شقائق الرجال

اشارة

سرشناسه:مزیعل، عادل

عنوان و نام پدیدآور:شقائق الرجال/ عادل المزیعل (المیاحی).

مشخصات نشر:قم: مرکزالمصطفی (ص) العالمی للترجمه والنشر، 1433 ق.= 1390.

مشخصات ظاهری:200 ص.

فروست:مرکز المصطفی(ص) العالمی للترجمه والنشر، معاونیه التحقیق؛ 366.

شابک:29000 ریال 978-964-195-350-0 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه: ص. [195] - 200؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:زنان در اسلام

موضوع:زنان در قرآن

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیه. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص). معاونت پژوهش

رده بندی کنگره:BP230/172/م485ش7 1390

رده بندی دیویی:297/4831

شماره کتابشناسی ملی:2324113

ص :1

اشارة

ص :2

شقائق الرجال

عادل المزیعل (المیاحی)

ص :3

هویة الکتاب

سرشناسه: مزیعل، عادل

عنوان و نام پدیدآور: شقائق الرجال/ تالیف عادل المزیعل (المیاحی).

مشخصات نشر: قم: مرکزالمصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر، 1390.

مشخصات ظاهری: 200 ص.

شابک: 0-350-195-964-978

وضعیت فهرست نویسی: فیپا

یادداشت: عربی.

یادداشت: کتابنامه: ص. 195-200؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع: زنان در اسلام

موضوع: زنان در قرآن

شناسه افزوده: جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی صلی الله علیه و آله

رده بندی کنگره: 1390 7 ش 485 م / 230/172 BP

رده بندی دیویی: 297/4831

شماره کتابشناسی ملی: 2324113

شقائق الرجال

المؤلّف: عادل المزیعل «المیّاحی»

الطبعة اولی: 1433 ق / 1390 ش

النّاشر: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

المطبعة: التوحید السّعر: 29000 ریال عدد النسخ: 2000

حقوق الطبع محفوظة للناشر

التوزیع:

قم، استدارة الشهداء، شارع الحجتیّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. الهاتف - الفکس: 9-02517839305

قم، شارع محمّد الأمین، تقاطع سالاریّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف: 2512133106 - فکس: 02512133146

www.eshop.miup.ir www.miup.ir

root@miup.ir E-mail: admin@miup.ir

ص:4

کلمة الناشر

(الحَمدُ لِلّهِ الَّذِی أَنزَلَ عَلی عَبدِهِ الکِتابَ وَ لَم یَجعَل لَهُ عِوَجاً) والصلوة والسلام علی النبیّ الأمین محمّد صلی الله علیه و آله وآله الهداة المهدیین وعترته المنتجبین و اللعن الدائم علی أعدائهم أعداء الدین.

لقد شهدت علوم الدین مدی أربعة عشر قرناً علی طیلة تاریخها العلمی المشرف مستویً من التغیّر المستمرّ فی الحرکة إلی الأمام علی صعید الثقافة والحضارة الإسلامیة فأوجد تطوّراً منهجیّاً فی العلوم الرئیسة المختصّة بالشریعة ک: الفقه الإسلامی وعلم الکلام والفلسفة والأخلاق... وتبعاً لهذا الجانب ترک التطوّر انطباعا موازیاً بیّنا فی العلوم الأدواتیة ک: المنطق وعلم الرجال والحقوق....

وفی ضوء انتصار الثورة الإسلامیة الإیرانیة المعظمّة وحدثها الداعی إلی رؤیة دینیة حدیثة فی نطاق الحکم بغضون القرن الداعی إلی الإنفلات من ظلّ الدین والأیدیولوجیة الدینیة وما یعرض فی مسرح أحداثه من تطوّر فی مسار نظریّات العلاقات الدولیة أو تصاعد الأسلئة المعرفیّة المتعلّقة بمفهوم الوجود ومستلزماته الشاغلة لذهن الإنسان الحاضر وکذلک ما حصل من توسّع لدی علم الوجود الإنسانی فی ظلّ الأحداث والمتغیرات المعنیة بهذا الجانب؛ جعلت المفکّر الإسلامی فی أعلی مستوی من المسؤولیة أکثر ممّا

ص:5

سلف خاصّة فی الدول الإسلامیة التی باتت فی محاولة ضروریة لمواجهة الشعارات الخوّاء فی عصر العولمة فی ضوء التدقیق والملاحظة والنقد البنّاء لاجتیاح أیّ فقرة یخشی أن تسبّب مشکلات فی مقتبل الأیام.

ومن هذا المنطلق یتطلّب الصعید الحوزوی النیّر لضرورة الوقوف علی آخر المستجدّات الفکریة فی حقولها المتعدّدة والاستعانة بضروب من التحقیق العلمی الرصین بمعاییر عالمیة حیّة لتوظَّف فی نطاق الدین والشریعة للإجابة علی المتطلّبات العصریة والمنطلق الداعی إلی التکامل و التعالی فی ظلّ الدین والتزام نظامه فی العلم والحیاة من جهة أخری حیث یتطلّب الأمر من الحوزة العلمیة مسؤولیة وضع حدّ لردع الجانب العولمی وتبعاته المنحطّة علی الإنسان بلحاظه العام.

وقد کانت رؤیة التصدّی لهذا الأمر فی عنایة من مؤسسی الحوزة العلمیة هذه الشجرة الطیبة الذی (أَصلُها ثابِتٌ وَ فَرعُها فِی السَّماءِ) ، سیّما الإمام الخمینی رحمه الله الراحل وقائده المبجّل الإمام السیّد علی علیه السلام الخامنئی دام ظله الوارف فی الوقت الراهن.

وقد سعت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی ضوء ما تقدم لنیل النجاح فقامت بإرساء مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر حیث تکفّل بنشر نتاج هذا الجانب العلمی الهامّ.

وإنّ هذا الدراسة شقایق الرجال جاءت بجهود فضیلة الأستاذ عادل المیّاحی متوافقة مع نسق الرؤیة السائدة المتّبعة وهذه الأهداف السامیة.

کما ندعو أصحاب الفضیلة والاختصاص بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة حصریة بالمساهمة معنا والمشارکة فی نشر علوم أهل البیت صلی الله علیه و آله.

وختاما لیس لنا إلّا تقدیم الشکر الجزیل لکافّة المساهمین الکرام بجهودهم الخاصّة بإعداد الکتاب للطباعة والنشر.

مرکز للترجمة و النشر المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی

ص:6

الفهرس

المقدمة 13

القرآن والمرأة 14

المثل فی القرآن الکریم 15

المثل والمرأة 16

مقام المرأة فی تاریخ الإسلام 19

الفصل الأوّل: القرآن واشتراک الرجل والمرأة فی القِیّم الإنسانیّة

المبحث الأوّل: القِیّم الإنسانیّة 25

1. الإیمان 25

2. العلم 26

3. التقوی 28

4. العمل الصالح 29

الوحی والمرأة 29

النتیجة 32

المبحث الثانی: تفاوت المرأة والرجل فی الخلقة 35

فلسفة التفاوت فی الخلقة 36

التفاوت التکوینی بین الرجل والمرأة 36

الجذب الجنسی 38

دور الوالد والوالدة فی تَکون الولد 39

ص:7

مسألة خلقة حواء من آدم 40

المبحث الثالث: علاقة الأخوّة والاشتراک بین النساء والرجال 45

النساء شقائق الرجال 46

المبحث الرابع: النساء الأسوة 51

مقدمة 51

المورد الأوّل 52

1. الاصطفاء 54

2. هل أنَّ الاصطفاء حکرٌ علی الرجال فقط؟ 55

3. هل مریم نبیة؟ 57

4. دروس من قصة مریم علیها السلام 59

المورد الثانی: فاطمة الزهراء علیها السلام 60

الزهراء علیها السلام وآیة التطهیر 62

النتیجة 63

الصدّیقة الشهیدة 64

الفصل الثانی: الخطاب القرآنی والمرأة 65

المبحث الأوّل: أنواع الخطابات القرآنیة 67

أوصاف المرأة فی القرآن 68

دور المرأة فی حیاة الرجل 72

المرأة بطبیعتها عمّا تبحث؟ 73

المبحث الثانی: النساء المشار إلیهنّ فی القرآن 75

المبحث الثالث: أدب القرآن فی شؤون النساء 81

النتیجة 83

الفصل الثالث: حقوق المرأة والرجل فی القرآن

المبحث الأوّل: الحقوق المشترکة 87

حقوق المرأة علی الرجل 88

حقوق الرجل علی المرأة 88

المبحث الثانی: بحث فی الفضل 91

مقدّمة 91

ص:8

1. القِوامة 92

2. لا بدّیة القیِّم 94

3. هل القیمومة دکتاتوریة؟ 95

النتیجة 97

خلاصة القول 97

المبحث الثالث: ما هی الدرجة 99

الفصل الرابع: الحجاب: تکریم المرأة

المبحث الأوّل: الحجاب 105

الأدّلة علی وجوب الحجاب 106

فلسفه الحجاب 107

المحارم 108

المبحث الثانی: ما هو الجلباب؟ 111

الخمار 112

ثلاث وصایا 114

بدء الوصایا 114

المبحث الثالث: الحجاب والترقی والمدنیّة 117

هل الحجاب تقدّم أو تأخّر؟ 118

عواقب سفور المرأة فی العالم الحاضر 120

الفصل الخامس: المرأة وأحکام الأسرة

المبحث الأوّل: النکاح 125

أحکام النکاح 127

النفقة 128

أنواع النفقة 129

المبحث الثانی: السکن 133

المعاشرة بالمعروف 134

المبحث الثالث: الطلاق 137

هل یمکن أن تکون العصمة بید الزوجة؟ 138

ما هو الحلّ 139

ص:9

النتیجة 140

الفصل السادس: المرأة وحقوقها الاقتصادیة والسیاسیة

المبحث الأوّل: التمّلک 143

المقدمة 143

مالکیة المرأة 144

المبحث الثانی: حدود العمل وتصدی المناصب 147

عمل المرأة 149

المرأة المؤمنة العاملة 151

المرأة العاقلة 152

ملکة سبأ فی القرآن 152

و فی هذا القول 155

النتیجة 155

المبحث الثالث: الإرث 157

المبحث الرابع: الدیة والقصاص 159

القصاص 159

والقصاص نوعان 160

القرآن وقتل النفس 161

لایُقتل الرجل بالمرأة 163

المبحث الخامس: دور المرأة فی البیعة والسیاسة والحکم 167

أهلیة المرأة لتولی السلطة 168

دلیل عملی 171

الشهادة 172

استدلال منطقی 174

النتیجة 174

إذاً یمکن لنا الخروج بهذه النتیجة 175

ملحقات: 1. تجارب عملیة حدیثة 2. وقَفات

تجارب عملیة حدیثة 179

1. فقیهة أصفهان السیدة نصرة أمین 179

ص:10

طریفةٌ فی الصغر 181

طفولة متمیزة 181

السیدة أمین والتفسیر 181

ملامح تفسیر (مخزن العرفان) 182

من أقوالها 182

2. الشهیدة بنت الهدی 182

القصة الإسلامیة 183

بنت الهدی والعمل 184

من أقوالها 184

بنت الهدی والشعر 185

جهادها 186

وقَفات 187

الوقفة الأولی: مع الشیخ شمس الدین 187

الوقفة الثانیة: مع محمّد شحرور 189

نقد الکتاب 190

ما قاله فی المرأة 190

الخاتِمة 193

المصادر 195

المصادر العربیة 195

المصادر الفارسیة 199

المجلات والکتیبات 200

ص:11

ص:12

المقدمة

اشارة

إنّ للمرأة دوراً کبیراً فی حیاة الإنسانیّة حتی عدّوها نصف المجتمع وهی کذلک ولکن الذی یَنظر لها فی الأزمنة السالفة والحضارات القدیمة یری غیر ذلک.

إنّ بعض الحضارات عامَلتها علی أنّها تبعٌ للرجل فی کل شیء وبعض الحضارات کانت تنظر للمرأة علی أنّ لیس لها نفس الرجل.

وأمّا الدیانات المُحرَّفة کالیهودیّة فاعتبرتها أساس الشقاء؛ لأنّها أغوت آدم وأخرجته من الجنّة؛ لأن «قلبها أشراک ویداها قیود» وهی

«أمرُّمن الموت».(1)

ولکنَّ القرآن وحضارة الإسلام یطرحان فکراً جدّیاً وهو: أنَّ للمرأة کیاناً أعلی ممّا ذُکر حیث یقول: إنّ

«النساء شقائق الرجال»(2) و

«الجنّة تحت أقدام الأمهات» وفی قِبال من یئدون البنات قال:

«وخیر أولادکم البنات»(3) وأخیراً یجعل کرامة الإنسانیّة من کرامتهنَّ

«ما أکرَمهنَّ إلاّ کریمٌ وما أهانهنَّ إلَّا لئیمٌ»(4)،

ص:13


1- (1) التوراة: سفر الجامعة، العهد القدیم: 979، الفقرة: 27.
2- (2) سنن الترمذی: 190/1.
3- (3) الکافی: 6/6.
4- (4) نهج الفصاحة: ح 1520.

بل إنَّ القرآن جعل خلقَ المرأةِ آیةً وأنَّها مِن نفس الرجل ومِن جنسه قال تعالی:(وَ مِن آیاتِهِ أَن خَلَقَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً لِتَسکُنُوا إِلَیها وَ جَعَلَ بَینَکُم مَوَدَّةً وَ رَحمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَومٍ یَتَفَکَّرُونَ)1 ، وبذلک تکون الحضارة الإسلامیّة أعطت للمرأة مقاماً مقدَّساً.

وفی هذا البحث سوف نَمرُّ بمصادیق هذا المقام.

القرآن والمرأة

قال تعالی:(وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَونَ إِذ قالَت رَبِّ ابنِ لِی عِندَکَ بَیتاً فِی الجَنَّةِ وَ نَجِّنِی مِن فِرعَونَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ القَومِ الظّالِمِینَ * وَ مَریَمَ ابنَتَ عِمرانَ الَّتِی أَحصَنَت فَرجَها فَنَفَخنا فِیهِ مِن رُوحِنا وَ صَدَّقَت بِکَلِماتِ رَبِّها وَ کُتُبِهِ وَ کانَت مِنَ القانِتِینَ) .(1)

فی هذه الآیة نری أنَّ القرآن قدَّم المرأة الصالحة مثلاً عملیاً للرجال والنساء علی حدٍ سواء وطالبهم بالإقتداء بها، ففی قوله تعالی:(وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا) نری عبارتی (وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً) و (لِلَّذِینَ آمَنُوا) ، تُبرزان مفهوماً حضاریاً إیمانیاً فریداً فی عالم الفکر والحضارة الخاص بالمرأة، فقد جعلها الله مثلاً أعلی وقدوةً للرجال کما هی قدوةٌ للنساء فی العقیدة والموقف الإجتماعی والسیاسی.

عرض القرآن نموذجین لسموّ شخصیة المرأة المؤمنة ومکانتها، حیث عرض امرأة فرعون ملکة مصر وسیدة البلاط والتاج والسلطة السیاسیة والدولة الکبری فی ذلک العالم، التی تحدّت السلطة وأبدت موقفاً عظیماً من خلال رفضها لفرعون وعمله.

ص:14


1- (2) التحریم: 11-12.

فهذه امرأة ولیست امرأة عادیة بل زوجة فرعون زوجة الإله و هوالقائل:(أَنَا رَبُّکُمُ الأَعلی)1 ، وهی مثلٌ أعلی للإنسان الذی یعیش فی مجتمع شرّیر ویقول:

«أنا لست قادراً علی أن أتخلص منه».

فالقرآن یقول: أیّ بیئة أخطر من بییئة فرعون ومع ذلک فإنّ هذه الإنسانة وبسبب أصالة إیمانها وقوة إرادتها وعقلها و وعیها استطاعت أن تستحق کل هذه الأمور وأن تطلب من الله أن یبدلها بیتاً فی الجنة.(1)

والخلاصة: یُبین هذا المثل القرآنی أن هناک مِن النساء مَن تملک عقلاًیفوق عقول الرجال، وإرادة تفوق إرادة الرجال، وقوة شخصیة تفوق شخصیة الرجال.

وأما مریم ابنة عمران فهی التی تحدّت کبریاء بنی إسرائیل وتآمرهم وحربهم الدعائیة ضدّها بعد أن اصطافها الله مرتین ومن ثَمَّ عاشت تجربتها بین الخوف والرجاء، کما سنُبیِّن.

المثل فی القرآن الکریم

من الأسالیب البلاغیة التی استخدمها القرآن الکریم أسلوب التمثیل وضرب والمثل من آداب الشعوب وجزء مهم من ثقافتها ویُعدُّ أیضاً خلاصةً لتجاربَ مرّت فی حیاتها وعبرة لمن یرید الاعتبار وللمثل خصائص حیث یجتمع فی المثل أربعةٌ لا تجتمع فی غیره من الکلام: إیجاز اللفظ، وإصابة المعنی، وحُسن التشبیه، وجودة الکفایة فهو نهایة البلاغة(2) وحیث إنهم کانوا لایُصغون إلی سَماع القرآن، ولهذا قالوا:(لا تَسمَعُوا لِهذَا القُرآنِ وَ الغَوا فِیهِ)4 ولکنَّهم

ص:15


1- (2) القاضی، الندوة: 185.
2- (3) الأمثال فی القرآن الکریم: ص 21.

کانوا یحبون الأمثال، فاستعمل القرآن أسلوب التمثیل استدراجاً لهم إلی سَماع القرآن والإصغاء إلیه.(1)

ضرب القرآن الأمثال بعدة أشیاء منها المعنوی کالکلمة (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ...)2 ومنها المادیّ کالإنسان الرجل:(وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَینِ أَحَدُهُما أَبکَمُ لا یَقدِرُ عَلی شَیءٍ وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَولاهُ)3 ، والمرأة (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امرَأَتَ نُوحٍ وَ امرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحتَ عَبدَینِ مِن عِبادِنا صالِحَینِ فَخانَتاهُما فَلَم یُغنِیا عَنهُما مِنَ اللّهِ شَیئاً وَ قِیلَ ادخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِینَ) .(2)

المثل والمرأة

إنَّ المثل یُضرب لکل فرد (ذَکَرٍ أَو أُنثی) ، وهو ینطبق علی کل زمان ومکان وعلی کلّ حالة مشابهة مع ملاحظة الفارق، وکما یُقال:

«الأمثال تُضرب ولا تُقاس».

لقد ضرب الله ُالمثلَ بالمرأة وذلک لأهمیّة دورها وخطورة موقعها فی الحیاة الإنسانیّة سواء المرأة الصالحة منها أم الطالحة، فقد حکی القرآنُ عدة حالاتٍ بضرب المثل (لِلَّذِینَ کَفَرُوا) بمثالینِ هما امرأة نوح وامرأة لوط، و (لِلَّذِینَ آمَنُوا) بمثالینِ: هما زوجة فرعون ومریم العذراء.

نلاحظ أنّ الآیة قالت:(لِلَّذِینَ کَفَرُوا) ، ولیس للنساء الکافرات ولا لللاتی کفرن ومن هذا نعلم أنَّ (لِلَّذِینَ کَفَرُوا) لیس الرجال الکفرة أو النساء الکافرات بل کلاهما أی أنَّ المثل للرجال و النساء.

ص:16


1- (1) الرازی، محمّد، غرائب آی التنزیل: 235.
2- (4) التحریم: 10.

وهذا المثل یُوضّح الجانب السلبی لشخصیة المرأة وهو صورة المرأة المنحرفة عن الدّین والخائنة للنّبی مع أنَّها زوجته التی یسکن إلیها، فالله أعدّ الجنّة لمن أطاعه، فالزوج الصالح ینطلق مع الزوجة الصالحة علی نعیم الله، أما الزوجة الکافرة فهی من أهل النار حتی لو کانت عند الزوج المؤمن:(کانَتا تَحتَ عَبدَینِ مِن عِبادِنا صالِحَینِ فَخانَتاهُما فَلَم یُغنِیا عَنهُما مِنَ اللّهِ شَیئاً وَ قِیلَ ادخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِینَ) .(1)

وفی الجانب الإیجابی نری القرآن ضرب مثلاً امرأة فرعون للرجال والنساء معاً (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا) لینطلقوا فی الحیاة فی الخط الذی سارت علیه. فإذا طلبت الدنیا منهم أن یخضعوا للظلم علی حساب إیمانهم وأسلامهم وزینَّت لهم بعض المظاهر، فإنَّ علیهم أن یستحضروا هذا المثل الإنسانی الحی الذی یمثل قمة فی الالتزام وقمة فی الرسالیة والروحیة....

والخلاصة

أنَّ فی جعل المرأة مثلاً مسألة مهمَّة وهی علی الرجال والنساء أن یأخذوا العبرة من هذا التحذیر فی المثل الأوّل ومفارقة أخلاق الکفرة وفی المثل الثانی علیهم الاقتداء فی موافقة أخلاق أهل الإیمان علی کل حال.

ص:17


1- (1) التحریم: 10.

ص:18

مقام المرأة فی تاریخ الإسلام

إنَّ من یقرأ عن الإسلام و دساتیره القیّمّة فی القرآن الکریم سوف یمُّر بنظریات وتطبیقاتها فی الحیاة العملیة للمسلمین، فالقرآن کما فرض طاعة المرأة - ضمن طاعة الوالدین - بعنوان أنَّها أمّ (وَ قَضی رَبُّکَ أَلاّ تَعبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ وَ بِالوالِدَینِ إِحساناً إِمّا یَبلُغَنَّ عِندَکَ الکِبَرَ أَحَدُهُما أَو کِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنهَرهُما وَ قُل لَهُما قَولاً کَرِیماً)1 فإنَّه فرض لها حقوقاً علی إنفراد بعنوان أنَّها شریکة الرجل ولها ما لَهُ وعلیها ما علیه بقوله تعالی:(وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ...)2 وهذا یُعطی أعظم قانون إلهیَّ سبق جمیع القوانین الوضعیَّة فی مساواة المرأة مع الرجل فی جمیع الحقوق بما یناسب شخصیتها وطبیعتها وهذا التحدید فی إعطاها یکون حسب المعروف الذی بنی الإسلام قوانینه المتفقة مع الفطرة.

عندما نقرأ التاریخ ندرک مکانة وأهمیّة المرأة فی الرسالة الإسلامیّة فی التطبیقات العملیة فی حیاة النبی صلی الله علیه و آله بالشکل الذی یتسامی بشخصیتها

ص:19

ویمجّدها باحترام وتقدیر، فنجد الکثیر من المواقف بل أنّ تاریخنا یطفح بما یُشرق له وجه المسلم ویفتخر به، لا کما یصفه مرضی القلوب، فنری الرسول تارة یتألم لفقدان فاطمة بنت أسد «أمه التی لم تلده» ویشارک علیاً علیه السلام بقوله: «و والدتی» بعد أن قال علی علیه السلام: «ماتت والدتی» ثُمَّ یأمربتکفینها بقمیصه الذی یلی جسده ومن ثَمَّ شیعها وهو حافِ القدمین ولقَّنها بعد أن نام فی قبرها،(1) وتارةً أخری یثور بوجه من استصغر شأن خدیجة ویقول:

«صدقتنی إذ کذبتم وآمنت بی إذ کفرتم و ولدت لی إذ عقمتم».(2)

وقوله صلی الله علیه و آله:

«إنّی لأحبّ حبیبها»(3) وإجلاسه لأخته من الرضاعة فی مجلسه، وتعظیم سفانة بنت حاتم الطائی؛ إذ قال فیها:

«ارحموا عزیزاً ذلَّ وغنیاً افتقر...».(4)

وأمَّا فی حق فاطمة علیها السلام فإنه صلی الله علیه و آله وضع المرأة أعلی ممّا تذهب إلیه الأفکار کما سنذکر فهی التی لا کفؤَ لها إلا علی علیه السلام وهی أفضل النساء بل سیدة النساء بعد أن قال بعصمتها دون غیرها عصمة ذاتیة لم تکن لقبلها ولا لبعدها وجعل غضب الله متوقف علی غضبها وفداها ابوها وقال:

«فاطمة أحبَّ إلیَّ»(5) فی حین کان بعضهم یترفع ویتعالی عن کلمة حب، وختمها الإنسان الکامل بهذه الجواهر من الکلام تصدر علی لسان ولده الصادق علیه السلام:

«من خُلق الأنبیاء حُبُّ النساء».(6)

ص:20


1- (1) بحار الأنوار: 180/35.
2- (2) کشف الغمة: 71/2.
3- (3) صحیح مسلم: 201/15.
4- (4) الکافی: 150/8.
5- (5) بحار الأنوار: 62/36.
6- (6) الکافی، الفروع: 320/5.

وأمَّا علی علیه السلام، فإَّنه یتعامل مع النساء بما یُلیق - حتی لو کنَّ أعداءه - فنراه یحمیها ویمنع من یرید السوء بها بل ویحادثها بأدب وینقلها إلی موطنها معززة مکرّمة تخدمها النساء وتحرّسها الرجال، وأما مصداق الآیة:(وَ ما لَکُم لا تُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ المُستَضعَفِینَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الوِلدانِ...)1 فنراه فی سیرة علی علیه السلام، فعند ما حثَّ الله سبحانه وتعالی علی القتال فی سبیل إنقاذ النساء والدفاع عن حیاتهنَّ وحریتهنَّ وکرامتهنَّ أسوة بالرجال ونری علیاً علیه السلام یُظهر حالة لا یملکها إلا القلائل حیث یحثُّ علی الدفاع عن العِرض والأرض حتی یعتبر أن الأجدر بالإنسان الموت أسفاً وألماً بقوله:

هذا أخو غامد وقد وردت خیلُهُ الأنبار... وقد بلغنی أنَّ الرجل منهم کان یدخل علی المرأة المسلمة والأخری المعاهدة فینتزع حِجلها وقُلبها وقلائدها ورُعثها ماتمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام... فلو أنَّ إمرأً مسلماً مات من بعد هذا إسفاً ماکان به ملوماً بل کان به عندی جدیرا.(1)

وهکذا نجد الکثیر من المصادیق من النساء اللواتی لهنَّ دورٌ فی حیاة المسلمین عامةً وحیاة الأئمة علیهم السلام خاصةً فمثل زینب علیها السلام التی وقفت مع الحسین علیه السلام کان دورها هو المُکمل لثورته، ونری موقفها الذی خلّده التاریخ حیث تَرکت الوطن والأهل طاعةً لإمامها فنطق بحقها حُجة الحق الإمام السجاد علیه السلام:

یاعمَّة أنتِ بحمد الله عالمةٌ غیر معلَّمة وفهمةٌ غیر مُفهَّمة.(2)

لأنها تعرف تکلیفها وهذا دلیلٌ علی کمال عقلها وأنَّها بلغت ما لم یبلغه الکثیر من الرجال، وتستمرّ السلسلة الذهبیة من هذا النّسل المبارک ومن غیره من

ص:21


1- (2) نهج البلاغة، الخطبة: 27، نسخة المعجم المفهرس.
2- (3) بحار الأنوار: 164/45.

الصالحات والمجاهدات کأمهات الأئمة علیهم السلام وأخواتهم وبناتهم ومن النساء اللاتی عشنَ مع الأئمة علیهم السلام، وتنقل کتب السِیر وکتب التاریخ شهادات الأئمة بحقهنَّ وإعظامهم لهنَّ....

وبعد استقراء هذه الصور و المآثر یمکن لنا أن نخرج بنتیجة مهمّة وصورة واضحة تُبیّن مدی اهتمام المسلمین وأهل البیت علیه السلام بالمرأة.

ص:22

الفصل الأوّل: القرآن واشتراک الرجل والمرأة فی القِیّم الإنسانیّة

اشارة

ص:23

ص:24

المبحث الأوّل: القِیّم الإنسانیّة

1- الإیمان

من المعاییر والقِیم التی لم یُفَرِّق فیها القرآن بین الرجل والمرأة هو معیار الإیمان الذی رافقت فیه المرأة الرجلَ ولم تتخلف عنه فذکرها القرآن بصراحة معه بنفس المستوی (إِنَّ المُسلِمِینَ وَ المُسلِماتِ وَ المُؤمِنِینَ وَ المُؤمِناتِ وَ القانِتِینَ وَ القانِتاتِ وَ الصّادِقِینَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِینَ وَ الصّابِراتِ وَ الخاشِعِینَ وَ الخاشِعاتِ وَ المُتَصَدِّقِینَ وَ المُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِینَ وَ الصّائِماتِ وَ الحافِظِینَ فُرُوجَهُم وَ الحافِظاتِ وَ الذّاکِرِینَ اللّهَ کَثِیراً وَ الذّاکِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَ أَجراً عَظِیماً)1 فإنَّ الإسلام والإیمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والذکر الکثیر وغیرها من المقامات الثابتة للمرأة والرجل ویمکن لکلیهما العروج فی سُلَّم التکامل والوصول لمقام القرب الإلهی، بل وصلت بعض النساء إلی مستوی عالی فی الکمالات إلی الحدّ الذی أصبحت تحدِّثها الملائکة کمریم علیها السلام أو تخدمها کالزهراء علیها السلام.

ونری فی آیةٍ أخری أن کلَ عملٍ له قیمته واعتباره عند الله سواء صدر

ص:25

من رجل أو امرأة (فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی بَعضُکُم مِن بَعضٍ...)1 وفی موضعٍ آخر نجد أنَّ القرآن یُعلنها صراحةً أنَّ الإیمان هو المحوِّر الذی یعتمد علیه التقییم، ولا تفاوت فی الوصول لِلجَنَّة بین الرجل والمرأة (وَ مَن یَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِکَ یَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَ لا یُظلَمُونَ نَقِیراً) .(1)

وهکذا تنطلق الآیات فتُساوی فحواها بین الرجل والمرأة فی آثار أعمالهما فإنَّ العمل الصالح الصادر منهما یُکافئان به فی الدنیا والآخرة علی حدٍ سواء (مَن عَمِلَ صالِحاً مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجزِیَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما کانُوا یَعمَلُونَ)3 ونصل مع القرآن إلی الدرجة التی تکون فیها المرأة أفضل من الرجل إذا دخلت دائرة الإیمان، وعلی هذا لایکون الرجل أهلاً لها بل لا یکون حِلاً لها (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَکُمُ المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِن عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤمِناتٍ فَلا تَرجِعُوهُنَّ إِلَی الکُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُم وَ لا هُم یَحِلُّونَ لَهُنَّ) .(2)

2- العلم

إنَّ مِن أوضح المطالب التی شجَّع علیها الإسلام وجعله مقصوداً عظیماً، بل أساساً للتفاضل هو العلم وقد جاءت آیاتٌ کثیرةٌ تُبیَّن فضیلة العلم والتعلیم والحث علیهم(3) ، ومنها قوله تعالی:(قُل هَل یَستَوِی الَّذِینَ یَعلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعلَمُونَ)6

ص:26


1- (2) النساء: 124.
2- (4) الممتحنة: 10.
3- (5) جاءت کلمة الِعلم ومشتقاتها فی القرآن فی 55 موضعاً تقریباً.

فالإسلام لایمنع المرأة کما لایمنع الرجل بل یشجعهما ویمکن أن نری ذلک حتی فی الدعاء کما فی قوله تعالی:(وَ قُل رَبِّ زِدنِی عِلماً) .(1)

أو بصیغة الأمر:(اقرَأ وَ رَبُّکَ الأَکرَمُ اَلَّذِی عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسانَ ما لَم یَعلَم) .(2)

وفی موضعٍ آخر نری القرآن یُبیَّن أنَّ أفضل نعمة أنعم الله بها علی الإنسان الأنثی والذکر بعد نعمة الخلق هی العلم:(الرَّحمنُ عَلَّمَ القُرآنَ خَلَقَ الإِنسانَ عَلَّمَهُ البَیانَ) .(3)

وأما فی سورة الأحزاب فإنّنا نجد أنَّ القرآن جاء بصیغة الأمر فی قضیة تعلیم النساء فی أن یذکرنَ آیات الله ویتعلمن ما فیها من تشریع وسنن (وَ اذکُرنَ ما یُتلی فِی بُیُوتِکُنَّ مِن آیاتِ اللّهِ وَ الحِکمَةِ إِنَّ اللّهَ کانَ لَطِیفاً خَبِیراً)4 فیمکن من الآیة استنتاج الحکم بوجوب تعلیم المرأة وتثقیفها والإطلاع علی ما یهذبها وحثها علی اکتساب الحکمة والمعرفة، بعد ثبوت عمومیة خطاب القرآن لکل النساء.

أما ما شاع بین المسلمین من منع المرأة من التعلم ومن حقوق أُخَر، فمَردُّه إلی الفکر الخاطئ الذی نشأ من:

انحراف الواقع الإسلامی السلطوی عن الخلافة وتحوله إلی ملک یُحاکی الممالک التی کانت تُحیط بالعالم الإسلامی من فرس وروم.(4)

إضافةً لفقدان الشخصیّات القیادیّة الواعیة الأمینة علی رعایة الأمّة ومصالحها، ومع کل ذلک نجد النساء العالمات والراویات اللواتی یذکرهنَّ التاریخ

ص:27


1- (1) طه: 114.
2- (2) العلق: 3-5.
3- (3) الرحمن: 1-4.
4- (5) دنیا المرأة: 35.

کالزهراء المُحَدَّثة(1) و ابنتها زینب علیها السلام العاِلمة غیر المُعلََّمة(2) ، وکثیر ممَّن ذکرهنَّ التاریخ.(3) بل أنَّ هناک کتباً خصصت فی ذکر النساء البارزات، مثل بلاغات النساء لابن طیفور 385 ه، ومن الکتب القیَّمة المعاصرة کتاب أعلام النساء المؤمنات(4) للمؤلِفَین محمّد الحسون وأم علی علیه السلام المشکور والذی ذکر ما یزید علی أربعمائة ترجمة لنساء بارزات فیهنَّ الراویات والفقیهات والمؤلّفات.

ولا بدّ لنا من الإشارة فی آخر بحث العلم إلی الحدیث النبوی المشهور:

«طلب العلم فریضة علی کلِ مسلم الا إنَّ الله یحب بغاة العلم».(5) الذی لایفرِّق بین الذکر والأنثی، والذی جعل فیه الرسول صلی الله علیه و آله العلم فریضةً وشجَّع علیه.

3- التقوی

صرَّح القرآن فی عدة سور وآیات بعدم وجود التفاضل بین خلقه إلّا بالتقوی وهذا الملاک لا یتقیَّد بالذکورة أو الأنوثة:(یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناکُم مِن ذَکَرٍ وَ أُنثی وَ جَعَلناکُم شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکرَمَکُم عِندَ اللّهِ أَتقاکُم)6 فبإمکان المرأة أن تسبق الرجل وتجتازه مادام الشرط الوحید هو العمل الصالح والسلوک الحسن لا فرق فی ذلک بین أن یکون السالک رجلاً أم امرأة، فبإمکان أی منهما أن یسمو ویرتفع بعمله

«مادام الفضل فی التقوی»(6) لقد أورد القرآن الکریم إلی جانب کل عظیم وقدّیس عظیمةً وقدیّسةً من نساء آدم وإبراهیم علیهما السلام

ص:28


1- (1) علل الشرائع: 183/1.
2- (2) بحار الأنوار: 164/45. باب 39، ح 7.
3- (3) یذکر السید الخوئی فی معجم رجال الحدیث: 134 من الراویات والمحَدِّثات: وأما خیر الدین الزرکلی، فیذکر فی کتابه الأعلام الکثیر من النساء المشهورات اللاتی أثَّرنَ فی حیاة البشریة.
4- (4) قامت مؤسسة منشورات أسوة فی طهران بالتصدی لنشره.
5- (5) وسائل الشیعة: 26/27، باب: 4، ح: 18.
6- (7) مجلة الفکر الجدید، عدد: 13-176/14.

إلی أمهات موسی وعیسی علیهما السلام واذ أشار إلی امرأتی نوح ولوط علیهما السلام کشخصیّتین منحرفتینِ، فقد أشار إلی إمرأة فرعون کشخصیة قویة صالحة، کأنّما أراد القرآن أن یحفظ التوازن بین الرجل والمرأة فی قصصه وآیاته.

4- العمل الصالح

قال تعالی:(فَمَن کانَ یَرجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلیَعمَل عَمَلاً صالِحاً...)1 وهذا الأمر بالعمل موَّجهٌ للرجل؛ والمرأة ولایوجد فرق بین العمل الصالح الصادر من الأنثی وبین مثیله الصادر من الرجل؛ لأنّهما متساویان من هذه الجهة ولیس لعمل الرجل أفضلیة؛ لرجولته، بل إنَّ بعض الأعمال الصالحة صدرت من بعض النساء لها من الأفضلیة بحیث إنّها أصبحت عبادة واجبة علی الرجل والمرأة، فالسعی بین الصفا والمروة أصبح من شعائر الله، مع العلم أنه صدر من هاجر زوجة إبراهیم علیه السلام وللبحث صلة.

الوحی والمرأة

إنّ مصطلح الوحی ذُکر فی القرآن الکریم فی موارد عدیدة منها ما أُختُص بغیر الناطقین وهو ما یسمّی بالالهام الغریزی کما فی آیة:(وَ أَوحی رَبُّکَ إِلَی النَّحلِ...)2 وقوله فی الأرض:(بِأَنَّ رَبَّکَ أَوحی لَها) .

ومنها ما أختص بالناطقین، ولکن السؤال هو هل أنَّ الوحی مختص بالرجال فقط! أو یشمل النساء؟ أو یختلف؟

فی بدایة البحث لا بدّ من تعریف الوحی لغةً: وهو الإعلام فی خفاء(1) أو الإشارة السریعة کما یقول الراغب.

ص:29


1- (3) لسان العرب: 381/15.

و علیه فلنا أن نقول إنَّ الوحی المذکور فی القرآن، والذی لا ینبغی أن یتعجب منه لا بدّ أن یکون إدارکه سهلاً خالیاً من التعقید،(1) وهو ضربٌ من الإعلام الخفی السریع لم یبتعد عن المعنی اللغوی الأصلی لمادة الوحی فی الموارد التی ذکر فیها سواء الناطقین أم غیرهم.

ففی موارد الوحی الخاص بالنبی صلی الله علیه و آله:(وَ ما یَنطِقُ عَنِ الهَوی) ،(إِن هُوَ إِلاّ وَحیٌ یُوحی)2 لا کلام لنا؛ لأنّه وان کان یشابه مدلول الوحی بین جمیع النبیین تشابه اللفظ الدال علیه مع وجود التفاضل فی المقام: (وَ لَقَد فَضَّلنا بَعضَ النَّبِیِّینَ عَلی بَعضٍ)3 ؛ لکنه مختص بالرجال کما فی قوله تعالی:(وَ ما أَرسَلنا مِن قَبلِکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیهِم...)4 وانما الکلام الذی یمکن قوله - بدون تردد - هی أنّ حالة الوحی التی حصلت للرجال:(وَ إِذ أَوحَیتُ إِلَی الحَوارِیِّینَ...)5 حصلت أیضاً لواحدة من النساء (وَ أَوحَینا إِلی أُمِّ مُوسی أَن أَرضِعِیهِ)6 وهذا الوحی فی کلا الموردین بمعنی الالهام الفطری الإنسانی کما یقول صاحب المیزان فی شأن أم موسی(2) وینقل عن تفسیر العیاشی فی شأن الحواریین.(3)

إذاً: حالة الوحی قد حصلت للنساء ولیست محصورة علی الرجال ویمکن أنّ تقع بمستوی أعلی من وحی أم موسی وخاصةً أنّ القرآن یذکر کلمة بشر التی تعمَّ الرجل والمرأة (وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَن یُکَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحیاً...)9 وهذا ما

ص:30


1- (1) مباحث فی علوم القرآن: 23.
2- (7) المیزان فی تفسیر القرآن: 222/6.
3- (8) المصدر.

حصل فی خطابه تعالی لزوجة إبراهیم علیه السلام سارة أم إسحق حیث تتحدث الآیات القرآنیة لنری جلّیاً أنَّ المرأة المتمثلة بشخص سارة لها القابلیة علی سَماع صوت الملَک ورؤیته والحدیث معه، ففی سورة هود (وَ امرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَت فَبَشَّرناها بِإِسحاقَ وَ مِن وَراءِ إِسحاقَ یَعقُوبَ) فإنّها بعد إنّ کانت قائمةً تنظر ما یجری بین الضیوف وبین إبراهیم علیه السلام أخذها الذعر والاستغراب من امتناع الضیوف عنّ الاکل وعند ادارکها أنَّهم ملائکة مکرمون نزلوا بیتهم سُرّت و فرحت، ثمّ حصلت عندها حالة الحیض(1) - وعند ذلک (فَبَشَّرناها) تبدأ المحاورة (قالَت یا وَیلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعلِی شَیخاً إِنَّ هذا لَشَیءٌ عَجِیبٌ) ففی المحاورة معهم حدیثٌ مباشرٌ معهم ولهذا أخذت البشارة منهم مع علمها بأنَّهم ملائکة وهذا مماخُص به بیتُ إبراهیم من عنایات عظیمة ومواهب عالیة، ثمّ تردُّ الملائکة (قالُوا أَ تَعجَبِینَ مِن أَمرِ اللّهِ رَحمَتُ اللّهِ وَ بَرَکاتُهُ عَلَیکُم أَهلَ البَیتِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ) .(2)

وإذا قیل: إن قومَ لوط رأوا الملائکة مع کونهم کُفّاراً!

یقال: إنّ هذا لایعتبر مکرمة لهم لأنهم لم یکونوا یعلمون بأنَّهم ملائکة مع أنَّهم مخالفون لفکر النبّی والملائکة.

نستنج من قضیة أم موسی وزوجة إبراهیم سارة أنَّ الوحی بمفهومه العام والتحدث مع الملائکة لیست حجراً علی الرجل ولیست من مختصاته وأنَّ المرأة لها اللیاقة والقابلیّة علی ذلک وأنّ الإشکالات حول أنَّ الزهراء «مُحَدَّثَة»

مردودة بل هی مُحَدَّثَة(3) و الأکثر من ذلک أنّ الملائکة تخدمها کما کان جبرائیل خادماً لأبیها، وکیف لا وهم المُصطفَون الأخیار وأنّ الزهراءَ سیدةُ

ص:31


1- (1) المیزان: 328/10.
2- (2) هود: 73.
3- (3) علل الشرائع: 183/1، باب 146، ح 1.

نساءِ العالمین والمعصومة الوحیدة الأنثی بین أربعة عشر معصوماً.

و فی نهایة هذا البحث، لابدَّ من الإشارة إلی تعریف الإلهام وتعریف الوحی حتی یتضح الفرق.

الإلهام هو: عبارة عن فکرة یدرکها الإنسان مصحوبة بالشعور الواضح بأنّها ملقاة من طرف أعلی منفصل عن الذات الإنسانیّة، وإن کان لا یدرک الإنسان شکل الطریقة التی تَمَّ فیها هذا الالقاء.

و أمَّا الوحی، فهو عبارة عن فکرة یدرکها الإنسان، مصحوبة بالشعور الواضح، بأنّها ملقاة من طرف أعلی منفصل عن الذات الإنسانیّة، وشعور آخر واضح بالطریقة التی تّمَّ فیها الالقاء، مع وجود عنصر الغیب والخفاء فی هذه العملیة(1) ، وعلی هذا فیکون الفرق بینهما فی شکل الطریقة التی تَمَّ فیها الالقاء والإتصال بین الملقی و الملقی له فیکون الإلهام قریب من الوحی الإصطلاحی وإن کان وحیاً بالمفهوم العام وکما یقول صاحب المیزان:

و قد قررّ الأدب الدینی فی الإسلام أن لایطلق الوحی علی غیر ما عند الأنبیاء والرسل من التکلیم الإلهی.(2)

النتیجة

نخلص بعد هذا البحث بنتیجة مهمّة هی أنَّ للوحی مراتب تعتمد علی الشخص المُوحی إلیه، وماهیة الوحی، وطریقة الوحی، وهذه المراتب غیر ناظرة إلی کون المخاطب رجلاً أو إمرأة، إلّا ما یخص النبوة والرسالة التی اختص الله بها الرجال ورفع حملها عن کاهل النساء.

وفی نهایة هذه المبحث ندرک أنَّ المرأة لها القابلیة فی مواکبة الرجل فی جمیع القَیِّم الإنسانیّة خطوةً بخطوةٍ وأنَّ کونها أُنثی لایمنعها ولایُعد نقصاً فیها

ص:32


1- (1) علوم القرآن: 151.
2- (2) المیزان: 292/12.

کما کانت الحضارات السابقة کالیونانیة التی تعتقد أنَّها «شخصیة ضعیفة فی المجتمع الإنسانی وذات شخصیة تبعیة بل أنَّها کالحراثیم المضرة»(1) أو أنَّها (رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّیطانِ) ؛ وأمَّا الحضارة الرومانیَّة فهی تعتقد بأنَّ «لیس لها نفس مع کون الرجل ذا نفس مجردة إنسانیة».

وأمّا مَن جاء بعدهم، فقد خفَّف الوطءَ فقد قرَّرمجمع فرنسا سنة 586 م بعد البحث الکثیر فی أمرها أنّها إنسان لکنّها مخلوقة لخدمة الرجل.(2)

مع العلم إنَّ انجلترا إلی ما قبل مائة سنة تقریباً کانت لا تعدّها جزءَالمجتمع الإنسانی، کلُ ما ذکرناه تعتقد به تلک الأمم وتعامل المرأة علی أساسه.

ولکنّنا نجد الحضارة الإسلامیّة بعیدة کلَّ البُعد عن هذه الانحرافات عن الفطرة التی فطر اللهُ الناسَ علیها وإذا کان هناک فرقٌ فهو من باب المراعات لشأنها وخصوصیاتها، والقرآن وضّح ذلک فی سوره وآیاته (فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی بَعضُکُم مِن بَعضٍ...)3 فهو یساوی بینهم فی مستوی العمل وقیمته کما أنَّ بعضهم من بعض.

إنّ ظهور التفاوت فیما بین الرجل والمرأة فی المواهب والإمکانیات ما هو إلّا تبعٌ لذلک الفرق الفطری والتکوینی وأیّاً ما کان هذا الاختلاف، فلا یشکِّل میزةً للرجل، ولا مغمزاً للمرأة، وإنّما هی حلقات یکمِّل بعضها بعضاً،

ومن لطیف ما قیل فی ذلک قول غاندی:

إنّ المرأة والرجل کشفرتی المقراض تختلف الواحدة عن الأخری، وتتمم الواحدة الأخری.(3)

ص:33


1- (1) المصدر: 266/2.
2- (2) المصدر: 90/4.
3- (4) الباجوری، جمال، المرأة فی التفکر الإسلامی: 40/2.

والقرآن یعبِّر عن ذلک الإرتباط بأحسن تعبیر:(وَ مِن آیاتِهِ أَن خَلَقَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً لِتَسکُنُوا إِلَیها وَ جَعَلَ بَینَکُم مَوَدَّةً وَ رَحمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَومٍ یَتَفَکَّرُونَ)1 ، فهذه الآیة تعتبر المرأة من الرجل ومن نفسه ولیست غریبة علیه فهی من سنخه و هو من سنخها وجعلها سبحانه سکناً وإطمئناناً للرجل تربطها به رابطة الموَّدة والرحمة، لا رابطة التسلط أوالاستضعاف، حیث أنَّ کلاً من الرجل والمرأة یشکل وحدة متکاملة یتمم بعضها بعضاً، فلا یستطیع الرجل الحیاة بدون المرأة، کما أنَّ المرأة لا تستطیع أن تعیش بدون الرجل فکلٌ منهما خلق للآخر، وهذا ما یؤیده الإسلام حیث یقول أنا ضد الرأی القائل: «إنَّ المرأة خلقت للرجل»(1) ؛ لأنَّ فی هذا القول ضیاعاً لشخصیة المرأة وکیانها واندثاراً لحقوقها، بل أنَّ القرآنُ یعبِّر بأحسن وأجمل تعبیر وهو:(هُنَّ لِباسٌ لَکُم وَ أَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ)3 وهذا أکبر تصریح بأنَّ کلاً منهما قد خُلِقَ للآخر.

ص:34


1- (2) مجله الفکر الجدید العدد: 13-14، ص 177.

المبحث الثانی: تفاوت المرأة والرجل فی الخلقة

اشارة

من الأمور الطبیعیّة التی أوجدها الخالق - جلَّ وعلا - فی هذا الکون هی مسألة الاختلاف والتفاوت والتنوع، فنجد الألوان المختلفة لبشرة الإنسان بین الأبیض والأسود والأصفر ونجد الغنی والفقیر ونجد العالم والمتعلِّم وهکذا نجد الاختلاف فی البلاد بین السهلة والجبلّیة وبین الزراعیَّة والصحراء القاحلة ونلاحظ ما ینبت فیها من الأطعمة المختلفة الحلو منها والمرّ والمالح والحامض وما یخرج منها أنواع المعادن و...، قال الله تعالی:(... لا یَزالُونَ مُختَلِفِینَ * إِلاّ مَن رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذلِکَ خَلَقَهُم...)1 أنَّ الاختلاف من حیث الطبائع المنتهیة إلی إختلاف البنُی ممّا لا مناصَ منه فی العالم الإنسانی «فإن الترکیبات البدنیّة مختلفة فی الأفراد وهویُؤدی إلی إختلاف الاستعدادات البدنیة والروحیة، وقد أوضحت الأبحاث الإجتماعیة أنَّ لولا ذلک لم یعِش المجتمع الإنسانی»(1) ومن هذه الاختلافات الاختلاف فی التأنیث والتذکیر الذی نجده موجوداً فی کل المخلوقات تقریباً فنلاحظ ذلک فی أصغر

ص:35


1- (2) المیزان: 203/11.

المخلوقات الحیة إلی أن نصل إلی النباتات والحیوانات إلی أن یصل الأمر إلی الاختلاف النوع الإنسانی وهما الرجل وهو الذکر والمرأة وهی الأُنثی، فنلاحظ أنَّ کلاًمنهما یتمیّز عن الآخر فالرجل له مواصفات خاصة فی الخِلقة مثل الخشونة والقوة والجهاز التناسلی الخاص بما یمکنه أن یُؤدی دوره فی الإنسجام مع ما عند المرأة، کما أن المرأة عندها الرقة واللطافة إضافة إلی الجهاز التناسلی الخاص بما یستقبل ما عند الرجل حتی یتحقق الهدف من هذا الاختلاف.

فلسفة التفاوت فی الخلقة

إنَّ فلسفة هذا التفاوت هی لأجل حصول التکامل فی هذا الکون وذلک باحتیاج أفراده بعضهم إلی البعض الآخر فیحصل الأخذ والعطاء ویسدُّ بعضهم نقص البعض الآخر فیتسخرون لبعضهم (وَ رَفَعنا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضاً سُخرِیًّا)1 فینتظم أمر هذا العالم، وأما فی تفاوت الرجل والمرأة فهو کما یلی.

التفاوت التکوینی بین الرجل والمرأة

لیس هناک من شک فی أن المخلوقات بشکل عام تتفاوت فی استعداداتها وقابلیاتها الطبیعیة، والإنسان جزءٌ من هذا الکیان ولهذا یکون التفاوت بین عنصریّ الإنسان «الرجل والمرأة» وهذا الفرق التکوینی یعطی کلا ًمنهما دوراً ویتفرع علی ذلک الدور الحقوق والواجبات، فالأب علیه دور خاص لولده وعلی الأم دور آخر، والرجل بعنوان أنّه زوج علیه القیام بوظیفة خاصة لزوجته وعلیها بعنوان أنّها زوجة دور مقابل ذلک.

ص:36

وبالجملة هذان تجهیزان متعادلان فی الرجل والمرأة یتعادل بهما کفتا الحیاة فی المجتمع المختلط المرکب من القبیلین.

فعلی الصعید الجسدی والفسلجی یکون الرجل بشکل عام أقوی من المرأة ولهذا علیه وظائف تتناسب مع هذه القوة مثل وجوب العمل والنفقة والدفاع عن العائلة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ وَ بِما أَنفَقُوا مِن أَموالِهِم...)1 وهذا الفضل من الله علی الرجل هو لأجل أداء وظیفته وتحمل مسؤولیته التی تکون أشد وأثقل نسبیاً علی الرجل إذا قیس بالمرأة، وإلا فالمرأة علیها وظیفة ولها دور مهم یناسب شأنها وجسمها لایستطیع جمیع رجال الدنیا تحمله وهو الحمل والولادة والرضاع وتربیة الطفل، لذلک تری القرآن یوصی بالوالدین ویُشید بالأم بعنایة خاصة (وَ وَصَّینَا الإِنسانَ بِوالِدَیهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهناً...)2 أنّ المرأة تملک جهازاً تناسلیاً یختلف عن الرجل یؤهلها لتحمل وظیفة:

1. الحمل: یتغیر شکل وحجم جهاز المرأة التناسلی نتیجة لحالة وتمرّ علیها أدوارٌ شدیدة وثقیلة، وفیها من القساوة ما لا یتحمّله رجل (حَمَلَتهُ أُمُّهُ کُرهاً وَ وَضَعَتهُ کُرهاً)3 ، أی: حملته حملاً ذا کُره، أی: مشقة(1) ، وهذه المشقة تؤثر فی جسم و روح تلک المرأة بحیث یُضعف جسدها ویُؤدی إلی إخلال فی کثیر من أجهزة جسمها، فتمّر فی حالة خطر کبیر وحالة إنذار وترقب علی المستوی الروحی، لذلک قال تعالی فی وصف تلک الحالة:(حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهناً عَلی وَهنٍ)5 أی: ضعفاً بعد ضعف: فإنّ الجنین بعد إن کان حَملاً خفیفاً علی شکل نطفة فإنّه نتیجة لمرور أطوار وحالات علی المرأة «نتیجة للحرکة من الذهب والمجیء

ص:37


1- (4) المیزان: 201/18.

والقیام والقعود»(1) یثقل هذا الحمل بصورة تدریجیة (... فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَت حَملاً خَفِیفاً فَمَرَّت بِهِ فَلَمّا أَثقَلَت دَعَوَا اللّهَ...) .(2)

2. الوضع «الولادة»: من الأمور والحالات التی تتطلّب جهدا کبیراً وتجعل المرأة تتألم وتتأوه وقد تصل الآلام إلی ما یشابه حالة الإحتضار، ولهذا ذکرت الروایات أنَّ للمرأة «أجرُ شهید» أو «لها من الأجر ما لا یعلمه إلا الله»(3) إذا ماتت أثناء الولادة، وحالة الطلق وإن کانت قصیرة زمنیاً إذا قیست بطول فترة الحمل، ولکن الطلق ذو ألٍم شدیدٍ دفعة واحدة بینما یکون ألم الحمل تدریجیاً علی مراحل (وَ وَضَعَتهُ کُرهاً) .(4)

3. الرضاع: من المراحل المؤثرة علی حیاة الإنسان فسلجیاً ونفسیاً کما ورد فی الروایات

«الرِّضاع یُغیِّر الطِباع»(5)، وما أحوج الإنسان فی بدایة حیاته إلی الطّباع الصحیحة والمهذّبة حتی یکون إنساناً بمعنی الکلمة، حیث یستمد تلک الطباع من الأم، فهی - بمقدار ما تتحمله من تقیّد فی نومها وأکلها وحرکتها داخل وخارج البیت حتی تقوم بإرضاعه - تقوم أیضاً بمنحه کل العاطفة والحب، فإنه حینما یجوع أو یتألم یزعجها بصیاحه وبکائه لکنها تعمد إلیه فتحفه بفیضٍ من حنانها وعطفها وتنحنی علیه لترضعه وتهدئه بما تمدها به الأمومة من رحمة وحنان.

الجذب الجنسی

تمتاز المرأة بخصلة تکوینیة جاذبة لرجولة الرجل وهی الأنوثة، فالحیاة الزوجیة ذات قطبین متقابلین یشغل الرجل القطب الموجب وتشغل المرأة

ص:38


1- (1) المیزان: 390/8.
2- (2) الأعراف: 189.
3- (3) النوری الطبرسی، مستدرک الوسائل: 152/14.
4- (4) الاحقاق: 15.
5- (5) الحر العاملی، الوسائل: 468/21 باب 78، ح 6.

القطب السالب منهما، ومن المعلوم ان القطبین المتخالفین یتجاذبان دائماً بینما القطبان المتحدان یتنافران:

فعلی هذا تکون المرأة جاذبة بأنوثتها ویکون الرجل منجذباً برجولته، حیث تتطلب حیاة الأنوثة التی تعیشها المرأة مزیداً من اللین والنعومة والإغراء والسحر وَرِقةِ العاطفة وفیضاً من الحب والعاطفة، إنّ کل ذلک یعطی الأنوثة القدرة علی إغراء الجنس الآخر وجذبه.(1)

وهذا الجذب الجنسی یجعل آصرة الإرتباط بین الرجل والمرأة أقوی وأکبر «ولا یصلح شأن الإنسانیّة بالخشونة والغلظة لولا اللینة والرقة ولا بالغضب لولا الشهوة ولا أمر الدنیا بالدفع لولا الجذب»(2) وقد خلق الله النساء بما یوجب أن یسکن إلیهنَّ الرجال وجعل بینهم موّدة ورحمة فاجتذبنَ الرجال بالجمال والدّلال والموّدة والرحمة.

دور الوالد والوالدة فی تَکون الولد

إن کلَّ ما ذکرناه هو ممهدات ومقدمات لیحصل الارتباط الصحیح بین الرجل والمرأة فیعملان علی بقاء النسل حیث یحصل من إرتباطهما تکوِّن الولد وذالک نتیجة التقاء نطفة الرجل مع بویضة المرأة فیبقی الجنین داخل رحمِ أُمه بعد أن یَمُرَّ بمراحل من علقةٍ «وهی الدم الجامد» إلی المضغة إلی صیرورة العظام ومن ثَمَّ تکوَّن اللحم ثُمّ الإنسان الکامل خَلقاً أو ما یُسمّی الجنین، وفی الحقیقة أنَّ دور الوالدین هو واسطة حتی یتحقق وجود الإنسان فی الدنیا وإلّا فإنَّ اللهَ قادرٌ علی إیجاده بدونهما کما فی قضیة خلق آدم.

إن لتولد الطفل من الأبوین عدة غایات أرادها الله، مثل:(وَ ما خَلَقتُ

ص:39


1- (1) الآصفی، فی رحاب القرآن، الکتاب 9، ص 34-35.
2- (2) المیزان: 216/4.

اَلجِنَّ وَ الإِنسَ إِلاّ لِیَعبُدُونِ)1 إضافةً للمنافع التی یکتسبها الوالدان من السکن والرحمة وقُرة العین.

مسألة خلقة حواء من آدم

أشار القرآن إلی مسألة کون حواء من آدم فی قوله تعالی:(یا أَیُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنها زَوجَها)2 ولکن من الشائع أنَّ حواء خُلقت من ضلع آدم وبالخصوص من ضلعه الأیسر وقد جاءت بهذا اللفظ والمعنی روایات(1) مضطربة فی الدلالة والإسناد کما صرَّح به المجلسی بقوله:

فالأخبار الواردة موافقة للعامة إمّا محمولة علی التقیة أو علی أنها خُلقت من فضلة طینة أضلاعه.(2)

ثم نقل قول الرازی فی تفسیر الآیة أعلاه أنّ المراد من هذا الزوج هو حواء وفی کون حواء مخلوقة من آدم قولان:

1. إنَّ حواء خُلقت من ضلع من أضلاعه الیسری علی هذا القول إعتماداً علی القول المنسوب للنّبی: «إنّ المرأة خُلقت من ضلع».

2. المراد من قوله تعالی:(وَ خَلَقَ مِنها زَوجَها) أی: من جنسها والدلیل هو نفس الآیات مثل:(جَعَلَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً)5 وقوله تعالی:(إِذ بَعَثَ فِیهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم)6 وقوله تعالی:(لَقَد جاءَکُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِکُم) .(3)

ص:40


1- (3) الحر العاملی، وسائل الشیعة: 288/26-289 باب 2، ح 4-5.
2- (4) المجلسی، بحار الأنوار: 222/11-223.
3- (7) التوبة: 128.

ویمکن أن یکتمل الجواب بالقول إنّ إبتداء الخلق والوجود بآدم علیه السلام وآدم مخلوق مِن تراب فمَن خلقه مِن تراب له القدرة علی خلق زوجة له مِن تراب وإلّا ما هی الفائدة مِن خلقها مِن ضلعٍ مِن أضلاع آدم، ولهذا نری الإمام الصادق علیه السلام یعترض علی من یتفوه بهذه الفِریة علی الله بقوله:(سُبحانَهُ وَ تَعالی عَمّا یَقُولُونَ عُلُوًّا کَبِیراً...)1 ،

«إن الله لم یکن له من القدرة ما یخلق لآدم من غیر ضلعه» ومن ثَمَّ یغلق الباب علی المتکلمین باستنکار قولهم:

«حتی ینکح بعضه بعضا» ثُم یوضح الأمر:

إنَّ اللهَ لمّا خلق آدم من طین أمر الملائکَة فسجدوا له وألقی علیه السُبات ثُم ابتدع له خلقاً... فاقبلت تتحرک فانتبه لتحرکها... فلمّا نظر إلیها، نظر إلی خَلقٍ حسن یشبه صورته غیر أنّها أُنثی، وعندما سأل مَن هذه، فقال الله: هذه أمَتی حواء.(1)

وهذه الروایة وإن کانت ترفض خلقة حواء من جزء من أجزاء آدم إلّا أنَّها لا تُبیّن کیفیة خلقها مع أنَّ الإمام الصادق علیه السلام أشار إلی مسألة الضلع فی حدیثٍ آخر هو:

«ثُمَ برا زوجته من أسفل أضلاعه» کما ینقل تفسیر العیاشی(2) لذلک یمکن حمل هذا المعنی علی أن خلقها کان من فاضل طینة آدم ممّا یلی أضلاعه، وحیث أن «مِن» لها عدة استعمالات فی اللغة العربیّة لذلک نری بعض التفاسیر یذکر أنَّ المستفاد منها هو «مطلق المشابهة الجنسیة»(3) وآخر یقول: إن معنی من فی «منها» تعلیلیة، أی: لأجلها.(4)

وقبل أن نختم نقول إنّ القران لم یذکر ما یستفاد منه کیفیة خلقة حواء،

ص:41


1- (2) وسائل الشیعة: 13/20 باب 1، ح 1.
2- (3) السبزواری، عبد الأعلی، تفسیر مواهب الرحمن: 220/1.
3- (4) المصدر: 205/1.
4- (5) وهو قول الرازی یذکره المجلسی فی البحار: 223/11.

ولعلَّ السر فی ذلک أنَّ من أدب القرآن الستر فی النساء، مع أنّه یکفی بیان خلق آدم عن ذلک ویمکن أن نستنتج مِن کل ما قیل: إنّه بعد خلق آدم من الطینة فَضُل من الطینة شیءٌ بحیث لو استعملت فی آدم علیه السلام لکان استعمالها فی ضلعه الأیسر فکانت زوجته من هذه الفضالة فالطینة واحدة فیهما والتبعیة متحققة وهذا هو المتحصل ممّا وصل إلینا من الأخبار فی تفسیر الآیات الشریفة وهو الموافق للذوق.

ونختم هذا البحث بالاستدلال القرآنی حیث قال الله تعالی:(إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِن طِینٍ)1 وقال:(الَّذِی أَحسَنَ کُلَّ شَیءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلقَ الإِنسانِ مِن طِینٍ)2 وأما نسله (ثُمَّ جَعَلَ نَسلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهِینٍ) .(1) وهذا یعنی هناک إنسان أولی من طین أو تراب وإنسان ثانوی من ماء أو نطفة، وهذا الإنسان الأولی هو آدم وحواء؛ لأنّه لا یأتی نسل من ماءٍ مهین إلا منهما ولا یمکن لآدم أن یأتی بمفرده بهذا النسل حسب ما درج علیه نظام الخلق ولهذا تکون حواء مخلوقة من طین.

شبهة إغواء حواء لآدم: من الشبهات الدخیلة علی الإسلام هی أنَّ إغواء آدم کان بسبب أو بمعونة حواء، والجواب عن هذه الشبهة هو أنّ سبب ذلک هو انتشار الإسرائیلیّات فی أوساط المسلمین علی أیدی «کعب الأحبار وتمیم الدا(2) ، و وهب بن منبه، وأضرابهم من الوضّاعین مثل أبی هریرة»(3) ، وهذه الإسرائیلیات تتعارض مع ما نفهمه من ظاهر القرآن حیث أنّ هذه الآیات مع کونها فی مقام بیان ما هو المهّم فی ظهور أوّل عصیان فی الأرض لم تتعرض

ص:42


1- (3) السجدة: 8.
2- (4) معالم المدرستین: 51/2-56.
3- (5) بحوث فی الملل والنحل: 76/1-99.

لدور حواء فی إغواء آدم، فنفهم، من ظاهرها دورها فیه، بل إنَّ القرآن ُیلقی التبعات علی آدم وحواء بنفس المستوی ویجمعهما بضمیر التثنیة کما فی قوله:(فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَ طَفِقا یَخصِفانِ عَلَیهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَم أَنهَکُما عَن تِلکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُل لَکُما إِنَّ الشَّیطانَ لَکُما عَدُوٌّ مُبِینٌ)1 حیث نجد صیغة المثنی شائعة فی هذه الآیات مثل:(فَدَلاّهُما...) و (فَلَمّا ذاقَا...) حیث أنَّ الشیطان أغراهما معاً، ثمَّ أکلا معاً، بل نجدُ فی القرآن(1) أنَّ المعصیة والغوایة منسوبة إلی آدم علی انفراد فی قوله تعالی:(وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی) .

ص:43


1- (2) طه: 121.

ص:44

المبحث الثالث: علاقة الأخوّة والاشتراک بین النساء والرجال

اشارة

الأخوة من التعابیر القیمّة فی القرآن حیث إنّها مشتقة من الأخ، والأخوة هی الرابطة والصلة المشترکة المعروفة بین أبناء الأب الواحد وهذا التعبیر جاری علی الألسن، ولکن فی قضیة النساء تکون المرأة أُختَ المرأة - ولیست أخاها - وهی أُختُ الرجل، والقرآن حینماجاء بهذا التعبیر لیُعبَر به عن الأخوة النسبّیة کما فی قوله تعالی:(قالَ إِنِّی أَنَا أَخُوکَ)1 وقال تعالی: (حُرِّمَت عَلَیکُم أُمَّهاتُکُم وَ بَناتُکُم وَ أَخَواتُکُم... وَ أَن تَجمَعُوا بَینَ الأُختَینِ)2 ولکن القرآن یذکر الأخوة بمعنی آخر أرفع وأعلی من الأخوة النسبّیة وهی رابطه العقیدة والإیمان التی هی أخوة الروح وهی الرابطة الحقة لذلک نری فی قصة مریم علیها السلام أنها عندما جاءت بعیسی علیه السلام الولید استغرب القوم واستنکروا علیها فعل السوء:(یا أُختَ هارُونَ ما کانَ أَبُوکِ امرَأَ سَوءٍ وَ ما کانَت أُمُّکِ بَغِیًّا)3 شبهوها بإنسان صالح فی زمانهم مشهور وعظیم الذکر «وهارون هذا کان

ص:45

رجلاً صالحاً فی بنی إسرائیل یُنسب إلیه کلُ من عُرِفَ بالصلاح»(1) لاتفاقهما فی المنهج والطریق وهو الصلاح والمراد بالأخوة الشباهة(2) ، یعنی: یا أخت هارون یاشبیهة هارون.

ویستمّر القرآن بطرح هذه الرابطة ولکن بمعنی أرفع وأعلی قیمة وأوسع فتشمل الذکر والأُنثی فی کل القیّم والمکارم فتکون الرابطة لیست رابطة نسبیّة فحسب بل (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ) بمعنی أُخوة الدین، وفی هذه الأُخوة لایوجد تفاوت بین الذکر والأُنثی.

النساء شقائق الرجال

جاء هذا الحدیث علی لسان النبی صلی الله علیه و آله فی قضیه جری فیها الأخذ والرد وهی هل أن حالة الإنزال تحصل عند المرأة وإن لها ماءً کما للرجل! أم لا؟ والحدیث جاء فی کتب أهل السنة بهذه العبارة:

«إنما النساء شقائق الرجال»(3)، ومن المعلوم أنّ خطابات القرآن لم تُفرد الأنثی عن الذکر إلّا فی موارد محدّدة لوجود الخصوصیّة؛ لأنّ المرأة تشارک الرجل فی الأحکام بل یمکن القول لا حاجة إلی التنصیص علی الحکم فی المرأة، فإّنه فی الشریعة الإسلامیّة کل حکم ثابت للرجال ثابت للنساء إلا ما نُص علیه، کما أنّ الأصل فی النساء ان لا یُذکرنَّ؛ لأنّ حالهنَّ مبنیٌ علی الستر(4) ولهذا لم یذکرهنَّ القرآن حتی شکونَّ فنزل قوله تعالی:(إِنَّ المُسلِمِینَ وَ المُسلِماتِ...) .(5)

إن هذا الحدیث عندما ذکره الرسول کان بعنوان قاعدة استند إلیها صلی الله علیه و آله

ص:46


1- (1) تفسیرمجمع البیان: 419/6.
2- (2) المیزان: 45/14.
3- (3) سنن الترمذی: 75/1، باب 2، ح: 113؛ مسند احمد بن حنبل: 256/6: سنن أبی داود: 59/1.
4- (4) مجمع البیان: تفسیر الآیة: 35، الأحزاب.
5- (5) الأحزاب: 35.

لیُبیَّن للسائل أنَّ حال المرأة کحال الرجل حیث أنَّ النساء نظائرالرجال وأمثالهم فی الأحکام، ولکن هل یمکن لنا أن نستفید من الحدیث أکثر من ذلک.

إنّ صفة الإطلاق الموجودة فی خطابات الآیات والروایات أعطت الإسلام وقوانینه إمکانیة الانطباق علی جمیع الأزمنة والأمکنة والحالات، فمثلاً نجد فی القرآن:(وَ مَن لَم یَحکُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الکافِرُونَ) ،(... الظّالِمُونَ) ،(... الفاسِقُونَ)1 و إن کان مورده الیهود إلّا أنّه عام وشامل الأزمنة والأمکنة والحالات، ُوهذا ما نلاحظه حیث یدلّ استشهاد الرسول صلی الله علیه و آله بهذا الحدیث علی کونه عاماً ویصلح؛ لأنّ یکون قاعدة عامه شاملة.

إنّ تعبیر «شقائق» یدلّ علی أن النساء لهنَّ مقام الشقیق الذی یشارک شقیقه فی کلّ شیء حیث إنّ شق الشیء نصفه الآخر والمکمِّل له وأنَّ کل ما یملکه الأوّل یملکه الثانی، وعلی هذا یکون الحدیث من أوضح التصریحات بأنّ مقام المرأة هو مقام العِدل والمساوی واشتراک المرأة والرجل فی التکالیف الشرعیة وتحمل الأمانة الإلهیة:

من المعلوم فی الشریعة الإسلامیّة أنَّ المرأة تشترک مع الرجل فی معظم الأحکام والتکالیف الشرعیة، فکل عملٍ عبادی کما یشمل الرجل یشمل المرأة بدون أیّ فرق فهو مسؤول وهی مسؤولة بل قد یقال إنّ وجوب العبادات علیها قبله نوع من التشریف لها لأنّها تقدمت علیه بلقاء الله ومخاطبته وأصبحت إنساناً کاملاً قبله حیث خرجت من عالم الطفولة واللهّوإلی عالم العقل والجد وتحمل الأمانة الألهیّة و «هی الطاعة المقرونة بالشعور والمسؤولیّة».(1)

ص:47


1- (2) تفسیرشبر: 405.

و المعلوم أنّ بلوغ البنت عند عمر تسع سنوات بینما یَبلغ الولد فی الخامسة عشرة(1) و هذا الفرق قد یسمح للمرأة بأن تجبر النقص الحاصل فی الصلاة والصوم فتتعادل مع الرجل وخاصة إذا کان متوسط أعمار النساء أعلی من الرجال وأن مقاومة المرأة لعدد من الأمراض أکثر من الرجل.(2)

نجد أنَّ الأوامر الشرعیّة موَّجهة للمرأة بنفس المستوی عمّا هو للرجل کما فی الصلاة والزکاة:(فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ)3 و الحج:(وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ البَیتِ)4 و بقیّة العبادات کالصّوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وأمّا فی المعاملات فالأمر أوضح؛ لأنّ أبرز أبوابها النکاح والطلاق الذی تکون المرأة فیهما هی المحوَّر وعلیه تُبنی الأحکام إضافة لأشتراکها فی الإرث والشهادة والحدود والدّیات وغیره.

إنّ المرأة - بحکم تکوینها الجسمی وطبیعتها الخاصة - قد تمیّزت فی الشریعة الإسلامیّة بأحکام خاصة بها دون الرجال وإن اشترکت معهم فی غیرها کما أسلفنا أنّ هذه الأحکام إذا أمعنا فیها نجدها مختصة بالمرأة إعتماداً علی ترکیبتها العضویة والنفسیة وعلی ما یلائم طبیعتها الأنثویة.

فمثلا نجد أنَّ لها مقررات وأحکام معیّنة فی باب الطهارة وباب الصلاة إعتماداً علی وجود الحالات الخاصة التی تعرض جسمها، کالعادة الشهریة «الحیض» والحمل والرضاع وأمثالها، وفی کتب النکاح والطلاق لها ما یناسبها من أحکام إعتماداً علی کونها مقراً للنطفة ومحلاً للولد ولما تتمتع به من عناصر الأثارة، وضعت تحت حمایة قوانین الحجاب وأحکام النظر

ص:48


1- (1) منهاج الصالحین: کتاب الحجر: 179.
2- (2) نظام حقوق المرأة فی الإسلام: 322.

والتحدث واللمس والمصافحة والإتصالات الأخری.

و لما لها من اللطافة والرقة والعواطف، وضع لها حساب خاص فی أبواب الحدود والقضاء والشهادة، کما أنَّ ذلک فی کتب الجهاد والإرث والنفقة إعتماداً علی کون الزوج هو الذی یتحمل عنها المسؤولیات الشدیدة، إضافة لوجود الآداب والأخلاقیات - المناسبة لأوضاعها الإجتماعیة المختلفة - النابعة من أخلاق الإسلام وهو دین الأخلاق.

ص:49

ص:50

المبحث الرابع: النساء الأسوة

مقدمة

نلاحظ أنَّ المجتمع علی مدی التاریخ هو مجتمع الرجل وأمّا المرأة فأنّها لم تکن تملک التحرک فی کثیر من المیادین، لکی تکشف فیها عن عبقریتها وفکرها وإبداعها بل کانت تعیش علی هامش الرجل، فإذا رأینا نموذجاً بارزاً ومؤثراً فی التاریخ، فأنّه غالبا ما یکون من صُنِع أصالةٍ وأعراقٍ طیبةٍ نابعةٍ من فکر دینی یَمتُ إلی السماء بکل ما لدیه؛ لأنّ الدّین السماوی وخاصةً الإسلامی أعطی الحُسنی وزیادة للمرأة فی هذه الدنیا. فأننا عندما نری فی تاریخنا الإسلامی بعض النماذج النّسویة قامت بالکثیر من التحرک علی خط القیّم الإسلامیّة فإننا بحاجة إلی أن نَستعیدها دائماً من أجل أن نعطی للمرأة المعاصرة - وخاصة التی دخلت الساحة وتعیش الصراع وقضایاه، والتی أنفتحت علی کثیر من الأوضاع السلبیة علی المستوی الأخلاقی أو الاجتماعی - أمثلةً حیّة تَشِعُ بنورها علی الکُل وتَکون قدوةً لیس لأهلِ زمانها بل لِکل الأزمنة لذلک کان من اللازم علینا أن نذکر نساءً أثبتت بالتجارب التی عِشنَها أنهنَّ لا یَنقُصنَّ عن الرجال بل وفاقت بعضهن کثیراً من الرجال، ومن تلک النساء مریم علیها السلام التی

ص:51

خصّها القرآنُ بالذکر وضربَ بها المثل، وفاطمة علیها السلام التی عاشت وکَبُرت مع نزول القرآن علی أبیها فکانت بنت القرآن.

المورد الأوّل

اشارة

مریم العذراء علیها السلام:(وَ إِذ قالَتِ المَلائِکَةُ یا مَریَمُ إِنَّ اللّهَ اصطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصطَفاکِ عَلی نِساءِ العالَمِینَ)1 مریم المرأة التی وصلت إلی مکانة علیا «اعتبرها بعضهم تملک سمة النبوة» حتی أصبحت مضرباً للأمثال لیس عند البشر فحسب بل عند الله تعالی:(وَ مَریَمَ ابنَتَ عِمرانَ الَّتِی أَحصَنَت فَرجَها فَنَفَخنا فِیهِ مِن رُوحِنا وَ صَدَّقَت بِکَلِماتِ رَبِّها وَ کُتُبِهِ وَ کانَت مِنَ القانِتِینَ)2 و هی الإنسان الأُنثی الوحید الذی ذکر فی القرآن بإسمه ومدحها وأثنی علیها بما لم یذکر غیرها فقد «ذُکر اسمها فی القرآن فی بضع وثلاثین موضعا فی نیف وعشرین سورة»(1) وأفردها «عند ما جعلها مثلاً للذین آمنوا» فی آیة مستقلة کمثال آخر بعد إمرأة فرعون للعفّة والطهر والنقاء حیث کان قوله تعالی:(الَّتِی أَحصَنَت فَرجَها فَنَفَخنا فِیهِ مِن رُوحِنا) ثناءً علیها وعلی عِفتها، فکان هذا المدح لها لأجل مقامها الذی هو أعلی من مقام امرأة فرعون من جانب، وردّاً علی ما افتعله الیهود من البهتان علیها کما قال تعالی:(وَ قَولِهِم عَلی مَریَمَ بُهتاناً عَظِیماً)4 من جانب آخر «مریم الإنسانة التی امتلأت روحها بکلمة الله قبل أن تأتیها کلمة الله، وامتلأ عقلها بحب الله وبکتاب الله قبل أن ینزل الکتاب علی إبنها»(2) و وصلت إلی الحد الذی

ص:52


1- (3) المیزان: 361/19.
2- (5) فضل الله، الزهراء القدوة: 34.

(صَدَّقَت بِکَلِماتِ رَبِّها وَ کُتُبِهِ وَ کانَت مِنَ القانِتِینَ) ، فقد مثلت الوعی الإیمانی والتصدیق والوحی الالهی وصدقت مع ربّها فی القول والعمل لذلک یُثنی علیها القرآن ویصفها بقوله:(مَا المَسِیحُ ابنُ مَریَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ...)1 و ذابت فی العبادة بعیداً عن حاجات الجسد (وَ کانَت مِنَ القانِتِینَ) من القوم المطیعین لله الخاضعین له الدائمین علیه ولم یقل: «من القانتات» لتساوی الذکر والأنثی فی العبادة وفی مقامات الطاعة عند الله.

إنّ تجربة مریم إبنت عمران علیها السلام هی تجربة حیّة عاشتها هذه الإنسانة التی جعلها الله مظهراً لقدرته، فحملت بدون زوج و ولدت طفلا لا أب له، هذا الطفل الذی هو کلمة الله والذی هو بشارة الله والنبی الوحید الذی یذکره وینسبه إلی أمّه التی جعلها فخراً له فلا عارَ عند الله أن ینسب نبیه عیسی «روح الله علیه السلام» إلی أمه بل ذکر ذلک صراحة ولم یُکَنِّ:(إِذ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابنَ مَریَمَ...)2 وبواسطة هذه المرأة الصالحة جُعِل عیسی من آل إبراهیم وأدخله فی ذریته بقوله تعالی:(وَ مِن ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیمانَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسی وَ هارُونَ وَ کَذلِکَ نَجزِی المُحسِنِینَ * وَ زَکَرِیّا وَ یَحیی وَ عِیسی وَ إِلیاسَ کُلٌّ مِنَ الصّالِحِینَ)3 کما دخل الحسن والحسین علیهما السلام فی ذریة رسول الله صلی الله علیه و آله عن طریق السیدة الزهراء علیها السلام ودلَّ بقوله تعالی:(وَ مِن ذُرِّیَّةِ) علی تحول الذریة لأولاد البنت فکان الحسن والحسین ذریّة النبی حقیقة.(1)

ص:53


1- (4) تفسیر شبر: 158.
1- الاصطفاء

هنالک دعوی تقول إنّ بروز شخصیات نسائیة هو حالة استثنائیة ولایجوز القیاس علیها لأنّهنَّ لا یُمثلنَ القاعدة والفطرة فی صنف النساء، بل هُنَّ شذوذ واستثناء نتیجة الاصطفاء الالهی حتی بالغ عباس محمود العقّاد فی أنّ کل خصلة رفیعة ومقام عالی تحصل علیه أمرأةٌ ما مردّه إلی الرجل وضرب مثلاً السیدة البارزة فی حقل الاکتشافات «السیدة ماری کوری» البولونیة حیث قال إنّها تلمیذةٌ لزوجها بییر ویضیف العقّاد بقوله: «نجد المکتشفات العملیة والنظریة حتی العقلیة من آثار الرجال غالباً»(1) ولکن إذا استعرضنا القرآن واستفهمناه حول المرأة نجده أشرک المرأة مع الرجل فی أغلب المکارم ولها أن تصل لکل ما یناسبها ویلیق بها کإنسان أنثی فی مقابل الإنسان الذکر حتی لوکان الإصطفاء.

الاصطفاء: لغةً من الصفو؛ «و هو إفتعال من الصفوة والأصل فی هذه المادة هو ما یقابل الکدورة وما لایکون کدراً ویلاحظ فیه الخلوص من الکدورة لأنّه الرغبة إلی جعل شیءٍ وإختیاره صافیاً، فإنّ الإفتعال یدلّ علی القصد والاختیار».(2)

و فی المجمع: الاصطفاء والاختیار والاجتباء نظائر.(3)

قال الراغب: الاصطفاء تَناوُل صفو الشیء، الاختیار تَناوُل خیره، الاجتباء تَناوُل جبایته، وحیث أنَّ أصل الصفاء خلوص الشیء من الشَوب فإنّ اصطفاء الله بعض عباده قد یکون بأیجاده تعالی أیاه صافیاً عن الشَوب الموجود فی غیر(4) ،

ص:54


1- (1) المرأة فی الفکر الإسلامی: 45/2.
2- (2) التحقیق فی کلمات القرآن الکریم: 258/6.
3- (3) مجمع البیان: 290/2.
4- (4) مفردات غریب القرآن: 272.

وهو من أحسن البیان الذی یُمَثل به المعلوم المرئی الصافی هو النقی من شائب الکدر فیما یُشاهد، وکما یقول الشعراوی: «إنّ الله یصطفی من الملائکة رسلاً ویصطفی من البشر رسلاً ویصطفی من الأرض مکانا ویصطفی من الزمان زماناً»(1) إنّ الله لایختار ولایصطفی إلّاَ من کان کذلک «مُنَزهیّن عن القبائح» ویکون ظاهره مثل باطنه فی الطهارة والعصمة وعلی هذا یکون الإصطفاء لکل مصطفی جَعلَه خالصاً لله تعالی واصطفاه علی غیره(2) ، ففی الأصطفاء مَزیّة زائدة من جهة التکوین والتأیید وهذا أمرٌ خارجٌ عن محدودة اختیار العبد والاصطفاء قد یتعدی بنفسه فیفید معنی التسلیم کما فی:(وَ سَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصطَفی)3 وقوله تعالی:(ثُمَّ أَورَثنَا الکِتابَ الَّذِینَ اصطَفَینا مِن عِبادِنا) ، کما أنَّ الأصطفاء یتعدی ب «علی» فیفید معنی التقدم کما فی قوله تعالی فی حقّ مریم:(وَ إِذ قالَتِ المَلائِکَةُ یا مَریَمُ إِنَّ اللّهَ اصطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصطَفاکِ عَلی نِساءِ العالَمِینَ) .(3)

2- هل أنَّ الاصطفاء حکرٌ علی الرجال فقط؟

الاصطفاء بالنسبة إلی مریم علیها السلام وغیرها ممکن الحصول ولا مانع منه، فهو لیس خاصا بالرجال أو بآحاد أو جماعات منهم، بل هو عام فی النساء والرجال ولکن بشروط وظروف خاصة، وقد عَبّر القرآن عن الاصطفاء فی مواضع منها:

1. قوله تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبراهِیمَ وَ آلَ عِمرانَ عَلَی العالَمِینَ)5 وآل إبراهیم وآل عمران تشمل الرجال والنساء؛ لأنّ کلمة ال «آل» تعمهم وفیهم الرجال والنساء فزوجتا إبراهیم «سارة وهاجر» من النساء

ص:55


1- (1) معجزه القرآن: 79.
2- (2) مجمع البیان: 290/2.
3- (4) آل عمران: 42.

المعروفات. ومن آل عمران: مریم وامها وآخرون ممن لم یذکرهم التاریخ، ولکن الآیة (ذُرِّیَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ)1 شملتهم وهو دلیل آخر علی شمول الاصطفاء لغیر المذکورین من العالمین، وما ورد من أنَّ الزهراء «سیدة نساء العالمین»(1) لا یتنافی مع الاصطفاء السابق بل أنَّ الآیة:(ذُرِّیَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ) تؤید الحدیث؛ لأنّ الزهراء من تلک الذریة الطاهرة إضافة إلی إنهامِن آل إبراهیم بل أنَّ الزهراء فُضِلِّت بآیة التطهیر کما سنبیّن فی محله. وأمّا اصطفاء مریم علی العالمین فهو علی عالم زمانها لاکل زمان؛ لأنّ هذاالتعبیر مألوف، یقال فلان أشعر الناس أو أعلمهم ویراد بذلک أنّه أشعر أوأعلم أهل زمانه...، ونظیر ذلک کثیر فی القرآن الکریم کقوله تعالی فی بنی إسرائیل:(وَ فَضَّلناهُم عَلَی العالَمِینَ)3 ولا یختلف إثنان بأنَّ المراد عالم زمانهم وکذلک مریم التی هی من بنی إسرائیل، وقوله تعالی:(وَ إِسماعِیلَ وَ الیَسَعَ وَ یُونُسَ وَ لُوطاً وَ کلاًّ فَضَّلنا عَلَی العالَمِینَ)4 ولا قائِل بأنَّ لوطاً أفضل من عیسی أو مساویاً له فی الفضل ولا اسماعیل أفضل من أبیه، یقول الشیخ مغنیة رحمه الله: «التفاضل بین هذه الکرامات لمریم والزهراء هو تماما کالتفاضل بین الورد والیاسمین أو بین ثنتین من الحور العین ویکفی الزهراء الکرامات المعروفة فکیف إذا کانت بضعة من الرسول وهو أفضل الانبیاء وهی بضعة منه فتثبت لها الأفضلیة»(2) وینقل البخاری فی باب مناقب قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله عن أبیها أنّه قال:

«فاطمه سیدة نساء أهل الجنة»(3) و ختم الشیخ

ص:56


1- (2) مجمع البیان: 290/2.
2- (5) مغنیة، محمّدجواد، تفسیر الکاشف: 58/2.
3- (6) صحیح البخاری: 209/4-219.

مغنیة کلامه بحدیث رواه الإمام أحمد فی مسنده عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:

«فاطمة سیدة نساء العالمین».(1)

2. قوله تعالی:(ثُمَّ أَورَثنَا الکِتابَ الَّذِینَ اصطَفَینا مِن عِبادِنا)2 وکلمة (عِبادِنا)3 تشمل الرجال والنساء، ومع وجود العنایة حیث نسب الله تبارک وتعالی العباد لنفسه مع تشریف لهم ولکن الآیة صریحة فی أنّ الاصطفاء لا یعنی الاستثناء وحتمیة التمییز؛ لأنّ فی هولاء المصطفین من لم یعمل بالکتاب وإبتعد عن الطریق الحق ومنهم من خلط حقاً وباطلاً ومنهم من أهل الصراط المستقیم لذلک قالت الآیة:(ثُمَّ أَورَثنَا الکِتابَ الَّذِینَ اصطَفَینا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ وَ مِنهُم مُقتَصِدٌ وَ مِنهُم سابِقٌ بِالخَیراتِ بِإِذنِ اللّهِ ذلِکَ هُوَ الفَضلُ الکَبِیرُ) وبهذا التقسیم نعرف أنّ «معنی الاصطفاء هو الإختیار للمهمة والمعونة علیها والأمر فی إنجاز المهمّة متروک لإرادة الإنسان وإختیاره».(2)

3. قوله تعالی:(قُلِ الحَمدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصطَفی...)5 و کلمة العباد فیها اطلاق لیشمل الرجال والنساء.

3- هل مریم نبیة؟

افترق المفسرون فی قضیة مریم علیها السلام إلی عدة فرق وعلی رأسها فرقتان بین إفراط وبین تفریط:

فالأولی: القرطبی وأمثاله: «یعتقدون بأنّ نزول الملائکة علی مریم

ص:57


1- (1) مغنیة، تفسیر الکاشف: 58/2.
2- (4) مسائل حرجة: 31/1.

وإطّلاعها علی الوحی وألهموها باصطفائها علی نساء العالمین وطهارتها وتبشیرها بأنّها امٌ لنبی الله عیسی».(1) وکان هذا الحدیث مع الملائکة مشافهة وفی حالة مشاهدة لهم، کلُ ذلک دعاهم إلی القول بنبوتها، علی أنَّ قولهم إذا کان من باب النبوة بمعنی الأِنباء وتلقی النبأ حول موضوع معیّن فهو مقبول؛ لأنّه بمعنی التحدث، أی: أنّها مُحَدَّثة. وأمّا إذا کان قولهم إنّ مریم عندها سمة النبوة التشریعیة ولها رسالة مستقلة و وحی تشریعی فهذا مردود بقوله تعالی:(وَ ما أَرسَلنا قَبلَکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیهِم) .(2)

الفرقة الثانیة: الزمخشری(3) ومجموعة من المعتزلة حیث یظنون أنّ تلک المرأة لا تسطیع أن تصل إلی ذلک المقام من الکرامات والفضائل بل أنّ هذه مقدمة لمجیئ حالة عیسی المعجزة حیث یطلق علیها فی الاصطلاح «ارهاصات» کما فی قضیة قیام الساعة وما تسبقها من أحداث واُمور خارقة للعادة بعنوان أشراط الساعة، وهناک رأی آخر لهم یقول إنّ هذه الفضائل التی نالتها مریم علیها السلام بعنوان معجزة لزکریا، وهذا تفریطٌ وإبخاس لِحقِها...!

و لکنّ الإمامیة اختاروا طریق العدل والوسط حیث یقولون: «إنَّ تمام هذه المقامات والکرامات متعلقة بمریم حقیقة وإن لم تصل إلی مقام النبوة التشریعیّة والرسالة»(4) ، فهی لیست نبیة؛ إذ لیس کل من سمع المَلکَ فهو نَبیٌ بَل هی مُحَدَّثَة(5):(وَ إِذ قالَتِ المَلائِکَةُ یا مَریَمُ)6 تتحدث معها الملائکة وهی بدورها تکلمهم بل وتُکَلِّمِ الروح الامین:(قالَت إِنِّی أَعُوذُ بِالرَّحمنِ مِنکَ إِن

ص:58


1- (1) جمال المرأة و جلالها: 176.
2- (2) الأنبیاء: 7.
3- (3) الکشاف: 361/1-362.
4- (4) جوادی آملی، عبدالله، جمال المرأة و جلالها: 164.
5- (5) علل الشرائع: 183/1.

کُنتَ تَقِیًّا)1 بعد أن شاهدته عیانا (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا) فی صورة شاب تام الخلق فاجأبها:(إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ) .

4- دروس من قصة مریم علیها السلام

أ) النذر: من الأحکام الشرعیة التی تطرق لها القرآن مسألة النّذر، فإنَّ المنذور یکون له مقام کبیر وقیمة عالیة عند الناذر یلیق هذا المنذور بمقام المنذور له الذی هو الله حیث قالت أم مریم:(إِنِّی نَذَرتُ لَکَ ما فِی بَطنِی مُحَرَّراً) .(1)

ب) الدعاء لقبول النذر: قول أم مریم (فَتَقَبَّل مِنِّی إِنَّکَ أَنتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ)3 و هذا من بدیع الأدب فی الدعاء والتوسل لله بأسمائهِ وتخاطبه بأنَّک تسمع دعائی وتعلم حالی وأنت «العلیم بنیّتی وصحتها وإخلاصها» وتقدیم السمیع علی العلیم لأجل أنَّ المقام استدعاء الإجابة والقبول والتقبل هو أخذ الشیء علی وجه الرضا وهیئة التقبل تدل علی عنایة خاصة فیها لا توجد فی القبول.(2)

ج) الذکر والأنثی: فی الآیة القرآنیة:(وَ لَیسَ الذَّکَرُ کَالأُنثی) إشارة إلی التفاوت التکوینی والاختلاف الوظیفی بین الذکر والأُنثی حیث أنَّ أم مریم نذرت المولود علی تقدیر کونه ولداً ولکنّها أظهرت التّحسر لکون المولودِ بنتاً (الأُنثی) ولکنَّهُ تعالی بیّن بقوله تعالی: «لَیسَ الذکرُ الذی کانت تتمنّاه مثل الأنثی التی فیها سرّ إلهی یظهر بعد ذلک، فإنّها خیر من الذکر»(3) وقد تعنی بذلک الاستحقاقات المالیّة کالإرث وغیره.

ص:59


1- (2) آل عمران: 35.
2- (4) السبزواری، عبدالأعلی، مواهب الرحمن: 243/5.
3- (5) المصدر: 244/5.

د) التسمیة: من المستحبات الواردة تسمیة الطفل وهو فی بطن أمه ومصداق ذلک:(وَ إِنِّی سَمَّیتُها مَریَمَ) حیث أنّنا نستفید من صیغة الماضی فی فعل:(سَمَّیتُها) أنّها قد سمیتها من قبل وضعِها وهذا جزء من إیجاد العلاقة بین الإسم ومحبوبیته عند الأهل والطفل نفسه.

ه) الدعاء فی حق الولد ونسله: دعاء من أم مریم لحفظ مریم وذریتها دائماً من جمیع المساوئ والمکاره الحاصلة من دسائس الشیطان الرجیم:(وَ إِنِّی أُعِیذُها بِکَ وَ ذُرِّیَّتَها مِنَ الشَّیطانِ الرَّجِیمِ) وفی هذا درس نتعلّم منه الدعاء للولد ولذریته ولذلک الدعاء أثر کبیر فی صلاح الذریة والنسل وبالتالی المجتمع.

و) القبول الحسن:(فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) فی قبال عبارة ودعاء أم مریم أجابها الله بنوع من القبول وهو بمقدار طلب أم مریم بالتقبل بل بزیادة علیه وهو القبول الحسن وهذه إشارة لمقام تلک المرأة التی أثبَت الله تعالی لها المکانة الرفیعة فی حین کانت أمها تظن أنَّ مولودها الأُنثی لایقدر علی تأدیة الواجب کالذکر.

المورد الثانی: فاطمة الزهراء علیها السلام

وننطلق مع مصداق آخر من مصادیق القرآن بل ومع مَن عاشت مع بدایات نزول القرآن إلی ما بعد إنقطاع الوحی، فکانت حیاتها ممتزجة بالقرآن علماً وعملاً وجسدت ذلک بکثرة مواقفها التی تُعج بها کتبُ التاریخ حتی وصلت إلی مقام «أم أبیها» فکانت المعصومة الوحیدة بین المعصومین الأربعة عشر علیهم السلام، بل حلقة الوصل بین عصمة النبوة والرسالة بعنوان أنَّها بنت الرسول وبین عصمة الإمامة بعنوان أنَّها زوجةٌ للإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ومن ثَم أصبحت أمّاً للمعصومین الحسن والحسین والتسعة المعصومین من ذریة الحسین علیهم السلام

ص:60

فکانت فی المقام الأرفع بحیث یقول الإمام الحسن العسکری علیه السلام:

«نحن حُججُ الله وفاطمة حُجّة علینا»(1) نزل القرآن فی بیتها بل ونزل قسم منه لأجلها.

فتارة: نری القرآن یُفردها بسورة خاصة بها ولا یجعلها الخیر الکثیر فحسب بل یجعلها ویسمّیها الخیر الذی لا خیر أکثر منه بل هی الکوثر(2):(إِنّا أَعطَیناکَ الکَوثَرَ) وبمراجعة سبب نزول هذه السورة من جهة و «بمقتضی المقابلة ومقارنة الآیة الأخیرة:(إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الأَبتَرُ) بالآیة الأولی - من جهة أخری - یصح القول بأن مصداق الکوثر هی فاطمة الزهراء علیها السلام وذریتها لانحصار ذریته صلی الله علیه و آله»(3) بل نقول: «إنَّ کثرة ذریتِه هی المرادة وحدها بالکوثر الذی اعطُیهُ النبی صلی الله علیه و آله أو أرید بها الخیر الکثیر وکثرة الذریة مرادةٌ فی ضمن الخیر الکثیر المراد ولولا ذلک لکان تحقیق الکلام بقوله:(إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الأَبتَرُ) خالیاً عن الفائدة».(4)

وتارة تدخل فی مَن باهل بهم الرسول صلی الله علیه و آله نصاری نجران وأثبت لها المقام الأرفع عند الله ورسوله عندما ذکرها بالتعظیم فی حالتین هما، ذکرها بصیغة الجمع بدل المفرد (نِساءَنا) وبإضافة الجمع إلی ضمیر الجمع الذی یدلّ علی التشریف بقوله تعالی:(فَمَن حَاجَّکَ فِیهِ مِن بَعدِ ما جاءَکَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَ أَبناءَکُم وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُم وَ أَنفُسَنا وَ أَنفُسَکُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللّهِ عَلَی الکاذِبِینَ) .(5)

وتارة أخری تنزل (هَل أَتی) لتخص الزهراء وبنیها وبعلها بفضائل ومکرمات وتُعطیهم نعیما وملکاً کبیراً بعد أن تذکر وفاءهم بالنذر ومقام

ص:61


1- (1) بشارة المصطفی: 42؛ تفسیر أطیب البیان: 226/13.
2- (2) الکوثر: علی وزن فوعل وهو صفه تفضیل لیس فوقها تفضیل فهی أعلی حد.
3- (3) أصول الفقه: 141/2.
4- (4) المیزان 429/20.
5- (5) آل عمران: 61.

الخوف منه تعالی، وإطعامهم الطعام لوجه تعالی مع حاجتهم إلیه بل وتذکر الآیات خصوصیة أخری لشخص الزهراء کما یقول فی روح المعانی:

و من اللطائف علی القول بنزول السورة فیهم - یعنی فی أهل البیت علیه السلام - أنه سبحانه لم یذکر فیها الحور العین وإنَّما صرَّح عزّوجلّ بولدان مخلدین رعایة لحرمة البتول وقرة عین الرسول

وهذا ما یؤیده الطباطبائی بقوله:

و أعلم أنه تعالی لم یذکر فیما ذکر من نعیم الجنة فی هذه الآیات نساء الجنة من الحور العین وهی من أهمّ ما یذکره عند وصف نعم الجنة فی سائر کلامه ویمکن أن یستظهر منه أنّه کانت بین هؤلاء الأبرار الذین نزلت فیهم الآیات من هی من النساء.(1)

و تصل الزهراء بطهارتها «الفکریة والعلمیة والروحیة والأخلاقیة»(2) إلی مقام تنال العصمة کما تصرح بذلک آیة التطهیر:(... إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَیتِ وَ یُطَهِّرَکُم تَطهِیراً) .(3)

الزهراء علیها السلام وآیة التطهیر

تشیر الآیة بشکل لا غبار علیه إلی أنَّ إذهاب الرجس - وهی الذنوب بجمیع ألوانها ومصادرها - عن الخمسة المطهّرین «الرسول والإمام علی علیه السلام والحسنین والزهراء صلوات الله علیهم أجمعین» قد تمَّ بناء علی إرادة الهیّة بشکل لا یسمح بطروء أیّ ذنب من الذنوب علیهم، یدلّ علی ذلک استعماله سبحانه وتعالی للفعل المضارع: (لِیُذهِبَ) والمؤکد باللام والمسبوق بأداة الحصر (إِنَّما) حیث قوبل إذهاب الرجس عن ذواتهم المقدسة بالتطهیر الشامل، ذی الصفة الاستمراریة کما یُفصح عنه إیراد المضارع (یُطَهِّرَکُم)

ص:62


1- (1) المیزان: 143/20.
2- (2) الزهراء القدوة: 328.
3- (3) الأحزاب: 33.

المتبوعة بالمفعول المطلق (تَطهِیراً)1 الأمر الذی تم للخمسة المطهرین علیهم السلام بمجرد أن أراد الله تبارک وتعالی ذلک فیهم:(إِنَّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَن یَقُولَ لَهُ کُن فَیَکُونُ)2 إذ یستحیل أن یتخلف بالنسبة لله تعالی المراد عن الإرادة.

تبقی مسألة مهمّة وهی سبب نزول الآیة فإن الشیعة أجمعت علی نزولها بحق الخمسة المطهّرین حسب ما رُویَ عن علی علیه السلام والسجاد والباقر والصادق والرضا علیهم السلام وعن أم سلمة وأبی ذر وأبی لیلی وأبی الأسود الدؤلی وعمر وبن میمون الأودی وسعد ابن أبی وقّاص فی أکثر من ثلاثین طریقا(1) وامّا طرق أهل السنة فهی عدیدة.(2)

النتیجة

نلاحظ أنَّ الرویات من الطرفین تکاد تُجمع علی أنَّ النزول قد حصل فی بیت الزهراء علیها السلام وشملها خطاب التطهیر من الله تعالی کما کان یردده رسول الله صلی الله علیه و آله عند ما کان یمرُّ بباب فاطمة ستة أشهر کلّما خرج إلی صلاة الفجر یقول: «الصلاة یا أهل البیت:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَیتِ وَ یُطَهِّرَکُم تَطهِیراً) ».

إنّ إرادة الله التی قضت بإذهاب الرجس والتطهیر جاءت نتیجة لاستعداد أهل البیت علیهم السلام نفسیاً وعقلیا وجسدیاً، فکانت العصمة لهم فی الفکر والعمل منه تعالی لاستحقاقهم وجدارتهم بها، حیث نراهم بذلوا وسعهم مخلصین للارتفاع فی سُلّم الکمال.

ص:63


1- (3) المیزان: 329/16.
2- (4) کما فی تفسیر السیوطی: 198/5 وتفسیر ابن کثیر: 485/3 وتفسیر روح المعانی: 14/24 وفی صحیح الترمذی: 85/12 وکنز العمّال: 103/7 وغیرهم.

بعد هذا نقول الآیة کما شملت الرسول والأمیر والحسنین علیهم السلام شملت الزهراء علیها السلام دون أدنی فرق أو تفاوت فلامجال للقول بوجود النقص فی المرأة ذاتاً.

و أمّا ما یقال إنَّ حالة الزهراء علیها السلام من حیث انها إمرأة حالة استثنائیة فیردُّهُ أنّ المرأة قد وصلت إلی مصاف الرجال أوفاقتهم فی موارد کثیرة أشار القرآن إلی بعضها مثل مریم علیها السلام وآسیة امرأة فرعون، وذکر التاریخ بعضها مثل خدیجة الکبری وزینب علیهما السلام وکثیر غیرهنَّ مع تفاوت فی المقام والإمکانیات کما هو موجود بین الرجال.

الصدّیقة الشهیدة

ونختم هذا الفصل بهذا الحدیث المبارک فقد ورد فی الحدیث عن الإمام موسی الکاظم علیه السلام:

«إنَّ فاطمة صِدّیقة شهیدة»(1) نستظهر من هذا الحدیث أنَّ الزهراء علیها السلام وصلت إلی مقام الصدّیقین الذین یعیشون الصدق فی القول والعمل مع الله ومع النفس ومع الناس کما أنَّها وصلت إلی مقام الشهداء الذی هو أعلی من مقام الشهداء الذین یقتلون فی سبیل الله - فإنها نالته بجهادها وبدفاعها عن الحق وأهله - لکن الذی وصلت إلیه هو المقام الأعلی والأرفع

«هو مقام الشهداء الذین یشهدون علی الامة یوم القیامة»(2) کما هو شأن الأنبیاء فتکون الزهراء من مصادیق:(وَ مَن یُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنعَمَ اللّهُ عَلَیهِم مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِینَ وَ حَسُنَ أُولئِکَ رَفِیقاً)3 وقد شهدت بصدقها وأصدقیتها عائشة التی قالت: «ما رأیت أصدق منها إلَّا أباها».(3)

ص:64


1- (1) الکافی: 458/1.
2- (2) الزهراء القدوه: 183.
3- (4) بحار الأنوار: 53/43.

الفصل الثانی: الخطاب القرآنی والمرأة

اشارة

ص:65

ص:66

المبحث الأوّل: أنواع الخطابات القرآنیة

اشارة

عندما جاء القرآن بثقافة جدیدة فی المخاطبة استخدم عبارات خاصة جعلها علی شکل خطابات تتغیر تبعاً للمخاطب نوعاً أو فرداً مع الأخذ بنظر الاعتبار صلاحیتها لکل زمان ومکان، لذلک یمکننا تقسیمها إلی أربعة أنواع هی:

1. الخطاب العام الصریح لنوع الإنسان: مثل (یا أَیُّهَا النّاسُ) الذی ورد 20 مرة و (یا بَنِی آدَمَ) الذی ورد 7 مرات و (یا أَهلَ الکِتابِ) الذی ورد 12 مرة و (یا أَیُّهَا الإِنسانُ) الذی ورد مرتین، فهذا الخطاب عام وشامل لجمیع النوع الإنسانی ولا یحده زمان ولا مکان ولا حالات معینة.

2. الخطاب العام بصیغه المذکر، مثل:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) والذی ورد 89 مرة:(إِنَّ أَکرَمَکُم عِندَ اللّهِ أَتقاکُم) و (قُل أَطِیعُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ) و (أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ) و (وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ یُعَلِّمُکُمُ اللّهُ) وأمثالها، وهذه الخطابات وإن جاءت بصیغة المذکّر إلّا أنه عام یشمل الذکر والأنثی، فإّن أدبَ الحوار القرآنی استخدم هذه الخطابات الشائعة والرائجة فی الثقافة العربیة والموافقة للغات العالم الأخری فی هذا الجانب من الحوار، فلا یقال: خطاب القرآن خطاب للذکر فقط.

ص:67

فی هذا النوع یکون موضوع الخطاب هو الرجل والمرأة؛ لأنّ الخطابات کما یمکن توجیهها للرجال یمکن توجیهها للنساء بدون فرق، إضافة إلی أنَّه یمکن الاستدلال بحدیث الرسول صلی الله علیه و آله الذی سبق ذکره:

«إنما النساء شقائق الرجال» الذی قد یعطی القاعدة فی تطبیق أحکام الرجال علی النساء.

و یدخل تحت هذه الخطاب الآیات التی جاء التصریح فیها بذکر الرجل والمرأة کما فی قوله:(مَن عَمِلَ صالِحاً مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی...)1 الذی یعتبر القرآن فیها أنَّ تهذیب الروح والعبادة والقرب الإلهی لیؤثر فیه الجانب الجسدی الذکری أو الأُنثوی.

3. الخطاب الخاص بالرجال: توجد عبارات خاصة فی خطابات القرآن موجهة للرجل فقط مثل:(قُل لِلمُؤمِنِینَ یَغُضُّوا مِن أَبصارِهِم...) و (وَ مِن آیاتِهِ أَن خَلَقَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً...) .

4. الخطاب الخاص بالنساء: وفیه یکون الخطاب موجهاً للنساء، مثل:(یا نِساءَ النَّبِیِّ...) و (وَ قُل لِلمُؤمِناتِ یَغضُضنَ مِن أَبصارِهِنَّ...) و (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُل لِأَزواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ المُؤمِنِینَ...) .

أوصاف المرأة فی القرآن

1. السکن: إنَّ دور المرأة بعنوان إنَّها زوجة دورٌ کبیر فی تکوین القاعدة النفسیة لبناء الأسرة وهو أکبر من دور الرجل والذی عبّر عنه القرآن بقوله:(خَلَقَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً لِتَسکُنُوا إِلَیها)2 ، فالزوج هو الذی یسکن إلی الزوجة ویستقر بالعیش فهی مرکز الاستقطاب وإطار الاستقرار والود والمحبّة. ویتحدث القرآن الکریم عن «السکن» فی مواضع عدیدة، ومن

ص:68

خلال ذلک نستطیع أن نفهم معناه الذی توّفره الزوجة لزوجها، نفهمُه من خلال قوله تعالی:(وَ مِن آیاتِهِ أَن خَلَقَ لَکُم مِن أَنفُسِکُم أَزواجاً لِتَسکُنُوا إِلَیها وَ جَعَلَ بَینَکُم مَوَدَّةً وَ رَحمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَومٍ یَتَفَکَّرُونَ...)1 ، وقوله تعالی:(وَ جَعَلَ مِنها زَوجَها لِیَسکُنَ إِلَیها...)2 ، ونفهم قیمة «السکن» فی الاجتماع عندما نعرف أنَّ القرآن وصف العلاقة بین الزوج والزوجة بأنّها علاقة «سکن و ودّ ورحمة».

عندما نبحث فی القرآن نجد أنَّ کلمة (اسکُن) جاءت بدلالات متقاربة فی مواضع متعددة مثلا:

1.(وَ جَعَلَ اللَّیلَ سَکَناً...)3 ، أی: یسکن فیه الناس سکون الراحة.

2.(... وَ صَلِّ عَلَیهِم إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُم...)4 ، أی: أنَّ دعواتک یسکنون إلیها وتطمئن قلوبهم بها.

3.(هُوَ الَّذِی أَنزَلَ السَّکِینَةَ فِی قُلُوبِ المُؤمِنِینَ)5 ؛ أوجد الثبات والاطمئنان.

و السکینة علی وزن فضیلة من السکون بمعنی الوقار ولیس فی معنی فقد الحرکة، وفی المعجم الوسیط: «السکینة: الطمأنینة والاستقرار والرّزانة والوقار».

و هکذا نفهم معنی السکن الذی توفّره الزوجة لزوجها وأسرتها وهو الراحة والاستقرار والتستئناس والرحمة والبرکة والوقار کما نفهّم سرّ إختیار القرآن لهذه الکلمة الجامعة لمعان عدیدة.

2. الأهل: جاءت بعض آیات القرآن بکلمة الأهل بمعنی الزوجة:

ص:69

(فَلَمّا قَضی مُوسَی الأَجَلَ وَ سارَ بِأَهلِهِ آنَسَ مِن جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهلِهِ امکُثُوا...)1 فأهل موسی علیه السلام المشار إلیهم هم «امرأته بإذن أبیها إلی الشام أو مصر»(1) ، وهذا المعنی موجودٌ فی سورة یوسف:(قالَت ما جَزاءُ مَن أَرادَ بِأَهلِکَ سُوءاً...) .(2)

و هذا أکبرٌ دلیل علی أنَّ المراد بالأهل فی هذه الآیة هو الزوجة والأهل فی اللغة هی الزوجة والأنس والوطن والعشیرة وذو القرب و أیضاً یقال للذی له زوجة وعیال آهِل وهذا یعطی معنی الاستقرار ومعنی أُلفة المنزل وعدم التشرد فالرجل المتأهل أهلیٌ ببرکة زوجته، وبدونها یکون وحشیا.

3. الحرث: ما الطفه من تعبیر وهو کون المرأة حرث للرجل:(نِساؤُکُم حَرثٌ لَکُم فَأتُوا حَرثَکُم)4 ، فأنّ الأرض الطیبّة تُحرث وتَنتِج والنسل لا یحصل إلّا بهذا الحرث والنبات بدون الأرض الطیّبة لا یخرج إلّا نکِدا فکذلک هو دور المرأة هو الأهمّ فی حیاة الرجل حتی یخرج الولد طیباً.

4. اللباس: اللباس هو کل ما یصلح للبس وستر البدن وغیره، وأصله مصدر یقال: لبس یلبس لبساً - بالکسر والفتح - ولباساً. وهذا المعنی جاءت به الاستعارة فی الآیة:(هُنَّ لِباسٌ لَکُم وَ أَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ)5 حیث أنّ کلاً من الزوجین یمنع صاحبه عن الفجور وأشاعته بین أفراد النوع فکأنَّ کل منهما لصاحبه لباساً یواری به سوأته ویستر به عورته(3) ، وفی هذا دلیل علی أهمیّة المرأة فی حیاة الرجل وصعوبة الصبر عنها لشدة الملابسة والمخالطة.

ص:70


1- (2) تفسیر شبر: 373.
2- (3) یوسف: 25.
3- (6) المیزان: 45/2.

ویمکن أن نستشف من هذه الآیة أن التکافؤ والتساوی فی احتیاج أحدهما للآخر موجودٌ وأن فی تقدیم الضمیر «هنَّ» الذی یخص النساء تأکیداً علی أهمیّة دورها وعلوّ مقامها إضافة إلی لطافة الاستعارة وأدب الحوار وحفظ حیاء المرأة عند التعبیر عنها فی ما یمس الحیاء، و وجود المقابلة فی الآیة:(هُنَّ لِباسٌ لَکُم وَ أَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ) بین الضمائر تعطی إنطباعا بلزوم إعطاء أحدهما للآخر حقّه بنفس المستوی وهذا یؤکد الحکم الفقهی الذی یقول به بعض الفقهاء(1) من وجوب الاستجابة لحاجة المرأة الجنسیة عند مطالبتها بها من زوجها مثلما وجب علیها ذلک لزوجها، والمستنبط هذا الرأی من الآیة الشریفة:(وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ) .(2)

5. الزینة: إنَّ الزینة والتزیین من الأمور المهمّة فی حیاة الإنسان من جهة أنّها تعطیه مرتبة لم تکن له من قبل فهی لطیفة ومفیدة فی نفسها لذلک وصفها القرآنُ فی وجود المرأة وأنّها ممّا یشتهیه الإنسان فی المرأة لأنّها زینة فی وجودها (زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ...)3 فأنَّ التزیین للتوسل بالدنیا إلی الآخرة وإبتغاء مرضاته فی مواقف الحیاة المتنوعة بالأعمال المختلفة بالمال والحیاة والأولاد والنساء هو سلوک إلهی حسن(3) ، کما یقول تبارک وتعالی:(إِنّا جَعَلنا ما عَلَی الأَرضِ زِینَةً لَها)5 وکذلک قوله:(قُل مَن حَرَّمَ زِینَةَ اللّهِ الَّتِی أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزقِ) .(4)

ص:71


1- (1) اشار إلیه السید علی الکمالی الدزفولی فی کتابه قرآن و مقام زن: 57 و ذکره السید فضل الله فی ذیل تفسیر هذه الآیة فی تفسیره من وحی القرآن.
2- (2) البقرة: 228.
3- (4) المیزان: 120/3.
4- (6) الأعراف: 32.

ویمکن لنا أن نستفید من الآیة:(زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ...) إن حُبَّ النساء من الغرائز الأساسیة عند الناس، والذین یخالفون هذا الحبّ فإنّما یخالفون الفطرة السلیمة(1) وأنَّ المرأة جزءٌ من هذه الزینة للرجل وأنّه لا استغناء له عنها فی کثیر من شؤون حیاتهِ ولکن یحب أن یکونَ هذا الحب لهذه الزینة والتعلق بها فی إطار الإیمان بالله والیوم الآخر وعلیه أن لا یساوی بین حب الشهوات وحبّ الله سبحانه تعالی، ومع ذلک نجد انه تعالی وعد الإنسان بما هو أفضل من هذا المتاع وهو (جَنّاتٌ تَجرِی مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدِینَ فِیها وَ أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ)2 من الأدناس خلقاً وخُلقاً، وهذه إشارة أخری فی کلمة أزواج، فإنَّ الإنسان والرجل خاصة، کما یحتاج الزوج فی الدنیا لا بدّ له من الزوج فی الآخرة لأنّها من احتیاجات تکوینه وفطرته وما رواهُ القمی فی تفسیره یوضّح أنّ المرأة ببدنها تکون زینةً للرجل حیث یقول عن الإمام الباقر علیه السلام:

«والزینةُ ثلاث زینة للناس وزینة للمَحرم، وزینةٌ للزوج: فأما زینة الناس فهی الزینة الظاهرة: الثیاب والکحل والخاتم وخضاب الکف والسوار، وأما زینة المحرم فموضع القلادة فما فوقها، والدملج(2) فما دونه والخلخال وما أسفل منه، وأمَّا زینة الزوج فالجسد کله».(3)

دور المرأة فی حیاة الرجل

إنَّ إنسانیة الإنسان وفطرته تدعوه للتعرف ومعاشرة الغیر (وَ جَعَلناکُم شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا...)5 إضافة إلی أنَّ الحکماء یقولون: «إنَّ الإنسان مدنیٌ بالطبع» فیکون الانجذاب إلی الآخر حاجة طبیعیة لا یمکنه الاستغناء عنها، وهذا

ص:72


1- (1) الوجیز: 160.
2- (3) الدُملج: حُلی یُلبس فی المعصم کالسوار.
3- (4) تفسیر القمّی: 601/1.

الانجذاب یُبین أن کلاً من الرجل والمرأة فیه حالة نقصٍ لابدَّ أن یکتمل، ویمکنه أن یزیل نقصه بالحصول علیه من الأخر حیث أنَّ الرجل - بفطرته - یبحث عن:

1. الجَمال: وهذه الصفة ضروریة للمرأة وأنَّ اللطافة والجمال رأس مال المرأة حیث أنها کائن لطیف وجمیل یجتذب الرجل بشکل خاص لذلک علیها أن تُحسن حفظ جمالها ولطافتها (أَ وَ مَن یُنَشَّؤُا فِی الحِلیَةِ وَ هُوَ فِی الخِصامِ غَیرُ مُبِینٍ)1 فهذا الجانب محمودٌ فی المرأة ومن مصلحتها أن تراعی هذا الأمر عند إختیار عمل من الأعمال بحیث تختار أشغالاً لاتُعَّرض لطافتها وجمالها إلی الخطر(1) و أیضاً یمکن القول إنَّ جانب الزینة ملاحظ فی المرأة؛ لأنّ الزینة کل ما یتزین بها ولیرفع نقصاً وشیناً بها وهذا ما أشارت إلیه الآیة:(زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ...) وفی رسالة أمیر المؤمنین إلی الحسن علیهما السلام:

لا تملک المرأة من الأمر ما یجاور نفسها فان ذلک أنعم لحالها، وأرضی لبالها وأدوم لجمالها فإن المرأة ریحانة ولیست قهرمانة.(2)

2. العاطفة: المرأة کائن عاطفی، وهی تتأثر عاطفیاً أسرع من الرجل وهذه الخصلة یحتاجها الرجل؛ لأنّ العقل عنده أکثر من العاطفة فلذلک أشار القرآن إلی ذلک:(وَ جَعَلَ بَینَکُم مَوَدَّةً وَ رَحمَةً)4 حتی تتقوی آصرة الزوجیة فتفیض علیه من عاطفتها إضافة إلی عاطفة الأم السابقة.

المرأة بطبیعتها عمّا تبحث ؟

1. القّوة: حیث تحتاج المرأة إلی رکن شدید وسند قوی یدفع عنها ویرفع عنها ما ثقُل علی کاهلها، وتعجبها صفة الرجولة والقوة فی الرجل ونجد

ص:73


1- (2) دروس من الثقافة الإسلامیة: 408/1.
2- (3) الحر العاملی، الوسائل: 120/14.

مصداق ذلک فی قوله:(قالَت إِحداهُما یا أَبَتِ استَأجِرهُ إِنَّ خَیرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِیُّ الأَمِینُ)1 حیث أعجبت ابنةُ النبی شُعیب بقوة موسی الجسدیة إضافة إلی غیرته علیها ومراعاته للحیاء الدینی، وهذه القضیة استشهد بها القرآن لأهمّیتها وخاصة أنها جرت مع بنت نبی.

2. الستر: طبیعة المرأة تمیل إلی من یحوطها ویسد حوائجها وبذلک یسترها من الظهور بین الرجال، کما یستر علیها بتوفیر البیت لها وینفق علیها ویرفع عنها مهمة العمل وخاصة فی فترة الحمل الذی یکون من أشقّ أطوار حیاة المرأة لما فیه من تعب جسدی ونفسی:(حَمَلَتهُ أُمُّهُ کُرهاً وَ وَضَعَتهُ کُرهاً) .(1)

فهی تحتاج إلی استقرار یقوم بتوفیره الرجل وقد الزم الشارعُ المقدس الرجلَ بذلک (أَسکِنُوهُنَّ مِن حَیثُ سَکَنتُم مِن وُجدِکُم وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیهِنَّ وَ إِن کُنَّ أُولاتِ حَملٍ فَأَنفِقُوا عَلَیهِنَّ حَتّی یَضَعنَ حَملَهُنَّ) .(2)

ص:74


1- (2) الأحقاف: 15.
2- (3) الطلاق: 6.

المبحث الثانی: النساء المشار إلیهنّ فی القرآن

المرأة جاءت إلی الدنیا مع مجیء الرجل فکانت منه:(الَّذِی خَلَقَکُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنها زَوجَها)1 وکانت الزوج(1) المکمِّل فی حیاته الأسریة داخل البیت وحیاته العملیة خارج البیت.

وفیما یلی نستعرض الآیات التی ذکرت المرأة بجمیع حالاتها الصالحة والطالحة وغیرهما سواء فی ذلک من ذکرت بالاسم کمریم علیها السلام صراحةً أم بالکنیة أم بالإشارة القریبة والبعیدة فنقول:

1. حواء ذکرت مع آدم فی قوله:(وَ یا آدَمُ اسکُن أَنتَ وَ زَوجُکَ الجَنَّةَ) .(2)

2 و 3. زوجة نوح وزوجة لوط:(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امرَأَتَ نُوحٍ وَ امرَأَتَ لُوطٍ) .(3)

4. زوجة إبراهیم «سارة»:(وَ امرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَت فَبَشَّرناها) .(4)

ص:75


1- (2) لم تأتِ کلمة زوجة فی القرآن بل جاءت زوج بمعنی امرأة الرجل؛ لأنّ کلمة زوجة لغة ردیئة.
2- (3) الأعراف: 19.
3- (4) التحریم: 10.
4- (5) هود: 71.

5. زوجة إبراهیم «هاجر»:(رَبَّنا إِنِّی أَسکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیرِ ذِی زَرعٍ عِندَ بَیتِکَ المُحَرَّمِ)1 حیث أسکن إبراهیم إسماعیل وأمه فی مکّة.(1)

6. زوجة یعقوب:(وَ رَفَعَ أَبَوَیهِ عَلَی العَرشِ) .(2)

7. امرأة العزیز «زلیخا»: (قالَتِ امرَأَةُ العَزِیزِ الآنَ حَصحَصَ الحَقُّ) .(3)

8. زوجة أیوب «رحمة»:(وَ خُذ بِیَدِکَ ضِغثاً فَاضرِب بِهِ وَ لا تَحنَث) .(4)

9. بلقیس ملکة سبأ:(إِنِّی وَجَدتُ امرَأَةً تَملِکُهُم) .(5)

10. أم موسی:(إِذ أَوحَینا إِلی أُمِّکَ ما یُوحی) .(6)

11. أخت موسی:(وَ قالَت لِأُختِهِ قُصِّیهِ) .(7)

12. زوجة فرعون:(امرَأَتَ فِرعَونَ إِذ قالَت رَبِّ ابنِ لِی...) .(8)

13. أم مریم:(إِذ قالَتِ امرَأَتُ عِمرانَ) .(9)

14. زوجة زکریا:(وَ قَد بَلَغَنِیَ الکِبَرُ وَ امرَأَتِی عاقِرٌ) .(10)

15. مریم:(قالَ یا مَریَمُ أَنّی لَکِ هذا)12 والتی کانت الوحیدة التی ذکر اسمها صراحة وکانت مُحَدثةً صِدیقةً.

ص:76


1- (2) المیزان: 77/12؛ الدرّ المنثور: 86/4.
2- (3) یوسف: 100.
3- (4) یوسف: 51.
4- (5) ص: 44، کمافی المیزان: 214/17 وشبر: 430.
5- (6) النمل: 23، کما فی المیزان: 371/15 والبصائر فی تفسیر الآیة.
6- (7) طه: 38.
7- (8) القصص: 11.
8- (9) تحریم: 11.
9- (10) آل عمران: 35.
10- (11) آل عمران: 40.

16 و 17. بناتُ شعیب:(وَ وَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرَأَتَینِ تَذُودانِ)1 علماً أن إحداهماصارت زوج موسی فیما بعد.

18. فاطمة الزهراء علیها السلام

«سورة الکوثر»(1) إضافة إلی آیة المباهلة:(نِساءَنا وَ نِساءَکُم) .(2)

19 و 20. عائشة وحفصة:(إِن تَتُوبا إِلَی اللّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُکُما) .(3)

21. ماریة القبطیة زوجة الرسول التی نزل فی حقها:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبتَغِی مَرضاتَ أَزواجِکَ) .(4)

22. خولة بنت ثعلبة التی جادلت الرسول فی زوجها:(قَد سَمِعَ اللّهُ قَولَ الَّتِی تُجادِلُکَ فِی زَوجِها...) .(5)

23. زینب علیها السلام زوجة زید:(فَلَمّا قَضی زَیدٌ مِنها وَطَراً زَوَّجناکَها) .(6)

24. أم شریک الأزدیّة التی وهبت نفسها للرسول کما(7):(وَ امرَأَةً مُؤمِنَةً إِن وَهَبَت نَفسَها لِلنَّبِیِّ...) .(8)

25. أم جمیل زوجة أبی لهب:(وَ امرَأَتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ) .(9)

26. سمیة «أم عمار بن یاسر» عذّبها المشرکون مع زوجها و ولدهما عمار

ص:77


1- (2) المقصود من الکوثر هی الزهراء کما یؤکد صاحب المیزان: 430/20.
2- (3) مجمع البیان: 309/2.
3- (4) التحریم: 4، کما فی المیزان: 346/19 وتفسیر القّمی فی تفسیر الآیة.
4- (5) التحریم: 1، حیث حرم ماریة علی نفسه کما یقول القرطبی فی تفسیره: 178/18 والدرّالمنثور: 239/6، وذکر القّمی فی تفسیره: 10/2 إن آیة الإفک نزلت فیها.
5- (6) المجادلة: 1 ذکرها الدرّ المنثور: 179/6.
6- (7) الأحزاب: 37 وهی زینب بنت جحش بنت عمة الرسول، کما فی تفسیر شبر: 400.
7- (8) الدر المنثور: 208/5.
8- (9) الأحزاب: 50 وذکرها فی أسد الغابة: 285/5.
9- (10) المسد: 5، کما فی تفسیر المیزان: 447/20.

فأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مکرهاً فترکوه واستشهد والداه حتی قال الرسول صلی الله علیه و آله:

«صبراً آل یاسر موعدکم الجنة» فأنزل تعالی:(إِلاّ مَن أُکرِهَ وَ قَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِیمانِ) .(1)

27. والدة إبراهیم:(رَبَّنَا اغفِر لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلمُؤمِنِینَ یَومَ یَقُومُ الحِسابُ) .(2)

28. خرقاء مکة «ریطة بنت عمرو القرشیة»:(وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنکاثاً) .(3)

29. البدیل الأفضل «الجاریة التی ولدت سبعین نبیاً» کما روی عن الإمام الصادق فی بیان آیة:(فَأَرَدنا أَن یُبدِلَهُما رَبُّهُما خَیراً مِنهُ زَکاةً وَ أَقرَبَ رُحماً) .(4)

30. أمُ تلکَ الجاریة التی کانت بدیل الغلام:(وَ أَمَّا الغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤمِنَینِ...) .(5)

31. رسول النساء: أسماء بنت یزید الأنصاریة التی شکت إلی الرسول صلی الله علیه و آله عدم ذکر النساء فی القرآن فنزلت:(إِنَّ المُسلِمِینَ وَ المُسلِماتِ...) .(6)

32. الجاسوسة «سارة التی أرسلها حاطب ابن أبی بلتعة إلی مکّة وحمّلها رسالة إلی أهله» فنزلت الآیات فی بدایة سورة الممتحنة:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّکُم أَولِیاءَ...) .(7)

ص:78


1- (1) النحل: 106.
2- (2) إبراهیم: 41.
3- (3) النحل: 92، مجمع البیان: 194/6.
4- (4) کما فی الکافی: 7/6.
5- (5) الکهف: 80.
6- (6) کما فی الاستیعاب: 233/4.
7- (7) ذکرها فی مجمع البیان: 445/9.

33. کَبیشة بنت معن «زوجة أبی قیس بن الاسلت» التی نزلت فی حقها:(لا یَحِلُّ لَکُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ کَرهاً) .(1)

34. مسیکة وأمیمة اللتان کانتا جاریات عند عبد الله بن أبَی فأراد أن یجبرها علی فعل الفاحشة فنزلت:(وَ لا تُکرِهُوا فَتَیاتِکُم عَلَی البِغاءِ إِن أَرَدنَ تَحَصُّناً) .(2)

ص:79


1- (1) النساء: 19، ذکرها مجمع البیان: 46/3، والقرطبی فی تفسیر الآیة وغیرهما.
2- (2) النور: 33، و قد ذکر ذلک فی أسد الغابة: 404/5.

ص:80

المبحث الثالث: أدب القرآن فی شؤون النساء

اشارة

استخدم القرآن فی آیاته عبارات خاصة کانت غایةً فی الأدب والبلاغة إضافة إلی أنها لا تخدش حیاء المرأة کما أنَّ القرآن جاری بعض آداب العرب فی بعض موارده إلّا أنّه جاء بعبارات أرفع فی الأُسلوب وأرقی فی المحتوی.

نلاحظ القرآن عندما بدأ بذکر قصة آدم وحواء ومسألة کشف العورة استخدم کلمة السوءة وجمعها سوءآة وهی بمعنی «العضو الذی یسوء الإنسان اظهاره والکشف عنه»(1):(فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَ طَفِقا یَخصِفانِ عَلَیهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ)2 وهذا التعبیر مأخوذ علی نحو الکنایة کما هو الغالب فی إسلوب القرآن، حیث أشار إلی العورة أو العضو الذکری والعضو الأنثوی بالسوءة، وفی مورد آخر استخدم القرآن الکریم تعبیر:(تَغَشّاها) فی:(فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَت حَملاً خَفِیفاً فَمَرَّت بِهِ...)3 والتغشی هو الجماع وتعبیر التغشی فیه معنی لطیف هو التغطیة کما فی آیة:

ص:81


1- (1) المیزان: 34/8.

(وَ اللَّیلِ إِذا یَغشاها)1 و (وَ اللَّیلِ إِذا یَغشاها)2 وکذلک (فَلَمّا أَثقَلَت دَعَوَا اللّهَ)3 فمعنی الثقل أنَّ الحمل قد کبر فی بطن الأم فاستعاض عن ذلک التشویه الظاهری بتعبیر أثقلت.

وفی التعبیر عن الزواج والجماع توجد عدة موارد مثل:(فَاعتَزِلُوا النِّساءَ)4 ، وعبارة (فَلا رَفَثَ)5 وکذلک (کانَتا تَحتَ عَبدَینِ) .(1)

وفی الإشارة إلی بعض خصوصیات الأُنثی وفرقها عن الذکر (وَ لَیسَ الذَّکَرُ کَالأُنثی) إشارة إلی حصول حالة الحیض(2) وفی الإشارة إلی طلب المواقعة:(وَ راوَدَتهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیتِها عَن نَفسِهِ وَ غَلَّقَتِ الأَبوابَ وَ قالَت هَیتَ لَکَ قالَ مَعاذَ اللّهِ)8 حیث جاءت العبارة «المراودة عن النفس» بمعنی «أنّها هیأت من نفسها له» أو «أقبل» وکل هذه العبارات فیها تَرفعٌ وکلام مُهذّب، مع أنّ فی الآیة استهجان التصریح باسم صاحبة البیت «حیث أنَّ التصریح باسم المرأة مستهجن عند العرب ومستقبح عندهم، خصوصاً فی هذا المقام، فجری الله «عزّ وجلّ» علی سنن اعتقادهم».(3)

وفی الإشارة إلی ترک الوطئ بقوله تعالی:(لِلَّذِینَ یُؤلُونَ مِن نِسائِهِم...) حیث أنّ الإیلاء هو: «من إلی أی حلف علی ترک وطء امرأته».(4)

ص:82


1- (6) التحریم: 10.
2- (7) تفسیر شبر: 241.
3- (9) دروس فی البلاغة: 58.
4- (10) کتاب النکاح: 23/2.

وفی التعبیرعن الزواج والطلاق بقوله تعالی: (فَإِمساکٌ بِمَعرُوفٍ أَو تَسرِیحٌ بِإِحسانٍ) .(1)

فإنّنا نلاحظ أنّه عندما عبَّر عن الزواج عبَّر عنه بأنّه إمساک بالمعروف ولم یعبّر بکلمة إمساک فقط، وأمّا التسریح فهو الطلاق ولکن بقید الإحسان «وهو معنی زائد علی المعروف»(2) وفی تقیید الإمساک بالمعروف والتسریح بالإحسان من لطیف العنایة ما لایخفی، وفی قوله:(وَ قَد بَلَغَنِیَ الکِبَرُ) من مراعاة الأدب ما لا یخفی فإنَّه کنایة عن أنَّه لایجد من نفسه شهوة النکاح لبلوغ الشیخوخة والهرم.(3)

النتیجة

نستنتج من هذا الفصل نتیجة مهمّة تختلف عن باقی الفصول هی أنَّ الخطاب القرآنی جاء بأحسن أسلوب عندما لم یفرق بین الرجال والنساء بل ساوی بینهم وجعل هذا الأسلوب هو الشائع فی عبارته ومنه نعرف أن کل أحکام الرجل تنطبق علی المرأة إلا فی بعض الاستثناءات، فلا مجال لمستشکلٍ أن یقول إنَّ خطاب القرآن ذکوری.

کما یمکن معرفة أنّ ما عند المرأة یُکمّل ما عند الرجل کما أنها تُکمّل ما عندها بما عنده من خلال وجود الصفات التی توجد عند کلٍ منهما.

ولنا أنَّ نقول إنَّ المرأة شارکت الرجل فی کل موردٍ تقریباً ففی آیات القرآن نجد الاستشهاد بالمرأة یوجد إلی جانب الاستشهاد بالرجل، فقد وصلنا فی بحثنا إلی 34 مورداً من النساء - ربما أکثر - لذلک لم یُبخس القرآن شیئاً من حقها.

ص:83


1- (1) البقرة: 229.
2- (2) المیزان: 238/2.
3- (3) المصدر: 206/3.

وفی البحث الأخیر نلاحظ الأدب القرآنی والخُلق الإلهی فی التعبیر عن الحالات الخاصة التی تطرأ علی النساء وما یتعلق بشؤونها والذی لانجد له مثیل فی کتاب حتی لو کان منسوباً إلی السماء کالتوراة والإنجیل و....

ص:84

الفصل الثالث: حقوق المرأة والرجل فی القرآن

اشارة

ص:85

ص:86

المبحث الأوّل: الحقوق المشترکة

اشارة

عند ما طرح الإسلام نظریته لم یُفِّرق فی اللون ولا فی الجنس ولا بین فرد وآخر إلّا بالتقوی (إِنَّ أَکرَمَکُم عِندَ اللّهِ أَتقاکُم)1 وجعل الرجل والمرأة متکافئین أمام القانون الجزائی فی الجانب الإیجابی (وَ مَن یَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِکَ یَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَ لا یُظلَمُونَ نَقِیراً)2 وفی الجانب السلبی (الزّانِیَةُ وَ الزّانِی فَاجلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلدَةٍ)3 و (وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقطَعُوا أَیدِیَهُما)4 وتستمر الآیات ببیان التساوی فی حق کل من الرجل والمرأة من الحقوق العامّة کالعمل:(وَ قُلِ اعمَلُوا...) والتفکر (وَ یَتَفَکَّرُونَ) والنظر (فَانظُروا...) والحق فی الإرث والبیعة والملک وغیرها حتی یصل الأمر إلی أن تکون الولایة متبادلة فکما یکون الرجل المؤمن ولی المرأة المؤمنة تکون هی کذلک (وَ المُؤمِنُونَ وَ المُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِیاءُ بَعضٍ...) .

ص:87

حقوق المرأة علی الرجل

عند ما نراجع القرآن نجده یعطی الحق للمرأة فی الإطار العام بنفس المستوی لما یعطیه للرجل (وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ) فی الاستحقاق لا فی الجنس(1) فمثلاً إذا کانت أُماً فلها حق الطاعة والنفقة والإرث وإذا کانت أُختاً فلها حق الأخوة وإذا کانت بنتاً فلها النفقة والإرث أضافهً لحق التربیة وإذا کانت زوجةً فلها النفقة والإرث والسکن والمعاشرة وبقیة الحقوق التی تجعل الرجل خیراً من غیره بل «خَیرکُم، خَیرکُم لأهلهٍ وأنا خیرکم لأهلی» کما فی النبوی وعندما نبحث فی بعض الروایات نجد: «إن أعظم الناس حقاً علی المرأة زوجُها» وعندما یُسأل الرسول صلی الله علیه و آله، ماحق الزوجة علی الزوج؟ یُجیب بقوله:

«أن لا یضربَ وجهها ولا یُقبَّحها وان یُطعمها ممّا یَأکل ویُلبسها ممّا یلبس ولا یهجرها».(2)

حقوق الرجل علی المرأة

یُذکر فی مسألة نکاح المرأة أن هناک أصالة هی عدم ثبوت ولایة لأحد علی غیره إلا من خرج بالدلیل(3) ، وبالنتیجة لاحقَّ لأحد علی آخر إلا ما ذُکر، وهذه القاعدة تنطبق علی المرأة بعنوان أنّها إمرأة فلاحقَّ لأحدٍ علیها، بل إنَّ حالها کحال الرجل إلا فی موردین هما:

1. البنت: تذکر الکتب الحدیثیة کالبحار والوسائل والکتب الفقهیة أنَّ الأب له ولایة علی البنت الباکر فی مسألة تزویجها: «الجاریة التی لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبیها».(4)

ص:88


1- (1) مجمع البیان: 325/1.
2- (2) المصدر.
3- (3) الخوئی: کتاب النکاح: 244/2.
4- (4) الوسائل: 270/20، باب 3، ح 7.

و لمّا أن للجدِّ ولایة علیها بعنوان أنه أبٌ للأب وحسب الحکم المستفاد من الحدیث النبوی:

«أنت ومالک لأبیک»(1) والذی یمکن أن یدلّ علی ترجیح ولایة الجد علی ولایة الأب ولکن هذه الولایة غیر تامة بمعنی أنَّ الأب أو الجد لا یستطیع أن یُجبر البنت علی الزواج بشخص لا ترغب فیه، کما أنَّها غیر تامة الاختیار فی انتخاب زوج المستقبل بدن مشورة منهما، ولکن الملاحظ فی الأمر أنَّه لا ولایة لأحد مع وجود الأب أو الجّد وفی حالة فقدهما لا ولایة لأحد بل قد تسقط هذه الولایة فی حیاتهما وذلک فی حالة وجود الکفاءة فی الخاطب إذا رفض الولی، ومن المعلوم أنَّ المرأة الثَّیّب «إذا تزوجت ومات زوجها أوطُلِّقت» تملک أمرها ولا ولایةَ لأحدٍ علیها.(2)

2. الزوجة: تطرق القرآن لحق الرجل بعنوان انه زوج علی المرأة بعنوان أنها زوجة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ...)3 و (لِلرِّجالِ عَلَیهِنَّ دَرَجَةٌ...)4 وهاتان الآیتان تذکران حقین، «الحق الإداری وهو النفقة والحق الإجرائی وهو الطلاق».(3)

ونشیر هنا إلی بعض الأمور الملزمة بها الزوجة وعلی نحو الوجوب التکلیفی ومنها العِدة وهی علی نوعین:

أ) عدة الوفاة: یجب علی المرأة بعنوان أنها زوجة أن تعتدّ عدةَ الوفاة وهی أربعة أشهر وعشرة أیام کما صرح بها القرآن فی قوله تعالی:(وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّونَ مِنکُم وَ یَذَرُونَ أَزواجاً یَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَربَعَةَ أَشهُرٍ وَ عَشراً)6 ویجب

ص:89


1- (1) المصدر: 263/17، باب 78، ح 2.
2- (2) الوسائل: 367/20، باب 3، ح 2-4.
3- (5) دنیا المرأة: 90.

علیها الامتناع عن التزویج لأنّها فی حالة تربص، فالأمر بالتربص لاسیّما بملاحظةِ تکملة الآیة فی قوله تعالی:(فَإِذا بَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیکُم فِیما فَعَلنَ فِی أَنفُسِهِنَّ بِالمَعرُوفِ)1 واضحُ الدلالة علی عدم جواز التزوج فی تلک المدة إذ لیس للتربص معنی معقول غیر ذلک.(1)

ومن الثابت فی الشریعة الإسلامیّة أن هناک واجباً آخراً یقارن عدة الوفاة ولا بدّ من الالتزام به وهو الِحداد وهو ترک جمیع الزینة فی البدن واللباس.(2)

ب) عدّة الطلاق: فی حالة طلاق المرأة علیها الالتزام بعدم التزوج وهذا الحکم وإن کان تعبدیاً ولکن یمکن أن یُقال أن هذه الفترة فُرِضت لأجل استبراء المرأة والإطمئنان بعدم حصول حمل، وقوله تعالی:(وَ المُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)4 القُروء جمع قُرء(3) یُشیرُ إلی الفترة والآیة تدل علی وجوب التربص فی فترة العدة وعدم التزویج ودلالة قوله تعالی:(وَ إِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعضُلُوهُنَّ أَن یَنکِحنَ أَزواجَهُنَّ)6 واضحة علی أنّ المقصود من الترّبص فی تلک الفترة هو الامتناع عن التزویج ولذلک لا مانع منه بعد انقضائها.(4)

ص:90


1- (2) الخوئی، کتاب النکاح: 202/1.
2- (3) منهاج الصالحین: 290/2، مسألة 1452.
3- (5) «القُرء یقال للطهر والحیض والمراد هنا الطهر علی الأصح»، تفسیر شبر: 73.
4- (7) الخوئی: کتاب النکاح: 203/1.

المبحث الثانی: بحث فی الفضل

مقدّمة

اشارة

هل أنَّ الفضل الذی جعله الله لبعضهِمِ علی البعض هو تشریعی أم تکوینی؟ المعلوم أنَّ الفضل هو الزیادة کالفضول غیر أنَّ الفضل هو الزیادة فی المکارم والمحامد، والفضول هو الزیادة غیر المحمودة:(وَ لا تَنسَوُا الفَضلَ بَینَکُم)1 غیر أنَّ الفضل المذکور فی الآیة:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ وَ بِما أَنفَقُوا مِن أَموالِهِم...)2 هو تفصیل تکوینی فطری ومن لمعلوم أنَّ الشارع المقدس حینما بَنی أحکامَهُ بناها علی ما یناسب الفطرة (فِطرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیها لا تَبدِیلَ لِخَلقِ اللّهِ)3 و (فَسالَت أَودِیَةٌ بِقَدَرِها) .(1)

إضافة إلی بناء أحکام الشارع علی الغالب، فلذلک نستنتح أنَّ هذا

ص:91


1- (4) الرعد: 17.

التفضیل وظیفة شرعیة مناسبة للتکوین البشری فرداً وجماعة، وأمّا ما یقوله محمّد شحرور:

إنَّ القرآن جعل علة القوامة أمرین: الأفضلیّة والقدرة علی الإنفاق، لکَّنه لم یحدّد بشکلٍ قاطع أفضلیة مَن علی مَن وترکها دون تعیین الأمر الذی یعنی تداول القوامة أو المشارکة فیها.(1)

ویُوافقهُ علی ذلک نصر حامد أبو زید، فیمکن أن یقال فی الجواب عنه: إنَّ الأفضلیة تکوینیّة والشرع تابعٌ لذلک هذا من جانب ومن جانب آخر أنَّ الإنفاق واجب علی الرجل حقٌ للمرأة سواء کانت له القدرة علی الإنفاق أم لم تکن وللبحث صلة فی مبحث القوامة.

و أمّا ما یقوله: إنَّ الأفضلیة غیر معیّنة، فهذا لم یقل به أحد حیث نری أنَّ المفسرین قالوا: إنّ الفاضل هو الرجل والمفضول هو المرأة والقَیّم صفةٌ للرجل وهذا الوصف وصف تشریعی، وإمّا قوله:

فالدرجة التی للرجال علی النساء فرع علی أصل:(وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ)2 أی: بحسب التقالید والأعراف فی المجتمع.(2)

فنحن نوافقه فی فرعیة الدرجة علی أصل إثبات حقوقهن ولکن نخالفه فی أنَّ المقصود من «بالمعروف» هو التقالید والأعراف بدون قید بل أنّ «المعروف یتضمن هدایة العقل، وحکم الشرع، وفضیلة الخلق الحسن وسنن الأدب»(3) ، مع أنَّ القرآن قدَّم الحق لهنّ قبل الواجب علیهنَّ وهذا من باب العنایة الخاصة.

1- القِوامة

ذکر القرآن الکریم القوامة فی الآیة:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ

ص:92


1- (1) دوائر الخوف: 214.
2- (3) المصدر: 214.
3- (4) المیزان: 236/2.

بَعضَهُم عَلی بَعضٍ وَ بِما أَنفَقُوا مِن أَموالِهِم)1 وقد جاء وصف (قَوّامُونَ) للرجال وأصل القوامة من صفة مبالغة من القوام، والقیّم هو الذی یقوم بأمر غیره(1) وهذه القوامة محدودة فی مجالین:

أولاً: التفضیل:(بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ) .

ثانیاً: الإنفاق:(بِما أَنفَقُوا مِن أَموالِهِم) . أمَّا الأوّل هو التفضیل الذی هو أحد علتی القِوامة فیمکن تسمیته بالفضل الفطری فهو أنَّ مزاج الرجل أقوی واکمل وأتم أو هو ما یفضل ویزید فیه الرجال بحسب الطبع علی النساء، فمن الفضل الفطری:

1. زیادة قوة التعقل فی الرجال وبُعدُ نظره فی مجالات الاختراع والإبتکار «ولذلک نجد المکتشفات العلمیة والنظریة العقلیة من آثار الرجل غالباً» علی مایراهُ العقاد.(2)

2. القوة البدنیة «و ما یتفرع علی العقل من شدة البأس والقوة والطاقة علی الشدائد من الاعمال»(3) وما ینشأ عنها من الجَلَد وتحمل المکاره الحرب، وأخذ الثأر وغیرها....

ص:93


1- (2) مجمع البحرین: 564/3.أی لهم علیهن قیام الولاء والسیاسة، وعلل ذلک بأمرین: «أحدهما»، موهبی من الله تعالی وهو أن الله فضل الرجال علیهن بأمور کثیرة من کمال العقل، وحسن التدبیر وتزائد القوة فی الاعمال والطاعات. ولذلک خصوا بالنبوة، والإمامة، والولایة وإقامة الشعائر والجهاد، وقبول شهادتهم فی کل الأمور، ومزید النصیب فی الإرث وغیر ذلک.و «ثانیهما»، کسبی وهو أنهم ینفقون علیهن، ویعطونهن المهور مع أن فائدة النکاح مشترکة بینهما. والباء فی قوله: (بِما) وفی قوله:(وَ بِما أَنفَقُوا) للسببیة، وما مصدریة، أی: بسبب تفضیل الله، وبسبب إنفاقهم. وإنما لم یقل: بما فضلهم علیهن؛ لأنّه لم یفضل کل واحد من الرجال علی کل واحدة واحدة من النساء؛ لأنّه کم امرأة أفضل من کثیر من الرجال. کذا قرره بعض المفسّرین.
2- (3) المرأة فی القرآن: 11-12.
3- (4) المیزان: 351/5.

بل نستطیع القول:

إنَّ الفضل الفطری للرجال مشهودٌ به لدی المرأة نفسها، وهو حقیقة ماثلة أمام العیون، بدلیل تمنی النساء الوصول إلی مصاف الرجال فیما یمتازون به ویفقدنه.(1)

هذا وقد کانت قوة الرجال الجسمانیة محط إعجاب المرأة فی کل الأدوار الإنسانیّة وهذا ما أیّده وأکدّه القرآن الکریم بقوله تعالی:(قالَت إِحداهُما یا أَبَتِ استَأجِرهُ إِنَّ خَیرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِیُّ الأَمِینُ)2 ، حیث کانت قوة موسی علیه السلام هو ما لفت نظر ابنة شعیب علیه السلام بفعله ما عجزت عنه، حیث إنّ حیاة النساء حیاة إحساسیة عاطفیة مبنیة علی الرقة واللطافة.

و أمّا الثانی وهو الإنفاق أو ما یسمی بالفضل الکسبی وهو إنفاق الرجل علی المرأة بتقدیم المهر لها، إضافة إلی مسؤولیتِه عِن الأکل والملبس والمسکن وبقیة ضروریات الحیاة وبعض الکمالیات عند الحاجة لها. قال بعضهم إنّ القِوامة حق للرجل و واجبٌ علی المرأة ولکن الحق أنَّ القِوامة حق المرأة و واجبٌ علی الرجل حیث أنَّ القِوامة هی عبارة عن التکفل بحقوقها جمیعاً بل والدفاع عن تلک الحقوق وهما وظیفة الرجل.

2- لا بدّیة القیِّم

إنَّ مجتمع الأسرة ومثل أیّ مجتمع آخر بحاجة إلی قیّم ورئیس وموجّه وهذه الحاجة لا بدّ منها لأجل عدم حصول حالة الفوضی والتّسیب والانفلات حیث أنَّ القیمومة والرئاسة من الأمور المهمّة فی حیاة المجتمعات بل الکون کله، ولن یُکتب النجاح لأی مجتمع لا رئیس له یقوده؛ لأنّ الفوضی لا یتمخض عنها إلّا فوضی.

ص:94


1- (1) المرأة فی الفکر الإسلامی: 46/1.

فالإنسانیّة مثل جسمِ الإنسان بحاجةٍ إلی عقل کما هی بحاجة إلی قلب فالرجل عقل الإنسانیّة والمرأة قلبها مع أنَّه لا تنافیَ ولا تضاد فی عملها، ولکن حتی یکون عملها منتظما لا یکونان فی عرض بعض بل فی طول بعض فالعقل أولاً ثم القلب ومصداق ذلک فی القرآن:(ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلبَینِ فِی جَوفِهِ)1 کنایة عن امتناع الجمع بین المتنافیین، وکذلک الأسرة التی هی أصغر وحدة مکونة للإنسانیة بل نواة الإنسانیّة لا بدّ لها من رئیس وقیّم وموجّه ومحامی وهو الرجل وما سواه تابعٌ له وهذا من باب تخصیص الوظیفة له ولیست عبودّیة غیره له.

3- هل القیمومة دکتاتوریة؟

نحن أمام خیارین: إمّا أن یکون القیّم هو الرجل! وإمّا أن تکون المرأة؟ کلا الأمرین مطروحان، ولا مانع عقلی من الثانی ولکن نقول:

1. إنّ القِوامة لیست إلغاءً لشخصیة المرأة فی البیت ولا فی المجتمع الإنسانی ولا الغاءً لوضعها المدنی:

و إنّما هی وظیفة داخل کیان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطیرة وصیانتها وحمایتها، و وجود القیّم فی مؤسسةٍ ما لایلغی وجود ولاشخصیة ولا حقوق الشرکاء فیها والعاملین فی وظائفها.(1)

2. إنّ قِوامة الرجل فی الأسرة لاتعنی السیادة المطلقة للرجل أبداً «بل هی وظیفة من وظائفهِ داخِل الأسرة ولا حَق لَهُ فی إساءة استخدامها، ولا أن یظلم یقسو، أویتحول إلی دکتاتور لایسمح بالمناقشة والتشاور والاعتراض»(2) بل یقوم بحل مشاکل الأسرة ویداری ویراعی «کلکم راع وکلکم مسؤولٌ

ص:95


1- (2) فی ظلال القرآن: 356/2.
2- (3) محلة الفکر الحدید العدد: 13-187/14.

عن رعیته»(1) وکذا (وَ قِفُوهُم إِنَّهُم مَسؤُلُونَ) .(2)

3. إنّ هذه القوامة تفضیل فی التجهیز بما یننظم به أمر الحیاة الدنیویة أحسن تنظیم، ویصلح حال المجتمع اصلاحاً جیداً، ولیس المراد به الکرامة التی هی الفضیلة الحقیقیة فی الإسلام وهی القربی والزلفی من الله سبحانه، وکما یقال هی توظیف ولیس تشریف «فإنَّ الإسلام لا یَعبأ بشیء من الزیادات الجسمانیة التی لا یستفاد منها إلَّا للحیاة مادیة، وإنما هی وسائل یتوسل به لِما عند الله».(3)

4. إن وجود بعض المیزات الطبیعیة فی الرجل وقیامه بمسؤولیة الإنفاق علی البیت الزوجی - وهو فرع من توزیع الاختصاص - من جانب، وطبیعة المرأة فی تکوینها العضوی والعصبی والنفسی والعقلی من جانب اخر هیأ المرأة لأداء وظیفتها التی جعلها الله تعالی لها فی «أنّ تحمل وتصنع وترضع وتکفل ثمرة الاتصال بینها وبین الرجل» وهذه وظائف ضخمة وخطیرة لا تسطیع معها العمل والکد وحمایة نفسها وطفلها والتی انیطت بعهدة الرجل من الله:(وَ لا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعضَکُم عَلی بَعضٍ)4 لذلک لیس بإمکانها ولا یسمح لها وقتها وطبیعة وظیفتها أن تمارس هذه القیّمومة.

و فی قبال هذا الرأی الذی یقول إنَّ الزوج قیّمٌ علی زوجته هناک رأیٌ یقول: إنَّ القِوامة:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) .(4) فیه علة عامة تعطی حکماً وهذا الحکم «غیر مقصور علی الازواج بأن یختص القوامیة بالرجل علی زوجته، بل الحکم مجعول لقبیل الرجال علی قبیل النساء فی الجهات العامّة

ص:96


1- (1) صحیح مسلم: 1459/3.
2- (2) الصافات: 24.
3- (3) محلة الفکر الجدید العدد: 13-187/14.
4- (5) النساء: 34.

التی ترتبط بها حیاة القبیلین جمیعاً، فالجهات العامّة الاجتماعیة التی ترتبط بفضل الرجال کجهتی الحکومة والقضاء مثلاً اللذین یتوقف علیهما حیاة المجتمع وإنّما یقومان بالتعقل الذی هو فی الرجال بالطبع أزید منه فی النساء»(1) إضافة إلی جهات أخری کالدفاع والحرب.

إنَّ هذا الرأی یمکن الرد علیه بأن القِوامیة لیست ثابتة فی الإسلام لجنس الذکر علی جنس الأنثی بدلیل أنّه «لا قوامیة للأخ علی الاخت»(2) کما یمکن أن تکون المرأة مسؤولةً أو مدیرةً لشرکة أو دائرة یعمل فیها الرجال فتکون قیّمة علی شؤون العاملین تحت سلطتها.

النتیجة

إنّ مفهوم القِوامة له مصادیق متعددة یمکن فی بعضها أن تکون المرأة قیّمة علی الرجل وإمّا القوامة المقصودة فی آیة القوامة فهی «ثابتة فی خصوص الحیاة العائلیة للزوج علی زوجته».(3)

خلاصة القول

1. إنَّ تماسک الوحدة العائلیة یتوقف علی وجود قیّم وأحد.

2. إنّ القِوامة بید الرجل أولی لامتیازه الجسدی والنفسی وغلبة العقل والحنکة علی العاطفة.

ص:97


1- (1) المیزان: 351/4.
2- (2) القضاء فی الفقة الإسلامی: 76.
3- (3) المصدر.

ص:98

المبحث الثالث: ما هی الدرجة

قال تعالی:(وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَیهِنَّ)1 جاءت هذه الآیة فی سیاق آیات تتعلق بمسألة الطلاق، هذه المسألة الحساسة فی الحیاة الإنسان والتی تعتبر انهدام صرح الحیاة الزوجیة وافتراق کلٍ من الزوجین عن السکینة والمودة والرحمة التی وُجدت بالزواج:(أَزواجاً لِتَسکُنُوا إِلَیها وَ جَعَلَ بَینَکُم مَوَدَّةً وَ رَحمَةً)2 ویعتبر الطلاق أیضاً الغاء البناء المحبوب عند الله تعالی:

«مابُنیَ بناءٌ أحب إلی الله تعالی من التزویج»(1) لذلک ورَد فی الروایات أنَّ الله یغضب عند الطلاق، مع کل ذلک فالزواج هو نصف الدین:

«من تزوج فقد أحرز نصف دینه فلیتق الله فی النصف الآخر»(2) لذلک فالطلاق یعنی ذهاب نصف الدین الذی کان محرزاً.

بعد هذه المقدمة نُدرِک خطورةَ الطلاق ومدی تأثیره علی النفس لذلک یَتَطلبُ قوةَ قلبٍ وسعةً فی الصدر وتصمیماً مدروساً ناشئاً عن العقل راجح

ص:99


1- (3) الوسائل: 3/7، باب 1، ح 4.
2- (4) المصدر: ح 13.

وهذه الأمور تفتقدها النساء عادة؛ لأنّ طبیعتها مبنیّة علی العاطفة ورقة القلب والإحساس الشفاف بینما نجد هذه الأمور المفقودة موجودة عند الرجال لذلک جعل الطلاق بید الرجل وهو مصداق لهذه الدرجة إضافة لما یمکن أن نستقیه من الآیات السابقة لآیة الدرجة حیث:

1. عند حصول الإیلاء «و هو الحلف علی عدم المقاربة» من الزوج فإن العلاج جاء من الله وهو الانتظار أربعةِ أشهر:(لِلَّذِینَ یُؤلُونَ مِن نِسائِهِم تَرَبُّصُ أَربَعَةِ أَشهُرٍ) .(1)

2. عند الرجوع من قبل الزوج وحصول الفیء بعد الإیلاء فلا عقاب علیه (فَإِن فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) .(2)

3. عندَ حصول الطلاق من قبل الزوج فإنه یقع والله یسمع ویعلم بذلک ویؤیده:(وَ إِن عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) .(3)

إذاً: فهذه الأمور الثلاثة کلها مصادیق لهذه الدرجة التی للرجال علی النساء حتی یتحقق التوازن الاجتماعی وإعطاء کلِ ذی حق حقَه وهو العدل «الذی یتساوی فیه أفراد المجتمع فی حقوقهم المناسبة لفطرتهم و وزنهم فی المجتمع والتأثیر والکمال فی شؤون الحیاة»(4) مع کون هذه الدرجة متلائمة مع القوِامة التی بُنیت علی الفطرة أیضاً أو هی نفسها فالفطرة تقضی بأن «الذکر یطلب الأُنثی ولا تطلبه، والرجل یخطب المرأة ولا تخطبه، والرأی فی الترک لمن له الرأی فی الطلب والخطبة، وعلی هذه الفطرة دَرج نظامُ الطلاق».(5)

ص:100


1- (1) البقرة: 226.
2- (2) البقرة: 226.
3- (3) البقرة: 227.
4- (4) الطباطبائی، محمّد حسین، المیزان: 236/2.
5- (5) المرأة فی الفکر الإسلامی: 79/2.

بعد هذا نقول إنّ آیة الدرجة عند ما جاءت فی سیاق آیات تتعلق بالزواج والإیلاء والطلاق والرجعة و... لذا یمکن القول «بحمل هذه الآیة علی أکثر ما یتعلق بالعلاقات الزوجیة المذکورة».(1)

ص:101


1- (1) المصدر: 48/2.

ص:102

الفصل الرابع: الحجاب: تکریم المرأة

اشارة

ص:103

ص:104

المبحث الأوّل: الحجاب

اشارة

جرت سیرة العظماء وأصحاب المقامات العالیة والنبلاء علی حفظ الممتلکات الثمینة فی أعز وأحفظ الأماکن ویضعون دونها الحواجز ویمنعون ید اللامس أن تصل لها بسوء.

و فی مسألة الحجاب فی الإسلام فالملاک نفسه موجود مع وجود التفاوت بین الخالق والمخلوق، فإنّ الباری «جلَّ وعلا» وضع المرأة فی حصنه المنیع وهو ستر الله وهیأ لها ما یناسبها فأشار بالحجاب وهذا من لطفه وبدیع اهتمامه بخلقه، مع أنّه تبارک وتعالی لم یذکر فی القرآن الکریم، وکذلک السنة الشریفة لم تذکر ما هو شکل الحجاب بل إنَّ المذکور هو الحدود والمواصفات.

هذا ویمکن القول أنَّ کلَّ إنسانٍ یؤمن بالحجاب وبالستر وهذا الأمر نابعٌ من الفطرة والوجدان ولکن الاختلاف فی عدد القطع الساترة مع ملاحظة أنَّ محور الاختلاف بین أغلب المتنازعین هو هل کشف الرأس أو لا؟ وهو ما یُسمی بمصطلح السفور، ومن لطیف ما قیل فی ذلک: «إذا کان السفور تحضراً فالحیوانات أکثر تحضراً من الإنسان لأنّها مستغنیة عن

ص:105

الملابس من الأساس». الحجاب فی اللغة یعنی الستر، جاء فی المنجد: الحجاب: الستر وکل ما أُحتجب به، واصطلاحاً: الحجاب هو اللباس الذی یستر جسد المرأة.

الأدّلة علی وجوب الحجاب

استدل لإثبات وجوب الحجاب علی المرأة بعده آیات مثل قوله تعالی:(قُل لِلمُؤمِنِینَ یَغُضُّوا مِن أَبصارِهِم وَ یَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذلِکَ أَزکی لَهُم إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما یَصنَعُونَ * وَ قُل لِلمُؤمِناتِ یَغضُضنَ مِن أَبصارِهِنَّ وَ یَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنها وَ لیَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبائِهِنَّ أَو آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنائِهِنَّ أَو أَبناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوانِهِنَّ أَو بَنِی إِخوانِهِنَّ أَو بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَو نِسائِهِنَّ أَو ما مَلَکَت أَیمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِینَ غَیرِ أُولِی الإِربَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفلِ الَّذِینَ لَم یَظهَرُوا عَلی عَوراتِ النِّساءِ وَ لا یَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِیُعلَمَ ما یُخفِینَ مِن زِینَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَی اللّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّکُم تُفلِحُونَ)1 فی هذه الآیة تکرر لفظ الزینة ثلاث مرات:

1. المرّة الأولی: ورد مطلقاً واقترن بالاستثناء من الزینة نفسها بقوله تعالی:(إِلاّ ما ظَهَرَ مِنها) .(1) وهو یدلّ «بمفهومه علی أنَّ من الزینة مالیس ظاهراً وإلَّا لما صح الاستثناء».(2)

2. المرة الثانیة: ورد مطلقاً واقترن بالاستثناء من الناظر المبدی له بقوله تعالی:(إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ...) حیث

«دلَّ بإطلاقه علی الزینة الخفیّة».(3)

3. المرة الثالثة: ورد فی خصوص ما أُخفی منها فی قوله تعالی:

ص:106


1- (2) النور: 31.
2- (3) مسائل حرجة، الکتاب الأوّل: 83/1.
3- (4) المصدر.

(لِیُعلَمَ ما یُخفِینَ مِن زِینَتِهِنَّ) وهو یدلّ «صراحة علی وجود زینة خفیة»(1) ، أو زینة علی شکل صوت وما قد تُسمی بالزینة العارضة مثل الخلاخل وغیرها.

إذاً: الزینة الظاهرة بنفسها: «الأصل فیه الظهور» و «ما جرت العادة والجبلة علی ظهوره»(2) فهی غیر محرمة.

الإظهار ولایجب حجبها بالحجاب لأنّها یُحتاج إلیها فی التعامل الیومی من معرفة المقابل وشهادة وزواج....

الخفیة: وهی التی یجب أن لا تظهر ویجب حجبها، ویکون إظهارها مخالفةً للشارع المقدس إضافة لما فی هتک حرمة الحجاب - هو السفور - من مفاسدَ علی المجتمع المسلم.

وعلیه فالمرأة فی حرکتها فی الوجود الإنسانی تحتاج إلی حمایة وصیانة وذلک لأهمیّة دورها فهی:

1. خارج البیت: وهو مجال المجتمع والحیاة العامّة فهی الإنسان المرأة ولیس الإنسان الأُنثی فلا یجوز إبراز تلک الأنوثة خارج البیت لذلک فرض علیها الحجاب حمایة لها من المجتمع وحفظاً للمجتمع بحجابها.

2. داخل البیت: وهو مجال الأسرة فللمرأة أن تستجیب لدواعی أُنوثتها فی التزین وإظهار الزینة دون أن تمسَ إنسانیتها فهی فی البیت إنسانٌ أیضاً ولکن بقیود أقل.

فلسفه الحجاب

إنَّ فلسفة تشریع الحجاب فی الإسلام تنبعث من وجود منظومة من الأحکام تُنظم حریة الفرد فی مجتمعه، فتضع قیوداً معینه وضوابطاً لعلاقة الرجل

ص:107


1- (1) المصدر.
2- (2) الکشاف: 61/3.

بالمرأة بعنوان أنهما أفرادٌ داخلَ مجتمعٍ مُنظّمٍ، حیث إنَّ هذا التقیید للحریة الفردیة یکون لأجل الصالح العام؛ لأنّ الحریة المطلقة فیه تخلق الفوضی، وهذا ما ینعکس سلباً علی المجتمع فی ما یتصل بالأنساب.

إنَّ هناک جهة عامة وحقاً عاماً للمسلمین فی مسألة الحجاب وهو أنَّ الحجاب کما یصون المرأة من الأخطار فإنه یحفظ المجتمع من الفساد والانحراف حیث یوحی الحجاب للمرأة بأن علیها تقدیم نفسها کإنسان، ویساعدها علی تحقیق ذلک بإبعاد مفاتنها وأُنوثتها عن الأنظار، وفی قبال ذلک یوحی للرجل بأن لا ینظر للمرأة إلّا کإنسان وذلک بحجب جسدها عن نظره، والنتیجة إنَّ الحجاب یکون سداً منیعاً أمام الطرق التی تهیئ جو الانحراف بنسبة کبیرة جداً.

المحارم

من المصطلحات الشرعیّة وهی جمعُ مَحرَم وتعنی کل من کان الزواج منه حراماً شرعاً ولایجب علی المرأة أن تستر شعرها وما یظهر عادةً من جسدها عن المحارم من الرجال، والمحارم من الرجال عبارة عن:

1. الأب والجد مهما علوا؛

2. الأب والجد من ناحیة الأم مهما علوا.

3. الأَخ وأبناء الأخ مهما نزلوا.

4. ابن الأُخت وأبناؤه مهما نزلوا.

5. العم وعم العم مهما علوا.

6. الخال وخال الخال مهما علوا.

7. الزوج وأبو الزوج مهما علوا.

8. أبو أُم الزوجة مهما علوا.

ص:108

9. ابن الزوج وأبناؤه مهما علوا.

10. الابن وأبناء الابن والبنت مهما نزلوا.

11. ابن البنت وأبناء ابنها مهما نزلوا.

12. الصهر وصهر الصهر مهما نزلوا.

وهؤلاء یُسمَون بالمحارم، ولایجب التستُّر منهم ویجوز لهم أن ینظر بعضهم إلی بعض بشرط أن لا یکون النظر بقصد الریبة والالتذاذ، وإلّا حرُم.(1)

ص:109


1- (1) دروس من الثقافة الإسلامیة: 437/2.

ص:110

المبحث الثانی: ما هو الجلباب ؟

اشارة

الجلباب فی المنجد هو: القمیص أو الثوب الواسع.

وقال الراغب: الجلابیب: القُمُص والخمر.

وأمّا القاموس، ففیه معنی الجلباب: القمیص وثوبٌ واسعٌ للمرأة، دون الملحفة، أو ما تغطی به ثیابها من فوق کالملحفة أو هو الخمار.

بعد ذلک نعود للآیة لنری أنَّ الظاهر استخدام الجلباب فی الخمار وأمَّا (یُدنِینَ) فأدنی الستر: أرخاه، قال فی المیزان:

(یُدنِینَ عَلَیهِنَّ مِن جَلاَبِیبِهِنَّ)1 ، أی: یسترنَّ بها فلا تظهر جیوبهنَّ وصدورهنَّ للناظرین.(1)

نخرج بعد ذلک بنتیجة أنَّ الحجاب الساتر له مواصفات هی:

1. لا یظهر منه الا ما استثنی «الوجه والکفین».

2. یغطی البدن بدون أن یحکی ما تحته وذلک بکونه غیر شفاف ولا ضیّقاً، فکل ما یستر المرأة من ملاءة أو الشادور أوالمانتو «الجبة» لافرق، فهو مقبول شرعاً.

ص:111


1- (2) المیزان: 346/16.

3. ذو ألوان طبیعیة غیر صارخة تجلب الأنظار إلیها، ونستفید ذلک من الآیة وخاصة:(ذلِکَ أَدنی أَن یُعرَفنَ فَلا یُؤذَینَ)1 ، أی: ستر جمیع البدن أقرب إلی أن یعُرفن أنهن أهل الستر والصلاح (فَلا یُؤذَینَ) أی: «لا یؤذیهن أهل الفسق بالتعرض لهنَّ».(1)

إذاً: صلاح تلک النساء والتزامهنَّ بالحجاب مع العفة یمنع الأراذل والمنافقین من التعرض لهن وبذلک یُسَدُ باب الفساد، ولشدة أهمیّة هذا المطلب جاءت الآیة:(لَئِن لَم یَنتَهِ المُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَ المُرجِفُونَ فِی المَدِینَةِ لَنُغرِیَنَّکَ بِهِم)3 بعد آیة الجلباب تحذر المنافقین وتوص وتمهد الرسول لتحمل مسؤولیته فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

الخمار

بعد بیان الحجاب عطفت الآیة بالقول:(وَ لیَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ...) .(2) والخُمر جمع خِمار، وهو ثوبٌ تغطی به المرأة رأسها ورقبتها. أو بعبارة أخری هی المقنعة الکبیرة، والجیوب جمع جیب وهومن القمیص موضع الشق الذی ینفتح علی المنحر والصدر.

ویقال: إنَّ النساء فی عصر النبی کنَّ یلبسنَّ ثیاباً مفتوحة الجیوب وبذلک کان یظهر شیءٌ من صدورهنَّ للناظرین، ولهذا أُمرن بأنّ یضربن بخمرهن علی جیوبهنَّ أی یُلقین بما زاد من غطاء الرأس علی صدورهنّ حتی یسترهنَّ بذلک آذانهنَّ وأقراطهنَّ وصدورهنَّ، قال الشیخ الطبرسی:

ص:112


1- (2) المیزان: 346/16.
2- (4) النور: 31.

الخمُر، المقانع، جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة المنسدل علی جیبها، أُمِرنَ بإلقاء المقانع علی صدورهنَّ تغطیةً لنحورهنَّ.(1)

وبالنتیجة یکون الخمار مکمِّلاً للحجاب، وأمّا تغطیة الوجه فلیس واجباً بل إنها عادة «من الأمور الطارئة التی تأثر بها المسلمون عند احتکاکهم بالحضارات الأخری».(2)

بقی أمران فی مسألة الحجاب هما: هل أنَّ الحجاب واجبٌ علی نساء النبی فقط کما قال بعضهم؟ وما هو شکل الحجاب المناسب للمرأة؟

الجواب عن السؤال الأول أنّ لفظ (المُؤمِناتِ) فی آیة الحجاب یشمل کل النساء، وأصرح من ذلک قوله تعالی:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُل لِأَزواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ المُؤمِنِینَ یُدنِینَ عَلَیهِنَّ مِن جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدنی أَن یُعرَفنَ فَلا یُؤذَینَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً)3 حیث نجد أنَّ الآیة القرآنیة ذکرت أزواج وبنات النبی فی البدایة ثمّ عطفت نساء المؤمنین فشملهنَّ الحکم.

وأمّا السؤال الثانی: فنقول فی جوابه، إنَّ آیة الحجاب حددت المواضع التی یجوز إظهارها والتی یجب إخفاؤها، وأضافت الآیة أعلاه مواصفات اللباس «الجلباب» الذی یجب أن یناسب تلک المواضع.

ولهذا لا یوجد تحدید شرعی لشکل الحجاب، حیث نری أنَّ العناوین الثلاثة الزینة والتبرج (فَیَطمَعَ الَّذِی فِی قَلبِهِ مَرَضٌ)4 هی المحددة للحجاب، فعند مایتجاوز لباس المرأة هذه العناوین بمعنی أنَّه لا یکون مصداقاً للزینة، وأن لا یکون تجسیداً للتبرج، وأنا لا یوحی بالإثارة فهو الحجاب الشرعی مهما کان شکلَهُ لأنّه اختصاص العرف وإلی المرأة نفسها. إنَّ العباءة عند العرب والشادور

ص:113


1- (1) مجمع البیان: 138/7.
2- (2) دنیا المرأة: 147.

عند الفرس والثوب الشرعی عند غیرهم، کلها مصادیق للحجاب وإن کان هناک أفضلیة لبعضها علی بعض حیث: «أن الشادور قد یربک حرکة المرأة ویحتاج منها إلی انتباه دائم یعیق حریة حرکتها»(1) وقد أوصی السید القائد الخامنئی بالعباءة لأنّها أکثر إحاطة لجسد المرأة وأقل تقییداً لحرکتها.

ثلاث وصایا

یأتی الخطاب القرآنی فی بعض الأحیان موجهاً إلی فرد أو أفراد معینین أو کما یقول أهل فن علوم القرآن، سبب النزول، ولکن هذا لا یُقید جهة الشمول والعموم وهذا ما یؤکده الباحثون فی علوم القرآن حیث قالوا: «سبب النزول لا یقید اللفظ» أو بعبارة أُخری «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»(2) نجد مصداق ذلک فی الآیة الشریفة:(یا نِساءَ النَّبِیِّ لَستُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَیَطمَعَ الَّذِی فِی قَلبِهِ مَرَضٌ وَ قُلنَ قَولاً مَعرُوفاً * وَ قَرنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِیَّةِ الأُولی)3 فإنَّ الخطاب فی هذه الآیة وإن کان موجهاً لنساء النبی صلی الله علیه و آله ولکن الوصایا المذکورة فیها تشمل بقیّة النساء أیضاً(3) حیث ذکرت الآیة الوصایا التی فیها جانب أخلاقی إضافة للجانب الشرعی قبل غیرها من الوصایا.

بدء الوصایا

1. الوصیة الأولی:(فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ) .(4) ومعناه: عدم ترقیق الصوت أثناء التحدث وترک نغمة الصوت التی فیها غنج أو نعومة:(فَیَطمَعَ الَّذِی فِی قَلبِهِ

ص:114


1- (1) دنیا المرأة: 149.
2- (2) علوم القرآن: 42.
3- (4) دروس: 420/2.
4- (5) الأحزاب: 32.

مَرَضٌ)1 ؛ لأنّ الرجال من ذوی القلوب المریضة یُثیرهم هذا النوع من التکلم، وفی هذا المقطع من الآیة إشاره إلی خطورة صوت النساء المُتمیع أو الخلیع إضافة إلی حرمته الشرعیّة.

وهذا دلیلٌ، وما أوضحه من دلیل علی شناعة وحرمة الغناء الذی أصبح - وللأسف - من الأمور المنتشرة فی أوساطنا، هذا وقد نبهت الآیة لعلاج هذا المرض ب (وَ قُلنَ قَولاً مَعرُوفاً) .(1) أی: بصورة طبیعیة وعادیة علی النحو المتعارف.

2. الوصیة الثانیة:(وَ قَرنَ فِی بُیُوتِکُنَّ) أی: «کُنَّ امرأة بیت»(2) وهذا یعنی أنَّ المرأة یجب أن تجعل البیت مرکز الانطلاق ومحور الحرکة وأنها کلمّا سافرت أو عملت، جعلت البیت هو قِبلتها التی تتوجه إلیها ومقرّها الأصلی الثابت فی حیاتها ولیس بعنوان السجن الذی یجب أن تحبس نفسها بل لأهمیّها دورها باعتبار البعولة وتربیة الأطفال وإدارة شؤون المنزل من أهمّ مسؤولیاتها.

ومن الشواهد علی أنّ (وَ قَرنَ فِی بُیُوتِکُنَّ) لیس هو عدم الخروج وتعطیل نصف المجتمع، ما حصل فی بدایة الدعوة الإسلامیة من هجرة النساء وقیام بعضهنَّ بالمشارکة فی الحروب، ومداواة الجرحی، وما حصل من الرسول - حیث کان یُقرع بین نسائه فی کل معرکة لکی تخرج إحداهنَّ معه - أوضح، إضافة إلی حضور النساء فی المسجد واستماع خطب الرسول وسؤالهنَّ دینهنَّ منه وروایتهنَّ عن الرجال وروایتهم عنهن.

3. الوصیة الثالثة:(وَ لا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِیَّةِ الأُولی) علی النساء التحلی بالثقافة الإسلامیة المتفقة مع الفطرة ولایخرجن من البیوت متبرجات غیر متحجبات کما کانت النساء یفعلنَ فی الجاهلیة، وهذا الأمر

ص:115


1- (2) الأحزاب: 32.
2- (3) دروس: 420/2.

مهمٌ أکدَّ علیه القرآن وحذر من خطورته التی استشرت الیوم وأصبحت الشغل الشاغل لکثیرٍ من النساء، فانهدمت معه صروح کثیرة کالحیاء والعفاف إضافة لعدم الإکتراث لحّق الأسرة التی تکون المرأة الحجر الأساس فیها، سوی ما یُؤثر علی الجانب الاقتصادی من الإنفاق الزائد علی ما یضر ولاینفع عقلائیاً.

ص:116

المبحث الثالث: الحجاب والترقی والمدنیّة

اشارة

إنّ الحجاب کما ذکرنا(1) وحدة لاتنفک مکونة من الحجاب المادی وهو الزیّ والملبس الخصوص والقسم الآخر هو المعنوی الذی هو الحیاء والحشمة والوازع الدینی، ولکن لنا أن نسأل هل أنَّ الحجاب یمنع المرأة من الدخول إلی الحیاة العامّة للمجتمع؟

إنّ الجواب علی هذا السؤال یحتاج لبیان بعض الأمور وهی:

1. إنَّ الإسلام شجّع أتباعه علی العمل فی هذه الدنیا:(وَ قُلِ اعمَلُوا...)2 وحثَّ علی أخذ نصیبهم منها:(وَ لا تَنسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنیا...)3 بل أرشد إلی عمارتها (فَامشُوا فِی مَناکِبِها...)4 وهذه الإرشادات والأوامر تخاطب الرجل والمرأة علی السواء فإذا تعطلت المرأة عن الحرکة والعمل والإنتاج بسبب الحجاب فقد اختل قسمٌ من الخطاب وهذا ما لا یرضاه الآمر.

وأما ما حصل من بعض المسلمین فی بعض الأدوار التاریخیة من تصرفات

ص:117


1- (1) فی صفحة: 99.

وأعراف قیَّدت المرأة وجعلتها کائناً منزویاً فی البیت فهی بعیدة عن روح الإسلام بل وتتنافی مع إرشاداته.

2. إنَّ الإسلام وضع قواعد مناسبة للمرأة خلال حرکتها فی المجتمع لأجل حفظها وحفظ المجتمع بها والحجاب المادی هو مجموعة من قطع اللباس فیها ما یناسب المرأة عندما تتحرک لایقیدها بل یصونها؛ لأنّها محل لجذب الأنظار بما تمتلک من خصائص جسدیة جاذبة، إذاً: فما بال النساء المؤمنات وما بال النساء المتبرجات فی یومنا هذا! فهل وجدن الرجالَ ملائکةً معصومینَ من الزلل أو مُنزَّهین من الخطأ.

أم معدومی الغریزة الجنسیة؟ کلا لیس بذلک والقرآن یقول:(زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ...) .(1)

3. إنّ المرأة بما أنها تمتلک تلک الخصائص لا بدّ لها من عمل یناسبها ولایتعارض مع خصوصیاتها وحجابها لذلک أشار علیها بالأعمال المناسبة لها ولحجابها کما أشرنا.(2)

4. إنَّ مقصود الذین یتباکَون علی المرأة وأنها أسیرة الحجاب هو تهدیم قیّمَ وأخلاق المجتمع المسلم الذی تکون المرأة هی الرکن الأساس فیه حیث أن المسلمین لهم أخلاق وإصول تقوم علی تقدیس المرأة بعنوان أنها العِرض والشرف الذی یملکون الغیرة علیه ویبذلون أغلی ما عندهم من أجل حفظه وهذا ما لا یملکه الذین یُعادون الحجاب ویعتبرونه من الماضی المتخلف.

هل الحجاب تقدّم أو تأخّر؟

نحن فی عصرٍ ذهبی کما ندعی وفی عصر الذرّة وأنصار المرأة یدعونها إلی

ص:118


1- (1) آل عمران: 14.
2- (2) فی الصفحة: 109.

التحرر والإنطلاق؛ لأنّهم یعتقدون أنَّ الحجاب عبودیة وهو علة التأخر ولکنهم غفلوا عن الکثیر ممّا یحیط بهم! فهل نسوا أنَّ الحجاب حالة کانت طاغیة فی أوساط المجتمعات الغربیة إلی القرن التاسع عشر وأنها من الموروث الدینی ثمّ ألم یلاحظوا لباس الراهبات الشبیه بالحجاب الإسلامی! والذی لم یُقید حرکتهنَّ داخل المجتمع حیث إنهنَّ کنَّ یشارکنَّ الرجال فی الحروب لأجل معالجة الجرحی أو نقلهم وفی تهیئة الطعام کل ذلک لم یمنعهنَّ من التقید بلباسهنَّ وإن لم یُسمَ حجاب.

وهذا الأمر حصل مع تجربة المرأة المسلمة ولکن الاختلاف فی أن حجاب المرأة المسلمة لیس لباس عمل بل هو علامة دینها وشعارها الذی تدافع عنه وتشارک به حیاة الرجل فی کل المجالات المناسبة لها.

إنَّ مَن یقرأ التاریخَ یری المصادیق الکثیرة(1) للنساء المؤمنات اللواتی لم یمنعهنَّ الحجاب عن التأثیر فی الحیاة وعلی جمیع الأصعدة، مثل العلمیة والعملیة فکما شارکته فی الروایة والأدب والفن شارکته فی السیاسة والدهاء والحرب «فإن التطور التقنی رافق الحجاب فی تاریخنا»(2) وهکذا فی حیاتنا المعاصرة فالکثیر من النساء لهنَّ حضور فعّال فی النشاطات العلمیة کالجامعات وحتی النشاطات السیاسیة، فتجربة المرأة الجزائریة المحجبة واضحة للعیان حیث استطاعت مواجهة الاستعمار الفرنسی جنباً إلی جنب الرجل وتجربة المرأة الإیرانیة التی لعبت دوراً کبیراً وفاعلاً فی الثورة الإسلامیة وهی بحجابها.

وأما ما قامت به الطالبات المحجبات المؤمنات فی فرنسا(3) من التظاهرات لأجل الدفاع عن حریة الحجاب فهو من أوضح الأدلة علی رغبة المرأة

ص:119


1- (1) یوجد ما یربو علی ثلاثة آلاف امرأة فی کتب الرجال والتراجم مثل: الأعلام للزرکلی وأعلام النساء لعمر رضا کحالة وبلاغات النساء لابن طیفور وغیرهم.
2- (2) دنیا المرأة: 140.
3- (3) فی بدایة سنة: 2004 م.

المحجبة فی إکمال دراستها ورقیّها العلمی مع وجود حجابها الذی لایقف أمام ذلک، هذا الحجاب الذی تفتخر به وتعتز به تدافع عنه، وأثبتن أولئک الطالبات أنَّ فرض السفور هو التخلف وهو المانع من الحریة.

وفی المقابل أن التطور التقنی الموجود فی الغرب لم ینشأ عن رفض الحجاب بل إنَّ التطور نشأ من تحولات فکریّة فی فهم الکون وأسرار الحیاة وإیجاد الفرص للناس المختصین والذین یملکون الخبرة فی هذه المجالات، وهذا الأمر لیس له علاقة بلبس المرأة الحجاب وعدمه، مع العلم أن هؤلاء یؤمنون بالحجاب ولکن الاختلاف فی عدد القطع.

عواقب سفور المرأة فی العالم الحاضر

من الظواهر التی تفشت فی مجتمعاتنا المعاصرة ظاهرة السفور حتی أن أصبح المجتمع مجبراً علی التعامل معها وکأنها حالة طبیعیة ولکن الحقیقة غیر ذلک؛ لأنّها دلیل علی التهتک وقلة الحیاء وعدم التعفف.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الحیاءُ یَصدُّ عن الفعل القبیح»(1) وقال أیضاً:

«سببُ العفّة الحیاء»(2) ومن المعلوم أنَّ السفور من الأفعال القبیحة ویدلّ علی عدم وجود الحیاء عند السافرة وبالتالی تَأثُر العفة عندها وربّما فقدانها، وقدقیل کلّما کانت المرأة عفیفة کانت متسلّطة علی قلب الرجل ولهذا فالمرأة السافرة تبتعد عن التقوی شیئاً فشیئاً وتفقد معها شخصیتها لتتقمص شخصیة أخری وهی شخصیة العارضة لجسمها حیث تقوم بامتهان نفسها أمام الموضة والألبسة والزینة الحدیثة حتی یُؤدی بها الحال إلی التباری مع مثیلاتها فی إظهار الأکثر والأحسن حتی یکون ذلک شغلها الشاغل فتتعطل

ص:120


1- (1) میزان الحکمة: 564/2.
2- (2) المصدر.

الکثیر من وظائفها کإنسان فاعل فی المجتمع إضافة لما ینتج من العواقب والسلبیات علی ذلک المجتمع.

وإذا قیل: إنَّ الحجاب المعنوی هو المطلوب وهو أهمّ من المادی بل إنّ المعنوی یُغنی عن المادی!

فإنه یُقال: إنَّ الحجاب کلٌ لا یتجّزأ والإسلام ینظر إلیه علی هذا الأساس فالمعنوی یُوجد «مناعة نفسیة تحفظ المرأة من السقوط الأخلاقی»(1) وتصونها من الانحراف وبعبارة أخری وجود الحیاء والغیرة علی الشرف والالتزام الوجدانی بحدود الشرع المتناسبة مع ما هو الأصلح للإنسان عند ذلک یأتی دور المشرع الذی یرید الحفاظ علی تلک المناعة فیأمر بالحجاب المادی، فإذا تُرِک الحجاب المادی فإنّ المعنوی یتعرض للتهدید وللاهتزاز ومن ثَمَّ للضعف وبعده الانحراف والسقوط.

ص:121


1- (1) آنچه باید یک زن بداند: ص 123.

ص:122

الفصل الخامس: المرأة وأحکام الأسرة

اشارة

ص:123

ص:124

المبحث الأوّل: النکاح

اشارة

من سنن الله ورسوله وهو مستحبٌ - قد یجب احیاناً - یحفظ به الإنسانُ جزءاً من دینه «مَن تزوّج فقد أحرز نصفَ دینه»(1) وجعله الله مدعاةً وطلباً للرزق:(وَ أَنکِحُوا الأَیامی مِنکُم وَ الصّالِحِینَ مِن عِبادِکُم وَ إِمائِکُم إِن یَکُونُوا فُقَراءَ یُغنِهِمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ)2 ومن کرامة المرأة علی الله أن جعل الرجل یطلبها ویقصدها وجعل لها علیه مهراً (وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً)3 ومنع من التصرف فی ذلک المهر وهدّد فی عدم التعرض له؛ لأنّ المهر ملکها واعتبر التعدی علیه من الجرائم الکبیرة (وَ إِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَکانَ زَوجٍ وَ آتَیتُم إِحداهُنَّ قِنطاراً فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَیئاً أَ تَأخُذُونَهُ بُهتاناً وَ إِثماً مُبِیناً) .(2)

المَهر فی اللغة: ما یلتزم الزوج بأدائه إلی زوجته حین یتمّ عقد زواجه بها.(3)

یقال: مَهرَ المرأة، أی: عیّن وسمّی لها مهراً، ویقال: أمهرها، أی: أعطاها مهراً.

ص:125


1- (1) وسائل الشیعة: 3/7.
2- (4) النساء: 20.
3- (5) لسان العرب: 184/5.

وتعیین المهر للزوجة سنة بشریة قدیمة لوحظ وجودها عند أکثر الأمم والشعوب وفی أقدم الحضارات البائدة والباقیة، قال الصادق علیه السلام:

«المهر ما تصادق علیه الناس»(1) وفی روایة عن الباقر علیه السلام:

«الصداق ما تراضی علیه الناس قلیلاً کان أو کثیراً فهو الصداق»(2) ومهما کانت أهداف الالتزام به عند البشر!

فهل هو التعبیر عن قدرة الزوج علی إدارة الزوجة وإشاعتها حیث یُقدّم لها المال، فیکشف عن امتلاکه (المهارة) التی تعنی الدقة والحنکة وتدبیر الأمور؟ أو هو إبراز مشاعر الحبّ والودّ والغرام الصادق بتقدیمه أثمن ما یمتلکه الإنسان لیرمز إلی تضحیته به ویجعله طریقاً لإبراز مشاعره تلک!

أو هو توفیر مالی مستقبل الزوجة حتی تطمئن علیه، یقدمه لها الزوج لتعیش معه بهدوء خاطر وراحة بال حیث تجده یرفع الید من أجلها عن أنفس مایتنافس علیه الناس؟

أو هو إعلاء لحرمة الأعراض أن لایستهان بها ولا تتبدل بأرخص الأهواء والشهوات، بینما لها هذه العزة والکرامة؟

فمهما تکن هذه الأسباب أو غیرها فإنّ هذه الحالة أصبحت من الملتزمات والأعراف الطیبة المحمودة عند کافه الناس سواء اصحاب الأدیان والشرائع أو غیرهم.

إنّ الدیانات أقرّت هذه المسألة ولم تعارضها بل أنَّ الإسلام «دین الحضارة والمدنیّة» قد نظمها وأضاف علیها عنصر الأهداف السامیة التی یبثها فی کل تعالیمه ومعاملاته، فمثلاً نجد المهر ربما یکون فی الشریعة من غیر الأموال والأعیان والبضائع، وإنما هو مجرد أمر معنوی وفکری وأدبی مثل تعلیم القرآن للمرأة، وقد یکون اطلاق لفظ المهر علی مثل هذا خاصاً

ص:126


1- (1) الکافی: 387/5، ح 1.
2- (2) المصدر: ح 3.

بالشریعة الإسلامیة وکذلک تعلیم معالم الدین والمهارات والحرف وغیر ذلک ممّا یمکن الترضی به، وأما من حیث الکمیّة فلم یحدد الإسلام للمهر حداً معیناً من حیث الکثرة والقلة بل المدار فیه رضا الزوجین فمتی تراضیا علی شیءٍ مهما کان فهو المهر.

أحکام النکاح

جاء القرآن ومن بعده السنة الشریفة بشروط وقواعد تحفظ حق المرأة فی الزواج هذا البناء المهم فی حیاة المجتمع الإنسانی ومن تلک القواعد:

1. إنَّ المهر صداق الزوجة ولیس للزوج استرداده یوماً ما؛ لأنّه لیس مبادلة مادیة بل هو شرع الله وهی التی تحدده فلها أن ترفض فی حالة کونه غیر مناسب.

2. لابدَّ من موافقتها وحصول رضاها بالشخص المتقدم لها فإنّ لم یکن کفوءاً لها لیس لإحد الحق فی إرغامها حتی لو کان ولیها، وفی حالة کون الزوج مناسباً لها شرعیاً وعرفیاً، أی: کفوءاً لها، فلها أن توافق وتقبله حتی مع مخالفة الولی بل لا تکون موافقته وإذنه شرطاً فی الزواج.(1)

3. نفقتها واجبة علی الزوج.

4. لابدَّ من کون البیت مناسباً لها ولائقاً بها لذلک لابدَّ من إحراز موافقتها:(أَسکِنُوهُنَّ مِن حَیثُ سَکَنتُم مِن وُجدِکُم وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیهِنَّ) .(2)

5. لها الحق فی فراق الزوج الذی تظهر فیه عیوب کالجنون والعنن والأمراض التی یصعب علاجُها.

6. العزل: وهوالإنزال خارج الرحم، فیه بحث من کونه مکروهاً مع عدم

ص:127


1- (1) فلسفه وأسرار أحکام: 322.
2- (2) الطلاق: 6.

رضا المرأة؛ لأنّ الجماع وإن کان حقّاً للرجل ولکن للمرأة حصّة منه ولها أن تنال من الحاجة والرغبة مثل ما ینال الرجل، لذلک ألزم بعض الفقهاء(1) الرجل أن یقضی حاجة زوجته إذا طالبت هی واعتبروا رغبة المرأة حقاً علی الرجل واستدلوا بالآیة الشریفة:(وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ) .(2)

بل أضاف آخرون مثل السید المحقق الکمالی الدزفولی بلزوم التزین علی الرجل للمرأة بقوله:

فکما یلزم علی الرجل أن یُجمل ویزیّن نفسه لزوجته فالإجابة للفراش أوجب؛ لأنّها حاجة واقعیة وشدیدة. ویستند فی ذلک إلی روایة عن الرسول صلی الله علیه و آله ویستند أیضاً إلی قول ابن عباس: «إنی لأتزّین لامرأتی کما تتزّین لی»(3) وزینة الرجل ما یناسبه ومما هو من شأنه.(4)

النفقة

الإنفاق من المبادئ التی طرحها الإسلام وشجع علیها لتکتمل حیاة المجتمع الإسلامی وقد أورد القرآن نفقات مستحبة کالتصدق علی المحتاج وبذل المعاونة، وتوجد نفقات واجبة منها علی عموم الناس - عند توفر الشروط - کالزکاة والخمس، وأمَّا الإنفاق الواجب علی الإنسان بعنوان أنّه فرد فهوالإنفاق علی مَن یعولهّن والنفقة تکون واجبة علی الإنسان بعنوان أنّه ابن لأبویه الفقراء وبعنوان أنّه أب لأبنائه الفقراء الصغار وبعنوان أنَّه زوج لزوجته.(5)

ص:128


1- (1) المنهج الاستدلالی: 32، کتاب رقم: 23.
2- (2) البقرة: 228.
3- (3) تفسیر القرطبی: 123/3.
4- (4) قرآن و مقام زن: ص 47.
5- (5) هناک نوع آخر من أسباب النفقة وهو المِلک اعرضنا عنه؛ لأنّه خارج عن البحث.

أنواع النفقة

النوع الأوّل: وهو النفقة علی الأبوین فهی واجبة علی الإنسان فی حالة فَقر الابوین وعجزهما، وتعتبر جزءاً من رد الجمیل للابوین الذین تحملا الکثیر من الجهد النفسی والعضلی (وَ قَضی رَبُّکَ أَلاّ تَعبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ وَ بِالوالِدَینِ إِحساناً) وقال تعالی:(وَ قُل رَبِّ ارحَمهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً) .(1)

النوع الثانی: تکون النفقة واجبة لکون الأبناء صغاراً وفقراء، فیکون الملاک فی الأوّل الفقر والعجز وفی الثانی الفقر والصِغر ومن المعلوم أنَّ الشارع ینظر إلی مَن یتملّص عن دفع النفقة علی أنَّه مذنب ومُقصِّر شرعیاً.

النوع الثالث: فإنّ وجوبه لا یعتمد علی الفقر أو غیره بل أنَّ الممتنع عن دفع النفقة لا یکون مذنباً فحسب بل یکون مطالباً، وحتی یتّضحَ الامر لابدَّ من ذکر الآیات التی دلت علی وجوب نفقة الزوجة علی زوجها:

1.(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ وَ بِما أَنفَقُوا)2 حیث اتفق الفُقهاء(2) علی أنَّ قوله تعالی:(بِما أَنفَقُوا) علی سبیل الوجوب.

2.(أَسکِنُوهُنَّ مِن حَیثُ سَکَنتُم مِن وُجدِکُم) إلی قوله تعالی:(لِیُنفِق ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَ مَن قُدِرَ عَلَیهِ رِزقُهُ فَلیُنفِق مِمّا آتاهُ اللّهُ)4 حیث أمرَ الله الزوجَ بالنفقة علی زوجته فی حالة کونه موسراً أو معسراً.

3.(وَ عَلَی المَولُودِ لَهُ رِزقُهُنَّ وَ کِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ)5 فإنّ الآیة الشریفة تفصّل فی ماهیة النفقة وتدلّ علی وجوبها حال تشاغل المرأة بولدها عن

ص:129


1- (1) الإسراء: 23 و 24.
2- (3) إیضاح الفوائد: 266/3.

استمتاع الزوج وأما فی حال عدم اشتغالها بولادة أو توابعها فإنّ الآیة تکون دلالتها أولی.

4.(وَ إِن کُنَّ أُولاتِ حَملٍ فَأَنفِقُوا عَلَیهِنَّ حَتّی یَضَعنَ حَملَهُنَّ)1 فإنّ النفقة واجبة علی الزوج فی جمیع حالات الزوجة، و إذا نظرنا فی الأحادیث فإنّ النفقة و وجوبها مُصَّرحٌ بهما أیضاً وعلی سبیل المثال، قال أبو بصیر سمعتُ أباجعفر علیه السلام یقول:

«مَن کانت عنده إمرأة فلم یُکسها ما یواری عَوَرتها، ویطعمها ما یقیم صُلبها کان حقاً علی الأمام أن یُفرِّق بینهما».(1)

وأمّا فی کتب الأحکام وهی زاخرة بأحکام المرأة، نجد فی مسالک الأفهام مثلاً:

من الحقوق الواجبة نفقة الزوجة الفائتة حال الحیاة؛ لأنّها تُقضی کالدین بخلاف نفقة الأقارب فإنّها لاتُقضی مع الفوات بل هی مجرد مواساة.(2)

لذلک نستنتح أنَّ نفقة الأقارب هی لسدَّ النقص والخلّة لا علی وجه التملیک ولذلک لا تستقرّ فی الذمّة وإنّما یکون التارکُ آثماً وعاصیاً.

وعلیه نفهم من الآیات والأحادیث أنَّ الخطاب بالنفقة علی الأقارب شرعیٌ واما الخطاب بالنفقة علی الزوجة ذمّی، وکما یقول السید الخوئی:

نفقة الزوجة تقبل الإسقاط فلو اسقطتها لم تجب علی الزوج وأما نفقة الأقارب فلا تقبل الإسقاط.(3)

بل یُضیف السید الخوئی وغیره من الأعلام: أنَّ نفقة الزوجة مقدّمة علی نفقة الأقارب.

و فی حالة احتیاج المرأة إلی ضروری من ضروریات حیاتها فی حالة

ص:130


1- (2) الوسائل: 509/21، باب 1، ح 2.
2- (3) مسالک الأفهام: 28/15.
3- (4) کتاب النکاح: 46/1.

عدم دفع الزوج أو غیابه فلها أن تستدین علی ذمتة ولیس علیها أیُّ حرجٍ شرعی، قال الباقر علیه السلام:

«سُئل علی علیه السلام: المرأة تستدین علی زوجها وهو غائب؟ فقال: یقضی عنها إذا استدانت بالمعروف، لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة علی الزوج دفع إلیها عوضه».(1)

قد یُستشکل بأنَّ وجوب النفقة علی الزوج لزوجته یجعلها مُستخدمةً أجیرةً تعمل فی البیت وتتلقی أجرها! والجواب هو أنَّ أعمال المنزل وغیرها بل وحتی ما یتعلق بالولد من حضانة ورضاع و... لیست من مسؤولیة المرأة وغیر واجبة علیها بل ولها أنّ تطلب خادمة وهذا الامر من مسلمات الشریعة الإسلامیة.

وإذا قیل: لماذا جعل الإسلام جمیع نفقات المرأة علی الرجل؟ یقال: أنَّ القانون الإسلامی ینظر إلی ما هو الأصلح فی حیاة الزوجین، فإنّ الزوجة إذا أحسّت بأنها مکفولة ولا تضطر الی العمل والکد والکدح من أجل الکسب، فانها تشجع وتعمل علی الإبداع فی مجالها وفی ما یناسب تکوینها من أعمال المنزل والعائلة.

إن الرجل

«بضمان المسکن والغداء واللباس وسائر الاحتیاجات لها یُظهر ودّه لها وتعلُّقه بها ویخطب ودّها ویمتلک قلبها».(2)

نستنتح من کل ما سبق ان نفقة الزوجة واجبة علی الزوج کصداقها فتکون النفقة رابطاً آخراً بینهما حیث إنَّ الصَّداق یحصل مرةً واحدة واما النفقة فهی مَکررة ومستمرة باستمرار تلک العلقة وذلک الارتباط الروحی المقدس، بل وتضمن استمراره. أنَّ مسؤولیة الإنفاق علی الزوجة تدفع بالزوج حتی یحس بأنه ذوشأن وقیمة فی المجتمع؛ لأنّه یُمثل کیاناً محترماً - وهو

ص:131


1- (1) الوسائل: 158/22، ح 4.
2- (2) دروس من الثقافة الإسلامیة: 459/2.

الأسرة - وأنّه رب العائلة وقائدها الذی یحمی مَن تحته ولیس کمّاً مهملاً لایُعبَأُ به إن غاب أو حضر.

إنَّ العائلة - والزوجة أساس تکونیها - تترقب ذلک المعیل، وهذا الترقب یجعله اکثر فاعلیة واکثر انتاجاً فتکون النفقة ومسؤولیتها عاملاً ایجابیاً مثمراً؛ لأنها شجعته علی العمل.

فهذا الارتباط المادی والإقتصادی لیساعد فی تقویة الارتباط الروحی، فالزوجة تبنی البیت من الداخل والزوج من الخارج فیتعاونان علی بناء وحفظ الأسرة، والمرأة المسلمة تعلم أنّ إدارة الحیاة أمرٌ صعبٌ لایمکن أنّ یتحقق بدون التعاون بین الزوج والزوجة.

ص:132

المبحث الثانی: السکن

اشارة

أمر القرآنُ الزوج بتهیئة السکن المناسب لزوجته بقوله تعالی:(أَسکِنُوهُنَّ مِن حَیثُ سَکَنتُم مِن وُجدِکُم وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیهِنَّ)1 وفی هذه الآیة عدة نکات من ضمنها:

1. إنَّ الإسکان جاء بصیغة فعل الأمر وفیه دلالة علی إیجاب واهتمام الشارع المقدس بتوفیر حقوق الزوجیة.

2. وجود جانب المراعاة علی الزوج وعدم تکلیفه بأکثر من وسعه وطاقته (مِن وُجدِکُم) .

3. أن یکون السکن لائقاً ومناسباً لحال الزوجة (وَ لا تُضآرُّوهُنَّ) .

4. عدم الإضرار بهنَّ وبالتالی اضطرارهنَّ للخروج من البیت هروباً (لِتُضَیِّقُوا عَلَیهِنَّ) .

نری فی هذه الآیة أنَّ الأمر موجهٌ لإسکان المطلقات؛ لأنّ الضمیر (فَسَوّاهُنَّ) للمطلقات علی ما یؤیده السیاق(1) والمطلقات یعمَّ الرجعیة

ص:133


1- (2) المیزان: 331/19.

والبائن(1) وهذا السکن جزءٌ من النفقة الواجبة التی أمر بها فی مقطعٍ آخر من الآیة هو: (وَ إِن کُنَّ أُولاتِ حَملٍ فَأَنفِقُوا عَلَیهِنَّ حَتّی یَضَعنَ حَملَهُنَّ) .

بعد هذا نخرج بنتیجة هی أنَّ السکن واجبٌ حتی بعد الإنفصال غیر النهائی وهوالطلاق الرجعی أو مادامت هناک عُلقة وهو الحمل فی الطلاق البائن، وعلیه یکون السکن فی الحالة الطبیعیة (عدم الاختلاف) أهمّ؛ لأنّه البناء الجامع لهذا الکیان المقدس وهو الزوجیة.

المعاشرة بالمعروف

قال تعالی:(وَ عاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ)2 وهذا الأمر أمرٌ عام یشمل جمیع النساء حیث إنَّ الآیة بدأت بقوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ کَرهاً) والمعاشرة هی المصاحبة وهو من العِشرة وهی المخالطة والمعروف هوالشیء الذی یعرفه أهل التمییز أنه لاجور فیه ولا حیف(2) وقیل إنَّ المعاشرة هی النصفة فی القِسم والنفقة والإجمال فی القول والفعل(3) وعلی هذا فلیس له أن یضر بها ولا أن یُسیء القول فیها ویکون منبسط الوجه معها.

إنَّ شدة الرجال لابدَّ أن تقف عند حدٍ یمنعها ویقومها وهذا الحد هو عاطفة النساء ورقتها ویتم هذ الأمر بالمعاشرة؛ لأن حسن الصحبة أهدأ للنفس وأهنأُ للعیش وهذا مانراه فی حدیث الرسول صلی الله علیه و آله:

«أیضربُ أحدکم المرأة ثمّ یظل معانقها!»(4)، وفی وصیة الإمام علی علیه السلام لابنه محمّد بن الحنفیة:

«فدارِها

ص:134


1- (1) تفسیر شبر: 522.
2- (3) مجمع البیان: 493/1.
3- (4) المصدر: 48/3.
4- (5) الوسائل: 167/20.

علی کل حال وأحسن الصحبة لها لِیصفو عیشک».(1)

الضرب: من المسائل التی ورد ذکرها فی القرآن فی آیة القوِامة هی مسألة المعاملة مع الزوجة وکیفیة التعامل الشرعی وخاصة فی حالة عصیان الزوجة ومخالفتها:(وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهجُرُوهُنَّ فِی المَضاجِعِ وَ اضرِبُوهُنَّ) حیث نری أنَّ القرآن أشار الی المعاملة وکیفیة التدرج فی مواجهة الزوجة الناشزة حیث بدأ بالموعظة والتذکیر ثمّ انتقل الی مرحلة الهجران فی النوم ثمّ الضرب غیر المبرح وغیر المدمی کما ذکر المفسرون وهنا نتوّسع فی مسألة الضرب ونرد علی الإشکالات التی قد تطرح.

أنّ النساء إذا تجاوزن فی عصیانهن، والتمرد علی واجباتهن ومسؤولیاتهن الحد، ومضین فی طریق العناد واللجاج دون أن یرتدعن بالأسالیب السابقة، فلا النصیحة تفید، ولا العظة تنفع، ولا الهجر ینجح، ولم یبق من سبیل إلا استخدام العنف، فحینئذ یأتی دور الضرب فاضربوهن لدفعهن إلی القیام بواجباتهن الزوجیة لانحصار الوسیلة فی هذه الحالة فی استخدام شئ من العنف، ولهذا سمح الإسلام فی مثل هذه الصورة بالضغط علیهن ودفعهن إلی القیام بواجباتهن من خلال التنبیه الجسدی.

إشکال: یمکن أن یعترض معترض فی هذا المقام قائلا: کیف سمح الإسلام للرجال بأن یتوسلوا بأسلوب التنبیه الجسدی المتمثل بالضرب؟

الجواب: إنَّ الجواب علی هذا الاعتراض یبدو غیر صعب بملاحظة معنی الآیة والروایات الواردة لبیان مفادها وما جاء فی توضیحها فی الکتب الفقهیة، وأیضا بملاحظة ما یعطیه علماء النفس الیوم من توضیحات علمیة فی هذا المجال، ونلخص بعض هذه الأمور فی نقاط:

أولا: إنَّ الآیة تسمح بممارسة التنبیه الجسدی فی حق من لا یحترم

ص:135


1- (1) المصدر.

وظائفه و واجباته، الذی لا تنفع معه أیة وسیلة أخری، ومن حسن الصدف أنَّ هذا الأسلوب لیس بأمرٍ جدید خاص بالإسلام فی حیاة البشر، فجمیع القوانین العالمیة تتوسل بالأسالیب العنیفة فی حق من لا تنجح معه الوسائل والطرق السلمیة لدفعه إلی تحمل مسؤولیاته والقیام بواجباته، فإنّ هذه القوانین ربما لا تقتصر علی وسیلة الضرب، بل تتجاوز ذلک - فی بعض الموارد الخاصة - إلی ممارسة عقوبات أشدَّ تبلغ حد الإعدام والقتل.

ثانیا: إنَّ التنبیه الجسدی المسموح به هنا یجب أن یکون خفیفا، وأن یکون الضرب ضربا غیر مبرح، أی لا یبلغ الکسر والجرح، بل ولا الضرب البالغ حد السواد کما هو مقرر فی الکتب الفقهیة.

ثالثا: إنَّ علماء التحلیل النفسی - الیوم - یرون أنَّ بعض النساء یعانین من حالة نفسیة هی «المازوخیة»(1) التی تقتضی أن ترتاح المرأة لضربها وأن هذه الحالة قد تشتد فی المرأة إلی درجة تحس باللذة والسکون والرضا إذا ضربت ضربا طفیفا. وعلی هذا یمکن أن تکون هذه الوسیلة ناظرة إلی مثل هؤلاء الأفراد الذین یکون التنبیه الجسدی الخفیف بمثابة علاج نفسی لهم.

ومن المسلّم أنَّ أحد هذه الأسالیب لو أثّر فی المرأة الناشزة ودفعها إلی الطاعة، وعادت المرأة إلی القیام بوظائفها الزوجیة لم یحق للرجل أن یتعلل علی المرأة، ویعمد إلی إیذائها، ومضایقتها حتی تعود إلی جادة الصواب واستقامت فی سلوکها ولهذا عقب سبحانه علی ذکر المراحل السابقة بقوله:(فَإِن أَطَعنَکُم فَلا تَبغُوا عَلَیهِنَّ سَبِیلاً) .(2)

ص:136


1- (1) الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل: 222/3.
2- (2) النساء: 32.

المبحث الثالث: الطلاق

اشارة

جعل الإسلام سلطة الطلاق والولایة بید الزوج:(وَ لِلرِّجالِ عَلَیهِنَّ دَرَجَةٌ) ولا یعنی أنَّ هذه الدرجة جُعلت للرجل؛ لأنه إنسان من الدرجة الأولی والمرأة إنسانٌ من الدرجة الثانیة بل؛ لأن الطلاق إجراءٌ خطیر لایُقدم علیه أحد إلّا فی الحالات الحرجة والضروریة ولهذا کان

«أبغض الحلال عند الله الطلاق».(1)

لو فرضنا(2) أنَّ الطلاق یمکن أن یقع من غیر الزوج منفرداً فإنّه إمَّا.

1. أن یکون بید الزوجة منفردة.

2. أن یکون بید الزوج والزوجة معاً.

3. أن یکون بید فردٍ أو جهة معینة.

فعلی الأوّل یکون الطلاق متوقفاً علی أهلیة المرأة لذلک ومن المعلوم أنَّ طبیعة المرأة عاطفیة وتلک العاطفة تجعلها شدیدة التأثر والإنفعال تجاه هذا

ص:137


1- (1) الوسائل: 7/22، باب 1، ح 1.
2- (2) هذه الإفتراضات یذکرها الشیخ شمس الدین فی مسائل حرجة فی الکتاب الثانی ویضیف إلیها الشیخ الآصفی فی فی رحاب القرآن، الکتاب 9، إفتراضاً رابعاً وهواستقلال الزوجة واستقلال الزوج - کل منهما علی انفراد - فی إجراء الطلاق وهو باطل أیضاً.

العمل الخطیرکما أنّه من غیر الانصاف ومن غیر العدل ان یَخرج الزوجُ - الذی انفق علی العائلة ودفع المهر وجهّز البیت وأثَّثهُ - خاسراً من ذلک البناء الأسری الذی تِعبَ من أجله ولم یَقدم علی تهدیمه فهدّمه غیره، وعلی الثانی فالاتفاق علی ایقاعه لا یحصل إلّا بصعوبة کبیرة لوجود حالة حب الانتقام من الآخر ولو بمخالفته ونقض ما یریده کما أنَّ الطلاق هو علامة الخلاف وعدم الاتفاق فکیف یتمُّ الاتفاق علی عدم الاتفاق وکما یقال «اتفق القوم علی الا یتفقوا» وعلی الفرض الثالث فإنّ التجربة اثبتت فشل ذلک؛ لأن الثالث إذا کان فرداً فلا یعرف الخصوصیات ما بین الزوجین ولا یُبیح له الشارع ذلک وأمّا إذا کان جهة فنقول إضافة لما قیل إنّ المشکلة تتعمق وتطول وتصبح القضیة مجموعة أوراق ولیس مُستقبل أُسرَة.

هل یمکن أن تکون العصمة بید الزوجة ؟

هذه المسألة أُثیرت فی مصر وعلی غیر المذهب الإمامی حیث أنّهم یرون جواز جعل العصمة بید الزوجة سواء کان شرطاً ضمن العقد أوشرطاً خارج العقد ولها الإختیار الکامل باستخدام هذه الصلاحیة ولکن هذا الأمر یتنافی مع حق الزوج وقوامته ولکن الاجتهاد الفقهی عند مذهب أهل البیت وأتباعهم یمنع هذه المسألة وذلک لعدة أسباب:

1. أن جعل العصمة بید الزوجة شرطٌ مخالف لکتاب الله

«المؤمنون عند شروطِهم إلّا شرطاً خالف کتاب الله».(1)

2. إنَّ جعل العصمة بید الزوجة إبخاس وظلم للرجل الذی یکون الطلاق بیده تبعاً للقاعدة المعروفة

«الطلاق بیدِ من أخذَ بالساق»(2) النابع من

ص:138


1- (1) الکافی: 169/5.
2- (2) مسالک الإفهام: 63/8.

قوامة الرجل علی المرأة والتی اعطیت له فی مقابل التفضیل والنفقة التی ینفقها علی الزوجة.

ما هو الحلّ

قام الاجتهاد عند أهل البیت علیهم السلام الذی ظل بابه مفتوحاً باکتشاف صیغة عملیة لانشاء علاقة زوجیة تتمکن الزوجة فیها أن تجعل لنفسها الولایة علی طلاق نفسها وهذه الصیغة هی الوکالة.

فللمرأة أن تشترط علی الرجل أن تکون وکیلة عنه فی طلاق نفسها وقد ظهر ذلک الانتصار لحق المرأة علی أیدی کبار الفقهاء ومن ضمنهم العلم السید الأستاذ ابوالقاسم الخوئی الذی قال:

کما یجوز أن تشترط الوکالة علی طلاق نفسها عند إرتکابه بعض الامور: من سفر طویل أو جریمة موجبة لحبسه، أو غیر ذلک، فتکون حینئذٍ وکیلة علی طلاق نفسها، ولا یجوز له عزلها، فاذا طَلّقت نفسها صح طلاقها.(1)

ومن قبله أشار الحرّ العاملی إلی ذلک: «فإن وکلّها فی طلاق نفسها ففعلت، وقع مع الشرائط»(2) وکذلک ذکرها العلامة الحلّی(3) نقلا عن الشیخ فی المبسوط بل أنّ المیرزا النوری دعمها بروایة عن أبی جعفر علیه السلام، قال:

«فإنّ خیرها فجعل أمرها بیدها بشهادة شاهدین، فی قبل عدتها، فهی بالخیار ما لم یفترقا، فإنّ إختارت نفسها فهی واحدة وهو أحق برجعتها، وإن اختارت زوجها فلیس بطلاق».(4)

ص:139


1- (1) منهاج الصالحین، کتاب النکاح: 273/2، مسأله 1359.
2- (2) الوسائل: 92/22، کتاب الطلاق، الباب 41.
3- (3) مختلف الشیعة: 21/6.
4- (4) مستدرک الوسائل: 311/15.

النتیجة

نخرج بنتیجة فی مسألة الطلاق هی أنَّ نظام الأسرة کغیره من الانظمة الکونیّة لابدَّ له من مرکز قیادة واحد یُصّدر القرارات حیث نری امثلة عملیة أمامنا مثل الخالق الواحد (لَو کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا)1 حیث یدلّ عقلاً علی لابدَّیة القطب الواحد وکذلک فی النظام الکونی:(لاَ الشَّمسُ یَنبَغِی لَها أَن تُدرِکَ القَمَرَ وَ لاَ اللَّیلُ سابِقُ النَّهارِ وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسبَحُونَ)2 وأمّا فی الإنسان فالمسألة أوضح حیث یقول تعالی:(ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلبَینِ فِی جَوفِهِ)3 وکما لا یستطیع الإنسان أن یعمل بقلبین؛ فإنه لا یستطیع أن یصدر قرارین متخالفین فی نفس الوقت.

فتکون مسالة النظام العائلی داخلة ضمن هذا النظام؛ لأنّه وإن کان - فی بعض المسائل أعلاه - الحکم عقلیاً إلّا أن هنا یکون هو الأصلح والتجربة أثبتته، العقلُ یوافقه.

ص:140

الفصل السادس: المرأة وحقوقها الاقتصادیة والسیاسیة

اشارة

ص:141

ص:142

المبحث الأوّل: التمّلک

المقدمة

امتازت الشریعة الإسلامیة عن غیرها بأنّها تتعامل مع الإنسان «روحاً وجسداً» وحدّدت التشریع المناسب لأفراده والمتناسب مع الفطرة والکسب، وهذا التشریع والقانون مبنیٌ علی العدالة - التی هی إعطاء کل ذی حق حقه - ولیس التساوی - الذی هو إعطاء کل الأفراد نفس الکمیة - ومن لوازم هذه العدالة أن یکون هنالک تفاوتٌ وهذا التفاوت من الناحیة الحقوقیة بسبب اختلاف الموقع والمکانة وهو قائم علی أساس القانون الإلهی الحکیم.

القرآن حینما ذکر التفضیل بقوله:(وَ لا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعضَکُم عَلی بَعضٍ) لم یقصد به الکرامة بل الزیادة لکی ینتظم بها أمر المعاش ونظام المجتمع المتکوَّن من الرجل والمرأة اللذین لا یختلفان فی الإنسانیّة ولکن یتفاوتان فی التکوین والکسب والسعی:(وَ أَن لَیسَ لِلإِنسانِ إِلاّ ما سَعی) .(1)

ص:143


1- (1) النجم: 39.

مالکیة المرأة

إنَّ المرأة حالها کحال الرجل فی الملکیة وإنّ ذمتها المالیة محترمة فهی تملک جمیع ما تحصل علیه من العمل والتجارة والإرث والهبة والمهر وغیر ذلک من الطرق المشروعة للملکیة.

القرآن یُصّرح باستقلالیة المرأة فی ملکها بقوله تعالی:(وَ لا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعضَکُم عَلی بَعضٍ لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمَّا اکتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمَّا اکتَسَبنَ وَ سئَلُوا اللّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللّهَ کانَ بِکُلِّ شَیءٍ عَلِیماً)1 فهی مالکةٌ ولها حق التصرف فی أموالها کیفما ترید، بل لیس لأحد منعها أو التصرف بغیر إذنها وأنّ هذا الحق محفوظ قبل الزواج وبعده، بل هی حرة مستقلة وإن فرض الزواج بعض التبعیة الناشئة من الارتباط بین المرأة وزوجها، لکن هذه التبعیة لا تلغی ذمتها المالیة ولا تعطی الحق للزوج فی التصرف فی مالها بدون إذنها؛ لأنّه لا نفوذ له حتی ولو کان أساس المال منه قال تعالی:(وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً فَإِن طِبنَ لَکُم عَن شَیءٍ مِنهُ نَفساً فَکُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً)2 فإنّ طیب النفس علامة الموافقة والرسول صلی الله علیه و آله یقول:

«لا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلّا عن طیب نفس منه»(1) وعلیه یکون القرآن قد دافع عن ملکیة المرأة ولم یُخول أحداً أیَ صلاحیة فی التصرف بأموالها ولو کان زوجها بل دافع عنها وشدَّدَ بأن التجاوز علی حق المرأة یکون بهتاناً ومعصیة کبیرة:(وَ إِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَکانَ زَوجٍ وَ آتَیتُم إِحداهُنَّ قِنطاراً فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَیئاً أَ تَأخُذُونَهُ بُهتاناً وَ إِثماً مُبِیناً * وَ کَیفَ تَأخُذُونَهُ وَ قَد أَفضی بَعضُکُم إِلی بَعضٍ وَ أَخَذنَ مِنکُم مِیثاقاً غَلِیظاً) .(2)

ص:144


1- (3) وسائل الشیعة: 120/5، باب 3، ح 6091.
2- (4) النساء: 21-22.

حیث نری الآیة الکریمة تُعَظّم حق المرأة وتُشَنّع علی الزوج بأنّه حتی لو أعطی مهراً کبیراً - بالغ ما بلغ - کالقنطار الذی هو أعلی حدٍ من المال - فإنّه لا یجوز له أن یأخذ من المال ولو شیئاً قلیلاً الذی هو الحد الأدنی ویمکن لنا أن نقول: إنّ القرآن حَدّد قانون الملکیة العامّة والملکیة الشخصیة ونَظَّم الجانب الحقوقی لکلّ فرد، وأعلن أن المرأة کائنٌ إنسانی یتمتع بکل حقوقه ومنها المالیة، أسوةً بالرجل وان لکل فرد فی المجتمع ان یتمتع بما عَمِلتهُ یداه وهیأه کماله النفسی الذی اکتسبه (لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمَّا اکتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمَّا اکتَسَبنَ) وقال العلّامة الطباطبائی رحمه الله:

بهذا سَدّ الطریق أمام الشیوعیة القائلة بالاشتراک فی موارد الحیاة وإلغاء المالکیة وإبطال رؤوس الأموال.(1)

ص:145


1- (1) المیزان: 357/4.

ص:146

المبحث الثانی: حدود العمل وتصدی المناصب

اشارة

المرأة کالرجل فی إنسانیتها وفی طاقاتها المتعلقة بالروح وأما الطاقة الجسدیة التی تأتی ثانیاً فإنّ عملَ وحرکةَ المرأة محدود ببعض القیود التی جعلها الشارع صیانة للمرأة وکرامة لها وللمجتمع التی هی نصفه.

القرآن عند ما یتطرق إلی العمل فانه یدعو له ویشجّع علیه حتی یحصل التنافس والإبداع خدمة للدین والإنسانیّة ولا یفرق فی ذلک بین الرجل والمرأة فهو یقول:(وَ قُلِ اعمَلُوا فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُم وَ رَسُولُهُ وَ المُؤمِنُونَ...)1 والعلاّمة یقول:

إنّ الآیة لفظها مطلق لا دلیل علی تخصیص خطابها... بل هی تشمل کل ذی عملٍ من الناس.(1)

وفی آیة أخری:(فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أَو أُنثی بَعضُکُم مِن بَعضٍ)3 ، وهذه الآیة ذکرت المرأة صراحة وأوضحت أنَّ حق المرأة فی العمل ثابت وعلیه فلا یمکن للمرأة بعد هذا أن تَکون

ص:147


1- (2) المیزان: 392/10.

عضواً مشلولا وعنصراً عاطلاً فارغاً فی المجتمع.

إنَّ العمل حق من حقوق الإنسان بل وظیفة من وظائفه وأنَّ المرأة والرجل متساویان فی هذا المجال وقد اعتبره الرسول صلی الله علیه و آله عبادة بقوله:

«العبادة سبعون جزءًا أفضلها طلبُ الحلال»(1) وفی قبال ذلک فإنّ الإسلام یحذر اتباعه من البطالة والفراغ کما فی الحدیث المروی عن الإمام الکاظم علیه السلام:

«إن الله عزَّ وجلَّ یُبغضُ العبدَ النوّامَ الفارغ».(2)

نستنتج ممّا مرّ أنَّ المرأة حالها کحال الرجل فی حریة اختیار العمل ولکن العمل فی أی مجال مهما کان لایناسب شأن المرأة، ولا یوافق مصالحها الواقعیة ومصالح سائر أفراد المجتمع حیث أنَّ المرأة وإن کانت تشارک الرجل فی الإنسانیّة إلاّ أنّها ذات خصائص من جهة ترکیبها الجسدی والنفسی توجب بعض التفاوت فی المصالح والواجبات المرتبطة بها.

وبعد هذا نقول إنَّ العمل جائز للمرأة ولکن بشروط تتعلق بذات المرأة تبعاً للجانب الجسدی والنفسی.

أوّلاً: الجانب الجسدی: المرأة بما أنّها کائن لطیف وجمیل، یجتذب الرجل بشکل خاص وأنَّ اللطافة والجمال رأس مالهاِ لذلک علیها شروط - تحفّظ ذلک الجانب - منها:

1. مراعاة الحجاب الشرعی وأن لا یکون لباسها لباس إغواء أو إغراء وأن یکون لباسَ عمل ولیس لباس غزل.

2. أن یکون العمل غیرَ قاطع لأنوثتها وبما لا یُعرض لطافتها وجمالها للخطر.

3. أن یکون العمل غیر مؤدٍّ إلی الاختلاط المحَّرم (فعلیهن اختیار الشغل المناسب لبیئة النساء أو الأماکن الخاصة بهّن أو یقلّ فیها ارتباطُهُنّ

ص:148


1- (1) الکافی: 78/5.
2- (2) المصدر: 84/5.

ومعاشرتهن للرجال الأجانب ومحادثتهن معهم منعاً من وقوع الشباب فی المفاسد الاجتماعیة.(1)

4. أن یکون العمل مباحاً شرعیاً فلا یتعارض مع واجبات المرأة الشرعیة کالحداد والعدّة وما شابه کما أنَّ العمل غیر مزری بالمرأة وغیر مهین لشخصیتها والذی یؤدی إلی الحرج المنفی فی الشریعة.

5. أن یکون العمل متفقاً مع تکوینها ومتناسب مع جسدها الضعیف عادة بالقیاس إلی الرجل، حیث أنَّ الحمل والرضاع والحضانة وغیرها - ممّا یناسب المرأة - یأخذ مأخذاً عظیماً من قوة جسدها، فعلیها ان لا تُضیف حملا آخراً فوق ماعندها، فالأعمال العسکریة والنظامیة لا تناسبها.

ثانیاً: الجانب النفسی: المرأة کائن عاطفی وهی تتأثر عاطفیاً أسرع من الرجال ولهذا لا تناسب الأعمال التی تحتاج إلی قوة قلب ورباطة جأش کالأعمال الجراحیة المُعقدة والأشغال القضائیة وخاصة المتعلقة بالحدود والتعزیرات.

أنَّ رعایة البیت الزوجی وحفظه وحسن البعولة وتربیة الأطفال تحتاج إلی حنان وعاطفة ورقة فی المعاملة تملکها المرأة ویحتاجها النظام العائلی فکل عملٍ یُخالف تلک الاحساسات فهو مرفوض لذلک تکون الأشغال العسکریة والنظامیة غیر مناسبة للمرأة.

عمل المرأة

أثبتت تجربة عمل المرأة الغریبة وجودَ سلبیات من أعظمها إنهیار نظام العائلة المعتمد أساساً علی المرأة.

عندما دخلت المرأة الغربیّة إلی مجال العمل أخذت تزاحم الرجال بل

ص:149


1- (1) دروس من الثقافة الإسلامیة: 408/2.

وتقتحم علیهم أبواب المعامل، وتَشق لنفسها طریقاً إلی لقمة العیش فی زحمة هذه الکتل البشریة التی یملؤها الرجل یقول الآصفی:

وراقها - أول الأمر - أن تجد نفسها حُرةً، طلیقة لا ُیقیّدها بیتٌ، ولا یحدّها زوجٌ ولکن سرعان ما أدرکت أنها لم تُخلق لهذا اللون من الحیاة، وأنّ تکوینها النفسی والعضلی لا یلائم هذا المحیط الجدید الذی حشرت فیه نفسها حشراً.(1)

عند ذلک أدرکت أیضاً أنها لا تستطیع أن تعود إلی البیت، فکان نصیبها الشقاء، لذلک قامت بتعطیل أنوثتها وحاولت ان تصنع لنفسها الرجولة ففشلت وأصبحت لا هی بالمرأة التی تستطیع أن تنعم بالحیاة النسویة، ولا هی بالرجل الذی یستطیع أن ینزل إلی میدان الرجال فکانت «جنساً ثالثا» کما یقول الباحث جیروم فرو برو:

یوجد فی أوربا کثیر من النساء اللواتی یتعاطین أشغال الرجال، ویلتجئن بذلک إلی ترک الزواج بالمرة وأولی أن یصحّ تسمیتهن ب «الجنس الثالث»، أی: أنهنَّ لسنَ برجال ولانساء.(2)

بعد النظر فی آیات القرآن واستقصاء - ما أمکن - من الأحادیث لا نجد نصّاً شرعیاً حرّم العمل علی المرأة فیکون العمل جائزاً للمرأة! ولکن یبقی سؤال وهو هل یمکن للمرأة ان تعمل عند الضرورة فقط؟ أو هناک مورد آخر!

وإذا راجعنا قصة بنات شعیب علیه السلام یمکن أن نفهم أنَّ العمل مشروطٌ بالحاجة والضرورة وخاصة فی قولهما:(وَ أَبُونا شَیخٌ کَبِیرٌ) ولکن إذا دققنا فی الآیات نفهم أنّ امتناع بنات شعیب عن السقی للزوم الاختلاط حیث قالتا:(لا نَسقِی حَتّی یُصدِرَ الرِّعاءُ) .(3)

ص:150


1- (1) فی رحاب القرآن: 39/9.
2- (2) المصدر: 40.
3- (3) حیث فهم موسی علیه السلام من کلامهما ان تأخرهما فی السقی نوعُ تعفف وتحجّب منهما. المیزان تفسیر الآیة.

و أما مسألة الرعی فتبقی بلا قّید حیث انّهما لم تتعرضا للرعی فیبقی علی جوازه سواء للمرأة وللرجل.

وإذا قیل: إن قضیه بنات شعیب علیه السلام لیست فی مقام الحکم الشرعی أو أنها فی شریعه أخری.

یقال: إنَّ القرآن استشهد بهذه القصة وقد سقناها من باب المصداق.

المرأة المؤمنة العاملة

قال سبحانه وتعالی: (وَ لَمّا وَرَدَ ماءَ مَدیَنَ وَجَدَ عَلَیهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ یَسقُونَ وَ وَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرَأَتَینِ تَذُودانِ قالَ ما خَطبُکُما قالَتا لا نَسقِی حَتّی یُصدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَیخٌ کَبِیرٌ * فَسَقی لَهُما ثُمَّ تَوَلّی إِلَی الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّی لِما أَنزَلتَ إِلَیَّ مِن خَیرٍ فَقِیرٌ * فَجاءَتهُ إِحداهُما تَمشِی عَلَی استِحیاءٍ قالَت إِنَّ أَبِی یَدعُوکَ لِیَجزِیَکَ أَجرَ ما سَقَیتَ لَنا فَلَمّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَیهِ القَصَصَ قالَ لا تَخَف نَجَوتَ مِنَ القَومِ الظّالِمِینَ) .(1)

من خلال استعراض هذه الآیات الشریفة نعرف أنّ العمل للنساء غیر محظور ولو کُنَّ بنات الأنبیاء حیث أن ابنتی شعیب تعملان فی رعی الأغنام وسقایتها ولکن أحد الأمرین أصعب من الثانی حیث أنَّ الرعی أخفُ مؤونةً «علی ما فیه من تعب» من السقی؛ لأنّ الرعی لا یستلزم الاختلاط مع الرجال الأجانب وأمّا السقی یستلزم ذلک لذلک امتنعت أبنتا شعیب حفاظاً علی عفافهما وسترهما ولأجل عدم الاختلاط، ومنه نعرف أنَّ العمل جائز مع حفظ خصوصیات المرأة.

یمکن لنا أن نخرج بنتیجة هی أنّ العمل یکون جائزاً للمرأة ما عدا المنصوص علی منعِه مِثل الولایة وأما جواز العمل لها فیکون تبعاً للأولویة أی

ص:151


1- (1) القصص: 23-25.

بما لا یتعارض مع واجباتها وأعمالها الأساسیة التی هی صناعة الرجال التی هی أقدس، وأما إذا کان لها مواهب ذاتیة فلا مانع من إبرازها مثل الأعمال الخیریة والتشکیلات النسویة وغیرها، بل وحتی التجارة والتاریخ یشهد بذلک حیث أنَّ الرسول صلی الله علیه و آله وهو المعصوم قبل وبعد البعثة کان یعمل عند امرأة تاجرة.

یبقی أمرٌ وهو أنَّ عمل المرأة مرهون بعدم معارضة حق الزوج فیحتاج إلی أذنه إضافة إلی عدم قطع فرص العمل علی الرجال؛ لأنّ المرأة مکفیة النفقة فی الأصل و....

إذا کنتُ سیدتی تاجرا فما حاجتی أیضاً إلی تاجرة

المرأة العاقلة

ملکة سبأ فی القرآن

تبدأ القصة بأنّ الهدهد جاء بخبر من سبأ والخبر هو:(إِنِّی وَجَدتُ امرَأَةً تَملِکُهُم وَ أُوتِیَت مِن کُلِّ شَیءٍ وَ لَها عَرشٌ عَظِیمٌ)1 وهذا القول صریح بتمجید مقام هذه الملکة فأنها تملکهم وأنها ذات مکانةٍ حیث أنها:(وَ أُوتِیَت مِن کُلِّ شَیءٍ) وهذا وصف لسعة ملکها وعظمته وهذه قرینة علی أنّ المراد:(کُلِّ شَیءٍ) فی الآیة کل شیء هو من لوازم الملک العظیم من حزم وعزم وسطوة ومملکة عریضة وکنوز وجنود مُجندة ورعیّة مطیعة(1) وشخصیة قویّة وحنکة فی التدبیر وهذا مالا یوجد فی امرأة من مثیلاتها وتستمر الآیات فی وصف حال تلک المرأة فإنّ نبی الله سلیمان علیه السلام بعد أن اطلعه الهدهدُ علی حالها وقومها أمر سلیمان علیه السلام الهدهدَ بأخذ کتابٍ لهم، فأخذه وألقاه إلیهم، عند ذاک بدأ دور تلک المرأة

ص:152


1- (2) المیزان: 356/15.

العاقلة وظهرت إمکانات تلک الملکة المرأة والتی لو أصدرت أیَ أمر فانه ینفذ فی الحال ولکنها بدت من خلال ما تملکه فی عدة جوانب منها:

1. المشورة: حیث أنها: (قالَت یا أَیُّهَا المَلَأُ أَفتُونِی فِی أَمرِی ما کُنتُ قاطِعَةً أَمراً حَتّی تَشهَدُونِ)1 ، فهی تقول أشیروا علیَّ واجتهدوا فی الرأی الذی تقدمونه لی حیث أنا علی طریقتی لا استبدُّ ولا أحکم برأی ولم اکن کذلک من قبل بل أقضی وأعزم عن إشارة وحضور منکم.

نحن نقول فی الذهنیة التقلیدیة الشائعة إنَّ المرأة بدون عقل وضعیفة التفکیر وسیئة التدبیر، وإنّ الرجال وحدهم هم الذین یمتلکون العقل الناضج والفکر المدّبر.

إنَّ التدبر فی مسألة ملکة سبأ والآیة أعلاه تُبرهن علی أنَّ المرأة لها القدرة للوصول للمکانة العالیة فی التدبیر ورجاحة العقل بل لنا أن نقول إنّها فاقتهم باستخدامها المشورة وعدم التکبر والاستعلاء کما فی مورد فرعون أو کسری الذی مزق کتاب الرسول صلی الله علیه و آله علی ما تذکرهُ التواریخ.

و إذا قیل: إنَّ ملکة سبأ إنّما (قالَت یا أَیُّهَا المَلَأُ أَفتُونِی) یدلّ علی ضعفها وترددها فی اتخاذ الرأی الصائب....

فإنّه یقال: إنَّ اتخاذها مبدأ الشوری من أعظم الأدلة علی کمال عقلها إضافة أنّ رأیها هو الذی أصاب کما ستعرضه الآیات الآتیة.

فإنّها استشارتهم وبدلاً من عرض عضلاتهم الفکریة والسیاسیة الحکیمة عرضوا عضلاتهم الجسدیة:(قالُوا نَحنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأسٍ شَدِیدٍ) ولکن لثقتهم بها ومعرفتهم بحسن اختیارها قالوا:(وَ الأَمرُ إِلَیکِ فَانظُرِی ما ذا تَأمُرِینَ)2 ؛ حیث أنَّ القرار النهائی بیدک لأنَّک الملکة وعلیک تحدید ما هو التهور؟ وما هی

ص:153

الشجاعة؟ وما هی الخوف؟ وما هو الاحتیاط؟ وهل أنَّ عدم التسلیم للحق شجاعة أو تهور؟ وهل عدم الخضوع فی قبال الحق وحشیة أو اقتدار؟(1)

2. الحکمة: فی قبال هذه التساؤلات تُقدم بکل حکمة وتعقل وتحدد الاختیار الأفضل بعد الدراسة الموضوعیة والتدقیق فی الاحتمالات واحتمال الأسوأ، وحینما یمیل قومها إلی القتال تقوم بذم الحرب (قالَت إِنَّ المُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَریَةً أَفسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهلِها أَذِلَّةً وَ کَذلِکَ یَفعَلُونَ) .(2)

3. اختبار الآخر: قالت ملکة سبأ إنَّ رأیی الذی أراه هو (وَ إِنِّی مُرسِلَةٌ إِلَیهِم بِهَدِیَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ یَرجِعُ المُرسَلُونَ) وعند ذلک أقطع بأحد الأمرین أمّا الحرب أو السِّلم.

4. الدقّة فی الحُکم: تستمر الآیات فی بیان حال بلقیس إلی أن یصل الدور إلی اختبار سلیمان لها، فانه (قالَ نَکِّرُوا لَها عَرشَها نَنظُر أَ تَهتَدِی أَم تَکُونُ مِنَ الَّذِینَ لا یَهتَدُونَ) أراد بذلک اختبار عقلها ومدی ذکائها ودقة ملاحظتها، ویعتبر هذا الاختبار مهم جداً إذ أنَّ سلیمان نبی الله هو الذی یختبرها، فإنَّه علیه السلام تلمیذ السماء وحاکم الأرض ومن انقادت له الجنُ والإنسُ حاکماً ونبیاً فاراد بإتیان العرش إظهار آیة باهرة من آیات نبوته لها:(قِیلَ أَ هکَذا عَرشُکِ قالَت کَأَنَّهُ هُوَ وَ أُوتِینَا العِلمَ مِن قَبلِها وَ کُنّا مُسلِمِینَ...) حیث قالت فی قبال هذا التنکیر بالشکل(3) وباللفظ (کَأَنَّهُ هُوَ) تحرراً من الطیش والمبارزة إلی التصدیق من غیر تثبت ولم تقل: أنه هو.

ص:154


1- (1) جلال المرأة وجمالها: 287.
2- (2) النمل: 34.
3- (3) الشکل: حیث أمر النبی سلیمان علیه السلام بتنکیر عرشها من ناحیة الشکل بحیث لا یعرف وأما اللفظ: حیث قیل لها:(أَ هکَذا عَرشُکِ) ولم یقال: أهذا وهذا زیاده فی التنکیر، واستفهام عن مشابهة عرشها لهذا العرش المشار إلیه فی هیئته وصفاته وفی نفس هذه الجملة نوع من التنکیر.

5. الاعتراف بالحق: إنّ الآیة:(وَ أُوتِینَا العِلمَ مِن قَبلِها وَ کُنّا مُسلِمِینَ)1 یمکن أن نفسرها تکملة لکلام بلقیس وظاهر السیاق یدعم ذلک فهی لما رأت العرش وسئلت عن أمره أحست أنّ ذلک منهم تلویح إلی ما آتی الله سلیمان من القدرة الخارقة للعادة(1) فأجابت بقولها:(وَ أُوتِینَا...) ، أی: لاحاجة إلی هذا التلویح والتذکیر فقد علمنا بقدرته قبل هذه الآیة والبرهان وکنّا مسلمین لسلیمان طائعین له ومؤمنین بصحة نبوته وهذا الاعتراف بالحق دلیل علی رجاحة العقل وکبر النفس وأکبر من ذلک إقرارها حیث أنها:(قالَت رَبِّ إِنِّی ظَلَمتُ نَفسِی وَ أَسلَمتُ مَعَ سُلَیمانَ لِلّهِ رَبِّ العالَمِینَ) .(2)

وفی هذا القول

أولاً: استغاثت بربها بالاعتراف بالظلم؛ إذ لم تعبد الله من البدایة فعند ذلک لم تعاند ولم تُکابر.

ثانیاً: شهدت بالإسلام لله مع سلیمان وأسلمت معه لیس خضوعاً له وإنّما إیماناً بالرسالة.

النتیجة

نفهم من البحث السابق أنَّ هذه المرأة اختارها الله تعالی وذکرها فی کتابه؛ لأنّها نوعٌ راقٍ من النساء وفی قصتها مدالیل لاتخفی علی اللبیب وإلّا فما هی المصلحة فی أنّ القرآن یقدم المرأة بهذه الصورة إذا کانت المرأة أقل عقلاً من الرجال أو إذا کانت المرأة ضعیفة فی کل وضعها.(3)

ص:155


1- (2) المیزان: 367/15.
2- (3) النمل: 44.
3- (4) الندوة، عادل القاضی: ص 450.

ص:156

المبحث الثالث: الإرث

امتاز القرآن بتأسیس قانون ذی هیکلیة متصلة الأطراف یستند بعضها إلی البعض الآخر ویترابط معه بما لایمکن فصله، وأحد هذه القوانین المتمیزة قانون الإرث الذی لم یساوی بین الذکر والأُنثی فی بعض الموارد وإن ساوی بینهما فی موارد أُخر.

فبالنسبة للآیة:(فَلِلذَّکَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَیَینِ)1 قد یبدو لأوّل وهلة أنَّ هناک إجحافاً فی حق الأُنثی ولکن الأمر یتضح بعد فهمِ عدة مقدمات حول مسألة الإرث منها:

1. ما یتعلق بفرض حق المرأة وتعیینه فی الإسلام وقوانینه بالمقارنة مع الدیانات السابقة.

2. طبیعة نظرة الإسلام إلی الرجل والمرأة المستمدة من موقعها الإقتصادی.(1)

3. عدم صحة مناقشة ظاهرة الإرث علی إنفراد ومفصولة عن الأجزاء الأُخری التی ترتبط بها من هیکل الشریعة العام.

ص:157


1- (2) فی رحاب القرآن: 60/9.

4. ما یتعلق بحق المرأة من حیث کونِها أُمّاً أو أُختا ًأو زوجهً أو بنتاً وهکذا....

بعد فهم المقدمات أعلاه نستنتج أنَّ حکم القرآن منصف بل هو العدالة وأیّ شیء أقرب للعدالة من ملائمة التشریع لتکوین الإنسان:

فإن تکوین کل من الرجل والمرأة یُعدُ صاحبه ویؤهله لشطرٍ یخصّهُ من الحیاة، والجانب الوظیفی من حیاة الرجل والمرأة فی التشریع الإسلامی یتبع الجانب التکوینی من وجودهِما، ولایشذ عنه.(1)

بل أنَّ بعض الظرفاء من المتشرعة یقول إنَّ الرجل هو المظلوم بهذا الحکم ولیس المرأة وذلک؛ لأنّ للمرأة من یُدافع عنها ولها من ینفق علیها ولیس للرجل ذلک.

ویمکن لنا أن نکتشف أنَّ الشارع المقدس عندما حدّد «حصّة الرجل ضِعف حصّة المرأة» قد أخذ بنظر الاعتبار عدة أسباب منها:

1. أنَّ الرجل علیه نفقةٌُ واجبة، فأما قبل زواجه فهو الإبن الذی علیه نفقة والدیه، وعند موت أبیه یکون هوالمتکفل بنفقة إخوته وأهله وأما عند زواجه یکون هو المنفق علی أبنائه وزوجته إضافة إلی أهله.

2. مهر الزوجة علیه.

3. أثاث البیت للزوجیة.

4. نفقات أُخری کولیمة الزواج والقروض المترتبة علی الأُسرة إضافة لأداء الواجبات الإجتماعیة بصفته أحد أفراد المجتمع.

أمّا المرأة فإنّ الإسلام لا یُلزمها بدفع شیء من أموالها بل هی خالصة لها ولایشارکها أحد فی تصرفها فی أموالها وممّا یجدر الإشاره إلیه أنَّ الشارع یأمر الرجل بالإنفاق علی زوجته الغنیة أیضاً.

ص:158


1- (1) المصدر: 62.

المبحث الرابع: الدیة والقصاص

اشارة

من السنن التی اعتادها البشر سنة التأدیب والردع لمن إعتدی علیهم وتتفق هذه السنة مع الفطرة الإنسانیّة الرافضة للإعتداء والظلم وعلی ذلک قامت الدیانات والشرائع السماویة وحتی القوانین الوضعیة.

وعندما بدأ الإسلام بوضع القوانین الجزائیة سار علی هذا المنهج فوضع قانون القصاص:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیکُمُ القِصاصُ فِی القَتلی)1 وجعل القصاصَ وسیلةً للردع؛

«لأنّ من علم أنَّ القصاص واجبٌ لایجترئ علی القتل»(1) بل جعله وسیلةً لحفظ النوع:(وَ لَکُم فِی القِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الأَلبابِ لَعَلَّکُم تَتَّقُونَ)3 ، ومن جهة أخری فرض الدیة فی حالة عدم القصاص وحالات معینة وحسب ما سیأتی فی البحث.

القصاص

القِصاص مأخوذ من مادة (قصّ) بمعنی إقتفی وتابع آثار الشیء، وقاصه أوقع

ص:159


1- (2) تفسیر شبر: 66.

به القصاص، و (جازاه وفعل به مثل ما فعل کالقتل بالقتل والجرح بالجرح).(1)

قال فی المنجد فی مادة قص: تتبعه شیئاً فشیئاً.

والقصاص عملیة علاجیّة ولیست انتقامیة کما یقال؛ لأنّ الإنتقام هو التشفی وإطفاء نار الغضب لأجل مسألة شخصیة ولکن القصِاص وِقایة ومنع من تکرار الظلم والإعتداء علی المجتمع، والقرآن عندما تطرق إلی هذه المسألة بصورة مجملة فی قوله تعالی:(فَمَنِ اعتَدی عَلَیکُم فَاعتَدُوا عَلَیهِ بِمِثلِ مَا اعتَدی عَلَیکُم) .(2)

وأما الأحادیث فی باب القصاص تطرقت إلی تفاصیله وشروطه وفی هذا القانون تتساوی المرأة مع الرجل فیحکم علی الرجل بالقِصاص (قطعاً أو جرحاً) بمثل ما اعتدی علی المرأة(3) إلی أن یصل إلی مستوی معیَّن حیث إذا بلغت قیمة العضو ثلث من دیة الإنسان الکامل تنزل قیمة دیة عضو المرأة إلی النصف، کما ورد فی صحیحة الحلبی عن الصادق علیه السلام:

«جراحات الرجال والنساء سواءٌ، سن المرأة بسن الرجل...، فإذا بلغت ثلث الدیة ضُعّفت دیة الرجل علی دیة المرأة».(4)

والقصاص نوعان

النوع الأوّل: قصاص النفس وله ثلاثة اشکال:

1. القتل العمد؛

2. القتل شبه العمد؛

3. القتل الخطأ؛

ص:160


1- (1) لسان العرب: 76/7.
2- (2) البقرة: 194.
3- (3) مبانی تکملة المنهاج: 150/2، المسأله: 162.
4- (4) الوسائل: 384/29، باب 1، أبواب القصاص: ح 1 و 4.

النوع الثانی: قصاص العضو

وما عدا القتل العمدی فإنّ الأمر ینتقل إلی الدیة(1) ، وتفصیلات ذلک فی الکتب الفقهیة، ولکنَّ الذی یجدر بحثه هوکیفیة تعامل القرآن الکریم مع مبدأ قتل النفس وخصوصیة المرأة فی ذلک.

القرآن وقتل النفس

قام القرآن بالتشدد فی حفظ وإکرام النفس الإنسانیّة:(وَ لَقَد کَرَّمنا بَنِی آدَمَ...)2 لذلک تجده یهول فی شناعة قتلها:(مَن قَتَلَ نَفساً بِغَیرِ نَفسٍ أَو فَسادٍ فِی الأَرضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَ مَن أَحیاها فَکَأَنَّما أَحیَا النّاسَ جَمِیعاً) .(2)

وهذه المبالغة فی الردع ناتجة من وجود الضرر المعنوی الناتج من نشر الفساد وإشاعة جو عدم الأمان والإخلال فی النظام وإرباکه وجعل القتل عملاً سهلاً وسنة طبیعیة ولکن «مَن سنَّ سنَّةً سیئةً فعلیهِ وزرُها و وزرُ مَن عَمِل بها إلی یومِ القیامة»(3) ولذلک نری الآیة تُشیر إلی مسألة خطورة هذا العمل والتهدید المغلظ ولکنها مع ذلک لم تُشر إلی الجانب الحقوقی فی مسألة الإثم.

إنَّ الملاحظ علی خطاب الآیة هو إنَّه عام ویشمل النفس الإنسانیّة (الذکر والأُنثی) وعلیه تتساوی الأُنثی والذکر فی هذا الأمر، فکما أنَّ قتل الذکر له من الخطورة ما ذکرته الآیة من کونه:(فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً) فإنّ للمرأة مثل ذلک والتشبیه باستعمال الحرف (کاف) کنایة عن کون الناس جمیعاً ذوی حقیقة واحدة إنسانیة متحدة، الواحد منهم والجمیع سواء، فمن قصد الإنسانیّة التی فی الواحد منهم فقد قصد الإنسانیّة التی فی الجمیع کالماء إذا وُزّع بین آنیة کثیرة؛

ص:161


1- (1) وحیدی، احکام بانوان: ص 189.
2- (3) المائدة: 32.
3- (4) مجمع البیان: 323/3.

فمن شرب من أحد الآنیة فقد شرب الماء وقد قصد الماء من حیث أنّه ماء، وما فی جمیع الآنیة لا یزید علی الماء من حیث أنّه ماء فکأنّه شرب الجمیع.(1)

أن القرآن ذکر الجانب الحقوقی فی مسألة القتل فی آیتین هما:

1.(وَ کَتَبنا عَلَیهِم فِیها أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ...)2 ، إن النفس هنا لها معنی عام بمعنی أن کل نفس تُقتل یوجد فی مقابلها نفس لابدَّ أن تُقتل ولکن هذا الأمر فیه بحث، حیث انه من المعلوم أنّ نفس الإنسان أعلی وأکبر قیمة من نفس ما دونه والإنسان المسلم أفضل من الکافر بل إنَّ القرآن یُشیر إلی أنّ المؤمن لا یُقتل بالکافر:(فَإِن کانَ مِن قَومٍ عَدُوٍّ لَکُم وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَتَحرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَ إِن کانَ مِن قَومٍ بَینَکُم وَ بَینَهُم مِیثاقٌ فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهلِهِ...)3 کما (لا یُقتل حرٌ بعبد)(2) ، علی أنّ مراجعة سبب النزول تساعد فی بیان الأمر حیث إنَّ بعض قبائل العرب کانت عندهم سنة فی القتل (وهی قتل اثنین فی مقابل واحد) وهذه السنة أشار القرآن إلی بطلانِها فی هذه الآیة.

وبعد هذا نخرج بنتیجة هی أنَّ الآیة تحتاج إلی تفصیل وتفسیر ما هو المراد من النفس؟ وبما أنّ أفضل الطرق لفهم القرآن هو القرآن نفسه وأحسن التفاسیر هو تفسیر القرآن بالقرآن کما یقول السید الخوئی رحمه الله(3) کان لابدَّ لنا من البحث فی الآیة الثانیة.

2.(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیکُمُ القِصاصُ فِی القَتلی الحُرُّ بِالحُرِّ وَ العَبدُ بِالعَبدِ وَ الأُنثی بِالأُنثی...)6 تبیّن هذه الآیة أنّ حکم الحر غیر العبد وهما غیر

ص:162


1- (1) المیزان: 343/5.
2- (4) مجمع البیان: 489/1.
3- (5) صراط النجاة: 469/1، سؤال 1322.

الأُنثی أی أنّ هناک تفاوت فی القصاص فلا یُقتل الحر بالأُنثی؛ لأنّها لیست مقابلة له فی المستوی الحقوقی مع تساویهما فی القیمة الإنسانیّة.

وبعد هذا لنا أن نطرح السؤال ماهی علاقة هذه الآیة بالآیة الأولی؟ وما هو حکم المرأة فیهما؟ أنّ الجواب عن هذین السؤالین یتضح من دراسة ظروف وخصوصیات الآیتین ودراسة الأحکام الشرعیة التی یمکن أن تُستنبط منهما، أنّ الآیة الأولی مطلقة من حیث العبد والحر والذکر والأُنثی فلا صراحة لها فی حکم العبد وحکم الأُنثی؛ وأما الثانیة محکمة، یقول السید الخوئی:

لم تکن الآیة الأولی فی مقام خصوصیة القاتل والمقتول بل کانت فی مقام بیان المساواة فی مقدار الإعتداء فقط، علی ما هومفاد قوله تعالی:(فَمَنِ اعتَدی عَلَیکُم فَاعتَدُوا عَلَیهِ بِمِثلِ مَا اعتَدی عَلَیکُم)1 واما الروایة التی رووها عن علی علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله من قوله:

«المسلمون تتکافأ دماؤهم» فهی - علی تقدیر تسلیمها - مخصّصة بالآیة الثانیة.(1)

یقول العلامة: «إن نسبة الآیة:(الحُرُّ بِالحُرِّ...) إلی الآیة:(النَّفسَ بِالنَّفسِ...) هی نسبة التفسیر»(2) ، أی: بدل الأُنثی هی الأُنثی، فلا یکون الرجل بدلاً عنها، قال الشیخ الطوسی:

إنَّ الآیة الأولی لیست منسوخة بل عامّة؛ لأنّه یمکن بناؤها علی الآیة الثانیة... ویجوز قتل الأُنثی بالرجل إجماعاً.

لایُقتل الرجل بالمرأة

یذکر الفقهاء مثل السید الخمینی والسید الخوئی وغیرهم(3) أنّ الرجل إذا قتل المرأة یحکم علیه بالقصِاص بقتله ولکن بعد دفع نصف الدیة لأهل الرجل

ص:163


1- (2) البیان: 293-294.
2- (3) المیزان: 441/1.
3- (4) تحریر الوسیلة: 2، کتاب الدیات؛ مبانی تکملة منهاج الصالحین: 2، کتاب القصاص.

وهذا یدلّ علی عدم تساویهما فی حکم القصاص، قال الشیخ الطبرسی:

فإذا أراد أولیاء المقتول أن یقتلوه أدّوا نصف الدیة إلی أهل الرجل وهذا هوحقیقة المساواة فإنّ نفس المرأة لاتساوی نفس الرجل بل هی علی النصف.(1)

وقال فی الأمثل فی تفسیر الآیة:(وَ الأُنثی بِالأُنثی...) :

المقصود من عدم قصاص الرجل بالمرأة هوالقصاص دون شرط أمّا إذا دفعت نصف الدیة فیجوز قتله.(2)

وبعد هذا نبحث عن خلفیة هذا الفرق إذ أنَّ الأحکام مبنیة علی حِکَم وغایات، فیمکن لنا أن نقول فی حکمة هذا الفرق إنَّ الأمر یعود إلی جانبین:

1. الجانب المعنوی: إنّ دور الأب فی حیاة الأبناء له أهمیّة معنویة کبیرة حیث یُطلق علی فاقد الأب یتیماً ولایُسمی من فقد أمه یتیماً ومسألة تربیة الأبناء وتعلیمهم وهدایتهم داخل المجتمع تقع معظمها علی عاتق الأب؛ لأنّه أکثر خبرة بما فی خارج البیت أکثر ممّا هو فی داخله والذی هو إختصاص الأم.

2. الجانب المادی: أنَّ الرجال یتحملون غالباً مسؤولیات إعالة الأُسرة ویُؤَمِّنُون نفقاتها الإقتصادیة، ولایخفی الفرق بین أثر غیاب الرجل وغیاب المرأة علی العائلة إقتصادیاً ولو لم یراعَ هذا الفرق لأُصیبت عائلة المقتص منه بإضرار مالیة ووقعت فی حرج إقتصادی، ودفع نصف الدیة یحول دون تزلزل تلک العائلة إقتصادیاً ولا یسمح الإسلام أن یتعرض أفراد الأُسرة لخطر إقتصادی وتغمظ حقوقهم تحت شعار المساواة.

إنّ الأبَ مسؤول عن النفقة لأبویه وأبنائه وزوجته وبعبارة أخری أنَّ فیه جزءاً لیس ملکه وهوحق لغیره فلهذا یکون دوره الإقتصادی أکبر من دور

ص:164


1- (1) مجمع البیان: 489/1.
2- (2) تفسیر الأمثل: 438/1.

الأم وتکون الخسارة الواردة علی العائلة أکبر عند فقده، ولاینطلق بُعد الدیة الحقوقی من إنتقاص لقیمة المرأة کإنسان وإنما ینطلق من هدف تحقیق التوازن بین الحقوق والواجبات علی المستوی المادی.

وإذا قیل: إذا کان الرجل غیر متزوج، فدوره الإقتصادی أقل، فما هو الحکم؟

فإنه یقال: إنَّ أحکام القرآن مبنیة علی الحالات الغالبة والعامّة وطبیعة الأمور تقتضی أن یتزوج الرجل المرأة حیث أن نوع الإنسان هو المقصود و

«التشریع لایخضع للمصالح الشخصیة بل یکون مراعیاً للمصالح النوعیة».1

وإذا قیل: قد تکون إمرأة عضواً فعّالاً إقتصادیاً فی أُسرتها اکثرمن الرجل!

فإنه یقال: إنَّ الأحکام والقوانین لا تقوم علی أساس الحالات الاستثنائیة بل علی أساس الوضع العام، وفی هذه الحالة یجب أن نقارن کل الرجال بکل النساء.2

الدیة: هی المال الذی یُعطی للمجنی علیه أو لولی أو أولیاء الدم بسبب الجنایة علی النفس أوعضو المجنی علیه، والمرأة علی النصف من دیة الرجل وعلة ذلک نفس علة الإرث کماذکرنا.

إشکال: المرأة الحامل إذا جنت فهل یُقتص منها؟ فإذا أقتص منها فما ذنب الجنین؟

والجواب: هوأن الشریعة الإسلامیة مبنیة علی نفی الحرج والضرر وقد سُنت قوانین یُراعی فیها جانب الرحمة والرأفة لذلک لایُحکم علی الحامل بالقصاص إلی أن تلد «بل إذا أدی القصاص إلی هلاک الطفل فلابدَّ من تأخیره».3

ص:165

ص:166

المبحث الخامس: دور المرأة فی البیعة والسیاسة والحکم

اشارة

من الحقوق التی أعطاها الإسلام للمرأة حق العمل السیاسی وحیث ان السیاسة فی الفکر الإسلامی تعنی رعایة شؤون الأمّة فی مجالاتها الحیویة کافة، لذا فهی مسؤولیة اجتماعیة عامّة، کُلِفَ بها المسلمون جمیعاً حیث یتوجه الخطاب والأمر لرجالهم ولنسائهم علی نحو السواء:(أَن أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ)1 وإقامة الدین تتکون من أرکان منها.

1. الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر: وفیه تشارک المرأةُ الرجلَ (وَ لتَکُن مِنکُم أُمَّةٌ یَدعُونَ إِلَی الخَیرِ وَ یَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَ یَنهَونَ عَنِ المُنکَرِ وَ أُولئِکَ هُمُ المُفلِحُونَ) .(1)

2. حق إبداء الرأی والمشارکة فی الانتخابات (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ المُؤمِناتُ یُبایِعنَکَ... فَبایِعهُنَّ)3 هذه الآیة تدل علی قبول بیعة المرأة وإبداء حقها السیاسی.

ص:167


1- (2) آل عمران: 104.

3. إطاعة أُولی الأمر (أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الأَمرِ مِنکُم)1 هذا الخطاب متوجه إلی جمیع المکلفین ولعل من أوضح الأدلة علی دور المرأة السیاسی وحقوقها السیاسیة فی الإسلام ما جاء فی آیات الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وآیات الولایة والولاء العامّة الدّلالة والشاملة للرِّجال والنساء.

وقد استدلّ المفکِّر والفقیه الإسلامی الشهید محمّد باقر الصدر علی أنّ کل مؤمن ومؤمنة مؤهلٌ للولایة السیاسیة بقوله: «و تمارس الأمّة دورها فی الخلافة فی الإطار التشریعی للقاعدتین القرآنیتین التالیتین»،(وَ أَمرُهُم شُوری بَینَهُم) و (وَ المُؤمِنُونَ وَ المُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِیاءُ بَعضٍ یَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَ یَنهَونَ عَنِ المُنکَرِ) فالنص الأوّل یعطی الأمّة صلاحیة ممارسة أمورها عن طریق الشوری والنص الثانی ظاهرٌ فی سریان الولایة بین کل المؤمنین والمؤمنات بصورة متساویة.(1)

أهلیة المرأة لتولی السلطة

هذا العنوان هو اسم لکتاب ألَّفَةُ الشیخ شمس الدین اثبت فیه أنّ المرأة قادرةٌ علی إدارة الدولة وإنّها یمکن أن تکون رئیسا للجمهوریة وأبطل الاستدلال بالروایة المرسلة عند الإمامیة والمشهورة عند غیرهم:

«لن یفلحَ قوم ولّوا أمرهم امرأة»(2) بقوله:

إنّ هذه الروایة تنطبق إذا کانت المرأة الحاکمة دکتاتور ظالم غیرخاضع للشوری أو مجالس الشعب فإذا کانت المرأة خاضعة لذلک فلا مانع.

ص:168


1- (2) الإسلام یقود الحیاة: 171.
2- (3) سنن النسائی: 227/8 وسنن الترمذی: 360/3.

و نحن نضیف أنّ هناک شواهد تولی المرأة لمناصب قیادیة أو إداریة أو سیاسیة منها:

1. أمّهات المؤمنین مثل خدیجة التی جاهدت بمالها واتخذت موقفاً جریئاً وناصرت الرسول ضد قومها حتی توفیت فی الحصار الجائر فی شِعب أبی طالب، ومثل أم سلمة والنساء اللاتی هاجرت إلی الحبشة.

و السیدة عائشة التی وقفت موقفاً شجاعاً ضد سیاسة الخلیفة عثمان «وکان نشاطها السیاسی فی هذا المجال من أکبر وأقوی العوامل التی سّرعت فی الثورة علیه، وأعطت للثائرین شرعیة وقوه سیاسیة».(1)

2. أم هانئ بنت أبی طالب التی أعطت أماناً لأحد المشرکین حیث ورد فی فتح مکة، أنها أجارت رجلاً من المشرکین فأبی علی علیه السلام إلا أن یقتله، فأسرعت إلی رسول الله صلی الله علیه و آله: فقالت یا رسول الله صلی الله علیه و آله زعم علی بن أبی طالب علیه السلام انه قاتلُ رجلاً قد أجرتُه، فقال الرسول:

«قد أجرنا مَن أَجَرتِ یا أم هانئ».(2)

3. موقف سیدة نساء العالمین السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام فی الدفاع عن الولایة المغتصبة والأسالیب المتعددة التی اتخذتها بتأیید من أمیر المؤمنین علیه السلام لإظهار الموقف السیاسی الذی یصدر عن شخصیة معصومة.

أنَّ أسالیب الزهراء علیها السلام کانت تختلف من شکل إلی الآخر اعتماداً علی اتخاذ ما هو الأنجع والأفضل فی إبراز المظلومیة الکبری والإعلان عن خط المعارضة للحکومة القائمة حینذاک وقیادة ذلک الخط.

و أما أسالیبها فمتعددة فتارة تخاطب أباها وتُسمع الناس:

«ما لقینا بعدک من ابن الخطاب وابن أبی قحافة»(3) وفیه تهییج لعواطف وأفکار الناس، فتری تأثیر

ص:169


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 35، الکتاب الثانی.
2- (2) البخاری: 67/4؛ سنن أبی داود: 194/3؛ النسائی: 261/1.
3- (3) الإمامة والسیاسة: 20/1-21.

ذلک فیهم «فلما سمع القوم صوتها وبکاءها انصرفوا باکین» ممّا حدی بعلیة القوم أن یعیدوا النظر فی أعمالهم تجاه المعارضین لهم والذی کان الإمام علی علیه السلام یقوم علی قیادتهم، عندئذ قال أبو بکر: «لا أُکرههُ علی شیءٍ ما کانت فاطمة إلی جنبه»(1) وهذه نتیجة عظیمة حققتها الزهراء علیها السلام بهذه الوقفة.

و نراها تارة أخری تستخدم البکاء کوسیلة للإعلان عن الرفض، وهذا وإن کان فیه جنبة عاطفیة لکنه له دورٌ کبیر فی التأثیر فی النفوس وبعثها علی التساؤل عن سببه وخلفیاته، ونراها علیها السلام تلجأ إلی مرحلة اکثر خطورة وهی المواجهة فتقوم بإلقاء تلک الخطبة(2) التی هزت عروش الظالمین وأیقظت الضمائر النائمة وتوضح بتلک الخطبة الدینَ الحقیقی والتکلیف الصحیح والواجب اتخاذه تجاه المواقف الخاطئة والانحرافات السیاسیة عن الدین والتی حولت الخلافة من خلافة الله ورسوله إلی ملک عضوض.

و عند تَقطُّع السُبل بالزهراء علیها السلام - وهی المعصومة التی یُحتج بسیرتها - تقوم بإعلان البراءة من أعداء الله الذین اغضبوا الله بإغضابها ولا ترد السلام - الذی أوجب الله ردَّه علی المسلم الذی یلقیه - وتُعلن مقاطعتها لهم وعدم التحّدث معهم کما یقول ابن قتیبة:

إنَّ عمر قال لأبی بکر: انطلق بنا إلی فاطمة علیها السلام فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا جمیعا، فاستأذنا علیها فلم تأذن لهما، فأتیا علیاً علیه السلام فکلّماه فادخلهما علیها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلی الحائط، فسلّما علیها فلم ترد علیهما السلام.(3)

والنتیجة نری فی حیاة الزهراء علیها السلام مواقفاً سیاسیة نعرف من خلاها أنَّ دورالمرأة لیس مُغیباً.

ص:170


1- (1) المصدر.
2- (2) بحار الأنوار: 204/43.
3- (3) الإمامة والسیاسة: 20/1-21.

4. الشفاء «لیلی» بنت عبدالله القرشیة «کان عمر یُقدمها فی الرأی ویرعاها ویُفَضُّلها، وربما ولاّها شیئاً مِن أمر السوق»(1) لذلک قال ابن حزم الاندلسی: «و جائز أن تلی المرأةُ الحکم».(2)

5. المجاهدات الّلاتی وقفن مع علی أمیر المومنین علیه السلام وبعده ضد معاویة وشارکن فی بعض الأنشطة السیاسیة مثل زوجة عمرو بن الحمق الخزاعی وبنت رُشید الهَجَری وسودة بنت عمارة بنت الأشتر الهمدانیة ودارمیة الحجونیة وغیرهن.

دلیل عملی

أنَّ تجربة الجمهوریة الإسلامیة فی التعامل مع حقوق المرأة أوجدت أنموذجاً یُحتذی به فقد فتحت أبواب العمل للمرأة بما یناسبها کالتعلیم والتمریض والإداریات بل وبعض الامور الفنیة واثبت أنَّ المرأة مع حجابها تدخل مع الرجل فی حیاة العمل وتشارکه فی الرأی فی إدارة ذلک العمل.

و العمل السیاسی وحق الانتخاب والترشیح - لذلک الانتخاب - من أبرز تلک الحقوق التی منحتها الجمهوریة الإسلامیة للمرأة بینما نجد دولاً - الکویت مثلاً - لها سمعة طیبة فی مجال الحریة کانت الی وقت قریب تمنع المرأة من ذلک الحق.

أنّ هذه التجربة شجعت الکثیر من المسلمین علی إعادة النظر فی تعاملهم مع وجود المرأة بل وصیاغة قوانین جدیدة تعالج الأخطاء السابقة بحقها فکانت بحق تجربةً ناجحة حققت المطلوب و وازنت بین التجدید والشریعة.

ص:171


1- (1) الأعلام: 246/3.
2- (2) المحلّی: 525/9.

الشهادة

قال الله تعالی: (وَ استَشهِدُوا شَهِیدَینِ مِن رِجالِکُم فَإِن لَم یَکُونا رَجُلَینِ فَرَجُلٌ وَ امرَأَتانِ مِمَّن تَرضَونَ مِنَ الشُّهَداءِ أَن تَضِلَّ إِحداهُما فَتُذَکِّرَ إِحداهُمَا الأُخری)1 اعتاد البشر فی تعاملاتهم علی وجود الشاهد والبینة لإثبات حقوق کل الأطراف المتعاملة، وعلی هذه السیرة جاء القرآن بقوانینه ولکن مع تهذیب وتوجیه لما یناسب المجتمع المسلم فکانت مسألة شهادة المرأة فی قانون القرآن نصف شهادة الرجل! ولکن لنا أن نسأل هل شهادتها علی النصف دائماً؟ أو الموارد مختلفة! ثمّ إلیس فی هذا تنقیص لکرامة المرأة؟

للجواب عن هذه التساؤلات لابدَّ لنا من النظر فی الآیة فلسان الآیة یقول: «عند عدم وجود شهیدین من الرجال لکی یشهدون فرجلٌ وامرأتان بدل الرجل ولکن من الشهود المرضیِّن عندکم» وعند حصول نسیان من إحداهما - الضلال هنا بمعنی النسیان(1) ، تقوم الأخری فتذکرها، ومن خلال النظر بدقة فی الآیة یمکن ملاحظة مایلی:

1. إن الشهادة هنا جاءت فی القضایا المالیّة والتی تجری کلها أومعظمها فی السوق وخارج البیت وخارج إطار تواجد المرأة وممّا لا تخصص لها فیه.

2. إن القرآن أثبت حقاً للمرأة فی إبداء رأیها وقبول شهادتها فی قبال من یُنکر علیه هذا الحق وإنها غیر مؤهلة له.

3. إن التذکیر یتم من النساء یعنی أنَّ المرأة تُذَکِّر المرأة وکأنما تکون الشهادة فی الحقیقة شهادة امرأة واحدة، علی أن الضمیر فی (إِحداهُما) یمکن أن یعود علی البینتین ولیس علی المرأتین کما

ص:172


1- (2) تفسیر شبر: 84.

یقول الراوندی:

ویمکن أن یُقال فی (أَن تَضِلَّ إِحداهُما) إنّ المراد أن تنسی إحدی البینتین فتذَکَّرها شهادةُ الأخری فیکون الکلامُ عاماً فی الرجال والنساء وهذا صحیح؛ لأنّه لایجوز أن یُقیم شهادةً إلا ما یعلم ولا یُعول علی ما یجده بخطه فإنّ وجد خطه مکتوباً ولم یذکر الشهادة لم یَجُز له إقامتها، فإنّ لم یذکر هو ویشهد معه آخر ثقة، جاز له حینئذٍ إقامة الشهادة».(1)

ومن المعلوم أنّ مسألة الشهادة یلتقی إنتقادها مع انتقاد المیراث والطلاق وینتهی الأمر إلی القوامة والدرحة التی جعلها الله تعالی للرجال.

وخلاصة الأقوال فی هذه المسألة:

1. إما التسلیم بعمومیة النص والتعبد به حیث أنّ التاریخ والسنة الشریفة(2) یذکران أنّ الرسول صلی الله علیه و آله حکم بذلک وتبعه علی ذلک أمیرُ المومنین علیه السلام والسلف الصالح.

2. وإما التفصیل فی الشهادة باعتبار أنَّ الشهادة وظیفة وموضوع ذات خصوصیة فلابدَّ لمن له المعرفة والتخصص فی هذا المجال أن یَدلُو بِدَلوِه فإذا کانت القضیة:

أ) مالیة وماشاکلها فللمرأة أن تشهد مع أخری مثیلتها حتی تکتمل الشهادة وهذا من باب عدم تخصصها فی الأمور المالیة وقلة اطلاعها علیها.

ب) غیر مالیة فلها الحق فی الشهادة فی جمیع الأمور حتی فی الحدود والدماء والعقود المهمة کالنکاح وما شابهها علی ما هو المشهور عند الظاهریة(3) وابن تیمیة وابن القیّم(4) والذین یسنتدون إلی عموم الآیات المتعلقة

ص:173


1- (1) فقه القرآن: 402/1.
2- (2) الوسائل باب الشهادات.
3- (3) المُحَلّی: 395/9-403.
4- (4) إعلام الموقعین: 96/1 کما ینقل محمّد الباجوری فی کتابه المرأة فی الفکر الإسلامی: 56/2.

بالشهادة مثل قوله تعالی:(وَ أَشهِدُوا ذَوَی عَدلٍ مِنکُم وَ أَقِیمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ)1 وقوله تعالی:(وَ الَّذِینَ یَرمُونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم یَأتُوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ)2 فإن هذه الآیات وغیرها العامّة لم تحدد الشهود بأنهم ذکور، وأما آیة الدین، فإنها جاءت فی مورد الإرشاد للطریقة المثلی فی التوثیق والإثبات.(1)

استدلال منطقی

فی الآیة:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَینِکُم إِذا حَضَرَ أَحَدَکُمُ المَوتُ حِینَ الوَصِیَّةِ اثنانِ ذَوا عَدلٍ مِنکُم أَو آخَرانِ مِن غَیرِکُم)4 یوجد حثٌّ علی الإهتمام بالشهادة حتی إذا تطلب الأمر إشهاد غیر المسلم ومع کونه غیر مسلم فشهادته مقبولة(2) حیث أن کلمة (غَیرِکُم) تعنی فی التفاسیر غیر المسلم، فإذا کانت شهادة الکفار علی وصیة المسلم نافذة فبطریق أولی الأخذ بشهادة المسلم(3) ، حیث أن المسلم بعیدٌ عن مظان التهمة والرِیبة بعکس الکافر والحال ان القرآن یقول:(وَ المُؤمِنُونَ وَ المُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِیاءُ بَعضٍ)7 فتکون المسلمة حالها کحال المسلم فی الشهادة.

النتیجة

أنَّ الشهادة موضوع یعتمد علی الإختصاص فعن الصادق علیه السلام أنَّه قال:

«تجوز شهادة المرأة فی العذرة وکلِ عیبٍ لایراه الرجال»(4) وفی حدیث آخر نری

ص:174


1- (3) المرأة فی الفکر الإسلامی: 56/2.
2- (5) ولاتسمع شهادتهم إلا فی هذه القضیة عندنا؛ تفسیر شبر: 148.
3- (6) الجامع لإحکام القرآن: 349/6؛ التفسیر الکبیر: 115/12.
4- (8) الوسائل: 353/27، باب: 24، ح 9.

الإمام علیه السلام یُفصِّل ویقول:

«تجوز شهادة النساء وحدهنَّ علی مالا یستطیع الرجال النظر إلیه»(1) حیث یذکر جواز قبول المرأة وحدها وفی هذا انتصار لمقام المرأة ورفع شأنها.

إذاً یمکن لنا الخروج بهذه النتیجة

1. تقبل شهادة المرأة علی انفراد فی کل عیبٍ فیما لایراه الرجال کالعذرة وعیوب النساء والنفاس والحیض والاستحاضة والولادة والاستهلال والرضاع وتُقبل فیه شهادة امرأة واحدة

«إذا کانت مأمونة».(2)

2. ما تُقبل فیه شهادة النساء إذا انضمَمنَّ إلی الرجال مثل الدیون الأموال والنکاح.(3)

3. مالا تُقبل فیه إلا شهادة الرجال کالطلاق ورؤیة الأهلة والحدود، وإن کان هناک روایات تدل علی قبول شهادة المرأة فی القتل إذا أنضمت إلی الرجال؛ لأنّه إذا لم تُقبل شهادة المرأة قد یضیع دمُ المسلم وهذا ما جعله الإمام علی علیه السلام تعلیلاً لقبول شهادة المرأة فی القتل بقوله:

«لایبطل دم امرئ مسلم»(4)، ولهذا نجد أن السید الخوئی رحمه الله أفتی یثبوت القتل بشهادة النساء بقوله:

المراد بثبوت القتل بشهادتهنَّ ثبوته بالنسبة إلی الدیة وأما فی القَود فلا یثبت بشهادة النساء.(5)

ص:175


1- (1) المصدر: 4.
2- (2) الوسائل: 267/29، باب 29، ح 2.
3- (3) مبانی تکملة منهاج الصالحین: 126/1.
4- (4) الوسائل: 350/27 باب 24 ح 1.
5- (5) مبانی تکملة منهاج: 126/1.

ص:176

ملحقات: 1. تجارب عملیة حدیثة 2. وقَفات

اشارة

ص:177

ص:178

تجارب عملیة حدیثة

اشارة

وبعد هذه المباحث لابدَّ لنا من ذکر مصادیق حدیثة من تاریخنا المعاصر لنساء برزت واشتهرت وکان لها دورٌ ریادی وسبّاق فی مجالات عدیدة ونحن اخترنا اثنتین من اللواتی عشن مع القرآن فالأولی مفسرة بل الوحیدة التی فسرت القرآن تفسیراً کاملاً بعد أن درسته ودرَّسته، والثانیة أبدعت فی تطبیقه فی الحیاة کمنهج أخلاقی واجتماعی وذالک بصیاغة إرشاداته وتوجیهاته علی شکل قصص أدبیة، وهاتان السّیدتان هما:

1- فقیهة أصفهان السیدة نصرة أمین

اشارة

السیدة نصرة أمین وُلدت وعاشت وتُوفیت فی أصفهان، هذه العلویة المنحدرة من سلالة آل البیت علیهم السلام وُلدت سنة 1305 ق/ 1886 م، وتُوفیت فی بدایة سنة 1402 ق/ 1983 م، وهذه ال - 97 عاماً التی عاشتها قضت منها خمس سنوات فی عهد الجمهوریة الإسلامیة.

نشأت تلک السیدة فی وسط عائلة متدینة فوالدها هو الحاج السید محمّد علی أمین التجار الأصفهانی، وقد کان رجلاً مؤمناً معروفاً بالتدین والصلاح، رُزق من زوجته ثلاثة أولاد ذکور ثمّ أطلت تلک البنت التی اسموها نصرة وعلی عادة

ص:179

الأُسر المتدینة دفعت ابنتها لتعلم القرآن الکریم وبدأت فی عالم القرآن بما یحوی من علوم القرآءة والحفظ والتفسیر وما إلی ذلک، وبعد حصولها علی مرتبة متقدمة فی علوم القرآن بدأت بالتدریس والأعمال الخیریة والمشاریع الإجتماعیة وخاصة ما یتعلق بالنشاطات النسویة واستفادت من البحبوحة المالیة التی تعیشها عائلتها فی خدمة طریقها ولم یُعرقلها موتُ سبعةٍ من أولادها الثمانیة بل توجهت تلک السیدة صاحبة النفس الکبیرة لتحصیل العلوم وثابرت علی ذالک بشکلٍ مُثیر حیث جمعت بین أداء واجبات الزوجیة ورعایة أُمور الأُسرة والبیت، وبین تحصیل العلوم الدینیة، فتلقت دروساً فی الصرف والنحو والبلاغة والتفسیر وعلم الحدیث الفقه والأصول والعرفان والفلسفة.(1)

ومن المدهش أنها بعد تعلمها اللغة العربیة استطاعت أن تُؤلف بعض کتبها بالعربیة وبلغت الذروة فی المستوی العلمی فی العقد الرابع من عمرها فنالت درجة الإجتهاد بعد أن طرقت أبواباً فقهیة فکتبت بحوثاً شهدت لها بالقدرة علی الاستنباط فحصلت علی إجازات بالإجتهاد والروایة من کبار علماء زمانها أمثال السید محمّد کاظم الشیرازی إضافةً إلی مؤسس الحوزة العلمیة فی قم المقدسة الشیخ عبد الکریم الحائری وکذلک المرجع الدینی آیة الله السید المرعشی النجفی والسید إبراهیم الحسینی الشیرازی وآیة الله محمّد رضا النجفی الأصفهانی.(2)

اعتاد کبار العلماء علی ذکر عبارات تُشید بشخصیة ومقام وعلم المجاز له والمشهود له بالإجتهاد وأما نصرة أمین فقد تمیزت عن المألوف بإشادة خاصة، حیث ذکر الشیخ إبراهیم الإصطهباناتی لمحة طریفة فی إجازته لها حیث خاطبها بقول الشاعر:

فلو کنَّ النساءکمثل هذه لفضلت النساءُ علی الرجال

فلا التأنیث لاسم الشمس عارٌ ولا التذکیر فخرٌ للهلال

ص:180


1- (1) أعلام النساء المؤمنات: 233-248.
2- (2) مجلة قضایا إسلامیة: 412 نقلاً عن الکتاب التذکاری: ص 15-24.
طریفةٌ فی الصغر

فی سن السادسة أو السابعة عندما کانت نصرة فی الکتاتیب قامت المعلمة بإخبار والدة نصرة إن ابنتها لا تستوعب الدروس ولا فائدة من بذل الجهود معها، لذلک نصحتها بأن لا تأتی بها إلی المدرسة، ولکن الأم لم تستسلم بل وجدت من مثابرة ابنتها علی الدرس فرصةً لکی تجعلها تستمر فی الدراسة وهذا ما کان.(1)

طفولة متمیزة

تتحدث نصرة أمین عن طفولتها فتقول:

ولازالتُ أذکرُ أننی حینما کنتُ طفلة لم أکن آلف ما یألفه الأطفال فی عمری من الإنصراف إلی اللعب وهدر الوقت فی اللهو بل کنتُ أشتاق إلی الإنفراد بنفسی کی استطیع التفکیر بصورة أفضل، وکنتُ أمیل إلی التوحید وکنتُ أحسُ أن الألطاف الإلهیة محیطةٌ بی، وفی أوقات تحصیل العلم کنتُ أحسُ أحیاناً بنفحات نوریة وتختم بقولها:(هذا مِن فَضلِ رَبِّی) .(2)

السیدة أمین والتفسیر

برزت محاولاتٌ فی التفسیر من قِبل نساء بارعات مثل بنت محمّد باقر نواب (ت: 1317 ق) التی ترکت أثراً قرآنیاً بأربعة مجلدات وعائشة عبدالرحمن (ت: 1999 م)، والشهیدة بنت الهدی (استشهدت: 1980 م)، وزهراء رهنمود التی قدمت عدداً من الدراسات القرآنیة(3) ، ولکن لم یشتهر أن امرأة کتبت تفسیراً کاملاً للقرآن الکریم غیر السیدة نصرة أمین.

ص:181


1- (1) المصدر.
2- (2) النمل: 40.
3- (3) للاطلاع یُنظر: أعلام النساء المؤمنات وطبقات مفسران شیعة للمؤلف عقیقی بخشایشی: 97/5-116.
ملامح تفسیر (مخزن العرفان)

1. یقع هذا التفسیر فی 15 مجلداً.

2. یتصف بأنَّه علی منهج التفسیر الترتیبی وإن قامت السیدة بتفسیر الجزءالثلاثین بعد الجزء الأوّل والثانی ولکنها عادت إلی الترتیب.

3. یتمحور هذا التفسیر علی ثلاث محاور هی الحکمة والعرفان من جهة والأخلاق من جهة أخری وأخیراً حول الحدیث الشریف.

من أقوالها

إنَّ القرآن هو دواء لأمراض البشر ما ظهرمنها وما بطن وهو برنامج عمل لحیاتهم.(1)

إنی لم أحصل علی أغلب المعارف المعنویة عن طریق الأستاذ وإنما حصلت علیها بتوفیق وإرشاد إلهیین.(2)

لایمکن أبداً القول أنَّ جمیع الرجال أفضل بشکل عام من النساء، إنَّ بمقدور بعض النساء ممارسة الحکم والقضاء بعد استیفاء المقدمات والتوفرعلی المؤهلات الضروریة.(3)

2- الشهیدة بنت الهدی

اشارة

فی وسط علمی عریق وعائلة کریمة الأصل تنتسب إلی أطهر نسب وهو نسل رسول الإسلام محمّد صلی الله علیه و آله وُلدت آمنة حیدر ونشأت فی جو القرآن وما یتصل به من فقه وآداب إضافة إلی وجود الإهتمام الخاص والإحاطة من قِبل شخصیة هو من أعظم عباقرة الزمان وهو أخوها المرجع المفکر السید محمّد باقر الصدر.

ص:182


1- (1) تفسیر مخزن العرفان: 5/1.
2- (2) الکتاب التذکاری: 26-27.
3- (3) المصدر.

ولدت فی مدینة الکاظمیة سنة 1357 ق - 1937 م، أبوها السید حیدر الصدر الموسوی وأمها هی أخت المرجع آیة الله الشیخ محمّد رضا آل یاسین.

کانت بنت الهدی مصداقاً للمؤمنة التی ذکرها القرآن التی تُؤثر فی محیطها ولا تتأثر بسلبیاته بل تنبری لعلاجها بما تستقیه من القرآن ومن فکرها الناضج وروحها الکبیرة فتُعاشر نظیراتها بما تجذبهنَّ إلیها فتکون مرکزاً وقطباً لدائرة وحلقة مرکزیة تنشأ منها عدةُ حلقات، فلم تکن تراها امرأة وتسمع کلامها إلا واعجبت بها وأصبحت من مریداتها وبذلک تخرج علی یدها ثُلةٌ من رائدات العمل الإسلامی قامت کلٌ منهنَّ بمثل الدور وبذلک بَنَت قاعدة نسائیة أدت إلی تأسیس مفاهیم لفکرٍ جدید فی زمانه یُعطی الصورة الجدیدة للمرأة المسلمة ویُطبقها علی الواقع مع وجود الکثیر من المحظورات والسلبیات، فلقدکانت بنت الهدی أستاذة الحلقات الدراسیة القرآنیة السیارة (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرفَعَ) ومن خلال تلک الحلقات کانت تبثُ أفکارها ومتبنیاتها، هذا علی مستوی حرکتها الإجتماعیة فی مجتمعها، وأما علی مستوی الخطاب مع مجتمعات العالم فقد برعت فی صیاغة عدة روایات وقصص قصیرة ومقالات مزجت فیها بین الأدب والأخلاق إضافة إلی مخاطب المرأة وإیجاد روح المسؤولیة عندها حتی تتوجه إلی دورها المهم فی حیاة الأمّة.

القصة الإسلامیة

من الأعمال العظیمة التی فعلتها بنت الهدی هی کتابتها القصة آخذةً بنظر الاعتبار أولویة الهدف وثانویة الجانب الفنی مخالفةً فی ذلک الأدباء العراقیین حیث یُعِیرُون أهمیّة کبری للجانب الفنی ویُفضلونه علی الهدف فقد کتبت فی مقدمة روایة الفضیلة تنتصر تقول:

علی أن ما قُمتُ به لایعدو عن کونه محاولةً بنَّاءة لفتح الطریق وتعبیده بُغیةَ السیر فی إحیاء جهاز إعلامی صامت من أجهزة الإعلام التی تُواکب سیرنا ونحن فی بدایة الطریق.

ص:183

وعلیه قامت بمزج عبارتها بالآیات القرآنیة المناسبة لکل مقال ورکزت علی زرع الثقافة الإسلامیة بترجمة نصائح وحِکم القرآن إلی واقع عملی، حیث یجد القارئ فی الأسلوب الأدبی لقصصها طرحاً لإفکار وحلول للمشاکل الروحیة والأخلاقیة بل وحتی عقائدیة کما تُصرح هی رحمه الله بقولها:

إنَّ تجسید المفاهیم لوجهة النظر الإسلامیة فی الحیاة هو الهدف من هذه القصص الصغیرة.(1)

بنت الهدی والعمل

إنَّ بنت الهدی عندما إنشغلت فی الجانب الأدبی والتبلیغی لم تبتعد عن ساحة العمل الإداری والتعلیمی، ففی عام 1958 م تشکَّلت جمعیة الصندوق الخیری الإسلامی وهی أکبر المؤسسات الجهادیة التی کانت آنذاک فی العراق وهذه المؤسسة تبَنَّت أهداف الإسلام الحنیف فی کافة لجانها التعلیمیة والثقافیة والإجتماعیة وحتی الطبیة فی معظم محافظات العراق، ومن أعمال هذه المؤسسة مدارس الزهراء علیها السلام التی أصبحت بنت الهدی المشرفة علیها فی النجف والکاظمیة فی عام 1967 م، فکانت تُقسم أیام الأُسبوع بینهما إضافةً إلی المحاضرات واللِقاءات مع طالبات الجامعة وذلک بعد انتهاء الدوام الرسمی.

من أقوالها

خاطبت بنت الهدی المرأة المسلمة فی کتاباتها ورکَّزت علی بناء شخصیتها فعندما صدرت مجلة الأضواء الإسلامیة التی کانت تُصدرها جماعة العُلماء فی النجف فقد سارعت إلی نیل قصب السبق فشرعت فی کتاباتها؛ کتبت فیها تحثُّ علی تقویة شخصیة المرأة:

لکی یکون للمرأة المسلمة نصیبها من الدعوة إلی مبدئها ونظامها الخالد

ص:184


1- (1) إعلام النساء المؤمنات: 79.

ولکی تکون قادرة علی صدِ هجمات المُغرضین وردِّ دعایات المرجفین لا لِتتلاعب بها الریحُ مُصّفّرة ًأو ُمحمَّرة شرقیة کانت أوغربیة.(1)

وکتبت:

کونی مثلاً یُقتدی به ولاتکونی العوبة تقتدی، کونی متبوعة لا تابعة، قاومی الإغراءات، اصمدی أمام کل شیء، فإنی َلأعلمُ أن العقبات أمامک کثار، وأنَّ دربَک لا یخلو من شوکٍ وعثار، ولکن النکوص عار والتراجع شنار، فالموت أولی من رکوب العار والعار أولی من دخول النار.(2)

وفی نفس العدد کتبت حول الحجاب: «وکم من اللواتی مشینَ وراء النفیر الأجنبی ونزعنَ حجابهنَّ فی غفلة وغرور، أخذنَ یتراجعنَ وبدأنَ یستفِقنَ من کابوس المفاهیم الخاطئة التی أملاها علینا الاستعمار الغاشم، بعد أن أراد أن یستعمرنا فی کلِ شیء حتی فی أعز وأطهر ما عندنا وهو المرأة.

بنت الهدی والشعر

لم تکن الشهیدة بنت الهدی شاعرة محترفة أو مُکثرة ولم تکتب الشعر عن هوایة بل وجدت نقصاً ثقافیاً سائداً فی ذلک الوقت وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال کتابة الشعر الهادف، فأخذت علی عاتقها کتابة مقاطع شعریة ولیست قصائد تُعبر من خلالها عن ما یهیج فی خاطرها، وعن ما تعانیه المرأة المسلمة من انحطاط فی مستواها الثقافی الدینی وقد أورد محمّد الحسون فی کتابه أعلام النساء المؤمنات معظم أشعارها، فهی تخاطب الرسول صلی الله علیه و آله فی أحد أشعارها وتذکر ما حققه الإسلام للمرأة فتقول:

یارسول الله إنا فیک قد نلنا السعادة

وعلی نهجک قد حققت البنتُ السعادة

ص:185


1- (1) العدد الأوّل، للسنة الأوّلی، ذی الحجة «1379 ق»، الموافق حزیران: 1960 م.
2- (2) العدد 7، السنة الثانیة.

بعدما کانت ککابوس وکان الوأد عادة

جئت کی تعطی حق البنت بین المسلمین

إی وربی

فجعلت البنت کالقرة للعین وأحلی

وجعلت الأم للجنة کالجسر وأعلی

ولقد حققت للزوجة قانوناً وعدلا

ظهر الحق إلی المرأة کالصبح المبین

إی وربی

جهادها

لم تکتفِ بنت الهدی بإن تجاهد بلسانها وکتاباتها بل عاشت مع الحرکة الإسلامیة التی نظّمها وسیّرها أخوها السید الصدر، وما مشاریعها الإجتماعیة إلا جزءاً من الحرکة، وفی عام 1979 م الذی شهد تحرکاً سیاسیاً فی العراق، جاءت مجموعة من الوفود تجدد البیعة للسید الصدر فخافت الحکومة فاقدمت علی اعتقاله فی 19 رجب، وهنا بدأ دور بنت الهدی حیث خرجت من دارها وذهبت إلی مرقد أمیر المؤمنین علیه السلام ونادت بأعلی صوتها: «الله أکبر» ثلاث مرات، «الظلیمة» مرتین، «أیها الناس هذا مرجعکم قد أعتقل» فعَلِم الناس وتوسعت المظاهرات فسارعت الحکومة إلی إطلاق سراحه، وعند انتشار الخبر خرجت مظاهرات فی معظم مُدن العراق وخاصة الجنوب کما خرجت مظاهرات فی بعض البلاد الإسلامیة مثل لبنان والبحرین وإیران....

لکن الحکومة أدرکت خطورة الموقف فاستخدمت طریقة أخری وذلک بفرض الإقامة الجبریة وبعد فترة قامت باعتقال السید الصدر وأخته وبعد أیام کانت الشهادة فی 19 /جمادی الأولی/ 1400 ه ق المصادف 1980/4/5 م.

ص:186

وقَفات

الوقفة الأولی: مع الشیخ شمس الدین

إنَّ الخوف من البحث والتعمق فی مسألة الدماء والفروج وأن الشارع یحتاط فیهما ما لا یحتاط فی غیرهما، أوجد هالةً وحجاباً حاجزاً عن التطرق فی أدلة الحدود الأحکام المتعلقة بهما حتی جعل البعضُ البحثَ فیهما من المسائل الحرجة وأنَّ المناقشة فی مشهور أحکامهما من الأمور غیر الصحیحة إن لم نقل المحظورة، کل ذلک أدی إلی تحجیم من یتعرض إلی منهج البحث العلمی الموضوعی فیهما، علی أنَّ تاریخنا وتاریخنا الفقهی خاصةً زاخرٌ بل یکاد یطفح بالشواهد والأحداث التی تصور لنا مدی التعنت فی الآراء حتی وصلت الحالة إلی سد باب الإجتهاد وتکفیر مَن یجرؤُ علی المخالفة علماً أنَّ بعضهم قد خالف اقواله هو نفسه بعد أن سافر إلی مجتمعٍ آخر، حیث ینقل التاریخ أنَّ الشافعی إمام المذهب المعروف کان له رأیان «القدیم والجدید» فعندما سافر إلی مصر واستقر فیها کتب مذهبه الجدید لأنّه غیّر المکان ضمن نفس المرحلة التاریخیة.

وأما المذهب الإمامی فلم ینسد باب الإجتهاد فیه وإن تعرض إلی مرحلة من الجمود کما حصل بعد الشیخ الطوسی رحمه الله إلی زمان العلامة الحلی رحمه الله

ص:187

ولکن استمرت حرکة الإجتهاد عند الشیعة.

برز من المفکرین وأصحاب القلم فی وقتنا الحالی جماعة من بینهم الإمام الشیخ محمّد مهدی شمس الدین رحمه الله رئیس المجلس الشیعی الأعلی فی لبنان والذی کتب عدةَ کتبٍ منها سلسلة مسائل حرجة فی فقه المرأة(1) وسوف نقف معه فی هذه السلسلة فنقول:

إن عنوان السلسلة هو مسائل حرجة فی فقه المرأة وکلمة حرجة فیها نوع من الغرابة للباحث، فأیُ حرج هو المقصود؟

إنّ کلمة «حرجة» تُشیر إلی عدة احتمالات منها:

إنّ هناک تحرجاً فی البحث فی هذه المواضیع وهذا التحرج ناشیء من الأعراف السائدة والبعیدة عن الدین والتی اصبحت بعضها شرعاً یُتعبد به لله بل إنّ بعضها آلهةٌ تُعبد من دون الله؛ لأنّ هذه العادات والتقالید:

تکوّن الخلفیة التی یفکرون علی أساسها، سواء کانوا متدینین أم لا، باعتبار أن هذه العادات والتقالید تمثل هویتهم الإجتماعیة، من هنا فإن أی تغییر یَطال هذه العادات یُفهم بصفته عدواناً علی تلک الهویة.(2)

وهناک احتمال آخر فی کون الحرج ناشئاً من الخوف من مخالفة المشهور عند الفقهاء، هذا المشهور الذی یفتقد إلی الدلیل والذی أصبح أکثره عبئاً علی المتأخرین، ولذلک نری بعض الأعاظم کالسید الخوئی رحمه الله یقف فی بحوثه موقف الند ویردُّ علیه...، وبما أن شیخنا المؤلف أحد طلبة السید فقد استقی من هذا النبع فبرع فی بحثه فکان استدلاله قویاً فوصل إلی نتائج تعتبر جریئة فی مجالها کما ذکرنا(3) ، ولهذا استغربنا من کلمة «حرجة» فکان الأفضل ان یحذف کلمة حرجة من عنوان السلسة

ص:188


1- (1) قامت المؤسسة الدولیة للدراسات والنشر فی بیروت بطبع تلک السلسلة والتی لدینا منها الکتاب الأوّل بعنوان: الستر والنظر والکتاب الثانی: أهلیة المرأة لتولّی السلطة.
2- (2) فضل الله، دنیا المرأة: 30.
3- (3) فی الفصل السادس: المبحث الخامس.

حیث أنَّ الشیخ استدلَّ استدلالاً مُقنعاً یعتمد علی الکتاب والسنة والتحلیل المنطقی لامجالَ معه للتحرج والخوف والمسائل التی طرحها حول المرأة مسائلٌ مهمة ومفیدة لاحرج منها ولا فیها، ویمکن الإعتماد علی العموم الموجود فی قوله تعالی:(وَ ما جَعَلَ عَلَیکُم فِی الدِّینِ مِن حَرَجٍ)1 حیث أنَّ الحرج منفی فی الدین الإسلامی.

الوقفة الثانیة: مع محمّد شحرور

الکتاب والقرآن قراءة معاصرة للدکتور المهندس محمّد شحرور کتاب مثیر، أثار ردود أفعال متعارضة بین مُعجب بروعته ومتعجب منه، حتی سمّی أحدُهم کتابه النقدی بیضة الدیک، لأنّه یری المؤلف لم یقل صواباً فی کل ما کتب إلَّا فی عبارة واحدة فقط، وهی العبارة الأولی من الکتاب «فلما تخطّاها لم یهتد إلی صواب بعدها قط!!».(1)

وقد تصدی العدید من الأساتذة والباحثین لنقد هذا الکتاب فی دمشق وبیروت والقاهرة وایران:

1. محمّد سعید رمضان البوطی، فی مجلة نهج الإسلام تحت عنوان الخلفیة الیهودیة لشعار قراءة معاصرة.

2. نصر حامد ابو زید فی مجلة الهلال، تحت عنوان: «لماذا طغت التلفیقیة علی کثیر من مشروعات تجدید الإسلام».

3. یوسف الصیداوی فی کتابه بیضة الدیک نقد لغوی لکتاب الکتاب والقرآن.

4. صائب عبد الحمید فی مقالة الإسلام والقرآن فی تصوّرات معاصرة تفسیر محمّد شحرور نموذجاً فی مجلة قضایا إسلامیة.(2)

ص:189


1- (2) مجلة التوحید عدد 104، السنة التاسعة عشرة: 1421 ق/ 2000 م، ص 32.
2- (3) مجلة قضایا إسلامیة العدد السابع: 1420 ق/ 1999 م.

نقد الکتاب

قام هذا المؤلف بجهد کبیر بتألیفه هذا الکتاب ولکن الحقیقة هو جهدٌ کبیر ولکن أکثره غیرُ مفید بل مضر؛ لأنّه کتبه وهو یختزن الکثیر من الافکار الخاصة به والتی اکتسبها من الفکر المتحلل الموجود فی غیر الأوساط الإسلامیة بل وحتی الأوساط اللادینیة فقد عاش شطراً من حیاته فی روسیا.(1)

ونراه یأخذ علی الکاتب الإسلامی أن یُفکر بعقلیة إسلامیة، ولهذا نری البوطی فی مقالته یحمل علیه بشدة:

فقد شنّ هجوماً علی الکتاب معمّماً وموجزاً، مدیناً ومتّهماً بالتوجیل والکذب والعبث المخزی والتماشی مع التعلیمات الخفیة لحکماء صهیون، رائیاً أنّ البُغیة لأصحاب القراءات المعاصرة ان ینفصلوا عن الإسلام ویفصلوا المسلمین عنه.(2)

ما قاله فی المرأة

تدخّل محمّد شحرور فی الافتاء بغیر علم وأخذ یفسر القرآن حسب ما یحلو له حیث نراه یبحث فی قضیة المرأة وآیة الخُمر والجیوب فی سورة النور التی یُفتی فیها المؤلف بجواز بروز المرأة للرجال عاریة ولا یستثنی من ذلک الاّ خمسة أشیاء حصراً هی:

ما بین الثدیین، وتحت الثدیین، وتحت الأبطین والفرج، والإلیتان» وذلک بتفسیره للجیب فی قوله تعالی:(وَ لیَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ)3 باعتبار أن الجیوب فی المرأة لها طبقتان أو طبقتان مع خرق.(3)

ص:190


1- (1) مقدمة الکتاب والقرآن.
2- (2) مجلة التوحید عدد: 37/104.
3- (4) الکتاب والقرآن: 607.

یقول شحرور فی لقاء مع جریدة النهار:

إنّ القوامة لیست شرعیة بل واقع موضوعی والقِوامة لیست بین الزوج و الزوجة فقط بل بین کلّ الناس والدلیل علی ذلک أنّ القوامة یمکن ان تُمنح للمرأة فتکون قوّامة علی الرجل کأن تکون صاحبة مصنع یدیره رجل فهی بالتالی قوّامة علیه.(1)

والجواب علی هذا الکلام أنّ تحدید المصطلحات القرآنیة یجب الرجوع فیها للقرآن وأهله ومصطلح «القوامة» من المباحث القرآنیة التی قام المفسرون باشباعها والبحث والمناقشة وأثبتوا کما ذکرنا(2) أنّ مجال القوامیة هو الزوجیة فقط ولا تتعدی حیث أن القرآن حددها فی قوله تعالی:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ وَ بِما أَنفَقُوا) فی موردین التفضیل والإنفاق.

فتکون القوامة اصطلاحاً قرآنیاً شرعیاً مُقَیداً فی هذین المجالین ولا یتعدی، واما ما یقوله شحرور من القوامة فهو من باب التسمیة.

ص:191


1- (1) جریدة النهار اللبنانیة الجمعة 7، حزیران: 2002.
2- (2) الفصل الثالث المبحث الثانی.

ص:192

الخاتِمة

بعد هذا البحث نکون قد حصلنا علی نتائج مفیدة یمکن بواسطتها فهم الکثیر ممّا خفی عنّا ونکون قد أدرکنا حقائق قرآنیة فیما یخُص المرأة وحقوقها ونفهم أنّ القرآن لم یجعلها فی الحقوق والواجبات بمعزلِ عن الرجل ولکنَّ الذی لابدَّ أن یُقال هو أن القرآن إمتاز بخصوصیتین هما:

1. أنه جاء بثقافة جدیدة وأسلوب خاص یُعالج المشاکل فی زمانه والأزمنة القادمة ویستأصل الموروث الفاسد من الأزمنة السالفة من النفوس والعقول، ومن أعظم المشاکل والموروثات ما یتعلق بالمرأة.

2. إنّ أسلوب القرآن إسلوب تدریجی ویراعی الجانب الزمنی وتطوره فلذلک عندما طرح القوانین - وخاصة ما یخص المرأة - ترک الباب مفتوحاً أمام الناس والزمان لکی یتعاملوا معه بما عندهم کمسألة المعروف الذی یجب أن یعامل الرجلُ المرأة علی أساسه فی (وَ عاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ) أو (وَ لَهُنَّ مِثلُ الَّذِی عَلَیهِنَّ بِالمَعرُوفِ)1 وکذلک فی مسألة أَشکال الحجاب وغیره....

ص:193

وفی الختام نقول إنّ الخطاب القرآنی هوأفضل خطاب للبشریة وأنّ الشریعة الإسلامیة السمحاء هی المناسبة للدین والدنیا (إِنَّ الدِّینَ عِندَ اللّهِ الإِسلامُ)1 ؛ لأنّه یضمن للإنسان حقوقه مهما کانت.

ونختم هذا الکتاب بالحمد والشکر لله علی نعمه وبالشکر لکل مَن ساهم وأرشد من الأساتذة والاخوة والحمد لله ربِّ العالمین والصلاة والسلام علی محمّد وآله الطاهرین.

ص:194

المصادر

المصادر العربیة

1. القرآن الکریم.

2. ابن الأثیر، عز الدین، اسد الغابه فی معرفة الصحابة، الطبعة الأولی، دار إحیاء الترات العربی، بیروت 1417 ق، 1996 م.

3. ابن حزم، ابن حزم الأُندلسی، المحلی، تحقیق أحمد محمّد شاکر، الناشر دار الفکر، بیروت.

4. ابن قتیبة، عبدالله بن مسلم الدینوری، الإمامة والسیاسیة «تاریخ الخلفاء»، الطبعة الأولی 1413 ق، نشر مؤسسة الحلبی وشرکائه، القاهرة، تحقیق د. طه محمّد الزینی.

5. ابن منظور، لسان العرب، الطبعة الأولی، 1988 م، دار احیاء التراث العربی، بیروت.

6. أبو زید، نصر حامد، دوائر الخوف «قراءة فی خطاب المرأة»، الطبعة، 2000 م، بیروت، لبنان.

7. أحمد، أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، دار الفکر، بیروت لبنان.

8. الآصفی، محمّد مهدی، فی رحاب القرآن، الکتاب، 9، طبعة الأولی 1424 ق، مطبعة یاران، نشر المشرق للثقافة والنشر، طهران.

9. الأمینی، إبراهیم، دروس من الثقافة الإسلامیة، الطبعة الأولی 1413 ق، مطبعة الصدر، نشر أنصاریان، تعریب، جعفر الهادی.

ص:195

10. الباجوری، جمال محمّد فقی رسول، المرأة فی الفکر الإسلامی، مطبعة الأمانة العامة للثقافة والشباب لکردستان العراق.

11. البخاری، محمّد بن إسماعیل، صحیح البخاری، طبع ونشر دار الفکر، بیروت لبنان، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستنبول 1401 ق.

12. التبریزی، المیرزا جواد، صراط النجاة، الطبعة الأولی 1416، مطبعة سلمان الفارسی، نشر دفتر برگزیده.

13. الترمذی، محمّد بن عیسی، صحیح الترمذی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

14. التوراة، دار الثقافة، القاهرة، 1999 م.

15. الجوزیة، ابن قیّم، الأمثال فی القرآن، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

16. الحائری، کاظم، القضاء فی الفقة الإسلامی، الطبعة الأولی، 1415 ق، مطبعة باقری، قم الناشر مجمع الفکر الإسلامی، قم.

17. الحر العاملی، محمّد بن الحسن، وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، الطبعة الأولی، 1412 ق، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، مهر، قم.

18. الحکیم، محمّد باقر، علوم القرآن، الطبعة الرابعة 1419 ق، نشر مجمع الفکرالإسلامی، باقری، قم.

19. الخوئی، ابو القاسم، البیان فی تفسیر القرآن، مطبعة صدر 1416 ق، نشر امید، توزیع دار الثقلین.

20. الخوئی، أبو القاسم، کتاب النکاح، الطبعة الأولی، نشر دارا لهادی، قم المطبعة العلمیة، 1407 ق.

21. الخوئی، ابو القاسم، مبانی تکمله المنهاج، الطبعة الثانیة 1396 ق، المطبعة العلمیة، قم المقدسة.

22. الخوئی، أبو القاسم، منهاج الصالحین، الطبعة العشرون، دار الزهراء، بیروت.

23. الرازی، أبو بکر محمّد، غرائب آی التنزیل، الطبعة الأولی، 1381 ق، مصر.

24. الراغب، الراغب الأصفهانی، مفردات غریب القرآن، دار الکتاب العربی، طبع إسماعیلیان، إیران، قم.

25. الرحمانی الهمدانی، أحمد، فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی، الطبعة الأولی 1410 ق. الناشر مؤسسة البدر للتحقیق والنشر.

26. الرواندی، قطب الدین، فقه القرآن، الطبعة الثانیة 1405 ق، مطبعة الولایة، قم

ص:196

نشر مکتبه المرعشی النجفی.

27. الزرکلی، خیر الدین، الأعلام، قاموس تراجم، الطبعة الخامسة، آیار، 1980 دار العلم للملایین، بیروت.

28. الزین، عاطف سمیح، الأمثال والمثل والتمثیل والمثلات فی القرآن الکریم، الطبعة الأولی، دار الکتاب اللبنانی، 1407 ق، 1987 م.

29. السبحانی، جعفر، بحوث فی الملل والنحل، الطبعة الثالثة، 1415 ق، مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم.

30. السبزواری، عبدالأعلی، مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن، الطبعة الثالثة 1418 ق، مطبعة یاران، قم.

31. السید الخمینی، تحریر الوسیلة، الطبعة الثانیة 1390 ق، مطبعة الآداب النجف الأشرف.

32. سید قطب، تفسیر فی ظلال القرآن المجید، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، لبنان.

33. السیوطی، جلال الدین، تفسیر الدر المنثور، الطبعة الأولی، دار إحیاء الکتب العربیة.

34. شبر، عبد الله، تفسیر شبر، الطبعة الثانیة، مطبوعات النجاح بالقاهرة.

35. شحرور، محمّد، الکتاب والقرآن «قراءة معاصرة»، دمشق، سوریا.

36. الشعروی، محمّد متولی، معجزة القرآن، الطبعة الأولی، 1978 م القاهرة، المختار الإسلامی للطباعة والنشر.

37. شمس الدین، محمّد مهدی، مسائل حرجة فی فقه المرأة، الکتاب الأوّل، الستر والنظر، الطبعة الأولی، نیسان 1995 م، المؤسسة الدولیة للدراسات والنشر، بیروت.

38. شمس الدین، محمّد مهدی، مسائل حرجه فی فقه المرأة، الکتاب الثانی، أهلیه المرأة لتولی السلطه، تموز 1997 م، المؤسسة الدولیة للدراسات والنشر، بیروت.

39. الشهید الثانی، زین الدین الجبعی العاملی، مسالک الافهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، الطبعة الأولی، 1413 ق، مطبعة پاسدار إسلام، نشر مؤسسة المعارف الإسلامیة.

40. الشوکانی، محمّد بن علی، نیل الأوطار من أحادیث سید الأخیار، طباعة سنة 1973 م، دار الجبل، بیروت، لبنان.

41. الشیخ الطریحی، مجمع البحرین، علوم اللغة العربیة، السید أحمد الحسینی، الثانیة، 1408 ق/ 1367 ش، مکتب النشر الثقافة الإسلامیة، أعاد بناءه علی الحرف الأوّل من الکلمة وما بعده علی طریقة المعاجم العصریة: محمود عادل.

42. الصالح، صبحی، مباحث فی علوم القرآن، الطبعة الخامسة، 1372 ق، منشورات

ص:197

الشریف الرضی، قم.

43. الصدر، محمّد باقر، الإسلام یقود الحیاة، طبع مؤسسة البلاغ، قم.

44. الصدوق، محمّد بن علی القمی، من لایحضره الفقیه، تصحیح علی أکبر الغفاری الطبعة الثانیة، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة، قم.

45. الصغیر، محمّد حسین علی، دراسات قرآنیة، الطبعة الثانیة، 1412 ق مرکز النشر مکتب الإعلام الإسلامی.

46. الطباطبائی، محمّد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، الطبعة الأولی، 1417 ق. 1996 م، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت.

47. الطبرسی، أبو علی الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، طبع دار المعرفة، بیروت، انتشارات ناصرخسرو، مطبعة آرمان، 1365 ش، طهران.

48. العاملی، معین دقیق، دروس فی البلاغة، الطبعة الأولی، 1416 ق، مطبعة أمیر، نشر المرکز العالمی للعلوم الإسلامیة، قم.

49. عثمان محمّد، عبد الزهراء، آیة التطهیر، دراسة فی المدالیل والأهداف، الطبعة الأولی مطبعة شرف، 1414 ق، طهران.

50. العسکری، مرتضی، معالم المدرسین، ثلاث مجلدات، الطبعة الأولی 1413 ق/ 1993 م، مطبعة الکلینی، نشر المجمع العلمی الإسلامی.

51. العقاد، عباس محمود، المرأة فی القرآن، 1977 م، دار نهضة مصر، الفجالة، القاهرة.

52. الغفاری، عبد الرسول عبد الحسن، المرأة المعاصرة، الطبعة الرابعة، مهر 1405 ق.

53. فخر المحققین، ابن العلامة، أیضاح الفوائد، الطبعة الأولی، 1389 ق، نشر مکتب السید محمود الهاشمی الشاهرودی.

54. فضل الله، محمّد حسین، من وحی القرآن، الطبعة الثالثة، دار الزهراء للطباعة والنشر، لبنان بیروت.

55. القمی، أبو الحسن علی بن إبراهیم، تفسیر القمی، الطبعة الثالثة، 1404 ق، المصحح السید طیب الجزائری، طبع ونشر مؤسسة دار الکتاب، قم.

56. الکاظمی، مصطفی آل حیدر، بشارة المصطفی، المطبعة الحیدریة النجف.

57. الکلینی، محمّد بن یعقوب، الکافی، الفروع، الطبعة الرابعة، دارالکتب الإسلامیة، مطبعة الحیدری 1375 ش.

58. المجلسی، محمّد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمه الأطهار، الطبعة

ص:198

الأولی دار الکتب الإسلامیة، طهران.

59. المدرسی، محمّد تقی، الوجیز فی الفقه الإسلامی، الطبعة الأولی 1415 ق، نشر البصائر.

60. مسلم، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم، الطبعة الأولی 1423 ق، 2002 م، دار ابن حزم، بیروت.

61. مصطفوی، حسن، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، الطبعة الأولی، مؤسسة الطباعة والنشر.

62. مغنیة، محمّد جواد، تفسیر الکاشف، دار العلم للملایین، 1990 م، بیروت.

63. مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی کتاب الله المنزل، الطبعة الأولی 1413 ق، بیروت مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزیع.

64. النسائی، أحمد بن شعیب، سنن النسائی، الطبعة الأولی 1348 ق، 1930 م، الناشر دار الفکر، بیروت.

65. نهج البلاغة، الشریف الرضی، نسخه المعجم المفهرس مؤسسة النشر الإسلامی.

المصادر الفارسیة

1. أمین، خانم نصرت، تفسیر مخزن العرفان نهضت زنان مسلمان، 1361 ش

2. پاینده ابوالقاسم، نهج الفصاحة، چاپ نهم، مهر ماه 1354 ش.

3. جوادی آملی، عبد الله، زن در آینه جلال وجمال، چاپ پنچم 1378 ش، نشر دار الهدی.

4. حکیمی، محمّد، دفاع از حقوق زن، چاپ دوم 1382 ش. چاپخانه دفتر نشر فرهنگ إسلامی.

5. صدر، حسن، حقوق زن در إسلام واورپا، چاپ پنجم 1355 ش، چاپخانه محمّد حسن علمی انتشارات جاویدان.

6. فهیم کرمانی، مرتضی چهره زن در آینه قرآن وتاریخ، نشر فرهنگ إسلامی.

7. کمالی دزفولی، سید علی، قرآن و مقام زن، چاپ دوم 1373، انتشارات هاد، تهران.

8. محمّد نیا، أسد الله، آن چه باید یک زن بداند، چاپ دهم، بهار 1382 ش ناشر مرکز علمی فرهنگی مسجد صاحب الزمان، ورامین.

9. مطهری، شهید مرتضی، نظام حقوق زن در إسلام، چاپ بیستم، تابستان 1374 ش انتشارات صدرا، قم.

ص:199

10. وحیدی، محمّد، احکام بانوان، چاپ سی و پنجم، بهار، 1383 ش، ناشر مؤسسة بوستان، چاپخانه دفتر تبلیغات إسلامی، قم.

11. وحیدی، محمّد، فلسفه و اسرار احکام، چاپ اول، 1381 ش انتشارات عصمت، قم.

المجلات والکتیبات

1. مجلة قضایا إسلامیة، العدد السابع 1420 ه/ 1999 م.

2. مجلة نور الإسلام، العددان 29 و 30 السنة الثانیة محرم وصفر، 1413 ق، تموز وآب 1992 م.

3. مجلة التوحید، العدد 104 السنة التاسعة 1421 ه/ 2000 م.

4. الفکر الجدید العددان، 13 و 14 السنة الرابعة صفر 1417 /حزیران 1996 م مؤسسة العارف لبنان، بیروت، دار الإسلام للنشر، لندن.

5. المجموعة القصصیة الکاملة بنت الهدی دار التعارف، للمطبوعات بیروت، لبنان.

6. المنهج الاستدلالی عند السید فضل الله، الکتاب رقم 23، المرکز الإعلامی، قم.

7. دنیا المرأة، حوار مع السید فضل الله، الطبعة الخامسة، 1420 ق، 2000 م الناشر دار الملاک بیروت، لبنان.

8. جریدة النهار، لبنان عدد الجمعه 7 حزیران 2002 م.

ص:200

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.