفوا منها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )زاد فی السورة مدح أصنام المشرکین ، ولکنهم ذکروا دلیلاً علیه وهو سجود المسلمین والمشرکین وحتی سجود أبی أحیحة أو أمیة بن خلف أو غیرهما علی کف من تراب أو حصی !! فإن سجود المشرکین بعد سماع القرآن لم ینقله أی مصدر علی الإطلاق فی أی روایة علی الإطلاق ، إلا فی روایة الغرانیق ! ومضافاً إلی روایة البخاری الفظیعة التی ذکرها الرازی فقد روی البخاری أیضاً فی:5/7: عن عبدالله (رض)

ص: 75

عن النبی(ص)أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه ، غیر أن شیخاً أخذ کفاً من تراب فرفعه إلی جبهته فقال یکفینی هذا ! قال عبد الله: فلقد رأیته بعد قتل کافراً. انتهی. ورواه مسلم فی /88 .

وروی البخاری أیضاً فی:6/52:

عن الأسود بن یزید عن عبد الله (رض) قال: أول سورة أنزلت فیها سجدة والنجم ، قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأیته أخذ کفاً من تراب فسجد علیه ، فرأیته بعد ذلک قتل کافراً ، وهو أمیة بن خلف .

وقال الحاکم فی المستدرک:1/221:

عن أبی إسحاق عن الاسود عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الناس الحج ، حتی إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد علیه فرأیته قتل کافراً . هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین بالإسنادین جمیعاً ولم یخرجاه ، إنما اتفقا علی حدیث شعبة عن أبی اسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ والنجم فذکره بنحوه ، ولیس یعلل أحد الحدیثین الآخرین فإنی لا أعلم أحداً تابع شعبة علی ذکره النجم غیر قیس بن الربیع. والذی یؤدی إلیه الإجتهاد صحة الحدیثین ، والله أعلم .

ومعنی کلام الحاکم: أنه کان الأولی بالبخاری ومسلم أن یرویا روایة السجود فی سورة الحج لأنها أصح ، ولکنهما ترکاها ورویا روایة سورة النجم !!

ص: 76

وقال البیهقی فی سننه:2/314:

عن عکرمة عن ابن عباس أن النبی(ص)سجد فیها ، یعنی والنجم وسجد فیها المسلمون والمشرکون والجن والإنس . رواه البخاری فی الصحیح عن أبی معمر وغیره ، عن عبد الوارث .

ورواها فی مجمع الزوائد:7/115 أیضاً وصححها ، قال:

قوله تعالی ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ) عن ابن عباس فیما یحسب سعید بن جبیر أن النبی(ص)کان بمکة فقرأ سورة والنجم حتی انتهی إلی ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ) فجری علی لسانه: تلک الغرانیق العلی الشفاعة منهم ترتجی ، قال فسمع بذلک مشرکو أهل مکة فسروا بذلک ، فاشتد علی رسول الله(ص)فأنزل الله تبارک وتعالی ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ ) رواه البزار والطبرانی وزاد إلی قوله ( عَذَابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ ) یوم بدر. ورجالهما رجال الصحیح إلا أن الطبرانی قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبی(ص)،

وقد تقدم حدیث مرسل فی سورة الحج أطول من هذا ، ولکنه ضعیف الإسناد. انتهی.

ویقصد بالروایة الطویلة الضعیفة ما رواه فی مجمع الزوائد:7/70 وقد ورد فیها:

حین أنزل الله السورة التی یذکر فیها ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی ) فقال المشرکون لو کان هذا الرجل یذکر آلهتنا بخیر أقررناه وأصحابه، فإنه لا یذکر أحداً

ص: 77

ممن خالف دینه من الیهود والنصاری بمثل الذی یذکر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله السورة التی یذکر فیها والنجم وقرأ ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ) ألقی الشیطان فیها عند ذلک ذکر الطواغیت فقال: وإنهم من الغرانیق العلی ، وإن شفاعتهم لترتجی ، وذلک من سجع الشیطان وفتنته ، فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه، فلما بلغ رسول الله(ص)آخر السورة التی فیها النجم سجد وسجد معه کل من حضره من مسلم ومشرک غیر أن الولید بن المغیرة کان کبیراً فرفع ملء کفه تراب فسجد علیه ، فعجب الفریقان کلاهما من جماعتهم فی السجود لسجود رسول الله(ص)، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشرکین من غیر إیمان ولا یقین ، ولم یکن المسلمون سمعوا الذی ألقی الشیطان علی ألسنة المشرکین ، وأما المشرکون فاطمأنت أنفسهم إلی النبی(ص)، وحدثهم الشیطان أن النبی(ص)قد قرأها فی السجدة ، فسجدوا لتعظیم آلهتهم، ففشت تلک الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن کان معهم من أهل مکة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الولید بن المغیرة علی التراب علی کفه ، أقبلوا سراعاً ! فکبر ذلک علی رسول الله(ص)، فلما أمسی أتاه جبریل(علیه السّلام)فشکا إلیه فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها جبریل وقال: معاذ الله من هاتین ما أنزلهما ربی ولا أمرنی بهما ربک !! فلما رأی ذلک رسول الله(ص)شق علیه وقال: أطعت الشیطان وتکلمت بکلامه وشرکنی فی أمر الله !! فنسخ الله ما یلقی الشیطان وأنزل علیه (وَمَا

ص: 78

أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللَّهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللَّهُ آیَاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ ، لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِیدٍ) فلما برأه الله عز وجل من سجع الشیطان وفتنته ، انقلب المشرکون بضلالهم وعداوتهم ، فذکر الحدیث ، وقد تقدم فی الهجرة إلی الحبشة. رواه الطبرانی مرسلاً وفیه ابن لهیعة ، ولا یحتمل هذا من ابن لهیعة. انتهی .

فتبین من مجموع ذلک أن سند القصة فی مصادر السنیین صحیح ، ولا یصح القول بأن الواقدی تفرد بها ، أو أن الصحاح لم تروها !!

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی فریة الغرانیق

قال الشریف المرتضی فی تنزیه الأنبیاء/106:

مسألة: فإن قال فما معنی قوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ .

أو لیس قد روی فی ذلک أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لما رأی تولی قومه عنه شق علیه ما هم علیه من المباعدة والمنافرة وتمنی فی نفسه أن یأتیه من الله تعالی ما یقارب بینه وبینهم وتمکن حب ذلک فی قلبه ، فلما أنزل الله تعالی علیه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی ، وتلاها علیهم ، ألقی الشیطان علی لسانه لما کان تمکن فی نفسه من محبة مقاربتهم: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن

ص: 79

لترتجی ، فلما سمعت قریش ذلک سرت به وأعجبهم ما زکی به آلهتهم ، حتی انتهی إلی السجدة فسجد المؤمنون وسجد أیضاً المشرکون لما سمعوا من ذکر آلهتهم بما أعجبهم ،فلم یبق فی المسجد مؤمن ولا مشرک إلا سجد ، إلا الولید بن المغیرة فإنه کان شیخاً کبیراً لا یستطیع السجود فأخذ بیده حفنة من البطحاء فسجد علیها ، ثم تفرق الناس من المسجد وقریش مسرورة بما سمعت. وأتی جبرائیل(علیه السّلام)إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معاتباً علی ذلک فحزن له حزناً شدیداً. فأنزل الله تعالی علیه معزیاً له ومسلیاً: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . الآیة .

قلنا: أما الآیة فلا دلالة فی ظاهرها علی هذه الخرافة التی قَصُّوها ، ولیس یقتضی الظاهر إلا أحد أمرین: إما أن یرید بالتمنی التلاوة کما قال حسان بن ثابت:

تمنی کتاب الله أول لیله وآخره لاقی حمام المقادر

أو أرید بالتمنی تمنی القلب .

فإن أراد التلاوة ، کان المراد من أرسلنا قبلک من الرسل ، کان إذا تلا ما یؤدیه إلی قومه حرفوا علیه وزادوا فیما یقوله ونقصوا ، کما فعلت الیهود فی الکذب علی نبیهم فأضاف ذلک إلی الشیطان ، لأنه یقع بوسوسته وغروره. ثم بین أن الله تعالی یزیل ذلک ویدحضه بظهور حجته وینسخه ، ویحسم مادة الشبهة به .

وإنما خرجت الآیة علی هذا الوجه مخرج التسلیة له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما کذب المشرکون علیه وأضافوا إلی تلاوته مدح آلهتهم ما لم یکن فیها .

وإن کان المراد تمنی القلب ، فالوجه فی الآیة أن الشیطان متی تمنی النبی

ص: 80

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بقلبه بعض مایتمناه من الأمور یوسوس إلیه بالباطل ویحدثه بالمعاصی ویغریه بها ویدعوه الیها ، وأن الله تعالی ینسخ ذلک ویبطله بما یرشده إلیه من مخالفة الشیطان وعصیانه وترک استماع غروره .

وأما الأحادیث المرویة فی هذا الباب ، فلا یلتفت إلیها من حیث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل (علیهم السّلام) عنه. هذا لو لم یکن فی أنفسها مطعونة ضعیفة عند أصحاب الحدیث بما یستغنی عن ذکره .

وکیف یجیز ذلک علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من یسمع الله تعالی یقول: کَذَلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَکَ یعنی القرآن ، وقوله تعالی: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ ، وقوله تعالی: سَنُقْرِئُکَ فَلا تَنْسَی!

علی أن من یجیز السهو علی الأنبیاء (علیهم السّلام) یجب أن لا یجیز ما تضمنته هذه الروایة المنکرة لما فیها من غایة التنفیر عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن الله تعالی قد جنب نبیه من الأمور الخارجة عن باب المعاصی کالغلظة والفظاظة وقول الشعر ، وغیر ذلک مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالی .

علی أنه لا یخلو(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) - وحوشی مما قذف به - من أن یکون تعمد ما حکوه وفعله قاصداً أو فعله ساهیاً. ولا حاجة بنا إلی إبطال القصد فی هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن کان فعله ساهیاً فالساهی

لا یجوز أن یقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطریقها ثم لمعنی ما تقدمها من الکلام ، لأنا نعلم ضرورةً أن من کان ساهیاً لو أنشد قصیدة لما جاز أن یسهو حتی یتفق منه بیت شعر فی وزنها وفی معنی البیت الذی تقدمه ، وعلی الوجه الذی یقتضیه فائدته ، وهو مع ذلک یظن أنه من القصیدة التی ینشدها. وهذا ظاهر فی بطلان هذه الدعوی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أن الموحی إلیه من الله النازل

ص: 81

بالوحی وتلاوة القرآن جبرائیل(علیه السّلام)وکیف یجوز السهو علیه ؟ !

علی أن بعض أهل العلم قد قال: یمکن أن یکون وجه التباس الأمر أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما تلا هذه السورة فی ناد غاصٍّ بأهله وکان أکثر الحاضرین من قریش المشرکین فانتهی إلی قوله تعالی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وعلم فی قرب مکانه منه من قریش أنه سیورد بعدها ما یسوؤهم به فیهن قال کالمعارض له والراد علیه:

تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ، فظن کثیر ممن حضر أن ذلک من قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واشتبه علهیم الأمر ، لانهم کانوا یلغطون عند قراءته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویکثر کلامهم وضجاجهم طلباً لتغلیطه وإخفاء قراءته .

ویمکن أن یکون هذا أیضاً فی الصلاة لانهم کانوا یقربون منه فی حال صلاته عند الکعبة ویسمعون قراءته ویلغون

فیها .

وقیل أیضاً إنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان إذا تلا القرآن علی قریش توقف فی فصول الآیات وأتی بکلام علی سبیل الحجاج لهم ، فلما تلا: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَ الْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی قال: تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی ؟! علی سبیل الإنکار علیهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلک. ولیس یمتنع أن یکون هذا فی الصلاة لأن الکلام فی الصلاة حینئذ کان مباحاً وإنما نسخ من بعد .

وقیل إن المراد بالغرانیق الملائکة ، وقد جاء مثل ذلک فی بعض الحدیث فتوهم المشرکون أنه یرید آلهتهم .

وقیل إن ذلک کان قرآناً منزلاً فی وصف الملائکة فتلاه الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلما ظن المشرکون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته .

وکل هذا یطابق ما ذکرناه من تأویل قوله: إذا تمنی ألقی الشیطان فی أمنیته ،

ص: 82

لأن بغرور الشیطان ووسوسته أضیف إلی تلاوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مالم یرده بها. وکل هذا واضح بحمد الله تعالی .

نهج الحق للعلامة الحلی/139:

ذهبت الإمامیة کافة إلی أن الأنبیاء (علیهم السّلام) معصومون عن الصغائر والکبائر ومنزهون عن المعاصی قبل النبوة وبعدها ، علی سبیل العمد والنسیان ، وعن کل رذیلة ومنقصة ، وما یدل علی الخسة والضعة .

وخالفت الأشاعرة فی ذلک وجوزوا علیهم المعاصی. وبعضهم جوزوا الکفر علیهم قبل النبوة وبعدها ، وجوزوا علیهم السهو والغلط ، ونسبوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السهو فی القرآن بما یوجب الکفر فقالوا: إنه صلی یوماً وقرأ فی سورة النجم عند قوله تعالی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی. وهذا اعتراف منه بأن تلک الأصنام ترتجی الشفاعة منها !

نعوذ بالله من هذه المقالة التی نسب النبی إلیها ، وهی توجب الشرک ، فما عذرهم عند رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟ !

مجمع البحرین للطریحی:4/239:

رووا أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان فی الصلاة فقرأ سورة النجم فی المسجد الحرام وقریش یستمعون لقراءته ، فلما انتهی إلی هذه الآیة: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ، أجری إبلیس علی لسانه: فإنها الغرانیق العلی وشفاعتهن لترتجی ! ففرحت قریش وسجدوا وکان فی ذلک القوم الولید

ص: 83

بن المغیرة المخزومی وهو شیخ کبیر فأخذ کفاً من حصی فسجد علیه وهو قاعد ، وقالت قریش: قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزی. قال فنزل جبرئیل فقال له: قرأت ما لم أنزل به علیک ! انتهی .

وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة کما أشرنا وشنعوا بها علی الإسلام ورسوله ،محتجین بأنها وردت فی مصادر المسلمین ! وکان آخر من استغلها المرتد سلمان رشدی والدول التی وراءه! وقد أخذها من المستشرقین بروکلمان ومونتغمری وأمثالهما ، وأخذها هؤلاء من مصادر السنیین !!

وقد نقد الباحث السودانی الدکتور عبدالله النعیم فی کتابه (الاستشراق فی السیرة النبویة ) - المعهد العالمی للفکر الإسلامی 1417 ، استغلال المسشرقین لحدیث الغرانیق ونقل فی/51 ، افتراء بروکلمان حیث قال عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( ولکنه علی ما یظهر اعترف فی السنوات الأولی من بعثته بآلهة الکعبة الثلاث اللواتی کان مواطنوه یعتبرونهن بنات الله ، وقد أشار الیهن فی إحدی الآیات الموحاة الیه بقوله: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترجی . . . ثم مالبث أن أنکر ذلک وتبرأ منه فی الیوم التالی ) !!

ونقل الدکتور النعیم فی/96 زعم مونتغمری وات ( تلا محمد الآیات الشیطانیة باعتبارها جزءاً من القرآن إذ لیس من المتصور أن تکون القصة من تألیف المسلمین أو غیر المسلمین ، وأن انزعاج محمد حینما علم بأن الآیات الشیطانیة لیست جزء من القرآن یدل علی أنه تلاها ، وأن عبادة

ص: 84

محمد بمکة لاتختلف عن عبادة العرب فی نخلة والطائف. .ولقد کان توحید محمد غامضاً (!) ولا شک أنه یعد اللات والعزی ومناة کائنات سماویة أقل من الله ) انتهی .

أما نحن فإننا تبعاً لأهل البیت (علیهم السّلام) نرفض روایة الغرانیق من أصلها ، ونعتقد أنها واحدة من افتراءات قریش الکثیرة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حیاته وبعد وفاته .. ونستدل بوجودها علی أن مطلب قریش کان الإعتراف بآلهتها وشفاعتهن ، وأن منافقی قریش وضعوا هذه الروایات طعناً فی عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخدموا بذلک هدف قریش المشرکة ، وهدف أعداء الإسلام فی کل العصور !

ومع أن المستشرقین لا یحتاجون إلی الروایات الموضوعة لیتمسکوا بها ، فهم یکذبون علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی مصادرنا جهاراً نهاراً ، ولکنا نأسف لأن مصادر إخواننا السنیین روت عدة افتراءات علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنها حقائق، منها قصة الغرانیق ، ومنها قصة ورقة بن نوفل فی بدء الوحی ، وغیرها من الروایات المخالفة للعقل والتهذیب والاحترام الذی ینبغی لمقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). .ثم لم یرووا ما ورد فی مصادرنا من بغض النبی لاصنام قریش منذ طفولته ، ولم یرووا تکذیب أهل البیت (علیهم السّلام) لروایة ورقة بن نوفل ، وتأکیدهم علی الأفق المبین الذی نص علیه القرآن وبدأ فیه الوحی .

وقد ذکر الدکتور النعیم فی هامش کتابه المذکور المصادر التی روت حدیث الغرانیق وهی طبقات ابن سعد:1/205

وتاریخ الطبری:2/226 وتاریخ ابن الاثیر:2/77 وسیرة ابن سید الناس:1/157. . وقال فی/97 ( یعتبر الواقدی أول من روج لهذه الفریة ثم أخذها عنه ابن سعد والطبری

ص: 85

وغیرهم ) وقال فی/98 (ولم یرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً، ومهما یکن من أمر فالواقدی هو أصلها. إن ما یدعو للتساؤل هو کیف أمکن تمریر هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل ! ) انتهی .

ولکن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها ، فعلی الذی یرد سندها أن یرد جمیع أسانیدها ، لا سند الواقدی وحده !

ثم نقل الدکتور النعیم نقد القاضی عیاض فی کتابه (الشفا) لحدیث الغرانیق سنداً ومتناً ، وکذلک نقد القرضاوی فی کتابه ( کیف نتعامل مع السنة النبویة ) ونقل عنه قوله فی/93 ( ومعنی هذا أن تفهم السنة فی ضوء القرآن ولهذا کان حدیث الغرانیق مردوداً بلا ریب ، لأنه مناف للقرآن ) انتهی .

ولیت بقیة الباحثین من إخواننا السنیین یتمسکون بدلیل مخالفة القرآن ویردون به المکذوبات التی وضعها المنافقون ، وروجتها الخلافة القرشیة ورواتها ، وما زالت إلی عصرنا صحیحة أو موثقة !!

تنبؤ عمیق للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حول اللات والعزی

روت مصادر السنیین بأسانید صحیحة عندهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر أن العرب سوف یعبدون اللات والعزی مرة أخری !

فقد روی مسلم فی صحیحه:8/182:

عن أبی سلمة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله(ص)یقول: لا یذهب اللیل والنهار حتی تعبد اللات والعزی ! فقلت یا رسول الله إن کنت لأظن حین أنزل الله: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ

ص: 86

کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ، أن ذلک تاماً. قال: إنه سیکون من ذلک ما شاء الله انتهی .

ورواه الحاکم فی مستدرکه:4/446 وص 549 وقال فی الموردین (هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه ) ورواه البیهقی فی سنه:9/181 ورواه الهندی فی کنز العمال:14/211 وقال عنه السیوطی فی الدر المنثور:6/61: وأخرج مسلم والحاکم وصححه . . وقال عن الحدیث الأول فی:3/231 أخرج أحمد ومسلم والحاکم وابن مردویه عن عائشة. انتهی .

وإذا صحت هذه الأحادیث فتفسیرها أن بعض العرب سوف یکفرون فی المستقبل ، ویرجعون إلی عبادة اللات والعزی !

ولکن الاقرب أن یکون مقصوده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطیع شخصین من دون الله تعالی ، ویکون لهما تأثیر اللات والعزی . . لأن من أطاع شخصاً فی معصیة الله تعالی أو من دون أمره ، فقد عبده من دون الله تعالی !!

والنتیجة التی نخلص بها من هذا البحث ، أن الشفاعة کانت معروفة عند مشرکی العرب ، وکان یهمهم أن یثبتوا هذه المنزلة لاصنامهم..وهی نقطة تنفعنا فی فهم السبب لوضع بعض الأحادیث التی تدعی توسیع شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لتشمل کل قریش وکل المنافقین وغیرهم ، وتحل محل شفاعة اللات والعزی ، وتضاهی شفاعة الیهود المزعومة لقومیتهم !!

ص: 87

ص: 88

الفصل الرابع :آیات الشفاعة فی القرآن

اشارة

ص: 89

ص: 90

الشفاعة الحسنة والشفاعة السیئة فی الدنیا

مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُنْ لَهُ نَصِیبٌ مِنْهَا وَ مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا وَ کَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ مُقِیتًا . النساء : 85 .

الشفعاء یوم القیامة یشفعون بعهد من الله تعالی

لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا . مریم : 87 .

یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلا . طه : 109 .

الأولیاء المکرمون ینفعون موالیهم بشفاعتهم

إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ مِیقَاتُهُمْ أَجْمَعِینَ . یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئًا وَلا هُمْ یُنْصَرُونَ . إِلا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ . الدخان : 40 - 42 .

ص: 91

عباد الله المکرمون کلهم شفعاء

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ . لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبیاء : 26 - 28 .

الشهداء بالحق شفعاء

وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ . الزخرف : 86 .

الملائکة یشفعون للناس بإذن الله تعالی

وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَ یَرْضَی . النجم : 26

الشفیع الأکبر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79

وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 5

ص: 92

لا شفاعة من دون الله تعالی

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِینَ یَخَافُونَ أَنْ یُحْشَرُوا إلی رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ . الانعام : 51

اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا شَفِیعٍ أَفَلا تَتَذَکَّرُونَ . السجدة : 4

لا شفاعة إلا بإذنه ومن بعد إذنه

اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا یَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ . البقرة : 255

إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ . یونس : 3

وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّی إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّکُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ . سبأ : 23

وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی . النجم : 26

ص: 93

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا یَعْلَمُ فِی السَّمَوَاتِ وَلا فِی الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ . یونس : 18

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَی کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَکْتُمْ مَا خَوَّلْنَاکُمْ وَرَاءَ ظُهُورِکُمْ وَمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَیْنَکُمْ وَضَلَّ عَنْکُمْ مَا کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . الأنعام : 94

وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَکَانُوا بِشُرَکَائِهِمْ کَافِرِینَ . الروم : 13

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یُنْقِذُونَ . یس : 23

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . الزمر : 43 - 44

لا شفاعة فی یوم القیامة کشفاعة الدنیا

وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 48

وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 123

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَاتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْکَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ . البقرة : 254

ص: 94

وَذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَذَکِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا کَسَبَتْ لَیْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ کُلَّ عَدْلٍ لا یُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِکَ الَّذِینَ أُبْسِلُوا بِمَا کَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَعَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْفُرُونَ . الأنعام : 70

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ ، وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ . الشعراء : 100 - 101

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ . المدثر : 48

الکفار یبحثون بحثاً حثیثاً عن الشفعاء

هَلْ یَنْظُرُونَ إِلا تَاوِیلَهُ یَوْمَ یَاتِی تَاوِیلُهُ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَیَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ . الأعراف : 53

یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا . النبأ : 38

لا شفاعة للظالمین

وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَنَاجِرِ کَاظِمِینَ مَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیمٍ وَلا شَفِیعٍ یُطَاعُ . غافر : 18

وَکُنَّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ الدِّینِ حَتَّی أَتَانَا الْیَقِینُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ . المدثر : 46-48

ص: 95

ص: 96

الفصل الخامس :شفاعة نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

اشارة

ص: 97

ص: 98

تفسیر ( المقام المحمود ) لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال الله تعالی: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلی غَسَقِ اللَّیْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کَانَ مَشْهُودًا.وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء : 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المحشر

لعل أقوی نص فی متنه یبین أهمیة المقام المحمود الذی وعد الله رسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن یکرمه به یوم القیامة ، ما رواه الصدوق عن علی (علیه السّلام)، فقد بین فیه أن لیوم القیامة مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یبدأ فی أوائل مراحل ذلک الیوم العظیم بتلک الخطبة ( الفریدة ) التی یفتتح بها نبینا المحشر ویلهمه الله تعالی فیها أنواع المحامد لربه تعالی نیابة عن الخلائق ، ویعطی علی أثرها لواء الحمد الذی هو رئاسة المحشر ، وذلک قبل الحساب والشفاعة وحوض الکوثر. .

قال الصدوق فی التوحید فی حدیث طویل/255 - 262:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن یحیی عن بکر بن

ص: 99

عبدالله بن حبیب قال: حدثنی أحمد بن یعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزیز الأحدب الجند بنیسابور قال: وجدت فی کتاب أبی بخطه: حدثنا طلحة بن یزید عن عبید الله بن عبید عن أبی معمر السعدانی أن رجلاً أتی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)فقال:

یا أمیر المؤمنین إنی قد شککت فی کتاب الله المنزل .

قال له (علیه السّلام): ثکلتک أمک وکیف شککت فی کتاب الله المنزل !

قال: لأنی وجدت الکتاب یکذب بعضه بعضاً فکیف لا أشک فیه .

فقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): إن کتاب الله لیصدق بعضه بعضاً ولا یکذب بعضه بعضاً ولکنک لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شککت فیه من کتاب الله عز وجل .

قال له الرجل: إنی وجدت الله یقول: فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا ، وقال أیضاً: نَسُوا اللهَ فَنَسِیَهُمْ ، وقال: وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیًّا. فمرة یخبر أنه ینسی ومرة یخبر أنه لا ینسی ، فأنی ذلک یا أمیر المؤمنین !

قال: هات ما شککت فیه أیضاً....

فقال علی(علیه السّلام): قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارک وتعالی علواً کبیراً ، نشهد أنه هو الدائم الذی لا یزول ، ولا نشک فیه ، ولیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر ،

وأن الکتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زیادة إیمان أو حرمته فإن ذلک بید الله إن شاء رزقک وإن شاء حرمک ذلک، ولکن سأعلمک ما شککت فیه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بک خیراً أعلمک بعلمه وثبتک ، وإن یکن شراً ضللت وهلکت .

ص: 100

أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِیَهُمْ إنما یعنی نسوا الله فی دار الدنیا لم یعملوا بطاعته فنسیهم فی الآخرة أی لم یجعل لهم فی ثوابه شیئاً ، فصاروا منسیین من الخیر

وکذلک تفسیر قوله عز وجل: فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا، یعنی بالنسیان أنه لم یثبهم کما یثیب أولیاءه الذین کانوا فی دار الدنیا مطیعین ذاکرین حین آمنوا به وبرسله وخافوه بالغیب. وأما قوله: وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیًّا ، فإن ربنا تبارک وتعالی علواً کبیراً لیس بالذی ینسی ولا یغفل ، بل هو الحفیظ العلیم ، وقد یقول العرب فی باب النسیان: قد نَسِیَنَا فلان فلا یذکرنا أی أنه لا یأمر لنا بخیر ولا یذکرنا به ، فهل فهمت ما ذکر الله عز وجل ؟ قال: نعم ، فرجت عنی فرج الله عنک ، وحللت عنی عقدة فعظم الله أجرک .

فقال(علیه السّلام): وأما قوله: یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ، وقوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا کُنَّا مُشْرِکِینَ ، وقوله: یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَیَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضًا ، وقوله: إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ ، وقوله: الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ ، فإن ذلک فی موطن غیر واحد من مواطن ذلک الیوم الذی کان مقداره خمسین ألف سنة ! یجمع الله عز وجل الخلائق یومئذ فی مواطن یتفرقون ویکلم بعضهم بعضاً، ویستغفر بعضهم لبعض، أولئک الذین کان منهم الطاعة فی دار الدنیا. ویلعن أهل المعاصی الذین بدت منهم البغضاء وتعاونوا علی الظلم والعدوان فی دار الدنیا ، الرؤساء والأتباع من المستکبرین والمستضعفین یکفر بعضهم بعضاً ویلعن بعضهم بعضاً. والکفر

ص: 101

فی هذه الآیة: البراءة یقول یبرأ بعضهم من بعض ، ونظیرها فی سورة إبراهیم قول الشیطان: إنی کفرت بما أشرکتمون من قبل ، وقول إبراهیم خلیل الرحمن: کفرنا بکم ، یعنی تبرأنا منکم .

ثم یجتمعون فی موطن آخر یبکون فیه ، فلو أن تلک الاصوات بدت لأهل الدنیا لأذهلت جمیع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا یزالون یبکون الدم .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیستنطقون فیه فیقولون: والله ربنا ما کنا مشرکین ، فیختم الله تبارک وتعالی علی أفواههم ویستنطق الأیدی والأرجل والجلود فتشهد بکل معصیة کانت منهم ، ثم یرفع عن ألسنتهم الختم فیقولون لجلودهم: لم شهدتم علینا ، قالوا أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیستنطقون ، فیفر بعضهم من بعض ، فذلک قوله عز وجل: یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ . وَ صَاحِبَتِهِ وَ بَنِیهِ، فیستنطقون فلا یتکلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فیقوم الرسل صلی الله علیهم فیشهدون فی هذا الموطن ، فذلک قوله: فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنَا بِکَ عَلَی هَؤُلاءِ شَهِیدًا .

ثم یجتمعون فی موطن آخر یکون فیه مقام محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو المقام المحمود فیثنی علی الله تبارک وتعالی بما لم یثن علیه أحد قبله ، ثم یثنی علی الملائکة کلهم فلا یبقی ملک إلا أثنی علیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثم یثنی علی الرسل: بما لم یثن علیهم أحد قبله ، ثم یثنی علی کل مؤمن ومؤمنة ، یبدأ بالصدیقین والشهداء ثم بالصالحین، فیحمده أهل السماوات والأرض ،

ص: 102

فذلک قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فطوبی لمن کان له فی ذلک المقام حظ ، وویل لمن لم یکن له فی ذلک المقام حظ ولا نصیب .

ثم یجتمعون فی موطن آخر ویدال بعضهم من بعض ، وهذا کله قبل الحساب ، فإذا أخذ فی الحساب شغل کل إنسان بما لدیه. نسأل الله برکة ذلک الیوم .

قال: فرجت عنی فرج الله عنک یا أمیر المؤمنین ، وحللت عنی عقدةً ، فعظم الله أجرک. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:7/119 الصحیفة السجادیة:1/37:

اللهم واجعله خطیب وفد المؤمنین إلیک ، والمکسو حلل الأمان إذا وقف بین یدیک ، والناطق إذا خرست الألسن فی الثناء علیک .

اللهم وابسط لسانه فی الشفاعة لامته ، وأَرِ أهل الموقف من النبیین وأتباعهم تمکن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلی بشعاع نور درجته ، وقفه فی المقام المحمود الذی وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده فی أمته، مما کان اجتهادهم فیه تحریاً لمرضاتک ومرضاته ، وما لم یکن تألیباً علی دینک ونقضاً لشریعته ، واحفظ من قبل بالتسلیم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تکثر به واردیه ، ولا یذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه کأساً رویاً لا نظمأ بعده .

وروی فی بحار الأنوار:7/335 عن تفسیر فرات الکوفی:

ص: 103

عن الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)عن أبیه عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی إذا جمع الناس یوم القیامة وعدنی المقام المحمود ، وهو واف لی به. إذا کان یوم القیامة نصب لی منبر له ألف درجة فأصعد حتی أعلو فوقه فیأتینی جبرئیل(علیه السّلام)بلواء الحمد فیضعه فی یدی ویقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، فأقول لعلی: إصعد فیکون أسفل منی بدرجة ، فأضع لواء الحمد فی یده ، ثم یأتی رضوان بمفاتیح الجنة فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، فیضعها فی یدی فأضعها فی حجر علی بن أبی طالب ، ثم یأتی مالک خازن النار فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی هذه مفاتیح النار أدخل عدوک وعدو أمتک النار ، فآخذها وأضعها فی حجر علی بن أبی طالب ، فالنار والجنة یومئذ أسمع لی ولعلی من العروس لزوجها ، فهی قول الله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ. انتهی.

ویؤید هذا الحدیث أنک لا تجد تفسیراً مقنعاً لتثنیة الخطاب فی هذه الآیة ، إلا هذا الحدیث !

تفسیر القمی:2/25:

وأما قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فإنه حدثنی أبی عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سألته عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة ؟ فقال: یلجم الناس یوم القیامة العرق فیقولون: إنطلقوا بنا إلی آدم یشفع لنا عند ربنا فیأتون آدم فیقولون: یا آدم إشفع لنا عند ربک ، فیقول: إن لی ذنباً وخطیئة فعلیکم بنوح ، فیأتون نوحاً فیردهم إلی من یلیه ، ویردهم کل نبی إلی من یلیه ، حتی ینتهوا إلی عیسی

ص: 104

فیقول: علیکم بمحمد رسول الله ، فیعرضون أنفسهم علیه ویسألونه فیقول: إنطلقوا ، فینطلق بهم إلی باب الجنة ویستقبل باب الرحمة ویخر ساجداً فیمکث ما شاء الله ، فیقول الله: إرفع رأسک واشفع تشفع ، واسأل تعط، وذلک هو قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین: 3/206 .

تفسیر العیاشی:2/314:

عن عبید بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(علیه السّلام)عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل یحتاج المؤمن إلی شفاعة محمد یومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنین خطایا وذنوباً ، وما من أحد إلا ویحتاج إلی شفاعة محمد یومئذ. قال وسأله رجل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم یأخذ حلقة باب الجنة فیفتحها فیخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع ، أطلب تعط ، فیرفع رأسه ثم یخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم یرفع رأسه فیشفع ، فیشفع ویطلب فیعطی .

روضة الواعظین/500:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المقام الذی أشفع فیه لامتی.

وفی/273: وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا قمت المقام المحمود تشفعت فی أصحاب الکبائر من أمتی فیشفعنی الله فیهم ، والله لا تشفعت فیمن آذی ذریتی

تفسیر التبیان:6/512:

ص: 105

وقوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، معناه متی فعلت ما ندبناک إلیه من التهجد یبعثک الله مقاماً محموداً ، وهی الشفاعة فی قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وقال قوم: المقام المحمود: إعطاؤه لواء الحمد. وعسی من الله واجبة .

وقال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/491:

ولرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، صلوات الله علیه وآله فی ذلک الیوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود لواء الحمد، والحوض المورود ، والمقام المحمود، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلیة ، والدرجة المنیعة علی جمیع النبیین وأتباعهم. وکل شئ خص به من التفضیل ورشح له من التأهیل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصیه فی أمته وخلیفته علی رعیته أمیرالمؤمنین وسید المسلمین علی بن أبی طالب بن عبد المطلب(علیه السّلام)شریک فیه ، وهو صاحب الاعراف ، وقسیم الجنة والنار ، بنصه الصریح وقوله الفصیح .

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله علیهم أعوانٌ علیه ومساهمون فیه ، حسب ما أخبر به وأشار بذکره .

ولشیعتهم من ذلک الحظ الأوفر والقسط الأکبر ، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإیمان دون من سواهم .

ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحدیث طریف ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) فی مواعظ الله تعالی لنبیه عیسی(علیه السّلام)وشاهدنا منه الفقرة الأخیرة المتعلقة ببشارته بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته ، لکن نورده کاملاً لکثرة فوائده.

ص: 106

فقد روی الکلینی فی الکافی:8/131:

عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن علی بن أسباط ، عنهم (علیهم السّلام) فیما وعظ الله عز وجل به عیسی(علیه السّلام):

یا عیسی ، أنا ربک ورب آبائک إسمی واحد ، وأنا الاحد المتفرد بخلق کل شی، وکل شئ من صنعی ، وکل إلیَّ راجع .

یا عیسی ، أنت المسیح بأمری ، وأنت تخلق من الطین کهیئة الطیر بإذنی ، وأنت تحیی الموتی بکلامی ، فکن إلیَّ راغباً ومنی راهباً ، ولن تجد منی ملجأً إلا إلیَّ .

یا عیسی ، أوصیک وصیة المتحنن علیک بالرحمة حتی حقت لک منی الولایة بتحرِّیک منی المسرة ، فبورکت کبیراً وبورکت صغیراً حیث ما کنت، إشهد أنک عبدی ابن أمتی ، أنزلنی من نفسک کهمک واجعل ذکری لمعادک ، وتقرب إلی بالنوافل ، وتوکل علیَّ أکفک ، ولا توکل علی غیری فآخذ لک .

یا عیسی ، إصبر علی البلاء وارض بالقضاء ، وکن کمسرتی فیک ، فإن مسرتی أن أطاع فلا أعصی .

یا عیسی ، أحی ذکری بلسانک ، ولیکن ودی فی قلبک .

یا عیسی ، تیقظ فی ساعات الغفلة ، واحکم لی لطیف الحکمة .

یا عیسی ، کن راغباً راهباً ، وأمت قلبک بالخشیة .

یا عیسی ، راع اللیل لتحری مسرتی ، واظمأ نهارک لیوم حاجتک عندی .

یا عیسی ، نافس فی الخیر جهدک ، تعرف بالخیر حیثما توجهت .

یا عیسی ، أحکم فی عبادی بنصحی ، وقم فیهم بعدلی ، فقد أنزلت علیک

ص: 107

شفاء لما فی الصدور من مرض الشیطان .

یا عیسی ، لا تکن جلیساً لکل مفتون .

یا عیسی ، حقاً أقول: ما آمنت بی خلیقة إلا خشعت لی ، ولا خشعت لی إلا رجوت ثوابی ، فاشهد أنها آمنة من عقابی ما لم تبدل أو تغیر سنتی .

یا عیسی ابن البکر البتول ، إبک علی نفسک بکاء من ودع الاهل وقلی الدنیا وترکها لاهلها ، وصارت رغبته فیما عند إلهه .

یا عیسی ، کن مع ذلک لین الکلام وتفشئ السلام ، یقظان إذا نامت عیون الابرار ، حذراً للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال یوم القیامة ، حیث لا ینفع أهل ولا ولد ولا مال .

یا عیسی ، أکحل عینک بمیل الحزن إذا ضحک البطالون .

یا عیسی ، کن خاشعاً صابراً ، فطوبی لک إن نالک ما وعد الصابرون .

یا عیسی ، رح من الدنیا یوماً فیوماً ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقاً أقول: ما أنت إلا بساعتک ویومک ، فرح من الدنیا ببلغة، ولیکفک الخشن الجشب، فقد رأیت إلی ما تصیر ، ومکتوب ما أخذت وکیف أتلفت .

یا عیسی ، إنک مسؤول فارحم الضعیف کرحمتی إیاک ، ولا تقهر الیتیم .

یا عیسی ، إبک علی نفسک فی الخلوات ، وانقل قدمیک إلی مواقیت الصلوات واسمعنی لذاذة نطقک بذکری ، فإن صنیعی إلیک حسن .

یا عیسی ، کم من أمة قد أهلکتها بسالف ذنوب قد عصمتک منها .

یا عیسی ، إرفق بالضعیف ، وارفع طرفک الکلیل إلی السماء وادعنی ، فإنی منک قریب ، ولا تدعنی إلا متضرعاً إلیَّ ، وهمک هماً واحداً ، فإنک متی تدعنی کذلک أجبک.

ص: 108

یا عیسی ، إنی لم أرض بالدنیا ثواباً لمن کان قبلک ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه .

یا عیسی ، إنک تفنی وأنا أبقی ، ومنی رزقک ، وعندی میقات أجلک ، وإلیَّ إیابک ، وعلیَّ حسابک ، فسلنی ولا تسأل غیری فیحسن منک الدعاء ومنی الإجابة .

یا عیسی ، ما أکثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار کثیرة وطیبها قلیل ، فلا یغرنک حسن شجرة حتی تذوق ثمرها .

یا عیسی ، لا یغرنک المتمرد علیَّ بالعصیان ، یأکل رزقی ویعبد غیری ، ثم یدعونی عند الکرب فأجیبه ، ثم یرجع إلی ما کان علیه ، فعلیَّ یتمرد ؟ أم بسخطی یتعرض ! فبی حلفت لاخذنه أخذةً لیس له منها منجاً ولا دونی ملجأ ، أین یهرب من سمائی وأرضی ؟ !

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: لا تدعونی والسحت تحت أحضانکم ، والأصنام فی بیوتکم ، فإنی آلیت أن أجیب من دعانی ، وأن أجعل إجابتی إیاهم لعناً علیهم حتی یتفرقوا .

یا عیسی ، کم أطیل النظر ، وأحسن الطلب والقوم فی غفلة لا یرجعون ، تخرج الکلمة من أفواههم لا تعیها قلوبهم ، یتعرضون لمقتی ویتحببون بقربی إلی المؤمنین یا عیسی ، لتکن فی السر والعلانیة واحداً ، وکذلک فلیکن قلبک وبصرک ، واطو قلبک ولسانک عن المحارم ، وکف بصرک عما لا خیر فیه ، فکم من ناظر نظرة قد زرعت فی قلبه شهوة ، ووردت به موارد حیاض الهلکة .

یا عیسی ، کن رحیماً مترحماً ، وکن کما تشاء أن یکون العباد لک ، وأکثر

ص: 109

ذکر الموت ومفارقة الأهلین، ولا تَلْهُ فإن اللهو یفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل منی بعید ، واذکرنی بالصالحات حتی أذکرک .

یا عیسی ، تب إلیَّ بعد الذنب، وذکر بی الأوابین، وآمن بی وتقرب بی إلی المؤمنین ، ومرهم یدعونی معک ، وإیاک ودعوة المظلوم ، فإنی آلیت علی نفسی أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول ، وأن أجیبه ولو بعد حین .

یا عیسی ، إعلم أن صاحب السوء یُعدی ، وقرین السوء یردی ، واعلم من تقارن واختر لنفسک إخواناً من المؤمنین .

یا عیسی ، تب إلی، فإنی لا یتعاظمنی ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمین. إعمل لنفسک فی مهلة من أجلک قبل أن لا یعمل لها غیرک ، واعبدنی لیوم کألف سنة مما تعدون ، فیه أجزی بالحسنة أضعافها ، وإن السیئة توبق صاحبها ، فامهد لنفسک فی مهلة ، ونافس فی العمل الصالح ، فکم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .

یا عیسی ، إزهد فی الفانی المنقطع ، وطأ رسوم منازل من کان قبلک ، فادعهم وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتک منهم ، واعلم أنک ستلحقهم فی اللاحقین .

یا عیسی ، قل لمن تمرد علی بالعصیان وعمل بالأدهان: لیتوقع عقوبتی وینتظر إهلاکی إیاه ، سیصطلم مع الهالکین .

طوبی لک یا ابن مریم ثم طوبی لک إن أخذت بأدب إلهک الذی یتحنن علیک ترحماً ، وبدأ النعم منه تکرماً ، وکان لک فی الشدائد. لا تعصه یا عیسی فإنه لا یحلک عصیانه. قد عهدت إلیک ما عهدت إلی من کان قبلک وأنا علی ذلک من الشاهدین .

ص: 110

یا عیسی ، ما أکرمت خلیقة بمثل دینی ، ولا أنعمت علیها بمثل رحمتی .

یا عیسی ، إغسل بالماء منک ما ظهر وداو بالحسنات منک ما بطن ، فإنک إلیَّ راجع .

یا عیسی ، أعطیتک ما أنعمت به علیک فیضاً من غیر تکدیر ، وطلبت منک قرضاً لنفسک فبخلت به علیها ، لتکون من الهالکین .

یا عیسی ، تزین بالدین وحب المساکین ، وامش علی الأرض هوناً ، وصل علی البقاع ، فکلها طاهر .

یا عیسی ، شمر فکل ما هو آت قریب ، واقرأ کتابی وأنت طاهر ، وأسمعنی منک صوتاً حزیناً .

یا عیسی ، لا خیر فی لذاذة لا تدوم ، وعیش من صاحبه یزول .

یا ابن مریم ، لو رأت عینک ما أعددت لاولیائی الصالحین ذاب قلبک وزهقت نفسک شوقاً إلیه ، فلیس کدار الآخرة دار ، تجاور فیها الطیبون ، ویدخل علیهم فیها الملائکة المقربون ، وهم مما یأتی یوم القیامة من أهوالهما آمنون ، دارٌ لا یتغیر فیها النعیم ، ولا یزول عن أهلها .

یا ابن مریم ، نافس فیها مع المتنافسین ، فإنها أمنیة المتمنین ، حسنة المنظر ، طوبی لک یا ابن مریم إن کنت لها من العاملین ، مع آبائک آدم وإبراهیم فی جنات ونعیم ، لا تبغی لها بدلاً ولا تحویلاً ، کذلک أفعل بالمتقین .

یا عیسی ، أهرب إلی مع من یهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنکال ، لا یدخلها روح ، ولا یخرج منها غم أبداً ، قطع کقطع اللیل المظلم ، من ینج منها یفز، ولن ینجو منها من کان من الهالکین ، هی دار الجبارین والعتاة الظالمین ، وکل فظ غلیظ ، وکل مختار فخور .

ص: 111

یا عیسی ، بئست الدار لمن رکن إلیها ، وبئس القرار دار الظالمین ، إنی أحذرک نفسک فکن بی خبیراً .

یا عیسی ، کن حیث ما کنت مراقباً لی ، واشهد علی أنی خلقتک وأنت عبدی .

یا عیسی لا یصلح لسانان فی فم واحد ، ولا قلبان فی صدر واحد ، وکذلک الأذهان .

یا عیسی ، لا تستیقظن عاصیاً ، ولا تستنبهن لاهیاً ، وافطم نفسک عن الشهوات الموبقات ، وکل شهوة تباعدک منی فاهجرها ، واعلم أنک منی بمکان الرسول الأمین ، فکن منی علی حذو العم. إن دنیاک مؤدیتک إلیَّ وإنی آخذک بعلمی ، فکن ذلیل النفس عند ذکری ، خاشع القلب حین تذکرنی ، یقظاناً عند نوم الغافلین .

یا عیسی ، هذه نصیحتی إیاک وموعظتی لک ، فخذها منی ، وإنی رب العالمین .

یا عیسی ، إذا صبر عبدی فی جنبی کان ثواب عمله علیَّ ، وکنت عنده حین یدعونی ، وکفی بی منتقماً ممن عصانی ، أین یهرب منی الظالمون ؟

یا عیسی ، أطب الکلام ، وکن حیثما کنت عالماً متعلماً .

یا عیسی ، أفض بالحسنات إلیَّ ، حتی یکون لک ذکرها عندی ، وتمسک بوصیتی فإن فیها شفاء للقلوب .

یا عیسی ، لا تأمن إذا مکرت مکری ، ولا تنس عند خلوات الدنیا ذکری .

یا عیسی، حاسب نفسک بالرجوع إلی ، حتی تتنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئک یؤتون أجرهم وأنا خیر المؤتین .

ص: 112

یا عیسی ، کنت خلقاً بکلامی ، ولدتک مریم بأمری المرسل إلیها روحی جبرئیل، الامین من ملائکتی ، حتی قمت علی الأرض حیاً تمشئ کل ذلک فی سابق علمی .

یا عیسی ، زکریا بمنزلة أبیک وکفیل أمک ، إذ یدخل علیها المحراب فیجد عندها رزقاً ، ونظیرک یحیی من خلقی ، وهبته لامه بعد الکبر من غیر قوة بها ، أردت بذلک أن یظهر لها سلطانی وتظهر قدرتی. أحبکم إلی أطوعکم لی ، وأشدکم خوفاً منی .

یا عیسی ، تیقظ ولا تیأس من روحی ، وسبحنی مع من یسبحنی ، وبطیب الکلام فقدّسنی .

یا عیسی، کیف یکفر العباد بی ونواصیهم فی قبضتی ، وتقلبهم فی أرضی ، یجهلون نعمتی ویتولون عدوی ، وکذلک یهلک الکافرون .

یا عیسی ، إن الدنیا سجن منتن الریح ، وحسن فیها ما قد تری مما قد تذابح علیه الجبارون ، وإیاک والدنیا فکل

نعیمها یزول ، وما نعیمها إلا قلیل .

یا عیسی ، إبغنی عند وسادک تجدنی ، وادعنی وأنت لی محب ، فإنی أسمع السامعین ، أستجیب للداعین إذا دعونی .

یا عیسی ، خفنی وخوف بی عبادی ، لعل المذنبین أن یمسکوا عما هم عاملون به ، فلا یهلکوا إلا وهم یعلمون .

یا عیسی ، إرهبنی رهبتک من السبع والموت الذی أنت لاقیه ، فکل هذا أنا خلقته ، فإیای فارهبون .

یا عیسی ، إن الملک لی وبیدی ، وأنا الملک فإن تطعنی أدخلتک جنتی فی جوار الصالحین .

ص: 113

یا عیسی ، إنی إذا غضبت علیک لم ینفعک رضی من رضی عنک ، وإن رضیت عنک لم یضرک غضب المغضبین .

یا عیسی ، أذکرنی فی نفسک أذکرک فی نفسی ، واذکرنی فی ملاک أذکرک فی ملا خیر من ملا الآدمیین .

یا عیسی ، أدعنی دعاء الغریق الحزین ، الذی لیس له مغیث .

یا عیسی ، لا تحلف بی کاذباً فیهتز عرشئ غضباً. الدنیا قصیرة العمر طویلة الامل وعندی دار خیر مما تجمعون .

یا عیسی ، کیف أنتم صانعون إذا أخرجت لکم کتاباً ینطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد کتمتموها وأعمال کنتم بها عاملین .

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: غسلتم وجوهکم ودنستم قلوبکم ، أبی تغترون أم علی تجترئون ؟ ! تطیبون بالطیب لأهل الدنیا وأجوافکم عندی بمنزلة الجیف المنتنة ، کأنکم أقوام میتون !

یا عیسی ، قل لهم: قلموا أظفارکم من کسب الحرام ، وأصموا أسماعکم عن ذکر الخنا ، وأقبلوا علی بقلوبکم ، فإنی لست أرید صورکم .

یا عیسی ، إفرح بالحسنة فإنها لی رضی ، وابک علی السیئة فإنها شین ، وما لا تحب أن یصنع بک فلا تصنعه بغیرک ، وإن لطم خدک الأیمن فأعطه الایسر ، وتقرب إلیَّ بالمودة جهدک ، وأعرض عن الجاهلین .

یا عیسی ، ذُلَّ لأهل الحسنة وشارکهم فیها ، وکن علیهم شهیداً. وقل لظلمة بنی إسرائیل: یا أخدان السوء والجلساء علیه ، إن لم تنتهوا أمسخکم قردة وخنازیر .

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: الحکمة تبکی فرقاً منی ، وأنتم بالضحک

ص: 114

تهجرون ، أتتکم براءتی ، أم لدیکم أمان من عذابی، أم تعرضون لعقوبتی ؟ ! فبی حلفت لاترکنکم مثلاً للغابرین .

ثم أوصیک یابن مریم البکر البتول ، بسید المرسلین وحبیبی ، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر ، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشدید البأس ، الحیی المتکرم ، فإنه رحمة للعالمین ، وسید ولد آدم یوم

یلقانی ، أکرم السابقین علیَّ وأقرب المرسلین منی ، العربی الامین ، الدیان بدینی ، الصابر فی ذاتی ، المجاهد المشرکین بیده عن دینی ، أن تخبر به بنی إسرائیل ، وتأمرهم أن یصدقوا به وأن یؤمنوا به وأن یتبعوه ، وأن ینصروه .

قال عیسی: إلهی من هو حتی أرضیه ، فلک الرضا ؟ قال: هو محمد رسول الله إلی الناس کافة ، أقربهم منی منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبی له من نبی ، وطوبی لامته إن هم لقونی علی سبیله ، یحمده أهل الأرض ویستغفر له أهل السماء ، أمین میمون ، طیب مطیب ، خیر الباقین عندی ، یکون فی آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزالیها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتی یروا البرکة ، وأبارک لهم فیما وضع یده علیه ، کثیر الازواج ، قلیل الأولاد ، یسکن بکة ، موضع أساس إبراهیم .

یا عیسی ، دینه الحنیفیة ، وقبلته یمانیة ، وهو من حزبی وأنا معه ، فطوبی له ثم طوبی له ، له الکوثر والمقام الأکبر فی جنات عدن ، یعیش أکرم من عاش ویقبض شهیداً ، له حوض أکبر من بکة إلی مطلع الشمس ، من

ص: 115

رحیق مختوم ، فیه آنیة مثل نجوم السماء ، وأکواب مثل مدر الأرض ، عذب فیه من کل شراب ، وطعم کل ثمار فی الجنة ، من شرب منه شربة لم یظمأ أبداً ، وذلک من قسمی له وتفضیلی إیاه. علی فترة بینک وبینه ، یوافق سره علانیته ، وقوله فعله ، لایأمر الناس إلا بما یبدأهم به ، دینه الجهاد فی عسر ویسر ، تنقاد له البلاد ویخضع له صاحب الروم. علی دین إبراهیم ، یسمی عند الطعام ، ویفشئ السلام ، ویصلی والناس نیام ، له کل یوم خمس صلوات متوالیات ، ینادی إلی الصلاة کنداء الجیش بالشعار ، ویفتتح بالتکبیر ویختتم بالتسلیم ، ویصف قدمیه فی الصلاة کما تصف الملائکة أقدامها ، ویخشع لی قلبه ورأسه ، النور فی صدره والحق علی لسانه ، وهو علی الحق حیثما کان أصله. یتیمٌ ضال برهة من زمانه عما یراد به ، تنام عیناه ولاینام قلبه ، له الشفاعة ، وعلی أمته تقوم الساعة ، ویدی فوق أیدیهم فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه أوفیت له بالجنة ، فمر ظلمة بنی إسرائیل ألا یدرسوا کتبه ، ولا یحرفوا سنته ، وأن یقرؤوه السلام ، فإن له فی المقام شأناً من الشأن. انتهی .

وقد یکون حدث فی هذا النص تغییر ما من الرواة ، ولکن فیه أفکاراً وأموراً مهمة یحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد فی مصادرنا عن عیسی(علیه السّلام) بالنصوص التی تشابهها من الانجیل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغییر فیها

ص: 116

تفسیر إخواننا السنیین القریب من تفسیرنا

مسند أحمد:2/441:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: هو المقام الذی أشفع لامتی فیه .

الدر المنثور:4/197:

أخرج سعید بن منصور والبخاری وابن جریر وابن مردویه عن ابن عمر رضی الله عنهما قال: إن الناس یصیرون یوم القیامة جثاء ، کل أمة تتبع نبیها یقولون یا فلان إشفع لنا ، حتی تنتهی الشفاعة إلی النبی(ص)، فذلک یوم یبعثه الله المقام المحمود .

وأخرج أحمد والترمذی وحسنه وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن أبی هریرة (رض) عن النبی(ص)فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وسئل عنه قال: هو المقام الذی أشفع فیه لأمتی .

وأخرج ابن جریر والبیهقی فی شعب الإیمان عن أبی هریرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: المقام المحمود الشفاعة .

وأخرج ابن جریر والطبرانی وابن مردویه من طرق عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال مقام الشفاعة .

وأخرج ابن مردویه عن سعد بن أبی وقاص (رض) قال: سئل رسول الله(ص)عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة .

الدر المنثور:4/198:

ص: 117

وأخرج ابن أبی شیبة عن سلمان (رض) قال: یقال له: سل تعطه ، یعنی النبی(ص)، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فیرفع رأسه فیقول: أمتی مرتین أو ثلاثاً فقال سلمان (رض): یشفع فی کل من فی قلبه مثقال حبة حنطة من إیمان ، أو مثقال شعیرة من إیمان ، أو مثقال حبة خردل من إیمان. قال سلمان (رض): فذلکم المقام المحمود .

الدر المنثور:5/98:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: بأبی أنت وأمی أین کنت وآدم فی الجنة؟ فتبسم حتی بدت نواجذه ثم قال: إنی کنت فی صلبه ، وهبط إلی الأرض وأنا فی صلبه ، ورکبت السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذفت فی النار فی صلب أبی ابراهیم ، لم یلتق أبوای قط علی سفاح ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الطیبة إلی الارحام الطاهرة ، مصفی مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، قد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام هدانی وبین فی التوراة والإنجیل ذکری ، وبین کل شئ من صفتی فی شرق الأرض وغربها ، وعلمنی کتابه ، ورقی بی فی سمائه ، وشق لی من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض وأعطانی الکوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجنی فی خیر قرون أمتی ، وأمتی الحمادون یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر. انتهی.

ورواه فی کنز العمال:12/427 وأضاف فیه: قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت فی النبی (ص):

من قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یخصف الورقُ

ص: 118

ثم سکنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفة ولا عل-ق

مطهر ترکب السفین وقد

ألجم أهل الضلالة الغ-رق

تنقل من صلب إلی رحم

إذا مضی عالم بدا طبق

تفسیر الطبری:15/97:

وقوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، عن ابن عباس قال: المقام المحمود مقام الشفاعة. .

ومثله فی طبقات المحدثین بأصبهان:1/201 عن جابر وأبی سعید مرفوعاً وفی مختصر تاریخ دمشق لابن منظور:1 جزء 2/165 عن ابن عباس .

الشفا للقاضی عیاض:1/188:

فصل فی تفضیله(ص)بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا... عن آدم بن علی قال سمعت ابن عمر یقول: إن الناس یصیرون یوم القیامة جثی ، کل أمة تتبع نبیها یقولون یا فلان إشفع لنا یا فلان إشفع لنا ، حتی تنتهی الشفاعة إلی النبی(ص)، فذلک یوم یبعثه الله المقام المحمود .

تفسیر الرازی:11 جزء 21/31:

قال الواحدی: أجمع المفسرون علی أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعة . . . إن احتیاج الإنسان إلی دفع الآلام العظیمة عن النفس فوق احتیاجه إلی تحصیل المنافع الزائدة التی لا حاجة به إلی تحصیلها. وإذا ثبت هذا وجب

ص: 119

أن یکون المراد من قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا، هو الشفاعة فی إسقاط العقاب. انتهی. وراجع التفسیر الوسیط للنیسابوری:3/122.

وقال فی: 16 جزء 32/127: قوله تعالی: إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ ، الکوثر هو المقام المحمود الذی هو الشفاعة . . . شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی .

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

صحیح البخاری:8/183:

فأستأذن علی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه ، فإذا رأیته وقعت ساجداً ، فیدعنی ما شاء الله أن یدعنی فیقول: إرفع یا محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، ثم أشفع فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أیضاً یقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن علی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه فإذا رأیته وقعت ساجداً ، فیدعنی ماشاء الله أن یدعنی ثم یقول: إرفع محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، قال ثم أشفع ، فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته یقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه فإذا رأیته وقعت ساجداً فیدعنی ماشاء الله أن یدعنی ، ثم یقول إرفع محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، قال ثم أشفع فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته یقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتی

ص: 120

ما یبقی فی النار إلا من حبسه القرآن ، أی وجب علیه الخلود .قال: ثم تلا الآیة: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، قال وهذا المقام المحمود الذی وعده نبیکم(ص). ونحوه فی صحیح مسلم:1/123 ومسند أحمد: 3/244 وشبیهه فی مسند أحمد:1/398 وسنن الترمذی:4/370 ومستدرک الحاکم:4/496 والدر المنثور:3/87 عن الطبری .

وفی الدر المنثور:6/257 فی قصة الدجال:

عن ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذکر عنده الدجال فقال . . . إلی آخر الروایة. وستأتی بتمامها فی بحث الخلود فی الجنة والنار وفی بعض نصوصها تجسیم صریح وفی بعضها رائحة التجسیم .

وکذلک ما رواه البخاری فی تسعة مواضع من صحیحه:2 جزء 4/105 وج 3 جزء 5/146 وص 225 وص 228 وج 7/203 وج 8/172 وص 183 وص 200 وص 203 من حدیث الشدة التی تکون علی الناس فی المحشر حتی یلجؤون ( کذا ) إلی آدم وغیره من الأنبیاء فیحولونهم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیشفع إلی الله تعالی فیشفعه. وروی ذلک فی کنز العمال:2/26 وغیره .

سنن الدارمی:2/325:

عن ابن مسعود عن النبی(ص)قال قیل له: ما المقام المحمود ؟ قال: ذاک یوم

ص: 121

ینزل الله تعالی علی کرسیه یئط کما یئط الرحل الجدید من تضایقه به ، وهو کسعة ما بین السماء والأرض ، ویجاء بکم حفاة عراة غرلاً ، فیکون أول من یکسی إبراهیم ، یقول الله تعالی إکسوا خلیلی فیؤتی بریطتین بیضاوین من ریاط الجنة ، ثم أکسی علی أثره ، ثم أقوم عن یمین الله مقاماً یغبطنی الأولون والآخرون. انتهی.

ورواه الحاکم فی:2/364 والبغوی فی مصابیحه:3/552 والهندی فی کنز العمال:14/412 والسیوطی فی الدر المنثور:3/84 وروی نحوه فی الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324 قال: وأخرج ابن المنذر وأبوالشیخ عن ابن مسعود قال قال رجل: یا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .

وأخرج ابن جریر عن الضحاک قال کان الحسن یقول: الکرسی هو العرش..فقال رسول الله(ص) . . . وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فهی تئط من عظمته وجلاله کما یئط الرحل الجدید ! انتهی. ورواه فی کنز العمال: 14/636 .

وفی فردوس الأخبار:3/85:

عن ابن عمر: عسی الله أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، یجلسنی معه علی السریر.

وفی:4/298 عن أنس بن مالک: من کرامتی علی ربی عز وجل قعودی علی العرش .

مجمع الزوائد:7/51:

ص: 122

وعن ابن عباس أنه قال فی قول الله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، یجلسه بینه وبین جبریل ویشفع لأمته ، فذلک المقام المحمود. ورواه السیوطی فی الدر المنثور:4/198 .

وروی البیهقی فی دلائل النبوة:5/481:

یأتی رسول الله (ص) یوم القیامة إلی الله وهو جالس علی کرسیه .

وقال الشوکانی فی فتح القدیر:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه یجلس محمداً معه علی کرسیه حکاه ابن جریر . . . وقد ورد فی ذلک حدیث .

وفی تاریخ بغداد:3/22 عن لیث بن مجاهد فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: یقعده معه علی العرش. .

وفی تاریخ بغداد:8/52:

عن عبدالله بن خلیفة قال قال رسول الله (ص): الکرسی الذی یجلس علیه الرب عز وجل وما یفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید !

قال أبوبکر المروذی قال لی أبو علی الحسین بن شبیب قال لی أبوبکر بن سلم العابد حین قدمنا إلی بغداد: أخرج ذلک الحدیث الذی کتبناه عن أبی حمزة ، فکتبه أبوبکر بن سلم بخطه وسمعناه جمیعاً ، وقال أبوبکر بن سلم: إن الموضع الذی یفضل لمحمد(ص)لیجلسه علیه ! قال أبوبکر الصیدلانی: من رد هذا فإنما أراد الطعن علی أبی بکر المروزی ، وعلی أبی بکر بن سلم العابد !!

ص: 123

القعود علی العرش فکرة یهودیة مسیحیة

قال جولد تسیهر فی مذاهب التفسیر الإسلامی/122:

سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع علی مسألة من التفسیر ذلک هو تفسیر الآیة 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة ... إلی أن الذی یفهم من ذلک هو أن الله یقعد النبی معه علی العرش... ربما کان هذا متأثراً بما جاء فی انجیل مرقص 16 - 19 ، وآخرون ذهبوا إلی أن المقام المحمود... هو مرتبة الشفاعة التی یرفع إلیها النبی. انتهی .

وقد أوردنا فی المجلد الثانی من العقائد الإسلامیة أن أفکار التجسیم والصفات المادیة لله تعالی وعرشه قد أخذها بعض المسلمین من الیهود وأدخلوها فی الثقافة الإسلامیة ، وأضاف الیها هؤلاء المقلدة إجلاس نبیهم إلی جنب الله تعالی ! بینما روی الیهود إجلاس موسی وداود إلی جنبه ! وروی المسیحیون جلوس عیسی علی السریر إلی جنب أبیه !! وقد تقدم ذلک فی الشفاعة عند الیهود والنصاری .

ونلاحظ أن ابن سلام الیهودی الذی أسلم یقول عن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنه لا یجلس إلی جنب الله تعالی بل ( یلقی ) له کرسیٌّ فی جنب المجلس مثلاً فیجلس علیه !

قال البیهقی فی دلائل النبوة:5/486: عن عبد الله بن سلام: وینجو النبی (ص) والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائکة یرونهم منازلهم . . حتی ینتهی

ص: 124

إلی الله عز وجل فیلقی له کرسی. انتهی .

وسوف تعرف فی بحث الشفیع الأول أن مصادر السنیین تأثرت بالاسرائیلیات وصححت روایاتها وجعلت شفاعة أنبیاء بنی إسرائیل قبل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجعلته الشفیع الرابع .

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/198: وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم والطبرانی وابن مردویه عن ابن مسعود (رض) قال: یأذن الله تعالی فی الشفاعة فیقوم روح القدس جبریل(علیه السّلام)ثم یقوم إبراهیم خلیل الله علیه الصلاة والسلام ثم یقوم عیسی وموسی (علیهم السّلام) ثم یقوم نبیکم(ص)رابعاً لیشفع . . . ورواه الحاکم فی المستدرک: 4/496 بسند صحیح علی شرط الشیخین !!

أما الفتنة التی ذکرها تسیهر فقد ذکرها ابن الأثیر فی تاریخه:5/121 فقال: ( فی سنة 317 ه-) وقعت فتنة عظیمة ببغداد بین أصحاب أبی بکر المروزی الحنبلی وبین غیرهم من العامة ، ودخل کثیر من الجند فیها ، وسبب ذلک أصحاب المروزی قالوا فی تفسیر قوله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، هو أن الله سبحانه یقعد النبی (ص) معه علی العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بینهم قتلی کثیرة. انتهی .

وذکرها الذهبی فی تاریخ الإسلام: 23/384

وأنها بسبب تفسیر آیة المقام المحمود ، حیث قالت الحنابلة إنها تعنی أن الله یقعده علی عرشه کما قال مجاهد .

وقال غیرهم: بل هی الشفاعة العظمی .

ص: 125

انتقاد بعض علماء السنة التفسیر بالقعود علی العرش

قال السقاف فی صحیح شرح العقیدة الطحاویة: 1/570:

قال الإمام الطحاوی(رحمه الله): والشفاعة التی ادخرها لهم حق کما روی فی الأخبار ونرجو للمحسنین من المؤمنین أن یعفو عنهم ویدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن علیهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسیئهم ، ونخاف علیهم ولا نقنّطهم .

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً فی القرآن الکریم وخاصة للنبی (صلی الله علیه وآله وسلم)ومن تلک الآیات قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 3 وقال تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79 وتفسیر المقام المحمود بالشفاعة ثابت فی الصحیحین وغیرهما ( 338 ) .

وقال الله تعالی: یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلا .طه : 109. وقال تعالی: مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. یونس : 3 .

وفی شفاعة الملائکة قوله تعالی: بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ . . لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبیاء : 78 .

وقال فی هامشه: ( 338 ) أنظر البخاری 3 - 338 و 8 - 399 و 13 - 422 ومسلم 1 - 179. ومن الغریب العجیب أن یعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت فی الصحیحین ، ویفسروا المقام المحمود بجلوس سیدنا محمد علی العرش بجنب الله ! تعالی الله عن إفکهم وکذبهم علواً کبیراً ،

ص: 126

وهم یعتمدون علی ذلک علی ما یروی عن مجاهد بسند ضعیف من أنه قال ما ذکرناه من التفسیر المنکر المستشنع ، وتکفل الخلال فی کتابه السنة 1 - 209 بنصرة التفسیر المخطئ المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جمیع العقلاء !

وقال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/170:

وهذا الخلال یقول فی سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا فی عصرنا هذا إلا وهو منکر لما أحدث الترمذی ( 99 ) من رد حدیث محمد بن فضیل عن لیث عن مجاهد فی قوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، قال یقعده علی العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمی یهجر ونحذر عنه .

وقال السقاف فی هامشه: ( 99 ) مع أن التأویل والتفویض لم یحدثه ولم یخترعه الترمذی ;. ومن الغریب العجیب أیضاً أن محقق سنة الخلال عطیة الزهرانی حاول أن ینفی أن کون الترمذی المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 فی الهامش تعلیق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلک/232 فقال فی الهامش التعلیق رقم 8 ( کنت أظنه جهم ، ولکن اتضح من الروایات أنه یقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلی معرفته ) فیا للعجب !!

( 100 ) وهذا القعود الذی یتحدثون عنه هو قعود سیدنا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بجنب الله تعالی علی العرش ! تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً ! والدلیل علیه قول الخلال هناک/244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذیل عن محمد بن فضیل

ص: 127

عن لیث عن مجاهد قال: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: یجلسه معه علی العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحدیث من جماعة وما رأیت أحداً من المحدثین ینکره ، وکان عندنا فی وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحدیث إنما تنکره الجهمیة .

أقول: ومن العجیب الغریب أن الآلبانی ینکر هذا ، ویقول بعدم صحته وأنه لم یثبت کما سیأتی ، وکذلک محقق الکتاب وهو متمسلف معاصر ینکر ذلک أیضاً ویحکم علی هذا الأثر بالضعف حیث یقول فی هامش تلک الصحیفة تعلیق رقم 19: إسناده ضعیف ! فهل هؤلاء جهمیة ! وما هذا الخلاف الواقع بین هؤلاء فی أصول اعتقادهم !

ومن الغریب العجیب أیضاً أنهم اعتبروا أن نفی قعود سیدنا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بجنب الله نافیاً ودافعاً لفضیلة من فضائل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والدلیل علی ما قلناه قول الخلال هناک/237: ( وقال أبو علی إسماعیل بن إبراهیم الهاشمی (وهو مجهول بنظر المحقق ): إن هذا المعروف بالترمذی عندنا مبتدع جهمی ، ومن رد حدیث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضیلة الرسول(ص)فهو عندنا کافر مرتد عن الإسلام !!) وقال/234 ناقلاً ( وأنا أشهد علی هذا الترمذی أنه جهمی خبیث ) ! انتهی .

تفسیر قوله تعالی ( ولسوف یعطیک ربک فترضی )

قال الله تعالی: وَالضُّحَی وَاللَّیْلِ إِذَا سَجَی مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 1 - 5 .

ص: 128

والعطاء فی الآیة مطلق شامل لانواع ما یعطیه الله تعالی لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن الطبیعی أن یکون عطاء عظیماً متناسباً مع کرم الله تعالی علی حبیبه أشرف الخلق وسید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . ولم تنص الآیة علی أنه الشفاعة ولکن بعض الأحادیث نصت علی ذلک ، وبعضها نص علی أنها الشفاعة فی أهل بیته وبنی هاشم وعبد المطلب ، وبعضها نص علی أنه العطاء فی الجنة ، وبعضها أطلق..وبعضها قال إنها الشفاعة فی أهل بیته وأمته..وجعلها بعضهم الشفاعة فی جمیع أمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحیث لا یدخل أحد منها النار أبداً ! ولکن ذلک لا یصح لأنه مخالف لما ثبت عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهی ، کما ستعرف .

تفسیر الآیة بالعطاء الالهی الاعم من الشفاعة

تفسیر القمی:2/427:

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسی بن الحسن بن علی بن أبی حمزة ، عن أبیه ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قوله: وللآخرة خیر لک من الأولی ، قال: یعنی الکرة هی الآخرة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). قلت قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یعطیک من الجنة فترضی. ورواه فی مختصر بصائر الدرجات/47 وفی بحار الأنوار:53/59 وفی تفسیر نور الثقلین:5/594 .

تفسیر التبیان:10/369:

ص: 129

قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، وعد من الله له أن یعطیه من النعیم والثواب وفنون النعم ما یرضی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )به ویؤثره .

تأویل الآیات:2/810:

قوله تعالی: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی. تأویله ما رواه محمد بن العباس(رحمه الله)عن أبی داود ، عن بکار ، عن عبد الرحمان ، عن إسماعیل بن عبدالله، عن علی بن عبد الله بن العباس قال: عرض علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما هو مفتوح علی أمته من بعده کفراً کفراً فسرَّ بذلک فأنزل الله عز وجل: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر فی الجنة ترابه المسک ، وفی کل قصر ما ینبغی له من الأزواج والخدم. وقوله: کفراً کفراً أی قریة ، والقریة تسمی کفراً . انتهی.

ورواه فی الدر المنثور:6/361:

عن ابن أبی حاتم وعبد بن حمید وابن جریر والطبرانی والحاکم وصححه والبیهقی وابن مردویه وأبو نعیم کلاهما فی الدلائل عن ابن عباس قال . . . الخ .

وقال: أخرج الطبرانی فی الأوسط والبیهقی فی الدلائل عن ابن عباس رضی الله عنهما قال قال رسول الله (ص): عرض علیَّ ما هو مفتوح لأمتی بعدی فسرنی ، فأنزل الله: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی .

بحار الأنوار:16/136:

ص: 130

وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، أی من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الکرامة ، أو فی الدنیا أیضاً من إعلاء الدین وقمع الکافرین .

سیرة ابن هشام:1/278:

قال ابن إسحاق: ثم فتر الوحی عن رسول الله(ص)فترةً من ذلک حتی شق ذلک علیه فأحزنه ، فجاءه جبریل بسورة الضحی یقسم له ربه وهو الذی أکرمه بما أکرمه به: ما ودَّعه وماقلاه ، فقال تعالی: وَالضُّحَی وَاللَّیْلِ إِذَا سَجَی، مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی ، یقول: ما صرمک فترکک ، وما أبغضک منذ أحبک. وللآخرة خیر لک من الأولی ، أی لَمَا عندی من مرجعک إلیَّ خیرٌ لک مما عجلت لک من الکرامة فی الدنیا. ولسوف یعطیک ربک فترضی ، من الفلج فی الدنیا والثواب فی الآخرة .

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً

تفسیر فرات الکوفی/570:

فرات قال: حدثنی محمد بن القاسم بن عبید معنعناً: عن حرب بن شریح البصری قال: قلت لمحمد بن علی (علیهماالسّلام): أی آیة فی کتاب الله أرجی ؟ قال: مایقول فیها قومک قال قلت یقولون: یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، قال: لکنا أهل البیت لا نقول ذلک. قال قلت: فأیش تقولون فیها ؟ قال نقول: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة. ورواه فی بحار الأنوار:8/57 .

ص: 131

وقال فی هامش تفسیر فرات:

وأخرج الحسکانی فی شواهد التنزیل عن الحسین بن محمد الثقفی عن الحسین بن محمد بن حبیش المقری ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلی ، عن محمد بن أحمد المرادی ، عن حرب بن شریح البزاز ، عن محمد بن علی الباقر ، عن ابن الحنفیة ، عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أشفع لامتی حتی ینادی ربی: رضیت یا محمد ؟ فأقول: رب رضیت. ثم قال الباقر: إنکم معشر أهل العراق تقولون إن أرجی آیة فی القرآن: یا عبادی الذین أسرفوا . . قلت: إنا لنقول ذلک. قال: ولکنا أهل البیت نقول: إن أرجی آیة فی کتاب الله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، وهی الشفاعة .

وفی الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن المنذر وابن مردویه وأبو نعیم فی الحلیة من طریق حرب بن شریح (رض) قال قلت: لابی جعفر محمد بن علی بن الحسین: أرأیت هذه الشفاعة التی یتحدث بها أهل العراق أحق هی ؟ قال: إی والله ، حدثنی عمی محمد بن الحنفیة ، عن علی أن رسول . . (بما یشبه روایة الحسکانی). انتهی .

وقال أیضاً:

وأخرج ابن أبی حاتم عن الحسن (رض) أنه سئل عن قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ؟ قال: هی الشفاعة. انتهی. وروی الأول منهما فی کنز العمال:14/636

عن مسند علی ، ورواه الواحدی النیسابوری فی

ص: 132

تفسیره:4/510 والکاندهلوی فی حیاة الصحابة:3/46 والشوکانی فی فتح القدیر:5/568 .

مناقب آل أبی طالب:1/190 ، قال حسان:

لئن کلم الله موسی علی

شریف من الطور یوم الندا

فإن النبی أبا قاسم

حبی بالرسالة فوق السما

وقد صار بالقرب من ربه علی

قاب قوسین لما دنا

وإن فجَّر الماء موسی لهم

عیوناً من الصخر ضرب العصا

فمن کفِّ أحمد قد فجرت

عیونٌ من الماء یوم الظما

وإن کان هارون من بعده

حبی بالوزارة یوم الملا

فإن الوزارة قد نالها

علی بلا شک یوم الفدا

وقال کعب بن مالک الأنصاری:

فإن یک موسی کلم الله جهرةً

علی جبل الطور المنیف المعظم

فقد کلم الله النبی محمداً

علی الموضع الاعلی الرفیع المسوم

داو د (علیه السّلام)کان له سلسلة الحکومة لیمیز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن: ما فرطنا فی الکتاب من شئ، ولیست السلسلة کالکتاب ، والسلسلة قد فنیت والقرآن بقی إلی آخر الدهر. وکان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة: وإذا سمعوا ماأنزل إلی الرسول . . . قال حسان:

وإن کان داود قد أوبت

جبال لدیه وطیر الهوا

ففی کف أحمد قد سبحت

بتقدیس ربی صغار الحصی

ص: 133

. . . وسلیمان کان یصفدهم لعصیانهم ، ونبینا أتوه طائعین راغبین. وسأل سلیمان ملک دنیا: رب هب لی ملکاً . . . وعرض مفاتیح خزائن الدنیا علی محمد فردها ، فشتان بین من یسأل وبین من یعطی فلا یقبل ، فأعطاه الله الکوثر والشفاعة والمقام المحمود: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وقال لسلیمان: أمنن أو امسک بغیر حساب ، وقال لنبینا: ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت:

وإن کانت الجن قد ساسها

سلیمان والریح تجری رخا

فشهر غدوٌّ به رابیاً

وشهر رواحٌ به إن یشا

فإن النبی سری لیلةًمن

المسجدین إلی المرتقی

وقال کعب بن مالک:

وإن تک نمل البر بالوهم کلمت

سلیمان ذا الملک الذی لیس بالعمی

فهذا نبی الله أحمدُ سبحت صغار

الحصی فی کفه بالترنم

ورواه فی بحار الأنوار:16/415 .

مناقب آل ابی طالب:3/103:

وکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یهتم لعشرة أشیاء فآمنه الله منها وبشره بها:

لفراقه وطنه فأنزل الله: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرَادُّکَ إلی مَعَادٍ .

ولتبدیل القرآن بعده کما فعل بسائر الکتب ، فنزل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

ولامته من العذاب ، فنزل: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِیهِمْ .

ص: 134

ولظهور الدین ، فنزل: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ .

وللمؤمنین بعده ، فنزل: یُثَبِّتُ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخرة .

ولخصمائهم ، فنزل: یَوْمَ لا یُخْزِی اللهُ النَّبِیَّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا .

وللشفاعة ، فنزل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وللفتنة بعده علی وصیه، فنزل: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ .یعنی بعلی.

ولثبات الخلافة فی أولاده ، فنزل: لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَرْضِ .

ولابنته حال الهجرة ، فنزل: الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیَامًا وَقُعُودًا . . . الآیات. انتهی.

وقال الفخر الرازی فی تفسیره:16 جزء 31/213:

قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، فالمروی عن علی بن أبی طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة فی الأمة . . . واعلم أن الحمل علی الشفاعة متعین ویدل علیه وجوه ( أحدها ) أنه تعالی أمره (ص) فی الدنیا بالاستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدی أن لا یدخل النار موحد ، وعن الباقر: أهل العراق یقولون: أرجی آیة قوله ( یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ ) . . . الخ.

ص: 135

تفسیرها بشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته خاصة

تفسیر فرات الکوفی/570:

قال حدثنی جعفر بن محمد الفزاری قال: حدثنا عباد، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الکلبی، عن أبی صالح ، عن ابن عباس(رض) فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یدخل الله ذریته الجنة .

تأویل الآیات:2/810:

وروی أیضاً عن محمد بن أحمد بن الحکم ، عن محمد بن یونس ، عن حماد بن عیسی ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبیه صلی الله علیهما ، عن جابر بن عبد الله

قال: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی فاطمة(علیهاالسّلام)وهی تطحن بالرحی وعلیها کساء من جلَّة الإبل فلما نظر إلیها بکی وقال لها: یا فاطمة تعجلی مرارة الدنیا لنعیم الآخرة غداً ، فأنزل الله علیه: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وروی أیضاً عن أحمد بن محمد النوفلی ، عن أحمد بن محمد الکاتب ، عن عیسی بن مهران بإسناده إلی زید بن علی(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: إن رضی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إدخال الله أهل بیته وشیعتهم الجنة ، وکیف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم. فعلی أعدائهم لعنة الله والملائکة والناس أجمعین .

مناقب آل أبی طالب:3/120:

تفسیر الثعلبی عن جعفر بن محمد(علیه السّلام)وتفسیر القشیری عن جابر الأنصاری

ص: 136

أنه رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فاطمة وعلیها کساء من جلة الإبل . . . الخ.

ورواه فی تفسیر نور الثقلین:5/594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسیر الثعلبی ، وفی بحار الأنوار: 39/85 عن تفسیر الثعلبی وعن تفسیر القشیری عن جابر الأنصاری .

ورواه فی الدر المنثور:6/361 قال: وأخرج العسکری فی المواعظ وابن مردویه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (ص)علی فاطمة وهی تطحن بالرحی . . . الخ .

مناقب أمیر المؤمنین:1/153:

محمد بن سلیمان قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: وحدثنی محمد بن الصباح الدولابی قال: حدثنا الحکم بن ظهیر ، عن السدی فی قوله تعالی: ومن یقترف حسنة نزد له فیها حسناً ، قال: المودة فی آل الرسول. وفی قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یدخل أهل بیته الجنة .

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبی العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابی ، حدثنا الحکم بن ظهیر ، عن السدی فی قوله عز وجل: وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا ، قال: المودة فی آل الرسول (صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وفی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، فقال: رضی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن یدخل أهل بیته الجنة. انتهی.

وقال فی هامشه: أقول: وقریباً منه رواه الحافظ الحسکانی فی تفسیر الآیة 23

ص: 137

من سورة الشوری والآیة 5 من سورة الضحی فی کتاب شواهد التنزیل: 2/147 و 344 .

مناقب آل أبی طالب:2/15:

تفسیر وکیع ، قال ابن عباس فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، یعنی ولسوف یشفعک یا محمد یوم القیامة فی جمیع أهل بیتک فتدخلهم کلهم الجنة ترضی بذلک عن ربک. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار: 8/43 .

بحار الأنوار:24/48:

وروی عن ابن المغازلی أیضاً بإسناده عن السدی مثله ، وزاد فی آخره: وقال فی قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: رضی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن یدخل أهل بیته الجنة .

الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن جریر من طریق السدی عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: من رضا محمد أن لا یدخل أحد من أهل بیته النار .

وأخرج ابن أبی شیبة عن ابن مسعود (رض) قال قال رسول الله (ص): إنا أهل بیت اختار الله لنا الآخرة علی الدنیا ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . .

ص: 138

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لجمیع أمته !

شعب الإیمان للبیهقی:2/164:

عن ابن عباس من قوله عز وجل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . قال: رضاه أن یدخل أمته کلهم الجنة .

الدر المنثور:6/361:

وأخرج البیهقی فی شعب الإیمان من طریق سعید بن جبیر عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .، قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة کلهم .

وأخرج الخطیب فی تلخیص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: لا یرضی محمد واحد من أمته فی النار .

وأخرج مسلم عن ابن عمرو (رض) أن النبی(ص) تلا قول الله فی إبراهیم: فمن تبعنی فإنه منی ، وقول عیسی: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُکَ . . الآیة ، فرفع یدیه وقال: اللهم أمتی أمتی وبکی ، فقال الله: یا جبریل إذهب إلی محمد فقل له إنا سنرضیک فی أمتک ، ولا نسوؤک .

تفسیر نور الثقلین:5/595:

فی مجمع البیان عن الصادق(علیه السّلام)قال: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی فاطمة(علیهاالسّلام) وعلیها کساء من جلة الابل وهی تطحن بیدها وترضع ولدها فدمعت عینا

ص: 139

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما أبصرها فقال: یا بنتاه تعجلی مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وقال الصادق(علیه السّلام): رضا جدی أن لا یبقی فی النار موحد .

وروی حریث بن شریح ، عن محمد بن علی بن الحنفیة أنه قال: یا أهل العراق تزعمون أن أرجی آیة فی کتاب الله عز وجل: یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ . . الآیة ، وإنا أهل البیت نقول: أرجی آیة فی کتاب الله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، وهی والله الشفاعة لیعطاها فی أهل لا إله إلا الله حتی یقول: رب رضیت .

مجمع البحرین:1/115:

وفی حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کساه الله من حلل الأمان. قال بعض الشارحین: المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالی قال له: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .، وهو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی بدخول أحد من أمته إلی النار ، کما ورد فی الحدیث .

مجمع البحرین:2/186:

قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، قال المفسرون: اللام فی ( ولسوف ) لام الإبتداء المؤکدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدیر: ولانت سوف یعطیک ، ولیست بلام قسم لأنها لا تدخل علی المضارع إلا مع نون التأکید. وفی الروایة: إن أرجی آیة فی کتاب الله هذه الآیة ، لأنه لا یرضی بدخول أحد من أمته النار .

ص: 140

بحار الأنوار:79/91:

( المکسو حلل الأمان ) قال الشیخ البهائی(رحمه الله): المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالی قال له: ولسوف یعطیک ربک فترضی، وهو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی بدخول أحد من أمته فی النار ، کما ورد فی الحدیث ، وحلل الأمان استعارة .

ملاحظتان

الأولی: قد یشکل علی بعض هذه الأحادیث بأن سورة الضحی مکیة فکیف نزلت فی المدینة بعد ما قاله النبی للزهراء صلی الله علیه وعلیها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشیین بنی هاشم وقال ( إنما مثل محمد فیهم کمثل شجرة فی کبا ) کما ذکرت بعض الروایات ؟ .

والجواب: أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآیات مرتین أو مرات ، کما قرر ذلک علماء التفسیر فی أسباب النزول ، فیکون النزول الثانی مؤکداً ، أو مبیناً لمصادیق الآیة ، أو تأویلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآیة من النوع الذی یصح نزوله فی أکثر من مناسبة لتطمین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتذکیره بنعم الله تعالی الآتیة ، لیتحمل أحقاد المشرکین ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذایاها ، ومصاعب الدنیا ومراراتها .

ویؤید نزولها مرة ثانیة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:6/361: وأخرج ابن مردویه عن عکرمة (رض) قال: لما نزلت وللاخرة خیر لک من الأولی ، قال العباس بن عبد المطلب: لا یدع الله نبیه فیکم إلا قلیلاً لما هو خیر له.

ص: 141

انتهی .

ویؤیده أیضاً ما رواه المجلسی فی بحار الأنوار:22/533: عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: لما حضرت النبی الوفاة استأذن علیه رجل فخرج إلیه علی(علیه السّلام) فقال: حاجتک ؟ قال: أردت الدخول إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال علی(علیه السّلام): لست تصل إلیه فما حاجتک ؟ فقال الرجل: إنه لابد من الدخول علیه ، فدخل علی فاستأذن النبی (علیهماالسّلام) فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال: یا نبی الله إنی رسول الله إلیک ، قال: وأی رسل الله أنت قال: أنا ملک الموت ، أرسلنی إلیک یخیَّرک بین لقائه والرجوع إلی الدنیا ، فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فأمهلنی حتی ینزل جبرئیل فأستشیره ، ونزل جبرئیل(علیه السّلام)فقال: یا رسول الله الآخرة خیر لک من الأولی، ولسوف یعطیک ربک فترضی ، لقاء الله خیر لک ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لقاء ربی خیر لی ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئیل لملک الموت: لا تعجل حتی أعرج إلی ربی وأهبط ... الخ. انتهی .

علی أنا نلاحظ فی بعض روایاتها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لفاطمة(علیهاالسّلام)( یا بنتاه تعجلی مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .) وهو یدل علی أن النبی ذکَّر فاطمة بنزول الآیة ، لا أنها نزلت فی ذلک الوقت .

الثانیة: نلاحظ فی تفسیر هذه الآیة ملامح الاتجاه إلی توسیع الشفاعة لکل المسلمین ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسیئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمین والجبارین والطغاة ومحرفی الدین والمفسدین فی أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنیل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً: من مات علی الشهادتین وکان من الذین خلطوا عملاً صالحاً وآخر

ص: 142

سیئاً ، ولم یکن فی رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت علی ذلک لکان لعمومها وجه یمکن الدفاع عنه . . ولکنها وأمثالها من الروایات ترید أن تقول إن المسلمین کلهم یدخلون الجنة مهما ارتکبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن فی سلوکهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالی ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم فی هدم أصوله وتغییر فروعه..! فما داموا مسلمین بالاسم منتمین إلی أمة النبی فإن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی یوم القیامة حتی یدخلهم الجنة إلی آخر نفر !!

وهذه نفس مقولة الیهود ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ولا یمکن التوفیق بینها وبین آیات القرآن والأحادیث التی اتفق الجمیع علی صدورها عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه یمنعون من ورود الحوض ، ویؤمر بهم إلی النار . . کما سیأتی فی محاولات توسیع الشفاعة، إن شاء الله تعالی، وستعرف أن عدداً من الآیات والأحادیث الثابتة عند الجمیع تنص علی أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یمکن أن تشمل أنواعاً من المجرمین والظالمین ، حتی لو کانوا من أمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصحابته ، وحتی لو کان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانین الجزاء والعقاب من مقتضیات العدل الالهی.

ولذلک فإن مقولة ( أن النبی لا یرضی مادام أحد من أمته محکوماً علیه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلی النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم ، لأن الآیات والأحادیث القطعیة تعارضها ، ویعارضها حکم العقل أیضاً ، لأنها تساوی بین المحسنین والفجار ، بل تبطل القانون الالهی فی العقاب !

ص: 143

وبسبب ذلک نستظهر أن أصل الحدیث شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته فجعلوه لأمته، کما حرفوا غیره من الأحادیث والمناقب الخاصة ببنی هاشم أو بالعترة وجعلوه لکل قریش أو لکل الأمة ، ومن ذلک حدیث ( الأئمة من بعدی اثنا عشر من أهل بیتی ) فجعلوه من قریش ! ولا یتسع المجال للتفصیل .

نعم یمکن القول بشمول شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لکل أمته إذا حددنا مفهوم أمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بمن یقبلهم ویرتضیهم بسبب صحة عقیدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خیار الموحدین الذین خلطوا عملاً صالحاً وآخر سیئاً ، فهؤلاء قد یصح القول فیهم ان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی أن یدخلوا النار .

وقد ورد معنی قریب مما ذکرنا فی دعاء فی بحار الأنوار: 94/119 یقول: اللهم إنک قلت لنبیک(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . اللهم إن نبیک ورسولک وحبیبک وخیرتک من خلقک لا یرضی بأن تعذب أحداً من أمته دانک بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بیته وإن کان مذنباً خاطئاً فی نار جهنم ، فأجرنی یا رب من جهنم وعذابها ، وهبنی لمحمد وآل محمد ، یا أرحم الراحمین. انتهی .

ص: 144

الفصل السادس :حدود الشفاعة

اشارة

ص: 145

ص: 146

حدود الشفاعة

من الطبیعی للباحث فی مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار، أن یتذکر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلک العالم وکل عوالم الغیب إنما هو النصوص الشریفة من القرآن والسنة ، وأن بحثه فی مسائله یعنی الاهتداء بالعقل والفکر فی إطار هذه النصوص لا خارجها . . ولذلک یحتاج فی کثیر من التفاصیل وأحیاناً فی أمر أساسی ، إلی التوقف عند القدر المتیقن من النصوص ، حتی لا یقول فی دین الله تعالی بغیر علم .

ومن الملاحظ فی آیات الجنة والنار والشفاعة أن أحادیثها التی تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة، لا تستوعب کل أصناف الناس، بل تبقی أصناف کثیرة خارجة عن القدر المتیقن من الطرفین . . وکذلک الأمر فی الشفاعة حیث نجد فی القرآن الکریم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم ، ونجد فی السنة تفصیلات لها وذکراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة ، أو لا تشملهم . . وتبقی أصناف أخری من الناس لا تذکرها النصوص ولا تشملها .

والحل فی مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط فی تصنیف عباد الله فی الجنة أو النار ، أو داخل الشفاعة أو خارجها ،

بالظنون والاحتمالات ، کما یفعل البعض !

ص: 147

المذاهب فی حدود الشفاعة ( من ارتضی )

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحیة نظریة ، کما أنه بحث حساس من ناحیة تطبیقیة ، لأنه یصنِّف المسلمین إلی مرضیین عند الله ورسوله وغیر مرضیین..ولذلک اختلفت فیه آراء المذاهب والفئات ، وکثر فی تاریخ المسلمین وکتبهم البحث فی الذین تشملهم شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والذین لا تشملهم. .

وأهم الأقوال أو المذاهب فی المسألة أربعة:

القول الأول: قول أهل البیت (علیهم السّلام) الذی یشترط للشفاعة: الإسلام ، وعدم الشرک، وعدم الظلم ، وإطاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مودة أهل بیته (علیهم السّلام) .

القول الثانی: القول بتوسیع الشفاعة ، وهو قول أکثر المذاهب السنیة التی توسعها إلی جمیع المسلمین ، بل إلی غیرهم من الیهود والنصاری . . وستعرف أن فیه عدة آراء بل مذاهب .

القول الثالث: إنکار شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أصلاً ، وهو قول قدماء الخوارج ، وقد رد علیهم أهل البیت (علیهم السّلام) وبقیة المذاهب. وقد ولد هذا الرأی ردةَ فعل علی مذهب توسعة الشفاعة الذی تبنته الدولة وأفرطت فیه .

القول الرابع: قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذی یرتکب المعاصی الکبائر لأنه یستحق النار ، بل تختص بالمسلم الذی یرتکب المحرمات الصغائر المعفو عنها ، وفائدتها رفع درجته فی الجنة .

وسوف نستعرض هذه المذاهب فی الفقرات التالیة إن شاء الله تعالی .

ص: 148

حدود الشفاعة عند أهل البیت (علیهم السلام)

ما دل علی استثناء المشرک والظالم من الشفاعة

التوحید للصدوق/407:

حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی (رض) قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر قال: سمعت موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) یقول: لا یخلد الله فی النار إلا أهل الکفر والجحود ، وأهل الضلال والشرک. ومن اجتنب الکبائر من المؤمنین لم یسأل عن الصغائر ، قال الله تبارک وتعالی: إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَنُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَرِیمًا .

قال فقلت له: یابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبین ؟

قال: حدثنی أبی عن آبائه عن علی (علیهم السّلام)

قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: إنما شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی ، فأما المحسنون منهم فما علیهم من سبیل .

قال ابن أبی عمیر فقلت له: یابن رسول الله فکیف تکون الشفاعة لأهل الکبائر والله تعالی ذکره یقول: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ ؟ ومن یرتکب الکبائر لا یکون مرتضی !

فقال: یا أبا أحمد مامن مؤمن یرتکب ذنباً إلا ساءه ذلک وندم علیه ، وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کفی بالندم توبة.

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من سرته حسنته وساءته سیئته فهو مؤمن ، فمن لم یندم علی

ص: 149

ذنب یرتکبه فلیس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وکان ظالماً والله تعالی ذکره یقول: ما للظالمین من حمیم ولا شفیع یطاع .

فقلت له: یا ابن رسول الله وکیف لا یکون مؤمناً من لم یندم علی ذنب یرتکبه ؟ فقال: یا أبا أحمد ما من أحد یرتکب کبیرة من المعاصی وهو یعلم أنه سیعاقب علیها إلا ندم علی ما ارتکب ، ومتی ندم کان تائباً مستحقاً للشفاعة ، ومتی لم یندم علیها کان مصراً ، والمصر لا یغفر له ، لأنه غیر مؤمن بعقوبة ما ارتکب ، ولو کان مؤمناً بالعقوبة لندم. وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا کبیرة مع الإستغفار ، ولا صغیرة مع الإصرار . وأما قول الله عز وجل: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی، فإنهم لا یشفعون إلا لمن ارتضی الله دینه ، والدین الإقراربالجزاء علی الحسنات والسیئات ، فمن ارتضی الله دینه ندم علی ما ارتکبه من الذنوب ، لمعرفته بعاقبته فی القیامة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:11/266 ، وفی تفسیر نور الثقلین:4/517 .

الإعتقادات للصدوق/44:

إعتقادنا فی الشفاعة: أنها لمن ارتضی دینه من أهل الکبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغیر محتاجین إلی الشفاعة.

قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من لم یؤمن بشفاعتی فلا أناله الله شفاعتی .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا شفیع أنجح من التوبة .

والشفاعة للأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) ، وفی المؤمنین من یشفع مثل ربیعة ومضر ، وأقل المؤمنین من یشفع ثلاثین ألفاً .

والشفاعة لا تکون لأهل الشک والشرک ، ولا لأهل الکفر والجحود ، بل

ص: 150

تکون للمذنبین من أهل التوحید .

من لا یحضره الفقیه:3/574:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنما شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی.

وقال الصادق (علیه السّلام): شفاعتنا لأهل الکبائر من شیعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل یقول: مَا عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ. ورواهما فی وسائل الشیعة:11/264 .

روضة الواعظین/501:

قیل للرضا (علیه السّلام): یابن رسول الله فما معنی قول الله تعالی: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی؟ قال: لا یشفعون إلا لمن ارتضی دینه ، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی ما خلا الشرک والظلم .

الاختصاص للمفید/33: باب فیه مسائل الیهودی التی ألقاها علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

حدثنا عبدالرحمن بن إبراهیم قال: حدثنا الحسین بن مهران قال: حدثنی الحسین بن عبدالله ، عن أبیه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جده الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)قال: جاء رجل من الیهود إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا محمد أنت الذی تزعم أنک رسول الله وأنه یوحی إلیک کما أوحی إلی موسی بن عمران ؟ قال: نعم ، أنا سید ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبیین وإمام المتقین ورسول رب العالمین .

فقال: یا محمد إلی العرب أرسلت أم إلی العجم أم إلینا ؟ قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی رسول الله إلی الناس کافة .

فقال: إنی أسألک عن عشر کلمات أعطاها موسی فی البقعة المبارکة حیث

ص: 151

ناجاه لا یعلمها إلا نبیٌّ مرسل أو ملکٌ مقرب .

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سل عما بدا لک .

فقال: یا محمد أخبرنی عن الکلمات التی اختارها الله لابراهیم(علیه السّلام)حین بنی هذا البیت ؟

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نعم: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أکبر .

فقال: یا محمد لأی شئ بنی إبراهیم (علیه السّلام)

الکعبة مربعاً ؟

قال: لأن الکلمات أربعة .

قال: فلای شئ سمیت الکعبة کعبة ؟

قال: لأنها وسط الدنیا .

قال: فأخبرنی عن تفسیر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ؟ فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علم الله أن ابن آدم والجن یکذبون علی الله تعالی فقال: سبحان الله ، یعنی بری مما یقولون .

وأما قوله: الحمد لله ، علم الله أن العباد لا یؤدون شکر نعمته ، فحمد نفسه عز وجل قبل أن یحمده الخلائق ، وهی أول الکلام ، لولا ذلک لما أنعم الله علی أحد بنعمة .

وأما قوله: لا إله إلا الله ، وهی وحدانیته لا یقبل الله الأعمال إلا به ، ولا یدخل الجنة أحد إلا به ، وهی کلمة التقوی سمیت التقوی لما تثقل بالمیزان یوم القیامة .

وأما قوله: الله أکبر ، فهی کلمة لیس أعلاها کلام وأحبها إلی الله ، یعنی لیس أکبر منه ، لأنه یستفتح الصلوات به لکرامته علی الله ، وهو اسم من أسماء الله الأکبر .

ص: 152

فقال: صدقت یا محمد ما جزاء قائلها ؟

قال: إذا قال العبد: سبحان الله سبح کل شئ معه مادون العرش ، فیعطی قائلها عشر أمثالها. وإذا قال: الحمد لله أنعم الله علیه بنعیم الدنیا حتی یلقاه بنعیم الآخرة ، وهی الکلمة التی یقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، والکلام ینقطع فی الدنیا ما خلا الحمد ، وذلک قولهم: تحیتهم فیها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمین .

وأما ثواب: لا إله إلا الله فالجنة ، وذلک قوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان . وأما قوله: الله أکبر ، فهی أکبر درجات فی الجنة وأعلاها منزلة عند الله. فقال الیهودی: صدقت یا محمد ، أدیت واحدة ، تأذن لی أن أسألک الثانیة ؟ فقال: النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سلنی ما شئت - وجبرئیل عن یمین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومیکائیل عن یساره یلقنانه - فقال الیهودی: لأی شئ سمیت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشیراً ونذیراً وداعیا ؟

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أما محمد فإنی محمود فی السماء ، وأما أحمد فإنی محمود فی الأرض ، وأما أبو القاسم فإن الله تبارک وتعالی یقسم یوم القیامة قسمة النار بمن کفر بی أو یکذبنی من الأولین والآخرین، وأما الداعی فإنی أدعو الناس إلی دین ربی إلی الإسلام ، وأما النذیر فإنی أنذر بالنار من عصانی ، وأما البشیر فإنی أبشر بالجنة من أطاعنی .

قال: صدقت یا محمد ، فأخبرنی عن الثالثة لأی شئ وقت الله هذه الصلوات الخمس فی خمس مواقیت علی أمتک ، فی ساعات اللیل والنهار . . . .

قال: صدقت یا محمد ، فأخبرنی عن العاشرة: تسعة خصال أعطاک الله من بین النبیین ، وأعطی أمتک من بین الأمم ؟

ص: 153

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فاتحة الکتاب ، والأذان ، والإقامة ، والجماعة فی مساجد المسلمین ، ویوم الجمعة ، والأجهار فی ثلاث صلوات ، والرخصة لأمتی عند الأمراض والسفر ، والصلاة علی الجنائز ، والشفاعة فی أصحاب الکبائر من أمتی . . . وأما شفاعتی فی أصحاب الکبائر من أمتی ما خلا الشرک والمظالم. قال: صدقت یا محمد ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنک خاتم النبیین ، وإمام المتقین ، ورسول رب العالمین .

ثم أخرج ورقاً أبیض من کمه مکتوب علیه جمیع ما قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حقاً ، فقال . . . یا محمد فقد کنت أمحی إسمک فی التوراة أربعین سنة ، فکلما محوت وجدت إسمک مکتوباً فیها ! وقد قرأت فی التوراة هذه المسائل لا یخرجها غیرک ، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل یکون جبرئیل عن یمینک ومیکائیل عن یسارک . فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): جبرئیل عن یمینی ومیکائیل عن یساری !

الخصال للصدوق/355:

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه ، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی ، عن أبی الحسن علی بن الحسین البرقی ، عن عبد الله بن جبلة ، عن الحسن بن عبدالله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) فی حدیث طویل قال: جاء نفر من الیهود إلی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسأله أعلمهم عن أشیاء فکان فیما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاک الله من بین النبیین وأعطی أمتک من بین الأمم . . . الخ. وهو شبیه بما تقدم عن الاختصاص ، ولعل السبع تصحیف للتسع ورواه فی تفسیر نور

ص: 154

الثقلین:1/77 وبعضه فی مستدرک الوسائل:11/364.

بشارة المصطفی/20:

قال الصادق جعفر بن محمد(علیه السّلام): أغفل الناس قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی علی بن أبی طالب یوم مشربة أم إبراهیم ، کما أغفلوا قوله فیه یوم غدیر خم ! إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان فی مشربة أم إبراهیم وعنده أصحابه إذ جاءه علی (علیه السّلام)فلم یفرجوا له ، فلما رآهم لم یفرجوا له قال لهم: یا معاشر الناس هذا علی من أهل بیتی ، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حیٌّ بین ظهرانیکم ! أما والله لئن غبت عنکم فإن الله لا یغیب عنکم ، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلی وتولاه ، وسلم له وللأوصیاء من ولده. إن حقاً علیَّ أن أدخلهم فی شفاعتی لأنهم أتباعی فمن تبعنی فإنه منی ، سنة جرت فیَّ من إبراهیم لانی من إبراهیم وإبراهیم منی ، وفضلی فضله وفضله فضلی ، وأنا أفضل منه ، تصدیق قول ربی: ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم .

التبیان فی تفسیر القرآن:10/187:

فقال الله تعالی لهم: فما تنفعهم شفاعة الشافعین ، الذین یشفعون لهم ، لأن عذاب الکفر لا یسقطه الله بالشفاعة

بالإجماع .

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة

اشارة

وردت فی مصادر الفریقین أحادیث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم ، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغیرهم ، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً علی أعمالهم ، ونذکر منها نماذج من مصادرنا، ومن مصادر السنیین فی محلها:

ص: 155

1 - من قضی لأخیه المؤمن حاجة

وسائل الشیعة:11/588:

فی ثواب الأعمال ، عن أبیه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن شرحبیل بن سعد الأنصاری ، عن أشید بن حضیرة قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أغاث أخاه المسلم حتی یخرجه من هم وکربة وورطة ، کتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات ، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات ، ودفع عنه عشر نقمات ، وأعد له یوم القیامة عشر شفاعات .

مستدرک الوسائل:12/405:

عوالی اللآلی: عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: من قضی حاجة لأخیه کنت واقفاً عند میزانه ، فإن رجح وإلا شفعت له .

مستدرک الوسائل:12/407:

وعن إبراهیم التیمی قال: کنت فی الطواف إذ أخذ أبو عبد الله(علیه السّلام)بعضدی فسلم علیَّ ثم قال: ألا أخبرک بفضل الطواف حول هذا البیت ؟ قلت: بلی قال: أیما مسلم طاف حول هذاالبیت أسبوعاً ثم أتی المقام فصلی خلفه رکعتین کتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سیئة ، ورفع له ألف درجة، وأثبت له ألف شفاعة ، ثم قال: ألا أخبرک بأفضل من ذلک ؟ قلت: بلی قال: قضاء حاجة امرئ مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع ، حتی بلغ عشرة .

ص: 156

مستدرک الوسائل:12/409:

وعن أبی عبد الله(علیه السّلام): من مشی فی حاجة أخیه کتب الله له بها عشر حسنات ، وأعطاه الله عشر شفاعات .

2 - من سعی فی حوائج ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:4/60:

وعنه ، عن أبیه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی شافع یوم القیامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنیا: رجل نصر ذریتی ، ورجل بذل ماله لذریتی عند المضیق ، ورجل أحب ذریتی باللسان وبالقلب ، ورجل یسعی فی حوائج ذریتی إذا طردوا أو شردوا. ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/65 وفی تهذیب الأحکام: 4/111 وفی تأویل الآیات:2/109 وفی وسائل الشیعة:11/556 وفی مستدرک الوسائل:12/382 .

3 - من زار قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:4/548:

علی بن محمد بن بندار ، عن إبراهیم بن إسحاق ، عن محمد بن سلیمان الدیلمی، عن أبی حجر الاسلمی ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتی مکة حاجاً ولم یزرنی إلی المدینة جفوته یوم القیامة ، ومن أتانی زائراً وجبت له شفاعتی ، ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة ،

ص: 157

ومن مات فی أحد الحرمین مکة والمدینة لم یعرض ولم یحاسب ، ومن مات مهاجراً إلی الله عز وجل ، حشر یوم القیامة مع أصحاب بدر .

4-من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالی

الکافی:2/178:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفی ، عن أبی جعفر(علیه السّلام) قال: إن المؤمن لیخرج إلی أخیه یزوره فیوکل الله عز وجل به ملکاً فیضع جناحاً فی الأرض وجناحاً فی السماء یظلّه ، فإذا دخل إلی منزله نادی الجبار تبارک وتعالی: أیهاالعبد المعظم لحقی المتبع لآثار نبیی، حقَّ علی إعظامک، سلنی أعطک ، أدعنی أجبک ، أسکت أبتدئک ، فإذا

انصرف شیعه الملک یظله بجناحه حتی یدخل إلی منزله ، ثم ینادیه تبارک و تعالی: أیها العبد المعظم لحقی حق علی إکرامک ، قد أوجبت لک جنتی ، وشفعتک فی عبادی .

الکافی:2/176:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن جابر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حدثنی جبرئیل(علیه السّلام)أن الله عزوجل أهبط إلی الأرض ملکاً فأقبل ذلک الملک یمشئ حتی وقع إلی باب علیه رجل یستأذن علی رب الدار ، فقال له الملک ما حاجتک إلی رب هذه الدار ؟ قال: أخ لی مسلم زرته فی الله تبارک وتعالی ،

ص: 158

قال له الملک: ما جاء بک إلا ذاک ؟ فقال: ما جاء بی إلا ذاک ، فقال: إنی رسول الله إلیک وهو یقرؤک السلام ویقول: وجبت لک الجنة. وقال الملک: إن الله عز وجل یقول: أیما مسلم زار مسلماً ، فلیس إیاه زار ، إیای زار وثوابه علیَّ الجنة .

5 - من یدعو للمؤمنین

الکافی:2/507:

علی بن محمد ، عن محمد بن سلیمان ، عن إسماعیل بن إبراهیم ، عن جعفر بن محمد التمیمی ، عن حسین بن علوان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما من مؤمن دعا للمؤمنین والمؤمنات إلا رد الله عز وجل علیه مثل الذی دعا لهم به من کل مؤمن ومؤمنة مضی من أول الدهر أو هو آت إلی یوم القیامة. إن العبد لیؤمر به إلی النار یوم القیامة فیسحب فیقول المؤمنون والمؤمنات: یا رب هذا الذی کان یدعو لنا فشفعنا فیه ، فیشفعهم الله عز وجل فیه ، فینجو من النار برحمة الله عزوجل. ورواه فی وسائل الشیعة:4/541 وفی مستدرک الوسائل:5/242 عن أمالی الشیخ الطوسی .

6 - شفاعة الملائکة لأهل مجلس الدعاء

الکافی:2/187:

الحسین بن محمد ومحمد بن یحیی جمیعاً ، عن علی بن محمد بن سعد ،

ص: 159

عن محمد بن مسلم ، عن أحمد بن زکریا ، عن محمد بن خالد بن میمون ، عن عبد الله بن سنان ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنین فصاعداً إلا حضر من الملائکة مثلهم فإن دعوا بخیر أمَّنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله لیصرفه عنهم ، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلی الله وسألوه قضاها. وما اجتمع ثلاثة من الجاحدین إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشیاطین. ورواه فی وسائل الشیعة:11/568 .

7 - من شیع جنازة مسلم

الکافی:3/173:

أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن میسر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ولم یقل شیئاً إلا وقال الملک: ولک مثل ذلک. ورواه فی من لا یحضره الفقیه:1/161 وفی تهذیب الأحکام:1/455 .

8 - من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً

وسائل الشیعة:18/67:

وعن طاهر بن محمد ، عن حیاة الفقیه ، عن محمد بن عثمان الهروی ، عن جعفر بن محمد بن سوار، عن علی بن حجر السعدی ، عن سعید بن نجیح ، عن ابن جریح ، عن عطاء عن ابن عباس عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من السنة کنت له شفیعاً یوم القیامة .

ص: 160

وسائل الشیعة:18/70:

محمد بن علی الفارسی فی روضة الواعظین قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من حفظ من أمتی أربعین حدیثاً من السنة کنت له شفیعاً یوم القیامة. ورواه فی العمدة/17 بلفظ ( من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من سنتی أدخلته یوم القیامة فی شفاعتی ) .

9 - من عاهد أخاه المؤمن علی الشفاعة

مستدرک الوسائل:6/278:

قال فی ضمن أعمال هذا الیوم المبارک ( یوم الغدیر ): وینبغی عقد الأخوة فی هذا الیوم مع الأخوان بأن یضع یده الیمنی علی یمنی أخیه المؤمن ویقول: واخیتک فی الله وصافیتک فی الله وصافحتک فی الله ، وعاهدت الله وملائکته وکتبه ورسله وأنبیاءه والأئمة المعصومین (علیهم السّلام) علی أنی إن کنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لی بأن أدخل الجنة ، لا أدخلها إلا وأنت معی. فیقول الأخ المؤمن: قبلت ، فیقول: أسقطت عنک جمیع حقوق الأخوة ما خلا الشفاعة ، والدعاء ، والزیارة .

10 - مجموعة أعمال وصفات توجب الشفاعة
اشارة

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ألا ومن مشی إلی مسجد یطلب فیه الجماعة کان له بکل خطوة سبعون

ص: 161

ألف حسنة ، ویرفع له من الدرجات مثل ذلک ، فإن مات وهو علی ذلک وکل الله عز وجل به سبعین ألف ملک یعودونه فی قبره ویبشرونه ویؤنسونه فی وحدته ویستغفرون له حتی یبعث .

ألا ومن أذن محتسباً یرید بذلک وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعین ألف شهید وأربعین ألف صدیق ، ویدخل فی شفاعته أربعون ألف مسی من أمتی إلی الجنة .

ألا وإن المؤذن إذا قال ( أشهد أن لا إله إلا الله ) صلی علیه سبعون ألف ملک ویستغفرون له وکان یوم القیامة فی ظل العرش حتی یفرغ الله من حساب الخلائق ویکتب له ثواب قوله (أشهد أن محمداً رسول الله) أربعون ألف ملک .

هذا ، وتوجد أحادیث کثیرة ضمنت الجنة لبعض أصناف الناس علی أعمالهم الحسنة، وهی تصلح بنحو للإستدلال علی شمول الشفاعة لهم، لأن الوعد من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد یکون بسبب شمولهم لشفاعته ، ونذکر منهم:

1 - من شفع لاخیه المؤمن فی حاجة

وسائل الشیعة:11/562:

عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ومن شفع لاخیه شفاعة طلبها ، نظر الله إلیه فکان حقاً علی الله أن لا یعذبه أبداً ، فإن هو شفع لاخیه شفاعة من غیر أن یطلبها، کان له أجر سبعین شهیداً .

ص: 162

2 - من قام بخدمة لمجتمع المسلمین

الکافی:2/164:

عنه عن علی بن الحکم ، عن مثنی بن الولید الحناط ، عن فطر بن خلیفة ، عن عمر بن علی بن الحسین ، عن أبیه

صلوات الله علیهما قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من رد عن قوم من المسلمین عادیة ماء أو نار ، وجبت له الجنة .

3 - من ربَّی بنتاً أو أکثر

الکافی:6/6:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ، وجبت له الجنة فقیل: یا رسول الله واثنتین ؟ فقال: واثنتین ، فقیل: یا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة .

4 - من احترم نعمة الله تعالی

من لا یحضره الفقیه:1/27:

ودخل أبو جعفر الباقر(علیه السّلام)الخلاء فوجد لقمة خبز فی القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلی مملوک کان معه فقال: تکون معک لاکلها إذا خرجت ، فلما خرج(علیه السّلام)قال للمملوک: أین اللقمة؟ قال أکلتها یا ابن رسول الله ، فقال:

ص: 163

إنها ما استقرت فی جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر، فإنی أکره أن استخدم رجلاً من أهل الجنة .

5 - أصناف أخری موعودون بالجنة

من لا یحضره الفقیه:1/140:

وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة ، ورجل خرج یعود مریضاً فمات فله الجنة ، ورجل خرج مجاهداً فی سبیل الله فمات فله الجنة ، ورجل خرج حاجاً فمات فله الجنة ، ورجل خرج إلی الجمعة فمات فله الجنة ، ورجل خرج فی جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة .

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ألا ومن تصدق بصدقة ، فله بوزن کل درهم مثل جبل أحد من نعیم الجنة، ومن مشی بصدقه إلی محتاج ، کان له کأجر صاحبها من غیر أن ینقص من أجره شی، ومن صلی علی میت صلی علیه سبعون ألف ملک وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فإن أقام حتی یدفن ویحثی علیه التراب ، کان له بکل قدم نقلها قیراط من الأجر ، والقیراط مثل جبل أحد .

ألا ومن ذرفت عیناه من خشیة الله عز وجل کان له بکل قطرة قطرت من دموعه قصر فی الجنة مکللاً بالدر والجوهر ، فیه ما لا عینٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر .

ص: 164

أصناف لا تنالهم الشفاعة

1-السلطان الظالم الغشوم

قرب الاسناد/64:

وعنه ، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد ، عن أبیه قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): صنفان لا تنالهما شفاعتی: سلطان غشوم عسوف ، وغال فی الدین مارق منه ، غیر تائب ولا نازع .

الخصال/63:

حدثنا محمد بن الحسن (رض) قال: حدثنا محمد بن یحیی العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الجبار بإسناده یرفعه إلی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: رجلان لا تنالهما شفاعتی: صاحب سلطان عسوف غشوم ، وغال فی الدین مارق. ورواه فی مناقب أمیرالمؤمنین:2/330 ونحوه فی مستدرک الوسائل:12/99 .

تاریخ الیعقوبی:2/96:

أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام: من رفع لواء ضلالة ، ومن أعان ظالماً أو سار معه أو مشی معه وهو یعلم أنه ظالم ، ومن اخترم بذمة .

ورجلان لا تنالهما شفاعتی یوم القیامة: أمیر ظلوم ، ورجل غال فی الدین مارق منه. والأمیر العادل لا ترد دعوته .

ص: 165

2 - المنان والبخیل والنمام
اشارة

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ثم قال(علیه السّلام): یقول الله عزوجل: حرَّمت الجنة علی المنان والبخیل والقتات ، وهو النمام. انتهی .

ولا نطیل فی تعداد هذه الأصناف ، وهی فی مصادرنا مشابهة لما یأتی فی مصادر إخواننا السنیین ، مع تأکیدها علی عدم شمول الشفاعة لمن عصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مودة أهل بیته وولایتهم وإطاعتهم .

الذین یخرجون من النار بالشفاعة یکونون أدنی درجة

تفردت مصادر أهل البیت (علیهم السّلام) ببیان أن الموحدین الذین یخرجون من النار دخلون جنة أخری أدنی درجةً ، وهی غیر الجنة التی یسکنها أولیاء الله تعالی .

ففی بحار الأنوار:8/361:

ین: فضالة ، عن عمر بن أبان ، عن آدم أخی أیوب ، عن حمران قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): إنهم یقولون ألا تعجبون من قوم یزعمون أن الله یخرج قوماً من النار فیجعلهم من أصحاب الجنة مع أولیائه ؟ فقال: أما یقرؤون قول الله تبارک وتعالی: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ، إنها جنة دون جنة ، ونار دون نار ، إنهم لا یساکنون أولیاء الله ! وقال: بینهما والله منزلة ، ولکن لا أستطیع أن أتکلم ، إن أمرهم لاضیق من الحلقة ، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء .

ص: 166

رأی السنیین القریب من رأی أهل البیت (علیهم السّلام)
اشارة

وهو الرأی القائل بأن الشفاعة تشمل بعض العاصین من المسلمین ولیس کلهم .

ویدل علیه من مصادرهم:

أولاً: أحادیث کثیرة صحیحة السند عندهم ، لکن دلالتها ضاعت ، لأنها مخلوطة بأحادیث توسیع الشفاعة وشمولها لکل العاصین والمنافقین !

ونکتفی منها بالأحادیث التی نصت علی أن عدداً من صحابة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سیغیرون ویبدلون بعده ، فلایشفع لهم یوم القیامة ، فیؤمر بهم إلی النار. فقد روی البخاری فی صحیحه:7/208 عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: بینا أنا قائم فإذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلم ، فقلت أین ؟ قال إلی النار والله ! قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلم ، قلت أین ؟ قال إلی النار والله ! قلت ماشأنهم؟ ! قال إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ! فلا أراه یخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم. انتهی.

وروی شبیهاً به فی:7/195 وص 207-210 وفی نفس المجلد أیضاً /84 و87 وج 8/86 و87 ، وروی نحوه مسلم فی:1/150 وج 7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد فی:2/25 وص 408 وج 3/28 وج 5/21 وص 24 وص 50 وج 6/16 ، ورواه البیهقی فی سننه:4/14 ، ونقل روایاته المتعددة فی کنز العمال فی:13/157 وج 14/48 و:15/647

ص: 167

وقال رواه ( مالک والشافعی حم م ن - عن أبی هریرة ) انتهی .

فلو کانت الشفاعة تشمل کل الخلق أو کل الموحدین أو کل المسلمین ، لشملت هؤلاء الصحابة المعروفین ! فلابد من القول بأن شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مشروطة بشروط من أولها الإسلام وعدم الانحراف الکبیر الذی ارتکبه هؤلاء الصحابة المطرودون !

ثانیاً: أحادیث اشترطت شروطاً أخری فوق الشهادتین للشفاعة ، کالذی رواه البخاری: 8/139: عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: کل أمتی یدخلون الجنة إلا من أبی ! قالوا یا رسول الله ومن یأبی ؟ قال من أطاعنی دخل الجنة ومن عصانی فقد أبی. انتهی. وفیه تصریح أن المستثنی هم الذین عصوا الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أمته وأنهم لا یدخلون الجنة ! ورواه الحاکم أیضاً بلفظ قریب منه فی:1/55 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

والذی رواه النسائی فی سننه: 7 من/88 عن أبی أیوب الأنصاری أن رسول الله(ص)قال: من جاء یعبد الله ولا یشرک به شیئاً ویقیم الصلاة ویؤتی الزکاة ویجتنب الکبائر، کان له الجنة. فسألوه عن الکبائر فقال: الإشراک بالله وقتل النفس المسلمة ، والفرار یوم الزحف .

والذی رواه أحمد فی:2/176 عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلی النبی(ص)فقال: یا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: الصدق ، وإذا صدق العبد برَّ ، وإذا بر آمن ، وإذا آمن دخل الجنة .

قال یا رسول الله ما عمل النار ؟

ص: 168

قال: الکذب ، إذا کذب فجر ، وإذا فجر کفر ، وإذا کفر دخل .. یعنی النار. انتهی .

فهذه الأحادیث تشترط لدخول الجنة شروطاً أخری غیر التوحید ، فلو کان التوحید وحده کافیاً لما کان لهذه الشروط معنی .

ثالثاً: أحادیث نصت علی أن الشفاعة تشمل أصنافاً معینین من الناس ، نذکر منها:

1 - من قضی لاخیه حاجة

الدر المنثور:3/71:

وأخرج أبو نعیم عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من قضی لأخیه حاجة کنت واقفاً عند میزانه ، فإن رجح ، وإلا شفعت له .

الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة جمع الله الأولین والآخرین ثم أمر منادیاً ینادی: ألا لیقم أهل المعروف فی الدنیا فیقومون حتی یقفوا بین یدی الله فیقول الله أنتم أهل المعروف فی الدنیا ، فیقولون نعم فیقول: وأنتم أهل المعروف فی الآخرة فقوموا مع الأنبیاء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة، حتی تدخلوا علیهم المعروف فی الآخرة کما أدخلتم علیهم المعروف فی الدنیا .

ص: 169

2 - من صلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فی مسند أحمد:4/108:

من صلی علی محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندک یوم القیامة ، وجبت له شفاعتی. ورواه فی فردوس الأخبار:4/21 ح 5555

وفی فردوس الأخبار فی:4/61 ح 5680:

أبو الدرداء: من صلی ( علیَّ ) حین یصبح عشراً وحین یمسی عشراً، أدرکته شفاعتی یوم القیامة. ورواه فی مجمع الزوائد:10/120 و163 .

3-من زار قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وفی الدر المنثور:1/237:

وأخرج الحکیم الترمذی والبزار وابن خزیمة وابن عدی والدارقطنی والبیهقی عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من زار قبری وجبت له شفاعتی. ( ورواه فی سنن الدار قطنی:2/278 ح 194 والذهبی فی تاریخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارنی بعد موتی وجبت شفاعتی ).

وأخرج الطبرانی عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی کان حقاً علی أن أکون له شفیعاً یوم القیامة .

وأخرج الطیالسی والبیهقی فی الشعب عن عمر سمعت رسول الله(ص) یقول: من زار قبری کنت له شفیعاً أو شهیداً ، ومن مات فی أحد الحرمین بعثه الله فی الآمنین یوم القیامة .

ص: 170

مختصر تاریخ دمشق:1 جزء 2/406:

وعن علی بن أبی طالب قال: من سأل لرسول الله(ص)الدرجة الوسیلة حلت له شفاعته یوم القیامة ومن زار قبر رسول الله(ص)کان فی جوار رسول الله (ص) .

هامش طبقات المحدثین بإصبهان:2/420 ، 167:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی کان حقاً علی الله أن أکون له شفیعاً یوم القیامة. وشبیهه فی:1/55.

وراجع أیضاً مجمع الزوائد:4/2 وکنز العمال:15/383 وص 651 .

وقد اقتصرنا من أحادیث زیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی ماورد فیه ذکرالشفاعة وسنورد بقیة أحادیثها فی محلها إن شاء الله تعالی مع جواب شبهة الوهابیین فی تحریمهم زیارة القبور وخیرها وأشرفها قبر سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

4 - من دعا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بالوسیلة

روی البخاری:5/228:

من قال حین یسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسیلة والفضیلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذی وعدته ، حلَّت له شفاعتی یوم القیامة .

ورواه أیضاً فی:1 جزء 1/152 ورواه البیهقی فی سننه:1/409 ومجمع الزوائد: 1/333 والنویری فی نهایة الارب:3 جزء 5/308 .

ص: 171

5 - من حفظ من أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أربعین حدیثاً

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:4/91 ح 5778:

عن ابن عباس: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من أمر دینها ، فهو من العلماء وکنت له شفیعاً یوم القیامة. ونحوه فی کنز العمال:10/158 .

وفی کتاب المجروحین لابن حبان:2/133:

عن أبی الدرداء قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: یا رسول الله ما حد العلم الذی إذا بلغه الرجل کان فقیهاً ؟ فقال: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً فی أمر دینها بعثه الله فقیهاً ، وکنت له شافعاً وشهیداً .

6 - من حفظ أسماء الله الحسنی

صحیح البخاری:8/169:

عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: إن لله تسعة وتسعین إسماً مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة .

ونحوه فی:7/169 ونحوه فی مستدرک الحاکم:1/16 .

7 - من قرأ بعض سور القرآن
اشارة

روی فی فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتی آیة فی کل یوم شفع فی سبع قبور حول قبره وخفف الله عز وجل عن والدیه وإن کانا مشرکین. وفی/34 ح 5598: ابن

ص: 172

عباس: من قرأ سورة الأعراف جعل الله بینه وبین إبلیس ستراً وکان آدم شفیعاً له یوم القیامة. انتهی .

فهذه المجموعة من الأحادیث تدل علی أن بعض المسلمین من أصحاب الأعمال الحسنة یستحقون الدخول فی شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ولو کانت الشفاعة تشمل کل المسلمین لما صح جعلها میزة لاصناف معینة من أصحاب الأعمال الحسنة ، کما نصت هذه المجموعة .

ولا یضر بالإستدلال بها أن یکون بعضها ضعیفاً أو مکذوباً ، لأن الإستدلال بمجموعها ، بل حتی لو کانت کلها موضوعة فهی تدل علی أن المرتکز فی أذهان المسلمین أن الشفاعة مخصوصة بأصناف من المسلمین ولیست عامة .

رابعاً: أحادیث نصت علی أن الشفاعة لا تشمل أصنافاً من الناس ، أو دلت علی أنهم لا یدخلون الجنة ، بسبب سوء أعمالهم ، نذکر منها:

1 - السلطان الظلوم الغشوم

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/558 ح 3598:

أبو أمامة: صنفان من أمتی لن تنالهما شفاعتی ولن أشفع لهما ولن یدخلا شفاعتی: سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق من الدین. انتهی. ورواه السیوطی فی الدر المنثور:1 ص352 عن الطبرانی وفی کنز العمال: 6/21 وص30 وفی مجمع الزوائد: 5/235 وص 236 .

وعن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص): إن أشد أهل النار عذاباً یوم

ص: 173

القیامة من قتل نبیاً ، أو قتله نبی ، أو إمام جائر. قلت: فی الصحیح بعضه ، رواه الطبرانی وفیه لیث بن أبی سلیم وهو مدلس وبقیة رجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: وإمام ضلالة ، ورجاله ثقات ، وکذلک رواه أحمد .

2 - الذی یکذب علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

روی البخاری فی:1/35:

عن سلمة بن الأکوع قال سمعت النبی(ص)یقول: من یقل علیَّ ما لم أقل فلیتبوأ مقعده من النار.

وروی نحوه أیضاً فی:1 من/36 وج 2/81 وج 4/145 وص 156 و: 6/84 وص 118 ورواه مسلم فی:1/7 و8 وص 57 وج 7 ورواه غیرهما من مصادر السنة والشیعة .

3 - الذی یبغض ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو یظلمهم

لسان المیزان:3/276:

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبنی فلیحب علیاً ، ومن أبغض أحداً من أهل بیتی حرم شفاعتی . . الحدیث .

کنز العمال:12/103:

عن الطبرانی والرافعی عن ابن عباس: من سره أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة عدن التی غرسها ربی فلیوال علیاً من بعدی ، ولیوال

ص: 174

ولیه ولیقتد بأهل بیتی من بعدی ، فإنهم عترتی خلقوا من طینتی ورزقوا فهمی وعلمی ، فویل للمکذبین بفضلهم من أمتی ، القاطعین فیهم صلتی ، لا أنالهم الله شفاعتی . انتهی.

والأحادیث فی ذلک کثیرة ، سنوردها فی مسائل الإمامة إن شاء الله .

4 - أصحاب البدع المخالفین للسنة

قال الشاطبی فی الاعتصام:1/120:

( البدعة ) مانعة من شفاعة محمد ، لما روی أنه(ص)قال: ( حلت شفاعتی لأمتی إلا صاحب بدعة ) .

قال السبکی فی طبقات الشافعیة:6/291:

حدیث: إن لله ملکاً ینادی کل یوم: من خالف السنة لم تنله الشفاعة ( ورد فی إحیاء الغزالی ) .

5 - من طلب العلم للدنیا أو طلب الدنیا بعمل الآخرة

فی مجمع الزوائد:1/184:

عن معاذ بن جبل عن رسول الله(ص)قال: من طلب العلم لیباهی به العلماء أو یماری به السفهاء فی المجالس ، لم یرح رائحة الجنة. ورواه فی کنز العمال:10/201-203 .

وفی کنز العمال:3/474 عن الدیلمی عن ابن عباس: ریح الجنة توجد من

ص: 175

مسیرة خمسمائة عام ، ولا یجدها من طلب الدنیا بعمل الآخرة.

6 - من یؤذی جیرانه

صحیح مسلم:1/49:

عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: لا یدخل الجنة من لا یأمن جاره بوائقه .

وفی مستدرک الحاکم:1/11:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده ، والمهاجر من هجر السوء ، والذی نفسی بیده لا یدخل الجنة عبد لا یأمن جاره بوائقه .

وفی مسند أحمد:2/440:

عن أبی هریرة قال قال رجل: یا رسول الله إن فلانة یذکر من کثرة صلاتها وصیامها وصدقتها ، غیر أنها تؤذی جیرانها بلسانها ! قال: هی فی النار. قال یا رسول الله فإن فلانة یذکر من قلة صیامها وصدقتها وصلاتها ، وأنها تصدق بالأتوار من الاقط ، ولا تؤذی جیرانها بلسانها ، قال: هی فی الجنة .

7 - الذی یسی إدارة من تحت یده

روی البخاری فی:8/107 بروایتین: عن معقل: سمعت النبی(ص)یقول: ما

ص: 176

من عبد استرعاه الله رعیة فلم یحطها بنصیحة إلا لم یجد رائحة الجنة. ونحوه فی کنز العمال:4/567 عن ابن سعد وابن عساکر، وفی: 6/20 وص 35 ( عق ش م حم طب وابن عساکر عن معقل بن یسار )

وفی سنن الترمذی:3/225:

عن أبی بکر الصدیق عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة سی الملکة. انتهی. ورواه أحمد فی مسنده:1/7 وص 12 وج 5/22 والهیثمی فی مجمع الزوائد:5/211 .

وفی کنز العمال:6/39:

من ولی ذا قرابة محاباةً وهو یجد خیراً منه ، لم یجد رائحة الجنة .

8 - المتکبر ولو مثقال حبة خردل

روی مسلم فی صحیحه:1/65:

عن عبد الله عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال ذرة من کبر. انتهی. ورواه ابن ماجة فی:2/1397 وأحمد:1/412 وص 416 وص 451 و ج2/164 وص 248 والحاکم فی:3/416 .

وفی مجمع الزوائد:6/255:

وعن نافع مولی رسول الله(ص)أن رسول الله(ص)قال: لا یدخل الجنة مسکین مستکبر ، ولا شیخ زان ، ولا منان علی الله تعالی بعمله. رواه

ص: 177

الطبرانی وتابعه الصباح بن خالد بن أبی أمیة لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/116:

وأخرج البیهقی عن جابر قال کنا مع النبی(ص)فأقبل رجل ، فلما رآه القوم أثنوا علیه ، فقال النبی(ص)قال: إنی لأری علی وجهه سفعة من النار ، فلما جاء وجلس قال: أنشدک بالله أجئت وأنت تری أنک أفضل القوم ؟ قال نعم. انتهی .

وقد ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) أن التکبر المانع من دخول الجنة هو التکبر عن قبول الحق ولیس التکبر العادی وإن کان معصیة کبیرة .

ویؤیده ما رواه الحاکم فی المستدرک:1/26: عن عبد الله بن مسعود (رض)عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه حبة من کبر ، فقال رجل: یا رسول الله إنه لیعجبنی أن یکون ثوبی جدیداً ورأسی دهیناً وشراک نعلی جدیداً ، قال وذکر أشیاء حتی ذکر علاقة سوطه ، فقال: ذاک جمال ، والله جمیل یحب الجمال ، ولکن الکبر من بطر الحق وازدری الناس. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه وقد احتجا جمیعاً برواته .

9 - من قتل نفسه

مسند أحمد:2/435:

عن أبی هریرة عن النبی(ص): الذی یطعن نفسه إنما یطعنها فی النار ، والذی یتقحم فیها یتقحم فیها فی النار ، والذی یخنق نفسه یخنقها فی النار .

ص: 178

10 - من نبت لحمه من سحت

روی أحمد فی:3/321:

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لکعب بن عجرة: یا کعب بن عجرة ، الصوم جنة ، والصدقة تطفی الخطیئة ، والصلاة قربان أو قال برهان. یا کعب بن عجرة إنه لا یدخل الجنة لحم نبت من سحت ، النار أولی به .

ورواه فی:3/399 وفی مجمع الزوائد:10/230 وص 293 .

11 - من زنی بذات محرم

فی مجمع الزوائد:6/269:

وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا یدخل الجنة من أتی ذات محرم. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ، غیر یحیی بن حسان الکوفی وهو ثقة .

12 - من نسب نفسه إلی غیر أبیه

روی ابن ماجة فی:2/870:

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): من ادعی إلی غیر أبیه لم یرح رائحة الجنة ، وإن ریحها لیوجد من مسیرة خمسمائة عام. انتهی . ورواه أحمد فی:2/71 وفیه (وإن ریحها لیوجد من قدر سبعین عاماً )

ص: 179

ورواه فی:2/171 وص 194 وفی مجمع الزوائد:1/98 وص 148 وکنز العمال:6/195 وج 16/32 .

13 - مدمن الخمر وقاطع الرحم والنمام وقاسی القلب . . . الخ .

مسند أحمد:4/399:

من حدیث أبی موسی أن النبی(ص)قال: ثلاثة لا یدخلون الجنة: مدمن خمر ، وقاطع رحم ، ومصدق بالسحر .

وفی:2/69: ثلاثة قد حرم الله علیهم الجنة: مدمن الخمر ، والعاق ، والدیوث الذی یقر فی أهله الخبث .

ونحوه فی:2/164 وص 201 و203 وفی سنن البیهقی:8/288 .

وفی:8/166: عن إبراهیم عن همام قال: کنت جالساً عند حذیفة فمر رجل فقالوا: هذا یرفع الحدیث إلی السلطان ، فقال حذیفة قال رسول الله(ص): لا یدخل الجنة قتات. قال الاعمش: والقتات النمام.أخرجه مسلم فی الصحیح.

مسند أحمد:2/134:

قال عبد الله (رض) قال رسول الله (ص): ثلاثة لا یدخلون الجنة ولا ینظر الله إلیهم یوم القیامة: العاق والدیه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والدیوث. وثلاثة لا ینظر الله الیهم یوم القیامة: العاق بوالدیه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطی. وروی نحوه فی:2/69 وص 134 والحاکم: 1/72 .

ص: 180

وفی مسند أحمد:1/190:

عن سعید بن زید عن النبی(ص)أنه قال:

من أربی الربا الإستطالة فی عرض مسلم بغیر حق ، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله علیه الجنة .

وفی مسند أحمد:3/14:

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): لا یدخل الجنة صاحب خمس: مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ، ولا کاهن ، ولا منان. ونحوه مسند أحمد:3/28

وفی مجمع الزوائد:8/149 ونحوه فی:5/125:

فإن ریح الجنة یوجد من مسیرة ألف عام ، والله لا یجده عاق ، ولا قاطع رحم ، والباغی فإنه لیس من عقوبة أسرع من عقوبة بغی ، ولا قاطع رحم ، ولا شیخ زان ، ولا جارُّ إزاره خیلاء .

وفی مجمع الزوائد:6/257 ونحوه فی:8/148:

وعن عبدالله بن عمرو عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا منان ، ولا ولد زنیة. قلت: رواه النسائی غیر قوله ولا ولد زنیة. رواه أحمد والطبرانی وفیه جابان وثقه ابن حبان وبقیةرجاله رجال الصحیح.

سنن الترمذی:3/232:

ص: 181

عن أبی بکر الصدیق ، عن النبی (ص): لا یدخل الجنة خب ، ولا بخیل ، ولا منان. هذا حدیث حسن غریب .ونحوه فی کنز العمال:3/546 .

وفی مجمع الزوائد:10/243:

وعن نافع قال سمع ابن عمر رجلاً یقول: الشحیح أعذر من الظالم ، فقال ابن عمر: کذبت ، سمعت رسول الله(ص)یقول: الشحیح لا یدخل الجنة .

وفی مجمع الزوائد:8/155:

عن ابن عمر عن النبی(ص)قال: إن لکل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد ، إن الله لا یرحم من لا یرحم ولده. والذی نفسی بیده لا یدخل الجنة إلا رحیم. قلنا یا رسول الله: کلنا یرحم ، قال: لیس رحمته أن یرحم أحدکم صاحبه ، إنما الرحمة أن یرحم الناس .

وفی کنز العمال:16/53:

لا یدخل الجنة ولد زنی ، ولا مدمن خمر ، ولا عاق ، ولا منان ( ابن جریر ع - عن أبی سعید ) .

14 - الذی یقتل أحداً من أهل الذمة

فی صحیح البخاری:4/65:

عن عبد الله بن عمرو رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: من قتل معاهداً لم یرح رائحة الجنة ، وإن ریحها یوجد من

مسیرة أربعین عاماً. ونحوه فی:8

ص: 182

/47 وابن ماجة: 2/896 والترمذی: 2/429 والحاکم فی: 2/126 والبیهقی فی سننه:8/133 وج 9/205 والنسائی:8/24 وفیه ( وإن ریحها لیوجد من مسیرة سبعین عاماً ) ورواه فی مسند أحمد:2/186 وج 4/61 وص 237 وج 5/46 و50 و51 و369 و374 والهیثمی فی مجمع الزوائد:6/293 .

ونعم ما علق به الفخر الرازی علی هذا الموضوع حیث قال فی تفسیره ج2 جزء3 ص151: عن الحسن ، عن أبی بکرة ، قال(علیه السّلام): من قتل نفساً معاهداً لم یرح رائحة الجنة. وإذا کان فی قتل الکفار هکذا، فما ظنک بقتل أولاد رسول الله(ص)؟ !

15-الذی یغش العرب

فی مسند أحمد:1/72:

عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله (ص): من غش العرب لم یدخل فی شفاعتی ولم تنله مودتی. انتهی . ورواه البغوی فی مصابیح السنة:4/142 والدیلمی فی فردوس الأخبار:4/180 ح 6075 وأبو الشیخ فی طبقات المحدثین بأصبهان:2/640 .

ص: 183

16 - اللعان الفحاش

صحیح مسلم:8/24:

حدثنی سوید بن سعید ، حدثنی حفص بن میسرة ، عن زید بن أسلم أن عبد الملک بن مروان بعث إلی أم الدرداء بأنجاد من عنده ، فلما أن کان ذات لیلة قام عبد الملک من اللیل فدعا خادمه فکأنه أبطأ علیه فلعنه ، فلما صبح قالت له أم الدرداء: سمعتک اللیلة لعنت خادمک حین دعوته ! فقالت سمعت أبا الدرداء یقول قال رسول الله (ص): لا یکون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء یوم القیامة. انتهی. ورواه أبو داود فی:2/458 والحاکم:1/48 والدیلمی فی فردوس الأخبار:5/311 ح 8009 وفی کنز العمال: 3/615 والسیوطی فی الدر المنثور:1/146 وقال: وأخرج مسلم وأبو داود والحکیم الترمذی عن أبی الدرداء. .

وقال البخاری فی تاریخه:6/22:

عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضی الله عنها قالت لعبد الملک بن مروان: سمعت أبا الدرداء (رض) یقول سمعت النبی(ص)یقول: لا یکون الحلیم لعَّاناً ، ولا یؤذن فی الشفاعة للعَّان .

وفی کنز العمال:3/353:

عن الدیلمی عن عائشة: رحم الله امرأ کف لسانه عن أعراض المسلمین ، لا تحل شفاعتی لطعان ولا لعان. انتهی .

ولا بد أن یکون المراد باللعان فی هذه الأحادیث بذی اللسان الفحاش

ص: 184

الذی یسب المسلمین ویلعنهم ، وإلا فإن لعن الذین لعنهم الله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفیه ثوابٌ ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ علیهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالی .

17 - ورووا أن أکثر النساء فی النار

صحیح البخاری:7/200:

عن عمران بن الحصین عن النبی(ص)قال: اطلعت فی الجنة فرأیت أکثر أهلها الفقراء ، واطلعت فی النار فرأیت أکثر أهلها النساء . . .

عن أسامة عن النبی(ص)قال: قمت علی باب الجنة فکان عامة من دخلها المساکین وأصحاب الجد محبوسون ، غیر أن أصحاب النار قد أمر بهم إلی النار. وقمت علی باب النار فإذا عامة من دخلها النساء !. انتهی .

ورواه أحمد فی مسنده:2/297 .

وفی مجمع الزوائد:4/274:

قال کنا مع عمرو بن العاص فی حج أو عمرة فلما کنا بمر الظهران إذ امرأة فی هودجها واضعةً یدها علی هودجها ، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه، قال کنا مع رسول الله(ص)فی هذا المکان فإذا نحن بغربان کثیر وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال: لا یدخل الجنة من النساء إلا کقدر الغراب فی هذه الغربان ، قال أبو عمر : الأعصم الأحمر. رواه الطبرانی واللفظ له ، وأحمد ورجال أحمد ثقات. انتهی .

ص: 185

18 - ورووا فی من أطال إزاره أو ثوبه

سنن النسائی:8/207:

عن أبی هریرة قال رسول الله (ص): ما تحت الکعبین من الإزار ففی النار. وفی روایة: ما أسفل من الکعبین من الإزار ففی النار. انتهی .

فهذه الأحادیث تدل علی أن بعض المسلمین لا یدخلون الجنة .. ولو کانت الشفاعة تشمل کل المسلمین لم یکن لهذه الإستثناءات معنی ، بل للزم من إحدی المجموعتین کذب المجموعة الأخری !

ولا یضر بالإستدلال بمجموع أحادیث الاستثناء من الجنة ، أو الحکم باستحقاقها أن بعضها ضعیف أو مکذوب کما ذکرنا ، لأن المکذوب أیضاً یدل علی أن المرتکز فی أذهان المسلمین اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمین ، لا بجمیعهم .

شرط الشفاعة فی المظالم الشخصیة

اشارة

روت مصادر الفریقین أحادیث تدل علی إمکانیة أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصیة ، بشرط أن یعفو صاحب المظلمة عن ظالمه.

ص: 186

ففی تفسیر الإمام العسکری (علیه السّلام)/204:

وقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): یا معشر شیعتنا اتقوا الله واحذروا أن تکونوا لتلک النار حطباً ، وإن لم تکونوا بالله کافرین ، فتوقوها بتوقی ظلم إخوانکم المؤمنین ، فإنه لیس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارک له فی موالاتنا ، إلا ثقَّل الله فی تلک النار سلاسله وأغلاله ولم یفکه منها إلا شفاعتنا ، ولن نشفع إلی الله تعالی إلا بعد أن نشفع له إلی أخیه المؤمن ، فإن عفا عنه شفعنا له ، وإلا طال فی النار مکثه .انتهی .

ورواه فی مستدرک الوسائل:12/101 .

وفی الإعتقادات للصدوق/29:

قیل لامیر المؤمنین(علیه السّلام): صف لنا الموت فقال: علی الخبیر سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة یرد علیه: إما بشارةٌ بنعیم الأبد ، وإما بشارةٌ بعذاب الأبد ، وإما تخویفٌ وتهویلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا یدری من أی الفرق هو ؟ فأما ولینا والمطیع لأمرنا فهو المبشر بنعیم الابد ، وأما عدونا

والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد ، وأما المبهم أمره الذی لا یدری ما حاله فهو المؤمن المسرف علی نفسه لا یدری ما یؤول إلیه حاله یأتیه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثم لن یسویه الله تعالی بأعدائنا ، ولکن یخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطیعوا ولا تتکلوا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من المسرفین من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة .

وفی مسند أحمد:3/13:

ص: 187

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): یخلص المؤمنون یوم القیامة من النار فیحبسون علی قنطرة بین الجنة والنار فیقتص لبعضهم من بعض مظالم کانت بینهم فی الدنیا ، حتی إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فی دخول الجنة. فوالذی نفسی بیده لأحدهم أهدی لمنزله فی الجنة منه بمنزله کان فی الدنیا. ورواه فی:3/63 وص 74 .

نتیجة

النتیجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ علیه بین السنة والشیعة ، علی أصوله وخطوطه العامة أیضاً ، وهی أنه یشمل من مات علی الشهادتین ، ولم یکن ظالماً ، ولم یکن عاصیاً للنبی فی أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ومنه نعرف أن کل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام ، جاء إلی أصحابه من خلل الرأی ، أو من التلقی والتأثر بثقافة الیهود ، والنصاری ، والمجوس وغیرهم !

ص: 188

الفصل السابع :توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه

اشارة

ص: 189

ص: 190

توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه

اشارة

فی مصادر السنیین اتجاه یقول بتوسیع الشفاعة أکثر من القدر المتفق علیه بین الجمیع ، وهو اتجاه خطیر ، لأنه یلغی قانون العقوبة الإلهیة جزئیاً أو کلیاً ! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذکرها حسب توسیعها لدائرة الشفاعة:

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین !

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی ، حتی لو کفر برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل کل الخلق !

الرأی الرابع: أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً ، وأن جهنم تفنی أوتبقی ، ولکن ینقل أهلها کلهم إلی الجنة !

ونذکر هنا ملاحظات کلیة علی هذه المذاهب أو الاقوال:

الملاحظة الأولی: أن هذه التوسیعات فی الشفاعة أو فی دخول الجنة

ص: 191

زادت علی توسیع الیهود لها ، لأن الیهود حصروا الشفاعة والجنة بقومیتهم الیهودیة ، وهذه التوسعات عممتها إلی العقائد المختلفة والقومیات المختلفة ، وإن کانت احتفظت بمیزة لکل قبائل قریش .

کما زادت علی عقیدة الفداء النصرانیة ، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسیح وشفاعته الدخول فی النصرانیة . . بینما أکثر هذه التوسیعات لا تشترط الدخول فی الإسلام !

الثانیة: أن لکعب الأحبار وتلامیذه دوراً أساسیاً فی توسیع الشفاعة ، بل کان کعب مرجعاً فی الشفاعة بحیث أن الخلیفة عمر یستفتیه فیها ویؤید آراءه ، ویعمل علی نشرها ، کما ستری.

الثالثة: أن هذه التوسیعات لا تشمل أحداً ممن اعترض علی الخلفاء أو خالفهم فی الرأی ، أو امتنع عن بیعتهم ، کما لا تشمل بنی هاشم وبنی عبد المطلب أسرة النبی وآباءه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وخاصة أبا طالب والد علی(علیه السّلام) ! وستری هذه الغرائب وغیرها فی نصوص الشفاعة فی مصادر إخواننا السنیین !

الرابعة: أن هذه الأفکار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة ، جرَّت علی الأمة مصائب ثقافیة وسیاسیة ، مثل مذهب المرجئة والقدریة وغیرهما .

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین !

روی البخاری فی صحیحه:1/41:

قال حدثنا أنس بن مالک أن رسول الله(ص)ومعاذ ردیفه علی الرحل قال: یا

ص: 192

معاذ بن جبل ، قال لبیک یا رسول الله وسعدیک. قال یا معاذ ، قال لبیک یا رسول الله وسعدیک ثلاثاً ! قال ما من أحد یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه ، إلا حرمه الله علی النار. قال: یا رسول الله أفلا أخبر به الناس فیستبشروا ؟ قال: إذاً یتکلوا ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً ! انتهی .

وروی البخاری فی تاریخه:8/41:

عن عوف بن مالک قال: کنا مع النبی(ص)فی بعض مغازیه فقال: إن ربی خیرنی بین أن یدخل نصف أمتی الجنة والشفاعة ، فاخترت الشفاعة. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/304 ح 2774 .

وروی البخاری فی تاریخه:1/184:

عن عوف بن مالک سمع النبی(ص)یقول: الشفاعة لمن مات من أمتی لا یشرک بالله شیئاً .

وروی مسلم فی:1/122:

أخبرنی أبو الزبیر أنه سمع جابر بن عبد الله یسأل عن الورود ، فقال:... فتدعی الأمم بأوثانها وما کانت تعبد الأول فالأول ، ثم یأتینا ربنا بعد ذلک فیقول: من تنظرون؟ فیقولون ننظر ربنا ! فیقول أنا ربکم ، فیقولون حتی ننظر إلیک ، فیتجلی لهم یضحک ! قال فینطلق بهم ویتبعونه ! ویعطی کل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ثم یتبعونه ، وعلی جسر جهنم کلالیب وحسک ، تأخذ من شاء الله ، ثم یطفأ نور المنافقین ثم ینجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم کالقمر لیلة البدر سبعون ألفاً لا یحاسبون ، ثم الذین یلونهم کأضوأ نجم فی السماء ، ثم کذلک.

ص: 193

ثم تحل الشفاعة ویشفعون حتی یخرج من النار من قال لا إله إلا الله وکان فی قلبه من الخیر ما یزن شعیرة ، فیجعلون بفناء الجنة ، ویجعل أهل الجنة یرشون علیهم الماء حتی ینبتوا نبات الشئ فی السیل ویذهب حراقه. ثم یسأل حتی تجعل له الدنیا وعشرة أمثالها معها !!

وروی أبو داود فی:1/632:

عن عامر بن سعد عن أبیه قال: خرجنا مع رسول الله(ص)من مکة نرید المدینة ، فلما کنا قریباً من عزوراء نزل ثم رفع یدیه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمکث طویلاً ، ثم قام فرفع یدیه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمکث طویلاً ، ثم قام فرفع یدیه ساعة ثم خر ساجداً ذکره أحمد ثلاثاً ، قال: إنی سألت ربی وشفعت لأمتی فأعطانی ثلث أمتی ، فخررت ساجداً لربی شکراً ثم رفعت رأسی فسألت ربی لامتی فأعطانی ثلث أمتی ، فخررت ساجداً لربی شکراً ثم رفعت رأسی فسألت ربی لأمتی فأعطانی الثلث الآخر ، فخررت ساجداً لربی. ورواه البیهقی فی سننه:2/370 .

وروی أحمد فی مسنده:5/149:

عن أبی ذر قال صلی رسول الله(ص)لیلةً ، فقرأ بآیة حتی أصبح یرکع بها ویسجد بها: إن تعذبهم فإنهم عبادک وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم، فلما أصبح قلت: یا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآیة حتی أصبحت ترکع بها وتسجد بها ؟ قال: إنی سألت ربی عز وجل الشفاعة لأمتی فأعطانیها وهی نائلة إن شاء الله لمن لا یشرک بالله عز وجل شیئاً. ورواه ابن أبی شیبة فی مصنفه:7/432 ح 104 عن أبی جعفر الباقر(علیه السّلام). وفی

ص: 194

الدر المنثور:3/204 عن أحمد .

وروی أحمد فی:5/325:

عن عبادة بن الصامت قال: فقد النبی(ص)لیلة أصحابه ، وکانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارک وتعالی اختار له أصحاباً غیرهم! فإذا هم بخیال النبی(ص)فکبروا حین رأوه وقالوا: یا رسول أشفقنا أن یکون الله تبارک وتعالی اختار لک أصحاباً غیرنا ! فقال رسول الله (ص): لا بل أنتم أصحابی فی الدنیا والآخرة ، إن الله تعالی أیقظنی فقال یا محمد إنی لم أبعث نبیاً ولا رسولاً إلا وقد سألنی مسألة أعطیتها إیاه فاسأل یا محمد تعط، فقلت: مسألتی الشفاعة لأمتی یوم القیامة ، فقال أبو بکر: یا رسول الله وما الشفاعة ؟ قال أقول: یا رب شفاعتی التی اختبأت عندک ، فیقول الرب تبارک وتعالی: نعم ، فیخرج ربی تبارک وتعالی بقیة أمتی من النار ، فینبذهم فی الجنة .

وقال فی مجمع الزوائد:10/369:

عن عوف بن مالک الأشجعی قال: سافرنا مع رسول الله(ص)سفراً حتی إذا کان اللیل أرقت عینای فلم یأتنی النوم ، فقمت فإذا لیس فی العسکر دابة إلا واضعة خدها إلی الأرض ، وأری وقع کل شئ فی نفسی ، فقلت لاتین رسول الله(ص)فلاکلا به اللیلة حتی أصبح ، فخرجت أتخلل الرحال حتی دفعت إلی رحل رسول الله(ص)فإذا هو لیس فی رحله ، فخرجت أتخلل الرحال حتی خرجت من العسکر فإذا أنا بسواد ، فتیممت ذلک السواد فإذا هو أبو عبیدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لی: ما الذی أخرجک ؟ فقلت: الذی أخرجکما ، فإذا نحن بغیطة منا غیر بعید فمشینا إلی الغیطة فإذا نحن

ص: 195

نسمع فیها کدوی النحل وتخفیق الریاح ، فقال رسول الله (ص): هاهنا أبو عبیدة بن الجراح ؟ قلنا نعم ، قال ومعاذ بن جبل ؟ قلنا نعم ، قال وعوف بن مالک ؟ قلنا نعم ، فخرج إلینا رسول الله(ص)لا نسأله عن شئ ولا یسألنا عن شئ حتی رجع إلی رحله فقال: ألا أخبرکم بما خیرنی ربی آنفاً ؟ قلنا بلی یا رسول الله ، قال: خیرنی بین أن یدخل ثلثی أمتی الجنة بغیر حساب ولا عذاب ، وبین الشفاعة. قلنا: یا رسول الله ما الذی اخترت ؟ قال: اخترت الشفاعة. قلنا جمیعاً: یا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتک قال: إن شفاعتی لکل مسلم .

وفی روایة عن عوف أیضاً قال: نزلنا مع رسول الله(ص)منزلاً فاستیقظت من اللیل فإذا أنا لا أری فی العسکر شیئاً أطول من مؤخرة رحل ! قد لصق کل إنسان وبعیره بالأرض، فقمت أتخلل حتی جفلت إلی مضجع رسول الله (ص)فإذا هو لیس فیه ! فوضعت یدی علی الفراش فإذا هو بارد ، فقمت أتخلل الناس وأقول: إنا لله وإنا إلیه راجعون، فذکر نحوه إلا أنه قال: خیرنی بین أن یدخل نصف أمتی الجنة. وفی روایة جعل مکان أبی عبیدة أبا موسی. قلت: روی الترمذی وابن ماجة طرفاً منه ، رواه الطبرانی بأسانید ورجال بعضها ثقات .

وعن أبی کعب صاحب الحریر قال سألت النضر بن أنس فقلت: حدثنی بحدیث ینفعنی الله عز وجل به ، فقال نعم أحدثک بحدیث کتب إلینا به من المدینة فقال أنس: إحفظوا هذا فإنه من کنز الحدیث ، قال: غزا رسول الله (ص)فسار ذلک الیوم إلی اللیل ، فلما کان اللیل نزل وعسکر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سلیم وفلان وفلان أربعة ، فتوسد النبی(ص)ید

ص: 196

راحلته ثم نام ونام الأربعة إلی جنبه ، فلما ذهب عتمة من اللیل رفعوا رؤوسهم فلم یجدوا النبی(ص)عند راحلته ، فذهبوا یلتمسون رسول الله (ص)فلقوه مقبلاً فقالوا: جعلنا الله فداک أین کنت فإنا قد فزعنا لک إذ لم نرک ؟ قال النبی (ص): کنت نائماً حیث رأیتم فسمعت فی نومی دویاً کدوی الرحا أو هزیز الرحی ففزعت فی منامی فوثبت فمضیت ! فاستقبلنی جبریل(علیه السّلام)فقال: یا محمد إن الله بعثنی إلیک الساعة لاخیرک إما أن یدخل نصف أمتک الجنة وإما الشفاعة یوم القیامة ، فاخترت الشفاعة لامتی. فقال النفر الأربعة: یا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم ، فقال: وجبت لکم. ثم أقبل النبی(ص)والنفر الأربعة حتی استقبله عشرة فقالوا: أین نبینا نبی الرحمة ؟ قال نحدثهم بالذی حدث القوم فقالوا: جعلنا الله فداءک إجعلنا ممن تشفع لهم یوم القیامة ، فقال: وجبت لکم. فجاؤا جمیعاً إلی عظم الناس فنادوا فی الناس: هذا نبینا نبی الرحمة ، فحدثهم بالذی حدث القوم ، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءک جعلنا الله ممن تشفع لهم ، فنادی ثلاثاً: إنی أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتی لمن یموت لا یشرک بالله عز وجل شیئاً. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه علی بن قرة بن حبیب ولم أعرفه وبقیة رجاله ثقات. انتهی. ورواه فی المعجم الکبیر أیضاً:18/107 .

وفی مجمع الزوائد:10/377:

وعن أبی أمامة عن النبی(ص)قال: نعم الرجل أنا لشرار أمتی ، فقال له رجل من جلساه: کیف أنت یا رسول الله لخیارهم ؟ قال: أما شرار أمتی فیدخلهم الله الجنة بشفاعتی ، وأما خیارهم فیدخلهم الله الجنة بأعمالهم. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/9 ح 7004 .

ص: 197

وقال فی الدر المنثور:2/115:

وأخرج البیهقی عن ابن عابد قال خرج رسول الله(ص)فی جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل علیه یا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله(ص)إلی الناس وقال: هل آراه أحد منکم علی الإسلام ؟ فقال رجل: نعم یا رسول الله حرس لیلة فی سبیل الله ، فصلی علیه رسول الله(ص)وحثی علیه التراب وقال: أصحابک یظنون أنک من أهل النار ، وأنا أشهد أنک من أهل الجنة ! وقال: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ولکن تسأل عن الفطرة !!

وفی أسد الغابة:1/156:

عن أنیس الأنصاری أن النبی(ص)قال: إنی لاشفع یوم القیامة لأکثر مما علی ظهر الأرض من حجر ومدر .

وفی تفسیر الرازی:10 جزء 19/192:

فثبت أن ( إن المتقین فی جنات وعیون ) یتناول جمیع القائلین بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً ، سواء کانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصیة ! انتهی .

وهذا غریب من الرازی الذی هو حریص علی العقلانیة ، ولکن کثرة أحادیث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذین ینتقدهم ! فقد حکم بأن المسلم یدخل الجنة بالعقیدة فقط بدون عمل ، بل حتی لو کانت حیاته سلسلة من

المعاصی والطغیان والاجرام !

ولم یزد علیه فی ذلک إلا الدیلمی حیث روی أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنما

ص: 198

جعلت من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها ! قال فی فردوس الأخبار: 2/498 ح 3397: أنس بن مالک: شفاعتی للجبابرة من أمتی !!

وقد نقل السیوطی مجموعة کبیرة من الروایات مفادها أن الله تعالی یحاسب المسلمین علی أعمالهم ویدخل قسماً منهم إلی الجنة وقسماً آخر إلی النار، ولکن الکفار یعیرون المسلمین فی جهنم بأنهم لم ینفعهم إسلامهم ، فیأنف الله تعالی ویغضب وتأخذه الغیرة للمسلمین لتوحیدهم ، فینقلهم جمیعاً حتی جبابرتهم ومجرمیهم وشیاطینهم إلی الجنة ، فعندئذ یتمنی الکفار لو کانوا مسلمین ، واستدل هو وغیره بذلک علی أن جمیع المسلمین یدخلون الجنة !

وقد ورد شبیه هذا المعنی فی أحادیثنا من طریق أهل البیت (علیهم السّلام) ولکنه بالنسبة إلی بعض أصناف الموحدین ولیس لکل المسلمین کما تذکر هذه الروایات !

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/92 - 94 فی تفسیر قوله تعالی: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ:

وأخرج ابن المبارک فی الزهد وابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر والبیهقی فی البعث عن ابن عباس وأنس (رض) أنهما تذاکرا هذه الآیة: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، فقالا: هذا حیث یجمع الله بین أهل الخطایا من المسلمین والمشرکین فی النار فیقول المشرکون ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیخرجهم بفضل رحمته .

ص: 199

وأخرج سعید بن منصور وهناد والبیهقی عن مجاهد (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ، قال: إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله .

وأخرج الطبرانی فی الأوسط وابن مردویه بسند صحیح عن جابر بن عبد الله (رض)قال قال رسول الله (ص): إن ناساً من أمتی یعذبون بذنوبهم فیکونون فی النار ما شاء الله أن یکونوا ، ثم یعیرهم أهل الشرک فیقولون: ما نری ما کنتم فیه من تصدیقکم نفعکم ، فلا یبقی موحد إلا أخرجه الله تعالی من النار. ثم قرأ رسول الله (ص): رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وأخرج ابن أبی عاصم فی السنة وابن جریر وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وصححه وابن مردویه والبیهقی فی البعث والنشور عن أبی موسی الأشعری (رض) قال قال رسول الله (ص): إذا اجتمع أهل النار فی النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الکفار للمسلمین: ألم تکونوا مسلمین؟ قالوا بلی ، قالوا: فما أغنی عنکم الإسلام وقد صرتم معنا فی النار ! قالوا: کانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بکل من کان فی النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأی ذلک من بقی من الکفار قالوا: یا لیتنا کنا مسلمین فنخرج کما خرجوا ، ثم قرأ رسول الله (ص): أعوذ بالله من الشیطان الرجیم بسم الله الرحمن الرحیم: الرَ تِلْکَ آیَاتُ الْکِتَابِ وَ قُرْآنٍ مُبِینٍ رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وأخرج إسحق بن راهویه وابن حبان والطبرانی وابن مردویه عن أبی سعید الخدری أنه سئل هل عندک من رسول الله(ص)فی هذه الآیة شی: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ؟ قال نعم سمعته یقول: یخرج الله أناساً من

ص: 200

المؤمنین من النار بعد ما یأخذ نقمته منهم ، لما أدخلهم الله النار مع المشرکین قال لهم المشرکون: ألستم کنتم تزعمون أنکم أولیاء الله فی الدنیا فما بالکم معنا فی النار ! فإذا سمع الله ذلک منهم أذن فی الشفاعة لهم فیشفع الملائکة والنبیون والمؤمنون حتی یخرجوا بإذن الله ، فإذا رأی المشرکون ذلک قالوا: یا لیتنا کنا مثلهم فتدرکنا الشفاعة فنخرج معهم ، فذلک قول الله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال فیسمون فی الجنة الجهنمیین من أجل سواد فی وجوههم ، فیقولون: یا ربنا أذهب عنا هذا الاسم ، فیأمرهم فیغتسلون فی نهر الجنة فیذهب ذلک الاسم عنهم .

وأخرج هناد بن السری والطبرانی فی الأوسط وأبو نعیم عن أنس (رض) قال قال رسول الله(ص): إن ناساً من أهل لا إله إلا الله یدخلون النار بذنوبهم فیقول لهم أهل اللات والعزی: ما أغنی عنکم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا فی النار! فیغضب الله لهم فیخرجهم فیلقیهم فی نهر الحیاة فیبرؤون من حرقهم کما یبرأ القمر من خسوفه، فیدخلون الجنة ویسمون فیها الجهنمیین.

وأخرج الحاکم فی الکنی عن حماد (رض) قال سألت إبراهیم عن هذه الآیة: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال: حدثت أن أهل الشرک قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیقول للملائکة والنبیین: إشفعوا لهم فیشفعون لهم فیخرجون ، حتی أن إبلیس لیتطاول رجاء أن یدخل معهم ، فعند ذلک یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین .

ص: 201

وأخرج ابن جریر عن ابن مسعود (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال: هذا فی الجهنمیین ، إذا رأوهم یخرجون من النار. انتهی.

وفی نفس الوقت روی السیوطی روایات تدل علی أن تمنی الکفار هذا لیس بعد دخول النار بل فی یوم القیامة قبل دخول الجنة والنار . . قال: وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والبیهقی فی البعث عن ابن عباس (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا قال:

ذلک یوم القیامة یتمنی الذین کفروا لو کانوا مسلمین قال: موحدین.

وأخرج سعید بن منصور وهناد بن السری فی الزهد ابن جریر وابن المنذر والحاکم وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن عباس (رض) قال: ما زال الله یشفع ویدخل الجنة ویشفع ویرحم ، حتی یقول من کان مسلماً فلیدخل الجنة فذلک قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ. انتهی .

والإشکالات علی هذا الرأی کثیرة یکفی منها ما تقدم من أدلة الرأی الأول ویکفی منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذین أسقطوا قوانین العقوبة الإلهیة ، کما فعل الیهود من قبلهم !

وینبغی التذکیر هنا بأن القرآن الکریم والأحادیث الثابتة المتفق علیها هی المیزان فی قبول الأحادیث الأخری أو ردها . . وبهذا المیزان نجد أنفسنا ملزمین برد الأحادیث التی تکتفی بشرط إعلان الشهادتین فقط لدخول الجنة ، وتسقط کل الشروط العملیة ! لأنها تناقض عشرات الآیات والأحادیث القطعیة المتفق علیها عند الجمیع !

علی أنه یمکن لمن ثبتت عنده هذه الأحادیث أن یؤولها بأنها تقصد التأکید

ص: 202

علی أهمیة الشهادتین ، ولا تقصد إسقاط بقیة الشروط التی نصت علیها الآیات والأحادیث الأخری ، لأنها شرط ضمنی فیها ، فتکون النتیجة إخضاع هذه الأحادیث لمفاد أحادیث القول الأول ، وهو المطلوب .

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی حتی لو کفر بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !
اشارة

والمستفید الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قریش والأنصار ، الذین کانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإیمان بالنبی فی حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقد جعل الله تعالی لهم علامات یعرفهم المسلمون بها ، ومن أوضحها بغض علی بن أبی طالب(علیه السّلام)باعتباره یمثل تحدی الإسلام للکفر والنفاق ، وباعتباره أول عترة النبی ووصیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. فکان حب علی وبغضه فی حیاة رسول الله وبنصه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )میزاناً للایمان والنفاق! وقد روی الجمیع أحادیثه وصححوها ، منها ما رواه أحمد فی مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبیش عن علی (رض) قال عهد إلیَّ النبی(ص)أنه لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. ورواه الترمذی فی سننه:5/306 .

وقال الترمذی فی سننه:5/298:

عن أبی سعید الخدری قال: إن کنا لنعرف المنافقین نحن معشر الأنصار ببغضهم علی بن أبی طالب. هذا حدیث غریب. وقد تکلم شعبة فی أبی هارون العبدی، وقد روی هذا عن الاعمش عن أبی صالح ، عن أبی سعید .

ص: 203

وروی الحاکم فی المستدرک:3/128:

عن ابن عباس (رض) قال نظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی فقال: یا علی أنت سید فی الدنیا سید فی الآخرة ، حبیبک حبیبی وحبیبی حبیب الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله ، والویل لمن أبغضک بعدی !! صحیح علی شرط الشیخین ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحدیث فهو علی أصلهم صحیح .

وروی الحاکم فی:3/135 سمعت عمار بن یاسر (رض) یقول سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول لعلی: یا علی طوبی لمن أحبک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.

وروی الحاکم فی:3/142 أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر علیاً بأن الأمة ستغدر به من بعده ، قال: عن حیان الأسدی سمعت علیاً یقول قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الأمة ستغدر بک بعدی ، وأنت تعیش علی ملتی وتقتل علی سنتی ، من أحبک أحبنی ومن أبغضک أبغضنی ، وإن هذه ستخضب من هذا ، یعنی لحیته من رأسه. صحیح. انتهی .

أما بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فصار بغض علی(علیه السّلام)جهاراً نهاراً ، ولم یعد علامةً علی النفاق بل صار علامةً علی ( الإیمان ) والتقوی والإخلاص للإسلام وتأیید السلطة الجدیدة التی یعارضها علی وشیعته ! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنین ! فقد روی البخاری:8/100 عن حذیفة بن الیمان قوله ( إن المنافقین الیوم شرٌّ منهم علی عهد النبی(ص)! کانوا یومئذ

یسرون ، والیوم یجهرون ) !

هذه الحقیقة الثابتة تنفعنا فی فهم أحادیث هذا الرأی التی ترید شمول

ص: 204

المنافقین بالشفاعة والجنة! وهی کثیرة نورد عدداً منها ثم نذکر الملاحظات علیها:

روی مسلم فی صحیحه:1/44:

عن أبی هریرة قال: کنا قعوداً حول رسول الله(ص)معنا أبو بکر وعمر فی نفر ، فقام رسول الله(ص)من بین أظهرنا ، فأبطأ علینا وخشینا أن یقتطع دوننا وفزعنا ، فقمنا فکنت أول من فزع ، فخرجت أبتغی رسول الله(ص)حتی أتیت حائطاً للأنصار لبنی النجار ، فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد ، فإذا ربیع یدخل فی جوف حائط من بئر خارجة - والربیع الجدول - فاحتفرت فدخلت علی رسول الله(ص)، فقال: أبو هریرة ؟ فقلت نعم یا رسول الله ، قال: ما شأنک ؟ قلت کنت بین أظهرنا فقمت فأبطأت علینا فخشینا أن تقتطع دوننا ففزعنا فکنت أول من فزع ، فأتیت هذا الحائط فاحتفرت کما یحتفر الثعلب ، وهؤلاء الناس ورائی !

فقال: یا أبا هریرة وأعطانی نعلیه قال: إذهب بنعلیَّ هاتین فمن لقیت من وراء هذا الحائط یشهد أن لا إله إلا الله مستیقناً بها قلبه فبشره بالجنة ! فکان أول من لقیت عمر فقال: ماهاتان النعلان یا أبا هریرة ؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله(ص)بعثنی بهما من لقیت یشهد أن لا إله إلا الله مستیقناً بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بیده بین ثدییَّ فخررت لاستی ! فقال: إرجع یا أبا هریرة ، فرجعت إلی رسول الله(ص)فأجهشت بکاءً ، ورکبنی عمر فإذا هو علی أثری ، فقال رسول الله (ص): مالک یا أبا هریرة ؟ ! قلت: لقیت عمر فأخبرته بالذی بعثتنی به فضرب بین ثدیی ضربةً خررت لاستی قال إرجع !

ص: 205

قال رسول الله (ص): یا عمر ما حملک علی ما فعلت ؟ قال: یا رسول الله بأبی أنت وأمی أبعثت أبا هریرة بنعلیک من لقی یشهد أن إله إلا الله مستیقناً بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال: نعم. قال فلا تفعل ! فإنی أخشی أن یتکل الناس علیها فخلهم یعملون ! قال رسول الله (ص): فخلهم !!

وروی البخاری فی:1/41:

عن أنس: قال ذکر لی أن النبی(ص)قال لمعاذ: من لقی الله لا یشرک به شیئاً دخل الجنة. قال ألا أبشر الناس ؟ قال: لا ، أخاف أن یتکلوا .

وروی البخاری فی:1/109:

قال أخبرنی محمود بن الربیع الأنصاری أن عتبان بن مالک وهو من أصحاب رسول الله(ص)ممن شهد بدراً من الأنصار ، أنه أتی رسول الله (ص)فقال: یا رسول الله قد أنکرت بصری وأنا أصلی لقومی ، فإذا کانت الأمطار سال الوادی الذی بینی وبینهم لم أستطع أن آتی مسجدهم فأصلی

بهم ، ووددت یا رسول الله أنک تأتینی فتصلی فی بیتی فأتخذه مصلی.

قال فقال له رسول الله (ص): سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان: فغدا رسول الله(ص)وأبو بکر حین ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله(ص)فأذنت له فلم یجلس حین دخل البیت ، ثم قال: أین تحب أن أصلی من بیتک ؟ قال: فأشرت له إلی ناحیة من البیت فقام رسول الله(ص)فکبر فقمنا فصففنا فصلی رکعتین ثم سلم ، قال وحبسناه علی خزیرة صنعناها له قال فثاب فی البیت رجال من أهل الدار ذووا عدد ، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أین مالک بن الدخیشن أو ابن الدخشن ؟ فقال بعضهم: ذلک منافق لا یحب الله

ص: 206

ورسوله ، فقال رسول الله (ص): لا تقل ذلک ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله یرید بذلک وجه الله ؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال: فإنا نری وجهه ونصیحته إلی المنافقین ! قال رسول الله (ص): فإن الله قد حرم علی النار من قال لا إله إلا الله یبتغی بذلک وجه الله !! ورواه فی کنز العمال:1/302 .

وروی البخاری:2/55 وج 6/202:

فإن الله قد حرم علی النار من قال لا إله إلا الله یبتغی بذلک وجه الله.

وروی شبیهه فی:1/33 ، ورواه أحمد فی مسنده:4/44 .

وروی البخاری فی:7/172:

عن أحد بنی سالم قال غدا علی رسول الله(ص)فقال: لن یوافی عبد یوم القیامة یقول لا إله إلا الله یبتغی به وجه الله إلا حرم الله علیه النار.

وروی البخاری فی:2/69:

عن أبی ذر (رض) قال قال رسول الله (ص): أتانی آت من ربی فأخبرنی أو قال بشرنی أنه من مات من أمتی لا یشرک بالله شیئاً دخل الجنة ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق . . . عن عبدالله (رض) قال قال رسول الله (ص): من مات یشرک بالله شیئاً دخل النار. وقلت أنا: من مات لا یشرک بالله شیئاً دخل الجنة !!

وروی البخاری فی:7/43:

أن أبا ذر حدثه قال: أتیت النبی(ص)وعلیه ثوب أبیض وهو نائم، ثم أتیته وقد استیقظ فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات علی ذلک إلا دخل الجنة ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق. قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی

ص: 207

وإن سرق ! قلت وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق ، علی رغم أنف أبی ذر !! وکان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبی ذر !! قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله. انتهی.

وأبو عبدالله هو البخاری نفسه، وهو یرید بقوله هذا تخفیف إطلاق الحدیث ووضع شرط للتوحید المذکور فیه ، بأنه المسلم المجرم یدخل الجنة بشرط أن یقول ( لا إله إلا الله ) قبل موته أو عند موته. ولکن الحدیث مطلق ولیس فیه هذا الشرط !

وروی النسائی فی:8/112:

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): ما مجادلة أحدکم فی الحق یکون له فی الدنیا بأشد من مجادلة المؤمنین لربهم فی إخوانهم الذین أدخلوا النار ، قال یقولون: ربنا إخواننا کانوا یصلون معنا ویصومون معنا ویحجون معنا فأدخلتهم النار! قال فیقول: إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم ، قال فیأتونهم فیعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلی أنصاف ساقیه، ومنهم من أخذته إلی کعبیه ، فیخرجونهم فیقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال: ویقول أخرجوا من کان فی قلبه وزن نصف دینار ، حتی یقول من کان فی قلبه وزن ذرة ! قال أبو سعید: فمن لم یصدق فلیقرأ هذه الآیة: إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ إلی عَظِیمًا .

وروی أحمد فی مسنده:4/43:

ذکروا المنافقین وما یلقون من أذاهم وشرهم حتی صیروا أمرهم إلی رجل منهم یقال له مالک بن الدخشم ، وقالوا: من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله (ص)ساکت ، فلما أکثروا قال رسول الله (ص): ألیس یشهد أن لا إله إلا

ص: 208

الله ؟ ! فلما کان فی الثالثة قالوا: إنه لیقوله. قال: والذی بعثنی بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأکله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشئ قط کفرحهم بما قال !!انتهی .

وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخیشن ، هو الذی ذکره البخاری وهو رئیس المنافقین الرسمی بعد ابن سلول ! ویمکنک أن تفکر فیما یزعمه هذا الحدیث من أن أکبر فرحة للمسلمین کانت فی ذلک الیوم ، أی یوم ساوی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین المسلمین والمنافقین الذین قال الله تعالی فیهم ما قال !!

ولعمری إنها فرحة السلطة وأتباعها الذین أرادوا حل مشکلة المنافقین لتأییدهم لهم ، فألصقوا ذلک بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وروی أحمد فی مسنده:4/411:

عن أبی بکر بن أبی موسی ( الأشعری ) عن أبیه أن رسول الله(ص)قال: أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة ، فخرجوا یبشرون الناس ، فلقیهم عمر (رض) فبشروه فردهم ، فقال رسول الله (ص): من ردکم ؟ قالوا عمر ، قال: لم رددتهم یا عمر ؟ قال إذاً یتکل الناس یا رسول الله ! انتهی. وقال عنه فی مجمع الزوائد:1/16 رجاله ثقات .

وروی أحمد:1/464:

عن عبد الله قال قال رسول الله(ص)کلمة وأنا أقول أخری ! من مات وهو یجعل لله ندا أدخله الله النار. قال وقال عبد الله: وأنا أقول: من مات وهو لا یجعل لله ندا أدخله الله الجنة !!. انتهی .

ولکن أحمد روی فی:2/170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الکلمتین إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: من لقی الله وهو

ص: 209

لایشرک به شیئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطیئة ، کما لو لقیه وهو مشرک به دخل النار ولم ینفعه معه حسنة .انتهی.

ولکن أحمد روی هذا الحدیث أیضاً عن عبد الله بن مسعود ولیس عبد الله بن عمرو ! قال فی:1/374: قال ابن مسعود: خصلتان یعنی إحداهما سمعتها من رسول الله(ص)، والأخری من نفسی: من مات وهو یجعل لله ندا دخل النار. وأنا أقول من مات . . . الخ .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:1/23:

عن عقبة بن عامر (رض) قال جئت فی اثنی عشر راکباً حتی حللنا برسول الله(ص)فقال أصحابی: من یرعی إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله(ص)، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله(ص)؟ فقلت: أنا ، ثم قلت فی نفسی: لعلی مغبون ، یسمع أصحابی ما لا أسمع من نبی الله(ص)، فحضرت یوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله (ص): من توضأ وضوء کاملاً ثم قام إلی صلاة کان من خطیئته کیوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلک ، فقال عمر بن الخطاب: فکیف لو سمعت الکلام الآخر کنت أشد عجباً ! فقلت: أردد علیَّ جعلنی الله فداءک ، فقال عمر بن الخطاب: إن نبی الله(ص)قال: من مات لا یشرک بالله شیئاً فتحت له أبواب الجنة یدخل من أیها شاء ، ولها ثمانیة أبواب ! فخرج علینا رسول الله(ص)فجلست مستقبله فصرف وجهه عنی ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلک ثلاث مرات فلما کانت الرابعة ، قلت یا نبی الله بأبی أنت وأمی لم تصرف وجهک عنی ؟ ! فأقبل علی فقال: أواحد أحب الیک أم اثنا عشر ؟ مرتین أو ثلاثاً ! فلما رأیت ذلک رجعت إلی أصحابی!

ص: 210

وفی مجمع الزوائد:1/32:

عن عمر بن الخطاب (رض) أنه سمع النبی(ص)یقول: من مات یؤمن بالله والیوم الآخر ، قیل له أدخل من أی أبواب الجنة الثمانیة شئت. رواه أحمد وفی إسناده شهر بن حوشب وقد وثق. وأورده أیضاً فی/49 .

وفی مجمع الزوائد:1/22:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رض) قال: جئت ورسول الله(ص)قاعد فی أناس من أصحابه فیهم عمر بن الخطاب (رض) وأدرکت آخر الحدیث ورسول الله(ص)یقول: من صلی أربع رکعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بیدی هکذا یحرک بیده إن هذا حدیث جید ، فقال عمر بن الخطاب: لما فاتک من صدر الحدیث أجود وأجود ! قلت یا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله(ص)أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة !!

وفی مجمع الزوائد:1/16:

عن أبی الدرداء (رض) قال قال رسول الله (ص): من قال لا إله إلا الله وحده لا شریک له دخل الجنة. قال قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ قال: وإن زنی وإن سرق ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال: وإن زنی وإن سرق ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال: وإن زنی وإن سرق علی رغم أنف أبی الدرداء ! قال فخرجت لانادی بها فی الناس فلقینی عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتکلوا علیها ! قال: فرجعت فأخبرته(ص)فقال: صدق عمر.

ص: 211

رواه أحمد والبزار والطبرانی فی الکبیر والأوسط وإسناد أحمد أصح، وفیه ابن لهیعة وقد احتج به غیر واحد. ورواه فی الدر المنثور:2/170 .

وروی أحمد:5/170:

حدثتنی جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلی الربذة فسمعت أباذر یقول: قام النبی(ص)لیلة من اللیالی فی صلاة العشاء فصلی بالقوم ثم تخلف أصحاب له یصلون ، فلما رأی قیامهم وتخلفهم انصرف إلی رحله ، فلما رأی القوم قد أخلوا المکان رجع إلی مکانه فصلی ، فجئت فقمت خلفه فأومأ إلیَّ بیمینه فقمت عن یمینه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفی وخلفه ، فأومأ إلیه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، یصلی کل رجل منا بنفسه ویتلو من القرآن ما شاء الله أن یتلو ، فقام بآیة من القرآن یرددها حتی صلی الغداة ، فبعد أن أصبحنا أومأت إلی عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلی ما صنع البارحة ؟ فقال ابن

مسعود بیده لا أسأله عن شئ حتی یحدث إلی ، فقلت: بأبی أنت وأمی قمت بآیة من القرآن ومعک القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا علیه ، قال: دعوت لأمتی، قال: فماذا أجبت أو ماذا علیک ؟ قال: أجبت بالذی لو اطلع علیه کثیر منهم طلعةً ترکوا الصلاة ! قال: أفلا أبشر الناس ؟ قال بلی ، فانطلقت معنقاً قریباً من قذفة بحجر ، فقال عمر: یا رسول الله إنک إن تبعث إلی الناس بهذا نکلوا عن العبادة ، فنادی أن ارجع ، فرجع .

وروی أحمد فی مسنده:2/307 وفی/518:

ص: 212

عن أبی هریرة أنه سمعه یقول: سألت رسول الله (ص): ماذا رد إلیک ربک فی الشفاعة ؟ فقال: والذی نفس محمد بیده لقد ظننت أنک أول من یسألنی عن ذلک من أمتی لما رأیت من حرصک علی العلم ! والذی نفس محمد بیده ما یهمنی من انقصافهم علی أبواب الجنة أهم عندی من تمام شفاعتی، وشفاعتی لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً یصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/197 ح 3395 .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/324:

وأخرج ابن مردویه عن أبی سعید قال: لما نزلت: فبشر عبادی الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله(ص)منادیاً فنادی: من مات لا یشرک بالله

شیئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال: یا رسول الله خشیت أن یتکل الناس فلا یعملون ، فقال رسول الله (ص): لو یعلم الناس قدر رحمة الله لا تکلوا ولو یعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم!

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن شاهین فی السنة عن علی بن أبی طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الکبائر من موحدی الأمم کلها الذین ماتوا علی کبائرهم غیر نادمین ولا تائبین ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعینهم ولا تسود وجوههم ، ولا یقرنون بالشیاطین ولا یغلون بالسلاسل، ولا یجرعون الحمیم ولا یلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم علی الخلود من

ص: 213

أجل التوحید ، وصورهم علی النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلی قدمیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی عقبیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی فخذیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلی عنقه ، علی قدر ذنوبهم وأعمالهم. ومنهم من یمکث فیها شهراً ثم یخرج منها ، ومنهم من یمکث فیها سنة ثم یخرج منها ، وأطولهم فیها مکثاً بقدر الدنیا منذ یوم خلقت إلی أن تفنی .

فإذا أراد الله ان یخرجهم منها قالت الیهود والنصاری ومن فی النار من أهل الأدیان والأوثان لمن فی النار من أهل التوحید: آمنتم بالله وکتبه ورسله فنحن وأنتم الیوم فی النار سواء ، فغضب الله غضبا لم یغضبه لشئ فیما مضی ، فیخرجهم إلی عین بین الجنة والصراط فینبتون فیها نبات الطراثیث فی حمیل السیل ، ثم یدخلون الجنة مکتوب فی جباههم هؤلاء الجهنمیون عتقاء الرحمن ، فیمکثون فی الجنة ما شاء الله أن یمکثوا ، ثم یسألون الله تعالی أن یمحو ذلک الاسم عنهم ، فیبعث الله ملکاً فیمحوه ثم یبعث الله ملائکة معهم مسامیر من نار فیطبقونها علی من بقی فیها یسمرونها بتلک المسامیر فینساهم الله علی عرشه، ویشتغل عنهم أهل الجنة بنعیمهم ولذاتهم وذلک قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وقال ابن باز فی فتاویه:1/179:

روی البخاری عن أبی هریرة أنه قال: یا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتک قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. انتهی .

ص: 214

ملاحظات علی روایات هذا الرأی

أولاً: نلاحظ فی أحادیث هذا الرأی بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها إلی حد التناقض ! ولعل أصلها روایة مسلم التی ضرب فیها عمر أبا هریرة حتی خر لاسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد ( اعترف وشهد ) بأن توحید الله تعالی فقط کاف لدخول الجنة ، وأنه لا یحتاج الأمر إلی الإیمان بنبوته ولا شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ویلاحظ أنها تؤکد علی أن الذی قال ذلک هو النبی نفسه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیس عمر! بل إن عمر کان مخالفاً لذلک ، وقد ردَّ أبا هریرة من الطریق وضربه ، واعترض علی النبی مرات ومرات ، وقد أطاعه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی بعض المرات، ثم أصرَّ النبی علی هذا القول فهو الذی یتحمل مسؤولیته ، ولیس عمر ، ولا أبو موسی ، ولا أبو هریرة ، ولا کعب الأحبار !!

ثانیاً: أن هذا المذهب یلغی حاجة المسلمین إلی الشفاعة أصلاً ! ! فأحادیثه تبشر بالجنة کل من قال ( لا إله إلا الله ) وتشمل روایاته الیهود والنصاری وغیرهم ، فلا یبقی معنی للشفاعة !!

ثالثاً: أنه یلغی الحاجة إلی أصل الإسلام ونبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! لأن روایاته تقول إن الله تعالی یقبل إیمان الموحد ویدخله الجنة لتوحیده ، حتی لو کفر بنبوة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فلا یبقی مبرر لجهاد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحروبه وشدته علی الکافرین بنبوته ! ولا یبقی معنیً لقوله تعالی ( وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسلام دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخرة مِنَ الْخَاسِرِینَ ) وکیف یجرأ مسلم علی قبول رأی من رواة أو خلیفة ، یستلزم إبطال دینه من أصله ؟!!

رابعاً: تزعم روایات هذا المذهب عدم عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه أخطأ فی

ص: 215

تبلیغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! علی أنه توجد روایة أخری فی تهذیب الکمال:4 ص31 وفی مجمع الزوائد:1 ص16 تقول إن النبی لم یقتنع وأصرَّ علی رأیه ، وقال لعمر: دعهم یتکلوا ! وتوجد روایة أخری فی مجمع الزوائد وفی مسند أحمد:4/402 تقول إن النبی سکت ! . . الخ .

ومن جهة أخری تدل هذه الروایات علی عدم إیمان عمر بعصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتعطی لعمر دور الناظر علی أعمال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والولایة علیه لتصحیح أخطائه ! بینما یؤکد الله تعالی عصمة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی کل کلمة یتفوه بها ، فیقول ( وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَی ) !

خامساً: تقدمت روایة أن عمر هو الذی بشر الناس ، ولعله اقترح علی النبی أن یبشر الناس بذلک فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!! وقد روی الهیثمی روایة فیها تصریح بأن الذی أراد تبشیر الناس هو عمر وإن کانت متناقضة ، قال ( وعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): ناد یا عمر فی الناس إنه من مات یعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم علی النار ! قال فقال عمر: یا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال: لا ، لا ، یتکلوا. انتهی.

فأول الروایة یقول: إن النبی أمر عمر بالنداء ، وآخرها یقول إن عمر اقترح النداء فلم یقبل به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونهاه عنه !

وهذا یؤید أن یکون أصل القضیة کلها محاولة من عمر لتبشیر الناس بعدم اشتراط العمل للجنة ، فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

سادساً: إن روایات ( ضیاع النبی! ) فی غزوة من غزواته أو فی المدینة ، قد حملت من التناقض واللامعقول ما یوجب علی الباحث بل علی القارئ الشک فیها من أصلها !

ص: 216

فحدیث مسلم یقول: إنهم ( أضاعوا ) النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المدینة حتی وجده أبوهریرة فی بستان فی المدینة لبنی النجار ! وروایتا الطبرانی المتقدمتان عن عوف بن مالک والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبی فی إحدی الغزوات ! أو خرج مبهوتاً فی وسط اللیل ! وبعض روایاتها تقول إن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یضع بل کان فی بیته أو فی مسجده وأمر أبا موسی ونفراً من قومه أن یبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقیهم عمر . . . الخ . وقد رواها أحمد:4 ص402 وص411 و قال عنها مجمع الزوائد ج1ص 16 (رواه أحمد والطبرانی فی الکبیر ورجاله ثقات ) .

ثم إن روایة مسلم تقول: إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هریرة وأن عمر ضربه ! بینما تقول روایات أخری إن المأمور بالنداء أبو موسی الأشعری ونفر من الأشعریین وأن عمر رده ولم یضربه ! وأخری تقول: إن المأمور هو أبو الدرداء ، وأخری تقول: إنه أبوذر ، وأخری تقول: إنه عمر .. إلخ . وروایة أبی سعید تذکر مأموراً بدون تسمیة !

أما روایات الطبرانی فتذکر بطلین آخرین للحادثة هما عوف والنضر ، وفی روایة أخری فی مجمع الزوائد ج1 ص23 إنه عقبة بن عامر !

وتوجد روایة فی مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحید هو عمر ، ولا یوجد غیره قال الهیثمی فی مجمع الزوائد ج1 ص16 وعن عمر (رض) أن رسول الله(ص)أمره أن یؤذن فی الناس أنه: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر: یا رسول الله إذا یتکلوا فقال: دعهم. رواه أبو یعلی والبزار إلا أن عمر قال یا رسول الله إذا یتکلوا! قال دعهم یتکلوا. انتهی .

ص: 217

أما روایة البخاری فتذکر أن بطل الروایة معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشیر الناس بذلک فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وروایة أحمد تذکر أن بطلها عبادة بن الصامت.. وقد تقدمت الروایتان فی الرأی الثانی لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة !!

ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضیاع النبی المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا فیها تناقضات أخری توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحیة لإثبات حکم شرعی عادی، فکیف تصلح لاثبات عقیدة خطیرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لأن المرجئة یشترطون لدخول الجنة الشهادتین ،

وهذه القصة تلغی الشهادة الثانیة !!

سابعاً: توجد روایات تناقض هذا الرأی عن الخلیفة عمر نفسه وتقول إن الذی یسرق عباءة من الغنائم یحرم من دخول الجنة ، حتی لو کان السارق مسلماً واستشهد فی سبیل الله تعالی ! وتقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قد أمر عمر أن ینادی بنداء مضاد لما ذکرته قصة ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونداء النعلین !!

فقد روی أحمد فی مسنده:1/30 وص 47 عن عمر بن الخطاب (رض) قال لما کان یوم خیبر أقبل نفر من أصحاب النبی(ص)فقالوا: فلان شهید فلان شهید، حتی مروا علی رجل فقالوا فلان شهید ، فقال رسول الله (ص): کلا إنی رأیته فی النار فی بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله (ص): یابن الخطاب إذهب فناد فی الناس إنه لا یدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فنادیت: ألا إنه لا یدخل الجنة إلا المؤمنون. انتهی .

فإذا کانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهید ) من دخول الجنة ، فکیف تکون شهادة ( لا إله إلا الله ) وحدها بدون عمل کافیة لدخول الجنة ؟ !

وإذا کان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أمر عمر بهذا النداء ، فکیف أمر عمر نفسه أو غیره

ص: 218

بنداء مناقض له ؟ ! وکیف لم یعترض علیه عمر وهو المعروف بکثرة اعتراضاته ؟ !

ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الإیمان والعمل الصالح ، کانتا فی خیبر ، وهذه ظاهرة تحدید فی الروایة توجب نوعاً من الثقة ، ولکنک لا تجد فی قصة ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والنداء المضاد المزعومین شیئاً من التحدید ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم البستان ، بل لا تجد إلا مجملاً فی مجمل ، وتناقضاً بعد تناقض !

وبما أن أغلب روایات هذه القصة تشترک فی ذکر دور عمر ومناقشته للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونصحه إیاه بضرر إعلان ذلک للناس ، یترجح فی الذهن احتمال أن یکون أصل القصة أن الخلیفة عمر هو الذی بشر الناس کما نصت الروایات المتقدمة ، وقد یکون اقترح علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یأمره بذلک فلم یقبل ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما ضاع لا فی غزوتین ولا فی غزوة ،ولا خرج مذعوراً فی اللیل من کلام جبرئیل ، ولا ضاع فی المدینة ، ولا اختبأ فی بستان ، ولا أعطی نعلیه لابی هریرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولا ضرب عمر أبا هریرة حتی خر لاسته ! فعندما تتناقض الروایات ولا یمکن الجمع بینها، أو تکون مخالفة للقرآن وللسنة القطعیة المتفق علیها.. فلا مجال أمام الباحث إلا ترجیح هذا الإحتمال الأخیر .

ثامناً ثبت عند الجمیع أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أرسل علیاً(علیه السّلام)الی مکة بأمر من الله تعالی لإبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ینادی فی الناس بعدة أمور ، منها ( لا یدخل الجنة إلا نفس مؤمنة )! وقد روی ذلک أحمد: 1/47 وص 79 والنسائی: 5/234 والدارمی:2/230 وغیرهم ، وفی أحمد: 5/438: نفس

ص: 219

مسلمة ).

وروایات هذا النداء ثابتة عند الطرفین ، ولیست مهزوزة مثل نداء النعلین المزعوم !

ثم إن هذا النداء کان بعد فتح مکة ، فلا بد للقائل بصحة روایات نداء النعلین أن یقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن یثبت صحة قصته وأنها کانت بعد نداء مکة . . ولکن دون إثبات ذلک خرط القتاد !

أما الأحادیث الأخری التی استدلوا بها علی هذا المذهب ، فلیست أحسن حالاً من حدیث ( ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واختفائه واختبائه ونداء النعلین ) فی تضاربها وتعارضها مع غیرها..ویکفی لردها الروایات التی تقدمت فی الرأی الأول .

وأخیراً ، فقد آن لاخواننا فقهاء السنة أن ینظروا بجدیة إلی تناقضات روایات الصحاح ومخالفاتها الصریحة للقرآن وضرورات الإسلام ، ویعیدوا النظر فی مفهومهم للصحیح والحجة الشرعیة !

ذلک أن صریح العقل هو الأصل الذی وصلنا به إلی الإیمان بالله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم وصلنا به إلی قطعیات الشرع الشریف. وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانیدها لا یجوز أن یوصلنا إلی التنازل عن قطعیات الشرع والعقل، لأن إبطال الأصل یستلزم إبطال الفرع الذی نحبه ، وبالنتیجة خسارة کل شئ !!

ص: 220

أحادیث أن الله تعالی یشفع عند نفسه !

بمقتضی أحادیثهم فی استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا یحتاج الأمر إلی شفاعة ، بل تصیر الشفاعة من نصیب المشرکین !

ولکن أصحاب هذا الرأی احتاطوا فی أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة ! واختلفت روایاتهم فی من یشفع فیهم ! فقال بعضها إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الذی یشفع فی الموحدین، وقال بعضها إن إسحاق هو شفیع الموحدین ، وقد صحح الحاکم روایته علی شرط الشیخین ، کما سیأتی فی مسألة الذبیح ! وقال بعضها إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یطلب من الله تعالی أن یعطیه الشفاعة فیهم فلا یعطیه إیاها بل یستأثر بها لنفسه، فکأنه تعالی یرید أن یجازیهم هو شخصیاً ، لانهم شهدوا بتوحیده !!

قال فی کنز العمال:1/56:

ما زلت أشفع إلی ربی فیشفعنی حتی أقول: شفعنی فیمن قال لا إله إلا الله ، فیقول: لیست هذه لک یا محمد ! إنما هی لی ! أنا وعزتی وحلمی ورحمتی لا أدع فی النار أحداً قال لا إله إلا الله-ع عن أنس. انتهی. وأورده الرازی فی تفسیره: 11 جزء 22/10. وفی کنز العمال:1/64 فیقال: لیست هذه لک ولا لاحد ، هذا إلیَّ ، فلا یبقی أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها - الدیلمی عن أنس .

طبقات الحنابلة لأبی یعلی:1/312:

قال أحمد بن حنبل: إذا لم یبق لاحد شفاعة قال الله تعالی: أنا أرحم الراحمین ، فیدخل کفه فی جهنم فیخرج منها ما لا یحصیه غیره .

ص: 221

وروی البیهقی فی سننه:10/42:

عن معبد بن هلال العنزی قال: أتیت أنس بن مالک (رض) فی رهط من أهل البصرة وسماهم لنا ، نسأله عن حدیث الشفاعة ، فذکر الحدیث بطوله فی سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبی الحسن البصری ، قال الحسن حدثنی کما حدثکم ، قال ثم قال یعنی النبی (ص): فأجئ فی الرابعة فأحمد بتلک المحامد ثم أخر له ساجداً فیقال لی یا محمد إرفع رأسک قل یسمع لک وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول یا رب إئذن لی فیمن قال لا إله إلا الله فیقول لیس ذلک إلیک ولکنی وعزتی وکبریائی وعظمتی لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاری فی الصحیح عن سلیمان بن حرب عن حماد بن زید زاد فیه ( وجلالی ) ورواه مسلم عن سعید بن منصور وغیره .

ولکن الدیلمی روی فی فردوس الأخبار:3/276 ح 4695:

أن الله تعالی یتنازل ویعطی الشفاعة فیهم لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال عمرو بن العاص: قلت یا ربی شفعنی فیمن قال لا إله إلا الله ، قال: لک ذلک ! انتهی .

وقال الثعالبی فی الجواهر الحسان:1/351 فی تفسیر الآیة 40 من سورة النساء:

فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون ولم یبق إلا أرحم الراحمین فیقبض قبضة من النار فیخرج منها قوماً لم یعملوا خیراً قط !

وقال فی:2/360:

ص: 222

وأحادیث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم الراحمین ففی صحیح مسلم من حدیث أبی سعید الخدری قال: فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون... الخ .

ورواه البغوی فی مصابیح السنة:3/542 .

وقد أوردنا روایات هذه (الشفاعة ) من مصادر السنیین فی المجلد الثانی فی ادعائهم رؤیة الله تعالی بالعین فی الآخرة ! ومعناها أن الله تعالی یتوسط عند نفسه ، وهو معنی عامی للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحدیث المروی فی مصادرنا عن الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)الذی رواه فی بحار الأنوار:8/361 عن حمران قال سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: إن الکفار والمشرکین یرون أهل التوحید فی النار فیقولون مانری توحیدکم أغنی عنکم شیئاً ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال: فیأنف لهم الرب عز وجل فیقول للملائکة: إشفعوا فیشفعون لمن شاء الله ، ویقول للمؤمنین مثل ذلک ، حتی إذا لم یبق أحدٌ تبلغه الشفاعة ، قال تبارک وتعالی : أنا أرحم الراحمین ، أخرجوا برحمتی ، فیخرجون کما یخرج الفراش ، قال: ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): ثم مدت العُمُد وأعمدت علیهم ، وکان والله الخلود. انتهی .

ورواه فی تفسیر نور الثقلین:5/523 عن مجمع البیان عن العیاشئ .

والمقصود بأهل التوحید الذین تشملهم الشفاعة فی هذه الروایة ، المسلمون الذین ارتضی الله دینهم وأماتهم علی التوحید.. فقد ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) أن بعض أصحاب المعاصی والانحرافات الکبیرة ، یسلب منهم التوحید قبل موتهم ، والعیاذ بالله ! !

ص: 223

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل جمیع الخلق !

مجموعة الرسائل لابن تیمیة:1/10:

أجمع المسلمون علی أن النبی(ص) یشفع للخلق یوم القیامة بعد أن یسأله الناس ذلک ، وبعد أن یأذن الله فی الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علی ما اتفقت علیه الصحابة . . . أنه یشفع لأهل الکبائر ویشفع أیضاً لعموم الخلق . . . أما الوعیدیة من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هی للؤمنین خاصة . . . ومنهم من أنکر الشفاعة مطلقاً . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه یشفع فی أهل الکبائر ولا یخلد أحد فی النار .

ولکن ابن باز لم یأخذ بفتوی إمامه ابن تیمیة فقال فی فتاویه:4/368:

إن المشرک إذا مات علی شرکه فهو مخلد فی النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلک مثل الذی یعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الکواکب... أو یعبد الأموات ومن یسمونهم بالأولیاء ، أو یستغیث بهم ویطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم ، مثل قول بعضهم: یا سیدی فلان المدد المدد، یا سیدی البدوی المدد المدد ... أو یا سیدی رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو یا سیدی الحسین أو یا فاطمة أو یا ست زینب ، أو غیر ذلک ممن یدعوه المشرکون . . . وهذا کله من الشرک الأکبر ، فإذا مات علیه صاحبه صار من أهل النار. انتهی .

فإن عجبت فاعجب لإبن تیمیة إمام الوهابیین حیث یحکم بدخول إبلیس وقابیل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق! ولإمامهم المعاصر ابن

ص: 224

باز حیث یحکم بأن ملایین المسلمین الذین یدعون الله تعالی ویطلبون من أولیائه مدداً مما أعطاهم الله تعالی کلهم ( مشرکون ) مخلدون فی النار أبد الآباد !!

مجمع الزوائد:10/379:

وعن أنیس الأنصاری قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: إنی لاشفع یوم القیامة فی کل شئ مما علی وجه الأرض من حجر ومدر. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه أحمد بن عمرو صاحب علی بن المدینی ویعرف بالقلوری ولم أعرفه ، وبقیة رجاله وثقوا علی ضعف فی بعضهم. انتهی. ورواه ابن عبد البر فی الاستیعاب:1/114 والدیلمی فی فردوس الأخبار:1/93 ح 174 عن بریدة الاسلمی وفیه ( لاکثر مما علی وجه الأرض من حجر ومدر ) .

الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردویه عن عبدالرحمن بن میمون أن کعباً دخل یوماً علی عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثنی إلی ما تنتهی شفاعة محمد یوم القیامة ؟ ! فقال کعب: قد أخبرک الله فی القرآن أن الله یقول ( ما سلککم فی سقر إلی قوله الیقین ) قال کعب: فیشفع یومئذ حتی یبلغ من لم یصل صلاة قط ویطعم مسکیناً قط ومن لم یؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم یبق أحد فیه خیر ! ) انتهی .

وإذا أراد کعب بقوله ( حتی یبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبی یشفع حتی یبلغ هؤلاء فیشفع لهم أیضاً ، فلم یبق أحد فی النار ! وإن أراد أنه یبلغهم

ص: 225

ویقف عندهم ، فمعناه أن کعباً لا یشترط لشمول الشفاعة إلا الإیمان بیوم الدین ، وعملاً واحداً من الأعمال المذکورة !

کنز العمال:14/511 عن ابن عساکر:

عن أنس أن رسول الله(ص)قال: والذی نفسی بیده ! إنی لسید الناس یوم القیامة ولا فخر ، وإن بیدی لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ، ینادی الله یومئذ آدم فیقول: یا آدم ، فیقول لبیک رب وسعدیک ، فیقول: أخرج من ذریتک بعث النار ، فیقول: یا رب وما بعث النار ؟ فیقول: من کل ألف تسعمائة وتسعة وتسعین ، فیخرج ما لا یعلم عدده إلا الله ، فیأتون آدم فیقولون: یا آدم أنت أکرمک الله وخلقک بیده ، ونفخ فیک وروحه وأسکنک جنته، وأمر الملائکة فسجدوا لک ، فاشفع لذریتک أن لا تحرق الیوم بالنار ، فیقول آدم: لیس ذلک إلیِّ الیوم ، ولکن سأرشدکم ، علیکم بنوح فیأتون نوحاً فیقولون: یا نوح إشفع لذریة آدم فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم ولکن علیکم بعبد اصطفاه الله بکلامه ورسالته وصنع علی عینه وألقی علیه محبة منه موسی وأنا معکم ، فیأتون موسی فیقولون: یا موسی أنت عبد اصطفاک الله برسالته وبکلامه وصنعت علی عینه وألقی علیک محبة منه إشفع لذریة آدم لا

ص: 226

تحرق الیوم بالنار ، فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم علیکم بروح الله وکلمته عیسی فیأتون عیسی فیقولون: یا عیسی أنت روح الله وکلمته إشفع لذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ، فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم ولکن سأرشدکم علیکم بعبد جعله الله رحمة للعالمین أحمد وأنا معکم ، فیأتون أحمد فیقولون: یا أحمد جعلک الله رحمة للعالمین إشفع لذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ، فأقول: نعم أنا صاحبها فآتی حتی آخذ بحلقة باب الجنة فیقال: من هذا أحمد ؟ فیفتح لی فإذا نظرت إلی الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً ، ثم یفتح لی من التحمید والثناء علی الرب شیئاً لا یفتح لاحد من الخلق ثم یقال: إرفع رأسک سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار فیقول الرب جل جلاله: إذهبوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال قدر قیراط من إیمان فأخرجوه !

ثم یعودون إلیَّ فیقولون: ذریة آدم لا یحرقون الیوم بالنار فآتی حتی آخذ بحلقة الجنة فیقال: من هذا ؟ فأقول أحمد ، فیفتح لی فإذا نظرت الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً مثل سجودی أول مرة ومثله معه فیفتح لی من الثناء علی الرب والتحمید مثل ما فتح لی أول مرة ، فیقال: إرفع رأسک سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ! فیقول الرب: إذهبوا من وجدتم فی قلبه مثقال دینار من إیمان فأخرجوه !

ثم آتی حتی أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلی الجبار عز جلاله خررت ساجداً فأسجد کسجودی أول مرة ومثله معه فیفتح لی من الثناء والتحمید مثل ذلک ثم یقال: إرفع رأسک وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ! فیقول الرب: إذهبوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال ذرة من إیمان فأخرجوه فیخرجون ما لا یعلم عدده إلا الله ویبقی أکثر. ثم یؤذن لادم فی الشفاعة فیشفع لعشرة آلاف ألف ثم یؤذن للملائکة والنبیین فیشفعون ثم یؤذن للمؤمنین فیشفعون وإن المؤمن یشفع یومئذ لاکثر من ربیعة ومضر. انتهی .

ومن الواضح أن هذه الروایة تطرح ذریة آدم کلهم موضوعاً للشفاعة ،

ص: 227

ولکنها (تحتاط ) من التصریح بشمول الشفاعة لهم ، علی عکس الروایات والآراء المتقدمة التی صرحت بشمول الشفاعة لجمیع الخلق !

وإذا کان هذا الرأی یحتاج إلی رد ، فإن ما تقدم فی أدلة الرأی الموافق لمذهبنا ، وما تقدم فی نقد الآراء التوسیعیة السابقة کاف لرده .

الرأی الرابع أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً وأن جهنم تفنی وینقل أهلها إلی الجنة !

وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولکن بحثناها هنا لذکر الشفاعة فی کثیر من روایاتها .

وأول من قال من المسلمین بفناء النار هو الخلیفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به عدد من المذاهب الکلامیة. ولکن

أکثر المتعصبین لعمر لم یأخذوا بقوله هذا ، ماعدا ابن تیمیة وبعض تلامیذه ، کما ستری !

قال السیوطی فی الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر (رض) قال: لو لبث أهل النار فی النار کقدر رمل عالج لکان لهم یوم علی ذلک یخرجون فیه. انتهی. ورواه الشوکانی فی فتح القدیر:2/658 وغیره ، وعالج: منطقة رملیة فی بین صحراء نجد والبحرین .

ص: 228

آراء المسلمین فی آیات الخلود وأحادیثه

من عادة الکلامیین والمفسرین عندما یجدون قولاً لصحابی یحبونه مخالفاً لآیات محکمة وأحادیث صریحة ، کمسألتنا هذه أنهم یحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عدیدة متضاربة متناقضة ، ویؤیدونها بروایات کثیرة متضاربة أیضاً ، وکأن واحدهم متحیرٌ یکتب للناس تحیره ویستغیث بهم ! أو کأن هدفه بدل التفسیر والتوضیح ترویض ذهن القارئ وتدویخه لکی یقبل التناقض الذی یرید إقناعه به !

وموضوعنا هذاواحدٌ من هذه الموضوعات التی اتبع فیها المفسرون السنیون هذه السیاسة .

وتفادیاً لذلک نقدم رأی أهل البیت (علیهم السّلام) وعلماء مذهبهم فی المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخری ، لیعرف الباحث من أین جاء الخلل إلی الرواة السنیین ومصادرهم فی تفسیر آیات الله تعالی ، وتفسیر أقوال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فإن المیزان الشرعی لکل الاراء والأحادیث عند الجمیع هو القرآن والمتفق علیه من السنة..ویضاف الیه عندنا ماثبت عن المفسرین الشرعیین للقرآن بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین هم عترته بصریح قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( إنی تارک فیکم الثقلین: کتاب الله وعترتی وإنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ) وحدیث الثقلین صحیح عند الجمیع .

ص: 229

أجمع المسلمون علی خلود الکفار فی جهنم

الإعتقادات للصدوق/53:

باب الإعتقاد فی الجنة والنار: قال الشیخ أبو جعفر(رحمه الله): اعتقادنا فی الجنة: أنها دار البقاء ودار السلامة ، لا موتٌ فیها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر. وأنها دار الغنی ودار السعادة ، ودار المقامة ودار الکرامة ، لا یمس أهلها نصب ولا یمسهم فیها لغوب ، لهم فیها ما تشتهی الانفس وتلذ الأعین وهم فیها خالدون. وأنها دارٌ أهلها جیران الله تعالی وأولیاؤه وأحباؤه وأهل کرامته .

وهم أنواع علی مراتب: منهم المتنعمون بتقدیس الله وتسبیحه وتکبیره فی جملة ملائکته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآکل والمشارب والفواکه والأرائک وحور العین واستخدام الولدان المخلدین والجلوس علی النمارق والزرابی ولباس السندس ، کلٌّ منهم إنما یتلذذ بما یشتهی ویرید ، علی حسب ما تعلقت همته ، ویعطی ما عبد الله من أجله .

وقال الصادق(علیه السّلام): إن الناس یعبدون الله علی ثلاثة أصناف: فصنف منهم یعبدون شوقاً إلی جنته ورجاء ثوابه ، فتلک عبادة الخدام ، وصنف منهم یعبدونه خوفاً من ناره ، فتلک عبادة العبید ، وصنف منهم یعبدونه حباً له ، فتلک عبادة الکرام ، وهم الامناء ، وذلک قوله عز وجل: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ .

واعتقادنا فی النار: أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الکفر والعصیان ، ولا یخلد فیها إلا أهل الکفر والشرک .

ص: 230

الإعتقادات/81:

واعتقادنا فی قتلة الأنبیاء (علیهم السّلام) وقتلة الأئمة المعصومین (علیهم السّلام) أنهم کفار مشرکون مخلدون فی أسفل درک من النار. ومن اعتقد بهم غیر ما ذکرناه ، فلیس عندنا من دین الله فی شئ .

تفسیر الإمام العسکری (علیه السّلام)/578:

قال الله تعالی: وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ ، کان عذابهم سرمداً دائماً ، وکانت ذنوبهم کفراً ، لا تلحقهم شفاعة نبی ولا وصی ، ولا خیِّر من خیار شیعتهم .

التبیان فی تفسیر القرآن:2/524:

الخلود فی اللغة هو طول المکث ، ولذلک یقال: خلده فی السجن وخلد الکتاب فی الدیوان . وقیل للأثافی: خوالد مادامت فی موضعها ، فإذا زالت لا تسمی خوالد .

والفرق بین الخلود والدوام: أن الخلود یقتضی ( فی ) کقولک خلد فی الحبس ولا یقتضی ذلک الدوام ، ولذلک جاز وصفه تعالی بالدوام دون الخلود .

إلا أن خلود الکفار المراد به التأبید بلا خلاف بین الأمة ... ومعنی خلودهم فیها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من ألیم العقاب ، فأما من لیس بکافر من فساق أهل الصلاة فلا یتوجه إلیه الوعید بالخلود ، لأنه لا یستحق إلا عقاباً منقطعاً به ، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم ، لأنه لو کان کذلک

ص: 231

لأدی إلی اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد. والإجماع بخلافه .

الطهارة للشیخ الأنصاری/388:

ومن ذلک یعلم الجواب عما دل من الأخبار علی عدم قبول توبته ، مثل قوله (علیه السّلام): من رغب عن الإسلام وکفر بما أنزل علی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا توبة له وقد وجبت علیه وبانت منه امرأته ، ویقسم ما ترک علی ولده. هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ینافی الإسلام ، ودعوی المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود فی النار وهو ینافی الإسلام ، مدفوع بأنه لا إجماع علی خلود الکافر فی النار مطلقاً حتی مثل هذا بعد التوبة .

هذا مضافاً إلی معارضتها مع عمومات قبول التوبة ، حیث أن ظاهرها القبول فیما یتعلق بأمر الآخرة من العقاب ، فتدل بظاهرها علی أن المرتد تقبل توبته ولا یخلد فی النار بعد التوبة ، بل یدخل الجنة فیکون مسلماً ، للإجماع علی خلود الکافر فی النار .

فکما یمکن تقیید هذه بغیر المرتد الفطری کذلک یمکن تقیید مثل الروایة والأخبار المستفیضة بعدم قبول التوبة فی دفع ما یحکم علیه بحدث الکفر من مفارقة المال والزوجةوالحیاة. وبعد التعارض یجب الرجوع إلی الأصل.

هذا مضافاً إلی قول الباقر(علیه السّلام)المروی فی باب إعادة الحج: من کان مؤمناً فحج وعمل فی إیمانه خیراً ثم أصابته فتنة فکفر ثم تاب وآمن ؟ قال: یحسب له کل عمل صالح عمله فی إیمانه ولا یبطل منه شئ .

هذا کله مع أن لنا أن نکتفی بالأصل ، ونستدل علی طهارته بما دل علی

ص: 232

طهارة المسلمین .

الروایات التی توافق هذا الرأی عند إخواننا السنیین

صحیح البخاری:7/203:

عن أنس (رض) قال قال رسول الله (ص): یجمع الله الناس یوم القیامة فیقولون لو استشفعنا علی ربنا حتی یریحنا من مکاننا ؟ فیأتون آدم فیقولون أنت الذی خلقک الله بیده ونفخ فیک من روحه وأمر الملائکة فسجدوا لک فاشفع لنا عند ربنا ، فیقول: لست هناکم ویذکر خطیئته ویقول: إئتوا نوحاً أول رسول بعثه الله فیأتونه فیقول: لست هناکم ، ویذکر خطیئته ، إئتوا إبراهیم الذی اتخذه الله خلیلاً، فیأتونه فیقول:لست هناکم ، ویذکر خطیئته ، ائتوا موسی الذی کلمه الله فیأتونه فیقول: لست هناکم ، فیذکر خطیئته ، إئتوا عیسی فیأتونه فیقول: لست هناکم ، إئتوا محمداً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فیأتونی فأستأذن علی ربی فإذا رأیته وقعت ساجداً فیدعنی ما شاء الله ثم یقال: إرفع رأسک ، سل تعطه ، قل یسمع ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسی فأحمد ربی بتحمید یعلمنی ثم أشفع فیحد لی حداً ، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فأقع ساجداً مثله فی الثالثة أو الرابعة حتی ما بقی فی النار إلا من حبسه القرآن. وکان قتادة یقول عند هذا: أی وجب علیه الخلود. انتهی .

وقد روت مصادر السنیین عبارة ( إلا من حبسه القرآن ) وفسرتها روایاتهم ومفسروهم بالتأبید . .

ص: 233

وممن رواها البخاری فی:8/183 کما تقدم

ورواها أیضاً فی:5/147 وفیه ( إلا من حبسه القرآن ووجب علیه الخلود. ثم قال البخاری: إلا من حبسه القرآن یعنی قول الله تعالی: خَالِدِینَ فِیهَا ) .

وقال فی:7/203 ( إلا من حبسه القرآن ، وکان قتادة یقول عند هذا: أی وجب علیه الخلود ) .ورواها فی:8 من/173 ( إلا من حبسه القرآن ووجب علیه الخلود ) .

وفی:8/184: إلا من حبسه القرآن ، أی وجب علیه الخلود. انتهی .

ورواها مسلم فی:1/124 وص 125 وأحمد:3/116 وص 244 مثل روایة البخاری الاخیرة .ورواها ابن ماجة:2/1443 ، وکنز العمال:14 /397 عن أحمد والبیهقی والترمذی وغیرهم .

سنن الترمذی:4/95:

باب ما جاء فی خلود أهل الجنة وأهل النار: عن أبی هریرة أن رسول الله (ص)قال: یجمع الله الناس یوم القیامة فی صعید واحد ثم یطلع علیهم رب العالمین فیقول ألا یتبع کل إنسان ما کانوا یعبدون . . .

فإذا أدخل الله تعالی أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتی بالموت ملبباً فیوقف علی السور الذی بین أهل الجنة وأهل النار ، ثم یقال: یا أهل الجنة فیطلعون خائفین ثم یقال: یا أهل النار فیطلعون مستبشرین یرجون الشفاعة ، فیقال لأهل الجنة ولاهل النار: هل تعرفون هذا ؟ فیقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الذی وکل بنا ، فیضجع فیذبح ذبحاً علی السور ، ثم یقال: یا أهل الجنة خلود لا موت ، ویا أهل النار خلود لا موت. هذا حدیث

ص: 234

حسن صحیح. ورواه أحمد فی:2/368 .

مستدرک الحاکم:4/496:

فإذا أراد الله عز وجل أن لا یخرج منها أحد غیر وجوههم وألوانهم ، قال فیجی الرجل فینظر ولا یعرف أحداً فینادیه

الرجل فیقول: یا فلان أنا فلان ، فیقول: ما أعرفک ، فعند ذلک یقول: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فیقول عند ذلک: إخسؤوا فیها ولا تکلمون ، فإذا قال ذلک أطبقت علیهم فلا یخرج منهم بشر. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

الدر المنثور:1/166:

وأخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة فی قوله: وما هم بخارجین من النار قال: أولئک أهلها الذین هم أهلها .

وأخرج ابن أبی حاتم من طریق الأوزاعی قال سمعت ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار یأملون الخروج منها حتی نزلت: وما هم بخارجین من النار .

الدر المنثور:2/163:

وأخرج ابن أبی حاتم عن سعید بن جبیر فی قوله: وإن تک حسنة ، وزن ذرة زادت علی سیآته یضاعفها ، فأما المشرک فیخفف به عنه العذاب ولا یخرج من النار أبداً .

الدر المنثور:6/257:

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم

ص: 235

وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذکر عنده الدجال فقال: یفترق ثلاث فرق فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشیح، وفرقة تأخذ شط الفرات فیقاتلهم ویقاتلونه حتی یجتمع المؤمنون بقری الشام . . . وما یترک فیها أحداً فیه خیر ، فإذا أراد الله أن لا یخرج منها أحداً غیر وجوههم وألوانهم ، فیجی الرجل من المؤمنین فیشفع فیقال له من عرف أحداً فیخرجه فیجی الرجل فینظر فلا یعرف أحداً فیقول الرجل للرجل یا فلان أنا فلان فیقول ما أعرفک فیقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فیقول إخسؤوا فیها ولا تکلمون ، فإذا قال ذلک أطبقت علیهم فلم یخرج منهم بشر .

مجمع الزوائد:10/395:

باب الخلود لأهل النار فی النار وأهل الإیمان فی الجنة. عن أنس قال قال رسول الله (ص): یؤتی بالموت یوم القیامة کأنه کبش أملح فیوقف بین الجنة والنار ثم ینادی مناد: یا أهل الجنة فیقولون لبیک ربنا ، قال فیقال: هل تعرفون هذا ؟ فیقولون نعم ربنا هذا الموت ، فیذبح کما یذبح الکبش ، فیأمن هؤلاء وینقطع رجاء هؤلاء. رواه أبو یعلی والطبرانی فی الأوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحیح غیر نافع بن خالد الطاحی وهو ثقة .

وعن معاذ بن جبل أن رسول الله(ص)بعثه إلی الیمن فلما قدم علیه قال: یا أیها الناس إنی رسول رسول الله(ص)إلیکم یخبرکم أن المرد إلی الله، وإلی جنة أو

نار ، خلود بلا موت ، وإقامة بلا ظعن .

ص: 236

الدر المنثور:3/350:

وأخرج البیهقی فی البعث والنشور عن ابن عباس فی قوله: إلا ما شاء ربک ، قال فقد شاء ربک أن یخلد هؤلاء فی النار ، وأن یخلد هؤلاء فی الجنة .

وأخرج أبو الشیخ عن السدی فی قوله: فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا . . . الآیة ، قال: فجاء بعد ذلک من مشیئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدینة: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِیَهْدِیَهُمْ طَرِیقًا . . إلی آخر الآیة ، فذهب الرجاء لأهل النار أن یخرجوا منها وأوجب لهم خلود الابد. وقوله وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا.. الآیة قال: فجاء بعد ذلک من مشیئة الله ما نسخها فأنزل بالمدینة: وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ..إلی قوله ظلاً ظلیلاً ، فأوجب لهم خلود الأبد .

الأحکام فی الحلال والحرام:1/35:

وأن من دخل الجنة أو النار من الأبرار والفجار فإنه غیر خارج من أیهما ، صار إلیها وحل بفعله فیها أبد الأبد ، لا ما یقول الجاهلون من خروج المعذبین من العذاب المهین إلی دار المتقین ومحل المؤمنین ، وفی ذلک ما یقول رب العالمین: خالدین فیها أبداً ، ویقول عز وجل: یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ .

ففی کل ذلک یخبر أن کل من دخل النار فهو مقیم فیها ، غیر خارج منها من بعد مصیره إلیها ، فنعوذ بالله من الجهل والعمی .

ص: 237

سبب خلود أهل النار فیها

الکافی:2/85:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقری ، عن أحمد بن یونس ، عن أبی هاشم قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إنما خلد أهل النار فی النار ، لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو خلدوا فیها أن یعصوا الله أبداً ، وإنما خلد أهل الجنة فی الجنة لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو بقوا فیها أن یطیعوا الله أبداً ، فبالنیات خلد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالی: قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ، قال علی نیته. ورواه الصدوق فی الهدایة/12 وفی علل الشرائع:2/523 والعیاشئ فی تفسیره:2/316 والبرقی فی المحاسن:2/36 .

آیات الخلود فی الجنة والنار

وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 39 .

بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ .

وَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 81-82 .

خَالِدِینَ فِیهَا لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ یُنْظَرُونَ . البقرة-162 .

ص: 238

وَمَنْ یَرْتَدِدْ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَیَمُتْ وَهُوَ کَافِرٌ فَأُولَئِکَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 217 .

وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلی الظُّلُمَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ البقرة : 257 .

الَّذِینَ یَاکُلُونَ الرِّبَا لا یَقُومُونَ إِلا کَمَا یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطَهُ الشَّیْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَی فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إلی اللَّهِ وَ مَنْ عَادَ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 275 .

أُولَئِکَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَیْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ خَالِدِینَ فِیهَا لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ إِلا الَّذِینَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ. آل عمران : 87 - 89 .

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا وَ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . آل عمران-116 .

وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِیهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِینٌ . النساء : 14 .

وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِیمًا . النساء : 93 .

ص: 239

قَالَ النَّارُ مَثْوَاکُمْ خَالِدِینَ فِیهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ . الأنعام : 128 .

وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَاسْتَکْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . الأعراف : 36 .

أُولَئِکَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَ فِی النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ . التوبة : 17 .

أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ یُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِیهَا ذَلِکَ الْخِزْیُ الْعَظِیمُ . التوبة : 63 .

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْکُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا هِیَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ . التوبة : 68 .

وَالَّذِینَ کَسَبُوا السَّیِّئَاتِ جَزَاءُ سَیِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ کَأَنَّمَا أُغْشِیَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّیْلِ مُظْلِمًا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . یونس : 27 .

ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ . وَیَسْتَنْبِئُونَکَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِی وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ . یونس : 52 - 53 .

ص: 240

فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیهَا زَفِیرٌ وَ شَهِیقٌ . خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِمَا یُرِیدُ . وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ . هود : 106 - 108

أُولَئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِکَ الْأَغْلالُ فِی أَعْنَاقِهِمْ وَ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . الرعد : 5 .

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . النحل-29 .

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وِزْرًا. خَالِدِینَ فِیهِ وَ سَاءَ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ حِمْلا . طه : 100 - 101 .

إِنَّکُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ، لَوْ کَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ کُلٌّ فِیهَا خَالِدُونَ . الأنبیاء : 98 - 99 .

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِیهَا کَالِحُونَ . أَلَمْ تَکُنْ آیَاتِی تُتْلَی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِهَا تُکَذِّبُونَ . المؤمنون : 103 - 105 .

وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . السجدة : 14 .

خَالِدِینَ فِیهَا أَبَدًا لا یَجِدُونَ وَلِیًّا وَلا نَصِیرًا . الأحزاب : 65 .

ص: 241

قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . الزمر : 72 .

قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . غافر : 76

ذَلِکَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِیهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ . فصلت : 28

إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ . وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ کَانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ وَنَادَوْا یَا مَالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنَا رَبُّکَ قَالَ إِنَّکُمْ مَاکِثُونَ . الزخرف : 74 - 77

وَلَهُمْ فِیهَا مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ کَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِی النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِیمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ . محمد : 15

لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . المجادلة : 17

فَکَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِی النَّارِ خَالِدَیْنِ فِیهَا وَ ذَلِکَ جَزَاءُ الظَّالِمِینَ . الحشر : 17

وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِینَ فِیهَا وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ . التغابن - 10

وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا أَبَدًا . الجن : 23

ص: 242

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَ الْمُشْرِکِینَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا أُولَئِکَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّةِ . البینة : 6

إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخِرَةِ ذَلِکَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِکَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ . یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَسَعِیدٌ . فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیهَا زَفِیرٌ وَشَهِیقٌ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِمَا یُرِیدُ . وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ . هود : 103 - 108

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللهِ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَ لَوْ یَرَی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِیعًا وَ أَنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ . إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا کَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ کَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا کَذَلِکَ یُرِیهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَیْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ .البقرة : 165-167 .

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِیَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ یَوْمِ الْقِیَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ . یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ . المائدة : 36 - 37

ص: 243

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادرنا

تقدم رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی شمول الشفاعة للمسلمین بشروط، وأوردنا فیه حدیث ابن أبی عمیر عن الإمام الکاظم(علیه السّلام)من توحید الصدوق/407 وفیه ( لا یخلد الله فی النار إلا أهل الکفر والجحود والضلال والشرک... ) انتهی. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:8/351 ووصف الشیخ الأنصاری فی مکاسبه/335 روایته بأنها حسنة .

بحار الأنوار:8/361:

عیون أخبار الرضا: فیما کتب الرضا(علیه السّلام)للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا یدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة ، ولا یخرج من النار کافراً وقد أوعده النار والخلود فیها ، ومذنبو أهل التوحید یدخلون النار ویخرجون منها ،

والشفاعة جائزة لهم .

بحار الأنوار:8/366:

قال العلامة(رحمه الله)فی شرحه علی التجرید: أجمع المسلمون کافة علی أن عذاب الکافر مؤبد لا ینقطع ، واختلفوا فی أصحاب الکبائر من المسلمین ، فالوعیدیة علی أنه کذلک ، وذهبت الإمامیة وطائفة کثیرة من المعتزلة والأشاعرة إلی أن عذابه منقطع ، والحق أن عقابهم منقطع لوجهین:

الأول: أنه یستحق الثواب بإیمانه لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ ، والإیمان أعظم أفعال الخیر ، فإذا استحق العقاب بالمعصیة فإما یقدم

ص: 244

الثواب علی العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإیمان دائم علی ما تقدم ، أو بالعکس وهو المراد ، والجمع محال .

الثانی: یلزم أن یکون من عبَد الله تعالی مدة عمره بأنواع القربات إلیه ، ثم عصی فی آخر عمره معصیة واحدة مع بقاء إیمانه ، مخلداً فی النار ، کمن أشرک بالله مدة عمره ! وذلک محال لقبحه عند العقلاء .

الکافی للحلبی/481:

إن قیل: فإذا کان الوعید ثابتاً بکل معصیة ومن جملته صریح الخلود والتأبید ، کیف یتم لکم ما تذهبون الیه من انقطاع عقاب بعض العصاة ؟.

قیل: ثبوت الوعید علی کل معصیة لا ینافی قولنا فی عصاة أهل القبلة ، لأنا نقول بموجبه ، وإنما نمنع من دوامه لغیر الکفار ، وثبوته منقطعاً یجوز سقوطه بأحد ما ذکرناه ، ولا یمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حیث کان الإجماع حاصلاً باستحقاق العقاب دون دوامه . . . وإنما یعلم به دوام عقاب الکفر .

الکافی للحلبی/492:

وأهل النار من الأولین والآخرین ضربان: کفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض علی بعض بحسب کفره، وفساق مقطوع علی خروجهم من النار بعفو مبتدأ ، أو عند شفاعة ، أو انتهاء عقابهم إلی غایة مستحقه ، وحالهم فی مراتب التعذیب بحسب عصیانهم. ولا یجوز أن یبلغ عقابهم فی العظم عقاب الکفار ، لإقتران ما استحقوا به العقاب من المعصیة بالمعرفة بالمعصی تعالی والخوف منه والرجاء لفضله ، وتسویف التوبة ، وانتفاء ذلک أجمع

ص: 245

عن عصیان الکفار. ولا سبیل إلی العلم بمقدار إقامتهم فیها .

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادر السنیین

صحیح البخاری:1/195:

عن أبی هریرة: أن الناس قالوا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة ؟

قال: هل تمارون فی القمر لیلة البدر لیس دونه سحاب ؟ قالوا لا ، یا رسول الله. قال: فهل تمارون فی الشمس لیس دونها سحاب ؟ قالوا لا ، قال: فإنکم ترونه کذلک. یحشر الناس یوم القیامة فیقول: من کان یعبد شیئاً فلیتبع ، فمنهم من یتبع الشمس ، ومنهم من یتبع القمر ، ومنهم من یتبع الطواغیت. وتبقی هذه الأمة فیها منافقوها فیأتیهم الله عز وجل فیقول أنا ربکم ! فیقولون: هذا مکاننا حتی یأتینا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فیأتیهم الله فیقول أنا ربکم، فیقولون: أنت ربنا! فیدعوهم فیضرب الصراط بین ظهرانی جهنم، فأکون أول من یجوز من الرسل بأمته ، ولا یتکلم یومئذ أحد إلا الرسل ، وکلام الرسل یومئذ: اللهم سلم سلم ، وفی جهنم کلالیب مثل شوک السعدان ، هل رأیتم شوک السعدان ؟ قالوا نعم ، قال: فإنها مثل شوک السعدان غیر أنه لا یعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من یوبق بعمله ومنهم من یخردل ثم ینجو ، حتی إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائکة أن یخرجوا من کان یعبد الله فیخرجونهم ویعرفونهم بآثار السجود وحرم الله علی النار أن تأکل أثر السجود ، فیخرجون من النار ، فکل ابن آدم تأکله النار إلا أثر السجود ،

ص: 246

فیخرجون من النار قد امتحشوا ، فیصب علیهم ماء الحیاة فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل . . . ورواه البخاری أیضاً فی:7/205 .

صحیح البخاری:1/16:

عن أنس عن النبی(ص)قال: یخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفی قلبه وزن شعیرة من خیر ، ویخرج من النار من قال لا إله الا الله وفی قلبه وزن برة من خیر ، ویخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفی قلبه وزن ذرة من خیر ، قال أبو عبد الله قال أبان ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس عن النبی (ص): من إیمان ، مکان خیر .

صحیح البخاری:7/202:

عن جابر (رض) أن النبی(ص)قال: یخرج من النار بالشفاعة کأنهم الثعاریر ! قلت: ما الثعاریر ؟ قال الضغابیس ! وکان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دینار: أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله یقول: سمعت النبی(ص)یقول: یخرج بالشفاعة من النار ؟ قال: نعم .

حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالک عن النبی (ص) قال: یخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع فیدخلون الجنة فیسمیهم أهل الجنة الجهنمیین . . .

عن أبی سعید الخدری (رض) أن النبی(ص)قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار یقول الله: من کان فی قلبه مثقال حبة من خردل من إیمان فأخرجوه ، فیخرجون قد امتحشوا وعادوا حمماً ، فیلقون فی نهر الحیاة

ص: 247

فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل ، أو قال حمیة السیل ، وقال النبی (ص): ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتویة .

وفی/203:

عمران بن حصین (رض) عن النبی(ص)قال: یخرج قوم من النار بشفاعة محمد(ص)فیدخلون الجنة ، یسمون الجهنمیین .

سنن النسائی:2/229:

عن الزهری ، عن عطاء بن یزید قال: کنت جالساً إلی أبی هریرة وأبی سعید فحدث أحدهما حدیث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتی الملائکة فتشفع وتشفع الرسل ، وذکر الصراط ، قال قال رسول الله (ص): فأکون أول من یجیز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بین خلقه ، وأخرج من النار من یرید أن یخرج أمر الله الملائکة والرسل أن تشفع ، فیعرفون بعلاماتهم أن النار تأکل کل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود ، فیصب علیهم من ماء الجنة فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل .

الدر المنثور:3/349:

أما قوله فمنهم شقی وسعید ، فهم قوم من أهل الکبائر من أهل هذه القبلة یعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ، ثم یأذن فی الشفاعة لهم ، فیشفع لهم المؤمنون فیخرجهم من النار فیدخلهم الجنة ، فسماهم أشقیاء حین عذبهم فی النار. فأما الذین شقوا ففی النار لهم فیها زفیر وشهیق خالدین فیها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربک ، حین أذن فی الشفاعة لهم

ص: 248

وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، وهم هم. وأما الذین سعدوا یعنی بعد الشقاء الذی کانوا فیه ، ففی الجنة خالدین فیها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربک ، یعنی الذین کانوا فی النار .

الدر المنثور:2/280:

قوله تعالی ( إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ) الایتین: أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: یخرج من النار قوم فیدخلون الجنة ، قال یزید بن الفقیر: فقلت لجابر بن عبد الله: یقول الله یریدون أن یخرجوا من النار وما هم بخارجین منها ؟ قال: أتل أول الآیة: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِیَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ یَوْمِ الْقِیَامَةِ ، ألا إنهم الذین کفروا .

وأخرج البخاری فی الأدب المفرد وابن مردویه والبیهقی فی الشعب عن طلق بن حبیب قال: کنت من أشد الناس تکذیباً للشفاعة ، حتی لقیت جابر بن عبدالله فقرأت علیه کل آیة أقدر علیها یذکر الله فیها خلود أهل النار ، قال: یا طلق أتراک أقرأ لکتاب الله وأعلم لسنة رسول الله(ص)منی ؟ ! إن الذین قرأت هم أهلها هم المشرکون ، ولکن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها ، ثم أهوی بیده إلی أذنیه فقال: صمَّتا إن لم أکن سمعت رسول الله(ص)یقول: یخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ کما قرأت .

وأخرج ابن جریر عن عکرمة أن نافع بن الازرق قال لابن عباس: وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا ؟ فقال ابن عباس: ویحک إقرأ ما فوقها ، هذه للکفار .

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة قال: إن الله إذا فرغ من القضاء بین خلقه

ص: 249

أخرج کتاباً من تحت عرشه فیه: رحمتی سبقت غضبی وأنا أرحم الراحمین قال فیخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو قال مثلی أهل الجنة ، مکتوب هاهنا منهم ، وأشار إلی نحره عتقاء الله تعالی.

فقال رجل لعکرمة: یا أبا عبدالله فإن الله یقول: یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا ؟ قال: ویلک أولئک هم أهلها الذین هم أهلها .

الدر المنثور:2/111:

ابن جریر والحاکم عن عمرو بن دینار قال: قدم علینا جابر بن عبد الله فی عمرة فانتهیت إلیه أنا وعطاء فقلت: وما هم بخارجین من النار ؟ قال: أخبرنی رسول الله(ص)أنهم الکفار ، قلت لجابر فقوله: إنک من تدخل النار فقد أخزیته ؟ قال وما أخزاه حین أحرقه بالنار ؟ ! وإن دون ذلک خزیاً .

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن شاهین فی السنة عن علی بن أبی طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الکبائر من موحدی الأمم کلها الذین ماتوا علی کبائرهم غیر نادمین ولا تائبین ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعینهم ولا تسود وجوههم ، ولا یقرنون بالشیاطین ولا یغلون بالسلاسل ، ولا یجرعون الحمیم ولا یلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم علی الخلود من أجل التوحید . . . الخ. وقد تقدم ذلک فی روایات الرأی الثانی القائل بأن التوحید وحده کاف لدخول الجنة ، وأن الموحدین کلهم یخرجون من جهنم ویدخلون الجنة ، ویسمون الجهنمیین ، ویلاحظ کثرة روایات الجهنمیین فی مصادر السنیین.

ص: 250

الإمام الصادق للشیخ محمد أبی زهرة/227:

اتفقت الإمامیة علی أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة لم یخلد فی العذاب . . . وإن هذا الرأی . . . یتفق مع رأی الجمهور . . . وقد نسبه إلیه ( الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام) ) أبو جعفر القمی...

شرح مسلم للنووی:1/69:

لا یخلد فی النار أحد مات علی التوحید ، وهذه قاعدة متفق علیها عند أهل السنة .

روایات فی الصحاح تقول بخلود الموحدین فی النار

ولکن توجد فی مصادر السنیین أحادیث تعارض الإجماع المذکور والأحادیث المتقدمة ، وتنص علی خلود بعض الأصناف من أهل القبلة فی جهنم !

کالذی رواه النسائی فی:4/66:

عن أبی هریرة ، عن النبی(ص)قال: من تردی من جبل فقتل نفسه فهو فی نار جهنم یتردی خالداً مخلداً فیها أبداً. ومن تحسَّی سماً فقتل نفسه فسمه فی یده یتحساه فی نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً . ومن قتل نفسه بحدیدة . . . کانت حدیدته فی یده یجأ بها فی بطنه فی نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً. ورواه أحمد فی:2/254 وبعضه أبو داود فی:2/222 .

ص: 251

وکالذی رواه الدارمی فی:2/266:

عن أبی أمامة أن رسول الله(ص)قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بیمینه فقد أوجب الله له النار ، وحرم علیه الجنة. فقال له رجل: وإن کان شیئاً یسیراً یا رسول الله ! قال: وإن قضیبا من أراک !!

والذی رواه ابن ماجة فی:2/876 ح 2623:

عن أبی شریح الخزاعی قال: قال رسول الله (ص): من أصیب بدم أو خبل ( والخبل الجرح ) فهو بالخیار بین إحدی ثلاث ، فإن أراد الرابعة فخذوا علی یدیه: أن یقتل ، أو یعفو ، أو یأخذ الدیة. فمن فعل شیئاً من ذلک فعاد ، فإن له نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً. انتهی .

والذی رواه الطبرانی فی المعجم الکبیر:12/8:

عن ابن عباس: ومن یقتل مؤمناً متعمداً قال: لیس لقاتل توبة ما نسختها آیة !

وقال النیسابوری فی الوسیط:2/96: وقوله: فجزاؤه جهنم خالداً فیها..إلی آخر الآیة ، وعیدٌ شدیدٌ لمن قتل مؤمناً متعمداً حرم الله قتله وحظر سفک دمه ، وقد وردت فی قتل المؤمن أخبار شداد ، فإن ابن عباس سأله رجل فقال: رجل قتل مؤمناً متعمداً ؟ فقال ابن عباس: جزاؤه جهنم خالداً فیها ، قال: فإن تاب وآمن وعمل صالحاً ؟ فقال ابن عباس: وأَنَّی له التوبة ، وقد سمعت نبیکم یقول: ویحٌ له قاتل المؤمن...

عن القاسم بن أبی بزة أنه سأل سعیداً: هل لمن قتل مؤمناً توبة ؟ فقال لا... وعن حمید عن أنس عن النبی قال: إن الله أبی أن یجعل لقاتل المؤمن

ص: 252

توبة... وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: والذی نفسی بیده لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنیا . . .

ومذهب أهل السنة: أن قاتل المؤمن عمداً له توبة ، عن عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله: ألقاتل المؤمن توبة ؟ فقلت لک توبة ، لکی لا یلقی بیده إلی التهلکة. انتهی .

ولکن هذه الروایة التی استندوا علیها عن ابن عباس تؤکد عدم قبول توبته ، ولا تدل علیها ! فلا بد لهم من طرح روایات خلود قاتل المسلم فی النار وأمثالها ، والقول بأن روایاته تشدیدٌ من الرواة لتخویف القاتل فی مجتمع کان یستسهل القتل !

وقد حاول النووی تأویلها فقال فی شرح مسلم:9 جزء 17/83:

وأما قوله تعالی: وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا ، فالصواب فی معناها أن جزاؤه جهنم ، وقد یجازی به وقد یجازی بغیره ، وقد لا یجازی بل یعفی عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغیر حق ولا تأویل فهو کافر مرتد ، یخلد به فی جهنم بالإجماع . . . ثم أخبر أنه لا یخلد من مات موحداً فیها ، فلا یخلد هذا ولکن قد یعفی عنه فلا یدخل النار أصلاً . . . انتهی .

وقد تضمنت محاولة النووی عدة وجوه ضعیفة ، أقواها: القول بأن القاتل عمداً یخرج بقتله عن التوحید فیجری علیه حکم المشرک فی الآخرة .

ونحن نعتقد بصحة الأحادیث التی تقول إن بعض الأعمال توجب سلب التوحید من صاحبها قبل الموت ، فلا یموت علی التوحید کما سیأتی ، ولکن ذلک یحتاج

فی موردنا إلی دلیل .

ص: 253

ما دل من مصادرنا علی أن الدار الآخرة لا موت فیها

بحار الأنوار:8/349:

الکافی: علی ، عن أبیه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وساق الحدیث فی مراتب خلق الأشیاء یغلب کل واحد منها الآخر حیث بغی وفخر ، إلی أن قال: ثم إن الإنسان طغی وقال: من أشد منی قوة ؟ فخلق الله له الموت وقهره وذل الإنسان ، ثم إن الموت فخر فی نفسه ، فقال الله عز وجل لا تفخر فإنی ذابحک بین الفریقین أهل الجنة وأهل النار، ثم لا أحییک أبداً فترجی أو تخاف.. الحدیث .

تذنیب: إعلم أن خلود أهل الجنة فی الجنة مما أجمع علیه المسلمون ، وکذا خلود الکفار فی النار ودوام تعذیبهم ، قال شارح المقاصد: أجمع المسلمون علی خلود أهل الجنة فی الجنة وخلود الکفار فی النار .

فإن قیل: القوی الجسمانیة متناهیة ، فلا یعقل خلود الحیاة ، وأیضاً الرطوبة التی هی مادة الحیاة تفنی بالحرارة سیما حرارة نار جهنم ، فیفضی إلی الفناء ضرورة ، وأیضاً دوام الإحراق مع بقاء الحیاة خروج عن قضیة العقل !

قلنا: هذه قواعد فلسفة غیر مسلمة عند الملیین ، ولا صحیحة عند القائلین بإسناد الحوادث إلی القادر المختار، علی تقدیر تناهی القوی وزوال الحیاة، لجواز أن یخلق الله البدل فیدوم الثواب والعقاب، قال الله تعالی: کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَیْرَهَا لِیَذُوقُوا الْعَذَابَ .

ص: 254

تفسیر القمی:2/50:

وقال علی بن إبراهیم فی قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الأَمْرُ وَهُمْ فِی غَفْلَةٍ وَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ . ، فإنه حدثنی أبی ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی ولاد الحناط ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال سئل عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ ؟ قال: ینادی مناد من عند الله ، وذلک بعد ما صار أهل الجنة فی الجنة وأهل النار فی النار: یا أهل الجنة ویا أهل النار هل تعرفون الموت فی صورة من الصور ؟ فیقولون لا ، فیؤتی بالموت فی صورة کبش أملح ، فیوقف بین الجنة والنار ، ثم ینادون جمیعاً: أشرفوا وانظروا إلی الموت فیشرفون ، ثم یأمر الله به فیذبح ، ثم یقال: یا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً ، ویا أهل النار خلود فلا موت أبداً. وهو قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الأَمْرُ وَهُمْ فِی غَفْلَةٍ. أی قضی علی أهل الجنة بالخلود ، وعلی أهل النار بالخلود فیها .

ما دل من مصادر السنیین علی أن الدار الآخرة لا موت فیها

صحیح البخاری:7/200:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): إذا صار أهل الجنة إلی الجنة وأهل النار إلی النار ، جی بالموت حتی یجعل بین الجنة والنار ، ثم یذبح ، ثم ینادی مناد: یا أهل الجنة لا موت ، یا أهل النار لا موت ، فیزداد أهل الجنة فرحاً إلی فرحهم ویزداد أهل النار حزناً إلی حزنهم. ورواه أحمد فی:

ص: 255

2/118 وص 120 وص 121 .

وفی مسند أحمد:2/130:

عن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله(ص)قال: یدخل أهل الجنة الجنة ، قال أبی وحدثناه سعد قال: یدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ثم یقوم مؤذن بینهم فیقول: یا أهل الجنة لا موت ، ویا أهل النار ، لا موت ، کل خالد فیما هو فیه. ورواه الترمذی فی:4/95 .

وفی الدر المنثور:4/272:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن مردویه عن ابن مسعود (رض) فی قوله: وأنذرهم یوم الحسرة إذ قضی الأمر ، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار یأتی الموت فی صورة کبش أملح حتی یوقف بین الجنة والنار ، ثم ینادی منادی أهل الجنة: هذا الموت الذی کان یمیت الناس فی الدنیا ، ولا یبقی أحد فی علیین ولا فی أسفل درجة من الجنة إلا نظر إلیه ، ثم ینادی یا أهل النار هذا الموت الذی کان یمیت الذی فی الدنیا ، فلا یبقی أحد فی ضحضاح من النار ولا فی أسفل درک من جهنم إلا نظر إلیه ، ثم یذبح بین الجنة والنار ، ثم ینادی یا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدین ، ویا أهل النار هو الخلود أبد الآبدین ، فیفرح أهل الجنة فرحة لو کان أحد میتاً من فرحة ماتوا ، ویشهق أهل النار شهقة لو کان أحد میتاً من شهقة ماتوا ، فذلک قوله: وأنذرهم یوم الحسرة إذ قضی الأمر ، یقول إذا ذبح الموت .

وقال الرازی فی تفسیره:13 جزء 26/139:

ص: 256

إن أهل الجنة لا یعلمون فی أول دخولهم فی الجنة أنهم لا یموتون ، فإذا جی بالموت علی صورة کبش أملح وذبح ، فعند ذلک یعلمون أنهم لا یموتون .

وقال فی الأحادیث القدسیة:1/160:

شرح حدیث ذبح الموت وأنه یؤتی بالموت یوم القیامة فیوقف علی الصراط . . الخ. وإنه لا مانع عقلاً من أن یخلق الله تعالی الموت علی صوررة حیوان ویوقف ویذبح . . . ونحن نؤمن بما ثبت عن رسول الله ، ولا نبحث عن کیفیة تحقیقه .انتهی .

عودة إلی رأی عمر بفناء النار

فی هذا الجو من آیات الخلود فی النار وإجماع المسلمین علی خلود الجنة والنار . . نری الخلیفة عمر من دون الصحابة یخالف المتفق علیه بین الجمیع ویقول بفناء النار وانتهائها ، ونقل أهلها إلی الجنة !!

وقد أخذ الخلیفة ذلک من بعض أحبار الیهود الذین کان یثق بعلمهم ، لأن من مقولاتهم أن الله تعالی وعد یعقوب بأن لا یدخل أبناءه إلی النار إلا تحلة القسم ، وأن النار أساساً عمرها قصیر ثم تنتهی وتهلک !!

وقد تقدم عنهم ذلک فی تفسیر قوله تعالی ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ) فی فصل الشفاعة عند الیهود !!

ونظراً لغرابة هذا الرأی حاول البعض التشکیک فی نسبته إلی الخلیفة عمر ،

ص: 257

ولکنه ثابت عنه عند المحدثین والمؤرخین والمتکلمین کما تقدم ویأتی ! وأکثر أتباع الخلیفة لا یعرفون رأیه هذا ، فبعضهم ینکره . . وبعضهم (یستحی ) به . . ولکن بعضهم تجرأ وکتب رداً علیه !

قال فی مقدمة فتح القدیر:1/9:

للشوکانی مؤلفات ، منها کتاب نیل الأوطار شرح منتقی الأخبار ... وکشف الأستار فی إبطال القول بفناء النار. انتهی .

وأکثر المتحمسین لتأیید رأی عمر ابن قیم الجوزیة فی رسالته حادی الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تیمیة. ومن المتأخرین الشیخ محمد رشید رضا فی تفسیر المنار:8/68

حیث أورد فی کتابه رسالة ابن قیم کاملة ، وهی تبلغ نحو خمسین صفحة ، ولم یأت صاحب المنار بجدید سوی المدح والغلو فی ابن قیم . . لأنه مفکر إسلامی نابغة استطاع أن یحل المشکلة ویثبت رأی الخلیفة بخمس وعشرین دلیلاً !

وتدور رسالة ابن قیم علی محور واحد هو أن النار تفنی کما یخرب السجن فلا یبقی محل لأهلها إلا أن ینقلوا إلی الجنة ، وهو کلامٌ لم یقله عمر !!

قال ابن قیم وهو یعدد الأقوال فی الخلود فی جهنم:

السابع: قول من یقول بل یفنیها ربها وخالقها تبارک وتعالی ، فإنه جعل لها أمداً تنتهی إلیه ، ثم تفنی ویزول عذابها .

قال شیخ الإسلام ( ابن تیمیة ): وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبی هریرة وأبی سعید وغیرهم ، وقد روی عبد بن حمید وهو من أجل

ص: 258

أئمة الحدیث فی تفسیره المشهور: حدثنا سلیمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن ، قال قال عمر: لو لبث أهل النار فی النار کقدر رمل عالج ، لکان لهم علی ذلک یوم یخرجون فیه .

وقال: حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حمید ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار فی النار عدد رمل عالج ، لکان لهم یوم یخرجون فیه. ذکر ذلک فی تفسیر ثابت عند قوله تعالی (لابِثِینَ فِیهَا أَحْقَابًا ) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ ، وعلماء السنة عن هذین الجلیلین سلیمان بن حرب وحجاج بن منهال ، وکلاهما عن حماد بن سلمة وحسبک به ، وحماد یرویه عن ثابت وحمید وکلاهما یرویه عن الحسن وحسبک بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم یسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعین ، ولو لم یصح عنده ذلک عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب ، ولو قدر أنه لم یحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غیر مقابلین له بالإنکار والرد ، مع أنهم ینکرون علی من خالف السنة بدون هذا ، فلو کان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لکتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة ، لکانوا أول منکر له .

قال: ولا ریب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلک جنس أهل النار الذین هم أهلها ، فأما قوم أصیبوابذنوبهم فقد علم هؤلاء وغیرهم أنهم یخرجون منها ، وأنهم لا یلبثون قدر رمل عالج ولا قریباً منه ، ولفظ أهل النار لا یختص (یقصد لا یطلق ) بالموحدین بل یختص بمن عداهم ، کما قال النبی (ص) ( أما أهل النار الذین هم أهلها فهم لا یموتون فیها ولا یحیون ) ولا یناقض هذا قوله تعالی ( خَالِدِینَ فِیهَا ) وقوله ( وَمَا

ص: 259

هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِینَ ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذی لا یقع خلافه. لکن إذا انقضی أجلها وفنیت کما تفنی الدنیا ، لم تبق ناراً ولم یبق فیها عذاب ). انتهی .

وقد استدل ابن قیم علی رأی الخلیفة عمر بخمس وعشرین وجهاً ! لا نطیل الکلام بسردها وردها ، لأنها ماعدا واحد منها وجوه خطابیة استحسانیة ، ولیست علمیة ، ویکفی فی جوابها جمیعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآیات والأحادیث المتقدمة الدالة علی خلود بعض الفجار فی النار ، ولا علی معارضة الإجماع الذی تقدم من الفریقین !

أما الوجه الذی یحسن التعرض له فهو قول ابن القیم:

فصل. والذین قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:

أحدها: اعتقاد الإجماع ، فکثیر من الناس یعتقدون أن هذا مجمع علیه بین الصحابة والتابعین ، لا یختلفون فیه ، وأن الإختلاف فیه حادث ، وهو من أقوال أهل البدع .

الطریق الثانی: أن القرآن دل علی ذلک دلالة قطعیة ، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقیم ، وأنه لا یفتر عنهم ، وأنه لن یزیدهم إلا عذاباً ، وأنهم خالدون فیها أبداً ، وما هم بخارجین من النار ، وما هم منها بمخرجین ، وأن الله حرم الجنة علی الکافرین ، وأنهم لا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ، وأنهم لا یقضی علیهم فیموتوا ، ولا یخفف عنهم من عذابها ، وأن عذابها کان غراماً أی مقیماً لازماً . . قالوا وهذا یفید القطع بدوامه واستمراره .

الطریق الثالث: أن السنة المستفیضة أخبرت بخروج من کان فی قلبه مثقال

ص: 260

ذرة من إیمان دون الکفار، وأحادیث الشفاعة من أولها إلی آخرها صریحة فی خروج عصاة الموحدین من النار ، وأن هذا حکم مختص بهم فلو خرج الکفار منها لکانوا بمنزلتهم ولم یختص الخروج بأهل الإیمان .

الطریق الرابع: أن الرسول وقفنا علی ذلک وعلمناه من دینه بالضرورة من غیر حاجة بنا إلی نقل معین ، کما علمنا من دینه دوام الجنة وعدم فنائها .

الطریق الخامس: أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنیان بل هما دائمتان ، وإنما یذکرون فناءهما عن أهل البدع .

الطریق السادس: أن العقل یقضی بخلود الکفار فی النار. وهذا مبنی علی قاعدة وهی أن المعاد وثواب النفوس المطیعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما یعلم بالعقل أو لا یعلم إلا بالسمع فیه طریقتان لنظار المسلمین ، وکثیر

منهم یذهب إلی أن ذلک یعلم بالعقل مع السمع کما دل علیه القرآن فی غیر موضع کإنکاره سبحانه علی من زعم أنه یسوی بین الأبرار والفجار فی المحیا والممات ، وعلی من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إلیه لا یرجعون وأنه یترکهم سدی أی لا یثیبهم ولا یعاقبهم ، وذلک یقدح فی حکمته وکماله وأنه نسبة إلی ما لا یلیق به. وربما قرروه بأن النفوس البشریة باقیة واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت علیها لما رأت العذاب فلم تندم علیها لقبحها أو کراهة ربها لها ، بل لو فارقها العذاب رجعت کما کانت أولاً قال تعالی (وَلَوْ تَرَی إِذْ وُقِفُوا عَلَی النَّارِ فَقَالُوا یَا لَیْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُکَذِّبَ بِآیَاتِ رَبِّنَا وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا کَانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ ) فهؤلاء قد

ص: 261

ذاقوا العذاب وباشروه ولم یزل سببه ومقتضیه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم یفارقها بحیث لو ردوا لعادوا کفاراً کما کانوا ، وهذا یدل علی أن دوام تعذیبهم یقضی به العقل کما جاء به السمع .انتهی .

ثم قال ابن قیم:

قال أصحاب الفناء علی هذه الطرق یبین الصواب فی هذه المسألة:

فأما الطریق الأول فالإجماع الذی ادعیتموه غیر معلوم وإنما یظن الإجماع فی هذه المسألة من لم یعرف النزاع

وقد عرف النزاع بها قدیماً وحدیثاً ، بل لو کلف مدعی الإجماع أن ینقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلی الواحد أنه قال إن النار لا تفنی أبداً لم یجد إلی ذلک سبیلاً ، ونحن قد نقلنا عنهم التصریح بخلاف ذلک ، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلک ، بل التابعون حکوا عنهم هذا وهذا ، قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق علیهما ونوع ثالث مختلف فیه ، ولم یوجد واحد منها فی هذه المسألة:

النوع الأول ما یکون معلوماً من ضرورة الدین کوجوب أرکان الإسلام وتحریم المحرمات الظاهرة .

الثانی ما ینقل عن أهل الإجتهاد التصریح بحکمه .

الثالث أن یقول بعضهم القول وینشر فی الأمة ولا ینکره أحد. فأین معکم واحد من هذه الانواع ، ولو أن قائلاً ادعی الإجماع من هذه الطریق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ینکر أحد منهم علیه ، لکان أسعد بالإجماع منکم !

قالوا: وأما الطریق الثانی وهو دلالة القرآن علی بقاء النار وعدم فنائها ، فأین

ص: 262

فی القرآن دلیل واحد یدل علی ذلک ، نعم الذی دل علیه القرآن أن الکفار خالدون فی النار أبداً ، وأنهم غیر خارجین منها ، وأنه لا یفتر عنهم من عذابها ، وأنهم لا یموتون فیها ، وأن عذابهم فیها مقیم ، وأنه غرام أی لازم لهم. وهذا کله مما لا نزاع فیه بین الصحابة والتابعین وأئمة المسلمین ، ولیس هذا مورد النزاع ، وإنما النزاع فی أمر آخر ( !! ) وهو أنه هل النار أبدیة أو مما کتب علیه الفناء ؟ وأما کون الکفار لا یخرجون منها ، ولا یفتر عنهم من عذابها ، ولا یقضی علیهم فیموتوا ، ولا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ، فلم یختلف فی ذلک الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة. وإنما خالف فی ذلک من قد حکینا أقوالهم من الیهود ( ! ! ) والاتحادیة وبعض أهل البدع، وهذه النصوص وأمثالها تقتضی خلودهم فی دار العذاب مادامت باقیة ولا یخرجون منها مع بقائها البتة کما یخرج أهل التوحید منها مع بقائها ، فالفرق کالفرق بین من یخرج من الحبس وهو حبس علی حاله ، وبین من یبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه .

قالوا: وأما الطریق الثالث وهو مجی السنة المستفیضة بخروج أهل الکبائر من النار دون أهل الشرک، فهی حق لا شک فیه ، وهی إنما تدل علی ما قلناه من خروج الموحدین منها وهی دار عذاب لم تفن ، ویبقی المشرکون فیها ما دامت باقیة. والنصوص دلت علی هذا وعلی هذا .

قالوا: وأما الطریق الرابع وهو أن رسول الله(ص)وقفنا علی ذلک ضرورة، فلا ریب أنه من المعلوم من دینه بالضرورة أن الکفار باقون فیها ما دامت باقیة ، هذا معلوم من دینه بالضرورة، وأما کونها أبدیة لا انتهاء لها ولا تفنی کالجنة فأین فی القرآن والسنة دلیل واحد یدل علی ذلک !! انتهی .

ص: 263

وقد ذکر فی 79: قول أهل السنة (إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنیان أبداً فلا ریب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمیة ) وأجاب علیه بقوله ( فقولکم إنه من أقوال أهل البدع کلام من لا خبرة له بمقالات بنی آدم وآرائهم واختلافهم . . . ) انتهی .

ونلاحظ أن ابن قیم اعترف بأن الذین نفوا خلود النار هم الیهود والإتحادیة من الوثنیین والمادیین ، ثم قام بتغییر موضوع النزاع فی المسألة ، لکی یوفق بین إجماع المسلمین علی الخلود فی النار وبین قول عمر بفنائها ، وعمدة ماقاله: إنه لا مانع أن نقول خالدین فیها إذا لم تخرب ، کما نقول مؤبدٌ فی السجن مادام السجن موجوداً ولم یخرب. یرید بذلک أن أهل النار إنما ینقلون إلی الجنة بسبب خرابها !

ولو سلمنا هذا المنطق فی المسألة ، فأین دلیله علی خراب السجن أو جهنم؟ !

یکفی لرد ذلک أنه لو کان له أصلٌ فی الإسلام لکثرت فیه الآیات والأحادیث !

ولو کان له أصلٌ لاحتج به الخلیفة ، وذکر ولو کلمةً عن فناء النار ، وما اقتصر علی رمل عالج !!

إن فذلکات ابن قیم وأمثاله لا یمکنها أن تقاوم ما تقدم من الآیات والأحادیث والإجماع ، ولا أن تقلب معانی ألفاظ اللغة فتلغی معنی الدوام والتأبید والخلود وتجعلها کلها لزمن محدود ینتهی .

وقد اغتر بهذه الفذلکة بعضهم وقال: لیس فی اللغة العربیة کلمة للوقت

ص: 264

الممتد بلا انقطاع ! وخیر جواب لهؤلاء أن نسألهم: إذا أردتم التعبیر بالعربیة عن هذا المعنی فبماذا تعبرون ؟ فلابد أنهم سیستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبید والخلود..وهی المواد التی استعملها القرآن والحدیث !!

الجهمیة أخذت من الخلیفة عمر

قال الأشعری فی مقالات الإسلامیین/148:

واختلفت المرجئة فی تخلید الله الکفار . . . فقالت الفرقة الأولی منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنیان وتبیدان ویفنی أهلهما ... وأنه لا یجوز أن یخلد الله أهل الجنة فی الجنة ، وأهل النار فی النار !!

وفی/279:

والذی تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبیدان وتفنیان !

تأویلات أهل السنة/75-76:

الرد علی الجهمیة فی قولهم بفناء الجنة وما فیها ، وقوله وَهُمْ فِیهَا خَالِدُونَ أی مقیمون أبداً ، فالآیة ترد علی الجهمیة قولهم لأنهم یقولون بفناء الجنة... لکن ذلک وهمٌ عندنا ، لأن الله تعالی هو الأول بذاته . . والباقی بذاته ، والجنة وما فیها باقیة بغیرها. إن الله تعالی جعل الجنة داراً مطهرة عن المعایب کلها . . ولو کان آخرها للفناء لکان فیها أعظم المعایب إذ المرء لا یهنأ بعیش إذا نقص علیه بزواله. فلو کان آخره للزوال کانت نعمته منغصه علی أهلها . . .

ص: 265

تأویلات أهل السنة/121:

الرد علی الجهمیة فی قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فیهما: وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ، تنقض علی الجهمیة قولهم . . . فلو کانت الجنة تفنی وینقطع ما فیها لکان فیها خوف وحزنٌ لأن من خاف فی الدنیا زوال النعمة عنه وفوتها یحزن علیه . . فأخبر عز وجل أن لا خوف علیهم فیها ، خوف التبعة ولا حزن فوات النعمة ، ولا هم یحزنون ، دل علی أنها باقیة وأن نعیمها دائم لا یزول ، وکذلک أخبر عز وجل أن الکفار فی النار خالدون .

والمرجئة أخذوا من عمر

تاریخ الإسلام للذهبی:13/160:

وکان أبو المطیع فیما نقل الخطیب من رؤوس المرجئة.. وذکروا عنه أنه کان یقول: الجنة والنار خلقتا وستفنیان ، وهذا کلام جهم .

وابن العاص أخذ من عمر

فتح القدیر للشوکانی:2/658:

عن ابن عمرو قال: لیأتین علی جهنم یوم تصفق فیه أبوابها لیس فیها أحد. ثم قال صاحب الکشاف: ما کان لابن عمرو فی سیفیه ومقاتلته بهما علیاً ما یشغله عن تسییر هذا الحدیث ! انتهی.

ویقصد الزمخشری أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوی هذا الحدیث لا

ص: 266

یوثق به ، لأنه کان مبغضاً لعلی(علیه السّلام)وقد قاتله فی صفین بسیفین ، وکان الأولی به أن یکتفی بفعلته تلک ولا ینقل مثل هذه الأحادیث الخارجة عن إجماع المسلمین !

قال فی هامش اختیار معرفة الرجال:1/157: وقال فی الکشاف: وماظنک بقوم نبذوا کتاب الله لما روی لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص: لیأتین علی جهنم یوم تصفق فیه أبوابها لیس فیها أحد وذلک بعدما یلبثون أحقابا. وبلغنی أن من الضلال من اغتر بهذا الحدیث فاعتقد أن الکفار لا یخلدون فی النار ، وهذا ونحوه والعیاذ بالله من الخذلان المبین زادنا الله هدایة إلی الحق ومعرفة

بکتابه وتنبهاً علی أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم یخرجون من حر النار إلی برد الزمهریر ، فذلک خلق جهنم وصفق أبوابها ، وأقول: أما کان لابن عمرو فی سیفیه ومقاتلته بهما علی بن أبی طالب (رض) ما یشغله عن تسییر هذا الحدیث. انتهی قول الکشاف .

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر وأبو الشیخ عن إبراهیم قال: ما فی القرآن آیة أرجی لأهل النار من هذه الآیة: خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ قال وقال ابن مسعود: لیأتین علیها زمان تخفق أبوابها .

ص: 267

وفی تفسیر التبیان:6/68 وروی عن ابن مسعود أنه قال: لیأتین علی جهنم زمان تخفق أبوابها لیس فیها أحد ، وذلک بعد أن یلبثوا فیها أحقاباً .

والشعبی أخذ من عمر

تفسیر التبیان:6/68:

وقال الشعبی: جهنم أسرع الدارین عمراناً ، وأسرعهما خراباً .

ویلاحظ علی روایاتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبی أن جهنم تبقی ولکن تفرغ وینقل أهلها إلی الجنة ! وهذا هو موضوع کلام عمر ، لا ماادعاه ابن قیم !

والمعتزلة أخذت من عمر

الملل والنحل للشهرستانی - هامش الفصل:1/64:

الخامسة: قوله ( أبو الهذیل ) إن حرکات أهل الخلدین تنقطع ، وإنهم یصیرون إلی سکون دائم خموداً ، وتجتمع اللذات فی ذلک السکون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام فی ذلک السکون لأهل النار .

والجاحظ أخذ من عمر

الملل والنحل - هامش الفصل:1 جزء 1/95:

أقوال الجاحظ التی انفرد بها عن أصحابه..منها: قوله فی أهل النار إنهم لا

ص: 268

یخلدون فیها عذاباً ، بل یصیرون إلی طبیعة النار .

وابن عربی والجیلی أخذاً من عمر

قال فی تفسیر المنار:8/70:

ویدخل فیه أنها تفنی کما تقول الجهمیة ، أو تتحول إلی نعیم کما قال الشیخ محیی الدین بن العربی وعبد الکریم الجیلی من الصوفیة .

أما عمر فقد أخذ من کعب الأحبار والیهود

سیرة ابن هشام:2/380:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ

قال ابن إسحاق: وحدثنی مولی لزید بن ثابت عن عکرمة أو عن سعید ابن جبیر عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدینة والیهود تقول: إنما مدة الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنما یعذب الله الناس فی النار بکل ألف سنة من أیام الدنیا یوماً واحداً فی النار من أیام الآخرة ، وإنما هی سبعة أیام ثم ینقطع العذاب !!

فأنزل الله فی ذلک من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ ، أی من عمل بمثل أعمالکم وکفر بمثل ما کفرتم به حتی یحیط کفره بماله عند الله من حسنة ، فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . أی خلداً أبداً. وَالَّذِینَ آمَنُوا

ص: 269

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ أی من آمن بما کفرتم به وعمل بما ترکتم من دینه فلهم الجنة خالدین فیها ، یخبرهم أن الثواب بالخیر والشر مقیم علی أهله أبداً ، ولا انقطاع له .

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآیة. أخرج ابن إسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والواحدی عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون مدة الدنیا سبعة آلاف سنة . . . الخ. ورواه فی مجمع الزوائد: 6/314 .

تفسیر التبیان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، وإنما لم یبین عددها فی التنزیل، لأنه تعالی أخبر عنهم بذلک وهم عارفون بعدد الایام التی یوقتونها فی النار ، فلذلک نزل تسمیة عدد الایام وسماها معدودة لما وصفنا .

وقال أبو العالیة وعکرمة والسدی وقتادة: هی أربعون یوماً. ورواه الضحاک عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الایام التی عبدوا فیها العجل .

وقال ابن عباس: إن الیهود تزعم أنهم وجدوا فی التوراة مکتوباً إن ما بین طرفی جهنم مسیرة أربعین سنة ، وهم یقطعون مسیرة کل سنة فی یوم واحد ، فإذا انقطع المسیر انقطع العذاب ، وهلکت النار !!

قال السیوطی فی الدر المنثور:6/285:

ص: 270

وأخرج ابن مردویه عن عبد الرحمن بن میمون أن کعباً دخل یوماً علی عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثنی إلی ما تنتهی شفاعة محمد یوم القیامة ؟ فقال کعب قد أخبرک الله فی القرآن إن الله یقول: ما سلککم فی سقر . . . إلی قوله الیقین قال کعب: فیشفع یومئذ حتی یبلغ من لم یصل صلاة قط ، ویطعم مسکیناً قط ، ومن لم یؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم یبق أحد فیه خیر ! انتهی .

وقد ذکرنا أن کلام کعب هذا یحتل وجهین لأن قوله: حتی یبلغ ، وقوله فإذا بلغت ، قد یقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المکذبین بیوم الدین الذین لم یفعلوا خیراً قط ! فلا یبقی أحد فی النار وتنتهی. وقد یقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فیکون کلامه توسیعاً لها لکل المؤمنین بالبعث من غیر المسلمین !

ولایبعد أن یکون هدف کعب القول بدخول الجمیع الجنة وفناء النار ، لأن ذلک من مقولات الیهود کما رأیت ! ویکون قصده أن سؤال أهل الیمین للمجرمین: ماسلککم فی سقر ؟ إنما هو مقدمةٌ لاخراجهم من النار.. وبشفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد یتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخلیفة عمر بأنه أخذ هذه العقیدة من کعب الأحبار ، ولکن الذی یقرأ احترام عمر لاحبار الیهود والنصاری ولکعب الأحبار خاصة حتی قبل إسلام کعب . . لا یستبعد ذلک بل یطمئن الیه ، ویحسن مراجعة ما کتبناه فی ذلک موثقاً فی کتاب تدوین

ص: 271

القرآن ، وأن الخلیفة عمر کان یدرس عند الیهود فی المدینة فی حیاة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن النبی نهاه عن عن ذلک ولم یمتثل ! ونذکر هنا بعض النصوص التی تکشف ثقته العالیة بکعب ، والمقام العظیم الذی یحتله کعب فی ذهنه وعواطفه !

عمر ینظر إلی کعب کأنه نبی ویتلقی منه

یلاحظ الباحث تعاملاً فریداً للخلیفة عمر مع کعب الأحبار ، وأنه کان یحترمه أکثر من کل صحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویفضله علیهم علمیاً وسیاسیاً ، ویسأله عن عوالم الغیب والشهادة والأنبیاء والجنة والنار وتفسیر القرآن ، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصی ویثق به ثقةً مطلقة ویقبل منه.. شبیهاً بتعامل الصحابی المؤمن مع نبیه الذی ینزل علیه الوحی !

قال السیوطی فی الدر المنثور:3/6:

وأخرج ابن جریر عن أبی المخارق زهیر بن سالم قال قال عمر لکعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه ؟ فقال کعب: کتب الله کتاباً لم یکتبه قلم ولا مداد ،ولکن کتب بإصبعه یتلوها الزبرجد واللؤلؤ والیاقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتی غضبی !!

وقال أحمد فی مسنده:1/42:

قال عمر یعنی لکعب: إنی أسألک عن أمر فلا تکتمنی ، قال: والله لا أکتمک شیئاً أعلمه قال: ما أخوف شئ تخوفه علی أمة محمد ؟ قال أئمة مضلین. قال عمر: صدقت قد أسرَّ ذلک الیَّ وأعلمنیه رسول الله(ص). ورواه

ص: 272

الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/239 وقال: رجاله ثقات .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصری أن عمر قال لکعب: ما عدن ؟ قال: هو قصر فی الجنة لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل .

وقال فی:5/347:

عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب (رض) قال: یا کعب ما عدن ؟ قال: قصور من ذهب فی الجنة یسکنها النبیون والصدیقون وأئمة العدل .

وقال فی کنز العمال:12/560:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثنی یا کعب عن جنات عدن. قال: نعم یا أمیر المؤمنین قصور فی الجنة لا یسکنها إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حکم عدل ، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لاهلها ، وأما الصدیقون فقد صدقت الله ورسوله ، وأما الحکم العدل فإنی أرجو الله أن لا أحکم بشئ إلا لم آل فیه عدلاً ، وأما الشهادة فأ نَّی لعمر بالشهادة ؟ !-ابن المبارک وأبو ذر الهروی فی الجامع .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/57:

وأخرج عبد بن حمید عن الحسن (رض) أن عمر قال لکعب: ما عدن ؟ قال: هو قصر فی الجنة لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل .

وأخرج ابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن مجاهد

ص: 273

(رض) قال: قرأ عمر (رض) علی المنبر جنات عدن ، فقال: أیها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له عشرة آلاف باب ، علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین ، لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید!

وقال فی الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمید عن قتادة (رض) . . . فی قوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ قال إن عمر بن الخطاب (رض) قال: یا کعب ما عدن ؟ قال: قصور من ذهب فی الجنة یسکنها النبیون والصدیقون وأئمة العدل .

معجم ما استعجم:2/74:

الحثمة: بفتح أوله وإسکان ثانیة: صخرات بأسفل مکة بها ربع عمر بن الخطاب. روی عنه مجاهد أنه قرأ علی المنبر: جنات عدن فقال: أیها الناس أتدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له خمسة آلاف باب علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین لا یدخله إلا نبی ، وهنیئاً لصاحب القبر وأشار إلی النبی(ص)، أو صدیق وهنیئاً لأبی بکر وأشار إلی قبره ، أو شهید وأنی لعمر بالشهادة وإن الذی أخرجنی من منزلی بالحثمة قادر أن یسوقها إلی !! انتهی .

وفی هذه الروایة دلالة علی أن کعباً استطاع أن یقنع عمر أن مقصوده بالنبی والصدیق والشهید الذین یسکنون عدن: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأبا بکر وعمر، وأن کعباً کان من المخططین لقتله !

وقال فی الدر المنثور:5/306:

ص: 274

قوله تعالی: یَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأَرْضِ الآیة. أخرج الثعلبی من طریق العوام بن حوشب قال حدثنی رجل من قومی شهد عمر (رض) أنه سأل طلحة والزبیر وکعباً وسلمان: ماالخلیفة من الملک ؟ قال طلحة والزبیر: ما ندری ، فقال سلمان (رض): الخلیفة الذی یعدل فی الرعیة ، ویقسم بینهم بالسویة ، ویشفق علیهم شفقة الرجل علی أهله ویقضی بکتاب الله تعالی. فقال کعب: ما کنت أحسب أحداً یعرف الخلیفة من الملک غیری !

وفی کنز العمال:12/567:

عن طبقات ابن سعد: عن سفیان بن أبی العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدری أخلیفة أنا أم ملک ؟ فإن کنت ملکاً فهذا أمر عظیم ، قال قائل یا أمیر المؤمنین إن بینهما فرقاً ، قال ما هو ؟ قال: الخلیفة لا یأخذ إلا حقاً ولا یضعه إلا فی حق ، فأنت بحمد الله کذلک ، والملک یعسف الناس فیأخذ من هذا ویعطی هذا ، فسکت عمر ( ابن سعد ) .

وقال فی کنز العمال:12/573:

عن کعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدک بالله یا کعب أتجدنی خلیفة أم ملکاً ؟ قال بل خلیفة ، فاستحلفه فقال کعب: خلیفة والله من خیر الخلفاء ، وزمانک خیر زمان-نعیم بن حماد فی الفتن .

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر کعباً عن آیات أول سورة الحدید فقال: معناها إن علمه بالأول کعلمه بالاخر ، وعلمه بالظاهر کعلمه بالباطن ! انتهی .

ص: 275

کنز العمال:2/488:

عن عمر قال: ذکر النبی(ص)یوم القیامة فعظم شأنه وشدته ، قال: ویقول الرحمن لداود(علیه السّلام): مرَّ بین یدی ، فیقول داود: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی ، فیقول: مرِّ خلفی ، فیقول: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی فیقول: خذ بقدمی ! فیأخذ بقدمه عز وجل فیمر !! قال فتلک الزلفی التی قال الله تعالی: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآبٍ! ورواه السیوطی فی الدر المنثور: 5/305 عن ابن مردویه .

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الدیلمی عن عمر (رض) قال: قال رسول الله (ص): لا ینبغی لأحد أن یقول إنی أعبد من داود !

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حمید ، عن السدی بن یحیی ، قال حدثنی أبو حفص رجل قد أدرک عمر بن الخطاب: إن الناس یصیبهم یوم القیامة عطش وحر شدید فینادی المنادی داود فیسقی علی رؤس العالمین ، فهو الذی ذکر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَ حُسْنَ مَآبٍ ! انتهی .

ومن الواضح أن هذه الروایات عن داود(علیه السّلام)من مقولات الیهود وکعب الأحبار ولکن الخلیفة عمر یقبلها منه ، والرواة ینسبونها إلی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

کنز العمال:14/146:

ص: 276

عن سعید بن المسیب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب فی إتیان بیت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمنی فلما تجهز جاءه فقال له عمر: إجعلها عمرة !

مجمع الزوائد:9/65:

عن عمر بن ربیعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلی کعب الأحبار فقال: یا کعب کیف تجد نعتی ؟ قال: أجد نعتک قرن من حدید. قال: وما قرن من حدید ؟ قال: أمیر شدید لا تأخذه فی الله لومة لائم. قال: ثم مه ؟ قال: ثم یکون من بعدک خلیفة تقتله فئة .

تاریخ الطبری:1/459:

عن أشعث عن سالم النصری قال: بینما عمر بن الخطاب یصلی ویهودیان خلفه، وکان عمر إذا أراد أن یرکع خوی ، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو ؟ قال فلما انفتل عمر قال: أرأیت قول أحدکما لصاحبه أهو هو ؟ فقالا: إنا نجد فی کتابنا قرناً من حدید یعطی ما أعطی حزقیل الذی أحیا الموتی بإذن الله !!

فقال عمر: مانجد فی کتابنا حزقیل ، ولا أحیا الموتی بإذن الله إلا عیسی بن مریم ! فقالا: أما تجد فی کتاب الله: ورسلاً لم نقصصهم علیک ؟ فقال عمر: بلی ، قالا: وأما إحیاء الموتی فسنحدثک إن بنی اسرائیل وقع فیهم الوباء ، فخرج منهم قوم حتی إذا کانوا علی رأس میل أماتهم الله فبنوا علیهم حائطاً حتی إذا بلیت عظامهم بعث الله حزقیل فقام علیهم فقال: ما شاء الله ، فبعثهم

ص: 277

الله له فأنزل الله فی ذلک: ألم تر إلی الذین خرجوا من دیارهم وهم ألوف حذر الموت. انتهی .

والأخوی: الذی لا یستطیع أن یرکع أو یسجد بشکل طبیعی إلا بفتح قدمیه ونحوه . . والروایة تدل علی اهتمام الیهود

بإیمان عمر بثقافتهم ، ومحاولتهم التزلف إلیه بادعاء أن شخصیته مذکورة فی کتبهم ، وأنه نبی یحیی الموتی مثل حزقیل !

تاریخ المدینة لابن شبة:3/110:

لما قدم عمر (رض) من مکة فی آخر حجة حجها أتاه کعب فقال: یا أمیر المؤمنین إعهد فإنک میت فی عامک ! قال عمر (رض)وما یدریک یا کعب؟ قال: وجدته فی کتاب الله ! فقال: أنشدک الله یا کعب هل وجدتنی باسمی ونسبی عمر بن الخطاب ؟ قال: اللهم لا ، ولکنی وجدت صفتک وسیرتک وعملک وزمانک !

ورواه فی:3/88 وزاد فیه: فلما أصبح الغد غدا علیه کعب فقال عمر (رض): یا کعب ، فقال کعب: بقیت لیلتان ، فلما أصبح الغد غدا علیه کعب-قال عبدالعزیز: فأخبرنی عاصم بن عمر بن عبید الله بن عمر قال: قال عمر (رض):

یواعدنی کعب ثلاثاً یعدُّها

ولا شک أن القول ما قاله کعبُ

وما بی لقاء الموت إنی لمیتٌ

ولکنما فی الذنب یتبعه الذنبُ

فلما طعن عمر (رض) دخل علیه کعب فقال: ألم أنهک ؟ !

قال: بلی ، ولکن کان أمر الله قدراً مقدورا !! انتهی .

ص: 278

ولا یتسع المجال للرد علی أفکار کعب التی تضمنتها روایاته ، وقد أوردنا عدداً منها فی سبب نشأة التجسیم فی

المجلد الثانی .

والواقع أن کعب الأحبار من أکبر المصائب فی مصادر إخواننا السنیین ، حیث تجده مقیماً فیها ، کامناً فی المواقع الحساسة من أصول العقیدة والشریعة ! وهذا أمر یحتاج إلی معالجات جریئة من علمائهم !

ولکن لابد من الإلفات هنا إلی أن النصوص المتقدمة تدل بما لایقبل الریب علی أن کعباً کان شریکاً فی مؤامرة قتل عمر !

ولکن إخواننا السنیین ما زالوا یبرئون کعباً ویثقون به ، کما برَّأَ المسیحیون الیهود من دم المسیح !

کما نشیر إلی أن کعباً أخطأ فی تفسیر أول سورة الحدید ، لأنه فسر ( هو ) بعلمه !! ولکن الخلیفة عمر یقبل منه کل مایقوله ، بل یحدث به المسلمین علی المنبر !

ص: 279

ص: 280

الفصل الثامن: شفاعات وحرمانات غیر معقولة روتها مصادر السنیین

اشارة

ص: 281

ص: 282

النوع الأول: شفاعة اثنین لصاحب الجنازة

اشارة

لیس من السهل أن نعترض علی الأحادیث التی تحکم علی نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار . . لأن الخیر والشر فی داخل الإنسان عالمٌ معقد ، وما یظهر للعیان لا یجب أن یکون دائماً هو الحقیقة ! فرب عمل صغیر نقوم به یکون فی حساب الثواب والعقاب الإلهی کبیراً ، وبالعکس . . ورب ظرف یجعل العمل السی حسناً وبالعکس !

وبسبب هذه السعة والتعقید فی أعمال الناس وظروفها ، لابد أن تکون أنظمة الجزاء عمیقة واسعة حتی تستوعبها .

ولکنا مع ذلک نملک یقینیات من العقل والشرع تسمح لنا أحیاناً بالحکم بإمکان هذا الجزاء الإلهی أو عدم إمکانه..ومن هذه الیقینیات: لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشریرة ، توفی وحملوا جنازته ، فمر بها شخصان مسلمان فقالا:

کان مؤمناً تقیاً ، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان ، فإن شهادتهما لا تغیر شیئاً من قوانین المجازاة الإلهیة !

لکن توجد ( أحادیث ) فی مصادر السنیین تقول: إن مجرد شهادة إثنین

ص: 283

بالخیر لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة ! کما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار !!

فکأن الشهادة علی الجنازة فی منطق هذه الأحادیث وثیقة شرعیة نهائیة لا یقرأ الملائکة غیرها ، أو ختم نهائی لا یقبل الله تعالی غیره !!

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة الیهودیة ، ولکنه مهما کان مصدره ، لیس منطقاً إسلامیاً ! لأن معناه السماح للمجرمین بأن یفعلوا ما شاؤوا ویهلکوا الحرث والنسل ، ثم یوصی أحدهم بأن یشهد علی جنازته عشرة شهود کذباً وزوراً فیدخل الجنة !

والأخطر من ذلک أن الإنسان المؤمن الطیب الأمین المستقیم مهما عمل من خیر فی حیاته فإن عمله یتبخر بمجرد أن یرسل خصومه اثنین یشهدان علی جنازته بأنه کان سیئاً ، فیدخلانه النار !

ولو کانت هذه المقولة توجد فی مصادرهم من الدرجة الثانیة لکان الأمر أسهل ، ولکنها توجد فی مصادر الدرجة الأولی مع الأسف ، وعن لسان أقدس الشخصیات عندهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأمر الذی یتطلب من فقهائهم جرأةً فی معالجتها:

روی البخاری فی صحیحه:2/100:

عن أنس بن مالک قال: مروا بجنازة فأثنوا علیها خیراً ، فقال النبی (ص): وجبت ، ثم مروا بأخری فأثنوا علیها شراً فقال: وجبت ، فقال عمر بن الخطاب (رض): ما وجبت ؟ قال: هذا أثنیتم علیه خیراً فوجبت له الجنة ، وهذا أثنیتم علیه شراً فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله فی الأرض.

ص: 284

ورواه فی:3/148 وفیه ( قال شهادة القوم المؤمنین شهداء الله فی الأرض). ورواه مسلم فی صحیحه:3/53 وقد کرر فیه کلمة: وجبت وأنتم شهداء الله ثلاث مرات. ورواه النسائی:4/50 ورواه الترمذی:2/261 وقال ( وفی الباب عن عمر وکعب بن عجرة وأبی هریرة. قال أبو عیسی: حدیث أنس حدیث حسن صحیح ).

ورواه ابن ماجة فی:1/478 وفیه ( فقال: شهادة القوم والمؤمنون شهود الله فی الأرض ) . وفی هامشه ( ویوافقه حدیث عمر رواه الترمذی والنسائی وإسناد ابن ماجة صحیح ورجاله رجال الصحیحین ) .

ورواه أبو داود فی:2/86 وفیه ( إن بعضکم علی بعض شهداء ) .

ورواه أحمد فی ج3 ص179 وج2 ص261 وص498 وص528 وج2 ص466 وص470 وفیه ( بعضکم شهداء علی بعض ) وج3 ص186 وکرر فیه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم . وفی روایة أخری (قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله فی الأرض) وفی ج3/197 وص 211 وص 245 وص 281 .

ورواه البیهقی فی سننه ج4 ص75 وج 10/123 وص 209 .

وقال البخاری فی صحیحه:2/100:

عن أبی الأسود قال: قدمت المدینة وقد وقع بها مرض فجلست إلی عمر بن الخطاب (رض) فمرت بهم جنازة فأثنی علی صاحبها خیراً فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بأخری فأثنی علی صاحبها خیراً ، فقال عمر

ص: 285

(رض): وجبت . ثم مر بالثالثة فأثنی علی صاحبها شراً ، فقال: وجبت. فقال أبو الأسود فقلت: وما وجبت یا أمیر المؤمنین؟ قال: قلت کما قال النبی (ص): أیما مسلم شهد له أربعة بخیر أدخله الله الجنة ، فقلنا وثلاثة قال: وثلاثة. فقلنا واثنان قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد !

ورواه البخاری أیضاً فی:3/149 والنسائی فی:4/51 وفیه:

( فقلت وما وجبت یا أمیر المؤمنین ؟ قال: قلت کما قال رسول الله (ص): أیما مسلم شهد له أربعة قالوا خیراً أدخله الله الجنة. قلنا: أو ثلاثة ؟ قال: أو ثلاثة. قلنا: أو اثنان ؟ قال: أو اثنان .

ورواه الترمذی فی:2/261 وقال ( قال أبو عیسی: هذا حدیث حسن صحیح وأبو الاسود الدؤلی اسمه ظالم بن عمر بن سفیان ) .

ورواه أحمد فی:1/21 وص 22 وص27 وص 30

وص 45 وص 46، والبیهقی فی سننه:10/124 .

إلی هنا تجد أن هذه المقولة بمقاییس إخواننا السنیین تامة السند والدلالة . . ولکن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها:

المؤشر الأول: أن الإمام أحمد روی أن بعض الذین سمعوا الحدیث من الخلیفة عمر شککوا فیه لغرابته عن منطق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وظنوا أنه رأیٌ من عمر لا من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأکد له عمر أن النبی هو الذی قال ذلک !

قال أحمد فی:1/54:

ص: 286

حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا وکیع ثنا عمر بن الولید الشنی عن عبد الله بن بریدة قال: جلس عمر (رض) مجلساً کان رسول الله(ص)یجلسه ، فمر علیه الجنائز ، قال فمروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت . ثم مروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا خیراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا هذا کان أکذب الناس ، فقال: إن أکذب الناس أکذبهم علی الله ، ثم الذین یلونهم من کذب علی روحه فی جسده ، قال قالوا: أرأیت إذا شهد أربعة؟ قال: وجبت. قالوا: أو ثلاثة ؟ قال: وثلاثة ، قال وجبت. قالوا: واثنین؟ قال: وجبت ، ولان أکون قلت واحد أحب إلی من حمر النعم. قال فقیل لعمر: هذا شئ تقوله برأیک أم شئ سمعته من رسول الله(ص)؟ قال: لا ، بل سمعته من رسول الله(ص). انتهی.

والروایةتدل علی أن الخلیفة تفرد بهذه الروایة من دون الصحابة الحاضرین فی ذلک المجلس الرسمی الذی کان یجلسه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنهم تعجبوا لأنهم لم یسمعوا ذلک ، وتجرؤوا أن یسألوا عمر رغم سطوته ، فأکد لهم أنه سمع ذلک !

المؤشر الثانی: یشیر إلی أن الحادثة قضیة شخصیة فی جنازة أشخاص معینین فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیست قاعدة کلیة لکل جنازة..

فقد روی الحاکم فی:1/377: عن أنس قال کنت قاعداً مع النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فمر بجنازة فقال: ما هذه الجنازة ؟ قالوا جنازة فلان الفلانی کان یحب الله ورسوله ویعمل بطاعة الله ویسعی فیها ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة أخری قالوا جنازة فلان الفلانی کان یبغض الله ورسوله ویعمل بمعصیة الله ویسعی فیها ، فقال: وجبت وجبت وجبت. فقالوا یا

ص: 287

رسول الله قولک فی الجنازة والثناء علیها ؟ أثنی علی الأول خیر وعلی الآخر شر فقلت فیها وجبت وجبت وجبت ؟ فقال: نعم یا أبا بکر إن لله ملائکة تنطق علی ألسنة بنی آدم بما فی المرء من الخیر والشر. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه بهذا اللفظ. انتهی .

فلو صح الحدیث لکان معناه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شهد ، بما عرفه الله تعالی ، بأن الملائکة نطقت علی ألسنة أولئک المادحین والذامین . . ولیس معناه أن الملائکة تنطق دائماً علی ألسنة المسلمین .

المؤشر الثالث : یدل علی أن الخصوصیة للشاهد أو الشافع فی الجنازة.. ففی مستدرک الحاکم:2/268: عن جابر بن عبد الله رضی الله عنهما قال: کنت مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی جنازة فینا فی بنی سلمة وأنا أمشئ إلی جنب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال رجل: نعم المرء ما علمنا إن کان لعفیفاً مسلماً إن کان.. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت الذی تقول ؟ قال یا رسول الله ذاک بدا لنا والله أعلم بالسرائر. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت. قال وکنا معه فی جنازة رجل من بنی حارثة أو من بنی عبد الأشهل ، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن کان لفظاً غلیظاً إن کان . . فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت الذی تقول ؟ قال یا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذی بدا لنا منه فذاک. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت . ثم تلا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ، إنما اتفقا علی وجبت فقط. انتهی .

فقد أکد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی شخص القائل الذی لم تسمه الروایة فقال له: أنت الذی تقول ذلک وتشهد بهذه الشهادة لهذا المیت ؟ فقال نعم إنی أشهد

ص: 288

حسب ظاهر حاله. فقال النبی إن الجنة قد وجبت

له بشهادة ذلک الرجل ، أو إن شهادته طابقت الواقع کما أوحی الله إلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیحتمل أن تکون القضیة شخصیة کما فی الروایة السابقة، وإذا وجد الإحتمال بطل الإستدلال، ولم یبق یقین بأنها قاعدة عامة .

المؤشر الرابع: أنه توجد أحادیث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو أربعین بالشفاعة للمیت موجباً للامل بأن الله تعالی یشفعهم فیه ویدخله الجنة..وقد روت الصحاح روایة المئة، وروایة الأربعین، وفی بعض روایاتها ثلاثة صفوف ، وأمة من الناس ، ونحوها . . الأمر الذی یدل علی أن وجود کثرة من المسلمین المؤمنین یصلون علی جنازة المیت أو یدعون له ، أمر مفید له ، وأن الله تعالی قد یستجیب دعاءهم . . ولکن لیس فی هذه الأحادیث تلک الحتمیة و( الأتوماتیکیة ) التی فی أحادیث (وجبت وجبت) المتقدمة !

ففی صحیح مسلم:3/52 عن عائشة عن النبی(ص)قال: ما من میت یصلی علیه أمة من المسلمین یبلغون مائة کلهم یشفعون له ، إلا شفعوا فیه . انتهی وفی روایة أخری: أربعون. ورواه فی سنن البیهقی:3/180-181 .

وفی سنن ابن ماجة:1/477:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: من صلی علیه مائة من المسلمین غفر له. فی الزوائد: قد جاء عن عائشة فی الترمذی والنسائی مثله. وإسناده صحیح ورجاله رجال الصحیحین. انتهی. وما ذکره موجود فی سنن

ص: 289

الترمذی:2/247 وفی سنن النسائی:4/75 بصیغة مائة وأمة من الناس).

وفی فردوس الأخبار:4/329 ح 6496:

أنس وعائشة: ما من میت یصلی علیه أمة من المسلمین یبلغوا أن یکونوا مائة یشفعون له إلا شفعوا فیه .

وفی/371 ح 6609: أبو هریرة: ماصف قوم صفوفاً ثلاث علی میت فیستغفرون له إلا شفعوا .

وروی ابن ماجة فی سننه:1/477:

عن کریب مولی عبدالله بن عباس قال: هلک ابن لعبد الله بن عباس فقال لی: یا کریب قم فانظر هل اجتمع لابنی أحد ؟ فقلت نعم. فقال ویحک کم تراهم أربعین ؟ قلت: لا ،بل هم أکثر. قال: فاخرجوا بابنی فأشهد لسمعت رسول الله(ص)یقول: ما من أربعین من مؤمن یشفعون لمؤمن ، إلا شفعهم الله .

وروی ذلک أحمد بشروط أشد قال فی:1/277:

عن کریب مولی ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقدید أو بعسفان فقال: یا کریب أنظر ما اجتمع له من الناس ؟ قال فخرجت فإذا ناس قداجتمعوا له فأخبرته ، قال یقول هم أربعون ؟ قال نعم ، قال أخرجوه فإنی سمعت رسول الله(ص)یقول: ما من مسلم یموت فیقوم علی جنازته أربعون رجلاً لا یشرکون بالله شیئاً ، إلا شفعهم الله فیه. ورواها الدیلمی فی

ص: 290

فردوس الأخبار:4/318 ح 6469 .

المؤشر الخامس: یشیر إلی احتمال اختلاط الحدیث بغیره..

ففی مسند أحمد:3/303 عن جابر قال: قال قال رسول الله (ص): من کن له ثلاث بنات یؤویهن ویرحمهن ویکفلهن ، وجبت له الجنة البتة. قال قیل یا رسول الله فإن کانت اثنتین ؟ قال: وإن کانت اثنتین. قال فرأی بعض القوم أن لو قالوا له واحدة لقال واحدة. انتهی .

وفی مسند أحمد:4/212:

عن الحرث بن أقیش قال: کنا عند أبی برزة لیلة فحدث لیلتئذ عن النبی (ص)أنه قال: ما من مسلمین یموت لهما أربعة أفراط ، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته. قالوا یا رسول الله وثلاثة ؟ قال: وثلاثة. قالوا: واثنان ؟ قال: واثنان. انتهی .

فیحتمل أن یکون الأمر اشتبه علی الخلیفة فجعل أجر ( وجبت الجنة ) لمن ربی ثلاث بنات أو اثنتین - جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان علی جنازته ، لتشابه العدد فیهما ووحدة التعبیر ب( وجبت ) .

ولا یرد الإشکال علی روایة تربیة البنات تربیة إسلامیة کیف جعلت سبباً قطعیاً لدخول الجنة ، لأنها تجعل الجزاء للاب أو الام علی عمل یقومان به ، بینما روایة الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجاناً مهما کان فاجراً بمجرد قول غیره !

کما تجعل له النار مجاناً بمجرد قول غیره ، مهما کان صالحاً !!

علی أنه یمکن القول إن الله تعالی جعل ثواب تربیة ثلاث بنات أو اثنتین

ص: 291

الجنة لیعالج مشکلة فی مجتمع کانوا یئدون بناتهم ، وإذا بشر أحدهم بالأنثی ظل وجهه مسوداً وهو کظیم..وأن هذا الثواب قد یشمل فی عصرنا الازواج الذین یئدون أطفالهم بطرق أخری ، خوفاً من الفقر أو طلباً للراحة من الأطفال .

وفی أحادیث أهل البیت عن الإمام الصادق(علیه السّلام)أن المسلمین قد سألوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تربیة البنت الواحدة کما تقدم ، فقد روی فی الکافی:6/6 عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من عالَ ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقیل: یا رسول الله واثنتین ؟ فقال: واثنتین. فقیل: یا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة. انتهی .

وفی مسند أحمد:1/223:

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من ولدت له ابنة فلم یئدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها یعنی الذکر ، أدخله الله بها الجنة. انتهی .

والنتیجة: أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشک فی أحادیث ( وجبت وجبت ) للجنازة ، وتضغط علیها لتکون منسجمةً مع الیقینیات العقلیة والشرعیة غیر ناقضة لها .

ومادام الباب مفتوحاً للتخلص من منطقها الیهودی ، فلا معنی للتشبث بها بحجة الدفاع عن البخاری وعن الخلیفة عمر !!

ص: 292

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی الشهادة للجنازة

لا أثر فی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) لروایات ( وجبت ) ولا لمنطقها ! بل نجد الترغیب فی الدعاء للمیت والشفاعة به إلی الله تعالی ، والأمل بأن یستجیب الله تعالی ویشمل هذا المیت برحمته . .کل ذلک علی حسب قوانین الجزاء والشفاعة التی یعلمها عز وجل بأصولها وتفاصیلها وتطبیقاتها، ولا نعرف نحن منها إلا القلیل .

روی الکلینی فی الکافی:3/188:

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن ثابت أبی المقدام قال: کنت مع أبی جعفر ( الباقر (علیه السّلام)فإذا بجنازة لقوم من جیرته فحضرها وکنت قریباً منه، فسمعته یقول: اللهم إنک أنت خلقت هذه النفوس وأنت تمیتها وأنت تحییها ، وأنت أعلم بسرائرها وعلانیتها منا ومستقرها ومستودعها. اللهم وهذا عبدک ولا أعلم منه شراً وأنت أعلم به ، وقد جئناک شافعین لبعد موته فإن کان مستوجباً فشفعنا فیه واحشره مع من کان یتولاه. انتهی.

ونحوه فی الکافی:3/185 ، ورواه الشیخ فی تهذیب الأحکام:3/196 ورواه الحر العاملی فی وسائل الشیعة: 2/237

وینبغی الإلتفات إلی عبارة ( فإن کان مستوجباً فشفعنا فیه ) فهی تدل علی وجود قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها. وعبارة ( واحشره مع من کان یتولاه ) التی تدل علی قانون ( یوم ندعو کل أناس بإمامهم ) وهما

ص: 293

قانونان مترابطان.

أما منطق ( وجبت ) فیقول لو کان المیت فاجراً مثل فرعون ومدح جنازته شخصان ، لوجب أن یصیر من أهل الجنة ویحشر یوم القیامة إلی جنب الأنبیاء (علیهم السّلام) !

هذا، وقد روی فی الکافی روایة صحیحة طریفة تتضمن أضواء مهمة علی قانون الشفاعة قال فی:3/187

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبی، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن کان مستضعفاً فقل: اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، وإذا کنت لا تدری ما حاله فقل: اللهم إن کان یحب الخیر وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن کان المستضعف منک بسبیل فاستغفر له علی وجه الشفاعة لا علی وجه الولایة. انتهی .

وروی فی نفس الصفحة عن الإمام الصادق(علیه السّلام)أیضاً قال: الترحم علی جهتین: جهة الولایة وجهة الشفاعة. ورواه فی وسائل الشیعة:2/237 .

ففی هذا الروایة منطق دقیق فی التعامل مع المیت والشهادة له . . إن کنت لا تدری ما حاله ، أو کان مستضعفاً فکریاً لا یعرف الحق من الباطل ، أو کان معانداً یعرف الحق وینکره . . أو کان ممن یبغض أهل البیت (علیهم السّلام) وینصب العداوة لهم.. وادع له علی نحو الولایة ووحدة الإمام الذی ستدعی أنت وإیاه به یوم القیامة ، أو علی جهة الشفاعة لارحامک إن لم یکن عارفاً بحق أهل بیت نبیه . . إلی آخر النقاط المنسجمة مع الیقینیات العقلیة

ص: 294

والشرعیة .

قد یقال: یوجد فی روایات أهل البیت (علیهم السّلام) شبیه لروایة ( وجبت )

فقد روی الکلینی فی الکافی:3/173 عن أبی علی الأشعری ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن میسر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ولم یقل شیئاً إلا وقال الملک: ولک مثل ذلک. انتهی.

ورواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه:1/161 والشیخ فی تهذیب الأحکام: 1/455 والحر فی وسائل الشیعة:2/288 وقال: ورواه فی المجالس عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علی بن فضال. ورواه الشیخ بإسناده عن أبی علی الأشعری مثله. انتهی .

ولکن الفرق کبیر بین روایة تعطی حق الشفاعة لشخص علی عمل یقوم به، وبین روایة تعطی الجنة أو النار مجاناً بکلمة یقولها شخص أو اثنان بعد موته !!

وقد وجدنا فی مصادر إخواننا السنیین روایة شبیهة بما مصادرنا فی الدعاء للمیت فی الصلاة علی جنازته رواها أحمد فی مسنده: 2/256 قال: سمعت أبا هریرة ومر علیه مروان فقال: بعض حدیثک عن رسول الله(ص)أو حدیثک عن رسول الله(ص)؟ ثم رجع ، فقلنا الآن یقع به قال: کیف سمعت رسول الله(ص)یصلی علی الجنائز ؟ قال سمعته یقول: أنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هدیتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها تعلم سرها وعلانیتها ، جئنا شفعاء فاغفر لها.

انتهی .

ص: 295

النوع الثانی: شفاعة النبی للظالمین من الامة

اشارة

قال الله تعالی: وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ . ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِیهَا حَرِیرٌ . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَکُورٌ . الَّذِی أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبٌ وَلا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبٌ . فاطر : 31 - 35

اتفق الجمیع علی أن موضوع الآیة: الذین اصطفاهم الله تعالی وأورثهم الکتاب بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بقرینة أن السیاق قبلها عن الکتاب الموحی إلی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

واتفقوا علی أن الأقسام الثلاثة للذین اصطفاهم هم من أهل الجنة بدلیل السیاق حیث انتقل الکلام بعد المصطفین إلی الکافرین .

والذی یتصل بموضوعنا من ذلک تعیین هؤلاء المصطفین ورثة الکتاب الإلهی . . فقد ذهب السنیون إلی أنهم جمیع المسلمین ، وأنهم جمیعاً فی الجنة إما بالإستحقاق أو بالشفاعة .

ومذهبنا أن هؤلاء المصطفین ورثة الکتاب هم ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من ابنته فاطمة(علیهاالسّلام)وأن السابقین بالخیرات منهم هم الأئمة المعصومون (علیهم السّلام) والمقتصدین أتباعهم ، والظالمین لانفسهم مخالفوهم . . وفیما یلی تفصیل

ص: 296

هذه الآراء :

قال کعب الأحبار هم جمیع المسلمین وهم فی الجنة

الظاهر أن أقدم القائلین بهذا الرأی کعب الأحبار وأنه اعتمد علی استنتاجه الشخصی ولیس علی روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقد

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: وأخرج عبد بن حمید عن صالح أبی الخلیل قال قال کعب: یلومنی أحبار بنی اسرائیل أنی دخلت فی أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ! ثم تلا هذه الآیة: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا، حتی بلغ جنات عدن یدخلونها قال قال: فأدخلهم الله الجنة جمیعاً.

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل کعباً عن قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآیة ، قال: نجوا کلهم. ثم قال: تحاکت مناکبهم ورب الکعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.

وفی تفسیر الطبری:22/88 ، عن کعب:

إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخیرات کلهم فی الجنة، ألم تر أن الله قال: ثم أورثنا الکتاب الذی اصطفینا...الخ. وروی أیضاً بعض ما تقدم فی الدر المنثور .

وقال الخولانی إنه قرأ ذلک فی کتب الیهود

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

ص: 297

وأخرج عبد بن حمید عن أبی مسلم الخولانی قال: قرأت فی کتاب الله أن هذه الأمة تصنف یوم القیامة علی ثلاثة أصناف: صنف منهم یدخلون الجنة بغیر حساب ، وصنف یحاسبهم الله حساباً یسیراً ویدخلون الجنة ، وصنف یوقفون ویؤخذ منهم ما شاء الله ، ثم یدرکهم عفو الله وتجاوزه .

عائشة وعثمان یوافقان کعباً علی تفسیره

روی الحاکم أن عائشة وافقت کعباً علی تفسیره قال فی المستدرک:2/426:

عقبة بن صهبان الحرانی قال: قلت لعائشة رضی الله عنها: یا أم المؤمنین أرأیت قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ ؟ فقالت عائشة رضی الله عنها: أما السبَّاق فمن مضی فی حیاة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فشهد له بالحیاة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتی یلحق بهم . وأما الظالم لنفسه فمثلی ومثلک ومن اتبعنا ، وکل فی الجنة !! صحیح

الإسناد ولم یخرجاه. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:7/96. وقال عنه السیوطی فی الدر المنثور:5ص 251: وأخرج الطیالسی وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی فی الأوسط والحاکم وابن مردویه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة... الخ .

وروی السیوطی فی الدر المنثور أن الخلیفة عثمان أیضاً وافق کعباً علی تفسیره قال فی:5/252:وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآیة قال: إن

ص: 298

سابقنا أهل جهاد ، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. انتهی. ورواه فی کنز العمال:2/485

وواضح من الروایتین أن عائشة وعثمان اعتمدا علی کعب الأحبار ، أو علی فهمهما للآیات ، ولم یذکرا روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

الحسن البصری یرد تفسیر کعب الأحبار

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعید بن منصور وعبد بن حمید وابن المنذر والبیهقی عن کعب الأحبار أنه تلا هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، إلی قوله لغوب ، قال: دخلوها ورب الکعبة. وفی لفظ قال: کلهم فی الجنة ، ألا تری علی أثره والذین کفروا لهم نار جهنم ، فهؤلاء أهل النار. فذکر ذلک للحسن فقال: أبت ذلک علیهم الواقعة ! وأخرج عبد بن حمید عن کعب فی قوله: جنات عدن یدخلونها قال: دخلوها ورب الکعبة ، فأخبر الحسن بذلک فقال: أبت والله ذلک علیهم الواقعة. انتهی .

ویقصد الحسن البصری بذلک أن التقسیم الثلاثی للناس الذی ورد فی سورة الواقعة یردُّ تفسیر کعب وهو قوله تعالی: وَکُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِکَ الْمُقَرَّبُونَ . الواقعة : 7 -11 وکلام البصری قوی لأن الخطاب عنده فی الآیة للمسلمین ، ولو کان المقصود بالمصطفین الذین أورثهم الله الکتاب کل المسلمین لکانوا جمیعاً من أهل الجنة ، ولما بقی معنی لتقسیمات القرآن لهم فی سورة الواقعة إلی أصحاب

ص: 299

یمین وشمال وسابقین. فهذا التقسیم یدل علی أن من المسلمین من یدخل النار .

وإن ناقشنا فی إستدلال الحسن البصری ، فتدل علی رأیه الأحادیث والأدلة المتقدمة فی الرد علی مذاهب توسیع الشفاعة !

الخلیفة عمر یمیل إلی تفسیر کعب

روی السیوطی فی الدر المنثور عن الخلیفة عمر أنه خالف تفسیر کعب الأحبار، وأن رأیه کان کما قال الحسن البصری . . قال فی: 5/252:

وأخرج ابن مردویه عن عمر عن النبی(ص)فی قوله فمنهم ظالم لنفسه قال: الکافر. انتهی . ویحتمل أن تکون هذه الروایة تفسیراً للآیة 32 من سورة لقمان وهی قوله تعالی: وَإِذَا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا یَجْحَدُ بِآیَاتِنَا إِلا کُلُّ خَتَّارٍ کَفُورٍ . ولکنها علی أی حال تنطبق علی موضوعنا لأنها تفسر معنی ( الظالم لنفسه ) .

ولکن من البعید أن تصح هذه الروایة ، لأنه ورد عن عمر أنه کان یردد تفسیر کعب ، إلا أن نقول إنه کان یفسرها بذلک قبل أن یسمع تفسیرها من کعب !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر والبیهقی فی البعث عن عمر بن الخطاب أنه کان إذا نزع بهذه الآیة قال: ألا إن سابقنا سابق

ص: 300

ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. انتهی. (والشوکانی فی فتح القدیر: 4/441 ، ورواه فی کنز العمال:2/485 .

وقال فی هامشه: نزع بهذه الآیة . . . ومنه الحدیث: لقد نزعت بمثل ما فی التوراة، أی: جئت بما یشبهها اه-. قلت: فکأن أمیر المؤمنین عمر (رض) یأتی برأیه بما یشبه ظاهر الآیة ، ولا عجب فقد نزلت آیات توافق رأیه. انتهی.

غیر أن معنی نزع بالآیة: شرع فیها فقرأها أو فسرها ، لا أنه أتی بشبیهها ، کما زعم مهمش کنز العمال ، وأین الشبیه الذی أتی به عمر !

وغرضنا هنا تفسیر عمر للایة بأن الظالم مغفور له ، وهو مؤشرٌ علی أنه قبل تفسیر کعب بأن المقصود بالآیة کل المسلمین .

وتوجد روایة نقلها السیوطی قد یفهم منها أن عمر روی ذلک عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج العقیلی وابن هلال وابن مردویه والبیهقی من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله(ص)یقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه الآیة. انتهی .

وروی السیوطی نحوها عن أنس ، ورواها فی کنز العمال:2/10 وفی /485 عن عمر وأضاف إلی رواتها: الدیلمی فی الفردوس والبیهقی فی البعث والنشور. انتهی .

ولکن عمر لم یصرح فیها بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یقصد کل الأمة، فقد یکون

ص: 301

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قصد بقوله: سابقنا ومقتصدنا وظالمنا ، ذریته وأهل بیته الذین أورثهم الله الکتاب کما أورثه آل ابراهیم وآل عمران ، من نوع قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المهدی منا ، بنا فتح الله وبنا یختم ، وشهیدنا خیر الشهداء. .الخ. وهو فی کلامه کثیر(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی هذا الإحتمال یبطل الإستدلال بأن المقصود بورثة الکتاب کل الأمة، لأنه یحتمل أن یکونوا بعضها . . خاصة بعد

أن نصت أن بعض الأحادیث علی أنهم بعض الأمة ولیس کلها:

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/251:

وأخرج الطبرانی والبیهقی فی البعث عن أسامة بن زید (رض): فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات ، قال قال رسول الله (ص): کلهم من هذه الأمة ، وکلهم فی الجنة. انتهی. ونقله فی کنز العمال: 2/486 .

ویؤید ذلک ما رواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/96 عن أسامة بن زید قال: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، الآیة ، قال النبی (ص): کلهم من هذه الأمة. رواه الطبرانی وفیه محمد بن عبد الرحمن بن أبی لیلی وهو سی الحفظ. انتهی.

وتعبیر کلهم من الأمة یدل علی أنهم لیسوا کل الأمة ، ویکون هذا الحدیث من ابن أبی لیلی السی الحفظ علی حد تعبیر الهیثمی معقولاً أکثر من کلام غیره !

ص: 302

إلی هنا یبدو أنه لا مشکلة فی تفسیر ورثة الکتاب ببعض الأمة وهم ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . وأن هؤلاء الذریة کلهم مقبولون بشرط أن لا یدعوا الناس إلی أنفسهم کما سیأتی، وأن الذین یمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلی الله علیه وعلیهم .

لکن تبقی مجموعة روایات فی مصادر السنیین تؤکد علی تفسیر کعب وتنسبه إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! لکنها تصطدم بسورة الواقعة علی حد قول الحسن البصری ، کما تصطدم بحکم العقل والأدلة المتقدمة التی لا تسمح بالقول إن کل مسلم فی الجنة !!

وأول سؤال عن هذه الروایات: أین کانت عندما فسر کعب وعائشة وعثمان وعمر آیات ورثة الکتاب الإلهی ، وکانت موضوعاً مهما یطرحه کعب الأحبار مع الیهود ، ویطرحه الخلیفة عمر فی مجلسه أو علی منبر الجمعة ؟ !

إن عدم احتجاج أحد بها ، یوجب الشک فی سندها ، أو القول بأن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یتحدث عن اصطفاء الله تعالی لذریته من أولاد فاطمة وورثة خطه فی الأمة (علیهم السّلام) وقال کلهم من هذه الأمة ، فرواها الراوی ( کل هذه الأمة ) ویوجد لذلک نظائر ! فکم من میزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة ، لکل الأمة !

ومما یؤید ذلک وجود روایات مترددة فی جعل هؤلاء المصطفین مجموع الأمة . .

کالذی رواه أحمد:3/78: عن أبی سعید الخدری عن النبی(ص)أنه قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ، قال: هؤلاء کلهم بمنزلة واحدة ، وکلهم

ص: 303

فی الجنة !ورواه الترمذی فی:5/41 وقال ( هذا حدیث غریب حسن ) ورواه فی الدر المنثور:5/251 عن الطیالسی وأحمد وعبدبن حمید والترمذی وحسنه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی عن أبی سعید الخدری . . . انتهی .

وقریب منه ما رواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:10/378 والطبرانی کما فی الدر المنثور:5/252 عن ابن عباس ، وکذا شهادة البراء بن عازب التی نقلها الهیثمی عن سعید بن منصور ، والبیهقی فی البعث وجاء فیها ( أشهد علی الله أنه یدخلهم الجنة جمیعاً ) .

فکل هذه الروایات تنص علی أنهم من أهل الجنة ، وأنهم من هذه الأمة لا کلها . . الأمر الذی یوجب الشک فی تعبیر أنهم: کل الأمة !

هذا ، وقد ارتکب الحاکم خطأً فی میله إلی تصحیح حدیث نسبوه إلی أبی الدرداء فی تفسیرالآیة یقول إن الظالمین من المسلمین یحاسبون حساباً یسیراً ثم یدخلون الجنة بالشفاعة !

قال فی المستدرک:2/426:

عن أبی الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول فی قوله عز وجل: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ ، قال: السابق والمقتصد یدخلان الجنة بغیر حساب ، والظالم لنفسه یحاسب حساباً یسیراً ثم یدخل الجنة. ثم قال الحاکم: وقد اختلفت الروایات عن الأعمش فی إسناد هذا الحدیث فروی عن الثوری ، عن الأعمش ، عن أبی ثابت ، عن أبی الدرداء (رض) ، وقیل عن شعبة ، عن الأعمش ، عن رجل من ثقیف ،

ص: 304

عن أبی الدرداء. وقیل ، عن الثوری أیضاً ، عن الأعمش قال: ذکر أبو ثابت ، عن أبی الدرداء. وإذا کثرت الروایات فی الحدیث ظهر أن للحدیث أصلاً. انتهی .

وحسب ماذکره السیوطی فقد ارتکب البیهقی نفس الخطأ أیضاً قال فی الدر المنثور:5/251: وأخرج الفریابی وأحمد وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وابن مردویه والبیهقی عن أبی الدرداء . . . ثم قال السیوطی: قال البیهقی: إن کثرت الروایات فی حدیث ظهر أن للحدیث أصلاً .

والخطأ هو تطبیق قاعدة أن (کثرة الروایات فی إسناد حدیث تدل علی أن له أصلاً ) علی هذا الحدیث الذی نسب بثلاث نسب إلی أبی الدرداء کلها بلفظ قیل ، وإحداها عن رجل من ثقیف عن أبی الدرداء ، أو رجل لم یسم ! فهذا لیست کثرة إسناد ، بل کثرة تردد فی الاسناد وعدم قطع به ، وکثرة الإحتمالات من هذا النوع ککثرة أسماء السنور لا تزید فی قیمته !

وقد کان الهیثمی أدق من الحاکم عندما علق صحة الحدیث علی احتمال أن یکون الرجل المجهول ابن عمیر فقال فی مجمع الزوائد:7/96: رواه الطبرانی عن الأعمش عن رجل سماه ، فإن کان هو ثابت بن عمیر الأنصاری کما تقدم عند أحمد فرجال الطبرانی رجال الصحیح. انتهی .

وقصده بما تقدم ماذکره فی نفس المجلد/95 حیث قال ( رواه أحمد بأسانید رجال أحدها رجال الصحیح ، وهی هذه إن کان علی بن عبد الله الأزدی سمع من أبی الدرداء فإنه تابعی ) انتهی .

فأین کثرة الاسانید إلی أبی الدرداء ! بل أین السند الواحد القطعی !

ص: 305

وأخیراً ، نلاحظ فی بعض روایات تفسیر الآیة بکل الأمة ضعفاً لا یتفق مع بلاغة الحدیث النبوی وقوة منطقه ، کحدیث عوف بن مالک الذی سیأتی فی نظریة الفداء المزعومة من النار .

قال أهل البیت (علیهم السّلام) لا یمکن أن تشمل الآیة کل الأمة

الإعتقادات للصدوق/87:

وسئل الصادق(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ، قال: الظالم لنفسه هنا من لم یعرف حق الإمام ، والمقتصد من عرف حقه ، والسابق بالخیرات بإذن الله هو الإمام.

وسأل إسماعیل أباه الصادق(علیه السّلام)قال: ما حال المذنبین منا ؟ فقال(علیه السّلام): لیس بأمانیکم ولا أمانی أهل الکتاب ، من یعمل سوء یجز به ولا یجد له من دون الله ولیاً ولا نصیرا .

الاحتجاج:2/301:

وعن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ؟ قال: أی شئ تقول ؟ قلت: إنی أقول إنها خاصة لولد فاطمة. فقال(علیه السّلام): أما من سل سیفه ودعا الناس إلی نفسه إلی الضلال من ولد فاطمة وغیرهم فلیس بداخل فی الآیة ، قلت: من یدخل فیها ؟ قال: الظالم لنفسه الذی لا یدعو الناس إلی ضلال ولا هدی ، والمقتصد منا أهل البیت هو العارف حق الإمام ، والسابق بالخیرات هو الإمام .

بصائر الدرجات/44:

ص: 306

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن ابن مسکان ، عن میسر ، عن سورة بن کلیب ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)أنه قال فی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآیة ، قال: السابق بالخیرات الإمام فهی فی ولد علی وفاطمة (علیهم السّلام) .

شرح الأخبار:2/505:

حماد بن عیسی بإسناده ، عن أبی عبد الله جعفر بن محمد(علیه السّلام)أنه سئل عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ. قال: فینا أنزلت أورث الله عز وجل الکتاب الأئمة منا ، وقوله: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ یعنی منهم من لا یعرف إمام زمانه ولا یأتم به فهو ظالم لنفسه بذلک ، وقوله:

وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، یعنی من هو منهم فی النسب ممن عرف إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبیل ربه بذلک ، والسابق بالخیرات هو الإمام منا .

شرح الأخبار:3/472:

الرازی قال: قال أبو جعفر محمد بن علی(علیه السّلام): ما یقول من قبلکم فی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا . . .؟ قال قلت یقولون: نزلت فی أهل القبلة. قال: کلهم ؟! قلت کلهم. قال فینبغی أن یکونوا قد غفر لهم کلهم ؟ ! قلت: یابن رسول الله فیمن نزلت ؟ قال: فینا. قلت: فما لشیعتکم ؟ قال: لمن اتقی وأصلح منهم

ص: 307

الجنة ، بنا یغفر الله ذنوبهم ، وبنا یقضی دیونهم ، ونحن باب حطتهم کحطة بنی إسرائیل .

الثاقب فی المناقب/566:

وعنه قال: کنت عند أبی محمد(علیه السّلام)فسألته عن قول الله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ؟ فقال(علیه السّلام): کلهم من آل محمد (علیهم السّلام) الظالم لنفسه الذی لا یقر بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخیرات بإذن الله: الإمام.

البحار:23/218:

روی السید ابن طاووس فی کتاب سعد السعود من تفسیر محمد بن العباس بن مروان قال: حدثنا علی بن عبدالله بن أسد ، عن إبراهیم بن محمد ، عن عثمان بن سعید ، عن إسحاق بن یزید الفراء ، عن غالب الهمدانی ، عن أبی إسحاق السبیعی قال: خرجت حاجاً فلقیت محمد بن علی فسألته عن هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ . . الآیة ؟ فقال: ما یقول فیها قومک یا أبا إسحاق ؟ یعنی أهل الکوفة ، قال: قلت یقولون إنها لهم ، قال: فما یخوفهم إذا کانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت: فما تقول أنت جعلت فداک ؟ فقال: هی لنا خاصة یا أبا إسحاق ، أما السابق بالخیرات فعلی بن أبی طالب والحسن والحسین والشهید منا أهل البیت ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم باللیل ، وأما الظالم لنفسه ففیه ما جاء فی التائبین وهو مغفور له .

یا أبا إسحاق بنا یفک الله عیوبکم ، وبنا یحل الله رباق الذل من أعناقکم ، وبنا یغفر الله ذنوبکم ، وبنا یفتح الله وبنا یختم لا بکم ، ونحن کهفکم

ص: 308

کأصحاب الکهف ، ونحن سفینتکم کسفینة نوح ، ونحن باب حطتکم کباب حطة بنی إسرائیل .

وقال ابن شعبة الحرانی فی تحف العقول/425:

لما حضر علی بن موسی (علیهماالسّلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فیه جماعة علماء أهل العراق وخراسان. فقال المأمون: أخبرونی عن معنی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا

الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآیة ؟

فقالت العلماء: أراد الله الأمة کلها .

فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): لا أقول کما قالوا ولکن أقول: أراد الله تبارک وتعالی بذلک العترة الطاهرة (علیهم السّلام) .

فقال المأمون: وکیف عنی العترة دون الأمة ؟

فقال الرضا لنفسه: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. ثم جعلهم کلهم فی الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم. ثم قال الرضا(علیه السّلام): هم الذین وصفهم الله فی کتابه فقال: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ، وهم الذین قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما ، یا أیها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منکم .

قالت العلماء: أخبرنا یا أبا الحسن عن العترة هم الال أو غیر الال ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): هم الآل .

فقالت العلماء: فهذا رسول الله یؤثر عنه أنه قال: أمتی آلی ، وهؤلاء أصحابه

ص: 309

یقولون بالخبر المستفیض (!!) الذی لا یمکن دفعه: آل محمد أمته !

فقال الرضا(علیه السّلام): أخبرونی هل تحرم الصدقة

علی آل محمد ؟

قالوا: نعم .

قال (علیه السّلام): فتحرم علی الأمة ؟

قالوا: لا .

قال(علیه السّلام): هذا فرق بین الآل وبین الأمة ، ویحکم أین یذهب بکم أصرفتم عن الذکر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنما وقعت الروایة فی الظاهر علی المصطفین المهتدین دون سائرهم !

قالوا: من أین قلت یا أبا الحسن ؟

قال(علیه السّلام): من قول الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، فصارت وراثة النبوة والکتاب فی المهتدین دون الفاسقین. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: رب إن ابنی من أهلی وإن وعدک الحق ، وذلک أن الله وعده أن ینجیه وأهله ، فقال له ربه تبارک وتعالی: إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ .

فقال المأمون: فهل فضل الله العترة علی سائر الناس ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): إن الله العزیز الجبار فضل العترة علی سائر الناس فی محکم کتابهُ.

قال المأمون: أین ذلک من کتاب الله ؟

قال الرضا(علیه السّلام): فی قوله تعالی إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَ نُوحًا وَ آلَ إِبْرَاهِیمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ ذُرِّیَّةً

بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، وقال الله فی موضع آخر:

ص: 310

أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا ، ثم رد المخاطبة فی أثر هذا إلی سائر المؤمنین فقال: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ یعنی الذین أورثهم الکتاب والحکمة وحسدوا علیهما بقوله: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا ، یعنی الطاعة للمصطفین الطاهرین ، والملک هاهنا الطاعة لهم .

قالت العلماء: هل فسر الله تعالی الاصطفاء فی الکتاب ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): فسر الاصطفاء فی الظاهر سوی الباطن فی اثنی عشر موضعاً. فأول ذلک قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ، وهذه منزلة رفیعة وفضل عظیم وشرف عال حین عنی الله عز وجل بذلک الآل فهذه واحدة .

والآیة الثانیة فی الإصطفاء قول الله: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ، وهذا الفضل الذی لا یجحده معاند ، لأنه فضل بین .

والآیة الثالثة ، حین میز الله الطاهرین من خلقه أمر نبیه فی آیة الإبتهال فقال: قل یا محمد تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم وأنفسنا وأنفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علی الکاذبین ، فأبرز النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً والحسن والحسین وفاطمة (علیهم السّلام) فقرن أنفسهم بنفسه. فهل تدرون ما معنی قوله: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ؟

قالت العلماء: عنی به نفسه .

قال أبو الحسن(علیه السّلام): غلطتم ، إنما عنی به علیاً(علیه السّلام)، ومما یدل علی ذلک

ص: 311

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین قال: لینتهین بنو ولیعة أو لأبعثن إلیهم رجلاً کنفسی ، یعنی علیاً(علیه السّلام). فهذه خصوصیة لا یتقدمها أحد ، وفضل لا یختلف فیه بشر، وشرف لا یسبقه إلیه خلق ، إذ جعل نفس علی(علیه السّلام)کنفسه ، فهذه الثالثة .

وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حین تکلم الناس فی ذلک وتکلم العباس فقال: یارسول الله ترکت علیاً وأخرجتنا ! فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما أنا ترکته وأخرجتکم ، ولکن الله ترکه وأخرجکم. وفی هذا بیان قوله لعلی(علیه السّلام): أنت منی بمنزلة هارون من موسی .

قالت العلماء: فأین هذا من القرآن ؟

قال أبوالحسن (علیه السّلام): أوجدکم فی ذلک قرآناً أقرؤه علیکم .

قالوا: هات .

قال(علیه السّلام): قول الله عز وجل: وَأَوْحَیْنَا إلی مُوسَی وَأَخِیهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِکُمَا بِمِصْرَ بُیُوتًا وَاجْعَلُوا بُیُوتَکُمْ قِبْلَةً ، ففی هذه الآیة منزلة هارون من موسی، وفیها أیضاً منزلة علی(علیه السّلام)عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ومع هذا دلیل ظاهر فی قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین قال: إن هذا المسجد لا یحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البیان لا یوجد إلا عندکم معشر أهل بیت رسول الله !

قال أبو الحسن(علیه السّلام): ومن ینکر لنا ذلک ؟ ! ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أنا مدینة العلم وعلی بابها فمن أراد مدینة العلم فلیأتها من بابها ، ففیما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والإصطفاء والطهارة ما لا ینکره إلا معاند ، ولله عز وجل الحمد علی ذلک. فهذه الرابعة .

ص: 312

وأما الخامسة ، فقول الله عزوجل: وآت ذا القربی حقه ، خصوصیة خصهم الله العزیز الجبار بها ، واصطفاهم علی الأمة ، فلما نزلت هذه الآیة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أدعوا لی فاطمة فدعوها له فقال: یا فاطمة ، قالت: لبیک یا رسول الله ، فقال: إن فدکاً لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب ، وهی لی خاصة دون المسلمین . وقد جعلتها لک لما أمرنی الله به فخذیها لک ولولدک فهذه الخامسة.

وأما السادسة: فقول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی فهذه خصوصیة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دون الأنبیاء ، وخصوصیة للآل دون غیرهم. وذلک أن الله حکی عن الأنبیاء فی ذکر نوح(علیه السّلام): وَیَا قَوْمِ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مَالا إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَکِنِّی أَرَاکُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ، وحکی عن هود(علیه السّلام)قال: لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلا تَعْقِلُونَ،

وقال لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی.

ولم یفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا یرتدون عن الدین أبداً ولا یرجعون إلی ضلالة أبداً . . . إلی آخر الحدیث .

ورواه فی بشارة المصطفی/228 وفی بحار الأنوار:25/220

ص: 313

النوع الثالث: نظریة فداء المسلمین بالیهود والنصاری !

روی مسلم فی:8/104:

عن أبی موسی الأشعری قال: قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة دفع الله عز وجل إلی کل مسلم یهودیاً أو نصرانیاً فیقول هذا فکاکک من النار !! ورواه ابن ماجة:2/1434 عن أنس وزاد فی أوله ( إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأیدیها ) وقال فی هامشه: فی الزوائد: له شاهد فی صحیح مسلم من حدیث أبی بردة بن أبی موسی عن أبیه. وقد أعلَّه البخاری .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/251:

وأخرج ابن أبی حاتم والطبرانی عن عوف بن مالک عن رسول الله (ص): أمتی ثلاثة أثلاث ، فثلث یدخلون الجنة بغیر حساب ، وثلث یحاسبون حساباً یسیراً ثم یدخلون الجنة ، وثلث یمحصون ویکسفون ، ثم تأتی الملائکة فیقولون وجدناهم یقولون لا إله إلا الله وحده فیقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطایاهم علی أهل التکذیب ، وهی التی قال الله: ولیحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وتصدیقاً فی التی ذکر الملائکة قال الله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، فهذا الذی یکسف ویمحص، ومنهم مقتصد وهو الذی یحاسب حساباً یسیراً ، ومنهم سابق بالخیرات فهو الذی یلج الجنة بغیر حساب ولا عذاب بإذن الله ، یدخلونها جمیعاً لم یفرق بینهم ، یحلون فیها

ص: 314

من أساور من ذهب إلی قوله لغوب. انتهی. ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/95 وقال: رواه الطبرانی وفیه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقیة رجاله ثقات .

وقال النبهانی فی جامع الثناء علی الله/41:

روی الإمام أحمد ، عن أبی موسی ، عن النبی(ص)قال: یجمع الله الأمم فی صعید واحد یوم القیامة ، فإذا بدأ الله یصدع بین خلقه مثَّل لکل قوم ما کانوا یعبدون فیتبعونه حتی یقحموهم النار ، ثم یأتینا ربنا عز وجل ونحن علی مکان رفیع فیقول: من أنتم ؟ فنقول: نحن المسلمون ، فیقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا ! فیقول: وهل تعرفونه إن رأیتموه ؟ فنقول: نعم، فیقول کیف تعرفونه ولم تعرفوه ؟ فنقول: نعم ، إنه لا عدل له فیتجلی لنا ضاحکاً !! فیقول: أبشروا یا معشر الإسلام فإنه لیس منکم أحد إلا جعلت فی النار یهودیاً أو نصرانیاً مکانه !! انتهی

وما ذکره النبهانی رواه أحمد فی:4/407 و 408 ورواه أیضاً فی: 4/391 وص 398 وص 402 وص 410 بروایات متعددة ، وفی کنز العمال:1/73 وص 86 وج 12/159 وص 170-172 وج 4/149 عن مصادر متعددة .

وما تدعیه هذه الروایات من رفع جرائم أحد ووضعها علی ظهر أحد لا علاقة له بجرمه . . أمرٌ لا یقبله دینٌ ولا عقل ، ویرده قوله تعالی ( لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَی ).

أما الذین قال الله تعالی إنهم یحملون أثقالاً مع أثقالهم ، فإنهم الُمضِلُّون

ص: 315

الذین یحملون من أثقال الذین أضلوهم ، لأنهم شرکاء فی کفرهم ومعاصیهم ، ثم لا ینقص من أثقال الضالین شی، لا أن جرائمهم تسقط کما تدعی هذه الروایة !!

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمین علی زعم الیهود بأنهم لا تمسهم النار إلا أیاماً معدودة ثم یخلفهم فیها المسلمون ، کما تقدم فی فصل الشفاعة عند الیهود ! فاخترع لهم أبو موسی الأشعری أو غیره نظریة فداء المسلم من النار بیهودی أو نصرانی ! کما یفعل المجرم الشاطر فیفدی نفسه من مشکلة تحصل له فی الدنیا بأن یجعلها فی رقبة غیره زوراً وبهتاناً ! !

النوع الرابع: إسقاط المحرمات عن أهل بدر

قال البخاری فی صحیحه:5/10:

عن علی (رض) قال: بعثنی رسول الله(ص)وأبا مرثد والزبیر وکلنا فارس قال: إنطلقوا حتی تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشرکین معها کتاب من حاطب بن أبی بلتعة إلی المشرکین ، فأدرکناها تسیر علی بعیر لها حیث قال رسول الله(ص)، فقلنا: الکتاب ! فقالت: ما معنا کتاب ! فأنخناها فالتمسنا فلم نر کتاباً، فقلنا: ما کذب رسول الله(ص)، لتخرجن الکتاب أو لنجردنک، فلما رأت الجد أهوت إلی حجزتها وهی محتجزة بکساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلی رسول الله(ص)فقال عمر: یا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلا ضرب عنقه ، فقال النبی (ص): ماحملک علی ما

ص: 316

صنعت ؟ قال حاطب: والله مابی أن لا أکون مؤمناً بالله ورسوله(ص)أردت أن تکون لی عند القوم یدٌ یدفع الله بها عن أهلی ومالی ، ولیس أحد من أصحابک إلا له هناک من عشیرته من یدفع الله به عن أهله وماله. فقال: صدق، ولا تقولوا له إلا خیراً ، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلاضرب عنقه ، فقال: ألیس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد وجبت لکم الجنة ، أو فقد غفرت لکم. فدمعت عینا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. انتهی .

ورواه مسلم فی صحیحه:7/168 وقال ( ولیس فی حدیث أبی بکر وزهیر ذکر الآیة وجعلها إسحاق فی روایته من تلاوة سفیان ) .

ورواه أبو داود فی سننه:1/597 وج 2/403 والترمذی:5/83 والحاکم:3/134 وص 301 وج 4/77 والبیهقی فی سننه:9/146 والدارمی فی:2/313 ورواه أحمد فی:1/80 وص 105وص 331 وج 2/109 وص 295... الخ .

ورواه البخاری أیضاً فی مواضع عدیدة أخری وجدنا منها سبعة: فی:4/19 وقال بعده ( قال سفیان وأی إسناد هذا ! ) وفی:4/39 وفی:5/89 وفی:6/60 وفیه ( قال عمرو ونزلت فیه یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی عدوکم. قال لا أدری الآیة فی الحدیث أو قول عمرو ) وفی:7/134 وفی:8/55 .

والموضعان الاخران روی البخاری فیهما طعناً علی علی(علیه السّلام) قال

ص: 317

فی:4/38:

عن أبی عبد الرحمن وکان عثمانیاً فقال لابن عطیة وکان علویاً: إنی لأعلم ما الذی جرأ صاحبک علی الدماء ! سمعته یقول: بعثنی النبی(ص)والزبیر فقال إئتوا روضة کذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب کتاباً . . . فقال: وما یدریک لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم ! فهذا الذی جرأه. انتهی . وروی نحوه فی:8/54 .

ومن الواضح أن البخاری أعجبه قول أبی عبد الرحمان العثمانی حتی رواه مرتین بدون تعلیق !

وجوابه: أن علیاً(علیه السّلام)لم یکن یعتقد بهذه المقولة التی نسبوها إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن أهل بدر . . وأن حروبه الداخلیة الثلاثة علی تأویل القرآن کانت بعهد معهود الیه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما رواه البخاری نفسه وغیره !

بل ثبت عندنا أن کل مواقفه وأعماله کانت بعهد ووصیة من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی فرض تسلیمنا ما یراه البخاری ، فالسؤال موجهٌ الیه: مادام الذی جرَّأَ علیاً(علیه السّلام)علی سفک دماء المسلمین بزعمک ، أنه رفع القلم عن أهل بدر ، وأن علیاً(علیه السّلام)معذورٌ لذلک !

فما هو عذر عدوه معاویة فی خروجه علی الخلیفة الشرعی وقتاله إیاه وسفکه لدماء المسلمین ؟

وما عذرک فی الدفاع عن معاویة وتوثیقه والروایة عنه ؟

إلا أن یکون البخاری قد عدَّ معاویة بدریاً لأنه شهدها مع أبیه أبی سفیان فی صف المشرکین !!

ص: 318

ومن أشرف المواقف السنیة فی هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزی، حیث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر ، وفسرها بأنها مغفرة مامضی من ذنوبهم لا ما سیأتی ، ثم رد علی روایة البخاری بقوله:

ثم دعنا من معنی الحدیث ، کیف یحل لمسلم أن یظن فی أمیر المؤمنین علی رضی الله عنه فعل ما لا یجوز اعتماداً منه علی أنه سیغفر له ؟ ! حوشئ من هذا ، وإنما قاتل بالدلیل المضطر له إلی القتال ، فکان علی الحق ، ولا یختلف العلماء أن علیاً لم یقاتل أحداً إلا والحق مع علی ، کیف وقد قال رسول الله (ص): اللهم أدر الحق معه کیفما دار ! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبیحاً ، حمله علیه أنه کان عثمانیاً ! انتهی. ( الصحیح فی السیرة:5/141 عن صید الخاطر/385 )

وینبغی أن نشیر أولاً إلی أن ما رووه من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لکم الجنة أو فقد غفرت لکم ) معناه القطع بذلک ولیس الإحتمال والرجاء . . فعلی هذا تعامل العلماء السنیون مع الحدیث ، وقد صرح بالقطع والیقین حدیث آخر رواه الحاکم وصححه قال فی المستدرک: 4 ص 77: عن أبی هریرة (رض) عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله تعالی اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه بهذا اللفظ علی الیقین ( إن الله اطلع علیهم فغفر لهم ) إنما أخرجاه علی الظن وما یدریک لعل الله تعالی اطلع علی أهل بدر. انتهی.

ص: 319

وروی مفاده فی دلائل النبوة للبیهقی:3/153 قال: عن جابر بن عبد الله: أن عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلی رسول الله یشکو حاطباً فقال: یا رسول الله لیدخلن حاطب النار ! فقال رسول الله (ص): جُذِبْت ، لا یدخلها فإنه شهد بدراً والحدیبیة !. انتهی .

ولکن هذه الأحادیث الصحیحة عندهم بمقاییس الجرح والتعدیل وأحکامه یواجهها حکم العقل وآیات القرآن وأحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )القطعیة المتفق علیها عند الجمیع ! إذ لا یمکن لعاقل أن یقبل أن الصحابة من أهل بدر أو کل الصحابة کما تقول روایات أخری..مبشرون بالجنة ، وأعمالهم مغفورة مهما کانت ، وولایتهم فریضة من الله تعالی علی المسلمین بعد ولایة الله تعالی وولایة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وأن من لایتولاهم أو ینتقصهم فهو فی النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة ، وخارج عن ربقة الإسلام . . . إلی آخر الأحکام التی ذکروها للصحابة ، وجعلوها جزء من شریعة الإسلام المقدسة ، بل جزء من عقائده الاساسیة !!

تقول لهم: یا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً ، وتبرأ بعضهم من بعضهم ، وکفَّر بعضهم بعضاً ، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً ! فمن المحق ومن المبطل ؟ ومن المظلوم ومن الظالم ؟ ومن یستحق الشفاعة منهم ومن یستحق الحرمان ؟

فیقولون: لا تخوضوا فی موضوع الصحابة ، فکلهم عدول وکلهم فی الجنة!

تقول لهم: لقد علَّمنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن نخوض فی أمرهم، فقد ثبت فی الصحاح أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر بأن بعضهم یدخل النار وأنهم لا یرونه ولا یراهم فی الآخرة ،

ص: 320

وأن بعضهم یردون علیه الحوض ، فیذودهم عنه ویطردهم کما تطرد الأباعر الغریبة !!

فیقولون: لاتخوضوا فی موضوع الصحابة ، فکلهم عدول وکلهم فی الجنة !

وترجمة کلامهم: أنک یجب علیک فی موضوع الصحابة أن تعطل عقلک ، وتعطل آیات القرآن وأحادیث الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی تحافظ علی إیمانک بالصحابة وتتمسک بهم !

ولکن التناقض لا فرق فیه بین صغیر وکبیر ، فإذا قبلنا به لحل مشکلة الصحابة ، فلنقبل به لحل مشکلة الأدیان ، ولنقل بصحة التثلیث والتوحید ، والإیمان والکفر، والوثنیة والإسلام..ولنحلَّ به مشکلة إبلیس ونقول إنه عدو الله وولی الله معاً !!

العقل یقول: إذا تناقض أمران أو شخصان فی القول ولم یمکن الجمع بین قولیهما ، فلا یمکن أن یکون کلا القولین حقاً ، لأنه تناقض مستحیل .

وإذا تناقضا فی الفعل واقتتلا فلا یمکن أن یکون کل منهما علی الحق ، لأنه تناقض مستحیل . . ولا معنی للقبول بالتناقض إلا تعطیل العقل والتنازل عن قوانین العلیة والبدهیات ! وإذا عطلنا العقل ، فلا یبقی إیمان بالله ورسله وکتبه ، ولا صحابة ولا مصحوبون !

إن ماننعاه علی الیهود والنصاری بأن عندهم عقائد لا یقبلها العقل ، وأنهم یقبلون ما یناقض عقولهم من أجلها..یجب أن ننعاه علی أنفسنا ، لاننا نزعم أن الله تعالی أمرنا بإطاعة صحابة نبینا المتناقضین فی أقوالهم وأفعالهم ، إلی حد کسر العظم وقطع الرقاب !

ص: 321

ولاننا نقرأ قول الله تعالی ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلاً فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ . . ) ثم ندعی أن الله تعالی قد سلَّمَ أمة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من بعده إلی صحابة متشاکسین فی الفقه والعقائد والسیاسة إلی حد التناقض والتکفیر والحرب !!

قال المفید فی الإفصاح/49:

فإن قال: ألیس قد روی أصحاب الحدیث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: خیر القرون القرن الذی أنا فیه ، ثم الذین یلونه (1).

وقال(علیه السّلام): إن الله تعالی اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم (2). وقال (علیه السّلام): أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم (3) .

فکیف یصح مع هذه الأحادیث أن یقترف أصحابه السیئات أو یقیموا علی الذنوب والکبائر الموبقات ؟ !

قیل له: هذه أحادیث آحاد ، وهی مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر فی معانیها والفساد ، وما کان بهذه الصورة لم یعارض الإجماع ، ولا یقابل حجج الله تعالی وبیناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التی جاءت بالصحیح من الإسناد ، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار ، وأطبق علی نقلها الفریقان من الشیعة والناصبة علی الإتفاق ، ما ضمن خلاف ما انطوت علیه فأبطلها علی البیان:

فمنها: ما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لتتبعن سنن من کان قبلکم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتی لو دخلوا فی جحر ضب لاتبعتموهم. فقالوا یا رسول الله الیهود والنصاری ؟ قال: فمن إذن ؟ ! (4) .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی مرضه الذی توفی فیه: أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع

ص: 322

آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولی (5) .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حجة الوداع لاصحابه: ألا وإن دماءکم وأموالکم وأعراضکم علیکم حرام کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا ، ألا لیبلغ الشاهد منکم الغائب ، ألا لأعرفنکم ترتدون بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض ، ألا إنی قد شهدت وغبتم (6) .

وقال(علیه السّلام)لأصحابه أیضاً: إنکم محشورون إلی الله تعالی یوم القیامة حفاة عراة ، وإنه سیجاء برجال من أمتی فیؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: یا رب أصحابی؟ فیقال: إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک ، إنهم لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم (7) .

وقال(علیه السّلام): أیها الناس بینا أنا علی الحوض إذ مُرَّ بکم زمراً ، فتفرق بکم الطرق فأنادیکم: ألا هلموا إلی الطریق ، فینادینی مناد من ورائی: إنهم بدلوا بعدک ، فأقول:ألا سحقاً ألا سحقاً (8) .

وقال(علیه السّلام): ما بال أقوام یقولون: إن رحم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا تنفع یوم القیامة؟! بلی والله إن رحمی لموصولة فی الدنیا والآخرة ، وإنی أیها الناس فرطکم علی الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل منکم: یا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان ، فأقول: أما النسب فقد عرفته ، ولکنکم أحدثتم بعدی فارتددتم القهقری (9) .

وقال(علیه السّلام)وقد ذکر عنده الدجال: أنا لفتنة بعضکم أخوف منی لفتنة الدجال (10).

وقال(علیه السّلام): إن من أصحابی من لا یرانی بعد أن یفارقنی(11) .

ص: 323

فی أحادیث من هذا الجنس یطول شرحها، وأمرها فی الکتب عند أصحاب الحدیث أشهر من أن یحتاج فیه إلی برهان ، علی أن کتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذکرناه ، ولو لم یأت حدیث فیه لکفی فی بیان ما وصفناه: قال الله سبحانه وتعالی: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّاللهَ شَیْئًا وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ، فأخبر تعالی عن ردتهم بعد نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی القطع والثبات ، وقال جل اسمه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ . فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة فی الدین ، وأعلمهم أنها تشملهم علی العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب .

وقال سبحانه وتعالی: اَلَمِ . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکَاذِبِینَ . أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئَاتِ أَنْ یَسْبِقُونَا سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ . وهذا صریح فی الخبر عن فتنتهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإختبار ، وتمییزهم بالأعمال .

وقوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَاتِی اللهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ . . إلی آخر الآیة ، دلیل علی ما ذکرناه .

وقوله تعالی: أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ . یزید ما شرحناه .

ولو ذهبنا إلی استقصاء ما فی هذا الباب من آیات القرآن والأخبار عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لانتشر القول فیه ، وطال به الکتاب .

وفی قول أنس بن مالک: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المدینة فأضاء منها کل شئ ،

ص: 324

فلما مات(علیه السّلام)أظلم منها کل شئ ، وما نفضنا عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأیدی ونحن فی دفنه حتی أنکرنا قلوبنا. (12) شاهد عدل علی القوم بما بیناه .

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حکایته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین توهمت أنهم لا یقارفون الذنوب ولا یکتسبون السیئات ، هم الذین حصروا عثمان بن عفان وشهدوا علیه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام . . . إلی آخر کلامه المفید(رحمه الله).

وقال فی هامشه:

( 1 ) مسند أحمد 2: 228 سنن أبی داود 4: 214/4657 صحیح مسلم 4: 1962/210 وفیها: خیر أمتی القرن. .

( 2 ) مسند أحمد 1: 80 و 2: 295 صحیح مسلم 4: 1941/161 صحیح البخاری 6: 363/383 سنن الدرامی 2: 313 .

( 3 ) لسان المیزان 2: 137 تفسیر البحر المحیط 5: 528 أعلام الموقعین 2: 223 کنز العمال 1:199/1002 کشف الخفاء ومزیل الالباس 1/132. وانظر تلخیص الشافی 2: 246 .

( 4 ) مسند أحمد 2:511 سنن ابن ماجة 2:1322/3994 صحیح البخاری 4: 326/249 .

( 5 ) مسند أحمد 3: 489 مجمع الزوائد 9: 24 سنن ابن ماجة 2: 1310/3961 .

( 6 ) الجامع الصحیح للترمذی 4: 461/2159 و 486/2193 صحیح البخاری 7: 182 و8:285/14 و9:90/27 صحیح مسلم 3: 1305/29-31 سنن أبی داود 4: 221/4686 قطعة منه مسند أحمد 1:230 سنن النسائی

ص: 325

7:127 قطعة منه سنن الدارمی 2:69 قطعة منه .

( 7 ) صحیح البخاری 6: 108 صحیح مسلم 4: 2194/58 الجامع الصحیح للترمذی 4: 615/2423 سنن النسائی 4: 117 .

( 8 ) مسند أحمد 6: 297 .

( 9 ) مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه .

( 10 ) کنز العمال 14: 322/28812 .

( 11 ) مسند أحمد 6: 307 .

( 12 ) الجامع الصحیح للترمذی 5: 588/3618 مسند أحمد بن حنبل 3: 221/268 سنن ابن ماجة 1: 522/1631. انتهی .

النوع الخامس: حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/498 ح 3398:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: شفاعتی مباحة إلا لمن سب أصحابی.

وفی:1/98 ح 196:

عن عبدالرحمن بن عوف أیضاً وفیه: فشفاعتی محرمة علی من شتم أصحابی. ورواه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء کما ذکر فی کنز العمال: 14/398 .

وروی الشیرازی فی الالقاب وابن النجار کما ذکر کنز العمال:

ص: 326

14/635:

عن أم سلمة قالت قال رسول الله (ص): نعم الرجل أنا لشرار أمتی! فقال له رجل من مزینة: یا رسول الله أنت لشرارهم فکیف لخیارهم ؟ قال: خیار أمتی یدخلون الجنة بأعمالهم ، وشرار أمتی ینتظرون شفاعتی. ألا إنها مباحةٌ یوم القیامة لجمیع أمتی إلا رجل ینتقص أصحابی! ونقله کاندهلوی فی حیاة الصحابةج 3/45 .

ولا نقصد بنقد هذه الروایات الدفاع عن الذین یسبون بعض الصحابة ، فالسب والشتم وکل أنواع البذاءة فی المنطق لایمکن لعاقل أن یدافع عنها ، بل لا یرتکبها عاقل فی حالة سیطرة عقله علی منطقه ، فضلاً عن الأتقیاء الأبرار .

وإنما غرضنا بیان تهافت منطق هذه الأحادیث فی منح الشفاعة والحرمان منها ! فهذا المنطق یقول: یجوز للصحابی أن یحکم بفسق الصحابی الآخر أو کفره ، وأن یسبه ویهینه ویضربه ویحبسه ویشهر علیه سیفه ویقتله ، أو یکید به ویقتله بالسم أو بالاغتیال ، ویجوز له أن یستعمل کل أسالیب السیاسة والمناورة والمخادعة ضده ، وأن یجمع حوله الناس بالرشوة والتهدید . . وأن یخرج علی إمام زمانه ویسبب انشقاقاً فی الأمة وحروبا یقتل فیها عشرات ألوف المسلمین ، وأن یرتکب کل المحرمات . . ولا بأس بذلک کله ، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو مستحق للجنة بدون شفاعة !!

أما غیر الصحابة من المسلمین فلو انتقد صحابیاً ولو انتقاداً صغیراً . . فقد شمله مرسوم الحرمان النبوی من الشفاعة وصار مخلداً فی النار !!

ص: 327

إنه منطق یستشکل فی الحبة ویأکل القبة ! ولا یمکن أن یکون مما أنزله الله تعالی علی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

بل إن صیغة الحدیث ( لا تسبوا أصحابی ) وأمثاله یصعب تعقل صدورها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن مخاطبیه هم أصحابه ، فکیف یقول لهم: لا تسبوا أصحابی أو اقتدوا بأصحابی !

وأخیراً ، فإن أحادیث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم وانتقاصهم وانتقادهم..یصعب فهمها بل لا یمکن فهمها إلا بالمقارنة مع الآیات والأحادیث المشابهة الواردة فی حق أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثل قوله تعالی: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی ، وقوله: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً . . . وأحادیث: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وأهل بیتی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم ، ولا یؤمن أحدکم حتییحبهم لحبی ، وعشرات غیرها متفق علی صدورها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد رکز فیها الإسلام مکانة عترة النبی من بعده حتی أنه حرم علیهم الصرف من المصارف العامة وجعل لهم مالیة خاصة هی الخمس !

والباحث المتتبع یجد أن کل حدیث قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أهل بیته . . نبت مقابله حدیث فی أصحابه ! حتی أن حدیث الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة ، نبت مقابله: أبو بکر وعمر سیدا کهول أهل الجنة ، وحدیث إحفظونی فی أهل بیتی نبت مقابله: إحفظونی فی أصحابی. .

وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ینتقص الصحابة ، ما هو إلا نبتةٌ قریشیة

ص: 328

مقابل قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذی ثبت عند الجمیع ، کما سیأتی إن شاء الله تعالی .

النوع السادس: الدخول إلی جهنم لتحلیل القسم الالهی بأن یملاها

روی البخاری فی صحیحه:2/72:

عن أبی هریرة (رض) عن النبی(ص)قال: لا یموت لمسلم ثلاثة من الولد فیلج النار ، إلا تحلة القسم. ورواه أیضاً فی:7/224 .

ورواه مسلم:8/39 وفیه ( فتمسه النار ) ورواه ابن ماجة:1/512 والنسائی:4/22 و25 بعدة روایات وفی بعضها: فتمسه النار.. والترمذی:2/262 وأحمد:2/240 وص 276 وص 473 وص 479 والبیهقی فی سننه:4/67 وج 7/78 والهیثمی فی مجمع الزوائد:1/163 وج 5/287 والهندی فی کنز العمال:3/284 وص 293 وج 4/323 وج 10/216 والسیوطی فی الدر المنثور:4/280 وفی عدد من روایاته: تمسه النار. وفی عدد آخر: یلج النار وفی أکثرها ( تحلة القسم ) .

ورغم التفاوت فی صیغ هذه الروایات إلا أنها تتفق علی أن هذا الوالد الذی

ص: 329

تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة یستحق الجنة حتی لو کان مذنباً ، لکن یجب علی هذا المسکین أن یدفع ضریبة یمین الله تعالی ، ویدخل النار مدة قلیلة تحلةً لقسم الله تعالی حتی لا یکون الله حانثاً بقسمه ، ثم له من الله تعالی وَعْدُ شَرف أن ینقله إلی الجنة !!

فما هی قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا الوالد وغیره من المساکین الذین أدخلتهم صحاح السنیین فی جهنم لا لشئ إلا لتحلیل یمین الله تعالی !

حاولت بعض الروایات أن تجعل القسم قوله تعالی ( وَإِنْ مِنْکُمْ إِلا وَارِدُهَا کَانَ عَلَی رَبِّکَ حَتْمًا مَقْضِیًّا . ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیهَا جِثِیًّا . ) مریم : 70-71 وقالوا إن هذا القضاء الالهی الحتمی هو القسم وهو عام للجمیع .

ولکنه تفسیر من الرواة لأن الصحاح لم ترو حدیثاً یفسر القسم بذلک !

قال البیهقی فی سننه:10/64:

قال أبو عبید: نری قوله تحلة القسم یعنی قول الله تبارک وتعالی: وَإِنْ مِنْکُمْ إِلا وَارِدُهَا کَانَ عَلَی رَبِّکَ حَتْمًا مَقْضِیًّا . ، یقول فلا یردها إلا بقدر ما یبر الله قسمه فیه. وفیه: أنه أحل للرجل یحلف لیفعلن کذا وکذا ثم یفعل منه شیئاً دون شئ ، یبری فی یمینه. انتهی .

ولکن تفسیرهم هذا لا یصح:

أولاً ، لما ذکره البیهقی من أنه یفتح الباب للناس للتلاعب بأیمانهم ، ولا تبقی قیمة لیمین ! فإذا کان الله تعالی یستعمل الحیلة الشرعیة للتحلل من یمینه ویسمیها ( تحلة القسم ) فلا حرج علی عباده أن یلعبوا بأیمانهم !!

وثانیاً ، لا یوجد فی آیة الورود قسم ، بینما ورد فی کل روایات الصحاح

ص: 330

أن سبب دخول هذا الاب ( تحلَّةَ القسم ) .

وثالثاً ، إن المؤمنین الذین یردون جهنم ویشرفون علیها فی طریق عبورهم إلی الجنة لا تمسهم نارها ، بینما ورد فی عدد من صیغ الحدیث التعبیر بتمسه النار تحلة القسم .

ورابعاً ، أن الورود المذکور فی الآیة أمرٌ عامٌ شاملٌ ، ولیس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن حال فی الورود حال غیره !!

وخامساً، ورد فی صیغة البخاری وغیره تعبیر بالولوج وهو الدخول المحقق فی النار ، بینما الورود أعم من الدخول فی النار والاشراف علیها عند المرور علی الصراط .

قال فی تفسیر التبیان:7/143:

واختلفوا فی کیفیة ورودهم الیها فقال قوم وهو الصحیح: إن ورودهم هو وصولهم إلیها وإشرافهم علیها من غیر دخول منهم فیها ، لأن الورود فی اللغة هو الوصول إلی المکان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه. ویقال: ورد الخبر بکذا تشبیهاً بذلک .

ویدل علی أن الورود هو الوصول إلی الشئ من غیر دخول فیه قوله تعالی: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْیَنَ ، وأراد وصل الیه. وقال زهیر:

فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه وضعنَ عِصِیَّ الحاضرِ المتخیمِ

وقال قتادة وعبدالله بن مسعود: ورودهم إلیها هو ممرهم علیها .

وقال عکرمة: یردها الکافر دون المؤمن ، فخص الآیة بالکافرین .

وقال قوم شذاذ: ورودهم إلیها دخولهم فیها ولو تحلة القسم. روی ذلک عن ابن عباس وکان من دعائه: اللهم أزحنی من النار سالماً وأدخلنی الجنة

ص: 331

غانماً. وهذا الوجه بعید ، لأن الله قال: إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَی أُولَئِکَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . ، فبین تعالی أن من سبقت له الحسنی من الله یکون بعیداً من النار ، فیکف یکون مبعداً منها مع أنه یدخلها وذلک متناقض. فإذاً المعنی بورودهم: إشرافهم علیها ووصولهم إلیها. انتهی .

وعلی هذا یتعین أن یکون المقصود بتحلة القسم فی هذه الأحادیث المزعومة: قسمه تعالی بأن یملا جهنم من الجنة والناس ، فی قوله تعالی: وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَلِذَلِکَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِینَ . هود : 118-119

ویکون معنی الحدیث: أن هذا الوالد یستحق الجنة ، ولکن بما أن الله تعالی أقسم أن یملأ النار ، ولیس عنده ما یکفی لملئها ، فإن علی هذا الوالد المسکین أن یدفع الضریبة من جلده !!

إن منطق هذا الحدیث یصور الله تعالی کأنه حاکم دنیوی بنی سجناً وأقسم أن یملاه من المجرمین ، وعندما وجد أن السجن کبیرٌ لم یمتلی بالمجرمین الموجودین، أمر شرطته أن یقبضوا علی الناس من الشارع ویضعوهم فی السجن حتی یملاوه ویفی حضرة الحاکم بیمینه ، ولا یکون کاذباً !وهو تصورٌ نجده عن الله تعالی فی التوراة ولا نجده فی القرآن . . الأمر الذی یجعلنا نطمئن بأن فکرة إدخال الناس إلی النار لتحلة القسم فکرة توراتیة أخذها المسلمون من الیهود ، ففی تفسیر کنز الدقائق:2/47 ، جاء فی رد مقولات الیهود التی منها ( أنه تعالی وعد یعقوب أن لا یعذب أولاده إلا تحلة القسم ) !!

ص: 332

ولکن أین هذا المنطق من قوانین الحق والعدل الالهی التی أقام الله تعالی علیها الکون والحیاة ، وأنزلها فی کتابه وأوحی بها إلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفکرون !

النوع السابع: حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

اشارة

یمکن للباحث أن یتفهم أحادیث الحرمان من الشفاعة لمن ینتقد الصحابة ، ویفسرها بأنها محاولة لتسکیت المسلمین عن الصحابی الحاکم وجماعته. ولکن بعض الحرمانات الواردة فی الصحاح لا یستطیع أن یفهم لها علة ولا معنی ، إلا بعد جهد جهید ، مثل حرمانهم الذی یصبغ شعره ولحیته بالسواد من الشفاعة والجنة !

فقد روت ذلک الصحاح کما فی النسائی:8/138 قال: عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم یخضبون بهذا السواد آخر الزمان کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة. انتهی .

ورواه أبو داود فی:2/291

وأحمد فی:1/273

والبیهقی فی سننه:7/311

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/163 روایةً شدیدةً علی المجرم الذی یصبغ شعره ولحیته بالسواد ، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معین وابن حبان قال: عن أبی الدرداء قال قال رسول الله(ص): من خضب بالسواد

ص: 333

سوَّد الله وجهه یوم القیامة. رواه الطبرانی وفیه الوضین بن عطاء وثقه أحمد وابن معین وابن حبان ، وضعفه من هو دونهم فی المنزلة وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

وقد تحیر فی ذلک بعض أصحاب الصحاح . . ومن حقهم أن یتحیروا . . فمع أنهم عاشوا فی القرن الثالث ولم یشهدوا القرن الأول ولا الثانی ، ولکن عهدهم کان قریباً نسبیاً ، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحی! ومع ذلک وصلت الیهم أحادیث متناقضة فیها ! فمنها أحادیث تقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر بتغییر الشیب ومخالفة الیهود الذین یحرمون صبغ الشیب ، وأحادیث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء ، أی باللون الاحمر الذی تصبغ به العرب ونهی عن السواد لأنه خضاب الکفار ! وأخری تقول إنه أمر بالسواد ، وأخری تقول بالکتم والوسم الأصفر . . . !

واختلفت روایاتهم فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هل صبع شیبه أم لا ، فروایةٌ تقول إنه صبغه بالحناء ، ولکنهم رجحوا أخری تقول لم یدرکه الشیب إلا شعرات قلیلة ولم یصبغها .

قال مسلم فی صحیحه: 7/84 و85: قال سئل أنس بن مالک عن خضاب النبی(ص)فقال: لو شئت أن أعد شمطات کن فی رأسه فعلت وقال: لم یختضب وقد اختضب أبو بکر بالحناء والکتم واختضب عمر بالحناء بحتا. انتهی .

وقد روی الجمیع خضاب أبی بکر وعمر بالحناء والکتم کما فی مسند أحمد: 3/100 وج 3/108 وص 160 وص 178 .

ولکن تحیر أصحاب الصحاح کان علی مستوی الروایة فقط ، أما الرأی

ص: 334

السائدالمتبع عندهم فهو النهی المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأی الدولة من زمن أبی بکر وعمر وعثمان ومعاویة..إلی آحر الخلافة الأمویة !

ولذا جعل النسائی عنوان المسألة: النهی عن الخضاب بالسواد وقال فی:8/38

عن ابن عباس رفعه أنه قال: قوم یخضبون بهذا السواد آخر الزمان کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة .

عن أبی الزبیر عن جابر قال أتی بأبی قحافة یوم فتح مکة ، ورأسه ولحیته کالثغامة بیاضاً ، فقال رسول الله (ص): غیروا هذا بشئ واجتنبوا السواد . . . ثم قال النسائی: والناس فی ذلک مختلفون ، والله تعالی أعلم ، لعل المراد الخالص ، وفیه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مکروهٌ ، وللعلماء فیه کلام ، وقد مال بعض إلی جوازه للغزاة ، لیکون أهیب فی عین العدو ، والله تعالی أعلم .

أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صیغتها الشرعیة ، وأجمعوا علی ذم الحضاب بالسواد ، ذمَّ تحریم ، وربما وجد فیهم نادرٌ یقول بأنه ذم تنزیه !

قال النووی فی المجموع:1/294:

( فرع ) اتفقوا علی ذم خضاب الرأس أو اللحیة بالسواد ، ثم قال الغزالی فی الأحیاء والبغوی فی التهذیب وآخرون من الأصحاب هو مکروه ، وظاهر عباراتهم أنه کراهة تنزیه ، والصحیح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحریمه صاحب الحاوی فی باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن یکون فی الجهاد ، وقال فی آخر کتابه الأحکام السلطانیة: یمنع المحتسب الناس من خضاب الشیب بالسواد إلا المجاهد .

ص: 335

ودلیل تحریمه حدیث جابر (رض) قال: أتی بأبی قحافة والد أبی بکر الصدیق رضی الله عنهما یوم فتح مکة ورأسه ولحیته کالثغامة بیاضاً ، فقال رسول الله (ص): غیروا هذا واجتنبوا السواد. رواه مسلم فی صحیحه ، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفیف الغین المعجمة نبات له ثمر أبیض. وعن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص): یکون قوم یخضبون فی آخر الزمان بالسواد کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة. رواه أبو داود والنسائی وغیرهما ، ولا فرق فی المنع من الخضاب بالسواد بین الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا. انتهی .

وقال ابن قدامة فی المغنی:1/76:

وعن الحکم بن عمر الغفاری قال: دخلت أنا وأخی رافع علی أمیر المؤمنین عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخی مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام ، وقال لاخی رافع: هذا خضاب الإیمان. ویکره ( وکره ) الخضاب بالسواد. قیل لابی عبدالله تکره الخضاب بالسواد قال إی والله . . . ! انتهی .

وروی الحاکم قصة أخری مشابهة وجعل رأی الخلیفة عمر حدیثاً مسنداً قال فی المستدرک:3/526 قال:

دخل عبدالله بن عمر علی عبدالله بن عمرو وقد سوَّدَ لحیته ، فقال عبدالله بن عمر: السلام علیک أیها الشویب ! فقال له ابن عمرو: أما تعرفنی یا أبا عبدالرحمن ؟ قال بلی أعرفک شیخاً فأنت الیوم شاب ! إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: الصفرة خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الکافر. انتهی.

ص: 336

وقال عنه فی مجمع الزوائد:5/163: رواه الطبرانی وفیه من لم أعرفه. انتهی .

- وقد سئل الشیخ ابن باز فی کما فی فتاویه:4/58 طبعة مکتبة المعارف بالریاض:

- مامدی صحة الأحادیث التی وردت فی صبغ اللحیة بالسواد ، فقد انتشر صبغ اللحیة بالسواد عند کثیر ممن ینتسبون إلی العلم ؟

فقال فی جوابه: فی هذا الباب أحادیث صحیحة کثیرة ، وذکر حدیث حواصل الحمام ، وقال بعده: وهذا وعیدٌ شدید ، وفی ذلک أحادیث أخری، کلها تدل علی تحریم الخضاب بالسواد ، وعلی شرعیة الخضاب بغیره. انتهی.

والمتتبع لنصوص المسألة یصل إلی قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشی..وسببه أن العرب ومنهم قریش کانوا یصبغون شیبهم بالحناء الذی یأتیهم من الهند ، وبعضهم یصبغونه بالورس والزعفران الذی یأتیهم من الیمن وإیران ( لاحظ مغنی ابن قدامة:1/76 ) .

وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب کما نص السهیلی فی الروض الانف:1/7 ونقله عنه النووی فی

المجموع:18/254 .

ولا یبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبنی هاشم. وسیأتی أن الإسلام أقر عدة تشریعات سنَّها عبد المطلب بإلهام من الله تعالی مثل: الطواف سبعاً ، والدیة ، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم .

ص: 337

ماذا یصنع رواة الخلافة القرشیة بهذه الأحادیث

تدل الأحادیث من مصادر الجمیع علی أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب فی صبغ الشیب بالسواد فقد روی ابن ماجة فی سننه:2/1197 عن صهیب قال: قال رسول الله (ص): إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد ، أرغب لنسائکم فیکم ، وأهیب لکم فی صدور عدوکم. انتهی .

وقالوا بعده: هذا الحدیث معارض لحدیث النهی عن السواد ، وهو أقوی إسناداً وأیضاً النهی یقدم عند المعارضة ، وفی الزوائد: إسناده حسن. انتهی.

وإذا صح ما ذکره رواة قریش من أن النهی دائماً أقوی من الرخصة ، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا یشم رائحة الجنة ! فهل یلتزمون بأن الإمام الحسین(علیه السّلام)سید شباب أهل الجنة لا یشم رائحتها !

فقد روی البخاری فی صحیحه:4/216:

عن أنس بن مالک (رض): أتی عبید الله بن زیاد برأس الحسین بن علی فجعل فی طست فجعل ینکته وقال فی حسنه شیئاً فقال أنس: کان أشبههم برسول الله(ص)وکان مخضوباً بالوسمة ! انتهی. والوسمة هی السواد .

وفی مجمع الزوائد:5/162:

عن محمد بن علی أنه رأی الحسن بن علی (رض) مخضوباً بالسواد علی فرس ذنوب. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح، خلا محمد بن إسماعیل بن رجاء وهو ثقة. وعن سلیم قال: رأیت جریر بن عبدالله یخضب رأسه ولحیته بالسواد. رواه الطبرانی وسلیم والراوی عنه لم أعرفهما .

ص: 338

وعن محمد بن علی أن الحسین بن علی (رض) کان یخضب بالسواد. رواه الطبرانی ورجاله رجال الذی قبله ، وقد روی عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحیح .

وعن عبد الرحمن بن بزرج قال: رأیت الحسن والحسین ابنی فاطمة یخضبان بالسواد ، وکان الحسین یدع العنفقة. رواه الطبرانی وفیه ابن لهیعة وحدیثه حسن وفیه ضعف ، وبقیة رجاله ثقات .

وعن عبدالله بن أبی زهیر قال: رأیت الحسین بن علی یخضب بالوسمة. رواه الطبرانی وعبد الله بن أبی زهیر لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

وجریر بن عبدالله المذکور هو البجلی من کبار أصحاب علی (علیه السّلام) ومن قادة جیشه وقد حمل عدداً من رسائله إلی معاویة .

فیتضح من ذلک أن أهل البیت (علیهم السلام) وشیعتهم کانوا یخضبون شیبهم بالسواد. وأن النهی عن السواد نهی قرشئ لا نبوی ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببنی هاشم المعارضین للدولة !

بل ماذا یصنع الشیخ ابن باز بإمامه الزهری الذی روی عنه البخاری نحو 1200 روایة فی صحیحه ، فقد کان-بعد أن خفَّت حدة المسألة فی القرن الثانی-یصبغ شیبه بالسواد ، ویقول إن النبی أمر بتغییر الشیب ولم یحدد لون الصبغ !

قال أحمد فی مسنده:2/309:

قال رسول الله (ص): إن الیهود والنصاری لا یصبعون فخالفوهم. قال عبد الرزاق فی حدیثه: قال الزهری: والأمر بالاصباغ ، فأحلکها أحب الینا. قال معمر: وکان الزهری یخضب بالسواد. انتهی .

ص: 339

رأی أهل البیت (علیهم السّلام)

روی الکلینی فی الکافی:6/481:

عن: أحمد بن محمد ، عن سعید بن جناح ، عن أبی خالد الزیدی ، عن جابر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: دخل قوم علی الحسین بن علی صلوات الله علیهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلک ، فمد یده إلی لحیته ثم قال: أمر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی غزاة غزاها أن یختضبوا بالسواد ، لیقووا به علی المشرکین .

وفی الکافی:6/483:

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن عدة من أصحابه ، عن علی بن أسباط ، عن عمه یعقوب بن سالم قال: قال أبو عبدالله (علیه السّلام): قتل الحسین صلوات الله علیه وهو مختضب بالوسمة .

وفی الکافی:6/480:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن مسکین بن أبی الحکم ، عن رجل ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنظر إلی الشیب فی لحیته فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نورٌ ، ثم قال: من شاب شیبةً فی الإسلام کانت له نوراً یوم القیامة. قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلما رأی الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل

ص: 340

بالسواد ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نورٌ وإسلامٌ وإیمانٌ ، ومحبةٌ إلی نسائکم ، ورهبةٌ فی قلوب عدوکم .

وفی الکافی:6/480:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال: دخلت علی أبی الحسن ( الرضا )(علیه السّلام)وقد اختضب بالسواد فقلت: أراک قد اختضبت بالسواد ؟ فقال: إن فی الخضاب أجراً ، والخضاب والتهیئة مما یزید الله عز وجل فی عفة النساء ، ولقد ترک النساء العفة بترک أزواجهن لهن التهیئة !

وفی من لا یحضره الفقیه:1/122:

قال الصادق (علیه السّلام): الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء ، ومهابةٌ للعدو .

وفی وسائل الشیعة:1/403:

محمد بن الحسین الرضی الموسوی فی نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) أنه سئل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): غیروا الشیب ، ولا تشبهوا بالیهود فقال: إنما قال ذلک والدین قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار. انتهی .

ویفهم من هذا الحدیث أن الأمر بتغییر الشیب لیس للوجوب ، بل هو لإثبات الرخصة فی مورد توهم الحظر والتحریم ، کما یعتقد الیهود .

ص: 341

خلاصة المسألة

والخلاصة: أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله علیه ، خالف فیها الیهود ، وخالف فیها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة ، ولم یحرم الخضاب بغیرها. بل لم یوجب فی الأصل تغییر لون الشیب ، وإنما جعله مستحباً فی بعض الحالات .

ولکن دخلت قریش علی الخط لتمسکها من جهة بالخضاب الأحمر والاصفر ، وحساسیتها من جهة أخری من عبد المطلب وأولاده الذین لم یعترفوا بخلافتها . . فنتج عن ذلک تحریم الخضاب بالسواد، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة ، وتسوید وجهه یوم القیامة ! !

ولکن العباسیین أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم ، فجعلوا رایاتهم سوداء حتی سماهم الناس ( المُسَوِّدَة ) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد علی جمیع المسلمین ، خاصة أتباع الدولة ، وجعلوه شعاراً لهم ! فکان ذلک إفراطاً فی الانتصار لخضاب عبد المطلب !

لذلک رأینا أن الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) نهوا عن لبس السواد إلا فی الحرب، والحزن ، خاصةً لمصاب الإمام الحسین(علیه السّلام)، وفضلوا فی الحالات العادیة اللون الاخضر الذی کان یفضله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وعندما أراد المأمون أن یتقرب إلی الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) ویغیض العباسیین الذین خلعوه ، نقل ولایة العهد من العباسیین وأوصی بها للإمام علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)وأمر بتغییر اللباس الاسود فی الدولة إلی اللباس

ص: 342

الأخضر . . وبذلک استقر اللون الاخضر شعاراً لبنی هاشم، ثم شعاراً للعرب، والحمد لله .

وأخیراً لا یفوتنا أن نشیر إلی حدیث الرایات السود الثابت عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی علامات ولده المهدی الموعود(علیه السّلام)وأن العباسیین حرصوا علی مصادرته وتطبیقه علی رایاتهم وثورتهم ، وسموا أحد خلفائهم بالمهدی ، وأشهدوا کبار قضاتهم وفقهائهم علی أنه المهدی الموعود المبشر به من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ولکن المهدی العباسی لم یملا الأرض قسطاً وعدلاً ، ولم یعط المال للناس حثیاً بدون عدٍّ کما ورد فی صفات المهدی (علیه السّلام) .

فقد ورد فی سیرة هذا المهدی العباسی أن قصره کان خالیاً من التقوی والعدل ، وأنه کان یصادر أموال الناس أحیاناً حثیاً أو حثواً من غیر عد !!

النوع الثامن: مرسوم بحرمان الزوجة التی تطلب الطلاق

ومن مراسیم الصحاح فی الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفیدٌ للرجال فی حق الزوجة التی تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب..

ففی سنن ابن ماجة:1/662:

عن ابن عباس أن النبی(ص)قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق فی غیر کنهه فتجد ریح الجنة. وإن ریحها لیوجد من مسیرة أربعین عاماً.

ص: 343

ورواه الترمذی فی:2/29 3

وأبو داود:1/496

وأحمد:5/277 وص 283

والدارمی:2/162

والحاکم فی:2/200

والبیهقی فی سننه:7/316

والهندی فی کنز العمال:16/382 وص 287 عن أحمد وأبی داود والترمذی وابن حبان وابن عساکر .

وفی بعض روایات الحدیث: بدون عذر ، والمقصود منه العذر القوی الذی یقبله المجتمع .

ولکنه تشدیدٌ مبالغٌ فیه ، فلا نعرف أحداً من الفقهاء یفتی بأن قولها لزوجها طلقنی یعتبر جریمة تستحق علیها العقوبة الدنیویة أو الاخرویة ، فإن أصل الطلاق حلال وإن کان مکروهاً ، وطلبها الطلاق فی أصله حلال وقد یطرأ علیه ما یجعله مکروهاً أو منافیاً للاخلاق ، أو یجعله حراماً ، أو واجباً .

وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً ، فلا یصیر من المعاصی الکبائر التی یستحق صاحبها عقاب الدخول فی جهنم ، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد حاول بعض الفقهاء أن یتخلصوا من الحدیث بتضعیفه ، وساعدهم علی ذلک أن الشیخین البخاری ومسلماً لم یرویاه ، فقد ذکروا بعد روایته فی ابن ماجة أن الهیثمی فی مجمع الزوائد ضَعَّف إسناده . . ولکن ذلک لا یحل

ص: 344

المشکلة لأن الحاکم قال عنه فی المستدرک: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

وحاولوا محاولةً أخری أن یجعلوا الحدیث فی طلب الزوجة الطلاق الخلعی من زوجها بسبب کرهها له ، فقد وضع ابن ماجة الحدیث تحت عنوان ( باب کراهیة الخلع للمرأة ) ولکن واجههم قوله تعالی (فَلا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ ) حیث نصت الآیة علی جواز افتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعی . . فاضطروا أن یحملوا الحدیث علی طلبها الخلع بدون سبب ویجعلوه مکروهاً لا حراماً !

وهکذا فعل ابن قدامة فی المغنی:8/176:

قال شارحاً قول الماتن (ولو خالعته لغیر ما ذکرنا کره لها ذلک ووقع الخلع):

والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغیر بغض وخشیة من أن لا تقیم حدود الله ، لأنه لو أراد الأول لقال کره له ، فلما قال

کره لها دل علی أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة ، فإنه یکره لها ذلک ، فإن فعلت صح الخلع فی قول أکثر أهل العلم منهم أبو حنیفة والثوری ومالک والأوزاعی والشافعی ، ویحتمل کلام أحمد تحریمه فإنه قال: الخلع مثل حدیث سهلة تکره الرجل فتعطیه المهر فهذا الخلع ، وهذا یدل علی أنه لا یکون الخلع صحیحاً إلا فی هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود .

وقال ابن المنذر: وروی معنی ذلک عن ابن عباس وکثیر من أهل العلم ، وذلک لأن الله تعالی قال (وَلا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئًا إِلا أَنْ یَخَافَا أَلا یُقِیمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا یُقِیمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ

ص: 345

عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ ) فدل بمفهومه علی أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غیر خوف ، ثم غلظ بالوعید فقال ( تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وروی ثوبان قال: قال رسول الله(ص)( أیما امرأة سألت زوجها الطلاق من غیر ما بأس فحرام علیها رائحة الجنة ) رواه أبوداود. وعن أبی هریرة عن النبی(ص)قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه أحمد فی المسند وذکره محتجاً ، به وهذا یدل علی تحریم المخالعة لغیر حاجة ، ولانه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النکاح من غیر حاجة ، فحرم لقوله(علیه السّلام)( لا ضرر ولا ضرار ). واحتج من أجازه بقول الله سبحانه ( فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَئْ مِنْهُ نَفْسًا فَکُلُوهُ هَنِیئًا مَرِیئًا ) انتهی .

ولکن کل ذکاء هؤلاء الفقهاء لا یحل مشکلة الحدیث أیضاً:

أولاً ، لأن الحدیث فی مجرد طلب الطلاق ، ولیس فی بذل المهر وطلب الخلع ، وقد اعترف بذلک ابن حزم قال فی المحلی:10/236 حیث قال: قال أبو محمد (یعنی نفسه ): واحتج من ذهب إلی هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبدالله بن ربیع نا محمد ابن اسحاق بن السلیم نا ابن الاعرابی نا محمد بن إسماعیل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد نا أیوب السختیانی عن أبی قلابة عن أبی أسماء الرحبی عن ثوبان قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیما امرأة سألت زوجها الطلاق من غیر ما بأس فحرام علیها رائحة الجنة .

وبما روینا من طریق أحمد بن شعیب نا إسحق بن ابراهیم - هو ابن راهویه - أنا المخزومی هو المغیرة بن سلمة - نا وهیب عن أیوب السختیانی عن

ص: 346

الحسن البصری عن أبی هریرة عن النبی(ص)أنه قال: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات. قال الحسن: لم أسمعه من أبی هریرة .

قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلک الخبر. وأما الخبر الأول فلا حجة فیه فی المنع من الخلع لأنه إنما فیه الوعید علی السائلة الطلاق من غیر بأس وهکذا نقول. انتهی .

وثانیاً ، لو سلمنا أن الحدیث فی طلب الخلع ، فلا بد لهم من القول بحرمته علی الزوجة مطلقاً بسبب صیغة التشدید المؤکدة فیه ، وذلک مخالف لقوله تعالی (فَلا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا ) .

ولذلک اضطروا إلی التنازل کما رأیت إلی القول بالکراهة فقط !

ومعناه أنهم اضطروا أن یبطلوا مرسوم الحدیث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة ! ولکنه إبطالٌ له بصیغة الإستدلال به ، والاحترام له ! !

ولم یتسع لنا الوقت لبحث فتوی الیهود فی هذه المسألة ، ومن المحتمل أن أصل حدیثها من الإسرائیلیات التی تسربت إلی فقهنا ! !

ص: 347

ص: 348

الفصل التاسع :محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

اشارة

ص: 349

ص: 350

محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنی عبد المطلب وبنی هاشم .

المسألة الأولی ، فی إیمان آباء النبی وأمهاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ومذهبنا أن کل آباء النبی وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون ، من آدم وحواء إلی عبد الله وآمنة ، صلوات الله علیه وعلیهم. وقد روینا فی ذلک أحادیث صحیحة ودلت علیه آیات کریمة ، ووافقنا علی هذا الرأی عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازی والسیوطی وغیرهما، وألفوا فی ذلک رسائل مستقلة.

بینما قال أکثر السنة إن آباء النبی وأمهاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کفار مشرکون ، وأنهم فی النار ، ورووا فی ذلک روایات هی عندهم صحیحة ! منها روایة خشنة رواها مسلم فی:1/133: أن رجلاً قال یا رسول الله أین أبی ؟ قال فی النار ، فلما قفی دعاه فقال: إن أبی وأباک فی النار !!

المسألة الثانیة ، فی شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لبنی هاشم وبنی عبد المطلب ، وهم ثلاثة أصناف: صنف مات قبل البعثة. وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وصنف لم یذکر التاریخ أنهم أسلموا ولکنهم ناصروا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی مواجهة قریش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنین ، وهم کل من بقی من بنی هاشم وبنی عبد المطلب ماعدا أبی لهب .

ص: 351

ومذهبنا أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تشمل أول ما تشمل بنی هاشم وبنی عبد المطلب ، من ارتضی الله منهم ، وکلهم عندنا مرضی إلا من ثبت فیه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبی لهب. وقد ثبت عندنا إسلام أبی طالب وإیمانه ، وأنه کان یکتم إیمانه مثل مؤمن آل فرعون .

ومذهب إخواننا السنة فی هذه المسألة متفاوت ، ففی روایاتهم ما یوافقنا تقریباً ، وفیها روایات تحاول حرمان کل بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

المسألة الثالثة: فی موقع علی (علیه السّلام) وعترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة من الشفاعة العظمی التی یعطاها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )..ومذهبنا أن عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الذین نصَّ علیهم بأسمائهم هم أوصیاؤه وخلفاؤه الشرعیون وأئمة المسلمین وهداتهم بأمر الله تعالی ، وأنهم خیرة البشر بعد النبی صلی الله علیه وعلیهم ، وهم معه یوم القیامة ، وبأیدیهم ینفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالی ، ویفوضهم فی کثیر من الأمور .

وقد ثبت عندنا وروی السنیون أن لواء الحمد الذی هو رئاسة المحشر یجعله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بید علی (علیه السّلام) کما کان صاحب لوائه فی الدنیا .

وأن مقام الصدیقة الزهراء (علیهاالسّلام) فی الشفاعة یوم القیامة مقام ممیزٌ حتی من بین العترة .

أما السنیون فلیس لهم مذهبٌ واحدٌ فی مقام عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة ، بل حتی فی مقام صحابته ، لأن روایاتهم فی ذلک متناقضة..فهم یریدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولی بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولکن النصوص الصحیحة عندهم فی دخول بعض الصحابة النار ، وفی المقام الممیز للعترة الطاهرة ،

ص: 352

تأبی علیهم ذلک ، فیقعون فی حیص بیص !

حساسیة قریش من أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

من الواضح للمطلع علی السیرة أن الدافع الاساسی لتکذیب قبائل قریش بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورفضهم لها ، کان دافعاً سیاسیاً ، لانهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم ، فقد اعترفوا بالقیادة لبنی هاشم وصاروا أتباعاً لهم ، وانتهی الأمر !

ولذلک کانوا شدیدین فی تکذیبهم ، متحدین فی موقفهم ، شرسین فی مواجهتهم ، صریحین فی إظهار تخوفهم..

وکان بعض قریش وغیر قریش یفاوضون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الإیمان بنبوته ، بشرط أن یکون لهم ( الأمر ) من بعده..ولکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان نبیاً مبلغاً عن ربه تعالی ، ولم یکن مساوماً علی الأمر من بعده .

لقد ظهرت هذه الحقیقة القرشیة العمیقة منذ إعلان النبی بعثته الشریفة ثم واجهته طوال نبوته ، ولم تنته حتی بعد وفاته !

وهی حقیقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة ، بسبب أن القرشیین بعد انتصار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیهم ودخولهم تحت حکمه کرهاً وطوعاً، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة، ثم ما أن توفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بیته وحاصروهم ! وألقوا بثقلهم لصیاغة السنة والسیرة والتاریخ لمصلحة قبائل قریش ، وضد العترة الطاهرة !

وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسیة قریش من أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لکی

ص: 353

نفهم تأثیرها علی روایاتهم فی کفر آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وروایاتهم فی عدم انتفاع بنی هاشم بقرابتهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته !

وهو باب خطیرٌ والدراسات فیه ممنوعةٌ ، ولکن القلیل منه یجعل الباحث یتوقف ملیاً فی قبول أی حدیث سلبی عن أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جاءت روایته عن طریق القرشیین من غیر أهل بیته !

حادثةٌ خطیرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح

روی البخاری فی:1/32: تحت عنوان: باب الغضب فی الموعظة والتعلیم:

عن أبی بردة عن أبی موسی قال: سئل النبی(ص)عن أشیاء کرهها فلما أکثر علیه غضب ثم قال للناس سلونی عما شئتم ! قال رجل: من أبی ؟ قال أبوک حذافة ! فقام آخر فقال: من أبی یا رسول الله ؟ فقال أبوک سالم مولی شیبة ! فلما رأی عمر ما فی وجهه قال: یا رسول الله إنا نتوب إلی الله عز وجل !

باب من برک علی رکبتیه عند الإمام أو المحدث:

عن الزهری قال أخبرنی أنس بن مالک أن رسول الله(ص)خرج فقام عبدالله بن حذافة فقال من أبی ؟ فقال أبوک حذافة ، ثم أکثر أن یقول سلونی ! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباًوبالإسلام دیناً وبمحمد(ص)نبیاً، فسکت! انتهی .

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه لیس طبیعیاً ! فهو یقول: أکثروا علیه السؤال فغضب . . ثم قال: سلونی عما شئتم . . ثم أکثر أن یقول سلونی . . فسألوه هل هم أولاد شرعیون أو أولاد زنا !! فبرَّأ صحابیاً وفضح آخر علی رؤوس

ص: 354

الإشهاد ، وشهد بأنه ابن زنا ! ثم أصرَّ علیهم: سلونی سلونی سلونی . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

فما هی القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدی والفضح النبوی ! والتوبة العمریة ؟!

الذی یساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح ، لکنها روتها هی وغیرها بأکثر من عشرین نصاً..فیمکن للباحث أن یجمع منها خیوطاً کثیرة .

یقول مسلم فی صحیحه لم یکن غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لسؤال کما قال البخاری ! بل بلغه عن أصحابه شئ کریه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن یسألوه ( عن أنسابهم ) وتحداهم فخافوا وبکوا ، فقام عمر وتاب ! !

قال مسلم فی صحیحه:7/92:

عن أنس بن مالک قال: بلغ رسول الله(ص)عن أصحابه شئ فخطب فقال: عرضت علی الجنة والنار فلم أر کالیوم فی الخیر والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً. قال فما أتی علی أصحاب رسول الله(ص)یوم أشد منه !! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنین ! قال فقام عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ! قال فقام ذاک الرجل فقال: من أبی ؟ قال أبوک فلان ، فنزلت: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ! انتهی. وروی مسلم جزء منها أیضاً فی:3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبویٌّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ ناریة . . وتحدٍّ نبوی لهم فی أنسابهم . . وأشد یوم مر علیهم مع نبیهم . . وبکاء الصحابة المعنیین خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم . . والفضیحة . . وإعلان

ص: 355

عمر توبته وتوبتهم . . ! !

وهکذا تبدأ خیوط الحادثة بالتجمع..ویمکنک بعد ذلک أن تجمع من خیوطها من نفس البخاری !

قال البخاری فی:1/136:

عن الزهری قال أخبرنی أنس بن مالک أن رسول الله(ص)خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر ، فقام علی المنبر فذکر الساعة فذکر أن فیها أموراً عظاماً ، ثم قال: من أحب أن یسأل عن شئ فلیسأل فلا تسألونی عن شئ إلا أخبرتکم ما دمت فی مقامی هذا ! ! فأکثر الناس فی البکاء وأکثر أن یقول سلونی ! فقام عبدالله بن حذافة السهمی فقال: من أبی ؟ قال أبوک حذافة !

ثم أکثر أن یقول سلونی ! ! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ! فسکت ، ثم قال: عرضت علی الجنة والنار آنفاً فی عرض هذا الحائط فلم أر کالخیر والشر !

وقال البخاری فی:7/157:

عن أنس (رض) سألوا رسول الله(ص)حتی أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألونی الیوم عن شئ إلا بینته لکم ، فجعلت أنظر یمیناً وشمالاً فإذا کل رجل لافٌّ رأسه فی ثوبه یبکی ! فإذا رجل کان إذا لاحی الرجال یدعی لغیر أبیه ، فقال: یا رسول الله من أبی ؟ قال: حذافة ثم أنشأ عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً

وبمحمد(ص)رسولاً نعوذ بالله من الفتن. فقال رسول الله (ص): ما رأیت فی الخیر والشر کالیوم قط ! إنه

ص: 356

صورت لی الجنة والنار حتی رأیتهما وراء الحائط. وروی نحوه أیضاً فی: 8/94

وقال البخاری فی:8/143:

عن الزهری أخبرنی أنس بن مالک (رض) عن النبی(ص)خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر فلما سلم قام علی المنبر فذکر الساعة ، وذکر أن بین یدیها أموراً عظاماً ثم قال: من أحب أن یسأل عن شئ فلیسأل عنه ، فوالله لا تسألونی عن شئ إلا أخبرتکم به ما دمت فی مقامی هذا ! قال أنس فأکثر الناس البکاء ! وأکثر رسول الله(ص)أن یقول سلونی!! فقال أنس فقام إلیه رجل فقال: أین مدخلی یا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبدالله بن حذافة فقال: من أبی یا رسول الله؟ قال أبوک حذافة. قال ثم أکثر أن یقول سلونی سلونی !! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد(ص)رسولاً. قال فسکت رسول الله(ص)حین قال عمر ذلک ! ثم قال رسول الله: أولی، والذی نفسی بیده لقد عرضت علی الجنة والنار آنفاً فی عرض هذا الحائط وأنا أصلی ، فلم أر کالیوم فی الخیر والشر !

وقال البخاری فی:4/73:

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر (رض)

یقول: قام فینا النبی(ص)مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتی دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم... ! حفظ ذلک من حفظه ونسیه من نسیه .

وقال أبو داود:1/542:

ص: 357

عن أبی قتادة أن رجلاً أتی النبی(ص)فقال: یا رسول الله کیف تصوم ؟ فغضب رسول الله(ص)من قوله ، فما رأی ذلک عمر قال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، فلم یزل عمر یرددها..حتی سکن غضب رسول الله(ص). انتهی .

وقال فی مجمع الزوائد:1/161:

عن أبی فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله(ص)ذات یوم: سلونی عما شئتم ؟ فقال رجل: یا رسول الله من أبی ؟ قال: أبوک فلان الذی تدعی إلیه ، وسأله رجل: فی الجنة أنا ؟ قال: فی الجنة. وسأله رجل: فی الجنة أنا ؟ قال: فی النار ! ! فقال عمر: رضینا بالله رباً. رواه الطبرانی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح .

وقال فی مجمع الزوائد:7/188 وص 390:

وعن أنس قال خرج رسول الله(ص)وهو غضبان ! فخطب الناس فقال: لا تسألونی عن شئ الیوم إلا أخبرتکم به ، ونحن نری أن جبریل معه ! قلت فذکر الحدیث إلی أن قال فقال عمر: یا رسول الله إنا کنا حدیثی عهد بجاهلیة فلا تبد علینا سوآتنا فاعف عفا الله عنک! رواه أبو یعلی ورجاله رجال الصحیح .

وفی مجمع الزوائد:9/170:

وأتاه العباس فقال: یا رسول الله إنی انتهیت إلی قوم یتحدثون فلما رأونی سکتوا وما ذاک إلا لانهم یبغضونا ! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟!

ص: 358

والذی نفسی بیده لا یؤمن أحدهم حتی یحبکم ، أیرجون أن یدخلوا الجنة بشفاعتی، ولا یرجوها بنو عبد المطلب !

وفی مجمع الزوائد:9/258:

وجلس علی المنبر ساعة وقال: أیها الناس مالی أوذی فی أهلی؟ ! فوالله إن شفاعتی لتنال حی حا ، وحکم ، وصدا ، وسلهب ، یوم القیامة !

وفی مجمع الزوائد:8/214:

عقد الهیثمی باباً فی عدة صفحات بعنوان: باب فی کرامة أصله(ص). وأورد فیه أحادیث عن طهارة آباء النبی وأمهاته صلی الله علیه وعلیهم ، ونقل حوادث خطیرة أهان فیها القرشیون أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حیاته ، وهم تحت قیادته فی المدینة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء منَّ علیهم بالعفو بالأمس فی فتح مکة ! فغضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجابهم بشدة !

الحادثة الأولی:

عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله(ص)إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد فی بنی هاشم مثل الریحانة فی وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبی (ص)فجاء النبی(ص)یعرف فی وجهه الغضب ، ثم قام علی القوم فقال: ما بال أقوال تبلغنی عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً فاختار العلیا منها فسکنها وأسکن سمواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بنی آدم ، واختار من بنی آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قریشاً ، واختار من قریش بنی هاشم ، واختارنی من بنی

ص: 359

هاشم ، فأنا من خیار إلی خیار ، فمن أحب العرب فبحبی أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضی أبغضهم .

والثانیة:

عن عبد المطلب بن ربیعة بن الحارث بن عبدالمطلب قال: أتی ناس من الأنصار النبی(ص)فقالوا: إنا نسمع من قومک حتی یقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت فی الکبا ( قال حسین الکبا الکناسة ) فقال رسول الله (ص): أیها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب - قال فما سمعناه ینتمی قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتین ، فجعلنی فی خیر الفریقین ، ثم جعلهم قبائل فجعلنی فی خیرهم قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیرهم بیتاً ، فأنا خیرهم بیتاً وخیرهم نفساً . . . رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

والثالثة: عن ابن عباس قال توفی ابنٌ لصفیة عمة رسول الله(ص)فبکت علیه وصاحت ، فأتاها النبی(ص)فقال لها: یا عمة ما یبکیک ؟ قالت توفی ابنی ، قال: یا عمة من توفی له ولدٌ فی الإسلام فصبر ، بنی الله له بیتاً فی الجنة. فسکتت ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: یا صفیة قد سمعت صراخک ، إن قرابتک من رسول الله(ص)لن تغنی عنک من الله شیئاً ! فبکت فسمعها النبی(ص)وکان یکرمها ویحبها ، فقال: یا عمة أتبکین وقد قلت لک ماقلت ؟! قالت: لیس ذاک أبکانی یا رسول الله ، استقبلنی عمر بن الخطاب فقال إن قرابتک من رسول الله(ص)لن تغنی عنک من الله شیئاً ! قال فغضب النبی(ص) وقال: یا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال

ص: 360

بالصلاة ، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع !! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی ، فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة !

فقال عمر: فتزوجت أم کلثوم بنت علی رضی الله عنهما لما سمعت من رسول الله(ص)یومئذ ، أحببت أن یکون لی منه سببٌ ونسب .

ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فمررت علی نفر من قریش فإذا هم یتفاخرون ویذکرون أمر الجاهلیة فقلت رسول الله(ص)! فقالوا: إن الشجرة لتنبت فی الکبا ( المزبلة ) قال فمررت إلی النبی(ص)فأخبرته ! فقال یا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال: یا أیها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبونی ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام یبتذلون أصلی !! فوالله لانا أفضلهم أصلاً وخیرهم موضعاً !

قال فلما سمعت الأنصار بذلک قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله(ص)قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبی(ص)لا تری منهم إلا الحدق ، حتی أحاطوا بالناس فجعلوهم فی مثل الحرة ، حتی تضایقت بهم أبواب المسجد والسکک!! ثم قاموا بین یدی رسول الله(ص)فقالوا: یا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته. فلما رأی النفر من قریش ذلک قاموا إلی رسول الله(ص)فاعتذروا وتنصلوا !! فقال رسول الله (ص): الناس دثارٌ والأنصار شعار ، فأثنی علیهم وقال خیراً. انتهی .

وقال فی الدر المنثور:2/335:

ص: 361

وأخرج الفریابی وابن جریر وابن مردویه عن أبی هریرة قال: خرج رسول الله(ص)وهو غضبان محمار وجهه ، حتی جلس علی المنبر فقام إلیه رجل فقال: أین آبائی؟ قال فی النار ! فقام آخر فقال من أبی ؟ فقال أبوک حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً وبالقرآن إماماً ، إنا یا رسول الله حدیثُ عهد بجاهلیة وشرک والله أعلم من آباؤنا !! فسکن غضبه ، ونزلت هذه الآیة: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ .

وقال فی الدر المنثور:4/309:

وأخرج الزبیر بن بکار فی الموفقیات عن ابن عباس رضی الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب (رض)عن قول الله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ؟ قال: کان رجال من المهاجرین فی أنسابهم شئ فقالوا یوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً فی نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .

ثم قال لی: إن صاحبکم هذا یعنی علی بن أبی طالب إن ولی زهد ، ولکنی أخشی عجب نفسه أن یذهب به. قلت: یا أمیر المؤمنین إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غیَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله(ص)أیام صحبته ! فقال: یابن عباس من ظن أنه یرد بحورکم فیغوص فیها حتی یبلغ قعرها فقد ظن عجزاً! انتهی .

وراجع أیضاً: سنن ابن ماجة:1/546 ، ومسند أحمد:3/162 وص 177 وج 5/296 و303 ، وسنن البیهقی:4/286 ، ومصنف عبد الرزاق:11/379 ، وکنز العمال:4/443 وج 13/453

ص: 362

من مجموع هذه النصوص یصل الباحث إلی نتائج قطعیة متعددة ، نذکر منها:

أولاً - أن القرشیین لم یترکوا حساسیتهم من بنی هاشم حتی بعد فتح مکة وإعلان إسلامهم ! غایة الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

بل من حق الباحث أن یشک فی هذا أیضاً ، فالطلقاء أسلموا مهزومین تحت السیف ! ولم یکونوا یستطیعون أن یتفوهوا بحرف علی شخص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلا کفروا وعرضوا أنفسهم لسیوف الأنصار !

ثانیاً-أن القرشیین کانوا فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفی عاصمته ، وتحت لواء نبوته ، وتحت سیوف الأنصار . . شرسین علی أسرته وعشیرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکانت ألسنتهم بذیئة علی أصل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعشیرته ، حتی ضجَّ من ذلک الأنصار ، وجاؤوا یشکون إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بذاءة قریش بحقه ، طالبین منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتیلهم. وقد قال الهیثمی عن حدیث شکوی الأنصار: رجاله رجال الصحیح !!

ثالثاً - أن الحوادث التی تکلم فیها القرشیون علی أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )متعددة ، فقد نقلت کتب الحدیث منها أکثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أکثر وأعظم ! !

رابعاً - أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت حساسیته من هذا الموضوع عالیة جداً ، وکان رده دائماً شدیداً ، فهو یتعامل معه علی أنه موضوع دینی ولیس موضوعاً شخصیاً ، لأن عدم الإیمان بأسرته الطاهرة ، یساوق عدم الإیمان به(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

خامساً - أن إحدی الحوادث کانت کبیرة بذاتها ، أو بالتراکم ، فغضب الله

ص: 363

تعالی لغضب نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأمره بالرد علی القرشیین ( المسلمین الصحابة ) وإتمام الحجة علیهم ، وأنزل علیه جبرئیل لیکون إلی جانبه یوجهه ویجیبه عن أنساب القرشیین ، وعن مستقبلهم فی الجنة أو فی النار ! ! !.

سادساً - أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أحضرهم فی المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح ، وخطب خطبةً نبویةً ناریة بلیغة عاصفة ، صبَّ فیها الغضب الإلهی والنبوی علی القرشیین ، وتحداهم فی أنسابهم وأعمالهم ونوایاهم ! فلفُّوا رؤوسهم ! واستغشوا ثیابهم ! وعلا خنینهم وبکاؤهم ! وکان ذلک أشد یوم علیهم !!!

فتدارک الموقف زعیمهم وتقدم وبرک علی قدمی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقبلها ! وبکی له ! لیعفو عنهم ! ولا یفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا یصدر علیهم حکمه بالقتل، أو بالحرمان من الحقوق المدنیة حتی أداء الشهادة ! ! فسکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یقل لهم کلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الانتقام النبوی فی الدنیا ! !

سابعاً - إنها قضیةٌ ضخمةٌ فی الحساب العقائدی والفقهی والسیاسی، تستحق الدراسة ووضع النقاط علی الحروف . . ولکن الخلافة القرشیة تعرف کیف تتخلص منها ، فتعتم علیها إن استطاعت ، أو تحولها إلی مجد لقریش ، ولا تسمح لبنی هاشم أن یستفیدوا منها !

ومن أجل هذا کانت براعة الخلیفة عمر فی طریقة روایتها ، ثم کانت براعة الرواة ومصنفی الصحاح فی تجزئتها وتقطیع أوصالها وتغییب حقیقتها !

وهذه هی مهمة جیل ما بعد الأنبیاء !!

ص: 364

أما عبد الله بن الزبیر الزهری ، فقد کان عنده عقدةٌ من بنی هاشم مع أنهم أخوال أبیه ! وقد اشتهر عنه أنه لم یکن یطیق ذکرهم ، وأنه ترک حتی ذکر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والصلاة علیه فی خطبة الجمعة حتی لا تشمخ أنوف بنی هاشم بزعمه !

والظاهر أن القرشیین ربَّوه علی کره بنی هاشم منذ کان غلاماً ، وأن له مشارکة فی قصة الغضب النبوی !

فقد روی عنه الهیثمی فی مجمع الزوائد:8/215 افتراء عجیباً علی النبی فی ذم أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث حول کلام قریش الذی غضب منه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وغضب منه الله تعالی من فوق عرشه کما رأیت . . إلی حدیث مسند عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال الهیثمی: وعن عبد الله ابن الزبیر عن النبی(ص)قال: مثلی ومثل أهل بیتی کمثل نخلة نبتت فی مزبلة. رواه الطبرانی وهو منکر ، والظاهر أنه من قول الزبیر إن صح عنه ، فإن فیه ابن لهیعة ومن لم أعرفه .

وعن ابن الزبیر أن قریشاً قالت: إن مثل محمد مثل نخلة فی کبوة. رواه البزار بإسناد حسن ، وهذا الظن به .

براعة البخاری فی تضییع القضیة

المحدث العادی-فضلاً عن البخاری-یعرف أن هذا الحدیث قصةٌ واحدةٌ کما ذکر صاحب فتح الباری ، أو اثنتان فی الأکثر . . وهنا تظهر براعة البخاری فی اختراع العناوین لجعل قطعة الحدیث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطیة حقیقة الحدیث !

ص: 365

ففی:1/31:

عقد له باباً باسم: باب الغضب فی الموعظة والتعلیم إذا رأی ما یکره. فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !

وفی/32:

جعله من نوع تأدب التلمیذ بین یدی معلمه فسمی الباب: باب من برک علی رکبتیه عند الإمام أو المحدث !

وفی/136:

وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الناریة القاصعة کانت عند الزوال !

وفی:4/73:

جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء فی قول الله تعالی وَهُوَ الَّذِی یَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ . . بحجة أن الراوی قال: قام فینا النبی (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتی دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !

وفی:7/157:

عقد له باباً باسم: باب التعوذ من الفتن ! وکأن الموضوع کان حدیثاً هادئاً عاماً لکل الأمة عن الفتن الاتیة ، وأن عمر قال: رضینا بالله رباً وبمحمد رسولاً . . . نعوذ بالله من الفتن !

ص: 366

وفی:8/142:

عقد له باباً باسم: باب ما یکره من کثرة السؤال وتکلف ما لا یعنیه وقوله تعالی: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ . . !

وکان ینبغی له أن یسمی الباب: باب وجوب امتثال أمر النبی إذا أمر بالسؤال ، وأن لا یربط الآیة به ، ولا یحشرها فی هذا الموضوع أصلاً کما فعلت قریش ، لأن موضوع الآیة کراهة السؤال ، وموضوع الحدیث أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المکرر المشدد لقریش أن یسألوه !

اللهم إلا یقصد البخاری بکراهة السؤال: کراهة إلحاح المعلم علی تلامیذه بقوله سلونی ! فیکون الخطأ حینئذ من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لأنه ألحَّ علیهم بالسؤال ! ویکون موقف عمر تصحیحاً لخطأ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما هی عادته المشکورة ! !

ماذا قال کبار الشراح ؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضیة ، فلا رأوا شیئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شیء یستوجب التساؤل والبحث !!

قال ابن حجر فی فتح الباری:

قوله سئل النبی(ص)عن أشیاء..کان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلک من المسائل ، کما سیأتی فی حدیث ابن عباس فی تفسیر المائدة !

قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ، القرشئ السهمی ، کما سماه فی حدیث أنس الاتی .

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولی شیبة بن ربیعة ، سماه بن عبد البر فی

ص: 367

التمهید فی ترجمة سهیل بن أبی صالح ، وأغفله فی الاستیعاب ولم یظفر به أحد من الشارحین ، ولا من صنف فی المبهمات ولا فی أسماء الصحابة ، وهو صحابی بلا مریة ، لقوله فقال من أبی یا رسول الله ؟ ووقع فی تفسیر مقاتل فی نحو هذه القصة أن رجلاً من بنی عبد الدار قال من أبی ؟ قال سعد: نسبه إلی غیر أبیه ، بخلاف ابن حذافة ! وسیأتی مزید لهذا فی تفسیر سورة المائدة .

قوله فلما رأی عمر . . هو بن الخطاب..ما فی وجهه ، أی من الغضب ، قال: یا رسول الله إنا نتوب إلی الله ، أی مما یوجب غضبک ، وفی حدیث أنس الآتی بعد أن عمر برک علی رکبتیه ، فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد

نبیاً ، والجمع بینهما ظاهر ، بأنه قال جمیع ذلک فنقل کل من الصحابیین ما حفظ ، ودل علی اتحاد المجلس اشتراکهما فی نقل قصة عبد الله بن حذافة .

تنبیه: قصر المصنف الغضب علی الموعظة والتعلیم دون الحکم لأن الحاکم مأمورٌ أن لا یقضی وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن یکون فی صورة الغضبان ، لأن مقامه یقتضی تکلف الإنزعاج لأنه فی صورة المنذر !!

وکذا المعلم إذا أنکر علی من یتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لأنه قد یکون أدعی للقبول منه ، ولیس ذلک لازماً فی حق کل أحد ، بل یختلف باختلاف أحوال المتعلمین. وأما الحاکم فهوبخلاف ذلک کما یأتی فی بابه.

فإن قیل: فقد قضی علیه الصلاة والسلام فی حال غضبه حیث قال: أبوک فلان !

ص: 368

فالجواب: أن یقال أولاً ، لیس هذا من باب الحکم ! ! وعلی تقدیره فیقال هذا من خصوصیاته لمحل العصمة ، فاستوی غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشئ دالٌّ علی تحریمه أو کراهته ، بخلاف غیره(ص).

قوله باب من برک: هو بفتح الموحدة والراء المخففة یقال: برک البعیر إذا استناخ ، واستعمل فی الادمی مجازاً .

قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة: فیه حذف یظهر من الروایة الأخری ، والتقدیر خرج فسئل فأکثروا علیه ،

فغضب ! ! فقال سلونی ، فقام عبد الله .

قوله فقال رضینا بالله رباً..قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلک الاسئلة قد تکون علی سبیل التعنت أو الشک ، فخشئ أن تنزل العقوبة بسبب ذلک ! فقال رضینا بالله رباً الخ. فرضی النبی(ص)بذلک ، فسکت !

قوله وقال سلونی: فی حدیث أنس المذکور فصعد المنبر فقال: لا تسألونی عن شئ إلا بینته لکم .

وفی روایة سعید بن بشیر عند قتادة عن أبی حاتم: فخرج ذات یوم حتی صعد المنبر ، وبین فی روایة الزهری المذکورة فی هذا الباب وقت وقوع ذلک ، وأنه بعد أن صلی الظهر ، ولفظه: خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر فلما سلم قام علی المنبر فذکر الساعة ، ثم قال: من أحب ( ! ) أن یسأل عن شئ فلیسأل عنه ، فذکر نحوه .

قوله فقام رجل فقال یا رسول الله من أبی ؟ بین فی حدیث أنس من روایة الزهری اسمه ، وفی روایة قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل کان إذا لاحی

ص: 369

أی خاصم دعی إلی غیر أبیه ، وذکرت اسم السائل الثانی ، وأنه سعد ، وأنی نقلته من ترجمة سهیل بن أبی صالح من تمهید بن عبد البر.

وزاد فی روایة الزهری الاتیة بعد حدیثین فقام إلیه رجل فقال: أین مدخلی یا رسول الله ؟ قال: النار ! ولم أقف علی اسم هذا الرجل فی شئ من الطرق کأنهم أبهموه عمداً للستر علیه !

وللطبرانی من حدیث أبی فراس الاسلمی نحوه ، وزاد: وسأله رجل فی الجنة أنا ؟ قال: فی الجنة ، ولم أقف علی اسم هذا الآخر .

ونقل بن عبد البر عن روایة مسلم أن النبی(ص)قال فی خطبته: لا یسألنی أحد عن شئ إلا أخبرته ، ولو سألنی عن أبیه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذکر فیه عتاب أمه له وجوابه ، وذکر فیه فقام رجل فسأل عن الحج فذکره ، وفیه فقام سعد مولی شیبة فقال من: أنا یا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولی شیبة. وفیه فقام رجل من بنی أسد فقال: أین أنا ؟ قال: فی النار !! فذکر قصة عمر ، قال فنزلت: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ . . الآیة .

ونهی النبی(ص)عن قیل وقال ، وکثرة السؤال ( ؟ !) وبهذه الزیادة یتضح أن هذه القصة سبب نزول: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ، فإن المساءة فی حق هذا جاءت صریحة بخلافها فی حق عبد الله بن حذافة، فإنها بطریق الجواز أی لو قدر أنه فی نفس الأمر لم یکن لابیه ، فبین أباه الحقیقی لافتضحت أمه ، کما صرحت بذلک أمه حین عاتبته علی هذا السؤال ، کما تقدم فی کتاب الفتن .

ص: 370

قوله: فلما رأی عمر ما بوجه رسول الله(ص)من الغضب . . بین فی حدیث أنس أن الصحابة کلهم فهموا ذلک ، ففی روایة هشام فإذا کل رجل لافاً رأسه فی ثوبه یبکی ، وزاد فی روایة سعید بن بشیر: وظنوا أن ذلک بین یدی أمر قد حضر ! وفی روایة موسی بن أنس عن أنس الماضیة فی تفسیر المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم حنین..زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتی علی أصحاب رسول الله(ص)یوم کان أشد منه !

قوله: فقال إنا نتوب إلی الله عز وجل . . زاد فی روایة الزهری: فبرک عمر علی رکبته فقال رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد رسولاً . وفی روایة قتادة من الزیادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفی مرسل السدی عند الطبری فی نحو هذه القصة: فقام إلیه عمر فقبل رجله وقال رضینا بالله رباً فذکر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفی الله عنک فلم یزل به . . . حتی رضی .

وفی هذا الحدیث غیر ما یتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبی (ص)وشدة إشفاقهم إذا غضب خشیة أن یکون لامر یعم فیعمهم ، وإدلال عمر علیه وجواز تقبیل رجل الرجل ، وجواز الغضب فی الموعظة ، وبروک الطالب بین

یدی من یستفید منه ، وکذا التابع بین یدی المتبوع إذا سأله فی حاجة ، ومشروعیة التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد یظهر منه قرینة وقوعها ، واستعمال المزاوجة فی الدعاء فی قوله اعف عفی الله عنک ، وإلا فالنبی(ص) معفوٌّ عنه قبل ذلک .

قال ابن عبد البر: سئل مالک عن معنی النهی عن کثرة السؤال ، فقال: ما

ص: 371

أدری أنهی عن الذی أنتم فیه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .

قال بن عبد البر: الظاهر الأول ، وأما الثانی فلا معنی للتفرقة بین کثرته وقلته ، لا حیث یجوز ولا حیث لا یجوز.

قال: وقیل کانوا یسألون عن الشئ ویلحون فیه إلی أن یحرم. قال: وأکثر العلماء علی أن المراد کثرة السؤال عن النوازل والاغلوطیات والتولیدات ، کذا .

وقال النووی فی شرح مسلم:8/291 فی سبب غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما تصوره أو صوره:

قوله: رجل أتی النبی فقال کیف تصوم فغضب رسول الله(ص).. قال العلماء: سبب غضبه أنه کره مسألته ، لأنه یحتاج إلی أن یجیبه ویخشی من جوابه مفسدة ، وهی أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر علیه ، وکان یقتضی حاله أکثر منه !!

وقال فی:15-16/111:

قوله: غطوا رؤوسهم ولهم خنین ، هو بالخاء المعجمة هکذا هو فی معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذکر الوجهین القاضی وصاحب التحریر وآخرون ، قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البکاء وهو نوع من البکاء دون الانتحاب. قالوا وأصل الخنین خروج الصوت من الانف کالحنین بالمهملة من الفم. وقال الخلیل: هو صوت فیه غنة ، وقال

ص: 372

الاصمعی: إذا تردد بکاؤه فصار فی کونه غنة فهو خنین. وقال أبو زید: الخنین مثل الخنین وهو شدید البکاء .

قوله: فلما أکثر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أن یقول: سلونی برک عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد رسولاً. فسکت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حین قال عمر ذلک. قال العلماء: هذا القول منه (صلی الله علیه وآله وسلم) محمولٌ علی أنه أوحی إلیه وإلا فلا یعلم کل ما سئل عنه من المغیبات إلا بإعلام الله تعالی .

قال القاضی: وظاهر الحدیث أن قوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سلونی إنما کان غضباً کما قال فی الروایة الأخری سئل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن أشیاء کرهها فلما أکثر علیه غضب ، ثم قال للناس: سلونی. وکان اختیاره(ص)ترک تلک المسائل ، لکن وافقهم فی جوابها ، لأنه لا یمکن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم علیها!! والله أعلم .

وأما بروک عمر(رض) وقوله: فإنما فعله أدباً وإکراماً لرسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وشفقةً علی المسملمین لئلا یؤذوا النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فیهلکوا !!

ومعنی کلامه: رضینا بما عندنا من کتاب الله تعالی وسنة نبینا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )واکتفینا به عن السؤال. ففیه أبلغ کفایة. انتهی .

وأنت تری أن ابن حجر والنووی غائبان عن کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن فی کلامهما تهافتاً ونقاط ضعف کثیرة لا نطیل فیها . . ولیس کلام غیرهما من الشراح أفضل ، وإن کان فیه مادة مهمة لمن أراد أن یتتبع ملف القضیة !

ص: 373

الحادثة فی بعض روایات أهل البیت (علیهم السّلام)

قال النیشابوری فی الفضائل/134:

عن سلیم بن قیس یرفعه إلی أبی ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب: إنی مررت بفلان یوماً فقال لی: ما مثل محمد فی أهل بیته إلا کمثل نخلة نبتت فی کناسة ! قال: فأتیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فذکرت ذلک له ، فغضب غضباً شدیداً ، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح ، لما رأوا من غضبه ، ثم قال:

ما بال أقوام یعیرون أهل بیتی ؟!! وقد سمعونی أقول فی فضلهم ما أقول ، وخصصتهم بما خصهم الله تعالی به ، وفضل علیاً علیهم بالکرامة وسبقه إلی الإسلام وبلائه ، وأنه منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی !

ثم إنهم یزعمون أن مثلی فی أهل بیتی کمثل نخلة نبتت فی کناسة ! ألا إن الله سبحانه وتعالی خلق خلقه وفرقهم فرقتین ، وجلعنی فی خیرها شعباً وخیرها قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیرها بیتاً ، حتی حصلت فی أهل بیتی وعشیرتی وبنی أبی ، أنا وأخی علی بن أبی طالب... .

أنا خیر النبیین والمرسلین ، وعلی خیر الوصیین ، وأهل بیتی خیر بیوت أهل النبیین ، وفاطمة ابنتی سیدة نساء أهل الجنة أجمعین .

أیها الناس: أترجون شفاعتی لکم ، وأعجز عن أهل بیتی ؟!

أیها الناس: ما من أحد غداً یلقی الله تعالی مؤمناً لا یشرک به شیئاً إلا أجره الجنة ، ولو أن ذنوبه کتراب الأرض .

ص: 374

أیها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلی لی الله عز وجل ، فسجدت بین یدیه ثم أذن لی فی الشفاعة ، لم أوثر علی أهل بیتی أحداً .

أیها الناس: عظموا أهل بیتی فی حیاتی وبعد مماتی، وأکرموهم وفضلوهم، لا یحل لاحد أن یقوم لاحد غیر أهل بیتی ، فانسبونی من أنا ؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأیدهم السلاح ، وقالوا: نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله ، أخبرنا یا رسول الله من آذاک فی أهل بیتک حتی نضرب عنقه ؟!!

قال: أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ، ثم انتهی بالنسب إلی نزار ، ثم مضی إلی إسماعیل بن إبراهیم خلیل الله ، ثم مضی منه إلی نوح ، ثم قال: أنا وأهل بیتی کطینة آدم(علیه السّلام)نکاح غیر سفاح !

سلونی ، والله لا یسألنی رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبیه !

فقام إلیه رجل فقال: من أنا یا رسول الله ؟ فقال: أبوک فلان الذی تدعی إلیه ! قال فارتد الرجل عن الإسلام .

ثم قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والغضب ظاهر فی وجهه: مایمنع هذا الرجل الذی یعیب علی أهل بیتی وأهلی وأخی ووزیری وخلیفتی من بعدی وولی کل مؤمن ومؤمنة بعدی ، أن یقوم ویسألنی عن أبیه ، وأین هو فی جنة أم فی نار ؟!

قال فعند ذلک خشئ فلان علی نفسه أن یذکره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویفضحه بین الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنا عفی الله عنک ، أقلنا أقالک الله ، أسترنا سترک الله ، إصفح عنا جعلنا الله فداک. فاستحی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وسکت ، فإنه کان من أهل الحلم وأهل الکرم وأهل العفو ثم نزل(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ص: 375

وقال فرات الکوفی فی تفسیره/392:

حدثنا عبد السلام بن مالک قال: حدثنا محمد بن موسی بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمی قال: حدثنا الحکم بن سنان الباهلی ، عن ابن جریج ، عن عطاء بن أبی رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسین: أخبرینی جعلت فداک بحدیث أحدث واحتج به علی الناس. قالت: نعم أخبرنی أبی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان نازلاً بالمدینة ، وأن من أتاه من المهاجرین مرسوا أن یفرضوا لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فریضة یستعین بها علی من أتاه ، فأتوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقالوا: قد رأینا ما ینوبک من النوائب ، وإنا أتیناک لتفرض فریضة تستعین بها علی من أتاک .

قال: فأطرق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) طویلاً ، ثم رفع رأسه فقال: إنی لم أؤمر أن آخذ منکم علی ما جئتم به شیئاً ، إنطلقوا فإنی لم أؤمر بشئ ، وإن أمرت به أعلمتکم .

قال: فنزل جبرئیل(علیه السّلام) فقال: یا محمد إن ربک قد سمع مقالة قومک ، وما عرضوا علیک ، وقد أنزل الله علیهم فریضة: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی .

قال فخرجوا وهم یقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشیاء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبنی عبد المطلب !!

قال: فبعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی بن أبی طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إلیک ثم قل: أیها الناس من انتقص أجیراً أجره فلیتبوأ مقعده من النار، ومن ادعی إلی غیر موإلیه فلیتبوأ مقعده من النار ، ومن انتفی من والدیه

ص: 376

فلیتبوأ مقعده من النار !!

قال: فقام رجل وقال: یا أبا الحسن مالهن من تأویل ؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبره ، فقال رسول الله: ویلٌ لقریش من تأویلهن ! ثلاث مرات. ثم قال: یا علی إنطلق فأخبرهم أنی أنا الأجیر الذی أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولی المؤمنین ، وأنا وأنت أبوا المؤمنین .

ثم خرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا معشر قریش والمهاجرین والأنصار . فلما اجتمعوا قال: یا أیها الناس ، إن علیاً أولکم إیماناً بالله وأقومکم بأمر الله ، وأوفاکم بعهد الله ، وأعلمکم بالقضیة ، وأقسمکم بالسویة ، وأرحمکم بالرعیة ، وأفضلکم عند الله مزیة. ثم قال: إن الله مثَّل لی أمتی فی الطین ، وعلمنی أسماءهم کما علَّم آدم الأسماء کلها، ثم عرضهم فمر بی أصحاب الرایات فاستغفرت لعلی وشیعته ، وسألت ربی أن تستقیم أمتی علی علی من بعدی ، فأبی إلا أن یضل من یشاء ویهدی من یشاء. انتهی .

وقال محمد بن سلیمان فی المناقب:2/122:

عن عبد المطلب بن أبی ربیعة قال: قال العباس: یا رسول الله إن قریشاً إذا لقی بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن ، وإذا

لقونا لقونا بوجوه ننکرها ! فغضب رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غضباً شدیداً ، ثم قال: والذی نفسی بیده لا یدخل قلب عبد الإیمان حتی یحبکم لله ورسوله. هکذا قال خالد قال أبو خلیفة ، فأما أبی فحدثناه عن یزید بن هارون ، عن إسماعیل بن أبی خالد ، عن عبدالله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب (رض)قال: قلت: یا رسول الله . .

ص: 377

فذکر نحوه أو مثله .

وقال فی هامشه:

وروی أبوبکر ابن أبی شیبة فی الحدیث الأول والثالث من فضائل العباس من کتاب الفضائل تحت الرقم: 12259 والرقم: 12261 من کتاب المصنف::12/108 - 109 قال: حدثنا ابن فضیل ، عن یزید ، عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنی عبدالمطلب بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل علی رسول الله(ص)وهو مغضب ، فقال له رسول الله (ص): من أغضبک ؟ قال: یا رسول الله مالنا ولقریش إذا تلاقوا بینهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغیر ذلک ؟! قال: فغضب رسول الله(ص)حتی احمر وجهه ، وحتی استدر عرْق بین عینیه ، وکان إذا غضب استدر العرق - فلما سری عنه قال: والذی نفس محمد بیده لا یدخل قلب رجل الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله. ثم قال: أیها الناس من آذی العباس فقد آذانی إنما عم الرجل صنو أبیه .

حدثنا ابن نمیر عن سفیان عن أبیه عن أبی الضحی مسلم بن صبیح قال: قال العباس: یا رسول الله إنا لنری الضغائن فی وجوه قوم من وقائع أوقعتها فیهم. فقال النبی (ص): لن یصیبوا خیراً حتی یحبوکم لله ولقرابتی ، ترجو سلهب شفاعتی ولا یرجوها بنو عبد المطلب ؟!

أقول: والحدیث الأول رواه الحاکم فی فضائل العباس من کتاب المستدرک: 3/332 قال: أخبرنا الشیخ أبوبکر بن إسحاق أخبرنا إسماعیل بن قتیبة حدثنا یحیی بن یحیی وإسحاق بن إبراهیم وأبوبکر بن أبی شیبة قالوا: . . .

ص: 378

وأیضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل فی مسند عبد المطلب بن ربیعة من کتاب المسند ، ورواه عنه ابن کثیر فی تفسیر آیة المودة من سورة الشوری من تفسیره .

وقد روی الحافظ ابن عساکر معنی الحدیث بوجوه وأسانید فی ترجمة العباس من تاریخ دمشق ، کما أورده أیضاً البدران فی تهذیبه::7/239 فراجعهما .

وروی عمر بن شبه فی عنوان: ذکر فضل بنی هاشم... من تاریخ المدینة المنورة: 2/639 قال: حدثنا یزید بن هارون قال: حدثنا إسماعیل بن أبی خالد عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: یا رسول الله إن قریشاً إذا لقی بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ! فغضب النبی غضباً شدیداً فقال: والذی نفس محمد بیده لا یدخل قلب عبد الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله حدثنا خلف بن الولید قال: حدثنا جریر عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربیعه بنحوه .

حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا بن عبدالله عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربیعة قال: کنت جالساً عند رسول الله (ص)فدخل علیه العباس وهو مغضب فقال: یا نبی الله ما بال قریش إذا تلاقوا بینها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغیر ذلک ! قال: فغضب النبی(ص)حتی احمرَّ وجهه وقال: لا یدخل قلب رجال الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله.

وحدثنا عیسی بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علی قال: حدثنی أبی عن

ص: 379

أبیه عن جده قال: قال العباس: یا رسول الله إن قریشاً تتلاقی بینهما بوجوه لا تلقانا بها ! فقال رسول الله (ص): أما إن الإیمان لا یدخل أجوافهم حتی یحبوکم لی .

حدثنا أبو حذیفة قال: حدثنا سفیان عن أبیه عن أبی الضحی: عن ابن عباس قال: جاء العباس إلی رسول الله(ص)فقال: إنک ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت ! فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر - أو قال الإیمان - حتی یحبوکم لله لقرابتی ، أیرجو سؤلهم شفاعتی من مراد ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی.

انتهی .

وسعوا شفاعة النبی للیهود والنصاری ولم یسمحوا أن تشمل أسرته !!

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تتسع لکل المسلمین . . بل لکل الموحدین . . بل لکل الخلق . . هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنیین . . ولکن هذه المصادر عندما تصل إلی آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم فی النار والعذاب . . وأحسنهم حالاً أبو طالب الذی ( یشفع ) له النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته فیه بسبب شرک أبی طالب وکثرة ذنوبه ! فیضعه الله تعالی فی ضحضاح ماء ناری یغمر قدمیه فیغلی منه دماغه !!

وفیما یلی نستعرض ما رواه السیوطی فی تفسیر قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . ولک أن تلاحظ التأثیرات القرشیة علی هذه الروایات .

ص: 380

وینبغی أولاً أن نشیر إلی أن مرحلة ( وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) هی المرحلة الأولی من دعوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهی مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بنی هاشم ، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنین ، ثم بدأت عدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله تعالی بأن یصدع بدعوته لعامة الناس. .

ولکن المؤرخین أتباع الخلافة القرشیة یعتِّمون علی هذه المرحلة ، أو یسمونها المرحلة السریة ، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم . . الخ. وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خیالیاً لطمس حقیقة أن الدعوة الإلهیة اختصت فی مرحلتها الأولی ببنی هاشم ، وأنهم وحدهم حموا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من فراعنة قریش ، وقد فعل ذلک مسلمهم إیماناً ، وکافرهم حمیةً ، وتحملوا جمیعاً ماعدا أبی لهب قرار المقاطعة والحصار القرشئ ثلاث سنوات بل أربع سنوات..حتی فک الله حصارهم بمعجزة !!

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/95:

قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . .

أخرج أحمد وعبد بن حمید والبخاری ومسلم والترمذی وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی شعب الإیمان وفی الدلائل عن أبی هریرة (رض) قال لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعا رسول الله(ص)قریشاً وعم وخص ، فقال:

یا معشر قریش أنقذوا أنفسکم من النار فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

یا معشر بنی کعب بن لؤی أنقذوا أنفسکم من النار ، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

ص: 381

یا معشر بنی قصی أنقذوا أنفسکم من النار، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً.

یا معشر بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار ، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

یا بنی عبدالمطلب أنقذوا أنفسکم من النار، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً.

یا فاطمة بنت محمد أنقذی نفسک من النار، فإنی لا أملک لک ضراً ولا نفعاً، إلا أن لکم رحماً وسأبلها ببلالها .

وأخرج عبد بن حمید وابن مردویه عن ابن عباس رضی الله عنهما قال لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جعل یدعوهم قبائل قبائل. انتهی .

ففی هذه الروایة ( الصحیحة ) فی مصادرهم صار معنی ( عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) کل قریش ! وصار تعبیر (أَلأَقْرَبِینَ) غلطاً قرآنیاً یلزم علی قریش أن تصححه! لأنه لم یبق معنی لعشیرته الأبعدین والأوسطین !

وصار أول ما قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهم: إن قرابتی لا تنفعکم وشفاعتی لا تنالکم ! وصار کل القرشیین أرحام النبی الذین وعدهم بصلة الرحم والشفاعة یوم القیامة !

ولکن هذا الکلام یناسب منطق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد انتصاره وفتحه مکة مثلاً ، ولا یناسب بدایة نبوته ودعوته عشیرته الأقربین للتوحید والإسلام ! وقد ورد شبیهٌ لذلک عند فتح مکة .

غیر أن القرشیین یریدون سلب أی امتیاز أعطاه الله ورسوله لبنی هاشم ، فالامتیازات لقریش کلها ، لا لبنی هاشم ! وفی نفس الوقت یریدون خلط أنفسهم بعشیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإستفادة من قرابته أمام العالم !

ص: 382

وقد استفادوا منه فعلاً فی مقابل الأنصار فی السقیفة ، وقامت خلافة أبی بکر وعمر علی حق ( قرابتهما ) من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! بل تجرأ رواة القرشیین ووضعوا علی لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن عشیرته الأقربین هم کل قریش !

قال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردویه عن عدی بن حاتم أن النبی(ص)ذکر قریشاً فقال : وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، یعنی قومی !

وفی مسند أحمد:2/333:

عن أبی هریرة قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جعل یدعو بطون قریش بطناً بطناً یا بنی فلان أنقذوا أنفسکم من النار . . حتی انتهی إلی فاطمة فقال: یا فاطمة ابنة محمد ، أنقذی نفسک من النار ، لا أملک لکم من الله شیئاً ، غیر أن لکم رحماً سأبلها ببلالها .

ولکن روایات أخری فلتت منهم واعترفت بأن عشیرته الاقربین تعنی بنی هاشم فقط !

قال فی الدر المنثور:5/98: قوله تعالی: وَاخْفِضْ جَنَاحَکَ . . الآیتین ، أخرج ابن جریر وابن المنذر عن ابن جریج

قال لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، بدأ بأهل بیته وفصیلته ، فشق ذلک علی المسلمین فأنزل الله: وَاخْفِضْ جَنَاحَکَ. انتهی .

فالروایة تعترف بأن عشیرته الاقربین هم أهل بیته وفصیلته ، لکنها تجعل

ص: 383

الآیة التی بعدها لبقیة المسلمین ! ولکن من هم المسلمون الذین شق علیهم ذلک ! وهل کان یوجد مسلم من غیر بنی هاشم عند نزول الآیة ؟!

لقد کان الأولی بالروایة أن تقول: شقَّ ذلک علی قریش قبل إسلامها ، وبعد أن اضطرت للدخول فی الإسلام ، فجعلت خلافة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إرثاً لها دون بنی هاشم !

روایات أخری غیر منطقیة أیضاً

من عادة المفسرین عندما یصلون إلی آیة فی حق أهل البیت (علیهم السّلام) أن یحشدوا الآراء والإحتمالات والروایات المتناقضة فیها ، لیضیعوا بذلک مناقب عترة نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ومما حشده المفسرون هنا:

ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:5/96 قال:

وأخرج عبد بن حمید عن قتادة (رض): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، قال ذکر لنا أن نبی الله(ص)نادی علی الصفا بأفخاذ عشیرته فخذاً فخذاً یدعوهم إلی الله فقال فی ذلک المشرکون: لقد بات هذا الرجل یهوت منذ اللیلة .

قال وقال الحسن (رض): جمع نبی الله(ص)أهل بیته قبل موته فقال: ألا إن لی عملی ولکم عملکم ، ألا إنی لا أغنی عنکم من الله شیئاً ، ألا إن أولیائی منکم المتقون ، ألا لا أعرفنکم یوم القیامة تأتون بالدنیا تحملونها علی رقابکم ، ویأتی الناس یحملون الآخرة. یا صفیة بنت عبد المطلب یا فاطمة بنت محمد إعملا فإنی لا أغنی عنکما من الله شیئاً. انتهی .

أما روایة قتادة فإن النداء علی الصفا یناسب المرحلة العامة التی أمر النبی

ص: 384

فیها أن یصدع بالدعوة لکل الناس . . أما إنذار عشیرته الخاصین الذین کان عدد رجالهم أربعین نفراً فیناسبه أن یدعوهم إلی طعام ویحدثهم کما ورد فی الروایات المعقولة .

وأما روایة قتادة عن الحسن البصری إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع ، لأنها عند وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والآیة نزلت فی أول بعثته !

ومع أن الحسن البصری غلامٌ فارسی ، فهو مع قبائل قریش وحساسیتها ضد أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویرید أن یقول بهذه الروایة إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یخاف من حرص ابنته فاطمة وعمته صفیة وعترته علی الدنیا ، ولذلک جمعهم وحذرهم !

وقال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة أن رسول الله(ص)قال: یا بنی هاشم ویا صفیة عمة رسول الله ، إنی لا أغنی عنکم من الله شیئاً ، إیاکم أن یأتی الناس یحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنیا ، وإنکم تردون علی الحوض ذات الشمال وذات الیمین ، فیقول القائل منکم یا رسول الله أنا فلان ابن فلان ، فأعرف الحسب وأنکر الوصف ، فإیاکم أن یأتی أحدکم یوم القیامة وهو یحمل علی ظهره فرساً ذات حمحمة ، أو بعیراً له رغاء ، أو شاة لها ثغاء ، أو یحمل قشعاً من أدم ، فیختلجون من دونی ، ویقال لی إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک ! فطیبوا نفساً وإیاکم أن ترجعوا القهقری من بعدی !

ص: 385

قال عکرمة (رض): إنما قال لهم رسول الله(ص)هذا القول حیث أنزل الله علیه: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ انتهی .

ومع أن عکرمة غلامٌ لابن عباس الهاشمی ، لکنه معروفٌ ببغضه لعترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أنه انضم إلی الخوارج. وهو بهذا التفسیر یقول إن علیاً وفاطمة وعترة النبی انحرفوا بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورجعوا بعده القهقری ! لانهم عارضوا خلافة قریش ولم یطیبوا نفساً عن الخلافة لقریش ، ولذلک سوف یمنعون من ورود الحوض ، ولا تنالهم شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

لقد أخذ عکرمة عبارات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التی روت الصحاح أنه قالها عن صحابته الذین یرتدون من بعده ویمنعون من ورود حوضه یوم القیامة ، وجعلها لعشیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأقربین ، ثم ادعی عکرمة أن النبی کان یعرف هذا الإنحراف من أول یوم أمره الله تعالی أن ینذر عشیرته الأقربین !

وقد روی السیوطی نفس مضمون عکرمة عن أبی أمامة أیضاً .

ثم قال فی الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن مردویه وابن عساکر والدیلمی عن عبد الواحد الدمشقی قال: رأیت أبا الدرداء یحدث الناس ویفتیهم وولده وأهل بیته جلوس فی جانب الدار یتحدثون، فقیل له: یا أبا الدرداء ما بال الناس یرغبون فیما عندک من العلم وأهل بیتک جلوس لاهین ؟! فقال: إنی سمعت نبی الله(ص)یقول: إن أزهد الناس فی الأنبیاء وأشدهم علیهم الأقربون! وذلک فیما أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . . إلی آخر الآیة. انتهی .

فهؤلاء الرواة الشامیون یریدون أن یقولوا علی لسان أبی الدرداء: إن أولاد

ص: 386

النبی وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانوا لاهین عن علمه کأولاد أبی الدرداء ! وإن بنی هاشم کانوا أشد الناس علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد کذبوه وأرادوا قتله ، وحاصروه فی شعب بنی أمیة !! لکن القرشیین حموه من بنی هاشم ، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات ، فحق لهم أن یرثوه ویحکموا من بعده ، خاصة آل أبی سفیان الکرام !!

ویطول بنا الکلام إذا أردنا أن ننقد کل ما رووه فی تفسیر هذه الآیة، وکیف جردوا عترة النبی وعشیرته الاقربین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من کل فضیلة ، وحرموهم من کل امتیاز أعطاهم إیاه الله تعالی ورسوله !

ولکنا نشیر هنا إلی أن الرواة خلطوا عن عمد وبعضهم عن جهل بین أربع حوادث: الأولی: نزول الآیة وبدایة إنذار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لبنی عبد المطلب بدعوتهم إلی طعام .

والثانیة: مرحلة الإنذار العام عندما صعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الصفا فی المرحلة الثانیة من الدعوة ، ونادی واصباحاه ، وبدأ یدعو قریشاً والعالم .

والثالثة: عندما دخل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مکة فاتحاً ، وخضع له أبو سفیان وبقیة أئمة الکفر من قریش ، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر ، وامتلات قلوب القرشیین حسداً لهم ، وتفکیراً فی مرحلة ما بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

والرابعة: فی مرض وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما شکی له بنو هاشم ما یحسونه من خطر قبائل قریش علیهم من بعده وتحالفهم علی إبعادهم .

ص: 387

وإلیک أهم ما بقی من روایات السیوطی المخلوطة فی تفسیر آیة الاقربین:

قال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردویه عن البراء قال لما نزلت علی النبی (ص): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، صعد النبی(ص)ربوةً من جبل فنادی: یا صباحاه ، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم ، ثم قال: لا أملک لکم من الله شیئاً، یا فاطمة بنت محمد أنقذی نفسک من النار فإنی لا أملک لک من الله شیئاً. انتهی .

وأخرج مسدد ومسلم والنسائی وابن جریر والبغوی فی معجمه والباوردی والطحاوی وأبو عوانة وابن قانع والطبرانی وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن قبیصة بن مخارق وزفیر بن عمرو قالا: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، انطلق رسول الله(ص)إلی ربوة من جبل فعلا أعلاها حجراً ثم قال: یا بنی عبد مناف إنی نذیر لکم ، إنما مثلی ومثلکم کمثل رجل رأی العدو فانطلق یرید أهله فخشئ أن یسبقوه إلی أهله ، فجعل یهتف یا صباحاه یا صباحاه ، أُتیتم أُتیتم .

وأخرج عبد بن حمید والترمذی وابن جریر وابن مردویه عن أبی موسی الأشعری قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، وضع رسول الله (ص) اصبعیه فی أذنیه ورفع صوته وقال: یا بنی عبد مناف یا صباحاه .

وأخرج ابن مردویه عن الزبیر بن العوام قال: لمانزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ، صاح علی أبی قبیس: یا آل عبد مناف إنی نذیر فجاءته قریش فحذرهم وأنذرهم .

ص: 388

وأخرج سعید بن منصور والبخاری وابن مردویه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، ورهطک منهم المخلصین خرج النبی(ص)حتی صعد علی الصفا فنادی: یا صباحاه فقالوا: من هذا الذی یهتف قالوا محمد فاجتمعوا إلیه فجعل الرجل إذا لم یستطع أن یخرج أرسل رسولاً لینظر ما هو فجاء أبو لهب وقریش فقال: أرأیتکم لو أخبرتکم أن خیلاً بالوادی ترید أن تغیر علیکم أکنتم مصدقی ؟

قالوا: نعم ما جربنا علیک إلا صدقاً .

قال: فإنی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید .

فقال أبو لهب: تباً لک سائر الیوم ، ألهذا جمعتنا ؟! فنزلت: تبت یدا أبی لهب وتب. انتهی .

فهذه الروایات تناسب بدایة مرحلة الدعوة العامة کما أشرنا ، وقد جعلوها لمرحلة الدعوة الخاصة ببنی هاشم ، وذکروا فیها فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)قبل ولادتها !!

أما الروایة الیتیمة المعقولة التی رواها السیوطی فهی حدیث الدار المعروف. .

قال فی الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن إسحاق وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه وأبو نعیم والبیهقی فی الدلائل من طرق عن علی (رض) قال: لما نزلت هذه الآیة

ص: 389

علی رسول الله (ص): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعانی رسول الله(ص)فقال: یا علی إن الله أمرنی أن أنذر عشیرتی الأقربین فضقت بذلک ذرعاً ، وعرفت أنی مهما أبادؤهم بهذا الأمر أری منهم ما أکره ، فصمتُّ علیها حتی جاء جبریل فقال: یا محمد إنک إن لم تفعل ما تؤمر به یعذبک ربک ، فاصنع لی صاعاً من طعام واجعل علیه رجل شاة واجعل لنا عِسَّاً من لبن ، ثم اجمع لی بنی عبد المطلب حتی أکلمهم وأبلغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرنی به ثم دعوتهم له ، وهم یومئذ أربعون رجلاً یزیدون رجلاً أو ینقصونه ، فیهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا إلیه دعانی بالطعام الذی صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبی(ص)بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها فی نواحی الصحفة ، ثم قال: کلوا بسم الله ، فأکل القوم حتی نهلوا عنه ، ما تری إلا آثار أصابعهم ! والله إن کان الرجل الواحد لیأکل ما قدمت لجمیعهم !

ثم قال: إسق القوم یا علی ، فجئتهم بذلک العس فشربوا منه حتی رووا جمیعاً ، وأیم الله إن کان الرجل منهم لیشرب مثله !

فلما أراد النبی(ص)أن یکلمهم بدره أبولهب إلی الکلام فقال: لقد سحرکم صاحبکم ! فتفرق القوم ولم یکلمهم

النبی(ص).

فلما کان الغد قال: یاعلی إن هذا الرجل قد سبقنی إلی ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أکلمهم ، فعد لنا بمثل الذی صنعت بالامس من الطعام والشراب ، ثم اجمعهم لی ففعلت ، ثم جمعتهم ثم دعانی بالطعام فقربته ففعل کما فعل بالامس ، فأکلوا وشربوا حتی نهلوا ، ثم تکلم النبی (ص) فقال:

ص: 390

یا بنی عبد المطلب إنی والله ما أعلم أحداً فی العرب جاء قومه بأفضل مما جئنکم به ، إنی قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله أن أدعوکم إلیه ، فأیکم یوازرنی علی أمری هذا ؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا ، فقام القوم یضحکون. انتهی .

ورواها السیوطی بسند آخر عن ابن مردویه عن البراء بن عازب ، قال: لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جمع رسول الله(ص)بنی عبدالمطلب وهم یومئذ أربعون رجلاً ، منهم العشرة یأکلون المسنة ویشربون العس . . . الخ. انتهی .

- وقد روی المحدثون ومؤرخو السیرة هذا الحدیث ، لکن السیوطی بتره هنا ولم یذکر بقیة کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . وهو أسلوب دَأَبَ رواة خلافة قریش علی ارتکابه ضد عترة النبی وأسرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، والسبب فی ذلک أن بقیة الحدیث تقول إن الله أمر رسوله من ذلک الیوم أن یختار وزیراً وخلیفة من عشیرته الأقربین !

قال الأمینی فی الغدیر:1/207:

وها نحن نذکر لفظ الطبری بنصه حتی یتبین الرشد من الغی ، قال فی تاریخه:2/217 من الطبعة الأولی: إنی قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله تعالی أن أدعوکم إلیه ، فأیکم یوازرنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی ووصیی وخلیفتی فیکم ؟

قال: فأحجم القوم عنها جمیعاً ، وقلت وإنی لاحدثهم سناً وأرمصهم عیناً

ص: 391

وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً: أنا یا نبی الله أکون وزیرک علیه. فأخذ برقبتی ثم قال: إن هذا أخی ووصیی وخلیفتی فیکم فاسمعوا له وأطیعوا.

قال: فقام القوم یضحکون ویقولون لابی طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک وتطیع !!

وقال الأمینی فی:2/279:

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسکافی المتکلم المعتزلی البغدادی المتوفی 240 فی کتابه نقض العثمانیة وقال: إنه روی فی الخبر الصحیح.

ورواه الفقیه برهان الدین فی ( أنباء نجباء الأبناء )/ 46 - 48 وابن الاثیر فی الکامل 2/24 وأبو الفداء عماد الدین الدمشقی فی تاریخه:1/116 وشهاب الدین الخفاجی فی شرح الشفا للقاضی عیاض: 3/37 (وبتر آخره) وقال: ذکر فی دلایل البیهقی وغیره بسند صحیح. والخازن علاء الدین البغدادی فی تفسیره/390 والحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه:6/392 نقلا عن الطبری وفی/397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه وأبی نعیم والبیهقی. وابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 3/254. انتهی .

ثم شکا صاحب الغدیر من تحریف الذین حرفوا الحدیث لارضاء قریش ، ومنهم الطبری الذی رواه فی تفسیره بنفس سنده المتقدم فی تاریخه ، ولکن أبهم کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حق علی (رض) فقال: ثم قال: إن هذا أخی وکذا وکذا. وتبعه علی ذلک ابن کثیر فی البدایة والنهایة 3/40 وفی

ص: 392

تفسیره 3/351

وقال فی مناقب آل أبی طالب:1/305 وما بعدها:

وأما بیعة العشیرة ، قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بعثت إلی أهل بیتی خاصة ، وإلی الناس عامة

وهذا النص النبوی هو أصح تفسیر لقوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ .

وقد ذکر فی المناقب أن السید الحمیری نظم هذه المنقبة لبنی هاشم فقال:

وقیل له أنذر عشیرتک الآلی

وهم من شباب أربعین وشیبِ

فقال لهم إنی رسول الیکم

ولست أرانی عندکم بکذوب

وقد جئتکم من عند رب مهیمن

جزیل العطایا للجزیل وهوب

فأیکم یقفوا مقالی فأمسکوا

فقال ألا من ناطق فمجیبی

ففاز بها منهم علیٌّ وسادهم

وما ذاک من عاداته بغریب

وله أیضاً:

ویوم قال له جبریل قد علموا

أنذر عشیرتک الادنین إن بصروا

فقام یدعوهم من دون أمته

فما تخلف عنه منهم بشر

فمنهم آکلٌ فی مجلس جذعاً

وشاربٌ مثل عس وهو مختفر

فصدهم عن نواحی قصعة شبعاً

فیها من الحب صاع فوقه الوزر

فقال یا قوم إن الله أرسلنی

الیکم فأجیبوا الله وادَّکِروا

فأیکم یجتبی قولی ویؤمن بی

إنی نبی رسول فانبری غُدَرُ

فقال تباً أتدعونا لتلفتنا

عن دیننا ثم قام القوم فانشمروا

من الذی قال منهم وهو أحدثهم

سناً وخیرهم فی الذکر إذ سطروا

ص: 393

آمنت بالله . . قد أعطیتَ نافلةً

لم یعطها أحد جنٌّ ولا بشر

وإن ما قلته حقٌّ وإنهم

إن لم یجیبوا فقد خانوا وقد خسروا

ففاز قدماً بها والله أکرمه

فکان سباق غایات إذا ابتدروا

وقال دعبل:

سقیاً لبیعة أحمد ووصیه

أعنی الإمام ولینا المحسودا

أعنی الذی نصر النبی محمداً

قبل البریة ناشیاً وولیدا

أعنی الذی کشف الکروب ولم یکن

فی الحرب عند لقائها رعدیدا

أعنی الموحد قبل کل موحد

لا عابداً وثناً ولا جلمودا

وقال فی هامش بحار الأنوار:32/272:

وناهیک من ذلک مؤاخاته مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأمر من الله عز وجل فی بدء الإسلام حین نزل قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . . .

راجع تاریخ الطبری 2 - 321 کامل ابن الاثیر 2 - 24 تاریخ أبی الفداء 1 - 116 والنهج الحدیدی 3 - 254 مسند الإمام ابن حنبل 1 - 159 جمع الجوامع ترتیبه 6 - 408 کنز العمال 6 - 401 .

وهذه المؤاخاة مع أنها کانت بأمر الله عزوجل إنما تحققت بصورة البیعة والمعاهدة ( الحلف ) ولم یکن للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یأخذ أخاً ووزیراً وصاحباً وخلیفة غیره ولا لعلی أن یقصر فی مؤازرته ونصرته والنصح له ولدینه کمؤازرة هارون لموسی علی ما حکاه الله عزو جل فی القرآن الکریم. ولذلک تری رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین یؤاخی بعد ذلک المجلس بین المهاجرین بمکة فیؤاخی بین کل رجل وشقیقه وشکله: یؤاخی بین عمر وأبی بکر ،

ص: 394

وبین عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبین الزبیر وعبد الله بن مسعود ، وبین عبیدة بن الحارث وبلال ، وبین مصعب بن عمیر وسعد بن أبی وقاص ، وبین أبی عبیدة بن الجراح وسالم مولی أبی حذیفة ، وبین حمزة بن عبد المطلب وزید بن حارثة الکلبی ( راجع سیرة ابن هشام 1-504 المحبر 71-70 البلاذری 1/270 )

یقول لعلی (علیه السّلام): والذی بعثنی بالحق نبیاً ما أخرتک إلا لنفسی فأنت منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی ، وأنت أخی ووارثی وأنت معی فی قصری فی الجنة. ثم قال له: وإذا ذاکرک أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله ، ولا یدعیها بعدی إلا کاذب مفتر ( الریاض النضرة 2-168 منتخب کنز العمال 5-45 و 46 ) .

ولذلک نفسه تراه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حینما عرض نفسه علی القبائل فلم یرفعوا إلیه رؤسهم ثم عرض نفسه علی بنی عامر بن صعصعة قال رجل منهم یقال له بیحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخیر بن قشیر بن کعب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أنی أخذت هذا الفتی من قریش لأکلت به العرب ثم قال لرسول الله: أرأیت إن بایعناک علی أمرک ثم أظهرک الله علی من خالفک أیکون لنا الأمر من بعدک ؟ قال: الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء! قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونک فإذا أظهرک الله کان الأمر لغیرنا ؟! لا حاجة لنا بأمرک ، فأبوا علیه (راجع سیرة ابن هشام 1-424 الروض الأنف 1-264 بهجة المحافل 1-128 سیرة زینی دحلان 1-302 السیرة الحلبیة 2-3 ). فلولا أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان تعاهد مع علی(علیه السّلام)بالخلافة

ص: 395

والوصایة بأمر من الله عز وجل ، قبل ذلک لَمَا ردهم بهذا الکلام المؤیس ، وهو بحاجة ماسة من (. .) نصرة أمثالهم. انتهی .

وختاماً فإن ما أوردناه یکفی لإثبات أن قبائل قریش کانت قبل الإسلام تحسد قبیلة بنی هاشم حسداً إلی العظم ، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ابن بنی هاشم ! لم تشف من هذا المرض ، بل انتقل حسدها وحساسیتها إلی عشیرة النبی وعترته من أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واتفقوا عزلهم سیاسیاً بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی هذا الأساس یجب علی المؤمن والباحث أن یکون حذراً فی تصدیق أحادیث المصادر القرشیة فی هذا الموضوع ، وفی کل ما یتعلق ببنی هاشم . . ومن ذلک الأحادیث التی تنفی وعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لاسرته بالشفاعة الخاصة فی الآخرة. .

أغرب شفاعة اخترعها القرشیون لرئیس بنی هاشم

کل مطلع علی سیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعرف أن عمه أبا طالب کان حامیه وناصره ، وأنه بحمایته ونصرته استطاع أن یصدع بدعوته ، وبحکمة أبی طالب ونفوذه المعنوی وقف الهاشمیون فی وجه قریش إلی جانب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وصمدوا فی حصار الشعب أربع سنوات ، وبإخلاصه واستماتته فی الدفاع عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفشل الله أکثر خطط قریش فی إهانة النبی وقتله .

ویعرف أن أبا طالب له دیوان شعر نقلته مصادر السیرة والتاریخ وکله فی

ص: 396

تأیید النبی والإیمان به وفی ذم قادة المشرکین الذین وقفوا ضده . . وأن رواة الخلافة القرشیة لو وجدوا بیتین من الشعر لشخصیة قرشیة یحبونها من المعاصرین لأبی طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالاخر واستخرجوا منهما عشرین دلیلاً علی إیمانه .

ویتفق فقهاء المذاهب أن القاضی إذا شک فی إسلام شخص متوفی ، یکفیه لاثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدین عادیین بأنه کان مسلماً . . ولکن إثبات إسلام أبی طالب لا یکفی له عندهم إقراراته الصریحة ، ولا ألوف الشهود !

ثم إن أهل البیت أدری بما فیه والأبناء أعرف بآبائهم ، وإن علیاً وأبناءه الصادقین المصدقین الطاهرین المطهرین بنص القرآن ، قد شهدوا بأن أبا طالب کان مسلماً مؤمناً یکتم إیمانه ، وأن مَثَلَه مثَلُ مؤمن آل فرعون.. ولکن ذلک لم یکف أیضاً فی نظر قریش لإثبات إسلام أبی طالب !

والسبب فی کل هذا التشدد والتعنت أن قریشاً لا ترید إعطاء هذا الوسام لابی طالب ، وعندها لذلک مبررات عدیدة:

أولاً: أبو طالب بن عبد المطلب، هو رئیس بنی هاشم وزعیم قریش بعد أبیه عبدالمطلب. وإذا أعطی هذا الوسام فإن أولاده أولی بملک ابن عمهم النبی محمد ! (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..ولا إخالک تقول هنا إن هذا منطق قبلی غیر إسلامی ، فإن نظام الخلافة الإسلامی إنما قام علی أساس القبلیة ، وإنما کانت حجة عمر وأبی بکر فی السقیفة قرابتهما القبلیة من محمد وأنه من قریش وقریش أولی بسلطانه !

فالمنطق الذی حکم بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقامت علیه خلافة قریش هو

ص: 397

المنطق القبلی وقد کان هو المنطق العام الحاکم عنند الجمیع ! لا یستثنی منه إلا منطق النص الذی قال به أهل البیت (علیهم السّلام) وشیعتهم ، ولم یصغ لهم أحدٌ إلا الاقلُّون عدداً !

ثانیاً: إن شعر أبی طالب رضوان الله علیه ما زال یرنُّ فی آذان قادة قریش !! وفیه لهم من التوبیخ والتعنیف لهم ، ووصفهم بالحسد والبغی والجحود والکفر وقطیعة الرحم ، والحقارة..وأسوأ الصفات !! فالإعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره الذی نشر به غسیل قریش !

ثالثاً: إن أبا طالب والد علی ، وعلی یطالب بخلافة النبی بالنص ، وهو المعارض الأول لأن تکون خلافة محمد لکل قریش تدور بین قبائلها بقاعدة من غلب ! وهذه المعارضة ذنبٌ یجب أن یدفع ثمنه علیٌّ وأولاده وأبوه أبو طالب !

والظاهر أن أکبر ذنب لابی طالب عندهم أنه والد علی..فلو کان والد معاویة لاحبته قریش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه ، وشملته شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فقد غفرت قریش لأبی سفیان ما لم یغفره الله ورسوله ، ونسیت أنه إمام الکفر ، ومحزب الأحزاب ، والعدو اللدود الذی لم یلق سلاحه فی وجه الإسلام إلا مکرهاً ، ولم یسلم إلا مکرهاً ! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلی بنی أمیة ( تلقفوها یا بنی أمیة تلقُّفَ الکرة ، فوالذی یحلف به أبو سفیان ما من جنة ولا نار ) !

لهذه الأسباب وغیرها صدر حکم قریش بحق أبی طالب بأن حمایته للنبی

ص: 398

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إلیهم وإلی النجاشئ وعمله الدائب من أجل تمکین النبی من نشر دعوته . .کل ذلک کان عصبیةً هاشمیةً فقط ، وأنه مات کافراً ولیس له أی حق فی وراثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیس لأولاده أی امتیاز بسبب حمایة أبیهم للنبی ، بل هم من قریش وقریش هی التی ترث سلطان محمد ! وقد قال عمر للأنصار فی السقیفة: نحن قومه وعشیرته فمن ذا ینازعنا سلطان محمد ؟!

إنسجاماً مع هذه الثقافة تجد فی مصادر السنیین أعجب الأحادیث عن أبی طالب ، ولعل أعجبها علی الإطلاق حدیث شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهذا العم الذی أحبه ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده..فشفع له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضعه فی مکان من جهنم یغلی منه دماغه !

قال البخاری فی:7/203:

عن أبی سعید الخدری رضی الله عنه أنه سمع رسول الله(ص)وذکر عنده عمه أبو طالب ، فقال: لعله تنفعه شفاعتی یوم القیامة فیجعل فی ضحضاح من النار یبلغ کعبیه یغلی منه أم دماغه !!

ورواه فی:4/202 وروی نحوه أحمد فی:1/290 وص 295 وص 206 وص 207 وج 3/9 وص 50 وص 55 والحاکم فی:4/582 والبیهقی فی البعث والنشور/59 والذهبی فی تاریخ الإسلام:1/234 وغیره من مصادرهم. وقال ابن الاثیر فی النهایة:3/13: ضحضاح: الضحضاح: فی الأصل مارق من الماء علی وجه الأرض وما یبلغ الکعبین فاستعاره للنار .

ص: 399

وقال البخاری فی:4/247:

باب قصة أبی طالب. حدثنا مسدد ، حدثنا یحیی ، عن سفیان ، حدثنا عبد الملک ، حدثنا عبد الله بن الحرث ، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب (رض): قال للنبی (ص): ما أغنیت عن عمک فوالله کان یحوطک ویغضب لک ؟ قال: هو فی ضحضاح من نار ، ولولا أنا لکان فی الدرک الأسفل من النار !!

ورواه فی: 7/121 وص 203 ورواه مسلم:1/135 ورواه أحمد فی: 1/206 و207 و210 وج 3/50 و 55 قال: عن عباس بن عبد المطلب قال: یا رسول الله هل نفعت أباطالب بشئ فإنه قد کان یحوطک ویغضب لک ! قال: نعم هو فی ضحضاح من النار لولا ذلک لکان فی الدرک الأسفل من النار. انتهی .

فهذه الروایة ترید بیان التأثیر الکبیر لشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمه وأن أبا طالب بالأساس یستحق الدرک الأسفل من النار مثل أبی لهب وأبی جهل وفراعنة قریش الذین کذبوا النبی وأرادوا قتله ، والذین نص الله تعالی علی طغیانهم وعقابهم ! فحماة الأنبیاء فی منطق هذه الأحادیث مثل أعدائهم ، بل أسوأ حالاً منهم !

وقد رووا أن أبا طالب کان فی طمطام من النار فخفف الله عنه ! وطمطام النار هو وسطها الملتهب !

قال فی مجمع الزوائد:1/118 عن لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وقد وجدت عمی أبا

ص: 400

طالب فی طمطام من النار فأخرجه الله لمکانه منی وإحسانه الی فجعله فی ضحضاح من النار. انتهی .

لقد تحیر علماء ثقافة قریش فی هذا النوع من الشفاعة المخترعة ، لأن الشفاعة إما أن یأذن بها الله تعالی لرسوله فیخلص المشفوع له من النار ویدخله الجنة ، وإما أن لا یأذن بها فیبقی الشخص فی مکانه فی النار..وما ذکرته أحادیث الضحضاح لیس بشفاعة ! ولکنهم ابتکروا له اسماً خاصاً وهو شفاعة التخفیف والنقل من الدرک الاسفل من النار إلی مستنقع من النار وضحضاحها !

قال القسطلانی فی إرشاد الساری:9/328:

الشفاعات کما قال عیاض خمسة ، وقد زاد سادسة هی التخفیف عن أبی طالب. انتهی .

ثم احتاط القسطلانی لئلا یقال کیف تسمون الضحضاح شفاعة ؟ فقال هی شفاعة مجازیة ولیست حقیقیة !

قال فی إرشاد الساری:9/324: إن أبا طالب لما بالغ فی إکرام النبی (ص) والذب عنه ، جوزی بالتخفیف ، وأطلق علی ذلک شفاعة ! انتهی .

وهکذابالغ النبی بزعم رواة قریش فی إکرام عمه کما بالغ عمه فی إکرامه!!

علی أن مقصود القرشیین من روایة الضحضاح قد یکون تشدید العذاب علی أبی طالب لا تخفیفه ، فیکون ما تصوره النووی من المبالغة فی إکرام أبی طالب مبالغةً فی عذابه ! فقد روت مصادر الثقافة القرشیة أن العذاب فی الضحضاح أشد من بقیتها !

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/127:

ص: 401

وأخرج ابن أبی حاتم عن السدی فی الآیة قال: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح فی النار ، فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب کأنهن البغال الدهم ، وأفاع کأنهن البخاتی ، فضربنهم ، فذلک الزیادة !

بماذا یفسرون قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سأبلها ببلالها

لم یقنع حدیث الضحضاح المسلمین بعدم شمول شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمه الحبیب أبی طالب ، خاصةً أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن النبی وعد أنه سیبلها ببلالها ، فهل لهذا الوعد تفسیرٌ إلا الشفاعة ؟ وهل یسمی وضع أبی طالب فی ضحضاح من نار بلالاً من

النبی لرحمه ؟!

والطریف أن البخاری نقل حدیثاً عن عمرو بن العاص ( وزیر معاویة ) تبرأ فیه النبی من آل أبی طالب وأعلن قطع الولایة والرحم بینه وبینهم ! وفی نفس الحدیث وعدٌ من النبی أن یبل رحمهم ببلالها !!

قال البخاری فی:7/73: الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. باب یبل الرحم ببلالها. عن قیس بن أبی حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبی(ص)جهاراً غیر سر یقول: إن آل ( أبی طالب ) قال عمر وفی کتاب محمد بن جعفر بیاض ، لیسوا بأولیائی إنما ولیی الله وصالح المؤمنین. زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بیان عن قیس عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبی (ص): ولکن لهم رحمٌ أبلها ببلاها ، یعنی أصلها بصلتها. قال أبو عبدالله ( أی البخاری ) ببلاها کذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها

ص: 402

لا أعرف له وجهاً. وروی نحوه مسلم فی:1/133 والترمذی:5/19 والنسائی:6/248-250 وأحمد:2/360 وص 519وفی بعض روایاتهم توجه الوعد النبوی إلی أبی طالب خاصة ، کما فی کنز العمال:12/152: إن لابی طالب عندی رحماً سأبلها ببلالها ( ابن عساکر عن عمرو ابن العاص ). وراجع کنز العمال:16/10 وج 12/42

ومعنی بلال الرحم: صلتها حتی ترضی. قال الجوهری فی الصحاح: 4/1639: ویقال أیضاً: فی سقائک بلال أی ماء... ومنه قولهم: إنضحوا الرحم ببلالها أی صلوها بصلتها وندوها... ویقال أیضاً: لا تبلک عندی بلال مثال قطام قالت لیلی الاخیلیة:

فلا وأبیک یا ابن أبی عقیل تبلک بعدها عندی بلال

وقال فی الصحاح:5/1929: والرحم أیضاً: القرابة والرحم بالکسر مثله .

قال الأعشی: أما لطالب نعمة یممتهاووصال رحم قد بردت بلالها

وقال فی الدرجات الرفیعة/514:

إن المکارم أصبحت لهفانةً

حرَّی وأنت بلالها وبلیلها

وإذا المکارم ذللت أو ضللت

یوماً فأنت دلالها ودلیلها

وقال ابن الاثیر فی البدایة والنهایة:3/51: سأبلها ببلائها: وفی البیهقی ببلالها: معناه سأصلها. شبهت قطیعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة. ومنه بلوا أرحامکم: أی صلوها. انتهی .

والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما استعمل هذا التعبیر ووعد هذا الوعد کان یعرف أن معنی بلال الرحم عند العرب إکرام القریب بسخاء حتی یرضی وفوق الرضا، فهو

ص: 403

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفصح من نطق بالضاد ، وأعرف الناس بمعانیها .

لهذا یبقی السؤال للبخاری وکافة علماء الخلافة القرشیة: إذا وعد نبی أسرته وأهل بیته بأنه سیصل رحمهم ویرضیهم ، فکیف تتعقلون أنه یجعل عمه العزیز علیه منهم الذی له علیه فضل خاص ، فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه ؟!

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوی الاساسی لحدیث ضحضاح النار هو المغیرة بن شعبة الثقفی ، ثم أخذه عنه الآخرون ، أو نسب إلیهم . . وسبب إسلام المغیرة أنه کان فی سفر فی تجارة مع عدد من رفقائه الثقفیین من أهل الطائف ، فغدر بهم وقتلهم جمیعاً وسرق أموالهم ، وفر إلی المدینة و . . . أسلم ! وهو معروف بدهائه وفساد أخلاقه ، وبغضه لعلی(علیه السّلام)وبنی هاشم ، وتاریخه مدونٌ معروف !

ولا یبعد أن یکون أخذ تعبیر ( الضحضاح ) من حدیث ضحضاح النور الذی ورد فی حق أهل البیت (علیهم السّلام) فجعله ضحضاح نار لأبی طالب !

فقد روی الشیخ الطوسی فی الغیبة/147 قال: وأخبرنا جماعة عن التلعکبری ، عن أبی علی أحمد بن علی الرازی الأیادی قال: أخبرنی الحسین بن علی ، عن علی بن سنان الموصلی العدل ، عن أحمد بن محمد الخلیلی ، عن محمد بن صالح الهمدانی ، عن سلیمان بن أحمد، عن زیاد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن یزید بن جابر ، عن سلام قال: سمعت أبا سلمی راعی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: سمعت لیلة أسریَ بی إلی السماء قال العزیز جل ثناؤه: آمن الرسول بما أنزل إلیه من ربه. قلت:

ص: 404

والمؤمنون. قال: صدقت یا محمد... إنی اطلعت علی الأرض اطلاعة فاخترتک منها فشققت لک إسماً من أسمائی فلا أذکر فی موضع إلا وذکرت معی ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانیة فاخترت منها علیاً وشققت له اسماً من أسمائی فأنا الأعلی وهو علی. یا محمد إنی خلقتک وخلقت علیاً وفاطمة والحسن والحسین والأئمة من ولده أشباح نور من نوری، وعرضت ولایتکم علیالسماوات وأهلها وعلی الأرضین ومن فیهن، فمن قبل ولایتکم کان عندی من المقربین ومن جحدها کان عندی من الکفار الضالین .

یا محمد لو أن عبداً عبدنی حتی ینقطع أو یصیر کالشن البالی ، ثم أتانی جاحداً لولایتکم ما غفرت له حتی یقر بولایتکم .

یا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت: نعم یا رب قال التفت عن یمین العرش فالتفتُّ فإذا أنا بأشباح علی وفاطمة والحسن والحسین والأئمة کلهم حتی بلغ المهدی ، فی ضحضاح من نور قیام یصلون والمهدی فی وسطهم کأنه کوکب دری ، فقال لی: یا محمد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتک ، فوعزتی وجلالی إنه حجةٌ واجبة لاولیائی منتقمٌ من أعدائی. انتهی .

ورواه فرات الکوفی فی تفسیره/74 عن الإمام الباقر 7 وقال فی هامشه:

وأخرجه الحموینی فی الفرائد 2-571 ط 1 والخوارزمی فی مقتله والطوسی فی الغیبة وصاحب المقتضب کما فی البرهان بأسانیدهم إلی أبی سلمی راعی إبل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال سمعته یقول . . . ( مثله تقریباً ). وأخرج صدره القاضی أبو جعفر الکوفی فی

ص: 405

المناقب ح 130 وأورده بکامله مع تالیه العلامة المجلسی فی البحار 37-82 انتهی. ورواه ابن شاذان فی المنقبة السابعة عشرة من مناقب علی 7. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:15/247 وج 18:18/297 وج 26/301

محاولتهم التخلص من الوعد النبوی لبنی هاشم

وجد المفسرون للثقافة القرشیة أن أحسن طریقة للتخلص من الوعد النبوی الذی انتشرت روایته فی الناس ، أن یبعدوه عن الآخرة کلیاً ، ویقولوا إنه لیس وعداً بالشفاعة !

قال ابن الاثیر فی النهایة:1/153: سأبلها ببلالها: أی أصلکم فی الدنیا ولا أغنی عنکم من الله شیئاً ، والبلال جمع بلل. انتهی .

ولکن ذلک لا یصح:

أولاً ، لأنه ورد فی سیاق حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار فالأصل أن یکون هذا استثناء متصلاً من موضوع الحدیث ومصبه ، لا من خارجه !

وثانیاً ، أن الحدیث فی مقام نفع نسبه وسببه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الآخرة وقد صح عند الجمیع أنه النسب الوحید الذی لا ینقطع یوم القیامة. وتقدمت روایته عن عمر أن النبی: قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع ؟ ! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی، فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة!

ص: 406

وثالثاً ، لم یکن النبی یملک دنیاً عند نزول أمره تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، حتی یعد أقاربه بها ، بل لا معنی لوعده إیاهم فی ذلک الوقت حتی بالشفاعة فی الآخرة ، لأنه فی مرحلة عرض الإسلام علیهم..وهذا مما یضعف الروایة بأن هذا الوعد النبوی صدر عند نزول الآیة .

ورابعاً ، أنهم رووا هذا الحدیث بشأن أبی طالب بعد وفاته کما تقدم فی کنز العمال عن ابن عساکر وغیره ، فهل وعده النبی بأن یعطیه مالاً بعد وفاته ! أم وعد بأن یعطی ذریته ثروة فلم یعطهم وترکهم فقراء !

وخامساً ، رووا فی نفس هذا الوعد أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خاطب کل قریش ووعدهم ببلال الرحم ، فإن قالوا إنه وعدٌ بإعطائهم مالاً فی الدنیا دون الآخرة ، لزم أن لا تشمل شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أحداً من قریش أبداً ! ، فهل یلتزمون بذلک !

قال النووی فی المجموع:15/356:

وأخرج الشیخان عن أبی هریرة واللفظ لمسلم ( لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعا رسول الله(ص)قریشاً فاجتمعوا ، فعم وخص فقال: یا بنی کعب بن لؤی أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی مرة بن کعب أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی هاشم أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی عبد المطلب أنقذوا أنفسکم من النار ، یا فاطمة أنقذی نفسک من النار ، فإنی لا أملک لکم من الله شیئاً ، غیر أن لکم رحماً سأبلها ببلالها ) وفی هذا دلیل علی أن کل من ناداهم النبی(ص)یطلق

ص: 407

علیهم لفظ الأقربین ، لانه(ص)فعل ذلک ممتثلاً لقوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، وهو دلیل علی صحة ما ذهب إلیه الشافعی (رض) من دخول النساء لذکره فاطمة ، ودخول الکفار .انتهی .

وسادساً، رووا أحادیث عدیدة صرحت بالوعد النبوی بالشفاعة فی الآخرة، کالذی رواه الحاکم فی:3/568 ورواه مجمع الزوائد:1/88 وکنز العمال: 12/41: والذی نفسی بیده لا یؤمن أحدهم حتی یحبکم لحبی ! أیرجون أن یدخلوا الجنة بشفاعتی ولا یرجوها بنو عبد المطلب ؟! انتهی .

بل روی فی کنز العمال:12/100 أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مخصوصةٌ بمن أحب أهل بیته ،

قال: شفاعتی لامتی ، من أحب أهل بیتی وهم شیعتی ! انتهی.

وبذلک یتضح أن محاولة إبعاد وعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لبنی هاشم عن الشفاعة.. محاولة مردودة ، بل مشبوهة .

عمل المعروف ینجی الکفار من النار إلا أبا طالب

روی ابن ماجة فی سننه:2/496:

عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله (ص): یُصَفُّ الناس یوم القیامة صفوفاً ، وقال ابن نمیر أهل الجنة ، فیمر الرجل من أهل النار علی الرجل فیقول: یا فلان أما تذکر یوم استسقیت فسقیتک شربة ؟ قال فیشفع له. ویمر الرجل فیقول: أما تذکر یوم ناولتک طهوراً ؟ فیشفع له. قال ابن نمیر ویقول:

ص: 408

یا فلان أما تذکر یوم بعثتنی فی حاجة کذا وکذا فذهبت لک ؟ فیشفع له. انتهی .

والرجل من ( أهل النار ) یعنی الکافر أو یشمل الکافر الذی قدم خدمة ولو صغیرة للمسلم.. فإذا کانت مکانة المسلم العادی کبیرة عندالله تعالی بحیث یشفِّعه فی من قدم له خدمة ولو بسیطة ، فکیف بخدمات أبی طالب لأفضل الخلق(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ویؤید حدیث ابن ماجة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:2/249: عن ابن مسعود قال قال رسول الله(ص)فی قوله: فیوفیهم أجورهم ویزیدهم من فضله ، قال: أجورهم یدخلهم الجنة ، ویزیدهم من فضله الشفاعة فیمن وجبت لهم النار ممن صنع الیهم المعروف فی الدنیا .

وما رواه فی الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص):إذا کان یوم القیامة جمع الله الأولین والآخرین ، ثم أمر منادیاً ینادی: ألا لیقم أهل المعروف فی الدنیا ، فیقومون حتی یقفوا بین یدی الله ، فیقول الله: أنتم أهل المعروف فی الدنیا ؟ فیقولون نعم ، فیقول وأنتم أهل المعروف فی الآخرة ، فقوموا مع الأنبیاء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتی تدخلوا علیهم المعروف فی الآخرة کما أدخلتم علیهم المعروف فی الدنیا !

ویؤیده من مصادرنا مارواه المجلسی فی بحار الأنوار:8/288

عن ثواب الأعمال للصدوق/163 قال: أبی ، عن سعد ، عن النهدی، عن

ص: 409

ابن محبوب ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی(علیه السّلام)قال: کان فی بنی إسرائیل رجلٌ مؤمن وکان له جارٌ کافر فکان یرفق بالمؤمن ویولیه المعروف فی الدنیا ، فلما أن مات الکافر بنی الله له بیتاً فی النار من طین ، فکان یقیه حرها ویأتیه الرزق من غیرها ، وقیل له: هذا بما کنت تدخل علی جارک المؤمن فلان بن فلان من الرفق ، وتولیه من المعروف فی الدنیا !

وقال المجلسی: هذا الخبر الحسن الذی لا یقصر عن الصحیح، یدل علی أن بعض أهل النار من الکفار یرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة ، فلا یبعد أن یخصص الآیات الدالة علی کونهم معذبین فیها لا یخفف عنهم العذاب ، لتأیده بأخبار أخر .

وفی بحار الأنوار:8/41 عن ثواب الأعمال أیضاً/167:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن المؤمن منکم یوم القیامة لیمر به الرجل له المعرفة به فی الدنیا وقد أمر به إلی النار والملک ینطلق به ، قال فیقول له: یا فلان أغثنی فقد کنت أصنع إلیک المعروف فی الدنیا وأسعفک فی الحاجة تطلبها منی فهل عندک الیوم مکافأة ؟ فیقول المؤمن للملک المؤکل به: خلِّ سبیله ، قال فیسمع الله قول المؤمن فیأمر الملک أن یجیز قول المؤمن ، فیخلی سبیله. انتهی .

هذه الشفافیة فی الرحمة الإلهیة وإکرامه تعالی لأنبیائه وعباده المؤمنین.. تتبخر عند قبائل قریش ورواتهم عندما یصلون إلی أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

بل تتحول إلی قسوة وخشونة ینسبونها إلی الله ورسوله ضد هذه الأسرة التی

ص: 410

جعل الله مودتها أجراً لتبلیغ الإسلام، لأنه الضمانة الوحیدة لسلامة الإسلام !!

أحادیث نجت من الرقابة القرشیة

مع کل المحاولات المتقدمة بقیت أحادیث عدیدة ، منها صحیح عندهم ، استطاعت أن تعبر نقاط التفتیش ، وتنجو من رقابة الثقافة القرشیة الحاکمة ، وفیما یلی نماذج منها:

تقدمت روایة الهیثمی فی مجمع الزوائد:8/216 عن عمر وما قاله لصفیة عمة النبی وما أجابه به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد جاء فیها:

قال فغضب النبی(ص)وقال: یا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع ؟! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی ! فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة ! انتهی .

وقد حاولت روایة أن تعتذر عن قول الخلیفة عمر هذا باتهام أم هانی أخت علی(علیه السّلام)بأنها کانت متبرجة ، فنهاها عمر عن ذلک ، وقال لها ذلک القول ! ولکن الظاهر أن حادثة أم هانی حادثة أخری غیر حادثة صفیة ، وقد کان جواب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیها أیضاً حاسماً:

قال فی مجمع الزوائد:9/257:

عن عبد الرحمن بن أبی رافع أن أم هانی بنت أبی طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها ، فقال لها عمر بن

الخطاب: إعملی فإن محمداً لا یغنی عنک شیئاً ، فجاءت إلی النبی(ص)فأخبرته به ، فقال رسول الله (ص): ما بال أقوام یزعمون أن شفاعتی لا تنال أهل بیتی ؟! وإن شفاعتی تنال حا وحکم !! وحا

ص: 411

وحکم قبیلتان. انتهی .

وذکرت مصادرنا کما فی بحار الأنوار:93/219:

أن عمر قال لها: غطی قرطک فإن قرابتک من رسول الله لاتنفعک شیئاً ! فقالت له: هل رأیت لی قرطاً یا ابن اللخناء ؟! ثم دخلت علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبرته بذلک وبکت ، فخرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنادی الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لاتنفع ! لو قمت المقام المحمود لشفعت فی حاء وحکم ! لایسألنی الیوم أحد من أبواه إلا أخبرته ! فقام إلیه رجل فقال: من أبی یا رسول الله ؟ فقال: أبوک غیر الذی تدعی له ، أبوک فلان بن فلان ! فقام آخر فقال: من أبی یا رسول الله ؟ قال: أبوک الذی تدعی له ! ثم قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما بال الذی یزعم أن قرابتی لاتنفع لا یسألنی عن أبیه ؟ فقام إلیه عمر فقال: أعوذ بالله یا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنی عفا الله عنک . . .

ونقل البیهقی فی البعث والنشور/59:

حادثة ثالثة: عن أبی هریرة قال کانت امرأه من بنی هاشم تحت رجل من قریش ، فکان بینه وبینها شئ فقال لها ستعلمین والله أنه لا ینفعک قرابتک من رسول الله (ص) شیئاً ! فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال رجال یزعمون أن قرابتی لا تنفع ! وإنی لترجو شفاعتی صدی أو سهلب !

وفی الانساب للسمعانی:1/30:

عن أبی هریرة وعمار بن یاسر رضی الله عنهما أن النبی(ص)قال: أیها

ص: 412

الناس مالی أوذی فی أهلی ؟! والله إن شفاعتی لتنال حاء وحکم وسلهب وصداء ، تنالها یوم القیامة !

وسلهب فی نسب الیمن من دوس. قال ابن إسحاق: هذا مما یصدق نسابة مضر أن هذه القبائل من معد .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:4/399 ح 6683:

أبو سعید: ما بال أقوام یزعمون أن رحمی لا تنفع ؟! والله إن رحمی لموصولة فی الدنیا والآخرة .

وقال ابن الاثیر فی أسد الغابة:1/134:

عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ ( یقصد معاویة ) خطباء یشتمون علیاً رضی الله عنه وأرضاه ویقعون فیه حتی کان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غیرهم یقال له أنیس ، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: إنکم قد أکثرتم الیوم فی سب هذا الرجل وشتمه ، وإنی أقسم بالله أنی سمعت رسول الله (ص) یقول: إنی لاشفع یوم القیامة لأکثر مما علی الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل الیکم وتعجز عن أهل بیته ؟! ورواه فی مجمع الزوائد:9/170: عن شهر بن حوشب وفیه (أفیرجوها غیره ویقصر عن أهل بیته)

تاریخ المدینة:2/264:

حدثنا أبو حذیفة ، قال حدثنا سفیان ، عن أبیه ، عن أبی الضحی ، عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: جاء العباس إلی رسول الله(ص)فقال: إنک

ص: 413

ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت. فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر - أو قال: الإیمان - حتی یحبوکم لله ولقرابتی ! أیرجو سؤلهم شفاعتی من مراد ، ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی ! وروی نحوه فی کنز العمال:13/512 وص 514

الدر المنثور:6/409:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عمر وأبی هریرة وعمار بن یاسر رضی الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبی لهب مهاجرةً ، فقال لها نسوة أنت درة بنت أبی لهب الذی یقول الله تبت یدا أبی لهب ، فذکرت ذلک للنبی(ص)، فخطب فقال: یا أیها الناس مالی أوذی فی أهلی ، فوالله إن شفاعتی لتنال بقرابتی حتی أن حکماً وحاء وصدا وسلهباً تنالها یوم القیامة بقرابتی ! ورواه فی کنز العمال:13/644

عن فردوس الدیلمی .

مجمع الزوائد:10/380:

باب فی أول من یشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتی أهل بیتی ، ثم الأقرب فالأقرب من قریش والأنصار . انتهی .

ولو تتبعنا المصادر لوجدنا الکثیر من هذه الأحادیث. وهی ملیئة بالحقائق والفوائد ، ونکتفی منها بما یلی:

أولاً: أن حدیث ( مالی أؤذی فی أهل بیتی ) أصله هنا ، ولکن صار نصه فی الصحاح ( مالی أؤذی فی أهلی ) وصار أهله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بمعنی زوجته عائشة،

ص: 414

فقد ادعوا أن قصة الافک التی اتهم فیها المنافقون المؤمنة الطاهرة الغافلة ماریة القبطیة ، کانت المتهمة فیها عائشة ورضوا هنا أن تکون عائشة من (المؤمنات الغافلات ) اللواتی ذکرتهم الآیة ، لکی تکون البراءة النازلة من السماء لها ولیس لماریة ، وادعوا أن قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مالی أؤذی فی أهلی ، صدر بتلک المناسبة ! وصار المؤذی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً بن أبی طالب ، الذی زعموا أنه أشار علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بطلاق عائشة !

ثانیاً: أن أذی القرشیین للنبی فی آله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان کثیراً متکرراً وقد نصت مصادر السنیین علی عدد من حوادثه کما تقدم فی حادثة (برک علی قدمیه) وتقدم هنا: قول فلان من قریش ( کمثل نخلة نبتت فی کناسة ) وقول عمر لصفیة ، وقوله لأم هانی وقول ( صهر بنی هاشم ) الذی لم یصرحوا باسمه ، وقصة بنت أبی لهب ، وشکوی العباس المتکررة.

کما أن تعدد الایذاء وتعدد جواب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یفهم من تعدد أسماء القبائل الغریبة البعیدة التی ذکرها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عمداً ، بما آتاه الله من جوامع الکلم لتبقی أسماؤها ترنُّ فی الأذان ویبقی حدیثه فی الأذهان . . الأمر الذی یدل علی أن روح الایذاء للنبی فی آله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت فی القرشیین مرضاً لا عرضاً !

ثالثاً: ینبغی أن یسأل الذین یدافعون عن جمیع الصحابة ویقدسونهم ، عن حکم هؤلاء الذین آذوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأغضبوه مراراً فی أهل بیته ، فقد ثبت علیهم الحکم الذی نزل به القرآن فی حقهم ، ولم یثبت أنهم جددوا إسلامهم وخرجوا من تبعات هذا الحکم .

رابعاً: إن هذه الأحادیث وحدها تکفی للمسلم لأن یعرف أن فی الأمر شیئاً کبیراً یتعلق بآل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه یجب إعادة النظر فی الروایات التی تنفی أن

ص: 415

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یوص لهم ، ولم یجعل لهم حقاً علی الأمة ، ولم یعدهم بشفاعة خاصة . . وتکفیه لأن یحتمل أن تکون روایاتهم فی أبی طالب من هذا النوع. وهذا الإحتمال کاف للتوقف عن تصدیقها .

بخلهم علی أبی طالب وخدیجة وسخاؤهم علی غیرهما

من ظلامة الخلافة القرشیة أنها بخلت علی أبی طالب بکلمة شکر، فی حین تبنت مشرکین فی مقابله لم یؤمنوا بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فجعلتهم من أهل الجنة ، بل جعلتهم فی مرتبة الأنبیاء ! ومن أبرز هؤلاء ورقة بن نوفل وزید بن عمرو بن نفیل.. والنص التالی یبین بعض الرتب التی أعطوها لهؤلاء فی الجنة ، بالمقایسة إلی الرتبة النازلة التی أعطوها لخدیجة أم المؤمنین ورتبة الضحضاح لأبی طالب رضوان الله علیهما .

قال الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/416:

عن جابر بن عبد الله قال سئل النبی(ص)عن عمه أبی طالب ، هل تنفعه نبوتک ؟ قال: نعم أخرجته من غمرات جهنم إلی ضحضاح منها .

وسئل عن خدیجة ، لأنها ماتت قبل الفرائض وأحکام القرآن ، فقال: أبصرتها علی نهر من أنهار الجنة فی بیت من قصب ، لا صخب فیه ولا نصب .

وسئل عن زید بن عمرو بن نفیل فقال: یبعث یوم القیامة أمةً وحده ، بینی وبین عیسی(علیه السّلام). رواه أبو یعلی وفیه مجالد ، وهذا مما مدح من حدیث مجالد ، وبقیة رجاله رجال الصحیح .

وعن جابر قال سألنا رسول الله(ص)عن زید بن عمرو بن نفیل فقلنا: یا رسول الله إنه کان یستقبل القبلة ویقول دینی دین إبراهیم وإلهی إله إبراهیم

ص: 416

وکان یصلی ویسجد ؟ قال: ذاک أمة وحده ، یحشر بینی وبین یدی عیسی بن مریم .

وسئل عن ورقة بن نوفل وقیل: یا رسول الله إنه کان یستقبل القبلة ویقول إل هی إله زید ودینی دین زید ، وکان یتوجه ویقول:

رشدت فأنعمت ابن عمرو فإنما

عنیت بتنور من النار حامیا

بدینک دیناً لیس دین کمثله

وترکک حنَّان الجبال کما هیا

قال: رأیته یمشئ فی بطنان الجنة ، علیه حلة من سندس. انتهی .

وإنما جعلوا بیت القصب لخدیجة ، لأنها بزعمهم توفیت قبل فرائض الصلاة والصوم والزکاة والحج ، فهی تستحق درجة سفلی فی الجنة وبیتاً عادیاً من قصب أو سعف النخل..أما عائشة المحترمة عند دولة الخلافة فهی فی الفردوس فی قصر من یاقوت ولؤلؤ !

ویتألم المسلم عندما یری فی المصادر الإسلامیة افتراءً علی أم المؤمنین خدیجة یصل إلی حد اتهامها بأنها کانت تعبد اللات والعزی وتلح علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یعبدهما قبل منامه ، فیمتنع عن ذلک !!

فقد روی أحمد فی مسنده:4/222 و:5/362:

عن عروة بن الزبیر یعنی ابن أخت عائشة قال: حدثنی جار لخدیجة بنت خویلد أنه سمع النبی (ص) وهو یقول لخدیجة: أی خدیجة والله لا أعبد اللات والعزی ، والله لا أعبد أبداً ! قال فتقول خدیجة:خل اللات خل العزی ، قال کانت صنمهم التی کانوا یعبدون ثم یضطجعون ) !! انتهی.

فکأن مدح عائشة یستلزم ذم ضرتها ، والتی توفیت قبل أن یتزوج النبی بها !

ص: 417

لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یذکرها دائماً بالخیر ، ویباهی بها !!

وأما ورقة المعاصر لأبی طالب أیضاً ، فهو فی بطنان الجنة أی فی وسطها ، یرفل بالسندس ، مع أنه مات بعد البعثة ولم یسلم ! والسبب فی استحقاقه الجنة أنه کان یقول: أنا علی دین زید بن نفیل ! بینما ذکروا أن الدلیل علی کفر أبی طالب أنه کان یقول: أنا علی دین عبد المطلب !!

وأما زید بن نفیل فقد عاش سنوات بعد البعثة ولم یسلم ، ورووا عنه أنه نهی المشرکین ذات مرة عن تعذیب بلال ، ولکنهم جعلوه فی مرتبة نبی لأنه ابن عم الخلیفة عمر..بل هو بزعمهم أتقی من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأن النبی کان قبل البعثة مشرکاً یذبح للأصنام ویأکل مما ذبح علی النصب ، بینما کان زید علی دین إبراهیم لا یذبح للأصنام ولا یأکل إلا ما ذکر اسم الله علیه ، وقد نصح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات مرة أن لا یأکل مما ذبح علی النصب فاقتدی النبی به ! !

إنها الکارثة الفکریة فی الأمة . . عندما تفضل حکامها وأقاربهم علی نبیها سید الأنبیاء ، وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) !!

قال فی مجمع الزوائد:9/417: باب ما جاء فی زید بن عمرو بن نفیل...

قال فمر زید بن عمرو بالنبی(ص)وزید بن حارثة ، وهما یأکلان من سفرة فدعیاه فقال: یابن أخی لا آکل ما ذبح علی النصب ، قال فما رؤی النبی(ص)یأکل ماذبح علی النصب من یومه ذلک ، حتی بعث .

قال: وجاء سعید بن زید إلی النبی(ص)فقال: یا رسول الله إن زیداً کان کما رأیت أو کما بلغک ، فأستغفر له ؟ قال: نعم ، فاستغفروا له فإنه یبعث یوم

ص: 418

القیامة أمة وحده. رواه الطبرانی والبزار باختصار عنه ، وفیه المسعودی وقد اختلط ، وبقیة رجاله ثقات .

وعن سعید بن زید قال: سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله(ص)عن زید بن عمرو ؟ فقال: یأتی یوم القیامة أمة وحده. رواه ابو یعلی وإسناده حسن .

وعن زید بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله(ص)یوماً حاراً من أیام مکة وهو مردفی إلی نصب من الأنصاب ! وقد ذبحنا له ( أی للصنم )شاة فأنضجناها ، قال فلقیه زید بن عمرو بن نفیل فحیَّا کل واحد منهما صاحبه بتحیة الجاهلیة ، فقال النبی (ص): یا زید مالی أری قومک قد شنفوا لک ؟ قال: والله یا محمد ذلک لغیر نائلة لی منهم ، ولکنی خرجت أبتغی هذا الدین حتی أقدم علی أحبار فدک ، وجدتهم یعبدون الله ویشرکون به ، قال قلت ماهذا الدین الذی أبتغی ، فخرجت حتی أقدم علی أحبار الشام ، فوجدتهم یعبدون الله ویشرکون به ، قلت ما هذا الدین الذی أبتغی ، فقال شیخ منهم إنک لتسأل عن دین ما نعلم أحداً یعبد الله به إلا شیخٌ بالحیرة ، قال فخرجت حتی أقدم علیه فلما رآنی قال ممن أنت ؟ قلت من أهل بیت الله ، من أهل الشوک والقرظ ، فقال إن الدین الذی تطلب قد ظهر ببلادک قد بعث نبی قد ظهر نجمه ، وجمیع من رأیتهم فی ضلال ، فلم أحس بشئ بعد یا محمد !!

قال: وقرب إلیه السفرة فقال: ما هذا یا محمد ؟ فقال شاة ذبحناها لنصب من الانصاب ! فقال: ما کنت لأکل مما لم یذکر اسم الله علیه !

قال زید بن حارثة: فأتی النبی(ص)البیت فطاف به وأنا معه ، وبین الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما یقال له یساف والآخر یقال له نائلة ،

ص: 419

وکان المشرکون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبی (ص): لا تمسحهما فإنهما رجس ، فقلت فی نفسی لامسنهما حتی أنظر ما یقول النبی(ص)؟ فقال النبی(ص)لزید: إنه یبعث أمة وحده. رواه أبو یعلی والبزار والطبرانی إلا أنه قال فیه: فأخبرته بالذی خرجت له فقال: کل من رأیت فی ضلال وإنک لتسأل عن دین الله وملائکته ، وقد خرج فی أرضک نبی أو هو خارج فارجع فصدقه وآمن به. وقال أیضاً فقال زید إنی لا آکل شیئاً ذبح لغیر الله، ورجال أبی یعلی والبزار وأحد أسانید الطبرانی رجال الصحیح غیر محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحدیث .

وعن أسماء بنت أبی بکر قالت: کان زید بن عمرو بن نفیل فی الجاهلیة یقف عند الکعبة ویلزق ظهره إلی صفحتها ، ویقول: یا معشر قریش ما علی الأرض علی دین إبراهیم غیری ، وکان یفدی الموؤودة أن تقتل ، وقال عمرو بن نفیل:

عزلت الجن والجنان عنی

کذلک یفعل الجلد الصبور

رواه الطبرانی وإسناده حسن. انتهی .

فقد ثبت عندهم بهذه الأحادیث الصحیحة والحسنة ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یعبد الأصنام ویذبح لها ! وثبت أن زید بن عمرو کان موحداً علی دین إبراهیم ، وکان ینتظر النبوة ، وکان أولی بها من محمد ، ولکن زیداً إلی تاریخ لقائه بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو فی طریقه إلی الصنم لم یحس بالوحی ولعله أحس به بعد ذلک ! !

وقد روت الصحاح افتراءهم علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه ذبح للصنم وقصة اللحم الذی کان یأکل منه بزعمهم ویعافه ابن نفیل !! فقد رواها

ص: 420

البخاری: 4/232 وأضاف فیها

( ثم قال زید إنی لست آکل مما تذبحون علی أنصابکم ، ولا آکل إلا ما ذکر اسم الله علیه ، وإن زید بن عمر کان یعیب علی قریش ذبائحهم ویقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها علی غیر اسم الله !! إنکاراً لذلک وإعظاماً له ! ) انتهی.

وروی نحوها أیضاً فی:6/225 وکذلک أحمد فی:1/189 وج 2/68 و89 و127

وعلی هذه الروایات الصحاح والحسان ! یکون زید بن عمرو بن نفیل أتقی من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأوعی منه ، وأولی بالنبوة منه ، ولکن الحظ جعلها لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ولذلک لم یؤمن به زید عندما بعث لأنه لا یحتاج إلی ذلک !

کما أن ابن عمه عمر یستحق النبوة ولکن الحظ جعلها لمحمد ، فقد نسبوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب !! وهذا یعطی الشرعیة لکل مناقشات عمر للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واعتراضاته علیه ، بل ومخالفاته له !!

ویلاحظ فی روایاتهم عن زید بن عمرو، أن عدداً منها عن لسان ولده سعید وابن عمه عمر ، وأنها ترید التأکید علی أن زیداً العدوی وحده کان علی ملة إبراهیم لا عبد المطلب الهاشمی ولا أبو طالب ، ولا حتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهو عملٌ یقصد منه المساس بشخصیة النبی وأجداده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من أجل تکبیر شخصیات مشرکة من أقارب الحکام !!

لکن المتأمل فی روایاتهم یجد فیها حقیقة مهمة ، وهی أنهم شهدوا علی زید بن عمرو بن نفیل بأنه لم یسلم ومات کافراً رغم معرفته المزعومة ببعثة

ص: 421

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولو أنه أسلم لما سألوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عنه ، ولملاوا الکتب بفضائله ومناقبه ! کما ملؤوها بذم أبی طالب وضحضاحه !!

أهم الأدلة علی إیمان أبی طالب

تکفلت کتب مستقلة بإثبات إیمان أبی طالب رضوان الله علیه..ومن أشهرها کتاب ( أبو طالب مؤمن قریش ) لمؤلفه الشیخ عبد الله الخنیزی الذی صادره الوهابیون وحبسوا مؤلفه (السعودی) بسببه ، وحکموا علیه بالإعدام ! ولکن الدولة السعودیة خشیت من العواقب فأقنعت مفتیهم بتخفیف الحکم فخففه إلی الحبس والتعزیر ! !

وقد کتب علماؤنا عن إیمان أبی طالب بحوثاً مستفیضة فی مصادر السیرة والعقائد ، من أهمها ما کتبه المجلسی فی البحار:35 والامینی فی الغدیر: 7 و 8 والشیخ نجم الدین العسکری فی مقام الإمام علی(علیه السّلام) والسید جعفر مرتضی فی الصحیح من السیرة:3/227 .

ونورد فیما یلی خمسة أدلة علی إیمانه مستفادة من المصادر المذکورة وغیرها:

الدلیل الأول: النصوص الصریحة الثابتة عندنا عن النبی والأئمة من آله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهم الطاهرون المطهرون الصادقون المصدقون ، غیر المتهمین فی شهادتهم لآبائهم وأقربائهم وأنفسهم .

منها: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: والله

ما عبد أبی ولا جدی عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف ، صنماً قط. قیل له فما کانوا یعبدون ؟ قال: کانوا

ص: 422

یصلون إلی البیت علی دین إبراهیم متمسکین به. انتهی.

وقال عنه فی الغدیر:7/384: رواه شیخنا الصدوق بإسناده فی کمال الدین/104 والشیخ أبوالفتوح فی تفسیره 4: 210 والسید فی البرهان 3: 795

ومنها: عن أبی عبد الله الصادق(علیه السّلام)قال: نزل جبرئیل(علیه السّلام)علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام ویقول: إنی قد حرمت النار علی صلب أنزلک وبطن حملک وحجر کفلک. فالصلب صلب أبیه عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذی حملک آمنة بنت وهب ، وأما حجر کفلک فحجر أبی طالب. وزاد فی روایة: وفاطمة بنت أسد. انتهی .

وقال عنه فی الغدیر: روضة الواعظین/121. راجع الکافی لثقة الإسلام الکلینی/242 ، معانی الأخبار للصدوق ، کتاب الحجة السید فخار بن معد/8 ، ورواه شیخنا للمفسر الکبیر أبو الفتوح الرازی فی تفسیره 4-210 ، ولفظه: إن الله عز وجل حرم علی النار صلباً حملک وبطناً حملک وثدیاً أرضعک وحجراً کفلک..إلخ .

ومنها: ما رواه فی مقام الإمام علی:3/140: قال السید الحجة فخار بن معد فی کتابه ( الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب )/16 بالإسناد إلی الکراجکی عن رجاله ، عن أبان ، عن محمد بن یونس ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله أنه قال: یا یونس ما تقول الناس فی أبی طالب ؟ قلت جعلت فداک یقولون: هو فی ضحضاح من نار ، وفی رجلیه نعلان من نار تغلی منهما أم

ص: 423

رأسه ! فقال: کذب أعداء الله ! إن أبا طالب من رفقاء النببین والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً .

ومنها: فی المصدر المذکور أیضاً ، عن علی بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن کثیر قال: قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): إن الناس یزعمون أن أبا طالب فی ضحضاح من نار ؟ فقال: کذبوا ما بهذا نزل جبرئیل علی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! قلت وبما نزل ؟ قال: أتی جبرئیل فی بعض ما کان علیه فقال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام ویقول لک: إن أصحاب الکهف أسروا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرتین ، وإن أبا طالب أسر الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجره مرتین ، وماخرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنة. ثم قال(علیه السّلام): کیف یصفونه بهذا وقد نزل جبرئیل لیلة مات أبو طالب فقال: یا محمد أخرج من مکة فما لک بها ناصر بعد أبی طالب !

ومنها: فی المصدر المذکور أیضاً عن أبی بصیر لیث المرادی قال: قلت لابی جعفر: سیدی إن الناس یقولون: إن أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه ؟ فقال(علیه السّلام): کذبوا ، والله إن إیمان أبی طالب لو وضع فی کفةِ میزان وإیمان هذا الخلق فی کفة لرجح إیمان أبی طالب علی إیمانهم، ثم قال: کان والله أمیر المؤمنین یأمر أن یحج عن أب النبی وأمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعن أبی طالب فی حیاته ، ولقد أوصی فی وصیته بالحج عنهم بعد مماته. انتهی.

الدلیل الثانی: تصریحات أبی طالب رضی الله علیه بصدق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه

ص: 424

رسول رب العالمین.

قال السید جعفر مرتضی فی الصحیح من السیرة:3/230:

ویکفی أن نذکر نموذجاً من أشعاره التی عبر عنها ابن أبی الحدید المعتزلی بقوله: إن کل هذه الاشعار قد جاءت مجی التواتر من حیث مجموعها (شرح النهج:14/78 ) ونحن نذکر هنا اثنی عشر شاهداً من شعره ، علی عدد الأئمة المعصومین من ولده علیه وعلیهم السلام تبرکاً وتیمناً ، والشواهد هی:

1 - ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبیاً کموسی خط فی أول الکتب

2 - نبی أتاه الوحی من عند ربه

ومن قال لا ، یقرع بها سن نادم

3 - یا شاهد الوحی من عند ربه

إنی علی دین النبی أحمد

4 - أنت الرسول رسول الله نعلمه

علیک نزِّل من ذی العزة الکتب

5 - أنت النبی محمدُ

قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ

6 - أو تؤمنوا بکتاب منزل عجب

علی نبی کموسی أو کذی النون

7 - وظلم نبی جاء یدعو إلی الهدی

وأمر أتی من عند ذی العرش قیم

8 - لقد أکرم الله النبی محمداً

فأکرم خلق الله فی الناس أحمد

9 - وخیر بنی هاشم أحمدٌ

رسول الاله علی فترةِ

10 - والله لا أخذل النبی ولا

یخذله من بنیَّ ذو حسب

11 - وقال(رحمه الله)یخاطب ملک الحبشة ویدعوه إلی الإسلام:

أتعلم ملک الحسن أن محمداً

نبیاً کموسی والمسیح ابن مریم

أتی بالهدی مثل الذی أتیا به

فکلٌّ بأمر الله یهدی ویعصم

وإنکم تتلوته فی کتابکم

بصدقِ حدیث لا حدیث الترجم

ص: 425

فلا تجعلوا لله نداً فأسلموا

فإن طریق الحق لیس بمظلم

12 - وقال مخاطباً ولده حمزة (رحمه الله):

فصبراً أبا یعلی علی دین أحمد

وکن مظهر للدین وفقت صابرا

وحط من أتی بالحق من عند ربه

بصدق وعزم لاتکن حمز کافرا

فقد سرنی أن قلت إنک مؤمنٌ

فکن لرسول الله فی الله ناصرا

وباد قریشاً فی الذی قد أتیته

جهاراً وقل ما کان أحمد ساحرا

وأشعار أبی طالب الناطقة بإیمانه کثیرة ، وقد اقتصرنا منها علی هذا القدر لنفسخ المجال لذکر لمحة عن سائر ما قیل ویقال فی هذا الموضوع. انتهی .

ونضیف إلی ماذکره صاحب الصحیح ما قاله الطبرسی فی الاحتجاج: 1/345: وقد اشتهر عن عبدالله المأمون أنه کان یقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:

نصرت الرسول رسول الملیک

ببیض تلالا کلمع البروقِ

أذب وأحمی رسول الاله

حمایة حام علیه شفیق

وما إن أدبُّ لأع-دائه

دبیب البکار حذار الفنیق

ولکن أزیر لهم سامیاً

کما زار لیث بغیل مضیق

وما ذکره أبو الفداء فی تاریخه:1/170 قال: ومن شعر أبی طالب مما یدل علی أنه کان مصدقاً لرسول الله(ص)قوله:

ودعوتنی وعلمت أنک صادقٌ

ولقد صدقت وکنت ثم أمینا

الدلیل الثالث: تحلیل مقومات شخصیة أبی طالب (رض) وعلاقته بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )منذ أن أوصاه به أبوه عبد المطلب وکفله إیاه ، ونصرته له من أول

ص: 426

بعثته ، وفی أصعب مراحلها..إلی أن توفی فی السنة العاشرة من البعثة..فإن أی باحث ینظر فی ذلک یقتنع بأن نصرته وحمایته للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لایمکن أن تصدر إلا عن مؤمن قوی الإیمان .

بل لا یحتاج الأمر إلی دراسة مقومات شخصیته وکل حیاته ، فیکفی دراسة بعض مواقفه لإثبات ذلک .

منها: الموقف الذی رواه فی الغدیر:7/388: عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمیر المؤمنین علیاً(علیه السّلام)یقول: مرَّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنفر من قریش وقد نحروا جزوراً ، وکانوا یسمونها الفهیرة ویذبحونها علی النصب ، فلم یسلِّم علیهم . فلما انتهی إلی دار الندوة قالوا : یمر بنا یتیم أبی طالب فلا یسلم علینا ! فأیکم یأتیه فیفسد علیه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعری السهمی: أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهی به إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو ساجدٌ فملا به ثیابه ومظاهره ، فانصرف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أتی عمه أبا طالب فقال: یا عم من أنا ؟ فقال: ولم یا ابن أخی ؟! فقص علیه القصة فقال:

وأین ترکتهم ؟ فقال: بالابطح. فنادی فی قومه: یا آل عبد المطلب ! یا آل هاشم ! یا آل عبد مناف ! فأقبلوا إلیه من کل مکان ملبین ، فقال: کم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحکم ، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتی انتهی إلی أولئک النفر ، فلما رأوه أرادوا أن یتفرقوا ، فقال لهم: ورب هذه البنیة لا یقومن منکم أحد إلا جللته بالسیف ! ثم أتی إلی صفاة کانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتی قطعها ثلثة أفهار ، ثم قال: یا محمد سألتنی من أنت ؟ ثم أنشأ یقول ویومی بیده إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :

أنت النبیُّ محمَّدُ

قَرْمٌ أعَزُّ مُسَوَّدُ

ص: 427

ثم قال: یا محمد أیهم الفاعل بک ؟ فأشار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی عبد الله بن الزبعری السهمی الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتی أدماها ! ثم أمر بالفرث والدم فأمرَّ علی رؤس الملا کلهم ! ثم قال: یا ابن أخ أرضیت ؟

ثم قال: سألتنی من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلی آدم(علیه السّلام)ثم قال:

أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً !

یا معشر قریش من شاء منکم یتحرک فلیفعل أنا الذی تعرفونی !

رواه السید ابن معد فی الحجة/106 وذکر لِدَة هذه القضیة الصفوری فی نزهة المجالس 2: 122 وفی طبع/91 ، وابن حجة الحموی فی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف 2: 3 نقلاً عن کتاب الأعلام للقرطبی 13

ومنها: الموقف الذی رواه الطبرسی فی الإحتجاج:1/345 قال:

لما رأی المشرکون موقف أبی طالب من نصرة الرسول ، وسمعوا أقواله اجتمعوا بینهم ، وقالوا ننافی بنی هاشم ونکتب صحیفة ونودعها الکعبة ، أن لا نبایعهم ، ولا نشاریهم ، ولا نحدثهم ، ولا نجتمع معهم فی مجمع ، ولا نقضی لهم حاجة ، ولا نقتضیها منهم ، ولا نقتبس منهم ناراً ، حتی یسلِّموا الینا محمداً ، ویخلوا بیننا وبینه أو ینتهی عن تسفیه آبائنا ، وتضلیل آلهتنا. وأجمع کفار مکة علی ذلک .

فلما بلغ ذلک أبا طالب ، قال یخبرهم باستمراره علی مناصرة الرسول ومؤازرته له ، ویحذرهم الحرب ، وینهاهم عن متابعة السفهاء:

ألا أبلغا عنی علی ذاتِ بینِها

لؤیّاً وخصَّا من لؤیٍّ بنی کعبِ

ص: 428

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبیاً کموسی خُطَّ فی أول الکتْبِ

وأن علیه فی العباد محبةً

ولا حیفَ فیمن خصَّهُ الله بالحب

وأن الذی لفقتم فی کتابکم

یکون لکم یوماً کراغیة السقب

أفیقوا أفیقوا قبل أن تُحْفَر الزُّبَی

ویصبح من لم یجنِ ذنباً کذی الذنب

أفیقوا أفیقوا قبل أن تُحْفَر الزُّبَی

ویصبح من لم یجنِ ذنباً کذی الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربَّمَا

أمَرَّ علی من ذاقهُ حَلَبُ الحرب

فلسنا وبیتِ الله نسلم أحمداً

لعزَّاءَ من عضِّ الزمان ولا حرب

ولَمَّا تَبِنْ منا ومنکم سوالفٌ

وأید أبیدت بالمهندة الشهب

بمعترک ضَنْک تری کِسَرَ القنا

به نَواً لضباعِ العُرْجِ تعکف کالسرب

کأن مجال الخیل فی حجراته

وغمغمة الأبطال معرکة الحرب

ألیس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصی بنیه بالطعان وبالض-رب

ورواها فی البحار:35/160 وزاد فیها:

ولسنا نملُّ الحرب حتی تملَّنا

ولا نشتکی مما ینوب من النکب

ولکننا أهل الحفائظ والنهی

إذا طار أرواح الکماة من الرعب

ومنها: إیمانه بمعجزات النبی وکراماته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ونظمه إیاها شعراً .

قال الطبرسی فی الاحتجاج:1/343:

روی أن أبا جهل بن هشام جاء إلی رسول الله وهو ساجد وبیده حجر یرید أن یرمیه به ، فلما رفع یده لصق الحجر بکفه فلم یستطع ما أراد ، فقال أبو طالب:

ص: 429

أفیقوا بنی غالب وانتهوا

عن الغی من بعض ذا المنطق

وإلا فإنی إذن خائفٌ

بوائقَ فی دارکم تلتقی

تکون لغیرکمُ عبرةً

وربِّ المغارب والمشرق

کما نال من کان من قبلکم

ثمودٌ وعادٌ وماذا بقی

غداةَ أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذی العرش قد تستقی

فحلَّ علیهم بها سَخْطَةٌ

من الله فی ضربة الأزرق

غداة یعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونق

وأعجب من ذاک فی أمرکم

عجائب فی الحجر الملصق

بکف الذی قام من خبثه

إلی الصابر الصادق المتقی

فأثبته الله فی کفه

علی رغمةِ الجائر الأحمق

أحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواةِ ولم یَصْدُقِ

أحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواةِ ولم یَصْدُقِ

الدلیل الرابع: استدل به سبط ابن الجوزی علی إیمان أبی طالب ، ومفاده: أن خصوم علی(علیه السّلام)من الأمویین والزبیریین وغیرهم ، کانوا حریصین علی انتقاصه بأی عیب ممکن فی نفسه وأبیه وأمه وعشیرته ، وقد سجل التاریخ مراسلات علی(علیه السّلام)ومعاویة ومناظرات أنصارهم ، وقد تضمنت ماذمهم علی(علیه السّلام)به وإزراؤه عیهم بکفر آبائهم وأمهاتهم ، بل سجل التاریخ أن علیاً (علیه السّلام)فاخر معاویة بأبی طالب ، فکتب له فی رسالة ( لیس أمیة کهاشم ، ولا حرب کعبد المطلب ، ولا أبو سفیان کأبی طالب ، ولا المهاجر کالطلیق ، ولا الصریح کاللصیق ) ومع ذلک لم یتکلم معاویة ولا غیره من أعداء علی (علیه السّلام) بکلمة ذم فی أبی طالب !!

ص: 430

فلو أنه کان مشرکاً ومات علی الشرک کما یدعون ، لاغتنم أعداء علی هذه النقطة وعیروه بها وشنعوا علیه بها. ولو کان حدیث ضحضاح أبی طالب صادراً عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لسمعت أخباره شعراً ونثراً فی صفین وبعدها.. !

وهذا یدل علی أن أحادیث شرک أبی طالب وأنه فی النار والضحضاح ، قد وضعت فی عهد الأمویین بعد شهادة علی(علیه السّلام)!

الدلیل الخامس: ترحم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أبی طالب واستغفاره له ، وتسمیته عام وفاته ووفاة خدیجة رضوان الله علیهما ( عام الحزن ).

قال الأمینی فی الغدیر:7/372:

أخرج ابن سعد فی طبقاته 1: 105 عن عبید الله بن أبی رافع عن علی قال: أخبرت رسول الله(ص)بموت أبی طالب فبکی ثم قال: إذهب فاغسله وکفنه وواره ، غفر الله له ورحمه .

وفی لفظ الواقدی: فبکی بکاء شدیداً ثم قال: إذهب فاغسله.. الخ. وأخرجه ابن عساکر کما فی أسنی المطالب/21 والبیهقی فی دلائل النبوة. وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکره/6 وابن أبی الحدید فی شرحه 3-314 والحلبی فی السیرة 1-373 والسید زینی دحلان فی السیرة هامش الحلبیة 1-90 والبرزنجی فی نجاة أبی طالب وصححه کما فی أسنی المطالب/35 وقال: أخرجه أیضاً أبوداود وابن الجاوود وابن خزیمة وقال: إنما ترک النبی(ص)المشئ فی جنازته اتقاء من شر سفهاء قریش ، وعدم صلاته لعدم مشروعیة صلاة الجنازة یومئذ .

عن الأسلمی وغیره: توفی أبوطالب للنصف من شوال فی السنة العاشرة من

ص: 431

حین نبئ رسول الله(ص)، وتوفیت خدیجة بعده بشهر وخمسة أیام ، فاجتمعت علی رسول الله(ص)علیها وعلی عمه حزناً شدیداً ، حتی سمی ذلک العام عام الحزن. انتهی .

وقد روی الخطیب البغدادی فی تاریخه:13/196 عن ابن عباس ترحم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واستغفاره لابی طالب بعد موته ،وکذا الذهبی فی تاریخ الإسلام:1/235 ، وروت مصادرنا أحادیث کثیرة فی ذلک کما فی مناقب آل أبی طالب:1/150 عن آخرین وبحار الأنوار:19/15 وص 25 وج 22/530

هذا وقد ثبت أن أبا طالب کان علی دین عبد المطلب ، وسوف یتضح لک إیمان عبد المطلب ومقامه ، رضوان الله علیهما ، فی فصل شفاعة الأنبیاء (علیهم السّلام) .

ص: 432

الفصل العاشر :ولادة المذاهب المنحرفة من أفکار توسیع الشفاعة

اشارة

ص: 433

ص: 434

عمل الیهود علی إسقاط المحرمات من الأدیان

کان الیهود أسبق الأمم إلی تحریف قانون العقوبة الإلهی ، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخری ، وخففوا قانون العقوبة الإلهی وشوشوه بالنسبة إلی الجرائم الأخری التی یرتکبونها !

ومن الطبیعی أن یسری ذلک إلی عقیدتهم بالله تعالی ، فصوروه بأنه قاس عصبیُّ المزاج ، ولذا فإن عقوباته شدیدة وغیر منطقیة ! وذلک واضح لمن قرأ صفحات قلیلة من توراتهم .

وقد أخذ المسیحیون هذه الثقافة من الیهود ، وما زالوا.. وقد سمعت أن من المسائل الفکریة المطروحة أخیراً عند الکتاب الغربیین ، خاصةً فی فرنسا ، موضوع: هل یجب أن یکون فی الدین الإلهی محرمات ، أم لا. .

ذلک أن الیهود والکتاب المتأثرین بهم یریدون من الکنیسة المسیحیة أن تقدم دیناً بلا محرمات ، وتفتی بأن المهم هو الإیمان الذی هو أمرٌ فی القلب ، مهما کان عمل الناس !

وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذی زرعه الیهود فی عقائد المسلمین ، عن طریق بعض الصحابة !

أما زارعوه الجدد فلیسوا کعب الأحبار ولا وهب بن منبه ، بل هم ذراری

ص: 435

النصاری والیهود الصرحاء! والمزروع فیهم لیسوا صحابة ، بل هم ذراری المسلمین المتغربین!

إخبار النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بظهور المرجئة والقدریة وتحذیره منهم

روت مصادر السنة والشیعة تنبؤ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بظهور المرجئة والقدریة فی أمته وتحذیره من خطرهم ، وأنهم لا تنالهم شفاعته ، لأنهم یحرفون الإسلام ویشوشون أمر الأمة من بعده.

فقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/207:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): صنفان من أمتی لا یردا علیَّ الحوض ولا یدخلان الجنة ، القدریة والمرجئة. رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله رجال الصحیح غیر هارون بن موسی الفروی وهو ثقة. انتهی. وروی الترمذی شبیهاً به فی:3/308

ورواه فی کنز العمال:1/119 عن حلیة الأولیاء لأبی نعیم عن أنس ، وعن مسند الطیالسی ، عن واثلة عن جابر. وروی نحوه فی:1/362 عن السلفی فی انتخاب حدیث القراء عن علی. ورواه ابن حبان فی کتاب المجروحین:2/112 عن عکرمة .

وفی مجمع الزوائد:7/203:

عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلی علیه وسلم: ما بعث الله نبیاً قط إلا وفی أمته قدریة ومرجئة یشوشون علیه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدریة والمرجئة علی لسان سبعین نبیاً. رواه الطبرانی وفیه بقیة بن الولید وهو لین

ص: 436

ویزید بن حصین لم أعرفه. انتهی. ورواه ابن حبان عن أبی هریرة فی کتاب المجروحین:1/362 وفیه (أمته من بعده..سبعین نبیاً أنا آخرهم)

وفی کتاب الخصال للصدوق/72:

أخبرنی الخلیل بن أحمد قال: أخبرنا ابن منیع قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا علی بن ثابت عن إسماعیل بن أبی إسحاق ، عن ابن أبی لیلی ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: المرجئة والقدریة. انتهی.

ورواه فی ثواب الأعمال/212.وقال فی صحیفة الرضا/278: وبإسناده قال قال رسول الله 9: صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: المرجئة والقدریة. رواه فی ثواب الأعمال: 252 ح3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار: 5-118 ح 52. ورواه الشیخ حسن بن سلیمان فی المختصر: 135 بالاسناد رقم 57 والکراجکی فی کنزه: 51 بالإسناد رقم 14 عنه البحار: 5-7 ح 8. ورواه الصدوق فی الخصال: 1-72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر عن النبی 9 عنه البحار: 5-7 ح 7 .

وفی دعائم الإسلام:2/511:

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الاهواء علی المؤمنین، قال أبو جعفر (علیه السّلام): لا تجوز شهادة حروری ، ولا قدری ومرجئ ، ولا أموی ، ولاناصب، ولا فاسق ، یعنی من باین بذلک وظهرت عداوته ونصبه ، فأما من کتم ذلک وأسره فظهر منه الخیر وکان عدلاً فی مذهبه ، جازت شهادته وعلی هذا العمل .

ص: 437

تعریف المرجئة ومذهبهم

قال النووی فی شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضی عیاض: اختلف الناس فیمن عصی الله من أهل الشهادتین فقالت المرجئة: لا تضره المعصیة ، وقالت الخوارج: تضره ویکفر بها ، وقالت المعتزلة: یخلد فی النار ، وقالت الأشعریة: بل هو مؤمن .

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

فی أن الله تعالی یعفو عن الکبائر. الإجماع منعقد علی أنه تعالی عفوٌّ ، وأن عفوه لیس فی حق الکافر بل فی حق المؤمنین ، فقالت المعتزلة: هو عفوٌّ عن الصغائر قبل التوبة ، وعن الکبائر بعدها. وقالت المرجئة: عفو عن الصغائر والکبائر مطلقاً !!

تفسیر الرازی:16 جزء 31/203:

قوله تعالی ( لا یَصْلاهَا إِلا الأَشْقَی ) إن المرجئة یتمسکون بهذه الآیة فی أنه لا وعید إلا علی الکفار ! قال القاضی: ولا یمکن إجراء هذه الآیة علی ظاهرها ، ویدل علی ذلک ثلاثة أوجه: أحدها أنه یقتضی أن لا یدخل النار إلا الأشقی الذی کذب وتولی . . . وثانیهما أن هذا إغراء بالمعاصی . . . وثالثهما . . . معلوم من حال الفاسق أنه لیس بأتقی . . . الخ .

وقال فی هامش بحار الأنوار:8/364:

ص: 438

الوعیدیة: فرقة من الخوارج یکفِّرون أصحاب الکبائر ، والکبیرة عندهم کفرٌ یخرج به عن الملة ، ویقابلهم المرجئة وهم یقولون: إنه لا یضر مع الإیمان معصیة ، کما لا ینفع مع الکفر طاعة ، ولیس العمل علی مذهبهم ، وإن کان من الإیمان. فعلیه معنی الارجاء تأخیر العمل عن النیة والعقد .

وروی فی الکافی:1/403:

محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علی بن الحکم ، عن الحکم بن مسکین ، عن رجل من قریش من أهل مکة قال: قال سفیان الثوری: إذهب بنا إلی جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إلیه فوجدناه قد رکب دابته ، فقال له سفیان: یا أبا عبد الله حدثنا بحدیث خطبة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجد الخیف ، قال: دعنی حتی أذهب فی حاجتی فإنی قد رکبت فإذا جئت

حدثتک ، فقال: أسألک بقرابتک من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما حدثتنی ، قال: فنزل فقال له سفیان: مر لی بدواة وقرطاس حتی أثبته ، فدعا به ثم قال: أکتب: بسم الله الرحمن الرحیم. خطبة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجد الخیف: نضر الله عبداً سمع مقالتی فوعاها ، وبلغها من لم تبلغه .

یا أیها الناس لیبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه لیس بفقیه ، ورب حامل فقه إلی من هو أفقه منه ، ثلاث لا یغلُّ علیهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصیحة لأئمة المسلیمن ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محیطةٌ من ورائهم ، المؤمنون إخوة تتکافأ دماؤهم ، وهم ید علی من سواهم ، یسعی بذمتهم أدناهم .

فکتبه سفیان ثم عرضه علیه ، ورکب أبو عبد الله(علیه السّلام). وجئت أنا وسفیان ،

ص: 439

فلما کنا فی بعض الطریق قال لی: کما أنت حتی أنظر فی هذا الحدیث ، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتک شیئاً لا یذهب من رقبتک أبداً !

فقال: وأی شئ ذلک ؟

فقلت له: ثلاث لا یغل علیهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، قد عرفناه ، والنصیحة لأئمة المسلمین ، من هؤلاء الأئمة الذین یجب علینا نصیحتهم ؟ معاویة بن أبی سفیان ویزید بن معاویة ومروان بن الحکم ؟ وکل من لاتجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأی الجماعة؟ مرجئ یقول:

من لم یصل ولم یصم ولم یغتسل من جنابة وهدم الکعبة ونکح أمه فهو علی إیمان جبرئیل ومیکائیل؟! أو قدری یقول: لا یکون ما شاء الله عز وجل ویکون ما شاء إبلیس ؟! أو حروری یتبرأ من علی بن أبی طالب ویشهد علیه بالکفر ؟! أو جهمی یقول إنما هی معرفة الله وحده لیس الإیمان شئ غیرها ؟!

قال: ویحک وأی شئ یقولون ؟!

فقلت یقولون: إن علی بن أبی طالب والله الإمام الذی وجب علینا نصیحته ، ولزوم جماعتهم: أهل بیته. قال: فأخذ الکتاب فخرَّقه ، ثم قال. لا تخبر بها أحداً .

المرجئة ولدوا من عهد الخلیفة عمر

رأینا کیف وسعت دولة الخلافة القرشیة شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی شملت کل من یشهد بالتوحید فقط ولو لم یشهد بالنبوة . .

ثم وسعتها إلی جمیع الخلق ، کما تقدم من روایاتهم وکلام ابن تیمیة .

ثم استغنت عن شفاعة الأنبیاء جمیعاً ، وأوجبت الجنة بأعمال وکلمات

ص: 440

بسیطة .

ثم استغنت عن کل ذلک ، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلی الجنة !!

ولعل الخلیفة عمر وکعب الأحبار رائدی هذه الافکار ومن تابعهم علیها لم یلتفتوا إلی خطورتها الزائدة ، وأنها تمثل مشروعاً خطیراً لإسقاط کل المحرمات وتعویم الإیمان ، فی أمة نهضت بالإسلام والإیمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطوریة الفارسیة والرومانیة ، بلداً بعد آخر. . وهی بأمسِّ الحاجة إلی حفظ شخصیة جنودها وجدیتهم ، وعدم التساهل فی مفاهیم إیمانهم .

علی أی حال فالذی وقع فی حیاة الأمة ، أن هذه الأفکار بمساعدة فکرة الجبر وأن الله تعالی قد فرغ من الأمر وکتب کل شئ وانتهی الأمر ولا بداء . . سرعان ما أثمرت مذهبین عقائدیین موالیین للسلطة هما: المرجئة والقدریة ، وقد تبنتهما السلطة وأیدت علماءهما وهیأت لهم الظروف لنشر أفکارهم فی الأمة .

ویتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة (الإیمان لا تضر معه معصیة) فالإیمان عندهم مجرد القول بالشهادتین ، وبذلک یضمن الإنسان دخول الجنة مهما کان عمله !!

ویتلخص مذهب القدریة أو الجبریة: بأن مسؤولیة الإنسان عن أعماله وجرائمه محدودة أو منتفیة ، لأن الخیر والشر من الله تعالی ، وکل شئ مکتوب ومقدر منه تعالی !!

ومن الواضح أن هذین المذهبین هما نفس الأفکار والأحادیث التی رأیناها فی توسیع الشفاعة وتوسیع دخول الجنة ، لکن بصیغة ( ممذهبة ) .

ص: 441

کما أن أحدهما مکمل للآخر فی تخفیف مسؤولیة الإنسان ، لأن جوهرهما واحد وهو ( تعویم ) قانون العقوبة الإلهی ، بل تطمین الناس بأنه قد تم شطبه !!

وقد مر معنا فی بحث توسیعات الشفاعة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:2/116 عن البیهقی ، وادعاؤهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعمر: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ، ولکن تسأل عن الفطرة ! وهذا نفس ما یقوله المرجئة !

وفی سنن الترمذی:3/87:

أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سمع ذات یوم رجلاً یقول: الله أکبر الله أکبر ، فقال: علی الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال: خرجت من النار ! انتهی. ونحوه فی صحیح مسلم ج2/4 ومسند أحمد:3/241 وکنز العمال:8/366

بل وجدنا نفس تعبیر ( الإیمان لا تضر معه خطیئة ) فی عدة روایات فی مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص:2/170 قال: قال رسول الله (ص): من لقی الله لا یشرک به شیئاً لم تضره معه خطیئة ! انتهی .

وقال عنه فی مجمع الزوائد:1/19: رواه أحمد والطبرانی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح ماخلا التابعی فإنه لم یسم ، ورواه الطبرانی فجعله من روایة مسروق عن عبد الله بن عمرو. وقال فی کنز العمال:1/81 إنه صحح ! انتهی .

ومصدر ابن عمرو إما أن یکون الخلیفة عمر ، وإما أن یکون أخذه من أحادیث (العِدْلَیْن) أی الکیسین الکبیرین اللذین أخذهما بعد معرکة

ص: 442

الیرموک من الشام من رایات الیهود وکتبهم، وکان یحدث المسلمین منهما!

أول من تصدی لمذهب المرجئة علی (علیه السّلام)

روی الصدوق فی علل الشرائع:2/602:

حدثنا الحسین بن أحمد(رحمه الله)عن أبیه عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازی ، عن علی بن سلیمان بن راشد ، بإسناده رفعه إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال: یحشر المرجئة عمیاناً ، إمامهم أعمی ، فیقول بعض من یراهم من غیر أمتنا: ماتکون أمة محمد إلا عمیاناً ! فأقول لهم: لیسوا من أمة محمد ، لانهم بدَّلوا فبدل ما بهم ، وغیَّروا فغیر ما بهم .

وروی فی الخصال/611:

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنی محمد بن عیسی بن عبید الیقطینی ، عن القاسم بن یحیی ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: حدثنی أبی عن جدی عن آبائه (علیهم السّلام) أن أمیر المؤمنین (علیه السّلام) علم أصحابه فی مجلس واحد أربع مائة باب مما یصلح للمسلم فی دینه ودنیاه .

قال(علیه السّلام): إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل ، والطیب فی الشارب من أخلاق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکرامة الکاتبین، والسواک من مرضات الله عز وجل وسنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومطیبة للفم ، والدهن یلین البشرة ویزید فی الدماغ ویسهل مجاری الماء ویذهب بالقشف ویسفر اللون ، وغسل الرأس یذهب بالدرن وینفی القذاء، والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف ، والسعوط مصحة للرأس وتنقیة للبدن وسائر أوجاع الرأس ، والنورة نشرة وطهور

ص: 443

للجسد ، واستجادة الحذاء وقایة للبدن وعون علی الطهور والصلاة . وتقلیم الاظفار یمنع الداء الأعظم . . . الخ .

وهو حدیث طویل فیه تعلیمات هامة دینیة ودنیویة ، وقد جاء فیه عن المرجئة: علموا صبیانکم ما ینفعهم الله به ، لا تغلب علیهم المرجئة برأیها... انتهی .

وقال فی هامشه: قال العلامة المجلسی(رحمه الله): إعلم أن أصل هذا الخبر فی غایة الوثاقة والإعتبار علی طریقة القدماء ، وإن لم یکن صحیحاً بزعم المتأخرین ،

واعتمد علیه الکلینی(رحمه الله)وذکر أکثر أجزائه متفرقة فی أبواب الکافی ، وکذا غیره من أکابر المحدثین .

أقول: عدم صحة السند عند المتأخرین لمقام القاسم بن یحیی ، والظاهر أن أصل الروایة فی کتابه ، قال الشیخ فی الفهرست: القاسم بن یحیی الراشدی له کتاب فیه آداب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، والراشدی نسبة إلی جده الحسن بن راشد البغدادی مولی المنصور الدوانیقی الذی کان وزیراً للمهدی وموسی وهارون الرشید. قال ابن الغضائری: ضعیف. وقال البهبهانی فی التعلیقة: لا وثوق بتضعیف ابن الغضائری إیاه ، وروایة الاجلة سیما مثل أحمد بن محمد بن عیسی عنه تشیر إلی الاعتماد علیه ، بل

الوثاقة وکثرة روایاته والافتاء بمضمونها یؤیده. ویؤید فساد کلام ابن الغضائری فی المقام ، عدم تضعیف شیخ من المشایخ العظام الماهرین بأحوال الرجال إیاه ، وعدم طعن من أحد ممن ذکره فی ترجمته وترجمة جده وغیرها ، والعلامة(رحمه الله) تبع ابن الغضائری بناء علی جواز عثوره علی مالم یعثروا علیه ، وفیه ما فیه.

ص: 444

انتهی. ورواه ابن شعبة الحرانی مرسلاً فی تحف العقول/104

هذا وقد صرح القاضی النعمانی المغربی المتوفی سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما أطلق علی المتخلفین عن بیعة علی(علیه السّلام)ونصرته علی الفئة الباغیة ، وهو یدل علی أن بعض الصحابة تمسکوا بفکرة کعب وعمر التی تکتفی لدخول الجنة بالتوحید بدون عمل ، فیکون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقلیل وفی حیاة کعب الأحبار !

قال القاضی النعمانی فی شرح الأخبار:2/82:

فأما المتخلفون عن الجهاد مع علی صلوات الله علیه ، وقتال من نکث بیعته ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه فی ذلک من المعروفین من الصحابة: سعد بن أبی وقاص وکان أحد الستة الذین سماهم عمر للشوری ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، ومحمد بن سلمة ، واقتدی بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم یشهدوا شیئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم

اقتدوا، وذهب إلی ذلک من رأیهم جماعة من الناس وصوبوهم فیه وذهبوا إلی ما ذهبوا إلیه ، فقالوا فی الفریقین فی علی(علیه السّلام)ومن قاتل معه وفی الذین حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفریقین: إنهم یخافون علیهم العذاب ویرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم یقطعوا علیهم بغیر ذلک وتخلفوا عنهم. والإرجاء فی اللغة التأخیر فسموا مرجئة لتأخیرهم القول فیهم ، وتأخرهم عنهم ولم یقطعوا علیهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم کلهم موحدون ولا عذاب عندهم علی من قال: لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فکان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق

ص: 445

أهله فرقاً إلی الیوم یزیدون علی ذلک من القول وینقصون. انتهی .

وقال فی شرح الأخبار:1/365:

ثم هذه الفرق التی ذکرناها تتشعب ویحدث فی أهلها الإختلاف إلی الیوم وأصلها ست فرق: شیعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشویة .

فالشیعة: هم شیعة علی صلوات الله علیه القائلون بإمامته ، وهم أقدم الفرق وأصلها الذی تفرعت عنه ، ورسول الله صلوات الله علیه وآله سماها بهذا الاسم. وقال: شیعة علیٍّ هم الفائزون. وقال لعلی(علیه السّلام): أنت وشیعتک . . فی آثار کثیرة رویت عنه. وسنذکر فی هذا الکتاب ما یجری ذکره إن شاء الله تعالی. وغیر ذلک من الفرق محدثةٌ أحدثت بعد النبی صلوات الله علیه وآله. انتهی .

ویدل النصان التالیان علی وجود المرجئة علی شکل مذهب متکامل فی عصر الإمام الباقر(علیه السّلام)المتوفی سنة 94 هجریة ، أی فی الجیل الأول من التابعین بعد الصحابة مباشرة .

قال الصدوق فی ثواب الأعمال/213:

وحدثنی محمد بن موسی بن المتوکل قال: حدثنی محمد بن جعفر قال: حدثنی أحمد بن محمد العاصمی قال: حدثنی علی بن عاصم الهمدانی ، عن محمد بن عبد الرحمن المحرری ، عن یحیی بن سالم ، عن محمد بن سلمة ، عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: ما اللیل باللیل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة بالیهود ، ولا من القدریة بالنصرانیة .

وفی علل الشرائع:2/528:

ص: 446

وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد، عن ابن عیسی، عن عثمان بن سعید قال: حدثنا عبدالکریم الهمدانی، عن أبی ثمامة قال: دخلت علی أبی جعفر(علیه السّلام) وقلت له: جعلت فداک إنی رجل أرید أن ألازم مکة وعلیَّ دینٌ للمرجئة فما تقول ؟ قال: قال إرجع ( وأد ) دینک وانظر أن تلقی الله تعالی ولیس علیک دین ، فإن المؤمن لا یخون. انتهی .

أما فی عصر الإمام الصادق(علیه السّلام)وما بعده فقد کان للمرجئة وجودٌ واسع وصولةٌ ، وانتشر مذهبهم حتی شمل أکثر الرواة وعلماء الدولة..کما اتسع تصدی أهل البیت (علیهم السّلام) لأفکارهم ، ففی دعائم الإسلام للقاضی النعمان: 1/3 قال: روینا عن جعفر بن محمد أنه قال: الإیمان قول باللسان وتصدیق بالجنان وعمل بالأرکان، وهذا الذی لا یصح غیره، لا کما زعمت المرجئة أن الإیمان قولٌ بلا عمل ، ولا کالذی قالت الجماعة من العامة إن الإیمان قولٌ وعملٌ فقط ، وکیف یکون ما قالت المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون علی أن من ترک العمل بفریضة من فرائض الله عز وجل التی افترضها علی عباده منکراً لها أنه کافر حلال الدم ما کان مصراً علی ذلک ، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه ، إلا أنه یقول هذه الفریضة لیست مما جاء به ، وقد قال الله عز وجل: وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ أَلَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ بِالآخرة هُمْ کَافِرُونَ ، فأخرجهم من الإیمان بمنعهم الزکاة ، وبذلک استحل القوم أجمعون بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دماء بنی حنیفة وسبی ذراریهم ، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم الزکاة. انتهی .

قال الکلینی فی الکافی:2/40:

ص: 447

محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن الأشعث بن محمد ، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: وسأله رجل عن قول المرجئة فی الکفر والإیمان ، وقال إنهم یحتجون علینا ویقولون کما أن الکافر عندنا هو الکافر عند الله ، فکذلک نجد المؤمن إذا

أقر بإیمانه أنه عند الله مؤمن ! فقال: سبحان الله وکیف یستوی هذان ؟! والکفر إقرارٌ من العبد ، فلا یکلف بعد إقراره ببینة ، والإیمان دعوی لا یجوز إلا ببینة ، وبینته عمله ونیته ، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن. والکفر موجود بکل جهة من هذه الجهات الثلاث من نیة أو قول أو عمل ، والأحکام تجری علی القول والعمل، فما أکثر من یشهد له المؤمنون بالإیمان ویجری علیه أحکام المؤمنین وهو عند الله کافر ، وقد أصاب من أجری علیه أحکام المؤمنین بظاهر قوله وعمله .

وقال فی الایضاح/44:

ومنهم المرجئة الذین یروی عنهم أعلامهم مثل إبراهیم النخعی وإبراهیم بن یزید التیمی ، ومن دونهما مثل سفیان الثوری وابن المبارک ووکیع وهشام وعلی بن عاصم ، عن رجالهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: القدریة والمرجئة. فقیل له: ما المرجئة قالوا: الذین یقولون: الإیمان قول بلا عمل. وأصل ما هم علیه أنهم یدینون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زنی أو سرق أو قتل النفس التی حرم الله أو أحرق المصاحف أو هدم الکعبة أو نبش القبور أو أتی أی کبیرة نهی الله عنها . . أن ذلک لا یفسد علیه إیمانه ولا یخرجه

ص: 448

منه ، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتین أنه مستکمل الإیمان إیمانه کإیمان جبرئیل ومیکائیل صلی الله علیهما ، فعل ما فعل وارتکب ما ارتکب ما نهی الله عنه !

ویحتجون بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أمرنا أن نقاتل الناس حتی یقولوا: لا إله إلا الله. وهذا قبل أن یفرض سائر الفرائض وهو منسوخ. وقد روی محمد بن الفضل ، عن أبیه ، عن المغیرة بن سعید ، عن أبیه ، عن مقسم ، عن سعید بن جبیر قال: المرجئة یهود هذه الأمة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین قال: بنی الإسلام علی خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة ، وحج البیت ، وصوم شهر رمضان.

کان المرجئة خداماً لبنی أمیة ومبررین لجرائمهم

الکافی:2/409:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن مروک بن عبید ، عن رجل ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: لعن الله القدریة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتین !

قال: إن هؤلاء یقولون: إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثیابهم إلی یوم القیامة ، إن الله حکی عن قوم فی کتابه: لن نؤمن لرسول حتی یأتینابقربان تأکله النار ، قل قد جاءکم رسل من قبلی بالبینات وبالذی قلتم فلم قتلتموهم إن کنتم صادقین . . قال کان بین القاتلین والقائلین خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا. انتهی .

ص: 449

ومعنی کلام الإمام الصادق(علیه السّلام): أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسین (علیه السّلام)مؤمنون من أهل الجنة ولا یعاقبون علی جریمتهم ! وبذلک صار المرجئة شرکاءلبنی أمیة فی الجریمة ، لأن من رضی بعمل قوم فقد شرکهم فیه !

ویدل النص التالی علی أن المرجئة کانوا یجادلون المعارضین لبنی أمیة لیأخذوا علیهم مستمسکاً للخلیفة لکی یضطهدهم !

- وقال الکلینی فی الکافی:8/270:

عن عبد الحمید بن أبی العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأیت مولی لابی عبد الله(علیه السّلام)فملت إلیه لأسأله عن أبی عبدالله ، فإذا أنا بأبی عبد الله ساجداً فانتظرته طویلاً فطال سجوده علیَّ ، فقمت وصلیت رکعات وانصرفت وهو بعد ساجد ، فسألت مولاه متی سجد ؟ فقال: قبل أن تأتینا ، فلما سمع کلامی رفع رأسه ثم قال: أبا محمد أدن منی فدنوت منه فسلمت علیه ، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة ؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدریة والمعتزلة ، فقال: إن القوم یریدونی فقم بنا ، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم:

کفوا أنفسکم عنی ولا تؤذونی وتعرضونی للسلطان ، فإنی لست بمفت لکم ، ثم أخذ بیدی وترکهم ومضی ، فلما خرج من المسجد قال لی یا أبا محمد والله لو أن إبلیس سجد لله عز ذکره بعد المعصیة والتکبر عمر الدنیا ما نفعه ذلک ولا قبله الله عز ذکره ما لم یسجد لادم ، کما أمره الله عز وجل أن یسجد له .

وکذلک هذه الأمة العاصیة المفتونة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعد ترکهم الإمام الذی نصبه نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهم فلن یقبل الله تبارک وتعالی لهم عملاً ، ولن یرفع لهم

ص: 450

حسنة حتی یأتوا الله عز وجل من حیث أمرهم، ویتولوا الإمام الذی أمروا بولایته ویدخلوا من الباب الذی فتحه الله عز وجل ورسوله لهم .

یا أبا محمد إن الله افترض علی أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خمس فرائض: الصلاة والزکاة والصیام والحج وولایتنا، فرخص لهم فی أشیاء من الفرائض الأربعة ، ولم یرخص لاحد من المسلمین فی ترک ولایتنا ، لا والله مافیها رخصة .

تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة فی الإرجاء

للمرجئة فی المذاهب الأربعة وفی الصحاح الستة مکانةٌ محترمةٌ حتی أن بعض أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة..قال فی هامش کتاب المجروحین: 3/63: هناک تعلیقات کثیرة علی المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله علی أبی حنیفة ، ومما هوجم من أجله والد أبی حنیفه بأنه کان خبازاًواعتبر المعلق ذلک غیبة تخرج عن حد الرأی فی المحدث .

ونشیر هنا إلی أن جد أبی حنیفة کان أحد أمراء بلاد الافغان ( مرزبان ) واختلفت أقوال حفیده فی مسألة أسر جده ثم عتقه ، قال أحدهما: والله ما وقع لنا رقٌّ قط .

یراجع الإمام الاعظم: اتهام أبی حنیفة بالإرجاء وأنه داعیة إلی البدع ، غیر مقبول من ابن حبان ومن شارکه هذا القول علی إطلاقه ، ونلخص القول فی ذلک بما جاء فی کتاب اللکنوی ( الرفع والتکمیل 154 ):

جملة التفرقة بین اعتقاد أهل السنة وبین اعتقاد المرجئة: أن المرجئة یکتفون فی الإیمان بمعرفة الله ونحوه ویجعلون ما سوی الإیمان من الطاعات وما سوی الکفر من المعاصی غیر مضرة ولا نافعة ویتشبثون بظاهر حدیث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة .

ص: 451

وأهل السنة یقولون: لا تکفی فی الإیمان المعرفة ، بل لا بد من التصدیق الإختیاری مع الإقرار اللسانی ، وأن الطاعات مفیدة والمعاصی مضرة مع الإیمان توصل صاحبها إلی دار الخسران .

والذی یجب علمه علی العالم المشتغل بکتب التواریخ وأسماء الرجال أن (یعرف أن ) الإرجاء یطلق علی قسمین: أحدهما الارجاء الذی هو ضلال. وثانیهما الإرجاء الذی لیس بضلال ، ولا یکون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجاً .

ولهذا ذکروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة ، ومرجئة أهل السنة. وأبو حنیفة وتلامذته وشیوخه وغیره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة الضلالة .

ثم یقول أیضاً فی ختام مناقشته لهذا الموضوع 161: وخلاصة المرام فی هذا المقام أن الإرجاء: قد یطلق علی أهل السنة والجماعة من مخالفیهم المعتزلة الزاعمین بالخلود الناری لصاحب الکبیرة ، وقد یطلق علی الأئمة القائلین بأن الأعمال لیست بداخلة فی الإیمان وبعدم الزیادة فیه والنقصان - وهو مذهب أبی حنیفه وأتباعه - من جانب المحدثین القائلین بالزیادة والنقصان وبدخول الأعمال فی الإیمان . وهذا النزاع وإن کان لفظیاً کما حققه المحققون من الأولین والآخرین لکنه لما طال وآل الأمر إلی بسط کلام الفریقین من المتقدمین والمتأخرین، أدی ذلک إلی أن أطلقوا الإرجاء علی مخالفیهم وشنعوا بذلک علیهم ، وهو لیس بطعن فی الحقیقه ، علی ما لا یخفی علی مهرة الشریعة .

أقول: إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان فی إطلاقه الإرجاء علی أبی

ص: 452

حنیفة وأصحابه فیه اتهام غیر محدد وتعمیة تضلل الباحث ، وهو یقصد إلی ذلک قصداً ما کان یجدر به أن یقع فی مثل ذلک. انتهی .

ولا کلام لنا فی دفاعهم عن نسب أبی حنیفة وحسبه ، فقد کان علی أتباعه أن یجعلوه من ملوک الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأکاسرة ، حتی یواجهوا به مذهب أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونسبهم الشامخ من عَلْیَا قریش وذروة بنی هاشم. .

ولکنا نسأل: من أین جاؤوا بهذا التقسیم للمرجئة إلی مرجئة من أهل السنة ومرجئة ضلالة ، وحکموا بأن أبا حنیفة من النوع الجید لا الردئ .. ! فما هو الفرق العلمی والعقائدی بین هذین النوعین حتینقبل الجید ونترک الردئ؟!

وهل یکفی التخلص اللفظی من مذهب المرجئة بمثل قول اللکنوی المتقدم بأن مذهب أهل السنة (أن الطاعات مفیدة والمعاصی مضرة مع الإیمان توصل صاحبها إلی دار الخسران) مع أن الأحادیث التی تشبث بها المرجئة علی حد تعبیره ثابتة وصحیحة عندهم !

تورُّط أصحاب الصحاح الستة فی الارجاء

أما إذا نظرت إلی الصحاح فیأخذک العجب عندما تجد نسبةً کبیرةً من رواتها المحترمین مرجئة !! وهو موضوع یحتاج إلی دراسة مستقلة ولا یتسع المجال لأکثر من إشارة إلی بعضهم :

فمنهم: الفأفاء، وهو رأس فی المرجئة متعصب لبنی أمیة مبغض لعلی (علیه السّلام) بل مبغض للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وکان یقرأ لخلفاء بنی أمیة القصائد فی هجاء النبی ! وقد قتله العباسیون فی ثورتهم .. ومع ذلک فهو معتمدٌ عند ابن المدینی شیخ

ص: 453

البخاری ویقول عنه قتل مظلوماً ، ومعتمدٌ عند البخاری فقد روی عنه فی الأدب المفرد وکذلک عند مسلم والنسائی وابن ماجة والترمذی وأبی داود! قال فی تهذیب التهذیب:3/83: خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغیرة المخزومی أبو سلمة ، ویقال أبو المقسم المعروف بالفأفاء الکوفی ، أصله حجازی ، روی عن عبدالله البهی وعیسی وموسی ابنی طلحة بن عبید الله ، وسعید بن المسیب وأبی بردة بن أبی موسی والشعبی وغیرهم. وعنه أولاده عکرمة ومحمد وعبد الرحمن، والسفیانان ، وشعبة، ومسعر ، وزائدة، وزکریاء بن أبی زائدة وابنه یحیی بن زکریاء، وحماد بن زید، وغیرهم.. وحدث عنه عمرو بن دینار ، ویحیی بن سعید الأنصاری ، وهما أکبر منه .

قال البخاری عن ابن المدینی له نحو عشرة أحادیث .

وقال أحمد وابن معین وابن المدینی ثقة ، وکذا قال ابن عمار ویعقوب بن شیبة والنسائی .

وقال أبو حاتم شیخ یکتب حدیثه .

وقال ابن عدی: هو فی عداد من یجمع حدیثه ، ولا أری بروایته بأساً .

وذکره ابن حبان فی الثقات .

وقال ابن سعد: هرب من الکوفة إلی واسط لما ظهرت دعوة بنی العباس ، فقتل مع ابن هبیرة .

وقال محمد بن حمید عن جریر: کان الفأفأ رأساً فی المرجئة ، وکان یبغض علیاً .

وقال یعقوب بن شیبة: یقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله ، ذکره علی بنالمدینی یوماً فقال: قتل مظلوماً .

ص: 454

وقال أبو داود عن الحسن بن علی الخلال: سمعت یزید بن هارون یقول دخلت المسودة واسط سنة 132 فنادی منادیهم بواسط: الناس آمنون إلا ثلاثة: العوام بن حوشب ، وعمر بن ذر ، وخالد بن سلمة المخزومی. فأما خالد فقتل ، وأما العوام فهرب وکان یحرض علی قتالهم ، وکان عمر بن ذر یقص بهم ویحرض علی قتالهم عندنا بواسط. له عند مسلم حدیث واحد .

قلت: وقع فی صحیح البخاری ضمناً حیث قال فی الحیض وقالت عائشة کان رسول الله(ص)یذکر الله علی کل أحیانه ، فإن مسلماً أخرجه من طریق خالد بن سلمة .

هذا وذکر ابن المدینی فی العلل الکبری أن الفأفاء لم یسمع من عبد الله بن عمر ، وذکر ابن عائشة: أنه کان ینشد بنی مروان الأشعار التی هجی بها المصطفی (ص)!!. انتهی .

ومنهم: الحمانی ، الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والترمذی وابن ماجة . . قال فی تهذیب التهذیب:6/109: عبد الحمید بن عبد الرحمن الحمانی أبو یحیی الکوفی

ولقبه بشمین . أصله خوارزمی . روی عن یزید بن أبی بردة ، والأعمش ، والسفیانین ، وأبی حنیفة وجماعة . وعنه أبو بکر ومحمد بن خلف الحدادی ، والحسن بن علی الخلال ، وأحمد بن عمر الوکیعی ، وأبو کریب ، وموسی بن عبد الرحمن المسروقی ، وأبو بکر وعثمان ابنا أبی شیبة ، وسفیان بن وکیع ، والحسین بن یزید الکوفی ، ومحمد بن عبد بن ثعلبة، ویحیی بن موسی خت، وعمرو بن علی الفلاس ، وأبو سعید الأشج ، والحسن بن علی بن عفان العامری ، وغیرهم. قال ابن

ص: 455

معین: ثقة .

وقال أبو داود: کان داعیة فی الإرجاء !!

وقال النسائی: لیس بقوی ، وقال فی موضع آخر: ثقة ، وذکره ابن حبان فی الثقات. وقال ابن عدی: هو وابنه ممن یکتب حدیثه. قال هارون الحمال مات سنة اثنتین ومائتین. قلت: وفیها أرخه ابن قانع وزاد فی جمادی الأولی وهو ثقة .

وقال ابن سعد وأحمد: کان ضعیفاً. وقال العجلی: کوفی ضعیف الحدیث مرجئ. وقال البرقی: قال ابن معین: کان ثقة ، ولکنه ضعیف العقل !.انتهی .

ومنهم: شعیب بن اسحاق مولی بنی أمیة الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والنسائی وابن ماجة . . قال فی تهذیب التهذیب:4/304: شعیب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقی الأموی ، مولی رملة بنت عثمان ، أصله من البصرة. روی عن أبیه وأبی حنیفة وتمذهب له ، وابن جریج والأوزاعی ، وسعید بن أبی عروبة ، وعبید الله بن عمرو ، وهشام بن عروة ، والثوری وغیرهم. وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعیب ، وداود بن رشید ، والحکم بن موسی ، وأبو النضر الفرادیسی ، وعمرو بن عون ، وإبراهیم بن موسی الرازی ، وإسحاق بن راهویه ، وسوید بن سعید ، وأبو کریب محمد بن العلاء ، وهشام بن عمار ، وغیرهم.

وحدث عنه اللیث بن سعد ، وهو فی عداد شیوخه .

قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حدیثه وأوثقه.

وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ ، سمعت أحمد یقول: سمع من سعید بن

ص: 456

أبیعروبة بآخر رمق .

وقال هشام بن عمار عن شعیب: سمعت من سعید سنة 144 وقال ابن معین ودحیم والنسائی: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال الولید بن مسلم: رأیت الأوزاعی یقربه ویدنیه .

قال دحیم: ولد سنة 18 ومات سنة 189 وکذا أرخه ابن مصفی وزاد فی رجبوفیها أرخه غیر واحد . ووقع فی الکمال سنة 98 وهو وهم .

قلت: وفی سنة 89 أرخه ابن حبان فی الثقات ، ونقل أبو الولید الباجی عن أبی حاتم قال: شعیب ابن اسحاق ثقة مأمون. انتهی .

ومنهم: الغنوی الذی روی عنه مسلم والأربعة..قال فی تهذیب التهذیب: 1/411: بشیر بن المهاجر الغنوی الکوفی ، رأی أنس بن مالک ، وروی عن عبد الله بن بریدة والحسن البصری وعکرمة وغیرهم. وعنه ابن المبارک ، ووکیع ، وابن نمیر ، والثوری ، وجعفر بن عون ، وأبو نعیم ، وخلاد بن یحیی ، وغیرهم... وقال العجلی: کوفی ثقة ، وقال العقیلی: مرجئ متهم متکلم فیه. وقال الساجی: منکر الحدیث عنده. انتهی .

وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض علی أصحاب الصحاح فقال فی الإیضاح /502: ومن جهة أخری تروون عن المرجئة ویروون عنکم وتروون عن القدریة ویروون عنکم وتروون عن الجهمیة ویروون عنکم فتقبلون منهم بعض أقاویلهم وتردون علیهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه علی ثقة ، ولا الباطل أنتم منه علی یقین وأنتم عند أنفسکم أهل السنة والجماعة

ص: 457

حب المستشرقین للمرجئة وحزنهم علیهم

قال الدکتور حسن إبراهیم فی کتابه تاریخ الإسلام:1/416 عن المرجئة:

وهی طائفة المرجئة التی ظهرت فی دمشق حاضرة الأمویین بتأثیر بعض العوامل المسیحیة خلال النصف الثانی من القرن الأول الهجری .

وقد سمیت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخیر ، لأنهم یرجئون الحکم علی العصاة من المسلمین إلی یوم البعث. کما یتحرجون عن إدانة أی مسلم مهما کانت الذنوب التی اقترفها... .

وهؤلاء هم فی الحقیقة کتلة المسلمین التی رضیت حکم بنی أمیة ، مخالفین فی ذلک الشیعة والخوراج. ومع هذا فإنهم یتفقون فی العقیدة إلی حد ما مع طائفة المحافظین وهی أهل السنة ، وإن کانوا - کما یری فون کریمر - قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنیین باعتقادهم ( أنه لا یخلد مسلم مؤمن فی النار ) وعلی العموم فهم یضعون العقیدة فوق العمل .

وکانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموی ومن یلوذ به ، بحیث لا یستطیع أحد من الشیعیین أو الخوارج أن یعیش بینهم ، فی الوقت الذی تمکن فیه المسیحیون وغیرهم من المسلمین أن ینالوا الحظوة لدیهم ، أو یشغلوا المناصب العالیة !. انتهی .

ویمکنک ملاحظة التناقض بین ما ذکره الدکتور والمستشرقون عن تقوی المرجئة وتحرجهم عن إدانة أی مسلم مهما کانت الذنوب التی اقترفها وحکمهم علیه بأنه من أهل الجنة بحکم عقیدتهم ،وبین تقواهم فی أنهم

ص: 458

کانوا یتعایشون مع الحکام الأمویین والنصاری والیهود ولا یتعایشون مع من خالفهم من المسلمین .

ولعل السبب فی ذلک أن الحکام الأمویون أساتذتهم فی عملیة إسقاط المحرمات، بینما الیهود والنصاری أساتذتهم فی نظریة إسقاط المحرمات !!

ثم قال الدکتور حسن إبراهیم:

وبزوال الدولة الأمویة أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزباً مستقلاً ، ومع ذلک فقد ظهر من بینهم أبو حنیفة صاحب المذهب المشهور. انتهی .

ولکن حکمه بزوال المرجئة مع أسیادهم الأمویین غیر دقیق ، لانهم سقطوا سیاسیاً لا ثقافیاً ، فقد بقیت أفکارهم وروایاتهم وعقائدهم فی مصادر المسلمین..ویکفی دلیلاً علی ذلک اتهام أبی حنیفة وغیره بأنهم منهم..فإن خط المرجئة عاد إلی النفوذ والحکم بقرار من الدولة العباسیة لکی تواجه به أهل البیت (علیهم السّلام)

غایة الأمر أن اسمهم صار الأشعریة والحنابلة وأهل الحدیث وأهل السنة ، فإن أکثریة هؤلاء من المرجئة !

ویکفی دلیلاً علی ذلک أن کبار علمائهم لا یستطیعون التفریق بین رأیهم فی الشفاعة وبین رأی المرجئة ، وأن إطاعتهم للعباسیین کإطاعة المرجئة للأمویین !

بل یمکن القول إنه بعد زوال العباسیین وکثیر من الفرق لم ینته المرجئة ، لأن أساس مذهبهم ومنبع أفکارهم الأحادیث التی دخلت الصحاح کما رأیت ، ومن أراد أن یأخذ بها ویلتزم بلوازمها فلا بد له أن یکون مرجئاً ویقول بسقوط المحرمات عملیاً ، ویکتفی بالشهادتین کما مر فی توسیع

ص: 459

الشفاعة !!

وأخیراً فقد نقل الدکتور المذکور تأسف المستشرق فون کریمر علی ضیاع تاریخ المرجئة بعد زوالهم قال فی:1/418:

ویقول فون کریمر: ومما یؤسف له کثیراً أنه لیس لدینا غیر القیل من الأخبار الصحیحة عن هذه الطائفة ، فقد استمروا طوال ذلک العصر وذاقوا حلوه ومره ، وقد ضاعت جمیع المصادر التاریخیة العربیة عن الأمویین ، حتی أن أقدم المصادر التاریخیة التی وصلت إلینا إنما ترجع إلی عهد العباسیین ، ومن ثَمَّ کان لزوماً علینا أن نستقی معلوماتنا عن المرجئة من تلک الشذرات المبعثرة فی مؤلفات کتاب العرب فی ذلک العصر الثانی. انتهی .

وهو تأسف ظاهره علمی وواقعه البکاء علی المرجئة لما اشتهر عنهم وعن الأمویین من تفضیلهم التعایش مع المسیحیین والیهود علی التعایش مع من خالفهم من المسلمین..وهو تأسف یجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)عن المرجئة بأنهم أشبه بالیهود من اللیل باللیل ، وذلک لجرأتهم علی إسقاط قانون العقوبة الالهی ، وقولهم إن المسلم مهما ارتکب من جرائم فلن تمسه النار حتی أیاماً معدودة ، فلیس غریباً أن یحبهم ویتأسف علیهم المستشرقون من الیهود والنصاری !

ص: 460

المرجئة والجبریة شقیقان لاب وأم

مع أن مذهب المرجئة مذهبٌ فی الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر والجبر والتفویض..ومع أن النسبة بین المرجئة وبین القدریة والمفوضة عمومٌ من وجه ، لأن المرجئ فی الأعمال قد یکون مفوضاً أو قدریاً ، کما أن القدری والمفوض قد یکون مرجئاً أو غیر مرجئ. .

ولکن ذلک کله فی مقام الإثبات والنظریة ، أما فی مقام الثبوت والتطبیق فالأعم الأغلب فی المرجئة أنهم قدریة جبریة ، والسبب فی ذلک أن الأحادیث التی استندوا إلیها فی القول بالإرجاء أو ( تشبثوا ) بها علی حد تعبیر اللکنوی رافقتها أحادیث الجبر التی تنسب أفعال الإنسان إلی الله تعالی وتحمله مسؤولیتها ، لکی ترفعها عن الإنسان ، کما رأیت فی أحادیث توسیع الشفاعة وفناء النار !

وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة ، لذا نکتفی هنا بإعطاء تصور کلی عنها لیتضح ارتباطها بموضوع الشفاعة والإرجاء فنقول:

ورد تعریف القدر الإلهی فی نص بدیع عن الإمام الرضا(علیه السّلام)بأنه ( الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ) کما سیأتی. وقد وقع الخلاف بین المسلمین فی مسائله العدیدة ، وتکونت علی أساس آرائهم مذاهبهم العقائدیة .

قال السید الطباطبائی فی هامش الکافی:1/157:

واعلم أن البحث عن القضاء والقدر کان فی أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول ثلاث مسائل أصلیة الأولی: مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهیة

ص: 461

الحتمیة بکل شئ والأخبار تقضی فیها بالإثبات ...

الثانیة: مسألة القدر وهو ثبوت تأثیر ماله تعالی فی الأفعال والأخبار تدل فیها أیضاً علی الإثبات .

الثالثة: مسألة الجبر والتفویض والأخبار تشیر فیها إلی نفی کلا القولین وتثبت قولاً ثالثاً وهو الأمر بین الأمرین لا ملکاً لله فقط من غیر ملک للإنسان ولا بالعکس بل ملکاً فی طول ملک وسلطنة فی ظرف سلطنة .

واعلم أیضاً أن تسمیة هؤلاء بالقدریة مأخوذة مما صح عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( إن القدریة مجوس هذه الأمة الحدیث ) فأخذت المجبرة تسمی المفوضة بالقدریة لأنهم ینکرون القدر ویتکلمون علیه والمفوضة

تسمی المجبرة بالقدریة لأنهم یثبتون القدر. والذی یتحصل من أخبار أئمة أهل البیت (علیهم السّلام) أنهم یسمون کلتا الفرقتین بالقدریة ویطلقون الحدیث النبوی علیهما .

أما المجبرة فلانهم ینسبون الخیر والشر والطاعة والمعصیة جمیعاً إلی غیر الإنسان کما أن المجوس قائلون بکون فاعل الخیر والشر جمیعاً غیر الإنسان وقوله(علیه السّلام)فی هذا الخبر مبنی علی هذا النظر .

وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقین فی العالم هما الإنسان بالنسبة إلی أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلی غیرها کما أن المجوس قائلون بإله الخیر وإله الشر وقوله(علیه السّلام)فی الروایات التالیة ( لا جبر ولا قدر ) ناظر إلی هذا الإعتبار. انتهی .

ونضیف إلی ما ذکره السید الطباطبائی(رحمه الله): مسألة البداء ، وهی هل أن تقدیر الله تعالی فی کل الأمور حتمی علیه ، فلا یمکنه تغییر شئ منه ، لأنه

ص: 462

فرغ من الأمر علی حد تعبیر بعض المسلمین ، أو لأن یده مغلولة علی حد تعبیر الیهود..أم أن القدر مفتوح له تعالی ، وله الحق والقدرة علی البداء والتغییر کما یشاء ، لأنه فرغ من الأمر ولم یفرغ منه علی حد تعبیر أهل البیت (علیهم السّلام) .

القدریة المفوضة ( الذین ینفون القدر)

محور الخلاف فی مسألة القدر هو: سلطة الله تعالی علی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة والکون ، وفعله فیها .

فالذین ینفون هذه السلطة یسمون ( المفوضة ) لانهم یزعمون أن الإنسان مفوضٌ فی أعماله ، ولا دخل لله تعالی ولا لسلطته فیها .

وقد یکون المفوضة مؤمنین بوجود الله تعالی ، ولکنهم یقولون إنه فوض ذلک إلی الإنسان وقوانین الطبیعة. .

وقد یکونون ملحدین دهریین أو مشککین ، ویعبر عنهم بالمفوضة أیضاً ، لانهم ینفون سلطة الله تعالی وفاعلیته فی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة .

وهم فی عصرنا فئات المادیین من الملحدین والطبیعیین وأکثر العلمانیین ، وبعض المتأثرین بالثقافة الغربیة من المسلمین .

والتفویض فی القدر مرفوض کلیاً عند أهل البیت (علیهم السلام) ومنه التفویض الذی یذهب إلیه أکثر المعتزلة أیضاً. قال فی شرح المواقف: 8/146: وقالت المعتزلة أی أکثرهم: هی ( الأفعال الإختیاریة ) واقعة بقدرة العبد وحدها علی سبیل الإستقلال بلا إیجاب بل باختیار .

وقال الکلینی فی الکافی:1/157:

ص: 463

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن إسماعیل بن مرار ، عن یونس بن عبد الرحمن قال: قال لی أبو الحسن الرضا(علیه السّلام):

یا یونس ، لا تقل بقول القدریة فإن القدریة لم یقولوا بقول أهل الجنة ، ولا بقول أهل النار ، ولا بقول إبلیس !

فإن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنا لنهتدی لولا أن هدانا الله .

وقال أهل النار: ربنا غلبت علینا شقوتنا وکنا قوماً ضالین .

وقال إبلیس: رب بما أغویتنی .

فقلت: والله ما أقول بقولهم ولکنی أقول: لا یکون إلا بما شاء الله وأراد وقدروقضی .

فقال: یا یونس لیس هکذا ، لا یکون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضی .

یایونس تعلم ما المشیئة ؟

قلت: لا .

قال: هی الذکر الأول .

فتعلم ما الإرادة ؟

قلت: لا .

قال: هی العزیمة علی ما یشاء .

فتعلم ما القدر ؟

قلت: لا .

قال: هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء .

قال ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العین .

ص: 464

قال: فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت: فتحت لی شیئاً کنت عنه فی غفلة. انتهی .

وفی مجمع الزوائد:7/205:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): القدریة مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه زکریا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغیره وضعفه جماعة. انتهی. ورواه البیهقی فی سننه:10/202 وقال: أخرجه أبو داود فی کتاب السنن هکذا. انتهی .

فهذان النصان یردَّان علی القدریة المفوضة .

وینبغی الالتفات إلی أن اسم المرجئة لا یستعمل فی الأحادیث فی ضد معناه ، بینما یستعمل اسم القدریة للمؤمن بالقدر ولمنکر القدر.. ویعرف ذلک من سیاق الکلام .

القدریة الجبریة ( الذین یثبتون القدر )

أما الذین یثبتون فعل الله تعالی فی حرکة الکون وأفعال الإنسان فیسمون (القدریة ) لانهم یؤمنون بوجود سلطة لله تعالی علی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة بشکل من الإشکال ، وهؤلاء منهم من یفرط فی إثبات الفعل الإلهی فی أفعال الإنسان فینسبون أفعال الإنسان إلی الله تعالی نسبةً کاملة فیسمون ( الجبریة ) وهم أکثر المرجئة ، ولعلهم أکثر إخواننا السنة ، وإن لم یصرحوا بذلک . . والسبب فی ذلک وجود أحادیث ثبتت عندهم عن الخلیفة عمر

ص: 465

ومن تبعه من الصحابة توجب القول بذلک ، وهی نقطة التقاء شدیدة بینهم وبین المرجئة وقد أشرنا إلی أن السبب فی جبریة المرجئة أن أحادیث الارجاء التی صحت عندهم رافقتها أحادیث الجبر مرافقة الأخت لأختها ، بل کانت نفسها فی بعض الأحیان..ومن هنا قلنا إن الارجاء والجبر أخوان شقیقان لأب وأم .

قال فی شرح المواقف:8/146:

المقصد الأول فی أن أفعال العباد الإختیاریة واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالی وحدها ، ولیس لقدرتهم تأثیر فیها بل الله سبحانه أجری عادته بأن یوجد فی العبد قدرةً واختیاراً ، فإذا لم یکن هناک مانعٌ أوجد فیه فعله المقدور مقارناً لهما ، فیکون فعل العبد مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً ، ومکسوباً للعبد ، والمراد بکسبه إیاه مقارنته لقدرته وإرادته من غیر أن یکون هناک منه تأثیر أو مدخل فی وجوده سوی کونه محلاً له ! وهذا مذهب الشیخ أبی الحسن الأشعری .انتهی .

وأقدم الأحادیث فی الجبر مرویة عن الخلیفة عمر وکعب الأحبار ، وقد تقدم عدد منها فی توسیع الشفاعة وفناء النار ، ونذکر فیما یلی بعضها:

روی أحمد فی مسنده:1/29:

عن ابن عمر عن عمر رضی الله عنهما أنه قال للنبی (ص): أرأیت ما نعمل فیه أقد فرغ منه أو فی شئ مبتدأ أو أمر مبتدع ؟ قال: فیما قد فرغ منه. فقال عمر ألا نتکل ؟ فقال: إعمل یا ابن الخطاب فکل میسر ، أما من کان من أهل السعادة فیعمل للسعادة ، وأما أهل الشقاء فیعمل للشقاء !

ورواه فی:2/77 ، ونحوه فی الترمذی:4/352 ونحوه الحاکم:2/462

ص: 466

وقال: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.

ورواه فی مجمع الزوائد:7/194 عن أبی بکر وعن عمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحیح. ورواه فی کنز العمال بعدة روایات فی:1/128 وص 339

ورواه البخاری بصیغة أخری تذکر أن الله تعالی یتحمل مسؤولیة خطیئة آدم(علیه السّلام)، عیناً کما فی التوراة !..قال فی صحیحه:4/131

عن أبی هریرة: قال قال رسول الله (ص): احتج آدم وموسی فقال له موسی: أنت آدم الذی أخرجتک خطیئتک من الجنة ؟ فقال له آدم: أنت موسی الذی اصطفاک الله برسالاته وبکلامه ثم تلومنی علی أمر قدر علی قبل أن أخلق ؟ فقال رسول الله (ص): فحج آدم موسی مرتین ! انتهی .

ورواه بصیغة أخری أیضاً فیها تعنیفٌ لادم قال فی:7/214 فیها (فقال له موسی یا آدم أنت أبونا خیبتنا وأخرجتنا من الجنة ) ، وروی نحوه أیضاً فی:8/203

فهذه النصوص الصحیحة عندهم تقول بالجبر فی أفعال الإنسان ، وفی تکوین الکون معاً .

القدر عند أهل البیت (علیهم السّلام) : لا جبر ولا تفویض

أما مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) فهو یثبت القدر ویؤمن بسلطة الله تعالی علی أفعال الإنسان وفعله فیها ، ولکنه یقول لا تصح نسبة المعصیة إلیه تعالی وإن کان الأقدار علیها منه تعالی ، أما نسبتها التی تستلزم تحمل مسؤولیتها فهی

ص: 467

لفاعلها الذی هو الإنسان. .

فالإنسان فی هذا المذهب لیس مجبوراً فی أفعاله الاختیاریة ولا مفوضاً إلیه ، ولا مجرد مجری لأفعاله کمجری النهار ، بل حاله من نوع آخر یوجد فیه القدر الالهی بشکل کامل لصغیر الأمور وکبیرها ویوجد فیه حریة الإنسان ومسؤولیته . وهذا معنی ( لا جبر ولا تفویض ولکن أمر بین أمرین ) .

وقد أکد أهل البیت (علیهم السّلام) علی هذا النوع من القدر ، وقاوموا المفوضة لإنکارهم سلطان الله تعالی علی صغیر الأمور وکبیرها. کما قاوموا القائلین بالجبر فی أفعال الإنسان لانهم ینسبون المعاصی إلی الله تعالی ، وینسبون إلیه الظلم بمجازاة الإنسان علیها ! وکذلک القائلین بالجبر فی الخلق والتکوین والتخطیط ، لأنهم یریدون تصویر الکون بأنه آلة وضع الله مخططها وأطلقها ولا یمکنه البداء والتغییر والتبدیل فیها وهم الیهود الذین قالوا ( یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ

) والمسلمون الذین قلدوهم فقالوا ( فرغ من الأمر ) .

روی الصدوق فی معانی الأخبار/18:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال فی قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ، لم یعنوا أنه هکذا ولکنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا یزید ولا ینقص ، فقال الله جل جلاله تکذیباً لقولهم: غُلَّتْ أیدیهم ولُعِنُوا بما قالو بل یداه مبسوطتان ینفق کیف یشاء. ألم تسمع الله عز وجل یقول: یَمْحُواْ اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ .

وقال الحویزی فی تفسیر نور الثقلین:2/514:

ص: 468

فی عیون الأخبار فی باب مجلس الرضا(علیه السّلام)مع سلیمان المروزی قال الرضا (علیه السّلام)بعد کلام طویل لسلیمان: ومن أین قلت ذلک وما الدلیل علی أن إرادته علمه ؟ وقد یعلم ما لا یریده أبداً وذلک قوله تعالی: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ فهو یعلم کیف یذهب به ولا یذهب به أبداً ؟

قال سلیمان: لأنه قد فرغ من الأمر فلیس یزید فیه شیئاً .

قال الرضا(علیه السّلام): هذا قول الیهود ، فکیف قال: أدعونی أستجب لکم ؟

قال سلیمان: إنما عنی بذلک أنه قادر علیه !

قال: أفیعد بما لا یفی به ؟! فکیف قال: یزید فی الخلق ما یشاء ؟ وقال عز وجل: یَمْحُواْ اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ ، وقد فرغ من الأمر ؟!

فلم یَحِرْ جواباً .

وفی هذا المجلس أیضاً قال الرضا(علیه السّلام):

یا سلیمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله تعالی ، یقدم منها ما یشاء ویؤخر ما یشاء .

یا سلیمان إن علیاً(علیه السّلام)کان یقول: العلم علمان ، فعلم علمه الله ملائکته ورسلهفإنه یکون ولا یکذب نفسه ولا ملائکته ورسله .

وعلم عنده مخزونٌ لم یطلع علیه أحداً من خلقه ، یقدم منه ما یشاء ویؤخر مایشاء ، ویمحو ما یشاء ویثبت ما یشاء. انتهی .

وبذلک یتضح أن البداء الذی یؤکد أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنه جزءٌ من الإسلام ، وأنه ما عبد الله بشئ کما عبد به ، إنما هو نفی الجبریة علی الله تعالی ، ونفی زعم الیهود أن یده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر !

ویتضح منه أن الذین یشنعون علی الشیعة بعقیدة البداء..لم یفهموها !

ص: 469

ردة فعل الخوارج علی توسیع الدولة للشفاعة

من الواضح للباحث أن بذور تفکیر الخوارج ولدت فی عهد الخلیفة عمر ، وکانت تأخذ شکل اعتراضات علی عدم تطبیق الخلیفة للقرآن ، کما نلاحظ فی أسئلة الوفد المصری ( الدر المنثور:2/145 )

ثم نمت فی عهد الخلیفة عثمان. .

ثم أخذت شکل اتجاه فکری فی فهم الدین ، وشکل حزب سیاسی معارض فی عهد الإمام علی(علیه السّلام)ثم استمرت مذهباً وحزباً مسلحاً فی معارضة الأمویین والعباسیین وتکفیرهم وقتالهم. .

ومن أبرز صفات الخوارج الفکریة: جمودهم فی فهم الدین ، ومیلهم إلی إصدار الأحکام الکلیة بدون شروط ولا تفاصیل ولا استثناءات ، وتکفیرهم من خالفهم من فرق المسلمین ، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم .

وهذا المنحی الذهنی یقع فی الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذی تتبناه السلطة ، المنحی المتساهل فی أداء الواجبات وترک المحرمات ، المفرط فی تأمیل الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا.. ماعدا المعارضین للدولة طبعاً .

لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها فی تخفیف المسؤولیة المشددة فی القرآن و السنة علی الحکام ، ولکنه سبب ردات فعل فی الأمة فظهرت فئات تنکر أصل الشفاعة التی تتذرع بها الدولة ، وتکذب کل أحادیثها وتؤول کل آیاتها..ولم یکن ذلک منحصراً بالخوارج ، وإن اشتهروا به .

بل تدل روایات السنیین علی أن ردود الفعل علی توسیع الشفاعة بدأت من زمن الخلیفة عمر ، ولکنه لم یستطع أن یؤدب أصحابها بالسوط ، إما لأنه لم

ص: 470

یعرفهم بالضبط ، أو لسبب آخر ، فخطب محذراً منهم بشدة !

قال فی مجمع الزوائد:7/207:

عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنی علیه فقال: ألا إنه سیکون من بعدکم قوم یکذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة !

وروی نحوه فی مسند أحمد:1/23 وفی الدر المنثور:3/60: عن سعید بن منصور والبیهقی عن ابن عباس وفی کنز العمال:1/387 وج 5/429 وص 431 وفیه ( قال أمر عمر بن الخطاب منادیاً فنادی أن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال... ) .

ویظهر من النص التالی أن بنی أمیة أفرطوا فی التأکید علی الشفاعة أیضاً ، ففی فردوس الأخبار للدیلمی:1/116 ح 254: عن معاویة: إشفعوا إلی تؤجروا ، فإن الرجل لیسألنی الحاجة فأرده کی تشفعوا له فتؤجروا ! انتهی .

أما الخوارج فقد ثبت أنهم کانوا یقولون: إن مرتکب المعصیة الکبیرة أو الصغیرة کافر ، وإذا مات ولم یتب فهو مخلد فی النار ، وأنه لا شفاعة لاحد أبداً ولا خروج من النار !

وأول من تصدی لرد مقولتهم الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) ثم تبعهم غیرهم .

قال البرقی فی المحاسن:1/184:

عن علی بن أبی حمزة قال: قال رجل لابی عبد الله(علیه السّلام): إن لنا جاراً من الخوارج یقول: إن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة همه نفسه فکیف یشفع ؟! فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): ما أحدٌ من الأولین والآخرین إلا وهو یحتاج إلی شفاعة

ص: 471

محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة .

وقال العیاشی فی تفسیره:2/314:

عن عبید بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(علیه السّلام)عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم ، فقال له رجل من القوم: هل یحتاج المؤمن إلی شفاعة محمد یومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنین خطایاً وذنوباً ، وما من أحد إلا ویحتاج إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یومئذ .

قال: وسأله رجل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم ، یأخذ حلقة باب الجنة فیفتحها فیخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع أطلب تعط ، فیرفع رأسه ثم یخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم یرفع رأسه فیشفع فیشفع ، ویطلب فیعطی .

وفی تفسیر القمی:2/201:

قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی العباس المکبر قال: دخل مولی لامرأة علی بن الحسین(علیه السّلام)علی أبی جعفر(علیه السّلام)یقال له أبو أیمن فقال: یا أبا جعفر یغرون الناس ویقولون شفاعة محمد شفاعة محمد ؟!

فغضب أبو جعفر(علیه السّلام)حتی تربَّدَ وجهه ، ثم قال: ویحک یا أبا أیمن ! أغرَّک أن عفَّ بطنک وفرجک ؟! أما لو قد رأیت أفزاع القیامة لقد احتجت إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ویلک ! فهل یشفع إلا لمن وجبت له النار ؟!

ثم قال: ما أحد من الأولین والآخرین إلا وهو محتاج إلی شفاعة محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة.

ص: 472

ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): إن لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفاعة فی أمته ، ولنا الشفاعة فی شیعتنا ، ولشیعتنا الشفاعة فی أهالیهم.

ثم قال: وإن المؤمن لیشفع فی مثل ربیعة ومضر ، فإن المؤمن لیشفع حتی لخادمه ویقول: یارب حق خدمتی کان یقینی الحر والبرد. ورواه فی بحار الأنوار:8/38 وفی تفسیر نور الثقلین:4/102 و334

وفی الأدب المفرد للبخاری/224:

عن طلق بن حبیب قال: کنت أشد الناس تکذیباً بالشفاعة فسألت جابراً فقال: یا طلق سمعت النبی یقول: یخرجون من النار بعد الدخول .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/286:

وأخرج ابن مردویه عن صهیب الفقیر قال: کنا بمکة ومعی طلق بن حبیب ، وکنا نری رأی الخوارج ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله یقول فی الشفاعة فأتیناه فقلنا له: بلغنا عنک فی الشفاعة قول الله مخالف لک فیها فی کتابه ! فنظر فی وجوهنا فقال: من أهل العراق أنتم ؟! قلنا نعم ، فتبسم وقال: وأین تجدون فی کتاب الله ؟ قلت: حیث یقول: ربنا إنک من تدخل النار فقد أخزیته ، ویریدون أن یخرجوا من النار وما هم بخارجین منها ، وکلما أرادوا أن یخرجوا منها من غم أعیدوا فیها ، وأشباه هذا من القرآن .

فقال: أنتم أعلم بکتاب الله أم أنا ؟ قلنا بل أنت أعلم به منا. قال: فوالله لقد شهدت تنزیل هذا علی عهد رسول الله(ص)وشفاعة الشافعین، ولقد سمعت تأویله من رسول الله(ص)وإن الشفاعة لنبیه فی کتاب الله ، قال فی السورة التی تذکر فیها المدثر: مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ الآیة. ألا ترون أنها حلت لمن مات لم یشرک بالله شیئاً ؟!

ص: 473

وفی تفسیر الطبری:4/141:

عن الأشعث الحملی قال قلت للحسن: یا أبا سعید أرأیت ما تذکر من الشفاعه حق هو ؟ قال: نعم حق .

وفی فتح القدیر للشوکانی:5/567:

وأخرج بن المنذر عن طریق حرب بن شریح قال: قلت لأبی جعفر محمد بن علی بن الحسین: أرأیت هذه الشفاعة التی یتحدث بها أهل العراق أحقٌّ هی ؟ قال: إی والله .

وفی دلائل النبوة للبیهقی:1/25:

عن شبیب بن أبی فضالة المالکی: لما بنی مسجد الجامع ذکروا عند عمران بن حصین الشفاعة فقال رجل من القوم: إنکم تحدثونا بأحادیث لم نجد لها أصلاً فی کتاب الله ، وعمران یقول أنتم أخذتم هذا الشأن منا ، وأخذنا نحن عن نبی الله .

وفی الجواهر الحسان للثعالبی:1/356:

قوله تعالی: إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ . . . قالت المعتزلة: إذا کان صاحب کبیرة فهو فی النار ولا بد ، وقالت الخوارج إذا کان صاحب کبیره أو صغیره فهو فی النار مخلد .

وفی تطهیر الجنان لإبن حجر/38:

إن قلت: فی هذا الحدیث ( کل ذنب عسی الله أن یغفره إلا رجل یموت کافراً أو یقتل مؤمناً متعمداً ) دلیل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالی علی أن الکبیرة لا تغفر ؟

ص: 474

قلت: لا دلیل لهم فیها أبداً ، لقوله تعالی: وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا ، لوجوب حملها علی المستحل . . . بدلیل قوله تعالی: إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ ، وهو مخصص أیضاً بقوله تعالی: إِنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا . . . قد ضل . . . فرقٌ من فرق الضلالة القائلون بأن مرتکب الکبیرة إذا مات بلا توبة یخلد ، وهؤلاء المعتزلة والخوارج ، والفرق بینهما إنما هو من حدیث إن المیت فاسقاً هل هو کافر أو لا مؤمن ولا کافر ؟ فالخوارج علی الأول والمعتزلة علی الثانی .

وفی مقالات الإسلامیین للأشعری:1/124:

وأما الوعید فقول المعتزلة فیه وقول الخوارج قولٌ واحد ، لأنهم یقولون أن أهل الکبائر الذین یموتون علی کبائرهم فی النار خالدون .

وفی مقالات الإسلامیین: 1/86 - 87 :

وأجمعوا ( الخوارج ) علی أن کل کبیرة کفر إلا النجدات ، فإنها لاتقول ذلک. وأجمعوا أن الله سبحانه یعذب أصحاب الکبائر عذاباً دائماً إلا النجدات .

والأزارقة ( من الخوارج ) تقول إن کل کبیرة کفر، وإن الدار دار کفر یعنون دار مخالفیهم، وإن کل مرتکب معصیة کبیرة ففی النار خالداً مخلداً، ویکفرون علیاً (رض)فی التحکیم .

وقال فی شرح المواقف:4 جزء 8/334:

إن مرتکب الکبیره من أهل الصلاة . . . مؤمن . . . ذهب الخوارج إلی أنه کافر ، والحسن البصری إلی أنه منافق ، والمعتزلة إلی أنه مؤمن ولا کافر .

ص: 475

وقال الرازی فی تفسیره:1 جزء 3/238:

إن المعصیة عند المعتزلة وعندنا لا توجب الکفر ، أما عندنا فلان صاحب الکبیرة مؤمن ، وأما عند المعتزلة فلانه وإن خرج عن الإیمان فلم یدخل فی الکفر ، وأما عند الخوارج فکل معصیة کفر .

وقال الرازی فی تفسیره:6 جزء 12/5:

قالت الخوارج: کل من عصی الله فهو کافر... احتجوا بهذه الآیة (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ... ) وقالوا إنها نص فی أن کل من حکم بغیر ما أنزل الله فهو کافر ، وکل من أذنب فقد حکم بغیر ما أنزل الله ، فوجب أن یکون کافراً .

وقال الرازی فی:15 جزء 30/239:

إن الخوارج احتجوا بهذه الآیة ( إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا ) علی أنه لا واسطة بین المطیع والکافر قالوا: لأن الشاکر هو المطیع والکفور هو الکافر ، والله تعالی نفی الواسطة وذلک یقتضی أن یکون کل ذنب کفراً .

وقال النووی فی شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضی عیاض: اختلف الناس فیمن عصی الله من أهل الشهادتین ، فقالت المرجئة: لا تضره المعصیة ، وقالت الخوارج: تضره ویکفر بها ، وقالت المعتزلة: یخلد فی النار ، وقالت الأشعریة: بل هو مؤمن. .

وقال المجلسی فی بحار الأنوار:8/62:

ص: 476

وقال النووی فی شرح صحیح مسلم: قال القاضی عیاض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ، ووجوبها سمعاً بصریح الآیات وبخبر الصادق ، وقد جاءت الآثار التی بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة فی الآخرة لمذنبی المؤمنین ،وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة علیها. ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم فی تخلید المذنبین فی النار ، واحتجوا بقوله تعالی: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ وأمثاله وهی فی الکفار .

وأما تأویلهم أحادیث الشفاعة بکونها فی زیادة الدرجات فباطل ، وألفاظ الأحادیث فی الکتاب وغیره صریحة فی بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار .

( راجع شرح مسلم للنووی:2 جزء 3/35 )

وفی شرح مسلم للنووی:2 جزء 3/50:

رأی الخوارج . . أنهم یرون أن أصحاب الکبائر یخلدون فی النار .

وفی إرشاد الساری للقسطلانی:1/115:

لا ینسب إلی الکفر باکتساب المعاصی والإتیان بها إلا بالشرک أی بارتکابه، خلافاً للخوارج القائلین بتکفیره بالکبیرة ، والمعتزلة القائلین بأنه لا مؤمن ولا کافر .

وفی فتاوی ابن باز:2/27:

وذهب الخوارج إلی أن صاحب المعصیة مخلد فی النار وهو بالمعاصی

ص: 477

کافر أیضاً ووافقهم المعتزلة بتخلیده فی النار .

وفی فتاوی ابن باز:3/367:

قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة . . . المعاصی التی دون الشرک لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها . .

وفی بحار الأنوار:8/364:

قال العلامة(رحمه الله)فی شرحه علی التجرید: أجمع المسلمون کافة علی أن عذاب الکافر مؤبد لا ینقطع ، واختلفوا فی أصحاب الکبائر من المسلمین ، فالوعیدیة علی أنه کذلک ، وذهبت الإمامیة وطائفة کثیرة من المعتزلة والأشاعرة إلی أن عذابه منقطع. والحق أن عقابهم منقطع لوجهین:

الأول ، أنه یستحق الثواب بإیمانه لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ .

والإیمان أعظم أفعال الخیر فإذا استحق العقاب بالمعصیة فإما یقدم الثواب علی العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإیمان دائم علی ما تقدم ، أو بالعکس وهو المراد ، والجمع محال .

الثانی ، یلزم أن یکون من عبد الله تعالی مدة عمره بأنواع القربات إلیه ثم عصی فی آخر عمره معصیة واحدة مع بقاء إیمانه مخلداً فی النار کمن أشرک بالله مدة عمره ، وذلک محال لقبحه عند العقلاء. انتهی .

وفی بحار الأنوار:8/370:

وقال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فیمن ارتکب الکبیرة من

ص: 478

المؤمنین ومات قبل التوبة ، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل کلاهما فی مشیئة الله تعالی، لکن علی تقدیر التعذیب نقطع بأنه لا یخلد فی النار بل یخرج البتة ، لا بطریق الوجوب علی الله تعالی ، بل مقتضی ما سبق من الوعد وثبت بالدلیل کتخلید أهل الجنة .

وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم ، من غیر عفو ولا إخراج من النار ، وما وقع فی کلام البعض من أن صاحب الکبیرة عند المعتزلة لیس فی الجنة ولا فی النار فغلطٌ نشأ من قولهم: إن له المنزلة بین المنزلتین ، أی حالة غیر الإیمان والکفر.

وأما ما ذهب إلیه مقاتل بن سلیمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنین لا یعذبون أصلاً وإنما النار للکفار تمسکاً بالآیات الدالة علی اختصاص العذاب بالکفار مثل: قد أوحی إلینا أن العذاب علی من کذب وتولی ، إن الخزی الیوم والسوء علی الکافرین .

فجوابه: تخصیص ذلک العذاب بما یکون علی سبیل الخلود .

وأما تمسکهم بمثل قوله(علیه السّلام): من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنی وإن سرق ، فضعیف ، لأنه إنما ینفی الخلود لا الدخول .

لنا وجوه: الأول ، وهو العمدة: الآیات والأحادیث الدالة علی أن المؤمنین یدخلون الجنة البتة ، ولیس ذلک قبل

دخول النار وفاقاً ، فتعین أن یکون بعده وهو مسألة انقطاع العذاب ، أو بدونه وهو مسألة العفو التام ، قال الله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ . مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .

ص: 479

تبادل المواقع بین الخوارج والمرجئة !

یحسن هنا أن نسجل أمراً طریفاً نلاحظه فی عصرنا ، وهو تبادل المواقع بین ورثة الخوارج ، وورثة الخلافة الأمویین والمرجئة !

فورثة الخوارج ( الأباضیون ) تنازلوا عن العنف الفکری وسجلوا لیونتهم العقائدیة والفقهیة تجاه فرق المسلمین..بینما ورثة الخلافة الأمویة ( التکفیر والهجرة والوهابیون ) تخلوا عن أفکار اللیونة والتسامح ، وتبنوا مذهب العنف والشدة ، وأفتوا بکفر کل فرق المسلمین ، ماعدا فرقتهم ! ولعلهم یتخلون أیضاً عن شمول الشفاعة لکل المسلمین ویحصرونها بفرقتهم..کما یشم ذلک من فکرهم !

وهکذا تتغیر المواقع الفکریة والسیاسیة مع العصور من أقصی الیمین إلی أقصی الیسار . . وسبحان من لا یتغیر .

المعتزلة مثقفون متوسطون بین الدولة والخوارج

قال ابن ناصر الدین فی توضیح المشتبه:8/204:

ولد واصل سنة ثمانین بالمدینة وکان یجلس إلی الحسن البصری ، فلما ظهر بین أهل السنة القول من الخوارج بتکفیر أهل الکبائر ، ومن المرجئة بجعلهم إیمان أهل الکبائر کإیمان جبرئیل ومیکائیل ، أبدع واصل ( بن عطاء مولی بنی ضبة ) قوله فی المنزلة بین المنزلتین . . . مات واصل سنة إحدی وثلاثین ومئة .

ص: 480

الصغائر تغفر والکبائر لا تغفر إلا بالتوبة

مقالات الإسلامیین للأشعری:1/270:

واختلفت المعتزلة . . فی الصغائر والکبائر.. فقال قائلون منهم: کل ما أتی فیه الوعید فهو کبیر ، وکل ما لم یأت فیه الوعید فهو صغیر.. وقال جعفر بن میثر: کل عمد کبیر وکل مرتکب لمعصیة متعمداً لها فهو مرتکب لکبیرة...

واختلفت المعتزلة فی غفران الصغائر... فقال قائلون: إن الله سبحانه یغفر الصغائر إذا اجتنبت الکبائر تفضلاً.. وقال قائلون: لا یغفر الصغائر إلا بالتوبة .

وقال فی شرح المواقف:8/303:

أوجب جمیع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الکبیرة إذا مات بلا توبة ، ولم یجوزوا أن یعفو الله عنه ، لوجهین: الأول أنه تعالی أوعد بالعقاب علی الکبائر وأخبر به أی بالعقاب علیها ، فلو لم یعاقب علی الکبیرة وعفا لزم الخلف فی وعیده والکذب فی خبره ، وإنه محال .

الجواب: غایته وقوع العقاب فأین وجوبه الذی کلامنا فیه ، إذ لا شبهة فی أن عد الوجوب مع الوقوع لا یستلزم خلفاً ولا کذباً .

قالت المعتزلة والخوارج: صاحب الکبیرة إذا لم یتب عنها مخلد فی النار ولا یخرج منها أبداً. وعمدتهم فی إثبات ما ادعوه دلیل عقلی هو أن الفاسق یستحق العقاب بفسقه ، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا یشوبها ما یخالفها دائمة لا تنقطع أبداً. واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب دائمة. والجمع بینهما أی بین استحقاقهما محال ، کما أن الجمع بینهما محال .

ص: 481

وقال فی شرح المواقف:8/334:

مرتکب الکبیرة من أهل الصلاة أی من أهل القبلة مؤمن ، وقد تقدم بیانه فی مسألة حقیقة الإیمان وغرضنا هاهنا ذکر مذهب المخالفین والجواب عن شبهتهم: ذهب الخوارج إلی أنه کافر ، والحسن البصری إلی أنه منافق ، والمعتزلة

إلی أنه لا مؤمن ولا کافر .

حجة الخوارج وجوه: الأول قوله تعالی: وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ ، فإن کلمة (من ) عامة فی کل من لم یحکم بما أنزل ، فیدخل فیه الفاسق المصدق. وأیضاً فقد علل کفرهم بعدم الحکم ، فکل من لم یحکم بما أنزل الله کان کافراً ، والفاسق لم یحکم بما أنزل الله .

قلنا: الموصولات لم توضع للعموم ، بل هی للجنس تحتمل العموم والخصوص .

وفی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف/13:

المعتزلة طائفة من المسلمین یرون أن أفعال الخیر من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن القرآن مخلوق محدث لیس بقدیم وان الله تعالی غیر مرئی یوم القیامة ، وأن المؤمن إذا ارتکب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر کان فی منزلة بین منزلتین .

تأویلات أهل السنة للحنفی:1/630:

وقوله تعالی: وَیُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ ، فیه دلیل علی أن من السیئات ما یکفرها الصدقة . . . وهو نقض علی المعتزلة لأنهم لا یرون تکفیر الکبائر

ص: 482

بغیر التوبة عنها ، ولا التعذیب علی الصغائر. فأما إن کانت الآیة فی الکبائر فبطل قولهم ( لا یکفر بغیر التوبة ) أو فی الصغائر یبطل قولهم إنها مغفورة ، إذ وعدت بالصدقة لأنهم یخلدون صاحب الکبیره فی النار ، والله تعالی أطمع له تکفیر السیئات بالصدقة .

وصاحب الکبیرة فی النار ولا تشمله الشفاعة

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

أجمعت الأمة علی ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له علیه الصلاة والسلام ، ولکن هی عندنا لأهل الکبائر من الأمة فی إسقاط العقاب عنهم... وقالت المعتزلة: إنما هی لزیادة الثواب لا لدرأ العقاب ، لقوله تعالی: وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ، وهو عام فی شفاعة النبی علیه الصلاة والسلام وغیره .

الجواب: أنه لا عموم له فی الاعیان ، لأن الضمیر لقوم معینین هم الیهود ، فلا یلزم أن لا تنفع الشفاعة غیرهم .

تأویلات أهل السنة:1/590:

قال المعتزلة: لا تکون الشفاعة إلا لأهل الخیرات خاصة ، الذین لا ذنب لهم أو کان لهم ذنب فتابوا عنه .

تفسیر الرازی 11 جزء 22/160:

ص: 483

احتجت المعتزلة بقوله تعالی: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی ، علی أن الشفاعة فی الآخرة لا تکون لأهل الکبائر ، لأنه لا یقال فی أهل الکبائر إن الله یرتضیهم .

تفسیر الرازی 11 جزء 22/118:

المعتزلة قالوا: الفاسق غیر مرضی عند الله تعالی، فوجب أن لا یشفع الرسول (ص) فی حقه لأن هذه الآیة ( یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ) دلت علی أن المشفوع له لابد وأن یکون مرضیاً عند الله .

تفسیر الرازی:12 جزء 23/66:

أما قوله (وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ) احتجت المعتزلة بهذه الآیة فی نفی الشفاعة.

وقال فی:14 جزء 27/33:

احتج الکعبی بهذه الآیة علی أن تأثیر الشفاعة فی حصول زیادة الثواب للمؤمنین ، لا فی إسقاط العقاب عن المذنیین

وقال فی:4 جزء 7/10:

قال القفال: إنه لا یأذن فی الشفاعة لغیر المطیعین . . . وأقول إن هذا القفال عظیم الرغبة فی الإعتزال . . . ومع ذلک فقد کان قلیل الاحاطة بأصولهم. وذلک لأن من مذهب البصریین أن العفو عن صاحب الکبیرة حسن فی العقول . . إلا أن السمع دل . . . لا یقع ، وإذا کان کذلک کان الإستدلال العقلی علی المنع من الشفاعة فی حق العصاة خطأ علی قولهم .

ص: 484

وفی إرشاد الساری للقسطلانی:8/340:

قوله تعالی: مَنْ یَعْمَلْ سُوءً یُجْزَ بِهِ ، استدل بهذه الآیة المعتزلة علی أنه تعالی لا یعفو عن شئ من السیئات .

وفی إرشاد الساری:9/447:

المعصیة لا تخرج المسلم عن الإیمان ، خلافاً للمعتزلة المکفرین بالذنب ، القائلین بتخلید العاصی بالنار .

وفی معجم الادباء للحموی:9 جزء 17/81:

قال عبدالعزیز بن محمد الطبری: کان أبو جعفر ( الطبری ) یذهب فی جل مذاهبه إلی ما علیه الجماعة من السلف . . . وکان یذهب إلی مخالفة أهل الاعتزال فی جمیع ماخالفوا فیه الجماعة ، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤیة الله فی القیامة ، وفی قولهم بتخلید أهل الکبائر فی النار ، وإبطال شفاعة رسول الله(ص)، وفی قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله .

وفی طبقات الشافعیة للسبکی:3/347:

یصف تحول الأشعری من الاعتزال إلی خط الدولة (أهل السنة والجماعة) قام علی بن اسماعیل بن أبی بشر علی الاعتزال أربعین سنة حتی صار للمعتزلة إماماً . . . وهو الذی قال: تکافأت عندی الأدلة ولم یترجح عندی شئ علی شئ فاستهدیت الله فهدانی إلی اعتقاد ما أودعته فی کتبی هذه وانخلعت من جمیع ما کنت أعتقده . . ودفع الکتب التی ألفها علی مذاهب أهل السنة للناس . . وأخذ فی نصرة الأحادیث فی الرؤیة والشفاعة. انتهی .

ص: 485

هذا وقد تقدمت نصوص عن رأی المعتزلة فی آراء المرجئة والخوارج فی هذا الفصل وفی تعریف الشفاعة فی الفصل الأول .

ص: 486

الفصل الحادی عشر : المزید من تأثیر الإسرائیلیات علی أحادیث الشفاعة

اشارة

ص: 487

ص: 488

اتفق الجمیع نظریاً علی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قد یستشکل علی أحادیث اختصاص الشفاعة بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الواردة فی مصادر الفریقین، بأنها تنافی الأحادیث الصحیحة التی تثبت الشفاعة لغیر نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

والجواب: أن وجه الجمع بین الأحادیث أن باب الشفاعة إنما یفتح یوم القیامة إکراماً لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. وکل من یشفع من الملائکة والأنبیاء والأوصیاء والعلماء والشهداء والمؤمنین ، فإنما یشفع بإجازته وبالسهم الذی یعطیه إیاه شفیع المحشر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

فلا منافاة بین أحادیث اختصاصه بالشفاعة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبین مادل علی ثبوتها لغیره من الأنبیاء (علیهم السّلام) إلا ما دل منها علی أن لغیره شفاعة مستقلة أو أنه یشفع قبله کما فی أحادیث الإسرائیلیات الآتیة .

من لا یحضره الفقیه:1/240:

قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعطیت خمساً لم یعطها أحدٌ قبلی: جعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، ونصرت بالرعب ، وأحل لی المغنم ، وأعطیت جوامع الکلم ، وأعطیت الشفاعة. ورواه فی وسائل الشیعة:2/438 وفی سائل الشیعة:3/422 وفی مستدرک الوسائل:2/529

ص: 489

علل الشرائع:1/127:

حدثنا أبوالحسین محمد بن علی بن الشاه قال: حدثنا أبوبکر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادی بآمد قال: حدثنا أبی قال: حدثنا أحمد بن السخت قال: حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أیوب بن سلیمان عن حفص بن البختری عن محمد بن حمید عن محمد بن المنکدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

أنا أشبه الناس بآدم وإبراهیم أشبه الناس بی خلقه وخلقه .

وسمانی الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبین الله وصفی وبشرنی علی لسان کل رسول بعثه الله إلی قومه .

وسمانی ونشر فی التوراة باسمی وبث ذکری فی أهل التوراة والإنجیل وعلمنی کتابه ورفعنی فی سمائه وشق لی إسماً من أسمائه فسمانی محمداً وهو محمود .

وأخرجنی فی خیر قرن من أمتی وجعل اسمی فی التوراة أحید فبالتوحید حرم أجساد أمتی علی النار .

وسمانی فی الانجیل أحمد فأنا محمود فی أهل السماء .

وجعل أمتی الحامدین وجعل اسمی فی الزبور ماحی محی الله عز وجل بی من الأرض عبادة الأوثان .

وجعل اسمی فی القرآن محمداً فأنا محمود فی جمیع القیامة فی فصل القضاء لا یشفع أحد غیری .

وسمانی فی القیامة حاشراً یحشر الناس علی قدمی .

وسمانی الموقف أوقف الناس بین یدی الله عز وجل .

ص: 490

وسمانی العاقب أنا عقب النبیین لیس بعدی رسول .

وجعلنی رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفی قفیت النبیین جماعة وأنا المقیم الکامل الجامع ومن علی ربی وقال لی یا محمد صلی الله علیک فقد أرسلت کل رسول إلی أمته بلسانها وأرسلتک إلی کل أحمر وأسود من خلقی ونصرتک بالرعب الذی لم أنصر به أحداً وأحللت لک الغنیمة ولم تحل لاحد قبلک وأعطیتک لک ولأمتک الأرض کلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطیتک ولأمتک التکبیر وقرنت ذکرک بذکری حتی لا یذکرنی أحد من أمتک إلا ذکرک مع ذکری فطوبی لک یا محمد ولأمتک .

تفسیر القمی:1/194:

ثم قال حکایة عن قریش: وقالوا لولا أنزل علیه ملک ، یعنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولو أنزلنا ملکاً لقضی الأمر ثم لا ینظرون ، فأخبر عز وجل أن الآیة إذا جاءت والملک إذا نزل ولم یؤمنوا هلکوا ، فاستعفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الآیات رأفةً ورحمةً علی أمته ، وأعطاه الله الشفاعة .

صحیح البخاری:1/86:

جابر بن عبد الله أن النبی(ص)قال: أعطیت خمساً لم یعطهن أحد قبلی: نصرت بالرعب مسیرة شهر ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، فأیما رجل من أمتی أدرکته الصلاة فلیصل ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لأحد قبلی ، وأعطیت الشفاعة ، وکان النبی یبعث إلی قومه خاصة وبعثت إلی الناس عامة.

ص: 491

ورواه أیضاً فی ص:1 جزء 1/113 وج 2 جرء 2/105 ونحوه فی مسلم:2/63 وفی سنن النسائی:1/209 وفی سیرة ابن هشام:2/234 وفی مسند أحمد: 5/149 .

وفی:4/417 منه:

عن أبی موسی قال قال رسول الله (ص): أعطیت خمساً: بعثت إلی الأحمر والأسود ، وجعلت لی الأرض طهوراً ومسجداً ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لمن کان قبلی ، ونصرت بالرعب شهراً ، وأعطیت الشفاعة ولیس من نبی إلا وقد سأل شفاعة وإنی أخبأت شفاعتی ثم جعلتها لمن مات من أمتی لم یشرک بالله شیئاً. ونحوه فی:1/301 وفی الدر المنثور:3 ص204 وج 5/237 وسنن الدارمی:1/322 وسنن البیهقی:9/4 وتفسیر الطبری:3/2 وصفة الصفوة لابن الجوزی جزء 1 و2/76 وتفسیرالمنار لرشید رضا: 9/300

ولکن الهیثمی ضعف روایته فی مجمع الزوائد:8/259 فقال:

ابن یزید قال قال رسول الله (ص): فضلت علی الأنبیاء بخمس: بعثت إلی الناس کافة ، ودخرت شفاعتی لأمتی ، ونصرت بالرعب شهراً أمامی وشهراً خلفی ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لاحد قبلی. رواه الطبرانی وفیه إسحاق بن عبد الله بن أبی فروة وهو متروک.

ص: 492

نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع یوم القیامة

فی مصادرنا نصوص واضحة صریحة فی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو خطیب المحشر والشفیع الأول قبل الأنبیاء ، بل هو شفیع الأنبیاء صلوات الله علیهم جمیعاً.. وقد تقدم بعضها آنفاً وفی تفسیر قوله تعالی ( عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) وفی بعضها أن الله تعالی قد أذن لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالشفاعة وهو فی الدنیا فلا یحتاج إلی إذن یوم القیامة .

فی تفسیر القمی:2/201:

قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی العباس المکبر قال: دخل مولی لامرأة علی بن الحسین(علیه السّلام)علی أبی جعفر(علیه السّلام)یقال له أبو أیمن فقال: یا أبا جعفر یغرون الناس ویقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر(علیه السّلام)حتی تربد وجهه ثم قال: ویحک یا أبا أیمن أغرک أن عف بطنک وفرجک ! أما لو قد رأیت أفزاع القیامة لقد احتجت إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! ویلک فهل یشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال: ما أحد من الأولین والآخرین إلا وهو محتاج إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة .

ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): إن لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفاعة فی أمته ولنا الشفاعة فی شیعتنا ولشیعتنا الشفاعة فی أهالیهم .

ثم قال: وإن المؤمن لیشفع فی مثل ربیعة ومضر فإن المؤمن لیشفع حتی لخادمه ویقول: یا رب حق خدمتی کان یقینی الحر والبرد. ورواه فی بحار الأنوار:8/38 وفی تفسیر نور الثقلین:4/334 ، وقد تقدم ذلک فی الرد

ص: 493

علی الخوارج .

الصحیفة السجادیة:2/290:

اللهم أنزل محمداً فی أشرف منازل الأبرار ، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل . . . اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه ، وأکرم مثواه ، وتقبل شفاعته فی أمته ، وفی من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فیه ، واجعلنا برحمتک ممن یرد حوضه یوم القیامة. ونحوه فی المقنعة/411

الصحیفة السجادیة:2/30:

اللهم فارفعه بما کدح فیک إلی الدرجة العلیا من جنتک ، حتی لا یساوی فی منزلة ، ولا یکافأ فی مرتبة ، ولا

یوازیه لدیک ملک مقرب ، ولا نبی مرسل ، وعرفه فی أهله الطاهرین وأمته المؤمنین من حسن الشفاعة أجل ما وعدته ، یا نافذ العدة ، یا وافی القول ، یا مبدل السیئات بأضعافها من الحسنات ، إنک ذو الفضل العظیم. ونحوه فی المقنعة/125

تهذیب الأحکام:3/121:

اللهم إنی أسألک من فضلک بأفضله . اللهم واجعل محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أدنی المرسلین منک مجلسا ، وأفسحهم فی الجنة عندک منزلاً ، وأقربهم الیک وسیلة ، واجعله أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل ، وابعثه المقام المحمود الذی یغبطه به الأولون والاخرون یا أرحم الراحمین .

ص: 494

تأویل الآیات:2/37:

قال علی بن إبراهیم: روی عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال: لا یقبل الله الشفاعة یوم القیامة لأحد من الأنبیاء والرسل حتی یأذن فی الشفاعة لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فإن الله قد أذن له فی الشفاعة من قبل یوم القیامة فالشفاعة له ولأمیر المؤمنین وللائمة من ولده ثم بعد ذلک للأنبیاء (علیهم السّلام) أجمعین. ( ورواه فی تفسیر القمی:2/201 ونحوه فی تفسیر نور الثقلین: 4/334 ) .

بحار الأنوار:16/326:

الأمالی: أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدی ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن جعفر بن مدرار ، عن عمه طاهر ، عن الحسن بن عمار ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علی(علیه السّلام)قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ( أمالی ابن الشیخ 170 ) .

بحار الأنوار:16/304:

عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. عسی من الله واجبة ، والمقام بمعنی البعث فهو مصدر من غیر جنسه ، أی یبعثک یوم القیامة بعثاً أنت محمود فیه ، ویجوز أن یجعل البعث بمعنی الإقامة أی یقیمک ربک مقاماً یحمدک فیه الأولون والآخرون ، وهو مقام الشفاعة یشرف فیه علی جمیع الخلائق یسأل فیعطی ویشفع فیشفع ، وقد أجمع المفسرون علی أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذی یشفع فیه للناس ، وهو المقام الذی یعطی فیه

ص: 495

لواء الحمد فیوضع فی کفه وتجتمع تحته الأنبیاء والملائکة ، فیکون(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أول شافع وأول مشفع .

بحار الأنوار:8/47:

تفسیر العیاشی: عن عیص بن القاسم عن أبی عبد الله(علیه السّلام)إن أناساً من بنی هاشم أتوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشئ وقالوا: یکون لنا هذا السهم

الذی جعله للعاملین علیها فنحن أولی به فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یابنی عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لی ولا لکم ، ولکنی وعدت الشفاعة - ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها - فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أترونی مؤثرا علیکم غیرکم ؟ ثم قال: إن الجن والإنس یجلسون یوم القیامة فی صعید واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فیقولون: إلی من ؟ فیأتون نوحاً فیسألونه الشفاعة فقال: هیهات قد رفعت حاجتی ، فیقولون: إلی من إلی إبراهیم ، فیأتون إلی إبراهیم فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قدر رفعت حاجتی ، فیقولون: إلی من فیقال: إیتوا موسی فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی ، فیقولون إلی من ؟ فیقال إیتوا محمداً ، فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقوم مدلاً حتی یأتی باب الجنة فیأخذ بحلقة الباب ثم یقرعه ، فیقال: من هذا ؟ فیقول: أحمد فیرحبون ویفتحون الباب ، فإذا نظر إلی الجنة خر ساجداً یمجد ربه بالعظمة ، فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیرفع رأسه ، فیدخل من باب الجنة فیخر ساجداً ویمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیقوم فما

ص: 496

یسأل شیئاً إلا أعطاه إیاه .انتهی.

وقد تقدمت الأحادیث بهذا المضمون ،وهی محل اتفاق فی مصادر الطرفین، وفیها دلالة علی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هوأول من یتقدم للشفاعة یوم القیامة.

الأحادیث الموافقة لمذهبنا فی مصادر السنیین

فی مصادر السنیین نوعان من الأحادیث فی هذا الموضوع: فمنها ما یوافق مصادرنا ، وقد روته صحاحهم کالذی رواه ابن ماجة:2/724: عن الطفیل بن أبی بن کعب ، عن أبیه أن رسول الله(ص)قال: إذا کان یوم القیامة کنت إمام النبیین وخطیبهم وصاحب شفاعتهم ، غیر فخر .

والذی رواه مسلم فی:1/130:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): أنا أول الناس یشفع فی الجنة ، وأنا أکثر الأنبیاء تبعاً . . .

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): أنا أکثر الأنبیاء تبعاً یوم القیامة ، وأنا أول من یقرع باب الجنة...

أنس بن مالک قال النبی (ص): أنا أول شفیع فی الجنة ، لم یصدَّق نبی من الأنبیاء ما صدِّقت ، وإن من الأنبیاء نبیاً ما یصدقه من أمته إلا رجل واحد .

وروی فی:7/59:

عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ، وأول من ینشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع. انتهی .

ص: 497

وفی سنن الترمذی:5/248:

عن ابن عباس قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله(ص)ینتظرونه قال فخرج حتی إذا دنا منهم سمعهم یتذاکرون فسمع حدیثهم فقال بعضهم: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خلیلاً اتخذ من إبراهیم خلیلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من کلام موسی کلمه تکلیماً. وقال آخر: فعیسی کلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج علیهم فسلم وقال: قد سمعت کلامکم وعجبکم، إن إبراهیم خلیل الله وهو کذلک ، وموسی نجی الله وهو کذلک ، وعیسی روحه وکلمته وهو کذلک ، وآدم اصطفاه الله وهو کذلک ، ألا وأنا حبیب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع یوم القیامة ولا فخر، وأنا أول من یحرک حلق الجنة فیفتح الله لی فیدخلنیها ومعی فقراء المؤمنین ولا فحر ، وأنا أکرم الأولین والآخرین ولا فخر. هذا حدیث غریب. انتهی. وروی نحوه ابن ماجه: 2/1440 وأحمد فی:3/2

وفی سنن الدارمی:1/26:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطیبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أیسوا. الکرامة والمفاتیح یومئذ بیدی ، وأنا أکرم ولد آدم علی ربی .

وفی فردوس الأخبار: 1/80 ح 124:

أنس بن مالک: أنا أول شفیع یوم القیامة ، وأنا أکثر الأنبیاء تبعاً یوم القیامة ،

ص: 498

إن من الأنبیاء لمن یأتی یوم القیامة ما معه مصدق غیر واحد. انتهی .

وفی شعب الإیمان للبیهقی:2/132 وص 179:

أبو هریرة قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم ، وأول شافع وأول مشفع .

وفی شعب الإیمان/181:

عن أنس قال: سمعت النبی (ص) یقول: إنی أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتی یوم القیامه ، وأنا أول من یدخل الجنة . . . ونحوه فی تهذیب الکمال: 15/425 وج 22/551 وسیر أعلام النبلاء:8/293 وکنز العمال: 11/404 فما بعدها بروایات متعددة ، وفی:14/393 فما بعدها. وفیه فی:11/435: أنا سید المرسلین إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا ، ومبشرهم إذا أیسوا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا ، أتکلم فیصدقنی ، وأشفع فیشفعنی ، وأسأل فیعطینی .

وفی الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن مردویه عن أنس بن مالک (رض) قال وأول ما یأذن الله عزوجل له یوم القیامة فی الکلام والشفاعة محمد(ص)فیقال له قل تسمع وسل تعطه قال: فیخر ساجداً فیثنی علی الله ثناء لم یثن علیه أحد فیقال إرفع رأسک...

وفی سیرة ابن کثیر:1/195:

فروی الحافظ أبو القاسم بن عساکر من طریق أبی الحسن بن أبی الحدید...

ص: 499

عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداک أبی وأمی أین کنت وآدم فی الجنة ؟ قال: فتبسم حتی بدت نواجذه ، ثم قال: کنت فی صلبه ورکب بی السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذف بی فی صلب أبی إبراهیم ، لم یلتق أبوای علی سفاح قط ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الحسیبة إلی الأرحام الطاهرة، صفیاً مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، وقد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام عهدی، ونشر فی التوراة والانجیل ذکری ، وبین کل نبی صفتی تشرق الأرض بنوری والغمام بوجهی ، وعلمنی کتابه وزادنی شرفاً فی سمائه ، وشق لی اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض والکوثر ، وأن یجعلنی أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجنی من خیر قرن لامتی ، وهم الحمادون یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر .

فتاوی ابن باز:1/187:

قال رسول الله: أنا أول من ینشق عنه القبر یوم القیامة ، وأنا أول شافع وأول مشفع. انتهی .

الأحادیث المتأثرة بالاسرائیلیات فی مصادر السنیین

والنوع الثانی من أحادیث السنیین: أحادیث تجعل الشفاعة أولاً لابراهیم ، ثم لموسی ، ثم لعیسی (علیهم السّلام) وتجعل نبینا الشفیع الرابع (علیهماالسّلام) ! !

روی الحاکم فی المستدرک:4/496 حدیثاً طویلاً عن الدجال ویأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقیامة والشفاعة ، وصححه علی

ص: 500

شرط الشیخین ، وفیه أمورٌ وتفصیلاتٌ غیر معقولة ، جاء فیه:

عن أبی الزعراء قال کنا عند عبد الله بن مسعود (رض) فذکر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود: تفترقون أیها الناس لخروجه علی ثلاث فرق ، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشیح ، وفرقة تأخذ شط الفرات یقاتلهم ویقاتلونه حتی یجتمع المؤمنون بقری الشام ، فیبعثون الیهم طلیعة فیهم فارس علی فرس أشقر وأبلق قال فیقتتلون فلا یرجع منهم بشر . . . .

قال: ثم تقوم الساعة علی شرار الناس ثم یقوم ملک بالصور بین السماء والأرض فینفخ فیه. والصور قَرْنٌ ، فلا یبقی خلق فی السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربک...

قال: ثم یقوم ملک بالصور بین السماء والأرض فینفخ فیه فینطلق کل نفس إلی جسدها حتی یدخل فیه ثم یقومون فیحیون حیاة رجل واحد قیاماً لرب العالمین. قال: ثم یتمثل الله تعالی إلی الخلق فیلقاهم فلیس أحد یعبد من دون الله شیئاً إلا وهو مرفوع له یتبعه ، قال فیلقی الیهود فیقول من تعبدون ؟ قال فیقولون نعبد عزیراً قال هل یسرکم الماء ؟ فیقولون نعم ، إذ یریهم جهنم کهیئة السراب ! قال ثم قرأ عبد الله: وعرضنا جهنم یومئذ للکافرین عرضاً ، قال ثم یلقی النصاری فیقول من تعبدون ؟ فیقولون المسیح ، قال فیقول هل یسرکم الماء ؟ قال فیقولون نعم ، قال فیریهم جهنم کهیئة السراب ! ثم کذلک لمن کان یعبد من دون الله شیئاً. قال: ثم قرأ عبد الله: وقفوهم إنهم مسؤولون .

قال: ثم یتمثل الله تعالی للخلق حتی یمر علی المسلمین قال فیقول من تعبدون ؟ فیقولون نعبد الله ولا نشرک به شیئاً ، فینتهرهم مرتین أو ثلاثاً

ص: 501

فیقول من تعبدون ؟ فیقولون نعبد الله ولا نشرک به شیئاً. قال فیقول هل تعرفون ربکم ؟ قال فیقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه ! قال فعند ذلک یکشف عن ساق فلا یبقی مؤمن إلا خر لله ساجداً ، ویبقی المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً کأنما فیها السفافید ! قال فیقولون: ربنا فیقول قد کنتم تدعون إلی السجود وأنتم سالمون.

قال ثم یأمر بالصراط فیضرب علی جهنم فیمر الناس کقدر أعمالهم زمراً کلمح البرق ثم کمر الریح ثم کمر الطیر ثم کأسرع البهائم ، ثم کذلک حتی یمر الرجل سعیاً ثم مشیاً ، ثم یکون آخرهم رجلاً یتلبط علی بطنه !

قال فیقول أی رب لماذا أبطأت بی ؟ فیقول لم أبطئ بک ، إنما أبطأ بک عملک.

قال ثم یأذن الله تعالی فی الشفاعة فیکون أول شافع روح القدس جبریل علیه الصلاة والسلام ، ثم إبراهیم خلیل الله ، ثم موسی ، ثم عیسی علیهما الصلاة والسلام قال: ثم یقوم نبیکم رابعاً، لا یشفع أحد بعده فیما یشفع فیه ، وهو المقام المحمود الذی ذکره الله تبارک وتعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا .

قال فلیس من نفس إلا وهی تنظر إلی بیت فی الجنة أو بیت فی النار . . .

قال: ثم یشفع الملائکة والنبیون والشهداء والصالحون والمؤمنون فیشفعهم الله .

قال ثم یقول الله: أنا أرحم الراحمین فیخرج من النار أکثر مما أخرج من جمیع الخلق برحمته ، قال ثم یقول: أنا أرحم الراحمین ، قال ثم قرأ عبدالله:

ص: 502

مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ وَکُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِینَ ، وَکُنَّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ

الدِّینِ ، قال فعقد عبد الله بیده أربعاً ثم قال: هل ترون فی هؤلاء من خیر ؟ ما ینزل فیها أحد فیه. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی.

ورواه البیهقی فی البعث والنشور/326 والدیلمی فی فردوس الأخبار: 1/54 وص 80 والنیسابوری فی الوسیط ج4/387 وابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق:1 جزء 2/170. وغیرهم .

أما الهیثمی فقد روی فی مجمع الزوائد:9/31 حدیث أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع ، ووصفه لأنه موضوع ، وقال عن بعض طرقه فی:8/254 ( وفیه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقیة رجاله ثقات )

ولکنه فی نفس الوقت ردَّ الحدیث الذی صححه الحاکم علی شرط الشیخین فی ج10/330 وقال ( رواه الطبرانی وهو موقوف ، مخالف للحدیث الصحیح وقول النبی: أنا أول شافع ) ! فیبدو أنه اطلع علی طریق آخر صحیح للحدیث ، غیر الطریقین اللذین ضعفهما. ولکنا لم نطلع علیه .

البخاری یفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أما البخاری فقد روی فی تاریخه الذی ألفه قبل صحیحه أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الشفیع الأول ، وتوقف فی روایة أنه الشفیع الرابع ، لوجود ما یعارضها.

قال فی تاریخه:4/286:

ص: 503

عن جابر بن عبد الله: قال النبی (ص): أنا قائد المسلمین ، ولا فخر ، وأنا خاتم النبیین ولا فخر ، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر.

وقال فی تاریخه:5/221:

عبد الله بن هانی أبو الزعراء الکوفی سمع ابن مسعود (رض) سمع منه سلمة بن کهیل یقال عن أبی نعیم إنه الکندی روی عن ابن مسعود (رض) فی الشفاعة: ثم یقوم نبیکم رابعهم والمعروف عن النبی (ص): أنا أول شافع. ولا یتابع فی حدیثه. انتهی .

ولکنه فی صحیحه لم یرو هذه الروایة ولا غیرها مما ینص علی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أول شافع !

نعم ، روی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) دون الأنبیاء (علیهم السلام):

قال فی:1/113:

جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص): أعطیت خمساً لم یعطهن أحد من الأنبیاء قبلی: نصرت بالرعب مسیرة شهر ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً وأیما رجل من أمتی أدرکته الصلاة فلیصل ، وأحلت لی الغنائم ، وکان النبی یبعث إلی قومه خاصة وبعثت إلی الناس کافة ، وأعطیت الشفاعة. انتهی .

وروی فی:5/226:

روایة الشفاعة المعروفة فی المصادر وأن الأنبیاء (علیهم السّلام) یهابون التقدم

ص: 504

للشفاعة للخلق ، ویطلبون من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یشفع إلی الله تعالی فیتقدم ویشفع . . وهی تدل علی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفیع الأول ، قال فیها: إذهبوا إلی محمد فیأتون محمداً فیقولون یا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبیاء وقد غفر الله لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی مانحن فیه ! فأنطلق فآتی تحت العرش فأقع ساجداً لربی عز وجل ثم یفتح الله علیَّ من محامده وحسن الثناء علیه شیئاً لم یفتحه علی أحد قبلی ، ثم یقال یا محمد إرفع رأسک ، سل تعطه واشفع تشفع .انتهی .

والی هنا یبدو أنه لامشکلة..

ولکن البخاری روی فی صحیحه ما یعارض ذلک ، ویجعل درجة نبی الله موسی(علیه السّلام)فی درجة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو أفضل منه ! فقد روی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نهی المسلمین أن یفضلوه علی موسی ، وقال إنه عندما یبعث من قبره یجد موسی جالساً عند العرش قبله !!

قال البخاری فی صحیحه:7/193:

عن أبی هریرة قال: استبَّ رجلان ، رجلٌ من المسلمین ورجلٌ من الیهود ، فقال المسلم: والذی اصطفی محمداً علی العالمین ، فقال الیهودی والذی اصطفی موسی علی العالمین ، قال فغضب المسلم عند ذلک فلطم وجه الیهودی ، فذهب الیهودی إلی رسول الله(ص)فأخبره بما کان من أمره وأمر المسلم ، فقال رسول الله (ص): لا تخیرونی علی موسی ، فإن الناس یصعقون یوم القیامة فأکون أول من یفیق ، فإذا موسی باطشٌ بجانب

ص: 505

العرش ، فلا أدری أکان موسی فیمن صعق فأفاق قبلی ؟ أو کان ممن استثنی الله ؟ ! انتهی.

ورواه فی صحیحه فی سبعة مواضع أخری علی الأقل ! فی:3/89 ، وج 4/126 ، وج 5/196 ، وج 6/34 ، وج 8/48 ، وص 177 ، وص 192 ، وهی روایاتٌ متفاوتة فی دلالتها علی تفضیل موسی ، ولکن مجموعها کاف فی الدلالة علیه ، مهما حاول الشراح تأویلها !

فقد نصت الروایة المذکورة کما رأیت علی نهی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تفضیله علی موسی ، ووردت هذه العبارة ( لا تخیرونی علی موسی ) فی روایة البخاری الأخری:7/193 وفی:8/192 وکذا فی مسلم:7/101 ، وسنن أبی داود:2/407 ، وأحمد:2/264. وورد فی روایة:5/196 ( قال لا تخیرونی من بین الأنبیاء )

کما نصت علی أن موسی(علیه السّلام)مستثنی دون نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الصعقة التی یقول الله تعالی عنها: وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَ مَنْ فِی الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَی فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ . الزمر : 68 ، وهذا امتیازٌ له علی جمیع الأنبیاء ! وروی مثلها فی:8/192 .

وجاء فی:8/177:

( فإذا أنا بموسی آخذ بقائمة من قوائم العرش ) وزاد فی:5/196 وج 8/48 ( فلا أدری أفاق قبلی ، أم جُزِیَ بصعقة الطور )

ص: 506

وفی:5/196:

( قال إنی أول من یرفع رأسه بعد النفخة الآخرة ، فإذا أنا بموسی متعلق بالعرش ) وفی روایة أخری فی غیر البخاری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول ما ینفض رأسه من التراب یری موسی جالساً عند العرش !!

قد یقال: إن روایة البخاری لا تدل علی أن موسی أفضل من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنها تنص علی أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته فی الطور ولا علاقة له بالأفضلیة .

والجواب: أن الروایة واردةٌ أساساً فی مقام بیان أفضلیة موسی ، أو بالأقل عدم أفضلیة نبینا علیه ، فهذا هو موضوع الخلاف بین المسلم والیهودی ، وهو موضوع الحدیث ، وموضوع النهی المزعوم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تفضیله علی موسی !!

وقد یقال: لو سلمنا أن الروایة تدل علی مساواة موسی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو أفضلیته علیه، فهی لا تدل علی أن موسی هو الشفیع الأول .

والجواب: أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بسبب أنه أفضل الأنبیاء صلوات الله علیهم جمیعاً ، فإذا ثبت أن موسی أفضل منه ، فلا یبعد أن یکون هو رئیس المحشر وشفیعه . . الخ.

وقد حاولت بعض الروایات أن تحل المسألة مع الإسرائیلیات حلاً سلمیاً ، فتجعل الافضلیة لموسی ، وتحتفظ بدرجة الشفیع الأول لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کالتی

ص: 507

رواها الطبری فی تفسیره:24/20 قال: عن قتادة قال: ذکر لنا أن نبی الله قال: أتانی ملکٌ فقال یا محمد إختر نبیاً ملکاً أو نبیاً عبداً ، فأومأ الیَّ أن تواضع ، قال نبیاً عبداً ، قال فأعطیت خصلتین: أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسی فأجد موسی آخذاً بالعرش ، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولی ، أم لا. انتهی .

ولکنها علی أی حال محاولاتٌ فی مصلحة تصدیق الاسرائیلیات التی لا نثق بها !

ومن جهة أخری . . فإن تأویل الروایات الواردة فی موسی علی نبینا وآله وعلیه السلام حتی لو أمکن فهو لا یحل

المشکلة ، لأنه توجد فی صحاح إخواننا ومصادرهم روایات مشابهة عن کبار أنبیاء بنی إسرائیل ، فهی تفضلهم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو تجعلهم فی درجته ، فلا بد من معالجتها جمیعاً !

ویحاول العلماء السنیون حل المشکلة بالتأویلات والإحتمالات البعیدة ، حتی لا یقعوا فی محذور رد الأحادیث الصحیحة أو تکذیب رواتها.. والدخول فی هذا البحث یخرجنا عن موضوعنا ، وإن کان من بحوث السیرة المهمة ، لکن نکتفی بذکر نماذج من هذه الأحادیث:

فمنها حدیث الحاکم المتقدم الصحیح علی شرط الشیخین ، الذی یعطی الشفاعة فی الموحدین لیعقوب(علیه السّلام)قبل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحجة أن یعقوب هو الذبیح !!

ومنها حدیث البخاری المتقدم فی:4/133 حیث جاء فیه ( فإنه ینفخ فی

ص: 508

الصور فیصعق من فی السموات ومن فی الأرض إلا من شاء الله ، ثم ینفخ فیه أخری فأکون أول من بعث ، فإذا موسی آخذٌ بالعرش ، فلا أدری أحوسب بصعقته یوم الطور ، أم بعث قبلی. ولا أقول إن أحداً أفضل من یونس بن متی !) ومثله فی مسلم:7/100

وفی البخاری:4/125:

عن ابن عباس عن النبی(ص)قال: لا ینبغی لعبد أن یقول أنا خیر من یونس بن متی ، ونسبه إلی أبیه.

وفی:4/132:

عن ابن عباس أیضاً ، عن النبی(ص)قال:

لا یقولن أحدکم إنی خیر من یونس ، زاد مسدد یونس بن متی. ونحوه فی:4/132 و:4/133 و:5/185 وص 193 بروایتین ، وفی:8/213

وقد صرحت روایة مسلم:7/102 بأنه حدیث قدسی !! وأنه یشمل کل الناس حتی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال:

عن النبی(ص)أنه قال یعنی الله تبارک وتعالی: لا ینبغی لعبد لی - وقال ابن المثنی لعبدی - أن یقول أنا خیر من یونس بن متی(علیه السّلام)) ! وروی نحوه فی/103

أما ابن ماجة فقد شدد علی الموضوع فروی فی:2/1428 عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال ( ومن قال: أناخیر من یونس بن متی فقد کذب !. فی الزوائد:

ص: 509

إسناده صحیح رجاله ثقات .

وروی نحو ما فی البخاری أبو داود فی سننه:2/406 والترمذی ج1/118 وج 5/51

وعلل أفضلیة یونس فی کنز العمال:12/476:

فروی عن عدة مصادر ، عن علی ، عن النبی(ص)قال: لا ینبغی لأحد - وفی لفظ لعبد - أن یقول أنا خیرٌ من یونس بن متی ، سبح الله فی الظلمات !

أما روایاتهم عن نبی الله داود(علیه السّلام)فقد تکون أکثر صراحةً بتفضیله علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ففی مجمع الزوائد:8/206:

عن أبی الدرداء قال: وکان رسول الله(ص)إذا ذکر داود(ص)قال: کان أعبد البشر. رواه البزار فی حدیث طویل وإسناده حسن .

وفی کنز العمال:12/476:

عن ابن عساکر ، عن أنس أن رجلاً قال للنبی (ص): یا خیر الناس ، قال: ذاک إبراهیم ! قال: یا أعبد الناس ، قال: ذاک داود !!. وفی:3/671 ( إن أخی داود کان أعبد البشر )

وفی صحیح البخاری:6/31 ونحوه فی:4/135:

قال سألت مجاهداً عن سجدة( سورة ) (ص) فقال سألت ابن عباس: من أین سجدت ( یعنی لماذا ) فقال: أو ما تقرأ: ومن ذریته داود وسلیمان أولئک الذین هدی الله فبهداهم اقتده ، فکان داود ممن أُمِرَ نبیکم(ص)أن

ص: 510

یقتدی به ، فسجدها رسول الله(ص)!!

ونفس المشکلة تجدها فی روایاتهم عن یحیی(علیه السّلام)، فقد روی الهندی فی کنز العمال:11/521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغیرهما ، عن ابن عباس: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطیئة ، إلا یحیی بن زکریا ، فإنه لم یهم بها ولم یعملها )

وفی کنز العمال:11/522 عن ابن عساکر: لا ینبغی لاحد أن یقول أنا خیر من یحیی بن زکریا ، ما همَّ یخطیئة ولا جالت فی صدره امرأة .

والنتیجة: أنه لابد للباحث من القول بأن روایات بنی اسرائیل وجدت طریقها إلی مصادر إخواننا السنیین فی عقیدة الشفاعة ، وبقیت ضعیفة فی بعض الحالات ، ولکنها فی حالات أخری صارت إلی صفِّ الروایات الإسلامیة وبستواها من الصحة .. وأحیاناً صارت أقوی منها وحلت محلها !!

أحسن تصور فی مصادر السنیین عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

حاول القاضی عیاض فی کتابه (الشفا ) أن یقدم أفضل صورة عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولذلک لم یتقید بروایات الصحاح، وجمع روایات لم یصححوها وجرَّدها من کثیر من الإسرائیلیات التی تفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا ، کما جرَّد بعض روایاتها من تجسیم الإسرائیلیات ، وبقی فی بعضها ، ولم یجردها من التهم التی تضمنتها لادم وإبراهیم وموسی وعیسی (علیهم السّلام) عندما

ص: 511

یطلب الناس منهم الشفاعة یوم القیامة فیتکلمون عن خطایاهم وجرائمهم التی لم تغفر ! فجاءت صورة عیاض قریبة إلی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) ، وکانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنیٌّ عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وفیما یلی مقتطفات من کلامه من/216 وما بعدها:

وعن أبی هریرة سئل عنها رسول الله(ص)یعنی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فقال: هی الشفاعة .

وروی کعب بن مالک عنه (ص): یحشر الناس یوم القیامة فأکون أنا وأمتی علی تل ، ویکسونی ربی حلة خضراء ، ثم یؤذن لی فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلک المقام المحمود .

وعن ابن عمر رضی الله عنهما وذکر حدیث الشفاعة قال: فیمشی حتی یأخذ بحلقة الجنة ، فیومئذ یبعثه الله المقام المحمود الذی وعده .

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إنی لقائم المقام المحمود ، قیل وما هو ؟ قال: ذلک یوم ینزل الله تبارک وتعالی علی کرسیه . . . !

وقال جابر بن عبد الله لیزید الفقیر: سمعت بمقام محمد یعنی الذی یبعثه الله فیه: قال قلت نعم ، قال: فإنه مقام محمد المحمود ، الذی یخرج الله به من یخرج یعنی من النار ، وذکر حدیث الشفاعة فی إخراج الجهنمیین.

وفی روایة أنس وأبی هریرة وغیرهما دخل حدیث بعضهم فی حدیث بعض قال (ص): یجمع الله الأولین والآخرین یوم القیامة فیلهمون فیقولون لو استشفعنا إلی ربنا. ومن طریق آخر عنه ماج الناس بعضهم فی بعض ، وعن أبی هریرة: وتدنو الشمس فیبلغ الناس من الغم ما لا یطیقون ولا

ص: 512

یحتملون ، فیقولون ألا تنظرون من یشفع لکم فیأتون آدم فیقولون . . .. .

وفی روایة: فآتی تحت العرش فأخر ساجداً ، وفی روایة فأقوم بین یدیه فأحمده بمحامد لا أقدر علیها ، إلا أنه یلهمنیها الله ، وفی روایة: فیفتح الله علیَّ من محامده وحسن الثناء علیه شیئاً لم یفتحه علی أحد قبلی . . .

وفی روایة قتادة عنه قال فلا أدری فی الثالثة أو الرابعة فأقول یا رب ما بقی فی النار إلا من حبسه القرآن أی من وجب علیه الخلود...

ومن طریق زیاد النمیری عن أنس أن رسول الله(ص)قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر ، وأنا سید الناس یوم القیامة ولا فخر ، ومعی لواء الحمد یوم القیامة ، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر ، فآتی فآخذ بحلقة الجنة ، فیقال من هذا ؟ فأقول محمد ، فیفتح لی فیستقبلنی الجبار تعالی ! فأخر ساجداً...

وفی روایة أنس سمعت رسول الله(ص)یقول: لاشفعن یوم القیامة لأکثر مما فی الأرض من حجر وشجر .

فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الاثار أن شفاعته(ص)ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلی آخرها ، من حین یجتمع الناس للحشر وتضیق بهم الحاجر ، ویبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه ، وذلک قبل الحساب ، فیشفع حینئذ لاراحة الناس من الموقف ، ثم یوضع الصراط ویحاسب الناس کما جاء فی الحدیث عن أبی هریرة وحذیفة ، وهذا الحدیث أتقن ، فیشفع فی تعجیل من لا حساب علیه من أمته إلی الجنة...

ثم یشفع فیمن وجب علیه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضیه الأحادیث الصحیحة ثم فیمن قال لا إله إلا الله. ولیس هذا لسواه(ص).. .

ص: 513

وفی/207:

أورد القاضی عیاض أحادیث فی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الشفیع الأول قبل غیره من الأنبیاء منها:

أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطیبهم إذا أنصتوا ، وأنا شفیعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الکرم بیدی وأنا أکرم ولد آدم علی ربی ولا فخر ، ویطوف علیَّ ألف خادم کأنهم لؤلؤ مکنون .

وعن أبی هریرة: وأکسی حلةً من حلل الجنة ، ثم أقوم عن یمین العرش لیس أحد من الخلائق یقوم ذلک المقام غیری .

وعن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ، وبیدی لواء الحمد ولا فخر ، وما نبی یومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائی ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر .

وعن ابن عباس رضی الله عنهما: أنا حامل لواء الحمد یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من یحرک حلق الجنة فیفتح لی فأدخلها فیدخل معی فقراء المؤمنین ولا فخر ، وأنا أکرم الأولین والاخرین ولا فخر .

وعن أنس (رض) قال قال النبی (ص): أنا سید الناس یوم القیامة ، وتدرون لم ذلک ؟ یجمع الله الأولین والآخرین . . وذکر حدیث الشفاعة .

وفی حدیث آخر: أما ترضون أن یکون إبراهیم وعیسی فیکم یوم القیامة ،

ص: 514

ثم قال إنهما فی أمتی یوم القیامة ، أما إبراهیم فیقول أنت دعوتی وذریتی فاجعلنی من أمتک ، وأما عیسی فالأنبیاء إخوة بنو علات أمهاتهم شتی ، وإن عیسی أخی لیس بینی وبینه نبی ، وأنا أولی الناس به...

قوله أنا سید الناس یوم القیامة: هو سیدهم فی الدنیا ویوم القیامة ولکن أشار(ص)لإنفراده فیه بالسؤدد والشفاعة دون غیره ، إذ لجأ الناس إلیه فی ذلک فلم یجدوا سواه. والسید هو الذی یلجأ الناس إلیه فی حوائجهم ، فکان حینئذ سیداً منفرداً من بین البشر لم یزاحمه أحد فی ذلک ولا ادعاه. انتهی .

والنتیجة أن روایات الشفیع الأول فی مصادر السنیین متعارضة بشکل لا یمکن الجمع بینها فلا بد من ترجیح طائفة منها وإسقاط الأخری ، ولا شک فی أن الأرجحیة للطائفة الموافقة لأحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) وللعقل ، المخالفة للیهود .

مسألتا: الذبیح وأول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة

اشارة

یوجد مسألتان علی الأقل ترتبطان بمسألة الشفیع الأول ، تغلب فیهما الإسرائیلیات فی مصادر السنیین یناسب أن نتعرض لهما باختصار، خاصة أن شفاعة إسحاق وإبراهیم (علیهماالسّلام) وردت فی روایاتهما:

الأولی منهما فی تعیین الذبیح المذکور فی القرآن ، وهل هو إسحاق أوإسماعیل ؟

ص: 515

والثانیة فی أول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة ، هل هو إبراهیم أم نبینا صلی الله علیهما وآلهما !

المسألة الأولی
اشارة

رأی الشیعة أن الذبیح هو اسماعیل(علیه السّلام)کما سیأتی .

وقالت الیهود إن الذبیح هو إسحاق ولیس اسماعیل .

قال السید جعفر مرتضی فی ( الصحیح )من السیرة:2/47:

السؤال الذی یلح فی طلب الإجابة علیه هو: من أین جاء هذا الأمر الغریب: أن الذبیح هو إسحاق ؟

والجواب: هو ما قاله ابن کثیر وغیره ( إنما أخذوه والله أعلم من کعب الأحبار أو من صحف أهل الکتاب ، ولیس فی ذلک حدیث صحیح عن المعصوم حتی نترک من أجله ظاهر الکتاب. (1)

فالیهود إذن قد أرادوا ترویج عقیدتهم بین المسلمین ، وتخصیص هذه الفضیلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم. ولکن الیهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة فی هذا الأمر ، فإنها فی حین تقول ( خذ ابنک وحیدک الذی تحبه إسحاق. وإذهب إلی أرض المریا وأصعده هناک محرقة علی. .الخ. (2) فقد عبرت هنا بکلمة وحیدک الدالة علی أن إسحاق هو أکبر ولد إبراهیم ، ولکنها تعود فتکذِّب نفسها وتنص علی أن إسحاق لم یکن وحیداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعیل أربعة عشر سنة. انتهی .

وقال فی هامشه:

ص: 516

(1) البدایة والنهایة:1/161 و159 وراجع السیرة الحلبیة:1/38 عن ابن تیمیة.

(2) سفر التکوین: الإصحاح 22 الفقرة 1 - 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أیضاً .

(3) سفر التکوین الإصحاح 16 فقرة 15-16

نص علی أن عمرَ إبراهیم حین ولادة إسماعیل 86 سنة. وفی سفر التکوین الإصحاح 17 والإصحاح 18 نص علی أنه ولد له إسماعیل وهو ابن 99 أو مئة سنة. انتهی .

أما السنیون فقد تحیروا تحیراً شدیداً فی من هو الذبیح ، وروت مصادرهم روایات ( صحیحة ) متناقضة ! فقد روی الحاکم مثلاً عدة روایات فی أن الذبیح المذکور فی القرآن هو اسماعیل ، وصحح بعضها علی شرط الشیخین !

قال الحاکم فی:2/430:

عن ابن أبی نجیح عن مجاهد عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لابْرَاهِیمَ ، قال من شیعة نوح إبراهیم علی منهاجه وسنته. بلغ معه السعی: شب حتی بلغ سعیه إبراهیم فی العمل. فلما أسلما: ما أمرا به.

وتله للجبین: وضع وجهه إلی الأرض فقال لا تذبحنی وأنت تنظر عسی أن ترحمنی فلا تجهز علی، إربط یدی إلی رقبتی ثم ضع وجهی علی الأرض، فلما أدخل یده لیذبحه فلم یحرک المدیة حتی نودی: أن یا إبراهیم قد صدقت الرؤیا فأمسک یده ورفع .

ص: 517

قوله فدیناه بذبح عظیم: بکبش عظیم متقبل. وزعم ابن عباس أن الذبیح اسمعیل ، هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی .

وقال فی:2/554:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی.

وروی فی الصفحة التی بعدها:

عن عطاء بن أبی رباح عن عبد الله بن عباس رضی الله عنهما أنه قال: المفدی اسمعیل ، وزعمت الیهود أنه إسحاق وکذبت الیهود. انتهی .

ثم روی الحاکم عدة روایات فی أن الذبیح هو إسحاق ، وأنه هو الذی یشفع للموحدین ! ولم یذکر فیها شیئاً عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصحح بعضها أیضاً علی شرط الشیخین! قال فی:2/557 عن إحدی روایاته: قال الحاکم: سیاقة هذا الحدیث من کلام کعب بن ماتع الأحبار ، ولو ظهر فیه سندٌ لحکمتُ بالصحة علی شرط الشیخین ، فإن هذاإسنادٌ صحیحٌ لا غبار علیه !

وقال فی/559:

حدثنا إسمعیل بن الفضل بن محمد الشعرانی ، ثنا جدی ، ثنا سنید بن داود، ثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن أبی إسحاق ، عن أبی الاحوص ، عن عبد الله قال عبد الله قال: الذبیح إسحاق. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

ص: 518

وحدثنا محمد بن عمرو الأویسی ، عن أبی الزبیر ، عن جابر (رض) قال: لما رأی إبراهیم فی المنام أن یذبح إسحاق أخذ بیده. فذکره بطوله . . . قال الحاکم: وقد ذکره الواقدی بأسانیده. وهذا القول عن أبی هریرة ، وعبد الله بن سلام ، وعمیر بن قتادة اللیثی ، وعثمان بن عفان ، وأبی بن کعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم. وقد کنت أری مشائخ الحدیث قبلنا وفی سائر المدن التی طلبنا الحدیث فیها ، وهم لا یختلفون أن الذبیح إسمعیل ، وقاعدتهم فیه قول النبی (ص): أنا ابن الذبیحین ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعیل ، وأن الذبیح الآخر أبوه الادنی عبد الله بن عبد المطلب. والان فإنی أجد مصنفی هذه الأدلة یختارون قول من قال إنه إسحاق. انتهی .

فقد بین الحاکم أنه یوجد عند السنیین اتجاهان فی تعیین الذبیح: قول بأنه اسماعیل ، وهو الاتجاه الشعبی عند الناس وعند مشایخ الحدیث الاکثر تقدیساً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واختلاطاً بالناس ، ولم یکن عندهم شکٌّ ولا خلافٌ بأن الذبیح اسماعیل .

وقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفی هذه الأدلة ) أی مجموعات الأحادیث التی أمرت دولة الخلافة بتصنیفها ، وکانت تکتبها علی دفاتر وتبعث بها إلی الآفاق ، ومن راجع قصص دفاتر الزهری والعلماء الذین صنفوا الحدیث برعایة الدولة ، یعرف أن مقصود الحاکم هؤلاء المصنفین ! ثم أشار الحاکم إلی أن هذه الأحادیث أوجبت علیه أن یتوقف فیما هو مشهور عند مشائخ الحدیث ، وأن یمیل إلی اتجاه المصنفین ، وأن الذبیح إسحاق ولیس إسماعیل !

ص: 519

ثم أورد روایة عن وهب ابن منبه ( الیهودی المقبول فی مصادرهم ) تؤکد أن الذبیح إسحاق وأنه هو شفیع الموحدین !! قال الحاکم:

عن وهب بن منبه قال: حدیث إسحاق حین أمر الله إبراهیم أن یذبحه: وهب الله لإبراهیم إسحاق فی اللیلة التی فارقته الملائکة ، فلما کان ابن سبع أوحی الله إلی إبراهیم أن یذبحه ویجعله قرباناً ، وکان القربان یومئذ یتقبل ویرفع ، فکتم إبراهیم ذلک إسحاق وجمیع الناس وأسرَّه إلی خلیل له ، فقال العازر الصدیق وهو أول من آمن بابراهیم وقوله ، فقال له الصدیق: إن الله لا یبتلی بمثل هذا مثلک ولکنه یرید أن یجربک ویختبرک، فلا تسوأن بالله ظنک فإن الله یجعلک للناس إماماً ولا حول ولا قوة لابراهیم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحیم. فذکر وهب حدیثا طویلاً إلی أن قال وهب: وبلغنی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: لقد سبق إسحاق الناس إلی دعوة ما سبقها إلیه أحد ! ویقومن یوم القیامة فلیشفعن لأهل هذه الدعوة ، وأقبل الله علی إبراهیم فی ذلک المقام فقال:

إسمع منی یا إبراهیم أصدق الصادقین. وقال لاسحاق: إسمع منی یا أصبر الصابرین ، فإنی قد ابتلیتکما الیوم ببلاء عظیم لم أبتل به أحداً من خلقی ، ابتلیتک یا إبراهیم بالحریق فصبر صبراً لم یصبر مثله أحد من العالمین ، وابتلیتک بالجهاد فیَّ وأنت وحیدٌ وضعیفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم یصدق مثله أحد من العالمین ، وابتلیتک یا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسک ولم تعظم ذلک فی طاعة أبیک ، ورأیت ذلک هنیئاً صغیراً فی الله کما یرجو من أحسن ثوابه ویسر به حسن لقائه ، وإنی أعاهدکما الیوم عهداً لا أحبسن به: أما أنت یا إبراهیم فقد وجبت لک الجنة علیَّ فأنت خلیلی من

ص: 520

بین أهل الأرض دون رجال العالمین ، وهی فضیلة لم ینلها أحد قبلک ولا أحد بعدک ، فخرَّ إبراهیم ساجداً تعظیماً لما سمع من قول الله متشکراً لله .

وأما أنت یا إسحاق فتمنَّ علیَّ بما شئت ، وسلنی واحتکم ، أوتک سؤلک .

قال: أسألک یا إلهی أن تصطفینی لنفسک ، وأن تشفعنی فی عبادک الموحدین ، فلا یلقاک عبدٌ لا یشرک بک شیئاً إلا أجرته من النار .

قال له ربه: أوجبت لک ما سألت وضمنت لک ولأبیک ما وعدتکما علی نفسی ، وعداً لا أخلفه ، وعهداً لا أحبسن به ، وعطاء هنیئاً لیس بمردود. انتهی .

والنتیجة أن الحاکم یشهد بأن الروایات القائلة بأن الذبیح اسماعیل صحیحة ومشهورة عند مشائخ الحدیث وعامة الناس .

ویشهد أیضاً بأن الروایات القائلة بأن الذبیح إسحاق صحیحة أیضاً عند أهل المصنفات ، وهو یرجحها مع أنها مخالفة للمشهور !

لکن یبقی السؤال: من أین جاء هذان الاتجاهان فی المسألة !

أما البخاری فقد تهرب فی صحیحه من تعیین الذبیح ولکنه اختار فی تاریخه أنه إسحاق ولیس إسماعیل رغم وجود عدة روایات صحیحة علی شرطه تقول إنه اسماعیل ومن البعید جداً أنه لم یرها !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد بن حمید والبخاری فی تاریخه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبیح إسحاق.

ص: 521

انتهی .

بل یمکن القول إن البخاری اختار فی صحیحه أیضاً أن الذبیح إسحاق لأن الروایة الیتیمة التی رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من روایة مجاهد المتقدمة فی مستدرک الحاکم ، وقد حذف منها أن الذبیح اسماعیل ! !

قال البخاری فی صحیحه:8/70:

باب رؤیا إبراهیم وقوله تعالی: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قَالَ یَا بُنَیَّ إِنِّی أَرَی فِی الْمَنَامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَی . . . قال مجاهد: أسلما: سلما ما أمرا به ، وتله: وضع وجهه بالأرض. انتهی .

ولابد أن البخاری لم یرتض رأی مجاهد فی أصل هذه الروایة وغیرها بأن الذبیح اسماعیل ، ولذلک حذفه من تفسیره للایات الذی نقله عنه ! ولکنه لم یشیر إلی ما فعل مع الأسف !

ووما یدل علی أن رأی مجاهد القاطع بأن الذبیح اسماعیل : ما رواه السیوطی فی الدر المنثور: 5/280 قال:

وأخرج سعید بن منصور وابن المنذر وابن أبی حاتم من طریق مجاهد ویوسف بن ماهک عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل(علیه السّلام) .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر من طریق یوسف بن مهران وأبی الطفیل عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل(علیه السّلام).

وأخرج عبد بن حمید عن سعید بن المسیب وسعید بن جبیر قالا: الذی أراد إبراهیم(علیه السّلام)ذبحه اسمعیل(علیه السّلام).

ص: 522

وأخرج ابن جریر عن الشعبی ومجاهد والحسن ویوسف بن مهران ومحمد بن کعب القرظی مثله. انتهی .

وأما مسلم ، فلم نجد فیه روایة تعین الذبیح ! ولو کان یری أنه إسماعیل

لذکره ، لوجود روایات عدیدة صحیحة علی شرطه فی ذلک ، ومن البعید أنه لم یرها ! فلا بد أنه کالبخاری والحاکم رجح أن الذبیح إسحاق .

أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلک ؟

ولماذا أسقطوا الأحادیث الصحیحة بأن الذبیح اسماعیل !

فالجواب: أنهم فعلوه لحاجة فی نفس یعقوب !!

والحاجة التی فی نفس یعقوب هنا: أن قریشاً تبنت القول بأن الذبیح هو إسحاق حتی لا تضطر إلی الإعتراف بحدیث ( أنا ابن الذبیحین ) لأن هذا الحدیث یعطی لعبد المطلب مقاماً شبیهاً بمقام إبراهیم(علیه السّلام)وأنه کان ولیاً ملهماً کالأنبیاء وأن الله تعالی امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه . . وإذا اعترفت بذلک ، فإن حق الحکم بعد النبی یجب أن یکون فی ذریة عبد المطلب دون غیرهم من بیوتات قریش وقبائلها !!

فالأفضل للقرشیین فی تصورهم أن یقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وکل أسرة النبی الماضین، کانوا کفاراً وأنهم فی النار ، وأن ورثة سلطان النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )هم جیل قریش الذین عاصروه من جمیع قبائل قریش الثلاث والعشرین !

ولهذا نجد أن شخص ( الخلیفة ) یتدخل فی هذا الموضوع ویصیر راویاً ،

ص: 523

ویقول إن النبی لم یقل إنه ابن الذبیحین ،ولکن بدویاً فقیراً تقرب إلیه بهذه العبارة ، فتبسم لها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقد کان تبسمه اشتباهاً ورأیاً رآه من عنده ولم ینزل علیه به وحی !!

روی الحاکم فی المستدرک:2/554 عن: عبد الله بن سعید الصنابحی قال: حضرنا مجلس معاویة بن أبی سفیان فتذاکر القوم اسمعیل وإسحاق بن إبراهیم فقال بعضهم: بل إسحاق الذبیح فقال معاویة: سقطتم علی الخبیر کنا عند رسول الله فأتاه الاعرابی فقال: یا رسول الله خلفت البلاد یابسة والماء یابساً هلک المال وضاع العیال فعد علی بما أفاء الله علیک یابن الذبیحین فتبسم رسول الله ولم ینکر علیه !!

فقلنا یا أمیرالمؤمنین وما الذبیحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ینحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بینهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بنی مخزوم وقالوا: أرض ربک وافد ابنک. قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبیح واسمعیل الثانی. انتهی .

وفی ظنی أن الراوی تصرف فی القسم الأخیر من کلام معاویة ، لأنه فی القسم الأول نفی مسألة الذبیح من أصلها ! ولا بد أن تکون بقیة حدیث معاویة فی نفی الذبیحین بلسان معاویة أو عن لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

لقد التقت مصلحة القرشیین فی هذه المسألة مع مصلحة الیهود ! وکعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة ، لیثبتوا أن الذبیح اسحاق ، ولیس إسماعیل ، وینقضوا علی الشفاعة للموحدین فیأخذوها من النبی

ص: 524

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویجعلوها لاسحاق !!

ویتضح عمل کعب فی الموضوع من الروایة التالیة التی رواها عبد الرزاق فی تفسیره:2/123 عن الزهری عن القاسم بن محمد فی قوله: إنی أری فی المنام أنی أذبحک ، قال: اجتمع أبو هریرة وکعب فجعل أبو هریرة یحدث کعباً عن النبی (ص) وجعل کعب یحدث أبا هریرة عن الکتب ! فقال: أبو هریرة قال النبی (ص): إن لکل نبی دعوة مستجابة وإنی خبأت دعوتی شفاعة لامتی یوم القیامة فقال له کعب: أنت سمعت هذا من رسول الله ! قال نعم .

قال کعب: فداه أبی وأمی أفلا أخبرک عن إبراهیم إنه لما رأی ذبح ابنه إسحاق قال الشیطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهیم بابنه لیذبحه فذهب الشیطان فدخل علی سارة فقال: أین ذهب إبراهیم بابنک قالت: غدا به لبعض حاجته فقال: إنه لم یغد به لحاجة إنما ذهب لیذبحه. قالت: ولم یذبحه ! قال: یزعم أن ربه أمره بذلک ! قالت: فقد أحسن أن یطیع ربه فی ذلک فخرج الشیطان فی أثرهما فقال للغلام أین یذهب بک أبوک قال

لحاجته قال إنما یذهب بک لیذبحک ! قال لم یذبحنی قال یزعم أن ربه أمره بذلک ! قال والله لئن کان أمره بذلک لیفعلن. قال فترکه ولحق بإبراهیم فقال: أین غدوت بابنک فقال لحاجة قال: فإنک لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربک أمرک بذلک ! قال: فوالله لئن کان أمرنی بذلک لافعلن. قال: فترکه ویئس أن یطاع. انتهی .

ص: 525

وروی الطبری فی تاریخه:1/187:

روایة معاویة وعدة روایات عن کعب الأحبار فی أن الذبیح إسحاق ، ومنها روایة عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فیها: فلما أخذ إبراهیم إسحاق لیذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظیم قال إبراهیم لإسحاق قم أی بنی فإن الله قد أعفاک فأوحی الله إلی إسحاق إنی أعطیک دعوة أستجیب لک فیها قال إسحاق: اللهم فإنی أدعوک أن تستجیب لی أیما عبد لقیک من الأولین والآخرین لا یشرک بک شیئاً فأدخله الجنة. انتهی .

وبذلک یقول لنا کعب: إن الذبیح هو إسحاق جد الیهود ولیس جد العرب ، ثم إنکم تزعمون أن محمداً یشفع فی الموحدین ، وقد سبقه إلی ذلک إسحاق فلم یبق معنی لشفاعة نبیکم !

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والحاکم وصححه والبیهقی فی شعب الإیمان عن کعب (رض) أنه قال لابی هریرة: ألا أخبرک عن اسحاق قال بلی قال: لما رأی إبراهیم أن یذبح إسحاق . . . وذکر شفاعة اسحاق للموحدین بنحو روایة الطبری المتقدمة !

وقال ابن خلدون فی تاریخه:2/38:

واختلف فی ذلک الذبیح من ولدیه ، فقیل اسمعیل وقیل اسحاق وذهب إلی کلا القولین جماعة من الصحابة والتابعین فالقول باسمعیل لابن عباس وابن عمر والشعبی ومجاهد والحسن ومحمد بن کعب القرظی وقد یحتجون له

ص: 526

بقوله صلی الله علیه وسلم: أنا ابن الذبیحین ولا تقوی الحجة به لأن عم الرجل قد یجعل أباه بضرب من التجوز لا سیما فی مثل هذا الفخر !!

ویحتجون أیضاً بقوله تعالی: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَآءِ إِسْحَاقَ یَعْقُوبَ ولو کان ذبیحاً فی زمن الصبا لم تصح البشارة بابن یکون له لأن الذبح فی الصبا ینافی وجود الولد ولا تقوم من ذلک حجة لأن البشارة إنما وقعت علی وفق العلم بأنه لا یذبح وأنما کان ابتلاء لإبراهیم .

والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلی وابن مسعود وکعب الأحبار وزید بن أسلم ومسروق وعکرمة وسعید بن جبیر وعطاء والزهری ومکحول والسدی وقتادة . انتهی .

وینبغی الإلتفات هنا إلی أن أصل القول بأن الذبیح إسحاق من شخصین حسب روایة ابن خلدون وغیره:

الأول: الخلیفة عمر مؤسس الخلافة القرشیة وصاحب مشروع عزل بنی هاشم عن الخلافة .

والثانی: کعب الأحبار حامل رایة الثقافة الإسرائیلیة .

وقد ذکر الرواة المؤیدون للخلافة القرشیة اسم علی والعباس، ورووا عنهما أن الذبیح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظیمة عن عبد المطلب ، التی تجعله بنص الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إبراهیم الثانی !

ویظهر أن قریشاً وکعباً لم یستطیعوا إقناع جمهور المسلمین بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن ، ولا إسکات بنی هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبیح

ص: 527

هو إسحاق ، وإن رووا ذلک عنهم ، فقد بقی عوام المسلمین مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقیت روایات أهل البیت الصریحة ، وروایات ابن عباس التی تقدمت فی مستدرک الحاکم: 2/555: قال: المفدی إسمعیل وزعمت الیهود أنه إسحاق وکذبت الیهود. انتهی. بقی کل ذلک یتحدی رواة الخلافة القرشیة واسرائیلیاتها !

رأی أهل البیت (علیهم السّلام)

تؤکد مصادر أهل البیت(علیهم السّلام) أن الذبیح هو اسماعیل(علیه السّلام)وقد قوی العلماء روایاته وضعفوا روایة أن الذبیح إسحاق حتی صار ذلک من مختصات مذهبنا . . ففی تفسیر القمی:2/226: قال: وحدثنی أبی عن صفوان بن یحیی وحماد عن عبدالله بن المغیرة عن ابن سنان عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال سألناه عن صاحب الذبح فقال: اسماعیل. وروی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: أنا ابن الذبیحین یعنی اسماعیل وعبد الله بن عبد المطلب .

وفی تفسیر التبیان:8/517:

واختلفوا فی الذبیح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن کعب القرطی وسعید بن المسیب والحسن فی إحدی الروایتین عنه والشعبی: إنه کان إسماعیل وهو الظاهر فی روایات أصحابنا ویقویه قوله بعد هذه القصة وتمامها: وبشرناه بإسحاق نبیاً من الصالحین فدل علی أن الذبیح کان اسماعیل. ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترک الظاهر لأن الظاهر یقتضی البشارة بإسحاق دون نبوته .

ص: 528

ویدل أیضاً علیه قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق یعقوب ولم یذکر اسماعیل. فدل علی أنه کان مولوداً قبله .

وأیضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سیولد له یعقوب فکیف یأمره بذبحه مع ذلک ؟ وأجابوا عن ذلک بأن الله لم یقل إن یعقوب یکون من ولد إسحاق .

وقالوا أیضاً یجوز أن یکون أمره بذبحه بعد ولادة یعقوب. والأول هو الاقوی علی ما بیناه. وقد روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: أنا ابن الذبیحین ولا خلاف أنه کان من ولد اسماعیل والذبیح الآخر عبد الله أبوه. انتهی

وفی تفسیر نور الثقلین:4/421:

فی أمالی شیخ الطائفة+بإسناده إلی سلیمان بن یزید قال: حدثنا علی بن موسی قال: حدثنی أبی عن أبیه عن أبی جعفر عن أبیه عن آبائه (علیهم السّلام) قال: الذبیح اسماعیل(علیه السّلام) .

وفی مهج الدعوات فی دعاء مروی عن أمیر المؤمنین (علیه السّلام) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا من فدی اسماعیل من الذبح .

وفی مستدرک الوسائل:16/98:

وفی العیون: عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعید الکوفی عن علی بن حسن بن فضال عن أبیه قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السّلام)عن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین قال: یعنی إسماعیل بن إبراهیم الخلیل (علیهماالسّلام) وعبد الله بن عبدالمطلب... إلی أن قال: وأما الآخر فإن عبدالمطلب کان تعلق بحلقة باب الکعبة ودعا الله عز وجل أن یرزقه عشرة بنین ونذر لله عز وجل أن یذبح واحداً منهم متی أجاب الله دعوته

ص: 529

فلما بلغوا عشرة قال: قد وفی الله تعالی لی فلافین لله عز وجل فأدخل ولده الکعبة وأسهم بینهم فخرج سهم عبد الله . . الخبر .

ابن شهر آشوب فی المناقب: تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعیل فنذر أنه متی رزق عشرة أولاد ذکوراً أن ینحر أحدهم فی الکعبة شکراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: یا بنی ما تقولون فی نذری فقالوا: الأمر إلیک ونحن بین یدیک..الخبر. انتهی .

بحث فی إیمان عبد المطلب وروایة أنا ابن الذبیحین

نظراً لاهمیة هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبی وشخصیة أبیه وجده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .. نستعرضها بشکل موجز ، ونبین ظلامة عبد المطلب فی مصادر السنیین:

فقد روت مصادرهم بأسانید صحیحة عن لسان أصدق الصادقین الناطق بإلهام رب العالمین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، نقاطاً ملفتة فی مدح عبد المطلب ، توجب الإعتقاد بأن شخصیته شخصیة ربانیة ، وتوجب رفض الروایات التی تعارضها وتتهمه بالشرک وعبادة الأصنام !

فمن هذه الأحادیث:

أنه عندما انهزم المسلمون فی حنین وترکوا نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین سهام الکفار ورماحهم وسیوفهم فی أشد ظروف الخطر ، ولم یبق معه إلا الملائکة وعلی وبعض بنی هاشم..ترجل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للحرب وافتخر علی الکفار بأمرین: نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلک بین یدی الله تعالی وقاتلهم !

والنبی العادی لا یفتخر بجده وآبائه إذا کانوا کفاراً ، فکیف بسید الأنبیاء

ص: 530

والمرسلین وأتقی الموحدین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

قال البخاری فی صحیحه:5/98:

عن أبی إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: یا أبا عمارة أتولیت یوم حنین ! فقال أما أنا فأشهد علی النبی(ص)أنه لم یول ولکن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفیان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس بغلته البیضاء ( وهو ) یقول:

أنا النبی لا کذب

أنا ابن عبد المطلب

وقال البخاری فی:3/220:

قال: لا والله ما ولی النبی(ص)، ولکن ولی سرعان الناس ، فلقیهم هوازن بالنبل، والنبی(ص)علی بغلته البیضاء، وأبو سفیان بن الحر ث آخذ بلجامها، والنبی(ص)یقول:

أنا النبی لا کذب أنا ابن عبد المطلب

وقال فی:4/28:

فلما غشیه المشرکون نزل فجعل یقول:

أنا النبی لا کذب

أنا ابن عبدالمطلب

قال: فما رؤی من الناس یومئذ أشد منه ! ورواه مسلم فی:5/168 و 169

وقال البخاری فی صحیحه:4/161:

باب من انتسب إلی آبائه فی الإسلام والجاهلیة. وقال ابن عمرو وأبو هریرة عن النبی (ص): إن الکریم ابن الکریم بن الکریم بن الکریم یوسف بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم خلیل الله. وقال البراء عن النبی (ص): أنا ابن

ص: 531

عبد المطلب.

ومن هذه الأحادیث:

ما دل أن الله تعالی جعل فی شریعته الخالدة مالیة خاصة لأبناء عبد المطلب إلی یوم القیامة ، فحرم علیهم الصدقات لأنها أوساخ الناس ، وجعل لهم بدلها الخمس. وإن شخصاً یکون فی ذریته أبرار وأخیار بهذا المستوی إلی یوم القیامة ، یستبعد أن یکون مشرکاً عابداً للأصنام !

قال النسائی فی سننه:7/134:

عن مجاهد قال الخمس الذی لله وللرسول کان للنبی(ص)وقرابته لا یأکلون من الصدقة شیئاً . . . قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذی القربی والیتامی والمساکین وابن السبیل .

وقال أبو داود فی سننه:2/26:

حدثنا حسین بن علی العجلی، ثنا وکیع، عن الحسن بن صالح، عن السدی، فی ذی القربی قال: هم بنو عبد المطلب .

وقال النسائی:5/105:

باب استعمال آل النبی(ص)علی الصدقة... أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا یونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمی أن عبد المطلب بن ربیعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربیعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربیعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتیا رسول الله(ص)فقولا له

ص: 532

استعملنا یا رسول الله علی الصدقات ، فأتی علی بن أبی طالب ونحن علی تلک الحال فقال لهما: إن رسول الله(ص)لا یستعمل منکم أحداً علی الصدقة ، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتی أتینا رسول الله(ص)، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هی أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد !

وفی صحیح مسلم:3/118:

عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الصدقة لاتنبغی لآل محمد ، إنما هی أوساخ الناس... وقال أیضاً: ثم قال رسول الله (ص): أدعوا لی محمیة بن جزء ، وهو رجل من بنی أسد کان رسول الله(ص)استعمله علی الأخماس. انتهی.

ونحوه فی سنن أبی داود:2/28 ومسند أحمد:4/166 والبیهقی فی سننه:7/31 - وشبهه فی:6/338

وروی إحدی روایاته الحاکم فی المستدرک:3/484وقال: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. وروی نحوه فی کنز العمال:6/458 بعدة روایات .

ومعنی قوله ادعوا لی محمیة: أدعوا لی المسؤول عن الأخماس التی هی شرعاً لبنی عبد المطلب ، حتی أعطی هؤلاء منها. وهو یدل علی أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )نفذ فی حیاته الحکم الشرعی فی الخمس ، وجعل له مسؤولاً هو محمیة بن جزء، ولکن ذلک انتهی بوفاته ، ولم یبق له أثرٌ عند خلفاء قریش!

ص: 533

وقد یشکل علی هذا التشریع الإسلامی: بأنه قد أسس الطبقیة فی المجتمع الإسلامی ، وجعل أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من بنی هاشم وعبد المطلب ، أسرة ممیزة اجتماعیاً ومالیاً ، بل ومترفعة علی غیرها ، فهی لا تأکل من أموال بیت المال التی تتجمع من الزکوات والضرائب لأنها أوساخ الناس ، بل لها مالیتها الخاصة فی موارد الدولة.

وقد اختلف الفقهاء فی موارد مالیة بنی عبد المطلب هذه ، فحصرها فقهاء الخلافة القرشیة بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوی قربی النبی من بنی هاشم..وعممها فقهاء الشیعة لکل مایغنم فی الحرب والکسب ، مما زاد علی مصارف المسلم السنویة.. فقد یقال إن هذه الاموال تشکل میزانیة دولة فکیف یجعلها الله تعالی لاسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!

والجواب: أولاً ، أن الخمس لیس لأغنیاء بنی هاشم ، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنین .

وثانیاً ، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبیاء والنابغین أمر حضاری ، فلو أن مجلس العموم البریطانی مثلاً أقرَّ قانوناً بإعطاء أبناء آینشتاین من أموال الدولة ما یکفی لمعیشة فقراءهم ، بسبب أنهم من ذریة عالم نابغ ، ویؤمل أن ینبغ منهم آخرون..لرأی فیه المعترضون علی الخمس الإسلامی عملاً عصریاً صحیحاً ، واهتماماً جیداً من دولة متحضرة !

فما هو الإشکال فی أن تهتم الشریعة الخاتمة بذریة سید الأنبیاء وأسرته (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتجعل لهم میزانیة من أزکی الموارد ، لمن کان منهم مؤمناً محتاجاً .

ص: 534

وثالثاً ، إن الذی یشکل علی تشریع الخمس لال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیه أن یرجع إلی القرآن لیری ما هو أعظم من الخمس ، فإن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الوحید من بین الأنبیاء الذی أوجب الله تعالی علی أمته إعطاءه أجراً علی تبلیغ الرسالة ، وجعل هذا الأجر: مودة آله فقال (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی) ولذا أفتی کل فقهاء المذاهب بنفاق الناصبی الذی یکره آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأفتی بعضهم بکفره !

إن المتأمل فی آیات القرآن وتاریخ الأدیان ، لا مفر له من القول بأن الله تعالی من الأصل قد اختار الأنبیاء وأسرهم لتبلیغ الدین الإلهی ، وإقامة الحکم به فی المجتمعات البشریة. فالاسرة المختارة أساسٌ فی نظام الدین الإلهی ، ولکنها أسرة مصطفاة من الله العلیم بشخصیات عباده ، الحکیم فی اختیار أنبیائه وأولیائه . . لا کالاسر التی یختارها الناس بأهوائهم ، أو بعلمهم المحدود ، أو الأسر التی تتسلط بالقوة وتفرض نفسها علی الناس !

قال الله تعالی: إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ . ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ . آل عمران 33 - 34

وقال عن جمهرة أسر الأنبیاء:

وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَی قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ . وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَی وَعِیسَی وَإِلْیَاسَ کُلٌّ مِنَ الصَّالِحِینَ .

ص: 535

وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَیْنَاهُمْ وَ هَدَیْنَاهُمْ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . ذَلِکَ هُدَی اللهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَکُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ . أُولَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ . الأنعام : 83 - 89

وقال عن دعاء زکریا بالذریة الطیبة:

هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ . آل عمران : 38

وقال عن ذریة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وکثرتهم:

وَکَذَلِکَ أَنْزَلْنَاهُ حُکْمًا عَرَبِیًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا وَاقٍ . وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِکَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّیَّةً وَمَا کَانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتَابٌ . الرعد : 37 - 38

إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأَبْتَرُ . الکوثر : 1-3

وقال عن دعاء الملائکة للذریات المؤمنة:

الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَئٍْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ

ص: 536

الْحَکِیمُ . وَقِهِمُ السَّیِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّیِّئَاتِ یَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ . غافر : 7 - 9

وقال عن نظام الذریة والاسر فی الآخرة أیضاً:

وَالَّذِینَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً وَیَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أُولَئِکَ لَهُمْ عُقْبَی الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَالْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ . الرعد : 22-24

مُتَّکِئِینَ عَلَی سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِینٍ . وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئْ کُلُّ امْرِئٍ بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ. الطور : 20 - 21 انتهی .

فنظام الأسرة والذریة نظام طبیعی فی بنی آدم ، وقد أقره الله تعالی واستفاد منه فی الدین الإلهی.

وإذا کانت البشریة قد عانت الویلات والمآسی وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة . . فإن ذلک یرجع إلی فساد تلک الأسر ولا یصح أن یکون سبباً لرفض بنیة الأسرة وفکرتها . . فهذه البنیة تختزن إیجابیات کبری لحمل الرسالة واستمرارها کما أن فیها خطر سلبیات کبری أیضاً وأن تتحول إلی ملک عضوض . . وقد تحدث القرآن عن الأجیال التی فسدت من أسر الأنبیاء وأتباعهم فقال تعالی:

أُولَئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْرَائِیلَ وَمِمَّنْ هَدَیْنَا وَاجْتَبَیْنَا إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ

ص: 537

آیَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُکِیًّا . فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا یُظْلَمُونَ شَیْئًا. مریم: 58 -60

لکن عندما یختار الله تعالی أسرة کأسرة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویصطفیها فلیس معناه أنه یختار کل أفرادها علی علاتهم بل معناه أنه یختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سیوجد منها أفراد معصومون یختارهم لهدایة الأمة وقیادتها .

ولو فکرت فیما نقلته الصحاح من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث الثقلین ( ولقد أخبرنی اللطیف الخبیر أنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ) لما وجدت له معنی إلا أن الله تعالی أخبر نبیه بأنه سیکون من عترته شخص معصوم یواصل خط نبوته فی کل عصر إلی یوم القیامة! فالاختیار لبنی عبد المطلب کلیٌّ عام لانهم معدن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعدن الأئمة من عترته (علیهم السّلام) ولأنهم الأفضل بالمقایسة مع غیرهم من الأسر ، فهی أقلهم سلبیات وأکثرهم إیجابیات . . وهو اختیار ترافقه تشریعات حازمة شرعها الله تعالی بشأنهم تتلخص بما یلی:

أن المودة والاحترام لجمیع بنی هاشم ، بشرط الإسلام والإیمان .

أن الخمس لفقرائهم المؤمنین بمقدار کفایتهم وتمشیة أمور معیشتهم .

أن وجوب الإطاعة فقط لاولی الأمر المعصومین منهم (علیهم السّلام) الذین هم الأئمة الإثنا عشر لاغیر . . وقد تقدم فی الفصل الثامن تفسیر آیة المصطفین الذین أورثهم الله الکتاب بعد نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأنهم محصورون فی ذریة فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)، وأن الصالحین منهم ثلاثة أنواع: سابق بالخیرات وهم الأئمة (علیهم السّلام) ومقتصد وظالم لنفسه .

ص: 538

ومن الأمور الطریفة أن الذین ینتقدون الشیعة لتمسکهم بمودة أهل البیت وولایتهم (علیهم السّلام) ویقولون إن مذهب التشیع مذهب أسری ، ینسون أنهم أسریون أکثر منا ! فنحن نعتقد أن الخلافة فی هذه الأمة إلی یوم القیامة مخصوصة فی ذریة النبی عملاً بنصه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..بینما هم یقولون إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم ینص علی أحد ، وبعضهم یقول إنه علی أن الخلافة فی قریش إلی یوم القیامة ، لأنهم قبیلة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

فنحن أسریون بالنص ، وهم قبلیون بغیر نص ، أو بنص !

ونطاق ولائنا نحن لبنی هاشم وعبد المطلب بصورة عامة، ولإثنی عشر إماماً منهم بصورة خاصة . . بینما نطاق ولائهم لبضع وعشرین قبیلة، هم مجموعة قبائل قریش ، ومنهم أئمة الشرک ، والکفر ، والنفاق !

وقد روینا ورووا أن علیاً(علیه السّلام)بعد أن فرغ من مراسم تغسیل النبی والصلاة علیه ودفنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بلغه أن بعض زعماء قریش ذهبوا إلی السقیفة حیث کان رئیس الأنصار مریضاً، واحتجوا علی الأنصار بأنهم قوم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعشیرته وأولی منهم بسلطانه ! فقال علی(علیه السّلام)فیما قال: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ! !

وغرضنا هنا أن نوضح أن جمیع المسلمین ماعدا من شذ قد أجمعوا علی أن نظام الحکم فی الإسلام بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إما أن یکون أسریاً مخصوصاً بعترته‘، أو قبلیاً مخصوصاً بقبائل قریش الثلاث والعشرین أو الخمس والعشرین .

فنحن نقول إنه نظامٌ أسری بالنص واختیار الله تعالی کما قال ( ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) ، والسنة یقولون إنه نظامٌ قبلی باختیار الناس لکن من داخل

ص: 539

قریش ، ولا یجب أن یکون الحاکم عندهم من أسرة النبی(علیه السّلام)، بل لعله یستحبون أن یکون من غیرها !

ومن الأحادیث والنصوص الدالة علی إیمان عبد المطلب:

ما ثبت فی الحدیث والتاریخ من کرامات بل معجزات لعبد المطلب ، فی حملة أبرهة لهدم الکعبة تدل علی توحیده وإیمانه ویقینه ، وعلی أنه کان یعرف أن الله تعالی سیرسل علیهم طیراً أبابیل ، وکان یرسل بعص أولاده إلی الجبل لینظروا هل جاء سرب الطیور من قبل البحر!

ورووا کذلک مخاطبته للفیل وجواب الفیل له بالاشارة بأنه لن یدخل إلی محیط الکعبة . . . إلی آخر ما اتفق علیه المؤرخون والمحدثون مما لا یمکن

أن یصدر إلا عن ولی مقرب !

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی الکرامة التی أکرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم علی یده وما رافق ذلک من آیات فقد کان الله تعالی أکرم بهذا النبع جده اسماعیل وأمه هاجر ثم نضب وعفی علی مر الزمن حتی أعاده الله تعالی علی ید عبد المطلب عن طریق الرؤیا الصادقة التی لا تکون إلا للأنبیاء والاوصیاء وکبار الأولیاء.

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی معرفته بنبوة حفیده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، واهتمامه الخاص به ورعایته الممیزة له فی طفولته وصباه ، وتوصیته به إلی أرشد أبنائه أبی طالب ، وإخباره إیاه بأمره . . . إلی آخر ما اتفق علیه المؤرخون والمحدثون ، مما لا یمکن أن یصدر إلا عن ولی مقرب !

ص: 540

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی المکانة الدینیة التی کانت لعبد المطلب فی قلوب قبائل العرب وجماهیر ها والتی لم یکن لاحد مثلها حتی لرؤساء قبائلهم . . . کل ذلک مع حسد قریش له وعمل رؤسائها للحط من مکانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قریش الذین قادوا معرکة بدر وبنو المغیرة الذین کان یرأسهم أبو جهل وبنو أمیة الذین کان یرأسهم صخر .

وقد نصت مصادر التاریخ علی هذه المکانة وأن طابعها کان تقدیساً دینیاً غیر وثنی بل مرتبطاً بالکعبة وزمزم وإسماعیل وإبراهیم (علیهم السّلام) . ویلاحظ ذلک من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم واحترامهم للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باعتباره ابن عبدالمطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعیل وإبراهیم وبرکتهما !

روی النسائی فی سننه:4/124:

عن أبی هریرة قال بینما النبی(ص)مع أصحابه ( إذ ) جاء رجل من أهل البادیة قال: أیکم ابن عبد المطلب

قالوا: هذا الامغر المرتفق. قال حمزة: الامغر الأبیض مشرب حمرة .

فقال: إنی سائلک فمشتد علیک فی المسألة .

قال: سل عما بدا لک .

قال: أسألک بربک ورب من قبلک ورب من بعدک آلله أرسلک .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تصلی خمس صلوات فی کل یوم ولیلة .

ص: 541

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تأخذ من أموال أغنیائنا فترده علی فقرائنا .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تصوم هذا الشهر من إثنی عشر شهراً .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن یحج هذا البیت من استطاع إلیه سبیلا .

قال: اللهم نعم .

فقال: فإنی آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهی .

ورواه البخاری مختصراً فی صحیحه:1/23وأبوداود فی سننه:1/117- 118 ویفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مکانة خاصة فی قلوب المتفکرین من العرب. .بل یشیر النص التالی فی صحیح البخاری إلی أن أولاد بنی عبد المطلب لهم ممیزات نورانیة خاصة. ففی:5/140: أن علی بن أبی طالب (رض)خرج من عند رسول الله(ص)فی وجعه الذی توفی فیه فقال الناس: یا أبا الحسن کیف أصبح رسول الله(ص)فقال أصبح بحمد الله بارئاً فأخذ بیده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإنی والله لاری رسول الله(ص)سوف یتوفی من وجعه هذا إنی لاعرف وجوه بنی عبد المطلب عند الموت . . . !! ورواه البخاری أیضاً فی:7/136

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی العاطفة النبویة الجیاشة التی کانت تفیض من قلب نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 542

علی بنی هاشم وبنی عبد المطلب وذریتهما وأحادیث ذلک کثیرة صحیحة ملیئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقین القرشی ضد عبد المطلب .

قال البخاری فی صحیحه:2/204:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال لما قدم النبی(ص)مکة استقبله أغیلمة بنی عبدالمطلب فحمل واحداً بین یدیه وآخر خلفه . . ورواه فی:7/67

فهل کانت هذه العاطفة النبویة والحفاوة المحمدیة بأطفال کافرین ! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السیف !

کلا بل کانت عاطفة علی غصون شجرة مبارکة یحملون إرث أجدادهم الأنبیاء والأوصیاء ، ولم یظهر منهم إلی الآن انحراف عنها !!

وروی البخاری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تعمد فی حجة الوداع أن یوعی الأمة علی ظلم قریش للنبوة ، ولکل بنی هاشم وعبد المطلب !

قال البخاری فی:2/158:

عن أبی هریرة (رض) قال قال النبی(ص)من الغد یوم النحر وهو بمنی: نحن نازلون غدا بخیف بنی کنانة حیث تقاسموا علی الکفر. یعنی بذلک المحصب ، وذلک أن قریشاً وکنانة تحالفت علی بنی هاشم وبنی عبد المطلب أو بنی المطلب ، أن لا یناکحوهم ولا یبایعوهم حتی یسلموا إلیهم النبی (ص). انتهی .

ثم لاحظ ذلک التعبیر النبوی الملی بالعاطفة والحنان والإیمان بنوعیة أبناء عبدالمطلب الممیزة حیث قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما حدیث الکافی الآتی ( فما ظنکم

ص: 543

یا بنی عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثراً علیکم غیرکم!) .

ویؤیده ما رواه ابن شبة فی تاریخ المدینة:2/264 قال:

حدثنا أبوحذیفة قال حدثنا سفیان عن أبیه عن أبی الضحی عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: جاء العباس (رض) إلی رسول الله(ص)فقال: إنک ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت ! فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر أو قال الإیمان حتی یحبوکم لله ولقرابتی أیرجو سؤلهم شفاعتی عن مراد ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی انتهی. وروی نحوه غیره .

ومن هذه الأحادیث:

ما دل علی أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بنی عبدالمطلب ! فقد روی ابن ماجة فی سننه:2/1368: حدثنا هدیة بن عبدالوهاب ثنا سعد بن عبد الحمید بن جعفر عن علی بن زیاد الیمامی عن عکرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبی طلحة عن أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلی وجعفر والحسن والحسین والمهدی. انتهی. وهو حدیث صحیح عند إخواننا السنة وقد أورنا مصادره وطرقه العدیدة فی معجم أحادیث الإمام المهدی(علیه السّلام)فزادت علی مئة مصدر. وصحح العدید منها علماء الجرح والتعدیل .

إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تکفی الباحث السوی الذهن ، لأن

ص: 544

یعید النظر فی الأحکام التی أصدرتها الخلافة القرشیة وفقهاؤها علی عبد المطلب..! فکیف بهذه المجموعات الثمانیة مجتمعة ، ومثلها معها !

وإذا أنهار البناء القرشئ ضد عبد المطلب ، انهارت الجدران القرشیة الأخری وانکشفت محاصرتهم الجدیدة لبنی هاشم وبنی عبد المطلب..التی أحکموها أکثر من محاصرتهم لهم فی شعب أبی طالب ، لانهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام فطالت قروناً ، وعمت أجیالاً ، إلا من رحم ربک من أصحاب البصائر !

عبد المطلب علیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک

اتفقت أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) علی أن عبد المطلب رضوان الله علیه مؤمن بالله الواحد الاحد علی ملة جده إبراهیم ولی من أولیاء الله ملهم بواسطة الملائکة والرؤیة الصادقة . . بل یحتمل الناظر فی هذه الأحادیث أن عبد المطلب کان من الأنبیاء وأنه کان مأموراً أن یعبد ربه علی دین إبراهیم ویأمر أولاده بذلک .

وقد روت ذلک مصادرنا وبعض مصادر السنیین قال السیوطی فی الدر المنثور:5/98: وأخرج ابن أبی عمر العدنی فی مسنده والبزار وابن أبی حاتم والطبرانی وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن مجاهد فی قوله: وتقلبک فی الساجدین قال: من نبی إلی نبی حتی أخرجت نبیاً. انتهی .

قال المجلسی فی بحار الأنوار:31/155:

روی عن جعفر بن محمد(علیه السّلام)أنه قال: یبعث الله عبد المطلب یوم القیامة وعلیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک .

ص: 545

وروی الکلینی فی الکافی:4/58:

عن أحمد بن إدریس عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن صفوان بن یحیی عن عیص بن القاسم عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن أناساً من بنی هاشم أتوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشئ وقالوا: یکون لنا هذا السهم الذی جعله الله للعاملین علیها فنحن أولی به فقال رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الله: یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لی ولا لکم ولکنی قد وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله (علیه السّلام): والله لقد وعدها - فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثرا علیکم غیرکم !

ثم قال: إن الجن والإنس یجلسون یوم القیمة فی صعید واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فیقولون: إلی من فیأتون نوحا فیسألونه الشفاعة فیقول: ههیات قد رفعت حاجتی فیقولون إلی من فیقال: إلی إبراهیم فیأتون إلی إبراهیم فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون إلی من فیقال: إیتوا موسی فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون: إلی من فیقال: إیتوا عیسی فیأتونه ویسألونه الشفاعة فیقول:

هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون: إلی من فیقال إیتوا محمداً فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقوم مدلاً حتی یأتی باب الجنة فیأخذ بحلقة الباب ثم یقرعه فیقال: من هذا ؟ فیقول: أحمد فیرحبون ویفتحون الباب فإذا نظر إلی الجنة خر ساجداً یمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع فیرفع رأسه فیدخل من باب الجنة فیخر ساجداً ویمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط وأشفع تشفع فیقوم

ص: 546

فما یسأل شیئاً إلا أعطاه إیاه. ورواه فی تهذیب الأحکام:4/58 وتفسیر العیاشی:2/93 وتفسیر نور الثقلین:2/235 ووسائل الشیعة:6/185 ومستدرک الوسائل:7/119 وتفسیر نور الثقلین:3/210

هذا وقد تکفلت مصادر الحدیث والتفسیر عندنا بإثبات إیمان عبد المطلب وجمیع آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقد وافقنا علی ذلک عدد من العلماء السنیین منهم السیوطی والفخر الرازی والشعرانی . . وغیرهم .

آراء شیعیة مخالفة للمشهور فی الذبیحین
رأی الشیخ الصدوق بأن إسحاق ذبیح أیضاً !

من لا یحضره الفقیه:2/230: وسئل الصادق(علیه السّلام)عن الذبیح من کان فقال: إسماعیل(علیه السّلام)لأن الله عز وجل ذکر قصته فی کتابه ثم قال: وبشرناه بإسحاق نبیاً من الصالحین .

وقد اختلفت الروایات فی الذبیح فمنها ما ورد بأنه إسماعیل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبیل إلی رد الأخبار متی صح طرقها وکان الذبیح إسماعیل لکن إسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه وکان یصبر لأمر الله عز وجل ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه فینال بذلک درجته فی الثواب فعلم الله عز وجل ذلک من قبله فسماه بین ملائکته ذبیحاً لتمنیه لذلک وقد ذکرت إسناد ذلک فی کتاب النبوة متصلاً بالصادق (علیه السّلام). انتهی .

ص: 547

وقال الجزائری فی هامش تفسیر القمی:1/351:

قال جدی السید الجزائری(رحمه الله)فی قصص الأنبیاء: اختلف علماء الإسلام فی تعیین الذبیح هل هو إسماعیل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلی أنه اسماعیل والأخبار الصحیحة دالة علیه مع دلالة غیرها من الآیات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلی أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفین وطریق تأویلها إما أن تحمل علی التقیة وأما حملها علی ما قاله الصدوق صار ذبیحاً بالنیة والتمنی... حمل (رحمه الله)قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( أنا

ابن الذبیحین ) علی ذلک.

أقول: إن بعض الروایات المعتبرة کروایة هذا التفسیر وغیره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقیقة لا مجازاً وفداه بکبش فعلیه لا مجال إلی ما ذهب إلیه الصدوق(رحمه الله)من الحمل فإما أن تحمل هذه الروایات کما قال جدی(رحمه الله)علی التقیة أو علی تعدد الواقعة. انتهی .

ملاحظة: إن الشیخ الصدوق(رحمه الله)صحت عنده روایة أن الذبیح هو إسماعیل وروایة أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده روایة نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( أنا ابن الذبیحین ) ففسره بأنه ابن الذبیحین من وجهین: أی من جهة عبد الله واسماعیل ومن جهة اسماعیل وإسحاق. وقد صرح بذلک فی آخر کلامه فی الخصال. ولکن کلامه جاء متداخلاً فالتبس الأمر علی الجزائری وعلی الغفاری وتصوراً أنه یفسره بالوجه الثانی فقط ویرفض الوجه الأول !

وروایته التی استند علیها فی أن إسحاق ذبیح مجازی روایة عامیة من نوع

ص: 548

روایات معاصره الحاکم النیسابوری. ولو صحت لتعین ترجیح الموافق لمذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی الموافق للیهود والنواصب. أو حملها کما ذکر السید الجزائری علی التقیة من الحکام خاصة أن المسألة کانت مطروحة فی دار الخلافة فی المدینة وفی قصور الخلافة فی الشام کما رأیت من روایاتها .

محاولة أحد المعاصرین تفسیر الذبیحین بإسماعیل وإسحاق

من لا یحضره الفقیه:3/89:

روی حماد بن عیسی عمن أخبره عن حریز عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: أول من سوهم علیه مریم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وَمَا کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَیُّهُمْ یَکْفُلُ مَرْیَمَ والسهام ستة ثم استهموا فی یونس(علیه السّلام)لما رکب مع القوم فوقعت السفینة فی اللجة فاستهموا فوقع السهم علی یونس ثلاث مرات قال: فمضی یونس(علیه السّلام)إلی صدر السفینة فإذا الحوت فاتح فاه فرمی نفسه .

ثم کان عند عبد المطلب تسعة بنین فنذر فی العاشر إن رزقه الله غلاماً أن یذبحه فلما ولد عبد الله لم یکن یقدر أن یذبحه ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی صلبه فجاء بعشر من الإبل فساهم علیها وعلی عبد الله فخرجت السهام علی عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج علی عبد الله ویزید عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام علی الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربی فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت علی الإبل فقال: الان علمت أن ربی قد رضی

ص: 549

فنحرها. انتهی .

قال الأستاذ علی أکبر غفاری فی تعلیقه علی هذا الحدیث:

جاءت هذه القصة فی کثیر من کتب الحدیث من الطریقین ، واشتهرت بین الناس وأرسلها جماعة من المؤلفین إرسال المسلمات ، ونقلوها فی مصنفاتهم دون أی نکیر ، وهی کما تری تضمنت أمراً غریباً بل منکراً لا یجوز أن ینسب إلی أحد من أوساط الناس والسذج منهم ، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذی کان من الأصفیاء وهو فی العقل والکیاسة والفطنة علی حد یکاد أن لا یدانیه أحد من معاصریه ، وقد یفتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع مقامه السامی بکونه من أحفاده وذراریه ویباهی به القوم ویقول:

أنا النبی لا کَذِبْ

أنا ابن عبد المطلب

وفی الکافی روایات تدل علی عظمته وجلالته وکمال إیمانه وعقله ودرایته ورئاسته فی قومه ، ففی المجلد الأول منه/446 فی الصحیح عن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: یحشر عبد المطلب یوم القیامة أمة وحده ، علیه سیماء الأنبیاء وهیبة الملوک. یعنی إذا حشر الناس فوجاً فوجاً یحشر هو وحده ، لأنه کان فی زمانه منفرداً بدین الحق من بین قومه ، کما قاله العلامة المجلسی(رحمه الله). وفی حدیث آخر رواه الکلینی أیضاً مسنداً عن الصادق(علیه السّلام) قال: یبعث عبد المطلب أمة وحده علیه بهاء الملوک وسیماء الأنبیاء ، وذلک أنه أول من قال بالبداء .

وفی الحسن کالصحیح عن رفاعة عن أبی عبد الله(علیهاالسّلام)قال: کان عبدالمطلب یفرش له بفناء الکعبة لا یفرش لاحد غیره ، وکان له ولد یقومون علی

ص: 550

رأسه فیمنعون من دنا منه... إلی أمثالها الکثیر الطیب کلها تدل علی کمال إیمانه وعقله وحصافة رأیه..وإن أردت أن تحیط بذلک خبراً فانظر إلی تاریخ الیعقوبی المتوفی فی أواخر القرن الثالث ، وما ذکر من سننه التی سنها وجاء بها الإسلام مثل تحریمه الخمر ، والزنا ، ووضع الحد علیه ، وقطع ید السارق ، ونفی ذوات الرایات ، ونهیه عن قتل المؤودة ، ونکاح المحارم ، وإتیان البیوت من ظهورها ، وطواف البیت عریاناً وحکمه بوجوب الوفاء بالنذر ، وتعظیم الأشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل فی الدیة. ثم تأمل کیفیة سلوکه مع أبرهة صاحب الفیل فی تلک الغائلة المهلکة المهدمة ، کیف حفظ بحسن تدبیره وسدید رأیه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار ، دون أی مؤونة ، وقال: أنا رب الإبل ولهذا البیت رب یمنعه ، مع أن الواقعة موحشة بحیث تضطرب فی أمثالها قلوب أکثر السائسین .

فإذا کان الأمر کذلک فکیف یصح أن یقال: إنه نذر أن یذبح سلیله وثمرة مهجته وقرة عینه قربة إلی الله سبحانه ، وأن یتقرب بفعل منهی عنه فی جمیع الشرایع ، والقتل من أشنع الأمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل یعده من أعظم الجنایات، مضافاً إلی کل ذلک أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنیین والصابئین ، وقد ذکره الله تعالی فی جملة ما شنع به علی المشرکین ، وقال فی کتابه العزیز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتریانهم: وَکَذَلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَکَاؤُهُمْ لِیُرْدُوهُمْ وَ لِیَلْبِسُوا عَلَیْهِمْ دِینَهُمْ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا یَفْتَرُونَ . الأنعام : 137

ص: 551

وهذا غیر مسألة الوأد المعروف الذی کان بنو تمیم من العرب یعلمون به ، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذکور منهم والبنات ، والوأد مخصوص بالبنات ، وأیضاً غیر قتلهم أولادهم من إملاق أو خشیته ، بل هو عنوان آخر یفعلونه علی سبیل التقرب إلی الإلهة .

فإن قیل: لعله کان مأموراً من جانب الله سبحانه کما کان جده إبراهیم(علیه السّلام) مأموراً؟ قلنا: هذا التوجیه مخالف لظاهر الروایات ، فإنه صرح فی جمیعها بأنه نذر مضافاً إلی أنه لو کان مأموراً فلا محیص له عنه ویجب علیه أن یفعله کما أمر ، فکیف فداه بالابل ولم لم یقل فی جواب من منعه کما فی الروایات: إنی مأمور بذلک .

وبالجملة فی طرق هذه القصة وما شاکلها مثل خبر ( أنا ابن الذبیحین ) رواه جماعة کانوا ضعفاء أو مجهولین أو مهملین ، أو علی غیر مذهبنا مثل أحمد بن سعید الهمدانی المعروف بابن عقدة ، وهو زیدی جارودی أو أحمد بن الحسن القطان ، وهو شیخ من أصحاب الحدیث عامی ویروی عنه المؤلف فی کتبه بدون أن یردفه بالترضیة ،مع أن دأبه أن یتبع مشایخه بها إن کانوا إمامیة ، وکذا محمد بن جعفر بن بطة الذی ضعفه ابن الولید وقال: کان مخلطاً فیما یسنده ، وهکذا عبد الله بن داهر الأحمری وهو ضعیف کما فی الخلاصة والنجاشی ، وأبو قتادة ووکیع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا یحتج بحدیثهم إذا کان مخالفاً لاصول المذهب ، وإن کانوا یسندون خبرهم إلی أئمة أهل البیت (علیهم السّلام) .

وإنک إذا تتبعت أسانید هذه القصة وما شابهها ما شککت فی أنها من مفتعلات القصاصین ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد

ص: 552

المطلب ونسبة الشرک والعیاذ بالله إلیه ، رغماً للامامیة حیث أنهم نزهوا آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن دنس الشرک .

ویؤید ذلک أن کثیراً من قدماء مفسریهم کالزمخشری والفخر الرازی والنیشابوری وأضرابهم ، والمتأخرین کالمراغی وسید قطب وزمرة کبیرة منهم ، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إلیها عند تفسیر قوله تعالی: وَکَذَلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، وجعلوا عبد المطلب مصداقاً للایة انتصاراً لمذهبهم الباطل فی اعتقاد الشرک فی آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده .

قال العلامة المجلسی(رحمه الله): اتفقت الإمامیة رضوان الله علیهم علی أن والدی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل أجداده إلی آدم(علیه السّلام)کانوا مسلمین بل کانوا من الصدیقین إما أنبیاء مرسلین أو أوصیاء معصومین ثم نقل عن الفخر الرازی أنه قال: قالت الشیعة إن أحداً من آباء الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده ما کان کافراً. ثم قال: نقلت ذلک عن إمامهم الرازی لیعلم أن اتفاق الشیعة علی ذلک کان معلوماً بحیث اشتهر بین المخالفین .

وإن قیل: لا ملازمة بین هذا النذر وبین الشرک ، ویمکن أن یقال إن نذر عبدالمطلب کان لله ، وأما المشرکون فنذروا لالهتهم .

قلت: ظاهر الآیة أن النذر بذبح الولد من سنن المشرکین دون الموحدین ، فالناذر إما مشرک أو تابع لسنن الشرک وجلَّت ساحة عبد المطلب أن یکون مشرکاً والعیاذ بالله أو تابعاً لسنن المشرکین ، والإصرار بتصحیح أمثال هذه القصص مع نکارتها کثیراً ما یکون من الغفلة عما جنته ید الإفتعال .

ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالی علیه لم یحتج بهذا الخبر فی حکم من الأحکام ، إنما أورده فی هذا الکتاب طرداً للباب ، ویکون مراده جواز

ص: 553

القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهی .

ثم کرر الاستاذ الغفاری رأیه فی:4/368

فقال:

قال المصنف(رحمه الله)فی الخصال (/27 باب الإثنین ) قد اختلفت الروایات فی الذبیح ، فمنها ما ورد بأنه اسماعیل لکن اسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه فکان یصبر لأمر الله ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه ، فینال بذلک درجته فی الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلک من قلبه فسماه بین الملائکة ذبیحاً ، لتمنیه لذلک. انتهی.

أقول: علی هذا فالمراد بالذبیحین إسماعیل وإسحاق: أحدهما ذبیح بالحقیقة والآخر ذبیح بالمجاز ، مع أن کلیهما لم یذبحا بعد. وتقدم فیه کلام: 3/89 والإشکال بأن إسحاق کان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الاب علی العم شایع ، وفی روایة سلیمان بن مهران عن الصادق(علیه السّلام)فی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین یرید بذلک العم ، لأن قد سماه الله عز وجل أبا فی قوله: أَمْ کُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَکَ وَإِلَهَ آبَائِکَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ. وکان اسماعیل عم یعقوب فسماه الله فی هذه الموضع أباً ، وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم والد. فعلی هذا الأصل أیضاً یطرد قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین أحدهما ذبیح بالحقیقة والآخر ذبیح بالمجاز. انتهی .

والجواب علی ما ذکره الأستاذ الغفاری:

أولاً: أن الروایة التی استدل بها الصدوق علی أن اسحاق ذبیحٌ أیضاً مجازاً ، عامیة ضعیفة ، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاری نفسه من حیث لایدری

ص: 554

کما ستری !

ثم إن إطلاق العم علی الأب فی اللغة وإن کان أمراً شائعاً ، ولکن لا ینطبق علی قول القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخراً أو مباهیاً ، لأن المتبادر منه الإفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبیحین قربانین لله تعالی ، لا من أعمامه ، وإلا لقال: أنا من قوم فیهم ذبیحان أو من آل إبراهیم آل الذبیحین .

کما أن إطلاق اسم الذبیح المجازی علی إسحاق أیضاً ضعیف لغةً ، لأن کلمة ( الذبیح ) لا تصدق إلا علی من قصدوا ذبحه لله تعالی قصداً عملیاً حقیقیاً ورضی به ، ولو کان یکفی لإطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلک ونواه کما فی إسحاق ، لصح أن تطلق علی کل آباء النبی أو جلهم ، بل علی کثیر من المؤمنین ، لأن أکثر الأنبیاء والاوصیاء والمؤمنین یحبون مقام إسماعیل وینوون أن لو کانوا مکانه لقبلوا بما قبل به .

فارتکاب المجاز فی معنی الإبن وجعله العم ، ثم ارتکاب المجاز فی الذبیح وجعله من یحب أن یکون ذبیحاً . . خلاف الظاهر جداً ، وهو یکاد یفرغ الکلمة من هدفها بل من معناها !

ثانیاً: لعل الغفاری لم یطلع علی تاریخ القربان لله تعالی فی الشرائع الإلهیة السابقة ، فقد کان عامة الناس یقدمون قرابین من الانعام ، وکان من المشروع أن یقدم کبار المؤمنین أحد أولاده قرباناً لله تعالی ، وعلی أساسه کان منام إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . ولم یثبت نسخ هذا التشریع قبل الإسلام .

فالمشرکون لم یخترعوا القربان لأوثانهم ، وإنما أخذوه من الأدیان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالی . وما عابه الله تعالی علیهم من قتلهم

ص: 555

أولادهم وتقدیمهم إیاهم قرابین لآلهتهم ، إنما عاب فیه شرکهم وتقربهم للأوثان .

ثالثاً: إن وجود عبد المطلب فی مجتمع وثنی یتقرب إلی الأصنام بالقرابین وقد یذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه علی ملة أبیه إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإحیائه عدداً من سننها ، وما جری فی عهده من حفظ الله تعالی لکعبة إبراهیم فی حادثة الفیل ، وإعادة ماء زمزم المفقود علی یده . . . کل ذلک یساعد علی فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن یذبح أحدهم قرباناً لله تعالی علی ملة إبراهیم ، ویجعل هذا النذر أمراً طبیعیاً مشروعاً فی ذلک الوقت ، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن یعبدوا رب البیت رب إبراهیم ، ویقدموا له قرابینهم ، ولا یقدموها لأصنامهم .

أما لماذا نذر عبد المطلب ذلک ، ولماذا عزم علی تنفیذ نذره جدیاً فشاور أولاده فأطاعوه ، وأقرع بینهم فرست القرعة علی عبدالله ، وقال لأبیه کما قال إسماعیل . . ثم کیف تحلل من عبد المطلب من نذره بطریقة القرعة بین ذبح ولده أو نحر الإبل . . فهی إشکالات واردة. وجوابها: أنها واردة علی شریعتنا لا علی شریعة إبراهیم وعبد المطلب. وهی واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصیل الحادث وبالمستند الشرعی الذی استند علیه عبد المطلب فی نذره وطریقة وفائه به .

ولکن معرفتنا بشخصیة عبد المطلب وإیمانه العمیق ، تکفی للقول بأنه لم یکن یقدم علی نذره ثم علی التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بینة من ربه تعالی .

ویکفینا لإثبات هذه الصفة فی شخصیته ، حادثتا زمزم والفیل حیث ظهر

ص: 556

للناس علی نحو الیقین أنه کان یتلقی أوامره من ربه عز وجل !

فما المانع أن تکون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات ، خاصة أن الولد الذی رست علیه القرعة هو والد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی أعطاه الله تعالی ما أعطی جده إسماعیل من شرف الرضا بأن یذبحه أبوه قرباناً لله تعالی ، ثم فداه الله بطریقة ألهمها لأبیه لیعطیه شرف أبوة سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

هذا ، وقد روی الدکتور شوقی ضیف فی تاریخ الأدب العربی/41 ط دار المعارف المصریة ، أن المنذر بن ماء السماء ملک المناذرة المعاصر لعبد المطلب ، والذی کان أعظم ملک وثنی فی العرب ، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملک الغساسنة النصرانی فی حربه معه ، فذبحه قرباناً للعزی !!

فلعل نذر عبد المطلب أن یذبح واحداً من أولاده لرب البیت سبحانه ، کان تعزیزاً لدین ابراهیم ، ورداً علی عمل المنذر ، وإبطالاً لتأثیر عمله فی تعزیز مکانة صنم العزی !

وأخیراً ، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله علیه لم یکن ارتجالاً بل امتد وقته طویلاً، فقد ذکرت الروایات أنه کان فی أیام رؤیته الصادقة فی حفر زمزم، وکان له ولدٌ واحدٌ ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وکبروا أن یذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالی . . وقد یکون نذره تحقق بعد عشرین سنة أو ثلاثین !

رابعاً: إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس علی أن یجدوا له مذمة أو منقصة ، وقد رأیت فی روایة الحاکم المتقدمة أن معاویة ذکر نذر عبد المطلب ، وأنه کان نذراً لله تعالی مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ینحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بینهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من

ص: 557

بنی مخزوم وقالوا: أرضِ ربک وافدِ ابنک ) .

فقد کان الأمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالی وقد انکشفت صحته.. وهذا یقرب أن یکون النذر لله تعالی بأمره سبحانه ، ویشیر إلیه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلی داخل الکعبة وأقرع بینهم فخرجت القرعة علی عبد الله ورضی عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً ، وقرر عبد المطلب تنفیذ ذلک کما قرر جده إبراهیم..ولکن أسرته ومحبیه من قریش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن یرضی ربه بفدائه ، فتریث عبد المطلب یومه حتی أمره الله بطریقته التی کان یتلقی بها أن یقرع بین عبد الله وبین فدائه من الإبل ، ویزید فی عدد الفداء حتی تخرج القرعة علیه فیفدیه به .

إنه لو کان فی عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها علیه ، ولکنها کرامة زادت من مکانته فی حیاته ، وذکرت له باحترام وإجلال حتی من أعدائه بعد وفاته.

بل زادت من تفکیر الناس الوثنیین بإله إبراهیم وعبد المطلب ، وهیأتهم للدعوة إلی عبادته بدل أصنامهم .

خامساً: لقد وقع الغفاری فی اشتباهین کبیرین: أولهما أنه جعل سند روایة الذبیح المجازی لروایة نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووکیع لم یردوا فی سند روایة النذر عن الإمام الرضا(علیه السّلام)، بل وردوا فی روایة أن الذبیح المجازی إسحاق ! وقد التبس الأمر علیه لأن الصدوق ذکر مضمونها قبل سندها ،فیکون الأستاذ الغفاری قد ضعف دلیله متصوراً أنه ضعف روایة نذر عبد المطلب ! ولیس فی روایة النذر ممن ضعفهم الغفاری إلا القطان الذی قال فیه ( ویروی عنه المؤلف فی کتبه بدون أن

ص: 558

یردفه بالترضیة ) فإن کان هذا مستنده فی التضعیف فقد قال فی طرائف المقال/155 عن القطان هذا ( کثیراً ما یروی عنه الصدوق مترضیاً ) !

ولو سلمنا ضعفه ، فإن روایته المعتضدة بالشهرة التی سنذکر طرفاً منها والمخالفة للیهود والخط القرشی المعادی لعبد المطلب، والمؤیدة بتصحیح عدد من العلماء منهم الصدوق . . لهی جدیرة بالقبول .

والإشتباه الثانی الذی وقع فیه الاستاذ الغفاری أنه حسب أن روایة الإمام الصادق(علیه السّلام)تتعلق بإطلاق الاب علی العم وترتبط بموضوع الذبیحین ، مع أنها لا علاقة لها بالعم والأب ، وإنما استشهد الصدوق علی ذلک بالآیة وبقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم أب. ویتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو فی الخصال للصدوق کما یلی:

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال عن أبیه قال: سألت أبا الحسن علی بن موسی الرضا (علیهماالسّلام) عن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین قال: یعنی إسماعیل

بن إبراهیم الخلیل (علیهماالسّلام) وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعیل فهو الغلام الحلیم الذی بشر الله به إبراهیم: فلما بلغ معه السعی قال یا بنی إنی أری فی المنام أنی أذبحک فانظر ماذا تری قال یا أبت افعل ما تؤمر (ولم یقل له یا أبت افعل ما رأیت ) ستجدنی إن شاء الله من الصابرین فلما عزم علی ذبحه فداه الله بذبح عظیم بکبش أملح یأکل فی سواد ویشرب فی سواد وینظر فی سواد ویمشی فی سواد ویبول ویبعر فی سواد وکان یرتع قبل ذلک فی ریاض الجنة أربعین عاماً وما خرج من رحم أنثی وإنما قال الله عز وجل له کن فکان لیفدی به

ص: 559

إسماعیل فکل ما یذبح بمنی فهو فدیة لإسماعیل إلی یوم القیامة فهذا أحد الذبیحین .

وأما الآخر فإن عبد المطلب کان تعلق بحلقة باب الکعبة ودعا الله عز وجل أن یرزقه عشرة بنین ونذر لله عز وجل أن یذبح واحداً منهم متی أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال: قد وفی الله لی فلافین لله عز وجل فأدخل ولده الکعبة وأسهم بینهم فخرج سهم عبد الله أبی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان أحب ولده إلیه ثم أجالها ثانیة فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم علی ذبحه فاجتمعت قریش ومنعته من ذلک واجتمع نساء عبدالمطلب یبکین ویصحن فقالت له ابنته عاتکة: یا أبتاه أعذر فیما بینک وبین الله عز وجل فی قتل ابنک: قال: فکیف أعذر یا بنیة فإنک مبارکة قالت: إعمد إلی تلک السوائم التی لک فی الحرم فاضرب بالقداح علی ابنک وعلی الإبل وأعط ربک حتی یرضی. فبعث عبدالمطلب إلی إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال یزید عشراً عشراً حتی بلغت مائة فضرب فخرج السهم علی الإبل فکبرت قریش تکبیرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتی أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً کل ذلک یخرج السهم علی الإبل فلما کان فی الثالث اجتذبه الزبیر وأبو طالب وإخوانه من تحت رجلیه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذی کان علی الأرض وأقبلوا یرفعونه ویقبلونه ویمسحون عنه التراب وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحسرة ولا یمنع أحد منها وکانت مائة .

وکانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل فی الإسلام: حرم

ص: 560

نساء الآباء علی الأبناء وسن الدیة فی القتل مائة من الإبل وکان یطوف بالبیت سبعة أشواط ووجد کنزاً فأخرج منه الخمس وسمی زمزم لما حفرها سقایة الحاج ولولا أن عبد المطلب کان حجة وأن عزمه علی ذبح ابنه عبد الله شبیه بعزم إبراهیم علی ذبح ابنه إسماعیل لما افتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإنتساب إلیهما لأجل أنهما الذبیحان فی قوله (علیه السّلام): أنا ابن الذبیحین .

والعلة التی من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعیل هی العلة التی من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهی کون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة (علیهم السّلام) فی صلبهما فببرکة النبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة فی الناس بقتل أولادهم ولولا ذلک لوجب علی الناس کل أضحی التقرب إلی الله تعالی ذکره بقتل أولادهم وکل ما یتقرب الناس به إلی الله عز وجل من أضحیة فهو فداء لإسماعیل إلی یوم القیامة .

قال مصنف هذا الکتاب أدام الله عزه: قد اختلف الروایات فی الذبیح فمنها ما ورد بأنه إسماعیل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبیل إلی رد الأخبار متی صح طرقها وکان الذبیح إسماعیل لکن إسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه فکان یصبر لأمر الله ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه فینال بذلک درجته فی الثواب فعلم الله عز وجل ذلک من قلبه فسماه الله عز وجل بین ملائکته ذبیحاً لتمنیه لذلک. وحدثنا بذلک محمد بن علی البشاری القزوینی (رض) قال: حدثنا المظفر بن أحمد القزوینی قال: حدثنا محمد بن جعفر الکوفی الأسدی عن محمد بن إسماعیل البرمکی عن عبدالله بن داهر عن أبی قتادة الحرانی عن وکیع بن الجراح عن سلیمان بن مهران عن أبی عبدالله الصادق جعفر بن محمد (علیهماالسّلام) .

ص: 561

وقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین یرید بذلک العم لأن العم قد سماه الله عز وجل أبا فی قوله أم کنتم شهداء إذ حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا نعبد إلهک وآله آبائک إبراهیم وإسماعیل وإسحاق. وکان إسماعیل عم یعقوب فسماه الله فی هذا الموضع أبا وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم والد .

فعلی هذا الأصل أیضاً یطرد قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین أحدهما ذبیح بالحقیقة والاخر ذبیح بالمجاز واستحقاق الثواب علی النیة والتمنی فالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو ابن الذبیحین من وجهین علی ما ذکرناه. انتهی .

وأورده فی البحار:12/22 عن العیون والخصال .

وفی هذا النص أمور متعددة تکفی للرد علی رأی الاستاذ الغفاری حفظه الله فی إنکار قصة نذر عبد المطلب . . ومن هذه الأمور أن الصدوق حکم بصحة الروایة من عنوانها الذی وضعه لها.

ومنها قوة حجج الإمام الرضا(علیه السّلام)فیها وسنذکر بعضها .

ومنها أن الصدوق قبل تفسیر الذبیحین بعبد الله واسماعیل من وجه ، وبإسماعیل وإسحاق من وجه آخر ، کما صرح فی آخر کلامه .

والواقع أن نقطة الضعف الوحیدة فیها هی اعتماد الصدوق(رحمه الله)علی روایة الذبیح بالمجاز العامیة . . والتی ضعفها الغفاری ، والحمد لله !

سادساً: ولو أن المحقق الغفاری تأمل فی قول الإمام الرضا(علیه السّلام)فی روایة الصدوق ( ولولا أن عبد المطلب کان حجة وأن عزمه علی ذبح ابنه عبد الله شبیهٌ بعزم إبراهیم علی ذبح ابنه إسماعیل ، لما افتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإنتساب إلیهما لاجل أنهما الذبیحان فی قوله(علیه السّلام): أنا ابن الذبیحین .

ص: 562

والعلة التی من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعیل هی العلة التی من أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهی کون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة (علیهم السّلام) فی صلبهما . . فببرکة النبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة فی الناس بقتل أولادهم ) لعرف أن إشکاله علی نذر عبد المطلب یرد بعینه علی إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنهما عملان من نوع واحد ، غایة الأمر أن إبراهیم أمر بالذبح فی المنام وأمر بالفداء بالوحی. ومادام عبد المطلب لانعرف کیف أمر بنذر الذبح والفداء ، ولکن نعرف أنه حجة وعمله صحیح ، ولا بد أنه کان عنده حجة شرعیة علی نذره وفدائه.

وحینئذ فما یجاب به عن عمل إبراهیم ، یجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق ، فلا معنی لاستظهار أن ذبح الولد کان من عادات المشرکین ، ولا معنی للقول بأنه لو کان عبد المطلب نذر ذلک فلماذا لم یقدم علیه... الخ .

سابعاً: إن ما ذکره حفظه الله من ملاحظات

روائیة لیس شاملاً ولا مقنعاً ، والظاهر أنه لم یطلع علی مصادر روایة ( أنا ابن الذبیحین ) وطرقها ، واشتهارها عند الشیعة من العصر الأول ، بل عند السنة أیضاً حتی أن فقهاءهم أخذوا بها ، وإن لم یأخذ بها أهل صحاحهم ، وممن صححها من الاحناف أبو بکر الکاشانی فی بدائع الصنائع:5/85 قال ( ودلیل ما قلنا الحدیث وضرب من المعقول. أما الحدیث فقول النبی علیه الصلاة والسلام: أنا ابن الذبیحین أراد أول آبائه من العرب وهو سیدنا اسماعیل علیه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقیقة وهو عبدالله بن عبد المطلب سماهما علیه الصلاة والسلام ذبیحین ومعلوم أنهما ما کانا ذبیحین حقیقة فکانا ذبیحین تقدیراً

ص: 563

بطریق الخلافة لقیام الخلاف مقام الأصل. انتهی .

وقال ابن کثیر فی السیرة النبویة:1/184:

( وهو ابن عبد الله وکان أصغر ولد أبیه عبد المطلب وهو الذبیح الثانی المفدی بمائة من الإبل کما تقدم ). انتهی .

وفی اطمئنانی أن المتتبع یجد لهذا الحدیث طرقاً أخری سواء فی مصادرنا أو فی مصادر السنیین ، ویجد المزید ممن صححه من علماء الفریقین .

المسألة الثانیة: أول من یکسی کسوة الجنة

ذکرت بعض الروایات أن الناس یخرجون من قبورهم عریاً یوم القیامة ثم یکسون علی حسب عملهم. ولکن الظاهر أن المقصود بحدیث أول من یکسی هنا لیس الکسوة من العری ، بل کسوة الجنة کما ورد فی النص .

وقد ادعی الیهود أن إبراهیم أول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة..ولا أظن أن هذه المسألة کانت مطروحة فی ثقافتهم ، ولکن لما رأوا المسلمین یروون عن نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه رئیس المحشر ، والشفیع الأول ، وخطیب الأنبیاء ، وأول من یکسی یوم القیامة..ادعی الیهود أن أول من یکسی إبراهیم ، وروی ذلک أحبارهم الذین أسلموا ( ؟ ) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! ! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت فی مصادر المسلمین وثقافتهم ، وساعد علیها أن إبراهیم هو جد النبی صلی الله علیهما وآلهما ، وأن من المعقول أن یکون إکرام الله تعالی للجد قبل إکرام الابن .

وقد اختار البخاری أن أول من یکسی إبراهیم ولیس محمداً صلی

ص: 564

الله علیهما وآلهما !قال فی صحیحه:4/110:

ابن عباس رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: إنکم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: کما بدأنا أول خلق نعیده وعداً علینا إنا کنا فاعلین. وأول من یکسی یوم القیامة إبراهیم وإن أناسا من أصحابی یؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابی أصحابی فیقال إنهم لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم ! فأقول کما قال العبد الصالح: وکنت علیهم شهیداً ما دمت قال العبد الصالح وکنت علیهم شهیداً ما دمت فیهم إلی قوله الحکیم. انتهی .

ورواه أیضاً فی:4/142 وروته بقیة الصحاح وغیرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذی فی:4/38 والنسائی:4/117 والدارمی:2/325 وفیه (فیکون أول من یکسی إبراهیم یقول الله تعالی: إکسوا خلیلی فیؤتی بریطتین بیضاوین من ریاط الجنة ثم أکسی علی أثره )

وروی نحوه فی أحمد:1/398 ورواه أیضاً موجزاً فی:1/223 وص 229 ورواه السیوطی فی الدر المنثور:1/116 عن أبی نعیم فی الحلیة وابن أبی شیبة وأحمد. ورواه فی:2/231 عن البیهقی فی الأسماء والصفات ، وفی:4/197 عن أحمد وابن جریر وابن المنذر والحاکم وابن مردویه عن ابن مسعود

ورواه فی:3/284:

وفیه من تجسیمات الیهود لله تعالی ( قال ذاک یوم ینزل الله فیه علی کرسیه یئط فیه کما یئط الرحل الجدید من تضایقه وهو کسعة ما بین السماء والأرض ویجاء بکم حفاة عراة غرلا فیکون أول من یکسی إبراهیم یقول

ص: 565

الله اکسوا خلیلی ) .

وقد حاول القسطلانی فی إرشاد الساری:5/343 أن یخفف من وقع الحدیث علی المسلمین فقال ( ولا یلزم من تخصیص إبراهیم بأولیة الکسوة هنا أفضلیته علی نبینا (ص) لأن حلة نبینا (ص) أعلی وأکمل وکم لنبینا (ص) من فضائل مختصه به لم یسبق إلیها ولم یشارک فیها ولو لم یکن له سوی خصوصیة الشفاعه العظمی لکفی ). انتهی .

ولعل القسطلانی رأی أن الیهود أخذوا الشفاعة فی الموحدین من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأعطوها لإسحاق(علیه السّلام) ! وصارت حدیثاً صحیحاً علی شرط الشیخین کما تقدم فی مستدرک الحاکم !

ومن المؤکد أنه رأی الأحادیث التی تنفی أن تکون الشفاعة خصوصیةً لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورأی الروایات التی تفضل أنبیاء بنی اسرائیل حتی یونس ویحیی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأن البخاری رواها وشرحها القسطلانی وفسرها !

والذی یدخل فی بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحکومة القرشیة الیهود من فی تقدیمهم إبراهیم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الکسوة وفی الشفاعة ، وتبناها رواتهم ؟ !

یتوقف الجواب علی التأمل فی النص الذی روته صحاحهم ، فقد تضمن موضوعین: أولهما أن أول من یکسی یوم القیامة إبراهیم. والثانی أن بعض الصحابة یؤمر بهم إلی النار ، لانهم انحرفوا وکفروا بمجرد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ولم یبین الحدیث العلاقة بین الموضوعین ! وبما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفصح من نطق بالضاد وقد أوتی جوامع الکلم ، وکلامه دائماً مترابط . . فلا بد أن

ص: 566

تکون فی الحدیث حلقة مفقودة . . عن عدم کسوة بعض الصحابة مثلاً فما هی !

هذه الحلقة تجدها فی مصادر السنیین مجزأة ، ولکنک تجدها فی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) مجتمعة ، لأنها تذکر نص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أن علیاً یوم القیامة هو أول ینشق عنه قبره بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو أول من یصافحه ، وهو أول من یکسی بعده، وهو حامل لوائه لواء الحمد ، وهو وزیره فی المحشر، وهو الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال القاضی النعمانی فی شرح الأخبار:2/475:

فی حدیث وصیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): یا علی أنا أکرم ولد آدم ولا فخر ، ولیس بینی وبین ربی حجاب إلا النور ، وأول من یکسی کسوة الجنة ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی الکلام ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی السجود ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی الشفاعة ولا فخر ، وأول من یسعی نوره أمامه ولا فخر

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه:4/374:

یا علی: إن الله تبارک وتعالی أعطانی فیک سبع خصال: أنت أول من ینشق عنه القبر معی ، وأنت أول من یقف علی الصراط معی ، وأنت أول من یکسی إذا کسیت ، ویحیی إذا حییت ، وأنت أول من یسکن معی فی علیین ، وأنت أول من یشرب معی من الرحیق المختوم الذی ختامه مسک. انتهی. ورواه فی الخصال/342

ص: 567

وروی محمد بن عباس فی تأویل الآیات:2/657:

یا علی أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت ، وأول من یحیی محمد ثم أنت، وأول من یکسی محمد ثم أنت. فانکب علی(علیه السّلام)ساجداً وعیناه تذرفان بالدموع. انتهی .

وقال ابن شهر آشوب فی مناقب آل أبی طالب:3/26: قال الحمیری:

یدعو النبی فیکسوه ویکرمه

رب العباد إذا ما أحضر الأمما

ثم الوصی فیکسی مثل حلته

خضراء یرغم منها أنف من رغما

وله أیضاً:

علیٌّ غداً یدعی ویکسوه ربه

ویدنوه منه فی رفیع مکرم

فإن کنت منه حیث یکسوه راغماً

وتبدی الرضی کرهاً من الان فارغم

وقال أعرابی:

إن رسول الله یعطی لوا ء

الحمد علیاً حین یلقاه

یدعی فیعطی کسوة المصطفی

وعن یمین العرش مثواه.

انتهی .

فحدیث الکسوة یوم القیامة فیه إذن سهم لعلی(علیه السّلام)، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قریش .

لکن السهم الأکبر لعلی والاخطر علی قریش أنه هو الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو الذی یذود الذین قال عنهم البخاری ( وإن أناساً من أصحابی یؤخذ بهم ذات الشمال ) وقال عنهم فی:8/86 ( قال أنا علی حوضی انتظر من یرد علی فیؤخذ بناس من دونی فأقول أمتی فیقول لا تدری مشوا علی القهقری ). انتهی .

ص: 568

وقال عنهم مسلم فی:7/ 68 - 70 ( قال رسول الله (ص ) أنا فرطکم علی الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن علیهم، فأقول یارب أصحابی أصحابی ! فیقال إنک لا تدری ما أحدثوابعدک !!... قال لاذودن عن حوضی رجالاً کما تذاد الغریبة من الإبل) ونحوه فی:1/ 150

وقد صرحت أحادیث أخری بأن الذائد عن حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو علی(علیه السّلام)، من ذلک ما رواه الحاکم وصححه قال فی:3/138:

عن علی بن أبی طلحة قال: حججنا فمررنا علی الحسن بن علی بالمدینة ومعنا معاویة بن حدیج فقیل للحسن إن هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی فقال علی به فاتی به فقال أنت الساب لعلی فقال: ما فعلت فقال والله إن لقیته وما أحسبک تلقاه یوم القیامة لتجده قائماً علی حوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یذود عنه رایات المنافقین بیده عصا من عوسج ! حدثنیه الصادق المصدوق(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد خاب من افتری. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. انتهی .

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/ 408 ح 8314 عن أبی سعید:

یا علی أنت یوم القیامة بیدک عصاً من الجنة تذود بها المنافقین!!

وروی فی مناقب آل أبی طالب:2/12-14 عن الفائق للزمخشری:

أن النبی قال لعلی: أنت الذاید عن حوضی یوم القیامة ، تذود عنه الرجال کما یذاد الأصید. البعیر الصادی أی الذی به الصید والصید داء یلوی عنقه .

ونقل فی المناقب قول حسان بن ثابت:

له الحوض لا شک یحبی به

فمن شاء أسقی برغم العدی

ص: 569

ومن ناصبَ القوم لم یسقه ویدعو إلی الورد للأولیا

وقول الحمیری:

أؤمل فی حبه شربةً

من الحوض تجمع أمناً ورَیَّا

إذا م ا وردنا غداً حوضه

فأدنی السعید وذاد الشقیا

متی یدن مولاه منه یقل

رِدِ الحوض واشرب هنیئاً مریا

وإن یدن منه عدوٌّ له

یذده علی مکاناً قصیا. انتهی .

وعلی هذا فذکر کسوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أولاً وعلی ثانیاً(علیه السّلام)، وأنه یذود الصحابة المنحرفین عن الحوض ، حدیث لیس فی مصلحة القرشیین ، لأن معناه أن موقف علی هو الصحیح وموقف من یعارضه خطأ..فالأسلم لهم الأخذ بحدیث یکسی إبراهیم أولاً والنبی ثانیاً ، لأنه لیس فیه ذکر لعلی !

وهکذا التقت مصلحة قریش مع مصلحة الیهود.. وصار حدیث کعب الأحبار أسلم طریق للتخلص من علی بن أبی طالب حتی لو صححه الحاکم ، ولم یروه الشیخان !

وهکذا یدون الخلفاء السنة ، کما یکتب الحکام التاریخ ! !

ص: 570

الفصل الثانی عشر : شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء

اشارة

ص: 571

ص: 572

شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداءمن مصادرنا

قال الحمیری فی قرب الاسناد/64:

عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ثلاثة یشفعون إلی الیوم القیامة فیشفعهم: الأنبیاء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء. انتهی .

ورواه فی مستدرک الوسائل:11/20 وتفسیر نور الثقلین:5/264

من لا یحضره الفقیه:4/399:

إذا کان یوم القیامة جمع الله عز وجل الناس فی صعید واحد ، ووضعت الموازین فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فیرجح مداد العلماء علی دماء الشهداء .

علل الشرائع للصدوق:2/394:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إذا کان یوم القیامة بعث الله عز وجل العالم

ص: 573

والعابد ، فإذا وقفا بین یدی الله عز وجل قیل للعابد: انطلق إلی الجنة ، وقیل للعالم قف تشفَّع للناس بحسن تأدیبک

لهم .

تفسیر الإمام العسکری 7/344:

وقال علی بن موسی الرضا (علیهماالسّلام): یقال للعابد یوم القیامة: نعم الرجل کنت، همتک ذات نفسک وکفیت الناس مؤنتک ، فادخل الجنة. إلا إن الفقیه من أفاض علی الناس خیره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر علیهم نعم جنان الله ، وحصل لهم رضوان الله تعالی. ویقال للفقیه: یا أیها الکافل لأیتام آل محمد الهادی لضعفاء محبیه وموالیه ، قف حتی تشفع لکل من أخذ عنک أو تعلم منک ، فیقف فیدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتی قال عشراً ، وهم الذین أخذوا عنه علومه ، وأخذوا عمن أخذ عنه ، إلی یوم القیامة ، فانظروا کم فرقُ ما بین المنزلتین !

وروی المجلسی فی البحار حدیثاً یدل علی أن العالم الذی یشفع یوم القیامة لیس من العلماء السبعة المذمومین.. قال فی بحار الأنوار 8/307: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إن من العلماء من یحب أن یخزن علمه ولا یؤخذ عنه، فذاک فی الدرک الاسفل من النار .

ومن العلماء من إذا وعظ أنف ، وإذا وعظ عنف ، فذاک فی الدرک الثانی من النار .

ومن العلماء من یری أن یضع العلم عند ذوی الثروة ، ولا یری له فی المساکین ، فذاک فی الدرک الثالث من النار .

ص: 574

ومن العلماء من یذهب فی علمه مذهب الجبابرة والسلاطین ، فإن رد علیه شئ من قوله أو قصر فی شئ من أمره غضب ، فذاک فی الدرک الرابع من النار .

ومن العلماء من یطلب أحادیث الیهود والنصاری لیغزر به علمه ویکثر به حدیثه ، فذاک فی الدرک الخامس من النار .

ومن العلماء من یضع نفسه للفتیا ویقول: سلونی ولعله لا یصیب حرفاً واحداً والله لا یحب المتکلفین ، فذاک فی الدرک السادس من النار .

ومن العلماء من یتخذ علمه مروةً وعقلاً ، فذلک فی الدرک السابع من النار (نقلاً عن الخصال:2/7 ) .

وفی تفسیر التبیان:9/65:

وقوله: ماللظالمین من حمیم ولا شفیع یطاع ، نفیٌ من الله أن یکون للظالمین شفیع یطاع ، ویحتمل أن یکون المراد بالظالمین الکفار فهؤلاء لا یلحقهم شفاعة شافع أصلاً ، وإن حملنا علی عموم کل ظالم من کافر وغیره جاز أن یکون إنما أراد نفی شفیع یطاع ، ولیس فی ذلک نفی شفیع یجاب ، ویکون المعنی: إن الذین یشفعون یوم القیامة من الأنبیاء والملائکة والمؤمنین إنما یشفعون علی وجه المسألة إلیه والاستکانة إلیه ، لا أنه یجب علی الله أن یطیعهم فیه .

تفسیر التبیان:9/429:

ص: 575

قوله تعالی: وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی ... یقول الله تعالی مخبراً بأن کثیراً من ملائکة السموات لا تغنی شفاعتهم ، أی لا تنفع شفاعتهم فی غیرهم بإسقاط العقاب عنهم شیئاً ، إلا من بعد أن یأذن الله لمن یشاء أن یشفعوا فیه ویطلق لهم ذلک ویرضی ذلک .

وقیل: إن الغرض بذلک الإنکار علی عبدة الأوثان وقولهم إنها تشفع لا الملک ، إذا لم تغن شفاعته شیئاً فشفاعة من دونه أبعد من ذلک. وفی ذلک التحذیر من الإتکال علی الشفاعة لأنه إذا لم تغن شفاعة الملائکة کانت شفاعة غیرهم أبعد من ذلک .

ولا ینافی ما نذهب إلیه من أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة والمؤمنین یشفعون فی کثیر من أصحاب المعاصی فیسقط عقابهم لمکان شفاعتهم ، لأن هؤلاء عندنا لا یشفعون إلا بإذن من الله ورضاه ، ومع ذلک یجوز أن لا یشفعوا فیه، فالزجر واقع موقعه .

تفسیر التبیان:7/209:

قوله تعالی: یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا . یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلا ... أخبر الله تعالی أن ذلک الیوم لا تنفع شفاعة أحد فی غیره ، إلا شفاعة من أذن الله له أن یشفع ورضی قوله فیها ، من الأنبیاء والأولیاء والصدیقین والمؤمنین .

مجمع البحرین:4/467:

ص: 576

وفی الحدیث: الساعی بین الصفا والمروة تشفع له الملائکة بالإیجاب ، أی القبول ، یعنی أن الله تعالی یثبت لهم الشفاعة .

دعائم الإسلام:1/343:

روینا عن رسول الله (ص) أنه قال: کل مؤمن من أمتی صدیق شهید، ویکرم الله بهذا السیف من شاء من خلقه ، ثم تلا قول الله عز وجل: وَالَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ .

دعائم الإسلام:1/217:

وعن علی(علیه السّلام)أنه قال: المریض فی سجن الله ما لم یشک إلی عواده ، تمحی سیئآته . وأی مؤمن مات مریضاً مات شهیداً ، وکل مؤمن شهید ، وکل مؤمنة حوراء ، وأی میتة مات بها المؤمن فهو شهید ، وتلا قول الله جل ذکره: والذین آمنوا بالله ورسله أولئک هم الصدیقون والشهداء عند ربهم .

من مصادر السنیین

تاریخ البخاری:9/37:

عن أبی بکرة عن النبی(ص)قال: یحمل الناس علی الصراط یوم القیامة فیتقاذع بهم جنبتا الصراط تقاذع الفراش فی النار: ثم یؤذن للملائکة والنبیین والشهداء والصالحین فیشفعون ، ویخرجون فیشفعون ویرجون فیشفعون فیجابون .

سنن النسائی:2/229:

ص: 577

عن عطاء بن یزید قال کنت جالساً إلی أبی هریرة وأبی سعید فحدث أحدهما حدیث الشفاعة والآخر منصت ، قال: فتأتی الملائکة فتشفع وتشفع الرسل ، وذکر الصراط قال قال رسول الله (ص): فأکون أول من یجیز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بین خلقه، وأخرج من النار من یرید أن یخرج، أمر الله الملائکة والرسل أن تشفع فیعرفون بعلاماتهم أن النار تأکل کل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود ، فیصب علیهم من ماء الجنة ، فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل .

سنن ابن ماجة:2/724:

عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله (ص): یشفع یوم القیامة ثلاثة: الأنبیاء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء.

ورواه البیهقی فی شعب الإیمان:2/265 والدیلمی فی فردوس الأخبار:5/428 وکنز العمال:10/151 وتهذیب الکمال:22/551 وتهذیب التهذیب:8/195 ومجمع الزوائد:10/381 راجع أیضاً سنن البیهقی:9/164

سنن الترمذی:4/46:

عن أبی سعید أن رسول الله(ص)قال: إن من أمتی من یشفع للفئام من الناس ، ومنهم من یشفع للقبیلة ، ومنهم من یشفع للعصبة ، ومنهم من یشفع للرجل حتی یدخلوا الجنة. هذا حدیث حسن .

مسند أحمد:3/20:

ص: 578

عن أبی سعید الخدری عن النبی(ص)قال قد أعطی کل نبی عطیة فکل قد تعجلها وإنی أخرت عطیتی شفاعة لأمتی، وإن الرجل من أمتی لیشفع للفئام من الناس فیدخلون الجنة ، إن الرجل لیشفع للقبیله وإن الرجل لیسشفع للعصبة ، وإن الرجل لیشفع للثلاثة ، وللرجلین ، وللرجل .

مجمع الزوائد:10/380:

باب شفاعة الصالحین. وعن أبی برزة قال سمعت رسول الله(ص)یقول: إن من أمتی لمن یشفع لأکثر من ربیعة ومضر وإن من أمتی لمن یعظم للنار حتی یکون رکناً من أرکانها. رواه أحمد ورجاله ثقات . . .

وعن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): إن الرجل لیشفع للرجلین والثلاثة. رواه البزار ورجاله رجال الصحیح .

وعن أنس عن رسول الله(ص)قال: سلک رجلان مفازة أحدهما عابد والآخر به رهق ، فعطش العابد حتی سقط فجعل صاحبه ینظر إلیه وهو صریع فقال والله لئن مات هذا

العبد الصالح عطشاً ومعی ماء لا أصیب من الله خیراً وإن سقیته مائی لأموتن فاتکل علی الله وعزم ورش علیه من مائه وسقاه من فضله قال فقام حتی قطع المفازة قال فیوقف الذی به رهق یوم القیامة للحساب فیؤمر به إلی النار فتسوقه الملائکة فیری العابد فیقول یا فلان أما تعرفنی قال فیقوب من أنت قال أنا فلان الذی آثرتک علی نفسی یوم المفازة قال فیقول بلی أعرفک قال فیقول للملائکة قفوا ویجی حتی یقف ویدعو ربه فیقول یا رب قد تعرف یده عندی وکیف آثرنی علی نفسه یا رب هبه لی قال فیقول: هو لک ویأخذ بیده فیدخله الجنة. رواه أبو یعلی ورجاله رجال الصحیح غیر أبی ظلال القسملی قد وثقه ابن حبان وغیره

ص: 579

وضعفه غیر واحد .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/396:

ابن عباس: إذا اجتمع العالم والعابد علی الصراط قیل للعابد: أدخل الجنة وتنعم بعبادتک ، وقیل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنک لا تشفع لأحد إلا شفعت ، فقام مقام الأنبیاء. ورواه فی کنز العمال:10/136 وص 173 وص 256

مجمع الزوائد:5/293:

قال رسول الله (ص): إن للشهید عند الله عز وجل ست خصال: أن یغفر له فی أول دفعة من دمه ، ویری مقعده من الجنة ، ویحلی حلة الإیمان ، ویزوج من الحور العین ، ویجار من عذاب القبر ، ویأمن من الفزع الأکبر ، ویوضع علی رأسه تاج الوقار الیاقوتة منه خیر من الدنیا وما فیها ، ویزوج ثنتین وسبعین زوجه من الحور العین ، ویشفع فی سبعین إنساناً من أقاربه. رواه أحمد هکذا قال مثل ذلک ، والبزار والطبرانی إلا أنه قال سبع خصال وهی کذلک ، ورجال أحمد والطبرانی ثقات .

وعن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): الشهید یغفر له فی أول کل دفقة من دمه ، ویزوج حوراوین ویشفع فی سبعین من أهل بیته ، والمرابط إذا مات فی رباطه کتب له أجر عمله إلی یوم القیامة ، وأتی علیه ریح برزقه ، ویزوج سبعین حوراء ، وقیل له قف فاشفع إلی أن یفرغ من الحساب - قلت روی ابن ماجة بعضه - رواه الطبرانی فی الأوسط عن شیخه بکر بن سهل

ص: 580

الدمیاطی ، قال الذهبی مقارب الحدیث وضعفه النسائی. انتهی. وروی عدداً من هذه الروایات فی مجمع الزوائد 2/98 وص 115 وج 4/398 وص 401 وص 405 وص 410

الدر المنثور:6/24:

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن مجاهد فی قوله: ولا یملک الذین یدعون من دونه الشفاعة ، قال: عیسی وعزیر والملائکة. إلا من شهد بالحق قال کلمة الإخلاص. وهم یعلمون أن الله حق . . .

وأخرج عبد بن حمید وعبد الرزاق وابن جریر وابن المنذر عن قتادة فی قوله: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ ، قال: الملائکة وعیسی وعزیر فإن لهم عند الله شفاعة .

الدر المنثور:4/94:

وأخرج الحاکم فی الکنی عن حماد (رض) قال: سألت إبراهیم عن هذه الآیة: ربما یود الذین کفروا کانوا مسلمین ، قال: حدثت أن أهل الشرک قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیقول للملائکة والنبیین: اشفعوا لهم فیشفعون لهم فیخرجون حتی أن إبلیس لیتطاول رجاء أن یدخل معهم ، فعند ذلک یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین .

تفسیر الطبری:25/62:

ص: 581

اختلف أهل التأویل فی تأویل ذلک فقال بعضهم: معنی ذلک ولا یملک عیسی وعزیز والملائکة الذین یعبدهم هؤلاء المشرکین لشفاعة عند الله لاحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه . . . وأولی الأقوال فی ذلک بالصواب أن یقال: إن الله تعالی ذکره أخبره أنه لا یملک الذین یعبدهم المشرکون من الله الشفاعة عنده لأحد ، إلا من شهد بالحق . . ویعنی بذلک أنهم یملکون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها ، کما قال جل ثناؤه: ولا یشفعون إلا لمن ارتضی ، فأثبت جل ثناؤه للملائکة وعیسی وعزیز ملکهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان ، باستثنائه الذی استثناه .

تفسیر الطبری:27/37:

وقوله: وکم من ملک فی السموات لا تغنی شفاعتهم شیئاً یقول تعالی ذکره: وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا ، عند الله لمن شفعوا له شیئاً إلا أن یشفعوا له من بعد أن یأذن الله لهم ، بالشفاعه لمن یشاء منهم أن یشفعوا له ویرضی ، یقول ومن بعد أن یرضی لملائکته الذین یشفعون له أن یشفعوا له ، فتنفعه حینئذ شفاعتهم. .

تفسیر الرازی:4 جزء 7/11:

هؤلاء المذکورون فی هذه الآیة ( َعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) یحتمل أن یکونوا هم الملائکة وسائر من یشفع یوم القیامه من النبیین والصدیقیین والشهداء والصالحین .

الجواهر الحسان للثعالبی:1/351:

ص: 582

فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون ، ولم یبق إلا أرحم الراحمین ، فیقبض قبضة من النار فیخرج منها قوماً لم یعلموا خیراً قط .

الأنساب:5/623:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): سبعة لهم شفاعة کشفاعة الأنبیاء: المؤذن ، والإمام ، والشهید وحامل القرآن ، والعالم ، والمتعلم ، والتائب .

ما یوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنین له

الکافی:2/248:

عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمی عن خضر بن عمرو عن أبی عبد الله(علیه السّلام): المؤمن مؤمنان: مؤمن وفی لله بشروطه التی شرطها علیه فذلک مع النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً وذلک من یشفع ولا یشفع له وذلک ممن لا تصیبه أهوال الدنیا ولا أهوال الآخرة .

ومؤمن زلت به قدم فذلک کخامة الزرع کیفما کفأته الریح انکفأ وذلک ممن تصیبه أهوال الدنیا والآخرة ویشفع له وهو علی خیر. وروی نحوه فی الکافی:2/188 وفی تفسیر نور الثقلین:1/514 وج 4/260

الکافی:6/3:

ص: 583

محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن عیسی عن محمد بن یحیی عن طلحة بن زید عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن أولاد المسلمین موسومون عند الله شافع ومشفع فإذا بلغوا اثنتی عشرة سنة کانت لهم الحسنات

فإذا بلغوا الحلم کتبت علیهم السیئات .

الکافی:8/101:

محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن عیسی عن الحسن بن علی بن فضال عن علی بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبدالحمید الوابشی عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال... وإن المؤمن لیشفع لجاره وماله حسنة فیقول: یا رب جاری کان یکف عنی الأذی فیشفع فیه فیقول الله تبارک وتعالی: أنا ربک وأنا أحق من کافی عنک فیدخله الجنة وماله من حسنة ! وإن أدنی المؤمنین شفاعة لیشفع لثلاثین إنساناً فعند ذلک یقول أهل النار: فما لنا من شافعین ولا صدیق حمیم .

وسائل الشیعة:8/407:

وعن إبراهیم بن الغفاری عن جعفر بن إبراهیم عن جعفر بن محمد (علیهماالسّلام) قال: أکثروا من الأصدقاء فی الدنیا فإنهم ینفعون فی الدنیا والآخرة أما فی الدنیافحوائج یقومون بها وأما فی الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ .

وعن أحمد بن إدریس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): استکثروا من الأخوان فإن لکل مؤمن دعوة مستجابة وقال:

ص: 584

استکثروا من الأخوان فإن لکل مؤمن شفاعة. وقال: أکثروا من مؤاخاة المؤمنین فإن لهم عند الله یداً یکافئهم بها یوم القیامة .

مستدرک الوسائل:8/323:

وقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): علیکم بالاخوان فإنهم عدة فی الدنیا والآخرة ألا تسمعون إلی قوله تعالی: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ .

بحار الأنوار:8/41:

ثواب الأعمال: أبی عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبی ولاد عن میسر عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن المؤمن منکم یوم القیامة لیمربه الرجل له المعرفة به فی الدنیا وقد أمر به إلی النار والملک ینطلق به قال: فیقول له: یا فلان أغثنی فقد کنت أصنع إلیک المعروف فی الدنیا وأسعفک فی الحاجة تطلبها منی فهل عندک الیوم مکافاة فیقول المؤمن للملک المؤکل به: خل سبیل قال: فیسمع الله قول المؤمن فیأمر الملک أن یجیز قول المؤمن فیخلی سبیله. ( المصدر/167 )

من مصادر السنیین

تاریخ البخاری:6/533:

روی وکیع عن محمد بن قیس قال: أدنی أهل الجنة منزلة الذی یشفع فی الرجل من أهل بیته .

ص: 585

مسند أبی یعلی:2/292:

حدثنا أبوبکر حدثنا محمد بن بشرحدثنا زکریا بن أبی زائدة حدثنی عطیة عن أبی سعید عن النبی(ص)قال: من أمتی من یشفع للرجل وأهل بیته فیدخلون الجنة بشفاعته .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/105:

أنس بن مالک: أکثروا من المعارف من المؤمنین ، فإن لکل مؤمن شفاعة عند الله یوم القیامة .

الدر المنثور:6/8:

وأخرج ابن جریر من طریق قتادة عن أبی إبراهیم اللخمی فی قوله: وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال یشفعون فی إخوان إخوانهم .

تفسیر الطبری:25/18:

قوله تعالی: وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ . . . وقیل إن ذلک الفضل الذی ضمن جل ثناؤه أن یزیدهموه هو أن یشفعهم فی إخوان إخوانهم ، إذا هم شفعوا فی إخوانهم فشفعهوا فیهم

تفسیر الطبری:29/105:

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ ، یقول فما یشفع لهم الذین شفعهم الله فی أهل الذنوب . . وفی هذه الآیة دلالة واضحة علی أن الله مشفع بعض خلقه فی بعض .

ص: 586

هامش طبقات المحدثین بأصبهان:2/346:

عن أبی أمامة عن النبی (ص) قال: إن ذراری المسلمین یوم القیامة تحت العرش شافع مشفع .

الإیمان لابن تیمیة/115:

أبو الحسن الأشعری نصر قول جهم فی الإیمان مع أنه نصر المشهور من أهل السنة فی أنه یستثنی فی الإیمان فیقول: أنا مؤمن إن شاء الله لأنه نصر مذهب أهل السنة فی أنه لا یکفر أحد من أهل القبلة ولا یخلدون فی النار وتقبل منهم الشفاعة ونحو ذلک .

فتاوی الالبانی/286:

سؤال: هل تارک الصلاة کافر ولا ینفعه أی عمل ؟

جواب: نحن قلنا إن إخواننا کانوا یصلون ویصومون إلی آخره ، فیأذن الله عز وجل بأن یشفع لهم فیشفعون ، ثم یشفعون لوجبة أخری .

ص: 587

ص: 588

الفصل الثالث عشر : شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار وأصناف أخری من الناس...

اشارة

ص: 589

ص: 590

شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار

وردت فی مصادر الفریقین أحادیث عن شفاعة القرآن ، وصرح بعضها بأن القرآن یتجسد یوم القیامة علی صورة إنسان وملک نورانی ، ویتکلم مع أهل المحشر .

وقد ورد فی أحادیث البعث والقیامة والحساب والجنة والنار ، من طرق الجمیع ما یدل علی تجسد القرآن ، وتجسد بعض الأعمال ، والأمور والأمکنة والأزمنة ..

وقد کان هذا الأمر صعب التصدیق بل صعب التصور فی العصور السابقة ، أما فی عصر الذرة والجینات فقد عرف الناس حقائق مدهشة من خلق الله تعالی وقوانینه ، وصار الإیمان بضبط أعمال الإنسان وتجسدها فی هذه الدنیا أمراً معقولاً فضلاً عن عالم الآخرة !

شفاعة القرآن

فی نهج البلاغة:2/91:

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذی لا یغش ، والهادی الذی لا یضل ،

ص: 591

والمحدث الذی لا یکذب.

وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزیادة أو نقصان: زیادة فی هدی أو نقصان فی عمی .

واعلموا أنه لیس علی أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنی ، فاستشفوه من أدوائکم ، واستعینوا به علی لأوائکم ، فإن فیه شفاء من أکبر الداء ، وهو الکفر والنفاق والغی والضلال .

فاسألوا الله به ، وتوجهوا إلیه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلی الله بمثله .

واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه من شفع له القرآن یوم القیامة شفع فیه ، ومن محل به القرآن یوم القیامة صدق علیه ، فإنه ینادی مناد یوم القیامة: ألا إن کل حارث مبتلی فی حرثه وعاقبة عمله ، غیر حَرَثَةِ القرآن ، فکونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه علی ربکم، واستنصحوه علی أنفسکم، واتهموا علیه آراءکم ، واستغشوا فیه أهواءکم. العملَ العملِ ، ثم النهایة النهایة. انتهی .

وفی الکافی:2/596-کتاب فضل القرآن:

علی بن محمد ، عن علی بن العباس ، عن الحسین بن عبد الرحمن ، عن سفیان الحریری ، عن أبیه ، عن سعد الخفاف ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: یا سعد تعلموا القرآن ، فإن القرآن یأتی یوم القیامة فی أحسن صورة نظر إلیها الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأربعون ألف صف من سائر الأمم ، فیأتی علی صف المسلمین

ص: 592

فی صورة رجل فیسلَّم ، فینظرون إلیه ثم یقولون: لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، إن هذا الرجل من المسلمین نعرفه بنعته وصفته ، غیر أنه کان أشد اجتهاداً منا فی القرآن ، فمن هناک أعطی من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم یجاوز حتی یأتی علی صف الشهداء ، فینظرون إلیه ثم یقولون: لا إله إلا الله الرب الرحیم ، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته ، غیر أنه من شهداء البحر ، فمن هناک أعطی من البهاء والفضل ما لم نعطه ، قال: فیتجاوز حتی یأتی علی صف شهداء البحر فی صورة شهید ، فینظر إلیه شهداء البحر فیکثر تعجبهم یقولون: إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته ، غیر أن الجزیره التی أصیب فیها کانت أعظم هولاً من الجزیرة التی أصبنا فیها ، فمن هناک أعطی من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم یجاوز حتی یأتی صف النبیین والمرسلین فی صورة نبی مرسل ، فینظر النبیون والمرسلون إلیه ، فیشتد لذلک تعجبهم ویقولون: لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، إن هذا النبی مرسل نعرفه بسمته وصفته ، غیر أنه أعطی فضلاً کثیراً ، قال: فیجتمعون فیأتون رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیسألونه ویقولون: یا محمد من هذا؟ فیقول لهم: أو ما تعرفونه ؟ فیقولون ما نعرفه ، هذا ممن لم یغضب الله علیه ، فیقول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): هذا حجة الله علی خلقه .

فیسلم ثم یجاوز حتی یأتی علی صف الملائکة فی سورة ملک مقرب ، فتنظر إلیه الملائکة فیشتد تعجبهم ، ویکبر ذلک علیهم لما رأوا من فضله ، ویقولون: تعالی ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائکه نعرفه بسمته وصفته، غیر أنه کان أقرب الملائکة إلی الله عز وجل ، مقاماً ، فمن هناک ألبس من النور والجمال ما لم نلبس ، ثم یجاوز حتی ینتهی إلی رب العزة تبارک

ص: 593

وتعالی ، فیخر تحت العرش ، فینادیه تبارک وتعالی: یاحجتی فی الأرض وکلامی الصادق الناطق، إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیرفع رأسه، فیقول الله تبارک وتعالی: کیف رأیت عبادی ؟ فیقول: یا رب منهم من صاننی وحافظ علی ولم یضیع شیئاً ، ومنهم من ضیعنی واستخف بحقی وکذب بی وأنا حجتک علی جمیع خلقک، فیقول الله تبارک وتعالی: وعزتی وجلالی، وارتفاع مکانی لاثیبن علیک الیوم أحسن الثواب ، ولأعاقبن علیک الیوم ألیم العقاب .( ورواه فی وسائل الشیعة:4/213 )

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبدالله ، عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیها الناس إنکم فی دار هدنة ، وأنتم علی ظهر سفر ، والسیر بکم سریع ، وقد رأیتم اللیل والنهار والشمس والقمر یبلیان کل جدید ، ویقربان کل بعید ، ویأتیان بکل موعود ، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز .

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: یا رسول الله وما دار الهدنة ؟ قال: دار بلاغ وانقطاع ، فإذا التبست علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم ، فعلیکم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وماحلٌ مصدق ، ومن جعله أمامه قادة إلی الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلی النار ، وهو الدلیل یدل علی خیر سبیل ، وهو کتاب فیه تفصیل وبیان وتحصیل ، وهو الفصل لیس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حکم وباطنه علم ، ظاهره أنیق وباطنه عمیق ، له نجوم وعلی نجومه نجوم، لا تحصی عجائبه ولا تبلی غرائبه ، فیه مصابیح الهدی، ومنار الحکمة ، ودلیل علی المعرفة لمن عرف الصفة .. فَلْیجُلْ جَال بصره ، ولیبلغ الصفة نظره ، ینج من عطب ، ویتخلص من نشب ، فإن التفکر حیاة

ص: 594

قلب البصیر ، کما یمشئ المستنیر فی الظلمات بالنور ، فعلیکم بحسن التخلص وقلة التربص. انتهی.

ورواه فی وسائل الشیعة:4/218 وفی تفسیر نور الثقلین:4/13 وفی صحیح مسلم:2/197:

عن أبی أمامة الباهلی قال سمعت رسول الله(ص)یقول: إقرؤوا القرآن ، فإنه یأتی یوم القیامة شفیعاً لاصحابه. إقرأوا الزهراوین البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتیان یوم القیامة کأنهما غمامتان أو کأنهما غیایتان ، أو کأنهما فرقان من طیر ، صوافُّ تحاجان عن أصحابهما. إقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها برکة ، وترکها حسرة ، ولا یستطیعها البطلة. قال معاویة بلغنی أن البطلة السحرة. انتهی. ورواه أحمد فی:5/248 - 249

وفی مستدرک الحاکم:1/554:

عن عبدالله بن عمرو (رض) أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: الصیام والقرآن یشفعان للعبد ، یقول الصیام رب إنی منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعنی فیه ، ویقول القرآن: منعته النوم باللیل فیشفعان. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه. انتهی. ورواه أحمد فی مسنده:2/174 وقال عنه فی مجمع الزوائد:10/380: رواه أحمد وإسناده حسن علی شعف فی ابن لهیعة وقد وثق. وقال فی عنه الدر المنثور:1/182: وأخرج أحمد وابن أبی الدنیا فی کتاب الجوع والطبرانی والحاکم وصححه عن عبد الله بن عمرو. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:

ص: 595

2/568 ح3631 وکنز العمال:8/444

وفی مستدرک الحاکم:1/568:

عن معقل بن یسار (رض) قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تکفروا بشئ منه ، وما تشابه علیکم منه فردوه إلی الله وإلی أولی الأمر من بعدی کیما یخبروکم .

وآمنوا بالتوراة والإنجیل والزبور ، وما أوتی النبیون من ربهم .

ولیسعکم القرآن وما فیه من البیان ، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ألا ولکل آیة نور یوم القیامة ، وإنی أعطیت سورة البقرة من الذکر الأول ، وأعطیت طه وطواسین والحوامیم من ألواح موسی، وأعطیت فاتحة الکتاب من تحت العرش. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. وروی نحوه فی:3/578 ورواه فی کنز العمال:1/190

وفی مسند أحمد:5/348:

عن عبدالله بن بریدة عن أبیه عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن القرآن یلقی صاحبه یوم القیامة حین ینشق عنه قبره کالرجل الشاحب ، فیقول له هل: تعرفنی؟ فیقول ما أعرفک ! فیقول له: هل تعرفنی ؟ فیقول ما أعرفک ! فیقول: أنا صاحبک القرآن الذی أظمأتک فی الهواجر ، وأسهرت لیلک ، وإن کل تاجر من وراء تجارته ، وإنک الیوم من وراء کل تجارة ، فیعطی الملک بیمینه ، والخلد بشماله ، ویوضع علی رأسه تاج الوقار ، ویکسی والداه حلتین ، لا یقوم لهماأهل الدنیا ، فیقولان بم کسینا هذه ؟ فیقال بأخذ ولدکما القرآن !

ص: 596

ثم یقال له: إقرأ واصعد فی درجة الجنة وغرفها ، فهو فی صعود ما دام یقرأ هذاً کان أو ترتیلاً. وروی نحوه فی الدر المنثور: 6/277:عن ابن أبی شیبة وابن الضریس عن مجاهد وفی الدر المنثور:3/56:

وأخرج ابن أبی شیبة وأحمد فی الزهد ، وابن الضریس ، ومحمد بن نصر ، والطبرانی عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلی الجنة ، ومن جعل خلفه ساقه إلی النار. انتهی. وروی نحوه فی کنز العمال:1/552 ونحوه فی:1/516 و/519 و: 2/292 عن ابن مسعود وکذا فی فردوس الأخبار:3/281 ح 4710 وفی المعجم الکبیر للطبرانی:9/132

وفی کنز العمال:14/390:

عن فردوس الأخبار عن أبی هریرة: الشفعاء خمسة: القرآن ، والرحم ، والأمانة ، ونبیکم ، وأهل بیته .

وفی سنن الدارمی:2/430:

عن أبی هریرة یقول: إقرؤوا القرآن ، فإنه نعم الشفیع یوم القیامة ، إنه یقول یوم القیامة: یا رب حلِّه حلیةَ الکرامة ، فیحلی حلیة الکرامة ، یا رب أکسه کسوة الکرامة ، فیکسی کسوة الکرامة ، یا رب ألبسه تاج الکرامة ، یا رب إرض عنه ، فلیس بعد رضاک شئ .

ص: 597

عن ابن عمر قال: یجی القرآن یشفع لصاحبه یقول: یا رب لکل عامل عمالة من عمله ، وإنی کنت أمنعه اللذة والنوم فأکرمه ، فیقال: أبسط یمینک فیملا من رضوان الله ، ثم یقال أبسط شمالک فیملا من رضوان الله ، ویکسی کسوة الکرامة ، ویحلی حلیة الکرامة ، ویلبس تاج الکرامة .

عن أبی صالح قال: القرآن یشفع لصاحبه فیکسی حلة الکرامة ، ثم یقول: رب زده ، فیکسی تاج الکرامه ، قال فیقول رب زده فآته فآته ، یقول: رضائی.

قال أبو محمد: قال وهیب بن الورد: إجعل قراءتک القرآن علماً ولا تجعله عملاً .

وفی سنن الدارمی:2/433:

عن ابن مسعود کان یقول: یجیء القرآن یوم القیامة فیشفع لصاحبه ، فیکون له قائداً إلی الجنة ، ویشهد علیه ، ویکون سائقاً به إلی النار .

وفی الدر المنثور:1/18:

وأخرج أبو عبید وأحمد وحمید بن زنجویه فی فضائل القرآن ومسلم وابن الضریس وابن حبان والطبری وأبوذر الهروی فی فضائله والحاکم والبیهقی فی سننه عن أبی أمامة الباهلی قال:

سمعت رسول الله(ص)یقول: إقرؤا القرآن فإنه یأتی یوم القیامة شفیعاً لاصحابه. انتهی .

ورواه الطبرانی فی المعجم الکبیر:8/118

ص: 598

وقد بالغ بعضهم فی شفاعة القرآن حتی جعلها أعظم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال السبکی فی طبقات الشافعیه:6/301 نقلاً عن إحیاء الدین للغزالی: ما من شفیع أعظم عند الله منزلة من القرآن !

شفاعة سور القرآن وآیاته

روت مصادر الشیعة والسنة أحادیث کثیرة فی فضل سور القرآن وآیاته ، وشفاعتها لمن قرأها أو حفظها أو علمها أو تعلمها أو عمل بها ، أو إعطائه حق الشفاعة بسبب ذلک.. ویطول الکلام لو أردنا استعراض هذه الأحادیث لکثرتها وضعف سند بعضها أو متنه.. لذا نکتفی بتقدیم نماذج منها من مصادر الفریقین:

ففی وسائل الشیعة:4/199:

عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقیام بها، فإنها لا تقر فی قلوب المنافقین ، وتأتی بها یوم القیامة فی صورة آدمی فی أحسن صورة وأطیب ریح ، حتی تقف من الله موقفاً لا یکون أحد أقرب إلی الله منها ، فیقول لها: من الذی کان یقوم بک فی الحیاة الدنیا ویدمن قراءتک ؟ فتقول: یا رب فلان وفلان، فتبیض وجوههم ، فیقول لهم: إشفعوا فیمن أجبتم ، فیشفعون حتی لا یبقی لهم غایة ولا أحد یشفعون له ، فیقول لهم: أدخلوا الجنة واسکنوا فیها حیث شئتم .

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: من قرأ التغابن فی فریضة کانت شفیعة له یوم القیامة ، وشاهد عدل عند من یجیز شهادتها ، ثم لا یفارقها حتی یدخل

ص: 599

الجنة .

وفی تفسیر نور الثقلین:2/2:

فی کتاب ثواب الأعمال بإسناده إلی أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: من قرأ سورة الأعراف فی کل شهر ، کان یوم القیامة من الذین لا خوف علیهم ولا هم یحزنون. فلا تدعوا قراءتها ، فإنها تشهد یوم القیامة لمن قرأها.

وفی مصباح الکفعمی عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من قرأها جعل الله بینه وبین إبلیس ستراً ، وکان آدم(علیه السّلام)شفیعاً له یوم القیامة. ( ورواه فی فردوس الأخبار: 4/34 ح 8 559 )

وفی مستدرک الوسائل:4/351:

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ومن قرأ سورة الممتحنة ، کان المؤمنون والمؤمنات له شفعاء یوم القیامة .

وفی مستدرک الوسائل:4/335:

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من قرأ آیة الکرسی مرة ، محی اسمه من دیوان الاشقیاء ، ومن قرأها ثلاث مرات ، استغفرت له الملائکة ، ومن قرأها أربع مرات شفع له الأنبیاء ، ومن قرأها خمس مرات کتب الله اسمه فی دیوان الابرار ، واستغفرت له الحیتان فی البحار ووقی شر الشیطان ، ومن قرأها سبع مرات أغلقت عنه أبواب النیران، ومن قرأها ثمانی مرات فتحت له أبواب الجنان ، ومن قرأها تسع مرات کفی هم الدنیا والآخرة ، ومن قرأها عشر مرات نظر الله إلیه بالرحمة ، ومن نظر الله إلیه بالرحمة فلا یعذبه .

ص: 600

وفی مستدرک الوسائل:4/323:

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن لکل شئ قلباً وقلب القرآن یس ، فمن قرأ یس فی نهاره قبل أن یمسی ، کان فی نهاره من المحفوظین والمرزوقین حتی یمسی ، ومن قرأها فی لیلة قبل أن ینام وکَّل به ألف ملک یحفظونه من کل شیطان رجیم ، ومن کل آفة وإن مات فی یومه أدخله الله الجنة... ثم یقول له الرب تعالی: إشفع عبدی اشفعک فی جمیع ما تشفع ، وسلنی عبدی أعطک جمیع ما تسأل ، فیسأل ویعطی ویشفع فیشفع ، ولا یحاسب فیمن یحاسب ، ولا یذل مع من یذل، ولا یبکت بخطیئته ولا بشئ من سوء عمله، ویعطی کتاباً منشوراً فیقول الناس بأجمعهم: سبحان الله ما کان لهذا العبد خطیئة واحدة ، ویکون من رفقاء محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وفی مستدرک الوسائل:6/356:

عن أبی هریرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یصلی لیلة السبت أربع رکعات ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة وآیة الکرسی ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد مرة ، فإذا سلم ، قرأ فی دبر هذه الصلاة آیة الکرسی ثلاث مرات ، غفر الله تبارک وتعالی له ولوالدیه ، وکان ممن یشفع له محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وفی سنن ابن ماجة:2/525:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: إن سورة فی القرآن ، ثلاثون آیة ، شفعت لصاحبها حتی غفر له: تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ الْمُلْکُ .

ورواه أبو داود:1 ص316 والترمذی:4/238 والحاکم:1/565 وأحمد:

ص: 601

2/299 وکنز العمال:1/583 وص 594 وفردوس الأخبار: 2/470 ح 3318

وفی سنن الدارمی:2/454:

عن خالد بن معدان قال: إقرؤا المنجیة ، وهی أ. ل. م. تَنْزِیلُ ، فإنه بلغنی أن رجلاً کان یقرؤها ما یقرأ شیئاً غیرها ، وکان کثیر الخطایا ، فنشرت جناحها علیه ، وقالت: رب اغفر له ، فإنه کان یکثر قراءتی ، فشفعها الرب فیه وقال: أکتبوا له بکل خطیئة حسنة ، وارفعوا له درجة .

وفی سنن الدارمی:2/459:

عن سعید بن المسیب یقول إن نبی الله(ص)قال: من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بنی له بها قصر فی الجنة ، ومن قرأها عشرین مرة بنی له بها قصران فی الجنة ، ومن قرأها ثلاثین مرة بنی له بها ثلاثة قصور فی الجنة. فقال عمر بن الخطاب: والله یا رسول الله إذن لنکثرن قصورنا ! فقال رسول الله (ص): الله أوسع من ذلک .

وفی الدر المنثور:6/247:

وأخرج الدیلمی عن أنس مرفوعاً قال: یبعث رجل یوم القیامة لم یترک شیئاً من المعاصی إلا رکبها ، إلا أنه کان یوحد الله ، ولم یکن یقرأ من القرآن إلا سورة واحدة ، فیؤمر به إلی النار ، فطار من جوفه شئ کالشهاب ، فقالت: اللهم إنی مما أنزلت علی نبیک(ص)، وکان عبدک هذا یقرؤنی ، فما

ص: 602

زالت تشفع ، حتی أدخلته الجنة ، وهی المنجیة: تبارک الذی بیده الملک .

وفی فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتی آیة فی کل یوم ، شفع فی سبع قبور حول قبره ، وخفف الله عز وجل عن والدیه ، وإن کانا مشرکین. ورواه فی کنز العمال:1/537 2408 عن ابن أبی داود فی المصاحف والدیلمی .

شفاعة القرآن لمن یتعلمه ویعلمه

فی سنن ابن ماجة:1/78:

عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله (ص): من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة ، وشفعه فی عشرة من أهل بیته ، کلهم قد استوجب النار.

ورواه أحمد فی مسنده:1/148 وفی:1/149 عن علی أیضاً، ورواه الترمذی فی:4/245 عن علی(علیه السّلام)أیضاً ورواه البیهقی فی شعب الإیمان: 2/328 وص 329 وص 552 وکنز العمال:1/521 وروی الخطیب فی تاریخ بغداد:11/395 نحوه عن عائشة .

وفی مسند أحمد:3/440:

عن سهل ، عن أبیه ، عن رسول الله(ص)أنه قال: من قال سبحان الله العظیم نبت له غرس فی الجنة. ومن قرأ القرآن فأکمله وعمل بما فیه ، ألبس والدیه یوم القیامة تاجاً هو أحسن من ضوء الشمس فی بیوت من بیوت الدنیا لو کانت فیه ، فما ظنکم بالذی عمل به !

ص: 603

کما روت المصادر ذم من یتعلم القرآن للدنیا ، ففی سنن النسائی:6/23:

عن أبی هریرة فقال له قائل من أهل الشام: أیها الشیخ حدثنی حدیثاً سمعته من رسول الله(ص)قال: نعم سمعت رسول الله(ص)یقول: أول الناس یقضی لهم یوم القیامة ثلاثة: رجل استشهد فأتی به فعرفه نعمة فعرفها ، قال: فما عملت فیها ؟ قال: قاتلت فیک حتی استشهدت. قال: کذبت ، ولکنک قاتلت لیقال فلان جرئ فقد قیل! ثم أمر به فسحب علی وجهه حتی ألقی فی النار!

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتی به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فیها ؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فیک القرآن. قال: کذبت ، ولکنک تعلمت العلم لیقال عالم ! وقرأت القرآن لیقال قارئ ، فقد قیل ! ثم أمر به فسحب علی وجهه حتی ألقی فی النار .

ورجل وسع الله علیه وأعطاه من أصناف المال کله ، فأتی به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فیها ؟ قال ما ترکت من سبیل تحب کما أردت أن ینفق فیها إلا أنفقت فیها لک. قال کذبت ، ولکن لیقال إنه جواد ، فقد قیل ! ثم أمر به فسحب علی وجهه فألقی فی النار ! ورواه الحاکم فی المستدرک: 1/107 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه بهذه السیاقة. انتهی .

شفاعة الکعبة لمن زارها

فی الدر المنثور:1/137:

وأخرج ابن مردویه والإصبهانی فی الترغیب والدیلمی عن جابر قال قال

ص: 604

رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة زفت الکعبة البیت الحرام إلی قبری ، فتقول: السلام علیک یا محمد ، فأقول

وعلیک السلام یا بیت الله ، ما صنع بک أمتی بعدی ؟ فتقول: یا محمد من أتانی فأنا أکفیه وأکون له شفیعاً ، ومن لم یأتنی فأنت تکفیه وتکون له شفیعاً .

وروی فی مستدرک الوسائل:8/40 روایة أخری فی تجسد الکعبة وشفاعتها أشبه من روایة السیوطی بالإسرائیلیات وإن کان موضوعها الکعبة الشریفة ! قال:

عن وهب بن منبه أنه قال: مکتوب فی التوراة: إن الله تعالی یبعث یوم القیامة سبعمائة ألف ملک ، ومعهم سلاسل من الذهب لیأتوا بالکعبة إلی عرصات القیامة ، فیأتون بها بسلاسل الذهب إلی موقف القیامة فیقول لها ملک: یا کعبة الله سیری ، فتقول: لا أذهب حتی تقضی حاجتی ، فیقول ما حاجتک ؟ إلی أن قال ما حاجتک سلی حتی تعطی ؟ فتقول: إلهی عبادک العصاة ، أتوا إلیَّ من کل فج عمیق ، شعثاً غبراً وخلفوا أهلیهم وأولادهم وبیوتهم ، وودعوا أحباءهم وأصحابهم لزیارتی وأداء المناسک کما أمرت ، إلهی فاشفع لهم لتؤمنهم من الفزع الأکبر ، فاقبل شفاعتی واجعلهم فی کنفی .

فینادی ملک: إن فیهم أصحاب الکبائر والمصرین علی الذنوب، المستحقین النار ! فتقول الکعبة: أنا أشفع فی أهل الکبائر ، فیقول الله تعالی: قبلت شفاعتک وقضیت حاجتک ، فینادی ملک: ألا من کان من أهل الکعبة فلیخرج من بین أهل الجمع ، فیخرج جمیع الحاج من بینهم ، ویحتوشون

ص: 605

الکعبة بیض الوجوه آمنون من الجحیم ، یطوفون حول الکعبة ، وینادون لبیک ، فینادی ملک: یا کعبة الله سیری ، فتسیر الکعبة وتنادی: لبیک اللهم لبیک لبیک ، إن الحمد والملک والنعمة لک لا شریک لک لبیک ، وأهلها یتبعونها. انتهی .

وقد روت المصادر أحادیث فی شفاعة الحجر الأسود أعزه الله تعالی ، کالذی فی الدر المنثور:1/136 عن عائشة: قالت: قال رسول الله (ص): أشهدوا هذا الحجر خیراً ، فإنه یأتی یوم القیامة شافع مشفع ، له لسان وشفتان یشهد لمن استلمه. وقد رواه فی مجمع الزوائد:3/242 وفی کنز العمال:12/217.

وورد فی مصادر الطرفین أن الحجر الأسود ملکٌ من ملائکة الجنة ، وأنه شهد علی میثاق بنی آدم، ثم أنزله الله تعالی مع آدم إلی الأرض ، ولا یتسع المجال لبحث ذلک.

شفاعة حجاج بیت الله الحرام

فی الکافی:4/255:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عیسی ، عن زکریا المؤمن، عن إبراهیم بن صالح ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: الحاج والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفعهم ، وإن سکتوا ابتدأهم ، ویعوضون بالدرهم ألف درهم. ( وفی نسخة ألف ألف درهم ) ورواه فی وسائل الشیعة:8/68 وروی

ص: 606

أحادیث متعددد عن استحقاق الجاج للجنة .

وفی من لا یحضره الفقیه:2/217:

ومن حج أربعین حجة قیل له: اشفع فیمن أحببت ، ویفتح له باب من أبواب الجنة ، یدخل منه هو ومن یشفع له .

وفی وسائل الشیعة:8/92:

عن زکریا الموصلی کوکب الدم ، قال: سمعت العبد الصالح(علیه السّلام)یقول: من حج أربعین حجة ، قیل له: إشفع فیمن أحببت ، ویفتح له باب من أبواب الجنة ، یدخل منه هو ومن یشفع له .

وفی سائل الشیعة:9/512:

وقال علی بن الحسین (علیهماالسّلام): الساعی بین الصفا والمروة، تشفع له الملائکة، فیشسفع فیه بالإیجاب .

وفی مجمع الزوائد:3/211:

الحاج یشفع فی أربعمائة أهل بیت ، أو قال من أهل بیته ، ویخرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه. ورواه فی کنز العمال:5/14 وفی الدر المنثور:1/210

وفی ذکر أخبار أصبهان:1/148:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إذا کان عشیة یوم عرفة أشرف الرب عز وجل من عرشه إلی عباده فیقول: یا ملائکتی أنظروا إلی

ص: 607

عبادی شعثاً غبراً ، قد أقبلوا یضربون إلی من کل فج عمیق ، أشهدکم أنی قد شفعت محسنهم فی میسئهم ، وأنی قد غفرت لهم جمیع ذنوبهم ، إلا التبعات التی بینهم وبین خلقی. قال: فإذا أتوا المزدلفة وشهدوا جمعاً ، ثم أتوا منی فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا ثم زاروا البیت ، قال: یا ملائکتی أشهدکم أنی قد شفعت محسنهم فی مسیئهم ، وأنی غفرت لهم جمیع ذنوبهم ، وأنی قد خلفتهم فی عیالاتهم ، وأنی قد استجبت لهم جمیع ما دعوا به ، وأنی قد غفرت لهم التبعات التی بینهم وبین خلقی ، وعلیَّ رضاء عبادی .

وفی مجمع الزوائد:3/275:

عن أنس بن مالک قال: کنت قاعداً مع رسول الله(ص)فی مسجد منی ، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقیف فسلما علیه ودعیا له دعاء حسناً فقالا: یا رسول الله جئنا لنسألک ، فقال: إن شئتما أخبرتکما بما جئتما تسألانی عنه فعلت ، وإن شئتما أسکت وتسألانی فعلت ؟ فقالا: أخبرنا یا رسول الله نزدد إیماناً أو یقیناً - الشک من إسماعیل قال لا أدری أیهما قال إیماناً أو یقیناً - فقال الأنصاری للثقفی: سل رسول الله(ص)،فقال الثقفی: بل أنت فسله فإنی أعرف لک حقک ، فسأله فقال: أخبرنی یا رسول الله .

قال: جئت تسألنی عن مخرجک من بیتک تؤم البیت الحرام ، ومالک فیه ، وعن طوافک بالبیت وما لک فیه ، وعن رکعتیک بعد الطواف ومالک فیهما ، وعن طوافک بالصفا والمروة وما لک فیه ، وعن وقوفک عشیة عرفة وما لک فیه ، وعن رمیک الجمار ومالک فیه ، وعن نحرک ومالک فیه ، وعن حلقک

ص: 608

ورأسک ومالک فیه ، وعن طوافک بالبیت بعد ذلک یعنی طواف الافاضة .

قال: والذی بعثک بالحق عن هذا جئت أسألک.

قال: فإنک إذا خرجت من بیتک تؤم البیت الحرام ، لا تضع ناقتک خفاً ولا ترفعه إلا کتب الله لک به حسنة وحط عنک به خطیئة ورفعک درجة ، وأما رکعتاک بعد الطواف کعتق رقبة من بنی إسماعیل .

وأما طوافک بین الصفا والمروة بعد ذلک ، کعتق سبعین رقبة .

وأما وقوفک عشیة عرفة ، فإن الله تبارک وتعالی یهبط إلی السماء الدنیا یباهی بکم الملائکة ، یقول هؤلاء عبادی جاؤوا شعثاً شفعاء من کل فج عمیق ، یرجون رحمتی ومغفرتی ، فلو کانت ذنوبکم کعدد الرمل وکعدد القطر وکزبد البحر لغفرتها !

أفیضوا عبادی مغفوراً لکم ولمن شفعتم له...

وروی بعضه فی کنز العمال:5/71 وروی فی/74:

ما من مسلم یقف عشیة عرفة بالموقف فیستقبل القبلة ثم یقول: لا إله إلا الله وحده لا شریک له له الملک وله الحمد بیده الخیر وهو علی کل شئ قدیر ، مائة مرة ثم یقرأ أم الکتاب مائة مرة ، ثم یقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله مائة مرة ، ثم یسبح الله مائة مرة فیقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم یقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة ، ثم یقول: اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد کما صلیت علی إبراهیم وآل إبراهیم إنک حمید مجید وعلینا معهم مائة مرة ، إلا قال الله تعالی: یا ملائکتی ما جزاء عبدی هذا

ص: 609

سبحنی وهللنی وکبرنی وعظمنی ومجدنی ونسبنی وعرفنی وأثنی علی وصلی علی نبیی .. إشهدوا یا ملائکتی أنی قد غفرت له وشفعته فی نفسه ، ولو شاء أن یشفع فی أهل الموقف لشفعته. ( هب وابن النجار والدیلمی عن جابر ) قال أبو بکر بن مهران الحافظ: تفرد به عبدالرحمن بن محمد المحاربی عن محمد بن سوقة وقال ( هب ): هذا متن غریب ولیس فی إسناده من نسب إلی الوضع .انتهی .

وقد أوردنا عدداً من أحادیث عرفة فی المجلد الثانی ، فی أحادیث النزول وغیرها ، ونقدنا مافیها من تجسید !

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الخاصة لزوار قبره

فی الکافی:4/548:

أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن السدوسی عن أبی عبدالله (علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتانی زائراً کنت شفیعه یوم القیامة. ورواه فی تهذیب الأحکام ج6 ص4

وفی تفسیر نور الثقلین:1/541:

علی بن محمد بن بندار عن إبراهیم بن إسحاق عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن أبی حجر الاسلمی عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتی مکة حاجاً ولم یزرنی إلی المدینة جفوته یوم القیامة ومن أتانی زائراً وجبت له شفاعتی ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة.

ص: 610

ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/565 وفی تهذیب الأحکام:6/4 وفی وسائل الشیعة:10/261

وروی فی الوسائل:10/263:

عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبیه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من زارنی حیاً أو میتاً کنت له شفیعاً یوم القیامة .

وفی المقنعة للمفید/457:

روی عن الصادق(علیه السّلام)، عن آبائه ، عن أمیرالمؤمنین صلوات الله علیهم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من زارنی بعد موتی کان کمن

هاجر إلیَّ فی حیاتی ، فإن لم تستطیعوا فابعثوا إلیَّ بالسلام ، فإنه یبلغنی.

وقال (علیه السّلام): من أتانی زائراً ، کنت شفیعه یوم القیامة .

وفی مستدرک الوسائل:10/185:

القطب الراوندی فی لب اللباب: عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من زار قبری وجبت له شفاعتی ، ومن زارنی میتاً فکأنما زرارنی حیاً.

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: من زار قبری حلت له شفاعتی .

وفی سنن الدار قطنی:2/278 ح 194:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من زار قبری وجبت له شفاعتی.

ورواه الذهبی فی تاریخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارنی بعد موتی وجبت شفاعتی.

ص: 511

وفی هامش طبقات المحدثین بأصبهان:2/167 ونحوه فی:1/55:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی ، کان حقاً علی الله أن أکون له شفیعاً یوم القیامة. انتهی .

وقد اقتصرنا من أحادیث زیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ما ورد فیه ذکر الشفاعة ، وسنورد بقیة أحادیثها فی محلها إن شاء الله تعالی ، مع الجواب علی شبهة الوهابیین فی تحریمهم زیارة القبور وخیرها وأشرفها قبر سید المرسلین (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

هذا وقد تقدم ذکر عدد من الاصناف الذین یستحقون الشفاعة فتشملهم ، أو یعطیهم الله تعالی حق الشفاعة بغیرهم ویقبل شفاعتهم ، فی الفصل السادس ( حدود الشفاعة ) وهم أنواع عدیدة .

وکل هذه الأحادیث تدل علی أن شفاعة المؤمنین حقیقةٌ مسلَّمَةٌ عند الجمیع ، فلا عجبَ أن تکون شفاعة الأئمة الأطهار من عترة النبی أعظم من جمیع الشفاعات بعد شفاعة جدهم ، وأشمل وأکمل ، صلی الله علیه وعلیهم ، ورزقنا شفاعتهم .

تم المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة

ویلیه المجلد الرابع إن شاء الله تعالی ، وأوله بحث شفاعة أهل البیت(علیهم السّلام)

ص: 612

فهرس المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة

مقدمة.................................................................3

الفصل الأول : تعریف الشفاعة وتاریخها......................5

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهیة............................7

شبهة حول أصل الشفاعة......................................7

محاولات المستشرقین التشکیک فی الشفاعة..........10

تهافت منطق الوهابیین فی الشفاعة والاستشفاع......11

تعریف الشفاعة فی اللغة......................................20

تعریف الشفاعة عند المتکلمین.............................23

الفصل الثانی: تحریف الیهود والنصاری للشفاعة......29

أولاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرهم..............31

شفاعة ابراهیم للمؤمنین ولاسماعیل ولوط.............32

شفاعة زکریا لبنی إسرائیل.................................33

توسیع بولس للشفاعة وحصرها بالمسیح................33

ثانیاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرنا..................40

الفصل الثالث: الشفاعة عند عرب الجاهلیة..............53

ص: 613

عبد العرب الأصنام أملاً بشفاعتهن..........................55

مکانة اللات والعزی عند مشرکی العرب....................59

الیمین الرسمی المقدس عند قریش باللات والعزی......61

المسألة... بعض الصحابة کانوا یقسمون باللات والعزی !62

اعتقاد قریش بنفع اللات والعزی وضرهما.....................64

مصادرنا تروی بغض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأصنام قریش.....................................................65

وحطم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل الأصنام67

واخترعت قریش قصة الغرانیق انتصاراً لللات والعزی68

قال المجلسی فی بحار الأنوار:17/56:...................72

البخاری ومسلم رویا فریة الغرانیق.........................75

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی فریة الغرانیق.............................................79

تنبؤ عمیق للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حول اللات والعزی.............................................................86

الفصل الرابع: آیات الشفاعة فی القرآن...................89

الشفاعة الحسنة والشفاعة السیئة فی الدنیا..........91

الشفعاء یوم القیامة یشفعون بعهد من الله تعالی........91

الأولیاء المکرمون ینفعون موالیهم بشفاعتهم..............91

عباد الله المکرمون کلهم شفعاء................................92

الملائکة یشفعون للناس بإذن الله تعالی...................92

الشفیع الأکبر (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..............92

لاشفاعة من دون الله تعالی..................................93

ص: 614

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم...........................94

لا شفاعة فی یوم القیامة کشفاعة الدنیا.................94

الکفار یبحثون بحثاً حثیثاً عن الشفعاء.......................95

لا شفاعة للظالمین.............................................95

الفصل الخامس: شفاعة نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )97

تفسیر ( المقام المحمود ) لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )99

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المحشر99

تفسیر إخواننا السنیین القریب من تفسیرنا...............117

تفسیرهم الذی فیه تجسیم..............................120

القعود علی العرش فکرة یهودیة مسیحیة.................124

انتقاد بعض علماء السنة التفسیر بالقعود علی العرش126

تفسیر قوله تعالی ( ولسوف یعطیک ربک فترضی )128

تفسیر الآیة بالعطاء الالهی الاعم من الشفاعة129

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً131

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً131

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته خاصة136

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لجمیع أمته !139

الفصل السادس : حدود الشفاعة........................145

حدود الشفاعة..................................................147

المذاهب فی حدود الشفاعة ( من ارتضی )...........148

حدود الشفاعة عند أهل البیت (علیهم السلام).........149

ص: 615

ما دل علی استثناء المشرک والظالم من الشفاعة149

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة....................155

1 - من قضی لأخیه المؤمن حاجة........................156

2 - من سعی فی حوائج ذریة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )157

3 - من زار قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )157

4-من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالی..................158

5 - من یدعو للمؤمنین........................................159

6 - شفاعة الملائکة لأهل مجلس الدعاء................159

7 - من شیع جنازة مسلم...................................160

8 - من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً....................160

9 - من عاهد أخاه المؤمن علی الشفاعة..............161

10 - مجموعة أعمال وصفات توجب الشفاعة.........161

أصناف لا تنالهم الشفاعة...................................165

1-السلطان الظالم الغشوم................................165

2 - المنان والبخیل والنمام.................................166

الذین یخرجون من النار بالشفاعة یکونون أدنی درجة166

رأی السنیین القریب من رأی أهل البیت (علیهم السّلام)167

1 - السلطان الظلوم الغشوم.................................173

2 - الذی یکذب علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )174

3 - الذی یبغض ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو یظلمهم174

4 - أصحاب البدع المخالفین للسنة.........................175

5 - من طلب العلم للدنیا أو طلب الدنیا بعمل الآخرة175

ص: 616

6 - من یؤذی جیرانه..........................................176

7 - الذی یسی إدارة من تحت یده.....................176

8 - المتکبر ولو مثقال حبة خردل............................177

9 - من قتل نفسه.............................................178

10 - من نبت لحمه من سحت..............................179

11- من زنی بذات محرم.....................................179

12 - من نسب نفسه إلی غیر أبیه........................179

14 - الذی یقتل أحداً من أهل الذمة....................182

15-الذی یغش العرب.......................................183

16 - اللعان الفحاش.........................................184

17 - ورووا أن أکثر النساء فی النار...........................185

18 - ورووا فی من أطال إزاره أو ثوبه.......................186

شرط الشفاعة فی المظالم الشخصیة...................186

الفصل السابع: توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه189

توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه191

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین192

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی حتی لو کفر بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!203

أحادیث أن الله تعالی یشفع عند نفسه !...............221

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل جمیع الخلق !224

الرأی الرابع أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً وأن جهنم تفنی وینقل أهلها إلی الجنة !228

ص: 617

آراء المسلمین فی آیات الخلود وأحادیثه...................229

أجمع المسلمون علی خلود الکفار فی جهنم...........230

الروایات التی توافق هذا الرأی عند إخواننا السنیین 233

سبب خلود أهل النار فیها..................................238

آیات الخلود فی الجنة والنار.................................238

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادرنا..............244

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادر السنیین .....246

روایات فی الصحاح تقول بخلود الموحدین فی النار......251

ما دل من مصادرنا علی أن الدار الآخرة لا موت فیها254

ما دل من مصادر السنیین علی أن الدار الآخرة لا موت فیها255

عودة إلی رأی عمر بفناء النار.............................257

الجهمیة أخذت من الخلیفة عمر...........................265

والمرجئة أخذوا من عمر.....................................266

وابن العاص أخذ من عمر.....................................266

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر.....................267

والشعبی أخذ من عمر......................................268

والمعتزلة أخذت من عمر...................................268

والجاحظ أخذ من عمر........................................268

وابن عربی والجیلی أخذاً من عمر..........................269

أما عمر فقد أخذ من کعب الأحبار والیهود ............269

عمر ینظر إلی کعب کأنه نبی ویتلقی منه...............272

ص: 618

الفصل الثامن: شفاعات وحرمانات غیر معقولة روتها مصادر السنیین281

النوع الأول: شفاعة اثنین لصاحب الجنازة................283

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی الشهادة للجنازة293

النوع الثانی: شفاعة النبی للظالمین من الامة..........293

قال کعب الأحبار هم جمیع المسلمین وهم فی الجنة297

وقال الخولانی إنه قرأ ذلک فی کتب الیهود..............297

عائشة وعثمان یوافقان کعباً علی تفسیره...............298

الحسن البصری یرد تفسیر کعب الأحبار...............299

الخلیفة عمر یمیل إلی تفسیر کعب.....................300

قال أهل البیت (علیهم السّلام) لا یمکن أن تشمل الآیة کل الأمة306

النوع الثالث: نظریة فداء المسلمین بالیهود والنصاری !314

النوع الرابع: إسقاط المحرمات عن أهل بدر...............316

النوع الخامس: حرمان من سب الصحابة من الشفاعة326

النوع السادس: الدخول إلی جهنم لتحلیل القسم الالهی بأن یملاها329

النوع السابع: حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر333

ماذا یصنع رواة الخلافة القرشیة بهذه الأحادیث...........338

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) ..........................340

خلاصة المسألة..............................................342

النوع الثامن: مرسوم بحرمان الزوجة التی تطلب الطلاق243

الفصل التاسع : محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )349

ص: 619

محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة لنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )351

حساسیة قریش من أسرة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )353

حادثةٌ خطیرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح............................354

براعة البخاری فی تضییع القضیة.........................365

الحادثة فی بعض روایات أهل البیت (علیهم السّلام)374

وسعوا شفاعة النبی للیهود والنصاری ولم یسمحوا أن تشمل أسرته !!380

روایات أخری غیر منطقیة أیضاً..............................384

أغرب شفاعة اخترعها القرشیون لرئیس بنی هاشم396

بماذا یفسرون قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سأبلها ببلالها402

ضحضاح النور لا ضحضاح النار..............................404

محاولتهم التخلص من الوعد النبوی لبنی هاشم....406

عمل المعروف ینجی الکفار من النار إلا أبا طالب.....408

أحادیث نجت من الرقابة القرشیة.........................411

بخلهم علی أبی طالب وخدیجة وسخاؤهم علی غیرهما416

أهم الأدلة علی إیمان أبی طالب........................422

الفصل العاشر : ولادة المذاهب المنحرفة من أفکار توسیع الشفاعة433

عمل الیهود علی إسقاط المحرمات من الأدیان........435

إخبار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بظهور المرجئة والقدریة وتحذیره منهم436

تعریف المرجئة ومذهبهم......................................438

المرجئة ولدوا من عهد الخلیفة عمر.....................440

أول من تصدی لمذهب المرجئة علی (علیه السّلام)443

ص: 620

کان المرجئة خداماً لبنی أمیة ومبررین لجرائمهم449

تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة فی الإرجاء............451

تورُّط أصحاب الصحاح الستة فی الارجاء...............453

حب المستشرقین للمرجئة وحزنهم علیهم............458

المرجئة والجبریة شقیقان لاب وأم..........................461

القدریة المفوضة ( الذین ینفون القدر )...................463

القدریة الجبریة ( الذین یثبتون القدر )....................465

القدر عند أهل البیت (علیهم السّلام) : لا جبر ولا تفویض467

ردة فعل الخوارج علی توسیع الدولة للشفاعة470

تبادل المواقع بین الخوارج والمرجئة !................480

المعتزلة مثقفون متوسطون بین الدولة والخوارج480

الصغائر تغفر والکبائر لا تغفر إلا بالتوبة................481

وصاحب الکبیرة فی النار ولا تشمله الشفاعة493

الفصل الحادی عشر : المزید من تأثیر الإسرائیلیات

علی أحادیث الشفاعة487

اتفق الجمیع نظریاً علی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )489

نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع یوم القیامة493

الأحادیث الموافقة لمذهبنا فی مصادر السنیین 497

الأحادیث المتأثرة بالاسرائیلیات فی مصادر السنیین500

شرط الشیخین ، وفیه أمورٌ وتفصیلاتٌ غیر معقولة ، جاء فیه:501

البخاری یفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )503

أحسن تصور فی مصادر السنیین عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )511

ص: 621

مسألتا: الذبیح وأول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة515

المسألة الأولی.............................................516

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) .........................528

بحث فی إیمان عبد المطلب وروایة أنا ابن الذبیحین530

ومن الأحادیث والنصوص الدالة علی إیمان عبد المطلب:540

عبد المطلب علیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک545

آراء شیعیة مخالفة للمشهور فی الذبیحین547

رأی الشیخ الصدوق بأن إسحاق ذبیح أیضاً !547

محاولة أحد المعاصرین تفسیر الذبیحین بإسماعیل وإسحاق549

المسألة الثانیة: أول من یکسی کسوة الجنة 564

الفصل الثانی عشر : شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء 571

شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء من مصادرنا573

من مصادر السنیین ......................................577

ما یوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنین له583

من مصادر السنیین ......................................585

الفصل الثالث عشر: شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، الزوار وأصناف أخری من الناس...589

شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار .............591

شفاعة القرآن..................................................591

شفاعة سور القرآن وآیاته....................................599

شفاعة القرآن لمن یتعلمه ویعلمه.........................603

ص: 622

شفاعة الکعبة لمن زارها....................................604

شفاعة حجاج بیت الله الحرام................................606

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الخاصة لزوار قبره610

ص: 623

المجلد 4

اشارة

العقائد الإسلامیة مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

بقلم: علی الکورانی العاملی المجلد الرابع

یشتمل علی مسائل: شفاعة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والاستشفاع والتوسل

ص: 1

ص: 2

الفصل الرابع عشر : شفاعة أحد شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) أویس القرنی أحد کبار الشفعاء

اشارة

ص: 3

ص: 4

شفیعٌ تشتاق الیه الجنة

ثبت فی مصادر الطرفین أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) نص علی عدد من الصحابة بأسمائهم ، أن لهم مقاماً کبیراً عند الله تعالی ، وأن الجنة تشتاق إلیهم !

والملاحظ أنهم کلهم من شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) .

أما من التابعین فمن المتفق علیه أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر عن أویس القرنی وبشر بأنه یأتی بعده ، وأنه من کبار أولیاء الله تعالی ، وأنه مستجاب الدعوة ، وأنه یشفع عند الله تعالی لمئات الألوف ، أو ملایین الناس !

ولما رأی المسلمون أویساً بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )استبشروا به وتبرکوا به ، وکانوا یحرصون علی الفوز بدعاء منه ، ولو بکلمة ( غفر الله لک ) !

وقد حاول الخلفاء أن یتقربوا الیه ، ولکنه هرب منهم ، وفضل أن یعیش مغمورا مع الفقراء من شیعة علی(علیه السّلام)، حتی إذا وصلت الخلافة لعلی(علیه السّلام)نهض معه ، وشارک فی حروبه ، واستشهد تحت رایته فی صفین.. وقبره هناک إلی جانب قبر عمار بن یاسر ، فی مدینة الرقة السوریة ، وقد وفقنا الله لزیارته .

والمتأمل فی النصوص الواردة فی مصادر السنیین فی أویس، یلاحظ فیها تناقضاً

ص: 5

کثیراً ، نشأ من أنهم أرادوا أن یغطوا علی فراره من عمر ، وامتناعه من الدعاء له والاقامة عنده ، فوضعوا أحادیث عن لقائه به ، یناقض بعضها بعضاً !

کما أن شهادة أویس فی صفین مع علی(علیه السّلام)، کانت حجة لعلی والمسلمین علی أن معاویة وحزبه هم أهل الباطل ، والفئة الباغیة التی أخبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنها تقتل عمار بن یاسر(رحمه الله).

لذلک حاول الأمویون وأتباعهم أن ینفوا أصل بشارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأویس ، ومکانته الممیزة عند الله تعالی !

ثم عندما عجزوا عن ذلک حاولوا أن ینفوا أنه قتل فی صفین ، وادعوا أنه توفی فی طریقه إلی الشام ، وجعلوا له فی الشام قبراً ومزارا !!

أویس خیر التابعین

روی مسلم فی صحیحه: 7/188:

عن عمر بن الخطاب قال: إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن خیر التابعین رجل یقال له أویس ، وله والدة هو بها بر ، لو أقسم علی الله لابره ، وکان به بیاض فبرئ . . . وستأتی بقیة الحدیث .

ورواه أحمد فی مسنده: 1/38

وروی ابن سعد الطبقات: 6/161:

قال أخبرنا مسلم بن إبراهیم قال: حدثنا سلام بن مسکین قال: حدثنی رجل قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): خلیلی من هذه الأمة أویس القرنی .

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعید الجریری ، عن أبی نضرة ، عن أسیر بن جابر أن عمر ، أنه قال لأویس: استغفر لی .

ص: 6

قال: کیف أستغفر لک وأنت صاحب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن خیر التابعین رجل یقال له أویس .

ورواه الحاکم فی المستدرک: 3/402 ورواه الخطیب فی الجمع والتفریق: 1/480 ورواه ابن معین فی تاریخه ( روایة الدوری ): 1/324 ونحوه فی الجامع الصغیر: 3 حدیث رقم 4001

وروی أبو نعیم فی حلیة الأولیاء: 2/86:

حدثنا أبو بکر بن مالک ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا علی بن حکیم ، أخبرنا شریک ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین: أفیکم أویس القرنی ؟

قال: قلنا نعم ، وما تریده منه ؟

قال: إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أویس القرنی خیر التابعین بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علی رضی الله تعالی عنهم .

وقال أبو نعیم فی الحلیة: 2/82 ، بعد حدیث عن أویس: فهذا ما أتانا عن أویس خیر التابعین . . . انتهی .

وقال فی کنز العمال: 12/73:

إن خیر التابعین رجل یقال له أویس وله والدة هو بها بر ، لو أقسم علی الله لابره، وکان به بیاض فبرئ ، فمروه فلیستغفر لکم ( م. عن عمر ) . . .

خیر التابعین أویس ( ک. عن علی ) .

خیر التابعین أویس القرنی ( ک عن علی ، ق ، کر عن رجل ). انتهی .

وقد وردت صفة ( خیر التابعین ) فی أحادیث أخری ، کما سیأتی .

ص: 7

خیر التابعین صارت: من خیر التابعین !!

قال الهیتمی فی مجمع الز وائد: 10/22:

عن ابن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل یوم صفین: أفیکم أویس القرنی ؟

قالوا: نعم .

قال سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: من خیر التابعین أویس. رواه أحمد ، وإسناده جید. انتهی .

ورواه فی تاریخ ابن معین روایة الدوری: 1/324

وفی طبقات ابن سعد: 6/161:

عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین فقال: أفیکم أویس القرنی ؟ قالوا نعم ، قال إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن من خیر التابعین أویساً القرنی ، ثم ضرب دابته فدخل فیهم .

ورواه اللالکائی فی کرامات الأولیاء/109 ، بطریقین .

وفی کنز العمال: 12/73:

إن من خیر التابعین أویس القرنی ( حم ، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن رجل من الصحابة ، حم ، کر ، عن رجل ). انتهی .

راجع للتدقیق: طبقات ابن سعد: 6/113 ، ومیزان الاعتدال: 1/279 و282، ولسان المیزان: 1/472 ، وسیر أعلام النبلاء: 4/21 ، وتاریخ الإسلام للذهبی: 3/556 ، والبدایة والنهایة: 6/225.

راجع أیضاً: أسد الغابة: 1/151 ، وأعلام النبلاء: 4/20 ، وکنز العمال: 12/74

ص: 8

هل أن کلمة ( من ) إضافة أمویة ؟!

من الطبیعی أن تکون قصة الرجل الذی سأل عن أویس فی صفین ، وشهادة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )التی رواها فی حقه وحق علی(علیه السّلام)، واحدة من الحجج التی استعملها المسلمون لاثبات أن معاویة وأهل الشام علی الباطل .

ویبدو أن الأحادیث فی عمار بن یاسر وأنه تقتله الفئة الباغیة ، والأحادیث فی أویس ، لم یکن لها جواب عند مؤیدی معاویة ، ولکن بعد سیطرته علی بلاچ المسلمین عمل علی تضعیف هذه الأحادیث وإبطال مفعولها .

ویظهر أن البصریین کانوا أکثر استجابة له من الکوفیین ، فقد قال ابن أبی الوفاء فی الجواهر المضیة فی طبقات الحنفیة/419:

أهل المدینة یقولون أفضل التابعین سعید بن المسیب ، وأهل الکوفة أویس القرنی ، وأهل البصرة الحسن البصری. انتهی .

وقد حاول النووی أن یوفق بین روایة مسلم وبین قول لأحمد بن حنبل! فقال فی شرح مسلم - بهامش الساری: 9/429:

قوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) خیر التابعین رجل یقال له أویس . . . وقد یقال: قد قال أحمد بن حنبل وغیره: أفضل التابعین سعید بن المسیب ؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعید أفضل فی العلوم الشرعیة . . لا فی الخیر. انتهی .

وهذا النوع من العمل کثیر عند الفقهاء السنیین ، فتراهم یترکون الروایة التی صحت عندهم عن نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) - وهی تقول هنا إن أویساً خیر التابعین مطلقاً ، ولا تقید ذلک بناحیة دون ناحیة-لکی یصححوا قول شخص فی مقابل حدیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!!

ص: 9

کان أویس أسمر اللون جسیما مهیباً

فی حلیة الأولیاء: 2/82 ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

یا أبا هریرة إن الله تعالی یحب من خلقه الأصفیاء الأخفیاء الأبریاء ، الشعثة رؤوسهم ، المغبرة وجوههم ، الخمصة بطونهم إلا من کسب الحلال ، الذین إذا استأذنوا علی الأمراء لم یؤذن لهم ، وإن خطبوا المتنعمات لم ینکحوا ، وإن غابوا لم یفتقدوا ، وإن حضروا لم یدعوا ، وإن طلعوا لم یفرح بطلعتهم ، وإن مرضوا لم یعادوا ، وإن ماتوا لم یشهدوا .

قالوا: یا رسول الله کیف لنا برجل منهم ؟

قال: ذاک أویس القرنی .

قالوا: وما أویس القرنی ؟

قال: أشهل ، ذو صهوبة ، بعید ما بین المنکبین ، معتدل القامة ، آدم شدید الأدمة ضارب بذقنه إلی صدره ، رام بذقنه إلی موضع سجوده ، واضع یمینه علی شماله یتلو القرآن ، یبکی علی نفسه ، ذو طمرین لا یؤبه له ، متزر بإزار صوف ورداء صوف ، مجهول فی أهل الأرض معروف فی أهل السماء ، لو أقسم علی الله لابر قسمه .

ألا وإن تحت منکبه الأیسر لمعة بیضاء ، ألا وإنه إذا کان یوم القیامة قیل للعباد ادخلوا الجنة ، ویقال لأویس قف فاشفع ، فیشفع لله عز وجل فی مثل عدد ربیعة ومضر .

وفی حلیة الأولیاء: 2/84:

ص: 10

عن هرم بن حیان العبدی قال: قدمت الکوفة فلم یکن لی هم إلا أویس ، أسأل عنه فدفعت الیه بشاطئ الفرات یتوضأ ویغسل ثوبه ، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس کث اللحیة مهیب المنظر ، فسلمت علیه ومددت إلیه یدی لأصافحه ، فأبی أن یصافحنی ! فخنقتنی العبرة لما رأیت من حاله ، فقلت: السلام علیک یا أویس ، کیف أنت یا أخی ؟

قال: وأنت فحیاک الله یا هرم بن حیان ، من دلک علی ؟

قلت: الله عز وجل .

قال: سبحان ربنا إن کان وعد ربنا لمفعولا .

قلت: یرحمک الله من أین عرفت اسمی واسم أبی ، فوالله ما رأیتک قط ، ولا رأیتنی !

قال: عرفت روحی روحک ، حیث کلمت نفسی ، لأن الأرواح لها أنفس کأنفس الأجساد وإن المؤمنین یتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل ! انتهی ، ونحن نشک فی شهادة هرم لنفسه عن لأن أویس !

ورواهما فی سیر أعلام النبلاء: 4/28

صورة من تزاحم المسلمین علی أویس

روی الحاکم: 2/365 ، وصححه:

أخبرنی الحسن بن حلیم المروزی ، ثنا أبو الموجه ، أنبأ عبدان ، أنبأ عبد الله بن المبارک ، أنبأ جعفر بن سلیمان ، عن الجریری ، عن أبی نضرة العبدی ، عن أسیر بن جابر قال: قال لی صاحب لی وأنا بالکوفة: هل لک فی رجل تنظر إلیه ؟ قلت نعم ، قال هذه مدرجته وإنه أویس القرنی ، وأظنه أنه سیمر الآن .

ص: 11

قال: فجلسنا له فمر ، فإذا رجل علیه سمل قطیفة ، قال والناس یطؤون عقبه ، قال وهو یقبل فیغلظ لهم ویکلمهم فی ذلک فلا ینتهون عنه ، فمضینا مع الناس، حتی دخل مسجد الکوفة ودخلنا معه ، فتنحی إلی ساریة فصلی رکعتین ، ثم أقبل الینا بوجهه فقال: یا أیها الناس مالی ولکم ، تطؤون عقبی فی کل سکة ، وأنا إنسان ضعیف ، تکون لی الحاجة فلا أقدر علیها معکم ، لا تفعلوا رحمکم الله ، من کانت له إلی حاجة فلیلقنی هاهنا .

شعاره الصدق والجد فی أمر الله تعالی

فی مستدرک الحاکم: 3/405:

أخبرنا أبو العباس السیاری ، ثنا عبدالله بن علی ، ثنا علی بن الحسن ، ثنا عبد الله بن المبارک ، أنا یزید بن یزید البکری قال : قال أویس القرنی: کن فی أمر الله کأنک قتلت الناس کلهم. انتهی .

ومعنی کلامه(رحمه الله): أن خوف الله تعالی یجب أن یکون فی نفس المؤمن بدرجة عالیة ، کأن فی رقبته قتل الناس کلهم ، لیکون فی تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقیقاً حذراً متقیاً ، وشعوره بالمسؤولیة أمام الله تعالی عمیقاً .

وروی نحوه البیهقی فی شعب الإیمان: 1/524

ص: 12

وهو صاحب مدرسة فی شکر نعم الله تعالی

فی کتاب المجروحین لإبن حبان: 3/151:

أخبرنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه سیکون فی التابعین رجل من قرن یقال له أویس بن عامر ، یخرج به وضح فیدعو الله أن یذهبه عنه فیذهبه فیقول: اللهم دع لی من جسدی ما أذکر به نعمتک علی ، فیدع الله له ما یذکره نعمته علیه ، فمن أدرکه منکم فاستطاع أن یستغفر له ، فلیستغفر له. انتهی.

وقد وردت هذه القصة فی أحادیثه ، کما ستری .

زاهد یضرب بزهده المثل

فی حلیة الأولیاء: 2/87:

عن علقمة بن مرثد قال: انتهی الزهد إلی ثمانیة: عامر بن عبد الله بن عبد قیس ، وأویس القرنی ، وهرم بن حیان ، والربیع بن خیثم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن یزید ، وأبو مسلم الخولانی ، والحسن بن أبی الحسن. انتهی. وهو یقصد بالأخیر الحسن البصری .

وفی سیر أعلام النبلاء: 4/19:

هو القدوة الزاهد ، سید التابعین فی زمانه ، أبو عمرو ، أویس بن عامر بن جزء بن مالک القرنی المرادی الیمانی .

وقال فی هامش سیر أعلام النبلاء: 18/558:

ذکر ابن خلکان فی الوفیات: 2/263 أن الذی ضرب به الحریری المثل فی

ص: 13

المقامات هو دبیس بن صدقة بن منصور بن دبیس بن علی بن مزید الأسدی المتوفی سنة 529 ، من أحفاد المترجم ، وقد وهم المؤلف فی ذلک ، وأورد ذکره الحریری فی المقامة التاسعة والثلاثین وهی المقامة العمانیة ، وفیها یصف کیف أحاطت الجماعة بأبی زید تثنی علیه ، وتقبل یدیه ، حتی خیل إلی أنه القرنی أویس ، أو الأسدی دبیس. انظر مقامات الحریری/342 ( ط: صادر ).

وفی لسان المیزان: 1/471:

قال ابن عدی ثنا الحسن بن سفیان ، ثنا عبد العزیز بن سلام ، سمعت اسحاق بن ابراهیم یقول: ما شبهت عدی بن سلمة الجزری إلا بأویس القرنی تواضعاً. وذکره فی میزان الاعتدال: 1/279 .

زاهد یحمل هم الفقراء ویتصدق علیهم حتی بطعامه وثیابه

فی مستدرک الحاکم: 3/406:

أخبرنی أبو العباس قاسم بن القاسم السیاری بمرو ، ثنا عبد الله بن علی ، ثنا علی بن الحسن ، ثنا عبد الله بن المبارک ، أنا سفیان الثوری قال: کان لأویس القرنی

رداء إذا جلس مس الأرض ، وکان یقول: اللهم إنی أعتذر إلیک من کل کبد جائعة وجسد عار ، ولیس لی إلا ما علی ظهری وفی بطنی .

ورواه البیهقی فی شعب الإیمان: 1/524

وفی حلیة الأولیاء: 2/87:

عبید الله بن عبد الکریم ثنا سعید بن أسد بن موسی ضمرة بن ربیعة عن أصبغ بن زید قال: کان أویس القرنی إذا أمسی یقول هذه لیلة الرکوع ، فیرکع حتی

ص: 14

یصبح .

وکان یقول إذا أمسی: هذه لیلة السجود ، فیسجد حتی یصبح .

وکان إذا أمسی تصدق بما فی بیته من الفضل من الطعام والثیاب ، ثم یقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذنی به ، ومن مات عریاناً فلا تؤاخذنی به .

وفی سیر أعلام النبلاء: 4/29:

عبد الله بن أحمد: حدثنی عثمان بن أبی شیبة ، حدثنا أبوبکر بن عیاش ، عن مغیرة ، قال: إن کان أویس القرنی لیتصدق بثیابه ، حتی یجلس عریاناً لا یجد ما یروح فیه إلی الجمعة .

عبد الرحمن بن مهدی: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن من أمتی من لا یستطیع أن یأتی مسجده أو مصلاه من العری یحجزه إیمانه أن یسأل الناس ، منهم أویس القرنی ، وفرات بن حیان .

( ورواه فی کنز العمال: 12/74 وقال: حم ، فی الزهد ، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبی الجعد ) .

أبو نعیم: حدثنا مخلد بن جعفر ، حدثنا ابن جریر ، حدثنا محمد بن حمید ، حدثنا زافر بن سلیمان ، عن شریک عن جابر ، عن الشعبی قال: مر رجل من مراد علی أویس القرنی فقال: کیف أصبحت ؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل .

قال: کیف الزمان علیک ؟

قال: کیف الزمان علی رجل إن أصبح ظن أنه لا یمسی ، وإن أمسی ظن أنه لا یصبح ، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. یا أخا مراد إن الموت لم یترک لمؤمن فرحاً . . . لم یترک له صدیقاً . . . الخ.

ص: 15

وکان إذا أمسی تصدق بما فی بیته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذنی به ، ومن مات عریاً فلا تؤاخذنی به. (الحلیة 2/83)

وفی حلیة الأولیاء: 2/84:

حدثنا أبو بکر بن مالک ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنی أبی وعبید الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدی ، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار ، عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن من أمتی من لا یستطیع أن یأتی مسجده أو مصلاه من العری ، یحجزه إیمانه أن یسأل الناس ! منهم أویس القرنی وفرات بن حیان .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا عثمان بن أبی شیبة ، ثنا أبو بکر بن عیاش ، عن مغیرة قال: وکان أویس القرنی لیتصدق بثیابه حتی یجلس عریاناً لا یجد ما یروح فیه. أی الی الجمعة .

وفی کتاب الزهد للشیبانی/346:

حدثنا عبدالله ، حدثنی عثمان بن أبی شیبة ، حدثنا أبو بکر بن عیاش ، عن مغیرة قال: إن أویس القرنی لیتصدق بثیابه حتی یجلس عریاناً لا یجدها یروح فیه إلی الجمعة .

وفی لسان المیزان: 1/474:

سفیان الثوری: حدثنی قیس بن یسیر بن عمرو ، عن أبیه أن أویساً القرنی عری غیر مرة فکساه أبی ، قال وکان أویس یقول: اللهم لا تؤاخذنی بکبد جائعة ، أو جسد عار.

وفی صفحة 280: وقال ضمرة بن ربیعة ، عن عثمان بن عطاء الخراسانی ، عن أبیه ، قال: کان أویس یجالس رجلاً من فقهاء الکوفة یقال له یسیر ففقدته ، فإذا

ص: 16

هو فی خص له قد انقطع من العری... وذکره فی میزان الاعتدال: 1/282 ، وفی سیر أعلام النبلاء: 294 - 33. انتهی .

وهذه النصوص تکشف عن الفقر الشدید الذی کانت تعیشه طبقة واسعة من المجتمع الإسلامی ، وأن أموال الفتوحات صرفت فی الطریق قبل أن تصل الیها، فکان بعضها لا یملک حتی ثوبین مناسبین یتستر بهما ، بل کان فیهم من یموت من الجوع !!

ولذلک کان أویس یدعو الله تعالی أن لا یؤاخذه بعری العارین ، وجوع الجائعین ، لأنه لا یملک إلا ثوبیه اللذین یلبسهما ، ولا یملک إلا ما فی بطنه من طعام ، وکل ما یحصل علیه من عمله ومن هدایا الناس ، کان یعطیه لهؤلاء للفقراء !!

وهی تدل أیضاً علی أن زهد أویس کان زهداً واعیاً یحمل هم الفقراء ، وکان یحمل مسؤولیة فقرهم وبؤسهم للخلیفة والدولة ، والطبقة المترفة التی کونت ثروتها من الفتوحات ، وکانت تنقم من أویس أنه یهتم بهم ، ویأمر من أجلهم بالمعروف وینهی عن المنکر ، وسیأتی رأیه فی الخلفاء غیر علی(علیه السّلام)وما لاقاه منهم !

وقد ربی أویس تلامیذ علی سیرته

فی مستدرک الحاکم: 3/408:

حدثنی أبو بکر محمد بن أحمد بن بالویه ، ثنا محمد بن عثمان بن أبی شیبة ، ثنا یحیی بن معین ، حدثنی أبو عبیدة الحداد ، ثنا أبو مکین قال: رأیت امرأة فی مسجد أویس القرنی قالت: کان یجتمع هو وأصحاب له فی مسجدهم هذا ،

ص: 17

یصلون ویقرؤون فی مصاحفهم فآتی غداءهم وعشاءهم هاهنا ، حتی یصلوا الصلوات ، قالت: وکان ذلک دأبهم ما شهدوا حتی غزوا ، فاستشهد أویس وجماعة من أصحابه فی الرجالة بین یدی علی بن أبی طالب رضی الله عنهم أجمعین .

رأیه فی الحکام غیر علی(علیه السّلام)

قال الشاطبی فی الإعتصام: 1/30:

نقل عن سید العابدین بعد الصحابة أویس القرنی أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لم یدعا للمؤمن صدیقاً ، نأمرهم بالمعروف فیشتمون أعراضنا ! ! ویجدون علی ذلک أعواناً من الفاسقین !!

وفی مستدرک الحاکم: 3/405:

حدثنا أحمد بن زیاد الفقیه الدامغانی ، ثنا محمد بن أیوب ، أنا أحمد بن یونس ، ثنا أبو الأحوص ، حدثنی صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد إلی أویس القرنی فقال السلام علیکم ، قال وعلیکم .

قال: کیف أنتم یا أویس ؟

قال: الحمد لله .

قال: کیف الزمان علیکم ؟

قال: لا تسأل ! الرجل إذا أمسی لم یر أنه یصبح ، وإذا أصبح لم یر أنه یمسی !

یا أخا مراد ، إن الموت لم یبق لمؤمن فرحاً .

یا أخا مراد ، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً .

ص: 18

یا أخا مراد ، إن قیام المؤمن بأمر الله لم یبق له صدیقاً ! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنکر فیتخذوننا أعداء ، ویجدون علی ذلک من الفاسقین أعواناً ، حتی والله لقد یقذفوننا بالعظائم ، ووالله لا یمنعنی ذلک أن أقول بالحق !! انتهی .

وفی بحار الأنوار: 68/367:

أعلام الدین: روی عن أویس القرنی(رحمه الله)قال لرجل سأله کیف حالک ؟

فقال: کیف یکون حال من یصبح یقول: لا أمسی ، ویمسی یقول: لا أصبح ، یبشر بالجنة ولا یعمل عملها ، ویحذر النار ولا یترک ما یوجبها .

والله إن الموت وغصصه وکرباته وذکر هول المطلع وأهوال یوم القیامة ، لم تدع للمؤمن فی الدنیا فرحاً ، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة ، وإن قیام المؤمن بالحق فی الناس لم یدع له صدیقاً ، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنکر فیشتمون أعراضنا ، ویرموننا بالجرائم والمعایب والعظائم ، ویجدون علی ذلک أعواناً من الفاسقین !! إنه والله لا یمنعنا ذلک أن نقوم فیهم بحق الله !

اضطهاد مخابرات الخلافة لاویس

یفهم من نصوص أویس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحکام وامتناعه أن یستغفر لهم ثم أمره إیاهم بالمعروف ونهیهم عن المنکر ، وتعریضه وإعلانه بسیرته ودعائه کل یوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعین وعری العارین . . وکأنه بذلک یقول للناس إنهم لا یصلحون للحکم باسم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

لقد عبر هذا الولی الذی هو آیة من آیات الله تعالی ، ومعجزة من معجزات

ص: 19

رسوله بکلماته القلیلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة فی زمن عمر وأبی بکر وعثمان ، ولم یکن ذنبه أنه نافس أحداً فی سلطان ، ولا جمع حوله قبیلته قرن وکون منهم قوة سیاسیة تطالب بحصة من أموال الفتوحات .. بل کان یعیش عیشة الفقراء مع الفقراء ، ویعبد ربه عز وجل ، ویأمر بالمعروف وینهی المنکر..

ولکن السلطة مع ذلک لم تترکه ، فاتخذته عدواً ! وسلطت علیه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعایب ، علی حد تعبیره !!

ولهذا ینبغی أن نبحث عن السلطة وراء کل ما نشک فیه من روایات أویس ، ومن أولها الروایات التی تقول أن القرنیین سئلوا عنه فلم یعرفوه ، والتی احتج بها البخاری علی تضعیف أویس ، وعدم قبول روایته !!

فکیف یتعقل إنسان أن شخصیة بمستوی أویس ، کان یبحث عنه الخلیفة عمر ، وکل أمله أن ینطق له بکلمة ( غفر الله لک ) لأن الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال له إن استطعت أن یستغفر لک فهنیئا لک !! ثم لا یکون معروفاً عند القرنیین وکل الیمانیین وموضع افتخارهم ؟!

إن نفی القرنیین لمعرفتهم بأویس وتشکیکهم بنسبه ، إما أن یکون مکذوباً ، وإما أن تکون السلطة قد شوهت سمعة أویس وعزلته ، حتی اضطر بعض القرنیین من قبیلته الصغیرة أن ینکروا أنه منهم !!

وتدل الروایات علی أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أویس مباشرة ، بسبب مکانته فی قلوب المسلمین . . ولذلک اتبعت أسلوب إیذائه وتحقیره ، ووکلت به رجلاً حکومیاً من عشیرته، یؤذیه ویشیع التهم حول شخصیته ونوایاه، وأنه رجل مراء ومجنون !!

فابن عمه الذی ورد أنه کان من رجال حاکم الکوفة ، وکان مولعاً بأویس یشتمه ویؤذیه . . کان واحداً من عملاء السلطة المکلفین بتحقیر أویس وأذیته ،

ص: 20

لاسقاط شخصیته ومنع تأثیره علی المسلمین !!

فقد روی الحاکم فی المستدرک: 3/404 عن أسیر بن جابر ، قال:

فکنا نجتمع فی حلقة فنذکر الله ، وکان یجلس معنا ، فکان إذا ذکرهم وقع حدیثه من قلوبنا موقعاً لا یقع حدیث غیره ، ففقدته یوماً فقلت لجلیس لنا: ما فعل الرجل الذی کان یقعد الینا ، لعله اشتکی ؟

فقال: الرجل من هو ؟

فقلت: من هو ؟

قال: ذاک أویس القرنی .

فدللت علی منزله فأتیته فقلت یرحمک الله أین کنت ، ولم ترکتنا ؟

فقال: لم یکن لی رداء ، فهو الذی منعنی من إتیانکم !

قال: فألقیت إلیه ردائی ، فقذفه إلی !

قال فتخالیته ساعة ، ثم قال:

لو أنی أخذت رداءک هذا فلبسته فرآه علی قومی قالوا انظروا إلی هذا المرائی لم یزل فی الرجل حتی خدعه وأخذ رداءه !!

فلم أزل به حتی أخذه ، فقلت: انطلق حتی أسمع ما یقولون !

فلبسه فخرجنا ، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا إلی هذا المرائی لم یزل بالرجل حتی خدعه وأخذ رداءه !!

فأقبلت علیهم فقلت: ألا تستحیون ؟! لم تؤذونه ؟! والله لقد عرضته علیه فأبی أن یقبله .

وروی ابن حبان فی المجروحین: 3/151:

ص: 21

عن صعصعة بن معاویة قال: کان أویس بن عامر رجلاً من قرن ، وکان من أهل الکوفة وکان من التابعین ، فخرج وبه وضح ، فدعا الله أن یذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع فی جسدی ما أتذکر به نعمتک. فترک الله منها ما یذکر به نعمته علیه ، وکان رجلاً یلازم المسجد فی ناس من أصحابه ، وکان ابن عم له یلزم السلطان تولع به ، فإن رآه مع قوم أغنیاء قال ما هو إلا یشاکلهم ! وإن رآه مع قوم فقراء ، قال ما هو إلا یخدعهم !

وأویس لا یقول فی ابن عمه إلا خیراً !! غیر أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن یأثم فی سبه ! انتهی .

وستأتی بقیته فی روایات لقائه بعمر بن الخطاب .

أویس من شیعة علی(علیه السّلام)

فی مسند أحمد: 3/480:

حدثنا عبد الله ، حدثنی أبی ، ثنا أبو نعیم قال: ثنا شریک ، عن یزید بن أبی زیاد، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین:

أفیکم أویس القرنی ؟

قالوا: نعم .

قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن من خیر التابعین أویساً القرنی. انتهی. وقد رواه أبونعیم فی الحلیة: 2/86 وقال فی مجمع الزوائد: 10/22: رواه أحمد وإسناده جید ورواه ابن سعد فی الطبقات: 6/163 واللالکائی فی کرامات الأولیاء/109 وابن معین فی تاریخه ( روایة الدوری ): 1/324 واللواتی فی تحفة النظار: 2/190

ص: 22

وورواه أبو نعیم فی الحلیة: 2/221 ، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شریک ، وقال ابن عمار الموصلی: ذکر عند المعافی بن عمران أن أویساً قتل فی الرجالة مع علی بصفین، فقال معافی: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطی: حدثنی به شریک ، عن یزید ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی ! قال: فسکت !! انتهی .

ورواه کذلک فی الإصابة: 1/221:

وقد تقدمت روایته عند الحاکم عن أبی مکین .

ورواه أبو نعیم أیضاً بذلک فی صفحة 222 ، ثم قال:

ومن طریق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علیاً یوم صفین یقول من یبایعنی علی الموت ، فبایعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أین التمام ؟

فجاءه رجل علیه أطمار صوف ، محلوق الرأس فبایعه علی القتل ، فقیل: هذا أویس القرنی ، فما زال یحارب حتی قتل

ورواه الحاکم فی: 3/402 ، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن یعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوری ، ثنا أبو نعیم ، ثنا شریک ، عن یزید بن ابی زیاد ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: لما کان یوم صفین نادی مناد من أصحاب معاویة أصحاب علی: أفیکم أویس القرنی ؟

قالوا: نعم .

فضرب دابته حتی دخل معهم ، ثم قال سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: خیر التابعین أویس القرنی. انتهی .

ص: 23

ورواه الذهبی فی تاریخ الإسلام: 3/556 ، بنحو روایة أحمد ، قال:

عن ابن أبی لیلی قال: إن أویساً شهد صفین مع علی ، ثم روی عن رجل أنه سمع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: أویس خیر التابعین بإحسان .

ورواه فی سیر أعلام النبلاء: 4/31 ، بنحو روایة الحاکم ، قال:

شریک ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین: أفیکم أویس القرنی ؟ قلنا نعم وما ترید منه ؟

قال: إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أویس القرنی خیر التابعین بإحسان ، وعطف دابته فدخل مع أصحاب علی (رض). رواه عبد الله بن أحمد ، عن علی بن حکیم الأودی ، أنبأنا شریک. وزاد بعض الثقات فیه عن یزید ، عن ابن أبی لیلی ، قال: فوجد فی قتلی صفین .

وکذا رواه فی أسد الغابة: 5/380 وروته مصادرنا بنحوه فی اختیار معرفة الرجال: 3141 ، وشرح الأخبار: 2/3 ، ومعجم رجال الحدیث: 4/154 ، وجامع الرواة: 1/110 ، وغیرها .

صاحب البصیرة الزاهد ، شجاعٌ مجاهد

فی میزان الاعتدال: 1/281:

وقال فضیل بن عیاض: أخبرنا أبوقرة السدوسی ، عن سعید بن المسیب قال: نادی عمر بمنی علی المنبر: یا أهل قرن ، فقام مشایخ ، فقال: أفیکم من اسمه أویس ؟

فقال شیخ: یا أمیر المؤمنین ذاک مجنون یسکن القفار والرمال .

ص: 24

قال: ذاک الذی أعنیه ، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامی .

فعادوا إلی قرن ، فوجدوه فی الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقال: عرفنی أمیر المؤمنین ، وشهر اسمی، ثم هام علی وجهه ، فلم یوقف له بعد ذلک علی أثر دهرا ، ثم عاد فی أیام علی فقاتل بین یدیه فاستشهد بصفین ، فنظروا فإذا علیه نیف وأربعون جراحة. انتهی .

راجع أیضاً: لسان المیزان: 1/474 ،وتاریخ الإسلام للذهبی: 3/558 ، وسیر أعلام النبلاء: 4/32

وفی مستدرک الحاکم: 2/365:

قال ثم قال أویس : إن هذا المجلس یغشاه ثلاثة نفر : مؤمن فقیه ، ومؤمن لم یتفقه ومنافق . . . لم یجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزیادة أو نقصان، فقضاء الله الذی قضی شفاء ورحمة للمؤمنین ولا یزید الظالمین إلا خسارا .

اللهم ارزقنی شهادة تسبق کسرتها أذاها ، وأمنها فزعها ، تؤوب الحیاة والرزق . ثم سکت .

قال أسیر فقال لی صاحبی: کیف رأیت الرجل ؟

قلت ما ازددت فیه إلا رغبة ، وما أنا بالذی أفارقه ، فلزمناه فلم نلبث إلا یسیرا حتی ضرب علی الناس بعث أمیر المؤمنین علی (رض) ، فخرج صاحب القطیفة أویس فیه ، وخرجنا معه فیه ، وکنا نسیر معه وننزل معه ، حتی نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارک: فأخبرنی حماد بن سلمة ، عن الجریری ، عن أبی نضزة ، عن أسیر بن جابر قال: فنادی علی (رض): یا خیل الله ارکبی وأبشری .

قال فصف الثلثین لهم ، فانتضی صاحب القطیفة أویس سیفه حتی کسر جفنه

ص: 25

فألقاه ، ثم جعل یقول:

یا أیها الناس: تموا تموا ، لیتمن وجوه ثم لا تنصرف حتی تری الجنة.

یا أیها الناس تموا تموا ، جعل یقول ذلک ویمشی وهو یقول ذلک ویمشی إذ جاءته رمیة فأصابت فؤاده فبرد مکانه ، کأنما مات منذ دهر .

قال حماد فی حدیثه فواریناه فی التراب. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه بهذه السیاقة .

نسب أویس القرنی ونسبته

قال الطبری فی تاریخه: 10/145:

وأویس القرنی من مراد ، وهو یحابر بن مالک بن مذحج ، وهو أویس بن عامر بن جزء بن مالک بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجیة بن مراد ، وهو یحابر بن مالک .

وقال الجوهری: 6/2181:

والقرن: موضع ، وهو میقات أهل نجد ، ومنه أویس القرنی .

وقال فی هامشه: القرن هنا بتسکین الراء ، وأما أویس القرنی فلیس منسوباً إلی میقات أهل نجد ، وإنما نسبته إلی بنی قرن ، بطن من مراد من الیمن .

وقال الخلیل فی کتاب العین: 5/142:

وقرن: حی من الیمن ، منهم أویس القرنی .

وقال السمعانی فی الانساب: 4/481:

ص: 26

القرنی: بفتح القاف والراء وکسر النون.. هذه النسبة إلی قرن، وهو بطن من مراد ، یقال له قرن بن ردمان بن ناجیة بن مراد ، نزل الیمن ، والمشهور بهذه النسبة المعروف فی الأقطار: أویس بن عامر القرنی ، وقصته فی الزهد معروفة ، وقال الدار قطنی: قرن ، بفتحتین ، فهو فیما ذکر ابن حبیب ، قال: فی مراد ، قرن بن ردمان بن ناجیة بن مراد ، قوم أویس بن عامر القرنی الزاهد .

والموضع الذی یحرم منه أهل نجد یقال له: قرن المنازل ، بسکون الراء. وأویس سکن الکوفة ، وکان عبداً زاهداً.

وفی أسد الغابة: 1/151:

أویس بن عامر بن جزء بن مالک بن عمرو بن مسعده بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجیه بن مراد المرادی ثم القرنی، الزاهد المشهور، هکذا نسبه ابن الکلبی ، أدرک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولم یره ، وسکن الکوفة وهو من کبار تابعیها .

وفی إکمال الکمال: 7/113:

أما قرن بفتح القاف والراء ففی مراد ، قرن بن ردمان بن ناجیة بن مراد. منهم أویس بن عمرو القرنی الزاهد وغیره.

وفی صفحة 142: أویس بن عمرو القرنی ، ویقال ابن عامر

وفی تهذیب التهذیب: 1/337:

( مسلم ) أویس بن عامر القرنی المرادی سید التابعین .

وفی هامشه: قال فی التقریب المغنی: القرنی بفتح القاف والراء بعدها نون ، نسبة

ص: 27

إلی قرن بن رومان ، والمرادی بمضمومة وخفة راء ودال مهملة ، نسبة إلی مراد. اسمه یحابر بن مالک. اه .

وفی سیر أعلام النبلاء: 4/19:

أویس القرنی ، هو القدوة الزاهد ، سید التابعین فی زمانه ، أبوعمرو ، أویس بن عامر بن جزء بن مالک القرنی المرادی الیمانی. وقرن بطن من مراد. انتهی .

وبذلک یتضح أن نسبته ( القرنی ) بفتح الراء إلی قبیلة یمانیة ، ولیس إلی قرن المنازل بسکون الراء ، وقد اشتبه ذلک علی الجوهری وغیره ، کما نص علیه ابن الأثیر وغیره.

راجع أیضاً : اختیار معرفة الرجال/314 ، والتحریر الطاووسی/74 ، وطرائف المقال: 2/192 ، ومجمع البحرین: 1/131 ، والأعلام:

1/375 ، والبدایة والنهایة: 6/225 .

وبهذا یتضح أن أویساً عربی یمانی ، ومن الطبیعی أن یکون أسمر اللون ، ولکن بعض الروایات تذکر أنه کان آدم شدید الادمة ، وکأنها ترید القول إنه کان أفریقیا أسود ! فی محاولة لذم أویس فی ذلک المجتمع الأموی المتعصب ضد الأفارقة .

ص: 28

عشیرة الأویسات أو اللویسات السوریة

فی معجم قبائل العرب: 3/1019

اللویسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور ، أحد أقضیة محافظة حلب. ینتسبون إلی أویس القرنی ، وقد قطنوا الغاب فی القرن الحادی عشر ، وقریتهم الحویجة ، ویعدون 32 بیتاً .

روایات لقائه بعمر واستغفاره له

قال مسلم فی صحیحه: 7/188

عن عمر بن الخطاب قال: إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن خیر التابعین رجل یقال له أویس ، وله والدة هو بها بر ، لو أقسم علی الله لابره ، وکان به بیاض فبرئ ، فمروه فلیستغفر لکم . . .

کان عمر بن الخطاب إذا أتی علیه أمداد أهل الیمن سألهم: أفیکم أویس بن عامر ؟ حتی أتی علی أویس فقال: أنت أویس بن عامر ؟

قال: نعم .

قال: من مراد ، ثم من قرن ؟

قال: نعم .

قال: فکان بک برص فبرئت منه ، إلا موضع درهم ؟

قال: نعم .

قال: لک والدة ؟

قال: نعم .

قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یأتی علیکم أویس بن عامر مع أمداد أهل

ص: 29

الیمن من مراد ثم من قرن ، کان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها برٌّ ، لو أقسم علی الله لأبره ، فإن استطعت أن یستغفر لک فافعل ، فاستغفر لی ، فاستغفر له...

عن أسیر بن جابر أن أهل الکوفة وفدوا إلی عمر وفیهم رجل ممن کان یسخر بأویس ، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنیین ؟

فجاء ذلک الرجل فقال عمر: إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد قال: إن رجلاً یأتیکم من الیمن یقال له أویس ، لا یدع بالیمن غیر أم له ، قد کان به بیاض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدینار أو الدرهم ، فمن لقیه منکم فلیستغفر لکم .

وروی أحمد: 1/38 ، روایة مسلم المطولة ، وفیها:

قال له عمر (رض): استغفر لی .

قال: أنت أحق أن تستغفر لی ، أنت صاحب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

فقال عمر (رض): إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن خیر التابعین رجل یقال له أویس وله والدة وکان به بیاض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم فی سرته ، فاستغفر له ثم دخل فی غمار الناس ، فلم یدر أین وقع ! قال: فقدم الکوفة قال وکنا نجتمع فی حلقة فنذکر الله ، وکان یجلس معنا ، فکان إذا ذکر هو وقع حدیثه من قلوبنا موقعاً لا یقع حدیث غیره. انتهی .

ورواه الحاکم فی: 3/404، والبیهقی فی الدلائل: 6/376 والذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 4/20

وقال الحاکم فی: 3/403:

وقد صحت الروایة بذلک عن أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب (رض) عن رسول

ص: 30

الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). أخبرناه أبو عبد الله محمد بن یعقوب الشیبانی... فلما کان فی العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أویس کیف ترکته ؟ فقال: ترکته رث البیت قلیل المتاع ، قال سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یأتی علیکم أویس بن عامر مع أمداد أهل الیمن من مراد ثم من قرن ، کان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر ، لو أقسم علی الله لابره ، فإن استطعت أن یستغفر لک فافعل .

فلما قدم الرجل أتی أویساً فقال استغفر لی فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لی .

فقال :لقیت عمر بن الخطاب ؟

فقال: نعم .

قال فاستغفر له ، قال ففطن له الناس ، فانطلق علی وجهه .

قال أسیر: فکسوته برداً ، فکان إذا رآه علیه إنسان قال من أین لاویس هذا ؟!

هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ، ولم یخرجاه بهذه السیاقة .

وروی نحوه فی: 3/404 ، والذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 4/20 .

وفی طبقات ابن سعد: 6/113

عن أسیر بن جابر قال: کان عمر بن الخطاب إذا أتت علیه أمداد الیمن سألهم أفیکم أویس بن عامر ؟ فلما کان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أویس القرنی ، قال: سمعت رسول الله یقول یأتی علیک أویس بن عامر من أمداد أهل الیمن من مراد.. بر لو أقسم علی الله لابره ، فإن استطعت أن یستغفر لک فافعل.. ورواه فی سیر أعلام النبلاء: 4/20 والبیهقی فی شعب الإیمان: 5/319 ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة: 6/225

ص: 31

وفی المجروحین لابن حبان: 3/151:

وکان عمر بن الخطاب یسأل الوفود إذا قدموا من الکوفة: هل تعرفون أویس بن عامر القرنی ؟ فیقولون: لا ، فقدم وفد من أهل الکوفة فیهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أویس بن عامر القرنی ؟

فقال ابن عمه: یا أمیر المؤمنین هو ابن عمی وهو رجل فاسد ، لم یبلغ ما أن تعرفه أنت یا أمیر المؤمنین !!

فقال له عمر: ویلک هلکت ویلک هلکت ، إذا أتیته فاقرئه منی السلام ، ومره فلیقدم إلی ، فقدم الکوفة فلم یضع ثیاب سفره عنه حتی أتی المسجد قال: فرأی أویساً فسلم به وقال: استغفر لی یا ابن عمی !

قال: غفر الله لک یا ابن عمی !

قال: وأنت یا أویس یغفر الله لک ، أمیر المؤمنین یقرئک السلام .

قال: ومن ذکرنی لامیر المؤمنین ؟

قال: هو ذکرک وأمرنی أن أبلغک أن تفد إلیه .

فقال: سمعا وطاعة لامیر المؤمنین ! فوفد إلیه حتی دخل علی عمر فقال:

أنت أویس بن عامر ؟

قال: نعم .

قال: أنت الذی خرج بک وضح فدعوت الله أن یذهب عنک فأذهبه فقلت: اللهم دع لی من جسدی ما أذکر به نعمتک ؟

قال: نعم .

قال: أخبرنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه سیکون فی التابعین رجل من قرن یقال له أویس بن عامر ، یخرج به وضح فیدعو الله أن یذهبه عنه فیذهبه ، فیقول:اللهم دع لی

ص: 32

من جسدی ما أذکر به نعمتک علی ، فیدع الله له ما یذکره نعمته علیه ، فمن أدرکه منکم فاستطاع أن یستغفر له فلیستغفر له. استغفر لی یا أویس بن عامر ، فقال: غفر الله لک یا أمیر المؤمنین .

قال آخر: استغفر لی یا أویس ، وقال آخر: استغفر لی یا أویس ، فلما أکثروا علیه انساب فذهب ! فما رؤی حتی الساعة .

راجع أیضاً: الطبقات الکبری 111/6 ، المیزان 492/4 ، سیر أعلام النبلاء: 4/25، کنز العمال: 14/10، الموضوعات لابن الجوزی 43/2. انتهی .

فهذه الروایات تدل علی أن أویساً جاء من الیمن إلی الکوفة وسکن بها ، قبل أن یعرفه عمر ، مع أن طریقه تمر علی الحجاز .

وتدل علی أن ایذاء السلطة له فی الکوفة کان قبل مجیئه إلی المدینة ، إلی عمر .

ومن البعید أن حاکم الکوفة کان یجرؤ علی مضایقة شخصیة مثل أویس بدون رأی عمر ، وإذا صحت روایة استدعائه له ، فقد یکون الغرض محاولة کسبه ، وأنها فشلت ، لأنه أنسل من المدینة وهرب راجعاً إلی الکوفة بدون رضا عمر !

ولا بد أن مشکلته مع حاکم الکوفة ورجاله قد زادت أو بقیت علی حالها !

وفی کنز العمال: 14/10:

عن صعصعة بن معاویة قال: کان عمر بن الخطاب یسأل وفد أهل الکوفة إذا قدموا علیه: تعرفون أویس بن عامر القرنی ؟ فیقولون: لا .

وکان أویس رجلاً یلزم المسجد بالکوفة فلا یکاد یفارقه ، وله ابن عم یغشی السلطان ویؤذی أویساً ، فوفد ابن عمه إلی عمر فیمن وفد من أهل الکوفة ، فقال عمر: أتعرفون أویس بن عامر القرنی ؟ فقال ابن عمه: یا أمیر المؤمنین إن أویساً لم یبلغ أن تعرفه أنت ، إنما هو إنسان دون ، وهو ابن عمی . . .

فقال له عمر : ویلک هلکت ! إن رسول الله صلی الله علیه وسلم حدثنا أنه سیکون

ص: 33

فی التابعین رجل یقال له أویس بن عامر القرنی ، فمن أدرکه منکم فاستطاع أن یستغفر له فلیفعل ، فإذا رأیته فأقرئه منی السلام ، ومره أن یفد إلی ، فوفد الیه ، فلما دخل علیه قال :أنت أویس بن عامر القرنی ؟ أنت الذی خرج بک وضح من برص فدعوت الله أن یذهبه عنک فأذهبه ، فقلت اللهم أبق لی منه فی جسدی ما أذکر به نعمتک ؟ قال : وأنی دریت یا أمیر المؤمنین ؟ والله إن أطلعت علی هذا بشرا ! قال : أخبرنی به رسول الله صلی الله علیه وسلم أنه سیکون فی التابعین رجل یقال له أویس بن عامر القرنی ، یخرج به وضح من برص فیدعو الله أن یذهبه عنه فیفعل ، فیقول : اللهم اترک فی جسدی ما أذکر به نعمتک ، فیفعل ، فمن أدرکه فاستطاع أن یستغفر له فلیفعل ، فاستغفر لی یا أویس. قال : غفر الله لک یا أمیر المؤمنین ! قال : ولک یغفر الله یا أویس بن عامر .فقال الناس : استغفر لنا یا أویس ، فراغ ، فما رئی حتی الساعة ( ع ، وابن منده ، کر ) .وفی هامشه : راغ إلی کذا : مال الیه سرا وحاد ( ع ، وابن منده ، کر ) انتهی .

وفی هامشه: راغ إلی کذا: مال إلیه سرا وحاد ).

وقد روی قوله ( فراغ فما رئی حتی الساعة ) ابن حبان فی المجروحین: 3/151 ، وفی لسان المیزان: 1/471 . .

روایات توجب الشک فی استغفاره لعمر

الأمر الثابت فی الروایات ، والمنطقی أیضاً ، أن عمر کان یبحث عن أویس لکی یستغفر له ، کما تقدم .

بل فی بعضها أنه کان یبحث عنه إلی آخر سنة من خلافته . .

ففی طبقات ابن سعد: 6/113:

ص: 34

قال بن عون عن محمد قال: أمر عمر أن نری رجلا من التابعین أن یستغفر له ، قال محمد: فأنبئت أن عمر کان ینشده فی الموسم ، یعنی أویساً.. انتهی .

وتدل الروایة التالیة علی أن أویساً لم یر عمر أبدا ، وأنه بقی فی الیمن إلی خلافة علی(علیه السّلام)، ولم یقبل دعوة عمر للمجئ إلی المدینة !! وعندما وجدوه فی الیمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال له عمر: ویلک هلکت ! إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حدثنا أنه سیکون فی التابعین رجل یقال له أویس بن عامر القرنی ، فمن أدرکه منکم فاستطاع أن یستغفر له فلیفعل ، فإذا رأیته فاقرءه منی السلام ، ومره أن یفد إلی ، فوفد إلیه ، فلما دخل علیه قال:

أنت أویس بن عامر القرنی ؟ أنت الذی خرج بک وضح من برص فدعوت الله أن یذهبه عنک فأذهبه ، فقلت اللهم أبق لی منه فی جسدی ما أذکر به نعمتک ؟ قال: وأنی دریت یا أمیر المؤمنین ؟ والله إن أطلعت علی هذا بشراً !

قال: أخبرنی به رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه سیکون فی التابعین رجل یقال له أویس بن عامر القرنی ، یخرج به وضح من برص فیدعو الله أن یذهبه عنه فیفعل ، فیقول: اللهم أترک فی جسدی ما أذکر به نعمتک ، فیفعل ، فمن أدرکه فاستطاع أن یستغفر له فلیفعل ، فاستغفر لی یا أویس. قال: غفر الله لک یا أمیر المؤمنین ! قال: ولک یغفر الله یا أویس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا یا أویس. رد علی سلام الرسول وآله ، ولم یرد سلام عمر !!

وفی کنز العمال: 14/10:

عن سعید بن المسیب قال: نادی عمر بن الخطاب وهو علی المنبر بمنی:

یا أهل قرن ! فقام مشایخ فقالوا: نحن یا أمیر المؤمنین !

قال: أفی قرن من اسمه أویس ؟

فقال شیخ: یا أمیر المؤمنین لیس فینا من اسمه أویس إلا مجنون یسکن القفار

ص: 35

والرمال ولا یألف ولا یؤلف !

فقال: ذاک الذی أعنیه ، إذا عدتم إلی قرن فاطلبوه وبلغوه سلامی وقولوا له: إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بشرنی بک ، وأمرنی أن أقرأ علیک سلامه.

فعادوا إلی قرن فطلبوه فوجدوه فی الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقال: أعرفنی أمیر المؤمنین وشهر باسمی ؟! السلام علی رسول الله ، اللهم صل علیه وعلی آله ، وهام علی وجهه فلم یوقف له بعد ذلک علی أثر دهراً ثم عاد فی أیام علی فقاتل بین یدیه ، فاستشهد فی صفین ( کر ) .

وکذا فی سیر أعلام النبلاء: 4/32

فهذه الروایات تدل علی أنه بقی فی الیمن ، ولم یر عمر أصلاً !!

بینما تقول لروایة أخری إنه قدم من الیمن علی عمر فی المدینة ، ولکنه لم یستغفر له ، وهرب منه !

ففی سیر أعلام النبلاء: 4/24:

قال عمر: فقدم علینا ها هنا فقلت: ما أنت ؟ قال: أنا أویس .

قلت: من ترکت بالیمن ؟

قال: أما لی .

قلت: هل کان بک بیاض فدعوت الله فأذهبه عنک ؟

قال: نعم .

قلت: استغفر لی .

قال: یا أمیر المؤمنین یستغفر مثلی لمثلک ؟!

قلت: أنت أخی لا تفارقنی. فانملس منی ، فأنبئت أنه قدم علیکم الکوفة. انتهی.

وقال فی صفحة 27: وفی لفظ: أو یستغفر لمثلک ؟!

وروی نحواً من ذلک عثمان بن عطاء الخراسانی عن أبیه !! انتهی .

ص: 36

وفی دلائل النبوة للبیهقی: 6/376:

لما أقبل أهل الیمن جعل عمر ( رض ) یستقرئ فیقول هل فیکم أحد من قرن؟ . . . فوقع زمام عمر أو زمام أویس . . . فناوله عمر فقال له: ما اسمک ؟

قال: أویس.

فقال له عمر: استغفر لی .

قال: أنت أحق أن تستغفر لی .

ونحوه فی مسند أحمد: 1/38 ، وسیر أعلام النبلاء: 4/20

وفی مستدرک الحاکم: 3/404:

عن أسیر بن جابر قال لما أقبل أهل الیمن جعل عمر (رض) یستقری الرفاق فیقول: هل فیکم أحد من قرن ؟ حتی أتی علیه قرن فقال: من أنتم ؟

قالوا: قرن .

فرفع عمر بزمامه أو زمام أویس فناوله عمر فعرفه بالنعت ، فقال له عمر:

ما اسمک ؟قال أنا أویس. قال: هل کان لک والدة ؟ قال: نعم. قال: هل بک من البیاض ؟ قال: نعم ، دعوت الله تعالی فأذهبه عنی إلا موضع الدرهم من سرتی لاذکر به ربی . فقال له عمر: إستغفر لی.

قال: أنت أحق أن تستغفر لی ، أنت صاحب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). انتهی .

وروی الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 4/27 ، نصاً طریفاً عن أبی هریرة ، ورده ، وقد جاء فیه:

فلما کان فی آخر السنة التی هلک فیها عمر ، قام علی أبی قبیس فنادی بأعلی صوته:

یا أهل الحجیج من أهل الیمن ، أفیکم أویس من مراد ؟

ص: 37

فقام شیخ کبیر فقال: إنا لا ندری من أویس ، ولکن ابن أخ لی یقال له أویس وهو أخمل ذکراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إلیک ، وإنه لیرعی إبلنا بأراک عرفات فذکر اجتماع عمر به وهو یرعی فسأله الاستغفار ، وعرض علیه مالاً ، فأبی. انتهی .

ثم قال الذهبی: وهذا سیاق منکر لعله موضوع. انتهی .

وسبب حکمه علیه بالوضع أنه ینص علی امتناع أویس من الاستغفار لعمر ، وأنه لم یلقه إلا فی آخر سنة من عمره !

ولکن لو صح إشکال الذهبی علی هذا النص ، فإن تعارض الروایات الصحیحة عندهم فی القول بأنه استغفر لعمر أو لم یستغفر له ، ورفضه أن یأخذ منه شیئاً مادیاً أو معنویاً ، وهروبه منه.. کل ذلک یؤید مانص منها علی أنه رفض الإستغفار له !

ویؤید ذلک: أن التاریخ لم یذکر أن أویساً بایع أبا بکر ولا عمر ولا عثمان ، ولا شارک فی حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم ، بل لم تذکر عنه شیئاً طیلة خلافتهم التی امتدت ربع قرن ، حتی ظهر مع علی(علیه السّلام)، وبایعه ، وشارک فی حروبه .

ویؤیده: أن روایات ذکرت أن عمر طلب منه أن یبقی عنده وقال له ( أنت أخی لا تفارقنی ) فلم یقبل أویس وهرب منه ، ولا تفسیر لهروبه إلا أنه خاف أن یحرجه عمر فی کلام ، أو یصر علیه أن یولیه عملاً فی دولته !

ویؤیده: أن عمر کان مرکزیاً شدید المرکزیة فی إدارته ، وکان أویس معروفاً فی الکوفة ، فلا یمکن القول بأن اضطهاد حاکم الکوفة لاویس کان بدون أمر من عمر! وبذلک یکون إحضاره إلی المدینة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت !

ص: 38

ویؤید أیضاً: تعارض الروایات فی وقت لقائه بعمر !

فبعضها یقول إنه کان یبحث عنه فی موسم الحج، کما فی کنز العمال: 14/7 ، عن محمد بن سیرین قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقی رجلاً من التابعین أن یستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر کان ینشده فی الموسم یعنی أویساً (ابن سعد ، کر ).

وبعضها: یقول إنه وفد علیه من الیمن ، کما فی أسد الغابة: 1/151:

قال فقال عمر إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد قال إن رجلاً یأتیکم من الیمن یقال له أویس لا یدع بالیمن غیر أم . . . فقال له عمر: أین ترید ؟ قال: الکوفة ، قال ألا أکتب لک إلی عاملها ؟ قال: أکون فی غبراء الناس أحب إلی . . . ونحوه فی کنز العمال: 14/5 ، وتاریخ الإسلام: 3/556..

وبعضها: ینص علی أنه کان فی آخر سنة من خلافته یبحث عنه ! کالتی تقدمت من کنز العمال ، وسیر أعلام النبلاء: 4/27 ، عن أبی هریرة . . .

ویؤید ذلک أیضاً: تناقضات أسیر بن جابر راوی لقاء أویس بعمر ، ففی روایة الحاکم المتقدمة عنه (: 2/365 ) أن أسیراً لم یعرف أویساً إلا فی الکوفة فی خلافة علی(علیه السّلام)، وأن أویساً لم یلبث بعد معرفته به إلا قلیلاً حتی ذهب إلی صفین !

وروایاته الأخری تقول إنه عرفه من عهد عمر ، أی قبل بضع عشرة سنة من خلافة علی علی(علیه السّلام) .

هذا، مضافاً إلی تناقض الاحداث والمضامین التی رواها أسیر ، والصورة الساذجة التی أعطاها لهذا الولی الواعی ، والدور الذی أعطاه لنفسه فی حیاة أویس ، کأنه ولی نعمته !

ص: 39

والمتأمل فی روایات أسیر یلاحظ أن همه أن یبرز دوره ودور عمر فی حیاة أویس !

وقد قال عنه الحاکم فی المستدرک: 2/365 (وأسیر بن جابر من المخضرمین ولد فی حیاة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وهو من کبار أصحاب عمر (رض) ). انتهی .

وقد جرح صعصعة بن معاویة فی أسیر هذا ، وصعصعة هو عم الأحنف بن قیس وقد وثقه النسائی وابن حبان ، وشهد صعصعة بأن أسیراً کان من شرطة دار الإمارة بالکوفة وکان عمله إیذاء أویس ( یغشی السلطان ویؤذی أویساً ) !

وقد اعترف أسیر بذلک ولکنه ادعی أنه تاب ، وأن أویساً استغفر له !!

وإقراره علی نفسه حجة ، وادعاؤه التوبة دعوی تحتاج إلی دلیل .

أما روایة صعصعة بن معاویة عن لقائه بعمر ، التی رواها کنز العمال: 12/10 ، ورواها أبو یعلی فی مسنده: 1/187 ح 212 ، فهی مقطوعة ، لأن صعصعة لم یدرک عمر ، ولم یذکر ممن سمعها ، وقد ذکروا أن صعصعة أدرک أبا ذر ورآه ، وأنه کان حیاً فی زمن الحجاج ، ولا یعلم متی قال هذا الکلام ، ولعله بعد زمن علی(علیه السّلام) .

ص: 40

من هم الذین خاطبهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی البشارة بأویس ؟

تتعارض الروایات فی تعیین المخاطبین فی البشارة بأویس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلک هم المسلمون ، بدون تحدید شخص أو أشخاص .

وروایات أسیر بن جابر تقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خاطب بذلک عمر بن الخطاب ، فهو یزعم أن ذلک إخبار غیبی بخلافة عمر ، أو نوع من الوصیة له ، مع أن خلافة أبی بکر وعمر قامتا علی أساس أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یوص لاحد ، وأن عشائر قریش الثلاث والعشرین کلها ترث ملکه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه ابن قریش !

وبعض الرویات ، کما فی سیر الذهبی: 4/24 ، تقول إن المخاطب هما عمر وعلی ( یا عمر ویا علی إذا رأیتماه ، فاطلبا إلیه یستغفر لکما ، یغفر الله لکما. فمکثا یطلبانه عشر سنین لا یقدران علیه ). انتهی .

ومن الطبیعی أن هذه الروایة ترید تلطیف روایة أن المخاطب بذلک عمر وحده ، لأن أویساً کان من شیعة علی ولم یکن من شیعة عمر ، فجعلت الخطاب لهما معاً !

أما ابن سلام الأباضی فقد ذکر فی کتابه بدء الإسلام/79 ، أن المخاطب بذلک هما أبو بکر وعمر . . .

ولعل بعضهم روی أن المخاطب بذلک عثمان بن عفان ، مع أن اسم عثمان غائب عن أحادیث أویس کلیاً ، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة !

فهذا الاضطراب فی تسمیة الذین خاطبهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أمر أویس ، یقوی ما ورد فی مصادرنا من أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خاطب المسلمین عامة ، وخاطب علیاً (علیه السّلام)

ص: 41

خاصة ، بأن أویساً سیبایعه ویقتل معه ، فجعل الرواة هذه الفضیلة للخلفاء قبله ، کما هو دأبهم فی مصادرة فضائل علی(علیه السّلام)وتلبیسها لغیره !

ولا یتسع البحث للافاضة فی هذا الموضوع .

قال المفید فی الإرشاد: 1/315:

فی حدیث عن علی(علیه السّلام)أنه قال: الله أکبر أخبرنی حبیبی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنی أدرک رجلاً من أمته یقال له أویس القرنی یکون من حزب الله ورسوله ، یموت علی الشهادة ، یدخل فی شفاعته مثل ربیعة ومضر. انتهی .

ونحوه فی الخرائج والجرائح: 1/200 ، وإعلام الوری/170 ، والثاقب فی المناقب/266 ، وبحار الأنوار: 37/299 و38/147 .

آراء شاذة وأخری مشبوهة الهدف فی أویس

1 - حاولوا إعطاء شخصیة أویس لعدوی وأموی

مع کثرة الأحادیث والروایات الصحیحة فی مصادر الشیعة والسنة حول أویس ، ومع أن اسمه ممیز لا یختلط بغیره . . إلا أن بعضهم حاول أن یجعل الشخص الذی بشر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بشفاعته شخصاً آخر غیر أویس !!

قال ابن الأثیر فی أسد الغابة: 3/29:

صلة بن أشیم العدوی من عدی بن الرباب وهو عدی ابن عبد مناة بن أد بن طابخة ، أورده سعید القرشی . . . صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثین ، وکان عمره ثلاثین ومائة سنة ، وقد ذکر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صلة فقال فیما روی یزید بن جابر قال: بلغنا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یکون فی أمتی رجل یقال له صلة ، یدخل

ص: 42

الجنة بشفاعته کذا وکذا. أخرجه أبو موسی .

روی یزید عن جابر قال: بلغنا أن النبی قال: یکون فی أمتی رجل یقال له صلة (بن أشیم ) یدخل الجنة بشفاعته کذا وکذا. انتهی. ورواه الذهبی فی تاریخ الإسلام: 5/127

وترجم الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 3/497 ، لصلة هذا باحترام کبیر فقال:

صلة بن أشیم الزاهد العابد القدوة ، أبو الصهباء العدوی البصری زوج العالمة معاذة العدویة ، ما علمته روی سوی حدیث واحد عن ابن عباس .

حدث عنه أهله معاذة ، والحسن ، وحمید بن هلال ، وثابت البنانی ، وغیرهم .

ابن المبارک فی الزهد: عن عبد الرحمن بن یزید بن جابر ، قال: بلغنا أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یکون فی أمتی رجل یقال له صلة ، یدخل الجنة بشفاعته کذا وکذا. هذا حدیث معضل. انتهی. ثم ذکر الذهبی أنه استشهد فی سجستان سنة اثنین وستین .

وقال فی هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذیب ، وحدیثها فی الکتب الستة. وقال عن الحدیث: إسناده ضعیف لأعضاله کما قال المؤلف ، والحدیث المعضل هو الذی سقط من إسناده اثنان علی التوالی.

والخبر فی حلیة الأولیاء 2/241 من طریق ابن المبارک. انتهی .

وکفی الله المؤمنین هذا الحدیث حیث ضعفه ناقلوه . . لکن تبقی دلالتة علی أن وجود أویس کان ثقیلاً علی السلطة وخاصة الأمویة ، لأنه شهادة نبویة حیة علی أن الحق مع علی(علیه السّلام)ولذلک حاولوا التخلص منه تارة بإنکار وجود أویس من الأساس! أو بتضعیفه، أو بإعطاء شخصیته لشخص عدوی قریب من الخلیفة عمر.

ص: 43

وبعصهم سلم بوجود أویس لکن ادعی أنه قتل فی سجستان أو آذربیجان ، ولم یقتل مع علی فی صفین !!

وأخیراً . . حاول بعضهم أن یعطی شفاعة أویس لعثمان بن عفان ! فقال فی تذکرة الموضوعات/94: فی المختصر ( یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة ومضر ) قیل هو أویس ، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهی .

ومعنی قوله ( والمشهور ) أنه یرید أن یجعله مشهوراً ، وإن لم یکن کذلک حتی بین السنیین المحبین لعثمان !!

2 - والبخاری ضعف أویساً ولم یقبل روایته !

فی میزان الإعتدال: 1/278 ولسان المیزان: 1/471:

أویس بن عامر ،ویقال ابن عمرو القرنی الیمنی العابد نزیل الکوفة ، قال البخاری یمانی مرادی ، فی إسناده نظر فیما یرویه ! وقال البخاری أیضاً فی الضعفاء: فی إسناده نظر: یروی عن أویس فی إسناد ذلک .

قلت هذه عبارته ! یرید أن الحدیث الذی روی عن أویس فی الإسناد إلی أویس نظر ، ولولا أن البخاری ذکر أویساً فی الضعفاء لما ذکرته أصلاً ، فإنه من أولیاء الله الصادقین ، وما روی الرجل شیئاً فیضعف أو یوثق من أجله !

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرنی عن أویس ، هل تعرفونه فیکم ؟ قال: لا .

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادی ، هل تعرف نسبه فیکم ؟ فلم یعرف. ولولا الحدیث الذی رواه مسلم فی فضل أویس لما عرف ، لأنه عبد لله تقی خفی ، وما روی شیئاً ، فکیف یعرفه عمرو ، ولیس من لم یعرف حجة علی من عرفه !

ص: 44

انتهی.

وشبیه به فی سیر أعلام النبلاء: 4/19 ، قال:

أویس القرنی. هو القدوة الزاهد ، سید التابعین فی زمانه ، أبو عمرو ، أویس بن عامر بن جزء بن مالک القرنی المرادی الیمانی. وقرن بطن من مراد .

وفد علی عمر وروی قلیلاً عنه ، وعن علی .

روی عنه یسیر بن عمرو ، و عبد الرحمن بن أبی لیلی ، وأبو عبد رب الدمشقی وغیرهم ، حکایات یسیرة ، ما روی شیئاً مسنداً ولا تهیأ أن یحکم علیه بلین ، وقد کان من أولیاء الله المتقین ومن عباده المخلصین. انتهی .

وقال الجرجانی فی الکامل: 1/12 ، بعد أن أورد عدداً من أحادیث أویس: قال الشیخ: وهذا الحدیث معروف لأویس یرویه معاذ بن هشام عن أبیه عن قتادة ولیس لأویس من الروایة شئ ، وانما له حکایات ونتف وأخبار فی زهده ، وقد شک قوم فیه ، إلا أنه من شهرته فی نفسه وشهرة أخباره لا یجوز أن یشک فیه ، ولیس له من الأحادیث إلا القلیل ، فلا یتهیأ أن یحکم علیه بالضعف ، بل هو صدوق ثقة مقدار مایروی عنه. انتهی .

والذی یقرأ البخاری فی صحیحه وتاریخه وبقیة مؤلفاته ، یراه حریصاً علی الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه ، ولذا فإن موقفه السلبی من أویس یمثل ما کان فی عصره من التهوین من شخصیته.. وهو دلیل کاف علی أن صلة أویس بعمر لم تکن کما یحبون .

ص: 45

3 - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أویس !

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضیل بعض أصحابهم علی أویس القرنی !

قال أبو یعلی فی طبقات الحنابلة: 2/63:

فقال البربهاری إذا کان أویس القرنی یدخل فی شفاعته مثل ربیعة ومضر ، فکم یدخل فی شفاعة أبی الحسن بن بشار ؟!

قال أحمد البرمکی: صدق البربهاری لأن أویساً کان من الأبدال ، وأبا الحسن کان من المستخلفین ، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله ، لأن المستخلف فی الأرض مقامه مقام النبیین (علیهم السّلام) !! لأنه یدعو الخلق إلی الله ، فبرکته عائدة علیه وعلی کافة الخلق ، وبرکة البدل عائدة علی نفسه !! انتهی .

لکنا نسأل البرمکی والبربهاری وأبا یعلی الذی ارتضی کلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غیب لا سبیل إلی العلم به الا من الذی له نافذة علی الغیب ! وقد عرفنا مقام أویس من شهادة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فمن أین عرفتم مقام صاحبکم !! وأن الله تعالی جعله خلیفته فی أرضه ! وجعله فی رتبة الأنبیاء صلوات الله علیهم ؟!

إن یتبعون إلا الظن وإن الظن لا یغنی من الحق شیئا ؟!

أما الذهبی فقد قید قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المطلق فی أویس ! وقال إنه أفضل التابعین فی عصره فقط.. ویقصد أنه بعد عصره یوجد کثیرون أفضل منه !!

قال فی سیر أعلام النبلاء: 4/19:

أویس القرنی ، هو القدوة الزاهد ، سید التابعین فی زمانه ، أبو عمرو ، أویس . . .

ص: 46

انتهی .

وأما ابن تیمیة ، فقد تناول أویساً من جهة أخری قد تکون هی السبب فی حساسیة بعضهم منه ، فقد أکد علی أن أمر الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمر أن یطلب من أویس أن یستغفر له ، لا یدل علی أن أویساً أفضل من عمر !

قال فی التوسل والوسیلة/327:

وحتی أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یطلب من أویس القرنی أن یستغفر للطالب ، وإن کان الطالب أفضل من أویس بکثیر .

وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحدیث الصحیح: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما یقول، ثم صلوا علی ، فإنه من صلی علی مرة صلی لله علیه عشراً . . . انتهی .

فمن أین عرف ابن تیمیة أفضلیة عمر علی أویس؟! وکیف جعل طلب الإستغفار کطلب الدعاء ؟!

وکیف شبه أمر النبی لعمر أن یطلب الإستغفار من أویس ، بطلب الرسول منا أن نصلی علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!! مع الفارق الکبیر بینهما ؟!

فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة علیه إنما هو من أجلنا ، ولم یستمد منا المساعدة !

أما توجیهه أحداً أن یطلب الإستغفار من أحد ، فلا یکون إلا إذا کان للثانی مقام عند الله تعالی یؤمل به أن ینفع الأول !! فهو من قبیل قوله تعالی (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ . . . ).

ص: 47

4 - وفضلوا أمویاً علی أویس القرنی !

فی حلیة الأولیاء: 9/223:

قال وسمعت أبا سلیمان وأبا صفوان یتناظران فی عمر بن عبد العزیز وأویس ، فقال أبو سلیمان لأبی صفوان: کان عمر بن عبد العزیز أزهد من أویس !

فقال له: ولم ؟

قال: لأن عمر بن عبد العزیز ملک الدنیا فزهد فیها .

فقال له أبو صفوان: وأویس لو ملکها لزهد فیها مثل ما فعل عمر !

فقال أبو سلیمان: أتجعل من جرب کمن لا یجرب ، إن من جرت الدنیا علی یدیه ولم یکن لها فی قلبه موقع .

وقال فی البدایة والنهایة: 9/233:

قال أبو سلیمان الدارانی: کان عمر بن عبد العزیز أزهد من أویس القرنی ، لأن عمر ملک الدنیا بحذافیرها وزهد فیها ، ولا ندری حال أویس لو ملک ما ملکه عمر کیف یکون ؟! لیس من جرب کمن لم یجرب ! انتهی .

فهل تعامی الدارانی وأبو نعیم وابن کثیر أن أویساً شهد له سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه من کبار أولیاء الله تعالی ، والشفعاء عنده یوم القیامة ، وأن معنی ذلک أن الملک والخلافة ومغریات الدنیا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغیر منه شیئاً !

بینما لم یشهد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمر بن عبد العزیز بحرف من ذلک !

فتفضیله علی أویس وجعله فی درجته ، ماهو إلا الظن والتعصب لبنی أمیة !

ص: 48

5 - ثم حاولوا إنکار شهادة أویس فی صفین

فی سیر أعلام النبلاء: 4/25:

وروی نحواً من ذلک عثمان بن عطاء الخراسانی عن أبیه ، وزاد فیها: ثم إنه غزا أذربیجان فمات ، فتنافس أصحابه فی حفر قبره. انتهی .

وقد حاول المعلق علی سیر الذهبی أن یؤکد الشک فی شهادة أویس فی صفین ، فقال فی هامشه: هناک أخبار مختلفة حول موته والمکان الذی دفن فیه ، ذکرها أبو نعیم فی الحلیة 2/83 ، وابن عساکر فی تاریخه 3/110 ، وما بعدها .

وفی حلیة الأولیاء: 2/84:

حدثنا أبو بکر بن مالک ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنی زکریا بن یحیی ابن زحمویه ، ثنا الهیثم بن عدی ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبیه ، عن عبد الله بن سلمة ، قال غزونا أذربیجان زمن عمر بن الخطاب ، ومعنا أویس القرنی ، فلما رجعنا مرض علینا - یعنی أویس - فحملناه ، فلم یستمسک فمات ، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسکوب ، وکفن وحنوط ، فغسلناه وکفناه !!

وفی لسان المیزان: 1/473:

وأخرج مسلم . . . عن أسیر بن جابر فذکر اجتماع عمر (رض) بأویس ، وفیه:

قال: أین ترید ؟

قال: الکوفة.

قال: ألا أکتب لک إلی عاملها فیستوصی بک ؟

قال: لا ، بل أکون فی غبرات الناس أحب إلی . . الحدیث ، وفی آخره أنه مات

ص: 49

بالحیرة. انتهی .

وإذا کان یقصد أن الحدیث الآخر فی مسلم ، فلم نجد فیه ذکراً لموته فی الحیرة ! وهذا یوجب الشک فی أن نسخ صحیح مسلم متفاوتة ، وأنه أضیف إلی بعضها أنه مات بالحیرة !

وفی لسان المیزان: 1/475:

وقال ابن حبان فی ثقات التابعین: أویس بن عامر القرنی من الیمن ، من مراد سکن الکوفة ، وکان زاهداً عابداً ، یروی عن عمر ، اختلفوا فی موته ، فمنهم من یزعم أنه قتل یوم صفین فی رجالة علی (رض) ، ومنهم من یزعم أنه مات علی جبل أبی قبیس بمکة ، ومنهم من یزعم أنه مات بدمشق ، ویحکون فی موته قصصاً تشبه المعجزات التی رویت عنه .

وقد کان بعض أصحابنا ینکر کونه فی الدنیا ، حدثنی عبد الله بن الحسین الرحبی ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح ، فذکر ما تقدم ، والأثر الذی تقدم عن لوین أخرج أحمد فی مسنده عن أبی نعیم عن شریک به ، وفی آخره سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: إن من خیر التابعین أویساً القرنی (رض). انتهی .

وفی تاریخ الطبری: 10/116:

( ذکر من هلک من التابعین سنة 32 )

ومنهم أویس بن الخلیص القرنی. کذلک ذکر ضمرة بن ربیعة عن عثمان بن عطاء الخراسانی عن أبیه قال: سمعت من رجل من قومی یعنی من قوم أویس وأنا أحدث بحدیثه ، فقال تدری یا أبا عثمان أویس ابن من ؟

قلت: لا .

ص: 50

قال: أویس بن الخلیص .

وأما یحیی بن سعید القطان فإنه قال: حدثنا یزید بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد بأنه قال: أویس بن أنیس القرنی .

واختلف فی وقت مهلکه فقال بعضهم: قتل مع علی(علیه السّلام)بصفین ، روی محمد بن أبی منصور قال: حدثنا الحمانی قال: حدثنا شریک ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی قال: نادی منادی علی(علیه السّلام)یوم صفین: ألا اطلبوا أویساً القرنی بین القتلی ، فطلبوه فوجدوه فیهم. أو کلاماً هذا معناه. انتهی .

وفی تاریخ الطبری: 10/145:

وأویس القرنی، من مراد وهو یحابر بن مالک بن مذحج ، وهو أویس بن عامر بن جزء بن مالک بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجیة بن مراد وهو یحابر بن مالک .

وکان ورعاً فاضلاً روی أنه قتل یوم صفین: حدثنا أبو کریب قال: حدثنا أبو بکر قال: حدثنا هشام عن الحسن قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لیدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتی مثل ربیعة ومضر. قال هشام فأخبرنی حوشب أنه قال هو أویس القرنی.

وفی وقعة صفین لنصر بن مزاحم/324:

نصر ، عن حفص بن عمران البرجمی ، عن عطاء بن السائب ، عن أبی البختری قال: أصیب أویس القرنی مع علی بصفین .

وفی أنساب الاشراف/320:

وبعض الرواة یزعم أن أویساً القرنی العابد ، قتل مع علی بصفین. ویقال: بل مات بسجستان. قالوا: وکان علی بصفین فی خمسین ألفاً ، ویقال: بل فی مئة ألف. وکان معاویة(رحمه الله)!! فی سبعین ألفاً ، ویقال: فی مأة ألف ، فقتل من أهل الشام

ص: 51

خمسة وأربعون ألفاً ، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً ، والله أعلم .

وقال فی هامشه:

وهذا هو الشائع المعروف بین العلماء ، لم یتردد فیه إلا بعض النواصب ، وقد ذکر الکثیرون من منصفی أهل السنة استشهاد أویس بصفین ، وذکره ابن عساکر بطرق فی ترجمة أویس من تاریخ دمشق: 6/69 ، وفی ترجمة زید بن صوحان: 19/131 ، وفی تهذیبه: 6/14 .

قال فی مجمع الزوائد: 10/22: وعن ابن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین أفیکم أویس القرنی ؟

قالوا: نعم .

قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: من خیر التابعین أویس. رواه أحمد بن حنبل وإسناده جید .

وقال ابن مسکویه فی الحکمة الخالدة/134: وذکر ابن أبی لیلی الفقیه أن أویساً وجد فی قتلی رجالة علی بن أبی طالب یوم صفین .

وقال الحاکم فی ترجمة أویس من المستدرک: 3/402:

سمعت أباالعباس محمد بن یعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوری یقول: سمعت یحیی بن معین یقول: قتل أویس القرنی بین یدی أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب یوم صفین.

وبالسند المتقدم عن أبی العباس محمد بن یعقوب ، عن عباس بن الدوری ، حدثنا أبو نعیم ، حدثنا شریک ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبد الرحمان بن أبی لیلی قال: ولما کان یوم صفین نادی مناد من أصحاب معاویة أصحاب علی: أفیکم أویس القرنی ؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتی دخل معهم ثم قال: سمعت

ص: 52

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: خیر التابعین أویس القرنی .

وأخبرنی أحمد بن کامل القاضی ببغداد ، حدثنا عبدالله بن روح المدائنی ، حدثنا عبید الله ابن محمد العبسی ، حدثنی إسماعیل بن عمرو البجلی ، عن حبان بن علی العنزی عن سعد بن طریف ، عن الأصبغ بن نباتة قال:

شهدت علیاً (رض) یوم صفین وهو یقول:

من یبایعنی علی الموت ؟ - أو قال: علی القتال ؟

فبایعه تسع وتسعون قال: فقال:

أین التمام ؟ أین الذی وعدت به ؟

قال: فجاء رجل علیه أطمار صوف محلوق الرأس فبایعه علی الموت والقتل ]کذا [ قال فقیل: هذا أویس القرنی. فما زال یحارب بین یدیه حتی قتل (رض) .

وقال فی تاریخ الخمیس:2/277: وقتل مع علی خزیمة بن ثابت ذو الشهادتین وأویس القرنی زاهد التابعین .

وقال فی المختصر الجامع: قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، منهم عمار بن یاسر ، وأویس القرنی ، وخمسة وعشرون بدریا .

وقال ابن عساکر قبل ختام ترجمة أویس بحدیث: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علیة ]کذا[ بن الحسن الحسینی ، حدثنا القاضی محمد بن عبدالله الجعفی ، حدثنا الحسین بن محمد ابن الفرزدق ، أنبأنا الحسن بن علی بن بزیع ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا إبراهیم بن إسحاق ، حدثنا عبدالله بن أذنیة البصری ، عن أبان بن أبی عباش عن سلیمان ]کذا[ بن قیس العامری: قال رأیت أویساً القرنی بصفین صریعاً بین عمار وخزیمة بن ثابت .

وتقدم فی تعلیق الحدیث ( 347 ) فی صفحة 286 عن ترجمة زید بن صوحان من تاریخ دمشق: 19/130 ، وفی تهذیبه: 6/14 ، بسند آخر أن

ص: 53

أویس القرنی قتل فی الرجالة یوم صفین. انتهی .

وکان ینبغی لهؤلاء المؤرخین أن یتقیدوا بمنهجهم فی الأخذ بالأحادیث الصحیحة التی نصت علی شهادة أویس مع علی(علیه السّلام)فی صفین ، وأن لا یشککوا الناس بسرد أحادیث ضعیفة فی مقابلها .

ولکن بغضهم لعلی(علیه السّلام)یدفعهم دائماً إلی ترک منهجهم والتشبث بالطحلب لکی یتخلصوا من أویس ، هذه الآیة الربانیة النبویة التی شهدت علی حق علی(علیه السّلام) وباطل خصومه ومقاتلیه ، وحکمت علیهم بنصوص صحیحة عندهم بأنهم الفئة الباغیة المحاربة لله ورسوله !!

تری أحدهم لا یشهد بأن الحق مع علی(علیه السّلام)إلا مجبوراً ، کأنه یساق إلی الموت!! ویبقی قلبه مشرباً بحب أعداء علی ومقاتلیه ،وکأنه یقول لهم ( أحسنتم وتقبل الله جهادکم وطاعاتکم ) !!

قال الحاکم فی المستدرک: 3/402:

ذکر مناقب أویس بن عامر القرنی (رض) .

أویس راهب هذه الأمة ولم یصحب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنما ذکره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ودل علی فضله ، فذکرته فی جملة من استشهد بصفین بین یدی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (رض) .

سمعت أبا العباس محمد بن یعقوب یقول: سمعت العباس بن محمد الدوری یقول: سمعت یحیی بن معین یقول: قتل أویس القرنی بین یدی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب یوم صفین .

حدثنا أبو العباس محمد بن یعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوری ، ثنا أبو نعیم ، ثنا شریک ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: لما کان یوم صفین نادی مناد من أصحاب معاویة أصحاب علی أفیکم أویس القرنی ؟

ص: 54

قالوا: نعم ، فضرب دابته حتی دخل معهم ، ثم قال سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: خیر التابعین أویس القرنی .

أخبرنی أحمد بن کامل القاضی ببغداد ، ثنا عبد الله بن روح المداینی ، ثنا عبید الله بن محمد العبسی ، حدثنی اسمعیل بن عمرو البجلی ، عن حبان بن علی العنزی ، عن سعد بن طریف عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علیاً (رض) یوم صفین وهو یقول: من یبایعنی علی الموت ، أو قال علی القتال ؟ فبایعه تسع وتسعون .

قال فقال: أین التمام أین الذی وعدت به ؟

قال فجاء رجل علیه أطمار صوف ، محلوق الرأس ، فبایعه علی الموت والقتل ، قال فقیل هذا أویس القرنی ، فما زال یحارب بین یدیه حتی قتل (رض) .

حدثنا أبو العباس محمد بن یعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوری ، ثنا علی بن حکیم ، ثنا شریک قال ذکروا فی مجلسه أویس القرنی فقال: قتل مع علی بن أبی طالب(رض) فی الرجالة. انتهی .

وقد تقدم من صحیح مسلم وغیره أن أویساً کان فی صفین .

راجع أیضاً: طبقات ابن سعد: 6/113 - 114 ، وغیره .

ص: 55

6 - وجعلوا له قبرین فی الشام لیبعدوه عن صفین
اشارة

فی رحلة ابن بطوطه: 1/93:

أن جماعه من الصحابة صحبهم أویس القرنی من المدینة إلی الشام ، فتوفی فی أثناء الطریق فی بریة لا عمارة فیها ولا ماء ، فتحیروا فی أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وکفناً وماء فعجبوا من ذلک وغسلوه وکفنوه . . .

بعض المشاهد والمزارات بها ( الشام ) : فمنها بالمقبرة التی بین باب الجابیة والباب الصغیر . . . وقبر بلال مؤذن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقبر أویس القرنی ، وقبر کعب الأحبار. انتهی .

أما ابن تیمیة الذی مذهبه تحریم زیارة القبور ، فقد صرح بأن قبر أویس الذی فی الشام لا أصل له ، قال فی کتابه زیارة القبور/446: أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو کذب قطعاً مثل المشهد الذی بظاهر دمشق المضاف إلی أبی بن کعب ، والمشهد الذی بظاهرها المضاف إلی أویس القرنی ، والمشهد الذی بمصر المضاف إلی الحسین (رض) ، إلی غیر ذلک من المشاهد التی یطول ذکرها بالشام والعراق ومصر وسائر الامصار ، حتی قال طائفة من العلماء منهم عبد العزیز الکنانی کل هذه القبور المضافة إلی الأنبیاء لا یصح شئ منها إلا قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقد أثبت غیره أیضاً قبر الخلیل(علیه السّلام)!!

ص: 56

وزعم بعضهم أن قبر أویس طار من الأرض

قال حلیة الأولیاء: 2/84:

حدثنا أبو بکر بن مالک ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنی زکریا بن یحیی بن زحمویه ، ثنا الهیثم بن عدی ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبیه عن عبد الله بن سلمة ، قال غزونا أذربیجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أویس القرنی ، فلما رجعنا مرض علینا - یعنی أویس - فحملناه فلم یستمسک فمات ، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسکوب وکفن وحنوط ، فغسلناه وکفناه وصلینا علیه ودفناه !

فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره ، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر !!

وقال اللواتی فی تحفة النظار فی غرائب الأمصار: 1/55:

فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التی بین باب الجابیة والباب الصغیر قبر أم حبیبة بنت أبی سفیان أم المؤمنین ، وقبر أخیها أمیر المؤمنین معاویة ، وقبر بلال مؤذن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، رضی الله عنهم أجمعین ، وقبر أویس القرنی وقبر کعب الأحبار رضی الله عنهما .

ووجدت فی کتاب المعلم فی شرح صحیح مسلم للقرطبی أن جماعة من الصحابة صحبهم أویس القرنی من المدینة إلی الشام فتوفی فی أثناء الطریق فی بریة لا عمارة

فیها ولا ماء ، فتحیروا فی أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وکفناً وماء ، فعجبوا من ذلک وغسلوه وکفنوه وصلوا علیه ودفنوه ، ثم رکبوا فقال بعضهم: کیف نترک قبره بغیر علامة ، فعادوا للموضع فلم یجدوا للقبر من أثر. انتهی .

ومن الواضح أنهما روایتان أمویتان تریدان إبعاد قبر أویس عن صفین ، وتنفیان استشهاده مع علی(علیه السّلام)!!

ص: 57

7 - ورووا عن مالک أنه أنکر وجود أویس
اشارة

فی سیر أعلام النبلاء: 4/32:

قال أبو أحمد بن عدی فی الکامل: أویس ثقة صدوق ، ومالک ینکر أویساً ! ثم قال: ولا یجوز أن یشک فیه. أخبار أویس مستوعبة فی تاریخ الحافظ أبی القاسم ابن عساکر

میزان الإعتدال: 1/279:

قال ابن عدی: لیس لأویس من الروایة شئ ، إنما له حکایات ونتف فی زهده ، وقد شک قومه فیه ، ولا یجوز أن یشک فیه لشهرته ولا یتهیأ أن یحکم علیه بالضعف، بل هو ثقة صدوق. قال: ومالک ینکر أویساً یقول: لم یکن. انتهی .

ولعل إنکار مالک لوجوده فیه إن صح مبنی علی أن القرنیین قالوا لا نعرف نسبه فینا ، أو شککوا فی وجوده بینهم !

وقد تقدم أن مخابرات الخلافة کلفت ابن عمه بأذاه وتسقیط شخصیته ، فلا یبعد أن تکون هذه الشائعة من صنعهم .

کما تقدم قول أویس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم علی نصحه لهم ( حتی والله لقد یقذفوننا بالعظائم ، ووالله لا یمنعنی ذلک أن أقول بالحق ).

وقوله ( نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنکر ، فیشتمون أعراضنا ، ویرموننا بالجرائم والمعایب والعظائم ، ویجدون علی ذلک أعواناً من الفاسقین ، إنه والله لا یمنعنا ذلک أن نقوم فیهم بحق الله ) ! .

ص: 58

ومن المعروف للجمیع أن الخلفاء ( ماعدا علی(علیه السّلام) ) لم یکن یتسع صدرهم للإنتقاد ، وأن سیاستهم قامت علی أن المنتقد عدو ، بل الممتنع عن البیعة عدو.. وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة فی السقیفة ، وأشعلوا الحطب فی الیوم الثانی لوفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی دار علی وفاطمة لیحرقوه بمن فیه ! إن لم یبایعوا !! الخ .

وعندما یکون منتقد للخلیفة شخصیة مهمة مبشراً به مشهوداً له من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن جرمه یکون أکبر ، لأن کلامه یکون مؤثراً فی الناس أکثر !

وعلیه فلیس بعیداً أن تکون السلطة طلبت من القرنیین إنکار أویس ، أو تبرعوا هم بإنکاره خوفاً من تحمیلهم مسؤولیة معارضته !

وهو عمل مألوف حتی فی عصرنا من العشیرة التی لا ترید أن تتحمل مسؤولیة ابنها المعارض للسلطة .

ویؤید ذلک سلوک أویس الفرید فی العنایة بالفقراء ، وتربیته مجموعة من الزهاد السائرین علی نهجه ، وکان مرکزهم فی مسجد بالکوفة.. وأنه ورد عنه أنه کان یکرر ( ماذا لقیت من عمر ) وهو شبیه بالکلام الذی کانت تکرره فاطمة الزهراء (علیهاالسّلام) . .

هذا ، ومن المحتمل أن محبی بنی أمیة أشاعوا عن مالک تشکیکه فی وجود أویس القرنی ، لأن أویساً کعمار بن یاسر رضی الله عنهما ظل شهادة صارخة من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنهم أهل الباطل !

ومن طریف ماجری فی عصرنا أن الإیرانیین بنوا فی صفین (الرقة) مسجداً کبیراً ضمنوه قبر عمار بن یاسر وأویس القرنی رضی الله عنهما، وعندما کمل المشروع أقاموا لافتتاحه احتفالاً ودعوا بعض العلماء والمؤرخین لالقاء خطبهم فیه، ومنهم الدکتور سهیل زکار المحب للأمویین ، فتکلم فی افتتاح مسجد أویس ، وأنکر

ص: 59

وجود شخصیته من أساسها !!

والطریف أن الملحقیة الثقافیة الإیرانیة نشرت خطابه فی مجلتها !!

فإذا کنا إلی الآن نری أن المتعصبین لبنی أمیة مثل الدکتور زکار ، یثقل علیهم وجود أویس القرنی ، ویحاولون إنکاره ، فإن أسلافهم الذین عاصروه أو رأوا تأثیره العمیق علی الأمة ، أجدر من المتأخرین بإنکار وجوده للتخلص منه !

آراء مضادة مغالیة فی أویس القرنی !

من جهة أخری غالی بعضهم فی أویس وجعلوه خلیل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ففی طبقات ابن سعد: 6/163:

أخبرنا مسلم بن إبراهیم قال: حدثنا سلام بن مسکین قال: حدثنی رجل قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): خلیلی من هذه الأمة أویس القرنی .

ورواه فی الجامع الصغیر: 3/298 ، برقم 3942 وفی مختصر تاریخ دمشق: 3 جزء 895 وفی کنز العمال: 12/74. انتهی .

وهذه الروایة لا تصح عندنا ولا عند غیرنا .

أما عندنا فلانه ثبت أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعلی(علیه السّلام): أنت أخی ، وخلیلی ، وأول من یصافحنی یوم القیامة .

وأما عندهم، فلانهم رووا حدیثاً ینفی وجود خلیل للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه لو کان متخذاً خلیلاً لاتخذ أبا بکر خلیلاً !

وحدیثهم عن ابی بکر کحدیثهم عن أویس یراچ بهما نفی أن یکون خلیل النبی

ص: 60

علیاً علیه السام! کما وضعوا حدیث أن عمر أول من یصافح الرحمن یوم القیامة، مقابل حدیث أن یکون علیاً أول من یصافح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة !

قال أحد العلقین فی هامش المجروحین لابن حبان: 3/151:

وأخبار أویس أورد الکثیر منها ابن سعد فی الطبقات ، وأورد ابن الجوزی خبراً منها ثم قال: قد وضعوا خبراً طویلاً فی قصة أویس من غیر هذه الطریق. وإنما یصح فی الحدیث عن أویس کلمات یسیرة جرت له مع عمر ، وأخبره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یأتی علیکم أویس فإن استطعت أن یستغفر لک فافعل. فأطال القصاص وعرضوا فی حدیث أویس بما لا فائدة فی الإطاله بذکره. انتهی .

وقد حصر هذا المحشئ سبب الوضع فی أحادیثه بالقصاص ، ولکن عرفت مشکلة الخلافة والأمویین مع أویس ، وهی دواع للإنکار والوضع معاً !!

8 - ورووا أنه أوصی إلی هرم بن حیان وبکی علی عمر

فی مستدرک الحاکم: 3/406:

أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاویة السیاری شیخ أهل الحقائق بخراسان قال: أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاری ، أنا عبدان بن عثمان ، أنا عبد الله بن الشمیط بن عجلان ، عن أبیه أنه سمع أسلم العجلی یقول: حدثنی أبو الضحاک الجرمی ، عن

هرم بن حیان العبدی قال:

قدمت الکوفة فلم یکن لی بها هم إلا أویس القرنی أطلبه وأسأل عنه حت

ی سقطت علیه جالساً وحده علی شاطئ الفرات نصف النهار یتوضأ ویغسل ثوبه ، فعرفته بالنعت فاذا رجل لحم آدم شدید الادمة ، أشعر محلوق الرأس یعنی لیس

ص: 61

له جمة ، کث اللحیة علیه ازار من صوف ورداء من صوف بغیر حذاء ، کبیر الوجه مهیب المنظر جداً ، فسلمت علیه فرد علی ، ونظر الی فقال: حیاک الله من رجل ، فمددت یدی إلیه لاصافحه فأبی أن یصافحنی وقال: وأنت فحیاک الله .

فقلت رحمک الله یا أویس وغفر لک ، کیف أنت رحمک الله ؟

ثم خنقتنی العبرة من حبی إیاه ورقتی له ، لما رأیت من حاله ما رأیت حتی بکیت وبکی .ثم قال: وأنت فرحمک الله یا هرم بن حیان ، کیف أنت یا أخی ، من دلک علی؟ قلت: الله .قال: لا اله إلا الله سبحان ربنا إن کان وعد ربنا لمفعولا، حین سمانی والله ماکنت رأیته قط ولا رآنی .

ثم قلت: من أین عرفتنی وعرفت اسمی واسم أبی ؟ فوالله ما کنت رأیتک قط قبل هذا الیوم !

قال: نبأنی العلیم الخبیر ، عرفت روحی روحک حیث کلمت نفسی نفسک. إن الأرواح لها أنفس کأنفس الأحیاء ، إن المؤمنین یعرف بعضهم بعضاً ویتحدثون بروح الله وإن

لم یلتقوا ، وإن لم یتکلموا ویتعارفوا، وإن نأت بهم الدیار وتفرقت بهم المنازل .

قال قلت: حدثنی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحدیث أحفظه عنک .

قال: إنی لم أدرک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم تکن لی معه صحبة ، ولقد رأیت رجالاً قد رأوه وقد بلغنی من حدیثه کما بلغکم ، ولست أحب أن أفتح هذا الباب علی نفسی أن أکون محدثاً أو قاضیاً ومفتیاً. فی النفس شغل یا هرم بن حیان .

قال فقلت: یا أخی اقرأ علی آیات من کتاب الله أسمعهن منک فإنی أحبک فی الله حباً شدیداً ، وادع بدعوات وأوص بوصیة أحفظها عنک .

قال فأخذ بیدی علی شاطئ الفرات وقال أعوذ بالله السمیع العلیم من الشیطان الرجیم بسم الله الرحمن الرحیم ، قال فشهق شهقة ثم بکی مکانه ، ثم قال قال

ص : 62

ربی تعالی ذکره وأحق القول قوله وأصدق الحدیث حدیثه وأحسن الکلام کلامه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَیْنَهُمَا لاعِبِینَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ.. حتی بلغ إلی من رحم الله إنه هو العزیز الرحیم. ثم شهق شهقة ثم سکت ، فنظرت إلیه وأنا أحسبه قد غشئ علیه ، ثم قال: یا هرم بن حیان ، مات أبوک ، وأوشک أن تموت ومات أبو حیان. فإما إلی الجنة وإما إلی النار. ومات آدم ومات حواء .

یا ابن حیان ومات نوح وابراهیم خلیل الرحمن .

یا ابن حیان ومات موسی نجی الرحمن .

یا ابن حیان ومات داود خلیفة الرحمن .

یا ابن حیان ومات محمد رسول الرحمن .

ومات أبو بکر خلیفة المسلمین .

یا ابن حیان ومات أخی وصفیی وصدیقی عمر بن الخطاب .

ثم قال: واعمراه ، رحم الله عمر وعمر یومئذ حی !! وذلک فی آخر خلافته .

قال فقلت له: رحمک الله إن عمر بن الخطاب بعد حی !

قال: بلی إن تفهم فقد علمت ما قلت ! وأنا وأنت فی الموتی. وکان قد کان ثم صلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودعا بدعوات خفاف ثم قال:

هذه وصیتی الیک یا هرم بن حیان: کتاب الله واللقاء بالصالحین من المسلمین والصلاة والسلام علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولقد نعیت علی نفسی ونعیتک ، فعلیک بذکر الموت ، فلا یفارقن علیک طرفة ، وأنذر قومک إذا رجعت الیهم ، وانصح أهل ملتک جمیعاً واکدح لنفسک ، وإیاک أن تفارق الجماعة فتفارق دینک وأنت لا تعلم ، فتدخل النار یوم القیامة !

قال ثم قال: اللهم إن هذا یزعم أنه یحبنی فیک وزارنی من أجلک ، اللهم عرفنی

ص: 63

وجهه فی الجنة ، وأدخله علی زائرآ فی دارک دار السلام ، واحفظه مادام فی الدنیا حیث ما کان ، وضم علیه ضیعته ورضه من الدنیا بالیسیر ، وما أعطیته من الدنیا فیسره له ، واجعله لما تعطیه من نعمتک من الشاکرین ، واجزه خیر الجزاء .

استودعتک الله یا هرم بن حیان ، والسلام علیک ورحمة الله .

ثم قال لی: لا أراک بعد الیوم رحمک الله فإنی أکره الشهرة والوحدة أحب الی لأنی شدید الغم کثیر الهم مادمت مع هؤلاء الناس حیاً فی الدنیا ، ولا تسأل عنی ولا تطلبنی. واعلم أنک منی علی بال ولم أرک ولم ترنی !! فاذکرنی وادع لی فانی سأذکرک وأدعو لک إن شاء الله تعالی .

انطلق ها هنا حتی آخذ هاهنا .

قال فحرصت علی أن أسیر معه ساعة فأبی علی ، ففارقته یبکی وأبکی !

قال فجعلت أنظر فی قفاه حتی دخل فی بعض السکک ، فکم طلبته بعد ذلک وسألت عنه فما وجدت أحداً یخبرنی عنه بشئ ، فرحمه الله وغفر له .

وما أتت علی جمعة إلا وأنا أراه فی منامی مرة أو مرتین ! أو کما قال .

وفی سیر أعلام النبلاء: 4/28:

أخبرنا إسحاق بن أبی بکر ، أنبأنا یوسف بن خلیل ، أنبأنا أبو المکارم المعدل ، أنبأنا أبو علی الحداد ، أنبأنا أبو نعیم الحافظ ، حدثنا حبیب بن الحسن ،حدثنا أبو شعیب الحرانی ، حدثنا خالد بن یزید العمری ، حدثنا عبد العزیز بن أبی رواد ، عن علقمة بن مرثد ، قال: انتهی الزهد إلی ثمانیة: عامر بن عبد الله بن عبد قیس، وأویس القرنی ، وهرم بن حیان ، والربیع بن خثیم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن یزید ، وأبی مسلم الخولانی ، والحسن بن أبی الحسن .

وروی عن هرم بن حیان ، قال: قدمت الکوفة ، فلم یکن لی هم إلا أویس أسأل

ص: 64

عنه ، فدفعت إلیه بشاطئ الفرات یتوضأ ویغسل ثوبه، فعرفته بالنعت . . . إلی آخر القصة ، وقال: أوردها أبونعیم فی الحلیة ، ولم تصح ، وفیها ما ینکر. انتهی .

ویکفی لرد هذه القصة أنها تنسب إلی أویس أن الله تعالی نعی إلیه عمر ، وأنه لو صح أنه أخبر بوفاة عمر فی الکوفة قبل أن یعرف الناس لشاع ذلک ورواه غیر هرم. مضافاً إلی تعارض ما فیها ، وما یعارصها من أن هرما هذا کان یبحث عن أویس ولم یجده .

ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعی لزهد أویس ، وکان ینبغی أن یشهد له بذلک غیره ، کما شهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والمسلمون لأویس .

وأخیراً ، فإن الکرامات الباطلة التی رووها عن هرم توجب الشک فی اصل تدینه وفی کل ماروی عنه وله . . فقد رووا أنه سمی هرما لأنه هرم فی بطن أمه وبقی حملا لمدة سنتین ، أو أربع سنین !! قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 4/48:

وقیل: سمی هرماً لأنه بقی حملاً سنتین حتی طلعت أسنانه !

قال أبو القاسم ابن عساکر: قدم هرم دمشق فی طلب أویس القرنی. انتهی .

وقال فی اختیار معرفة الرجال: 1/313:

قال القتیبی: وإنما سمی هرماً لأنه بقی فی بطن أمه أربع سنین. انتهی .

فهذا هو هرم الذی هرموه ، وکبروه علی حساب أویس !

ص: 65

9 - وادعوا أن أویساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسی الراعی
اشارة

فی طرائف المقال: 2/594:

عن تذکرة الأولیاء أن علیاً (علیه السّلام) وعمر أعطیا خرقة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حسب الوصیة أویساً فلما رآه الثانی أن ثوبه وکساه شعر الابل ووبره، ورأسه ورجلیه مکشوفان، وکان له رئاسة الدنیا والدین تغیر حاله فقال عمر: من یشتری الخلافة منی برغیف من الخبز ؟

وفی لسان المیزان: 6/117:

( موسی ) بن زید الراعی أبو عمران الدیلمی نزیل بلخ .

لم أجد له ذکراً ، وأظن أن بعض من فی إسناد خبره اختلقه ، فإنه أسندت عنه خرقة التصوف ، فزعم أو من اختلقه أن أویسآ القرنی ألبسه الخرقة لما قدم بلاد الدیلم ، ومات بها ، وأن عمر ألبسه قمیصه بعرفات بحضور علی ، وأن علیاً ألبسه رداء ثم ألبسه قمیصه بصفین ، وهما لبسا من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ذکره الفخر الفارسی ، وهو محمد بن ابراهیم الذی تقدمت ترجمته عن أبیه ، عن نصر بن خلیفة البیضاوی ، عن ابراهیم بن شهریار ، عن أبی محمد الحسن الآبار الشیرازی ، عن محمد بن خفیف، عن ابن عمر الإصطخری، عن أبی تراب النخشبی ، عن أبی عمران المذکور .

وفی السیاق أن کلا من هؤلاء ألبس الذی دونه .

وهذا خبر باطل مشوش. وأویس قتل بصفین کما ذکرته فی ترجمته ، وقیل مات قبل ذلک ، فالله أعلم. انتهی .

وهذه الروایات وغیرها من الإدعاءات الباطلة ، تدل علی المکانة التی کانت

ص: 66

لأویس(رض) فی وجدان المسلمین، وعلی تأثیر شخصیته ومسلکه فی نفوسهم ، حتی کثرت الأحادیث عنه ، وادعی کثیر الإرتباط به والقرب منه ، أو ادعوا قربه من أئمتهم الذین یحبونهم !

وهو أمر یزید من التأکید علی وجود شخصیة أویس ، وتأثیر سیرته تأثیراً عمیقاً فی أجیال المسلمین ومتدینیهم.. رضوان الله علیه .

صورة عن أویس القرنی من مصادرنا

روائح الجنة تفوح من قرن !

فی الفضائل/107:

مما روی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس ، واشوقاه الیک یا أویس القرنی ، ألا من لقیه فلیقرأه عنی السلام .

فقیل: یا رسول الله ومن أویس القرنی ؟

فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن غاب لم یفقدوه ، وإن ظهر لم یکترثوا له ، یدخل فی شفاعته إلی الجنة مثل ربیعة ومضر ، آمن بی ومارآنی ، ویقتل بین یدی خلیفتی علی بن أبی طالب فی صفین. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار: 38/155

وفی شرح الأخبار: 2/35:

وأویس بن عامر القرنی ، قتل مع علی صلوات الله علیه بصفین ، وهو الذی قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن من بعدی رجل یقال له: أویس به شامة بیضاء ، من لقیه فلیبلغه منی السلام ، فإنه یشفع یوم القیامة لکذا وکذا من الناس .

ص: 67

خیر التابعین ونفس الرحمن

فی هامش مجمع البحرین: 3/498:

هو من التابعین الاخیار ، ممن کانوا علی الهدی وثبتوا علیه .

شهد مع علی(علیه السّلام)حرب صفین ، واستشهد فی سبیل حقه. ووصفه المؤرخون بأنه من خواص أمیر المؤمنین وحوارییه ، وورد فی شأنه مدح کثیر وثناء من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی وصفه: إنه نفس الرحمن وخیر التابعین .

کان راعی إبل فصار الشفیع الموعود

فی طرائف المقال: 2/597:

وروی ضمرة عن أصبغ بن زید قال: أسلم أویس علی عهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لکن منعه من القدوم بره بأمه .

واستشهد أویس وجماعة من أصحابه فی الرجالة بین یدی علی(علیه السّلام)، وقد ذکرنا أن أویساً کان راعیاً للابل ویأخذ الاجرة علی الرعی ، ویصرفها لأمه الصالحة الصادقة. فذات یوم استأذن من أمه أن یذهب إلی زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأذنت له لکن إن لم یکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی بیته فلا تتوقف وارجع معجلاً ، فلما ذهب إلی زیارته ولم یکن فی البیت رجع إلی الیمن ، فلما أتی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی بیته فرأی نوراً لم یر مثله ، فسأل أنه هل أتی فی درب البیت أحد ؟ فأجیب جاء أحد من الیمن اسمه أویس ، فحیا وذهب. فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نعم هذا نور أویس ، جعله هدیة فی بیتنا. راجع أیضاً: سیر أعلام النبلاء: 4/27

ص: 68

أویس من أرکان التشیع لعلی(علیه السّلام)

فی الاختصاص/6: ذکر السابقین المقربین من أمیر المؤمنین(علیه السّلام):

حدثنا جعفر بن الحسین ، عن محمد بن جعفر المؤدب: الارکان الاربعة: سلمان، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمار ، هؤلاء الصحابة .

ومن التابعین: أویس بن أنیس القرنی ، الذی یشفع فی مثل ربیعة ومضر...

وفی الإختصاص/81:

أحمد بن هارون الفامی ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أبی عبدالله محمد بن خالد البرقی ، عن أحمد بن النضر الخزاز ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفی ، عن أبی جعفر (علیه السّلام)قال: شهد مع علی بن أبی طالب(علیه السّلام)من التابعین ثلاثة نفر بصفین شهد لهم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالجنة ولم یرهم: أویس القرنی ، وزید بن صوحان العبدی ، وجندب الخیر الأزدی ، رحمة الله علیهم. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار: 29/618 .

وفی اختیار معرفة الرجال: 1/314:

وکان أویس من خیار التابعین لم یر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یصحبه، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ذات یوم لاصحابة: أبشروا برجل من أمتی یقال له أویس القرنی ، فإنه یشفع لمثل ربیعة ومضر .

روی یحیی بن آدم ، عن شریک ، عن ابن أبی زیاد ، عن ابن أبی لیلی عبد الرحمن ، قال: خرج رجل بصفین من أهل الشام ، فقال: فیکم أویس القرنی ؟

ص: 69

قلنا نعم. قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: خیر التابعین ، أو من خیر التابعین أویس القرنی ، ثم تحول الینا. انتهی .

وروی الأول فی روضة الواعظین/289 ، وبحار الأنوار: 38/156 ، وجامع الرواة: 1/110 ، ووسائل الشیعة: 20/144 ، ومعجم رجال الحدیث: 4/154

وفی طرائف المقال: 2/592

وعن غوث المتأخرین السید محمد النور بخشئ نور الله مرقده فی شجرة الأولیاء قال: أویس القرنی المجذوب+، هو الذی وصفه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالولایة ، وقال: إنی لاجد نفس الرحمن من جانب الیمن .

وفیه أیضاً فی أوائل الکتاب: محمد بن قولویة ، عن سعد بن عبد الله ، عن علی بن سلیمان بن داود الرازی ، عن علی بن أسباط ، عن أبیه أسباط بن سالم ، قال قال أبو الحسن موسی بن جعفر (علیهماالسّلام): إذا کان یوم القیامة نادی مناد: أین حواری محمد بن عبد الله الذین لم ینقضوا العهد ومضوا إلیه ؟

فیقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.

ثم ینادی المنادی: أین حواری علی بن أبی طالب (علیه السّلام) وصی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیقوم عمرو بن الحمق ، ومحمد بن أبی بکر ، ومیثم التمار مولی بنی أسد ، وأویس القرنی . . . الحدیث. راجع أیضاً: معجم رجال الحدیث: 4/154 .

وقد نقل عن أویس أنه فی بعض اللیالی یقول: هذه لیلة الرکوع ویتم اللیلة برکوع واحد ، وفی اللیلة الأخری یقول:

هذه لیلة السجود ویتمها بسجدة ، فقیل له: یا أویس کیف تطیق علی مضی اللیالی الطویلة علی منوال واحد ؟

فقال أویس: أین اللیلة الطویلة ؟ فیالیت کان من الأزل إلی الأبد لیلة واحدة حتی نتمها بسجدة واحدة ، ونتوفر علی الأنین والبکاء إلی آخرها .

ص: 70

أویس ختام المسک الموعود فی حرب الجمل

قال المفید فی الإرشاد: 1/315:

نقلاً عن ابن عباس أن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)جلس بذی قار لأخذ البیعة فقال:

یأتیکم من قبل الکوفة ألف رجل لا یزیدون رجلاً ولا ینقصون رجلاً یبایعوننی علی الموت .

قال ابن عباس: فجزعت لذلک أن ینقص القوم عن العدد أو یزیدون علیه، فیفسد الأمر علینا ، ولم أزل مهموماً دأبی إحصاء القوم ، حتی ورد أوایلهم فجعلت أحصیهم فاستوفیت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلاً ، ثم انقطع مجئ القوم فقلت: إنا لله وإنا إلیه راجعون ، ماذا حمله علی ماقال ؟!

فبینما أنا مفکر فی ذلک إذ رأیت شخصاً قد أقبل ، حتی إذا دنا وإذا هو رجل علیه قباء صوف معه سیفه وترسه وإداوته

، فقرب من أمیرالمؤمنین(علیه السّلام)فقال له: أمدد یدک أبایعک ، فقال له أمیر المؤمنین(علیه السّلام): علی م تبایعنی ؟ قال: علی السمع والطاعة ، والقتال بین یدیک حتی أموت ، أو یفتح الله علیک .

فقال له: ما اسمک ؟

قال: أویس .

قال: أنت أویس القرنی ؟

قال: نعم .

قال: الله أکبر ، أخبرنی حبیبی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنی أدرک رجلاً من أمته یقال له أویس القرنی ، یکون من حزب الله ورسوله ، یموت علی الشهادة ، یدخل فی شفاعته مثل ربیعة ومضر .

ص: 71

قال ابن عباس: فسری والله عنی. انتهی .

ورواه فی الخرائج والجرائح: 1/200 ، وإعلام الوری/170 ، والثاقب فی المناقب/266 ، وبحار الأنوار: 37/299

وفی مناقب آل ابی طالب: 2/104:

ابن عباس أنه قال(علیه السّلام)یوم الجمل: لنظهرن علی هذه الفرقة ، ولنقتلن هذین الرجلین. وفی روایة: لنفتحن البصرة ولیأتینکم الیوم من الکوفة ثمانیة آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً ، فکان کما قال. وفی روایة ستة آلاف وخمسة وستون .

وقال المفید فی الجمل/49:

ونحن نذکر الان جملة من بایع أمیر المؤمنین(علیه السّلام)الراضین بإمامته الباذلین أنفسهم فی طاعته بعد الذی أجملناه من الخبر عنهم ممن یعترف المنصف بوقوفه علی أسمائهم تحقیق ما وصفناه ، من غنایتهم فی الدین وتقدمهم فی الإسلام ، ومکانهم من نبی الهدی ، وأن الواحد منهم لو ولی العقد لامام لانعقد الأمر به ، خاصة عند خصومنا فضلاً عن جماعتهم ، وعلی مذهبهم فیما یدعونه من ثبوت الإمامة بالإختیار وآراء الرجال ، وتضمحل بذلک عنده شبهات الأمویة فیما راموه من القدح فی دلیلنا ، بما ذکروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا .

ومن بایع أمیر المؤمنین بغیر ارتیاب ودان بامامته علی الإجماع والإتفاق ، واعتقد فرض طاعته والتحریم لخلافه ومعصیته ، والحاضرون معه فی حرب البصرة ألف وخمسمائة رجل ، من وجوه المهاجرین الأولین والسابقین إلی الإسلام والأنصار البدریین العقبیین ، وأهل بیعة الرضوان ، من جملتهم سبعمائه من المهاجرین

ص: 72

وثمانمائة من الأنصار ، سوی أبنائهم وحلفائهم وموالیهم ، وغیرهم من بطون العرب والتابعین بإحسان ، علی ماجاء به الثبت من الأخبار . . . إلی أن قال:

بیعة باقی الشیعة:

ومن یلحق منهم بالذکر من أولیائهم وعلیة شیعتهم ، وأهل الفضل فی الدین والإیمان والعلم والفقه والقرآن ، المنقطعین إلی الله تعالی بالعبادة والجهاد ، والتمسک بحقائق الإیمان: محمد بن أبی بکر ، ربیب أمیر المؤمنین وحبیبه. ومحمد بن أبی حذیفة ولیه وخاصته المستشهد فی طاعته .

ومالک ابن الحرث الأشتر النخعی ، سیفه المخلص فی ولایته .

وثابت بن قیس النخغی .

وعبد الله بن أرقم .

وزید بن الملفق .

وسلیمان بن صرد الخزاعی .

وقبیصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بدیل الخزاعی .

وعبد الرحمن بن عدیس السلولی .

وأویس القرنی . . .

ص: 73

أویس ختام المسک الموعود فی حرب صفین

فی خصائص الأئمة/53:

وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: کنت مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام)بصفین فبایعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثم قال: أین تمام المائة ؟ فقد عهد إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( أنه ) یبایعنی فی هذا الیوم مائة رجل !

قال فجاء رجل علیه قباء صوف متقلد سیفین فقال: هلم یدک أبایعک .

فقال: علی م تبایعنی ؟

قال: علی بذل مهجة نفسی دونک !

قال: ومن أنت ؟

قال: أویس القرنی ، فبایعه فلم یزل یقاتل بین یدیه حتی قتل ، فوجد فی الرجالة مقتولاً .

وفی اختیار معرفة الرجال: 1/315:

وروی الحسن بن الحسین القمی ، عن علی بن الحسن العرنی ، عن سعد بن طریف، عن الأصبغ بن نباتة ، قا ل کنا مع علی(علیه السّلام)بصفین، فبایعة تسعة وتسعون رجلا ، ثم قال: أین المائة لقد عهد الی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یبایعنی فی هذا الیوم مائة رجل. قال: إذ جاء رجل علیه قباء صوف متقلداً بسیفین فقال: أبسط یدک أبایعک .

قال علی(علیه السّلام): علی م تبایعنی ؟ قال: علی بذل مهجة نفسی دونک .

قال: من أنت ؟ قال: أنا أویس القرنی .

ص: 74

قال: فبایعه فلم یزل یقاتل بین یدیه حتی قتل ، فوجد فی الرجالة .

وفی روایة أخری ، قال له أمیر المؤمنین(علیه السّلام): کن أویساً .

قال: أنا أویس .

قال: کن قرنیاً قال: أنا أویس القرنی .

وإیاه یعنی دعبل بن علی الخزاعی فی قصیدته التی یفتخر فیها علی نزار ، وینقض علی الکمیت بن زید قصیدته التی یقول فیها:

ألا حییت عنا یا مدینا

أویس ذو الشفاعة کان منا

فیوم البعث نحن الشافعونا

راجع أیضاً: الخرائج والجرائح: 1/200 والثاقب فی المناقب/266 وجامع الرواة: 1/110 ، ومدینة المعاجز: 2/299 ، ومعجم رجال الحدیث (ط.ج): 4/154

وفی بحار الأنوار: 29/583

وبرز عبد الله بن جعفر فی ألف رجل، فقتل خلقا حتی استغاث عمرو بن العاص. وأتی أویس القرنی متقلداً بسیفین ویقال: کان معه مرماة ومخلاة من الحصی ، فسلم علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وودعه ، وبرز مع رجالة ربیعة ، فقتل من یومه ، فصلی علیه أمیر المؤمنین(علیه السّلام)ودفنه. انتهی .

وفی المناقب/249

وفی روایة: قتل من أصحاب أمیرالمؤمنین(علیه السّلام)فی ذلک الیوم واللیلة ألفا رجل وسبعون رجلاً ، وفیهم أویس القرنی زاهد زمانه ، وخزیمة بن ثابت الأنصاری ذوالشهادتین، وقتل من أصحاب معاویة فی ذلک الیوم سبعة آلاف رجل. انتهی .

ص: 75

وتدل هذه النصوص علی أن أویساً رضی الله عنه ملهم من الله تعالی ، حیث قال فی بیعته لامیر المؤمنین(علیه السّلام)یوم الجمل ( علی السمع والطاعة ، والقتال بین یدیک حتی أموت ، أو یفتح الله علیک ) فکان الفتح.

وقال یوم صفین ( علی بذل مهجة نفسی دونک ) ولم یذکر الفتح !

وتدل علی مقادیر الله تعالی لهذا الولی الکبیر أن یکون تمام الالف فی حرب الجمل ، ثم تمام المئة فی صفین ، مبایعاً علی الموت فی سبیل الله تعالی .

وتدل هی وغیرها علی أنه وجماعته کانوا فوجاً مقاتلاً ، وأنهم قاتلوا قتال الابطال المستمیتین ، فقد کسر أویس جفن سیفه ، ووجد فیه أربعون طعنة ، وصلی علیه ودفنه أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

ولیس کما ذکر أسیر بن جابر أنه سرعان ماجاءه سهم فقتل ، وأنه هو دفنه.. الخ.

متفرقات عن أویس

فی طرائف المقال: 2/592:

وفی رجال الکشی : علی بن محمد بن قتیبه قال: سئل أبو محمد عن الزهاد الثمانیة فقال: الربیع بن خیثم ، وهرم بن حیان ، وأویس القرنی ، وعامر بن عبد قیس ، وکانوا مع علی(علیه السّلام)ومن أصحابه ، وکانوا زهاداً أتقیاء .

وأما أبو مسلم أهبان بن صیفی ، فإنه کان فاجراً مرائیاً ، وکان صاحب معاویة ، وهو الذی کان یحث الناس علی قتال علی فقال لعلی(علیه السّلام): إدفع الینا المهاجرین والأنصار حتی نقتلهم بعثمان، فأبی علی ذلک ، فقال أبومسلم: الآن طاب الضراب إنما ! کان وضع فخاً ومصیدة .

وأما مسروق ، فانه کان عشاراً لمعاویة ، ومات فی عمله ذلک بموضع أسفل من

ص: 76

واسط علی دجلة یقال له الرصافة ، وقبره هناک .

والحسن کان یلقی کل فرق بما یهوون ، ویتصنع للرئاسة ، وکان رئیس القدریة.

وأویس القرنی مفضل علیهم کلهم .

قال أبومحمد: ثم عرف الناس بعد .

وکان أویس من خیار التابعین لم یر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یصحبه ، بل آمن به فی الغیاب ، ولعدم المکنة وتفرق الحال والإشتغال علی خدمات أمه لم یدرک صحبته ، وکان شغله رعی الجمال وأخذ الاجرة. انتهی .

راجع أیضاً: خلاصة الاقوال/24 ، والتحریر الطاووسی/74 ، ووسائل الشیعة: 20/144 ، ومعجم رجال الحدیث: 4/154 ، ولسان المیزان: 1/471

وفی بحار الأنوار: 63/390:

قال أویس لهرم بن حیان: قد عمل الناس علی رجاء ، فقال: بل نعمل علی الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض ، فالثابت من الخوف یورث الرجا ، والعارض منه یورث خوفاً ثابتاً .

والرجاء رجاءان: عاکف وباد ، فالعاکف منه یقوی نسبة العبد ، والبادی منه یصحح أمل العجز والتقصیر والحیاء .

مستدرک الوسائل: 16/73:

مجموعة الشهید(رحمه الله): نقلاً من کتاب قضایا أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، عن أویس القرنی قال: کنا عند أمیر المؤمنین إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل ، وهی تقول: یا أ میر المؤمنین لی علی هذا الرجل أربعمائة دینار ، فقال(علیه السّلام): للرجل: ما تقول المرأة ؟

فقال: ما لها عندی إلا خمسون درهماً مهرها .

فقالت: یا أمیر المؤمنین ، أعرض علیه الیمین ، فقال(علیه السّلام): تقول بارکاً وتشخص

ص: 77

ببصرک إلی السماء:

اللهم إن کنت تعلم أن لهذه المرأة شیئاً أرید ذهاب حقها وطلب نشوها وأنکر ما ذکر ته من مهرها ، فلا استعنت بک من مصیبة ، ولا سألتک فرج کربة ، ولا احتجت إلیک فی حاجة ، وإن کنت أعلم أنک تعلم أن لیس لهذه المرأة شیئاً أرید ذهاب حقها فلا تقمنی من مقامی هذا حتی تریها نقمتها منک .

فقال: والله یا أمیر المؤمنین لا حلفت بهذا الیمین أبداً ، وقد رأیت أعرابیاً حلف بها بین یدی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فسلط الله علیه ناراً فأحرقته من قبل أن یقوم من مقامه ، وأنا أوفیها ما ادعته علی. انتهی .

ورواه فی الخرائج والجرائح: 1/200 ، والثاقب فی المناقب/266 ، ومدینة المعاجز: 2/299

من الأدعیة المرویة عن أویس

فی مستدرک الوسائل: 5/48:

السید رضی الدین علی بن طاووس فی مهج الدعوات: عن موسی بن زید ، عن أویس القرنی ، عن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فی حدیث أنه قال: من دعا بهذا الدعاء فی منامه ، فیذهب به النوم وهو یدعو بها ، بعث الله جل ذکره ، بکل حرف منه سبعین ألف ملک من الروحانیة ، وجوههم أحسن من الشمس بسبعین ألف مرة ، یستغفرون الله ، ویدعون له ، ویکتبون له الحسنات ... الخبر .

الدعاء: یا سلام المؤمن المهیمن ، العزیز الجبار المتکبر ، الطاهر المطهر ، القاهر القادر المقتدر ، یا من ینادی من کل فج عمیق ، بألسنة شتی ولغات مختلفة ، وحوائج اخری ، یا من لا یشغله شأن عن شأن ، أنت الذی لا تغیرک الأزمنة ، ولا

ص: 78

تحیط بک الأمکنة ، ولا تأخذک نوم ولا سنة ، یسر لی من أمری ما أخاف عسره، وفرج من أمری ما أخاف کربه ، وسهل لی من أمری ما أخاف حزنه ، سبحانک لا اله إلا أنت ، إنی کنت من الظالمین ، عملت سوءا ، وظلمت نفسی، فاغفر لی، إنه لا یغفر الذنوب إلا أنت ، والحمد لله رب العالمین ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار: 88/390

وفی حلیة الأولیاء: 8/56:

سفیان الثقفی الکوفی ، ثنا أبو علی الحسن بن عبد الله الوزان ، ثنا أبو سعید عمران بن سهل، ثنا سلیمان بن عیسی ، عن سفیان الثوری، عن إبراهیم بن أدهم، عن موسی بن یزید ، عن أویس القرنی عن عمر بن الخطاب عن علی بن أبی طالب قالا:

قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاءه. والذی بعثنی بالحق لو دعا بهذه الأسماء علی صفائح من الحدید لذابت بإذن الله ، ولو دعا بها علی ماء جار لسکن بإذن الله .

والذی بعثنی بالحق إنه من بلغ إلیه الجوع والعطش ، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه الله وسقاه ، ولو دعا بهذه الأسماء علی جبل بینه وبین الموضع الذی یریده الآن الله له شعب الجبل ، حتی یسلک فیه إلی الموضع الذی یریده .

وإن دعا به علی مجنون أفاق من جنونه ، وإن دعا به علی امرأة قد عسر علیها ولدها هون الله علیها ، ولو أن رجلاً دعا به والمدینة تحرق وفیها منزله أنجاه الله ولم یحترق منزله .

وإن دعا أربعین لیلة من لیالی الجمعة غفر الله له کل ذنب بینه وبین الله عز وجل، ولو أن رجلاً دعا علی سلطان جائر لخلصه الله من جوره .

ص: 79

ومن دعا بها عند منامه بعث الله إلیه بکل اسم منها سبعین ألف ملک مرة یکتبون له الحسنات ومرة یمحون عنه السیئات ، ویرفعون له الدرجات إلی یوم ینفخ فی الصور .

فقال سلمان: یا رسول الله فکل هذا الثواب یعطیه الله ؟

قال: نعم یا سلمان ، ولولا أنی أخشی أن تترکوا العمل وتقتصروا علی ذلک لأخبرتک بأعجب من هذا !

قال سلمان: علمنا یا رسول الله .

قال: نعم ، قل:

اللهم إنک حی لا تموت ، وغالب لا تغلب ، وبصیر لا ترتاب ، وسمیع لا تشک ، وقهار لا تقهر، وأبدی لا تنفد ، وقریب لا تبعد ، وشاهد لا تغیب ، واله لا تضاد ، وقاهر لا تظلم ، وصمد لا تطعم ، وقیوم لا تنام ، ومحتجب لا تری ، وجبار لا تضام ، وعظیم لا ترام ، وعالم لا تعلم ، وقوی لا تضعف ، وجبار لا توصف ، ووفی لا تخلف ، وعدل لا تحیف ، وغنی لا تفتقر ، وکنز لا تنفد ، وحکم لا تجور ، ومنیع لا تقهر ، ومعروف لا تنکر ، ووکیل لا تحقر ، ووتر لا تستشار ، وفرد لا یستشیر ، ووهاب لا ترد وسریع لا تذهل ، وجواد لا تبخل ، وعزیز لا تذل ، وعلیم لا تجهل ، وحافظ لا تغفل ، وقیوم لا تنام ، ومجیب لا تسأم ، ودائم لا تفنی ، وباق لا تبلی ، وواحد لا تشبه ، ومقتدر لا تنازع .

هذا حدیث لا یعرف إلا من هذا الوجه ، وموسی بن یزید ومن دون إبراهیم وسفیان فیهم جهالة .

وفی حلیة الأولیاء: 10/380:

ثنا عبد الله بن عبیدة العامری ، ثنا سورة بن شداد الأزهد، عن سفیان النوری ، هو عن إبراهیم بن أدهم عن موسی بن یزید عن أویس القرنی عن علز بن أبی

ص: 80

طالب ، قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن لله تسعة وتسعین اسما مائة غیر واحد ، ما من عبد یدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة ، إنه وتر یحب الوتر هو الله الذی لا إله إلا هو الرحمن الرحیم الملک القدوس السلام . . إلی

قوله الرشید الصبور .. مثل حدیث الأعرج عن أبی هریرة حدیث الأعرج عن أبی هریرة صحیح متفق علیه ، وحدیث الثوری عن إبراهیم فیه نظر لا صحة له .

وقال ابن الجوزی فی الموضوعات: 3/175:

دعاء منقول: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادی ، أنبأنا عبد الوهاب بن أبی عبد الله بن مندة ، أنبأنا أبی ، أنبأنا إبراهیم بن محمد بن رجاء الوراق ، حدثنا إبراهیم بن محمد بن یزید بن خالد المروزی ، حدثنا محمد بن موسی السلمی ، حدثنا أحمد بن عبد الله النیسابوری ، عن شقیق البلخی ، عن إبراهیم بن أدهم ، عن موسی بن یزید ، عن أویس القرنی ، عن عمر بن الخطاب وعلی بن أبی طالب رضی الله عنهما قالا: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له:

اللهم أنت حی لا تموت ، وخالق لا تغلب ، وبصیر لا ترتاب ، وسمیع لا تشک ، وصادق لا تکذب ، وقاهر لا تغلب ، وأبدی لا تنفذ ، وقریب لا تبعد ، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم ، وقیوم لا تنام ، وجبار لا تقهر ، وعظیم لا ترام ، وعالم لا تعلم، وقوی لا تضعف ، وعلیم لا توصف ، ووفی لا تخلف ، وعدل لا تحیف ، وغنی لا تفتقر ، وحکیم لا تجور ، ومنیع لا تقهر ، ومعروف لا تنکر ، ووکیل لا تحقر ، وغالب لا تغلب ، ووتر لا تستأمر ، وفرد لا تستشیر ، ووهاب لا تمل

، وسریع لا تذهل ، وجواد لا تبخل ، وعزیز لا تذل ، وحافظ لا تغفل ، وقائم لا تنام ، ومحتجب لا تری ، ودائم لا تفنی وباق لا تبلی ، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع .

ص: 81

قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): والذی بعثنی لو دعی بهذه الدعوات والأسماء علی صفائح الحدید لذابت ، ولو دعی بها علی ما جار لسکن ، ومن أبلغ إلیه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه، ولو أن بینه وبین موضع یریده جبل لانشعب له الجبل حتی یسلکه إلی الموضع الذی یرید ، ولو دعی به علی مجنون لافاق ، ولو دعی علی امرأة قد عسر علیها ولدها ، ولو دعا بها والمدینة تحترق وفیها منزله لنجا ولم یحترق منزله، ولو دعی بها أربعین لیلة من لیالی الجمعة غفر له کل ذنب بینه وبین الله عزوجل ، ولو أنه دخل علی سلطان جائر ثم دعی بها قبل أن ینظر السلطان إلیه لخلصه الله من شره، ومن دعی بها عند منامه بعث الله عز وجل بکل حرف منها سبعمائة ألف ملک من الروحانیین ، وجوههم أحسن من الشمس والقمر ، یسبحون له ویستغفرون له ویدعون ویکتبون له الحسنات ویمحون عنه السیئات ویرفعون له الدرجات .

فقال سلمان: یا رسول أیعطی الله بهذه الأسماء کل هذا الخیر ؟ فقال: لا تخبر به الناس حتی أخبرک بأعظم منها ، فإنی أخشی أن یدعوا العمل ویقتصروا علی هذا.

ثم قال: من نام وقد دعا بها ، فإن مات مات شهیدا وإن عمل الکبائر وغفر لأهل بیته ، ومن دعی بها قضی الله له ألف ألف حاجة .

وقد رواه سلیمان بن عیسی عن سفیان الثوری ، عن إبراهیم بن أدهم إلا أن الألفاظ تختلف. ورواه مختصراً الحسین بن داود البلخی ، عن شقیق بن إبراهیم .

هذا حدیث موضوع علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وفی طرقه کلمات رکیکة یتنزه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن مثلها وأسماء لله یتعالی الحق عنها ، ولم نر التطویل بذکر الطرق لأنها من جنس واحد .

وفی الطریق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجویباری.

وفی الطریق الثانی سلیمان بن عیسی .

ص: 82

وفی الثالث الحسین بن داود ، وثلاثتهم کانوا یضعون الحدیث ، والله أعلم أنهم ابتدوا بوضعه ، ثم سرقه الآخران وبدَّلا فیه وغیرا.

وقد روی لنا من طریق مظلم فیه مجاهیل وفیه زیادات ونقصان. انتهی .

ونحن لا نحکم بصحة الأدعیة المرویة عن أویس(رحمه الله)، وهی أکثر من هذه النماذج التی ذکرناها، فروایاتها خاضعة للبحث العلمی وقواعد الجرح والتعدیل، ولکنها تدل علی المکانة العمیقة له(رحمه الله)فی نفوس المسلمین من الشیعة والسنة ، وأنه ثبت عندهم أن أویساً من أولیاء الله الخاصین النادرین ، کما ثبتت عندهم أحادیث شفاعته الواسعة . .

جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبی وآله ، وشیعتهم المقربین .

شفاعة أویس القرنی لمئات الألوف أو الملایین

تقدم ذکر شفاعة أویس القرنی(رحمه الله)فی أحادیث عدیدة ، ومنها أحادیث صحیحة من الدرجة الأولی عند الطرفین ، ونورد هنا ما یلی:

فی مستدرک الحاکم: 3/408

حدثنا أبو زکریا یحیی بن محمد العنبری ، ثنا محمد بن عبدالسلام ، ثنا اسحاق بن ابراهیم ، ثنا عبد الوهاب الثقفی ، ثنا خالد الحذاء ، عن عبدالله بن شقیق ، عن عبدالله بن أبی الجدعاء أنه سمع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من بنی تمیم .

قال الثقفی قال هشام: سمعت الحسن یقول إنه أویس القرنی. صحیح الإسناد ولم

ص: 83

یخرجاه. ورواه فی سیر أعلام النبلاء: 4/32 .

وفی مستدرک الحاکم: 3/405:

حدثنا أبو العباس احمد بن زیاد الفقیه بالدامغان ، ثنا محمد بن أیوب ، أنا أحمد بن عبد الله بن یونس ، ثنا أبو بکر بن عیاش ، عن هشام عن الحسن قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة ومضر.

قال هشام: فأخبرنی حوشب عن الحسن أنه أویس القرنی .

قال أبو بکر بن عیاش: فقلت لرجل من قومه: أویس بأی شئ بلغ هذا ؟

قال: فضل الله یؤتیه من یشاء .

وفی تاریخ الطبری: 10/145:

حدثنا أبو کریب قال: حدثنا أبو بکر قال حدثنا هشام ، عن الحسن قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لیدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتی مثل ربیعة ومضر: قال هشام: فأخبرنی حوشب أنه قال: هو أویس القرنی .

وفی تاریخ الطبری: 11/662:

عن هشام عن الحسن.. قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لیدخلن الجنه بشفاعة رجل من أمتی مثل ربیعة ومضر.. أنه قال هو أویس القرنی .

وفی کنز العمال: 12/73:

سیکون فی أمتی رجل یقال له أویس بن عبد الله القرنی ، وإن شفاعته فی أمتی مثل ربیعة ومضر ( عد ، عن ابن عباس ) .

وفی کنز العمال: 12/76:

ص: 84

یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة ومضر ( ش ، ک ، هق ، وابن عساکر عن الحسن مرسلاً ، قال الحسن: هو أویس القرنی ) .

وفی کنز العمال: 14/8:

عن الحسن قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یدخل بشفاعة رجل من أمتی الجنة أکثر من ربیعة ومضر ، أما أسمی لکم ذلک الرجل ؟

قالوا: بلی.

قال: ذاک أویس القرنی . . .

وقال: یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة ومضر ، ثم سماک . . الحدیث. وروی نحوه فی صفحة 13

وفی کنز العمال: 12/74:

سیقدم علیکم رجل یقال له أویس کان به بیاض فدعا الله له فأذهبه الله ، فمن لقیه منکم فمروه فلیستغفر له ( ش ، عن عمر ) .

وفی کنز العمال: 14/7:

مسند عمر ، عن صعصعة بن معاویة قال: کان أویس بن عامر من التابعین رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه سیکون فی التابعین رجل من قرن یقال له أویس بن عامر ، یخرج به وضح فیدعو الله أن یذهبه فیقول: اللهم دع لی فی جسدی منه ما أذکر به نعمتک علی ، فیدع له فی جسده ما یذکر به نعمته علیه ، فمن أدرک منکم فاستطاع أن یستغفر له

فلیستغفر له (الحسن بن سفیان وأبو نعیم فی المعرفة ، ق ، فی الدلائل ، کر ) راجع أیضاً: 14/8 و10. ونحوه فی سیر أعلام النبلاء: 4/26

ص: 85

وفی سیر أعلام النبلاء: 4/32:

وروی هشام بن حسان عن الحسن قال: یخرج من النار بشفاعة أویس أکثر من ربیعة ومضر .

أبو بکر الأعین: حدثنا أبو صالح ، حدثنا اللیث ، عن المقبری ، عن أبی هریرة مرفوعا: یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من مضر وتمیم. قیل: من هو یا رسول الله ؟ قال: أویس القرنی. هذا حدیث منکر تفرد به الاعین ، وهو ثقة .

ونحوه فی میزان الاعتدال: 2/445 .

وفی تاریخ الإسلام للذهبی: 3/558:

عن عمر قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یدخل الجنة بشفاعة أویس مثل ربیعة ومضر .

وفی بدء الإسلام لابن سلام الاباضی/79:

أویس القرنی . . . جاء فی الاثر عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال لأبی بکر وعمر: أوصیکم أن تقرؤوا منی أویس القرنی السلام ، یقدم المدینة بعدی . . . یدخل فی شفاعته یوم القیامة عدد ربیعة ومضر . . .

وفی میزان الإعتدال: 1/282:

عن الحسن قال: یخرج من النار بشفاعة رجل لیس بنبی ، أکثر من ربیعة ومضر .

قال هشام عن الحسن: هو أویس .

وقال عبد الوهاب الثقفی: حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقیق ، عن ابن أبی الجدعاء: سمع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة وبنی تمیم .

ص: 86

وفی میزان الإعتدال: 1/282 ولسان المیزان: 1/474

یونس وهشام عن الحسن قال: یخرج من النار بشفاعة رجل لیس بنبی أکثر من ربیعة ومضر. قال هشام عن الحسن هو أویس .

وقال عبد الوهاب الثقفی ثنا خالد الحذاء ، عن عبدالله بن شقیق ، عن ابن أبی الجدعاء سمع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتی أکثر من ربیعة وبنی تمیم .

وفی لسان المیزان: 1/473

وقال أبو صالح: ثنا اللیث ، حدثنی المقبری ، عن أبی هریرة (رض) أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: لیشفعن رجل من أمتی فی أکثر من مضر. قال تمیم: ومضر ، وأنه أویس القرنی. انتهی .

نتیجة

النتیجة التی یخرج منها الباحث فی أحادیث أویس وشفاعته:

أن الله تعالی أعطی هذه الکرامة العظیمة لراعی إبل من جبال الیمن ، فجعله بسبب طاعته وإخلاصه له، موعوداً مبشراً به، علی لسان أشرف الأنبیاء والمرسلین (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجعل المسلمین یتبرکون به ویطمعون منه بکلمة ( غفر الله لک ) فیبخل بها علی أکثرهم ! وینطق بها لمن أدرکته الرحمة منهم .

ثم جعله یوم القیامة شفیعاً لمئات الألوف أو لملایین المذنبین ، یدخلون ببرکته جنة النعیم .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( یشفع فی مثل ربیعة ومضر.. أکثر من مضر وتمیم . . أکثر من ربیعة وبنی تمیم ) إنما هو إشارة إلی الکثرة وتفهیمها للناس بجمهور قبائل کانت تمثل الکثرة فی ذلک المجتمع .. ولذلک قد یبلغ عدد من یشفع لهم أویس الملایین..

ص: 87

ومما یثیر العجب، أن هذا الإنسان الکریم علی ربه ، صاحب المقام العظیم عنده، الذی لا ینطق بکلمة ( غفر الله لک ) فی غیر محلها.. تراه یقول لعلی(علیه السّلام): مد یدک أبایعک علی بذل مهجة نفسی دونک !!

فما هو مقام علی ؟! الذی یتقرب کبار الأولیاء إلی الله بالموت دونه ، ودون نصرة حقه وقضیته ؟!!

وهل یستطیع مسلم بعد هذا أن یشکک فی مقام الشفاعة العظیمة لعلی وبقیة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. وهو یری أن أویساً صاحب الشفاعة العظیمة ، فدائی لهم !!

وختاماً ، فإن شفیع المحشر علی الإطلاق ، هو رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. بل یفهم من أحادیثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هی کرامة من الله تعالی له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وأن الأنبیاء الاخرین إنما یشفعون بما یعطیهم سید المحشر وصاحب لوائه مما أعطاه ربه عز وجل !

وهذه الشفاعة العظمی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ملکٌ کبیرٌ.. لا بد له من مدراء ومفوضین یوم القیامة.. وهؤلاء إنما هم عترة النبی الذین نص علیهم أنهم یکونون معه ، وهم علی وفاطمة والمعصومون من أولادهم ، صلی الله علی رسوله وعلیهم .

ولا بد أن یکون لهم أعوان من الملائکة والصالحین .

وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أویس(رحمه الله)، لأنه شیعی ثبتت له هذه الشفاعة العظیمة بإجماع المسلمین ، وکفی بها دلیلاً علی شفاعة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ص: 88

الفصل الخامس عشر :النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

اشارة

ص: 89

ص: 90

حکم النواصب فی الفقه الإسلامی

عقدنا هذا الفصل لإستعراض الأحادیث التی رواها الجمیع فی قرار الحرمان الإلهی من الشفاعة والجنة ، لمن أبغض أهل البیت النبوی (علیهم السّلام) ، أو نصب العداوة والبغضاء لهم أو لمن أحبهم ، أو حمل فی نفسه غلاً علیهم ، أو کرهاً أو حسداً.. ولو بمقدار ذرة !!

فقد اتفقت مذاهب السنیین علی أن من یعادی علیاً ، أو أهل البیت النبوی (علیهم السّلام) ، فهو منافق .

أما فی فقهنا فمبغض أهل البیت (علیهم السّلام) الناصب لهم ، کافرٌ نجس..

ویسمی المبغض والمعادی فی الفقه الإسلامی ( الناصب والناصبی )

وهو اسم مشتق من: نصب له العداوة ، أی أبغضه ، وتکلم علیه ، أو عمل ضده ، شبیهاً بقولک: نصب له الحرب !

والمبغض والمخالف والمعادی والناصب ، کلمات متقاربة ، ولکنها متفاوتة.. فالمخالف ناظرةٌ إلی مخالفة الشخص فی الرأی والمسلک .

والمبغض ناظرة إلی حالة النفرة النفسیة المضادة للحب .

والمعادی ناظرة إلی الموقف النفسی والعملی المضاد .

ص: 91

والناصب تزید علیهما بأن البغض والعداء یصیر هم الناصب !

هذا فی أصل اللغة ، أما فی الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعنی واحد وکأن المصطلح الإسلامی للمبغض یشملها جمیعاً .

والذی یدخل فی بحثنا من أحکام النواصب ، أن الشفاعة النبویة الکبری علی سعتها یوم القیامة لا تنالهم ، بل یؤمر بهم إلی النار !!

وهذا یعنی أن بغض أهل البیت جریمةٌ کبری فی نظر الإسلام ، جزاؤها الطرد من الرحمة الإلهیة والنبویة ، واستحقاق العذاب فی جهنم !

ونورد فیما یلی عدداً من أحادیث هذه المسألة ، وفیها أحادیث صحیحةٌ عند الجمیع:

علی(علیه السّلام)میزان الإسلام والکفر والإیمان والنفاق

روی الحاکم: 3/129

عن أبی ذر (رض) قال: ما کنا نعرف المنافقین إلا بتکذیبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلی بن

أبی طالب (رض). هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ، ولم یخرجاه .

ورواه أحمد فی فضائل الصحابة: 2/639 ، والدارقطنی فی المؤتلف والمختلف: 13763 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد: 9/132

وروی الترمذی: 4/327 ، و: 5/293 و298-باب مناقب علی:

عن أبی سعید الخدری قال: إن کنا لنعرف المنافقین نحن معشر الأنصار ببغضهم علی بن أبی طالب. هذا حدیث غریب. وقد تکلم شعبة فی أبی هارون العبدی ،

ص: 92

وقد روی هذا عن الاعمش عن أبی صالح ، عن أبی سعید .

وروی النسائی فی: 8/115

عن أم سلمة قالت: کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: لا یحب علیاً منافق ، ولا یبغضه مؤمن. وقال: هذا حدیث حسن .

ورواه النسائی أیضاً فی خصائص علی 5/137

وابن ماجة: 1/42

والترمذی: 4/327 وج 5/594

وأحمد فی مسنده: 2/579 وص 639 وفی فضائل الصحابة: 2/264

وعبد الرزاق فی مصنفه: 11/55

وابن أبی شیبة فی مصنفه: 12/56

والحاکم فی المستدرک: 3/129 ، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ! ووافقه الذهبی فی تلخیص المستدرک.

ورواه الطبرانی فی الأوسط: 3/89

والهیثمی فی مجمع الزوائد:1299، وقال: رجال أبی یعلی رجال الصحیح.

ورواه الخطیب فی تاریخ بغداد عن صحابة متعددین فی: 2/72 و: 4/41 و: 13/32/153 و: 14/426 و: 2/255

والبیهقی فی سننه: 5/47

وابن عبد البر فی الاستیعاب: 3/37

وفی الترمذی: 5/601

عن الأعمش: إنه لا یحبک إلا مؤمن. وقال: هذا حدیثٌ حسنٌ صحیح .

ص: 93

وفی الطبرانی الکبیر: 1/319 و 23/380

عن أبی الطفیل قال: سمعت أم سلمة تقول: أشهد أنی سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: من أحب علیاً فقد أحبنی ، ومن أحبنی فقد أحب الله ، ومن أبغض علیاً فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله. ورواه الهیثمی فی الزوائد: 9/132 .

وفی فردوس الأخبار: 3/64

عن ابن عباس أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: علی باب حطة ، من دخل منه کان مؤمناً ، ومن خرج منه کان کافراً .

عن أبی ذر أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: علی باب علمی ومبین لأمتی ما أرسلت به من بعدی.

حبه إیمانٌ ، وبغضه نفاق ، والنظر إلیه رأفة ومودة عبادة .

وفی صحیح مسلم: 1/60 ، تحت عنوان: باب حب علی من الإیمان .

عن زر بن حبیش قال قال علی(علیه السّلام): والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی ، أن لا یحبنی إلا مؤمن ، ولا یبغضنی إلا منافق .

ورواه ابن ماجة: 1/42

والنسائی فی سننه: 8/115 و117 وفی خصائص علی: 1375

وأحمد فی مسنده: 1/84 و 95 و 128 وفی فضائل الصحابة: 2/264

وابن أبی شیبة فی المصنف: 12/56

وعبد الرزاق فی المصنف: 11/55

وابن أبی عاصم فی السنة: 5842

ص: 94

وابن حبان فی صحیحه: 9/40

والخطیب فی تاریخ بغداد: 2/255 و: 14/426

وابن عبد البر فی الاستیعاب: 3/37

وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء: 8/185

وابن حجر فی الإصابة: 2/503

والحاکم فی المستدرک: 3/139

والبیهقی فی سننه: 5/47

وابن حجر فی فتح الباری: 7/57

وفی مسند أبی یعلی: 1/237

عن الحارث الهمدانی قال: رأیت علیاً جاء حتی صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال: قضاء قضاه الله علی لسان نبیکم النبی الامی صلی الله علیه و(آله ) وسلم إلی: إنه لا یحبنی إلا مؤمن ، ولا یبغضنی إلا منافق ، وقد خاب من افتری.

وفی فتح الباری: 7/72

وفی کلام أمیر المؤمنین کرم الله وجهه یقول: لو ضربت خیشوم المؤمن بسیفی هذا علی أن یبغضنی ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا بجمانها علی المنافق علی أن یحبنی ما أحبنی ! وذلک أنه قضی فانقضی علی لسان النبی الأمی صلی الله علیه و (آله ) وسلم أنه قال: یا علی لا یبغضک مؤمن ، ولا یحبک منافق .

وهو فی نهج البلاغة: 2/154 ، شرح محمد عبده ، وقال ابن أبی الحدید فی شرحه 2: 485: فی الخبر الصحیح المتفق علیه أنه لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه

ص: 95

إلا منافق ، وحسبک بهذا الخبر ، ففیه وحده کفایة :

وقال ابن ابی الحدید فی موضع آخر کما فی هامش بحار الأنوار: 39/294:

قال شیخنا أبو القاسم البلخی: قد اتفقت الأخبار الصحیحة التی لا ریب عند المحدثین فیها أن النبی قال له: لا یبغضک إلا منافق ولا یحبک إلا مؤمن .

وفی بشارة المصطفی للطبری الشیعی/107

أخبرنا الشیخ الفقیه المفید أبو علی الطوسی(رحمه الله)بقراءتی علیه فی شعبان سنة إحدی عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)قال: أخبرنا السعید الوالد أبو جعفر محمد بن الحسین الطوسی(رحمه الله)قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثی(رحمه الله)قال: حدثنا أبو بکر محمد بن عمر الجعابی قال: حدثنا علی بن العباس بن الولید قال: حدثنا ابراهیم بن بشیر بن خالد قال: حدثنا منصور بن یعقوب قال: حدثنا عمرو بن میمون ، عن ابراهیم بن عبد الاعلی ، عن سوید بن غفلة قال: سمعت علیاً(علیه السّلام)یقول: والله لو صببت الدنیا علی المنافق صباً ما أحبنی ، ولو ضربت بسیفی هذا خیشوم المؤمن لاحبنی ، وذلک أنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: یا علی لا یحبک إلا مؤمن ، ولا یبغضک إلا منافق ! انتهی .

ورواه محمد بن سلیمان فی مناقب أمیر المؤمنین (علیه السّلام): 2/484 ، والفتال النیسابوری فی روضة الواعظین/295

وفی فردوس الأخبار: 5/316

قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی محبک محبی ، ومبغضک مبغضی .

ونحوه فی الطبرانی فی الأوسط: 3/89 ، عن عمران بن حصین.

ص: 96

وأحمد فی فضائل الصحابة: 2/639 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاری .

والحاکم فی: 3/130 ، عن سلمان الفارسی. وفی: 3/129 ، عن أبی ذر الغفاری

والهیثمی فی مجمع الزوائد: 9/129 ، عن أبی یعلی ، عن أبی رافع .

وفی تاریخ بغداد: 9/72 ، وفی: 4/41 ، وفی: 13/23 ، عن ابن مسعود ، وفی صفحة 153 ، عن ابن عباس .

- ورواه أیضاً فی: 9/72 ، وروی فیها: عن عمار بن یاسر قال سمعت رسول الله یقول لعلی: یا علی طوبی لمن أحبک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک .

وروی الحاکم فی المستدرک: 3/128

عن ابن عباس قال: نظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی علی فقال: یا علی أنت سیدٌ فی الدنیا وسیدٌ فی الآخرة ، حبیبک حبیبی ، وحبیبی حبیب الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله ، والویل لمن أبغضک بعدی !! صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه.

ورواه فی تاریخ بغداد: 4/41 ، وفی فردوس الأخبار: 5/324

وفی الطبرانی الأوسط: 3/89

عن عمار بن یاسر قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی:إن الله تبارک وتعالی زینک بزینة لم

یزین العباد بزینة مثلها ! إن الله تعالی حبب الیک المساکین والدنو منهم ، وجعلک لهم إماما ترضی بهم ، وجعلهم لک أتباعاً یرضون بک ، فطوبی لمن أحبک وصدق علیک ، وویلٌ لمن أبغضک وکذب علیک .

فأما من أحبک وصدق علیک فهم جیرانک فی دارک ، ورفقاؤک من جنتک .

ص: 97

وأما من أبغضک وکذب علیک ، فإنه حق علی الله عز وجل أن یوقفهم مواقف الکذابین .

وفی مستدرک الحاکم فی صفحة 138 (عن علی بن أبی طلحة قال: حججنا فمررنا علی الحسن بن علی بالمدینة ، ومعنا معاویة بن حدیج ، فقیل للحسن: إن هذا معاویة بن خدیج الساب لعلی ، فقال: علیَّ به ، فأتی به فقال: أنت الساب لعلی ؟! فقال: ما فعلت ! فقال: والله إن لقیته ، وما أحسبک تلقاه یوم القیامة ، لتجده قائماً علی حوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، یذود عنه رایات المنافقین ، بیده عصاً من عوسج .. حدثنیها الصادق المصدوق ، وقد خاب من افتری. هذا حدیث صحیح الإسناد ، ولم یخرجاه. انتهی .

وفی مسند أبی یعلی: 6/174

( عن علی بن أبی طلحة مولی بنی أمیة قال: حج معاویة بن أبی سفیان وحج معه معاویة بن خدیج ، وکان من أسب الناس لعلی ، قال: فمر فی المدینة وحسن بن علی ونفرٌ من أصحابه جالسٌ فقیل له: هذا معاویة بن خدیج الساب لعلی ! قال: علیَّ الرجل ، قال: فأتاه رسوله فقال: أجب .

قال: من ؟

قال: الحسن بن علی یدعوک ، فأتاه فسلم علیه .

فقال له الحسن: أنت معاویة بن خدیج ؟

قال: نعم .

فرد ذلک علیه ، قال: فأنت الساب لعلی بن أبی طالب ؟!

قال: فکأنه استحیا .

فقال له الحسن: أما والله لئن وردت علیه الحوض ، وما أراک ترده ، لتجدنه مشمر

ص: 98

الازار علی ساق ، یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الابل. قول الصادق المصدوق ، وقد خاب من افتری .

ورواه أبو یعلی فی مسنده: 12/139 ، والطبرانی فی الأوسط: 3/22 ، وفی الکبیر: 913 ، وفی مجمع الزوائد: 9/130 ، و272

وفیه: قال یامعاویة بن خدیج إیاک وبغضنا ، فإن رسول الله قال: لا یبغضنا ولا یحسدنا أحدٌ إلا ذید عن الحوض یوم القیامة بسیاط من نار .

ورواه فی مختصر تاریخ دمشق: 12 جزء 24/393 ، وفی کفایة الطالب /89 ، عن أبی کثیر ، ورواه ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة: 8 جزء 15/18 ، عن المدائنی .

وفی شواهد التنزیل للحسکانی: 1/551 ح 585

بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی ، لو أن أمتی أبغضوک لأکبهم الله علی مناخرهم فی النار .

وفی شواهد التنزیل: 1/550 ح 583

بسنده عن جابر قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یا علی ، لو أن أمتی صاموا حتی صاروا کالأوتاد ، وصلوا حتی صاروا کالحنایا ، ثم أبغضوک لأکبهم الله علی مناخرهم فی النار !!.

وفی شواهد التنزیل: 1/496 ح 524

بسنده عن جابر قال: خطبنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فسمعته یقول: من أبغضنا أهل البیت حشره الله یوم القیامة یهودیاً .

ص: 99

وفی شواهد التنزیل: 1/550 ح 584

بسنده عن أبی سعید قال: قتل قتیل بالمدینة علی عهد النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . . فقال: والذی نفس محمد بیده لا یبغضنا أهل البیت أحدٌ إلا أکبه الله عز وجل فی النار علی وجهه .

وفی بشارة المصطفی للطبری الشیعی/204

قال حدثنا الهیثم بن حماد ، عن یزید الرقاشئ ، عن أنس بن مالک قال: رجعنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قافلین من تبوک فقال فی بعض الطریق: ألقوا إلی الأحلاس والأقتاب ففعلوا، فصعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخطب فحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله ثم قال: معاشر الناس مالی أراکم إذا ذکر آل ابراهیم تهللت وجوهکم ، فإذا ذکر آل محمد کأنما یفقأ فی وجوهکم حب الرمان !!

والذی بعثنی نبیاً لو جاء أحدکم یوم القیامة بأعمال کأمثال الجبال ، ولم یجئ بولایة علی بن أبی طالب لأکبه الله عز وجل فی النار !!

محاولة ابن حجر تجرید علی من هذه الفضیلة !!

قال فی فتح الباری: 1/63

وقد ثبت فی صحیح مسلم عن علی أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال له: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. وهذا جار باطراد فی أعیان الصحابة لتحقق مشترک الإکرام ، لما لهم من حسن الغناء فی الدین !

قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بینهم ، فإن وقع من بعضهم بغض فذاک من غیر هذه الجهة ، بل للأمر الطارئ الذی اقتضی المخالفة ! ولذلک لم

ص: 100

یحکم بعضهم علی بعض بالنفاق ، وإنما کان حالهم فی ذاک حال المجتهدین فی الأحکام ، للمصیب أجران وللمخطئ أجر واحد !! والله أعلم .

وقال فی فتح الباری: 7/72 ، فی شرح روایة البخاری: 1/525 ): لأعطین الرایة غدا رجلاً یحب الله ورسوله: وقوله فی الحدیثین إن علیاً یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله: أراد بذلک وجود حقیقة المحبة ، وإلا فکل مسلم یشترک مع علی فی مطلق هذه الصفة .

وفی الحدیث تلمیح بقوله تعالی: قل إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله ، فکأنه أشار إلی أن علیاً تام الإتباع لرسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حتی اتصف بصفة محبة الله له ، ولهذا کانت محبته علامة الإیمان وبغضه علامة النفاق ، کما أخرجه مسلم من حدیث علی نفسه ، قال: والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن لا یحبک إلا مؤمن ، ولا یبغضک إلا منافق. وله شاهد من حدیث أم سلمة عند أحمد. انتهی .

فقد حاول ابن حجر أن یمیع شهادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لعلی(علیه السّلام)فی خیبر ، وشهادته له بأن حبه وبغضه میزان الإیمان.. ویجعلهما شهادتین عامتین لکل الصحابة !!

أما فی خیبر فقد حاصر المسلمون خیبر وفتحوا عددا من حصونها ، ولکنهم عجزوا عن فتح أهم حصن فیها ( حصن السلالم ) !

وکانت آخر محاولتین لفتحه حملتان ، قاد المسلمین فی الأولی منهما أبو بکر ، وما أن اقتربوا من الحصن حتی واجهتهم دفاعات الیهود من أعلی الحصن بوابل

السهام والاحجار . . فانهزموا راجعین إلی مقر قیادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

وفی الیوم التالی قاد الحملة عمر بن الخطاب فتکرر نفس المشهد وأشد ، فانهزم المسلمون ورجعوا ، وهم یجبنون عمر وهو یجبنهم !!

عندها غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال کلمته الخالدة ( لأعطین الرایة غدا رجلاً یحب الله ورسوله ویحبه الله

ص: 101

ورسوله ، کرار غیر فرار ، لا یرجع حتی یفتح الله علی یدیه ) وکان علی مریضاً برمد العینین، فأحضره النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومسح بریقه علی عینیه فشفاه الله تعالی ، وأعطاه الرایة ، فتقدم علی أمام المسلمین وصعد فی جبل الحصن قبلهم ، وهو یدفع السهام والأحجار حتی تکسر ترسه ، وتمکن من الصعود إلی باب الحصن وبه جراحات ، فاستعان بالله تعالی ودحا الباب الحدیدی الضخم فانفتح ، فدخل علیهم وحده وقتل فارسهم مرحباً ، ورفع صوته بالتکبیر ، ففهم المسلمون أنه النصر ، فدخلواالحصن علی أثره وأکملوا تحریره !!

فانظر کیف حاول ابن حجر توسیع هذه الشهادة النبویة لتشمل کل الصحابة ، ویغمض عینیه عن خصوصیاتها المتعددة ، التی لا تنطبق إلا علی علی ؟!

والأعجب من ذلک أنه عمد إلی المیزان الإلهی لایمان الأمة ، والذی هو میزان منصوص ، لشخص مخصوص ، فجعله میزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً ! فقال:

وهذا جار بأطراد فی أعیان الصحابة ، لتحقق مشترک الإکرام ، لما لهم من حسن الغناء فی الدین !

یعنی بذلک أن حب کل واحد من الصحابة علامة علی الإیمان ، وبغض أی واحد منهم علامة علی النفاق ، لأنهم جمیعاً شارکوا فی نصرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

یفعل ابن حجر ذلک وهو یعلم أن غرض الإسلام من التأکید علی حب علی (علیه السّلام)أن یضع للامة خطاً ومقیاساً لیعرف به هدی المهتدین به ، وکذب المنافقین فی ادعائهم الإسلام .

وکیف یعقل ابن حجر أن یکون الصحابة جمیعاً مقیاساً لذلک ، وعددهم عنده أکثر من مئة ألف ، وقد کانوا فی عهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مختلفی المشارب والإتجاهات والمستویات ، وصاروا بعده أکثر اختلافاً وعداوة وبغضاء.. حتی انقسمت الأمة بسببهم إلی محب لهم ومبغض ، وقامت بینهم الحروب !!

ص: 102

فلو جعلنا بغضهم مقیاساً للنفاق ، فقد نفینا وجود منافقین فی الأمة !

لأن المنافقین فی زمنه وبعده ، إما صحابة أو یحبون أحداً من الصحابة !

وذلک تکذیب للقرآن حیث أخبرا بوجود منافقین فی حیاة التبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

کما أن مقیاس ابن حجر یسبب مشکلة عقیدیة علی الصحابة أنفسهم.. لأنه لا یکاد یوجد صحابی إلا وأبغض صحابیاً آخر ، فیکونون جمیعاً بهذا المقیاس (الحجری ) منافقین !!

وقد حاول ابن حجر أن یخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم کلاماً غیر مفهم ، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم ، وقد اشتهر بغض معاویة لعلی، ولکن هذا البغض بزعمه لیس نفاقاً ! لأن قصد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن علامة النفاق هو بغض علی بسبب نصرته للنبی فقط.. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال ، لا یوجب نفاقاً ولا من یحزنون !!

وهی حیلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشیة قبل ابن حجر ، فحللوا بهابغض علی ، وزعموا أن التأکید النبوی المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقط! فلا یشمل الذین یبغضونه لأسباب أخری غیر النصرة !!

وقد تشبثوا بتلک الحیلة لرفع حکم النفاق عن معاویة، وتبریر أمره بلعن علی(علیه السّلام) علی منابر الإسلام فی خطب الجمعة عشرات السنین ، وتشرید أهل بیت النبی ومطاردتهم فی کل صقع ، وتقتیل شیعتهم وهدم بیوتهم ، وتقریب مبغضیهم ولاعنیهم ، وإعطائهم مناصب الدولة !!

وقد تمسک بهذه الحیلة بعض فقهاء النواصب فی عصر ابن حجر ، ودافعوا بها أمام القضاة السنیین ، الذین أصدروا حکمهم علی ابن تیمیة ، بأنه ناصبی منافق مبغض لعلی(علیه السّلام)! فقال المدافعون: إن بغضه لعلی الذی لیس بسبب نصرته

ص: 103

للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فهو مثل معاویة یبغض علیاً لأسباب أخری ، فبغضه له حلالٌ لا یصیر بسببه من المنافقین ، کما أن معاویة لم یصر من المنافقین !!

ولکنه منطق متهافت:

أولاً ، لأن کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صریح فی الإطلاق والعموم.. فأین دلیلهم علی التخصیص ، وأین المخصص والمقید من عقل أو نقل ؟

وثانیاً ، أنهم بذلک جوزوا للمسلمین أن یصیروا کلهم رافضة ، وأن یبغضوا الصحابة ویلعنوهم لأسباب أخری غیر نصرتهم للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

فما دام بغض معاویة والنواصب ولعنهم علیاً حلالٌ ، وهم مصدقون فی إدعائهم أن بغضهم له لسبب آخر غیر النصرة ! فکل مسلم یجوز له أن یبغض من شاء من الصحابة ویلعنهم ، ویکفی لتبرئته أن یزعم أن ذلک لسبب آخر غیر النصرة !!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله یعرفون أن علیاً هو المقیاس النبوی الإلهی للإیمان فی الأمة فی حیاة النبی وبعده ، ویروون فی الصحاح قصة بغض بریدة وخالد وغیرهما لعلی وغضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیهم لذلک !

ولکن علماء الخلافة یجادلون نبیهم ، ویحتالون علی أحادیثه تخصیصاً وتوسیعاً وتمییعاً ، لمصلحة مبغضی أهل بیت نبیهم من قبائل قریش الأخری ، التی أشربوا حبها علی حساب أهل بیت نبیهم !! ولله فی خلقه شؤون .

ص: 104

قصة بریدة وحدها حجة بالغة

روت الصحاح السنیة قصة بریدة ، ولکنها اختصرتها وحذفت منها !!

وما بقی منها عظیم ! وخلاصتها:

أن الصحابی بریدة الاسلمی اعترف بأنه کان مع عدد من الصحابة القرشیین فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یبغضون علیاً(علیه السّلام)ویعملون ضده !

وذات یوم أرسل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جیشین إلی الیمن ، أحدهما بقیادة علی ، والاخر بقیادة خالد بن الولید ، فاختار بریدة أن یذهب مع جیش خالد ، لأن خالداً علی خطه فی بغض علی(علیه السّلام) .

وتوغل جیش علی داخل الیمن ، وأنجز الجیشان مهماتهما العسکریة ، کل فی جبهته ، وانتصرا وغنما ثم التقیا ، فصار القائد علیهما علی کما أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وکان خالد ومبغضو علی یراقبون حرکات علی وسکناته ، لعلهم یجدون علیه مأخذاً ینتقدونه به ، ویضعفون شخصیته عند المسلمین ، أو عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

وعندما وزع علی الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، اختار منه جاریة فقوم قیمتها وحسبها من سهمه من الخمس ، ولعله تزوجها .

فرأی خالد فی ذلک نصراً عظیما علی علی پ وکتب رسالة إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأرسلها مع وفد من ثلاثة أشخاص ، وأرسل معهم بریدة شاهداً مصدقاً للرسالة !

ومفاد الرسالة أن علیاً خان غنائم المسلمین وأخذ جاریة لنفسه ، وتزوج علی بنت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ووصل بریدة إلی المدینة ، واتصل بمبغضی علی وبشرهم برسالة خالد ضد علی ففرحوا بها ، وأوصوه أن یقدم معها تقریراً شفهیاً قویاً ضد علی ، حتی تسقط مکانته عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویرتاحوا من شره فی المستقبل !!

ص: 105

وقام بریدة بالمهمة کما أرادوا ، ولکن النتیجة کانت معکوسة علیهم تماماً !

فقد غضب النبی غضباً شدیداً من رسالة خالد وتقریر بریدة ، ومن حرکة الصحابة الذین یقفون وراءهما ضد علی.. وکشف لهم حقائق تتعلق بعلی ، تضمنتها أحادیث بریدة الصحیحة فی مصادر السنة والشیعة ، ومن أهم نقاطها ما یلی:

أولاً: أن علیاً بأمر الله تعالی خلیفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وولی المسلمین من بعده .

ثانیاً: أنه لا یتصرف من عنده أبداً ، حتی عندما یکون فی الیمن بعیداً عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل کل تصرفاته إما أن تکون بأمر الرسول ، أو بإلهام الله تعالی !!

ثالثاً: أن علیاً مع النبی وآله ، هم أصحاب الخمس الشرعیون فی الغنائم وغیرها ، فحق علی فی الخمس أکثر من جاریة .

رابعاً: أن خبر زواج علی أو تسریه علی زوجته فاطمة الزهراء (علیهماالسّلام) ، خاصة عندما یکون فی سفر ، لایؤذیها ولا یؤذی أباها ، لأنهما لایخالفان شرع الله ، ولأنهما علی ثقة منه ، ومن مقامه الذی خصه به الله تعالی .

خامساً: أن مبغضی علی إما منافقون أو کفار . . وعلی مبغضیه من الصحابة أن یتوبوا من ذلک ویجددوا إسلامهم ، ویستغفروا الله تعالی ویستغفر لهم الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، عسی أن یغفر نفاقهم أو ارتدادهم ، ویقبل توبتهم وإسلامهم !!

وبالفعل فقد جدد بریدة إسلامه ، وتاب من بغض علی وأخذ یحبه ، وطلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یستغفر له !

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم !

وفیما یلی نستعرض عدداً من نصوص القضیة ، التی تحتاج من الباحث والقارئ إلی تأمل لکی یفهم مدالیلها ، ویعرف هدف الرواة من صیاغاتهم لها بإشکال

ص: 106

مخففة ، ویفهم معنی تعلیقات الحاکم فی مستدرکه علی روایاتها الصحیحة علی شرط البخاری ومسلم ، اللذین تجاهلاها أو بتراها !!

ولنبدأ بإحدی روایات مسند أحمد المتعددة ، قال فی: 5/356

عن عبد الله بن بریدة عن أبیه قال: بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعثین إلی الیمن علی أحدهما علی بن أبی طالب وعلی الآخر خالد بن الولید فقال: إذا التقیتم فعلی علی الناس ، وإن افترقتما فکل واحد منکما علی جنده ، فلقینا بنی زید من أهل الیمن فاقتتلنا فظهر المسلمون علی المشرکین ، فقتلنا المقاتلة وسبینا الذریة فاصطفی علیٌّ امرأة من السبی لنفسه .

قال بریدة: فکتب معی خالد بن الولید إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، یخبره بذلک !

فلما أتیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دفعت الکتاب فقرئ علیه ، فرأیت الغضب فی وجه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقلت: یارسول الله هذا مکان العائذ بعثتنی مع رجل وأمرتنی أن أطیعه ، ففعلت ما أرسلت به .

فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا تقع فی علی ، فإنه منی وأنا منه ، وهو ولیکم بعدی ، وإنه منی وأنا منه ، وهو ولیکم بعدی !!

وقال الحاکم فی المستدرک: 2/129

عن عبد الله بن بریدة الأسلمی قال إنی لامشی مع أبی إذ مر بقوم ینقصون علیاً (رض) یقولون فیه ! فقام فقال: إنی کنت أنال من علی وفی نفسی علیه شئ ، وکنت مع خالد بن الولید فی جیش ، فأصابوا غنائم ، فعمد علی إلی جاریة من الخمس فأخذها لنفسه، وکان بین علی وبین خالد شئ ، فقال خالد هذه فرصتک! وقد عرف خالد الذی فی نفسی علی علی ، قال فانطلق إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فاذکر

ص: 107

ذلک له ، فأتیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فحدثته ، وکنت رجلاً مکباً وکنت إذا حدثت الحدیث أکببت ، ثم رفعت رأسی فذکرت للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر الجیش ، ثم ذکرت له أمر علی ، فرفعت رأسی وأوداج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد احمرت ! قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من کنت ولیه فإن علیاً ولیه. وذهب الذی فی نفسی علیه .

هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه بهذه السیاقة ، إنما أخرجه البخاری من حدیث علی بن سوید بن منجوف ، عن عبد الله بن بریدة ، عن أبیه مختصراً ، ولیس فی هذا الباب أصح من حدیث أبی عوانة هذا ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبیدة .

وهذا رواه وکیع بن الجراح ، عن الأعمش ، أخبرناه أبو بکر بن اسحاق الفقیه ، أنبأ موسی بن اسحاق القاضی، ثنا عبد الله بن أبی شیبة ، ثنا وکیع ، عن الأعمش، عن سعد بن عبیدة ، عن ابن بریدة ، عن أبیه ، أنه مر علی مجلس... ثم ذکر الحدیث بطوله. انتهی .

وقال عنه فی مجمع الزوائد: 9/108: ورجاله رجال الصحیح. وورد فیه (فقلت لا أسوؤک فیه أبداً ).

وروی الحاکم القصة أیضاً: 3/110

وفیها أن مبغضی علی کانوا أربعة ، وأنهم تعاقدوا فیما بینهم علی شکایته إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، قال الحاکم:

عن عمران بن حصین (رض) قال بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سریة ، واستعمل علیهم علی بن أبی طالب(رض) ، فمضی علی فی السریة فأصاب جاریة ، فأنکروا ذلک علیه ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا لقینا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبرناه بما صنع علی !

ص: 108

قال عمران: وکان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فنظروا إلیه وسلموا علیه ثم انصرفوا إلی رحالهم ، فلما قدمت السریة سلموا علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقام أحد الأربعة فقال: یا رسول الله ، ألم تر أن علیاً صنع کذا وکذا !!

فأعرض عنه ! ثم قام الثانی فقال مثل ذلک ، فأعرض عنه ! ثم قام الثالث فقال مثل ذلک ، فأعرض عنه ! ثم قام الرابع فقال: یارسول الله ألم تر أن علیاً صنع کذا وکذا ! فأقبل علیه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والغضب فی وجهه فقال: ما تریدون من علی ! إن علیاً منی وأنا منه ، وولی کل مؤمن. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه. انتهی. وروی نحوه آخر ، وصححه علی شرط مسلم أیضاً .

أما البخاری فهو علی عادته فی أمثال هذا الحدیث ، إما أن یحذفه کلیاً ، أو یحذف منه ولایة علی(علیه السّلام)ویرویه مبتوراً !

قال فی صحیحه: 5/110

عن عبد الله بن بریدة عن أبیه (رض) قال: بعث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً إلی خالد لیقبض الخمس ،

وکنت أبغض علیاً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد: ألا تری إلی هذا ؟

فلما قدمنا علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذکرت ذلک له ، فقال: یا بریدة أتبغض علیاً ؟

قلت: نعم. قال: لا تبغضه فإن له فی الخمس أکثر من ذلک. انتهی .

بل نلاحظ أن البخاری زهد فی بریدة بسبب أحادیثه فی فضل علی ، وطبق علیه مذهبه فی الاقلال من الروایة عن الصحابة والرواة الذین یحبون علیاً ، ومنهم بریدة الاسلمی !! فقد رووا عنه فی الصحاح وغیرها أکثر من مئتی حدیث ، ولکن البخاری لم یرو منها فی صحیحه بعدد أصابع الید الواحدة !!

کما أنه فی تاریخه ، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح کبیرة ، ولکنه

ص: 109

اختصر فی ترجمة بریدة جداً ، لأنه لا یحبه ولا یحب الإطالة فی ترجمته !

والحدیث الوحید الذی ذکره فی ترجمته حدیث عام سیأتی !

قال البخاری فی تاریخه: 2/141

بریدة بن حصیب الأسلمی له صحبة ، نزل البصرة ، قال لی عیاش: حدثنا عبد الأعلی قال: ثنا الجریری عن أبی نضرة قال: کنت بسجستان فإذا بریدة الأسلمی فجلست إلیه ، قال لی محمد بن مقاتل: أخبرنا معاذ ، حدثنا عبد الله بن مسلم السلمی من أهل مرو ، سمعت عبد الله بن بریدة یقول: مات والدی بمرو وقبره بجصین. وقال: هو قائد أهل

المشرق یوم القیامة ونورهم .

وقال ابن بریدة: قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیما رجل من أصحابی مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم یوم القیامة ، فقال: مات فی خلافة یزید بن معاویة ، ومات بعده الحکم بن عمرو الغفاری ، ودفن إلی جنبه. انتهی .

وهذه الترجمة المختصرة من البخاری، لا تناسب شخصیة بریدة ، وکثرة أحادیثه فی المصنفات والصحاح .

بل نلاحظ أن البخاری یروی عن عبد الله بن بریدة ، ولکن عن غیر أبیه . . مع أن روایات عبد الله عن أبیه کثیرة ، ومنتشرة فی المصادر !!

والسبب فی ذلک: أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشیة أکثر من أبیه ، وکان قاضیاً عندهم علی مرو ، وکثیراً ما نراه یحذف من أحادیث أبیه بریدة ما یتعلق بولایة علی(علیه السّلام)وفضائله ! وهذا ما یریده البخاری !

وقد وجدت للبخاری روایة واحدة من روایات بریدة فی حق علی(علیه السّلام)، وهی (فلتةٌ ) ، ذکرها تاریخه فی ترجمة أبی ربیعة الأیادی !

ولکن البخاری ألف تاریخه فی شبابه قبل صحیحه ، ولعله کان أحسن حالاً علی علی یومذاک ، قال فی: 9/31:

ص: 110

حدثنا محمد بن الطفیل قال: نا شریک ، عن أبی ربیعة الأیادی ، عن ابن بریدة ، عن أبیه قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله أمرنی بحب أربعة من أصحابی، وأخبرنی أنه یحبهم .

فقلنا یا رسول الله من هم ، فکلنا نحب أن نکون منهم ؟

فقال: إن علیاً منهم ، ثم سکت ساعة ، ثم قال: إن علیاً منهم ، وسلمان الفارسی ، وأبا ذر ، والمقداد بن الأسود الکندی. انتهی .

وهذا الحدیث یدل علی أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالی من الصحابة ، وهو بالحقیقة اصطفاء لعلی وحده(علیه السّلام)، لأن هؤلاء الثلاثة هم کبار شیعة علی وأتباعه فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعده ! خاصة مع ملاحظة تأکید النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی علی من بینهم .

ویدل حدیث بریدة الذی فلت به قلم البخاری ، علی أن بقیة الصحابة لم یبلغوا مستوی أن یأمر الله تعالی رسوله والمسلمین بحبهم !

وقد روی هذا الحدیث الحاکم فی: 3/130 ، وصححه علی شرط مسلم ، وفی نصه تأکید أکثر علی علی ، ورواه الترمذی: 5/299

ولا یبعد أن یکون هذا الحدیث جزءاً مما قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لبریدة عندما جاء بالرسالة من الیمن ، أو جواباً نبویاً آخر لخطط مبغضی علی التی تواصلت ضده !

کما روی الترمذی حدیثاً آخر عن بریدة فی: 5/360 ، جاء فیه أن علیاً وفاطمة أحب الناس إلی النبی علی الإطلاق .

علی أن هناک سبباً آخر لإقلال البخاری من أحادیث بریدة ، قد لا یقل عند محبی قبائل قریش عن أحادیث بریدة فی فضائل علی(علیه السّلام)

وهو موقف بریدة من السقیفة وبیعة أبی بکر ! فقد ذکرت الروایات أنه کان مسافراً إلی الشام ، ورجع إلی المدینة بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بقلیل ، وتفاجأ ببیعة

ص: 111

أبی بکر ، فأعلن عدم شرعیة السقیفة ، وذهب إلی قبیلته القریبة من مکة ونصب الرایة فی وسطهم ، وأعلن الاعتصام والنفیر ، حتی یأمرهم علی بأمره !

فاستجابت له قبیلته ، وکانت أول تهدید مسلح ضد أهل السقیفة ! ولذلک صرح عمر أنه بقی متخوفاً من عدم نجاح بیعة السقیفة ( حتی بایعت أسلم فأیقنت بالنصر !)

وقد استمرت مشکلة بریدة وقبیلته حتی أرسل الیهم علی(علیه السّلام)أن الوقت فات ، وأن أکثر قریش والأنصار قد بایعوا أبا بکر.. والإختلاف والحرب بعد وفاة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )مباشرة ، لیس فی مصلحة الإسلام..الی آخره .

هذا ، وقد عقد الهیثمی فی مجمع الزوائد فصلاً کاملاً ، أورد فیه عدداً من روایات قصة بریدة وصحح بعضها ، قال فی: 9/127:

باب منه جامع فیمن یحبه ومن یبغضه:

عن بریدة یعنی ابن الحصیب قال: أبغضت علیاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط !

قال: وأحببت رجلاً من قریش لم أحبه إلا علی بغضه علیاً (رض) ، قال فبعث ذلک الرجل علی جیش فصحبته ، ما صحبته إلا ببغضه علیاً (رض).

قال: فأصبنا سبایا ، فکتب إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إبعث الینا من یخمسه ، قال: فبعث علیاً (رض) ، وفی السبی وصیفة هی أفضل السبی ، قال: فخمس وقسم ، فخرج ورأسه یقطر ، فقلنا یا أبا الحسن ما هذا ؟

قال: ألم تروا إلی الوصیفة التی کانت فی السبی فإنی قسمت وخمست فصارت فی الخمس ، ثم صارت فی أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثم صارت فی آل علی ، فوقعت بها .

قال: فکتب الرجل إلی نبی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقلت: إبعثنی مصدقاً .

ص: 112

قال: فجعلت أقرأ الکتاب وأقول: صدق !

قال: فأمسک یدی والکتاب ، وقال: أتبغض علیاً ؟!

قال: قلت نعم .

قال: فلا تبغضه: وإن کنت تحبه فازدد له حباً ، فوالذی نفس محمد بیده لنصیب آل علی فی الخمس أفضل من وصیفة !

قال: فما کان أحد من الناس بعد قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أحب إلی من علی .

قال عبد الله یعنی ابن بریدة: فوالذی لا إله غیره ما بینی وبین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی هذا الحدیث إلا أبو بریدة .

قلت: فی الصحیح بعضه ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح ، غیر عبد الجلیل بن عطیة وهو ثقة ، وقد صرح بالسماع ، وفیه لین .

وعن بریدة قال: بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعثین إلی الیمن ، علی أحدهما علی بن أبی طالب (رض)وعلی الآخر خالد بن الولید ، فقال: إذا التقیتم فعلی علی الناس ، وإن افترقتما فکل واحد منکما علی جنده .

قال فلقینا بنی زید من أهل الیمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون علی المشرکین فقتلنا المقاتلة وسبینا الذریة ، فاصطفی علیٌّ امرأة من السبی لنفسه .

قال بریدة: فکتب معی خالد بن الولید إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یخبره بذلک ، فلما أتیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دفعت الکتاب فقرئ علیه ، فرأیت الغضب فی وجه رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقلت:

یا رسول الله هذا مکان العائذ ، بعثتنی مع رجل وأمرتنی أن أطیعه ، ففعلت ما أرسلت به .

فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا تقع فی علی ، فإنه منی وأنا منه ، وهو ولیکم بعدی .

قلت: رواه الترمذی باختصار، رواه أحمد والبزار باختصار ، وفیه الاجلح الکندی

ص: 113

وثقه ابن معین وغیره ، وضعفه جماعة ، وبقیة رجال أحمد رجال الصحیح .

وعن بریدة قال بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً أمیراً علی الیمن ، وبعث خالد بن الولید علی الجبل ، فقال: إن اجتمعتما فعلیٌ علی الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم یصیبوا مثله ، وأخذ علی جاریة من الخمس ، فدعا خالد بن الولید بریدة فقال: اغتنمها ، فأخبر النبی ما صنع !

فقدمت المدینة ودخلت المسجد، ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی منزله ، وناسٌ من أصحابه علی بابه ، فقالوا: ما الخبر یا بریدة ؟

فقلت: خیراً فتح الله علی المسلمین .

فقالوا: ما أقدمک ؟

قلت: جاریة أخذها علی من الخمس ، فجئت لأخبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

فقالوا: فأخبر النبی ، فإنه یسقط من عین النبی !! ورسول الله یسمع الکلام ، فخرج مغضباً فقال:

ما بال أقوام ینتقصون علیاً ؟!!

من تنقص علیاً فقد تنقصنی ، ومن فارق علیاً فقد فارقنی .

إن علیاً منی وأنا منه ، خلق من طینتی ، وخلقت من طینة ابراهیم ، وأنا أفضل من ابراهیم ، ذریةٌ بعضها من بعض ، والله سمیع علیم .

یا بریدة: أما علمت أن لعلی أکثر من الجاریة التی أخذ ، وأنه ولیکم بعدی ؟

فقلت: یا رسول الله بالصحبة إلا بسطت یدک فبایعتنی علی الإسلام جدیداً !!

قال: فما فارقته حتی بایعته علی الإسلام !!

رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه جماعة لم أعرفهم ، وحسین الأشقر ضعفه الجمهور ، ووثقه ابن حبان .

ص: 114

وعن عبد الله بن بریدة ، عن أبیه قال: بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی بن أبی طالب وخالد بن الولید ، کل واحد منهما وحده ، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعلیکم علی ، قال فخذا یمیناً ویساراً ، فدخل علی وأبعد ، وأصاب سبیاً ، وأخذ جاریة من السبی .

قال بریدة: وکنت من أشد الناس بغضاً لعلی ، قال: فأتی رجلٌ خالد بن الولید فذکر أنه أخذ جاریة من الخمس ، فقال: ما هذا ؟!

ثم جاء آخر ثم جاء آخر ، ثم تتابعت الأخبار علی ذلک ، فدعانی خالدٌ فقال:

یا بریدة ، قد عرفت الذی صنع ، فانطلق بکتابی هذا إلی رسول الله !

فکتب إلیه فانطلقت بکتابه حتی دخلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأخذ الکتاب بشماله ، وکان کما قال الله عز وجل لا یقرأ ولا یکتب ، وکنت إذا تکلمت طأطأت رأسی حتی أفرغ من حاجتی ، فطأطأت رأسی فتکلمت فوقعت فی علی حتی فرغت ، ثم رفعت رأسی فرأیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا یوم قریظة والنضیر !!

فنظر الی فقال: یا بریدة أحب علیاً ، فإنما یفعل ما أمر به !!!

فقمت وما من الناس أحد أحب إلی منه .

رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه ضعفاء وثقهم ابن حبان .

وعن أبی سعید الخدری قال: اشتکی علیاً الناس ، فقام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فینا خطیباً، فسمعته یقول:

أیها الناس لا تشکوا علیاً ، فو الله إنه لاخشن فی ذات الله أو فی سبیل الله .

رواه أحمد .

وعن عمرو بن شاس الأسلمی ، وکان من أصحاب الحدیبیة قال : خرجت مع

ص: 115

علی(علیه السّلام)الی الیمن فجفانی فی سفری ذلک ، حتی وجدت فی نفسی علیه ، فلما قدمت المدینة أظهرت شکایته فی المسجد ، حتی سمع بذلک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جالسٌ فی ناس من أصحابه ، فلما رآنی أبدی لی عینیه - یقول حدد الی النظر - حتی إذا جلست قال: یا عمرو والله لقد آذیتنی !!!

قلت: أعوذ بالله من أذاک یا رسول الله .

قال: بلی ، من آذی علیاً فقد آذانی .

رواه أحمد والطبرانی بإختصار ، والبزار أخصر منه ، ورجال أحمد ثقات .

وعن أبی رافع قال: بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً أمیراً علی الیمن ، وخرج معه رجلٌ من أسلم یقال له عمرو بن شاس ، فرجع وهو یذم علیاً ویشکوه ، فبعث إلیه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال:

إخسأ یا عمرو !!! هل رأیت من علی جوراً فی حکم ، أو أثرة فی قسمة ؟!

قال: اللهم لا .

قال: فعلام تقول الذی بلغنی ؟!!

قال: بغضه ، لا أملک .

قال: فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی عرف ذلک فی وجهه ، ثم قال:

من أبغضه فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله !! ومن أحبه فقد أحبنی ومن أحبنی فقد أحب الله تعالی.

رواه البزار ، وفیه رجال وثقوا علی ضعفهم .

وعن سعد بن أبی وقاص قال: کنت جالساً فی المسجد أنا ورجلین معی ، فنلنا من علی ، فأقبل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غضبان یعرف فی وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه فقال:

ص: 116

ما لکم وما لی ؟!!

من آذی علیاً فقد آذانی !!!

رواه أبو یعلی والبزار باختصار ، ورجال أبی یعلی رجال الصحیح ، غیر محمود بن خداش وقنان ، وهما ثقتان .

وعن أبی بکر بن خالد بن عرفطة ، أنه أتی سعد بن مالک فقال: بلغنی أنکم تعرضون علی سب علی بالکوفة ، فهل سببته ؟!

قال: معاذ الله ، والذی نفس سعد بیده لقد سمعت من رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول فی علی شیئاً ، لو وضع المنشار علی مفرقی ما سببته أبداً.

رواه أبو یعلی وإسناده حسن .

وعن أبی عبد الله الحدلی قال: دخلت علی أم سلمة فقالت لی:

أیسب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیکم ؟!

قلت: معاذ الله ، أو سبحان الله ، أو کلمة نحوها .

قالت: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: من سب علیاً فقد سبنی !!!

رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح ، غیر أبی عبد الله الحدلی وهو ثقة .

وعن أبی عبد الله الحدلی قال: قالت لی أم سلمة:

یا أبا عبدالله ، أیسب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیکم ؟!

قلت: أنی یسب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

قالت: ألیس یسب علی ومن یحبه ، وقد کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یحبه !!

رواه الطبرانی فی الثلاثة ، وأبو یعلی ، ورجال الطبرانی رجال الصحیح ، غیر أبی عبد الله ، وهو ثقة .

وروی الطبرانی بعده بإسناد رجاله ثقات إلی أم سلمة ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: مثله .

وعن کعب بن عجرة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

ص: 117

لا تسبوا علیاً فإنه ممسوسٌ فی ذات الله .

رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط ، وفیه سفیان بن بشر أو بشیر ، متأخرٌ لیس هو الذی روی عن أبی عبد الرحمن الجیلی ، ولم أعرفه ، وبقیة رجاله وثقوا ، وفی بعضهم ضعف .

وعن أبی کثیرة قال: کنت جالساً عند الحسن بن علی فجاءه رجل فقال لقد سب عند معاویة علیاً سبا قبیحا رجل یقال له معاویة بن خدیج . . . الخ. انتهی .

وقد تقدم ذلک من حدیث الإمام الحسن(علیه السّلام). ورواه الهیثمی هنا بروایتین، وقال:

رواه الطبرانی بإسنادین فی أحدهما علی بن أبی طلحة مولی بنی أمیة ، ولم أعرفه. وبقیة رجاله ثقات ، والآخر ضعیف . . . الخ.

وفی مجمع الزوائد: 9/108

عن بریدة قال: بعثنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی سریة فاستعمل علینا علیاً ، فلما جئنا قال: کیف رأیتم صاحبکم ؟

فإما شکوته ، وإما شکاه غیری، قال فرفع رأسه وکنت رجلاً مکباباً فإذا النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد احمر وجهه یقول: من کنت ولیه فعلی ولیه .

فقلت: لا أسوؤک فیه أبداً.

رواه البزار ورجاله رجال الصحیح .

وعن عمار بن یاسر قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

أوصی من آمن بی وصدقنی بولایة علی بن أبی طالب .

من تولاه فقد تولانی ومن تولانی فقد تولی الله عز وجل .

ومن أحبه فقد أحبنی ، ومن أحبنی فقد أحب الله تعالی .

ومن أبغضه فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله عز وجل .

ص: 118

رواه الطبرانی بإسنادین أحسب فیهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا .

وعن وهب بن حمزة قال: صحبت علیاً إلی مکة فرأیت منه بعض ما أکره ، فقلت لئن رجعت لأشکونک إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلما قدمت لقیت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقلت: رأیت من علی کذا وکذا .

فقال: لا تقل هذا ، فهو أولی الناس بکم بعدی .

رواه الطبرانی ، وفیه دکین ذکره ابن أبی حاتم ، ولم یضعفه أحد ، وبقیة رجاله وثقوا. انتهی .

وفی الصراط المستقیم للبیاضی: 2/59

وروی ابن حنبل أیضاً أن علیاً أخذ فی الیمن جاریة فکتب خالد مع بریدة إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأعلمه فغضب وقال: یا بریدة لا تقع فی علی فإنه منی وأنا منه .

وأورده ابن مردویه من طرق عدة وفی بعضها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لبریدة: إیهاً عنک فقد أکثرت الوقوع فی علی ، فوالله إنک لتقع فی رجل أولی الناس بکم بعدی .

وفی بعضها إنه طلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الإستغفار، فقال له: حتی یأتی علی ، فلما أتی علی قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی: إن تستغفر له فاستغفر .

وفی بعضها أن بریدة امتنع من بیعة أبی بکر لأجل النص الذی سمعه من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالولایة بعده .

وفی بعضها أن بریدة بایع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الإسلام جدیداً ، ولولا أن الإنکار علی علی یوجب تکفیراً لم یکن لبیعة بریدة ثانیاً معنی .

وهذا شئ لم یوجد لغیره من أصحابه قطعاً .

فهذه کتب القوم التی هی عندهم صادقة ، بولایة علی(علیه السّلام)ناطقة ، إذ فی جعله من بدنه مثل الراس ، دلیل تقدیمه علی سائر الناس. انتهی .

ص: 119

من دلالات قصة بریدة

أولاً: أن الفائدة العملیة لهذا المیزان فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت اختباراً للمسلمین فی قبولهم تحدی الإسلام لقریش والمشرکین الذی مثله علی(علیه السّلام)بصفته سیف الله تعالی ، وعضد رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

کما کانت اختباراً لقبول المسلمین الحقیقی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بقبول عترته الذین نص علی أنهم إمتداده فی الأمة . .

ولکن فائدة هذا المیزان الإلهی کانت فی مرحلة ما بعد النبی أکثر منها فی حیاته! ولهذا رکز علیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أحادیث ومناسبات عدیدة !

ثانیاً: هذه النصوص النبویة القویة ، تجعل المسلم یتیقن بأن الله تعالی جعل حب علی بن أبی طالب میزاناً للاسلام والکفر ، ومقیاساً للایمان والنفاق ، وجعل ولایته فریضة مع حب الرسول وولایته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو مقامٌ لم یجعله الله تعالی لأی واحد من الصحابة !!

وبذلک یتضح ضعف محاولة السنیین أن یجعلوا ولایة بعض الصحابة غیر علی جزءا من الوحی الذی نزل علی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الوقت الذی ما زالوا متحیرین فی العثور علی صیغة فقهیة تثبت شرعیة خلافتهم للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

بل ما زالوا یبحثون عن نص صحیح یسمح لهم بإدخالهم فی صیغة الصلاة علی النبی لیجوز لهم القول (علیهما السلام وصحبه )فیضیفون صحبه إلی آله الذین أوجب الله الصلاة علیهم معه !!

ثالثاً: إن هذا المقام الربانی لعلی(علیه السّلام)، وأمره المسلمین بحبه وتحریمه بغضه.. تکلیفٌ موجه إلی الصحابة أنفسهم ، ومن بعدهم إلی أجیال الأمة . . فحب علی فریضةٌ علی الصحابة قبل غیرهم ، ومیزانٌ لإیمان الصحابی أو نفاقه قبل غیره !

ص: 120

وبهذه الأحادیث الصحیحة ینحسم الأمر ، ولا یبقی معنی لمقایسة أحد من الصحابة بعلی(علیه السّلام)وهل یقاس المیزان بالموزون ؟!

والدلیل الإلهی بالمدلول علیه ؟!

والمنار الربانی بمن یحتاج إلی شهادة علی بأن فیه شیئاً من نور الإیمان ؟!

وهل یقاس الإنسان الکامل بمن لا تعرف درجة إنسانیته وکماله إلا به ؟!

فعلی(علیه السّلام)بنص هذه الصحاح هو: المسلم الربانی الکامل ، الذی جعل الله حبه وبغضه ، ورضاه وغضبه ، مختبراً للأمة ، وجعل شخصیته قدوة للعالمین ، بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

رابعاً: بعد أن أذعن جمیع المسلمین بصحة هذه الأحادیث القاطعة فی علی(علیه السّلام) فإن قولهم بتفضیل غیره علیه ، ونسبتهم ذلک إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، یکون إتهاماً للنبی بالتناقض ، وأنه أمر بحب علی وجعله میزاناً ، ثم ناقض نفسه وفضل التابع علی المتبوع ، وجعل غیر علی أفضل منه ، وأوصی الأمة بحبه واتباعه بدل علی !!

وهو أمر لا یرتکبه رئیس عادی ، ولا أمیر قبیلة حکیم ، ولا رب أسرة عاقل فی أولاده !!

وبعد صحة هذه الأحادیث وصراحتها فی مصادر السنیین ، وعلو حجتها ، لا نحتاج إلی روایتها من مصادرنا ، إلا لتکمیل صورة الموضوع ، أو لبیان جوانب أخری لم تتعرض لها النصوص السنیة ، من قصة هذا الصحابی المؤمن، وروایاته الأخری لفریضة حب علی واتباعه علی الأمة ، وتحریم کرهه ومخالفته !

ص: 121

لمحة عن بریدة وأحادیثه فی مصادرنا

بریدة الأسلمی صحابیٌ ممیز ، بشخصیته وأحادیثه . . لم یعط حقه فی مصادر السنیین ، لأنه أطاع النبی فی علی وأهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وبریدة واحدٌ من مجموعة فرسان الصحابة ، کان لهم دورٌ ریادیٌ قیادی هام فی حروب الردة ، ثم فی الفتوحات الإسلامیة ، ولکن جزاءهم کان طمس أدوارهم وإعطاء منجزاتهم إلی أشخاص آخرین ، تبنتهم السلطة القرشیة ثم الأمویة ، لأنهم أطاعوا الخلافة ، ووقفوا فی وجه علی وأهل البیت النبوی !!

ومن هؤلاء الأبطال الشیعة: عمار بن یاسر ، وحذیفة بن الیمان ، والمقداد بن عمر وأبو ذر الغفاری ، وسلمان الفارسی ، وخالد بن سعید بن العاص ، وأخوه أبان ، وسعد بن عبادة ، وابنه قیس بن سعد ، وأبو أیوب الأنصاری . . . وآخرون یصلون إلی نحو مئة صحابی، کان لهم أدوارٌ هامة فی حروب الردة والفتوحات ، وقد وقفوا من أول الأمر مع علی(علیه السّلام)أو انضموا إلیه فیما بعد ، أو قاتلوا معه فی حروبه ، واستشهدوا بین یدیه ، أو ثبتوا بعد شهادته علی ولائه . .

وکل واحد من هؤلاء یستحق دراسة جادة ،لشخصیته وأحادیثه.. فهم ظاهرةٌ یقل مثیلها فی الأدیان الأخری ، تمثل الوجه الآخر لما قالته الحکومات القرشیة ودونته عن إجراءات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأقواله عن مستقبل الإسلام ومسیرته من بعده.. إلی أن یبعث الله الإمام المهدی الموعود علی لسانه بعده .

ونکتفی هنا بإیراد مقتطفات عن بریدة من مصادرنا :

قال أبو جعفر الطوسی فی أمالیه: 1/249

أبو العباس قال: حدثنا الحسن بن علی بن عفان قال: حدثنا الحسن - یعنی ابن

ص: 122

عطیة قال: حدثنا سعاد ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عبدالله بن بریدة ، عن أبیه ، قال: بعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی بن أبی طالب(علیه السّلام)وخالد بن الولید کل واحد منهما وحده ، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعلیکم علی .

قال: فأخذنا یمیناً أو یساراً .

قال: وأخذ علی فأبعد ، فأصاب سبیاً فأخذ جاریة من الخمس .

قال بریدة: وکنت أشد الناس بغضاً لعلی وقد علم ذلک خالد بن الولید ، فأتی رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جاریة من الخمس فقال: ما هذا ؟ ثم جاء آخر ، ثم أتی آخر ، ثم تتابعت الأخبار علی ذلک ، فدعانی خالد فقال: یا بریدة ، قد عرفت الذی صنع ، فانطلق بکتابی هذا إلی رسول الله فأخبره ، وکتب إلیه.

فانطلقت بکتابه حتی دخلت علی رسول الله وأخذ الکتاب فأمسکه بشماله ، وکان کما قال الله لا یکتب ولا یقرأ ، وکنت رجلاً إذا تکلمت طأطأت رأسی حتی أفرغ من حاجتی ، فطأطأت وتکلمت ، فوقعت فی علی حتی فرغت ، ثم رفعت رأسی فرأیت رسول الله قد غضب غضباً شدیداً لم أره غضب مثله قط إلا یوم قریظة والنضیر ، فنظر إلی فقال:

یا بریدة إن علیاً ولیکم بعدی ، فأحب علیاً فإنما یفعل ما یؤمر .

قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إلی منه .

وقال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلک أبا حرب بن سوید بن غفلة ، فقال: کتمک عبد الله بن بریدة بعض الحدیث أن رسول الله قال له: أنافقت بعدی یا بریدة ؟!!

وقال السید شرف الدین فی المراجعات/221

وکذلک حدیث بریدة ولفظه فی/356 من الجزء الخامس من مسند أحمد قال: بعث رسول الله بعثین إلی الیمن . . . الخ .

ص: 123

ولفظه عند النسائی فی/17 من خصائصه العلویة: لا تبغضن یا بریدة لی علیاً، فإن علیاً منی وأنا منه ، وهو ولیکم بعدی .

ولفظه عند ابن جریر: قال بریدة: وإذا النبی قد أحمر وجهه ، فقال: من کنت ولیه فإن علیاً ولیه ، قال: فذهب الذی

فی نفسی علیه ، فقلت لا أذکره بسوء .

والطبرانی قد أخرج هذا الحدیث علی وجه التفصیل ، وقد جاء فیما رواه: أن بریدة لما قدم من الیمن ، ودخل المسجد ، وجد جماعة علی باب حجرة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقاموا إلیه یسلمون علیه ویسألونه فقالوا: ما وراءک ؟

قال: خیر فتح الله علی المسلمین .

قالوا: ما أقدمک ؟

قال: جاریة أخذها علی من الخمس ، فجئت لأخبر النبی بذلک .

فقالوا: أخبره أخبره ، یسقط علیاً من عینه ، ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، یسمع کلامهم من وراء الباب ، فخرج مغضباً فقال:

مابال أقوام ینتقصون علیاً ؟ من أبغض علیاً فقد أبغضنی ، ومن فارق علیاً فقد فارقنی ، إن علیاً منی وأنا منه ، خلق من طینتی ، وأنا خلقت من طینة إبراهیم ، وأنا أفضل من إبراهیم. ذریة بعضها من بعض ، والله سمیع علیم .

یا بریدة أما علمت أن لعلی أکثر من الجاریة التی أخذ. وأنه ولیکم بعدی .

وهذا الحدیث مما لاریب فی صدوره ، وطرقه إلی بریدة کثیرة ، وهی معتبرة بأسرها ، ومثله ما أخرجه الحاکم عن ابن عباس ، من حدیث جلیل ، ذکر فیه عشر خصائص لعلی فقال: وقال له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت ولی کل مؤمن بعدی.

ومثله ما أخرجه ابن السکن ، عن وهب بن حمزة قال ، کما فی ترجمة وهب من الإصابة: سافرت مع علی فرأیت منه جفاء ، فقلت لئن رجعت لاشکونه، فرجعت

ص: 124

فذکرت علیاً لرسول الله فنلت منه ، فقال: لا تقولن هذا لعلی ، فإنه ولیکم بعدی .. .

وقال المفید فی الإرشاد: 1/148

وکان أمیرالمؤمنین(علیه السّلام)قد اصطفی من السبی جاریة ، فبعث خالد بن الولید بریدة الأسلمی إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال له:

تقدم الجیش إلیه فأعلمه بما فعل علی(علیه السّلام)من اصطفائه الجاریة من الخمس لنفسه ، وقع فیه .

فسار بریدة حتی انتهی إلی باب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلقیه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذی أقدمه ؟ فأخبره أنما جاء لیقع فی علی(علیه السّلام)، وذکر له اصطفاءه الجاریة من الخمس لنفسه ، فقال له عمر:

إمض لما جئت له ، فإنه سیغضب لابنته مما صنع علی !

فدخل بریدة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعه کتاب من خالد بما أرسل به بریدة ، فجعل یقرأه ووجه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتغیر ، فقال بریدة: یارسول الله إنک إن رخصت للناس فی مثل هذا ذهب فیؤهم !

فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ویحک یابریدة أحدثت نفاقاً !!

إن علی بن أبی طالب یحل له من الفئ مایحل لی ، إن علی بن أبی طالب خیر الناس لک ولقومک ، وخیر من أخلف بعدی لکافة أمتی .

یا بریدة ! إحذر أن تبغض علیاً فیغبضک الله !

قال بریدة: فتمنیت أن الأرض انشقت لی فسخت فیها ، وقلت: أعود بالله من سخط الله وسخط رسول الله ، یا رسول الله استغفر لی فلن أبغضن علیاً(علیه السّلام)أبداً ، ولا أقول فیه إلا خیراً ، فاستغفر له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ص: 125

وفی الشافی للشریف المرتضی: 3/243

وروی الثقفی قال: حدثنی محمد بن علی ، عن عاصم بن عامر البجلی ، عن نوح بن دراج ، عن محمد بن اسحق ، عن سفیان بن فروة ، عن أبیه قال: جاء بریدة حتی رکز رایته فی وسط أسلم، ثم قال: لا أبایع حتی یبایع علی، فقال علی (علیه السّلام): یا بریدة أدخل فیما دخل فیه الناس ، فإن اجتماعهم أحب إلی من اختلافهم الیوم .

وروی إبراهیم ، عن یحیی بن الحسن بن الفرات ، عن میسر بن حماد ، عن موسی بن عبد الله بن الحسن قال: أبت أسلم أن تبایع وقالوا: ما کنا نبایع حتی یبایع بریدة ، لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لبریدة: علی ولیکم من بعدی .

فقال علی(علیه السّلام): یا هؤلاء إن هؤلاء خیرونی أن یظلمونی حقی وأبایعهم ، أو ارتدت الناس ، حتی بلغت الردة أحداً ، فاخترت أن أظلم حقی ، وإن فعلوا ما فعلوا .

وقال فی هامشه: بریدة بن الحصیب بن عبد الله بن الحارث الأسلمی ، صحابی أسلم هو وقومه - وکانوا ثمانین بیتاً - عند مرور رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بهم فی طریقة إلی المدینة ، وبقی فی أرض قومه ، ثم قدم المدینة بعد أحد ، فشهد بقیة المشاهد ، وسکن البصرة أخیراً ، ثم خرج غازیاً إلی خراسان فأقام بمرو ، وأقام بها حتی مات ، ودفن بها ( أسد الغابة 1/175 ).

وفی الإحتجاج للطبرسی: 1/97

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لابی عبدالله جعفر بن محمد الصادق (علیهماالسّلام): جعلت فداک هل کان أحدٌ فی أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنکر علی أبی بکر فعله وجلوسه

ص: 126

مجلس رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟

قال: نعم ، کان الذی أنکر علی أبی بکر إثنا عشر رجلاً. من المهاجرین: خالد بن سعید بن العاص ، وکان من بنی أمیة ، وسلمان الفارسی ، وأبوذر الغفاری ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن یاسر ، وبریدة الأسلمی .

ومن الأنصار أبو الهیثم بن التیهان ، وسهل ، وعثمان ابنا حنیف ، وخزیمة بن ثابت ذو الشهادتین ، وأبی بن کعب ، وأبو أیوب الأنصاری .

قال: فلما صعد أبو بکر المنبر تشاوروا بینهم ، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتینه ولننزلنه عن منبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلک إذاً أعنتم علی أنفسکم ، فقد قال الله عزوجل: ولا تلقوا بأیدیکم إلی التهلکة ، فانطلقوا بنا إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لنستشیره ونستطلع رأیه .

فانطلق القوم إلی أمیر المؤمنین بأجمعهم، فقالوا یا أمیر المؤمنین ترکت حقاً أنت أحق به وأولی به من غیرک ، لأنا سمعنا رسول الله یقول: علی مع الحق والحق مع علی یمیل مع الحق کیف ما مال .

ولقد هممنا أن نصیر إلیه فننزل عن منبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فجئناک لنستشیرک ونستطلع رأیک فما تأمرنا ؟

فقال أمیر المؤمنین: وأیم الله لو فعلتم ذلک لما کنتم لهم إلا حرباً ، ولکنکم کالملح فی الزاد وکالکحل فی العین ، وأیم الله لو فعلتم ذلک لاتیتمونی شاهرین بأسیافکم مستعدین للحرب والقتال ، وإذا لاتونی فقالوا لی بایع وإلا قتلناک ، فلا بد لی من أدفع القوم عن نفسی ، وذلک أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أوعز الی قبل وفاته وقال لی: یا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بک من بعدی وتنقض فیک عهدی ، وإنک منی بمنزلة هارون من موسی، وإن الأمة من بعدی کهارون ومن اتبعه، والسامری

ص: 127

ومن اتبعه !

فقلت: یارسول الله ، فما تعهد الی إذا کان ذلک ؟

فقال: إذا وجدت أعواناً فبادر الیهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً کف یدک واحقن دمک ، حتی تلحق بی مظلوماً . . . الخ .

فانطلقوا بأجمعکم إلی الرجل فعرفوه ماسمعتم من قول نبیکم ، لیکون ذلک أوکد للحجة وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا وردوا علیه .

فسار القوم حتی أحدقوا بمنبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان یوم الجمعة ، فلما صعد أبو بکر المنبر ، فأول من تکلم به خالد بن سعید بن العاص . . . قال: إتق الله یا أبا بکر فقد علمت أن رسول الله قال ونحن محتوشوه یوم بنی قریظة حین فتح الله له . . . الخ .

ثم قام إلیه بریدة الاسلمی فقال:

إنا لله وإنا إلیه راجعون ، ماذا لقی الحق من الباطل ! یا أبا بکر أنسیت أم تناسیت وخدعت أم خدعتک نفسک أم سولت لک الأباطیل ، أو لم تذکر ما أمرنا به رسول الله من تسمیة علی بإمرة المؤمنین والنبی بین أظهرنا ، وقوله له فی عدة أوقات: هذا علی أمیر المؤمنین وقاتل القاسطین ؟!

إتق الله وتدارک نفسک قبل أن لا تدرکها ، وأنقذها مما یهلکها ، واردد الأمر إلی من هو أحق به منک ، ولا تتماد فی اغتصابه ، وراجع وأنت تستطیع أن تراجع ، فقد محضتک النصح ، ودللتک علی طریق النجاة ، فلا تکونن ظهیراً للمجرمین ... الخ .

وفی تأویل الآیات/465

ویؤیده ما ذکره فی تفسیر الإمام أبی محمد الحسن العسکری(علیه السّلام)قال: إن رسول

ص: 128

الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعث جیشاً وأمر علیهم علیاً(علیه السّلام)، وما بعث جیشاً قط وفیهم علی(علیه السّلام)إلا جعله أمیرهم ، فلما غنموا رغب علی(علیه السّلام)أن یشتری من جملة الغنائم جاریة وجعل ثمنها من جملة الغنائم ، فکایده فیها حاطب بن أبی بلتعة وبریدة الأسلمی وزایداه ، فلما نظر إلیهما یکایدانه ویزایدانه انتظر إلی أن بلغت قیمتها قیمة عدل فی یومها فأخذها بذلک .

فلما رجعا إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تواطآ علی أن یقولا ذلک لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فوقف بریدة قدام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: یارسول الله ألم تر إلی علی بن أبی طالب أخذ جاریة من المغنم دون المسلمین ؟ فأعرض عنه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فجاء عن یمینه فقالها ، فأعرض عنه ، فجاء عن یساره فقالها ، فأعرض عنه .

قال: فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غضباً لم یر قبله ولا بعده غضباً مثله ، وتغیر لونه وتربد وانتفخت أوداجه ، وارتعدت أعضاؤه ، وقال:

مالک یا بریدة آذیت رسول الله منذ الیوم ؟!

أما سمعت قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِینًا . وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِینًا .

فقال بریدة: ما علمت أنی قصدتک بأذی .

فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أو تظن یا بریدة أنه لا یؤذینی إلا من قصد ذات نفسی؟ أما علمت أن علیاً منی وأنا منه، وأن من آذی علیاً فقد آذانی ، ومن آذانی فقد آذی الله ، ومن آذی الله فحق علی الله أن یؤذیه بألیم عذابه فی نار جهنم !

وفی اختیار معرفة الرجال: 1/308

وبهذا الإسناد: عن أبان ، عن فضیل الرسان ، عن أبی داود قال: حضرته عند الموت ، وجابر الجعفی عند رأسه ، قال فهم أن یحدث فلم یقدر ، قال ومحمد

ص: 129

بن جابر أرسله ، قال فقلت: یا أبا داود حدثنا الحدیث الذی أردت .

قال: حدثنی عمران بن حصین الخزاعی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر فلاناً وفلاناً أن یسلما علی علی(علیه السّلام)بإمره المؤمنین ، فقالا: من الله ومن رسوله ؟! ثم أمر حذیفة وسلمان فسلما ، ثم أمر المقداد فسلم ، وأمر بریدة أخی وکان أخاه لأمه .

فقال: إنکم قد سألتمونی من ولیکم بعدی ، وقد أخبرتکم به ، وقد أخذت علیکم المیثاق !!

والزهراء والحسنان(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جزء من المقیاس النبوی أیضاً

روی الترمذی فی: 4/331

عن علی بن أبی طالب أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخذ بید حسن وحسین وقال: من أحبنی وأحب هذین ، وأباهما ، وأمهما ، کان معی فی درجتی یوم القیامة. هذا حدیث حسن .

وروی الحاکم فی المستدرک: 3/166

عن أبی هریرة قال: خرج علینا رسول الله ومعه الحسن والحسین ، هذا علی عاتقه وهذا علی عاتقه ، وهو یلثم هذا مرة وهذا مرة ، حتی انتهی إلینا ، فقال له رجل: یا رسول الله إنک تحبهما ؟ فقال: نعم ، من أحبهما فقد أحبنی ، ومن أبغضهما فقد أبغضنی. ورواه أحمد فی مسنده: 2/531 ، وأبو یعلی فی مسنده: 5/449 . وقد صححه الحاکم والذهبی .

وفی الطبرانی فی الکبیر: 3/47

عن أبی هریرة عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: من أحب الحسن والحسین ، فقد أحبنی ،

ص: 130

ومن أبغضهما فقد أبغضنی. انتهی .

ورواه ابن ماجة: 1/51 فی باب: فضل الحسن والحسین .

وفی الطبرانی الکبیر: 3/50

عن سلمان قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للحسن والحسین: من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعیم ، ومن أبغضهما أو بغی علیهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم، وله عذاب مقیم !

ونحوه فی: 6/241، وفی مستدرک الحاکم فی: 3/166 ، وفردوس الأخبار: 4/336 ، وتاریخ بغداد: 13/32

وفی سنن ابن ماجة: 2/1366

عن عبد الله قال: بینما نحن عند رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذ أقبل فتیةٌ من بنی هاشم فیهم الحسن والحسین ، فلما رأهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )اغرورقت عیناه وتغیر لونه ! قال: فقلت: ما نزال نری فی وجهک شیئاً نکرهه ؟!

فقال: إنا أهل بیت أختار الله لنا الآخرة علی الدنیا ، وإن أهل بیتی سیلقون بعدی بلاء وتشریداً وتطریداً ! حتی یأتی قوم من قبل المشرق معهم رایات سود ، فیسألون الخیر ، فلا یعطونه ، فیقاتلون فینصرون فیعطون ما سألوا فلا یقبلونه ، حتی یدفعوها إلی رجل من أهل بیتی فیلمؤها قسطاً کما ملؤوها جوراً ، فمن أدرک ذلک منکم فلیأتهم ولو حبواً علی الثلج .

ورواه ابن أبی شیبة:15/235

والبیهقی فی الدلائل:6 ص515

ص: 131

والحاکم فی المستدرک: 4/464

والطبرانی فی الکبیر: 10/104 و 108

ونحوه فی فردوس الأخبار: 5/499

والدولابی فی الکنی: 2/26

وابن أبی عاصم فی السنة: 2/619

وفی الطبرانی الکبیر: 4/192 ، ومجمع الزوائد: 9/194:

عن عمارة بن یحیی قال: کنا عند أبی ( خالد بن عرفطة ) یوم قتل الحسین بن علی فقال لنا خالد: هذا ما سمعت من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إنکم ستبتلون فی أهل بیتی من بعدی .

وفی الطبرانی الکبیر: 25/23

فی حدیث أم الفضل قالت: بینا أنا قاعدة عند رأس رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو مریض، فبکیت فقال: ما یبکیک ؟

فقلت: أخشی علیک ، فلا ندری ما نلقی بعدک من الناس ؟

قال: أنتم المستضعفون بعدی !!

ورواه أحمد: 6/339 ، ومجمع الزوائد: 9/34

وقال الفخر الرازی فی تفسیره: 25/35

وثبت بالنقل المتواتر أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یحب علیاً والحسن والحسین، وإذا کان ذلک ، وجب علینا محبتهم ، لقوله فاتبعوه .

وکفی شرفاً لآل رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فخراً ختم التشهد بذکرهم والصلاة علیهم فی کل صلاة. انتهی .

ص: 132

وکل ( أهل البیت ) جزء من المقیاس النبوی

فی سنن الترمذی: 4/344

عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أحبوا الله لما یغذوکم من نعمه ، وأحبونی بحب الله ، وأحبوا أهل بیتی بحبی .

وقال العزیزی فی السراج المنیر: 1/57: هذا حدیثٌ صحیح من طریق ابن عباس ، وأخرجه الحاکم والترمذی. انتهی

ورواه الطبرانی فی الکبیر: 3/46 و 10 /281

والحاکم فی المستدرک: 3/150

والخطیب فی تاریخ بغداد: 4 /160

وأحمد فی فضائل الصحابة: 2/986

وفی الطبرانی الأوسط: 3/203

عن عبد الرحمن بن أبی لیلی ، عن أبیه قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا یؤمن عبدٌ حتی أکون أحب إلیه من نفسه ، وأهلی أحب إلیه من أهله ، وعترتی أحب إلیه من عترته ، وذاتی أحب إلیه من ذاته. انتهی .

فقال رجلٌ من القوم: یا أبا عبد الرحمن: ما تزال تجئ بالحدیث یحی الله به القلوب ! انتهی .

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد: 1/264

وفی الطبرانی الکبیر: 3/39

عن سلمان الفارسی قال: أنزلوا آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمنزلة

ص: 133

الرأس من الجسد ، وبمنزلة العین من الرأس ، فإن الجسد لا یهتدی إلا بالرأس ، وإن الرأس لا یهتدی إلا بالعینین .

ورواه الهیثمی: 9/172

وفی سنن الترمذی: 4/337

أن العباس بن عبد المطلب دخل علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مغضباً وأنا عنده فقال: ما أغضبک ؟

قال: یارسول الله ما لنا ولقریش ! إذا تلاقوا بینهم تلاقوا بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا بغیر ذلک !!

قال: فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی احمر وجهه ثم قال: والذی نفسی بیده لا یدخل قلب رجل الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله. هذا حدیث حسن صحیح . ورواه الطبرانی فی الکبیر: 11/433 ،

والخطیب: 5/317

ورواه أحمد فی مسنده: 1/207

وروی نحوه فی: 4/165 ، بعدة روایات ، منها:

عن عبد المطلب بن ربیعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: أتی ناسٌ من الأنصار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقالوا: إنا لنسمع من قومک حتی یقول القائل منهم: إنما مثل محمد مثل نخلة نبتت فی کباء ! قال حسین الکباء الکناسة !

فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیها الناس من أنا ؟

قالوا: أنت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه قط ینتمی قبلها - ألا

ص: 134

إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلنی من خیر خلقه ، ثم فرقهم فرقتین فجعلنی من خیر الفرقتین ، ثم جعلهم قبائل فجعلنی من خیرهم قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی من خیرهم بیتاً ، وأنا خیرکم بیتاً وخیرکم نفساً !!

وروی نحوه ابن ماجة: 1/50، وقال بعده: فی الزوائد: رجال إسناده ثقات.

إلا أنه قیل: روایة محمد بن کعب عن العباس مرسلة.

ونحوه فی الترمذی: 5/317 ، وقال: هذا حدیث حسن صحیح.

ورواه الحاکم فی مستدرک : 3/333 وص 568 و4/75 ، بعدة روایات.

والهیثمی فی مجمع الزوائد: 1/88 ، بعدة روایات.

والخطیب فی تاریخ بغداد: 5/317

وکنز العمال: 11/700 ( حم ، ت ، ک - عن عبد المطلب بن ربیعة ، ک - عن العباس ) وفی: 12/41 ( طس ، ک عن عبدالله بن جعفر ) ( ط ،/عن عبدالله بن جعفر ) ( خط ، کر ، عن أبی الضحی عن مسروق عن عائشة ، وقال الخط یب: غریب والمحفوظ عن أبی الضحی عن ابن عباس ، وقال: ورواه جماعة عن أبی الضحی مرسلاً ).

وفی/97 ( هعن العباس بن عبد المطلب ) ( حم ، ت عن علی ). انتهی .

وفی الترمذی: 4/292

عن المطلب بن أبی وداعة ، قال: جاء العباس إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 135

وکأنه سمع شیئاً فقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی المنبر فقال: من أنا ؟

فقالوا: أنت رسول الله علیک السلام .

قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب: إن الله خلق الخلق فجعلنی فی خیرهم، ثم جعلهم فرقتین فجعلنی فی خیرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلنی فی خیرهم قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیرهم بیتاً وخیرهم نفساً. هذا حدیث حسن .

وقال العزیزی فی السراج المنیر: 1/364: هذا حدیث صحیح

وروی الحاکم: 3/311 ، وصححه علی شرط مسلم قال:

عن أبی هریرة: خیرکم خیرکم لأهلی من بعدی .

ورواه الدیلمی: 2/170 ، والهیثمی: 9/174 ، عن أبی یعلی ، وقال: رجاله ثقات .

وفی الصواعق المحرقة/176

أخرج الدیلمی . . : من أراد التوسل إلی، وأن یکون له عندی ید أشفع له بها یوم القیامة ، فلیصل أهل بیتی .

وویل لمبغضیهم

فی فردوس الأخبار: 3/508

عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: من مات وفی قلبه بغض علی بن أبی طالب ، فلیمت یهودیاً أو

نصرانیاً !!

وفی فردوس الأخبار: 2/85

عن جابر بن عبد الله عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ثلاثٌ من کن فیه فلیس منی ولا أنا منه:

ص: 136

بغض علی ، ونصب أهل بیتی ، ومن قال الإیمان کلام .

وفی الطبرانی الکبیر: 11/146

عن ابن عباس قوله: أم یحسدون الناس علی ما آتاهم الله من فضله. قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس .

عن عطاء بن أبی رباح ، عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: بغض بنی هاشم والأنصار کفر ، وبغض العرب نفاق .

ورواه فی مجمع الزوائد: 9/172

وفی تاریخ بغداد: 3/290

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): رجل من أمتی یبغض عترتی ، لا تناله شفاعتی .

وفی میزان الاعتدال: 2/410

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبنی فلیحب علیاً ، ومن أبغض أحداً من أهل بیتی حرم شفاعتی . . الحدیث. وذکره فی لسان المیزان: 3/276

وفی مجمع الزوائد: 7/580

عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال . . لا یبغضنا أهل البیت أحدٌ إلا أکبه الله فی النار . .

ورواه الدهلوی فی حیاة الصحابة: 2/369

وفی فردوس الأخبار: 3/626

عن علی(علیه السّلام)( عن النبی ): من لم یعرف حق عترتی فهو لاحدی ثلاث: إما

ص: 137

منافق وإما لزنیة ، وإما امرؤ حملت به أمه بغیر طهر .

وفی بشارة المصطفی للطبری الشیعی/150

قال أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن موسی ، أخبرنا الحسین بن موسی ، أخبرنا الحسین بن ابراهیم بن بابویه ، أخبرنا علی بن ابراهیم بن همام ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر، عن ابن زیاد، عن عبید الله بن صالح ، عن زید بن علی، عن أبیه علی بن الحسین بن علی ، عن أبیه علی بن أبی طالب (علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی من أحبنی وأحبک وأحب الأئمة من ولدک ، فلیحمد الله علی طیب مولده ، فإنه لا یحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا یبغضنا إلا من خبثت ولادته !!

وویل للمکذبین بفضلهم

وفی کنز العمال: 12/103

من سره أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة عدن التی غرسها ربی ، فلیوال علیاً من بعدی ، ولیوال ولیه ، ولیقتد بأهل بیتی من بعدی ، فإنهم عترتی ، خلقوا من طینتی ، ورزقوا فهمی وعلمی ، فویلٌ للمکذبین بفضلهم من أمتی ، القاطعین فیهم صلتی، لا أنالهم الله شفاعتی ( الخطیب، والرافعی، عن ابن عباس).

ورواه الکنجی فی کفایة الطالب/214 ، عن ابن عباس عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ورواه فی مناقب آل أبی طالب: 1/251

ص: 138

واللعنة علی ظالمیهم وقاتلیهم

فی مستدرک الحاکم: 2/525

عن عبید الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب قال سمعت علی بن الحسین یحدث عن أبیه عن جده (رض) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ستة لعنتهم ولعنهم الله وکل نبی مجاب: الزائد فی کتاب الله ، والمکذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت لیذل من أعز الله ویعز من أذل الله ، والتارک لسنتی ، والمستحل من عترتی ما حرم الله ، والمستحل لحرم الله. انتهی .

ثم رواه بسند آخر وصححه ، وقال: قد احتج الإمام البخاری بإسحاق بن محمد الفروی وعبد الرحمن بن أبی الرجال فی الجامع الصحیح. وهذا أولی بالصواب من الإسناد الأول. انتهی .

راجع أیضاً: المستدرک: 3/149 ، و: 1/36

ورواه الطبرانی فی الأوسط: 2/398

ومجمع الزوائد: 9/272

وابن أبی عاصم فی السنة: 2/628

والأزرقی فی أخبار مکة: 1 جزء 2/125

وفی المعجم الکبیر للطبرانی: 17/43

عن عمرو بن سعواء الیافعی قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سبعة لعنتهم.. الزائد فی کتاب الله ،

والمکذب بقدر الله ، والمستحل من عترتی ما حرم الله ، والتارک لسنتی والمستأثر بألفئ ، والمتجبر بسلطانه .

ص: 139

وفی تاریخ الطبری: 5/426

عن کثیر بن عبد الله . . قال زهیر بن القین لشمر: یا بن البوال علی عقبیه ما إیاک أخاطب ، إنما أنت بهیمة ! والله ما أظنک تحکم من کتاب الله آیتین . . .

فقال له شمر: إن الله قاتلک وصاحبک عن ساعة !

قال أفبالموت تخوفنی . . ثم أقبل علی الناس . . فقال: عباد الله لا یغرنکم من دینکم هذا الجلف الجافی.. فوالله لا تنال شفاعة محمد قوماً أراقوا دماء ذریته وأهل بیته !!

ولا یقبل عمل المسلم إلا بحبهم

فی المعجم الکبیر للطبرانی: 11/142

عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا بنی عبد المطلب إنی سألت الله لکم ثلاثاً ، سألته أن یثبت قائمکم ، ویعلم جاهلکم ، ویهدی ضالکم... فلو أن رجلاً صفن بین الرکن والمقام وصلی وصام ، ثم مات وهو مبغضٌ لأهل بیت محمد رضی الله عنهم ، دخل النار !!

ورواه الدهلوی فی حیاة الصحابة: 2/362

وفی الطبرانی الأوسط: 3/122

عن الحسن بن علی (علیه السّلام) أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إلزموا مودتنا أهل البیت ، فإنه من لقی الله وهو یودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا .

ص: 140

ورواه المفید فی الامالی/13 وص 44 ،

ورواه فی مجمع الزوائد: 9/172

وفی مناقب آل أبی طالب: 3/2

کتاب ابن مردویه ، بالاسناد عن زید بن علی ، عن أبیه ، عن جده ، عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یا علی لو أن عبداً عبد الله مثل ما دام نوح فی قومه ، وکان له مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه فی سبیل الله ، ومد عمره حتی حج ألف عام علی قدمیه ، ثم قتل بین الصفا والمروة مظلوماً ، ثم لم یوالک یا علی ، لم یشم رائحة الجنة ، ولم یدخلها .

وفی تاریخ النسائی ، وشرف المصطفی واللفظ له: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

لو أن عبداً قام لله تعالی بین الرکن والمقام ألف عام ، ثم ألف عام ، ولم یکن یحبنا أهل البیت ، لأکبه الله علی منخره فی النار !! انتهی .

وفی فردوس الأخبار: 2/142 وص 226

عن ابن مسعود عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: حب آل محمد یوماً ، خیر من عبادة سنة. ومن مات علیه دخل الجنة .

والأمة مسؤولة عنهم یوم القیامة

فی صحیح مسلم: 7/122

عن زید بن أرقم ( قام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوماً فینا خطیباً بماء یدعی خماً ، بین مکة والمدینة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ووعظ وذکر ، ثم قال:

أما بعد ، ألا أیها الناس ، فإنما أنا بشر یوشک أن یأتی رسول ربی فأجیب ، وأنا

ص: 141

تارکٌ فیکم ثقلین: أولهما کتاب الله فیه الهدی والنور ، فخذوا بکتاب الله ، واستمسکوا به ، فحث علی کتاب الله ورغب فیه ، ثم قال:

وأهل بیتی ، أذکرکم الله فی أهل بیتی ، أذکرکم الله فی أهل بیتی ، أذکرکم الله فی أهل بیتی !!

وفی مجمع الزوائد: 1/170

عن زید بن ثابت ، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إنی ترکت فیکم خلیفتین: کتاب الله، وأهل بیتی ، وإنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض.

رواه الطبرانی فی الکبیر ورجاله ثقات.

ورواه بنحوه: 9/162 ، وقال: رواه أحمد ، وإسناده جید .

وروی الطبرانی فی الأوسط: 2/226

عن علی بن أبی طالب قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا تزول قدما عبد یوم القیامة حتی یسأل عن أربع: عن عمره فیما أفناه ، وشبابه فیما أبلاه ، وعن ماله من أین کسبه وفیما أنفقه ، وعن حبنا أهل البیت .

وفی مجمع الزوائد: 10/626

عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا تزول قدما یوم القیامة حتی یسأل عن أربع: عن عمره فیما أفناه ، وعن جسد فیما أبلاه... وعن حبنا أهل البیت. قیل: یارسول الله فما علامة حبکم ؟ فضرب بیده علی منکب علی !

ورواه الکنجی فی کفایة الطالب/324 ، عن أبی ذر .

وروی الحسکانی فی شواهد التنزیل: 2/106

ص: 142

وفی حدیث أبی سعید الخدری ، عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وقفوهم إنهم مسؤولون. عن ولایة علی بن أبی طالب .

وهذه الأحکام مختصة بهم ولا یقاس بهم أحد

فی فردوس الأخبار: 5/34 ح 7094

عن أنس بن مالک عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: نحن أهل بیت لا یقاس بنا أحد. انتهی .

وفی فردوس الأخبار: 4/283 وفی کلام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب: لا یقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا یسوی بهم من جرت نعمتهم علیه أبداً ، هم أساس الدین ، وعماد الیقین ، إلیهم یفئ الغالی ، وبهم یلحق التالی ، ولهم خصائص حق الولایة ، وفیهم الوصیة والوراثة. انتهی .

ولا نطیل فی استعراض أحادیث المکانة الشرعیة المختصة بأهل البیت (علیهم السّلام) ، فهی فی مصادر السنیین کثیرة وصریحة، تدل علی أن حبهم وولایتهم وإطاعتهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أرکان الدین.. والإفاضة فی ذلک تخرجنا عن غرضنا .

ومحبو أهل البیت وشیعتهم جزء من المقیاس النبوی

فتح الباری: 1/431

روی حدیث ( تقتل عماراً الفئة الباغیة ) جماعة من الصحابة ، منهم قتادة بن النعمان کما تقدم ، وأم سلمة عند مسلم ، وأبو هریرة عند الترمذی ، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائی ، وعثمان بن عفان ، وحذیفة ، وأبو أیوب ، وأبو رافع ، وخزیمة بن ثابت ، ومعاویة ، وعمرو بن العاص، وأبو الیسر ، وعمار نفسه،

ص: 143

وکلها عند الطبرانی وغیره ، وغالب طرقها صحیحة أو حسنة ، وفیه عن جماعة آخرین یطول عدهم .

وفی هذا الحدیث علمٌ من أعلام النبوة ، وفضیلةٌ ظاهرةٌ لعلی ولعمار ، ورد علی النواصب الزاعمین أن علیاً لم یکن مصیباً فی حروبه .

وفی روایة ابن مسعود سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إذا اختلف الناس کان ابن سمیة مع الحق .

وقال الحافظ ابن کثیر: ومعلوم أن عماراً کان فی جیش علی یوم صفین ، وقتله أصحاب معاویة من أهل الشام ، وکان الذی تولی قتله رجلٌ یقال له أبو الفادیة ، وقیل إنه صحابی ! وفی روایة وقاتله فی النار ، لا أناله الله شفاعتی یوم القیامة !

وفی تاریخ بغداد: 2/146

عن علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: شفاعتی لأمتی ، من أحب أهل بیتی ، وهم شیعتی.

وحسنه العزیزی فی السراج المنیر: 2/370

ورواه فی کنز العمال: 14/398

وروی ابن أبی عاصم فی السنة: 1/334

عن علی بن أبی طالب قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أول من یرد علی الحوض أهل بیتی ، ومن أحبنی ( أحبهم ؟) من أمتی .

ص: 144

کیف طبقت الخلافة القرشیة سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیهم !

جعلت الخلافة لعنهم علی المنابر فریضة !

فی صحیح مسلم: 7/120

عن عامر بن سعد بن أبی وقاص ، عن أبیه قال: أمر معاویة بن أبی سفیان سعداً فقال: ما منعک أن تسب أبا تراب ؟!

فقال: أما ما ذکرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلن أسبه ! لأن تکون لی واحدة منهن أحب إلی من حمر النعم !

سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول له ( وقد ) خلفه فی بعض مغازیه فقال له علی یا رسول الله خلفتنی مع النساء والصبیان ؟ فقال له رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أما ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبوة بعدی . . . الخ . . .

وذکره فتح الباری: 7/60 ، عن مسلم والترمذی وأبی یعلی

وفی مستدرک الحاکم: 3/121

عن بن أبی ملیکة عن أبیه قال: جاء رجل من أهل الشام فسب علیاً عند ابن عباس فحصبه ابن عباس فقال: یا عدو الله آذیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). إن الذین یؤذون الله ورسوله لعنهم الله فی الدنیا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهینا. لو کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیاً لاذیته. هذا حدیث صحیح الإسناد ، ولم یخرجاه .

ورواه الحاکم فی: 1/36 ورواه الطبرانی فی الأوسط: 2/398 ، والصغیر: 3982 والدیلمی فی فردوس الأخبار: 2/333 والهیثمی فی مجمع الزوائد: 1/425 و7/418 و580 - وابن حجر فی الصواعق المحرقة/174

وابن العربی فی شرح الترمذی: 4 جزء 8/318 ، وقال: رواه غیر واحد عن

ص: 145

عبید الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن علی بن حسین ، عن النبی مرسلاً ، وهذا أصح.

ورواه فی بحار الأنوار: 27/225

وأجبرت المسلمین علی أن یکونوا نواصب

فی الخطط السیاسیة للمحامی أحمد حسین یعقوب/107

خلیفة المسلمین معاویة یرعی الروایة والرواة:

قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 3/595:

روی أبو الحسن علی بن محمد بن أبی سیف المدائنی فی کتاب الأحداث قال: کتب معاویة نسخةً واحدة إلی عماله بعد عام الجماعة:

أن برئت الذمة ممن روی شیئاً من فضل أبی تراب (یعنی الإمام علی) وأهل بیته. ( یعنی أهل بیت النبوة الکرام ) فقامت الخطباء فی کل کورة وعلی کل منبر یلعنون علیاً ، ویبرؤون منه ، ویقعون فیه ، وفی أهل بیته ، وکان أشد الناس بلاء حینئذ أهل الکوفة ، لکثرة من بها من شیعة علی(علیه السّلام)، فاستعمل علیهم زیاد بن سمیة وضم إلیه البصرة ، فکان یتتبع الشیعة وهو بهم عارف لأنه کان منهم أیام علی ، فقتلهم تحت کل حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأیدی والأرجل ، وسمل العیون ، وصلبهم علی جذوع النخل ، وطردهم وشردهم عن العراق ، فلم یبق بها معروف منهم .

ص: 146

مرسوم آخر لخلیفة المسلمین معاویة :

ویضیف المدائنی بالحرف:

وکتب معاویة إلی عماله فی جمیع الآفاق أن لا یجیزوا لاحد من شیعة علی وأهل بیته شهادة !

وکتب إلیهم: أن انظروا من قبلکم من شیعة عثمان ، ومحبیه وأهل ولایته ، والذین یروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأکرموهم ، واکتبوا لی بکل ما یروی کل رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته .

ففعلوا ذلک حتی أکثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما کان یبعثه الیهم معاویة من الصلات والکسا والحبا والقطائع ، ویفیضه فی العرب منهم والموالی ، فکثر ذلک فی کل مصر ، وتنافسوا فی المنازل والدنیا ، فلیس یجئ أحد من الناس عاملاً من عمال معاویة فیروی فی عثمان فضیلة أو منقبة إلا کتب اسمه وقربه وشفعه !

فلبثوا بذلک حیناً .

مرسوم ثالث لخلیفة المسلمین معاویة:

کتب معاویة إلی عماله: إن الحدیث فی عثمان قد کثر وفشا فی کل مصر ، وفی کل وجه وناحیة ، فإذا جاکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة، والخلفاء الأولیین ، ولا تترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب الا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة ، فإن هذا أحب إلی وأقر لعینی ، وأدحض لحجة أبی تراب وشیعته ، وأشد علیهم من مناقب عثمان وفضله !

فقرئت کتبه علی الناس ، فرویت أخبار کثیرةٌ فی مناقب الصحابة مفتعلة لا حقیقة لها ، وجد الناس فی روایة ما یجری هذا المجری ، حتی أشاروا بذکر

ص: 147

ذلک علی المنابر ، وألقی إلی معلمی الکتاتیب ، فعلموا صبیانهم وغلمانهم من ذلک الکثیر الواسع ، حتی رووه وتعلموه کما یتعلمون القرآن ، وحتی علموا بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلک ماشاء الله .

مرسوم رابع لخلیفة المسلمین معاویة:

ثم کتب معاویة نسخةً واحدةً إلی جمیع البلدان: انظروا من قامت علیه البینة أنه یحب علیاً وأهل بیته فامحوه من الدیوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه !

وشفع ذلک بنسخة أخری: من اتهمتموه بموالاة هولاء القوم فنکلوا به واهدموا داره !

فلم یکن البلاء أشد ولا أکثر منه بالعراق ، ولا سیما الکوفة ، حتی أن الرجل من شیعة علی لیأتیه من یثق به فیدخل بیته ، فیلقی إلیه سره ، ویخاف من خادمه ومملوکه ولا یحدثه حتی یأخذ علیه الإیمان الغلیظة لیکتمن علیه ، فظهر حدیث کثیر موضوع وبهتان منتشر.. ومضی علی ذلک الفقها والقضاة والولاة !!

وکان أعظم الناس فی ذلک بلیة القراء المراؤون والمستضعفون ، الذین یظهرون الخشوع والنسک ، فیفتعلون الأحادیث لیحظوا بذلک عند ولاتهم ، ویقربوا مجالسهم ، ویصیبوا به الاموال والضیاع والمنازل ، حتی انتقلت تلک الأخبار ، والأحادیث إلی أیدی الدیانین الذین لا یستحلون الکذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم یظنون أنها حق ! ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدینوا بها. فلم یزل الأمر کذلک حتی مات الحسن بن علی ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم یبق أحد من هذا القبیل إلا وهو خائفٌ علی دمه ، أو طریدٌ فی الأرض .

ص: 148

تفاقم الأمر:

ویضیف بن أبی الحدید نقلاً عن المدائنی: ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسین وولی عبدالملک بن مروان، فاشتد البلاء علی الشیعة، وولی علیهم الحجاج بن یوسف ، فتقرب إلیه أهل النسک والصلاح والدین ببغض علی وموالاة أعدائه ! وموالاة من یدعی من الناس أنهم أیضاً من أعدائه ، فأکثروا من الروایة فی فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ، وأکثروا من الغض من علی وعیبه والطعن فیه والشنآن له ، حتی أن انساناً وقف للحجاج ویقال إنه جد الاصمعی عبد الملک بن قریب ، فصاح به: أیها الأمیر إن أهلی عقونی فسمونی علیاً ، وإنی فقیر بائس ، وأنا إلی صلة الأمیر محتاج ، فتضاحک له الحجاج ، وقال: للطف ما توسلت به ، قد ولیتک کذا !

وتابع ابن أبی الحدید قائلاً: وقد روی ابن عرفة المعروف بنفطویه ، وهو من أکابر المحدثین وأعلامهم ، فی تاریخه ما یناسب هذا الخبر ، وقال: إن اکثر الأحادیث الموضوعة فی فضائل الصحابة افتعلت فی أیام بنی أمیة ، تقرباً الیهم بما یظنون أنهم یرغمون به أنوف بنی هاشم !! انتهی .

أما الدولة العباسیة فقد واصلت السیاسة الأمویة فی اضطهاد أهل البیت(علیهم السّلام) ، واضطهاد محبیهم ورواة فضائلهم ، وأعطت للنواصب ووضاعی الأحادیث نفس المکانة المحترمة التی کانت لهم عند الخلافة الأمویة !

وثقافة المسلمین السنیین إنما تکونت فی ظل هاتین الدولتین.. ولذا صار من المألوف أن تقرأ فیها مثل هذه النص ( أسد بن وداعة شامی تابعی ناصبی کان یسب علیاً ، وکان عابداً ، وثقه النسائی !)

الغدیر: 5/294

ص: 149

وفی النصائح الکافیة لمحمد بن عقیل/22

وهؤلاء هم الذین قال فیهم الإمام أحمد(رحمه الله)لما سئل عن معاویة: إن قوماً أبغضوا علیاً فتطلبوا له عیباً فلم یجدوا ، فعمدوا إلی رجل قد ناصبه العداوة فأطروه کیداً لعلی !!

وفی کتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2/277

قال الریاشی: سمعت محمد بن عبد الحمید قال: قلت لابن أبی حفصة: ما أغراک ببنی علی ؟!

قال: ما أحد أحب إلی منهم ، ولکن لم أجد شیئاً أنفع عند القوم منه ! أی من بغضهم والتحامل علیهم ! وکان ابن أبی حفصة یتحامل علی آل علی ، ویکثر هجاءهم طمعاً بجوائز العباسیین !! انتهی .

ولا نطیل بذکر الشواهد الکثیرة علی هذه السیاسة المؤذیة لله تعالی ولرسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد أفرد السید محمد بن عقیل الحضرمی کتاباً لتعصبات علماء الجرح والتعدیل ضد أهل البیت (علیهم السّلام) ومحبیهم ، سماه ( العتب الجمیل علی أهل الجرح والتعدیل ).

ولم یؤثر ذلک فی کل الناس:

فی العقد الفرید لإبن عبد ربه: 5/156

انتقص ابن حمزة بن عبد الله بن الزبیر علیاً فقال له أبوه... أما تری علیاً وما یظهر بعض الناس من بغضه ولعنه علی المنابر فکأنما والله یأخذون بناصیته رفعاً إلی السماء ، وما تری بنی مروان وما یندبون به موتاهم من المدح... فکأنما یکشفون عن الجیف !!

ص: 150

بعض ما ورد عن المقیاس النبوی فی مصادرنا

روی الکلینی فی الکافی: 8/93

عن الإمام الصادق(علیه السّلام)أنه قال: لله عز وجل فی بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحرمة آل رسول الله(علیهم السّلام) ، وحرمة کتاب الله عز وجل، وحرمة کعبة الله، وحرمة المؤمن .انتهی .

وروی نحوه فی مجمع الزوائد: 1/266 ، عن أبی سعید الخدری ، قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن لله عز وجل حرمات ثلاث ، من حفظهن حفظ الله له أمر دینه ودنیاه ، ومن لم یحفظهن لم یحفظ الله له شیئاً: حرمة الإسلام ، وحرمتی ، وحرمة رحمی .

وفی معانی الأخبار للصدوق/58

حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی(رحمه الله)قال: حدثنا عبد العزیز بن یحیی الجلودی بالبصرة قال: حدثنی المغیرة بن محمد ، قال: حدثنا رجاء بن سلمة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفی ، عن أبی جعفر محمد بن علی (علیهماالسّلام)قال:

خطب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه بالکوفة بعد منصرفه من النهروان ، وبلغه أن معاویة یسبه ویلعنه ویقتل أصحابه ، فقام خطیباً ، فحمد الله وأثنی علیه ، وصلی علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وذکر ما أنعم الله علی نبیه وعلیه ، ثم قال:

لولا آیة فی کتاب الله ما ذکرت ما أنا ذاکره فی مقامی هذا ، یقول الله عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ . اللهم لک الحمد علی نعمتک التی لا تحصی ، وفضلک الذی لا ینسی .

ص: 151

یا أیها الناس: إنه بلغنی ما بلغنی ، وإنی أرانی قد اقترب أجلی ، وکأنی بکم وقد جهلتم أمری ، وإنی تارک فیکم ماترکه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کتاب الله وعترتی ، وهی عترة الهادی إلی النجاة خاتم الأنبیاء ، وسید النجباء ، والنبی المصطفی .

یا أیها الناس:

لعلکم لا تسمعون قائلاً یقول مثل قولی بعدی إلا مفتر ، أنا أخو رسول الله ، وابن عمه ، وسیف نقمته ، وعماد نصرته وبأسه وشدته .

أنا رحی جهنم الدائرة ، وأضراسها الطاحنة ، أنا موتم البنین والبنات ، أنا قابض الأرواح ، وبأس الله الذی لا یرده عن القوم المجرمین .

أنا مجدل الأبطال ، وقاتل الفرسان ، ومبیر من کفر بالرحمن ، وصهر خیر الأنام .

أنا سید الأوصیاء ، ووصی خیر الأنبیاء ، أنا باب مدینة العلم ، وخازن علم رسول الله ووارثه ، وأنا زوج البتول سیده نساء العالمین فاطمة التقیة ، ومن ولدی مهدی هذه الأمة .

ألا وقد جعلت محنتکم.. ببغضی یعرف المنافقون ، وبمحبتی امتحن الله المؤمنین هذا عهد النبی الأمی الی أنه لا یحبک إلا مؤمن ، ولا یبغضک إلا منافق .

وأنا صاحب لواء رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الدنیا والآخرة ، ورسول الله فرطی ، وأنا فرط شیعتی ، والله لا عطش محبی ، ولا خاف ولیی. وأنا ولی المؤمنین ، والله ولیی .

حسب محبی أن یحبوا ما أحب الله ، وحسب مبغضی أن یبغضوا ما أحب الله .

ألا وإنه بلغنی أن معاویة سبنی ولعننی. اللهم اشدد وطأتک علیه ، وأنزل اللعنة علی المستحق ، آمین رب العالمین ، رب إسماعیل وباعث إبراهیم. إنک حمید مجید .

وفی أمالی الصدوق/269

ص: 152

عن ابن عباس قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید الأنبیاء والمرسلین ، وأفضل من الملائکة المقربین ، وأوصیائی سادة أوصیاء النبیین والمرسلین ، وذریتی أفضل ذریات النبیین والمرسلین ، وأصحابی الذین سلکوا منهاجی أفضل أصحاب النبیین والمرسلین ، وابنتی فاطمة سیدة نساء العالمین ، والطاهرات من أزواجی أمهات المؤمنین ، وأمتی خیر أمة أخرجت للناس ، وأنا أکثر النبیین تبعاً یوم القیامة ، ولی حوضٌ عرضه ما بین بصری وصنعاء ، فیه من الأباریق عدد نجوم السماء ،

وخلیفتی علی الحوض یومئذ خلیفتی فی الدنیا .

فقیل: ومن ذاک یا رسول الله ؟

قال: إمام المسلمین وأمیر المؤمنین ومولاهم بعدی علی بن أبی طالب ، یسقی منه أولیاءه ، ویذود عنه أعداءه کما یذود أحدکم الغریبة من الابل عن الماء.

ثم قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أحب علیاً وأطاعه فی دار الدنیا ورد علی حوضی غداً ، وکان معی فی درجتی فی الجنة ، ومن أبغض علیاً فی دار الدنیا وعصاه ، لم أره ولم یرنی یوم القیامة ، واختلج دونی ، وأخذ به ذات الشمال إلی النار .

وفی روایة قال: جاء رجل إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا رسول الله أکل من قال: لا إله إلا الله مؤمن ؟

قال: إن عداوتنا تلحق بالیهود والنصاری ! إنکم لا تدخلون الجنة حتی تحبونی ، وکذب من زعم أنه یحبنی ویبغض هذا ، یعنی علیاً .

وفی أمالی الصدوق/134

وفی حدیث علی بن أبی طالب قال: بینا أنا وفاطمة والحسن والحسین عند رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذ التفت إلینا فبکی فقلت: ما یبکیک یا رسول الله ؟

فقال: أبکی مما یصنع بکم بعدی !

ص: 153

فقلت: وما ذاک یارسول الله ؟

قال: أبکی من ضربتک علی القرن ، ولطم فاطمة خدها ، وطعنة الحسن فی الفخذ والسم الذی یسقی ، وقتل الحسین !

قال: فبکی أهل البیت جمیعاً ، فقلت یا رسول الله ، ما خلقنا ربنا إلا للبلاء .

قال: أبشر یا علی ، فإن الله عز وجل قد عهد إلی أنه لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق .

وفی أمالی الصدوق/89

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حرب علی حرب الله ، وسلم علی سلم الله .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ولی علی ولی الله ، وعدو علی عدو الله .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علی حجة الله ، وخلیفته علی عباده .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حب علی إیمان ، وبغضه کفر .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حزب علی حزب الله ، وحزب أعدائه حزب الشیطان .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علی مع الحق والحق معه لا یفترقان حتی یردا علی الحوض

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لعلی: قسیم النار والجنة .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من فارق علیاً فقد فارقنی ، ومن فارقنی فقد فارق الله عز وجل .

وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): شیعة علی هم الفائزون یوم القیامة .

وفی أمالی المفید/169

فی حدیث أبی ذر الغفاری قال: رأیت رسول الله وقد ضرب کتف علی بن أبی طالب(علیه السّلام)بیده ، وقال:

یا علی: من أحبنا فهو العربی ، ومن أبغضنا فهو العلج .

ص: 154

شیعتنا أهل البیوتات والمعادن والشرف ، ومن کان مولده صحیحاً ، وما علی ملة إبراهیم(علیه السّلام)إلا نحن وشیعتنا ، وسائر الناس منها براء !

وإن لله ملائکة یهدمون سیئات شیعتنا کما یهدم القدوم البنیان .

وفی أمالی المفید/213

عن الإمام الصادق عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی: یاعلی أنت منی وأنا منک ، ولیک ولی وولی ولی الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله .

یا علی: أنا حرب لمن حاربک ، وسلم لمن سالمک ، یاعلی لک کنز فی الجنة ، لا یدخل الجنة إلا من عرفک وعرفته ، ولا یدخل النار إلا من أنکرک وأنکرته .

یا علی: أنت والأئمة من ولدک علی الأعراف یوم القیامة تعرف المجرمین بسیماهم والمؤمنون بعلاماتهم .

یا علی: لولاک لم یعرف المؤمنون بعدی .

وفی الغدیر: 10/159

لما قدم معاویة المدینة صعد المنبر فخطب ونال من ابن علی ومن علی !

فقام الحسن فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال:

إن الله عز وجل لم یبعث بعثاً إلا جعل له عدواً من المجرمین ، فأنا ابن علی وأنت ابن صخر ، وأمک هند وأمی فاطمة ، وجدتک قتیلة وجدتی خدیجة ، فلعن الله ألامنا حسباً ، وأخملنا ذکراً ، وأعظمنا کفراً ، وأشدنا نفاقاً !

فصاح أهل المسجد: آمین آمین. فقطع معاویة خطبته ودخل منزله !

وفی لفظ: خطب معاویة بالکوفة حین دخلها ، والحسن والحسین رضی الله عنهما جالسان تحت المنبر ، فذکر علیاً(علیه السّلام)فنال منه ثم نال من الحسن ، فقام الحسین لیرد علیه ، فأخذه الحسن بیده فأجلسه ، ثم قام فقال:

ص: 155

أیها الذاکر علیاً ! أنا الحسن وأبی علی، وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأمی فاطمة وأمک هند، وجدی رسول الله وجدک عتبة بن ربیعة ، وجدتی خدیجة ، وجدتک قتیلة ! فلعن الله أخملنا ذکراً ، وألامنا حسباً ، وشرنا قدیماً وحدیثاً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً. فقال طوائف من أهل المسجد: آمین .

مقاتل الطالبیین ص22 ، وشرح ابن ابی الحدید ج4 ص12 ، وجمهرة الرسائل: 2/9 و50

بعض ما ورد فی مصادرنا فی عدم شمولا شفاعة للنواصب

فی بصائر الدرجات/52

حدثنا سلام بن أبی عمرة الخراسانی ، عن أبان بن تغلب ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، عن أبیه أنه قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

من أراد أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویدخل جنة ربی جنة عدن غرسة ربی ، فلیتول علی بن أبی طالب ، ولیعاد عدوه ، ولیأتم بالأوصیاء من بعده ، فإنهم أئمة الهدی من بعدی ، أعطاهم الله فهمی وعلمی ، وهم عترتی من لحمی ودمی. إلی الله أشکو من أمتی المنکرین لفضلهم ، القاطعین فیهم صلتی !

وأیم الله لیقتلن ابنی-یعنی الحسین-لا أنالهم الله شفاعتی. ورواه فی الإمامة والتبصرة/41. وتقدم فی المکذبین بفضلهم .

وفی الطبرانی الکبیر: 5/194 ومجمع الزوائد: 9/180

عن زید بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أحب أن یحیا حیاتی ، ویموت موتتی ، ویسکن جنة الخلد التی وعدنی ربی ، فإن ربی غرس قصباتها بیده ،

ص: 156

فلیتول علی بن أبی طالب ، فإنه لن یخرجکم من هدی ، ولن یدخلکم فی ضلالة. انتهی.

ولا بد إذا صح الحدیث أن یکون قوله ( فإن ربی غرس قصباتها بیده ) مجازیاً لأجل بیان أهمیة جنة الخلد ، وأنها من خاص عطاء الله تعالی .

وفی المحاسن: 1/186

عنه ، عن أبیه ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن أبی المغرا ، عن أبی بصیر ، عن علی الصائغ ، قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إن المؤمن لیشفع لحمیمه إلا أن یکون ناصباً ، ولو أن ناصباً شفع له کل نبی مرسل وملک مقرب ما شفعوا .

ورواه فی ثواب الأعمال /203 ، والمحاسن /184 ، والبحار: 8/41 ، ونحوه فی بشارة المصطفی للطبری الشیعی/38

بعض ماورد فی مصادرنا فی أحکام التعامل مع النواصب

فی الکافی: 5/348

عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: لا یتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلک. عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: قال له الفضیل: أتزوج الناصبة ؟ قال: لا ، ولا کرامة .

قلت: جعلت فداک ، والله إنی لاقول لک هذا ، ولو جاءتنی ببیت ملان دراهم ما فعلت .

وفی الکافی: 5/349

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن الناصب الذی قد عرف نصبه وعداوته ، هل نزوجه المؤمنة ، وهو قادرٌ علی رده ، وهو لا یعلم برده ؟

ص: 157

قال: لا یزوج المؤمن الناصبة ، ولا یتزوج الناصب المؤمنة ، ولا یتزوج المستضعف مؤمنة .

وفی الکافی: 5/351

عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سأله أبی وأنا أسمع عن نکاح الیهودیة والنصرانیة ، فقال: نکاحهما أحب إلی من نکاح الناصبیة ، وما أحب للرجل المسلم أن یتزوج الیهودیة ولا النصرانیة ، مخافة أن یتهود ولده أو یتنصر.

وفی الکافی: 3/133

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزیز العبدی ، عن ابن أبی یعفور قال: کان خطاب الجهنی خلیطاً لنا وکان شدید النصب لآل محمد (علیهم السّلام) ، وکان یصحب نجدة الحروری !

قال: فدخلت علیه أعوده للخلطة والتقیة ، فإذا هو مغمی علیه فی حد الموت ، فسمعته یقول: مالی ولک یا علی !! فأخبرت بذلک أبا عبد الله فقال أبو عبد الله: رآه ورب الکعبة ، رآه ورب الکعبة !

وفی الکافی: 4/309

عن وهب بن عبد ربه قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): أیحج الرجل عن الناصب ؟

فقال: لا .

فقلت: فإن کان أبی ؟

قال: فإن کان أباک فنعم .

وفی وسائل الشیعة: 1/158

ص: 158

عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)( فی حدیث ) قال: من اغتسل من الماء الذی قد اغتسل فیه فأصابه الجذام ، فلا یلومن إلا نفسه .

فقلت لابی الحسن(علیه السّلام): إن أهل المدینة یقولون: إن فیه شفاء من العین ، فقال: کذبوا ، یغتسل فیه الجنب من الحرام ، والزانی ، والناصب الذی هو شرهما و (شر) کل من خلق الله ، ثم یکون فیه شفاء من العین ؟!!

وفی وسائل الشیعة: 1/165

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه کره سؤر ولد الزنا ، وسؤر الیهودی والنصرانی ، والمشرک وکل من خالف الإسلام ، وکان أشد ذلک عنده سؤر الناصب .

وفی الهدایة للصدوق/26

إذا صلیت علی ناصب ، فقل بین التکبیرة الخامسة: أللهم اخز عبدک فی عبادک وبلادک ، أللهم أصله أشد نارک ، وأذقه حر عذابک ، فإنه کان یوالی أعداءک ویعادی أولیاءک، ویبغض أهل بیت نبیک. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزکه.

النصب یجر إلی التجسیم

فی تنزیه الأنبیاء للشریف المرتضی/177

مسألة: فإن قیل: فما معنی الخبر المروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: سترون ربکم کما ترون القمر لیلة البدر لا تضامون فی رؤیته. وهذا خبر مشهور لا یمکن تضعیفه ونسبته إلی الشذوذ ؟

الجواب: قلنا أما هذا الخبر فمطعون علیه مقدوح فی راویه ، فإن راویه قیس بن أبی حازم ، وقد کان خولط فی عقله فی آخر عمره مع استمراره علی روایة

ص: 159

الأخبار، وهذا قدحٌ لا شبهة فیه ، لأن کل خبر مروی عنه لا یعلم تاریخه یجب أن یکون مردوداً ، لأنه لا یؤمن أن یکون مما سمع منه فی حال الإختلال ، وهذه طریقة فی قبول الأخبار وردها ینبغی أن تکون أصلاً ومعتبراً فیمن علم منه الخروج ، ولم یعلم تاریخ ما نقل عنه .

علی أن قیساً لو سلم من هذا القدح کان مطعوناً فیه من وجه آخر ، وهو أن قیس بن أبی حازم کان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمیر المؤمنین صلاة الله وسلامه علیه والإنحراف عنه ، وهو الذی قال: رأیت علی بن أبی طالب علی منبر الکوفة یقول: انفروا إلی بقیة الأحزاب ، فأبغضته حتی الیوم فی قلبی. إلی غیر ذلک من تصریحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شک فی عدالته .

فضل العلماء الذین یدفعون شبهات النواصب

فی الصراط المستقیم للبیاضی: 3/56

عن الهادی(علیه السّلام): لولا من یبقی بعد غیبة قائمکم من العلماء الدالین علیه ، والداعین إلیه ، والذابین عن دینه بحجج الله.. ولکنهم الذین یمسکون أزمة قلوب ضعفاء الشیعة ، کما یمسک صاحب السفینة سکانها ، أولئک هم الأفضلون عند الله عز وجل. ( وهو فی الإحتجاج للطبرسی: 1/15 )

وقال علی(علیه السّلام): من قوی مسکیناً فی دینه ، ضعیفاً فی معرفته ، علی ناصب مخالف فأفحمه ، لقنه الله یوم یدلی فی قبره أن یقول: الله ربی ، ومحمد نبیی ، وعلی ولیی ، والکعبة قبلتی ، والقرآن عدتی ، والمؤمنون إخوانی .

فیقول الله أدلیت بالحجة ، فوجبت لک عالی درجات الجنة ، فعند ذلک یتحول علیه قبره أنزه ریاض الجنة .

ص: 160

وقال الرضا(علیه السّلام): أفضل ما یقدمه العالم من محبینا لیوم فقره ومسکنته أن یعین فی الدنیا مسکیناً من ید ناصب عدو لله ورسوله یقوم من قبره والملائکة صفوف إلی محل من الجنان ، فیحملونه علی أجنحتهم ، ویقولون: طوباک طوباک یا دافع الکلاب عن الأبرار ، ویا أیها المتعصب للأئمة الأخیار .

وفی الإحتجاج للطبرسی: 1/16

وعنه(علیه السّلام)قال: یأتی علماء شیعتنا القوامون بضعفاء محبینا وأهل ولایتنا یوم القیامة والأنوار تسطع من تیجانهم ، علی رأس کل واحد منهم تاج بهاء ، قد انبثت تلک الأنوار فی عرصات القیامة ودورها مسیرة ثلاثمائة ألف سنة ، فشعاع تیجانهم ینبث فیها کلها ، فلا یبقی هناک یتیم قد کفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حیرة التیه أخرجوه ، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم ، فرفعتهم إلی العلو حتی تحاذی بهم فوق الجنان ، ثم ینزلهم علی منازلهم المعدة فی جوار أستاتیذهم ومعلمیهم، وبحضرة أئمتهم الذین کانوا الیهم یدعون .

ولا یبقی ناصبٌ من النواصب یصیبه من شعاع تلک التیجان إلا عمیت عینه وأصمت أذنه وأخرس لسانه ، وتحول علیه أشد من لهب النیران ، فیحملهم حتی یدفعهم إلی الزبانیة فیدعونهم إلی سواء الجحیم .

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

الفصل السادس عشر: شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة بید أهل بیته(علیهم السّلام)

اشارة

تقدم فی الفصول السابقة من السنیین عن أویس القرنی أنه یشفع لمثل ربیعة ومضر وتمیم .

وعرفت أن أویساً ما کان إلا شیعیاً مخلصاً لأهل البیت(علیهم السّلام) ، وأنه بایع أمیر المؤمنین(علیه السّلام)علی بذل مهجته دونه ، واستشهد تحت رایته فی صفین .

وإذا کان أویس صاحب هذه الشفاعة الکبیرة ، فکیف تکون شفاعة علی الذی فداه بنفسه ؟!

ثم کیف لا تکون لأهل البیت(علیهم السّلام) شفاعةٌ ممیزة، وقد نصت الأحادیث الصحیحة علی أن الجنة والشفاعة محرمةٌ علی مبغضیهم وظالمیهم، کما عرفت !

إن الذین یستکثرون الشفاعة علی أهل البیت(علیهم السّلام) ، إنما یقفلون أعینهم عمداً عن المقام الممیز الذی ثبت لهم بالأحادیث الصحیحة فی مصادر الجمیع.. أو یحسدون أهل بیت نبیهم علی ما فضلهم به ربهم ، صلی الله علیه وعلیهم .

ثم اعجب لهؤلاء المستکثرین للشفاعة علی أهل بیت نبیهم ، وهم یعلمون أن جدهم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو رئیس المحشر یوم القیامة ، وصاحب الشفاعة الکبری فیه وصاحب حوض الکوثر.. وذلک ملکٌ عظیم یحتاج إلی من یدیره ، وینفذ فیه

ص: 165

أوامر النبی وتوجیهاته.. فمن یکون هؤلاء المنفذون غیر أهل بیته الأطهار ، ومعهم ملائکة الله تعالی ؟!

وفیما یلی نورد أحادیث تدل علی مقامهم وشفاعتهم من مصادر الطرفین:

علی(علیه السّلام)صاحب لواء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة

روت بعض صحاح إخواننا أحادیث لواء الحمد ، وهو لواء رئاسة المحشر ، الذی یعطیه الله لرسوله یوم القیامة .

ولکن هذا اللواء بقی فی الصحاح بلا أحد یحمله !

والسبب فی ذلک أن حامله علی(علیه السّلام)، وأحادیثه تضمنت فضائل له ، وتعریضاً بالصحابة ، وهی أمورٌ لا یتحملها الخلفاء ، فترکها رواة الخلافة !!

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر ولواء الحمد ؟

أما البخاری فلم یرو أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سید ولد آدم یوم المحشر ، ولا أنه یعطی لواء الحمد ، ولا أنه یکون أول شافع !

فالبخاری قلد کعب الأحبار الذی زعم أن الشافع الأول هو ابراهیم أو اسحاق ، کما بینا ذلک فی المجلد الثالث !

ولذا أعطی مقام الشفاعة الأول لأنبیاء الیهود ، وأبقی المحشر بلا رئیس ولا لواء ! ولعل أمر المحشر عنده یحتاج إلی سقیفة قرشیة لإختیار رئیس له !!

وأما مسلم فقد روی فی صحیحه: 7/59

عن أبی هریرة قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ، وأول من ینشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع .

ص: 166

ونحوه فی ابن ماجة: 2 /1440 ، وأبی داود: 2/407

وأما الترمذی فروی حدیث لواء الحمد فی: 4/294:

عن أبی سعید قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ولا فخر ، وبیدی لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبی یومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائی ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، ولا فخر .

ورواه بصیغ أخری فی: 4/370 ، وفی: 5/245 و247 و248

أما أحادیث أن علیاً حامل لواء المحشر ، وأنه الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد صارت من نصیب المصادر البعیدة عن رقابة الخلافة !

ولابأس بذلک ، لأن بعض هذه المصادر أقدم من الصحاح الستة ، وکل مصنفیها محترمون موثقون عند السنیین ، وبعضهم شیوخ أصحاب الصحاح !

وقد أورد الأمینی فی الغدیر: 2/321 ، عدداً من هذه الأحادیث ، وذکر فیها لواء الحمد والسقایة علی الحوض معاً.. ونحن نورد ما فیه ذکر اللواء ، مما ذکره فی الغدیر ، وغیره:

ففی مناقب الصحابة لاحمد بن حنبل/661

حدثنا محمد بن هشام بن البختری ، ثنا الحسین بن عبید الله العجلی ، ثنا الفضیل بن الإستثناء، عن عطیة العوفی ، عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعطیت فی علی خمساً هن أحب إلی من الدنیا وما فیها:

أما واحدة: فهو تکأتی إلی بین یدی ، حتی یفرغ من الحساب .

وأما الثانیة: فلواء الحمد بیده ، آدم علیه السلام ومن ولد تحته .

وأما الثالثة: فواقفٌ علی عقر حوضی یسقی من عرف من أمتی .

ص: 167

وأما الرابعة: فساتر عورتی ومسلمی إلی ربی .

وأما الخامسة: فلست أخشی علیه أن یرجع زانیاً بعد إحصان أو کافراً بعد إیمان .

ورواه أبو نعیم فی الحلیة: 10 ص211 والطبری المؤرخ فی الریاض النضرة 2/203 ورواه فی کنز العمال 6/403

وفی مناقب الخوارزمی/203: عن علی قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یاعلی؟ سألت ربی عز وجل فیک خمس خصال فأعطانی: أما الأولی: فإنی سألت ربی: أن تنشق عنی الأرض وانفض التراب عن رأسی وأنت معی ، فأعطانی .

وأما الثانیة: فسألته أن یوقفنی عند کفة المیزان وأنت معی ، فأعطانی .

وأما الثالثة: فسألته أن یجعلک حامل لوائی وهو لواء الله الأکبر ، علیه المفلحون والفائزون بالجنة ، فأعطانی .

وأما الرابعة: فسألت ربی أن تسقی أمتی من حوضی فأعطانی .

وأما الخامسة: فسألت ربی أن یجعلک قائد أمتی إلی الجنة فأعطانی. فالحمد لله الذی من به علی. انتهی .

ورواه فی فرائد السمطین فی الباب الثامن عشر ، وفی کنز العمال 6/402.

وفی الدر المنثور: 6/379

أخرج ابن مردویه عن علی قال: قال لی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ألم تسمع قول الله: إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خیر البریة ، أنت وشیعتک وموعدی وموعدکم الحوض إذا جثت الأمم للحساب ، تدعون غراً محجلین .

وفی الطبرانی الصغیر: 2/88

عن عبد الله بن عکیم الجهنی قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله عز وجل أوحی إلی فی علی بن أبی طالب ثلاثة أشیاء لیلة أسری بی: إنه سید المؤمنین وإمام

ص: 168

المتقین ، وقائد الغر المحجلین. انتهی .وروی نحوه الحاکم: 3/138 ، عن أسعد بن زرارة ، وقال: إسناده صحیح .

ومعنی قائد الغر المحجلین: أن علیاً (علیه السّلام)

صاحب لواء أهل الجنة .

وفی الطبرانی الکبیر: 2/247

عن جابر: قالوا یارسول الله ، من یحمل رایتک یوم القیامة ؟

قال: من یحسن أن یحملها إلا من حملها فی الدنیا ، علی بن أبی طالب .

وفی فردوس الأخبار: 5/8346

عن أبی بن کعب أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعلی: یا علی أنت تغسل جثتی، وتؤدی ذمتی وتوارینی فی حفرتی ، وتفی بذمتی ، وأنت صاحب لوائی فی الدنیا والآخرة.

وفی کنز العمال: 13/145

عن ابن عباس قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی: أنت أمامی یوم القیامة فیدفع إلی لواء الحمد فأدفعه إلیک، وأنت تذود الناس عن حوضی ( ابن عساکر ، وقال: فیه أبو حذیفة إسحاق بن بشر ، ضعیف) انتهی. ورواه فی إحقاق الحق: 6/179 ، عن أرجح المطالب/662 ، ط. لاهور .

وفی إحقاق الحق: 27/199

عن کتاب التبر المذاب لاحمد الحافی الشافعی/81:

قال الواقدی وهشام بن محمد: لما رآهم الحسین مصرین علی قتله ، أخذ المصحف ونشره ، ونادی: بینی وبینکم کتاب الله وسنة جدی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بم تستحلون دمی ؟ألست ابن بنت نبیکم ؟ألم یبلغکم قول جدی فی وفی أخی: هذان سیدا شباب أهل الجنة ؟! . . . فبم تستحلون دمی وجدی الذائد علی الحوض یذود عنه رجالاً کما یذاد البعیر الشارد عن الماء ، ولواء الحمد بید أبی

ص: 169

یوم القیامة . . . الخ.

وفی کنز العمال: 11/625 وج 13/129

عن الخطیب والرافعی عن علی قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

سألت الله یا علی فیک خمساً ، فمنعنی واحدة وأعطانی أربعاً: سألت الله أن یجمع علیک أمتی فأبی علی ، وأعطانی فیک أنک أول من تنشق عنه الأرض یوم القیامة أنا وأنت معی ، ومعک لواء الحمد أنت تحمله بین یدی تسبق به الأولین والآخرین ، وأعطانی فیک أنک ولی المؤمنین بعدی .

وروی فی کنز العمال:13/152 ، حدیثین فی الموضوع جاء فی أولهما:

أن تسقی أمتی من حوضی ، وأن یجعلک قائد أمتی إلی الجنة ، فأعطانی .

وذکر أن ابن الجوزی والذهبی ضعفا هذا الحدیث بعبد الله بن أحمد بن عامر عن أبیه ، وقال: ولم أقف لهذا الرجل علی ترجمة ، وللحدیث الأخیر شاهدٌ من حدیث ابن عباس، إلا أن ابن الجوزی أورده فی الموضوعات ، وللحدیث الأول شاهد. انتهی .

فقد مال إلی تصحیح الحدیثین بشواهدهما، وهو أمر متفق علیه فی علم الحدیث وکم من حدیث ضعیف عندهم صححوه بشواهده .

ولکنه لم یذکر شواهدهما ! ومن عادة المعتدلین السنیین أنهم لا یحبون أن یفتحوا نقاشاً صریحاً مع المتعصبین .

والأحادیث التی أوردناها من مصادرهم کافیة للشهادة لهما ، وفیها صحیحٌ سالم بشهادتهم !!

ویفهم من کلام صاحب کنز العمال أیضاً أنه لا یأخذ بتضعیفات ابن الجوزی والذهبی لأحادیث فضائل أهل البیت (علیهم السّلام) .

ص: 170

أما مصادرنا فقد تواترت فیها أحادیث أن لواء الحمد یکون بید علی(علیه السّلام):

ففی أمالی الصدوق/61

عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

یا علی أنت أخی ووزیری ، وصاحب لوائی فی الدنیا والآخرة ، وأنت صاحب حوضی ، من أحبک أحبنی ومن أبغضک أبغضنی .

وفی بشارة المصطفی للطبری الشیعی/125

بسنده عن الحسین بن علی قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی أنت المظلوم بعدی ، فویل لمن قاتلک وطوبی لمن قاتل معک . . .

یا علی أنت أول من تنشق عنه الأرض معی ، وأنت أول من یبعث معی ، وأنت أول من یجوز الصراط معی . . .

وأنت أول من یرد حوضی ، تسقی منه أولیاءک وتذود عنه أعداءک .

وأنت صاحبی إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبنا فیهم .

وأنت أول من یدخل الجنة وبیدک لوائی لواء الحمد ، وهو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر .

وأنت صاحب شجرة طوبی فی الجنة، أصلها فی دارک وأغصانها فی دور شیعتک ومحبیک. انتهی. وروی نحوه فی 220

علی(علیه السّلام)آمر السقایة علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة

حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو حوض الکوثر ، قضیةٌ کبیرة یوم القیامة.. فهو عین الحیاة فی أرض المحشر ، یصب ماؤها من نهرین من أنهار الجنة ، وکل الخلائق یحتاجون إلی الشرب منه ، لأنه لا یمکن لاحد أن یدخل الجنة إلا بأن یشرب

ص: 171

منه ! ففی کنز العمال: 14 /420: ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن یرد علی الحوض-حم ، د ، ک ، عن زید بن أرقم. انتهی .

والشربة منه تروی الإنسان ریاً أبدیاً ، فلا یظمأ بعدها أبداً.. ویبدو أنها تؤثر علی الترکیب الفیزیائی لبدن الإنسان ، فتجعله صالحاً للحیاة فی الجنة .

وقد خص الله به سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وجعل أمره بیده وید أهل بیته الطاهرین ، فلا یشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم !!

کما أن أحادیث حوض الکوثر قضیةٌ کبیرة أیضاً فی مصادر المسلمین !

ونشکر الله أنها بقیت فی الصحاح ولم تحذف منها !لانها کانت مهددة بالنسیان والحذف !! بسبب أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی آخر سنة من عمره الشریف رکز علی العقیدة بالحوض ، خاصة فی خطب حجة الوداع ، وربطه بوصیته بالقرآن وأهل بیته الطاهرین ، وأکد علی أن من لا یطیع وصیته فیهم یمنعه الله تعالی من ورود الحوض والشرب منه ، وبالتالی من دخول الجنة .

وأخبر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن أکثر أصحابه سوف یطردون عن الحوض ، ولا یسمح لهم بالشرب منه !!!

فأحادیث الحوض تتضمن إذن: بیان مقام أهل البیت الطاهرین ، والأمر باتباعهم، وأنهم ومحبیهم الواردون علی الحوض ، والساقون علیه..

کما تتضمن ذم مبغضیهم ومخالفیهم ، وأنهم مطرودون عن الحوض ، ممنوعون من الورود علیه والشرب منه ، حتی لو کانوا صحابة !!

ص: 172

محاولات الأمویین التکذیب بأحادیث الحوض

من الطبیعی أن ینزعج المنافقون والحاسدون لبنی هاشم من هذا التأکید النبوی ، ولا بد أنهم کانوا یسخرون من عقیدة ( حوض محمد وأهل بیته ) .

ولا نحتاج إلی تتبع سخریتهم فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولکنا نراها ظاهرة عند ورثتهم من الحکام الکبار فی العهد الأموی ، مثل عبید الله بن زیاد ، الذی کان الحاکم المطلق للعراق وایران وما وراءها !!

ویبدو أنه کان یعمل لحذف عقیدة الحوض من الإسلام.. ولکن المؤمنین وقفوا فی وجهه !

فقد ذکر الحاکم فی المستدرک: 1/75

أن أبا سبرة بن سلمة الهذلی سمع ابن زیاد یسأل عن الحوض حوض محمد ! فقال: ما أراه حقاً ! بعد ما سأل أبا برزة الاسلمی ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو، قال: ما أصدق هؤلاء !! الخ .

وقال فی: 1/78:

عن أنس قال دخلت علی عبید الله بن زیاد وهم یتراجعون فی ذکر الحوض ، قال فقال جاءکم أنس ، قال یا أنس ما تقول فی الحوض ؟

قال قلت: ما حسبت أنی أعیش حتی أری مثلکم یمترون فی الحوض !

لقد ترکت بعدی عجائز ما تصلی واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن یوردها حوض محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ، ولم یخرجاه ، وله عن حمید شاهد صحیح علی شرطهما... انتهی . وروی نحوه أبو یعلی فی مسنده: 6/96

ص: 173

وروی البیهقی فی الإعتقاد والهدایة/84: عن أبی حمزة قال: دخل أبو برزة علی عبید الله بن زیاد فقال: إن محمدکم هذا لدحداح !!!

فقال: ما کنت أرانی أن أعیش فی قوم یعدون صحبة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عاراً !

قالوا: إن الأمیر إنما دعاک لیسألک عن الحوض ! فقال: عن أی باله: قال: أحقٌ هو:

قال: نعم ، فمن کذب به فلا سقاه الله منه !! انتهی .

وقد یدافع النواصب عن هذه الروایات بأنها تتحدث عن حالة شخصیة فی ابن زیاد ، ولیس عن اتجاه عند الخلافة الأمویة وأنصارها .

ولکنه یجد أنها اتجاه ولیست حالة شخصیة ! فهذا عمر بن عبد العزیز ، وهو فی مطلع القرن الثانی ، أراد أن یتثبت من صحة أحادیث الحوض ! أو یقنع بها بنی أمیة وأجواءهم فی العاصمة ! أو یواصل ما عمله الأمویون . . فأرسل إلی المدینة فی إحضار صحابی کبیر السن ، لکی یسمع

منه مباشرة حدیث الحوض !!

فقد روی البیهقی فی شعب الإیمان: 8/243

عن شعبة ، أخبرنا أبو بکر بن فورک ، أنا عبد الله بن جعفر ، ثنا یونس بن حبیب ، ثنا أبو داود ، ثنا أبو عتبة ، عن محمد بن المهاجر ، عن عباس بن سالم اللخمی ، أن ابن عبد العزیز بعث إلی أبی سلام الحبشی ، وحمل علی البرید حتی قدم علیه فقال: إنی بعثت إلیک أشافهک حدیث ثوبان فی الحوض !

فقال أبو سلام: سمعت ثوبان یقول سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: حوضی من عدن أبین إلی عمان البلقاء ، أکوازه مثل عدد نجوم السماء ، ماؤه أحلی من العسل ، أشد بیاضاً من اللبن ، من شرب منه شربة لم یظمأ بعدها أبداً ، أول من یرد علی فقراء أمتی .

فقال عمر: یا رسول الله من هم ؟قال: هم الشعث الرؤوس ، الدنس الثیاب الذین

ص: 174

لا ینکحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد .

وقال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 4/355

أبو سلام ممطور الحبشئ ، ثم الدمشقی ، الأسود الأعرج... استقدمه عمر بن عبد العزیز فی خلافته إلیه علی البرید ، لیشافهه بما سمع من ثوبان فی حوض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقال له: شققت علی. فاعتذر إلیه عمر وأکرمه. توفی سنة نیف ومئة .

ندم أئمة المذاهب علی تدوین أحادیث الحوض !!

بل یدل النص التالی علی أن حساسیة الدولة من أحادیث الحوض امتدت إلی زمن العباسیین ، بسبب أن هذه الأحادیث تتضمن ذم الصحابة !!

فقد أعلن الإمام مالک ندمه علی تدوین حدیث الحوض فی کتابه الموطأ ! الذی دونه بأمر المنصور العباسی لیکون الکتاب الرسمی الإلزامی للمسلمین !

وکان الإمام الشافعی یظهر تأسفه أیضاً لتدوین مالک لهذه الأحادیث ، ولو کانت صحیحة !!

قال الصدیق المغربی فی فتح الملک العلی/151

حکی عن مالک أنه قال: ما ندمت علی حدیث أدخلته فی الموطأ إلا هذا الحدیث !! وعن الشافعی أنه قال: ما علمنا فی کتاب مالک حدیثاً فیه إزراء علی الصحابة إلا حدیث الحوض ، ووددنا أنه لم یذکره !! انتهی .

ویناسب هنا أن نتوسع قلیلاث فی سبب ندم الإمام مالک والشافعی:

فقد طلب العباسیون عندما کانوا یخططون لثورتهم من الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) أن یتحالفوا معهم للاطاحة ببنی أمیة ، فلم یستجب لهم الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)، بینما استجاب لهم الحسنیون وتحالفوا معهم ، وعینوا لحرکتهم

ص: 175

إماماً حسنیاً ، وبدؤوا فعالیتهم ضد الأمویین فی الحجاز والعراق وخراسان ، بشعار: یالثارات الحسین ، والدعوة إلی الخلیفة المرضی من آل محمد ، والبراءة من غاصبی حقهم من الشیخین والأمویین بعدهم !!

وما أن حققت ثورتهم انتصارات حاسمة علی ید أبی مسلم الخراسانی ، حتی اختلفوا مع حلفائهم الحسنیین ، ونشبت بینهم معارک ضاریة فی الحجاز والعراق، انتصر فیها العباسیون وتفردوا بالحکم..

وهنا بدأ العباسیون بتغییر استراتیجیتهم الفکریة التی أخذوا البیعة علیها من الناس، فاستثنوا الشیخین أبا بکر وعمر من البراءة واللعن ، وحصروه ببنی أمیة بمن فیهم عثمان !

ویدل ندم مالک علی وجود ذم الصحابة فی کتابه ، علی أنه ألفه قبل أن یتبلور التحول فی خط الخلافة العباسیة ، ویعدلوا عن البراءة من الشیخین إلی تبنی ولایتهما والتأکید علیها . .

ذلک أن العباسیین کانوا سیاسیین ولم یکونوا علماء ، وکانت المرجعیة الدینیة للمعارضة فی الأئمة من أولاد علی(علیه السّلام).. فأراد العباسیون أن یتبنوا مرجعیة دینیة، غیر أمویة وغیر علویة ، فاختار أبو جعفر المنصور الإمام مالک ، وطلب منه أن یؤلف کتاباً سهلاً ممهداً موطأً ، لینشره فی بلاد المسلمین ویلزمهم به ، فألف له الموطأ ووضع فیه حدیث الحوض الذی یذم الصحابة لأنه ینسجم مع خطهم الفکری ، ونشرت الخلافة الکتاب ، وأصدر المنصور قراره الذی ذهب مثلاً ( لا یفتین أحد ومالک فی المدینة ) .

ولکن ندم مالک ، والشافعی ، والخلافة العباسیة لم ینفع ، لأن حدیث الحوض دخل فی کتاب الخلافة الرسمی ، وصار شاهداً لأحادیث الحوض الأخری التی سمعها الناس ورووها ودونوها !

ص: 176

بل صار ندمهم شاهداً تاریخیاً قویاً علی صحة صدور هذه الأحادیث النبویة الخطیرة ، وتأکید خط أهل البیت (علیهم السّلام) ومکانتهم فی الإسلام!

وإذا لاحظنا أن البخاری ومسلماً قد ألفا صحیحیهما فی عصر المتوکل العباسی وبعده ، وأن بغض المتوکل لعلی وأهل البیت النبوی کان مشهوراً.. فینبغی أن نشکرهما لأنهما رویا شیئاً من حدیث الحوض الذی فیه إزراء علی الصحابة حسب تعبیر الشافعی ، ولا نکلفهما أن یرویا أن علیاً(علیه السّلام)هو الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه یذود عنه الکفار والصحابة المطرودین !

والنتیجة للمتأمل فی أحادیث حوض الکوثر

أن موقف السلطة الأمویة والعباسیة لم یمنع من روایتها ، ولکنه سبب أن یقلل الرواة منها ویتحاشوا ما کان شدیداً علی الصحابة !!

وقد رأیت أن البخاری ومسلماً لم یرویا حدیث أنس مع ابن زیاد ، وغیره مما هو صحیح علی شرطهما !!

وبذلک یصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحادیث طرد الصحابة الخائنین عن الحوض ، لیس إلا جزءاً قلیلاً منها !

علی أن عدداً من المصادر بدلت کلمة أصحابی بکلمة: أمتی ، أو بکلمة: الناس ! وتحاشت صحاحهم روایة الأحادیث التی تربط حوض الکوثر بأهل البیت النبوی ومحبیهم، وتجعلهم المؤمنین المقبولین ، والغر المحجلین ، الذین یوافون النبی علی حوضه ، ویردون منه ویدخلون الجنة !!

ص: 177

نماذج من أحادیث الحوض والصحابة المطرودین

فی البخاری: 7/207

عن عبد الله بن عمرو قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حوضی مسیرة شهر ، ماؤه أبیض من اللبن، وریحه أطیب من المسک ، وکیزانه کنجوم السماء ، من شرب منها فلا یظمأ أبداً.

وفی البخاری: 8/86

عن أسماء عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أنا علی حوضی أنتظر من یرد علی ، فیؤخذ بناس من دونی فأقول أمتی ! فیقول: لا تدری مشوا علی القهقری. انتهی

وفی البخاری: 2/975

عن ابن المسیب أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یرد علیَّ الحوض رجالٌ من أصحابی فیحلؤون عنه! فأقول: یارب أصحابی ؟! فیقول: فإنه لا علم لک بما أحدثوا بعدک، إنهم ارتدوا علی أعقابهم القهقری .

وفی مسلم: 1/150

عن أبی هریره قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ترد علیَّ أمتی الحوض وأنا أذود الناس عنه .قالوا یا نبی الله أتعرفنا ؟

قال: نعم تردون علیَّ غراً محجلین من آثار الوضوء. ولیصد عنی طائفةٌ منکم فلا یصلون ، فأقول یارب هؤلاء من أصحابی ؟! فیجیبنی ملکٌ فیقول: وهل تدری ما أحدثوا بعدک ؟ ! !

وفی مسلم: 7/70

عن أبی هریره أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: لاذودن عن حوضی رجالاً کما تذاد الغریبة من الإبل . ورواه أحمد فی: 2/298 ، ورواه فی المسند الجامع-تحقیق د. عواد: 3/343 و5/135 و18 /471 ، والبیهقی فی البعث والنشور/125 ، ومجمع الزوائد: 10/665

ص: 178

وروی مسلم: 2/369 ، وأحمد: 5/390: عن عمار بن یاسر قال: أخبرنی حذیفة عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: فی أصحابی اثنا عشر منافقاً ، منهم ثمانیةٌ لا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ! انتهی .

وقد اهتم ابن حجر بحکم أحواض الإبل التی فی الحدیث فقال فی فتح الباری: 5/33: وقوله لأذودن.. أی لاطردن ، ومناسبته الترجمة من ذکره (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن صاحب الحوض یطرد إبل غیره عن حوضه ، ولم ینکر ذلک ، فیدل علی الجواز. انتهی .

وروی ابن أبی شیبة فی المصنف: 15/109

عن حذیفة قال: المنافقون الذین فیکم الیوم شرٌ من المنافقین الذین کانوا علی عهد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

قال الراوی هو شقیق ، قلت: یا أبا عبد الله وکیف ذاک ؟!

قال: إن أولئک کانوا یسرون نفاقهم ، وإن هؤلاء أعلنوه !!

وقال المفید فی الافصاح/50

وقال(علیه السّلام): أیها الناس ، بینا أنا علی الحوض إذ مُر بکم زمراً ، فتفرق بکم الطرق فأنادیکم: ألا هلموا إلی الطریق ، فینادینی مناد من ورائی: إنهم بدلوا

بعدک ، فأقول: ألا سحقاً ، ألا سحقاً (1) .

وقال(علیه السّلام): ما بال أقوام یقولون: إن رحم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا تنفع یوم القیامة ، بلی والله إن رحمی لموصولةٌ فی الدنیا والآخرة ، وإنی أیها الناس فرطکم علی الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل منکم یارسول الله أنا فلانٌ بن فلان ، وقال الآخر: أنا فلانٌ بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته ، ولکنکم أحدثتم بعدی فارتددتم القهقری (2) .

ص: 179

وقال(علیه السّلام)، وقد ذکر عنده الدجال:

أنا لفتنة بعضکم أخوف منی لفتنة الدجال (3) .

وقال (علیه السّلام): إن من أصحابی من لا یرانی بعد أن یفارقنی (4) .

فی أحادیث من هذا الجنس یطول شرحها ، وأمرها فی الکتب عند أصحاب الحدیث أشهر من أن یحتاج فیه إلی برهان .

علی أن کتاب الله عز وجل شاهد بما ذکرناه ، ولو لم یأت حدیث فیه لکفی فی بیان ما وصفناه .

قال الله سبحانه وتعالی: وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علی أعقابکم؟! ومن ینقلب علی عقبیه فلن یضر الله شیئاً وسیجزی الله الشاکرین .

فأخبر تعالی عن ردتهم بعد نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی القطع والثبات !

وقال فی هامشه:

(1) مسند أحمد 6: 297 ، ومسند أبی یعلی: 11/387 )

(2) مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه

(3) کنز العمال: 14/322/28812

(4) مسند أحمد: 6/307

وفی فردوس الأخبار: 3/444

عن أنس بن مالک عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: لیرفعن أناسٌ من أصحابی وأنا علی الحوض ، فإذا عاینونی عرفتهم وأنا علی الحوض ، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دونی .

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: من أحب علیاً وأطاعه فی دار الدنیا ورد علی

ص: 180

حوضی غداً ، وکان معی فی درجتی فی الجنة .

ومن أبعض علیاً فی دار الدنیا وعصاه ، لم أره ولم یرنی یوم القیامة ، واختلج دونی وأخذ به ذات الشمال إلی النار. انتهی .

أسس تدوین أحادیث القیامة عند علماء الخلافة

ونصل من أحادیث الحوض إلی قضیة أوسع تتعلق بموضوعنا ، وهی أحادیث مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة..

فإن المتأمل فیها فی مصادر إخواننا السنیین یصل إلی قناعة بأن أحادیثها کانت تتضمن أن أهل بیته معه فی المحشر والجنة ، بدلیل بقاء ذکرهم وتسمیتهم فی عدد منها ! وأنها کانت تتضمن بیان المصیر الأسود لأکثر الصحابة !

وقد رأیت أنهم لم یستطیعوا أن یتخلصوا من الأحادیث التی تنص علی أنه لا یرد منهم الحوض ولا ینجو إلا مثل همل النعم !

وهمل النعم هی النعاج المفردة الخارجة عن القطیع ! وهو یعنی أن أکثریة قطیع الصحابة لا ینجو !!

وبهذا نعرف الصعوبة فی المهمة التی عهدت بهاالخلافة القرشیة إلی علماء الحدیث ، أو تبرعوا هم بها ، بتدوین صحاح ترضی عنها وتتبنی نشرها !!

فلا بد أنهم وقفوا طویلاً أمام مشکلة تدوین أحادیث القیامة والآخرة ، لأنها تعطی أهل البیت مقاماً إلی جنب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاک أکثرهم !!

ولا شک أن الذین ألفوا بعد مالک بن أنس واجهوا نفس مشکلته ، وخافوا أن یقعوا فی نفس ( مزلق ) التشیع الذی وقع فیه !!

ص: 181

لذا رأوا أنهم مجبرون علی إتباع الأسس التالیة:

أولاً: أن یختاروا الأحادیث التی لیس فیها ذکر لأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهی قلیلة جداً جداً !

ثانیاً: أن یجردوا الأحادیث من ذکر مقام أهل البیت النبوی مهما أمکن !

ثالثاً: أن یستبدلوا أسماء أهل البیت والکلمات التی استعملها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی

التعبیر عنهم بکلمات عن الأمة والصحابة .

رابعاً: أن یتحاشوا الأحادیث التی فیها ذم الصحابة ، أو یحذفوا منها الذم أو یوجهوه إلی آخرین .

خامساً: أن یدونوا الأحادیث الموضوعة فی فضل الصحابة ، خاصة الخلفاء الثلاثة ، لکی تقابل الأحادیث فی فضائل أهل البیت النبوی !!

وتفصیل هذا الموضوع یخرجنا عن بحثنا ، فنکتفی بذکر نماذج صغیرة:

فقد روی الخطیب فی تاریخ بغداد 9/453

عن ابن عباس قال: سمعت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو آخذٌ بید علی یقول: هذا أول من یصافحنی یوم القیامة .

وفی الإستیعاب: 4/169

عن أبی لیلی الغفاری قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: ستکون بعدی فتنة فإذا کان ذلک فالزموا علی بن أبی طالب فإنه أول من یرانی ، وأول من یصافحنی یوم القیامة ، وهو الصدیق الأکبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، یفرق بین الحق والباطل ، وهو یعسوب المؤمنین والمال یعسوب المنافقین .

ورواه ابن حجر فی الإصابة: 4/170 ، وضعفه بدون حجة ، وکذا فعل ابن کثیر فی البدایة: 7/348 .

ص: 182

وفی سنن ابن ماجه: 1/44

عن عباد بن عبد الله قال: قال علی(رض): أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدیق الأکبر ، لا یقولها بعدی إلا کذاب ! صلیت قبل الناس سبع سنین. هذا حدیث صحیح.

ورواه العزیزی فی السراج المنیر: 2/402 ، وقال البوصیری فی الزوائد: صحیحٌ علی شرط الشیخین ، وتکلم فیه بعضهم لأجل عباد ، لکن تابعته علیه معاذة العدویة .

وفی کنز العمال: 11/616

إن هذا أول من آمن بی، وأول من یصافحنی یوم القیامة ، وهذا الصدیق الأکبر ، وهذا فاروق هذه الأمة، یفرق بین الحق والباطل ، وهذا یعسوب المؤمنین والمال یعسوب الظالمین - قاله لعلی. ( الطبرانی عن سلمان وأبی ذر معاً ، والبیهقی، وابن سعد ، عن حذیفة. انتهی .

وقال فی هامشه: أورده الهیثمی فی مجمع الزوائد ( 9/102 ) وقال رواه الطبرانی والبزار ، وفیه عمر بن سعید المصری وهو ضعیف. انتهی .

وکلام هذا المهمش لیس دقیقاً ، لأن روایة کنز العمال عن ثلاثة: سلمان وأبی ذر وحذیفة. وروایة الطبرانی والبزار التی ضعفها الهیثمی بعمر بن سعید المصری إنما هی عن أبی ذر وحده ، وبالتالی فهو لم یضعف روایة سلمان وأبی ذر معاً ، ولا روایة حذیفة التی نقلها صاحب کنز العمال عن البیهقی ، وعن طبقات ابن سعد !

والیک ما قاله فی مجمع الزوائد: 9/102: وعن أبی ذر وسلمان قالا: أخذ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بید علی فقال:إن هذا أول من آمن بی،

ص: 183

وهذا أول من یصافحنی یوم القیامة ، وهذا الصدیق الأکبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، یفرق بین الحق والباطل ، وهذا یعسوب المؤمنین والمال یعسوب الظالمین.

رواه الطبرانی والبزار عن أبی ذر وحده وقال فیه: أنت أول من آمن بی ، وقال فیه: والمال یعسوب الکفار. وفیه عمرو بن سعید المصری وهو ضعیف. انتهی .

ومهما یکن ، فإن بعض طرق الحدیث صحیحةٌ علی مبانیهم بدون حاجة إلی شواهد، وبعضها صحیحةٌ بشواهدها. ولکنهم لا یبحثون أسانیده وأسانید شواهده، ویضعفونه ویحکمون علیه بأنه منکر ، لأنه یتضمن شهادة من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بصفات مهمة لعلی(علیه السّلام)، وهی أمر منکر یضر بالخلافة القرشیة !!

بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن یعارضوه بأحادیث تشهد بأن الصفات التی وردت فیه قد ثبتت لخلفاء قریش ، ولیس لعلی !!

ونترک لقب الصدیق والفاروق فعلاً ، ونذکر ما رووه حول: أول من تنشق عنه الأرض مع النبی فی یوم المحشر ، وأول من یصافح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأنهما من صلب موضوعنا .

أما الأول:

فقد روی الحاکم فی المستدرک: 2/465 ، وصححه:عن ابن عمر رضی الله عنهما قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا أول من تنشق الأرض عنه ، ثم أبو بکر ، ثم عمر ، ثم آتی أهل البقیع فیحشرون معی ، ثم أنتظر أهل مکة !!

وتلا عبد الله بن عمر: یوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلک حشر علینا یسیر !

ورواه أیضاً فی: 3/68 ، وصححه .ورواه فی کنز العمال: 11/403

وروی نحوه فی/426 و433 ( عن الترمذی، وحسنه ، وأبی عروبة فی الاوائل ، والطبرانی الکبیر ، وابن عساکر ، وأبی نعیم فی فضائل الصحابة ، عن ابن عمر.

ص: 184

وبآخر عن ابن عساکر ، عن أبی هریرة. انتهی .

وتلاحظ فی هذه الأحادیث أنها تعطی الأولیة فی الحشر ودخول الجنة لأبی بکر وعمر ، ثم لأهل البقیع ، ثم للقرشیین فی مکة !

کما یوجد عندهم حدیث آخر یمیلون إلی قبوله، رواه فی کنز العمال: 13/233 عن علی ! قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، فیعطینی الله من الکرامة ما لم یعطنیمن قبل . ثم ینادی مناد: یا محمد قرب الخلفاء ، فأقول: ومن الخلفاء ؟!

فیقول جل جلاله: عبد الله أبو بکر الصدیق ، فأول من تنشق الأرض عنه بعدی أبو بکر ، ویقف بین یدی الله فیحاسب حساباً یسیراً ، ویکسی حلتین خضراوین ، ثم یوقف أمام العرش . ثم ینادی مناد: أین عمر بن الخطاب ؟ فیجئ وأوداجه تشخب دماً فأقول:

عمر ! من فعل هذا بک !؟ فیقول: مولی المغیرة بن شعبة ، فیوقف بین یدی الله فیحاسب حساباً یسیراً ، ثم یکسی حلتین خضراوین ، ثم یوقف أمام العرش . ثم یؤتی بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً ، فأقول: عثمان ! من فعل بک هذا !؟ فیقول: فلانٌ وفلان ، فیوقف بین یدی الله فیحاسب حساباً یسیراً ، ثم یکسی حلتین خضراوین ، ثم یوقف أمام العرش .

ثم یؤتی بعلی وأوداجه تشخب دماً فأقول: علی ! من فعل بک هذا ؟!

فیقول: عبد الرحمن بن ملجم ، فیوقف بین یدی الله فیحاسب حساباً یسیراً ، ثم یکسی حلتین خضراوین ، ثم یوقف أمام العرش مع أصحابه.

الزوزنی ، وفیه علی بن صالح ، قال الذهبی: لا یعرف ، وله خبرٌ باطل ، وقال فی اللسان ذکره ابن حبان فی الثقات وقال: روی عنه أهل العراق ، مستقیم الحدیث. انتهی .

وهکذا عالج رواة الخلافة أولیة علی التی رواها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فوضعوا حدیثاً

ص: 185

علی لسان علی نفسه ! یجعل الأولیة لخلفاء قریش بالترتیب، ویجعل علیاً الرابع !!

وإذا کلمتهم فی السند تراهم یعرضون عن بحث أسانید الأحادیث التی فیها فضائل علی، ویعملون المستحیل لتصحیح الأحادیث التی فیها فضائل غیره ، ویمدح ابن حبان واضع الحدیث بأنه مستقیم الحدیث ، أی أن أحادیثه فی مدح الخلفاء والأمراء وعمالهم !

وأما حدیث أن أول من یصافحه النبی یوم القیامة علی.. فقد وجدوا له معالجة أخری ، فإذا کان علی أول شخص یستقبله الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویصافحه یوم القیامة ، فإن عمر أول شخص یستقبله الله تعالی یوم القیامة ویصافحه !! ویرحب به ، ویدخله الجنة !!

فقد روی ابن ماجة فی صحیحه: 1/39

حدثنا إسماعیل بن محمد الطلحی ، أنبأنا داود بن عطاء المدینی ، عن صالح بن کیسان ، عن ابن شهاب ، عن سعید بن المسیب ، عن أبی بن کعب ، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أول من یصافحه الحق عمر ، وأول من یسلم علیه ، وأول من یأخذ بیده فیدخله الجنة .

ورواه فی کنز العمال: 1/578 - ه- ، ک - عن أبی. انتهی .

وقد جاءت روایتهم فاقعةً إلی حد أن الذهبی الذی یحب التجسیم ویحب عمر ، لم یستطع الدفاع عنها !

وکذلک الألبانی ، حیث ضعفها علی مضض فی ضعیفته برقم 22485 .

ص: 186

نتیجة کلیة

والنتیجة الأکیدة عند المتأمل فی هذه الأحادیث من مصادر الفریقین:

أن علیاً وأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهم دورٌ کبیر فی الشفاعة مع النبی یوم القیامة.. بل إن کل مؤمن مقبول له شفاعة یوم القیامة بحسبه ، ولما کان أهل بیت النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )سادة المؤمنین ، فشفاعتهم أکبر وأعظم .

أما الصحابة فتدل أحادیث القیامة علی أن أکثرهم یکونون مشغولین إلی آخر نفس فی معالجة مشکلتهم وتخلیص أنفسهم ! !

أحادیث أن علیاً هو الساقی علی الحوض والذائد عنه

تقدم فی الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علی میزان الإسلام والکفر ، حدیث الإمام الحسن السبط(علیه السّلام)، وقد صححه الحاکم وغیره، وفیه:

( فقال له الحسن: أما والله لئن وردت علیه الحوض ، وما أراک ترده ، لتجدنه مشمر الإزار علی ساق، یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الإبل! قول الصادق المصدوق ، وقد خاب من افتری ) .

کما تقدمت بعض أحادیثه فی حمل لواء المحشر عن أحمد وغیره .

وفی مناقب الصحابة لاحمد/667

وفیما کتب إلینا ( عبد الله بن غنام ) یذکر أن عباد بن یعقوب حدثهم ، نا علی بن عابس ، عن عبد الله عن أبی حرب بن أبی الأسود الدئلی ، قال اشتکی أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها فی خرب البصرة ، فبینا أنا أطوف إذا أنا برجل یصلی فأشار إلی فأتیته فقال: من أنت ؟ فقلت أبو حرب بن أبی الأسود ،

ص: 187

فقال: أقرئ أباک السلام وقل له عبد الله بن فلان یقرأ علیک السلام ویقول لک: أشهد أنی سمعت علیاً یقول: لاذودن بیدی هاتین القصیرتین عن حوض رسول الله رایات الکفار والمنافقین ، کما تذاد غریبة الابل عن حیاضها. انتهی .

وفی تاریخ المدینة لابن شبة: 1/37

حدثنا محمد بن بکار قال ، حدثنا أبو معشر ، عن حرام بن عثمان ( عن أبی ) عتیق ، عن جابر بن عبدالله رضی الله عنهما قال: أخرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا فی مسجدی هذا. قال: فخرج الناس ، وخرج علی (رض) ، فقال: لعلی (رض) إرجع فقد أحل لک فیه ما أحل لی ، کأنی بک تذودهم علی الحوض ، وفی یدک عصا عوسج .

وفی مجمع الزوائد: 9/173

وعن أبی هریرة أن علی بن أبی طالب (رض) قال: یا رسول الله ، أیما أحب الیک أنا أم فاطمة ؟

قال: فاطمة أحب إلیَّ منک ، وأنت أعز علیَّ منها. وکأنی بک وأنت علی حوضی تذود عنه الناس ، وإن علیه لأباریق مثل عدد نجوم السماء ، وإنی وأنت والحسن والحسین وفاطمة وعقیل وجعفر فی الجنة ، إخوانآ علی سرر متقابلین ، أنت معی وشیعتک فی الجنة. ثم قرأ رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إخواناً علی سرر متقابلین ، لا ینظر أحد فی قفا صاحبه.

رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه سلمی بن عقبة ولم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات. ورواه فی تفسیر المیزان: 12/176 ، عن تفسیر البرهان عن الحافظ أبی نعیم عن رجاله عن أبی هریرة..

وفی مجمع الزوائد: 9/135

ص: 188

عن أبی سعید قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی معک یوم القیامة عصا من عصی الجنة تذود بها المنافقین عن حوضی. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه سلام بسلیمان المداینی وزید العمی ، وهما ضعیفان وقد وثقا ، وبقیة رجالهما ثقات .

وعن عبد الله بن إجاره بن قیس قال: سمعت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب وهو علی المنبر یقول: أنا أذود عن حوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بیدی هاتین القصیرتین الکفار والمنافقین کما تذود السقاة غریبة الإبل عن حیاضهم. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه محمد ابن قدامة الجوهری ، وهو ضعیف .

وعن علی بن أبی طالب قال قال لی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ألا ترضی یا علی إذا جمع الله النبیین فی صعید واحد ، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فکان أول من یُدعی ابراهیم فیکسی ثوبین أبیضین ، ثم یقوم عن یمین العرش ، ثم یفجر مثعب من الجنة إلی حوضی ، وحوضی أبعد مما بین بصری وصنعاء ، فیه عدد نجوم السماء قدحان من فضة ، فأشرب وأتوضأ وأکسی ثوبین أبیضین ، ثم أقوم عن یمین العرش، ثم تدعی فتشرب وتتوضأ وتکسی ثوبین أبیضین ، فتقوم معی، ولا أدعی إلی خیر إلا دعیت له.

رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه عمران بن میثم ، وهو کذاب .

وفی مجمع الزوائد: 10/366

وعن أبی هریرة وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علی بن أبی طالب صاحب حوضی یوم القیامة ، فیه أکوابٌ کعدد نجوم السماء ، وسعة حوضی ما بین الجابیة إلی صنعاء. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه ضعفاء وثقوا .

وفی الغدیر:1/321: ( أخرج الطبرانی بإسناد رجاله ثقات عن أبی سعید الخدری قال: قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی معک یوم القیامة عصا من عصی الجنة ، تذود بها المنافقین عن الحوض. (الذخایر/91 ، الریاض: 2/211 ، مجمع الزوائد:

ص: 189

9/135 ، الصواعق/104. انتهی. وهو فی الطبرانی الصغیر: 2/89 ، وفردوس الأخبار: 5 /317/408 ، وفی طبعة أخری من الصواعق/174

وفی تاریخ دمشق لابن عساکر: 1/265:

أخبرنا أبو الحسن السلمی ، أنبأنا عبد العزیز التمیمی ، أنبأنا علی بن موسی ابن الحسین ، أنبأنا أبو سلیمان بن زیر ، أنبأنا محمد بن یوسف الهروی ، أنبأنا محمد بن النعمان بن بشیر ، أنبأنا أحمد بن الحسین بن جعفر الهاشمی اللهبی ، حدثنی عبد العزیز بن محمد ، عن حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن ومحمد ابنی جابر بن عبد الله عن أبیهما جابر بن عبد الله الأنصاری قال:

جاءنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونحن مضطجعون فی المسجد ، وفی یده عسیب رطب فضربنا ، وقال: أترقدون فی المسجد ، إنه لا یرقد فیه أحد.

فأجفلنا وأجفل معنا علی بن أبی طالب ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):یا علی إنه یحل لک فی المسجد ما یحل لی ، یاعلی ألا ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی إلا النبوة .

والذی نفسی بیده إنک لتذودن عن حوضی یوم القیامة رجالاً کما یذاد البعیر الضال عن الماء بعصی من عوسج ، کأنی أنظر مقامک من حوضی .

قال ( و ) أخبرناه عالیا أبو المظفر بن القشیری وأبو القاسم الشحامی قالا: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعید محمد بن بشر ، أنبأنا محمد بن ادریس ، أنبأنا سوید بن سعد ، أنبأنا حفص بن میسرة ، عن حزام بن عثمان ، عن ابن جابر - أراه عن جابر - قال: جاء رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونحن مضطجعون فی المسجد، فضربنا

بعصف فی یده فقال: أترقدون فی المسجد إنه لا یرقد فیه .

فأجفلنا فأجفل علی ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): تعال یا علی إنه یحل لک فی المسجد ما یحل لی، أما ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی إلا النبوة،

ص: 190

والذی نفسی بیده إنک لذواد عن حوضی یوم القیامة ، تذود کما یذاد البعیر الضال عن الماء بعصی لک من عوسج، کأنی أنظر إلی مقامک من حوضی. انتهی. ونقله عنه فی إحقاق الحق: 17/374 ، ورواه الخوارزمی فی مناقبه/65

وفی الروض الأنف: 2/146:من طریق جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال لعلی: والذی نفسی بیده إنک لذائد عن حوضی یوم القیامة ، تذود عنه کفار الأمم کما تذاد الإبل الضالة عن الماء .

وقال السهیلی: إلا أن هذا الحدیث یرویه حرام بن عثمان عن جابر عن النبی. وقد سئل مالک عنه فقال: لیس بثقة ، وأغلظ فیه الشافعی. انتهی .

وکذلک ضعفه فی تهذیب التهذیب: 4/283 .

ولا بد أن مالکاً سئل عنه ، بعد أن ندم علی تدوین حدیث الحوض فی موطئه!

وسواء صح ما نقلوه عن الشافعی فی راوی الحدیث حرام بن عثمان أم لا ، فإن الذین ضعفوا هذا الحدیث قد تعصبوا ضد أهل البیت ، ودلسوا أیضاً !

ذلک أن القاعدة عند العلماء: أنهم إذاضعفوا طریقاً لحدیث مروی من طرق أخری صحیحة ، أن ینبهوا إلی ذلک، ویذکروا أن له طرقاً أخری لیس فیها حرام! خاصة أنه حدیثٌ مشهورٌ من روایة أهل البیت واحتجاجاتهم من زمن علی والحسنین (علیهم السّلام) ، وکذلک فی احتجاج شیعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثراً وشعراً .

وقد نقلته مصادر السنیین بأسانید صحیحة عن علی ، وعن الحسن السبط (علیهم السّلام) ، وقد تقدم فی الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علی(علیه السّلام)میزان الإسلام والکفر والإیمان والنفاق ، فراجع .

وکذا روته مصادرهم فیما روت من خطب الإمام الحسین(علیه السّلام)ومحاوراته لجیش یزید فی کربلاء..

ص: 191

ولذلک یعتبر علماء الجرح والتعدیل مثل هذا العمل تدلیساً ، یقصد منه إیهام القارئ بضعف متن هذا الحدیث وأسانیده الأخری !!

وأخیراً ، فقد روت مصادر السنیین حدیثاً غیر مفهوم ، ورد فیه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یذود عن الحوض لأهل الیمن ! ففی المسند الجامع - تحقیق الدکتور عواد: 3/343 - ح 2062 - 48: عن ثوبان ، أن نبی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إنی لبعقر حوضی أذود الناس لأهل الیمن أضرب بعصای حتی یرفض علیهم. فسئل عن عرضه ؟ فقال: من مقامی إلی عمان .

وسئل عن شرابه ؟ فقال: أشد بیاضاً من اللبن ، وأحلی من العسل ، یغث فیه میزابان یحدانه من الجنة ، أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق. انتهی .

وقد وجدنا حدیثاً صححه فی مجمع الزوائد، وهو یعطی ضوءا علی هذا الحدیث المبهم ، ویدل علی أنه نصه کان یرتبط بأهل البیت (علیهم السّلام) ، فصار لأهل الیمن !!

قال فی مجمع الزوائد: 10/366: وعن ثوبان قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حوضی أذود عنه الناس لأهل بیتی إنی لأضربهم بعصای هذه حتی ترفض .

قلت: فذکر الحدیث وهو فی الصحیح غیر قوله ( لأهل بیتی ) .

رواه البزار بإسنادین ، ورجال أحدهما رجال الصحیح. انتهی .

ومعنی ذلک أن إحدی روایتی البزاز التی فیها ( لأهل بیتی ) صحیحة ، ولعل أصل الحدیث أذود عنه أنا وأهل بیتی ، أو أذود من خالف أهل بیتی..

ص: 192

من أحادیث الحوض فی مصادرنا:

أما مصادرنا فلا مشکلة لها مع أحادیث حوض الکوثر ولا مع غیرها ، لذلک تجد أحادیثه صحیحة ومتواترة فی مصادرنا ، وهی من حججنا علی إمامة أهل البیت النبوی الطاهرین (علیهم السّلام) ..

قال الصدوق فی کتاب الإعتقادات/43

إعتقادنا فی الحوض: أنه حق ، وأن عرضه مابین أیلة وصنعاء ، وهو للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). الساقی علیه یوم القیامة أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب (علیهم السّلام) ، یسقی منه أولیاءه ویذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم یظمأ بعدها أبدا.

وقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لیختلجن قوم من أصحابی دونی وأنا علی الحوض ، فیؤخذ بهم ذات الشمال ، فأنادی یاربی أصحابی أصحابی ، فیقال لی: إنک لاتدری ما أحدثوا بعدک !

وروی فی کتاب الخصال/624 ، عن علی(علیه السّلام):

أنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومعی عترتی وسبطی علی الحوض ، فمن أرادنا فلیأخذ بقولنا ولیعمل عملنا، فإن لکل أهل بیت نجیب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا فی لقائنا علی الحوض ، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقی منه أحباءنا وأولیاءنا ، ومن شرب منه شربةً لم یظمأ بعدها أبدا .

حوضنا مترعٌ فیه مثعبان ینصبان من الجنة أحدهما من تسنیم ، والآخر من معین ، علی حافتیه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والیاقوت ، وهو الکوثر .

ورواه فی تفسیر فرات الکوفی/366 ، وتفسیر نور الثقلین: 5/511

ص: 193

وفی تفسیر فرات /172 ، من روایة یخبر بها النبی ابنته الصدیقة فاطمة الزهراء (علیهاالسّلام)بما سیحدث لها ولاولادها من بعده ، ویعلمها الصبر علی أمر الله تعالی ، قال:

یا فاطمة بنت محمد . . . أما ترضین أن یکون أبوک یأتونه یسألونه الشفاعة .

أما ترضین أن یکون بعلک یذود الخلق یوم العطش عن الحوض فیسقی منه أولیاءه ، ویذود عنه أعداءه .

أما ترضین أن یکون بعلک قسیم النار ، یأمر النار فتطیعه یخرج منها من یشاء ویترک من یشاء .

أما ترضین أن تنظرین إلی الملائکة علی أرجاء السماء ینظرون إلیک والی ما تأمرین به ، وینظرون إلی بعلک قد حضر الخلائق وهو یخاصمهم عند الله !

فما ترین الله صانع بقاتل ولدک وقاتلیک ؟ ! !

وقد أوردنا فی معجم أحادیث الإمام المهدی: 3 /153

عن تفسیر العیاشی: 1/14 ، والکافی: 1 /62:

عن علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی، عن أبان بن أبی عیاش ، عن سلیم بن قیس الهلالی ، قال قلت لأمیر المؤمنین(علیه السّلام): إنی سمعت من سلمان والمقداد وأبی ذر شیئاً من تفسیر القرآن وأحادیث عن نبی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غیر ما فی أیدی الناس ، ثم سمعت منک تصدیق ما سمعت منهم ، ورأیت فی أیدی الناس أشیاء کثیرة من تفسیر القرآن ومن الأحادیث عن نبی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنتم تخالفونهم فیها ، وتزعمون أن ذلک کله باطل ، أفتری الناس یکذبون علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )متعمدین؟ ویفسرون القرآن بآرائهم ؟

قال: فأقبل علیَّ فقال: قد سألت فافهم الجواب .

إن فی أیدی الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وکذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً

ص: 194

وخاصاً ، ومحکماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد کذب علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی عهده حتی قام خطیباً فقال: أیها الناس قد کثرت علی الکذابة ، فمن کذب علیَّ متعمداً فلیتبوء مقعده من النار ! ثم کذب علیه من بعده !

وإنما أتاکم الحدیث من أربعة لیس لهم خامس:

رجلٌ منافقٌ یظهر الإیمان ، متصنع بالإسلام لا یتأثم ولا یتحرج أن یکذب علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافقٌ کذاب ، لم یقبلوا منه ولم یصدقوه ، ولکنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا یعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقین بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: وَإِذَا رَأَیْتَهُمْ تُعْجِبُکَ أَجْسَامُهُمْ ، وإن یقولوا تسمع لقولهم.

ثم بقوا بعده فتقربوا إلی أئمة الضلالة والدعاة إلی النار بالزور والکذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم علی رقاب الناس ، وأکلوا بهم الدنیا !

وإنما الناس مع الملوک والدنیا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .

ورجلٌ سمع من رسول الله شیئاً لم یحمله علی وجهه ووهم فیه ، ولم یتعمد کذباً فهو فی یده ، یقول به ویعمل به ویرویه فیقول: أنا سمعته من رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلو علم المسلمون أنه وهم لم یقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه .

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) شیئاً أمر به ثم نهی عنه وهو لا یعلم ، أو سمعه ینهی عن شئ ثم أمر به وهو لا یعلم ، فحفظ منسوخه ولم یحفظ الناسخ ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .

وآخرُ رابعٌ لم یکذب علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، مبغض للکذب خوفاً من الله وتعظیماً لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لم ینسه ، بل حفظ ما سمع علی وجهه فجاء به کما سمع لم

ص: 195

یزد فیه ولم ینقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ]وخاص وعام[ ومحکم ومتشابه قد کان یکون من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الکلام له وجهان: کلامٌ عام وکلامٌ خاص ، مثل القرآن ، وقال الله عز وجل فی کتابه: وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .

فیشتبه علی من لم یعرف ولم یدر ما عنی الله به ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ولیس کل أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یسأله عن الشئ فیفهم ! وکان منهم من یسأله ولا یستفهمه حتی أن کانوا لیحبون أن یجیئ الأعرابی والطارئ فیسأل رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی یسمعوا .

وقد کنت أدخل علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل یوم دخلةً وکل لیلة دخلةً فیخلینی فیها أدور معه حیث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه لم یصنع ذلک بأحد من الناس غیری ، فربما کان فی بیتی یأتینی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أکثر ذلک فی بیتی ، وکنت إذا دخلت علیه بعض منازله أخلانی وأقام عنی نسائه ، فلا یبقی عنده غیری ، وإذا أتانی للخلوة معی فی منزلی لم تقم عنی فاطمة ، ولا أحدٌ من بنیَّ ، وکنت إذا سألته أجابنی ، وإذا سکت عنه وفنیت مسائلی ابتدأنی ، فما نزلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )آیة من القرآن إلا أقرأنیها وأملاها علی فکتبتها بخطی ، وعلمنی تأویلها وتفسیرها وناسخها ومنسوخها ، ومحکمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن یعطینی فهمها وحفظها ، فما نسیت آیةً من کتاب الله ولا علماً أملاه علی وکتبته، منذ دعا الله لی بما دعا ، وما ترک شیئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهی کان أو یکون ولا کتاب منزل علی أحد قبله من طاعة أو معصیة إلا علمنیه وحفظته ، فلم أنس حرفاً واحداً ، ثم وضع یده علی صدری ودعا الله لی أن یملا قلبی علماً وفهماً وحکماً ونوراً ، فقلت: یا نبی الله بأبی أنت وأمی منذ

ص: 196

دعوت الله لی بما دعوت لم أنس شیئاً ولم یفتنی شئ لم أکتبه ، أفتتخوف علی النسیان فیما بعد؟

فقال: لا ، لست أتخوف علیک النسیان والجهل. وقد أخبرنی ربی أنه قد استجاب لی فیک ، وفی شرکائک الذین یکونون من بعدک .

فقلت: یا رسول الله ومن شرکائی من بعدی ؟

قال: الذین قرنهم الله بنفسه وبی .

فقال: الأوصیاء منی إلی أن یردوا علی الحوض ، کلهم هاد مهتد لا یضرهم من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا یفارقهم ولا یفارقونه ، بهم تنصر أمتی وبهم یمطرون ، وبهم یدفع عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم .

فقلت: یا رسول الله سمهم لی فقال: ابنی هذا ، ووضع یده علی رأس الحسن ، ثم ابنی هذا ووضع یده علی رأس الحسین ، ثم ابنٌ له یقال له علی ، وسیولد فی حیاتک فاقرأه منی السلام ، ثم تکملة اثنی عشر من ولد محمد .

فقلت له: بأبی أنت وأمی فسمهم لی ، فسماهم رجلاً رجلاً فیهم والله یا أخا بنی هلال مهدی أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً

کما ملئت جوراً وظلماً ، والله إنی لاعرف من یبایعه بین الرکن والمقام ، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم !! انتهی .

ویوجد قسم منه فی نهج البلاغة-شرح صبحی الصالح ، خطبة 210 ، وشرح محمد عبده:/214. وروی ابن الجوزی قسماً منه فی تذکرة الخواص /143 ، مرسلاً عن کمیل بن زیاد. ورواه النعمانی/75 ، والطبری الشیعی فی المسترشد /29 ، والصدوق فی کمال الدین: 1 /284 ، والخصال: 1 /255 ، والحرانی فی تحف العقول/193 ، والطبرسی فی الاحتجاج: 1 /264 ، وابن میثم البحرانی فی شرح النهج: 4 /19 ، والعاملی فی إثبات الهداة:1 /664 ، والمجلسی فی البحار: 2 /228 ، و: 36/273 و 276 ، و: 9/98

ص: 197

أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم علی الحوض

فی مقاتل الطالبیین/ 43

حدثنی محمد بن الحسین الأشنانی وعلی بن العباس المقانعی قالا: حدثنا عباد بن یعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن الحسن بن حکم ، عن عدی بن ثابت ، عن سفیان بن أبی لیلی ، وحدثنی محمد بن أحمد أبو عبید قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصری قال: حدثنا محمد بن عمرویه قال: حدثنا مکی بن إبراهیم ، قال حدثنا السری بن إسماعیل ، عن الشعبی ، عن سفیان بن أبی لیلی دخل حدیث بعضهم فی حدیث بعض ، وأکثر اللفظ لابی عبیدة قال: أتیت الحسن بن علی حین بایع معاویة فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت:

السلام علیک یا مذل المؤمنین !

فقال علیک السلام یا سفیان ، إنزل .

فنزلت فعقلت راحلتی ثم أتیته فجلست إلیه ، فقال: کیف قلت یاسفیان ؟

فقلت: السلام علیک یا مذل رقاب المؤمنین .

فقال: ما جر هذا منک إلینا ؟

فقلت: أنت والله-بأبی أنت وأمی - أذللت رقابنا حین أعطیت هذا الطاغیة البیعة وسلمت الأمر إلی اللعین بن اللعین بن آکلة الاکباد ، ومعک مائة ألف کلهم یموت دونک ، وقد جمع الله لک أمر الناس .

فقال: یا سفیان ، إنا أهل بیت إذا علمنا الحق تمسکنا به ، وإنی سمعت علیاً یقول سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: لا تذهب اللیالی والأیام حتی یجتمع أمر هذه الأمة علی رجل واسع السرم ضخم البلعوم یأکل ولا یشبع ، لا ینظر الله إلیه ولا یموت حتی لا یکون له فی السماء عاذرٌ ولا فی الأرض ناصر ، وإنه لمعاویة ، وإنی

ص: 198

عرفت أن الله بالغ أمره .

ثم أذن المؤذن فقمنا علی حالب یحلب ناقة ، فتناول الاناء فشرب قائماً ثم سقانی ، فخرجنا نمشی إلی المسجد ، فقال لی: ما جاءنا بک یاسفیان ؟

قلت: حبکم والذی بعث محمداً بالهدی ودین الحق .

قال: فأبشر یا سفیان فإنی سمعت علیاً یقول: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

یقول: یرد علی الحوض أهل بیتی ومن أحبهم من أمتی کهاتین، یعنی السبابتین ، ولو شئت لقلت هاتین یعنی السبابة والوسطی ، إحداهما تفضل علی الأخری .

أبشر یا سفیان فإن الدنیا تسع البر والفاجر ، حتی یبعث الله إمام الحق من آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

هذا لفظ أبی عبید وقال ( وفی حدیث محمد بن الحسین وعلی بن العباس بعض هذا الکلام موقوفاً ، عن الحسن غیر مرفوع إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إلا فی ذکر معاویة فقط ).

ورواه ابن طاووس فی الملاحم والفتن/109 ، ملخصاً عن الفتن للسلیلی ...

ورواه ابن أبی الحدید: 16 /44 ، عن أبی الفرج بسندیه بتقدیم وتأخیر ، وفی سنده محمد بن أحمد بن عبید بدل محمد بن أحمد أبو عبید. والبصری بدل المصری. وابن عمرو بدل محمد بن عمرویه ، والأشناندانی بدل الأشنانی .

ورواه فی البحار: 44 /59 ، وفی العوالم: 16 /178 ، عن ابن أبی الحدید بسندیه .

ص: 199

شعر حوض الکوثر فی مصادر الحدیث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الکوثر التی نقلتها مصادر الحدیث والادب ، من الأدلة العلمیة المهمة علی صحة أحادیث أن الساقی علی الحوض والذائد عنه هو علی (علیه السّلام). وأول شعر نقله الرواة من ذلک رجز أمیر المؤمنین فی حرب صفین:

ففی مناقب آل أبی طالب: 1/219

أنه(علیه السّلام)عندما دعی إلی المبارزة فی صفین قال مرتجزاً:

أنا علیٌّ صاحب الصمصامه

وصاحب الحوض لدی القیامة

أخو نبی الله ذی العلامة قد

قال إذ عممنی العمامة

أنت أخی ومعدن الکرامه ومن له من بعدی الإمامه. انتهی .

کما روت کتب التاریخ والحدیث والعقائد أبیاتاً للامام الحسین(علیه السّلام)، جاءت ضمن خطبته التاریخة فی کربلاء ، ذکر فیها الحوض.. کما فی الإحتجاج: 2 /26 وتفسیر نور الثقلین: 3/565 ، وغیرهما ، منها:

أنا ابن أباة الضیم من آل هاشم

کفانی بهذا مفخراً حین أفخر

وجدی رسول الله أکرم من مشی

ونحن سراج الله فی الخلق نزهر

ونحن أمان الله للناس کلهم

نطول بهذا فی الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقی محبنا

بکأس رسول الله ما لیس ینکر

وشیعتنا فی الحشر أکرم شیعة

ومبغضنا یوم القیامة یخسر

وفی بشارة المصطفی/112

أبو عبد الله الحسین بن الحسن الحسینی الجرجانی القاضی ، قدم علینا من بغداد، قال: حدثنی الشریف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدی النقیب قال: حدثنا

ص: 200

أحمد بن محمد بن عباس الجوهری قال ، حدثنا أحمد بن زیاد الهمدانی قال: رأیت صبیاً صغیراً یکون سباعیاً أو ثمانیاً بالمدینة ، علی ساکنها أفضل السلام ، ینشد:

لنحن علی الحوض ذواده

نذود وتسعد وراده

وما فاز من فاز إلا بنا

وما خاب من حبنا زاده

ومن سرنا نال منا السرور

ومن ساءنا ساء میلاده

ومن کان ظالمنا حقنا

فإن القیامة میعاده

فقلت یا فتی لمن هذه الأبیات ؟

فقال: لمنشدها .

فقلت: من الفتی ؟

فقال علویٌّ فاطمیٌّ ، إیهاً عنک. انتهی .

ونسب فی رشفة الصادی/192 ، هذه الأبیات إلی الإمام محمد الباقر(علیه السّلام) .

وقد ترجم الأمینی فی الغدیر: 2 ، لعدد

من شعراء الغدیر الذین ذکروا الحوض ، نذکر بعضهم:

فمن أقدمهم سفیان بن مصعب العبدی الکوفی:

وهو من شعراء أهل البیت(علیهم السّلام) فی القرن الثانی ، وقد مدحه الإمام الصادق(علیه السّلام) واستنشده شعره فی رثاء الإمام الحسین(علیه السّلام) . . قال العبدی من قصیدة طویلة:

هل فی سؤالک رسم المنزل الخرب

برءٌ لقلبک من داء الهوی الوصب

أم حره یوم وشک البین یبرده

ما استحدثته النوی من دمعک السرب

یا رائد الحی حسب الحی ما ضمنت

له المدامع من ماء ومن عشب

ص: 201

لهفی لما استودعت تلک القباب وما

حجبن من قضب عنا ومن کثب

لاشرقن بدمعی إن نأت بهم

دارٌ ولم أقض ما فی النفس من إرب

ما هز عطفی من شوق إلی وطنی

ولا اعترانی من وجد ومن طرب

مثل اشتیاقی من بعد ومنتزح

الی الغری وما فیه من الحسب

یا راکباً جسرةً تطوی مناسمها

ملاءة البید بالتقریب والجنب

تثنی الریاح إذا مرت بغایتها

حسری الطلائح بالغیطان والخرب

بلغ سلامی قبراً بالغری حوی

أوفی البریة من عجم ومن عرب

یا صاحب الکوثر الرقراق زاخره

ذود النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم کماة فی هواک

بما جردت من خاطر أو مقول ذرب

حتی لقد وسمت کلما جباهم

خواطری بمضاء الشعر والخطب

وقال أیضاً فی مدح علی (علیه السّلام):

أنت عین الاله والجنب من فرط فیه یصلی لظی مذموما

أنت فلک النجاة فینا وما زلت صراطاً إلی الهدی مستقیما

وعلیک الورود تسقی من الحو ض ومن شئت ینثنی محروما وإلیک الجواز تدخل من شئت جناناً ومن تشاء جحیما وقال الأمینی فی الغدیر: 2/296

فی مقتضب الاثر عن أحمد بن زیاد الهمدانی قال: حدثنی علی بن إبراهیم بن هاشم قال: حدثنی أبی عن الحسن بن علی سجاده ، عن أبان بن عمر ختن آل میثم قال: کنت عند أبی عبدالله(علیه السّلام)فدخل علیه سفیان بن مصعب العبدی قال: جعلنی الله فداک ما تقول فی قوله تعالی ذکره:

وعلی الأعراف رجالٌ یعرفون کلاً بسیماهم ؟

ص: 202

قال: هم الأوصیاء من آل محمد الإثنی عشر، لایعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه.

قال: فما الأعراف جعلت فداک ؟

قال: کثائب من مسک ، علیها رسول الله والأوصیاء یعرفون کلاً بسیماهم .

فقال سفیان: أفلا أقول فی ذلک شیئاً ؟

فقال من قصیدة:

أیا ربعهم هل فیک لی الیوم مربع

وهل للیال کن لی فیک مرجع

ومنها:

وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا

وأنتم لیوم المفزع الهول مفزع

وأنتم علی الاعراف وهی کثائب

من المسک ریاها بکم یتضوع

ثمانیة بالعرش إذ یحملونه ومن بعدهم فی الأرض هادون أربع وروی أبو الفرج فی الاغانی 7/22، عن أبی داود المسترق سلیمان بن سفیان: أن السید والعبدی اجتمعا فأنشد السید:

إنی أدین بما دان الوصی به

یوم الخریبة من قتل المحلینا

وبالذی دان یوم النهروان به

وشارکت کفه کفی بصفینا

فقال له العبدی: أخطأت ، لو شارکت کفک کفه کنت مثله ، ولکن قل: تابعت کفه کفی ، لتکون تابعاً لا شریکاً .

فکان السید بعد ذلک یقول: أنا أشعر الناس إلا العبدی .

ومن شعراء الکوثر السید الحمیری ، المتوفی 173:

وهو اسماعیل بن محمد بن یزید بن وداع الحمیری ، الملقب بالسید .

قال عنه المرزبانی: لم یسمع أن أحداً عمل شعراً جیداً وأکثر غیر السید .

ص: 203

وروی عن عبد الله بن إسحاق الهاشمی قال: جمعت للسید ألفی قصیدة وظننت أنه ما بقی علی شئ ، فکنت لا أزال أری من ینشدنی ما لیس عندی ، فکتبت حتی ضجرت ، ثم ترکت .

وقال: سئل أبو عبیدة من أشعر المولدین ؟ قال: السید وبشار .

ونقل عن الحسین بن الضحاک أنه قال: ذاکرنی مروان بن أبی حفصة أمر السید بعد موته ، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسید ، فأنشدته قصیدته المذهبة التی أولها:

أین التطرب بالولاء وبالهوی

أالی الکواذب من بروق الخلب ؟ !

أالی أمیة أم إلی شیع التی

جاءت علی الجمل الخدب الشوقب

حتی أتی علی آخرها ، فقال لی مروان:

ما سمعت قط شعرا أکثر معانی وألخص منه ، وعدد ما فیه من الفصاحة. وکان یقول لکل بیت منها: سبحان الله ، ما أعجب هذا الکلام !

وروی عن التوزی أنه قال: لو أن شعراً یستحق أن لاینشد إلا فی المساجد لحسنه لکان هذا ، ولو خطب به خاطب علی المنبر فی یوم الجمعة لاتی حسناً ، ولحاز أجراً .

ووقف السید علی بشار وهو ینشد الشعر فأقبل علیه وقال:

أیها المادح العباد لیعطی

إن لله ما بأیدی العباد

فأسأل الله ما طلبت إلیهم

وارج نفع المنزل العواد

لا تقل فی الجواد ما لیس فیه

وتسمی البخیل باسم الجواد

قال بشار: من هذا ؟ فعرفه .

ولعل أشهر قصائد السید الحمیری علی الإطلاق ، التی مطلعها:

لام عمرو باللوی مربع

طامسةٌ أعلامها بلقع

ص: 204

تروع عنها الطیر وحشیة والوحش من خیفته تفزع

ومنها:

غدا یلاقی المصطفی حیدرٌ

ورایة الحمد له ترفع

مولی له الجنة مأمورةٌ

والنار من إجلاله تفزع

إمام صدق وله شیعةٌ

یرووا من الحوض ولم یمنعوا

یذب عنه ابن أبی طالب

ذَبَّک جَرْبی إبلٍ تشرع

إذا دنوا منه لکی یشربوا

قیل لهم تباً لکم فارجعوا

هذا لمن والی بنی أحمد

ولم یکن غیرهم یتبع

بذاک جاء الوحی من ربنا

یا شیعة الحق فلا تجزعوا

وله أیضاً:

ولقد عجبت لقائل لی مرة

علامة فهم من الفقهاء

سماک قومک سیداً صدقوا به

أنت الموفق سید الشعراء

ما أنت حین تخص آل محمد

بالمدح منک وشاعر بسواء

مدح الملوک ذوی الغنی لعطائهم

والمدح منک لهم بغیر عطاء

فابشر فإنک فایزٌ فی حبهم

لو قد وردت علیهم بجزاء

ما یعدل الدنیا جمیعاً کلها

من حوض أحمد شربة من ماء

وله أیضاً:

أؤمل فی حبه شربةً

من الحوض تجمع أمناً وریا

إذا ما وردنا غداً حوضه

فأدنی السعید وذاد الشقیا

متی یدن مولاه منه یقل

رد الحوض واشرب هنیئاً مریا

وإن یدن منه عدو له

یذده علی مکاناً قصیا

وله أیضاً:

ص: 205

فإنک تلقاه لدی الحوض قائماً مع المصطفی بالجسر جسر جهنم یجیران من والاهما فی حیاته الی الروح والظل الظلیل المکرم وله قصیدة مطلعها:

هلا وقفت علی المکان المعشب

بین الطویلع فاللوی من کبکب

ومنها:

إنا ندین بحب آل محمد

دیناً ومن یحببهم یستوجب

منا المودة والولاء ومن یرد

بدلا بآل محمد لا یحبب

ومتی یمت یرد الجحیم ولا یرد

حوض الرسول وإن یرده یضرب

ضرب المحاذر أن تعر رکابه بالسوط

سالفة البعیر الأجرب

وله القصیدة المذهبة ، ومنها:

لمن طللٌ کالوشم لم یتکلم ونؤیٌ وآثار کترقیش معجم ؟

ألا أیها العانی الذی لیس فی الأذی

ولا اللوم عندی فی علی بمحجم

ستأتیک منی فی علی مقالة

تسوؤک فاستأخر لها أو تقدم

علی له عندی علی من یعیبه

من الناس نصر بالیدین وبالفم

متی ما یرد عندی معادیه عیبه

یجد ناصراً من دونه غیر مفحم

علی أحب الناس إلا محمداً

إلیَّ فدعنی من ملامک أولم

علی وصی المصطفی وابن عمه

وأول من صلی ووحد فاعلم

علی هو الهادی الإمام الذی به

أنار لنا من دیننا کل مظلم

علی ولی الحوض والذائد الذی

یذبب عن أرجاءه کل مجرم

علی قسیم النار من قوله لها :

ذری ذا وهذا فاشربی منه واطعمی

خذی بالشوی ممن یصیبک منهم

ولا تقربی من کان حزبی

فتظلمی علی غداً یدعا فیکسوه ربه

ویدنیه حقاً من رفیق مکرم

ص: 206

فإن کنت منه یوم یدنیه راغماً

وتبدی الرضا عنه من الان فارغم

فإنک تلقاه لدی الحوض قائماً

مع المصطفی الهادی النبی المعظم

یجیزان من والاهما فی حیاته

الی الروح والظل الضلیل المکمم

علی أمیر المؤمنین وحقه من الله مفروض علی کل مسلم

لان رسول الله أوصی بحقه وأشرکه فی کل فئٍ ومغنم

وله أیضاً فی تفسیر قوله تعالی ( وأنذر عشیرتک الاقربین ) :

بأبی أنت وأمی

یا أمیر المؤمنینا

بأبی أنت وأمی

وبرهطی أجمعینا

وبأهلی وبمالی

وبناتی والبنینا

وفدتک النفس منی

یا إمام المتقینا

وأمین الله والوا

رث علم الأولینا

ووصی المصطفی

أحمد خیر المرسلینا

وولی الحوض والذا ئد

عنه المحدثینا

أنت أولی الناس بالناس

وخیر الناس دینا

کنت فی الدنیا أخاه

یوم یدعو الاقربینا

لیجیبوه إلی الله

فکانوا أربعینا

بین عم وابن عم

حوله کانوا عرینا

فورثت العلم منه

والکتاب المستبینا

طبت کهلاً وغلاماً

ورضیعاً وجنینا

ولدی المیثاق طیناً

یوم کان الخلق طینا

کنت مأموناً وجیهاً

عند ذی العرش مکینا

فی حجاب النور حیاً

طیباً للطاهرینا

ص: 207

ومن شعراء الکوثر الصاحب بن عباد ، وله:

قالت فمن بعده تُصفی الولاء له

قلت الوصی الذی أربی علی رجل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نکثوا

فقلت تفسیره فی وقعة الجمل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نکثوا

فقلت تفسیره فی وقعة الجمل

قال فمن حارب الارجاس إذ قسطوا

فقلت صفین تبدی صفحة العمل

قالت فمن قارع الانجاس إذ مرقوا

فقلت معناه یوم النهروان جلی

قالت فمن صاحب الحوض الشریف غدا

فقلت من بیته فی أشرف الحلل

قالت فمن ذا لواء الحمد یحمله

فقلت من لم یکن فی الروع بالوجل

قالت أکل الذی قد قلت فی رجل

فقلت کل الذی قد قلت فی رجل

قالت فمن هو هذا الفرد سم لنا

فقلت ذاک أمیر المؤمنین علی

ومنهم الملک الصالح طلائع بن رزیک ، وله:

أنا من شیعة الإمام علی

حرب أعدائه وسلم الولی

أنا من شیعة الإمام الذی ما

مال فی عمره لفعل دنی

أنا عبد لصاحب الحوض ساقی

من توالی فیه بکأس روی

أنا عبد لصاحب الحوض ساقی

من توالی فیه بکأس روی

أنا عبد لمن أبان لنا المشکل

فارتاض کل صعب أبی

والذی کبَّرت ملائکة الله له

عند صرعة العامری

الإمام الذی تخیره الله

بلا مریة أخاً للنبی

قسماً ما وقاه بالنفس لما

بات فی الفرش عنه غیر علی

ولعمری إذ حل فی یوم خم

لم یکن موصیاً لغیر الوصی

ومنهم سعید بن أحمد النیلی المؤدب ، قال کما فی الغدیر: 4/ 395:

ص: 208

دع یا سعید هواک واستمسک بمن

تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحیدر وبفاطم

وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم یسر ولیهم فی بعثه

ویعض ظالمهم علی إبهامه

ونری ولی ولیهم وکتابه

بیمینه والنور من قدامه

یسقیه من حوض النبی محمد

کأساً بها یشفی غلیل أوامه

بیدی أمیر المؤمنین وحسب من

یسقی به کأساً بکف إمامه

ذاک الذی لولاه ما اتضحت لنا

سبل الهدی فی غوره وشامه

عبد الاله وغیره من جهله

ما زال معتکفاً علی أصنامه

ما آصفٌ یوماً وشمعون الصفا

مع یوشع فی العلم مثل غلامه

ومنهم ابن العرندس الحلی:

ذکره فی فی الغدیر: 7/14 ، ومن شعره:

طوایا نظامی فی الزمان لها نشر

یعطرها من طیب ذکراکم نشر

قصائد ما خابت لهن مقاصدٌ

بواطنها حمد ظواهرها شکر

قصائد ما خابت لهن مقاصدٌ

بواطنها حمد ظواهرها شکر

مطالعها تحکی النجوم طوالعاً

فأخلاقها زهرٌ وأنوارها زهر

عرائس تجلی حین تجلی قلوبنا

أکالیلها در وتیجانها تبر

حسان لها حسان بالفضل شاهد

علی وجهها تبر یزان بها التبر

فیا ساکنی أرض الطفوف علیکم

سلام محب ما له عنکم صبر

نشرت دواوین الثنا بعد طیها وفی

کل طرس من مدیحی لکم سطر

فطابق شعری فیکم دمع ناظری

فمبیض ذا نظم ومحمر ذا نثر

وقفت علی الدارالتی کنتم بها

فمغناکم من بعد معناکم فقر

ص: 209

وقد درست منها الدروس وطالما

بهادرس العلم الإلهی والذکر

وسالت علیها من دموعی سحائب

الی أن تروی البان بالدمع والسدر

وسالت علیها من دموعی سحائب

الی أن تروی البان بالدمع والسدر

فراق فراق الروح لی بعد بعدکم

ودار برسم الدار فی خاطری

الفکر

وقد أقلعت عنها السحاب ولم یجد

ولا در من بعد الحسین لها در

إمام الهدی سبط النبوة والد

الأئمة رب النهی مولی له الأمر

إمام أبوه المرتضی علم الهدی

وصی رسول الله والصنو والصهر

وفیه رسول الله قال وقوله

صحیحٌ صریح لیس فی ذلک نکر

حُبی بثلاث ما أفاد بمثلها

ولیٌّ فمن زید هناک ومن عمرو

له تربةٌ فیها الشفاء وقبةٌ

یجاب بها الداعی إذا مسه الضر

وذریةٌ دریة منه تسعةٌ

أئمة حق لا ثمان ولا عشر

أیقتل ظمآنآ حسینٌ بکربلا

وفی کل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقی علی الحوض فی غد

وفاطمة ماء الفرات لها مهر

ووالده الساقی علی الحوض فی غد

وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فیالک مقتولاً بکته السما دماً

فمغبر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه فی الحرب حمرٌ من الدما

وهن غداة الحشر من سندس

خضر

ولهفی لزین العابدین وقد سری

أسیراً علیلاً لا یفک له أسر

وآل رسول الله تسبی نسائهم

ومن حولهن الستر یهتک والخدر

سبایا بأکوار المطایا حواسراً

یلا حظهن العبد فی الناس والحر

فویلُ یزید من عذاب جهنم

إذا أقبلت فی الحشر فاطمة الطهر

تنادی وأبصار الانام شواخصٌ

وفی کل قلب من مهابتها ذعر

ص: 210

وتشکو إلی الله العلی وصوتها

علی ومولانا علی لها ظهر

فلا ینطق الطاغی یزید بما جنی

وأنی له عذر ومن شأنه الغدر

فلا ینطق الطاغی یزید بما جنی

وأنی له عذر ومن شأنه الغدر

وفی مناقب آل ابی طالب: 3/28

وقال ابن الحجاج:

أنا مولی لمن لواء الحمد علی عاتقه یوم النشور .

إلی آخر ما رووه من شعر حوض الکوثر ، وهو یؤکد أن أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أن علیاً هو آمر السقایة علیه کانت من خصائصه المعروفة .

علی(علیه السّلام)قسیم الله بین الجنة والنار

قال القاضی عیاض فی الشفا: 1/294

( وأخبر النبی ) . . . وما ینال أهل بیته وتقتیلهم وتشریدهم ، وقتل علی ، وأن أشقاها الذی یخضب هذه من هذه ، أی لحیته من رأسه ، وأنه قسیم النار، یدخل أولیاؤه الجنة ، وأعداءه النار . . .

وقال الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب/72

فإن قیل: هذا سندٌ ضعیف :

قلت: قال محمد بن منصور الطوسی: کنا عند أحمد بن حنبل ، فقال له رجل:

ما تقول فی هذا الحدیث الذی یروی أن علیاً قال: أنا قسیم النار ؟

فقال أحمد: وما تنکرون من هذا الحدیث ؟! ألیس روینا أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال لعلی: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق ؟

ص: 211

قلنا: بلی .

قال: فأین المنافق ؟

قلنا: فی النار .

قال: فعلی قسیم النار !!

ونقل هذه الحکایة عن أحمد ، فی إحقاق الحق: 17/209 ، عن مجمع الاداب للبخاری الفوطی: 3 ق/1/594 ط. بغداد .

ونقلها فی: 30/402 ، عن مختصر المحاسن المجتمعة فی فضائل الخلفاء الأربعة ، للصفوری/167 ط. دار ابن کثیر ، دمشق وبیروت ، تحقیق محمد خیر المقداد ونقلها فی: 4/259 ، عن طبقات الحنابلة لابی یعلی: 1/320 طبع القاهرة .

وروی الحدیث فی صحیفة الإمام الرضا/115 ، من عدة مصادر ، بعدة أسانید، عن الإمام الرضا(علیه السّلام)عن آبائه ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قا: یا علی إنک قسیم النار والجنة، وإنک تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب .

وقال فی هامشه:

أخرجه محب الدین الطبری فی الریاض النضرة: 2/160 وص 211. وذخائر العقبی: 61 .

وابن المغازلی فی المناقب: 7 6 ح 97 ، عنه ابن طاووس فی الطرائف: 76 ح 100. وعنه البحار: 39/209 ح 31 .

وأخرجه القندوزی فی ینابیع المودة: 84 من طریق ابن المغازلی ، عن ابن مسعود وفیه: وتدخلها أحباءک. وفی/303 وص 257 عن علی .

ورواه الخوارزمی فی مناقبه: 209 .

والحموینی فی فرائد السمطین: 1/142 ح 105

وقال فی إحقاق الحق: 7/172

حدیث حذیفة رواه القوم: منهم العلامة الأمر تسری فی أرجح المطالب/32 ط. لاهور ، روی من طریق الدیلمی وابن المغازلی والقاضی عیاض عن حذیفة قال:

ص: 212

قال رسول الله علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی أنت قسیم النار والجنة ، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءک بغیر حساب .

وفی الصواعق المحرقة لابن حجر/126

عن علی الرضا أنه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال له: أنت قسیم الجنة والنار فی یوم القیامة ، تقول النار: هذا لی وهذا لک . .

وفی فردوس الأخبار: 3/90 ، عن حذیفة: علی قسیم النار

وفی بغیة الطلب لابن العدیم: 1/289

قال الأعمش: وإنما یعنی بقوله أنا قسیم النار: أن من کان معی فهو علی الحق .

ورواه فی إحقاق الحق: 20/251 ، عن مخطوطة کتاب ( آل محمد ) لحسام الدین المردی الحنفی صفحة 32 ، عن أبی سعید الخدری .

وأورد فی إحقاق الحق: 4/259 ، و: 30/402 ، أسماء عدد من المؤلفین السنیین الذین رووا الحدیث أو ذکروه فی مؤلفاتهم ، منهم:

أحمد بن أبی عبید العبدی الهروی فی کتابه الغریبین/307 فی مادة القاف مع السین مخطوط .

وابن المغازلی فی کتابه مناقب أمیر المؤمنین-مخطوط ، قال: قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): إنک قسیم الجنة والنار ، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها بغیر حساب .

والخوارزمی فی المناقب/234 ط. تبریز .

وأبو یعلی الحنبلی فی طبقات الحنابلة: 1/320 ط. القاهرة ، ذکر حکایة أحمد

ص: 213

المتقدمة .

وابن الأثیر فی نهایة اللغة: 3/284 ، قال: فی حدیث علی: أنا قسیم النار .

والحموینی فی فرائد السمطین ، قال:

أخبرنا الشیخ شرف الدین احمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن الحسن بن عساکر سماعاً علیه قال: أخبرتنا زینب بنت أبی القاسم عبد الرحمان الشعری الجرجانی إجازة ، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائی ، نبأ أبی أحمد بن عامر بن سلیمان ، نبأ أبوالحسن علی بن موسی الرضا ، حدثنی أبی موسی بن جعفر بن محمد ، حدثنی أبی علی بن أبی طالب قال: قال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی إنک قسیم النار ، وإنک تقرع باب الجنة فتدخلها بغیر حساب .

وقال: أنبأنی أبو الفضل بن أبی العباس مودود بن محمود عبد الله بن محمود الحنفی(رحمه الله)قال أنا أبو جعفر عمر بن محمد بن معمر بن طرزة الدارمی قال: أنا أبو القاسم بن أبی عبد الرحمان بن أبی نصر المستملی الشحامی إجازة قال: أنبأ أبو بکر بن الحسین الحافظ قال: أنا أبو الحسین بن الفضل القطامی قال: أنا عبد الله بن جعفر قال: ثنا یعقوب: قال حدثنی یحیی بن عبد الحمید قال: ثنا علی بن معمر عن موسی بن طریف ، عن عبایة ، عن علی قال: أنا قسیم النار ، إذا کان یوم القیامة قلت هذا لک وهذا لی .

وابن کثیر فی البدایة والنهایة/355: 7 ط. مصر، قال: لفظ عبد الله بن أحمد یعقوب بن سفیان: ثنا یحیی بن عبدالحمید ، ثنا علی بن مسهر ، عن الأعمش، عن موسی بن طریف ، عن عبایة ، عن علی قال: أنا قسیم النار ، إذا کان یوم القیامة ، قلت هذا لک ، وهذا لی .

والعسقلانی فی لسان المیزان: 3/247 و 248 ط. حیدر آباد الدکن ، و: 6 ص113

ص: 214

والمتقی الهندی فی منتخب کنز العمال ( المطبوع بهامش المسند: 5/52 ط القدیم بمصر ) قال: عن علی قال: أنا قسیم النار .

والصدیقی فی مجمع بحار الأنوار ( 3/144 ط نول کشور ) قال: وفی الحدیث: علیٌّ قسیم النار .

والکشفی الترمذی فی المناقب المرتضویة/91 ط. بمبئی ، عن سنن الدارقطنی والصواعق المحرقة لابن حجر المکی .

والمناوی فی کنوز الحقایق/98 ، ط. بولاق بمصر ، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علی قسیم النار .

والبدخشی فی مفتاح النجا/46 مخطوط ،قال: وأخرج الدارقطنی عن علی کرم الله وجهه قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی أنت قسیم النار یوم القیامة .

والزبیدی فی تاج العروس: 2/25 ط. القاهرة ، ذکر قول علی (رض): أنا قسیم النار .

والقندوزی فی ینابیع المودة/84 ط إسلامبول ، قال:

وفی جواهر العقدین: قد أخرج الدارقطنی ، عن أبی الطفیل عامر بن وائلة الکنانی أن علیاً قال حدیثاً طویلاً فی الشوری ، وفیه أنه قال لأهل الشوری: فأنشدکم بالله هل فیکم أحدٌ قال له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت قسیم النار والجنة غیری؟ قالوا: اللهم لا .

وفی صفحة 85:

وفی المناقب عن أبی الطفیل عامر بن واثلة ، وفیه ( یا علی لو أن رجلاً أحبک وأولادک فی الله ، لحشره الله معک ومع أولادک. وأنتم معی فی الدرجات العلی ، وأنت قسیم الجنة والنار ، تدخل محبیک الجنة ومبغضیک النار .

ص: 215

والصفوری ، فی مختصر المحاسن المجتمعة فی فضائل الخلفاء الأربعة/167 ط . دار ابن کثیر ، دمشق وبیروت .

والعدوی الحمراوی فی مشارق الأنوار/122 ط. مصر ، عن جواهر العقدین أن المأمون قال لعلی الرضا . . . انتهی .

وقال فی هامش مناقب أمیر المؤمنین (علیه السّلام): 2/527

وروی ابن قتیبة فی آخر غریب کلام أمیر المؤمنین(علیه السّلام)من کتاب غریب الحدیث: 2/150 ، ط 1 ، قال: وقول علی: أنا قسیم النار ، یرویه عبد الله بن داود ، عن الأعمش ، عن موسی بن طریف .

قال ابن قتیبة: أراد علی أن الناس فریقان: فریق معی فهم علی هدی ، وفریق علیَّ فهم علی ضلال کالخوارج. فأنا قسیم النار ، معناه: نصف الناس فی الجنة معی ، ونصف فی النار. وقسیم: فی معنی مقاسم مثل جلیس وأکیل وشریب .

ولیلاحظ مادة قسم من الغریبین والنهایة والفائق ولسان العرب .

وروی المرشد بالله یحیی بن الحسن الشجری فی فضائل علی(علیه السّلام)کمافی ترتیب أمالیه/134 ، ط. مصر ، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن علی بن محمد الواعظ المقرئ المعروف بابن العلاء بقراءتی علیه قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن میثم قال: أخبرنا أبو أحمد القاسم بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علی بن أبی طالب قال: حدثنا أبی جعفر بن محمد عن أبیه محمد بن عبدالله ، عن أبیه محمد بن علی عن أبیه علی بن الحسین عن أبیه: الحسین بن علی(علیهماالسّلام) قال: قال لی أبی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام): أنا قسیم النار. فقال عمار بن یاسر: إنما عنی بذلک أن کل من معی فهو علی الحق ، وکل من مع معاویة علی الباطل ضالاً مضلاً . . .

ص: 216

ثم قال المرشد بالله یحیی بن الحسین الشجری: أخبرنا أبو الفضل عبید الله بن أحمد بن علی المقرئ ابن الکوفی بقراءتی علیه قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهیم بن أحمد الکنانی المقرئ قال: حدثنا أبوالحسین عمر بن الحسن القاضی الأشنانی قال: حدثنا إسحاق بن الحسن الحربی قال: حدثنی محمد بن منصور الطوسی قال: کنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: یا أبا عبدالله ما تقول فی هذا الحدیث الذی یروی أن علیاً(علیه السّلام)قال: أنا قسیم النار ؟

فقال أحمد: وما تنکر من ذا ؟! ألیس روینا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعلی(علیه السّلام): لا یحبک إلا مؤمن ولا ببغضک إلا منافق ؟! . . . وانظر الحکایة 7 و 9 من خاتمة أربعین منتجب الدین. وهذا رواه أیضاً ابن القاضی أبی یعلی الحنفی فی کتاب طبقات الحنابلة: 1 ،/320. وقریباً منه رواه أیضاً ابن عساکر فی الحدیث: 775 من ترجمة علی من تاریخ دمشق: 2/253 ط 2 ، وفیما قبله وما بعده شواهد جمة للمقام .

ونقل فی إحقاق الحق: 20/251

عن کتاب ( آل محمد ) لحسام الدین المردی الحنفی صفحة 32 ، والنسخة مصورة من مکتبة العلامة المحقق السید الأشکوری ، قال:

عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):إذا سألتم الله عز وجل فاسألوه لی الوسیلة ، فسئل عنها فقال: درجة فی الجنة ، وهی ألف مرقاة ما بین المرقاء إلی المرقاة یسیر الفرس الجواد شهراً ، مرقاة زبرجد إلی مرقاة لؤلؤ ، إلی مرقاة یلنجوج ، إلی مرقاة نور ، وهکذا من أنواع الجواهر ، فهی فی بین النبیین کالقمر بین الکواکب ، فینادی المنادی: هذه درجة محمد خاتم الأنبیاء ، وأنا یومئذ متزی بریطة من نور علی رأسی تاج الرسالة واکلیل الکرامة، وعلی بن أبی طالب

ص: 217

أمامی وبیده لوائی وهو لواء الحمد مکتوب علیه لا اله إلا الله، محمد رسول الله ، علی ولی الله ، وأولیاء علی المفحلون الفائزون بالله .

حتی أصعد أعلی منها وعلی أسفل منی بدرجة وبیده لوائی ، فلا یبقی یومئذ رسول ونبی ولا صدیق ولا شهید ولا مؤمن ، إلا رفعوا أعینهم ینظرون الینا ویقولون: طوبی لهذین العبدین ما أکرمهما علی الله ، فینادی المنادی یسمع نداءه جمیع جمیع الخلائق: هذا حبیب الله محمد ، وهذا ولی الله علی .

فیأتی رضوان خازن الجنة فیقول: أمرنی ربی أن آتیک بمفاتیح الجنة فأدفعها إلیک یا رسول الله ، فأقبلها أنا فأدفعها إلی أخی علی .

ثم یأتی مالک خازن النار فیقول: أمرنی ربی ان آتیک بمقالید النار فأدفعهما الیک یا رسول الله ، فأقبلها أنا فأدفعهما إلی أخی علی .

فیقف علی علی غمرة جنهم ویأخذ زمامها بیده وقد علا زفیرها واشتد حرها ، فتنادی جهنم: یا علی ذرنی فقد أطفأ نورک لهبی ، فیقول لها علی: ذری هذا ولیی ، وخذی هذا عدوی ، فلجهنم یومئذ أشد مطاوعة لعلی فیما یأمرها به من رق أحدکم لصاحبه ، ولذلک کان علی قسیم النار والجنة. انتهی .

وقد قوی ابن أبی الحدید المعتزلی حدیث قسیم الجنة والنار فی شرح نهج البلاغة:10 جزء 19/139 ، وفی: 5 جزء 9/165: وقال ( وهو ما یطابق الأخبار ) .

وأخیراً: فإن مما یؤید صحة حدیث ( علی قسیم النار والجنة ) أن مخالفیه وضعوا حدیثاً بأن أبا بکر قسیم الجنة والنار ، وقد شهد محبو أبی بکر بأنه موضوع ، فلابد أن یکون الدافع لوضعه أن یقابلوا به حدیثاً معروفاً یحتج به الشیعة . .

قال ابن حبان فی المجروحین: 1/145

أحمد بن الحسن بن القاسم شیخ کوفی: یضع الحدیث علی الثقات.. روی عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة نادی مناد من تحت

ص: 218

العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فیؤتی بأبی بکر الصدیق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلی بن أبی طالب (رض) قال فیقال لأبی بکر: قف علی باب الجنه فأدخل من شئت برحمة الله ، وادرأ من شئت بعلم الله.. إلخ.

ثم قال ابن حبان: الحدیث موضوع لا أصل له. انتهی .

حدیث: قسیم النار والجنة ، فی مصادرنا

التعبیر الأصلی فی مصادرنا عن هذه الصفة لعلی(علیه السّلام)أنه ( قسیم الله بین الجنة والنار ) ، وقد ورد هذا التعبیر فی الکافی 1/196 ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)، قال:

وکان أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کثیرا ما یقول: أنا قسیم الله بین الجنة والنار، وأنا الفاروق الأکبر وأنا صاحب العصا والمیسم . . . الخ.

وفی الکافی: 1/98

وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): أنا قسیم الله بن الجنة والنار ، لا یدخلها داخلٌ إلا علی حد قسمی ، وأنا الفاروق الأکبر ، وأنا الإمام لمن بعدی ، والمؤدی عمن کان قبلی ، لا یتقدمنی أحدٌ إلا أحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). انتهی .

ونحوه فی علل الشرائع: 1/164 ، وفی بصائر الدرجات/414

وقد جعله الصدوق عنواناً فی علل الشرائع: 1/161 ، فقال:

قسیم الله بین الجنة والنار:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن یحیی بن زکریا أبو العباس القطان قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثنا أبی ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال:

ص: 219

قلت لأبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق: لم صار أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب قسیم الجنة والنار ؟

قال: لأن حبه إیمان وبغضه کفر ، وإنما خلقت الجنة لأهل الإیمان ، وخلقت النار لأهل الکفر ، فهو(علیه السّلام)قسیم الجنة والنار ، لهذه العلة فالجنة لا یدخلها إلا أهل محبته ، والنار لا یدخلها إلا أهل بغضه .

قال المفضل: فقلت یابن رسول الله فالأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) کانوا یحبونه وأعداؤهم کانوا یبغضونه ؟

قال: نعم .

قلت: فکیف ذلک ؟

قال: أما علمت أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال یوم خیبر: لأعطین الرایة غداً رجلاً یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله ، ما یرجع حتی یفتح الله علی یدیه ، فدفع الرایة إلی علی ففتح الله تعالی علی یدیه .

قلت: بلی .

قال: أما علمت أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما أتی بالطائر المشوی قال: اللهم إئتنی بأحب خلقک الیک وإلیَّ ، یأکل معی من هذاالطائر ، وعنی به علیاً ؟

قلت: بلی .

قال: فهل یجوز أن لا یحب أنبیاء الله ورسله وأوصیاؤهم(علیهم السّلام) رجلاً یحبه الله ورسوله ، ویحب الله ورسوله .

فقلت له: لا .

قال: فهل یجوز أن یکون المؤمنون من أممهم لایحبون حبیب الله وحبیب رسوله وأنبیائه (علیهم السّلام) ؟

قلت: لا .

ص: 220

قال: فقد ثبت أن أعدائهم والمخالفین لهم کانوا لهم ولجمیع أهل محبتهم مبغضین .

قلت: نعم .

قال: فلا یدخل الجنة إلا من أحبه من الأولین والآخرین ، ولا یدخل النار إلا من أبغضه من الأولین والآخرین ، فهو إذن قسیم الجنة والنار .

قال المفضل بن عمر: فقلت له یابن رسول الله فرجت عنی فرج الله عنک ، فزدنی مما علمک الله .

قال: سل یا مفضل .

فقلت له: یابن رسول الله فعلی بن أبی طالب(علیه السّلام)یدخل محبه الجنةومبغضه النار؟ أو رضوان ومالک ؟

فقال: یا مفضل أما علمت أن الله تبارک وتعالی بعث رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو روح إلی الأنبیاء (علیهم السّلام) ، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفی عام ؟

قال: أما علمت أنه دعاهم إلی توحید الله وطاعته واتباع أمره ، ووعدهم الجنة علی ذلک ، وأوعد من خالف ما أجابوا إلیه وأنکره النار ؟

قلت: بلی .

قال: أفلیس النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟

قلت: بلی .

قال: أولیس علی بن أبی طالب خلیفته وإمام أمته ؟

قلت: بلی .

قال: أو لیس رضوان ومالک من جملة الملائکة والمستغفرین لشیعته الناجین بمحبته ؟

قلت: بلی .

ص: 221

قال: فعلی ابن أبی طالب إذن قسیم الجنة والنار عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورضوان ومالک صادران عن أمره ، بأمر الله تبارک وتعالی .

یا مفضل خذ هذا ، فإنه من مخزون العلم ومکنونه ، لا تخرجه إلا إلی أهله .

وفی کفایة الأثر/151

أخبرنا القاضی المعافا بن زکریا ، قال حدثنا علی بن عتبة ، قال حدثنی الحسین بن علوان ، عن أبی علی الخراسانی ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبی الطفیل ، عن علی(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

أنت الوصی علی الأموات من أهل بیتی، والخلیفة علی الأحیاء من أمتی ، حربک حربی وسلمک سلمی ، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر من صلبک ، أئمة مطهرون معصومون ، ومنهم المهدی الذی یملا الدنیا قسطاً وعدلاً ، فالویل لمبغضکم .

یا علی لو أن رجلاً أحب فی الله حجراً لحشره الله معه ، وإن محبیک وشیعتک ومحبی أولادک الأئمة بعدک یحشرون معک ، وأنت معی فی الدرجات العلی ، وأنت قسیم الجنة والنار ، تدخل محبیک الجنة ومبغضیک النار .

وفی مناقب آل أبی طالب: 2/9

قال الزمخشری فی الفایق: معنی قول علی أنا قسیم النار ، أی مقاسمها ومساهمها یعنی أن القوم علی شطرین مهتدون وضالون ، فکأنه قاسم النار إیاهم فشطر لها وشطر معه فی الجنة .

ولقد صنف محمد بن سعید کتاب: من روی فی علی أنه قسیم النار .

ص: 222

وفی إحقاق الحق: 17/164

عن العدوی الحمراوی فی مشارق الأنوار/122 ط. مصر ، عن جواهر العقدین أن المأمون قال لعلی الرضا: بأی وجه جدک علی بن أبی طالب قسیم الجنة والنار ؟

فقال: یا أمیر المؤمنین ألم ترو عن أبیک ، عن آبائه، عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: حب علی إیمان وبغضه کفر .

فقال: بلی .

قال الرضا: فقسمة الجنة والنار إذاً کان علی حبه وبغضه .

فقال المأمون: لا أبقانی بعدک یا أبا الحسن ، أشهد أنک وارث علم رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروی: فلما رجع الرضا إلی بیته قلت له: یا بن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمیر المؤمنین .

فقال: یا أبا الصلت ما أجبته إلا من حیث هو ، ولقد سمعت أبی یحدث عن أبیه ، عن علی (رض) ، قال: قال لی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت قسیم الجنة والنار ، فیوم القیامة ، تقول للنار هذا لی ، وهذا لک. انتهی .

وراجع أیضاً: بصائر الدرجات/414 ، والخصال/96 ، والاحتجاج: 1/189 و406 ، وإعلام الوری /187 ، ومناقب آل ابی طالب: 2/6 ، ومناقب أمیر المؤمنین(علیه السّلام): 2/ 462 ، والأربعین حدیثآ للمنتجب الرازی/87

حدیث قسیم الجنة والنار فی الشعر

فی مناقب آل أبی طالب: 2/9

قال السید ( الحمیری ):

ذاک قسیم النار من قیله

خذی عدوی وذری ناصری

ص: 223

ذاک علی بن أبی طالب

صهر النبی المصطفی الطاهر

وله أیضاً:

علی قسیم النار من قیله ذری

ذا وهذا فاشربی منه واطعمی

خذی بالشوی ممن یصیبک منهم

ولا تقربی من کان حزبی فتظلمی

وله أیضاً:

قسیم النار هذا لک وذا

لی ذریه إنه لی ذو وداد

یقاسمها فینصفها فترضی

مقاسمة المعادل غیر عاد

کما انتقد الدراهم صیرفی

ینقی الزایفات من الجیاد

وقال العونی:

یسوق الظالمین إلی جحیم

فویلٌ للظلوم الناصبی

یقول لها خذی هذا فهذا

عدوی فی البلاء علی الشقی

وخلی من یوالینی فهذا

رفیقی فی الجنان وذا ولیی

وقال غیره:

وإنی لارجو یاإلهی سلامةً

بعفوک من نار تلظی همومها

أبا حسن لو کان حبک مدخلی جهنم کان الفوز عندی جحیمها

وکیف یخاف النار من هو موقنٌ بأن أمیر المؤمنین قسیمها

وقال الزاهی:

یا سیدی یابن أبی طالب

یا عصمة المعتف والجار

لا تجعلن النار لی مسکناً

یا قاسم الجنة والنار

وقال غیره:

علی حبه جنة

قسیم النار والجنة

وصی المصطفی حقاً

إمام الانس والجنة

ص: 224

وفی مناقب آل ابی طالب: 3/28

وقال الناشئ:

فما لابن أبی طالب

المفضال من ند

هو الحامل فی الحشر

بکفیه لوا الحمد

قسیم النار والجنة

بین الند والضد

وفی دیوان دعبل الخراعی/126

قسیم الجحیم فهذا له

وهذا لها باعتدال القسیم

یذود عن الحوض أعداءه

فکم من لعین طرید وکم

فمن ناکثین ومن قاسطین

ومن مارقین ومن مجترم

علی أول الواردین علی النبی عند حوض الکوثر

وردت أحادیث تنص علی أن علیاً(علیه السّلام)أول وارد علی رسول الله علی حوضه یوم القیامة، وقد تعرض لها الأمینی(رحمه الله)فی الغدیر: 3/220 ، وما بعدها ، ونکتفی بذکر نماذج منها ، قال:

قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أولکم وارداً وروداً علیَّ الحوض: أولکم إسلاماً ، علی بن أبی طالب. أخرجه الحاکم فی المستدرک 3/136 ، وصححه ، والخطیب البغدادی فی تاریخه: 2/81 ،ویوجد فی الإستیعاب 2/457 ، وشرح ابن أبی الحدید 3/258 وفی لفظ: أول هذه الأمة وروداً علی الحوض أولها إسلاماً علی بن أبی طالب 2 - السیرة الحلبیة 1/285 - سیرة زینی دحلان 1/188 ، هامش الحلبیة .

وفی لفظ: أول الناس وروداً علیَّ الحوض أولهم إسلاماً علی بن أبی طالب - مناقب الفقیه ابن المغازلی ، مناقب الخوارزمی. انتهی .

ص: 225

وفی مناقب أمیر المؤمنین (علیه السّلام): 1/280

محمد بن سلیمان ، عن محمد بن منصور ، عن الحکم بن سلیمان ، عن أبی زکریا السمسار ، عن محمد بن عبید الله بن علی ، عن أبیه عن جده ، عن أبی ذر قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أولکم وروداً علی الحوض أولکم إسلاماً علی بن أبی طالب. انتهی .

ورواه فی کنز العمال: 11/616 ، وقال عنه ( ک. ولم یصححه ، والخطیب-عن سلیمان ). انتهی .

ولیس من عادة العمال عندما ینقل حدیثاً أن یقول ( رواه فلانٌ ولم یصححه ) ولکنهم یستعملون هذا التعبیر للتبرؤ من تبنی الحدیث .

وبذلک أراد صاحب کنز العمال أن یبعد عن نفسه تهمة التشیع! لأن هذا الحدیث یجعل علیاً أول من أسلم ولیس أبا بکر ! وأول من یرد المحشر والحوض، ولیس عمر !

وفی مجمع الزوائد: 9/102

وعن سلمان قال أول هذه الأمة وروداً علی نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أولها اسلاماً علی بن أبی طالب (رض). رواه الطبرانی ورجاله ثقات.

وعن ابن عباس قال: أول من أسلم علی (رض). رواه الطبرانی ، وفیه عثمان الجزری ولم أعرفه ، وبقیة رجاله رجال الصحیح .

وفی کنز العمال: 11/601

السبَّق ثلاثة: فالسابق إلی موسی یوشع بن نون ، والسابق إلی عیسی صاحب یس والسابق إلی محمد علی بن أبی طالب ( طب ، وابن مردویه ، عن ابن عباس ) .

الصدیقون ثلاثة: حزقیل مؤمن آل فرعون ، وحبیب النجار صاحب آل یس ،

ص: 226

وعلی بن أبی طالب. ( ابن النجار ، عن ابن عباس ) .

وفی مجمع الزوائد: 9/102

عن ابن عباس عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: السبَّق ثلاثة ، السابق إلی موسی یوشع بن نون ، والسابق إلی عیسی صاحب یاسین ، والسابق إلی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی بن أبی طالب (رض) .

رواه الطبرانی وفیه حسین بن حسن الاشقر ، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ، وبقیة رجاله حدیثهم حسن أو صحیح .

لا یعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علی(علیه السّلام)

فی تاریخ بغداد: 10/357

عن أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن علی الصراط لعقبة لا یجوزها أحدٌ إلا بجواز من علی بن أبی طالب .

وفی تاریخ بغداد: 3/161

وفی حدیث ابن عباس قال: قلت للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یارسول الله للنار جواز ؟

قال: نعم .

قلت: وما هو ؟

قال: حب علی بن أبی طالب .

وفی الصواعق المحرقة لابن حجر/195

ص: 227

عن أبی بکر بن أبی قحافة سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: لا یجوز أحد الصراط إلا من کتب له علی الجواز .

عنوان صحیفة المؤمن یوم القیامة حب علی(علیه السّلام)

فی تاریخ بغداد: 4/410

عن أنس قال: والله الذی لا إله إلا هو لسمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: عنوان صحیفة المؤمن حب علی بن أبی طالب .

وفی المعجم الکبیر للطبرانی: 11/83

عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا تزول قدماً عبد یوم القیامة حتی یسأل . . . وعن حبنا أهل البیت .

وفی الفضائل/114

وروی أنس بن مالک قال سمعت أذنای أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول فی علی بن أبی طالب(علیه السّلام): عنوان صحیفة المؤمن یوم القیامة حب علی .

من هو المخاطب بقوله تعالی: ألقیا فی جهنم کل کفار عنید

قال الله تعالی:

وَنُفِخَ فِی الصُّورِ ذَلِکَ یَوْمُ الْوَعِیدِ وَجَاءَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِیدٌ لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَکَشَفْنَا عَنْکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ وَقَالَ قَرِینُهُ هَذَا مَا لَدَیَّ عَتِیدٌ أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ مُرِیبٍ أَلَّذِی

ص: 228

جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِیَاهُ فِی الْعَذَابِ الشَّدِیدِ قَالَ قَرِینُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَیْتُهُ وَلَکِنْ کَانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ مَا یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِیدِ . ق 20 - 29

والسؤال هنا: من هما المخاطبان بقوله تعالی ( ألقیا ) المأموران بإلقاء الکفارین العنیدین فی جهنم ؟

وقد أجاب أکثر المفسرین بأن المأمور بذلک هو القرین وهو واحدٌ !

لکن الأمر جاء بصیغة المثنی للتأکید !!!

قال الطبری فی تفسیره: 27 /103 ( فأخرج الأمر للقرین وهو بلفظ واحد مخرج الإثنین ، وفی ذلک وجهان من التأویل: أحدهما أن یکون القرین بمعنی الإثنین . . . والثانی أن یکون کما قال بعض أهل العربیة وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الإثنین. انتهی .

وقال الراازی فی تفسیره: 27/165

ثم یقال للسائق أو للشهید: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ فیکون هو أمراً لواحد ، وفیه وجهان: أحدهما أنه ثنی تکرار الأمر کما یقال ألق ألق ، وثانیهما عادة العرب ذلک. انتهی .

وذکر شبیهاً به بعض مفسرینا ، کما فی التبیان: 9/366 ، وإملاء ما من به الرحمن: 2 /242 !ولکن لا یمکن قبول هذا الرأی:

أولاً ، لأنه یخالف مصداقیة النص القرآنی الدقیقة دائماً ، خاصة أنه تعالی کرر التثنیة فقال (فألقیاه فی العذاب الشدید). فما ذکره الطبری والرازی وغیرهما ، مضافاً إلی تهافته ، لا یمکن قبوله .

وثانیاً: أن الظاهر من الآیات أن القرین ملقی فی جهنم أیضاً ، وأن تخاصمه مع

ص: 229

صاحبه داخل جهنم، فکیف یکون مقرباً عند الله تعالی ، ومأموراً بإلقاء الکفارین فیها ؟!

فلم یبق وجه للتثنیة إلا أن یکون المخاطبان هما السائق والشهید .

ولکن یرد علیه: أن الالقاء فی النار عملٌ آخر غیر السوق للمحشر والشهادة فی الحساب. وأن المشهد فی الآیات لشخصین: شخص کفار عنید مناع للخیر ، وقرینه قرین السوء . . الخ. وهی تتناسب مع أمر اثنین بإلقائهما فی جهنم !

وهذا یقوی ما ورد فی مصادرنا وبعض المصادر السنیة من أن المأمورین فی الآیة هما محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی(علیه السّلام).

وقال فی هامش مناقب أمیر المؤمنین(علیه السّلام): 2/527

فی مناقب علی المطبوع فی خاتمة مناقب ابن المغازلی/427 ط 1 ، قال: حدثناأبو الأغر أحمد بن جعفر الملطی قدم علینا فی سنة سبع وعشرین وثلاث مائة قال: حدثنا محمد بن اللیث الجوهری قال: حدثنا محمد بن الطفیل قال: حدثنا شریک بن عبدالله قال: کنت عند الأعمش وهو علیل فدخل علیه أبو حنیفة وابن شبرمة وابن أبی لیلی فقالوا: یا أبا محمد إنک فی آخر أیام الدنیا وأول أیام الآخرة ، وقد کنت تحدث فی علی بن أبی طالب بأحادیث فتب إلی الله منها ! !

فقال الأعمش: أسندونی أسندونی. فأسند فقال:

حدثنا أبو المتوکل الناجی عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة قال الله تبارک وتعالی لی ولعلی:

ألقیا فی النار من أبغضکما ، وأدخلا فی الجنة من أحبکما ، فذلک قوله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ. فقال أبو حنیفة للقوم: قوموا لا یجئ بشئ أشد من هذا.

ورواه الحافظ الحسکانی فی تفسیر الآیة ( 23 ) من سورة ( ق ) من شواهد

ص: 230

التنزیل بسنده عن الکلابی، وبسند آخر، ثم قال: ورواه أیضاً الحمانی عن شریک: حدثنیه أبو الحسن المصباحی ، حدثنا أبو القاسم علی بن أحمد بن واصل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا یعقوب بن إسحاق من ولد عباد بن العوام ، حدثنا یحیی بن عبدالحمید ، عن شریک ، عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوکل الناجی: عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة قال الله تعالی لمحمد وعلی: أدخلا الجنة من أحبکما ، وأدخلا النار من أبغضکما ، فیجلس علی علی شفیر جهنم فیقول لها: هذا لی وهذا لک ! وهو قوله: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ . ثم رواه بأسانید أخر . . .

ورواه أیضاً الطوسی فی الحدیث: 9 - 11 من أمالیه: 1/296 ط 3 ، قال: قال أبومحمد الفحام: حدثنی أبوالطیب محمد بن الفرحان الدوری قال: حدثنا محمد بن علی بن فرات الدهان ، قال: حدثنا سفیان بن وکیع ، عن أبیه عن الأعمش: عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول الله تعالی یوم القیامة لی ولعلی بن أبی طالب: أدخلا الجنة من أحبکما وأدخلا النار من أبغضکما. وذلک قوله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ .

وقریباً منه رواه بسند آخر فی الحدیث ( 32 ) من المجلس 13 ، من: 1/378 ورواه أیضاً بسنده عن أبی المفضل الشیبانی فی الحدیث: ( 7 ) من المجلس: (12 ) من أمالیه: 2/639 ط. بیروت ، قال: قال أبوالمفضل: حدثنا إبراهیم بن حفص بن عمر العسکری بالمصیصة قال: حدثنا عبید بن الهیثم بن عبید الله الأنماطی البغدادی بحلب قال: حدثنی الحسن بن سعید النخعی ابن عم لشریک ، قال: حدثنی شریک بن عبدالله القاضی قال: حضرت الأعمش فی علتة التی قبض فیها ، فبینا أنا عنده إذ دخل علیه ابن شبرمة وابن أبی لیلی وأبوحنیفة فسألوه عن حاله فذکر ضعفا شدیداً ، وذکر ما یتخوف من خطیئاته وأدرکته ذمة فبکی .

ص: 231

فأقبل علیه أبو حنیفة فقال: یا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسک ، فإنک فی آخر یوم من أیام الدنیا وأول یوم من أیام الآخرة ، وقد کنت تحدث فی علی بن أبی طالب بأحادیث لو رجعت عنها کان خیراً لک .

قال الأعمش: مثل ماذا یا نعمان ؟

قال: مثل حدیث عبایة: أنا قسیم النار !

قال: أو لمثلی تقول هذا یا یهودی ؟!

أقعدونی سندونی أقعدونی! حدثنی - والذی مصیری إلیه - موسی بن طریف ولم أر أسدیاً کان خیراً منه ، قال: سمعت عبایة بن ربعی إمام الحی قال: سمعت علیاً أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یقول: أنا قسیم النار ، أقول هذا ولیی دعیه وهذا عدوی خذیه.

وحدثنی أبو المتوکل الناجی علی بن داوود . . . عن أبی سعید الخدری (رض) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة یأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلی علی الصراط ، ویقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بی وأحبکما ، وأدخلا النار من کفر بی وأبغضکما .

ثم قال أبو سعید: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما آمن بالله من لم یؤمن بی ، ولم یؤمن بی من لم یتول - أو قال: لم یحب - علیاً ، وتلا: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ. قال: فجعل أبو حنیفة إزاره علی رأسه وقال: قوموا بنا لا یجیبنا أبو محمد بأطم من هذا .

قال الحسن بن سعید: قال لی شریک بن عبدا الله: فما أمسی یعنی الأعمش حتی فارق الدنیا(رحمه الله).

وقریبا منه رواه أیضاً الشیخ السدید السعید المفید أبوسعید محمد بن أحمد بن الحسین الخزاعی جد الشیخ أبی الفتوح الرازی فی الحدیث ( 14 ) من أربعینه قال: وعن محمد بن تمیم الواسطی ، عن الحمانی عن شریک قال: کنت عند

ص: 232

سلیمان الأعمش فی مرصه...

ورواه أیضاً فی الحدیث العاشر منه بسند آخر وزیادة ، ومثله رواه ابن المغازلی فی الحدیث ( 97 ) من مناقب علی/67.

انتهی .

وروی فرات هذا المعنی فی تفسیره بعدة طرق ، قال فی/439:

حدثنی علی بن محمد الزهری معنعناً عن صباح المزنی قال: کنا نأتی الحسن بن صالح وکان یقرأ القرآن ، فإذا فرغ من القرآن سأله أصحاب المسائل حتی إذا فرغوا قام إلیه شابٌ فقال له: قول الله تعالی فی کتابه: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ ؟ فنکت نکتة فی الأرض طویلاً ، ثم قال: عن العنید تسألنی؟ قال: لا ، أسألک عن ( ألقیا ) قال: فمکث الحسن ساعة ینکت فی الأرض ثم قال: إذا کان یوم القیامة یقوم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علی شفیر جهنم ، فلا یمر به أحدٌ من شیعته إلا قال: هذا لی وهذا لک ).

ورواه فی تفسیر القمی: 2/324 ، بسنده عن فرات .

وفی تفسیر فرات/437

عن جعفر عن أبیه عن آبائه (علیهم السّلام) قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی إذا جمع الناس یوم القیامة وعدنی المقام المحمود وهو واف لی به ، إذا کان یوم القیامة نصب لی منبر له ألف درجة ، لا کمراقیکم ، فأصعد حتی أعلو فوقه فیأتینی جبرئیل بلواء الحمد فیضعه فی یدی ویقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی، فأقول لعلی: إصعد ، فیکون أسفل منی بدرجة، فأضع لواء الحمد فی یده .

ثم یأتی رضوان بمفاتیح الجنة فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، فیضعها فی یدی فأضعها فی حجر علی بن أبی طالب .

ص: 233

ثم یأتی مالک خازن النار فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، هذه مفاتیح النار، أدخل عدوک وعدو ذریتک وعدو أمتک النار ، فآخذها وأضعها فی حجر علی بن أبی طالب .

فالنار والجنة یومئذ أسمع لی ولعلی من العروس لزوجها ، فهو قول الله تبارک وتعالی فی کتابه: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ. ألق یا محمد ویا علی عدوکما فی النار ثم أقوم فأثنی علی الله ثناء لم یثن علیه أحد قبلی ، ثم أثنی علی الملائکة المقربین ، ثم أثنی علی الأنبیاء والمرسلین ، ثم أثنی علی الأمم الصالحین ، ثم أجلس فیثنی الله علیَّ ، ویثنی علیَّ ملائکته ، ویثنی علیَّ أنبیاؤه ورسله ، وتثنی علیَّ الأمم الصالحة .

ثم ینادی مناد من بطنان العرش: یا معشر الخلائق غضوا أبصارکم حتی تمر بنت حبیب الله إلی قصرها ، فتمر فاطمة بنتی علیها ریطتان خضراوان حولها سبعون ألف حوراء ، فإذا بلغت إلی باب قصرها وجدت الحسن قائماً والحسین نائماً مقطوع الرأس فتقول للحسن: من هذا ؟ فیقول هذا أخی ، إن أمة أبیک قتلوه وقطعوا رأسه ، فیأتیها النداء من عند الله: یا بنت حبیبی إنی إنما أریتک ما فعلت به أمة أبیک لأنی ادخرت لک عندی تعزیة بمصیبتک فیه إنی جعلت لتعزیتک بمصیبتک فیه أنی لا أنظر فی محاسبة العباد حتی تدخلی الجنة أنت وذریتک وشیعتک ، ومن أولاکم معروفاً ممن لیس هو من شیعتک ، قبل أن أنظر فی محاسبة العباد !

فتدخل فاطمة ابنتی الجنة وذریتها وشیعتها ومن أولاها معروفاً ممن لیس هو من شیعتها ، فهو قول الله تعالی فی کتابه: لا یحزنهم الفزع الأکبر . . .

وفی تفسیر فرات الکوفی/438

ص: 234

عن جعفر بن محمد (علیهماالسّلام) قال: إذا کان یوم القیامة نصب منبر یعلو المنابر فیتطاول الخلائق لذلک المنبر ، إذ طلع رجل علیه حلتان خضراوان ، متزر بواحدة مترد بأخری ، فیمر بالملائکة فیقولون هذا منا ، فیجوزهم ، ثم یمر بالشهداء فیقولون هذا منا ، فیجوزهم ، ویمر بالنبیین فیقولون هذا منا ، فیجوزهم حتی یصعد المنبر .

ثم یجئ رجل آخر علیه حلتان خضراوان متزر بواحدة مترد بأخری فیمر بالشهداء فیقولون هذا منا ، فیجوزهم ثم یمر بالنبیین فیقولون هذا منا ، فیجوزهم ویمر بالملائکة فیقولون هذا منا ، فیجوزهم حتی یصعد المنبر .

ثم یغیبان ما شاء الله ، ثم یطلعان فیعرفان: محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی .

وعن یسار النبی ملکٌ وعن یمینه ملکٌ ، فیقول الملک الذی عن یمینه: یا معشر الخلائق أنا رضوان خازن الجنان ، أمرنی الله بطاعته ، وطاعة محمد ، وطاعة علی بن أبی طالب. وهو قول الله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ، یامحمد ویا علی.

ویقول الملک الذی عن یساره: یا معشر الخلائق أنا خازن جهنم ، أمرنی الله بطاعته ، وطاعة محمد ، وعلی !

وفی تأویل الآیات لشرف الدین: 2/609

تأویله: ما رواه الحسن بن أبی الحسن الدیلمی بإسناده ، عن رجاله ، عن جابر بن یزید ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله عز وجل: وَجَاءَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِیدٌ.

قال: السائق: أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، والشهید: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ویؤید هذا التأویل: قوله تعالی لهما: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ .

ص: 235

بیان ذلک ما ذکره أبو علی الطبرسی قال: روی أبو القاسم الحسکانی بإسناده عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوکل الناجی، عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة یقول الله لی ولعلی: ألقیا فی النار من أبغضکما وأدخلا الجنة من أحبکما ، وذلک قوله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ .

وذکر الشیخ فی أمالیه . . . إلی آخر ما تقدم .

ویؤیده: ما روی بحذف الإسناد عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام) عن قوله عز وجل: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ ؟ فقال:

إذا کان یوم القیامة وقف محمد وعلی صلوات الله علیهما وآلهما علی الصراط ، فلا یجوز علیه إلا من کان معه براءة .

قلت: وما براءة ؟ قال: ولایة علی بن أبی طالب والأئمة من ولده (علیهم السّلام) .

وینادی مناد: یا محمد یا علی: القیا فی جهنم کل کفار بنبوتک عنید لعلی بن ابی طالب وولده (علیهم السّلام) .

وذکر فی هامشه من مصادره: تفسیر البرهان: 4 /222 ح 2 ، عن الحسن بن أبی الحسن الدیلمی. وشواهد التنزیل: 2/190 ح 896 ومجمع البیان 9/147 ، وعنه البحار: 36/75 ونور الثقلین: 5/113 ح 35 عنه البرهان: 4/227 ح 4 والبحار: 7/338 ح 26 و: 39/253 ح 23 و: 68/117 ح 43 ، عن أمالی الطوسی: 1/378. انتهی .

وفی شواهد التنزیل للحسکانی: 2/265

عن علی (علیه السّلام) فی قوله تعالی (أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ . . . ) قال قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی إذا جمع الناس یوم القیامة فی صعید واحد ، کنت أنا وأنت یومئذ عن یمین العرش ، فیقول لی ولک: قوما فألقیا من أبغضکما وخالفکما فی النار .

ص: 236

شفاعة علی والأئمة من ذریته(علیهم السّلام)

فی کنز العمال: 13/156

عن علی قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أول خلق الله یکسی یوم القیامة أبی إبراهیم فیکسی ثوبین أبیضین ثم یقام عن یمین العرش ، ثم أدعی فأکسی ثوبین أخضرین ثم أقام عن یسار العرش ، ثم تدعی أنت یا علی فتکسی ثوبین أخضرین ثم تقام عن یمینی، أفما ترضی أن تدعی إذا دعیت وتکسی إذا کسیت وأن تشفع إذا شفعت. الدارقطنی فی العلل، وأورده ابن الجوزی فی الموضوعات وقال: تفرد به میسرة بن حبیب النهدی والحکم بن ظهیر عنه ، والحکم کذاب .

قلت: الحکم روی له الترمذی ، وقال فیه البخاری: منکر الحدیث ، وروی عنه القدماء سفیان الثوری ومالک ، وک فصحح له ، وقد تابع میسرة عن المنهال عمران بن میثم ، وهو الحدیث الذی قبله. انتهی .

ویلاحظ أن المتقی الهندی رد علی ابن الجوزی ! ووثق الراویین اللذین تعلل بهما ابن الجوزی لتضعیف الحدیث ، ثم ذکر له متابعا وبذلک یقول لابن الجوزی: إذا أصریت علی تضعیفه فهو حسن أو صحیح بمتابعه !

ویقصد بالحدیث الذی قبله رقم 36481 ، وهو من مسند علی قال:

قال لی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ألا ترضی یا علی إذا جمع الله الناس فی صعید واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش ، فکان أول من یدعی إبراهیم فیکسی ثوبین أبیضین ثم یقوم عن یمین العرش ، ثم یفجر لی مثعب من الجنة إلی حوضی ، وحوضی أعرض مما بین بصری وصنعاء فیه عدد نجوم السماء قدحان من فضة ، فأشرب وأتوضأ وأکسی ثوبین أبیضین ، ثم أقوم عن یمین العرش ، ثم تدعی فتشرب وتتوضأ وتکسی ثوبین أبیضین ، فتقوم معی ، ولا أدعی لخیر

ص: 237

إلا دعیت إلیه ؟ قلت: بلی .

( ابن شاهین فی السنة ، طس وأبو نعیم فی فضائل الصحابة ، أبو الحسن المیثمی: هذا حدیث لا یصح وآفته عمران بن میثم ، وقال عق: عمران بن میثم من کبار الرافضة یروی أحادیث سوء کذب ) انتهی .

ویدل جعل المتقی الهندی لهذا الحدیث متابعا ومؤیدا للحدیث السابق ، یدل علی أنه لم یتأثر بما قالوه عن عمران بن میثم ، أو أن المؤید عنده یتسع لیشمل محتمل الصحة بمطلق الإحتمال .

وفی شرح الأخبار: 2/201 ، من حدیث عن ابن عباس مع الشامی الناصبی:

فقال لها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا أم سلمة ، اسمعی واحفظی واشهدی ، هذا أخی فی الدنیا ، وقرینی فی الآخرة .

یا أم سلمة ، اسمعی واحفظی واشهدی ، هذا علی عیبة علمی ، والباب الذی أوتی من قبله ، والوصی علی الأحیاء من أهل بیتی ، وهو معی فی السنام الأعلی، صاحب لوائی ، والذائد عن حوضی ، وصاحب شفاعتی .

یا أم سلمة ، إسمعی واحفظی واشهدی ، إن الله عز وجل دافع إلی یوم القیامة لواءین: لواء الحمد ولواء الشفاعة ، ولواء الشفاعة بیدی ، ولواء الحمد بید علی ، وهو واقفٌ علی حوضی ، لا یسقی من حوضی من شتمه أو شتم أهل بیته ، ولا من قتله ولا من قتل أهل بیته .

فقال له الشامی: حسبک یابن عباس رحمک الله ، فرجت عنی کربتی وأحییتنی وأحییت معی خلقاً ، فأحیاک الله الحیاة الطیبة فی الدنیا والآخرة. أشهد الله وأشهدک ومن حضر أن علیاً مولای ومولی کل مسلم .

ثم انصرف إلی الشام فأعلم الذین أرسلوه بما کان من ابن عباس ، فرجع معه خلق من أهل الشام عن سب علی(علیه السّلام).

ص: 238

وفی تفسیر فرات الکوفی/116

عن جعفر بن محمد ، عن أبیه (علیهما السلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

یا علی ، إن فیک مثل من عیسی بن مریم قال الله تعالی: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ إِلا لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکُونُ عَلَیْهِمْ شَهِیدًا .

یا علی ، إنه لا یموت رجل یفتری علی عیسی حتی یؤمن به قبل موته ، ویقول فیه الحق حیث لا ینفعه ذلک شیئاً ، وإنک علی مثله لا یموت عدوک حتی یراک عند الموت فتکون علیه غیظاً وحزناً حتی یقر بالحق من أمرک ، ویقول فیک الحق ویقر بولایتک حیث لا ینفعه ذلک شیئاً ، وأما ولیک فإنه یراک عند الموت ، فتکون له شفیعاًومبشراً وقرة عین .

وفی بشارة المصطفی/125

أخبرنا الشیخ الرئیس أبو محمد الحسن بن الحسین بن بابویه فی خانقانه بالری ، فی شهر ربیع الأول سنة عشرة وخمسمائة ، وأخبرنا الشیخ أبو علی الحسن بن محمد وأبو عبد الله محمد بن شهریار الخازن ، بمشهد مولانا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ، قال حدثنا الشیخ السعید أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الطوسی(رحمه الله)قال حدثنا الشیخ المفید محمد بن محمد ، قال حدثنی أبوبکر محمد بن عمر الجعابی ، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعید ، قال حدثنا أبو حاتم ، قال حدثنا محمد بن الفرات ، قال حدثنا حنان بن سدیر ، عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر(علیه السّلام)قال: ما ثبت الله تعالی حب علی فی قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبت الله له قدما أخری .

أخبرنا والدی أبو القاسم علی بن محمد بن علی الفقیه(رحمه الله)وعمار بن یاسر وولده أبو القاسم سعد بن عمار رحمهم الله جمیعاً عن إبراهیم بن نصر الجرجانی ، عن

ص: 239

السید الزاهد محمد بن حمزة الحسینی رحمهم الله ، عن أبی عبد الله الحسین بن علی بن بابویه رحمهم الله ، قال حدثنا أبو الحسن علی بن عیسی المجاور فی مسجد الکوفة ، قال حدثنا اسماعیل بن رزین بن أخی دعبل الخزاعی ، عن أبیه ، قال حدثنی علی بن موسی الرضا ، قال حدثنی أبی موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، قال حدثنی أبی الحسین بن علی قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا علی ، أنت المظلوم بعدی فویلٌ لمن قاتلک ، وطوبی لمن قاتل معک .

یا علی أنت الذی تنطق بکلامی ، وتتکلم بلسانی بعدی ، فویلٌ لمن رد علیک وطوبی لمن قبل کلامک .

یا علی ، أنت سید هذه الأمة بعدی ، وأنت إمامها وخلیفتی علیها ، ومن فارقک فارقنی یوم القیامة ، ومن کان معک کان معی یوم القیامة .

یا علی ، أنت أول من آمن بی وصدقنی ، وأول من أعاننی علی أمری وجاهد معی عدوی وأنت أول من صلی معی والناس یومئذ فی غفلة الجهالة .

یا علی ، أنت أول من تنشق عنه الأرض معی ، وأنت أول من یبعث معی ، وأنت أول من یجوز الصراط معی ، وإن ربی جل جلاله أقسم بعزته لا یجوز عقبة الصراط إلا من کان له براءة بولایتک وولایة الأئمة من ولدک .

وأنت أول من یرد حوضی ، تسقی منه أولیاءک وتذود عنه أعداءک .

وأنت صاحبی إذا قمت المقام المحمود ، تشفع لمحبنا فیهم .

وأنت أول من یدخل الجنة وبیدک لوائی لواء الحمد ، وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع من الشمس والقمر .

وأنت صاحب شجرة طوبی فی الجنة ، أصلها فی دارک ، وأغصانها فی دور شیعتک ومحبیک .

ص: 240

أحادیث فی شفاعة الأئمة من أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فی المحاسن 1/183

عن معاویة بن وهب قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله تبارک وتعالی: لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا .

قال: نحن والله المأذون لهم فی ذلک الیوم ، والقائلون صواباً .

قلت: جعلت فداک ، وما تقولون إذا تکلمتم ؟

قال: نمجد ربنا ونصلی علی نبینا ، ونشفع لشیعتنا ، فلا یردنا ربنا .

وبإسناده قال: قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): قوله: من ذا الذی یشفع عنده إلا بإذنه ، یعلم ما بین أیدیهم وما خلفهم. من هم ؟

قال: نحن أولئک الشافعون .

وروی الاخیر فی تفسیر العیاشی: 1/136 ، وفی تفسیر نور الثقلین: 1/258 ورواه فی البحار:8/41 ، عن المحاسن .

وفی بحار الأنوار: 7/335

جاء فی روایات أصحابنا رضی الله عنهم مرفوعاً إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: إنی أشفع یوم القیامة فأشفع ، ویشفع علی فیشفع ،ویشفع أهل بیتی فیشفعون ، وإن أدنی المؤمنین شفاعة لیشفع فی أربعین من إخوانه ، کل قد استوجبوا النار .

وفی بصائر الدرجات/496

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی أیوب ، عن برید العجلی قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قول الله: وَعَلَی الْأَعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیمَاهُمْ ؟ قال: أنزلت فی هذه الأمة ، والرجال هم الأئمة من آل محمد .

قلت: فالأعراف ؟

ص: 241

قال: صراط بین الجنة والنار ، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنین المذنبین نجا ، ومن لم یشفعوا له هوی .

وفی کفایة الاثر/194

حدثنی علی بن الحسن ، قال حدثنی هارون بن موسی ، قال حدثنی أبوعبد الله الحسین بن أحمد بن شیبان القزوینی ، قال حدثنا أبوعمر أحمد بن علی الفیدی ، قال حدثنا سعد بن مسروق ، قال حدثنا عبد الکریم بن هلال المکی ، عن أبی الطفیل ، عن أبی ذر (رض) ، قال سمعت فاطمة(علیهاالسّلام)تقول: سألت أبی(علیه السّلام)عن قول الله تبارک وتعالی: وَعَلَی الْأَعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلاًّ بِسِیمَاهُمْ ، قال: هم الأئمة بعدی علی وسبطای وتسعة من صلب الحسین ، هم رجال الأعراف ، لا یدخل الجنة إلا من یعرفهم ویعرفونه ولا یدخل النار إلا من أنکرهم وینکرونه ، لا یعرف الله إلا بسبیل معرفتهم .

وفی تأویل الآیات: 1/55

وقوله تعالی: وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَ لا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَ لا هُمْ یُنصَرُونَ .

قال الإمام (علیه السّلام): قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا :

أی لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع .

ولا یقبل منها شفاعة: من یشفع لها بتأخیر الموت عنها .

ولا یؤخذ منها عدل: أی ولا یقبل منها فداء مکانه ، یموت الفداء ویترک هو .

قال الصادق(علیه السّلام): وهذا الیوم یوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا تغنی منه ، فأما یوم القیامة فإنا وأهلنا نجزی عن شیعتنا کل جزاء ، لیکونن علی الأعراف بین الجنة والنار محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین ، والطیبون من آلهم ، فنری بعض شیعتنا فی تلک العرصات، فمن کان منهم مقصراً فی بعض شدائدها فنبعث

ص: 242

علیهم خیار شیعتنا کسلمان والمقداد وأبی ذر وعمار ونظائرهم فی العصر الذی یلیهم ، ثم فی کل عصر إلی یوم القیامة . . فینقضون علیهم کالبزاة والصقور یتناولونهم ، کما تتناول الصقور صیودها ، ثم یزفون إلی الجنة زفاً .

وإنا لنبعث علی آخرین من محبینا من خیار شیعتنا کالحمام فیلتقطونهم من العرصات ، کما یلتقط الطیر الحب ، وینقلونهم إلی الجنان بحضرتنا. انتهی .

وقد یسأل: کیف یکون أصحاب الاعراف هم النبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، مع أنه تعالی قال عنهم ( لم یدخلوها وهم یطمعون ) !

والجواب: أن ضمیر ( لم یدخلوها ) لا یعود علیهم ، بل علی أصحاب الحجاب الذین یعرفونهم بسیماهم ، فراجع الآیات 44 ، وما بعدها من سورة الأعراف، وما ورد فی تفسیرها .

وفی تفسیر فرات الکوفی/116

عن أبی جعفر(علیه السّلام) قال: نزلت هذه الآیة فینا وفی شیعتنا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ . وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ، وذلک حین باها الله بفضلنا وبفضل شیعتنا حتی إنا لنشفع ویشفعون.

قال: فلما رأی ذلک من لیس منهم قالوا فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ . وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ . .

وفی المحاسن: 1/184

عن عمر بن عبد العزیز ، عن مفضل أو غیره ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ . وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ ؟

قال: الشافعون الأئمة ، والصدیق من المؤمنین .

ورواه فی تفسیر نور الثقلین: 4/61

ص: 243

وفی الکافی: 8/101

محمد بن یحیی ، عن ابن عیسی ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن عمر بن أبان ، عن عبد الحمید الوابشئ ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قلت له: إن لنا جاراً ینتهک المحارم کلها حتی إنه لیترک الصلاة فضلاً عن غیرها:

فقال: سبحان الله !! وأعظم ذلک !

ألا أخبرکم بمن هو شرٌّ منه ؟

قلت: بلی .

قال: الناصب لنا شرٌ منه، أما إنه لیس من عبد یذکر عنده أهل البیت فیرق لذکرنا إلا مسحت الملائکة ظهره وغفر له ذنوبه کلها إلا أن یجئ بذنب یخرجه من الإیمان ، وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل فی ناصب ، وإن المؤمن لیشفع لجاره وماله حسنة ، فیقول: یارب جاری کان یکف عنی الأذی فیشفع فیه ، فیقول الله تبارک وتعالی:

أنا ربک وأنا أحق من کافی عنک ، فیدخله الجنة وماله من حسنة !

وإن أدنی المؤمنین شفاعة لیشفع لثلاثین إنساناً فعند ذلک یقول أهل النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ . وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ . .

وفی تفسیر نور الثقلین: 4/60

عن تفسیر علی بن ابراهیم: حدثنی أبی ، عن الحسن بن محبوب، عن أبی أسامة، عن أبی عبد الله وأبی جعفر (علیهماالسّلام) أنهما قالا: والله لنشفعن فی المذنبین من شیعتنا حتی یقول أعداؤنا إذا رأوا ذلک: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ . وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ . فَلَوْ أَنَّ لَنَا کَرَّةً فَنَکُونَ مِنَ أَلْمُؤْمِنِینَ .

قال: من المهتدین ، قال: لأن الإیمان قد لزمهم بالإقرار .

ورواه فی بحار الأنوار: 8/36 ، وقال:

ص: 244

بیان: أی لیس المراد بالإیمان هنا الإسلام ، بل الاهتداء إلی الأئمة (علیهم السّلام) وولایتهم أو لیس المراد الإیمان الظاهری .

وفی المحاسن: 1/61

عن لیث بن أبی سلیمان ، عن ابن أبی لیلی ، عن الحسن بن علی (علیهماالسّلام) ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): الزموا مودتنا أهل البیت فإنه من لقی الله وهو یودنا أهل البیت دخل الجنة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا. انتهی.

ورواه فی شرح الأخبار 3/487 ، وقد تقدمت روایته عن الطبرانی ومجمع الزوائد ، وأن ولایتهم (علیهم السّلام) شرط لقبول الأعمال .

وفی تأویل الآیات: 2/349

وروی عن الصادق(علیه السّلام)فی قوله (إِنَّ إِلَیْنَا إِیَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا حِسَابَهُمْ ) قال(علیه السّلام): إذا حشر الله الناس فی صعید واحد أجل الله أشیاعنا أن یناقشهم فی الحساب ، فنقول: إلهنا هؤلاء شیعتنا ، فیقول الله تعالی: قد جعلت أمرهم إلیکم ، وقد شفعتکم فیهم وغفرت لمسیئهم ، أدخلوهم الجنة بغیر حساب. انتهی .

ولا بد أن یکون المقصود بهؤلاء: النوع المقبول من شیعتهم وأولیائهم(علیهم السّلام) .

وفی أمالی المفید/48

قال ، أخبرنی أبو حفص عمر بن محمد قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد قال: حدثنا عیسی بن مهران قال: حدثنا مخول قال: حدثنا الربیع بن المنذر ، عن أبیه قال: سمعت الحسن بن علی (علیهماالسّلام) یقول: إن

أبا بکر وعمر عمدا إلی هذا الأمر وهو لنا کله فأخذاه دوننا ، وجعلا لنا فیه سهماً کسهم الجدة ، أما والله

ص: 245

لتهمنهما أنفسهما یوم یطلب الناس فیه شفاعتنا .

وفی بحار الأنوار: 8/36

وعن الحسن عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یقول: الرجل من أهل الجنة یوم القیامة: أی رب عبدک فلانٌ سقانی شربة من ماء فی الدنیا فشفعنی فیه ، فیقول: إذهب فأخرجة من النار ، فیذهب فیتجسس فی النار حتی یخرجه منها .

علل الشرائع: أبی عن محمد العطار ، عن جعفر بن محمد بن مالک ، عن أحمد بن مدین ، عن محمد بن عمار ، عن أبیه ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: شیعتنا من نور الله خلقوا وإلیه یعودون ، والله إنکم لملحقون بنا یوم القیامة ، وإنا لنشفع فنشفع ، ووالله إنکم لتشفعون فتشفعون ، وما من رجل منکم إلا وسترفع له نارٌ عن شماله وجنةٌ عن یمینه فیدخل أحباءه الجنة ، وأعداءه النار

وفی بصائر الدرجات/62

حدثنا عباد بن سلیمان عن ابیه قال قال أبو عبد الله (علیه السّلام): إن الله تبارک و تعالی انتجبنا لنفسه ، فجعلنا صفوته من خلقه ، وأمناؤه علی وحیه ، وخزانه فی أرضه ، وموضع سره ، وعیبة علمه ، ثم أعطانا الشفاعة ، فنحن أذنه السامعة ، وعینه الناظرة ولسانه الناطق بإذنه ، وأمناؤه علی ما أنزل من عذر ونذر وحجة .

أحادیث فی شفاعة فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)

فی مسائل علی بن جعفر/345

أخبرنی أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفوانی قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزیز بن یحیی الجلودی قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن عمر بن علی بن الحسین قال: حدثنی علی بن جعفر بن محمد ، عن

ص: 246

أخیه موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن

أبیه ، عن جده علی بن الحسین ، عن أبیه الحسین بن علی ، عن جده علی بن أبی طالب ، عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال:

إذا کان یوم القیامة نادی مناد: یا معشر الخلائق غضوا أبصارکم ونکسوا رؤوسکم حتی تمر فاطمة بنت محمد ، فتکون أول من یکسی ، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء ، وخمسون ألف ملک ، علی نجائب من الیاقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب ، رکبها من زبرجد ، علیها رحل من الدر ، علی کل رحل نمرقة من سندس حتی یجوزوا بها الصراط ، ویأتوا بها الفردوس ، فیتباشر بمجیئها أهل الجنان. فتجلس علی کرسی من نور ویجلسون حولها، وهی جنة الفردوس التی سقفها عرش الرحمان ، وفیها قصران ، قصر أبیض وقصر أصفر من لؤلؤة علی عرق واحد ، فی القصر الأبیض سبعون ألف دار ، مساکن محمد وآل محمد .

وفی القصر الأصفر سبعون ألف دار ، مساکن إبراهیم وآل إبراهیم .

ثم یبعث الله ملکاً لها لم یبعث لأحد قبلها ولا یبعث لاحد بعدها، فیقول: إن ربک یقرأ علیک السلام ویقول: سلینی. فتقول: هو السلام ، ومنه السلام ، قد أتم علی نعمته ، وهنأنی کرامته ، وأباحنی جنته ، وفضلنی علی سائر خلقه ، أسأله ولدی وذریتی ، ومن ودهم بعدی وحفظهم فی. فیوحی الله إلی ذلک الملک من غیر أن یزول من مکانه ، أخبرها أنی قد شفعتها فی ولدها وذریتها ومن ودهم فیها وحفظهم بعدها ، فتقول: الحمد لله الذی أذهب عنی الحزن ، وأقر عینی ، فیقر الله بذلک عین محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ورواه فی تأویل الآیات: 2/ 179 ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)، وقال فی آخره: کان أبی إذا ذکر هذاالحدیث تلا هذه الآیة: وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ

ص: 247

بِإِیمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئْ کُلُّ امْرِئٍ بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ .

وفی علل الشرائع: 1/179

حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسکان ، عن محمد بن مسلم الثقفی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: لفاطمة(علیهاالسّلام)وقفةٌ علی باب جهنم ، فإذا کان یوم القیامة کتب بین عینی کل رجل مؤمن أو کافر ، فیؤمر بمحب قد کثرت ذنوبه إلی النار ، فتقرأ فاطمة بین عینیه محباً فتقول: إلهی وسیدی سمیتنی فاطمة وفطمت بی من تولانی وتولی ذریتی من النار ، ووعدک الحق وأنت لا تخلف المیعاد. فیقول الله عز وجل: صدقت یا فاطمة إنی سمیتک فاطمة وفطمت بک من أحبک وتولاک وأحب ذریتک وتولاهم من النار ، ووعدی الحق ، وأنا لا أخلف المیعاد ، وإنما أمرت بعبدی هذا إلی النار لتشفعی فیه فأشفعک ، ولیتبین لملائکتی وأنبیائی ورسلی وأهل الموقف موقفک منی ، ومکانتک عندی ، فمن قرأت بین عینیه مؤمناً فخذی بیده وأدخلیه الجنة. انتهی .

ورواه فی البحار: 8/51

وفی تفسیر فرات/116

عن أبی عبد الله جعفر بن محمد (علیهما السلام)قال: قال جابر لابی جعفر(علیه السّلام): جعلت فداک یا بن رسول الله حدثنی بحدیث فی فضل جدتک فاطمة(علیهاالسّلام)إذا أنا حدثت به الشیعة فرحوا بذلک .

قال أبو جعفر: حدثنی أبی ، عن جدی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إذا کان یوم القیامة نصب للأنبیاء والرسل منابر من نور ، فیکون منبری أعلی منابرهم یوم

ص: 248

القیامة ، ثم یقول الله: یا محمد أخطب ، فأخطب بخطبة لم یسمع أحد من الأنبیاء والرسل بمثلها .

ثم ینصب للأوصیاء منابر من نور ، وینصب لوصیی علی بن أبی طالب فی أوساطهم منبر من نور، فیکون منبره أعلی منابرهم ، ثم یقول الله: یا علی أخطب، فیخطب بخطبة لم یسمع أحد من الأوصیاء بمثلها .

ثم ینصب لأولاد الأنبیاء والمرسلین منابر من نور ، فیکون لإبنی وسبطی وریحانتی أیام حیاتی منبران من نور ، ثم یقال لهما: أخطبا ، فیخطبان بخطبتین لم یسمع أحد من أولاد الأنبیاء والمرسلین بمثلهما .

ثم ینادی المنادی وهو جبرئیل(علیه السّلام):

أین فاطمة بنت محمد ؟

أین خدیجة بنت خویلد ؟

أین مریم بنت عمران ؟

أین آسیة بنت مزاحم ؟

أین أم کلثوم أم یحیی بن زکریا ؟

فیقمن ، فیقول الله تبارک وتعالی: یا أهل الجمع لمن الکرم الیوم ؟

فیقول محمد وعلی والحسن والحسین وفاطمة: لله الواحد القهار .

فیقول الله جل جلاله: یا أهل الجمع إنی قد جعلت الکرم لمحمد وعلی والحسن والحسین وفاطمة. یا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار ، فإن هذه فاطمة تسیر إلی الجنة .

فیأتیها جبرئیل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبین ، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب ، علیها رحلٌ من المرجان، فتناخ بین یدیها فترکبها فیبعث إلیها مائة ألف ملک فیصیروا علی یمینها ، ویبعث إلیها مائة ألف ملک یحملونها علی أجنحتهم

ص: 249

حتی یصیروها علی باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فیقول الله: یا بنت حبیبی ما التفاتک وقد أمرت بک إلی جنتی ؟

فتقول: یا رب أحببت أن یعرف قدری فی مثل هذا الیوم. فیقول الله تعالی یا بنت حبیبی ارجعی فانظری من کان فی قلبه حبٌّ لک أو لاحد من ذریتک خذی فأدخلیه الجنة .

قال أبو جعفر: والله یا جابر إنها ذلک الیوم لتلتقط شیعتها ومحبیها کما یلتقط الطیر الحب الجید من الحب الردی ، فإذا صار شیعتها معها عند باب الجنة، یلقی الله فی قلوبهم أن یلتفتوا فإذا التفتوا یقول الله: یا أحبائی ما التفاتکم وقد شفعت فیکم فاطمة بنت حبیبی ؟

فیقولون: یا رب أحببنا أن یعرف قدرنا فی مثل هذا الیوم ، فیقول الله:

یا أحبائی إرجعوا وانظروا من أحبکم لحب فاطمة ، أنظروا من أطعمکم لحب فاطمة، أنظروا من کساکم لحب فاطمة، أنظروا من سقاکم شربة فی حب فاطمة، أنظروا من رد عنکم غیبة فی حب فاطمة.. خذوا بیده وأدخلوه الجنة .

قال أبو جعفر: والله لا یبقی فی الناس إلا شاکٌّ أو کافرٌ أو منافق .

فإذا صاروا بین الطبقات نادوا کما قال الله تعالی: فما لنا من شافعین ولا صدیق حمیم. فیقولون: فلو أن لناکرة فنکون من المؤمنین .

قال أبو جعفر: هیهات هیهات ، منعوا ماطلبوا ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لکاذبون ) .

وفی مناقب أمیر المؤمنین لمحمد بن سلیمان: 2/589

حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا عبدالله بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن سوار ، عن عباس بن خلیفة، عن سلیمان الأعمش قال قال: بعث أبو جعفر أمیر المؤمنین إلی فأتانی رسوله فی جوف اللیل فبقیت متفکراً فیما بینی وبین نفسی ، فقلت عسی

ص: 250

أن یکون بعث إلی أبو جعفر فی هذه الساعة لیسألنی عن فضائل علی فلعلی إن صدقته صلبنی .

قال: فکتبت وصیتی ولبست کفنی ودخلت علیه ، فإذا عنده عمرو بن عبید فحمدت الله علی ذلک ، فقال لی أبو جعفر یا سلیمان أدن منی ، قال فدنوت منه فاشتم رائحة الحنوط ، فقال لی: والله یا سلیمان لتصدقنی أو لأصلبنک !

قال قلت: حاجتک یا أمیر المؤمنین .

قال: ما لی أراک محنطاً ؟

قال قلت: أتانی رسولک أن أجب ، فبقیت متفکراً فیما بینی وبین نفسی ، فقلت:

عسی أن یکون بعث إلی أبو جعفر فی هذه الساعة یسألنی عن فضائل علی ، فلعلی إن صدقته صلبنی !!

قال فاستوی جالساً وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم ، فقال: یا سلیمان أسألک بالله کم من حدیث ترویه فی فضائل علی ؟

قلت: ألفی حدیث أو یزید .

قال لی: والله لأحدثنک حدیثین ینسیان کل حدیث ترویه فی فضل علی !

قال: قلت حدثنی .

قال: نعم ، أیام کنت هارباً من بنی مروان أدور البلاد وأتقرب إلی الناس بحب علی وفضله وکانوا یطعمونی ، حتی وردت بلاد الشام وأنا فی کساء خلق ما علی غیره ، قال: فنودی للصلاة وسمعت الإقامة ، فدخلت المسجد وفی نفسی أن أکلم الناس لیطعمونی ، فلما سلم الإمام إذا رجل عن یمینی معه صبیان فقلت: من الصبیان من الشیخ ؟

قال: أنا جدهما ولیس فی هذه المدینة رجل یحب علیاً غیری ، ولذلک سمیت أحدهما حسناً والآخر حسیناً ، قال: فقمت إلیه فقال: یا شیخ ما تشاء ؟

ص: 251

قال قلت: هل لک فی حدیث أقر به عینک ؟

قال: إن أقررت عینی أقررت عینک .

قال قلت: حدثنی أبی عن جدی قال: کنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات یوم قعدوا إذ أقبلت فاطمة وهی تبکی بکاء شدیداً فقال لها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما یبکیک ؟

قالت: یا أبتاه خرج الحسن والحسین ولا أدری أین أقاما البارحة ؟

فقال لها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا فاطمة لا تبکی فو الله إن الذی خلقهما هو ألطف بهما منک ، ثم

رفع طرفه إلی السماء ، ثم قال: اللهم إن کانا أخذا براً أو رکبا بحراً فاحفظهما وسلمهما .

فإذا بجبرئیل قد هبط علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا محمد إن الله یقرئک السلام ویقول: إنک لا تحزن لهما ولا تغتم لهما ، فإنهما فاضلان فی الدنیا فاضلان فی الآخرة ، وأبواهما خیر منهما ، وهما نائمان بحضیرة بنی النجار ، قد وکل الله بهما ملکاً یحفظهما .

فقام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فرحاً مع أصحابه حتی أتی حضیرة بنی النجار ، فإذا الحسن معانق الحسین ، وإذا ذلک الملک الموکل بهما باسط أحد جناحیه تحتهما والآخر قد جللهما به ، فانکب علیهما النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقبلهما ، حتی انتبها من نومهما فحملهما النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهو یقول:والله لابینن فیکما کما بین فیکما الله .

فقال له أبو بکر: یا رسول الله ناولنی أحد الصبیین أخفف عنک .

فقال النبی: یا أبا بکر نعم الحامل حاملهما ونعم المحمولان هما ، وأبوهما خیرٌ منهما .

فقال عمر: یا رسول الله ناولنی أحد الصبیین أخفف عنک.

فقال: یا عمر نعم الحامل حاملهما ، ونعم الراکبان هما ، وأبوهما خیرٌ منهما .

فأتی بهما النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی المسجد فقال: یا بلال هلم إلی الناس فنادی منادی

ص: 252

رسول الله فی المدینة ، فاجتمع الناس إلی رسول الله ، فقام علی قدمیه فقال:

یا معشر الناس ، ألا أدلکم علی خیر الناس جداً وجدة ؟ قالوا: بلی یا رسول الله .

قال: الحسن والحسین جدهما رسول الله ، وجدتهما خدیجة ابنة خویلد سیدة نساء أهل الجنة .

ثم قال: أیها الناس ، ألا أدلکم علی خیر الناس أباً وأماً ؟

قالوا: بلی یا رسول الله .

قال: علیکم بالحسن والحسین ، أبوهما شاب یحب الله ورسوله ، ویحبه الله ورسوله ، وأمهما فاطمة ابنة رسول الله .

یا معشر الناس ، ألا أدلکم علی خیر الناس عماً وعمة ؟

قالوا: بلی یا رسول الله .

قال: علیکم بالحسن والحسین ، عمهما جعفر بن أبی طالب ذو الجناحین الطیار فی الجنة مع الملائکة ، وعمتهما أم هانئ بنت أبی طالب .

ثم قال: یا معشر الناس ، ألا أدلکم علی خیر الناس خالاً وخالة ؟

قالوا: بلی یا رسول الله .

قال: علیکم بالحسن والحسین ، فخالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زینب ابنة رسول الله .

ثم قال: إن الحسن والحسین فی الجنة ، وأباهما فی الجنة ، وأمهما فی الجنة وعمهما فی الجنة ، وعمتهما فی الجنة ،وخالهما فی الجنة ، وخالتهما فی الجنة .

اللهم إنک تعلم أنه من یحبهما أنه معهما. اللهم إنک تعلم أنه من یبغضهما أنه فی النار. فلما قلت ذلک للشیخ ، قال: من أنت یا فتی ؟ قلت: من أهل الکوفة.

قال: عربیٌّ أم مولی ؟ قلت: عربی. قال: أنت تحدث بهذا الحدیث ، وأنت فی هذا الکساء ؟!قال: فکسانی حلة وحملنی علی بغلته .

ص: 253

قال: فبعتهما فی ذلک الزمان بمائة دینار .

ثم قال: یا فتی أقررت عینی ، والله لارشدنک إلی شاب یقر عینک .

قال: قلت نعم أرشدنی .

قال: فقال نعم ههنا رجلان أحدهما إمام والآخر مؤذن ، فأما الإمام فهو یحب علیاً منذ خرج من بطن أمه ، وأما الآخر فقد کان یبغض علیاً وهو الیوم یحب علیاً .

قال: فأخذ بیدی وأتی بی باب الإمام ، فإذا شابٌ صبیح الوجه قد خرج علی فعرف الحلة وعرف البلغة وقال: والله یا أخی ما کساک فلان حلته ، ولا حملک علی بغلته ، إلا أنک تحب الله ورسوله وتحب علیاً ، فحدثنی فی علی .

فقلت: نعم حدثنی والدی عن أبیه عن جده قال:

کنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات یوم إذ أقبلت فاطمة وهی حاملة الحسن والحسین علی کتفیها وهی تبکی بکاء شدیداً ، فقال لها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا فاطمة ما یبکیک ؟

قالت: یا رسول الله عیرتنی نساء قریش أن أباک زوجک معدماً لا مال له !

فقال لها رسول الله: یا فاطمة لا تبکی ، فو الله ما زوجتک حتی زوجک الله وشهد علی ذلک جبرئیل وإسرافیل. ثم اختار من أهل الدنیا فاختار من الخلق أباک فبعثه نبیا ، ثم اختار من أهل الدنیا فاختار من الخلق علیاً فجعله وصیاً .

یا فاطمة لا تبکی ، فإنی زوجتک أشجع الناس قلباً ، وأعلم الناس علماً ، وأسمح الناس کفاً ، وأقدم الناس إسلاماً .

یا فاطمة لا تبکی ، ابناه سیدا شباب أهل الجنة ، کان اسمهما مکتوبک فی التوراة شبراً وشبیراً ومشبراً .

( وفی مناقب الخوارزمی: ثم إن الله عز وجل أطلع إلی أهل الأرض فاختار من الخلائق أباک فبعثه نبیاً ، ثم أطلع إلی الأرض ثانیة فاختار من الخلائق علیاً ،

ص: 254

فزوجک الله إیاه واتخذته وصیاً ، فعلی منی وأنا منه ، فعلی أشجع الناس قلبآ وأعلم الناس علماً وأحلم الناس حلماً وأقدم الناس سلماً وأسمحهم کفاً وأحسنهم خلقاً.

یا فاطمة ، إنی آخذ لواء الحمد ومفاتیح الجنة بیدی ، ثم أدفعها إلی علی ، فیکون آدم ومن ولده تحت لوائه .

یا فاطمة ، إنی مقیم غداً علیاً علی حوضی ، یسقی من عرف من أمتی ، والحسن والحسین ابناه سیدا شباب أهل الجنة من الأولین والآخرین ، وقد سبق اسمهما فی توراة موسی ، وکان اسمهما فی التوراة شبراً وشبیراً ، سماهما الله الحسن والحسین لکرامة محمد علی الله ولکرامتهما علیه ) .

یا فاطمة ، ألا ترین أنی إذا دعیت إلی رب العالمین دعی علی معی ، وإذا شفعنی الله فی المقام المحمود شفع علی معی .

یا فاطمة إذا کان یوم القیامة کسی أبوک حلتین ، وعلی حلتین ، وینادی المنادی فی ذلک الیوم: یا محمد نعم الجد جدک إبراهیم ، ونعم الأخ أخوک علی .

یا فاطمة لا تبکی ، علی وشیعته غداً هم الفائزون فی الجنة وقال فی هامشه:

1100 - والحدیث رواه الخوارزمی فی أول الفصل ( 19 ) من کتابه مناقب علی (علیه السّلام)بسند آخر عن الأعمش ، وبزیادات فی متن الحدیث .

وقد رواه بعدة أسانید ابن المغازلی الشافعی فی الحدیث ( 188 ) من کتابه مناقب علی(علیه السّلام)صفحة 143 ، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصیرفی البغدادی(رحمه الله)قدم علینا واسطاً ، حدثنا أبو بکر محمد بن الحسبن سلیمان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العکبری ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عتاب العبدی ، حدثنا عمر بن شبة بن عبیدة النمیری قال:

ص: 255

حدثنی المدائنی قال: وجه المنصور إلی الأعمش یدعوه . . .

قال: وحدثنا محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العکبری ، حدثنا عبدالله بن عتاب بن محمد ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا أبو معاویة قال: حدثنا الأعمش قال: أرسل إلی المنصور . . .

وحدثنا محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العکبری ، حدثنا عبد الله بن عتاب بن محمد العبدی ، حدثنا أحمد بن علی العمی ، حدثنا إبراهیم بن الحکم قال: حدثنی سلیمان بن سالم قال: حدثنی الاعمش قال: بعث إلی أبو جعفر المنصور . .

أقول: ورواه أیضاً شیخ الشیعة وصدوق الشریعة محمد بن علی بن الحسین بأسانید أربعة فی المجلس ( 67 ) من أمالیه/352 ، قال:

وأخبرنا سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی فیما کتب إلینا من إصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهری سنة ست وثمانین ومائتین قال: حدثنا الولید بن الفضل العنزی قال: حدثنا مندل بن علی العنزی عن الأعمش.

أقول: وهذا هو السند الثالث من أسانید الشیخ الصدوق ، ومن أحب أن یطلع علی جمیع أسانیده ، ولفظ الحدیث فلیراجع الأمالی فإنه منشور کثیر الوجود ، وإنما أخترنا هذا السند لاجل وقوع الحافظ الطبرانی فیه وعلو مقامه فی الحفظ غیر خفی .

ورواه أبو القاسم الطبری فی بشارة المصطفی/114

والمحب الطبری ملخصاً فی ذخائر العقبی/130

والحموینی فی فرائد السمطین 2/90 ح 406

والخزاعی أبو بکر فی أربعینه ح 25

ولاحظ البحار: 37/88 .

ص: 256

نماذج من أحادیث شفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لزوار مشاهدهم المشرفة

من الثابت فی سیرة المؤمنین فی کل الأدیان ، من عهد أبینا آدم(علیه السّلام)إلی ظهور الإسلام ، احترام قبور أنبیائهم وأوصیائهم وأولیائهم ، وتشییدها وزیارتها .

بل إن ذلک سیرة عقلائیة عند کل الأمم والشعوب ، فتراهم یحترمون قبور موتاهم ، خاصة المهمین العزیزین عندهم .

وکان ذلک من عادات العرب أیضاً ، وکانت الإستجارة بالقبر العزیز علی القبیلة وسیلة مهمة للعفو عمن استجار به أو تحقیق طلبه .

ولکن فی أیام وفاة النبی‘والإختلاف الذی وقع بین صحابته وأهل بیته علی خلافته ، ادعی بعض الصحابة أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أوصی أن لا یبنی علی قبره ، ولا یصلی عند قبره ، ولا یجتمع المسلمون عند قبره . . الخ .

وقد اهتمت دولة الخلافة بترویج هذه الأحادیث ، وتشددت فی تنفیذها .

ونحن نعتقد أنها أحادیث غیر صحیحة ، وأن الدافع لوضعها کان خوف أهل الخلافة الجدیدة من أن تستجیر المعارضة خاصة أهل بیت النبی بقبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویعلنوا مرابطتهم عنده ، ومطالبتهم بإرجاع الخلافة إلیهم !!

وغرضنا هنا أن نلفت إلی أن تأکید الأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) علی زیارة قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقبورهم الشریفة ، کان استمراراً لسنة

الله تعالی فی الأنبیاء والأوصیاء السابقین ، کما کان رداً لمقولة السلطة التی عملت لتکریسها علی أنها جزءٌ من الدین !

وفیما یلی نماذج من الأحادیث الشریفة ، اقتصرنا منها علی ما تضمن شمول شفاعة النبی وأهل بیته الطاهرین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لمن زار قبورهم الطاهرة .

ص: 257

- ففی علل الشرائع: 2/460:

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن عباد بن سلیمان ، عن محمد بن سلیمان الدیلمی ، عن ابراهیم بن أبی حجر الأسلمی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتی مکة حاجاً ولم یزرنی إلی المدینة جفانی ، ومن جفانی جفوته یوم القیامة ، ومن جاءنی زائراً وجبت له شفاعتی ، ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة .

قال مصنف هذا الکتاب: العلة فی زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن من حج ولم یزره فقد جفاه ، وزیارة الأئمة تجری مجری زیارته ، بما قد روی عن الصادق ، وذکرهم فی هذا الباب .

- وفی الکافی: 4/567:

أبو علی الأشعری ، عن عبد الله بن موسی ، عن الحسن بن علی الوشاء قال: سمعت الرضا(علیه السّلام)یقول: إن لکل إمام عهداً فی عنق أولیائه وشیعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء: زیارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة فی زیارتهم وتصدیقاً بما رغبوا فیه ، کان أئمتهم شفعاءهم یوم القیامة .

- ورواه فی علل الشرائع: 2/459 ، وتهذیب الأحکام: 6/ 78 و93 ، والفقیه: 2 /577 ، والمقنعة/474

ص: 258

الشفاعة لمن زار قبر أمیر المؤمنین(علیه السّلام)

- فی تهذیب الأحکام: 6/107:

وعنه عن محمد بن علی بن الفضل قال: أخبرنی الحسین بن محمد بن الفرزدق قال: حدثنا علی بن موسی بن الأحول قال: حدثنا محمد بن أبی السری إملاءً قال: حدثنی عبد الله بن محمد البلوی قال: حدثنا عمارة بن زید عن أبی عامر الساجی واعظ أهل الحجاز قال: أتیت أبا عبد الله جعفر بن محمد(علیه السّلام)فقلت له: یابن رسول الله ، ما لمن زار قبره ؟ یعنی أمیر المؤمنین ، وعمر تربته ؟

قال: یا أبا عامر ، حدثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده الحسین بن علی ، عن علی ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها .

قلت: یا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟

فقال لی: یا أبا الحسن ، إن الله جعل قبرک وقبر ولدک بقاعاً من بقاع الجنة ، وعرصة من عرصاتها ، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن الیکم ، وتحتمل المذلة والأذی فیکم ، فیعمرون قبورکم ویکثرون زیارتها تقرباً منهم إلی الله ، مودة منهم لرسوله. أولئک یا علی المخصوصون بشفاعتی والواردون حوضی ، وهم زواری غداً فی الجنة .

یا علی ، من عمر قبورکم وتعاهدها فکأنما أعان سلیمان بن داود علی بناء بیت المقدس.

ومن زار قبورکم عدل ذلک له ثواب سبعین حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتی یرجع من زیارتکم کیوم ولدته أمه ، فأبشر وبشر أولیاءک ومحبیک من النعیم وقرة العین بما لا عینٌ رأت، ولا أذن سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر.

ولکن حثالةً من الناس یعیرون زوار قبورکم بزیارتکم ، کما تعیر الزانیة بزناها !

ص: 259

أولئک شرار أمتی ، لا نالتهم شفاعتی ولا یردون حوضی .

- وفی علل الشرائع: 2/585:

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه(رحمه الله)قال: حدثنا علی بن ابراهیم عن عثمان بن عیسی عن أبی الجارود رفعه فیما یروی إلی علی صلوات الله علیه قال: إن ابراهیم صلی الله علیه مر ببانقیا فکان یزلزل بها ، فبات بها فأصبح القوم ولم یزلزل بهم، فقالوا ما هذا ولیس حدث ؟!

قالوا: نزل هاهنا شیخٌ ومعه غلامٌ له .

قال فأتوه فقالوا له: یا هذا إنه کان یزلزل بنا کل لیلة ، ولم یزلزل بنا هذه اللیلة فبت عندنا، فبات فلم یزلزل بهم ، فقالوا: أقم عندنا ونحن نجری علیک ماأحببت.

قال: لا ، ولکن تبیعونی هذاالظهر ، ولا یزلزل بکم .

فقالوا: فهو لک .

قال: لا آخذه إلا بالشراء ، فقالوا: فخذه ما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة فلذلک سمی بانقیا ، لأن النعاج بالنبطیة نقیا .

قال: فقال له غلامه یا خلیل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر لیس فیه زرع ولاضرع؟!

فقال له: أسکت ، فإن الله تعالی یحشر من هذا الظهر سبعین ألفاً یدخلون الجنة بغیر حساب ، یشفع الرجل منهم لکذا وکذا. انتهی .

وبانقیا کما ذکره اللغویون هی أول العراق من جهة الحجاز ، وهی منطقة النجف وأبی صخیر الفعلیة ، وقد تشمل کربلاء

ص: 260

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسین(علیه السّلام)

فی الکافی: 4/582:

محمد بن یحیی ، وغیره ، عن محمد بن أحمد ، ومحمد بن الحسین جمیعاً ، عن موسی بن عمر ، عن غسان البصری ، عن معاویة بن وهب ، وعلی بن ابراهیم ، عن أبیه ، عن بعض أصحابنا ، عن ابراهیم بن عقبة ، عن معاویة بن وهب قال: استأذنت علی أبی عبد الله(علیه السّلام)فقیل لی: أدخل فدخلت فوجدته فی مصلاه فی بیته فجلست حتی قضی صلاته ، فسمعته وهو یناجی ربه ویقول: یا من خصنا بالکرامة وخصنا بالوصیة ، ووعدنا الشفاعة ، وأعطانا علم ما مضی وما بقی ، وجعل أفئدة من الناس تهوی الینا ، اغفر لی ولإخوانی ، ولزوار قبر أبی الحسین(علیه السّلام) .

- و فی تهذیب الأحکام: 6/108:

أحمد بن محمد الکوفی قال: أخبرنی المنذر بن محمد عن جعفر بن سلیمان عن عبد الله بن الفضل الهاشمی قال: کنت عند أبی عبد الله الصادق جعفر بن محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فدخل رجل من أهل طوس فقال: یا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبی عبد الله الحسین بن علی (علیهماالسّلام) ؟ فقال له: یا طوسی من زار قبر أبی عبد الله الحسین بن علی (علیهماالسّلام) وهو یعلم أنه إمام من قبل الله عز وجل مفترض الطاعة علی العباد، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته فی خمسین مذنباً ، ولم یسأل الله عز وجل حاجة عند قبره إلا قضاها

له .

قال: فدخل موسی بن جعفر وهو صبی فأجلسه علی فخذه ، وأقبل یقبل ما بین عینیه ، ثم التفت الی وقال: یا طوسی إنه الإمام والخلیفة والحجة بعدی ، سیخرج

ص: 261

من صلبه رجلٌ یکون رضاً لله عز وجل فی سمائه ولعباده فی أرضه ، یقتل فی أرضکم بالسم ظلماً وعدواناً، ویدفن بها غریباً ، ألا فمن زاره فی غربته وهو یعلم أنه امام بعد أبیه مفترض الطاعة من الله عز وجل ، کان کمن زار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا(علیه السّلام)

- فی من لا یحضره الفقیه: 2/584

وروی الحسن بن علی بن فضال ، عن أبی الحسن علی بن موسی الرضا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، أنه قال له رجلٌ من أهل خراسان: یا ابن رسول الله رأیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المنام کأنه یقول لی: کیف أنتم إذا دفن فی أرضکم بضعتی ، واستحفظتم ودیعتی ، وغیب فی ثراکم نجمی ؟

فقال له الرضا(علیه السّلام): أنا المدفون فی أرضکم ، أنا بضعة من نبیکم ، وأنا الودیعة والنجم ، ألا فمن زارنی وهو یعرف ما أوجب الله عز وجل من حقی وطاعتی فأنا وآبائی شفعاؤه یوم القیامة ، ومن کنا شفعاؤه نجی ولو کان علیه مثل وزر الثقلین الجن والانس ، ولقد حدثنی أبی عن جدی عن أبیه(علیه السّلام)أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من رآنی فی منامه فقد رآنی ، لأن الشیطان لا یتمثل فی صورتی ، ولا فی صورة أحد من أوصیائی ، ولا فی صورة واحد من شیعتهم ، وإن الرؤیا الصادقة جزءٌ من سبعین جزء من النبوة .

- وفی من لا یحضره الفقیه: 2/583

وروی البزنطی عن الرضا(علیه السّلام) قال: ما زارنی أحد من أولیائی عارفاً بحقی ، إلا شفعت فیه یوم القیامة. ورواه فی وسائل الشیعة: 10/ 434

ص: 262

- وفی تهذیب الأحکام: 6/108:

أحمد بن محمد بن سعید الهمدانی قال: أخبرنا علی بن الحسن بن علی بن فضال عن أبیه ، عن أبی الحسن علی بن موسی الرضا أنه قال: إن بخراسان لبقعة یأتی علیها زمانٌ تصیر مختلف الملائکة ، فلا یزال فوجٌ ینزل من السماء وفوجٌ یصعد إلی أن ینفخ فی الصور ، فقیل له: یا بن رسول الله ، وأیة بقعة هذه ؟

قال: هی أرض طوس ، وهی والله روضة من ریاض الجنة. من زارنی فی تلک البقعة کان کمن زار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة ، وکنت أنا وآبائی شفعاءه یوم القیامة .

ورواه فی من لایحضره الفقیه: 2/585 ، وفی وسائل الشیعة: 10/445

ختام فی بعض قواعد الشفاعة وأحکامهانصیحة المسلم بأن لا یحتاج إلی الشفاعة

وردت أحادیث تنصح المسلم بأن یکون تقیاً فی سلوکه ، ویتوب إلی ربه من سیآته فی الدنیا ، حتی یکون من أهل الجنة ، ولا یحتاج إلی شفاعة لغفران ذنوبه یوم القیامة .

- ففی نهج البلاغة: 4/87:

371 - وقال (علیه السّلام): لاشرف أعلی من الإسلام ، ولا عز أعز من التقوی ، ولا معقل أحصن من الورع ، ولا شفیع أنجح من التوبة .

- وفی من لا یحضره الفقیه: 3/574:

ص: 263

وقال الصادق(علیه السّلام): شفاعتنا لأهل الکبائر من شیعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل یقول: مَا عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ .

النهی عن الإتکال علی الشفاعة

- فی الکافی: 8/405:

وإیاکم ومعاصی الله أن ترکبوها ، فإنه من انتهک معاصی الله فرکبها فقد أبلغ فی الإساءة إلی نفسه ، ولیس بین الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ، ولأهل الإساءة عند ربهم النار ، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصیه ، واعلموا أنه لیس یغنی عنکم من الله أحد من خلقه شیئاً ، لا ملکٌ مقرب ولا نبیٌّ مرسل ، ولا من دون ذلک ، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعین عند الله ، فلیطلب إلی الله أن یرضی عنه .

واعلموا أن أحداً من خلق الله لم یصب رضا الله إلا بطاعته ، وطاعة رسوله ، وطاعة ولاة أمره من آله ، ولم ینکر لهم فضلاً ، عظم ولا صغر .

وفی الکافی: 6/400:

علی بن ابراهیم، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن الحسن العطار ، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا ینال شفاعتی من استخف بصلاته ، ولا یرد علیَّ الحوض ، لا والله ! لا ینال شفاعتی من شرب المسکر، ولا یرد علیَّ الحوض ، لا والله !

أحمد بن محمد ، عن محمد بن اسماعیل ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی الحسن(علیه السّلام)قال: إنه لما احتضر أبی (علیه السّلام) قال لی: یا بنی إنه لا ینال شفاعتنا من استخف بالصلاة ، ولا یرد علینا الحوض من أدمن هذه الأشربة .

ص: 264

فقلت: یا أبَه ، وأی الأشربة ؟

فقال: کل مسکر. ورواهما فی تهذیب الأحکام: 9/106

وفی علل الشرائع: 2/356:

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد

بن محمد بن عیسی، عن علی بن حدید وعبد الرحمان بن أبی نجران ، عن حماد بن عیسی الجهنی ، عن حریز بن عبد الله السجستانی ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال:

لا تستخقن بالبول ولا تتهاون به ، ولا بصلاتک ، فإن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال عند موته: لیس منی من استخف بصلاته ، لا یرد علی الحوض ، لا والله ، لیس منی من شرب مسکراً لا یرد علی الحوض ، لا والله. ورواه فی المحاسن: 1 /79

- وفی الکافی: 5/469:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن اسماعیل، عن صالح بن عقبة ، عن أبی شبل قال قلت لابی عبدالله (علیه السّلام): رجلٌ مسلم ابتلی ففجر بجاریة أخیه فما توبته ؟

قال: یأتیه فیخبره ویسأله أن یجعله من ذلک فی حل ، ولا یعود .

قال: قلت: فإن لم یجعله من ذلک فی حل ؟

قال: قد لقی الله عز وجل وهو زان خائن .

قال: قلت: فالنار مصیره ؟

قال: شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وشفاعتنا تحیط بذنوبکم یا معشر الشیعة ، فلا تعودون وتتکلون علی شفاعتنا ، فوالله ما ینال شفاعتنا إذا رکب هذا حتی یصیبه ألم العذاب ویری هول جهنم. ورواه فی الفقیه: 4/39

ص: 265

- وفی الصحیفة السجادیة: 1 /324:

وسألتک مسألة الحقیر الذلیل، البائس الفقیر ، الخائف المستجیر ، ومع ذلک خیفةً وتضرعاً وتعوذاً وتلوذاً، لا مستطیلاً بتکبر المتکبرین ، ولا متعالیاً بدالة المطیعین ، ولا مستطیلاً بشفاعة الشافعین ، وأنا بعد أقل الاقلین وأذل الأذلین ، ومثل الذرة...

- وفی مستدرک الوسائل: 11/174:

- جامع الأخبار: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: المؤمن یکون صادقاً فی الدنیا ، واعی القلب ، حافظ الحدود ، وعاء العلم ، کامل العقل ، مأوی الکرم ، سلیم القلب ، ثابت الحلم ، عاطف الیقین ، باذل المال ، مفتوح الباب للإحسان، لطیف اللسان ، کثیر التبسم ، دائم الحزن ، کثیر التفکر ، قلیل النوم ، قلیل الضحک ، طیب الطبع ، ممیت الطمع ، قاتل الهوی ، زاهداً فی الدنیا ، راغباً فی الآخرة ، یحب الضیف ، ویکرم الیتیم ، ویلطف الصغیر ، ویرفق الکبیر ، ویعطی السائل ، ویعود المریض ، ویشیع الجنائز ، ویعرف حرمة القرآن ، ویناجی الرب ، ویبکی علی الذنوب ، آمراً بالمعروف ، ناهیاً عن المنکر، أکله بالجوع ، وشربه بالعطش، وحرکته بالأدب ، وکلامه بالنصیحة ، وموعظته بالرفق ، ولا یخاف إلا الله ، ولایرجو إلا ایاه ، ولا یشغل إلا بالثناء والحمد ، ولایتهاون ، ولا یتکبر ، ولا یفتخر بمال الدنیا، مشغولٌ بعیوب نفسه ، فارغٌ عن عیوب غیره ، الصلاة قرة عینه، والصیام حرفته وهمته ، والصدق عادته ، والشکر مرکبه ، والعقل قائده ، والتقوی زاده ، والدنیا حانوته ، والصبر منزله ، واللیل والنهار رأس ماله ، والجنة مأواه ، والقرآن حدیثه ، ومحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شفیعه ، والله جل ذکره مؤنسه .

ص: 266

أمل العاصین بشفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

- فی الصحیفة السجادیة: 1 /350

اللهم فصل علی محمد وآل محمد ، ولا تخیب الیوم ذلک من رجائی ، ویا من لا یحفیه سائل ولا ینقصه نائل ، فانی لم آتک ثقة منی بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، إلا شفاعة محمد وأهل بیته ، علیه وعلیهم سلامک . . .

- وفی الإعتقادات للصدوق/47:

قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا یدخل رجل الجنة بعمله ، إلا برحمة الله عز وجل .

- وفی بحار الأنوار: 8/362

- العیون: فیما کتب الرضا(علیه السّلام)للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا یدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة ، ولا یخرج من النار کافراً وقد أوعده النار والخلود فیها ، ومذنبو أهل التوحید یدخلون النار ویخرجون منها ، والشفاعة جائزةٌ لهم .

وهو فی عیون أخبار الرضا 7: 268 ، وفی الخصال: 2/154

- وفی تأویل الآیات: 2/68:

الشیخ(رحمه الله)فی أمالیه ، عن أبی محمد الفحام ، عن المنصوری ، عن عم أبیه قال: دخل سماعة بن مهران علی الصادق(علیه السّلام)فقال له: یا سماعة من شر الناس عند الناس ؟

قال: نحن یا بن رسول الله !

قال: فغضب حتی احمرت وجنتاه ، ثم استوی جالساً وکان متکئاً ، فقال:

ص:267

یا سماعة من شر الناس عند الناس ؟

فقلت: والله ما کذبتک یابن رسول الله ، نحن شر الناس عند الناس ، لأنهم سمونا کفاراً ورافضة .

فنظر الی ثم قال: کیف بکم إذا سیق بکم إلی الجنة ، وسیق بهم إلی النار فینظرون إلیکم فیقولون: ما لنا لا نری رجالاً کنا نعدهم من الأشرار ؟

یا سماعة بن مهران ، إنه من أساء منکم إساءة مشینا إلی الله تعالی یوم القیامة بأقدامنا فنشفع فیه فنخلصه ، والله لا یدخل النار منکم عشرة رجال ، والله لا یدخل النار منکم خمسة رجال ، والله لا یدخل النار منکم ثلاثة رجال ، والله لا یدخل النار منکم رجل واحد ، فتنافسوا فی الدرجات ، وأکمدوا أعداءکم بالورع. انتهی .

ولا بد أن یکون مقصود الإمام الباقر(علیه السّلام)محبی أهل البیت المؤمنین المقبولین عند الله تعالی .

- وفی تأویل الآیات: 2/155:

وروی الشیخ أبو جعفر الطوسی قدس الله روحه عن رجاله ، عن زید بن یونس الشحام ، عن أبی الحسن موسی بن جعفر(علیه السّلام)قال: قلت لابی الحسن(علیه السّلام): الرجل من موالیکم عاقٌ یشرب الخمر ، ویرتکب الموبق من الذنب نتبرأ منه ؟

فقال: تبرؤوا من فعله ، ولا تتبرؤوا من خیره ، وابغضوا عمله .

فقلت: یتسع لنا أن نقول: فاسقٌ فاجر ؟

فقال: لا ، الفاسق الفاجر الکافر الجاحد لنا ولأولیائنا، أبی الله أن یکون ولینا فاسقاً فاجراً وإن عمل ما عمل ، ولکنکم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس ، خبیث الفعل طیب الروح والبدن.

ص: 268

لا والله لا یخرج ولینا من الدنیا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون ، یحشره الله علی ما فیه من الذنوب ، مبیضاً وجهه ، مستورة عورته ، آمنة روعته ، لا خوف علیه ولا حزن. وذلک أنه لا یخرج من الدنیا حتی یصفی من الذنوب ، إما بمصیبة فی مال أو نفس أو ولد أو مرض ، وأدنی ما یصنع بولینا أن یریه الله رؤیا مهولة فیصبح حزیناً لما رآه ، فیکون ذلک کفارةً له. أو خوفاً یرد علیه من أهل دولة الباطل ، أو یشدد علیه عند الموت ، فیلقی الله عز وجل طاهراً من الذنوب ، آمنة روعتة بمحمد وأمیر المؤمنین ، صلوات الله علیهما .

ثم یکون أمامه أحد الأمرین: رحمة الله الواسعة التی هی أوسع من أهل الأرض جمیعاً ، أو شفاعة محمد وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما ، إن أخطأته رحمة الله أدرکته شفاعة نبیه وأمیر المؤمنین ، فعندها تصیبه رحمة الله الواسعة ، وکان أحق بها وأهلها ، وله إحسانها وفضلها.

انتهی .ورواه فی أصل زید الزراد/51

ولا بد أن یکون المقصود بولیهم المؤمن المقبول عند الله تعالی .

- وفی بحار الأنوار: 8/362:

تذییل: اعلم أن الذی یقتضیه الجمع بین الآیات والأخبار أن الکافر المنکر لضروری من ضروریات دین الإسلام مخلدٌ فی النار ، لا یخفف عنه العذاب إلا المستضعف الناقص فی عقله ، أو الذی لم یتم علیه الحجة ، ولم یقصر فی الفحص والنظر ، فإنه یحتمل أن یکون من المرجون لأمر الله، کما سیأتی تحقیقه فی کتاب الإیمان والکفر . وأما غیر الشیعة الإمامیة من المخالفین وسائر فرق الشیعة ممن لم ینکر شیئاً من ضروریات دین الإسلام فهم فرقتان :

إحداهما ، المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت علیهم الحجة فهم فی النار خالدون .

ص: 269

والأخری ، المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم ، ومن لم یتم علیه الحجة ممن یموت فی زمان الفترة ، أو کان فی موضع لم یأت إلیه خبر الحجة ، فهم المرجون لأمر الله ، إما یعذبهم وإما یتوب علیهم ، فیرجی لهم النجاة من النار .

وأما أصحاب الکبائر من الإمامیة فلا خلاف بین الإمامیة فی أنهم لا یخلدون فی النار ، وأما أنهم هل یدخلون النار أم لا ؟ فالأخبار مختلفة فیهم اختلافاً کثیراً .

ومقتضی الجمع بینها أنه یحتمل دخولهم النار ، وأنهم غیر داخلین فی الأخبار التی وردت أن الشیعة والمؤمن لا یدخل النار ، لأنه قد ورد فی أخبار أخر أن الشیعة من شایع علیاً فی أعماله ، وأن الإیمان مرکبٌ من القول والعمل .

لکن الأخبار الکثیرة دلت علی أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار ، وفی هذا التبهیم حکم لا یخفی بعضها علی أولی الأبصار .

الأولی بشفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

- فی مستدرک الوسائل: 8/442:

وبهذا الإسناد: عن علی بن أبی طالب قال: قیل یا رسول الله ما أفضل حال أعطی للرجل ؟

قال: الخلق الحسن ، إن أدناکم منی وأوجبکم علیَّ شفاعة: أصدقکم حدیثاً ، وأعظمکم أمانة ، وأحسنکم خلقاً ، وأقربکم من الناس .

ورواه فی صفحة 454 ، وفی 11/171

- وفی تفسیر نور الثقلین: 1/77:

فی کتاب الخصال عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: ثلاثٌ من کن فیه استکمل خصال

ص: 270

الإیمان: من صبر علی الظلم وکظم غیظه ، واحتسب وعفی وغفر ، کان ممن یدخله الله تعالی الجنة بغیر حساب ، ویشفعه فی مثل ربیعة ومضر .

- وفی المقنعة/267:

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی شافع یوم القیامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنیا: رجلٌ نصر ذریتی ، ورجلٌ بذل ماله لذریتی عند الضیق ، ورجلٌ أحب ذریتی بالقلب واللسان ، ورجلٌ سعی فی حوائج ذریتی إذا طردوا وشردوا .

- وفی فردوس الأخبار للدیلمی: 5/107 ح 7327

أنس بن مالک: وعدنی ربی عز وجل فی أهل بیتی: من أقر منهم بالتوحید ولی بالبلاغ ، أن لا یعذبهم .

- وفی فردوس الأخبار: 1/54 ح 28:

عبد الله بن عمر: أول من أشفع له یوم القیامة من أمتی أهل بیتی ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار . ثم من آمن بی واتبعنی من الیمن ، ثم سائر العرب والأعاجم . ومن أشفع له أولاً أفضل .

وفی الطبرانی الکبیر: 12/421

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أول من أشفع له یوم القیامة أهل بیتی ، ثم الأقرب فالأقرب من قریش، ثم الأنصار ثم من أمن بی واتبعنی من الیمن ، ثم سائر العرب ، ثم الأعاجم ، وأول من أشفع له أولوا الفضل .

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد: 10/381

- وفی مجمع الزوائد ج10/380:

ص: 271

باب فی أول من یشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أول من أشفع له من أمتی أهل بیتی ، ثم الأقرب فالأقرب من قریش والأنصار ، ثم آمن بی واتبعنی من أهل الیمن ، ثم من سائر العرب ، ثم الأعاجم . وأول من أشفع له أولو الفضل. رواه الطبرانی ، وفیه من لم أعرفهم .

الدعاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باعطائه الشفاعة

- فی الکافی: 3/187:

علی بن ابراهیم ، عن أبیه ، عن عبدالله بن المغیرة ، عن رجل ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: تقول: أشهد أن لا اله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل علی محمد عبدک ورسولک ، اللهم صل علی محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته ، وبیض وجهه ، وأکثر تبعه .

وفی الصحیفة السجادیة 1/291:

اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل ، وأنجح سائل.

اللهم صل علی محمد وآل محمد سید المرسلین وإمام المتقین وأفضل العالمین وخیر الناطقین ، وقائد الغر المحجلین ، ورسول رب العالمین.

اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه وأکرم مثواه وتقبل شفاعته فی أمته وفی من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فیه ، واجعلنا برحمتک ممن یرد حوضه یوم القیامة .

- وفی تهذیب الأحکام: 6/100:

وبموالاتکم تقبل الطاعة المفترضة ، ولکم المودة الواجبة والدرجات الرفیعة ،

ص: 272

والمکان المحمود والمقام المعلوم عند الله عز وجل ، والجاه العظیم ، والشأن الکبیر والشفاعة المقبولة .

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاکتبنا مع الشاهدین ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هدیتنا وهب لنا من لدنک رحمة إنک انت الوهاب، سبحان ربنا إن کان وعد ربنا لمفعولا.

یا ولی الله إن بینی وبین الله عز وجل ذنوباً لا یأتی علیها إلا رضاکم ، فبحق من ائتمنکم علی سره ، واسترعاکم أمر خلقه ، وقرن طاعتکم بطاعته ، لما استوهبتم ذنوبی ، وکنتم شفعائی ، فإنی لکم مطیع .

من أطاعکم فقد أطاع الله ، ومن عصاکم فقد عصی الله ، ومن أحبکم فقد أحب الله ، ومن أبغضکم فقد أبغض الله .

اللهم إنی لو وجدت شفعاء أقرب الیک من محمد وأهل بیته الأخیار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائی ، فبحقهم الذی أوجبت لهم علیک ، أسألک أن تدخلنی فی جملة العارفین بهم وبحقهم ، وفی زمرة المرحومین بشفاعتهم ، إنک أرحم الراحمین .

الدعاء بطلب الشفاعة لوالدیه وأقاربه

- فی الصحیفة السجادیة 1/347:

اللهم رب هذه الأمکنة الشریفة ، ورب کل حرم ومشعر عظمت قدره وشرفته . . . واغفر لی ولوالدی ولمن ولدنی من المسلمین ، وارحمهما کما ربیانی صغیراً ، واجزهما عنی خیر الجزاء ، وعرفهما بدعائی لهما ما یقر أعینهما ، فإنهما قد سبقانی إلی الغایة ، وخلفتنی بعدهما ، فشفعنی فی نفسی وفیهما ، وفی جمیع أسلافی من المؤمنین والمؤمنات ، فی هذا الیوم یا أرحم الراحمین. انتهی .

ص: 273

ص: 274

الفصل الأول : مسائل حول التوسل

اشارة

ص: 275

ص: 276

المسألة الأولی: مفردات التوسل

اشارة

وقع خلط فی مسائل هذا الباب ومعانی مفرداته ، فکان لا بد من تمییزها .

وأهم المفردات المستعملة فی التوسط بین الإنسان وربه عز وجل ، هی:

الدعاء ، النداء ، التوسل ، التذرع ، الإستشفاع ، الإستعانة ، الإستغاثة ، السؤال به ، التوجه به. ویتصل بها: التضرع ، والابتهال ، والتبرک . .

وقد استعمل الإسلام کلمات : الشفاعة والتوسل والإستشفاع والتوجه إلی الله تعالی ، بعمل ، أو شخص ، أو سؤاله بکرامته علیه ، أو حقه ، أو جاهه عنده.. الخ. بنفس معناها اللغوی ، وهو التوسط إلی الله تعالی بعمل أو بشخص ، أو طلب التوسط من ذلک الشخص إلی الله تعالی .

ویتخیل بعضهم أن توسیط شخص إلی شخص أو إلی الله تعالی، یتضمن إشراکه فی مقام المتوسط إلیه ، وهو خطأٌ لأن التوسیط یدل علی أن للواسطة وجاهةً ما ، یؤمل بها أن یقبل المتوسط إلیه شفاعته .

فمعنی الشراکة فی الألوهیة معنی آخر لا یأتی من التوسیط ، بل قد یکون من عقیدة المتوسط ونیته ، وقد لا یکون أصلاً .

ص: 277

وسوف تعرف بطلان دعوی ابن تیمیة وأتباعه تحریم بعض أنواع التوسیط بحجة أنه یتضمن شرکاً بالله تعالی ، وأن الشرک لا یأتی من التوسیط بل من خارجه .

ویبدو أن أقوی معانی التوسیط: سؤال الله تعالی بشخص ، أو بعمل.. ویأتی بعده فی المرتبة: التوسل والتوجه به إلی الله تعالی .

ففی روضة الواعظین للنیسابوری/327 ، أن أبا بصیر سأل الإمام الصادق(علیه السّلام): ما کان دعاء یوسف فی الجب ، فإنا قد اختلفنا فیه ؟

قال: إن یوسف لما صار فی الجب وآیس من الحیاة قال: اللهم إن کانت الخطایا والذنوب قد أخلقت وجهی عندک فلن ترفع لی الیک صوتاً ، ولن تستجیب لی دعوة فإنی أسألک بحق الشیخ یعقوب ، فارحم ضعفه واجمع بینی وبینه ، فقد علمت رقته علیَّ وشوقی إلیه. قال: ثم بکی أبو عبد الله(علیه السّلام)ثم قال: وأنا أقول:

اللهم إن کانت الخطایا والذنوب قد أخلقت وجهی عندک فلن ترفع لی الیک صوتا ولن تستجیب دعوة ، فإنی أسألک بک فلیس کمثلک شئ ، وأتوجه الیک بمحمد نبیک نبی الرحمة ، یا الله یا الله یا الله .

قال ثم قال أبو عبد الله(علیه السّلام): قولوا هذا وأکثروا منه ، کثیراً ما أقوله عند الکرب العظام. انتهی .

ونلاحظ أن الإمام الصادق(علیه السّلام)أجری تعدیلاً علی دعاء نبی الله یوسف(علیه السّلام)، وجعل السؤال فجعله بالله تعالی وحده ، وجعل التوجه إلیه بنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وهو یدل علی أن سؤال الله تعالی بالشئ أعظم من التوجه إلیه به .

فالتوجه هو أن یقدم السائل شخصاً له وجهةٌ عند المسؤول .

والسؤال به یشبه المطالبة بحق للمسؤول به علی المسؤول .

والإستشفاع قریبٌ من التوجه ، وهو توسیط من له حق الوساطة .

ولا یبعد أن یکون التوسل أعم منها جمیعاً ، لأنه توسیط من له وجهة عند

ص:278

المسؤول ، أو له حق عنده ، أو له حق شفاعة ووساطة . .

وقد یکون التوسل غیر ناظر إلی حق المسؤول به نهائیاً بل ناظرٌ إلی مسیس حاجة السائل المتوسل ، فیکون التوسل من هذه الناحیة علی نحو القضیة المهملة .

والذی أعتقده أن هذه التعبیرات الأربع ( التوجه بشخص أو شئ ، والتوسل به ، والإستشفاع به ، والسؤال به ) غیر مترادفة ، ویتضح ذلک من استعمالات القرآن والنبی وآله لها ، وهم أفصح من نطق بالضاد ، وأعلم الناس بالله تعالی

وأدب سؤاله. وأن مانراه من من ترادفها فهو بالنظرة الأولی .

ویحتمل فی بعضها أن المعصومین (علیهم السّلام) أقروا ترادفها تخفیفاً علی الأمة ، أو أن الراوی اشتبه فی نقلها لترادفها فی ذهنه .

ویؤید ذلک أن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال ( وأنا أقول . . وفی روایة ولکنی أقول ) وهو بذلک لا خطئ یوسف(علیه السّلام)بسؤاله بأبیه یعقوب ، ولکنه ارتقی فی أدب الدعاء فسأل الله تعالی به وحده ، مشیراً بذلک إلی أن حق یعقوب وحق جمیع الرسل والعباد إنما هو تفضل من الله تعالی ولیس ذاتیاً ، فالتوجه بمقام الجاه الذی أعطاهم الله أنسب .

وفی هذا الموضوع بحوثٌ مفیدة لطیفة، یحسن لمن أرادها أن یتأمل فی نصوص أدعیة الصحیفة السجادیة ، ففیها أنواع المعرفة بالله تعالی ، وأدب سؤاله ودعائه ، وفیها خصائص الکلمات العربیة ، التی لیس فیها مترادفٌ بالمعنی الدقیق !

الدعاء والنداء

توسع العرب فی مادة ( دَعَوَ ) واستعملوا مشتقاتها فی معان کثیرة ، مثل نداء الشخص لأی غرض حتی مجازاً، ودعائه إلی طعام.. ومن ذلک الدعاء إلی عبادة الله تعالی ، أو غیره ، کما قال تعالی ( ولا تدع من دون الله ما لا ینفعک ولا

ص: 279

یضرک ) !

قال الخلیل فی العین: 2/221:

( وفلانٌ فی مدعاة إذا دعی إلی الطعام. وتقول دعا دعاء ، وفلان داعی قوم وداعیة قوم: یدعو إلی بیعتهم دعوة . والجمیع: دعاة ). انتهی .

- وقال الراغب فی المفردات/169:

الدعاء کالنداء ، إلا أن النداء قد یقال بیا أو أیا ونحو ذلک ، من غیر أن یضم إلیه الإسم ، والدعاء لا یکاد یقال إلا إذا کان معه الإسم نحو یا فلان . . . ودعوته إذا سألته وإذا استغثته ، قال تعالی ( قالوا ادع لنا ربک ) أی سله .

وقال ( قل أرأیتم أن أتاکم عذاب الله أ وأتتکم الصاعة أغیر الله تدعون ان کنتم صادقین بل ایاه تدعون ) تنبیها أنکم إذا أصابتکم شدة لم تفزعوا إلا إلیه .

وادعوه خوفاً وطمعاً . وادعوا شهداءکم من دون الله ان کنتم صادقین . وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منیباً إلیه. وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه .

ولا تدع من دون الله ما لا ینفعک ولا یضرک. انتهی .

- وفی الفروق اللغویة لأبی هلال/534:

الفرق بین النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بماله معنی ، والعربی یقول لصاحبه ناد معی لیکون ذلک أندی لصوتنا ، أی أبعد له.

والدعاء یکون برفع الصوت وخفضه ، یقال دعوته من بعید ودعوت الله فی نفسی ، ولا یقال نادیته فی نفسی. انتهی.

والنتیجة

أن النداء الذی هو أحد معانی الدعاء ، یشمل النداء لأی غرض کان ، ویشمل النداء الحقیقی والمجازی . . وعلیه فلا یصح زعمهم أن قول القائل ( یا محمد یا

ص: 280

علی یا فاطمة ) هو حرامٌ وشرک ، لأنه دعاء لغیر الله تعالی وعبادة له !

فإن ذلک یتبع عقیدة المنادی ونیته ، فإن کانت نیته عبادتهم والعیاذ بالله ، فهو شرک أو کفر ! أما إذا کان غرضه التوسل بهم إلی الله تعالی ، کما هو عقیدة الشیعة وعامة المتوسلین المستغیثین من المسلمین ، والمتبادر إلی أذهان عوامهم فضلاً عن علمائهم ، فهو عبادةٌ لله تعالی وتوسلٌ إلیه بالنبی وآله ، الذین شرع التوسل بهم ، صلوات الله علیهم .

وسیأتی أن الإستعانة والإستغاثة کالتوسل والإستشفاع وبقیة ألفاظ التوسیط ، معنیً وحکماً .

المسألة الثانیة: التوسل فی الأدیان السابقة

هل کان مبدأ التوسل والإستشفاع إلی الله تعالی بالأعمال والاشخاص موجوداً فی الدین الإلهی قبل الإسلام ؟

والجواب بالإیجاب ، لأن قوله تعالی فی آخر سورة نزلت من القرآن:

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ . المائدة : 35

لیس دعوةً إلی سنة جدیدة ، بل إلی سنته سبحانه فی الأدیان السابقة .

ولذلک أبقی الوسیلة مطلقةً ولم یبینها ، لأنها معهودةٌ فی أذهان المتدینی بأنها التوسل إلی الله تعالی بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصیائهم ، وبذلک تکون الآیة إذناً للمسلمین بأن یتوسلوا إلیه بأعمالهم وبنبیه وأوصیائه ، کما کانت السنة فی الأدیان السابقة .

فإن قلت: مادام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بین الله وعباده ، وأمر به ، فلماذا کل

ص: 281

هذا الإنکار فی القرآن والحدیث علی المشرکین الذین اتخذوا آلهتهم ومعبودیهم وسائط بینهم وبین الله تعالی ؟ وماذا یصیر الفرق بینهم وبین المؤمنین ؟!

والجواب:

أن الفرق بین المؤمنین والمشرکین فی کل الأدیان: أن المشرکین جعلوا لله شرکاء وشفعاء لم یأذن بهم ، فأشرکوهم معه بأنواع من التشریک الذی زعموه .

أما المؤمنون فوحدوا الله وأطاعوه ، وهو الذی أمرهم باتخاذ الوسیلة الیه والتوجه الیه بهم وتقدیمهم بین یدی دعائهم وأعمالهم.. فالأنبیاء والأوصیاء وسیلةٌ مشروعةٌ وشفعاء بإذنه .

وبذلک یکون الحد الفاصل بین الشرک والتوحید فی نوع الواسطة لا فی أصلها: فالواسطة التی أذن بها الله الواحد الأحد سبحانه لا تنافی التوحید بل تؤکده..

والواسطة التی لم یأذن بها شرکٌ یخرج صاحبه عن التوحید .

والله تعالی یستحیل أن یأذن باتخاذ وسیلة الیه ممن یزعم أن له شراکة معه ! ولذا لا یدعی المتوسلون بالرسل والأوصیاء(علیهم السّلام) أن لهم شراکةً مع الله تعالی ولو بقدر ذرة ! بل هم عبادٌ مکرمون ، شاء الله تعالی أن یجعلهم وسائط لعطائه .

المسألة الثالثة: الفرق بین التوسل وأنواع الشرک

اشارة

تضمنت آیات القرآن الکریم کل المفاهیم اللازمة للبشر ، فی تحدید ما هو من دون الله فی العبادة والإطاعة ، وما هو من الله. وفیما یلی أهم عناوینها:

ص: 282

1 - الذین هم من دون الله

هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِی مَاذَا خَلَقَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ . لقمان : 11

أَلَیْسَ اللهُ بِکَافٍ عَبْدَهُ وَیُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . الزمر : 36

2 - الآلهة من دون الله

قال تعالی عن الأصنام المعبودة عند قوم عاد:

قَالُوا یَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَیِّنَةٍ وَ مَا نَحْنُ بِتَارِکِی آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِکَ وَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ . إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاکَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ . مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِی جَمِیعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ . إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللهِ رَبِّی وَرَبِّکُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِیَتِهَا إِنَّ رَبِّی عَلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . هود : 53 - 56

وقال تعقیباً علی إهلاک حضارت عاد وثمود ومصر:

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِی یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَئٍْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّکَ وَمَا زَادُوهُمْ غَیْرَ تَتْبِیبٍ . هود : 101

وقال عن آلهة البابلیین:

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِینَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًی یَذْکُرُهُمْ یُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِیمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَی أَعْیُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِألِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا یَنْطِقُونَ .

ص: 283

فَرَجَعُوا إِلَی أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُکِسُوا عَلَی رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ یَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُکُمْ شَیْئًا وَلا یَضُرُّکُمْ . أُفٍّ لَکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فَاعِلِینَ . قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ . الأنبیاء : 59 - 69

وقال عن آلهة الرومان:

وَرَبَطْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا . هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَیِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا . وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إِلَی الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرْفَقًا . الکهف : 14 - 16

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَی قَالَ یَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ . اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْأَلُکُمْ أَجْرًا وَ هُمْ مُهْتَدُونَ . وَمَا لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یُنْقِذُونَ . إِنِّی إِذًا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ . یس : 20 - 24

وقال عن تألیه النصاری لعیسی ومریم:

وَإِذْ قَالَ اللهُ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ

اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَهَیْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَکَ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ مَا لَیْسَ لِی بِحَقٍّ إِنْ کُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَلا أَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِکَ إِنَّکَ أَنْتَ عَلامُ الْغُیُوبِ . . . المائدة : 116 - 120

ص: 284

وقال عن آلهة أمم مختلفة:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا یَخْلُقُونَ شَیْئًا وَهُمْ یُخْلَقُونَ وَلا یَمْلِکُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا یَمْلِکُونَ مَوْتًا وَلا حَیَاةً وَلا نُشُورًا . الفرقان : 3

وقال عن ( الالهة ) الذین رضوا بأن یعبدهم الناس:

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِیَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِینَ کَفَرُوا یَا وَیْلَنَا قَدْ کُنَّا فِی غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ کُنَّا ظَالِمِینَ . إِنَّکُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ . لَوْ کَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ کُلٌّ فِیهَا خَالِدُونَ . الأنبیاء : 96 - 99

لَهُمْ فِیهَا مَا یَشَاؤُونَ خَالِدِینَ کَانَ عَلَی رَبِّکَ وَعْداً مَسْئُولاً. وَیَوْمَ یَحْشُرُهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَیَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِی هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیلَ . الفرقان : 16 - 17

هَذَا یَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ . احْشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا کَانُوا یَعْبُدُونَ . مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَی صِرَاطِ الْجَحِیمِ . وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ . مَا لَکُمْ لا تَنَاصَرُونَ . بَلْ هُمُ الْیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ . وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ یَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّکُمْ کُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْیَمِینِ . قَالُوا بَلْ لَمْ تَکُونُوا مُؤْمِنِینَ . وَمَا کَانَ لَنَا عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ

کُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِینَ . فَحَقَّ عَلَیْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ . فَأَغْوَیْنَاکُمْ إِنَّا کُنَّا غَاوِینَ . فَإِنَّهُمْ یَوْمَئِذٍ فِی الْعَذَابِ مُشْتَرِکُونَ . الصافات : 21 - 33

وقال عن آلهة بعض مشرکی العرب:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِیَکُونُوا لَهُمْ عِزًّا . کَلا سَیَکْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَیَکُونُونَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا . مریم : 18 - 82

ص: 285

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنْصَرُونَ . لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ . فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعْلِنُونَ . یس : 74 - 76

وقال عن آلهة مکذبی الرسل من الأمم السابقة والعرب:

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ هَذَا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَذِکْرُ مَنْ قَبْلِی بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ . الأنبیاء : 24

وقال عن تألیه الملائکة والأنبیاء:

وَمَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِکَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ . الأنبیاء : 29

وقال عن قوم سبأ:

إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ وَأُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَئٍْ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِیمٌ . وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ . أَلا یَسْجُدُوا للهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْءَ فِی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَیَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ . النمل : 23 - 26

وَصَدَّهَا مَا کَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّهَا کَانَتْ مِنْ قَوْمٍ کَافِرِینَ. قِیلَ لَهَا ادْخُلِی الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَکَشَفَتْ عَنْ سَاقَیْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِیرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَیْمَانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ . النمل : 43 - 44

وقال عن آلهة الحضارات التی فی الجزیرة العربیة وحولها:

وَلَقَدْ أَهْلَکْنَا مَا حَوْلَکُمْ مِنَ الْقُرَی وَصَرَّفْنَا الأیَاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِینَ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِکَ إِفْکُهُمْ وَمَا کَانُوا یَفْتَرُونَ . الأحقاف : 27 - 28

وقال عن عباد الرحمن الموحدین:

ص: 286

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا . . . . وَالَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا یَزْنُونَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ یَلْقَ أَثَامًا . الفرقان : 63 ، 68

3 - المعبودون من دون الله

قال تعالی عن المعبودین من دون الله عند أمم مختلفة:

قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِی شَکٍّ مِنْ دِینِی فَلا أَعْبُدُ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَکِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِی یَتَوَفَّاکُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ . وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا وَلا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ . وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُکَ وَلا یَضُرُّکَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّکَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِینَ . یونس : 104 - 106

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَیْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ . الحج : 71

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُهُمْ وَلا یَضُرُّهُمْ وَکَانَ الْکَافِرُ عَلَی رَبِّهِ ظَهِیرًا . الفرقان :55

وقال عن عبادة الناس غیر الملموسة للحکام الطواغیت:

وَقَالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ کَذَلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَی الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِینُ . وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَی اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُوا فِی الأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ . النحل : 35 - 36

وقال عن معبودات البابلیین:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُکُمْ شَیْئًا وَلا یَضُرُّکُمْ . أُفٍّ لَکُمْ وَلِمَا

ص: 287

تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فَاعِلِینَ . قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ . الأنبیاء : 66 - 69

وَأَتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِیمَ . إِذْ قَالَ لأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ . قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاکِفِینَ . قَالَ هَلْ یَسْمَعُونَکُمْ إِذْ تَدْعُونَ . أَوْ یَنْفَعُونَکُمْ أَوْ یَضُرُّونَ . قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا کَذَلِکَ یَفْعَلُونَ . قَالَ أَفَرَأَیْتُمْ مَا کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَ آبَاؤُکُمُ أَلأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِی إِلا رَبَّ أَلْعَالَمِینَ . الشعراء : 69 - 77

وَأُزْلِفَتِ أَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ . وَبُرِّزَتِ أَلْجَحِیمُ لِلْغَاوِینَ . وَقِیلَ لَهُمْ أَیْنَ مَا کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . مِنْ دُونِ أَللهِ هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ . فَکُبْکِبُوا فِیهَا هُمْ وَأَلْغَاوُونَ . وَجُنُودُ إِبْلِیسَ أَجْمَعُونَ . قَالُوا وَهُمْ فِیهَا یَخْتَصِمُونَ . تَأَللهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ . إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِینَ . وَمَا أَضَلَّنَا إِلا أَلْمُجْرِمُونَ . الشعراء : 90 - 99

وَإِبْرَاهِیمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْکًا إِنَّ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا یَمْلِکُونَ لَکُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْکُرُوا لَهُ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . العنکبوت : 16 - 17

وَإِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لابْرَاهِیمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ . إِذْ قَالَ لأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ . أَئِفْکًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِیدُونَ . فَمَا ظَنُّکُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِینَ . فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّی سَقِیمٌ . فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ . فَرَاغَ إِلَی آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْکُلُونَ . مَا لَکُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَیْهِمْ ضَرْبًا بِالْیَمِینِ. فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ یَزِفُّونَ . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . وَاللهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ . الصافات : 83 - 96

فَمَا کَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ . وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا ثُمَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَیَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاکُمُ

ص: 288

النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَاصِرِینَ . العنکبوت : 24 - 25

فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَکُلاًّ جَعَلْنَا نَبِیًّا . مریم : 49

قَدْ کَانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْرَاهِیمَ وَالَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ کَفَرْنَا بِکُمْ وَبَدَا بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّی تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِیمَ لأَبِیهِ لاسْتَغْفِرَنَّ لَکَ وَمَا أَمْلِکُ لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ شَئْ رَبَّنَا عَلَیْکَ تَوَکَّلْنَا وَإِلَیْکَ أَنَبْنَا وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ . الممتحنة : 4

وقد تقدمت الآیات 97 - 99 من سورة الأنبیاء ، والفرقان - 17 ، عن ( الآلهة ) الذین رضوا بأن یعبدهم الناس .

وقال تعالی عن عبادة النصاری للمسیح ومریم:

مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّیقَةٌ کَانَا یَاکُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ کَیْفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ الأیَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّی یُؤْفَکُونَ .

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَمْلِکُ لَکُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ . مائدة : 75 - 76

وقال عن عبادة العرب وأمثالهم للاصنام:

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ .

أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ . الزمر : 2 - 3

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لایَمْلِکُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَیْئًا وَلا یَسْتَطِیعُونَ.

ص: 289

فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوکًا لا یَقْدِرُ عَلَی شَئٍْ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ .

وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُمَا أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلَی شَئٍْ وَهُوَ کَلٌّ عَلَی مَوْلاهُ أَیْنَمَا یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . النحل : 73 - 76

وقال مقارنا بین عبادة الرسول (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعبادة مکذبیه:

قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ . وَأُمِرْتُ لأَنْ أَکُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِینَ .

قُلْ إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ . قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِینِی . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلا ذَلِکَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِینُ . الزمر : 11 - 15

وقال عن تخویف المشرکین للنبی بمعبوداهم:

أَلَیْسَ اللهُ بِکَافٍ عَبْدَهُ وَیُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَنْ یَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَیْسَ اللهُ بِعَزِیزٍ ذِی انْتِقَامٍ .

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِیَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِی بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ الْمُتَوَکِّلُونَ . الزمر : 36 – 38

ص: 290

4 - الأنداد من دون الله

قال تعالی عن الرؤساء المطاعین من دون الله ( الانداد ):

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللهِ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ یَرَی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِیعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ .

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . البقرة 165 - 166

وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِیبًا إِلَیْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِیَ مَا کَانَ یَدْعُواْ إِلَیْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلاً إِنَّکَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ . الزمر : 8

5 - الشرکاء من دون الله

قال تعالی عن الأصنام:

هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِیَسْکُنَ إِلَیْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِیفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَیْتَنَا صَالِحًا لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ .

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِی مَا آتَاهُمَا فَتَعَالَی اللهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ .

أَیُشْرِکُونَ مَا لا یَخْلُقُ شَیْئًا وَهُمْ یُخْلَقُونَ .

وَلا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ .

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدَی لا یَتَّبِعُوکُمْ سَوَاءٌ عَلَیْکُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ .

إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوالَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ.

ص: 291

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ یَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَکَاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ . الأعراف : 189 - 195

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ مَا کَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِکَ بِاللهِ مِنْ شَئٍْ ذَلِکَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَیْنَا وَعَلَی النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ .

یَا صَاحِبَیِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ .

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ . یوسف : 38 - 40

ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ مَا کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ . مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئًا کَذَلِکَ یُضِلُّ اللهُ الْکَافِرِینَ . غافر : 70 - 74

6 - المزعومون من دون الله

قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَلا تَحْوِیلاً .

أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَیَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُورًا .

وَإِنْ مِنْ قَرْیَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِکُوهَا قَبْلَ یَوْمِ الْقِیَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِیدًا کَانَ ذَلِکَ فِی الْکِتَابِ مَسْطُورًا . الإسراء : 56 - 58

قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا یَمْلِکُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِی السَّمَوَاتِ وَلا فِی الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِیهِمَا مِنْ شِرْکٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِیرٍ . سبأ : 22

ص: 292

7 - المدعوون من دون الله
اشارة

إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ یَدْعُونَ إِلا شَیْطَانًا مَرِیدًا . لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِکَ نَصِیبًا مَفْرُوضًا . وَلاضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّیَنَّهُمْ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَیُبَتِّکُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ یَتَّخِذِ الشَّیْطَانَ وَلِیًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِینًا . یَعِدُهُمْ وَیُمَنِّیهِمْ وَمَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطَانُ إِلا غُرُورًا . النساء : 117 - 120

قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُنَا وَلا یَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَی أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ کَالَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیَاطِینُ فِی الأَرْضِ حَیْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ یَدْعُونَهُ إِلَی الْهُدَی ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَی اللهِ هُوَ الْهُدَی وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ . الأنعام : 71

وَلا تَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَیْرِ عِلْمٍ کَذَلِکَ زَیَّنَّا لِکُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَیُنَبِّئُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ . الأنعام : 108

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآیَاتِهِ أُولَئِکَ یَنَالُهُمْ نَصِیبُهُمْ مِنَ الْکِتَابِ حَتَّی إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا یَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَیْنَ مَا کُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ کَانُوا کَافِرِینَ . الأعراف : 37

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَئْ إِلا کَبَاسِطِ کَفَّیْهِ إِلَی الْمَاءِ لِیَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَ مَا دُعَاءُ الْکَافِرِینَ إِلا فِی ضَلالٍ . الرعد : 14

أَلا إِنَّ للهِ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِی الأَرْضِ وَمَا یَتَّبِعُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَکَاءَ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا یَخْرُصُونَ . یونس : 66

وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا یَخْلُقُونَ شَیْئًا وَهُمْ یُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَیْرُ أَحْیَاءٍ وَمَا یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ .

إِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَکْبِرُونَ . لا

ص: 293

جَرَمَ أَنَّ اللهَ یَعْلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْتَکْبِرِینَ . النحل : 20 - 23

وَإِذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَی الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَکَانَ الإنْسَانُ کَفُورًا . الإسراء : 67

قُلْ أَرَأَیْتَکُمْ إِنْ أَتَاکُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْکُمُ السَّاعَةُ أَغَیْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَکْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِکُونَ .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ . الأنعام : 40 - 42

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِی یَا إِبْرَاهِیمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّکَ وَاهْجُرْنِی مَلِیًّا . قَالَ سَلامٌ عَلَیْکَ سَأَسْتَغْفِرُ لَکَ رَبِّی إِنَّهُ کَانَ بِی حَفِیًّا . وَأَعْتَزِلُکُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُواْ رَبِّی عَسَی أَلا أَکُونَ بِدُعَاءِ رَبِّی شَقِیًّا . مریم : 46 - 48

وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ . الزخرف : 86 - 87

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللهَ عَلَی حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَی وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْیَا وَالأخِرَةَ ذَلِکَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِینُ . یَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُ وَمَا لا یَنْفَعُهُ ذَلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ . یَدْعُواْ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَی وَ لَبِئْسَ الْعَشِیرُ . الحج : 11 - 13

ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ . الحج : 62

یَا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَیْئًا لا یَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ . الحج : 73 - 74

ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ . لقمان : 30

ص: 294

یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهَارِ وَیُولِجُ النَّهَارَ فِی اللَّیْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لأَجَلٍ مُسَمًّی ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ .

إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعَاءَکُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَکُمْ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ وَلا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ . فاطر : 13 - 14

قُلْ أَرَأَیْتُمْ شُرَکَاءَکُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِی مَإِذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّمَوَاتِ أَمْ آتَیْنَاهُمْ کِتَابًا فَهُمْ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ یَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا . فاطر : 40

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ . فصلت : 48

قُلْ أَرَأَیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِی مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّمَوَاتِ ائْتُونِی بِکِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَهُمْ

عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ کَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَکَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ کَافِرِینَ . الأحقاف : 4 - 6

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِیَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِی بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ الْمُتَوَکِّلُونَ . الزمر : 38

وَاللهُ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَقْضُونَ بِشَئٍْ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ . غافر : 20

هُوَ الْحَیُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ . قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِیَ الْبَیِّنَاتُ مِنْ رَبِّی وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ . غافر : 65 - 66

ص: 295

وقال تعالی عن اهلاک الحضارات الظالمة:

فَکُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَیْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّیْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا کَانَ اللهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ. مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِیَاءَ کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ . إِنَّ اللهَ یَعْلَمُ مَا یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ . وَتِلْکَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا یَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ . العنکبوت 40 - 43

الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )داعی الله

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَیْکَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ یَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِیَ وَلَّوْا إِلَی قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ . قَالُوا یَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا کِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَی مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ وَإِلَی طَرِیقٍ مُسْتَقِیمٍ . یَا قَوْمَنَا أَجِیبُوا دَاعِیَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَیُجِرْکُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ . وَمَنْ لا یُجِبْ دَاعِیَ اللهِ فَلَیْسَ بِمُعْجِزٍ فِی الأَرْضِ وَلَیْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءُ أُولَئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ . الأحقاف : 29 - 32

قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّی وَلا أُشْرِکُ بِهِ أَحَدًا . قُلْ إِنِّی لا أَمْلِکُ لَکُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا . الجن : 20 - 21

قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَکُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِینَ . قُلْ إِنِّی عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَکَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِی مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُکْمُ إِلا للهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَیْرُ الْفَاصِلِینَ . الأنعام : 56 - 57

إِنَّ وَلِیِّیَ اللهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتَابَ وَهُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ . وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ . وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدَی لا یَسْمَعُوا

ص: 296

وَتَرَاهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ وَهُمْ لا یُبْصِرُونَ . خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِینَ . الأعراف : 196 - 199

المؤمنون یدعون الله تعالی وحده

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِینَ یَخَافُونَ أَنْ یُحْشَرُوا إِلَی رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ . وَلا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَیْکَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَئْ وَمَا مِنْ حِسَابِکَ عَلَیْهِمْ مِنْ شَئْ فَتَطْرُدَهُمْ

فَتَکُونَ مِنَ الظَّالِمِینَ. الأنعام : 51 - 52

وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَیْنَاکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا . الکهف : 28

الأولیاء الشیاطین

قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ وَأَقِیمُوا وُجُوهَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ . فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیَاطِینَ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ . الأعراف : 29 – 30

8 - الشفعاء من دون الله والشفعاء من الله

وَذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَذَکِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا کَسَبَتْ لَیْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ کُلَّ عَدْلٍ لا یُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِکَ الَّذِینَ أُبْسِلُوا بِمَا کَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَعَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْفُرُونَ . قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَنْفَعُنَا وَلا یَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَی أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ کَالَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیَاطِینُ فِی الأَرْضِ حَیْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ یَدْعُونَهُ إِلَی الْهُدَی ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَی اللهِ هُوَ الْهُدَی وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ . الأنعام : 70 - 71

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ

ص: 297

قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا یَعْلَمُ فِی السَّمَوَاتِ وَلا فِی الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ . یونس : 18

اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا شَفِیعٍ أَفَلا تَتَذَکَّرُونَ . یُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ . السجدة : 4 - 5

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . وَإِذَا ذُکِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ وَإِذَا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ. قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبَادِکَ فِی مَا کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ .الزمر : 43 - 46

9 - الأرباب من دون الله

قال الله تعالی عن ربوبیة الحکام والأحبار عند أهل الکتاب:

قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَی کَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئًا وَلا یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . آل عمران : 64

إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِیَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ . التوبة : 31

وقال تعالی عن المسیح والأنبیاء:

مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُؤْتِیَهُ اللهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِبَادًا لِی مِنْ دُونِ اللهِ وَلَکِنْ کُونُوا رَبَّانِیِّینَ بِمَا کُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْکِتَابَ وَبِمَا کُنْتُمْ

ص: 298

تَدْرُسُونَ . وَلا یَامُرَکُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِکَةَ وَالنَّبِیِّینَ أَرْبَابًا أَیَامُرُکُمْ بِالْکُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . آل عمران : 79 - 80

وقال عن أرباب الفراعنة وأتباعهم فی مصر:

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ مَا کَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِکَ بِاللهِ مِنْ شَئْ ذَلِکَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَیْنَا وَعَلَی النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ . یَا صَاحِبَیِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ . یوسف : 38 - 40

هذا وقد تقدم تصنیف آیات الشفاعة فی المجلد الثالث .

10-الشهداء من دون الله والاشهاد من الله

وَإِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَی عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَکُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ . البقرة : 23

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا أُولَئِکَ یُعْرَضُونَ عَلَی رَبِّهِمْ وَیَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَی الظَّالِمِینَ . الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ وَیَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالأخِرَةِ هُمْ کَافِرُونَ . هود : 18 - 19

11 - الصدق عن الله والإفتراء من دون الله

وَمَا یَتَّبِعُ أَکْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ بِمَا یَفْعَلُونَ . وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَی مِنْ دُونِ اللهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ

ص: 299

وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ . أَمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . بَلْ کَذَّبُوا بِمَا لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ کَذَلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِینَ . یونس : 36 - 39

أَمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . فَإِنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . هود : 13 - 14

12 - العاصم من الله والعاصم من دون الله

قُلْ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَعُّونَ إِلا قَلِیلاً .

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُکُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِکُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِکُمْ رَحْمَةً وَلا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیًّا وَلا نَصِیرًا . الأحزاب : 16 - 17

13-الولیجة من دون الله:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَلَمَّا یَعْلَمِ اللهُ الَّذِینَ جَاهَدُوا مِنْکُمْ وَلَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً وَاللهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . التوبة : 16

14 - الأولیاء من دون الله:
اشارة

وهذا الموضوع أوسع المواضیع فی مصطلح (من دون الله القرآنی ) لأن الأولیاء من دونه فی المجتمعات البشریة والسلوک الإنسانی متنوعون. قال الله تعالی:

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ . البقرة : 107

ص: 300

الأولیاءالشیاطین

قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ وَأَقِیمُوا وُجُوهَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ .«فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیَاطِینَ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ .الأعراف : 29-30.

التأثر بأفکار الناس یجعلهم أولیاء من دون الله

فَاسْتَقِمْ کَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَکَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ . وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ . وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَیِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ ذَلِکَ ذِکْرَی لِلذَّاکِرِینَ . وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ . هود : 112 - 115

إِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ قَلِیلاً مَا تَذَکَّرُونَ. الأعراف : 3

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ . الرعد : 11

وَلَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَازْدَادُوا تِسْعًا . قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَدًا . وَاتْلُ مَا أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنْ کِتَابِ رَبِّکَ لا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا . الکهف : 25 - 27

وَقَالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَیْلَکُمْ ثَوَابُ اللهِ خَیْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا یُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا کَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ

ص: 301

اللهِ وَمَا کَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِینَ . القصص : 80 - 81

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ لا یَمْلِکُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الأَعْمَی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَکَاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَئْ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . الرعد : 16

انکشاف عدم فائدة الأولیاء من دون الله فی الآخرة

وَتَرَاهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا خَاشِعِینَ مِنَ الذُّلِّ یَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِیٍّ وَقَالَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِینَ فِی عَذَابٍ مُقِیمٍ . وَمَا کَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِیَاءَ یَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِیلٍ. اسْتَجِیبُوا لِرَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَکُمْ مِنْ مَلْجَأٍ یَوْمَئِذٍ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَکِیرٍ . الشوری : 45 - 47

وَمَکَرُوا مَکْرًا کُبَّارًا . وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَکُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسْرًا . وَقَدْ أَضَلُّوا کَثِیرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِینَ إِلا ضَلالاً . مِمَّا خَطِیئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ یَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَارًا . نوح : 22 - 25

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ . أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ . الزمر : 2 - 3

وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ وَ مَا أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ .

وَکَذَلِکَ أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ قُرْآنًا عَرَبِیًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَی وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ یَوْمَ الْجَمْعِ لا رَیْبَ فِیهِ فَرِیقٌ فِی الْجَنَّةِ وَفَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ . وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً

ص: 302

وَلَکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشَاءُ فِی رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ . أَمِ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِیُّ وَهُوَ یُحْیِی الْمَوْتَی وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَئٍْ قَدِیرٌ . الشوری : 6 - 9

تِلْکَ آیَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَیْکَ بِالْحَقِّ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَ اللهِ وَآیَاتِهِ یُؤْمِنُونَ . وَیْلٌ لِکُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ . یَسْمَعُ آیَاتِ اللهِ تُتْلَی عَلَیْهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسْتَکْبِرًا کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ . وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آیَاتِنَا شَیْئًا اتخَّذَهَأَ هُزُوًا أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِینٌ . مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا یُغْنِی عَنْهُمْ مَا کَسَبُوا شَیْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِیَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ . الجاثیة : 6 - 10

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ . الرعد : 11

وَإِنْ تُکَذِّبُوا فَقَدْ کَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِکُمْ وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِینُ . أَوَ لَمْ یَرَوْا کَیْفَ یُبْدِیءُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ إِنَّ ذَلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ . قُلْ سِیرُوا فِی الأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الأخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَئٍْ قَدِیرٌ . یُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَیَرْحَمُ مَنْ یَشَاءُ وَإِلَیْهِ تُقْلَبُونَ . وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الأَرْضِ وَلا فِی السَّمَاءِ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ . وَالَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ اللهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِکَ یَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِی وَأُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ . العنکبوت : 18 - 23

* وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَی إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً . قُلْ لَوْ کَانَ فِی الأَرْضِ مَلائِکَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنَا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَکًا رَسُولاً . قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ إِنَّهُ کَانَ بِعِبَادِهِ خَبِیرًا بَصِیرًا . وَمَنْ یَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ

ص: 303

عَلَی وُجُوهِهِمْ عُمْیًا وَبُکْمًا وَصُمًّا مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِیرًا . الإسراء : 94 - 97

أَوْ یُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَبًا . وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلَی مَا أَنْفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَی عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَدًا . وَلَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا کَانَ مُنْتَصِرًا . هُنَالِکَ الْوَلایَةُ للهِ الْحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَوَابًا وَخَیْرٌ عُقْبًا . الکهف : 41 - 44

قَالُوا سُبْحَانَکَ مَا کَانَ یَنْبَغِی لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِکَ مِنْ أَوْلِیَاءَ وَلَکِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّی نَسُواْ الذِّکْرَ وَکَانُوا قَوْمًا بُورًا . فَقَدْ کَذَّبُوکُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِیعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ یَظْلِمْ مِنْکُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا کَبِیرًا . وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلا إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعَامَ وَیَمْشُونَ فِی الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَکَانَ رَبُّکَ بَصِیرًا . الفرقان : 18 - 20

لا وجود حقیقیا لولی من دون الله

* إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ یُحْیِی وَیُمِیتُ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ . لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَی النَّبِیِّ وَالْمُهَاجِرِینَ وَالأَنْصَارِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا کَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَیْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِیمٌ . التوبة : 116 - 117

وَمِنْ آیَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِیهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَی جَمْعِهِمْ إِذَا یَشَاءُ قَدِیرٌ. وَمَا أَصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُواْ عَنْ کَثِیرٍ . وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الأَرْضِ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ . الشوری : 29 - 31

ص: 304

نتیجة

من الآیات المتقدمة ، یتضح أن سبب الکفر والشرک والضلال ، ثلاثةُ أمور:

الأول: زعم الألوهیة لأحد غیر الله تعالی .

والثانی: زعم الشراکة فی الألوهیة أو فی التصرف فی الخلق لأحد مع الله تعالی .

والثالث: زعم حق الوسیلة والوساطة لأحد أو شئ لم یأذن به الله تعالی .

أما التوسل إلی الله بمن أذن بالتوسل به ، وبدون ادعاء شراکة له مع الله تعالی.. فهو خارجٌ عن هذه الحالات المذمومة کلها ، ولا یدخل فی شیء من الکفر والشرک والضلال ، بل هو إطاعة لله ، لأنه اتخاذ وسیلة بأمره ، ولیس من دونه .

فالمیزان فی المسألة هو: أن اتخاذ الوسیلة والشفعاء من دون الله تعالی شرک وکفر ، واتخاذهم من عنده بإذنه وأمره ، إیمان وتقوی.

وشتان بین الأمرین !! فهما وإن تشابها فی الظاهر لکن الفرق بینهما هو المسافة بین الکفر والضلال ، والهدی والرشاد .

وبذلک تعرف وهن تشبث به ابن تیمیة وأتباعه فحکموا علی أکثر المسلمین بالکفر بسببه !! واستحلوا بذلک دماءهم وأموالهم !!

المسألة الرابعة: شبهة علی أصل التوسل

اشارة

أثار بعضهم اشکالاً علی مبدأ التوسل ، شبیهاً بما مر فی الشفاعة..

والسبب فی ذلک أنهم رأوا الشفاعات والوساطات والمحسوبیات السیئة عند الرؤساء والمسؤولین فی دار الدنیا ، وما فیها من محاباة وإعطاء بغیر حق ، ولا جهد من المشفوع لهم ، أو المتوسط لهم .

وبما أن الله تعالی یستحیل علیه أن یحابی کما یحابی حکام الدنیا ، وإنما یعطی

ص: 305

جنته وثوابه بالإیمان والعمل الصالح.. فلذا صعب علی هؤلاء قبول الشفاعة والوساطة والوسیلة إلی الله تعالی !

ولکنه فات هؤلاء أنه لا استحقاق فی الأصل لمخلوق علی الله تعالی ، وأن المنشأ الحقوقی الوحید لحق المخلوق علی ربه هو وعده سبحانه إیاه بالعطاء ، فهو حقٌّ مکتسبٌ بالوعد لأن الله تعالی رحیمٌ صادق ، ولیس حقاً أصلیاً للعبد !

وفاتهم أیضاً ، أن الإستشفاع والتوسل إلیه تعالی عملٌ صالح ، لأنه تعالی أمرنا أن نبتغی إلیه الوسیلة .

فاتهم أن الحکمة من جعله تعالی الأنبیاء والأوصیاء الوسیلة إلیه تعالی:

أولاً: أن یعالج مشکلة التکبر فی البشر ، لأن البشر لا یمکنهم الإنتصار علی تکبرهم والخضوع لعبودیة الله تعالی ، إلا إذا انتصروا علی ذاتیتهم فی مقابل الأنبیاء والأوصیاء ، واعترفوا لهم بالفضل والمکانة الممیزة والإختیار الإلهی ، وأنهم المبلغون عن الله تعالی . . فهذا الإعتراف مطلوب لأنه مقدمة علمیة وعملیة للإیمان بالله تعالی وممارسة العبودیة له .

فبدون الخضوع للأنبیاء والأوصیاء لا یتحقق خضوع حقیقی لله تعالی ، ولا إیمان حقیقی به !! وهذا هو المقصود بقوله تعالی ( وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِکُونَ . ) !!

لقد کان من الممکن أن یقول الله تعالی للناس: آمنوا بی ولا شغل لکم برسلی وأولیائی ، فإنما هم مبلغون لما أرسلتهم به ، وإنما ( الرسول طارش ) کما قال بعض الوهابیین ! ولکن ذلک لا یعالج مشکلة الإنسان فی التکبر علی عباد الله !!

وإذا لم تنحل مشکلته هذه ، لم تنحل مشکلته فی التکبر علی ربه وادعاءاته الفارغة بقربه منه وتکریمه له !!

فالخضوع العملی للمخلوقین الربانیین الممتازین ، هو الطریق الطبیعی الوحید

ص: 306

للخضوع للخالق سبحانه .

وهما نوعان مختلفان من الخضوع ، لأن حق الخضوع لله ذاتی ، ولأولیائه تبعی جعلی.. بل هما فی الحقیقة نوعٌ واحد ، لأن الخضوع للأولیاء بأمر الله تعالی إنما هو خضوعٌ لله تعالی .

وثانیاً: أن جعل الأنبیاء والأوصیاء وسیلة إلی تعالی ضرورة ذهنیة للبشر.. ذلک أن الفاصلة بین ذهن الإنسان المحدود المیال إلی المادیة والمحدودیة ، وبین التوحید المطلق المطلوب والضروری ، فاصلةٌ کبیرة ، فهی تحتاج إلی نموذج ذهنی حاضر من نوع الإنسان ، یمارس التوحید أمامه ویکون قدوةً له. وبدون هذا النموذج القدوة ، یبقی الإنسان فی معرض الجنوح فی تصوره للتوحید وممارسته ، والجنوح فی هذا الموضوع الخطیر ، أخطر أنواع جنوح الضلال !!

وهذا هو السبب فی اعتقادی فی أن الله تعالی جعل أنبیاءه وأوصیاءهم حججاً علی العباد، وهو السبب فی أنه جعلهم من نوع الناس أنفسهم ولیس من نوع آخر کالملائکة مثلاً .

والنتیجة:

أن وجود الوسیلة بین العباد والله تعالی لو کان أمره یرجع الینا لصح لنا أن نقول یاربنا نرید أن تجعل کل أنواع ارتباطنا بک مباشراً ، فلا تجعل بیننا وبینک واسطةً فی شئ ! کما یمیل إلیه أهل الإشکال علی الشفاعة والتوسل !

ولکن الأمر له سبحانه ، فالأفضل أن یکون منطقنا سلیما فنقول:

اللهم لا نقترح علیک ، فأنت أعلم بما یصلحنا ، وإن أردت أن تجعل أنبیاءک وأوصیاءک واسطةً بیننا وبینک ، وحججاً

علینا عندک ، فنحن مطیعون لک ولهم ، ولا اعتراض عندنا..

ص: 307

وهذا هو التسلیم المطلق لإرادته تعالی الذی عبر عنه بقوله لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی سورة الزخرف : 81 - 82: قل إن کان لله ولد فأنا أول العابدین .

ومعناه: أیها الرسول وحد لله تعالی توحیداً بلا شرط ، واقبل معه کل شرط حتی لو اتخذ ولداً وأمرک بعبادته !

ثم بین تعالی أن الواقع أنه لم یتخذ ولن یتخذ ولداً فقال:

سبحان الله رب السماوات والأرض ، رب العرش ، عما یصفون .

المسألة الخامسة: مسألة التوسل دقیقة وحساسة

اشارة

فهی مسألة ذات حدین ، لابد فیها التوازن والحذر من الإفراط والتفریط !

فلا هؤلاء الوسائط یملکون شیئاً مع الله تعالی .. لأنهم مخلوقون فقراء إلیه تعالی .

کما أنه لا غنی للناس عن وساطتهم إلی الله . . لأنهم عباده المکرمون الذین أمر بالتوجه الیه بهم .

والتعادل المطلوب فیها تعادل فکری وعملی . . لأن الحرکة الإنحرافیة ، ذهنیة أو عملیة ، قد توجب الضلال !!

فالذین ینقصون من دور أنبیاء الله وأوصیائه ومقامهم عند الله تعالی ، بحجة توحیده وإبعاد الشرکاء عن ساحته المقدسة ، یقعون فی الضلال والبعد عن الطریق الذی عینه الله لتوحیده وطاعته..وهو طلعتهم ، والتوجه الیه بهم !

والذین یزیدون علی دورهم المحدد من الله تعالی، ویجعلون لهم معه شراکةً فی ملکه أو حکمه أو عبادته ، ولو ذرةً واحدة ، بحجة أنه جعلهم وسیلةً إلیه.. یقعون فی الضلال والبعد عن الطریق الذی عینه الله تعالی ، والذی هو التوحید المطلق !

وبسبب هذه الدقة فی العقیدة الإسلامیة فی الأنبیاء والاوصیاء نری أن الآیات

ص: 308

والأحادیث الشریفة أکدت علی الجانبین معاً !

1 - فهی تؤکد من ناحیة علی أن طاعته تعالی إنما تکون بطاعتهم وابتغاء الوسیلة إلیه عن طریقهم .

2 - ومن ناحیة أخری تؤکد علی بشریتهم ، وأن الذین جعلوهم آلهة أو شرکاء لله قد ضلوا وکفروا .

وفیما یلی نورد بعض الآیات فی إطاعة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ونلاحظ أن الله جعل طاعة الرسول إیماناً ومعصیته کفراً ! وهو مقام مافوقه مقام لمخلوق أن یجعل الله طاعته طاعته ، ومعصیته معصیته !!

قال سبحانه:

قُلْ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْکَافِرِینَ . آل عمران : 32

مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّی فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظًا . النساء : 80

وَیَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِکَ بَیَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَیْرَ الَّذِی تَقُولُ وَاللهُ یَکْتُبُ مَا یُبَیِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَکَّلْ عَلَی اللهِ وَکَفَی بِاللهِ وَکِیلًا . النساء :" 81

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ . وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا یَسْمَعُونَ . إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ. وَ لَوْ عَلِمَ اللهُ فِیهِمْ خَیْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . الانفال : 20 - 23

وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِینَ وَحَسُنَ أُولَئِکَ رَفِیقًا . ذَلِکَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَکَفَی بِاللهِ عَلِیمًا . النساء: 69 - 70

وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَخْشَ اللهَ وَیَتَّقْهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَائِزُونَ. وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَیْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَیَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا

ص: 309

تَعْمَلُونَ . النور : 52 - 53

قُلْ أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَیْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیْکُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِینُ . النور : 54

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِیدًا . یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِیمًا . الأحزاب : 70 - 71

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ . محمد : 33

وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِیمًا . الفتح : 17

تِلْکَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ . وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِیهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِینٌ . النساء : 13 - 14

ونلاحظ هنا أن نفس فریضة الإطاعة التی فرضها الله لرسوله ، فرضها لأولی الأمر من بعده ! صلی الله علی رسوله وآله ، قال تعالی:

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَئٍْ فَرُدُّوهُ إِلَی اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِیلًا . النساء : 59

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُولِی الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّیْطَانَ إِلا قَلِیلاً . النساء : 83

ومن الجهة الأخری قال تعالی فی الذین ألَّهوا الأنبیاء والأولیاء أو جعلوهم

ص: 310

شرکاء لله سبحانه:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ . وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ . لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . وَمَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِکَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ . الأنبیاء: 25 - 29

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ . أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ . لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَی مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . الزمر : 2 - 4

تأکید الأئمة علی المحافظة علی التوحید فی التوسل

وذلک فی نصوص کثیرة ، ومنها نصوص الأدعیة والتوسلات التی علمها الأئمة الطاهرون (علیهم السّلام) لشیعتهم ، کما لاحظت فیما أوردناه منها.. وهذا نموذجٌ آخر:

- فی بحار الأنوار: 98/168:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إذا أتیت القبر بدأت فأثنیت علی الله عز وجل، وصلیت علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، واجتهدت فی ذلک إن شاء الله ، ثم تقول: سلامُ الله وسلام ملائکته فیما تروح وتغدو . . .

ص: 311

المسألة السادسة: من هم المتوسل بهم عند المسلمین

اشارة

یکاد یکون التوسل والإستشفاع فی مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) ، محصوراً روایةً وعملاً بمحمد وآله المعصومین صلی الله علیه وعلیهم .

ولم أجد فی سیرة أئمتنا (علیهم السّلام) ، ولا فی سلوک المتشرعین من أصحابهم وشیعتهم ذکراً للتوسل بأحد غیر المعصومین (علیهم السّلام) ! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومین أو فی موارد خاصة .

نعم ورد فی عدد من الأدعیة عن أهل البیت (علیهم السّلام) تعلیم التوسل بالملائکة المقربین والأنبیاء السابقین ، وکتب الله المنزلة ، وعباده الصالحین ، والأعمال الصالحة..

ففی مصباح المتهجد/358:

اللهم إنی أتقرب الیک بجودک وکرمک ، وأتشفع الیک بمحمد عبدک ورسولک ، وأتوسل الیک بملائکتک المقربین ، وأنبیائک المرسلین ، أن تقیلنی عثرتی ، وتستر علی ذنوبی ، وتغفرها لی ، وتقلبنی بقضاء حاجتی ، ولا تعذبنی بقبیح کان منی .

یا أهل التقوی وأهل المغفرة ، یا بر یاکریم ، أنت أبر بی من أبی وأمی ، ومن نفسی ، ومن الناس أجمعین ، بی الیک فاقة وفقر ، وأنت غنی عنی . . .

- وفی مصباح المتهجد /302

روی ابراهیم بن عمر الصنعانی ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: للأمر المخوف العظیم تصلی رکعتین ، وهی التی کانت الزهراء(علیهاالسّلام)تصلیها ، تقرأ فی الأولی الحمد ، وقل هو الله أحد خمسین مرة ، وفی الثانیة مثل ذلک ، فإذا سلمت صلیت علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثم ترفع یدیک وتقول:

ص: 312

اللهم انی أتوجه بهم الیک وأتوسل الیک بحقهم العظیم الذی لا یعلم کنهه سواک وبحق من حقه عندک عظیم ، وبأسمائک الحسنی وکلماتک التامات ، التی أمرتنی أن أدعوک بها .

وأسألک باسمک العظیم الذی أمرت ابرهیم(علیه السّلام)أن یدعو به الطیر فأجابته .

وباسمک العظیم الذی قلت للنار کونی برداً وسلاماً علی ابرهیم فکانت .

وبأحب أسمائک إلیک ، وأشرفها عندک ، وأعظمها لدیک ، وأسرعها إجابة ، وأنجحها طلبة ، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه . . .

وأسألک بکتبک التی أنزلتها علی أنبیائک ورسلک صلواتک علیهم أجمعین من التوراة والإنجیل والقرآن العظیم ، من أولها إلی آخرها ، فإن فیها اسمک الأعظم. وبما فیها من أسمائک العظمی أتقرب الیک .

التوسل بغیر المعصومین عند السنیین

سیرة أئمة المذاهب السنیة وسلوک أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن یعتقدون صلاحه من شیوخ العلم والتصوف .

وحتی الحنابلة الذین یدعی ابن تیمیة الإنتساب إلیهم ویشن باسمهم حملة ضد التوسل والإستشفاع ویکفر بهم المسلمین . . یعتقدون بالتوسل !!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وکبار متقدمیهم ومتأخریهم ، أنهم کانوا یزورون القبور ویتوسلون إلی الله تعالی بأصحابها !!

وقد بنوا علی قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة ! وجعلوه مزاراً یصلون عنده ویتمسحون به ویتوسلون به !!

ص: 313

- ففی وفیات الأعیان لابن خلکان: 1/64:

أحمد بن حنبل . . . توفی ضحوة الجمعه لثنتی عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الأول.. ودفن بمقبرة باب حرب ، وباب حرب منسوب إلی حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبی جعفر المنصور ، والی حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربیة ، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها یزار .

- وفی مناقب الإمام أحمد لابن الجوزی/454:

حدثنی أبو بکر بن مکارم بن أبی یعلی الحربی وکان شیخاً صالحاً قال: کان قد جاء فی بعض السنین مطرٌ کثیر جداً قبل دخول رمضان بأیام ، فنمت لیلة فی رمضان

فأریت فی منامی کأنی قد جئت علی عادتی إلی قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور ، فرأیت قبره قد التصق بالأرض حتی بقی بینه وبین الأرض مقدار ساف أو سافین ، فقلت: إنما تم هذا علی قبر الإمام أحمد من کثرة الغیث !

فسمعته من القبر وهو یقول: لا ، بل هذا من هیبة الحق عز وجل ، لأنه عز وجل قد زارنی !! فسألته عن سر زیارته إیای فی کل عام فقال عز وجل: یا أحمد ، لأنک نصر ت کلامی فهو ینشر ویتلی فی المحاریب .فأقبلت علی لحده أقبله ثم قلت: یا سیدی ما السر فی أنه لا یقبل قبر إلا قبرک ؟ فقال لی: یا بنی ، لیس هذا کرامة لی ، ولکن هذا کرامة لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! لأن معی شعرات من شعره !!

ألا ومن یحبنی یزورنی فی شهر رمضان ! قال ذلک مرتین !!

- وفی طبقات الحنابلة لأبی یعلی: 2/186:

سمعت رزق الله یقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضی الشریف أبو علی فرأیته یقبل رجل القبر ! فقلت له: فی هذا أثر ؟

ص: 314

قال لی: أحمد فی نفسی شئ عظیم ، وما أظن أن الله تعالی یؤاخذنی بهذا !!

- وفی تاریخ بغداد للخطیب: 4/423:

عن أبی الفرج الهندبانی یقول: کنت أزور قبر أحمد بن حنبل فترکته مدة ، فرأیت فی المنام قائلاث یقول لی: لم ترکت زیارة إمام السنة !!

ورواه ابن الجوزی فی مناقب الإمام أحمد/481

- وفی رحلة ابن بطوطه: 1/220:

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحین بها . . . وبقرب الرصافه قبر الإمام أبی حنیفة ، وعلیه قبة عظیمه وزاویة فیها الطعام للوارد والصادر ، ولیس بمدینة بغداد الیوم زاویة یطعم الطعام فیها ماعدا هذه الزاویة .

وبالقرب منها قبر الإمام أبی عبد الله أحمد بن حنبل ، ولا قبة علیه . . ویذکر أنها بنیت علی قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالی .

وقبره عند أهل بغداد معظم ، وأکثرهم علی مذهبه ، وبالقرب منه قبر أبی بکر الشبلی من أئمة المتصوفة .

- وفی تاریخ الإسلام للذهبی: 38/23:

فی عام 554 غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتی علی وجه الماء وکانت آیة عجیبة .

- وفی عمدة القاری للعینی: 5 جزء 9/241:

سعید العلائی قال: رأیت فی کلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبیل قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وتقبیل منبره ، فقال: لا بأس بذلک .

ص: 315

قال فأریناه للشیخ تقی الدین بن تیمیة ، فصار یتعجب من ذلک ویقول: عجبت ! أحمد عندی جلیل ، یقول هذا الکلام !

وأی عجب.. وقد روینا عن الإمام أحمد أنه غسل قمیصاً للشافعی وشرب الماء الذی غسله به !!

- وفی تاریخ الإسلام للذهبی: 14/335:

وقال ابن خزیمه: هل کان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعی ؟

- وفی الإعتصام للشاطبی: 1/226:

والجواب عن هذا ( قول أحمد بن حنبل ) أنه کلام مجتهد یحتمل اجتهاده الخطأ والصواب . . وقد کان ( ابن حنبل ) یمیل إلی نفی القیاس ، ولذلک قال: مازلنا نلعن أهل الرأی ویلعنوننا ، حتی جاء الشافعی فخرج بیننا . .

- وفی الغدیر للأمینی: 5/194:

قال ابن حجر فی ( الخیرات الحسان ) فی مناقب الإمام أبی حنیفة فی الفصل الخامس والعشرین: إن الإمام الشافعی أیام کان هو ببغداد کان یتوسل بالإمام أبی حنیفة ویجئ إلی ضریحه یزوره فیسلم علیه ، ثم یتوسل إلی الله تعالی به فی قضاء حاجاته ،وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعی حتی تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد ، فقال له أبوه: إن الشافعی کالشمس للناس وکالعافیة للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعی: أن أهل المغرب یتوسلون بالإمام مالک لم ینکر علیهم .

وفی الغدیر: 5/198:

ص: 316

قال ( ابن الجوری ) فی المنتظم: 10/283:

وفی أوائل جمادی الآخرة سنة 574 تقدم أمیر المؤمنین بعمل لوح ینصب علی قبر الإمام أحمد بن حنبل ، فعمل ونقضت السترة جمیعها وبنیت بآجر مقطوع جدیدة ، وبنی له جانبان ، ووقع اللوح الجدید وفی رأسه مکتوب: هذا ما أمر بعمله سیدنا ومولانا المستضی بأمر الله أمیر المؤمنین .

وفی وسطه: هذا قبر تاج السنة وحید الأمة العالی الهمة العالم العابد الفقیه الزاهد الإمام أبی عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشیبانی(رحمه الله). وقد کتب تاریخ وفاته وآیة الکرسی حول ذلک .

ووعدت بالجلوس فی جامع المنصور، فتکلمت یوم الاثنین سادس عشر جمادی الأولی ، فبات فی الجامع خلق کثیر وختمت ختمات ، واجتمع للمجلس بکرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق کثیر وقطعت شعور ، ثم نزلت فمضیت إلی زیارة قبر أحمد ، فتبعنی من حزر بخمسة آلاف .

- وفی الغدیر للأمینی: 5/199:

الحافظ ابن عساکر فی تاریخه: 2/46:

عن أبی بکر بن أنزویه قال: رأیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المنام ومعه أحمد بن حنبل فقلت: یا رسول الله من هذا ؟

فقال: هذا أحمد ولی الله وولی رسول الله علی الحقیقة ، وأنفق علی الحدیث ألف دینار .

ثم قال: من یزوره غفر الله له ، ومن یبغض أحمد فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله .

ص: 317

وفی النهایة لابن کثیر: 12/323

وفی صفر سنة 542 رأی رجل فی المنام قائلاً یقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم یبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت یومئذ ثم مجلساً ، فاجتمع فیه ألوفٌ من الناس !!

التوسل الواسع فی صلاة الإستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث علی التوسل فی صلاة الإستسقاء بالأخیار والضعفاء والمرضی ، ومن ذلک: ما قاله النووی فی المجموع: 5/66:

قال فی الأم : ولا آمر بإخراج البهائم. وقال أبو اسحق: استحب إخراج البهائم ،لعل الله تعالی یرحمها ، لما روی أن سلیمان(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خرج لیستسقی فرأی نملة تستسقی ، فقال ارجعوا فإن الله تعالی سقاکم بغیرکم .

ویکره إخراج الکفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا یجوز أن یتوسل بهم إلیه ، فإن حضروا وتمیزوا لم یمنعوا ، لأنهم جاؤوا فی طلب الرزق .

وقال فی: 5/70:

یستحب أن یستسقی بالخیار من أقارب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبأهل الصلاح من غیرهم ، وبالشیوخ والضعفاء والصبیان والعجائز وغیر ذوات الهیئات من النساء ، ودلیله ما ذکره المصنف .

وأیضاً ففی الصحیح أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائکم ؟

قال القاضی حسین والرویانی والرافعی وآخرون من أصحابنا: ویستحب أن

ص: 318

یذکر کل واحد من القوم فی نفسه ما فعله من الطاعة الجلیلة ، ویتشفع به ویتوسل .

واستدلوا بحدیث ابن عمر فی الصحیحین عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قصة أصحاب الغار الثلاثة الذین أووا إلی غار فأطبقت علیهم صخرة ، فتوسل کل واحد بصالح عمله ، فأزال الله عنهم بسؤال کل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا یمشون. انتهی .

فهذه فتاوی من فقهاء المذاهب الأربعة ،تنص علی التوسل بالصالحین والضعفاء والمرضی والأعمال والحیوانات ، وتنص علی أنه توسل واستشفاع ، وهو أوسع من التوسل المتبادر إلی أذهاننا بالنبی وأهل بیته صلی الله علیه وعلیهم .

المسألة السابعة: التوسل العملی بالأعمال الصالحة

فی بحار الأنوار: 74/398:

عن أمالی المفید ، عن أحمد بن الولید ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن ابن عیسی ، عن ابن محبوب ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین (علیهم السلام) قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام):

أفضل ما توسل به المتوسلون الإیمان بالله ، ورسوله ، والجهاد فی سبیل الله ، وکلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فانها الملة ، وإیتاء الزکاة فإنها من فرائض الله ، وصیام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البیت فإنه میقات للدین ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للأجل ، والصدقة فی السر فإنها تذهب الخطیئة وتطفئ غضب الرب ، وصنایع المعروف فإنها تدفع میتة السوء ، وتقی مصارع الهوان. ومثله فی: 93/177

ونحوه فی: 74/289 ، عن تحف العقول ، قال: خطبته(علیه السّلام)المعروفة بالدیباج:

الحمد لله فاطر الخلق ، وخالق الإصباح ،ومنشر الموتی ، وباعث من فی القبور ،

ص: 319

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شریک له ، وأن محمداً عبده ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عباد الله ، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون إلی الله جل ذکره: الإیمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله... الحدیث ، کما تقدم بتفاوت .

- ورواه فی: 71/410 ، عن علل الشرائع عن أبی ، عن سعد ، عن ابراهیم بن مهزیار ، عن أخیه علی ، عن حماد عن ابراهیم بن عمر ، رفعه إلی أمیر المؤمنین (علیه السّلام)قال: ان أفضل ما توسل به المتوسلون . . .

- ورواه فی: 62/386 ، عن أمالی المفید ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)، بتفاوت وزیادة فی آخره ، قال ( ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق ، وجانبوا الکذب فإن الکذب مجانب الإیمان ، ألا وإن الصادق علی شفا منجاة وکرامة ، ألا وإن الکاذب علی شفاه مخزاة وهلکة ، ألا وقولوا خیراً تعرفوا به ، واعملوا به تکونوا من أهله ، وأدوا الأمانة إلی من ائتمنکم ، وصلوا من قطعکم ، وعودوا بالفضل علیهم. انتهی .

ولکن التوسل بالأعمال الصالحة لا ینفی التوسل بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد ثبت أنه لا یقبل عملٌ لمسلم إلا بولایتهم ، وأنه لا یرفع دعاء إلا بالصلاة علیهم ، وهو التوسل بهم ! وقد روی ذلک عندنا فی مصادر الجمیع !

ص: 320

الفصل الثانی : التوسل إلی الله فی مصادر السنیین

اشارة

ص: 321

ص: 322

1 - تعلیم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التوسل به إلی الله تعالی

روی الترمذی: 5/229 برقم 3649:

حدثنا محمود بن غیلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبی جعفر ، عن عمارة بن خزیمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنیف: أن رجلاً ضریر البصر أتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: أدع الله أن یعافینی .

قال: إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خیر لک.

قال: فادعه. قال: فأمره أن یتوضأ فیحسن وضوءه ویدعوه بهذا الدعاء: اللهم إنی أسألک وأتوجه الیک بنبیک محمد نبی الرحمة. یا محمد إنی توجهت بک إلی ربی فی حاجتی هذه لتقضی لی ، اللهم فشفعه فی .

هذا حدیث حسن صحیح غریب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حدیث أبی جعفر ، وهو غیر الخطمی. انتهی .

- ورواه ابن ماجة فی: 1/441، وقال: قال

أبو اسحاق هذا حدیث صحیح. انتهی .

- ورواه أحمد: 4/138 ، بروایتین .

ص: 323

- ورواه الحاکم فی المستدرک: 1/313 ، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی .

- ورواه فی: 1/519 ، بسندین آخرین ، وقال بعدهما: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

- ورواه فی: 1/526 ، وقال: تابعه شبیب بن سعید الحبطی عن روح بن القاسم زیادات فی المتن والإسناد والقول . . .

وقال أیضاً: هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه ، وإنما قدمت حدیث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالی من الأسانید .

- ورواه الطبرانی فی کتاب الدعاء/320 ، وما بعدها بعدة طرق ، وکذا فی المعجم الکبیر: 9/ 31 ، والصغیر: 1/183 ، وصححه .

- ورواه فی مجمع الزوائد: 2/279 ، وقال:

قلت: روی الترمذی وابن ماجه طرفا من آخره خالیا عن القصة ، وقد قال الطبرانی عقبه: والحدیث صحیح ، بعد ذکر طرقه التی روی بها .

- ورواه فی کنز العمال: 2/181 ، و6/521 ( ت ، ه ، ک ، عن عثمان بن حنیف ). ( حم ت: حسن صحیح غریب هک وابن السنی عن عثمان بن حنیف ) ورواه ابن خزیمة فی صحیحه: 2/225 وروی الطبرانی تطبیق عثمان بن حنیف للحدیث بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما سیأتی .

- وفی السنن الکبری للنسائی: 6/168

أخبرنا محمد بن معمر قال ، حدثنا حبان قال ، حدثنا حماد قال ، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزیمة ، عن عثمان بن حنیف أن رجلاً أعمی أتی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 324

فقال: یا رسول الله إنی رجل أعمی ، فادع الله أن یشفینی ، قال بل أدعک ، قال: أدع الله لی مرتین أو ثلاثاً .

قال: توضأ ثم صل رکعتین ثم قل: اللهم إنی أسألک وأتوجه الیک بنبیی محمد نبی الرحمة ، یا محمد إنی أتوجه بک إلی الله أن یقضی حاجتی ، أو حاجتی إلی فلان ، أو حاجتی فی کذا وکذا. اللهم شفع فیَّ نبیی وشفعنی فی نفسی. انتهی .

ثم رواه النسائی بروایتین أخریتین .

2 - توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

- روی الحاکم فی المستدرک: 3/334

أخبرنا أبو زکریا یحیی بن محمد العنبری ، ثنا الحسن بن علی بن نصر ، ثنا الزبیر بن بکار ، حدثنی ساعدة بن عبید الله المزنی ، عن داود بن عطاء المدنی ، عن زید بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال: استسقی عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبیک العباس نتوجه الیک به فاسقنا ، فما برحوا حتی سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال:

أیها الناس إن رسول الله کان یری للعباس مایری الولد لوالده ، یعظمه ویفخمه ویبر قسمه ، فاقتدوا أیها الناس برسول الله فی عمه العباس ، واتخذوه وسیلة إلی الله عز وجل فیما نزل بکم ! انتهی. وروته عامة مصادرهم .

ص: 325

3 - توسل الناس فی المحشر واستشفاعهم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

- روی ذلک البخاری فی عدة مواضع ، فی صحیحه: 5/147

عن أنس (رض) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال:

یجتمع المؤمنون یوم القیامة فیقولون لو استشفعنا إلی ربنا فیأتون آدم فیقولون أنت أبو الناس خلقک الله بیده وأسجد لک ملائکته وعلمک أسماء کل شئ ، فاشفع لنا عند ربک حتی یریحنا من مکاننا هذا. فیقول: لست هناکم ، ویذکر ذنبه فیستحی ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلی أهل الأرض ، فیأتونه فیقول لست هناکم . . . ائتوا ابراهیم . . . ائتوا موسی . . . ائتوا عیسی . . . ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ، فیأتونی فأنطلق حتی أستأذن...الخ.

- ونحوه بتفاوت فی: 7 /203 ، و: 8/172 و 183 ، وروته عامة مصادرهم .

4 - ما ورد عندهم من الدعاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بالوسیلة

اشارة

- قال البخاری فی صحیحه: 1/152:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من قال حین یسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسیلة والفضیلة وابعثه مقاماً محموداً الذی وعدته.. حلَّت له شفاعتی یوم القیامة .

ورواه البخاری فی: 5/228 ، وابن ماجة: 1/239 ، وأبو داود: 1/ 129 ، والنسائی: 2/27 ، والترمذی: 1/ 136 ، والبیهقی فی السنن: 1/410 ، والهیثمی فی الزوائد: 1/333 و: 10/112 ، وفی کنز العمال: 2/80 و: 7/698 و703... وغیرها .

هذه هی صیغة البخاری ، التی لم یرو فی صحیحه غیرها ، وهی ترید الإیحاء بأن

ص: 326

الدعاء بالوسیلة دعاءٌ مستقل یستحب أن یدعو به المسلمون عند سماع الأذان ، ولا علاقة لها بصیغة الصلاة علی النبی ، ولا علاقة لها بآله !!

وقد تبع البخاری محدثون آخرون کما رأیت ، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنیین فی عملهم ومساجدهم !

ولکن وردت لهذا الدعاء صیغةٌ أخری صحیحةٌ عندهم أیضاً ، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صیغة الصلاة علی النبی التی علمها للمسلمین ، وأمرهم أن یصلوا علی آله معه ، وأن یختموها بالدعاء له بالوسیلة !!

وفی بعضها أن الدعاء بالوسیلة مقدمةٌ للصلاة علیه وآله !

فلماذا صار دعاء الوسیلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده ، بدون آله !!

السبب عندهم: أن الصلاة علی آل النبی معه والدعاء لهم معه ، أمرٌ ثقیلٌ علی الخلافة القرشیة ، التی فرضت علیهم العزل السیاسی والإجتماعی والإقتصادی ، لذلک اختار الرواة بدله الدعاء للنبی بالوسیلة ، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبی دون آله ، مماشاةً للخلافة القرشیة !!

والطریف أنهم رروه عن جابر بن عبد الله الأنصاری(رحمه الله)، المعروف بأحادیثه القویة فی وجوب ولایة أهل البیت (علیهم السّلام) ، حتی أنهم رووا عنه أنه کان فی زمن معاویة یتوکأ علی عصاه ویدور فی سکک المدینة ویبلغ المسلمین ما قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی من أبغض علیا وأهل البیت النبوی الطاهرین !

ویلاحظ أن الذی رواه عن جابر عند البخاری هو محمد بن المنکدر ، المبغض لأهل البیت (علیهم السلام) !!

ولک أن تقارن بین روایة البخاری ، وبین روایة مسلم وغیره لهذا الدعاء !!

- قال مسلم فی صحیحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إذا سمعتم المؤذن

ص: 327

فقولوا مثل ما یقول ، ثم صلوا علیَّ فإنه من صلی علیَّ صلاةً صلی الله علیه بها عشراً ، ثم سلوا الله لی الوسیلة ، فإنها منزلةٌ فی الجنة لا تنبغی إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أکون أنا هو ، فمن سأل لی الوسیلة حلت

له الشفاعة !

ورواه النسائی: 2/25 ، وأبو داود: 1/128 ، والترمذی: 5/247 ، والبیهقی فی سننه: 1/409 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد: 1/332 .

ورواه أحمد: 2/167 ، ونحوه فی: 2/265 ، وقال ( من صلی علیَّ لیس لیس فی البخاری ) !!

- وأفتی به النووی فی المجموع: 3/116

وقدمه فی تلخیص الحبیر: 3 /203 ، علی روایة البخاری فقال:

( قوله ) من المحبوبات أن یصلی المؤذن وسامعه علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد الأذان ویقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة لقائمة آت محمداً الوسیلة والفضیلة والدرجة الرفیعة وابعثه المقام المحمود الذی وعدته. أخرجه مسلم وغیره من حدیث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما یقول ، ثم صلوا علیَّ ، الحدیث .

وأخرج البخاری وأصحاب السنن من حدیث جابر مرفوعاً من قال حین یسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحدیث ، لکن لیس فیه والدرجة الرفیعة. انتهی.

- وقال السیوطی فی الدر المنثور: 5/219:

وأخرج ابن مردویه عن ابن مسعود (رض) قال: قلنا یا رسول الله قد عرفنا کیف السلام علیک ، فکیف نصلی علیک ؟

قال قولوا: اللهم صل علی محمد ، وأبلغه درجة الوسیلة من الجنة. اللهم اجعل فی المصطفین محبته ، وفی المقربین مودته ، وفی علیین ذکره وداره ، والسلام

ص: 328

علیک ورحمة الله وبرکاته .

اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد کما صلیت علی ابراهیم وعلی آل ابراهیم ، إنک حمید مجید ، وبارک علی محمد وعلی آل محمد. انتهی .

فقد نصت هذه الأحادیث الصحیحة عندهم علی أن الدعاء له(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بالوسیلة إنما هو جزءٌ من صیغة الصلاة الشرعیة علیه ، صلی الله علیه وعلیهم ، فهل یعقل أن یکون أمر باصافة آله معه فی الصلاة علیه ، ثم أفرد نفسه عنهم فی الدعاء !!

وبذلک یترجح أن یکون أصل النص النبوی لهذا الدعاء ما روته مصادرنا ، وفیه ذکر أهل بیته معه ، کما سیأتی .

ماهی الوسیلة التی ورد الدعاء بها للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟

ذکرت بعض المصادر السنیة أنها درجةٌ ومنزلةٌ فی الجنة ، تکون لشخص واحد من الخلق ، ولذا طلب من المسلمین أن یدعوا له لیکون هو ذلک الشخص .

ولکن ذلک یشبه کلام التوراة ، فکأن درجة الوسیلة موضوع قرعة أو مسابقة بین الأنبیاء ولم یعلم صاحبها بعد ! فالرسول لله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یرجو أمته أن یدعوا له أن تکون له !

- قال مسلم فی صحیحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول:إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما یقول ، ثم صلوا علی فانه من صلی علی صلاة صلی الله علیه بها عشرآ ، ثم سلوا الله لی الوسیلة ، فإنها منزلة فی الجنة لاتنبغی إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أکون أنا هو ، فمن سأل لی الوسیلة حلت له الشفاعة ! انتهی .

ورواه أبو داود: 1/ 128 ، والترمذی: 5 /247 ، والبیهقی فی السنن: 1/409 وأحمد: 2/167 و 168 ،

ص: 329

وفی: 2/265 و365 ، عن أبی هریرة ، والترمذی: 5/46 2 ، عن کعب عن أبی هریرة. وفی مجمع الزوائد: 1/332 ، عن أبی سعید الخدری ، وأبی هریرة ، وفی کنز العمال: 2/ 79 و134 و: 7/698 و700 و:14/ 400 و: 1/489 و494 و497 ، وفردوس الأخبار: 5/147

بینما روت أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) أن أمر الوسیلة مفروغٌ عنه ، وهی أعلی مساکن الفردوس ، وأنها للنبی وآله ، إلی جانب مساکن ابراهیم وآله صلی الله علیهم. ووافقتهابعض مصادر السنیین:

فقد روی ابن مردویه کما فی کنز العمال: 12/ 103 و: 13/639: عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: فی الجنة درجة تدعی الوسیلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لی الوسیلة .

قالوا: یا رسول الله ، من یسکن معک فیها ؟

قال: علی وفاطمة والحسن والحسین. انتهی .

وهذه هی الصیغة المعقولة لحدیث الوسیلة والدعاء بها للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ولکن ذلک لیس فی مصلحة الخلافة القرشیة !! ولذا ترکوا هذه الصیغة ورووا غیرها !!

أحادیث تفسر الوسیلة فی مصادرنا

- قال الصدوق فی معانی الأخبار/116:

116 - حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عیسی قال: حدثنا العباس بن معروف ، عن عبدالله بن المغیرة قال: حدثنا أبوحفص العبدی قال: حدثنا أبو هارون العبدی ، عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا سألتم الله لی فسلوه الوسیلة. فسألنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الوسیلة ؟ فقال: هی درجتی فی الجنة ، وهی ألف مرقاة ، ما بین المرقاة إلی المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً ، وهی ما بین مرقاة جوهر إلی مرقاة زبرجد ، إلی مرقاة یاقوت ، إلی مرقاة ذهب ، إلی مرقاة فضة .

ص: 330

فیؤتی بها یوم القیامة حتی تنصب مع درجة النبیین ، فهی فی درجة النبیین کالقمر بین الکواکب ، فلا یبقی یومئذ نبی ولا صدیق ولا شهید إلا قال طوبی لمن کانت هذه الدرجة درجته. فیأتی النداء من عند الله عز وجل یسمع النبیین وجمیع الخلق: هذه درجة محمد .

فأقبل أنا یومئذ متزراً بریطة من نور ،علی تاج الملک ، واکلیل الکرامة ، وعلی ابن أبی طالب أمامی ، وبیده لوائی وهو لواء الحمد ، مکتوب علیه (لا اله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله ). فإذا مررنا بالنبیین قالوا: هذان ملکان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائکة قالوا: نبیین مرسلین ، حتی أعلو الدرجة وعلی یتبعنی ، حتی إذا صرت فی أعلی درجة منها وعلی أسفل منی بدرجة ، فلا یبقی یومئذ نبی ولا صدیق ولا شهید إلا قال: طوبی لهذین العبدین ما أکرمهما علی الله تعالی !

فیأتی النداء من قبل الله عز وجل یسمع النبیین والصدیقین والشهداء والمؤمنین: هذا حبیبی محمد وهذا ولیی علی ، طوبی لمن أحبه ، وویل لمن أبغضه وکذب علیه. فلا یبقی یومئذ أحدٌ أحبک یا علی إلا استروح إلی هذا الکلام ، وابیاضَّ وجهه وفرح قلبه، ولا یبقی أحدٌ ممن عاداک أو نصب لک حرباً أوجحد لک حقاً، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه .

فبینا أنا کذلک إذا ملکان قد أقبلا الی ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة ، وأما الآخر فمالک خازن النار ، فیدنو رضوان فیقول: السلام علیک یا أحمد .

فأقول: السلام علیک أیها الملک ، من أنت ؟ فما أحسن وجهک الطیب وأطیب ریحک !

فیقول: أنا رضوان خازن الجنة ، وهذه مفاتیح الجنة بعث بها الیک رب العزة فخذها یا أحمد .

ص: 331

فأقول: قد قبلت ذلک من ربی ، فله الحمد علی ما فضلنی به ، ادفعها إلی أخی علی بن أبی طالب ، فیدفع إلی علی .

ثم یرجع رضوان فیدنو مالک فیقول: السلام علیک یا أحمد .

فأقول: علیک السلام أیها الملک ، فما أقبح وجهک وأنکر رؤیتک ، من أنت ؟! فیقول: أنا مالک خازن النار ، وهذه مقالید النار بعث بها الیک رب العزة فخذها یا أحمد .

فأقول: قد قبلت ذلک من ربی ، فله الحمد علی ما فضلنی به ، ادفعها إلی أخی علی بن أبی طالب ، فیدفعها إلیه ثم یرجع مالک .

فیقبل علی ومعه مفاتیح الجنة ومقالید النار ، حتی یقف بحجزة جهنم وقد تطایر شررها وعلا زفیرها واشتد حرها ، وعلی آخذٌ بزمامها فتقول له جهنم: جزنی یا علی فقد أطفأ نورک لهبی ، فیقول لها علی: قری یا جهنم: خذی هذا واترکی هذا ! خذی عدوی واترکی ولیی .

فَلَجهنم یومئذ أشد مطاوعة لعلی من غلام أحدکم لصاحبه ، فإن شاء یذهبها یمنة ، وإن شاء یذهبها یسرة ، ولجهنم یومئذ أشد مطاوعة لعلی فیما یأمرها به من جمیع الخلائق. انتهی .

ورواه فی روضة الواعظین/113 ، وبشارة المصطفی/21 ، وتفسیر القمی: 2/324 ، وفی آخره ( وذلک أن علیاً یومئذ قسیم الجنة والنار ) وفی بصائر الدرجات/416 :

ص: 332

خطبة الوسیلة من کتاب الکافی

روی الکلینی(رحمه الله)خطبة عظیمة خطبها أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، تسمی خطبة الوسیلة ، تتضمن تفصیلاث عن درچة الوسیلة فی الجنة لمحمد وآله صلی الله علیه وعلیهم. ونظراً لاهمیتها وفوائدها أوردنا منها أکثر من محل الشاهد .

قال(رحمه الله)فی الکافی: 8/18:

خطبة لامیر المؤمنین (علیه السّلام) ، وهی خطبة الوسیلة:

محمد بن علی بن معمر ، عن محمد بن علی بن عکایة التمیمی ، عن الحسین بن النضر الفهری ، عن أبی عمرو الأوزاعی ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن یزید قال: دخلت علی أبی جعفر فقلت: یا بن رسول الله قد أرمضنی اختلاف الشیعة فی مذاهبها !

فقال: یا جابر ألم أقفک علی معنی اختلافهم من أین اختلفوا ، ومن أی جهة تفرقوا ؟ قلت: بلی یا ابن رسول الله .

قال: فلا تختلف إذا اختلفوا یا جابر ، إن الجاحد لصاحب الزمان کالجاحد لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی أیامه ، یا جابر إسمع وع .

قلت: إذا شئت .

قال: اسمع وع وبلغ حیث انتهت بک راحلتک : إن أمیر المؤمنین خطب الناس بالمدینة بعد سبعة أیام من وفاة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وذلک حین فرغ من جمع القرآن وتألیفه فقال:

الحمد لله الذی منع الأوهام أن تنال إلاوجوده ، وحجب العقول أن تتخیل ذاته ، لإمتناعها من الشبة والتشاکل ، بل هو الذی لا یتفاوت فی ذاته ، ولا یتبعض بتجزئة العدد فی کماله ، فارق الأشیاء لا علی اختلاف الاماکن ، ویکون فیها لا

ص: 333

علی وجه الممازجة ، وعلمها لا بأداة ، لا یکون العلم إلا بها ، ولیس بینه وبین معلومه علمٌ غیره به کان عالماً بمعلومه .

إن قیل کانَ ، فعلی تأویل أزلیة الوجود ، وإن قیل لم یزل ، فعلی تأویل نفی العدم .

فسبحانه وتعالی عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلها غیره علواً کبیرا .

نحمده بالحمد الذی ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله علی نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف میزان ترفعان منه ، وثقل میزان توضعان فیه ، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والجواز علی الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة .

أکثروا من الصلاة علی نبیکم: إن الله وملائکته یصلون علی النبی یا أیها الذین آمنوا صلوا علیه وسلموا تسلیما.

أیها الناس: إنه لا شرف أعلی من الإسلام ، ولا کرم أعز من التقوی ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفیع أنجع من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافیة ، ولا وقایة أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضی بالقناعة ، ولا کنز أغنی من القنوع ومن أقتصر علی بلغة الکفاف فقد انتظم الراحة ، وتبوء خفض الدعة .

والرغبة مفتاح التعب ، والإحتکار مطیة النصب ، والحسد آفة الدین ، والحرص داع إلی التقحم فی الذنوب ، وهو داع للحرمان ، والبغی سائق إلی الحین ، والشره جامع لمساوی العیوب .

رب طمع خائب وأمل کاذب ، ورجاء یؤدی إلی الحرمان ، وتجارة تؤول إلی الخسران .

ص: 334

ألا ومن تورط فی الأمور غیر ناظر فی العواقب، فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن .

أیها الناس: إنه لا کنز أنفع من العلم ، ولا عز أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من الادب ، ولا نصب أوضع من الغضب ، ولا جمال أزین من العقل ، ولا سوءة أسوأ من الکذ ب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت .

أیها الناس: إنه من نظر فی عیب نفسه اشتغل عن عیب غیره ، ومن رضی برزق الله لم یأسف علی ما فی ید غیره ، ومن سل سیف البغی قتل به ، ومن حفر لأخیه بئراً وقع فیها ، ومن هتک حجاب غیره انکشفت عورات بیته ، ومن نسی زلته استعظم زلل غیره ، ومن أعجب برأیه ضل ، ومن استغنی بعقله زل ، ومن تکبر علی الناس ذل ، ومن سفه علی الناس شتم ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا یطیق عجز .

أیها الناس: إنه لا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، ولا واعظ أبلغ من النصح ، ولا عقل کالتدبیر ، ولا عبادة کالتفکر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا ورع کالکف عن المحارم ، ولا حلم کالصبر والصمت .

أیها الناس: فی الإنسان عشر خصال یظهرها لسانه: شاهدٌ یخبر عن الضمیر ، حاکمٌ یفصل بین الخطاب ، وناطقٌ یرد به الجواب ، وشافعٌ یدرک به الحاجة ، وواصفٌ یعرف به الأشیاء ، وأمیرٌ یأمر بالحسن ، وواعظٌ ینهی عن القبیح ، ومعزٌ تسکن به الأحزان ، وحاضرٌ تجلی به الضغائن ، ومونقٌ تلتذ به الاسماع .

أیها الناس: إنه لا خیر فی الصمت عن الحکم ، کما أنه لا خیر فی القول بالجهل. واعلموا أیها الناس إنه من لم یملک لسانه یندم ، ومن لا یعلم یجهل ، ومن لا یتحلم لا یحلم ، ومن لا یرتدع لا یعقل ، ومن لا یعقل یهن ، ومن یهن لا یوقر

ص: 335

، ومن لا یوقر یتوبخ ، ومن یکتسب مالاً من غیر حقه یصرفه فی غیر أجره ، ومن لا یدع وهو محمود یدع وهو مذموم ،ومن لم یعط قاعداً منع قائماً ، ومن یطلب العز بغیر حق یذل ، ومن یغلب بالجور یغلب ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقر ، ومن تکبر حقر ، ومن لا یحسن لا یحمد .

أیها الناس: إن المنیة قبل الدینة ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب والقبر خیر من الفقر ، وغض البصر خیر من کثیر من النظر ، والدهر یومٌ لک ویوم علیک ، فإذا کان لک فلا تبطر ، وإذا کان علیک فاصبر ، فبکلیهما تمتحن .

أیها الناس: أعجب ما فی الإنسان قلبه ، وله موادُّ من الحکمة ، وأضدادٌ من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلکه الحرص ، وإن ملکه الیأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغیظ ، وإن أسعد بالرضی نسی التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة ، وان جددت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد ما لا أطغاه الغنی ، وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته مصیبة فضحه الجزع ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط فی الشبع کظته البطنة.. فکل تقصیر به مضر ، وکل إفراط له مفسد .

أیها الناس: إنه من فل ذل ، ومن جاد ساد ، ومن کثر ماله رأس ، ومن کثر حلمه نبل ، ومن أفکر فی ذات الله تزندق ، ومن أکثر من شئ عرف به ، ومن کثر مزاحه استخف به ، ومن کثر ضحکه ذهبت هیبته، فسد حسب من لیس له أدب، إن أفضل الفعال صیانة العرض بالمال ، لیس من جالس الجاهل بذی معقول ، من جالس الجاهل فلیستعد لقیل وقال ، لن ینجو من الموت غنی بماله ولا فقیر لإقلاله .

أیها الناس: لو أن الموت یشتری لاشتراه من أهل الدنیا الکریم الابلج ، واللئیم

ص: 336

الملهوج .

أیها الناس: إن للقلوب شواهد تجری الأنفس عن مدرجة أهل التفریط وفطنة الفهم. للمواعظ ما یدعو النفس إلی الحذر من الخطر ، وللقلوب خواطر للهوی ، والعقول تزجر وتنهی ، وفی التجارب علم مستأنف ، والإعتبار یقود إلی الرشاد ، وکفاک أدباً لنفسک ما تکرهه لغیرک، وعلیک لأخیک المؤمن مثل الذی لک علیه، لقد خاطر من استغنی برأیه ، والتدبر قبل العمل ، فإنه یؤمنک من الندم ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، ومن أمسک عن الفضول عدلت رأیه العقول ، ومن حصن شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسک لسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفی تقلب الأحوال علم جواهر الرجال ، والأیام توضح لک السرائر الکامنة ، ولیس فی البرق الخاطف مستمتع لمن یخوض فی الظلمة ،ومن عرف بالحکمة لحظته العیون بالوقار والهیبة ، وأشرف الغنی ترک المنی ، والصبر جنة من الفاقة ، والحرص علامة الفقر ، والبخل جلباب المسکنة ، والمودة قرابة مستفادة ، ووصول معدم خیر من جاف مکثر ، والموعظة کهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه کثر أسفه ، وقد أوجب الدهر شکره علی من نال سؤله ، وقل ما ینصفک اللسان فی نشر قبیح أو إحسان ، ومن ضاق خلقه مله أهله ، ومن نال استطال، وقل ما تصدقک الامنیة ، والتواضع یکسوک المهابة ، وفی سعة الأخلاق کنوز الأرزاق .

کم من عاکف علی ذنبه فی آخر أیام عمره ، ومن کساه الحیاء ثوبه خفی علی الناس عیبه، وانح القصد من القول فإن من تحری القصد خفت علیه المؤن ، وفی خلاف النفس رشدک ، من عرف الأیام لم یغفل عن الإستعداد .

ألا وإن مع کل جرعة شرقاً وإن فی کل أکلة غصصاً ، لا تنال نعمة إلا بزوال أخری ولکل ذی رمق قوت ، ولکل حبة آکل ، وأنت قوت الموت .

ص: 337

أعلموا أیها الناس أنه من مشی علی وجه الأرض فإنه یصیر إلی بطنها ، واللیل والنهار یتنازعان فی هدم الأعمار .

یا أیها الناس: کفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، إن من الکرم لین الکلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام. إیاک والخدیعة فإنها من خلق اللئیم ، لیس کل طالب یصیب ، ولا کل غائب یؤوب . لا ترغب فیمن زهد فیک. رب بعید هو أقرب من قریب. سل عن الرفیق قبل الطریق ، وعن الجار قبل الدار.

ألا ومن أسرع فی المسیر أدرکه المقیل. أستر عورة أخیک کما تعلمها فیک. اغتفر زلة صدیقک لیوم یرکبک عدوک .

من غضب علی من لا یقدر علی ضره ، طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه کف ظلمه ، ومن لم یزغ فی کلامه أظهر فخره ، ومن لم یعرف الخیر من الشر فهو بمنزلة البهیمة .

إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصیبة مع عظم الفاقة غداً هیهات هیهات. وما تناکرتم إلا لما فیکم من المعاصی والذنوب ، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعیم ، وما شرٌ بشر بعده الجنة ، وما خیرٌ بخیر بعده النار. کل نعیم دون الجنة محقور ، وکل بلاء دون النار عافیة ، وعند تصحیح الضمائر تبدو الکبائر .

تصفیة العمل أشد من العمل ، وتخلیص النیة من الفساد أشد علی العاملین من طول الجهاد. هیهات لو لا التقی لکنت أدهی العرب .

أیها الناس: إن الله تعالی وعد نبیه محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الوسیلة ووعده الحق ، ولن یخلف الله وعده .

ألا وإن الوسیلة علی درج الجنة وذروةُ ذوائب الزلفة ، ونهایة غایة الأمنیة ، لها

ص: 338

ألف مرقاة ، ما بین المرقاة إلی المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بین مرقاة درة إلی مرقاة جوهرة ، إلی مرقاة زبرجدة ، إلی مرقاة لؤلؤة ، إلی مرقاة یاقوته ، إلی مرقاة زمردة ، إلی مرقاة مرجانة ، إلی مرقاة کافور ، إلی مرقاة عنبر ، إلی مرقاة یلنجوج ، إلی مرقاة ذهب ، إلی مرقاة غمام ، إلی مرقاة هواء ، إلی مرقاة نور !!

قد أنافت علی کل الجنان ، ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یومئذ قاعدٌ علیها ، مرتد بریطتین ، ریطة من رحمة الله وریطة من نور الله ، علیه تاج النبوة واکلیل الرسالة ، قد أشرق بنوره الموقف ، وأنا یومئذ علی الدرجة الرفیعة وهی دون درجته ، وعلیَّ ریطتان ، ریطة من أرجوان النور ، وریطة من کافور .

والرسل والأنبیاء ، قد وقفوا علی المراقی ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور ، عن أیماننا وقد تجللهم حلل النور والکرامة ، لا یرانا ملکٌ مقربٌ ولا نبی مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضیائنا وجلالتنا .

وعن یمین الوسیلة عن یمین الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غمامةٌ بسطة البصر ، یأتی منها النداء:

یا أهل الموقف طوبی لمن أحب الوصی وآمن بالنبی الاٌمی العربی ، ومن کفر فالنار موعده !

وعن یسار الوسیلة عن یسار الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ظلةٌ یأتی منها النداء:

یا أهل الموفق طوبی لمن أحب الوصی وآمن بالنبی الامی ، والذی له الملک الأعلی لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقی خالقه بالإخلاص لهما والإقتداء بنجومهما . فأیقنوا یا أهل ولایة الله ببیاض وجوهکم، وشرف مقعدکم، وکرم مآبکم وبفوزکم الیوم علی سرر متقابلین. ویا أهل الإنحراف والصدود عن الله عز ذکره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة ، أیقنوا بسواد وجوهکم وغضب ربکم جزاءً بما کنتم تعملون .

ص: 339

وما من رسول خلفَ ولا نبی مضی إلا وقد کان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من بعده ، ومبشراً برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وموصیاً قومه باتباعه ومحله عند قومه ، لیعرفوه بصفته ولیتبعوه علی شریعته ، ولئلا یضلوا فیه من بعده ، فیکون من هلک أو ضل بعد وقوع الأعذار والإنذار عن بینة وتعیین حجة ، فکانت الأمم فی رجاء من الرسل وورود من الأنبیاء .

ولئن أصیبت بفقد نبی بعد نبی ، علی عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد کانت علی سعة من الامل ، ولا مصیبة عظمت ولا رزیة جلت کالمصیبة برسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأن الله ختم به الأنذار والأعذار ، وقطع به الإحتجاج والعذر بینه وبین خلقه ، وجعله بابه الذی بینه وبین عباده ، ومهیمنه الذی لا یقبل إلا به ، ولا قربة إلیه إلا بطاعته ، وقال: فی محکم کتابه: من یطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولی فما أرسلناک علیهم حفیظا. فقرن طاعته بطاعته ، ومعصیته بمعصیته ، فکان ذلک دلیلاً علی ما فوض إلیه ، وشاهداً له علی من اتبعه وعصاه ، وبین ذلک فی غیر موضع من الکتاب العظیم فقال تبارک وتعالی فی التحریض علی اتباعه ، والترغیب فی تصدیقه والقبول لدعوته: قل إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله ویغفر لکم ذنوبکم. فاتباعه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )محبة الله ، ورضاه غفران الذنوب ، وکمال الفوز ، ووجوب الجنة .

وفی التولی عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه مسکن النار وذلک قوله: ومن یکفر به من الأحزاب فالنار موعده ، یعنی الجحود به والعصیان له. فإن الله تبارک اسمه امتحن بی عباده ، وقتل بیدی أضداده ، وأفنی بسیفی جحاده ، وجعلنی زلفة للمؤمنین ، وحیاض موت علی الجبارین ، وسیفه علی المجرمین ، وشد بی أزر رسوله ، وأکرمنی بنصره ، وشرفنی بعلمه ، وحبانی بأحکامه ،واختصنی بوصیته ، واصطفانی بخلافته فی أمته ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد حشده

ص: 340

المهاجرون والأنصار وانغصت بهم المحافل: أیها الناس إن علیاً منی کهارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول ، إذ عرفونی أنی لست بأخیه لأبیه وأمه ، کما کان هارون أخا موسی لأبیه وأمه ، ولا کنت نبیاً فاقتضی نبوة ، ولکن کان ذلک منه استخلافاً لی ، کما استخلف موسی هارون ، حیثث یقول: أخلفنی فی قومی وأصلح ، ولا تتبع سبیل المفسدین ، وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین تکلمت طائفة فقالت: نحن موالی رسول الله ، فخرج رسول الله إلی حجة الوادع ، ثم صار إلی غدیر خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ، ثم علاه وأخذ بعضدی حتی رئی بیاض إبطیه رافعاً صوته قائلاً فی محفله: من کنت مولاه فعلی مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .

فکانت علی ولایتی ولایة الله ، وعلی عداوتی عداوة الله. وأنزل الله عز وجل فی ذلک الیوم: الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإسلام دِینًا. فکانت ولایتی کمال الدین ورضا الرب جل ذکره ، وأنزل الله تبارک وتعالی اختصاصاً لی وتکرماً نحلنیه ، وإعظاماً وتفضیلاً من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) منحنیه ، وهو قوله تعالی: ثُمَّ رُدُّوا إِلَی اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُکْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِینَ . فی مناقب لو ذکرتها لعظم بها الارتفاع

فطال لها الإستماع.

ولئن تقمصها دونی . . .

إن القوم لم یزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان ، یقیمون لها المناسک ، وینصبون لها العتائر ، ویتخذون لها القربان ، ویجعلون لها البحیرة والوصیلة والسائبة والحام ، ویستقسمون بالأزلام ، عامهین عن الله عز ذکره ، حائرین عن الرشاد ، مهطعین إلی البعاد ، وقد استحوذ علیهم الشیطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلیة ، ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة ، فأخرجنا الله الیهم رحمة وأطلعنا علیهم رأفة ، وأسفر

ص: 341

بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه ، وفضلاً لمن اتبعه ، وتأییداً لمن صدقه ، فتبوؤوا العز بعد الذلة ، والکثرة بعد القلة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذکورة ، وکرامة میسورة ، وأمن بعد خوف ، وجمع بعد کوف ، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدی، وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الإیمان ، وفلجوا بنا فی العالمین، وأبدت لهم أیام الرسول آثار الصالحین ، من حام مجاهد ، ومصل قانت ، ومعتکف زاهد ، یظهرون الأمانة ، ویأتون المثابة .

حتی إذا دعا الله عز وجل نبیه ورفعه إلیه ، لم یک ذلک بعده إلا کلمحة من خفقة أو ومیض من برقة، إلی أن رجعوا علی الاعقاب ، وانتکصوا علی الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الکتائب ، وردموا الباب، وفلوا الدیار ، وغیروا آثار رسول الله، ورغبوا عن أحکامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بسمتخلفه بدیلا ، اتخذوه وکانوا ظالمین ، وزعموا أن من اختاروا من آل أبی قحافة أولی بمقام رسول الله ممن اختار رسول الله لمقامه ، وأن مهاجر آل أبی قحافة خیرٌ من المهاجری والأنصاری الربانی ناموس هاشم بن عبد مناف .

ألا وإن أول شهادة زور وقعت فی الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلما کان من أمر سعد بن عبادة ما کان ، رجعوا عن ذلک وقالوا: إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مضی ولم یستخلف ، فکان رسول الله الطیب المبارک أول مشهود علیه بالزور فی الإسلام ، وعن قلیل یجدون غب ما أسسه الأولون .

ولئن کانوا فی مندوحة من المهل ، وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب ، واستدراج من الغرور ، وسکون من الحال ، وإدراک من الأمل ، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد ، وثمود بن عبود ، وبلعم بن باعور ، وأسبغ علیهم نعمه ظاهرة وباطنة ، وأمدهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض

ببرکاتها لیذکروا

ص: 342

آلاء الله ، ولیعرفوا الإهابة له ، والإنابة إلیه ، ولینتهوا عن الإستکبار ، فلما بلغوا المدة ، واستتموا الأکلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصیحة ، ومنهم من أحرقته الظلة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة: وما کان الله لیظلمهم ولکن کانوا أنفسهم یظلمون .

ألا وإن لکل أجل کتاباً ، فاذا بلغ الکتاب أجله لو کشف لک عما هوی إلیه الظالمون ، وآل إلیه الأخسرون ، لهربت إلی الله عز وجل مما هم علیه مقیمون ، وإلیه صائرون .

ألا وإنی فیکم أیها الناس کهارون فی آل فرعون، وکباب حطة فی بنی اسرائیل، وکسفینة نوح فی قوم نوح. إنی النبأ العظیم ، والصدیق الأکبر ، وعن قلیل ستعلمون ما توعدون ، وهل هی إلا کلعقة الأکل ومذقة الشارب ، وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات ، خزیاً فی الدنیا ، ویوم القیامة یردون إلی أشد العذاب ، وما الله بغافل عما یعملون.

فما جزاء من تنکب محجته ، وأنکر حجته ، وخالف هداته ، وحاد عن نوره ، واقتحم فی ظلمه ، واستبدل بالماء السراب ، وبالنعیم العذاب ، وبالفوز الشقاء ، وبالسراء الضراء ، وبالسعة الضنک ، إلاجزاء اقترافه وسوء خلافه ، فلیوقنوا بالوعد علی حقیقته ، ولیستیقنوا بما یوعدون : یوم تأتی الصیحة بالحق ذلک یوم الخروج. إنا نحن نحیی ونمیت والینا المصیر . یوم تشقق الأرض عنهم سراعاً . . . الی آخر السورة .

ص: 343

العلاقة بین التوسل والإستشفاع وبین درجة الوسیلة فی الجنة

لا بد أن یکون اسم ( الوسیلة ) لتلک المنطقة والدرجة العالیة من الجنة ، بسبب أنها مسکن أقرب المخلوقات وسیلةً إلی الله تعالی .

وبذلک تکون الشفاعة التی یعطاها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، نوعاً من الوسیلة ، التی استحقها لأنه أقرب الناس إلی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، واستحق معها مسکن الفردوس والوسیلة ، أعلی مراتب الجنة .

ص: 344

الفصل الثالث :التوسل إلی الله فی مصادرنا

اشارة

ص: 345

ص: 346

1 - التوسل إلی الله بالأعمال الصالحة

تقدم فی المسألة السابعة: التوسل العملی إلی الله تعالی بالأعمال الصالحة وقول أمیر المؤمنین(علیه السّلام): أفضل ما توسل به المتوسلون الإیمان بالله، ورسوله ، والجهاد فی سبیل الله ، وکلمة الإخلاص فانها الفطرة ، وأقام الصلاة فانها الملة ، وإیتاء الزکاة فإنها من فرائض الله ، وصیام شهر رمضان فانه جنة من عذاب الله ، وحج البیت فانه میقات للدین ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فانها مثراة للمال ، ومنسأة للأجل ، والصدقة فی السر فانها تذهب الخطیئة وتطفئ غضب الرب ، وصنایع المعروف فانها تدفع میتة السوء ، وتقی مصارع الهوان. انتهی .

وذکرنا هناک أن التوسل بالأعمال الصالحة لاینافی التوسل إلیه بدعائه بأسمائه وصفاته ، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبیائه وأوصیائه.. لأن ذلک من الأعمال الصالحة أیضاً .

2 - التوسل إلی الله بذاته وصفاته عزوجل

- فی الکافی: 4/74:

علی ، عن أبیه ، عن اسماعیل بن مرار ، عن یونس ، عن ابراهیم ، عن محمد بن

ص: 347

مسلم والحسین بن محمد ، عن أحمد بن اسحاق ، عن سعدان ، عن أبی بصیر قال: کان أبو عبد الله (علیه السّلام) یدعو بهذا الدعاء فی شهر رمضان:

اللهم انی بک أتوسل ومنک أطلب حاجتی. من طلب حاجته إلی الناس ، فانی لا أطلب حاجتی إلا منک ، وحدک لا شریک لک .

وأسألک بفضلک ورضوانک أن تصلی علی محمد وأهل بیته وأن تجعل لی فی عامی هذا إلی بیتک الحرام سبیلا ، حجة مبرورة متقبلة زاکیة خالصة لک ، تقر بها عینی وترفع بها درجتی ، وترزقنی أن أغض بصری ، وأن أحفظ فرجی ، وأن أکف بها عن جمیع محارمک ، حتی لا یکون شئ آثر عندی من طاعتک وخشیتک ، والعمل بما أحببت والترک لما کرهت ونهیت عنه .

واجعل ذلک فی یسر ویسار وعافیة ، وأوزعنی شکر ما أنعمت به علی .

وأسألک أن تجعل وفاتی قتلاً فی سبیلک تحت رایة نبیک مع أولیائک .

وأسألک أن تقتل بی أعدائک وأعداء رسولک .

وأسألک أن تکرمنی بهوان من شئت من خلقک ولا تهنی بکرامة أحد من أولیائک .

اللهم اجعل لی مع الرسول سبیلاً . حسبی الله ، ما شاء الله .

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/ 408:

الهی استشفعت بک الیک ، واستجرت بک منک ، أتیتک طامعا فی احسانک ، راغبا فی امتنانک ، مستسقیا وابل طولک ، مستمطرا غمام فضلک ، طالبا مرضاتک ، قاصدا جنابک ، واردا شریعة رفدک ، ملتمسا سنی الخیرات من عندک .

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/ 151:

دعاؤه(علیه السّلام)فی ذکر التوبة وطلبها:

ص: 348

اللهم صل علی محمد وآله ، وشفع فی خطایای کرمک ، وعد علی سیئاتی بعفوک ، ولا تجزنی جزائی من عقوبتک ، وابسط علی طولک ، وجللنی بسترک ، وافعل بی فعل عزیز تضرع إلیه عبد ذلیل فرحمه، أو غنی تعرض له عبد فقیر فنعشه.

اللهم لا خفیر لی منک فلیخفرنی عزک ، ولا شفیع لی فلیشفع لی فضلک ، وقد أوجلتنی خطایای فلیؤمنی عفوک..

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/ 402:

یا مجیب المضطر ، یا کاشف الضر ، یا عظیم البر ، یا علیما بما فی السر ، یا جمیل الستر استشفعت بجودک وکرمک الیک، وتوسلت بحنانک وترحمک لدیک فاستجب دعائی ، ولاتخیب فیک رجائی ، وتقبل توبتی ، وکفر خطیئتی بمنک ورحمتک یا أرحم الراحمین .

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/441:

یا من لا ینقص ملکوته عصیان المتمردین ، ولا یزید جبروته ایمان الموحدین ، إلیک أستشفع بقدیم کرمک ، أن لا تسلبنی مامنحتنی من جسیم نعمک .

3 - الإستشفاع إلی الله تعالی بحبه ومعرفته

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/ 216

فیا من ربانی فی الدنیا باحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لی فی الآخرة إلی عفوه وکرمه. معرفتی یا م ولأی دلتنی علیک ، وحبی لک شفیعی الیک ، وأنا واثق من دلیلی بدلالتک ، وساکن من شفیعی إلی شفاعتک .

ص: 349

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/249:

یاذا المن ولا یمن علیک ، یا ذا الطول ، ویا ذا الجلال والاکرام ، لا إله إلا أنت ظهر اللاجین ، وجار المستجیرین ، وأمان الخائفین ، الیک فررت بنفسی یا ملجأ الخائفین، لا أجد شافعاً إلیک إلا معرفتی بأنک أفضل من قصد إلیه المقصرون ، وآمل من لجأ إلیه الخائفون .

4 - افتتاح الصلاة بالتوجه إلی الله بالنبی وآله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

اشارة

- فی الکافی: 2/544:

- محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن النعمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یقول: من قال هذا القول کان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن یستفتح الصلاة:

اللهم إنی أتوجه الیک بمحمد وآل محمد ، وأقدمهم بین یدی صلاتی ، وأتقرب بهم إلیک ، فاجعلنی بهم وجیها فی الدنیا والآخرة ومن المقربین .

مننت علی بمعرفتهم فاختم لی بطاعتهم ومعرفتهم وولایتهم ، فانها السعادة ، واختم لی بها ، فانک علی کل شئ قدیر .

ثم تصلی فاذا انصرفت قلت:

اللهم اجعلنی مع محمد وآل محمد فی کل عافیة وبلاء ، واجعلنی مع محمد وآل محمد فی کل مثوی ومنقلب ، اللهم اجعل محیای محیاهم ، ومماتی مماتهم، واجعلنی معهم فی المواطن کلها ، ولا تفرق بینی وبینهم ، إنک علی کل شئ قدیر .

- عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال: تقول قبل دخولک فی الصلاة:

ص: 350

اللهم انی أقدم محمدا نبیک(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین یدی حاجتی ، وأتوجه به الیک فی طلبتی ، فاجعلنی بهم وجیها فی الدنیا والآخره ومن المقربین .

اللهم اجعل صلاتی بهم متقبلة ، وذنبی بهم مغفورا ، ودعائی بهم مستجابا ، یا أرحم الراحمین .

- وفی الکافی: 3/309:

وعنه ، عن أبیه ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن أبان ، ومعاویة بن وهب قالا: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إذا قمت إلی الصلاة فقل:

اللهم انی أقدم الیک محمدا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین یدی حاجتی وأتوجه به الیک ، فاجعلنی به وجیها عند ک فی الدنیا والآخرة ومن المقربین .

اجعل صلاتی به مقبولة ، وذنبی به مغفورا ، ودعائی به مستجابا. انک أنت الغفور الرحیم . . . ورواه فی تهذیب الأحکام: 2 /287 ، وفی الفقیه: 1/302

- وفی الفقیه: 1 /483: القول عند القیام إلی صلاة اللیل:

قال الصادق(علیه السّلام): إذا أردت أن تقوم إلی صلاة اللیل فقل: اللهم انی أتوجه الیک بنبیک نبی الرحمة وآله وأقدمهم بین یدی حوائجی ، فاجعلنی بهم وجیها فی الدنیا والآخرة ومن المقربین ، اللهم ارحمنی بهم ولا تعذبنی بهم ، واهدنی بهم ولا تضلنی بهم ، وارزقنی بهم ولا تحرمنی بهم ، واقض لی حوائجی للدنیا والآخرة ، انک علی کل شئ قدیر ، وبکل شئ علیم .

باب الصلوات التی جرت السنة بالتوجه فیهن:

من السنة التوجه فی ست صلوات وهی أول رکعة من صلاة اللیل ، والمفردة من الوتروأول رکعة من رکعتی الزوال ، وأول رکعة من رکعتی الإحرام ، وأول رکعة من نوافل المغرب ، وأول رکعة من الفریضة. کذلک ذکره أبی (رض) فی رسالته الی .

ص: 351

وفی الصحیفة السجادیة: 2/258:

أسألک یا سیدی ، ولیس مثلک شئ بکل دعوة دعاک بها نبی مرسل ، أو ملک مقرب ، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإیمان ، واستجبت دعوته ، وأتوجه إلیک بنبیک محمد نبی الرحمة ، وأقدمه بین یدی حوائجی .

یا رسول الله بأبی أنت وأمی وأهل بیتک الطیبین ، إنی أتوجه بک إلی ربک ، وأقدمک بین یدی حوائجی .

وفی الصحیفة السجادیة: 2/344:

أسألک بحق نبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأتوسل الیک بالأئمة (علیهم السّلام) الذین اخترتهم لسرک ، وأطلعتهم علی خفیک ، واخترتهم بعلمک ، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفیتهم وأصفیتهم ، وجعلتهم هداة مهدیین ، وائتمنتهم علی وحیک ، وعصمتهم عن معاصیک ، ورضیتهم لخلقک ، وخصصتهم بعلمک ، واجتبیتهم وحبوتهم ، وجعلتهم حججا علی خلقک ، وأمرت بطاعتهم علی من برأت .

وأتوسل الیک فی موقفی الیوم أن تجعلنی من خیار وفدک .

دلالة استحباب التوسل عند الأذان وافتتاح الصلاة

من الأمور التی تهز الإنسان وهو یبحث فی آیات التوسل وأحادیثه: أن الله تعالی أنزل آیته الکبری الأمرة بالتوسل فی آخر سورة من قرآنه ( المائدة ) بعبارة موجزة مقتضبة (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ . . . ) ولکن بصیغة قویة أمر فیها المسلمین بالارتفاع بایمانهم إلی نوع راق من السلوک الإیمانی یتمیز بالتعامل الیومی مع النبی وأهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنهم وسیلة المسلم إلی ربه تعالی !!

ص: 352

ثم بین الرسول للمسلمین کیفیة هذا التعامل الذی أراده الله تعالی بأن یصلوا علیه عندما یذکر اسمه.. وعندما یسمعون الأذان بالتوحید والنبوة.. وعندما یقفون بین یدی ربهم فی افتتاح صلاتهم . . وفی ختام صلاتهم ، وعندما تمسهم شدة أو حاجة !! وهذا یعنی أن یعایش المسلم یومیا وفی أقدس لحظات حیاته وأهمها ، التوجه إلی الله تعالی بالنبی وآله والتوسل بهم إلیه ، لانهم الواسطة التی اختارها الله ورضیها وأمر أن یتوسط إلیه بها !!

وهی حقیقة کبیرة یفهم منها المسلم أبعاد النبوة وأعماق الولایة ، لمحمد وآله الطیبین الطاهرین.. فقد جذر الله تعالی مقامهم فی الکون والحیاة ، حتی قرنه بألوهیته فلم یقبل مدخلا إلیه إلا به.. وهو مقام عظیم ، وشرف محلق ، ماعلیه من مزید !!

5 - التوجه بالنبی وآله لدفع شر السلطان

- فی الکافی: 2/558:

وقال أبو عبد الله(علیه السّلام): من دخل علی سلطان یهابه فلیقل: بالله أستفتح ، وبالله أستنجح ، وبمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أتوجه ، اللهم ذلل لی صعوبته ، وسهل لی حزونته ، فانک تمحوما تشاء وتثبت ، وعندک أم الکتاب .

- ونحوه فی الصحیفة السجادیة: 2 /65

6 - التوجه إلی الله بالنبی وآله عند الحاجة والشدة

- فی الکافی:2/552:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی داود عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا

ص: 353

رسول الله انی ذو عیال وعلیَّ دین ، وقد اشتدت حالی ، فعلمنی دعاء أدعو الله عز وجل به لیرزقنی ما أقضی به دینی ، وأستعین به علی عیالی .

فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءک ، ثم صل رکعتین تتم الرکوع والسجود ، ثم قل: یا ماجد یا واحد یا کریم یا دائم ، أتوجه الیک بمحمد نبیک نبی الرحمة . یا محمد یا رسول الله انی أتوجه بک إلی الله ربک وربی ورب کل شئ أن یصلی علی محمد وأهل بیته .

وأسألک نفحة کریمة من نفحاتک وفتحا یسیرا ورزقا واسعا ألم به شعثی، وأقضی به دینی ، وأستعین به علی عیالی .

- ورواه فی الکافی:3/473، بسنده عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن أبی داود ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر (علیه السّلام) . . .

وروی نحوه فی التهذیب: 3 /311:

أحمد بن محمد عن احمد بن ابی داود عن ابن ابی حمزة عن ابی جعفر(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی الرضا(علیه السّلام)فقال له: یابن رسول الله انی ذو عیال وعلی دین ، وقد اشتدت حالی ، فعلمنی دعاءا إذا دعوت الله عز وجل به رزقنی الله فقال: یا عبدالله توضأ واسبغ وضوءک ثم صل رکعتین تتم الرکوع والسجود فیهما ، ثم قل... وذکره .

وفی الکافی: 2/582: علی بن ابراهیم، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام)ابتداء منه: یا معاویة أما علمت أن رجلا أتی أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فشکی الأبطاء علیه فی الجواب فی دعائه فقال له:

أین أنت عن الدعاء السریع الاجابة ؟

فقال له الرجل: ما هو ؟

قال قل: اللهم انی أسألک باسمک العظیم الأعظم الأجل الأکرم ، المخزون

ص: 354

المکنون النور الحق البرهان المبین ، الذی هو نور مع نور ، ونور من نور ، ونور فی نور ، ونورعلی نور ، ونور فوق کل نور ،ونور یضئ به کل ظلمة ، ویکسر به کل شدة ، وکل شیطان مرید ، وکل جبار عنید ، لا تقربه أرض ، ولا تقوم به سماء ، ویأمن به کل خائف ، ویبطل به سحر کل ساحر ، وبغی کل باغ ، وحسد کل حاسد، ویتصدع لعظمته البر والبحر، ویستقل به الفلک حین یتکلم به الملک، فلا یکون للموج علیه سبیل. وهو اسمک الأعظم الأعظم الأجل الأجل النور الأکبر الذی سمیت به نفسک ، واستویت به علی عرشک ، وأتوجه الیک بمحمد وأهل بیته ، أسألک بک وبهم ، أن تصلی علی محمد وآل محمد ، وأن تفعل بی کذا وکذا .

وفی الکافی: 3/476

علی بن ابراهیم ، عن أحمد بن محمد بن أبی عبد الله ، عن زیاد القندی ، عن عبد الرحیم القصیر قال: دخلت علی أبی عبدالله(علیه السّلام)فقلت جعلت فداک إنی اخترعت دعاء ، قال: دعنی من اختراعک ! إذا نزل بک أمر فافزع إلی رسول الله ، وصل رکعتین تهدیهما إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). قلت: کیف أصنع ؟ قال: تغتسل وتصلی رکعتین تستفتح بهما افتتاح الفریضة ، وتشهد تشهد الفریضة ، فاذا فرغت من التشهد وسلمت قلت:

اللهم أنت السلام ، ومنک السلام ، وإلیک یرجع السلام ، اللهم صل علی محمد وآل محمد ، وبلغ روح محمد منی السلام ، وأرواح الأئمة الصادقین سلامی ، واردد علی منهم السلام ، والسلام علیهم ورحمة الله وبرکاته .

اللهم إن هاتین الرکعتین هدیة منی إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأثبنی علیهما ما أملت ورجوت ، فیک وفی رسولک ، یا ولی المؤمنین .

ثم تخر ساجدا وتقول:

ص: 355

یا حی یا قیوم ، یاحی لا یموت ، یاحی لا إله إلا أنت ، یاذا الجلال والإکرام ، یاأرحم الراحمین. أربعین مرة .

ثم ضع خدک الأیمن فتقولها أربعین مرة .

ثم ضع خدک الأیسر فتقولها أربعین مرة .

ثم ترفع رأسک وتمد یدک وتقول أربعین مرة .

ثم ترد یدک إلی رقبتک وتلوذ بسبابتک وتقول ذلک أربعین مرة .

ثم خذ لحیتک بیدک الیسری وابک أو تباک وقل:

یا محمد یا رسول الله أشکو إلی الله والیک حاجتی ، والی أهل بیتک الراشدین حاجتی ، وبکم أتوجه إلی الله فی حاجتی .

ثم تسجد وتقول: یا الله یا الله - حتی ینقطع نفسک - صل علی محمد وآل محمد وافعل بی کذا وکذا .

قال أبو عبد الله(علیه السّلام): فأنا الضامن علی الله عزوجل أن لا یبرح حتی تقضی حاجته. ورواه فی الفقیه:1/556

وفی الکافی: 3/478

وبهذا الاسناد، عن أبی اسماعیل السراج، عن ابن مسکان ، عن شرحبیل الکندی، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إذا أردت أمرا تسأله ربک ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل رکعتین ، وعظم الله وصل علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقل بعد التسلیم:

اللهم إنی أسألک بأنک ملک ، وأنک علی کل شئ قدیر مقتدر، وبأنک ما تشاء من أمر یکون .

اللهم إنی أتوجه الیک بنبیک محمد نبی الرحمة .

یا محمد یا رسول الله إنی أتوجه بک إلی الله ربک وربی ، لینجح لی طلبتی .

اللهم بنبیک أنجح لی طلبتی بمحمد. ثم سل حاجتک .

ص: 356

ورواه فی تهذیب الأحکام: 3/313

وفی الفقیه: 1 /556

روی موسی بن القاسم البجلی ، عن صفوان بن یحیی ، ومحمد بن سهل عن أشیاخهما عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال:

إذا حضرت لک حاجة مهمة إلی الله عز وجل فصم ثلاثة أیام متوالیة: الأربعاء والخمیس والجمعة ، فاذا کان یوم الجمعة ان شاء الله تعالی فاغتسل والبس ثوبا جدیداً ، ثم اصعد إلی أعلی بیت فی دارک وصل فیه رکعتین ، وارفع یدیک إلی السماء ثم قل:

اللهم إنی حللت بساحتک لمعرفتی بوحدانیتک وصمدانیتک ، وإنه لا قادر علی حاجتی غیرک ، وقد علمت یارب أنه کلما تظاهرت نعمتک علی اشتدت فاقتی إلیک،

وقد طرقنی هم کذا وکذا وأنت بکشفه عالم غیر معلم، واسع غیر متکلف فأسألک باسمک الذی وضعته علی الجبال فنسفت، ووضعته علی السماء فانشقت، وعلی النجوم فانتثرت ، وعلی الأرض فسطحت ، وأسألک بالحق الذی جعلته عند محمد والائمة(علیهم السّلام) وتسمیهم إلی آخرهم ، أن تصلی علی محمد وأهل بیته ، وأن تقضی حاجتی ، وأن تیسر لی عسیرها ، وتکفینی مهمها ، فإن فعلت فلک الحمد ، وإن لم تفعل فلک الحمد ، غیر جائر فی حکمک، ولا متهم فی قضائک ، ولا حائف فی عدلک .

وتلصق خدک بالأرض وتقول:

اللهم أن یونس بن متی عبدک دعاک فی بطن الحوت وهو عبدک فاستجبت له ، وأنا عبدک أدعوک فاستجب لی .

ثم قال أبو عبد الله(علیه السّلام): لربما کانت الحاجة لی فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضیت .

ص: 357

- صلاة أخری للحاجة: روی سماعة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال: ان أحدکم إذا مرض دعا الطبیب وأعطاه، وإذا کانت له حاجة إلی سلطان، رشا البواب وأعطاه!

ولو أن أحدکم إذا فدحه أمر فزع إلی الله تعالی ، فتطهر وتصدق بصدقة قلت أو کثرت ثم دخل المسجد فصلی رکعتین فحمد الله وأثنی علیه ، وصلی علی النبی وأهل بیته ، ثم قال: اللهم إن عافیتنی من مرضی ، أو رددتنی من سفری ، أو عافیتنی مماأخاف من کذا وکذا. إلا آتاه الله ذلک .

- وفی الصحیفة السجادیة: 1/293:

اللهم فانی أتقرب الیک بالمحمدیة الرفیعة ، والعلویة البیضاء ، وأتوجه إلیک بهما أن تعیذنی من شر کذا وکذا ، فإن ذلک لا یضیق علیک فی وجدک ، ولا یتکأدک فی قدرتک وأنت علی کل شئ قدیر . . .

وفی الصحیفة السجادیة: 2/ 258:

أسألک یا سیدی ولیس مثلک شئ بکل دعوة دعاک بها نبی مرسل ، أو ملک مقرب ، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإیمان ، واستجبت دعوته ، وأتوجه الیک بنبیک محمد نبی الرحمة ، وأقدمه بین یدی حوائجی .

یا رسول الله بأبی أنت وأمی وأهل بیتک الطیبین ، انی أتوجه بک إلی ربک ، وأقدمک بین یدی حوائجی .

یا رباه یا الله ، یا رباه یا الله ، انی أسألک بک فلیس کمثلک شئ ، وأتوجه الیک بمحمد نبی الرحمة وبعترته الطیبین ، وأقدمهم بین یدی حوائجی أن تعتقنی من النار ، وتکفینی وجمیع المؤمنین والمؤمنات کل ما أهمنا من أمر الدنیا والآخرة . . انتهی .

والأحادیث فی هذا الباب کثیرة، وفیها صحاح متواترة ، تجدها فی أبواب افتتاح الصلاة من الفقه ، وأبواب صلاة الحاجة ، وفی کتب المزار والأدعیة .

ص: 358

7 - الاستشفاع بالنبی والأئمة عندزیارة قبورهم الشریفة

ستأتی أحادیث الاستشفاع والتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی تفسیر قوله تعالی ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ . . .) .

وفی المقنعة/463:

وتحول إلی عند الرأس فقف علیه ، وقل:

السلام علیک یا وصی الأوصیاء ، ووارث علم الأنبیاء ، أشهد لک یا ولی الله بالبلاغ والاداء .

أتیتک بأبی أنت وأمی زائراً عارفاً بحقک ، مستبصراً بشأنک ، موالیاً لأولیائک ، معادیاً لأعدائک ، متقربا إلی الله بزیارتک فی خلاص نفسی ، وفکاک رقبتی من النار ، وقضاء حوائجی للآخرة والدنیا ، فاشفع لی عند ربک ، صلوات الله علیک ورحمة الله وبرکاته .

وفی الکافی: 4/569:

- عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن محمدبن أورمة ، عمن حدثه ، عن الصادق وأبی الحسن الثالث (علیهماالسّلام) ، قال یقول:

السلام علیک یا ولی الله أنت أول مظلوم ، وأول من غصب حقه ، صبرت واحتسبت ، حتی أتاک الیقین ، فأشهد أنک لقیت الله وأنت شهید ، عذب الله قاتلک بأنواع العذاب ، وجدد علیه العذاب .

جئتک عارفاً بحقک مستبصراً بشأنک ،معادیاً لأعدائک ومن ظلمک ، ألقی علی ذلک ربی ان شاء الله .

یا ولی الله : ان لی ذنوبا کثیرة ، فاشفع لی إلی ربک ، فإن لک عند الله مقاماً محموداً معلوماً ، وان لک عند الله جاها وشفاعة ، وقد قال تعالی: ولا یشفعون إلا

ص: 359

لمن ارتضی. ورواه فی تهذیب الأحکام: 6/ 28

- وفی مصباح المتهجد/694:

اللهم لا قوة لی علی سخطک ولا صبر لی علی عذابک ولا غنی لی عن رحمتک تجد من تعذب غیری ولا أجد من یرحمنی غیرک ولا قوة لی علی البلاء ولا طاقة لی علی الجهد ، أسألک بحق محمد نبیک(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأتوسل الیک بالأئمة الذین اخترتهم لسرک وأطلعتهم علی خفیک وأخبرتهم بعلمک وطهرتهم وخلصتهم واصطفیتهم وأصفیتهم وجعلتهم هداة مهدیین وائتمنتهم علی وحیک وعصمتهم عن معاصیک ورضیتهم لخلقک وخصصتهم بعلمک واجتبیتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا علی خلقک وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد فی معصیتهم وفرضت طاعتهم علی من برأت ، وأتوسل الیک فی موقفی الیوم أن تجعلنی من خیار وفدک .

- وفی بحار الأنوار: 99/ 169:

ثم قال السید(رحمه الله)، دعاء یدعی به عقیب الزیارة لسائر الأئمة (علیهم السّلام) : اللهم إنی زرت هذا الإمام مقراً بإمامته ، معتقداً لفرض طاعته ، فقصدت مشهده بذنوبی وعیوبی ، وموبقات آثامی ، وکثرة سیئاتی وخطایای ، وما تعرفه منی ، مستجیرا بعفوک ، مستعیذاً بحلمک ، راجیاً رحمتک ، لاجیاً إلی رکنک ، عائذاً برأفتک ، مستشفعاً بولیک وابن أولیائک ، وصفیک وابن أصفیائک ، وأمینک وابن أمنائک ، وخلیفتک وابن خلفائک ، الذین جعلتهم الوسیلة إلی رحمتک ورضوانک ، والذریعة إلی رأفتک وغفرانک .

وفی بحار الأنوار: 24/2

319 - کنز: روی شیخ الطائفة(رحمه الله)بإسناده إلی الفضل بن شاذان رفعه إلی أبی

ص: 360

جعفر(علیه السّلام)قال: ان الله عز وجل یقول: ماتوجه إلیَّ أحد من خلقی أحب الیَّ من داع دعانی یسأل بحق محمد وأهل بیته ، وإن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه قال:( اللهم أنت ولیی فی نعمتی ، والقادر علی طلبتی ، وقد تعلم حاجتی ، فأسألک بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتنی وغفرت زلتی ) فأوحی الله إلیه: یا آدم أنا ولی نعمتک ، والقادر علی طلبتک ، وقد علمت حاجتک ، فکیف سألتنی بحق هؤلاء ؟ فقال: یارب انک لما نفخت فی الروح رفعت رأسی إلی عرشک ، فإذا حوله مکتوب: لا اله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أکرم خلقک علیک ، ثم عرضت علیَّ الأسماء ، فکان ممن مربی من أصحاب الیمین آل محمد وأشیاعهم ، فعلمت أنهم أقرب خلقک الیک ، قال: صدقت یاآدم .

ص: 361

ص: 362

الفصل الرابع :تفسیر الآیات الثلاث فی التوسل

اشارة

ص: 363

ص: 364

الآیة الأولی :

اشارة

قال الله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ . المائدة : 35

فقد أمرت هذه الآیة الکریمة باتخاذ ( وسیلة ) إلی الله تعالی ، ولکنها لم تبین ما هی ، وهذا یعنی أن الله تعالی ترک بیانها للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

عمل المفسرین السنیین لإبعاد الوسیلة عن النبی !

یلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرین السنیین سعوا حثیثا لابعاد ( الوسیلة المأمور بها فی القرآن ) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

فمن ناحیة ، لم یرووا شیئا فی تفسیرها عن النبی وآله ، بل تبرعوا بالبیان من عندهم وفسروها بالقربة ، وغایة ما رووا فی روای مقطوعة عن حذیفة تقول أن الوسیلة هی القربة ! کما فی مستدرک الحاکم: 2/312 !

مع أنه لا یعقل أن یکون الأمر الإلهی نزل إلی الأمة بأن یبتغوا إلی ربهم الوسیلة ، ولم یبینها لهم الرسول الذی أرسله الله لیبین للناس ؟!

ص: 365

أما تفسیرهم لها بالقربة فهو تفسیر الماء بالماء ! لأن القربة کلمة مجملة تحتاج إلی تفسیر کالوسیلة !!

فهل تختص بالأعمال الصالحة ، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبیاء والأوصیاء والأولیاء . . الخ .

قال السیوطی فی الدر المنثور: 2/280

- أخرج عبد بن حمید والفریابی وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم فی قوله:

وابتغوا إلیه الوسیلة ، قال: القربة .

- وأخرج الحاکم وصححه عن حذیفة فی قوله وابتغوا إلیه الوسیلة قال: القربة .

- وأخرج عبد ابن حمید وابن جریر وابن المنذر عن قتادة فی قوله: وابتغوا إلیه الوسیله قال تقربوا إلی الله بطاعته والعمل بما یرضیه .

- وأخرج عبد بن حمید عن أبی وائل قال: الوسیلة فی الإیمان .

- وأخرج الطستی وابن الأنباری فی الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرنی عن قوله عز وجل: وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ، قال: الحاجة. قال وهل تعرف العرب ذلک ؟

قال: نعم ، أما سمعت عنترة وهو یقول:

إن الرجال لهم الیک وسیلة

أن یاخذوک تکحلی وتخضبی. انتهی .

وتفسیر ابن عباس للوسیلة بالحاجة ان صح عنه فلا یصح ، لأن مقصود عنترة أن یقول لتلک المرأة: ان الرجال سیجدون وسیلة لأخذک ولو بالخطیفة فاستعدی ! علی أنه لا یبعد أن یکون معنی الحاجة فی زمن ابن عباس هو المعنی الذی یستعمله أهل مصر الیوم ، وهو عام یشمل الوسیلة .

وفی حلیة الأولیاء: 4/105

عن منصور عن أبی وائل فی قوله تعالی وابتغوا إلیه الوسیلة ، قال: القربة فی

ص: 366

الأعمال. انتهی .

وهکذا ساروا علی ما أسسه المفسرون الأمویون من تفسیر الآیة بالقربة وابعادها عن النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، الذین هم الوسیلة التی أمر الله بها فی کتابه !

ولم یکتفوا بتفسیر الوسیلة المطلقة بالقربة المطلقة ، حتی ضیقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن کثیر من التقربات المرتبطة بشخص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقبورهم الشریفة !!

وسوف تری أن الإتجاه الأموی أخذ شکلا حادا علی ید ابن تیمیة واتباعه !

وبذلک اتجه السؤال بالتهمة الیهم بأنهم راعوا سیاسة الخلافة القرشیة فی تقلیلها من حاجة المسلمین إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی فی ایمانهم ، وخاصة فی الأمور التی لابد أن تکون ممتدة بعده بأهل بیته الطاهرین .

وفی اعتقادی أن ذلک یرجع إلی یوم أعلنت الخلافة القرشیة الأحکام العرفیة فی کل مایتعلق بالقبر النبوی ، لأنها خشیت أن یستجیر به أهل بیته ویطالبوا بالخلافة! فقد منعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرک . . وأکثر مظاهر الإحترام الطبیعیة التی تقوم بها الأمم تجاه قبر نبیها !!

فصار ذلک فقها وعقیدة ، وقامت الخلافة الأمویة بترکیزه وتبریره . . ولم یخرج عنه إلا المتصوفة ، ولکنهم حاولوا أن یفسروا الوسیلة إلی الله تعالی بمشایخ طرقهم !!

وقد حاول الفخر الرازی أن یستدل علی إبعاد الوسیلة عن الواسطة فی تلقی الدین والسلوک الدینی ، فقال فی تفسیره: 6 جزء 11/220:

المسألة الثالثة ، الوسیلة: فعیلة ، من وسل أی تقرب إلیه ، قال لبید الشاعر:

أری الناس لا یدرون ماقدر أمرهم إلا کل ذی لب إلی الله واسل أی متوسل ، فالوسیلة هی التی یتوسل بها إلی المقصود .

قالت التعلیمیه: دلت الآیه علی أنه لا سبیل إلی الله تعالی إلا بمعلم معرفته ،

ص: 367

ومرشد یرشدنا إلی العلم به ، وذلک لأنه طلب الوسیلة إلیه مطلقاُ ، والإیمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد ، فلا بد فیه من الوسیلة .

وجوابنا: أنه تعالی أمر بابتغاء الوسیلة إلیه بعد الإیمان به ، والإیمان به عبارة عن المعرفة به ، فکان هذا أمرا بابتغاء الوسیلة إلیه بعد الإیمان به ومعرفته ، فیمتنع أن یکون هذا أمرا بطلب الوسیلة إلیه فی معرفته !

فکان المراد طلب الوسیلة إلیه فی تحصیل مرضاته ، وذلک بالعبادات والطاعات. انتهی کلام الرازی .

وغرضه أن یقول ان الآیة تخاطب المؤمنین بعد ایمانهم بأن یتوسلوا بالطاعات ، ولا تطلب من الناس أن یتوسلوا بشخص إلی الإیمان .

ولکنه نسی قوله تعالی (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) النساء : 136

فقد طلب الله من المؤمنین أن یؤمنوا بالله ورسوله ! ونسی قوله تعالی ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات - 14

فلا مانع أن یخاطب الله تعالی المؤمنین بعد إیمانهم أن یبتغوا إلیه الوسیلة عن طریق رسوله ؟!

بل حتی لو سلمنا أن الآیة ناظرة إلی مرحلة مابعد ایمانهم ، فأی مانع فی أن یطلب الله تعالی منهم أن یرتقوا بایمانهم إلی درجة أعلی فیجعلوا الرسول قدوتهم ووسیلتهم إلی ربهم ؟!!

ولکن غرض الرازی أن یحصر الوسیلة المأمور بها بالأعمال ، ویبعدها عن شخص النبیی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! کما أن غرض التعلیمیة الذین ذکرهم الرازی أن یبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله علیهم ، ویثبتوا بها حاجة المسلم فی الإیمان والتدین إلی شیخ طریقة یکون هو وسیلته إلی ربه !!

ص: 368

أما المفسرون الشیعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسیر السنی ، ففسروا الوسیلة مثلهم بالقربة بلا تعیین ، بینما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) ، من أن الوسیلة هو النبی أو وصیه من بعده..

- قال الطوسی فی تفسیر التبیان: 3/509

خاطب الله فی هذه الآیة المؤمنین وأمرهم أن یتقوه ، ومعناه أن یتقوا معاصیه ویجتنبوها ، ویبتغوا إلیه معناه یطلبون إلیه ، الوسیلة وهی القربة فی قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدی وابن زید وعبد الله بن کثیر وأبی وابل . وهی علی وزن فعیلة ، من قولهم: توسلت الیک ، أی تقربت. قال عنترة ابن شداد:

إن الرجال لهم الیک وسیلة

أن یأخذوک فلجلجی وتخضبی

وقال الآخر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا

وعاد التصافی بیننا والوسائل

یقال: منه سلت أسال ، أی طلبت ، وهما یتساولان ، أی یطلب کل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسیلة التی ینبغی أن یطلب مثلها. انتهی .

والظاهر أن منهج الشیخ الطوسی(رحمه الله)فی تفسیر التبیان أن یکتب ما یتحمله القارئ السنی .

وکذا فعل المقداد السیوری فی فقه القرآن: 1/369

والبلاغی فی إملاء ما منَّ به الرحمن:1/214

أما التفاسیر الروائیة عن أهل البیت (علیهم السّلام) ، فقد فسرت الوسیلة التی أمر الله تعالی بها بالنبی والأئمة من بعده صلی الله علیه وعلیهم .

ففی تفسیر القمی: 1/168

وقوله (اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ) فقال: تقربوا إلیه بالإمام. انتهی .

ص: 369

والمتأمل فی الآیة یلاحظ أنها: أمر الهی نزل فی آخر سورة من القرآن ، بعنصر جدید کلف الله به المسلمین هو ( البحث . . عن . . الوسیلة ) !

وهو أمر مجمل ، والمصدر الوحید لبیانه هو الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

أما نحن فنروی أنه بین الوسیلة بأنها هو وأهل بیته ، فالأمة مکلفة أن تتعبد لله تعالی بمعرفتهم فی کل عصر وإطاعتهم . .

بینما لم یرو السنییون بیانها ، ورووا عن غیر النبی تفسیرها بالقربة ، وهو لا یصح لأنه أولا تفسیر مجمل مثلها ! ولانه ثانیا یلغی العنصر الجدید الذی نزلت به الآیة، ویجعل معناها تأکیداً لمثل قوله تعالی (أَطِیعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) ، وبذلک لا یبقی معنی لإستعمال مصطلح الوسیلة وابتغائها ، ولا لنزول الآیة !!

الآیة الثانیة

اشارة

قال الله تعالی: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا . النساء : 64

ورد تفسیر المجئ إلی الرسول فیها عن أهل البیت (علیهم السّلام) ، أنه یشمل المجئ إلی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حیاته ، والمجئ إلی قبره الشریف بعد وفاته. وقد وافقتهم علی ذلک روایات عدیدة من مصادر السنیین .

ففی الکافی: 4 /550:

عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إذا دخلت المدینة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حین تدخلها ثم تأتی قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم تقوم فتسلم علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأیمن عند رأس القبر عند زاویة القبر وأنت مستقبل القبلة ومنکبک الأیسر إلی جانب القبر ومنکبک الأیمن مما یلی المنبر ، فانه موضع رأس رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتقول:

ص: 370

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشریک له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأشهد أنک رسول الله ، وأشهد أنک محمد بن عبدالله ، وأشهد أنک قد بلغت رسالات ربک ونصحت لأمتک ، وجاهدت فی سبیل الله ، وعبدت الله مخلصاً حتی أتاک الیقین وأدیت الذی علیک من الحق وأنک قد رؤفت بالمؤمنین وغلظت علی الکافرین فبلغ الله بک أفضل شرف محل المکرمین ، الحمدالله الذی استنقذنا بک من الشرک والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتک وصلوات ملائکتک المقربین وعبادک الصالحین وأنبیائک المرسلین وأهل السماوات والأرضین ومن سبح لک یا رب العالمین من الأولین والآخرین علی محمد عبدک ورسولک ونبیک وأمینک ونجیک وحبیبک وصفیک وخاصتک وصفوتک وخیرتک من خلقک ، اللهم أعطه الدرجة والوسیلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً یغبطه به الأولون والآخرون .

اللهم إنک قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤک فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحیماً .

وإنی أتیت نبیک مستغفراً تائباً من ذنوبی وإنی أتوجه بک إلی الله ربی وربک لیغفرلی ذنوبی .

وإن کانت لک حاجة فاجعل قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خلف کتفیک واستقبل القبلة وارفع یدیک واسأل حاجتک فإنک أحری ان تقضی ان شاء الله .

- ورواه فی تهذیب الأحکام: 6 /5

- ونحوه فی من لا یحضره الفقیه: 2/567 ، وفیه:

اللهم وأعطه الدرجة والوسیلة من الجنة وابعثه مقاما محموداً یغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم إنک قلت وقولک الحق: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ

ص: 371

فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا .

وإنی أتیت نبیک مستغفراً تائباً من ذنوبی، یا رسول الله انی أتوجه بک إلی الله ربی وربک لیغفر لی ذنوبی. انتهی .

- وفی الدر المنثور: 1/238:

* وأخرج البیهقی عن أبی حرب الهلالی قال حج أعرابی فلما جاء إلی باب مسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتی أتی القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال:

بأبی أنت وأمی یا رسول الله ، جئتک مثقلاً بالذنوب والخطایا ، مستشفعاً بک علی ربک ، لأنه قال فی محکم کتابه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا .

وقد جئتک بأبی أنت وأمی مثقلاً بالذنوب والخطایا ، أستشفع بک علی ربک أن یغفر لی ذنوبی ، وأن یشفع فی .

ثم أقبل فی عرض الناس وهو یقول:

یا خیر من دفنت فی الترب أعظمه

فطاب من طیبهن القاع والأکم

نفسی الفداء لقبر أنت ساکنه

فیه العفاف وفیه الجود والکرم

- ورواه فی کنز العمال: 4/258 ، وقال فی

هامشه: وذکر ابن کثیر فی تفسیره: 2/329

وقصة هذا الأعرابی تدل علی أن العربی الصافی الفطرة یفهم أن قوله تعالی (جاؤوک ) یشمل المجئ إلی الرسول فی حیاته ، والی قبره بعد وفاته .

- وقال الشرنبلانی فی نور الإیضاح/156

ص: 372

لمسلمین ثم یعود ویقف عند رأس سیدنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشریف مستقبله کالأول ویقول اللهم إنک قلت وقولک الحق وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا . وقد جئناک سامعین قولک طائعین أمرک مستشفعین بنبیک الیک اللهم ربنا اغفر لنا ولاباءنا ) وأمهاتنا وإخواننا الذین سبقونا بالإیمان ولا تجعل فی قلوبنا غلا للذین آمنوا ربا انک رؤوف رحیم

- وفی الدر المنثور: 2/219:

وأخرج عبد بن حمید عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتین الآیتین من سورة النساء ثم استغفر غفر له: وَمَنْ یَعْمَلْ سُوءً أَوْ یَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ یَسْتَغْفِرِ اللهَ یَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِیمًا .

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ . . الآیة .

- وفی الدر المنثور: 2 /170:

- وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آیات فی کتاب الله عز وجل أحب إلی من حمرالنعم وسودها:

فی سورة النساء قوله: إِنَّ اللهَ لا یَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . . الآیة .

وقوله: إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ . . الآیة .

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ . . الآیة .

وقوله: وَمَنْ یَعْمَلْ سُوءً أَوْ یَظْلِمْ نَفْسَهُ . . الآیة .

- وفی الدر المنثور: 2 /180:

ص: 373

وأخرج ابن المنذر وابن أبی حاتم عن سعید بن جبیر قال:

الإستغفار علی نحوین ، أحدهما فی القول والآخر فی العمل .

فأما استغفار القول فإن الله یقول: ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوک فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول .

وأما استغفار العمل فإن الله یقول وما کان الله معذبهم وهم یستغفرون ، فعنی بذلک أن یعملوا عمل الغفران. انتهی .

جاؤوک ، تشمل المجئ إلی قبر النبی والمجئ إلی وصیه

فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة خطابات وأحکام خاصة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فما حکمها بعد وفاته ؟

قالت مذاهب الخلافة القرشیة: منها ماهو من شأن النبوة وقد انتهی بوفاة النبی ، والباقی صار المخاطب به الخلیفة الذی حل محل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وبدأت الخلافة بتنفیذ ذلک فی الخمس والأمور المالیة فقالت صار أمرها إلی الخلیفة . . . الخ.

ولکن هذه الخطابات والأحکام أوسع وأعمق من أن ینهض بها أمثال الخلفاء الذین حکموا بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. وللبحث فی هذا الموضوع مکان آخر ، ویدخل منه فی بحثنا فتح باب الغفران الإلهی بالمجئ إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فهل هو حکم مستمر بعده فی وصیه أم لا ؟

دلت أحادیثنا الصحیحة علی أن هذا المقام الربانی ثابت للوصی(علیه السّلام)، وهو الذی یساعد علیه إستمرار الإسلام ، ووراثة الکتاب الإلهی ، ونصوص وصیة النبی لعترته الطاهرین ، صلی الله علیه وعلیهم .

- ففی الکافی: 1/391:

- علی بن ابراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن اذینة ، عن زرارة أو

ص: 374

برید ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قال: لقد خاطب الله أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی کتابه قال: قلت: فی أی موضع ؟ قال: فی قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِیمًا . فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَکِّمُوکَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَهُمْ ، فیما تعاقدوا علیه لئن أمات الله محمدا ألا یردوا هذا الأمر فی بنی هاشم ، ثم لا یجدوا فی أنفسه حرجا مما قضیت ، علیهم من القتل أو العفو، ویسلموا تسلیما .

- وفی الکافی: 8 /334:

علی بن ابراهیم ، عن أبیه ومحمد بن اسماعیل ، وغیره ، عن منصور بن یونس عن ابن اذینة ، عن عبدالله بن النجاشئ قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول فی قول الله عزوجل: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَعْلَمُ اللهُ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِی أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِیغًا . یعنی والله فلانا وفلانا .

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا .

یعنی والله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلیاً مما صنعوا أی لو جاؤوک بها یا علی فا ستغفروا الله مما صنعوا ، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحیما .

فَلا وَرَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَکِّمُوکَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَهُمْ. فقال أبوعبد الله: هو والله علی بعینه ، ثم لا یجدوا فی أنفسهم حرجا مما قضیت ، علی لسانک یا رسول الله یعنی به من ولایة علی ، ویسلموا تسلیما ، لعلی .

- وفی تفسیر القمی: 1/ 142:

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ ، فانه حدثنی أبی ، عن

ص: 375

ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِیمًا . هکذا نزلت .

ثم قال: فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَکِّمُوکَ ، یا علی ، فیما شجر بینهم ، یعنی فیما تعاهدوا وتعاقدوا علیه من خلافک بینهم وغصبک. ثم لا یجدوا فی أنفسهم حرجاً مما قضیت، علیهم یا محمد علی لسانک من ولایته، ویسلموا تسلیما، لعلی(علیه السّلام). انتهی .

ومعنی قول الإمام الباقر(علیه السّلام)( هکذا نزلت ) أی هذا هو المعنی المقصود فیها الذی أنزله الله تعالی .

وقد یکون الول بتعمیم الخطاب للوصی ثقیلاً علی بعضهم ، ولکنه لا بد منه إذا أرنا أن لا نعطل معنی الآیات والأحادیث والأحکام المتعلقة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! مع ما یستلزمه تعطیلها من نقصان الدین بعد کماله وتمامه !!

الآیة الثالثة:

اشارة

قال الله تعالی: وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَ آتَیْنَا دَاوُدَ زَبُورًا .

قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَ لا تَحْوِیلاً .

أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَیَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُورًا . الإسراء : 55 - 57

وهذه الآیة تدل علی مشروعیة التوسل إلی الله تعالی بالأشخاص الأقرب إلیه ، فمن المتفق علیه بین المفسرین أن قوله تعالی (یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ

ص: 376

أَقْرَبُ ) مدح لهؤلاء المؤمنین بأنهم یطلبون التوسل إلی الله تعالی . . وإن اختلفوا فی تعیین هؤلاء المتوسلین ، والمتوسل بهم. کما سیأتی .

تفسیرنا للآیتین الکریمتین

معنی الآیات:

قل لهم فلیدعوا الذین یزعمون لکشف الضر عنهم ، فلا مجیب !! لأنهم فی الحقیقة لا یدعون شیئا !

ولکن المؤمنین هم الذین یدعون من هو أهل لکشف الضر سبحانه ، فتراهم یبتغون إلیه الوسیلة ، ویبحثون عن أقرب عباده إلیه وسیلة فیتوسلون به إلیه ، فیستجیب دعاءهم. ف- ( أولئک ) فی مطلع الآیة الثانیة إستئناف ، والمقصود بهم المؤمنون عبر التاریخ ، وقد مدحهم الله تعالی بدعائهم ربهم الحق ، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم إلیه . . وذلک فی مقابل المشرکین الذین یدعون هباء ! ویتوسلون بما لم یأذن به الله !!

أما المفسرون السنیون فقد أرجعوا الضمیر فی أولئک إلی المعبودین المزعومین من دون الله. وبعضهم کالجبائی

أرجعه إلی الأنبیاء ، ولکنه وافقهم علی أن (أیهم أقرب ) صفة للمتوسلین ، لا للمتوسل بهم ، کما سیأتی .

وأما المفسرون الشیعة غیر المحدثین ، فقد راعوا التفسیر السنی ، ولم یخرجوا عنه إلا قلیلاً .

- قال الطوسی فی تفسیر التبیان: 6/490:

ثم قال لنبیه: قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ، یعنی الذین زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله ، ادعوهم إذا نزل بکم ضرر ، فانظروا هل یقدرون علی دفع

ص: 377

ذلک أم لا .

وقال ابن عباس والحسن: الذین من دونه ، الملائکة والمسیح وعزیر .

وقال ابن مسعود: أراد به ماکانوا یعبدون من الجن: وقد أسلم أولئک النفر من الجن ، لأن جماعة من العرب کانوا یعبدون الجن ، فأسلم الجن وبقی الکفار علی عبادتهم .

وقال أبو علی: رجع إلی ذکر الأنبیاء فی الآیة الأولی، والتقدیر ان الأنبیاء یدعون إلی الله یطلبون بذلک الزلفة لدیه ویتوسلون به إلیه والی رضوانه وثوابه ، أیهم کان أفضل عند الله ، وأشد تقربا إلیه بالأعمال .

ثم قال: فلا یملکون ، یعنی الذین تدعون من دون الله ، کشف الضر ، والبلاء عنکم ، ولا تحویله إلی سواکم .

ثم قال: أولئک الذین یدعون یبتغون إلی ربهم الوسیلة أیهم أقرب..الآیة قوله: أولئک: رفع بالإبتداء ، والذین ، صفة لهم ، ویبتغون إلی ربهم خبر الإبتداء. والمعنی الجماعة الذین یدعون یبتغون إلی ربهم .

أیهم رفع بالإبتداء ، وأقرب خبره. والمعنی یطلبون الوسیلة ینظرون أیهم اقرب فیتوسلون به ، ذکره الزجاج .

وقال قوم: الوسیلة هی القریة والزلفة .

وقال الزجاج: الوسیلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد ، والمعنی ان هؤلاء المشرکین یدعون هؤلاء الذین اعتقدوا فیهم أنهم أرباب ویبتغی المدعوون أرباباً إلی ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل ایمان به .

والمشرکون بالله یعبدونهم من دون الله ، أیهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده فی عبادته ، فهم یرجون بأفعالهم رحمته ویخافون عذابه بخلافهم إیاه. إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُورًا . أی متقی. انتهی .

ص: 378

وقد اقتصر الشیخ الطوسی علی ذکر أقوال السنیین ، کما رأیت .

- وأما الطبرسی فی مجمع البیان: 6/422 ، فقد مال إلی قول أبی علی الجبائی ، فقال: ثم قال سبحانه لنبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

قل یا محمد لهؤلاء المشرکین الذین یعبدون غیر الله: أدعوا الذین زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ینزل بکم لیکشفوا ذلک عنکم أو یحولوا تلک الحالة الی حالة أخری .

فلا یملکون کشف الضر عنکم ولا تحویلا ، للحالة التی تکرهونها إلی حالة تحبونها یعنی تحویل حال القحط إلی الخصب والفقر إلی الغنی والمرض إلی الصحة.

وقیل معناه لا یملکون تحویل الضر عنکم إلی غیرکم ، بین سبحانه أن من کان بهذه الصفة فانه لایصلح للإلهیة ، ولا یستحق العبادة .

والمراد بالذین من دونه الملائکة والمسیح وعزیر عن ابن عباس والحسن ، وقیل هم الجن لأن قوماً من العرب کانوا یعبدون الجن عن ابن مسعود ، قال وأسلم أولئک النفر من الجن وبقی الکفار علی عبادتهم .

قال الجبائی: ثم رجع سبحانه إلی ذکر الأنبیاء فی الآیة الأولی فقال: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ ، ومعناه أولئک الذین یدعون إلی الله تعالی ویطلبون القربة إلیه بفعل الطاعات .

أیهم أقرب ، أی لیظهر أیهم الأفضل والأقرب منزلة منه. وتأویله أن الأنبیاء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم یعبدوا غیر الله فأنتم أولی أن لا تعبدوا غیر الله. وإنما ذکر ذلک حثاً علی الإقتداء بهم .

وقیل ان معناه أولئک الذین یدعون ویعبدونهم ویعتقدون أنهم آلهة من المسیح والملائکة یبتغون الوسیلة والقربة إلی الله تعالی بعبادتهم ، ویجتهد کل منهم

ص: 379

لیکون أقرب من رحمته ، أو یطلب کل منهم أن یعلم أیهم أقرب إلی رحمته أو إلی الاجابة ، ویرجون رحمته ویخافون عذابه ، أی وهم مع ذلک یستغفرون لأنفسهم فیرجون رحمته أن أطاعوه ویخافون عذابه ان عصوا ، ویعملون عمل العبید. انتهی .

ومع أنه(رحمه الله)مال إلی تفسیر الجبائی ، ولکنه لم یخرج عن التفسیر الأساسی للمفسرین السنیین ، ولم یبحث النسبة بین الآیة وبین أحادیث أهل البیت(علیهم السّلام) الصحیحة التی تنص علی أن الذین جعلهم الله تعالی وسیلة للناس والأنبیاء هم محمد وآله صلی الله علیهم .

وأما الطباطبائی فقد ذکر أقوال المفسرین السنیین فی الآیة ، ولم یجزم بشئ منها! قال فی تفسیر المیزان: 13/130:

قوله تعالی: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ ، إلی آخر الآیة .أولئک مبتدأ ، والذین صفة له ، ویدعون صلته ضمیره عائد إلی المشرکین. ویبتغون خبر أولئک ، وضمیره وسائر ضمائر الجمع إلی آخر الآیة راجعة إلی أولئک .

وقوله: أَیُّهُمْ أَقْرَبُ، بیان لابتغاء الوسیلة لکون الإبتغاء فحصا وسؤإلا فی المعنی.

هذا ما یعطیه السیاق .

والوسیلة علی ما فسروه هی التوصل والتقرب ، وربما استعملت بمعنی ما به التوصل والتقرب ، ولعله هو الأنسب بالسیاق بالنظر إلی تعقیبه بقوله: أَیُّهُمْ أَقْرَبُ. والمعنی والله أعلم:

أولئک الذین یدعوهم المشرکون من الملائکة والجن والانس یطلبون ما یتقربون به إلی ربهم یستعلمون .

أَیُّهُمْ أَقْرَبُ: حتی یسلکوا سبیله ویقتدوا بأعماله لیتقربوا إلیه تعالی کتقربه.

ص: 380

ویرجون رحمته. من کل ما یستمدون به فی وجودهم ویخافون عذابه فیطیعونه ولا یعصونه .

إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُورًا . یجب التحرز منه والتوسل إلی الله ببعض المقربین إلیه - علی ما فی الآیة الکریمة قریب من قوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ، غیر ما یرومه المشرکون من الوثنیین ، فإنهم یتوسلون إلی الله ویتقربون بالملائکة الکرام والجن والأولیاء من الانس ، فیترکون عبادته تعالی ولا یرجونه ولا یخافونه ، وإنما یعبدون الوسیلة ویرجون رحمته ویخافون سخطه ثم یتوسلون إلی هؤلاء الأرباب والإلهة بالأصنام والتماثیل فیترکونهم ویعبدون الأصنام ، ویتقربون الیهم بالقرابین والذبائح .

وبالجملة یدعون التقرب إلی الله ببعض عباده أو أصنام خلقه ، ثم لا یعبدون إلا الوسیلة مستقلة بذلک ، ویرجونها ویخافونها مستقلة بذلک من دون الله ، فیشرکون بإعطاء الإستقلال لها فی الربوبیة والعبادة .

والمراد بأولئک الذین یدعون: ان کان هو الملائکة الکرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبیاء والأولیاء من الإنس ، کان المراد من ابتغائهم الوسیلة ورجاء الرحمة وخوف العذاب ظاهره المتبادر .

وان کان المراد بهم أعم من ذلک حتی یشمل من کانوا یعبدونه من مردة الشیاطین وفسقة الإنسان کفرعون ونمرود وغیرهما، کان المراد بابتغائهم الوسیلة إلیه تعالی ماذکر من خضوعهم وسجودهم وتسبیحهم التکوینی (!)

وکذا المراد من رجائهم وخوفهم ملذواتهم. انتهی .

ثم ذکر(رحمه الله)وجوها أخری فی رجوع الضمائر ، ولم یتبن منها شیئا .

ص: 381

تفسیر السنیین للآیتین الکریمتین

قال المحدثون والمفسرون السنیون ان المقصود ب-( أولئک ) فی الآیة ، المعبودون المزعومون من دون الله الذین یؤلههم بعض الناس ، فالمعبودون مؤمنون یعبدون الله تعالی ویبتغون إلیه الوسیلة . . . وعابدوهم مشرکون .

ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودین من مؤمنی الجن ، أو الملائکة ، أو أنهم المسیح وعزیر والشمس والقمر !

- قال البخاری فی صحیحه: 5/227:

عن أبی معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ): إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ ، قال: کان ناس من الإنس یعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسک هؤلاء بدینهم. زاد الأشجعی: عن سفیان عن الأعمش: قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ .

باب أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ.. الآیة:

عن أبی معمر عن عبدالله (رض) فی هذه الایه: الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ، قال: ناس من الجن یعبدون ، فأسلموا .

- ورواه مسلم: 8/244 ، عن عبد الله أیضاً ، وفیه قال: کان نفر من الإنس یعبدون نفراً من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، واستمسک الإنس بعبادتهم فنزلت: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ .

- ورواه الحاکم بنحوه: 2/362 ، عن عبد الله أیضاً .

- وقال السیوطی فی الدر المنثور: 4/ 189:

أخرج عبدالرزاق ، والفریابی ، وسعید بن منصور ، وابن أبی شیبة ، والبخاری ،

ص: 382

والنسائی ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، والطبرانی ، والحاکم ، وابن مردویه ، وأبو نعیم فی الدلائل ، عن ابن مسعود (رض) فی قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَلا تَحْوِیلاً ، قال: کان نفر من الإنس یعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسک الأنسیون بعبادتهم ، فأنزل الله: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ . کلاهما بالیاء .

وأخرج ابن جریر ، وابن مردویه ، وأبو نعیم ، والبیهقی ، معا فی الدلائل ، عن ابن مسعود (رض) قال: نزلت هذه الآیة فی نفر من العرب کانوا یعبدون نفراً من الجن ، فأسلم الجنیون والنفر من العرب لا یشعرون ذلک .

- وقال فی الدر المنثور: 4/190:

وأخرج ابن جریر عن ابن مسعود (رض) قال: کان قبائل من العرب یعبدون صنفا من الملائکة یقال لهم الجن ، ویقولون هم بنات الله ، فأنزل الله: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ . . الآیة .

وأخرج ابن جریر ، وابن أبی حاتم ، وابن مردیه ، عن ابن عباس رضی الله عنهما فی الآیة قال: کان أهل الشرک یعبدون الملائکة والمسیح وعزیرا .

وأخرج ابن أبی شیبة ، وابن جریر، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ ، قال: عیسی وأمه وعزیز .

وأخرج سعید بن منصور ، وابن جریر ، وابن المنذر ، عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ ، قال: هم عیسی وعزیز والشمس والقمر. انتهی .

ص: 383

- وقال الفخر الرازی فی تفسیره: 20/231:

فنقول: ان قوما عبدوا الملائکة فنزلت هذه الآیة فیهم .

وقیل إنها نزلت فی الذین عبدوا المسیح وعزیرا .

وقیل إن قوماً عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن ، فبقی أولئک من الناس متمسکین بعبادتهم ، فنزلت هذه الآیة. انتهی .

وعلی هذا المنوال نسج المفسرون الباقون . . ومنهم ابن تیمیة، الذی أهمل کغیره أن الآیة فی مدح المتوسلین ، وأخذ منها ذم الذین عبدوا المتوسلین !

- قال فی رسالة فتیا فی نیة السفر/430

فالآیة تتناول کل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائکة والإنس والجن ! قال تعالی: هؤلاء الذین دعوتموهم لا یملکون کشف الضر عنکم ولا تحویلا ، أولئک الذین یدعون یبتغون إلی ربهم الوسیلة أیهم أقرب ویرجون رحمته ویخافون عذابه ، ان عذاب ربک کان محذورا .

قال أبومحمد عبد الحق بن عطیة فی تفسیره: أخبر الله تعالی أن هؤلاء المعبودین یطلبون التقرب إلیه والتزلف إلیه ، وأن هذه حقیقة حالهم ، والضمیر فی ربهم للمبتغین أو للجمیع ، والوسیلة هی القربة ، وسبب الوصول إلی البغیة ، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنیل لامر ما ، ومنه قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من سأل الله لی الوسیلة . . الحدیث .

وهذا الذی ذکره ذکر سائر المفسرین نحوه ، إلا أنه برز به علی غیره فقال: وأیهم ابتداء وخبره أقرب ، وأولئک یراد بهم المعبودون ، وهو ابتداء وخبره یبتغون. والضمیر فی یدعون للکفار ، وفی یبتغون للمعبودین ، والتقدیر نظرهم وذکرهم أیهم أقرب !! وهذا کما قال عمر بن الخطاب (رض) فی حدیث الرایة بخیبر فبات الناس یدوکون لیلتهم أیهم یعطاها ؟ أی یتبارون فی طلب القرب !!

ص: 384

قال(رحمه الله): وطفف الزجاج فی هذا الموضع فتأمله .

ولقد صدق فی ذلک فإن الزجاج ذکر فی قوله أیهم أقرب وجهین کلاهما فی غایة الفساد. وقد ذکر ذلک عنه ابن الجوزی وغیره ، وتابعه المهدوی والبغوی وغیرهما ، ولکن ابن عطیة کان أقعد بالعربیة والمعانی من هؤلاء وأخبر بمذهب سیبوبة والبصریین ، فعرف تطفیف الزجاج مع علمه(رحمه الله)بالعربیة وسبقه ومعرفته بما یعرفه من المعانی والبیان ! وأولئک لهم براعة وفضیلة فی أمور یبرزون فیها علی ابن عطیة لکن دلالة الألفاظ من جهة العربیة هو بها أخبر ، وان کانوا هم أخبر بشئ آخر من المنقولات أو غیرها !!

وقد بین سبحانه وتعالی أن المسیح وان کان رسولاً کریماً فانه عبد الله ، فمن عبده فقد عبد مالا ینفعه ولا یضره !

قال تعالی: لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ ، وقال المسیح یا بنی اسرائیل اعبدوا الله ربی وربکم ، انه من یشرک بالله فقد حرم الله علیه الجنة ومأواه النار ، وما للظالمین من أنصار. انتهی .

مناقشة تفسیرهم للآیات

یلاحظ علی تفسیرهم للایات:

أولا: أنهم ابتعدوا عن سیاق الآیة ومصبها ، وهو المقابلة بین المشرکین الذین یدعون من یزعمون ، وبین المؤمنین الذین یدعون ربهم ویبتغون إلیه الوسیلة.. فقد قال سبحانه لرسوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَلا تَحْوِیلاً . ) .

ثم مدح الذین یقابلونهم فقال (أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَ یَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ یَخَافُونَ عَذَابَهُ )...

ص: 385

فالسیاق هو تحدی المشرکین بأن آلهتهم المزعومة لا تستطیع أن تکشف الضر عنهم ، وأنهم بالحقیقة لا یدعون من دون الله شیئاً ، بل أوهاماً .. ثم قابلهم بالذین یدعون الله تعالی ویتوسلون إلیه ، فهؤلاء الذین یدعون الحق بحق ، وعبر عنهم بأولئک تعظیما لهم. أما غیرهم فلا یدعون شیئا .

وبذلک تتم المقابلة وتکون ( أولئک ) استئنافاً جدیداً تاماً ، والضمیر فیها للشأن ، ولا ربط له بالآیة السابقة حتی یعود علی شئ منها !!

أما تفسیرهم فقد جعل التقابل بین المشرکین وبین بعض من یعبدونهم من الأنبیاء . . وهو تقابل ضعیف بعید لو سلم من الإشکالات فلا یتبادر إلی الذهن .

وقول الجبائی ان المقصود ب- ( أولئک ) هم الأنبیاء المذکورون فی الآیة السابقة ، أقرب من أقوالهم إلی الصحة ، ولکن لفظ ( أولئک ) مطلق شامل لکل العابدین لله ، ولا دلیل علی حصره بالأنبیاء (علیهم السلام) ، وان کانوا سادتهم .

ثانیا: ارجاعهم ضمیر ( أولئک ) إلی المعبودین المزعومین من دون الله خلاف الظاهر ، لأن ضمیر هؤلاء المزعومین خفی ، والضمیر البارز فیها ضمیر العابدین المخاطبین، فلو کان یرید المزعومین لقال (أولئک الذین تدعونهم أو تزعمونهم) أو ذکر اشارة تدل علی قصدهم ، وعدم قصد العابدین المخاطبین !

ثالثا: أن المعبودین المزعومین فیهم الصالح والطالح والجماد ، ففیهم الأنبیاء مثل عزیر وعیسی ، وفیهم الملائکة والجن ، والشمس والقمر والنجوم والأصنام ، وبقیة المعبودات . . وصفات المدح ل- ( أولئک ) تمنع رجوع الضمیر إلی المعبودین جمیعا ! وکیف یصح عود الضمیر علی بعض العام المعهود بدون قرینة ؟!

ولعمری ان هذا الضعف فی ارجاع الضمائر لا وجود له فی القرآن؟!! وهو کاف لتضعیف ما روی عن ابن مسعود وغیره !

ص: 386

رابعاً: ما رووه عن ابن مسعود وغیره من أن قوما من العرب کانوا یعبدون الجن فآمن الجن وبقی عبادهم مشرکین . . الخ . . فنزلت الآیة . .

هذه الوجوه لیست حدیثا بل هی أقوال لو تم سندها لبقی تعارضها !

ولو سلمنا ارتفاع تعارضها ،فهی سبب لنزول الآیة لا أکثر ، والسبب الخاص لا یخصص الوارد العام ، وصیغة الآیة عامة (قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ . . ) وهو یشمل کل الذین زعموا فلا مبرر لتخصیصها ببعضهم !

خامسا: أن ضمیر العاقل فی (أَیُّهُمْ أَقْرَبُ ) ینقض تفسیرهم ، فقد جعلوا أیهم بدل جزء من کل من الفاعل ، لیبعدوه عن المتوسل بهم ویجعلوه صفة للمتوسلین ، فصار المعنی عندهم: یبتغی الوسیلة منهم من کان أقرب وسیلة إلی ربه ، فکیف بالأبعد وسیلة !!

وذلک کمن یقول ( أولئک یقاتلون عدوهم حقاً أیهم أشجع من غیره ! ) ویقصد القائل أن الأشجع منهم یقاتل ، فکیف بالأضعف !!

وهو کلام بعید عن البلاغة بل عن الفصاحة حتی فی کلام المخلوقین ، فلا یصح أن ینسبوه إلی کلام الخالق سبحانه ؟!!

ولعل هذا هو السبب فی أن بعض مفسریهم کالفخر الرازی هرب من من تفسیر ( أَیُّهُمْ أَقْرَبُ ) ومر عنها کأنها لا وجود لها !!

سادسا: أن ضمیر (أَیُّهُمْ) یعود علی ( أولئک ) وما داموا أرجعوا ضمیر أولئک علی المعبودین المزعومین ، فیجب أن یرجعوا ضمیر أیهم الیهم ! فیکون المعنی عندهم: أن المتوسل بهم الممدوحین هم من بین المعبودین المزعومین ، فیکون التوسل بالأشخاص ممدوحا، ویکون منحصراً بالأنبیاء المعبودین کعیسی وعزیر! وهذا خلاف مذهبهم !!

سابعا: أن فعل ( یَبْتَغُونَ ) ینقض تفسیرهم ، لأنه یدل علی البحث والتحری ،

ص: 387

ویطلب مفعولا ! و( أَیُّهُمْ أَقْرَبُ ) أقرب مفعول إلیه ، فحق أی أن تکون منصوبة علی المفعولیة ، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من کل کما زعموا !

ولکنهم أغمضوا عیونهم عن یبتغی وترکوه بلا مفعول ، لیحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات !!

وهکذا . . یتضح لک أن التفسیر الذی قدمناه هو الوحید الخالی عن الإشکال.. وهو نص فی مشروعیة التوسل بالأشخاص الأقرب وسیلة إلی الله ، وأنه من صفات المؤمنین عبر التاریخ وسیرتهم .

وهو یتفق مع أحادیثنا الصحیحة التی تنص علی أن الله تعالی جعل الوسیلة إلیه فی هذه الأمة بل قبلها ، محمدا وآله صلی الله علیهم .

علی أقرب الخلق وسیلة إلی الله

أقرب الخلق وسیلة إلی الله تعالی هو سید المرسلین محمد ومعه آله الذین أمرنا بالصلاة علیهم معه ، صلی الله علیه وعلیهم .

ولذلک لا تجد فی جمیع مصادر الحدیث السنیة والشیعیة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصف أحدا بأنه أقرب الخلق وسیلة إلی الله تعالی بعده ، إلا علیاً(علیه السّلام)، وهی حقیقة مهمة ! شاء الله تعالی أن ترویها عائشة عن النبی صلی الله وآله !!

- قال القاضی النعمان فی شرح الأخبار: 1/ 141:

عن مسروق ، قال: دخلت علی عائشة فقالت لی: یا مسروق: انک من أبر ولدی بی ، وانی أسألک عن شئ فأخبرنی به .

فقلت: سلی یا أماه عما شئت .

قالت: المخدج من قتله ؟

ص: 388

قلت: علی بن أبی طالب(علیه السّلام).

قالت: وأین قتله ؟

قلت: علی نهر یقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله النهروان بین أحافیف ( أخافیق ) وطرق .

فقالت: لعن الله فلاناً ، تعنی عمرو بن العاص فانه أخبرنی أنه قتله علی نیل مصر .

قال مسروق: یا أماه فانی أسألک بحق الله وبحق رسوله وبحقی فانی ابنک لما أخبرتنی بما سمعت من رسول الله فیهم .

قالت: سمعته یقول فیهم ( أهل النهروان ): هم شر الخلق والخلیقة یقتلهم خیر الخلق والخلیقة ، وأقربهم إلی الله وسیلة .

قال مسروق: وکان الناس یومئذ أخماساً ، فأتیتها بخمسین رجلاً عشرة من کل خمس ، فشهدوا لها أن علیا قتله !!

- وفی هامشه:

- وفی المناقب لابن شهر آشوب 3/67: عن الداری بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جمیع التمیمی کلیهما عن عائشة: إنها لما روت هذا الخبر ، قیل لها: فلم حاربتیه ؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسی إلا حملنی طلحة والزبیر. وفی روایة: أمر قدر وقضاء غلب .

- ذکر فضل بن شاذان المتوفی 260 ه فی الإیضاح/86: عن أبی خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبی عن مسروق عن عائشة قالت: لعن الله عمرو بن العاص ما أکذبه لقوله: أنه قتل ذا الثدیة بمصر .

وروی البحرانی فی غایة المرام/451 الباب الأول الحدیث 21 نقلاً من کتاب صفین للمدائنی عن مسروق: أن عائشة قالت له - لما عرفت - : من قتل ذی الثدیة ؟ لعن الله عمرو بن العاص فانه کتب الیَّ یخبرنی أنه قتله بالإسکندریة إلا

ص: 389

أنه لیس یمنعنی ما فی نفسی أن أقول ما سمعته من رسول الله ، سمعته یقول: یقتله خیر أمتی من بعدی .

ورواه فی شرح الأخبار:1 /430 ، وفی هامشه:

رواه ابن المغازلی فی المناقب/55 عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان عن الحسین بن محمد العلوی ، عن أحمد بن محمد الجواربی ، عن أحمد بن حازم ، عن سهل بعامر البحلی عن أبی خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبی ، عن مسروق قال:

قالت عائشة: یا مسروق إنک من ولدی ، وإنک من أحبهم الی ، فهل عندک علم من المخدج ؟

قال: قلت: نعم ، قتله علی بن أبی طالب علی نهر یقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان ، بین أحفاق وطرقاء .

قالت: ابغنی علی ذلک بینة ، فأتیتها بخمسین رجلاً من کل خمسین بعشرة - وکان الناس اذ ذاک أخماساً - یشهدون أن علیا(علیه السّلام)قتله علی نهر یقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بین أخفاق وطرقاء .

فقلت: یا أمة ، أسألک بالله وبحق رسول الله وبحقی - فإنی من ولدک - أی شئ سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول فیه ؟

قالت: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: هم شر الخلق والخلیقة ، یقتلهم خیر الخلق والخلیقة ، وأقربهم إلی الله وسیلة. انتهی.

- ورواه فی شرح الأخبار: 2/59 ، وفیه:

قال: ثم ذکرت لها أن علیا(علیه السّلام)استخرج ذا الثدیة من قتلی أهل النهروان الذین قتلهم ، فقالت: أذا أتیت الکوفة فاکتب إلی بأسماء من شهد ذلک ممن یعرف

ص: 390

من أهل البلد .

قال: فلما قدمت الکوفة ، وجدت الناس أسباعاً ، فکتبت من کل سبع عشرة ممن شهد ذلک - ممن نعرفه - فأتیتها بشهادتهم .

فقالت: لعن الله عمرو بن العاص ، فانه زعم هو قتله علی نیل مصر. انتهی .

- وقال المفید فی الإرشاد: 1/317

وقال(علیه السّلام)وهو متوجه إلی قتال الخوارج: لولا أنی أخاف أن تتکلوا وتترکوا العمل لأخبرتکم بما قضاه الله علی لسان نبیه فیمن قاتل هولاء القوم مستبصراً بضلالتهم .

وان فیهم لرجلا مودون الید له ثدی کثدی المرأة ، وهم شر الخلق والخلیقة وقاتلهم أقرب خلق الله إلی الله وسیلة .

ولم یکن المخدج معروفا فی القوم ، فلما قتلوا جعل(علیه السّلام)یطلبه فی القتلی ویقول: والله ما کذبت ولا کذبت ! حتی وجد فی القوم ، وشق قمیصه وکان علی کتفه سلعة کثدی المرأة علیها شعرات إذا جذبت انجذبت کتفه معها ، وإذا ترکت رجع کتفه إلی موضعه ، فلما وجده کبر وقال: ان فی هذا لعبرة لمن استبصر .

- وفی بحار الأنوار: 38/9

تاریخ الخطیب: روی الأعمش ، عن عدی ، عن زر ، عن عبیدالله ، عن علی(علیه السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من لم یقل علی خیر الشر فقد کفر. وعنه فی التاریخ بالإسناد عن علقمة عن عبدالله قال: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): خیر رجالکم علی بن أبی طالب ، وخیر شبابکم الحسن والحسین ، وخیرنسائکم فاطمة بنت محمد. الطبریان فی الولایة والمناقب بإسنادهما إلی مسروق عن عائشة: سمعت رسول

ص: 391

الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: هم شر الخلق والخلیقة یقتلهم خیر الخلق والخلیقة وأقربهم إلی الله وسیلة أی المخدج وأصحابه .

- وفی هامش اختیار معرفة الرجال: 1/ 239

ومن المتفق علیه لدی الجمیع أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال فی المخدج ذی الثدیة: یقتله خیر الخلق والخلیقة ، وفی روایة یقتله خیر هذه الأمة. وفی روایات جمة عن عائشة قالت: سمعت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: هم - أی المخدج وأصحابه - شر الخلق والخلیقة ، یقتله خیر الخلق والخلیقة ، وأقربهم إلی الله وسیلة .

رواه الحافظ نور الدین فی مجمع الزوائد 6/239 ، راجع فی ذلک:

احقاق الحق: 8/475 - 522 ومسلم فی صحیحه 3/112 طبعة محمد علی وأحمد بن حنبل فی مسنده 3 /56 والبخاری فی صحیحه 4/200 الطبعة الأمیریة. والنسائی فی الخصائص: 43 طبعة مصر

ومن طرق عدیدة عنها عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، هم شر الخلق والخلیقة یقتلهم سید الخلق والخلیقة ، وفی أخبار کثیرة أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعلی(علیه السّلام): وانک أنت قاتله یا علی .

ثم قد أطبقت الأمة علی أن علیا(علیه السّلام)قد قتله یوم النهروان وأخبر الناس بذلک وقد کان(علیه السّلام)یخبر به وبصفته من قبل ، ثم استخرجه من تحت القتلی فوجدوه علی ماکان یذکر فیه من صفته ، فکبر الله وقال: صدق الله ورسوله وبلغ رسوله .

وفی صحیحی البخاری ومسلم وغیرهما من صحاحهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال فیه: إن له أصحاباً یحقر أحدکم صلاته مع صلاتهم ، وصیامه مع صیامهم ، یقرؤون الکتاب لا یجاوز تراقیهم ، یمرقون من الإسلام کما یمرق السهم من الرمیة یخرجون علی خیر فرقة من الناس. وکان أبوسعید الخدری یقول ، أشهد انی سمعت هذا الحدیث من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأشهد أن علی بن أبی طالب قاتلهم

ص: 392

وقتلهم وأنا معه ، ثم من بعد القتال استخرجوا من بین القتلی من هذه صفته فجاؤوا به إلیه ، فشاهدت فیه تلک الصفات. انتهی .

الترابط بین الوسیلة والوصیة

- فی بصائر الدرجات/216:

حدثنا أبو الفضل العلوی قال: حدثنی سعید بن عیسی الکربزی البصری ، عن ابراهیم بن الحکم بن ظهیر ، عن أبیه ، عن شریک بن عبد الله ، عن عبد الأعلی الثعلبی ، عن أبی تمام ، عن سلمان الفارسی(رحمه الله)، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی قول الله تبارک وتعالی: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ ، فقال: أنا هو الذی عنده علم الکتاب ، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسیلة فی الوصیة ولا تخلو أمة من وسیلة إلی الله، فقال: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ .

الشیعة وسیلة إلی الله یوم القیامة

- فی علل الشرائع: 2/564:

باب العلة التی من أجلها یکره تکلیف المخالفین للحوائج:

حدثنا أبی قال: حدثنا أحمد بن ادریس عن حنان قال سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) یقول: لا تسألوهم فتکلفونا قضاء حوائجهم یوم القیامة .

وبهذا الإسناد قال: قال أبو جعفر(علیه السّلام): لا تسألوهم الحوائج فتکونوا لهم الوسیلة إلی رسول الله یوم القیامة. انتهی .

ورواه فی فی بحار الأنوار: 8/55:

ص: 393

ما ورد فی مصادرهم من تشویش علی الأحادیث المتقدمة

وفی مقابل روایة عائشة عن شهادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حق علی(علیه السّلام)نلاحظ وجود روایة أکثرت من نقلها المصادر السنیة تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسیلة إلی الله !

ولکنها والحمد لله لیست روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بل عن حذیفة !! وحتی لو صحت عن حذیفة وفسرناها بأی تفسیر ، فهی لا ترقی إلی معارضة حدیث عائشة وغیرها فی علی(علیه السّلام).

وان أحسنا الظن بروایتهم عن ابن مسعود فهی تدل علی أن مصطلح ( الأقرب وسیلة إلی الله تعالی ) کان معروفاً بین المسلمین من عصر الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن حذیفة أو واضع الحدیث علی لسانه أراد أن یمدح به عبد الله بن مسعود .

وان أسأنا الظن بروایتهم ، فهی محاولة للتعتیم علی الحدیث النبوی البلیغ فی علی(علیه السّلام)، واعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود ! وطالما فعلتها الخلافة القرشیة ورواتها !

- روی أحمد فی مسنده: 5/394:

عن شقیق قال کنت قاعداً مع حذیفة فاقبل عبدالله بن مسعود فقال حذیفة إن أشبه الناس هدیاً ودلا برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من حین یخرج من بیته حتی یرجع فلا أدری ما یصنع فی أهله کعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ان عبد الله من أقربهم عند الله وسیلة یوم القیامة .

- وروی نحوه الحاکم فی: 2/312 ، ورواه فی: 3/315 ، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی .

ومن الملفت فی الموضوع أن . . . نفی القسم الأخیر من النص وقال انه لم

ص: 394

یسمعه من عبد الرحمن بن یزید !

قال أحمد فی مسنده: 5/395:

ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن یزید لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إن ابن أم عبد من أقربهم إلی الله عز وجل وسیلة !!

- وفی الغدیر: 9/9:

أخرج الترمذی بإسناد رجاله ثقات من طریق حذیفة بن الیمان: إن أشبه الناس هدیاً ودلاً وسمتاً بمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عبد الله .

وفی لفظ البخاری: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدیاً ودلاً برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من ابن أم عبد .

وزاد الترمذی: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن ابن أم عبد أقربهم إلی الله زلفی .

وفی لفظ أبی نعیم: إنه من أقربهم وسیلة یوم القیمة .

وفی لفظ أبی عمر: سمع حذیفة یحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلاً وهدیاً برسول الله من حین یخرج من بیته إلی أن یرجع إلیه من عبدالله بن مسعود ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه من أقربهم وسیلة إلی الله یوم القیامة .

وفی لفظ علقمة: کان یشبه بالنبی فی هدیه ودله وسمته .

راجع صحیح البخاری کتاب المناقب. مسند أحمد 5: 389 ، المستدرک 3: 315 ، 320

حلیة الأولیاء 1: 126 ، 127 ،

الاستیعاب 1: 372 ،

مصابیح السنة 2: 283 ،

صفة الصفوة 1: 156 ، 158 ،

تاریخ ابن کثیر 2: 162 ،

ص: 395

تیسیر الوصول 3: 297

الإصابة 2: 369

کنز العمال 7: 55. انتهی .

وقد ذکرنا أن هذا لنص حتی لو صح عن حذیفة ، فهو لا یصلح معارضا ولا مقللا من قیمة الحدیث الشریف الذی روته عائشة وغیرها فی أن علیا(علیه السّلام)أقرب الخلق وسیلة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

آیات مؤیدة لآیات التوسل

وردت آیات متعددة فی طلب المؤمنین من الأنبیاء (علیهم السّلام) أن یتوسطوا لهم عند الله تعالی ، ویدعوه لهم بالمغفرة وبالخیر . . وهذا نوع من التوسیط یدل علی أن باب الطلب من الله تعالی بواسطة الغیر أمر طبیعی فی دین الله تعالی وشرائعه !

وأنه لو کان التوسیط منافیاً للتوحید کما یزعم ابن تیمیة ، لوجب أن یطلب کل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة ، ووجب تحریم کل طلب من الله تعالی بواسطة!! اذ لا فرق فی أصل الواسطة بین التوسط والتوسل بدعاء الغیر وبین أنواع التوسیط الأخری !

منها ، قوله تعالی:

قَالُوا یَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ . قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ . یوسف : 98

- وروی الصدوق فی علل الشرائع: 1/ 54:

- حدثنا محمد بن ابراهیم بن اسحاق الطالقانی (رض) قال: حدثنا احمد بن

ص: 396

محمد بن سعید الهمدانی مولی بنی هاشم قال: أخبرنا المنذر بن محمد قال: حدثنا اسماعیل بن ابراهیم الخزاز ، عن اسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: قلت لجعفر بن محمد(علیه السّلام): أخبرنی عن یعقوب لما قال له بنوه: یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا کنا خاطئین ، قال سوف أستغفر لکم ربی ، فأخر الإستغفار لهم .

ویوسف(علیه السّلام)لما قالوا له: تالله لقد آثرک الله علینا وان کنا لخاطئین ؟ قال: لا تثریب علیکم الیوم یغفر الله لکم وهو أرحم الراحمین .

قال: لأن قلب الشاب أرق من قلب الشیخ ،وکانت جنایة ولد یعقوب علی یوسف ، وجنایتهم علی یعقوب انما کانت بجنایتهم علی یوسف ، فبادر یوسف إلی العفو عن حقه ، وأخر یعقوب العفو لأن عفوه انما کان عن حق غیره ، فأخرهم إلی السحر لیلة الجمعة .

- ورواه وغیره فی تفسیر نور الثقلین: 2/465

- وفی تفسیر التبیان: 6/195:

وروی عن أبی جعفر(علیه السّلام)أنه قال: أخرهم إلی لیلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهیم التیمی ، وابن جریج وعمرو بن قیس: انه أخرهم إلی السحر ، لأنه أقرب إلی اجابة الدعاء. انتهی .

- وروی نحوه الترمذی فی سننه: 5 /223 ، عن ابن عباس ، والحاکم: 1/316 ، والدر المنثور: 4/36 ، وکنز العمال: 2/59 ، وغیرها.

ومنها ، قوله تعالی:

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا یَا مُوسَی ادْعُ لَنَا رَبَّکَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَکَ لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَکَ بَنِی إِسْرَائِیلَ . الأعراف : 134

وقد قبل موسی(علیه السّلام)طلبهم ، ودعا الله لهم ، فدل ذلک قبوله علی أنه طلبهم

ص: 397

بواسطته أمر مشروع إلی آخر الآیات التی والأحادیث التی تدل علی توسیط الغیر مع الله تعالی .

ص: 398

ص: 399

ص: 400

الفصل الخامس: شذوذ الوهابیین عن اجماع المسلمین فی التوسل والإستشفاع

اشارة

من المسائل التی شذ فیها ابن تیمیة وتبعه ابن عبد الوهاب ، تحریم السفر لزیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بل تحریم الزیارة نوی لها السفر !

وکذلک تحریم التوسل والاستشفاع به(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بحجة أنه میت ولا یجوز التوسل بالمیت .

وکذا تحریم الإستغاثة به(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لأن المستغیث بزعمه یعبد المستغاث به.. الخ .!!

- قال الشیخ محمود سعید ممدوح فی کتابه رفع المنارة لتخریج أحادیث التوسل والزیارة - المطبوع فی دار الإمام النووی بعمان - سنة 1416:

وهو - التوسل - السؤال بالنبی أو بالولی أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما فی معنی ذلک .

وهذا النوع لم یر المتبصر فی أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة ، أو شدد فیه وجعله من موضوعات العقائد ، کما نری الآن .

لم یقع هذا إلا فی القرن السابع وما بعده ! وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبیل. قال ابن تیمیة فی ( التوسل والوسیلة ) (/98 ): هذا الدعاء ( أی الذی فیه توسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )) ونحوه قد روی

أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل فی منسک المروزی التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الدعاء. اه، ونحوه فی (/155 ) من

ص: 401

الکتاب المذکور .

وقال فی (/65 ): ( والسؤال به ( أی بالمخلوق ) فهذا یجوزه طائفة من الناس، ونقل فی ذلک آثار عن بعض السلف ، وهو موجود فی دعاء کثیر من الناس. ) اه.

وذکر أثرا فیه التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لفظه: ( اللهم انی أتوجه الیک بنبیک محمد نبی الرحمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تسلیماً. یا محمد إنی أتوجه بک إلی ربک وربی یرحمنی مما بی ) .

قال ابن تیمیة: فهذا الدعاء ونحوه روی أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل فی منسک المروزی التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الدعاء. اه .

وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل ، فقال فی منسک المروزی بعد کلام مانصه: وسل الله حاجتک متوسلاً إلیه بنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، تقض من الله عز وجل. اه. هکذا ذکره ابن تیمیة فی الرد علی الأخنائی/168 !!

والتوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معتمد فی المذاهب ومرغب فیه نص علی ذلک الأئمة الأعلام ، وکتب التفسیر والحدیث والخصائص ودلائل النبوة والفقه طافحة بأدلة ذلک بدون تحریم وهی بکثرة . . .

کان ابن تیمیة یری منع التوسل بالأنبیاء والملائکة والصالحین ، وقال: التوسل حقیقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحی فقط - وذکر ذلک فی مواضع من کتابه ( التوسل والوسیلة ) (/169 ). انتهی کلام الممدوح .

وقال ابن تیمیة فی کتابه زوار المقابر/433:

قال عامة المفسرین کابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء: الوسیلة القربة ، قال قتادة: تقربوا إلی الله بما یرضیه .

قال أبو عبیدة: توسلت إلیه أی تقربت .

ص: 402

وقال عبد الرحمن بن زید: تحببوا إلی الله .

والتحبب والتقرب إلیه انما هو بطاعة رسوله ، فالإیمان بالرسول وطاعته هو وسیلة الخلق إلی الله ، لیس لهم وسیلة یتوسلون بها البتة إلا الإیمان برسوله وطاعته. ولیس لأحد من الخلق وسیلة إلی الله تبارک وتعالی إلا بوسیلة الإیمان بهذا الرسول الکریم وطاعته .

وهذه یؤمر بها الإنسان حیث کان من الأمکنة وفی کل وقت. وما خص من العبادات بمکان کالحج ، أو زمان کالصوم والجمعة ، فکل فی مکانه وزمانه .

ولیس لنفس الحجرة من داخل فضلا عن جدارها من خارج إختصاص بشئ فی شرع العبادات ولا فعل شئ منها ، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق المسلمین ، والمسجد خص بالفضیلة فی حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، قبل وجود القبر .

فلم تکن فضیلة مسجده لذلک ، ولا أستحب هو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا أحد من أصحابه ، ولا علماء أمته أن یجاور أحد عند قبر ولا یعکف علیه ، لا قبره المکرم ولا قبر غیره، ولا أن یقصد السکنی قریبا من قبر أی قبر کان .

وسکنی المدینة النبویة هو أفضل فی حق من تتکرر طاعته لله ورسوله فیها أکثر کما کان الأمر لما کان الناس مأمورین بالهجرة إلیها فکانت الهجرة إلیها والمقام بها أفضل من جمیع البقاع مکة وغیرها .

بل کان ذلک واجبا من أعظم الواجبات، فلما فتحت مکة قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا هجرة بعد الفتح ولکن جهاد ونیة، وکان من أتی من أهل مکة وغیرهم لیهاجر ویسکن المدینة یأمره أن یرجع ! انتهی .

وخلاصة کلامه: أن التوسل محصور بالإیمان بالرسول وطاعته ، وبدعائه فی حال حیاته .

أما التوسل به فی حیاته وبعد موته ، ومجاورة قبره الشریف والعکوف عنده ،

ص: 403

فلیس من الطاعة ، لأن الصحابة لم یفعلوه .

والأصل فی کل ما لم یفعلوه عدم المشروعیة ، حتی یقوم علیه دلیل !

وهو کما تری تحکم لا دلیل علیه:

فحصره التوسل المأمور به فی القرآن بالإیمان بالرسول وطاعته ، لا دلیل علیه وکذلک لادلیل علی میزانه فیما جعله جزء من الإیمان بالرسول أو نفی جزئیته ، وما جعله طاعة للرسول أونفی کونه طاعة له !

فلماذا لا یکون التوسل بزیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والتبرک به والسکنی عنده من الإیمان به، ومن طاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!!

ثانیا ، دعوی أن القاعدة والأصل فی الأشیاء الحرمة حتی تثبت حلیتها ، لا دلیل علیه أیضاً. بل الأصل فی الأشیاء الحلیة حتی یثبت دلیل الحرمة ویصل إلی المکلف ، فقد قال الله تعالی (وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ ) .

ثالثاً ، دعوی أن کل ما لم یفعله الصحابة فهو حرام حتی یقوم علیه دلیل ، تحکم بلا دلیل أیضاً ، فإن کثیرا من الأمور لم یفعلها الصحابة وهی حلال حتی بفتوی ابن تیمیة ، کالوسائل المعیشیة المتجددة !! وقد ألف الحافظ الصدیق المغربی رسالة فی عدم دلالة الترک علی التحریم ، کما ذکر تلمیذه الممدوح .

أما عندنا فإن فعل الصحابی لیس حجة إذا لم یکن معصوماً ، فضلا عن ترکه !

ص: 404

تلبیس ابن تیمیة لتحریم التوسل والإستشفاع

یفترض ابن تیمیة مسبقا أن المتوسل أو المستغیث بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( یدعوه ) أی یطلب منه ، لا من الله تعالی !

وهذا مصادرة علی المطلوب وتبطین الحکم المتنازع فیه فی لفافة علی أنه جزء من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر !

فابن تیمیة یقول للمتوسل أو المستغیث: انک اعترفت أنک دعوت الرسول أو الولی بدل الله !! فأنت اذن کافر !!

مع أن المتوسل لم یدع النبی بدل الله تعالی ! بل توسل به واستغاث به واستشفع به إلی الله تعالی !!

ومثال ذلک فی أمور الدنیا: أن یتوسل شخص إلی رئیس مکتب الملک ، لیتوسط له عند الملک !

فیقول له ابن تیمیة: انک تعدیت علی شرعیة الملک ، وجعلت الملک الشرعی رئیس مکتبه ! وهذا خروج علی الملک ونظامه ، تستحق به الإعدام !!

وقد حاول ابن تیمیة أن یستدلوا علی هذه المصادرة المفضوحة فقالوا: ان المستغیث یطلب من الرسول أو الولی مالا یقدر علیه إلا الله تعالی ، وهذا یستلزم أنه یؤلهه ! !

ولکن هذا اللزوم ممنوع .

بل هو علی مذهبهم ممنوع حتی لو صحت الملازمة ، لانهم یزعمون أن لازم المذهب لیس بمذهب !!

- قال الشیخ سلیمان حفید ابن عبد الوهاب فی تیسیر العزیز الحمید/209:

فحدیث الأعمی شئ ، ودعاء غیر الله تعالی والاستغاثة به شئ آخر .

فلیس فی حدیث الاعمی شئ غیر أنه طلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یدعو له ویشفع له ،

ص: 405

فهو توسل بدعائه وشفاعته ، ولهذا قال فی آخره: اللهم فشفعه فی .

فعلم أنه شفع له. وفی روایة أنه طلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یدعو له. فدل الحدیث علی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شفع له بدعائه ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمره هو أن یدعو الله ، ویسأله قبول شفاعته .

فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غیر الله شرک ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمره أن یسأل قبول شفاعته ، فدل علی أن النبی صلی الله علیه وسلم لا یدعی ، ولأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یقدر علی شفائه إلا بدعاء الله له. فأین هذا من تلک الطوام ؟!

والکلام إنما هو فی سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فیما لا یقدر علیه إلا الله .

أما أن تأتی شخصاً یخاطبک فتسأله أن یدعو لک فلا إنکار فی ذلک علی ما فی حدیث الأعمی .

فالحدیث سواء کان صحیحا أو لا ، وسواء ثبت قوله فیه یا محمد أو لا ، لا یدل علی سؤال الغائب ولا علی سؤال المخلوق فیما لا یقدر علیه إلا الله ، بوجه من وجوه الدلالات .

ومن ادعی ذلک فهو مفتر علی الله وعلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!! انتهی .

فتراه یشکک فی حدیث الأعمی الذی صححه علماء المذاهب ، وقبله إمامه ابن تیمیة ، ثم تراه یفترض أن المستشفع ( یدعو ) النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویطلب من النبی نفسه ما لا یقدر علیه إلا الله تعالی !!

کل ذلک لیثبت أن المسلم المستغیث إلی الله برسوله قد کفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول ! ویستحل بذلک دمه وماله !!

وإن سألته عن دلیله علی أن المتوسلین والمستشفعین یدعون الرسول من دون الله.. فانک تطلب منهم ما لایقدر علیه إلا الله تعالی ، وتکون علی مذهبه عبدته من دونه تعالی !!!

ص: 406

غرض ابن تیمیة من نقل التوسل من فروع الفقه إلی أصول العقائد !

ماذا یحدث لو نقلنا مادة جزائیة من القانون التجاری إلی مواد القانون الجنائی ، أو إلی مواد مخالفات الدستور ، ومحکمة أمن الدولة ؟

طبعاً سیکون الفرق علی مرتکبها کبیرا ، لأن التهمة الجنائیة أصعب من التهمة الجزائیة ، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالدستور !!

ان ما فعله ابن تیمیة من اتهام المتوسلین بمخالفة الشرع ، شئ لا یذکر أمام نقله تهمتهم إلی الإخلال بأصول الدین وارتکاب الشرک !!

وبذلک حکم علیهم بالکفر واستحل قتلهم وأعراضهم وأمواهم !!!

فبدل أن یقول مثلاً أنهم مخلصون ولکنهم یتخیلون أنهم یتقربون إلی الله بالتوسل بالنبی المیت ، فهم مخطئون یرتکبون معصیة ! قال انهم یشرکون بالله ویستحقون القتل !!

وهکذا ، کانت مسألة التوسل والإستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانیة قرون مسألة فقهیة ، وکان فقهاء المذاهب الأربعة ، والخمسة والستة ، یبحثونها فی باب الحج والزیارة ، فیذکرون صورها ، ویفتی مفتیهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها ، أو التوقف فیه . . حتی عالم حرانی نصبه الحاکم الشرکسی المصری لمدة قلیلة شیخا للاسلام فی الشام ، فأبدع فی عمله أیما ابداع ، وقدم للأجیال أکبر خدمة ، فکفر مسلمی عصره و العصور المتقدمة ، لأنهم یتوسلون بنبیهم المیت !!!

ص: 407

هل تراجع ابن تیمیة أمام القاضی أو فی سجنه عن تحریم التوسل ؟!

المعروف عن ابن تیمیة أنه تراجع عن تحریم التوسل ، عندما عقدوا له جلسة مع العلماء لمناقشة آرائه الشاذة ، ومنها تحریم التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد اعتمد الذین نسبوا إلیه هذا القول علی أمرین:

الأول ، ما اعترف به فی مصر ، حیث عرف عنه اعتقاده بعدم جواز التوسل والإستشفاع بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فاستنکر المسلمون ذلک ، وعقد القضاة مجلسا للنظر فی قوله..

قال السقاف فی کتابه ( البشارة والإتحاف بما بین ابن تیمیة والآلبانی فی العقیدة من الإختلاف )

13 - فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفیة فیه بشکل ملحوظ مع أن الموجودین فی الساحة منهم الیوم یقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد ، ولیست کذلک قطعاً .

أما ابن تیمیة فقد أنکر فی کتابه ( قاعدة جلیلة فی التوسل والوسیلة ) التوسل - ومرادنا التوسل بالذوات - ثم رجع عن ذلک کما نقل تلمیذه ابن کثیر فی (البدایة والنهایة ) ( 14 - 45 ) حیث قال: ( قال البرزالی (16 ): وفی شوال منها شکی الصوفیة بالقاهرة علی الشیخ تقی الدین - وکلموه فی ابن عربی وغیره - إلی الدولة فردوا الأمر فی ذلک إلی القاضی الشافعی ، فعقد له مجلس وادعی علیه ابن عطاء بأشیاء فلم یثبت علیه منها شئ ، لکنه قال: لا یستغاث إلا بالله ، لا یستغاث بالنبی استغاثة بمعنی العبارة - ولعلها العبادة - ولکن یتوسل به ویتشفع به إلی الله ، فبعض الحاضرین قال لیس علیه فی هذا شئ ، ورأی القاضی بدر الدین

ص: 408

بن جماعة أن هذا فیه قلة أدب ) انتهی. فتأمل !!

( هو الحافظ ابو محمد القاسم بن البهاء محمد الدمشقی البرزالی ترجم فی طبقات الحفاظ للسیوطی - / 256 ) .

وأما الشوکانی فقد أجاز التوسل فی کتابه ( تحفة الذاکرین ) کما یعلم ذلک القاصی والدانی ، ففی صحیفة ( 37 ) من کتاب الشوکانی ( تحفة الذاکرین طبع دار الکتب العلمیة ) عقد باباً سماه: ( وجه التوسل بالأنبیاء وبالصالحین ) ثم قال:) ( قوله ویتوسل إلی الله سبحانه بأنبیائه والصالحین ) أقول: ومن التوسل بالأنبیاء ما أخرجه الترمذی. انتهی .

وأصرح من هذا ما ذکره الشوکانی/( 138 ) فی ( باب صلاة الضر والحاجة ) حیث قال ما نصه: ( وفی الحدیث دلیل علی جواز التوسل برسول الله إلی الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالی ) انتهی .

وقد نص الشوکانی أیضاً علی جواز التوسل ، ورد علی ابن تیمیة فی کتابه ( الدر النضید فی اخلاص کلمة التوحید ) فلیرجع إلیه من شاء .

وأما الألبانی فمنع ذلک واعتبره من الضلال فی کتابه ( التوسل أنواعه وأحکامه ) کما هو مشهور ومعلوم ، مع أنه قال فی مقدمة ( شرح الطحاویة )/(60 الطبعة 8) أن مسالة التوسل لیست من مسائل العقیدة ، وهذا خلاف ما یقوله کثیر من أدعیاء السلفیة . فتأملوا یا ذوی الأبصار !! انتهی کلام السقاف .

والأمر الثانی ، ماکتبه فی رسالة ، من سجنه ، حیث قال فی/16:

وکذلک مما یشرع التوسل به فی الدعاء کما فی الحدیث الذی رواه الترمذی وصححه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم شخصا أن یقول: اللهم إنی أسألک وأتوسل الیک بنبیک محمد نبی الرحمة. یا محمد یا رسول الله ، إنی أتوسل بک إلی ربی فی حاجتی لیقضیها. اللهم فشفعه فی .

ص: 409

فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام !

والفرق بین هذین متفق علیه بین المسلمین. المتوسل انما یدعو الله ویخاطبه ویطلب منه لا یدعو غیره إلا علی سبیل استحضاره لا علی سبیل الطلب منه. وأما الداعی والمستغیث فهو الذی یسأل المدعو ویطلب منه ویستغیثه ویتوکل علیه. انتهی .

والذی وصلت إلیه أن ابن تیمیة لم یغیر رأیه فی التوسل ، ولکنه استعمل عبارات مبهمة لیرضی بها قضاة الدولة والناقمین علیه من الناس !

ومهما یکن ، فقد أخطأ ابن تیمیة بتحریمه الإستغاثة أیضاً ، لأنها معناها طلب الغوث أی العون من شخص ، وهو لا یعنی أن المستغیث به یعبده ، فحکمها حکم الإستعانة والنداء والتوسل ، بدون فرق !

- قال ابن السکیت فی اصلاح المنطق/29

یقال: قد استغاثنی فلان فأغثته ، وقد غاث الله البلاد یغیثها غیثا ، إذا أنزل بها الغیث وقد غیثت الأرض تغاث ، وهی أرض مغیثة ومغیوثة .

- وقال الراغب فی المفردات/379

ویقال فزع إلیه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه. انتهی .

فزعم ابن تیمیة أنک عندما تقول ( یا رسول الله أغثنی ) فانک تعبده من دون الله تعالی ! تصور باطل ، لأن معنی الإستعانة والإستغاثة لا یعطی ذلک ، ولا المستعین والمستغیث ینویه ، ولا یعتقده ! بل المستغیث کالمتوسل ینویان طلب توسط الرسول إلی الله تعالی ، فلا فرق بینهما حتی یحل أحدهما ویحرم الآخر !

ص: 410

علماء المذاهب الإسلامیة یردون علی شذوذ ابن تیمیة !

رد علماء المذاهب علی آراء ابن تیمیة فی التجسیم وتحریم السفر إلی زیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وتحریم التوسل والإستشفاع به ، وألفوا فیها کتبا عدیدة ، من عصر ابن تیمیة إلی عصر ابن عبد الوهاب.. والی یومنا .

ولا یتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها .

نماذج من ردهم علی مذهب ابن تیمیة:

- قال ابن عابدین فی حاشیة رد المحتار: 6/716:

نعم ذکر العلامة المناوی فی حدیث: اللهم انی أسألک وأتوجه الیک بنبیک نبی الرحمة ، عن العز بن عبد السلام أنه ینبغی کونه مقصوراً علی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأن لا یقسم علی الله بغیره ، وأن یکون من خصائصه .

قال: وقال السبکی یحسن التوسل بالنبی إلی ربه ، ولم ینکره أحد من السلف ، ولا الخلف إلا ابن تیمیة ، فابتدع ما لم یقله عالم قبله. اه-

ونازع العلامة ابن أمیر حاج فی دعوی الخصوصیة ، وأطال الکلام علی ذلک فی الفصل الثالث عشر ، آخر شرحه علی

المنیة ، فراجعه .

- وقال الشربینی فی مغنی المحتاج: 1/184

خاتمة: سئل الشیخ عز الدین هل یکره أن یسأل الله بعظیم من خلقه کالنبی والملک والولی ؟

فأجاب بأنه جاء عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه علم بعض الناس: اللهم انی أقسم علیک بنبیک محمد نبی الرحمة . . الخ. فإن صح فینبغی أن یکون مقصورا علیه علیه الصلاة والسلام ، لأنه سید ولد آدم ، ولا یقسم علی الله بغیره من الأنبیاء والملائکة ،

ص: 411

لأنهم لیسوا فی درجته ، ویکون هذا من خواصه . اه- . والمشهور أنه لا یکره شئ من ذلک .

- وقال الشروانی فی حواشیه: 2 /108:

خاتمة: سئل الشیخ عز الدین: هل یکره أن یسأل الله بعظیم من خلقه کالنبی والملک والولی ؟

فأجاب: بأنه جاء عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه علم بعض الناس: اللهم إنی أقسم علیک بنبیک محمد نبی الرحمة . . الخ. فإن صح فینبغی أن یکون مقصوراً علیه علیه الصلاة والسلام ، لأنه سید ولد آدم ، ولا یقسم علی لله بغیره من الأنبیاء والملائکة ، لأنهم لیسوا فی درجته ، ویکون هذا من خواصه .انتهی .

والمشهور أنه لا یکره شئ من ذلک - مغنی .

وفی ع ش بعد ذکر کلام الشیخ عز الدین ما نصه: فإن قلت: هذا قد یعارض ما فی البهجة وشرحها لشیخ الإسلام ، والافضل استسقاؤهم بالاتقیاء لأن دعاءهم أرجی للإجابة الخ .

قلت: لا تعارض لجواز أن ما ذکره العز مفروض فیما لو سأل بذلک علی صورة الألازم ، کما یؤخذ من قوله: اللهم انی أقسم علیک . . الخ .

وما فی البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد علی صورة الإستشفاع والسؤال ، مثل أسألک ببرکة فلان ، أو بحرمته أو نحو ذلک. انتهی .

ص: 412

مقتطفات من أهم کتب علماء المذاهب فی الرد علی ابن تیمیة:

کتاب: ارغام المبتدع الغبی بجواز التوسل بالنبی

للحافظ ابن الصدیق الغماری الحسنی.. الطبعة الثانیة - 1412 - دار الإمام النووی - الأردن ، وقد حققه وقدم له السید حسن السقاف ، ومقدمته وتحقیقه لا تقل فائدتهما عن أصل الکتاب .

- قال السقاف فی مقدمته:

أما بعد: فالتوسل والإستغاثة والتشفع بسید الانام، نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مصباح الظلام ، من الأمور المندوبات المؤکدات ، وخصوصا عند المدلهمات ، وعلی ذلک سار العلماء العاملون ، والأولیاء العابدون ، والسادة المحدثون ، والأئمة السالفون ، کما قال السبکی فیما نقل عند صاحب فیض القدیر ( 2/135 ): ویحسن التوسل والإستعانه والتشفع بالنبی إلی ربه ولم ینکر ذلک احد من السلف ولامن الخلف . . انتهی .

حتی نص السادة الحنابلة فی مصنفاتهم الفقهیة علی استحباب التوسل بسیدنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ونقلوا ذلک عن الإمام أحمد أنه استحبه کا فی کتاب الإنصاف فیما ترجح من الخلاف ( 2/456 ) وغیره. ونقل ابن کثیر فی البدایة ( 14/45 ) أن ابن تیمیة أقر أخیراً فی المجلس الذی عقده له العلماء العاملون الربانیون المجاهدون بالتوسل وأصر علی إنکار الإستغاثة. مع أنه یقول فی رسالة خاصة له فی الاستغاثة بجوازها بالنبی فیما یقدر علیه المخلوق .

واعتمد الإمام الحافظ النووی استحباب التوسل والإستغاثة فی مصنفاته ، کما فی حاشیة الإیضاح علی المناسک له (/450 ) و (/498 ) من طبعة أخری وفی شرح المهذب المجموع ( 8/274 ) وفی الاذکار (/307 ) من طبعة دار الفکر ، فی

ص: 413

کتاب أذکار الحج ، وص ( 184 ) من طبعة المکتبة العلمیة .

وهو مذهب الشافعیة ، وغیرهم من الأئمة المرضیین ، المجمع علی جلالتهم وثقتهم .

وانی أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحادیث الصحیحة الثابتة عند علماء المسلمین وائمة الحفاظ والمحدثین ، والتی لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبین فی الطعن فی أسانیدها ، وغیر ذلک من طرق التلاعب والتدلیس التی بینتها ، ومثلت علیها فی بهجة الناظر فی الفصل الرابع .

ولا یعرف الحق کما هو معلوم بالجعجعة وکثرة الکلام ، ونفخ الکتب بتکثیر عدد الصفحات ، وانما یعرف الحق بالبراهین العلمیة ، والأدلة الواضحة الجلیة ، وان کانت قلیلة العبارات ، فهی کثیرة التعبیرات والإشارات .

وقد أرشد إلی ذلک سیدنا رسول الله صلی اللة علیه وسلم فی قوله ( أوتیت جوامع الکلم واختصر لی الکلام إختصاراً ) .

وانی أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التی أرشدت الیها السنة الغراء فأقول:

أدلة التوسل:

1 - حدیث الشفاعة المتواتر والمروی فی الصحیحین وغیرهما ، من أن الناس یتوسلون بسید الأنام عند إشتداد الأمر علیهم یوم القیامة ویستغیثون به .

ولو کان التوسل والإستغاثة من الکفر والشرک لم یشفع النبی للناس یومئذ ، ولا یأذن الله له بالشفاعة للمشرکین والکفار ، علی زعم من یکفر عباد الله بالألاف ، ویحاول تهییج العامة والسذج علی من أظهر کفر من قال بقدم العالم ، المجمع علی کفر قائله ومعتقده .

وأیضاً لو کان التوسل شرکاً أو کفراً لبینه سیدنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما أخبر

ص: 414

أصحابه بحدیث الشفاعة. فلما لم یکن کفراً بنص الأحادیث المتواترة کان أمراً مندوباً إلیه فی الدنیا والآخرة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال أن التوسل والإستغاثة کفر فی الدنیا لیس کفرا فی الآخرة ، قلنا له: إن الکفر کفر سواء کان فی الدنیا أو فی الآخرة ، والتوسل به قبل موته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعد موته لا فرق. وإن ادعیت الفرق فأت لنا بدلیل شرعی مخصص مقبول معتبر .

2 - حدیث سیدنا عثمان بن حنیف (رض) قال: ( إن رجلاً ضریرأ أتی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال ادع الله أن یعافینی فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خیر قال فادعه . فأمره أن یتوضأ ویحسن الوضوء ویدعو بهذا الدعاء:

اللهم انی أسألک وأتوجه الیک بنبیک محمد نبی الرحمة .

یا محمد إنی أتوجه بک إلی ربی فی حاجتی لتقضی .

اللهم شغعه فی .

قال سیدنا عثمان: فعاد وقد أبصر .

رواه الترمذی والنسائی والطبرانی والحاکم وأقره الذهبی والبیهقی بالأسانید الصحیحة . وللحدیث تتمة صحیحة تأتی فی ( إرغام المبتدع الغبی ) .

3 - حدیث سیدنا علی رضی الله عنه وکرم وجهه: أن سیدنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما دفن فاطمة بنت أسد أم سیدنا علی رضی الله عنهما قال: اللهم بحقی وحق الأنبیاء من قبلی اغفر لأمی بعد أمی. رواه الطبرانی ، والحاکم مختصرا، وابن حبان وغیرهم، وفی إسناده روح بن صلاح قال الحاکم: ثقة، وضعفه بعضهم،والحدیث صحیح.

4 - وروی الإمام البخاری فی صحیحه: أن سیدنا عمر (رض) استسقی عام الرمادة بالعباس عم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا کنا نتوسل الیک بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإنا نتوسل الیک بعم نبینا. قال فیسقون. وفی الحدیث إثبات التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبیان جواز التوسل بغیره ،

کالصالحین من آل البیت ومن غیرهم. کما

ص: 415

قال الحافظ فی فتح الباری ( 2/497 )

وأما أدلة الإستغاثة:

1 - فما روی البخاری فی صحیحه وغیره من حدیث سیدنا عبد الله بن عمر رضی الله عنهما فی حدیث الشفاعة بلفظ ( إن الشمس تدنو یوم القیامة حتی یبلغ العرق نصف الأذن فبینا هم کذلک استغاثوا بآدم ثم بموسی ثم بمحمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیشفع لیقضی بین الخلق فیمشی حتی یأخذ بحلقة الباب ، فیومئذ یبعثه الله مقاماً محموداً یحمده أهل الجمع کلهم ) .

وهذا صریح فی الإستغاثة ، وهی عامة فی جمیع الأحوال ، مع لفت النظر أنه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حی فی قبره یبلغه سلام من یسلم علیه وکلام من یستغیث به لأن الأعمال تعرض علیه کما صح فیدعو الله لاصحاب الحاجات .

2 - روی الإمام أحمد بسند حسن کما قال الإمام الحافظ ابن حجر فی الفتح (8/579 ) عن الحارث بن حسان البکری (رض) قال: خرجت أنا والعلاء بن الحضرمی إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . الحدیث ، وفیه: فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أکون کوافد عاد .

قال أی سیدنا رسول الله - وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحدیث ولکنه یستطعمه . .. الحدیث .

وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم یکفره سیدنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وقد خالف الألبانی ذلک فکفر کل مستغیث به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما فی توسله/7الطبعة الثانیة ، وقلده فی هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له ، وأنکروا علی من کفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعاً ، ومن قال بالحد والجهة والإستقرار وغیر ذلک من طامات ! نسأل

ص: 416

الله لهم الهدایة ، وأن یردهم إلی دینه وإلی الحق رداً جمیلاً ، وأن یخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذی بنوه علی سوء فهم کبیرهم الذی علمهم السحر ، أو فساد قصده وقد یجتمعان .

3 - قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث الأعمی الصحیح عندما علم الرجل أن یقول: ( یا محمد إنی أتوجه بک إلی الله ). وهذه إستغاثة صریحة ، وقد اعتمدها العلماء المحدثون والحفاظ فی کتب السنة فی صلاة الحاجة ، حاثین الأمة علیها .

4 - جاء فی البخاری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قص علی أصحابه قصة السیدة هاجر هی وابنها فی مکة قبل أن تبنی الکعبة ، بعد أن ترکهما سیدنا ابراهیم علیه الصلاة والسلام ، وفی ما قصه: أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: إن کنت ذا غوث فأغث ، فاستغاثت فاذا بجبریل(علیه السّلام)فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم یقل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )انها کفرت ، کما یزعم الألبانی ، ولم ینبه أن تلک الإستغاثة منها کفر البتة. وهی تعلم أن صاحب الصوت لن یکون رب العالمین المنزه عن الزمان والمکان .

وهناک أدلة کثیرة بجواز التوسل والإستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسمیتها ( الإغاثة بأدلة الإستغاثة ) وقد اقتصرت هنا علی بعضها ، وفیها بیان لمن ألقی السمع وهو شهید ، هذا إذا کان قلبه نظیفا لا یحب رمی عباد الله بالشرک بمجرد مخالفتهم لمزاجه ، وأراد اقتفاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وأختم الإستدلال ببیان مسألة هامة جدا وهی إستدلال أخیر علی التوسل والإستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإقرار الباقین من الصحابة له وعلی رأسهم سیدنا عمر بن الخطاب (رض) ، وهو ما ذکره الحافظ ابن حجر العسقلانی فی فتح الباری ( 2/495 ) حیث قال: روی ابن ابی شیبة بإسناد صحیح ( وصححه أیضاً ابن کثیر فی البدایة والنهایة 7/92 من طریق البیهقی ) عن أبی

ص: 417

صالح السمان عن مالک الدار ، وکان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شدید فی زمن عمر فجاء رجل إلی قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال یارسول الله استسق لأمتک فإنهم قد هلکوا ، فأتی الرجل فی المنام فقیل له ائت عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم یسقون. اسناده صحیح .

وقد ضعف هذا الأثر الصحیح الألبانی بحجج أوهی من بیت العنکبوت فی توسله/( 119 - 121 ) وزعم أن مالک الدار مجهول .

ونقل ترجمته من کتاب الجرح والتعدیل لابن أبی حاتم فقط ، لیوهم قراءة أنه لم یرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان ، وقد تقرر عند الألبانی بما ینقله عن بعض العلماء من غیر المتفق علیه أن الرجل یبقی مجهولاً حتی یروی عنه اثنان فأکثر. ثم قال لینصر هواه ان المنذری والهیثمی لم یعرفا مالک الدار ، فهو مجهول ، ولا یصح السند لوجود مجهول فیه. ثم تبجح قائلا: وهذا علم دقیق لا یعرفه إلا من مارس هذه الصناعة .

ونحن نقول له: بل هذا تدلیس وغش وخیانة لا یدریه إلا من امتلأ قلبه حقداً وعداء علی السنة والتوحید وأهلهما .

وقد تبعه علی هذا الغش والتدلیس وزاد علیه أحد الاغبیاء المتعصبین اللاهثین وراء بریق الدراهم فی کتاب له ملأه من هذه البضاعة ، تخیل فیه أنه رد التوسل وهیهات ، وهو لم یقرأ العلوم وخاصة ملحها الإعراب علی أحد ، ولم یکن له فی حیاته أستاذ یهذب أو شیخ یدرب ، إلا التلقی من صفحات دفاتر هذا الألبانی . ونقول فی بیان نسف ما قاله الألبانی من جهالة مالک الد ار:

إذا صرح المنذری والهیثمی بأنهما لا یعرفانه فنقول للباحث عن الحق اذن لم یصرحا بتوثیق له أو تجریح ، لأنهما لا یعرفانه .

لکن هناک من یعرفه وهم ابن سعد والبخاری وعلی ابن المدینی وابن حبان

ص: 418

والحافظ ابن حجر العسقلانی وغیرهم . فهل یا ألبانی ینقل کلام من عرفه أم کلام من جهله ؟! العجیب أن الالبانی یحبذ کلام من جهل حاله ، ویختاره ویفضله علی کلام من علم حاله ، الذی یستره الألبانی ولا یحب أن یطلع علیه أحد !!

وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذین عرفوه فی توثیقه کاف فی اثبات ما یقوله السید عبد الله الغماری وغیره من المحدثین والمشتغلین فی علم الحدیث من أن الالبانی یعرف الصواب فی کثیر من الأمور ، لکنه غاش مدلس خائن مضلل لا یؤتمن علی حدیث واحد .

وقد صرح بذلک کثیر من أهل العلم کالسید أحمد الغماری والسید عبد الله والسید عبد العزیز المحدثون ، والشیخ عبد الفتاح أبو غدة ، والمحدث حبیب الرحمن الأعظمی محدث الهند والباکستان، والشیخ اسماعیل الأنصاری، والشیخ محمد عوامة ، والشیخ محمود سعید ، والشیخ شعیب الأرناؤوط ، وغیرهم عشرات من أهل هذا الفن والمشتغلین به .

فأهل الحدیث شهدوا بأن هذا الرجل لا یعتمد کلامه فی التصحیح والتضعیف ، لأنه یصحح ویضعف حسب الهوی والمزاج ، ولیس حسب القواعد العلمیة !!

ومن تتبع أقواله وما یکتبه تحقق ذلک .

ویکفینی أن أقول فی مالک الدار ان ابن سعد قال فی الطبقات ( 5/12 ): مالک الدار مولی عمر بن الخطاب ، روی عن أبی بکر وعمر ، ثم قال وکان معروفاً .

وقال الحافظ ابن حجر فی الإصابة فی ترجمته ترجمة رقم ( 8356 ):

له ادراک ، أی أنه معدود من الصحابة.

ویکفیه فی ذلک توثیقا ، ثم ذکر أنه روی عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان ، وابناه عون وعبد الله ابنا مالک ، وعبد الرحمن بن سعید بن یربوع المخزومی .

ص: 419

ثم قال: قال علی بن المدینی: کان مالک الدار خازناً لعمر اه، بمعناه ملخصا .

وبذلک نعلم أن سیدنا عمر وسیدنا عثمان قد وثقاه اذ قد ولیاه بیت مال المسلمین وفی ذلک أقوی توثیق له أیضاً .

وقد نقل الحافظ الخلیلی فی کتابه الإرشاد الإتفاق عل توثیق مالک الدار فقال هناک: متفق علیه أثنی علیه التابعون !! فقد ذهب کلام الألبانی هباء .

وللموضوع توسع فی رسالة لنا خاصة أسمیناها بالباهر. والله یقول الحق وهو یهدی السبیل. انتهی .

- وقال الصدیق المغربی فی کتابه المذکور/11:

وبعد ، فإن الشیخ الألبانی سامحه الله تعالی صاحب غرض وهوی ، إذا رأی حدیثا أو أثراً لا یوافق هواه فانه یسعی فی تضعیفه بأسلوب فیه تدلیس وغش ، لیوهم قراءه أنه مصیب ، مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش ، وبأسلوبه هذا ضلل کثیراً من أصحابه الذین یثقون به ویظنون أنه علی صواب، والواقع خلاف ذلک .

ومن المخدوعین به من یدعی حمدی السلفی الذی یحقق المعجم الکبیر ، فقد أقدم بجرأة علی تضعیف أثر صحیح لم یوافق هواه کما لم یوافق هوی شیخه ، وکان کلامه فی تضعیفه هو کلام شیخه نفسه .

فأردت أن أرد الحق إلی نصابه ، ببیان بطلان کلام الخادع والمخدوع به ، وعلی الله اعتمادی ، وإلیه تفویضی واستنادی .

روی الطبرانی فی المعجم الکبیر ( 9/17 ) من طریق ابن وهب عن شبیب عن روح بن القاسم عن ابی جعفر الخطمی المدنی عن ابی أمامة بن سهل بن حنیف عن عمه عثمان بن حنیف (رض): أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان (رض) فی حاجة له فکان عثمان لا یلتفت إلیه ، ولا ینظر فی حاجته ، فلقی عثمان بن حنیف فشکا إلیه ذلک ، فقال له عثمان بن حنیف: ائت المیضأة فتوضأ

ص: 420

ثم ائت المسجد ، فصل فیه رکعتین، ثم قل: اللهم انی أسألک وأتوجه الیک بنبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نبی الرحمة ، یا محمد انی أتوجه بک إلی ربی فتقضی لی حاجتی ، وتذکر حاجتک ، ورح إلی حتی أروح معک .

فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتی باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتی أخذ بیده ، فأدخله علی عثمان بن عفان فأجلسه معه علی الطنفسة ، وقال له ما حاجتک فذکر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال: ما ذکرت حاجتک حتی کانت هذه الساعة ، وقال: ما کانت لک من حاجة فائتنا .

ثم ان الرجل خرج من عنده فلقی عثمان بن حنیف ، فقال له: جزاک الله خیراً ، ما کان ینظر فی حاجتی ولا یلتفت الی حتی کلمته فی .

فقال عثمان بن حنیف: والله ما کلمته ، ولکن شهدت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأتاه رجل ضریر فشکا إلیه ذهاب بصره ، فقال له النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أو تصبر ؟ فقال: یا رسول الله انه لیس لی قائد وقد شق علی .

فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ائت المیضأة فتوضأ ثم صل رکعتین ، ثم ادع بهذه الدعوات!

قال عثمان بن حنیف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحدیث ، حتی دخل علینا الرجل کأنه لم یکن به ضر ، قط. صححه الطبرانی ، وتعقبه حمدی السلفی بقوله: لا شک فی صحة الحدیث المرفوع ، وإنما الشک فی هذه القصة التی یستدل بها علی التوسل المبتدع ، وهی انفرد بها شبیب کما قال الطبرانی ، وشبیب لا بأس بحدیثه ، بشرطین: أن یکون من روایة ابنه أحمد عنه ، وأن یکون من روایة شبیب عن یونس بن یزید .

والحدیث رواه عن شبیب ابن وهب وولداه اسماعیل واحمد ، وقد تکلم الثقات فی روایة ابن وهب عن شبیب ، فی شبیب ، وابنه اسماعیل لا یعرف ، وأحمد وان روی القصة عن أبیه إلا أنها لیست من طریق یونس بن یزید ، ثم اختلف

ص: 421

فیها علی احمد ، ورواه ابن السنی فی عمل الیوم واللیلة ، والحاکم من ثلاثة طرق بدون ذکر القصة ، ورواه الحاکم من طریق عون بن عمارة البصری عن روح بن القاسم به ، قال شیخنا محمد ناصر الدین الألبانی: وعون هذا وان کان ضعیفا فروایته أولی من روایة شبیب لموافقتها لروایة شعبة وحماد بن سلمة عن أبی جعفر الخطمی. ا ه.

وفی هذا الکلام تدلیس وتحریف نبینه فیما یلی:

أولا: هذه القصة رواها البیهقی فی دلائل النبوة من طریق یعقوب بن سفیان حدثنا أحمد بن شبیب بن سعید ثنا أبی عن روح بن القاسم عن أبی جعفر الخطمی عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف عن عمه عثمان بن حنیف ، أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان (رض) ، فذکر القصة بتمامها .

ویعقوب بن سفیان هو الفسوی الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا اسناد صحیح البخاری ، ومعنی ذلک أنها صحیحة ، وهذا الذی یوافق کلام الحافظ ، ویبطل ما استنبطه الألبانی من کلام الحافظ فی مقدمة فتح الباری فلیتأمل .

ان الحفاظ أیضاً صححوا هذه القصة، کالمنذری فی الترغیب والترهیب (1/476) باقراره للطبرانی ، والهیثمی فی مجمع الزوائد ( 2/279 ) أیضاً ، وقبلهما الإمام الحافظ الطبرانی فی معجمه الصغیر ( 1/307 الروض الدانی ) وغیرهم .

ثانیاً: أحمد بن شبیب من رجال البخاری ، روی عنه فی الصحیح ، وفی الأدب المفرد .

ووثقه ابوحاتم الرازی وکتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدی: وثقه أهل البصرة وکتب عنه علی ابن المدینی. وأبوه شبیب بن سعید التمیمی الحبطی البصری أبو سعید من رجال البخاری أیضاً ، روی عنه فی الصحیح وفی الأدب

ص: 422

المفرد .

ووثقه ابوزرعة وأبو حاتم والنسائی والذهلی والدارقطنی والطبرانی فی الأوسط. قال أبو حاتم: کان عنده کتب یونس بن زید ، وهو صالح الحدیث لا بأس به. وقال ابن عدی: ولشبیب نسخة الزهری عنده عن یونس عن الزهری أحادیث مستقیمة. وقال ابن المدینی: ثقة کان یختلف فی تجارة إلی مصر وکتابه کتاب صحیح ، هذا ما یتعلق بتوثیق شبیب ، ولیس فیه اشتراط صحة روایته بأن تکون عن یونس بن یزید ، بل صرح ابن المدینی بأنه کتابه صحیح. وابن عدی انما تکلم علی نسخة الزهری عن شبیب فقط ، ولم یقصد جمیع روایاته !!

فما ادعاه الألبانی تدلیس وخیانة ، یؤکد ذلک أن حدیث الضریر صححه الحفاظ ولم یروه شبیب عن یونس عن الزهری ! ! وانما رواه عن روح بن القاسم !!

ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فیها ، حیث لم یذکرها بعض الرواة عند ابن السنی والحاکم، لون آخر من التدلیس ! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة یروی الحدیث وما یتصل به کاملاً ، وبعضهم یختصر منه بحسب الحاجة ، والبخاری یفعل هذا أیضاً ، فکثیرا ما یذکر الحدیث مختصرا أو یوجد عند غیره تاماً .

والذی ذکر القصة فی روایة البیهقی امام فذ یقول عنه ابو زرعة الدمشقی: قدم علینا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما یعقوب بن سفیان یعجز أهل العراق أن یرو مثله رجلا .

وتقدیمه روایة عون الضعیف علی من زاد القصة ، لون ثالث من التدلیس والغش .

فإن الحاکم روی حدیث الضریر من طریق عون مختصرا ، ثم قال: تابعه شبیب ابن سعید الحبطی عن روح بن القاسم زیادات فی المتن والإسناد ، والقول فیه

ص: 423

قول شبیب فانه ثقة مأمون ، هذا کلام الحاکم ، وهو یؤکد ما تقرر عند علماء الحدیث والأصول أن زیادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة علی من لم یحفظ!

والألبانی رأی کلام الحاکم لکن لم یعجبه لذلک ضرب عنه صفحاً ، وتمسک بأولویة روایة عون الضعیف عنادا وخیانة .

ثالثا: تبین مما أوردناه وحققناه فی کشف تدلیس الالبانی وغشه ، أن القصة صحیحة جدا ، رغم محاولاته وتدلیساته ، وهی تفید جواز التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بعد انتقاله، لأن الصحابی راوی الحدیث فهم ذلک،وفهم الراوی له قیمته العلمیة، وله وزنه فی مجال الإستنباط .

وانما قلنا ان القصة من فهم الصحابی علی سبیل التنزل ، والحقیقة أن ما فعله عثمان بن حنیف من ارشاده الرجل إلی التوسل ، کان تنفیذا لما سمعه من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کما ثبت فی حدیث الضریر .

قال ابن أبی خیثمة فی تاریخه: حدثنا مسلم بن ابراهیم ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمی عن عمارة بن خزیمة عن عثمان بن حنیف (رض): أن رجلا أعمی أتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: إنی أصبت فی بصری فادع الله لی قال:

إذهب فتوضأ وصل رکعتین ثم قل:

اللهم إنی أسألک وأتوجه الیک بنبیی محمد نبی الرحمة . یا محمد إنی أستشفع بک إلی ربی فی رد بصری. اللهم فشفعنی فی نفسی ، وشفع نبیی فی رد بصری .

وإن کانت حاجة فافعل مثل ذلک. إسناده صحیح .

والجملة الأخیرة من الحدیث تصرح بإذن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی التوسل به عند عروض حاجة تقتضیه .

وقد أعل ابن تیمیة هذه الجملة بعلل واهیة. بینت بطلانها فی غیر هذا المحل. وابن تیمیة جرئ فی رد الحدیث الذی لا یوافق غرضه ، ولو کان فی الصحیح !!

ص: 424

مثال ذلک: روی البخاری فی صحیحه حدیث ( کان الله ولم یکن شئ غیره ) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتیقن ، لکنه خالف رأیه فی إعتقاده قدم العالم ، فعمد إلی روایة للبخاری أیضاً فی هذا الحدیث بلفظ ( کان الله ولم یکن شئ قبله )فرجحها علی الروایة المذکورة ، بدعوی أنها توافق الحدیث الآخر ( أنت الأول فلیس قبلک شئ ) .

قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضیة الجمع بین الروایتین تقتضی حمل هذه الروایة علی الأولی لا العکس ، والجمع مقدم عل الترجیح بالإتفاق .

قلت: تعصبه لرأیه أعماه عن فهم الروایتین اللتین لم یکن بینهما تعارض . . .

مثال ثان: حدیث أمر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بسد الأبواب الشارعة فی المسجد ، وترک باب علی(علیه السّلام)، حدیث صحیح ، أخطأ ابن الجوزی بذکره فی الموضوعات. ورد علیه الحافظ فی القول المسدد .

وابن تیمیة لإنحرافه عن علی(علیه السّلام)کما هو معلوم ، لم یکفه حکم ابن الجوزی بوضعه ، فزاد من کیسه حکایة اتفاق المحدثین علی وضعه !!

وأمثلة رده للأحادیث التی یردها لمخالفة رأیه کثیرة ، یعسر تتبعها .

رابعا: ونقول علی سبیل التنزل: لو فرضنا أن القصة ضعیفة تطییبا لخاطر الألبانی، وأن روایة ابن أبی خیثمة معلولة کما فی محاولة ابن تیمیة ، قلنا: فی حدیث توسل الضریر کفایة وغناء ، لأن النبی حین علم الضریر ذلک التوسل ، دل علی مشروعیته فی جمیع الحالات .

ولا یجوز أن یقال عنه: توسل مبتدع ! ولا یحوز تخصیصه بحال حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومن خصصه فهو المبتدع حقیقة ، لأنه عطل حدیثا صحیحاً وأبطل العمل به ، وهو حرام .

والألبانی عفا الله عنه جرئ علی دعوی التخصیص والنسخ لمجرد خلاف رأیه

ص: 425

وهواه . فحدیث الضریر لو کان خاصا به ، لبینه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کما بین لأبی بردة أن الجذعة من المعز تجزیه فی الأضحیة ، ولا تجزی غیره ، کما فی الصحیحین. وتأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یجوز .

اعتذار وجوابه:

قد یقال: الداعی إلی تخصیص الحدیث بحال حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما فیه من ندائه ، وهو عذر مقبول .

والجواب: أن هذا اعتذار مردود ، لأنه تواتر عن النبی صلی علیه وسلم تعلیم التشهد فی الصلاة ، وفیه السلام علیه بالخطاب ونداؤه ( السلام علیک أیها النبی ) وبهذه الصیغة علمه علی المنبر النبوی أبو بکر وعمر ، وابن الزبیر ، ومعاویة ، واستقر علیه الإجماع ، کما یقول ابن حزم ، وابن تیمیة !

والألبانی لإبتداعه خالف هذا کله ، وتمسک بقول ابن مسعود ، فلما مات قلنا السلام علی النبی ، ومخالفة التواتر والإجماع ، هی عین الإبتداع .

مع أنه صح عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن أعمالنا تعرض علیه ، وکذلک صلاتنا علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، تعرض علیه .

وثبت أن لله ملائکة سیاحین فی الأرض یبلغونه سلام أمته .

وثبت بالتواتر والإجماع أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حی فی قبره، وأن جسده الشریف لا یبلی، فکیف یمتنع مع هذا نداؤه فی التوسل به ، وهل هو إلا مثل ندائه فی التشهد ؟!!

ولکن الألبانی عنید شدید العناد ، والألبانیون عندهم عناد ، وصلابة فی الرأی ، أخبرنی بذلک عالم ألبانی حضر علی فی تفسیر البیضاوی وشرح التحریر لابن أمیر الحاج ، وکان ودیعا هادئ الطبع ، وهو تلمیذ لی .

هذا موجز ردنا لدعوی الألبانی. أما من یدعی حمدی السلفی فلیس هناک، وإنما هو مجرد مخدوع یردد الصدا .

ص: 426

الحاق: قال الدرامی فی سننه:

حدثنا أبو النعمان ثنا سعید بن زید ثنا عمرو بن مالک النکری حدثنا ابوالجوزاء اوس بن عبد اللة قال: قحط أهل المدینة قحطاً شدیداً ، فشکوا إلی عائشة ، فقالت انظروا قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فافتحوا منه کوی إلی السماء حتی لا یکون بینه وبین السماء سقف ففعلوا. فمطرنا مطرا حتی نبت العشب وسمنت الإبل حتی تفتقت من الشحم فسمی عام الفتق .

ضعف الألبانی هذا الأثر بسعید بن زید ، وهو مردود لأن سعیداً من رجال مسلم ووثقه یجیی بن معین وضعفه أیضاً بإختلاط ابی النعمان ، وهو تضعیف غیر صحیح لأن إختلاط أبی النعمان لم یؤثر فی روایته ، قال الدارقطنی: تغیر بأخرة. وما ظهر له بعد اختلاط حدیثٌ منکر ، وهو ثقة. وقول ابن حبان: وقع فی حدیثه المناکیر الکثیرة بعد إختلاطه ، رده الذهبی فقال: لم یقدر ابن حبان أن یسوق له حدیثا منکراً والقول فیه ما قال الدارقطنی ( 45 ) ، وابن تیمیة کذب أثر عائشة ، ولا عبرة به لجرأته علی تکذیب ما یخالف هواه .

والحمد لله رب العالمین. انتهی .

کتاب ( التوسل بالنبی وجهلة الوهابیین )

تألیف أبی حامد المرزوق - طبعة مکتبة ایشیق فی إستانبول

قال فی/24:

وانما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطیله هذه ، أنه لم یحقق معنی العبادة شرعاً کما یدل علیه استقراء موارد هذه اللفظة فی کلام الله تعالی ورسوله صلی الله تعالی علیه وسلم ، فظن أن التوسل برسول الله صلی الله تعالی علیه وسلم وسائر الصالحین والإستغاثة بهم ، مع استقرار القلب علی أنهم أسباب لا إستقلال لهم

ص: 427

بنفع ولا ضر ، ولیس لهم من الربوبیة شئ ، ولکن الله جعلهم مفاتیح لخیره ومنابع لبره وسحبا یمطر منها علی عباده أنواع خیره . . ظن أن ذلک وما إلیه من الشرک المخرج عن الملة .

ومن رافقه التوفیق وفارقه الخذلان ونظر فی المسألة نظر الباحث المنصف علم یقینا لا تخالطه ریبة أن مسمی العبادة شرعاً لا یدخل فیه شئ مما عده من توسل واستغاثة وغیرهما ، بل لا یشتبه بالعبادة أصلاً فإن کل ما یدل علی التعظیم لا یکون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبیة لذلک المعظم ، أو صفة من صفاتها الخاصة بها. ألا تری الجندی یقوم بین یدی رئیسه ساعة وساعات احتراما له وتأدبا معه ، فلا یکون هذا القیام عبادة للرئیس شرعاً ولا لغةً ، ویقوم المصلی بین یدی ربه فی صلاة بضع دقائق أو بعضها ، قدر ما یقرأ الفاتحة ، فیکون هذا القیام عبادة شرعا ؟! وسر ذلک أن هذ القیام وإن قلت مسافته مقترن باعتقاد القائم ربوبیة من قام له ، ولا یقارن ذاک القیام هذا الإعتقاد. ا ه- .

وقد اطلعت علی کلام لابن تیمیة فی توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة مفرق فی أربعة مواضع من کتبه ، أذکره کله لیراه القراء ، ثم أبطله:

1 - قال فی الجزء الأول من فتاواه/219 ، فی تفسیر قوله صلی الله تعالی علیه وسلم: ( ولا ینفع ذا الجد منک الجد ) والمعنی أن صاحب الجد لا ینفعه منک جده ، ألا ینجیه ویخلصه منک جده، وإنما ینجیه الإیمان والعمل الصالح ، والجد هو الغنی وهو العظمة وهو المال ، ( إلی أن قال ) فبین فی هذا الحدیث أصلین عظیمین أحدهما ، توحید الربوبیة ، وهو أن لا معطی لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا یتوکل إلا علیه ولا یسأل إلا هو .

والثانی ، توحید الإلهیة ، وهو بیان ما ینفع وما لا ینفع ، وأنه لیس کل من أعطی مالا أو دنیا أو رئاسة ، کان ذلک نافعاً عند الله منجیاً له من عذابه ، فإن الله تعالی

ص: 428

یعطی الدنیا من یحب ومن لا یحب ، ولا یعطی الإیمان إلا من یحب ( إلی أن قال ): وتوحید الإلهیة أن یعبد الله ولا یشرک به شیئاً فیطیعه ویطیع رسله ویفعل ما یحبه ویرضاه .

وأما توحید الربوبیة فیدخل ما قدره وقضاه ، وان لم یکن مما أمر به وأوجبه أرضاه ، والعبد مأمور بأن یعبد الله ویفعل ما أمر به وهو توحید الإلهیة ویستغفر الله علی ذلک وهو توحید له فیقول: (إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیَّاکَ نَسْتَعِینُ ) اه .

2 - وقال فی الجزء الثانی من فتاواه/275:

فإن المقصود هنا بیان حال العبد المحض لله تعالی الذی یعبده ویستعینه فیعمل له ویستعینه ، ویحقق قوله ( إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیَّاکَ نَسْتَعِینُ ) ، توحید الألوهیة وتوحید الربوبیة ، وان کانت الإلهیة تتضمن الربوبیة والربوبیة تستلزم الإلهیة فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الإنفراد لم یمنع أن یختص بمعنی عند الإقتران ، کما فی قوله: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. الخ ) فجمع بین الإسمین ، فإن الإله هو المعبود الذی یستحق أن یعبد ، والرب هو الذی یرب عبده ا ه .

3 - وقال فی الجزء الثانی من منهاج السنة/62 ، بعد ثرثرة ذم فیها جمیع فرق المسلمین من المتکلمین ، مصرحا بأنهم عبدوا غیر الله لجهلهم توحید الألوهیة وإثبات حقائق أسماء الله ، ما نصه:

فانهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلیة التی ذکرها الله فی کتابه فعدلوا عنها إلی طرق أخری مبتدعة فیها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترک بینهم وبین غیرهم ، ودخلوا فی بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحید ما هو منه کتوحید الإلهیة ، واثبات حقائق أسماء الله وصفاته ، ولم یعرفوا من التوحید إلا توحید الربوبیة ، وهو الإقرار بأن الله خالق کل شئ وهذا التوحید کان یقر به المشرکون الذین قال الله عنهم ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ

ص: 429

وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) ، وقال تعالی: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ . سَیَقُولُونَ للهِ ، الآیات ). وقال عنهم: ( وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِکُونَ . ) فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السموات والأرض فیقولون الله ، وهم مع ذلک یعبدون غیره ، وإنما التوحید الذی أمر الله به العباد هو توحید الألوهیة المتضمن توحید الربوبیة ، بأن یعبدوا الله ولا یشرکوا به شیئاً ، فیکون الدین کله لله ا ه .

4 - وقال فی رسالة أهل الصفة/34: توحید الربوبیة وحده لا ینفی الکفر ولا یکفی ا ه .

أقول: قد لبس ابن تیمیة فی تآلیفه علی العامة وأشباههم من المتفقهة کثیراً بالسلف الصالح والکتاب والسنة ، لترویج هواه فی سوقهم !

ولکنه فی هذا الکلام صرح بهواه ولم یلصقه بهما ولا بالسلف ، وإنی بحول الله وتوفیقه أکیل له بصاعه الذی لبس به علی البسطاء کیلاً حقیقیاً وافیاً ، مبرهنا فأقول:

کلامه هذا فی الأربعة المواضع بالطل باثنین وثلاثین وجها .

الوجه الأول: لم یقل الإمام احمد بن حنبل الذی انتسب إلیه کذبا لأصحابه ان التوحید قسمان: توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة ، وان من لم یعرف توحید الألوهیة لا تعتبر معرفته لتوحید الربوبیة لأن هذا یعرفه المشرکون ، وهذا عقیدة الإمام أحمد مدونة فی مصنفات أتباعه فی مناقبه لإبن الجوزی وفی غیره لیس فیه هذا الهذیان .

الوجه الثانی: لم یقل أی واحد من أتباع التابعین لأصحابه ان التوحید قسمان: توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة ، وان من لم یعرف توحید الألوهیة لا یعتد بمعرفته لتوحید الربوبیة، فلو اجتمع معه الثقلان علی إثباته عن أی واحد منهم لا

ص: 430

یستطیعون .

الوجه الثالث: لم یقل أی واحد من التابعین لأصحابه ان التوحید ینقسم إلی توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة ، فلو اجتمع معه الثقلان علی إثباته عن أی واحد منهم لا یستطیعون .

الوجه الرابع: لم یقل أی صحابی من أصحاب النبی صلی الله تعالی علیه وسلم ورضی عنهم ان التوحید ینقسم إلی توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة وأن من لم یعرف توحید الألوهیة لا یعتد بمعرفته لتوحید الربوبیة لأن هذا یعرفه المشرکون، وإنی اتحدی کل من له المام بالعلم أن ینقل لنا هذا التقسیم المخترع عنهم ، ولو بروایة واهیة .

الوجه الخامس: لم یأت فی سنة النبی صلی الله تعالی علیه وسلم الواسعة التی هی بیان لکتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانید ومعاجم ، أن النبی صلی الله تعالی علیه وسلم کان یقول لأصحابه ویعلمهم أن التوحید ینقسم إلی توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة ، وان من لم یعرف توحید الألوهیة لایعتد بمعرفته لتوحید الربوبیة، لأن هذا یعرفه المشرکون ، فلو اجتمع معه الثقلان علی اثبات هذا الهذیان عن النبی صلی الله تعالی علیه وسلم باسناد ولو واهیاً لا یستعطیون .

الوجه السادس: بل کتب السنة طافحة بأن دعوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الناس إلی الله کانت إلی شهادة ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان ، ومن أشهرها حدیث معاذ بن جبل لما أرسله النبی صلی الله تعالی علیه وسلم إلی الیمن فقال له: ( ادعهم إلی شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلک فأخبرهم أن علیهم خمس صلوات فی الیوم واللیلة - الحدیث ) .

وروی الخمسة وصححه ابن حبان أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبره أعرابی برؤیة الهلال ، فأمر بالصیام ولم یسأله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلا عن الإقرار بالشهادتین، وکان اللازم علی هذیانه

ص: 431

هذا أن یدعو النبی صلی الله تعالی علیه وسلم جمیع الناس إلی توحید الألوهیة الذی جهلوه ، وأما توحید الربوبیة فقد عرفوه ! ویقول لمعاذا ادعهم إلی توحید الألوهیة ! ویقول للأعرابی الذی رأی هلال رمضان هل تعرف توحید الألوهیة ؟!

الوجه السابع: لم یأمر الله فی کتابه العزیز الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه عباده بتوحید الألوهیة ، ولم یقل لهم ان من لم یعرفه لایعتد بمعرفته لتوحید الربوبیة ، بل أمر وهو:

الوجه الثامن: بکلمة التوحید مطلقة ، قال الله تبارک وتعالی مخاطبا نبیه صلی الله تعالی علیه وسلم ( فاعلم أنه لا اله إلا الله) وهکذا جمیع آیات التوحید المذکورة فی القرآن ، مع سورة الإخلاص التی تعدل ثلث القرآن .

الوجه التاسع: یلزم علی هذا الهذیان علی الله تبارک وتعالی لعباده حیث عرفوا کلهم توحید الربوبیة ولم یعرفوا توحید الألوهیة - أن یبینه لهم ولا یضلهم ولا یعذ بهم علی جهلهم نصف التوحید ولا یقول لهم: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإسْلامَ دِینًا ) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.

الوجه العاشر: الإله هو الرب والرب هو الإله ، فهما متلازمان یقع کل منهما فی موضع الآخر، وکتاب الله تعالی طافح بذلک ، وکذلک سنته علیه الصلاة والسلام، قال الله تبارک وتعالی: (یَأَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ ) وکان اللازم - علی زعمه - حیث کانوا یعرفون توحید الربوبیة ولا یعرفون توحید الألوهیة أن یقول الله: ( إعبدوا الهکم ) !!

وقال الله تعالی: (أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِی حَاجَّ إِبْرَاهِیمَ فِی رَبِّهِ - الآیة ) ، وکان اللازم - علی زعمه حیث کان النمرود یعرف توحید الربوبیة ویجهل توحید الألوهیة - أن یقول الله تعالی: ( ألم تر إلی الذی حاج ابراهیم فی إلهه ) !!

ص: 432

وکان اللازم علی زعمه أن یقول الله فی قوله تعالی: (یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) اتقوا إلهکم !!

وکان اللازم علی زعمه أن یقول الله فی قوله تعالی: ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِیُّونَ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ هَلْ یَسْتَطِیعُ رَبُّکَ أَنْ یُنَزِّلَ عَلَیْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) ، هل یستطیع إلهک ، وکان اللازم علی زعمه أن یقول الله فی قوله تعالی: (ثُمَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ ) ثم الذین کفروا بالههم یعدلون ! لأن الرب یعرفونه ، وهو شئ کثیر فی القرآن . . .

الوجه الثلاثون: جعله التوسل والإستغاثة عبادة للمتوسل به والمستغاث به والمستعان به !!...

قوله ( وهم مع ذلک یعبدون غیره ) فاسد أیضاً ومعناه یقول أحمد بن تیمیة الملبس بلفظ ( الطائفة ) والملبس أیضاً المدعی أنه ( من السلف ) للمالکیة والشافعیة والحنفیة ومستقیمی العقیدة من الحنابلة ( من خلق السموات والأرض فیقولون الله ) وهم مع إعترافهم بتوحید الربوبیة مشرکون فی رأیه لأنهم (یعبدون غیره ) ، أی یتوسلون بالنبی صلی الله تعالی علیه وسلم وبالصالحین من أمته ویستغیثون ویستعینون بهم ، وکل من التوسل والإستعانة والإستغاثة عبادة غیر الله تعالی فی زعمه !!

وقد اعتمد فی تکفیر المسلمین بهذه الالفاظ علی إرادة نفع جاه المتوسل به أو المستغاث به مثلاً ، قیاساً علی عبدة الأوثان بجامع الإرادة المذکورة فی کل ، وهو قیاس فاسد من ستة أوجه:

الأول: جهله حقیقة العبادة ، فإن العبادة لغة: أقصی نهایة الخضوع والتذلل بشرط نیة التقرب ، ولا یکون ذلک إلا لمن له غایة التعظیم ، فقد تبین منه أن العبادة لغة لا تطلق إلا علی العمل الدال علی الخضوع المتقرب به لمن یعظمه

بإعتقاد تأثیره

ص: 433

فی النفع والضر ، أو اعتقاد الجاه العظیم الذی ینفعه فی الدنیاوالآخرة ، وهی التی نهی الله سبحانه وتعالی عن أن تقع لغیره ، وکفر من لم ینته عنها ، وما قصر عن هذه المرتبة لایقال فیه عبادة لغیر الله .

وشرعاً : إمتثال أمر الله کما أمر علی الوجه المأمور به من أجل أنه أمر ، مع المبادرة بغایة الحب والخضوع والتعظیم ، فاعتبر فیها ما اعتبر فی اللغویة من الخضوع والتذلل والتعظیم .

فاللغویة غیر مقیدة بعمل مخصوص والشرعیة مقیدة بالأعمال المأمور بها فکانت جاریة علی الأعم الأغلب فی الحقائق الشرعیة من کونها أخص من اللغویة .

ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة الیهودی مثلاً ، لأنه وإن تمسک بشریعة إلا أنها لما کانت منسوخة کانت کأن لم تکن، وعبادة المبتدع فی الدین ما لیس منه ، فالله سبحانه لما نهی الکفار عما هم مشتغلون به من عبادة غیره ، ووبخهم علی وضع الشئ فی غیر محله وتعظیمهم غیر أهله ، وبین لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحیة ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إلیه ، وکان الحامل لهم علی ذلک اتباع أهوائهم ، والإسترسال مع أغراضهم، وذلک مناف لعبودیتهم ، إذا العبد لا یتصرف فی نفسه بمقتضی شهوته وغرضه ، وإنما یتصرف علی مقتضی أمر سیده ونهیه ، قصد سبحانه أن یخرجهم عن داعیة أهوائهم واتباع أغراضهم ، حتی یکونوا عبیدا لله تعالی ، اختیارا کما هم عبید له اضطرارا ، فوضع لهم الشریعة المطهرة وبین لهم الأعمال التی تعبدهم بها ، والطرق التی توصلهم إلی منافعهم ومصالحهم علی الوجه الذی ارتضاه لهم ، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم . . .

وعلی هذا فشرط کونها عبادة نیة التقرب للمعبود ، فالسجود لایکون عبادة ولا کفراً إلا تبعاً للنیة ، فسجود الملائکة علیهم الصلاة والسلام لآدم علیه الصلاة

ص: 434

والسلام عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظیم له ، والسجود للصنم کفر إذا قصد به التقرب إلیه اذ هو عبادة لغیر الله ، وکذا یحکم علیه به عند جهل قصده أو إنکاره لأنه علامة علی الکفر .

والسجود للتحیة معصیة فقط فی شرعنا، وقد کان سائغا فی الشرائع السابقة بدلیل سجود یعقوب وبنیه لیوسف علیهم الصلاة والسلام .

فتحقق من تعریفی العبادة لغة وشرعاً أن العبادة التذلل والتعظیم للمعبود ، وعلیه فلیس کل تعظیم عبادة ، وأن ضابط التعظیم المقتضی للعبادة هو أن یعتقد له التأثیر فی النفع والضر ، أو یعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحیث ینفع فی الآخرة ویستنزل به النصر والشفاء فی الدنیا .

والتوسل لا یسمی عبادة قطعاً ولا یقال فیه عبادة وانما هی وسیلة الیها ، وسیلة الشئ غیره بالضرورة .

الثانی: الوسیلة لغة کل ما یتقرب به إلی الغیر ، وسل إلی الله تعالی توسیلاً عمل عملا تقرب به إلیه ، فتحقق منه أن التوسل لا یسمی عبادة قطعاً ، ولا یقال فیه عبادة وإنما هو وسیلة إلیها ، ووسیلة الشئ غیره بالضرورة وهو واضح ، فإن التوسل لاتقرب فیه للمتوسل به ولا تعظیمه غایة التعظیم ، والتعظیم إذا لم یصل إلی هذا الحد لا یکون الفعل المعظم به عبادة ، فلا یطلق إسم العبادة علی ما ظهر من الإستعمال اللغوی إلا علی ما کان بهذه المثابة من کون العمل دالاً علی غایة الخضوع منویا به التقرب للمعبود تعظیماً له بذلک التعظیم التام ، فاذا اختل شئ منها منع الإطلاق ، أما الدلالة علی نهایة الخضوع فظاهر ، لأن مناط التسمیة لم یوجد ، ولأن الناس من قدیم الزمان إلی الآن یخضعون لکبرائهم ورؤسائهم بما یقتضیه مقامه الدنیوی عندهم ویحیونهم بأنواع التحیات ، ویتذللون بین أیدیهم ولا یعدون ذلک قربة ولا یطلقون علیه اسم العبادة ، وانما یرونه من باب

ص: 435

الأدب ، وما ذاک إلا لکون ذلک الخضوع لم یبلغ نهایته والعظیم الناشئ عنه لم یبلغ غایته ، وبهذا ظهر الفرق بین التوسل والعبادة. علی أن عبد یتعدی بنفسه وتوسل یتعدی بحرف الجر .

وقد أوغل ابن تیمیة فی بیداء القیاس الفاسد دفعتین ، قیاسه معانی هذا الألفاظ ، توسل استعان ، استغاث ، تشفع ، علی العبادة ، وقیاسه المؤمنین المتوسلین بالنبی صلی الله تعالی علیه وسلم مثلاً علی عبدة الأوثان من دون الله بجامع أرادة الجاه فی کل.

فلینظر اللبیب إلی أین رماه جهله باللغة العربیة ، فانه لو تأمل فی قول القائل: اللهم انی أتوسل الیک بفلان ، وأجراه علی ما تدل علیه اللغة لوجد معناه ، اللهم انی أتقرب الیک وأتحبب الیک ، فهو دال بجوهره علی أن التقرب لله لا لمن یراد جاهه !!

ومن جهل الفرق بین عبد وتوسل ، کیف یصح له القیاس فی دین الله والحاق بعض الفروع ببعض ، والقیاس أصعب أنواع الإجتهاد ، لکثرة ما یعتبر فی أرکانه من الشروط ، وما یرد علیه من المعارضات والمناقضات وغیر ذلک من أنواع الإعتراضات ، فلا یصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمدارکهم علی اختلاف مراتبهم، ومن قصر عن تلک المراتب لایسوغ له الجزم بالحکم المأخوذ منه فی دانق ، فکیف بالحکم المأخوذ منه فی تکفیر المسلمین ؟!!

الثالث: وحیث تحقق الفرق بین العبادة والتوسل ، فالعبادة فیها معنی زائد یناسب اناطة الحکم به ، وهو اشتمالها علی الأعراض عن الله واطلاق الإلهیة علی غیره وإقامته مقامه وخدمته بما یستحق أن یخدم ، وقد أشار إلی هذا المعنی بعض فضلاء أهل السنة ، وملخص کلامه: أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان علی عبادتها هی أنهم استصغروا أنفسهم فاستعظموا أن یعبدوا الله مباشرة ، ورأوا من سوء

ص: 436

الأدب أن یشتغل الحقیر من أول وهلة بخدمة العظیم، وقربوا ذلک بأمر مستحسن فی العادة ، وهو أن الحقیر لا ینبغی له أن یخدم الملک حتی یخدم عماله إلی أن یترقی لخدمته ، وقال: وهذه هی الحاملة علی التوسل إلی الله تعالی بمن له جاه عنده ، إلا أن الشرع أذن فی التوسل ولم یأذن فی العبادة ، فکانت حاجة الکفار تندفع بما شرعه الله ، إلا أن الله تعالی أعمی بصائرهم ، ولو تنبهوا لأمر عادی آخر لأرشدهم ، فإن الملک من ملوک الدنیا إذا استجاه له أحد بعظیم من وزرائه وتشفع له بذلک ، ربما أقبل علیه وأخذ بیدیه وقضی ما أراده منه. أما إذا عظم ذلک الوزیر بما یعظم به الملک وعامله بمعاملته وأقامه فی مقامه فیما یختص به الملک عن غیره ، رجاء أن یقضی ذلک الوزیر حاجته من الملک ، فإن الملک إذا علم بصنیعه یغضب أشد الغضب ، ولا یقتصر فی العقوبة علی قطع الرجاء من الحاجة ، بل یفتک به وبالوزیر ان أحب ذلک !

فمثال التوسل الأول ومثال العبادة الثانی فتأمل هذا المثال فانه واف بواقعة الحال، وبالله التوفیق والإعتصام .

الرابع: القاعدة المشهورة المطردة وهی:

أن استواء الفعلین فی السبب الحامل علی الفعل لایوجب استواءهما فی الحکم ، یدل علی هاته القاعدة دلالة قطعیة ، أنه لو لم یکن الأمر کذلک بأن کان الاستواء فی الحامل یوجب الإستواء فی الحکم = کما ادعاه ابن تیمیة وقرره فی قیاسه التوسل علی العبادة والمتوسل علی عابد الوثن ، للزم ابطال الشریعة وتساوی الأعمال فی الأحکام ، واللازم باطل بالإتفاق ، وهو ضروری غنی عن الإستدلال !!

- وقال فی/96:

وقد انتهیت بتوفیق الله من ابطال کثیر من کلام ابن تیمیة وابن القیم وبعض کلام

ص: 437

ابن عبد الوهاب ، فی توحید الربوبیة والألوهیة والعبادة وملحقاتهما فی هذا الفصل ، وأختمه بما کتبه العلامة المحقق المرحوم الشیخ ( یوسف الدجوی ) المتوفی سنة خمس وستین وثلاثمائة وألف فی توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة قال(رحمه الله): جاءتنا رسائل کثیرة یسأل مرسلوها عن توحید الألوهیة وتوحید الربوبیة ما معناهما ، وما الذی یترتب علیهما ومن ذا الذی فرق بینهما ؟ وما هو البرهان علی صحة ذلک أو بطلانه ؟ فنقول وبالله التوفیق: ان صاحب هذا الرأی هو ابن تیمیة الذی شاد بذکره قال: ان الرسل لم یبعثوا إلا لتوحید الألوهیة ، وهو إفراد الله بالعبادة

، وأما توحید الربوبیة وهو اعتقاد أن الله رب العالمین المتصرف فی أمورهم فلم یخالف فیه أحد من المشرکین والمسلمین بدلیل قوله تعالی: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) .

ثم قالوا: إن الذین یتوسلون بالأنبیاء ویتشفعون بهم وینادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد کفروا باعتقادهم الربوبیة فی تلک الأوثان والملائکة والمسیح سواء بسواء ، فانهم لم یکفروا باعتقادهم الربوبیة فی تلک الأوثان وما معها بل بترکهم توحید الألوهیة بعبادتها ، وهذا ینطبق علی زوار القبور المتوسلین بالأولیاء المنادین لهم المستغیثین بهم الطالبین منهم ما لا یقدر علیه إلا الله تعالی !! بل قال محمد بن عبد الواهاب: ( ان کفرهم أشنع من کفر عباد الأوثان ، وإن شئت ذکرت لک عبارته المحزنة الجریئة ) فهذا ملخص مذهبهم مع الإیضاح ، وفیه عدة دعاوی . . .

- وقال فی/100:

ولکن نقول لهم بعد هذا علی فرض أن هناک فرقاً بین توحید الألوهیة وتوحید الربوبیة کما یزعمون ، فالتوسل لا ینافی توحید الألوهیة فانه لیس من العبادة فی

ص: 438

شئ لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً ، ولم یقل أحد ان النداء أو التوسل بالصالحین عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلی الله تعالی وسلم بذلک !!

ولو کان عبادة أو شبه عبادة لم یجز بالحی ولا بالمیت .

ومن المعلوم أن المتوسل لم یطلب إلا من الله تعالی بمنزلة هذا النبی أو الولی ، ولا شک فی أن لهما منزلة عند الله تعالی فی الحیاة وبعد الممات .

فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب الینا من حبل الورید فلا یحتاج إلی واسطة .

قلنا له: ( حفظت شیئاً وغابت عنک أشیاء... ) ، فإن رأیک هذا یلزمه ترک الأسباب والوسائط فی کل شئ ، مع أن العالم مبنی علی الحکمة التی وضعت الأسباب والمسببات فی کل شئ !!

ویلزمه عدم الشفاعة یوم القیامة وهی معلومة من الدین بالضرورة ، فانها علی هذا الرأی لا حاجة الیها ، اذ لا یحتاج سبحانه وتعالی إلی واسطة فانه أقرب من الواسطة. ویلزم خطأ عمربن الخطاب فی قوله: ( إنا نتوسل الیک بعم نبیک العباس الخ..) !!

وعلی الجملة یلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهو خلاف السنة الإلهیة التی قام علیها بناء هذه العوالم کلها من أولها إلی آخرها ، ولزمهم علی هذا التقدیر أن یکونوا داخلین فیما حکموا به علی المسلمین ، فانه لا یمکنهم أن یدعوا الأسباب أو یترکوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقاًواعتماداً علیها .

ولا یفوتنا أن نقول: ان التفرقة بین الحی والمیت فی هذا المقام لا معنی لها ، فإن المتوسل لم یطلب شیئا من المیت أصلاً ، وانما طلب من الله متوسلاً إلیه بکرامة هذا المیت عنده أو محبته له أو نحو ذلک ، فهل فی هذا کله تألیه للمیت أو عبادة له ، أم هو حق لا مریة فیه ، ولکنهم قوم یجازفون ولا یحققون !! کیف

ص: 439

وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جمیع المسلمین .

وانظر کتب المذاهب الأربعة ( حتی مذهب الحنابلة ) فی آداب زیارته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تجدهم قد استحبوا التوسل به إلی الله تعالی ، حتی جاء ابن تیمیة فخرق الإجماع وصادم المرکوز فی الفطر مخالفا فی ذلک العقل والنقل. انتهی .

کتاب ( شفاء السقام ) للإمام السبکی

وهو من کبار علماء مصر المعاصرین لابن تیمیة ، وذکروا أن ابن تیمیة کان یحترمه کثیرا ، ولعله کان یهابه فلم یرد علی کتابه !!

وقد طبع الکتاب مرات فی مصر ، ثم نشرته مکتبة ایشیق فی استانبول ، وحققه أخیراً ونشره العلامة السید محمد رضا الجلالی .

والمحور الأصلی للکتاب هو رد بدعة ابن تیمیة فی تحریم زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وفیه فصل فی رد تحریمه التوسل والإستشفاع والإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

- قال السبکی فی/59 من کتابه المذکور:

أما بعد، فهذا کتاب سمیته (شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام) ورتبته علی عشرة أبواب:

الأول: فی الأحادیث الواردة فی الزیارة .

الثانی: فی الأحادیث الدالة علی ذلک وان لم یکن فیها لفظ (الزیارة).

الثالث: فیما ورد فی السفر إلیها .

الرابع: فی نصوص العلماء علی إستحبابها .

الخامس: فی تقریر کونها قربة.

ص: 440

السادس: فی کون السفر إلیها قربة.

السابع: فی دفع شبه الخصم وتتبع کلماته.

الثامن: فی التوسل والإستغاثة.

التاسع: فی حیاة الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام.

العاشر: فی الشفاعة، لتعلقها بقوله: (من زار قبری وجبت له شفاعتی ) .

وضمنت هذا الکتاب الرد علی من زعم: أن أحادیث الزیارة کلها موضوعة ! وأن السفر إلیها بدعة غیر مشروعة !

وهذه المقالة أظهر فسادا من أن یرد العلماء علیها ، ولکنی جعلت هذا الکتاب مستقلا فی الزیارة وما یتعلق بها ، مشتملاً من ذلک علی جملة یعز جمعها علی طالبها .

- وقال فی/291:

اعلم أنه یجوز ویحسن التوسل ، والإستغاثة ، والتشفع بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی ربه سبحانه وتعالی .

وجواز ذلک وحسنه من الأمور المعلومة لکل ذی دین ، المعروفة من فعل الأنبیاء والمرسلین ، وسیر السلف الصالحین ، والعلماء والعوام من المسلمین .

ولم ینکر أحد ذلک من أهل الأدیان ، ولا سمع به فی زمن من الأزمان ، حتی جاء ابن تیمیة ، فتکلم فی ذلک بکلام یلبس فیه علی الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم یسبق إلیه فی سائر الأعصار .

وحسبک أن إنکار ابن تیمیة للإستغاثة والتوسل قول لم یقله عالم قبله وصار بین أهل الإسلام مثلة !!

وقد وقفت له علی کلام طویل فی ذلک رأیت من الرأی القویم أن أمیل عنه إلی

ص: 441

الصراط المستقیم ولا أتتبعه بالنقض والأبطال ، فإن دأب العلماء القاصدین لإیضاح الدین وارشاد المسلمین تقریب المعنی إلی أفهامهم وتحقیق مرادهم وبیان حکمه، ورأیت کلام هذا الشخص بالضد من ذلک ، فالوجه الأضراب عنه.

وأقول: أن التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جائز فی کل حال: قبل خلقه وبعد خلقه ، فی مدة حیاته فی الدنیا ، وبعد موته ، فی مدة البرزخ وبعد البعث فی عرصات القیامة والجنة وهو علی ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن یتوسل به ، بمعنی أن طالب الحاجة یسأل الله تعالی به أو بجاهه أو ببرکته .

فیجوز ذلک فی الأحوال الثلاثة ، وقد ورد فی کل منها خبر صحیح:

حدیث توسل آدم(علیه السّلام)بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أما الحالة الأولی: قبل خلقه فیدل علی ذلک آثار عن الأنبیاء الماضین صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ، اقتصرنا منها علی ما تبین لنا صحته وهو ما رواه الحاکم أبو عبدالله بن البیع فی ( المستدرک علی الصحیحین أو أحدهما ) ( 1 ) قال: ثنا أبو سعید عمرو بن محمد بن منصور العدل ( 1 ) ثنا أبو الحسن محمد بن اسحاق ابن ابراهیم الحنظلی ثنا أبو الحارث عبدالله بن مسلم الفهری ثنا اسماعیل ابن مسلمة أنا عبدالرحمان بن زید بن أسلم عن أبیه عن جده عن عمر بن الخطاب (رض) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( لما اقترف ( 2 )

آدم(علیه السّلام)الخطیئة ( 3 ) قال: یا رب أسألک بحق محمد لما غفرت لی .

فقال الله: یا آدم وکیف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟

قال: یا رب لأنک لما خلقتنی بیدک، ونفخت فی من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنک لم تضف

ص: 442

إلی إسمک إلا أحب الخلق إلیک .

فقال الله: صدقت یا آدم ، إنه لأحب الخلق الی اذ سألتنی بحقه فقد غفرت لک ، ولولا محمد ما خلقتک ) .

قال الحاکم: هذا حدیث صحیح الإسناد ، وهو أول حدیث ذکرته لعبد الرحمان بن زید بن أسلم فی هذا الکتاب .

ورواه البیهقی أیضاً فی ( دلائل النبوة ) وقال: تفرد به عبد الرحمان .

وذکره الطبرانی وزاد فیه ( وهو آخر الأنبیاء من ذریتک ).

توسل عیسی(علیه السّلام)بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وذکر الحاکم مع هذا الحدیث أیضا . . . عن ابن عباس قال: أوحی الله إلی عیسی(علیه السّلام): یا عیسی آمن بمحمد وأمر من أدرکه من امتک أن یؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش علی الماء فاضطرب فکتبت علیه: لا اله إلا الله فسکن. قال الحاکم: هذا حدیث حسن صحیح الإسناد ولم یخرجاه ، انتهی ما قاله الحاکم .

والحدیث المذکورلم یقف علیها بن تیمیة بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاکم صححه. فانه قال أعنی ابن تیمیة: أما ما ذکره فی قصة آدم من توسله فلیس له أصل ولا نقله أحد عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باسناد یصلح الإعتماد علیه ، ولا الإعتبار ولا الإستشهاد ) .

ثم أدعی ابن تیمیة أنه کذب ، وأطال الکلام فی ذلک جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ! . . ونحن نقول: قد اعتمدنا فی تصحیحه علی الحاکم وأیضا:

عبدالرحمان بن زید بن أسلم لا یبلغ فی الضعف الی الحد الذی ادعاه.

وکیف یحل لمسلم أن یتجاسر علی منع هذا الأمر العظیم الذی لا یرده عقل ولا

ص: 443

شرع ؟ وقد ورد فیه هذا الحدیث ؟!

توسل نوح وابراهیم وسائر الأنبیاء بنبیا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهیم وغیرهما من الأنبیاء: فذکره المفسرون ، واکتفینا عنه بهذا الحدیث لجودته وتصحیح الحاکم له .

ولا فرق فی هذا المعنی بین أن یعبر عنه بلفظ ( التوسل ) أو ( الاستغاثة ) أو ( التشفع ) أو ( التجوه ). والداعی بالدعاء المذکور وما فی معناه: متوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأنه جعله وسیلة لإجابة الله دعاءه. ومستغیث به والمعنی أنه استغاث الله به علی ما یقصده فالباء ها هنا للسببیة ، وقد ترد للتعدیة ، کما تقول: ( من استغاث بک فأغثه ). ومستشفع به. ومتجوه به ، ومتوجه ، فإن التجوه والتوجه راجعان إلی معنی واحد.

فإن قلت: المتشفع بالشخص من جاء به لیشفع فکیف یصح أن یقال: یتشفع به ؟

قلت: لیس الکلام فی العبارة وانما الکلام فی المعنی وهو سؤال الله بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما ورد عن آدم ، وکما یفهم الناس من ذلک ، وانما یفهمون من التشفع والتوسل والإستغاثة والتجوه ذلک ، ولا مانع من اطلاق اللغة بهذه الألفاظ علی هذا المعنی .

والمقصود جواز أن یسأل العبد الله تعالی بمن یقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة.

ولا شک أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )له عند الله قدر علی ومرتبة رفیعة وجاه عظیم. وفی العادة أن من کان له عند الشخص قدر بحیث أنه إذا شفع عنده قبل شفاعته ، فإذا انتسب إلیه شخص فی غایته وتوسل بذلک وتشفع به ، فإن ذلک الشخص یجیب السائل إکراماً لمن انتسب إلیه وتشفع به وان لم یکن حاضراً ولا شافعاً .

ص: 444

وعلی هذا التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قبل خلقه .

ولسنا فی ذلک سائلین غیر الله تعالی ولا داعین إلا إیاه، ویکون ذکر المحبوب أو العظیم سبباً للإجابة. کما فی الأدعیة الصحیحة المأثورة ( أسألک بکل اسم لک وأسألک بأسمائک الحسنی وأسألک بأنک أنت الله ، وأعوذ برضاک من سخطک وبمعافاتک من عقوبتک ، وبک منک ) .

وحدیث الغار الذی فیه الدعاء بالأعمال الصالحة وهو من الأحادیث الصحیحة المشهورة .

فالمسؤول فی هذه الدعوات کلها هو الله وحده لا شریک له والمسؤول به مختلف ولم یوجب ذلک اشراکاً ، ولا سؤال غیر الله .

کذلک السؤال بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لیس سؤالاً للنبی بل سؤ ال لله به.

وإذا جاز السؤال بالأعمال وهی مخلوقة فالسؤال بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أولی .

ولا یسمع الفرق بأن الأعمال تقتضی المجازاة علیها ، لأن استجابة الدعاء لم تکن علیها ، وإلا لحصلت بدون ذکرها وانما کانت علی الدعاء بالأعمال .

ولیس هذا المعنی مما یختلف فیه الشرائع حتی یقال: إن ذلک شرع من قبلنا فإنه لو کان ذلک مما یخل بالتوحید لم یحل فی ملة من الملل ، فإن الشرائع کلها متفقة علی التوحید. ولیت شعری ما المانع من الدعاء بذلک ؟!

فإن اللفظ انما یقتضی أن للمسؤول به قدرا عند المسؤول. وتارة یکون المسؤول به أعلی من المسؤول: اما الباری سبحانه وتعالی کما فی قوله ( من سألکم بالله فأعطوه ) وفی الحدیث الصحیح فی حدیث أبرص وأقرع وأعمی ( أسألک بالذی أعطاک اللون الحسن والجلد الحسن ) الحدیث.. وهو مشهور .

وأما بعض البشر ، ویحتمل أن یکون من هذا القسم قوله عائشة لفاطمة: أسألک بما لی علیک من الحق .

ص: 445

وتارة: یکون المسؤول أعلی من المسؤول به ، کما فی سؤال الله تعالی بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فانه لا شک أن للنبی قدرا عنده. ومن أنکر ذلک فقد کفر .

فمتی قال: (أسألک بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )) فلا شک فی جوازه .

وکذا إذا قال ( بحق محمد ) والمراد بالحق الرتبة والمنزلة. والحق الذی جعله الله علی الخلق أو الحق الذی جعله الله بفضله له علیه ، کما فی الحدیث الصحیح قال: فما حق العباد علی الله ؟

ولیس المراد بالحق الواجب ، فانه لا یجب علی الله شئ ، وعلی هذا المعنی یحمل ما ورد عن بعض الفقهاء فی الإمتناع من اطلاق هذه اللفظة .

الحالة الثانیة: التوسل به بذلک النوع بعد خلقه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مدة حیاته: فمن ذلک ما رواه أبو عیسی الترمذی فی جامعه فی کتاب الدعوات ، قال . . . عن عثمان بن حنیف: أن رجلاً ضریر البصر أتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال . . . وقد کفانا الترمذی والبیهقی رحمهما الله بتصحیحهما مؤنة النظر فی تصحیح هذا الحدیث ، وناهیک به حجة فی المقصود .

فإن اعترض معترض: بأن ذلک انما کان لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شفع فیه فلهذا قال له أن یقول ( انی توجهت الیک بنبیک ) .

قلت: الجواب من وجوه:

أحدها: سیأتی أن عثمان بن عفان وغیره استعملوا ذلک بعد موته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وذلک یدل علی أنهم لم یفهموا اشتراط ذلک .

الثانی: أنه لیس فی الحدیث أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین له ذلک .

الثالث: أنه ولو کان کذلک لم یضر فی حصول المقصود وهو جوار التوسل إلی الله بغیره بمعنی السؤال به کما علمه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وذلک زیادة علی طلب الدعاء منه فلو لم یکن فی ذلک فائدة لما علمه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأرشده إلیه ، ولقال له: إنی قد

ص: 446

شفعت فیک ، ولکن لعله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أراد أن یحصل من صاحب الحاجة التوجه بذل الإضطرار والإفتقار والإنکسار ومستغیثا بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیحصل کمال مقصوده .

ولا شک أن هذا المعنی حاصل فی حضرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وغیبته وفی حیاته وبعد وفاته فإنا نعلم شفقته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی امته ورفقه بهم ورحمته لهم واس تغفاره لجمیع المؤمنین وشفاعته فإذا انضم إلیه توجه العبد به حصل هذا الغرض الذی أرشد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأعمی إلیه .

التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( بعد موته )

الحالة الثالثة: أن یتوسل بذلک بعد موته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما رواه الطبرانی(رحمه الله)فی المعجم الکبیر فی ترجمة عثمان بن حنیف . . . أن رجلا کان یختلف الی عثمان بن عفان . . . ورواه البیهقی بإسناده عن أبی جعفر المدینی عن أبی امامة بن سهل بن حنیف . . .

والإحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان (رض) ومن حضره الذین هم أعلم بالله ورسوله وفعله .

النوع الثانی: التوسل به بمعنی طلب الدعاء منه وذلک فی أحوال:

إحداها: فی حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وهذا متواتر والأخبار طافحة به ، ولا یمکن حصرها ، وقد کان المسلمون یفزعون إلیه ویستغیثون به فی جمیع ما نابهم کما فی الصحیحین . . . والأحادیث والاثار فی ذلک أکثر من أن تحصی ، ولو تتبعتها لوجدت منها ألوانا .

ونص قوله تعالی: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ . . . الآیة صریح فی ذلک .

ص: 447

وکذلک یجوز ویحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما أن عمر ابن الخطاب (رض) إذا قحط استسقی بالعباس بن عبدالمطلب(رض)ویقول: اللهم انا کنا إذا قحطنا توسلنا بنبینا فتسقینا وانا نتوسل الیک بعم نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فاسقنا .

وکذلک یجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحین وهذا شئ لا ینکره مسلم بل متدین بملة من الملل .

فإن قیل: لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ولم یتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو بقبره ؟

قلنا: لیس فی توسله بالعباس إنکار للتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو بالقبر . وقد روی عن أبی الجوزاء قال: قحط أهل المدینة قحطاً شدیداً فشکوا إلی عائشة رضی الله عنها فقالت: فانظروا قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فاجعلوا منه کوی الی السماء حتی لا یکون بینه وبین السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتی نبت العشب وسمن الإبل حتی تفتقت من الشحم فسمی( عام الفتق ) . . .

فإن قال المخالف: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع اطلاق ( التجوه ) و( الإستغاثة ) لأن فیهما إیهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلی من المتجوه علیه والمستغاث علیه.

قلنا: هذا لا یعتقده مسلم ولا یدل لفظ ( التجوه ) و ( الإستغاثة ) علیه .

فإن ( التجوه ) من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة وقد یتوسل بذی الجاه الی من هو أعلی جاها منه.

و ( الاستغاثة ) طلب الغوث فالمستغیث یطلب من المستغاث به أن یحصل له الغوث من غیره وإن کان أعلی منه.

فالتوسل والتشفع والتجوه والإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسائر الأنبیاء والصالحین لیس لها معنی فی قلوب المسلمین غیر ذلک ، ولا یقصد بها أحد منهم سواه ، فمن لم

ص: 448

ینشرح صدره لذلک فلیبک علی نفسه ، نسأل الله العافیة.

وإذا صح المعنی فلا علیک فی تسمیته ( توسلاً ) أو ( تشفعاً ) أو ( تجوها ) أو (إستغاثة ) .

ولو سلم أن لفظ ( الإستغاثة ) تستدعی النصر علی المستغاث منه فالعبد یستغیث علی نفسه وهواه والشیطان وغیر ذلک مما هو قاطع له عن الله تعالی بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وغیره من الأنبیاء والصالحین متوسلاً بهم إلی الله تعالی لیغیثه علی من استغاث منه من النفس وغیرها، والمستغاث به فی الحقیقة هو الله تعالی والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) واسطة بینه وبین المستغیث .

وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال فی الطلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وظهر المعنی فلا علیک فی تسمیته ( توسلاً ) أو ( تشفعاً ) أو ( إستغاثة ) أو ( تجوها ) أو ( توجهاً ) لأن المعنی فی جمیع ذلک سواء:

أما التشفع: فقد سبق فی الأحادیث المتقدمة قول وفد بنی فزارة للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): تشفع لنا الی ربک وفی حدیث الأعمی ما یقتضیه أیضاً .

والتوسل: فی معناه.

وأما التوجه والسؤال: ففی حدیث الأعمی .

والتجوه: فی معنی التوجه قال تعالی فی حق موسی(علیه السّلام): )وکان عند الله وجیهاً. وقال فی حق عیسی ابن مریم علیه الصلاة والسلام: )وجیها فی الدنیا والآخرة. وقال المفسرون ) وجیهاً ( أی ذا جاه ومنزلة عنده. وقال الجوهری فی فعل ( وجه ): وجه إذا صار وجیها ذا جاه وقدر. وقال الجوهری أیضاً فی فعل (جوه): الجاه القدر والمنزلة وفلان ذو جاه وقد أوجهته ووجهته أنا أی جعلته وجیهاً ( 1 ). وقال ابن فارس: فلان وجیه ذو جاه( 2 ) .

إذا عرف ذلک فمعنی (تجوه) توجه بجاهه وهو منزلته وقدره عند الله تعالی إلیه .

ص: 449

وأما الإستغاثة: فهی طلب الغوث. وتارة یطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالی وحده کقوله تعالی: إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ .

وتارة یطلب ممن یصح اسناده إلیه علی سبیل الکسب ، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی هذین القسمین .

وتعدی الفعل تارة بنفسه ، کقوله تعالی: إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ. فاستغاثة الذی من شیعته. وتارة بحرف الجر ، کما فی کلام النحاة فی المستغاث به ، وفی کتاب سیبویه(رحمه الله): فاستغاث بهم لیشتروا له کلیبا.

فیصح أن یقال:استغثت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأستغیث بالنبی بمعنی واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه ، علی النوعین السابقین فی التوسل من غیر فرق ، وذلک فی حیاته وبعد موته .

ویقول: استغثت الله ، واستغیث بالله ، بمعنی طلب خلق الغوث منه ، فالله تعالی مستغاث . فالغوث منه خلقاً وایجاداً ، والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مستغاث والغوث منه تسبباً وکسباً .

ولا فرق فی هذا المعنی بین أن یستعمل الفعل متعدیا بنفسه أو لازماً أو متعدیاً بالباء .

وقد تکون الإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی وجه آخر ، وهو أن یقول: استغثت الله بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کما یقول: سألت الله بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیرجع إلی النوع الأول من أنواع التوسل ، ویصح قبل وجوده وبعد وجوده .

وقد یحذف المفعول به ویقال: استغثت بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بهذا المعنی .

فصار لفظ الإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )له معنیان:

أحدهما: أن یکون مستغاثاً .

والثانی: أن یکون مستغاثاً به ، والباء للإستعانة .

ص: 450

فقد ظهر جواز إطلاق ( الإستغاثة ) و ( التوسل ) جمیعاً وهذا أمر لا یشک فیه ، فإن ( الإستغاثة ) فی اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعاً من کل من یقدر علیه بأی لفظ عبر عنه کما قالت أم إسماعیل: أغث ان کان عندک غواث .

- وقال فی/319:

قد تضمنت الأحادیث المتقدمة أن روح النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قد قیل فی ذلک بالنسبة الی الأنبیاء وسائر الموتی وقد رتبنا الکلام فی هذا الباب علی فصول:

الفصل الأول: فیما ورد فی حیاة الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام صنف الحافظ أبو بکر البیهقی(رحمه الله)فی ذلک جزء وروی فیه أحادیث منها: ( الأنبیاء صلوات الله علیهم أحیاء فی قبورهم یصلون ) .

ورواه ابن عدی فی (الکامل أنا غیر واحد أذناً عن ابن المقیر عن ابن الشهرزوری أنا اسماعیل بن مسعدة أنا حمزة بن یوسف أنا أحمد بن عدی الحافظ قال: ثنا قسطنطین بن عبدالله الرومی مولی المعتمد علی الله أمیر المؤمنین ثنا الحسین بن عرفة حدثنی الحسن بن قتیبة المدائنی ثنا المتسلم بن سعید الثقفی عن الحجاج الأسود عن ثابت البنانی عن أنس قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( الأنبیاء صلوات الله علیهم أحیاء فی قبورهم یصلون ) .

قال ابن عدی: وللحسن بن قتیبة هذا أحادیث غرائب حسان فأرجو أنه لابأس به.

ومما یدل علی ذلک ما ساق اسناده الی أوس بن أوس قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( أفضل أیامکم یوم الجمعة وفیه خلق آدم وفیه قبض وفیه النفخة وفیه الصعقة فأکثروا علیَّ من الصلاة فیه ، فإن صلاتکم معروضة ) .

قالوا: وکیف تعرض صلاتنا علیک وقد أرمت ؟ - یقولون: بلیت - فقال: إن الله تعالی حرم علی الأرض أن تأکل أجساد الأنبیاء أخرجه أبو داود .

قال البیهقی: وله شواهد منها:

ص: 451

ما أنا أبو عبدالله أنا ابن اسحاق الفقیه أنا الآبار ثنا أحمد بن عبدالرحمان ثنا الولید ثنا أبو رافع عن سعید المقبری عن أبی مسعود الأنصاری عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: (أکثروا الصلاة علی فی یوم الجمعة فانه لیس یصلی علی أحد یوم الجمعة إلا عرضت علی صلاته ) .

وحدیث: ( ما من أحد یسلم علی إلا رد الله علی روحی حتی أرد ) .

قال البیهقی وانما أراد - والله أعلم - إلا وقد رد الله علی روحی حتی أرد علیه .

وقد ثبت فی الصحیح فی حدیث الإسراء: أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجد آدم فی السماء الدنیا وقال

فیه: ( فإذا رجل عن یمینه أسودة وعن یسارة أسودة فاذا نظر قبل یمینه ضحک وإذا نظر قبل شماله بکی فقال: مرحبا بالنبی الصالح والإبن الصالح)

ومن الأحادیث الصحیحة المتفق علیها نداؤه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أهل البئر وقوله: ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) .

وأما الإدراک: فیدل له مع ذلک الأحادیث الواردة فی عذاب القبر وهی أحادیث صحیحة متفق علیها رواها البخاری ومسلم وغیرهما وأجمع علیها وعلی مدلولها أهل السنة والأحادیث فی ذلک متواترة.

ومن أحسنها ما رواه أبو داود الطیالسی أنا أبو العباس أحمد بن محمد الدشتی بقراءتی علیه بالشام فی سنة سبع وسبعمائة قال: أنا الحافظ ابن خلیل أنا اللبان أنا الحداد أنا أبو نعیم أنا ابن فارس ثنا یونس بن حبیب ثنا أبو داود الطیالسی ثنا الأسود بن شبیان عن بحر بن مرار(1) عن أبی بکرة قال: بینما أنا أمشی مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعی رجل ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مشی بیننا اذ أتی علی قبرین فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( إن صاحبی هذین القبرین لیعذبان الآن فی قبورهما فأیکما یأتینی من هذا النخل بعسیب ؟).

فاستبقت أنا وصاحبی فسبقته وکسرت من النخل عسیباً فأتیت به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فشقه

ص: 452

نصفین من أعلاه فوضع علی أحدهما نصفاً وعلی الآخر نصفاً وقال: ( إنه یهون علیهما ما دام فیهما من بلوتهما شئ إنهما یعذبان فی الغیبة والبول . . . وفی هذه

الروایة النص علی أن العذاب الآن وأنه فی القبور .

وقد أجمع أهل السنة علی اثبات الحیاة فی القبور قال إمام الحرمین فی الشامل: إتفق سلف الأمة علی إثبات عذاب القبر وإحیاء الموتی فی قبورهم ورد الأرواح فی أجسادهم .

وقال الفقیه أبو بکر بن العربی فی ( الأمد الأقصی فی تفسیر أسماء الله الحسنی:

إن أحیاء المکلفین فی القبر وسؤالهم جمیعاً لا خلاف فیه بین أهل السنة .

وقال سیف الدین الآمدی فی کتاب أبکار الأفکار :

اتفق سلف الأمة قبل ظهور المخالف وأکثرهم بعد ظهوره علی إثبات إحیاء الموتی فی قبورهم ومسألة الملکین لهم ، واثبات عذاب القبر للمجرمین والکافرین . . .

وقال القرطبی: إن الإیمان به مذهب أهل السنة والذی علیه الجماعة من أهل الملة ولم یفهم الصحابة الذین نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبیهم(علیه السّلام)غیر ذلک وکذلک التابعون بعدهم وذهب بعض المعتزلة إلی موافقة أهل السنة علی ذلک .

وذهب صالح قبة والصالحی وابن جریر إلی أن الثواب والعقاب ینال المیت من غیر حیاة وهذا مکابرة للعقول . . .

وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد إلی الجسد ویحیا وقت المسألة وأنه ینعم أو یعذب من ذلک الوقت إلی یوم البعث إما متقطعاً أو مستمراً علی ما سبق .

وهل ذلک من بعد وقت المسألة إلی البعث للروح فقط أو لها مع الجسم ؟

یترتبان علی أن الجسم هل یفنی أو یتفرق وکلا الأمرین جائز عقلاً وفی الواقع

ص: 453

منه قولان للمتکلمین ولم یرد فی الشرع ما یمکن التمسک به فی ذلک إلا قوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( کل ابن آدم یبلی إلا عجب الذنب ) .

فحیث یکون الجسم أو بعضه باقیاً فلا امتناع من قیام الحیاة به وحیث یعدم بالکلیة یتعین القول بالروح فقط . . .

وبالجملة: کل أحد یعامل بعد موته کما کان یعامل فی حیاته ولهذا یجب الأدب مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد موته کما کان فی حیاته .

وقد روی عن أبی بکر الصدیق (رض) قال: لا ینبغی رفع الصوت علی نبی حیا ولا میتاً .

وروی عن عائشة رضی الله عنها: أنها کانت تسمع صوت الوتد یوتد والمسمار یضرب فی بعض الدور المطیفة بمسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فترسل الیهم: لا تؤذوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )...

وعن عروة قال: وقع رجل فی علی عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحک الله لقد آذیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قبره .

کتاب رفع المنارة لتخریج أحادیث التوسل والزیارة

للشیخ محمود سعید ممدوح - طبعة دار الإمام النووی - الأردن 1416قال فی/5:

وبعد . . فإن مسألتی التوسل والزیارة من المسائل التی شغلت الناس کثیراً ، وصنفت فیهما - خاصة مسالة التوسل - مصنفات متعددة ، وحصل أخذ ورد وجدل ، وتزید ! وتاجر بهما سماسرة الإختلاف بین المسلمین !

ومما زاد الطین بله أن سبکهما المتشددون فی مسائل الإعتقاد . . !!

ص: 454

وقد حصل بسببهما الخوض فی أعراض کثیر من أئمة الدین ، وتطاول فی أعراض جماهیر المسلمین. ومن أحاط علما بما ذکرت علم کم صحب ذلک من النهی الشدید والتخویف والتهدید ، وقد تلاحقت أقلام فی ذلک کان من آخرها رسالة باسم ( الأخطاء الأساسیة فی توحید الألوهیة الواقعة فی فتح الباری ) شنع فیها صاحبها علی الحافظ ابن حجر لتجویزه التوسل ، وقوله بإستحباب الزیارة ! وهذا غایة فی الغلو والتعصب والجهل ! فیا للعار والشنار : قاضی قضاة المسلمین وشیخ المحدثین وامامهم، ومفخرة المسلمین ، أحمد بن حجر العسقلانی (رض) تصنف - بدون حیاء - رسالة تحوی هذا المعنی الذی لا یدل إلا علی مبلغ إنحراف مصنفها المسکین . . .

والغرض من هذا المصنف بعد بیان الحق فی الأحادیث ، هو أن الخلاف فی مسألة التوسل هو خلاف فی الفروع ، ومثله لا یصح أن یشنع أخ به علی أخیه أو یعیبه به ، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبیاء والأولیاء - متمسک بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسی وردها لا یجئ إلا من متعنت أو مکابر .

وأما المقصود فی مسألة الزیارة فهو اثبات اطباق فقهاء الأمة علی اأستحباب أو وجوب زیارة المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بشد رحل أو بدونه ، وأن من قال بتحریم الزیارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصریحة ، واطباق فقهاء مذهبه ، فضلاً عن المذاهب الأخری .

فأولی بأولی النهی ترک الشاذ من القول ، والتسلیم بالمعروف المشهور الذی أطبقت الأمة علی العمل به ، والله المستعان .

أما من تعود أن یقول: عنزة ولو طارت ، أو یا داخل مصر مثلک کثیر ، فهو مکابر أو متعنت ، فلا کلام لنا معه ، فقد خالف صریح الدلیل وخالف أعیان الأئمة وسرج الأمة . . .

ص: 455

- وقال فی/13:

وکون الوسیلة هی القربة لا خلاف بین المفسرین فی ذلک ، کما صرح به ابن کثیر فی تفسیره ( 3/97 ) وقال ( الوسیلة هی ما یتوصل بها إلی تحصیل المطلوب ). اه- .

فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بین العبد وربه، خطأ محض ! فالتوسل لیس من هذا الباب قطعاً ، فالمتوسل لم یدع إلا الله وحده ، فالله وحده هو المعطی والمانع والنافع والضار ، ولکنه اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه ، والقربة فی الدعاء مشروعة بالإتفاق .

وترد الوسیلة بمعنی المنزلة کما فی الحدیث الصحیح المشهور: سلوا الله لی الوسیلة.. الحدیث . . .

والتوسل علی نوعین: أحدهما ما اتفق علیه. وترک الخوض فیه صواب ، لأنه تکرار وتحصیل حاصل .

ثانیهما: ما اختلف فیه ، وهو السؤال بالنبی أو بالولی أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات ، وما فی معنی ذلک .

وهذا النوع لم یر المتبصر فی أقوال السلف من قال بحرمته ، أو أنه بدعة ضلالة أو شدد فیه وجعله من موضوعات العقائد ، کما نری الآن .

لم یقع هذا إلا فی القرن السابع وما بعده !

وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبیل . . .

- وقال فی/15:

وقد أکثر ابن تیمیة من بحث النوع الثانی من التوسل فی مصنفاته قائلاً بمنعه ، وقلده وردد صدی کلامه آخرون . ویحسن ذکر کلام ابن تیمیة مع بیان ما فیه ،

ص: 456

واقتصاری علی کلامه فقط هو الأولی ، لأن من تشبث بکلامه لا یزید عن کونه متشبعا من موائده ، دائرأ فی فلکه ، والله المستعان:

کان ابن تیمیة یری منع التوسل بالأنبیاء والملائکة والصالحین ، وقال: التوسل حقیقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحی فقط - وذکر ذلک فی مواضع من کتابه (التوسل والوسیلة ) (/169 ) .

وقال ابن تیمیة (/65 ) وهو الإعتراض الأول:

السؤال به ( أی بالمخلوق ) فهذا یجوزه طائفة من الناس ، لکن ما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی ذلک کله ضعیف بل موضوع ، ولیس عنه حدیث ثابت قد یظن أن لهم فیه حجة ، إلا حدیث الأعمی ولا حجة لهم ، فانه صریح فی أنه انما توسل بدعاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته ، وهو طلب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الدعاء ، وقد أمره النبی أن یقول: اللهم شفعة فی ، ولهذا رد الله علیه بصره لما دعا له النبی ، وکان ذلک مما یعد من آیات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولو توسل غیره من العمیان الذین لم یدع لهم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالسؤال به لم تکن حالهم کحاله. اه- .

قلت: قوله کله ضعیف بل موضوع ولیس عنه حدیث ثابت قد یظن أن لهم فیه حجة إلا . . سیأتی ان شاء الله تعالی الرد علی هذا الکلام فی تخریج الأحادیث، ففیها الصحیح والحسن والضعیف عند أئمة هذا الشأن ، ووفق قواعد الفن .

أما قوله: إلا حدیث الأعمی لا حجة لهم فیه، فانه صریح فی أنه انما توسل بدعاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته . . . وکلامه فیه نظر ظاهر ، لأن الناظر فی حدیث توسل الأعمی یجد فیه الآتی :

1 - جاء الأعمی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال له: ادع الله أن یعافینی ، فالأعمی طلب الدعاء .

2 - فأجابه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قائلاً : إن شئت أخرت ذلک وهو خیر ، وإن شئت دعوت. فخیره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبین له أن الصبر أفضل .

ص: 457

3 - ولکن لشدة حاجة الأعمی ، التمس الدعاء من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

4 - عند ذلک أمره النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یتوضأ فیحسن وضوءه ویصلی رکعتین .

5 - وزاد علی ذلک هذا الدعاء: اللهم إنی أسالک وأتوجه إلیک بنبیک محمد نبی الرحمة. یا محمد إنی توجهت بک إلی ربی فی حاجتی فتقضی لی .

فدعا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بهذا الدعاء ، کما طلب الأعمی فی أول الحدیث ، ودعا الأعمی بهذا الدعاء کما علمه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

6 - فعلمه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دعاء هو توسل به ، وهو نص فی التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لا یحتمل أی تاویل ، وکیف یحتمل غیر التوسل به وفیه ( أتوجه إلیک بنبیک . . إنی توجهت بک . ومن رأی غیر ذلک فقد استعجم علیه الحدیث .

وابتهج الألبانی فی توسله بکلام ابن تیمیة فردده قائلاً (/72 ): وعلی هذافالحادثة کلها تدور حول الدعاء -

کما هو ظاهر - ولیس فیها ذکر شئ مما یزعمون. اه- .

قلت: هذه مصادرة للنص وتعمیة علی القارئ !

کیف لا یکون کذلک والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم الرجل دعاء فیه السؤال بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

نعم ، الحادثة تدور حول الدعاء ، ولکن السؤال هنا ما هو الدعاء الذی دعا به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ وما هو الدعاء الذی علمه للرجل الأعمی ؟

لا یستطیع أی منصف إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذی فیه نص بالتوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فالأعمی جاء یطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأمره بالتوسل به لیتحقق المطلوب .

7 - ثم قال (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): اللهم شفعه فی وشفعنی فی نفسی ، أی تقبل شفاعته أی دعاءه فی وتقبل دعائی فی نفسی .

وهنا سؤال: أی دعاء هنا الذی یطلب قبوله ؟ لا شک أن الإجابة علیه ترد بداهة فی ذهن أی شخص ، إنه الدعاء المذکور فیه التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وهذا لا یحتاج

ص: 458

لأعمال فکر أو اطالة نظر وتأمل ، وهو واضح وضوح الشمس فی رابعة النهار . ویمکن أن یقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، مع التوسل بذاته وهذا منتهی ما یفهم من النص ، والله أعلم .

8 - فسبب رد بصر الأعمی هو توسله بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذین أخرجوا الحدیث فی مصنفاتهم ، فذکروا الحدیث علی أنه من الأدعیة التی تقال عند الحاجات . فقال البیهقی فی دلائل النبوة ( 6/166 ) باب: ما جاء فی تعلیمه الضریر ما کان فیه شفاؤه حین لم یصبر ، وما ظهر فی ذلک من آثار النبوة. ا ه- .

ولا یخفی أن تعلیمه للضریر هو الدعاء الذی فیه التوسل بالذوات ، وعبارة البیهقی واضحة جدا. والبیهقی حافظ فقیه .

وهکذا ذکره النسائی، وابن السنی فی عمل الیوم واللیلة، والترمذی فی الدعوات والطبرانی فی الدعاء ، والحاکم فی المستدرک ، والمنذری فی الترغیب والترهیب ، والهیثمی فی مجمع الزوائد فی صلاة الحاجة ودعائها ، والنووی فی الأذکار علی أنه من الاذکار التی تقال عند عروض الحاجات ، وابن الجزری فی العدة فی باب صلاة الضر والحاجة (/161 ) .

وقال القاضی الشوکانی فی تحفة الذاکرین (/162 ): وفی هذا الحدیث دلیل علی جواز التوسل برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی الله عز وجل ، مع إعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالی ، وأنه المعطی المانع ، ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن. ا ه- .

واستقصاء الحفاظ الذین فهموا أن الحدیث علی عمومه، وإستعمال الدعاء الوارد فیه الذی فیه التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، یطول .

9 - إن عثمان بن حنیف (رض) وهو راوی الحدیث فهم من الحدیث العموم ، فقد وجه رجلا یرید أن یدخل علی عثمان بن عفان (رض) إلی التوجه بالدعاء

ص: 459

المذکور فی الحدیث الذی فیه التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إسناده صحیح سیأتی إن شاء الله تعالی .

وفهم الصحابی الجلیل عثمان بن حنیف (رض) ، هو ما لا یستقیم فهم الحدیث إلا به .

10 - إن روایة ابن أبی خیثمة للحدیث من طریق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فیها ( فإن کانت حاجة فافعل مثل ذلک ) وهی زیادة ثقة حافظ ، فهی صحیحة مقبولة ، کما هو معلوم ومقرر فی علوم الحدیث. وهذه الروایة تدل علی العموم وطلب العمل بالحدیث فی الحیاة وبعد الممات ، إلی قیام الساعة .

ثم قال ابن تیمیة: ولو توسل غیره من العمیان الذین لم یدع لهم النبی فی بالسؤال به لم تکن حالهم کحاله. اه- .

وقال ابن تیمیة فی موضع آخر: وکذلک لو کان أعمی توسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یدع له الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمنزلة ذلک الأعمی، لکان عمیان الصحابة أو بعضهم یفعلون مثل ما فعل الأعمی ، فعدولهم عن هذا إلی هذا دلیل علی أن المشروع ما سألوه دون ما ترکوه. ا ه- .

قلت: الجواب علیه سهل میسور ، وکنت أود أن لا أرد هذا الإیراد، لکننی رأیت جماعة أخذوا هذا الإیراد ونسبوه لأنفسهم ، وکان الصواب ألا یذکر لفساده ، أو یذکر مع

نسبته لقائله !

ومن الذین نسبوه لأنفسهم الألبانی فإنه قال فی توسله (/76 ):

لو کان السر فی شفاء الأعمی أنه توسل بجاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقدره وحقه کما یفهم عامة المتأخرین ، لکان المفروض أن یحصل هذا الشفاء لغیره من العمیان الذین یتوسلون بجاهه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بل ویضمون إلیه أحیانا جاه جمیع الأنبیاء المرسلین ، وکل الأولیاء والشهداء والصالحین، وجاه کل من له جاه عند الله من الملائکة والإنس

ص: 460

والجن أجمعین .

ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطویلة بعد وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی الیوم. اه- .

وذکر نحو هذا الإیراد صاحب ( التوصل إلی حقیقة التوسل )/243 ، وکذا المتعالم صاحب ( هذه مفاهیمنا )/37 .

والجواب علی هذا الإیراد بالآتی:

1 - إجابة الدعاء لیست من شروط صحة الدعاء ، وقد قال الله تعالی ( ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ ) ونحن نری بعض المسلمین یدعون فلا یستجاب لهم، وهذا الإیراد یأتی علی الدعاء کله ، فانظر إلی هذا الإیراد أین ذهب بصاحبه ؟

2 - هذا الإیراد یرد علیه احتمال أقوی منه وحاصله : أن عدم توسل عمیان الصحابة وغیرهم إحتمال فقط لا یؤیده دلیل، وهم إما توسلوا فاستجیب لهم ، أو ترکوا رغبة فی الآجر ، أو توسلوا وادخر ذلک أجراً لهم ، أو تعجلوا فما استجیب لهم .

وقد صح أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال ( یستجاب لأحدکم ما لم یعجل ، یقول: قد دعوت فلم یستجب لی ) رواه البخاری ومسلم وغیرهما .

وکم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم یستجب له ، ویلزم هؤلاء إشکال وهو أننا نری من یدعو ویتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء .

هذا من تمام الحجة علیهم ونقض إیرادهم ! فلا تلازم بین الدعاء والإجابة . والله أعلم بالصواب .

علی أن قول الألبانی: لا نعلم ولا نظن أحداً . . إلخ . تهافت وشهادة علی نفی لا ینخدع بها إلا مسلوب العقل .

ص: 461

تذنیب مفید لکل لبیب:

بعد أن تبین لک دلالة الحدیث الواضحة علی التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن المخالف متسنم بیتا من بیوت العنکبوت . . تجد أن من هؤلاء المخالفین من لم یستطع تحت قوة الدلیل إلا الإعتراف بجواز هذا التوسل ، وأنه لا غبار علیه فشکک فی شبهاته وأسقط کلامه !!

إنه الألبانی الذی قال فی توسله (/77 ):

علی أننی أقول: لو صح أن الأعمی انما توسل بذاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیکون حکماً خاصاً به (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لا یشارکه فیه غیره من الأنبیاء والصالحین، وإلحاقهم به مما لا یقبله النظر الصحیح ، لأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سیدهم وأفضلهم جمیعاً، فیمکن أن یکون هذا مما خصه الله به علیهم، ککثیر مما یصح به الخبر، وباب الخصوصیات لا تدخل فیه القیاسات، فمن رأی أن توسل الأعمی کان بذاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فعلیه أن یقف عنده ولا یزید علیه ، کما نقل عن الإمام أحمد والشیخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالی. هذا هو الذی یقتضیه البحث العلمی مع الإنصاف والله الموفق للصواب ). اه-

فقل لی بربک لماذا کان کل هذا المراء من أساسه ، وترک الدلیل إلی التقلید ؟

بید أن عبارته فیها هنات لا تخفی، فقصره بالتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقط لا دلیل علیه، وهو تخصیص بدون مخصص ، فالخصوصیة لاتثبت إلا بدلیل .

وإذا کان الإمام أحمد(رحمه الله)یجوز التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلم ینقل عنه المنع من التوسل بغیره ، ومن نقل عنه ذلک یکون قد افتأت علیه ، والحنابلة وهم أعرف بامامهم لم یذهبوا إلی القصر الذی ادعاه الألبانی ! فیقول ابن مفلح الحنبلی فی الفروع ( 1/595 ): ( ویجوز التوسل بصالح وقیل یستحب قال أحمد فی منسکه الذی کتبه للمروزی انه یتوسل بالنبی صلی الله علیه وسله فی دعائه ، وجزم به فی المستوعب وغیره ). اه .

ص: 462

وقال فی/31:

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبیه:

ربما ذکرت قول الشاعر وأنا انظر إلی وجه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یستسقی ، فما ینزل حتی یجیش کل میزاب: وأبیض یستسقی الغمام بوجهه ثمال الیتامی عصمة للأرامل وهو قول أبی طالب والشاهد فیه قوله: (یستسقی الغمام بوجهه) فتمثل عبد الله بن عمر رضی الله عنهما بقول أبی طالب، وتذکره له مع النظر للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، یدل علی توسله بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الإستسقاء ، وهو نص لا یحتمل غیره .

وقد أجاب الشیخ بشیر السهسوانی علی هذا النص الصریح اجابة مندفعة فقال (/373 ): فإن قلت: لفظ ( یستسقی الغمام بوجهه ) یدل علی أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز ؟

قلت: المکروه من التوسل هو أن یقال أسألک بحق فلان أو بحرمة فلان ، وأما احضار الصالحین فی مقام الاستسقاء ، أو طلب الدعاء منهم فهو لیس من المکروه فی شئ ، بل هو ثابت بالسنة الصحیحة. اه .

وقال فی موضع آخر (/274 ): وإذا کان حضور الصحابة والتابعین وتابعی التابعین والضعفاء سببا للنصر والفتح ، فما ظنک بحضور سید ولد آدم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ اه .

ثم قال فی (/275 ): فالمراد بوجهه فی قول أبی طالب: ( یستسقی بوجهه ) ببرکة حضور ذاته أو بدعائه. ا ه .

قلت وبالله التوفیق: صرف السهسوانی هذا التوسل إلی التبرک بالذات أوالدعاء فیه نظر ، أما الدعاء فظاهر أن کون المراد بیستسقی بوجهه ببرکة حضوره فیمکن أن یکون کذلک ان کان التبرک والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب ، وهو ما صرح به البدر العینی فقال فی عمدة القاری ( 7/30 ):

معنی قول أبی طالب هذا فی الحقیقة توسل إلی الله عز وجل بنبیه ، لأنه حضر

ص: 463

استسقاء عبد المطلب والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معه ، فیکون استسقاء الناس الغمام فی ذلک الوقت ببرکة وجهه الکریم. ا ه.

وإن لم یکن ، فلفظة ( یستسفی الغمام بوجهه ) هو عین التوسل ، ولابد من حمل النص علی ظاهره ، ولا یصرف إلا بدلیل ولا صارف هنا. والله أعلم .

وللعلامة محمد بن علی الشوکانی کلمة فی جواز التوسل بالأنبیاء وغیرهم من الصالحین رد فیها علی من منعه وفند ایراداته ، فقال(رحمه الله)فی کتابه ( الدر النضید فی إخلاص کلمة التوحید ) ما نصه:

أما التوسل إلی الله سبحانه وتعالی بأحد من خلقه فی مطلب یطلبه العبد من ربه ، فقد قال الشیخ عز الدین بن عبد السلام انه لا یجوز التوسل إلی الله تعالی إلا بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ان صح الحدیث فیه .

ولعله یشیر إلی الحدیث الذی أخرجه النسائی فی سننه ، والترمذی وصححه ، وابن ماجه ، وغیرهم ، أن أعمی أتی النبی . . .

وعندی أنه لا وجه لتخصیص جواز التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما زعمه الشیخ عز الدین بن عبد

السلام لأمرین: الأول ، ما عرفناک به من إجماع الصحابة رضی الله تعالی عنهم .

والثانی ، ان التوسل إلی الله بأهل الفضل والعلم هو فی التحقیق توسل بأعمالهم الصالحة ومزایاهم الفاضلة ، إذ لا یکون فاضلاً إلا بأعماله ، فاذا قال القائل: اللهم إنی أتوسل الیک بالعالم الفلانی فهو بإعتبار ما قام به من العلم. وقد ثبت فی الصحیحین وغیرهما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حکی عن الثلاثة الذین انطبقت علیهم الصخرة أن کل واحد منهم توسل . . .

فلو کان التوسل بالأعمال الفاضلة غیر جائز، أو کان شرکا کما زعمه المتشددون فی هذا الباب کابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه ، لم تحصل الإجابة لهم

ص: 464

ولا سکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن إنکار ما فعلوه بعد حکایته عنهم !

وبهذا تعلم أن ما یورده المانعون من التوسل بالأنبیاء والصلحاء من نحو قوله تعالی ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی ) ونحو قوله تعالی (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) ، ونحو قوله تعالی ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ ) لیس بوارد ، بل هو من الإستدلال علی محل النزاع بما هو أجنبی عنه ... وهکذا الإستدلال علی منع التوسل بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما نزل قوله تعالی (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) یا فلان ابن فلان لا أملک لک من الله شیئاً ، یا فلانة بنت فلان لا أملک لک من الله شیئاً ، فإن هذا لیس فیها إلا التصریح بأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یستطیع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالی نفعه ، وأنه لا یملک لأحد من قرابته فضلاً عن غیرهم شیئاً من الله . وهذا معلوم لکل مسلم ، ولیس فیه أنه لا یتوسل به إلی الله ، فإن ذلک هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهی ، وانما أراد الطالب أن یقدم بین یدی طلبه ما یکون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع ، وهو مالک یوم الدین. انتهی کلام الشوکانی(رحمه الله).

- وقال الآلوسی: أنا لا أری بأساً فی التوسل إلی الله تعالی بجاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند الله تعالی حیاً ومیتاً ، ویراد بالجاه معنی یرجع إلی صفة من صفاته تعالی مثل أن یراد به المحبة التامة المستدعیة عدم رده وقبول شفاعته فیکون معنی قول القائل: إلهی أتوسل الیک بجاه نبیک صلی الله تعالی علیه وسلم أن تقضی لی حاجتی ، الهی اجعل محبتک له وسیلة فی قضاء حاجتی .

ولا فرق بین هذا وقولک : إلهی أتوسل الیک برحمتک أن تفعل کذا ، إذ معناه أیضاً الهی اجعل رحمتک وسیلة فی فعل کذا. انتهی من جلاء العینین (/572 ) .

وقال فی/37:

ص: 465

التوسل لیس من مباحث الإعتقاد:

التوسل من موضوعات الفروع ، لأن حقیقته اتخاذ وسیلة، أی قربة إلی الله تعالی.

قال الله عز وجل ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ) .

والتوسل علی أنواع ، وأمره یدور بین الجواز والندب والحرمة ، وماکان أمره کذلک فهو من الأحکام الشرعیة التی موضوعها علم الفقه .

واقحام موضوعات الفقه فی التوحید والعقائد خطأ یجب مجانبته ، حتی ینزل کل بحث منزلته .

وهذا الإمام أبو حنیفة یقول: ویکره أن یقول الرجل فی دعائه: أسألک بمعقد العز من عرشک. اه- ( الجامع الصغیر للإمام محمد/395 مع النافع الکبیر ) فعبر الإمام أبوحنیفة(رحمه الله)بقوله ( یکره ) فدار الأمر بین الکراهة التنزیهیة أو التحریمیة ، کما قرره أصحابه فی کتاب ( الکراهیة ) أو الحظر والإباحة من مصنفاتهم الفقهیة .

والسادة الفقهاء یذکرون التوسل فی باب الإستسقاء ، وعند زیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

أما سلک بحث التوسل فی العقائد وجعله وسیلة من وسائل الشرک ، فبدعة قد حلت بالمسلمین ومسلک قد زرع العداوة بینهم ، ونفخ فی بوق الخلاف بین الأخ وأخیه والأب وابنه .

ومن قلب النظر فی عشرات الکتب والرسائل التی یصنفها بعض المعاصرین التی تتحدث عن ( منهج أهل السنة والجماعة ) و ( أصول أهل السنة ) و ( عقیدة الفرقة الناجیة أو ( العقیدة الصحیحة ) و ( مجمل أصول أهل السنة والجماعة ). وخصائص . . . و ممیزات . . . لرأی

الهول والجهل معا ووقف علی أنواع من التشدد کادت أن تأتی علی الأخضر والیابس .

الی هنا؟418 کتاب

وینبغی علی العقلاء کشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة ، ومن علی شاکلتهم

ص: 466

من المتاجرین بالخلاف بین المسلمین .

وإن المرء لا یعجب ممن یأخذ بأحد الرأیین ، ولکنه لا ینقضی عجبه ممن یتبع أحد هذین الرأیین ، ثم یجعل ما اتبعه هو الحق الذی یجب المصیر إلیه ویجعل من اختیار الآخرین للرأی الآخر برهان کونهم مبتدعة یجب مفارقتهم ویجب... ویجب . . . فقل لی بربک أی عالم من علماء الأمة یقر هذا المسلک المتخلف العجیب !

ولطالما اتهم کثیر من عباد الله الصالحین بالإبتداع وغیره ، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غیرهم ، فإلی الله المشتکی مما إلیه أمر المسلمین .

وقال فی/41:

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الکریم لنوع من رسائل التهویل والتضلیل والتعدی علی المسلمین ، وما أکثرها .

من هذه الرسائل رسالة باسم ( وقفات مع کتاب للدعاة فقط ) یعیب المؤلف فیها علی صاحب کتاب ( للدعاة فقط ) مسائل منها قول الإمام حسن البنا(رحمه الله): ( والدعاء

إذا قرن بالتوسل إلی الله تعالی بأحد من خلقه خلاف فرعی فی کیفیة الدعاء ، ولیس من مسائل العقیدة ). اه (/25 ) .

وهذا حق لا مریة فیه ، ومنکره منکر للمحسوس ومکابر فی الضروریات ، ولأن صاحب الرسالة المذکورة وقف علی بعض الرسائل التی ترشح بالتهویل والتضلیل وتعمیق الخلاف بین المسلمین ، جری المسکین فی فلک هذه الرسائل فأبرق لمن یفتیه وفق مراده ، فأفاده بعضهم بقوله المضحک المبکی ( هو صالح الفوزان ):

التوسل فی الدعاء بذوات الصالحین أو حقهم أو جاههم یعتبر أمراً مبتدعاً

ص: 467

ووسیلة من وسائل الشرک ، والخلاف فیه یعتبر خلافا فی مسائل العقیدة لا فی مسائل الفروع ، لأن الدعاء فیه أعظم أنواع العبادة ، ولا یجوز فیه إلا ما ورد فی الکتاب والسنة . . . الخ (/31 - 32 ) .

قلت: لا یخفی أن الأحادیث والاثار الصحیحة والحسنة ترد قوله ، ولو استحضر هذا المجیب حدیثا واحدا منها ، ولیکن حدیث توسل الأعمی بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) واستعمال عثمان بن حنیف له ، وزیادة حماد بن سلمة الصحیحة ، وکان مع استحضاره منصفاً وترک تقلید غیره ، لأعرض عما تفوه به ، فإن أبی ترک التقلید فأولی به تقلید إمامه فی توسله بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وجماعة من السلف ، کما نقله ابن تیمیة فی التوسل والوسیلة/65 ، 98 !

فإذا کان أحمد وجماعة من السلف لایعرفون الشرک ووسائله ، وعرفه هذا المستدرک علیهم ، فلیکن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدین ورمیهم بالعظائم لا غیر .

نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة ، کلمة حق أرید بها باطل ، لکن المتوسل لا یدعو إلا الله جل وعز ، ولکنه اتباعا لقول بقول الله تعالی ( وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ) توسل فی دعائه. وهذه الوسیلة مختلف فی بعض أنواعها منها ما یجوز ، ومنها ما لا یجوز .

فالأمر فیه خلاف وهو ضعیف ، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه ، أما علم العقیدة أو التوحید فیتکلم فی الإلهیات والنبویات والسمعیات ، فلا معنی لإدخال بحث التوسل فی العقیدة ، وبون کبیر بین العالمین !

وقال فی/47:

وإذا کان صاحب رسالة (وقفات مع کتاب للدعاة فقط ) قد اعتمد علی غیره ،

ص: 468

فإن أبا بکر الجزائری قد اعتمد علی نفسه ، فزاد الطین بلة ، وکفر قسطاً وافراً من المسلمین فقال ما نصه:

إن دعاء الصالحین والإستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم یکن فی دین الله تعالی قربة ولا عملاً صالحاً فیتوسل به أبداً ، وانما کان شرکاً فی عبادة الله محرماً یخرج فاعله من الدین ویوجب له الخلود فی جهنم. انتهی بحروفه من کتابه ( عقیدة المؤمن ) (/144 ) .

والصحیح أن المؤمن لا یعتقد ذلک فی اخوانه المؤمنین الذین یعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل ، وغایة عملهم أنهم علموا منزلة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحیحة، وقد تأسوا فی ذلک بالصحابة رضوان الله علیهم.

وقد أخطأ أبوبکر الجزائری فکفر عباد الله الصالحین ، وهذا التکفیر الجزاف لا ارتباط له بکتاب أو سنة ، ولا بما علیه السواد الأعظم ، ولم یقل ذو عقل ودین بمقولته الفاسدة إلا من کان علی رأی الخوارج !! نسأل الله العافیة .

وللأسف قد طبع کتابه مرات ، ولیتأمل القارئ المنصف کم من المسلمین فتنوا بهذا الباطل ! والله المستعان .

وقال فی/48:

وإذا کان أبوبکر الجزائری قد تفوه بالتکفیر ، فهناک آخر هو محمد صالح العثیمین الذی أصر علی اعتبار التوسل من مباحث الإعتقاد واستدل علی مقولته بما لم یصرح به مسلم فقال:

وبالنسبة للتوسل فهو داخل فی العقیدة لأن المتوسل یعتقد أن لهذه الوسیلة تاثیراً فی حصول مطلوبه ودفع مکروهه ، فهو فی الحقیقة من مسائل العقیدة ، لأن الإنسان لایتوسل بشئ إلا وهو یعتقد أن له تأثیرا فیما یرید . اه-

من فتاوی ابن عثیمین ( 3/100 ) کما نقله عنه جامع ( فتاوی مهمه لعموم الأمة ).

ص: 469

قلت: أثبت العرش ثم انقش ، فمن الذی أطلعک علی ما فی صدور المتوسلین حتی تصرح بهذه المقولة الشنیعة .

إن ما قاله مناف للإعتقاد تماما ، فکل مسلم یعتقد إعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار ، وأن المؤثر الحقیقی هو الله ، وأنه وحده مسبب لأسباب ، فلا فاعل إلا الله ، ولا خالق سواه ، وإلیه یرجع الأمر کله .

وغایة مافی المتوسل أن یقول: اللهم إنی أسالک أو أتوسل الیک بنبیک(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثلا .

فالمتوسل سأل الله تعالی ولم یسأل سواه ، ولم ینسب إلی المتوسل به تأثیراً أو فعلاً أو خلقاً ، وانما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالی ، وتلک المنزلة ثابتة له فی الدنیا والآخرة ، وإلیه نذهب یوم القیامة طلباً للشفاعة .

ومن اعتقد أن إخوانه المسلمین یعتقدون أن المتوسل به له تأثیر ، فیکون قد کفرهم ، ووضع نفسه مقام العارف بما فی الصدور !

وهذه فتاوی یضحک بها هؤلاء علی البسطاء لیوضحوا لهم أن المتوسلین من جلدة أخری ! وکلام العثیمین ینسحب إلی التوسل کله .

والحق یقال: انه کلام لا علاقة له بالعلم ، وکم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوی ، وکم من جاهل کفر أبویه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوی ، ولو تمهل المفتی وفکر قلیلا لأدرک سخف مقولته .

والعجب أنه أطلق وما قید ، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثیراً بذاته. ومحال أن الصحابة اعتقدوا هذا الإعتقاد فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، والعباس ویزید عندما توسلوا بهم ، ومحال أن یعتقد السلف ، ومنهم الإمام أحمد الذین توسلوا بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) (کما صرح به ابن تیمیة فی التوسل والوسیلة/98 ) هذا الإعتقاد الفاسد .

والحنابلة یجوزون أو یستحبون التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما صرح إمامهم ابن قدامة بذلک فی المغنی ، فهل یراهم یعتقدون مثل هذا الإعتقاد ؟ ! !

ص: 470

إن من الآفات المردیة التسرع فی رمی العباد بالعظائم .

والحاصل أن ماقاله العثیمین لا یصلح دلیلاً علی ما ادعی ، بل هو مما یدوم ضرره ، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بین المسلمین ! نسأل الله لنا جمیعا الهدایة والتوفیق ، ولو حسن الشیخ الظن باخوانه المسلمین لکان له موقف آخر .

کتاب ( حقیقة التوسل والوسیلة فی الکتاب والسنة )

والوسیلة ما یتقرب به إلی الغیر. والجمع الوسل ، والوسائل ، والتوسیل والتوسل واحد ، یقال: وسل فلان إلی ربه وسیلة ، وتوسل إلیه بوسیلة ، إذا اقترب إلیه بعمل .

وهی أیضاً: کل ما جعله الله سبباً فی القربی عنده ، ووصلة إلی قضاء الحوائج منه ، والمدار فیها علی أن یکون للوسیلة قدر وحرمة عند المتوسل إلیه .

ولفظ الوسیلة عام فی الآیتین ، فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبیاء والصالحین ، فی الحیاة وبعد الممات ، وباتیان الأعمال الصالحة علی الوجه المأثور به وللتوسل بها بعد وقوعها .

أخرج الطبرانی فی معجمه الکبیر والأوسط بسند رجاله رجال الصحیح ، وابن حبان والحاکم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علی رضی الله عنهما ، دخل علیها رسول الله . . الحدیث ، وفی آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فیه وقال: الله الذی یحیی ویمیت ، وهو حی لا یموت ، اغفر لأمی فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع علیها مدخلها ، بحق نبیک والأنبیاء الذین من قبلی فانک أرحم الراحمین .

ففی هذا الحدیث الثابت ، توسله علیه الصلاة والسلام إلی ربه بذاته ، التی هی أرفع الذوات قدراً ، وباخوانه من النبیین ، وجلهم موتی علیهم جمیعا الصلاة

ص: 471

والسلام .

فالتوسل بسیدنا رسول الله ، والتوسل بسائر الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام ، والتوسل بالصالحین من عباد الله سبحانه، والإستغاثة بهم جمیعاً، علی النحو الذی علیه الأمة ، من اعتقاد أنهم عباد مکرمون مقبولو الشفاعة ، عند الله تعالی بفضله ، هو مما أجمعت علیه الأمة، ودل علیه الکتاب ، ونطقت به صحاح السنة ، وأقوال العلماء .

وجواز التوسل وحسنه یعد بحق من الأمور المعلومة لکل ذی دین ، المعروفة من فعل الأنبیاء والمرسلین ، وسیر السلف الصالحین والعلماء العوام من المسلمین .

وحسبک من انکار المنکر للإستعانة والتوسل، قول لم یقله عالم قبله ، وقد وقفت له علی کلام طویل فی ذلک ، رأیت أن أمیل عنه ولا أتتبعه بالنقض والأبطال ، فإن دأب القاصدین لإیضاح الدین وإرشاد المسلمین ، تقریب المعنی إلی أفهامهم ، وتحقیق مرادهم وبیان حکمه وأحکامه .

وعلی أی حال من الأحوال ، ومهما بلغ قول المنکر من الإنکار ، فإن التوسل بالنبی جائز فی کل حال ، قبل خلقه ، وبعد خلقه ، فی مدة حیاته فی الدنیا ، وبعد موته فی مدة البرزخ ، وبعد البعث فی عرصات القیامة ، والجنة .

وهو علی ثلاثة أنواع:

1 - النوع الأول: أن التوسل به بمعنی أن طالب الحاجة یسأل الله تعالی به ، أو بجاهه أو ببرکته . وله ثلاث حالات:

أما الحالة الأولی: قبل خلقه فیدل علی ذلک آثار عن الأنبیاء الماضین ، صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ، اقتصرنا منها علی بعض ما تبین لنا صحته ، وهو ما رواه

الحاکم أبو عبدالله فی المستدرک علی الصحیحین، وعبد الرزاق فی مصنفه، وابن أبی شیبة فی مسنده: عن قتادة عن سعید بن المسیب عن ابن عباس رضی

ص: 472

الله عنهما ، قال: أوحی الله إلی عیسی یا عیسی آمن بمحمد ، وأمر من أدرکه من أمتک أن یؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولاه ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش علی الماء فاضطرب فکتبت علیه: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فسکن .

وأما ما ورد من توسل نوح ، وابراهیم ، وغیرهما من الأنبیاء (علیهم السّلام) ، فذکره المفسرون ، واکتفینا عنه بهذا الحدیث لجودته وتصحیح الحاکم له .

ولا فرق فی هذا المعنی بین أن یعبر عنه بلفظ التوسل ، أو الإستعانة، أو التشفع أو التجوه . ولسنا فی ذلک سائلین غیر الله تعالی ، ولا داعین إلا إیاه ، ویکون ذکر المحبوب أو التعظیم سبباً فی ذلک للإجابة ، کما فی الأدعیة الصحیحة المأثورة: أسألک بکل اسم لک ، وأسألک بأسمائک الحسنی، وأسألک بأنک أنت الله ، وأعوذ برضاک من سخطک ، وبمعافاتک من عقوبتک ، وبک منک . . .

أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته ، فیدل علیه قوله تعالی: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً .

وفی الحدیث الصحیح عن أنس بن مالک (رض) ، أن رجلاً دخل یوم الجمعة من باب کان وجاه المنبر ورسول الله قائم یخطب ، فاستقبل رسول الله قائماً ، قال: یا رسول الله ، هلکت المواشی ، وانقطعت السبل فادع الله أن یغیثنا. قال: فرفع رسول الله یدیه فقال: اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . . .

فالنبی أقر هذا الأعرابی علی التوسل به ، وسعی فی تحقیق ما توسل إلیه . . .

الحالة الثانیة: التوسل به بذلک النوع ، بعد خلقه ، فی مدة حیاته ، فمن ذلک ما رواه أبو عیسی الترمذی فی جامعه فی کتاب الدعوات: عن عثمان بن حنیف أن رجلا ضریر البصر أتی النبی فقال: ادع الله أن یعافنی . . .

ص: 473

والحالة الثالثة: أن یتوسل به بعد موته ، لما رواه الطبرانی فی معجمه الکبیر: عن عثمان بن حنیف أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان فی حاجة له فکان عثمان لا یلتفت إلیه ، ولا ینظر فی حاجته ، فلقی ابن حنیف فشکا ذلک إلیه فقال له عثمان بن حنیف: ایت المیضاة فتوضأ ، ثم ایت المسجد فصل فیه رکعتین ، ثم قل: « اللهم انی أسألک وأتوجه الیک بنبینا محمد نبی الرحمة ، یا محمد إنی أتوجه بک إلی ربک فیقضی حاجتی وتذکر حاجتک . . .

والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنیف (رض) ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله .

2 - النوع الثانی: التوسل به بمعنی طلب الدعاء منه ، وذلک فی أحوال: الحالة الأولی: فی حیاته وهذا متواتر . . .

ولا یصح أن یقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والإستغاثة لأن فیهما إبهام وهو أن المتوجه به ، والمستغاث به أعلی من المتوجه علیه والمستغاث علیه .

وهذا لا یعتقده مسلم ، ولا یدل لفظ التوجه والإستغاثة علیه فإن التوجه من الجاه والوجاهة ، ومعناه: علو القدر والمنزلة .

وقد یتوسل بذی جاه إلی من هو أعلی جاها منه .

الحالة الثانیة: بعد موته فی عرصات القیامة بالشفاعة منه ، وذلک مما قام الإجماع علیه وتواترت الأخبار به .

الحالة الثالثة: المتوسطة فی مدة البرزخ ، ولا مانع من ذلک ، فإن دعاء النبی لربه تعالی فی هذه الحالة غیر ممتنع ، وقد وردت الأخبار علی ما ذکرنا من قبل ، ونذکر طرفا منه باثبات علمه بسؤال من یسأله، فلا مانع من أن یسأل به الإستسقاء کما کان یسأله فی الدنیا .

ص: 474

3 - النوع الثالث: من التوسل أن یطلب منه ذلک الأمر المقصود ، بمعنی أنه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قادر علی التسبب فیه بسؤاله ربه وشفاعته إلیه، فیعود إلی النوع الثانی فی المعنی، وإن کانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبی: أسألک مرافقتک فی الجنة، فقال له (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعنی علی نفسک بکثرة السجود .

والآثار فی ذلک کثیرة ، ولا یقصد الناس بسؤالهم ذلک إلا کون النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سبباً وشافعاً ، ولیس المراد نسبة النبی إلی الخلق والإستقلال بالأفعال ، فإن هذا لا یقصده مسلم. فصرف الکلام إلیه ومنعه من باب التلبیس فی الدین والتشویش علی عوام الموحدین !!

وأما الإستغاثة فهی طلب الغوث. وتارة یطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالی وحده ، کقوله تعالی: إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ فَاسْتَجَابَ لَکُمْ .

وتارة یطلب ممن یصح إسناده إلیه ، علی سبیل الکسب ، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی هذین القسمین فیصح أن یقال: استغثت بالنبی ، وأستغیث بالنبی ، بمعنی واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه علی النوعین السابقین فی التوسل من غیر فرق ، وذلک فی حیاته وبعد موته ، ویقول: استغثت الله ، وأستغیث الله بمعنی طلب خلق الغوث منه .

فالله تعالی مستغاث ، والغوث منه خلقاً وایجاداً ، والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مستغاث ، والغوث منه تسبباً وکسباً .

وقد تکون الإستغاثة بالنبی علی وجه آخر ، وهو أن یقول: استغثت بالنبی کما یقول: سألت الله بالنبی ، فیرجع إلی النوع الأول من أنواع التوسل ، ویصح قبل وجوده وبعد وجوده .

والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل ، وجوازه بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فی حیاته وبعد وفاته ، وکذا بغیره من الأنبیاء والمرسلین ، والأولیاء الصالحین ،

ص: 475

کما دلت علیه الأحادیث السابقة .

ومعاشر أهل السنة لا یعتقدون خلقاً ولا ایجاداً ، ولا إعداماً إلا لله تعالی وحده لا شریک له. فلا فرق فی التوسل بالنبی وغیره من الأنبیاء والمرسلین صلوات الله وسلامه علیه وعلیهم أجمع-ین. وکذلک بالأولیاء والصالحین ، لا فرق بین کونهم أحیاءً أو أمواتاً، لأنهم لا یخلقون شیئاً ، وانما یتبرک بهم لکونهم أحباء الله تعالی، والخلق والإیجاد لله وحده لا شریک له .

شبهة إنکار التوسل والإستغاثة والرد علیها:

من شبهات الخصم التی یدلس فیها ویموه بها:

1 - الإنکار علی المتوسلین والمستغیثین ، وتکفیرهم وعدهم مشرکین ، کعباد الأوثان ، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم ، واتهامهم أنهم یعتقدون التأثیر لغیر الله تعالی .

2 - الإنکار علی المستغیثین بالموتی .

3 - انکار زیارة قبور الأنبیاء والصالحین ، وبالأخص سید المرسلین والإستغاثة به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إلی رب العالمین .

4 - إنکار الصلاة فی المساجد التی بها قبور ، وعد ذلک من الشرک ، ولا ذریعة إلی الشرک .

5 - إنکار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والإستغفار للموتی . وغیر ذلک مما اعتبره الخصم من أنواع الشرک .

ولتفنید شبهات الخصم سالفة الذکر هذه ، فقد أفردنا لکل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فیه الرد علیها .

أما الشبهة الأولی فقد استقصینا کلام الخصم ، فوجدناه مفتتحا إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارف بضعف حاله ، فإن تکفیره لمن خالف

ص: 476

بدعته من جمیع المسلمین ، ونسبتهم إلی الشرک الأکبر ، واتخاذه هذا الإتهام ذریعة لتکفیرهم لا دلیل له علیه .

هذه الذریعة التی اتخذها هی قوله: إن المشرکین السابقین کانوا مشرکین فی الألوهیة فقط ، وأما مشرکو المسلمین فنعنی بهم من أشرکوا فی الألوهیة والربوبیة. وقال أیضاً : إن الکفار فی زمن رسول الله لا یشرکون دائماً ، بل تارة یشرکون ، وتارة یوحدون ، ویترکون دعاء الأنبیاء والصالحین ، وذلک أنهم إذا کانوا فی السراء دعوهم واعتقدوا بهم ، وإذا أصابهم الضر والشدائد ترکوهم وأخلصوا لله الدین ، وعرفوا أن الأنبیاء والصالحین لا یملکون ضراً ولا نفعاً .

قال الخصم هذا ، وحمل تأویل جمیع الآیات القرآنیة التی نزلت فی المشرکین علی الموحدین من أمة محمد وتمسک بها فی تکفیرهم .

مجمل القول فی رد هذه الشبهة : أن التوسل والتشفع والإستغاثة کلها بمعنی واحد ، ولیس لها فی قلوب المؤمنین معنی إلا التبرک بذکر أحباب الله تعالی ، لما ثبت أن الله یرحم العباد بسببهم ، سواء أکانوا أحیاءً أم أمواتاً . فالمؤثر والموجد حقیقة هو الله تعالی ، وهؤلاء سبب عادی فی ذلک ، لا تأثیر لهم ، وذلک مثل السبب العادی فانه لا تأثیر له .

فالمسلم الموحد متی صدر منه اسناد الشئ لغیر من هو له ، یجب حمله علی المجاز العقلی ، واسلامه وتوحیده ، قرینة علی ذلک ، کما نص علی ذلک علماء المعانی فی کتبهم ، وأجمعوا علیه .

وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته فی الأحادیث الصحیحة ، ومع صدوره من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأصحابه ، وسلف الأمة وخلفها .

والمنکرون للتوسل ، والمانعون منه ، منهم من یجعله حراماً ، ومنهم من یجعله کفراً وإشراکاً ! وکل ذلک باطل ، لأنه یؤدی إلی اجتماع معظم الأمة علی الحرام

ص: 477

والإشراک، لأن من تتبع کلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف یجد التوسل صادراً منهم، بل ومن کل مؤمن فی أوقات کثیرة، وإجتماع أکثرهم علی الحرام أو الإشراک لا یجوز ، لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحدیث

الصحیح: لا تجتمع أمتی علی ضلالة .

کما أن المنع من التوسل والإستغاثة بالکلیة مصادم للأحادیث الصحیحة ، ولفعل السلف والخلف ، فعلیک باتباع الجمهور والسواد الأعظم . یقول سبحانه وتعالی: وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا .

یقول رسول الله (علیهماالسّلام): علیکم بالسواد الأعظم فانما یأکل الذئب من الغنم القاصیة .

هؤلاء المنکرون للتوسل والزیارة، فارقوا الجماعة والسواد الاعظم ، وعمدوا إلی آیات کثیرة من آیات القرآن التی نزلت فی المشرکین ، فحملوها علی المؤمنین الذین تقع منهم الزیارة والتوسل ، وتوصلوا بذلک إلی تکفیر أکثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق ، والحق علی خلاف ما یقولون ویزعمون .

أما تخیلهم أن منع التوسل والزیارة من المحافظة علی التوحید ، وأن فعل ذلک مما یؤدی إلی الشرک ، فهو تخیل فاسد باطل. فالتوسل والزیارة إذا فعل کل منهما مع المحافظة علی آداب الشریعة الغراء لا یؤدی إلی محذور البتة .

والقائل بمنع ذلک سدا للذریعة متقول علی الله ، وعلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکأن هؤلاء المانعین للتوسل والزیارة یعتقدون أنه لا یجوز تعظیم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فحیثما صدر من أحد تعظیم له حکموا علی فاعله بالکفر والإشراک، ولیس الأمر کما یقولون، فإن الله تعالی عظم النبی فی القرآن الکریم بأعلی أنواع التعظیم ، فیجب علینا أن

ص: 478

نعظم من عظمه الله تعالی وأمر بتعظیمه .

الفصل الثانی شبهة إنکار الإستغاثة بالموتی والرد علیها:

کثر الخوض ، واشتد الجدال ، وحدث الإنکار ، ضد الإستغاثة بالموتی ، ومنع النداء لهم ، ظنا من المنکرین ، أن سائر الموتی من الأنبیاء ، والمرسلین ، والأولیاء الصالحین، وعامة المؤمنین لمجرد انتقالهم من دار الحیاة الدنیا ، صاروا ترابا لا بقاء لهم فی قبورهم ، لا یسمعون ولا یدرکون . بید أن الحق علی خلاف ما یزعمون ، والصواب علی غیر ما یعتقدون .

والسنة الشریفة ترد علیهم زعمهم فی صراحة قویة ، وتبطل قولهم فیما جاء بها من أحادیث صحیحة .

أخرج البخاری ومسلم ، وأصحاب السنن ، من حدیث ابن عمر قال: اطلع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أهل القلیب فقال: هل وجدتم ما وعدکم ربکم حقا . . .

وقال الله تعالی: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ . فإذا ثبت هذا فی الشهداء وهم من سائر الأمة فی کل زمان ، فلا شک أن الأنبیاء من باب أولی .

وفی الحدیث الصحیح: ما من أحد یسلم علی إلا رد الله علی روحی حتی أرد (علیه السّلام). فظاهره یقتضی أن روحه الشریفة تفارق جسده الشریف وأنها بالسلام ت--رد . . .

یؤید ذلک ما صح عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من قوله: حیاتی خیر لکم ، تحدثون ویحدث لکم ، ووفاتی خیر لکم تعرض علیَّ أعمالکم ، ما رأیت من خیر حمدت الله ، وما رأیت من شر استغفرت لکم. وفی هذا الباب آثار کثیرة .

وأما شبهتهم فی المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات ، والغائبین ، والاموات ، من الشرک الذی یباح به الدم والمال ، ولا حجة لهم فی

ص: 479

ذلک ، فإن الأحادیث الصحیحة صریحة فی بطلان قولهم هذا .

إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبین والجمادات یسمی دعاء ، وأن الدعاء عبادة ، بل هو مخ العبادة . وحملوا کثیراً من الآیات القرآنیة التی نزلت فی المشرکین علی الموحدین ، وقد تقدم ذکر کثیر من تلک الآیات ورد زعمهم فیها .

وهذا کله منهم تلبیس فی الدین ، فانه وان کان النداء قد یسمی دعاء کما فی قوله تعالی: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَیْنَکُمْ کَدُعَاءِ بَعْضِکُمْ بَعْضاً. لکن لیس کل نداء عبادة ، ولو کان کل نداء عبادة لشمل ذلک نداء الأحیاء والأموات ، فیکون کل نداء ممنوعاً مطلقاً ، ولیس الأمر کذلک ، وإنما النداء الذی یکون عبادة هو نداء من یعتقدون ألوهیته واستحقاقه العبادة فیرغبون إلیه ویخضعون بین یدیه .

الذی یوقع فی الإشراک هو إعتقاد ألوهیة غیر الله تعالی، وأما مجرد النداء لمن لا یعتقدون ألوهیته ولا تأثیره فانه لیس عبادة . . .

ص: 480

الفصل السادس :ثورة السید محمد علی المالکی علی الفکر الوهابی !

اشارة

ص: 481

ص: 482

الرأی الآخر ممنوع عندهم !

اشارة

لأول مرة فی تاریخ المملکة العربیة السعودیة ، یسمح للرأی المخالف لأفکار الشیخ محمد عبد الوهاب وابن تیمیة ، أن یعبر عن نفسه !

فقد ظهرت خیوط ذلک فی عدد من الصحف والکتب ، وبرزت أسماء جریئة تنقد الفکر الوهابی . . ولکن رائد الثورة الفکریة علی الفکر التیمی السائد . . هو السید محمد علوی المالکی .

وقد اخترنا هذا الفصل من مواد النقاش الذی جری فی أوائل شهر حزیران وشهر تموز سنة 1999، علی شبکة الساحة العربیة ، فی ( الإنترنیت ) وتضمن رداً وبدلاً بین معارضین ومؤیدین للمالکی ، وبما أن مواد کثیرة لا یتسع المجال لعرضها ، نکتفی بنماذج منها:

- طلب أحدهم تعریفا بالمالکی ، فکتب المدعو أبو صالح أحد مؤیدی السید المالکی ، تعریفا به فقال:

ترددت کثیراً قبل البدء بکتابة هذه الاسطر لسببین:

1 - عدم أهلیة الفقیر وقلة بضاعته .

ص: 483

2 - حفاظاً علی حرمة السید أن تناله ألسنة الرعاع .

لکن حینما رأیت أن تلک الأفواه لم تتوان فی قذف ما بداخلها من عفن ، لم أجد بداً من إجابة الأخ السائل الذی أحب معرفة شئ عن السید محمد بن علوی بن عباس المالکی، وها أنا أقدم للإخوة بعضاً مما ذکره السید فی بعض کتبه ، وشیئاً مما أعرفه عنه .

هو: السید محمد الحسن بن علوی بن عباس بن عبد العزیز المالکی مذهباً الحسنی الإدریسی نسباً ( تجد بقیة نسبه إلی سیدنا الحسن بن علی رضی الله عنهما فی کتاب أنساب قحطان وعدنان )

ولادته ونشأته:

ولد بمکة فی بیت علماء فأبوه عالم ومحدث وجده عالم ومحدث ، وکذا حال کثیر من عائلته. والسید یروی کثیراً من الکتب وخاصة الحدیث عن أبیه عن جده .

فنشأته کانت بمکة المکرمة وتعلم فی حلقات العلم بالمسجد الحرام وفی مدرسة الفلاح ومدرسة تحفیظ القرآن الکریم .

أکمل دراسته الجامعیة بالأزهر الشریف حتی حصل علی شهادة الدکتوراة به .

رحلاته:

رحل فی طلب العلم إلی مصر والمغرب والهند وباکستان وبلاد الشام واستفاد کثیراً من هذه الرحلات من جمع للمخطوطات ولقاء الرجال ومعرفة الآثار وزیارة المشاهد وکتابة الفوائد ، فسبحان المتفضل علی عباده.

شئ من علمه:

بدأ بالتدریس وهو دون البلوغ بأمر والده المرحوم السید علوی المالکی حیث

ص: 484

کان یدرس الطلبة کل کتاب یتمه علی والده .

جمع الأسانید علی المحدثین والفقهاء فی شتی بقاع العالم الإسلامی حتی تحصل له أکثر من 200 شیخ یسر الله طبع الجزء المفرد بهم .

قرأ القراآت السبع علی شیخ القراء بمدینة حمص بالشام الشیخ عبدالعزیز عیون السود ( انظر اسمه فی آخر مصحف الشام ) وأجازة بها .

ولعل البعض یذکر أن السید کان أحد أعضاء ( أو رئیسا - ان لم تخنی الذاکرة ) للجنة التحکیم فی مسابقة القرآن الکریم بمکة المکرمة حتی عهد قریب. وبعد ذلک اعتذر هو لشدة انشغاله .

أخبرنی بذلک مشافهة أحد القائمین علی المسابقة .

تعین مدرساً رسمیاً فی کلیة الشریعة بمکة سنة 1390 ه- .

بعد وفاة والده بثلاثة أیام اجتمع علماء مکة فی دار السید علوی وکلفوه بالتدریس فی مقام والده فی المسجد الحرام قام بالقاء کثیر من المحاضرات فی المذیاع والتلفاز السعودی ، وخاصة عن السیرة النبویة .

قدم استقالته من الجامعة وتفرغ للتألیف والدعوة إلی الله محتسبا لوجه الله فی مکة المکرمة وخارجها . ولا یزال حفظه الله علی ذلک .

- شارک فی عدة مؤتمرات إسلامیة عالمیة قدم بحوثا طبع أکثرها .

- قام بعدة رحلات شخصیة ورسمیة زار فیها کثیراً من بلاد المسلمین ، ألقی فیها جملة من المحاضرات والدروس نفع الله بها آمین .

من مؤلفات السید:

دراسات حول الموطأ

فضل الموطأ وعنایة الأمة الإسلامیة به

دراسة مقارنة عن روایات موطأ الاما

ص: 485

شبهات حول الموطأ وردها

أمام دار الهجرة مالک بن أنس

وألف کتباً عدیدة فی مصطلح الحدیث:

أسماء الرجال ، التصوف ، علم الأسانید ، الإثبات مثل:

القواعد الأساسیة فی علم مصطلح الحدیث

القواعد الأساسیة فی علوم القرآن

القواعد الأساسیة فی أصول الفقه

( وهذه الثلاثة نفع الله بها توفر علی طالب العلم کثیراً من الوقت والجهد ) زبدة الإتقان فی علوم القرآن

العقود اللؤلؤیة فی الأسانید العلویة

إتحاف ذوی الهمم العلیة برفع أسانید والدی السنیة

الطالع السعید المنتخب من المسلسلات والأسانید

کتب عن آثار مکة

کتاب فی رحاب البیت الحرام

صنف فی الشمائل المحمدیه کتاب: الإنسان الکامل .

وتاریخ الحوادث النبویة

وله کتب عدیمة النظر فی بابها ککتاب:

وهو بالأفق الأعلی

وشفاء الفؤاد بزیارة خیر العباد

والزیارة النبویة بین الشرعیة والبدعیة

ورسالة عن أدلة مشروعیة المولد النبوی

وککتاب مفاهیم یجب أن تصحح

ص: 486

والذی ارتضاه السواد الأعظم من الأمة ، وقرظ له کبار علماء الأمة ، والذی لا یستغنی عنه باحث عن الحق ، ولا منصف لإخوانه الذین یخالفوه فی بعض الفرعیات .

- قام بالتحقیق والتعلیق علی المرفوع من روایة ابن القاسم للموطأ

- علق علی المولد النبوی للحافظ ابن البدیع

- علق علی المولد النبوی للحافظ الملأ علی القاری ، ونشره لأول مرة .

وغیر ذلک کثیر مما یقارب المئة ( 100 ) مؤلف ، منها الذی ظهر ومنها الذی لم یظهر یسر الله طبعها والنفع بها آمین .

شیوخ السید:

بإمکانک أن تتعرف من خلال معرفة مشایخ السید الذین یروی عنهم بالإسناد علی جانب من شخصیته حفظه الله وبارک فی علمه ثم - ان یسر الله - سأنقل کتب الحدیث التی یرویها السید بإسناده المتصل مما هو مدون لدی وأرویه عن السید حفظه الله .

وأبدأ بأخص مشایخ السید محمد بن علوی بن عباس المالکی :

السید علوی بن عباس المالکی الحسنی ت 1391

الشیخ محمد یحیی بن الشیخ أمان ت 1387

الشیخ محمد العربی التبانی ت 1390

الشیخ حسن بن سعید یمانی ت 1391

الشیخ محمد الحافظ التیجانی شیخ الحدیث بمصر ت 1398

الشیخ حسن بن محمد المشاط ت 1399

الشیخ محمد نور سیف بن هلال المکی ت 1403

الشیخ عبد الله بن سعید اللحجی ت 1410

ص: 487

الشیخ محمد یس الفادانی ت 1410 وما أدراک من هو : مسند مکة وشیخ دار العلوم الدینیة بها(رحمه الله)حدث فی مجلس واحد عن 200 شیخ مبتدءا بمشرق العالم الإسلامی ومنتهیاً بمغربه حدثنی بذلک شیخی القارئ الثقة الذی أروی عنه وعن السید کلاهما عن الشیخ الفادانی الشیخ عبدالله أحمد دردوم ت 1407

الشیخ الفقیه شیخ العلماء حسنین بن محمد مخلوف مفتی مصر ت 1411

الشیخ محمد إبراهیم أبو العیون شیخ الخلوتیة بمصر ت ؟

وهؤلاء أکثر الذین لازمهم السید وأخذ عنهم واستفاد منهم والتقی السید بنخبة عدیمة النظر من العلماء العارفین من سادتنا آل البیت النبوی وأخذ عن فحولهم واقتبس منهم الشئ الکثیر وعلی رأسهم السادة من آل باعلوی وما أدراک من آل باعلوی نفعنا الله بهم من أعلی الناس علما وتقوی وأشدهم تواضعاً وحیاء لوجهلتهم لجهلت مجداً من أعرق الأمجاد لهذه الأمة المحمدیة ، استقر غالبیتهم فی بلاد حضرموت ، ومنها انطلقوا للدعوة إلی الله فی أرجاء الأرض .

أصحاب مبدأ فی حیاتهم یمثلون أهل السنة والجماعة ، أشاعرة العقیدة متبعون لمذهب سیدنا الإمام الشافعی ، یعیشون إحیاء علوم الدین علی وجه الأرض .

ولو أنصف المؤرخون لسطروا أثرهم بماء الذهب فی فاتحة أی کتاب تاریخ للمسلمین هل تدری لماذا ؟ لأنهم بتوفیق الله غیروا خریطة العالم الإسلامی فقد أدخلوا الإسلام لأکبر کثافة إسلامیة علی وجه الأرض ( أکثر من 50% من مجموع المسلمین ) وهذا فی آسیا وإفریقیا وهی أماکن لم تصلها جیوش المسلمین !

جملة من أئمة الدین الذین یروی عنهم السید محمد علوی المالکی:

الشیخ المحدث محمد زکریا الکاندهلوی شیخ الحدیث بالهند

الشیخ المحدث حبیب الرحمن الأعظمی شیخ الحدیث

ص: 488

الشیخ المحدث محمد یوسف البنوری بکراتشی

الشیخ محمد شفیع مفتی باکستان

الشیخ محمد أسعد العبجی مفتی الشافعیة بحلب

السید حسن بن أحمد بن عبدالباری الأهدل الیمانی منصب المراوعة

السید المسند العارف بالله مکی بن محمد بن جعفر الکتانی الدمشقی

الشیخ الفقیه شیخ العلماء حسنین بن محمد مخلوف مفتی مصر

الشیخ المحدث أمین بن محمود خطاب السبکی المصری

الشیخ المعمر محمد عبدالله عربی المصری المعروف بالعقوری وهو تلمیذ

الشیخ الباجوری .

ویروی عن الأمیر الصغیر مباشرة بلا واسطة ، فسنده فی غایة العلو. انتهی .

بدایة ظهور ثورته الفکریة

- نشر أحدهم فی الشبکة المذکورة ( بیان هیئة کبار العلماء بالضال محمد علوی المالکی ) ونص القرار المرقم 86 فی 11/11/1401 هفی الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف فی شوال عام 1400 ه-:

نظر مجلس هیئة کبار العلماء فیما عرضه سماحة الرئیس العام لإدارات البحوث العلمیة والأفتاء والدعوة والإرشاد مما بلغه من أن لمحمد علوی مالکی نشاطاً کبیراً متزایداً فی نشر البدع والخرافات ، والدعوة إلی الضلال والوثنیة ، وأنه یؤلف الکتب ویتصل بالناس ، ویقوم بالأسفار من أجل تلک الأمور ، واطلع علی کتابه الذخائر المحمدیة ، وکتابه الصلوات المأثورة ، وکتابه أدعیة وصلوات ، کما استمع إلی الرسالة الواردة إلی سماحة الرئیس العام لإدارات البحوث

ص: 489

العلمیة والأفتاء والدعوة والإرشاد ، من مصر ، وکان مما تضمنته:

( وقد ظهر فی الأیام الأخیرة طریقة صوفیة فی شکلها لکنها فی مضمونها من أضل ما عرفناه من الطرق القائمة الآن، وان کانت ملة الکفر واحدة. هذه الطریقة تسمی ( العصبة الهاشمیة والسدنة العلویة والساسة الحسنیة الحسینیة ) ویقودها رجل من صعید مصر یسمیه أتباعه ( الإمام العربی ) وهو یعتزل الناس فی صومعة له ویمرون علیه صفوفاً ویسلمون علیه ، ویحدثونه ویمنحهم البرکات ، ویکشف لهم المخبؤ بالنسبة لکل واحد ، وهذا کله من

وراء ستار ، فهم یسمعون صوته ولا یرون شکله ، اللهم إلا الخاصة من أحبابه وأصحابه ، فهم المسموح لهم بالدخول علیه ، وعددهم قلیل جداً ، وهو لا یحضر مع الناس الجمع ، ولا الجماعات ، ولا یصلی فی المسجد الذی بناه بجوار صومعته ، ویعتقد أتباعه أنه یصلی الفرائض کلها فی الکعبة المشرفة جماعة خلف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ویعتقدون کذلک أنه من البقیة الباقیة من نسل الأئمة المعصومین ، وأن المهدی سیخرج بأمره ، وقد أنشأ لطریقته فروعاً فی بعض مدن مصر ، یجتمع روادها فیها علی موائد الأکل والشرب والتدخین ، ویأمرون مریدیهم بحلق اللحی ، وعدم حضور الجماعة فی المساجد ، وذلک تمهیداً لإسقاط الصلاة نفسها ، ویخشی أنهم امتداد لحرکة باطنیة جدیدة ، فإن هناک وجه شبه بینهم وبین خصائص الباطنیة ، فإنهم بالإضافة إلی ما سبق محظور علی أتباعهم إذاعة أسرارهم والسؤال عن أی شئ یرونه من شیوخهم ، کذلک الإسم الذی سموا به حرکتهم والشعار الذی اتخذوه لها هو ( فاطمة علی الحسن الحسین ) ومما یؤید هذا الظن أنهم یجاورون الضاحیة التی دفن فیها ( أغا خان ) زعیم الإسماعیلیة حیث لا تنقطع أتباع الإسماعیلیة عن زیارة قبره ، والإتصال بالناس هناک ، وقد دفن أغا خان فی مصر لهذه الغایة ، وقد ازداد أمر هؤلاء فی نظرنا خطورة حین علمنا أن

ص: 490

لهم إتصالات ببعض أفراد فی السعودیة ، وقد هیأت لبعض أتباعهم فرص عمل فی المملکة عن طریق هؤلاء الأفراد الذین لم نتعرف علی أسمائهم بعد ، نظراً للسریة التی یحیطون بها حرکتهم ، ونحن فی سبیل ذلک إن شاء الله .

ولکن الذی وقفنا علیه وعرفناه یقینا لا یقبل الشک أن الشیخ ( محمد بن عباس المالکی المکی الحسنی ) یتصل بهم إتصالاً مباشراً ویزور شیخهم المحتجب ویدخل علیه ویختلی به ویخرج من عنده بعد ذلک طائفاً باتباعه فی البلاد متحدثاً معهم محاضراً فیهم خطیبا بینهم ، کأنه نائب عن الشیخ المزعوم ، ثم یختم زیارته بالتوجه إلی ضریح أبی الحسن الشاذلی الشیخ الصوفی المعروف ، المدفون فی أقصی بلاد مصر ومعه بطانة من دهاقنة التصوف فی مصر، وهو ینشر بینهم مؤلفاته التی اطلعنا علی بعضها فاستوقفنا منها کتابه المسمی ( الذخائر المحمدیة ) وتحت یدی الآن نسخة منه بل الجزء الأول وهو یقع فی 354 صفحة من الحجم الکبیر ذی الطباعة الفاخرة، وطبع بمطبعة حسان بالقاهرة ، ولا یوزع عن طریق دار نشر وإنما یوزع بصفة شخصیة ، وبلا ثمن .

والذی یقرأ هذا الکتاب یجد المؤلف هداه الله قد أورد فیه کل المعتقدات الباطلة فی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولکن بطریق ملتو فیه من المکر والدهاء ما فیه ، حتی لا یؤخذ علی المؤلف خطأ شخصی ، فهو یذیع تلک العقائد ویشیعها عن طریق النقل من بعض الکتب التی أساءت إلی الإسلام فی عقیدته وشریعته ، والتی وصلت برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی درجة من الغلو ما قال بها کتاب الله ولا سنة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بل ورد بشأنها النهی الصریح عن مثل هذا الزیغ والزیف والضلال )

ثم ذکر أمثلة مما جاء فی الکتاب من الضلال وختم رسالته بقوله ( نحن انما نهتم بتعقب مثل هذه الأخطاء والخطایا من أجل أن ننبه الی خطورتها وخطرها من باب نصح المسلمین وارشادهم وتحذیرهم مما یخشی منه علی العقیدة

ص: 491

الصحیحة والإیمان الحق .

وإنما نکتب لکم به کذلک لتتصرفوا حیاله بما فیه الخیر للإسلام والمسلمین ، فکما أن مصر مستهدفة من أعداء الإسلام بحکم عددها وعدتها واجماعها من حیث الأصل علی السنة ، فإن السعودیة مستهدفة بنفس القدر إن لم یکن أکثر بحکم موقعها من قلوب المسلمین ، وبحکم عقیدتها القائمة علی حمایة جناب التوحید ، وعلی توجیه الناس إلی السنة الصحیحة واهتمامها بنشر هذه العقیدة فی کل مکان .

فلا أقل من أن ننبه إلی بعض مواطن الخطر لتعملوا علی درئه ما استطعتم، والظن بکم بل الإعتقاد فیکم سیکون فی محله إن شاء الله ، فإن الأمر جد خطیر کما رأیتم ، من بعض فقرات الکتاب. أ ه- ) .

وقد تبین للمجلس صحة ما ذکر من کون محمد علوی داعیة سوء ویعمل علی نشر الضلال والبدع وأن کتبه مملوءة بالخرافات والدعوة إلی الشرک والوثنیة .

ورأی أن یعمل علی إصلاح حاله وتوبته من أقواله وأن یبذل له النصح ویبین له الحق واستحسن أن یحضر المذکور لدی سماحة الشیخ عبدالله بن محمد بن حمید رئیس المجلس الأعلی للقضاء وسماحة الشیخ عبدالعزیز بن عبدالله بن باز الرئیس العام لإدارات البحوث العلمیة والأفتاء والدعوة والإرشاد ، ومعالی الشیخ سلیمان بن عبید الرئیس العام لشئون الحرمین الشریفین لمواجهته بما صدر منه من العبارات الإلحادیة والصوفیة ، واسماعه الکتاب الوارد من مصر ومعرفة جوابه عن ذلک ، وما لدیه حول ما ورد فی کتبه .

وقد حصل هذا الإجتماع المذکور فی المجلس الأعلی للقضاء یوم الخمیس الموافق 17 /10/ 1400 ه- .

وأعد محضر بذلک الإجتماع تضمن إجابته بشأن تلک الکتب ، وما سأله عنه

ص: 492

المشایخ مما جاء فیها . وجاء فی المحضر الذی وقع فیه أن کتاب الذخائر المحمدیة وکتاب الصلوات المأثورة له. أما کتاب أدعیة وصلوات فلیس له ، وأما الرجل

الصوفی الذی فی مصر فقد قال أنه زاره ومئات من أمثاله فی الصعید ، ولکنه لیس من أتباعه ویبرأ إلی الله من طریقته ، وأنه لم یلق محاضرات فی مصر، وأنه أنکر علیه وعلی أتباعه ، وقد ذکر للمشایخ أنه له وجهة نظر فی بعض المسائل، أما الأمور الشرکیة فیقول انه نقلها عن غیره، وأنها خطأ فاته التنبیه علیه .

ولما استمع المجلس الی المحضر المذکور وتأکد من کون الکتابین له ، وعلم اعترافه بأنه جمع فیها تلک الأمور المنکرة ، ناقش أمره وما یتخذ بشأنه ، ورأی أنه ینبغی جمع الأمور الشرکیة والبدعیة التی فی کتابه الذخائر المحمدیة مما قال فیها أنه خطأ فاته التنبیه علیه وتطبق علی المحضر ، ویکتب رجوعه عنها ویطلب منه التوقیع علیه ، ثم ینشر فی الصحف ویذاع بصوته فی الإذاعة والتلفزیون ، فإن استجاب لذلک وإلا رفع لولاة الأمور لمنعه من جمیع نشاطاته فی المسجد الحرام ، ومن الإذاعة والتلفزیون ، وفی الصحافة ، کما یمنع من السفر إلی الخارج ، حتی لا ینشر باطله فی العالم الإسلامی ، ویکون سبباً فی فتنة الفئام من المسلمین ، وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء بقراءة کتابیه المذکورین اللذین اعترف أنها له ومن إعداده وتألیفه ، وجمع الأمور الشرکیة والبدعیة التی فیها وإعداد ما ینبغی أن یوجه له ، ویطلب منه أن یذیعه بصوته ، وبعث له عن طریق معالی الرئیس العام لشئون الحرمین الشریفین بکتاب سماحة الرئیس العام رقم 788 2 وتاریخ 12/ 11/1400 ه- ، فامتنع عن تنفیذ ما رآه المجلس ، وکتب رسالة ضمنها رأیه ، ووردت الی سماحة الرئیس العام لإدارات البحوث العلمیة والإفتاء والدعوة والإرشاد ، مشفوعة بکتاب معالی الرئیس العام لشئون الحرمین الشریفین ، رقم 2053/19 وتاریخ 26/12/1400 ه

ص: 493

وجاء فی کتاب معلیه أنه اجتمع بالمذکور مرتین ، وعرض علیه خطاب سماحة الشیخ عبد العزیز ، وما کتبه المشائخ ، ولکنه أبدی تمنعاً عما اقترحوه ، وأنه حاول اقناعه ولم یقبل ، وکتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصریح بعدم الموافقة علی إعلان توبته .

وفی الدورة السابعة عشرة المنعقدة فط شهر رجب عام 1401 ه-. فی مدینة الریاض نظر المجلس فی الموضوع وناقش الموقف الذی اتخذه حیال ما طلب منه ورأی أن یحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التی اتخذت لدفع ضرره وکف أذاه عن المسلمین ، وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء بیانا یشتمل علی جملة من الأمور الشرکیة والبدعیة الموجودة فی کتابه الذخائر المحمدیة منها:

1 - نقل فی صفحة 265 من الأبیات التی جاء فیها :

ولما رأیت الدهر قد حارب الوری

جعلت لنفسی نعل سیده حصنا

تحصنت منه فی بدیع مثالها

بسور منیع نلت فی ظله الامنا

2 - نقل قصیدة للبکری فی الصفحتین 158 - 159 تتضمن أنواعا من الشرک الأکبر وفیها إعراض عن الله عز وجل قال فیها:

ما أرسل الرحمن أو یرسل

من رحمة تصعد أو تنزل

فی ملکوت الله أو ملکه

من کل ما یختص أو یشمل

إلا وطه المصطفی عبده

نبیه مختاره المرسل

واسطة فیها وأصل لها

یعلم هذا کل من یعقل

فلذ به من کل ما تشتکی

فهو شفیع دائما یقبل

ولذ به من کل ما ترتجی

فانه المرجع والموئل

وناده ان أزمة أنشبت

أظفارها واستحکم المعضل

ص: 494

یا أکرم الخلق علی ربه

وخیر من فیهم به یسأل

کم مسنی الکرب وکم مرة

فرجت کربا بعضه یذهل

فبالذی خصک بین الوری

برتبة عنها العلا تنزل

عجل باذهاب الذی أشتکی

فإن توقفت فمن ذا أس-أل

3 - ذکر فی/( 25 ) أن لیلة مولده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل من لیلة القدر. وهذا خطأ واضح فلیلة القدر أفضل اللیالی بلا شک .

4 - ذکر فی الصفحات الثالثة والأربعین والرابعة والأربعین والخامسة والأربعین قصیدة لابن حجر الهیتمی فیها اثبات حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الإطلاق وأنه یصلی الصلوات الخمس ویتطهر ، ویجوز أن یحج ویصوم ، ولا یستحیل ذلک علیه وتعرض علیه الأعمال . ونقل عن الهیتمی استجارته بالرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأقره علی ذلک ، والإستجارة بغیر الله نوع من الشرک الأکبر .

5 - أورد فی الصفحات ( 52 ) إلی ( 55 ) ما نصه: من استغرق فی محبة الأنبیاء والصالحین حمله ذلک علی الإذن فی تقبیل قبورهم والتمسح بها ، وتمریغ الخد علیها. ونسب أشیاء من ذلک إلی بعض الصحابة ، وأقر ذلک ولم ینکره ، مع أن تلک الأمور من البدع ووسائل الشرک الأکبر ، ونسبتها إلی بعض الصحابة باطلة .

6 - ذکر فی صفحة ( 60 ) أن زیارة قبره الشریف(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من کمال الحج وأن زیارته عند الصوفیة فرض وأن الهجرة الی قبره عندهم کالهجرة إلیه حیاً. وأقر ذلک ولم ینکره .

7 - ذکر عشر کرامات لزائر قبرالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کلها رجم بالغیب وقول علی الله بلا علم .

8 - دعا إلی الإستجارة به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإستشفاع به عند زیارته فقال ما نصه ( ویتأکد بتجدید التوبة فی هذا الموقف الشریف وسؤال الله تعالی أن یجعلها لدیه نصوحاً

ص: 495

والإستشفاع به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قبولها والإکثار من الإستغفار والتضرع بتلاوة الآیة المذکورة ، وأن یقول بعدها وقد ظلمت نفسی ظلماً کثیراً ، وأتیت بجهلی وغفلتی أمراً کبیراً ، وقد وفدت علیک زائراً وبک مستجیراً .

ص ( 100 ) ومعلوم أن الإستشفاع والاستجارة به بعد وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أنواع الشرک الأکبر .

9 - ذکر فی صفحة ( 10 - شعراً یقال مع الدعاء عند زیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومنه:

هذا نزیلک أضحی لا ملاذ له

إلا جنابک یا سؤلی ویا أملی

ومنه:

ضیف ضعیف غریب قد أناخ بکم

ویستجیر بکم یا سادة العرب

یا مکرم الضیف یاعون الزمان ویا غوث الفقیر ومرمی القصد والطلب

ونقل عن بعضهم فی/( 102 ) شعرا تحت عنوان فضائل نبویة قرآنیة:

أترضی مع الجاه المنیع ضیاعنا

ونحن الی أعتاب بابک ننسب

أفضلها علینا نفحة نبویة

تلم شتات المسلمین وترأب

وهذه الأبیات الخمسة من الشرک الأکبر والعیاذ بالله .

10 - نقل فی صفحة ( 54 ) بیتا من الهمزیه هو:

لیته خصنی برؤیة وجه

زال عن کل من رآه العناء

وهذا کذب وباطل وقد رآه فی حیاته علیه الصلاة والسلام أقوام کثیرون ، فما زال عنهم عناؤهم ولا کفرهم .

11 - نقل فی صفحة ( 157 ) غلوا فی نعال الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی البیتین التالیین:

علی رأس هذا الکون نعل محمد

سمت فجمیع الخلق تحت ظلاله

لدی الطور موسی نودی اخلع وأحمد

إلی العرش لم یؤمر بخلع نعاله

12 - ذکر فی صفحة ( 166 ) قصیدة شرکیة للشیخ عمر الباقی الخلوتی منها:

ص: 496

یا ملاذ الوری وخیر عیان

ورجاء لکل دان قصی

لک وجهی وجهت یا أبیض

الوجه فوجه إلیه وجه الولی

13 - نقل فی کتابه الذخائر المحمدیة / ( 284 ) عن ابن القیم من کتابه جلاء الأفهام ما یوهم أن الطریق إلی الله وإلی جنته محصور فی اتباع أهل البیت یعنی أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتصرف فی کلام ابن القیم فلم ینقله علی حقیقته ، لأن ابن القیم فی کتابه المذکور تکلم علی إبراهیم الخلیل وآله من الأنبیاء وذکر أن الله سبحانه بعث جمیع الأنبیاء بعد إبراهیم من ذریته ، وجعل الطریق إلیه مسدوداً إلا من طریقهم ، ومنهم نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

فترک الشیخ محمد علوی مالکی نقل أصل کلام ابن القیم(رحمه الله)وتصرف فیه ، فنقل ما یوهم القراء أن المراد أهل بیت النبی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولا یخفی أن هذا الرأی هو مذهب الرافضة الإثنی عشریة ، وأنهم یرون أن الأحادیث الواردة من غیر طریق أهل البیت لا یحتج بها ولا یعمل بها ولو کان الراوی لها أبا بکر الصدیق أو عمرأو عثمان أو غیرهم من الصحابة رضی الله عنهم أجمعین.. وهذا منکر عظیم وفساد کبیر وتدلیس شنیع أراد به تحقیق مقصد سیئ خطیر .

ومثل ما تقدم ما ذکره فی الصفحتین الرابعة والخامسة من کتابه الصلوات المأثورة حیث یقول من جملة الدعاء الذی نقله ( وانشلنی من أوحال التوحید وأغرقنی فی عین بحر الوحدة ) وقوله: ( ولا شیء إلا هو به منوط ) یعنی بذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وقد رفع البیان إلی صاحب السمو الملکی نائب رئیس مجلس الوزراء مشفوعاً بکتاب سماحة الرئیس العام رقم 1280/2 وتاریخ 28/7/1401 ه- .

وفی الدورة الثامنة عشرة للمجلس - المنعقدة فی شهر شوال عام 1401 ه- .

أعیدت مناقشة موضوعه بناء علی ما بلغ المجلس من أن شره فی إزدیاد ، وأنه لا

ص: 497

یزال ینشر بدعه وضلالاته فی الداخل والخارج ، فرأی أن الفساد المترتب علی نشاطه کبیر ، حیث یتعلق بأصل عقیدة التوحید التی بعث الله الرسل من أولهم إلی آخرهم لدعوة الناس الیها ، وإقامة حیاتهم علی أساسها ، ولیست أعماله وآراؤه الباطلة فی أمور فرعیة إجتهادیة یسوغ الإختلاف فیها ، وأنه یسعی إلی عودة الوثنیة فی هذه البلاد وعبادة القبور والأنبیاء ، والتعلق علی غیر الله ، ویطعن فی دعوة التوحید ویعمل علی نشر الشرک والخرافات ، والغلو فی القبور ، ویقرر هذه الأمور فی کتبه ویدعو إلیها فی مجالسه ، ویسافر من أجل الدعوة لها فی الخارج. انتهی .

ویبدو أن الدولة السعودیة قررت أن تسمح بهپا اهامش من الحریة لعالم کبیر معروف فی مکة والمملکة ، وأن لا تتخذ ضده اجراء بالسجن أو المنع من السفر.

نماذج من المناقشات حول أفکاره

- کتب المدعو محمد الفاتح ، تحت عنوان ( الإستغاثة والرد علی محمد علوی المالکی ، ما یلی:

الحمد لله والصلاة والسلام الإتمان الأکملان علی سید الأولین والآخرین محمد وعلی آله وصحبه أجمعین ، وبعد:

فمسألة الإستغاثة بالأموات والغائبین من الأنبیاء والأولیاء والصالحین من المسائل التی کثر فیها النزاع فی العصور المتأخرة بین مانع یراها ضرباً من الشرک والوثنیة ، ومبیح یراها من أفضل القرب لدی رب البریة .

ولا شک إن القرآن الکریم لم یغفل هذه القضیة، ولم یسکت عن بیان حکم هذه

ص: 498

البلیة ، کیف وغایة مقصده بیان التوحید ودعوة الناس إلیه ، وکشف الشرک وتنفیر الناس منه ؟! وعامة من ضل فی هذا الباب إنما أتی من قبل أعراضه عن نور القرآن، وإقباله علی ذبالات الأذهان، وخرافات الأحبار والرهبان، المعتمدین علی منطق الیونان .

وهذا بحث مختصر لیس لی فیه إلا جمع الأقوال وترتیب النقول ، وقد استخرت الله تعالی فی نشره ، فعسی أن ینفع الله به کاتبه وقارئه ، وأن یجعله ذخراً لی یوم الحساب .

وقبل الشروع فی مقصود البحث لا بد من عرض مقدمات ضروریة أری التقصیر فی عرضها سبباً لإتساع رقعة الخلاف وکثرة القیل والقال . وإذا ما اتفق الجمیع علی هذه المقدمات أمکن الإتفاق علی المسألة محل النزاع .

المسألة الأولی:

هل کان المشرکون الأولون مقرین لله بالربوبیة ؟ هل أثبتوا خالقاً ورازقاً ومدبراً لهذا الکون غیر الله رب البریة ؟

وسیتفرع عن هذه المسألة مسائل تذکر تباعاً إن شاء الله .

والذی یدفعنی إلی إثارة هذه القضیة التی تبدو من البدهیات الواضحات أنی رأیت بعض من کتب فی مسألة الإستغاثة ینکر هذه القضیة ، ویزعم أن المشرکین لم یفردوا الله بالخالقیة والرازقیة . وهذا مثال من أقوال المخالفین:

یقول محمد علوی المالکی فی مفاهیمه:

وقل ذلک أیضاً فی قوله تعالی (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) فإنهم لو کانوا یعتقدون حقاً أن الله تعالی الخالق وحده ، وأن أصنامهم لا تخلق لکانت عبادتهم لله وحده دونها ) انتهی .

وهو کلام لا ینقضی منه العجب ! ألا یکفی أخبار القرآن وتقریره لهذه القضیة

ص: 499

أن تکون من الحقائق لا الأوهام ؟!!!

وأعجب منه ظنه المفهوم من کلامه أن من أقر بالخالق استحال منه صرف العبادة لغیره .

أقول: بل لم یقروا بالخالق فحسب ، انما أقروا أنه الخالق الرازق المحیی الممیت المتصرف فی الکون الذی یجیر ولا یجار علیه .

ومن کلامه الذی دخل به لتاریخه قوله بعد ذکره قوله تعالی (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی) : هذه الآیة صریحة فی الإنکار علی المشرکین عبادتهم للأصنام واتخاذها

آلهة من دونه تعالی وإشراکهم ایاها فی دعوی الربوبیة (!!!) علی أن عبادتهم لها تقربهم إلی الله زلفی .

فکفرهم وشرکهم من حیث عبادتهم لها ومن حیث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله. وهنا مهمة لا بد من بیانها ، وهی أن هذه الآیة تشهد بأن أولئک المشرکین ما کانوا جادین فیما یحکی عنهم ربنا ). انتهی .

فقارن رحمک الله بین کلامه وکلام المفسرین اللاتی . وانها کلمة کبیرة حقاً ( غیر جادین ) فهل یعنی القرآن بنقل الهزل والکذب مرات عدة دون تعلیق .. إنا لله وإنا إلیه راجعون فإلیک البیان وابدأ بذکر آیات مشهورة معلومة للجمیع مرتبة حسب ترتیب المصحف مفسرة من کلام أئمة التفسیر المتفق علی إمامتهم وجلالتهم. فاللهم وفق وسدد وأعن .

أولاً : قوله تعالی: قُلْ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ یَمْلِکُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَمَنْ یُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَیَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . یونس : 31

قال الإمام البغوی ( ت: 516 ه- ) فی تفسیره ( فسیقولون الله ) هو الذی یفعل هذه الأشیاء ( فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه فی شرککم. وقیل: أفلا تتقون

ص: 500

الشرک مع هذا الإقرار .

( فذلکم الله ربکم ) الذی یفعل هذه الأشیاء هو ربکم ( الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنی تصرفون ) أی فأین تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به . اه- . وقال الإمام الرازی فی تفسیره (17/70 ):

ثم بین تعالی أن الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسیقولون أنه الله سبحانه وتعالی ، وهذا یدل علی أن المخاطبین بهذا الکلام کانوا یعرفون الله ویقرون به ، وهم الذین قالوا فی عبادتهم للأصنام أنها تقربنا إلی الله زلفی، وأنهم شفعاؤنا عند الله ، وکانوا یعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر . انتهی .

ومن باب الفائدة أنقل کلام بعض الأئمة من غیر المفسرین:

أولا: الإمام ملا علی القاری ، قال فی شرح الفقه الأکبر/16:

وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود إکتفاء بما هو ظاهر فی مقام الشهود ، ففی التنزیل: ( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِی اللهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) فوجود الحق ثابت فی فطرة الخلق کما یشیر إلیه قوله سبحانه وتعالی ( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ) ویومئ إلیه حدیث: کل مولود یولد علی فطرة الإسلام. وانما جاء الأنبیاء (علیهم السّلام) لبیان التوحید وتبیان التفرید ، ولذا أطبقت کلمتهم وأجمعت حجتهم علی کلمة لا اله إلا الله ولم یأمروا أهل ملتهم بأن یقولوا: الله موجود بل قصدوا اظهار أن غیره لیس بمعبود ، ردا لما توهموا وتخیلوا حیث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وما نعبدهم إلا لیقربونا إلی الله زلفی . علی أن التوحید یفید الوجود مع مزید التأیید. انتهی .

فاحفظ هذا الکلام ، والخبیر یعرف من المقصود برد الإمام .

ثانیا: وقال علی القاری أیضاً :

ص: 501

فی شرح الشفا للقاضی عیاض ( 2 528 ) تعلیقا علی ما نقله القاضی عن الباقلانی أن الإیمان بالله هو العلم بوجوده قال:

وما یتعلق به من توحید ذاته ، وإلا فمجرد العلم بوجوده حاصل لعامة خلقه، کما قال الله تعالی (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) وإنما أنکر وجوده سبحانه طائفة من الدهریة والمعطلة. انتهی .

ولست بحاجة إلی نقل کلام ابن تیمیة وابن القیم والآلوسی والشوکانی والصنعانی والقاسمی والشنقیطی والسعدی ، ولا کلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده. ولله الحمد والمنة .

تنبیه

اشارة

أحب أن أقول لکل من خالف أو أراد المخالفة : إعلم أن للقوم شبهات واهیات ، لن أضیع وقتی فی ردها ، إلا إذا تبرع أحدکم بنشرها، بعد أن یصرح لنا أنه یخالف ما سبق ، وبعد أن یستشهد بعلماءمعتبرین یوافقونه علی فهمه واستنباطه .

تحذیر:

احذر أخی أن تخالف أمرا ثابتا بالقرآن الکریم نحو هذا الثبوت المقطوع به. یقول القاضی عیاض فی الشفا ( 2/549 ) مع شرح القاری ( أو کذب به ، أی بالقرآن جمیعه أو بشئ منه . . أو أثبت ما نفاه أو نفی ما أثبته علی علم منه بذلک) أی دون نسیان أو خطأ ( أو شک فی شئ من ذلک فهو کافر عند أهل العلم ) قاطبة ( بإجماع ) لا خلاف فیه .انتهی .

ولیعلم أن محمد علوی المالکی لیس أول المخالفین لهذا الحق الثابت ، فقد سبقه موکب هزیل من دعاة الوثنیة من أمثال القضاعی والدجوی والمجهول ابن مرزوق و . . . وهؤلاء نصبوا أنفسهم أئمة ومفسرین ومجتهدین ، فأتوا بهذا الضلال الذی هو تکذیب لحقائق القرآن ، وخروج عما أطبقت علیه کلمة أهل

ص: 502

الإیمان والعرفان .

فها هو أحدهم یقول: هذه الآیات صریحة فی انکار المشرکین للخالق سبحانه وتعالی فدل علی أنهم کانوا مشرکین فی خالقیة الله تعالی ) !!!

وآخر یقول ( فاذا لیس عند هؤلاء الکفار توحید الربوبیة کما قال ابن تیمیة ) !!

والسؤال: هل المفسرون السابق ذکرهم من تلامیذ ابن تیمیة!! ( الطبری والقرطبی وابن عطیة ، والرازی وابن الجوزی . . . ) ؟!!

وثالث منهم یقول: ( وإنی لأعجب من تفریقهم بین توحید الألوهیة والربوبیة ، وجعل المشرکین موحدین توحید الربوبیة ) .

ورابع یقول: ( ثم انه سبحانه حکم بشرکهم لاتخاذهم تلک الأصنام شریکاً لله فی الخلق وتدبیر العالم ، وجوزوا عبادتها خلافا لله تعالی )

تأمل: ( فی الخلق وتدبیر العالم )!! ( مَنْ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَیَقُولُونَ اللهُ ) (قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ . . . سَیَقُولُونَ للهِ ) .

لکن . . . ومن لم یجعل الله له نورا فما له من نور .

- ثم کتب المدعو محمد الفاتح تحت عنوان ( حقیقة شرک عبدة الأصنام ):

یزعم دعاة الوثنیة المعاصرة أن المشرکین الأوائل کانوا غیر معترفین بالله ولا یقرون له بالربوبیة ، وأن القرآن الکریم سجل علیهم حکم الکفر لأنهم کانوا یعتقدون فی أصنامهم النفع والضر ، وأنها مساویة لله فی الألوهیة ، بل والربوبیة .

وقد تقرر فی الحلقة الأولی أن المشرکین أفردوا الله بالخلق والرزق والتدبیر وغیر ذلک من أمور الربوبیة ، وبهذا انهار جزء کبیر مهم من الدعوی التی یرددها محمد علوی المالکی ، وجمیع من یدعو إلی عبادة الأولیاء والصالحین .

وهنا ینهار ما تبقی من الدعوی بحول الله وقوته ، وذلک من خلال عرض الحقائق التالیة:

ص: 503

1 - المشرکون لم یعتقدوا النفع والضر فی أصنامهم .

2 - الأصنام لا تمثل فی حس المشرکین إلا صوراً للأنبیاء والصالحین أو الملائکة .

3 - المشرکون لم یعبدوا الأصنام إلا لینالوا شفاعة أصحابها من العلماء والزهاد. ولتقربهم إلی الله زلفی .

4 - فی حال الشدة یتخلی المشرکون عن وسائطهم ویفردون الله بالدعاء .

ولا تعجب أخی القارئ إذا وجدتنی أتکئ کثیرا علی ما کتبه الرازی والشهرستانی معرضاً عما کتبه ابن تیمیة وابن القیم وابن عبد الوهاب .

والغرض أن یعلم الجمیع أن هذه الحقائق یقررها العلماء مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت مدارسهم وتباعدت أعصارهم ، وأنه لیس فی کلام ابن تیمیة وتلامیذه فی هذه المسألة ما هو جدید أو محدث ، إلا عند من لا یقرأ وإذا قرأ لم یفهم (وَمَنْ یُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِکَ لَهُ مِنَ اللهِ شَیْئًا ).

قال الفخر الرازی فی تفسیره ( 26 283) عند قوله تعالی: اللهُ یَتَوَفَّی الأَنْفُسَ ، الزمر: ویحتمل أن یکون المراد بهذا: إن الدلیل یدل علی أن الواجب علی العاقل أن یعبد الها موصوفاً بهذه القدرة وبهذه الحکمة ، ولا یعبد الأوثان التی هی جمادات لا شعور لها ولا ادراک .

واعلم ان الکفار أوردوا علی هذا الکلام سؤالاً فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لإعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع، وإنما نعبدها لاجل أنها تماثیل لأشخاص کانوا عند الله مقربین ، فنحن نعبدها لأجل أن یصیر أولئک الأکابر شفعاء لنا عند الله .

فأجاب الله تعالی بأن قال ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . ) . . .

وقال الرازی (17/59 ) فی تفسیر قوله تعالی ( وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا

ص: 504

یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ . . ) یونس :

وأما النوع الثانی: ماحکاه الله تعالی عنهم فی هذه الآیة ، وهو قولهم (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) فاعلم أن من الناس من قال: ان أولئک الکفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد فی تعظیم الله من عبادة الله سبحانه وتعالی .

فقالوا : لیست لنا أهلیة ان نشتغل بعبادة الله تعالی ، بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام ، وانها تکون لنا شفعاء عند الله تعالی .

ثم اختلفوا فی انهم کیف قالوا فی الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله ؟ وذکروا فیه اقولا کثیرة:

فأحدها: أنهم اعتقدوا أن المتولی لکل اقلیم من أقالیم العالم روح معین من أرواح عالم الأفلاک، فعینوا لذلک الروح صنماً معیناً واشتغلوا بعبادة ذلک الصنم . . . ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان علی صور أنبیائهم وأکابرهم ، وزعموا أنهم متی اشتغلوا بعبادة هذه التماثیل فإن أولئک الأکابر تکون شفعاء لهم عند الله تعالی .

ونظیره فی هذا الزمان إشتغال کثیر من الخلق بتعظیم قبور الأکابر ، علی اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فانهم یکونون شفعاء لهم عند الله. انتهی .

قلت: الله اکبر. فمن الذی شبهکم بعبدة الأصنام ؟؟!!

وقال الرازی فی ( 26/277 ) فی تفسیر قوله تعالی ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلاً فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ ) الزمر :

وهذا مثل ضرب فی غایة الحسن فی تقبیح الشرک وتحسین التوحید .

فإن قیل: هذا المثال لا ینطبق علی عبادة الأصنام لأنها جمادات فلیس بینها منازعة ولا مشاکسة .

قلنا: إن عبدة الأصنام مختلفون ، منهم من یقول هذه الأصنام تماثیل الکواکب

ص: 505

السبعة . ومنهم من یقول: هذه الأصنام تماثیل الأشخاص من العلماء والزهاد الذین مضوا فهم یعبدون هذه التماثیل لتصیر أولئک الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء لهم عند الله . . .

وقال فی ( 25/254 ) فی تفسیر قوله تعالی ( قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ) سبأ : 23 .

واعلم أن المذاهب المفضیة إلی الشرک أربعة: ورابعها: قول من قال: أنا نعبد الأصنام التی هی صور الملائکة لیشفعوا لنا. فقال تعالی فی إبطال قولهم (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ). فلا فائدة لعبادتکم غیر الله ، فإن الله لا یأذن فی الشفاعة لم یعبد غیره، فبطلبکم الشفاعة تفوتون علی أنفسکم الشفاعة. انتهی.

وقارنه بکلام ابن القیم فی المدارج .

وسأجیب عن شبهتهم: أننا لا نعبدهم ، وأنهم یملکون الشفاعة ویقدرون علیها الآن ( وهم أموات ) فنحن نطلب منهم ما یقدرون علیه ویملکونه !!!!

وقال الرازی فی ( 20/102 ) فی تفسیر قوله تعالی ( أُولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ . . ) الإسراء:

اعلم أن المقصود من هذه الآیة الرد علی المشرکین. وقد ذکرنا أن المشرکین کانوا یقولون لیس لنا أهلیة أن نشتغل بعبادة الله تعالی، فنحن نعبد بعض المقربین من عباد الله وهم الملائکة ، ثم انهم اتخذوا لذلک الملک الذی عبدوه تمثالاً وصورة واشتغلوا بعبادته علی هذا التأویل. انتهی .

وانظر کلامه فی ( 25/171 ) السجدة. و ( 23/102 ) الشعراء

وإلیک کلام غیره من أهل العلم . . . انتهی .

وقد أطال هذا الفاتح تبعاً لإمامه ابن تیمیة وکل تلامیذه، فی اثبات أن المشرکین کانوایعتقدون بألوهیة الله تعالی فکانوا موحدین فی الألوهیة ، ولکنه سماهم

ص: 506

مشرکین لأنهم عبدوا معه غیره وأشرکوهم فی ربوبیته .

وهدفهم من ذلک أن یقولوا ان الذین یتوسلون بالأنبیاء والرسل مشرکون مثل أولئک ، لأنهم موحدون فی الألوهیة ویشرکون الأنبیاء والأولیاء فی الربوبیة !!

ولکن لو صحت مقدمتهم هذه ، لبقی علیهم مقدمتان یلزم علیهم إثباتهما:

الأولی ، أن الذین یتوسلون بالأنبیاء والأولیاء یعبدونهم ، کما کان المشرکون یعبدون الشرکاء !!

والثانیة ، أن توسلهم بهم عمل لم یأذن به الله تعالی ولم ینزل به سلطاناً ، کشرک المشرکین !!

وقد تبین لک الفرق الشاسع بین التوسل والعبادة ، وتبین لک دلالة الآیات والأحادیث الشریفة علی التوسل، وأنه عمل مشروع أذن الله به ورسوله ، فتشبیهه بشرک المشرکین تلبیس وتزویر !

ثم کتب محمد الفاتح تحت عنوان:

أهم الشبهات حول شرک عباد الأصنام ، فقال:

أجدنی مضطرا للرد علی الشبهات التی أثارها علوی المالکی وأتباعه ومن سبقه، حول الحقائق الماضیة ، والتی نقلت فیها أقوال أهل العلم فی بیان أن المشرکین أقروا لله بالخلق والرزق والتدبیر ، وأشرکوا به فی العبادة ، أملأ فی القربی وبحثاً عن الزلفی إلی الله ، وأنهم لم یعتقدوا فی أصنامهم نفعاً ولا ضراً .

الشبهة الأولی:

کیف یقال ان المشرکین لم یعتقدوا فی أصنامهم نفعاً ولا ضراً ، وها هو القرآن یحکی قولهم ( إن نقول إلا اعتراک بعض آلهتنا بسوء ) ؟

والجواب: أننا لا ننکر اعتقاد المشرکین النفع والضر فی آلهتهم أفلیس

ص: 507

قولهم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی ) وقولهم (وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) من اعتقاد النفع تقریبا وشفاعة ؟؟

ولذلک تجد بعض المفسرین یذکر أنهم کانوا یعتقدون فی أصنامهم النفع والضر وهذا حق لا ینکر کما . ولیس هذا محل النزاع . . . انما النزاع فی کونهم یعتقدون فیهم نفعا ذاتیاً استقلالیاً دون الله ، فأین الدلیل علی ذلک ؟

فقد اعترفوا بأن تدبیر الأمر کله لله ، وأن بیده ملکوت کل شئ ، وأنه یجیر ولا یجار علیه ، وقد مر معک قولهم الذی سمعه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وود لو اقتصروا علی جزء منه ، وهو قولهم فی التلبیة ( لبیک اللهم لبیک . . . إلا شریکاً هو لک تملکه وما ملک ) .

وحین أتکلم عن شرک عباد الأصنام الذین نزل فیهم القرآن أفاجأ بمن یتحدث عن قوم إبراهیم وقوم هود (علیهماالسّلام) !!!

ومع هذا أقول: غایة ما عند هؤلاء المشرکین أنهم اعتقدوا أن الله تعالی فوض إلیهم تدبیر بعض الأمور ، وأعطاهم شیئاً من التصرف. ألیس هذا عین ما یقوله عباد القبور الیوم ، حین ینسبون لأولیائهم نفعاً وضراً ، بل حین یخوفوننا بطشهم وهم تحت الثری ؟!!

فإذا قلنا عن هؤلاء حین یخوفوننا بالولی الفلانی : إنهم یعتقدون فیه نفعاً وضراً هب المدافعون عنهم المتشدقون هنا فقالوا: إنه تفویض من الله وأقدار من الله ولیس استقلالاً .

فثبت أن هذه الصورة موجودة تتکرر من أناس یؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر. وقد حکی القرآن عن عبدة الأصنام ( وَیُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ ) وهو من جنس الکلام السابق ، مع یقینهم واعترافهم بأن کل

ص: 508

حول وطول لآلهتهم مملوک لله ( تملکه وما ملک ). انتهی کلامه .

ویرد علیه:

أولا، أنه خلط بین أصناف متعددین من المشرکین ذکرهم الله تعالی فی القرآن، وحمل کلام بعضهم لبعضهم الآخر !!

وثانیاً ، لو صح کلامه وکان أولئک المشرکین یجعلون التأثیر الذاتی کله لله تعالی ویعتقدون بأن تأثیر شرکائهم المزعومین تأثیر مجعول من الله تعالی واقدار منه علی النفع والضر بإذنه . . فإن عبادتهم لهم تبقی إشراکاً لهم فی عطاء الله تعالی وفعله بدون دلیل من الله ولا سلطان !

أما المتوسلون بالأنبیاء والأولیاء فعندهم من الله دلیل وسلطان ، لأنه أذن لهم بذلک.. وإذا صدر منه الأذن صار اسم العمل توسلاً مشروعاً ، ولم یعد اسمه شرکاً !! وإلا لکان ما علمه النبی صلد الله علیه وآله لذلک الأعمی شرکاً صریحاً ، ووالعیاذ بالله !!

ثم قال الفاتح:

الشبهة الثانیة:

استدلالهم بقوله تعالی ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَیَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَیْرِ عِلْمٍ کَذَلِکَ ) الأنعام : 108 ، قال المالکی: فی مفاهیمه:

وإذا غضبوا قابلوا المسلمین بالمثل ، فیسبون الله تعالی غیرة علی تلک الأحجار التی کانوا یعبدونها یعتقدون أنها تنفع وتضر ، فیرمون الله بالنقائص. وهذا واضح جدا فی أن الله تعالی أقل منزلة فی نفوسهم من تلک الأحجار التی کانوا یعبدونها. ولو کانوا یعتقدون حقا أن الله تعالی هو الخالق وحده ، وأن أصنامهم

ص: 509

لا تخلق ، لکان علی الأقل احترامهم له تعالی فوق احترامهم لتلک الأحجار ). انتهی .

قلت: أما یستحی هذا الرجل من کتابة هذا الکذب والهراء ؟!!! یا ویح من قرظ له هذا الإفک. فهلا نقلت هذا الإستنباط عن أحد قبلک من أهل العلم ؟

الجواب: سؤال: إذا قمت بنصیحة أحد الفجرة الیوم فقام بسبک وسب ربک ، کما یحدث فی بعض بلدان المسلمین ، فهل یعنی هذا أنه لا یعترف بربوبیة الله ؟ وهل یعنی

هذا أنه یثبت خالقاً غیر الله ؟ أم أن الأمر مرده للحمیة والغیظ ؟ وإلیک کلام العلماء:

قال ابن الجوزی ( 3/102 ): ( فَیَسُبُّوا اللهَ ) أی: فیسبوا من أمرکم بعیبها ، فیعود ذلک إلی الله تعالی ، لا أنهم کانوا یصرحون بسب الله تعالی ، لأنهم کانوا یقرون أنه خالقهم ، وان أشرکوا به. انتهی .

وقال الرازی ( 13/139 ):

أقول: لی هنا اشکالان : . . الثانی: أن الکفار کانوا مقرین بالإله تعالی وکانوا یقولون: انما حسنت عبادة الأصنام لتصیر شفعاء لهم عند الله تعالی ، وإذا کان کذلک: فکیف یعقل اقدامهم علی شتم الله تعالی وسبه ؟

إلی أن قال: واعلم أنا قد دللنا علی أن القوم کانوا مقرین بوجود الإله تعالی فاستحال أقدامهم علی شتم الإله ، بل هنا إحتمالات :

أحدها: أنه ربما کان بعضهم قائلاً بالدهر ، ونفی الصانع فما کان یبالی بهذا النوع من السفاهة .

وثانیها: أن الصحابة متی شتموا الأصنام ، فهم کانوا یشتمون الرسول علیه الصلاة والسلام ، فالله تعالی أجری شتم الرسول مجری شتم الله تعالی

ص: 510

کما فی قوله (إِنَّ الَّذِینَ یُبَایِعُونَکَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ اللهَ ) وکقوله (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ ) .

وثالثها: انه ربما کان فی جهالهم من کان یعتقد أن شیطاناً یحمله علی إدعاء النبوة والرسالة ، ثم انه لجهله کان یسمی ذلک الشیطان بأنه اله محمد ، علیه الصلاة والسلام ، فکان یشتم اله محمد ، بناء علی هذا التأویل .انتهی .

وکلام الرازی هذا نقله أبو حیان فی تفسیره البحر المحیط ، وعقب علیه بقوله: وهذه إحتمالات مخالفة للظاهر ، وانما أوردها لأنه ذکر أن المعترفین بوجود الصانع لا یجسرون أن یقدموا علی سبه تعالی ، وقد ذکرنا ما یحمل علی حمل الکلام علی ظاهره. انتهی .

قال ابو حیان: فَیَسُبُّوا اللهَ ، أنهم یقدمون علی سب الله إذا سب آلهتهم وإن کانوا معترفین بالله تعالی ، لکن یحملهم علی ذلک إنتصارهم لآلهتهم وشدة غیظهم لأجلها، فیخرجون عن الإعتدال إلی ما ینافی العقل، کما یقع من بعض المسلمین إذا اشتد غضبه وانحرف ، فإنه قد یلفظ بما یؤدی إلی الکفر ، نعوذ بالله من ذلک. انتهی .

وبمثل هذا التوجیه قال الآلوسی: فی تفسیره روح المعانی: 7 251 . . .

وقال الراغب: إن سبهم لله تعالی لیس أنهم یسبونه جل شأنه صریحاً ، ولکن یخوضون فی ذکره تعالی ویتمادون فی ذلک بالمجادلة ، ویزدادون فی وصفه سبحانه بما ینزه تقدس اسمه عنه . وقد یجعل الإصرار علی الکفر والعناد سبا، وهو سب فعلی ، قال الشاعر:

وما کان ذنب بنی مالک

بأن سب منهم غلام فسب

بأبیض ذی شطب قاطع

یقد العظام ویبری العصب

ص: 511

ونبه به علی ما قال الاخر: ونشتم بالافعال لا بالتکلم .

وقیل: المراد بسب الله تعالی:

سب الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونظیر ذلک من وجه قوله تعالی (إِنَّ الَّذِینَ یُبَایِعُونَکَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ اللهَ ) الآیة. انتهی کلام الآلوسی .

والحاصل من هذه الأجوبة أنه لیس أحد یذهب إلی ما ذهب إلیه المالکی .

وها أنت تری أنهم یجعلون الحقائق السابقة من اقرار المشرکین أصلاً یردون إلیه ما عداه ویبحثون عن تأویله ، علی عکس ما یحاول المالکی .

وبعد . . . ألا تعجب معی من هذه الشهادات والتزکیات التی یحملها المالکی ، وهو یرضی لنفسه بتردید الشبه التی یسوقها النبهانی والقضاعی والدجوی ودحلان ، دون أثارة من علم صحیح ؟!! انتهی .

ویرد علیه ماأوردناه علی شبهته الأولی ، من أن ذلک لو تم لکان قیاس التوسل علی عبادة المشرکین قیاساً مع الفارق فی طبیعتهما ، وفی نزول سلطان من الله فی التوسل دون الشرک !

الشبهة الثالثة:

إستدلال المالکی بقول ابی سفیان یوم أحد ( أعل هبل ) فهم المالکی منه مایلی:

ینادی صنمهم المسمی بهبل أن یعلو فی تلک الشدة رب السموات والأرض ویقهره ، لیغلب هو وجیشه جیش المؤمنین الذی یرید أن یغلب آلهتهم .

هذا مقدار ما کان علیه أولئک المشرکون مع تلک الأوثان ، ومع الله رب العالمین فلیعرف حق المعرفة فإن کثیراً من الناس لا یفهمونه کذلک ، ویبنون علیه ما یبنون. انتهی کلام المالکی .

ص: 512

قلت: لیته تکرم بنقل واحد عن أهل العلم حتی لا یساء به الظن ، لکن ما أجرأه وما أجهله . . . یا ویح من قرظ له !

وقد روی البخاری فی الصحیح ( 4043 ) ما جری مع أبی سفیان:

وأشرف أبو سفیان فقال: أفی القوم محمد ؟. فقال: لا تجیبوه . فقال: أفی القوم ابن أبی قحافة ؟

قال: لا تجیبوه . فقال: أفی القوم ابن الخطاب ؟

فقال: إن هؤلاء قتلوا ، فلو کانوا أحیاء لأجابوا .

فلم یملک عمر نفسه فقال: کذبت یا عدو الله ، أبقی الله علیک ما یخزیک .

قال أبو سفیان: أعل هبل .

فقال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أجیبوه. قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا الله أعلی وأجل .

قال أبو سفیان: لنا العزی ولا عزی لکم .

فقال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أجیبوه. قالوا ما نقول: قال: قولوا: الله مولانا ولا مولی لکم .

قال أبو سفیان: یوم بیوم بدر ، والحرب سجال. انتهی .

قال الحافظ فی الفتح 7 408:

قوله ( أعل هبل ) فی روایة زهیر ( ثم أخذ یرتجز: أعل هبل ) قال ابن اسحاق: معنی قوله: أعل هبل. أی: ظهر دینک .

وقال السهیلی: معناه: زاد علوا. انتهی من الفتح .

والذی فی الروض الأنف للسهیلی: زد علوا ، 3 179

فقول ابن اسحاق: أی ظهر دینک. هو المعنی الذی لا ینبغی العدول عنه ، لا ما توهمه المالکی ، مما یخالف الحقائق الیقینیة السابقة .

ص: 513

ویزید الأمر وضوحاً أن أبا سفیان لم یجد رداً علی قول المسلمین: الله أعلی وأجل فانتقل إلی أمر آخر ، وهو انقطاع منه ظاهر !!

وها هو أبو سفیان یقول لقومه بصریح العبارة حین نجت العیر: إنکم إنما خرجتم لتمنعوا عیرکم ورجالکم وأموالکم فقد نجاها الله فارجعوا. البدایة والنهایة 3/281 ، نجاها الله لا هبل ، فافهم .

بل هذا عدو الله أبو جهل یقول قبیل بدر کما یروی الإمام أحمد والنسائی والحاکم وصححه ، عن عبد الله بن ثعلبه أن أبا جهل قال: حین التقی القوم:

اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداه. انتهی. البدایة والنهایة 3/299

وهذا هو معنی قوله تعالی ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَکُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِیَ عَنْکُمْ فِئَتُکُمْ شَیْئًا وَلَوْ کَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ) الأنفال : 19 .

قال مجاهد کما فی روایة ابن جریر: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَکُمُ الْفَتْحُ ، قال: کفار قریش فی قولهم: ربنا افتح بیننا وبین محمد وأصحابه ، ففتح بینهم یوم بدر. اه-.

وقال السدی: کان المشرکون حین خرجوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من مکة أخذوا بأستار الکعبة ، واستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعز الجندین وأکرم الفئتین وخیر القبیلتین ، فقال الله: ان تستفتحوا فقد جاءکم الفتح

، یقول: نصر ت ما قلتم ، وهو محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). رواه ابن جریر .

یستنصرون الله ، لا الأولیاء والصالحین !!!! فهل هؤلاء منکرون ربوبیة الله ؟! وقال أبو جهل أیضاً فی بدر:

ص: 514

فلا والله لا نرجع حتی یحکم الله بیننا وبین محمد. البدایة والنهایة 3 286. فاعتبروا یا أولی الأبصار. انتهی .

ویرد علیه:

أولا ، أنه مهما ادعی لأبی سفیان ومشرکی قریش الإیمان بالله تعالی ، فإن ماثبت عنه من قوله ( أعل هبل ) یدل علی أنه برأیه هو الله أو أنه أهم عنده من الله !! وهذا یوجب الشک فی أن کلمة الله منه قد تعنی هبلا ، ولا تعنی رب العالمین سبحانه !!

وثانیا ، لو تم ما أراده من اثبات ایمان مشرکی قریش بالله تعالی أکثر من هبل ، فإن اتخاذهم هبلا واللات والعری لتقربهم إلی الله زلفی کما زعموا ، کانت إشراکاً لها مع الله تعالی ، اما فی التأثیر الذاتی ، أو التأثیر بأقدار الله . . وکله بدون سلطان من الله تعالی !

فکیف یقاس ذلک بالتوسل برسول الله وآله صلی الله علیهم ، الذی دل علیه الدلیل وکزل فیه السلطان ؟!!

الشبهة الرابعة:

استدلال القبوریة بقوله تعالی ( وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَامُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا

) الفرقان : 60 ، قالوا: فهل یکون صاحب هذا الکلام موحداً معترفاً بالربوبیة ؟!

والجواب: قال الطبری:

وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب کانت لا تعرف الرحمن ولم یکن ذلک فی لغتها ولذلک قال المشرکون للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا إنکاراً منهم لهذا الإسم . کأنه کان محالاً عنده أن ینکر أهل الشرک

ص: 515

ما کانوا عالمین بصحته ، أو کأنه لم یتل من کتاب الله قول الله : الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ یَعْرِفُونَهُ، یعنی محمداً ، کما یعرفون أبناءهم ، وهم مع ذلک به مکذبون ولنبوته جاحدون .

فیعلم بذلک أنهم قد کانوا یدافعون حقیقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحکمت لدیهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلیة الجهلاء:

ألا ضربت تلک الفتاة هجینها ألا قضب الرحمن ربی یمینها

وقال سلامة بن جندل الطهوی:

عجلتم علینا عجلتینا علیکم وما یشاء الرحمن یعقد ویطلق . . انتهی .

ونسیت الموضع الذی نقلته منه من التفسیر .

وقال ابن جریر فی تفسیر آیة الفرقان:

وذکر بعضهم أن مسیلمة کان یدعی الرحمن ف-لما قال لهم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): اسجدوا للرحمن قالوا: أنسجد لما یأمرنا رحمن الیمامة ؟ یعنون مسیلمة بالسجود له . .

وقال أبو السعود فی تفسیره:

( قالوا وما الرحمن ) قالوه لما أنهم ما کانوا یطلقونه علی الله تعالی ، أو لأنهم ظنوا أن المراد به غیره تعالی ،

ولذلک قالوا ( أنسجد لما تأمرنا ) أی للذی تأمرنا بسجوده ، أو لامرک إیاناً ، من غیر أن نعرف أن المسجود ماذا .

وقیل: لأنه کان معربا لم یسمعوه. انتهی .

وقال الزمخشری:

وما الرحمن. یجوز أن یکون سؤالاً عن المسمی به ، لأنهم ما کانوا یعرفونه بهذا الإسم والسؤال عن المجهول بما .

ص: 516

ویجوز أن یکون سؤالاً عن معناه ، لأنه لم یکن مستعملاً فی کلامهم کما استعمل الرحیم والرحوم والراحم . أو لأنهم أنکروا إطلاقه علی الله تعالی . . .

قلت: حین امتنع سهیل بن عمرو یوم الحدیبیة من کتابة اسم الله الرحمن ، ماذا کتب ؟ هل کتب: باسم هبل ؟!

روی البخاری فی صحیحه: فدعا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الکاتب فقال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بسم الله الرحمن الرحیم. قال سهیل: أما الرحمن

فوالله ما أدری ما هو ، ولکن اکتب باسمک اللهم کما کنت تکتب .

فقال المسلمون والله لا نکتبها إلا بسم الله الرحمن الرحیم .

فقال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أکتب باسمک اللهم. انظر البخاری - کتاب الشروط - باب الشروط فی الجهاد. ولا یغیبن عن ذهنک ما أشرت إلیه سابقاً من اعتماد أهل العلم علی الحقائق القرآنیة السابقة ، وفهم سائر النصوص فی ضوئها لو فرض اشکال. فکیف ولا إشکال ؟!

ولله الحمد ، فانها لا تعمی الأبصار ولکن تعمی القلوب التی فی الصدور. انتهی کلام الفاتح .

ولو صح لورد علیه ماورد علی شبهاته السابقة .

ثم کتب المدعو محمد الفاتح:

سبق بیان حال المشرکین عبدة الأصنام ، وصحة إقرارهم لله بالخلق والرزق والإحیاء والإماتة، وأن شرکهم لم یکن باعتقاد وجود الهین متساویین ، أو اعتقاد النفع والضر فی هذه الأصنام ، وانما کان بعبادة هذه الأصنام أملا فی شفاعتها ولنیل القربی والزلفی عند الله .

ص: 517

مع إعتقادهم أنها مملوکة مربوبة لله لا تنفع ولا تضر استقلالاً ، وما هی إلا صور للصالحین من الأنبیاء والعلماء والزهاد أو الملائکة ، کما سبق مفصلاً فی الحلقتین الماضیتین .

ولا یخفی أن عباد القبور ینکرون هذه الحقائق ، ویلبسون علی العامة والخاصة مدعین أنه ما أشرک أولئک إلا بإعتقادهم الربوبیة والنفع والضر فی أصنامهم .

ولا مانع أن أعید نص کلام محمد علوی المالکی کاملا : قال فی مفاهیمه التی یجب أن تصحح ، بل أن تنسف من الأصل/95 ، تحت عنوان الواسطة الشرکیة ، بعد ذکر قوله تعالی: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَیِ:

والإستدلال بهذه الآیة فی غیر محله ، وذلک لأن هذه الآیة الکریمة صریحة فی الإنکار علی المشرکین عبادتهم للأصنام ، واتخاذها آلهة من دونه تعالی ، وإشراکهم إیاها فی دعوی الربوبیة .

علی أن عبادتهم لها تقربهم إلی الله زلفی، فکفرهم وإشراکهم من حیث عبادتهم لها ، ومن حیث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .

وهنا مهمة لا بد من بیانها وهی أن هذه الآیة تشهد بأن أولئک المشرکین ما کانوا جادین فیما یحکی ربنا عنهم من قوله مسوغین عبادة الأصنام: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی ، فإنهم لو کانوا صادقین فی ذلک لکان الله أجل عندهم من تلک الأصنام فلم یعبدوا غیره . . انتهی .

وقد مضی کلام أهل العلم الذی لا یدع مجالاً للشک ، فی هذه الحقیقة التی یثبتها القرآن . ولا أدری من سلف هذا المالکی ؟!!

قلت: لعله استفاد هذا التحقیق عن طریق الکشف !!!

ص: 518

وقال/96 ( وقل ذلک أیضاً فی قوله تعالی (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) فانهم لو کانوا یعتقدون حقا أن الله تعالی الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق ، لکانت عبادتهم لله وحده دونها ) ویفهم منه أن المشرکین لم یعتقدوا حقاً أن الله الخالق !!!!! وأنهم اعتقدوا أن الأصنام تخلق !!!!! انتهی .

وهذا أیضاً ربما جاءه من العلم اللدنی الذی حرمه المفسرون والعلماء الأکابر ممن سبق ذکرهم .

فانظر إلی هذا الضلال البین والمخالفة الصریحة لما ثبت بالوحی (إشراکهم إیاها فی دعوی الربوبیة . . . اعتقادهم أنها أرباب من دون الله . . . ما کانوا جادین . . . اصنامهم تخلق )

الشبهة الخامسة

استدلالهم بقوله تعالی ( إِتَّخَذُوا

أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ) التوبة. والجواب: أنظر ما نشر فی الحلقة الثالثة عن شرک الطاعة لتعلم أن المراد بالرب: المطاع فی التحلیل والتحریم ، وأن أحداً من المذکورین لم یعتقد فی أحباره خلقاً ولا رزقاً .

ومثله قوله تعالی ( أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) یوسف .

الشبهة السادسة

استدلال المالکی بقوله تعالی ( وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِیباً فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَکَائِنَا فَمَا کَانَ لِشُرَکَائِهِمْ فَلا یَصِلُ إِلَی اللهِ وَمَا کَانَ للهِ فَهُوَ یَصِلُ إِلَی شُرَکَائِهِمْ سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ ). الأنعام : 136

ص: 519

قال المالکی: فلولا أن الله تعالی أقل فی نفوسهم من تلک الحجارة ما رجحوها علیه هذا الترجیح الذی تحکیه الآیة واستحقوا علیه حکم الله علیهم بقوله (سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ ) انتهی. المفاهیم 96 .

الجواب: مشکلة المالکی أنه مولع بالتفرد والشذوذ والتقلید لأسلافه من القبوریة! ولما کان مکذبا لما حکاه القرآن ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی ) قال هذا الکلام الساقط ( الله تعالی أقل فی نفوسهم من تلک الأحجار ) !!!!

کیف والأحجار ومن تمثلهم ماهم إلا وسطاء إلی الله الکبیر المتعال ؟! صدق الله وکذب المالکی .

وغایة ما فی تصرف المشرکین هذا أنهم کانوا ینذرون لله ولشرکائهم ثم یجورون فی القضیة ، فلا یصل إلی الله شئ ، وحجتهم إن الله غنی عن هذا ، ولیس کما یدعی المالکی أن الله أقل فی نفوسهم من الأحجار .

نعم محبة المشرکین لأوثانهم، بل ومساواتهم لها مع الله فی المحبة أمر معروف ، بل منهم ومن سائر عباد القبور والأصنام من یؤثرهم علی محبة الله .

لکن جعل ذلک دلیلاً علی عدم إقرارهم واعترافهم بربوبیة الله من الإفک المبین . . .

وروی ابن جریر عن ابن عباس:

وذلک أن أعداء الله کانوا إذا احترثوا حرثاً أو کانت لهم ثمرة جعلوا لله منها جزءاً وللوثن جزءاً ، فما کان من حرث أو ثمرة أو شئ من نصیب الأوثان حفظوه وأحصوه . فإن سقط منه شئ فیما سمی لله ردوه إلی ما جعلوا للوثن .

ص: 520

وإن سبقهم الماء إلی الذی جعلوه للوثن فسقی شیئاً جعلوه لله جعلوا ذلک للوثن !

وإن سقط شئ من الحرث والثمرة التی جعلوا لله فاختلط بالذی جعلوا للوثن قالوا: هذا فقیر ولم یردوه الی ما جعلوا لله .

وإن سبقهم الماء الذی جعلوا لله فسقی ما سمی للوثن ، ترکوه للوثن. فتأمل تعلیلهم بغنی الله وبفقر الأوثان .

وهذا من ضلالاتهم وسخافاتهم ولا شک ! لکن أین ما فهمه المالکی أو افتراه ؟!!

ومهما یکن من أمر فهم معترفون بالله وینذرون له ، ویقرون بربوبیته وبأنه غنی. وهذا ما ینکره المالکی !

أقول هذا تعلیقاً علی کلمة « أثارهم » فلیست القضیة الآن فی المساواة أو التفضیل فی المحبة ، وإنما القضیة: هل هم مؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المحیی الممیت المتصرف ؟

قلت: وقد رأیت من هو فقیر معدم بخیل شحیح ، لا یکاد یعرف الصدقة لله ، لکنه حریص علی الذهاب بالشاة ونحوها إلی قبور الصالحین. فأی حب وایثار فوق هذا ؟؟!! بل الأمر أعظم من ذلک ، فقد شافهنی أحدهم بأنه یخشی أن تموت جمیع أنعامه ان لم یفعل ذلک !

فلا حول ولا قوة إلا بالله. فهل هؤلاء ینکرون خالقیة الله وربوبیته أم عبدوا معه غیره !! ساء ما حکم به المالکی. انتهی .

وجوابه:

أن هؤلاء المشرکین إن صح فیهم ما تقول من توحیدهم لله تعالی ! فإن شرکهم لأصنامهم لم یکن فیه برهان من الله ولا سلطان !!

ص: 521

فکیف یقاس به توسل المتوسلین بالنبی وآله الطاهرین ، الذی دل علیه الدلیل وأنزل الله فیه البهان والسلطان ؟!!

إن الکفار والمشرکین اتخذوا آلهة وأولیاء من دون الله تعالی .

والضالون اتخذوا إلیه وسیلة من دونه ، لم یأمر بها ولم ینزل بها سلطانا . .

أما نحن فنوحده ونطیعه ونبتغی إلیه الوسیلة التی أمرنا بها وهی محمد وآل محمد صلوات الله علیهم .

والذین ینتقدوننا لم یفرقوا فی موضوع التوسل والشفاعة بین ما هو من الله تعالی وما هو من دونه !!

وفی الفرق بینهما یکمن الکفر والإیمان والهدی والضلال !!

وهل تقولون أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما علم الاعمی أن یقول ( یا محمد إنی توجهت بک إلی الله ) کان یعلمه الشرک والعیاذ بالله ؟!! فماذا تفترون ؟!!

نماذج من کتاب وزیر الاوقاف السعودی ردا علی کتاب المالکی

للسید محمد علوی المالکی کتاب باسم ( مفاهیم یجب أن تصحح ) وقد نشر المدعو أبو محمد التمیمی فی شبکة الساحة العربیة ، ردا علیه أخذه من کتاب (هذه مفاهیمنا ) للشیخ صالح آل الشیخ ، وزیر الأوقاف السعودی..

وهو رد ضعیف لأنه اعتمد فیها علی الإستحسانات العقلیة والظنیة، وحاول تطبیق آیات المشرکین علی المتوسلین ! مع أن المشرکین اتخذوا شرکاء أو وسائل من دون الله تعالی ، بینما اعتمد المتوسلون علی حجة شرعیة من الله ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ولکن وزیر الأوقاف أصر علی عدم التفریق بین ماهو من دون الله وما هو من عند الله تعالی !!!

ص: 522

قال الوزیر: الباب الأول ، قال/45 ( یقصد المالکی فی کتابه المذکور ): الوسیلة: کل ما جعله الله سبباً فی الزلفی عنده ، ووصلة إلی قضاء الحوائج منه. والمدار فیها علی أن یکون للوسیلة قدر وحرمة عند المتوسل إلیه. اه- .

أقول: کلامه حوی جملتین الأولی من الحق والثانیة فیها اجمال به یتوصل إلی ما نهی الله عنه ، ولم یجعله وسیلة. فقوله:

والمدار فیها .. إلخ ! مجمل یمکن تفسیره علی أحد وجهین:

الأول: أن یدخل فی ذلک ذوات الأنبیاء والصالحین باعتبار أن لهم من المنزلة والزلفی عند الله ما یجل عن الوصف .

فإن کان هذا معنیا فالله سبحانه وتعالی لم یجعل ذوات الأنبیاء والصالحین أو جاههم أو حرمتهم وسیلة إلیه ، ولا سبباً للزلفی لدیه .

وإنما جعل الوسیلة إلیه هو إتباعهم وتصدیق ما أخبروا به ، واتباع النور الذی جاءوا به ، والجهاد من أجل تقریره وتثبیته بین الخلق .

فهذا من الوسائل المشروعة التی یشرع للداعی بمسألة أن یقدمها بین یدی مسألته ، ولا یصح للداعی دعاء عبادة دعاؤه إلا باتباعهم وتصدیقهم .

فهذا من الوسائل المشروعة التی أمر الله بها وشرعها.

وأما الأنبیاء والصالحون فلیس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا حرمتهم کما سیأتی بیانه.

وانما یشرع التوسل بدعائهم فی حیاتهم کما کان یفعله المسلمون زمنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبعده من طلب الدعاء فی الإستسقاء وغیره.

وأما بعد مماتهم فلیس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعا بإجماع القرون المفضلة. انتهی کلامه . ولکن أین دلیل الوزیر علی ما أفتی به وقال ( یشرع ولا

ص: 523

یشرع فی التوسل ) ؟!!انه فقط ظن عقله واستحسان ذوقه !! فهل یریدنا أن نأخذ الدین من عقله وظنه ؟!!

ثم قال الوزیر:

الثانی : أن تکون الوسائل من الأعمال ونحوها مشروعة ، لم تتبع فیها سبل المبتدعة وانما اتبع فیها السنة وهذا حق .

والکاتب أجمل لیدخل الوسیلة المبتدعة فی خلال کلمات الحق ، وقد بینا ما فیها. وما کان ینبغی له ذلک ، وهو یفسر آیة من کتاب الله.

وفی الوسیلة قولان ذکرهما أهل التفسیر وقربهما ابن الجوزی فی ( زاد المسیر (2348) قال: ( أحدهما: أنه القربة ، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء. وقال قتادة: تقربوا إلیه بما یرضیه. قال أبو عبیدة: یقال توسلت إلیه أی تقربت إلیه. وأنشد:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافی بیننا والوسائل

الثانی: المحبة یقول: تحببوا إلی الله. هذا قول ابن زید ) اه-.

وفی أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس: أخبرنی عن قوله تعالی: ( وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ) قال: الوسیلة الحاجة .

قال: وهل تعرف العرب ذلک ؟

قال: نعم ، أما سمعت عنترة وهو یقول:

إن الرجال لهم إلیک وسیلة أن یأخذوک تکحلی وتخضبی

وفی المادة شواهد غیر ما ذکر .

ص: 524

فالوسیلة: التقرب إلی الله بأنواع القرب والطاعات ، وأعلاها إخلاص الدین له والتقرب إلیه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دینه ومحبة من شرع حبه ، بهذا یجمع ما قاله السلف. وقولهم من اختلاف التنوع .

وتأمل قوله تعالی (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ) ففی تقدیم الجار والمجرور (إلیه) افادة اختصاص الوسائل بالله ، لا یشرکه معه فیها أحد. کما فی ( إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ ).

قال العلامة الشنقیطی(رحمه الله)فی (تفسیره) ( 298):

التحقیق فی معنی الوسیلة هو ما ذهب إلیه عامة العلماء من أنها التقرب إلی الله تعالی بالإخلاص له فی العبادة علی وفق ما جاء به الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتفسیر ابن عباس داخل فی هذا ، لأن دعاء الله والابتهال إلیه فی طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التی هی الوسیلة إلی نیل رضاه ورحمته .

وبهذا التحقیق تعلم أن ما یزعمه کثیر من ملاحدة أتباع الجهال المدعین للتصوف من أن المراد بالوسیلة فی الآیة الشیخ الذی یکون له واسطة بینه وبین ربه أنه تخبط فی الجهل والعمی وضلال مبین ، وتلاعب بکتاب الله تعالی .

واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول کفر الکفار کما صرح به تعالی فی قوله عنهم ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللهِ زُلْفَی )

وقوله ( وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا یَعْلَمُ فِی السَّمَوَاتِ وَلا فِی الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ ).

فیجب علی کل مکلف أن یعلم أن الطریقة الموصلة إلی رضا الله وجنته ورحمته هی اتباع رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومن حاد عن ذلک فقد ضل سواء السبیل .

( لَیْسَ بِأَمَانِیِّکُمْ وَلا أَمَانِیِّ أَهْلِ الْکِتَابِ مَنْ یَعْمَلْ سُوءً یُجْزَ بِهِ ) الآیة .انتهی

ص: 525

کلامه.

وبالله علیک أی تحقیق حققه الوزیر حتی یقول عنه ( وبهذا التحقیق ) ؟!!

ولماذا حشر الآیات الثلاث التی لا دخل لها فی الموضوع ؟!!

فإن الموضوع أن الإستشفاع والتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فی حیاته وبعد وفاته ، أمر مشروع فی الإسلام ، فهو إستشفاع من عند الله ولیس من دونه !!

فعلیه أن ینظر فی أدلة الطرف من آیة وحدیث ویتکلم فی دلالته وسنده ، فإن لم تتم دلالته یمکنه أن یقول: هذا الإستشفاع والتوسل غیر مشروع ، فهو فی رأیی استشفاع من دون الله تعالی ، ومن یتشبث به مع علمه ببطلان دلیله فهو یشبه الذین اتخذوا شفعاء من دون الله .

وهو مسألة فقهیة عند أکثر المسلمین ، لکنه عند ابن تیمیة وعندی مسألة عقیدیة، والمتوسل بالنبی بعد مماته بدون حجة مشرک !

هذا غایة مایمکن له أن یقوله.. ولکنه ترک أسلوب البحث الطبیعی ، وأخذ یصدر القرارات الوزاریة ، وکأنه وزیر دفاع لا أوقاف !!

ثم قال الوزیر:

قال الکاتب/43: ان التوسل لیس أمراً لازماً أو ضروریاً ولیست الإجابة متوقفة علیه ، بل الأصل دعاء الله تعالی مطلقاً ، کما قال تعالی: وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ . . انتهی .

أقول: إذا کان الأصل هو دعاء الله تعالی بلا واسطة ، فلم العدول عن الأصل إلی غیره ولا یخفی أن غیر الأصل لا یتمسک به إلا من عدم الأصل ، والله جل جلاله حی قیوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، یحب أن یدعوه عبده وأن یرجوه وأن یخافه وأن یتوسل إلیه بأسمائه وصفاته .

ص: 526

فإذا کان هذا لا ینقطع عن مسلم فی أی بقعة کان ، وهو الأصل الأصیل ، فلم العدول عنه والتنکب له ؟! أفتعدل إلی طریق هی أهدی ؟

تقول: إن التوسل الذی ننکره وهو التوسل بالذوات وعمل غیر الداعی ونحوها ، لیس الأصل بل الأصل معکم وأنتم حقیقون بالأصل .

تقر لنا بالهدایة والاتباع ، وترغب فی مخالفة الأصل دون دلیل صحیح .

أما فی الأصل لک کفایة ؟ أما فی دعاء الله وحده بلا واسطة لک مقنع ؟

إذا کان الحی القیوم الذی یجیب المضطر إذا دعاه ویکشف السوء یحب أن یدعوه عبده کل حین: دعاء عبادة أو دعاء مسألة ، وهو الذی یقول: وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ ) إذا کان کذلک ، فلم العدول إلی الأموات تتوسل بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم ، وغیرها من الألفاظ البدعیة ؟

لم لا یعلم المسلمون دعاء الله وحده ، فتخلص قلوبهم من الإلتفات إلی غیره فی دفع کربة أو رفع بلاء أو جلب نفع ؟

علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغیر الله فیتخذوهم أنداداً ، فیذهب ذکرهم لربهم وحده ، وحبهم له وحده ، اذ نفعهم معلق فی أذهانهم بوسائط .

ان من انفتح علیهم باب البدعة فی التوسل ألقی بهم ولو بعد حین إلی دائرة الإشراک ، اذ هو طریقه وسبیله ، ومنه یتدرج إلی دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة أو الإغاثة أو الإعانة .

وکل هذه صرح کاتب المفاهیم بتجویزها فی مواضع من کتابه ، کما سیأتی فی مباحث الشفاعة .

ص: 527

وکل ذلک من سیئات ترک الأصول المتفق علیها ، واتباع المتشابهات المنهی عنها . انتهی کلام الوزیر .

وکلام المالکی واضح وغرضه منه نفی تهمة أنه یقول بوجوب التوسل فی الدعاء ، بل الأصل دعاء الله مطلقا ، کما أن التوسل فی الدعاء جائز ولا بأس به .

وقد فسر الوزیر قوله أن الأصل هو الدعاء مطلقاً ، تفسیراً سیئاً فجعل الأصل بمعنی القاعدة وجعل التوسل شذوذاً عن القاعدة !

ثم جعل الأصل بمعنی أن غیر المتوسلین مهتدون ، والمتوسلین ابتعدوا عن الهدایة ، أو ضلاً !! وهو أسلوب سیاسی ولیس علمیا !

وقد بنی علیه الوزیر یناءات وفرع تفریعات لنصرة رأیه ، بغیر حق !

فموضوع البحث هو مشروعیة التوسل إلی الله برسوله وغیره ، فإن کان غیر مشروع فلا یکون أصلاً ولا فرعاً ، وان کان مشروعاً یأتی البحث بعد ذلک: هل الأصل فی الدعاء أن یکون بطریقة التوسل بالنبی ، أم لا ؟

وهو موضوع آخر نخالف فیه المالکی ونقول:

لا أصل لهذا الأصل المتوهم فی الدعاء! ولا یوجد فی الإسلام دعاء مقبول بدون توسل بالنبی وآله صلی الله علیهم !

فقد روینا عن أئمتنا ، ورروا عن عمر وغیره أن الدعاء الذی لیس معه صلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لا یقبله الله تعالی !!

بل رووا وروینا أن صلاة المسلم لا تقبل إلا بهذا التوسل !!

ومهما فکرنا فی الصلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )التی أمرنا بها الإسلام فی افتتاح الدعاء ، بل فی افتتاح الصلاة وأثنائها وختامها.. لا نجدها إلا توسلا به وبآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال القاضی ابن عیاض فی الشفاء: 2/64:

ص: 528

عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا صلی أحدکم فلیبدأ بتحمید الله والثناء علیه ثم لیصل علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم لیدع بعد بما شاء... وعن عمر بن الخطاب (رض) قال: الدعاء والصلاة معلق بین السماء والأرض فلا یصعد إلی الله منه شئ حتی یصلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وقال ابن حجر فی الصواعق المحرقة/139:

أخرج الدارقطنی والبیهقی حدیث: من صلی صلاة ولم یصل فیها علی وعلی أهل بیتی لم تقبل منه. وکأن هذا الحدیث هو مستند قول الشافعی (رض): إن الصلاة علی الآل من واجبات الصلاة کالصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لکنه ضعیف ، فمستنده الأمر فی الحدیث المتفق علیه: قولوا اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد ، والأمر للوجوب حقیقة علی الأصح . . .

- وروی الطبری فی الذخایر/19 ، عن جابر (رض) أنه کان یقول: لو صلیت صلاة لم أصل فیها علی محمد وعلی آل محمد ، ما رأیت أنها تقبل. انتهی .

فهذه النصوص صریحة فی أن الصلاة علی النبی وآله وسیلة واجبة لقبول الصلاة والدعاء ! وأنهما بدونها لا یقبلان عند الله تعالی.. وأی قیمة لاطنان من العمل المردود ؟!!

ثم قال الوزیر: قال/44:

ومحل الخلاف فی مسألة التوسل هو التوسل بغیر عمل المتوسل کالتوسل بالذوات والأشخاص. بأن یقول اللهم إنی أتوسل الیک بنبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو أتوسل إلیک بأبی بکر الصدیق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعلی رضی الله عنهم ).

ص: 529

أقول: الواجب عند الإختلاف الرد إلی کتاب الله وسنة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفهم أصحابه الکرام رضی الله عنهم کما قال تعالی: (وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا ).

ومسألة التوسل بالذوات ، وکذا التوسل بأعمال من انقضی سعیهم ، لا خلاف عند السلف من الصحابة والتابعین أنها لیست من الدین ، ولا هی سائغة فی الدعاء .

وبرهان ذلک أنه لم ینقل عن واحد منهم بنقل صحیح مصدق أنه توسل بأحد الخلفاء الأربعة أو العشرة أو البدریین .

والعمل علی وفق ما فهموه هو المنجی کما فصل فی السلف والسلفیة من هذا الکتاب ، ومن ابتغی نهجاً جدیداً فهو الخلفی ، ولیس له حظ منهم .

إذا تقرر هذا فالتوسل بالذوات ونحو ذلک ممنوع ، لأوجه:

الأول: أنه بدعة لم تکن معروفة عند الصحابة والتابعین وکل بدعة ضلالة ، ولیس علی الله أکرم من الدعاء: وفی الحدیث: الدعاء هو العبادة. أخرجه أبو داود والترمذی وغیرهما بإسناد صحیح عن النعمان بن بشیر .

فإذا کان عبادة بل هو العبادة فإحداث أمر فی العبادة مردود باتفاق العلماء. انتهی کلام الوزیر .

وجوابه: أن الحکم بأن التوسل بذات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بدعة مصادرة علی المطلوب ، لأن القائل به یعتقد به بسبب ماثبت عنده من تعلیم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للأعمی ، وتطبیق عثمان بن حنیف لذلک بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). فهل ماعلمه النبی وما فهمه الصحابة وطبقوه یکون بدعة واحداثا فی الدین ؟!!

ص: 530

ثم قال الوزیر:

الثانی: أن قول القائل: أتوسل بأبی بکر وعمر . . . خطأ محض جره إلیه سقم فهمه وکثافة ذهنه واعتقاده أن کل شئ توسل به یکون وسیلة ، وهذا غلط .

فمن قال أتوسل بأبی بکر مثلا فقد جمع بین ذاتین لا وسیلة ولا طریق توصل وتجمع أحدهما بالآخر ، فکأنما هذا القائل قد لفظ لفظاً لا معنی له بمنزلة من سرد الأحرف الهجائیة ، إذ لا إتصال بین ذات المتوسل والمتوسل به حتی یجمع بینهما .

فلا بد من جامع یتوسل به ، وهو حب الصحابة مثلاً ، وهو من عمل المتوسل فاذا قال: أتوسل الیک رب بحبی لأبی بکر أو بحبی لعمر أو بحبی لصحابة نبیک ، کان هذا حسناً مشروعاً . وکذا ان قال: أتوسل الیک بتوقیری وتعزیری وحبی واتباعی لنبیک نبی الرحمة ، کان هذا من الوسائل النافعة .

فلازم ذکر الإیمان أو العمل الصالح الذی یصل بین ذاتین ، لا یجمع بینهما إلا بجامع . کما حکی الله عن عباده المؤمنین قولهم: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاکْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِینَ )

وقوله ( رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِیًا یُنَادِی لِلإیمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّکُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَکَفِّرْ عَنَّا سَیِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ) .

والآیات فی هذا الباب کثیرة .

فاذا کان خیرة الخلق الأنبیاء والرسل واتباعهم وحواریوهم لم یحیلوا علی ما فی قلوبهم ، بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم ، وهم الذین لا یشک بما فی قلوبهم أفلا یکون الخلوف الذین جاؤوا من بعدهم أولی وأحری أن یفصحوا وأن یظهروا ، وأن لا یتحیلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلی ؟! انتهی کلام الوزیر .

ص: 531

وقد اعترف هنا بجواز التوسل بالعمل ، واعترف بأن الآیتین تضمنتا توسلاً بالإیمان واتباع الرسول !

ویقال له: ماهو الفرق الفقهی بین التوسل بالعمل والتوسل بالذات ؟ ولماذا صار توسل المسلم بحبه لنبیه حلالا وایماناً ، وتوسله بمقام نبیه شرکاً وکفراً ؟!!

إن کل الإشکالات التی أوردتها علی التوسل والمتوسلین ترد علیه ! ونفس الأسئلة التی توجهونها إلی المتوسلین بالنبی تتوجه علی توسلکم بالعمل ! وما تجیبون به عن:

- فهل تعتقدون أنه مؤثر فی الإجابة مستقلاً أو بجعل الله التأثیر فیه ؟

فإن قلتم بتأثیر العمل مستقلاً فقد جعلتموه شریکاً مع الله تعالی !!

وإن قلتم إن الله جعل فیه التأثیر ، فکذلک التوسل بمقامه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ثم قال الوزیر:

الثالث: أن الصحابة فهموا من التوسل التوسل بالدعاء لا بالذوات ، فعمر بن الخطاب (رض) توسل بدعاء العباس عم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ومعاویة بن أبی سفیان توسل بدعاء یزید بن الأسود .

ولو کان التوسل بالذوات جائزا عندهم لاغناهم عن تکلف غیره ، ولتوسلوا بذات أکرم الخلق وأفضل البشر وأعظمهم عند الله قدراً ومنزلة ، فعدلوا عن ذات رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الموجودة فی القبر إلی الأحیاء ممن هم دونه منزلة ورتبة . فعلم أن المشروع ما فعلوه ، لا ما ترکوه .

قال الشهاب الآلوسی فی روح المعانی: 6/113 ، فی الکلام علی عدول الصحابة: وحاشاهم أن یعدلوا عن التوسل بسید الناس إلی التوسل بعمه العباس وهم یجدون أدنی مساغ لذلک. فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون ، وهم أعلم منا

ص: 532

بالله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبحقوق الله تعالی ورسوله علیه الصلاة والسلام ، وما یشرع من الدعاء وما لا یشرع ، وهم فی وقت ضرورة ومخمصة ، یطلبون تفریج الکربات وتیسیر العسیر ، وانزال الغیث بکل طریق: دلیل واضح علی أن المشروع ما سلکوه دون غیره. انتهی کلام الآلوسی والوزیر .

وجوابه: علی مبناه فی الصحابة ، فقد کتب ابن الصدیق الغماری رسالة فی أن ترک الصحابی لفعل لا یمکن أن یکون دلیلاً علی عدم مشروعیته .

علی أنه صح الحدیث بأن ابن حنیف علم التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لرجل فی زمن عثمان ، فلا یصح القول إن أصحابة ترکوه !

أما لماذا لم یتوسل عمر بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وتوسل بعمه العباس ؟

فجوابه أن عمر لم یکن بلغه حدیث عثمان بن حنیف ، وتعلیم النبی للاعمی التوسل والتوجه به إلی الله تعالی ، وأراد أن یظهر للمسلمین مقام العباس فتوسل به .

أما علی مبنانا فی الصحابة ، فإن الذین عملهم حجة علینا من الصحابة إنما هم أهل البیت الذین أمرنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن نتمسک بالقرآن وبهم من بعده ، فی حدیث الثقلین المتواتر . . وسماهم بأسمائهم ، وهم علی وفاطمة والحسنان الذین نزلت فیهم آیة التطهیر وحدد النبی مصطلح أهل بیته بهم بالأسماء وأدار علیهم الکساء ،

وقال ( هؤلاء أهل بیتی ) کما صح حدیثه عند الجمیع .

فعمل هؤلاء هو الحجة من الله تعالی ، أما غیرهم فلم یصح أن النبی جعلهم حجة ، وحدیث ( کتاب الله وسنتی ) لم یثبت حتی عند السنیین ، وحدیث ( أصحابی کالنجوم ) ثبت عند علمائهم أنه موضوع !

ص: 533

وقد قرر أهل البیت (علیهم السّلام) التوسل إلی الله تعالی بنبیه بعد مماته ، کالتوسل به فی حیاته ، کما تراه فی أحادیث التوسل من مصادرنا .

ثم قال الوزیر:

الرابع: أن یقال تنزلا : لا یخلو التوسل بالذوات أن یکون أفضل من التوسل بأسماء الله وصفاته ، والأعمال الصالحة ، أو لا .

فإن قیل: التوسل بالذوات أفضل ، فهو قول کفری باطل .

وإن کان التوسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة أفضل ، فلم ینافح عن المفضول وتترک نصرة الفاضل وتأییده ونشره وتعلیمه للناس . انتهی کلامه .

وجوابه: أولاً ، ان موضوع البحث لیس الصیغة الأفضل والأقل فضلاً فی الدعاء 7 فکلامه خارج عن الموضوع .

وثانیا ، نقول أن التوسل بأسماء الله وصفاته أفضل ، ولکن مع ذلک نتوسل إلیه بذات نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأنه نبینا وشفیعنا إلیه .

وثالثا ، عرفت أن الله تعالی جعل الصلاة علی نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شرطاً لقبول الدعاء ، وهذا معناه شرعیة التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومعناه أن التوسل بأسمائه تعالی وحدها بدون ذکر نبیه غیر مقبول عنده !! فماذا نصنع أیها الوزیر إذا کان الله تعالی مصرا علی ذکر نبیه فی کل دعاء ندعوه ؟ !!

نماذج من المداخلات والمناقشات الأخری

کتب المدعو أبو صالح مدافعاً عن السید المالکی :

الروایة بالحرف الواحد کما هی من الطریق الصحیح الذی ساقه البخاری فی التاریخ الکبیر وابن أبی شیبة والبیهقی واللفظ لهما وصححها ابن حجر وابن کثیر (جاء رجل إلی قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: یا رسول الله استسق لأمتک فإنهم قد

ص: 534

هلکوا ، فأتی الرجل فی المنام فقیل له: إئت عمر فأقرئه منی السلام وأخبرهم أنهم مسقون وقل له: علیک بالکیس الکیس فأتی الرجل فأخبر عمر فقال یا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه) فهذا إقرار من سیدنا عمر ومن الصحابة أجمعین علی صحة فعل الرجل ومن یدعی غیر ذلک فلیثبت إن استطاع !!

والشاهد من القصة لیس الرؤیة المنامیة کما قرر ذلک کثیر من الأفاضل بل إتیان رجل ما الی القبر الشریف فی زمن الصحابة وهم متوافرون ولا یضر کونه سیدنا بلال بن الحارث أو غیره إذ لا یعقل أن یسکت الصحابة - وعلی رأسهم الفاروق - علی شرک أکبر یخرج من الملة فالإستدلال لا دخل له بالرجل الرائی بل باقرار سیدنا عمر والصحابة رضی الله عنهم لفعل الرجل.

- وکتب المدعو هاشمی مدافعاً عن السید المالکی:

اللهم ثبتنا علی الحق ، وجنبنا تکفیر الخوارج . . .

وبعد ، لقد کفر الفارس المکی السید العلامة المالکی ، بل قد صار عنده یقین بأن سیدنا محمد المالکی فی النار مع أبی جهل !!

فقد قال رادا علی الأخ موسی العلی ما یلی: أسأل الله العظیم أن یحشرک فی زمرة محمد علوی الضال، مبیح الشرک ، امام المبتدعة، مع أبی جهل وأبی لهب.

ثم زکی نفسه ومدحها بقوله: ونحن بإذن الله مع النبیین والشهداء والصالحین !! بل هو یلقب السید بداعیة الشرک !!

وقد ناقشناه فاستکبر وعاند وأصر علی هذا التکفیر الخارجی المخزی !!

وقد أیده علی هذا التکفیر أبو محمد التیمی، وذلک المزروعی، والمدعو شامس، وعبد الله محمد ، والدوسری ، ومعهم المراقبون !!

ص: 535

لذلک نحب من هؤلاء أن یفعلوا الشئ ذاته مع أئمة أهل السنة والجماعة فلیس السید العلامة بدعا منهم !!

- الإمام السلفی ابراهیم الحربی الذی یقول: قبر معروف التریاق المجرب - انظر ترجمته فی السیر وتاریخ بغداد .

- التقیة الصالحة السلفیة رابعة العدویة - وهی زندیقة عند هؤلاء !

- الإمام السلفی بشر الحافی الذی یقول: عندنا أم عندکم - یقصد الشریعة والحقیقة - أنظر تطاول صاحب ( هذه هی الصوفیة ) علی السلفی واستهزائه باللقب ( الحافی ) - الولی الصالح أبو یزید البسطامی - أنظر ترجمته فی السیر .

- الولی الصالح السید عبد القادر الجیلانی الذی یقول: قدمی هذه علی رقبة کل ولی .

- الإمام الخطیب البغدادی الذی ینقل أقوالهم فی تاریخه ، ولم یعقب علیها بشئ.

- الحافظ ابن عساکر الذی یقول کما فی تبیین کذب المفتری: ودفن ، یعنی الأستاذ ابن فورک ، بالحیرة ومشهده الیوم ظاهر یستشفی به ویجاب الدعاء عنده. - الإمام شیخ الإسلام تقی الدین السبکی وولده التاج .

کفروا هؤلاء صراحة.. مع أنی متیقن أنکم تکفرونهم !!

- وکتب سیف المزروعی:

الحمد لله الذی أظهر الحق وأناره ومحق الباطل وأباده.. وصلی الله علی سیدنا محمد المحامی عن توحید مولاه ، القائل (إنه لا یستغاث بی وإنما یستغاث بالله ) الزاجر لمن إلی ذرائع الشرک تعدی . . .

أما بعد یا هاشمی قرأت ردک علیَّ وتعجبت منک ، ومن لفک ودورانک ، فقولی عن عیسی المانع بأنه زندیق حتی النخاع أمر لم ولن أتراجع عنه ، لیس هذا فقط

ص: 536

بل هو مشرک مبتدع ضال مضل قبوری بائد ، أزله الله وفک أهل دبی من خرافاته وخزعبلاته .

أما تکفیره لسماحة الشیخ العلامة فقیه نجد محمد العثیمین حفظه الله ، فهذا شئ الکل یعرفه ، والدلیل طرده من دولة التوحید رعاها الله ، بعد توزیعه الشریط الذی یتکلم فیه علی الشیخ العثیمین .

أما عن محمد علوی المالکی قد یذهب البعض إلی تکفیره ، وقد تکون حجتهم فی ذلک أنه تربی وتغذی علی التوحید ، ثم بسبب هوی فی نفسه ترک التوحید واتجه إلی الإشراک بالله ومناجاة غیره، ترک الالتزام بالسنة واتجه إلی احیاء البدع التی لم یترک واحدة منها إلا التزم بها !!

لذلک لم أرد علیهم لکن الذی أعرفه أن عامة السلفیة لا یتجهون إلی تکفیره وخروجه عن الملة ، لأنه لم ترد فتوی من علماء أهل السنة بذلک ، ولکنه لبلا شک رجل فاسد وضال وأعماله کفریة لکن لا أکفره حتی أحصل علی فتوی بذلک ، فحینئذ لن أتردد فی تکفیره .

أما عن الشیخ سفر الحوالی فالصراحة لم أقرأ له کتاب ولم أسمع له شریط ، ولا أعرف أسلوبه فی الکتابة ، لم أعرفه إلا من الناس ، ولکنی متأکد أن کلامه عن العلوی المالکی ذات قیمة علمیة ، ونابعة من عقیدة التوحید فی جوفه ، وسأقرأ رسالته عن علوی المالکی بعون الله ( ومن یرد الله فتنته فلن تملک له من الله شئ ( کذا ) ( وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا )

وحق قول امامنا مالک(رحمه الله)حین قال: من أحدث فی هذه الأمة شیئاً لم

ص: 537

یکن علیه سلفها فقد زعم أن محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خان الدین ، لأن الله تعالی یقول (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ ( کذا ) لَکُمْ دِینَکُمْ ) فما لم یکن یومئذ دیناً لا یکون الیوم دینا. فالنحاکم العلوی وزبانیته أمثال المانع والخزرجی .

وقال الإمام مالک(رحمه الله)( لو أن العبد ارتکب الکبائر کلها دون الإشراک بالله شیئاً ، ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن یکون فی أعلی الفردوس ، لأن کل کبیرة بین العبد وربه هو منها علی رجاء ، ولکل هوی لیس هو علی رجاء انما یهوی بصاحبه فی نار جهنم )

وصدق الشیخ محمد عبید المهیری المالکی حین قال ( إن هؤلاء القبوریة البائدة الذین ینسبون أنفسهم للمذهب المالکی زورا وبهتانا ، أشبه بالرجل الذی بال فی زمزم فقیل له: لما فعلت ذلک ؟ فقال لتذکرنی الناس ولو باللعنة !! لو اتبعوا سبیل التوحید الخالص الذی جاء به محمد بن عبد الله عن ربه لکان أفضل لهم ، لکن ألا إن لعنة الله علی الظالمین )

فأقول للهاشمی ما قاله سمیر المالکی لإبن عمه محمد العلوی المالکی: تذکر یوم العرض الأکبر ( یَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَی مِنْکُمْ خَافِیَةٌ ) واعتبر (یَوْمَ تُبْلَی السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ) واعلم أنه لن ینفعک فی ذلک الموقف العصیب جاه ولا منصب (یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ وَأُمِّهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِیهِ، لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ یَوْمَئِذٍ شَأْنٌ یُغْنِیهِ ) ( وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَی حِمْلِهَا لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْءٌ وَلَوْ کَانَ

ذَا قُرْبَی ) ( یَوْمَ تَأْتِی کُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّی کُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ ) احذر أن تکون ممن قال الله فیهم ( وَلَیَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَیُسْأَلُنَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَمَّا کَانُوا یَفْتَرُونَ ) .

ص: 538

وبعد فأسأل الله العلی العظیم بأسمائه وصفاته العلی أن یهدینا وإیاه وسائر عباده سبیل الرشاد ، وأن یرینا الحق حقا ویرزقنا اتباعه ، ویرینا الباطل باطلا ویرزقنا اجتنابه..

وکتب أبوصالح من مؤیدی السید المالکی:

شئ جید أن تقارع الحجة بالحجة . هذه مفاهیمکم و مفاهیم یجب أن تصحح ، ولندع المسلم یقرأ ویحکم والإنسان علی نفسه بصیرة .

أما أن یحجر علی العقول فهذا مالا یرضاه أحد، ولا یدل إلا علی ضعف الخصم وخاصة أسلوب نشر رأی طرف ومنع الطرف الآخر ، کما فعل الذی حذف موضوع الهاشمی - الرد علی محمد الفاتح - مع ابقاء مقالة الفاتح !!

مع أنی قرأت مقالة الهاشمی ولم أجد فیها إلا قال الله وقال رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلا حول ولا قوة إلا بالله !!

- وکتب المدعو الفارس المکی:

إلی دعاة الشرک ( باسم التوسل ) بوهالک والهاشمی والمسیب. اسمعوا ما یقوله ابن أبی العز ت سنة 792 ه، فی شرح الطحاویة/81:

( تارة یعتقدون أن هذه تماثیل قوم صالحین من الأنبیاء ویتخذونهم شفعاء (ویتوسلون بهم ) وهذا أصل شرک العرب ) اه-.

وقال ردا علی المسمی/82:

وهؤلاء کانوا مقرین بالصانع وأنه لیس للعالم صانعان ، ولکن اتخذوا هؤلاء شفعاء کما أخبر تعالی ( وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إِلَی اللَّهِ زُلْفَی ) اه- .

ص: 539

وقال عن المتصوفة أمثالکم ( فلو أقر رجل بتوحید الربوبیة الذی یقر به هؤلاء النظار ویفنی فیه کثیر من أهل التصوف ویجعلونه غایة السالکین وهو مع ذلک لم یعبد الله وحده ویتبرأ من عبادة ما سواه کان مشرکاً من جنس أمثاله من المشرکین... أه-

فأین أنتم یاأصحاب دعوة المشرکین من هذا القول ؟؟ أم أنکم أنتم تفهمون التوحید علی طریقتکم ، وعلماء الأمة أجمع لم یفهموا التوحید ، بل هم من عهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( وهابیون ) !!...

بصراحة الخلاف بیننا نحن السلفیون ( وقل عنا ان السلف منا براء ) وبینکم معاشر المبتدعة الصوفیة القبوریة مجددی عقیدة عمرو بن لحی . . . أن الدعوة التی نتبناها هی لله وحده لا شریک له ، علی منهج النبوة ، وأنتم دعوة فلسفیة وثنیة له فیها سبحانه شرکاء فی العبادة کما تدعون ( تعال الله عما تقولون علوا کبیرا ) ! وأریدک تزور شیخک الذی مامن لفظ تفخیم إلا ونسبتم إلیه وقل له: لماذا کان یتفل علی الکأس وشربه ثلاثة ، ثم أصبحوا یتداولونه بینهم وهو (فارغ) ویشربونه ! !!! یشربون ماذا ؟؟

وهذه الحادثة تضاف إلی مخازیه ، وحدثت بعد وفاة والدته . . . خرافات وبدع سلمنا الله منها ولله الحمد .

وإن قال عنا المخالفون أننا ضعفاء فی العلم خوارج لا نعلم من اللغة شیئاً، دعوناه سبحاه وتعالی معتقدین أنه هو وحده المقصود بالعبادة لا شریک له ، والمخالفون یعتقدون أن الثیران والبقر والنمل والقبور وسائط !

ص: 540

وقال شیخکم ان الواسطة هی بمثابة الجناح للطائر یرتقی بها إلی السماء !! ( فی شریط فدیو ) لعلک تشتاق إلی المشارکة فی ذلک المحفل العظیم ! لایفوتک . . . والحمد لله رب العالمین.. ابن مکة شرفها الله وکتب المدعو سید محمود کاسانی مدافعا عن السید المالکی:

الأخ الذی سمی نفسه بابن الوادی تطاول فی قمة سوء الأدب المعهود منه ومن علی شاکلته علی شیخ وعلامة ، نفعنا الله بعلمه ورفع الله درجاته .

سوء الأدب والمحاورة معهود من أهل البادیة منذ أیام سیدنا محمد حتی نزلت آیات تأمرهم بالتأدب معه .

المرتدین کانوا من الیمامة ( یعنی من ربع الأخ ابن الوادی ) والقرامطة کذلک والخوارج أیضاً .

یدعو علی الشیخ الجلیل أن یحشره الله مع أئمة الکفر .

سبحان الله هذا بهتان عظیم ! من أنت حتی تتطاول علی شخص لا تعرف ولم تطلع علی مافی قلبه ( الفرق کبیر بین علامة فاضل عالم وبین من یرقص کالقرد فی الزار) والله من وراء القصد... انتهی .

ختام: مناظرة مع عالم وهابی

اشارة

نختم البحث بهذه المناظرة فی ( الإنترنیت ) ساحة النقاش الإسلامیة بین المدعو ( صارم ) الوهابی ، والمدعو ( العاملی ) الشیعی فی شهر جمادی الأولی من سنة 1420 ، فی مشروعیة زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، والتوسل به إلی الله تعالی .

العاملی:

من مختصات ابن تیمیة وبدعه: تحریمه التوسل والاستشفاع والاستغاثة

ص: 541

بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد قال السبکی فی کتابه ( شفاء السقام فی زیارة خیر الانام )/291: اعلم أنه یجوز ویحسن التوسل والإستغاثة والتشفع بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی ربه سبحانه وتعالی. وجواز ذلک وحسنه من الأمور المعلومة لکل ذی دین ، المعروفة من فعل الأنبیاء والمرسلین، وسیر السلف الصالحین ، والعلماء والعوام من المسلمین .

ولم ینکر أحد ذلک من أهل الأدیان ، ولا سمع به فی زمن من الأزمان ، حتی جاء ابن تیمیة فتکلم فی ذلک بکلام یلبس فیه علی الضعفاء الاغمار ، وابتدع ما لم یسبق إلیه فی سائر الأعصار !!!. انتهی .

صارم:

سؤالی: لماذا تدعون إلی شد الرحال وزیارة القبور ، والتبرک بها ؟

العاملی:

حدیث شد الرحال لم یصح عند أهل البیت (علیهم السّلام) . وقد صح عند بقیة المذاهب وفهموا منه عدم شموله لشد الرحال إلی زیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بدلیل أنهم کانوا یفعلون ذلک ، وما رووه فی بعض صیغه ( لا تشد الرحال إلی مسجد ) وفهم هؤلاء حجة علی من یعتقد بالحدیث ، ویعتقد بحجیة فهم الصحابة والتابعین وأئمة المذاهب ، لأنهم أقرب إلی عصر النص ومعناه .

وقد ألف عدد من العلماء قبل ابن تیمیة رسائل فی تفسیر الحدیث ، وعندما چاء ابن تیمیة ببدعته رد علیه عدد آخر منهم، واتفقوا علی أن فهمه للحدیث مخالف لإجماع علماء المسلمین وسیرتهم لمدة ثمانیة قرون ، بل هو مخالف لفهم عامة علمائهم إلی یومنا هذا !!

ص: 542

فنحن نشد الرحال إلی زیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقبور الأئمة المعصومین (علیهم السّلام) ، لأن زیارة قبورهم مستحبة عندنا ، ومن أفضل القربات إلی الله تعالی. ولم یثبت عندنا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نهی عن ذلک ، بل ثبت أنه دعا إلیه وحث علیه ، وکان یزور القبور المبارکة لتکون سنة من بعده .

وکذلک کانت سیرة علی وفاطمة والأئمة (علیهم السّلام) .

ولزیارة القبور عندنا أحکام وشروط وآداب شرعیة ، ولیس فیها شئ ینافی التوحید أبداً ، بل فیها ما یؤکد التوحید ، وأن النبی وآله لا یملکون من عندهم شیئاً ، بل هم عباد مکرمون ، نزورهم ونستشفع بهم إلی الله تعالی ، کما أمرنا .

صارم:

أحسنت وهذا ما أریده منک بالضبط فقد شفیت غلیلی بهذه الإجابة الشافیة الکافیة. ولعل صدرک یتسع لأسئلتی .

وسؤالی الآن: لماذا تستشفع بهم ؟

لم لا تتجه فی طلبک إلی الله مباشرة ؟

لماذا تجعلهم واسطة بینک وبین الله ؟

ألم تعلم أن الجاهلیین کانوا یعبدون الأصنام یستشفعون بها ، ویجعلونها واسطة بینهم وبین الله ؟!

وقد ناقضت نفسک حینما قلت ( وأن النبی وآله لا یملکون من عندهم شیئاً ، بل هم عباد مکرمون ، نزورهم ونستشفع بهم إلی الله تعالی کما أمرنا ).

کیف تستشفع بهم وهم ( لا یملکون من عندهم شیئا بل هم عباد مکرمون ) لقد خالفت المنهج الربانی وسنة المصطفی من وجهین:

ص: 543

الوجه الأول: من مخالفة السنة ، لأن الأموات لا یملکون لانفسهم نفعاً ولا ضراً ، فما بالک بإمتلاک النفع لغیرهم ؟!

الوجه الثانی: مشابهة الکفار ، وقد نهینا عن مشابهتهم. فهل بعد هذا تستشفع بهم؟ أرجو للجمیع الهدایة .

العاملی:

سؤالک فی أصله وجیه ، فلو کان الأمر لنا لقلنا: فلنطلب کل شئ من الله تعالی مباشرة ، ولا نجعل بیننا وبینه واسطة من المخلوقین ؟!

ولکن الأمر له عز وجل ولیس لنا ، وقد قال لنا ( اتقوا الله وابتغوا إلیه الوسیلة ). وقال ( أولئک یبتغون إلیه الوسیلة أیهم أقرب ) وقال ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ )

ولا حاجة إلی مجیئهم واستغفارهم عند الرسول ، واستغفار الرسول لهم..

وهذا یعنی أنه تعالی قال لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کن موحداً بلا شرط ، ومهما قلت لک فأطعنی ، وحتی لو قلت لک عندی ولد فاعبده فافعل !! وقل لهم (قُلْ إِنْ کَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِینَ ) ! ولکنه سبحانه أخبرنا أنه لم یتخذ صاحبة ولا ولداً !!

فالمسألة اذن ، ثبوت مبدأ التوسل فی الإسلام فی حدوده التی أمر بها الله تعالی أو سمح بها ، وهو یختلف عن زعم التوسل عند المشرکین ، سواء فی طبیعته أم فی نیته . . . فهل تقبل أصل مبدأ التوسل والإستشفاع الذی قبله امامک ابن تیمیة؟ أم أنک أشد فی هذا الأمر من امامک ؟ !

صارم:

ص: 544

قلت عن التوسل: ( ثبوت مبدأ التوسل فی الإسلام فی حدوده التی أمر بها الله تعالی أو سمح بها ) هل لی أن أعرف هذه الحدود التی أمر أو سمح بها ؟

أرجو أن تجیبنی باختصار ، وفی حدود السؤال. هدیت للصواب .

فأجابه العاملی:

الظاهر أن السبب فیما أثاره بعضهم إشکالاً علی مبدأ التوسل ، أنهم یرون الشفاعات والوساطات والمحسوبیات السیئة عند الرؤساء والمسؤولین فی دار الدنیا ، وما فیها من محاباة واعطاء بغیر حق ولا جهد من المشفوع لهم أو المتوسط لهم .

وبما أن الله تعالی یستحیل علیه أن یحابی کما یحابی حکام الدنیا ، وانما یعطی جنته وثوابه بالإیمان والعمل الصالح . . فلذلک صعب علیهم قبول الشفاعة والوساطة والوسیلة إلی الله تعالی !

ولکنه فات هؤلاء أن الحکمة من جعله تعالی الأنبیاء والأوصیاء الوسیلة إلیه تعالی:

أولا: أن یعالج مشکلة التکبر فی البشر ، لأن البشر لا یمکنهم الإنتصار علی تکبرهم والخضوع لعبودیة الله تعالی ، إلا إذا انتصروا علی ذاتیتهم فی مقابل الأنبیاء والأوصیاء ، واعترفوا لهم بالفضل والمکانة الممیزة والإختیار الإلهی ، وأنهم المبلغون عن الله تعالی..

وفاتهم أن جعل الأنبیاء والأوصیاء وسیلة إلی الله تعالی ضرورة ذهنیة للبشر.. ذلک أن الفاصلة بین ذهن الإنسان المحدود المیال إلی المادیة والمحدودیة ، وبین التوحید المطلق المطلوب والضروری ، فاصلة کبیرة ، فهی تحتاج إلی نموذج ذهنی حاضر من نوع الإنسان ، یمارس التوحید أمامه ویکون قدوة له .

ص: 545

وبدون هذا النموذج القدوة ، یبقی الإنسان فی معرض الجنوح فی تصوره للتوحید وممارسته ، والجنوح فی هذا الموضوع الخطیر أخطر أنواع جنوح الضلال !!

وهذا هو السبب فی اعتقادی فی أن الله تعالی جعل أنبیاءه وأوصیاءهم حججاً علی العباد .

وهو السبب فی أنه جعلهم من نوع أنفسهم ولیس من نوع آخر کالملائکة مثلا . . .

والنتیجة:
اشارة

أن وجود الوسیلة بین العباد والله تعالی لو کان یرجع إلینا لصح لنا أن نقول یا ربنا نرید أن تجعل ارتباطنا بک مباشراً ، ولا تجعل بیننا وبینک واسطة فی شئ ، وهذا ما یمیل إلیه أهل الإشکال علی الشفاعة والتوسل !

ولکن الأمر لیس بیدنا ، فالأفضل أن یکون منطقنا أرقی من ذلک فنقول: اللهم لا نقترح علیک ، فأنت أعلم بما یصلحنا ، وإن أردت أن تجعل أنبیاءک وأوصیاءک واسطة بیننا وبینک ، وحججا علینا عندک ، فنحن مطیعون لک ولهم ولا اعتراض عندنا . . .

وهذا هو التسلیم المطلق لارادته تعالی ، وقد عبر عنه سبحانه بقوله لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی سورة الزخرف 81 - 82: قُلْ إِنْ کَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِینَ .

صارم:

ص: 546

صارم:

کلامک طویل وفیه نسبة من الصحة ، اضافة إلی بعض الشبه التی تحتاج إلی رد ، فلو کان مقالاک قصیراً لرددت علی کل نقطة تذکرها وتخالف ما أعتقده. لذا أرجو مرة أخری أن یکون جوابک مختصراً دقیقاً. وعموماً فأجیبک باختصار:

الآیات التی استدللت بها فی الأمر بطاعة الرسول(علیه السّلام)علیک لا لک ، لأنه أمرنا بالتوحید الخالص النقی من شوائب الشرک ، ومن طاعته تنقیة التوحید مما یفضی إلی الشرک ، أعاذنا الله وإیاک من مضلات الفتن .

ثم انک استدللت فی الإستشفاع بدعاء النبی للأعمی ، وهذا لا إشکال فیه لأنه طلب من حی فیما یستطیعه ، لذا لجأ عمر (رض) إلی عم النبی ، ولو کان الإستشفاع فیما ذکرته صحیحا للجأ الناس إلی النبی(علیه السّلام)وهو فی قبره ، وهذا ما لم یحصل إطلاقاً .

وأعود وأسأل مرة أخری ما الذی یستطیع عمله المیت حینما تستشفع به ؟

العاملی:

من أسباب الخطأ عند المخالف للتوسل: أنه یتصور أن المتوسل یطلب من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو من الولی.. بینما هو یطلب من الله تعالی ویتوسل إلیه بمقام النبی أو یطلب من النبی التوسط له عند الله تعالی. فلا طلب إلا من الله تعالی .

وأما شبهة أن الرسول میت فکیف تصح مخاطبته ؟

فجوابها: أنه حی عند ربه ، ولذلک تسلم علیه فی صلاتک ( السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته ) .

وإذا قبلت حدیث تعلیم النبی للأعمی أن یتوسل به ، فقد صح عندکم أن عثمان بن حنیف طبقه بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وعلمه لشخص کان عنده مشکلة عند الخلیفة عثمان ، فاستجاب الله له وتغیرت معاملة عثمان معه .

ص: 547

وتطبیق الصحابی الثقة حجة لأنه معاصر للنص .

وقد أجاز ابن تیمیة التوسل بالنبی بعد موته ، فلا تکن ملکیاً أکثر من الملک !!

بل ورد عندکم التوسل إلی الله تعالی بالممشی إلی الصلاة والحج ( أتوسل إلیک بممشای ) !

صارم:

قلت لک: نحن نحرم شد الرحال إلی زیارة القبور منعا لجناب التوحید أن تشوبه شوائب الشرک. ثم سألتک لم تشدون الرحال ؟ فقلت: للإستشفاع !! فإن أردت أن تجیبنی علی قدر السؤال ، فهذا سؤالی:

لماذا تستشفعون بالأموات ؟ وکیف ؟

العاملی:

إلی الأن مازلت تتصور أن الزیارة لابد أن یرافقها إستشفاع ، فمن أین جئت بهذا؟!

فقد یزور مسلم نبیه ویؤدی واجب إحترامه ولا یتوسل ولا یستشفع به !

وقد یتوسل المسلم بنبیه فی بیته ، ولا یذهب لزیارته !

فالزیارة شئ ، والتوسل شئ آخر !!

وإلی الآن تتصور أن شد الرحال لا یکون إلا للإستشفاع ! مع أن شد الرحال قد یکون للزیارة وحدها ، أو مع نیة الإستشفاع والتوسل !

وقد أجبتک بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حی عند ربه ، وأنک تسلم علیه فی صلاتک فلا مانع أن یخاطبه المتوسل .

علی أن المتوسل لا یطلب من النبی بل من الله ، ولا یحتاج إلی مخاطبة النبی بل یخاطب ربه ، ویسأله بحق رسوله ومقامه ومعزته عنده !!

ص: 548

وقلت لک لقد أجاز ابن تیمیة التوسل والاستشفاع بالنبی ( المیت ) !!(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فهل ترید نص کلامه ؟!!

وتعود وتسألنی: لماذا تشدون الرحال للإستشفاع ، ولماذا تستشفعون بالمیت ؟ أرجو أن تتأمل فی کلامی أکثر .

صارم:

لقد تأملت فی کلامک جیداً وتوصلت لما یلی:

قلت فی معرض کلامک: ( وإلی الآن تتصور أن شد الرحال لایکون إلا للإستشفاع ! مع أن شد الرحال قد یکون للزیارة وحدها ، أو مع نیة الإستشفاع والتوسل !)

النتیجة واحدة وهو وجود التوسل والإستشفاع ، وهذا ما أریده وأسأل عنه .

وقلت أیضا: ( فقد یزور مسلم نبیه ویؤدی واجب احترامه ولا یتوسل ولا یستشفع به ! ) هذا منطوق کلامک. وعلیه فقد یزور مسلم نبیه ویؤدی واجب احترامه ویتوسل ویستشفع به ! وهذا مفهوم کلامک. وسؤالی:

کیف یتوسل به ؟

وسؤالی الثانی: کیف یستشفع به ؟

هل أجد عندک إجابة مختصرة فی حدود السؤالین السابقین ؟

العاملی:

توسل به إلی الله ، واستشفع به ، وتوجه به ، وتجوه به ، وسأله به ، واستغاث به وأقسم علیه به . . کلها بمعنی واحد ، أی توسط به إلی الله تعالی .

ومعنی توسلنا واستشفاعنا بالرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أننا نقول:

ص: 549

اللهم ان کنت أنا غیر مرضی عندک ولا تسمع دعائی بسبب ذنوبی ، فانی أسألک بحرمة عبدک ورسولک محمد ، الذی هو نبیی ومبلغی أحکامک ، وخیر خلقک ، وصاحب المقام الأول عندک . . أن تقبل دعائی وتستجیبه .

وهذا یاأخ . . . أمر طبیعی صحیح لیس فیه عبادة للنبی ولا ادعاء شراکة له مع الله تعالی ، بل فیه تأکید لمقام عبودیته واطاعته لربه الذی وصل به إلی مقامه المحمود عند الله تعالی. وهو مشروع لورود النص به .

صارم:

أعوذ بالله من غضب الله ما هذه الجرأة علی الله ؟ کیف تقول ( ولا تسمع دعائی بسبب ذنوبی ) !!!

هل تعتقد أن الله لا یسمع ؟ نعوذ بالله من الخذلان .

هل تعتقد أن الله یخفی علیه شئ فی الأرض وفی السماء ؟ سبحانک هذا بهتان عظیم .

أفق یا رجل فوالله ان الذی قلته لیزلزل الجبال. هداک الله. أرجو أن تستغفر الله بلا واسطة عن هذا الذنب العظیم. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولی معک وقفة باذن الله

العاملی:

عبارة ( إن کنت لا تسمع دعائی بسبب ذنوبی ) تعنی لا تستجیب . . وسماع الدعاء بمعنی استجابته عربی فصیح أیها العربی !!

صارم: هل لک أن تدلنی علی أن السماع بمعنی الاستجابة من لغة العرب وقبل ذلک القرآن ؟

ص: 550

العاملی:

یستحب للمصلی أن یقول سمع الله لمن حمده ، ومعناها استجاب ولیس مجرد السماع. ویکفی استعمالها عند العرب بقولهم: هل یسمع فلان منک أم لا ؟ وهو لیس سؤالاً عن حالة أذنیه وطرشه !!

وفی سنن النسائی: 8 - 263: عن أبی هریرة یقول کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: اللهم إنی أعوذ بک من الأربع : من علم لاینفع ، ومن قلب لا یخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعاء لا یسمع. انتهی .

وفی هذا کفایة ، فأجب علی ما ذکرته فی موضوعنا .

صارم:

أشکرک علی إحالتک وبیانک. وسؤالی - وأرجو ألا تتذمر :

لم تلجؤون إلی الواسطة بینکم وبین الله ؟ ألم یخلقنا ؟ ألم یرزقنا ؟ ألیس سبحانه هو المتکفل بنا ؟ ألم یقل لنا: أدعونی أستجب لکم ، بلا واسطة ؟

ألا تعلم أن العبد أقرب ما یکون من ربه وهو ساجد ؟

ألا تعلم أن کل وازرة لا تزر وزر أخری ؟

ألا تعلم أن الإنسان مهما بلغ من الکمال فهو عبد ضعیف مربوب لله تعالی ، لا یملک لنفسه ضراً ولا نفعاً ؟ فأی فرق بیننا وبین الأموات ؟

وقد ذکرت لک أن عمر (رض) استشفع بعم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یلجأ إلی قبر النبی (علیه السّلام)! فلم لم یفعل ذلک ؟!! أتراه غفل عما تدعون إلیه ؟!!

نعم للإنسان أن یطلب من آخر حی أن یدعو له ، أما من المیت فإن المیت لا حول له ولا قوة !! ولو کان بیده شئ لدفع الموت عن نفسه .

وسؤالی مرة أخری لم تجعلون المیت واسطة ؟

العاملی : حسب فهمنا المحدود وادراک عقولنا القاصرة ، الأمر کما تقول.

ص: 551

فالإنسان یعبد الله تعالی مباشرة فینبغی أن یطلب منه مباشرة . . والله تعالی سمیع بصیر علیم ، وهو أقرب الینا من حبل الورید ، فلا یحتاج إلی واسطة من شخص حی ولا میت ، ولا أی مخلوق . . هذا حسب إدراک عقولنا . .

ولکنه سبحانه بنی هذا الکون ، وخلق الإنسان وأقام حیاته فی الأرض علی أساس الأسباب والمسببات فی أمور الطبیعة . .

وأخبرنا أن عبادته والطلب منه لها أصول وأسباب ، وأن علینا أن نتعامل معه حسب هذه الأصول .

مثلا: لماذا یجب الإیمان بالرسول ؟

فاذا أردنا أن ننفی الواسطة نقول: إن المطلوب هو الإیمان بالله وحده والرسول مبلغ وقد بلغ ذلک وانتهی الأمر ، فلماذا نجعل الإیمان به مقروناً بالإیمان بالله تعالی ؟!

لماذا قال الله تعالی: أطیعونی وأطیعوا الرسول ، ولم یقل أطیعونی فقط کما بلغکم الرسول ؟!! وهذا المثل قد یکون صعبا . .

مثل آخر : الکعبة . . لماذا أمر الله تعالی ببناء غرفة ، وقال توجهوا إلیها وحجوا الیها وتمسحوا بها ؟ هل یفرق علیه فی عبادتنا له أن نصلی له إلی هذه الجهة أو تلک ؟ أو تحج تلک المنطقة أو لا تحج ؟ فلماذا جعلها واسطة بیننا وبینه ؟!

بل . . إن الصلاة أیضاً نوع من التوسل ، وقد یسأل انسان هل تحتاج عبادة الله إلی صلاة له ؟

بل إن الدعاء أیضاً توسل . . فالله تعالی مطلع علی الضمائر والحاجات ، فلماذا یطلب أن نقول له ؟

ص: 552

بل یمکن لهذا التفکیر العقلی أن یوصل الإنسان إلی القول: لماذا خلق الله الإنسان بحیث تکون له حاجات وقال له ادعنی حتی أستجیب لک . .

إنا جمیعاً یا صارم أفکار العقل القاصر أمام حکمة الله تعالی ، وحکمته تعرف بالشرع والعقل معا ، ولیس بظنون العقل واحتمالاته !!

ومادام مبدأ التوسل ثبت فی الشرع، فإن العقل لا یعترض علیه ، بل هو (العقنقل) کما عبر عنه بعضهم !!

والتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثابت فی حیاته وبعد موته بدون فرق ، لأنه حی عند ربه ، وحیاته أقوی من حیاة أحدنا !!

وقد قلت لک إن التوسل لا یحتاج إلی مخاطبة ، فهو سؤال لله تعالی بمقام النبی وجهاده فی سبیله وشفاعته عنده .

وأخبرتک أن ابن تیمیة أجاز التوسل بالاموات ، ولعله حصره بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

صارم:

أولا: أوافقک القول علی أن العقل قاصر ، وهذا لا مریة فیه. أما تمثیلک بالکعبة فقیاس مع الفارق ، لوجود الدلیل الذی

أمرنا الله من خلاله أن نتوجه إلی الکعبة إذ الکعبة لیست واسطة .

ولک أن تتصور أن شخصاً یتحدث معک وقد التفت عنک وأعطاک ظهره !! هل تقبل علیه وتتحدث معه ؟

وکذلک وضعت الکعبة لیتجه إلیها المسلمون جمیعا فی صلاتهم ، لا أنها واسطة . . . إلی غیر ذلک من الحکم .

ثانیا: قلت أن ابن تیمیة أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

کلامک متناقض کیف تقول أجاز ثم ترجع وتقول: لعله ؟!!! هذا لا یستقیم .

ص: 553

فاما أنه أجاز التوسل بالأموات ، وهذا محال ، أو أنه أجاز التوسل بالنبی(علیه السّلام) ؟

فهل لک أن تدلنی علی کلام شیخ الإسلام(رحمه الله)فی التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع ذکر المرجع ؟

ثالثا: أرید الدلیل من القرآن - ومن القرآن - علی قولک راجیاً الإختصار ما أمکن وشکراً لک .

العاملی: قال ابن تیمیة فی رسالة لشیخ الإسلام من سجنه/16:

وکذلک مما یشرع التوسل به فی الدعاء کما فی الحدیث الذی رواه الترمذی وصححه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم شخصاً أن یقول: اللهم انی أسألک وأتوسل الیک بنبیک محمد نبی الرحمة. یا محمد یا رسول الله انی أتوسل بک إلی ربی فی حاجتی لیقضیها . اللهم فشفعه فی .

فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام !

والفرق بین هذین متفق علیه بین المسلمین. المتوسل انما یدعو الله ویخاطبه ویطلب منه لا یدعو غیره إلا علی سبیل استحضاره لا علی سبیل الطلب منه. وأما الداعی والمستغیث فهو الذی یسأل المدعو ویطلب منه ویستغیثه ویتوکل علیه. انتهی .

فقد أفتی ابن تیمیة بجواز العمل بحدیث الضریر وفیه خطاب للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو میت ! ولاحظ

یا صارم أن المیزان عند ابن تیمیة أن تطلب من الله أو من المتوسل منه. وهذا هو کلام علماء المسلمین کلهم .

وتفریقه بین المتوسل والداعی والمستغیث غیر صحیح، لأنه لا یوجد مسلم یدعو النبی ویطلب منه من دون الله ، أو یستغیث به من دون الله !!

ص: 554

وأزیدک حدیثاً آخر صححه الطبرانی یفسر حدیث الضریر ، قال فی المعجم الکبیر ( 9/17 ) عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف ، عن عمه عثمان بن حنیف (رض): أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان (رض) فی حاجة له فکان عثمان لا یلتفت إلیه ولا ینظر فی حاجته، فلقی عثمان بن حنیف فشکا إلیه ذلک ، فقال له عثمان بن حنیف: ائت المیضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فیه رکعتین، ثم قل: اللهم انی أسألک وأتوجه الیک بنبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) نبی الرحمة . یا محمد إنی أتوجه بک إلی ربی فتقضی لی حاجتی ، وتذکر حاجتک. ورح الی حتی أروح معک.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتی باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتی أخذ بیده فأدخله علی عثمان بن عفان فأجلسه معه علی الطنفسة وقال له: ما حاجتک ؟ فذکر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال: ما ذکرت حاجتک حتی کانت هذه الساعة ، وقال: ما کانت لک من حاجة فائتنا .

ثم ان الرجل خرج من عنده فلقی عثمان بن حنیف فقال له: جزاک الله خیراً ، ما کان ینظر فی حاجتی ، ولا یلتفت إلی حتی ، کلمته فی ؟!

فقال عثمان بن حنیف: والله ما کلمته ولکن شهدت رسول الله وأتاه رجل ضریر فشکا إلیه ذهاب بصره فقال له النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أو تصبر ؟ فقال: یا رسول الله إنه لیس لی قائد وقد شق علی .فقال له النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ائت المیضأة فتوضأ ثم صل رکعتین ، ثم ادع بهذه الدعوات .قال عثمان بن حنیف: فوالله ما

تفرقنا وطال بنا الحدیث ، حتی دخل علینا الرجل کأنه لم یکن به ضر قط !

صارم:

إلیک الجواب عما أثرته - وأعتذر عن الإطالة - :

ص: 555

أولا: لم تحلنی علی مرجع. وقولک: قال ابن تیمیة فی: رسالة لشیخ الإسلام من سجنه/16 ! أتعد هذا احالة ؟!!

ما رأیک لو قلت لک: قال صاحب الکافی فی رسالة له. أتقبل ذلک منی ؟!

ثانیا: إما أنک لا تجید النقل ، وتأخذ ما یوافق هواک !! وأعیذک بالله أن تکون کذلک . واما أنک أسأت فهم کلام ابن تیمیة، أو نقلت شبهة کان یرید الرد علیها ، لأن أقواله فی هذه المسألة - التوسل بالنبی - مشهورة مبثوثة فی ثنایا کتبه(رحمه الله).

وحتی أزیدک ایضاحاً حول هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة، أقول: التوسل بالرسول(علیه السّلام)ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن یتوسل بالإیمان به واتباعه. وهذا جائز فی حیاته وبعد مماته .

القسم الثانی: أن یتوسل بدعائه ، أی بأن یطلب من الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یدعو له ، فهذا جائز فی حیاته ، أما بعد مماته فلا ، لتعذره .

القسم الثالث: أن یتوسل بجاهه ومنزلته عند الله . فهذا لا یجوز لا فی حیاته ولا بعد مماته . ثالثاً : قلت یا عاملی: فقد أفتی ابن تیمیة بجواز العمل بحدیث الضریر وفیه خطاب للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو میت !

ولا أدری من أین استنبطت قولک: وهو میت ؟!!!

رابعا: قلت: لا یوجد مسلم یدعو النبی ویطلب منه من دون الله أو یستغیث به من دون الله !! فبالله علیک لم یشد الناس رحالهم إلی القبور ؟

ان قلت: من أجل الدعاء عندها دون أن یکون للمیت تأثیر .

قلنا لک: فلا فائدة من شد الرحال ، والإجابة حاصلة فی مکانک الذی أنت فیه ، دون أن تشد الرحل .

وإن قلت: ان للمیت تأثیراً ، أو من أجل حصول البرکة .

ص: 556

قلنا: کیف یؤثر وهو لا یملک لنفسه نفعاً ولا ضراً ؟

ومن هنا جاء النهی عن شد الرحال للقبور ، منعا لجناب التوحید من شوائب الشرک .

ولو تنزلنا معک ووافقناک فی قولک أنا لا أستغیث بها .

قلنا لک: لکن عوام الناس ممن لا فقه عنده سیظن أن للمیت تأثیراً ، وإلا لما شدت إلیه الرحال ، فیلجأ فی دعائه إلی المیت ، وهذا ما یحصل عند غالب القبوریین .

فلما کانت هنالک مفسدة مترتبة علی ذلک وقع النهی .

خامساً : أما حدیث الطبرانی فیحتاج إلی مراجعة ، فلم یسعفنی الوقت للوقوف علیه وعلی صحته .

آمل أن تتأمل جوابی جیدا لیتضح لک الحق باذن الله .

العاملی:

أرجو أن تصحح ما هو المرکوز فی ذهنک من أن الزیارة تلازم التوسل والإستغاثة ، وأن شد الرحال یکون للإستغاثة ، فلا تلازم بینها أبداً . .

وإذا أکملنا البحث فی التوسل آتی لک بنصوص الزیارة بلا توسل .

وهذا الیوم قرأت لإمامک ابن تیمیة مجدداً کل مقولاته حول التوسل وعن حدیث عثمان بن حنیف عن الضریر ، وعن حدیث عثمان بن حنیف الآخر الذی صححه الطبرانی . . فقد تعرض لذلک فی کتبه وکتیباته التالیة:

العبادات عند القبور ، وزیارة القبور ، والتوسل والوسیلة ، واقتضاء الصراط المستقیم ، ورسالة من سجنه .

ص: 557

وخلاصة رأیه أنه یفسر حدیث الاعمی بأنه توسل بدعاء الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا بذاته. ویحصره فی حیاته لا بعد مماته .

قال فی التوسل والوسیلة/265:

وفی الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتی والغائبین من الأنبیاء والملائکة والصالحین والإستغاثة بهم والشکوی إلیهم، فهذا مما لم یفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعین لهم بإحسان ، ولا رخص فیه أحد من أئمة المسلمین. وحدیث الأعمی الذی رواه الترمذی هو من القسم الثانی من التوسل بدعائه .

وقال فی/268:

وفیه قصة قد یحتج بها من توسل به بعد موته إن کانت صحیحة رواه من حدیث اسماعیل بن شبیب بن سعید الحبطی عن شبیب بن سعید عن روح بن القاسم عن أبی جعفر المدینی عن أبی أمامة سهل بن حنیف أن رجلا کان یختلف إلی عثمان بن عفان فی حاجة له وکان عثمان لا یلتفت إلیه ولا ینظر فی حاجته ، فلقی الرجل عثمان بن حنیف فشکا إلیه ذلک فقال له عثمان بن حنیف: ائت المیضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل رکعتین ، ثم قل: اللهم إنی أسألک وأتوجه إلیک بنبینا محمد نبی الرحمة . یا محمد انی أتوجه بک الی ربی . . . الخ.

قال البیهقی ورواه أحمد بن شبیب بن سعید عن أبیه بطوله ، وساقه من روایة یعقوب بن سفیان عن أحمد بن شبیب بن سعید ، قال ورواه أیضاً هشام الدستوائی عن أبی جعفر . . . الخ. انتهی .

ثم ناقش ابن تیمیة فی سند الحدیث ، ولم یفت بالتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد وفاته .

ص: 558

أما رسالته من سجنه فهی مطبوعة ضمن مجموعة رسائله وتبدأ من/248 ، وهی من سجنه من مصر ، وأنقل لک منها فقرات وفی الأخیرة منها یجیز التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد قال به ولم یقل بدعائه !!

قال فی/250: فجاء الفتاح أولاً فقال یسلم علیک النائب وقال: إلی متی یکون المقام فی الحبس ؟

أما تخرج ؟ هل أنت مقیم علی تلک الکلمة أم لا ؟

وعلمت أن الفتاح لیس فی إستقلاله بالرسالة مصلحة لأمور لا تخفی ، فقلت له: سلم علی النائب وقل له أنا ما أدری ما هذه الکلمة ؟ والی الساعة لم أدر علی أی شئ حبست ، ولا علمت ذنبی ، وأن جواب هذه الرسالة لا یکون مع خدمتک ، بل یرسل من ثقاته الذین یفهمون ویصدقون أربعة أمراء ، لیکون الکلام معهم مضبوطاً عن الزیادة والنقصان ، فأنا قد علمت ما وقع فی هذه القصة من الأکاذیب .

فجاء بعد ذلک الفتاح ومعه شخص ما عرفته ، لکن ذکر لی أنه یقال له علاء الدین الطیبرسی، ورأیت الذین عرفوه أثنوا علیه بعدذلک خیراً وذکروه بالحسنی، لکنه لم یقل ابتداء من الکلام ما یحتمل الجواب بالحسنی ، فلم یقل الکلمة التی أنکرت کیت وکیت ، ولا استفهم: هل أنت مجیب إلی کیت وکیت ؟!

- وقال فی/253: وجعل غیر مرة یقول لی: أتخالف المذاهب الأربعة فقلت أنا ما قلت إلا ما یوافق المذاهب الأربعة . .

وقال فی/256: وقال لی فی أثناء کلامه فقد قال بعض القضاة أنهم أنزلوک عن الکرسی .

ص: 559

فقلت: هذا من أظهر الکذب الذی یعلمه جمیع الناس ، ما أنزلت من الکرسی قط ! ولا استتابنی أحد قط عن شئ ، ولا استرجعنی .

وقلت قد وصل الیکم المحضر الذی فیه خطوط مشائخ الشام وسادات الإسلام ،والکتاب الذی فیه کلام الحکام الذین هم خصومی کجمال الدین المالکی وجلال الدین الحنفی . . .

- وقال فی/265:

فقال: فاکتب هذه الساعة أو قال أکتب هذا أو نحو هذا .

فقلت: هذا هو مکتوب بهذا اللفظ فی العقیدة التی عندکم التی بحثت بدمشق واتفق علیها المسلمون ، فأی شئ هو الذی تریده ؟

وقلت له: أنا قد أحضرت أکثر من خمسین کتابا من کتب أهل الحدیث والتصوف والمتکلمین والفقهاء الأربعة الحنفیة والمالکیة والشافعیة والحنبلیة ، وتوافق ما قلت . . .

- وقال فی/266: فراح ثم عاد وطلب أن أکتب بخطی أی شئ کان ، فقلت فما الذی أکتبه ؟ قال: مثل العفو ، وألا تتعرض لأحد !! فقلت: نعم هذا أنا مجیب إلیه . . . !!

وقال فی/272: وهذا الذی یخافه من قیام العدو ونحوه فی المحضر الذی قدم به من الشام إلی ابن مخلوف ، فیما یتعلق بالاستغاثة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ان أظهروه کان وباله علیهم ، ودل علی أنهم مشرکون لا یفرقون بین دین المسلمین ودین النصاری . . .

- وقال فی/276:

ص: 560

وأما حقوق رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأبی هو وأمی مثل تقدیم محبته علی النفس والأهل والمال، وتعزیره وتوقیره واجلاله ، وطاعته واتباع سنته وغیر ذلک ، فعظیمة جدا .

وکذلک مما یشرع التوسل به فی الدعاء ، کما فی الحدیث الذی رواه الترمذی وصححه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم شخصا أن یقول: أللهم إنی أسألک وأتوسل الیک بنبیک محمد نبی الرحمة یا محمد یا رسول الله انی أتوسل بک إلی ربی فی حاجتی لیقضیها . أللهم فشفعه فی . فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام .

والفرق بین هذین متفق علیه بین المسلمین .

المتوسل إنما یدعو الله ویخاطبه ویطلب منه لا یدعو غیره إلا علی سبیل استحضاره لا علی سبیل الطلب منه. وأما الداعی والمستغیث فهو الذی یسأل المدعو ویطلب منه ویستغیثه ویتوکل علیه والله هو رب العالمین. انتهی .

وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به ، ولیس بدعائه ، کما أنه لم یخصصه بحال حیاته ، بل ذکر ذلک من حقوقه والإعتقاد به فعلا !!

صارم:

هنالک نقطة اختلاف بینی وبینک ، ولعلها لم تظهر بعد ، فأنت حینما تسافر وتقطع مئات الأمیال من أجل أن تزور القبر الفلانی ، لم أقدمت علی هذا العمل ؟ وکیف لا یکون هناک تلازم بین التوسل والإستغاثة والزیارة ؟

وهذا ما قصدته فیما کتبته لک ، وهو ما أسأل عنه ل-م تشد الرحل للقبر ؟ فقلت بعظمة لسانک: ( نزورهم ونستشفع بهم إلی الله تعالی ) ثم تقول: لا تلازم أی تناقض هذا ؟!!!!

ص: 561

أما قولک: إنک قرأت کتب ابن تیمیة حول موضوعنا ، فأشکرک علی شجاعتک ونقلک لما یخالف کلامک ، وکنت أتمنی منک لو قلت: وقد أخطأت أو وقد تبین بطلان کلامی ، فکل منصف سیری هذا الخطأ الذی وقعت فیه ونسبته لشیخ الإسلام.

أخیرا قولک فیما نقلته عن الشیخ : . . . أتوسل بک إلی ربی فی حاجتی لیقضیها اللهم فشفعه فی. فهذا التوسل به حسن .

وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام ، والفرق بین هذین متفق علیه بین المسلمین. ثم قلت ( وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به ، ولیس بدعائه ) أقول لک: ارجع إلی تقسیم التوسل الذی ذکرته لک آنفاً ، وستعرف المقصود بکلام

الشیخ(رحمه الله)فلا حجة لک علیه و وکیف تفسر الکلام بهواک بلا دلیل ؟

وقولک ( کما أنه لم یخصصه بحال حیاته ، بل ذکر ذلک من حقوقه والإعتقاد به فعلا !!

من أین لک هذا الإستنباط ؟!! فلو کان هذا فهم السلف ، لما لجؤوا إلی عم النبی العباس (رض) فی الإستسقاء . وإلا فقل لی بربک ما تفسیر توسلهم بدعاء عم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یلجؤا إلی قبره ؟!!!

أرجو أن أجد جواباً شافیاً مختصراً علی جمیع أسئلتی .

العاملی:

أذکرک أولاً بفهرس مسائل نقاشنا:

فأصل موضوعنا زیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وهناک موضوعان یتصلان بها:

الأول: شد الرحال الیها یعنی السفر إلی المدینة المنورة بقصد الزیارة .

والثانی: التوسل والإستشفاع بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ص: 562

وثانیاً ، کان موضوعنا الحکم الشرعی لذلک سواء من الأحادیث الصحیحة علی حسب موازین علماء المذاهب . . ووصلنا إلی رأی ابن تیمیة فی ذلک .

لقد قرأت الیوم رأیه فی زیارة القبور وشد الرحال الیها من بضعة کتب وکتیبات له وهی:

- فتیا فی نیة السفر

- زیارة بیت المقدس .

- رسالة فی الدعاء عند القبور .

- رده علی الاخنائی

- ابطال فتاوی قضاة مصر

- الجواب الباهر فی زوار المقابر

- شرح حدیث لعن الله زوارات القبور

- بیان مختصر لمناسک الحج

مضافاً إلی ماذکره حول المسألة فی: تفسیر سورة الإخلاص والحدیث وعلومه .

والنتیجة التی خلصت الیها أنه یحرم شد الرحال إلی زیارة أی قبر ، حتی قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویحلله إلی مسجده ، کما یحلل زیارته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بمعنی السلام علیه بدون شد رحال وبدون توسل به .

ووصلت إلی نتیجة أن فتواه من السجن کانت مداراة بتعبیرکم وتقیة بتعبیرنا ، وقد استعمل فیها أسلوب التعمیم والإجمال لیرضی القضاة والسلطان ویخلص نفسه منهم .

ص: 563

لا بأس . . لو سألک شخص من مصر وهو ناو للحج ، فقال لک: أنا ذاهب إلی مکة والمدینة ، فدلنی کیف أنوی ، وکیف أزور قبر النبی وشهداء أحد زیارة شرعیة لا بدعیة حسب فتوی ابن تیمیة ، فما هو الحلال وما هو الحرام ؟

فبماذا تجیبه ؟

صارم:

تشکر علی رجوعک للحق حینما قرأت بعض کتب ابن تیمیة وقررت ما قررته من أن ابن تیمیة لا یجیز الإستشفاع بالأموات ، أما التوسل بهم فکما ذکرت فی تقسیمی أعلاه .

وبالرغم من ذلک فلی عتب علیک حینما قلت: ووصلت إلی نتیجة أن فتواه من السجن کانت مداراة بتعبیرکم ، وتقیة بتعبیرنا ، وقد استعمل فیها أسلوب التعمیم والإجمال لیرضی القضاة والسلطان ، ویخلص نفسه منهم ) لأن ذلک موضوع آخر لیس هذا مجال نقاشه ، وأنا أرد قولک علیک لأن هذا الإمام الجهبذ قد وقف نفسه لله ، ولا یمکن أن یفعل ذلک .

ولک تحیاتی وشکری علی اعترافک بالحق . هدانا الله وایاک إلی المحجة البیضاء التی لا یزیغ عنها إلا هالک .

العاملی:

لقد تشعب الموضوع بمداخلات الآخرین . . .

وقد سألتک عن شد الرحال لاثبت لک تناقض فتاوی ابن تیمیة فیها ، وسأترک مطالبتک بالجواب فعلاً ، وأجیبک عن التوسل والإستشفاع ومعناهما عندنا وعندکم واحد .

ص: 564

فالتوسل الجائز عند امامکم هو التوسل بدعاء النبی فی حیاته فقط ، ومعناه أنه الآن لا یجوز حتی بدعائه ، کما لا تجوز مخاطبته لأنه میت .

أما عندنا فالتوسل جائز ومستحب بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بذاته الشریفة وکل صفاته الربانیة ومقامه المحمود ، وکذا مخاطبته والطلب منه أن یدعو ربه أو یشفع إلی ربه فی الحاجة أوالجنة . . کل ذلک جائز وبعضه مستحب .

ولا فرق عندنا فی ذلک بین حیاته وبعد وفاته ، لأنه حی عند ربه ، یسمع کلامنا باذن ربه ، إلا أن یحجب الله کلام من لا یحبه عنه .

وهذا التوسل لیس فیه أی شائبة شرک ، لأنا نعتقد أنه عبد الله ورسوله لیس له من الأمر شئ إلا ما أعطاه الله ، ولا یملک شیئاً من دون الله ، بل کل ما یملکه فهو من الله تعالی .

وطلبنا منه وتوسلنا به لیس دعاء له من دون الله ، بل هو دعاء الله وطلب من الله وحده ، والطلب من الرسول أن یکون واسطة وشفیعا إلی ربه .

ودلیلنا علی ذلک: الآیات والأحادیث الصحیحة التی أجازته وحثت علیه.. وقد أشرت لک إلی أننا لم نخترع ذلک من عندنا ، ولا عندنا هوایة لأن نضم إلی الطلب من الله مباشرة الطلب منه تعالی بواسطة ، ولا الأمر الینا حتی نختار هذا الأسلوب فی دعائنا وعبادتنا أو ذاک . .

بل الأمر کله له عز وجل ، وقد قال لنا ( اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ ). وقال ( أولئک یبتغون إلیه الوسیلة أیهم أقرب ) وقال ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) وقال عن أبناء یعقوب ( یَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ) کما روینا ورویتم الأحادیث الصحیحة الدالة فی رأی علماء المذاهب ومذهبنا .

ص: 565

فهل إشکالکم علینا لأنا نطیع ربنا ونتبع الواسطة والوسیلة التی أمرنا بها . . ولا نتفلسف علیه ونقول له: نرید أن ندعوک مباشرة ، فلا تجعل بیننا وبینک واسطة !!

لقد أمر عز وجل رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یکون موحدا بلا شروط ویطیعه مهماً أمره حتی لو قال له لقد اتخدت ولدا لی فاعبده !!

( قُلْ إِنْ کَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِینَ ) ولکنه سبحانه أخبرنا أنه لم یتخذ صاحبة ولا ولدا !!

لکن أخبرنا أنه جعل رسوله وآله شفعاء إلیه ، وأمرنا أن نتوسل بهم ونستشفع بهم فی الدنیا والآخرة .

أما نسبتی إلی ابن تیمیة تجویز التوسل فی سجنه ، فلم تکن إفتراء والعیاذ بالله ، بل اعتمدت علی عبارته المتقدمة فی سجنه ، وکذلک اعتمد علیها السبکی فی کتابه ( شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام ) وأبو حامد المرزوق فی کتابه ( التوسل بالرسول وجهلة الوهابیة )

وغیرهما کثیر.. وذکر عنه ابن کثیر أصرح منها .

ولا أقول إن هؤلاء العلماء قد افتروا علیه فهم من أهل البحث والدقة . . ولکنهم اعتمدوا علی تلک العبارات المجملة التی کتبها !

ونحن الشیعة حساسون من کل ما یکتب بالإکراه أو شبه الإکراه ، ولا نقول بصحة نسبة الرأی الصادر من صاحبه فی ظروف الإکراه وشبهه . . ونفتی ببطلان البیع المکره علیه ، وکذا البیعة .

لذلک بعد قراءتی الشاملة لما کتبه فی الموضوع قلت أن ابن تیمیة لم یجوز التوسل ، رغم عبارته المذکورة .

ولکنی لا أوافقه علی رأیه ، لأن دلیل علماء المذاهب أقوی من دلیله..

ثم دلیلنا فی اعتقادی أقوی من أدلة علماء المذاهب . . وشکراً .

ص: 566

صارم:

سؤالی: لماذا تشد الرحال إلی القبور ؟فأجبت للإستشفاع !! لماذا تستشفع بهم ؟

فأجبت لأن لی ذنوبا !!! ما الذی یعمله المیت لک ؟

أرجو أن تجیب بصراحة عن هذا السؤال وبلا إطالة .

العاملی:

کان سؤالک: لماذا تشد الرحال الی القبور ؟

وجوابه: أننا نشد الرحال لزیارة من ثبت عندنا استحباب زیارته کالنبی وأهل بیته صلی الله علیه وعلیهم . .

فالغرض لنا ولکل المسلمین من شد الرحال والسفر هو الزیارة ، وقد لا یعرف بعضهم الإستشفاع أبداً ، بل یقول أنا ذاهب لزیارة النبی . وقد یستشفع بهم الزائر وقد لا یستشفع ، بل یسلم علیه ویصلی عنده ویدعو الله تعالی بدون استشفاع .

- وسألتنی: لماذا تستشفع بهم ؟

- فضربت لک مثلا فی طلب شفاعتهم بالمغفرة ، وأضیف هنا: أن النبی صلوات الله علیه وآله له مقام عظیم أکرمه به ربه فی الدنیا والآخرة ، ومن اکرامه له أن المسلم إذا طلب من ربه حاجة مستشفعاً به وکانت مستجمعة للشروط الأخری ، قضاها له. فالتوسل والإستشفاع طلب من الله تعالی وحده بجاه نبیه ، ولیس طلباً من النبی الذی هو مخلوق مثلنا ، لیس له من الأمر شئ إلا ما أعطاه الله .

وسألت: ما الذی یعمله المیت لک ؟

وجوابه أن النافع الضار هو الله تعالی وحده لا شریک له ، والمیت والحی وکل المخلوقات لا تملک لی ولا لأنفسها نفعاً ولا ضراً ، إلا ما ملکها الله تعالی.. ومن اعتقد بأن أحداً له بنفسه ذرة من ذلک فهو مشرک بالله تعالی. ولکن الله تعالی هو

ص: 567

الذی جعل هذا المقام لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأمرنا بأن نبتغی إلیه الوسیلة بالعمل ، وبتشفیع رسوله فی حاجاتنا فی الدنیا والآخرة .

ومع الأسف أن بعضکم ما زال یتصور أن شد الرحال إنما تکون بنیة الإستشفاع والتوسل ، وأن الإستشفاع والتوسل طلب من النبی ودعاء له بدل الله تعالی !!

ونعوذ بالله من ذلک ، ونعوذ به ممن یتهم المسلمین بذلک بدون دلیل !!

صارم:

معذرة لتأخری ، وأعود مرة أخری لموضوعنا وأقول:

هل لک أن تفرق بین فعل الشیعة وبین فعل المشرکین فی جاهلیتهم عند قبورهم؟

فالمشرکون یقرون بالربوبیة ، وإنما کفروا بتعلقهم بالملائکة والأنبیاء لأنهم یقولون ( هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) ؟

أرجو أن تفرق لی باختصار. تحیاتی لک .

العاملی:

الکفار والمشرکون اتخذوا آلهة وأولیاء من دون الله تعالی .

والضالون اتخذوا إلیه وسیلة من دونه ، لم یأمر بها ولم ینزل بها سلطاناً . .

أما نحن فنوحده ونطیعه ونبتغی إلیه الوسیلة التی أمرنا بها وهی محمد وآل محمد صلوات الله علیهم .

والذین ینتقدوننا لم یفرقوا فی موضوع التوسل والشفاعة بین ما هو من الله تعالی وما هو من دونه !!

وفی الفرق بینهما یکمن الکفر والإیمان والهدی الضلال .

انتهت المناقشة ، ولم یجب بعد ذلک المدعو صارم !

ص: 568

تم بحمد الله المجلد الرابع من العقائد الإسلامیة

ویلیه المجلد الخامس فی مسائل العصمة ، إن شاء الله

ص: 569

ص: 570

فهرس المجلد الرابع

الفصل الرابع عشر : شفاعة أحد شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) 3

شفیعٌ تشتاق الیه الجنة........................................5

أویس خیر التابعین...............................................6

خیر التابعین صارت: من خیر التابعین !!.....................8

هل أن کلمة ( من ) إضافة أمویة ؟!..........................9

صورة من تزاحم المسلمین علی أویس...................11

وهو صاحب مدرسة فی شکر نعم الله تعالی.............13

رأیه فی الحکام غیر علی(علیه السّلام)...................18

اضطهاد مخابرات الخلافة لاویس.............................19

أویس من شیعة علی(علیه السّلام).......................22

نسب أویس القرنی ونسبته..................................26

عشیرة الأویسات أو اللویسات السوریة...................29

روایات لقائه بعمر واستغفاره له .............................29

روایات توجب الشک فی استغفاره لعمر....................34

من هم الذین خاطبهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی البشارة بأویس ؟41

آراء شاذة وأخری مشبوهة الهدف فی أویس.........42

1 - حاولوا إعطاء شخصیة أویس لعدوی وأموی..........42

2 - والبخاری ضعف أویساً ولم یقبل روایته !..............44

3 - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أویس !.............46

4 - وفضلوا أمویاً علی أویس القرنی !........................48

ص: 571

5 - ثم حاولوا إنکار شهادة أویس فی صفین..............49

6 - وجعلوا له قبرین فی الشام لیبعدوه عن صفین......56

وزعم بعضهم أن قبر أویس طار من الأرض...................57

7 - ورووا عن مالک أنه أنکر وجود أویس.....................58

آراء مضادة مغالیة فی أویس القرنی !.....................60

8 - ورووا أنه أوصی إلی هرم بن حیان وبکی علی عمر61

9 - وادعوا أن أویساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسی الراعی66

صورة عن أویس القرنی من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن !67

کان راعی إبل فصار الشفیع الموعود........................68

أویس من أرکان التشیع لعلی(علیه السّلام)...............69

أویس ختام المسک الموعود فی حرب الجمل............71

أویس ختام المسک الموعود فی حرب صفین..............74

متفرقات عن أویس ..............................................76

من الأدعیة المرویة عن أویس................................78

شفاعة أویس القرنی لمئات الألوف أو الملایین...........83

نتیجة ...............................................................87

الفصل الخامس عشر : النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة89

حکم النواصب فی الفقه الإسلامی..........................91

علی(علیه السّلام)میزان الإسلام والکفر والإیمان والنفاق92

محاولة ابن حجر تجرید علی من هذه الفضیلة !!100

قصة بریدة وحدها حجة بالغة................................105

من دلالات قصة بریدة........................................120

لمحة عن بریدة وأحادیثه فی مصادرنا......................122

ص: 572

والزهراء والحسنان(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جزء من المقیاس النبوی أیضاً130

وکل ( أهل البیت ) جزء من المقیاس النبوی............133

وویل لمبغضیهم...................................................136

وویل للمکذبین بفضلهم........................................138

واللعنة علی ظالمیهم وقاتلیهم............................139

ولا یقبل عمل المسلم إلا بحبهم...........................140

والأمة مسؤولة عنهم یوم القیامة.........................141

کیف طبقت الخلافة القرشیة سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیهم !145

وأجبرت المسلمین علی أن یکونوا نواصب.................146

مرسوم آخر لخلیفة المسلمین معاویة :147

بعض ما ورد عن المقیاس النبوی فی مصادرنا151

بعض ماورد فی مصادرنا فی أحکام التعامل مع النواصب157

النصب یجر إلی التجسیم................................159

فضل العلماء الذین یدفعون شبهات النواصب..........160

الفصل السادس عشر : شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة بید أهل بیته(علیهم السّلام) 163

علی(علیه السّلام)صاحب لواء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة166

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر ولواء الحمد ؟166

أما مصادرنا فقد تواترت فیها أحادیث أن لواء الحمد یکون بید علی(علیه السّلام):171

علی(علیه السّلام)آمر السقایة علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة171

محاولات الأمویین التکذیب بأحادیث الحوض173

ندم أئمة المذاهب علی تدوین أحادیث الحوض !!175

والنتیجة للمتأمل فی أحادیث حوض الکوثر177

نماذج من أحادیث الحوض والصحابة المطرودین178

ص: 573

أسس تدوین أحادیث القیامة عند علماء الخلافة181

نتیجة کلیة ................................................187

أحادیث أن علیاً هو الساقی علی الحوض والذائد عنه187

من أحادیث الحوض فی مصادرنا:...........................193

أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم علی الحوض198

شعر حوض الکوثر فی مصادر الحدیث والأدب200

علی(علیه السّلام)قسیم الله بین الجنة والنار211

حدیث: قسیم النار والجنة ، فی مصادرنا219

حدیث قسیم الجنة والنار فی الشعر223

علی أول الواردین علی النبی عند حوض الکوثر225

لا یعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علی(علیه السّلام)227

عنوان صحیفة المؤمن یوم القیامة حب علی(علیه السّلام)228

من هو المخاطب بقوله تعالی: ألقیا فی جهنم کل کفار عنید228

شفاعة علی والأئمة من ذریته(علیهم السّلام) 237

أحادیث فی شفاعة الأئمة من أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )241

أحادیث فی شفاعة فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)246

نماذج من أحادیث شفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لزوار مشاهدهم المشرفة257

الشفاعة لمن زار قبر أمیر المؤمنین(علیه السّلام)259

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسین(علیه السّلام)261

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا(علیه السّلام)262

ختام فی بعض قواعد الشفاعة وأحکامهانصیحة المسلم بأن لا یحتاج إلی الشفاعة263

النهی عن الإتکال علی الشفاعة...........................264

أمل العاصین بشفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )267

ص: 574

الأولی بشفاعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )270

الدعاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باعطائه الشفاعة272

الدعاء بطلب الشفاعة لوالدیه وأقاربه....................273

الفصل الأول : مسائل حول التوسل.......................275

المسألة الأولی: مفردات التوسل........................277

الدعاء والنداء....................................................279

والنتیجة ...........................................................280

المسألة الثانیة : التوسل فی الأدیان السابقة..........281

المسألة الثالثة : الفرق بین التوسل وأنواع الشرک282

1 - الذین هم من دون الله..................................283

2 - الآلهة من دون الله......................................283

3 - المعبودون من دون الله.................................287

4 - الأنداد من دون الله.......................................291

5 - الشرکاء من دون الله....................................291

6 - المزعومون من دون الله.................................292

7 - المدعوون من دون الله.................................293

الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )داعی الله296

المؤمنون یدعون الله تعالی وحده............................297

8 - الشفعاء من دون الله والشفعاء من الله............297

9 - الأرباب من دون الله........................................298

10- الشهداء من دون الله والاشهاد من الله...............299

11 - الصدق عن الله والإفتراء من دون الله ..............299

12 - العاصم من الله والعاصم من دون الله..................300

ص: 575

13- الولیجة من دون الله:..................................300

14 - الأولیاء من دون الله:..................................300

الأولیاء الشیاطین.............................................301

التأثر بأفکار الناس یجعلهم أولیاء من دون الله..........301

انکشاف عدم فائدة الأولیاء من دون الله فی الآخرة302

لا وجود حقیقیا لولی من دون الله.....................304

نتیجة..........................................................305

المسألة الرابعة: شبهة علی أصل التوسل...........305

والنتیجة:.........................................................307

المسألة الخامسة: مسألة التوسل دقیقة وحساسة308

تأکید الأئمة علی المحافظة علی التوحید فی التوسل311

المسألة السادسة: من هم المتوسل بهم عند المسلمین312

التوسل بغیر المعصومین عند السنیین...................313

التوسل الواسع فی صلاة الإستسقاء...................318

المسألة السابعة: التوسل العملی بالأعمال الصالحة319

الفصل الثانی : التوسل إلی الله فی مصادر السنیین321

1 - تعلیم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التوسل به إلی الله تعالی 323

2 - توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )325

3 - توسل الناس فی المحشر واستشفاعهم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )326

ماهی الوسیلة التی ورد الدعاء بها للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟329

أحادیث تفسر الوسیلة فی مصادرنا.......................330

خطبة الوسیلة من کتاب الکافی...........................333

العلاقة بین التوسل والإستشفاع وبین درجة الوسیلة فی الجنة344

ص: 576

الفصل الثالث : التوسل إلی الله فی مصادرنا345

1 - التوسل إلی الله بالأعمال الصالحة............347

2 - التوسل إلی الله بذاته وصفاته عز وجل.........347

3 - الإستشفاع إلی الله تعالی بحبه ومعرفته.........349

4 - افتتاح الصلاة بالتوجه إلی الله بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )350

دلالة استحباب التوسل عند الأذان وافتتاح الصلاة352

5 - التوجه بالنبی وآله لدفع شر السلطان..............353

6 - التوجه إلی الله بالنبی وآله عند الحاجة والشدة353

7 - الاستشفاع بالنبی والأئمة عند زیارة قبورهم الشریفة359

الفصل الرابع : تفسیر الآیات الثلاث فی التوسل363

الآیة الأولی :...............................................365

عمل المفسرین السنیین لإبعاد الوسیلة عن النبی !365

الآیة الثانیة :......................................................370

جاؤوک ، تشمل المجئ إلی قبر النبی والمجئ إلی وصیه374

الآیة الثالثة :.....................................................376

تفسیرنا للآیتین الکریمتین...............................377

تفسیر السنیین للآیتین الکریمتین.......................382

مناقشة تفسیرهم للآیات...................................385

علی أقرب الخلق وسیلة إلی الله.........................388

الترابط بین الوسیلة والوصیة.................................393

الشیعة وسیلة إلی الله یوم القیامة.....................393

ما ورد فی مصادرهم من تشویش علی الأحادیث المتقدمة394

آیات مؤیدة لآیات التوسل....................................396

ص: 577

الفصل الخامس : شذوذ الوهابیین عن اجماع المسلمین

فی التوسل والإستشفاع399

تلبیس ابن تیمیة لتحریم التوسل والإستشفاع405

غرض ابن تیمیة من نقل التوسل من فروع الفقه إلی أصول العقائد !407

هل تراجع ابن تیمیة أمام القاضی أو فی سجنه عن تحریم التوسل ؟!408

علماء المذاهب الإسلامیة یردون علی شذوذ ابن تیمیة !411

نماذج من ردهم علی مذهب ابن تیمیة:411

مقتطفات من أهم کتب علماء المذاهب فی الرد علی ابن تیمیة:413

وأما أدلة الإستغاثة:............................................416

کتاب ( التوسل بالنبی وجهلة الوهابیین ).................427

کتاب ( شفاء السقام ) للإمام السبکی..................440

حدیث توسل آدم(علیه السّلام)بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )442

توسل عیسی(علیه السّلام)بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )443

توسل نوح وابراهیم وسائر الأنبیاء بنبیا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )444

التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( بعد موته )447

کتاب رفع المنارة لتخریج أحادیث التوسل والزیارة454

کتاب ( حقیقة التوسل والوسیلة فی الکتاب والسنة )471

الفصل السادس : ثورة السید محمد علی المالکی علی الفکر الوهابی !481

الرأی الآخر ممنوع عندهم !................................483

بدایة ظهور ثورته الفکریة......................................489

نماذج من المناقشات حول أفکاره...........................198

الشبهة الأولی :...............................................507

الشبهة الثانیة :...............................................509

الشبهة الثالثة :................................................512

ص: 578

الشبهة الرابعة:................................................515

الشبهة الخامسة............................................519

الشبهة السادسة.............................................519

وهو موضوع آخر نخالف فیه المالکی ونقول :............528

نماذج من المداخلات والمناقشات الأخری...............534

ختام: مناظرة مع عالم وهابی...............................541

والنتیجة:.......................................................546

ص: 579

المجلد 5

اشارة

العقائد الإسلامیة مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

المجلد الخامس یتضمن مسائل عصمة الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام)

ص: 1

ص: 2

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین وأفضل الصلاة وأتم السلام علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین

وبعد ، فإن عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) من العقائد المرکزیة فی الأدیان الإلهیة ، وقد اهتم بها علماء المسلمین ، خاصةً علماء مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، وبحثوا مسائلها بإجمال وتفصیل ، وسلکوا المنهج الکلامی الذی یغلب علیه الطابع العقلی ، أو المنهج الحدیثی الذی یغلب علیه الطابع النقلی ، وإن کانت عملیة الإستدلال عملیة عقلیة دائماً ، لأنها ترتیب مقدمات للإنتقال بها إلی نتیجة سواءً کانت مقدماتها عقلیة أو نقلیة ، أو مرکبة .

وقد اخترنا لسلسلة العقائد الإسلامیة المنهج الحدیثی المقارن ، وتوسعنا فی هذا المجلد فی بحثین من بحوث العصمة:

الأول: العصمة فی القرآن ، فبحثنا طوائف من الآیات الکریمة لایمکن تفسیرها إلا بالمعصومین من الأنبیاءوأوصیائهم(علیهم السّلام) .

والثانی: مقارنة عقیدة العصمة بین الإسلام والیهودیة ، لبیان دور الیهود فی

ص: 3

تخریب عقیدة عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وتأثر المسلمین بهم ! فالیهود هم الذین فتحوا باب التنقیص من مقام الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ، وطوَّلوا ألسنتهم علیهم، واتهموهم بارتکاب أخطاء ومعاصی وأفعال مشینة ، حتی الکفر بالله تعالی !

ومن المؤسف أن النصاری تبعوهم فی ذلک ، ولم یستثنوا إلا نبی الله عیسی (علیه السّلام)فقط. ثم تبعهم جمهور المسلمین فاستوردوا منهم أکثر اتهاماتهم للأنبیاء(علیهم السّلام) وافتراءاتهم علیهم ، وکان السبب الأکبر فی ذلک أن الخلافة القرشیة قامت علی سیاسة منع المسلمین من التحدیث بأحادیث نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقرَّبَتْ عدداً من حاخامات الیهود وقساوسة النصاری ، وأطلقت ألسنتهم فی نشر ثقافتهم بین المسلمین فنشروها بإسم الإسلام ، وغرسوا فی أذهان المسلمین التصور الیهودی الظالم للأنبیاءوالأوصیائهم(علیهم السّلام) ، ودخل کل ذلک فی کتب الصحاح والتفسیر والسیرة ، وورثت ذلک أجیال المسلمین علی أنه حقائق دینیة !

ولولا وقوف أهل البیت(علیهم السّلام) وعلماء مذهبهم فی مقابل موجة الثقافة الیهودیة ، لاتسعت زاویة الإنحراف ، وتضاعف الإفتراء علی الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ، بل علی الله نفسه تبارک وتعالی ، ولم یبقَ مَن یعتقد بعصمة الله وأولیائه ، ویدفع عنهم افتراءات الیهود والمتهوکین !

إن النص التالی یصوِّر لنا عمق الفاجعة التی حلَّتْ بثقافة الأمة الإسلامیة من تبنی السلطة القرشیة للإسرائیلیات ، ویکشف نوع عمل الأئمة(علیهم السّلام) فی معالجتها:

قال الصدوق(رحمه الله)فی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/170:(باب ذکر مجلس آخر للرضا (علیه السّلام)عند المأمون مع أهل الملل والمقالات ، وما أجاب به علی بن محمد بن الجهم فی عصمة الأنبیاءسلام الله علیهم أجمعین:

حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی(رض)والحسین بن إبراهیم بن أحمد

ص: 4

بن هشام المکتب ، وعلی بن عبد الله الوراق رضی الله عنهم قالوا: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم قال: حدثنا القإسم بن محمد البرمکی قال:حدثنا أبو الصلت الهروی قال: لما جمع المأمون لعلی بن موسی الرضا(علیه السّلام)أهل المقالات من أهل الإسلام والدیانات من الیهود والنصاری والمجوس والصابئین وسائر المقالات ، فلم یقم أحد إلا وقد ألزمه حجته کانه ألقم حجراً ، قام إلیه علی بن محمد بن الجهم فقال له: یا ابن رسول الله أتقول بعصمه الأنبیاء(علیهم السّلام) ؟ قال(علیه السّلام): نعم. قال: فما تعمل فی قول الله عز وجل: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی. (طه:121) ، وفی قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ.(الأنبیاء:87) وفی قوله عز وجل فی یوسف(علیه السّلام):وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا. (یوسف:24). وفی قوله عز وجل فی داود: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ إلی نِعَاجِهِ وإن کثیراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ إِلا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِیلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ. (صّ:24)

، وقوله تعالی فی نبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَتُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللهُ مُبْدِیهِ وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ. (الأحزاب:37)

فقال الرضا(علیه السّلام): ویحک یاعلی إتق الله ولاتنسب إلی أنبیاءالله(علیهم السّلام) الفواحش ولا تتأول کتاب الله برأیک ، فإن الله عز وجل قد قال: وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ.(آل عمران:7). أما قوله عز وجل فی آدم: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی( طه: 121)، فإن الله عز وجل خلق آدم حجة فی أرضه وخلیفة فی بلاده لم یخلقه للجنة ، وکانت المعصیة من آدم فی الجنة لافی الأرض ، وعصمته یجب أن تکون فی الأرض لتتم مقادیر أمر الله ، فلما أهبطه إلی الأرض وجعله حجة وخلیفة عصمه بقوله عز وجل: أن الله اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهیم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ .(آل عمران: 33) وأما قوله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ. إنما ظن بمعنی استیقن أن الله لن یضیق علیه رزقه، ألاتسمع قول الله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ

ص: 5

رِزْقَهُ.(الفجر:16) أی ضیق علیه رزقه ، ولو ظن أن الله لا یقدر علیه لکان قد کفر.

وأما قوله عز وجل فی یوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا، فإنها همت بالمعصیة وهمَّ یوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله عز وجل: کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ.(یوسف: 24) یعنی القتل والزنا. وأما داود(علیه السّلام)فما یقول من قبلکم فیه؟

فقال علی بن محمد بن الجهم: یقولون إن داود(علیه السّلام)کان فی محرابه یصلی فتصور له إبلیس علی صورة طیر أحسن ما یکون الطیور ، فقطع داود صلاته وقام لیأخذ الطیر فخرج الطیر إلی الدار ، فخرج الطیر إلی السطح ، فصعد فی طلبه ، فسقط الطیر فی دار أوریا بن حنان ، فاطلع داود فی أثر الطیر بامرأة أوریا تغتسل فلما نظر إلیها هواها ، وقد أخرج أوریا فی بعض غزواته ، فکتب إلی صاحبه أن قدم أوریا إمام التابوت ، فقدم فظفر أوریا بالمشرکین ، فصعب ذلک علی داود ، فکتب إلیه ثانیة أن قدمه إمام التابوت فقدم فقتل أوریا ، فتزوج داود بامرأته !

قال: فضرب الرضا(علیه السّلام)بیده علی جبهته وقال: إنا لله وإنا إلیه راجعون! لقد نسبتم نبیاً من أنبیاءالله(علیهم السّلام) الی التهاون بصلاته حتی خرج فی أثر الطیر ، ثم بالفاحشة ثم بالقتل ! فقال: یا بن رسول الله فما کان خطیئته ؟

فقال: ویحک ! إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إلیه الملکین فتسورا المحراب ، فقالا: خَصْمَانِ بَغَی بَعْضُنَا عَلَی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاتُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلی سَوَاءِ الصِّرَاطِ.إِنَّ هَذَا أخی لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِیَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَکْفِلْنِیهَا وَعَزَّنِی فِی الْخِطَابِ. قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ إلی نِعَاجِهِ، (صاد:22-24) فعجل داود علی المدعی علیه فقال: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ

ص: 6

بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ إلی نِعَاجِهِ، ولم یسأل المدعی البینة علی ذلک ولم یقبل علی المدعی علیه فیقول له: ما تقول؟ فکان هذا خطیئة رسم الحکم لا ما ذهبتم إلیه ! ألا تسمع الله عز وجل یقول: یَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأرض فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ. ( صاد:26). فقال: یا بن رسول الله فما قصته مع أوریا؟

فقال الرضا(علیه السّلام):إن المرأة فی أیام داود(علیه السّلام)کانت إذا مات بعلها أو قتل لاتتزوج بعده أبداً ، وأول من أباح الله له أن یتزوج بامرأة قتل بعلها کان داود(علیه السّلام) ، فتزوج بامرأة أوریا لما قتل وانقضت عدتها منه ، فذلک الذی شق علی الناس من قبل أوریا.

وأما محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقول الله عز وجل: وَتُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللهُ مُبْدِیهِ وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ.( الأحزاب:37)فإن الله عز وجل عرف نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أسماء أزواجه فی دار الدنیا وأسماء أزواجه فی دار الآخرة وأنهن أمهات المؤمنین، وإحداهن من سمی له زینب بنت جحش، وهی یومئذ تحت زید بن حارثة، فأخفی إسمها فی نفسه ولم یبده لکیلا یقول أحد من المنافقین أنه قال فی امرأة فی بیت رجل أنها إحدی أزواجه من أمهات المؤمنین، وخشئ قول المنافقین ، فقال الله عز وجل: وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ ، یعنی فی نفسک. وإن الله عز وجل ما تولی تزویج أحد من خلقه إلا تزویج حواء من آدم(علیه السّلام)وزینب من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بقوله: فَلَمَّا قَضَی زَیْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاکَهَا لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ فِی أَزْوَاجِ أَدْعِیَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَکَانَ أَمْرُاللهِ مَفْعُولاً.( الأحزاب:37)وفاطمة من علی(علیهماالسّلام).

قال: فبکی علی بن محمد بن الجهم وقال: یا بن رسول الله: أنا تائب إلی الله عز وجل من أن أنطق فی أنبیاءالله(علیهم السّلام) بعد یومی إلا بما ذکرته). انتهی.

لذلک رکَّزنا البحث علی کشف الجذور التاریخیة للشبهات والإفتراءت علی

ص: 7

عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ، خاصة ما یتعلق بعصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثم علی بحث الأصل القرآنی لعقیدة العصمة ، وقاعدة اللطف. والله تعالی ولی التوفیق .

حرره بقم المشرفة فی الثانی والعشرین من رجب الخیر 1423 علی الکورانی العاملی

ص: 8

الفصل الأول: عقیدة الیهود نفی الحکمة عن الله تعالی ونفی العصمة أنبیائه(علیهم السّلام) !!

اشارة

ص: 9

ص: 10

لماذا یحسد الیهود الشعوب التی عندها مقدسات ؟!

لا تتعجب إذا رأیت الیهودی عنده عقدة من کل ما هو مقدس عند الشعوب !

فقد ورث من أجداده التطاول علی قداسة الله تعالی وأنبیائه(علیهم السّلام) ، فهم أول من فتح باب الجرأة علی الله وأنبیائه(علیهم السّلام) ، مع أن کل مایزعمونه لأنفسهم من مکانة وامتیاز علی الشعوب ، مبنیٌّ علی أنهم شعب الله المختار وأتباع أنبیائه(علیهم السّلام) !

وبهذا تفهم سبب نشاطهم فی تخریب مقدسات الأدیان الأخری ، لأن الذی یخرب مقدساته ، ویجعل معبوده جاهلاً ، متعصباً ، فظاً ، غلیظاً ، ظالماً ، ویجعل أنبیاءالله(علیهم السّلام) أنانیین ، شهوانیین ، خونة ! لایطیق أن یکون للآخرین إلهٌ حکیمٌ ، عادلٌ ، لایظلم مخلوقاً مثقال ذرة. وأن یکون لهم أنبیاءأطهارٌ ، معصومون فی کل حیاتهم ، وجمیع أعمالهم ، منزهون عن المعاصی والنقائض !

وقد نجح الیهود فی تخریب مقدسات المسیحیین وعقیدتهم ، ونفذوا إلی جهازهم الکنسی ونشروا فیه الفساد ، وأسقطوا مقام القساوسة عند الناس !

وقد أخبرنی مستشار ثقافی فی مؤسسة الیونسکو أن الیهود هم الذین یقفون وراء طرح التحلل من الدین والمقدسات ، الذی ینادی به مثقفون (مسیحیون) ویکتبون مقالات یطالبون فیها البابا والفاتیکان: نرید دیناً بلا محرمات !

وها نحن نری سعیهم الحثیث لتخریب مقدسات المسلمین، بکل الوسائل !

ص: 11

لم یکن الیهود موحدین حتی فی عصور أنبیائهم(علیهم السّلام) !

لم یکن جمهور الیهود مخلصاً لتوحید الله تعالی حتی فی عصور أنبیائهم(علیهم السّلام) ، رغم تبجحهم بأنهم هم الموحدون ، وأنهم أبناء نبی الله إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، الذی قاوم عبادة الأوثان وأرسی أسس التوحید ، هذا إن صحت أنسابهم الیه !

ومن أوضح الأدلة علی ذلک أنهم بعد أن رأوا المعجزة علی ید موسی(علیه السّلام) ، وشقَّ الله لهم البحر وجعله طریقاً یبساً ، وعبروا فیه ونجوا من فرعون وجنوده.. قابلوا هذه المعجزة الکبری بفکرهم الوثنی ، وطالبوا موسی(علیه السّلام)أن یتخذ لهم إلهاً عجلاً لیعبدوه ! وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إسرائیل الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَی قَوْمٍ یَعْکُفُونَ عَلَی أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا یَا مُوسَی اجْعَلْ لَنَا إلهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إن هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ. قَالَ أَغَیْرَ اللهِ أَبْغِیکُمْ إلهاً وَهُوَفَضَّلَکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ (الأعراف:138-140(ویظهر أن سکوتهم یومها کان خوفاً من موسی(علیه السّلام)! فأول ما سنحت لهم الفرصة فی غیابه ، صنعوا عجلاً ذهبیاً واتخذوه إلهاً ! وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَی

مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ یَرَوْا أنَّهُ لایُکَلِّمُهُمْ وَلایَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَکَانُوا ظَالِمِینَ. وَلَمَّا سُقِطَ فِی أَیْدِیهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَیَغْفِرْ لَنَا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ.

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَی إلی قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَعَجِلْتُمْ أمر رَبِّکُمْ وَأَلْقَی الألواح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أخیه یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قَالَ ابْنَ أم أن الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکَادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلاتُشْمِتْ بِیَ الأَعْدَاءَ وَلاتَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ.قَالَ رَبِّ اغْفِرْلِی وَلأَخِی وَأَدْخِلْنَا فِی رَحْمَتِکَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ. أن الَّذِینَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَیَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَاوَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ. وَالَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا أن رَبَّکَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِیمٌ. وَلَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی

ص: 12

الْغَضَبُ أخذ الألواح وَفِی نُسْخَتِهَا هُدًی وَرَحْمَةٌ لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ.

وَاخْتَارَ مُوسَی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رجلاً لِمِیقَاتِنَا فَلَمَّا أخذتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِیَّایَ أَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا أن هِیَ إلا فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِی مَنْ تَشَاءُ أنت وَلِیُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَیْرُ الْغَافِرِینَ. وَاکْتُبْ لَنَا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً وَفِی الآخرة أنا هُدْنَا إِلَیْکَ قَالَ عَذَابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَئٍ فَسَأَکْتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَوةَ وَالَّذِینَ هُمْ بِآیَاتِنَا یُؤْمِنُونَ. الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الآمّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالآنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَائِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أنزل مَعَهُ أولئک هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ( الأعراف 148-157)

وقال تعالی: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَی أربعین لَیْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ. ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْکُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِکَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ. وَإِذْ آتَیْنَا مُوسَی الْکِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ. وَإِذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَاقَوْمِ إِنَّکُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَکُمْ بِاتِّخَاذِکُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلی بَارِئِکُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ عِنْدَ بَارِئِکُمْ فَتَابَ عَلَیْکُمْ أنه هُوَ التَّوَابُ الرَّحِیمُ. وَإِذْ قُلْتُمْ یَامُوسَی لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْنَاکُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ). ( البقرة: 51-56 )

فالیهود لم یخلصوا فی تاریخهم لتوحید الله تعالی فکیف یخلصوم لأنبیائه ؟! ولهذا أجاب أمیر المؤمنین (علیه السّلام) یهودیاً عندما سأله: (ما دفنتم نبیکم حتی اختلفتم فیه ! فقال له(علیه السّلام): إنما اختلفنا عنه لا فیه ، ولکنکم ماجفَّتْ أرجلکم من البحر حتی قلتم لنبیکم: اجْعَلْ لَنَا إلهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). (نهج البلاغة:4/75، وأمالی المرتضی:1/198، والعرائس للثعالبی113) .

ص: 13

الإلحاد الصریح فی الیهود الماضین والمعاصرین

شهد المؤرخ الغربی ول دیورانت فی قصة الحضارة (2/338) وغیره ، بأن عبادة العجل الذهبی استمرت فی بنی إسرائیل فی زمن نبی الله موسی(علیه السّلام)الی ما بعد سلیمان(علیه السّلام) ، حیث استبدلوا العجل بأصنام أخری!!

وقد أوردنا فی المجلد الثانی من العقائد الإسلامیة ص177 ، نصوصاً من توراتهم وإنجیلهم تدل علی تأصل المادیة والوثنیة فی تفکیرهم !

قال الدکتور الشلبی فی مقارنة الأدیان:1/192: (علی أن مسألة الألوهیة کلها ، سواء اتجهت للوحدانیة أو للتعدد ، لم تکن عمیقة الجذور فی نفوس بنی إسرائیل ، فقد کانت المادیة والتطلع إلی أسلوب نفعی فی الحیاة من أکثر ما یشغلهم ، وإذا تخطینا عدة قرون ، فإننا نجد الفکر الیهودی الحدیث یجعل للیهود رباً جدیداً نفعیاً کذلک ، ذلک هو: تربة فلسطین وزهر برتقالها !

والذی یقرأ روایة(طوبی للخائفین)للکاتبة الیهودیة یائیل دیان ، ابنة القائد الصهیونی العسکری موشئ دیان ، یجد أحد أبطالها(إیفری)ینصح ابنه الطفل بأن یتخلی عن الذهاب للکنیسة ، وأن یحول اهتمامه لإلهه الجدید: تراب فلسطین ! ونقتبس فیما یلی سطوراً من هذه الروایة:

...الصبی یحب أن یذهب إلی الکنیس مع أمه ، ولکنه عندما عاد مرة من المعبد الذی لا یذهب إلیه إلا القلیلون ، ثار

أبوه فی وجهه بحدیث له مغزی عمیق قال له: أیام زمان حین کنا یهوداً فی روسیا وغیرها ، کان من الضروری بالنسبة لنا أن نطیع التعلیمات ونحافظ علی دیننا ، فقد کان الدین الیهودی لنا وسیلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردی ، أما الآن فقد أصبح لدینا شئ أهم هو الأرض ، أنت الآن إسرائیلی ولست مجرد یهودی ، إنی قد ترکت فی روسیا کل شئ ، ملابسی

ص: 14

ومتاعی وأقاربی وإلهی ، وعثرت هنا علی رب جدید ، هذا الرب الجدید هو خصب الأرض وزهر البرتقال. إلا تحس بذلک؟.... وأخذ إیفری حفنة من تراب الأرض وسکبها فی کف ابنه وقال له: إمسک هذا التراب ، إقبض علیه ، تحسسه تذوقه ، هذا هو ربک الوحید ، إذا أردت أن تصلی للسماء فلا تصل لها لکی تسکب الفضیلة فی أرواحنا ، ولکن قل لها أن تنزل المطر علی أرضنا ، هذا هو المهم: إیاک أن تذهب مرة أخری إلی المعبد ) !! .

وقال أیضاً:1/267: (ویقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر کما أنه مصدر الخیر ، وأنه أعطی الإنسان طبیعة ردیئة ، وسنَّ له شریعة لم یستطع بطبیعته الردیئة أن یسیر علی نهجها ، فوقف الإنسان حائراً بین اتجاه الشر فی نفسه ، وبین الشریعة المرسومة إلیه ، وعلی هذا فإن داود الملک لم یرتکب خطیئة بقتله أوریا واتصاله بامرأته ، لأن الله هو السبب فی کل ذلک !!). (التلمود شریعة إسرائیل ص17).

افتراء الیهود علی الله تعالی ونفیهم عنه العلم والعدل !

مضافاً إلی فریتهم الکبری علی الله تعالی بأنه جسم متجسدٌ فی عِجْل ، من حجر أو ذهب ، أو متجسد بصورة إنسان کبیر السن ، کما فی توراتهم طبعة مجمع الکنائس الشرقیة(ص4فقرة27) قد وصفوا الله تعالی بصفات لاتناسب الإنسان العادی ، فضلاً عن رب العالمین الذی لیس کمثله شئ ، عز وجل:

ص: 15

وصفوا الله تعالی بأنه لایعلم ما خلق !

جاء فی ص6 من توراتهم: (8. وسمعاً صوت الرب الإله ماشیاً فی الجنة عند هبوب ریح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فی وسط شجر الجنة. 9. فنادی الرب الإله آدم وقال له أین أنت. 10. فقال سمعت صوتک فی الجنة فخشیت لأنی عریان فاختبأت. 11. فقال من أعلمک إنک عریان ، هل أکلت من الشجرة التی أوصیتک أن لا تأکل منها. 12. فقال آدم: المرأة التی جعلتها معی هی أعطتنی من الشجرة فأکلت ). !!

ووصفوه بالطیش والغضب والظلم !

قال الدکتور شلبی فی تاریخ الأدیان:1/267: (یروی التلمود أن الله ندم لِمَا أنزله بالیهود وبالهیکل ، ومما یرویه التلمود علی لسان الله قوله: تب لی لأنی صرحت بخراب بیتی وإحراق الهیکل ونهب أولادی !! ولیست العصمة من صفات الله فی رأی التلمود ، لأنه غضب مرة علی بنی إسرائیل فاستولی علیه الطیش ، فحلف بحرمانهم من الحیاة الأبدیة ، ولکنه ندم علی ذلک بعد أن هدأ غضبه ، ولم ینفذ قسمه ، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة ).

وقال ابن حزم فی الفصل:1/1/222: (ونقل فی توراتهم وکتب الأنبیاء بأن رجلاً اسمه إسماعیل کان أثر خراب البیت المقدس ، سمع الله یئن کما تئن الحمامة ویبکی وهو یقول: الویل الویل لمن أخرب بیته....وَیْلِی علی ما أخربت من بیتی !

ویْلی علی ما فرقت من بنیَّ وبناتی ) !!

وافتروا علی الله تعالی بأنه ینسی عهده ثم یتذکره !

فی التوراة والإنجیل ص99: (23.وبعد مرور حقبة طویلة مات ملک مصر وارتفع أنین بنی إسرائیل وصراخهم من وطأة العبودیة ، وصعد إلی الله .24. فأصغی الله

ص: 16

إلی أنینهم ، وتذکر میثاقه مع إبراهیم وإسحق ویعقوب.25. ونظر الله إلی بنی إسرائیل .(ورق لحالهم).

وزعموا أن یعقوب صارع الله تعالی فعجز الله أن یغلبه !

قال ابن حزم فی الفصل:1جزء1/141: (ذکر فی هذا المکان(من التوراة)أن یعقوب صارع الله عز وجل.... حتی قالوا أن الله عز وجل عجز عن أن یصرع یعقوب ! وفیه أن یعقوب قال: رأیت الله مواجهة وسلمت علیه ) !

ووصفوا معبودهم بأنه موجود مادی یسکن فی السماء

فی/579 من توراتهم: (18.فقال ملک إسرائیل لیهوشافاط أما قلت لک أنه لا یتنبأ علی خیراً بل شراً. 19. وقال فاسمع إذا کلام الرب. قد رأیت الرب جالساً علی کرسیه وکل جند السماء وقوف لدیه عن یمینه وعن یساره. 20. فقال الرب من یغوی أخآب فیصعد ویسقط فی راموت جلعاد. فقال: هذا هکذا ، وقال: ذاک هکذا) .

ووصفوه بأن له سبعة أرواح کالقطط !

جاء فی توراتهم طبعة مجمع الکنائس الشرقیة ص399: (1. بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح فی السماء والصوت الأول الذی سمعته کبوق یتکلم معی قائلاً إصعد إلی هنا فأریک ما لابد أن یصیر بعد هذا. 2. وللوقت صرت فی الروح وإذا عرش موضوع فی السماء وعلی العرش جالس. 3. وکان الجالس فی المنظر شبه حجر الیشب والعقیق وقوس قزح حول العرش فی المنظر شبه الزمرد. 4. وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً ، ورأیت علی العروش أربعة وعشرین شیخاً جالسین متسربلین بثیاب بیض وعلی رؤوسهم أکالیل من ذهب. 5. ومن العرش یخرج بروق ورعود وأصوات ، وإمام العرش سبعة مصابیح نار متقدة هی سبعة

ص: 17

أرواح الله) !!

من إهانات الیهود لأنبیائهم(علیهم السّلام) وافتراءاتهم علیهم !

افتروا علی ابراهیم(علیه السّلام) بأنه کان قبل نبوته یعبد الأوثان !

فی قاموس الکتاب المقدس ص596: (وقد أدرک إبراهیم بالوحی والإلهام وجود إله واحد أبدی خالق السموات والأرض ، وسید الکون. (تک 18: 19)

وکان إیمان إبراهیم جدیداً بالنسبة لأور التی کان یقیم فیها ، حیث کانت مرکز عبادة القمر ، بل أن أبا إبراهیم نفسه کان یخدم آلهة أور الوثنیة(یش24:2).

لذلک هاجر إبراهیم من أور نحو بلاد کنعان حوالی أواخر القرن العشرین قبل المیلاد ).

واتهموا ابراهیم(علیه السّلام)بأنه تزوج سارة وهی أخته !

فی قاموس الکتاب المقدس ص9: (وقد عاش إبراهیم الجزء الأول من حیاته مع أبیه وإخوته فی أور الکلدانیین ، وقد تزوج من ساری وکانت أخته بنت أبیه ولیست بنت أمه ، کما نعرف ذلک من تک 20: 12).

واتهموه بأنه کذب علی الحاکم القبطی بأن سارة أخته !

فی التوراة والإنجیل ص21(موقعarabicbible): (14. ولما اقترب أبرام من مصر استرعی جمال سارای أنظار المصریین ، وشاهدها أیضاً رؤساء فرعون فأشادوا بها أمامه. 15. فأخذت المرأة إلی بیت فرعون. 16. فأحسن إلی أبرام بسببها وأجزل له العطاء من الغنم والبقر والحمیر والعبید والإماء والأتن والجمال. 17. ولکن الرب ابتلی فرعون وأهله ببلایا عظیمة بسبب سارای زوجة أبرام. 18. فاستدعی فرعون أبرام وسأله ماذا فعلت بی؟ لماذا لم تخبرنی أنها زوجتک ؟ 19.

ص: 18

ولماذا ادعیت أنها أختک حتی أخذتها لتکون زوجة لی؟ والآن ها هی زوجتک ، خذها وامض فی طریقک .20. وأوصی فرعون رجاله بأبرام فشیعوه وامرأته ، وکل ما کان یملک ).

وفی التوراة والإنجیل ص33: (1. وارتحل إبراهیم من هناک إلی أرض النقب وأقام بین قادش وشور وتغرب ، فی جرار. 2. وهناک قال إبراهیم عن سارة زوجته هی أختی. فأرسل أبیمالک ملک جرار وأحضر سارة إلیه. 3. ولکن الله تجلی لأبیمالک فی حلم فی اللیل وقال له: إنک ستموت بسبب المرأة التی أخذتها ، فإنها متزوجة. 4.ولم یکن أبیمالک قد مسها بعد ، فقال للرب: أتمیت أمة بریئة ؟ 5. ألم یقل لی أنها أختی وهی نفسها ادعت أنه أخوها ؟ ما فعلت هذا إلا بسلامة قلبی وطهارة یدی. 6. فأجابه الرب: أنا أیضاً علمت إنک بسلامة قلبک قد فعلت هذا ، وأنا أیضاً منعتک من أن تخطئ إلی ولم أدعک تمسها. 7. والآن رُدَّ للرجل زوجته فإنه نبی ، فیصلی من أجلک فتحیا ، وإن لم تردها فإنک وکل من لک حتماً تموتون) .

وفی قاموس الکتاب المقدس ص10: (فارتحل من هناک إلی مصر(تک 12: 10) وهناک خوفاً علی حیاته ، ذکر لفرعون أن سارای أخته دون أن یذکر أنها زوجته (تک 12:11-20) ومن عند بلوطات ممرا انتقل إبراهیم إلی أرض الجنوب وهناک أرسل أبیمالک ملک جرار وأخذ سارة لأن إبراهیم قال أنها أختی ولکن الرب ظهر لأبیمالک فی حلم ولم یدعه یمسها ، ولما عاقبه الرب علی أخذه سارة ردها إلی إبراهیم. وصلی إبراهیم لأجله ولأجل بیته فرفع الرب العقاب عنه (تک/20). إلا أنه أظهر ضعفاً مرتین عندما لم یقل الحق کله فی ذکر علاقة سارة زوجته به ! ( تک 12: 18 و20: 11 ).

وفی قاموس الکتاب المقدس ص443: (سارة: إسم عبری معناه: أمیرة ، وهی

ص: 19

زوجة إبراهیم ، وکانت فی الأصل تدعی سارای. تزوجت سارة من إبراهیم فی أور الکلدانیین وکانت أصغر منه بعشر سنوات (تکوین11: 29-31 و17: 17 ). وعندما خرج إبراهیم من حاران کان عمر سارة 65سنة ( تکوین12: 4) ولکنها کانت جمیلة بالرغم مما بلغت من العمر ، وکانت محتفظة بقوتها وبشبابها. وبعد مغادرة حاران وقبل النزول إلی مصر ، تحدث إبراهیم مع سارة وطلب منها أن تخفی أنها زوجته وتقول أنها أخته ، وقد کانت بالفعل أخته ابنة أبیه لیست ابنة أمه! (تک 20: 12). وکان سبب طلب إبراهیم ذلک خوفه من أن جمال سارة یلفت نظر المصریین إلیها ، فیقتلونه ویأخذونها ، وأطاعت سارة زوجها ، فأخذها ملک مصر ، ولکن الله منعه من الإقتراب إلیها. ووبخ فرعون زوجها عندما أعلن له الله الأمر.

وبعد عدة سنین سکن إبراهیم فی جرار وقال عن سارة أنها أخته ، فطلب أبیمالک أن یتزوج منها ، ربما لغرض إیجاد تحالف مع الأمیر البدوی القوی. وهنا أیضاً منع الله أبیمالک من الإساءة إلی سارة ) ! (تکوین 20: 1- 18 ).

أما الروایة الصحیحة للقصة فهی فی مصادر أهل البیت(علیهم السّلام) فی الکافی:8/370: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، جمیعاً عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول:إن إبراهیم(علیه السّلام)کان مولده بکوثی ربا، وکان أبوه من أهلها، وکانت أم إبراهیم وأم لوط سارة وورقة- وفی نسخة رقیة- أختین وهما ابنتان للاحج ، وکان لاحج نبیاً منذراً ولم یکن رسولاً ، وکان إبراهیم (علیه السّلام)فی شبیبته علی الفطرة التی فطر الله عز وجل الخلق علیها ، حتی هداه الله تبارک وتعالی إلی دینه واجتباه ، وأنه تزوج سارة ابنة لاحج وهی ابنة خالته ، وکانت سارة صاحبة ماشیة کثیرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وکانت قد ملَّکت إبراهیم(علیه السّلام)جمیع ماکانت

ص: 20

تملکه ، فقام فیه وأصلحه ، وکثرت الماشیة والزرع حتی لم یکن بأرض کوثی ربا رجل أحسن حالاً منه.

وإن إبراهیم (علیه السّلام)لما کسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثقه وعَمل له حِیراً وجمع له فیه الحطب وألهب فیه النار ، ثم قذف إبراهیم(علیه السّلام)فی النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتی خمدت النار ، ثم أشرفوا علی الحیر فإذا هم بإبراهیم(علیه السّلام) سلیماً مطلقاً من وثاقه ، فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ینفوا إبراهیم(علیه السّلام)من بلاده ، وإن یمنعوه من الخروج بماشیته وماله ، فحاجَّهم إبراهیم(علیه السّلام)عند ذلک فقال:إن أخذتم ماشیتی ومالی فإن حقی علیکم أن تردوا علیَّ ما ذهب من عمری فی بلادکم ! واختصموا إلی قاضی نمرود فقضی علی إبراهیم(علیه السّلام) أن یسلم إلیهم جمیع ما أصاب فی بلادهم ، وقضی علی أصحاب نمرود أن یردوا علی إبراهیم (علیه السّلام)ما ذهب من عمره فی بلادهم ! فأخبر بذلک نمرود ، فأمرهم أن یخلوا سبیله وسبیل ماشیته وماله ، وأن یخرجوه ، وقال: إنه إن بقی فی بلادکم أفسد دینکم وأضر بآلهتکم ، فأخرجوا إبراهیم ولوطاً معه من بلادهم إلی الشام ، فخرج إبراهیم ومعه لوط لایفارقه وسارة ، وقال لهم: إِنِّی ذَاهِبٌ إلی رَبِّی سَیَهْدِینِ ، یعنی بیت المقدس ، فتحمل إبراهیم(علیه السّلام)بماشیته وماله وعمل تابوتاً وجعل فیه سارة وشد علیها الأغلاق غیرةً منه علیها ، ومضی حتی خرج من سلطان نمرود وصار إلی سلطان رجل من القبط یقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر لیعُشِّر ما معه ، فلما انتهی إلی العاشر ومعه التابوت ، قال العاشر لإبراهیم(علیه السّلام): إفتح هذا التابوت حتی نُعَشِّر ما فیه ، فقال له إبراهیم(علیه السّلام): قل ما شئت فیه من ذهب أو فضة حتی نعطی عُشره ولا نَفتحه ، قال: فأبی العاشر إلا فتحه ، قال: وغضب إبراهیم(علیه السّلام)علی فتحه ، فلما بدت له سارة وکانت موصوفة بالحسن والجمال قال

ص: 21

له العاشر: ما هذه المرأة منک؟ قال إبراهیم(علیه السّلام): هی حرمتی وابنة خالتی فقال له العاشر: فما دعاک إلی أن خبیتها فی هذا التابوت؟ فقال إبراهیم(علیه السّلام): الغیرة علیها أن یراها أحد ، فقال له العاشر: لست أدعک تبرح حتی أعلم الملک حالها وحالک قال: فبعث رسولاً إلی الملک فأعلمه ، فبعث الملک رسولاً من قبله لیأتوه بالتابوت ، فأتوا لیذهبوا به فقال لهم إبراهیم(علیه السّلام): إنی لست أفارق التابوت حتی تفارق روحی جسدی ، فأخبروا الملک بذلک فأرسل الملک أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهیم(علیه السّلام)والتابوت وجمیع ما کان معه حتی أدخل علی الملک فقاله له الملک: إفتح التابوت ، فقال إبراهیم(علیه السّلام): أیها الملک إن فیه حرمتی وابنة خالتی ، وأنا مفتدٍ فتْحَهُ بجمیع ما معی !

قال: فغضب الملک وأجبر إبراهیم(علیه السّلام) علی فتحه ، فلما رأی سارة لم یملک حلمه سفهه أن مد یده إلیها ، فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)بوجهه عنها وعنه غیرةً منه ، وقال: اللهم احبس یده عن حرمتی وابنة خالتی ، فلم تصل یده إلیها ولم ترجع إلیه ! فقال له الملک: أن إلهک الذی فعل بی هذا ؟ فقال له: نعم ، أن إلهی غیور یکره الحرام وهو الذی حال بینک وبین ما أردت من الحرام ! فقال له الملک: فادع إلهک یرد علیَّ یدی فإن أجابک لم أعرض لها ، فقال: إبراهیم(علیه السّلام): إلهی رُدَّ علیه یده لیکف عن حرمتی: قال: فردَّ الله عز وجل علیه یده ، فأقبل الملک نحوها ببصره ثم أعاد بیده نحوها فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)عنه بوجهه غیرةً منه وقال: اللهم احبس یده عنها ، قال: فیبست یده ولم تصل إلیها ، فقال الملک لإبراهیم (علیه السّلام): أن إلهک لغیور وإنک لغیور، فادع إلهک یرد علیَّ یدی فإنه أن فعل لم أعد، فقال له إبراهیم(علیه السّلام): أسأله ذلک علی أنک إن عدت لم تسألنی أن أسأله ، فقال الملک: نعم ، فقال إبراهیم(علیه السّلام): اللهم إن کان صادقاً فردَّ علیه یده ، فرجعت إلیه

ص: 22

یده ! فلما رأی ذلک الملک من الغیرة ما رأی ورأی الآیة فی یده ، عظَّمَ إبراهیم (علیه السّلام)وهابَهُ وأکرمه واتقاه وقال له: قد أمِنتَ من أن أعرض لها ، أو لشئ مما معک فانطلق حیث شئت ولکن لی إلیک حاجة ، فقال إبراهیم(علیه السّلام): ما هی؟ فقال له: أحب أن تأذن

لی أن أخدمها قبطیة عندی جمیلة عاقلة تکون لها خادماً ، قال: فأذن له إبراهیم(علیه السّلام)فدعا بها فوهبها لسارة ، وهی هاجر أم إسماعیل(علیه السّلام) ، فسار إبراهیم (علیه السّلام)بجمیع مامعه وخرج الملک معه یمشئ خلف إبراهیم(علیه السّلام)إعظاماً لإبراهیم (علیه السّلام)وهیبةً له ، فأوحی الله تبارک وتعالی إلی إبراهیم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ویمشئ هو خلفک ، ولکن اجعله أمامک وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط ، ولا بد من إمرة فی الأرض بَرَّة أو فاجرة ، فوقف إبراهیم (علیه السّلام)وقال للملک: إمض فإن إلهی أوحی إلیَّ الساعة أن أعظمک وأهابک وأن أقدمک أمامی وأمشئ خلفک إجلالاً لک ، فقال له الملک: أوحی إلیک بهذا ؟ فقال له إبراهیم(علیه السّلام): نعم ، فقال له الملک: أشهد أن إلهک لرفیق حلیم کریم ، وأنک ترغبنی فی دینک ، قال: وودعه الملک فسار إبراهیم(علیه السّلام)حتی نزل بأعلی الشامات ، وخلف لوط فی أدنی الشامات. ثم إن إبراهیم(علیه السّلام)لما أبطأ علیه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتنی هاجر لعل الله أن یرزقنا منها ولداً فیکون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهیم(علیه السّلام)هاجر من سارة ، فوقع علیها فولدت إسماعیل(علیه السّلام)).

واتهموا نبی الله إسحاق(علیه السّلام)بنفس التهمة !

فی التوراة صفحة 46: (6. فأقام إسحق فی مدینة جرار. 7. وعندما سأله أهل المدینة عن زوجته قال: هی أختی ، لأنه خاف أن یقول: هی زوجتی لئلا یقتله أهل المدینة من أجل رفقة ، لأنها کانت رائعة الجمال. 8. وحدث بعد أن طال مکوثه هناک ، أن أبیمالک ملک الفلسطینیین أطل من النافذة ، فشاهد إسحق

ص: 23

یداعب امرأته رفقة. 9. فاستدعاه إلیه وقال: إنها بالحقیقة زوجتک ، فکیف قلت هی أختی ؟ فأجاب إسحق: لأنی قلت لعلی أقتل بسببها. 10. فقال أبیمالک: ما هذا الذی فعلت بنا ؟ لقد کان یسیراً علی أی واحد من الشعب أن یضطجع مع زوجتک فتجلب بذلک علینا إثماً. 11. وأنذر أبیمالک کل الشعب قائلاً: کل من یمس هذا الرجل أو زوجته فحتماً یموت).

واتهموا إبراهیم وبقیة الأنبیاء(علیهم السّلام) بأنهم کانوا یشربون الخمر !

فی قاموس الکتاب المقدس ص776: وقد أتقن القدماء الإعتناء بالکروم ووضع ملکی صادق خبزاً وخمراً إمام أبرام. ( تک 14: 18 )

وشرب لوط خمراً. ( تک 19: 33 ).

وأحضر یعقوب خمراً لإسحاق. ( تک 27: 25 )

وتنبأ یعقوب قبل موته بأن یهوذا یشتهر بتربیة الکرم. ( تک 49: 12 ).

وکان أولاد أیوب یشربون الخمر. ( أی 1: 18 )

وندد صاحب الأمثال بمن یدمن الخمر. ( أم 23: 30 و 31 )

وکذلک إشعیاء النبی. ( اش 5: 11 ) !!

وزعموا أن لوطاً سکن فی سدوم اختلافه مع ابراهیم(علیهماالسّلام)

فی التوراة والإنجیل ص22(موقع arabicbible): (5. وکان للوط المرافق لأبرام غنم وبقر وخیام أیضاً. 6. فضاقت بهما الأرض لکثرة أملاکهما ، فلم یقدرا أن یسکنا معاً. 7. ونشب نزاع بین رعاة مواشئ أبرام ورعاة مواشئ لوط ، فی الوقت الذی کان فیه الکنعانیون والفرزیون یقیمون فی الأرض. 8. فقال أبرام للوط: لایکن نزاع بینی وبینک ، ولابین رعاتی ورعاتک لأننا نحن أخوان 9. ألیست الأرض کلها أمامک ؟ فاعتزل عنی. أن اتجهت شمالاً ، أتجه أنا یمیناً ، وإن

ص: 24

تحولت یمیناً ، أتحول أنا شمالاً ).

ونسبوا إلی سارة رضی الله عنها الظلم والقسوة !

فی التوراة والإنجیل ص26: (4. فعاشر هاجر فحبلت منه. ولما أدرکت أنها حامل هانت مولاتها فی عینیها ، 5. فقالت سارای لأبرام: لیقع ظلمی علیک ، فأنا قد زوجتک من جاریتی ، وحین أدرکت أنها حامل هنتُ فی عینیها. لیقض الرب بینی وبینک. 6. فأجابها أبرام: ها هی جاریتک تحت تصرفک ، فافعلی بها ما یحلو لک. فأذلتها سارای حتی هربت منها ).

وفی التوراة ص36: (9. ورأت سارة أن ابن هاجر المصریة الذی أنجبته لإبراهیم یسخر من ابنها إسحق. 10. فقالت لإبراهیم: أطرد هذه الجاریة وابنها ، فإن ابن الجاریة لن یرث مع ابنی إسحق. 11. فقبح هذا القول فی نفس إبراهیم من أجل ابنه. 12. فقال الله له: لا یسوء فی نفسک أمر الصبی أو أمر جاریتک ، واسمع لکلام سارة فی کل ما تشیر به علیک لأنه بإسحق یدعی لک نسل. 13. وسأقیم من ابن الجاریة أمَّةً أیضاً لأنه من ذریتک. 14. فنهض إبراهیم فی الصباح الباکر وأخذ خبزاً وقربة ماء ودفعهما إلی هاجر ، ووضعهما علی کتفیها ، ثم صرفها مع الصبی ، فهامت علی وجهها فی بریة بئر سبع. 15. وعندما فرغ الماء من القربة طرحت الصبی تحت إحدی الأشجار. 16. ومضت وجلست مقابله ، علی بعد نحو مئة متر ، لأنها قالت: لا أشهد موت الصبی. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبکت. 17. وسمع الله بکاء الصبی ، فنادی ملاک الله هاجر من السماء وقال لها: ما الذی یزعجک یا هاجر ؟ لا تخافی لأن الله قد سمع بکاء الصبی من حیث هو ملقی. 18. قومی واحملی الصبی ، وتشبثی به لأننی سأجعله أمة عظیمة. 19. ثم فتح عینیها فأبصرت بئر ماء ، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبی. 20. وکان الله

ص: 25

مع الصبی فکبر ، وسکن فی صحراء فاران وبرع فی رمی القوس. 21. واتخذت له أمه زوجة من مصر ).

وفی قاموس الکتاب المقدس ص994: (وقد تکلم الرسول بولس عن هاجر وولادتها حسب الجسد ابناً للعبودیة ! ووصف المؤمنین بالمسیح بأنهم کأولاد الحرة یرثون مع الأب ومیلادهم(الثانی) بالموعد مثل إسحاق ابن إبراهیم ( غل 4: 21-31). وقد جاء فی معظم التقالید أن العرب هم ذریة إسماعیل ).

واتهموا إبراهیم(علیه السّلام)بأنه أطاع سارة وطرد هاجر وابنها إسماعیل(علیه السّلام) !

فی قاموس الکتاب المقدس ص443: (وعندما بلغت سارة سن89 جاءها الموعد بمیلاد إسحق ، الذی ولدته بعد سنة. وغیَّر الله إسم سارای إلی سارة فی ذلک الوقت- وقت الموعد ). ( تک 17: 15 - 22 و 18: 9 - 15 و 21: 1 - 5 ).

وعندما فطم إسحاق أقام والداه ولیمة عظیمة... ولاحظت سارة أن إسماعیل یمزح ، وقد قیل أنه کان یصوب سهامه علی إسحاق مهدداً بقتله من باب التخویف ، فطلبت سارة من إبراهیم أن یطرد الجاریة مع ابنها ! وقد ظن البعض أن ذلک کان قساوة وشراً من سارة ، غیر أن البعض الآخر یعتقد أن سارة لم تطلب طرد هاجر إلا إلی الخیام الأخری لإبراهیم والتی کان یقیم فیها عبیده الآخرون ، أی أن سارة منعت الجاریة وابنها من السکن فی خیمة السید ، وجعلتها تأخذ مکانها کجاریة فقط ، واختلفت الآراء فی سارة ، ولکنها کانت فی الحق مؤمنةً فاضلة وزوجةً أمینة وأما مثالیة. وقد ماتت سارة وهی فی سن 127 سنة ، بعد ولادة إسحاق بما یزید علی36 سنة ، ودفنها إبراهیم فی حقل المکفیلة الذی اشتراه لهذا الغرض ).

وفی قاموس الکتاب المقدس ص73: (وقد حثَّت سارة إبراهیم أن یأخذ أمتها

ص: 26

زوجة لکی یعقب منها نسلاً ، لأن سارة کانت عاقراً (تک 16: 1 - 4 ) وکان هذا النظام فی الزواج معمولاً به فی تلک الأزمنة. وقد دلت الإکتشافات علی أنه کان موجوداً فی (نوزی) بالقرب من کرکوک فی العراق. أما هذا العمل من ناحیة سارة فمصدره ضعف الإیمان بمواعید الرب لإبراهیم وسارة بأن یکون لهما ابن ! وبعد أن حملت سارة نظرت إلی سیدتها باحتقار لأنها کانت عاقراً فطردتها سیدتها ، ولاقاها ملاک الرب فی الطریق وأمرها أن ترجع إلی سیدتها وإلی بیت إبراهیم ، ووعدها بأنها ستلد ابناً تسمیه إسماعیل ، وأنه یکون أبا لجمهور من الناس ، وأنه سیسکن البریة کحمار وحشی). ( تک 16: 5 - 14 )

وبعد أن رجعت هاجر ولدت إسماعیل ، لما کان إبراهیم ابن ست وثمانین سنة وبعد أن کان له فی أرض کنعان عشر سنین(تک 16: 3 - 16). وقد ختن إسماعیل فی الثالثة عشرة من عمره(تک 17: 25 ) وهی السن التی یختن فیها الأولاد العرب فی الوقت الحاضر.

وفی الولیمة التی أقیمت بمناسبة فطام إسحاق ، سَخِر إسماعیل من أخیه الصغیر وکان إسماعیل حینئذ قد بلغ السادسة عشرة من عمره. فألحَّت سارة علی إبراهیم أن یطرد هاجر وابنها فطردهما (تک 21: 8 - 14 ). فتاهت الأم وابنها فی بریة بئر سبع فی جنوب فلسطین ، وکانا علی وشک الهلاک من الظمأ. فأری الله هاجر بئر ماء ووعدها ثانیة بأن ابنها إسماعیل سیصیر مصدر أمة عظیمة. ومنذ ذلک الحین سکن إسماعیل فی بریة فاران فی جنوب فلسطین علی حدود شبه جزیرة سیناء ، وأصبح ماهراً فی استعمال القوس. وأخذت له أمه زوجة من بلادها ، من مصر (تک 21: 15 - 21) وولد له اثنا عشر ابناً الذین أصبحوا آباء القبائل العربیة(أنظر إسماعیلیین) وولد له أیضاً ابنة اسمها محلة (تک 28: 9) أو بسمة(تک 36: 3) وقد تزوجها

ص: 27

عیسو. وقد اشترک إسماعیل مع إسحاق فی دفن أبیهما إبراهیم فی مَمْرا بالقرب من حبرون. (تک 25: 9). وقد مات إسماعیل بعد أن بلغ من العمر137 سنة).( تک 25: 17 ).

أما مصادرنا فتبرئ إبراهیم وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الظلم والمعصیة

ففی المحاسن:2/337،عن الإمام الصادق(علیه السّلام):(إن إبراهم(علیه السّلام)لما خلف هاجر وإسماعیل بمکة عطش إسماعیل فبکی ، فخرجت هاجر حتی عَلَتْ علی الصفا وبالوادی أشجار فنادت: هل بالوادی من أنیس؟ فلم یجبها أحد ، فانحدرت حتی علت علی المروة ، فنادت هل بالوادی من أنیس؟ فلم تزل تفعل ذلک حتی فعلته سبع مرات ، فلما کانت السابعة هبط علیها جبرئیل(علیه السّلام)فقال لها: أیتها المرأة من أنت ؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهیم ، قال لها: وإلی من خلَّفک؟ قالت: أما إذا قلت ذلک ، لقد قلت له یا إبراهیم إلی من تخلفنی ههنا؟ فقال: إلی الله عز وجل أخلفک ، فقال لها جبرئیل(علیه السّلام): نعم ما خلفک إلیه ، ولقد وکلک إلی کافٍ فارجعی إلی ولدک ، فرجعت إلی البیت وقد انبعث زمزم والماء ظاهر یجری ، فجمعت حوله التراب فحبسته ! قال أبو عبد الله(علیه السّلام): ولو ترکته لکان سیحاً !

ثم مرَّ رکب من الیمن ولم یکونوا یدخلون مکة ، فنظروا إلی الطیر مقبلة علی مکة من کل فج ، فقالوا: ما أقبلت الطیر علی مکة إلا وقد رأت الماء،فمالوا إلی مکة حتی أتوا موضع البیت ، فنزلوا واستقوا من الماء وتزودوا منه ما یکفیهم وخلفوا عندهما من الزاد ما یکفیهما ، فأجری الله لهم بذلک رزقاً.

وروی محمد بن خلف ، عن بعض أصحابه ، قال: فکان الناس یمرون بمکة فیطعمونهم من الطعام ، ویسقونهم من الماء ). (والکافی:4/ 202).

وفی الکافی:4/201:(عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال:لما ولد إسماعیل حمله إبراهیم وأمه علی حمار ، وأقبل معه جبرئیل حتی وضعه فی موضع الحجر ومعه شئ من

ص: 28

زاد وسقاء فیه شئ من ماء ، والبیت یومئذ ربوةٌ حمراء من مَدَر فقال إبراهیم لجبرئیل(علیهماالسّلام): هاهنا أمرت؟ قال: نعم ، قال: ومکة یومئذ سَلَمٌ وسَمَر ، وحول مکة یومئذ ناسٌ من العمالیق).

وروی فی الکافی:4/202عن الإمام الصادق(علیه السّلام)روایة تختلف عن المشهور تذکر أن زمزم الأولی شحَّت فحفرها إبراهیم(علیه السّلام) ، قال:(عن محمد بن یحیی ، وأحمد بن إدریس ، عن عیسی بن محمد بن أبی أیوب ، عن علی بن مهزیار ، عن الحسین بن سعید ، عن علی بن منصور ، عن کلثوم بن عبد المؤمن الحرانی ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: أمر الله عز وجل إبراهیم(علیه السّلام)أن یحج ویحج إسماعیل معه ویسکنه الحرم ، فحجَّا علی جمل أحمر وما معهما إلا جبرئیل(علیه السّلام)، فلما بلغا الحرم قال له جبرئیل: یا إبراهیم إنزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم ، فنزلا فاغتسلا ، وأراهما کیف یتهیئان للإحرام ففعلا ، ثم أمرهما فأهلا بالحج ، وأمرهما بالتلبیات الأربع التی لبی بها المرسلون ، ثم صار بهما إلی الصفا فنزلا وقام جبرئیل بینهما ، واستقبل البیت فکبر الله وکبرا ، وهلل الله وهللا ، وحمد الله وحمدا ، ومجَّد الله ومجَّدا ، وأثنی علیه وفعلا مثل ذلک .

وتقدم جبرئیل وتقدما ، یثنیان علی الله عز وجل ویمجدانه ، حتی انتهی بهما إلی موضع الحجر فاستلم جبرئیل الحجر وأمرهما أن یستلما ، وطاف بهما أسبوعاً ، ثم قام بهما فی موضع مقام إبراهیم(علیه السّلام)فصلی رکعتین وصلیا ، ثم أراهما المناسک وما یعملان به. فلما قضیا مناسکهما أمر الله إبراهیم(علیه السّلام) بالإنصراف وأقام إسماعیل وحده ، ما معه أحد غیر أمه ، فلما کان من قابل أذن الله لإبراهیم(علیه السّلام)فی الحج وبناء الکعبة ، وکانت العرب تحج إلیه وإنما کان ردماً إلا أن قواعده معروفة ، فلما صدر الناس جمع إسماعیل الحجارة وطرحها فی

ص: 29

جوف الکعبة. فلما أذن الله له فی البناء قدم إبراهیم(علیه السّلام)فقال: یا بنیَّ قد أمرنا الله ببناء الکعبة ، وکشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر ، فأوحی الله عز وجل إلیه ضع بناءها علیه ، وأنزل الله عز وجل أربعة أملاک یجمعون إلیه الحجارة ، فکان إبراهیم وإسماعیل(علیهماالسّلام)یضعان الحجارة والملائکة تناولهما ، حتی تمت اثنی عشر ذراعاً ، وهیئا له بابین: باباً یدخل منه وباباًیخرج منه ، ووضعا علیه عتباً وشرجاً من حدید علی أبوابه.

وکانت الکعبة عریانة فصدر إبراهیم وقد سوی البیت وأقام إسماعیل ، فلما ورد علیه الناس نظر إلی امرأة من حِمْیَر أعجبه جمالها ، فسأل الله عز وجل أن یزوجها إیاه ، وکان لها بعل فقضی الله علی بعلها بالموت وأقامت بمکة حزناً علی بعلها ، فأسلی الله ذلک عنها ، وزوجها إسماعیل .

وقدم إبراهیم الحج وکانت امرأة موفقة ، وخرج إسماعیل إلی الطائف یمتار لأهله طعاماً ، فنظرت إلی شیخ شعث ، فسألها عن حالهم فأخبرته بحسن حال ، فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدین ، وسألها ممن أنت ؟ فقالت: امرأة من حِمْیَر فسار إبراهیم ولم یلق إسماعیل ، وقد کتب إبراهیم کتاباً فقال: إدفعی هذا إلی بعلک ، إذا أتی أن شاء الله ، فقدم علیها إسماعیل فدفعت إلیه الکتاب فقرأه فقال: أتدرین من هذا الشیخ ؟ فقالت: لقد رأیته جمیلاً فیه مشابهة منک ، قال: ذاک إبراهیم فقالت: واسوءتاه منه فقال: ولِمَ ، نظرَ إلی شئ من محاسنک؟ فقالت: لا ولکن خفت أن أکون قد قصرت ! وقالت له المرأة وکانت عاقلة: فهلا تعلق علی هذین البابین سترین ستراً من ههنا وستراً من ههنا ؟ فقال لها: نعم فعملا لهما سترین طولهما اثنی عشر ذراعاً فعلقا هما علی البابین فأعجبهما ذلک ، فقالت: فهلاَّ أحوکُ للکعبة ثیاباً فتسترها کلها فإن هذه الحجارة سمجة ؟ فقال لها

ص: 30

إسماعیل: بلی ، فأسرعت فی ذلک وبعثت إلی قومها بصوف کثیر تستغزلهم. قال أبو عبد الله(علیه السّلام): وإنما وقع استغزال النساء من ذلک بعضهن لبعض لذلک ، قال: فأسرعت واستعانت فی ذلک ، فکلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقی وجه من وجوه الکعبة ، فقالت لإسماعیل: کیف نصنع بهذا الوجه الذی لم تدرکه الکسوة ، فکسوه خصفاً فجاء الموسم وجاءته العرب علی حال ماکانت تأتیه ، فنظروا إلی أمر أعجبهم ، فقالوا: ینبغی لعامل هذا البیت أن یهدی إلیه ، فمن ثَمَّ وقع الهدی ، فأتی کل فخذ من العرب بشئ یحمله من ورق ومن أشیاء غیر ذلک ، حتی اجتمع شئ کثیر ، فنزعوا ذلک الخصف وأتموا کسوة البیت وعلقوا علیها بابین .

وکانت الکعبة لیست بمسقفة ، فوضع إسماعیل فیها أعمدة مثل هذه الأعمدة التی ترون من خشب ، وسقفها إسماعیل بالجرائد وسوَّاها بالطین ، فجاءت العرب من الحول فدخلوا الکعبة ورأوا عمارتها فقالوا: ینبغی لعامل هذا البیت أن یزاد ، فلما کان من قابل جاءه الهدی ، فلم یدر إسماعیل کیف یصنع ، فأوحی الله عز وجل إلیه أن انحره وأطعمه الحاج .

قال: وشکا إسماعیل إلی إبراهیم قلة الماء ، فأوحی الله عز وجل إلی إبراهیم أن احتفر بئراً یکون منها شراب الحاج فنزل جبرئیل(علیه السّلام)فاحتفر قلیبهم یعنی زمزم حتی

ظهر ماؤها ثم قال جبرئیل(علیه السّلام):إنزل یا إبراهیم فنزل بعد جبرئیل فقال: یاإبراهیم إضرب فی أربع زوایا البئر وقل بسم الله ، قال فضرب إبراهیم (علیه السّلام)فی الزاویة التی تلی البیت وقال: بسم الله فانفجرت عین ثم ضرب فی الزاویة الثانیة وقال: بسم الله فانفجرت عین ، ثم ضرب فی الثالثة وقال: بسم الله فانفجرت عین ، ثم ضرب فی الرابعة وقال: بسم الله فانفجرت عین.

ص: 31

وقال له جبرئیل:إشرب یا إبراهیم وادع لولدک فیها بالبرکة ، وخرج إبراهیم (علیه السّلام)وجبرئیل جمیعاً من البئر فقال له: أفض علیک یا إبراهیم ، وطف حول البیت فهذه سقیا سقاها الله ولد إسماعیل ، فسار إبراهیم وشیَّعه إسماعیل حتی خرج من الحرم ، فذهب إبراهیم ورجع إسماعیل إلی الحرم ). انتهی .

واتهموا نبی الله هارون وموسی(علیهماالسّلام)بالشرک والمعاصی !

فی قاموس الکتاب المقدس ص995: ( غیر أن هارون أظهر ضعف إیمان فی حالات کثیرة ، وکان أولها لما تأخر موسی وهو علی الجبل مع الرب. فقد ضج الشعب وارتد عن طاعة الله ، وطلب إلی هارون أن یصنع له تماثیل آلهة لیعبدها. فصنع هارون عجل الذهب وبنی له مذبحاً ( خر/32 ). ومع هذا غفر الله له خطأه ، وأمر برسمه ، هو وذریته ، کهنة علی بنی إسرائیل.( خر 40: 12 - 15 ). وبذلک تأسست الکهانة اللاویة ، وأصبح هارون أول رئیس کهنة....

وکان الله کثیر الإحسان لهارون بالرغم من أخطائه. وکانت آخر أخطائه أنه لم یقدس الرب إمام بنی إسرائیل ، لا هو ولا موسی ، فی أواخر رحلة بنی إسرائیل إلی فلسطین وحینما شعر الشعب بالظمأ إمام قادش. فأمر الله بعقابهما ، بمنعهما من دخول فلسطین ، أی بموتهما قبل الوصول إلیها ( عد 20: 1 - 13 ).

وغادر بنو إسرائیل قادش وأتوا إلی جبل هور ، فأمر الرب موسی أن یأخذ هارون وابنه ألعازار ، ویصعد بهما إلی الجبل وهناک یخلع ثیاب هارون الکهنوتیة ویلبسها لابنه. ولما نفذ هارون ذلک مات هارون ، وانضم إلی آبائه وبکاه قومه ثلاثین یوماً ( عد 20: 22 - 29 و33: 37 - 39 وتث 10: 6 ).

وکان عمره عند وفاته مئة وثلاث وعشرین سنة. ولا یزال أثر المکان الذی مات فیه محفوظاً إلی الیوم علی إحدی قمتی جبل هور بالقرب من بترا. وسمی هارون

ص: 32

(قدس الرب). ( مز 106: 16 ).

وکان الیهود المتأخرون یحفظون ذکراه بإکرام. وهم یصومون تذکاراً له فی الیوم الأول من شهر آب. وظلت رئاسة الکهنوت عند العبرانیین فی بیت هارون إلی دمار أورشلیم والهیکل فی سنة 70 م ).

واتهموا أنبیاء الله(علیهم السّلام) بالحیل والدجل والبلاهة !

فی التوراة والإنجیل ص47:(27-1. ولما شاخ إسحق وضعف بصره استدعی ابنه الأکبر عیسو وقال له: یا بنی 2. ها أنا قد شخت ولست أعرف متی یحین یوم وفاتی. 3. فالأن خذ عدتک:جعبتک وقوسک ، وامض إلی البریة واقتنص لی صیداً. 4. وجهز لی طعاماً شهیاً کما أحب وائتنی به لآکل ، لتبارکک نفسی قبل أن أموت. 5. وسمعت رفقة حدیث إسحق لابنه عیسو. فعندما انطلق عیسو إلی البریة لیصطاد صیداً ویأتی به. 6. قالت رفقة لابنها یعقوب: سمعت أباک یقول لعیسو أخیک 7. إقتنص لی صیداً ، وجهز لی أطعمة شهیة لآکل وأبارکک إمام الرب قبل موتی. 8. والأن یا بنی أطع قولی فی ما آمرک به ، 9. واذهب إلی قطیع الماشیة ، واختر جدیین لأجهز لأبیک أطعمة شهیة کما یحب ! 10. تقدمها لأبیک لیأکل ، فیبارکک قبل وفاته. 11. فقال یعقوب لرفقة أمه: أخی عیسو رجل أشعر ، وأنا رجل أملس. 12. وقد یجسنی أبی فیتبین خداعی ، وأستجلب علی نفسی لعنة لا برکة. 13. فقالت له أمه: لعنتک علیَّ یا بنیَّ ، فأطع قولی فقط ، واذهب وأحضر الجدیین لی. 14. فذهب واختارهما وأحضرهما لأمه ، فأعدت رفقة الأطعمة المطیبة کما یحب أبوه 15. وتناولت ثیاب بکرها عیسو الفاخرة الموجودة عندها فی البیت وألبست یعقوب ابنها الأصغر ، 16. وکذلک غطت یدیه وملاسة عنقه بجلد الجدیین. 17. وأعطته ما أعدته من الأطعمة الشهیة

ص: 33

والخبز. 18. فأقبل علی أبیه وقال: یا أبی. فأجابه: نعم یا ابنی من أنت ؟ 19. فقال یعقوب: أنا عیسو بکرک. وقد فعلت کما طلبت ، والأن قم واجلس وکل من صیدی

حتی تبارکنی.20. فقال إسحق: کیف استطعت أن تجد صیداً بمثل هذه السرعة یا ولدی؟ فأجابه: لأن الرب إلهک قد یسر لی ذلک. 21. وقال إسحق: إقترب منی لأجسک یا ابنی لأری أن کنت حقاً ابنی عیسو أم لا. 22. فدنا یعقوب من أبیه إسحق فجسه وقال: الصوت صوت یعقوب ، أما الیدان فهما یدا عیسو. 23. ولم یعرفه لأن یدیه کانتا مشعرتین کیدی أخیه عیسو ، فبارکه !! 24. وسأل: هل أنت ابنی عیسو ؟ فأجاب: أنا هو. 25. ثم قال: قدم لی من صیدک حتی آکل وأبارکک. فأحضر یعقوب إلیه الطعام فأکل ثم قدم له خمراً فشرب ، 26. فقال له إسحق أبوه: تعال وقبلنی یا ولدی. 27 فاقترب منه وقبله ، فتنسم رائحة ثیابه وبارکه قائلاً: ها أن رائحة ابنی کرائحة حقل بارکه الرب ، 28. فلینعم علیک الرب من ندی السماء ومن خیرات الأرض ، فیکثر لک الحنطة والخمر. 29. لتخدمک الشعوب ، وتسجد لک القبائل ، لتکن سیداً علی إخوتک. وبنو أمک لک ینحنون. ولیکن لاعنوک ملعونین ، ومبارکوک مبارکین.

30. ولما فرغ إسحق من مبارکة یعقوب ، وخرج یعقوب من عند أبیه ، رجع عیسو من صیده ، 31. فجهز هو أیضاً أطعمة طیبة وأحضرها إلی أبیه وقال: لیقم أبی ویأکل من صید ابنه فتبارکنی نفسک. 32. فقال إسحق: من أنت ؟ فأجابه: أنا ابنک بکرک عیسو. 33. فارتعد إسحق بعنف وقال: من هو إذا الذی اصطاد صیداً وأحضره إلیَّ فأکلت من الکل قبل أن تجئ ، وبارکته ؟ وحقاً یکون مبارکاً. 34. فما أن سمع عیسو کلام أبیه حتی أطلق صرخة هائلة ومرة جداً وقال: بارکنی أنا أیضاً یا أبی. 35. فأجاب: لقد مکر بی أخوک وسلب برکتک ! 36. فقال: ألم یدع

ص: 34

اسمه یعقوب ؟ لقد تعقبنی مرتین: أخذ بکوریتی ، وها هو یسلبنی الآن برکتی. ثم قال: أما احتفظت لی ببرکة ؟ 37. فأجاب إسحق: لقد جعلته سیداً لک ، وصیرت جمیع إخوته له خداماً ، وبالحنطة والخمر أمددته. فماذا أفعل لک الآن یا ولدی ؟. 38. فقال عیسو: ألک برکة واحدة فقط یا أبی؟ بارکنی أنا أیضاً یا أبی. وأجهش عیسو بالبکاء بصوت عال. 39. فأجابه أبوه: ها مسکنک یکون فی أرض جدباء لایهطل علیها ندی السماء. 40. بسیفک تعیش ولأخیک تکون عبداً ، ولکن حین تجمح تحطم نیره عن عنقک.

41. وحقد عیسو علی یعقوب من أجل ما ناله من برکة أبیه. فناجی نفسه: قریباً یموت أبی ، وبعدئذ أقتل أخی یعقوب. 42. فبلغ رفقة وعید عیسو ابنها الأکبر ، فأرسلت واستدعت یعقوب ابنها الأصغر وقالت له: عیسو یخطط لقتلک. 43. والأن یا ابنی إصغ لقولی ، وقم اهرب إلی أخی لابان إلی حاران ، 44 وامکث عنده أیاماً قلائل ریثما یهدأ سخط أخیک. 45. ومتی سکن غضبه ونسی ما صنعت به ، عندئذ أبعث إلیک لتعود من هناک )!!

واتهموا یوشع(علیه السّلام)بأنه ختن الیهود بسکاکین من حجر الصوان !

فی قاموس الکتاب المقدس ص337: (7: 22. والختان من الشعائر المعروفة فی الیهودیة ، وهو قطع لحم غرلة کل ذکر ابن ثمانیة أیام... وقد ختن إبراهیم وهو فی التاسعة والتسعین وإسماعیل وهو فی الثالثة عشرة. ( تک 17: 11 - 27 ).

ثم تجددت سنة الختان لموسی( لا 12: 3 ) فقضی أن لا یأکل الفصح رجل أغرل. وکان الیهود یحافظون کل المحافظة علی هذه السنة وقد أهملوها أثناء رحلتهم فی البریة. علی أنه عند دخول الشعب أرض کنعان صنع یشوع سکاکین من

ص: 35

الصوان وختن الشعب کله). ( یشوع 5: 2 - 9 ).

وافتروا علی سلیمان(علیه السّلام)أنه أشرک بالله تعالی

فی التوراة/554: (9. فغضب الرب علی سلیمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائیل الذی تراءی له مرتین 10. وأوصاه فی هذا الأمر أن لا یتبع آلهة أخری فلم یحفظ ما أوصی به الرب. 11. فقال الرب لسلیمان من أجل أن ذلک عندک ولم تحفظ عهدی وفرائضی التی أوصیتک بها فإنی أمزق المملکة عنک تمزیقاً وأعطیها لعبدک ). انتهی.

النتائج الخطیرة لتخریب الیهود لعقیدة العدل والعصمة

لهذا العمل الیهودی دلالات مهمة ونتائج خطیرة بل مهولة ، فی عقائد الیهود وحیاتهم ، فی تعاملهم مع ربهم

وأنبیائهم(علیهم السّلام) ، ومع الشعوب الإخری!

فمنها: أنه یکشف سبب التعقید فیهم ، والذی تحول من صفة فی الشخص الیهودی المنحرف ، إلی صفة فی الجماعة الیهودیة کلها ، إلا من عصم الله .

فإن کنت تعتقد أن رب العالمین خالق السماوات والأرضین ، یعامل عباده

بالغضب والظلم والإنتقام ، ویفتقر إلی العلم المطلق ، والحکمة المطلقة ، والرحمة المطلقة.. فمن الطبیعی أن تتأصل فی نفسک الذاتیة ، وتشعر أنک موجودٌ فی مقابل خالقه ، لیس المهم عنده عبادة ربه وطاعته وکسب فیض رحمته ، بل المهم أن یستعمل الحیَل مع ربه لحمایة نفسه منه ، وکسب ما یمکنه منه ! وهذا هو التعقید فی الشخصیة فی أعمق حالاته !

وإذا کان رب العالمین معاذ الله کذلک ، وکان الأنبیاء(علیهم السّلام) جماعة أنانیین شهوانیین ، یسیؤون استعمال السلطة والبرکة التی أعطاهم إیاها ! فماذا عسی أن

ص: 36

یکون الیهودی العادی ؟!!

ومنها: أنه یکشف منشأ نظرتهم الدونیة إلی أنفسهم فضلاً عن غیرهم ، فعقیدة أنهم شعب الله المختار لاتقلل من عقیدة الدونیة ! فما دام أنبیاءهذا الشعب سیؤون ذمیمون ، فصفات عامة الشعب أحط منها وأسوأ بکثیر !

ومنها: أن نعرف سبب عقیدتهم بدونیة الشعوب ، فمن کانت هذه عقیدته إلی أنبیائه(علیهم السّلام) ونفسه ، فلا عجب أن تکون نظرته إلی بقیة شعوب العالم بأنهم حمیر خلقهم الله لیرکبهم أبناء الشعب الیهودی ؟!

ومنها: أنه یکشف سبب حرصهم علی نشر النظرة الدونیة إلی الإنسان فی العالم ، التی تزعم أن الإنسان حیوان یحرکه الجنس لا أکثر !

ولذا کان دارون وفروید الیهودیان أبطالاً قومیین عند الیهود ! لایتکارهما نظریات تساعد فی ترکیز النظرة الیهودیة فی ثقافة شعوب العالم !

ومنها: أنا بذلک نضع یدنا علی فعالیة أحبار یهود المدینة وخیبر والشام والیمن ، ونابغتهم کعب الأحبار ، فی تخریب عقیدة المسلمین فی صفات الله تعالی والطعن فی عدالته ، ونفیهم لعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وخاصة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن أول هدف وأهمه عند الیهودی أن یجعلک مثله تنتقد الله تعالی ورسله ، وتطول لسانک علیهم ، فبذلک تقف معه علی الطریق الذی یریده لک !

راجع ماکتبناه فی(ألف سؤال وإشکال:1/485) عن دور کعب فی تخریب عقائد المسلمین وزرع الیأس فی نفوسهم من المستقبل ، وزعمه حتمیة انتهاء الإسلام وفناء أمته ، وهدم الکعبة وخراب مکة ، خراباً لاتسکن بعده أبداً !

ص: 37

ص: 38

الفصل الثانی: امتیاز الشیعة عن الیهود والسنة بعقیدة العصمة التامة

اشارة

ص: 39

ص: 40

نؤمن بالعدالة المطلقة لله تعالی والعصمة التامة للأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام)

امتاز الشیعة عن غیرهم من جمیع مذاهب المسلمین وأهل الأدیان الأخری بأنهم یعتقدون بالعدالة الکاملة لله تعالی ، والعصمة الکاملة لأنبیائه وأوصیائه (علیهم السّلام) وینزهونهم عن جمیع المعاصی والرذائل ، طوال أعمارهم الشریفة ، قبل البعثة والإمامة وبعدها ، سواء فی تبلیغ الرسالة وعقائدها وأحکامها ، أو فی غیره من سلوکهم الشخصی والعام .

وقد عرَّف الإمام الصادق(علیه السّلام)العصمة کما فی معانی الأخبار للصدوق: ص132:

(حدثنا علی بن الفضل بن العباس البغدادی بالری المعروف بأبی الحسن الحنوطی ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد بن سلیمان بن الحارث ، قال: حدثنا محمد بن علی بن خلف العطار قال: حدثنا حسین الأشقر قال: قلت لهشام بن الحکم: ما معنی قولکم: أن الإمام لا یکون إلا معصوماً ؟ فقال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن ذلک فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله ، وقال الله تبارک وتعالی: ومن یعتصم بالله فقد هدی إلی صراط مستقیم ).

وفی معانی الأخبار ص132: (حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقری قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقری الجرجانی قال: حدثنا أبو بکر

ص: 41

محمد بن الحسن الموصلی ببغداد ، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطریفی ، قال: حدثنا عباس بن یزید بن الحسن الکحال مولی زید بن علی قال: حدثنی أبی قال: حدثنی موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، عن أبیه علی بن الحسین(علیهم السّلام) قال: الإمام منا لایکون إلا معصوماً ، ولیست العصمة فی ظاهر الخلقة فیعرف بها ، ولذلک لایکون إلا منصوصاً.

فقیل له: یا ابن رسول الله فما معنی المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لایفترقان إلی یوم القیامة ، والإمام یهدی إلی القرآن والقرآن یهدی إلی الإمام ، وذلک قول الله عز وجل: " إن هذا القرآن یهدی للتی هی أقوم)" .

وفی معانی الأخبار ص132: (حدثنا محمد بن علی ماجیلویة-(رحمه الله) - قال حدثنا علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحکم فی طول صحبتی له شیئاً أحسن من هذا الکلام فی صفة عصمة الإمام ، فإنی سألته یوماً عن الإمام أهو معصوم؟ فقال: نعم. فقلت: فما صفة العصمة فیه؟ وبأی شئ تعرف؟ فقال: إن جمیع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منفیة عنه لا یجوز أن یکون حریصاً علی هذه الدنیا وهی تحت خاتمه لأنه خازن المسلمین ، فعلی ماذا یحرص ؟ ولا یجوز أن یکون حسوداً لأن الإنسان إنما یحسد من فوقه ولیس فوقه أحد ، فکیف یحسد من هو دونه ؟ ولا یجوز أن یغضب لشئ من امور الدنیا إلا أن یکون غضبه لله عز وجل ، فإن الله عز وجل قد فرض علیه إقامة الحدود وأن لا تأخذه فی الله لومة لائم ولا رأفة فی دینه حتی یقیم حدود الله عز وجل ، ولا یجوز له أن یتبع الشهوات ویؤثر الدنیا علی الآخرة لأن الله عز وجل حبب إلیه الآخرة کما حبب إلینا الدنیا فهو ینظر إلی الآخرة کما ننظر إلی الدنیا فهل رأیت أحداً ترک وجهاً حسناً لوجه قبیح وطعاماً طیباً لطعام مر وثوباً لینا

ص: 42

لثوب خشن ونعمةً دائمةً باقیة لدنیا زائلة فانیة). (ورواه فی علل الشرائع:1/204. وأمالی الصدوق/731:والخصال/215 )

وهذا الإمتیاز معروف للجمیع عن الشیعة ، من عصر النبی والأئمة(علیهم السّلام) .

قال الرازی فی تفسیره:3/7: ( واختلف الناس علی ثلاثة أقوال:

أحدها: قول من ذهب إلی أنهم معصومون من وقت مولدهم ، وهو قول الرافضة.

وثانیها: قول من ذهب إلی عصمتهم وقت بلوغهم ، ولم یجوزوا منهم ارتکاب الکفر والکبیرة قبل النبوة ، وهو قول کثیر من المعتزلة .

وثالثها: قول من ذهب إلی أن ذلک (یعنی ارتکاب الکفر والکبیرة) لایجوز وقت النبوة أما قبلها فجائز ، وهو قول أکثر

أصحابنا ، وقول أبی الهذیل العلاف ، وأبی علی من المعتزلة ).

وقال أیضاً فی عصمة الأنبیاءص8: (وقد اختلفوا فیه علی خمسة مذاهب:

( الأول): الحشویة وهو أنه یجوز علیهم الإقدام علی الکبائر والصغائر.

(الثانی): أنه لایجوز منهم تعمد الکبیرة البتة ، وأما تعمد الصغیرة فهو جائز بشرط أن لا تکون منفراً ، وأما أن کانت منفراً فذلک لایجوز علیهم ، مثل التطفیف بما دون الحبة ، وهو قول أکثر المعتزلة.

(الثالث) أنه لا یجوز علیهم تعمد الکبیرة والصغیرة ، ولکن یجوز صدور الذنب منهم علی سبیل الخطأ فی التأویل ، وهو قول أبی علی الجبائی

(الرابع): أنه لایجوز علیهم الکبیرة ولا الصغیرة ، لا بالعمد ولا بالتأویل والخطأ. أما السهو والنسیان فجائز، ثم إنهم یعاتبون علی ذلک السهو والنسیان لما أن علومهم أکمل ، فکان الواجب علیهم المبالغة فی التیقظ ، وهو قول أبی إسحاق إبراهیم بن سیار النظام.

ص: 43

(الخامس): أنه لا یجوز علیهم الکبیرة ولا الصغیرة ، لا بالعمد ولا بالتأویل ، ولا بالسهو والنسیان. وهذا مذهب الشیعة ).

وقال فی تفسیره:18/9: (وعندنا العصمة إنما تعتبر فی وقت النبوة لاقبلها).

وهذه النصوص من عالم سنی مشهود له بالعمق والدقة ، تکشف لنا أنه لم ینج من التأثر بالتهم الیهودیة للأنبیاء(علیهم السّلام) إلا الشیعة ، أتباع العترة النبویة الطاهرة صلوات الله علیهم .

کما تکشف لنا خریطة التأثیر الیهودی بنسب متفاوتة علی فئات المسلمین فی تنقیصهم من مقام الأنبیاء(علیهم السّلام) ، مع الإلتفات إلی أن ماذکره الرازی هو القدر المتبنی رسمیاً فی فتاوی علمائهم وعقائدهم ، أما فی مصادرهم الصحیحة فهی حافلة بأنواع الطعن فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وعدالتهم واتهامهم فی سلوکهم الشخصی ، وحتی فی تبلیغهم للرسالة !

وسبب ذلک ما نشره الیهود فیهم من مفاهیم وقصص انتقاص الأنبیاء(علیهم السّلام) ! وإن حکومات الخلافة القرشیة شجعت تلک الروایات وجعلت مجالسها مجالس رسمیة فی مسجد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وغیره من مساجد المسلمین ، وأعطت رواتها مناصب علیاً فی الدولة !

کما أنها شجعت علی روایات الإنتقاص من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لتبریر عمل الخلفاء ، ورفعهم إلی صف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بل تفضیلهم علیه أحیاناً ، کما سیأتی !

ص: 44

الفصل الثالث :من أحادیث الشیعة فی عصمة الأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) عصمة تامة

اشارة

ص: 45

ص: 46

من شرائع دیننا عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام)

فی الخصال للصدوق ص603: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهیثم العجلی ، وأحمد بن الحسن القطان ، ومحمد بن أحمد السنانی ، والحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المکتب ، وعبد الله بن محمد الصائغ ، وعلی بن عبد الله الوراق رضی الله عنهم قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن یحیی بن زکریا القطان قال: حدثنا بکر بن عبد الله بن حبیب قال: حدثنا تمیم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاویة ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمد(علیهماالسّلام)قال:

(هذه شرائع الدین لمن أراد أن یتمسک بها وأراد الله هداه:

إسباع الوضوء کما أمر الله عز وجل فی کتابه الناطق ، غسل الوجه والیدین إلی المرفقین ، ومسح الرأس والقدمین إلی الکعبین ، مرة مرة. ومرتان جائز.... وهو حدیث طویل تضمن أهم أحکام الوضوء والأغسال والفرائض والنوافل وصلاة الجماعة ، وأحکام الزکاة... وجاء فیه قوله(علیه السّلام):

وبر الوالدین واجب ، فإن کانا مشرکین فلا تطعهما ولا غیرهما فی المعصیة ، فإنه لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق. والأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) لاذنوب لهم ، لأنهم

ص: 47

معصومون مطهرون...الی أن قال(علیه السّلام): ولا یفرض الله عزوجل علی عباده طاعة من یعلم أنه یغویهم ویضلهم ، ولا یختار لرسالته ولا یصطفی من عباده من یعلم أنه یکفر به ویعبد الشیطان دونه ، ولا یتخذ علی خلقه حجة إلا معصوماً. والإسلام غیر الإیمان وکل مؤمن مسلم ، ولیس کل مسلم مؤمن...الخ.).

وفی أمالی الصدوق ص738: (المجلس الثالث والتسعون ، مجلس یوم الجمعة الثالث عشر من شعبان سنة ثمان وستین وثلاثمائة:

واجتمع فی هذا الیوم إلی الشیخ الفقیه أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی(رض)، أهل مجلسه والمشایخ ، فسألوه أن یملی علیهم وصف دین الإمامیة علی الإیجاز والإختصار ، فقال رضی الله عنه:

دین الإمامیة هو الإقرار بتوحید الله تعالی ذکره ونفی التشبیه عنه ، وتنزیهه عما لا یلیق به ، والإقرار بأنبیاءالله ورسله وحججه وملائکته وکتبه ، والإقرار بأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو سید الأنبیاءوالمرسلین ، وأنه أفضل منهم ومن جمیع الملائکة المقربین ، وأنه خاتم النبیین ، فلا نبی بعده إلی یوم القیامة ، وإن جمیع الأنبیاءوالرسل والأئمة(علیهم السّلام) أفضل من الملائکة ، وأنهم معصومون مطهرون من کل دنس ورجس، لا یهمون بذنب صغیر ولا کبیر ولا یرتکبونه، وأنهم أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء.

وإن الدعائم التی بنی الإسلام علیها خمس: الصلاة ، والزکاة ، والصوم ، والحج ، وولایة النبی والأئمة صلوات الله علیهم بعده ، وهم اثنا عشر إماماً ، أولهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم الباقر محمد بن علی ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم الکاظم موسی بن جعفر ، ثم الرضا علی بن موسی ، ثم الجواد محمد بن علی ، ثم الهادی علی بن محمد ، ثم العسکری الحسن بن علی ، ثم الحجة بن الحسن بن علی، (علیهم السّلام) ، والإقرار

ص: 48

بأنهم أولوا الأمر الذین أمر الله عز وجل بطاعتهم، فقال: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أطیعوا اللهَ وَأطیعوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأمر مِنْکُمْ ) (النساء:59) وإن طاعتهم طاعة الله ، ومعصیتهم معصیة الله ، وولیهم ولی الله ، وعدوهم عدو الله عز وجل. ومودة ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا کانوا علی منهاج آبائهم الطاهرین فریضةٌ واجبةٌ فی أعناق العباد إلی یوم القیامة ، وهی أجر النبوة ، لقول الله عز وجل: ( قُلْ لاأَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إلاالْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی)(الشوری:23) والإقرار بأن الإسلام هو الإقرار بالشهادتین ، والإیمان هو إقرار باللسان ، وعقد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، لا یکون الإیمان إلا هکذا ، ومن شهد الشهادتین فقد حقن ماله ودمه إلا بحقها ، وحسابه علی الله عز وجل).

وفی التوحید للصدوق ص118: (حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رحمه الله) قال: حدثنا علی بن الحسین السعد آبادی ، عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی ، عن أبیه محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبی الصالح ،عن عبد الله بن عباس فی قوله عزوجل: فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وأنا أول الْمُؤْمِنِینَ ، قال: یقول سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ من أن أسألک الرؤیة وأنا أول الْمُؤْمِنِینَ بأنک لا تری .

قال محمد بن علی بن الحسین مصنف هذا الکتاب رضی الله عنه:

إن موسی(علیه السّلام)علم أن الله عز وجل لایجوز علیه الرؤیة ، وإنما سأل الله عز وجل أن یریه ینظر إلیه عن قومه حین ألحوا علیه فی ذلک ، فسأل موسی ربه ذلک من غیر أن یستأذنه فقال: رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فی حال تزلزله فَسَوْفَ تَرَانِی ، ومعناه إنک لا ترانی أبداً ، لأن الجبل لایکون ساکناً متحرکاً فی حال أبداً، وهذا مثل قوله عزوجل: وَلا یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

ص: 49

حَتَّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیَاطِ ، ومعناه أنهم لا یدخلون الجنة أبداً ، کما لایلج الجمل فی سم الخیاط أبداً .

فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، أی ظهر للجبل بآیة من آیاته ، وتلک الآیة نور من الأنوار التی خلقها ألقی منها علی ذلک الجبل جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً ، من هول تزلزل ذلک الجبل علی عظمه وکبره .

فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ ، أی رجعت إلی معرفتی بک عادلاً عما حملنی علیه قومی من سؤالک الرؤیة ، ولم تکن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبیاءلا یذنبون ذنباً صغیراً ولا کبیراً ، ولم یکن الإستیذان قبل السؤال بواجب علیه ، لکنه کان أدباًیستعمله ویأخذ به نفسه متی أراد أن یسأله ، علی أنه قد روی قوم أنه قد استأذن فی ذلک فأذن له ، لیعلم قومه بذلک أن الرؤیة لا تجوز علی الله عزوجل .

وقوله: وأنا أول الْمُؤْمِنِینَ ، یقول: وأنا أول المؤمنین من القوم الذین کانوا معه وسألوه أن یسأل ربه أن یریه ینظر إلیه ، بأنک لا تری .

وجوب طاعة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) تستوجب عصمتهم

فی علل الشرائع للصدوق:1/123: (حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل(رض) قال: حدثنا علی بن الحسین السعد آبادی ، عن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن ابن أذینة ، عن أبان بن أبی عیاش ، عن سلیم بن قیس قال سمعت أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یقول: إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولی الأمرلأنهم معصومون مطهرون لایأمرون بمعصیته ).

ص: 50

وفی الخصال ص139: (حدثنا أبی(رض)قال: حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن عمر بن أذینة. عن أبان بن أبی عیاش ، عن سلیم بن قیس الهلالی قال: سمعت أمیر المؤمنین علیاً(علیه السّلام)یقول: إحذروا علی دینکم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتی إذا رأیت علیه بهجته ، اخترط سیفه علی جاره ورماه بالشرک !

فقلت: یا أمیر المؤمنین أیهما أولی بالشرک ؟ قال: الرامی

ورجلاً استخفته الأحادیث ، کلما أُحدثت أحدوثة کذب مدَّها بأطول منها !

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصیته معصیة الله ! وکذبَ لأنه لاطاعة لمخلوق فی معصیة الخالق ، لاینبغی للمخلوق أن یکون حبه لمعصیة الله ، فلا طاعة فی معصیته ولا طاعة لمن عصی الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر ، لایأمر بمعصیته ، وإنما أمر بطاعة أولی الأمر لأنهم معصومون مطهرون لایأمرون بمعصیته ).

ضرورة بعثة الأنبیاء(علیهم السّلام) تستوجب عصمتهم

فی الکافی:1/168عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال:(إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالیاً عنا وعن جمیع ما خلق ، وکان ذلک الصانع حکیماً متعالیاً ، لم یجز أن یشاهده خلقه ولایلامسوه فیباشرهم ویباشروه ، ویحاجهم ویحاجوه، ثبت أن له سفراء فی خلقه ، یُعَبِّرون عنه إلی خلقه وعباده ، ویدلونهم علی مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفی ترکه فناؤهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحکیم العلیم فی خلقه والمعبِّرون عنه جلَّ وعز ، وهم الأنبیاء(علیهم السّلام) وصفوته من خلقه ، حکماء مؤدبین بالحکمة ، مبعوثین بها ، غیر مشارکین للناس- علی مشارکتهم لهم فی الخلق والترکیب- فی شئ من أحوبالهم ، مؤیدین من عند الحکیم العلیم بالحکمة. ثم ثبت ذلک فی کل

ص: 51

دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبیاء من الدلائل والبراهین لکی لاتخلو أرض الله من حجة ، یکون معه عَلَم یدل علی صدق مقالته وجواز عدالته ). انتهی .

وقال الوحید الخراسانی فی شرح هذا الحدیث فی منهاج الصالحین:1/64:(ومعناه أن کل فعل وترک وحرکة وسکون یصدر من الإنسان ، إما أن یکون نافعاً لدنیاه وآخرته ، أو ضاراً ، أو غیر نافع ولا ضار ، وعلی کل الفروض یحتاج الإنسان إلی معرفة ما هو النافع وما هو الضار وما هو المصلح والمفسد لدنیاه وآخرته ، وهذه المعرفة لا تتیسر إلا من عند من هو خبیر بالرابطة التی بین الأفعال والتروک وصلاح الإنسان وفساده ، ومحیطٌ بتأثیر الحرکات والسکنات فی حیاة الإنسان فی الدنیا والآخرة ، وإنما هو خالق الإنسان وخالق الدنیا والآخرة سبحانه. ولما کانت حکمته تعالی تستوجب أن یدل عباده علی ذلک ، وکانت دلالته علیه بدون واسطة غیر ممکنة لتعالیه عن مباشرتهم ومخاطبتهم ، فلا بد من سفراء مختارین (یدلونهم علی مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفی ترکه فناؤهم).

وهذا البرهان یمتاز من جهات عما برهن به الفلاسفة علی ضرورة النبوة ، الذی اعتمد علی قاعدة أن الإنسان مدنی بالطبع فیحتاج إلی قوانین عادلة لمعاملاته وعلاقاته الاجتماعیة ، فإن دلیلهم مختص بالحیاة الاجتماعیة علی الأرض ، بینما دلیل الإمام(علیه السّلام)یشمل عموم مصالح الإنسان ومضاره فی کل عوالم الوجود).

العصمة من أول صفات الإمام(علیه السّلام)

فی الخصال ص428: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهیثم العجلی(رض)قال: حدثنا أحمد بن یحیی بن زکریا القطان قال: حدثنا بکربن عبد الله بن حبیب

ص: 52

قال: حدثنا تمیم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاویة ، عن سلیمان بن مهران ، عن أبی عبدالله جعفر بن محمد(علیهماالسّلام)قال: عشر خصال من صفات الإمام: العصمة ، والنصوص ، وإن یکون أعلم الناس ، وأتقاهم لله ، وأعلمهم بکتاب الله ، وإن یکون صاحب الوصیة الظاهرة ، ویکون له المعجز والدلیل ، وتنام عینه ولا ینام قلبه ، ولا یکون له فئٌ ، ویری من خلفه کما یری من بین یدیه).

أحادیث نَصَّتْ علی إمامة الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) وعصمتهم

فی أمالی الصدوق ص574: (حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی(رحمه الله) قال:حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم قال: حدثنا جعفر بن سلمة الأهوازی قال: حدثنا إبراهیم بن محمد الثقفی ، عن إبراهیم بن موسی بن أخت الواقدی قال: حدثنا أبو قتادة الحرانی ، عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمی، عن سعید بن المسیب ، عن ابن عباس قال: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان جالساً ذات یوم وعنده علیٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسینُ فقال: اللهم إنک تعلم أن هؤلاء أهل بیتی وأکرم الناس علیَّ فأحبب من أحبَّهم وأبغض من أبغضهم ، ووال من والأهم وعاد من عاداهم ، وأعن من أعانهم. واجعلهم مطهرین من کل رجس ، معصومین من کل ذنب ، وأیدهم بروح القدس.

ثم قال: یا علیُّ أنت إمام أمتی، وخلیفتی علیها بعدی ، وأنت قائد المؤمنین إلی الجنة ، وکأنی أنظر إلی ابنتی فاطمة قد أقبلت یوم القیامة علی نجیب من نور ، عن یمینها سبعون ألف ملک ، وعن یسارها سبعون ألف ملک ، وبین یدیها سبعون ألف ملک ، وخلفها سبعون ألف ملک ، تقود مؤمنات أمتی إلی الجنة ، فأیما امرأة صلت فی الیوم واللیلة خمس صلوات ، وصامت شهر رمضان ، وحجت بیت الله الحرام ، وزکت مالها ، وأطاعت زوجها ، ووالت علیاً بعدی ، دخلت الجنة بشفاعة ابنتی

ص: 53

فاطمة ، وإنها لسیدة نساء العالمین.

فقیل له: یا رسول الله أهی سیدة نساء عالمها ؟ فقال النبی: ذاک لمریم بنت عمران، فأما ابنتی فاطمة فهی سیدة نساء العالمین من الأولین والإخرین ، وإنها لتقوم فی محرابها فیسلم علیها سبعون ألف ملک من الملائکة المقربین، وینادونها بما نادت به الملائکة مریم فیقولون: یا فاطمة (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاکِ وَطَهَّرَکِ وَاصْطَفَاکِ عَلَی نِسَاءِ الْعَالَمِینَ. ثم التفت إلی علیٍّ فقال: یا علیُّ ، أن فاطمة بضعة منی ، وهی نور عینی ، وثمرة فؤادی ، یسوءنی ما ساءها ، ویسرنی ما سرها ، وإنها أول من یلحقنی من أهل بیتی فأحسن إلیها بعدی.

وأما الحسن والحسین فهما ابنای وریحانتای ، وهما سیدا شباب أهل الجنة ، فلیکرما علیک کسمعک وبصرک. ثم رفع, یده إلی السماء ، فقال: اللهم إنی أشهدک أنی محب لمن أحبهم ، ومبغض لمن أبغضهم ، وسلم لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم ، وعدو لمن عاداهم ، وولی لمن والأهم ). وفی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/65: (حدثنا علی بن عبد الله الوراق الرازی قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا الهیثم بن أبی مسروق النهدی ، عن الحسین بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن سعد بن طریف ، عن الأصبغ بن نباته ، عن عبدالله بن عباس قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أنا وعلیٌّ والحسنُ والحسینُ وتسعةٌ وُلْدِ الحسین ، مطهرون معصومون

). ( ورواه أیضاً فی کمال الدین ص280 ، وفی کفایة الأثر ص19) .

وفی دلائل الإمامة للطبری الشیعی ص506: (أخبرنی أبو القإسم عبد الباقی بن یزداد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبی قراءة فی یوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعین وثلاثمائة ، قال: أخبرنا أبو علی أحمد بن محمد بن یحیی العطار ، عن سعد بن عبد الله بن أبی خلف القمی ، من حدیث

ص: 54

طویل ، قال:

کنت أمرءً لَهِجاً بجمع الکتب المشتملة علی غوامض العلوم ودقائقها ، کَلِفاَ باستظهار ما یصح من حقائقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحیحاً علی ما أظفر به من معاضلها ومشکلاتها ، ومتعصباً لمذهب الإمامیة ، راغباً عن الأمن والسلامة فی انتظار التنازع والتخاصم ، والتعدی إلی التباغض والتشاتم ، معیباً للفرق ذوی الخلاف ، کشافاً عن مثالب أئمتهم ، هتاکاً لحجب قادتهم.

إلی أن بلیت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأکثرهم جدالاً ، وأقشعهم سؤالاً ، وأثبتهم علی الباطل قدماً. فقال ذات یوم وأنا أناظره:

تباً لک یا سعد ولأصحابک ، إنکم معشر الرافضة تقصدون علی المهاجرین والأنصار بالطعن علیهما....

وکنت قد اتخذت طوماراً ، وأثبت فیه نیفا وأربعین مسألة من صعاب المسائل التی لم أجد لها مجیباً ، علی أن أسأل عنها خیر أهل بلدی أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبی محمد(علیه السّلام)فارتحلت خلفه ، وقد کان خرج قاصداً نحو م ولأی بسر من رأی ، فلحقته فی بعض المناهل ، فلما تصافحنا قال: لخیر لحاقک بی ؟ قلت: الشوق ، ثم العادة فی الأسئلة. قال: قد تکافأنا علی هذه الخطة الواحدة ، فقد برح بی الشوق إلی لقاء مولانا أبی محمد(علیه السّلام)، وأرید أن أسأله عن معاضل فی التأویل ومشاکل من التنزیل ، فدونکها الصحبة المبارکة ، فإنها تقف بک علی ضفة بحر لاتنقضی عجائبه ، ولا تفنی غرائبه ، وهو إمامنا.

فوردنا سر من رأی فانتهینا منها إلی باب سیدنا(علیه السّلام)، فاستأذنا فخرج إلینا الإذن بالدخول علیه ، وکان علی عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بکساء طبری ، فیه ستون ومائة صرة من الدنانیر والدارهم ، علی کل صرة ختم صاحبها.

ص: 55

قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد(علیه السّلام)حین غشینا نور وجهه إلا ببدر قد استوفی من لیالیه أربعاً بعد عشر ، وعلی فخذه الأیمن غلام یناسب المشتری فی الخلقة والمنظر ، علی رأسه فرق بین وفرتین ، کأنه ألف بین واوین ، وبین یدی مولانا(علیه السّلام)رمانة ذهبیة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المرکبة علیها ، قد کان أهداها إلیه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبیده قلم ، إذا أراد أن یسطر به علی البیاض قبض الغلام علی أصابعه ، وکان مولانا(علیه السّلام)یدحرج الرمانة بین یدیه

ویشغله بردها لئلا یصده عن کتبة ما أراد ، فسلَّمنا علیه فألطف فی الجواب ، وأومأ إلینا بالجلوس ، فلما فرغ من کتابة البیاض الذی کان بیده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طیِّ کسائه ، فوضعه بین یدی مولانا فنظر أبو محمد(علیه السّلام)إلی الغلام وقال: یا بنی ، فض الخاتم عن هدایا شیعتک وموالیک.

فقال: یا م ولأی ، أیجوز لی أن أمد یداً طاهرة إلی هدایا نجسة ، وأموال رجسة قد شیب أحلها بأحرمها ؟!

فقال مولانا(علیه السّلام): یا بن إسحاق ، استخرج ما فی الجراب لیمیز بین الأحل منها والأحرم. فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلأن بن فلأن من محلة کذا بقم ، تشتمل علی اثنین وستین دیناراً ، فیها من ثمن حجرة باعها وکانت إرثاً له من أبیه خمسة وأربعون دیناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دیناراً ، وفیها من أجرة الحوانیت ثلاثة دنانیر .

فقال مولانا(علیه السّلام): صدقت یا بنی ، دُلَّ الرجل علی الحرام منها....

قال أحمد (روای الحدیث عن سعد): وکان ذلک الثوب فی حقیبة لی فنسیته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق لیأتیه بالثوب نظر إلی مولانا أبو محمد(علیه السّلام)فقال: ما جاء بک یا سعد؟ فقلت: شوقنی أحمد بن إسحاق إلی لقاء مولانا. فقال:

ص: 56

والمسائل التی أردت أن تسأله عنها ؟ قلت: علی حالتها یا مولای. فقال: سل قرة عینی ، وأومأ إلی الغلام ، عما بدا لک منها.

فقلت: مولانا وابن مولانا ، أنا روینا عنکم أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جعل طلاق نسائه بید أمیر المؤمنین صلوات الله علیه حتی أرسل یوم الجمل إلی عائشة: "إنک قد أرهجت علی الإسلام وأهله بفتنتک ، وأوردت بنیک حیاض الهلاک بجهلک ، فإن کففت عنی غربک وإلا طلقتک". ونساء رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد کان طلاقهن بوفاته ؟!

قال(علیه السّلام): ما الطلاق؟ قلت: تخلیة السبیل. قال:فإذا کنَّ بوفاة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قد خُلِّیَ سبیلهنَّ، فلِمَ لایحلُّ لهنَّ الأزواج؟ قلت: لأن الله حرم الأزواج علیهن قال: کیف وقد خلَّی الموت سبیلهن ؟ قلت فأخبرنی یا بن م ولأی عن معنی الطلاق الذی فوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حکمه إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)؟

قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخصهن بشرف الأمهات ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا أبا الحسن ، إن هذا الشرف باق لهن ما دُمْنَ لله علی الطاعة ، فأیتهن عصت الله بعدی بالخروج علیک ، فأطلق لها فی الأزواج وأسقطها من شرف الأمهات ومن شرف أمومة المؤمنین.....

قلت: فأخبرنی یا م ولأی عن العلة التی تمنع القوم من اختیار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلحٌ أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: هل یجوز أن تقع خیرتهم علی الفساد بعد أن لا یعلم أحد ما یخطر ببال غیره من صلاح أو فساد ؟

قلت: بلی. قال: فهی العلة أوردها لک ببرهان ینقاد له عقلک: أخبرنی عن الرسل الذین اصطفاهم الله وأنزل علیهم علمه ، وأیدهم بالوحی والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم ، وأهدی إلی الإختیار منهم ، مثل موسی وعیسی(علیهماالسّلام)، هل یجوز مع وفور عقلهما وکمال علمهما ، إذا هما بالإختیار أن تقع خیرتهما علی المنافق ، وهما یظنان

ص: 57

أنه مؤمن ؟ قلت: لا .

قال(علیه السّلام): فهذا موسی کلیم الله مع وفور عقله وکمال علمه ، اختار من أعیان قومه ووجوه عسکره لمیقات ربه سبعین رجلاً ، ممن لم یشک فی إیمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خیرته علی المنافقین ، قال الله عز وجل: وَاخْتَارَ مُوسَی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رجلاً لِمِیقَاتِنَا ، وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ ، فلما وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله لنبوته ، واقعاً علی الأفسد دون الأصلح ، وهو یظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختیار إلا لمن یعلم ما تخفی الصدور وتُکنُّ الضمائر ، وتنصرف علیه السرائر ، وإن لاخطر لاختیار المهاجرین والأنصار بعد وقوع خیرة الأنبیاء(علیهم السّلام) ... ). انتهی.

کتاب کفایة الأثر فی النصوص علی الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام)

وهو کتاب جلیل جمع فیه مؤلفه الخزاز القمی(رحمه الله)وهو من علماء القرن الرابع ، الأحادیث النبویة علی إمامة الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) عن ثلاثین صحابیاً من طرق غیر أهل البیت(علیهم السّلام) . وقد اقترحنا علی بعض الفضلاء تحقیقه وتخریج أحادیثه ، وسیصدر فی مجلدات إن شاء الله ، وهذه بعض أحادیثه فی عصمتهم(علیهم السّلام) :

فی کفایة الأثرص 29: (حدثنا علی بن الحسین ، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن البرقوی(رض)، قال حدثنا القاضی أبو إسماعیل جعفر بن الحسین البلخی ، قال حدثنا شقیق البلخی ، عن سماک ، عن زید بن أسلم ، عن أبی هرون العبدی ، عن سعید الخدری قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول:

أهل بیتی أمانٌ لأهل الأرض کما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء.

قیل: یارسول الله فالأئمة بعدک من أهل بیتک؟ قال: نعم الأئمة بعدی اثنا عشر تسعةً من صلب الحسین ، أمناء معصومون. ومنا مهدی هذه الأئمة ، إلا إنهم أهل بیتی

ص: 58

وعترتی من لحمی ودمی ، ما بال أقوام یؤذوننی فیهم ، لا أنالهم الله شفاعتی ).

وفی کفایة الأثر: ص35: (حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشیبانی(رحمه الله) ، قال حدثنا محمد بن ریاح الأشجعی ، قال حدثنا محمد بن غالب بن الحارث ، قال حدثنا إسماعیل بن عمرو البجلی ، قال حدثنا عبد الکریم ، عن أبی الحسن ، عن أبی الحرث ، عن أبی ذر قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: من أحبنی وأهل بیتی کنا نحن وهو کهاتین- وأشار بالسبابة والوسطی- ثم قال: أخی خیر الأوصیاء ، وسبطی خیر الأسباط ، وسوف یخرج الله تبارک وتعالی من صلب الحسین أئمة أبراراً ، ومنا مهدی هذه الأمة.

قلت: یارسول الله وکم الأئمة بعدک ؟ قال: عدد نقباء بنی إسرائیل.

حدثنا القاضی أبو الفرج المعافا بن زکریا البغدادی ، قال حدثنی محمد بن همام بن سهیل الکاتب ، قال حدثنی محمد بن معافا السلماسی ، عن محمد بن عامر ، قال حدثنا عبدالله بن زاهر ، عن عبد العدوس ، عن الأعمش ، عن حبش بن المعتمر قال: قال أبو ذر الغفاری رحمة الله علیه: دخلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مرضه الذی توفی فیه ، فقال: یا أبا ذر إیتنی بابنتی فاطمة. قال:

فقمت ودخلت علیها وقلت: یا سیدة النسوان أجیبی أباک. قال: فلبت منحلها وأبرزت وخرجت حتی دخلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلما رأت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )انکبت علیه وبکت وبکی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لبکائها وضمها إلیه ، ثم قال: یا فاطمة لا تبکین فداک أبوک ، فأنت أول من تلحقین بی مظلومة مغصوبة ، وسوف یظهر بعدی حسیکة النفاق وسمل حلباب الدین ، وأنت أول من یرد علی الحوض.

قالت: یاأبَهْ أین ألقاک ؟ قال: تلقینی عند الحوض وأنا أسقی شیعتک ومحبیک وأطرد أعداک ومبغضیک. قالت: یا رسول الله فإن لم ألقک عند الحوض؟ قال تلقینی عند المیزان. قالت: یا أبَهْ وإن لم ألقک عند المیزان ؟ قال: تلقینی عند الصراط وأنا

ص: 59

أقول: سلِّمْ سلِّمْ شیعة علی.

قال أبو ذر: فسکن قلبها ثم التفت الی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا أبا ذر أنها بضعة منی فمن آذاها فقد آذانی ، إلا أنها سیدة نساء العالمین ، وبعلها سید الوصیین ، وابنیها الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة ، وإنهما إمامان أن قاما أو قعدا ، وأبوهما خیر منهما ، وسوف یخرج من صلب الحسین تسعة من الأئمه معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهدی هذه الأمة. قال قلت: یا رسول الله فکم الأئمة بعدک؟ قال: عدد نقباء بنی اسرائیل.

وفی کفایة الأثر: ص44: (حدثنا علی بن الحسین بن محمد قال:حدثنا هارون بن موسی(رض)قال: أحمد بن محمد بن سعید قال: حدثنا محمد بن عامر بن السائب الثقفی ، عن أبیه ، عن سلمان الفارسی رحمة الله علیه قال: دخلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعنده الحسن والحسین یتغدیان والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یضع اللقمة تارة فی فم الحسن وتارة فی فم الحسین ، فلما فرغا من الطعام أخذ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الحسن علی عاتقه والحسین علی فخذه ، ثم قال: یا سلمان أتحبهم ؟ قلت: یا رسول الله کیف لا أحبهم ومکانهم منک مکانهم ؟ قال: یا سلمان من أحبهم فقد أحبنی ، ومن أحبنی فقد أحب الله. ثم وضع یده علی کتف الحسین(علیه السّلام)فقال: أنه الإمام ابن الإمام ، تسعة من صلبه أئمة أبرار ، أمناء ، معصومون ، والتاسع قائمهم ).

وفی کفایة الأثر: ص73: (حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عیاش الجوهری قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفوانی قال:حدثنا محمد بن الحسین قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحمصی قال: حدثنا بن حماد ، عن أنس بن سیرین ، عن أنس بن مالک ، قال: صلی بنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صلاة الفجر ، ثم أقبل علینا فقال: معاشر أصحابی من أحب أهل بیتی حشر معنا ، ومن استمسک بأوصیائی من بعدی فقد استمسک بالعروة الوثقی.

ص: 60

فقام إلیه أبو ذر الغفاری فقال: یا رسول الله کم الأئمة بعدک؟ قال: عدد نقباء بنی إسرائیل ، فقال: کلهم من أهل بیتک؟ قال: کلهم من أهل بیتی ، تسعة من صلب الحسین ، والمهدی منهم.

حدثنا محمد بن عبد الله الشیبانی(رحمه الله) قال: حدثنا رجا بن یحیی العرآنی الکاتب قال: حدثنا یعقوب بن إسحق عن محمد بن بشارقال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ، عن هشام بن زید ، عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما عرج بی إلی السماء رأیت علی ساق العرش مکتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله أیدته بعلی ونصرته. ورأیت اثنی عشر إسماً مکتوباً بالنور فیهم علی بن أبی طالب وسبطی وبعدهما تسعة أسماء علیاً علیاً ثلاث مرات ، ومحمد ومحمد مرتین ، وجعفر وموسی والحسن ، والحجة یتلألأ من بینهم ، فقلت: یا رب أسامی من هؤلاء؟ فنادانی ربی جل جلاله: هم الأوصیاء من ذریتک ، بهم أثیب وأعاقب ).

وفی کفایة الأثر ص75: وعنه قال: حدثنا أبو مزاحم موسی بن عبد الله بن یحیی بن خاقان المقرئ ببغداد قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن الفضل بن ربیع أبو العباس مولی بنی هاشم قال: حدثنی عثمان بن أبی شیبة فی مسند أنس. قال: حدثنا یزید بن هارون قال حدثنا عبد الله ابن عوف ، عن أنس بن سیرین ، عن أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أوصیاء الأنبیاءالذین بعدهم بقضاء دیونهم وإنجاز عداتهم ویقاتلون علی سنتهم. ثم التفت إلی علی(علیه السّلام)فقال: أنت وصیی وأخی فی الدنیا والآخرة تقضی دینی وتنجز عداتی ، وتقاتل علی سنتی ، تقاتل علی التأویل کما قاتلت علی التنزیل ، فأنا خیر الأنبیاءوأنت خیر الأوصیاء وسبطای خیر الأسباط ، ومن صلبهما یخرج الأئمة التسعة ، مطهرون معصومون قوامون بالقسط ، والأئمة بعدی علی عدد نقباء بنی إسرائیل وحواری عیسی. هم عترتی من لحمی ودمی.

ص: 61

وفی کفایة الأثر ص98: (حدثنا الحسین بن علی الرازی قال: حدثنی إسحاق بن محمد بن خالویه قال: حدثنی یزید بن سلیمان البصری قال: حدثنی شریک ، عن الرکین بن الربیع ، عن القإسم بن حسان ، عن زید بن ثابت قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): معاشر الناس ألا أدلکم علی خیر الناس جداً وجدة؟ قلنا: بلی یا رسول الله، قال: الحسن والحسین ، أنا جدهما ، وجدتهما خدیجة سیدة نساء أهل الجنة.

ألا أدلکم علی خیر الناس أبا وأما؟ قلنا: بلی یا رسول الله ، قال: الحسن والحسین أبوهما علی بن أبی طالب ، وأمهما فاطمة سیدة نساء العالمین .

ألا أدلکم علی خیر الناس عماً وعمة؟ قلنا: بلی یارسول الله، قال: الحسن والحسین عمهما جعفر بن أبی طالب ، وعمتهما أم هانی بنت أبی طالب .

أیها الناس إلا أدلکم علی خیر الناس خالاً وخالة ؟ قلنا: بلی یا رسول الله ، قال: الحسن والحسین ، خالهما القإسم بن رسول الله ، وخالتهما زینب بنت رسول الله.

ثم قال: علی قاتلهما لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، وإنه لیخرج من صلب الحسین أئمة أبرار أمناء معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهدی هذه الأمة الذی یصلی عیسی بن مریم خلفه. قلنا: من یا رسول الله؟ قال: هو التاسع من صلب الحسین ، تسعة من صلب الحسین أئمة أبرار والتاسع مهدیهم یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً ).

وفی کفایة الأثر: ص100: (حدثنا أبو عبد الله الحسین بن محمد بن سعید الخزاعی قال: حدثنا أبو الحسین محمد بن عبد الله الکوفی الأسدی قال: حدثنی محمد بن إسمعیل البرمکی قال: حدثنی مندل بن علی ، عن أبی نعیم عن محمد بن زیاد ، عن زید بن أرقم قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی(علیه السّلام): أنت الإمام والخلیفة بعدی ، وابناک سبطای وهما سیدا شباب أهل الجنة ، وتسعة من صلب الحسین أئمة معصومون ، ومنهم قائمنا أهل البیت. ثم قال:

ص: 62

یا علی ، لیس فی القیامة راکب غیرنا ، ونحن أربعة. فقام إلیه رجل من الأنصار ، فقال: فداک أبی وأمی یا رسول الله ومن هم ؟ قال: أنا علی دابة الله البراق ، وأخی صالح علی ناقته التی عقرت ، وعمی حمزة علی ناقتی العضباء ، وأخی علی علی ناقة من نوق الجنة ، وبیده لواء الحمد ، ینادی لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فیقول الآدمیون: ما هذا إلا ملک مقرب أو نبی مرسل أو حامل عرش ، فیجیبهم ملک من بطنان العرش: یا معشر الآدمیین ، لیس هذا ملک مقرب ، ولا نبی مرسل ، ولا حامل عرش ، هذا الصدیق الأکبر علی بن أبی طالب ).

وفی کفایة الأثر ص110: (حدثنا علی بن الحسن بن محمد قال:حدثنا هرون بن موسی قال: حدثنا جعفر بن علی بن سهل الدقاق الدوری قال:حدثنا علی بن الحارث المروزی قال: حدثنا أیوب بن عاصم الهمذانی قال:حدثنا حفص بن غیاث ، عن یزید بن مکحول ، عن واثلة بن الأسقع یقول: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: لما عرج بی إلی السماء وبلغت سدرة المنتهی نادانی ربی جل جلاله فقال: یا محمد. فقلت: لبیک سیدی. قال: انی ما أرسلت نبیاً فانقضت أیامه إلا أقام بالأمر بعده وصیه ، فاجعل علی بن أبی طالب الإمام والوصی من بعدک ، فإنی خلقتکما من نور واحد ، وخلقت الأئمة الراشدین من أنوار کما ، أتحب أن تراهم یا محمد ؟ قلت: نعم یا رب. قال: إرفع رأسک. فرفعت رأسی فإذا أنا بأنوار الأئمة بعدی اثنا عشر نوراً ، قلت: یا رب أنوار من هی ؟ قال: أنوار الأئمة بعدک أمناء معصومون.

وفی کفایة الأثر ص113: (أخبرنا أبو المفضل الشیبانی قال:حدثنی حیدر بن محمد بن نعیم السمرقندی قال: حدثنا محمد بن مسعود ، عن یوسف بن السخت ، عن سفیان الثوری ، عن موسی بن عبیدة أیاس بن مسلمة بن الأکوع ، عن أبی أیوب الأنصاری قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أناسید الأنبیاء، وعلیٌّ سید

ص: 63

الأوصیاء ، وسبطای خیر الأسباط ، ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسین، ومنا مهدی هذه الأمة. فقام إلیه أعرابی فقال: یارسول الله کم الأئمة بعدک؟ قال:عدد الأسباط وحواری عیسی ونقباء بنی إسرائیل ).

وفی کفایة الأثر ص124: (حدثنی علی بن الحسن بن محمد قال: حدثنا هارون بن موسی قال: حدثنی محمد بن علی بن معمر قال: حدثنی عبد الله بن معبد قال: حدثنا موسی بن إبراهیم الممتع قال: حدثنی عبد الکریم بن هلال ، عن أسلم ، عن أبی الطفیل ، عن عمار قال: لما حضرت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الوفاة دعا بعلی(علیه السّلام)، فسارَّهُ طویلاً ثم قال: یا علی أنت وصیی ووارثی قد أعطاک الله علمی وفهمی ، فإذا متُّ ظهرت لک ضغائن فی صدور قوم وغصبٌ علی حقد. فبکت فاطمة(علیهاالسّلام)وبکی الحسن والحسین ، فقال لفاطمة: یا سیدة النسوان مم بکاؤک ؟ قالت: یا أبة أخشی الضیعة بعدک. قال: أبشری یا فاطمة فإنک أول من یلحقنی من أهل بیتی ، ولاتبکی ولاتحزنی فإنک سیدة نساء أهل الجنة ، وأباک سید الأنبیاء، وابن عمک خیر الأوصیاء ، وابناک سیدا شباب أهل الجنة ، ومن صلب الحسین یخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون ، ومنا مهدی هذه الأمة. ثم التفت إلی علی(علیه السّلام)فقال:

یا علی لایلی غسلی وتکفینی غیرک. فقال علی(علیه السّلام): یا رسول الله من یناولنی الماء فإنک رجل ثقیل لا أستطیع أن أقلبک. فقال: أن جبرئیل معک والفضل یناولک الماء ولیغطی عینیه فإنه لا یری أحد عورتی إلا انفقأت عیناه.

قال: فلما مات رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان الفضل یناوله الماء وجبرئیل یعاونه ، فلما أن غسله وکفنه أتاه العباس فقال:یاعلی أن الناس قد أجمعوا أن یدفن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالبقیع وإن یؤمهم رجل واحد ، فخرج علیٌّ إلی الناس فقال: أیها الناس أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان إمامنا حیاً ومیتاً ، وهل تعلمون أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعن من جعل القبور مصلی ، ولعن من جعل مع الله إلهاً آخر ، ولعن من

ص: 64

کسر رباعیته وشق لثته.

قال فقالوا: الأمر الیک فاصنع ما رأیت. قال: فإنی أدفن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی البقعة التی قبض فیها. قال: ثم قام علی الباب فصلی علیه ، وأمر الناس عشراً عشراً یصلون علیه ثم یخرجون ).

وفی کفایة الأثر ص132: (أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب ، قال حدثنا أبو أسید أحمد بن محمد بن أسید المدینی بأصبهان ، قال حدثنا عبد العزیز بن إسحاق بن جعفر ، عن عبد الوهاب بن عیسی المروزی ، قال حدثنا الحسین بن علی بن محمد البلوی ، قال حدثنا عبد الله بن سحح ، عن علی بن هاشم ، عن علی بن خرور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال سمعت عمران بن حصین ، یقول سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی: أنت وارث علمی وأنت الإمام والخلیفة بعدی ، تعلِّم الناس بعدی ما لا یعلمون ، وأنت أبو سبطیَّ وزوج ابنتی ، من ذریتکم العترة الأئمة المعصومون. فسأله سلمان عن الأئمة ، فقال: عدد نقباء بنی إسرائیل). (حدثنا علی بن محمد بن الحسن ، قال حدثنا هارون بن موسی قال: حدثنا حیدر بن نعیم السمرقندی قال: حدثنا محمد بن زکریا الجوهری قال:حدثنا العباس بن بکار الضبی قال: حدثنا أبو بکر الهذلی ، عن أبی عبد الله الشامی ، عن عمران بن حصین ، وذکر نحوه ).

وفی کفایة الأثر ص134: (حدثنا محمد بن وهبان بن محمد البصری قال: حدثنا الحسین بن علی البزوفری قال: حدثنی عبد العزیز بن یحیی الجلودی بالبصرة قال: حدثنی محمد بن زکریا ، عن أحمد بن عیسی بن زید قال: حدثنی عمر بن عبد الغفار ، عن أبی بصیر ، عن حکیم بن جبیر ، عن علی بن زید بن جذعان ، عن سعید بن المسیب ، عن سعد بن مالک أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: یا علی أنت منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لانبی بعدی ، تقضی دینی وتنجز عداتی ، وتقاتل بعدی علی التأویل کما قاتلت علی التنزیل. یا علی حبک إیمان وبغضک نفاق ، ولقد

ص: 65

نبأنی اللطیف الخبیر أنه یخرج من صلب الحسین تسعة من الأئمة معصومون مطهرون ، ومنهم مهدی هذه الأمة الذی یقوم بالدین فی آخر الزمان کما قمت فی أوله).

وفی کفایة الأثرص151: ( أخبرنا القاضی المعافا بن زکریا قال: حدثنا علی بن عتبة قال: حدثنی الحسین بن علوان ، عن أبی علی الخراسانی ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبی الطفیل ، عن علی(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت الوصی علی الأموات من أهل بیتی ، والخلیفة علی الأحیاء من أمتی ، حربک حربی وسلمک سلمی ، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر ، من صلبک أئمة مطهرون معصومون ، ومنهم المهدی الذی یملأ الدنیا قسطاً وعدلاً ، فالویل لمبغضکم. یا علیُّ لو أن رجلاً أحب فی الله حجراً لحشره الله معه وإن محبیک وشیعتک ومحبی أولادک الأئمة بعدک یحشرون معک. وأنت معی فی الدرجات العلی ، وأنت قسیم الجنة والنار ، یدخل محبیک الجنة ومبغضیک النار ).

وفی کفایة الأثر ص180: (حدثنا علی بن الحسن بن محمد بن مندة قال: حدثنا أبوالحسین زید بن جعفر بن محمد بن الحسین الخزاز بالکوفة فی سنة سبع وسبعین وثلثمائة قال: حدثنا العباس بن العباس الجوهری ببغداد فی دار عمیرة قال: حدثنی عفان بن مسلم قال: حدثنی حماد بن سلمة ، عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن سداد بن أوس ، قال: لما کان یوم الجمل قلت: لا أکون مع علی ولا أکون علیه ، وتوقفت عن القتال إلی انتصاف النهار فلما کان قرب اللیل ألقی الله فی قلبی أن أقاتل مع علی ، فقاتلت معه حتی کان من أمره ما کان .

ثم إنی أتیت المدینة فدخلت علی أم سلمة ، قالت: من أین أقبلت ؟ قلت: من البصرة. قالت: مع أی الفریقین کنت ؟ قلت: یا أم المؤمنین إنی توقفت عن القتال إلی انتصاف النهار وألقی الله عز وجل أن أقاتل مع علی.

ص: 66

قالت: نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: من حارب علیاً فقد حاربنی ، ومن حاربنی فقد حارب الله ! قلت: فترین أن الحق مع علی؟ قالت: أی والله ، علیٌّ مع الحق والحق معه ، والله ما أنصف أمة محمد نبیهم إذ قدموا من أخره الله عز وجل ورسوله ، وأخروا من قدمه الله تعالی ورسوله ، وأنهم صانوا حلائلهم فی بیوتهم وأبرزوا حلیلة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی الفناء ! والله لقد سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: لأمتی فرقة وجعلة (وجمعة) فجامعوها إذا اجتمعت ، وإذا افترقت فکونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا أهل بیتی فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حیث کانوا.

قلت: فمَن أهل بیته؟ قالت: أهل بیته الذین أمرنا بالتمسک بهم ، قالت: هم الأئمة بعده کما قال: عدد نقباء بنی إسرائیل: علیٌّ وسبطاه ، وتسعةٌ من صلب الحسین ، هم أهل بیته ، هم المطهرون ، والأئمة المعصومون.

قلت أنا: لله هلک الناس إذا ! قالت: کُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ ) .

وفی کفایة الأثر: ص185: (أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن العیاشئ قال: حدثنی جدی عبیدالله بن الحسن ، عن أحمد بن عبد الجبار ، قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن المخزومی قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا علی بن هاشم البرید ، عن أبیه قال: حدثنی أبو سعید التمیمی ، عن أبی ثابت مولی أبی ذر ، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أسری بی إلی السماء نظرت فإذا مکتوب علی العرش " لا إله إلا الله محمد رسول الله أیدته بعلی ونصرته بعلی " ، ورأیت أنوار علی وفاطمة والحسن والحسین وأنوار علی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد وموسی بن جعفر وعلی بن موسی ومحمد بن علی وعلی بن محمد والحسن بن علی ، ورأیت نور الحجة یتلألأ من بینهم کأنه کوکب دری ، فقلت: یا رب من هذا ومن هؤلاء ؟ فنودیت: یا محمد هذا نور علی

ص: 67

وفاطمة ، وهذا نور سبطیک الحسن والحسین ، وهذه أنوار الأئمة بعدک من ولد الحسین مطهرون معصومون ، وهذا الحجة یملأ الدنیا قسطاً وعدلا.

وهذه أم سلمة روی عنها شداد بن أوس والحکم بن قیس وأبو الأسود وأبو ثابت مولی أبی ذر رحمة الله علیه ).

وفی کفایة الأثرص301: (حدثنا أبو المفضل(رحمه الله)

قال: حدثنی محمد بن علی بن شاذان بن حباب الأزدی الخلال بالکوفة قال: حدثنی الحسن بن محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا الحسن ثم الحسین العربی الصوفی قال: حدثنی یحیی بن یعلی الأسلمی ، عن عمرو بن موسی الوجیهی ، عن زید بن علی(علیه السّلام)قال: کنت عند أبی علی بن الحسین(علیه السّلام)إذ دخل علیه جابر بن عبد الله الأنصاری ، فبینما هو یحدثه إذ خرج أخی محمد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إلیه فقال: یا غلام أقبل فأقبل ثم قال: ادبر فأدبر ، فقال: شمائل کشمائل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما اسمک یا غلام ؟ قال: محمد. قال: ابن من ؟ قال: ابن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، قال: أنت إذاً الباقر. قال فأکبی علیه وقبل رأسه ویدیه ثم قال: یا محمد إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقرؤک السلام. قال: علی رسول الله أفضل السلام وعلیک یا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلی مصلاه ، فأقبل یحدث أبی ویقول: أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لی یوماً: یا جابر إذا أدرکت ولدی الباقر فاقرأه منی السلام ، فإنه سمیِّی وأشبه الناس بی ، علمه علمی وحکمه حکمی ، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار ، والسابع مهدیهم الذی یملأ الدنیا قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً. ثم تلا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَیْنَا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِیتَاءَ الزَّکَاةِ وَکَانُوا لَنَا عَابِدِینَ)

وفی کفایة الأثر ص303: (حدثنی أبو عبد الله الحسین بن محمد بن سعید بن علی الخزاعی قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعید بالکوفة قال: حدثنی جعفر

ص: 68

بن علی بن سحلح الکندی قال: حدثنی إبراهیم بن محمد بن میمون قال: حدثنی المسعودی أبو عبد الرحمان ، عن محمد بن علی الفراری ، عن أبی خالد الواسطی ، عن زید بن علی(علیه السّلام)، قال حدثنی أبی علی بن الحسین، عن أبیه الحسین ابن علی ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا حسین أنت الإمام وأخ الإمام وابن الإمام. تسعة من ولدک أمناء معصومون والتاسع مهدیهم ، فطوبی لمن أحبهم ، والویل لمن أبغضهم ).

وفی کفایة الأثرص261:(عن أبی عبدالله(علیه السّلام):أن قائمنا یخرج من صلب الحسین والحسین ، یخرج من صلب علی ، وعلی یخرج من صلب محمد ، ومحمد یخرج من صلب علی ، وعلی یخرج من صلب ابنی هذا ، وأشار إلی موسی بن جعفر ، وهذا خرج من صلبی. نحن اثنا عشر ، کلنا معصومون مطهرون ).

وفی أمالی الصدوق ص679:(حدثنا أحمد بن علی بن إبراهیم بن هاشم(رض)قال: حدثنا أبی ، عن أبیه ، عن محمد بن علی التمیمی قال: حدثنی سیدی علی بن موسی الرضا ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: من سره أن ینظر إلی القضیب الأحمر الذی غرسه الله بیده ، ویکون متمسکاً به ، فلیتول علیاً والأئمة من ولده فإنهم خیرة الله عز وجل وصفوته، وهم المعصومون من کل ذنب وخطیئة ). ( ورواه فی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):1/ 629).

العصمة التامة هی الوسطیة بین الغلو والتقصیر

فی الکافی:1/269: (محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن أبی طالب ، عن سدیر قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): أن قوماً یزعمون أنکم آلهة، یتلون بذلک علینا قرآناً: وَهُوَ الَّذِی فِی السَّمَاءِ إله وَفِی الأرض إِلَهٌ ! فقال: یاسدیر سمعی وبصری وبشری ولحمی ودمی وشعری من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ،

ص: 69

ما هؤلاء علی دینی ولاعلی دین آبائی ! والله لا یجمعنی الله وإیاهم یوم القیامة إلا وهو ساخط علیهم ! قال قلت: وعندنا قوم یزعمون أنکم رسل ، یقرؤون علینا بذلک قرآنا: یَا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صالحاً إِنِّی بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ ! فقال: یاسدیر سمعی وبصری وشعری وبشری ولحمی ودمی من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء علی دینی ولا علی دین آبائی والله لا یجمعنی الله وإیاهم یوم القیامة إلا وهو ساخط علیهم ! قال: قلت: فما أنتم ؟

قال: نحن خُزَّانُ علم الله ، نحن تَراجمة أمر الله ، نحن قومٌ معصومون أمر الله تبارک وتعالی بطاعتنا ونهی عن معصیتنا ، نحن الحجة البالغة علی من دون السماء و فوق الأرض).

وفی علل الشرائع للصدوق:1/173: (حدثنا أبو علی أحمد بن یحیی المکتب قال حدثنا أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا بشر بن سعید بن قلبویه المعدل بالرافقه قال حدثنا عبد الجبار بن کثیر التمیمی الیمانی قال سمعت محمد بن حرب الهلالی أمیر المدینة یقول: سألت جعفر بن محمد(علیه السّلام)فقلت له یا ابن رسول الله فی نفسی

مسألة أرید أن أسألک عنها فقال: إن شئت أخبرتک بمسألتک قبل أن تسألنی وإن شئت فسل ، قال: قلت له یا ابن رسول الله وبأی شئ تعرف ما فی نفسی قبل سؤالی ؟ فقال بالتوسم والتفرس ، أما سمعت قول الله عز وجل(إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ) وقول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )اتقوا فراسة المؤمن فإنه ینظر بنور الله ، قال: فقلت له یا ابن رسول الله فأخبرنی بمسألتی قال: أردت أن تسألنی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لمَ لم یطق حمله علی(علیه السّلام)عند حط الأصنام من سطح الکعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه فی قلع باب القموص بخیبر والرمی به إلی ورائه أربعین ذراعاً ، وکان لایطیق حمله أربعون رجلاً وقد کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یرکب الناقة والفرس والحمار ، ورکب البراق لیلة المعراج وکل ذلک

ص: 70

دون علی فی القوة والشدة ؟ قال فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألک یا ابن رسول الله ، فأخبرنی؟ فقال:

إن علیاً(علیه السّلام)برسول الله تشرَّف وبه ارتفع ، وبه وصل إلی أن أطفأ نار الشرک ، وأبطل کل معبود من دون الله عز وجل ، ولو علاه النبی(علیهماالسّلام)لحطِّ الأصنام لکان(علیه السّلام) بعلی مرتفعاً وتشریفاً وواصلاً إلی حط الأصنام ، ولو کان ذلک کذلک لکان أفضل منه ، ألا تری أن علیاً(علیه السّلام)قال: لما علوت ظهر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شرفت وارتفعت حتی لو شئت أن أنال السماء لنلتها ، أما علمت أن المصباح هو الذی یهتدی به فی الظلمة، وانبعاث فرعه من أصله ، وقد قال علی(علیه السّلام)أنا من أحمد کالضوء من الضوء ، أما علمت أن محمداً وعلیاً صلوات الله علیهما کانا نوراً بین یدی الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفی عام ، وإن الملائکة لما رأت ذلک النور رأت له أصلاً قد تشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسیدنا ماهذا النور؟ فأوحی الله تبارک وتعالی إلیهم هذا نور من نوری أصله نبوة وفرعه إمامة ، أما النبوة فلمحمد عبدی ورسولی وأما الإمامة فلعلی حجتی وولیی ، ولولاهما ما خلقت خلقی ! أما علمت أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رفع ید علی(علیه السّلام)بغدیر خم حتی نظر الناس إلی بیاض إبطیهما فجعله مولی المسلمین وإمامهم، وقد احتمل الحسن والحسین(علیهماالسّلام)یوم حظیرة بنی النجار ، فلما قال له بعض أصحابه ناولنی أحدهما یارسول الله قال: نعم الراکبان وأبوهما خیر منهما ، وأنه کان یصلی بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قیل له یارسول الله لقد أطلت هذه السجدة فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن ابنی ارتحلنی فکرهت أن أعاجله حتی ینزل ، وإنما أراد بذلک رفعهم وتشریفهم، فالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إمام ونبی وعلی(علیه السّلام)إمام لیس بنبی ولا رسول ، فهو غیر مطیق لحمل أثقال النبوة.

قال محمد بن حرب الهلالی: فقلت له زدنی یا ابن رسول الله فقال: إنک لأهل للزیادة إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حمل علیاً(علیه السّلام)علی ظهره یرید بذلک أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه ، کما حول ردائه فی صلاة الإستسقاء وأراد أن یعلم أصحابه بذلک

ص: 71

أنه قد تحول الجدب خصباً ، قال: قلت له زدنی یاابن رسول الله ، فقال: احتمل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً(علیه السّلام)یرید بذلک أن یعلم قومه أنه هو الذی یخفف عن ظهر رسول الله ما علیه من الدین والعدات والأداء عنه من بعده ، قال: فقلت له یا ابن رسول الله زدنی فقال: احتمله لیعلم بذلک أنه قد احتمله وما حمل إلا لأنه معصوم لایحمل وزراً فتکون أفعاله عند الناس حکمة وصواباً وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی یا علی أن الله تبارک وتعالی حملنی ذنوب شیعتک ثم غفرها لی وذلک قوله تعالی: لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ ،ولما أنزل الله عز وجل إذا اهتدیتم وعلیٌّ نفسی وأخی أطیعوا علیاً فإنه مطهر معصوم لایضل ولایشقی ثم تلاهذه الآیة: قُلْ أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْا فإنما عَلَیْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیْکُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وإن تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إلا الْبَلاغُ الْمُبِینُ.

قال محمد بن حرب الهلالی: ثم قال جعفر بن محمد(علیه السّلام): أیها الأمیر لو أخبرتک بما فی حمل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً(علیه السّلام)عند حط الأصنام من سطح الکعبة من المعانی التی أرادها به ، لقلت إن جعفر بن محمد لمجنون ! فحسبک من ذلک ما قد سمعت ! فقمت إلیه وقبلت رأسه وقلت: اللهُ أعلم حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ). انتهی.

ص: 72

الفصل الرابع : من کلمات علماء الشیعة فی عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام)

اشارة

ص: 73

ص: 74

الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومون مطهرون کاملون

قال الصدوق فی الإعتقادات فی دین الإمامیة ص70: باب الإعتقاد فی العصمة: (إعتقادنا فی الأنبیاءوالرسل والأئمة والملائکة(علیهم السّلام) أنهم معصومون مطهرون من کل دنس ، وأنهم لایذنبون ذنباً لاصغیراً ولاکبیراً ، ولایعصون الله ما أمرهم ، ویفعلون ما یؤمرون. ومن نفی عنهم العصمة فی شئ من أحوالهم فقد جهلهم ، ومن جهلهم فهو کافر. واعتقادنا فیهم: أنهم معصومون موصوفون بالکمال والتمام والعلم ، من أوائل أمورهم وأواخرها ، لایوصفون فی شئ من أحوالهم بنقص ولا عصیان ولا جهل ). انتهی.

ملاحظة: لابد أن یکون الکفر فی کلام الصدوق(رحمه الله)بمعناه اللغوی ، فلا هو ولا بقیة فقهائنا یکفرون أحداً من أهل القبلة لقوله بالعصمة الناقصة .

وقال المفید فی المقنعة ص30: (ویجب أن یعتقد التصدیق لکل الأنبیاء(علیهم السّلام) وأنهم حجج الله علی من بعثهم إلیه من الأمم ، والسفراء بینه وبینهم ، وإن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، خاتمهم وسیدهم وأفضلهم ، وإن شریعته ناسخة لما تقدمها من الشرائع المخالفة لها ، وأنه لانبی بعده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا شریعة بعد شریعته.

ص: 75

وکل من ادعی النبوة بعده فهو کاذب علی الله تعالی ، ومن یغیر شریعته فهو ضال ، کافر من أهل النار ، إلا أن یتوب ویرجع إلی الحق بالإسلام فیکفر بالله تعالی حینئذ عنه... بالتوبة ما کان مقرفاً من الآثام.

ویجب اعتقاد نبوة جمیع من تضمن الخبر عن نبوته القرآن علی التفصیل ، واعتقاد الجملة منهم علی الإجمال ، ویعتقد أنهم کانوا معصومین من الخطأ ، موفقین للصواب ، صادقین عن الله تعالی فی جمیع ما أدوه إلی العباد ، وفی کل شئ أخبروا به علی جمیع الأحوال ، وإن طاعتهم طاعة لله ومعصیتهم معصیة لله ، وإن آدم ونوحاً وإبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب ویوسف ، وإدریس وموسی وهارون وعیسی وداود وسلیمان وزکریا ویحیی وإلیاس وذا الکفل وصالحاً وشعیباً ویونس ولوطاً وهوداً ، کانوا أنبیاءالله تعالی ورسلاً له صادقین علیه ، کما سماهم بذلک وشهد لهم به ، وإن من لم یذکر اسمه من رسله علی التفصیل کما ذکر ممن سمیناه منهم ، وذکرهم فی الجملة حیث یقول:وَرسلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَرسلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْکَ، کلهم أنبیاءعن الله صادقون ، وأصفیاء له منتجبون لدیه ، وإن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سیدهم وأفضلهم ، کما قدمناه...

ویجب علی کل مکلف أن یعرف إمام زمانه ، ویعتقد إمامته وفرض طاعته وأنه أفضل أهل عصره وسید قومه ، وأنهم فی العصمة والکمال کالأنبیاء(علیهم السّلام) ویعتقد أن کل رسول الله تعالی فهو نبی إمام ، ولیس کل إمام نبیاً ولا رسولاً، وإن الأئمة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حجج الله تعالی وأولیائه ، وخاصة أصفیاء الله ، أولهم وسیدهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، علیه أفضل السلام ، وبعده الحسن والحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم محمد بن علی بن الحسین ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسی بن جعفر ، ثم علی

ص: 76

بن موسی ، ثم محمد بن علی بن موسی ، ثم علی بن محمد بن علی ، ثم الحسن بن علی بن محمد ، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی(علیهم السّلام) . لاإمامة لاحد بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غیرهم ، ولایستحقها سواهم ، وأنهم الحجة علی کافة الأنام کالأنبیاء(علیهم السّلام) وأنهم أفضل خلق الله بعد نبیه علیه وآله السلام ، والشهداء علی رعایاهم یوم القیامة ، کما أن الأنبیاء(علیهم السّلام) شهداء الله علی أممهم ، وأنه بمعرفتهم وولایتهم تُقبل الأعمال ، وبعداوتهم والجهل بهم تُستحق النار ).

فی بحار الأنوار:11/72-96: (باب عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وتأویل مایوهم خطأهم وسهوهم). أورد فیه نحو مجموعة أحادیث وکلمات لعلمائنا رضی الله عنهم فی عصمة الأنبیاءالتامة(علیهم السّلام) .

العصمة عن الذنوب، والغلط، والرذائل، وما ینفِّر

قال المفید فی تصحیح اعتقادات الإمامیة/128:

(العصمة من الله تعالی لحججه هی التوفیق واللطف ، والإعتصام من الحجج بها: عن الذنوب ، والغلط فی دین الله تعالی.

والعصمة تفضل من الله تعالی علی من علم أنه یتمسک بعصمته، والإعتصام فعل المعتصم ، ولیست العصمة مانعةً من القدرة علی القبیح ، ولا مضطرةً للمعصوم إلی الحسن ، ولا مُلجئةً له إلیه ، بل هی الشئ الذی یعلم الله تعالی أنه إذا فعله بعبد من عبیده لم یؤثر معه معصیته له ، ولیس کل الخلق یعلم هذا من حاله ، بل المعلوم منهم ذلک هم الصفوة والإخیار ) .

وفی الکافی لأبی الصلاح الحلبی/78: (وإذا ثبتت نبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالبراهین

ص: 77

الواضحة وجب القطع علی کونه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الصفات التی یجب کون النبی علیها من العصمة فیما یؤدیه ، والعصمة من جمیع القبائح ، وتنزیهه عن کل منفر حسب ما دللنا علیه ).

أصل الأدلة عندنا علی العصمة التامة: الدلیل العقلی

أقول: أصل الدلیل فی مذهبنا علی عقیدة عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) عصمة تامة هو العقل ، الذی یحکم بضرورة أن یکون المؤدی للناس عن الله تعالی والمؤدی للناس عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصوماً ، وإلا فلا یمکن الوثوق بقوله ، وأن عصمته تثبت بنص المعصوم أو بالمعجزة .

وقد حاول غیرنا إثبات العصمة بالنقل لکنه یلزم منه الدور ، لأن الوثوق بالنص الذی یثبت العصمة یتوقف علیها ، فلا یصح أن تتوقف هی علیه .

وأسوأ من ذلک قول بعضهم بأن الأنبیاء(علیهم السّلام) یرتکبون الذنوب والمعاصی حتی فی تبلیغ الرسالة ، لکن الله تعالی لایقرهم علی الخطأ ، فیصحح لهم ما عصوا فیه ویتوبون من معصیتهم !

قال ابن تیمیة فی منهاج سنته:2/400: ( والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم یتوبوا منها ، والجمهور الذین یقولون بجواز الصغائر علیهم یقولون إنهم معصومون من الإقرار علیها ، وحینئذ فما وصفوهم إلا بما فیه کمالهم ، فإن الأعمال بالخواتیم. مع أن القرآن والحدیث وإجماع السلف معهم فی تقریر هذا الأصل ! فالمنکرون لذلک یقولون فی تحریف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان ، ویحرفون الکلم عن مواضعه ). انتهی.

ص: 78

وقوله: (والجمهور...) یقصد بهم أتباع المذاهب السنیة ، وتعبیره بالصغائر لکی یجعل آیات الغرانیق الشیطانیة التی افتروها علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصحح هو روایتها ودافع عنها ، أن یجعلها من المعاصی الصغیرة ! مع أنها خیانةٌ للوحی، وکفرٌ بالله العظیم ، وعبادةٌ للأصنام وسجودٌ لها !

والوجه فی بطلأن هذا الکلام أنه یستوجب سلب الثقة بکل کلام النبی(علیه السّلام) فما دام قد یخطئ أو یخون الرسالة ویبلِّغ الکفرَ بدلَ التوحید ! فلا ینفع بعد ذلک أن الله تعالی لایقره علی الخطأ ، وأنه ینبهه بعد مدة فیقول النبی للناس إن الشئ الفلانی الذی بلغتکم إیاه کان خطأ منی أو من شیطانی ، وقد نبهنی الیه جبرئیل وتاب الله علیَّ ! فخذوا الصحیح ودعوا الخطأ !

فمن أین یثق الناس بأن هذا البدیل الذی بلغه الآن لیس منه أو من الشیطان کسابقه ؟! فإن من وقع فی خطیئة مرة یمکن أن یقع فیها مئة مرة ، ومن خان الوحی مرة ، قد یخونه مئة مرة !

ونفس هذا الکلام یجری بطریق أولی فی عصمة الإمام المؤدی للأمة عن نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن من یؤدی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لابد أن یکون عنده العلم القطعی بکتاب الله والسنة ، وأن یکون معصوماً لایحتمل فی حقه النسیان والخطأ وارتکاب خیانة ، لأن احتمال الکذب والخطأ فیه یسلب الإطمئنان من أجیال الأمة بأن ما أدَّاهُ الیها هو مراد الله تعالی من کلامه قطعاً وهو قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قطعاً !

قال المحقق الحلی فی المسلک فی أصول الدین ص154:

(وأما العصمة(للنبی)عن المعاصی فقد اختلفوا ، فمنهم من عصمه عن الخلل فی التبلیغ لاغیر ، ومنهم من عصمه مع ذلک عن الکبائر.

والحق أنه معصومٌ عن الکل فی حال النبوة وقبلها. وهل هو معصوم عن السهو

ص: 79

أم لا؟ فیه خلاف بین أصحابنا ، والأصح القول بعصمته عن ذلک کله.

لنا: لو جاز شئ من ذلک لجاز تطرقه إلی التبلیغ ، لکن ذلک محال ، ولأنه مع تجویز ذلک یرتفع الوثوق بخبره ، فینتقض الغرض المراد بالبعثة.

وأما قبل النبوة فهو معصوم عن تعمد المعصیة ، صغیرة کانت أو کبیرة ، ویدل علیه من القرآن قوله: لایَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ.

وأما ما تضمنه الکتاب العزیز وکثیر من الأخبار من ماظاهره وقوع المعصیة فمحمول علی ضرب من التأویل ، لئلا تتناقض الأدلة ).

وقاتل العلامة الحلی فی شرح التجرید ص375:

المسألة الثانیة: فی وجوب العصمة قال: ویجب فی النبی العصمة لیحصل الوثوق فیحصل الغرض ، ولوجوب متابعته ، وضدها الإنکار علیه.

أقول: اختلف الناس هاهنا ، فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر علی الأنبیاء(علیهم السّلام) أما علی سبیل السهو کما ذهب إلیه بعضهم ، أو علی سبیل التأویل کما ذهب إلیه قوم منهم ، أو لأنها تقع محبطة بکثرة ثوابهم. وذهبت الأشاعرة والحشویة إلی أنه یجوز علیهم الصغائر والکبائر ، إلا الکفر والکذب .

وقالت الإمامیة إنه یجب عصمتهم عن الذنوب کلها ، صغیرة کانت أو کبیرة ، والدلیل علیه بوجوه:

أحدها: أن الغرض من بعثة الأنبیاء(علیهم السّلام) إنما یحصل بالعصمة فیجب العصمة تحصیلاً للغرض ، وبیان ذلک أن المبعوث إلیهم لو جوزوا الکذب علی الأنبیاءوالمعصیة جوزوا فی أمرهم ونهیهم وأفعالهم التی أمروهم باتباعهم فیها ذلک ، وحینئذ لا ینقادون إلی امتثال أوامرهم وذلک نقض للغرض من البعثة .

الثانی: أن النبی(علیه السّلام)یجب متابعته فإذا فعل معصیة فأما أن یجب متابعته

ص: 80

أولاًوالثانی باطل لانتفاء فائدة البعثة ، والأول باطل لأن المعصیة لایجوز فعلها وأشار بقوله لوجوب متابعته وضدها إلی هذا الدلیل ، لأنه بالنظر إلی کونه نبیاً یجب متابعته ، وبالنظر إلی کون الفعل معصیة لا یجوز اتباعه .

الثالث: أنه إذا فعل معصیة وجب الإنکار علیه ، لعموم وجوب النهی عن المنکر ، وذلک یستلزم إیذائه ، وهو منهیٌّ عنه ، وکل ذلک محال ) .

وفی النافع یوم الحشر للعلامة الحلی ص84: ( والإمامیة أوجبوا العصمة مطلقاً عن کل معصیة ، عمداً وسهواً ، وهو الحق لوجهین:

الأول: ما أشار إلیه المصنف ، وتقریره: أنه لو لم یکن الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومین لانتفت فائدة البعثة ، واللازم باطل فالملزوم مثله.

بیان الملازمة: أنه إذا جازت المعصیة علیهم لم یحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الکذب حینئذ علیهم ، وإذا لم یحصل الوثوق لم یحصل الإنقیاد لأمرهم ونهیهم ،

فتنتفی فائدة بعثهم ، وهو محال.

الثانی: لوصدر عنهم الذنب لوجب اتباعهم ، لدلالة النقل علی وجوب اتباعهم ، لکن الأمر حینئذ باتباعهم محال لأنه قبیح ! فیکون صدور الذنب عنهم محالاً وهو المطلوب....

وأما ما ورد فی الکتاب العزیز والأخبار مما یوهم صدور الذنب عنهم فمحمول علی ترک الأولی ، جمعاً بین ما دل العقل علیه وبین صحة النقل ، مع أن جمیع ذلک قد ذکر له وجوه ومحامل فی مواضعه... وعلیک فی ذلک بمطالعة کتاب تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) الذی رتبه السید المرتضی(رحمه الله)علم الهدی الموسوی وغیره من الکتب ، ولولا خوف الإطالة لذکرنا نبذة من ذلک ).

وقال فی تذکرة الفقهاء(ط.ج):9/397: ( الخامس عشر: أن یکون منزهاً عن

ص: 81

القبائح لدلالة العصمة علیه ، ولأنه یکون مستحقاً للإهانة والإنکار علیه ، فیسقط محله من قلوب العامة فتبطل فائدة نصبه.

وأن یکون منزهاً عن الدناءات والرذائل ، کاللعب والأکل فی الأسواق وکشف الرأس بین الناس ، وغیر ذلک مما یسقط محله ویوهن مرتبته.

وأن یکون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات.

وقد خالفت العامة فی ذلک کله ).

وقال ابن میثم البحرانی فی قواعد المرام فی علم الکلام ص125:

البحث الأول: العصمة صفة للإنسان یمتنع بسببها من فعل المعاصی ولایمتنع منه بدونها. وعندنا أن النبی معصوم عن الکبائر والصغائر عمداً وسهواً من حین الطفولیة إلی آخر العمر. وجوز بعض الخوارج صدور جمیع الذنوب عن الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وجوزت المعتزلة والزیدیة وقوع الصغائر عنهم فیما یتعلق بالفتوی دون الکبائر. ثم منهم من جوزها سهواً فقط ، وهو مذهب الأشعریة.

فأما ما یتعلق بأداء الشریعة فأجمعوا علی أنه لایجوز علیهم فیه التحریف والخیانة لا عمداً ولا سهواً ، وکذلک أجمعوا علی أن وقت العصمة هو وقت النبوة دون ما قبله.

لنا وجوه: أحدها ، أن غرض الحکیم من البعثة هدایة الخلق إلی مصالحهم وحثهم بالبشارة والنذارة وإقامة الحجة علیهم بذلک لقوله تعالی:رسلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ لِئَلایَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. (النساء:165) فلو لم یجب فی حکمته عصمة النبی لناقض غرضه من بعثه وإرساله ، لکن اللازم باطل فالملزوم مثله ، فعصمة النبی واجبة فی الحکمة.

أما الملازمة فلأنه بتقدیر وقوع المعصیة منه جاز أن یأمرهم بما هو مفسدة لهم

ص: 82

وینهاهم عما هو مصلحة لهم ، وذلک مستلزم لإغوائهم وإضلالهم ، فکان فی بعثة غیر المعصوم مناقضة للغرض من بعثه.

وأما بطلأن اللازم فلأن مناقضة الغرض یستلزم السفه والعبث ، وهما محالأن علی الحکیم ، کما تقدم فی باب اللطف.

الثانی ، لو جاز صدور المعصیة عن النبی لوجب علینا فعل المفسدة أو ترک المصلحة الواجبة ، لکن اللازم باطل فالملزوم مثله.

بیان الملازمة أنه یجب علینا فعل ما أمرنا به والانتهاء عما نهانا عنه لقوله تعالی: وَمَاآتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. (الحشر:7) فبتقدیر أن تجوز المعصیة علیه جاز أن یوجب علینا ما هو محرم ویحرم علینا ما هو واجب ، ویجب علینا اتباعه فی ذلک.

وأما بطلأن اللازم فلأن أمر الحکیم لنا باتباعه مطلقاً یستلزم أمره لنا بفعل القبیح إذن ، لکن الأمر بالقبیح قبیح ممتنع علیه تعالی.

الثالث ، لو جاز صدور المعصیة عنهم لکان بتقدیر وقوعها منهم لاتقبل شهاداتهم ، لقوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أن جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا. (الحجرات:6)

لکن اللازم باطل ، لأنها إذا لم تقبل فی محقرات الأمور فکان أولی أن لا تقبل فی الأدیان الباقیة إلی یوم القیامة ).

قال الصدوق(رحمه الله)فی معانی الأخبار ص133 بعد إیراد الحدیث المتقدم فی أمالیه:

( قال أبو جعفر مصنف هذا الکتاب: الدلیل علی عصمة الإمام أنه لما کان کل کلام ینقل عن قائله یحتمل وجوهاً من التأویل ، وکان أکثر القرآن والسنة مما أجمعت الفرق علی أنه صحیح لم یغیر ولم یبدل ، ولم یزد فیه ولم ینقص منه ، محتملاً لوجوه کثیرة من التأویل ، وجب أن یکون مع ذلک مخبرٌ صادقٌ معصومٌ

ص: 83

من تعمد الکذب والغلط ، منبئٌ عما عنی الله ورسوله فی الکتاب والسنة علی حق ذلک وصدقه ، لأن الخلق مختلفون فی التأویل ، کل فرقة تمیل مع القرآن والسنة إلی مذهبها ، فلو کان الله تبارک وتعالی ترکهم بهذه الصفة من غیر مخبر عن کتابه صادق فیه لکان قد سوغهم الإختلاف فی الدین ودعاهم إلیه ، إذ أنزل کتاباً یحتمل التأویل ، وسن نبیه سنةً تحتمل التأویل ، وأمرهم بالعمل بهما ، فکأنه قال: تأولوا واعملوا. وفی ذلک إباحة العمل بالمتناقضات والإعتماد للحق وخلافه.

فلما استحال ذلک علی الله عز وجل ، وجب أن یکون مع القرآن والسنة فی کل عصر من یبین عن المعانی التی عناها الله عز وجل فی القرآن بکلامه، دون ماتحتمله ألفاظ القرآن من التأویل ، ویبین عن المعانی التی عناها رسول الله فی سننه وأخباره دون التأویل الذی تحتمله ألفاظ الأخبار المرویة عنه(علیه السّلام)المجمع علی صحة نقلها.

وإذا وجب أنه لا بدَّ من مخبر صادق ، وجب أن لایجوز علیه الکذب تعمداً ولا الغلط فیما یخبر به عن مراد الله عز وجل فی کتابه ، وعن مراد رسول الله فی أخباره وسننه. وإذا وجب ذلک وجب أنه معصوم.

ومما یؤکذ هذا الدلیل أنه لایجوز عند مخالفینا أن یکون الله عز وجل أنزل القرآن علی أهل عصر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا نبی فیهم ویتعبدهم بالعمل بما فیه علی حقه وصدقه ، فإذا لم یجز أن ینزل القرآن علی قوم ولا ناطقٌ به ولا معبِّرٌ عنه ولا مفسر لما استعجم منه ، ولا مبین لوجهه ، فکذلک لایجوز أن نتعبد نحن به إلا ومعه من یقوم فینا مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قومه وأهل عصره ، فی التبیین لناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ، و المعانی التی عناها الله عز وجل بکلامه دون ما

ص: 84

یحتمله التأویل ، کما کان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مبیناً لذلک کله لأهل عصره. ولابد من ذلک ما لزموا العقول والدین.

فإن قال قائل: إن المؤدی إلینا ما نحتاج إلی علمه من متشابه القرآن ومن معانیه التی عناها الله دون ما یحتمله ألفاظه ، هو الأمة.

أکذبه اختلاف الأمة وشهادتها بأجمعها علی أنفسها فی کثیر من أی القرآن لجهلهم بمعناه الذی عناه الله عز وجل !

وفی ذلک بیان أن الأمة لیست هی المؤدیة عن الله عز وجل ببیان القرآن ، وأنها لیست تقوم فی ذلک مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

فإن تجاسر متجاسر فقال: قد کان یجوز أن ینزل القرآن علی أهل عصر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولا یکون معه نبی ویتعبدهم بما فیه مع احتماله للتأویل.

قیل له: فهبْ ذلک کان قد وقع من الخلاف فی معانیه ما قد وقع فی هذا الوقت ، ما الذی کانوا یصنعون؟

فإن قال: ما قد صنعوا الساعة.

قیل: الذی فعلوه الساعة أخذ کل فرقة من الأمة جانباً من التأویل وعمله علیه ، وتضلیل الفرقة المخالفة لها فی ذلک ، وشهادتها علیها بأنها لیست علی الحق.

فإن قال: أنه کان یجوز أن یکون أول الإسلام کذلک وإن ذلک حکمة من الله و عدل فیهم ، رکب خطأ عظیماً وما لا أری أحداً من الخلق یقدم علیه .

فیقال له عند ذلک: فحدثنا إذا تهیأ للعرب الفصحاء أهل اللغة أن یتأولوا القرآن ویعمل کل واحد منهم بما یتأوله علی اللغة العربیة ، فکیف یصنع من لا یعرف اللغة من الناس؟ وکیف یصنع العجم من الترک والفرس؟ وإلی أی شئ یرجعون فی علم ما فرض الله علیهم فی کتابه؟ ومن أی الفرق یقبلون مع اختلاف الفرق

ص: 85

فی التأویل ؟!

وإباحتک کل فرقة أن تعمل بتأویلها ، فلا بد لک من أن تجری العجم ومن لا یفهم اللغة مجری أصحاب اللغة من أن لهم أن یتبعوا أی الفرق شاؤوا ! و[إلا] إن ألزمت من لایفهم اللغة اتباع بعض الفرق دون بعض ، لزمک أنت تجعل الحق کله فی تلک الفرقة دون غیرها ، فإن جعلت الحق فی فرقة دون فرقة نقضت مابنیت علیه کلامک واحتجت إلی أن یکون مع تلک الفرقة علم وحجة تبین بها من غیرها ، ولیس هذا من قولک !

ولو جعلت الفرق کلها متساویة فی الحق مع تناقض تأویلاتها ، فیلزمک أیضاً أن تجعل للعجم ومن لایفهم اللغة أن یتبعوا أی الفرق شاؤوا ، وإذا فعلت ذلک لزمک فی هذا الوقت أن لاتلزم أحداً من مخالفیک من الشیعة والخوارج وأصحاب التأویلات وجمیع من خالفک ممن له فرقة ومن مبتدع لافرقة له علی مخالفیک ذماً !! وهذا نقض الإسلام والخروج من الإجماع .

ویقال لک: وما ینکر علی هذا الأعطاء أن یتعبد الله عز وجل الخلق بما فی کتاب مطبق لا یمکن أحداً أن یقرأ ما فیه ، ویأمر أن یبحثوا ویرتادوا ویعمل کل فرقة بما تری أنه فی الکتاب.

فإن أجزت ذلک أجزت علی الله عز وجل العبث لأن ذلک صفة العابث ! ویلزمک أن تجیز علی کل من نظر بعقله فی شئ واستحسن أمراً من الدین أن یعتقده ! لأنه سواء أباحهم أن یعملوا فی أصول الحلال و الحرام وفروعها بآرائهم ، وأباحهم أن ینظروا بعقولهم فی أصول الدین کله وفروعه من توحیده وغیره ، وإن یعملوا أیضاً بما استحسنوه وکان عندهم حقاً !

فإن أجزت ذلک أجزت علی الله عز وجل أن یبیح الخلق أن یشهدوا علیه أنه

ص: 86

ثانی اثنین ، وإن یعتقدوا الدهر ، وجحدو البارئ جل وعز.

وهذا آخر ما فی هذا الکلام ، لأن من أجاز أن یتعبدنا الله عز وجل بالکتاب علی احتمال التأویل ولا مخبر صادق لنا عن معانیه ، لزمه أن یجیز علی أهل عصر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثل ذلک ! وإذا أجاز مثل ذلک لزمه أن یبیح الله عز وجل کل فرقة العمل بما رأت وتأولت ، لأنه لایکون لهم غیرذلک إذا لم یکن معهم حجة فی أن هذا التأویل أصح من هذا التأویل.

وإذا أباح ذلک أباح متبعهم ممن لایعرف اللغة ! وإذا أباح أولئک أیضاً لزمه أن یبیحنا فی هذا العصر ، وإذا أباحنا ذلک فی الکتاب لزمه أن یبیحنا ذلک فی أصول الحلال والحرام ومقائیس العقول وذلک خروج من الدین کله .

وإذاً وجب بما قدمنا ذکره أنه لابد من مترجم عن القرآن وأخبار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وجب أن یکون معصوماً لیجب القبول منه ، فإذا وجب أن یکون معصوماً بطل أن یکون هو الأمة لما بینا من اختلافاتها فی تأویل القرآن والأخبار ، وتنازعها فی ذلک ومن إکفار بعضها بعضاً !!

وإذا ثبت ذلک وجب أن المعصوم هو الواحد الذی ذکرناه وهو الإمام. وقد دللنا علی أن الإمام لا یکون إلا معصوماً ، وأرینا أنه إذا وجبت العصمة فی الإمام لم یکن بد من أن ینص النبی علیه ، لأن العصمة لیست فی ظاهر الخلقة فیعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ینص علیها علام الغیوب تبارک وتعالی علی لسان نبیه , وذلک لأن الإمام لایکون إلا منصوصاً علیه ، وقد صح لنا النص بما بیناه من الحجج وبما رویناه من الأخبار الصحیحة). انتهی.

وقال الطباطبائی فی تفسیر المیزان:2/134: (کلام فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) :

العصمة علی ثلاثة أقسام: العصمة عن الخطأ فی تلقی الوحی ، والعصمة عن

ص: 87

الخطأ فی التبلیغ والرسالة ، والعصمة عن المعصیة ، وهی ما فیه هتک حرمة العبودیة ومخالفة مولویته ، ویرجع بالآخرة إلی قول أو فعل ینافی العبودیة منافاةً ما. ونعنی بالعصمة وجود أمر فی الإنسان المعصوم یصونه عن الوقوع فیما لا یجوز من الخطأ ، أو المعصیة.

وأما الخطأ فی غیر باب المعصیة وتلقی الوحی والتبلیغ، وبعبارة أخری: فی غیر باب أخذ الوحی وتبلیغه والعمل به ، کالخطأ فی الأمور الخارجیة نظیر الأغلاط الواقعة للإنسان فی الحواس وإدراکاتها ، أو الإعتباریات من العلوم ، ونظیر الخطأ فی تشخیص الأمور التکوینیة من حیث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها ، فالکلام فیها خارج عن هذا المبحث.

وکیف کان ، فالقرآن یدل علی عصمتهم(علیهم السّلام) فی جمیع الجهات الثلاث:

أما العصمة عن الخطأ فی تلقی الوحی وتبلیغ الرسالة: فیدل علیه قوله تعالی فی الآیة: کَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ وَمَااخْتَلَفَ فِیهِ إِلاالَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ فَهَدَی اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ. (البقرة:213) فإنه ظاهر فی أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشیر والإنذار وإنزال الکتاب ، وهذا هو الوحی ، لیبینوا للناس الحق فی الإعتقاد والحق فی العمل. وبعبارة أخری

لهدایة الناس إلی حق الإعتقاد وحق العمل ، وهذا هو غرضه سبحانه فی بعثهم ، وقد قال تعالی:لایَضِلُّ رَبِّی وَلایَنْسَی.(طه:52) فبیَّن أنه لایضل فی فعله ولایخطئ فی شأنه ، فإذا أراد شیئاً فإنما یریده من طریقه الموصل إلیه من غیر خطأ ، وإذا سلک بفعل إلی غایة فلا یضل فی سلوکه ، وکیف لا وبیده الخلق والأمر وله الملک والحکم ، وقد بعث الأنبیاء(علیهم السّلام) بالوحی إلیهم وتفهیمهم معارف الدین ، ولا بد أن یکون ، وبالرسالة لتبلیغها للناس ولابد أن یکون. وقال

ص: 88

تعالی أیضاً: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِکُلِّ شَئٍ قَدْرا.(الطلاق:3) وقال أیضاً: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَی أَمْرِهِ وَلَکِنَّ أکثر النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ. (یوسف:21)

ویدل علی العصمة عن الخطأ أیضاً قوله تعالی:عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أحداً ، الأمن ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فإنه یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِیَعْلَمَ أن قَدْ أَبْلَغُوارِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَیْهِمْ وَأَحْصَی کُلَّ شَئٍ عَدَداً.(الجن:26-28) فظاهره أنه سبحانه یختص رسله بالوحی فیظهرهم علی الغیب ویؤیدهم بمراقبة ما بین أیدیهم وما خلفهم ، والإحاطة بما لدیهم ، لحفظ الوحی عن الزوال والتغیر بتغییر الشیاطین وکل مغیر غیرهم ، لیتحقق إبلاغهم رسالات ربهم.

ونظیره قوله تعالی حکایة عن قول ملائکة الوحی: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلابِأَمْرِ رَبِّکَ لَهُ مَا بَیْنَ أَیْدِینَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَیْنَ ذَلِکَ وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیّاً. (مریم:64) ، دلت الآیات علی أن الوحی من حین شروعه فی النزول ، إلی بلوغه النبی ، إلی تبلیغه للناس محفوظ مصون عن تغییر أی مغیر یغیره ) .

وقال الوحید الخراسانی فی مقدمة منهاج الصالحین ص61:

والأدلة علی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) عدیدة ، نشیر إلی بعضها:

الدلیل الأول: أن لوصول کل مخلوق إلی کماله الذی خلق له سنناً وقوانین ، وقد تبین مما تقدّم أن السنة التی توصل الإنسان إلی کماله المقصود من خلقه ، إنما هی الهدایة الإلهیة ودین الحقّ .

ولما کان تحقق هذا الکمال یتوقف علی تبلیغ السنة والنظام الإلهی وتنفیذه ، والنبی متکفل لتربیة الإنسان وفق هذه السنة والنظام ، فلو حصل تخلّف فی تبلیغه أو تنفیذه لکان نقضاً للغرض ، ولا یکون تخلّف مبلغ الوحی والمربّی بالتربیة الإلهیة إلامن جهة الخطأ أو الهوی ، وأیّ منهما کان فلا یحصل الغرض الأقصی.

ص: 89

فکمال الهدایة الإلهیة یتطلّب کمال الهادی ، وعصمة النظام الإلهی الذی لاَیَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ، تستلزم عصمة المعلم والمنفذ .

الدلیل الثانی: دلّ العقل والنقل علی أن الدین جاء لیُحیی الإنسان حیاة طیّبة مَنْ عَمِلَ صالحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیَاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَاکَانُوا یَعْمَلُونَ ، وماء الحیاة الطیّبة للإنسان هو الإیمان والعمل الصالح، وهما یشکّلأن مجموعة الدین ، ومجری هذا الماء الطیب وجود النبیّ(علیه السّلام)، فلو کان مجری الماء ملوثاً لتلوث الماء ولم یصلح لسقی عقول الناس وقلوبهم ، ولا یحصل منه ثمرة الحیاة الطیبة .

الدلیل الثالث: بما أن الغرض من بعثة النبی(علیه السّلام)لایتحقّق إلا بإطاعته فی أمره ونهیه ، وبما أن إطاعة المخطئ والعاصی لاتجوز، فلو لم یکن النبی(علیه السّلام) معصوماً لم تجب إطاعته ، فیلزم نقض الغرض وبطلأن نتیجة البعثة .

الدلیل الرابع: إذا لم یکن النبی(علیه السّلام)معصوماً ، لم یحصل للأمة الیقین بصدقه وصحة قوله فی تبلیغ الوحی ، وإذا لم یکن معصوماً من الذنوب ، سقطت مکانته فی أعین الناس ، وکلام العالم بلا عمل ، والواعظ غیر المتعظ لا یؤثر فی النفوس ، فلا یحصل الغرض المقصود من البعثة .

الدلیل الخامس: منشأ الخطأ والذنب ضعف العقل والإرادة ، وعقل النبی(علیه السّلام) کامل ، لأنه باتصاله بالوحی اتصل بحق الیقین ، وصار یری الأشیاء علی واقعها کما هی ، وإرادته لا تتأثّر إلا من إرادة الله سبحانه وتعالی ، فلا یبقی فی شخصیته مجالٌ للخطأ والذنب). انتهی .

ص: 90

العصمة لاتعنی الإجبار ، ولا تنافی الإختیار

قال المفید فی رسالة النکت الإعتقادیة ص45:

(فإن قیل: ما حد العصمة؟ الجواب: العصمة لطف یفعله الله بالمکلف بحیث یمنع منه وقوع المعصیة وترک الطاعة ، مع قدرته علیهما.

فإن قیل: ما الدلیل علی أنه معصوم من أول عمره إلی آخره ؟

والجواب: الدلیل علی ذلک أنه لو عهد منه السهو والنسیان لارتفع الوثوق منه عند إخباراته. ولو عهد منه خطیئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة).

وقال العلامة الحلی فی شرح التجرید/494:

قال: ولا تنافی العصمة القدرة.

أقول:اختلف القائلون بالعصمة فی أن المعصوم هل یتمکن من فعل المعصیة أم لا ؟ فذهب قوم منهم إلی عدم تمکنه من ذلک ، وذهب آخرون إلی تمکنه منها. أما الأولون فمنهم من قال: أن المعصوم مختص فی بدنه أو نفسه بخاصیة تقتضی امتناع إقدامه علی المعصیة ، ومنهم من قال: أن العصمة هو القدرة علی الطاعة وعدم القدرة علی المعصیة ، وهو قول أبی الحسین البصری. وأما الإخرون الذین لم یسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذی یفعله الله تعالی بالعبد من الألطاف المقربة إلی الطاعات التی یعلم معها أنه لا یقدم علی المعصیة بشرط أن لا ینتهی ذلک الأمر إلی الالجاء ، ومنهم من فسرها بأنها ملکة نفسانیة لا یصدر عن صاحبها معها المعاصی. وآخرون قالوا: العصمة لطف یفعله الله تعالی بصاحبها لا یکون له معه داع إلی ترک الطاعة وارتکاب المعصیة ، وأسباب هذا اللطف أمور أربعة:

أحدها: أن یکون لنفسه أو لبدنه خاصیة تقتضی ملکة مانعة من الفجور وهذه

ص: 91

الملکة مغایرة للفعل.

الثانی: أن یحصل له علم بمثالب المعاصی ومناقب الطاعات.

الثالث: تأکید هذه العلوم بتتابع الوحی والإلهام من الله تعالی.

الرابع: مؤاخذته علی ترک الأولی بحیث یعلم أنه لا یترک مهملا بل یضیق علیه الأمر فی غیر الواجب من الأمور الحسنة.

فإذا اجتمعت هذه الأمور کان الإنسان معصوماً .

والمصنف(رحمه الله) اختار المذهب الثانی وهو أن العصمة لا تنافی القدرة بل المعصوم قادر علی فعل المعصیة ، وإلا لما استحق المدح علی ترک المعصیة ولا الثواب ، ولبطل الثواب والعقاب فی حقه ، فکان خارجاً عن التکلیف ! وذلک باطل بالإجماع وبالنقل فی قوله تعالی:(قُلْ إنما أنا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحَی إِلَیَّ ) .

وقال العلامة الحلی فی کتاب الألفین/67:

البحث السابع: فی عصمة الإمام ، وهی ما یمتنع المکلف معه من المعصیة متمکنا منها ، ولا یمتنع منها مع عدمها. اختلف الناس فی ذلک ، فذهبت الإمامیة والإسماعیلیة إلیه ، ونفاه الباقون ، لنا وجوه:

الأول: لو کان غیر معصوم لکان محتاجاً إما إلی نفسه أو إلی إمام آخر فیدور أو یتسلسل وهما محالأن ، وذلک لوجود العلة المحوجة إلیه فیه .

لایقال: المعصوم لایخلو إما أن یقدر علی المعصیة أو لا یقدر ، فإن قدر فلایخلو أن یمکن وقوعها منه أو لایمکن ، فإن أمکن فهو کسائر المکلفین فی الحقیقة من غیر امتیاز ، وإن لم یمکن فقدرته علی ما لایمکن وقوعه لا یکون قدرة ، وإن لم یقدر فهو مجبورٌ ولیس ذلک بشرف له.

وأیضاً ، إذا جاز أن یمتنع وقوع المعصیة من شخص من المکلفین بفعل الله

ص: 92

تعالی ، ولا یضر ذلک قدرته وتمکنه من الطرفین ، فالواجب أن یجعل جمیع المکلفین کذلک ، إذ کان الغرض من وجودهم إیصال الثواب إلیهم دون وقوع المعصیة وعقابهم علیها ؟

وأیضاً ، فلمَ یجوز أن یکون الإنتهاء فی الإحتجاج إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو القرآن وینقطع التسلسل.

لأنا نجیب عن الأول: بأنه یقدر علیها ولکن لاتقع مقدورة منه، لعدم خلوص داعیه إلیها ، کما نقول فی امتناع وقوع القبایح من الحکیم تعالی ، وکما نقول فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) فإن القدرة علی ما لایمکن وقوعه لاعتبار شئ غیر ذاته لایستنکر ، إنما یستنکر القدرة علی ما لا یمکن وقوعه لذاته.

وعن الثانی: أنا لا نقول أن الحکیم تعالی جعل شخصاً واحداً بفعله معصوماً من غیر استحقاق منه لذلک ، لکِنَّا نقول: کل من یستحق الألطاف الخاصة التی هی العصمة بکسبه ، فهو تعالی یخصه بها .

ثم الإمام یجب أن یکون من تلک الطایفة ، فالمکلفون بأسرهم لو استحقوا بکسبهم تلک الألطاف لکانوا کلهم معصومین ، فظهر أن الخلل فی عدم عصمتهم جمیعاً راجع علیهم لا علیه تعالی.

وعن الثالث: أن نسبة غیر المعصومین إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )القرآن نسبة واحدة ، فلو جاز أن یکون النبی الموجود فی زمان سابق أو القرآن مُغنیاً لمکلف مع جواز خطأه عن الإمام لجاز فی الجمیع مثل ذلک ، وحینئذ لایجب احتیاجهم جمیعاً إلی الإمام ، وقد سبق فساد اللازم فظهر فساد الملزوم.

الثانی: لما ثبت وجوب نصب الإمام علی الله تعالی بالطریق الثانی فنقول: أنا نعلم ضرورة أن الحاکم إذا نصب فی رعیته من یعرف منه أنه لا یقوم بمصالحهم

ص: 93

ولا یراعی فیهم ما لأجله احتاجوا إلی منصوب قبله ، تستقبح العقول منه ذلک النصب وتنفر عنه ، ونصب غیر المعصوم من الله تعالی داخل فی هذه الحِکم ، فعلمنا أنه لاینصب غیر المعصوم، فکل إمام ینصبه الله تعالی فهو معصوم). انتهی.

وقال الشریف المرتضی فی رسائله:3/323:

(مسألة فی العصمة: ماحقیقة العصمة التی یعتقد وجوبها للأنبیاءوالأئمة(علیه السّلام)، وهل هو معنی یضطر إلی الطاعة ویمنع من المعصیة أو معنی یضامُّ الإختیار؟ فإن کان معنی یضطر إلی الطاعة ویمنع من المعصیة ، فکیف یجوز الحمد والذم لفاعلها ؟ وإن کان معنی یضامُّ الإختیار، فاذکروه ودُلُّوا علی صحة مطابقته له ، ووجوب اختصاص المذکورین به دون من سواهم ، فقد قال بعض المعتزلة: إن الله عصم أنبیاءه بالشهادة لهم بالإعتصام ، وضلل قوماً بنفس الشهادة علیهم بالضلال ، فإن یکن ذلک هو المعتمد ، أنعمْ بذکره ودلَّ علی صحته وبطلأن ما عساه نعلمه من الطعن علیه ، وإن کان باطلاً دلَّ علی بطلانه وصحة الوجه المعتمد دون ما سواه ؟

الجواب ولله التوفیق: أعلم أن العصمة هی اللطف الذی یفعله تعالی ، فیختار العبد عنده الإمتناع من فعل القبیح ، فیقال علی هذا إن الله عصمه ، بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبیح ، ویقال إن العبد معتصم ، لأنه اختار عند هذا الداعی الذی فعل الإمتناع عن القبیح.

وأصل العصمة فی وضع اللغة المنع ، یقال: عصمت فلاناً من السوء إذا منعت من فعله به. غیر أن المتکلمین أجروا هذه اللفظة علی من امتنع باختیاره عند اللطف الذی یفعله الله تعالی به ، لأنه إذا فعل به ما یعلم أن یمتنع عنده من فعل القبیح فقد منعه منه ، فأجروا علیه لفظ المانع قسراً أو قهراً. وأهل اللغة یتصارفون ذلک

ص: 94

ویستعملونه ، لأنهم یقولون فیمن أشار علی غیره برأی فقبله مختاراً ، واحتمی بذلک من ضرر یلحقه هو وماله إنه حماه من ذلک الضرر ومنعه وعصمه ، وإن کان ذلک علی سبیل الإختیار.

فإن قیل: أفتقولون فیمن لطف له بما اختار عنده الإمتناع من فعل واحد قبیح أنه معصوم.

قلنا: نقول ذلک مضافاً ولا نطلقه ، فنقول: أنه معصوم من کذا ولا نطلق ، فیوهم أنه معصوم من جمیع القبائح ، ونطلق فی الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) العصمة بلا تقیید ، لأنهم عندنا لایفعلون شیئاً من القبائح ، دون ما یقوله المعتزلة من نفی الکبائر عنهم دون الصغائر.

فإن قیل: فإذا کان تفسیر العصمة ما ذکرتم ، أفلا عصم الله جمیع المکلفین وفعل بهم ما یختارون عنده الإمتناع من القبائح.

قلنا: کل من علم الله تعالی أن له لطفاً یختار عنده الإمتناع من القبح ، فإنه لا بدَّ أن یفعله وإن لم یکن نبیاً ولا إماماً ، لأن التکلیف یقتضی فعل اللطف علی ما دل علیه فی مواضع کثیرة.

غیر أنا لانمنع أن یکون فی المکلفین من لیس فی المعلوم أن فیه سبباً متی فعل اختار عنده الإمتناع من القبح ، فیکون هذا المکلف لاعصمة له فی المعلوم ولا لطف ، ولا یکلف من لا لطف له بحسن ولا بقبح ، وإنما القبیح منع اللطف فیمن له لطف مع ثبوت التکلیف.

فأما قول بعضهم إن العصمة الشهادة من الله تعالی بالإعتصام ، فباطل لأن الشهادة لا یجعل الشئ علی ما هو به ، وإنما یتعلق به علی ما هو علیه ، لأن الشهادة هی الخبر ، والخبر عن کون الشئ علی صفة لا یؤثر فی کونه علیها ،

ص: 95

فیحتاج أولاًإلی أن یتقدم إلی العلم بأن زیداً معصوم أو معتصم ، ویوضح عن معنی ذلک ، ثم تکون الشهادة من بعده مطابقة لهذا العلم ، وهذا بمنزلة من سئل عن حد المتحرک ، فقال: هو شهادة بأنه متحرک أو العلم بأنه علی هذه الصفة. وفی هذا البیان کفایة لمن تأمل).

وقال الطباطبائی فی تفسیر المیزان:2/138: (فإن قلت: الذی یدل علیه ما مر من الآیات الکریمة هو أن الأنبیاء(علیهم السّلام) لایقع منهم خطأ ولا یصدر عنهم معصیة ، ولیس ذلک من العصمة فی شئ ، فإن العصمة علی ما ذکره القوم قوة تمنع الإنسان عن الوقوع فی الخطأ ، وتردعه عن فعل المعصیة واقتراف الخطیئة ، ولیست القوة مجرد صدور الفعل أو عدم صدوره ، وإنما هی مبدأ نفسانی تصدر عنه الفعل کما تصدر الأفعال عن الملکات النفسانیة.

قلت: نعم لکن الذی یحتاج إلیه فی الأبحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصیة من النبی(علیه السّلام)ولایضر فی ذلک عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر.

ومع ذلک یمکن الإستدلال علی کون العصمة مستندة إلی قوة رادعة بما مر فی البحث عن الإعجاز من دلالة قوله تعالی: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِکُلِّ شَئ قَدْراً. (الطلاق:3) وکذا قوله تعالی: إِنَّ رَبِّی عَلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ) (هود:56) علی أن کلاً من الحوادث یحتاج إلی مبدأ یصدر عنه وسبب یتحقق به ، فهذه الأفعال الصادرة عن النبی(علیه السّلام)علی وتیرة واحدة صواباً وطاعة تنتهی إلی سبب مع النبی(علیه السّلام)وفی نفسه وهی القوة الرادعة.

وتوضیحه: أن أفعال النبی(علیه السّلام)المفروض صدورها طاعة أفعال اختیاریة من نوع الأفعال الإختیاریة الصادرة عنا ، التی بعضها طاعة وبعضها معصیة ، ولا شک أن

ص: 96

الفعل الإختیاری إنما هو اختیاری بصدوره عن العلم والمشیة ، وإنما یختلف الفعل طاعة ومعصیة باختلاف الصورة العلمیة التی یصدر عنها ، فإن کان المقصود هو الجری علی العبودیة بامتثال الأمر مثلاً تحققت الطاعة ، وإن کان المطلوب- أعنی الصورة العلمیة التی یضاف إلیها المشیة- اتباع الهوی واقتراف ما نهی الله عنه تحققت المعصیة ، فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصیة لاختلاف علمنا الذی یصدر عنه الفعل ، ولو دام أحد العلمین أعنی الحکم بوجوب الجری علی العبودیة وامتثال الأمر الإلهی ، لما صدر إلا الطاعة ، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصیة (والعیاذ بالله) لم یتحقق إلا المعصیة.

وعلی هذا فصدور الأفعال عن النبی(علیه السّلام)بوصف الطاعة دائماً لیس إلا لأن العلم الذی یصدر عنه فعله بالمشیة صورة علمیة صالحة غیر متغیرة ، وهو الإذعان بوجوب العبودیة دائماً ، ومن المعلوم أن الصورة العلمیة والهیئة النفسانیة الراسخة غیر الزائلة ، هی الملکة النفسانیة کملکة العفة والشجاعة والعدالة ونحوها ، ففی النبی ملکة نفسانیة تصدر عنها أفعاله علی الطاعة والإنقیاد وهی القوة الرادعة عن المعصیة.

ومن جهة أخری النبی(علیه السّلام) لایخطئ فی تلقی الوحی ولا فی تبلیغ الرسالة ففیه هیئة نفسانیة لاتخطئ فی تلقی المعارف وتبلیغها ، ولاتعصی فی العمل. ولو فرضنا أن هذه الأفعال وهی علی وتیرة واحدة لیس فیها إلا الصواب والطاعة تحققت منه من غیر توسط سبب من الأسباب یکون معه ، ولا انضمام من شئ إلی نفس النبی(علیه السّلام) ، کان معنی ذلک أن تصدر أفعاله الإختیاریة علی تلک الصفة بإرادة من الله سبحانه من غیر دخالة للنبی(علیه السّلام)فیه، ولازم ذلک إبطال علم النبی(علیه السّلام)وإرادته فی تأثیرها فی أفعاله ، وفی ذلک خروج الأفعال الإختیاریة عن

ص: 97

کونها اختیاریة ، وهو ینافی افتراض کونه فرداً من أفراد الإنسان الفاعل بالعلم والإرادة. فالعصمة من الله سبحانه إنما هی بإیجاد سبب فی الإنسان النبی یصدر عنه أفعاله الإختیاریة صواباً وطاعة ، وهو نوع من العلم الراسخ ، وهو الملکة کما مر ).

وقال فی المیزان:5/78 ، فی تفسیر قوله تعالی: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ.(النساء:113): ( ظاهر الآیة أن الأمر الذی تتحقق به العصمة نوع من العلم یمنع صاحبه عن التلبس بالمعصیة والخطأ. وبعبارة أخری: علم مانع عن الضلال ، کما أن سائر الإخلاق کالشجاعة والعفة والسخاء کل منها صورة علمیة راسخة موجبة لتحقق آثارها ، مانعةٌ عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذیر.

والعلم النافع والحکمة البالغة وإن کانا یوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع فی مهالک الرذائل ، والتلوث بأقذار المعاصی ، کما نشاهده فی رجال العلم والحکمة والفضلاء من أهل التقوی والدین ، غیر أن ذلک سببٌ غالبیٌّ کسائر الأسباب الموجودة فی هذا العالم المادی الطبیعی ، فلا تکاد تجد متلبساً بکمال یحجزه کماله من النواقص ویصونه عن الخطأ صوناً دائمیاً من غیر تخلف ، سنةً جاریةً فی جمیع الأسباب التی نراها ونشاهدها.

والوجه فی ذلک أن القوی الشعوریة المختلفة فی الإنسان یوجب بعضها ذهوله عن حکم البعض الآخر ، أو ضعف التفاته إلیه ، کما أن صاحب ملکة التقوی مادام شاعراً بفضیلة تقواه لایمیل إلی اتباع الشهوة غیر المرضیة ویجری علی مقتضی تقواه ، غیر أن اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه إلی هذا النحو من الشعور ، ربما حجبه عن تذکر فضیلة التقوی أو ضعف شعور التقوی ، فلا یلبث

ص: 98

دون أن یرتکب ما لاترتضیه التقوی ، ویختار سفساف الشره ، وعلی هذا السبیل سائر الأسباب الشعوریة فی الإنسان .

وإلا فالإنسان لایحید عن حکم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائماً علی ساق ، ولا مانع یمنع من تأثیره ، فجمیع هذه التخلفات تستند إلی مغالبة التقوی والأسباب ، وتغلُّبِ بعضها علی بعض.

ومن هنا یظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوری علمی غیر مغلوب البتة ، ولو کانت من قبیل ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراک لتسرب إلیها التخلف ، وخَبَطت فی أثرها أحیاناً ، فهذا العلم من غیر سنخ سائر العلوم والإدراکات المتعارفة التی تقبل الإکتساب والتعلم. وقد أشار الله تعالی إلیه فی خطابه الذی خص به نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بقوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) وهو خطاب خاص لانفقهه حقیقة الفقه ، إذ لاذوق لنا فی هذا النحو من العلم والشعور.

غیر أن الذی یظهر لنا من سائر کلامه تعالی بعض الظهور کقوله: قُلْ مَنْ کَانَ عدواً لِجِبْرِیلَ فإنه نَزَّلَهُ عَلَی قَلْبِکَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَهُدیً وَبُشْرَی لِلْمُؤْمِنِینَ. (البقرة:97) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِینُ ، عَلَی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ ، (الشعراء:195-196) أن الإنزال المذکور من سنخ العلم ، ویظهر من جهة أخری أن ذلک من قبیل الوحی والتکلیم ، کما یظهر من قوله: شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّی بِهِ نوحاً وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إبراهیم وَمُوسَی وَعِیسَی، الآیة.. (الشوری:13) وقوله: أنا أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ کَمَا أَوْحَیْنَا إلی نُوحٍ وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ، (النساء:163) وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا یُوحَی إِلَیَّ .( الأنعام-50) ، وقوله: إنما أَتَّبِعُ مَا یُوحَی إِلَیَّ (لأعراف:203) ویستفاد من الآیات علی اختلافها أن المراد بالإنزال هو الوحی ، وحی الکتاب والحکمة ، وهو نوع تعلیم إلهی لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ص: 99

غیر أن الذی یشیر إلیه بقوله: وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) لیس هو الذی علمه بوحی الکتاب والحکمة فقط ، فإن مورد الآیة قضاء النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحوادث الواقعة والدعاوی التی ترفع إلیه برأیه الخاص ، ولیس ذلک من الکتاب والحکمة بشئ وإن کان متوقفاً علیهما بل رأیه ونظره الخاص به. ومن هنا یظهر أن المراد بالإنزال والتعلیم فی قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) نوعان اثنان من العلم ، أحدهما التعلیم بالوحی ونزول الروح الأمین علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإخر: التعلیم بنوع من الإلقاء فی القلب والإلهام الخفی الإلهی من غیر إنزال الملک ، وهذا هو الذی تؤیده الروایات الواردة فی علم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وعلی هذا فالمراد بقوله: وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ ،آتاک نوعاً من العلم لو لم یؤتک إیاه من لدنه لم یکفک فی إیتائه الأسباب العادیة التی تعلم الإنسان ما یکتسبه من العلوم.

فقد بان من جمیع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهیة التی نسمیها قوة العصمة نوع من العلم والشعور ، یغایر سائر أنواع العلوم فی أنها غیر مغلوبة لشئ من القوی الشعوریة البتة ، بل هی الغالبة القاهرة علیها المستخدمة إیاها ، ولذلک کانت تصون صاحبها من الضلال والخطیئة مطلقاً.

وقد ورد فی الروایات أن للنبی والإمام(علیهماالسّلام)روحاً تسمی روح القدس تسدده وتعصمه عن المعصیة والخطیئة ، وهی التی یشیر إلیها قوله تعالی وَکَذَلِکَ

أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَامَاکُنْتَ تَدْرِی مَاالْکِتَابُ وَلا الإیمان وَلَکِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ، (الشوری:52) بتنزیل الآیة علی ظاهرها من الإلقاء علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونظیره قوله تعالی: وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَیْنَا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرَاتِ وَإِقَامَ

ص: 100

الصَّلاةِ وَإِیتَاءَ الزَّکَاةِ وَکَانُوا لَنَا عَابِدِینَ ، (الأنبیاء:73)بناء علی ما سیجئ من بیان معنی الآیة إن شاء الله العزیز أن المراد به تسدید روح القدس الإمام بفعل الخیرات وعبادة الله سبحانه. وبانَ مما مر أیضاً أن المراد بالکتاب فی قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَیْکَ

الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ ، هو الوحی النازل لرفع اختلافات الناس علی حد قوله تعالی:کَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ). (البقرة:213) .

ص: 101

ص: 102

الفصل الخامس : دفاع أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم عن عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام)

اشارة

ص: 103

ص: 104

الإمام الصادق(علیه السّلام)یتألم لظلم الناس للأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام)

فی أمالی الصدوق ص163: (حدثنا أبی(رحمه الله) قال: حدثنا علی بن محمد بن قتیبة عن حمدان بن سلیمان ، عن نوح بن شعیب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن صالح ، عن علقمة ، قال: قال الصادق جعفر بن محمد(علیهماالسّلام) وقد قلت له: یا بن رسول الله أخبرنی من تقبل شهادته ومن لاتقبل شهادته؟ فقال: (یا علقمة ، کل من کان علی فطرة الإسلام جازت شهادته. قال فقلت له: تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال: یا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفین للذنوب لما قبلت إلا شهادات الأنبیاءوالأوصیاء صلوات الله علیهم ، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعینک یرتکب ذنباً أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ، وإن کان فی نفسه مذنباً...

قال علقمة: فقلت للصادق(علیه السّلام): یا بن رسول الله أن الناس ینسبوننا إلی عظائم الأمور ، وقد ضاقت بذلک صدورنا. فقال(علیه السّلام):

یا علقمة أن رضا الناس لایملک ، وألسنتهم لاتضبط، فکیف تَسْلمون مما لم یسلم منه أنبیاءالله ورسله وحججه(علیهم السّلام) ؟!

ألم ینسبوا یوسف إلی أنه هم بالزنا ؟! ألم ینسبوا أیوب إلی أنه ابتلی بذنوبه ؟!

ألم ینسبوا داود إلی أنه تبع الطیر حتی نظر إلی امرأة أوریا فهواها ! وأنه قدم زوجها

ص: 105

إمام التابوت حتی قتل ثم تزوج بها ؟!

ألم ینسبوا موسی إلی أنه عنین وآذوه حتی برأه الله مما قالوا وکان عند الله وجیها؟!

ألم ینسبوا جمیع أنبیاءالله إلی أنهم سحرة طلبة الدنیا ؟!

ألم ینسبوا مریم بنت عمران إلی أنها حملت بعیسی من رجل نجار اسمه یوسف؟!

ألم ینسبوا نبینا محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی أنه شاعر مجنون ؟ ألم ینسبوه إلی أنه هوی امرأة زید بن حارثة فلم یزل بها حتی استخلصها لنفسه؟ ألم ینسبوه یوم بدر إلی أنه أخذ لنفسه من المغنم قطیفة حمراء ! حتی أظهره الله عز وجل علی القطیفة وبرأ نبیه من الخیانة ، وأنزل بذلک فی کتابه: وَمَا کَانَ لِنَبِیٍّ أن یَغُلَّ وَمَنْ یَغْلُلْ یأت بِمَا غَلَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ! ألم ینسبوه إلی أنه ینطق عن الهوی فی ابن عمه علی حتی کذبهم الله عز وجل ، فقال سبحانه: وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی.إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی ؟!

ألم ینسبوه إلی الکذب فی قوله: أنه رسول من الله إلیهم ؟ حتی أنزل الله عز وجل علیه: وَلَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ فَصَبَرُوا عَلَی مَا کُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّی أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَکَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِینَ ؟!

ولقد قال یوماً: عرج بی البارحة إلی السماء. فقیل: والله ما فارق فراشه طول لیلته.

وما قالوا فی الأوصیاء(علیهم السّلام) أکثر من ذلک ! ألم ینسبوا سید الأوصیاء(علیه السّلام)إلی أنه کان یطلب الدنیا والملک وأنه کان یؤثر الفتنة علی السکون ، وأنه یسفک دماء المسلمین بغیر حلها ، وأنه لو کان فیه خیر ما أمر خالدَ بن الولید بضرب عنقه ؟

ألم ینسبوه إلی أنه أراد أن یتزوج ابنة أبی جهل علی فاطمة(علیهاالسّلام)، وإن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )شکاه علی المنبر إلی المسلمین ، فقال: أن علیاً یرید أن یتزوج ابنة عدو الله علی ابنة نبی الله، إلا أن فاطمة بضعة منی ، فمن آذاها فقد آذانی ، ومن سرها فقد سرنی ، ومن غاظها فقد غاظنی ؟

ثم قال الصادق(علیه السّلام): یا علقمة ، ما أعجب أقاویل الناس فی علی(علیه السّلام) !

کم بین من یقول: أنه رب معبود ، وبین من یقول: أنه عبد عاص للمعبود ! ولقد

ص: 106

کان قول من ینسبه إلی العصیان أهون علیه من قول من ینسبه إلی الربوبیة.

یا علقمة ، ألم یقولوا لله عز وجل: أنه ثالث ثلاثة ؟ ألم یشبهوه بخلقه ؟ ألم یقولوا أنه الدهر ؟ ألم یقولوا: أنه الفلک ؟ ألم یقولوا: أنه جسم ؟ ألم یقولوا: أنه صورة ؟ تعالی الله عن ذلک علوا کبیراً .

یاعلقمة ، أن الألسنة التی تتناول ذات الله تعالی ذکره بما لایلیق بذاته ، کیف تحبس عن تناولکم بما تکرهونه ! فاستعینوا بالله واصبروا ، أن الأرض لله یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ. فإن بنی إسرائیل قالوا لموسی(علیه السّلام): أُوذِینَا مِنْ قَبْلِ أن تَأْتِیَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ، فقال الله عز وجل: قل لهم یا موسی:عَسَی رَبُّکُمْ أن یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَیَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الأرض فَیَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ). (لأعراف:129)

الإمام الرضا(علیه السّلام)یدافع عن عصمة الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام)

فی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/174: (باب ذکر مجلس آخر للرضا(علیه السّلام)عند المأمون فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) : (حدثنا تمیم بن عبد الله بن تمیم القرشی(رض)قال: حدثنی أبی عن حمدان بن سلیمان النیسابوری عن علی بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علی بن موسی(علیهماالسّلام)فقال له المأمون: یاابن رسول الله ألیس من قولک: الأنبیاءمعصومون ؟ قال: بلی قال: فما معنی قول الله عز وجل: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی ؟

فقال(علیه السّلام): أن الله تبارک وتعالی قال لآدم:(اسْکُنْ أنت وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ وَکُلا مِنْهَا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، وأشار لهما إلی شجره الحنطة فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ، ولم یقل لهما: لاتأکلا من هذه الشجره ولا مما کان من جنسها ، فلم یقربا تلک الشجره ولم یأکلا منها وإنما أکلا من غیرها لمَّا أن وسوس الشیطان الیهما وَقَالَ مَا نَهَاکُمَا رَبُّکُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، وإنما نهاکما أن تقربا غیرها ولم

ص: 107

ینهکما عن الأکل منها ، إلا أنْ تَکُونَا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونَا مِنَ الْخَالِدِینَ ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّی لَکُمَا لَمِنَ النَّاصِحِینَ , ولم یکن آدم وحواء شاهداً قبل ذلک من یحلف بالله کاذباً ، فَدَلاهُمَا بِغُرُور ، فأکلا منها ثقة بیمینه بالله .«وکان ذلک من آدم قبل النبوة ، ولم یکن ذلک بذنب کبیر استحق به دخول النار ، وإنما کان من الصغائر الموهوبة التی تجوز علی الأنبیاءقبل نزول الوحی علیهم» فلما اجتباه الله تعالی وجعله نبیاً کان معصوماً لا یذنب صغیرة ولا کبیرة ، قال الله عز وجل: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَیْهِ وَهَدَی. وقال عز وجل: أن الله اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهیم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ.

فقال له المأمون: فما معنی قول الله عز وجل: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا ؟

فقال له الرضا(علیه السّلام): «إن حواء ولدت لآدم خمس مأة بطن ذکراً وأنثی» ، وإن آدم(علیه السّلام)وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا: لَئِنْ آتَیْتَنَا صالحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً من النسل خلقاً سویاً بریئاً من الزمانة والعاهة وکان ما آتاهما صنفین صنفاً ذکراناً وصنفاً إناثاً ، فجعل الصنفان لله تعالی شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا ، ولم یشکراه کشکر أبویهما له عز وجل ، قال الله تبارک وتعالی: فَتَعَالَی اللهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ .

فقال المأمون: أشهد إنک ابن رسول الله حقاً ، فأخبرنی عن قول الله عز وجل فی حق إبراهیم(علیه السّلام): فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأی کَوْکَباً قَالَ هَذَا رَبِّی ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): أن إبراهیم(علیه السّلام)وقع إلی ثلاثه أصناف صنف یعبد الزهرة وصنف یعبد القمر وصنف یعبد الشمس، وذلک حین خرج من السرب الذی أخفی فیه فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ فرأی الزهرة قال:هَذَا رَبِّی؟! علی الإنکار والإستخبار فَلَمَّا أَفَلَ الکوکب قَالَ لا أحب الآفِلِین ، لأن الأفول من صفات المحدث لا من

ص: 108

صفات القدم ، فَلَمَّا رَأی الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّی علی الإنکار والإستخبار: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ ، یقول: لو لم یهدنی ربی لکنت من القوم الضالین ، فلما أصبح رَأی الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّی هَذَا أَکْبَرُ من الزهرة والقمر ، علی الإنکار والإستخبار لا علی الأخبار والإقرار ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس:یَا قَوْمِ إِنِّی بَرئٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَالسَّمَاوَاتِ والأرض حنیفاً وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ وإنما أراد

إبراهیم(علیه السّلام)بما قال أن یبین لهم بطلأن دینهم ویثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما کان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض .

وکان ما احتج به علی قومه مما ألهمه الله تعالی وآتاه کما قال الله عز وجل: وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إبراهیم عَلَی قَوْمِهِ.

فقال المأمون: لله درک یا ابن رسول الله فأخبرنی عن قول إبراهیم(علیه السّلام): رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَی قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی ؟

قال الرضا(علیه السّلام): أن الله تبارک وتعالی کان أوحی إلی ابراهیم(علیه السّلام): إنی متخذ من عبادی خلیلاً أن سألنی إحیاء الموتی أجبته ، فوقع فی نفس إبراهیم أنه ذلک الخلیل ، فقال:رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَی قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی علی الخلَّة ، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَی کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیاً وَاعْلَمْ أن الله عَزِیزٌ حَکِیمٌ.

فأخذ إبراهیم(علیه السّلام)نسراً وطاووساً وبطاً ودیکاً، فقطَّعهنَّ وخَلَطهُنَّ ، ثم جعل علی کل جبل من الجبل التی حوله وکانت عشرة منهن جزءً وجعل مناقیرهن بین أصابعه ، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حباً وماءً ، فتطایرت تلک الأجزاء بعضها إلی بعض حتی استوت الأبدان ، وجاء کل بدن حتی انضمَّ إلی رقبته

ص: 109

ورأسه ، فخلَّی إبراهیم(علیه السّلام)عن مناقیرهن فطِرْنَ ، ثم وقعنَ فشربنَ من ذلک الماء ، والْتقطنَ من ذلک الحب وقلنَ: یا نبیَّ الله أحییتنا ، أحیاک الله. فقال إبراهیم: بل الله یحیی ویمیت ، وهو علی کل شئ قدیر .

قال المأمون: بارک الله فیک یا أبا الحسن فأخبرنی عن قول الله عز وجل: فَوَکَزَهُ مُوسَی فَقَضَی عَلَیْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ ؟

قال الرضا(علیه السّلام): أن موسی دخل مدینه من مدائن فرعون عَلَی حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها ، وذلک بین المغرب والعشاء ، فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَی الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ ، فقضی موسی علی العدو ، وبحکم الله تعالی ذِکْره فَوَکَزَهُ ، فمات! قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَان ، یعنی الإقتتال الذی کان وقع بین الرجلین ، لا ما فعله موسی(علیه السّلام)من قَتْلِهِ. أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ ، یعنی الشیطان .

فقال المأمون: فما معنی قول موسی: رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی ؟

قال: یقول: إنی وضعت نفسی غیر موضعها بدخولی هذه المدینة ، فَاغْفِرْ لِی ، أی أسترنی من أعدائک لئلا یظفروا بی فیقتلونی ، فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ ، قال موسی(علیه السّلام): قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ ، من القوة حتی قتلت رجلاً بوکزة ، فَلَنْ أکون ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ ، بل أجاهد سبیلک بهذه القوة حتی ترضی .

فَأَصْبَحَ موسی(علیه السّلام)فِی الْمَدِینَةِ خَائِفاً یَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِی اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ یَسْتَصْرِخُهُ علی آخر ، قَالَ لَهُ مُوسَی إنک لَغَوِیٌّ مُبِینٌ ، قاتلت رجلاً بالأمس وتقاتل هذا الیوم ، لأوذینک ، وأراد أن یبطش به فَلَمَّا أن أراد أن یَبْطِشَ بِالَّذِی هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وهو من شیعته قَالَ یَا مُوسَی أَتُرِیدُ أن تَقْتُلَنِی کَمَا قَتَلْتَ نفساً بِالأَمْسِ أن تُرِیدُ إلا أن تَکُونَ جَبَّاراً فِی الأرض وَمَا تُرِیدُ أن تَکُونَ مِنَ الْمُصْلِحِینَ .

قال المأمون: جزاک الله عن أنبیائه خیراً یا أبا الحسن، فما معنی قول موسی

ص: 110

لفرعون: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّینَ ؟

قال الرضا(علیه السّلام): أن فرعون قال: لموسی لما أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْکَافِرِینَ ، بی ! قال موسی: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّینَ ، عن الطریق بوقوعی إلی مدینه من مدائنک ، فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً وَجَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ ، وقد قال الله عز وجل لنبیه محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أَلَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوَی ، یقول: ألم یجدک وحیداً فآوی إلیک الناس. وَوَجَدَکَ ضَالاً ، یعنی عند قومک ، فَهَدَی ، أی هداهم إلی معرفتک.

وَوَجَدَکَ عَائِلاً فَأَغْنَی ، یقول: أغناک بأن جعل دعاءک مستجاباً .

قال المأمون: بارک الله فیک یا ابن رسول الله ، فما معنی قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی ، کیف یجوز أن یکون کلم الله موسی بن عمران(علیه السّلام)لایعلم أن الله تبارک وتعالی ذکره لا یجوز علیه الرؤیة حتی یسأله هذا السؤال ؟

قال الرضا(علیه السّلام): أن کلیم الله موسی بن عمران(علیه السّلام)علم أن الله تعالی أعزُّ من أن یری بالأبصار ، ولکنه لما کلمه الله عز وجل وقرَّبه نجیاً ، رجع إلی قومه فأخبرهم أن الله عز وجل کلمه وقربه وناجاه ، فقالوا: لَنْ

ص: 111

نُؤْمِنَ لَکَ حتی نستمع کلامه کما سمعت ، وکان القوم سبعمأة الف رجل ، فاختار منهم سبعین ألفاً ثم اختار منهم سبعه آلاف ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعین رجلاً لمیقات ربهم ، فخرج بهم إلی طور سیناء فأقامهم فی سفح الجبل وصعد موسی إلی الطور ، وسأل الله تعالی أن یکلمه ویسمعهم کلامه فکلمه الله تعالی ذکره وسمعوا کلامه من فوق وأسفل ویمین وشمال ووراء وإمام ، لأن الله عز وجل أحدثه فی الشجرة ، وجعله منبعثاً منها حتی سمعوه من جمیع الوجوه ، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ بأن هذا الذی سمعناه کلام الله: حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً ، فلما قالوا هذا القول العظیم واستکبروا وعتوا بعث الله عز وجل علیهم صاعقه فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسی: یا رب ما أقول لبنی إسرائیل إذا رجعت إلیهم وقالوا: إنک ذهبت بهم فقتلتهم ، لأنک لم تکن صادقاً فیما ادعیت من مناجاة الله عز وجل إیاک ، فأحیاهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنک لو سألت الله أن یریک ننظر إلیه لأجابک ، وکنت تخبرنا کیف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسی: یا قوم أن الله تعالی لایری بالأبصار ولا کیفیه له وإنما یعرف بآیاته ویعلم بأعلامه فقالوا: لن نؤمن لک حتی تسأله ، فقال موسی: یا رب إنک قد سمعت مقاله بنی إسرائیل ، وأنت أعلم بصلاحهم فأوحی الله جل جلاله: یا موسی سلنی ما سألوک فلن أؤاخذک بجهلهم ، فعند ذلک قال موسی(علیه السّلام): قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلی الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ وهو یهوی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآیة من آیاته جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ یقول: رجعت إلی معرفتی بک عن جهل قومی وأنا أول الْمُؤْمِنِینَ منهم بأنک لا تری.

فقال المأمون لله درک یا أبا الحسن فأخبرنی عن قول الله عز وجل: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأی بُرْهَانَ رَبِّه ؟

قال الرضا(علیه السّلام): لقد همت به ولولا أن رأی برهان ربه لهَمَّ بها کما همت ، لکنه(علیه السّلام)کان معصوماً والمعصوم لایهمُّ بذنب ولا یأتیه ، ولقد حدثنی أبی عن أبیه الصادق(علیهماالسّلام)أنه قال: همَّت بأن تفعل ، وهمَّ بأن لا یفعل.

فقال المأمون: لله درک یا أبا الحسن فأخبرنی عن قول الله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): ذاک یونس بن متی(علیه السّلام)ذهب مغاضباً لقومه فظن بمعنی

ص: 112

استیقنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ أی لن نضیق رزقه ، ومنه قوله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ ، أی ضیق وقتر. فَنَادَی فِی الظُّلُمَاتِ،أی ظلمة اللیل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت أن لاإله إِلاأنت سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ ، بترکی مثل هذه العبادة التی قد فرغتنی لها فی بطن الحوت ، فاستجاب الله وله وقال عز وجل: فَلَوْلا أنه کَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ .لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ.

فقال المأمون: لله درک أبا الحسن فأخبرنی عن قول الله عز وجل: حَتَّی إذا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ؟

قال الرضا(علیه السّلام)یقول الله عز وجل:حَتَّی إذا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد کُذِبوا ، جاء الرسل نصرنا .

فقال المأمون: لله درک یا أبا الحسن ، فأخبرنی قول الله عز وجل: لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قال الرضا(علیه السّلام): لم یکن أحد عند مشرکی أهل مکه أعظم ذنباً من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنهم کانوا یعبدون من دون الله ثلاث مأة وستین صنماً فلما جاءهم (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالدعوه إلی کلمة الإخلاص کبُرَ ذلک علیهم وعَظُم وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحداً أن هَذَا لَشَئٌ عُجَابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أن امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَی آلِهَتِکُمْ أن هَذَا لَشَئٌ یُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِی الْمِلَّةِ الآخرة أن هَذَا إلا اخْتِلاقٌ. فلما فتح الله عز وجل علی نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مکه قال له یا محمد: أنا فَتَحْنَا لَکَ «مکة فَتْحاً مُبِیناً لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَاتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ ، عند مشرکی أهل مکه بدعائک إلی توحید الله فیما تقدم. وَمَا تَأَخَّرَ ، لأن مشرکی مکه أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مکة ومن بقی منهم لم یقدر علی إنکار التوحید علیه إذا دعا الناس إلیه ، فصار ذنبه عندهم ذلک مغفوراً بظهوره علیهم.

فقال المأمون: لله درک أبا الحسن ، فأخبرنی عن قول الله عز وجل: عَفَا اللهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ؟ قال الرضا(علیه السّلام):هذا مما نزل بإیاک أعنی واسمعی یا جارة ، خاطب

ص: 113

الله عز وجل بذلک نبیه وأراد به أمته وکذلک قوله: تعالی: لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ ، وقوله عز وجل: وَلَوْلا أن ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شیئاً قلیلاً .

قال صدقت یا ابن رسول الله فأخبرنی عن قول الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَیْهِ أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللهُ مُبْدِیهِ وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ ؟

قال الرضا(علیه السّلام): «إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قصد دار زید بن حارثه بن شراحیل الکلبی فی أمر أراده فرأی امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذی خلقک ، وإنما أراد بذلک تنزیه الباری عز وجل عن قول من زعم أن الملائکة بنات الله ، فقال الله عز وجل: أَفَأَصْفَاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَةِ إِنَاثاً إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قولاً عَظِیماً ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما رآها تغتسل: سبحان الذی خلقک أن یتخذ له ولداً یحتاج إلی هذا التطهیر والإغتسال ، فلما عاد زید إلی منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقوله لها: سبحان الذی خلقک! فلم یعلم زید ما أراد بذلک وظن أنه قال ذلک لما أعجبه من حسنها » فجاء إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال له: یارسول الله أن امرأتی فی خلقها سوء وإنی أرید طلاقها فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَاتَّقِ اللهَ ، وقد کان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وإن تلک المرأ(صلّی الله علیه و آله وسلّم )منهن ، فأخفی ذلک فی نفسه ، ولم یبده لزید ، وخشئ الناس أن یقولوا أن محمداً یقول لمولاه: أن امرأتک ستکون لی زوجة ، یعیبونه بذلک ، فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ یعنی بالإسلام ، وَأَنْعَمْتَ عَلَیْهِ یعنی بالعتق أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللهُ مُبْدِیهِ وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ .

ثم أن زید بن حارثه طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبیه محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنزل

بذلک قرآناً فقال عز وجل: فَلَمَّا قَضَی زَیْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاکَهَا لِکَیْ

ص: 114

لایَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ فِی أَزْوَاجِ أَدْعِیَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَکَانَ أمر اللهِ مَفْعُولاً. ثم علم الله عز وجل أن المنافقین سیعیبونه بتزویجها فأنزل الله تعالی: مَا کَانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَکَانَ أمر اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً .

فقال المأمون: لقد شفیت صدری یا ابن رسول الله وأوضحت لی ما کان ملتبساً علیَّ ، فجزاک الله عن أنبیائه وعن الإسلام خیراً .

قال علی بن محمد بن الجهم: فقام المأمون إلی الصلاة وأخذ بید محمد بن جعفر بن محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان حاضر المجلس وتبعتهما ، فقال له المأمون: کیف رأیت ابن أخیک؟ فقال له:عالم ولم نره یختلف إلی أحد من أهل العلم!

فقال المأمون: أن ابن أخیک من أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین قال فیهم النبی:

إلا أن أبرار عترتی وأطایب أرومتی أحلم الناس صغاراً ، وأعلم الناس کباراً ، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ، لایخرجونکم من باب هدی ، ولایدخلونکم فی باب ضلالة.

وانصرف الرضا(علیه السّلام)الی منزله ، فلما کان من الغد غدوت علیه وأعلمته ما کان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له ، فضحک(علیه السّلام)ثم قال: یا ابن الجهم لایغرنک ما سمعته منه فإنه سیغتالنی ، والله تعالی ینتقم لی منه!

قال مصنف هذا الکتاب: هذا الحدیث غریب من طریق علی بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البیت(علیهم السّلام) ). انتهی. (ورواه الصدوق أیضاً فی التوحید/74: و/121)

ملاحظة

اعتبر السید الخوئی(قدسّ سرّه)علیَّ بن الجهم وعلیَّ بن محمد بن الجهم ، شخصاً واحداً ، قال فی معجم رجال الحدیث:12/323: (علی بن الجهم: عن مروج الذهب أنه بلغ

ص: 115

من نصب علی بن الجهم أنه کان یلعن أباه فسئل عن ذلک فقال: بتسمیتی علیاً ! قال ابن شهرآشوب: قال أبو العیناء لعلی بن الجهم: إنما تبغض علیاً لأنه کان یقتل الفاعل والمفعول ، وأنت أحدهما ! فقال له: یا مخنث ! فقال أبو العیناء: وَضَرَبَ لَنَا مثلاً وَنَسِیَ خَلْقَهُ ) !!

وقال فی:13/142: (علی بن محمد بن الجهم: روی الصدوق بإسناده عنه فی حدیث ذکر فی آخره أن المأمون سأل محمد بن جعفر بن محمد وقال: کیف رأیت ابن أخیک (الرضا(علیه السّلام)) ؟ فقال: عالم ، ولم نره یختلف إلی أحد من أهل العلم...الخ. ثم قال السید الخوئی(رحمه الله): أقول: کأن علی بن محمد بن الجهم ، هو علی بن الجهم المتقدم ). انتهی.

لکنَّ علیَّ بن محمد بن الجهم إسم لعدید من الرواة ، وقد میزوا بعضهم بالسمری ، وبعضهم بالکاتب ، وبعضهم بالسائی ، وبعضهم بکنیة أبی طالب... (راجع کفایة الخطیب ص90 قال: أنا أبو طالب علی بن محمد بن الجهم الکاتب ، قال ثنا صالح بن أحمد بن حنبل...).

ومیزه الکلباسی فی سماء المقال:1/8: فقال:(علی بن الجهم بن بدر السائی: کان أکذب خلق الله ، مشهوراً بالنصب کثیر الحط علی علی وأهل البیت(علیهم السّلام) وقیل إنه کان یلعن أباه لم سماه علیاً ).

أما الحسکانی فی شواهد التنزیل:1/42 ، فروی عن أبی الفضل جعفر بن الفضل الوزیر بمکة ، قال: حدثنا علی بن محمد بن الجهم..وروی عنه فضیلة لأمیر المؤمنین(علیهم السّلام) )

کما روی الزرندی فی نظم درر السمطین: ص242، عن علی بن الجهم معجزة الإمام الهادی(علیه السّلام)مع المتوکل.

ص: 116

ولعل الذی روی عنه الصدوق غیر الذین ترجموا لهم بهذا الإسم ، لاسیما أن روایة أبی الصلت التی نقلناها فی مقدمة الکتاب عن العیون:2/170، ، تدل علی أنه کان من العلماء الذین اختارهم المأمون لمناظرة الإمام الرضا(علیه السّلام)وأنه لم یکن معانداً بل کان مؤدباً مخبتاً مطیعاً للحق ، فقد جاء فی آخرها:

(وفی آخرها: فبکی علی بن محمد بن الجهم وقال: یا ابن رسول الله،أنا تائب إلی الله عز وجل من أن أنطق فی أنبیاءالله(علیهم السّلام) بعد یومی إلا بما ذکرته).

فمن المحتمل أنه اهتدی بعد مناظرته مع الإمام الرضا(علیه السّلام)ولم یطلع الصدوق علی ذلک .

لکن الإشکال الأهم من إسم ابن الجهم ، متن روایته ، ففیها تنزیهٌ للأنبیاء(علیهم السّلام) یتفق مع مذهبنا ، وفیها ما یخالف عصمتهم التامة قبل البعثة ، ولذا قال

صاحب المیزان:1/146: (أقول: قال الصدوق(رحمه الله)بعد نقل الحدیث علی طوله: والحدیث عجیب من طریق علی بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البیت(علیهم السّلام) . انتهی. وما أعجبه منه إلا ما شاهده من اشتماله علی تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) من غیر أن یمعن النظر فی الأصول المأخوذة فیه ، فما نقله من جوابه(علیه السّلام)فی آدم لایوافق مذهب أئمة أهل البیت المستفیض عنهم من عصمة الأنبیاءمن الصغایر والکبائر قبل النبوة وبعدها.

علی أن الجواب مشتمل علی تقدیر فی قوله تعالی: مَا نَهَاکُمَا رَبُّکُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أن تَکُونَا... ، إلی مثل قولنا: ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة وإنما نها کما عن غیرها ، وما نهاکما عن غیرها إلا أن تکونا..الخ.). انتهی.

فالروایة مضافأً إلی الجهالة فی سندها ، فیها إشکالات تتعلق بالعصمة ، وقد وضعنا أهم فقراتها بین قوسین.

ص: 117

لکنها بقرینة الشواهد الأخری الصحیحة ، تدل علی أن الإمام الرضا(علیه السّلام)قد أجاب المأمون علی تمسک العامة بالمتشابهات وشبهات الیهود علی عصمة الأنبیاءالتامة(علیهم السّلام) ، وشبهات قریش علی عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وإن کان الروای ابن الجهم أو غیره رواها متأثرةً بتصوره ، ولم یحفظها بدقة !

استغفار الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) وابتلاؤهم لم یکن بسبب الذنوب

فی الخصال للصدوق ص399: (حدثناأبی(رض)قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی الخزاز ، عن فضل الأشعری ، عن الحسین بن المختار ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: ابتلی أیوب(علیه السّلام)سبع سنین بلا ذنب .

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علی السکری قال: حدثنا محمد بن زکریا الجوهری قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبیه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه(علیهم السّلام) قال: أن أیوب(علیه السّلام)ابتلی من غیر ذنب ، وإن الأنبیاءلایذنبون لأنهم معصومون مطهرون ، لایذنبون ولایزیغون ولایرتکبون ذنباً صغیراً ولا کبیراً.

وقال(علیه السّلام): إن أیوب(علیه السّلام)مع جمیع ما ابتلی به لم ینتن له رائحة ، ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قیح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ، ولا یدود شئ من جسده ، وهکذا یصنع الله عز وجل بجمیع من یبتلیه من أنبیائه وأولیائه المکرمین علیه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه فی ظاهر أمره ، لجهلهم بما له عند ربه تعالی ذکره من التأیید والفرج ، وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعظم الناس بلاء الأنبیاءثم الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظیم الذی یهون معه علی جمیع الناس ، لئلا یدَّعوا له الربوبیة إذا شاهدوا ما أراد الله أن

ص: 118

یوصله إلیه من عظائم نعمه متی شاهدوه ، لیستدلوا بذلک علی أن الثواب من الله تعالی ذکره علی ضربین: استحقاق واختصاص، ولئلا یحتقروا ضعیفاً لضعفه، ولا فقیراً لفقره ولأمریضاً لمرضه ، ولیعلموا أنه یسقم من یشاء ویشفی من یشاء ، متی شاء کیف شاء بأی سبب شاء ، ویجعل ذلک عبرةً لمن یشاء وشقاوة لمن یشاء وسعادة

لمن یشاء ، وهو فی جمیع ذلک عدل فی قضائه وحکیم فی أفعاله، لایفعل بعباده إلا الأصلح لهم، ولا قوة لهم إلا به ).

وفی معانی الأخبار/383: ( حدثنا أبی(رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَمَاأَصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیرٍ ، أرأیت ما أصاب علیاً وأهل بیته هو بما کسبت أیدیهم ، وهم أهل بیته طهارة معصومون ؟

فقال: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یتوب إلی الله عزوجل ویستغفره فی کل یوم ولیلة مائة مره من غیر ذنب. أن الله عز وجل یخص أولیاءه بالمصائب لیأجرهم علیها من غیر ذنب ). (ورواه فی الکافی:2/450)

وفی الکافی:2/450: (علی بن إبراهیم ، رفعه قال: لما حمل علی بن الحسین إلی یزید بن معاویة فأوقف بین یدیه ، قال یزید: وما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم ، فقال علی بن الحسین: لیست هذا الآیة فینا أن فینا قول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الأرض وَلافِی أَنْفُسِکُمْ إلا فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأَهَا أن ذَلِکَ عَلَی اللهِ یَسِیرٌ ).

ملاحظة

إن نفیَ الذنوب عن الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) والإعتقاد بأنهم مطهرون منها ، کما

ص: 119

فی الخصال ص603 وأمالی الصدوق ص738 ، لاینافیه وجود آیات تنسب الیهم الذنوب(علیهم السّلام) ، لأنها ذنوب من مستواهم ولیست من نوع ذنوبنا ، فیصح إطلاق الذنوب علیها بلحاظ ، ونفی کونها ذنوباً بلحاظ آخر ، کما لو دخل شخص مجلساً ولم یسلِّم علی أهله ، فقلت له هذا ذنبٌ لایناسب أخلاقک العالیة ، ثم قلت له: لکن لابأس فهو لیس ذنباً شرعیاً .

هشام بن الحکم یدافع عن عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) تحت سیف هارون الرشید !

فی کمال الدین للصدوق ص362: (حدثنا أحمد بن زیاد الهمدانی ، والحسین بن إبراهیم بن ناتانه رضی الله عنهما قالا: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر قال: أخبرنی علی الأسواری قال: کان لیحیی بن خالد مجلس فی داره یحضره المتکلمون من کل فرقة وملة یوم الأحد فیتناظرون فی أدیانهم ، یحتج بعضهم علی بعض ، فبلغ ذلک الرشید ، فقال لیحیی بن خالد: یاعباسی ما هذا المجلس الذی بلغنی فی منزلک یحضره المتکلمون؟ قال: یا أمیر المؤمنین ما شئ مما رفعنی به أمیر المؤمنین وبلغ بی من الکرامة والرفعة أحسن موقعاً عندی من هذا المجلس ، فإنه یحضره کل قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فیحتج بعضهم علی بعض ویعرف المحق منهم ، ویتبین لنا فساد کل مذهب من مذاهبهم.

فقال له الرشید: أنا أحب أن أحضر هذا المجلس وأسمع کلامهم علی أن لا یعلموا بحضوری فیحتشمونی ولا یظهروا مذاهبهم ، قال: ذلک إلی أمیر المؤمنین متی شاء ،

قال: فضع یدک علی رأسی أن لا تعلمهم بحضوری ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة ، فتشاوروا بینهم وعزموا علی أن لا یکلموا هشاماً إلا فی الإمامة

ص: 120

لعلمهم بمذهب الرشید وإنکاره علی من قال بالإمامة.

قال: فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبد الله بن یزید الإباضی وکان من أصدق الناس لهشام بن الحکم ، وکان یشارکه فی التجارة ، فلما دخل هشام سلم علی عبد الله بن یزید من بینهم ، فقال یحیی بن خالد لعبد الله بن یزید: یا عبد الله کلم هشاماً فیما اختلفتم فیه من الإمامة.

فقال هشام: أیها الوزیر لیس لهم علینا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم کانوا مجتمعین معنا علی إمامة رجل ، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حین کانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حین فارقونا علموا علی ما فارقونا ، فلیس لهم علینا مسألة ولا جواب.

فقال بیان ، وکان من الحروریة: أنا أسألک یا هشام ، أخبرنی عن أصحاب علی یوم حکموا الحکمین أکانوا مؤمنین أم کافرین؟

قال هشام: کانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون ، وصنف مشرکون ، و صنف ضُلال ، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولی إن علیاً(علیه السّلام)إمام من عند الله عز وجل ومعاویة لایصلح لها ، فآمنوا بما قال الله عز وجل فی علی(علیه السّلام)وأقروا به. وأما المشرکون فقوم قالوا: علی إمام ، ومعاویة یصلح لها ، فأشرکوا إذ أدخلوا معاویة مع علی(علیه السّلام).

وأما الضلال: فقوم خرجوا علی الحمیة والعصبیة للقبائل والعشائر لم یعرفوا شیئاً من هذا وهم جهال.

قال: فأصحاب معاویة ما کانوا ؟ قال: کانوا ثلاثة أصناف: صنف کافرون ، وصنف مشرکون ، وصنف ضلال. فأما الکافرون: فالذین قالوا إن معاویة إمام ، وعلی لا یصلح لها ، فکفروا من جهتین إذ جحدوا إماماً من الله عز وجل ، ونصبوا إماماً لیس من الله. وأما المشرکون: فقوم قالوا: معاویة إمام ، وعلی یصلح

ص: 121

لها ، فأشرکوا معاویة مع علی(علیه السّلام). وأما الضلال: فعلی سبیل أولئک خرجوا للحمیة والعصبیة للقبائل والعشائر. فانقطع بیان عند ذلک.

فقال ضرار: وأنا أسألک یا هشام فی هذا ؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولمَ ؟ قال: لأنکم کلکم مجتمعون علی دفع إمامة صاحبی ، وقد سألنی هذا عن مسألة ولیس لکم أن تثنوا بالمسألة علیَّ حتی أسألک یا ضرار عن مذهبک فی هذا الباب ؟

قال ضرار: فسل ، قال: أتقول إن الله عز وجل عدل لا یجور ؟

قال: نعم هو عدل لا یجور تبارک وتعالی .

قال: فلو کلف الله المقعد المشئ إلی المساجد والجهاد فی سبیل الله ، وکلف الأعمی قراءة المصاحف والکتب أتراه کان یکون عادلا أم جائراً ؟

قال ضرار: ما کان الله لیفعل ذلک.

قال هشام: قد علمت أن الله لا یفعل ذلک ولکن ذلک علی سبیل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلک ألیس کان فی فعله جائراً إذ کلفه تکلیفاً لا یکون له السبیل إلی إقامته وأدائه ؟

قال: لو فعل ذلک لکان جائراً.

قال: فأخبرنی عن الله عز وجل کلف العباد دیناً واحداً لا اختلاف فیه لا یقبل منهم إلا أن یأتوا به کما کلفهم ؟

قال: بلی. قال: فجعل لهم دلیلاً علی وجود ذلک الدین ، أو کلفهم مالا دلیل لهم علی وجوده فیکون بمنزلة من کلف الأعمی قراءة الکتب والمعقد المشئ إلی المساجد والجهاد ؟

قال: فسکت ضرار ساعة ، ثم قال: لا بدَّ من دلیل ولیس بصاحبک !

ص: 122

قال: فتبسم هشام وقال: تشیع شطرک وصرت إلی الحق ضرورة ولا خلاف بینی وبینک إلا فی التسمیة !

قال ضرار: فإنی أرجع القول علیک فی هذا.

قال: هات.. قال ضرار لهشام: کیف تعقد الإمامة؟

قال هشام: کما عقد الله عز وجل النبوة.

قال: فهو إذاً نبی ! قال هشام: لا لأن النبوة یعقدها أهل السماء ، والإمامة یعقدها أهل الأرض فعقد النبوة بالملائکة ، وعقد الإمامة بالنبی ، والعقدان جمیعاً بأمر الله جل جلاله.

قال: فما الدلیل علی ذلک ؟ قال هشام: الإضطرار فی هذا .

قال ضرار: وکیف ذلک ؟

قال هشام: لا یخلو الکلام فی هذا من أحد ثلاثة وجوه: أما أن یکون الله عز وجل رفع التکلیف عن الخلق بعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلم یکلفهم ولم یأمرهم ولم ینههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التی لا تکلیف علیها ، أفتقول هذا یا ضرار إن التکلیف عن الناس مرفوع بعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

قال: لا أقول هذا.

قال هشام: فالوجه الثانی ینبغی أن یکون الناس المکلفون قد استحالوا بعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علماء فی مثل حد الرسول فی العلم حتی لا یحتاج أحد إلی أحد، فیکونوا کلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذی لا اختلاف فیه! أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتی صاروا فی مثل حد الرسول فی العلم بالدین حتی لا یحتاج أحد إلی أحد ، مستغنین بأنفسهم عن غیرهم فی إصابة الحق ؟

قال: لا أقول هذا ، ولکنهم یحتاجون إلی غیرهم.

ص: 123

قال: فبقی الوجه الثالث وهو أنه لا بدَّ لهم من عالم یقیمه الرسول لهم لا یسهو ولا یغلط ولا یحیف ، معصوم من الذنوب ، مبرؤ من الخطایا ، یحتاج الناس إلیه ولا یحتاج إلی أحد.

قال: فما الدلیل علیه ؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع فی نعت نسبه ، وأربع فی نعت نفسه. فأما الأربع التی فی نعت نسبه: فإنه یکون معروف الجنس ، معروف القبیلة ، معروف البیت ، وإن یکون من صالب الملة والدعوة إلیه إشارة ، فلم یر جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذین منهم صاحب الملة والدعوة الذی ینادی باسمه فی کل یوم خمس مرات علی الصوامع " أشهد أن لا إله إلا الله ، وإن محمداً رسول الله " فتصل دعوته إلی کل بر وفاجر وعالم وجاهل ، مقر ومنکر ، فی شرق الأرض وغربها ، ولو جاز أن تکون الحجة من الله علی هذا الخلق فی غیر هذا الجنس لأتی علی الطالب المرتاد دهر من عصره لا یجده ، ولجاز أن یطلبه فی أجناس من هذا الخلق من العجم وغیرهم ، ولکان من حیث أراد الله عز وجل أن یکون صلاح یکون فساد ، ولا یجوز هذا فی حکمة الله جل وجلاله وعدله أن یفرض علی الناس فریضة لا توجد. فلما لم یجز ذلک لم یجز أن یکون إلا فی هذا الجنس لا تصالیه بصاحب الملة والدعوة ، فلم یجز أن یکون من هذا الجنس إلا فی هذه القبیلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهی قریش ، ولما لم یجز أن یکون من هذا الجنس إلا فی هذه القبیلة لم یجز أن یکون من هذه القبیلة إلا فی هذا البیت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة ، ولما کثر أهل هذا البیت وتشاجروا فی الإمامة لعلوها وشرفها ، ادعاها کل واحد منهم فلم یجز إلا أن یکون من صاحب الملة والدعوة إشارة إلیه بعینه واسمه ونسبه کیلا یطمع فیها غیره.

ص: 124

وأما الأربع التی فی نعت نفسه: فإن یکون أعلم الناس کلهم بفرائض الله وسننه وأحکامه حتی لا یخفی علیه منها دقیق ولا جلیل ، وإن یکون معصوماً من الذنوب کلها

، وإن یکون أشجع الناس ، وإن یکون أسخی الناس.

فقال عبد الله بن یزید الإباضی: من أین قلت: أنه أعلم الناس ؟

قال: لأنه أن لم یکن عالماً بجمیع حدود الله وأحکامه وشرائعه وسننه لم یؤمن علیه أن یقلب الحدود ، فمن وجب علیه القطع حده ، ومن وجب علیه الحد قطعه ، فلا یقیم لله عز وجل حدا علی ما أمر به فیکون من حیث أراد الله صلاحاً یقع فساداً.

قال: فمن أین قلت: أنه معصوم من الذنوب؟ قال: لأنه إن لم یکن معصوماً من الذنوب دخل فی الخطأ ، فلا یؤمن أن یکتم علی نفسه ویکتم علی حمیمه وقریبه ، ولا یحتج الله بمثل هذا علی خلقه.

قال: فمن أین قلت: إنه أشجع الناس ؟

قال: لأنه فئة للمسلمین الذی یرجعون إلیه فی الحروب ، وقال الله عز وجل: وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحرفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إلی فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، فإن لم یکن شجاعاً فرَّ فیبوء بغضب من الله ، ولا یجوز أن یکون من یبوء بغضب من الله عز وجل حجة الله علی خلقه.

قال: فمن أین قلت أنه أسخی الناس ؟

قال: لأنه خازن المسلمین فإن لم یکن سخیاً تاقت نفسه إلی أموالهم فأخذها فکان خائناً ، و لا یجوز أن یحتج الله علی خلقه بخائن.

فعند ذلک قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة فی هذا الوقت ؟فقال: صاحب القصر أمیر المؤمنین ! وکان هارون الرشید قد سمع الکلام کله ،

ص: 125

فقال عند ذلک: أعطانا والله من جراب النورة ، ویحک یا جعفر، وکان جعفر بن یحیی جالساً معه فی الستر ، مَنْ یعنی بهذا ؟

فقال: یا أمیر المؤمنین یعنی به موسی بن جفعر ، قال: ما عنی بها غیر أهلها ، ثم عضَّ علی شفتیه وقال: مثل هذا حیٌّ ویبقی لی ملکی ساعة واحدة! فو الله للسان هذا أبلغ فی قلوب الناس من مائة ألف سیف !!

وعلم یحیی أن هشاماً قد أُتِیَ ، فدخل الستر فقال: یا عباسی ویحک من هذا الرجال؟ فقال: یا أمیر المؤمنین حسبک ، تکفی تکفی !

ثم خرج إلی هشام فغمزه ، فعلم هشام أنه قد أتیَ فقام یریهم أنه یبول أو یقضی حاجة ، فلبس نعلیه وانسل ، ومر ببیته وأمرهم بالتواری ، وهرب ومر من فوره نحو الکوفة ، فوافی الکوفة ونزل علی بشیر النبال- وکان من حملة الحدیث من أصحاب أبی عبد الله(علیه السّلام)- فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة شدیدة فقال له البشیر: آتیک بطبیب ؟ قال: لا أنا میت ، فلما حضره الموت قال لبشیر: إذا فرغت من جهازی فاحملنی فی جوف اللیل وضعنی بالکناسة واکتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحکم الذی یطلبه أمیر المؤمنین ، مات حتف أنفه.

وکان هارون قد بعث إلی إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به ، فلما أصبح أهل الکوفة رأوه ، وحضر القاضی وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالکوفة ، وکتب إلی الرشید بذلک ، فقال: الحمد لله الذی کفانا أمره فخلی عمن کان أخذ به ) !!. انتهی. ( وعنه فی البحار بتفاوت یسیر: 48/197)

وفی هذا النص دلالات هامة تاریخیة وعقیدیة ، وهو یکشف الحکمة من نهی الإمام الکاظم(علیه السّلام)لهشام(رحمه الله)نهیاً مشدداً عن المشارکة فی ذلک مجلس المناظرات البرمکی !

ص: 126

وإن کان زمن هذه القصة بعد وفاة الإمام الکاظم(علیه السّلام)بکثیر حیث توفی الإمام الکاظم(علیه السّلام)سنة 183، وهشام قریب المئتین .

مرجع الشیعة الشیخ المفید(رحمه الله)یدافع عن عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فی مصنفات الشیخ المفید:1/30: ( فصل: ومن کلام الشیخ أدام الله عزه أیضاً: حضر فی دار الشریف أبی عبدالله محمد بن محمد بن طاهر(رحمه الله) ، وحضر رجل من المتفقهة یعرف بالورثانی وهو من فقهائهم ، فقال له الورثانی: ألیس من مذهبک أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان معصوماً من الخطأ ، مبرأً من الزلل مأموناً علیه من السهو والغلط ، کاملاً بنفسه غنیاً عن رعیته ؟

فقال له الشیخ أیده الله: بلی کذلک کان(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال له: فما تصنع فی قول الله جل جلاله: وَشَاوِرْهُمْ فِی الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللهِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ ، ألیس قد أمره الله بالإستعانة بهم فی الرأی وأفقره إلیهم، فکیف یصح لک ماادعیت مع ظاهر القرآن وما فعله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

فقال له الشیخ أدام الله عزه: إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یشاور أصحابه لفقر منه إلی آرائهم ولحاجة دعته إلی مشورتهم من حیث ظننت وتوهمت ، بل لأمر آخر أنا أذکره لک بعد الإیضاح عما أخبرتک به ، وذلک أنا قد علمنا أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان معصوماً من الکبائر والصغائر ، وإن خالفت أنت فی عصمته من الصغائر. وکان أکمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأیاً وأوفرهم عقلاً وأکملهم تدبیراً ، وکانت المواد بینه وبین الله سبحانه متصلة والملائکة تتواتر علیه بالتوفیق من الله عز وجل والتهذیب ، والإنباء له عن المصالح ، وإذا کان بهذه الصفات لم یصح أن یدعوه داع إلی اقتباس الرأی من رعیته ، لأنه لیس

ص: 127

أحد منهم إلا وهو دونه فی سائر ما عددناه ، وإنما یستشیر الحکیم غیره علی طریق الإستفادة والإستعانة برأیه إذا تیقن أنه أحسن رأیاً منه وأجود تدبیراً وأکمل عقلاً أو ظن ذلک فأما إذا أحاط علماً بأنه دونه فیما وصفناه ، لم یکن للإستعانة فی تدبیره برأیه معنی ، لأن الکامل لایفتقر إلی الناقص فیما یحتاج فیه إلی الکمال ، کما لایفتقر العالم إلی الجاهل فیما یحتاج فیه إلی العلم. والآیة بینةٌ یدل متضمنها علی ذلک، ألا تری إلی قوله تعالی: وَشَاوِرْهُمْ فِی الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللهِ ، فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأیهم ومشورتهم ).

مرجع الشیعة السید المرتضی(قدسّ سرّه)یؤلف کتاباً فی تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام)

ألف السید المرتضی وهو من أکابر علمائنا(رحمه الله)توفی سنة436 ، کتاباً خاصاً سماه "تنزیه الأنبیاء" ، لیساعد الشیعة فی وقوفهم إمام ثقافة الیهود التی نشرها الحکام فی الأمة ، وقد ردَّ فیه افتراءهم علی الأنبیاء(علیهم السّلام) وما تمسکوا به من متشابهات القرآن.

وقد تتبعت المؤلفات فی هذا الموضوع، وأقدم ما رأیته منها کتاب تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) لجعفر بن مبشر الکاتب المعتزلی ، ذکره کتابه ابن الندیم فی الفهرست ص208 ، وقال الذهبی فی میزان الإعتدال:1/414: (جعفر بن مبشر الثقفی ، من رؤوس المعتزلة ، له تصانیف فی الکلام ، وهو أخو الفقیه حبیش بن مبشر.... مات سنة أربع وثلاثین ومائتین). انتهی.

وأخوه حبیش هذا من رواة الشیعة وفقهائهم المشهورین فی بغداد.

کما وجدت إسم کتاب عصمة الأنبیاءلأحمد بن سهل أبی زید البلخی المعتزلی أیضاً ، توفی322 ، ذکره ابن الندیم فی الفهرست ص153 ، وابن حجر فی لسان المیزان:1/183 .

وهذا یدل علی أن المدافعین عن عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) کانوا الشیعة وبعض

ص: 128

المعتزلة فقط ، وإن أتباع الفرق الموالیة للحکم القرشئ کانوا یقبلون الإسرائیلیات فیهم التی تطعن فی عصمتهم قبل النبوة وبعدها !

أما فی القرون المتأخرة فنجد مؤلفات کثیرة فی تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) أکثرها لعلماء شیعة ، وأقل منها لمعتزلة وقلیل منها لصوفیة وعلماء سنیین ، وأشهرها علی الإطلاق کتاب عصمة الأنبیاءللفخر الرازی المتوفی606 هجریة، (کشف الظنون:1/333 ) وهو سنی متأثر بالمعتزلة ، وسوف نورد فقرات من کتابه.

مقتطفات من کتاب تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام)

رأینا أن نورد فی هذا الکتاب مقتطفات منه أو فهرساً علمیاً موسعاً لأهم مسائله ، ونضع لها العناوین المناسبة ، ونلفت إلی أن العناوین المطبوعة بما فیها المسألة والجواب ، لیست من کلام المؤلف ، ولا فی النسخة الأصلیة.

قال(رحمه الله)فی ص15: (سألت أحسن الله توفیقک ، إملاء کتاب فی تنزیه الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) عن الذنوب والقبائح کلها ، ما سمی منها کبیرة أو صغیرة والرد علی من خالف فی ذلک ، علی اختلافهم وضروب مذاهبهم .

وأنا أجیب إلی ما سألت علی ضیق الوقت ، وتشعب الفکر ، وأبتدئ بذکر الخلاف فی هذا الباب ، ثم بالدلالة علی مذهب الصحیح من جملة ما اذکره من المذاهب ، ثم بتأویل ما تعلق به المخالف من الآیات والأخبار ، التی اشتبه علیه وجهها ، وظن أنها تقتضی وقوع کبیرة أو صغیرة من الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) ، ومن الله تعالی استمد المعونة والتوفیق ، وایاه اسأل التأیید والتسدید.

ص: 129

بیان الخلاف فی نزاهة الأنبیاء(علیهم السّلام) عن الذنوب

اختلف الناس فی الأنبیاء(علیهم السّلام) ، فقالت الشیعة الإمامیة ، لایجوز علیهم شئ من المعاصی والذنوب کبیراً کان أو صغیراً ، لاقبل النبوة ولا بعدها ، ویقولون فی الأئمة مثل ذلک.

وجوَّزَ أصحاب الحدیث والحشویة علی الأنبیاءالکبائر قبل النبوة ، ومنهم من جوزها فی حال النبوة سوی الکذب فیما یتعلق بأداء الشریعة ، ومنهم من جوزها کذلک فی حال النبوة بشرط الإستسرار دون الإعلأن ، ومنهم من جوزها علی الأحوال کلها .

ومنعت المعتزلة من وقوع الکبائر والصغائر المستخفة من الأنبیاء(علیهم السّلام) قبل النبوة وفی حالها ، وجوزت فی الحالین وقوع ما لا یستخف من الصغایر ، ثم اختلفوا فمنهم من جوز علی النبی(علیه السّلام)الإقدام علی المعصیة الصغیرة علی سبیل العمد ، ومنهم من منع من ذلک وقال إنهم لایقدمون علی الذنوب التی یعلمونها ذنوباً ، بل علی سبیل التأویل.

وحکی عن النظام ، وجعفر بن مبشر ، وجماعة ممن تبعهما ، أن ذنوبهم لا تکون إلا علی سبیل السهو والغفلة، وأنهم مؤاخذون بذلک وإن کان موضوعاً عن أممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم.

وجوزوا کلهم ومن قدمنا ذکره من الحشویة وأصحاب الحدیث علی الأئمة الکبائر والصغائر ، إلا أنهم یقولون أن

وقوع الکبیرة من الإمام تفسد إمامته ویجب عزله والإستبدال به.....

واعلم أن جمیع ما ننزه الأنبیاء(علیهم السّلام) عنه ونمنع من وقوعه منهم ، یستند إلی دلالة العلم المعجز أما بنفسه أو بواسطة. وتفسیر هذه الجملة ، أن العلم المعجز إذا کان

ص: 130

واقعاً موقع التصدیق لمدعی النبوة والرسالة ، وجاریاً مجری قوله تعالی له: صدقت فی إنک رسولی ومؤدٍّ عنی ، فلابد من أن یکون هذا المعجز مانعاً من کذبه علی الله سبحانه فیما یؤدیه عنه ، لأنه تعالی لایجوز أن یصدق الکذاب ، لأن تصدیق الکذاب قبیح.....

فإن قیل: لم یبق إلا أن تدلوا علی أن تجویز الکبائر یقدح فیما هو الغرض بالبعثة من القبول والإمتثال.

قلنا: لاشبهة فی أن من نجوز علیه کبائر المعاصی ولا نأمن منه الإقدام علی الذنوب ، لاتکون أنفسنا ساکنة إلی قبول قوله أو استماع وعظه کسکونها إلی من لانجوز علیه شیئاً من ذلک ، وهذا هو معنی قولنا أن وقوع الکبائر منفر عن القبول....

فإن قیل: أو لیس قد جوز کثیر من الناس علی الأنبیاء(علیهم السّلام) الکبائر مع أنهم لم ینفروا عن قبول أقوالهم والعمل بما شرعوه من الشرایع ، وهذا ینقض قولکم أن الکبائر منفرة !

قلنا: هذا سؤال من لا یفهم ما أوردناه ، لأنا لم نرد بالتنفیر ارتفاع التصدیق وإن لایقع امتثال الأمر جملة ، وإنما

أردنا ما فسرناه من أن سکون النفس إلی قبول قول من یجوز ذلک علیه لایکون علی حد سکونها إلی من لا یجوز ذلک علیه ، وأنا مع تجویز الکبائر نکون أبعد من قبول القول.....

ومما یدل أیضاً علی أن الکبائر لاتجوز علیهم ، أن قولهم قد ثبت أنه حجة فی الشرع....

فأما ما حکیناه عن النظام وجعفر بن مبشر ومن وافقهما ، من أن ذنوب الأنبیاء(علیهم السّلام) تقع منهم علی سبیل السهو والغفلة ، وأنهم مع ذلک مؤاخذون بها

ص: 131

فلیس بشئ ، لأن السهو یزیل التکلیف ویخرج الفعل من أن یکون ذنباً مؤاخذاً به ، ولهذا لایصح مؤاخذة المجنون والنائم .

وحصول السهو فی أنه مؤثر فی ارتفاع التکلیف بمنزلة فقد القدرة والآلات والأدلة ، فلو جاز أن یخالف حال الأنبیاءفی صحة تکلیفهم مع السهو ، جاز أن یخالف حالهم لحال أممهم فی جواز التکلیف مع فقد سائر ما ذکرناه ، وهذا واضح.

فأما الطریق الذی به یعلم أن الأئمة(علیهم السّلام) لایجوز علیهم الکبائر فی حال الإمامة ، فهو أن الإمام إنما احتیج إلیه لجهة معلومة ، وهی أن یکون المکلفون عند وجوده أبعد من فعل القبیح وأقرب من فعل الواجب علی ما دللنا علیه فی غیر موضع ، فلو جازت علیه الکبائر لکانت علة الحاجة إلیه ثابتة فیه وموجبة وجود إمام یکون إماماً له ، والکلام فی إمامته کالکلام فیه ، وهذا یؤدی إلی وجود ما لا نهایة له من الأئمة وهو باطل ، أو الإنتهاء إلی إمام معصوم وهو المطلوب.....

تنزیه آدم(علیه السّلام)عن الغوایة

فمما تعلقوا به قوله تعالی فی قصة آدم(علیه السّلام): (وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی) (طه:121) قالوا وهذا تصریح بوقوع المعصیة التی لا تکون إلا قبیحة ، وأکده بقوله فغوی ، وهذا تصریح بوقوع المعصیة ، والغیُّ ضد الرشد .

یقال لهم: أما المعصیة فهی مخالفة الأمر ، والأمر من الحکیم تعالی قد یکون بالواجب وبالمندوب معاً ، فلا یمتنع علی هذا أن یکون آدم(علیه السّلام) مندوباً إلی ترک التناول من الشجرة ، ویکون بمواقعتها تارکاً نفلاً وفضلاً وغیر فاعل قبیحاً ، ولیس یمتنع أن یسمی تارک النفل عاصیاً کما یسمی بذلک تارک الواجب ، فإن تسمیة من خالف ما أمر به سواء کان واجباً أو نفلاً بأنه عاص ظاهرة ، ولهذا

ص: 132

یقولون أمرت فلاناً بکذا وکذا من الخیر فعصانی وخالفنی ، وإن لم یکن ما أمره به واجباً.

وأما قوله فغوی فمعناه أنه خاب ، لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إلیه من ترک التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظیم.....

فإن قال قائل: فما قولکم فی قوله تعالی:( هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِیَسْکُنَ إِلَیْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِه فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَیْتَنَا صالحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَی اللهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ) (لأعراف:189-190) ، أوَلیس ظاهر هذه الآیة یقتضی وقوع المعصیة من آدم(علیه السّلام)لأنه لم یتقدم من یجوز صرف هذه الکنایة فی جمیع الکلام إلیه ، إلا ذکر آدم(علیه السّلام)وزوجته....

یقال له: قد علمنا أن الدلالة العقلیة التی قدمناها فی باب أن الأنبیاء(علیهم السّلام) لایجوز علیهم الکفر والشرک ، والمعاصی غیر محتملة ، ولا یصح دخول المجاز فیها ، والکلام فی الجملة یصح فیه الإحتمال وضروب المجاز ، فلابد من بناء المحتمل علی ما لایحتمل ، فلو لم نعلم تأویل هذه الآیة علی سبیل التفصیل لکنا نعلم فی الجملة أن تأویلها مطابق لدلالة العقل. وقد قیل فی تأویل هذه الآیة ما یطابق دلیل العقل ، ومما یشهد له اللغة وجوه.

منها ، أن الکنایة فی قوله سبحانه: جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا ، غیر راجعة إلی آدم(علیه السّلام)وحواء ، بل إلی الذکور والإناث من أولادهما....

فأما مایدعی فی هذا الباب من الحدیث فلا یلتفت إلیه ، لأن الأخبار یجب أن تبنی علی أدلة العقول ، ولاتقبل فی خلال ما تقتضیه أدلة العقول. ولهذا لاتقبل أخبار الجبر والتشبیه ، ونردها أو نتأولها أن کان لها مخرج سهل. وکل هذا لو لم

ص: 133

یکن الخبر الوارد مطعوناً علی سنده مقدوحاً فی طریقه ، فإن هذا الخبر یرویه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع ، لأن الحسن لم یسمع من سمرة شیئاً فی قول البغدادیین.

وقد یدخل الوهن علی هذا الحدیث من وجه آخر ، لأن الحسن نفسه یقول بخلاف هذه الروایة فیما رواه خلف بن سالم ، عن إسحاق بن یوسف عن عوف ، عن الحسن فی قوله تعالی: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا ، قال: هم المشرکون ، وبإزاء هذا الحدیث ما روی عن سعید بن جبیر وعکرمة والحسن وغیرهم ، من أن الشرک غیر منسوب إلی آدم وزوجته(علیهماالسّلام) وإن المراد به غیرهما ، وهذه جملة واضحة .

تنزیه نوح(علیه السّلام)عما لایلیق به

فإن سأل سائل: عن قوله تعالی:(وَنَادَی نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ أن ابْنِی مِنْ أَهْلِی وإن وَعْدَکَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْکَمُ الْحَاکِمِین. قَالَ یَا نُوحُ أنه لَیْسَ مِنْ أهلک أنه عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أن تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ). (هود:45-46) فقال: ظاهر قوله تعالی أنه لیس من أهلک ، فیه تکذیب لقوله(علیه السّلام) أن ابْنِی مِنْ أَهْلِی ، وإذا کان النبی لایجوز علیه الکذب ، فما الوجه فی ذلک ؟

قیل له: فی هذه الآیة وجوه ، کل واحد منها صحیح مطابق لأدلة العقل:

أولها ، أن نفیه لأن یکون من أهله لم یتناول فیه نفی النسب ، وإنما نفی أن یکون من أهله الذین وعده الله تعالی بنجاتهم....الخ.

تنزیه إبراهیم(علیه السّلام)عن الکفر والعصیان

فإن قال قائل: فما معنی قوله تعالی حاکیاً عن إبراهیم(علیه السّلام):فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأی کَوْکَباً قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أحب الآفِلِینَ. فَلَمَّا رَأی الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا

ص: 134

رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ. فَلَمَّا رَأی الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّی هَذَا أَکْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ یَا قَوْمِ إِنِّی بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ.(الأنعام:76-78) أوَلیس ظاهر هذه الآیة یقتضی أنه(علیه السّلام)کان یعتقد فی وقت من الأوقات الإلهیة للکواکب ، وهذا مما قلتم أنه لایجوز علی الأنبیاء(علیهم السّلام) .....

قلنا: عن هذا جوابان، أحدهما: أنه لم یقل ذلک مخبراً ، وإنما قال فارضاً ومقدراً علی سبیل الفکر والتأمل ، إلا تری أنه قد یحسن من أحدنا إذا کان ناظراً فی شئ ومتأملاً بین کونه علی إحدی صفتیه أن یفرضه علی إحداهما لینظر فیما یؤدی ذلک الفرض إلیه من صحة أو فساد ، ولا یکون بذلک مخبراً فی الحقیقة....

تنزیه إبراهیم(علیه السّلام)عن الشک فی الله تعالی

فإن قیل فما معنی قوله تعالی مخبراً عن إبراهیم(علیه السّلام): (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّی سَقِیمٌ) (الصافات:89)

تنزیه إبراهیم(علیه السّلام)عن الإستغفار للکفار

فإن قال قائل: فما معنی قوله تعالی: (وَمَا کَانَ اسْتِغْفَارُ إبراهیم لأبِیهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِیَّاهُ) ، (التوبة:114) وکیف یجوز أن یستغفر لکافر ، أو أن یعده بالإستغفار؟ قلنا:.... فکیف یجوز أن یجعل ذلک ذنباً لإبراهیم(علیه السّلام)وقد عذره الله تعالی فی أن استغفاره إنما کان لأجل موعده ، وبأنه تبرأ منه لما تبین له منه المقام علی عداوة الله تعالی.....

تنزیه یعقوب(علیه السّلام)عن إیقاع التحاسد بین بنیه

فإن قیل: فما معنی تفضیل یعقوب لیوسف(علیهماالسّلام)علی إخوته فی البر والتقریب والمحبة ، حتی أوقع ذلک التحاسد بینهم وبینه ، وأفضی إلی الحال المکروهة التی نطق بها القرآن....

ص: 135

فإن قیل: فلم أرسل یعقوب یوسف(علیهماالسّلام) مع إخوته....

تنزیه یعقوب عن الحزن المکروه

فإن قیل: فلم أسرف یعقوب(علیه السّلام)فی الحزن والتهالک وترک التماسک حتی ابیضت عیناه من البکاء والحزن....

تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن الصبر علی الإستعباد

فإن قیل: کیف صبر یوسف(علیه السّلام)، ولم لم ینکرها ویبرأ من الرق ، وکیف یجوز علی النبی الصبر علی أن یستعبد ویسترق....

تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن الهمِّ بالمعصیة

فإن قیل: فما تأویل قوله تعالی حاکیاً عن یوسف(علیه السّلام)وامرأة العزیز: ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأی بُرْهَانَ رَبِّهِ کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ أنه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ) (یوسف:24)....

قلنا: یجوز أن یکون لما هم بدفعها وضربها ، أراه الله تعالی برهاناً علی أنه أن أقدم علی من همَّ به أهلکه أهلها وقتلوه ، أو أنها تدعی علیه المراودة علی القبیح ، وتقذفه بأنه دعاها إلیه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر الله تعالی أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء ، اللذین هما القتل والمکروه...

فأما ما یدل من القرآن ، علی أنه(علیه السّلام)ما هم بالفاحشة ولا عزم علیها فمواضع کثیرة منها قوله تعالی: (کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ).......

تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن إلحاق الأذی بأبیه. تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن الکذب وتهمة إخوته. تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن الرضا بالسجود له. تنزیه یوسف(علیه السّلام)عن طاعة الشیطان

ص: 136

فی أن أیوب(علیه السّلام)ابتلیَ امتحاناً لا عقاباً

فإن قیل: فما قولکم فی الأمراض والمحن التی لحقت أیوب(علیه السّلام)أو لیس قد نطق القرآن بأنها کانت جزاء علی ذنب فی قوله: أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ .(صّ:41)والعذاب لایکون إلا جزاءً کالعقاب. والآلام الواقعة علی سبیل الإمتحان لا تسمی عذاباً ولا عقاباً ، أو لیس قد روی جمیع المفسرین أن الله تعالی إنما عاقبه بذلک البلاء لترکه الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وقصته مشهورة یطول شرحها ؟

قلنا: أما ظاهر القرآن فلیس یدل علی أن أیوب(علیه السّلام)عوقب بما نزل به من المضار ، ولیس فی ظاهره شئ مما ظنه السائل.....

فأما ما روی فی هذا الباب من جهلة المفسرین فمما لا یلتفت إلی مثله ، لأن هؤلاء لایزالون یضیفون إلی ربهم تعالی والی رسله(علیهم السّلام) کل قبیح ومنکر ، ویقذفونهم بکل عظیم ! وفی روایتهم هذه السخیفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع الباطل مصنوع ، لأنهم رووا أن الله تعالی سلط إبلیس علی مال أیوب(علیهم السّلام) وغنمه وأهله ، فلما أهلکهم ودمر علیهم ورأی من صبره(علیه السّلام)وتماسکه ، قال إبلیس لربه یا رب أن أیوب قد علم إنک ستخلف علیه ماله وولده فسلطنی علی جسده ، فقال تعالی قد سلطتک علی جسده کله إلا قلبه وبصره ، قال فأتاه فنفخه من لدن قرنه علی قدمه فصار قرحة واحدة ، فقذف علی کناسة لبنی إسرائیل سبع سنین وأشهراً تختلف الدواب علی جسده.. إلی شرح طویل نصون کتابنا عن ذکر تفصیله ! فمن یقبل عقله هذا الجهل والکفر کیف یوثق بروایته ، ومن لا یعلم أن الله تعالی لا یسلط إبلیس علی خلقه ، وإن إبلیس لا یقدر علی أن یقرح الأجساد ولا یفعل الأمراض کیف تعتمد روایته ؟ !

ص: 137

تنزیه موسی(علیه السّلام)عن العصیان بالقتل

فإن قیل: فما الوجه فی قتل موسی(علیه السّلام)للقبطی ولیس یخلو من أن یکون مستحقاً للقتل أو غیر مستحق ، فإن کان مستحقاً فلا معنی لندمه(علیه السّلام)وقوله: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ) وقوله: ( رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی ) ، وإن کان غیر مستحق فهو عاص فی قتله...

قلنا: مما یجاب به عن هذا السؤال أن موسی(علیه السّلام)لم یعتمد القتل ولا أراده ، وإنما اجتاز فاستغاث به رجل من شیعته علی رجل من عدوه بغی علیه وظلمه وقصد إلی قتله ، فأراد موسی(علیه السّلام)أن یخلصه من یده ویدفع عنه مکروهه ، فأدی ذلک إلی القتل من غیر قصد إلیه ، فکل ألم یقع علی سبیل المدافعة للظالم من غیر أن یکون مقصوداً فهو حسن غیر قبیح ولا یستحق علیه العوض به ، ولا فرق بین أن تکون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبین أن یکون عن غیره....

ومن العجب ، أن أبا علی الجبائی ذکر هذا الوجه فی تفسیره ، ثم نسب مع ذلک موسی(علیه السّلام)إلی أنه فعل معصیة صغیرة ، ونسب معصیته إلی الشیطان !!

تنزیه موسی(علیه السّلام) عن الضلالة والاستعفاء من الرسالة. وتنزیهه عن الأمر بالسحر ، وعن الخوف الحرام ، وعن نسبة الإضلال لله تعالی ، وعن سؤال الرؤیة لنفسه ، وبیان الوجه فی أخذ موسی برأس أخیه(علیهماالسّلام)یجره ، وتنزیهه عن المعصیة فی مرافقته للخضر(علیهماالسّلام)، وتنزیهه عما رموه به من أخذ الحجر لثیابه ورکضه عاریاً.....

تنزیه داود(علیه السّلام) عن المعصیة، وتفسیر قوله تعالی: وَهَلْ أَتَاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ. وتنزیه سلیمان(علیه السّلام)عن المعصیة ، وعن الإفتتان. وعن الشح وعدم القناعة فی طلبه ملکاً لاینبغی لأحد من بعده.

ص: 138

تنزیه یونس(علیه السّلام)عن الظلم والمعصیة بمغاضبته قومه

تنزیه عیسی(علیه السّلام)عن ادعائه الألوهیة ، وتفسیر قوله تعالی: إِنْ کُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَلا أعلم مَا فِی نَفْسِکَ إنک أنت عَلامُ الْغُیُوبِ .

تنزیه نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الضلال ، وتفسیر قوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ .

وقوله تعالی: وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً کَذَلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَکَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِیلاً.

وقوله تعالی: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ. لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ .

وقوله تعالی: سَنُقْرِئُکَ فَلا تَنْسَی .

وقوله تعالی: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَیْهِ أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللهُ مُبْدِیهِ وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أحق أَنْ تَخْشَاهُ .

وقوله تعالی: مَاکَانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْرَی حَتَّی یُثْخِنَ فِی الأرض تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا وَاللهُ یُرِیدُ الآخرة وَاللهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ.

وقوله تعالی: لَوْلا کِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیمَا أخذتُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ .

وقوله تعالی: عَفَا اللهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَکَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْکَاذِبِینَ .

وقوله تعالی: لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَیَهْدِیَکَ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً .

وقوله تعالی: وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ ، الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَک .

وقوله تعالی: عَبَسَ وَتَوَلَّی ، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَی.

ص: 139

وقوله تعالی: یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضَاتَ أَزْوَاجِکَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ .

وقوله تعالی: وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ. وکیف یوجه هذا الخطاب إلی من لایجوز علیه الشرک ولا شئ من المعاصی ؟

قد قیل فی هذه الآیة أن الخطاب للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والمراد به أمته ، فقد روی عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن بإیاک أعنی واسمعی یا جارة.... ولیس یمتنع أن یتوعد الله تعالی علی العموم. وعلی سبیل الخصوص من یعلم أنه لا یقع منه ما تناوله الوعید ، لکنه لابد من أن یکون مقدوراً له وجائزا بمعنی الصحة لا بمعنی الشک ، ولهذا یجعل جمیع وعید القرآن عاماً لمن یقع منه ما تناوله الوعید ، ولمن علم الله تعالی أنه لا یقع منه....

والشیعة لها فی هذه الآیة جواب تنفرد به وهو أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما نص علی أمیر المؤمنین علیه الصلاة والسلام بالإمامة فی ابتداء الأمر جاءه قوم من قریش فقالوا له: یا رسول الله إن الناس قریبوا عهد بالإسلام لا یرضون أن تکون النبوة فیک والإمامة فی ابن عمک علی بن أبی طالب ! فلو عدلت به إلی غیره لکان أولی. فقال لهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما فعلت ذلک برأیی فأتخیر فیه ، لکن الله تعالی أمرنی به....الی آخر ما أورده الشریف المرتضی (رحمه الله) .

وقد تعرض المؤلف(رحمه الله)الی عدة مسائل فی تنزیه الله تعالی عن التجسیم والتشبیه وبحث عدداً من أحادیثهم المرویة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثل: إن قلوب بنی آدم کلها بین إصبعین من أصابع الرحمن.. إن الله خلق آدم علی صورته.. إن أحب الأعمال إلی الله تعالی أدومها وإن قل ، فعلیکم من الأعمال بما تطیقون فإن الله لا یمل حتی تملوا.. سترون ربکم کما ترون القمر لیلة البدر لاتضامون فی

ص: 140

رؤیته!

وقال تعلیقاً علی الإخیر: قلنا: أما هذا الخبر فمطعون علیه مقدوح فی راویه ، فإن راویه قیس بن أبی حازم ، وقد کان خولط فی عقله فی آخر عمره ، مع استمراره علی روایة الأخبار ! وهذا قدح لاشبهة فیه ، لأن کل خبر مروی عنه لایعلم تاریخه یجب أن یکون مردوداً ، لأنه لایؤمن أن یکون مما سمع منه فی حال الإختلال. وهذه طریقة فی قبول الأخبار وردها ینبغی أن یکون أصلاً ومعتبراً فیمن علم منه الخروج ولم یعلم تاریخ ما نقل عنه.

علی أن قیساً لو سَلِمَ من هذا القدح ، کان مطعوناً فیه من وجه آخر ، وهو أن قیس بن أبی حازم کان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمیر المؤمنین صلاة الله وسلامه علیه والإنحراف عنه ، وهو الذی قال: رأیت علی بن أبی طالب علی منبر الکوفة یقول: إنفروا إلی بقیة الأحزاب ، فأبغضته حتی الیوم فی قلبی! إلی غیر ذلک من تصریحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لاشک فی عدالته .

وختم المؤلف(رحمه الله)کتابه بالإجابة علی مایشکله بعضهم علی إمامة أمیر المؤمنین (علیه السّلام)وعصمته ، من قبیل إشکالهم وسؤالهم لماذا لم ینازع أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام) الذین غصبوا خلافته ؟ قال(رحمه الله):

إن قال قائل: إذا کان من مذهبکم یا معشر القائلین بالنص أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نص علی علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)بالخلافة بعده ، وفوض إلیه أمر أمته ، فما باله لم ینازع المتآمرین بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الأمر الذی وکل إلیه وعول فی تدبیره علیه ، أوَ لیس هذا منه إغفالاً لواجب لایسوغ إغفاله ؟

فإن قلتم إنه لم یتمکن من ذلک فهلا أعذر وأبلی واجتهد ، فإنه إذا لم یصل إلی مراده بعد الإعذار والإجتهاد کان معذوراً.

ص: 141

أو لیس هو(علیه السّلام)الذی حارب أهل البصرة وفیهم زوجة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وطلحة والزبیر ، ومکانهما من الصحبة والإختصاص والتقدم مکانهما ، ولم یحشمه ظواهر هذه الأحوال من کشف القناع فی حربهم حتی أتی علی نفوس أکثر أهل العسکر ؟

وهو المحارب لأهل صفین مرة بعد أخری مع تخاذل أصحابه وتواکل أنصاره ، وإنه کان فی أکثر مقاماته تلک وموقفه لایغلب فی ظنه الظفر ولا یرجو لضعف من معه النصر ، وکان مع ذلک کله مصمماً ماضیاً قدماً...

قلنا: أما الکلام علی ما تضمنه هذا السؤال فهو مما یخص الکلام فی الإمامة وقد استقصیناه فی کتابنا المعروف بالشافی فی الإمامة ، وبسطنا القول فیه فی هذه الأبواب ونظائرها بسطاً یزیل الشبهة ویوضح الحجة ، لکنا لا نخلی هذا الکتاب من حیث تعلق غرضه بهذه المواضع من إشارة إلی طریقة الکلام فیها ، فنقول: قد بینا فی صدر هذا الکتاب أن الأئمة(علیهم السّلام) معصومون من کبائر الذنوب وصغائرها ، واعتمدنا فی ذلک علی دلیل عقلی لایدخله احتمال ولا تأویل بشئ ، فمتی ورد عن أحدهم(علیهم السّلام) فعل له ظاهر الذنب ، وجب أن نصرفه عن ظاهره ونحمله علی ما یطابق موجب الدلیل العقلی فیهم ، کما فعلنا مثل ذلک فی متشابه القرآن المقتضی ظاهره ما لا یجوز علی الله تعالی ، وما لا یجوز علی نبی من أنبیائه(علیهم السّلام) .

فإذا ثبت أن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)إمام فقد ثبت بالدلیل العقلی أنه معصومٌ عن الخطأ والزلل ، فلا بدَّ من حمل جمیع أفعاله علی جهات الحسن ، ونفی القبیح عن کل واحد منها. وما کان له منها ظاهر یقتضی الذنب علمنا فی الجملة أنه علی غیر ظاهره ، فإن عرفنا وجهه علی التفصیل ذکرناه ، وإلا کفانا فی تکلیفنا

ص: 142

أن نعلم أن الظاهر معدولٌ عنه ، وأنه لابدَّ من وجه فیه یطابق ما تقتضیه الأدلة .

وهذه الجملة کافیة فی جمیع المشتبهة من أفعال الأئمة(علیهم السّلام) وأقوالهم ، ونحن نزید علیها فنقول: إن الله تعالی لم یکلف إنکار المنکر سواءً اختص بالمنکر أو تعداه إلی غیره ، إلا بشروط معروفة ، أقواها التمکن ، وإن لا یغلب فی ظن المنکر أن إنکارة یؤدی إلی وقوع ضرر به لایحتمل مثله ، وإن لایخاف فی إنکاره من وقوع ما هو أفحش منه وأقبح من المنکر.

وهذه شروط قد دلت الأدلة علیها ، ووافقنا المخالفون لنا فی الإمامة فیها. وإذا کان ما ذکرناه مراعیً فی وجوب إنکار المنکر ، فمن أین أن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)کان متمکناً من المنازعة فی حقه والمجادلة ، وما المنکر من أن یکون(علیه السّلام)خائفاً متی نازع وحارب ، من ضرر عظیم یلحقه فی نفسه وولده وشیعته ؟! ثم ما المنکر من أن یکون خاف من الاإکار من ارتداد القوم عن الدین وخروجهم عن الإسلام ونبذهم شعار الشریعة ، فرأی أن الإغضاء أصلح فی الدین ، من حیث کان یجر الإنکار ضرراً فیه لایتلافی...

ثم قد ذکرنا فی کتابنا فی الإمامة من أسباب الخوف وأمارات الضرر التی تناصرت بها الروایات ، ووردت من الجهات المختلفة ما فیه مقنع للمتأمل ، وأنه(علیه السّلام)غولط فی الأمر وسوبق إلیه وانتهزت غرته ، واغتنمت الحال التی کان فیها متشاغلاً بتجهیز النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وسعی القوم إلی سقیفة بنی ساعدة ، وجری لهم فیها مع الأنصار ما جری...

وأما حضور مجالسهم ، فما کان علیه الصلاة والسلام ممن یتعمدها ویقصدها ، وإنما کان یکثر الجلوس فی مسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیقع الإجتماع مع القوم هنا ، وذلک لیس بمجلس لهم مخصوص. وبعد ، فلو تعمد حضور مجالسهم لینهی

ص: 143

عن بعض ما یجری فیها من منکر ، فإن القوم قد کانوا یرجعون إلیه فی کثیر من الأمور ، لجاز ، ولکان للحضور وجه صحیح له بالدین علقه قویة.

فأما الدخول فی آرائهم ، فلم یکن(علیه السّلام) ممن یدخل فیها إلا مرشداً لهم ، ومنبهاً علی بعض ما شذ عنهم ، والدخول بهذا الشرط واجب....

فأما الدخول فی الشوری ، فقد بینا فی کتابنا المقدم ذکره الکلام فیه مستقصی ، ومن جملته أنه(علیه السّلام)لولا الشوری لم یکن لیتمکن من الإحتجاج علی القوم بفضائله ومناقبه ، والأخبار الدالة علی النص بالإمامة علیه...ومن کان یصغی لولا الشوری إلی کلامه المستوفی فی هذا المعنی ؟...

فإن قیل: فما الوجه فی تحکیمه(علیه السّلام)أبا موسی الأشعری وعمرو بن العاص ، وما العذر فی أن حکم فی الدین الرجال..... ؟

قلنا: کل أمر ثبت بدلیل قاطع غیر محتمل فلیس یجوز أن نرجع عنه ونتشکک فیه لأجل أمر محتمل ، وقد ثبت إمامة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وعصمته وطهارته من الخطأ ، وبراءته من الذنوب والعیوب ، بأدله عقلیة وسمعیة ، فلیس یجوز أن نرجع عن ذلک أجمع ، ولا عن شئ منه ، لما وقع من التحکیم للصواب بظاهره ، وقبل النظر فیه کاحتماله للخطأ ، ولو کان ظاهره أقرب إلی الخطأ وأدنی إلی مخالفة الصواب.

بل الواجب فی ذلک القطع علی مطابقة ما ظهر من المحتمل لما ثبت بالدلیل ، أو صرف ماله ظاهر عن ظاهره ، والعدول به إلی موافقة مدلول الدلالة التی لا یختلف مدلولها ولا یتطرق علیها التأویل.

وهذا فعلنا فیما ورد من أی القرآن التی تخالف بظاهرها الأدلة العقلیة مما یتعلق به الملحدون أو المجبرة أو المشبهة.

ص: 144

وهذه جملة قد کررنا ذکرها فی کتابنا هذا لجلالة موقعها من الحجة ، ولو اقتصرنا فی حل هذه الشبهة علیها لکانت مغنیة کافیة...). انتهی.

ص: 145

ص: 146

الفصل السادس : معرکة تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) بین الشیعة ومخالفیهم

اشارة

ص: 147

ص: 148

موقف علماء الشیعة الثابت: تأویل الآیات التی یبدو منها معصیة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ورد الأحادیث التی تزعم ذلک

اتضح بما تقدم أن أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) رسموا خطاً فی تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) والدفاع عنهم ، وأن علماء المذهب رضوان الله علیهم اتبعوهم فأجادوا الإتباع والشرح والإستدلال ، وکان موقفهم ثابتاً فی أن الآیات التی یبدو منها وقوع المعصیة من الأنبیاء(علیهم السّلام) وأنها لیست علی ظاهرها بل یجب اتباع الراسخین فی العلم فی تأویلها.

واتضح أن الأحادیث الصریحة فی ارتکاب الأنبیاء(علیهم السّلام) للمعاصی مکذوبة ، وأنها من موضوعات رواة السلطة القرشیة لتبریر معاصی الخلفاء أو من الإسرائیلیات التی ابتلیت بها مصادر السنة عندهم ، وکلها روایات باطلة یجب التوقف فیها أو تکذیبها ، حتی لو تسرب بعضها إلی مصادرنا !

وتشمل هذه القاعدة نفی وقوع المعصیة من الأنبیاء(علیهم السّلام) وکلِّ سلوکٍ أو وضعٍ ینفِّر الناس منهم ، کما تشمل نفی السهو والنسیان عنهم(علیهم السّلام) .

قال العلامة الحلی فی منتهی المطلب:1/335: (احتج المخالف بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) صلی بأصحابه فلما أحرم بالصلاة ذکر أنه جنب ، فقال لأصحابه: کما أنتم ،

ص: 149

ومضی ورجع ورأسه یقطر ماء ولم یستخلف ، فدل علی عدم الجواز.

والجواب: أن هذا عندنا باطل ، والخبرُ کذبٌ إذ الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومون عن وقوع الذنب عمداً وسهواً ). انتهی .

ومن هذا القبیل رد علماء الشیعة لخبر اتهام نبی داود(علیه السّلام)مع أنه ورد فی تفسیر القمی:2/229: وجاء فیه: (فلما کان الیوم الذی وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا فی محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو فی محرابه یصلی ، فإذا طائر قد وقع بین یدیه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من یاقوت أحمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد ، فأعجبه جداً ونسی ما کان فیه ، فقام لیأخذه فطار الطائر فوقع علی الحائط بین داود وبین أوریا بن حنان ، وکان داود قد بعث أوریا فی بعث فصعد داود(علیه السّلام)الحائط لیأخذ الطیر ، وإذا امرأة أوریا جالسة تغتسل ، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها ، فنظر إلیها داود فافتتن بها ورجع إلی محرابه ونسی ما کان فیه ، وکتب إلی صاحبه فی ذلک البعث لما أن یصیروا إلی موضع کیت وکیت یوضع التابوت بینهم وبین عدوهم ، وکان التابوت فی بنی إسرائیل کما قال الله عز وجل:فِیهِ سَکِینَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَبَقِیَّةٌمِمَّاتَرَکَ آلُ مُوسَیوَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِکَةُ (البقرة:248) وقد کان رفع بعد موسی(علیه السّلام)إلی السماء لما عملت بنو إسرائیل بالمعاصی ، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبی أن یبعث إلیهم ملکاً یقاتل فی سبیل الله بعث إلیهم طالوت وأنزل علیهم التابوت ، وکان التابوت إذا وضع بین بنی إسرائیل وبین أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان کفر وقتل ، ولا یرجع أحد عنه إلا ویقتل. فکتب داود إلی صاحبه الذی بعثه أن ضع التابوت بینک وبین عدوک وقدم أوریا بن حنان بین یدی التابوت ، فقدمه وقتل ، فلما قتل أوریا دخل علیه الملکان وقعدوا ولم یکن تزوج امرأة أوریا ، وکانت فی عدتها

ص: 150

وداود فی محرابه یوم عبادته ، فدخلا علیه الملکان من سقف البیت وقعدا بین یدیه ففزع داود منهما فقالا: لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغَی بَعْضُنَا عَلَی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلی سَوَاءِ الصِّرَاطِ. (صّ:22) ولداود حینئذ تسع وتسعون امرأة ما بین مهیرة إلی جاریة ، فقال أحدهما لداود:إِنَّ هَذَا أخی لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِیَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَکْفِلْنِیهَا وَعَزَّنِی فِی الْخِطَابِ. أی ظلمنی وقهرنی، فقال داود کما حکی الله عز وجل:قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ إلی نِعَاجِهِ وإن کثیراًمِنَ الْخُلَطَاءِلَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلَیبَعْضٍ إلاالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِیلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاکِعاً وَأَنَابَ) (ص:23-24) قال: فضحک المستعدی علیه من الملائکة وقال: وقد حکم الرجل علی نفسه فقال داود: أتضحک وقد عصیت لقد هممت أن أهشم فاک ، قال: فعرجا ، وقال الملک المستعدی علیه: لو علم داود أنه أحق بهشم فیه منی.

ففهم داود الأمر وذکر الخطیئة فبقی أربعین یوماً ساجداً یبکی لیله ونهاره ولایقوم إلا وقت الصلاة ، حتی انخرق جبینه وسال الدم من عینیه....)!! إلی آخر القصة الواردة فی مصادر أهل الکتاب ومصادر السنیین ! وقد ردها علماء الشیعة ، وحملها بعضهم علی التقیة لموافقتها مذهب العامة وروایاتهم التی تجوِّز المعاصی علی الأنبیاء(علیهم السّلام) .

وقد تقدم استنکارها فی مقدمة الکتاب فی حدیث الإمام الرضا(علیه السّلام) .

ص: 151

لاعصمة للأنبیاء(علیهم السّلام) عند السنیین لکن الصحابة عندهم معصومون !

المعروف عن المذاهب السنیة أنها تعتقد بعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، لکن واقعها العملی عدم الإعتقاد بعصمتهم ، لاعن الصغائر ولا الکبائر ولا ماینفِّر الناس منهم ، لاقبل البعثة ولا بعدها ، لا فی الأمور الشخصیة ولا فی تبلیغ الرسالة !

فأئمة المذاهب وعلماؤها یقولون نظریاً بعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) عصمة غیر تامة علی اختلافٍ بینهم فیها ، لکنهم عندما یصلون إلی الإسرائیلیات ، أو إلی القرشیات ، یقعون فی اتهام الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ویتمسکون بالآیات المتشابهة التی یبدو منها وقوع المعصیة منهم(علیهم السّلام) فینفون عنهم العصمة التی أثبتوها لهم آنفاً ! بل ینسبون الیهم المنکرات والعظائم ، حتی إلی خاتمهم وأفضلهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

من جهة أخری.. یقول علماء المذاهب السنیة إنهم لایعتقدون بعصمة الصحابة بل بعدالتهم، وقد یفسرون عدالتهم بتصدیق روایتهم عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

لکن کلامهم هذا نظری ، لأنهم إذا وصلوا إلی أی مسألة تتعلق بأبی بکر وعمر وعثمان ، تراهم یدافعون عنهم حتی لو کانت المسألة مقابل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

ومعناه أنهم یقولون بعصمة هؤلاء الثلاثة ، وبعضهم یقول بعصمة عائشة وحفصة ومعاویة معهم ، فهم یبررون أخطاءهم ، وقد یکفِّرون من ینتقدهم !

أما إذا اختلف الصحابة فی رأی أو فتوی أو نقل حدیث ، فهم مجمعون علی أن العصمة والحق دائماً مع عمر ، وفیما وافق عمر !

وقد ناقشنا بعض المتحمسین لعمر وابن تیمیة ، فقال إنکم تتهموننا زوراً بأنا نعتقد بعصمة عمر وابن تیمیة ، فنحن لم نقل ذلک ؟

فقلنا له إنکم لاتقولون ذلک بل تفعلونه ، فإن کنت صادقاً فأعطنا خطأ واحداً تراه لابن تیمیة أو لعمر ! فغضب وولی !

ص: 152

وهذه مفارقة عجیبة أنهم یقولون بعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) نظریاً ثم ینقضونها عملیاً ! ویقولون بعدم عصمة الصحابة نظریاً ، ثم یصرون علیها عملیاً !

قال العلامة الحلی(قدسّ سرّه)فی نهج الحق وکشف الصدق ص142:

( ذهبت الإمامیة کافة إلی أن الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومون عن الصغائر والکبائر ، ومنزهون عن المعاصی ، قبل النبوة وبعدها ، علی سبیل العمد والنسیان ، وعن کل رذیلة ومنقصة ، وما یدل علی الخسة والضعة.

وخالفت الأشاعرة فی ذلک وجوَّزوا علیهم المعاصی ، وبعضهم جوَّزوا الکفر علیهم قبل النبوة وبعدها ! وجوزوا علیهم السهو والغلط !

ونسبوا رسولَ الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی السهو فی القرآن بما یوجب الکفر ! فقالوا إنه صلی یوماً وقرأ فی سورة (النجم) عند قوله تعالی:

أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَی: تلک الغرانیق العلی ، منها الشفاعة ترتجی !!

وهذا اعترافٌ منه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن تلک الأصنام ترتجی الشفاعة منها ! نعوذ بالله من هذه المقالة التی نسبوا النبیَّ(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلیها ، وهی توجب الشرک ! فما عذرهم عند رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقد قَتَلَ جماعةً کثیرةً من أهله وأقاربه علی عبادة الأصنام ، ولم تأخذه فی الله لومة لائم ، و(هم) ینسبون إلیه هذا القول الموجب للکفر والشرک!!...

ورووا عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه صلی الظهر رکعتین ، فقال له ذو الید: أقصرت الصلاة أم نسیت یا رسول الله؟! فقال: أصدق ذو الید ؟ فقال الناس: نعم ، فقام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فصلی اثنتین أخریین ، ثم سلَّم.. الحدیث !!

ورووا فی الصحیحین أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صلی بالناس صلاة العصر رکعتین ، ودخل حجرته ، ثم خرج لبعض حوائجه ، فذکَّره بعضٌ فأتمَّها !

ص: 153

وأی نسبة أنقص من هذا وأبلغ فی الدناءة ! فإنها تدل علی إعراض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن عبادة ربه وإهمالها والإشتغال عنها بغیرها ، والتکلم فی الصلاة ، وعدم تدارک السهو من نفسه لو کان ! نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة !

ونسبوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کثیراً من النقص ! روی الحمیدی فی الجمع بین الصحیحین عن عائشة قالت: کنت ألعبُ بالبنات عند النبی(ص) وکانت لی صواحبُ یلعبنَ معی وکان رسول الله إذا دخل تقبَّعْنَ منه ، فیشیر إلیهن فیلعبن معی !

مع أنهم رووا فی صحاح الأحادیث: أن الملائکة لاتدخل بیتاً فیه صور مجسمة ، أو تماثیل ! وتواتر النقل عنه بإنکار عمل الصور والتماثیل ، فکیف یجوز لهم نسبة هذا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإلی زوجته من عمل الصور فی بیته ، الذی أسس للعبادة ، وهو محل هبوط الملائکة والروح الأمین فی کل وقت ! ولما رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الصور فی الکعبة لم یدخلها حتی محیت ، مع أن الکعبة بیت الله تعالی ، فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلو مرتبته ، فکیف یتخذ فی بیته ، وهو أدون من الکعبة صوراً ویجعله محلاً لها.

وروی الحمیدی فی الجمع بین الصحیحین: قالت عائشة: رأیت النبی یسترنی بردائه وأنا أنظر إلی الحبشة وهم یلعبون فی المسجد فزجرهم عمر! وروی الحمیدی عن عائشة قالت: دخل علیَّ رسول الله وعندی جاریتان تغنیان بغناء بعاث ، فاضطجع علی الفراش وحوَّل وجهه ، ودخل أبو بکر فانتهرنی وقال: مزمارة الشیطان عند النبی؟! فأقبل علیه رسول الله وقال: دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا ! وکیف یجوز للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الصبر علی هذا ، مع أنه نصَّ علی تحریم اللعب واللهو والقرآن مملوءٌ به ، وبالخصوص مع زوجته؟! وهلا دخلته الحمیة

ص: 154

والغیرة مع أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أغْیَرُ الناس؟!

وکیف أنکر أبو بکر وعمر ومنعهما ؟ فهل کانا أفضل منه ؟!

وقد رووا عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه لما قدم المدینة من سفر ، خرجت إلیه نساء المدینة یلعبن

بالدف فرحاً بقدومه ، وهو یرقص بأکمامه !! وهل یصدر مثل هذا عن رئیس ، أو من له أدنی وقار ، نعوذ بالله من هذه السقطات !

مع أنه لو نُسِبَ أحدهم إلی مثل هذا ، قابله بالسب والشتم وتبرأ منه ، فکیف یجوز نسبة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی مثل هذه الأشیاء التی یُتبرأ منها ؟!

وفی الصحیحین أن ملک الموت لما جاء لقبض روح موسی(علیهماالسّلام)لطمه موسی ففقأ عینه ! فکیف یجوز لعاقل أن ینسب موسی(علیه السّلام)مع عظمته وشرف منزلته وقربه من الله تعالی والفوز بمجاورة عالم القدس ، إلی هذه الکراهة؟! وکیف یجوز منه أن یوقع بملک الموت ذلک وهو مأمور من قبل الله تعالی؟!

وفی الجمع بین الصحیحین: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال فی صفة الخلق یوم القیامة: وإنهم یأتون آدم ویسألونه الشفاعة فیعتذر إلیهم ، فیأتون نوحاً فیعتذر إلیهم ، فیأتون إبراهیم فیقولون: یا إبراهیم أنت نبی الله وخلیله ، إشفع لنا إلی ربک أما تری ما نحن فیه ؟! فیقول لهم: إن ربی قد غضب غضباً لم یغضب قبله مثله ولم یغضب بعده مثله ! وإنی قد کذبت ثلاث کذبات. نفسی ، نفسی ، إذهبوا إلی غیری ! وفی الجمع بین الصحیحین: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: لم یکذب إبراهیم النبی إلا ثلاث کذبات !!

کیف یحلُّ لهؤلاء نسبة الکذب إلی الأنبیاء(علیهم السّلام) ؟! وکیف الوثوق بشریعتهم ، مع الإعتراف بتعمد کذبهم ؟!

وفی الجمع بین الصحیحین أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: نحن أحق بالشک من إبراهیم إذ

ص: 155

قال رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَی قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی. ویرحم الله لوطاً لقد کان یأوی إلی رکن شدید ! ولو لبثت فی السجن طول لبث یوسف لأجبت الداعی !

کیف یجوز لهؤلاء الإجتراء علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالشک فی العقیدة ؟

وفی الصحیحین قال: بینما الحبشة یلعبون عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحرابهم دخل عمر فأهوی إلی الحصباء فحصبهم بها فقال له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):دعهم یا عمر.

وروی الغزالی فی إحیاء علوم الدین أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان جالساً وعنده جوارٍِ یغنین فجاء عمر فاستأذن فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للجواری: أسکتنَ فسکتن ، فدخل عمر وقضی حاجته ثم خرج ، فقال لهن عُدْنَ ، فعدن إلی الغناء !

فقلن: یارسول الله ، مَن هذا الذی کلما دخل قلت أسکتنَ ، وکلما خرج قلت: عدنَ إلی الغناء ؟ قال هذا رجلٌ لا یؤثرُ سماع الباطل.

کیف یحلُّ لهؤلاء القوم روایة مثل ذلک عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ أتری عمر أشرف من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ حیث لا یؤثر سماع الباطل ، والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یؤثره ؟!

وفی الجمع بین الصحیحین: عن أبی هریرة قال: أقیمت الصلاة ، وعدلت الصفوف قیاماً قبل أن یخرج إلینا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فخرج إلینا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فلما قام فی مصلاه ذکر أنه جنبٌ فقال لنا: مکانکم. فلبثنا علی هیئتنا قیاماً ، فاغتسل ، ثم خرج إلینا ، ورأسه یقطر ، فکبَّر وصلینا.

فلینظر العاقل: هل یحسن منه وصف أدنی الناس بأنه یحضر الصلاة ویقوم فی الصف وهو جنب! وهل هذا الأمن التقصیر فی عبادة ربه وعدم المسارعة إلیها وقد قال تعالی:وَسَارِعُوا إلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُم... فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ ، فأی مکلف أجدر بقبول هذا الأمر من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

ص: 156

وفی الجمع بین الصحیحین عن أبی هریرة قال: صلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إحدی صلاتی العشئ ، قال وأکثر ظنی العصر رکعتین ثم سلم ، ثم قال إلی خشبة فی مقام المسجد فوضع یده علیها ، وفیهم أبو بکر وعمر فهاباه أن یکلماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة ؟ ورجلٌ یدعوه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذو الیدین فقال: لم أنسَ ولم أقَصِّر ، قال: بل قد نسیت! فصلی رکعتین ثم سلم !

فلینظر العاقل هل یجوز نسبة هذا الفعل إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ وکیف یجوز منه أن یقول: ما نسیت؟ فإن هذا سهوٌ فی سهو ، ومن یعلم أن أبا بکر وعمر حفظا ما نسی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع إنهما لم یذکرا ذلک للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

وفی الصحیحین عن عبد الله بن عمر أنه کان یحدث عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنه دعا زید بن عمرو بن نفیل وذلک قبل أن ینزل الوحی علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقدم إلیه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سفرةً فیها لحم فأبی أن یأکل منها ثم قال:

إنی لا آکل ما تذبحون علی أنصابکم ، ولا آکل مما لم یذکر إسم الله علیه !!

فلینظر العاقل هل یجوز له أن ینسب نبیه إلی عبادة الأصنام ، والذبح علی الأنصاب ویأکل منه ! وإن زیدَ بن عمرو بن نفیل کان أعرف بالله منه ، وأتمَّ حفظاً ورعایةً لجانب الله تعالی؟! نعوذ بالله من هذه الإعتقادات الفاسدة !

وفی الصحیحین عن حذیفة بن الیمان قال:کنت مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فانتهی إلی سباطة قوم فبال قائماً ، فتنحیت فقال: أدنه ، فدنوتُ حتی قمت عند عقبیه ، فتوضأ فمسح علی خفیه ! فکیف یجوز: أن ینسب إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )البول قائماً ، مع أن أرذل الناس لو نُسب هذا إلیه تبرأ منه؟! ثم المسح علی الخفین والله تعالی یقول: وأرجلکم !

فانظروا إلی هؤلاء القوم: کیف یجوِّزون الخطأ والغلط علی الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وإن

ص: 157

النبی یجوز أن یسرق درهماً ، ویکذب فی أخس الأشیاء وأحقرها !

وقد لزمهم من ذلک محالات:

منها: جواز الطعن علی الشرائع وعدم الوثوق بها ، فإن المبلِّغ إذا جوَّزوا علیه الکذب وسائر المعاصی جاز أن یکذب عمداً أو نسیاناً ، أو یترک شیئاً مما أوحیَ إلیه ، أو یأمر من عنده ، فکیف یبقی اعتمادٌ علی أقواله ؟!

ومنها: أنه إذا فعل المعصیة ، فإما أن یجب علینا اتباعه فیها ، فیکون قد وجب علینا فعل ما وجب ترکه ، واجتمع الضدان ! وإن لم یجب ، انتفت فائدة البعثة.

ومنها: أنه لو جاز أن یعصی لوجب إیذاؤه والتبری منه ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، لکن الله تعالی قد نص علی تحریم إیذاء النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال:إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عذاباً مُهِیناً (الأحزاب:57)

ومنها: سقوط محله ورتبته عند العوام ، فلاینقادون إلی طاعته ، فتنتفی فائدة البعثة.

ومنها: أنه یلزم أن یکونوا أدون حالاً من آحاد الأمة ، لأن درجات الأنبیاء(علیهم السّلام) فی غایة الشرف ، وکل من کان کذلک کان صدور الذنب عنه أفحش ، کما قال تعالی: یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ مَنْ یأت مِنْکُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَیْن، (الأحزاب:30) والمحصن یرجم وغیره یحد، وحد العبد نصف حد الحر. والأصل فیه: أن علمهم بالله تعالی أکثر وأتمُّ ، وهم مهبط وحیه ، ومنازل ملائکته ، ومن المعلوم أن کمال العلم یستلزم کثرة معرفته والخضوع والخشوع ، فینافی صدور الذنب ، لکن الإجماع دل علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لایجوز أن یکون أقل حالاً من آحاد الأمة.

ص: 158

ومنها: أنه یلزم أن یکون مردود الشهادة ، لقوله تعالی: إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا ، فکیف تقبل شهادته فی الوحی ویلزم أن یکون أدنی حالاً من عدول الأمة ، وهو باطل بالإجماع.

ومنها: أنه لو صدر عنه الذنب لوجب الإقتداء به لقوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوااللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ..لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... فَاتَّبِعُونِی... والتالی باطل بالإجماع ، وإلا اجتمع الوجوب والحرمة ). انتهی.

وقال(رحمه الله)فی نهج الحق وکشف الصدق/159:

(ذهبت الإمامیة إلی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یجب أن یکون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات ، بریئاً من الرذائل والأفعال الدالة علی الخسة ، کالإستهزاء به والسخریة والضحک علیه ، لأن ذلک یسقط محله من القلوب ، وینفِّر الناس عن الإنقیاد إلیه ، فإنه من المعلوم بالضرورة الذی لایقبل الشک والإرتیاب.

وخالفت السنة فیه: أما الأشاعرة فباعتبار نفی الحسن والقبح ، فلزمهم أن یذهبوا إلی جواز بعثة ولد الزنا المعلوم لکل أحد ! وإن ب فاعلاً لجمیع أنواع الفواحش وأبلغ أصناف الشرک ! وهو ممن یُسخر به ویُضحک علیه ویُصفع فی الأسواق ویُستهزأ به ، ویکون قد لیط به دائماً لأبنة فیه ، قواداً ، وتکون أمه فی غایة الزنا والقیادة والإفتضاح بذلک ، لا تردُّ یدَ لامس ! ویکون هو فی غایة الدناءة والسفالة ، ممن قد لیط به طول عمره ، حال النبوة وقبلها ، ویصفع فی الأسواق ، ویعتمد المناکیر ، ویکون قواداً بصاصاً. فهؤلاء یلزمهم القول بذلک حیث نفوا التحسین والتقبیح العقلیین ، وإن ذلک ممکنٌ فیجوز من الله وقوعه ، ولیس هذا بأبلغ من

تعذیب الله من لایستحق العذاب ، بل یستحق الثواب طول الأبد !

وأما المعتزلة ، فلأنهم جوَّزوا صدور الذنب عنهم(علیهم السّلام) ، لزمهم القول بجواز

ص: 159

ذلک أیضاً ، واتفقوا علی وقوع الکبائر منهم ، کما فی قصة إخوة یوسف !

فلینظر العاقل بعین الإنصاف: هل یجوز المصیر إلی هذه الأقاویل الفاسدة ، والآراء الردیة؟ وهل یبقی مکلف ینقاد إلی قبول قول من کان یفعل به الفاحشة طول عمره إلی وقت نبوته ؟ وأنه یصفع ویستهزأ به حال النبوة ؟! وهل یثبت بقول هذا حجة علی الخلق ؟!

واعلم أن البحث مع الأشاعرة فی هذا الباب ساقط ، وأنهم إن بحثوا فی ذلک استعملوا الفضول ، لأنهم یجوزون تعذیب المکلف علی أنه لم یفعل ما أمره الله تعالی به من غیر أن یعلم ما أمره به ، ولا أرسل إلیه رسولاً البتة ! بل وعلی امتثال أمره به ، وإن جمیع القبائح من عنده تعالی ، وإن کل ما وقع فی الوجود فإنه فعله تعالی وهو حسن ، لأن الحسن هو الواقع والقبیح هو الذی لم یقع. فهذه الصفات الخسیسة فی النبی وأبویه تکون حسنة ، لوقوعها من الله تعالی ، فأی مانع حینئذ من البعثة باعتبارها ؟!

فکیف یمکن للأشاعرة منع کفر النبی(علیه السّلام)وهو من الله وکل ما یفعله تعالی فهو حسن ! وکذا أنواع المعاصی ! وکیف یمکنهم مع هذا المذهب التنزیه للأنبیاء(علیهم السّلام) ؟! نعوذ بالله من مذهب یؤدی إلی تحسین الکفر وتقبیح الإیمان ، وجواز بعثة من اجتمعت فیه کل الرذائل والسقطات.

وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة فی هذا الباب ، قد أنکروا الضروریات !

وقال فی منهاج الکرامة ص31 ، وهو الکتاب الذی حاول ابن تیمیة أن یرد علیه فی منهاج سنته، قال العلامة: (الفصل الأول: فی نقل المذاهب فی هذه المسألة:

ذهبت الإمامیة إلی أن الله تعالی عدلٌ حکیمٌ لایفعل قبیحاً ولایخلُّ بواجب وإن أفعاله إنما تقع لغرض صحیح وحکمة ، وأنه لایفعل الظلم ولا العبث ، وأنه

ص: 160

رؤوفٌ بالعباد ، یفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع ، وأنه تعالی کلفهم تخییراً لا إجباراً ، ووعدهم بالثواب وتوعدهم بالعقاب علی لسان أنبیائه ورسله المعصومین ، بحیث لایجوز علیهم الخطأ ولا النسیان ولا المعاصی ، وإلا لم یبق وثوقٌ بأقوالهم ، فتنتفی فائدة البعثة.

ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالأمة ، فنصب أولیاء معصومین(علیهم السّلام) ، لیأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم ، فینقادون إلی أوامرهم ، لئلا یخلی الله تعالی العالم من لطفه ورحمته. وأنه تعالی لما بعث رسوله محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قام بنقل الرسالة ونصَّ علی أن الخلیفة بعده علیُّ بن أبی طالب ، ثم من بعده ولدُه الحسن الزکی ، ثم علی الحسین الشهید ، ثم علی علی بن الحسین زین العابدین ، ثم علی محمد بن علی الباقر ، ثم علی جعفر بن محمد الصادق ، ثم علی موسی بن جعفر الکاظم ، ثم علی علی بن موسی الرضا ، ثم علی محمد بن علی الجواد ، ثم علی علی بن محمد الهادی ، ثم علی الحسن بن علی العسکری ، ثم علی الخلف الحجة محمد بن الحسن(علیهم السّلام) ، وإن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یمت إلا عن وصیة بالإمامة.

وذهب أهل السنة إلی خلاف ذلک کله ، فلم یثبتوا العدل والحکمة فی أفعاله تعالی، وجوَّزوا علیه فعل القبیح والإخلال بالواجب ، وأنه تعالی لایفعل لغرض بل کل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحکمة البتة !

وأنه تعالی یفعل الظلم والعبث ، وأنه لایفعل ما هو الأصلح للعباد ، بل ما هو الفساد فی الحقیقة ، لأن فعل المعاصی وأنواع الکفر والظلم وجمیع أنواع الفساد الواقعة فی العالم مستندة إلیه! تعالی الله عن ذلک ، وإن المطیع لایستحق ثواباً والعاصی لایستحق عقاباً ، بل قد یعذب المطیع طول عمره ، المبالغ فی امتثال

ص: 161

أوامره تعالی کالنبی(علیه السّلام)ویثیب العاصی طول عمره بأنواع المعاصی وأبلغها کإبلیس وفرعون ! وإن الأنبیاء(علیهم السّلام) غیر معصومین بل قد یقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والکذب والسهو ، وغیر ذلک.

وإن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم ینص علی إمام بینهم ، وأنه مات عن غیر وصیة ، وإن الإمام بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أبو بکر بن أبی قحافة لمبایعة عمر بن الخطاب له برضا أربعة: أبی عبیدة ، وسالم مولی حذیفة ، وأسید بن حضیر ، وبشر بن سعید ، ثم من بعده عمر بن الخطاب بنص أبی بکر علیه ، ثم عثمان بن عفان بنص عمر علی ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم ، ثم علی بن أبی طالب(علیه السّلام) لمبایعة الخلق له.

ثم اختلفوا ، فقال بعضهم إن الإمام بعده ابنه الحسن(علیه السّلام) ، وبعضهم قال: إنه معاویة بن أبی سفیان ، ثم ساقوا الإمامة فی بنی أمیة إلی أن ظهر السفاح من بنی العباس، فساقوا الإمامة إلیه ، ثم انتقلت الإمامة منه إلی أخیه المنصور ثم ساقوا الإمامة فی بنی العباس إلی المعتصم ، إلی أربعین ). !

وقال الکراجکی(رحمه الله)فی کتابه: التعجب من أغلاط العامة ص64:

( الفصل السابع فی أغلاطهم فی العصمة: فمن عجیب أمرهم: أنهم ینکرون عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) عن سائر الأنام ، ویقولون إن هذه العصمة إن کانت منهم جاز أن تقع فی غیرهم فیساویهم فی منزلتهم ، وإن کانت من الله سبحانه فقد جبرهم واضطرهم ولم یستحقوا ثواباً علی عصمتهم !

وهم مع ذلک معترفون بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصومٌ فی التأدیة والتبلیغ ، ومعصومٌ عما سوی ذلک من جمیع کبائر الذنوب فی حال نبوته وقبلها ، وأنها عصمة اختیار یستحق علیها الجزاء ، ولایساویه أحد من أمته فیها !

ومن عجیب أمرهم: إنکارهم لعصمة الأئمة وقولهم أنها لاتقتضی الإختیار !

ص: 162

ومن العجب قولهم: إن العصمة ثابتة لجمیع الأمة منتفیة عن کل واحد منها ، مع علمهم بأن آحادَهم جماعتُها ، وأنها إذا کانت مؤمنة بأجمعها کان الإیمان حاصلاً لآحادها ، ولو کفر جمیعها لکان الکفر حاصلاً مع کل واحد منها .

وقد قال أحد المعتزلة یوماً وقد سمع هذا الکلام: فرقٌ بین العصمة وما ذکرت من الکفر والإیمان ، وذلک أن ما ثبت لکل واحد منها فهو ثابتٌ لجماعتها ، ولیس کلما ثبت لجماعتها ثابتاً لکل واحد منها ، فلذلک إذا آمن آحادها کان جمیعها مؤمنین ، وإذا کفر آحادها کان جمیعها کافرین ، ولیس إذا ثبت العصمة لجماعتها یکون آحادها معصومین.

فقلت له: ما رأیت أعجب من أمرک وانصرافک عن مقتضی قضیتک ، إذا کان ما ثبت لکل واحد من الأمة ثابتاً لجمیعها فقد ثبت عندی وعندک الحکم علی کل واحد منها بجواز الخطأ والنسیان وتعمد الغلط فی الأفعال والأقوال ، فاحکم بثبوت ذلک لجمیعها، وأسقط ما ادعیت من عصمتها ! فلم یدر ما یقول بعد هذا !

ومن عجیب أمرهم وطریف رأیهم قولهم: إن الأمة معصومة وقولها حجة ، وهی مفتقرةٌ مع ذلک إلی إمام ، وإمامها غیر معصوم ولا قوله حجة ، ولیس هو مفتقراً إلی إمام ، وهذا من أعجب الأقوال ! ومن عجیب المناقضة أن یکون لها إمام ولا یکون ارتفاع العصمة عن الإمام موجباً أن یکون له إمام ، ولا یکون أیضاً غنایة عن الإمام یقتضی تمیزه بالعصمة عن الأنام.

إنهم جعلوا حجتهم فی عصمة الأمة وفی أن إجماعها صواب وحجة خبراً نسبوه إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو أنه: لاتجتمع أمتی علی ضلالة ، وهذا الخبر لایمکنهم علی أصلهم أن یدعوا فیه التواتر ، إذا کان غیر موجب لسامعیه علی الضرورة بصحته ، فهو لامحالة من أخبار الآحاد ، فهم إذاً قد جعلوا دلیل

ص: 163

الدعوی بأن الأمة لاتجتمع علی ضلال قول بعضها ، والحجة علی عصمتها شهادة واحد منها ، ولم یعلموا أن الخلاف فی قول جمیعها یتضمن الخلاف فی قول بعضها ، والتخطئة لسائرها یدخل فی التخطئة لواحدها ! وهل هم فی ذلک إلا کمن ادعی الحجة بإجماع عشرة من الناس علی قول أو فعل ، وجعل دلیله علی ذلک قول واحد من العشرة ، ولم یعلم أن المخالف له فی الحجة بإجماع العشرة لم یصر إلی ذلک إلا بعد المخالفة له فیمن دون العشرة ! إذ لو سلَّم الخصم قول بعضها لم یصح خلافه له فی قول جمیعها !

ولما رأوا أن خبرهم لایصح کونه فی قسم المتواتر علی أصلهم ، ولا ینصرف عن إضافته إلی أخبار الآحاد التی لاتثبت بها حجة لدعواهم ، اشتد غلطهم وعظم زللهم ، فأدَّاهم إلی القول بأنهم علموا صحته بالإجماع ! وهذا من أعجب الأقوال ! وهو فی المناقضة لاحقٌ فی الهذیان ، لأن أصل الخلاف إنما هو فی الإجماع وهل هو حجة أم لا، فکیف یکون الإجماع دلیلاً لنفسه ، وبرهاناً علی ما یدعی من صوابه ؟! ولو جاز هذا لکانت الدعوی نفسها برهاناً والفتوی بعینها دلیلاً ، وهذا ما لایخفی فساده علی العقلاء.

ومما یوضح غلطهم فیه أن الدلیل علی الشئ یعرف قبل معرفة الشئ ، فإذا کانوا لم یعلموا أن الإجماع حجة ، وإن الأمة فیما تخبر به معصومة إلا بالخبر فقد وجب أن یکونوا عالمین بصحته قبل علمهم بأن الإجماع حجة ، وإن الأمة فیما تخبر به معصومة ، وإذا کانوا لم یعلموا أن الخبر صحیح إلا بالإجماع ، فقد وجب أن یکونوا عالمین بأن الإجماع حجة قبل علمهم بصحة الخبر ، فکیف یتقدم المؤخر ویتأخر المقدم ، وهل رؤی قط أعجب من هذا الأمر؟! ) .

أقول: ما أوردناه من کلام العلامة الحلی والکراجکی رحمهما الله ، یکفی لبیان

ص: 164

أن مخالفینا ینقضون عملیاً عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) التی قرروها نظریاً !

نماذج من آراء علمائهم فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام)

اشارة

هذه آراء بعض کبار علمائهم فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وهی صریحة فی سلب قسم من العصمة عنهم(علیهم السّلام) ، ثم تراهم یسلبون ما أقروا به منها عندما یصلون إلی الإسرائیلیات التی تطعن فی عصمتهم وعدالتهم(علیهم السّلام) ، والقرشیات التی تطعن فی عصمة نبینا وعدالته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویؤیدونها بمتشابه الآیات !

وقد بسطنا الکلام فی رأی الفخر الرازی لأنه إمام معترف به عند الأشعریة. وکذا فی رأی ابن تیمیة لأنه هاجم الشیعة بسبب قولهم بالعصمة التامة للأنبیاء(علیهم السّلام) وادعی إجماع السنیین علی ارتکاب الأنبیاء(علیهم السّلام) للمعاصی الصغیرة والکبیرة حتی فی تبلیغ الرسالة ، غایة الأمر أن الله تعالی ینبههم أو یؤنبهم ویتوب علیهم !!

ولأنه انفرد بالکشف عن السبب الحقیقی لرفضهم عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وهو أنها تستوجب الطعن فی أبی بکر وعمر ، وذلک لأن الإرتکاز الذهنی یوجب التجانس بین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وخلیفته ، وأبو بکر وعمر قد عبدا الأصنام مدة طویلة ، فلو قبلوا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصوم لما ناسب أن یکونا خلیفتیه ، وستری کلامه !

رأی الغزالی

قال فی المستصفی ص274: (الفصل الأول فی دلالة الفعل ونقدم علیه مقدمة فی عصمة الأنبیاء، فنقول: لما ثبت ببرهان العقل صدق الأنبیاءوتصدیق الله تعالی إیاهم بالمعجزات، فکل مایناقض مدلول المعجزة فهو محال علیهم بدلیل العقل، ویناقض مدلول المعجزة جواز الکفر والجهل بالله تعالی وکتمان رسالة الله

ص: 165

والکذب والخطأ والغلط فیما یبلغ ، والتقصیر فی التبلیغ والجهل بتفاصیل الشرع الذی أمر بالدعوة إلیه.

أما ما یرجع إلی مقارفة الذنب فیما یخصه ولایتعلق بالرسالة فلا یدل علی عصمتهم عنه ، عندنا دلیل العقل ، بل دلیل التوقیف والإجماع قد دل علی عصمتهم عن الکبائر ، وعصمتهم أیضاً عما یصغر أقدارهم من القاذورات ، کالزنا والسرقة واللواط.

أما الصغائر فقد أنکرها جماعة وقالوا: الذنوب کلها کبائر فأوجبوا عصمتهم عنها ، والصحیح أن من الذنوب صغائر وهی التی تکفرها الصلوات الخمس ، واجتناب الکبائر کما ورد فی الخبر ، وکما قررنا حقیقته فی کتاب التوبة من کتاب إحیاء علوم الدین.

فإن قیل: لِمَ لمْ تثبت عصمتهم بدلیل العقل ، لأنهم لو لم یعصموا لنَفَرَت قلوب الخلق عنهم ؟!

قلنا: لایجب عندنا عصمتهم من جمیع ما ینفِّر ، فقد کانت الحرب سجالاً بینه وبین الکفار ، وکان ذلک ینفِّر قلوب قوم عن الإیمان ولم یعصم عنه وإن ارتاب المبطلون ، مع أنه حفظ عن الخط والکتابة کی لایرتاب المبطلون. وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ ، کما قال تعالی: وَإِذَا بَدَّلْنَا آیَةً مَکَانَ آیَةٍ وَاللَّهُ أعلم بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوا إنما أنت مُفْتَر. (النحل:101) وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا: کان یقدر علی

کشف الغطاء لو کان نبیاً لخلَّص الخلق من کلمات الجهل والخلاف کما قال تعالی:فَیَتَّبِعُونَ

مَاتَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِیلِهِ (آل عمران:7) وهذا لأن نفی المنفرات لیس بشرط دلالة المعجزة.

هذا حکم الذنوب ، أما النسیان والسهو فلاخلاف فی عصمتهم بما یتعلق بتبلیغ

ص: 166

الشرع والرسالة ، فإنهم کلفوا تصدیقه جزماً ، ولایمکن التصدیق مع تجویز الغلط ، وقد قال قوم: یجوز علیه الغلط فیما شرعه بالإجتهاد ، لکن لایقرُّ علیه ، وهذا علی مذهب من یقول المصیب واحد من المجتهدین ، أما من قال: کل مجتهد مصیب فلایتصور الخطأ عنده فی اجتهاد غیره فکیف فی اجتهاده).

وقال فی المنخول ص309: (وقد تقرر بمسلک النقل کونهم معصومین عن الکبائر ، وأما الصغائر ففیه تردد العلماء ، والغالب علی الظن وقوعه ، وإلیه تشیر بعض الآیات والحکایات.

هذا کلام فی وقوعه، أما جوازه فقد أطبقت المعتزلة علی وجوب عصمة النبی (علیه السّلام)عقلاً عن الکبائر تعویلاً علی أنه یورث التنفیر وهو مناقض لغرض النبوة ، وهذا یبطل بکون الحرب سجالاً بینه وبین الکفار وبه اعتصم بعض الیهود فی تکذیبه. والمختار ما ذکره القاضی وهو أنه لایجب عقلاً عصمتهم إذ لایستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر العقل، ولیس هو مناقضاً لمدلول المعجزة فإن مدلولها صدق اللهجة فیما یخبر عن الله تعالی ، فلاجَرَمَ لایجوز وقوع الکذب فیما یخبر به عن الرب تعالی لاعمداً ولاسهواً ، ومعنی التنفیر باطل ، فإنا نُجَوِّز أن ینبِّئ الله تعالی کافراً ویؤیده بالمعجزة ! والمعتزلة یأبون ذلک أیضاً .

والذین أوجبوا عصمته عن الکبیرة اختلفوا ، فمنهم من قال کل مخالفة کبیرة بالنسبة إلی عظمته ، فلا صغیرة أصلاً وکل مخالفة کبیرة. وهذا کما أن رفع الصوت فوق صوت من یماثل الإنسان ، قد یعدُّ صغیرةً وهو بعینه فی مجلس الملوک کبیرة دونه تُحَزُّ الرقاب ، فللنسبة بعد تأثیر فی تعظیم أثر المخالفة .

والذین أثبتوا الصغیرة اضطربوا ، ومثار الإضطراب فی أنه هل یورث التنفیر.

أما النسیان فلایجب کونه عندنا معصوماً عنه فی أفعاله وأقواله ، إلا فیما یخبر

ص: 167

عن الله تعالی ، لأن تجویزه مناقض مدلول المعجزة ). انتهی.

أقول: لک أن تلاحظ فظاعة مذهب أتباع الخلافة فی قول الغزالی: (ومعنی التنفیر باطل ، فإنا نُجَوِّز أن ینبِّئَ الله تعالی کافراً ویؤیده بالمعجزة ) !! ومعناه أن المهم عندهم فی العقائد والقیم والشرائع التی یدعو إلی الرسول ، هو إبلاغها للناس لیطبقوها ، ولیس أن یطبقها هو !

والمهم فی شخصیة الأنبیاءوالرسل(علیهم السّلام) لیس إیمانهم بما جاؤوا به ولا تطبیقهم له ، بل نقلهم البریدی له ! حتیلو کانوا فسقة فجرة کفرة ، وضربوا بماأوحی الیهم عرض الجدار ، فنفر الناس منهم لتناقضهم وفقدانهم المصداقیة !

وهذا یضع یدنا علی تأثر علماء السلطة القرشیة بتصور الیهود عن أفعال الله تعالی وفقدانها للحکمة ! وتصورهم عن أنبیاءالله(علیهم السّلام) ، وأن النبوة منصب دنیوی کمنصب قضاة بنی إسرائیل ، ومنصب الخلافة الأمویة والعباسیة !

رأی الآمدی

قال فی الأحکام فی أصول الأحکام:1/169:

( المقدمة الأولی:فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وشرح الإختلاف فی ذلک ، وما وقع الإتفاق من أهل الشرائع علی عصمتهم عنه من المعاصی وما فیه الإختلاف.

أما قبل النبوة فقد ذهب القاضی أبو بکر وأکثر أصحابنا وکثیر من المعتزلة إلی أنه لایمتنع علیهم المعصیة کبیرة کانت أو صغیرة ، بل ولا یمتنع عقلاً إرسال من أسلم وآمن بعد کفره.

وذهبت الروافض إلی امتناع ذلک کله منهم قبل النبوة ، لأن ذلک مما یوجب هضمهم فی النفوس واحتقارهم والنفرة عن اتباعهم ، وهو خلاف مقتضی

ص: 168

الحکمة من بعثة الرسل ، ووافقهم علی ذلک أکثر المعتزلة ، إلا فی الصغائر .

والحق ما ذکره القاضی لأنه لاسمع قبل البعثة یدل علی عصمتهم عن ذلک والعقل دلالته مبنیة علی التحسین والتقبیح العقلی ، ووجوب رعایة الحکمة فی أفعال الله تعالی ، وذلک کله مما أبطلناه فی کتبنا الکلامیة.

وأما بعد النبوة فالإتفاق من أهل الشرائع قاطبة علی عصمتهم عن تعمد کل ما یخل بصدقهم فیما دلت المعجزة القاطعة علی صدقهم فیه ، من دعوی الرسالة والتبلیغ عن الله تعالی.

واختلفوا فی جواز ذلک علیهم بطریق الغلط والنسیان ، فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وکثیر من الأئمة ، لما فیه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة. وجوَّزه القاضی أبو بکر ، مصیراً منه إلی أن ما کان من النسیان وفلتات اللسان غیر داخل تحت التصدیق المقصود بالمعجزة ، وهو الأشبه.

وأما ما کان من المعاصی القولیة والفعلیة التی لادلالة للمعجزة علی عصمتهم عنها ، فما کان منها کفراً فلا نعرف خلافاً بین أرباب الشرائع فی عصمتهم عنه ، إلا ما نقل عن الأزارقة من الخوارج أنهم قالوا بجواز بعثة نبی علم الله أنه یکفر بعد نبوته ، وما نقل عن الفضلیة من الخوارج أنهم قضوا بأن کل ذنب یوجد فهو کفر ، مع تجویزهم صدور الذنوب عن الأنبیاءفکانت کفراً.

وأما ما لیس بکفر ، فإما أن یکون من الکبائر أو لیس منها. فإن کان من الکبائر فقد اتفقت الأمة سوی الحشویة

ومن جوز الکفر علی الأنبیاء، علی عصمتهم عن تعمده من غیر نسیان ولا تأویل، وإن اختلفوا فی أن مدرک العصمة السمع ، کما ذهب إلیه القاضی أبو بکر والمحققون من أصحابنا ، أو العقل ، کما ذهب إلیه المعتزلة.

ص: 169

وأما أن کان فعل الکبیرة عن نسیان أو تأویل خطأ ، فقد اتفق الکل علی جوازه سوی الرافضة .

وأما ما لیس بکبیرة ، فإما أن یکون من قبیل ما یوجب الحکم علی فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة ، کسرقة خبزة أو کسرة ، فالحکم فیه کالحکم فی الکبیرة. وأما ما لایکون من هذا القبیل کنظرة أو کلمة سفه نادرة فی حالة غضب، فقد اتفق أکثر أصحابنا وأکثر المعتزلة علی جوازه عمداً وسهواً خلافاً للشیعة مطلقاً ، وخلافاً للجبائی والنظَّام وجعفر بن مبشر فی العمد ). انتهی.

وتلاحظ فی رأی الآمدی تصدیق قول العلامة الحلی(قدسّ سرّه)فی نهج الحق ص159:

(واعلم أن البحث مع الأشاعرة فی هذا الباب ساقط ، وأنهم إن بحثوا فی ذلک استعملوا الفضول ، لأنهم یجوزون تعذیب المکلف علی أنه لم یفعل ما أمره الله تعالی به من غیر أن یعلم ما أمره به ، ولا أرسل إلیه رسولاً البتة !....

فکیف یمکن للأشاعرة منع کفر النبی(علیه السّلام)وهو من الله وکل ما یفعله تعالی فهو حسن! وکذا أنواع المعاصی ! وکیف یمکنهم مع هذا المذهب التنزیه للأنبیاء(علیهم السّلام) ؟! نعوذ بالله من مذهب یؤدی إلی تحسین الکفر وتقبیح الإیمان ، وجواز بعثة من اجتمعت فیه کل الرذائل والسقطات. وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة فی هذا الباب ، قد أنکروا الضروریات ). انتهی.

رأی القاضی عیاض

قال فی کتابه (الشفا بتعریف حقوق المصطفی):2/172:

( فصل: قد استبان لک أیها الناظر مما قررناه ماهو الحق من عصمته(ص) عن الجهل بالله وصفاته ، أو کونه علی حالة تنافی العلم شئ من ذلک کله جملة ، بعد النبوة عقلاً وإجماعاً ، وقبلها سماعاً ونقلاً ، ولا بشئ مما قررناه من أمور

ص: 170

الشرع ، وأداه عن ربه من الوحی ، قطعاً وعقلاً وشرعاً .

وعصمته عن الکذب وخلف القول ، منذ نبأه الله وأرسله ، قصداً أو غیر قصد ، واستحالة ذلک علیه شرعاً وإجماعاً ونظراً وبرهاناً ، وتنزیهه عنه قبل النبوة قطعاً ، وتنزیهه عن الکبائر إجماعاً ، وعن الصغائر تحقیقاً ، وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغلط والنسیان علیه فیما شرعه للأمة ، وعصمته فی کل حالاته من رضاً وغضب ، وجد ومزح ). انتهی.

أقول: بذل القاضی عیاض جهده فی کتابه لإظهار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمظهر لائق وتنزیهه عما نسبوه الیه من أخطاء ومعاص ، لکنه اصطدم دائماً بالقرشیات التی ملأت الصحاح ، فحاول معالجتها وتأویلها بما یحفظ روایاتها ، ویحفظ مکانة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلم یحالفه التوفیق ، کما ستری فی قضة الغرانیق !

رأی الفخر الرازی

قال فی المحصول:3/225: (اختلفت الأمة فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) علی قولین: أحدهما ، قول من ذهب إلی أنه لایجوز أن یقع منهم ذنب صغیراً کان أو کبیراً ، لاعمداً ولاسهواً ولا من جهة التأویل ، وهو قول الشیعة.

والإخر: قول من ذهب إلی جوازه علیهم ، ثم اختلفوا فیما یجوز من ذلک وما لایجوز. والإختلاف فی هذا الباب یرجع إلی أقسام أربعة:

أحدها، ما یقع فی باب الإعتقاد وقد اتفقوا علی أنه لایجوز أن یقع منهم الکفر، وقالت الفضیلیة من الخوارج أنه قد وقعت منهم ذنوب وکل ذنب عندهم کفر وشرک. وأجازت الشیعة إظهار الکفر علی سبیل التقیة .

فأما الإعتقاد الخطأ الذی لایبلغ الکفر ، مثل أن یعتقد مثلاً أن الأعراض باقیة ولایکون کذلک ، فمنهم من أباه لکونه منفراً ، ومنهم من جوزه .

ص: 171

وثانیها، باب التبلیغ ، واتفقوا علی أنه لایجوز علیهم التغییر ، وإلا لزال الوثوق بقولهم. وقال قوم یجوز ذلک من جهة السهو.

وثالثها، ما یتعلق بالفتوی ، واتفقوا أیضاً علی أنه لایجوز علیهم الخطأ فیه ، وجوزه قوم علی سبیل السهو .

ورابعها، مایتعلق بأفعالهم ، واختلفت الأمة فیه علی أربعة أقوال:

أحدها: قول من جوَّز علیهم الکبائر عمداً. وهؤلاء منهم من قال بوقوع هذا الجائز وهم الحشویة ، وقال القاضی أبو بکر: هذا وإن جاز عقلاً ولکن السمع منع من وقوعه.

وثانیها: أنه لایجوز أن یرتکبوا کبیرة ولاصغیرة عمداً ، لکن یجوز أن یأتوا بها علی جهة التأویل ، وهو قول الجبائی.

وثالثها: أنه لایجوز ذلک لا عمداً ولامن جهة التأویل لکن علی سبیل السهو ، وهم مؤاخذون بما یقع منهم علی هذه الجهة ، وإن کان موضوعاً عن أمتهم ، لأن معرفتهم أقوی فیقدرون علی التحفظ عما لا یتأتَّی لغیرهم.

ورابعها: أنه لا یجوز أن یرتکبوا کبیرة ، وأنه قد وقعت منهم صغائر علی جهة العمد والخطأ والتأویل إلا ما ینفر کالکذب والتطفیف ، وهو قول أکثر المعتزلة .

والذی نقول به أنه لم یقع منهم ذنب علی سبیل القصد لاصغیراً ولاکبیراً ، أما السهو فقد یقع منهم لکن بشرط أن یتذکروه فی الحال وینبهوا غیرهم علی أن ذلک کان سهواً ، وقد سیقت هذه المسألة فی علم الکلام ، ومن أراد الإستقصاء فعلیه بکتابنا فی عصمة الأنبیاء، والله أعلم ). انتهی.

وقال فی عصمة الأنبیاءص8:

[الرابع] ما یتعلق بأفعالهم وأحوالهم ، وقد اختلفوا فیه علی خمسة مذاهب:

الأول: الحشویة وهو أنه یجوز علیهم الإقدام علی الکبائر والصغائر.

ص: 172

الثانی: أنه لایجوز منهم تعمد الکبیرة البتة ، وأما تعمد الصغیرة فهو جائز بشرط أن لا تکون منفراً ، وأما أن کانت منفراً فذلک لایجوز علیهم ، مثل التطفیف بما دون الحبة ، وهو قول أکثر المعتزلة.

الثالث: أنه لایجوز علیهم تعمد الکبیرة والصغیرة ، ولکن یجوز صدور الذنب منهم علی سبیل الخطأ فی التأویل ، وهو قول أبی علی الجبائی.

الرابع: أنه لایجوز علیهم الکبیرة ولاالصغیرة ، لا بالعمد ولا بالتأویل والخطأ. أما السهو والنسیان فجائز ، ثم إنهم یعاتبون علی ذلک السهو والنسیان لِمَا أن علومهم أکمل ، فکان الواجب علیهم المبالغة فی التیقظ ، وهو قول أبی إسحاق إبراهیم بن سیار النظام.

الخامس: أنه لا یجوز علیهم الکبیرة ولا الصغیرة ، لا بالعمد ولا بالتأویل ، ولا بالسهو والنسیان. وهذا مذهب الشیعة .

واختلفوا أیضاً فی وقت وجوب هذه العصمة ، فقال بعضهم: أنها من أول الولادة إلی آخر العمر، وقال الأکثرون هذه العصمة إنما تجب فی زمان النبوة فأما قبلها فهی غیر واجبة. وهو قول أکثر أصحابنا رحمهم الله تعالی

والذی نقول: أن الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومون فی زمان النبوة عن الکبائر والصغائر بالعمد ، أما علی سبیل السهو فهو جائز .

ویدل علی وجوب العصمة وجوه خمسة عشرة:

الحجة الأولی ، لو صدر الذنب عنهم لکان حالهم فی استحقاق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً أشد من حال عصاة الأمة ، وهذا باطل....

الحجة الثانیة ، لو صدر الذنب عنهم لما کانوا مقبولی الشهادة لقوله تعالی: یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا....

ص: 173

الحجة الثالثة ، لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم ، لأن الدلائل دالة علی وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، لکن زجر الأنبیاءعلیهم الصلاة والسلام غیر جائز ، لقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخرة ، فکان صدور الذنب عنهم ممتنعاً...

الحجة الرابعة ، لو صدر الفسق عن محمد علیه الصلاة والسلام لکنا إما أن نکون مأمورین بالإقتداء به وهذا لایجوز ، أولاًنکون مأمورین بالإقتداء به وهذا أیضاً باطل لقوله تعالی: قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ....

الحجة الخامسة ، لو صدرت المعصیة عن الأنبیاء(علیهم السّلام) لوجب أن یکونوا موعودین بعذاب الله بعذاب جهنم ، لقوله تعالی: وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِیهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِینٌ ، ولکانوا ملعونین لقوله تعالی: إلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَی الظَّالِمِینَ...

الحجة السادسة ، إنهم کانوا یأمرون بالطاعات وترک المعاصی ، ولو ترکوا الطاعة وفعلوا المعصیة لدخلوا تحت قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ .کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاتَفْعَلُونَ. وتحت قوله تعالی: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ...

الحجة السابعة، قال الله تعالی فی صفة إبراهیم وإسحاق ویعقوب: إِنَّهُمْ کَانُوا یُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ ، والألف واللام فی صیغة الجمع تفید العموم فدخل تحت لفظ الخیرات فعل کل ما ینبغی وترک کل ما لاینبغی ، وذلک یدل علی أنهم کانوا فاعلین لکل الطاعات وتارکین لکل المعاصی .

الحجة الثامنة ، قوله تعالی: إِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الإخیَار.... فدلت هذه الآیة علی أنهم کانوا من المصطفین الإخیار فی کل الأمور...

ص: 174

الحجة التاسعة ، قوله تعالی حکایة عن إبلیس: قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لأُغْوِیَنَّهُمْ أجمعین ، إِلاعِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ. استثنی المخلصین من إغوائه وإضلاله. ثم إنه تعالی شهدعلی إبراهیم وإسحاق ویعقوب(علیهم السّلام) أنهم من المخلصین ، حیث قال: أنا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ.وقال فی حق یوسف(علیه السّلام):إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ فلما أقر إبلیس أنه لایغوی المخلصین ، وشهد الله بأن هؤلاء من المخلصین ، ثبت أن إغواء إبلیس ووسوسته ما وصلت إلیهم...

الحجة العاشرة ، قال الله تعالی: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إبلیس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلافَرِیقاً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ ، فهؤلاء الذین لم یتبعوا إبلیس إما أن یقال إنهم الأنبیاءأو غیرهم فإن کانوا غیرهم لزم أن یکونوا أفضل منهم....

الحجة الحادیة عشرة ، أنه تعالی قسم المکلفین إلی قسمین: حزب الشیطان کما قال تعالی:أُولَئِکَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وحزب الله کما قال تعالی: أُولَئِکَ حِزْبُ اللهِ إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ولاشک أن حزب الشیطان هو الذی یفعل مایرید الشیطان ویأمره به ، فلو صدرت الذنوب عن الأنبیاءلصدق علیهم أنهم من حزب الشیطان ، ولصدق علیهم قوله تعالی: إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ، ولصدق علی الزهاد من آحاد الأمة قوله تعالی: إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وحینئذ یلزم أن یکون واحد من آحاد الأمة أفضل بکثیر من الأنبیاء، ولا شک فی بطلانه..

الحجة الثانیة عشرة ، إن أصحابنا بینوا أن الأنبیاءأفضل من الملائکة ، وثابت بالدلالة أن الملائکة ما أقدموا علی شئ من الذنوب ، فلو صدرت الذنوب عن الأنبیاءلامتنع أن یکونوا زائدین فی الفضل علی الملائکة...

الحجة الثالثة عشرة ، قال الله تعالی فی حق إبراهیم(علیه السّلام):إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إماماً

ص: 175

، والإمام هو الذی یقتدی به ، فلو صدر الذنب عن إبراهیم لکان اقتداء الخلق به فی ذلک الذنب واجباً. وإنه باطل .

الحجة الرابعة عشرة ، قوله تعالی: لایَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ، فکل من أقدم علی الذنب کان ظالماً لنفسه لقوله تعالی: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. إذا عرفت هذا فنقول: ذلک العهد الذی حکم الله تعالی بأنه لایصل إلی الظالمین إما أن یکون هو عهد النبوة أو عهد الإمامة ، فإن کان الأول فهو المقصود ، وإن کان الثانی فالمقصود أظهر ، لأن عهد الإمامة أقل درجة من عهد النبوة ، فإذا لم یصل عهد الإمامة إلی المذنب العاصی ، فبأن لایصل عهد النبوة إلیه أولی .

الحجة الخامسة عشرة ، روی أن خزیمة بن ثابت الأنصاری(رض)شهد علی وفق دعوی النبی(ص)مع أنه ماکان عالماً بتلک الواقعة فقال خزیمة: إنی أصدقک فیما تخبر عنه من أحوال السماء ، أفلا أصدقک فی هذا القدر؟! فلما ذکر ذلک صدقه النبی(ص)فیه ولقبه بذی الشهادتین ، ولو کان الذنب جائزاً علی الأنبیاءلکانت شهادة خزیمة غیر جائزة....

ثم قال الرازی:(واعلم أن شبهات المخالفین فی هذه المسألة کثیرة ، ونحن نذکرها علی سبیل الإختصار...). انتهی.

ص: 176

ملاحظات علی کتاب عصمة الأنبیاء للفخر الرازی

الملاحظة الأولی

أنه تأثر کثیراً بمنهج السید المرتضی فی کتابه تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) الذی ألفه قبله بأکثر من قرن ونصف ، بل یمکن القول إن کتاب عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) للرازی هو نفس کتاب تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) للسید المرتضی ، مصوغاً بقلم سنی !

الملاحظة الثانیة

أن الرازی کغیره من علماء الأشعریة ، یجیدون الدفاع عن الأنبیاء(علیهم السّلام) عندما یعتمدون العقل والفطرة الإنسانیة ، فیجئ دفاعهم قویاً متماسکاً ، لکنهم عندما یصطدمون بعشرات الأحادیث الصحیحة عندهم فی البخاری ومسلم وغیرهما ، ینخنث کلامهم ویضطرب ! فتری بعضهم یغمض بصره عن تلک الأحادیث ، أو یشیر الیها إشارة ویردها ، وأحیاناً أخری یدافع عنها ، فیقع فی التناقض !

فالمشکلة الأساسیة التی تواجه الباحث منهم لیست الآیات المتشابهة التی یفهم من ظاهرها معصیة الأنبیاء(علیهم السّلام) وتحتاج إلی تفسیر أو تأویل ، بل الإسرائیلیات التی تثقل کاهل الصحاح فی ذم الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ولا یمکن تأویلها !

نعم إن العقبة الکأداء هی القرشیات التی روتها مصادرهم فی ذم نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وربطتها بالآیات المتشابهة وفسرتها بها ، أو جعلتها سبباً لنزولها کذباً وزوراً !

وقلما تجد من علمائهم صاحب شجاعة ، یتقرب إلی الله تعالی ویتخطی هذه الموانع دفاعاً عن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنبیاءالله(علیهم السّلام) !

لاحظ ما قاله الرازی فی ص72، فی قصة نبی الله داود(علیه السّلام):(فاعلم أن الذی أقطع

ص: 177

به عدم دلالة هذه الآیة علی صدور الکبیرة من داود(علیه السّلام). وبیانه من وجوه:

الأول ، أن الذی حکاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوریا فاحتال حتی قتل زوجها فتزوجها ، لایلیق بالأنبیاء، بل لو وصف به أفسق الملوک لکان منکراً.

الثانی ، أن الدخول فی دم أوریا أعظم من التزوج بامرأته ، فکیف ترک الله الذنب الأعظم واقتصر علی ذکر الإخف؟!

الثالث، أن السورة من أولها إلی آخرها فی محاجة منکری النبوة ، فکیف یلائمها القدح فی بعض أکابر الأنبیاءبهذا الفسق القبیح ؟!

الرابع، أن الله تعالی وصف داود(علیه السّلام)فی ابتداء القصة بأوصاف حمیدة ، وذلک ینافی ما ذکروه فی الحکایة..... !

فإن قلت: إن کثیراً من المحدثین روی هذه الحکایة !

قلت: هذه الدلائل الباهرة لما أبطلت قولهم وجب القطع بفسادها، فالعجب اتفاق الناس علی أن خبر الواحد لایفید إلا الظن ، والظن إنما ینتفع به فی العملیات

وهذه المسألة لیست من العملیات ، فصارت روایتهم ساقطة العبرة من کل الوجوه....وعن سعید بن المسیب والحارث الأعور أن علیاً(رض)قال:من حدثکم بحدیث داود(علیه السّلام)علی ما یرویه القٌصَّاص جلدته مأتین وستین وهو حد الفریة علی الأنبیاء(علیهم السّلام) . وروی أن واحداً ذکر ذلک الخبر عند عمر بن عبد العزیز وعنده رجل من أهل الحق ، فکذب المحدث به وقال: إن کانت القصة علی ما فی کتاب الله تعالی فما ینبغی أن نلتمس خلافها ، وإن کان علی ما ذکرت وکفَّ الله عنها ستراً علی نبیه فیما ینبغی إظهار ما علیه. فقال عمر: سماعی هذا الکلام أحب إلی مما طلعت الشمس علیه). انتهی.

ص: 178

فأنت تری أن الرازی أجاد ، لأنه جری فی کلامه علی مقتضی العقل والفطرة ، وردَّ إسرائیلیات رواة السلطة ، لأنها تنافی عصمة نبی الله داود(علیه السّلام) .

لکنه لایملک هذه الشجاعة إذا وصل إلی القرشیات التی یستوجب ردها أن یضرب بروایة البخاری عرض الجدار ، مع أن البخاری دخل فی الرواة الذین هاجمهم ! حیث تبنی اتهام رواة الإسرائیلیات لداود(علیه السّلام)! قال فی:4/134: (وَهَلْ أَتَاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ.....إِنَّ هَذَا أخی لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً..... یقال للمرأة نعجة ، ویقال لها أیضاً شاة...الخ.) ! انتهی.

ومعنی هذا أن البخاری تبنی کل إسرائیلیات السلطة ، لأنها کلها مبنیة علی أن المقصود بتسع وتسعین نعجة: تسعٌ وتسعون امرأة !!

ومن تأثیر قداسة البخاری علی الرازی أنه قال بتنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) وساق حججه التی رأیت بعضها ، لکنه غض بصره عن أحادیث البخاری وغیره التی تنسبهم إلی المعاصی ، ولم یؤولها ولم یردها !

لقد أطال فی ص28 وما بعدها فی الدفاع عن نبی الله إبراهیم(علیه السّلام)، فقال عن الآیات التی تمسکوا بها فی اتهامه بالکفر والکذب: (تمسکوا بها من وجوه تسعة: الأولی: قوله تعالی حاکیاً عن إبراهیم(علیه السّلام):قَالَ هَذَا رَبِّی، فلا یخلو إما أن یقال إنه قال هذا الکلام فی النظر والإستدلال أو قبل البلوغ أو بعده....

والأصح من هذه الأقوال أن ذلک علی وجه الإعتبار والإستدلال لا علی وجه الأخبار ، ولذلک فإن الله تعالی لم یذم إبراهیم(علیه السّلام)علی ذلک ، بل ذکره بالمدح والتعظیم ، وأنه أراه ذلک کی یکون من الموقنین ، هذا هو البحث المشهور فی الآیة ، وفیها أبحاث أخر من حیث أن بعض الملاحدة قال إن إبراهیم استدل علی الشئ بما لایدل علیه وذکر أشیاء لا تصح ، فکان الطعن متوجهاً ، ونحن

ص: 179

نذکر کل واحد من تلک الأسئلة الأربعة عشرة مع جوابه....). انتهی.

وقد تقدم قول الرازی: (الحجة الثالثة عشرة: قال الله تعالی فی حق إبراهیم(علیه السّلام): إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إماماً ، والإمام هو الذی یقتدی به ، فلو صدر الذنب عن إبراهیم لکان اقتداء الخلق به فی ذلک الذنب واجباً. وإنه باطل ). انتهی.

فهل فاته أنه بذلک یطعن فیما رواه البخاری عن الأنبیاء(علیهم السّلام) ؟!

رأی ابن تیمیة ومشبهة الحنابلة فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام)

ابن تیمیة یهاجم الشیعة لقولهم بعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) !!

قال فی منهاج سنته:1/473: (وأما الرافضة فأشبهوا النصاری ، فإن الله تعالی أمر الناس بطاعة الرسل فیما أمروا به ، وتصدیقهم فیما أخبروا به ، ونهی الخلق عن الغلو والإشراک بالله تعالی ، فبدلت النصاری دین الله تعالی فغلوا فی المسیح فأشرکوا به وبدلوا دینه.....

وکذلک الرافضة غَلَوْا فی الرسل بل فی الأئمة حتی اتخذوهم أرباباً من دون الله ، فترکوا عبادة الله وحده لاشریک له التی أمرهم بها الرسل ، وکذبوا الرسل فیما أخبروا به من توبة الأنبیاءواستغفارهم ) ! انتهی.

یقصد بذلک أن الشیعة کذبوا الرسل فی أن الأنبیاء(علیهم السّلام) قد ارتکبوا المعاصی وتابوا ، وذلک لأن الشیعة یکذبون الإسرائیلیات فی مصادر الخلافة القرشیة التی تنسب إلی الأنبیاء(علیهم السّلام) المعاصی ، فتکذیبها عنده یعتبر تکذیباً للرسل وکفراً !!

السبب الغریب لهجوم ابن تیمیة علی العصمة !

کشف ابن تیمیة عن سبب حملته علی الشیعة لتنزیههم الأنبیاء(علیهم السّلام) !

ص: 180

فقد تخیل أن غرضهم من ذلک الطعن بأبی بکر وعمر ، لأن عقیدة العصمة التامة تجعل المعاصی فضیلة وارتکابها منقصة ، وأبو بکر وعمر کانا کافرین قبل الإسلام یرتکبان المعاصی ، فیکون ذلک منقصة فیهما ، فلا یستحقان مقام الخلافة عن النبی المعصوم عصمة تامة !.

لذا رأی ابن تیمیة أنه یجب الدفاع عن أبی بکر وعمر ، وذلک برفض عقیدة العصمة التامة للأنبیاء(علیهم السّلام) ، والقول بأنهم کانوا قبل النبوة مثل أبی بکر وعمر کفاراً یرتکبون المعاصی ثم تابوا ، ثم بجعل الکافر ومرتکب المعصیة التائب أفضل من غیر مرتکبها !!

قال فی منهاج سنته: 2/429: (وأما ما تقوله الرافضة من أن النبی قبل النبوة وبعدها لایقع منه خطأ ، ولاذنب صغیر وکذلک الأئمة ، فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة کلها ، وهو مخالف للکتاب والسنة وإجماع السلف ، ومن مقصودهم بذلک القدح فی إمامة أبی بکر وعمر رضی الله عنهما لکونهما أسلما بعد الکفر ، ویدعون أن علیاً(رض)لم یزل مؤمناً ، وأنه لم یخطئ قط ولم یذنب قط ، وکذلک تمام الإثنی عشر. وهذا مما یظهر کذبهم وضلالهم فیه لکل ذی عقل یعرف أحوالهم ! ولهذا کانوا هم أغلی الطوائف فی ذلک وأبعدهم عن العقل والسمع....

ونکتة أمرهم أنهم ظنوا وقوع ذلک من الأنبیاءوالأئمة نقصاً ، وإن ذلک یجب تنزیههم عنه ، وهم مخطئون إما فی هذه المقدمة وإما فی هذه المقدمة.

أما المقدمة الأولی فلیس من تاب إلی الله تعالی وأناب إلیه بحیث صار بعد التوبة أعلی درجة مما کان قبلها ، منقوصاً ولا مغضوضاً منه ، بل هذا مفضَّلٌ عظیمٌ مکرمٌ ، وبهذا ینحل جمیع ما یوردونه من الشبه ). انتهی !!

ص: 181

ثم أفاض ابن تیمیة بذکر فضائل من یعصی ویتوب ، فقال فی منهاجه2/430:

(وفی الصحیحین عن النبی(ص)من غیر وجه أنه قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دویِّة مهلکة ، علیها طعامه وشرابه ، فقال (من القیلولة) تحت شجرة ینتظر الموت ، فلما استیقظ إذا بدابته علیها طعامه وشرابه ! فکیف تجدون فرحه بها؟ قالوا: عظیماً یا رسول الله. قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته..... فمن یجعل التائب الذی اجتباه الله وهداه منقوصاً بما کان من الذنب الذی تاب منه ، وقد صار بعد التوبة خیراً مما کان قبل التوبة ، فهو جاهل بدین الله تعالی وما بعث الله به رسوله ) !!.

ثم تنازل ابن تیمیة قلیلاً ، فقال: ( ولسنا نقول إن کل من أذنب وتاب فهو أفضل ممن لم یذنب ذلک الذنب ، بل هذا یختلف باختلاف أحوال الناس ! فمن الناس من یکون بعد التوبة أفضل ، ومنهم من یعود إلی ما کان ومنهم من لا یعود إلی مثل حاله. والأصناف الثلاثة فیهم من هو أفضل ممن لم یذنب ویتب ، وفیهم من هو مثله ، وفیهم من هو دونه ). انتهی.

ومعنی کلامه أن الکافر مرتکب المعصیة إذا تاب ، قد یکون أحیاناً خیراً ممن لم یکفر ولم یرتکب المعصیة !

ثم قال: ( بل أقوال هؤلاء الذین غلوا بجهل من الأقوال المبتدعة فی الإسلام (بقولهم بالعصمة التامة) وهم قصدوا تعظیم الأنبیاءبجهل ، کما قصدت النصاری تعظیم المسیح وأحبارهم ورهبانهم بجهل، فأشرکوا بهم واتخذوهم أرباباً من دون الله)!

ثم ارتکب ابن تیمیة مصادرة واضحة فاستدل علی معاصی الأنبیاء(علیهم السّلام) بما رووه من الإسرائیلیات ، وبظواهر بعض الآیات المتقدمة ! قال فی منهاجه2/435:

( بل کتب التفسیر والحدیث والآثار والزهد وأخبار السلف مشحونةٌ عن

ص: 182

الصحابة والتابعین بمثل ما دل علیه القرآن (أی ارتکاب الأنبیاءللمعاصی!) ولیس فیهم من حرَّف الآیات کتحریف هؤلاء ، ولا من کذب بما فی الأحادیث کتکذیب هؤلاء ، ولا من قال هذا یمنع الوثوق أو یوجب التنفیر ونحو ذلک ، کما قال هؤلاء ) !

وقال: ( وأما المسائل المتقدمة فقد شرک غیر الإمامیة فیها بعض الطوائف إلا غلوهم فی عصمة الأنبیاءفلم یوافقهم علیه أحد أیضاً ، حیث ادعوا أن النبی (ص)لایسهو ، فإن هذا لایوافقهم علیه أحد فیما علمت ، اللهم إلا أن یکون من غلاة جهال النساک ، فإن بینهم وبین الرافضة قدراً مشترکاً فی الغلو وفی الجهل والإنقیاد لما لا یعلم صحته ، والطائفتان تشبهان النصاری فی ذلک ) !

وقال فی:2/393: (فصل: وأما قوله وإن الأنبیاءمعصومون من الخطأ والسهو والمعصیة صغیرها وکبیرها من أول العمر إلی آخره ، وإلا لم یبق وثوق بما یبلغونه فانتفت فائدة البعثة ولزم التنفیر عنهم .

فیقال: أولاً، إن الإمامیة متنازعون فی عصمة الأنبیاء.... ثم یقال ثانیاً قد اتفق المسلمون علیأنهم معصومون فیما یبلغونه عن الله فلایجوز أن یقرَّهم علی الخطأ فی شئ مما یبلغونه عنه ، وبهذا یحصل المقصود من البعثة ، وأما وجوب کونه قبل أن یبعث نبیاً لایخطئ أو لایذنب ، فلیس فی النبوة ما یستلزم هذا ).

لاحظ قوله: (لایجوز أن یقرَّهم علی الخطأ فی شئ مما یبلغونه عنه) فهو صریح فی أن الأنبیاءقد یخطئون حتی بعد البعثة فی التبلیغ عن الله تعالی ! غایة الأمر أن الله لایقرهم علی الخطأ بل یوبخهم ویصحح لهم ، وذلک لتبریر زعم قریش أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )زاد فی القرآن وکفر ، ومدح الأصنام فی سورةالنجم بأنهن الغرانیق العلی، وشفاعتهن ترتجی ، فنزل جبرئیل ووبخه وصحح له !

ص: 183

ثم قال فی:2/397 (والله تعالی قد أخبر أنه یبدل السیئات بالحسنات للتائب ، کما ثبت ذلک فی الحدیث الصحیح ، ومعلوم أن الصحابة رضی الله عنهم من عهد الرسول(ص)وقبل أن یصدر منهم مایدعونه من الأحداث ، کانوا من خیار الخلق ، وکانوا أفضل من أولادهم الذین ولدوا بعد الإسلام ). انتهی.

وبذلک کشف ابن تیمیة عن هدفه وغرضه ، وهو أن یثبت أن کفر أبی بکر وعمر ومعاصیهما قبل الإسلام ، وکذا معاصی بعض الصحابة بعد الإسلام ، لاتنقص من درجتهم ، ولا تجعل درجة علیٍّ(علیه السّلام)والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعصمتهما التی یدعیها الشیعة ، وعدم عبادتهما للأصنام ، أرفع من درجة الصحابة !

ثم تمادی ابن تیمیة فاعتبر أن القول بعصمة الأنبیاءالتامة هو حرمان للأنبیاء(علیهم السّلام) من الوقوع فی المعاصی والفوز بالتوبة وثوابها العظیم !! قال فی نفس الموضع:

(وأیضاً: فوجوب کون النبی لایتوب إلی الله فینال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته بذلک ، ویکون بعد التوبة التی یحبه الله منه خیراً مما کان قبلها ، فهذا مع ما فیه من التکذیب للکتاب والسنة ، غض من مناصب الأنبیاءوسلبهم هذه الدرجة ، ومنع إحسان الله إلیهم وتفضله علیهم بالرحمة والمغفرة.

ومن اعتقد أن کل من لم یکفر ولم یذنب أفضل من کل من آمن بعد کفره وتاب بعد ذنبه ، فهو مخالف ماعلم بالإضطرار من دین الإسلام ! فإنه من المعلوم أن الصحابة الذین آمنوا برسول الله(ص)بعد کفرهم وهداهم الله به بعد ضلالهم ، وتابوا إلی الله بعد ذنوبهم أفضل من أولادهم الذین ولدوا علی الإسلام !

وهل یُشَبِّهُ بنی الأنصار بالأنصار ، أو بنی المهاجرین بالمهاجرین إلا من لا علم له!!....... وقد قال عمر بن الخطاب(رض)إنما تنقض عری الإسلام عروة عروة ، إذا نشأ فی الإسلام من لم یعرف الجاهلیة ) !! انتهی.

ص: 184

فالنبی عند ابن تیمیة إذا ذاق طعم الکفر والجرائم والمعاصی مثل أبی بکر وعمر ، یکون أقرب إلی الله تعالی ! والذین یقولون بعصمة النبی(علیه السّلام)وعدم صدور المعاصی منه فقد نقصوه حقه وحرموه من النعمة العظیمة التی لاتتحقق إلا بالکفر أو بالمعاصی وهی فرحة الله بتوبته ، والتی فاز بها أبو بکر وعمر !

وهکذا یظهر لک أن مکانة أبی بکر وعمر عنده هی حجر الزاویة فی هندسة عقائده(الإسلامیة)! وأنه لایخجل فی سلب العصمة عن جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ورمیهم بالکفر والمعاصی حتی بعد النبوة ، من أجل مساواتهم بأبی بکر وعمر ! والتفضل علیهم بدرجة التوبة العظیمة التی نالها أبو بکر وعمر بتوبتهما من کفرهما ومعاصیهما!

وقد واصل ابن تیمیة خطبة الجمعة فی مقام التائبین من جرائمهم ، وکیف أن الله تعالی یمحوها بل یبدلها حسنات ، ثم قال فی:2/400:(وکذلک من اتفق أن شرب السم فسقی تریاقاً فاروقاً یمنع نفوذ سائر السموم فیه ، کان بدنه أصح من بدن من لم یشرب ذلک التریاق. والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم یتوبوا منها. فهذا وأمثاله من خیار تأویلات المانعین لما دل علیه القرآن من توبة الأنبیاءمن ذنوبهم واستغفارهم، وزعمهم أنه لم یکن هناک مایوجب توبة ولااستغفار ولاتفضل الله علیه بمحبته وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم. فکیف بسائر تأویلاتهم التی فیها من تحریف القرآن وقول الباطل علی الله ، ما لیس هذا موضع بسطه !

وقال: (والمقصود هنا أن الذین ادعوا العصمة مما یتاب منه ، عمدتهم أنه لو صدر منهم الذنب لکانوا أقل درجة من عصاة الأمة ، لأن درجتهم أعلی فالذنب منهم أقبح ، وأنه یجب أن یکون فاسقاً فلا تقبل شهادته ، وأنه حینئذ یستحق العقوبة فلا یکون إیذاؤه محرماً وأذی الرسول محرم بالنص ، وأنه یجب الإقتداء بهم ولایجوز الإقتداء بأحد فی ذنب. ومعلوم أن العقوبة ونقص الدرجة إنما یکون مع عدم التوبة ، وهم معصومون من الإصرار).

ص: 185

ثم ذکر عدداً من أدعیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مستدلاً بها علی أنها دلیل علی صدور الذنوب الصغیرة والکبیرة منه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والعیاذ بال له، وإن ذلک لم یکن ینفر المسلمین منه !

ثم ختم کلامه بقوله:2/408: (وهذا عمر بن الخطاب(رض)قد علم تعظیم رعیته له وطاعتهم ، مع کونه دائماً کان یعترف بما یرجع عنه من خطأ ، وکان إذا اعترف بذلک وعاد إلی الصواب زاد فی أعینهم وازدادوا له محبة وتعظیماً.... فعلم أن التوبة والإستغفار (من المعاصی) لاتوجب تنفیرأولاًتزیل وثوقاً) !!

دفاع ابن تیمیة عن الیهود وعن أسطورة الغرانیق !

قال فی منهاج سنته::2/409: (وما أعلم أن بنی إسرائیل قدحوا فی نبی من الأنبیاءبتوبته فی أمر من الأمور ! وإنما کانوا یقدحون فیهم بالإفتراء علیهم کما کانوا یؤذن موسی(علیه السّلام) ، وإلا فموسی قد قتل القبطی قبل النبوة ، وتاب من سؤال الرؤیة ، وغیر ذلک بعد النبوة ، وما أعلم أحداً من بنی إسرائیل قدح فیه بمثل هذا. وما جری فی سورة النجم من قوله:(تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتها لترتجی) علی المشهور عند السلف والخلف من أن ذلک جری علی لسانه ثم نسخه الله وأبطله ، هو من أعظم (الردود)علی قول هؤلاء...

والعصمة المتفق علیها أنه لا یُقَرُّ علی خطأ فی التبلیغ بالإجماع ، ومن هذا فلم یعلم أحد من المشرکین نفر برجوعه عن هذا ، وقوله إن هذا مما ألقاه الشیطان. ولکن روی أنهم نفروا لما رجع إلی ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها ، فکان رجوعهم لدوامه علی ذمها ، لا لأنه قال شیئاً ثم قال إن الشیطان ألقاه. وإذا کان هذا لم ینفر ، فغیره أولی أن لا ینفر ) !!

ص: 186

ابن تیمیة یجوِّز أن یکون النبی کافراً فاسقاً شریراً !

وأخیراً صرح ابن تیمیة بمذهبه وإن لفه بلفافة ! فقال بعدم عصمة الأنبیاءمطلقاً وأن الله تعالی یمکن أن یبعث نبیاً کافراً أو فاسقاً قبل النبوة ، أو یصیر کافراً فاسقاً بعدها. وهو بذلک یجری مع رواسب أشعریته فی إنکار الحسن والقبح العقلیین ، وإنکار لزوم الحکمة فی أفعال الله تعالی ! قال فی منهاجه:2/413:

( ومما یبین الکلام فی مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها ، فإن الناس تکلموا فی ذلک بحسب أصولهم فی أفعال الله تعالی ، إذْ کان جعل الشخص نبیاً رسولاً من أفعال الله تعالی ، فمن نفی الحِکَم والأسباب فی أفعاله وجعلها معلقةً بمحض المشیئة ، وجوَّز علیه فعل کل ممکن ، ولم ینزهه عن فعل من الأفعال ، کما هو قول الجهم بن صفوان وکثیر من الناس کالأشعری ومن وافقه من أهل الکلام من أتباع مالک والشافعی وأحمد وغیرهم من مثبتة القدر ، فهؤلاء یجوِّزون بعثة کل مکلف! والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إلیه ! والرسالة مجرد أمره بتبلیغ ما أوحاه إلیه ! والنبوة عندهم صفة ثبوتیة ولامستلزمة لصفة یختص بها ، بل هی من الصفات الإضافیة کما یقولون ، مثل ذلک فی الأحکام الشرعیة. وهذا قول طوائف من أهل الکلام کالجهم بن صفوان والأشعری وأتباعهما ، ولهذا من یقول بها کالقاضی

أبی بکر وأبی المعالی وغیرهما یقول إن العقل لایوجب عصمة النبی إلا فی التبلیغ خاصة ، فإن هذا هو مدلول المعجزة ! وما سوی ذلک إن دل السمع علیه ، وإلا لم تجب عصمته منه .

وقال محققوا هؤلاء کأبی المعالی وغیره إنه لیس فی السمع قاطع یوجب العصمة ، والظواهر تدل علی وقوع الذنوب منهم ! وکذلک کالقاضی أبی بکر إنما یثبت مایثبته من العصمة فی غیر التبلیغ إذا کان من موارد الإجماع ، لأن

ص: 187

الإجماع حجة ، وما سوی ذلک فیقول لم یدل علیه عقل ولا سمع .

وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشیعة علیهم بأن هذا یوجب التنفیر ونحو ذلک فیجب من حکمة الله منعهم منه ، قالوا هذا مبنی علی مسألة التحسین والتقبیح العقلیین ونحن نقول لایجب علی الله شئ ویحسن منه کل شئ ! وإنما ننفی ما ننفیه بالخبر السمعی ، ونوجب وقوع ما یقع بالخبر السمعی أیضاً ، کما أوجبنا ثواب المطیعین وعقوبة الکافرین لإخباره أنه یفعل ذلک ، ونفینا أن یغفر لمشرک لإخباره أنه لایفعل ذلک ، ونحو ذلک. وکثیر من القدریة المعتزلة والشیعة وغیرهم ممن یقول بأصله فی التعدیل والتجویر ، وأن الله لایفضل شخصاً علی شخص إلا بعمله ، یقول إن النبوة أو الرسالة جزاءٌ علی عمل متقدم فالنبی فَعَل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن یجزیه الله

بالنبوة ، وهؤلاء القدریة فی شق ، وأؤلئک الجهمیة الجبریة فی شق ). انتهی.

إن اعتراف ابن تیمیة هذا ، لایقف عند تجویزه أن یکون النبی کافراً فاسقاً شریراً ! بل یصل إلی نفی الحکمة عن الله تعالی فی أفعاله وأقواله !

وهذا هو نفس معبود التوراة الذی قال التلمود فی وصفه: (سمع الله یئن کما تئن الحمامة ویبکی وهو یقول: الویل الویل لمن أخرب بیته....وَیْلِی علی ما أخربت من بیتی! ویْلی علی ما فرقت من بنیَّ وبناتی ) ! (الفصل لابن حزم:1/1/222)

ص: 188

الفصل السابع : البخاری ینقض عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ویفتری علیهم

اشارة

ص: 189

ص: 190

صحیح البخاری مشحون بالإسرائیلیات التی تطعن فی الأنبیاء(علیهم السّلام)

وأسوأ منها القرشیات التی تطعن فی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )
نبی الله إبراهیم(علیه السّلام)یکذب !

مضافاً إلی ما تقدم ، نورد هنا عدداً من افتراءات البخاری علی الأنبیاء(علیهم السّلام) !

فقد نسب إلی نبی الله إبراهیم(علیه السّلام)فی:4/112و113، وکرر ذلک فی:6/121 ، أنه کذب ثلاث کذبات ، اثنتان لله ، وواحدة لغیر الله ! قال: ( لم یکذب ابراهیم(علیه السّلام) إلا ثلاث کذبات ثنتین منهن فی ذات الله عز وجل ، قوله: إِنِّی سَقِیمٌ ، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا ! وقال بینا هو ذات یوم وسارة إذ أتی علی جبار من الجبابرة فقیل له إن ههنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إلیه فسأله عنها فقال من هذه ؟ قال: أختی) !

وروی فی:5/226: أن ابراهیم(علیه السّلام)یستحی من ربه یوم القیامه أن یشفع للناس بسبب کذباته الثلاث ! وکرر ذلک فی:5/225و:7/203و:8/172و183،و192،و201 !!

ص: 191

نبی الله موسی(علیه السّلام)غضوبٌ بطَّاش !

وفی:2/92 ، روی ما یقوله الیهود حرفیاً فی نبی الله موسی(علیه السّلام)ووضعه علی لسان نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، مثل أن موسی کان قوی الشخصیة والبدن وقد غضب علی ملک الموت ولطمه ففقأ عینه وأرسله إلی السماء أعور باکیاً شاکیاً ! فعالجه الله تعالی وأعاده لیقبض روح موسی(علیه السّلام)! واحتاج عزرئیل إلی استعمال الحیلة مع موسی فأعطاه تفاحة مسمومة ، فشمها موسی فمات !!

قال البخاری: (باب من أحب الدفن فی الأرض المقدسة... أرسل ملک الموت إلی موسی فلما جاءه صکه ! فرجع إلی ربه فقال: أرسلتنی إلی عبد لایرید الموت ! فرد الله عز وجل علیه عینه وقال: إرجع فقل له یضع یده علی متن ثور ، فله بکل ما غطت به یده بکل شعرة سنة ، قال: أی رب ثم ماذا ؟ قال: ثم الموت. قال: فالأن. فسأل الله أن یدنیه من الأرض المقدسة رمیة بحجر ، قال قال رسول الله (ص) فلو کنت ثم لأریتکم قبره إلی جانب الطریق عند الکثیب الأحمر ) ! وکرر البخاری هذا الحدیث المزعوم فی:4/130، فقال: (باب وفاة موسی وذکره بعد...(کذا) ! وحذف منه جملة (ففقأ عینه) ، التی أثبتها مسلم:7/99 !!

قال ابن حجر فی فتح الباری:6/315: (صکه: أی ضربه علی عینه ، وفی روایة همام عن أبی هریرة عند أحمد ومسلم: جاء ملک الموت إلی موسی فقال أجب ربک فلطم موسی عین ملک الموت ففقأها !

وفی روایة عمار بن أبی عمار عن أبی هریرة عند أحمد والطبری:کان ملک الموت یأتی الناس عیاناً فأتی موسی فلطمه ففقأ عینه.....وفی روایة عمار: فقال یا رب عبدک موسی فقأ عینی ، ولولا کرامته علیک لشققت علیه ) !!

ص: 192

نبی الله موسی(علیه السّلام)یرکض عاریاً وراء ثیابه !

روی البخاری قصة (ثوبی حجر) التی یزعم فیها الیهود أن نبی الله موسی (علیه السّلام)کان یغتسل ووضع ثیابه علی حجر ، فرکض الحجر هارباً بثیابه ، ورکض موسی وراءه عاریاً ، ورآه بنو إسرائیل ! فغضب موسی علی الحجر وأخذ ثیابه منه وضربه بعصاه !

وزعموا أن ذلک کان بتدبیر الله تعالی لکی یبرئ موسی(علیه السّلام)من اتهام بنی إسرائیل له بأن له أُدْرَة ! وکأن تبرئة الله تعالی لنبیه(علیه السّلام)لاتتم إلا بإهانته !

قال البخاری:4/129: (فوضع ثیابه علی الحجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلی ثیابه لیأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسی عصاه وطلب الحجر ، فجعل یقول ثوبی حجر! ثوبی حجر! حتی انتهی إلی ملأ من بنی إسرائیل فرأوه عریاناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما یقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعضاه ! فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً ، فذلک قوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاتَکُونُوا کَالَّذِینَ آذَوْا مُوسَی فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَکَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِیهاً). انتهی.

وکرره البخاری هذا الحدیث علی عادته بمثله أو بنحوه فی:6/28 و:1/73 !

نبی الله سلیمان(علیه السّلام)مفرط فی الجنس ، معرض عن ذکر الله !

وروی البخاری فی:3/209 عن سلیمان(علیه السّلام): (قال سلیمان بن داود(علیهماالسّلام)لأطوفن اللیلة علی مائة امرأة أو تسع وتسعین کلهن یأتی بفارس یجاهد فی سبیل الله فقال له صاحبه: قل إن شاء الله ، فلم یقل إن شاء الله ! فلم یحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ! والذی نفس محمد بیده لوقال إن شاء الله لجاهدوا فی

ص: 193

سبیل الله فرساناً أجمعون)! وکرره البخاری بنحوه:4/136و:6/160 !

البخاری یروی تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الرسل والبشر

قال فی:5/225: (قال: أنا سید الناس یوم القیامة ، وهل تدرون ممَّ ذلک؟ یجمع الناس الأولین والإخرین فی صعید واحد یسمعهم الداعی وینفذهم البصر وتدنو الشمس فیبلغ الناس من الغم والکرب ما لایطیقون ولا یحتملون فیقول الناس ألا ترون ما قد بلغکم ، ألا تنظرون من یشفع لکم إلی ربکم؟ فیقول بعض الناس لبعض علیکم بآدم فیأتون آدم(علیه السّلام)فیقولون له: أنت أبو البشر ، خلقک الله بیده ونفخ فیک من روحه ، وأمر الملائکة فسجدوا لک ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ، ألا تری إلی ما قد بلغنا ؟

فیقول آدم: إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله! ولن یغضب بعده مثله ! وإنه نهانی عن الشجرة فعصیته ، نفسی نفسی نفسی ، إذهبوا إلی غیری إذهبوا إلی نوح !!

فیأتون نوحاً فیقولون یا نوح إنک أنت أول الرسل إلی أهل الأرض وقد سماک الله عبداً شکوراً ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ؟

فیقول: إن ربی عز وجل قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله ، ولن یغضب بعده مثله ، وإنه قد کانت لی دعوة دعوتها علی قومی. نفسی نفسی نفسی ! إذهبوا إلی غیری ، إذهبوا إلی إبراهیم !!

فیأتون إبراهیم فیقولون یا إبراهیم أنت نبی الله وخلیله من أهل الأرض اشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ؟ فیقول لهم: إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله ، ولن یغضب بعده مثله ! وإنی قد کنت کذبت ثلاث

ص: 194

کذبات ، فذکرهن أبو حیان فی الحدیث، نفسی نفسی نفسی! إذهبوا إلی غیری إذهبوا إلی موسی !! فیأتون موسی فیقولون یاموسی أنت رسول الله ، فضلک الله برسالته وبکلامه علی الناس ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ؟ فیقول: إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله ولن یغضب بعده مثله ، وإنی قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها ، نفسی نفسی نفسی ! إذهبوا إلی غیری ، إذهبوا إلی عیسی ! فیأتون عیسی فیقولون یاعیسی أنت رسول الله وکلمته ، ألقاها إلی مریم وروح منه وکلمت الناس فی المهد صبیاً ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ؟ فیقول عیسی: إن ربی قد غضب الیوم غضباً لم یغضب قبله مثله ولن یغضب بعده مثله !! ولم یذکر ذنباً ، نفسی نفسی نفسی! إذهبوا إلی غیری إذهبوا إلی محمد !!

فیأتون محمداً فیقولون: یا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبیاءوقد غفر الله لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی ما نحن فیه ؟ فأنطلق فآتی تحت العرش فأقع لربی عز وجل ، ثم یفتح الله علی من محامده وحسن الثناء علیه شیئاً لم یفتحه علی أحد قبلی ، ثم یقال یا محمد إرفع رأسک سل تعطه ، واشفع تشفَّع ، فأرفع رأسی فأقول أمتی یا رب أمتی یا رب ، فیقال یا محمد أدخل من أمتک من لاحساب علیهم من الباب الأیمن من أبواب الجنة وهم شرکاء الناس فیما سوی ذلک ، من الأبواب ثم قال: والذی نفسی بیده إن ما بین المصراعین من مصاریع الجنة کما بین مکة وحمیر ، أو کما بین مکة وبصری ). انتهی.

ونحن نعتقد بتفضیل نبینا وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الخلق کلهم ، لکنا لانقبل حدیث أبی هریرة المذکور ، لأنه مصوغً من جو الإسرائیلیات والمسیحیات عن غضب الله

ص: 195

تعالی ، وعن اعترافات أنبیائه بمعاصیهم إلا عیسی(علیهم السّلام) !

ونطمئنُّ بأن البخاری أورده لا لکی یمدح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهو لایتردد فی تفضیل بقیة الأنبیاءعلیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی یونس(علیه السّلام) ! بل لیثبت فضیلة لأمته التی فی طلیعتها طلقاء قریش ! وحیثما وجدنا مدحاً لأمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فینبغی لنا أن نفحصه حتی لایکون موضوعاً ، أو یکون کلمة حق أرید بها باطل !

ثم یتراجع البخاری ویفضل نبی الله موسی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

لکنه یفضل قریشاً علی الیهود !

روی صحیحه:8/48: روی أن نبی الله موسی رغم عیوبه یبقی أفضل من نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأنه یفیق قبله من نفخة الصور یوم القیامة ، أو یستثنی منها أصلاً ، لأنه أصیب بالصعقة فی طور سیناء فکفته عن صعقة الصور !

قال البخاری: ( قال (ص): لاتخیرونی من بین الأنبیاء، فإن الناس یصعقون یوم القیامة فأکون أول من یفیق ، فإذا أنا بموسی أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدری أفاق قبلی ، أم جزی بصعقة الطور) !! انتهی. وکرر ذلک فی:3/88 ، و:4/ 126و131و133 ، و:5/196، و:6/34 ، و:7/193، و:8/177 !

کما روی سبباً آخر لتفضیل موسی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو أن موسی(علیه السّلام)کان أوسع صدراً ، فقد تحمل من بنی إسرائیل أکثر مما تحمل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من قریش! قال فی:4/130: (قسم النبی(ص) قسماً فقال رجل: إن هذه القسمة ما أرید بها وجه الله ، فأتیت النبی(ص)فأخبرته ، فغضب حتی رأیت الغضب فی وجهه ، ثم قال: یرحم الله موسی قد أوذی بأکثر من هذا ، فصبر)! وکرره فی:5/106و:7/87 و96و143و153 !

ص: 196

وبهذا تکون قریش أفضل من الیهود لأنها لم تؤذ نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما آذت الیهود موسی(علیه السّلام)! ولهذا یبکی موسی(علیه السّلام)یوم القیامة لتفضیل أمة محمد علی أمته !

قال البخاری:4/249 عن لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یصف معراجه: (فلما خلصت فإذا موسی قال هذا موسی فسلِّمْ علیه فسلمتُ علیه فردَّ ثم قال: مرحباً بالإخ الصالح والنبی الصالح ، فلما تجاوزت بکی! قیل له: ما یبکیک؟ قال أبکی لأن غلاماً بعث بعدی یدخل الجنة من أمته أکثر من یدخلها من أمتی ) !

وینبغی أن تعرف أن تعبیر(غلاماً) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تعبیر یهودی فهم یزعمون أن الله تعالی جعل إسماعیل وذریته عبیداً لأبناء إسحاق !!

وهکذا یحرص البخاری علی إرضاء ولی نعمته المتوکل العباسی فی تبرئة القرشیین وتفضیلهم ، حتی لو استوجب ذلک تنقیص مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ویفضل عیسی(علیه السّلام)علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

رواه البخاری مرة واحدة لأن روایته مسیحیة ولیست إسرائیلیة ! قال فی:4/94: (قال النبی(ص): کل بنی آدم یطعن الشیطان فی جنبیه بإصبعه حین یولد ، غیر عیسی بن مریم ذهب یطعن فطعن فی الحجاب) !! انتهی.

ومعنی هذا الحدیث المزعوم غریب قد یعرفه البخاری والقساوسة ، فما معنی أن الشیطان یطعن فی جنب المولود ، وهل یتسلط علیه بهذه الطعنة بإصبعه ؟ وما معنی أنه أراد أن یطعن فی جنبیَّ عیسی(علیه السّلام)فذهبت طعنة إصبعه فی الحجاب ، ولم تصل إلی أحد جنبیه؟ وما هو ذلک الحجاب ، ولماذا خص الله به عیسی من دون الرسل والبشر ، حتی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

ص: 197

ویروی النهی عن تفضیل الأنبیاء(علیهم السّلام) علی بعضهم !

قال الله تعالی:(تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَلَکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَکِنَّ اللهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ). (البقرة:253)

(وَإِذْ أخذ اللهُ مِیثَاقَ النَّبِیِّینَ لَمَا آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتَابٍ وَحِکْمَةٍ ثُمَّ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَی ذَلِکُمْ إِصْرِی قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ). (آل عمران:81)

فقد نصَّت الآیات الکریمة علی تفاضل الرسل(علیهم السّلام) ، وأجمع المسلمون علی تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الجمیع ، ورواه البخاری کما رأیت.

لکن البخاری نقض ما رواه من تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من جهة !

ثم خالف القرآن فروی قاعدة تحریم تفضیل الأنبیاء(علیهم السّلام) علی بعضهم !

ثم نقض هذه القاعدة فروی تفضیل موسی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما رأیت !!

قال البخاری:4/132: (عن أبی هریرة قال: بینما یهودی یعرض سلعته ، أعطی بها شیئاً کرهه فقال: لا والذی اصطفی موسی علی البشر ، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذی اصطفی موسی علی البشر ، والنبی بین أظهرنا ؟! فذهب إلیه فقال أبا القإسم إن لی ذمة وعهداً فما بال فلأن لطم وجهی؟! فقال: لم لطمتَ وجهه ؟ فذکره ، فغضب النبی(ص)حتی رؤی فی وجهه ! ثم قال: لاتفضلوا بین أنبیاءالله فإنه ینفخ فی الصور فیصعق من فی السموات ومن فی الأرض إلا من شاء الله ، ثم ینفخ فیه أخری فأکون أول من بعث ، فإذا موسی أخذ بالعرش ، فلا أدری أحوسب بصعقته یوم الطور أم بعث قبلی ! ولا أقول إن أحداً أفضل من یونس بن متی! ). انتهی.

ص: 198

فهذا الحدیث المزعوم صریح فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقف إلی جانب الیهودی الذی زعم أن الله تعالی اصطفی موسی علی البشر ، وأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خَطَّأ المسلم الذی زعم أن الله اصطفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی البشر !!

بل زاد فی آخره النهی عن تفضیله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی نبی الله یونس ! وروی بعده مباشرة: (عن النبی(ص)قال: لاینبغی لعبد أن یقول أنا خیر من یونس بن متی ) !

وکرر حدیث النهی عن تفضیل أحد علی یونس بصیغ مختلفة فی أکثر من عشرة مواضع فی:4/125و132بروایتین ، و:5/193و:6/30 و:8/213 ، و:5/185و:6/31 وفی الإخیرتین: من قال أنا خیر من یونس بن متی فقد کذب ! والمقصود به أن لایفضل أحد نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی یونس(علیه السّلام)!

أما السبب فهو تعریض القرشیین بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه کیونس لم یصبر علی قومه بل ذهب مغاضباً منهم ، وهاجر إلی المدینة واستعان علیهم بالأنصار !

وإلا فلا معنی لروایته أصلاً ، أو روایته فی سیاق تفضیل موسی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

الأنبیاء(علیهم السّلام) عند البخاری عصبیون کما فی التوراة !

روی البخاری أن الأنبیاء(علیهم السّلام) غیر معصومین عن الغضب المفرط انتقاماً لأنفسهم ! فی حدیثین فی نبی قرصته نملة ، فغضب وأحرق قریة النمل بالنار ، قال فی:4/22: (قرصت نملة نبیاً من الأنبیاءفأمر بقریة النمل فأحرقت ، فأوحی الله إلیه إن قرصتک نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله) !! وکرره فی:4/100 !!

ص: 199

قرشیات البخاری فی الطعن بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أسوأ من إسرائیلیاته !

عندما یصل البخاری إلی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تنضم قرشیاته إلی إسرائیلیاته ، وتتعاونان فی طعن قریش المبطن فی عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشخصیته !!

تزعم هذه الفِرَی القرشیة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الأساس لم یکن علی یقین من بعثته ، بل کان فی شک وحیرة ! ثم لما أطمأن بنبوته وتأخر علیه الوحی، قرر أن ینتحر!!

وهو ثانیاً ، غیر معصوم حتی فی تبلیغ رسالة ربه ، فقد غلبه الشیطان فخان الرسالة وغیَّر القرآن واستبدل ذم أصنام قریش اللات والعزی ومناة بمدحها ، وسجد لها هو والمشرکون ، فعبد الأصنام وکفر برب العالمین !

وهو ثالثاً ، لیس أفضل من أنبیاءبنی إسرائیل ، فموسی علی عیوبه ومعاصیه أفضل منه ، ویونس علی ترکه لقومه ومغاضبته خیر منه ، وعیسی خیر منه !!

وهو رابعاً ، عصبی المزاج سئ الإخلاق مع المسلمین ، غیر مسدد فی منطقه ، ولذا ینطق عن الهوی ویسب ویشتم ویلعن بغیر حق ، وهو غیر مسدد فی عمله فقد یؤذی ویجلد الناس ظلماً وعدواناً !

وهو خامساً ، ساذج ضعیف الشخصیة والتدبیر ، یقع فی أخطاء فظیعة ، فیصححها له عمر وینزل الوحی موبخاً له مؤیداً لعمر !

وهو سادساً ، ظلم قریشاً فی بدر وأخذ منهم أسری بغیر حق ، وأخذ من الأسری فدیة حتی أطلقهم ، فعاقبه الله بهزیمته وکسر رباعیته فی أحد !

وهو سابعاً ، غیر مسدد فی حکمه وقضائه بین المسلمین ، فقد یقضی لشخص بالباطل لأنه حاذق فی کلامه !

وهو ثامناً ، ینهی عن الأمر ویرتکبه ، فقد نهی المسلمین عن التمنی وقول (لو) لکنه تمنی وقالها مرات !

ص: 200

وهو تاسعاً ، صاحب ذهن عادی ، ینسی کثیراً ، فقد نسی أنه جُنُب لم یغتسل وبدأ فی صلاته ! وقد نسی عدد رکعات الصلاة ونقَّص منها ! وقد أخطأ فی قراءة القرآن فی صلاته فصححها له بدوی !

وهو عاشراً ، غلب علیه المرض فی آخر حیاته فأخذ یهذی وطلب من المسلمین أن یأتوه بدواة وقرطاس لیکتب لهم کتاباً یؤمِّنهم من الإختلاف والضلال إلی یوم القیامة ، فرفض ذلک عمر وقال نبیکم غلب علیه الوجع ، وأیده أکثر الحاضرین ، ومنعوه من کتابة ذلک العهد !

کما کان یغمی علیه فی مرضه ویفیق ، فأحس بأنهم یریدون أن یسقوه دواء إذا أغمی علیه (یَلِدُّوه) ، فنهاهم عن ذلک فلم تسمع کلامه عائشة وحفصة کلامه ولدَّتاه ، فلما أفاق غضب علیهم وأمرهم أن یشربوا من ذلک الدواء کلهم ، إلا بنی هاشم !

وأخیراً تقول عائشة إنه سُحِرَ ففقد ذاکرته ، وبقی لستة أشهر مسحوراً یخیَّلُ إلیه أنه فعل الشئ وهو لم یفعله ، وأنه أتی زوجته ولم یأتها !

روایات البخاری المشینة فی سلوک نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أما إذا وَصَلَ الحدیث إلی سلوک النبی الشخصی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فتری فی البخاری الأعاجیب ! فهو مفرط فی الجنس ، یأتی نساءه التسعة فی لیلة واحدة ، ویباشر زوجته وهی حائض ، ویتبذَّل تبذلاً لایناسب وجیهاً اجتماعیاً عادیاً ، فیبول وهو واقف ، ویستقبل ضیوفه وهو مضطجع، ویستمع الغناء ، ویشرب النبیذ !

أما عمر بن الخطاب فکان محافظاً أکثر منه ، حیث قال له أحجب نساءک فلم یفعل ، فأنزل الله آیة الحجاب ، وأمره بما أمره به عمر !

ص: 201

وتجد فی البخاری أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان مغرماً بزوجة له اسمها عائشة ، یفضلها علی کل زوجاته ، فکان یستمع معها الغناء من جاریتین تغنیان لهما ، ویحملها علی کتفه ویضع خده علی خدها لتشاهد من شباک الغرفة رقص الأحباش ، ویأخذها معه فی غزواته ، وربما ترک جیشه وسابقها ، وقد سبقها مرة وسبقته مرة، فتعادلا !

وقد روت عنه عائشة مئات الأحادیث ، فیها قصص حیاتهما الشخصیة ، مما لایناسب زوجین مسلمین محافظین !!

إلی غیر ذلک من مطاعن البخاری فی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )التی لو أفضنا فیها لخرجنا عن قصد هذا الکتاب ، فنکتفی بالتعداد ، وتفصیل بعضها !

البخاری یفتتح صحیحه بالطعن فی نبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

صدَّر البخاری صحیحه بحدیث بدء الوحی وکرره فی أجزاء کتابه مرات ، فروی عن عائشة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یبعث نبیاً فی جوٍّ واضح ، ولا رأی جبرئل بالأفق المبین کما قال تعالی:وَاللَّیْلِ إِذَا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ. ذِی قُوَةٍ عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ. وَمَا صَاحِبُکُمْ بِمَجْنُونٍ .وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِینِ. وَمَا هُوَعَلَی الْغَیْبِ بِضَنِینٍ. وَمَا هُو بِقَوْلِ شَیْطَانٍ رَجِیمٍ. فَأَیْنَ تَذْهَبُونَ. إِنْ هُوَإِلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ. لِمَنْ شَاءَ مِنْکُمْ أَنْ یَسْتَقِیمَ .وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ یَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ ). ( التکویر:17-29)

یقول البخاری کلا ! فقد کان الأفق غائماً وکانت النبوة مشکوکة ! والذی جاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أشبه بکابوس منه بملَک ، وکان تعامله معه وحشیاً ! فقد أمره أن یقرأ ، ولم یقبل عذره بأنه لایعرف القراءة ، فغطه غطاً عنیفاً ثلاث مرات !! أی أمسکه ، وخبزه بالأرض ، وعجنه !!

والأهم من ذلک أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یعرف جبرئیل ، ولا فهم کلامه ولا ما یریده

ص: 202

منه ! وعاد إلی منزله فی مکة مرعوباً فشکی إلی زوجته خدیجة(علیهاالسّلام) فطمأنته ، لکنها بقیت هی فی شک! فأخذت زوجها إلی ورقة بن نوفل ، وهو قسیس عجوز من قبیلتها بنی زهرة ، وعرضت علیه مشکلة زوجها ، فسأله ورقة وأجابه ، فطمأنه بأن الذی جاءه هو حبرئیل ، وأنه فعلاً قد بعث نبیاً !!

لکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یطمئن ، خاصة بعد أن انقطع عنه الوحی ! فقرر أن یلقی بنفسه من رأس جبل شاهق وینتحر ! وذهب مراراً إلی رؤوس الجبال ، لکنه کلما ذهب إلی رأس جبل لینتحر ، کان جبرئیل یأتیه ویمنعه من ذلک !!

قال بخاری فی صحیحیه:8/67: (باب التعبیر وأول ما بدئ به رسول الله(ص)من الوحی.. عن عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحی الرؤیا الصادقة فی النوم فکان لایری رؤیا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، فکان یأتی حِرَاء فیتحنَّث فیه وهو التعبد اللیالی ذوات العدد ویتزود لذلک ، ثم یرجع إلی خدیجة فتزوده لمثلها ، حتی فجأه الحق وهو فی غار حراء ، فجاءه الملک فیه فقال: إقرأ ، فقال له النبی(ص): ما أنا بقارئ ، قال فأخذنی فغطنی حتی بلغ منی الجَهد ! ثم أرسلنی فقال:إقرأ ! فقلت: ما أنا بقارئ ، فأخذنی فغطنی الثانیة حتی بلغ منی الجهد ! ثم أرسلنی فقال: إقرأ ! فقلت:ما أنا بقارئ فغطنی الثالثة حتی بلغ منی الجهد ! ثم أرسلنی فقال: إقرأ باسم ربک ! ثم أرسلنی فقال: إقرأ بإسم ربک الذی خلق ، حتی بلغ ما لم یعلم .

فرجع بها ترجف بوادره حتی دخل علی خدیجة فقال: زمِّلونی زمِّلونی ، فزمَّلوه حتی ذهب عنه الروع ! فقال یا خدیجة مالی؟! وأخبرها الخبر وقال: قد خشیت علی نفسی ! فقالت له: کلا ، أبشر فوالله لایخزیک الله أبداً ، إنک لتصل الرحم ، وتصدق الحدیث ، وتحمل الکل ، وتقری الضیف ، وتعین علی نوائب

ص: 203

الحق.

ثم انطلقت به خدیجة حتی أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزی بن قصی ، وهو ابن عم خدیجة أخو أبیها ، وکان امرأً تنصَّر فی الجاهلیة وکان یکتب الکتاب العبری فیکتب بالعربیة من الإنجیل ماشاء الله أن یکتب ، وکان شیخاً کبیراً قد عمی ، فقالت له خدیجة: أی ابن عم إسمع من ابن أخیک ، فقال له ورقة: ابنَ أخی ماذا تری؟ فأخبره النبی(ص)ما رأی فقال ورقة: هذا الناموس الذی أنزل علی موسی ، یا لیتنی فیها جذعاً أکون حیاً حین یخرجک قومک؟ فقال رسول الله: أو مُخرجیَّ هم ؟ فقال ورقة: نعم ، لم یأت رجل قط بما جئت به إلا عودی ، وإن یدرکنی یومک أنصرک نصراً مؤزراً ، ثم لم ینشب ورقه أن توفی !

وفتر الوحی فترة حتی حزن النبی(ص) فیما بلغنا حزناً غدا منه مراراً کی یتردی من رؤس شواهق الجبال ، فکلما أوفی بذروة جبل لکی یلقی منه نفسه تبدی له جبریل فقال یامحمد إنک رسول الله حقاً، فیسکن لذلک جأشه وتقر نفسه فیرجع ، فإذا طالت علیه فترة الوحی غدا لمثل ذلک ! فإذا أوفی بذروة جبل تبدَّی له جبریل فقال له مثل ذلک)!!

نعم لقد افتتح البخاری بهذه الخرافة:1/2 وکررها فی:4/124، و6/88 !!

غرانیق قریش ومحاولات التغطیة علی البخاری !

الغرانیق جمع غرنوق ، وهو طائر أبیض من طیور الماء یشبه الکرکی ، یعلو فی طیرانه. وقد شبهت به قریش أصنامها الخاصة بها: اللات والعزی ومُناة ، ووصفتها بالغرانیق العلی ، لأن مقامها عند الله بزعمهم مقامٌ عال کطائر الغرنوق !

ص: 204

(النهایة:3/364 ، والعین:4/458 ، ولسان العرب:10/287) .

قال الرازی فی تفسیره:24/12:(والغرانیق تصعد فی الجو جداً عند الطیران ، فإن حجب بعضها عن بعض ضباب أو سحاب ، أحدثت عن أجنحتها حفیفاً مسموعاً یلزم به بعضها بعضاً ، فإذا نامت علی جبل فإنها تضع رؤوسها تحت أجنحتها ، إلا القائد فإنه ینام مکشوف الرأس ، فیسرع انتباهه وإذا سمع جرساً صاح ). انتهی.

وقد کان موقف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الأصنام من أول بعثته موقفاً صریحاً حاسماً لامساومة فیه ، رافضاً لها کلها ، داعیاً إلی عبادة رب العالمین وحده لاشریک له ، وکانت سور القرآن تتوالی مهاجمةً الأصنام وعُبَّادها ، مسفهةً أحلامهم ، حتی قال القرشیون: إن محمداً قد سب آلهتنا وسفه أحلامنا !

فی ذلک الجو نزلت سورة النجم بعد أکثر من عشرین سورة من القرآن ، کلها صریحة فی رفض الأصنام ، ومنها سورة الکافرون ، وقل هو الله أحد ! لکن سورة النجم تمیزت بأنها ذمَّت أصنام قریش الثلاثة بأسمائها ، فقال الله تعالی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَی.أَلَکُمُ الذَّکَرُ وَلَهُ الأنثی. تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَی. إِنْ هِیَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاالظَّنَّ وَمَا تَهْوَی الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَی. (19-23) فکان ذلک إعلاناً بتسفیه أصنام قریش (اللات والعزی ومناة ) وإسقاطها إلی الأبد !

ومن الطبیعی أن یکون تأثیر ذلک علی قریش کبیراً ، وأن یثیر کبریاءها وردة فعلها العنیف ، وهذا ما حدث بالفعل حتی وصلت إلی قرار قتل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فأنجاه الله بالهجرة.

فی هذا السیاق القطعی من السیرة لایمکننا أن نفسیر قصة الغرانیق إلا بأنها ردة فعل قرشیة ، وأن أصلها أن أحد المشرکین القرشیین أجاب علی ذم أصنام

ص: 205

قریش فی سورة النجم: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ، أَلَکُمُ الذَّکَرُ وَلَهُ الأنثی ، تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَی ، إِنْ هِیَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاالظَّنَّ وَمَاتَهْوَی الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَی. فقام بتحریفها إلی مدح للأصنام وقال:أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ تلک الغرانیق العلی ، وإن شفاعتهن لترجی ! فأعْجَبَ ذلک القرشیین وتمنوا لو أن القرآن قال هذا المدیح فی آلهتهم ، بدل ذمها وذمهم !

ومن المؤکد أن قصة الغرانیق وضعها رواة قریش بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولم یکن لها عین ولا أثر فی سیرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مکة ، وإلا لرفعها المشرکون علماً ، وطبَّل بها الیهود وزمَّروا !

لکن السؤال ما هو غرض طلقاء قریش من ترویج هذه القصة بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونسبتها الیه مع أن أصنامهم انتهت وهدمت، وتبرؤوا منها ودخلوا فی الإسلام تحت السیف ثم رضوا به ؟!

الجواب: أن الغرض منها إثبات أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن معصوماً عصمة مطلقة حتی تکون کل تصرفاته وأقواله حجة ، بل کان یخطئ حتی فی تبلیغ الوحی! وبذلک یمکن تبریرمخالفة الخلفاء والسلطة لأوامره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

فالمهم عندهم تبریر مخالفةالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیکن ثمن ذلک قصة الغرانیق التی تزعم أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ارتکب خیانة فی نص القرآن والعیاذ بالله ، وکفَر ومدَح أصنام قریش لکی ترضی عنه ، وسجد لها وسجد معه مشایخ قریش وکل من کان فی المسجد ، وزاد البخاری أن کل الإنس والجن سجدوا یومها !!

وزادت الروایة المزعومة أن زعماء قریش طاروا فرحاً بخیانة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی نص القرآن ، وطبیعی أن یطیر المستشرقون فرحاً بهذه القصة !!

وأخیراً المرتد سلمان رشدی والحکومات الغربیة !!

ص: 206

البخاری یروی فریة الغرانیق فی ست مواضع !

روی البخاری:2/32: (عن عبدالله(رض)قال قرأ النبی(ص)النجم بمکة فسجد فیها وسجد من معه، غیر شیخ أخذ کفاً من حصی أو تراب ورفعه إلی جبهته وقال یکفینی هذا ، فرأیته بعد ذلک قتل کافراً...

وعن عبد الله(رض)أن النبی(ص)قرأ سورة النجم فسجد بها ، فما بقی أحد من القوم إلا سجد ، فأخذ رجل من القوم کفاً من حصی أو تراب فرفعه إلی وجهه وقال یکفینی هذا ، فلقد رأیته بعد قتل کافراً...

وعن ابن عباس(رض)أن النبی(ص)سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشرکون ، والجن والإنس ! ورواه ابن طهمان عن أیوب ).

وفی:4/239: (عن عبد الله(رض)قال: قرأ النبی(ص)النجم فسجد ، فما بقی أحد إلاسجد إلا رجل رأیته أخذ کفاً من حصی فرفعه فسجد علیه وقال: هذا یکفینی ، فلقد رأیته بعد قتل کافراً بالله ). وفی:5/7: بنحوه.

وفی:6/52: (قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأیته أخذ کفاً من تراب فسجد علیه ، فرأیته بعد ذلک قتل کافراً ، وهو أمیة بن خلف ). انتهی. فهذه ست روایات رواها البخاری علی الأقل.

ورواه مسلم بنحوه فی:2/88 ، ورواه فی:6/52 ، وسمی الذی سجد بأنه أمیة بن خلف) .

وقال الحاکم فی المستدرک:1/221: (عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الناس الحج ، حتی إذا قرأها سجد فسجد الناس ،

إلا رجل أخذ التراب فسجد علیه فرأیته قتل کافراً. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین بالإسنادین جمیعاً ، ولم یخرجاه إنما اتفقا علی حدیث شعبة عن أبی إسحاق عن

ص: 207

الأسود عن عبد الله أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ والنجم ، فذکره بنحوه ، ولیس یعلل أحد الحدیثین الإخیرین ، فإنی لاأعلم أحداً تابع شعبة علی ذکره النجم ، غیر قیس بن الربیع. والذی یؤدی إلیه الإجتهاد صحة الحدیثین، والله أعلم) .

ومعنی کلام الحاکم: أنه کان الأولی بالبخاری ومسلم أن یرویا السجود فی سورة الحج لأنها أصح ، ولکنهما ترکاها ورویا السجود فی سورة النجم !!

وقال البیهقی فی سننه:2/314:(عن عکرمة عن ابن عباس أن النبی(ص) سجد فیها یعنی والنجم، وسجد فیها المسلمون والمشرکون والجن والإنس. رواه البخاری فی الصحیح عن أبی معمر وغیره عن عبد الوارث .

وصححه فی مجمع الزوائد:7/115 ، قال: (أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی...عن ابن عباس فیما یحسب سعید بن جبیر ، أن النبی(ص)کان بمکة ، فقرأ سورة والنجم حتی انتهی إلی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ،فجری علی لسانه: تلک الغرانیق العلی الشفاعة منهم ترتجی. قال: فسمع بذلک مشرکو أهل مکة فسرُّوا بذلک فاشتدَّ علی رسول الله(ص)فأنزل الله تبارک وتعالی:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ إلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ. رواه البزار والطبرانی... ورجالهما رجال الصحیح ، إلا أن الطبرانی قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبی(ص)وقد تقدم حدیثٌ مرسل فی سورة الحج أطول من هذا ، ولکنه ضعیف الإسناد).

ویقصد بالحدیث المرسل الحدیث الذی یضعفه بابن لهیعة وقد وثقه عدد من علمائهم ، وله شواهد صحیحة تجعله حسناً ، وهو فی مجمع الزوائد: 7/70، وفیه:

(حین أنزل الله السورة التی یذکر فیها والنجم إذا هوی ، فقال المشرکون: لوکان هذا الرجل یذکر آلهتنا بخیر أقررناه وأصحابه ، فإنه لا یذکر أحداً ممن

ص: 208

خالف دینه من الیهود والنصاری بمثل الذی یذکر به آلهتنا من الشتم والشر. فلما أنزل الله السورة التی یذکر فیها والنجم وقرأ: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ، ألقی الشیطان فیها عند ذلک ذکر الطواغیت ، فقال: وإنهم من الغرانیق العلی وإن شفاعتهم لترتجی، وذلک من سجع الشیطان وفتنته فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک ، وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها ، وقالوا: إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه ، فلما بلغ رسول الله (ص)آخر السورة التی فیها النجم سجد وسجد معه کل من حضره من مسلم ومشرک ، غیر أن الولید بن المغیرة کان کبیراً فرفع ملء کفه تراب فسجد علیه ، فعجب الفریقان کلاهما من جماعتهم فی السجود لسجود رسول الله(ص) ، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشرکین من غیر إیمان ولا یقین ، ولم یکن المسلمون سمعوا الذی ألقی الشیطان علی ألسنة المشرکین. وأما المشرکون فاطمأنت أنفسهم إلی النبی(ص)وحدثهم الشیطان أن النبی (ص)قد قرأها فی السجدة فسجدوا لتعظیم آلهتهم ، ففشت تلک الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن کان معهم من أهل مکة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الولید بن المغیرة علی التراب علی کفه ، أقبلوا سراعاً ! فکبُر ذلک علی رسول الله(ص)فلما أمسی أتاه جبریل(علیه السّلام) فشکا إلیه ، فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها جبریل ! وقال: معاذ الله من هاتین ما أنزلهما ربی ولا أمرنی بهما ربک ! فلما رأی ذلک رسول الله(ص)شق علیه وقال: أطعتُ الشیطان وتکلمتُ بکلامه وشرَّکنی فی أمر الله ! فنسخ الله ما یلقی الشیطان وأنزل علیه:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ إلا إذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ. لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ

ص: 209

قُلُوبُهُمْ وإن الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِیدٍ). الحج:52-53 فلما برأه الله عز وجل من سجع الشیطان وفتنته ، انقلب المشرکون بضلالهم وعداوتهم. فذکر الحدیث وقد تقدم فی الهجرة إلی الحبشة. رواه الطبرانی مرسلاً وفیه ابن لهیعة ،ولا یحتمل هذا من ابن لهیعة).

وقد أورد السیوطی قصة الغرانیق بعدة طرق بعضها صحیح فی الدر المنثور:4/194وقال فی ص366: (وأخرج البزار ، والطبرانی ، وابن مردویه ، والضیاء فی المختارة بسند رجاله ثقات ، من طریق سعید بن جبیر عن ابن عباس ، قال: إن رسول الله(ص)قرأ: أفرأیتم اللات والعزی ومنات الثالثة الأخری تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! ففرح المشرکون بذلک وقالوا: قد ذکر آلهتنا. فجاء جبریل فقال: إقرأ علی ما جئتک به ، فقرأ: أفرأیتم اللات والعزی ومناة الثالثة الأخری تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی! فقال: ما أتیتک بهذا ! هذا من الشیطان فأنزل الله:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ إلا إذا تَمَنَّی..إلی آخر الآیة. وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه ، بسند صحیح عن سعید بن جبیر... !!). انتهی.

بهذا یتبین لک أن حدیث الغرانیق أو الآیات الشیطانیة رواها البخاری ومسلم وغیرهما بأسانید صحیحة ، فکل هؤلاء یتحملون وزرها ! ویتبین لک بطلأن دعوی من قال إن الواقدی تفرَّد بها وأن الصحاح لم تروِها !!

ویتبین لک مصیبة أن بعض الحفاظ یکذبون لیغطوا علی البخاری !!

قال ابن کثیر فی تفسیره: قد ذکر کثیر من المفسرین هنا قصة الغرانیق وما کان من رجوع کثیر من مهاجرة الحبشة ظناً منهم أن مشرکی قریش قد أسلموا ،

ص: 210

ولکنها من طرق کلها مرسلة ، ولم أرها من وجه صحیح .

وقال القسطلانی فی شرح البخاری: وقد طعن فی هذه القصة وسندها غیر واحد من الأئمة حتی قال ابن إسحاق وقد سئل عنها: هی من وضع الزنادقة. وقال القاضی عیاض: إن هذا حدیث لم یخرجه أحد من أهل الصحة ولارواه أحد بسند متصل ، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بکل غریب المتلقفون عن الصحف کل صحیح وسقیم ) !

ونقل عن أبی بکر بن العربی الإمام المالکی: إن جمیع ما ورد فی هذه القصة لا أصل له ) !! (هامش عصمة الأنبیاءللرازی ص94).

وذکر عبد الله النعیم فی کتابه الإستشراق فی السیرة النبویة- نشرالمعهد العالمی للفکر الإسلامی1417، أن المصادرَ التی روت حدیث الغرانیق هی: طبقات ابن سعد:1/205 ، وتاریخ الطبری:2/226 ، وتاریخ ابن الأثیر:2/77 ، وسیرة ابن سید الناس:1/157. وقال فی ص97: (یعتبر الواقدی أول من روج لهذه الفریة ، ثم أخذها عنه ابن سعد والطبری وغیرهم).

ونقل فی ص93 نقد القرضاوی فی کتابه کیف نتعامل مع السنة النبویة ، وجاء فیه: (ومعنی هذا أن تفهم السنة فی ضوء القرآن ، ولهذا کان حدیث الغرانیق مردوداً بلا ریب ، لأنه منافٍ للقرآن ). انتهی .

وقال فی ص98: (ولم یروِ ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً. ومهما یکن من أمر فالواقدی هو أصلها. إن ما یدعو للتساؤل هو: کیف أمکن تمریر هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل؟! ). انتهی .

ثم نقل نقد القاضی عیاض فی کتابه الشفا لحدیث الغرانیق سنداً ومتناً .

وکلامهم یشبه بعضه فی تبرئة البخاری من الغرانیق!! ولکن عدداً منهم یعرفون

ص: 211

أن البخاری روی فریة الغرانیق بأکثر من روایة ، وروتها صحاحهم بطرق متعددة ، یکثر فیها الإسناد الصحیح !

غایة الأمر أن البخاری ومن شاکله حذفوا منها إسم الغرانیق وأبقوا سجود النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المزعزم بعد مدحه لأصنام قریش وسجود المشرکین معه ، وقد سموا من زعماء المشرکین الذین سجدوا أمیة بن خلف ، وأبا أحیحة وهو سعید بن العاص! وهم یعرفون أن سجود المشرکین بعد سماع القرآن لم ینقله مصدر علی الإطلاق ، فی أی قصة علی الإطلاق ، إلا قصة الغرانیق !

لذلک من حقنا أن نشک فی أمانة النافین لروایة البخاری والصحاح لها ، کالذین تقدم کلامهم ، وکالفخر الرازی عندما قال فی تفسیره:23/49:

(وأیضاً فقد روی البخاری فی صحیحه أن النبی(ص)قرأ سورة النجم وسجد فیها المسلمون والمشرکون والإنس والجن ، ولیس فیه حدیث الغرانیق ! وروی هذا الحدیث من طرق کثیرة ولیس فیها البتة حدیث الغرانیق) !!

تناقض الفخر الرازی فی حدیث الغرانیق !

وقد بحث الفخر الرازی هذه الفریة فی کتابه عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) وفی تفسیره:23/49 ، فدافع عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونفاها عنه ، ودافع عن البخاری وغیره من صحاحهم ! ثم عاد فی أواخر تفسیره واتهم بها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ص93:

(الشبهة الثانیة:تمسکوا بقوله تعالی:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ إِلاإِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَایُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ. قالوا إن ظاهر الآیة یدل علی أن الشیطان ملقٍ فی قراءة الأنبیاء(علیه السّلام)ما یؤدی إلی الشبهة ، فإذا جوَّزنا ذلک ارتفع الوثوق !

ص: 212

روی أنه(ص)شقَّ علیه ما رأی من مباعدتهم عما جاءهم به ، فتمنی فی نفسه أن یأتیه من الله تعالی ما یقارب بینه وبین قومه ، وذلک لحرصه علی إیمانهم ، فجلس ذات یوم فی ناد من أندیة قریش کثیر أهله ، وأحب یومئذ أن لا یأتیه شئ من الله فینفروا عنه ، وتمنی ذلک فأنزل الله تعالی: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی ، فقرأ رسول الله(ص): أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ، ألقی الشیطان علی لسانه ما کان یحدث به نفسه ویتمناه: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! فلما سمعت قریش ذلک فرحوا ومضی رسول الله(ص)فی قراءته فقرأ السورة کلها وسجد فی آخرها ، فسجد المسلمون وسجد جمیع من فی المسجد من المشرکین ، فلم یبق فی المسجد مؤمن ولاکافر إلا سجد ، إلا الولید بن المغیرة ، وأبو أحیحة سعید بن العاص ، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلی جبهتهما وسجدا علیها ، لأنهما کانا شیخین کبیرین فلم یستطیعا السجود !

وتفرقت قریش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذکر محمد آلهتنا بأحسن الذکر! فلما أمسی رسول الله(ص)أتاه جبریل(علیه السّلام)وقال: ما ذا صنعت؟ تلوت علی الناس ما لم آتک به عن الله ، وقلت ما لم أقل لک ؟! فحزن رسول الله (ص)حزناً شدیداً وخاف من الله خوفاً کثیراً ، فأنزل الله هذه الآیة ) !!

الجواب الذی یدل علی أنه(علیه السّلام)ما غیر ومابدل وجوه خمسة:

الأول: قوله تعالی:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ. الثانی: وَ إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا بَیِّنَاتٍ قَالَ الَّذِینَ لایَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا یَکُونُ لی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا یُوحَی إِلَیَّ. الثالث: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ لِتَفْتَریَ عَلَیْنَا غَیْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوکَ خَلِیلا. وَ لَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شیئاً قلیلاً. الرابع: کَذَلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَکَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِیلا. الخامس: قوله: سَنُقْرِئُکَ فَلا تَنْسَی .

ص: 213

وإذا ثبت ما ذکرناه فلنشرع فی الجواب عن الشبهة فنقول:

التمنی، جاء فی اللغة لأمرین: أحدهما تمنی القلب، والثانی التلاوة ، قال الله تعالی:وَمِنْهُمْ أمِّیُّونَ لایَعْلَمُونَ الْکِتَابَ إِلاأَمَانِیَّ ، أی إلا قراءة...

إذا عرف ذلک فنقول: من المفسرین من حمل الآیة علی تمنی القلب ، والمعنی أن النبی متی تمنی بقلبه بعض ما یتمناه من الأمور یوسوس الشیطان إلیه بالباطل ویدعوه إلی ما لاینبغی ، ثم إن الله تعالی ینسخ ذلک ویبطله ، ویأتیه بما یرشده إلی ترک الإلتفات إلی وسوسته.

وهذا ضعیف ، لأنه لوکان کذلک لم یکن مایخطر بباله فتنة للکفار ، وذلک یبطله قوله تعالی: لِیَجْعَلَ مَایُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِید.. الآیة: فثبت أن المراد بالتمنی القراءة ، ثم اختلف الذاهبون إلی هذا التأویل علی وجوه....

فإن قلت: لعله قد ذکر ذلک استفهاماً علی سبیل الإنکار ؟

قلت: هب أنه کذلک لکن قراءته فی أثناء قراءة القرآن مع کونه علی ذلک الوزن توهم کونه منه ، فیعود المحذور المذکور.

أما السهو فغیر جائز أیضاً ، لأنه لو جاز وقوع السهو هاهنا لجاز فی غیره وحینئذ ترتفع الثقة بالشرع ! ولأن الساهی لایجوز أن یقع منه مثل هذه الألفاظ مطابقة لوزن هذه السورة وطریقتها ومعناها ، فإنا نعلم بالضرورة أن واحداً لو أنشد قصیدة لما جاز أن یسهو حتی یتفق فیه بیت شعر فی وزنها ومعناها وطریقتها.

الثالث، أن یکون الشیطان أجبر النبی(ص)علی التکلم ، وهذا أیضاً فاسدٌ لوجوه ثلاثة......

الخامس ، أن المتکلم بذلک بعض الکفرة ، فإنه علیه الصلاة والسلام لما انتهی

ص: 214

من قراءة هذه السورة إلی هذا الموضع وذکر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته أنه یعیبها ، فقال بعض من حضر من الکفار:تلک الغرانیق العلا ، فاشتبه علی القوم ، لأنهم کانوا یلغطون عند قراءته ویکثرون من الکلام طلباً لتغلیطه وإخفاء قراءته. وممکن أن یکون أیضاً فی الصلاة لأنهم کانوا یقربون منه فی حال الصلاة ویسمعون قراءته ویلغون فیها ، وقیل: إنه علیه الصلاة والسلام کان إذا تلا القرآن علی قریش توقف فی فصول الآیات ، فألقی بعض الحاضرین ذلک الکلام فی تلک الواقعات فتوهم القوم أنه من قراءته علیه الصلاة والسلام ، ثم أضاف الله ذلک إلی الشیطان لأنه بوسوسته حصل ، أو لأنه جعل ذلک المتکلم شیطاناً.....

ولقائل أن یقول: إذا جوزتم أن یتکلم الشیطان فی أثناء کلام الرسول علیه الصلاة والسلام بما یشتبه علی کل السامعین حتی یظنوه کلاماً لرسول الله (ص)

بقی هذا الإحتمال فی کل ما یتکلم به الرسول(ص)فتفضی إلی ارتفاع الوثوق عن کل الشرع !

الجواب: أن ذلک الإحتمال قائم ، ولکنه لو وقع لوجب فی حکمة الله تعالی أن یشرح الحال فیه کما فی هذه الواقعة إزالة للتلبیس.....

السادس، أن المراد بالغرانیق الملائکة ، وقد کان ذلک قرآنا منزلاً فی وصف الملائکة ، فلما توهم المشرکون أنه یرید آلهتهم نسخ الله تلاوته ) !!. انتهی.

والتهافت فی دفاع االرازی واضح ، فقد نفی أولاًأن یکون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غیَّر أو بدَّل فی قراءته فقال:(الجواب الذی یدل علی أنه(علیه السّلام)ماغیَّر ومابدَّل...)، لکنه عاد وفسر آیة:ألْقَی الشَّیْطَان فِی أمْنِیَّتِه ، بذلک ! وضعَّف الإحتمالات التی تنزه النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو سکت عنها ، کالوجه الخامس الذی استفاده من الشریف المرتضی!

ص: 215

أما فی تفسیره الکبیر ، فقد بدأ قویاً فی استدلاله ، لکنه ضعف فی ختام کلامه ، وعاد إلی تبنی اتهام قومه القرشیین للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وینبغی أن تعرف أن الفخر الرازی قرشئ تیمی ، من عشیرة أبی بکر وقیل من ذریته !

قال فی الجزء 23/49: ( المسألة الثانیة: ذکر المفسرون فی سبب نزول هذه الآیة أن الرسول(ص)لما رأی إعراض قومه عنه وشق علیه ما رأی من مباعدتهم عما جاءهم به

تمنی....الی آخر ما ذکره فی کتاب العصمة ، ثم قال:

هذا روایة عامة المفسرین الظاهریین ، أما أهل التحقیق فقد قالوا هذه الروایة باطلة موضوعة واحتجوا علیه بالقرآن والسنة والمعقول.

أما القرآن فوجوه...وأورد الآیات المتقدمة وغیرها ، ثم قال:

وأما السنة فهی ما روی عن محمد بن إسحاق بن خزیمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة ، وصنف فیه کتاباً.

وقال الإمام أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی: هذه القصة غیر ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ یتکلم فی أن رواة هذه القصة مطعون فیهم .

وأیضاً فقد روی البخاری فی صحیحه أن النبی(ص)قرأ سورة النجم وسجد فیها المسلمون والمشرکون والإنس والجن ، ولیس فیه حدیث الغرانیق. وروی هذا الحدیث من طرق کثیرة ولیس فیها البتة حدیث الغرانیق. وأما المعقول فمن وجوه:

أحدها: أن من جوز علی الرسول(ص)تعظیم الأوثان فقد کفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعیه کان فی نفی الأوثان .

وثانیها: أنه(علیه السّلام)ما کان یمکنه فی أول الأمر أن یصلی ویقرأ القرآن عند الکعبة آمناً أذی المشرکین له حتی کانوا ربما مدوا أیدیهم إلیه وإنما کان یصلی إذا لم

ص: 216

یحضروها لیلاً أو فی أوقات خلوة وذلک یبطل قولهم

وثالثها: أن معاداتهم للرسول کانت أعظم من أن یقروا بهذا القدر من القراءة دون أن یقفوا علی حقیقة الأمر فکیف أجمعوا علی أنه عظم آلهتهم حتی خروا سجداً مع أنه لم یظهر عندهم موافقته لهم .

ورابعها: قوله: فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ ، وذلک لأن إحکام الآیات بإزالة ما یلقیه الشیطان عن الرسول أقوی من نسخه بهذه الآیات التی تبقی الشبهة معها ، فإذا أراد الله إحکام الآیات لئلا یلتبس ما لیس بقرآن قرآناً ، فبأن یمنع الشیطان من ذلک أصلاً ، أولی .

وخامسها: وهو أقوی الوجوه أنا لو جوزنا ذلک ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا فی کل واحد من الأحکام والشرائع أن یکون کذلک ویبطل قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ ، فإنه لا فرق فی العقل بین النقصان عن الوحی وبین الزیادة فیه. فبهذه الوجوه عرفنا علی سبیل الإجمال أن هذه القصة موضوعة. أکثر ما فی الباب أن جمعاً من المفسرین ذکروها ، لکنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لایعارض الدلائل النقلیة والعقلیة المتواترة...). انتهی.

أقول: إلی هنا یبدو الرازی منسجماً ، فقد وافق محمد بن إسحاق صاحب السیرة علی أن القصة فریةٌ من وضع الزنادقة القرشیین علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه مدحَ أصنامهم وسجد لها ، وسجد معه القرشیون ، وکل من فی المسجد !

لکن الرازی دخل مدخلاً صعباً فی الدفاع عن البخاری وبقیة مصادرهم التی روتها بطرق متعددة وصححتها ! وادعی أن البخاری لم یرو حدیث الغرانیق ، مع أنه رواه وحذف منها إسم الغرانیق ، کما رأیت !

ص: 217

ثم دخل الرازی مدخلاً أصعب فی تفسیر قوله تعالی:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) ، لأنه اقتفی أثر مفسری السلطة القرشیة وحبس نفسه بتفسیر أُمْنِیَّتِهِ بذهن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقراءته للقرآن !

بینما التمنی أمر ذهنی ، لکن الأمنیَّة قد تکون ذهنیة ، وقد تکون خارجیة ، وهی فی الآیة خارجیة ، وإلقاء الشیطان إنما هو فی الأمنیَّة الخارجیة ، ولیس فی ذهن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

ونلاحظ أن کلام الرازی الطویل بلا طائل ، فقد قال:

(ولنشرع الآن فی التفصیل فنقول التمنی جاء فی اللغة لأمرین: أحدهما: تمنی القلب والثانی: القراءة )...

ثم أخذ فی تعداد الإحتمالات علی تفسیر الأمنیة بالقراءة ، وردها جمیعاً فقال: (فهذه الوجوه المذکورة فی قوله تلک الغرانیق العلا قد ظهر علی القطع کذبها ، فهذا کله إذا فسرنا التمنی بالتلاوة. وأما إذا فسرناها بالخاطر وتمنی القلب فالمعنی أن النبی(ص)متی تمنی بعض ما یتمناه من الأمور یوسوس الشیطان إلیه بالباطل ویدعوه إلی ما لا ینبغی ، ثم إن الله تعالی ینسخ ذلک ویبطله ویهدیه إلی ترک الإلتفات إلی وسوسته ، ثم اختلفوا فی کیفیة تلک الوسوسة علی وجوه.... واختار منها الرابع ، وختم بقوله:

(ورابعها: معنی الآیة إذا تمنی إذا أراد فعلاً مقرباً إلی الله تعالی ألقی الشیطان فی فکره ما یخالفه فیرجع إلی الله تعالی فی ذلک وهو کقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ. وکقوله: وأما یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ .

ومن الناس من قال لایجوز حمل الأمنیة علی تمنی القلب لأنه لو کان کذلک

ص: 218

لم یکن ما یخطر ببال رسول الله(ص)فتنة للکفار وذلک یبطله قوله تعالی: لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ. والجواب: لایبعد أنه إذا قوی التمنی اشتغل الخاطر به فحصل السهو فی الأفعال الظاهرة بسببه فیصیر ذلک فتنة للکفار. فهذا آخر القول فی هذه المسألة ). انتهی.

وبذلک ختم الرازی بتبنی الفریة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه یتمنی فیلقی الشیطان فی ذهنه فینشغل به خاطره ، فیحصل له السهو فی أفعاله ، فیکون ذلک فتنة!!

فأین صار استنکاره لفریة الغرانیق ، وأنها من وضع الزندقة ؟!

بل صرح فی تفسیره:32/141 ، بنسبة الکفر إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو یعدد الفوائد لکلمة"قل" فی(قُلْ یَا أَیُّهَا الْکَافِرُونَ) قال:

(الحادی والثلاثون: کأنه تعالی یقول: یا محمد ألست أنت الذی قلت: من کان یؤمن بالله وبالیوم الآخر فلا یوقفن مواقف التهم ، وحتی أن بعض المشایخ قال لمریده الذی یرید أن یفارقه: لاتخاف السلطان قال: ولم ؟ قال: لأنه یوقع الناس فی أحد الخطأین ، وأما أن یعتقدوا أن السلطان متدین ، لأنه یخالطه العالم الزاهد ، أو یعتقدوا أنک فاسق مثله ، وکلاهما خطأ ، فإذا ثبت أنه یجب البراءة عن موقف التهم فسکوتک یا محمد عن هذا الکلام یجر إلیک تهمة الرضا بذلک ، لاسیما وقد سبق أن الشیطان ألقی فیما بین قراءتک:تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی ، فأزل عن نفسک هذه التهمة و: قُلْ یَا أَیُّهَا الْکَافِرُونَ لاأَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) ! انتهی.

فأین حملة الفخر الرازی علی الزنادقة واضعی فریة الغرانیق ، ونصه علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یغیِّر فی سورة النجم ولم یبدِّل؟!!

نعوذ بالله من هذه الفریة علی سید الموحدین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، التی بلغ من تأکید

ص: 219

مصادرهم علیها أنها أوقعت الفخر الرازی وهو العالم المتبحر والفیلسوف المتضلع فی هذا التهافت المشین ، فنقض ما کتبه بیمینه فی الجزء الثالث والعشرین ،وعمی عن أن سورة الکافرون نزلت بالإتفاق قبل سورة النجم !

قال الزرکشئ فی البرهان:1/193:(أول مانزل من القرآن بمکة إقرأ بإسم ربک، ثم والقلم ، ثم یاأیها المزمل ، ثم المدثر ، ثم تبت یدا أبی لهب ، ثم إذا الشمس کورت ، ثم سبح اسم ربک الأعلی ، ثم واللیل إذا یغشی، ثم والفجر، ثم والضحی ، ثم ألم نشرح ، ثم والعصر ، ثم والعادیات ، ثم إنا أعطیناک الکوثر ، ثم ألهاکم التکاثر ، ثم أرأیت الذی ، ثم قل یأیها الکافرون ، ثم سورة الفیل ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أحد ، ثم والنجم إذا هوی ، ثم عبس وتولی...). انتهی.(راجع فهرست ابن الندیم/28، وتفسیر المیزان للطباطبائی:13/233)

هذا ، وسوف نلقی مزیداً من الضوء عل تفسیر آیة: أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ ، فی فصل العصمة فی القرآن ، إن شاء الله تعالی .

القاضی عیاض أکثر علماء السنة اعتدالاً فی عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال فی الشفا بتعریف حقوق المصطفی:2/123:

(فصل:وأما أقواله(ص)فقد قامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة علی صدقه وأجمعت الأمة فیما کان طریقه البلاغ أنه معصوم فیها من الأخبار عن شئ منها بخلاف ما هو به. لا قصداً ولا عمداً ، ولا سهواً ولا غلطاً .

أما تعمد الخلف فی ذلک فمنتف بدلیل المعجزة القائمة مقام قول الله صدق فیما قال ، اتفاقاً ، وبإطباق أهل الملة إجماعاً .

وأما وقوعه علی جهة الغلط فی ذلک ، فبهذه السبیل عند الأستاذ أبی إسحاق الإسفرائینی ومن قال بقوله.

ص: 220

ومن جهة الإجماع فقط وورود الشرع بانتفاء ذلک وعصمة النبی لامن مقتضی المعجزة نفسها عند القاضی أبی بکر الباقلانی ومن وافقه ، لاختلاف بینهم فی مقتضی دلیل المعجزة ، لا نطول بذکره فنخرج عن غرض الکتاب .

فلنعتمد علی ما وقع علیه إجماع المسلمین أنه لایجوز علیه خلف فی القول إبلاغ الشریعة والإعلام بما أخبر به عن ربه وما أوحاه إلیه من وحیه ، لا علی وجه العمد ولا علی غیر عمد ، ولا فی حالی الرضا والسخط والصحة والمرض ، وفی حدیث عبد الله بن عمرو قلت: یا رسول الله أأکتب کل ما أسمع منک ؟ قال: نعم ، قلت: فی الرضی والغضب؟ قال: نعم فإنی لا أقول فی ذلک کله إلا حقاً.

ولنزد ما أشرنا إلیه من دلیل المعجزة علیه بیاناً: فنقول إذا قامت المعجزة علی صدقه وأنه لا یقول إلا حقاً ولا یبلغ عن الله إلا صدقاً وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له صدقت فیما تذکره عنی ، وهو یقول إنی رسول الله إلیکم لأبلغکم ما أرسلت به إلیکم ، وأبین لکم ما نزل علیکم: وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی.إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی. وقَدْ جَاءَکُمُ

الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّکُمْ. وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. فلا یصح أن یوجد منه فی هذا الباب خبر بخلاف مخبره علی أی وجه کان ، فلو جوزنا علیه الغلط والسهو لما تمیز لنا من غیره ولاختلط الحق بالباطل !

فالمعجزة مشتملة علی تصدیقه جملة واحدة من غیر خصوص ، فتبرئة النبی(ص)عن ذلک کله واجب ، برهاناً وإجماعاً ، کما قاله أبو اسحاق .

فصل: وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنین سؤالات:

منها ما روی من أن النبی(ص)لما قرأ سورة والنجم: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ، قال: تلک الغرانیق العلی ، وإن شفاعتها لترتجی. ویروی

ص: 221

ترتضی ، وفی روایة إن شفاعتها لترتجی وإنها لمع الغرانیق العلی. وفی أخری والغرانقة العلی تلک الشفاعة ترتجی ، فلما ختم السورة سجد وسجد معه المسلمون والکفار لمَّا سمعوه أثنی علی آلهتهم !

وما وقع فی بعض الروایات أن الشیطان ألقاها علی لسانه وأن النبی(ص) کان یتمنی أن لو نزل علیه شئ یقارب بینه وبین قومه. وفی روایة أخری أن لاینزل علیه شئ ینفرهم عنه ، وذکر هذه القصة ، وأن جبریل(علیه السّلام)جاءه فعرض علیه السورة فلما بلغ الکلمتین قال له: ماجئتک بهاتین ! فحزن لذلک النبی(ص)فأنزل الله تعالی تسلیة له: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ..الآیة وقوله: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ..الآیة.

فاعلم أکرمک الله أن لنا فی الکلام علی مشکل هذا الحدیث مأخذین: أحدهما فی توهین أصله ، والثانی علی تسلیمه.

أما المأخذ الأول ، فیکفیک أن هذا حدیث لم یخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سلیم متصل ! وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بکل غریب ، المتلقفون من الصحف کل صحیح وسقیم ، وصدق القاضی بکر بن العلاء المالکی حیث قال: لقد بلی الناس ببعض أهل الأهواء والتفسیر وتعلق بذلک الملحدون، مع ضعف نقلته واضطراب روایاته وانقطاع إسناده واختلاف کلماته ، فقائل یقول إنه فی الصلاة ، وآخر یقول قالها فی نادی قومه حین أنزلت علیه السورة ، وآخر یقول قالها وقد أصابته سِنة ، وآخر یقول بل حدَّث نفسه فیها ، وآخر یقول إن الشیطان قالها علی لسانه وأن النبی(ص)لما عرضها علی جبریل قال ما هکذا أقرأتک ، وآخر یقول بل أعلمهم الشیطان أن النبی(ص)قرأها ، فلما بلغ النبی(ص)ذلک قال: والله ما هکذا نزلت..

ص: 222

إلی غیر ذلک من اختلاف الرواة .

ومن حُکیت هذه الحکایة عنه من المفسرین والتابعین ، لم یسندها أحد منهم ولا رفعها إلی صاحب ! وأکثر الطرق عنهم فیها ضعیفة واهیة، والمرفوع فیه حدیث شعبة ، عن أبی بشر ، عن سعید بن جبیر ، عن ابن عباس قال: فیما أحسب الشک فی الحدیث أن النبی(ص)کان بمکة وذکر القصة .

قال أبو بکر البزار: هذا الحدیث لانعلمه یروی عن النبی(ص)باسناد متصل یجوز ذکره إلا هذا ، ولم یسنده عن شعبة إلا أمیة بن خالد ، وغیره یرسله عن سعید بن جبیر ، وإنما یعرف عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عباس. فقد بین لک أبو بکر(رحمه الله) أنه لایعرف من طریق یجوز ذکره سوی هذا ، وفیه من الضعف ما نبه علیه ، مع وقوع الشک فیه کما ذکرناه ، الذی لایوثق به ولاحقیقة معه.

وأما حدیث الکلبی فمما لا تجوز الروایة عنه ولا ذکره ، لقوة ضعفه وکذبه کما أشار إلیه البزار(رحمه الله) .

والذی منه فی الصحیح أن النبی(ص)قرأ والنجم وهو بمکة ، فسجد معه المسلمون والمشرکون والجن والإنس ). انتهی.

وینبغی أن نحسن الظن بالقاضی عیاض بأنه لم یطلع علی الطرق والأسانید الکثیرة لحدیث الغرانیق ، لکن العجب أنه أورد ما رواه البخاری فی الصحیح ، وهرب منه ولم یعلق علیه بشئ! فهل غاب علیه أن ما رواه البخاری هو حدیث الغرانیق بعینه وذاته ، وأنه لم یُرْوَ سجود المشرکین مع المسلمین فی غیره أبداً ؟!

ثم تابع القاضی عیاض توهین حدیث الغرانیق من جهة دلالته فقال:

(هذا توهینه من طریق النقل، فأما من جهة المعنی فقد قامت الحجة وأجمعت

ص: 223

الأمة علی عصمته(ص)ونزاهته عن مثل هذه الرذیلة ، إما من تمنیه أن ینزل علیه مثل هذا من مدح آلهةٍ غیر الله ، وهو کفر ! أو أن یتسور علیه الشیطان ویشبِّه علیه القرآن حتی یجعل فیه ما لیس منه ویعتقد النبی(ص)أن من القرآن ما لیس منه حتی ینبهه جبریل(علیه السّلام)وذلک کله ممتنع فی حقه(ص)! أو یقول ذلک النبی(ص)من قبل نفسه عمداً وذلک کفر! أو سهواً وهو معصوم من هذا کله ! وقد قررنا بالبراهین والإجماع عصمته (ص)من جریان الکفر علی قلبه أولسانه لاعمداً ولا سهواً ، أو أن یتشبه علیه ما یلقیه الملک مما یلقی الشیطان ، أو یکون للشیطان علیه سبیل أو أن یتقول علی الله لاعمداً ولاسهواً ما لم ینزل علیه ، وقد قال الله تعالی:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیل ، الآیة. وقال تعالی: إِذاً

لأَذَقْنَاکَ ضِعْفَ الْحَیَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ. الآیة .

ووجه ثان، وهو استحالة هذه القصة نظراً وعرفاً ، وذلک أن هذا الکلام لو کان کما روی لکان بعید الإلتئام متناقض الأقسام ، ممتزج المُدح بالضم ، متخاذل التألیف والنظم ، ولما کان النبی(ص)ولا من بحضرته من المسلمین وصنادید المشرکین ممن یخفی علیه ذلک ! وهذا لا یخفی علی أدنی متأمل ، فکیف بمن رجح حلمه ، واتسع فی باب البیان فصیح الکلام علمه.

ووجه ثالث، أنه قد علم من عادة المنافقین ومعاندی المشرکین وضَعَفَة القلوب والجَهَلة من المسلمین نفورهم لأول وهلة ، وتخلیط العدو علی النبی(ص) لأقل فتنة ، وتعییرهم المسلمین والشماتة بهم الفیْنَة بعد الفینة ، وارتداد من فی قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنی شبهة ، ولم یَحْکِ أحدٌ فی هذه القصة شیئاً سوی هذه الروایة الضعیفة الأصل ، ولو کان ذلک لوجَدَت قریش بها علی المسلمین الصولة ، ولأقامت بها الیهود علیهم الحجة کما فعلوا مکابرةً فی قصة الإسراء ،

ص: 224

حتی کانت فی ذلک لبعض الضعفاء ردة، وکذلک ما روی فی قصة القضیة(صلح الحدیبیة)،ولافتنة أعظم من هذه البلیة لو وجدت ، ولاتشغیب للمعادی حینئذ أشد من هذه الحادثة لو أمکنت .

فما روی عن معاند فیها کلمة ، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة ، فدل علی بطلها واجتثاث أصلها ، ولاشک فی إدخال بعض شیاطین الإنس أو الجن هذا الحدیث علی بعض مغفلی المحدثین لیلبسن به علی ضعفاء المسلمین !

ووجه رابع، ذکر الرواة لهذه القضیة أن فیها نزلت: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ.. الآیتین وهاتان الآیتان تردان الخبر الذی رووه ، لأن الله تعالی ذکر أنهم کادوا یفتنونه حتی یفتری ، وأنه لولا أن ثبته لکاد یرکن إلیهم ، فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالی عصمه من أن یفتری وثبته حتی لم یرکن إلیهم قلیلاً ، فکیف کثیراً! وهم یروون فی أخبارهم الواهیة أنه زاد علی الرکون والإفتراء بمدح آلهتهم وأنه قال(ص):(افتریت علی الله وقلتُ ما لم یُقل) وهذا ضد مفهوم الآیة ، وهی تضعف الحدیث لو صح ، فکیف ولا صحة له ؟! ). انتهی.

ثم ذکر عیاض الوجوه التی ذکرها علماؤهم لتوجیه حدیث الغرانیق ، وضعَّف أکثرها ، وبذلک تنزَّل وفتح الباب لاحتمال صحته ، وهو أضعف الإیمان !

غرانیق قریش یتصیدها بروکلمان ومونتغمری

انتقد الباحث السودانی عبدالله النعیم فی کتابه: الإستشراق فی السیرة النبویة- (نشرالمعهد العالمی للفکر الإسلامی1417) استغلالَ المستشرقین لروایة الغرانیق، ونقل فی ص51 افتراءَ المستشرق بروکلمان وقوله عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (ولکنه علی ما یظهر اعترف فی السنوات الأولی من بعثته بآلهة الکعبة الثلاث اللواتی کان مواطنوه

ص: 225

یعتبرونهن بنات الله ، وقد أشار إلیهن فی إحدی الآیات الموحاة إلیه بقوله: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترجی... ثم ما لبث أن أنکر ذلک وتبرأ منه فی الیوم التالی ) !!

ونقل فی ص96 عن المستشرق مونتغمری وات قوله: (تلا محمد الآیات الشیطانیة باعتبارها جزءً من القرآن ، إذ لیس من المتصور أن تکون القصة من تألیف المسلمین أو غیر المسلمین ، وإن انزعاج محمد حینما علم بأن الآیات الشیطانیة لیست جزءً من القرآن ، یدل علی أنه تلاها ، وأن عبادة محمد بمکة لاتختلف عن عبادة العرب فی نخلة والطائف (محلتان لأصنام قریش) ولقد کان توحید محمد غامضاً ، ولاشک أنه یعد اللات والعزی ومناة کائنات سماویة أقل من الله). انتهی.

ومع أن المستشرقین لایحتاجون إلی الروایات الموضوعة لیتمسکوا بها ، فهم یکذبون علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی مصادرنا جهاراً نهاراً ، لکن المؤسف أن تحفل مصادر السنیین وفی طلیعتها البخاری بالإفتراءات علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کقصة الغرانیق ، وقصة ورقة بن نوفل ، وغیرهما من القرشیات المخالفة للعقل ، فتقدِّم للمستشرقین مادةً ومستمسکاً للطعن فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والقرآن والإسلام !

ملاحظات علی قصة الغرانیق

1- لعل فریة الغرانیق أعظم فریة تضمنتها مصادر الحدیث السنیة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من بین أکثر من ثلاثین فریة علیه بأنه شک فی نبوته ، وأنه خالف أوامر ربه ، وتحیز لأقربائه ، وأنه کان یهتم بالأغنیاء ویعبس فی وجه الفقراء ، أو اتهمته بسلوک مشین ! وقد تعرضنا لأکثرها فی المجلد الرابع من کتاب الإنتصار .

2- من المفارقات الواضحة فی روایاتهم أن سورة النجم التی اتهموا النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه تعمد فی قراءتها الکفر ومدح الأصنام وسجد لها ، أو أن الشیطان قالها

ص: 226

علی لسانه ، أو أنه نسی وأثَّر علیه الشیطان ففعل ذلک ! هی السورة التی نص الله تعالی فی مطلعها علی عصمة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عصمة مطلقة بمستوی لم یبلغه نبی ولا رسول آخر(علیهم السّلام) ! قال تعالی: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی. مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَی. وَمَایَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی .إِنْ هُوَإِلا وَحْیٌ یُوحَی. عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی.

فکأنهم تعمدوا وضع فریة الغرانیق فی سورة نصت علی العصمة الشاملة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تکذیباً صریحاً للقرآن لیقولوا: بل نطق عن الهوی وکفر ، وسجد للأصنام تقرباً لقریش ! فوبخه الله وتسامح معه وتاب علیه !!

3- لا بد علی زعمهم أن یکون جبرئیل قد تأخر فی توبیخ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أیاماً عدیدة حتی انتشر خبر کفر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسجوده للأصنام فی مکة ، ووصل الخبر إلی الحبشة ففرح المسلمون المهاجرون بالحل السلمی مع قریش ! وعاد قسم منهم إلی مکة ، فوجدوا نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عاد إلی التوحید وکفَر بالأصنام بعد أن وبخه جبرئیل(علیه السّلام)، وأن قریشاً عادت إلی عدائها له ، فرجعوا أدراجهم إلی الحبشة !

وقد تندر الأخ الباحث السید جعفر مرتضی علی ذلک فقال فی الصحیح من السیرة:3/146: (وقولهم إن هذه القضیة قد کانت بعد شهرین من الهجرة إلی الحبشة نقول فیه: إنهم یقولون إن عودة مهاجری الحبشة قد کانت بعد شهرین أیضاً ، فهل وصل إلیهم الخبر بالتلکس ، أو بالتلفون ، وهل جاؤوا بالطائرة ، أم بالصواریخ؟! إلا أن یکون المراد أنهم بدأوا بالتوجه نحو مکة بعد شهرین من هجرتهم ، وإن کان هذا بعیداً عن ظاهر اللفظ .

وکذا قولهم إنه لما عرض(صلّی الله علیه و آله وسلّم )السورة علی جبرئیل وقرأ الفقرتین أنکرهما جبرئیل فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قلت علی الله ما لم یقل ! فأنزل الله: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ ، نقول فیه إن الخطاب فی الآیة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن الناس کادوا یفتنونه مع أن الروایة تنص

ص: 227

علی أن الشیطان هو الذی کاد أن یفتنه.. إلی غیر ذلک من موارد الضعف والوهن والتناقض التی یمکن تلمسها فی هذا المجال). انتهی.

4- لیت الفخر الرازی وعیاضاً وابن کثیر والقرضاوی ، وغیرهم من الذین ردوا حدیث الغرانیق لمخالفته للقرآن والعقل ، یتمسکون بهذا الدلیل لرد غیره من المکذوبات المخالفة للقرآن مما وضعه منافقوا قریش وروجته الخلافة القرشیة ورواتها ، ولم یعدوها من الأحادیث الصحیحة أو الموثقة !!

قال الطباطبائی فی تفسیر المیزان:14/396 ، عن روایة الغرانیق:

( الروایة مرویة بطرق عدیدة عن ابن عباس وجمع من التابعین ، وقد صححها جماعة منهم الحافظ ابن حجر ، لکن الأدلة القطعیة علی عصمته (صلّی الله علیه و آله وسلّم )تکذب متنها وإن فرضت صحة سندها فمن الواجب تنزیه ساحته المقدسة عن مثل هذه الخطیئة ، مضافاً

إلی أن الروایة تنسب إلیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أشنع الجهل وأقبحه فقد تلی: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی، وجهل أنه لیس من کلام الله ولا نزل به جبریل ، وجهل أنه کفر صریح یوجب الإرتداد وداوم علی جهله حتی سجد وسجدوا فی آخر السورة ، ولم یتنبه ثم داوم علی جهله حتی نزل علیه جبریل وأمره أن یعرض علیه السورة فقرأها علیه وأعاد الجملتین ، وهو مصر علی جهله حتی أنکره علیه جبریل ، ثم أنزل علیه آیة تثبت نظیر هذا الجهل الشنیع والخطیئة الفضیحة لجمیع الأنبیاءوالمرسلین(علیهم السّلام) وهی قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ إلا إذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ ، وبذلک یظهر بطلان ما ربما یعتذر دفاعاً عن الحدیث بأن ذلک کان سبقاً من لسان دفعةً بتصرف من الشیطان سهواً منه وغلطاً من غیر تفطن ! فلا متن الحدیث علی ما فیه من تفصیل الواقعة ینطبق علی هذه المعذرة ، ولا دلیل العصمة یجوز مثل هذا السهو والغلط.

ص: 228

علی أنه لو جاز مثل هذا التصرف من الشیطان فی لسانه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بإلقاء آیة أو آیتین فی القرآن الکریم ، لارتفع الأمن عن الکلام الإلهی فکان من الجائز حینئذ أن یکون بعض الآیات القرآنیة من إلقاء الشیطان ، ثم یلقی نفس هذه الآیة وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ ، الآیة ، فیضعه فی لسان النبی وذکره فیحسبها من کلام الله الذی نزل به جبریل کما حسب حدیث

الغرانیق کذلک ، فیکشف بهذا عن بعض ما ألقاه وهو حدیث الغرانیق ستراً علی سائر ما ألقاه. أو یکون حدیث الغرانیق من کلام الله وآیة وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ ، الخ ، وجمیع ما ینافی الوثنیة من کلام الشیطان ، ویستر بما ألقاه من الآیة وأبطل من حدیث الغرانیق علی کثیر من إلقاءاته فی خلال الآیات القرآنیة ، وبذلک یرتفع الاعتماد والوثوق بکتاب الله من کل جهة ، وتلغو الرسالة والدعوة النبویة بالکلیة ، جلت ساحة الحق من ذلک). انتهی.

5- من الحیل اللفظیة التی استعملها رواة قریش ، أنهم حاولوا تغطیة طعنهم بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقالوا إنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سجد بعد أن أکمل قراءة سورة النجم ، وکأنه سجد لله وللأصنام معاً !! وهذه بعض نصوصهم:

(فقال: وإنهن لهن الغرانیق العلی ، وإن شفاعتهن لهی التی ترتجی ، فکان ذلک من سجع الشیطان وفتنته ، فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک بمکة وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم ، سجد وسجد کل من حضر من مسلم ومشرک ، ففشت تلک الکلمة فی الناس ، وأظهرها الشیطان حتی بلغت أرض الحبشة ، فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلک... ) .

وفی بعضها: (ألقی الشیطان علی لسانه: وهی الغرانیق العلی، شفاعتهن ترتجی ،

ص: 229

فلما فرغ من السورة سجد ، وسجد المسلمون والمشرکون إلا أبا أحیحة سعید بن العاص ، فإنه أخذ کفاًّ من تراب فسجد علیه ، وقال: قد آن لابن أبی کبشة أن یذکر آلهتنا بخیر، فبلغ ذلک المسلمین الذین کانوا بالحبشة أن قریشاً قد أسلمت فأرادوا أن یقبلوا ، واشتد علی رسول الله(ص)وعلی أصحابه ما ألقی الشیطان علی لسانه ، فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبی.. الآیة ). انتهی. (راجع أیضاً مجمع الزوائد: 6/32 و: 7/70 ).

لکن غاب عنهم أن المشرکین کانوا یرفضون السجود لله تعالی کما قال عنهم: وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَاالرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَاتَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً. فلا بد أن یکون سجودهم علی أثر مدحه لآلهتهم ، وهو فی الثلث الأول للسورة بعد الآیة العشرین منها. وبما أن السورة اثنتان وستون آیة ، وسیاقها متتابع ، فلا یمکن أن نجمع بین سجود النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والمشرکین معاً ، وبین قولهم إنه صبر حتی أکمل السورة فسجد لله تعالی وحده ، أو لله وللأصنام معاً !!

6- بناءً علی قصتهم المزعومة ، لابد أن یکون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ترک آیات ذم اللات والعزی ومناة فی سورة النجم ولم یقرأها یومئذ ، وهی قبل آیات الغرانیق المزعومة وبعدها ، فکانت جریمته حذف آیات کثیرة واستبدالها بآیات الغرانیق الشیطانیة ! فلا یعقل أنَّ یکون زعماء قریش فرحوا وسجدوا عند مدح أصنامهم ، ثم سمعوه یقرأ بقیة السورة ، وکلها هجوم کاسح علیهم ؟!

7- ینبغی الإلفات هنا إلی أن اللات والعزی ومناة أسماء مؤنثة ، زعمت قریش أنها ملائکة وأن الملائکة إناث ! وقد ردهم الله تعالی فی نفس الآیات:

(أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَی. أَلَکُمُ الذَّکَرُ وَلَهُ الأنثی. تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَی. إِنْ هِیَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ

ص: 230

إلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَی الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَی. أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّی. فَلِلَّهِ الآخرة وَالأولی. وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لاتُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شیئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی. إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الأنثی. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لایُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّی عَنْ ذِکْرِنَا وَلَمْ یُرِدْ إلا الْحَیَوةَ الدُّنْیَا.ذَلِکَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّکَ هُوَأَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَی) ( النجم:19-29)

أما مکان هذه الأصنام الثلاثة ، فقد جاء فی لسان العرب:2/112: (تقول العرب: اللات والعزی وأشباهها من الآلهة المؤنثة) ، وفی:5/378: ( اللات صنم کان لثقیف ، والعزی صنم کان لقریش وبنی کنانة ).

وفی مجمع البحرین:4/151:(اللات والعزی ومناة ، إسم أصنام من حجارة ، کانت فی جوف الکعبة یعبدونها ، فاللات لثقیف وقیل لقریش، والعزی لغطفان ومناة لهذیل وخزاعة ).

وفی التبیان:9/427: ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخری ، أسماءأصنام کانت العرب تعبدها ، والعزی کانت تعبدها غطفان ، وهی شجرة سمرة عظیمة ، واللات صنم کانت ثقیف تعبدها ، ومنات کانت صخرة عظیمة لهذیل وخزاعة کانو یعبدونها ). انتهی.

ویظهر أن هذه الثلاثة کانت مفضلة عند قریش ومعها غیرها من قبائل العرب ، وأن بعض هذه الأصنام کان خارج مکة ، لکن لها ثلاثة تماثیل عند الکعبة أو داخلها، وروی أن الأصنام حول الکعبة وعلی سطحها کانت أکثر من ثلاث مئة، وکانت قریش اکثر تمسکاً بالعزی من بینها ! ففی أمالی الطوسی:1/316 ، عن ابن عباس قال: وقف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی قتلی بدر فقال:جزاکم الله من عصابة شراً !

ص: 231

لقد کذَّبتمونی صادقاً ، وخوَّنتمونی أمیناً. ثم التفت إلی أبی جهل بن هشام فقال: إن هذا أعتی علی الله من فرعون ! إن فرعون لما أیقن بالهلاک وَحَّدَ الله ، وهذا لما أیقن بالهلاک دعا باللات والعزی ) !! (ومثله فی مجمع الزوائد:6/91 ) .

وفی مجمع الزوائد:6/21: (وعن رجل من بنی مالک بن کنانة قال: رأیت رسول الله(ص)بسوق ذی المجاز یتخللها یقول: یا أیها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، قال وأبو جهل یحثی علیه التراب ویقول: لایغوینکم هذا عن دینکم فإنما یرید لتترکوا آلهتکم وتترکوا اللات والعزی ، وما یلتفت إلیه رسول الله ! قلت: إنعت لنا رسول الله (ص)، قال: بین بردین أحمرین ، مربوع ، کثیراللحم ، حسن الوجه شدید سواد الشعر ، أبیض شدید البیاض ، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح ). انتهی.

8- نزلت سورة الإسرا ء فی مکة ، ودلت علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یتعرض لضغط المشرکین ، وأن الله تعالی ثبته وعصمه من الوقوع تحت تأثیرهم ، ولم تشر إلی أنه کان یتعرض لضغط الشیطان وتأثیره ، قال تعالی: ( وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنَا غَیْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوکَ خَلِیلاً. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شیئاً قَلِیلاً. إِذًا لاذَقْنَاکَ ضِعْفَ الْحَیَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاتَجِدُ لَکَ عَلَیْنَا نَصِیرًا). (الإسراء:73-75)

کما أنها تضمنت تهدیداً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إن هو غیَّر فی القرآن وتقوَّل علی ربه.

وفی المقابل ، تقول قصة الغرانیق إن الله لم یثبت نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإنه خضع لضغوط قریش ولتأثیر الشیطان ، فکفر بعد إیمانه ، ومدح الأصنام ، وافتری علی ربه ! فالسؤال: لماذا لم یعاقبه ربه ، ولا أذاقه ضعف الحیاة وضعف الممات؟! وهل هذا إلا نقضٌ لمصداقیة القرآن واتهامٌ لله تعالی بأنه تراجع عن تهدیده؟!

ص: 232

9- نزلت سورة الحاقة فی المدینة المنورة ، وفیها قوله تعالی: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیم. وَمَا هُوَبِقَوْلِ شَاعِرٍ قلیلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلابِقَوْلِ کَاهِنٍ قلیلاً مَا تَذَکَّرُونَ. تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ. وَلَوْ تَقَوَلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ. لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ .فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أحد عَنْهُ حَاجِزِینَ ). (الحاقّة:40-47)

فمن حق المسلم فی المدینة أن یسأل أین مصداقیة هذا الکلام وقد کفر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتقوَّل علی ربه وافتری علیه أعظم فریة ، وغیَّر فی القرآن ومدح الأصنام ، فلم یأخذ منه بالیمین ولاقطع منه الوتین، بل اکتفی بتوبیخه وسامحه وتاب علیه ! بل أعطاه الأجر العظیم الذی یستحقه الأنبیاء(علیهم السّلام) لتوبتهم من کفرهم ومعاصیهم کما یزعم ابن تیمیة !!

وهکذا تستوجب قصة الغرانیق مضافاً إلی طعنها بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الطعن بالله تعالی وتکذیب العدید من الآیات ، ولیس ما ذکرناه إلا نموذجین منها .

10- فی السیرة والتاریخ عدة مفردات حول اللات والعزی تضئ لنا خلفیة الفریة القرشیة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وتکشف أن قبائل قریش تبنَّتْ عبادة اللات والعزی فی مقابل خط الأحناف من بنی إسماعیل ، وحتی فی مقابل الکعبة ! وأن عبد المطلب جد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان متشدداً فی رفض أصنامهم والتمسک بحنیفیة إبراهیم (علیه السّلام). ففی معجم البلدان:3/226: (وقال أبو المنذر: وکانت قریش قد حمت للعزی شعباً من وادی حراض یقال له سُقام یضاهون به حرم الکعبة ) !!

وفی:4/185: (وقیل: الغَبْغَب: هو الموضع الذی کان یُنحر فیه للات والعزی بالطائف ، وخزانة ما یهدی إلیهما بها.... قال أبو المنذر: وکان للعزی منحر ینحرون فیه هدایاهم ، یقال له الغبغب ) .

وفی تاریخ دمشق:16/232: من حدیث خالد بن سعید بن العاص ، عن أبیه الذی

ص: 233

هو من کبار زعماء قریش ، قالت روایة الغرانیق إنه أخذ کفاً من حصی وسجد علیه ، قال خالد للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (أیْ رسول الله ، الحمد لله الذی أکرمنا بک وأنقذنا من الهلکة ، ولقد کنت أری أبی یأتی إلی العزی بحَتْرةٍ مائة من الإبل والغنم فیذبحها للعزی ، ویقیم عندها ثلاثاً ثم ینصرف إلینا مسروراً ! فنظرت إلی ما مات علیه أبی ، وذلک الرأی الذی کان یعاش فی فضله کیف خدع حتی صار یذبح لحجر لایسمع ولایبصر ولایضر ولاینفع ! فقال رسول الله(ص):إن هذا الأمر إلی الله ، فمن یسَّرَهُ للهدی تیسر ، ومن یُسِّر للضلالة کان فیها ) .

وذکر الدکتور شوقی ضیف فی تاریخ الأدب العربی ص41 (دارالمعارف المصریة) أن المنذر بن ماء السماء ملک المناذرة المعاصر لعبد المطلب ، وهو أعظم ملک وثنی فی العرب ، أسَرَ ابن الحارث بن شمر ملک الغساسنة النصرانی فی حرب ضروس بین المناذرة والغساسنة ، فذبحه قرباناً للعزی !!

وهو یعطینا ضوءاً علی نذر عبد المطلب(رض)إن رزقه الله عشرة أولاد أن یذبح أحدهم قرباناً للکعبة ، أی لرب الکعبة عز وجل، تعزیزاً لدین جده إبراهیم (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ورداً علی قریش وعلی عمل المنذر فی تعزیزهم مکانة صنم العزی !

ومما یدل علی مکانة اللات والعزی عند القرشیین غیر بنی هاشم ، أن شعارهم فی الحرب ، وتعاقدهم ، وقسمهم الرسمی ،کان باسمها:

ففی طبقات ابن سعد:2/42: (ونادی المشرکون بشعارهم یا للعزی یا لهبل ! وأوجعوا فی المسلمین قتلاً ذریعاً ، وولی من ولی منهم یومئذ وثبت رسول الله (ص)ما یزول ، یرمی عن قوسه حتی صارت شظایا ). انتهی.

کما تعاقدت قریش علی قتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بإسم اللات والعزی ، ففی مستدرک الحاکم:1: 163، وصححه: (عن ابن عباس قال دخلت فاطمة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 234

وهی تبکی فقال: یابنیة ما یبکیک قالت: یا أبت مالی لا أبکی وهؤلاء الملأ من قریش فی الحجر یتعاقدون باللات والعزی ومناة الثالثة الأخری ، لو قد رأوک لقاموا إلیک فیقتلونک ، ولیس منهم رجل إلا وقد عرف نصیبه من دمک...الخ.). (ورواه أحمد وصححه الهیثمی فی الزوائد:8 /228 )

وقد بقیت عادة القسم باللات والعزی علی ألسنة القرشیین حتی بعد إسلامهم! فقد روی ابن ماجه:1/678،أن سعد بن أبی وقاص قال للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):حلفت باللات والعزی فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، ثم انفث عن یسارک ثلاثاً ، وتعوَّذ ولا تَعُد). انتهی.(ورواه أبو داود فی:2/90 ، والترمذی:3/ 46 وص51 ، والنسائی: 7/7 ، وأحمد:1/ 183 و186 و:2/ 309 ، والبیهقی:1/ 149 و:10/30 ، ومالک فی المدونة: 2/108ونحوه البخاری:6/51 و: 7/97 وص144 وص222و223 ومسلم:5/81 وص82 ).

وبهذا نفهم کُرْهَ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للات والعزی بأنه مضافاً إلی کونه عصمة إلهیة ، فهو موروثٌ من أسرته الحنیفیة ، وقد انفردت مصادرنا بروایة بغض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لأصنام قریش ، دون مصادرهم ! ففی کمال الدین وتمام النعمة:1/184، فی خبر بحیری الراهب: ( قال بحیری: یاغلام أسألک عن ثلاث خصال بحق اللات والعزی إلا ما أخبرتنیها. فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ذکر اللات والعزی وقال: لاتسألنی بهما فوالله ما أبغضت شیئاً کبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومی!

فقال بحیری: هذه واحدة ، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتنی ، فقال: سل عما بدا لک فإنک قد سألتنی بإلهی وإلهک الذی لیس کمثله شئ ، فقال: أسألک عن نومک ویقظتک ، فأخبره عن نومه ویقظته وأموره وجمیع شأنه ، فوافق ذلک ما عند بحیری من صفته التی عنده ، فانکب علیه بحیری فقبل رجلیه وقال: یا بنی ما أطیبک وأطیب ریحک ، یا أکثر النبیین أتباعاً...). انتهی.

ص: 235

ص: 236

الفصل الثامن : عمر عندهم معصوم وأفضل من جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) !

اشارة

ص: 237

ص: 238

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصوم نظریاً ، وأبو بکر وعمر معصومان عملیاً !

یقول أتباع المذاهب السنیة إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصوم فی تبلیغ الرسالة فقط ، دون بقیة سلوکه العام ، وسلوکه الشخصی ! لکن هذا الکلام نظری فقط ! لأن مصادرهم الصحیحة تزعم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ارتکب أخطاء عدیدة فی سلوکه الشخصی والعام ، وحتی فی تبلیغ الرسالة ! وأن بعض أخطائه کان یصححها له جبرئیل (علیه السّلام) ، وبعضها کان یصححها له عمر بن الخطاب فیؤیده الوحی !

أما أهل بیت النبی وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، علیٌّ وفاطمة والحسن والحسین(علیهم السّلام) ، فهم لا یروْن عصمتهم ، ویقولون إن لهم فضائل کما لهم أخطاء ، ولایعترفون بأنهم معیَّنون من الله تعالی أوصیاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأئمة للأمة ، بل یؤوِّلون الآیات والأحادیث التی تدل علی عصمتهم وإمامتهم(علیهم السّلام) ، ویجعلون درجة علی(علیه السّلام) رابع الصحابة ، لأنه کان الخلیفة الرابع ! وأکثرهم یفضل علیه أبا بکر وعمر وعثمان ، وقد یفضلون عائشة علی فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)...الخ.

فالصحابة عندهم هم الأصل بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأفضل من جمیع أجیال الأمة ،وعنهم یتلقَّوْن دینهم ، ولایهتمون بالرأی المخالف لهم ، بل یعتبرونه خطاً أو انحرافاً عن الإسلام ، حتی لو کان صادراً من أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

ص: 239

وقد وصل بهم الأمر إلی أنهم یقرنون الصحابة بالنبی فی الصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقد یحذفون منها الصلاة علی آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، مع أنهم رووا فی أصح صحاحهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علَّمَهم الصلاة علیه ، وأمرهم أن یقرنوا به آله(علیهم السّلام) فقط !

مقولة عدالة الصحابة سیاجٌ لعصمة أبی بکر وعمر !

وعندما تراهم أو تسمعهم یقولون(الصحابة) ، فلا تتصور أنهم یقصدون المئة ألف شخص وأکثر ، الذین رأوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأطلقوا علیهم إسم (الصحابة) !

بل علیک أن تعرف باطن کلامهم وأنهم لایقصدون إلا أربعة رجال منهم فقط: أبا بکر وعمر وعثمان ومعاویة ، ومَن وافقهم ، ومعهم امرأتان: عائشة وحفصة ، ومن وافقهما ! ولایُدخلون معهم حتی أهل بیت النبوة علیاً وفاطمة والحسن والحسین(علیهم السّلام) ، مع أنهم أهل بیت وصحابة !

فباقی الصحابة إنما یقبلونهم بشرط أن یوافقوا هؤلاء الستة ، ولا عبرة بقولهم جمیعاً إن خالفوا الستة ، بل لا عبرة بقولهم جمیعاً إن خالفوا عمر وحده !

ولا یقول السنیون نظریاً بعصمة هؤلاء الصحابة الستة. لکن ما قیمة الکلام النظری وهم عملیاً یقولون بعصمتهم کمجموع ، بل بعصمة عمر وأبی بکر خاصة ، والدلیل البسیط علی ذلک أنهم لایقبلون أن یوجه الیهما أی نقد ! ویصححون أفعالهما وأقوالهما بکل وسیلة حتی فی مقابل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

بل یغالون فیحکمون بضلال من ینتقدهما ، أو بکفره !

یشعر أتباع الخلافة القرشیة بأنهم مجبورون علی القول بعصمة الشیخین ! لأن عدالة الصحابة لاتکفیهم لإثبات قداستهما ، لأنها سیف ذو حدین !

ص: 240

کما أن حدیث(أصحابی کالنجوم) الذی یحتج به علماؤهم فی علومهم المختلفة ، رغم تضعیفهم له ، سیفٌ ذو حدین ! إذ یکفی بموجبه أن یقتدی المسلم بأی صحابی ویأخذ منه دینه وخطه السیاسی ، لأنه نجمٌ ربانی جعله الله دلیلاً لعباده ! فیحق للمسلم أن یرفض خلافة قریش وخلفائها ، ویقتدی بالذین رفضوا سقیفتها واتهموا أبا بکر وعمر بالخیانة ، ولم یبایعوهما إلا مجبرین ، کسعد بن عبادة ، فهو صحابی وزعیم أنصار الله ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهم صحابة وعترة ! لکن هذا نقضٌ لغرضهم فی تربیة الناس علی تقدیس الشیخین أبی بکر وعمر !

إنهم لایریدون عدالة الصحابة من أجل ذاتها ، ولا من أجل الصحابة ، بل من أجل عصمة أبی بکر وعمر بالخصوص ، ولا کرامة لمن خالفهما !

فکل ما تراه من تأکیدهم علی عدالة الصحابة ، إنما هو تمهید وسیاج لعقیدة عصمة عمر وأبی بکر لیس إلا !

اضطرارهم لتضییق سیاج الصحابة بأهل بدر وبیعة الرضوان !

بعد أن أعطوا کل الصحابة صفة العدالة ، وهم أکثر من مئة ألف ، وهو أمر غیر معقول ، قاموا بخطوة فی تحدید السیاج الذی أرادوه لأبی بکر وعمر ، فضیقوا الدائرة وقالوا إن مقصودنا بالصحابة العدول المشهود لهم بالجنة ، وهم أهل بدر وأهل بیعة الشجرة ، وعددهم ألفٌ وأربع مئة کما فی البخاری !

قال البخاری فی:5/62: (عن البراء....کنا مع النبی(ص)أربع عشرة مائة ، والحدیبیة بئر فنزحناها فلم نترک فیها قطرة ، فبلغ ذلک النبی(ص) فأتاها فجلس علی شفیرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ، ثم مضمض ودعا ، ثم صبه فیها ،

ص: 241

فترکناها غیر بعید ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن ورکابنا ). انتهی.

وروی فی:5/63 ، عن ابن أبی أوفی أنهم ألف وثلاث مئة. وروی فی:4/19، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال فی قصة حاطب بن بلتعة ، الذی خان المسلمین وکتب إلی المشرکین بأنهم ینوون غزو مکة: (إنه شهد بدراً ، وما یدریک لعل الله أن یکون قد اطلع علی أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم)! وکرره فی:4/38 ، و39 ، وفی: 5/89 , وفی: 6/60 ، و:7/134، و: 8/55.

وروی فی:5/10: (فقال ألیس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم ، فقد وجبت لکم الجنة أو فقد غفرت لکم) ، ونحوه فی: 7/97 .

وصححوا حدیث مسلم:7/169، فی قصة حاطب أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: (لا یدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد ، الذین بایعوا تحتها). وروی مسلم أن حفصة اعترضت فنهرها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، و(أن عبداً لحاطب جاء رسول الله (ص) یشکو حاطباً فقال: یا رسول الله لیدخلنَّ حاطبٌ النار ! فقال رسول الله (ص): کذبت لا یدخلها ، فإنه شهد بدراً والحدیبیة ). انتهی.

وبهذا ضیقوا دائرة الصحابة إلی نحو ألف وخمس مئة ، لأن أهل بدر ضمن أهل الحدیبیة ، ورفعوا علماً لذلک آیة: (لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً) (الفتح:18) وجعلوها شعاراً ودثاراً فی الدفاع عنهم ، لکنه دفاع بالمحال ، لأن هذه الآیة کغیرها من الآیات متحفظة جداً ، ولا إطلاق فیها ، لا فی الأشخاص ، ولا فی الزمان ! فلو کان مقصوده عز وجل الإطلاق لما قیدها بقیدین فاستعمل کلمة (المؤمنین) وکلمة (إذ) ولقال: لقد رضی الله عن الذین یبایعونک تحت الشجرة !

فلما لم یقل ذلک وقال: لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ..فمعناه وجود غیر مؤمنین

ص: 242

فیهم ، وأن رضاه عن المؤمنین منهم محدود بظرف (إذْ) وهو زمن البیعة !

لکنهم اتخذوا قراراً بالدفاع عن هذا السیاج ، لأن النیل من أهل بدر والحدیبیة یعنی انهیار آخر خطوط الدفاع عن أبی بکر وعمر وعثمان !

کما تراهم عندما یحتاج الأمر یوسعون السیاج ، کما فعلوا فی مواجهة حملة المسلمین علی یزید بن معاویة: قال التفتازانی فی شرح المقاصد:5/310:

( فإن قیل: فمن علماء المذهب من لایجوِّز اللعن علی یزید ، مع علمهم بأنه یستحق ما یربو علی ذلک ویزید .

قلنا: تحامیاً علی أن یرتقی إلی الأعلی فالأعلی ، کما هو شعار الروافض ، علی ما یروی فی أدعیتهم ، ویجری فی أندیتهم ، فرأی المعتنون بأمر الدین إلجام العوام بالکلیة ، طریقاً إلی الإقتصاد فی الإعتقاد ). انتهی .

فهذا التوسیع قانون من السلطة وعلمائها له قوة الدین ! (فرأی المعتنون بأمر الدین إلجام العوام بالکلیة) !

عصمة عمر عندهم أعلی من عصمة جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام)

قال البخاری فی صحیحه:4/96: (استأذن عمر علی رسول الله(ص)وعنده نساء من قریش یکلمنه ویستکثرنه ، عالیة أصواتهن ، فلما استأذن عمر قمن یبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله(ص)ورسول الله یضحک ، فقال عمر: أضحک الله سنک یا رسول الله؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتی کنَّ عندی فلما سمعنَ صوتک ابتدرنَ الحجاب ! قال عمر: فأنت یا رسول الله کنت أحق أن یَهَبْنَ ، ثم قال: أیْ عدوات أنفسهن ، أتهبننی ولا تهبنَ رسول الله؟ قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله(ص) ! قال رسول الله(ص): والذی نفسی بیده مالقیک الشیطان قط سالکاً فجَّاً إلا سلک فجاً غیر فجِّک). ( وکرره البخاری فی:4/199و:7/93) .

ص: 243

وما دام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر عن ربه بفرار الشیطان من عمر وعدم تأثیره علیه ، فهو معصومٌ من کل أنواع الذنوب ! بل هو أفضل من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! لأنهم رووا أن شیطان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معه لایهرب منه ، وأنه خاض معه صراعاً فأعانه الله علیه !!

قال النووی فی شرح مسلم:15/165: (الفج الطریق الواسع، ویطلق أیضاً علی المکان المنخرق بین الجبلین. وهذا الحدیث محمولٌ علی ظاهره أن الشیطان متی رأی عمر سالکاً فجّاً هرب هیبة من عمر ، وفارق ذلک الفج وذهب فی فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن یفعل فیه شیئاً ! قال القاضی: ویحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشیطان وإغوائه منه ، وأن عمر فی جمیع أموره سالک طریق السداد ، خلاف ما یأمر به الشیطان. والصحیح الأول). (والدیباج:5/380) .

وقال ابن حجر فی فتح الباری:7/38: ( قوله: إلا سلک فجاً غیر فجک. فیه فضیلة عظیمة لعمر ، تقتضی أن الشیطان لاسبیل له علیه ، لا أن ذلک یقتضی وجود العصمة ، إذ لیس فیه إلا فرار الشیطان منه أن یشارکه فی طریق

یسلکها ، ولا یمنع ذلک من وسوسته له بحسب ما تصل إلیه قدرته .

فإن قیل: عدم تسلیطه علیه بالوسوسة یؤخذ بطریق مفهوم الموافقة ، لأنه إذا منع من السلوک فی طریق فأولی أن لایلابسه بحیث یتمکن من وسوسته له ، فیمکن أن یکون حُفِظَ من الشیطان ، ولا یلزم من ذلک ثبوت العصمة له ، لأنها فی حق النبی واجبة ، وفی حق غیره ممکنة .

ووقع فی حدیث حفصة عند الطبرانی فی الأوسط بلفظ أن الشیطان لا یلقی عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه ، وهذا دل علی صلابته فی الدین ، واستمرار حاله علی الجد الصرف والحق المحض). ثم نقل کلام النووی ، وفی آخره: (والأول أولی ، بدل: والصحیح الأول)! انتهی. وهو تحریف من أجل التخفیف !

ص: 244

لقد رأی ابن حجر أن حدیث البخاری یجعل عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فأراد أن یخفف من وقعه فزعم أن ذلک لایستلزم العصمة ، وأن فرار الشیطان منه لایمنع أنه یحاول الوسوسة له من بعید بعید وهو هارب منه!

ثم اعترف بأن فراره منه ینفی إمکانیة وسوسته أصلاً ، وقد روی هو وقبله أن الشیطان یخرُّ لوجهه إذا لقی عمر ! ومع ذلک تحایل فی التأویل وقال هی عصمة جائزة وعصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واجبة !

ولیس ذلک إلا تلاعباً بالألفاظ من أجل عمر ، فالعصمة الجائزة أو المستحبة التی اخترعوها عصمةٌ أکمل وأفضل من عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن الشیطان یفر من صاحبها ویخر لوجهه من رؤیته ، بینما لا یفر من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا یخر علی وجهه !!

فهل رأیت کیف عَصَرَ علماء الخلافة القرشیة أدمغتهم من أجل عمر ، فجعلوا النبوة قسمین: نبوة واجبة علی الله تعالی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ونبوة ممکنة قررها الله تعالی لعمر فوصل الیه مضمونها ، وکادت تصل رسمیاً: (لوکان بعدی نبی لکان عمر) !

وجعلوا العصمة قسمین: عصمة واجبة علی الله للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وعصمة ممکنة أو مستحبة لله لعمر ، وقالوا إن الله تعالی أتقن عمله المستحب أکثر من عمله الواجب فتدخل لمصلحة عمر وخصَّه بأن الشیطان یهرب منه ویخرُّ لوجهه إذا لقیه ، ولم یتدخل لمصلحة خاتم انبیائه وسید رسله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل ترکه یغالب شیطان وسلطه علیه حتی فی صلاته !

قال ابن القیم فی زاد المعاد:1/268: (والصحیح عن النبی(ص)أنه کان یشیر فی صلاته ، رواه أنس وجابر وغیرهما. وکان(ص)یصلی وعائشة معترضة بینه وبین القبلة فإذا سجد غمزها بیده فقبضت رجلیها وإذا قام بسطتهما .

وکان(ص)یصلی فجاءه الشیطان لیقطع علیه صلاته ، فأخذه فخنقه حتی سال

ص: 245

لعابه علی یده ). انتهی.

وأفتی به سید سابق فی فقه السنة وهو کتاب موجه لأهل المذاهب الأربعة:1/265 وصححه محمد ناصر الألبانی فی تمام المنة ص304 ، فقال: (وقد صح أن الشیطان أراد أن یفسد علی النبی(ص)صلاته ، فمکنه الله منه وخنقه ، حتی وجد برد لعابه بین إصبعیه ، وقال: والله لولا دعوة أخینا سلیمان لأصبح موثقاً یلعب به أهل المدینة. والقصة فی مسلم:2/73 ، وعبد الرزاق:2/24/2338 ) ، وأحمد:1/413 و3/82 و5/104 و105 ، والطبرانی فی الکبیر:2/224 و227 و251 ، عن غیر واحد من الصحابة بألفاظ متقاربة. أنظر صفة الصلاة ( 74 ). انتهی .

وفی هذه الأحادیث المزعومة فضیلة لسلیمان(علیه السّلام)وأن الله تعالی جعل الشیطان طلیقاً بدعوته ، فمنع نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من القبض علیه وتحویله إلی لعبة لصبیان المدینة ! ولعل هذه الکرامة لسلیمان(علیه السّلام)لأنه نبی الیهود !

ومن محاولاتهم فی تهدئة خواطر المسلمین لتفضیل عمر علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ما نقله الصالحی وارتضاه ، قال فی سبل الهدی:11/275: ( قال الکرمانی: إن قلت: یلزم أن یکون أفضل من أیوب ونحوه ، إذ قال: مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ؟ قلت: لا، إذ الترکیب لایدل إلا علی الزمن الماضی ، وذلک أیضاً مخصوص بحال الإسلام فلیس علی ظاهره ، وأیضاً هو مقید بحال سلوک الطریق ، فجاز أن یلقاه علی غیر تلک الحالة. وقال القاضی عیاض: ویحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشیطان وأعوانه من عمر ، وأنه لا سبیل له علیه ، أی إنک إذا سلکت فی أمر بمعروف أو

نهی عن منکر تنفذ فیه ولا تترکه ، فلیس للشیطان أن یوسوس فیه فیترکه ، ویسلک غیره ، ولیس المراد بالطریق علی الحقیقة، لأنه تعالی قال:إِنَّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ

ص: 246

لاتَرَوْنَهُمْ فلا یخافه إذا لقیه فی فج ، لأنه لا یراه). انتهی .

یقصد الکرمانی وعیاض أن حدیث فرار الشیطان من عمر لا یجعله أفضل من نبی الله أیوب(علیه السّلام)الذی مسه الشیطان ! لأن الحدیث لا یشمل مرحلة عبادة عمر للأصنام وهی أکثر من أربعین سنة ! ولایشمل عمر إذا لم یسلک طریقاً ، ففرار الشیطان منه محدود فی الزمان وفی الحالة ! ففیه فتحة لأن یکون أیوب أفضل منه ! وهو جواب هزیل کما تری ، لأن عصمة عمر قبل الإسلام لیست محل بحث ، وحدیثهم المدعی لیس فیه حصْرُ فرار الشیطان منه فی حالة سلوکه فجاً ، بل فیه إطلاق لکل حالات عمر ، بل هو یخرَّ علی وجهه بزعمهم بمجرد رؤیته !

وهذا کله لعب بالألفاظ ، فلو قلنا لمن یرید حصر فرار الشیطان منهم بسلوک عمر فجاً: هل تقبل بأن الشیطان یمس عمر إذا لم یسلک فجاً ؟ لقامت قیامته!

من ناحیة أخری فإن عیاضاً أو غیره عندما یقولون إن فرار الشیطان من عمر محصور بما إذا سلک فجاً بأمر بمعروف أو نهی عن منکر ، فماذا یبقون من سلوکه لم تشمله العصمة ؟! بل ماذا یبقون للأنبیاء(علیهم السّلام) من سلوک یتمیزون به علی عمر ، وجِلُّ سلوکهم أو کلُّه عبارة عن أمر بمعروف ونهی عن منکر ، وفی کله لایهرب منهم الشیطان کما یهرب من عمر !

إنها محاولات تهدئة وتغطیة ، عن عمد ، وأحیاناً عن سذاجة وبلادة ، حتی لایصرخ المسلم: ماذا فعلتم بهذا الحدیث؟! لقد طعنتم فی أنبیاءالله جمیعاً(علیهم السّلام) وصادرتم نبوتهم ، ورفعتم درجة عمر فوق درجتهم(علیهم السّلام) !!

المشکلة أنهم اخترعوا حدیثاً یفضل عمر علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ورأوا أنهم تورطوا فیه ! فأخذوا یتکلفون لغرض تحدیده وتقلیصه بقدر یریدونه

ص: 247

باللعب بالألفاظ ، لیجعلوا عمر بعد الأنبیاء(علیهم السّلام) مباشرة !

وکیفَ یمکنهم ذلک وقد فسروا قوله تعالی: (وَمَا

أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ). (الحج:52) فسروه بالأمنیة فی القلب لا فی تحققها فی الخارج کما نفسره نحن؟!

قالوا إن الشیطان یمس جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ویتسلط علیهم جزئیاً حتی فی تبلیغهم لرسالة ربهم ! ولا شک أن الذی یهرب منه الشیطان ویخرُّ علی وجهه إذا شاهده ، أفضل من جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) الذین یمسهم ویلقی فی قلوبهم الکفر والمعصیة !

أما نحن فنقول حاشا لله أن یسلط الشیطان علی قلوب أنبیائه وأذهانهم(علیهم السّلام) ،ولیس معنی(إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ) أنه یلقی فی قلب النبی وتفکیره ، بل یلقی فی أذهان الناس فی الأمر الذی تتحقق به أمنیة النبی(علیه السّلام) ! فالأمنیة هنا بمعناها الخارجی العملی ولیس الذهنی !

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندهم أضعف من عمر أمام شیطانه !

روی القرشیون عن النبی المصطفی المظلوم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن شیطانه قویٌّ لایهرب منه إذا رآه ، بل یرافقه دائماً ولا یخاف منه ، بل یأتیه بصورة جبرئیل ویؤثر علیه !

وقد رأیت اختراعهم فریة الغرانیق علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن الشیطان تسلَّطَ علیه حتی کفَرَ معاذ الله ، وغیَّرَ نَصَّ القرآن المنزل علیه ، ومدح أصنام قریش بأنها الغرانیق العلی أی الطیور المحلِّقة فی السماء ، وسجد لها !

قال العلامة مرتضی فی الصحیح من السیرة:2/305:(ومن الطعن فی النبوة أیضاً.... قولهم: إنه قد کان للنبی(ص) عدو من شیاطین الجن یسمی الأبیض، کان یأتیه فی صورة جبرئیل ، ولعله هو الشیطان الذی أعانه الله علیه فأسلم کما یقولون. (السیرة الحلبیة:1/253 ، راجع: إحیاء علوم الدین:3/171 وفی هامشه عن مسلم ، والغدیر:11/91 عنه ،

ص: 248

والمواهب اللدنیة:1/202 ، ومشکل الآثار:1/30 ، وحیاة الصحابة:2/ 712 عن مسلم وعن المشکاة ص280 والمحجة البیضاء:5 /302/303 ).

وشیطانه هذا الذی أسلم ، کان یجری منه مجری الدم. (مشکل الأثار:1/30) .

وکان یدعو الله بأن یُخْسِئ شیطانه ، فلما أسلم ذلک الشیطان ترک ذلک !

ورووا أنه عرض للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی صلاته قال: فأخذتُ بحلقه فخنقته ، فإنی لأجد بَرْدَ لسانه علی ظهر کفی ! (مسند أبی یعلی:1/506 و360 ومسند أبی عوانة:2/143 والسنن الکبری:2/264 ومسند أحمد:2/298 وأخرجه البخاری فی مواضع من صحیحه ، وثمة مصادر کثیرة أخری وراجع الغدیر:8/95 ).

ویروون أیضاً أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد صلی بهم الفجر فجعل یهوی بیدیه قدامه ، وهو فی الصلاة ، وذلک لأن الشیطان کان یلقی علیه النار لیفتنه عن الصلاة ! ( المصنف:2/24 ، وراجع: البخاری ط. سنة 1309:1/137 ، و:2/143 ).

ونقول: ونحن لانشک فی أن هذا کله من وضع أعداء الدین ، بهدف فسح المجال أمام التشکیک فی النبوة وفی الدین الحق....

وقد أخذه بعض المسلمین لربما بسلامة نیة وحسن طویة ، وبلا تدبر أو تأمل ، سامحهم الله وعفا عنهم. والغریب فی الأمر أننا نجدهم فی مقابل ذلک یروون عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قوله لعمر: والذی نفسی بیده ما لقیک الشیطان قط سالکاً فجاً إلا سلک فجاً غیر فجک....!). انتهی. وقد تقدم تصحیح ابن القیم والألبانی لذلک !

ومن تخبط علمائهم فی ترقیع تفضیلهم عمر علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ما قاله الصالحی فی سبل الهدی والرشاد:1/507:

(المحفوظ: إسم مفعول من الحفظ ، وسمی به لأنه محفوظٌ من الشیطان. روی البخاری عن أبی هریرة أن النبی صلی صلاة فقال: إن الشیطان عرض لی فشد علیَّ لیقطع الصلاة علیَّ فأمکننی الله منه. وفیه دلیل علی حفظه منه.

ص: 249

فإن قیل: لمَ سُلِّطَ علیه الشیطان أولاً، وهلاَّ کان إذا سلک طریقاً هربَ الشیطان منه کما وقع لعمر بن الخطاب ، فقد روی الشیخان عن سعد بن أبی وقاص أن النبی قال لعمر: مالقیک الشیطان قط سالکاً فجاً إلاسلک فجاً غیره.

الجواب: أنه لما کان رسول الله(ص)معصوماً من الشیطان ومکره ، ومحفوظاً من کیده وغدره ، آمناً من وسواسه وشره ، کان اجتماعه به وهربه منه سیان فی حقه(ص). ولما لم یبلغ عمر هذه الرتبة العلیه والمنزلة السنیة ، کان هرب الشیطان منه أولی فی حقه ، وأیقن لزیادة حفظه ، وأمکن لدفع شره !

علی أنه یجوز أن یحمل الشیطان الذی کان یهرب من عمر غیر قرینه ، أما قرینه فکان لایهرب منه ، بل لایفارقه لأنه وکل به ). انتهی.

وقد وصفناه بالتخبط ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندهم غیر محفوظ من الشیطان ، ویکفی أن تقرأ تفسیرهم لقوله تعالی: (إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ) وإصرارهم علی أن الأمنیة هی قلب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولیست ما تحقق فی الخارج کما نفسرها نحن !

ثانیاً ، إنهم بهذا اللعب بالألفاظ لم یفعلوا شیئاً ، فما داموا یقبلون أن الشیطان یهرب من عمر دون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلن یستطیعوا أن یرتقوا ما فتقوه ! بل هم بذلک ینفون الحکمة والعصمة عن الله تعالی ، حیث عصم عمر التابع ، بأفضل وأقوی مما عصم به النبی المتبوع(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ثالثاً ، لعل الصالحی رأی أنه لا یستطیع أن یجعل مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعلی قلیلاً من مقام عمر أو مساویاً له ، فطرح احتمال أن یکون الشیطان الذی یهرب من عمر غیر الشیطان العام الذی هو القرین ! وهو احتمال هوائی کثیراً ما یلجأ الیه علماء الحکومة القرشیة فی ورطاتهم ، فإن لفظ الشیطان المستعمل فی حدیثهم المزعوم ، والذی یهرب من عمر ، هو نفس لفظه المستعمل فی أنه تسلط علی

ص: 250

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فالمتبادر منهما واحد ! ولا قرینة ولا دلیل علی أن الشیطان الذی یهرب منه شیطان فرعی ! وأن الأصلی لایهرب منه بل یمسه !

والنتیجة: أنه لا طریق لهم إلا أن یعترفوا بکذب (حدیثهم) المزعوم ویفروا ویفروا منه کفرار الشیطان المزعوم من عمر ! ولکنهم لایفعلون لأنه منقبة لعمر ، رواها الشیخان ، ومن أوجب الواجبات علی الأمة أن تعتقد بمناقب عمر العظیمة حتی لو کانت تفضله علی أنبیاءالله تعالی جمیعاً(علیهم السّلام) !

ولک الله یارسول الله ! فقد بخلوا علیک حتی بأن یساووک بعمر !

وزعموا أن الله تعالی یتکلم بلسان عمر !

ولم یکتفوا بمقولة إن الشیطان یهرب من عمر ویخر لوجهه خوفاً منه !

بل وضعوا حدیث إن (الحق) ینطق علی لسان عمر ، أی إن الله تعالی ینطق علی لسانه ! وذلک فی مقابل قوله تعالی عن نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی !

(قال فی فتح الباری:9/397: ولقد کان الحق ینطق علی لسان عمر) !

ولما رأو ذلک غلواً واضحاً خففوه فقالوا: إن الله جعل الحق علی لسانه ! ولکنه بنفس المعنی ، لأن قصدهم منه ومن الذی قبله: الإستمرار والشمول !

ومن سوء توفیقهم أنهم عندما یتحدثون عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یمیِّعون الآیة الصریحة فی عصمته (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهی قوله تعالی:(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی. إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَی) فیکابرون أمام صراحتها فی عصمتة منطقه الشاملة ، واستلزامها عصمة فعله الشاملة (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ویردونها بادعاء عشرات الأخطاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی سلوکه الشخصی والعام ، وحتی فی التبلیغ !

فإذا وصل الحدیث إلی عمر وضعوا له مقابل آیة عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حدیثاً فزعموا أن الحق ینطق علی لسانه ! وتفاخروا به ولم یثبتوا له أخطاء ومعاصی ،

ص: 251

بل تراهم یهاجمون من یذکر له أخطاء ومعاصی ، وقد یکفرونه !

واعجب إن شئت من حجتهم فی ذلک بأن عمر والصحابة أمناء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی تبلیغ الدین للأجیال ، فالطعن فیهم طعن فی الدین ! فیجعلون حصانة الوکیل أعظم من حصانة الأصیل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ هذا لو صحت وکالة الصحابة التی زعموها !

ویجعلون القول بخطأ المبلغ الوکیل حراماً وطعناً فی الدین ، بینما القول بخطأ الأصیل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حلالاً ولیس طعناً فی الدین ؟!

وزعموا أن الملائکة(علیهم السّلام) تُحدث عمر !

کما وضعوا فی مقابل تحدیث الملائکة للنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأطهار ، أن الملائکة تحدث عمر ! وقد تقدم ذلک فی کلام الغزالی ، ورواه البخاری وغیره !

قال السیوطی فی الخصائص:2/219: (باب إخباره بأن عمر من المحدثین. أخرج الشیخان عن عائشة قالت قال رسول الله: کان فی الأمم محدثون فإن یکن فی أمتی أحد فعمر. وأخرج الطبرانی فی الأوسط عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله: إنه لم یبعث الله نبیاً إلا کان فی أمته محدثون ، وإن یکن فی أمتی أحد فهو عمر قالوا: یارسول الله کیف محدث؟ قال: تتکلم الملائکة علی لسانه).

وقال ابن حجر فی شرحه للبخاری:7/40: ( قوله: محدَّثون ، بفتح الدال جمع محدَّث ، واختلف فی تأویله فقیل: ملهم ، قاله الأکثر ، قالوا: المحدَّث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقی فی روعه شئ من قبل الملأ الأعلی ، فیکون کالذی حدثه غیره به ، وبهذا جزم أبو أحمد العسکری.

وقیل: من یجری الصواب علی لسانه من غیر قصد. وقیل مکلم أی تکلمه الملائکة بغیر نبوة. وهذا ورد من حدیث أبی سعید الخدری مرفوعاً ولفظه: قیل یا رسول الله وکیف یحدث قال تتکلم الملائکة علی لسانه. رویناه فی فوائد

ص: 252

الجوهری ، وحکاه القابسی وآخرون. ویؤیده ما ثبت فی الروایة المعلقة ویحتمل رده إلی المعنی الأول أی تکلمه فی نفسه وإن لم یر مکلماً فی الحقیقة فیرجع إلی الإلهام ).

وقال ابن تیمیة فی الرد علی المنطقیین ص513: (فأما درجة السابقین الأولین کأبی بکر وعمر فتلک لایبلغها أحد ! وقد ثبت فی الصحیحین عن النبی(ص)أنه قال: قد کان فی الأمم قبلکم محدثون فإن یکن فی أمتی فعمر ، وفی حدیث آخر: إن الله ضرب الحق علی لسان عمر وقلبه. وقال علیٌ: کنا نتحدث أن السکینة تنطق علی لسان عمر. وفی الترمذی وغیره: لو لم أبعث فیکم لبعث فیکم عمر ، ولو کان بعدی نبی ینتظر لکان عمر ).

وقال فی منهاجه:6/75(وکلام عمر رضی الله عنه من أجمع الکلام وأکمله ، فإنه ملهم محدث ! کل کلمة من کلامه تجمع علماً کثیراً!)! انتهی .

فقد وصلوا فی کلام عمر إلی درجة کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وصار عمر لاینطق عن الهوی إن هو إلا حدیث الملائکة ! والفرق بینهما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع ذلک قد یخطئ فیصحح له عمر ، أما عمر فلایخطئ !

ألفوا مؤلفات فی الأخطاء النبویة والتصحیحات العمریة !

افتروا علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه کان یخطئ وکان عمر یصحح له أخطاءه ویسدده وأنه کان یختلف مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الأمر فیوافقه الله تعالی وینزل الوحی طبق رأی عمر ! وسموا ذلک موافقات عمر ، وقد بحثناها فی المجلد الثانی من کتاب (ألف سؤال وإشکال:2/مسألة 144) ، وقلنا هناک ما مضمونه: إن الوضع الطبیعی للعلاقة بین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعمر أن تکون علاقة مسلم تابع بنبیٍّ متبوع مُطاع ، لکن الثابت أن عمر کان کثیر الإعتراض علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! والتفسیر الصحیح لذلک أنه

ص: 253

خطأ من عمر ، وأن الإعتراض علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصیة أو رد علیه وکلاهما أمرٌ کبیر لأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما قال الله تعالی:وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی.إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی... وَمَاآتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ، وَاتَّقُوا اللهَ ، إِنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ.

لکن عمر ومجبیه خرجوا عن المألوف ، وفسروا اعتراضات عمر بأنه کان دائماً مصیباً ، بینما کان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقع فی الخطأ ! وأن الوحی کان ینزل مؤیداً لرأی عمر منتقداً لرأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، بل کان أحیاناً یوبِّخ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، معاذ الله !!

فکأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندهم رجلٌ ساذج ، یقع فی أخطاء فیصححها له عمر !

وکأن المطلوب أن یثبتوا لعمر فضائل ، ولو بالطعن فی شخصیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

وقد ألفوا فی هذا الطعن المغطی به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کتباً ونظموا أراجیز وسموه (موافقات عمر) ومعناها: موافقات الله تعالی لرأی عمر ، ولو بتخطئة رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

ففی الأعلام:2/63: ( أبو بکر بن زید بن أبی بکر الحسنی الجراعی الدمشقی...

(825-883 ) له.... نفائس الدرر فی موافقات عمر ) .

وفی:3/301: (الجلال السیوطی(849–911) ، وعدَّ من مؤلفاته: قطف الثمر فی موافقات عمر ). وکذا فی کشف الظنون:2/1353 .

وفی:5/302: (...-937ه-) محمد بن إبراهیم بن محمد بن مقبل البلبیسی... صنَّف: شرح نظم الدرر فی موافقات عمر للبدر الغزی ) .

وفی:7/44: (محمد بن جمال الدین عبد الله بن أبی حفص سراج الدین عمر ، من علماء حلب ، ولی قضاءها مرات ، واستقضیَ بدمشق والقاهرة. له کتب منها... الموافقات العمریة للقرآن الشریف ).

وفی معجم المؤلفین:2/22: (أحمد بن النقیب(771-816 ه ) أحمد بن علی بن محمد المقدسی... له الموافقات التی وقعت فی القرآن لعمر بن الخطاب ) .

ص: 254

وفی إیضاح المکنون:1/447:(الدر المستطاب فی موافقات عمر بن الخطاب ، لحامد بن علی بن إبراهیم بن عبد الرحیم العمادی ، المفتی الدمشقی الحنفی المتوفی سنة 1171).

وفی:2/658: (نظم الدرر فی موافقات عمر ، أعنی عمر بن الخطاب رضی الله عنه لبدر الدین محمد بن محمد الغزی ) .

وفی هدیة العارفین:1/497: (ابن البدر الخطیب عبد الباقی بن عبدا لباقی بن عبد القادر بن عبدا لباقی بن إبراهیم بن عمر البعلی الدمشقی.... ولد سنة 1005 وتوفی فی ذی الحجة من سنة1071. من تصانیفه شرح الجامع الصحیح للبخاری لم یکمل. اقتطاف الثمر فی موافقات عمر ) .

وفی:2/233: (محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدر بن عثمان الغزی...توفی سنة935.... من تصانیفه... شرح نظم الدرر فی موافقات عمر... نظم الدرر فی موافقات عمر ). انتهی.

قال ابن حجر فی فتح الباری:1/200: (وروی البزار باسناد حسن ، من حدیث أبی سعید الخدری فی هذه القصة أن النبی(ص)أذن لمعاذ فی التبشیر ، فلقیه عمر فقال: لاتعجل ، ثم دخل فقال: یا نبی الله أنت أفضل رأیاً ، إن الناس إذا سمعوا ذلک اتکلوا علیها ! قال: فَرُدَّهُ ! وهذا معدودٌ من موافقات عمر ، وفیه جواز الإجتهاد بحضرته (ص) !!

وقال فی فتح الباری:7/42: (عن عمرو بن دینار قال: کان ابن عباس یقرأ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِیٍّ،ولا محدث. والسبب فی تخصیص عمر بالذکر لکثرة ما وقع له فی زمن النبی(ص)من الموافقات التی نزل القرآن مطابقاً لها) !!

وفی تحفة الأحوذی:10/125:(فإن یک فی أمتی أحد)أی من المحدثین (فعمر بن

ص: 255

الخطاب) وفی بعض النسخ: یکون عمر بن الخطاب ، والسبب فی تخصیص عمر بالذکر لکثرة ما وقع له فی زمن النبی(ص)من الموافقات التی نزل القرآن مطابقاً لها ، ووقع له بعد النبی(ص)عدة إصابات ). انتهی.

وقال الصالحی فی سبل الهدی والرشاد:3/197:(عن عبادة بن الصامت قال: (بایعنا رسول الله(ص)بیعة النساء وذلک قبل أن تفترض علینا الحرب ، علی ألانشرک بالله شیئاً ، ولانسرق ، ولا نزنی ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتی ببهتان نفتریه من بین أیدینا وأرجلنا ، ولا نعصیه فی معروف...

وقوله: علی بیعة النساء ، یعنی علی وفق ما نزلت علیه بیعة النساء بعد ذلک عام الحدیبیة ، وکان هذا مما نزل علی وفق ما بایع علیه أصحابه لیلة العقبة ، ولیس هذا بعجیب ، فإن القرآن نزل بموافقات عمر بن الخطاب ). انتهی .

وفی تاریخ المدینة لابن شبة:3/859: ( موافقاته رضی الله عنه... قال ابن عمر: ما أنزل الله أمراً قط فقالوا فیه وقال فیه عمر ، إلا نزل القرآن علی نحو ما قال عمر) ! (ورواه أحمد:2/95، والترمذی:5/280 ، وروی عن ابن عمر أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله جعل الحق علی لسان عمر وقلبه ) !

ثم ذکر ابن شبَّه عدداً من موافقات الله تعالی لعمر ، بعضها واضح الکذب ، وبعضها محرَّف ، وفی بعضها تخطئة صریحة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

الی آخر إفراطهم وغلوهم فی عمر ، الذی هو طعن فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لامحالة ! فی مأساة حقیقیة للإسلام ، صنعتها قریش من أجل عمر ، وربت علیها الأجیال !

واخترع الذهبی قاعدة خاصة لعصمة عمر وأبی بکر !

شمس الدین الذهبی(محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الشرکسی) من کبارأئمتهم ، معروف بکثرة مؤلفاته ، وبتشدده فی النقد الرجالی والحدیثی ، لکنه لم

ص: 256

یملک نفسه فی حب عمر وأبی بکر ، فأفتی صراحةً بأن العصمة لا تختص بالأنبیاء(علیهم السّلام) بل تشمل معهم نوعین من الناس هما: أبو بکر الصدیق لتصدیقه بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعمر الفاروق ، لأنه حاکم عادل !

قال فی کتابه (الموقظة فی علم مصطلح الحدیث) ص84 ، بعد أن قسم طبقات أئمة الجرح والتعدیل إلی: الحاد ، والمعتدل ، والمتساهل ، قال ما نصه: (والعصمة للأنبیاء(علیهم السّلام) ، والصدیقین ، وحکام القسط) !! انتهی.

وبذلک أضاف الذهبی من جیبه إلی الأنبیاء(علیهم السّلام) نوعین: الأول ، الصدیقین لیثبت العصمة لأبی بکر. والثانی، حکام القسط لیثبتها لعمر لأنه حاکم عادل !

وإنما قلنا إنه وضع القاعدة من أجلهما خاصة ، لأنهم لایقولون بعصمة کل صدِّیق ، ولا کل حاکم عادل ، وإلا لزم أن یقولوا بعصمة کسری الذی رووا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال فیه (ولدت فی زمن الملک العادل) ! والذهبی نفسه أعطی وصف الملک العادل لمجموعة سلاطین تراکمة وشراکسة مع أنه لایثبت لهم العصمة ، وفیهم رافضی قوی الرفض علی حد قوله، هو رزیک بن طلائع بن رزیک سلطان مصر! قال فی أعلام النبلاء:15/208:(وولی مکانه(طلائع) ولده الملک العادل رزیک وکان ملیح النظم ، قوی الرفض ، جواداً شجاعاً ، یناظر علی الإمامة والقدر )!

کما وصف: تُقَاق بن سلجوق الترکمانی بأنه الملک العادل (أعلام النبلاء:18/243) وکذلک وصف ألب أرسلأن (:18/414)، ونور الدین حاکم الموصل(:20/190)، وعلی بن السلار الکردی(:20/281) ، وأبا بکر بن أیوب الأیوبی(:23/184) ، وطومبای الأول (تذکرة الحفاظ ص7) ، وغیرهم ممن لایراهم معصومین ! فهو إذن یقصد بحکام القسط والعدل عمر وحده !

ص: 257

وغیروا إسم العصمة لإثباتها لعمر وأبی بکر !

اخترعوا للعصمة اسم(الحفظ من الذنوب)لیخففوا علی المسلمین تنقیصهم لمقام نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویستعملوها لأبی بکر وعمر ، کما رأیت أنهم اخترعوا تقسیمها إلی عصمة واجبة للأنبیاء(علیهم السّلام) وجائزة مستحبة لأبی بکر وعمر !

قال ابن نجیم المصری فی البحر الرائق:1/80: (ثبت عن رسول الله(ص) مرسلاً ومسنداً: بینما رسول الله(ص)یصلی بالناس إذ دخل رجل فتردی فی حفرة وکان فی بصره ضرر، فضحک کثیر من القوم وهو فی الصلاة ، فأمر رسول الله(ص)من ضحک أن یعید الوضوء والصلاة. وتمامه فی فتح القدیر. وما قیل بأنه لایظن الضحک بالصحابة خلفه قهقهة ، أجیب عنه بأنه کان یصلی خلفه الصحابیون والمنافقون والأعراب الجهال ، فالضاحک لعله کان بعض الأحداث أو المنافقین ، أو بعض الأعراب لغلبة الجهل علیهم ، کما بال أعرابی فی مسجد النبی(ص). وهو نظیر قوله تعالی: (وترکوک قائماً) فإنه لم یترکه کبار الصحابة باللهو. قال فی العنایة: وهذا من باب حسن الظن بهم رضی الله عنهم ، وإلا فلیس الضحک کبیرة ، وهم لیسوا من الصغائر بمعصومین ولا عن الکبائر ، علی تقدیر کونه کبیرة. ا ه-. والمنقول فی الأصول أن الصحابة عدول فهم محفوظون من المعاصی ) !! انتهی.

وقال ابن حجر فی فتح الباری:1/244: (قال ابن بن المنذر...وتمسکوا بحدیث لایصح ، وحاشا أصحاب رسول الله (ص)الذین هم خیر القرون أن یضحکوا بین یدی الله تعالی خلف رسول الله (ص) ). انتهی .

فاعجب لهم کیف تجاهلوا قوله تعالی: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَیْهَا وَتَرَکُوکَ قائماً قُلْ مَاعِنْدَاللهِ خَیْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَیْرُ الرَّازِقِینَ ، وتجاهلوا الأحادیث المستفیضة التی تقول إن الصحابة قطعوا صلاتهم وترکوا الصلاة وأبا

ص: 258

الصلاة ، ولم یبق مع النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المسجد إلا بضع عشرة ، أوبضعة نفر !

ومع ذلک تراهم یقولون: حاشا أصحاب رسول الله (ص)خیر القرون أن یضحکوا بین یدی الله تعالی ، فهم محفوظون من المعاصی !!

ومن لعبهم بالألفاظ وادعائهم الأدب مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

قولهم فی تحفة الأحوذی فی شرح الترمذی:2/481 ، فی شرح دعاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بالسلامة من کل إثم: (قال العراقی: فیه جواز سؤال العصمة من کل الذنوب ، وقد أنکر بعضهم جواز ذلک ، إذ العصمة إنما هی للأنبیاءوالملائکة(علیهم السّلام) .

قال والجواب: أنها فی حق الأنبیاءوالملائکة واجبة ، وفی حق غیرهم جائزة ، وسؤال الجائز جائز ، إلا أن الأدب سؤال الحفظ فی حقنا لا العصمة ، وقد یکون هذا هو المراد هنا ). انتهی.

یقصد بذلک أنه ینبغی للمسلم لزوم الأدب مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحفظ مقام العصمة الخاص به(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فلا یدعو لنفسه بالعصمة من الذنوب بل بالحفظ منها.

وظاهره حسن أدب مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لکنهم یتنازلون عنه إذا جاء الحدیث عن عمر ویطلقون لهواهم العنان فی عصمته فیجعلونه معصوماً بدرجة أعلی من عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فإذا ناقشتهم قالوا لا بأس بذلک فنحن نراعی الأدب مع النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونحفظ حرمته ومقامه ، ونقول إن عمر محفوظ من الذنوب والمعاصی ، وإن الشیطان کلما رآه صرخ وهرب !!

ص: 259

ومنهم أخذ الصوفیون عصمة الأقطاب وحفظ الأولیاء !

قال الشعرانی فی العهود المحمدیة ص8: ( ولذلک لم یقع الإحتلام إلا من المریدین والعوام دون الأکابر! فإن الأکابر إما معصومون کالأنبیاء، أو محفوظون کالأولیاء ! ثم إن وقع أن أحداً من أکابر الأولیاء احتلام ، فإنما یکون ذلک فی حلیلته من زوجة أو جاریة لا فیما لایحل له ، وسببه غفلته عن تدبیر جسده ، لما هو علیه من الإشتغال بالله عز وجل ، أو أمر المسلمین، کما بلغنا أن عمر بن الخطاب(رض)احتلم فی جاریته ، وقال: قد ابتلینا بهذا الأمر منذ اشتغلنا بأمر المسلمین ) ! انتهی.

یقصد الشعرانی بذلک أن الأکابر مثل عمر وأبی بکر والأقطاب ، یصح أن نستعمل فیهم لفظ العصمة ، لأنهم معصومون کالأنبیاء(علیهم السّلام) ، أما الأولیاء فنقول عنهم إنهم محفوظون من الذنوب ، ولا نقول إنهم معصومون

ویقول الشعرانی إن أکابر الأولیاء لایرون أحلاماً جنسیة لأنهم مستغرقون فی الله تعالی ، أو فی التفکیر أمر المسلمین وقضایاهم ! وإذا حدث ذلک فإنهم یحتلمون بزوجاتهم ، کما حدث لعمر فقد کان کل عمره مستغرقاً فی الله تعالی لایحتلم ، ثم استغرق بأمور المسلمین السیاسیة ، فحدث أن احتلم ذات مرة ، لکن بجاریته ولیس بامرأة أجنبیة !

وقال المقریزی فی فضل آل البیت ص92: (وما تجد فی القرآن عباداً مضافین إلیه سبحانه إلا السعداء خاصة ، وجاء اللفظ فی غیرهم بالعباد ، فما ظنک بالمعصومین المحفوظین منهم ، القائمین بحقوق سیدهم ، الواقفین عند مراسمه وحدوده ، فشرفهم أعلی ، وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام ) .انتهی.

ص: 260

وقال البیومی فی کتابه السیدة فاطمة الزهراء ص82: (وقد ذهب البعض إلی أن آل البیت(یقصدکل ذریة علی وفاطمة(علیهماالسّلام))محفوظون من الکبائر بعنایة الله، فقد فطرهم علی حبه وحب طاعته، والناس معادن خیارهم فی الجاهلیة خیارهم فی الإسلام.

وذهب قوم إلی أن القطب فی کل عصر ، لابد وأن یکون من أهل البیت النبوی الشریف ، وإن رأی أبو العباس کما نقل عنه تلمیذه ابن عطاء ، أن القطب قد یکون من غیرهم ، ولکن قطب الأقطاب لا یکون إلا منهم ، لأنهم أزکی الناس أصلاً وأوفرهم فضلاً ، غیر أن القطب من شأنه غالباً الخفاء وعدم الظهور ، فإذ لم یوجد فی الظاهر من أهل البیت من یصلح للإتصاف بالقطبیة ، حمل علی أنه قام بذلک رجل منهم فی الباطن ، وأما القائم بتجدید الدین فلا بد أن یکون ظاهراً حتی یسیر علمه فی الأفاق ، وینتشر فی الأقطار). انتهی.

رأی التفتازانی: فی عصمة أبی بکر وعمر وعدالة باقی الصحابة !

سعد الدین التفتازانی من کبار العلماء المنظِّرین لمذهب الحکومات القرشیة ،

جاء فی معجم المطبوعات العربیة:1/635: (التفتازانی ، سعد الدین(722-793هجریة) مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدین التفتازانی الهروی الشافعی الخراسانی التفتازانی، نسبة إلی تفتازان بلدة بخراسان ولد فیها ، کان من محاسن الزمان ، لم تر العیون مثله فی الأعلام والأعیان. وهو الأستاذ علی الإطلاق ، والمشار إلیه بالإتفاق. اشتهرت تصانیفه فی الأرض وأتت بالطول والعرض). انتهی.

وکتابه شرح المقاصد من أهم کتبهم الکلامیة المعتمدة ، وقد سجل فیه رأیه فی الصحابة فقال فی:5/310: (ما وقع بین الصحابة من المحاربات والمشاجرات

ص: 261

علی الوجه المسطور فی کتب التواریخ ، والمذکور علی ألسنة الثقات ، یدل بظاهره علی أن بعضهم قد حاد عن طریق الحق ، وبلغ حد الظلم والفسق ، وکان الباعث علیه الحقد والعناد ، والحسد واللداد ، وطلب الملک والریاسات والمیل إلی اللذات والشهوات ، إذ لیس کل صحابی معصوماً ، ولا کل من لقی النبی (ص) بالخیر موسوماً. إلاأن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله(ص)ذکروا لها محامل وتأویلات بها تلیق ، وذهبوا إلی أنهم محفوظون عما یوجب التضلیل والتفسیق ، صوناً لعقائد المسلمین من الزیغ والضلالة فی حق کبار الصحابة ، سیما المهاجرین منهم والأنصار ، المبشرین بالثواب فی دار القرار.

وأما ما جری بعدهم من الظلم علی أهل بیت النبی(ص) ، فمن الظهور بحیث لامجال للإخفاء ، ومن الشناعة بحیث لا اشتباه علی الآراء ، ویکاد تشهد به الجماد والعجماء ، ویبکی له من فی الأرض والسماء ، وتنهدُّ منه الجبال ، وتنشق منه الصخور، ویبقی سوء عمله علی کر الشهور ومر الدهور ، فلعنة الله علی من باشر ، أو رضی ، أوسعی ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقی.

فإن قیل: فمن علماء المذهب من لایجوِّز اللعن علی یزید ، مع علمهم بأنه یستحق ما یربو علی ذلک ویزید .

قلنا: تحامیاً علی أن یرتقی إلی الأعلی فالأعلی ، کما هو شعار الروافض ، علی ما یروی فی أدعیتهم ، ویجری فی أندیتهم ، فرأی المعتنون بأمر الدین إلجام العوام بالکلیة ، طریقاً إلی الإقتصاد فی الإعتقاد ، بحیث لاتزلُّ الأقدام عن السواء ، ولا تضل الأفهام بالأهواء !! وإلا فمَن خفیَ علیه الجواز والإستحقاق ، وکیف لایقع علیهما الإتفاق؟! وهذا هو السر فیما نقل عن السلف من المبالغة فی مجانبة أهل الضلال ، وسد طریق لایؤمن أن یجر إلی الغوایة فی المآل ، مع علمهم

ص: 262

بحقیقة الحال وجلیة المقال ) !! انتهی.

وفی هامش الإصابة:1/25:(وقال السعد التفتازانی: یجب تعظیم الصحابة والکف عن مطاعنهم ، وحمل ما یوجب بظاهره الطعن فیهم علی محامل وتأویلات ، سیما المهاجرین والأنصار ، وأهل بیعة الرضوان ، ومن شهد بدراً وأحداً والحدیبیة ، فقد انعقد علی علو شأنهم الإجماع ، وشهد بذلک الآیات الصراح ، والأخبار الصحاح. وللروافض سیما الغلاة منهم مبالغات فی بغض البعض من الصحابة رضی الله عنهم والطعن فیهم ، بناء علی حکایات وافتراءات لم تکن فی القرن الثانی والثالث ! فإیاک والإصغاء إلیها فإنها تضل الأحداث، وتحیر الأوساط وإن کانت لاتؤثر فیمن له استقامة علی الصراط المستقیم ، وکفاک شاهداً علی ما ذکرنا أنها لم تکن فی القرون السالفة ولا فیما بین العترة الطاهرة ، بل ثناؤهم علی عظماء الصحابة وعلماء السنة والجماعة ، والمهدیین من خلفاء الدین ، مشهور فی خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ). انتهی.

نقد منطق التفتازانی فی العصمة فی مسائل:

المسألة الأولی

اعترف التفتازانی بأن بعض الصحابة قد انحرف بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عالماً عامداً وکان دافعه إلی ذلک علی حد تعبیره: (الحقد والعناد ، والحسد واللداد ، وطلب الملک والریاسات، والمیل إلی اللذات والشهوات) ! وأن صحبة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لاتوجب العصمة ولا العدالة ، فقد صدرت منهم المعاصی والظلم والفسق !

وما داموا لایعرفون من هم المنحرفون من الصحابة ، ولا مقیاس عندهم مثلنا

ص: 263

حیث نقول بأن العترة هم المقیاس لجمیع الصحابة ، فوجب علیهم أن یجروا فیهم حکم الشبهة المحصورة ، ویحرِّموا علی المسلمین أن یتلقَّوْا منهم دینهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فقد أفتی فقهاؤهم وفقهاؤنا بأنه إذا اشتبه إناء نجس بآنیة طاهرة ولم یتمیز ، وجب اجتناب الجمیع ولا یصح الوضوء بأی منها !

قال العلامة الحلی فی نهایة الأحکام:1/253: (فلو اشتبه إناء طاهر بماء الغالب فی مثله النجاسة کان کما لو اشتبه بمتیقن النجاسة ، فیحتاج إلی الإجتهاد ).انتهی.

فإن قلت: أفتی بعضهم فی هذه الحالة بجواز العمل بما غلب الظن علی أنه طاهر فیصح الوضوء به ، قال النووی فی المجموع:1/180:(إذا اشتبه ماءان طاهر ونجس ، ففیه ثلاثة أوجه: الصحیح المنصوص الذی قطع به الجمهور وتظاهرت علیه نصوص الشافعی أنه لاتجوز الطهارة بواحد منهما إلا إذا اجتهد وغلب علی ظنه طهارته بعلامة تظهر ، فإن ظنه بغیر علامة تظهر لم تجز الطهارة به... وسواء عندنا کان عدد الطاهر أکثر أو أقل حتی لو اشتبه إناء طاهر بمائة إناء نجسة تحری فیها ، وکذلک الأطعمة والثیاب ، هذا مذهبنا ، ومثله قال بعض أصحاب مالک. کذا قال

بمثله أبو حنیفة فی القبلة والطعمة والثیاب ، وأما الماء فقال لایتحری إلا بشرط أن یکون عدد الطاهر أکثر من عدد النجس. وقال أحمد وأبو ثور والمزنی: لایجوز التحری فی المیاه بل یتیمم ، وهذا هو الصحیح عند أصحاب مالک ). (راجع أیضاً إعانة الطالبین:1/45 ).

فالجواب: أولاً، أن الأصل فی الظن عدم الحجیة کما قال الله تعالی: وَمَا یَتَّبِعُ أَکْثَرُهُمْ إِلا ظناً إِنَّ الظَّنَّ لایُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شیئاً .(یونس:36) فلا حجیة للظن إلا بدلیل شرعی من کتاب أوسنة ، ولو سلمنا أن الله تعالی أجاز الإعتماد علی غلبة الظن فی الأوانی والأطعمة المشتبهة کعدد الرکعات تسهیلاً علی العباد ، فلا یدل ذلک

ص: 264

علی جواز الإعتماد علی الظن فی تلقی الدین بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من صحابته ، ونحن نعلم کما اعترف التفتازانی بأن فیهم أهل دنیا کذابین !

إن مجرد وجود هؤلاء فیهم مع عدم إمکانیة تمییزهم ، یرفع الإطمئنان بأن ما رواه هذا الصحابی من الدین فیجب التوقف !

ثم لو سلمنا أن وثاقة الصحابی وعدالته تابعة لغلبة ظن المسلم ، فمعناه فتح باب الإجتهاد فیهم ، وهذا ما یقفون ضده بشدة .

وثانیاً ، إن دلیلهم علی حجیة الظن فی الإناء المشتبه هو عمل الصحابة واتفاقهم علیه ، فلو أردنا أن نثبت به حجیة قول الصحابة ، لزم الدور !

قال الغزالی فی المستصفی ص253: (لو اشتبه

إناء نجس بعشر أوان طاهرة فلا ترجیح للأکثر ، بل لا بد من الإجتهاد والدلیل ، ولا یجوز أن یأخذ واحداً ویقدر حله أو طهارته ، لأن جنسه أکثر.

لکنا نقول: الظن عبارة عن أغلب الإحتمالین ، ولکن لایجوز اتباعه إلا بدلیل ، فخبر الواحد لایورث إلا غلبة الظن من حیث أنَّ صدق العدل أکثر وأغلب من کذبه ، وصیغة العموم تتبع ، لأن إرادة ما یدل علیه الظاهر أغلب وأکثر من وقوع غیره. والفرق بین الفرع والأصل ممکن غیر مقطوع ببطلانه فی الأقیسة الظنیة، لکن الجمع أغلب علی الظن، واتباع الظن فی هذه الأصول لا لکونه ظناً ، لکن لعمل الصحابة به واتفاقاتهم علیه ). انتهی.

فقد تشدد الغزالی حتی فی الظن الحاصل من خبر الواحد الثقة ، وحکم بأنه لیس حجة فی ذاته ، بل لعمل الصحابة به واتفاقهم علیه ! فهو یرجع بالحقیقة إلی حجیة إجماع الصحابة ، وستعرف ما فیه .

وثالثاً ، إن إجماع الصحابة بدون القول بعصمة بعضهم لایفید العلم .

ص: 265

ولو سلمنا حجیته نظریاً ، فکیف نطبقه عملیاً ونحن لا نکاد نجد مسألة عقیدیة أو فقهیة أو سیاسیة ، إلا وقد روی فیها عنهم الرأی وخلافه !

فبیعة أبی بکر التی یضربونها مثلاً لإجماعهم، یعترفون بأن الإجماع فیها انتقض بمخالفة سعد بن عبادة وفاطمة

الزهراء(علیهاالسّلام)وأهل البیت(علیهم السّلام) وعدیدین من المهاجرین والأنصار !

المسألة الثانیة

لایغرُّک أن التفتازانی بدأ کلامه بالإعتراف بأن ما وقع بین الصحابة کان صراعاً علی السلطة ، حسداً وطمعاً فی الدنیا والرئاسة والشهوات ، فقد عاد وبرَّرَ کل ذلک بقوله إنه: (یدل بظاهره علی أن بعضهم قد حاد عن طریق الحق) فظاهر قولهم وفعلهم عنده الظلم والفسق ، أما باطنه فهو الحق والعدالة من بعضهم ، والعدل والعصمة من کبارهم ! وبذلک تعرف کیف أتقن هذا الإیرانی أسلوب المحامین المعاصرین فی صیاغة کلامه ، للدفاع عن نظریة الصحابة القرشیة !

وتعرف أن أتباع الحکومات القرشیة یقعون فی التناقض الذی یعیبونه علی الإسماعیلیة الباطنیة ، فقد قلنا لبعض أتباع الإسماعیلة إن إمامهم یشرب الخمر علناً ، فأجاب إن عمله فی الظاهر شربُ خمر ، أما فی الباطن فإنه بمجرد أن یلمس زجاجة الویسکی بیده الشریفة تتحول إلی شراب طهور من الجنة !

فما الفرق بین مقولتهم ومقولة التفتازانی فی ظاهر عمل الصحابة وباطنه ؟!

وقد بلغت براعة التفتازانی ذروتها فی قراءته التعزیة علی ظلم أهل البیت النبوی صلوات الله علیهم ، لکنه بَرَّأ الصحابة من ذلک بمن فیهم معاویة ،وهاجم یزید بن معاویة وأدانه بجریمة قتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، ثم تراجع وأثبت له حق الحصانة ، حتی لاتصعد الإدانة إلی من فوقه من الصحابة !

ص: 266

فهل رأیت محامیاً محترفاً أبرع منه فی الدفاع عن جرائم أئمته ؟!

المسألة الثالثة

یظهر أن التفتازانی یقول بعصمة أبی بکر وعمر من بین الصحابة ! فقد قال: (إذ لیس کل صحابی معصوماً، ولا کل من لقی النبی(ص)بالخیر موسوماً. إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (ص)ذکروا لها محامل وتأویلات بها تلیق ، وذهبوا إلی أنهم محفوظون عما یوجب التضلیل والتفسیق ، صوناً لعقائد المسلمین من الزیغ والضلالة فی حق کبار الصحابة ) !

فقوله: (إذ لیس کل صحابی معصوماً) یشعر بأن بعضهم قد یکون معصوماً ! وکلامه بعده یدل علی أنه ارتضی قول (العلماء) أی علماء مذاهب السلطة القرشیة فی تبریر جمیع أقوالهما وأفعالهما وإنهما محفوظان من الضلال والمعصیة! وهذه هی العصمة بعینها ! فهویقول بها لمن سماهم (کبار الصحابة) ویقصد بهم أبا بکر وعمر فقط ، وربما قصد معهما عثمان وعلیاً(علیه السّلام)

المسألة الرابعة

إن دلیل(العلماء) الذی ارتضاه التفتازانی علی مقام العصمة لأبی بکر وعمر، ومقام العدالة لبقیة الصحابة ،

مع الإعتراف بجرائم بعضهم ، أجمله فی قوله: (إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله(ص)ذکروا لها محامل وتأویلات بها تلیق ، وذهبوا إلی أنهم محفوظون عما یوجب التضلیل والتفسیق ، صوناً لعقائد المسلمین من الزیغ والضلالة فی حق کبار الصحابة، سیما المهاجرین منهم والأنصار المبشرین بالثواب فی دار القرار ).

وترجمته بالعربیة:أن عقیدة المسلمین فیهم یجب أن تحفظ ، لأنهم مبشرون بالجنة !

وهو مصادرة واضحة ، لأن البحث فیما یجب أن تکون عقیدة المسلمین فیهم،

ص: 267

هل هی العدالة أو العصمة ، أو أن الأصل عدم أی منهما حتی تثبت قطعیاً ؟

وکان ینبغی للتفتازانی المنطقی أن یقول: یجب التوقف فی الصحابة ، لأن الله مدح بعضهم وبشرهم بالجنة، وذم بعضهم وأخبر أنهم سینقلبون بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شیئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ).(آل عمران:144). ولأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مدح بعضهم ووعدهم الجنة ، وذم أکثرهم وأخبر أنهم فی النار کما فی صحیح البخاری:7/209، عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: بینا أنا قائم فإذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلمَّ ! فقلت أین! قال إلی النار والله ! قلت: وما شأنهم ؟قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ، ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلمَّ ! قلت أین ؟ قال إلی النار والله ! قلت: ما شأنهم ؟ قال إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ، فلا أراه یخلص منهم إلا مثل همل النعم ) !!

وهمل النعم کما فی مقدمة فتح الباری:

ص197: الإبل بغیر راع وکذا غیرها ، أی الصحابة الخارجون علی السلطة ، وهم الشاکرون فی الآیة .

کان ینبغی للتفتازانی أن یقول مادامت النتیجة المنطقیة تتبع أخس المقدمات ، فلیس بوسعنا إلا التوقف فی أمر الصحابی حتی تثبت عدالته أو عصمته !

لکنه کرر دلیله الواهی بقوله: (یجب تعظیم الصحابة والکف عن مطاعنهم ، وحمل مایوجب بظاهره الطعن فیهم علی محامل وتأویلات ، سیما المهاجرین والأنصار وأهل بیعة الرضوان ، ومن شهد بدراً وأحداً والحدیبیة ، فقد انعقد علی علو شأنهم الإجماع، وشهد بذلک الآیات الصراح ، والأخبار الصحاح ).

وکلامه هذا دعوة إلی تعطیل العقل والشرع ، وإلغاء ما قرره عامة عقلاء المجتمعات البشریة ، وعلماء البیان والفقه والأصول ، من حجیة ظواهر الکتاب

ص: 268

والسنة، وظواهر أقوال الناس وأفعالهم ! فإن فتواه بوجوب(حمل ما یوجب بظاهره الطعن فیهم علی محامل وتأویلات) دعوةٌ صریحة إلی القول بعصمة الصحابة ، وإلغاء الظاهر ، واتباع المذهب الباطنی بأسوأ أنواع الباطنیة !

أما قوله إن الآیات الصریحة تدل علی علو شأنهم فهو کلام تعمد إبهامه ، فإنْ قصد أنها تدل علی عصمتهم جمیعاً ، ووجوب تأویل ظاهر معاصیهم وانحرافهم فهو ممنوع. وإن قصد أنها تدل علی أن بعضهم من أهل الجنة ، فهو صحیح ، لکن لمَّا لم یدل دلیلٌ عندهم علی تمییزهم ، کان

حکمهم حکم الشبهة المحصورة وهو وجوب اجتناب کل أطرافها حتی یتمیز الطاهر فیها من النجس ، والحلال من الحرام ، والمتهم من البرئ ، وأهل الجنة من أهل النار !

وأما دعواه إجماع المسلمین علی علو شأنهم ، ونسبته إلی أهل البیت(علیهم السّلام) مدیحهم ، فهو ممنوع ، بل الثابت بشهادة علمائهم نقض هذا الإجماع ، وطعن أهل البیت(علیهم السّلام) وغیرهم فی أهل السقیفة ، ومن ذلک اعتراف عمر بأن علیاً والعباس شهدا علیه وعلی أبی بکر بأنهم غادران خائنان آثمان! (صحیح مسلم:5/152)

ولو لم یکن إلا خطیة علی(علیه السّلام)الشقشقیة لکفت ، ولا یتسع المجال للإفاضة !

فظهر أن التفتازانی یقول بعصمة الصحابة بعضاً أو کلاً ، ویقول بعدالتهم کلاً، لکنه لم یقدم دلیلاً واحداً علی ذلک ، إلا التقلید للسلطة وعلمائها !

أبو بکر وعمر معصومان عند الغزالی ، لکن لایجب تقلیدهما !

عندما یبحث علماؤهم حجیة قول الصحابی ، یصرِّحون بعدم عصمة الصحابة ، لکنهم عملیاً یعصمون الشیخین ! قال الغزالی فی المستصفی:ص170:

(إن قال قائل: إن لم یجب تقلیدهم ، فهل یجوز تقلیدهم ؟

ص: 269

قلنا: أما العامی فیقلدهم، وأما العالم فإنه إن جاز له تقلید العالم جاز له تقلیدهم وإن حرمنا تقلید العالم

للعالم فقد اختلف قول الشافعی(رحمه الله) فی تقلید الصحابة ، فقال فی القدیم: یجوز تقلید الصحابی إذا قال قولاً وانتشر قوله ولم یخالف. وقال فی موضع آخر: یقلد وإن لم ینتشر ، ورجع فی الجدید إلی أنه لایقلد العالم صحابیاً ، کما لایقلد عالماً آخر.

ونقل المزنی عنه ذلک وأن العمل علی الأدلة التی بها یجوز للصحابة الفتوی ، وهو الصحیح المختار عندنا إذ کل مادل علی تحریم تقلید العالم للعالم کما سیأتی فی کتاب الإجتهاد لایفرق فیه بین الصحابی وغیره.

فإن قیل: کیف لایفرق بینهم مع ثناء الله تعالی وثناء رسول الله(ص)قال تعالی: أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأمرمِنْکُمْ...وقال تعالی: لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ...وقال رسول الله(ص):خیر الناس قرنی. وقال(ص):أصحابی کالنجوم إلی غیر ذلک ؟

قلنا: هذا کله ثناء یوجب حسن الإعتقاد فی علمهم ودینهم ومحلهم عند الله تعالی ، ولایوجب تقلیدهم لاجوازاً ولا وجوباً ، فإنه (ص)أثنی أیضاً علی آحاد الصحابة ، ولایتمیزون عن بقیة الصحابة بجواز التقلید أو وجوبه ، کقوله (ص): لو وزن إیمان أبی بکر بإیمان العالمین لرجح. وقال (ص): إن الله قد ضرب بالحق علی لسان عمر وقلبه ، یقول الحق وإن کان مراً. وقال لعمر: والله ما سلکت فجاً إلا سلک الشیطان فجاً غیر فجک. وقال (ص) فی قصة أساری بدر حیث نزلت الآیة علی وفق رأی عمر: لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر. وقال صلوات الله علیه: إن منکم لمحدثین وإن عمر لمنهم. وکان علی(رض)وغیره من الصحابة یقولون: ما کنا نظن إلا أن ملکاً بین عینیه یسدده

ص: 270

وأن ملکاً ینطق علی لسانه ! وقال (ص) فی حق علی: اللهم أدر الحق مع علی حیث دار ، وقال(ص): أقضاکم علی ، وأفرضکم زید ، وأعرفکم بالحلال والحرام معاذ بن جبل). انتهی.

وقد ناقض الغزالی نفسه ، فقد شهد بعصمة أبی بکر وعمر وعلی ، ثم قال: (ولایتمیزون عن بقیة الصحابة بجواز التقلید أو وجوبه) ! وقال: (إذ کل ما دل علی تحریم تقلید العالم للعالم...لایفرق فیه بین الصحابی وغیره ). انتهی.

فإن الدرجة التی أثبتها لهم هی درجة العصمة ، وهی توجب علی الأمة اتباعهم، وهی فوق درجة التقلید ورجوع الجاهل إلی العالم، أو إلی أهل الخبرة .

بل ما دام الغزالی یعتقد بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شهد بأن إیمان أبی بکر یَرْجُح علی إیمان العالمین بمن فیهم الأنبیاءأو باستثناء الأنبیاء(علیهم السّلام) ، فالواجب علی العالمین أن یقتدوا به فی قوله وفعله ، وإلا لم یؤمن علیهم الضلال !

ومادام عمر کالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لاینطق عن الهوی ، بل ینطق علی لسانه ملک معصوم ، وتحدثه الملائکة ، ویهرب منه الشیطان الذی لایهرب من الأنبیاء(علیهم السّلام) ! فالواجب علی المسلمین أن یقتدوا به فی قوله وفعله ، وإلا لم یؤمن علیهم الضلال!

وما دام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دعا لعلی(علیه السّلام)أن یجعل الله معه الحق أینما دار، ودعاؤه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مستجاب ، فالواجب علی المسلمین أن یقتدوا به فی قوله وفعله ، وإلا لم یؤمن علیهم أن یترکوا الحق ویتبعوا الباطل !

لکن لایغرک قول الغزالی وغیره بعدم وجوب إطاعة أبی بکر وعمر وعدم عصمتهما ، فإنما یقولونه بألسنتهم ، و وستری أنهم عندما یصلون إلی عملهم وسیرتهم ، یتبنون عصمتهم بالکامل ، ویدافعون عن أفعالهم لیثبتوا أنها کلها

ص: 271

صحیحة ، وأنهم لم یرتکبوا معصیة أبداً ، لاصغیرة ولا کبیرة ، حتی فیما خالفوا فیه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! أما إذا وصلوا إلی حکم من یرفض شرعیة خلافتهما ، فیحکمون بکفره ویهدرون دمه ، ویوجبون قتله ! فیثبتون لهما درجة فوق العصمة ، ویجعلون ولایتهما رکناً قام علیه الإسلام ، إلی صف التوحید والنبوة أو قبلهما !!

بل یصل بهم الأمر أنهم یجعلون ولایتهما أعظم من ولایة الله تعالی ورسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنهم لا یحکمون دائماً بالکفر والقتل علی من عصی الله ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

لیس من المبالغة أن نقول إن غیرتهم علی أبی بکر وعمر ، وشدَّتَهم علی من رفضهم ، أعظم من غیرتهم علی الله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وبعضهم یضیف الیهم عائشة وحفصة وعثمان ومعاویة .

وهذا التاریخ یشهد بأنه لم تضطهد أمة من الأمم من أجل شخصین ،کما اضطهد ملایین المسلمین من أجل عمر وأبی بکر ، ولم تُرق دماءٌ بذنب رفض ولایة أحد ، کما أریقت بذنب رفض ولایة أبی بکر وعمر !

لقد أقاموا کل عقیدتهم وفقههم ودولهم وتاریخهم وتربیة أبنائهم وبناتهم ، علی تقدیسهما واضطهاد من لایقبلهما ، حتی کان أجیال الشیعة فی زمن الأمویین والعباسیین والعثمانیین ، یتمنون أن تعاملهم دولة الخلافة القرشیة معاملة المنکرین لله ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لیخف جرمهم ، واضطهادهم ، وتقتیلهم !!

هل تشیع الغزالی فی آخر عمره ؟

للغزالی کتاب اسمه (سر العالمَیْن وکشف مافی الداریْن)نقل الدکتور الخلیلی فی کتابه (السقیفة أم الفتن) ص114، عن مخطوطته فی دار الکتب المصریةرقم:1/316.

وقد طبع الکتاب فی الهند ومصر والعراق وبیروت وإیران ، وهو مرتب علی

ص: 272

مقالات ، وقد أظهر فیه تشیَّعه بصراحة ، ولذا شکک بعضهم فی نسبته الیه !

قال المرحوم الطهرانی فی الذریعة إلی تصانیف الشیعة:12/168:

(120:سر العالمین) المنسوب إلی الغزالی. کتاب شیعی نسبه إلیه فی تذکرة خواص الأمة ، وتاج العروس ، والإتحاف فی شرح الإحیاء. فراجعه ).

وتابعه إلیان سرکیس فی معجم المطبوعات العربیة:2/1412، فقال: (سر العالمین وکشف ما فی الدارین، وهو منسوب للغزالی والصواب أنه لأحد الباطنیة- هند 1314 مصر1324). کما وافقه الباحث السید جعفر مرتضی فشکک بنسبة الکتاب إلی الغزالی. (مجلة تراثنا:2/97 و:4/173)

بینما خالفهم عدیدون ونسبوا الکتاب إلی الغزالی کالبغدادی فی إیضاح المکنون:2/11، قال: (سر العالمیْن وکشف ما فی الداریْن لأبی حامد الغزالی محمد بن محمد ). ونحوه فی هدیة العارفین:2/80 ، وکذا القاضی نورالله التستری فی کتابه مجالس المؤمنین ، والفیض الکاشانی فی الوافی ، والطریحی فی مجمع البحرین ، والأمینی فی الغدیر:1/391 ، والمرعشئ فی شرح إحقاق الحق:33/244 ، کما نقلوا ذلک عن المحقق الکرکی.

وقال الماحوزی فی الأربعین ص151: (ذکر مولانا محسن الکاشئ فی المحجة البیضاء أن ابن الجوزی الحنبلی ذکر فی بعض تصانیفه أن الغزالی ترفض فی آخر عمره ، وأظهر رفضه فی کتاب سر العالمین).

ووافقهم السید المیلانی فی نفحات الأزهار:1/102و:9/ 184، مؤیداً ما استدلوا به من نسبة ابن الجوزی الکتاب إلی الغزالی فی تذکرة الخواص ص62، والذهبی فی میزان الإعتدال:1/500 ، وفی طبعتنا:2/215، حیث اعتمد علیه فقال: ( قال أبو حامدالغزالی فی کتاب (سر العالمیْن): شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهَّد

ص: 273

تحت حصن ألَمُوت فکان أهل الحصن یتمنون صعوده إلیهم ، ویمتنع ویقول: أما ترون المنکر قد فشا وفسد الناس! فتبعه خلق ، ثم خرج أمیر الحصن یتصید فنهض أصحابه وملکوا الحصن ! ) انتهی.

أقول: وهذا هو الصحیح ، والعبارة موجودة فی سر العالمین ، ولا توجد فی غیره. وقد نقل عنه الذهبی أیضاً فی:19/403 ، نفس عبارته فی میزان الإعتدال وقال قبلها فی ترجمة الغزالی:19/327: (ومن معجم أبی علی الصدفی ، تألیف القاضی عیاض له ، قال: والشیخ أبو حامد ، ذو الأنباء الشنیعة ، والتصانیف العظیمة ، غلا فی طریقة التصوف ، وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعیة فی ذلک ، وألف فیه توالیفه المشهورة ، أخذ علیه فیها مواضع ، وساءت به ظنون أمة ! والله أعلم بسره ، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوی الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتُثل ذلک. مولده سنة خمسین وأربع مئة.

قلتُ(الذهبی): ما زال العلماء یختلفون ویتکلم العالم فی العالم باجتهاده ، وکل منهم معذور مأجور ، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور ، وإلی الله ترجع الأمور. ولأبی المظفر یوسف سبط ابن الجوزی فی کتاب ریاض الأفهام فی مناقب أهل البیت قال: ذکر أبو حامد فی کتابه سر العالمیْن وکشف ما فی الداریْن فقال فی حدیث: من کنت مولاه فعلی مولاه ، إن عمرقال لعلی: بخ بخ أصبحت مولی کل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا تسلیم ورضی ، ثم بعد هذا غلب علیه الهوی ، حباً للریاسة وعقْد البنود ، وأمر الخلافة ونهیها ، فحملهم علی الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قلیلاً فبئس ما یشترون ! وسرد کثیراً من هذا الکلام الفسل الذی تزعمه الإمامیة ، وما أدری ما عذره فی هذا ! والظاهر أنه رجع عنه وتبع الحق فإن الرجل من بحور العلم ، والله أعلم.

ص: 274

هذا إن لم یکن هذا وضع هذا وما ذاک ببعید ، ففی هذا التألیف بلایا لاتتطبب! وقال فی أوله:إنه قرأه علیه محمد بن تومرت المغربی سراً بالنظامیة ، قال: وتوسمت فیه الملک). انتهی.

أقول:لم یعین الذهبی من اتهمه باحتمال وضع الکتاب ، بقوله (هذا إن لم یکن هذا وضع هذا وما ذاک ببعید)! فهل یقصد الصدفی ، أم القاضی عیاضاً ! مع أنه ترجم لهما ووصف کلاً منهما بالإمام ومدحهما کثیراً ، قال فی سیر أعلام النبلاء:20/212: ( القاضی عیاض: الإمام العلامة الحافظ الأوحد ، شیخ الإسلام القاضی أبو الفضل عیاض بن موسی بن عیاض بن عمرو بن موسی بن عیاض الیحصبی الأندلسی ، ثم السبتی المالکی. ولد فی سنة ست وسبعین وأربع مئة... الخ.).

وقال فی تذکرة الحفاظ:4/1253: (الإمام الحافظ البارع أبو علی الحسین بن محمد بن فیرة بن حیون الصدفی السرقسطی الأندلسی...الخ.). انتهی.

فتشکیک الذهبی فی الکتاب بدون حجة بعد ما اعتمد علیه کبار علمائهم !

أما البلیة التی لاتتطبب عند الذهبی فهی قول الغزالی فی سر العالمین ص21:

(المقالة الرابعة فی ترتیب الخلافة والمملکة: اختلف العلماء فی ترتیب الخلافة وتحصیلها لمن آل أمرها إلیه ، منهم من زعم أنها بالنص ودلیلهم قوله تعالی: قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا کَمَا تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عذاباً أَلِیماً) (الفتح:16) وقد دعاهم أبو بکر إلی الطاعة بعد رسول الله(ص)فأجابوا.

وقال بعض المفسرین فی قوله تعالی: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إلی بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حدیثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ

ص: 275

هَذَا قَالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ. (التحریم:3) ، قال فی الحدیث: إن أبا بکر هو الخلیفة من بعدی یا حمیراء ، وقالت امرأة: إذا فقدناک فالی من نرجع؟ فأشار إلی أبی بکر ، ولأنه أمَّ بالمسلمین علی بقاء رسول الله(ص)والإمامة عماد الخلافة. هذه جملة ما یتعلق به القائلون بالنصوص.

ثم تأولوا وقالوا: إذ لو کان علیٌّ أول الخلفاء لانسحب علیهم ذیل الفناء ، ولم یأتوا بفتوح ولا مناقب ، ولا یقدح فی کونه رابعاً للخلفاء ، کما لایقدح فی نبوة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذ کان آخراً.

والذین عدلوا عن هذه الطریقة زعموا أن هذا تعلق فاسد جاء علی زعمکم وأهویتکم ، وقد وقع المیراث فی الأحکام والخلافة ، مثل داود وسلیمان وزکریا ویحیی ، قالوا: کان لأزواجه ثمن الخلافة فبهذا تعلقوا. وهذا باطل ، إذ لو کان میراثاً لکان العباس أولی.

لکن أسفرت الحجة وجهها ، وأجمع الجماهیر علی متن الحدیث من خطبته فی یوم غدیر خم باتفاق الجمیع وهو یقول: من کنت مولاه فعلی مولاه ، فقال عمر: بخ بخ یا أبا الحسن لقد أصبحت م ولأی ومولی کل مولی ، فهذا تسلیمٌ ورضاً وتحکیم. ثم بعد هذا غلب الهوی بحب الرئاسة ، وحَمْلُ عمود الخلافة، وعقود البنود ، وخفقان الهوی ، فی قعقعة الرایات ، واشتباک ازدحام الخیول ، وفتح الأمصار ، سقاهم کأس الهوی ، فعادوا إلی الخلاف الأول ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قلیلاً فبئس ما یشترون.

ولما مات رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال وقت وفاته: إیتونی بدواة وبیاض لا زیل عنکم إشکال لأمر ، وأذکر لکم من المستحق لها بعدی ! قال عمر: دعوا الرجل فإنه لیهجر وقیل لیهذر. فإذن بطل تعلقکم بتأویل النصوص ، فعدتم إلی الإجماع ، وهذا

ص: 276

منقوض أیضاً فإن العباس وأولاده وعلیاً(علیه السّلام)وزوجته لم یحضروا حلقة البیعة وخالفکم أصحاب السقیفة فی مبایعة الخزرجی....الخ.). انتهی.

والظاهر أن استبصار الغزالی کان فی آخر أیامه فی طوس ، ولم یمهله العمر حتی ینشر ذلک ، ویبرئ ذمته بإعلأن رجوعه عن کتبه ومؤلفاته العدیدة ، وما غصت به من عدائه لأهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام) وتأصیله لمذاهب مخالفیهم !

وقد رأیت قبره قرب بیته أو مسجده فی بلده طوس ، حیث أمضی آخر حیاته، وهی فی ضاحیة مشهد الإمام الرضا (علیه السّلام) ، وقد اهتمت به الحکومة الإیرانیة .

النقد الذاتی قلیل نادر فی علمائهم

مضافاً إلی کتاب سر العالمین للغزالی ، فقد أعجبنی هذا النقد الذاتی للحافظ محمد بن عقیل فی کتابه القیِّم: النصائح الکافیة لمن یتولی معاویة/174 ، قال:

( إننا أهل السنة قد أنکرنا علی الشیعة دعواهم العصمة للأئمة الإثنی عشر ، وجاهرناهم بصیحات النکیر ، وسفهنا بذلک أحلامهم ، ورددنا أدلتهم بما رددنا ، أفبعد ذلک یجمل بنا أن ندعی أن مائة وعشرین ألفاً حاضرهم وبادیهم وعللهم وجاهلهم وذکرهم وأنثاهم ، کلهم معصومون أو کما نقول محفوظون من الکذب والفسق ، ونجزم بعدالتهم أجمعین فنأخذ روایة کل فرد منهم قضیةً مسلمةً نضلل من نازع فی صحتها ونفسقه ، ونتصامم عن کل ما ثبت وصح عندنا ، بل وما تواتر من ارتکاب بعضهم ما یخرم العدالة وینافیها ، من البغی ، والکذب ، والقتل بغیر حق ، وشرب الخمر ، وغیر ذلک مع الإصرار علیه ؟!! لا أدری کیف تحل هذه المعضلة ولا أعرف تفسیر هذه المشکلة.

إلیک فإنی لستُ ممن إذا اتَّقی

عِضاضُ الأفاعی نامَ فوقَ العقارب

ص: 277

أما الأمر بحسن الظن فحسن ، ولکنه لیس فی مقام بیان الحق وإبطال الباطل ، والکلام علی جرح أو تعدیل ، ولو سوغنا هذا لتعطلت الأحکام ، وبطلت الحدود والشهادات ، وکُبکب الشرع علی أم رأسه ، إذ لا وجه لتخصیص أشخاص دون آخرین بحسن الظن بهم فی کل ما یفعلونه ، إذا ترتب علی فعله حکم شرعی إلا بمخصص شرعی ، وأنَّی بذلک .

ولو عممنا القول بذلک لکان حسن الظن حسناً بکل فرد من أفراد المسلمین فی کل ما یفعله کما یقول به بعض الصوفیة ، فیتأول حینئذ لکل منهم ما ارتکبه من القبائح والبدع المضلة والکبائر ، ویحمل کل ذلک علی محمل حسن وقصد صالح ، ویدخل فی ذلک الخوارج وغلاة الرافضة فیما یرتکبونه من البدع والتفکیر والسب ، وهلم جراً .

اللهم غفرانک ، إنه بهذا یتعطل الشرع وتلتبس الأمور ویختلط الحابل بالنابل ، بل الواجب إجراء کل شئ فی مجراه عند إرادة إیضاح الحقائق وبیان المشروعات. وبهذا عمل الصحابة رضی الله عنهم فیما بینهم ، وهکذا عمل جهابذة أصحاب الحدیث فی الجرح والتعدیل ، فی رواة الحدیث إلا فیمن له صحبة علی حسب اصطلاحهم فی تعریف الصاحب ، وهی نقطة الإنتقاد علیهم ومحل

الإشکال ، إذ کیف یمکن طالب الحق أن یعتمد ما قالوه ویجری علی ماجروا علیه من التسویة ، صحةً واحتجاجاً ، بین روایات الحکم والولید ومعاویة

وعمرو وأشباههم ؟! سبحان الله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ کَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ ؟! لا والله ، ثم لا والله إن الإذعان للحق شأن المنصفین، وَلَکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ).

ص: 278

الفصل التاسع : السلطة القرشیة تتبع الیهود حَذْوَ القُذة بالقذة والنعل بالنعل !

اشارة

ص: 279

ص: 280

تقلید الیهود.. من مصادرة الخلافة الی..ترک الصلاة !

شهدت عامة المصادر کالبخاری ومسلم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حذر المسلمین من الإنحراف بعده ، وفی نفس الوقت أخبرهم بأن ذلک سیکون ، فقال: لتتبعن سنن من کان قبلکم شبراً شبراً ، وذراعاً بذراع ، حتی لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتموهم ! قلنا: یا رسول الله ، الیهود والنصاری ؟ قال: فمن ؟!

وفی مناسبة أخری قال لهم: والذی نفسی بیده لتتبعنَّ سننَ الذین من قبلکم ، شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، وباعاً فباعاً ، حتی لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ لدخلتموه ! قالوا ومن هم یا رسول الله ، أهل الکتاب ؟ قال: فمه ؟!

وفی مناسبة أخری قال لهم: لاتقوم الساعة حتی تأخذ أمتی مأخذ الأمم والقرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، قالوا: یا رسول الله کما فعلت فارس والروم ؟ قال: وهل الناس إلا أولئک ؟!

(روت ذلک عامة المصادر کالبخاری:9/ 126 و:8/151، ومسلم:4/ 2054 ح2669 عن أبی سعید الخدری ، ونحوه/2055 ، وأحمد:2/327و325 و450، ونحوه ص336 و367 و527 و: 3/84 و89 و94 و:4/125، والرویانی: ح1085 عن سهل بن سعد ، والبغوی فی المصابیح:3 /458 ، من صحاحه ، عن أبی سعید ، کما فی روایة البخاری الثانیة ، وجامع الأصول:10/ 409 ح7472 ، و7473 ، وجمع الجوامع: 1/ 902 ، والجامع الصغیر:2/401 ح7224 ، ومجمع الزوائد:7/261، وفیض القدیر:5/ 261 ، ومسند ابن الجعد ص491 ، والدیباج علی مسلم: 6/33 و34 ، ومصنف عبد الرزاق:11/369 ، وکنز العمال: 14/ 207 ، والکنی

ص: 281

والأسماء:2/30 ، عن ابن عباس، أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ولترکبن سنن من کان قبلکم شبراً حتی لو أن أحدهم دخل حجر ضب دخلتم ، وحتی لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطریق لفعلتم. والحاکم:1/37 و4/ 455 وصححه وفیه:"حتی لو أن أحدهم جامع إمرأته بالطریق لفعلتموه. ومصنف ابن أبی شیبة:8/634 ، وفیه:

(أنتم أشبه الناس سمتاً وهدیاً ببنی إسرائیل لتسلکن طریقهم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل ).، قال عبد الله: إن من البیان سحراً. وقال فی هامشه: القذة ریش السهم ، وللسهم ثلاث قذذ متقاربة الواحدة بجانب الأخری ، ویقال حذو القذة بالقذة للشیئین یستویان ولا یتفاوتان ).

وفی شرح مسلم للنووی:16/219: (السَّنَن بفتح السین والنون هو الطریق ، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب کل التمثیل بشدة الموافقة لهم).

وفی فتح الباری:13/255: ( فی روایة الکشمیهنی شبراً بشبر وذراعاً بذراع، عکس الذی قبله. قال عیاض: الشبر والذراع والطریق ودخول الجحر ، تمثیلٌ للإقتداء بهم فی کل شئ مما نهی الشرع عنه وذمه.....

وقد أخرج الطبرانی من حدیث المستورد بن شداد رفعه: لاتترک هذه الأمة شیئاً من سننن الأولین حتی تأتیه..... وحیث قیل الیهود والنصاری کان هناک قرینة تتعلق بأمور الدیانات أصولها وفروعها.....

عن أنس قیل یا رسول الله متی یترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر؟ قال: إذا ظهرفیکم ما ظهر فی بنی إسرائیل ، إذا ظهر الإدهان فی خیارکم ، والفحش فی شرارکم ، والملک فی صغارکم ، والفقه فی رذالکم ). انتهی.

وفی مناسبة أخری قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):(لتنقض عری الإسلام عروة عروة ، کلما نقضت عروة تشبث الناس بالتی تلیها ، فأولهن نقضاً الحکم ، وآخرهن الصلاة ).

(رواه من مصادرنا: الطوسی وغیره ، قال فی الأمالی ص186: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنی أبو محمد الحسن بن محمد العطشئ قال: حدثنا أبو علی محمد بن همام الإسکافی قال: حدثنا حمزة بن أبی جمة الجرجرائی الکاتب قال: حدثنا أبو الحارث شریح قال: حدثنا الولید بن مسلم، عن عبد العزیز بن سلیمان، عن سلیمان بن حبیب ، عن أبی أمامة الباهلی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ص: 282

ورواه من مصادرهم: أحمد:5/251 ، والبخاری فی تاریخه: 8 /333 ح 3214 ، وابن حبان: 8/253 ح 6680 ، عن أبی أمامة. والطبرانی الکبیر: 8/116 ح 7486 ، والجامع الصغیر:2/403 ح 7232 ، وص473 ، والحاکم: 4/92 ، وقال: والإسناد کله صحیح ولم یخرجاه. ومجمع الزوائد:7/281، وقال: رواه أحمد ، والطبرانی ، ورجالهما رجال الصحیح). انتهی .

أمام هذه الأحادیث النبویة تواجهنا عدة أسئلة:

السؤال الأول ، معنی هذه الأحادیث أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد نعی الأمة إلی نفسها ، وأنها من بعده ستنحرف ، فهل هذا حقیقة قطعیة ؟!

والجواب: نعم إنها حقیقة قطعیة وإن کانت مُرَّة ، بدلیل أن هذه الأحادیث صحیحة مجمع علیها عند کافة الأمة ، والمجمع علیه من الأمة لاشک فیه.

والسؤال الثانی ، هل المقصود بهذا الکلام النبوی انحراف غالبیة الأمة ، أو انحراف فئة صغیرة منها ؟

والجواب: أن الخطاب فی هذه الأحادیث موجه إلی جمیع الأمة ، فلا بد أن یشمل الإنحراف غالبیتها حتی یصح نسبة الإنحراف إلی الأمة ، فقد قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لتتبعن سنن من کان قبلکم شبراً شبراً... والذی نفسی بیده لتتبعنَّ سننَ الذین من قبلکم... ولترکبن سنن من کان قبلکم... ولو کان الإنحراف محصوراً بفئة قلیلة من الأمة لقال: لیتبعن فئة من أمتی ، أو مارقة من أمتی سنن من کان قبلهم .

والسؤال الثالث ، هل أن الإنحراف الموعود یشمل العقائد والشرائع والسیاسة ، کما حدث فی بنی إسرائیل ؟!

والجواب: نعم لا بد من القول بشمول الإنحراف لکل معالم الإسلام ، بدلیل الإطلاقات فی ألفاظ اتباع سنن الیهود والنصاری ، وبدلیل السعة فی انحراف الیهود بعد أنبیائهم(علیهم السّلام) ، حیث شمل انحرافهم أصول عقیدتهم بالله تعالی، وطعنهم بأنبیائهم ومخالفتهم لأوصیائهم(علیهم السّلام) ، واتباعهم غیرهم !

ص: 283

وقد نصَّت صیغ الأحادیث علی الشمول کقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لتنقض عری الإسلام عروة عروة ، کلما نقضت عروة تشبث الناس بالتی تلیها ، فأولهن نقضاً الحکم ، وآخرهن الصلاة. وسواء أراد بالحکم الخلافة ، أو القضاء ، فهو یدل علی انحراف السلطة الحاکمة .

والسؤال الرابع ، ما علاقة هذه الأحادیث النبویة بآیة الإنقلاب علی الأعقاب؟: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شیئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ) (آل عمران:144)

والجواب: هذه الأحادیث النبویة المتفق علیها تفسر الإنقلاب المقصود فی الآیة ، وتدل علی أن الله تعالی لم یتحدث فیها وفی أمثالها عن فرضیة لن تحدث وأن الشرطیة والإستفهام فیها إخبار إلهیٌّ ، قبل أن یکون إنذاراً واستنکاراً !

والسؤال الخامس ، أین هذا الإنحراف فی الأمة ، إن لم یکن ما تقوله الشیعة؟

والجواب: نعم هذه هی الحقیقة ، ولذلک یدور أمر الذین ینکرون وقوع الإنحراف فی جمهور الأمة ، بین أن یکذِّبوا إخبارات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن وقوعه ، ویکذِّبوا آیة الإنقلاب.. وبین أن یعترفوا بعدم شرعیة السلطة القرشیة التی بدأت فی السقیفة یوم وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من غیر مشورة المسلمین ، ولا استناد علی نص من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأجبرت الناس علی بیعتها ، ثم تواصلت سیاسة الإجبار فی بنی أمیة وبنی العباس بنفس طریقة الغلبة والجبر ، التی أسستها السقیفة !

فلو سألت عالماً سنیاً: هل تحقق ما أخبر به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فاتبعت الأمة سنن الیهود والنصاری أم لا ؟! لحاول أن ینفی ذلک ، ویثبت لک أن الأمة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مشت علی طریق الهدی ، واتبعت خیر أصحابه أبا بکر وعمر ، وأن الذین انحرفوا فئة قلیلة هم أهل الأهواء والبدع ، وهم الرافضة الذین رفضوا خلافة أبی

ص: 284

بکر وعمر ، وزعموا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أوصی الأمة باتباع علی والعترة(علیهم السّلام) !

ولو قلت له: لو کانت أغلبیة الأمة مهتدیة لما صح هذه الإطلاق والتعمیم فی کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولکان اللازم أن یقول مثلاً: لتتبعن فئة من أمتی أو مارقة من أمتی سنن من کان قبلها.. لما استطاع أن یجیب !

والسؤال السادس ، من أین یبدأ هذا الإنحراف الخطیر فی الأمة ؟

الجواب: صحت الأحادیث أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حدد مصدر الإنحراف فی أمته وأساس فتنتها ، بالحکام والأئمة القرشیین المضلین !

ففی مجمع الزوائد:5/239: (وعن ثوبان قال قال رسول الله(ص):إنما أخاف علی أمتی الأئمة المضلین. رواه أحمد ورجاله ثقات...

وعن سداد بن أوس قال قال رسول الله(ص): إنی لا أخاف علی أمتی إلا الأئمة المضلین ، وإذا وضع السیف فی أمتی لایرفع عنهم إلی یوم القیامة. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

وعن عمیر بن سعد وکان عمر ولاه حمص قال قال عمر لکعب: إنی سائلک عن أمر فلا تکتمنی. قال: والله ما أکتمک شیئاً أعلمه ، قال: ما أخوف ما تخاف علی أمة محمد(ص)؟ قال: أئمة مضلین ، قال عمر: صدقت قد أسرَّ إلیَّ وأعلمنیه رسول الله(ص). رواه أحمد ورجاله ثقات ).

وروی أحمد:5/145، عن أبی ذر قال: کنت أمشئ مع رسول الله(ص)فقال: لغیر الدجال أخوفنی علی أمتی قالها ثلاثاً ! قال قلت یارسول الله ، ما هذا الذی غیر الدجال

أخوفک علی أمتک قال: أئمة مضلون !! (ورواه أبو یعلی:1/359 ح 466 ، والفردوس:3/131ح 4163 عن علی).

وفی سنن الترمذی:3/342: (2330- عن ثوبان قال قال رسول الله (ص): إنما

ص: 285

أخاف علی أمتی الأئمة المضلین .

قال وقال رسول الله(ص): لاتزال طائفة من أمتی علی الحق ظاهرین لا یضرهم من خذلهم حتی یأتی أمر الله. هذا حدیث صحیح ). انتهی.

وفی تحفة الأحوذی:6/401: (باب ما جاء فی الأئمة المضلین: قوله: إنما أخاف علی أمتی أئمة مضلین ، أی داعین إلی البیع والفسق والفجور....

قوله ( هذا حدیث صحیح ) ، وأخرجه مسلم وابن ماجة بدون ذکر إنما أخاف علی أمتی أئمة مضلین. وأخرجه أبو داود مطولاً ).

وروی ابن أبی شیبة فی المصنف:15/142 ح 19332: ( عن علی قال: کنا عند النبی(ص)جلوساً وهو نائم ، فذکرنا الدجال ، فاستیقظ محمراً وجهه فقال: غیر الدجال أخوف علیکم عندی من الدجال: أئمة مضلون ).

وفی الطبرانی الکبیر:8/176عن أبی أمامة یحدث أنه سمع رسول الله(ص) یقول: لست أخاف علی أمتی جوعاً یقتلهم ولا عدواً یجتاحهم ، ولکنی أخاف علی أمتی أئمة مضلین ، إن أطاعوهم فتنوهم ، وإن عصوهم قتلوهم ).

أما من طرق أهل البیت(علیهم السّلام) فقد روی الطوسی فی أمالیه:2/126: (عن عبد الله بن یحیی الحضرمی قال: سمعت علیاً(علیه السّلام)یقول: کنا جلوساً عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو نائم ورأسه فی حجری ، فتذاکرنا الدجال ، فاستیقظ النبی محمراً وجهه فقال: غیر الدجال أخوف علیکم من الدجال ، الأئمة المضلون ، وسفک دماء عترتی من بعدی ، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ). انتهی.

والسؤال السابع: ما دام الإنحراف وقع قطعاً بحکم أن الصادق الأمین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر به عن ربه ، فلا بد أن یکون له ثقافة تحریفیة واسعة فی العقائد والتفسیر

ص: 286

والأحادیث والأحکام والسیرة والمذاهب والمشارب ! فأین هذه الآثار الثقافیة فی مصادر المسلمین ، إن لم تکن ما یقوله الشیعة ؟!

والسؤال الثامن: کتبنا فی کتاب تدوین القرآن: الفصل العاشر موقف إخواننا السنة من الثقافة الیهودیة ، تحت عنوان:

مذهب أهل البیت أبعد المذاهب عن الثقافة الیهودیة

إذا کان عند الباحث معرفة بالثقافة الیهودیة وحساسیة منها ، ومشی بهذا النور فی مصادر الإسلام متتبعاً احتمالات التسرب والتأثیر ، فلن یجد معیناً صافیاً لا شائبة فیه إلا الثروة المرویة عن أهل البیت(علیهم السّلام) .

ولا یهمنا أن یستکثر الآخرون هذه الدعوی ، ولکن یهمنا أن یبحثوا فی مفردات ما أنزل الله تعالی علی رسوله بروایة أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم یقارنوا بینها وبین مثیلاتها من روایة غیر أهل البیت ، من زاویة القرب والبعد عن الثقافة الیهودیة ، ومن زاویة احتمال التسرب والتأثر ، وزاویة التعبیر عن استقلال الشخصیة الفکریة للوحی المنزل علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ثم یحکموا !...

حدثنی الأستاذ الشیخ مصطفی الزرقا ، وهو من کبار فقهاء السنة فی عصرنا ، ومن أبرز عقولهم العلمیة المحترمة ، عن جلسة من جلسات مؤتمر البحوث الإسلامیة فی القاهرة فی أواخر الستینات فقال: تحدث أحد المحاضرین عن مشکلة الإسرائیلیات فی مصادر المسلمین فحمل علی الشیعة الذین جلبوا علی المسلمین هذا البلاء ، وأطال فی ذلک. فطلبت الکلام بعده وقلت: لا یصح أن نظلم الشیعة ، لأنهم طائفة إسلامیة لها عراقتها وأصالتها العلمیة ، وقد اطلعت علی مصادر من فقههم فرأیته فقهاً قوی المنطق والحجة مستنداً إلی القرآن والسنة.. والإسرائیلیات بلاء عام ابتلیت به مصادرنا کما ابتلیت به مصادر الشیعة ، فلا یصح أن نقول إنه جاءنا منهم..

إن هذا الموقف شبه المنصف لهذا الفقیه یدل علی اطلاعه علی مصادر السنة وشئ

ص: 287

من مصادر الشیعة.. ولکنی مطمئن بأنه لو اطلع أکثر لقال: إن بلاء الإسرائیلیات فی مصادر المسلمین وإن کان مشترکاً بین السنة والشیعة ، إلا أن منبعه عند السنة وبعض ترشحاته عند الشیعة ، والسبب فی ذلک أن السلطة کانت بید خلفاء السنة وأئمتهم ، وکان علماء الیهود وحملة ثقافتهم یتقربون إلیهم فقربوهم وأجازوا لهم بث ثقافتهم فی المسلمین ! أما الشیعة فکانوا أقلیة محکومین ، وکان الیهود یبتعدون عنهم خوفاً من غضب السلطة .

ولو اطلع أکثر لقال: أما علی والأئمة من أهل بیت النبی فلم یکونوا بحاجة لأن تکون لهم علاقات ثقافیة مع الیهود والنصاری ، بل کانوا یأنفون من الإستماع إلی علومهم المحرفة.. ولم یعهد عنهم أنهم مدحوا شخصیات أهل الکتاب أو ثقافتهم بکلمة واحدة ، بل کانوا أقوی المناظرین لهم ، وکان المسلمون إذا أحرجوا فی مسألة من أهل الکتاب هرعوا إلی أهل بیت نبیهم (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لیأخذوا جوابها..

ومن المعروف عن علی(علیه السّلام) أن حاخاماً یهودیاً قال له: سرعان ما اختلفتم فی نبیکم. یقصد فی أمر الخلافة. فأجابه(علیه السّلام): نحن لم نختلف فی نبینا بل اختلفنا عنه ، وأما أنتم فما جفت أقدامکم من البحر حتی قلتم: یا موسی اجعل لنا إلهاً کما لهؤلاء !!

إننا علی یقین بأن الباحثین المنصفین فی سلوک أهل البیت وفقههم والعلوم التی أثرت عنهم ، سوف یصلون إلی نتیجة تقول: إن أصفی المذاهب وأبعدها عن التأثر بثقافة أهل الکتاب: هو مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) .

ص: 288

الفصل العاشر: أعمال تحریفیة واسعة من أجل ترسیخ عصمة عمر وأبی بکر !

اشارة

ص: 289

ص: 290

بدأ نشاطهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واستمر إلی یومنا هذا !

اشارة

رأی أتباع الخلافة القرشیة أن کل أمرهم یتوقف علی تصحیح عمل السقیفة ، فأشاعوا نشر تقدیس شخصیة عمر وأبی بکر ، وبقیة زعماء قریش ، مقابل قداسة عترة النبی الطاهرین(علیهم السّلام) الذین تعلم المسلمون الآیات والأحادیث فیهم ، وشاهدوا فیهم مناقبیة الأوصیاء فی القول والعمل !

ولا نتکلم هنا عن أعمال أتباع الخلافة فی تبریر عزل زعماء قریش لأهل البیت واضطهادهم وتنقیص مقامهم ! ولا عن أعمالهم فی آیات القرآن وأحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی عترته أهل بیته(علیهم السّلام) . وإنما عن أعمالهم لرفع مقام الصحابة من أجل عمر وأبی بکر ، فقد جعلوا لعمر مقام النبی بلا نبوة ، ومقام العصمة بدرجة أعلی من عصمة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقد أوردنا عدداً من مسائل هذا الموضوع فی المجلد الثانی من کتاب (ألف سؤال وإشکال علی المخالفین لأهل البیت الطاهرین) فی الفصل 21 و22 ، ونکتفی هنا ببضعة أعمال یتسع لها هذا الکتاب:

ص: 291

الأول: حمَّلوا آیات مدح الصحابة أکثر مما تحتمل

فی القرآن عدد من الآیات فی مدح الصحابة ، وأضعافها فی انتقادهم ! وهذا طبیعی لأن القرآن تنزل فی ثلاث وعشرین سنة ، لیثبِّتَ الله به قلب نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی تبلیغه الرسالة وبناء الأمة ، قال تعالی: وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً کَذَلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَکَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِیلاً. وَلا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاکَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِیرًا. (الفرقان:32-33).

ولیوجه أمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصحابه ، فیمدحهم عندما یحسنون ، ویشجعهم عندما یضعفون ، ویؤنبهم عندما یقصرون ! وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَیْکُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنَ الْکِتَابِ وَالْحِکْمَةِ یَعِظُکُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِکُلِّ شَئٍْ عَلِیمٌ. (البقرة:231).

وَکَیْفَ تَکْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَی عَلَیْکُمْ آیَاتُ اللهِ وَفِیکُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ. (آل عمران:1) .

وقد ضخَّمت السلطة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )آیات مدح الصحابة ، وتناست آیات نقدهم وذمهم ! وبالغت فی ذلک حتی جعلت صحابتها معصومین عملیاً ، لتثبت أنهم الورثة الشرعیون للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع أن أهل البیت النبوی(علیهم السّلام) أهل بیت وصحابة!

ومن الحقائق الملفتة أن احتجاج أتباع الخلافة بهذه الآیات ، ظهرت فی عهد معاویة ولم یکن لهما وجود فی زمن أبی بکر وعمر وعثمان ! فغایة ما تجده عن عمر أنه فضل أهل بدر بالعطاء علی غیرهم ، وحکم بأن الخلافة یجب أن تکون فیهم وأنها حرام علی الطلقاء! قال:( هذا الأمر فی أهل بدر ما بقی منهم أحد ، ثم فی أهل أحد ما بقی منهم أحد ، ثم فی کذا وکذا ولیس فیها لطلیق ولا لولد طلیق ولا لمسلمة الفتح شئ. أخرجه الثلاثة).(أسد الغابة:4/387 ، وفتح الباری:13/178، والطبقات:3/342، وابن عساکر:59/145، وکنز العمال:12/681).

ص: 292

بل إن شهادتهم لأهل بدر بالجنة ، التی رواها بخاری فی:4 /19، وعدة مواضع أخری ، والتی تقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: (وما یدریک لعل الله أن یکون قد اطلع علی أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم). لم یروها أحد عن أبی بکر ولا عمر ! مع أنها لو کانت صحیحةً لاحتجَّا بها فیما احتجَّا !

إن هذا یدل علی أن أتباع الخلافة اتخذوا فیما بعد قرارهم بتعظیم الصحابة بآیات وأحادیث ، وإشاعتها فی المسلمین ، فملأوا بها مصادرهم ، وربَّوا علیها أولادهم ، وأنسوهم آیات توبیخ الصحابة ، وأحادیث دخول اکثرهم النار ! وحرموا علی المسلمین انتقادهم ، بل أفتوا بکفر من ارتکب ذلک وقتله !

قال الخطیب البغدادی الکفایة فی علم الروایة ص63: (باب ما جاء فی تعدیل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا یحتاج إلی سؤال عنهم ، وإنما یجب فیمن دونهم .

کل حدیث اتصل إسناده بین من رواه وبین النبی(ص)لم یلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ویجب النظر فی أحوالهم ، سوی الصحابی الذی رفعه إلی رسول الله(ص)لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعدیل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختیاره لهم فی نص القرآن .

فمن ذلک قوله تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .

وقوله:وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً وهذا اللفظ وإن کان عاما فالمراد به الخاص وقیل وهو وارد فی الصحابة دون غیرهم .

وقوله: لَقَدْرَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً وقوله تعالی: وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالأنصار وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .

ص: 293

وقوله تعالی: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِکَ الْمُقَرَّبُونَ. فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ .

وقوله: یَاأَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ

وقوله تعالی:لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِینَ الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَیَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِینَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإیمان مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَیْهِمْ وَلا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَیُؤْثِرُونَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فی آیات یکثر ایرادها ویطول تعدادها...). انتهی.

ولو سألتهم أولاً: أین الآیات الأخری فی الصحابة ، لنقارنها بآیات مدحهم ونجمع بینها وبینها ، کقوله تعالی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ. وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَیِّزًا إلی فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ. (الأنفال:15-16 )

لمَا کان عندهم جواب ، لأن الصحابة جمیعاً ، ما عدا بنی هاشم ، فروا فی أحد وخیبر وحنین ، وغیرها ، واستحقوا بنص الآیة نار جهنم ، إلا من ثبتت توبته !

وثانیاً ، لو قلنا لهم: ما هی أقوی آیة عندکم فی مدح الصحابة؟ لقالوا: إنها قوله تعالی: لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً ، فقد نصت علی رضا الله عن أهل بیعة الرضوان ، وکانوا ألفاً وأربع مئة ، ولذا حکمنا بأنهم من أهل الجنة .

نقول لهم: إن أهل بیعة الرضوان أو الشجرة ، فیهم مؤمنون وفیهم دون ذلک ، والرضا ورد فی الآیة عن المؤمنین فقط ، واستمراره عن هؤلاء المؤمنین مشروط بأن لایحدثوا ما یغضب الله علیهم ویحبط عملهم !

فلو کان کل المبایعین مؤمنین والرضا عنهم مطلق ، لقال عز وجل: لقد رضی

ص: 294

اللهُ عن الذین یُبایعونک ، وما قیده بالمؤمنین ، وبظرف (إِذْ یُبَایِعُونَکَ) ! فاختیاره لهذین القیدین ، تحفظٌ إلهی کبیر ، یدل علی أن رضاه محدود فی الأشخاص ، وفی الظرف !

وثالثاً ، لماذا نسیتم العقد الذی بایعوا علیه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فکان سبب رضا الله عنهم ، والذی جعلتموه رضاً مستمراً وعصمة شاملة؟ فقد صرحتم بأنهم بایعوه علی أن یقاتلوا معه ولا یفروا ! قال بخاری:4/8: (باب البیعة فی الحرب أن لایفروا ، وقال بعضهم علی الموت ، لقوله تعالی: لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...فسألت نافعاً علی أی شئ بایعهم علی الموت؟ قال: لا بایعهم علی الصبر). انتهی .

فکیف یستمر رضا الله علیهم وقد نکثوا بیعتهم وفروا فی خیبر وحنین ، وکانتا بعد بیعة الشجرة ؟والله تعالی یقول: إِنَّ الَّذِینَ یُبَایِعُونَکَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ اللهَ یَدُ اللهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَی نَفْسِهِ ! (الفتح:10) .

قال ابن طاوس فی الطرائف ص58: (رواه علماء التاریخ مثل محمد بن یحیی الأزدی ، وابن جریر الطبری(1) والواقدی ، ومحمد بن إسحاق ، وأبی بکر البیهقی فی دلائل النبوة(2)وأبی نعیم فی کتاب حلیة الأولیاء(3) والأبشهی فی الإعتقاد ، عن عبد الله بن عمر ، وسهل بن سعد ، وسلمة بن الأکوع ، وأبی سعید الخدری ، وجابر بن عبد الله الأنصاری ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بعث أبا بکر برایته مع المهاجرین وهی رایة بیضاء ، فعاد یؤنب قومه ویؤنبونه ، ثم بعث عمر بعده فرجع یجبِّن أصحابه ویجبنونه ، حتی ساء ذلک النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: لأعطین الرایة غداً رجلاً یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله کراراً غیر فرار لایرجع حتی یفتح الله علی یدیه فأعطاها علیاً ففتح علی یدیه(4 ) .

ص: 295

(وفی هامشه: (1) تاریخ الطبری:3/93 ط بیروت. (2) رواه البیهقی فی السنن الکبری: 9/106 ، وکذا فی الإعتقاد: 151. (3) حلیة الأولیاء:1/62 و:4/356 ، والحاکم النیسابوری فی المستدرک: 3/38. (4) محب الدین الطبری فی ذخائر العقبی:82 ، وابن حجر فی الصواعق المحرقة:72). انتهی .

وقال تعالی: وَیَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئًا وَضَاقَتْ عَلَیْکُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ. (التوبة:25).

وفی صحیح بخاری:5/101: (عن أبی قتادة قال: وانهزم المسلمون یوم حنین وانهزمت معهم فإذا عمر بن الخطاب فی الناس فقلت له: ما شأن الناس؟، قال: أمر الله ) !! ونحوه:4/58 .

فکیف یجوز التمسک بآیة: لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ، وترک قوله عن الفار: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، وقوله عن الناکث: فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَی نَفْسِهِ ؟!

ورابعاً ، سواءکان المدح فی الآیة لکل من بایع کما تقولون ، أو لبعضهم کما نقول ، فإن أهل البیت(علیهم السّلام) فی طلیعتهم ، فهم شرکاء للصحابة فیها ، مضافاً إلی ما اختصوا به من آیات وأحادیث ، فکیف یصح رفع الصحابة إلی مرتبتهم لأنهم شارکوهم فی مدیح ؟!

وخامساً ، ما ذا یعنی عندکم نص القرآن علی رضا الله عز وجل عن أناس؟

هل یعنی عصمتهم ، وأنهم حجة علی المسلمین یجب علیهم الإقتداء بهم ؟ فتکون سنتهم وقولهم وفعلهم وتقریرهم حجة شرعیة کالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

وإذا اختلفوا واقتتلوا ، فهل یکون إجماعهم فقط هو الحجة ؟ أم یجوز للمسلم أن یقتدی بأی واحد منهم کما رویتم: أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم ؟!

فیصح الإقتداء بسعد بن عبادة وأهل البیت(علیهم السّلام) فی رفضهم لخلافة السقیفة ؟

وسادساً ، کیف تقولون إن الرضا الإلهی شمل کل أهل بیعة الشجرة فکلهم

ص: 296

فی الجنة ، وفیهم رأس المنافقین ابن سلول ، وفیهم ابن عدیس البلوی قاتل عثمان ، وفیهم أبو الغادیة قاتل عمار الذی شهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه من أهل النار؟!

هذه مناقشة عابرة فی أهم آیة عندهم فی مدح الصحابة ، التی حاولوا بها رفعهم إلی صف أهل البیت(علیهم السّلام) . ولایتسع المجال لبسط القول فیها وفی غیرها.

الثانی: غیبوا الآیات الصریحة فی نقد الصحابة وذمهم !
اشارة

فمنها قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْکِتَابِ الَّذِی نَزَّلَ عَلَی رَسُولِهِ (النساء:136) ، وهو خطاب یشمل الصحابة ویأمرهم أن یؤمنوا ، ویدل علی أنهم

کغیرهم ، فیهم کامل الإیمان وناقصه !

وتدل الآیة التالیة علی أنهم کغیرهم من الناس ، فأکثرهم موحد فی الظاهر ، مشرکٌ فی الواقع: وَمَا أَکْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ...وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاوَهُمْ مُشْرِکُونَ .(یوسف:103و106).

کما أن منهم من لبس إیمانه بظلم: الَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یَلْبِسُوا إِیمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِکَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. الأنعام:82

ومنهم من یؤذی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَأُذُنٌ ! (التوبة:61).

ومنهم یفتری علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویتهم عرضه: إِنَّ الَّذِینَ جَاءُوا بِالإفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ بَلْ هُوَخَیْرٌ لَکُمْ لِکُلِّ امْرِیءٍ مِنْهُمْ مَا اکْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِی تَوَلَّی کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِیمٌ. (النور:11).

ومنهم منافقون لایعلمهم حتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمِنْ أهل الْمَدِینَةِ مَرَدُوا عَلَی النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. التوبة:101

ومنهم من یرید الحیاة الدنیا فیهرب من المعرکة: مِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیَا وَمِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الآخرة. آل عمران:152

ص: 297

ویتهم الله ورسوله لتغطیة جبنه: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. الأحزاب:10 وَإِذْ یَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا. الأحزاب:12

ومنهم من یتسلل هرباً من أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قَدْ یَعْلَمُ اللهُ الَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنْکُمْ لِوَاذًا فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ. النور:63

ومنهم من یتثاقل عن الجهاد مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَا لَکُمْ إِذَا قِیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلی الأرض أَرَضِیتُمْ بِالْحَیَاةِ الدُّنْیَا مِنَ الآخرة! التوبة:38

ومنهم من یثبط المؤمنین عن الجهاد مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَإِنَّ مِنْکُمْ لَمَنْ لَیُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْکُمْ مُصِیبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیَّ إِذْ لَمْ أَکُنْ مَّعَهُمْ شَهِیدًا. النساء:72

ومنهم بخیلٌ بماله فکیف بدمه: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَمَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِیُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أَمْثَالَکُمْ. محمّد:38

ومنهم من یخون الله ورسوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِکُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنفال:27

ومن یتبع خطوات الشیطان: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ وَمَنْ یَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَکَی مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَکِنَّ اللهَ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ. النور:21

ومنهم من یسقط فی الفتنة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِیَ فِی اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ کَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّکَ لَیَقُولُنَّ إِنَّا کُنَّا مَعَکُمْ أَوَلَیْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِی صُدُورِ الْعَالَمِینَ. العنکبوت:10 وَلَیَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِینَ. العنکبوت:11

ومنهم صاحب أضغان وعقد: أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللهُ

ص: 298

أَضْغَانَهُمْ. محمّد:29 وَلَوْ نَشَاءُ لارَیْنَاکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ یَعْلَمُ أَعْمَالَکُمْ. محمّد:30

ومنه فی معرض الردة والکفر: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا کُفْرًا لَمْ یَکُنِ اللهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِیَهْدِیَهُمْ سَبِیلاً. النساء:137

ولم ینته امتحانهم بوفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِینَ مِنْکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَکُمْ. محمّد:31

ومنهم من سیرتد وینقلب علی عقبیه بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شیئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ).(آل عمران:144)

ومنهم الخائن العمیل للکافرین: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَلَمَّا یَعْلَمِ اللهُ الَّذِینَ جَاهَدُوا مِنْکُمْ وَلَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً وَاللهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. التوبة:16

ومنهم من هو من الیهود أو النصاری: وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ. المائدة:51 فَتَرَی الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یُسَارِعُونَ فِیهِمْ یَقُولُونَ نَخْشَی أَنْ تُصِیبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَی اللهُ أَنْ یَاتِیَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَیُصْبِحُوا عَلَی مَا أَسَرُّوا فِی أَنْفُسِهِمْ نَادِمِینَ. المائدة:52

وهم مثل أتباع الأنبیاء السابقین منهم الصالح ومنهم الطالح: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالنَّصَارَی وَالصَّابِئِینَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ. البقرة:62

ولا نرید بذلک أن ننقص من حق صحابة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ففیهم أبرار أخیار ومجاهدون أئمة ، نزلت فیهم آیات مدیح فریدة ، وصدرت بحقهم شهادات

ص: 299

نبویة خالدة ، لکنها تخص الصالحین منهم ، دون المنافقین ، ومرضی القلوب وضعفاء العقیدة. فلا بد من میزان لمعرفتهم .

لا بد من میزان لتقییم الصحابة

کان المیزان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أما بعده فالمیزان عترته الطاهرون(علیهم السّلام) الذین قال فیهم فی حدیثه المتواتر عند الجمیع: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما.

وقال فی أولهم علی(علیه السّلام):(علی باب علمی، ومبیِّنٌ لأمتی ما أرسلت به من بعدی. حبه إیمان وبغضه

نفاق ، والنظر إلیه رأفة ومودة وعبادة .(فردوس الأخبار:3/64) وروی الحاکم: 3/129: عن أبی ذر قال: ما کنا نعرف المنافقین إلا بتکذیبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلوات ، والبغض لعلی بن أبی طالب. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ، ولم یخرجاه. (ورواه أحمد فی فضائل الصحابة: 2/639).

وفی صحیح مسلم: 1/60 ، تحت عنوان: باب حب علی من الإیمان: عن زر بن حبیش قال: قال علی(علیه السّلام): والذی فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبی(ص)إلیَّ: أن لا یحبنی إلا مؤمن ، ولا یبغضنی إلا منافق). (ورواه ابن ماجة:1/42 ، والنسائی فی سننه: 8/115 و117 وفی خصائص علی: 1375 ، وأحمد:1/84 و95 و128 وفضائل الصحابة: 2/264 ، وابن أبی شیبة فی مصنفه:12/56 ، وعبد الرزاق فی مصنفه:11/55 ، وابن أبی عاصم فی السنة:5842 ، وابن حبان فی صحیحه:9/40 ، والخطیب فی تاریخ بغداد:2/255 و14/426 ، وابن عبد البر فی الإستیعاب: 3/37 ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء:8/185، وابن حجر فی الإصابة:2/503 ، والحاکم فی المستدرک:3 /139 ، والبیهقی فی سننه:5/47 ، وابن حجر فی فتح الباری:7/57 ).

وفی فتح الباری: 7/72: وفی کلام أمیر المؤمنین کرم الله وجهه یقول: لو ضربت خیشوم المؤمن بسیفی هذا علی أن یبغضنی ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا بجمانها علی المنافق علی أن یحبنی ما أحبنی ! وذلک أنه قضی فانقضی علی لسان النبی الأمی صلی الله علیه و(آله)وسلم أنه قال: یا علی لا یبغضک مؤمن، ولا یحبک

ص: 300

منافق). انتهی .

ویطول الکلام لو أردنا استعراض ما دل علی أن علیاً والعترة الطاهرة(علیهم السّلام) میزان الإسلام والکفر والإیمان والنفاق ، فبهم فقط نستطیع أن نعرف المرضیین وغیر المرضیین من الصحابة ، من أهل السقیفة وغیرهم.

الثالث: وضعوا أحادیث فی مدح الصحابة وعصمتهم
لیقابلوا بها أحادیث عصمة العترة(علیهم السّلام)

قال الخطیب البغدادی فی الکفایة ص64: (ووصف رسول الله(ص) الصحابة مثل ذلک(مثل

الآیات)وأطنب فی تعظیمهم وأحسن الثناء علیهم. فمن الأخبار المستفیضة عنه فی هذا المعنی: ما أخبرنا أبو نعیم الحافظ ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس...عن عبد الله بن مسعود أن النبی(ص)قال: خیر أمتی قرنی ثم الذین یلونهم ثم الذین یلونهم ثم یجئ قوم تسبق ایمانهم شهادتهم ویشهدون قبل ان یستشهدوا... ثم رواه الخطیب عن أبی هریرة وعمران بن حصین ، وروی بعده:

عن أبی سعید قال قال رسول الله(ص): لا تسبوا أصحابی ، فوالذی نفسی بیده لو أنفق أحدکم مثل أحد ذهباً ، ما أدرک مُدَّ أحدهم ولا نصیفه...

عن ابن عباس قال قال رسول الله(ص): مهما أوتیتم من کتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدکم فی ترکه ، فإن لم یکن فی کتاب الله فسنة منی ماضیة ، فإن لم تکن سنة منی ماضیة فما قال أصحابی ، إن أصحابی بمنزلة النجوم فی السماء فأیها أخذتم به اهتدیتم ، واختلاف أصحابی لکم رحمة...

عن سعید بن المسیب عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله(ص): سألت ربی فیما اختلف فیه أصحابی من بعدی ، فأوحی الله إلیَّ یا محمد إن أصحابک عندی بمنزلة النجوم فی السماء ، بعضها أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشئ مما هم علیه من

ص: 301

اختلافهم فهم عندی علی هدی....

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله(ص): إن الله اختارنی واختار أصحابی فجعلهم أصهاری وجعلهم أنصاری ، وإنه سیجئ فی آخر الزمان قوم ینتقصونهم ألا فلا تناکحوهم ، ألا فلا تنکحوا إلیهم ، ألا فلا تصلوا معهم ، ألا فلا تصلوا علیهم ، علیهم حلت اللعنة.

وتابع الخطیب: الأخبار فی هذا المعنی تتسع ، وکلها مطابقة لما ورد فی نص القرآن ! وجمیع ذلک یقتضی طهارة الصحابة والقطع علی تعدیلهم ونزاهتهم ، فلا یحتاج أحد منهم مع تعدیل الله تعالی لهم المطلع علی بواطنهم ، إلی تعدیل أحد من الخلق له ، فهو علی هذه الصفة ، إلا أن یثبت علی أحد ارتکاب ما لا یحتمل إلا قصد المعصیة والخروج من باب التأویل ، فیحکم بسقوط العدالة ، وقد برأهم الله من ذلک ورفع أقدارهم عنه .

علی أنه لو لم یرد من الله عز وجل ورسوله فیهم شئ مما ذکرناه لأوجبت الحال التی کانوا علیها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة فی الدین وقوة الإیمان والیقین ، القطع علی عدالتهم والإعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جمیع المعدلین والمزکین ، الذین یجیؤن من بعدهم أبد الآبدین ! هذا مذهب کافة العلماء ومن یعتد بقوله من الفقهاء .

وذهبت طائفة من أهل البدع إلی أن حال الصحابة کانت مرضیة إلی وقت الحروب التی ظهرت بینهم وسفک بعضهم دماء بعض ، فصار أهل تلک الحروب ساقطی العدالة ، ولما اختلطوا بأهل النزاهة ، وجب البحث عن أمور الرواة منهم.

ولیس فی أهل الدین والمتحققین بالعلم من یصرف إلیهم خبر ما لا یحتمل نوعاً من التأویل ، وضرباً من الإجتهاد ، فهم بمثابة المخالفین من الفقهاء ، المجتهدین فی تأویل الأحکام لإشکال الأمر والتباسه.

ص: 302

ویجب ان یکونوا علی الأصل الذی قدمناه من حال العدالة والرضا ، إذ لم یثبت ما یزیل ذلک عنهم .

أخبرنا أبو منصور محمد بن عیسی الهمذانی ، ثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل یقول: سمعت أحمد بن محمد بن سلیمان التستری یقول: سمعت أبا زرعة یقول: إذا رأیت الرجل ینتقص أحداً من أصحاب رسول الله(ص)فاعلم أنه زندیق ! وذلک أن الرسول(ص)عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدی إلینا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله(ص) ، وإنما یریدون أن یجرحوا شهودنا لیبطلوا الکتاب والسنة ، والجرح بهم أولی وهم زنادقة ). انتهی .

وکلام أبی زرعة الذی رواه الخطیب البغدادی فی سیاق الأحادیث کأنه حدیث شریف ! یدل علی تصعید محاولتهم فی الدفاع عن أبی بکر وعمر وأتباعهما ، بحصر سند الإسلام والقرآن بهم ، وجعل التشکیک فیهم تشکیکاً فی سند الإسلام ! وکأن کل أمة الإسلام ماتت بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وضاع الإسلام ، ولا یوجد سند لإثباته إلا روایة هؤلاء !!

أما الأحادیث التی ذکرها الخطیب فی فضلهم ، فکلها ضعیفة أو موضوعة ، بدون استثناء ، بشهادة النقاد من علمائهم ! ولا یتسع المجال لبیان ذلک .

وقال القاضی الجرجانی فی شرح المواقف:8/373 ، وهو من کبار متکلمی المذاهب السنیة: ( المقصد السابع: إنه یجب تعظیم الصحابة کلهم ، والکف عن القدح فیهم لأن الله سبحانه وتعالی عظمهم وأثنی علیهم ، فی غیر موضع من کتابه ، کقوله: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار. وقوله: یوم لایخزی الله

ص: 303

النبی والذین آمنوا معه ، نورهم یسعی بین أیدیهم. وقوله: والذین معه أشداء علی الکفار رحماء بینهم تراهم رکعاً سجداً یبتغون فضلاً من الله ورضواناً. وقوله: لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجرة.

إلی غیر ذلک من الآیات الدالة علی عظم قدرهم وکرامتهم عند الله .

والرسول قد أحبهم وأثنی علیهم فی أحادیث کثیرة ، منها قوله(علیه السّلام):خیر القرون قرنی ثم الذین یلونهم ثم الذین یلونهم. ومنها قوله: لا تسبوا أصحابی فلو أن أحدکم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصیفه. ومنها قوله: الله الله فی أصحابی لا تتخذوهم غرضاً بعدی ، فمن أحبهم فبحبی أحبهم ومن أبغضهم فببغضی أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذانی ، ومن آذانی فقد آذی الله فیوشک أن یأخذه. إلی غیر ذلک من الأحادیث المشهورة فی الکتب الصحاح .

ثم إن من تأمل سیرتهم ، ووقف علی مآثرهم ، وجدهم فی الدین وبذلهم أموالهم وأنفسهم فی نصرة الله ورسوله ، لم یتخالجه شک فی عظم شأنهم ، وبراءتهم عما ینسب إلیهم المبطلون من المطاعن ، ومنعه ذلک أی تیقنه بحالهم عن الطعن فیهم ، فرأی ذلک مجانباً للإیمان.

ونحن لا نلوث کتابنا بأمثال ذلک ، وهی مذکورة فی المطولات مع التفصی عنها ، فارجع إلیها إن أردت الوقوف علیها .

وأما الفتن والحروب الواقعة بین الصحابة ، فالهشامیة من المعتزلة أنکروا وقوعها ! ولا شک أنه مکابرة للتواتر فی قتل عثمان ووقعة الجمل وصفین .

والمعترفون بوقوعها ، منهم من سکت عن الکلام فیها بتخطئة أو تصویب ، وهم طائفة من أهل السنة. فإن أرادوا إنه اشتغال بما لا یعنی فلا بأس به ، إذ قال الشافعی وغیره من السلف: تلک دماء طهر الله عنها أیدینا فلنطهر عنها ألسنتنا. وإن

ص: 304

أرادوا إنا لا نعلم أوقعت أم لا؟ فباطل ، لوقوعها قطعاً ، وأنت خبیر بأن الشق الثانی من التردید ینافی الإعتراف بوقوعها .

واتفق العمریة أصحاب عمرو بن عبید ، والواصلیة أصحاب واصل بن عطاء علی رد شهادة الفریقین ، قالوا لو شهد الجمیع بباقة بقلة لم نقبلها ، أما العمریة فلأنهم یرون فسق الجمیع من الفریقین.

وأما الواصلیة فلأنهم یفسقون أحد الفریقین لا بعینه، فلا یعلم عدالة شئ منهما .

والذی علیه الجمهور من الأمة هو: أن المخطئ قتلة عثمان ومحاربوا علی لأنهما إمامان فیحرم القتل والمخالفة قطعاً ، إلا أن بعضهم کالقاضی أبی بکر ذهب إلی أن هذه التخطئة لا تبلغ إلی حد التفسیق. ومنهم ذهب إلی التفسیق کالشیعة وکثیر من أصحابنا ). انتهی .

وقد کشف الجرجانی وجود آراء مختلفة تدین أکثر الصحابة ومنهم أبو بکر وعمر ، لکنه مرَّ علیها مروراً ورکَّز علی بضعة أحادیثهم الموضوعة المتقدمة ! ونکتفی هنا بمناقشة واحد منها:

نقد حدیث: خیر القرون قرنی

روی البخاری:7/173 ، عن عبدالله بن عمر أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال:خیر الناس قرنی ، ثم الذین یلونهم ، ثم الذین یلونهم ، ثم یجئ من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أیمانهم ، وأیمانهم شهادتهم. ورواه أیضاً بصیغة: خیرکم قرنی، ثم الذین یلونهم- قال عمران فما أدری قال النبی بعد قوله مرتین أو ثلاثاً- ثم یکون بعدهم قوم یشهدون ولایستشهدون، ویخونون ولایؤتمنون، وینذرون ولایفون، ویظهر فیهم السِّمَن).انتهی. ومعنی السِّمَن: البدنة من الترف وکثرة الأکل. ( وکرر روایته فی:7/224، و233) ومعناه أن التاریخ الإسلامی یسیر إلی

الإنحدار ، والأمة إلی الزوال !

ص: 305

وأصل الحدیث هو تصور عمر لمستقبل الإسلام وأمته ، وأنه کالبعیر سیهرم ویموت! ففی مسند أحمد:3/463: (قال کنت فی مجلس فیه عمر بن الخطاب بالمدینة فقال لرجل من القوم: یا فلان کیف سمعت رسول الله (ص)ینعت الإسلام؟ قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: إن الإسلام بدأ جَذعاً ثم ثِنْیاً ثم رُباعیاً ثم سُدیسیاً ثم بازلاً ! قال فقال عمر بن الخطاب: فما بعد البزول إلا النقصان) !! (ورواه فی:5/52 ، وقال فی لسان العرب إن الذی سأله عمر هو العلاء بن الحضرمی) .

وقال الزبیدی فی تاج العروس:9/245: (وأدنی الأسنان الإثناء ، وهو أن تنبت ثنیتاها ، وأقصاها فی الإبل البزول ، وفی البقر والغنم السلوغ ).

وأصل الفکرة من کعب الأحبار الذی أقنع عمر بأن الإسلام سوف ینتهی ، وأن الکعبة سوف تهدم ، ومکة ستخرب ! فقد عقد البخاری باباً فی:2/159، بعنوان: (باب هدم الکعبة !) روی فیه (عن أبی هریرة عن النبی(ص) قال: یُخرب الکعبة ذو السویقتین من الحبشة ) ! (ورواه مسلم:8/183) ثم روی البخاری حدیثین آخرین ، أحدهما عن ابن عباس عن النبی(ص)قال:کأنی به أسود أفحج یقلعها حجراً حجراً!

ومن الثابت أن أبا هریرة کان یروی عن کعب ویسنده إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع أن کعباً لم یر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ویبدو أن عمر یفعل ذلک أیضاً لشدة ثقته بکعب !

ففی مسند أحمد:1/23: عن عمر أنه سمع رسول الله (ص) یقول: سیخرج أهل مکة ثم لایعبر بها أولاًیعبر بها إلا قلیل ، ثم تمتلئ وتبنی ، ثم یخرجون منها فلا یعودون فیها أبداً )! ( وقال عنه فی مجمع الزوائد:3/298: رواه أحمد وأبو یعلی وفیه ابن لهیعة وحدیثه حسن ، وبقیة رجاله رجال الصحیح ) .

وفی مسند أحمد:2/220: (عن عبدالله بن عمرو قال سمعت رسول الله (ص) یقول: یخرب الکعبة ذو السویقتین من الحبشة ویسلبها حلیتها ویجردها من

ص: 306

کسوتها ! ولکأنی أنظر إلیه أصیلع أُفَیْدِع ، یضرب علیها بمسحاته ومعوله)! انتهی.

الخط البیانی للأمة.. نزولٌ ثم صعود !

کل من قرأ القرآن یعرف أن الله تعالی وعد أن یظهر دینه علی الدین کله: (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَی وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ) .

وکل من قرأ الحدیث یعرف أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر أمته عن مستقبلها ومسارها وأنها ستصاب بالإنحراف والضعف ، ثم یبعث الله فیها المهدی من عترته (علیه السّلام) فیظهر به دینه علی الدین کله ، وینزل فیها عیسی(علیه السّلام)من السماء لیساعده.

فهی أحادیث متواترة روتها مصادر السنیین ومصادر أهل البیت(علیهم السّلام) ، منها ما رواه الإمام الصادق(علیه السّلام)عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أبشروا ثم أبشروا-ثلاث مرات-إنما مثل أمتی کمثل غیث لایدری أوله خیر أم آخره ، إنما مثل أمتی کمثل حدیقة أطعم منها فوج عاماً ، ثم أطعم منها فوج عاماً ، لعل آخرها فوجاً یکون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً ، وأحسنها جنیً ! وکیف تهلک أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدی من السعداء وأولی الألباب ، والمسیح عیسی بن مریم آخرها؟! ولکن یهلک بین ذلک نتج الهرج ، لیسوا منی ولست منهم). (الخصال ص475، وکمال الدین ص269، وعیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/56).

لکنک تری علماء السلطة القرشیة یتعمدون الإعراض عن هذه الأحادیث ویرجحون علیها حدیث خیر القرون المزعوم ، لأنه بتصورهم یُفَضِّل الصحابة الذین یحبونهم ، أی أبا بکر وعمر ، علی کل البشر ، وهذا مطلوبهم حتی لو خربت الدنیا ، وهدمت الکعبة ، وانتهی الإسلام !!

وقد تمحلوا فی تأویل الأحادیث الصریحة الصحیحة التی تفضل جیلاً أو أشخاصاً آتین من الأمة علی جیل الصحابة ، مثل حدیث: (تأتی أیام للعامل فیهن

ص: 307

أجر خمسین، قیل: منهم أو منایارسول الله؟ قال: بل منکم) .

فهاجموا کل نوع من هذه الأحادیث تأویلاً وتمییعاً وتضعیفاً ، لتسلم لهم مقولة أن الصحابة أفضل من الجمیع ! (راجع الفصل السادس عشر من المجلد الأول ، لتری تأثیر الیهود فی نشر عقیدة أن الأمة الإسلامیة تسیر فی خط نزول مستمر إلی فنائها ! وأن القرآن سیرفع من الأرض ، والکعبة ستهدم ، ومکة ستخرب فلا تسکن بعدها أبداً ).

تخبط الشراح فی حدیث خیر القرون قرنی !

قال النووی فی مقدمة شرح مسلم:1/3: (المُکرَّم بتفضیل أمته زادها الله شرفاً علی الأمم السابقین ، وبکون أصحابه خیر القرون الکائنین ، وبأنهم کلهم مقطوع بعدالتهم عند من یعتد به من علماء المسلمین ).وقال فی:16/84: (اتفق العلماء علی أن خیر القرون قرنه(ص) ، والمراد أصحابه ، وقد قدمنا أن الصحیح الذی علیه الجمهور أن کل مسلم رأی النبی(ص)ولو ساعة فهو من أصحابه. وروایة خیر الناس علی عمومها والمراد منه جملة القرن ، ولا یلزم منه تفضیل الصحابی علی الأنبیاء(ص)ولا أفراد النساء علی مریم وآسیة وغیرهما ، بل المراد جملة القرن بالنسبة إلی کل قرن بجملته...الخ.). ثم ذکر النووی اختلافهم فی القرن ، من عشر سنوات إلی مئة وعشرین سنة !

فانظر کیف فسر القرن بالمجموع الکلی للأصحاب ، وفضلهم علی المجموع الکلی لأناس کل قرن ! وهذا معنی قوله (جملة القرن بالنسبة إلی کل قرن بجملته) ولکنه یقول لایلزم منه ذلک !

ولو أنصف لقال: یلزم منه أنهم أفضل من المجموع الکلی لأناس القرون الماضیة والآتیة مجتمعین ، لأن تفضیلهم جاء مطلقاً !

ص: 308

ویبدو أن البخاری لم یروِ: خیر القرون قرنی ، فراراً من التعمیم الذی فیه ، ولکنه روی: خیر الناس قرنی ، فوقع فیما فرَّ منه !

قال الشوکانی فی نیل الأوطار:9/228: (وحدیث أبی هریرة أن خیر القرون قرنه (ص) ، وفی ذلک دلیل علی أنهم الخیار من هذه الأمة ، وأنه لا أکثر خیراً منهم. وقد ذهب الجمهور إلی أن ذلک باعتبار کل فرد فرد. وقال ابن عبد البر: إن التفضیل إنما هو بالنسبة إلی مجموع الصحابة ، فإنهم أفضل ممن بعدهم ، لا کل فرد منهم. وقد أخرج الترمذی باسناد قوی ، من حدیث أنس مرفوعاً: مَثَلُ أمتی مثلُ المطر ، لا یدری أوله خیر أم آخره.....

وأخرج ابن أبی شیبة من حدیث عبد الرحمن بن جبیر بن نفیر باسناد حسن قال رسول الله (ص): لیدرکن المسیح أقواماً إنهم لمثلکم أو خیر ثلاثاً.....

وأخرج أحمد ، والدارمی ، والطبرانی باسناد حسن ، من حدیث أبی جمعة قال: قال أبو عبیدة: یارسول الله أحد خیر منا ، أسلمنا معک وجاهدنا معک؟ قال: قوم یکونون من بعدکم ، یؤمنون بی ولم یرونی. وقد صححه الحاکم.

وأخرج مسلم من حدیث أبی هریرة رفعه: بدأ الإسلام غریباً وسیعود غریباً کما بدأ ، فطوبی للغرباء.

وأخرج أبو داود والترمذی من حدیث ثعلبة رفعه: تأتی أیام للعامل فیهن أجر خمسین ، قیل: منهم أو منا یا رسول الله ؟ قال: بل منکم

وجمع الجمهور ، بأن الصحابة لها فضیلة ومزیة لایوازیها شئ من الأعمال ، فلمن صحب النبی(ص)فضیلة الصحبة وإن قصر فی الأعمال ، وفضیلة من بعد الصحابة باعتبار کثرة الأعمال المستلزمة لکثرة الأجور ، فحاصل هذا الجمع أن التنصیص علی فضیلة الصحابة باعتبار فضیلة

الصحبة ، وأما باعتبار أعمال الخیر فهم کغیرهم...فتقرر بما ذکرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور...

ص: 309

والذی یستفاد من مجموع الأحادیث أن للصحابة مزیة لایشارکهم فیها من بعدهم ، وهی صحبته(ص)ومشاهدته والجهاد بین یدیه وإنفاذ أوامره ونواهیه ، ولمن بعدهم مزیة لایشارکهم الصحابة فیها وهی إیمانهم بالغیب فی زمان لا یرون فیه الذات الشریفة ، التی جمعت من المحاسن ما یقود بزمام کل مشاهد إلی الإیمان ، إلامن حقت علیه الشقاوة....). انتهی.

فتکون النتیجة عند الشوکانی قریبة من التساوی !!

ثم تابع الشوکانی:(فإن قلت: ظاهر الحدیث المتقدم عن أبی عبیدة قال: یارسول الله أحد خیر منا أسلمنا معک وجاهدنا معک؟ فقال: قوم یکونون من بعدکم یؤمنون بی ولایرونی ، یقتضی تفضیل مجموع قرن هؤلاء علی مجموع قرن الصحابة.

قلت: لیس فی هذا الحدیث ما یفید تفضیل المجموع علی المجموع ، وإن سلم ذلک وجب المصیر إلی الترجیح لتعذر الجمع، ولاشک أن حدیث خیر القرون قرنی أرجح من هذا الحدیث بمسافات ، لو لم یکن إلا کونه فی الصحیحین وکونه ثابتاً من طرق، وکونه متلقی بالقبول....فلم یبق ههنا إشکال والله أعلم)!

أما ابن حجر فقد بحث فی أول المجلد السابع من فتح الباری حدیث خیر القرون وأفضلیة الصحابة ، بحثاً مطولاً کغیره ، فقوَّی رأی البخاری فی أن الصحابی من رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وأفتی بأن من قاتل منهم أو أنفق فهم خیر البشر علی الإطلاق ! ثم قال: ( لکن هل هذه الأفضلیة بالنسبة إلی المجموع أو الأفراد، محل بحث ، والی الثانی نحا الجمهور ، والأول قول ابن عبد البر. والذی یظهر أن من قاتل مع النبی(ص)أو فی زمانه بأمره ، أو أنفق شیئاً من ماله بسببه ، لایعدله فی الفضل أحد بعده کائناً من کان ! وأما من لم یقع له ذلک فهو محل البحث ، والأصل فی ذلک قوله تعالی: لایَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ

ص: 310

أُولَئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا.. الآیة واحتج بن عبد البر بحدیث: مثلُ أمتی مثل المطر لایدری أوله خیر أم آخره ، وهو حدیث حسن ، له طرق قد یرتقی بها إلی الصحة .

وقد روی بن أبی شیبة من حدیث عبد الرحمن بن جبیر بن نفیر أحد التابعین باسناد حسن قال قال رسول الله(ص): لیدرکنَّ المسیح أقواماً ، إنهم لمثلکم أو خیر. ثلاثاً ، ولن یخزی الله أمة أنا أولها والمسیح آخرها .

وروی أبو داود والترمذی من حدیث أبی ثعلبة رفعه: تأتی أیام للعامل فیهن أجر خمسین. قیل: منهم أو منا یا رسول الله ؟ قال: بل منکم ، وهو شاهد لحدیث مثل أمتی مثل المطر .

واحتج بن عبد البر أیضاً بحدیث عمر رفعه: أفضل الخلق إیماناً قوم فی أصلاب الرجال یؤمنون بی ولم یرونی..الحدیث ، أخرجه الطیالسی وغیره لکن إسناده ضعیف فلا حجة فیه.

وروی أحمد والدارمی والطبرانی من حدیث أبی جمعة قال قال أبو عبیدة: یارسول الله أحدٌ خیر منا ، أسلمنا معک وجاهدنا معک؟ قال: قوم یکونون من بعدکم یؤمنون بی ولم یرونی ، وإسناده حسن وقد صححه الحاکم .

واحتج أیضاً بأن السبب فی کون القرن الأول خیر القرون أنهم کانوا غرباء فی إیمانهم لکثرة الکفار حینئذ ، وصبرهم علی أذاهم ، وتمسکهم بدینهم ، قال: فکذلک أواخرهم إذا أقاموا الدین وتمسکوا به وصبروا علی الطاعة حین ظهور المعاصی والفتن ، کانوا أیضاً عند ذلک غرباء ، وزکت أعمالهم فی ذلک الزمان کما زکت أعمال أولئک. ویشهد له ما رواه مسلم عن أبی هریرة رفعه: بدأ الإسلام غریباً وسیعود غریبا کما بدأ ، فطوبی للغرباء .

وقد تعقب کلام بن عبد البر بأن مقتضی کلامه أن یکون فیمن یأتی بعد

ص: 311

الصحابة من یکون أفضل من بعض الصحابة ، وبذلک صرح القرطبی ، لکن کلام بن عبد البر لیس علی الإطلاق فی حق جمیع الصحابة ، فإنه صرح فی کلامه باستثناء أهل بدر والحدیبیة ، نعم ، والذی ذهب إلیه الجمهور أن فضیلة الصحبة لایعدلها عمل لمشاهدة رسول الله(ص). انتهی.

ثم واصل ابن حجر محاولته لترجیح هذا حدیث خیر القرون علی مایعارضه بکلام طویل، ومما قاله: (وأما حدیث أبی جمعة فلم تتفق الرواة علی لفظه ، فقد رواه بعضهم بلفظ الخیریة کما تقدم ، ورواه بعضهم بلفظ: قلنا یا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً.. الحدیث...). انتهی.

وتلاحظ أنه أسقط حدیث أبی جمعة عن الصلاحیة لمعارضة حدیث القرون لتفاوت ألفاظه ، وهو یعرف أن ألفاظ حدیث القرون متفاوتة ومتعارضة ، وأن صیَغه تزید علی العشرة ، وقد تضمن بعضها شتماً لکل أجیال المسلمین الآتیة ! کالذی فی فیض القدیر:3/638: (خیر الناس قرنی الذین أنا فیهم ، ثم الذین یلونهم ، ثم الذین یلونهم ، والآخرون أراذل ) ! انتهی. یقصد الذین من بعدهم !!

ثم ختم ابن حجر بقوله: (واستدل بهذا الحدیث علی تعدیل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم فی الفضل ، وهذا محمول علی الغالب والأکثریة ) ! انتهی.

وبذلک حصر أمر التفضیل علی العالمین فی أبی بکر وعمر ومن تبعهما ! وهو بیت قصیدهم ، فی هذه المسألة وغیرها !

قال المناوی فی فیض القدیر:2/233: (وأما خبر خیر الناس قرنی فخاص بقوم منهم ، والمراد فی قرنی کالعشرة وأضرابهم ، وأما سواهم فیجوز أن یساویهم أفاضل أواخر هذه الأمة ). انتهی.

فاتجاههم إلی تضییق المقصود بالحدیث ، ثابتٌ مستمر ، حتی یصل الأمر إلی

ص: 312

العشرة المبشرة ، ثم یصل منهم إلی عمر وأبی بکر خاصة !

الرابع: ردهم شهادات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی انحراف الصحابة بعده
اشارة

یحمد الله الشوکانی علی أنه لم یبق إشکال علی حدیث القرون ( خیر القرون قرنی) وأنه ثبت به تفضیل أبی بکر وعمر ، علی أهل القرون !

أما ابن حجر فتخیل أنه عثر علی علل فی الأحادیث المعارضة لحدیث القرون فی سند بعضها ، ونقاط ضعف فی تفاوت ألفاظ بعضها !

ومن العجیب أن هؤلاء الباحثین یرجحون حدیث القرون وهو حدیث واحد لراویِیْن أو ثلاثة ، علی أحادیث الحوض وهی عشرات الأحادیث الصحیحة الصریحة ، المتعددة الطرق والرواة إلی حد التواتر ، بل تراهم یذکرونها علی مضض کأنهم مجبرون ! والسبب أنها نصَّتْ علی أن أکثر الصحابة فی النار ! وأنه لا ینجو منهم إلا مثل هَمَل النَّعَم ، أی القلة الذین لاراعی لهم !

قال البخاری:7/208: ( عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: (بیْنَا أنا قائمٌ فإذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال: هلمَّ ، فقلت أین؟ قال إلی النار والله ! قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال: هلم ! قلتُ: أین ؟ قال: إلی النار والله ! قلتُ: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! فلا أراه یخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) !! انتهی.

وقد قتل شراح البخاری أنفسهم لإبعاد هذه الأحادیث عن الصحابة وإلصاقها بغیرهم ، وقالوا إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقصد الذین ارتدوا فی الیمن ونجد !

لکن روایة البخاری التالیة صرحت بأن هؤلاء المطرودین عن الحوض الصحابة لا البدو المرتدین! قال فی:2/975: (عن ابن المسیب أن النبی(ص)قال:

ص: 313

یَرِدُ علیًّ الحوضَ رجالٌ من أصحابی فیحلؤون عنه ، فأقول یارب أصحابی ! فیقول: فإنه لاعلم لک بما أحدثوا بعدک ، إنهم ارتدوا علی أعقابهم القهقری)!

(وروی شبیهاً به فی: 8/86 ، وشبیهاً بالأول فی:7/195 و207-210 وص84 و87 و:8/86 و87 ، ونحوه مسلم:1/150 و:7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد:2/25 و408 و:3/28 و:5/21 و24 و50 و:6/16 ، والبیهقی فی سننه:4/ 14 ، ونقل روایاته المتعددة فی کنز العمال:13/157و:14/48 و:15/647 وقال رواه( مالک والشافعی حم م ن-عن أبی هریرة. وأورد ابن حجر فی فتح الباری:11/333 ، قرابة عشرین حدیثاً فی الحوض والصحابة المطرودین عنه ) .

وفی مسلم:1/150، (عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): ترد علیَّ أمتی الحوض وأنا أذود الناس عنه ، قالوا یا نبی الله أتعرفنا ؟ قال: نعم تردون علیَّ غراً محجلین من آثار الوضوء. ولَیُصَدَّ عنی طائفةٌ منکم فلایصلون فأقول یارب هؤلاء من أصحابی! فیجیبنی ملکٌ فیقول: وهل تدری ما أحدثوا بعدک ؟! ) .

وفی مسلم:7/70: (عن أبی هریره أن النبی(ص) قال: لأذودن عن حوضی رجالاً کما تذاد الغریبة من الإبل). (ورواه أحمد:2/298، المسند الجامع تحقیق د. عواد:3/343 و:5/135 و18 /471 ، والبیهقی فی البعث والنشور ص125 ومجمع الزوائد:10/665).

فهل یعقل من الذی أخبر بوحی رب العالمین عن مستقبل الصحابة الرهیب فی جهنم ، أن یقول عنهم إنهم خیر القرون ، وأفضل من جمیع العالمین؟!

وهل یعقل من الذی لم یرض أن یسمیهم إخوانی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأنهم سینقلبون من بعده ، أن

یقول عنهم إنهم خیر القرون ! ففی صحیح مسلم:1/150: (وددت أنا قد رأینا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانک یا رسول الله؟ قال أنتم أصحابی، وإخواننا الذین لم یأتوا بعد. فقالوا کیف تعرف من لم یأت بعد من أمتک یا رسول الله؟ فقال: أرأیت لو أن رجلاً له خیل غر محجلة بین ظهریْ خیل دُهْم بُهْم ، ألا یعرف خیله؟ قالوا: بلی یا رسول الله. قال: فإنهم یأتون غراً محجلین من الوضوء، وأنا فرطهم علی الحوض ، ألا لیذادن رجال عن حوضی کما یذاد البعیر الضال! أنادیهم ألا هلمَّ ،

ص: 314

فیقال إنهم قد بدلوا بعدک! فأقول سحقاً سحقاً !). ورواه أحمد فی مسنده:2/300 وص408 ، والبیهقی فی سننه:1/83 و:4/78 ، وابن حبان:3/321، ومجمع الزوائد:10/66، وغیرهم بدون نقیصة، لکن رواه النسائی فی سننه:1/93 ، وحذف آخره لأن فیه ذم الصحابة !

وهل یعقل أن یکون الصحابة خیر أهل القرون ، ثم یکون قطیعهم وأکثریتهم من أهل النار ، ولاینجو منهم ولا یدخل الجنة إلا قلة قلیلة ، یکونون منفردین عن قطیعهم مثل (هَمَل النعم)کالأغنام المنفردة البعیدة عن القطیع !

قال ابن حجر فی مقدمته ص197: (والخلیفة راعی الصحابة بلا شک).انتهی. فمن هم الهمل الناجون ، البعیدون عن قطیع الصحابة الذی راعیاه أبو بکر وعمر؟!

الإمام مالک یعض یدیه ندماً لروایته أحادیث الحوض !

تحالف الحسنیون والعباسیون فی جبهة واحدة للثورة علی الأمویین ، وکانت القیادة للحسنیین ، وما أن اشتعلت الثورة فی خراسان بقیادة أبی مسلم الخراسانی حتی بادر العباسیون فی الکوفة إلی سرقتها وأقنعوه بالبیعة للسفاح فبایعوا له فی الکوفة وأزاحوا الحسنیین ، فغضب الحسنیون وسیطروا علی الیمن والحجاز والبصرة ، وزحفوا فی سبعین ألف مقاتل نحو الکوفة ووصلوا الیها وشارفوا علی النصر ، وتهیأ أبو جعفر المنصور للهرب ، لکن قائدهم إبراهیم بن عبدالله بن الحسن أصابه سهم طائش فقتل وتفرق جنده ، فاستتب الأمر للعباسیین .

کان مالک بن أنس أفتی بالثورة مع الحسنیین ! فعاقبه العباسیون بعد ذلک بالسجن والجلد ، ثم استرضاهم فرضی عنه السفاح والمنصور .

وقد ساء المنصور أن یری المرجعیة الفکریة للأمة متمرکزة فی الأئمة من ذریة الحسین(علیه السّلام)فاتخذ قراراته غیظاً من کل أبناء علی(علیه السّلام)بتغییر الخط الفکری لثورة

ص: 315

العباسیین ، وإعادة الإعتبار للخلفاء القرشیین ، بعد أن قامت الثورة الهاشمیة علی البراءة منهم ، ورفعت فی مقابل الأمویین شعار: یالثارات الحسین(علیه السّلام) ، وفی مقابل قریش: الدعوة إلی الرضا من آل محمد ، فقرر المنصور تأسیس مذهب فی مقابلهم ، وأمر مالک بن أنس أن یکتب له کتاباً موطأً لیلزم به المسلمین ، وحصر الفتوی بمالک ، ومنع أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) وفقهاء المدینة أن یفتوا مادام مالک موجوداً فصار قراره مثلاً: (لایفتین أحد ومالک فی المدینة) ، وقام باضطهاد الإمام جعفر الصادق (علیه السّلام)وقتله.

وقد استغرق هذا العمل بضع عشرة سنة ، کتب مالک کتابه الموطأ فی أولها ، وتبنته السلطة ونشرته ، وبعد نشره أصدر المنصور أمراً للمحدثین والفقهاء والولاة أن لایرووا شیئاً فی فضائل علی(علیه السّلام) ، ولا طعناً بأبی بکر وعمر ، وأن یفضلوهما علی علی(علیه السّلام) ! ثم أمر بمدح أبی بکر وعمر فی خطبة الجمعة وقال: (والله لأرغمن أنفی وأنوفهم ، وأرفع علیهم بنی تیم وعدی). (منهاج الکرامة ص69) .

لکن الموطأ کان قد انتشر وفیه أحادیث الحوض وما أدراک ما أحادیث الحوض ! فکان مالک یعض أصابعه ندماً علی وجودها فیه !

قال الحافظ ابن الصدیق المغربی فی فتح الملک العلی ص151: (وخرج مالک والبخاری ومسلم حدیث الحوض ، الذی حکی عن مالک أنه قال: ما ندمت علی حدیث أدخلته فی الموطأ إلا هذا الحدیث (الموطأ: 1/40 ط مصر1369) !

وعن الشافعی أنه قال: ما علمنا فی کتاب مالک حدیثاً فیه إزراء علی الصحابة إلا حدیث الحوض ووددنا انه لم یذکره ). انتهی .

هذا واقع الصحابة فی النص الصحیح عندهم ! لکن السلطة القرشیة ترید إخفاءه ورفع الصحابة فی مقابل عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکأنهم لیسوا صحابة ! وکأن

ص: 316

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم یقل فیهم: ( إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی) !

علی أنهم لیسوا حریصین علی مدح جمیع الصحابة ، بل یریدون مدحاً مجملاً مبهماً للصحابة ، یمکنهم تفسیره بأبی بکر وعمر ومن تبعهما فقط ، من بین مئة ألف صحابی رأوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

وحدیث: خیر الناس قرنی ، برأیهم حدیث جمیل یصلح لهذه الوظیفة !

علی أنا لو سلمنا صحة هذا الحدیث وقلنا إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال عن مسلمی عصره إنهم خیر البشر ! فهل ینفع هذا المدح المجمل فی إثبات عدالة أبی بکر وعمر ، أوإثبات عصمتهما ؟ فقد یکون سبب الخیر وجود العترة النبویة فیهم(علیهم السّلام) کما تقول خیر العصور عصر رسول الله بسبب وجوده الشریف(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ووجود أهل بیته الأطهار(علیهم السّلام) الذین هم معدن الخیر ، وبهم کانت الأمة خیر أمة أخرجت للناس !

لکن القوم لا یریدونهم ، ولا یریدون عدالة الصحابة ، وإنما اتخذوا حدیث خیر القرون جسراً لإثبات عصمة عمر وأبی بکر ! فهی بیت قصیدهم !

بل ، حتی لو قلنا إن سبب هذه الخیریة والأفضلیة وجود خمس مئة من الصحابة الأبرار ، فلا ینفعهم ذلک ، إذا لم یوجد نصَّ یُعینهم ، ومقیاسَ یُمیزهم ، فتکون القضیة بالنسبة إلی غیر أهل البیت(علیهم السّلام) المخصوصین بالمدح النبوی ، من نوع الشبهة المحصورة والأوانی المشتبهة بین الحلال والحرام ، أو الطاهر والنجس ، وفتوی مذاهبهم فیها وجوب اجتنابها جمیعاً إلا ما ثبتت طهارته !

ص: 317

الخامس: قرنوا الصحابة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الصلاة علیه من أجل عمر!
اشارة

اتفقت مصادرهم علی أن المسلمین سألوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کیف نصلی علیک؟ فأمرهم بالصلاة علیه وآله معاً ، وعلمهم صیغتها ! وهذا نصها من البخاری:

(قِیلَ یَارَسُولَ اللهِ أَمَّا السَّلامُ عَلَیْکَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَکَیْفَ الصَّلاةُ عَلَیْکَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ کَمَا صَلَّیْتَ عَلَی آلِ إِبْرَاهِیمَ إِنَّکَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ اللَّهُمَّ بَارِکْ عَلَی مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ کَمَا بَارَکْتَ عَلَی آلِ إِبْرَاهِیمَ إِنَّکَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ) .(راجع أیضاً: الأحادیث: 3369، 3370، 6357، 6358، 4798 ، 6360) .

فهو نصٌّ صریح فی أن الله تعالی لایقبل الصلاة علی نبیه إلا مقرونة بآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وهوصیغة توقیفیة یجب اتباعها فی الصلاة وغیر الصلاة ، لأن السؤال مطلق: فَکَیْفَ الصَّلاةُ عَلَیْکَ؟ فعلمهم ، ولم یسألوه کیف نصلی علیک فی صلاتنا ؟ حتی یتفلسف متفلسف فیقول نحن نتقید بهذه الصیغة فی الصلاة ، ونحذف منها ونزید علیها فی غیر الصلاة !

من الذی حذف الصلاة علی آل النبی؟!

ومن أین جاء قولهم ((ص) ، أو علیه وآله صحبه وسلم) ؟

اعترف الحافظ الحنبلی ابن حجر بأن العلماء والرواة ارتکبوا تحریف أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحذفوا منها الصلاة علی آل النبی(تقیةً)من حکام بنی أمیة وجنودهم !

قال فی سبل السلام بشرح الکحلانی:1/192: (ودعوی النووی وغیره الإجماع علی أن الصلاة علی الآل مندوبة ، غیر مسلَّمة ! بل نقول: الصلاة علیه(ص)لاتتم ولا یکون العبد ممتثلاً بها حتی یأتی بهذا اللفظ النبوی الذی فیه ذکر الآل ، لأنه قال السائل: کیف نصلی علیک؟فأجابه بالکیفیة أنها الصلاة علیه وعلی آله ، فمن لم یأت بالآل فما صلی علیه بالکیفیة التی أمر بها ، فلا یکون ممتثلاً للأمر ، فلا

ص: 318

یکون مصلیاً علیه(ص). وکذلک بقیة الحدیث من قوله: کما صلیت إلی آخره ، یجب ، إذ هو من الکیفیة المأمور بها ، ومن فرق بین ألفاظ هذه الکیفیة بإیجاب بعضها وندب بعضها ، فلا دلیل له علی ذلک.

وأما استدلال المهدی فی البحر علی أن الصلاة علی الآل سنة ، بالقیاس علی الأذان ، فإنهم لم یذکروا معه (ص) فیه ، فکلامٌ باطل ، فإنه کما قیل لا قیاس مع النص ، لأنه لا یذکر الآل فی تشهد الأذان لا ندباً ولا وجوباً ، ولأنه لیس فی الأذان دعاء له (ص) بل شهادة بأنه رسول الله ، والآل لم یأت تعبدٌ بالشهادة بأنهم آله. ومن هنا تعلم أن حذف لفظ الآل من الصلاة کما یقع فی کتب الحدیث ، لیس علی ما ینبغی! وکنت سئلت عنه قدیماً فأجبت إنه قد صح عند أهل الحدیث بلا ریب کیفیة الصلاة علی النبی(ص)وهم رواتها ، وکأنهم حذفوها خطأ تقیةً لمَّا کان فی الدولة الأمویة من یکره ذکرهم ، ثم استمر علیه عمل الناس متابعةً من الآخر للأول فلا وجه له. وبسطت هذا الجواب فی حواشئ شرح العمدة بسطاً شافیاً ). انتهی .

ولم یسبق بنی أمیة إلا عبدالله بن الزبیر ، الذی کان فی خلافته یصلی الجمعة فلا یذکر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أصلاً! وإذا ذکره لایصلی علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!فسئل عن ذلک فقال:(إن هذا الحیَّ من بنی هاشم إذا سمعوا ذکره أشرأبَّت أعناقهم ، وأبغض الأشیاء إلیه ما یسرهم ! لایمنعنی ذکره إلا أن تشمخ رجال بآنافها ! وفی روایة أنه قال مرةَ: إن له أهیل سوء ینغضون رؤوسهم عند ذکره)!. ( راجع الصحیح من السیرة: 2/153 ، عن العقد الفرید:4/413 ط دار الکتاب العربی ، وشرح النهج:20/127، وأنساب الأشراف:4/ 28 وقاموس الرجال: 5/452 ، ومقاتل الطالبیین ص474).

ص: 319

من الذی وضع الصلاة علی الصحابة بدل الآل أو معها؟!

الذین حذفوا الآل من الصلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هم الذین وضعوا صحابته بدلهم ! فهل عندهم حدیث جوَّز لهم قَرْنَ الصحابة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الصلاة علیه ، سواء فی صلاة الفریضة أو خارجها ؟ أم هو استدراکٌ علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبدعة ! وکل بدعة ضلالة ، وکل ضلالة فی النار ؟!

قال الحافظ الصدیق المغربی فی رسالته (القول المقنع فی الرد علی الألبانی المبتدع) طبع طنجة بالمغرب 1986، ص12:(وننبه هنا علی خطأ وقع من جماهیر المسلمین ، قلد فیه بعضهم بعضاً ولم یتفطن له إلا الشیعة ، ذلک أن الناس حین یصلون علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم یذکرون معه أصحابه مع أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم حین سأله الصحابة فقالوا: کیف نصلی علیک؟ أجابهم بقوله: قولوا اللهم صل علی محمد وآل محمد. وفی روایة: اللهم صل علی محمد وأزواجه وذریته ، ولم یأت فی شئ من طرق الحدیث ذکر أصحابه مع کثرة الطرق وبلوغها حد التواتر.

فذکرُ الصحابة فی الصلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم زیادةٌ علی ما علمه الشارع ، واستدراکٌ علیه ، وهو لا یجوز.

وأیضاً فإن الصلاة حقٌّ للنبی ولآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم ، ولا دخلَ للصحابة فیها ، لکن یترضی عنهم ). انتهی. وهو کلام قویٌّ من عالم سنی منصف .

وقد رد الألبانی علیه فی مقدمة کتابه: سلسلة الأحادیث الضعیفة:3/ 8 ، رداً مطولاً جداً ، ومما قاله: (قلت: لیس فی هذا الکلام من الحق إلا قولک الأخیر: إنه لاتجوز الزیادة علی ما علمه الشارع..إلخ ، فهذا حق نقول به ونلتزمه ما استطعنا إلی ذلک سبیلا. ولکن ما بالک أنت وأخوک خالفتم ذلک ، واستحببتم زیادة کلمة (سیدنا) فی الصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم ، ولم ترد فی شئ من طرق الحدیث؟!

ص: 320

ألیس فی ذلک استدراک صریح علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم ، یامن یدعی تعظیمه بالتقدم بین یدیه ؟! أما سائر کلامک فباطل لوجوه:

الأول: أنک أثنیت علی الشیعة بالفطنة ونزهتهم عن البدعة ، وهم فیها من الغارقین الهالکین. واتهمت أهل السنة بها وبالبلادة والغباوة ، وهم والحمد لله مبرؤون منها ، فحسبک قوله (ص)فی أمثالک: إذا قال الرجل هلک الناس فهو أهلکهم. رواه مسلم.....

وتابع الألبانی قائلاً: (هذا العموم المزعوم ، أنت أول مخالف له ! لأنه یستلزم الصلاة علیه(ص)بهذه الصلوات الابراهیمیة کلما ذکر علیه الصلاة والسلام ، وما رأیتک فعلت ذلک ولو مرة واحدة فی خطبة کتاب أو فی حدیث ذکر فیه النبی(ص) ! ولا علمنا أحداً من السلف فعل ذلک والخیر کله فی الإتباع (!) .

والسر فی ذلک أن هذا العموم المدعی إنما هو خاص بالتشهد فی الصلاة کما أفادته بعض الأحادیث الصحیحة ، ونبه علیه الإمام البیهقی فیما ذکره الحافظ فی فتح الباری:11/154، الطبعة السلفیة فلیراجعه من شاء ، والإمام الشافعی فی رسالته علی ما ذکره الحافظ السخاوی فی القول البدیع ، والرافعی ، والشیرازی ، والنووی ، وابن تیمیة ، وابن القیم ، وابن حجر ، وغیرهم کثیر وکثیر جداً ، لا یمکن حصرهم ، ما زال کل واحد منهم یصلی علی النبی(ص)فی خطبة کتبه ویصلی علی أصحابه معه ، کما أفعل أنا أحیاناً اقتداءً بهم ، وبخاصة أن الحافظ ابن کثیر نقل فی تفسیره الإجماع علی جوازه (!) ، ومع ذلک کله رمیتنی بسبب ذلک بدائک وبَدَّعتنی! أفهؤلاء الأئمة مبتدعةٌ عندک ویحک ! أم أنت تزن بمیزانین وتکیل بکیلین؟! ).

ثم قال الألبانی: (وهو یعلم أن النبی(ص)کان یصلی علی أصحابه بمناسبات

ص: 321

مختلفة ، ومن ذلک حدیث: کان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل علیهم فأتاه أبو أوفی بصدقته فقال: اللهم صل علی آل أبی أوفی. رواه الشیخان وغیرهما ، وهو مخرج فی الإرواء ،853 ، وغیره.....ولا دلیل علی أن ذلک من خصوصیاته (ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه کان یقول فی الجنازة: اللهم بارک فیه وصل علیه واغفر له وأورده حوض رسولک. رواه ابن أبی شیبة فی المصنف:10/414 ، وسنده صحیح علی شرط الشیخین. وبعد هذا کله فإنی أرجو أن یکون ظهر للقراء جمیعاً من هو المبتدع ! ). انتهی.

هذا لبُّ ماذکره الألبانی من کلامه الطویل الذی لم یأت فیه بدلیل علی جواز قرن الصحابة بالنبی فی الصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وغایة ما ذکره ثلاثة أدلة:

الأول: قوله:(والسر فی ذلک أن هذا العموم المدعی إنما هو خاص بالتشهد فی الصلاة ، کما أفادته بعض الأحادیث الصحیحة ، ونبه علیه الإمام البیهقی، فیما ذکره الحافظ فی فتح الباری..الخ). انتهی.

وقصده أنه لاعموم لصیغة الصلاة التی علمها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للمسلمین للصلاة علیه فی کل حال ، بل هو تعلیم نبوی خاص بتشهد الصلاة ، ففی غیر الصلاة یجوز لک أن تحذف الصلاة علی الآل ، وتضع مکانهم الصحابة ، ولا حرج !

لکن ما هو دلیل الألبانی علی تخصیصها بتشهد الصلاة ، وحدیثها فی البخاری وغیره عامٌّ مطلقٌ لیس فیه حصرٌ فی التشهد ، قالوا: (فَکَیْفَ الصَّلاةُ عَلَیْکَ ؟ قَالَ: قُولُوا

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ...) ؟!

یقول الألبانی أن دلیله علی تخصیصها: ( أفادته بعض الأحادیث الصحیحة ، ونبه علیه الإمام البیهقی فیما ذکره الحافظ فی فتح الباری). انتهی.

فقد ادعی وجود أحادیث صحیحة تحصر صیغة الصلاة النبویة التعلیمیة

ص: 322

للمسلمین فی تشهد الصلاة ، فأین هی هذه الأحادیث الصحیحة ؟!

الجواب: لاتوجد أحادیث لاصحیحة ولاضعیفة !

وإلا لأتی بها الألبانی فی رده الطویل الذی أخذ أکثر من عشر صفحات ، وهو متخصص فی الحدیث ! لکنه

کما یبدو یستحل الکذب للدفاع عن الصحابة !

ثم قال الألبانی:(ونبه علیه الإمام البیهقی فیما ذکره الحافظ فی فتح الباری...)

یقصد أن هؤلاء العلماء الذین لیس فیهم واحد قبل القرن السادس! نبهوا علی تخصیص صیغة الصلاة التعلیمیة النبویة بالتشهد دون غیره !

ویبدو أنها کذبة أخری! ولو صدقناه لقلنا لهؤلاء: ما هو دلیلکم علی التخصیص؟ وهل هو الأحادیث الصحیحة التی وعد بها الألبانی !!

الدلیل الثانی: قال الألبانی: (وهو یعلم أن النبی(ص)کان یصلی علی أصحابه بمناسبات مختلفة ، ومن ذلک حدیث: کان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِّ علیهم ، فأتاه أبو أوفی بصدقته فقال: اللهم صل علی آل أبی أوفی. رواه الشیخان وغیرهما ، وهو مخرج فی الإرواء ،853 ، وغیره....). انتهی .

والجواب: إن هذا تدلیس فی الإستدلال مع الأسف ! لأن موضوعنا کیف یجب أن نصلی نحن علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟فکیف یستدل علیه بصلاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی المسلمین؟! فالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعرف تکلیفه کیف یصلی علینا وعلی غیرنا ، وقد بین لنا تکلیفنا نحن کیف نصلی علیه ، وحدده بصیغة تعلیمیة توقیفیة صحیحة.

فهل یجوز لنا أن نقول له: کلا ، نرید أن نصلی علیک کما نحب ، ونضم فی الصلاة علیک من نحب ، ونحذف منها لا نحب ! لأنک أنت تفعل ذلک ؟!

الدلیل الثالث: قال الألبانی: (ولا دلیل علی أن ذلک من خصوصیاته(ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه کان یقول فی الجنازة: اللهم بارک فیه وصل علیه واغفر له

ص: 323

وأورده حوض رسولک. رواه ابن أبی شیبة فی المصنف:10/414 ، وسنده صحیح علی شرط الشیخین ). انتهی.

یقول الألبانی بذلک لقد ثبت بأثر صحیح عن ابن عمر أنه قال لمیت (اللهم بارک فیه وصل علیه) فالصلاة علی المسلمین لیست من مختصات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بل یجوز لأی مسلم أن یقول لمسلم آخر (اللهم صل علیه) ، ونحن نقول: اللهم صل علی الصحابة ، فما المانع ؟

والجواب: أن الألبانی یعرف أن المسألة لیست جواز الصلاة علی مسلم بقولنا: (اللهم صل علیه) ، بل هی قَرْنُ الصحابةبالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وهل یجوز أن نتعدی تعلیمه بالصلاة علیه ، ونحذف آله من صلاتنا علیه ، ونضع بدلهم الصحابة ؟!

فانظر کیف غیَّر الموضوع أیضاً ، وشطَّ عنه بعیداً ، وکذلک یفعلون !

قرنهم الصحابة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معضلة لاحل لها !

إن حذف أتباع الخلافة لآل النبی من الصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ووضعهم الصحابة بدلهم أو معهم وقرنهم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، معضلةٌ لم ولن یستطیعوا حلها ! بل هی ست معضلات فقهیة

کاملة:

1- هل یجوز الصلاة علی غیر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومن أمر النبی بالصلاة علیه ؟

2- هل یوجد دلیل یخصص صیغة الصلاة النبویة بتشهد الصلاة؟

3- هل یجوز حدف آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الصلاة علیه ؟

4- هل یجوز وضع الصحابة مکانهم وقرنهم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

5- هل یجوز أن ننوی بصلاتنا علی آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جمیع ذریته من فاطمة وعلی(علیهماالسّلام)وکل ذریة بنی هاشم إلی یوم القیامة ، ونقرنهم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفیهم من

ص: 324

ثبت أنهم أعداء لله ورسوله ، وفیهم الیوم نصاری وملحدون وقتلة وأشرار ؟!

فهل یمکن أن یأمرنا الله تعالی أن نصلی علی هؤلاء الکفار والفجار ونقرنهم بسید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟! وهل یجب علیهم أن یقولوا (وآله المؤمنین) ؟!

6- إذا حلینا أصل مشکلة ضم الصحابة وقرنهم بالصلاة مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهل یجوز لنا أن نعمم الصلاة علیهم جمیعاً بدون تخصیص أو تقیید ، لأنا بقولنا (وعلی أصحابه أجمعین)نقرن أکثر من مئة ألف شخص بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهؤلاء فیهم من شارکوا فی محاولة اغتیال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لیلة العقبة ، وفیهم من ثبت نفاقهم بنص القرآن ونص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وفیهم جماعة شهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنهم لن یروه بعد وفاته ، وأنهم سوف ینقلبون من بعده ، ویمنعون من ورود حوضه یوم القیامة ویؤمر بهم إلی النار ! فهل یجب التخلص من هذا الإشکال بأن نقول: (علیه وعلی أصحابه المؤمنین ، أو المرضیین ) ؟!

لقد أوقعوا أنفسهم فی کل هذه المشکلات ، لأنهم استدرکوا علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یتَّبعوا ! أما نحن فلا مشکلة عندنا ، لأنا لانستحل أن نقرن بنبینا فی الصلاة علیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلا آله وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) الذین أمرنا بقرنهم به ، وهم عندنا مصطلح نبوی خاص حدده النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعلی، وفاطمة، والحسن، والحسین، وتسعة من ذریة الحسین ، آخرهم المهدی ، صلوات الله علیهم .

ص: 325

السادس: عصموا البخاری من أجل عصمة عمر !
اشارة

صحیح البخاری کتابٌ فی الحدیث ، ألفه محمد بن إسماعیل بن برد زبه ، المعروف بالبخاری الخرتنکی ، نسبة إلی بلده بخاری فی شرق إیران ، وخرتنک قریة قرب بخاری فیها مولده وقبره ، وقد ولد سنة196وتوفی سنة256.

وکانت کتب الحدیث قبله بالمئات ، وبعده بالألوف ، لکن المتوکل العباسی تنبی کتابه بتوثیق أحمد بن حنبل ، وأعرض عن کتاب الموطأ الذی ألفه مالک بن أنس لجد جده المنصور ! فقد ولد مالک سنة93 وتوفی سنة179. ( مقدمة کتاب الموطأ والأعلام:5/257).

قال ابن فرحون فی الدیباج المذهب ص25: ( باب فی ذکر الموطأ وتألیفه إیاه: روی أبو مصعب أن أبا جعفر المنصور قال لمالک: ضع للناس کتابا أحملهم علیه فکلمه مالک فی ذلک فقال: ضعه فما أحد الیوم أعلم منک ، فوضع الموطأ فلم یفرغ منه حتی مات أبو جعفر ، وفی روایة أن المنصور قال له: یا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودون کتابا وجنب فیه شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس وشواذ ابن مسعود ، واقصد أواسط الأمور وما أجمع علیه الصحابة والأئمة وفی روایة أنه قال له: إجعل هذا العلم علما واحد ، فقال له: إن أصحاب رسول الله(ص)تفرقوا فی البلاد

فأفتی کل فی مصره بما رأی فلأهل المدینة قول ، ولأهل العراق قول تعدوا فیه طورهم. فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا ، وانما العلم علم أهل المدینة فضع للناس العلم.

وفی روایة عن مالک فقلت له: إن أهل العراق لا یرضون علمنا ، فقال أبو جعفر: نضرب علیه عامتهم بالسیف ونقطع علیه ظهورهم بالسیاط !

وروی أن المهدی قال له: ضع کتابا أحمل الأمة علیه ، فقال له مالک: أما هذا

ص: 326

الصقع فقد کفیته یعنی المغرب ، وأما الشام ففیه الأوزاعی ، وأما أهل العراق ففیهم أهل العراق ، قال عتیق الزبیدی: وضع مالک الموطأ علی نحو من عشرة آلالف حدیث ، فلم یزل ینظر فیه کل سنة ویسقط منه حتی بقی هذا ، ولو بقی قلیلا لأسقطه کله ). انتهی .

وبقی الموطأ المرجع الرسمی للدولة وعلمائها ، وکان أئمة المذاهب یمدحونه بأنه أصح کتاب بعد کتاب الله تعالی ، حتی ترکه المتوکل واستعاض عنه بمسودة کتاب البخاری فصار أصح کتاب بعد کتاب الله تعالی !

قال ابن عبد البر فی التمهید:1/79: (سمعت الشافعی یقول: ما رأیت کتاباً الف فی العلم أکثر صواباً من موطأ مالک).

وقال الذهبی سیر أعلام النبلاء:9/205: (قال بندار: سمعت عبد الرحمن یقول: ما نعرف کتابا فی الإسلام بعد کتاب الله أصح من موطأ مالک ).

وقال السید المیلانی فی الأحادیث المقلوبة فی مناقب الصحابة ص38:

(ولما أراد الرشید الشخوص إلی العراق قال لمالک: ینبغی أن تخرج معی فإنی عزمت أن أحمل الناس علی الموطأ کما حمل عثمان الناس علی القرآن ! (مفتاح السعادة: 2 /687 ). ثم أراد هارون أن یعلق الموطأ علی الکعبة ! (7 کشف الظنون: 2/1908). ونادی منادی الحکومة: ألا لا یفتی الناس إلا مالک بن أنس) (وفیات الأعیان 3/284 ، مفتاح السعادة:2/87 ، مرآة الجنان:1/375 .)

أما المتوکل الذی فقد کان صاحب مشروع جدید فی التجسیم والنصب ، یختلف عن مشروع أجداده ، فقد أسس میلیشا (أصحاب الحدیث) واختار لهم إماماً هو أحمد بن حنبل ، ودعاه إلی سامراء وأکرمه وعقد له مجالس ، وکان لایعین قاضی القضاة إلا بموافقته ، ففی تاریخ بغداد 3/147: ( أمر المتوکل

ص: 327

بمسائلة أحمد بن حنبل عمن یتقلد القضاء ).

وفی تاریخ بغداد:2/426: (بعث المتوکل إلی أحمد بن حنبل یسأله عن ابن الثلجی ویحیی بن أکتم فی ولایة القضاء ، فقال أما بن الثلجی فلا ). انتهی .

وکان البخاری علی صلة دائمة بأحمد ، وقد ألف کتابه بتوجیهه ، وعرضه علیه فارتضاه ، ففی مقدمة فتح الباری ص491: (لما صنف البخاری کتاب الصحیح عرض مسودته علی ابن المدینی وأحمد بن حنبل ویحیی بن معین وغیرهم فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحادیث. قال العقیلی: والقول فیها قول البخاری وهی صحیحة). انتهی .

وطلب ابن حنبل من البخاری أن یسکن فی بغداد فاعتذر له ، لکنه ندم بعد ذلک ! ففی تاریخ بغداد:2/22: (سمعت محمد بن إسماعیل البخاری یقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، کل ذلک أجالس أحمد بن حنبل فقال لی فی آخر ما ودعته: یا أبا عبد الله تترک العلم والناس وتصیر إلی خراسان ؟! قال أبو عبد الله: فأنا الآن أذکر قوله ). انتهی .

مات البخاری قبل أن یکمل کتابه ، فأکمله جماعة المتوکل !

وقد اعترف بذلک ابن حجر فی مقدمة الفتح ص6 ، قال: (حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهیم بن أحمد المستملی قال: انتسخت کتاب البخاری من أصله الذی کان عند صاحبه محمد بن یوسف الفربری ، فرأیت فیه أشیاء لم تتم ، وأشیاء مبیضة منها تراجم(عناوین)لم یثبت بعدها شیئاً ، ومنها أحادیث(أی عناوین أحادیث ) لم یترجم لها ، فأضفنا بعض ذلک إلی بعض !

قال أبو الولید الباجی: ومما یدل علی صحة هذا القول أن روایة أبی إسحاق المستملی وروایة أبی محمد السرخسی وروایة أبی الهیثم الکشمهینی وروایة أبی

ص: 328

زید المروزی ، مختلفة بالتقدیم والتأخیر ، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد ! وإنما ذلک بحسب ما قدر کل واحد منهم فیما کان فی طرة أو رقعة مضافة ، أنه من موضع ما ، فأضافه إلیه ! ویبین ذلک أنک تجد ترجمتین(عنوانین)وأکثر من ذلک متصلة لیس بینها أحادیث). انتهی .

ومع ذلک فقد تبنته السلطة وألزمت به الطلبة والناس ، وأنستهم موطأ مالک !

السر فی تبنیهم کتاب البخاری !

کتاب البخاری واحدٌ من مئات الکتب المشابهة التی ألفت قبله ، وألوف الکتب التی ألفت بعده ، ولیس فیه سر سوی أنه مفصل علی مزاج المتوکل! فمن أراد أن یعرف البخاری فلیعرف المتوکل ، فی نصبه لأهل البیت(علیهم السّلام) کلهم وکرهه لعلی(علیه السّلام)خاصة ، وقتله أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) واضطهاده لشیعتهم ، ومنعه الناس من زیارة قبر الحسین(علیه السّلام)ثم هدمه القبر الشریف! (راجع کتابنا: جواهر التاریخ).

یوازی ذلک تقدیسه لأبی بکر وعمر إلی حد العصمة ! وقد رأیت أن أهم أحادیث عصمة عمر رواها البخاری ، ومنها: (والذی نفسی بیده مالقیک الشیطان قط سالکاً فجَّاً إلا سلک فجاً غیر فجِّک). ( البخاری:4/96, و199 و:7/93) !

هل أن تبنی البخاری عمل علمی أم ضد العلم ؟

یسأل بعضهم: لماذا لا یقوم مجموعة من العلماء المشهورین بجمع الأحادیث الصحیحة فی مدرسة أهل البیت ویصححونها ، وتخرج فی کتب ونقول للعامة هذا صحیحنا وبه حاجونا ؟

وقد أجبنا علیه: بأن هذا سؤال یسأله أهل البساطة العلمیة ، فإن من مشاکل المذاهب السنیة أنها أقفلت علی نفسها باب الإجتهاد فی الحدیث ، واعتمدت علی اجتهاد البخاری قبل ألف ومئتی سنة ، وفرضته علی الناس فی کل العصور !

ص: 329

أما نحن ، فمنهجنا علمی منطقی ، نعتبر کل ما روی عن النبی وآله صلوات الله علیهم ، موادیجب أن تخضع للبحث العلمی ، والإجتهاد فیها مفتوح فی کل العصور ، والذی یصحح ویضعف هو المرجع بالنسبة إلی مقلدیه وأهل الإختصاص الموثوق بهم. فأی النهجین أصح ؟

وهل إذا قام عالم فی عصرنا فألف کتاباً جمع فیه الصحیح برأیه ، یجب علیک وعلی کل الناس تقلیده ، وعلی الأجیال الآتیة ؟!

کلا ، فتصحیحه حجةٌ علی نفسه وعلی من یقلده فقط ، ولا بد أن یکون فی المسلمین فی کل عصر مجتهدون وخبراء ، یبحثون کل الثروة العلمیة التی رویت عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) ، ویجتهدون فی التصحیح والتضعیف ، ویفتون المسلمین بنتیجة آرائهم فیقلدهم المسلمون بصفتهم أهل خبرة فی الشریعة وأحادیث السنة الشریفة .

وبذلک فقط نضمن براءة ذمة المسلمین ، وعدم جمودهم علی تصحیح عالم من مئات السنین ، لم یطلع علی ما اطلع علیه العلماء المتأخرون .

ص: 330

السابع: نظریة إلجام العوام بید السلطة ورجال الدین !
اشارة

قال التفتازانی فی شرح المقاصد:5/310: ( فإن قیل: فمن علماء المذهب من لایجوِّز اللعن علی یزید ، مع علمهم بأنه یستحق ما یربو علی ذلک ویزید. قلنا: تحامیاً علی أن یرتقی إلی الأعلی فالأعلی ، کما هو شعار الروافض ، علی ما یروی فی أدعیتهم ، ویجری فی أندیتهم ، فرأی المعتنون بأمر الدین إلجام العوام بالکلیة ، طریقاً إلی الإقتصاد فی الإعتقاد). انتهی.

فقد ألجموهم علی حد تعبیر التفتازانی عن الکلام علی یزید ! لکنهم لم یقفوا فی شد لجامهم عند قصور بنی أمیة فقط ، بل عن أمور کثیرة ، نذکر منها هنا:

إلجام العوام عن قبول شهادة الصحابة بحق أنفسهم

فقد شهد أهل بدر وبیعة الرضوان بأن رضا الله تعالی عنهم لیس مطلقاً ، بل هو مشروطٌ بشروط ، منها أن لا یحدثوا بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وینحرفوا ! فقد روی البخاری:5/66 ، عن المسیب أنه قال للبراء بن عازب: (طوبی لک ، صحبت النبی(ص)وبایعته تحت الشجرة. فقال:یا ابن أخی إنک لا تدری ما أحدثنا بعده)!

لکنهم لم یقبلوا هذه الشهادة ،وقالوا لهم: کلا ، إن رضا الله عنکم مطلق وشامل ، وأنتم من أهل الجنة ، فاعملوا ماشئتم !!

إلجام العوام عن قبول إقرار بعض الصحابة بالمعصیة !

ففی مسند أبی یعلی:9/176: (عن عبدالله بن مسعود أنه تعمد الکذب من أجل أن یأخذ ناقة ! قال: ماکذبت مذ أسلمت إلا کذبة ! کنت أرحل رسول الله(ص)

ص: 331

فأتی رجل من الطائف فقال: أی راحلة أعجب إلی رسول الله(ص)فقلت الطائفیة المنکبة ، قال ورسول الله (ص)یکرهها ! قال: فلما رحَّلها فأتی بها قال: من رحَّل لنا هذه ؟ قالوا رحَّل لک الذی أتیت به من الطائف ، قال: ردوا الراحلة إلی ابن مسعود ). (ورواه ابن أبی الدنیا فی آداب اللسان/253، والطبرانی فی المعجم الکبیر:10/174، وأبو نعیم الأصفهانی فی مسند أبی حنیفة/235و 258 ، وابن عساکر فی تاریخ دمشق:24/311)

إلجام العوام عن قبول شهادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لقاتل عمار بالنار !

فقد رووا بأسانید صحیحة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعمار بن یاسر: تقتلک الفئة الباغیة ، وقال: قاتل عمار وسالبه فی النار ! وقد قتله فی صفین(الصحابی)أبو الغادیة یسار بن سبع ، وهو ممن بایع بیعة الشجرة أوالرضوان ! ففی مجمع الزوائد:9/297: عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )(قاتل عمار وسالبه فی النار. رواه الطبرانی...ورجاله رجال الصحیح) .

وفی مستدرک الحاکم:3/387: (أن رجلین أتیا

عمرو بن العاص یختصمان فی دم عمار بن یاسر وسلبه ، فقال عمرو خلِّیا عنه ، فإنی سمعت رسول الله(ص)یقول: اللهم أولعت قریش بعمار ، إن قاتل عمار وسالبه فی النار). انتهی.

وفی طبقات ابن سعد:3/260، عن کلثوم بن جبر قال:(کنت بواسط القصب ، عند عبد الأعلی بن عبدالله بن عامر ، فقلت الإذنَ هذا أبو غادیة الجهنی ، فقال عبد الأعلی: أدخلوه ، فدخل علیه مقطعات له ، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال کأنه لیس من هذه الأمة ، فلما أن قعد قال بایعت رسول الله (ص)یوم العقبة فقال:یا أیها الناس ألا إن دماءکم وأموالکم حرام علیکم إلی أن تلقوا ربکم ، کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا ، ألا هل بلغت؟ فقلنا: نعم ، فقال: اللهم اشهد ، ثم قال ألا لا ترجعوا بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض !

قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا کنا نعد عمار بن یاسر فینا حناناً ، فبینا أنا فی مسجد قباء

ص: 332

إذ هو یقول ألا إن نعثلاً هذا لعثمان ، فألتفتُّ فلو أجد علیه أعواناً لوطأته حتی أقتله ، قال: قلت اللهم إنک إن تشأ تمکنی من عمار ، فلما کان یوم صفین أقبل یستن أول الکتیبة رجلاً ، حتی إذا کان بین الصفین فأبصر رجل عورة فطعنه فی رکبته بالرمح، فعثر فانکشف المغفر عنه فضربته ، فإذا رأس عمار ندر !

قال: فلم أر رجلاً أبین ضلالةً عندی منه ! إنه سمع من النبی(علیه السّلام)ما سمع ثم قتل عماراً !!

قال: واستسقی أبو غادیة فأتی بماء فی زجاج فأبی أن یشرب فیها ، فأتی بماء فی قدح فشرب ، فقال رجل علی رأس الأمیر قائم بالنبطیة: أوی ید کفتا ! یتورع عن الشراب فی زجاج(إناء مفضض) ، ولم یتورع عن قتل عمار) !! (قال عنه فی مجمع الزوائد:7/243 ، رجاله رجال الصحیح ).

وفی تاریخ دمشق:43/476: (وقال علیٌّ حین قتل عمار:إن امرءأً من المسلمین لم یَعْظُمْ علیه قتل ابن یاسر ویدخلْ علیه المصیبة الموجعة ، لغیر رشید ! رحم الله عماراً یوم أسلم ، ورحم الله عماراً یوم قتل ، ورحم الله عماراً یوم یبعث حیاً ، لقد رأیت عماراً وما یذکر من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أربعة إلا کان رابعاً ، ولا خمسة إلا کان خامساً ، وما کان أحد من قدماء أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یشک أن عماراً قد وجبت له الجنة فی غیر موطن ، ولا اثنین ، فهنیئاً لعمار بالجنة ). انتهی.

ابن حنبل یقول: صحابی فی النار رضی الله تعالی عنه !

تقدم حدیث(قاتل عمار وسالبه فی النار) ، وأن رجاله رجال الصحیح، وفی مقابله تجد فی مسند أحمد:4/76 عنواناً: (بقیه حدیث أبی الغادیة رضی الله تعالی عنه) !!

لکن أحمد احتاط فرجح أن یروی عنه ولا یسمی! (العلل

لأحمد:2/602)

أما ابن حبان فعدَّه فی الثقات ! (3/381 ونحوه فی:3/448 ). لکن الذهبی تعجب فی

ص: 333

میزان الإعتدال:1/488، فقال: (عن أبی الغادیة:

سمعت رسول الله(ص)یقول: قاتل عمار فی النار. وهذا شئ عجیب ، فإن عماراً قتله أبو الغادیة ) ! انتهی.

ونحوه فی لسان المیزان لابن حجر:2/204.

ونقل عنه فی تعجیل المنفعةص509 أنه کان یتبجح بقتله عماراً ، قال: (کان إذا استأذن علی معاویة وغیره یقول قاتل عمار بالباب ، یتبجح ) !!

أما ابن تیمیة فحاول أن یشکک فی قتله لعمار ، قال فی منهاجه:7/56: (وذکر ابن حزم أن عمار بن یاسر قتله أبو الغادیة ، وأن أبا الغادیة هذا من السابقین ممن بایع تحت الشجرة ، وأولئک جمیعهم قد ثبت فی الصحیحین أنه لا یدخل النار منهم أحد ! ففی صحیح مسلم وغیره عن جابر عن النبی(ص)أنه قال: لایدخل النار أحد بایع تحت الشجرة ) !!

لکنه شهد فی نفس منهاجه:6/204 ، بأنه قاتل عمار ، لکن شکک فی أنه من أهل بیعة الرضوان ! قال: (بل نشهد أن العشرة فی الجنة ، وأن أهل بیعة الرضوان فی الجنة ، وأن أهل بدر فی الجنة ، کما ثبت الخبر بذلک عن الصادق المصدوق الذی لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی. وقد دخل فی الفتنة خلق من هؤلاء المشهود لهم بالجنة ، والذی قتل عمار بن یاسر هو أبو الغادیة وقد قیل إنه من أهل بیعة الرضوان ذکر ذلک ابن حزم ، فنحن نشهد لعمار بالجنة ، ولقاتله إن کان من أهل بیعة الرضوان بالجنة) !! راجع أیضاً:6/334 !

ثم عاد فی کتابه رأس الحسین(علیه السّلام)ص204 وشکک فی قتله لعثمان، قال: ولهذا کان الکلام فی السابقین الأولین ومن شُهد له بالجنة ، کعثمان وعلی وطلحة والزبیر ونحوهم: له حکم آخر ، بل ومن هو دون هؤلاء ، مثل أکابر أهل الحدیبیة الذین بایعوا تحت الشجرة. وکانوا أکثر من ألف وأربعمائة ، وقد ثبت

ص: 334

فی الصحیح عن النبی(ص) أنه قال: (لایدخل النار أحد بایع تحت الشجرة). فهؤلاء ونحوهم فیما شجر بینهم: إما أن یکون عمل أحدهم سعیاً مشکوراً ، أو ذنباً مغفوراً ، أو اجتهاداً قد عفی لصاحبه عن الخطأ فیه ، فلهذا کان من أصول أهل العلم أنه لایمکَّن أحدٌ من الکلام فی هؤلاء بکلام یقدح فی عدالتهم ودیانتهم ، بل یُعلم أنهم عدول مرضیون ، رضی الله عنهم وأرضاهم ، لا سیما والمنقول عنهم من العظائم کذبٌ مفتری ). انتهی.

ولا بد أن یکون من هذه العظائم المفتراة أن أبا لغادیة قتل عماراً !

أما عبد الرحمن بن عدیس البلوی الذی قتل عثمان ، وهو من أهل بیعة الشجرة ، فالأمر فیه یختلف ! وهم یتمنون أن یحکموا علیه بأنه من أهل النار ، لکن بشرط أن لاینکسر سیاج أهل الشجرة لأبی بکر وعمر ! فهل من طریق؟!

إلجام العوام عن قبول شهادة ثقة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمین أسراره !

إذا اختلف شخصان فیما بینهما ، أو اختلفنا فی قبول شهادتهما ، ترانا نبحث عن شخص متفق علیه من الطرفین أو من الأطراف ، یرضی به الجمیع ویشهدون بصدقه ووثاقته ، فنعتبره حکماً عادلاً ، ونقبل شهادته أوحکمه .

والصحابة فیهم مجمع علیه وفیهم مختلف فیه. ومن المجمع علیهم حذیفة بن الیمان ثقة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وموضع سره. فلماذا لایقبلون شهاداته القاصعة التی رواها البخاری؟! ولماذا لایقارنونها بحدیثهم (خیر الناس قرنی)؟!

قال حذیفة ،کما فی البخاری:8/100: (إن المنافقین الیوم شرٌّ منهم علی عهد النبی (ص)! کانوا یومئذ یسرون والیوم یجهرون ! إنما کان النفاق علی عهد النبی(ص) فأما الیوم فإنما هو الکفر بعد الإیمان !! ). انتهی.

ص: 335

فمَن هم الذین کانوا یجهرون بالنفاق فی عهد أبی بکر وعمر وعثمان ، إلا طلقاء قریش؟ وما هو النفاق الذی کانوا یجهرون به إلا التشکیک برسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )والکذب علیه والطعن بعترته ؟ ومن کان یحمیهم إلا السلطة ؟!

قال الذهبی فی السیر:2/361: (حذیفة بن الیمان. من نجباء أصحاب محمد (ص) ، وهو صاحب السر... حلیف الأنصار ، من أعیان المهاجرین...

ولیَ حذیفة إمرة المدائن لعمر ، فبقی علیها إلی بعد مقتل عثمان ، وتوفی بعد عثمان بأربعین لیلة....وحذیفة هو الذی ندبه رسول الله(ص)لیلة الأحزاب لیجس له خبر العدو ، وعلی یده فتح الدینور عنوة. ومناقبه تطول ، رضی الله عنه... خالد عن أبی قلابة عن حذیفة قال: إنی لأشتری دینی بعضه ببعض مخافة أن یذهب کله..... ما أدرک هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشتری بعض دینه ببعض. قالوا: وأنت ؟ قال: وأنا والله ! ). انتهی.

فمن الذی کان یستعمل سیاسة الإرهاب والقمع والإضطهاد مع المسلمین إلا السلطة القرشیة المعادیة لأهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

ومن کان یحمی المنافقین المجاهرین بنفاقهم ضد الإسلام ونبیه إلا السلطة ومسلحوها ، وجمهورها من طلقاء قریش ، الذین ملؤوا المدینة وسیطروا علی الدولة؟ وهل یعقل أن یقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن هؤلاء إنهم خیر القرون ؟!

روی مسلم:1/71:(کنا جلوساً مع حذیفة فی المسجد فجاء رجل حتی جلس الینا ، فقیل لحذیفة إن هذا یرفع إلی السلطان أشیاء ، فقال حذیفة: إرادة أن یسمعه: سمعت رسول الله(ص)یقول: لایدخل الجنة قتات) ، وفی روایة أخری(ینقل الحدیث إلی الأمیر) وفی البخاری:7/86: (یرفع الحدیث إلی عثمان) !

فهل یکون هؤلاء خیر القرون بإرهابهم واضطهادهم أبرار الصحابة؟!

ص: 336

وفی الطبرانی الکبیر:3/280: (عن أبی مالک الأشعری أنه قال لقومه: إجتمعوا أصلی بکم صلاة رسول الله(ص)فاجتمعوا فقال: هل فیکم أحد؟ فقالوا لا ، إلا بن أخت لنا ! قال فذلک من القوم ، فدعا بجفنة فیها ماء فتوضأ وهم شهود ، فمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وذراعیه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدمیه ، ثم صلی بنا الظهر فکبر فیها ثنتین وعشرین تکبیرة ، یکبر إذا سجد وإذا رفع رأسه...الخ.) انتهی.

وفی البخاری:1/134، عن الزهری قال: ( دخلت علی أنس بن مالک بدمشق وهو یبکی ! فقلت له ما یبکیک؟ فقال لا أعرف شیئاً مما أدرکت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضیعت !!). انتهی.

فهل یکون هؤلاء خیر القرون ، وقد انقلبوا علی أعقابهم بعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وغیروا کل شئ ، حتی الوضوء والصلاة ؟!

قال المفید فی الإفصاح ص53:(وفی قول أنس بن مالک: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) المدینة فأضاء منها کل شئ ، فلما مات(علیه السّلام)أظلم منها کل شئ ، وما نفضنا عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأیدی ونحن فی دفنه حتی أنکرنا قلوبنا شاهد عدل علی القوم بما بیناه ). انتهی.

وفی فتح الباری:8/114:(قال أبو سعید فیما أخرجه البزار بسند جید: وما نفضنا أیدینا من دفنه حتی أنکرنا قلوبنا ). وفی تحفة الأحوذی:10/62:(قال التوربشتی یرید أنهم لم یجدوا قلوبهم علی ما کانت علیه من الصفاء والألفة) !!

ص: 337

إلجام العوام لتغطیة مؤامرة خیر القرون لقتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

فی صحیح مسلم:8/123: قال رجل لحذیفة ( أنشدک بالله کم کان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم أخبره إذ سألک ! قال: کنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن کنتَ منهم فقد کان القوم خمسة عشر ! وأشهد بالله ان اثنی عشر منهم حرب لله ولرسوله فی الحیاة الدنیا ویوم یقوم الأشهاد ). انتهی.

فمن هؤلاء الذین کانوا مستعجلین علی الخلافة واستطالوا عمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فتآمروا لقتله فی عودته من تبوک ، وصعدوا إلی أعلی العقبة لیلاً وألقوا الصخور علی ناقته لیقتلوه ، فنجاه الله منهم ، ولم یستطع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یعلن أسماءهم ویعاقبهم خوفاً من حدوث حرکة ردة عن الإسلام ! فهل هؤلاء خیر القرون ؟!

إلجام العوام لتغطیة اضطهاد خیر القرون لأهل بیت نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

وهل خیر القرون أولئک الذین عرض علیهم نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو علی فراش مرضه ما لم یعرضه نبی علی أمته قط ، أن یکتب لهم عهداً إن عملوا به لایضلوا إلی یوم القیامة ، ویکونوا سادة العالم إلی یوم القیامة ! فرفضوه بقلة أدب وقالوا إن نبیکم یهجر ! وهددوه بالردة ، فسکت(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی ألم وطردهم من بیته ؟!

وهل خیر القرون أولئک الذین ترکوا جنازة نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین یدی أهل بیته ، وعدَوْا إلی السقیفة لیبایعوا أحدهم خلسةً ، ثم عادوا مسلحین لا لیعزوا أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل لیهددوهم بأن یبایعوا لصاحبهم ، أو یحرقوا علیهم دارهم؟!

ص: 338

إلجام العوام عن تصدیق القرآن بأن أکثریة خیر القرون لن یؤمنوا !

وکیف یکون أهل عصر النبوة أو قریش خاصة خیر القرون وقد صدر حکم الله تعالی علی أکثرهم بأنهم حق علیهم القول ، وبأنهم لن یؤمنوا وإن أظهروا الإیمان ، فقال عنهم: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَی أَکْثَرِهِمْ فَهُمْ لایُؤْمِنُونَ.وقال:لِیُنْذِرَ مَنْ کَانَ حَیّاًوَیَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْکَافِرِینَ. (یس:7 و70 ) فهل نقض الله تعالی فی المدینة ما أنزله فی مکة ؟! فقوله تعالی: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، یشمل أهل مکة ، وأهل الجزیرة الذین بلغتهم دعوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وإنذاره فی حیاته

وقوله تعالی: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَی أَکْثَرِهِمْ فَهُمْ لایُؤْمِنُونَ .إخبار منه وهو العلیم بهم بأن أکثریتهم من أهل جهنم ، وأنهم لن یؤمنوا واقعاً ، وإن آمنوا ظاهراً ، طمعاً أو خوفاً. وقد فسر المقصود بالقول الذی حق علیهم بقوله تعالی: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لأَمْلأن جَهَنَّمَ مِنْکَ وَمِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ ( صاد 84- 85 )

وهل یستطیع المسلم الذی یؤمن بالقرآن ویقول صدق الله العظیم إلا أن یعتقد بأن أکثر أهل مکة وقریش کانوا کفاراً عند وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یؤمنوا !

قال ابن الجوزی فی زاد المسیر:6/263: (لقد حق القول ، فیه قولان: أحدهما وجب العذاب ، والثانی سبق القول بکفرهم.

قوله تعالی:"أکثرهم، یعنی أهل مکة ، وهذه إشارة إلی إرادة الله تعالی السابقة لکفرهم. لا یؤمنون ، لما سبق من القدر بذلک ). انتهی .

وأخیراً ، کیف یکونون خیر القرون وقد حکم علیهم الله تعالی بأنهم فراعنة وجنود للفراعنة فقال لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):وَاصْبِرْ عَلَی مَایَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلاً وَذَرْنِی

ص: 339

وَالْمُکَذِّبِینَ أُولِی النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِیلاً.إِنَّ لَدَیْنَا أَنْکَالاً وَجَحِیماً. وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعذاباً أَلِیماً.یَوْمَ تَرْجُفُ الأرض وَالْجِبَالُ وَکَانَتِ الْجِبَالُ کَثِیباً مَهِیلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَیْکُمْ رسولاً شَاهِداً عَلَیْکُمْ کَمَا أَرْسَلْ-نَا إلی فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أخذاً وَبِیلاً. (المزمل 10-16) .

وقد تحقق إخباره سبحانه ، فلم یکن مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من قریش فی مهجره إلا قلة قلیلة جداً ! وفی بعضهم کلام ! وعندما فتح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مکة مَلَکهم عبیداً ، ولم یعتقهم بل أطلقهم إطلاقاً ، وسماهم الطلقاء ! فکیف صاروا بمجرد وفاته صحابة عدولاً، وکیف یجعل الله فیهم خلافة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویأمر المسلمین أن یطیعوا قریشاً مدی الدهر ، لأنهم خیر القرون؟ حاشا لله !

من أسالیبهم فی إلجام العوام:
1-تمییع الحقائق وحلف الإیمان !

قال ابن حزم فی الأحکام:2/203: ( وأما قدامة بن مظعون ، وسمرة بن جندب والمغیرة بن شعبة ، وأبو بکرة ، رضوان الله علیهم ، فأفاضل أئمة عدول.

أما قدامة فبدری مغفور له بیقین ، مرضی عنه ، وکل من تیقنا أن الله عز وجل رضی عنه وأسقط عنه الملامة ففرض علینا أن نرضی عنه وأن لا نعدد علیه شیئاً ، فهو عدل بضرورة البرهان القائم علی عدالته من عند الله عز وجل وعندنا ، وبقوله(علیه السّلام)إن الله اطلع علی أهل بدر فقال لهم إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم.

وأما المغیرة بن شعبة ، فمن أهل بیعة الرضوان ، وقد أخبر(علیه السّلام)ألا یدخل النار أحد بایع تحت الشجرة ، فالقول فیه کالقول فی قدامة.

وأما سمرة بن جندب فأُحُدی ، وشهد المشاهد بعد أحد وهلم جراً ، والأمر فیه کالأمر فی المغیرة بن شعبة.

ص: 340

وأما أبو بکرة ، فیحتمل أن یکون شبه علیه ، وقد قال ذلک المغیرة ، فلا یأثم هو ولا المغیرة ، وبهذا نقول: وکل ما احتمل ولم یکن ظاهره یقیناً فغیر منقول عن متیقن حاله بالامس ، فهما علی ما ثبت من عدالتهما ، ولا یسقط الیقین بالشک وهذا هو استصحاب الحال الذی أباه خصومنا ، وهم راجعون إلیه فی هذا المکان بالصغر منهم! فما منهم أحد امتنع من الروایة عن المغیرة وأبی بکرة معاً ، وأبو بکرة وهو متأول ، وأما سمرة فمتأول أیضاً ، والمتأول مأجور وإن کان مخطئاً ، وکذلک قدامة تأول أن لا جناح علیه وصدق لاجناح علیه عند الله تعالی فی الآخرة بلا شک ، وأما فی أحکام الدنیا فلا ، ولنا فی الدنیا أحکام غیر أحکام الآخرة . وکذلک کل من قاتل علیاً رضوان الله علیه یوم صفین.

وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علی رضوان الله علیه ، ولا قصد علی رضوان الله علیه قتالهم ، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر فی قتلة عثمان رضوان الله علیه ، وإقامة حق الله تعالی فیهم ، فأسرع الخائفون علی أنفسهم أخذ حد الله تعالی منهم-وکانوا أعداداً عظیمة یقربون من الألوف- فأثاروا القتال خفیة حتی اضطر کل واحد من الفریقین إلی الدفاع عن أنفسهم، إذ رأوا السیف قد خالطهم وقد جاء ذلک نصاً مرویاً.....

ولیس عندنا من أمرهم إلا أنهم فیما بدا لنا مسلمون فاضلون ، یلزمنا توقیرهم والاستغفار لهم ، إلا أننا لا نقطع لهم بالجنة ولا بمغیب عقودهم ، ولا برضی الله عز وجل عنهم ، لکن نرجو لهم ذلک ونخاف علیهم کسائر أفاضل المسلمین ولا فرق. ثم لا نجیز ذلک لعلی وأم المؤمنین وطلحة والزبیر وعمار وهشام بن حکیم ومعاویة وعمرو والنعمان وسمرة وأبی الغادیة وغیرهم، وهم أئمة الإسلام حقا والمقطوع علی فضلهم وعلی أکثرهم بأنهم فی الجنة ، وهذا لا یخیل إلا علی

ص: 341

مخذول .

وکل من ذکرنا من مصیب أو مخطئ فمأجور علی اجتهاده ، إما أجریْن ، وإما أجراً ، وکل ذلک غیر مسقط عدالتهم. وبالله تعالی التوفیق ).

وقال فی المحلی:9/49: (إن من البرهان الواضح علی کذب هذا الخبر ووضعه وانه لا یمکن أن یکون حقا أصلا ما فیه مما نسب إلی أم المؤمنین من أنها قالت: أبلغی زید بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله(ص)إن لم یتب. وزید لم یفته مع رسول الله(ص)إلا غزوتان فقط بدر وأحد فقط ، وشهد معه(علیه السّلام)سائر غزواته ، وأنفق قبل الفتح وقاتل وشهد بیعة الرضوان تحت الشجرة بالحدیبیة ونزل فیه القرآن وشهد الله تعالی له بالصدق وبالجنة علی لسان رسوله(علیه السّلام)انه لا یدخل النار أحد بایع تحت الشجرة ، ونص القرآن بأن الله تعالی قد رضی عنه وعن أصحابه الذین بایعوا تحت الشجرة. فوالله ما یبطل هذا کله ذنب من الذنوب غیر الردة عن الإسلام فقط وقد أعاذه الله تعالی منها برضاه عنه وأعاذ أم المؤمنین من أن تقول هذا الباطل )

2- تعلیم العوام إنکار الحقائق نهاراً جهاراً !

قال ابن کثیر فی النهایة:6/211: (ثبت أیضاً الأخبار عنه صلوات الله وسلامه علیه بأنه لایدخل النار أحد بایع تحت الشجرة ، وکانوا ألفاً وأربعمائة ، وقیل وخمسمائة ، ولم ینقل أن أحداً من هؤلاء رضی الله عنه عاش إلا حمیداً ، ولا مات إلا علی السداد والاستقامة والتوفیق ، ولله الحمد والمنة. وهذا من أعلام النبوات ، ودلالات الرسالة ). انتهی .

ص: 342

3- إلجام أطفال المسلمین بتربیتهم علی عصمة عمر !

قال ابن حبان فی صحیحه:15/317: (ذکر الخبر الدال علی أن عمر بن الخطاب (رض) کان من المحدثین فی هذه الأمة.....عن عائشة قالت قال رسول الله(ص)قد کان یکون فی الأمم محدثون فإن یکن فی أمتی أحد فهو عمر بن الخطاب !

ذکر إجراء الله الحق علی قلب عمر بن الخطاب(رض)ولسانه:

عن بن عمر أن النبی(ص)قال: إن الله جعل الحق علی لسان عمر وقلبه .

وقال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فیه وقال عمر بن الخطاب ، إلا نزل القرآن علی نحو مما قال عمر !

ذکر بعض ما أنزل الله جل وعلا من الآی وفاقاً لما یقوله عمر بن الخطاب(رض):

عن حمید عن أنس قال قال عمر بن الخطاب: وافقت ربی فی ثلاث أو وافقنی ربی فی ثلاث....

ذکر الخبر الدال علی أن ناحیة بعد أبی بکر کان عمر...

ذکر البیان بأن عمر بن الخطاب أول ما تنشق عنه الأرض بعد أبی بکر الصدیق...

ذکر البیان بأن عمر بن الخطاب کان أحب الناس إلی رسول الله بعد أبی بکر...

ذکر إثبات الرشد للمسلمین فی طاعة أبی بکر وعمر...

ذکر أمر المصطفی المسلمین بالاقتداء بأبی بکر وعمر بعده...

ذکر شهادة المصطفی للصدیق والفاروق بکل شئ

کان یقوله (ص)...

ذکر البیان بأن الصدیق والفاروق یکونان فی الجنة سیدی کهول الأمم فیها...

ذکر رضا المصطفی عن عمر بن الخطاب فی صحبته إیاه... انتهی.

ولیس ابن حبان إلا نموذجاً لجمیع مصادرهم فی الحدیث ! فقد عقدوا لهذه الأحادیث أبواباً متعددة متنوعة ، فی الصحاح ، والسنن ، والمسانید ! وعلَّموا

ص: 343

الناس حفظها ونشرها ، وتردیدها فی زیارة قبر عمر، کما فی إعانة الطالبین:2/357: (فیسلم علی سیدنا عمر(رض)ویقول: السلام علیک یاأمیر المؤمنین یاسیدنا عمر بن الخطاب ، یا ناطقاً بالحق والصواب ، السلام علیک یاحلیف المحراب.

السلام علیک یا من بدین الله أمر ، یا من قال فی حقک سید البشر(ص): لو کان بعدی نبیٌّ لکان عمر .

السلام علیک یا شدید المحاماة فی دین الله والغیرة ، یا من قال فی حقک هذا النبی الکریم(ص): ما سلک عمر فجاً إلا سلک الشیطان فجاً غیره...). إلخ.

قال السید المرتضی(قدسّ سرّه)فی کتابه الشافی فی الإمامة:3/129 ، وهو یفند الأحادیث القرشیة الموضوعة فی فضائل أبی بکر وعمر:

(وأما ما رواه من قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الحق ینطق علی لسان عمر ، فهو مقتض إن کان صحیحاً عصمة عمر والقطع علی أن أقواله کلها حجة ! ولیس هذا مذهب أحد فی عمر ، لأنه لاخلاف فی أنه لیس بمعصوم وأن خلافه سائغ !

وکیف یکون الحق ناطقاً علی لسان من یرجع فی الأحکام من قول إلی قول ، ویشهد علی نفسه بالخطأ ، ویخالف فی الشئ ثم یعود إلی قول من خالفه ، فیوافقه علیه ، ویقول (لولا علی لهلک عمر) و (لولا معاذ لهلک عمر) ؟!

وکیف لم یحتجَّ بهذا الخبر هو لنفسه فی بعض المقامات التی احتاج إلی الإحتجاج فیها؟! وکیف لم یقل أبو بکر لطلحة لما قال له: ما تقول لربک إذ ولیت علینا فظاً غلیظاً! أقول له: ولَّیْتُ من شهد الرسول بأن الحق ینطق علی لسانه!

ولیس لأحد أن یدعی فی الإمتناع من الإحتجاج بذلک سبباً مانعاً کما ندعیه فی ترک أمیر المؤمنین(علیه السّلام)الإحتجاج بذلک بالنص ، لأنا قد بینا فیما تقدم أن

ص: 344

لترکه(علیه السّلام)ذلک سبباً ظاهراً ، وهو تآمر القوم علیه وانبساط أیدیهم ، وأن الخوف والتقیة واجبان ممن له السلطان ، ولا تقیة علی عمر وأبی بکر من أحد ، لأن السلطان کان فیهما ولهما ، والتقیة منهما لا علیهما !

علی أن هذا الخبر لو کان صحیحاً فی سنده ومعناه ، لوجب علی من ادعی أنه یوجب الإمامة (یقصد القاضی عبد الجبار الهمدانی صاحب المغنی، وقد ألف الشافی رداً علیه) ، أن یبین کیفیة إیجابه لذلک ، ولایقتصر علی الدعوی المحضة ، وعلی أن یقول: إذا جاز أن یدعی فی کذا وکذا أنه یوجب الإمامة ، جاز فی هذا الخبر ، لأنا لما ادعینا فی

الأخبار التی ذکرناها ذلک ، لم نقتصر علی محض الدعوی ، بل بینا کیفیة دلالة ما تعلقنا به علی الإمامة ، وقد کان یجب علیه إذا عارضنا بأخباره أن یفعل مثل ذلک ). انتهی.

وقال الأمینی فی الغدیر:6/331: (هناک أحادیث موضوعة تذکر فی فضائل عمر لاتلتئم مع شئ مما ذکرناه بأسانیده الوثیقة(فی علم عمر) وکلٌّ من ذلک یفنِّدها منها ما یعزی إلیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من قوله: لو لم أبعث فیکم لبعث عمر.

وروایة: لو لم أبعث لبعثت یا عمر.

وروایة: لو کان نبی بعدی لکان عمر بن الخطاب.

وروایة: قد کان فی الأمم محدثون فإن یکن فی أمتی أحد فهو عمر.

وروایة: إن الله جعل الحق علی لسان عمر وقلبه.

ورایة: أن الله ضرب بالحق علی لسان عمر وقلبه .

ومنها ما رووه عن علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)من قول: کنا نتحدث إن ملکاً ینطق علی لسان عمر. وقوله: ما کنا نبعد أن السکینة تنطق علی لسان عمر.

ومنها ما یروی عن أعاظم الصحابة مثل ما یعزی إلی ابن مسعود من قوله: لو

ص: 345

وضع علم عمر فی کفة وعلم أهل الأرض فی کفة لرجح علم عمر.

وأمثال هذه من الأکاذیب ، فإن من یکون بتلک المثابة حتی یکاد أن یبعث نبیاً لایفقد علم واضحات المسائل عند ابتلائه ، أو ابتلاء من یرجع أمره إلیه من أمته بها ، ولا یتعلم مثله سورة من القرآن فی اثنتی عشرة سنة !

وأین کان الحق والملک والسکینة ، یوم کان لایهتدی إلی أمهات المسائل سبیلاً فلا تسدده ، ولا تفرغ الجواب علی لسانه ، ولا تضع الحق فی قلبه !

وکیف یسعُ المسدَّد بذلک کله أن یحسب کل الناس أفقه منه حتی ربات الحجال ؟! وکیف کان یأخذ علم الکتاب والسنة من نساء الأمة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها ؟

وکیف کان یری عرفان لفظة مفسرة بالقرآن تکلفاً ویقول: هذا لعمر الله هو التکلف ، ما علیک یا بن أم عمر أن لا تدری ما الأبُّ ؟!

وکیف کان یأخذ عن أولئک الجم الغفیر من الصحابة ویستفتیهم فی الأحکام.

وکیف کان یعتذر عن جهله أوضح ما یکون من السنة بقوله: ألهانی عنه الصفق بالأسواق .

وکیف کان لم یسعه أن یعلم الکلالة ویقیمها ، ولم یتمکن من تعلم صور میراث الجد ، وکان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: ما أراه یعلمها ، وما أراه یقیمها. ویقول: إنی أظنک تموت قبل أن تعلم ذلک ؟!

وکیف کان مثل أبیٍّ بن کعب یغلظ له فی القول ویراه لاهیاً عن علم الکتاب بالصفق بالأسواق وبیع الخیط والقرظة ؟

وکیف کان یراه أمیر المؤمنین(علیه السّلام)جاهلاً

بتأویل القرآن الکریم.

وکیف وکیف ، إلی مائة کیف؟!

ص: 346

نعم راق القوم أن ینحتوا له فضائل ویغالوا فیها ولم یترووافی لوازمها).انتهی.

وقال المفید(رحمه الله)فی الإفصاح فی إمامة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ص40: (فلو سلمنا لک دعواک لمن ادعیت الفضل لهم علی ما تمنیت لم یمنع مما ذکرناه ، لأنه لا یوجب لهم العصمة من الضلال ، ولایرفع عنهم جواز الغلط والسهو والنسیان ، ولایحیل منهم تعمد العناد. وقد رأیت ما صنع شرکاؤهم فی الصحبة والهجرة والسبق إلی الإسلام حین رجع الأمر إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)باختیار الجمهور منهم والإجتماع ، فنکث بیعته طلحة والزبیر ، وقد کانا بایعاه علی الطوع والإیثار وطلحة نظیر أبی بکر ، والزبیر أجل منهما علی کل حال ، وفارقه سعد بن أبی وقاص وهو أقدم إسلاماً من أبی بکر ، وأشرف منه فی النسب ، وأکرم منه فی الحسب ، وأحسن آثاراً من الثلاثة فی الجهاد ! وتبعه علی فراقه وخذلانه محمد بن مسلمة ، وهو من رؤساء الأنصار ، واقتفی آثارهم فی ذلک وزاد علیها بإظهار سبه والبراءة منه حسان !! فلو کانت الصحبة مانعة من الضلال لمنعت من ذکرناه ومعاویة ابن أبی سفیان وأبا موسی الأشعری ، وله من الصحبة والسبق ما لایجهل وقد علمتم عداوتهم لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)وإظهارهم البراءة منه ، والقنوت علیه ، وهو ابن عم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیره علی أبی بکر وعمر وعثمان.

ولو کانت الصحبة أیضاً مانعة من الخطأ فی الدین والآثام.....ولکانت صحبة السامری لموسی بن عمران(علیهماالسّلام)وعظم محله منه ومنزلته، تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرک بالله عز وجل ، ولاستحال أیضاً علی أصحاب موسی نبی الله(علیه السّلام) وهم ستمائة ألف إنسان وقد شاهدوا الآیات والمعجزات وعرفوا الحجج والبینات أن یجتمعوا علی خلاف نبیهم وهو حی بین أظهرهم ، ویباینوا خلیفته

ص: 347

وهو یدعوهم ویعظهم ویحذرهم من الخلاف وینذرهم ، فلا یصغون إلی شئ من قوله ، ویعکفون علی عبادة العجل من دون الله عز وجل.

ولکان أیضاً أصحاب عیسی(علیه السّلام)معصومین من الردة ، ولم یکونوا کذلک ، بل فارقوا أمره وغیروا شرعه ، وادعوا علیه أنه کان یأمرهم بعبادته ، واتخاذه إلهاً مع الله تعالی تعمداً للکفر والضلال ، وإقداماً علی العناد من غیر شبهة ولا سهو ولا نسیان). انتهی.

4- إلجام العوام باستخدام وسائل الإعلام !

لو نظرنا فی حجم ما یقوم به فی عصرنا الذین یسمیهم ابن حبَّان (المعتنین بأمر الدین) ، لترکیز قداسة أبی بکر وعمر فی نفوس المسلمین ، لرأینا العجب !!

من مناهج التربیة المدرسیة والجامعیة ، إلی برامج الرادیو والتلفزیون ، إلی خطب المساجد ودروسها ، إلی الکتب والکتیبات والأشرطة ، إلی صفحات النت ومواقعها المتنوعة.. ومنها بإسم الصحابة لکن المقصود به أبو بکر وعمر !

والمطلوب فیها کلها غرس الإعتقاد بفضائل أبی بکر وعمر إلی حد العصمة والغلو ، وغرس الإعتقاد بأن من لم یعتقد بذلک فهو عدو للإسلام ونبیه وقرآنه !

وفی مقابله لاتکاد تجد شیئاً عن أهل البیت ، وحتی عن بقیة الصحابة !

والمطلوب أن یکبر الطفل المسلم وعنده تقدیس خاص لعمر وأبی بکر لایصل الیه تقدیس آخر ، وحساسیة خاصة تجاههما بحیث تستنفر وسائل دفاعه لأقل ما یحتمل أنه یمس بهما ، أکثر مما یستنفر لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

وبهذا یتجاوز المعتنون بأمر (الدین) قضیة إلجام العوام عن المساس بأبی بکر وعمر ، إلی تعبئتهم للحرب من أجلهما ، ومن أجل کل ما یتعلق بهما !

ص: 348

ولیس فی کلامنا هذا مبالغة ، إذ یکفی أن تجرب مع هؤلاء المعبئین أن تبحث فی عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأخطائه الکثیرة ، فتراهم یشارکونک فی البحث ! حتی إذا طرحت ما یحتمل أنه خطأ لعمر ، انصب علیک جام غضبهم بلا هوادة !

ص: 349

ص: 350

الفصل الحادی عشر : العصمة والمعصومون فی القرآن

اشارة

ص: 351

ص: 352

المعصومون ثمرة الوجود البشری

یتصور البعض أن القرآن لایری عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ، لأنه یتحدث عن(معصیة)آدم(علیه السّلام) ویذکر(مؤاخذات)علی بعض الأنبیاء(علیهم السّلام) کطلب نوح(علیه السّلام) من ربه أن ینجِّی ابنه مع أنه کان کافراً ، وما یبدو من تحیُّر إبراهیم(علیه السّلام)فی ربه هل هو النجوم أو القمر أو الشمس ، ومن قتل موسی للقبطی ، وغضبه علی أخیه هارون(علیهماالسّلام). ونحو ذلک من(ذنوب الأنبیاء) التی أکثرَ الیهود فیها الکلام والإتهام وتمسک بها المخالفون لمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، فحصروا عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) فی التبلیغ فقط ، ونفوها فی الأمور الشخصیة والعامة ، بل نسبوا الیهم أخطاء ومعاصی فظیعة حتی فی التبلیغ کما تقدم !

لکنَّ النظرة الفاحصة ترینا أن العصمة والمعصومین فی القرآن ظاهرةٌ بارزةٌ من أول مشروع خلق آدم(علیهم السّلام) وذریته ، وقد وردت فی القرآن ببضعة عشر عنواناً:

فالمعصومون هم النخبة الذین من أجلهم کان مشروع إسکان آدم فی الأرض، وبهم ستصل الحیاة الإجتماعیة إلی هدفها الربانی الحکیم الذی لم یعرفه الملائکة: قَالَ إِنِّی أعلم مَا لا تَعْلَمُونَ .

وهم الذین تحدی الله تعالی عدوه إبلیسَ أن یؤثرَ علیهم فقال له: إِنَّ عِبَادی لَیْسَ

ص: 353

لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ.

وهم العباد المکرمون عنده الذین: لایَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ .

وهم الذین یخصهم بالإطلاع علی غیبه ، ویحیطهم برصد لحفظ الغیب ضمن خطه المقرر ، کما قال تعالی: عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أحداً. إلا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فإنه یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا .

وهم الذین یورثهم الکتاب عبر الأجیال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا .

وهم الذین وعد أن یغلب بهم: کَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلِی إن الله قَوِیٌّ عَزِیزٌ .

ووعد أن تتجلی هذه الغلبة بعد خاتم رسله وأنبیائه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): هُوَ الَّذِی أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدَی وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ.

وهم الذین سیورثهم الأرض بعد عهود الجبابرة: وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أن الأرض یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ.

وهم عباد الرحمن الخاصون الذین خصهم بصفات وافیة من سورة الفرقان .

وهم الذین أعطاهم عنده عهداً فلن یخلفه: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عهداً فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ... إلی آخر الآیات التی تتحدث بیقین عن نجاح المشروع الإلهی فی آدم وذریته. ولیس نجاحه إلا بهؤلاء المعصومین(علیهم السّلام) ، الذین هم لبُّ هذا المشروع وضمانه ، وهدفه الأسمی !

ص: 354

آیات العصمة فی القرآن

اشارة

فی القرآن الکریم طوائف من الآیات تتحدث عن نخبة من البشریة ، وتصفهم بصفات تدل علی عصمتهم ، وهذه أهمها:

الطائفة الأولی: آیات الإستخلاف
اشارة

(وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ: إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأرض خَلِیفَةً. قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ ؟ قَال:َ إِنِّی أعلم مَا لا تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء کُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَی الْمَلائِکَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ إن کُنْتُمْ صَادِقِینَ. قَالُوا: سُبْحَانَکَ لاعِلْمَ لَنَآ إلا مَا عَلَّمْتَنَآ ، إنک أنت الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ. قَالَ: یاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ! فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أعلم غَیْبَ السَّمَوَاتِ والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ ).(البقرة:30–33)

لایکون خلیفة الله فی الأرض إلا معصوماً

قالت أحادیث أهل البیت(علیهم السّلام) إن المستخلف فی الآیة هو بعض المعصومین وهم آدم(علیه السّلام)وبعض الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) ولیس کل نوع الإنسان .

وذهب أغلب المفسرین السنة المتأخرین وتبعهم بعض مفسری الشیعة ، إلی أن المستخلف فی الآیة نوعُ الإنسان ، وأکثروا فی توجیه ذلک بلا طائل.

والصحیح أن هذا الجعل الإلهی مختص بآدم والمعصومین من ذریته(علیهم السّلام) ، لأنه جعلٌ تشریعی لولایة من الله علی الأرض وأناسها ، وإعطاؤها لغیر المعصوم یستوجب نفی الحکمة عن الله ونسبة الظلم الیه ، سبحانه وتعالی !

ذلک أن قوله تعالی للملائکة: إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأرض خَلِیفَةً ، لیس إخباراً عن

ص: 355

مجرد إسکان آدم وذریته فی الأرض ، بل عن جعل خلفاء لله منهم .

وعندما تساءل الملائکة کیف تصلح ذریة آدم للخلافة مع أنهم سیفسدون ویسفکون الدماء ؟ خطَّأهم الله تعالی لأنهم حکموا علی جمیع ذریة آدم ، وجمیع مدتهم علی الأرض! وأخبرهم سبحانه أن مشروع استخلافهم لایضر به ما تفعله ذریة آدم من إفساد وسفک الدماء ای حین ! وأن آدم والمستخلفین من ذریته(علیهم السّلام) أفضل من الملائکة فهم یصلحون ولا یفسدون ، وأثبت الله لهم ذلک فعلم آدم(علیه السّلام)ما لایعلمونه ، وأراهم سیرة خلفائه من ذریة آدم(علیهم السّلام) ، فاعترف الملائکة واستغفروا !

نعم ، یصح القول إن الإنسان خلیفة الله فی الأرض ، باعتبار أن خلفاء الله الشرعیین من نوعه ، لکنه لایعنی شمول الخلافة لغیر المعصومین(علیهم السّلام) بحال. وذلک کقوله تعالی: (وَإِذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جَعَلَ فِیکُمْ أنبیاءوَجَعَلَکُمْ مُلُوکاً)(المائدة:20) فعبَّر بجعلهم ملوکاً بالعموم ، لأنهم منهم.

ولا نطیل فی ذکر أقوال المفسرین فی المسألة ومناقشتها ، فإن أحداً منهم لم یأت بدلیل من الآیة أوخارجها علی أن هذه الخلافة تشمل کل ذریة آدم(علیه السّلام) ، اللهم إلا الإستحسانات والظنون ، وهی لا تنهض دلیلاً !

ولعل القائلین بعموم الخلافة لکل بنی آدم غفلوا عن أن الجاعل لها هو العالم الحکیم المطلق عز وجل ، وأن أحدنا لایعطی هذا المقام الخطیر للمفسدین ولا للعادیین فکیف بالله تعالی ! وإذ انتفت خلافة المفسدین بالفعل أو بالقوة ، لم یبق إلا المعصومون(علیهم السّلام) ، وهذا مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) .

ولعله اختلط علیهم هذا الإستخلاف التشریعی بالإستخلاف التکوینی بمعنی أن الله جعل الإنسان أجیالاً یخلف بعضها بعضاً ، کما قال نبی الله هود(علیه السّلام)لقومه:

ص: 356

وَاذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَکُمْ فِی الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ.(الأعراف:69) ، فهذا استخلافٌ لکن لیس فیه ولایة ولا مقام ، بل امتنَّ الله علیهم بخلقهم بعد قوم نوح وتوریثهم حضارتهم ، رغم کفرهم.

لأجل ما تقدم فإن مقام خلیفة الله لم یثبت فی القرآن إلا لآدم وداود(علیهماالسّلام):یَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأرض فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ. (سورة صاد:26).

أما قوله تعالی:أَمْ مَنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَیَکْشِفُ السُّوءَ وَیَجْعَلُکُمْ خُلَفَاءَ الأرض أإلَهٌ مَعَ اللهِ قلیلاً مَا تَذَکَّرُونَ ، (النمل:62) وقوله تعالی: وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأرض کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور:55) ، فهو وعدٌ إلهی باستخلاف المعصومین وختامهم الإمام المهدی(علیه السّلام) ، خلیفة الله الموعود ، الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً !

فی الکافی:1/193، عن الإمام الرضا(علیه السّلام)قال: ( الأئمة خلفاء الله عز وجل فی أرضه). وعن الإمام الصادق(علیه السّلام)، فی قوله تعالی:وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأرض کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، قال: هم الأئمة).

أما فی السنة فثبت إسم خلیفة الله لنبینا وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وربما لکبار الأنبیاء(علیهم السّلام) . ففی من لایحضره الفقیه:2/611 ، فی روایة الزیارة الجامعة: (ورضیکم خلفاء فی أرضه ، وحججاً علی بریته) .

وفی خصائص الأئمة للشریف الرضی(رحمه الله)ص105: فی حدیث کمیل بن زیاد(رحمه الله) فی وصف الأئمة(علیهم السّلام) عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال: ( اللهم بلی ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، إما ظاهراً مشهوراً ، أو خافیاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبیناته.... أولئک خلفاء الله فی أرضه والدعاة إلی دینه). انتهی.

ص: 357

أما الزیدیة فقد توسعوا فی إعطاء لقب خلیفة الله لکل من اجتمعت فیه شروط الإمامة عندهم فکان فقیهاً من ذریة علی وفاطمة(علیهماالسّلام)وقام بالسیف.(الأحکام:2/505)

تکریم بنی آدم لایعنی استخلافهم
لأنه تکریمٌ تکوینی واقتضائی !

استدل بعضهم علی عموم الإستخلاف فی الأرض بآیة تکریم بنی آدم ، وهی قوله تعالی: وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً. یَوْمَ نَدْعُواْ کُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولَئِکَ یَقْرَأُونَ کِتَابَهُمْ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً. (الإسراء:70-71 ).

لکن لا علاقة لهذا التکریم بالإستخلاف ، لأنه أعم منه محمولاً وموضوعاً ، فهو یشمل المؤمن والکافر ، کما قال الله تعالی: فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهَانَنِ کَلا بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ. (الفجر:15-17). فالإکرام هنا دنیوی یشمل حتی الکفار والفجار والطغاة ، ولا یصح القول إنهم مکرمون ، فهم خلفاء الله فی أرضه !

والمقصود بالتکریم التکوینی خلق الإنسان فی أحسن تقویم ، ومنحه قدرات وظروفاً تمکنه من التکامل ونیل التکریم الحقیقی إن أراد ، کما قال تعالی عن مؤمن آل یاسین: قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ یَا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ. (یس:26-27). فوصل بتکریمه التکوینی إلی تکریمه الحقیقی.

وأخیراً ، فإن جعل التقوی میزاناً للکرامة والتکریم ، فی قوله تعالی: إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاکُمْ. (الحجرات:13) یؤکد أن ماتحقق لکل بنی آدم فی قوله: وَلَقَدْ کَرَّمْنَا

ص: 358

بَنِی آدَمَ ، تکریمٌ عامٌّ بنعم الله التی وسعت الکافر والمؤمن ، أما الإستخلاف فهو تکریمٌ خاص ومنصبٌ لعباد خاصین لایثبت إلا بدلیل ، قال تعالی: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ لایَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ.(الأنبیاء:26-27).

خلفاء الله فی الأرض لیس بالضرورة أن یکونوا حکاماً

من الواضح أن خلیفة الله فی أرضه وحجته علی عباده ، لیس بالضرورة أن یکون حاکماً ، فأکثر أنبیاءالله وأوصیائهم(علیهم السّلام) کانوا محکومین مضطهدین ، ولم ینقص ذلک من مقامهم العظیم وخلافتهم عن الله تعالی فی أرضه .

وهذا معنی ما رووه ورویناه من أن الخلفاء الذین بشر بهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لایضرهم تکذیب من کذبهم. فقد روی الکافی:1/529 ، وکمال الدین ص299 ، واللفظ له: (عن أبی الطفیل قال: شهدت جنازة أبی بکر یوم مات ، و شهدت عمر حین بویع وعلیٌّ جالس ناحیة ، إذ أقبل علیه غلام یهودی علیه ثیاب حسان وهو من ولد هارون ، حتی قام علی رأس عمر فقال: یا أمیر المؤمنین أنت أعلم هذه الأمة بکتابهم وأمر نبیهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه ، فقال: إیاک أعنی وأعاد علیه القول ! فقال له عمر: ما شأنک؟ فقال: إنی جئتک مرتاداً لنفسی شاکاً فی دینی ، فقال: دونک هذا الشاب قال: ومَن هذا الشاب ؟ قال: هذا علی بن أبی طالب ابن عم رسول الله ، وهو أبو الحسن والحسین ابنی رسول الله ، وهذا زوج فاطمة ابنة رسول الله. فأقبل الیهودی علی علی فقال: أکذلک أنت؟ قال: نعم ، فقال الیهودی: إنی أرید أن أسألک عن ثلاث وثلاث وواحدة..... إلی أن قال: أخبرنی عن محمد کم بعده من إمام عدل وفی أی جنة یکون ، ومن الساکن معه فی جنته؟ فقال: یا هارونی إن لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الخلفاء اثنا عشر إماماً عدلاً ، لایضرهم خذلأن من خذلهم ، ولا یستوحشون بخلاف من خالفهم ، وإنهم أرسب فی الدین

ص: 359

من الجبال الرواسی فی الأرض. ومسکن محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی جنة عدن معه أولئک الإثنا عشر الأئمة العدل. فقال:صدقت والله الذی لا إله إلا هو إنی لأجدها فی کتاب أبی هارون کتبه بیده ). انتهی .

وفی معجم الطبرانی الکبیر: 2/196، و213 و214 ، و256 ، والأوسط:3 /201، ومجمع الزوائد:5/191:( عن جابر بن سمرة عن النبی(ص)قال: یکون لهذه الأمة اثنا عشر قیماً ، لایضرهم من خذلهم ). انتهی .

وقد روی بعضهم زیادة فی حدیث الأئمة الإثنی عشر (کلهم تجتمع علیه الأمة) وأراد حصر تطبیقه بالحکام ، وأنه لایشمل من أهل البیت إلا علیاً(علیه السّلام) ، لکن الألبانی رد هذه الزیادة فی سلسلته برقم 376 ، وقال عنها إنها منکرة !

وقد بحثنا فی المجلد الثانی من کتاب (ألف سؤال وإشکال- مسألة 162) لقب خلیفة الله تعالی وخلیفة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، واستغلال القرشیین له وأعطاءه لحکامهم ! وأن أبا بکر استکثر علی نفسه لقب خلیفة الله فنهاهم عنه ( ابن أبی شیبة فی المصنف:8/572 ، وصححه فی الزوائد:5/184 عن أحمد. وکذلک عمر: شرح النهج:12/94)

بینما سمی معاویة نفسه (خلیفة الله) فاعترض علیه صعصعصة بن صوحان(رحمه الله)!

(مروج الذهب للمسعودی:3/52) ثم تمادی حکام بنی أمیة فی استغلا لقب خلیفة الله لأنفسهم ، ففضلوا الحاکم الأموی بذلک علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بحجة أن خلیفة المرأ خیر من رسوله فی حاجته ! (الصحیح السیرة:1/29)

ونقل النووی فی الأذکار ص360 ، عن البغوی أنه قال: (ولا یسمی أحد خلیفة الله تعالی بعد آدم وداود علیهما الصلاة والسلام ).

ونقل عنه الشربینی فی مغنی المحتاج:4/132، قوله: (ولا یجوز تسمیته بخلیفة الله تعالی ، لأنه إنما یستخلف من یغیب ویموت ، والله تعالی منزه عن ذلک).انتهی .

ص: 360

ودلیل البغوی ضعیف ، والدلیل الصحیح: أن خلیفة الله وخلیفة الرسول منصب یحتاج إلی نص من الله تعالی أو رسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلا کان ادعاءً وافتراءً.

والنتیجة: أن نظام الإستخلاف فی الأرض ومقام الخلافة الذی نصَّت علیه الآیة یدل علی أن من ثبت له هذا المنصب ، فقد ثبتت له العصمة .

وقد اتضح أن توسیع إسم (خلیفة الله) لکل بنی آدم ، إنما قال به بعض المتأخرین تأثراً بفکر بعض المتصوفة ، أو بفکر الغربییین الذی یؤکد علی أصالة الإنسان إلی حد تألیهه ! فجعلوا التکریم بمعنی الإستخلاف وعمموه لکل إنسان ! وأن معاویة أول من ابتدع تعمیمه للحاکم أیُّ حاکم ! بحجة أن الله أعطاه الحکم فیکون استخلفه فی أرضه !

تعلیم آدم(علیه السّلام)الأسماء دلیلٌ علی عصمة خلفاء الله تعالی

فی آیة استخلاف آدم(علیه السّلام)بحوثٌ مهمة تتعلق بموضوعنا ، فقد أوضحت أن ملاک خلافة الله تعالی والأفضلیة علی الملائکة هو العلم الإلهی الذی یعطیه لخلیفته ، ودرجة العبودیة التی یوفقه لها.

فالإنسان رغم أن فیه قابلیة الإفساد وسفک الدماء ، فیه إیجابیات وقابلیات عظیمة لم یعرفها الملائکة ، هی التی أوجبت جعله خلیفة فی الأرض ، وهی تغلب فی مصلحتها علی إفساد المفسدین منه ! وأنها ستتحق فی المعصومین(علیهم السّلام) ویتحقق علی یدهم إقامة دولة العدل الإلهی فی الأرض ، التی لا إفساد فیها ولاسفک دماء ، والتی تمتد حتی یرث الله الأرض ومن علیها !

وقد أثبت عز وجل للملائکة أن آدم(علیه السّلام)یستطیع أن یتلقی من العلم الإلهی

ص: 361

فیصل إلی درجة أعلی من الملائکة ، وأن خلفاء الله من ذریته سیکونون أهلاً للتلقی والطاعة بأفضل من الملائکة !

لقد علَّم الله آدم أسماء خلفائه من ذریته وبین له مقامهم ، ثم عرض سیرتهم علی الملائکة ، وامتحنهم فی معرفة(أَسْمَاءِ هؤُلاءِ) العظماء فلم یعرفوهم ، وعرفهم آدم(علیه السّلام)فأخبرهم بهم ، فاقتنع الملائکة وقالوا: (سُبْحَانَکَ لا عِلْمَ لَنَآ إلا مَا عَلَّمْتَنَآ ، إنک أنت الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ ).

وقد أکثر المفسرون فی بحث الأسماء التی علمها الله لآدم(علیه السّلام) ، ثم فی معنی (عرضهم) علی الملائکة ، لکنهم ذهبوا بها بعیداً مع أنها لابد أن تکون معلومات عن مستقبل أبناء آدم(علیه السّلام) فی الأرض ، لتکون جواباً مقنعاً للملائکة الذین تصوروا أن کل حیاة الإنسان علی الأرض إفسادٌ وسفک للدماء !

لذلک لانجد تفسیراً معقولاً لها ، إلا أن الله علَّم آدم(علیه السّلام)علماً استطاع به أن یری مستقبل ذریته فی الأرض ، ویری أن مرحلة السماح بالإفساد وسفک الدماء فی الأرض ستنتهی ، ثم تبدأ مرحلة دولة العدل الإلهی علی ید خلفاء الله من عترة خاتم أنبیائه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وتمتد إلی آخر حیاة الإنسان !

فهذا هو الجواب الوحید الذی یقنع الملائکة بجدارة آدم للخلافة ، وجدارة الخلفاء من أبنائه ، وانهم لا یُفسدون فی الأرض ولا یَسفکون الدماء ، بل سیصلحونها ویعمرونها ، صلوات الله علیهم !

فیکون معنی قوله تعالی: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَی الْمَلائِکَةِ.. أنه عرض علیهم شریطاً لسیرة شخصیات ربانیة أعظم مقاماً من الملائکة ، فتعجبوا لهم ولم یعرفوهم ، فأخبرهم آدم(علیه السّلام)بأنهم من ذریته ، وأنهم دیرون بخلافة الله فی الأرض !

وبهذا المعنی فقط تصح الشرطیة فی قوله تعالی: فَقَالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ أن

ص: 362

کُنْتُمْ صَادِقِینَ. أی إن کنتم مصیبین فی قولک إنهم سیفسدون !

وقد یسأل: هل إن صور مایکون محفوظة عند الله تعالی ، لیعلمها لمخلوق قبل أن تکون ؟

والجواب: أن هذا من بدائه عقیدتنا فی الغیب والنبی وآله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأحادیثه عندنا صحیحة مستفیضة بل متواترة ، وأن الله تعالی علم نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم ما یکون إلی یوم القیامة ، فعلمه لعلی والأئمة من عترته(علیهم السّلام) .

قد یقال: روی أن الله تعالی علم آدم أسماء الأشیاء ، مما تحتاجه حیاته علی الأرض مثل إسم الماء والهواء والشجر والحیوان والجبال ؟

والجواب: أن هذا لو صح لا یکون جواباً علی إشکال الملائکة ، إذ لاتلازم بین معرفة أسماء الأشیاء ، وعدم الإفساد وسفک الدماء !

ثم لو صح أن یکون جواباً لاستخلاف آدم(علیه السّلام) ، فلا یصح جواباً لاستخلاف ذریته ، فإن الملائکة أخبروا عن إفساد ذریته ولیس عن إفساده هو ! فهم بحاجة إلی جواب یثبت عدم إفساد الذریة ، أو وجود مصلحة فی استخلافهم تغلب ما یقع من إفساد بعضهم ، ولیس ذلک إلا مرحلة حکم خلفاء الله فی أرضه(علیهم السّلام) .

وبذلک یتضح قوة ما ورد فی مصادرنا فی تفسیر الآیة الکریمة ، کالذی فی تفسیر فرات الکوفی ص56 بسنده عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: (إن الله تبارک وتعالی کان ولا شئ ، فخلق خمسة من نور جلاله ، وجعل لکل واحد منهم إسماً من أسمائه المنزلة ، فهو الحمید وسمی النبی محمداً ، وهو الأعلی وسمی أمیر المؤمنین علیاً ، وله الأسماء الحسنی فاشتق منها حسناً وحسیناً ، وهو فاطر فاشتق لفاطمة من أسمائه إسماً ، فلما خلقهم جعلهم فی المیثاق فإنهم عن یمین العرش ،وخلق الملائکة من نور ، فلما أن نظروا إلیهم عظموا أمرهم وشأنهم ولقنوا

ص: 363

التسبیح فذلک قوله: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فلما خلق الله تعالی آدم نظر إلیهم عن یمین العرش فقال: یا رب من هؤلاء ؟ قال: یا آدم هؤلاء صفوتی وخاصتی ، خلقتهم من نور جلالی وشققت لهم إسماً من أسمائی ، قال: یا رب فبحقک علیهم علمنی أسماءهم ، قال: یا آدم فهم عندک أمانة سر من سری ، لایطلع علیه غیرک إلا بإذنی ، قال: نعم یا رب ، قال: یا آدم أعطنی علی ذلک العهد فأخذ علیه العهد ، ثم علمه أسماءهم، ثم عرضهم علی الملائکة ولم یکن علمهم بأسمائهم فقال: أنبئونی بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقین. قالوا: سبحانک لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العلیم الحکیم. قال یا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم..علمت الملائکة أنه مستودع وأنه مفضل بالعلم ، وأمروا بالسجود إذ کانت سجدتهم لآدم تفضیلاً له وعبادة لله). انتهی. (والبحار:37/62)

ص: 364

الطائفة الثانیة: آیات الإصطفاء الإلهی
اشارة

الإصطفاء الإلهی ، والإستخلاص ، والإجتباء ، والإختیار ، أوصاف قرآنیة ، وصف الله تعالی بها نخبة عباده.

والمتحصل من کلمات اللغویین أن أعلاها درجة الإصطفاء ، لأنه اختیار الصفو بذاته من البشریة ، ویلیه الإستخلاص وهو تخلیص الشئ من الشوائب واختیاره ، ویلیه الإختیار وهو انتخاب الشئ الأفضل من غیره .

قال الراغب فی المفردات ص154:( الخالص کالصافی إلا أن الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن کان فیه ، والصافی قد یقال لما لا شوب فیه ، ویقال خلصته فخلص... وقوله تعالی: فَلَمَّا

اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیّاً ، أی انفردوا خالصین عن غیرهم....فإخلاص المسلمین أنهم قد تبرؤوا مما یدعیه الیهود من التشبیه والنصاری من التثلیث ، قال تعالی: مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ... فحقیقة الإخلاص التبری عن کل ما دون الله تعالی). انتهی .

وقال فی ص283: (أصل الصفاء خلوص الشئ من الشوب ، ومنه وذلک إسم لموضع مخصوص، والاصطفاء تناول صفو الشئ کما أن الإختیار تناول خیره والإجتباء تناول جبایته. واصطفاء الله بعض عباده قد یکون بإیجاده تعالی إیاه صافیاً عن الشوب الموجود فی غیره ، وقد یکون باختیاره وبحکمه وإن لم یتعر ذلک من الأول ، قال تعالی: الله یصطفی من الملائکة رسلاً ومن الناس - إن الله اصطفی آدم ونوحا - اصطفاک وطهرک واصطفاک - اصطفیتک علی الناس- وإنهم عندنا لمن المصطفین الإخیار ) .

واصطفیت کذا علی کذا أی اخترت ( أصطفی البنات علی البنین- وسلام علی عباده الذین اصطفی. ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا. والصفی

ص: 365

والصفیة ما یصطفیه الرئیس لنفسه....

والصفوان کالصفا الواحدة صفوانة ، قال:صَفْوَانٍ عَلَیْهِ تُرَابٌ ، ویقال یوم صفوان ، صافی الشمس ، شدید البرد). انتهی .

وقال فی ص160: (الخیر ما یرغب فیه الکل ، کالعقل مثلاً والعدل والفضل والشئ النافع ، وضده الشر....فالخیر یقابل به الشر مرة والضر مرة نحو قوله تعالی: وَإِنْ یَمْسَسْکَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا کَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ یَمْسَسْکَ بِخَیْرٍ فَهُوَ عَلَی کُلِّ شَئ قَدِیرٌ....

وقوله: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَی عِلْمٍ عَلَی الْعَالَمِینَ ، یصح أن یکون إشارة إلی إیجاده تعالی إیاهم خیاراً ، وأن یکون إشارة إلی تقدیمهم علی غیرهم). انتهی .

أقول: لاشک أن الإستخلاف الإلهی درجةٌ أعلی من الإصطفاء والإستخلاص والإختیار ، لکن التفاضل بین هذه الثلاثة لا دلیل علیه من اللغة أو استعمالات القرآن والسنة ، بل المصطفون هم المستخلصون وهم المختارون.

واستعمالات القرآن لیست لبیان درجاتها ، بل لبیان أنواع فاعلیاته تعالی فی الإصطفاء والإستخلاص والإختیار، المتناسبة مع أبعاد شخصیة الإنسان ومجتمعه.

فالإصطفاء ، وهو أخذ الصفو ، یتناسب مع جوهر نفوسهم الصافیة ، ویشیر إلی کدورة أنفس البشر الإخرین.

والإستخلاص ، یتناسب مع جهادهم لتصفیة نیاتهم وأعمالهم وتخلیصها مما هو لغیر الله تعالی ، حتی صاروا مخلِصین ، فاستخلصهم الله وجعلهم مخلَصین بالفتح. بینما بقی غیرهم فی شوائب الشرک العقدی ، وشوائبه العملیة.

والإختیار ، یتناسب مع انتخاب الله تعالی لخیر البشر وصفوتهم ومخلصیهم ، فی مقابل من اختاره البشر ، أو مقابل من لم یستحق اختیار الله تعالی .

ص: 366

ولهذا ورد تفسیر آیات هذه الصفات بالنبی وآله الأطهار(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، کما ورد وصفهم بها فی أحادیث عدیدة.

فقد ورد وصفهم بخلفاء الله تعالی ، وبالمصطفین ، کما فی الزیاة الجامعة:

(ورضیکم خلفاء فی أرضه ، وحججاً علی بریته....

وأشهد أنکم الأئمة الراشدون ، المهدیون المعصومون ، المکرمون المقربون المتقون الصادقون المصطفون....اصطفاکم بعلمه ، وارتضاکم لدینه ، واختارکم لسره ، واجتباکم بقدرته ) .

وفی المقنعة ص32: ( وأن الأئمة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حجج الله تعالی وأولیاؤه ، وخاصة أصفیاء الله...). وفی فقه الرضا/128: (اللهم صل علی محمد وآل محمد المصطفین ، بأفضل صلواتک.. )

وفی علل الشرائع:1/18: (عن زرارة قال:

سئل أبو عبد الله(علیه السّلام)عن بدء النسل من آدم کیف کان وعن بدء النسل عن ذریة آدم فإن أناساً عندنا یقولون إن الله عز وجل أوحی إلی آدم یزوج بناته ببنیه ، وإن هذا الخلق کله أصله من الإخوة والإخوات ! فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): تعالی الله عن ذلک علوا کبیراً ، یقول من قال هذا بأن الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبیائه ورسله والمؤمنین والمؤمنات والمسلمین والمسلمات ، من حرام ؟! ولم یکن له من القدرة ما یخلقهم من حلال ، وقد أخذ میثاقهم علی الحلال الطهر الطاهر الطیب ؟!! ). (ورواه فی الفقیه:3/381).

کما ورد وصفهم بالمخلصین بفتح اللام وکسره ، ففی الزیارة الجامعة: ( السلام علی الدعاة إلی الله ، والأدلاء علی مرضات الله ، والمستقرین فی أمر الله ، والتامین فی محبة الله ، والمخلصین فی توحید الله ). ( من لا یحضره الفقیه:2/610).

وفی من لایحضره الفقیه:1/513:(وأعوذ بک من شر ما عاذ منه عبادک المخلصون).

ص: 367

وورد وصفهم بالمختارین: ففی الزیاة الجامعة:(اصطفاکم بعلمه، وارتضاکم لدینه ، واختارکم لسره ، واجتباکم بقدرته....

السلام علی الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة ، والسادة الولاة ، والذادة الحماة ، وأهل الذکر وأولی الأمر ، وبقیة الله وخیرته...).

وفی الکافی:1/199، فی حدیث الإمام الرضا (علیه السّلام)عن الإمامة: ( إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلی مکانا وأمنع جانبا وأبعد غوراً من أن یبلغها الناس بعقولهم ، أو ینالوها بآرائهم ، أو یقیموا إماماً باختیارهم ، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهیم الخلیل(علیه السّلام)بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضیلة شرفه بها وأشاد بها ذکره ، فقال: إنی جاعلک للناس إماماً فقال

الخلیل(علیه السّلام)سرورا بها: " ومن ذریتی؟ قال الله تبارک وتعالی: لا ینال عهدی الظالمین ". فأبطلت هذه الآیة إمامة کل ظالم إلی یوم القیامة وصارت فی الصفوة ثم أکرمه الله تعالی بأن جعلها فی ذریته أهل الصفوة والطهارة فقال: ووهبنا له إسحاق و یعقوب نافلة وکلا جعلنا صالحین وجعلناهم أئمة یهدون بأمرنا وأوحینا إلیهم فعل الخیرات وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة وکانوا لنا عابدین لم تزل فی ذریته یرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتی ورثها الله تعالی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال جل وتعالی: إن أولی الناس بإبراهیم للذین اتبعوه وهذا النبی والذین آمنوا والله ولی المؤمنین فکانت له خاصة فقلدها علیاً).

ولیس غرضنا هنا شرح هذه الصفات العظیمة وبیان الفروق بینها ، وفیها بحوث مفصلة ، بل الغرض أن کلاً من الإصطفاء والإستخلاص والإختیار ، یستلزم العصمة کالإستخلاف ، لأن أیاً منها لایتم إلا لخیرة البشر المطیعین لربهم عز وجل ، الورعین عن محارمه ومعاصیه.

ولأن من اصطفاه الله واستخلصه واختاره ، یمده بالحمایة والعنایة

ص: 368

والألطاف ، التی تعنی عصمته عن المعاصی ، بل وما فوق العصمة العادیة .

لذلک نکتفی بإیراد آیات هذه الصفات ، وبعض الأحادیث الموضحة المؤکدة لدلالتها علی العصمة.

آیات الإصطفاء الإلهی

نص القرآن علی أن الله تعالی اصطفی عدداً من عباده من الأمم الماضیة ، ومن هذه الأمة ، منهم أشخاص ومنهم أسر ، وهوکالإستخلاف یدل علی عصمة المصطفیْن صلوات الله علیهم. وهذه عناوین آیات الإصطفاء:

قانون الإصطفاء الإلهی لمهمات وأدوار

اللهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رسلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ. یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَی اللهِ تُرْجَعُ الأمور. (الحج:75-76)

ابتدأ الإصطفاء الإلهی من آدم(علیه السّلام)

إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ. ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ. (آل عمران:33-34 )

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِکَةُ یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاکِ وَطَهَّرَکِ وَاصْطَفَاکِ عَلَی نِسَاءِ الْعَالَمِینَ. (آل عمران:42 )

وَمَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَیْنَاهُ فِی الدُّنْیَا ، وَإِنَّهُ فِی الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِینَ. (البقرة:130)

وَاذْکُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ أُولِی الأَیْدِی وَالأبصار. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الإخیَارِ. وَاذْکُرْ إِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَذَا الْکِفْلِ وَکُلٌّ مِنَ الإخیَارِ. (صاد:45-48)

ص: 369

اصطفاء موسی(علیه السّلام)مشروع مستقل

قَالَ یَا مُوسَی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسَالاتِی وَبِکَلامِی فَخُذْ مَا آتَیْتُکَ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ. (الأعراف:144).

اصطفاء طالوت ملکاً

وَقَالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طَالُوتَ مَلِکًا قَالُوا إنی یَکُونُ لَهُ الْمُلْکُ عَلَیْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْکِ مِنْهُ وَلَمْ یُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَیْکُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ یُؤْتِی مُلْکَهُ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ. وَقَالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَنْ یَاتِیَکُمُ التَّابُوتُ فِیهِ سَکِینَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَبَقِیَّةٌ مِمَّا تَرَکَ آلُ مُوسَی وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِکَةُ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ. (البقرة:247-248).

المصطفوْن(علیهم السّلام) أهل السلام والأمن الإلهی

قُلِ الْحَمْدُ لله وَسَلامٌ عَلَی عِبَادِهِ الَّذِینَ اصْطَفَی اللهُ خَیْرٌ أما یُشْرِکُونَ. (النمل:59 )

اصطفاء الإسلام دیناً

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ. وَوَصَّی بِهَا إِبْرَاهِیمُ بَنِیهِ وَیَعْقُوبُ یَا بَنِی إِنَّ اللهَ اصْطَفَی لَکُمُ الدِّینَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. (البقرة:131-132)

معنی الإصطفاء وأنواعه

غرض الإصطفاء: نَصَّ قوله تعالی:(اللهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رسلاً وَمِنَ النَّاسِ) علی أن الإصطفاء یکون لمهمة عظیمة کحمل الرسالة الإلهیة ، فهو عمل إلهی یکشف عن مقام لغرض اجتماعی فی الدنیا: (وَلَقَدِاصْطَفَیْنَاهُ فِی الدُّنْیَا).

وقد یکون هدفه أن یکون أصحابه قدوة للأجیال فیتبعوا ملتهم وسیرتهم ، کما فی إبراهیم(علیه السّلام)وذریته: (وَمَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَد

ص: 370

اصْطَفَیْنَاهُ فِی الدُّنْیَا ، وَإِنَّهُ فِی الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِینَ ). (البقرة:130)

أنواع الإصطفاء: فمنه اصطفاء عام علی العالمین کاصطفاء آدم ونوح ، والأسر المصطفاة من آل إبراهیم(علیهم السّلام) : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ ). (آل عمران:33)

ومنه اصطفاء لموجودین أو لآتین ، علم الله ما سیعملون فاصطفاهم قبل ولادتهم: (ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ). (آل عمران:33-34 )

ومنه اصطفاء علی أناس معینین کاصطفاء طالوت للملک علی بنی إسرائیل: (قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَیْکُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).

ومنه اصطفاء بمنصب أو میزة: (یَا مُوسَی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسَالاتِی وَبِکَلامِی) ، أو بالتطهیر المناسب للشخص: (یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاکِ وَطَهَّرَکِ)

ومنه اصطفاء لشخص علی أهل عصره: (وَاصْطَفَاکِ عَلَی نِسَاءِ الْعَالَمِینَ) .

والإصطفاء لایکون إلا باستحقاق:

ففی علل الشرائع:1/56 ، عن الإمام الباقر(علیه السّلام)قال:( أوحی الله عز وجل إلی موسی(علیه السّلام): أتدری لما اصطفیتک لکلامی دون خلقی؟ فقال موسی: لا ، یا رب ، فقال: یا موسی إنی قلبت عبادی ظهراً لبطن فلم أجد فیهم أحداً أذلً لی منک نفساً. یا موسی انک إذا صلیت وضعت خدیک علی التراب ).

وعن الصادق(علیه السّلام)قال: (وکان موسی(علیه السّلام)إذا صلی لم ینفتل حتی یلصق خده الأیمن بالأرض والأیسر ). انتهی .

أما الذین اصطفاهم الله تعالی قبل أن یولدوا (ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض)ٍ ، فقد علم الله ما هم عاملون فاصطفاهم قبل ولادتهم. علی أنه قد امتحن جمیع الخلق فی نشأة سابقة قبل نشأتهم فی الدینا ، ففی الکافی:2/10:(عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أن

ص: 371

بعض قریش قال لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بأی شئ سبقت الأنبیاءوأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ فقال: إنی کنت أول من آمن بربی وأول من أجاب حیث أخذ الله میثاق النبیین وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم؟ فکنت أنا أول نبی قال: بلی ، فسبقتهم بالإقرار بالله عز وجل). انتهی .

تفسیر آیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا

قال الله تعالی: وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِیهَا حَرِیرٌ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَکُورٌ .الَّذِی أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبٌ وَلا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبٌ. وَالَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضَی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا کَذَلِکَ نَجْزِی کُلَّ کَفُورٍ. (فاطر:31-36 ).

الآیة من متشابهات القرآن

فما معنی توریث القرآن للمصطفیْن؟ ومن هم؟ وما معنی التقسیم بعدها إلی ظالم ومقتصد وسابق بالخیرات ، فهل یمکن أن یکون الظالم من المصطفین الذین أورثهم الله الکتاب؟ وهل یدخل الجمیع الجنة بمن فیهم الظالمون ؟!

والموقف الشرعی والعلمی عندما یواجه الباحث المتشابه ، أن یرده إلی المحکم ، وأن یرد الجمیع إلی أهل البیت(علیهم السّلام) الذین قرنهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالقرآن فقال: (إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی) ، فأوجب بذلک أخذ القرآن وتفسیره منهم.

ص: 372

لکن هل یفعل ذلک مفسرو قریش؟ کلا ! بل یتبعون ما تشابه منه ، ویهیمون فی کل واد ! فقد کثرت احتملاتهم واتسع تحیرهم وتخبطهم فی هذه الآیات ، حتی وصل إلی بعض مفسری الشیعة !

وأصل الموضوع عندهم أن عمر وکعب الأحبار قالا: إن الله ورَّث القرآن للأمة کلها بمن فیها الظالمون ، وکلهم فی الجنة ! فتبعهما أکثر المفسرین ، وحاولوا جعل تفسیرهما مسنداً إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقارب آخرون وباعدوا ، وحاولوا ترقیع ما یستلزمه هذا التفسیر من مشکلات عقدیة !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/251: ( وأخرج سعید بن منصور ، وابن أبی شیبة ، وابن المنذر ، والبیهقی فی البعث ، عن عمر بن الخطاب أنه کان إذا نزع بهذه الآیة:ثم أورثنا الکتاب... قال: ألا إن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له !!

وفی تفسیر النحاس:5/458: (وقال کعب: هذه الأمة علی ثلاث فرق ، کلها فی الجنة ، ثم تلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا..إلی قوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا ،

فقال: دخلوها ورب الکعبة ) ! انتهی. (ونحوه تفسیر ابن کثیر:3/564)

وفی تفسیر الطبری:22/160 ، عن کعب: (قال: کلهم فی الجنة ، وتلا هذه الآیة: جنات عدن یدخلونها). انتهی .

وفی تفسیر عبد الرزاق:3/136: (عن عبد الله بن الحارث عن کعب قال: قرأ هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ حتی بلغ: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا... فقال کعب: دخلوها ورب الکعبة ) ! (ورواه فی تفسیر الثوری ص246)

ورووا ذلک عن عمر وکعب بطرق عدیدة ، وعن عثمان وعائشة أیضاً ، کما فی

ص: 373

تفسیر ابن کثیر:3/564 ، عن عثمان قال: (هی لأهل بدونا ومقتصدنا أهل حضرنا وسابقنا أهل الجهاد ). وقال ابن کثیر فی تفسیره:2/79: (والصحیح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة کلهم یدخلون الجنة ) .

وفی المعجم الأوسط للطبرانی:6/167: (عن عقبة بن صهبان قال قلت لعائشة: أرأیت قول الله جل ذکره: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا...الآیة؟ قالت: أما السابق فقد مضی فی حیاة رسول الله(ص)وشهد له بالجنة ، وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بمثل أعمالهم حتی یلحق بهم ، وأما الظالم لنفسه فمثلی ومثلک ومن اتبعنا. قالت وکلهم فی الجنة). (والحاکم:2/426، وصححه)

القرطبی یرفض التفسیر الرسمی

وقال القرطبی فی تفسیره:14/346: (هذه الآیة

مشکلة ، لأنه قال جل وعز: اصطفینا من عبادنا ثم قال: فمنهم ظالم لنفسه ! وقد تکلم العلماء فیها من الصحابة والتابعین ومن بعدهم !! قال النحاس: فمن أصح ما روی فی ذلک ما روی عن ابن عباس: فمنهم ظالم لنفسه ، قال: الکافر ، رواه ابن عیینة عن عمرو بن دینار عن عطاء عن ابن عباس أیضاً. وعن ابن عباس أیضاً: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات قال: نجت فرقتان ، ویکون التقدیر فی العربیة: فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه ، أی کافر. وقال الحسن: أی فاسق. ویکون الضمیر الذی فی یدخلونها ، یعود علی المقتصد والسابق ، لا علی الظالم....

وقیل: الضمیر فی یدخلونها یعود علی الثلاثة الأصناف لی ألا یکون الظالم ها هنا کافراً ولا فاسقاً. وممن روی عنه هذا القول عمر ، وعثمان ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وعقبة بن عمرو ، وعائشة ، والتقدیر علی هذا القول: أن یکون الظالم لنفسه الذی عمل الصغائر....

ص: 374

قال النحاس: وقول ثالث یکون الظالم صاحب الکبائر ، والمقتصد الذی لم یستحق الجنة بزیادة حسناته علی سیئاته ، فیکون: جنات عدن یدخلونها للذین سبقوا بالخیرات لا غیر. وهذا قول جماعة من أهل النظر ، لأن الضمیر فی حقیقة النظر لما یلیه أولی.

قلت: القول الوسط(أنه یعود علی المقتصد والسابق)أولاها وأصحها إن شاء الله ، لأن الکافر والمنافق لم یصطفوا بحمد الله ، ولا اصطفیَ دینهم. وهذا قول ستة من الصحابة ، وحسبک. وسنزیده بیاناً وإیضاحاً فی باقی الآیة). انتهی .

وأهم ما عمله القرطبی أنه ذکر التفسیر الرسمی بصیغة: (قیل) وحاول تخفیف وقعه بتضییق دخول الظالمین الجنة ! فهو من المفسرین القلائل الذین لم یدخل فی قلبهم تفسیر عمر وکعب ، بل اختار أن آیة: جنات عدن یدخلونها... تختص بالسابقین والمقتصدین ولاتشمل الظالمین !

لکنک تجد قول عمر وکعب صار عندهم حدیثاً نبویاً ! فقالوا إن عمر قال: (سمعت رسول الله(ص)یقول: سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه...الآیة) انتهی. (الدر المنثور:5/251 ، عن العقیلی وابن لآل وابن مردویه والبیهقی، وأضاف کنز العمال:2/485 عن الدیلمی ).

وقال الرازی فی تفسیره:26/24: (اتفق أکثر المفسرین علی أن المراد من الکتاب القرآن ، وعلی هذا فالذین اصطفینا هم الذین أخذوا بالکتاب وهم المؤمنون ، والظالم والمقتصد والسابق ، کلهم منهم. ویدل علیه قوله تعالی: جنات عدن یدخلونها ، أخبر بدخولهم الجنة ، وکلمة: ثم أورثنا ، أیضاً تدل علیه لأن الإیراث إذا کان بعد الإیحاء ولا کتاب بعد القرآن فهو الموروث. والإیراث المراد منه

ص: 375

الأعطاءبعد ذهاب من کان بیده المعطی..... ویصحح هذا قول عمر عن النبی(ص): ظالمنا مغفور له ). انتهی .

وهکذا صار التفسیر الذی وضع أساسه عمر وکعب الأحبار ، الرأی الرسمی لأجیال مفسری الدولة ، اتبعه أکثرهم علی تحیُّر ، ومال عنه بعضهم علی وجل ! ولکنه کان سداً إمام تفسیر أهل البیت(علیه السّلام) !

تفسیر أهل البیت(علیهم السّلام)

نورد فیما یلی نماذج من أحادیثنا المتواترة فی أن أهل البیت(علیهم السّلام) هم ورثة القرآن ، وأنهم الذین عندهم علم الکتاب ، دون غیرهم !

ففی شرح الأخبار:3/472: (قال أبو جعفر محمد بن علی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما یقول من قِبلکم فی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ .جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا...؟ قال قلت: یقولون نزلت فی أهل القبلة. قال: کلهم؟ قلت: کلهم. قال: فینبغی أن یکونوا قد غفر لهم کلهم. قلت: یا ابن رسول الله فی من نزلت؟ قال: فینا. قلت: فما لشیعتکم ؟ قال: لمن اتقی وأصلح منهم الجنة ، بنا یغفر الله ذنوبهم وبنا یقضی دیونهم ، ونحن باب حطتهم کحطة بنی إسرائیل).

وفی الثاقب فی المناقب ص566 ، عن أبی هاشم الجعفری(رحمه الله)قال: (کنت عند أبی محمد(علیه السّلام)فسألته عن قول الله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ؟ فقال(علیه السّلام): کلهم من آل محمد(علیهم السّلام) ، الظالم لنفسه الذی لا یقر بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام

ص: 376

، والسابق بالخیرات بإذن الله الإمام. قال: فدمعت عینای وجعلت أفکر فی نفسی عظم ما أعطی الله آل محمد(علیهم السّلام) ، فنظر إلیَّ وقال: الأمر أعظم مما حدثتک به نفسک من عظم شأن آل محمد(علیهم السّلام) فاحمد الله فقد جعلک متمسکاً بحبلهم ، تدعی یوم القیامة بهم إذا دعی کل أناس بإمامهم ، فأبشر یا أبا هاشم فإنک علی خیر). انتهی .

وفی بصائر الدرجات ص135: (حدثنا العباس بن معروف عن حماد بن عیسی عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر(علیه السّلام)إن العلم الذی نزل مع آدم لم یرفع ، والعلم یتوارث ، وکان علی(علیه السّلام)عالم هذه الأمة ، وإنه لن یهلک منا عالم إلا خلفه من أهله من یعلم مثل علمه ، أو ما شاء الله ).

وفی بصائر الدرجات ص134: ( حدثنا محمد بن الحسن عن حماد عن إبراهیم بن عبد الحمید عن أبیه عن أبی الحسن الأول(علیه السّلام)قال قلت له: جعلت فداک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورث علم النبیین کلهم؟ قال لی: نعم ، قلت: من لدن آدم إلی أن انتهی إلی نفسه؟ قال: نعم ، قلت: ورثهم النبوة وما کان فی آبائهم من النبوة والعلم؟ قال: ما بعث الله نبیاً إلا وقد کان محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعلم منه ، قال قلت: إن عیسی بن مریم کان یحیی الموتی بإذن الله ؟ قال: صدقت ، وسلیمان بن داود کان یفهم کلام الطیر ، قال وکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقدر علی هذه المنازل ، فقال إن سلیمان بن داود قال للهدهد حین فقده وشک فی أمره: مَا لِیَ لا أَرَی الْهُدْهُدَ أَمْ کَانَ مِنَ الْغَائِبِینَ ، وکانت المردة والریح والنمل والإنس والجن والشیاطین له طائعین ، وغضب علیه فقال: لأُعَذِّبَنَّهُ عذاباً شَدِیداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَیَأْتِیَنِّی بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ ، وإنما غضب علیه لأنه کان یدله علی الماء ، فهذا وهو طیر قد أعطیّ ما لم یعطَ سلیمان ! وإنما أراده لیدله علی الماء ، فهذا لم یعط سلیمان ، وکانت المردة

ص: 377

له طائعین ولم یکن یعرف الماء تحت الهواء وکانت الطیر تعرفه !

إن الله وتعالی یقول فی کتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ کُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَی بَلْ لله الأمر جمیعاً ، وقد ورثنا هذا القرآن ، ففیه ما تقطَّع به الجبال وتقطَّع المداین به ویحیا به الموتی ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن فی کتاب الله لآیات ما یراد بها أمر إلی أن یأذن الله به ، مع ما فیه أذن الله ، فما کتبه للماضین جعله الله فی أم الکتاب ، إن الله یقول فی کتابه: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِی السَّمَاءِ وَالأرض إِلا فِی کِتَابٍ مُبِینٍ. ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فنحن الذین اصطفانا الله فورثنا هذا الذی فیه تبیان کل شئ). انتهی .

وروی فی کتاب بصائر الدرجات ص65 ، أکثر من خمسة عشر حدیثاً فی هذا الموضوع ، وفیها صحیح السند بدرجة عالیة ، منها: (عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال فی هذه الآیة: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا..الآیة ، قال: السابق بالخیرات الإمام ، فهی فی وُلد علی وفاطمة(علیهم السّلام) ).

وفی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/207: (عن الریان بن الصلت قال: حضر الرضا (علیه السّلام)مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع فی مجلسه جماعه من علماء أهل العراق وخراسان فقال المأمون: أخبرونی عن معنی هذه الآیة: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا؟ فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلک الأمة کلها ، فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن ؟ فقال الرضا(علیه السّلام): لا أقول کما قالوا ولکنی أقول: أراد الله عز وجل بذلک العترة الطاهرة فقال المأمون: وکیف عنی العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا(علیه السّلام): إنه لو أراد الأمة لکانت أجمعها فی الجنة لقول الله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله ذلک هو الفضل الکبیر ، ثم جمعهم کلهم فی الجنة فقال عز وجل: جنات عدن یدخلونها

ص: 378

یحلون فیها من أساور من ذهب ، الآیة. فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم فقال المأمون: من العترة الطاهرة ؟ فقال الرضا(علیه السّلام): الذین وصفهم الله فی کتابه فقال عز وجل: إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا ، وهم الذین قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله

وعترتی أهل بیتی إلا وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، فانظروا کیف تخلفون فیهما أیها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منکم.

قالت العلماء: أخبرنا یا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غیر الآل ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): هم الآل ، فقالت العلماء: فهذا رسول الله (ص) یؤثر عنه أنه قال: أمتی آلی وهؤلاء أصحابه یقولون بالخبر المستفاض الذی لایمکن دفعه آل محمد أمته ! فقال أبو الحسن(علیه السّلام): أخبرونی فهل تحرم الصدقة علی الآل ؟ فقالوا: نعم ، قال: فتحرم علی الأمة؟ قالوا: لا ، قال: هذا فرق بین الآل والأمة ! ویحکم أین یذهب بکم ؟ أضربتم عن الذکر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون! أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة علی المصطفین المهتدین دون سائرهم؟ قالوا: ومن أین یا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، فصارت وراثه النبوة والکتاب للمهتدین دون الفاسقین). انتهی .

وفی معانی الأخبار للصدوق ص104: (عن جابر بن یزید الجعفی ، عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر(علیهماالسّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ؟ فقال: الظالم منا من لا یعرف حق الإمام ، والمقتصد العارف بحق الإمام والسابق بالخیرات بإذن الله هو الإمام. جنات عدن یدخلونها ، یعنی السابق والمقتصد).انتهی .

ص: 379

اختصاص أهل البیت(علیهم السّلام) بعلم الکتاب لایلغی حجیته

قال السید الخوئی(رحمه الله)فی البیان ص268: (فإن معنی ذلک أن الله قد خص أوصیاء نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بإرث الکتاب ، وهو معنی قوله تعالی: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا(35:32 )فهم المخصوصون بعلم القرآن علی واقعه وحقیقته ، ولیس لغیرهم فی ذلک نصیب. هذا هو معنی المرسلة ، وإلا فکیف یعقل أن أبا حنیفة لا یعرف شیئاً من کتاب الله حتی مثل قوله تعالی: قل هو الله أحد ، وأمثال هذه الآیة مما یکون صریحاً فی معناه. والأخبار الدالة علی الإختصاص المتقدم کثیرة جداً). انتهی.

أبناء فاطمة وأتباع أهل البیت(علیهم السّلام) ورثةٌ مجازیون للکتاب

فی تفسیر العیاشی:1/70: (عن عاصم بن حمید عن أبی عبد الله(علیه السّلام):إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ، یقول لا حرج علیه أن یطوَّف بهما ، فنزلت هذه الآیة ، فقلت: هی خاصة أو عامة قال: هی بمنزلة قوله: مَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فمن دخل فیهم من الناس کان بمنزلتهم یقول الله: وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِینَ وَحَسُنَ أُولَئِکَ رَفِیقاً ). انتهی .

الظالم لنفسه درجات متفاوتة

(الظالم لنفسه) مفهوم واسع فی القرآن ،

یشمل الکافر والفاسق والظالم لغیره ، لأن الجمیع ظلم للنفس ، وقد نص القرآن علی أن بعض أنواع الظالمین لأنفسهم یدخلون جهنم ، قال تعالی: الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَی إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ. (النحل:28-29).

ص: 380

وبعضهم یدخل الجنة ، قال تعالی: وَسَارِعُوا إلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ. الَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْکَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ. وَالَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ یُصِرُّوا عَلَی مَا فَعَلُوا وَهُمْ یَعْلَمُونَ. أُولَئِکَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِینَ. (آل عمران:133-136).

وبعضهم ظالمون لأنفسهم فکریاً وعملیاً بترک عقیدة التوحید واتخاذ عقیدة الکفر ، کقوله تعالی: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِی یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَئْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّکَ وَمَا زَادُوهُمْ غَیْرَ تَتْبِیبٍ. (هود:101 ).

وبعضهم ظالم لنفسه عملیاً فقط بتعدی حدود الله تعالی: وَتِلْکَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِی لَعَلَّ اللهَ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِکَ أَمْرًا. (الطلاق:1).

أو بعمل سوء یتبعه بالإستغفار: وَمَنْ یَعْمَلْ سُوءً أَوْ یَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ یَسْتَغْفِرِ اللهَ یَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِیمًا. (النساء:110).

وعلی هذا ، فحتی لو جعلنا الظالم لنفسه من أبناء فاطمة(علیهاالسّلام)قسماً ملحقاً بالمصطفین

ورثة الکتاب(علیهم السّلام) فالمقصود به لیس الظالم للناس بل لنفسه بسلوکه الشخصی المحض یتبعه بالإستغفار ، کما تقدم .

علی أنک عرفت روایة الصدوق فی معانی الأخبار ص104 عن الإمام الباقر(علیه السّلام)قال: (جنات عدن یدخلونها ، یعنی السابق والمقتصد). انتهی .

رأی علماء الشیعة

قال المفید(رحمه الله)فی المسائل العکبریة ص111: (وقوله تعالی: فمنهم ظالم لنفسه بعد وصفه الوارثین للکتاب بالصفوة ، فإنه عیر ما ظنه السائل أنه لم یرد بقوله: فمنهم

ص: 381

من أعیانهم ، وإنما أراد من ذوی أنسابهم وذراریهم. فأما المصطفون فقد حرسوا بالاصطفاء من الظلم ووفقوا به للعدل. وکذلک قوله: ومنهم مقتصد ، یرید به من نسلهم وأهلهم وذوی أنسابهم. وقوله: ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله کذلک. ولم یرد بالأصناف الثلاثة أعیان من خبر اصطفائه وتوریثه الکتاب ).

قال السید المرتضی(رحمه الله)فی رسائله:3/102: (والذی أعتمده وأعوِّل علیه أن یکون: فمنهم ظالم لنفسه ، من صفة عبادنا ، أی أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا ، ومن عبادنا ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات ، أی فلیس کل عبادنا ظالماً لنفسه ، ولا کلهم مقتصداً ولا کلهم سابقاً بالخیرات ، فکان الذین أورثوا الکتاب السابقون بالخیرات دونهما ).

وقال الشیخ الطوسی(رحمه الله)فی التبیان:8/430: (إن الله تعالی أورث علم الکتاب الذی هو القرآن ، الذین اصطفاهم واجتباهم واختارهم علی جمیع الخلق من الأنبیاءالمعصومین والأئمة المنتجبین ، الذین لا یجوز علیهم الخطأ ولا فعل القبیح لا صغیراً ولا کبیراً. ویکون قوله: فمنهم ظالم لنفسه ، راجعاً إلی عبادنا وتقدیره فمن عبادنا ظالم لنفسه ومن عبادنا مقتصد ومن عبادنا سابق بالخیرات ، لأن من اصطفاه الله لایکون ظالماً لنفسه ، فلا یجوز أن ترجع الکنایة إلی الذین اصطفینا ).

وقال الطبرسی(رحمه الله)فی مجمع البیان:8/245: ( اختُلف فی أن الضمیر فی منهم إلی من یعود علی قولین ، أحدهما: إنه یعود إلی العباد ، وتقدیر الکلام: فمن العباد ظالم. وروی نحو ذلک عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، واختاره المرتضی قدس الله روحه من أصحابنا ، قال: والوجه فیه أنه لما علق توریث الکتاب بمن اصطفاه من عباده ، بین عقیبه أنه إنما علق وراثة الکتاب ببعض العباد دون بعض

ص: 382

لأن فیهم من هو ظالم لنفسه ، ومن هو مقتصد ، ومن هو سابق بالخیرات.

والقول الثانی: إن الضمیر یعود إلی المصطفیْن من العباد ، عن أکثر المفسرین).

بعض مفسری الشیعة وافق علی تفسیر عمر وکعب !

قال فی تفسیر المیزان:17/45:(واختلفوا فی هؤلاء المصطفیْن من عباده من هم ؟ فقیل هم الأنبیاء، وقیل هم بنو إسرائیل الداخلون فی قوله: إن الله اصطفی آدم ونوحا وآل إبراهیم وآل عمران علی العالمین. وقیل هم أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد أورثوا القرآن من نبیهم. وقیل وهو المأثور عن الصادقیْن(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی روایات کثیرة مستفیضة ، إن المراد بهم ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أولاد فاطمة (علیهاالسّلام)).

وقال فی:17/50: (واعلم أن الروایات من طرق الشیعة عن أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) فی کون الآیة خاصة بولد فاطمة(علیهاالسّلام) ، کثیرة جداً ). انتهی .

أقول: بل وصلت هذه الروایات إلی حد التواتر ، وفیها عدد صحیح السند قطعی الحجیة بنفسه ، فقد قال السید ابن کاووس فی سعد السعود ص108: (أقول: وروی تأویل هذه الآیة من عشرین طریقاً ). انتهی .

لکن صاحب المیزان(رحمه الله)أعرض عنها مع الأسف ، ولم یصل حتی إلی مستوی تفسیر القرطبی ، بل أخذ بالتفسیر القرشئ الرسمی تبعاً لکثرة المفسرین القائلین به ! فخفف معنی وراثة الکتاب ، وأدخل الظالمین الجنة !

قال فی المیزان:17/45: (وقوله: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات " یحتمل أن یکون ضمیر منهم راجعاً إلی الذین اصطفینا ، فیکون الطوائف الثلاث الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخیرات شرکاء فی الوراثة وإن کان الوارث الحقیقی العالم بالکتاب والحافظ له هو السابق بالخیرات.

ص: 383

ویحتمل أن یکون راجعا إلی عبادنا - من غیر إفادة الإضافة للتشریف - فیکون قوله: فمنهم مفیدا للتعلیل والمعنی إنما أورثنا الکتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جمیع العباد ، لأن من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا یصلح الکل للوراثة.

ویمکن تأیید أول الإحتمالین بأن لامانع من نسبة الوراثة إلی الکل مع قیام البعض بها حقیقة کما نجد نظیره فی قوله تعالی: وأورثنا بنی إسرائیل الکتاب (المؤمن:54) ، وما فی الآیة من المقابلة بین الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخیرات ، یعطی أن المراد بالظالم لنفسه من علیه شئ من السیئات وهو مسلم من أهل القرآن لکونه مصطفی ووارثاً ! والمراد بالمقتصد المتوسط الذی هو فی قصد السبیل وسواء الطریق. والمراد بالسابق بالخیرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلی درجات القرب ، فهو إمام غیره بإذن الله بسبب فعل الخیرات ، قال تعالی: والسابقون

السابقون أولئک المقربون. (الواقعة: 11).

وقوله تعالی: ذلک هو الفضل الکبیر، أی ما تقدم من الإیراث هو الفضل الکبیر من الله ،لادخل للکسب فیه. هذا ما یعطیه السیاق وتفیده الأخبار من معنی الآیة ! وفیها للقوم اختلاف عجیب ) ! انتهی .

وتبعه صاحب تفسیر الأمثل فقال:14/87: (ثم تنتقل الآیة إلی تقسیم مهم بهذا الخصوص فتقول: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله ذلک هو الفضل الکبیر. ظاهر الآیة هو أن هذه المجامیع الثلاثة هی من بین الذین اصطفینا أی ورثة وحملة الکتاب السماوی. وبتعبیر أوضح إن الله سبحانه وتعالی قد أوکل مهمة حفظ هذا الکتاب السماوی بعد الرسول الأکرم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الی هذه الأمة ، الأمة التی اصطفاها الله سبحانه...

ص: 384

وقد ورد فی روایات کثیرة عن أهل بیت العصمة(علیهم السّلام) فی تفسیر:سابق بالخیرات بالمعصوم ، وظالم لنفسه: بمن لایعرف الإمام ، والمقتصد:، العارف بالإمام. وهذه التفسیرات شاهد واضح علی ما اخترناه لتفسیر الآیة ، وهو أنه لا مانع من کون هذه المجامیع الثلاثة ضمن ورثة الکتاب الإلهی ! ولا نحتاج إلی التذکیر بأن تفسیر الروایات أعلاه هو من قبیل بیان المصادیق الأوضح للآیة ، وهم الأئمة المعصومون ، إذ هم الصف الأول ، بینما العلماء والمفکرون وحماة الدین الإخرون فی صفوف أخری ). انتهی .

أهم الإشکالات علی التفسیر الحکومی
اشارة

أهم الإشکالات علیه: أنه یخرِّب معنی توریث القرآن للمصطفیْن ، فیجعل کل الأمة مصطفاة بمن فیها الظلمة والقتلة والجبابرة والمنافقون الذین هم فی الدرک الأسفل من النار! فهو یخرب معنی الإصطفاء الإلهی ویطعن فی حکمة الله تعالی!

وعندما یحکم بأن الظالم یدخل الجنة یصل تخریبه إلی قانون استحقاق الثواب والعقاب ، لا یبقی لطاعة الله معنی لأنها تتساوی فی النتیجة مع الظلم والمعصیة !

1- معنی توریث الکتاب الإلهی:

قال الراغب الأصفهانی ، وهو من أفضل علماء العربیة فی تجذیر الکلمات ، قال فی المفردات ص518: (الوراثة والإرث: انتقال قُنْیَةٍ إلیک عن غیرک ، من غیر عقد ولا ما یجری مجری العقد. وسمی بذلک المنتقل عن المیت ، فیقال للقنیة الموروثة: میراث وإرث ، وتراث. أصله وُراث ، فقلبت الواو ألفاً وتاء ، قال: وتأکلون التراث... ویقال: ورثت مالاً عن زید وورثت زیداً ، قال: وورث سلیمان داود.. وورثه أبواه.. وعلی الوارث مثل ذلک....ویقال لکل من حصل له شئ من غیر

ص: 385

تعب: قد ورث کذا. ویقال لمن خَوَّل شیئاً مهنئاً: أوْرث ، قال تعالی: وتلک الجنة التی أورثتموها.. أولئک هم الوارثون الذین یرثون.....وقال لعلی رضی الله عنه: أنت أخی ووارثی ، قال: وما أرثک؟ قال: ما ورَّثت الأنبیاءقبلی، کتاب الله وسنتی).

وموضوعنا: وراثة الکتاب الإلهی ، وقد وردت فی القرآن بثلاث صیغ:

الصیغة الأولی: الذین ورثوا الکتاب ،وأورثوا الکتاب.

ومعناها مطلق الوراثة للأمة ، کقوله تعالی عن الیهود: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِی الأرض أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِکَ...فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْکِتَابَ یَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَی وَیَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنَا. وَالَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالْکِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِینَ..(الأعراف:168-170).

وقوله تعالی عن النصاری: وَإِنَّ الَّذِینَ أُورِثُوا الْکِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیبٍ. (الشوری:14). فلم ینسب فیها التوریث إلی الله تعالی ، وجاءت فی سیاق ذم ورثة الکتاب لأنهم لم یعملوا به ، ومدح الذین عملوا به .

وشبیه بها صیغة: (الذین أوتوا الکتاب ، وأوتوا نصیباً من الکتاب) بالمبنی للمجهول ، بدون نسبة الإیتاء صریحاً إلی الله تعالی. وسیاقها أیضاً الذم ، کقوله تعالی: نَبَذَ فَرِیقٌ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ کِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. البقرة:101

وقوله تعالی: وَإِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ لَیَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. البقرة:144

وقوله تعالی: وَلَئِنْ أَتَیْتَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ بِکُلِّ آیَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَکَ. البقرة:145

وقوله تعالی: إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیًا بَیْنَهُمْ. آل عمران:19

وقوله تعالی: وَقُلْ لِلَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ وَالآمِّیِّینَ أأسْلَمْتُمْ ؟ آل عمران:20

وقوله تعالی: وَإِذْ أخذ اللهُ مِیثَاقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ لَتُبَیِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَکْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِیلاً فَبِئْسَ مَا یَشْتَرُونَ. آل عمران:187

ص: 386

وقوله تعالی: کَالَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَیْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ .(الحدید:16)

وقوله تعالی: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَةُ. (البیّنة:4)

وینبغی أن نسجل ثلاث ملاحظات علی هذا الآیات:

الأولی ، أن تعبیر(ورثوا الکتاب ، وأورثوا الکتاب ، وأوتوا الکتاب) ، وإن کان فیه مدح بأن الله تعالی آتاهم الکتاب ، لکنه مدحٌ بنعمة أنعمها الله علیهم فلم یحفظوها ، فهو فی جوهره ذمٌّ لهم ، مضافاً إلی صفاتهم الأخری التی نصت علیها الآیات ، کالکفر والفسق ، ولذا قلنا إن سیاق الآیات هو الذم.

والثانیة ، أن الذین(أوتوا نصیباً من الکتاب) هم نفس(أوتوا الکتاب) أو بعضهم وهذا التعبیر یدل علی أنهم استوعبوا شیئاً من الکتاب ، أو طبقوه ، بینما ضیعوا الباقی ! فهو أیضاً ذم لهم ولیس مدحاً .

قال الله تعالی:أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیبًا مِنَ الْکِتَابِ یُدْعَوْنَ إلی کِتَابِ اللهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَتَوَلَّی فَرِیقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. آل عمران:23

وقال تعالی: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیبًا مِنَ الْکِتَابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلاً. أُولَئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ یَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِیرًا. النساء:51-52

والثالثة ، أن إیتاء الکتاب فی هذه الآیات عام لکل الأمة ، ومجمل لم یحدد فیه الأنبیاءأو الأوصیاء(علیهم السّلام) أو العلماء الذین آتاهم الکتاب ، ولا مستواهم العلمی لکن یوجد آیة أخری کشفت أن وصف هؤلاء المذمومین بأنهم ورثوا أو أورثوا أو أوتوا الکتاب ، کان بسبب وجود الصالحین المصطفیْن منهم الذین أورثهم الله الکتاب ، وإنما وصف به المذمومون لأنهم أممهم وقومهم !

ص: 387

قال تعالی: وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَی قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ کُلاً هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ. وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَی وَعِیسَی وَإِلْیَاسَ کُلٌّ مِنَ الصَّالِحِینَ. وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلاً فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَیْنَاهُمْ وَهَدَیْنَاهُمْ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ. ذَلِکَ هُدَی اللهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَکُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ. أُولَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ ). (الأنعام:83-89 )

وتعبیر: أُولَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ ، یکشف عن أن هؤلاء هم أهل الکتاب وأصحابه وورثته الحقیقیین ، وأن وصف غیرهم به مجازٌ بسبب وجودهم فیهم .

الصیغة الثانیة: أورثنا الکتاب. وقد وردت فی آیتین فقط:

إحداهما ، توریث الکتاب لبنی إسرائیل ، وهی قوله تعالی: وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی الْهُدَی وَأَوْرَثْنَا بَنِی إِسْرَائِیلَ الْکِتَابَ. هُدًی وَذِکْرَی لأُولِی الأَلْبَابِ. (غافر:53-54) ، فذکرت أن إیتاء الکتاب وتنزیله کان لموسی(علیه السّلام) ، بینما توریثه لبنی إسرائیل .

والثانیة ، توریث القرآن للمصطفیْن من هذه الأمة ، وهی الآیة موضوع البحث:

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. (فاطر:32) .

وهذه الصیغة شبیهة بصیغة: آتیناهم الکتاب فی قوله تعالی: وَلَقَدْ آتَیْنَا بَنِی إِسْرَائِیلَ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ. (الجاثیة:16)

وقوله تعالی: الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ یَعْرِفُونَهُ کَمَا یَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِیقًا مِنْهُمْ لَیَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ. (البقرة:146).

ومن الملاحظات فی الصیغتین:

ص: 388

الأولی ، أن المورِّث فی الآیتین هو الله تعالی ، لکن المورَّث مختلف ، فتوریث التوراة والإنجیل کان لبنی إسرائیل عامة ، أما توریث القرآن فکان للمصطفیْن فقط ! فقد تحدث سبحانه فی سورة فاطر من آیة 27 ، فی سیاق متصل عن العلم والعلماء ، ثم عن التالین لکتاب الله ، ثم عن تنزیل هذا الکتاب علی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مصدقاً لما بین یدیه ، ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، ولم یقل: ثم أورثناکم الکتاب ، أو ثم أورثنا الأمیین الکتاب ، کما قال: وَأَوْرَثْنَا بَنِی إِسْرَائِیلَ الْکِتَابَ. هُدًی وَذِکْرَی لأُولِی الأَلْبَابِ ؟!

فما هو السر فی هذا العموم والخصوص فی التوریث الإلهی ؟

الثانیة ، أن توریث الکتاب الإلهی یختلف معناه حسب المورَّثین ، فتوریثه للأمة یعنی توریثه لأشخاص معینین منها مجازی للأمة وحقیقی لأفراد منها ، أما توریثه لأشخاص فهو توریث حقیقی یعنی تعلیمهم تفسیره وعلومه لیکونوا معلمین له. کما تقول إن فلاناً ورَّث علم الطب للشعب الفلانی ، أو ورثه للأطباء الفلانیین ، فلا بد من فی تفسیره من مراعاة التناسب بین التوریث والمورث !

والفرق الذی یبدو صغیراً هو کبیر جداً ، فتوریث الکتاب لبنی إسرائیل یعنی توریث علومه لأنبیاءوأوصیاء منهم وجعله فی متناول کل الأمة.

أما توریث الکتاب للمصطفیْن من أمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیعنی توریث علومه لأئمة معینین ، وجعله فی متناول من تبعهم .

الثالثة ، لایمکن تفسیر المصطفیْن ورثة الکتاب الإلهی ، إلا بملاحظة الصفات المشابهة التی وصف بها القرآن حملة العلم الإلهی فی هذه الأمة ، کالذین عندهم علم الکتاب ، والراسخین فی العلم ، وأهل الذکر ، فی قوله تعالی عن وصی سلیمان(علیهماالسّلام): قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ

ص: 389

قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَأَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَمَنْ شَکَرَ فإنما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ) (النمل:40)

وقوله تعالی عن وصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَیَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَسْتَ مُرسلاً قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ)(الرعد:43)

وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ مِنْهُ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِیلِهِ وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا یَذَّکَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ). (آل عمران:7)

وقوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ إِلا رِجَالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَاسْأَلوا أهل الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43) .

وقوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَکَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَاسْأَلُوا أهل الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبیاء:7) وهی نفس الآیة المتقدمة بدون کلمة: (مِن) !

وآیة الشهود التالین للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قوله تعالی: أَفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ کِتَابُ مُوسَی إماماً وَرَحْمَةً أُولَئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ یَکْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ) (هود:17)

فهذه الآیات وغیرها ، تعرفنا من هم المصطفوْن الذی خصهم الله فی هذه الأمة بوراثة القرآن. وکذلک أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومثلها أحادیث أهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أرجع أمته إلیهم وجعلهم عدل القرآن فی مثل قوله المتواتر (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، فقولهم قوله وحدیثهم حدیثه ، ومنهم یجب أن تأخذ الأمة کتاب الله وتفسیره .

2- الظالم مطلقاً یستحیل أن یکون من المصطفیْن !

القاعدة العامة فی التفسیر وکل بحث علمی ، بل فی کل الحیاة ، أن لا نبیع الیقین بالشک ، ولا المحکم بالمتشابه. ومن الیقین المحکم أن المصطفیْن من الله

ص: 390

أشخاص اختارهم الله لأدوار فی الشعوب والأمم والعالم ، لأنهم أهل لذلک ، وأعطاهم ما یحتاجونه فی عملهم من علم وتأیید .

وهذا یقتضی طهارتهم وعصمتهم ووجوب اتباعهم .

وعندما نجد نصاً ظاهره أن المصطفیْن فیهم ظالمون عاصون لربهم ، فیجب أن نتوقف فیه ، لأن قبول ظاهره یعنی تخریب قانون الإصطفاء الإلهی ، والطعن فی حکمة الله تعالی !

لهذا لا بد فی آیة توریث الکتاب للمصطفین من أحد أمرین:

إما أن نجعل الظالم لنفسه قسماً من عبادنا ولیس من المصطفین کما اختاره الشریف المرتضی(رحمه الله) ، وغیره. قال فی مجمع البیان:8/245: (اختلف فی أن الضمیر فی منهم إلی من یعود ، علی قولین ، أحدهما: إنه یعود إلی العباد ، وتقدیر الکلام: فمن العباد ظالم. وروی نحو ذلک عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، واختاره المرتضی قدس الله روحه ، من أصحابنا ).انتهی .

وإما أن نجعل دخول الظالم لنفسه فی المصطفیْن مجازاً ، لأنه منهم نسباً أو اتباعاً ، کما فسره الإمام الرضا(علیه السّلام)وهذا الذی أرجحه لأنه روی عن المعصوم (علیه السّلام) ، ولعل المرتضی لم یطلع علیه ، وقد استدل له الإمام الرضا (علیه السّلام)بقوله تعالی: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. (الحدید:26) فکما أن جعل النبوة والکتاب فی بعض ذریة نوح وإبراهیم ، لم یمنع أن یکون بعضهم الآخر فاسقین ، فکذلک توریث الکتاب لعترة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یمنع أن یکون بعض آخر منهم ظالم لنفسه.

وقد تقدمت روایته من عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/207 وفیها: (فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلک الأمة کلها ، فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن ؟ فقال

ص: 391

الرضا(علیه السّلام): لا أقول کما قالوا ولکنی أقول: أراد الله عز وجل بذلک العترة الطاهرة. فقال المأمون: وکیف عنی العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا(علیه السّلام): إنه لو أراد الأمة لکانت أجمعها فی الجنة لقول الله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله ذلک هو الفضل الکبیر ، ثم جمعهم کلهم فی الجنة فقال عز وجل: جنات عدن یدخلونها یحلون فیها من أساور من ذهب ، الآیة. فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم فقال المأمون: من العترة الطاهرة ؟ فقال الرضا(علیه السّلام): الذین وصفهم الله فی کتابه فقال عز وجل: إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا ، وهم الذین قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی إلا وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، فانظروا کیف تخلفون فیهما. أیها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منکم. إلی أن قال: أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة علی المصطفین المهتدین دون سائرهم؟ قالوا: ومن أین یا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، فصارت وراثه النبوة

والکتاب للمهتدین دون الفاسقین). انتهی .

3- تعمیمهم للمفردات الخاصة ، وتمییعهم للقوانین الحاسمة !

لیست محاولة علماء السلطة فی التعمیم والتمییع فی تفسیر الآیة ، إلا واحدة من منهج ابتدعوه فی التفسیر ، کشفنا جانباً منه فی المجلد الثانی من کتاب (ألف سؤال وإشکال- المسألة163) ، وقد ارتکبوا هنا تعمیمین للکتاب والمصطفیْن ، وتمییعین لتوریث الکتاب ، وقانون الثواب والعقاب:

فقد عمموا الکتاب فی قوله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ،

ص: 392

فجعلوه کل کتاب إلهی ، مع أن السیاق یتحدث عن القرآن ، فالآیة التی قبلها: وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا..الآیة. فعدلوا عن السیاق بلاحجة!

وکأن هدف کعب الأحبار من توسیع المصطفیْن وتوسیع الکتاب ، أن یعطی الشرعیة للتوراة والثقافة الیهودیة وأنها مورَّثة لهذه الأمة ، ویعطی لنفسه مقام مستشار الخلافة فی علم الکتاب کله التوراة والإنجیل والقرآن ! وإلا فأین التوراة والإنجیل اللذین ورثتهما الأمة ، وعند مَنْ یوجدان ؟!

أما لو اعترف کعب بأن القرآن هو المورَّث لفئة من هذه الأمة ، فلا بد أن تکون عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیکون أخرج نفسه وعلمه من الساحة ، وأوجب علی الأمة أن ترجع إلی العترة ورثة القرآن ومعادله ، کما أمرها نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

وقد استطاع کعب أن یقنع عمر بذلک وبأشیاء کثیرة ، لا یتسع لها هذا الکتاب !

ولا نطیل الکلام فی وقوف کعب وراء هذه التعمیمات والتمییعات ودوافعه ، ونکتفی بالقول إن المقصود بالکتاب فی الآیة هو القرآن بحکم السیاق ، ولا دلیل إلا التحکم لمن ادعی تعمیمه لکل کتاب إلهی .

وأما جعله الظالمین من المصطفیْن وأهل الجنة ، فهو جزءٌ من خطته فی فتح أبواب الجنة لجمیع الناس ، وهو أمر عمل له کعب وأطاعه فیه عمر حتی قال بشمول الشفاعة لجمیع الخلق ، ثم قال إن النار تفنی وینقل أهلها إلی الجنة ! (راجع المسألة155 من کتابنا ( ألف سؤال وإشکال) ، والمجلد الثالث من العقائد الإسلامیة ).

وأما معنی المصطفیْن الذین أورثهم الله الکتاب ، فلا یصح أن یکونوا إلا جماعة خاصین بحکم الظهور المستحکم للکلمة ، وهم عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین

ص: 393

قرنهم بالقرآن وجعلهم عدلاً له ، وسماهما الثقلین ! وتؤید ذلک الأدلة الکثیرة لاصطفاء العترة النبویة ، التی رواها المؤالف والمخالف .

ولا دلیل من عقل ولا نقل علی زعم کعب أنهم کل الأمة ، ولا زعم غیره أنهم الصحابة ، إلا الإستحسان الظنی ، أو التحکم ، لمصادرة ما خص الله به عترة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأعطاؤها لغیرهم !

فلو کان الصحابة هم المصطفوْن ورثة الکتاب ، لَمَا أوجب النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أمته التمسک بالثقلین الکتاب والعترة فی حدیث الثقلین المتواتر عند الجمیع ، ولَمَا أمر الأمة أن یقرنوا العترة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والصلاة علیهم معه فی صلواتهم !

ثم لو سلمنا أن المقصود بهم الصحابة ، لکان أهل البیت أولی بوراثة الکتاب أیضاً ، لأنهم صحابة وعترة !

وخامساً ، کیف یکون الصحابة مصطفیْن ، وقد أخبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أصح کتب أتباعهم بأن أکثرهم یدخلون جهنم ، ولا ینجو منهم إلا مثل هَمَل النعم !

قال البخاری:7/208: (عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: بینا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال: هلمَّ ، فقلت أین؟ قال إلی النار والله ! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال: هلمَّ ! قلت: أین؟قال: إلی النار والله ! قلت: ماشأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! فلا أراه یخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) ! انتهی.

ولم تصرح روایة البخاری هذه بإسمهم ،لکن صرحت روایته الأخری بالصحابة وفسرها شراحه بهم! قال فی صحیحه:2/975: (یرد علی الحوض رجالٌ من أصحابی فیحلؤون عنه فأقول یارب أصحابی ! فیقول: فإنه لاعلم لک بما أحدثوا بعدک ، إنهم ارتدوا علی أعقابهم القهقری) ! (وشبیهاً به فی: 8/86 .و:7/195و207-210

ص: 394

وص84 و87 و:8/86 و87 ، ونحوه مسلم:1/150 و:7/66 وابن ماجة:2/1440وأحمد:2/25و408 و:3/28 و:5/21 و24 و50 و:6/16 ، والبیهقی فی سننه:4/ 14، وغیرهم).

أما دعوی کعب وعمر ومن وافقهما بأن المصطفیْن کل الأمة ، فیرد علیها:

أولاً، أنه لادلیل علیها من عقل ولا نقل ، فإن الله تعالی قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، وظاهره أنه انتخب عباداً خاصین فأورثهم الکتاب ، ولا دلیل لهم علی أنهم کل الأمة إلا التحکم المحض ، أو الإستحسان والتخرص !

وثانیاً ، کیف یتجرأ مسلم أو عاقل علی القول إن کل المسلمین مصطفوْن یدخلون الجنة بمن فیهم الظالم والمنافق ! ویرفع یده عن آیات القرآن التی تنص علی دخول أصناف من هذه الأمة جهنم ؟!

فأین قول الله تعالی: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خَالِدُونَ.(المؤمنون:103)وعشرات الآیات التی تدفع هذا الزعم وتردهذه الأمانی ، ومنها قوله تعالی: لَیْسَ بِأَمَانِیِّکُمْ وَلا أَمَانِیِّ أهل الْکِتَابِ مَنْ یَعْمَلْ سُوءً یُجْزَ بِهِ وَلا یَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیًّا وَلا نَصِیرًا. (النساء:123)

وأین قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی تقدم فی أکثر أصحابه: (قلت: ماشأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! فلا أراه یخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) !

إنه لامناص لمن جعل المصطفیْن ورثة الکتاب کل الأمة ، من تخریب قانون الجزاء والعقاب الإلهی ! کما لامناص له من تمییع معنی التوریث ، وجعله توریثاً شکلیاً لایتعدی توریث أوراق القرآن ، لأنه لایعترف بمرکز لهذا التوریث ، وإن سألته عن علم القرآن الذی ورثه الله للأمة أین هو ؟ لقال عند جمیع الأمة ! وهو یعرف أن کبیر الصحابة عمر لایعرف معنی مفردات القرآن مثل(وفاکهةً وأبَّا)؟!

وثالثاً ، إن روایات أهل البیت (علیهم السّلام)

ص: 395

التوریث الإلهی للکتاب مقامٌ عظیم !

قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): (أین الذین زعموا أنهم الراسخون فی العلم دوننا ، کذباً وبغیاً علینا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم! بنا یستعطی الهدی، ویستجلی العمی إن الأئمة من قریش، غرسوا فی هذا البطن من هاشم، لا تصلح علی سواهم ، ولاتصلح الولاة من غیرهم). (نهج البلاغة:2/27 ) .

وقال(علیه السّلام): (والله ما تنقم منا قریش إلا أن الله اختارنا علیهم ، فأدخلناهم فی حیِّزنا ، فکانوا کما قال الأول:

أدمتَ لعمری شُرْبَک المحْضَ صابحاًوأکلک بالزبد المقشرةَ البُجْرا ونحن وهبناکَ العلاءَ ولم تکن علیاً وحُطنا حولک الجُرْدَ والسُّمْرا ) .(نهج البلاغة:1/82)

وقال الإمام الباقر(علیه السّلام):فی قوله تعالی: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکاً عَظِیماً: نحن الناس المحسودون علی ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعین ! فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکاً عظیماً ، یقول: جعلنا منهم الرسل والأنبیاءوالأئمة ، فکیف یقرُّون به فی آل إبراهیم(علیه السّلام)وینکرونه فی آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

قال الراوی برید العجلی: قلت: وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکاً عَظِیماً؟ قال: الملک العظیم أن جعل فیهم أئمةً مَن أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصی الله ، فهوالملک العظیم). ( الکافی:1/205)

ص: 396

الطائفة الثالثة: آیات الإستخلاص والإجتباء الإلهی
إخلاص الدین لله تعالی

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ. أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إلی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَکَاذِبٌ کَفَّارٌ. (الزمر:2-3).

قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ. وَأُمِرْتُ لأن أَکُونَ أَوَلَ الْمُسْلِمِینَ. وَأُمِرْتُ لأن أَکُونَ أَوَلَ الْمُسْلِمِینَ. قُلْ إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ. قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِینِی. فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلا ذَلِکَ هُوَالْخُسْرَانُ الْمُبِینُ. (الزمر:11-15).

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِی اللهِ وَهُوَرَبُّنَا وَرَبُّکُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ. (البقرة:139).

إِلا الَّذِینَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِینَهُمْ للهِ فَأُولَئِکَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ وَسَوْفَ یُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِینَ أَجْرًا عَظِیمًا. (النساء:146)

وَمَاتَفَرَّقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَةُ. وَمَا أُمِرُوا إِلا لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ وَیُقِیمُوا الصَّلَوةَ وَیُؤتُوا الزَّکَوةَ وَذَلِکَ دِینُ الْقَیِّمَة.(البیّنة:4- 5).

دعاء الله بانقطاع وإخلاص

وَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ. (الأعراف:29).

فَادْعُواْ اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ. (غافر:14)

هُوَ الْحَیُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ

الدِّینَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ. (غافر:65 ).

وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ کُلِّ مَکَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِیطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِنْ أَنْجَیْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ. (یونس:22).

ص: 397

فَإِذَا رَکِبُوا فِی الْفُلْکِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلی الْبَرِّ إِذَا هُمْ یُشْرِکُونَ. (العنکبوت:65 ).

وَإِذَا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا یَجْحَدُ بِآیَاتِنَا إِلا کُلُّ خَتَّارٍ کَفُورٍ. (لقمان:32 ).

المخلصون المستخلصون

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ. (یوسف:24).

وَقَالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی فَلَمَّا کَلَّمَهُ قَالَ إِنَّکَ الْیَوْمَ لَدَیْنَا مَکِینٌ أَمِینٌ. (یوسف:54 ).

فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیًّا قَالَ کَبِیرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنْ أَبَاکُمْ قَدْ أخذ عَلَیْکُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِی یُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حَتَّی یَاذَنَ لِی أبی أَوْ یَحْکُمَ اللهُ لِی وَهُوَخَیْرُ الْحَاکِمِینَ. (یوسف:80 ) .

ابراهیم وموسی وغیرهما من المخلصین(علیهم السّلام)

وَاذْکُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ أُولِی الأَیْدِی وَالأبصار. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الإخیَارِ. (صاد:45-47 ).

وَاذْکُرْ فِی الْکِتَابِ مُوسَی إِنَّهُ کَانَ مُخْلَصًا وَکَانَ رسولاً نبیاً. (مریم:51) .

المخلصون ناجون من الضلال والهلاک

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَکْثَرُ الأولینَ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِیهِمْ مُنْذِرِینَ. فَانْظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِینَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. (الصافات:71-74 ).

أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِینَ. اللهَ رَبَّکُمْ وَرَبَّ آبَائِکُمُ الأولینَ. فَکَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. (الصافات:125-128).

ص: 398

المخلصون مقربون من الله ولیسوا أبناءه

وَجَعَلُوا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا یَصِفُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. (الصافات:158-160 ).

المخلَصون ناجون من العذاب مکرمون فی الجنة

إِنَّکُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِیمِ. وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. أُولَئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَوَاکِهُ وَهُمْ مُکْرَمُونَ. (الصافات:38-42).

یتمنی غیر المخلصین أن یکونوا منهم

وَإِنْ کَانُوا لَیَقُولُونَ. لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِکْرًا مِنَ الأولینَ. لَکُنَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. (الصافات:167-169)

معنی الإخلاص والمخلص

قال الراغب فی المفردات ص154:( الخالص کالصافی ، إلا أن الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن کان فیه ، والصافی قد یقال لما لا شوب فیه ، ویقال خلصته فخلص....وقوله: ونحن له مخلصون. إنه من عبادنا المخلصین، فإخلاص المسلمین أنهم قد تبرؤوا مما یدعیه الیهود من التشبیه والنصاری من التثلیث ، قال تعالی: مخلصین له الدین، وقال: لقد کفر الذین قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وقال: وأخلصوا دینهم لله ، وهو کالأول ، وقال: إنه کان مخلصاً وکان رسولاً نبیاً. فحقیقة الإخلاص: التبری عن کل ما دون الله تعالی ). انتهی .

والظاهر أن تسمیة الشئ خالصاً لیس بسبب تخلیصه من الشَّوْب ، بل بسبب أنه فی معرض الشَّوْب ، وإن کان من أصله خالصاً لم یمَسَّه شَوْب فی وقت ما.

ومعنی إخلاص الدین لله تعالی:توحیده توحیداً کاملاً ، قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام):

ص: 399

(وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف ، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة ). (نهج البلاغة:1/14)

هذا هو الإخلاص النظری العقدی ، أما الإخلاص العملی فهو الطاعة الکاملة لله تعالی بالقیام بما أوجبه وترک مانهی عنه ، وإخلاص النیة له فی کل ذلک.

فی تحف العقول لابن شعبة الحرانی ص86 ، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال: (رأس الدین صحة الیقین ، وتمام الإخلاص تجنبک المعاصی ) .

وفی معانی الأخبار للصدوق ص260:(أن جبرئیل(علیه السّلام) جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: یا رسول الله إن الله تبارک وتعالی أرسلنی إلیک بهدیة لم یعطها أحداً قبلک ، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قلت: وما هی؟ قال: الصبر وأحسن منه ، قلت: وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه ، قلت: وما هو؟ قال قال: الإخلاص وأحسن منه ، قلت: وما هو؟ قال: الیقین....الی أن قال:

قلت: یا جبرئیل فما تفسیر الإخلاص؟ قال: المخلص الذی لا یسأل الناس شیئاً حتی یجد ، وإذا وجد رضی ، وإذا بقی

عنده شئ أعطاه فی الله ، فإن من لم یسأل المخلوق فقد أقر لله عز وجل بالعبودیة ، وإذا وجد فرضی فهو عن الله راض والله تبارک وتعالی عنه راض ، وإذا أعطی لله عز وجل فهو علی حد الثقة بربه عز وجل. قلت: فما تفسیر الیقین؟ قال: الموقن یعمل لله کأنه یراه فإن لم یکن یری الله فإن الله یراه ، وأن یعلم یقیناً أن ما أصابه لم یکن لیخطئه وأن ما أخطأه لم یکن لیصیبه ، وهذا کله أغصان التوکل ومدرجة الزهد ). انتهی .

وفی الکافی:1/181:(عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: إنکم لاتکونون صالحین حتی تعرفوا ، ولا تعرفوا حتی تصدقوا ، ولا تصدقوا حتی تسلموا. أبواباً أربعة لا یصلح أولها إلا بآخرها ، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تیهاً بعیداً. إن الله تبارک

ص: 400

وتعالی لا یقبل إلا العمل الصالح ولا یقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود ، فمن وفی لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف فی عهده نال ما عنده ، واستکمل ما وعده ، إن الله تبارک وتعالی أخبر العباد بطرق الهدی وشرع لهم فیها المنار وأخبرهم کیف یسلکون ، فقال: وإنی لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدی ، وقال: إنما یتقبل الله من المتقین ، فمن اتقی الله فیما أمره لقی الله مؤمناً بما جاء به محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، هیهات هیهات فات قوم وماتوا قبل أن یهتدوا وظنوا أنهم آمنوا ، وأشرکوا من حیث لا یعلمون.

إنه من أتی البیوت من أبوابها اهتدی ، ومن أخذ فی غیرها سلک طریق الردی ، وصل الله طاعة ولی أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترک طاعة ولاة الأمر لم یطع الله ولا رسوله ، وهو الإقرار بما انزل من عند الله عز وجل ، خذوا زینتکم عند کل مسجد ، والتمسوا البیوت التی أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه ، فإنه أخبرکم أنهم رجال لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة یخافون یوماً تتقلب فیه القلوب والأبصار .

إن الله قد استخلص الرسل لأمره ، ثم استخلصهم مصدقین بذلک فی نذره ، فقال: وإن من أمة إلا خلا فیها نذیر. تاهَ من جهل ، واهتدی من أبصر وعقل ، إن الله عز وجل یقول: فإنها لا تعمی الأبصار و لکن تعمی القلوب التی فی الصدور ، وکیف یهتدی من لم یبصر؟ وکیف یبصر من لم یتدبر؟

إتبعوا رسول الله وأهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأقروا بما نزل من عند الله ، واتبَّعوا آثار الهدی ، فإنهم علامات الأمانة والتقی ). انتهی .

ص: 401

دلالة الإستخلاص الإلهی علی العصمة

یدل لقب المُخْلَص بالفتح ، علی عصمة صاحبه ، لأن الله تعالی استخلصه ، أی أنه استحق بعمله وتخلیصه لفکرَه ونیاته من الشوائب ، أن یتقبله الله تعالی لنفسه فیجعله من المخلَصین له ، وذلک یقتضی أنم یحمیه حمایة تامة من شوائب نیة المعصیة فضلاً عن فعلها.

وهذا معنی المعصوم فقد قال الإمام الصادق(علیه السّلام)فی تعریفه: (المعصوم هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله، وقال الله تبارک وتعالی: وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ). انتهی .(معانی الأخبار للصدوق: ص132).

وقد بیَّن الله تعالی أن عباده المخلَصین لهم علاقة خاصة معه ، لکن لیست علاقة نسب ومصاهرة کما یتصورها بعض الناس ! قال تعالی: وَجَعَلُوا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا یَصِفُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ. (الصافات:158-160 ).

وقال تعالی عن موسی(علیه السّلام): وَاذْکُرْ فِی الْکِتَابِ مُوسَی إِنَّهُ کَانَ مُخْلَصاً وَکَانَ رسولاً نبیاً. (مریم:51) .

وقال عن یوسف (علیه السّلام):وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ ، کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ. (یوسف:24).

فقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ ، تعلیلٌ لصرف السوء والفحشاء عنه ، ومعناه أن یوسف(علیه السّلام)لمَّا کان عبداً مخلَصاً مستخلصاً لنا ، فقد صرفنا عنه الضرر والمعصیة ، فمقام الإستخلاص یستوجب هذه الدرجة العالیة من العصمة والرعایة !

ومع هذا النص الإلهی ، فلا قیمة لکل ما رووه من أن یوسف(علیه السّلام)قد همَّ بالمعصیة وفکر بالزنا ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة ! معاذ الله !

فکل ذلک إسرائیلیات الیهود وطعنهم بیوسف(علیه السّلام) ، تلقفها عنهم رواة السلطة!

ص: 402

بل همَّت به لنفسها ، وهمَّ بها أن یضربها ، فرأی برهان ربه یقول له: أهرب ولا تضربها ! فلو ضربها لرآه زوجها الذی کان لدی الباب ، ولادَّعت علیه بأنه أرادها فلم تقبل فضربها ! وللحق به السوء أی القتل ! فدفع الله عنه بإخلاصه واستخلاصه السوء والضرر من زوجها ، کما دفع عنه الفحشاء من أول ما راودته عن نفسه ، وبقیت نیته خالصة لله تعالی ، لم یشبها عمل ولا تفکیر ولا نیة بالفحشاء والزنا .

وقد تقدم قول الإمام الرضا(علیه السّلام)من العیون:2/170: (وأما قوله عز وجل فی یوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ، فإنها همت بالمعصیة وهمَّ یوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله عز وجل: کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ.(یوسف: 24) یعنی

القتل والزنا).

أما جواب من تخیل أن معنی (همَّ بها) فکَّر بالمعصیة ، فهو:

أن معنی فعل(همَّ به) فی اللغة: أراد به الضرر ، فإن وُجدت قرینة صُرف عن معناه بحسبها ، وإلا بقی علیه. ومراودة زلیخا لیوسف(علیه السّلام)قرینةٌ علی أن معنی (همَّتْ به) أرادته لنفسها ، لکن لاقرینة توجب صرف (همَّ بها) فی یوسف(علیه السّلام) عن معناها الأصلی ،

فیبقی معناه: هم أن یضربها کما ورد به الحدیث.

وینبغی الغلفات إلی أن نوع الضرر المقصود ب-(همَّ به)قد یُصَرَّح به کقوله تعالی: وَهَمُّوا

بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ،(التوبة:13) ، وقد یعرف بالقرینة کقوله تعالی:یَحْلِفُونَ بِاللهِ مَاقَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَکَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ یَنَالُوا. (التوبة:74) أی بقتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما دل الحدیث .

وفی مسند أحمد:2/416 والبخاری3/61: (أن رجلاً أتی رسول الله یتقاضاه فأغلظ له قال فهمَّ به أصحابه ، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً). انتهی.

أی همَّ المسلمون بطرده أو ضربه أو إیذائه ، حیث لم یرد أن المسلمین هموا

ص: 403

بقتل أحد فی حضور النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بدون أمره .

وفی البحار:30/85 ، فی قصة یهودی مع أبی بکر: (فوقف علیه وقال: إنی أرید أن أسألک عن أشیاء لایعلمها إلا نبی أو وصی نبی. فقال أبو بکر: سل عما بدا لک؟ فقال الیهودی: أخبرنی عما لیس لله وعما لیس عند الله وعما لایعلمه الله ؟ فقال أبو بکر: هذه مسائل الزنادقة! یا یهودی أو فی السماء شئ لا یعلمه الله؟ وهمَّ به المسلمون ، وکان فی القوم ابن عباس فقال: ما أنصفتم الرجل! قال أبو بکر: أوَما سمعت ما تکلم به ؟! فقال ابن عباس: إن کان عندکم جواب ، وإلا فاذهبوا به إلی من یجیبه ، فإنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی بن أبی طالب: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه...). انتهی.

فقوله (وهم به المسلمون) أی هموا بضربه ، أو إیذائه .

علی أن قوله تعالی: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ ، کافٍ لتفسیر معنی همَّ بها ، فمَن استخلصه الله تعالی لایمکن أن یهمَّ بالفحشاء !

وهنا یأتی دور فهم الفعل الإلهی فی الإستخلاص وغیره ، وأنه فعلٌ من عالم حکیم رحیم ، بالعلم المطلق والحکمة المطلقة والرحمة الشاملة ، فلا یصح أن نتصوره کأفعالنا القاصرة المحدودة !

وقد کشف لنا عز وجل أن استخلاصه عز وجل لیوسف(علیه السّلام)یستوجب صرف السوء عنه ، أی منع الغیر من الإضرار به ، وصرف الفحشاء عنه ، أی جعل عقله وتقواه(علیه السّلام)هما المسیطرین الحاکمین علی نوازعه الجسدیة .

ولئن صح الإستثناء فی صرف الله للسوء عن الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) أو السماح به تجاههم لحِکَمٍ یعلمها سبحانه ، فإن الإستثناء فی صرف الفحشاء لایمکن ، لأنه أمر یتعلق بفعل المستخلص فهومن لوازم الإستخلاص دائماً .

ص: 404

أما کیف تتم عصمة المستخلَص ، فقد یکون من وسائلها (رصد الملائکة) ، وقد یکون البرهان الذی أراه الله لیوسف(علیه السّلام)أن الملک هتف به کما فی الروایة.

وقد بیَّن الله تعالی أنه یستعمل رصد الملائکة لحفظ معلومة عن الغیب یخبر بها رسوله ، فقال: قُلْ إن أدری أَقَرِیبٌ مَا تُوعَدُونَ أم یَجْعَلُ لَهُ ربی أَمَدًا. عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أحداً. إِلا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فإنه یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِیَعْلَمَ أن قَدْأَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَیْهِمْ وَأَحْصَی کُلَّ شَئٍْ عدداً. (الجنّ:25-28)

والإستخلاص مقامٌ أعظمُ من حفظ ما یخبر به الله رسوله من الغیب ، فلا بد أن تکون وسائل حفظ المستخلص أکثر تفصیلاً من حفظ الغیب المخبر به .

هذا ، وفی هذه الآیات أبحاث أخری لایتسع المجال لاستیفائها .

آیات الإجتباء تشبه آیات الإستخلاص
اجتبی الله آدم(علیه السّلام)وعصمه

قال تعالی: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَیْهِ وَهَدَی. (طَهَ:121-122).

إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أبو المجتبین وأبو الأنبیاء

قال تعالی: إِنَّ إِبْرَاهِیمَ کَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِیفًا وَلَمْ یَکُ مِنَ الْمُشْرِکِینَ. شَاکِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَداهُ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ. (النحل:120-121).

المجتبون الهداة(علیهم السّلام) شخصیات وأسر هم قدوات البشریة

قال تعالی: وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَی قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ کُلاً هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ

ص: 405

دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ. وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَی وَعِیسَی وَإِلْیَاسَ کُلٌّ مِنَ الصَّالِحِینَ. وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلاً فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَیْنَاهُمْ وَهَدَیْنَاهُمْ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ. ذَلِکَ هُدَی اللهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَکُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ. أُولَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ. أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَإِلا ذِکْرَی لِلْعَالَمِینَ. (الأنعام:83-90 ).

وقال تعالی: أُولَئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْرَائِیلَ وَمِمَّنْ هَدَیْنَا وَاجْتَبَیْنَا إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُکِیًّا. (مریم:58).

إجتباء یوسف(علیه السّلام)وتعلیمه من علم الغیب

وقال تعالی: قَالَ یَا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیَاکَ عَلَی إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْدًا إِنَّ الشَّیْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ. وَکَذَلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَیُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الأحادیث وَیُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَعَلَی آلِ یَعْقُوبَ کَمَا أَتَمَّهَا عَلَی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ. (یوسف:5-6 )

اجتباء بعض الأنبیاء(علیه السّلام)یعنی رفع درجتهم

وقال تعالی: لَوْلا أَنْ تَدَارَکَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَمَذْمُومٌ. فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِینَ. (القلم:49-50).

إجتباء المؤمنین مستمر فی هذه الأمة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال الله تعالی: شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّی بِهِ نُوحًا وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ مَا

ص: 406

تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ .( الشوری:13).

وقال تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَافْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِی اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْرَاهِیمَ هُوَسَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَفِی هَذَا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیْکُمْ وَتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ فَأَقِیمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَمَوْلاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَی وَنِعْمَ النَّصِیرُ. (الحج:77-78 ).

وقال تعالی: مَا کَانَ اللهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتَّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَمَا کَانَ اللهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَلَکِنَّ اللهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَکُمْ أَجْرٌ عَظِیمٌ. (آل عمران:179).

فی مفردات الراغب ص87: (واجتباء الله العبد تخصیصه إیاه بفیض إلهی یتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعی من العبد وذلک للأنبیاءوبعض من یقاربهم من الصدیقین والشهداء کما قال تعالی: وکذلک یجتبیک ربک. فاجتباه ربه فجعله من الصالحین. واجتبیناهم وهدیناهم إلی صراط مستقیم. وقوله تعالی: ثم اجتباه ربه فتاب علیه وهدی. وقال عز وجل: یجتبی إلیه من یشاء ویهدی إلیه من ینیب. وذلک نحو قوله تعالی: إنا أخلصناهم بخالصة ذکری الدار ).

وفی أساس البلاغة لزمخشری ص172: (واجتباه: اختاره. مستعار منه لأن من جمع شیئاً لنفسه فقد اختصه واصطفاه ، وهو من جبوة الله وصفوته ). انتهی.

والإجتباء علی مقام عظیم لکنه أعم من الإستخلاص فی موضوعه ، لأنه یشمل غیر الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السّلام) کالمؤمنین من هذه الأمة ، قال تعالی: وَجَاهِدُوا فِی اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ.

ولا بد أنه أعم من الإستخلاص فی وسائله أیضاً ، ولذلک لا یدل علی العصمة

ص: 407

إلا بقرینة ، کما فی آدم وغیره من الأنبیاء(علیهم السّلام) .

ونکتفی بغیراد بعض الأحادیث فی الإجتباء والمجتبیْن:

ففی الکافی:1/444: من خطبة للإمام الصادق(علیه السّلام):(فلم یمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما کان من عظیم جرمهم وقبیح أفعالهم ، أن انتجب لهم أحب أنبیائه إلیه وأکرمهم علیه محمد بن عبد الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حومة العز مولده ، وفی دومة الکرم محتده ، غیر مشوب حسبه ولا ممزوج نسبه ، ولا مجهول عند أهل العلم صفته ، بشرت به الأنبیاء فی کتبها ، ونطقت به العلماء بنعتها ، وتأملته الحکماء بوصفها...الخ.)

وفی الکافی:8/370: (عن إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام)یقول: إن إبراهیم(علیه السّلام)کان مولده بکوثی ربا وکان أبوه من أهلها وکانت أم إبراهیم وأم لوط سارة وورقة أختین وهما ابنتان للاحج وکان لاحج نبیاً م نذراً ولم یکن رسولاً ،وکان إبراهیم فی شبیبته علی الفطرة التی فطر الله عز وجل الخلق علیها ، حتی هداه الله تبارک وتعالی إلی دینه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهی ابنة خالته ، وکانت سارة صاحبة ماشیة کثیرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وکانت قد ملَّکت إبراهیم(علیه السّلام)جمیع ما کانت تملکه ، فقام فیه وأصلحه وکثرت الماشیة والزرع حتی لم یکن بأرض کوثی ربا رجل أحسن حالاً منه ) .

وفی الإحتجاج:1/133 ، من خطبة الصدیقة الطاهرة فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)قالت:

(وأشهد أن أبی محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغیب مکنونة ، وبستر الأهاویل مصونة ، وبنهایة العدم مقرونة ، علماً من الله تعالی بما یلی الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بموقع الأمور. ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزیمة علی إمضاء حکمه ، وإنفاذاً لمقادیر حتمه ).

ص: 408

وفی تفسیر الثعالبی:1/221: (قوله تعالی: وعصی آدم ربه فغوی ، ثم اجتباه ربه فتاب علیه وهدی. فذکر أن الاجتباء والهدایة کانا بعد العصیان ، وقیل بل أکلها ، وهو متأول ، وهو لا یعلم أنها الشجرة التی نهی عنها ، لأنه تأول نهی الله تعالی عن شجرة مخصوصة لاعلی الجنس ، ولهذا قیل: إنما کانت التوبة من ترک التحفظ لا من المخالفة ، وقیل: تأول أن الله تعالی لم ینهه عنها نهی تحریم).

وفی تفسیر الثعالبی:3/102: (وینزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبلیس ، ولم أقف بعد علی صحة ما روی فی هذه القصص ، ولو صح لوجب تأویله ، نعم روی الترمذی عن سمرة بن جندب ، عن النبی(ص)قال: لما حملت حواء ، طاف بها إبلیس وکان لایعیش لها ولد ، فقال لها سمیه عبد الحارث ، فسمته عبد الحارث فعاش ذلک ، وکان ذلک من وحی الشیطان وأمره ! قال الترمذی: هذا حدیث حسن غریب انفرد به عمر بن إبراهیم عن قتادة ، وعمر شیخ بصری.

انتهی. وهذا الحدیث لیس فیه أنهما أطاعاه ، وعلی کل حال: الواجب التوقف والتنزیه لمن اجتباه الله وحسن التأویل ما أمکن ، وقد قال ابن العربی فی توهین هذا القول وتزییفه: وهذا القول ونحوه مذکور فی ضعیف الحدیث فی الترمذی وغیره ، وفی الإسرائیلیات التی لیس لها ثبات ، ولا یعول علیها من له قلب ، فإن آدم وحواء وإن کانا غرهما بالله الغرور فلا یلدغ المؤمن من حجر مرتین ، وما کانا بعد ذلک لیقبلا له نصحاً ولا یسمعاً له قولا ، والقول الأشبه بالحق: أن المراد بهذا جنس الآدمیین ). انتهی .

ص: 409

الطائفة الرابعة: آیات نفی سلطان الشیطان علی المخلصین
اشارة

قال الله تعالی: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَیْتَنِی لأزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الأرض وَلأغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ. إِلا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَیَّ مُسْتَقِیمٌ. إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ. (الحجر:39-42) .

وقال تعالی: قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لأغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِین. إِلاعِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ.(ص:82-83) .

وقال تعالی: قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ فإن جَهَنَّمَ جَزَاؤُکُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَأَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَرَجِلِکَ وَشَارِکْهُمْ فِی الأَمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطَانُ إلا غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ وَکَفَی بِرَبِّکَ وَکِیلاً. (الإسراء:63-65 ) .

وقال تعالی:فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ. إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ. إنما سُلْطَانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ. (النحل:98-100).

وقال تعالی: إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ یَدْعُونَ إِلا شَیْطَانًا مَرِیدًا. لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِکَ نَصِیباً مَفْرُوضاً. (النساء:117-118).

وجه دلالتها علی العصمة

نصت الآیات الکریمة علی أن عباد الله المخلصین لاسبیل للشیطان علیهم ، وهذا یعنی عصمتهم. أما الإشکالات التی قد تورد علی هذا الإستدلال فهی مردودة ، وهذه خلاصة لها ولأجوبتها:

الأول: أن مصادر الشر ثلاثة: الشیطان والنفس والناس ، فنفی تأثیر الشیطان عن إنسان لایعنی نفی تأثیر مصادر الشر الأخری ، فیبقی فی معرض المعصیة.

ص: 410

وجوابه: أن المفهوم من آیات نفی تأثیر الشیطان وأحادیثها ، أن هذه الدرجة لاتعطی لإنسان إلا بعد أن یکون غالباً لهواه قویاً إمام تأثیر الناس ، فبها تکتمل نعمة الله علی الإنسان المخلَص بالعصمة. وسنورد طرفاً من أحادیثها .

والإشکال الثانی: أن نفی سلطان الشیطان فی قوله تعالی: إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ ، وقوله تعالی: إِلاعِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ ، یعنی نفی سلطنته الکاملة علی سلوک الإنسان ولاینفی بقاء تأثیره إلی حد ، وهذا ینافی العصمة .

وجوابه: أن الله تعالی نفی سلطان الشیطان عن جمیع الناس فی قوله تعالی: وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَلُومُوا أَنْفُسَکُمْ ، (ابراهیم:22) وقوله تعالی: فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِیقًا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ. وَمَا کَانَ لَهُ عَلَیْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ.. (سبأ:20-21). ثم نفاه فی الآیة عن عباد الله الخاصین المستخلصین ، فدل ذلک علی أنه معناه نفی مطلق التأثیر ، وإلا لکان تخصیصه بعباده الخاصین لغواً .

والإشکال الثالث:أن عبادی فی قوله تعالی: إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ (الحجر:42والإسراء:65) ، لاتعنی عباد الله الخاصین بل کل العباد ، فلا تبقی میزة للمخلصین فی نفیها عنهم لتدل علی امتیازهم بها ، فضلاً عن عصمتهم.

قال صاحب المیزان:12/166: (فإذا أمعنت فی الآیة وجدتها ترد علی إبلیس قوله لأغوینهم أجمعین إلا عبادک منهم المخلصین ، من ثلاث جهات أصلیة:

إحداها ، أنه حصر عباده فی المخلصین منهم ونفی عنهم سلطان نفسه وعمم سلطانه علی الباقین. والله سبحانه عمم عباده علی الجمیع ، وقصر سلطان إبلیس علی طائفة منهم ، وهم الذین اتبعوه من الغاوین ، ونفی سلطانه علی الباقین.

والثانیة ، أنه لعنه الله ادعی لنفسه الإستقلال فی إغوائهم کما یظهر من قوله

ص: 411

لأغوینهم فی سیاق المخاصمة والتقریع بالإنتقام. والله سبحانه یرد علیه بأنه منه مزعمةٌ باطلة وإنما هو عن قضاء من الله وسلطان بتسلیطه ، وإنما ملکه إغواء من اتبعه وکان غاویاً فی نفسه وبسوء اختیاره ، فلم یأت إبلیس بشئ من نفسه ، ولم یفسد أمراً علی ربه ، لا فی إغوائه أهل الغوایة فإنه بقضاء من الله سبحانه أن یستقر لأهل الغوایة غیهم بسببه.

وقد اعترف لعنه الله بذلک بعض الإعتراف بقوله رب بما أغویتنی ولا فی استثنائه المخلصین فإنه أیضاً بقضاء من الله نافذ فلا حکم الا لله. وهذا الذی تفیده الآیة الکریمة أعنی تسلیط إبلیس علی إغواء الغاوین الذین هم فی أنفسهم غاوون وتخلیص المخلصین وهم مخلصون فی أنفسهم من کیده ، کل ذلک بقضاء من الله مبنی علی أصل عظیم یفیده التوحید القرآنی المفاد بأمثال قوله تعالی: إن الحکم إلا لله ،(یوسف:67) وقوله: وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فی الأولی والآخرة وله الحکم ، (القصص:70) وقوله: الحق من ربک (آل عمران:60) وقوله: ویحق الله الحق بکلماته ، (یونس:82) ، وغیر ذلک من الآیات الدالة علی أن کل حکم إیجابی أو سلبی فهو مملوک لله نافذٌ بقضائه.

ومن هنا یظهر ما فی تفسیرهم قوله: إلا من اتبعک من الغاوین ، من المسامحة فإنهم قالوا إنه إذا قبل من إبلیس واتبعه صار له سلطان علیه بعدوله عن الهدی إلی ما یدعوه إلیه من الغی ، وظاهره أنه سلطان قهری یحصل لإبلیس عن سوء اختیارهم لیس من عند نفسه ، ولا بجعل من الله سبحانه.

وجه الفساد: أن فیه أخذ الإستقلال والحول الذاتی من إبلیس وإعطاؤه ذوات الأشیاء ، ولو کان إبلیس لایملک شیئاً من عند نفسه وبغیر إذن ربه ، فالأشیاء والأمور أیضاً لاتملک لنفسها شیئاً ولا حکماً حتی الضروریات ولوازم الذوات ،

ص: 412

إلا بإذن من الله وتملیک فافهمه.

والثالثة ، إن سلطانه علی إغواء من یغویه وإن کان بجعل وتسلیط من الله سبحانه ، إلا أنه لیس بتسلیط علی الإغواء والإضلال الإبتدائی غیر الجائز إسناده إلی ساحته سبحانه ، بل تسلیط علی الإغواء بنحو المجازاة المسبوق بغوایتهم من عندهم وفی أنفسهم. والدلیل علی ذلک قوله تعالی: إلا من اتبعک من الغاوین فإبلیس إنما یغوی من اتبعه بغوایته ، أی أن الإنسان یتبعه بغوایته أولاًفیغویه هو ثانیاً ، فهناک غوایة بعدها إغواء والغوایة إجرام من الإنسان والإغواء بسبب إبلیس مجازاة من الله سبحانه. ولو کان هذا الإغواء إغواء ابتدائیاً من إبلیس لمن لا یستحق ذلک لکان هو الألیق باللوم دون الإنسان ، کما یذکره یوم القیامة علی ما یحکیه سبحانه بقوله: وما کان لی علیکم من سلطان إلا أن دعوتکم فاستجبتم لی فلا تلومونی ولوموا أنفسکم. إبراهیم: 22 ، فاللوم علی الإنسان المجرم وهو مسؤول عن معصیته دون إبلیس. نعم إبلیس ملوم علی ما یتلبس به من الفعل بسوء اختیاره وهو الإغواء الذی سلطه الله علیه ، مجازاةً لما امتنع من السجود لآدم لما أمر به. فالإغواء هو الذی استقرت ولایته علیه کما یشیر سبحانه إلیه فی موضع آخر من کلامه إذ یقول: إنا جعلنا الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون ، الأعراف: 27 ، وقال تعالی وهو أوضح ما یؤید جمیع ما قدمناه: کتب علیه انه من تولاه فإنه یضله ویهدیه إلی عذاب السعیر .(الحج:4 ). ). انتهی .

وجوابه: أن کلمة عبادی فی الآیة وأمثالها کقوله تعالی:یَا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِی إلی رَبِّکِ رَاضِیَةً مَرْضِیَّةً ، فَادْخُلِی فِی عِبَادِی وَادْخُلِی جَنَّتِی. (الفجر:27-30) تعنی عباد الله الخاصین ، وإضافة العباد الیه تعالی إضافة تشریف من قبیل (وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی)(الحجر:29) فهی روح مخلوقة نسبها الله سبحانه إلی نفسه.

ص: 413

کما نسب البیت الحرام والمسجد الیه.

وقد أجمع المفسرون واللغویون وأحادیث النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ذلک ، لکن الأمر اشتبه علی صاحب المیزان(رحمه الله)فعمم کلمة عبادی ! لأنه تصور أن تخصیصها یعطی لإبلیس سلطاناً علی الباقین ، وهذا ینافی توحید الله تعالی بالفاعلیة ، وینافی قانون حریة الإنسان ومسؤولیته عن عمله.

والصحیح أنه لایلزم شئ من ذلک. أما السلطان الذی أعطی لإبلیس ونصَّ علیه الله تعالی بقوله: إِنَّمَا

سُلْطَانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ.(النحل:100) وقوله: إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ. (الحجر:42). فلم یقل أحد إنه سلطان ابتدائی بلا أرضیة من نیاتهم وعملهم تجعلهم مستحقین لتسلطه علیهم ، فیزدادون غوایة إلی غوایتهم ، ومعنی نفی سلطانه عن عباد الله الخاصین أنهم بلطف ربهم لاتوجد فیهم أرضیة استعمار للشیطان.

فقوله (رحمه الله): (وجه الفساد: أن فیه أخذ الإستقلال والحول الذاتی من إبلیس وإعطاؤه ذوات الأشیاء ، ولو کان إبلیس لایملک شیئاً من عند نفسه وبغیر إذن ربه ، فالأشیاء والأمور أیضاً لاتملک لنفسها شیئاً ولا حکماً حتی الضروریات ولوازم الذوات ، إلا بإذن من الله وتملیک) انتهی.

هذا القول ، یصلح رداً علی الثنویة القائلین بشراکة إبلیس مع الله تعالی ، أو علی المادیین القائلین بألوهیة الأسباب والأشیاء أو شراکتها مع الله تعالی!

أما الأحادیث وعامة المفسرین الذین فسروا الآیة بوجود سلطان ما للشیطان علی قسم من الناس ، وعدم وجوده علی عباد الله الخاصین ، فإنما قصدوا سلطانه الذی نص علیه الله تعالی ، وهو سلطان مترتب علی غوایة الإنسان نفسه ولیس فی عرضها ، وسلطان تحت سیطرة الله تعالی ولیس فی عرضها .

ص: 414

والإشکال الرابع: أن تفسیر الآیة بعصمة المخلَصین ، ونفی سلطان الشیطان وکل أنواع تأثیره علیهم ، یستوجب نفی نزغه ووسوسته ومسِّه لهم ، مع أن القرآن نص علی وسوسة الشیطان لآدم وزوجه فقال: فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطَانُ قَالَ یَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّکَ عَلَی شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْکٍ لا یَبْلَی. (طَهَ:20).

وقال: فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَکُمْ فِی الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلی حِینٍ. (البقرة:36).

ووصف آدم وحواء بأنهما تأثرا بوسوسة الشیطان: فَأَکَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا یَخْصِفَانِ عَلَیهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی. (طه:121) .

ونص علی مسِّ الشیطان لأیوب(علیه السّلام)فقال: وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أیوب إِذْ نَادَی رَبَّهُ إنی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابِ. اُرْکُضْ بِرِجْلِکَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. (صاد:41-42).

ووصف یوسف بأنه أنساه الشیطان فقال: وَقَالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا أذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ فَأَنْسَاهُ الشَّیْطَانُ ذِکْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ. (یوسف:42 ).

ووصف إنساءه لموسی(علیه السّلام)فقال: قَالَ أَرَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنَا إلی الصَّخْرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِیهُ إِلا الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَباً. (الکهف:63).

ووصف قتل موسی(علیه السّلام)لعدوه بأنه من عمل الشیطان ، فقال: وَدَخَلَ الْمَدِینَةَ عَلَی حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَی الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ فَوَکَزَهُ مُوسَی فَقَضَی عَلَیْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ. قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ. (القصص:15-16) .

وأخبر أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد یصیبه نزغٌ من الشیطان ، وطائفٌ منه فقال له: وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ أنه هُوَالسَّمِیعُ الْعَلِیمُ. (فُصِّلَتْ:36).

وقال له: وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إنهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ. إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا

ص:415

إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ. (الأعراف:201).

وقال له: وَإِذَا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ وَإِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ.(الأنعام:68).

وجوابه: مع ما سنذکره من تفسیر الآیات ، أنا لو سلمنا أن الشیطان یمکنه أن یوسوس أو ینزغ أو یمس المعصوم(علیه السّلام) ، فلا یدل ذلک علی تأثیره علیه وتسبیبه وقوعه فی المعصیة ، فلا یقدح فی عصمته .

فالنزغ هو محاولة تخریب الأمر ، قال الراغب ص488: (النزغ دخول فی أمر لإفساده ، قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَبَیْنَ إِخْوَتِی). انتهی. فالسماح له بالنزغ لایعنی تأثیره علی المعصوم(علیه السّلام) إلی حد إیقاعه فی المعصیة .

ومسُّ الشیطان یعنی أذاه أو محاولته الأذی ، ولا یدل أیضاً علی تسبیبه وقوع المعصوم فی المعصیة ، قال الراغب ص467: ( المس کاللمس لکن اللمس قد یقال لطلب الشئ ، وإن لم یوجد کما قال الشاعر: وألمسه فلا أجده. والمس یقال فیما یکون معه إدراک بحاسة اللمس. وکنَّی به عن النکاح فقیل: مسها وماسها....وکنی بالمس عن الجنون قال:کالذی یتخبطه الشیطان من المس. والمس یقال فی کل ما ینال الإنسان من أذی نحو قوله: وقالوا لن تمسنا النار. مستهم البأساء والضراء. ذوقوا مس سقر. مسنی الضر. مسنی الشیطان. مستهم إذا لهم مکر فی آیاتنا. وإذا مسکم الضر). انتهی.

وکذلک الوسوسة ، فهی تعنی أن الشیطان یُحدث فی ذهن الإنسان خطورات ردیئة ، ولو سلمنا إمکان ذلک فی ذهن المعصوم فلا نسلم أن المعصوم(علیه السّلام) یخضع لها بل یطردها. قال الراغب ص522: (الوسوسة: الخطرة الردیئة ، وأصله من الوسواس وهو صوت الحلی والهمس الخفی ، قال: فوسوس إلیه الشیطان.

ص: 416

وقال: من شر الوسواس. ویقال لهمس الصائد: وسواس). انتهی .

علی أن التفسیر الذی افترضه الإشکال للآیات غیر دقیق ، وقد تقدم جواب الإمام الرضا(علیه السّلام)عن وسوسة الشیطان لآدم وحواء(علیهماالسّلام)ومعصیتهما وأنها کانت فی الجنة ولیست فی الأرض ، قال(علیه السّلام):(فإن الله عز وجل خلق آدم حجة فی أرضه وخلیفة فی بلاده لم یخلقه للجنة ، وکانت المعصیة من آدم فی الجنة لا فی الأرض ، وعصمته یجب أن تکون فی الأرض لتتم مقادیر أمر الله ، فلما أهبطه إلی الأرض وجعله حجة وخلیفة عصمه بقوله عز وجل: إن الله اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهیم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ. (آل عمران: 33) انتهی.

وفی مسند الإمام الرضا(علیه السّلام):2/125: (وإنما کان من الصغائر الموهوبة التی تجوز علی الأنبیاء قبل نزول الوحی علیهم ، فلما اجتباه الله تعالی وجعله نبیاً کان معصوماً ، لا یذنب صغیرة ولا کبیرة ، قال الله عز وجل:وعصی آدم ربه فغوی ثم اجتباه ربه ، فتاب علیه فهدی ). انتهی .

أقول: إن صح الحدیث بأن الأنبیاء(علیهم السّلام) غیر معصومین عن الصغائر قبل البعثة فهو یصح فی بعضهم کآدم(علیه السّلام) ، ولا یصح فی کبارهم کنبینا وأوصیائه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأنه ثبت أن عصمتهم اعلی درجة من عصمة جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) .

وأما قول أیوب(علیه السّلام): وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أیوب إِذْ نَادَی رَبَّهُ إنی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابِ ، فلا یدل علی تأثیره علیه فی معصیة ، بل هو کقوله تعالی: وَأَیُّوبَ إِذْ نَادَی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ.(الأنبیاء:83).

قال فی مجمع البیان:8/364: (أی بتعب ومکروه ومشقة. وقیل: بوسوسة فیقول له: طال مرضک ولا یرحمک ربک ، عن مقاتل.

وقیل: بأن یذکره ما کان فیه من نعم الله تعالی من الأهل والولد والمال ، وکیف زال ذلک کله ، وحصل فیما هو فیه

ص: 417

من البلیة ، طمعاً أن یزله بذلک، ویجد طریقاً إلی تضجره وتبرمه فوجده صابراً مسلماً لأمر الله).انتهی.

وأما قوله تعالی: أذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ فَأَنْسَاهُ الشَّیْطَانُ ذِکْرَ رَبِّهِ ، فمعناه أن یوسف (علیه السّلام)قال للناجی من السجن: أذکرنی عند سیدک ، أی عزیز مصر ، فنسی الناجی أن یذکره عنده ، فلا علاقة له بإنساء الشیطان لیوسف(علیه السّلام) .

وأما قوله تعالی: وَمَا أَنْسَانِیهُ إِلا الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ ، فالذی أنساه الشیطان أن یذکر قصة الحوت لموسی(علیه السّلام) ، هو فتاه المرافق له ، ولیس موسی(علیه السّلام).

وقال فی المیزان:13/31: (ولاضیر فی نسبة الفتی نسیانه إلی تصرف من الشیطان بناء علی أنه کان یوشع بن نون النبی والأنبیاءفی عصمة إلهیة من الشیطان ، لأنهم معصومون مما یرجع إلی المعصیة ، وأما مطلق إیذاء الشیطان فیما لا یرجع إلی معصیة فلا دلیل یمنعه قال تعالی: وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أَیُّوبَ إِذْ نَادَی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ). انتهی .

وأما قوله تعالی عن موسی(علیه السّلام): قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَان ، فقد تقدم جواب الإمام الرضا(علیه السّلام)للمأمون:(إن موسی دخل مدینه من مدائن فرعون عَلَی حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها ، وذلک بین المغرب والعشاء ، فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَی الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ ، فقضی موسی علی العدو ، وبحکم الله تعالی ذِکْره فَوَکَزَهُ ، فمات! قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَان ، یعنی الإقتتال الذی کان وقع بین الرجلین ، لا ما فعله موسی(علیه السّلام)من قَتْلِهِ. أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ ، یعنی الشیطان. فقال المأمون: فما معنی قول موسی: رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی ؟ قال: یقول: إنی وضعت نفسی غیر موضعها بدخولی هذه المدینة ، فَاغْفِرْ لِی ، أی أسترنی من أعدائک لئلا یظفروا بی فیقتلونی ، فَغَفَرَ لَهُ أنه

ص: 418

هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ ، قال موسی(علیه السّلام): قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ ، من القوة حتی قتلت رجلاً بوکزة ، فَلَنْ أکون ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ ، بل أجاهد سبیلک بهذه القوة حتی ترضی.فَأَصْبَحَ موسی(علیه السّلام)فِی الْمَدِینَةِ خَائِفاً یَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِی اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ یَسْتَصْرِخُهُ علی آخر ، قَالَ لَهُ مُوسَی إنک لَغَوِیٌّ مُبِینٌ ، قاتلت رجلاً بالأمس وتقاتل هذا الیوم ، لأوذینک ، وأراد أن یبطش به فَلَمَّا أن أراد أن یَبْطِشَ بِالَّذِی هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وهو من شیعته قَالَ یَا مُوسَی أَتُرِیدُ أن تَقْتُلَنِی کَمَا قَتَلْتَ نفساً بِالأَمْسِ أن تُرِیدُ إلا أن تَکُونَ جَبَّاراً فِی الأرض وَمَا تُرِیدُ أن تَکُونَ مِنَ الْمُصْلِحِینَ .

قال المأمون: جزاک الله عن أنبیائه خیراً یا أبا الحسن، فما معنی قول موسی لفرعون: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّینَ؟قال الرضا(علیه السّلام): إن فرعون قال لموسی لما أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْکَافِرِینَ ، بی ! قال موسی: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّینَ ، عن الطریق بوقوعی إلی مدینه من مدائنک ، فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً وَجَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ ، وقد قال الله عز وجل لنبیه محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أَلَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوَی ، یقول: ألم یجدک وحیداً فآوی إلیک الناس. وَوَجَدَکَ ضَالاً ، یعنی عند قومک ، فَهَدَی ، أی هداهم إلی معرفتک. وَوَجَدَکَ عَائِلاً فَأَغْنَی ، یقول: أغناک بأن جعل دعاءک مستجاباً). (العیون:2/177والإحتجاج:2/218 ).

وأما مجرد خطاب الله تعالی لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الآیتین: وَإِمَّا

یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ، وقوله له: وَإِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ ، فهو من باب مخاطبة المسلمین من خلال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولایدل علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی معرض النزغ والإنساء من الشیطان .

فتبین بذلک ، أن کل ما یتصور أنه تسلیط للشیطان علی المعصومین صلوات الله علیهم ، لا یصحُّ ، وإن صحَّ فهو محدودٌ لایؤدی إلی وقوعهم فی المعصیة ،

ص: 419

فتبقی آیة: إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ (الحجر:42والإسراء:65) ، علی ظهورها فی تحقق عصمتهم ، ومنع تأثیره علیهم (علیهم السّلام) .

الحکمة من نزول آیات متشابهة فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام)

سؤال یرد فی الذهن: لماذا جعل الله تعالی بعض الآیات المتعلقة بعصمة أنبیائه(علیهم السّلام) من المتشابهات التی توهم وقوعهم فی المعاصی ؟

والجواب: نعم ، لقد تضمنت الآیات المتعلقة بسلوک الأنبیاء(علیهم السّلام) آیات محکمة کقوله تعالی عن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی.إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی ، والذی یعصم الله منطقه فلا یفتح فمه عن کلمة إلا بوحی وعصمة إلهیة ، لایمکن أن یصدر منه فعلٌ ولا حرکةٌ ولا سکونٌ إلا بعصمة إلهیة !

وفی نفس الوقت توجد آیات تُوهم وقوعه فی الذنب والمعصیة کقوله تعالی: لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَیَهْدِیَکَ صِرَاطًا مُسْتَقِیمًا. (الفتح: 2). والحکمة المتصورة من ذلک:

أولاً، لعله سبحانه أراد أن یؤکد بشریتهم حتی لایعبدوا من دونه ، وأن یبین أن عصمتهم الکاملة محاطة بغلاف وحجاب. ویؤید ذلک ما رواه الطوسی فی کتاب الغیبة ص324 ، قال(رحمه الله)( وأخبرنی جماعة ، عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین قال: حدثنی محمد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی(رحمه الله) قال: کنت عند الشیخ أبی القإسم الحسین بن روح رضی الله عنه مع جماعة منهم علی بن عیسی القصری ، فقام إلیه رجل فقال: إنی أرید أن أسألک عن شئ ؟ فقال له: سل عما بدا لک ، فقال الرجل: أخبرنی عن الحسین(علیه السّلام)أهو ولیُّ الله؟ قال: نعم ، قال:

ص: 420

أخبرنی عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم ، قال الرجل: فهل یجوز أن یسلط الله عز وجل عدوه علی ولیه ؟

فقال له أبو القإسم قدس سره: إفهم عنی ما أقول لک ، إعلم أن الله تعالی لا یخاطب الناس بمشاهدة العیان ، ولا یشافههم بالکلام ، ولکنه جلت عظمته یبعث إلیهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إلیه رسلاً من غیر صفتهم وصورهم لنفروا عنهم ولم یقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وکانوا من جنسهم یأکلون ویمشون فی الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منکم حتی تأتوا بشئ نعجز عن أن نأتی بمثله فنعلم أنکم مخصوصون دوننا بما لا نقدر علیه ، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التی یعجز الخلق عنها .

فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار ، ففرق جمیع من طغی وتمرد.

ومنهم: من ألقی فی النار فکانت علیه برداً وسلاماً.

ومنهم: من أخرج من الحجر الصلد الناقة وأجری من ضرعها لبناً.

ومنهم: من فلق له البحر ، وفجر له من الحجر العیون ، وجعل له العصا الیابسة ثعباناً تلقف ما یأفکون.

ومنهم: من أبرأ الأکمه والأبرص وأحیا الموتی بإذن الله ، وأنبأهم بما یأکلون وما یدخرون فی بیوتهم .

ومنهم: من انشق له القمر وکلمته البهائم مثل البعیر والذئب وغیر ذلک.

فلما أتوا بمثل ذلک وعجز الخلق من أممهم أن یأتوا بمثله ، کان من تقدیر الله جل جلاله ولطفه بعباده وحکمته ، أن جعل أنبیاءه مع هذه المعجزات فی حال غالبین وأخری مغلوبین ، وفی حال قاهرین وأخری مقهورین ، ولو جعلهم عز وجل فی جمیع أحوالهم غالبین وقاهرین ، ولم یبتلهم ولم یمتحنهم ، لاتخذهم

ص: 421

الناس آلهة من دون الله عز وجل ! ولما عُرف فضل صبرهم علی البلاء والمحن والإختبار ! ولکنه جعل أحوالهم فی ذلک کأحوال غیرهم ، لیکونوا فی حال المحنة والبلوی صابرین ، وفی حال العافیة والظهور علی الأعداء شاکرین ، ویکونوا فی جمیع أحوالهم متواضعین غیر شامخین ولا متجبرین ، ولیعلم العباد أن لهم(علیهم السّلام) إلهاً هو خالقهم ومدبرهم ، فیعبدوه ویطیعوا رسله ، ویکونوا حجة لله ثابتة علی من تجاوز الحد فیهم وادعی لهم الربوبیة ، أو عاند وخالف وعصی وجحد بما أتت به الأنبیاء والرسل ، لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیَی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ ! قال محمد بن إبراهیم بن إسحاق رضی الله عنه: فعدت إلی الشیخ أبی القإسم الحسین بن روح قدس سره من الغد ، وأنا أقول فی نفسی: أتراه ذکر لنا یوم أمس من عند نفسه ؟! فابتدأنی فقال: یا محمد بن إبراهیم لئن أخرَّ من السماء فتخطفنی الطیر أو تهوی بی الریح من مکان سحیق ، أحبُّ إلیَّ من أن أقول فی دین الله برأیی ومن عند نفسی ! بل ذلک من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه علیه). (ورواه فی الاحتجاج:2/284).

ثانیاً ، ابتلاء المسلمین لکی یتوفق بعضهم فینفذ من حجاب المتشابه ویصل إلی نور المحکم ، ویبقی المتخلف یعیش فی خطأ تصوره عن مقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

معجزة الجغرافیة القرآنیة

لماذا تکلم القرآن فی هذا الموضوع ، ولم یتکلم فی ذاک ؟

ولماذا تکلم فی هذا مرتین ، وفی ذاک مرة واحدة ؟

وأطال فی هذا ، واختصر فی ذاک ؟

وأجمل فی هذا ، وبین فی ذاک ؟

ص: 422

وذکر هؤلاء بأسمائهم ، ولم یذکر أولئک ؟

واستعمل التصریح هنا ، والکنایة هنا ؟

وقال هنا کذا ، وهناک کذا ؟

وهذا الأسلوب ، وذاک الأسلوب ، وهذا التعبیر وذاک ، وهذه الکلمة وتلک ؟

ولماذا أقیم بناؤه علی المحکم والمتشابه ، والعام والخاص ، والمجمل والمبین والمطلق والمقید ، والناسخ والمنسوخ ؟

الجواب علی ذلک: أن القرآن بناءٌ ربانیُّ یحیر عنده الذهن ، ویخشع له العقل ! وکما یتمیز عن کل ما قرأت وسمعت ببلاغته ، فکذلک بمقاصده وأهدافه !

لقد أتقن الله تعالی بناء القرآن بدقة متناهیة وإعجاز کبناء السماء! (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ). (سورة الواقعة: 75-77)

والتناسب القرآنی بین عناصر القسم یدل علی التشابه فی دقة بناء السماء ومواقع نجومها ، ودقة سور القرآن وآیاته وکلماته وحروفه !

وإلی الیوم لم یکتشف العلماء من بناء الکون إلا القلیل ، وکلما اکتشفوا جدیداً خضعت أعناقهم لبانیه عز وجل ! ولم یکتشفوا من بناء القرآن إلا القلیل ، وکلما اکتشفوا منه جدیداً خضعت أعناقهم لمعماره عز وجل !!

والحدیث التالی یکشف لنا عجائب فی البناء القرآنی، ففی دعائم الإسلام:2/ 146:

(عن علی(علیه السّلام)قال: اعتلَّ الحسین فاشتد وجعه ، فاحتملته فاطمة فأتت به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مستغیثة مستجیرة فقالت: یارسول الله أدع الله لابنک أن یشفیه ، ووضعته بین یدیه ، فقام(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی جلس عند رأسه ، ثم قال: یا فاطمة یا بنیة ، إن الله هو الذی وهبه لک ، هو قادر علی أن یشفیه. فهبط علی جبرئیل فقال: یا محمد ، إن الله لم ینزل علیک سورة من القرآن إلا فیها فاء وکل فاء من آفة ، ما خلا (الحمد لله) فإنه لیس فیها فاء ، فادع بقدح من ماء فاقرأ فیه الحمد أربعین مرة ثم صبه علیه

ص: 423

فإن الله یشفیه ، ففعل ذلک فکأنما أنشط من عقال)! (وجامع أحادیث الشیعة:15/83).

یعنی ذلک: أن ما یبدو لنا من القرآن عادیاً بسبب سذاجتنا ، کله تابعٌ لحساب بل حسابات ، إلهیة لا بشریة ، وأن هذه الحروف الثمانیة والعشرین فی القرآن عوالم من الریاضیات والعلوم والحقائق ، ولیست حروف کتاب بشری !

فوجود الحرف له دلالة بل دلالات ، وعدم وجوده ، وعدده ، وتوزیعه فی الآیة ، وفی السورة ، وفی کل القرآن !

الله أکبر.. فحیثما کانت الفاء فی سورة أو موضوع ، فهی تدل علی وجود آفة ! وحیثما وجدت الباء ، والسین ، وکل الحروف ، تدل علی حقائق أخری !

ثم ما معنی الآفة ؟ وما معنی خلو سورة الحمد منها ؟ وما معنی قراءة کلام الله الذی لیس فیه آفة علی قدح ماء ؟ وماذا یؤثر تکرار القراءة ؟ وهل یتغیر ترکیب الماء بذلک ؟ ثم هل تؤثر فیزیاؤه المطورة فی بدن المریض وتذهب منه الآفة ؟ !

من المؤکد أنه یوجد ارتباط بین النظام الفیزیائی والروحی للکون ، وبین نظام القرآن ، وأن للقرآن إمکانات تأثیر متنوعة علی عالمی الروح والمادة ، هی لون أو ألوان من فاعلیات الله تعالی فی الکون ، لأن القرآن کلامه سبحانه !

ومن المؤکد أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعطی من معرفة ذلک أقصی ما یمکن أن یعطاه إنسان ویحتمله ، لأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل بنی الإنسان ، بل أفضل المخلوقات والمصطفی منها جمیعاً ، ولقد أجاد الشاعر الأزری بقوله:

قلَّبَ العالمین ظهراً لبطنفرأی ذات أحمد فاصطفاها

ولکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن یستعمل ذلک إلا بأمر الله تعالی أو إجازته ، وهذه قضیة مهمة فی شخصیته وسلوکه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، حیث أعطی وسائل العمل الإعجازی ، ومع ذلک کان یعمل فی کل أموره بالأسباب والقوانین الطبیعیة العادیة ، ولا

ص: 424

یستعمل الإعجاز إلا عندما یؤمر ، أو عند (الضرورة).

إن الفرق بینه وبین موسی والخضر أن الخضر أعطی العلم اللدنی أو علم الباطن فهو یعمل بموجبه ، وموسی أعطی الشریعة أو علم الظاهر فهو یعمل بموجبها. أما نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد أعطی العلمین معاً ، ولکنه یعمل بالظاهر إلا عندما یؤمر أو عند الضرورة ! وهذه هی سنة الله تعالی ، فهو لا یطلع علی غیبه أحداً إلا من ارتضاه ، ولا یرتضیه حتی یستوعب مسألة العمل بالقوانین الطبیعیة والغیبیة ویسلم لإرادة الله فیها ! ثم یسلک من بین یدیه ومن خلفه رصدا !

والقرآن أکبر ، أو من أکبر ، تلک الوسائل التی أعطاها الله تعالی لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقد کان له ترتیب نزل به منجماً فی بضع وعشرین سنة ، وکان یؤدی فیه إدارة أحداث النبوة وصناعة الأمة وتوجیه النبی والأمة ، وتسجیل کل ذلک للأجیال. ثم صار له ترتیب ککتاب تقرؤه الأجیال ، کتاب له مقدمة وفصول وفقرات. أحدث من کل ما أنتجه وینتجه المؤلفون فی منهجة التألیف والأسلوب !

فما المانع أن یکون للقرآن ترتیب ثالث ، ورابع ، وخامس ، أملاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی علی(علیه السّلام)وادخره عنده مع وصیته المحفوظة وعهده المعهود إلی ولده المهدی الذی بشر به الأمة والعالم ؟ والذی یظهر الله علی یدیه صدق دین جده علی الدین کله ، فتخضع لبراهینه العقول والأعناق !

أرواحنا فداه وعجل الله ظهوره.

وإذا کان نظام حروف القرآن کذلک ، فما قولک فی جغرافیته العلمیة ، وما ذکره الله فیه وما لم یذکره ، ومحکمه ومتشابهه ، ومجمله ومبینه...؟!

ص: 425

ص: 426

الفصل الثانی عشر : العصمة وقاعدة اللطف

اشارة

ص: 427

ص: 428

معنی العصمة فی القرآن واللغة والحدیث

وردت العصمة فی القرآن بمعنی المنع من عذاب الله فی الدنیا: ( قَالَ سَآوِی إلی جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاعَاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلا مَنْ رَحِمَ) (هود:43).

والمنع من عذابه فی الآخرة: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُکُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِکُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِکُمْ رَحْمَةً. (الأحزاب:17). وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ (یونس:27). والأعم منهما: یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ مَا لَکُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ. (غافر:33).

وفی الإمتناع عن الحرام: وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ. (یوسف:32).

أما قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ. (المائدة:67) ، فقد بینا فی کتاب (آیات الغدیر) أن العصمة فیها لیست بمعنی عصمة الأنبیاء المصطلحة ، فهی عصمة من الناس ولیست عصمة عن المعاصی ، وقد نزلت فی آخر سورة قبل وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنحو ثمانین یوماً ، و کان(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قبلها معصوماً عن المعاصی .

فلا بد أن یکون المقصود فیها عصمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أن یطعن الناس بنبوته أو یرتدوا عن الإسلام ، إن بلغ ما أنزل الیه فی علی(علیه السّلام).

وقال الراغب فی مفرداته: (العَصْمُ: الإمساک ، والإعتصام: الإستمساک...والعصام ما یعصم به أی یشد. وعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) حفظه إیاهم أولاً بما خصهم به من

ص: 429

صفاء الجوهر ، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمیة والنفسیة ، ثم بالنصرة وبتثبیت أقدامهم ، ثم بإنزال السکینة علیهم ، وبحفظ قلوبهم وبالتوفیق ، قال تعالی: وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ .

قال الخلیل فی کتاب العین: العصمة أن یعصمک الله من الشر ، أی یدفع عنک. واعتصمت بالله أی امتنعت به من الشر ، واستعصمت أی أبیت ، وأعصمت أی لجأت إلی شئ اعتصمت به... وأعصمت فلاناً: هیأت له ما یعتصم به. والغریق یعتصم بما تناله یده ، أی: یلجأ إلیه... والعصمة: المنع. یقال عصمه الطعام ، أی منعه من الجوع. والعصمة: الحفظ. یقال: عصمته فانعصم. واعتصمت بالله ، إذا امتنعت بلطفه من المعصیة ). انتهی

وفی الفروق اللغویة ص464: الفرق بین اللطف والتوفیق: أن اللطف هو فعل تسهل به الطاعة علی العبد ، ولا یکون لطفاً إلا مع قصد فاعله وقوع ما هو لطف فیه من الخیر خاصة ، فأما إذا کان ما یفعل عنده قبیحاً وکان الفاعل له قد أراد ذلک ، فهو انتقاد ولیس بلطف.

والتوفیق فعل ما تتفق معه الطاعة ، وإذا لم تتفق معه الطاعة لم یسم توفیقاً ولهذا قالوا إنه لایحسن الفعل...

واللطف قد یتقدم الفعل بأوقات یسیرة یکون له معها تأثیر فی نفس الملطوف له ، ولا یجوز أن یتقدمه بأوقات کثیرة حتی لایکون له معها فی نفسه تأثیر ، فکل توفیق لطف ولیس کل لطف توفیقاً....

والعصمة هی اللطیفة التی یمتنع بها عن المعصیة إختیاراً، والصفة بمعصوم إذا أطلقت فهی صفة مدح وکذلک الموفق ، فإذا أجری علی التقیید فلا مدح فیه ، ولا یجوز أن یوصف غیر الله بأنه یعصم.

ص: 430

ویقال عصمه من کذا ووفقه لکذا ولطف له فی کذا ، فکل واحد من هذه الأفعال یعدَّی بحرف ، وهاهنا یوجب أیضاً أن یکون بینهما فروق من غیر هذا الوجه الذی ذکرناه ، وشرح هذا یطول فترکته کراهة الإکثار. وأصولهما فی اللغة واشتقاقاتهما أیضاً توجب فروقا من وجوه أخر فاعلم ذلک ).

وفی مجمع البحرین:1/241: (روی أن إبلیس لعنه الله تمثل لیحیی(علیه السّلام)فقال له: أنصحک. قال: لا أرید ذلک ولکن أخبرنی عن بنی آدم. قال: هم عندنا علی ثلاثة أصناف: صنف منهم وهم أشد الأصناف عندنا نقبل علی أحد منهم نفتنه عن دینه ونتمکن منه ثم یفزع إلی الإستغفار والتوبة فلا نحن نیأس منه ولا نحن ندرک حاجتنا فنحن معه فی عناء. وأما الصنف الآخر منهم فهم فی أیدینا کالکرة فی أیدی صبیانکم نتلقفهم کیف شئنا ، قد کفونا مؤنة أنفسهم !

وأما الصنف الثالث فهم معصومون لا نقدر منهم علی شئ ).

وفی مجمع البحرین:3/393: (وفی الحدیث: ما اعتصم عبدٌ من عبادی بأحد من خلقی إلا قطعت أسباب السماوات من یدیه وأسخت الأرض من تحته. قال بعض الشارحین: هاتان الفقرتان کنایة عن الخیبة والخسران. وفیه: أعوذ بک من الذنوب التی تهتک العصم ، وهی کما روی عن الصادق (علیه السّلام): شرب الخمر، واللعب بالقمار ، وفعل ما یضحک الناس من المزاح واللهو ، وذکر عیوب الناس ، ومجالسة أهل الریب.

والمعصوم: الممتنع من جمیع محارم الله ، کما جاءت به الروایة.

وعن علی بن الحسین(علیه السّلام)الإمام منا لایکون إلا معصوماً ، ولیست العصمة فی ظاهر الخلقة فتعرف ، قیل: فما معنی المعصوم ؟ قال: المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن ، لا یفترقان إلی یوم القیامة ، والإمام یهدی إلی القرآن والقرآن یهدی إلی الإمام ، وذلک قوله تعالی .( أن هذا القرآن یهدی للتی هی أقوم ). وفی الدعاء إن

ص: 431

عصمة أمری کذا ، أی وقایتی وحافظی من الشقاء المخلد. واعتصمت بالله: امتنعت به. وفی حدیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):أربع من کن فیه کان فی نور الله الأعظم وعد ، منها: من کان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنی رسول الله " أی ما یعصم من المهلک یوم القیامة. والمعنی: من کانت الشهادتان ویعنی بهما الإیمان ، عصمة ووقایة له من المعاصی تحجزه وتمنعه من اقتراف سخط الله وسخط رسوله. ومنه قول أبی طالب: ثمال الیتامی عصمة للأرامل ، أی حفظ لهم ووقایة یمنعهم من الضیاع والحاجة ).

وفی نهج البلاغة:2/49:(وعلیکم بکتاب الله ، فإنه الحبل المتین والنور المبین ، والشفاء النافع ، والری الناقع والعصمة للمتمسک والنجاة للمتعلق ، لایعوج فیقام ، ولا یزیغ فیستعتب ، ولا تخلقه کثرة الرد ، وولوج السمع ) .

وفی نهج البلاغة:2/23: (وإنما ینبغی لأهل العصمة والمصنوع إلیهم فی السلامة أن یرحموا أهل الذنوب والمعصیة ، ویکون الشکر هو الغالب علیهم والحاجز لهم عنهم ، فکیف بالعائب الذی عاب أخاً وعیره ببلواه... ).

وفی الصحیفة السجادیة ص90: (اللهم صل علی محمد وآله ، وقنی من المعاصی ، واستعملنی بالطاعة ، وارزقنی حسن الانابة ، وطهرنی بالتوبة ، وأیدنی بالعصمة ، واستصلحنی بالعافیة ، وأذقنی حلاوة المغفرة ). انتهی .

وقد تقدم قول الإمام الصادق(علیه السّلام)فی تعریف المعصوم: (المعصوم هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله ، وقال الله تبارک وتعالی: وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ). (معانی الأخبار: ص132) .

وفی الصراط المستقیم:1/116: قالوا: معصوم إسم مفعول ، فیکون مجبوراً علی ترک العصیان فی کل آن ولافخر فی ذلک علی إنسان. قلنا: العصمة الملجئة من

ص: 432

الله إنما هی من الغلط والنسیان وأما العصمة التی لایقع منها عصیان فهی لطف یفعله الله ، لایوجب الإجبار ، بل یجامع الإختیار ، والإنسان یعلم أنه یترک ذنوباً بحسب اختیاره فالمعصوم یترک الجمیع کذلک ).

من تعریفات المتکلمین للعصمة

قال المفید(رحمه الله)فی النکت الإعتقادیة ص45: (فإن قیل: ما حدُّ العصمة؟

الجواب: العصمة لطف یفعله الله بالمکلف ، بحیث یمنع منه وقوع المعصیة وترک الطاعة ، مع قدرته علیهما ).

وقال فی تصحیح الإعتقادص128: (العصمة من الله تعالی لحججه هی التوفیق واللطف ، واعتصام من الحجج بها عن الذنوب ، والغلط فی دین الله تعالی).

وقال فی أوائل المقالات ص164: (العصمة فی موضوع اللغة هی: المنع ، وقد خُصت فی اصطلاح المتکلمین بمن یمتنع باختیاره عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذی یحصل من الله تعالی فی حقه .

وعرفه صاحب کتاب (الیاقوت) من قدماء الإمامیة بأنه: لطف یمتنع من یختص به عن فعل المعصیة ، ولا یمنعه علی وجه القهر ، أی إنه لا یکون له حینئذ داع إلی فعل المعصیة وترک الطاعة ، مع قدرته علیهما ). انتهی .

وقال الشریف المرتضی(رحمه الله)فی رسائله:3/326:(إعلم أن العصمة هی اللطف الذی یفعله تعالی ، فیختار العبد عنده الإمتناع من فعل القبیح ، فیقال علی هذا إن الله عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبیح ، ویقال إن العبد معتصم ، لأنه أختار عند هذا الداعی الذی

فعل الإمتناع عن القبیح ). انتهی .

ص: 433

قاعدة اللطف الإلهی التی استدل بها علماؤنا علی العصمة

قاعدة اللطف عقلیة وشرعیة

معنی قاعدة اللطف: أن العقل یحکم بأن الله تعالی لم ولن یترک عباده سدی ، فلا بد أن یلطف بهم فیبعث فیهم أنبیاء ویجعل لهم أوصیاء ، ویکون له علی الأرض حجة فی کل عصر ، وأن یکون هذا الحجة هادیاً مهدیاً معصوماً.

وقد ورد هذا المعنی صریحاً وضمناً ، فی آیات وروایات عدیدة ، منها قوله تعالی:أَیَحْسَبُ الإنسان أَنْ یُتْرَکَ سُدًی. (القیامة:36). وقوله تعالی: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاکُمْ عَبَثًا وَأَنَّکُمْ إِلَیْنَا لا تُرْجَعُونَ. (المؤمنون:115).

وفی الکافی:1/169: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن الحسن بن إبراهیم ، عن یونس بن یعقوب قال:کان عند أبی عبد الله(علیه السّلام)جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعین ، ومحمد بن النعمان ، وهشام ابن سالم ، والطیار ، وجماعة فیهم هشام بن الحکم وهو شاب فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): یا هشام ألا تخبرنی کیف صنعت بعمرو بن عبید وکیف سألته ؟ فقال هشام: یا ابن رسول الله إنی اجلک وأستحییک ولا یعمل لسانی بین یدیک ، فقال أبو عبد الله: إذا أمرتکم بشئ فافعلوا. قال هشام: بلغنی ما کان فیه عمرو بن عبید وجلوسه فی مسجد البصرة فعظم ذلک علی فخرجت إلیه ودخلت البصرة یوم الجمعة فأتیت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة کبیرة فیها عمرو بن عبید وعلیه شملة سوداء متزر بها من صوف ، وشملة مرتد بها والناس یسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لی ، ثم قعدت فی آخر القوم علی رکبتی ثم قلت: أیها العالم إنی رجل غریب تأذن لی فی مسألة ؟ فقال

ص: 434

لی: نعم ، فقلت له: ألک عین؟ فقال یا بنی أیُّ شئ هذا من السؤال؟ وشئ تراه کیف تسأل عنه؟ فقلت هکذا مسألتی فقال یا بنی سل وإن کانت مسألتک حمقاء ! قلت: أجبنی فیه قال لی سل: قلت ألک عین ؟ قال: نعم ، قلت: فما تصنع بها ؟ قال: أری بها الألوان والأشخاص ، قلت: فلک أنف؟ قال: نعم قلت: فما تصنع به ؟ قال: أشم به الرائحة قلت: ألک فم ؟ قال: نعم ، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أذوق به الطعم ، قلت: فلک إذن؟ قال: نعم ، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت ، قلت: ألک قلب ؟ قال: نعم ، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أمیز به کلما ورد علی هذه الجوارح والحواس.

قلت: أولیس فی هذه الجوارح غنی عن القلب ؟ فقال: لا ، قلت: وکیف ذلک وهی صحیحة سلیمة ، قال: یا بنی إن الجوارح إذا شکت فی شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ، ردته إلی القلب فیستیقن الیقین ویبطل الشک .

قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشک الجوارح؟ قال: نعم ، قلت:

لابد من القلب وإلا لم تستیقن الجوارح ؟ قال: نعم.

فقلت له: یا أبا مروان فالله تبارک وتعالی لم یترک جوارحک حتی جعل لها إماماً یصحح لها الصحیح ویتیقن به ما شک فیه ویترک هذا الخلق کلهم فی حیرتهم وشکهم واختلافهم ، لا یقیم لهم إماماً یردون إلیه شکهم وحیرتهم ، ویقیم لک إماماً لجوارحک ترد إلیه حیرتک وشکک ؟! قال: فسکت ولم یقل لی شیئاً ! ثم التفت إلی فقال لی: أنت هشام بن الحکم ؟ فقلت: لا ، قال: أمن جلسائه ؟ قلت: لا ، قال: فمن أین أنت؟ قال: قلت: من أهل الکوفة قال: فأنت إذا هو ، ثم ضمنی إلیه ، وأقعدنی فی مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتی قمت .

قال: فضحک أبو عبد الله(علیه السّلام)وقال: یا هشام من علمک هذا ؟ قلت: شئ أخذته

ص: 435

منک وألفته ، فقال: هذا والله مکتوب فی صحف إبراهیم وموسی). انتهی .

ومعنی کون اللطف قاعدة عقلیة: أن العقل یدرک بقطع النظر عن نصوص الدین أنه یستحیل علی العلیم الحکیم القدیر عز وجل ، أن یترک مخلوقاته بدون هدایة بل إن من أفعال الله الثابتة ، بمقتضی صفاته ، أنه یلطف بعباده فیبعث الأنبیاء والأوصیاء لهدایتهم ، وهذا معنی قولهم: یجب اللطف علی الله تعالی. وتعبیرهم وإن کان ثقیلاً وکأنه یفرض شیئاً علی الله تعالی ، لکنه یعنی أن ذلک مما یدرکه العقل من

قوانین فعله تعالی .

ومعنی کونها قاعدة شرعیة: أن القرآن والسنة یدلأن علی أن الله لطیف بعباده ، فلا یترکهم بدون أنبیاء وهدایة ، کما نبهت إلی ذلک آیات القرآن ، وأحادیث النبی وأهل بیته (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وبینت حدودها وتفاصیلها التی لایدرکها العقل وحده .

وینبغی الإلفات إلی أن الشرع قد ینبه العقل البشری إلی بعض الأمور المرکوزة فیه فیصل الیها ، فتکون من المدرکات العقلیة ولایضر بذلک أن الشرع ألفته الیها وأثار فیه کامنها. وقد قلنا فی العقائد الإسلامیة:1/26: (سمی الله عز وجل القرآن الکریم: الذکر ، ووصف عمل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه تذکیر ، واستعمل مادة التذکیر فی القرآن للتذکیر بالله تعالی ، والتذکیر بالیوم الآخر ، والتذکیر بالفطرة والمیثاق .

ووصف أمیر المؤمنین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عمل الأنبیاء(علیهم السّلام) بأنه مطالبة الناس بالإنسجام مع میثاق الفطرة ، فقال(علیه السّلام)فی خطبة طویلة فی نهج البلاغة:1/23،یذکر فیها خلق آدم(علیه السّلام)وصفته: (فأهبطه إلی دار البلیة ، وتناسل الذریة. اصطفی سبحانه من ولده أنبیاء ، أخذ علی الوحی میثاقهم ، وعلی تبلیغ الرسالة أمانتهم ، لما بدل أکثر خلقه عهد الله إلیهم فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشیاطین عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فیهم رسله وواتر إلیهم أنبیاءه، لیستأدوهم میثاق فطرته، ویذکروهم منسی نعمته ، ویحتجوا علیهم بالتبلیغ ، ویثیروا لهم دفائن العقول ،

ص: 436

ویروهم آیات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع...). انتهی .

وعلی هذا یمکن أن نعتبر قاعدة اللطف

عقلیة ، لأن العقل البشری یدرک بقطع النظر عن الدین ، أن هذا الخالق العظیم سبحانة لایمکن أن یترک خلقه سدی ، بل یجب بمقتضی حکمته أن یعرفهم ما یریده منهم لتحقیق هدفه السامی فیهم .

وقد ذکر أبو الفتح الکراجکی(رحمه الله)فی کنز الفوائد ص195 أن لأفلاطون کتاباً إسمه (کتاب اللطف) ونقل عنه قوله: (نقل الطبع عسیر الإنتزاع) ، وقد یکون موضوع الکتاب اللطف الإنسانی ، ولکنه علی أی حال من جوِّ اللطف الإلهی .

اللطف الإلهی فی القرآن
اشارة

ورد هذا الإسم المقدس فی القرآن فی سبعة مواضع ، تشمل لطف ذاته المقدسة ، وأنواع ألطافه بمخلوقاته:

1- لطف الذات الإلهیة

قال الله تعالی: لاتُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَیُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ. (الأنعام:103).

وقد ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أن الله تعالی لطیف لکن لایوصف باللطف ، ومعناه أن ذاته تعالی من غیر نوع المادة والمخلوقات ، لکن لایوصف باللطف حتی لاستصور أن ذاته المقدسة مادة شفافة !

ففی التوحید للصدوق/305 ، من خطبة لأمیر المؤمنین(علیه السّلام): (ثم قال: سلونی قبل أن تفقدونی ، فوالله الذی فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتمونی عن آیة آیة فی لیل أنزلت أو فی نهار أنزلت ، مکیها ومدنیها ، سفریها وحضریها، ناسخها ومنسوخها ، محکمها ومتشابهها ، وتأویلها وتنزیلها لأخبرتکم !

فقام إلیه رجل یقال له ذعلب وکان ذرب اللسان بلیغاً فی الخطب ، شجاع

ص: 437

القلب فقال: لقد ارتقی ابن أبی طالب مرقاةً صعبة ، لأخجلنه الیوم لکم فی مسألتی إیاه فقال: یا أمیر المؤمنین هل رأیت ربک؟

قال: ویلک یا ذعلب لم أکن بالذی أعبد رباه لم أره ، قال: فکیف رأیته صفه لنا ؟ قال: ویلک لم تره العیون بمشاهدة الأبصار ، ولکن رأته القلوب بحقائق الإیمان ، ویلک یا ذعلب إن ربی لا یوصف بالبعد ، ولا بالحرکة ، ولا بالسکون ، ولا بالقیام قیام انتصاب ، ولا بجیئه ولا بذهاب ، لطیف اللطافة لا یوصف باللطف ، عظیم العظمة لا یوصف بالعظم ، کبیر الکبریاء لایوصف بالکبر ، جلیل الجلالة لایوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا یوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرک لابمجسة ، قائل لاباللفظ ، هو فی الأشیاء علی غیر ممازجة ، خارج منها علی غیر مباینة ، فوق کل شئ فلا یقال شئ فوقه ، وإمام کل شئ فلا یقال له إمام ، داخل فی الأشیاء لا کشئ فی شئ داخل ، وخارج منها لا کشئ من شئ خارج ! فخرَّ ذعلب مغشیاً علیه ، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلی مثلها ). انتهی .

2-لطفه فی إدارة الطبیعة

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض

مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِیفٌ خَبِیر. (الحج:63)

3- لطفه فی التخطیط لأنبیائه(علیهم السّلام) وعباده المؤمنین

وَرَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ یَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِیلُ رُؤْیَایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّی حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِی إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَبَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ إِنَّهُ هُوَالْعَلِیمُ الْحَکِیمُ. (یوسف:100 )

4- لطفه فی إدراة أرزاق عباده

اللهُ لَطِیفٌ بِعِبَادِهِ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ وَهُوَالْقَوِیُّ الْعَزِیزُ. (الشوری:19 ).

ص: 438

5- لطفه فی مراقبة عمل نساء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والناس

وَاذْکُرْنَ مَا یُتْلَی فِی بُیُوتِکُنَّ مِنْ آیَاتِ اللهِ وَالْحِکْمَةِ إِنَّ اللهَ کَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا.(الأحزاب:34).

6- لطفه فی الإطلاع علی خفایا خلقه

وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَاللَّطِیفُ الْخَبِیرُ. (الملک:13-14).

7- لطفه فی الحساب یوم القیامة

یَا بُنَیَّ إِنَّهَا إِنْ تَکُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّمَوَاتِ أَوْ فِی الأرض یَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ. (لقمان:16).

وفی التوحید للصدوق ص217: (اللطیف معناه أنه لطیف بعباده ، فهو لطیف بهم بار بهم ، منعم علیهم. واللطف البر والتکرمة یقال: فلأن لطیف بالناس بار بهم یبرهم ویلطفهم إلطافاً. ومعنی ثان: أنه لطیف فی تدبیره وفعله یقال: فلأن لطیف العمل ، وقد روی فی الخبر أن معنی اللطیف هو أنه الخالق للخلق اللطیف کما أنه سمی العظیم لأنه الخالق للخلق العظیم ). انتهی .

وفی کل واحدة من هذه الآیات بحث مفصل لایتسع له المجال .

اللطف فی أحادیث النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فی الکافی:1/159: أن رجلاً سأل الإمام الصادق(علیه السّلام)(أجبر الله العباد علی المعاصی؟ قال: لا ، قلت: ففوض إلیهم الأمر ؟ قالقال: لا ، قال: قلت فماذا؟ قال: لطف من ربک بین ذلک).

وفی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام):2/113: ( عن عبد العظیم بن عبد الله الحسنی رضی

ص: 439

الله عنه عن إبراهیم بن أبی محمود قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السّلام)عن قول الله تعالی: وَتَرَکَهُمْ فِی ظُلُمَاتٍ لا یُبْصِرُونَ. (البقرة:17) فقال: إن الله تبارک وتعالی لا یوصف بالترک کما یوصف خلقه ، ولکنه متی علم أنهم لا یرجعون عن الکفر والضلال منعهم المعاونة واللطف ، وخلی بینهم وبین اختیارهم). انتهی .

وفی المقنعة 339 ، من دعاء کل یوم من شهر رمضان: (وکذلک نسبت نفسک یا سیدی باللطف ، بلی إنک لطیف فصل علی محمد وآله ، والطف لما تشاء). انتهی .

وفی الکافی:1/120 ، عن الإمام الرضا(علیه السّلام)أنه قال: (إعلم علمک الله الخیر أن الله تبارک وتعالی قدیم ، والقدم صفته التی دلت العاقل علی أنه لا شئ قبله ولا شئ معه فی دیمومیته ، فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شئ قبل الله ، ولا شئ مع الله فی بقائه ، وبطل قول من زعم أنه کان قبله أو کان معه شئ ، وذلک أنه لو کان معه شئ فی بقائه لم یجز أن یکون خالقاً له ، لأنه لم یزل معه ، فکیف یکون خالقاً لمن لم یزل معه ! ولو کان قبله شئ کان الأول ذلک الشئ لا هذا ، وکان الأول أولی بأن یکون خالقاً للأول .

ثم وصف نفسه تبارک وتعالی بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلی أن یدعوه بها فسمی نفسه سمیعاً ، بصیراً ، قادراً ، قائماً ، ناطقاً ، ظاهراً ، باطناً ، لطیفاً خبیراً ، قویاً ، عزیزاً ، حکیماً ، علیماً ، وما أشبه هذه الأسماء. فلما رأی ذلک من أسمائه القالون المکذبون ، وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شئ مثله ولا شئ من الخلق فی حاله ، قالوا: أخبرونا إذا زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له ، کیف شارکتموه فی أسمائه الحسنی فتسمیتم بجمیعها ! فإن فی ذلک دلیلاً علی أنکم مثله فی حالاته کلها أو فی بعضها دون بعض ، إذ جمعتم الأسماء الطیبة !

قیل لهم: إن الله تبارک وتعالی ألزم العباد أسماء من أسمائه علی اختلاف المعانی وذلک کما یجمع الإسم الواحد معنیین مختلفین. والدلیل علی ذلک قول الناس

ص: 440

الجائز عندهم الشائع ، وهو الذی خاطب الله به الخلق فکلمهم بما یعقلون ، لیکون علیهم حجة فی تضییع ما ضیعوا ، فقد یقال للرجل: کلب وحمار وثور وسکرة وعلقمة وأسد ! کل ذلک علی خلافه وحالاته. لم تقع الأسامی علی معانیها التی کانت بنیت علیها ، لأن الإنسان لیس بأسد ولا کلب ، فافهم ذلک رحمک الله.

وإنما سمی الله تعالی بالعلم ، بغیر علم حادث علم به الأشیاء استعان به علی حفظ ما یستقبل من أمره ، والرویة فیما یخلق من خلقه ، ویفسد ما مضی مما أفنی من خلقه ، مما لو لم یحضره ذلک العلم ویغیبه کان جاهلاً ضعیفاً ، کما أنا لو رأینا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ کانوا فیه جهلة ، وربما فارقهم العلم بالأشیاء فعادوا إلی الجهل. وإنما سمی الله عالماً لأنه لایجهل شیئاً ، فقد جمع الخالق والخلوق إسم العالم واختلف المعنی علی ما رأیت.

وسمی ربنا سمیعاً لا بخرت فیه یسمع به الصوت ولا یبصر به ، (الخِرْت: ثقب الإبرة والأذن والعین ونحوها وجمعه خروت (العین:1/236) کما أن خرتنا الذی به نسمع لا نقوی سبه علی البصر ، ولکنه أخبر أنه لایخفی علیه شئ من الأصوات ، لیس علی حد ما سمینا نحن ، فقد جمعنا الإسم بالسمع واختلف المعنی.

وهکذا البصر لا بخرت منه أبصر ، کما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به فی غیره ولکن الله بصیر لا یحتمل شخصا منظورا إلیه ، فقد جمعنا الإسم واختلف المعنی. وهو قائم لیس علی معنی انتصاب وقیام علی ساق فی کبد کما قامت الأشیاء ولکن قائم یخبر أنه حافظ کقول الرجل: القائم بأمرنا فلأن ، والله هو القائم علی کل نفس بما کسبت ، والقائم أیضاً فی کلام الناس: الباقی والقائم أیضاً یخبر عن الکفایة کقولک للرجل: قم بأمر بنی فلأن ، أی أکفهم ، والقائم منا قائم علی ساق ، فقد جمعنا الإسم ولم نجمع المعنی.

وأما اللطیف فلیس علی قلة وضآلة وصغر ، ولکن ذلک علی النفاذ فی الأشیاء والامتناع من أن یدرک ، کقولک للرجل: لطف عنی هذا الأمر ولطف فلأن فی مذهبه

ص: 441

وقوله: یخبرک أنه غمض فیه العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا یدرکه الوهم فکذلک لطف الله تبارک وتعالی عن أن یدرک بحد أو یحد بوصف. واللطافة منا الصغر والقلة ، فقد جمعنا الإسم واختلف المعنی). انتهی .

من کلمات علمائنا فی قاعدة اللطف

قال المفید(علیهم السّلام) فی النکت الإعتقادیة ص35: ( فإن قیل: ما الدلیل علی أن نصب الأنبیاء والرسل واجب فی الحکمة ؟ فالجواب: الدلیل علی ذلک أنه لطف واللطف واجب فی الحکمة فنصب الأنبیاء والرسل واجب فی الحکمة.

فإن قیل: ما حد اللطف؟ فالجواب: اللطف هو ما یقرب المکلف معه من الطاعة ویبعد عن المعصیة ولاحظ له فی التمکین ولم یبلغ الالجاء.

فإن قیل: ما الدلیل علی أن اللطف واجب فی الحکمة؟ فالجواب: الدلیل علی وجوبه توقف غرض المکلف علیه فیکون واجباً فی الحکمة وهو المطلوب.

فإن قیل: من نبی هذه الأمة ؟ فالجواب: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). فإن قیل: ما الدلیل علی نبوته ؟

فالجواب: الدلیل علی ذلک أنه ادعی النبوة وظهر المعجز علی یده وکل من ادعی النبوة وظهر المعجز علی یده فهو نبی حقاً ). انتهی .

وقال فی ص39: فإن قیل: ما الدلیل علی أن الإمامة واجبة فی الحکمة ؟

فالجواب: الدلیل علی ذلک أنها لطف واللطف واجب فی الحکمة علی الله تعالی فالإمامة واجبة فی الحکمة.

وقال فی ص161: ( عرف المتکلمون اللطف بما أفاد هیئة مقربة إلی الطاعة ومبعدة عن المعصیة بحیث لم یکن له حظ فی التمکین ولا یبلغ حد الإلجاء.....

ص: 442

والقول بوجوب اللطف یختص به العدلیة من المعتزلة والإمامیة والزیدیة ویخالفهم فیه الأشعریة ، وقد نسب الخلاف فیه أیضاً إلی بشر بن المعتمر من قدماء المعتزلة وإن حکی رجوعه عن ذلک أخیراً بعد مناظرة سائر المعتزلة إیاه ، لکن تعلیل المعتزلة بوجوبه من جهة أنهم أوجبوه من جهة العدل وأن الله تعالی لو فعل خلافه لکان ظالماً ، والإمامیة إنما أوجبوه من جهة الجود والکرم وأنه تعالی لمَّا کان متصفاً بهاتین الصفتین اقتضی ذلک أن یجعل للمکلفین ما دام هم علی ذلک الحال أصلح الأشیاء لهم ، وأن لا یمنعهم صلاحا ولا نفعاً ). انتهی .

لکن یبدو أن المحقق الحلی(رحمه الله)یقول به من باب العدل ولیس من باب الکرم ، فقد قال فی المسلک فی أصول الدین ص301: (ومن الواجب فی الحکمة اللطف للمکلفین ، وهو أن یفعل معهم کل ما یعلم أنه محرک لدواعیهم إلی الطاعة ، لأنه لو لم یفعل ذلک لکان ناقضاً لغرضه ، إذ لا مشقة علیه فی فعله ، وهو مفض إلی غرضه). انتهی .

وقال الشریف المرتضی(رحمه الله)فی الشافی:1/39: (والنبوة طریق وجوبها أیضاً اللطف لم یجب عندهم أن تکون المعرفة نبوة ، ولا النبوة معرفة لاستبداد کل واحدة منهما بصفة لا یشرکها فیها الأخری ، والنبی لم یکن عندنا نبیا لاختصاصه بالصفات التی یشرک فیها الإمام بل لاختصاصه بالأداء عن الله تعالی بغیر واسطة ، أو بواسطة هو الملک ، وهذه مزیة بینة ).

وقال الشیخ الطوسی(رحمه الله)فی الإقتصاد ص77: (وأما الکلام فی اللطف فیحتاج أن نبین أولاً ما اللطف وما حقیقته. واللطف فی عرف المتکلمین: عبارة عما یدعو إلی فعل واجب أو یصرف عن قبیح ، وهو علی ضربین: أحدهما أن یقع عنده الواجب ولولاه لم یقع فیسمی توفیقاً ، والآخر ما یکون عنده أقرب إلی فعل

ص: 443

الواجب أو ترک القبیح.....

واللطف علی ثلاثة أقسام: أحدها من فعل الله تعالی ، والثانی من فعل من هو لطف له ، والثالث من فعل غیرهما. فما هو من فعل الله تعالی علی ضربین: أحدهما یقع بعد التکلیف للفعل الذی هو لطف له فیوصف بأنه واجب ، والثانی ما یقع مع التکلیف للفعل الذی هو لطف فیه فلا یوصف بأنه واجب ، لأن التکلیف ما أوجبه ولم یتقدم له سبب وجوب ، لکن لا بد أن یفعل به لأنه کالوجه فی حسن التکلیف.

وأما ما کان من فعل المکلف فهو تابع لما هو لطف فیه ، فإن کان واجباً فاللطف واجب وإن کان لطفاً فی فعل نفل فهو نفل.

وإذا کان اللطف من فعل غیرهما فلا بد من أن یکون المعلوم من حاله أنه یفعل ذلک الفعل علی الوجه الذی هو لطف فی الوقت الذی هو لطف فیه ، ومتی لم یعلم ذلک لم یحسن التکلیف الذی هذا الفعل لطف فیه.

هذا إذا لم یکن له بدل من فعل الله یقوم مقامه ، فإن کان له بدل من فعل الله تعالی جاز التکلیف لذلک الفعل إذا فعل الله تعالی ما یقوم مقامه ).

وقال ابن البراج الطرابلسی(رحمه الله)فی جواهر الفقه ص247: (اللطف علی الله واجب ، لأنه خلق الخلق ، وجعل فیهم الشهوة ، فلو لم یفعل اللطف لزم الإغراء ، وذلک قبیح ، والله لا یفعل القبیح ، فاللطف هو نصب الأدلة ، وإکمال العقل ، وإرسال الرسل فی زمانهم ، وبعد انقطاعهم إبقاء الإمام ، لئلا ینقطع خیط غرضه).

وقال المحقق الحلی(رحمه الله)فی المسلک: ص101: (وهل یجب علی البارئ سبحانه فعل اللطف أم لا؟ الأکثرون یقولون بوجوبه ، واحتجوا علی ذلک بوجوه:

أحدها: أن اللطف مفض إلی غرض المکلف ، ولیس فیه وجه من وجوه القبح

ص: 444

ولا یؤدی إلی ما لا نهایة له ، وکل ما کان کذلک فهو واجب فی الحکمة.

أما أنه مفض إلی غرض المکلف ، فلأنا نتکلم علی هذا التقدیر ، وأما أنه لیس فیه وجه من وجوه القبح ، فلأن وجوه القبح مضبوطة ، ولیس فیه شئ منها.

وأما أن کل ما کان کذلک کان واجباً فی الحکمة ، فلأن داعی الحکمة متعلق به ، والصوارف منتفیة عنها ، وکل ما تعلق به الداعی وانتفی الصارف عنه ، فإنه یجب أن یفعل.

الوجه الثانی: لو لم یفعل البارئ سبحانه وتعالی اللطف علی هذا التقدیر ، لکان ناقضاً لغرضه ، ونقض الغرض قبیح.

بیان أنه یکون ناقضاً لغرضه ، أن من دعا غیره إلی طعام له وعلم أنه یحضر إن أرسل رسولاً إلیه لا غضاضة علیه فی إرساله ، ولم یرسل رسوله ، فإنه یکون غیر مرید لحضوره ، والعلم بذلک ظاهر.

الوجه الثالث: لو لم یجب فعل اللطف ، لکان البارئ مخلاً بما یجب علیه فی الحکمة ، إذ لا فرق بین منع اللطف وعدم التمکین.

احتج المخالف بأنه: لو وجب اللطف لوجب أن یفعل بالکافر.

والجواب: لا نسلم أن للکافر لطفاً. وتحقیق ذلک أن اللطف هو ما یعلم المکلف أن المکلف یطیع عنده ، أو یکون أقرب إلی الطاعة ، مع تمکنه فی الحالین ، والکافر قد لا یکون له لطف یحرکه إلی فعل الطاعة. ویجری هذا مجری رجل له ثلاثة أولاد ، أحدهم یطیعه بالإکرام ، والآخر بالإهانة ، والثالث لا یؤثر فیه أحد الأمرین ، فلا یکون لذلک لطف ، فالکافر الذی لا یطیع یجری مجری الثالث ). انتهی .

ص: 445

رد الفقهاء للإستدلال بقاعدة اللطف فی الفقه

رأینا أن أصل قاعدة اللطف الإلهی ثابتٌ بحکم العقل والکتاب والسنة ، وأن موردها بعثة الأنبیاء ونصب الأوصیاء(علیهم السّلام) وعصمتهم .

وقد توسع فیها بعض علمائمنا فاستعملوها فی حجیة خبر الواحد (رسائل المرتضی:1/74). وفی حجیة الإجماع (فرائد الأصول:1/188، ومنیة الطالب:2/337 ومصباح الفقاهة للخوئی:2/170، و:5/645).

وفی نفی الحرج فی الأحکام: (هدایة المسترشدین:2/737، وعوائد 196).

وفی وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر: ( جواهرالکلام:21/358 ومصباح الفقاهة للسید الخوئی:1/298) .

وفی وجوب القضاء بین الناس (جواهرالکلام:40/10، والقضاء للسید الکلبایکانی:1/14) ، وغیرها .

وفی کل هذه الموارد رد العلماء الإستدلال بها إلا نادراً ، مثل أصل القضاء کما هو عند السید الکلبایکانی ، وعدم خلو الواقعة من حکم کما عند الشهید الصدر (دروس فی علم الأصول:1/148)

وقد توسع بعضهم فی ردها حتی لحق الحیف بأصل قاعدة اللطف ، وتحامل بعضهم علیها وکأنها من مبتدعات الشیخ الطوسی (رحمه الله) ، مع أن أستاذه المرتضی استدل بها ،وأستاذهما المفید ، وغیرهم ، رحمهم الله.

نعم یصح القول إن الشیخ الطوسی أکثر فقهائنا استدلالاً بقاعدة اللطف فی الفقه والتفسیر ، کما نلاحظ ذلک فی مبسوطه وتبیانه(رحمه الله).

وقد نبه السید الخوئی(رحمه الله)الی ضرورة أن لایسبب الهجوم علی موارد القاعدة فی الفقه مساساً بها فی العقائد ، فقال فی أجود التقریرات:2/37:

ص: 446

(الجهة الثانیة فی بیان أن العقل هل یدرک الحسن والقبح بعد الفراغ عن إثبات أنفسهما أم لا ؟ والتحقیق أن یقال إن العقل وإن لم یکن له إدراکُ جمیع المصالح والمفاسد ، إلا أنَّ إنکار إدراکه لهما فی الجملة وبنحو الموجبة الجزئیة مناف للضرورة أیضاً، ولولا ذلک لما ثبت أصل الدیانة ، ولزم إفحام الأنبیاء(علیهم السّلام) ! إذ إثبات النبوة العامة فرع إدراک العقل لقاعدة وجوب اللطف ، کما أن إثبات النبوة الخاصة بظهور المعجزة علی ید مدعیها فرع إدراک العقل قبح إظهار المعجزة علی ید الکاذب ، ومع إنکار إدراک العقل للحسن والقبح بنحو السالبة الکلیة ، کیف یمکن إثبات أصل الشریعة فضلاً عن فروعه ). انتهی .

وکلامه (رحمه الله)واضح فی أنه لایقبل قاعدة اللطف فی الفقه ، ولکنه یقبلها فی العقائد ، غیر أن موقفهم العام منها فی الفقه یبقی أکثر تأثیراً علی الفقیه ، ولذا قال السید الخوئی(رحمه الله)فی جواب سؤال کما فی صراط النجاة:2/445:(سؤال 1403: قاعدة اللطف التی ناقشتموها فی الأصول صغری وکبری ، علی ما فی مصباح الأصول ، فی مناقشتکم لشیخ الطائفة التی استدل بها جمع من أصحابنا علی وجوب الإمامة ، لأنها من صغریاتها ، هل یمکن الإستدلال علی هذه الکبری ، بما دل من القرآن الکریم علی أنه لطیف بعباده ، فتکون الإمامة من صغریات ما دلت علی الکبری المستفادة من الکتاب العزیز ، أم أن اللطف المشار إلیه فی القرآن الکریم غیر اللطف المصطلح الذی تکون مسألة وجوب الإمامة من صغریاته ؟

الخوئی: نعم هو کما کتب ، لایدل علی صحة الإستدلال بالقاعدة إن تمت القاعدة ، ولا دلالة للآیة الشریفة فی أدلة الأحکام کما زعم ). انتهی .

ولعل أهم إشکالاتهم علی تطبیقات قاعدة اللطف فی الفقه أن اللطف الواجب

ص: 447

علی الله تعالی ، إنما هو اللطف الواقعی ولیس ما نتصوره لطفاً !

ثم إن اللطف الواجب هو اللطف التی تمت مقتضیاته وفقدت موانعه ، ولا علم لنا بتحقق ذلک ، بعکس الأمر فی أصل النبوة والإمامة والعصمة. (راجع هدایة المسترشدین للشیخ محمد تقی الرازی:2/737).

ضرر الإغراق فی التأصیل بقاعدة اللطف

کان الطابع العام لخطاب علماء المسلمین سنة وشیعة الإستدلال ب-(النقل) ، أی بنصوص الکتاب والسنة ، إلی أن ظهر فی مطلع القرن الثالث الأسلوب الکلامی الفلسفی ، بسبب اتساع ترجمة الکتب الیونانیة ، خاصة فی عهدی الرشید والمأمون ، فأخذ علماء السنة یستعملونه فی خطابهم ، ویکتبون فیه مؤلفاتهم ، فی الکلام والفقه والتفسیر !

وقد بقی علماء الشیعة متمسکین فی تآلیفهم وخطابهم بالأسلوب التقلیدی فحفظوا مؤلفاتهم وخطابهم لقرنین بعیدةً عن التأثر بالأسلوب الفلسفی الیونانی .

لکن بحلول القرن الخامس حدثت ثلاثة تطورات علی أسلوب علماء الشیعة:

الأول ، ظهر علی ید المفید(رحمه الله)الذی کان یعیش فی العاصمة بغداد ، حیث رأی أن اللازم أن یکتب علماء الشیعة بأسلوب العصر ، ویردُّوا الشبهات عن المذهب بنفس أسلوبها الذی کتبها فیه علماء السنة فی عصره وقبلهم !

من هنا اتجه هو وتلامیذه الکبار کالسید المرتضی والشیخ الطوسی رحمهم الله إلی التأصیل بلغة عصرهم ، وکان(رحمه الله)ینتقد مَن قبله بأنهم اقتصروا علی النقل فقلدوا ولم یتعمقوا ولم یحتهدوا !

ص: 448

قال عن الشیخ الصدوق(رحمه الله)فی مسألة الإرادة والمشیئة: (قال الشیخ أبو جعفر(رحمه الله): نقول: شاء الله وأراد ، ولم یحب ولم یرض ، وشاء عز اسمه ألا یکون شئ إلا بعلمه ، وأراد مثل ذلک.

فعلق علیه المفید(رحمه الله)بقوله: الذی ذکره

الشیخ أبو جعفر(رحمه الله)فی هذا الباب لایتحصل ، ومعانیه تختلف وتتناقض ، والسبب فی ذلک أنه عمل علی ظواهر الأحادیث المختلفة ولم یکن ممن یری النظر فیمیز بین الحق منها والباطل ، ویعمل علی ما یوجب الحجة ، ومن عول فی مذهبه علی الأقاویل المختلفة وتقلید الرواة کانت حاله فی الضعف ما وصفناه. والحق فی ذلک: أن الله تعالی لا یرید ) (تصحیح اعتقادات الإمامیة ص48 ) .

وقد اشتبه الأمر علی المفید(رحمه الله)فإن الصدوق(رحمه الله)لم یقل ذلک تقلیداً ، بل عمل بأحادیث غفل عنها المفید ، وهی تجعل الإرادة الإلهیة أنواعاً منها الإرادة بمعنی السماح التکوینی ، وهذا معنی أنه لایکون شئ فی الکون إلا بإرادة.

ففیالکافی:1/150: (عن أبی بصیر قال قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): شاء وأراد وقدر وقضی؟ قال: نعم ، قلت: وأحب؟ قال: لا ، قلت: وکیف شاء وأراد وقدر وقضی ولم یحب؟قال: هکذا خرج إلینا).(راجع: تعلیق الطباطبائی علی الحدیث ، والکافی:1/157، والمحاسن للبرقی:1/244، والحدائق الناضرة:13/452 ، وتفسیر المیزان:13/74 و: 19/90).

فالملاحظة الأولی علی المتجددین ، أن التقلیدیین أکثر إحاطة منهم بأحادیث النبی وأهل البیت (علیهم السّلام) ، وهذا ما ینبغی ملاحظته عند إشکالاتهم علیهم.

والملاحظة الثانیة ، أن المتجددین مع جهدهم المشکور فی التأصیل ، واستعمالهم لغة الخطاب العصریة ، إلا أنهم قد یبالغون فی الإعتماد علی ما أصَّلوه ، ثم یکررونه حتی یتخیل المخالف أن هذا کل دلیلهم فی المسألة !

ص: 449

وهذا ماحدث فی قاعدة اللطف حیث تراها فی مؤلفات المفید وتلامیذه(رحمه الله) ،

أبرز ما استدلوا به علی بعثة الأنبیاء والأوصیاء وعصمتهم(علیهم السّلام) ، حتی جاء بعدهم الفخر الرازی فتخیل أنه إن رد قاعدة اللطف فقد رد مذهب الشیعة بکامله !

قال فی المحصول ص124: (فهذا ما علی هذه الطریقة من الإعتراضات ومن أحاط بها تمکن من القدح فی جمیع مذاهب الشیعة أصولاً وفروعاً ، لأن أصولهم فی الإمامة مبنیة علی هذه القاعدة ، ومذاهبهم فی فروع الشریعة مبنیة علی التمسک بهذا الإجماع. والله أعلم) انتهی.

طبعاً نحن لانصدق ما زعمه الفخر الرازی ، وقد ظهر شکه هو فی تعمیمه بقوله( والله أعلم) ، لکنه قرأ للسید المرتضی والشیخ المفید فوجد قاعدة اللطف محور استدلالهم علی الإمامة والعصمة ، فدبَّج صفحات فی مناقشتهما دون أن یسمیهما ، وطمع فی أن یصدق القارئ کلامه هذا .

ولو وجد أن المحور فی استدلالهم الآیات والأحادیث کآیة التطهیر وحدیث الثقلین وحدیث علی مع القرآن والقرآن مع علی ، والعشرات من أمثالها ، ، وأن قاعدة اللطف لیست إلا تأصیلاً عقلیاً مکملاً للدلیل ، لما طمع بذلک !

والنتیجة: أن قاعدة اللطف قاعدة عقلیة ، یدرک أصلها العقل ویقطع به ، لکنه لایدرک تفاصیلها ، ولذلک لا بد من الإقتصار فی الإستدلال علی القدر المتیقن منها ، وعدم تجاوزه إلی الإستحسانات والإحتمالات .

أما ما دل علیه القرآن والسنة من أصلها أو تفاصیلها ، فیرتقی عن کونه استحساناً واحتمالاً عقلیاً ، ویکون وحیاً من خالق العقل سبحانه.

أما التطور الثانی ، علی أسلوب علماء الشیعة ، فهو تأثیر احتکاکهم بثقافة الروم عن طریق علماء حلب ، والذی ورثه علماء جبل عامل بشکل خاص .

ص: 450

والتطور الثالث ، تأثیر الفلسفة الیونانیة بعد أن اجتهد فیها المسلمون وحاولوا إخضاعها لثقافة الإسلام ، واستعملوا أسلوبها فی خطابهم ومؤلفاتهم ، واتجاهاتهم العقدیة والعرفانیة .

ولایتسع المجال لبسط الکلام فی صفات وإیجابیات وسلبیات هذه الإتجاهات فی أسلوب الفهم والخطاب ، وتأثیرها أحیاناً علی المضمون .

کیف یلطف الله تعالی بالمعصوم

اتفق علماؤنا علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) معصومون ، عن کل معصیة

وکل ما یشین شخصیتهم الربانیة السامیة .

وبحثوا فی حدود العصمة ، وأدلتها ، والموارد التی فیها إشکال أو سؤال .

ثم بحثوا فی ماهیة العصمة فاتفقوا علی أنها من فعل الله تعالی ، وبما یحفظ حریة اختیاره ومسؤولیته عن عمله.

وعندما تأملوا فی کیفیة حصولها للمعصوم(علیه السّلام) ، والوسائل التی یستعملها الله تعالی لتحقیقها ، وجدوها متعددة وأکثرها مجهولاً لنا ، فقالوا إنها ألطافٌ إلهیة من الله تعالی لعبادة المکرمین ، وعرَّفوا العصمة بأنها لطفٌ إلهی بالمعصوم یمنعه من الوقوع فی المعصیة وما یشین .

وهذا موقف علمی صحیح من کیفیة عصمة الله تعالی لخاصة عباده(علیهم السّلام) ، لکنا لانعدم نصوصاً تعطینا أضواءً مهمة علی الوسائل الربانیة فی العصمة ، منها:

1- ینبغی أن نتذکر السلطة الإلهیة والهیمنة الکاملة علی کل الوجود ، وهی سلطة أعمق ، وأکثر تنوعاً ، من کل ما نعرف من سلطات .

ص: 451

قال الله تعالی: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لایَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا یَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِی ظُلُمَاتِ الأرض وَلا رَطْبٍ وَلا یَابِسٍ إِلا فِی کِتَابٍ مُبِینٍ. وَهُوَالَّذِی یَتَوَفَّاکُمْ بِاللَّیْلِ وَیَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ یَبْعَثُکُمْ فِیهِ لِیُقْضَی أَجَلٌ مُسَمًّی ثُمَّ إِلَیْهِ مَرْجِعُکُمْ ثُمَّ یُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَیُرْسِلُ عَلَیْکُمْ حَفَظَةً حَتَّی إِذَا جَاءَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا یُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إلی اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُکْمُ وَهُوَأَسْرَعُ الْحَاسِبِینَ. (الأنعام:59-62).

وقال تعالی: سَوَاءٌ مِنْکُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّیْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ. لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. (الرعد:10-11).

وقال تعالی: أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلامُ الْغُیُوبِ. (التوبة:78).

وفی حدیث النبی وأهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من تفصیل هذه الآیات وتفسیرها ما یخشع له العقل القلب. قال الشریف المرتضی فی الأمالی:2/2: (إن سأل سائل عن الخبر المروی عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت النبی(ص)یقول: إن قلوب بنی آدم کلها بین إصبعین من أصابع الرحمن یصرفها کیف شاء ثم یقول قال رسول الله(ص)عند ذلک اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلی طاعتک. وعما یرویه أنس قال قال رسول الله(ص) ما من قلب آدمی إلا وهو بین إصبعین من أصابع الله تعالی فإذا شاء أن یثبته ثبته وان شاء أن یقلبه قلبه .

وعما یرویه ابن حوشب قال قلت لأم سلمة زوج النبی(ص): ما کان أکثر دعاء النبی(ص)؟ قالت: کان أکثر دعائه یا مقلب القلوب ثبت قلبی علی دینک ، فقالت قلت: یا رسول الله ما أکثر دعائک یا مقلب القلوب ثبت قلبی علی دینک ؟ فقال: یا أم سلمة ما من آدمی إلا وقلبه بین إصبعین من أصابع الله عز وجل ، ما شاء أقام ،

ص: 452

وما شاء أزاغ. فقال ما تأویل هذه الأخبار علی ما یطابق التوحید وینفی التشبیه؟ أولیس من مذهبکم أن الأخبار

التی یخالف ظاهرها الأصول ولا تطابق العقول ، لا یجب ردها والقطع علی کذب راویها ، إلا بعد أن لا یکون لها فی اللغة مخرج ولا تأویل....

ثم استعرض معنی الإصبع وأنها تستعمل بمعان مجازیة فی لغة العرب وشعرهم ، وقال:(فکأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما أراد المبالغة فی وصفه بالقدرة علی تقلیب القلوب وتصریفها بغیر مشقة ولا کلفة ، وإن کان غیره تعالی یعجز عن ذلک ولا یتمکن منه ، فقال إنها بین إصبعین من أصابعه ، کنایة عن هذا المعنی واختصاراً للفظ الطویل ، وجریاً علی مذهب العرب فی إخبارهم عن مثل هذا المعنی ).انتهی.

وفی قصص الأنبیاء للجزائری ص471:(بینما عیسی بن مریم جالس وشیخ یعمل بمسحاة ویثیر الأرض ، فقال عیسی(علیه السّلام): اللهم انزع منه الأمل فوضع الشیخ المسحاة واضطجع ، فلبث ساعة فقال عیسی(علیه السّلام): اللهم أردد إلیه الأمل ، فقام یعمل بمسحاته ، فسأله عیسی عن ذلک فقال: بینما أنا اعمل إذ قالت لی نفسی: إلی متی تعمل وأنت شیخ کبیر! فألقیت المسحاة واضطجعت ، ثم قالت لی نفسی: والله لابد لک من عیش ما بقیت ، فقمت إلی مسحاتی). (وتاریخ دمشق:47/468 ، ومستدرک سفینة البحار:1/185 ، عن مجموعة ورام ).

2- إن کل شخص منا یحیط به بضعة ملائکة یعملون بأمر الله تعالی ، فکیف بالمعصوم؟ قال الله تعالی: إِنَّ رَبِّی عَلَی کُلِّ شَئْ حَفِیظٌ. (هود:57 ) وَإِنَّ عَلَیْکُمْ لَحَافِظِینَ کِرَامًا کَاتِبِینَ یَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. (الإنفطار:10-12). إِنْ کُلُّ نَفْسٍ

لَمَّا عَلَیْهَا حَافِظٌ .(الطارق:4). لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ (الرعد:11).

3- وسائل الفعل الإلهی کثیرة ، وهی أوسع وأعمق مما نتصور ! قال الله تعالی:

ص: 453

هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ السَّکِینَةَ فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لِیَزْدَادُوا إِیمَاناً مَعَ إِیمَانِهِمْ وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَکَانَ اللهُ عَلِیماً حَکِیماً. (الفتح:4) ، وقد ذکر فی الآیة إنزال روح السکینة علی قلوب المؤمنین ، وهی کما فی الأحادیث روح خاصة ترافق المؤمن وتوجب الیقین فی فکره والطمأنینة فی نفسه ، وهی نوع من أنواع جنود السماوات والأرض ، التی تشمل أنواعاً کثیرة من المخلوقات ، والقوی المنظورة وغیر المنظورة ، المتصورة لنا وغیر المتصورة !

4- من وسائل العصمة أن الله یبعث ملکاً یرافق المعصوم ویکلمه ویرشده ، قال علی(علیه السّلام)یصف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):(ولقد قرن الله به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من لدن أن کان فطیماً أعظم ملک من ملائکته یسلک به طریق المکارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، لیله ونهاره). (نهج البلاغة:2/157).

وفی حلیة الأبرار للسید البحرانی:1/34: (قرن جبرائیل بنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثلاث سنین ، یسمع حسه ولا یری شخصه ، ویعلمه الشئ بعد الشئ ، ولا ینزل علیه القرآن فکان فی هذه المدة مبشراً بالنبوة غیر مبعوث إلی الأمة).(عن المناقب:1/43).

5- ومن وسائل العصمة أن الله تعالی یلقی حالة خاصة علی شخصیة المعصوم من الخشوع والإحساس بوجود الله تعالی ، فیعیش کل حیاته حالة استحضار لربه عز وجل وحضور بین یدیه ، وکفی بذلک عاصماً له عن معصیته. وتحدث هذه الحالة له فی آخر دقیقة من حیاة المعصوم السابق (علیهم السّلام) .

ففی بصائر الدرجات ص497: (باب الوقت الذی یعرف الإمام الأخیر ما عند الأول. حدثنا محمد بن الحسین ، عن علی بن أسباط ، عن الحکم بن مسکین ، عن عبید بن زرارة وجماعة معه قالوا: سمعنا أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: یعرف الإمام الذی بعده علم من کان قبله فی آخر دقیقة تبقی من روحه ). (وروی حدیثین آخرین مثله. وروی الکلینی فی الکافی:1/274، ثلاثة أحادیث ):

ص: 454

وفی بصائر الدرجات ص486: (باب فی الإمام متی یعلم أنه إمام. حدثنا محمد بن الحسین عن صفوان بن یحیی قال قلت لأبی الحسن الرضا(علیه السّلام): أخبرنی عن الإمام متی یعلم أنه إمام حین یبلغه أن صاحبه قد مضی أو حین یمضی؟ مثل أبی الحسن(علیه السّلام)قبض ببغداد وأنت هاهنا؟ قال: یعلم ذلک حین یمضی صاحبه. قلت: بأی شئ؟ قال: یلهمه الله ذلک.....

حدثنا محمد بن عیسی....قال: بینا أبو الحسن(علیه السّلام)جالس مع مؤدب له یکنی أبا زکریا وأبو جعفر(علیه السّلام)عندنا أنه ببغداد وأبو الحسن یقرأ من اللوح إلی مؤدبه ، إذ بکی بکاء شدیداً ، سأله المؤدب ما بکاؤک؟ فلم یجبه ، فقال: إئذن لی بالدخول فأذن له ، فارتفع الصیاح والبکاء من منزله ، ثم خرج إلینا ، فسألناه عن البکاء فقال: إن أبی قد توفی الساعة. فقلنا: بما علمتَ؟ قال: دخلنی من إجلال الله ما لم أکن أعرفه قبل ذلک ، فعلمت أنه قد مضی ! فتعرفنا ذلک الوقت من الیوم والشهر ، فإذا هو قد مضی فی ذلک الوقت....

عن هارون بن الفضل قال: رأیت أبا الحسن (علیه السّلام)فی الیوم الذی توفی فیه أبو جعفر(علیه السّلام)فقال: إنا لله وإنا إلیه راجعون ، مضی أبو جعفر ! فقیل له: وکیف عرفتَ ذلک ؟ قال: تداخلَنی ذلةٌ لله لم أکن أعرفها ). انتهی .

6- أن المعصوم تحدثه الملائکة وتوجهه عند اللزوم ، ففی الکافی:1/271:

(عن محمد بن إسماعیل قال: سمعت أبا الحسن(علیه السّلام)یقول: الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون..... عن محمد بن مسلم قال: ذکر المحدث عند أبی عبد الله(علیه السّلام) فقال: إنه یسمع الصوت ولا یری الشخص. فقلت له: جعلت فداک کیف یعلم أنه کلام الملک؟ قال: إنه یعطی السکینة والوقار حتی یعلم أنه کلام ملک.....

ثم روی عن الإمام الباقر(علیه السّلام)أن علیاً(علیه السّلام)کان محدَّثاً فسأله حمران:من یحدثه؟

ص: 455

فقال: یحدثه ملک، قلت: تقول: إنه نبی؟ قال: فحرک یده هکذا: أو کصاحب سلیمان أو کصاحب موسی أو کذی القرنین، أوَما بلغکم أنه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: وفیکم مثله).

7- أن الله یؤید المعصوم بملک خاص. والأحادیث فی ذلک عدیدة ، منها ما رواه فی الکافی:1/273: (عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله تبارک وتعالی: وَکَذَلِکَ أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلا الإیمان ؟ قال:خلقٌ من خلق الله عز وجل

أعظم من جبرئیل ومیکائیل کان مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یخبره ویسدده وهو مع الأئمة من بعده...

عن أسباط بن سالم قال: سأله رجل من أهل هیت وأنا حاضر عن قول الله عز وجل: وَکَذَلِکَ أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا؟ فقال: منذ أنزل الله عز وجل ذلک الروح علی محمد ،(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما صعد إلی السماء وإنه لفینا....

عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَیَسْأَلونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ

ص: 456

مِنْ أَمْرِ رَبِّی؟ قال: خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل کان مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو مع الأئمة وهو من الملکوت .

عن أبی حمزة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن العلم ، أهو علمٌ یتعلمه العالم من أفواه الرجال ، أم فی الکتاب عندکم تقرؤنه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلک وأوجب ، أما سمعت قول الله عز وجل: وَکَذَلِکَ أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلا الإیمان؟ثم قال: أیُّ شئ یقول أصحابکم فی هذه الآیة ، أیقرون أنه کان فی حال لایدری ما الکتاب ولا الإیمان؟فقلت: لا أدری جعلت فداک ما یقولون ، فقال: بلی قد کان فی حال لایدری ما الکتاب ولا الإیمان حتی بعث الله تعالی الروح التی ذکر فی الکتاب ، فلما أوحاها إلیه علم بها العلم والفهم ، وهی الروح التی یعطیها الله تعالی من شاء ، فإذا أعطاها عبداً علمه الفهم....

عن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: وَیَسْأَلونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی ، قال: خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل ، لم یکن مع أحد ممن مضی ، غیر محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو مع الأئمة یسددهم ، ولیس کل ما طلب وجد ). انتهی.

وفی الکافی:1/274:(عن سعد الإسکاف قال أتی رجل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یسأله عن الروح ألیس هو جبرئیل؟فقال له أمیر المؤمنین:جبرئیل من الملائکة والروح غیر جبرئیل ، فکرر ذلک علی الرجل فقال له: لقد قلت عظیماً من القول ما أحد یزعم أن الروح غیر جبرئیل فقال له: أمیر المؤمنین: إنک ضال تروی عن أهل الضلال، یقول الله تعالی لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أَتَی أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ ، یُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ بِالرُّوحِ ، والروح غیر الملائکة صلوات الله علیهم ).انتهی.

وفی الکافی:1/271: (عن جابر الجعفی قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): یا جابر إن الله تبارک وتعالی خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عز وجل: وَکُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِکَ الْمُقَرَّبُون.(الواقعة:7-11) فالسابقون هم رسل الله(علیهم السّلام) وخاصة الله من خلقه ، جعل فیهم خمسة أرواح: أیدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشیاء ، وأیدهم بروح الإیمان فبه خافوا الله عز وجل ، وأیدهم بروح القوة فبه قدروا علی طاعة الله ، وأیدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وکرهوا معصیته ، وجعل فیهم روح المدرج الذی به یذهب الناس ویجیئون. وجعل فی المؤمنین وأصحاب المیمنة روح الإیمان فبه خافوا الله، وجعل فیهم روح القوة فبه قدروا علی طاعة الله ، وجعل فیهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله ، وجعل فیهم روح المدرج الذی به یذهب الناس ویجیئون....

عن جابر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن علم العالم فقال لی: یا جابر إن فی الأنبیاء والأوصیاء خمسة أرواح: روح القدس وروح الإیمان وروح الحیاة وروح القوة وروح الشهوة ، فبروح القدس یا جابر عرفوا ما تحت العرش إلی ما تحت الثری ، ثم قال: یا جابر إن هذه الأربعة أرواح یصیبها الحدثان إلا روح القدس فإنها

ص: 457

لا تلهو ولا تلعب...

عن المفضل بن عمر عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: سألته عن علم الإمام بما فی أقطار الأرض وهو فی بیته مرخی علیه ستره ؟ فقال: یا مفضل إن الله تبارک وتعالی جعل فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خمسة أرواح:روح الحیاة فبه دب ودرج ، وروح القوة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أکل وشرب وأتی النساء من الحلال ، وروح الإیمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )انتقل روح القدس فصار إلی الإمام. وروح القدس لاینام ولا یغفل ولا یلهو ولا یزهو. والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو ، وروح القدس کان یری به ). انتهی .

8- قلنا فی دلالة الإستخلاص الإلهی علی العصمة: وقد بیَّن الله تعالی أنه یستعمل رصد الملائکة لحفظ معلومة عن الغیب یخبر بها رسوله ، فقال: قُلْ إن أدری أَقَرِیبٌ مَا تُوعَدُونَ أم یَجْعَلُ لَهُ ربی أَمَدًا. عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أحداً. إِلا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فإنه یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِیَعْلَمَ أن قَدْأَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَیْهِمْ وَأَحْصَی کُلَّ شَئٍْ عدداً. (الجنّ:25-28)

والإستخلاص مقامٌ أعظمُ من حفظ ما یخبر به الله رسوله من الغیب ، فلا بد أن تکون وسائل حفظ المستخلص أکثر تفصیلاً من حفظ الغیب المخبر به .

9- وردت أحادیث عدیدة فی صفات ومقامات للنبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، تُعتبر کل واحدة منها من وسائل الله تعالی فی عصمتهم ، صلوات الله علیهم ، ویطول الکلام لو أردنا عرضها ولو إجمالاً ، لذا نکتفی بالإشارة إلی بعضها:

فمنها: عرض الأعمال علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) ، فقد روی الکلینی فی الکافی تحت هذا العنوان:1/219، عدة أحادیث ، منها: (عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: تعرض الأعمال علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعمال العباد کل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها ، وهو قول الله تعالی: إعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ.

ص: 458

وسکت.... عن یعقوب بن شعیب قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: إعْمَلُوا

فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ؟قال: هم الأئمة....

عن عبد الله بن أبان الزیات وکان مکیناً عند الرضا(علیه السّلام)قال: قلت للرضا(علیه السّلام): أدع الله لی ولأهل بیتی ، فقال: أو لست أفعل؟ والله إن أعمالکم لتعرض علیَّ فی کل یوم ولیلة ! قال: فاستعظمت ذلک فقال لی: أما تقرأ کتاب الله عز وجل: إعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ؟ قال: هو والله علی بن أبی طالب(علیه السّلام)). انتهی .

وفی الکافی:1/387: (عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: إن الإمام لیسمع فی بطن أمه ، فإذا ولد خط بین کتفیه: وَتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ ، فإذا صار الأمر إلیه جعل الله له عموداً من نور ، یبصر به ما یعمل أهل کل بلدة ). انتهی .

ومنها: أن الله تعالی أعطاهم من إسمه الأعظم أضعاف ما أعطی غیرهم ، ففی الکافی:1/ 230: (عن علی بن محمد النوفلی ، عن أبی الحسن صاحب العسکر (علیه السّلام)قال: سمعته یقول: إسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، کان عند آصف حرف فتکلم به فانخرقت له الأرض فیما بینه وبین سبأ فتناول عرش بلقیس حتی صیَّره إلی سلیمان ، ثم انبسطت الأرض فی أقل من طرفه عین ! وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً. وحرف عند الله مستأثر به فی علم الغیب ). انتهی .

ومنها: أن قوة نفس المعصوم(علیه السّلام)وقربه من الله تعالی ، یجعل رغبته وتوجهه النفسی إلی الشئ کافیاً لأن یکشفه الله له: ففی الکافی:1/258: (عن أبی عبد الله (علیه السّلام)قال: إذا أراد الإمام أن یعلم شیئاً أعلمه الله ذلک ).

ومنها: أنهم أصحاب لیلة القدر الذین تتنزل علیهم الملائکة بأمر الله فیها. ففی

ص: 459

الکافی:1/247 ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)فی حدیث: (إن لیلة القدر فی کل سنة ، وإنه ینزل فی تلک اللیلة أمر السنة ، وإن لذلک الأمر ولاة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبی أئمة محدثون ). انتهی .

أقول: وهذا باب واسع ، یفهم منه الکثیر من عطاءات الله وأفعاله عز وجل فی عصمة أنبیائه وأوصیائهم(علیهم السّلام) ، وإن کان الکثیر منه منه مختصاً بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لایشرکهم فیه غیرهم ، فالمعصومون درجات .

درجات العصمة واللطف بالمعصومین(علیهم السّلام)
اشارة

نص القرآن الکریم علی أن الله تعالی جعل مخلوقاته درجات ، وفضَّل بعضها علی بعض ، لأسباب وحکم وأسرار یعلمها عز وجل. وهذه أهم آیات التفضیل:

تفضیل بنی آدم علی کثیر من المخلوقات

قال الله تعالی: وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً. (الإسراء:70).

تفضیل بعض الناس علی بعضهم فی الرزق والتکوین

( وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَکُمْ عَلَی بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ فَمَا الَّذِینَ فُضِّلُوا بِرَادِّی رِزْقِهِمْ عَلَی مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُهُمْ فَهُمْ فِیهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ یَجْحَدُونَ ). (النحل:71).

(وَهُوَالَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الأرض وَرَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی مَا آتَاکُمْ إِنَّ رَبَّکَ سَرِیعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ ). (الأنعام:165).

(أَهُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِیًّا وَرَحْمَةُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ. وَلَوْلا أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفًا

ص: 460

مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَیْهَا یَظْهَرُونَ. وَلِبُیُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَیْهَا یَتَّکِئُونَ .وَزُخْرُفًاوَإِنْ کُلُّ ذَلِکَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَالآخرة عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ ). (الزخرف:32-35).

تفضیل الرجال علی النساء

(أَلرِّجَالُ قَوَامُونَ عَلَی النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَیْب). (النساء:34).

(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلَی بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِیبٌ مِمَّا اکْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِیبٌ مِمَّااکْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ کَانَ بِکُلِّ شَئٍْ عَلِیمًا ).( النساء:32).

تفضیل المجاهدین علی القاعدین

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِینَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَی الْقَاعِدِینَ دَرَجَةً وَکُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَی وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِینَ عَلَی الْقَاعِدِینَ أَجْرًا عَظِیمًا. النساء:95 دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَکَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِیمًا. النساء:96

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَاتِی اللهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکَافِرِینَ یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ وَلا یَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ. المائدة:54

تفضیل العلماء علی غیرهم

(یَرْفَعِ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ). (المجادلة:11).

التفضیل فی الآخرة أکبر منه فی الدنیا

وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وَسَعَی لَهَا سَعْیَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ کَانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُورًا. کُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّکَ وَمَا کَانَ عَطَاءُ رَبِّکَ مَحْظُورًا. انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَکْبَرُ تَفْضِیلاً. (الإسراء:19-21 ).

ص: 461

( وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِینَ وَحَسُنَ أُولَئِکَ رَفِیقًا. ذَلِکَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَکَفَی بِاللهِ عَلِیمًا. (النساء:69-70 ).

( فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَیُدْخِلُهُمْ فِی رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَیَهْدِیهِمْ إِلَیْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِیمًا. (النساء:175).

تَرَی الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا وَهُوَوَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ هُوَالْفَضْلُ الْکَبِیرُ. (الشوری:22).

إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقَامٍ أَمِینٍ. فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ. یَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِینَ. کَذَلِکَ وَزَوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِینٍ. یَدْعُونَ فِیهَا بِکُلِّ فَاکِهَةٍ آمِنِینَ .لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولی وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ. فَضْلاً مِنْ رَبِّکَ ذَلِکَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِیمُ. (الدخان: 51-57).

(سَابِقُوا إلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا کَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ. الحدید:21

تفضیل بعض الأنبیاء(علیهم السّلام) علی بعض

(وَرَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُورًا. (الإسراء:55)

تفضیل بعض الرسل(علیهم السّلام) علی بعض

(تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَلَکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَکِنَّ اللهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ. (البقرة:253).

ص: 462

تفضیل إبراهیم وآل إبراهیم ومن معهم(علیهم السّلام)

(وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَی قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ کُلاً هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ. وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَی وَعِیسَی وَإِلْیَاسَ کُلٌّ مِنَ الصَّالِحِینَ. وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلاً فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ. (الأنعام:83-84 )

تفضیل آل إبراهیم عامة

(أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَکَفَی بِجَهَنَّمَ سَعِیرًا. (النساء:54-55 ).

تفضیل داود وسلیمان(علیهماالسّلام)خاصة

(وَلَقَدْ آتَیْنَا دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ علماً وَقَالا الْحَمْدُ للهِ الَّذِی فَضَّلَنَا عَلَی کَثِیرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِینَ. وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَأُوتِینَا مِنْ کُلِّ شَئٍْ إِنَّ هَذَا لَهُوَالْفَضْلُ الْمُبِینُ. (النمل:15-16).

(وَلَقَدْ آتَیْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً یَا جِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُ وَالطَّیْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ. سبأ:10

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِی السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّی بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ. سبأ:11

وَلِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَیْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ یَعْمَلُ بَیْنَ یَدَیْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ یَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِیرِ. (سبأ:10-12).

تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ. وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ. الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ. وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ ). (الشرح:1-4 ) (إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إِنَّ فَضْلَهُ کَانَ عَلَیْکَ کَبِیرًا). ( الإسراء:87).

ص: 463

( وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَیْکَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ یُضِلُّوکَ وَمَا یُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا یَضُرُّونَکَ مِنْ شَئٍْ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ وَکَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَیْکَ عَظِیمًا ). (النساء:113).

تفضیل آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

(ذَلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَکُورٌ). (الشوری:23).

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ). (الأحزاب:33).

(سَلامٌ عَلَی إِلْیَاسِینَ ). (الصافات:130).

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَالْفَضْلُ الْکَبِیرُ). (فاطر:32).

تفضیل الیهود علی الأمم المعاصرة لأنبیائهم

(یَا بَنِی إِسْرَاءِیلَ اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَأَنِّی فَضَّلْتُکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ). (البقرة:47 و122) (قَالَ أَغَیْرَ اللهِ أَبْغِیکُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ). (الأعراف:140).

تفضیل أمة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

(هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الآمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُواْ عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ. وَآخَرِینَ مِنْهُمْ لَمَّا یَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَالْعَزِیزُ الْحَکِیمُ. ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ. مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوهَا کَمَثَلِ الْحِمَارِ یَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِ اللهِ وَاللهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ ). (الجمعة:2-5).

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ یُؤْتِکُمْ کِفْلَیْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَیَجْعَلْ لَکُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ .لِئَلا یَعْلَمَ أهل الْکِتَابِ أَلا یَقْدِرُونَ عَلَی

ص: 464

شَئْ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ).(الحدید:28-29). (قُلْ إِنَّ الْهُدَی هُدَی اللهِ أَنْ یُؤْتَی أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِیتُمْ أَوْ یُحَاجُّوکُمْ عِنْدَ رَبِّکُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ. یَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ ). (آل عمران:73 –74)

عصمة نبینا وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أرقی أنواع العصمة

أجمع المسلمون علی أن نبینا محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل الخلق عند الله تعالی ، وأنه صاحب لواء رئاسة المحشر یوم القیامة ، وقد روی ذلک جمیعهم .

لکن رواة السلطة وقعوا فی التناقض ، فرووا ذلک ورووا ضده أیضاً ! وفضلوا بعض الأنبیاء علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما فی البخاری ! وقد بحثنا ذلک فی کتاب (ألف سؤال وإشکال علی المخالفین لأهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام) ) ، مسألة 137.

فقد امتاز الشیعة بالقول إنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل الخلق علی الإطلاق ، وإن درجة عصمته أعلی من درجة عصمة جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ، فالأفضلیة استحقاق بالعمل وبعمق الوعی والعبودیة ، والعصمة استحقاق یتناسب مع مستوی العمل.

ویکفی دلیلاً علیه قوله تعالی: وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی. إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی ، فهذه رتبة عظیمة لم تثبت لأحد من الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ومَن عصم الله منطقه عن الهوی فجعله وحیاً یوحی ، فقد عصم فعله أیضاً ، أو بطریق أولی ! حیث لا یمکن تصور عصمة لسان أحد عن المعصیة والخطأ بدون عصمة بقیة جوارحه !

هذا مضافاً إلی الآیات الأخری ، والأحادیث الصحیحة المتواترة ، التی نصَّت علی مقامه الفرید(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودرجة عصمته الخاصة ، ودلت علی أن درجة عترته الطاهرین(علیهم السّلام) تلی درجته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مباشرةً .

ص: 465

وقد رواها معنا رواة الخلافة أیضاً ، ولکنهم عملوا علی تأویلها أو تضعیفها ، ومنها الحدیث الصحیح المعروف: (نحن ولدَ عبد المطلب سادةُ أهل الجنة ، أنا ، وعلی أخی ، وحمزة عمی ، وجعفر بن عمی ، والحسن ، والحسین ، والمهدی). وقد استوفینا مصادره وتصحیحه عند الطرفین فی معجم أحادیث الإمام المهدی (علیه السّلام):1/198 ، ومن ذلک تصحیح الحاکم له علی شرط مسلم:3/211 .

وینبغی الإلفات إلی أن مقام حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبی طالب ، یلی مقام المعصومین من العترة(علیهم السّلام) ولا یتقدم علی أحد منهم ، کما قد یُتوهم من ظاهر الحدیث ، فهما مرضیَّان غیر معصومیْن رضی الله عنهما ، والعصمة عندنا مختصة بمن دل علیهم النص النبوی فقط ، وهم العترة ، أو أهل البیت بالمعنی الأخص: علی وفاطمة والحسن والحسین وتسعة من ذریة الحسین آخرهم المهدی(علیهم السّلام) . وهم المعنی النبوی المصطلح لأهل البیت ، وآل محمد ، والعترة ، فی مقابل المعنی اللغوی الأوسع منهم .

ومنها ، حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لفاطمة الزهراء(علیهاالسّلام) ، الذی رواه الصدوق فی کمال الدین ص662، عن سلمان قال: (کنت جالساً بین یدی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مرضته التی قبض فیها فدخلت فاطمة (علیهاالسّلام)فلما رأت ما بأبیها من الضعف بکت حتی جرت دموعها علی خدیها ، فقال لها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مایبکیک یا فاطمة؟ قالت:یارسول الله أخشی علی نفسی وولدی الضیعة بعدک ! فاغرورقت عینا رسول الله بالبکاء ثم قال: یا فاطمة أما علمت أنا أهل بیت اختار الله عز وجل لنا الآخرة علی الدنیا ، وأنه حتم الفناء علی جمیع خلقه ، وأن الله تبارک وتعالی اطَّلع إلی الأرض إطلاعة فاختارنی من خلقه فجعلنی نبیاً ، ثم اطلع إلی الأرض إطلاعة ثانیة فاختار منها زوجک ، وأوحی إلیَّ أن أزوجک إیاه ، وأتخذه ولیاً ووزیراً ، وأن أجعله خلیفتی فی أمتی. فأبوک خیر أنبیاء الله ورسله ، وبعلک خیر الأوصیاء ، وأنت أول

ص: 466

من یلحق بی من أهلی.

ثم اطَّلع إلی الأرض إطلاعة ثالثة فاختارک وولدیک ، فأنت سیدة نساء أهل الجنة وابناک حسن وحسین سیدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلک أوصیائی إلی یوم القیامة کلهم هادون مهدیون ، وأول الأوصیاء بعدی أخی علی ، ثم حسن ، ثم حسین ، ثم تسعة من ولد الحسین فی درجتی ، ولیس فی الجنة درجة أقرب إلی الله من درجتی ودرجة أبی إبراهیم ! أما تعلمین یا بنیة أن من کرامة الله إیاک أن زوجک خیر أمتی ، وخیر أهل بیتی ، أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً ، وأکثرهم علماً. فاستبشرت فاطمة (علیهاالسّلام)وفرحت بما قال لها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )...الحدیث). (ورواه فی شرح الأخبار: 1/122، عن أبی سعید الخدری ، والطبری فی المسترشد ص613، بتفصیلات أخری..الخ.).

وروت منه مصادر الخلافة فقرات مهمة بسند صحیح ، کالطبرانی فی الکبیر:3/57والصغیر:1/67، وابن عساکر:42/130، والطبری فی ذخائر العقبی ص135،وابن الأثیر فی أسد الغابة:4/42 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد: 8/253 ، ولم یضعفه أحد منهم غیر الذهبی فی القرن الثامن ! بحجة ضعف أحد رواته (الهیثم بن حبیب) الذی قال عنه الهیثمی فی الزوائد:3/190: وأما الهیثم بن حبیب فلم أرَ من تکلم فیه غیر الذهبی اتهمه بخبر رواه ، وقد وثقه ابن حبان).انتهی.

بل وثق الهیثم هذا کبار أئمة الجرح والتعدیل عندهم کأحمد وأبی عوانة وشعبة وأبی حاتم وأبی زرعة وغیرهم ، کما بیناه فی (جواهر التاریخ:1/115) ووقع الهیثمی والذهبی فیه فی التناقض أو الکذب !

ونکتفی بهذا القدر فی تفضیل نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی بقیة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وقد تعرضنا له فی مؤلفاتنا الأخری ، وبینا أن مقام عترته وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) یلی مقامه مباشرة ، بل هو ملحق به ، وجزءٌ لایتجزأ منه.

ص: 467

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعترته المعصومون(علیهم السّلام) منظومة خاصة لا یُقاس بهم أحد

العصمة هی الإمتناع بالله تعالی عن جمیع معاصی الله ، علی حد تعبیر الإمام الصادق(علیه السّلام) ، وهی مقام ربانیٌّ عظیم دون شک ، غیر أن مقام النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أعلی منها بکثیر ! ویکفی لذلک قوله تعالی عن نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی. إِنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی ، وهی أعلی مرتبة یمکن أن یصل الیها إنسان .

وقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحدیث المتواتر عن أهل بیته(علیهم السّلام) : إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض. فقد جعلهم عِدلاً للقرآن الذی لایَأْتِیهِ

الْبَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، فهم مثله لایأتیهم الباطل ، وهم ورثة القرآن ، وحجة الله فی بیانه وهدایة الأمة به .

وقد روت مصادر الخلافة قلیلاً ، وروت مصادرنا کثیراً ، من الأحادیث التی تکشف عن مقامهم العظیم ، وأنهم مشروع ربانی ممیز ، منذ تکوین الکون ، وفی مسیرة وجوده ، إلی ختامها بالحیاة الآخرة.

ولا یتسع المجال لبحث مفرداتها ولا لعرضها ، فنکتفی بالإشارة إلی أهمها:

1- صحت الأحادیث بأن الله تعالی أول ما خلق أنوارهم(علیهم السّلام) من نور عظمته قبل خلق الخلق.

2- وأن وجود المعصوم علی الأرض ضرورة ، ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً ، وإلا لساخت الأرض بأهلها .

3- وأن الله تعالی جعلهم واسطة فی فیض عطائه علی الوجود .

4- وأعطاهم ما شاء من الولایة التکوینیة والتشریعیة .

5- وفرض ولایتهم علی الأنبیاء والأوصیاء السابقین (علیهم السّلام) .

ص: 468

6- وفرض ولایتهم علی هذه الأمة ، فلا یقبل من أحد عملاً إلا بها .

7- وأن دولة العدل الإلهی ستقوم علی یدهم ، وتستمر إلی یوم القیامة .

درجة شیعة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أحادیث الطرفین

بل دلت الأحادث الصحیحة علی أن شیعة أهل البیت ومحبیهم(علیهم السّلام) ملحقون بدرجتهم یوم القیامة ، ومن ذلک الحدیث المشهور الذی رواه أبو داود والترمذی ، وأحمد ، والطبرانی وغیرهم ، وهو حدیث صحیح لایمکن لأحد أن یطعن فی أحد من رواته. وقد رویناه نحن بنفس السند کما فی کامل الزیارات ص117: (عن أبی سعید قال: حدثنا نصر بن علی قال: حدثنا علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر قال: أخذ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بید الحسن والحسین فقال: من أحب هذین الغلامین وأباهما وأمهما فهو معی فی درجتی یوم القیامة). (ورواه الصدوق فی الأمالی ص299، وغیره) .

ورواه منهم کثیرون کالترمذی:5/305 ، قال: (حدثنا نصر بن علی الجهضمی أخبرنا علی بن جعفر بن محمد بن علی قال أخبرنی أخی موسی بن جعفر بن محمد عن أبیه جعفر بن محمد عن أبیه محمد بن علی عن أبیه علی بن الحسین عن أبیه عن جده علی بن أبی طالب أن النبی(ص)أخذ بید حسن وحسین وقال: من أحبنی وأحب هذین وأباهما وأمهما کان معی فی درجتی یوم القیامة. هذا حدیث حسن غریب لا نعرفه من حدیث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه ).

ورواه الطبری فی الکبیر:3/50 ، والصغیر:2/70 ، وابن عساکر:13/195و196، وفی هامشه:مسند أحمد:1/77 ، وأسد الغابة:4/29.

ورواه الخطیب فی تاریخ بغداد:13/289 وقال: قال أبو عبد الرحمن عبد الله: لما

ص: 469

حدث بهذا الحدیث نصر بن علی أمر المتوکل بضربه ألف سوط ، وکلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل یقول له: هذا الرجل من أهل السنة ، ولم یزل به حتی ترکه ، وکان له أرزاق فوفرها علیه موسی ). انتهی.

ورواه المزی فی تهذیب الکمال:20/354 ، وقال: (رواه عن نصر بن علی ، فوافقناه فیه بعلو ، وقال: غریب لا نعرفه من حدیث جعفر إلا من هذا الوجه. وقد کتبناه من وجه آخر عن نصر بن علی فی ترجمة الحسین بن علی). انتهی .

(ورواه المزی فی:29/360 ، وذکر قصة المتوکل. وأسنده القاضی عیاض فی الشفا:2/49 ، بنحو القطع إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورواه کنز العمال:12/103 ، و13/639، عن مصادر أخری .وأسنده البیهقی فی لباب الأنساب:1/ 26 بنحو القطع إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )).

ورواه الهیتمی فی الصواعق:2/406 ، وقال:

(ولیس المراد بالمعیة هنا المعیة من حیث المقام بل من جهة رفع الحجاب نظیر ما فی قوله تعالی: فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِینَ وَحَسُنَ أُولَئِکَ رَفِیقاً).

ورواه الذهبی فی سیره:12/135، وشهد بوثاقة رواته ، لکنه رده بخلاً بدرجة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الذین یحبون عترته ! قال: ( قلت: هذا حدیث منکر جداً.... ثم ذکر قصة المتوکل عن عبد الله بن أحمد بن حنبل وقال: قلت: والمتوکل سنی ، لکن فیه نصب. وما فی رواة الخبر إلا ثقة ! وما کان النبی(ص)من حبه وبث فضیلة الحسنین لیجعل کل من أحبهما فی درجته فی الجنة ، فلعله قال: فهو معی فی الجنة. وقد تواتر قوله(علیه السّلام): المرء مع من أحب. ونصر بن علی ، فمن أئمة السنة الأثبات). انتهی.

والعجیب أن الذهبی قَبِلَ أن یکون محب العترة مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولم یقبل أن یکون فی درجته ! وکان علیه کما وسَّع معنی المعیة ، أن یقبل توسیع الدرجة !

ولم یطعن الذهبی فی علی بن جعفر الصادق(علیه السّلام) ، لکنه شکک فی حفظه بدون

ص: 470

دلیل ! إلا أنه لم یعجبه حدیثه فشکک فی حفظه !

کما ارتکب الذهبی تضعیف هذا الحدیث فی سیره:3/254 ، فقال: ( إسناده ضعیف والمتن منکر). انتهی. ولم یبین سبب حکمه بضعفه ، لأنه لایستطیع أن یضعف أیاً من رواته ! فهل هذا إلا هوی !

وتبعه الألبانی فضعفه فی ضعیف الترمذی ص504 ، والضعیفة 3122 ، وتخریج المختارة392 ، تقلیداً بإسم الإجتهاد ، وتعصباً بإسم البحث العلمی!

ومن عسی أن یضعف الألبانی والذهبی من رجال رواته ، التی تبدأ بنصر الذی اتفقوا علی وثاقته وأنه من أئمة السنة ، عن علی بن جعفر الصادق(علیه السّلام)الذی هو من رجال الترمذی ، ولم یجرحه أحد من علماء الجرح ، ثم یصل إلی سلسلة الذهب الأئمة المعصومین (علیهم السّلام) الذین قال أحمد بن حنبل عن إسنادهم: ( لو قرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق من جنونه) !!

قال فی هامش مسند زید بن علی ص440: (أورد صاحب کتاب تاریخ نیسابور أن علیاً الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق ، لما دخل نیسابور کان فی قبة مستورة علی بغلة شهباء وقد شق بها السوق ، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وأبو مسلم الطوسی ومعهما من أهل العلم والحدیث ما لا یحصی فقالا: یا أیها السید الجلیل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائک الأطهرین وأسلافک الأکرمین إلا ما أریتنا وجهک المیمون ورویت لنا حدیثاً عن آبائک عن جدک أن نذکرک به. فاستوقف غلمانه وأمر بکشف المظلة وأقر عیون الخلایق برؤیة طلعته ، وإذا له ذؤابتان معلقتان علی عاتقه ، والناس قیام علی طبقاتهم ینظرون ما بین باک وصارخ ، ومتمرغ فی التراب ، ومقبل حافر بغلته وعلا الضجیج ، فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس ،

أنصتوا واسمعوا ما ینفعکم ولا تؤذونا بصراخکم ، وکان

ص: 471

المستملی أبا زرعة ومحمد بن أسلم الطوسی ، فقال علی الرضا رضی الله عنه: حدثنی أبی موسی الکاظم ، عن أبیه جعفر الصادق ، عن أبیه محمد الباقر ، عن أبیه زین العابدین ، عن أبیه شهید کربلا ، عن أبیه علی المرتضی ، قال حدثنی حبیبی وقرة عینی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال حدثنی جبریل(علیه السّلام)قال حدثنی رب العزة سبحانه وتعالی قال: لا إله إلا الله حصنی ، فمن قالها دخل حصنی ، ومن دخل حصنی أمن من عذابی. ثم أرخی الستر علی المظلة وسار ، قال فعد أهل المحابر وأهل الدواوین الذین کانوا یکتبون فأنافوا علی عشرین ألفاً. قال الإمام أحمد بن حنبل رضی الله عنه: لو قرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق من جنونه )! انتهی .

وقال أبو نعیم فی الحلیة:3/191 ، بعد أن رواه بتفاوت یسیر: (هذا حدیث ثابت مشهور بهذا الإسناد من روایة الطاهرین عن آبائهم الطیبین ، وکان بعض سلفنا من المحدثین إذا روی هذا الإسناد قال: لو قرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق ).

وقال ابن الشجری فی الأمالی ص25، والقزوینی فی التدوین:3/481 ، بعد حدیث بسند مشابه: (قال علی بن مهرویه: قال أبو حاتم محمد بن إدریس الرازی: قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروی: لو قرئ هذا الاسناذ علی مجنون لأفاق). وقال الزمخشری فی ربیع الأبرار ص673: ( کان یقول یحیی بن الحسین الحسنی فی إسناد صحیفة الرضا: لو قرئ هذا الإسناد فی أذن مجنون لأفاق ).

وقال الإربلی فی کشف الغمة:1/134: (هذا الحدیث نقله أحمد فی مواضع من مسنده ، وهو حدیث خطره عظیم ، ومجده کریم ، ووجده وسیم ، وشرفه قدیم فإنه جعل درجة محبیهم مع درجته ، وهذا محل یقف دونه الخلیل والکلیم ، وههنا ینقاد المنقول والمعقول ، وهو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعلم بما یقول ).انتهی .

ص: 472

وأغرب من الألبانی والذهبی: ابن تیمیة الذی قال فی منهاجه:7/397: (فصل. قال الرافضی: الحادی عشر ، ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته. روی أحمد بن حنبل فی مسنده أن رسول الله(ص)أخذ بید حسن وحسین فقال: من أحبنی وأحب هذین وأباهما وأمهما فهو معی فی درجتی یوم القیامة… وأورد عدة أحادیث أوردها العلامة الحلی(رحمه الله)فی کتابه منهاج الکرامة الذی ألف ابن تیمیة کتابه للرد علیه ، ثم قال:

(والجواب من وجوه: أحدها ، المطالبة بتصحیح النقل وهیهات له بذلک !

وأما قوله رواه أحمد فیقال: أولاً ، أحمد له المسند المشهور وله کتاب مشهور فی فضائل الصحابة روی فیه أحادیث لایرویها فی المسند لما فیها من الضعف ، لکونها لا تصلح أن تروی فی المسند لکونها مراسیل أو ضعافاً بغیر الإرسال .

ثم إن هذا الکتاب زاد فیه ابنه عبد الله زیادات ، ثم إن القطیعی الذی رواه عن ابنه عبد الله زاد عن شیوخه زیادات ، وفیها أحادیث موضوعة باتفاق أهل المعرفة. وهذا الرافضی وأمثاله من شیوخ الرافضة جهال ، فهم ینقلون من هذا المصنف فیظنون أن کل ما رواه القطیعی أو عبد الله قد رواه احمد نفسه ، ولا یمیزون بین شیوخ أحمد وشیوخ القطیعی ، ثم یظنون أن أحمد إذا رواه فقد رواه فی المسند ، فقد رأیتهم فی کتبهم یعزون إلی مسند أحمد أحادیث ما سمعها أحمد قط ، کما فعل ابن البطریق وصاحب الطرائف منهم وغیرهما ، بسبب هذا الجهل منهم! وهذا غیر ما یفترونه من الکذب فإن الکذب کثیر منهم .

وبتقدیر أن یکون أحمد روی الحدیث ، فمجرد روایة أحمد لا توجب أن یکون صحیحاً یجب العمل به ، بل الإمام أحمد روی أحادیث کثیرة لیُعرِّف ویبین للناس ضعفها ، وهذا فی کلامه وأجوبته أظهر وأکبر من أن یحتاج إلی

ص: 473

بسط ، لاسیما فی مثل هذا الأصل العظیم.

مع أن هذا الحدیث الأول من زیادات القطیعی ، رواه عن نصر بن علی الجهضمی ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر .الخ.). انتهی .

وأول سؤال یرد فی الذهن: لماذا افترض ابن تیمیة أن راوی الحدیث ابن حنبل وحده ؟ ألا یعرف أن له رواة آخرین عدیدین ؟!

والجواب: أن هذه عادة ابن تیمیة ! فهو یعرف أن للحدیث مصادر عدیدة غیر مسند أحمد ، وأنه لایمکنه تضعیف سنده ! لکنه تصور أن نقل العلامة الحلی له عن مسند أحمد نقطة ضعف ، لأن الحدیث من زیادات عبد الله بن أحمد وتلمیذه القطیعی علی مسند أحمد تحت نظره ، فرکز هجومه علیها ! وصوَّر الأمر کأنه: هل کتب أحمد هذا الحدیث بیده ؟ أو أضافه ولده أو تلمیذه ؟

فلو قلنا لابن تیمیة: حسناً ، إعتبره من روایة ابن أحمد أو القطیعی ، فما رأیک فیه ؟ هل تطعن فی واحد منهما ، وهل تستطیع تضعیف رواة الحدیث ؟!

ثم نلاحظ أن ابن تیمیة قال: (فقد رأیتهم فی کتبهم یعزون إلی مسند أحمد أحادیث ما سمعها أحمد قط ! کما فعل ابن البطریق وصاحب الطرائف منهم وغیرهما ، بسبب هذا الجهل منهم ). انتهی .

وهذا یعنی أنه قرأ الطرائف لابن طاوس(رحمه الله) ، وقرأ العمدة لابن البطریق(رحمه الله) ورأی أنهما نقلا الحدیث عن مسند أحمد !

أما فی الطرائف ص111فقال:( ومن ذلک ما رواه أحمد بن حنبل فی مسنده) انتهی ، فقد اقتصر فی روایته علی أحمد ، ونسبها الیه کغیره من علماء السنة !

لکن ابن البطریق رواه فی العمدة فی ص274 عن عبد الله بن أحمد عن الجهضمی..الخ. ورواه بعده فی ص283، فقال: (ومن الجمع بین الصحاح الستة

ص: 474

لرزین العبدری فی الجزء الثالث فی باب مناقب الحسن والحسین(علیهماالسّلام)، وبالإسناد المقدم من سنن أبی داود قال: عن علی (علیه السّلام)قال: کنت إذا سألت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أعطانی وإذا سکت ابتدأنی وأخذ بید الحسن والحسین یوماً وقال: من أحب هذین وأباهما وأمهما ومات ، کان متبعاً لسنتی کان معی فی الجنة ). انتهی .

فقد قرأ ابن تیمیة روایته عن الجمع بین الصحاح أیضاً ، فلماذا أهملها ؟!

إنه لایرید أن یبحث بحثاً علمیاً ، لافی سند الحدیث ولا فی متنه ! بل همه أن یفتش عن شئ یتصوره نقطة ضعف لیهرج به ویترک کل ما سواه !

وهو حاضر لذلک أن یطعن فی أحمد ومسنده وعبدالله بن أحمد والقطیعی ، من أجل أن یردَّ فضیلة للنبی وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لمجرد أن عالماً شیعیاً استدل بها !

زیادة رزین العبدری عن أبی داود

قال ابن حجر الهیتمی فی الصواعق المحرقة:2/500: (من أحبنی وأحب هذین یعنی حسناً وحسیناً ، وأباهما وأمهما ، کان معی فی الجنة فی درجتی. زاد أبو داود (ومات متبعاً لسنتی). وبها یعلم أن مجرد محبتهم من غیر اتباع للسنة کما یزعمه الشیعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة ، لا یفید مدعیها شیئاً من الخیر بل تکون علیه وبالاً وعذاباً ألیما فی الدنیا والآخرة ). انتهی .

أقول: بقطع النظر عن تفسیر ابن حجر المتوتر لهذه الزیادة ، فقد أخذها هو وغیره من رزین العبدری ، صاحب کتاب الجمع بین الصحاح ، حیث نسبها هو إلی سنن أبی داود ، ولا وجود للحدیث فی سنن أبی داود !

قال السید البحرانی فی غایة المرام:6/48: (الخامس عشر: الجمع بین الصحاح الستة لرزین العبدری فی الجزء الثالث ، فی باب مناقب الحسن والحسین من سنن أبی داود عن علی ، قال: کنت إذا سألت رسول الله أعطانی وإذا سکت

ص: 475

ابتدانی ، وأخذ بید حسن وحسین یوماً وقال: من أحب هذین وأباهما وأمهما ومات متبعاً لسنتی کان معی فی الجنة ). انتهی .

ونص صاحب البحار:37/76 ، علی أن الزیادة من رزین نفسه ، فقد نقل الحدیث عن ابن الأثیر عن الترمذی ، ثم قال: (وذکر رزین بعد قوله: وأمهما: ومات متبعا لسنتی غیر مبتدع ). انتهی.

وکذا السید المرعشئ فی شرح إحقاق الحق:9/178 ، قال: ( رزین العبدری فی الجمع بین الصحاح(مخطوط) قال: إن النبی أخذ بید حسن وحسین یوماً وقال: من أحب هذین وأباهما وأمهما ومات متبعاً لسنتی کان معی فی الجنة ).انتهی.

وأدق ما وجدناه قول الأذرعی فی بشارة المحبوب بتکفیر الذنوب ص66 ، بعد نقل الحدیث: (رواه الترمذی. زاد رزین: ومات متبعاً لسنتی غیر مبتدع).انتهی.

فکیف یصح نسبة الزیادة إلی أبی داود والحدیث لایوجد فی سننه أصلاً ! وحتی لو قلنا بنقص نسخة أبی داود الموجودة فلا یمکننا نسبة الزیادة الیه ، فیتعین أن تکون لرزین تعلیقاً منه علی روایة الترمذی ، کما ذکر الأذرعی .

علی أن هذه الزیادة لو ثبتت لا تغیر من الأمرشیئاً ، ولا تحتمل ما حملها إیاه ابن حجر فجعل اتباع سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمعنی اتباع أبی بکر وعمر ! لأن اتباع سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لایتحقق إلا بحب أهل بیته(علیهم السّلام) ولایتحقق حبهم إلا بطاعتهم دون من خالفهم ، وأخذ سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )منهم دون ما خالفهم .

ص: 476

فهرس المجلد الخامس من کتاب العقائد الإسلامیة

الفصل الأول: عقیدة الیهود نفی الحکمة عن الله تعالی ونفی العصمة عن الأنبیاء(علیهم السّلام) !!9

لماذا یحسد الیهود الشعوب التی عندها مقدسات ؟!11

لم یکن الیهود موحدین حتی فی عصور أنبیائهم(علیهم السّلام) ! 12

الإلحاد الصریح فی الیهود الماضین والمعاصرین..... 14

افتراء الیهود علی الله تعالی ونفیهم عنه العلم والعدل !15

وصفوا الله تعالی بأنه لایعلم ما خلق !............ 16

و وصفوه بالطیش والغضب والظلم !........ 16

و زعموا أن یعقوب صارع الله تعالی فعجز الله أن یغلبه !17

و وصفوا معبودهم بأنه موجود مادی یسکن فی السماء

و وصفوه بأن له سبعة أرواح کالقطط !........ 17

من إهانات الیهود لأنبیائهم(علیهم السّلام) وافتراءاتهم علیهم !................ 18

من افتراءاتهم علی ابراهیم(علیه السّلام) بأنه کان قبل نبوته یعبد الأوثان !............... 18

واتهموا ابراهیم(علیه السّلام)بأنه تزوج سارة وهی أخته !

18

واتهموه بأنه کذب علی الحاکم القبطی ولم له یقل إن سارة زوجته !........... 18

واتهموا نبی الله إسحاق(علیه السّلام)بنفس التهمة !

23

واتهموا إبراهیم وبقیة الأنبیاء(علیهم السّلام) بأنهم کانوا یشربون الخمر !........24

و زعموا أن لوطاً سکن فی سدوم اختلافه مع ابراهیم (علیهماالسّلام).......... 24

ونسبوا إلی سارة رضی الله عنها الظلم والقسوة ! 25

واتهموا إبراهیم(علیه السّلام)بأنه أطاع سارة وطرد هاجر وابنها إسماعیل(علیه السّلام) !........ 26

ص: 477

أما مصادرنا فتبرئ إبراهیم وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الظلم والمعصیة........ 28

واتهموا نبی الله هارون وموسی(علیهماالسّلام)بالشرک والمعاصی !............. 32

واتهموا أنبیاءالله بالحیل والدجل والبلاهة !.......... 33

واتهموا یوشع(علیه السّلام)بأنه ختن الیهود بسکاکین من حجر الصوان !.......... 35

وافتروا علی سلیمان(علیه السّلام)أنه أشرک بالله تعالی

36

النتائج الخطیرة لتخریب الیهود لعقیدة العدل والعصمة

36

الفصل الثانی: امتیاز الشیعة عن الیهود والسنیین بعقیدة العصمة التامة 39

نؤمن بالعدالة المطلقة لله تعالی والعصمة التامة للأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) ......... 41

الفصل الثالث : من أحادیث الشیعة فی عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) عصمة تامة45

من شرائع دیننا عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام)

47

وجوب طاعة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) تستوجب عصمتهم.... 50

ضرورة بعثة الأنبیاء(علیهم السّلام) تستوجب عصمتهم

51

العصمة من أول صفات الإمام(علیه السّلام)... 52

أحادیث نَصَّتْ علی إمامة الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) وعصمتهم .... 53

کتاب کفایة الأثر فی النصوص علی الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) .... 58

کتاب کفایة الأثر فی النصوص علی الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) ..... 58

العصمة التامة هی الوسطیة بین الغلو والتقصیر

69

ص: 478

الفصل الرابع: من کلمات علماء الشیعة فی عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) 73

الأنبیاء(علیهم السّلام) معصومون مطهرون کاملون.... 75

العصمة عن الذنوب ، والغلط، والرذائل، والمنفرات ... 77

أصل الأدلة عندنا علی العصمة التامة لأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) الدلیل العقلی......... 78

العصمة لاتعنی الإجبار ، ولا تنافی الإختیار....91

الفصل الخامس: دفاع أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم عن عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) .......... 103

الإمام الصادق(علیه السّلام)یتألم لظلم الناس للأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ...... 105

الإمام الرضا(علیه السّلام)یدافع

عن عصمة الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) ... 107

استغفار الأنبیاءوالأوصیاء(علیهم السّلام) وابتلاؤهم لم یکن بسبب الذنوب...... 118

هشام بن الحکم یدافع عن عصمة الأنبیاءوالأئمة(علیهم السّلام) تحت سیف هارون الرشید !....... 120

مرجع الشیعة الشیخ المفید(رحمه الله)یدافع عن عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).......... 127

مرجع الشیعة السید المرتضی(قدسّ سرّه)یؤلف کتاباً فی تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) ............. 128

مقتطفات من کتاب تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) ... 129

الفصل السادس: معرکة تنزیه الأنبیاء(علیهم السّلام) بین الشیعة ومخالفیهم................ 147

موقف علماء الشیعة الثابت: تأویل الآیات التی یبدو منها

149

موقف علماء الشیعة الثابت: تأویل الآیات التی یبدو منها

149

معصیة الأنبیاء(علیهم السّلام) ، ورد الأحادیث التی تزعم ذلک ......... 149

لاعصمة للأنبیاء(علیهم السّلام) عند السنیین لکن الصحابة عندهم معصومون !.......... 152

نماذج من آراء علمائهم فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام)

165

رأی الغزالی......... 165

رأی الآمدی........... 168

ص: 479

رأی القاضی عیاض................... 170

رأی الفخر الرازی.......... 171

ملاحظات علی کتاب عصمة الأنبیاء للفخر الرازی.... 177

رأی ابن تیمیة ومشبهة الحنابلة فی عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ......... 180

ابن تیمیة یهاجم الشیعة لقولهم بعصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) !!........ 180

دفاع ابن تیمیة عن الیهود وعن روایة الغرانیق !..... 186

ابن تیمیة یجوِّز أن یکون النبی کافراً فاسقاً شریراً !

187

الفصل السابع: البخاری ینقض عصمة الأنبیاء(علیهم السّلام) ویفتری علیهم............ 189

صحیح البخاری مشحون بالإسرائیلیات التی تطعن فی الأنبیاء(علیهم السّلام) ......... 191

وبالقرشیات التی تطعن فی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).......... 191

نبی الله إبراهیم(علیه السّلام)یکذب !........ 191

نبی الله موسی(علیه السّلام)غضوبٌ بطَّاش !... 192

نبی الله موسی(علیه السّلام)یرکض عاریاً وراء ثیابه !

193

نبی الله سلیمان(علیه السّلام)مفرط فی الجنس ، معرض عن ذکر الله !.......... 193

البخاری یروی تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الرسل والبشر 194

البخاری یروی تفضیل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الرسل والبشر ....... 194

تراجع البخاری وفضل نبی الله موسی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).......... 196

لکنه فضل قریشاً علی الیهود !......... 196

و یفضل عیسی(علیه السّلام)علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )............. 197

ویروی النهی عن تفضیل الأنبیاء علی بعضهم!..... 198

الأنبیاء(علیهم السّلام) عند البخاری عصبیون کما فی التوراة !.......... 199

قرشیات البخاری فی الطعن بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أسوأ من الإسرائیلیات !......... 200

روایات البخاری المشینة فی السلوک الشخصی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )...... 201

ص: 480

البخاری یفتتح صحیحه بالطعن فی نبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !.............. 202

غرانیق قریش ومحاولات التغطیة علی البخاری!..... 204

البخاری یروی فریة الغرانیق فی ست مواضع !... 207

تناقض الفخر الرازی فی حدیث الغرانیق!..... 212

القاضی عیاض أکثر علماء السنة اعتدالاً فی عصمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم)...... 220

غرانیق قریش یتصیدها بروکلمان ومونتغمری... 225

ملاحظات علی قصة الغرانیق......... 226

الفصل الثامن: عمر عندهم معصوم وأفضل من جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ! ........... 237

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معصوم نظریاً ، وأبو بکر وعمر معصومان عملیاً!........ 239

عدالة الصحابة سیاجٌ لعصمة أبی بکر وعمر!........ 240

اضطرارهم لتضییق سیاج الصحابة بأهل بدر وبیعة الرضوان !... 241

عصمة عمر عندهم أعلی من عصمة جمیع الأنبیاء(علیهم السّلام) ........ 243

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أضعف من عمر إمام شیطانه!............. 248

وزعموا أن الله تعالی یتکلم بلسان عمر!........ 251

زعموا أن الملائکة(علیهم السّلام) تحدث عمر ! 252

وألفوا مؤلفات فی الأخطاء النبویة والتصحیحات العمریة !

253

واخترع الذهبی قاعدة خاصة لعصمة عمر وأبی بکر!

256

وغیروا إسم العصمة لإثباتها لعمر وأبی بکر!..... 258

ومن لعبهم بالألفاظ وادعائهم الأدب مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!........... 259

و منهم أخذ الصوفیون عصمة الأقطاب وحفظ الأولیاء !

260

التفتازانی: یری عصمة أبی بکر وعمر وعدالة باقی الصحابة !......... 261

نقد منطق التفتازانی فی العصمة فی مسائل:

263

أبو بکر وعمر معصومان عند الغزالی ، لکن لایجب تقلیدهما ! 269

ص: 481

هل تشیع الغزالی فی آخر عمره؟..... 272

النقد الذاتی قلیل نادر فی علمائهم..... 277

الفصل التاسع: السلطة القرشیة تتبع الیهود حَذْوَ القُذة بالقذة والنعل بالنعل!......... 279

حَذْوَ الیهود.. من مصادرة الخلافة إلی ترک الصلاة !

281

الفصل العاشر: أعمال تحریفیة واسعة من أجل فرض عصمة عمر وأبی بکر!......... 289

الأول: حمَّلوا آیات مدح الصحابة أکثر مما تحتمل...... 292

الثانی: غیبوا الآیات الصریحة فی نقد الصحابة وذمهم !

297

الثالث: اخترعوا حدیث : خیر القرون قرنی من أجل عصمة أبی بکر وعمر!......... 301

الثالث: اخترعوا حدیث : خیر القرون قرنی من أجل عصمة أبی بکر وعمر!......... 301

الخط البیانی للأمة.. نزولٌ ثم صعود!....... 307

تخبط الشراح فی حدیث خیر القرون قرنی !

308

الرابع : ردهم شهادات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی انحراف الصحابة بعده!..... 313

الخامس: قرنوا الصحابة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الصلاة علیه من أجل عمر!............. 318

السادس: عصموا البخاری من أجل عصمة عمر!..... 326

السابع : نظریة إلجام العوام بید المعتنین بأمر الدین!....

331

إلجام العوام عن قبول شهادة الصحابة بحق أنفسهم

331

إلجام العوام عن قبول إقرار بعض الصحابة بالمعصیة

331

إلجام العوام عن قبول شهادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لقاتل عمار بالنار!........ 332

صحابی فی النار ، رضی الله تعالی عنه!......... 333

إلجام العوام عن قبول شهادة ثقة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمین سره!........ 335

إلجام العوام عن مؤامرة خیر القرون لقتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!......... 338

إلجام العوام عن الکلام فی اضطهاد خیر القرون لأهل بیت نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!............ 338

ص: 482

إلجام العوام عن نص القرآن بأن أکثریة خیر القرون لن یؤمنوا!......... 339

1-إلجام العوام بتمییع الحقائق وحلف الإیمان المغلظة !

340

2-إلجام العوام بتعلیمهم إنکار الحقائق نهاراً جهاراً !

342

3-إلجام العوام ، وتربیة أطفال المسلمین علی عصمة عمر!........... 343

4-تعبئة العوام بوسائل الإعلام ....... 348

الفصل الحادی عشر:العصمة والمعصومون فی القرآن ........... 351

المعصومون ثمرة الوجود البشری...... 353

آیات العصمة فی القرآن .......... 355

الطائفة الأولی: آیات الإستخلاف...... 355

الطائفة الثانیة: آیات الإصطفاء الإلهی...... 365

تفسیر آیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا...... 372

الطائفة الثالثة: آیات الإستخلاص الإلهی....... 397

الفصل الثانی عشر:العصمة وقاعدة اللطف.......... 427

ص: 483

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.