ص: 2

وقد طلب منی بعض المؤمنین أن أشرحها ، فکتبت هذا الکتیِّب ، ورکزت علی المعانی أکثر من الألفاظ ، لأن ذلک أنفع لعامة الناس .

وینبغی الإشارة الی بلاغة أهل البیت(علیهم السّلام) التی یضرب بها المثل ، لأنهم مع جدهم المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أفصح من نطق بالضاد ، ومَلَکَ ناصیة اللغة العربیة ، وصاغت أنامله العقود من مفرداتها .

إن زیارات الأئمة (علیهم السّلام) بابٌ لم یعرفه الأدباء ، وهو بابٌ غنیٌّ ، جدیرٌ بالتأمل والبحث ، وأخص منه الزیارة المعروفة بالزیارة الجامعة ، التی أملاها الإمام علی الهادی(علیه السّلام) ، والتی تشبه نصوصها زیارة آل یاسین .

نفعنا الله بحب النبی وآله ، وزیارتهم ، وشفاعتهم ، إنه سمیع مجیب .

کتبه بقم المشرفة علی الکَوْرَانی العاملی

فی العشرین من شعبان المعظم - 1434

ص: 4

12. السلام علیک حین تقرأ وتُبین .

13. السلام علیک حین تُصلی وتقنت .

14. السلام علیک حین ترکع وتسجد .

15. السلام علیک حین تُکبر وتُهلل .

16. السلام علیک حین تحمد وتستغفر .

17. السلام علیک حین تُمسی وتصبح .

18. السلام علیک فی اللیل إذا یغشی والنهار إذا تجلی .

19. السلام علیک أیها الإمام المأمون .

20. السلام علیک أیها المُقَدَّمُ المأمول .

21. السلام علیک بجوامع السلام .

22. أشهدک یا مولای أنی أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له 23. وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبیب إلا هو وأهله .

24. وأشهد أن أمیر المؤمنین حجته ، والحسن حجته ، والحسین حجته ، وعلی بن الحسین حجته ، ومحمد بن علی حجته ، وجعفر بن محمد حجته ، وموسی بن جعفر حجته ، وعلی بن موسی حجته ،

ص: 6

ومحمد بن علی حجته ، وعلی بن محمد حجته ، والحسن بن علی حجته ، وأشهد أنک حجة الله .

25. أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتکم حق لا شک فیها، یوم: لایَنْفَعُ نَفْسًا إِیمَانُهَا لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمَانِهَا خَیْرًا .

26. وأن الموت حق ، وأن ناکراً ونکیراً حق .

27. وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط والمرصاد حق ، والمیزان والحساب حق ، والجنة والنار حق ، والوعد والوعیدبهما حق.

28. یا مولای شقیَ من خالفکم ، وسَعِدَ من أطاعکم .

29. فاشهد علی ما أشهدتک علیه ، وأنا ولیٌّ لک ، برئٌ من عدوک ، فالحق ما رضیتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنکر ما نهیتم عنه. فنفسی مؤمنة بالله وحده لا شریک له ، وبرسوله وبأمیر المؤمنین ، وبأئمة المؤمنین . بکم یا مولای ، أولکم وآخرکم .

ونصرتی معدة لکم ، ومودتی خالصة لکم . «الاحتجاج:2/316 »

ص: 7

حدثنا الشیخ الأجل السید المفید أبو علی الحسن بن محمد الطوسی رضی الله عنه بالمشهد المذکور ، فی العشر الأواخر من ذی العقدة سنة تسع وخمس مائة ، قال:

حدثنا السید السعید الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی رضی الله عنه ، عن محمد بن إسماعیل ، عن محمد بن أشناس البزاز ، قال: أخبرنا أبو الحسین محمد بن أحمد بن یحیی القمی ، قال: حدثنا محمد بن علی بن زنجویه القمی ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری ، قال: قال أبو علی الحسن بن أشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشیبانی ، أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری أخبره وأجاز له جمیع ما رواه ، أنه خرج إلیه من الناحیة ، حرسها الله ، بعد المسائل والصلاة والتوجه ، أوله:

بسم الله الرحمن الرحیم ، لا لأمر الله تعقلون ولا من أولیائه تقبلون ، حکمةٌ بالغةٌ ، وَمَا تُغْنِی الآیَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ . والسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین . فإذا أردتم التوجه بنا إلی الله تعالی وإلینا ، فقولوا کما قال الله تعالی: سلام علی آل یس. ذلک هو الفضل المبین ، والله ذو الفضل العظیم ، لمن یهدیه صراطه المستقیم .

التوجه: قد آتاکم الله یا آل یس خلافته ، وعِلْمَ مجاری أمره ، فیما قضاه ودبره وأراده فی ملکوته ، وکشف لکم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه

ص: 9

وعلماؤه وأمناؤه ، وساسة العباد ، وأرکان البلاد ، وقضاة الأحکام ، وأبواب الإیمان .

ومن تقدیره منائح العطاء بکم ، إنفاذه محتوماً مقروناً ، فما شئ منه إلا وأنتم له السبب والیه السبیل ، خیاره لولیکم نعمة ، وانتقامه من عدوکم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم ، ولا مذهب عنکم ، یا أعین الله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساکن توحیده فی أرضه وسمائه .

وأنت یا حجة الله وبقیته ، کمال نعمته ، ووارث أنبیائه وخلفائه ، ما بلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا ، التی فیها دولة الحق وفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا .

السلام علیک أیها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوث والرحمة الواسعة ، وعداً غیر مکذوب .

السلام علیک یا صاحب المرأی والمسمع ، الذی بعین الله مواثیقه ، وبید الله عهوده ، وبقدرة الله سلطانه .

أنت الحکیم الذی لا تعجله العصبیة ، والکریم الذی لا تبخله الحفیظة ، والعالم الذی لا تجهله الحمیة ، مجاهدتک فی الله ذات مشیة الله

ص: 10

ومقارعتک فی الله ذات انتقام الله ، وصبرک فی الله ذو أناة الله ، وشکرک لله ذو مزید الله ورحمته .

السلام علیک یا محفوظاً بالله ، الله نَوَّرَ أمامه ووراءه ویمینه وشماله وفوقه وتحته . السلام علیک یا مخزوناً فی قدرة الله ، الله نَور سمعه وبصره . السلام علیک یا وعد الله الذی ضمنه ، ویا میثاق الله الذی أخذه ووکده .

السلام علیک یا داعی الله وربانی آیاته . السلام علیک یا باب الله ودیان دینه . السلام علیک یا خلیفة الله وناصر حقه . السلام علیک یا حجة الله ودلیل إرادته . السلام علیک یا تالی کتاب الله وترجمانه . السلام علیک فی آناء لیلک ونهارک. السلام علیک یا بقیة الله فی أرضه.

السلام علیک حین تقوم ، السلام علیک حین تقعد ، السلام علیک حین تقرأ وتبین ، السلام علیک حین تصلی وتقنت ، السلام علیک حین ترکع وتسجد ، السلام علیک حین تعوذ وتسبح ، السلام علیک حین تهلل وتکبر ، السلام علیک حین تحمد وتستغفر ، السلام علیک حین تمجد وتمدح ، السلام علیک حین تمسی وتصبح ، السلام علیک فی اللیل إذا یغشی والنهار إذا تجلی ، السلام علیک فی الآخرة والأولی .

ص: 11

السلام علیکم یا حجج الله ورعاتنا، وقادتنا وأئمتنا، وسادتنا وموالینا، السلام علیکم ، أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقاتَ صلواتنا ، وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصیامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا .

السلام علیک أیها الإمام المأمول ، السلام علیک بجوامع السلام . أشهدک یا مولای ، إنی أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبیب إلا هو وأهله ، وأن أمیر المؤمنین حجته ، وأن الحسن حجته ، وأن الحسین حجته ، وأن علی بن الحسین حجته ، وأن محمد بن علی حجته ، وأن جعفر بن محمد حجته ، وأن موسی بن جعفر حجته ، وأن علی بن موسی حجته ، وأن محمد بن علی حجته ، وأن علی بن محمد حجته ، وأن الحسن بن علی حجته ، وأنت حجته ، وان الأنبیاء دعاة وهداة رشدکم .

أنتم الأول والآخر وخاتمته ، وإن رجعتکم حق لا شک فیها یوم ، لایَنْفَعُ نَفْسًا إِیمَانُهَا لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمَانِهَا خَیْرًا ، وأن الموت حق ، وأن منکراً ونکیراً حق ، وأن النشر حق ، والبعث حق ، وأن الصراط حق ، والمرصاد حق ، وأن المیزان حق ، والحساب

ص: 12

حق ، وأن الجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعید حق ، وأنکم للشفاعة حق ، لا تُردون ولا تُسبقون بمشیة الله ، وبأمره تعملون .

ولله الرحمة والکلمة العلیا ، وبیده الحسنی ، وحجة الله النعمی ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقیٌّ وسعید ، قد شقی من خالفکم ، وسعد من أطاعکم .

وأنت یا مولای فاشهد بما أشهدتک علیه ، تخزنه وتحفظه لی عندک ، أموت علیه وأنشر علیه وأقف به ، ولیاً لک ، بریئاً من عدوک ، ماقتاً لمن أبغضکم ، وادّاً لمن أحبکم . فالحق ما رضیتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنکر ما نهیتم عنه ، والقضاء المثبت ما استأثرت به مشیتکم ، والمحو ما استأثرت به سنتکم .

فلا إله إلا الله وحده لا شریک له ، ومحمد عبده ورسوله ، وعلی أمیر المؤمنین حجته ، والحسن حجته ، والحسین حجته ، وعلی حجته ، ومحمد حجته ، وجعفر حجته ، وموسی حجته ، وعلی حجته ، ومحمد حجته ، وعلی حجته ، والحسن حجته ، وأنت حجته وأنتم حججه وبراهینه

ص: 13

أنا یا مولای مستبشر بالبیعة التی أخذ الله علیَّ شرطها قتالاً فی سبیله ، اشتری به أنفس المؤمنین ، فنفسی مؤمنة بالله وبکم یا مولای ، أولکم وآخرکم ، ونصرتی لکم معدة ، ومودتی خالصة لکم ، وبراءتی من أعدائکم ، أهل الحردة والجدال ثابتة لثارکم .

أنا ولی وحید ، والله إله الحق یجعلنی کذلک ، آمین آمین . من لی إلا أنت فیما دِنت واعتصمت بک فیه ، تحرسنی فیما تقربت به إلیک ، یا وقایة الله وستره وبرکته ، أغثنی أدرکنی ، صلنی بک ولا تقطعنی .

اللهم إلیک بهم توسلی وتقربی . اللهم صل علی محمد وآله وصلنی بهم ولا تقطعنی ، اللهم بحجتک اعصمنی ، وسلامک علی آل یس .

مولای ، أنت الجاه عند الله ربک وربی » .

ص: 14

والأئمة(علیهم السّلام) علموا المسلمین کیف یخاطبونهم ویزورونهم ، ولا غرابة فی ذلک ، لأنهم معصومون ، لا ینطقون عن الهوی .

لکن المرجح عندنا أن یکون جواب المسائل فقط من الإمام(علیه السّلام) والزیارة من نص السفیر الحسین بن روح رضی الله عنه ، لأن الحمیری کان یکاتب الإمام عن طریقه ، وکان یملی له بعض الأجوبة .

قال الحر العاملی فی الوسائل «20/ 31»: «واعلم أنه قد روی الشیخ فی کتاب الغیبة جمیع مسائل إسحاق بن یعقوب وجواباتها من صاحب الزمان(علیه السّلام) عن جماعة..وروی جمیع مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری عن صاحب الزمان(علیه السّلام) ، عن جماعة عن أبی الحسن محمد بن أحمد بن داود قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهیم النوبختی ، وإملاء أبی القاسم الحسین بن روح ، وذکر المسائل کما رواها الطبرسی ».

وقال الشیخ الطوسی فی الغیبة/373:«أخبرنا جماعة عن أبی الحسن محمد بن أحمد بن داود القمی قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهیم النوبختی، وإملاء أبی القاسم الحسین بن روح رضی الله عنه ، علی ظهر کتاب فیه جوابات ومسائل أنفذت من قم ، یسأل عنها: هل هی جوابات الفقیه

ص: 16

(علیه السّلام) أو جوابات محمد بن علی الشلمغانی ، لأنه حکی عنه أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها ، فکتب إلیهم علی ظهر کتابهم:

بسم الله الرحمن الرحیم: قد وقفنا علی هذه الرقعة وما تضمنته فجمیعه جوابنا عن المسائل ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقری لعنه الله ، فی حرف منه ».

فنلاحظ أن الحسین بن روح رضوان الله علیه قال إنها «جوابنا» وهو أعم من أن یکون بخط الإمام(علیه السّلام) ونصه ، أو بمضمونه عن الإمام(علیه السّلام) ونص معتمده الحسین بن روح . ولیس عجیباً علی مثل ابن روح فی جلالة قدره وعلمه ومنزلته الخصیصة ، أن یأمره الإمام(علیه السّلام) بالإجابة فی نوع من المسائل ، ویخوله بأن یُعَلِّمَ الشیعة زیارة الأئمة(علیهم السّلام) .

وهذا الإحتمال لا یقلل من قیمة زیارة آل یاسین ، خاصة وأن بلاغتها من نوع کلام الأئمة(علیهم السّلام) ، فإن تکن من إملاء السفیر الحسین بن روح رضی الله عنه ، فهو أتقی من أن یقول شیئاً فی الدین ومقامات الأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) ، لم یسمعه من إمامه المهدی(علیه السّلام) بلفظه أو بمعناه .

ویدل علی ذلک هذه القصة البلیغة عنه(رحمه الله) التی رواها الصدوق(رحمه الله) فی علل الشرائع «1/241» قال: « حدثنا محمد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی

ص: 17

رضی الله عنه قال:کنت عند الشیخ أبی القاسم الحسین بن روح قدس الله روحه ، مع جماعة فیهم علی بن عیسی القصری ، فقام إلیه رجل فقال له: أرید أسألک عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لک ، فقال الرجل: أخبرنی عن الحسین بن علی(علیه السّلام) أهو ولی الله؟ قال: نعم . قال: أخبرنی عن قاتله لعنه الله ، أهو عدو الله؟ قال: نعم .

قال الرجل: فهل یجوز أن یسلط الله عدوه علی ولیه ؟!

فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عنی ما أقول لک ، إعلم أن الله تعالی لا یخاطب الناس بشهادة العیان ، ولا یشافههم بالکلام ، ولکنه عز وجل بعث إلیهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، فلو بعث إلیهم رسلاً من غیر صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم یقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وکانوا من جنسهم ، یأکلون الطعام ویمشون فی الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منکم حتی تأتونا بشئ نعجز أن نأتی بمثله ، فنعلم أنکم مخصوصون دوننا بما لا نقدر علیه. فجعل الله تعالی لهم المعجزات التی یعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جمیع من طغی وتمرد ، ومنهم من ألقیَ فی النار فکانت علیه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج

ص: 18

له من الحجر الصلد ناقة وأجری فی ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العیون ، وجعل له العصا الیابسة ثعباناً فتلقف ما یأفکون . ومنهم من أبرأ الأکمه والأبرص وأحیا الموتی بإذن الله تعالی ، وأنبأهم بما یأکلون وما یدخرون فی بیوتهم .

ومنهم من انشق له القمر وکلمته البهائم ، مثل البعیر والذئب وغیر ذلک .

فلما أتوا بمثل ذلک وعجز الخلق من أممهم عن أن یأتوا بمثله ، کان من تقدیر الله تعالی ولطفه بعباده وحکمته ، أن جعل أنبیاءه(علیه السّلام) مع هذه المعجزات ، فی حالٍ غالبین وفی أخری مغلوبین ، وفی حالٍ قاهرین وفی حالٍ مقهورین .

ولو جعلهم عز وجل فی جمیع أحوالهم غالبین وقاهرین ، ولم یبتلهم ولم یمتحنهم ،لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالی ، ولما عُرِفَ فضل صبرهم علی البلاء والمحن والإختبار.

ولکنه عز وجل جعل أحوالهم فی ذلک کأحوال غیرهم ، لیکونوا فی حال المحنة والبلوی صابرین ، وفی حال العافیة والظهور علی الأعداء شاکرین ، ویکونوا فی جمیع أحوالهم متواضعین غیر شامخین ولا متجبرین ، ولیعلم العباد أن لهم(علیهم السّلام) إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فیعبدوه

ص: 19

ویطیعوا رسله ، وتکون حجة الله تعالی ثابتة علی من تجاوز الحد فیهم ، وادعی لهم الربوبیة ، أو عاند وخالف وعصی وجحد بما أتت به الأنبیاء والرسل(علیه السّلام) : لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیَی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ .

قال محمد بن إبراهیم بن إسحاق رضی الله عنه: فعدت إلی الشیخ أبی القاسم الحسین بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول فی نفسی: أتراه ذکر ما ذکر لنا یوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأنی فقال لی: یا محمد بن إبراهیم ، لأن یُلْقَی بی من شاهق ، أو أَخِرَّ من السماء فتخطفنی الطیر أو تهوی بی الریح فی مکان سحیق ، أحبُّ إلیَّ من أن أقول فی دین الله تعالی ذکره برأیی ومن عند نفسی ، بل ذلک عن الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه علیه » .

أقول: هذا یدل علی مقام عظیم للحسین بن روح(قدس سره) وأنه عرف ما فی نفس الشخص ، وأن ما یقوله سفراء الإمام رضی الله عنهم ، لا یقولونه إلا بعلم ویقین ، ولیس باجتهاد وظن ، کما یفعل کثیر من المؤلفین فی عصرنا !

ص: 20

أما التوجه الی الأئمة(علیهم السّلام) فی الدعاء ، فهو أعلی من التوجه بهم ، لأن التوجه بهم یعنی أنهم وسیلة الی الله ولا یرکز علی شخصیاتهم ، بینما التوجه الیهم یعنی أنهم مرکز نور الله تعالی وتجلی أسمائه ،

کما قال عز وجل: مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاة.. فیکون التوجه الیهم فی طریق التوجه الی الله تعالی ومدخلاً الیه ، لا أنه بدل التوجه الیه ، کما یزعم النواصب !

ویؤید ذلک الأحادیث الصحیحة فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة (علیهم السّلام) هم وجه الله الذی منه یؤتی ، فیکون التوجه الیهم توجهاً الی الله تعالی .

ففی الکافی «1/143» أن الإمام الصادق(علیه السّلام) :« سُئل عن قول الله تبارک وتعالی: کُلُّ شَئٍ هَالِکٌ إلا وَجْهَه ، فقال: ما یقولون فیه ؟ قلت: یقولون: یهلک کل شئ إلا وجه الله ! فقال: سبحان الله لقد قالوا قولاً عظیماً ! إنما عنی بذلک وجه الله الذی یؤتی منه ».

وفی زیارة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) :« أشهد لک یا ولی الله وولی رسوله بالبلاغ والأداء، وأشهد أنک جنب الله، وأنک باب الله، وأنک وجه الله الذی منه یؤتی، وأنک سبیل الله، وأنک عبد الله وأخو رسوله». «کامل الزیارات/100».

هذا ، وقد اعتمدنا فی الشرح نص الإحتجاج، لأنه مختصرٌ وکافٍ لغرضنا .

ص: 22

قال العینی فی عمدة القاری «15/223»: « قرأ ابن عامر ونافع ویعقوب: آل یاسین ، بالمد . والباقون إلیاسین بالقطع والقطر . فمن قرأ آل یاسین بالمد فإنه أراد آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . وقیل أراد إلیاس، وهو ألیق بسیاق الآیة .

ومن قرأ إلیاسین فقد قیل إنها لغة فی إلیاس ، مثل إسماعیل وإسماعین ومیکائیل ومیکائین . وقال الزمخشری: قرئ علی إلیاسین وإدریسین وإدراسین ، علی أنها لغات فی إلیاس وإدریس ».

قال الطبری فی تفسیره «23/115»: «وقرأ ذلک عامة قراء المدینة: سلام علی آل یاسین ، بقطع آل من یاسین ، فکان بعضهم یتأول ذلک بمعنی: سلام علی آل محمد » .

وقال ابن حجر فی فتح الباری «6/265»: «وإلیاس بهمزة قطع ، وهو إسم عبرانی . وأما قوله تعالی سلامٌ علی إلیاسین ، فقرأه الأکثر بصورة الإسم المذکور وزیادة یاء ونون فی آخره ، وقرأ أهل المدینة آل یاسین بفصل آل من یاسین ، وکان بعضهم یتأول أن المراد سلامٌ علی آل محمد وهو بعید ، ویؤید الأول أن الله تعالی إنما أخبر فی کل موضع ذکر فیه نبیاً من الأنبیاء فی هذه السورة بأن السلام علیه ، فکذلک السلام فی

ص: 24

هذا الموضع علی الیاس المُبدأ بذکره ، وإنما زیدت فیه الیاء والنون کما قالوا فی إدریس إدراسین . والله أعلم ».

وقال فی فتح القدیر «4/409»:«قال الکلبی:المراد بآل یاسین آل محمد.قال الواحدی: وهذا بعید لأن ما بعده من الکلام وما قبله لا یدل علیه ».

وروی الطبرانی فی المعجم الکبیر «11/56» عن ابن عباس قال عن إل یاسین: «نحن آل محمد ». وضعفه الهیثمی فی مجمع الزوائد «9/174» بموسی بن عمیر ، واتهمه بالکذب . لکن رواه الحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل «2/165» بطرق أخری صحیحة عن ابن عباس وعن الصادق(علیه السّلام) لیس فیها موسی بن عمیر . ورواه عن علی(علیه السّلام) قال: رسول الله یاسین ، ونحن آله .

وروته مصادرنا ، ففی أمالی الصدوق/ 558، عن علی(علیه السّلام) وابن عباس. وفی أمالی الصدوق/622:قال الإمام الرضا(علیه السّلام) للعلماء عند المأمون: «أخبرونی عن قول الله عز وجل: یس. وَالْقُرْآنِ الْحَکِیمِ . إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ. عَلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . فمن عنی بقوله: یس؟

قالت العلماء: یس محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم یشک فیه أحد .

قال أبو الحسن(علیه السّلام) فإن الله أعطی محمداً وآل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من ذلک فضلاً لایبلغ أحد کنه وصفه إلا من عقله ، وذلک أن الله لم یُسلم علی أحد إلا

ص: 25

علی الأنبیاء ، فقال تبارک وتعالی: سَلامٌ علی نوحٍ فی العالمین، وقال: سَلامٌ علی إبراهیم. وقال: سَلامٌ علی موسی وهارون. ولم یقل: سلام علی آل نوح ، ولم یقل: سلام علی آل موسی ، ولا علی آل إبراهیم ، وقال: سلام علی آل یاسین ، یعنی آل محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ».

وروی نحوه فی معانی الأخبار/122، وروی عن أبی عبد الرحمن السلمی أن عمر بن الخطاب کان یقرأ: سلامٌ علی آل یاسین . قال أبو عبد الرحمن السلمی: آلُ یاسین آلُ محمد ».

ثم ذکر إلیاس(علیه السّلام) بقوله:وَإِنَّ إِلْیَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ . إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِینَ . اللَّهَ رَبَّکُمْ وَرَبَّ آبَائِکُمُ الأَوَلِینَ . فَکَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِینَ . وَتَرَکْنَا عَلَیْهِ فِی الآخِرِینَ . سَلامٌ عَلَی إِلْیَاسِینَ . إِنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِینَ . «الصافات:123-132» .

ثم ذکر الله تعالی لوطاً ویونس(علیهماالسّلام) ولم یختم آیاتهما بالسلام علیهما .

ثم تحدث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وتکذیب المکذبین له ، وختم السورة بقوله: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ . وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ . سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَی الْمُرْسَلِینَ . وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ. «الصافات:178-182» .

فظاهر السیاق أن التسلیم فی الآیة علی إلیاس نفسه خاصة ، بقرینة قوله بعدها: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِینَ . بینما الروایة المستفیضة تنص علی أن التسلیم فیها علی آل یاسین ، الذین هم آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

وقد یقال: لو کان السلام فیها علی آل یاسین ، فلماذا لم یذکرها فی سورة یاسین ، وذکرها بعد إلیاس؟

أقول: نعم ، هذا ظاهر السیاق ، لکن إذا تعارض الظهور مع النص عن المعصوم(علیه السّلام) وجب تقدیم النص علی الظهور ، لأن المعصوم(علیه السّلام)

ص: 27

هو المفسرالشرعی للقرآن ، وکلامه مقدم علی ما یظهر لنا منه بَدْواً ، لأنه أعرف بمعانیه ، ولذا رجحنا تفسیرها بآل یاسین آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وفی قاموس الکتاب المقدس/144 ، أن إلیاس هو إیلیا: «إسم عبری ومعناه إلهی یهوه ، والصیغة الیونانیة لهذا الإسم هی إلیاس وتستعمل أحیاناً فی العربیة . وهو نبی عظیم عاش فی المملکة الشمالیة . وبما أنه یدعی التشبی فیرجح أنه ولد فی تشبة ولکنه عاش فی جلعاد «1 مل 17: 1» وکان عادة یلبس ثوباً من الشعر « مسوحاً » ومنطقة من الجد «2 مل1: 8 » وکان یقضی الکثیر من وقته فی البریة « 1مل17: 5 وص 19» وبما أن إیزابل ساقت زوجهما وشعب بنی إسرائیل إلی عبادة البعل ، فقد تنبأ إیلیا بأن الله سیمنع المطر عن بنی إسرائیل . واعتزل النبی إلی نهر کریت ، وکانت الغربان تعوله وتأتی إلیه بالطعام ، وبعد أن جف النهر ذهب إلی صرفة «الصرفند فی لبنان» وبقی فی بیت امرأة أرملة ، ووفقاً لوعد إیلیا لها لم یفرغ من بیتها الدقیق والزیت طوال مدة الجفاف » .

وذکرته روایات أهل البیت(علیهم السّلام) ، ومنها أن الإمام الصادق کان یقرأ دعاء الیاس بالسریانیة . قال المفضل بن عمرو «الکافی:1/277»: «أتینا باب أبی عبد الله(علیه السّلام) ونحن نرید الإذن علیه فسمعناه یتکلم بکلام لیس بالعربیة فتوهمنا أنه بالسریانیة ثم بکی فبکینا لبکائه ، ثم خرج إلینا

ص: 29

الغلام فأذن لنا فدخلنا علیه فقلت: أصلحک الله أتیناک نرید الإذن علیک فسمعناک تتکلم بکلام لیس بالعربیة ، فتوهمنا أنه بالسریانیة ، ثم بکیت فبکینا لبکائک ، فقال: نعم ذکرت إلیاس النبی(علیه السّلام) وکان من عُبَّاد أنبیاء بنی إسرائیل ، فقلت کما کان یقول فی سجوده ، ثم اندفع فیه بالسریانیة ، فلا والله ما رأینا قساً ولا جاثلیقاً أفصح لهجةً منه به ، ثم فسره لنا بالعربیة فقال: کان یقول فی سجوده: أتراک معذبی وقد أظمأت لک هواجری ، أتراک معذبی وقد عفرت لک فی التراب وجهی أتراک معذبی وقد اجتنبت لک المعاصی ، أتراک معذبی وقد أسهرت لک لیلی ! قال: فأوحی الله إلیه أن ارفع رأسک فإنی غیر معذبک .

قال فقال: إن قلتَ لا أعذبک ثم عذبتنی ، ماذا ؟ ألست عبدک وأنت ربی ؟ قال: فأوحی الله إلیه أن ارفع رأسک فإنی غیر معذبک ، إنی إذا وعدت وعداً وفیت به » .

ص: 30

وکذلک عندما أسس عبد الصاحب دْخَیِّل أبو عصام(رحمه الله) : الدعوة الإسلامیة ، متأثراً بالإخوان المسلمین ، کان یری أن تصدیه لعمل الدعوة یعطیه الشرعیة لقیادة الأمة ، کما کان یری حسن البنا .

وکان أبو عصام(رحمه الله) یری أن قائد الحرکة أو المرشح للخلافة ، علیه أن یستعین بفقهاء ، فیختار من فتاویهم ما یراه مصلحة للدعوة أو الأمة .

وقد طبق ذلک عندما کلف السید الصدر بکتابة: الأسس الإسلامیة ، فکتب فیها أن الدعوة تتبنی رأیاً یقبل توبة المرتد عن ملة أو فطرة .

وهکذا یری قادة الحرکات الإسلامیة أنهم یستمدون شرعیتهم من نفس حرکتهم وتصدیهم ، ویجب علی الأمة بیعتهم وطاعتهم !

لکن الإشکال الذی لا جواب له عندهم: کیف تتعقلون أن یوجب الله تعالی إقامة الدین ، ویترک ذلک مهملاً بدون آلیة !

وهل یعقل أن ینزل الله دیناً ثم یقول لأتباعه: کل من تصدی منکم لإقامته فهو قائد شرعی ، وهو خلیفة لی ویمثلنی !

وهل هذا إلا فتحٌ لباب الصراع علی السلطة ، ودعوةٌ لتعدد القیادات وصراعها ، حتی فی البلد الواحد ، والحی الواحد ، والبیت الواحد !

وهل هذا إلا هرطقة ونسبة العبث والظلم الی الله ، تعالی عن ذلک !

ص: 33

قلت: فبیِّن لی یرحمک الله . قال: إن الله تبارک وتعالی أخبر فی کتابه عن الدعاء إلیه ، ووصف الدعاة إلیه فجعل ذلک لهم درجات یعرف بعضها بعضاً ، ویستدل بعضها علی بعض ، فأخبر أنه تبارک وتعالی أول من دعا إلی نفسه ، ودعا إلی طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال:وَاللهُ یَدْعُوا إِلَی دَارِ السَّلامِ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إِلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . ثم ثنی برسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: أُدْعُ إِلَی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ . یعنی بالقرآن . ولم یکن داعیاً إلی الله عز وجل من خالف أمر الله ویدعو إلیه بغیر ما أمر فی کتابه والذی أمر أن لا یدعی إلا به . وقال:فی نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : وَإِنَّکَ لَتَهْدِی إِلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . یقول:تدعو . ثم ثَلَّثَ بالدعاء إلیه بکتابه أیضاً ، فقال تبارک وتعالی:إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ . أی یدعو ویبشر المؤمنین .

ثم ذکر من أذن له فی الدعاء إلیه بعده وبعد رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی کتابه فقال: وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هی ، وأنها من ذریة إبراهیم ومن ذریة إسماعیل من سکان الحرم ، ممن لم یعبدوا غیر الله قط ، الذین وجبت

ص: 35

لهم الدعوة دعوة إبراهیم وإسماعیل(علیهماالسّلام) من أهل المسجد ، الذین أخبر عنهم فی کتابه أنه أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِیرَا..

ثم أخبر تبارک وتعالی أنه لم یأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل: أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ . الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ..

وذلک أن جمیع ما بین السماء والأرض لله عز وجل ولرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولأتباعهما من المؤمنین من أهل هذه الصفة .

فما کان من الدنیا فی أیدی المشرکین والکفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والمولی عن طاعتهما ، مما کان فی أیدیهم ظلموا فیه المؤمنین من أهل هذه الصفات وغلبوهم علیه ، مما أفاء الله علی رسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فهو حقهم أفاء الله علیهم ورده إلیهم ، وإنما معنی الفیئ کل ما صار إلی المشرکین ثم رجع ، مما کان قد غُلب علیه أو فیه . فما رجع إلی مکانه من قول أو فعل ، فقد فاء .

وإن لم یکن مستکملاً لشرائط الإیمان فهو ظالم، ممن یبغی ویجب جهاده حتی یتوب ! ولیس مثله مأذوناً له فی الجهاد والدعاء إلی الله عز وجل ، لأنه لیس من المؤمنین المظلومین ، الذین أذن لهم فی القرآن فی القتال.

ص: 36

فلیتق الله عز وجل عبدٌ ، ولایغترَّ بالأمانی التی نهی الله عز وجل عنها، من هذه الأحادیث الکاذبة علی الله التی یُکذبها القرآن ، ویتبرأ منها ومن حملتها ورواتها » . «الکافی:5/13» .

أقول: هذا الحدیث صریح فی أن دعوة الناس إلی دین الله مَنصبُ نیابةٍ عن الله تعالی ، یحتاج إلی نص ، ولیس تبرعاً ، أو تطوعاً مفتوحاً لکل الناس .

ویدل من ناحیة حقوقیة ، علی أن الدعوة فیها تصرفٌ فی حقوق العباد وأنفسهم وأموالهم ، فهی تحتاج إلی مُجَوِّزِ قانونی من المالک عز وجل .

بل ورد التصریح بذلک فی وصیة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) الی کمیل بن زیاد(رحمه الله) ، کما فی تحف العقول لابن شعبة/91، وبشارة المصطفی للطبری/51، بسنده الی کمیل من وصیته له ، جاء فیها: «یا کمیل أرأیت لو أن الله لم یُظهر نبیاً وکان فی الأرض مؤمن تقی ، أکان فی دعائه إلی الله مخطئاً أو مصیباً ؟ بل والله مخطئاً حتی ینصبه الله عز وجل ، ویؤهله » !

ونلاحظ تعبیر أمیر المؤمنین(علیه السّلام) : ینصبه ویؤهله ، فالدعوة الی الله منصبٌ لا تصح الدعوة إلا به ، وهو منصب لا یعطیه الله تعالی إلا لمن یؤهله تأهیلاً خاصاً ، لیکون مُعَبِّراً عن الله تعالی ، رحیماً بمن یدعوه ، لا یرید رئاسة علیه ولا جعله عضواً مطیعاً فی حزبه وحلقته ، کما یفعل أعضاء الحرکات !

ص: 37

ومن هنا أجمع فقهاؤنا علی أن القیادة الشرعیة إنما هی للإمام المعصوم(علیه السّلام) وبعده للفقیه الجامع للشروط ، وفی حدود ما خوله المعصوم(علیه السّلام) لا أکثر .

بل روی أتباع المذاهب الأخری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حصر هذا الحق فی أعلم الأمة وأفقهها ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : « من ضرب الناس بسیفه ودعاهم إلی نفسه ، وفی المسلمین من هو أعلم منه ، فهو ضال متکلف » ! «الکافی:5/27».

وفی مغنی ابن قدامه «2/20» عن رسالة أحمد بن حنبل: « إذا أمَّ الرجل القوم وفیهم من هو خیر منه ، لم یزالوا فی سِفَال ».

وفی طبقات الحنابلة «1/359»: «ومن الحق الواجب علی المسلمین أن یقدموا خیارهم وأهل الدین والفضل منهم ، وأهل العلم بالله تعالی ، الذین یخافون الله عز وجل ویراقبونه . وقد جاء الحدیث: إذا أمَّ بالقوم رجلٌ وخلفه من هو أفضل منه ، لم یزالوا فی سفال».ورواه السیوطی فی الفتح الکبیر«3/16» .

وفی مجموع النووی «1/41»: «قال مالک: ولا ینبغی لرجل أن یری نفسه أهلاً لشئ ، حتی یسأل من هو أعلم منه »

وفی مصنف عبد الرزاق «5/445» بسند صحیح: «من دعا إلی إمارة نفسه أو غیره من غیر مشورة من المسلمین ، فلا یحل لکم إلا أن تقتلوه » !

ص: 38

وعلی هذا ، یجب علی المسلمین الشیعة أخذ الشرعیة فی دعوتهم الی الإسلام من المرجع الجامع للشروط ، وإلا فلا شرعیة لعملهم !

ویجب علی السنة أن یأخذوا الشرعیة لدعوتهم من أعلم الفقهاء فی المذاهب ثم ببیعة أهل الحل والعقد من المسلمین ، وإلا فلا شرعیة لعملهم !

فالأئمة(علیهم السّلام) دعاة الی الله باستخلاف رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، والمؤمنون إنما یدعون الی الله تعالی بإذن النبی والأئمة(علیهم السّلام) ومن ناب عنهم .

والنتیجة: أن داعیَ الله الأکبر هو رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبعده الأئمة من عترته(علیهم السّلام) فهم دعاة الی الله تعالی أیضاً ، وکل الدعاة عبرالأجیال لا بد أن یکونوا مأذونین من الداعی المأذون من الله تعالی وداعین بدعوته .

ونقرأ فی رسالة الإمام الباقر(علیه السّلام) الی سعد الخیر الأموی(رحمه الله) «الکافی:8/56»: یصف فیها الأئمة الدعاة الی الله(علیهم السّلام) :«إن الله عز وجل جعل فی کل من الرسل بقایا من أهل العلم ، یدعون من ضل إلی الهدی ، ویصبرون معهم علی الأذی ، یجیبون داعیَ الله ، ویدعون إلی الله . فأبصرهم رحمک الله فإنهم فی منزلة رفیعة ، وإن أصابتهم فی الدنیا وضیعة، إنهم یحیون بکتاب الله الموتی، ویبصرون بنور الله من العمی، کم من قتیل لإبلیس قد أحیوه ، وکم من تائه ضال قد هدوه ، یبذلون دماءهم دون هلکة العباد ، وما أحسن أثرهم علی العباد،وأقبح آثار العباد علیهم».

وقوله(علیه السّلام) : یجیبون داعیَ الله : یقصد به رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ویدعون إلی الله: بنصب الداعی لهم .

ص: 40

فداعی الله تعالی منصبٌ ربانیٌّ ، یثبت بالنص علیه ، أو بإذن المنصوص علیه ، ومن ادعاه غیره فهو کاذب ، کمن یدعی النبوة أو الإمامة . وتعبیر داعی الله یقصد به الداعی الأصلی ، للتمییز بینه وبین وبین المأذون لهم منه فی الدعوة . ولا بد أن یکون قوله تعالی: وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ. منسجماً مع هذه القاعدة ، فیکون أمراً للمأذون لهم ، أو أمراً بأخذ الإجازة منهم .

وفی مقابل الدعاة الی الله: الدعاة الی النار:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ. والدعاة لغیر الله: وَلاتَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ ، والدعاة بدون إذن الله تعالی: وَدَاعِیًا إِلَی اللهِ بِإِذْنِهِ . الی آخر المنظومة .

ص: 41

رسول الله هذه الآیة: فِی بُیُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ ، فقام إلیه رجل فقال: أی بیوت هذه یا رسول الله؟ قال: بیوت الأنبیاء. فقام إلیه أبو بکر فقال:یا رسول الله هذا البیت منها لبیت علیٍّ وفاطمة؟ قال: نعم من أفاضلها ».

وهو تعبیرٌ آخر عن قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن الثقلین: وقد نبأنی اللطیف الخبیر أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض . وتعبیرٌآخر عن قول الإمام الصادق(علیه السّلام) : « لو بقیت الأرض بغیر إمام لساخت». «الکافی/1/179» .

وتعبیٌر آخر عن نظریة الفیض الإلهی التی تقول إن أنواعاً من عطاء الله تعالی للناس تتم عن طریق مرکز نوره فی الأرض ، صلوات الله علیه .

فهذه المقامات والمکانة العلیا کلها ثابتةٌ لداعی الله تعالی ، بل الأمر أعظم من ذلک ، فأنت إذا بعثت شخصاً لیدعوالناس لیکونوا من أنصارک ، تختار من یتصف بأفضل الصفات ، لیمثلک ویحبب الناس بک ، فکیف برب العالمین عز وجل ، الذی بیده الأمر والخلق؟!

ص: 43

إن داعیَ الله تعالی یجب أن یکون أحب شخصیة الی الله وعباده ، وأقدر شخصیة علی الفهم من ربه ، وفهم الناس وتفهیمهم ، وفهم تکوینة المجتمع البشری وقوانینه .

وإذا جعله الله خلیفته فی أرضه ، وحاکماً بین عباده ، فلا بد أن یوفر له مقومات عمله ونجاحه ، وأول ذلک العلم بالله تعالی ومخلوقاته ، والعلم بالطبیعة ، وکل العلوم التی یحتاج الیها البشر .

بل ورد أن الله یلهم المؤمنین فی عصره مایحتاجون الیه من العلوم !

فعن علی فی وصف المهدی(علیهماالسّلام) : «ویقذف فی قلوب المؤمنین العلم ، فلا یحتاج مؤمن إلی ما عند أخیه من العلم ، فیومئذ تأویل هذه الآیة: یُغْنِ اللهُ کُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَکَانَ اللهُ وَاسِعاً حَکِیماً ». «مختصر البصائر/210».

وعن الإمام الصادق(علیه السّلام) : «یستغنی الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ویجتزئون بنور الإمام » . «تفسیر القمی:2/253».

ومن معانی هذا الکلام: أنهم یستغنون بالنور الذی یخرجه لهم الإمام(علیه السّلام) بدل ضوء الشمس .

ص: 44

وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) : « إنما هلک من کان قبلکم حیثما عملوا من المعاصی ولم ینههم الربانیون والأحبار عن ذلک ، وإنهم لما تمادوا فی المعاصی ، ولم ینههم الربانیون والأحبار عن ذلک ، نزلت بهم العقوبات ». « الکافی «5/57».

ومعناه أن الربانیین ائتمنهم الرب علی دینه وأمرهم بحفظه ، فمنهم من وفی ، ومنهم من قصر واستحق الذم والعقوبة .

ولهذا اختار الله تعالی تعبیر الرِّبیین للمؤمنین المقاتلین مع الأنبیاء(علیهم السّلام) فهو أخص من الربانیین ، لأنه للمدوحین فقط . قال تعالی: وَکَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَکَانُوا وَاللهُ یُحِبُّ الصَّابِرِینَ. «آل عمران:146».

فالرِّبیون نخبة الربانیین ، وهم منسوبون الی الرب تعالی ، فی علمهم به وإخلاصهم له ، وتضحیتهم فی سبیله .

وقد استعملت السنة تعبیر العالم الربانی للمعصوم وهو أفضل من الرَّبانی المحض والرِّبِّی المجاهد ، قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) :

ص: 46

«الناس ثلاثة: فعالم ربانی ومتعلم علی سبیل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع کل ناعق یمیلون مع کل ریح، لم یستضیئوا بنور العلم ولم یلجأوا إلی رکن وثیق». «نهج البلاغة:4/36».

فالعالم الربانی: الذی علمه من الرب تعالی . وتفسیره بالفقهاء والرواة خطأٌ کما أعتقد ، لأن الفقهاء والمؤمنین متعلمون علی سبیل نجاة .

قال الإمام الکاظم(علیه السّلام) لهشام بن الحکم «الکافی:1/17»: «ولا علم إلا من عالم ربانی ، ومعرفة العلم بالعقل » .

وقال الإمام الصادق(علیه السّلام) :«فَلْیُشَرِّقِ الحَکَمُ ولْیُغرب ، أما والله لا یصیب العلم إلا من أهل بیت نزل علیهم جبرئیل » . «الکافی:1/400».

والإمام المهدی(علیه السّلام) ربانی بهذا المعنی الأخیر،لأن علمه من الرب تعالی وهو علمٌ متجدد ومستمر ، لأنه مهدیٌّ من ربه الی کل ما یحتاج الیه .

فهو ربانی ، فی علمه وسلوکه ، وهو ربانی آیات الله ، بمعنی صاحبها ورُبانها ، الذی یأتی بها ، وعالمها وخبیرها .

ص: 47

والرسل وغیرهم یتلون آیات الله تعالی: وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ.. یَکَادُونَ یَسْطُونَ بِالَّذِینَ یَتْلُونَ عَلَیْهِمْ آیَاتِنَا.. بَلْ هُوَآیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ..

وآیات الله تعالی أنواع ، فمنها المحکم والمتشابه: مِنْهُ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .

ومنها المحکم ثم المفصل:کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ .

ومنها مبصرةٌ وأقل إبصاراً :فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آیَاتُنَا مُبْصِرَةً .

ومنها بیناتٌ وأقل بیاناً: فِیهِ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِیمَ.

وآیاتٌ کبری وصغری: لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی.

ومنها آیات لأنواع الناس: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لایَاتٍ لأُولِی الأَلْبَابِ.. لآیَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ.. لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ.. لآیَاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ..لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ.. وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آیَةً لِلْعَالَمِینَ.

وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوَانِکُمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِلْعَالِمِینَ .

ومنها فی الآفاق والأنفس وغیرهما:سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ.

وأعطی الله نبیه موسی(علیه السّلام) تسع آیات: وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی تِسْعَ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ.. وهی: « الطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والعصا ، ویده » . «الخصال/424».

ص: 49

فمعنی أن الإمام المهدی(علیه السّلام) ربانی آیات الله: أنه الذی یتلو هذه الآیات علی الناس ، ویعلمهم إیاها ، ویفسرها ، وهو القَیِّم علیها .

قال الإمام محمد الباقر(علیه السّلام) «الکافی:1/198»: «فإن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) باب الله الذی لا یؤتی إلا منه ، وسبیله الذی من سلکه وصل إلی الله عز وجل، وکذلک کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام) من بعده ، وجری للأئمة(علیهم السّلام) واحداً بعد واحد ، جعلهم الله عز وجل أرکان الأرض أن تمید بأهلها ، وعَمَد الإسلام ، ورابطةً علی سبیل هداه ، لا یهتدی هاد إلا بهداهم ، ولا یضل خارج من الهدی إلا بتقصیر عن حقهم .

أمناءُ الله علی ما أهبط من علم أو عُذر أو نُذر ، والحجة البالغة علی من فی الأرض ، یجری لآخرهم من الله مثل الذی جری لأولهم ، ولا یصل أحد إلی ذلک إلا بعون الله » .

والإمام المهدی(علیه السّلام) ممثل هذا الخط وامتداده وشارحه، وهو الداعی الی الله الواحد الأحد ، کما وصف نفسه فی القرآن .

فیکون معنی التسلیم علیه بهذا اللقب: السلام علیک یا باب معرفة الله عز وجل ، معرفة ذاته وصفاته ، معرفةً صحیحةً ، خالیةً من الباطل والخطأ ، نقیةً من الجهل والتحریف والزیغ والهوی .

2. ومعنی: السلام علیک یا بابَ الله ، أنه مصدرُ تلقِّی الدین ، فمن أراد بعد العقیدة علم الشریعة ومعرفة الحلال والحرام ، وجب أن یتلقی من الإمام المهدی ، ومن أجداده(علیهم السّلام) ، لا من مخالفیهم .

والتلقی من الإمام المهدی(علیه السّلام) مع غیبته ، یعنی التلقی من أجداده الذین هو امتداد لهم ، وعند ظهوره یتحقق التلقی الکامل منه مباشرة .

3. ومعنی باب الله: أنه باب العطاء الإلهی، لأنه النور الإلهی فی الأرض: مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاةٍ فِیهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِی زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ کَأَنَّهَا کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَکَةٍ زَیْتُونَةٍ لا شَرْقِیَّةٍ وَلا غَرْبِیَّةٍ.

4. ومعنی باب الله: أنه الإمام الذی یجب الإعتقاد بإمامته ، والإنتساب الیه ، لندعی به فی محشر القیامة:یَوْمَ نَدْعُواْ کُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ .

ص: 52

5. ومعنی باب الله: أن الإمام المهدی(علیه السّلام) باب التوجه الی الله ، فیصح التوجه به الی الله تعالی ، ویصح التوجه الیه ، لأنه باب الله تعالی .

وقد تقدم معنی قول(علیه السّلام) : إذا أردتم التوجه بنا إلی الله ، وإلینا ، فقولوا کما قال الله تعالی: سلام علی آل یاسین ، ذلک هو الفضل المبین .

وقد عَلَّمَنَا الأئمة کیف نتوجه بهم الی الله تعالی، قال الإمام الباقر(علیه السّلام) : «اللهم إنی أتوجه إلیک بنبیک محمد نبی الرحمة . یا محمد یا رسول الله إنی أتوجه بک إلی الله ربک وربی لینجح لی طلبتی . اللهم بنبیک أنجح لی طلبتی، بمحمد . ثم سل حاجتک » . «الکافی : 3 /478» .

وفی التهذیب: 6/101: « اللهم إنی لو وجدت شفعاء أقرب إلیک من محمد وأهل بیته الأخیار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائی ، فبحقهم الذی أوجبت لهم علیک أسألک أن تدخلنی فی جملة العارفین بهم » .

وبدل أن تقول قریش: سمعنا وأطعنا ، قالت: نحن نعبد الله ونؤمن بالرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونتلقی دیننا عن صحابته ، ولیس عن أهل بیته !

لکن الله لا یقبل عبادته إلا من الطریق التی عینها . فقد روی عن الإمام الصادق(علیه السّلام) ، قال: «الإستکبار هو أول معصیة عصی الله بها . قال: فقال إبلیس: یا رب ، أعفنی من السجود لآدم ، وأنا أعبدک عبادةً لم یعبدکها ملک مقرب ولا نبی مرسل!

قال الله تبارک وتعالی: لاحاجة لی إلی عبادتک ، إنما أرید أن أعبد من حیث أرید لا من حیث ترید. فأبی أن یسجد فقال الله تعالی:قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجِیمٌ. وَإِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلَی یَوْمِ الدِّینِ». «تفسیر القمی:1/42».

وقال الزمخشری فی أساس البلاغة/291: «داینته: حاکمته . وکان علیٌّ دَیَّانَ هذه الأمة بعد نبیها ، أی قاضیها ».

وقال ابن منظور «13/166»: «الدَّیّانُ: من أَسماء الله عز وجل معناه الحکَم القاضی . وسئل بعض السلف عن علی بن أَبی طالب

فقال: کان دَیّانَ هذه الأُمة بعد نبیها ، أَی قاضیها وحاکمها ».

وفی کتاب سُلیم/283، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : « علیٌّ دیان هذه الأمة والشاهد علیها». وفی روایة: یاعلی أنت دیان هذه الأمة والشاهد علیها .

وهذه الصفة لعلی(علیه السّلام) ثابتة لکل الأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) ففی الزیارة الجامعة: «ومیراث النبوة عندکم ، وإیاب الخلق إلیکم ، وحسابهم علیکم ، وفصل الخطاب عندکم ». «من لایحضره الفقیه:2/612» .

أقول: إن الله تعالی هو مالک یوم الدین ودیان الدین ، وهو الذی یحاسب الخلق یوم القیامة ، فیوکل بذلک ملائکته، فلا عجب أن یوکل به محمداً وآل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهم أفضل من الملائکة باتفاق المسلمین .

ص: 55

فعن الإمام الصادق(علیه السّلام) فی حدیث الإسراء: «أذن جبرئیل وأقام الصلاة فقال:یا محمد تقدم ، فقال له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :تقدم یا جبرئیل، فقال له: إنا لانتقدم علی الآدمیین منذ أُمرنا بالسجود لآدم »!«علل الشرائع:1/8».

قال الصدوق(قدس سره) فی کتابه الإعتقادات/73: «والحساب منه ما یتولاه الله تعالی ، ومنه ما یتولاه حججه . فحساب الأنبیاء والرسل والأئمة(علیهم السّلام) یتولاه الله عز وجل ، ویتولی کل نبی حساب أوصیائه(علیهم السّلام)

، ویتولی الأوصیاء حساب الأمم . والله تعالی هو الشهید علی الأنبیاء والرسل ، وهم الشهداء علی الأوصیاء ، والأئمة شهداء علی الناس .

وذلک قوله عز وجل: لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا . وقوله عز وجل: فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَجِئْنَا بِکَ عَلَی هَؤُلاءِ شَهِیدًا . وقال عز وجل: أَفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ. والشاهد أمیر المؤمنین. وقال عز وجل: إِنَّ إِلَیْنَا إِیَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا حِسَابَهُمْ» .

وعندما یجعل الله تعالی حساب الخلق بید ملائکته ، أو نبیه وأهل بیته فهو لایتخلی عنهم ، بل یعلمهم قواعد المحاسبة المفصلة ، أو یزودهم بخبراء محاسبة من ملائکته ، وهو الرقیب علیهم .

ص: 56

ویؤیده ما روی عن الإمام الصادق(علیه السّلام) : « لو ولیَ الحساب غیر الله لمکثوا فیه خمسین ألف سنة من قبل أن یفرغوا ، والله سبحانه یفرغ من ذلک فی ساعة». «مجمع البیان:10/120» .

ومعناه أنه یُعَلِّمُ قواعد الحساب وطریقته لقضاة المحشر، ولولا ذلک لما استطاعوا محاسبة الناس فی خمسین ألف سنة ، ولا مئة ألف سنة !

والنتیجة: أن دیانی الناس بدین الله هم النبی وأهل بیته(علیهم السّلام) ، ولهذا وصف الإمام المهدی بأنه باب الله ودیان دینه ، لأنه أحد القادة الدیانین یوم القیامة ، وأحد الأشهاد الذین قال الله فیهم: وَیَوْمَ یَقُومُ الأَشْهَادُ .

وفی تفسیر القمی«2/258» أنهم الأئمة(علیهم السّلام) .

وفی العدد القویة/89: «عن الحارث وسعید بن قیس ، عن علی بن أبی طالب ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : أنا واردکم علی الحوض، وأنت یا علی الساقی ، والحسن الذائد ، والحسین الآمر ، وعلی بن الحسین الفارط «الرائد» ومحمد بن علی الناشر، وجعفر بن محمد السایق ، وموسی بن جعفر محصی المحبین والمبغضین وقامع المنافقین ، وعلی بن موسی مزین المؤمنین ، ومحمد بن علی منزل أهل الجنة فی درجاتهم ،

ص: 57

وعلی بن محمد خطیب شیعته ومزوجهم الحور العین ، والحسن بن علی سراج أهل الجنة یستضیئون به ، والمهدی شفیعهم یوم القیمة ».

وفی المناقب «1/251»: «یا علی أنا نذیر أمتی وأنت هادیها ، والحسن قایدها ، والحسین سایقها ، وعلی بن الحسین جامعها ، ومحمد بن علی عارفها ، وجعفر بن محمد کاتبها ، وموسی بن جعفر محصیها ، وعلی بن موسی معبرها ومنجیها وطارد مبغضیها ومُدْنی مؤمنیها ، ومحمد بن علی قایدها وسایقها ، وعلی بن محمد سایرها وعالمها ، والحسن بن علی نادیها ومعطیها ، والقائم الخلف ساقیها وناشدها وشاهدها ».

الخلافة الذی جعله الله تعالی لآدم(علیه السّلام) ، ولبعض رسله ، ولیس کلهم .

2. فالخلافة لغةً : کل شئ یخلف شیئاً . لکنها فی الإصطلاح الإسلامی الشخص الذی یختاره الله تعالی خلیفةً له فی الأرض .

ولذلک قال المأمون للفقهاء فی مناظرته: « فخبرونی عن رجل تختاره الأمة فتنصبه خلیفة ، هل یجوز أن یقال له خلیفة رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ومن قِبَل الله عز وجل ولم یستخلفه الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فإن قلتم: نعم ، فقد کابرتم . وإن قلتم: لا وجب أن أبا بکر لم یکن خلیفة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولا کان من قبل الله وأنکم تکذبون علی نبی الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فإنکم متعرضون لأن تکونوا ممن وسمه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بدخول النار !

وخبرونی فی أی قولیکم صدقتم؟ أفی قولکم مضی رسول الله ولم یستخلف ، أو فی قولکم لأبی بکر یا خلیفة رسول الله؟!

ص: 59

فإن کنتم صدقتم فی القولین فهذا ما لایمکن، کونه إذ کان متناقضاً ! وإن کنتم صدقتم فی أحدهما بطل الآخر! فاتقوا الله وانظروا لأنفسکم ودعوا التقلید ، وتجنبوا الشبهات ، فوالله ما یقبل الله تعالی إلا من عبد لایأتی إلا بما یعقل ولایدخل إلا فیما یعلم أنه حق. والریب شکٌّ وإدمان الشک کفر بالله تعالی وصاحبه فی النار».«عیون أخبار الرضا:2/199».

3. وقد ثبت عندنا بأحادیث صحیحة متواترة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) نص علی أن الأئمة من عترته هم خلفاء الله تعالی فی أرضه . ففی الکافی «1/193» عن الإمام الرضا(علیه السّلام) قال: « الأئمة خلفاء الله عز وجل فی أرضه » .

وفی روایة أمالی الصدوق/70: « فإنهم خلفائی ، وأوصیائی ، وحجج الله علی الخلق بعدی ، وسادة أمتی »

فیکون معنی: السلام علیک یا خلیفة الله ، یا من جعلک الله خلیفته فی أرضه . وقد ورد وصف الإمام المهدی(علیه السّلام) بالخلیفة فی مصادر السنة أیضاً ، ففی کتاب الفتن لنعیم بن حماد «1/224» عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: «یکون فی أمتی خلیفةٌ یحثی المل حثیاً ، لا یَعُدُّهُ عَدّاً » .

ص: 60

وفی صحیح مسلم «6/3»: «عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبی علی النبی «ص» فسمعته یقول: إن هذا الأمر لا ینقضی حتی یمضی فیهم اثنا عشر خلیفة». ونحوه أحمد:5/86.

4. لا یتوقف منصب الخلافة للإمام المهدی(علیه السّلام) علی أن یحکم فعلاً ، فهو ثابتٌ له منذ خلقه الله تعالی ، وهو فی مدة غیبته یقوم بمهام خلیفة الله تعالی ومعه الخضر(علیه السّلام) والأبدال الذین هم جنود الله فی الغیب ، نعم تظهر خلافته ظهوراً کاملاً عندما یظهر ویقیم دولة العدل الإلهی.

والإمام المهدی(علیه السّلام) صاحب الحق فی جهادهم ، وهذا یعنی أن سیاسة جده (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کانت لمرحلة ، فهو یکملها ، وتتسع دائرة من یجاهدهم .

وفی بعض النسخ: وناصر خلقه بدل حقه ، وتکون نصرة خلق الله تعالی بأن یملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، کما أخبر جده رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وقال(علیه السّلام) «1/168»: «للزندیق الذی سأله: من أین أثبت الأنبیاء والرسل؟ قال: إنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالیاً عنا وعن جمیع ما خلق ، وکان ذلک الصانع حکیماً متعالیاً ، لم یجز أن یشاهده خلقه ، ولا یلامسوه ، فیباشرهم ویباشروه ویحاجهم ویحاجوه ، ثبت أن له سفراء فی خلقه ، یعبرون عنه إلی خلقه وعباده ، ویدلونهم علی مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفی ترکه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحکیم العلیم فی خلقه ، المعبرون عنه جل وعز، وهم الأنبیاء(علیهم السّلام) وصفوته من خلقه ، حکماء مؤدبین بالحکمة ، مبعوثین بها ، غیر مشارکین للناس- علی مشارکتهم لهم فی الخلق والترکیب - فی شئ من أحوالهم ، مؤیدین من عند الحکیم العلیم بالحکمة . ثم ثبت ذلک فی کل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبیاء(علیهم السّلام) من الدلائل والبراهین ، لکیلا تخلو أرض الله من حجة یکون معه عَلَمٌ یدل علی صدق مقالته».

وسئل الإمام الرضا(علیه السّلام) : أتبقی الأرض بغیر إمام؟ قال:لا، قلت: فإنا نروی عن أبی عبد الله(علیه السّلام) أنها لاتبقی بغیر إمام إلا أن یسخط الله تعالی علی أهل الأرض أو علی العباد ، فقال:لا ، لا تبقی ، إذاً لساخت»! «الکافی: 1/179».

ص: 63

وقال الإمام الباقر(علیه السّلام) «الکافی:1/179»: «والله ما ترک الله أرضاً منذ قبض آدم(علیه السّلام) إلا وفیها إمام یُهتدی به إلی الله ، وهو حجته علی عباده ، ولا تبقی الأرض بغیر إمام حجة لله علی عباده ».

کما بین الأئمة(علیهم السّلام) أن الحجة لا بد أن تکون واضحة تامة ، وأن القرآن بسبب وجود المحکم والمتشابه فیه لایکون حجة إلا بقَیِّمٍ یُفسره ، ویبین المقصود الیقینی لله تعالی منه . «الکافی:1/169».

وبینوا أنهم هم ورثة الکتاب وحجج الله تعالی علی عباده . قال الإمام الباقر(علیه السّلام) «الکافی:1/145»: « نحن حجة الله ، ونحن باب الله ».

وفی حدیث الإمام الصادق(علیه السّلام) فی جواب بریهة الراهب «الکافی:1/227»: «أنَّی لکم التوراة والإنجیل وکتب الأنبیاء(علیهم السّلام) ؟ قال: هی عندنا وراثةً من عندهم ، نقرؤها کما قرؤوها ، ونقولهاکما قالوا ، إن الله لا یجعل حجة فی أرضه یُسأل عن شئ فیقول لا أدری ».

وبذلک یتضح معنی: السلام علیک یا حجة الله ، فالإمام المهدی(علیه السّلام) خاتم حجج الله تعالی الذین هم رسول الله وعترته(علیهم السّلام) ، وهم معدن

ص: 64

الحجة وتجسیدها الکامل ، وقد تمت علی أجیال من الناس ، وبقی أن یظهر المهدی(عجل الله تعالی فرجه الشریف) فیتم الله به حجته علی العالم کله .

وبمشیئته کانت الإرادة ، وبإرادته کان التقدیر، وبتقدیره کان القضاء ، وبقضائه کان الإمضاء، والعلم متقدم علی المشیئة، والمشیئة ثانیة ، والإرادة ثالثة ، والتقدیر واقع علی القضاء بالإمضاء .

فلله تبارک وتعالی البداء فیما علم متی شاء ، وفیما أراد لتقدیرالأشیاء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم فی المعلوم قبل کونه ، والمشیئة فی المنشأ قبل عینه ، والإرادة فی المراد قبل قیامه ، والتقدیر لهذه المعلومات قبل تفصیلها وتوصیلها عیاناً ووقتاً .

والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام ، المدرکات بالحواس ، من ذوی لون وریح ووزن وکیل ، وما دب ودرج ، من إنس وجن وطیر وسباع وغیر ذلک ، مما یدرک بالحواس .

فلله تبارک وتعالی فیه البداء مما لا عین له ، فإذا وقع العین المفهوم المدرک فلا بداء ، والله یفعل ما یشاء ، فبالعلم علم الأشیاء قبل کونها ، وبالمشیئة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة میز أنفسها فی ألوانها وصفاتها ، وبالتقدیر قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماکنها ودلهم علیها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها . وذلک تقدیر العزیز العلیم » .

ص: 66

وعن الإمام الصادق(علیه السّلام) قال «الکافی:1/149»: «لا یکون شئ فی الأرض ولا فی السماء إلا بهذه الخصال السبع: بمشیئة و إرادة وقدر وقضاء وإذن وکتاب وأجل ، فمن زعم أنه یقدر علی نقض واحدة فقد کفر. وفی روایة: فمن زعم غیر هذا فقد کذب علی الله ، أو رد علی الله ».

وروی فی الکافی:1/151: «عن الفتح بن یزید الجرجانی ، عن أبی الحسن الهادی(علیه السّلام) قال: إن لله إرادتین ومشیئتین: إرادة حتم وإرادة عزم ، ینهی وهو یشاء ویأمر وهو لا یشاء ، أو ما رأیت أنه نهی آدم وزوجته أن یأکلا من الشجرة وشاء ذلک ، ولو لم یشأ أن یأکلا لما غلبت مشیئتهما مشیئة الله تعالی ، وأمر إبراهیم أن

یذبح إسحاق ولم یشأ أن یذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشیئة إبراهیم مشیئة الله تعالی » .

قال الکلینی(قدس سره) فی الکافی:1/111: «جملة القول فی صفات الذات وصفات الفعل: أن کل شیئین وصفت الله بهما وکانا جمیعاً فی الوجود ، فذلک صفة فعل . وتفسیر هذه الجملة: أنک تثبت فی الوجود ما یرید وما لا یرید ، وما یرضاه وما یسخطه ، وما یحب وما یبغض .

ص: 67

فلو کانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة ، کان ما لا یرید ناقضاً لتلک الصفة ، ولو کان ما یحب من صفات الذات کان ما یبغض ناقضاً لتلک الصفة ، ألا تری أنا لا نجد فی الوجود ما لایعلم وما لا یقدر علیه . وکذلک صفات ذاته الأزلیة لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحکمة وخطأ وعز وذلة .

ویجوز أن یقال: یحب من أطاعه ویبغض من عصاه ، ویوالی من أطاعه ویعادی من عصاه ، وإنه یرضی ویسخط » .

فعندما تقول الروایة مثلاً: نظر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الی الشئ الفلانی ، فأعرض عنه وعافه ، فمعناه أن إرادة الله تعالی ظهرت فی ذلک الشخص أو الشئ ، وانعکست فی ذهن المعصوم وحواسه ، وظهرت لنا إعراضاً وعدم رضا ! فتکون شخصیة المعصوم(علیه السّلام) صفحة لعلم الله تعالی وإرادته ، کصفحة الحاسب،تظهر علیها خصائص برنامج معین.

ومن أمثلته ما رواه البخاری «4 / 71 »قال:« بینا رسول الله «ص» ساجدٌ وحوله ناسٌ من قریش المشرکین ، إذ جاءه عقبة بن أبی معیط بسَلَی جزور «کرش ناقة» فقذفه علی ظهر النبی «ص» فلم یرفع رأسه حتی جاءت فاطمة(علیهماالسّلام) فأخذت من ظهره ودعت علی من صنع ذلک ، فقال النبی «ص» : اللهم علیک الملأ من قریش ، اللهم علیک أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربیعة ، وشیبة بن ربیعة ، وعقبة بن أبی معیط، وأمیة بن خلف أو أبی بن خلف ».

وإذا عرفنا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم یدع علی قومه قبل ذلک ، بل کان یقول: اللهم اهدِ قومی فإنهم لا یعلمون ، فما الذی حدث حتی دعا علیهم؟

ص: 69

حدث أنه سمع دعاء ابنته فاطمة(علیهماالسّلام) ، التی تنعکس علیها إرادة الله تعالی ، ففهم من ذلک الإذن الإلهی أو الأمر بالدعاء علیهم ، فدعا !

وبهذا المعنی کان المهدی(علیه السّلام) مظهر إرادة الله تعالی وتجسیدها ودلیلها .

ومن الذین عندهم علم الکتاب: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ .

وممن عندهم تفسیر الکتاب وبیانه ، الذین وعد بهم الله تعالی: إِنَّ عَلَیْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا بَیَانَهُ .

وهذه الصفات لا توجد إلا فی عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولهذا أوصی بهم وقرنهم بالقرآن فقال: إنی تارک فیکم الثقلین ، کتاب الله وعترتی .

فالإمام المهدی(علیه السّلام) یتلو القرآن علی الأمة ، ویفسره لها ، ویظهر علومه ومعجزاته ، کما أنه یتلوه علی العالم ویفسره لهم بلغاتهم،ویدعوهم الیه.

والقرآن لا تتم حجیته إلا بمفسر رسمی له قیِّمٍ علیه ، لأن فیه المحکم والمتشابه ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ..الخ.

ولذا ورد أنه إنما یفهم القرآن من خوطب به وهم أهل البیت(علیهم السّلام) ، فهؤلاء یفهمونه حق فهمه ، ویتلونه حق تلاوته .

وفی الکافی «8/311»: «دخل قتادة بن دعامة علی أبی جعفر(علیه السّلام) فقال: یا قتادة أنت فقیه أهل البصرة؟ قال: هکذا یزعمون.فقال أبو جعفر(علیه السّلام) : بلغنی أنک تفسر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفر(علیه السّلام) : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا، بعلم ، فقال له أبو جعفر: فإن کنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألک ؟ قال قتادة: سل . قال: أخبرنی عن قول الله عز وجل فی سبأ: وَقَدَّرْنَا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیهَا لَیَالِی وَأَیَّامًا آمِنِینَ. فقال قتادة: ذلک من خرج من بیته بزاد حلال وراحلة وکراء حلال ، یرید هذا البیت کان آمناً ، حتی یرجع إلی أهله . فقال أبو جعفر(علیه السّلام) : نشدتک الله یا قتادة هل تعلم أنه قد یخرج الرجل من بیته بزاد حلال وراحلة وکراء حلال ، یرید هذا البیت فیقطع علیه الطریق فتذهب نفقته ویضرب مع ذلک ضربة فیها اجتیاحه؟ قال قتادة: اللهم نعم ، فقال أبو جعفر(علیه السّلام) : ویحک یا قتادة إن کنت إنما فسرت القرآن

ص: 73

من تلقاء نفسک فقد هلکت وأهلکت، وإن کنت قد أخذته من الرجال ، فقد هلکت وأهلکت .

ویحک یا قتادة ، ذلک من خرج من بیته بزاد وراحلة وکراء حلال یروم هذا البیت عارفاً بحقناً یهوانا قلبه کما قال الله عز وجل: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ ، ولم یعن البیت فیقول: إلیه ، فنحن والله دعوة إبراهیم(علیه السّلام) التی من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا .

یا قتادة فإذا کان کذلک کان آمناً من عذاب جهنم یوم القیامة ، قال قتادة : لا جرم والله لا فسرتها إلا هکذا . فقال أبو جعفر(علیه السّلام) : ویحک یا قتادة إنما یعرف القرآن من خوطب به » .

ومن خوطب به لیفسره للناس ، هم رسول الله وأهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

2. قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) : « أین الذین زعموا أنهم الراسخون فی العلم دوننا ، کذباً وبغیاً علینا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم . بنا یُستعطی الهدی ویُستجلی العمی . إن الأئمة من قریش ، غرسوا فی هذا البطن من هاشم . لا تصلح علی سواهم ، ولا تصلح الولاة من غیرهم » ! « نهج البلاغة: 2/27».

ص: 74

وهم الذین عندهم علم الکتاب ، والذین أورثوا الکتاب ، وأهل الذکر . وقد روی السیوطی فی الدر المنثور بثلاث روایات « 3/324»: «أخرج ابن أبی حاتم، وابن مردویه ، وأبو نعیم فی المعرفة ، عن علی بن أبی طالب

قال: ما من رجل من قریش إلا نزل فیه طائفة من القرآن . فقال له رجل: ما نزل فیک ؟ قال أما تقرأ سورة هود :أَفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ: رسول الله علی بینة من ربه ، وأنا شاهد منه» .

وفی تفسیر العیاشی«2/220» عن عبد الله بن عطاء قال: « قلت لأبی جعفر: هذا ابن عبد الله بن سلام یزعم أن أباه الذی یقول الله: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ . قال: کَذِبَ . هو علی بن أبی طالب » !

وبهذا یتضح معنی أن الإمام المهدی(علیه السّلام) ترجمان القرآن ، لأنه مفسره الرسمی ، والقیِّم علیه ، ووارث علومه .

3. وقال الإمام الکاظم(علیه السّلام) : « إن سلیمان بن داود قال للهدهد حین فقده وشکَّ فی أمره ، فقال: مَا لِی لا أَرَی الْهُدْهُدَ أَمْ کَانَ مِنَ الْغَائِبِینَ ، حین فقده فغضب علیه وقال: لاعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِیدًا أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَیَاتِیَنِّی

ص: 75

بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ. وإنما غضب لأنه کان یدله علی الماء ، فهذا وهو طائر قد أعطی ما لم یعط سلیمان !

وقد کانت الریح والنمل والإنس والجن والشیاطین والمردة له طائعین ولم یکن یعرف الماء تحت الهواء ، وکان الطیر یعرفه !

وإن الله یقول فی کتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ کُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَی: وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذی فیه ما تسیر به الجبال وتقطع به البلدان ، وتحیی به الموتی ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن فی کتاب الله لآیات ما یراد بها أمر إلا أن یأذن الله به ، مع ما قد یأذن الله مما کتبه الماضون ، جعله الله لنا فی أم الکتاب . إن الله یقول: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِی السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِی کِتَابٍ مُبِینٍ ، ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فنحن الذین اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذی فیه تبیان کل شئ » . « الکافی :1/226».

فترجمة الإمام المهدی(علیه السّلام) للقرآن تعنی إظهار علومه للبشر ، وکشف معجزاته وأسراره ، واستثمار طاقاته التی أودعها الله فیه .

ص: 76

ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً، وأول ما ینطق به هذه الآیة: بَقِیَّةُ اللهِ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ ، ثم یقول: أنا بقیة الله وحجته وخلیفته علیکم . فلا یُسَلِّمُ علیه مسلمٌ إلا قال:السلام علیک یا بقیة الله فی أرضه ».

وفی الکافی«1/411» عن عمر بن زاهر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) : « قال سأله رجل عن القائم یسلم علیه بإمرة المؤمنین قال: لا ، ذاک إسمٌ سمَّی الله به أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لم یُسَمَّ أحدٌ قبله ولا یتسمی به بعده إلا کافر!

قلت جعلت فداک کیف یسلم علیه؟ قال: یقولون السلام علیک یا بقیة الله ، ثم قرأ: بَقِیَّةُ اللهِ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ » .

وفی الإحتجاج «1/240» فی حدیث أمیر المؤمنین(علیه السّلام) مع الزندیق:«هم بقیة الله ، یعنی المهدی ، یأتی عند انقضاء هذه النَّظْرة «المهلة» فیملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، کما ملئت ظلماً وجوراً » .

وهو بقیة الله تعالی ، الذی حفظه من أعدائه وأبطل خططهم لقتله ، وحفظه من الموت ومدَّ عمره حتی یبلغ المجتمع البشری وقت ظهوره.

ومعناه أیضاً: السلام علیک یا بقیة الماضین وذکراهم ، وحامل رسالتهم ومناقبیتهم وعبیرهم الطیب ، ووارث خطهم الربانی ، والآخذ بثارهم ، من ظالمیهم الجبابرة ، وجنودهم الأشرار !

ومن عجائب مقادیر الله تعالی أن أکبر انتصار إلهی فی الأرض سیتحقق علی ید بقیة الله فی أرضه ، فهو الذی یقیم دولة العدل الإلهی التی تدوم الی یوم القیامة ، والتی قال عنها الله للملائکة: إِنِّی أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ .

فما أعظم برکة هذه البقیة ، والدور الذی أوکل الی المهدی(علیه السّلام) !

ص: 79

فالمیثاق هو العهد الذی یعطیه الطرف ویثق به صاحب الحق ، وصاحب الحق الأکبر هو الله تعالی ، وقد أخذ المیثاق علی بنی آدم قبل أن یخلقهم فی الأرض ، وجعله أمانة عند ملک من ملائکته ، ثم حول هذا الملک الی جوهرة وجعلها فی رکن الکعبة ، فلمسها الناس فاسودَّت !

روی أحمد «1/307»: « أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال الحجر الأسود من الجنة وکان أشد بیاضاً من الثلج ، حتی سودته خطایا أهل الشرک ».

وروینا فی الکافی «4/184»: « إن الله عز وجل حیث أخذ میثاق بنی آدم دعا الحجر من الجنة، فأمره فالتقم المیثاق،فهو یشهد لمن وافاه بالموافاة .

وقال الإمام الصادق(علیه السّلام) : إن الله تبارک وتعالی وضع الحجر الأسود ، وهی جوهرة أخرجت من الجنة إلی آدم(علیه السّلام) فوضعت فی ذلک الرکن لعلة المیثاق ، وذلک أنه لما أخذ من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم حین أخذ الله علیهم المیثاق فی ذلک المکان ، وفی ذلک المکان تراءی لهم، ومن ذلک المکان یهبط الطیر علی القائم(علیه السّلام) فأول من یبایعه ذلک الطائر وهو والله جبرئیل(علیه السّلام) ، وإلی ذلک المقام یسند القائم ظهره . وهو الحجة والدلیل علی القائم، وهو الشاهد لمن وافاه فی ذلک المکان ، والشاهد علی من أدی إلیه المیثاق والعهد الذی أخذ الله عز وجل علی

ص: 81

العباد . وأما القُبلة والإستلام فلعلة العهد.. ألا تری أنک تقول: أمانتی أدیتها ومیثاقی تعاهدته ، لتشهد لی بالموافاة ».

وفی الکافی «6/12»: «عن سلام بن المستنیر قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام) عن قول الله عز وجل: مُخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فقال: المخلقة هم الذر الذین خلقهم الله فی صلب آدم(علیه السّلام) أخذ علیهم المیثاق ثم أجراهم فی أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وهم الذین یخرجون إلی الدنیا حتی یسألوا عن المیثاق . وأما قوله: وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فهم کل نسمة لم یخلقهم الله فی صلب آدم(علیه السّلام) حین خلق الذر وأخذ علیهم المیثاق . وهم النطف من العزل ، والسقط قبل أن ینفخ فیه الروح والحیاة والبقاء ».

«بقولکم ست مئة سنة ،وبقولنا خمس مئة . فقال: أخبرنی عن قول الله عز وجل لنبیه : وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ . من الذی سأل محمد وکان بینه وبین عیسی خمس مائة سنة ؟ قال: فتلا أبو جعفر(علیه السّلام) هذه الآیة: سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الأَقْصَی الَّذِی بَارَکْنَا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ. فکان من الآیات التی أراها الله تبارک وتعالی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حیث أسری به إلی بیت المقدس أن حشر الله عز ذکره الأولین والآخرین من النبیین والمرسلین(علیه السّلام) ، ثم أمر جبرئیل(علیه السّلام) فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال فی أذانه حی علی خیر العمل ، ثم تقدم محمد فصلی بالقوم فلما انصرف قال لهم: علی مَ تشهدون وما کنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأنک رسول الله ، أخذ علی ذلک عهودنا ومواثیقنا ، فقال نافع: صدقت یا أبا جعفر » .

روی فی مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سلیمان/168، بسنده عن الإمامین الباقر والصادق(علیه السّلام) فی قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِیثَاقَ النَّبِیِّینَ لَمَا آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتَابٍ وَحِکْمَةٍ ثُمَّ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ: قال: ما بعث الله نبیاً من لدن آدم فهلم جراً ، إلا ویرجع إلی الدنیا فیقاتل وینصر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأمیر المؤمنین(علیه السّلام) ».

فالله یعلم کیف ستکون تلک الرجعة وکیف یکون مجتمعها ، ولکن أحادیثها العدیدة تدل علی أن أمرها یحتاج الی إحیاء الأنبیاء کلهم(علیه السّلام) ورجوعهم الی الدنیا ، وجهاد أعدائهم من جدید ، ویکون الرسول نبینا محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وحامل رایته علی(علیه السّلام) !

وفی مختصر بصائر الدرجات/32 ، عن أبی حمزة الثمالی عن الإمام الباقر(علیه السّلام) قال: قال قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ، من حدیث:

قد نصرت محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وجاهدت بین یدیه وقتلت عدوه ، ووفیت لله بما أخذ علیَّ من المیثاق والعهد والنصرة لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ..وإن لی الکرة بعد الکرة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والکرات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجیبات ، وأنا قرن من حدید ، وأنا عبد الله وأخو رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ».

ص: 86

نافلة ، ومن طاف بهذا البیت طوافاً أحصی فیه أسبوعه وأحسن رکعتیه غفر الله له . وقال فی یوم عرفة ویوم المزدلفة ما قال .

قلت: فماذا یتبعه؟ قال: الصوم . قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلک أجمع؟ قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :الصوم جنة من النار .

قال ثم قال: إن أفضل الأشیاء ما إذا فاتک لم تکن منه توبة دون أن ترجع إلیه فتؤدیه بعینه ، إن الصلاة والزکاة والحج والولایة لیس یقع شئ مکانها دون أدائها ، وإن الصوم إذا فاتک أو قصرت أو سافرت فیه أدیت مکانه أیاماً غیرها ، وجزیت ذلک الذنب بصدقة ولا قضاء علیک ، ولیس من تلک الأربعة شئ یجزیک مکانه غیره .

قال ثم قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشیاء ورضا الرحمن: الطاعة للإمام بعد معرفته ، إن الله عز وجل یقول: مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّی فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً . أما لو أن رجلاً قام لیله وصام نهاره وتصدق بجمیع ماله وحج جمیع دهره ، ولم یعرف ولایة ولی الله فیوالیه ، ویکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ، ما کان له علی الله عز وجل حق فی ثوابه ، ولا کان من أهل الإیمان . ثم قال: أولئک المحسن منهم یدخله الله الجنة بفضل رحمته » .

ص: 90

لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . «النور:55».

وهو وعدٌ للمؤمنین من أمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأن ینصرهم بعد خوفهم ، ویمکِّن لهم دولة العدل ، فلا یکفر بعدها إلا قلة شاذة .

وقال تعالی: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعًا سُجَّدًا یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِیمَاهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِی الآنْجِیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَی عَلَی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا . «الفتح:28-29» .

فالذین معه هم لا بد أن یکونوا منظومة الأئمة من عترته ، وهم غیر الصحابة الذین آمنوا معه ، وهم شطأ شجرته أی أولادها ، وهم الرحماء بینهم ، والصحابة أشداء بینهم .

وقد وعد الله تعالی أن یغیظ بهم الکفار ، وهو الی الآن لم یحصل .

وقال تعالی: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَی أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَیَقُولُنَّ مَا یَحْبِسُهُ أَلا یَوْمَ یَأتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَاکَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِئُونَ. «هود:8».

ص: 93

والآیة تدل علی أن هذا العذاب حتمی علی فجار هذه الأمة ، وأنه لم یرفع ولکنه أُخر الی وقته ، وسیکون علی ید أمة معدودة من الناس .

وقد ورد تفسیر الأمة المعدودة بأنهم أصحاب المهدی(علیه السّلام) .

وفسر بعضهم الأمة بالمدة ، ولا یصح لأنها لم ترد بمعنی المدة .

الی غیر ذلک من آیات الوعد الإلهی بدولة العدل ، والتی لم یَدَّعِ أحد أنها تکون إلا علی ید المهدی(علیه السّلام) ، وأیدت ذلک الأحادیث المفسرة لها .

فقال(علیه السّلام) : یا حذیفة لو لم یبق من الدنیا إلایوم واحد لطوَّلَ الله ذلک الیوم حتی یملک رجل من أهل بیتی، تجری الملاحم علی یدیه ویظهر الإسلام،لایخلف وعده وهو سریع الحساب». « مسند أحمد:1/99 ».

وفی مسند البزار «2/134»: «لو لم یبق من الدنیا إلا یوم لبعث الله رجلاً من أهل بیتی یملأها عدلاً کما ملئت جوراً » .

وبشر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فاطمة(علیهماالسّلام) فقال لها: « نبینا خیر الأنبیاء وهو أبوک ، وشهیدنا خیر الشهداء وهو عم أبیک حمزة ، ومنا من له جناحان یطیر بهما فی الجنة حیث یشاء ، وهو ابن عم أبیک جعفر، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسین ، وهما إبناک ، ومنا المهدی ». «الطبرانی الصغیر:1/37 ».

وفی أمالی الطوسی:1/361، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی من حدیث جاء فیه: «معاشر المؤمنین أبشروا بالفرج ، فإن وعد الله لا یخلف ، وقضاءه لا یرد ، وهو الحکیم الخبیر، فإن فتح الله قریب . اللهم إنهم أهلی ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً .اللهم أکلأهم وارعهم وکن لهم ، وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم ، واخلفنی فیهم . إنک علی کل شئ قدیر » .

هذا ، وقد عقدنا فصلاً فی معجم أحادیث الإمام المهدی(علیه السّلام) /175، لبشارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة من أهل بیته(علیهم السّلام) ، بالمهدی(علیهم السّلام) .

ص: 95

والإمام المهدی(علیه السّلام) منصوب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إماماً نصباً مباشراً بنصه علیه ، ونصباً غیر مباشر لأنه منصوب من أبیه وأجداده حتی یصل الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . فالمعنی: السلام علیک یا من نصبه رسول الله إماماً وَعَلَماً.

مکة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فیها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ثم الأخیار ، ثم العُمُد ، فإن أجیبوا وإلا ابتهل الغوث ، فلا تتم مسألته حتی تجاب دعوته ».

أقول: هذه المناصب افتراضیة منهم ، وکذلک ما زعموه للغوث ، وقد یسمونه القطب ، وقولهم إنه لا ترد له دعوة تعنی أنه معصوم !

والجواب: أن هذه النقمة جزئیة،لأنها علی بعض الکافرین والفراعنة. والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بهذا المعنی کان نقمة أیضاً ، ومع ذلک وصفه الله تعالی بأنه رحمة للعالمین فقال: وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ .

وکذلک وصف الإمام الصادق الإمام المهدی(علیه السّلام) کما فی حدیث اللوح الذی جاء به جبرئیل(علیه السّلام) الی الزهراء(علیه السّلام) وفیه أسماء الأئمة من أولادها: «وأکمل ذلک بابنه محمد ، رحمة للعالمین ، علیه کمال موسی ، وبهاء عیسی ، وصبر أیوب » . «الکافی:1/528».

فکونه نقمة علی بعض الفجار ، لا یمنع کونه رحمة لعامة الناس .

قال الإمام الرضا(علیه السّلام) یصف نداء البشارة بالإمام المهدی(علیه السّلام) : «کأنی آیس ما کانوا قد نودوا نداءً یُسمع من بُعدٍ کما یُسمع من قُربٍ ، یکون رحمةً للعالمین ، وعذاباً علی الکافرین ». « کمال الدین:2/376».

ولم أجد هذا التعبیر فی کل القرآن والسنة فی غیر هذین الموردین !

ومعناه وعداً قطعیاً حتمیاً لا یُخلف .

والتقابل بینهما هو التقابل بین العذاب والرحمة الإلهیة ، وقد قال تعالی: عَذَابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَئٍ .

ص: 102

صدوقاً ، إلا أنه قد کان فیه خصلة ! قال: وما هی؟ قالوا: کان یرهق ، یعنون یتبع النساء . فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

: رحمه الله ، والله لقد کان یحبنی حباً لو کان نَخَّاساً لغفر الله له ».

أقول: النخاس بائع الجواری ، وهو عادة یقع فی الحرام ویرتکب الزنا معهن . ومعنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :إن حب الشاب بیاع الزیت له وهیامه به ، حتی لا یستطیع أن یذهب الی عمله حتی یراه کل یوم ، هذا الحب ، یغلب ذنوبه حتی لو کانت کذنوب نخاس زناء .

ونلاحظ فی الحدیث شهادة رفقاء بیاع الزیت بصدقه وأمانته ، فذلک من تأثیر حبه للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وإن بقیت عنده معاص فی سلوکه .

کما نلاحظ أن مؤشرب حبه رضی الله عنه دله علی أن یری رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لآخر مرة ، فرجع الیه لیراه رؤیة مودع ، ثم توفی بعد ذلک !

وقال برید بن معاویة العجلی(رحمه الله) «تفسیر العیاشی:1/167»:

«کنت عند أبی جعفر «الإمام الباقر(علیه السّلام) » إذ دخل علیه قادمٌ من خراسان ماشیاً ، فأخرج رجلیه وقد تغلفتا «ورمتا من المشی» وقال: أما والله ما جاء بی من حیث جئت إلا حبکم أهل البیت ! فقال أبو جعفر(علیه السّلام) :والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدین إلا الحب ، إن الله یقول: قُلْ

ص: 107

إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ . وقال: یُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَیْهِمْ. وهل الدین الا الحب .

وقال ربعی بن عبد الله: قیل لأبی عبد الله «الإمام الصادق(علیه السّلام) »: جعلت فداک إنا نسمی بأسمائکم وأسماء آبائکم فینفعنا ذلک؟

فقال: إی والله ، وهل الدین إلا الحب؟ قال الله: قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ ».

أقول: یدل قول الإمام الباقر(علیه السّلام) : لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، علی أن الجمادات لها أرواح بحسبها ، کما نذهب الیه ، ولذلک قال الله تعالی: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ . کما

یدل علی أن الحشر یوم القیامة شامل لکل ذوات الأوراح والنبات والجماد .

وفسره بعضهم بوجه ضعیف: لو أحبنا شخص قلبه حجر ، لصلح بحبنا وحشره الله معنا ، فیکون معناه تأثیر حبهم(علیه السّلام) فی حسن عاقبة الإنسان .

أما معنی نفع تسمیة أولادنا بأسماء أهل البیت(علیهم السّلام) فهو أن ذلک یقربنا من الله تعالی فینفعنا ، کما ینفع أولادنا بتأثیر وضعی وشرعی .

ص: 108

لکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) استعمل العشق للعبادة ، فقال «الکافی:2/83»: «أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لایبالی علی ما أصبح من الدنیا علی عسر أم علی یسر».

ونلاحظ أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) استعمل أوصاف العاشقین من المعانقة والمباشرة ، لینقل معنی العشق الجنسی الی العشق المعنوی للعبادة لتکون محبوبة العابد ، یهیم بتلاواتها ، ویأنس برکوعها وسجودها ، ویتلذذ بعطش صومه وجوعه !

کما رود عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه جعل العشق أشد درجةً من الشوق ، فقال: « إن الجنة لأشوق إلی سلمان من سلمان إلی الجنة، وإن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلی الجنة » . «روضة الواعظین/282».

قال(علیه السّلام) «نهج البلاغة:1/211»:«سبحانک خالقاً ومعبوداً ، بحسن بلائک عند خلقک . خلقت داراً وجعلت فیها مأدبة: مشرباً ومطعماً ، وأزواجاً وخدماً ، وقصوراً وأنهاراً ، وزروعاً وثماراً .

ثم أرسلت داعیاً یدعو إلیها ، فلا الداعی أجابوا ، ولا فیما رغبت رغبوا ، ولا إلی ما شوقت إلیه اشتاقوا . أقبلوا علی جیفة افتضحوا بأکلها ، واصطلحوا علی حبها ، ومن عشق شیئاً أعشی بصره ، وأمرض قلبه ، فهو ینظر بعین غیر صحیحة ویسمع بأذن غیر سمیعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنیا قلبه ، وولهت علیها نفسه ، فهو عبد لها ، ولمن فی یده شئ منها » !

وقد ذمَّ الإمام الصادق(علیه السّلام) العشاق الهائمین لأنهم ینشغلون بعشقهم عن ذکر الله تعالی ، ففی علل الشرائع«1/140» قال المفضل بن عمر: «سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق(علیه السّلام) عن العشق فقال: قلوب خلت من ذکر الله ، فأذاقها الله حب غیره ».

ص: 111

وقال فی عمدة القاری «14/127»: « وروی البزار بسند صحیح عن عبادة بن الصامت رضی الله تعالی عنه: من عشق وعَفَّ وکتم ومات ، مات شهیداً ».

لکنه مدح لمن لم یرتکب حراماً ، ولم یرفعه الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

هذا ، وقد شاع عند الصوفیة والعامة استعمال العشق للنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تعبیراً عن شدة الحب الی حد الهیام ، وقد استنکره بعضهم ، لکن لا أری فیه بأساً ما دام المقصود منه مفهوماً . وتقدم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) استعمله للعبادة .

وتقرأ فی زیارة آل یاسین - وقد رجحنا أن تکون من نص الحسین بن روح(رحمه الله) - سبع تسلیمات علی الإمام(علیه السّلام) فی حالاته المختلفة:

11. السلام علیک حین تقعد ، السلام علیک حین تقوم .

12. السلام علیک حین تقرأ وتُبیِّن .

13. السلام علیک حین تُصلی وتقنت .

14. السلام علیک حین ترکع وتسجد .

15. السلام علیک حین تُکبِّر وتُهلل .

16. السلام علیک حین تحمد وتستغفر .

17. السلام علیک حین تمسی وتصبح .

18. السلام علیک فی اللیل إذا یغشی والنهار إذا تجلی .

19. السلام علیک أیها الإمام المأمون .

20. السلام علیک أیها المقدم المأمول .

21. السلام علیک بجوامع السلام .

وهذه الفقرات ابتکار فی عشق الإمام(علیه السّلام) فی حالاته المختلفة ، کالمصور الذی یرکز اللقْطة علی حالة خاصة ، أو لحظة خاصة .

ص: 113

أو کمن یعجب بمحبوبه فی حالة معینة ، فیقول له: نفسی فداک عندما تبتسم ، أو ما أجملک وأنت تتکلم ، أو ما أجمل قامتک ، وکم أکون سعیداً بالنظر الیک وأنت واقف .

واستعمل کلمة «حین» أی الوقت الذی ، وإنما قصد الفعل فی ذلک الحین . والمعنی: السلام علیک وأنت تقوم بذلک فی ذلک الحین .

ومعنی الفقرة الأولی:

سلام الله علیک یامولای حین تقعد ، أی وأنت قاعد فی غیبتک ، تقوم بمهامک مع الخضر وأصحابک الأبدال ، جنود الله فی الغیب .

وسلام الله علیک عندما تقوم وتظهر ، وتسند ظهرک الی رکن الکعبة ، وتوجه بیانک الأول الی العالم بلغاته ، وتخاطب شعوب الأرض بأن تنصرک لتنهی الظلم وتقیم دولة العدل الإلهی .

فالفقرة تشیر الی أن المهدی(علیه السّلام) إمام ربانی سواء قام أو قعد ، وسواء غاب أو ظهر ، کما قال الإمام الحسن(علیه السّلام) لمن اعترض علی صلحه مع معاویة: « یا أبا سعید ، ألستُ الذی قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لی ولأخی:

ص: 114

الحسن والحسین إمامان قاما أو قعدا ؟ قلتُ: بلی ، قال: فأنا إذن إمامٌ لو قمتُ وأنا إمامٌ لو قعدتُ .

یا أبا سعید ، عِلَّةُ مصالحتی لمعاویة عِلة مصالحة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لبنی ضُمرة وبنی أشجع ولأهل مکة حین انصرف من الحدیبیة ، أولئک کفارٌ بالتنزیل ومعاویة وأصحابه کفارٌ بالتأویل ». «علل الشرائع:1/211».

ومعنی السلام علیک حین تقوم:

سلام الله علیک یا سیدی وأنت واقفٌ فما أجمل قوامک وأنت أشبه الناس بجدک المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، شمائلک شمائله ، وأخلاقه ، وترکیب بدنک کبدنه ، تنام عیناک ولا ینام قلبک ، ولیس لبدنک ظل . سلامٌ علیک عندما تظهر وینظر الیک الناس ، فتذکرهم بجدک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ومعنی: السلام علیک حین تقرأ وتُبیِّن:

أی حین تقرأ القرآن وتبینه للناس ، وتبین لهم سنة جدک(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . والمقصود عندما یظهر(علیه السّلام) ، لأنه فی غیبته لم یبین لکل الناس .

ص: 115

أما عندما یظهر فسیخاطب الناس بلغاتهم ، ویستخرج للیهود أسفاراً من التوراة من جبل بالشام وجبل بفلسطین ، ویقرؤها علیهم ، فیندهشون لخبرته بها ویُسلم منهم ألوف.«معجم أحادیث الإمام المهدی:2501».

والأئمة(علیهم السّلام) یعرفون کل لغات العالم ، لأنهم حجة الله علی العالم .

وقد ورد أن الإمام الکاظم(علیه السّلام) لما کان صغیر السن قرأ الإنجیل أمام بریهة الراهب فقال بریهة «الکافی:1/227»: «والمسیح لقد کان یقرأ هکذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسیح ! ثم قال بریهة: إیاک کنت أطلب منذ خمسین سنة أو مثلک ! قال: فآمن وحسن إیمانه ، وآمنت المرأة وحسن إیمانها . قال: فدخل هشام وبریهة والمرأة علی أبی عبد الله(علیه السّلام) وحکی هشام الحکایة والکلام الذی جری بین موسی(علیه السّلام) وبریهة ، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام) : ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ . فقال بریهة: جعلت فداک أنی لکم التوراة والإنجیل وکتب الأنبیاء؟ قال: هی عندنا وراثة من عندهم نقرؤها کما قرؤوها ونقولها کما قالوها ، إن الله لا یجعل حجة فی أرضه یسأل عن شئ فیقول: لا أدری .

فلزم بریهة أبا عبد الله(علیه السّلام) حتی مات أبو عبد الله ، ثم لزم موسی بن جعفر حتی مات فی زمانه فغسله بیده وکفنه بیده ولحده بیده ، وقال:

ص: 116

هذا حواری من حواریی المسیح یعرف حق الله علیه ، قال: فتمنی أکثر أصحابه أن یکونوا مثله » .

وفی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام) «2/139» فی مناظرته مع حاخام ، قال: « یا یهودی خذ علیَّ هذا السفر من التوراة ، فتلی علینا من التوراة آیات ، فأقبل الیهودی یترجج لقرائته ، ویتعجب » !

فمعنی الفقرة: السلام علیک یا سیدی وأنت تقرأ القرآن وتفسره للمسلمین ، وتقرأ التوراة والإنجیل ، وتفسرهما لأهل الکتاب .

والسلام علیک وأنت تعبد ربک وتتلوکتابه ، وأنت تعبد ربک وتبین دینه ووحیه ، لکل الناس .

ومعنی قوله: السلام علیک حین تُصلی وتقنت: أنی معجب بک یا سیدی وأنت فی صلاتک وقنوتک لربک ، فسلامُ الله علیک وأنت خاشع لربک ، وروحی لک الفداء وأنت رافعٌ یدیک تناجی ربک وتدعوه .

فالفقرة صورة من صلاة المعصوم وقنوته ، وقد وردت روایات عدیدة فی وصفهما ، منها فی وصف صلاح أمیر المؤمنین وزین العابدین(علیهماالسّلام) ، کما ورد فی صفة المهدی(علیه السّلام) أنه خاشع لربه خشوع النسر بجناحه .

ص: 117

ومعنی قوله: السلام علیک حین ترکع وتسجد:

أنی أحبک یا سیدی وأنت علی علو مقامک ترکع بین یدی ربک ، وتعظم مقامه ، وتعلم الناس عبادته ، والإنحناء أمام عظمته .

تعلمهم أن العزة بالعبودیة ، وبالإنحناء لعظمة الله تعالی ، وأن کمال الإنسان بالإعتراف بخالقه وربه ، الذی أکرمه من بین المخلوقات .

والسلام علیک وأنت تسجد لربک ، فتذوب خضوعاً للخالق العظیم وتُعلم الناس أن تکاملهم إنما هو بعمق عبادتهم لربهم ، وإخلاص سجودهم بین یدیه ، وأن الإنسان إذا صار صفراً بین یدی ربه تحول الی رقم صعب ، مقدس فی ملکوت الله .

ومعنی قوله: السلام علیک حین تُکبِّر وتُهلل:

السلام علیک وأنت تعبد الله تعالی ، فتکبره فی صلاتک ، وبعد صلاتک فی تسبیح جدتک الزهراء(علیهماالسّلام). وتهلله فی شهادتک بوحدانیته ، فی أذانک وإقامتک ، وذکرک وشکرک .

والسلام علیک عندما تظهر ، وتعلن أن الله تعالی أکبر من کل شئ ، ومن الطواغیت المتسلطین علی الأرض ، ومن قوة جیوشهم .

ص: 118

فسلام الله علیک وأنت تطبق شعار: الله أکبر ، فتحطم أعداءه ، وتهزم جیوشهم ، وتتبر ما علوا تتبیرا .

وتعلن أن الله أکبر ، فتکشف خططهم ، وتخبرهم بنوایاهم ، وتهزم مخابراتهم ، بما علمک الله من علم ، وهداک الیه من أسلوب عمل .

وسلام الله علیک وأنت تهلل الله تعالی ، فتوحده فی ذاته وصفاته ، وتکشف الذین تطاولوا علیه فصغروا عظمته ، وشبهوه بخلقه ، وجعلوه جسماً محدوداً ، وهو خالق الأجسام ومجسمها .

وسلام الله علیک وأنت توحده فی ربوبیته فتعلن انتهاء الأرباب والأنداد لله ، والمطاعین دونه ، فی طول الأرض وعرضها . وتعلن أنه لا سلطان بعد الیوم الی یوم القیامة ، ولا حکم إلا لله تعالی ومن ینصبه حاکماً علی عباده فی أرضه ، یحکم بینهم بالعدل والهدی والرأفة .

ومعنی قوله: السلام علیک حین تحمد وتستغفر:

أنی أحبک یا سیدی وأنت تحمد ربک ، فتعترف له وتعلن أن جمیع النعم فی الکون منه لاغیر . وتدعو الناس الی الإعتراف بذلک .

ص: 119

وسلام الله علیک یاسیدی وأنت تعترف بمحدودیة الإنسان وقصوره عن أداء شکر ربه ، وتعلن أن حق الخالق عظیم لا یمکن لأحد مهما علا مقامه أن یوفیه ، فستغفره لتقصیرک فی طاعته وأداء شکره ، کمن أذنب ذنباً منا ، وأنت بلا ذنب . أو ارتکب مخالفة ، وأنت معصوم !

ومعنی قوله: السلام علیک حین تمسی وتصبح:

أنی أحبک یا سیدی فی هاتین الحالتین ، فالسلام علیک وأنت تُسَبِّحُ ربک فی هذین الوقتین: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِینَ تُمْسُونَ وَحِینَ تُصْبِحُونَ .

وأتصورک یاسیدی تمسی فی مدینة جدک(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأنها مسکنک ومقرک ، فتصلی فریضتک ونافلتک عند جدک ، أو فی مسکنک .

أو تکون فی أی مکان من أرض الله ، تنفذ فیه مهمةً ، أو یکون لک غرضٌ فی زیارته . فسلام علیک وأنت تعیش الزمن ، تمسی وتصبح فی طاعة الله وذکره ، وتعرف کیف تعیش وتعمر أیامک بطاعة ربک وعبادته ، تعمل لما یدوم ویبقی ، وتعرض عما یزول ویفنی .

هذا ، وینبغی أن نشیر الی بقیة عناصر الجذب فی شخصیته(علیه السّلام) وهی کثیرة :

منها: أنه عاش عمراً طویلاً وبقی کهلاً ، وکذلک المسیح(علیهماالسّلام) .

ص: 120

ومنها: أن والدته(علیهماالسّلام) من بنات القیاصرة ، ومن ذریة هارون(علیه السّلام) .

ومنها: بنیته البدنیة الممیزة ، حتی أنه لو مد یده الی شجرة لقلعها.

ومنها: عاطفته علی الفقراء ، ففی صفته أنه سخیٌّ بالمال شدیدٌ علی العمال ، رحیم بالمساکین ، کأنما یلعق المساکین الزُّبد والعسل .

ومعنی قوله: السلام علیک فی اللیل إذا یغشی والنهار إذا تجلی:

السلام علیک وأنت تعیش فی الزمن ، فی حرکة اللیل والنهار، فأنت عندنا فی الأرض ، تجری علیک حرکة الزمن ، ولست کنبی الله عیسی(علیه السّلام) فی جو خاص فی السماء ، حتی یعود الی الأرض ویکون بیننا ویعیش مثلک ومثلنا ، فی حرکة لیلنا ونهارنا .

ومعنی قوله: السلام علیک أیها الإمام المأمون:

سلام الله علیک أیها الإمام الربانی ، المأمون علی علوم الله التی أعطاک والمأمون علی عباد الله الذین استرعاک .

فأنت یا سیدی مأمونٌ من أن تضیع حقاً، أو تقصر فی واجب ، أو تخطئ فی تصرف، لأنک مهدیٌّ من الله ، معتصم به ، معصوم بعنایته .

وأنت مأمون من أذی أحد من الناس ، ومأمول من کل الناس .

ص: 121

وتعبیرالإمام المأمون ، یشیر الی عقیدتنا فی شرط العصمة فی الإمام لأن الله تعالی لایسلم عباده لهدایتهم وإقامة العدل فیهم، لغیر معصوم.

فهو وصف بلیغ یشیر الی عصمته .

ومعنی قوله: السلام علیک أیها المقدم المأمول:

السلام علیک یاسیدی ، أنت المقدم من ربه ، والرائد فی أمته ، ومرکز أمل العالم فی أن یقیم فیه العدل وینهی الظلم .

ومعنی: السلام علیک بجوامع السلام:

جوامع الأمر: عمدته وخیرته ، أی: أحییک بأفضل أنواع التحایا، وأدعو الله أن یعطیک أفضل أنواع البرکة والطمأنینة ، وأجمعها .

واستعمل هذا التعبیر فی: جوامع الکلم ، وجوامع الحکمة ، وجوامع العلم ، وجوامع الخیر ، وجوامع الحب .

ص: 122

ویُشهده علی أنه:لاحبیب إلا النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . ومعناه أن حبهم وولاءهم هو الحب الأول ، ولا یقاس به غیره . فعندما تقول لاحبیب لی إلا فلان ، تجعله أول من تحبه ، وتخبر أن حبک له لا یقاس به غیره .

وقد استعمل العرب کلمة: حِبُّ فلانٍ ، بمعنی محبوبه ومعشوقه . وروی مخالفونا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال عن أسامة بن زید ، إنه حِبُّه ، ولم تروِ ذلک مصادرنا ، ویظهر أنهم وضعوه مقابل حب أهل البیت(علیهم السّلام) !

وقوله: لاحبیب إلا النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : امتثالٌ لأمر الله تعالی فی قوله: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی .

وامتثالٌ لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : «لا یؤمن رجلٌ حتی یحب أهل بیتی. فقال عمر بن الخطاب:ما علامة حب أهل بیتک؟ قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : هذا وضرب بیده علی علی بن أبی طالب». «بشارة المصطفی للطبری/150».

والمودة والحب فوق الطاعة ، لأنها تعنی الطاعة والتقدیس والإقتداء .

وإشهاد المؤمن إمامه علی ذلک، لأن الله سیسأله عنه یوم القیامة ، فهو یطلب أن یکون له شاهد مقبول الشهادة عند الله تعالی .

ص: 124

وقد نصت أحادیث الجمیع علی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أیضاً سیسأل أمته عن طاعتها ومودتها لأهل بیته(علیهم السّلام) .

ففی الکافی «1/294»: «إنکم ستردون علیَّ الحوض فأسألکم عما فعلتم فی الثقلین ». ونحوه مسند أحمد «3/17».

فالإنسان یُسأل عن النبوة ، کما یسأل عن التوحید ، ویسأل عن حب أهل البیت(علیهم السّلام) کما یسأل عن النبوة ، ولذلک یُشهد إمامه(علیه السّلام) علی ذلک لیشهد له عند ربه ، فتنفعه شهادته .

وقد اختار هنا وصف الحجج للشهادة لهم(علیهم السّلام) ، لأنه مقام حقوقی یتناسب مع الشهادة والإشهاد ، والمحاکمة یوم القیامة .

ومعنی حجج الله:أن الله عز وجل نصبهم حججاً یحتج بهم علی الناس. فکما یحتج علیهم بأنی بعثت لکم رسولاً وبلغکم عنی فتمت علیکم الحجة ، یحتج علیهم بأنی نصبت لکم بعد رسولی أعلاماً حججاً هم الأئمة الإثنا عشر ، وبلغکم رسولی ذلک ورفع بید الأول منهم وقال: هذا ولیکم من بعدی ، ومن کنت مولاه فهذا مولاه . وقد فهمتم ذلک منه ، وهنأتم الحجة بعده ، وبخبختم له ، فتمت الحجة علیکم .

وقد بیَّنَ الله تعالی احتجاجه علی الناس یوم القیامة فقال: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ . «الأنعام:149».

وقال: رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ لِئَلا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَکَانَ اللهُ عَزِیزًا حَکِیمًا. «النساء:165» .

فالمعنی: أشهدک یاسیدی أنی أشهد أنکم حجج الله تعالی علی الناس ، فاشهد علیَّ بذلک فإنی قائمٌ بشروطه ، أتولاکم وأطیعکم ، وأتلقی معالم دینی منکم . فاشهد لی لتکون شهادتک لی حجة لی عند الله .

ص: 126

وفی تحف العقول/115، من خطبة لأمیر المؤمنین(علیه السّلام) :«بنا فتح الله جل وعز وبنا یختم الله ، وبنا یمحو الله ما یشاء ، وبنا یدفع الله الزمان الکَلِب ، وبنا یُنزل الغیث . فلا یغرنکم بالله الغرور .

لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتی تمشی المرأة بین العراق والشام لا تضع قدمیها إلا علی نبات ».

وقوله: وأن رجعتکم حقٌّ لا شک فیها: فإن رجعة الأئمة(علیهم السّلام) تطلق علی ظهور الإمام المهدی(علیه السّلام) ، وعلی رجعة الأئمة(علیه السّلام) بعد حکمه .

أما آیة: لایَنْفَعُ نَفْساً إِیمَانُهَا لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، فلا بد أن یکون ذلک مخصوصاً ببعض الظالمین ، أو عند قرب القیامة ، لأن باب التوبة یبقی مفتوحاً بعد ظهور الإمام المهدی(علیه السّلام) .

وعندما یطلب المؤمن من إمامه(علیه السّلام) أن یشهد علیه بأنه یعتقد بالمعاد والحساب والجنة والنار ، فهو یتعهد بأن یکون منسجماً مع ذلک ویدخله فی حساب عمله ، فیتقی ربه ، ویخاف عقابه ، ویرجو ثوابه .

وإقراره علی نفسه بذلک یؤثر علی سلوکه ، ویزید من تأثیره أنه أشهد إمامه علی نفسه ، فإن انحرف فسیشهد علیه ، لا له !

وحج البیت ، وولایة ولینا ، وعداوة عدونا ، والتسلیم لأمرنا وانتظار قائمنا ، والورع والاجتهاد » . «دعوات الراوندی/135».

وقال یونس بن عبد الرحمن: «دخلت علی موسی بن جعفر(علیه السّلام) فقلت له: یا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق ولکن القائم الذی یطهر الأرض من أعداء الله عز وجل ویملؤها عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدی ، له غیبة یطول أمدها خوفاً علی نفسه، یرتد فیها أقوام ویثبت فیها آخرون .

ثم قال(علیه السّلام) : طوبی لشیعتنا المتمسکین بحبلنا فی غیبة قائمنا الثابتین علی موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئک منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ورضینا بهم شیعة ، فطوبی لهم ثم طوبی لهم ، وهم والله معنا فی درجتنا یوم القیامة ». «کمال الدین : 2 /361 » .

ص: 131

ص: 132

الربانیون والربیون والعالم الربانی 45

معنی آیات الله تعالی .......................... 47

أنواع آیات الله وأنواع الذین یتلونها 48

«3» السلام علیک یا باب الله ودیان دینه 50

معنی أن الإمام المهدی(علیه السّلام) باب الله تعالی 51

التکبر علی أهل البیت(علیهم السّلام) تکبر علی الله تعالی ! 53

السلام علیک یا باب الله ودیان دینه 54

«4» السلام علیک یا خلیفة الله وناصرحقه 58

السلام علیک یا خلیفة الله وناصرحقه 61

«5» السلام علیک یا حجة الله ودلیل إرادته 62

السلام علیک یا حجة الله ودلیل إرادته 65

لمحة عن الإرادة الإلهیة ................................ 66

عظمة مقام: دلیل إرادته........................ 68

لأنه دلیل إرادة الله صار القدوة والأسوة 70

«6» السلام علیک یا تالی کتاب الله وترجمانه 71

السلام علیک یا تالی کتاب الله وترجمانه 72

«7» السلام علیک یا بقیة الله فی أرضه 77

معنی بقیة الله فی أرضه.......................... 78

«8» السلام علیک یا میثاق الله الذی أخذه ووکَّده 79

کل ما نفعله هنا اخترناه فی عالم الذر والمیثاق 82

ص: 134

کل مقادیر الإنسان اختارها فی عالم المیثاق 82

أول من أجاب من المخلوقات رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 83

وأول من أجاب من الملائکة مَلک المیثاق(علیه السّلام) 83

أخذ الله میثاق النبیین علی الإقرار بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 84

وأخذ الله میثاق النبیین علی نصرة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی الرجعة 85

وأخذ الله میثاق المؤمنین علی البلایا والتحمل والصمت 87

ومیثاق المؤمنین علی محبة بعضهم 87

ومیثاق الخلق علی الإقرار بنبینا وآله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 88

أما میثاق المواثیق فهو: ولایة أهل البیت(علیهم السّلام) 89

المواثیق العامة والمواثیق المؤکدة 91

معنی: السلام علیک یا میثاق الله 91

«9» السلام علیک یا وعدَ الله الذی ضَمِنَه 92

الوعد الإلهی بدولة العدل................................ 92

تأکید النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة(علیهم السّلام) علی حتمیة الوعد الإلهی 94

الوعد الإلهی فوق المحتوم..................... 96

«10» السلام علیک أیُّهَا العَلَمُ المَنْصُوب 97

معنی العَلَمُ المنصوب........................... 97

معنی: العِلْمُ المَصْبُوب ................................ 98

الإمام المهدی غوث الأمة والعالم 99

الإمام المهدی: الرحمة الواسعة 101

ص: 135

معنی: وعداً غیرَ مکذوب................ 102

الفصل الثالث: حب المؤمن لإمامه المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

وهل الإیمان إلا الحب والبغض ؟ 103

یتفاوت الناس فی طاقة الحب والبغض ! 104

ویحتاج الحب والبغض الی العقل والشرع 105

حب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته(علیهم السّلام) أرقی أنواع الحب 105

الفرق بین الحب والعشق......................... 108

لیس کل عشق مذموماً................................... 110

جاذبیة شخصیة الإمام المهدی(علیه السّلام) 112

الفصل الرابع: إشهاد الإمام(علیه السّلام) علی عقیدتنا

معنی الإشهاد علی العقیدة.......................... 123

الشهادة للأئمة(علیهم السّلام) بأنهم حجج الله تعالی 125

أنتم الأول والآخر...................................... 127

الشهادة بالآخرة والحساب ............................ 129

الولایة المطلقة لأهل البیت(علیهم السّلام) 129

الولایة والبراءة أصلان فی کل دین 130

ص: 136