ص :2

دروس فی علوم القرآن

سیدنذیر حسنی

ص :3

ص :4

وفی ظل إرشادات قائد الجمهوریة الإسلامیة الإمام الخامنئی (مدّظله)؛ أخذت المؤسسات العلمیة والثقافیة علی عاتقها تجدید المناهج الدراسیة وتحدیثها علی مختلف الصعد، بخاصة مناهج الحوزة العلمیة، التی هی ثمرة جهود کبار الفقهاء والمفکرین عبر تاریخها المجید.

من هنا بادرت جامعة المصطفی (صلی الله علیه و آله) العالمیة إلی تبنّی: المنهج العلمی الجدید فی نظامها الدراسی، وفی التألیف، والتحقیق وتدوین الکتب الدراسیة لمختلف المراحل الدراسیة ولجمیع الفروع العلمیة، ولشتی الموضوعات بما ینسجم مع المتغیّرات الحاصلة فی مجمل دوائر الفکر والمعرفة.

فقامت بمخاطبة العلماء والأساتذة، لیساهموا فی وضع مناهج حدیثة للعلوم الإسلامیة خاصة، ولسائر العلوم الإنسانیة: کعلوم القرآن، والحدیث والفقه، والتفسیر، والإصول، وعلم الکلام والفلسفة، والسیرة والتأریخ، والأخلاق، والآداب، والاجتماع، والنفس، وغیرها، حملت هذه المناهج طابعاً أکادیمیاً مع حفاظها علی الجانب العلمی الأصیل المتّبع فی الحوزة العلمیة.

ومن أجل نشر هذه المعارف والعلوم، بادرت جامعة المصطفی العالمیة (صلی الله علیه و آله) إلی تأسیس «مرکز المصطفی (صلی الله علیه و آله) العالمی للترجمة والنشر» لتحقیق، وترجمة، ونشر کلِّ ما یصدر عن هذه الجامعة الکبیرة، مما ألّفه أو حقّقه العلماء والأساتذة فی مختلف الاختصاصات وبمختلف اللغات.

والکتاب الذی بین یدیک أیّها القارئ العزیز، هو مفردة من مفردات هذه المنظومة الدراسیة الواسعة، قام بتألیفة الأستاذ الفاضل الدکتور نذیر الحسنی.

ویحرص مرکز المصطفی العالمی علی تسجیل تقدیره لمؤلفه الجلیل علی مابذله من جهد وعنایة، کما یشکر کلَّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب وتقدیمه للقراءالکرام.

ص:6

وفی الختام نتوجّه بالرجاء إلی العلماء والأساتذة وأصحاب الفضیلة. للمساهمة فی ترشید هذا المشروع الإسلامی بما لدیهم من آراء بنّائة وخبرات علمیة ومنهجیة، وأن یبعثوا إلینا بما یستدرکون علیها من خطأ أو نقص یلازم الإنسان عادة، لتلافیهما فی الطبعات اللاحقة، نسأله تبارک وتعالی التوفیق والسداد، والله من وراء القصد.

مرکز المصطفی (صلی الله علیه و آله) العالمی

للترجمه والنشر

ص:7

ص:8

ودائرة التحقیق والتألیف فی جامعة المصطفی (صلی الله علیه و آله) وبالتعاون مع جماعة من الأساتذة والمؤلفین الکبار تضع جمیع إمکانیاتها لخدمة طلاب المعرفة، و تقوم یتألیف الکتب الدراسیة الأساسیة منها والفرعیة، و بمختلف اللغات العالمیة الحیّة، ولمختلف العلوم والمراحل الدراسیة.

وبناءً علی الطلبات المتکررة من الإخوة الراغبین والمعجبین الأعزاء قامت بطباعة کثیر من الکتب الدراسیة النافعه؛ لتحقیق رغباتهم؛ خدمة للعلم وللإنسانیة وللشریعة الغرّاء، والله من وراء القصد.

والکتاب الذی بین یدیک قارئی العزیز، هو مفردة من مفردات هذه المنظومة الدراسیة الواسعة، قام بتألیفة الأستاذ الفاضل الدکتور نذیر الحسنی.

وتحرص جامعة المصطفی (صلی الله علیه و آله) الأکترونیة علی تسجیل تقدیرها لمؤلفه الجلیل علی مابذله من جهد وعنایة، کما یشکر کلَّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب وتقدیمه للقرّاءالکرام.

جامعة المصطفی (صلی الله علیه و آله) الإلکترونیة عبرالإنترنیت (المجازیة)

ص:10

وجوه أسماء القرآن 37

الدرس الرابع: الوحی

الوحی لغةً 43

الوحی فی القرآن 44

ملاحظة 45

الدرس الخامس: أسالیب الوحی إلی نبینا الکریم

وجوه نزول الوحی 51

موقف النبیّ من الوحی 53

الدرس السادس: المستشرقون وقصّة الغرانیق

المستشرقون وقصّة الغرانیق 59

مناقشة هذه الشبهة 60

الدرس السابع: نزول القرآن وتنزیله

تاریخ النزول وطبیعته 63

التوجیهات التی ذکرت لحل ذلک التعارض 64

التوجیه الأوّل 64

الدرس الثامن: الأدلّة علی النزول الدفعی والتدریجی (1)

التوجیه الأول 69

التوجیه الثانی 70

التوجیه الثالث 70

التوجیه الرابع 70

التوجیه الخامس 70

الدرس التاسع: الأدلّة علی النزول الدفعی والتدریجی (2)

التوجیه السادس 74

الدرس العاشر

فوائد وأسرار النزول التدریجی للقرآن 80

الدرس الحادی عشر: أوّل ما نزل من القرآن

أوّل ما نزل من القرآن 84

ص:12

آخر ما نزل من القرآن 87

الدرس الثانی عشر: المکّی والمدنی

فائدة المکّی والمدنی 92

نظریات المکّی والمدنی 92

الدرس الثالث عشر

مراحل التعرّف علی المکّی والمدنی 96

الدرس الرابع عشر: عدد السور المکّیة والمدنیة وترتیب نزولها

الاعتماد علی النصوص الروائیة فی ترتیب السور حسب النزول 100

أعداد السور وترتیب نزولها 101

السور المکّیة فی القرآن الکریم (86 سورة) 101

السور المدنیّة فی القرآن الکریم (28 سورة) 102

الدرس الخامس عشر: أسباب النزول(1)

التعریف والتسمیة 111

التنزیل والتأویل 113

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد 114

نزول القرآن «إیّاک أعنی فاسمعی یا جارة» 115

کیف نهتدی إلی معالم القرآن؟ 116

الدرس السادس عشر: أسباب النزول (2)

تقسیم آیات القرآن من جهة أسباب النزول 121

المزایا والقواعد المترتبة علی معرفة أسباب النزول 122

الدرس السابع عشر: روایات أسباب النزول(1)

حجّیة أحادیث أسباب النزول وعدمها 129

الدرس الثامن عشر: روایات أسباب النزول(2)

الفرق بین الاصطلاحین 135

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب 136

تعدد الأسباب والنازل واحد وبالعکس 137

ص:13

الدرس التاسع عشر: تدوین القرآن

المراحل التی تمّ فیها جمع القرآن 141

نظم کلماته 142

تألیف آیاته 143

الدرس العشرون: ترتیب السور القرآنیة وتسلسها

هل رتبت السور علی عهد رسول الله أو بعد رحلته؟ 147

الدرس الحادی والعشرون: مراحل الجمع ومصادیقة

تنّوع المراحل التی جمع بها القرآن الکریم 151

الدرس الثانی والعشرون: جمع علی بن أبی طالب*

إعلان الإمام علی (علیه السلام) عن جمعه للمصحف 155

جمع زید بن ثابت 156

دعودة زید لجمع المصحف 157

منهج زید فی جمع المصحف 157

مصاحف اخری للصحابة 158

الدرس الثالث والعشرون: معنی الجمع فی عصر الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله)

حفظ القرآن فی صدور الأصحاب 163

الدرس الرابع والعشرون: فکرة توحید المصاحف

أوّل من فکر فی جمع المصحف 173

لجنة توحید المصاحف 175

الدرس الخامس والعشرون: المصاحف العثمانیة

عدد المصاحف العثمانیّة 179

مزایا المصاحف العثمانیّة 180

ضبط الخط الذی دون به المصحف الشریف 180

الدرس السادس والعشرون: الشکل والإعجام

تطوّر الخطّ العربی ودوره فی الرسم القرآنی 185

الدرس السابع والعشرون: المخالفات فی رسم الخطّ القرآنی

اختلاف الخطّ القرآنی عن قواعد الخطّ العامة 191

ص:14

نماذج من مخالفات الرّسم 192

التناقضات فی الرسم العثمانی 193

الموقف من الشکل والإعجام 193

الدرس الثامن والعشرون: الإناقة والتجوید

أنواع الخطوط التی دوّن بها المصحف الشریف 197

الدرس التاسع والعشرون: نشوء القراءات وتطوّرها

عوامل نشوء الاختلاف 201

الدرس الثلاثون

أسباب اخری فی تعدد القراءات 205

الدرس الحادی والثلاثون: ضوابط قبول القراءة

شروط قبول القراءة 211

تواتر القرآن 212

ملاک صحّة القراءة 214

الدرس الثانی والثلاثون: تتمة الشروط الخاصّة بتوافق القراءة مع الثبت

تتمة الشروط 219

القراءة المختارة 221

الدرس الثالث والثلاثون: وجوه اختلاف القراءات

الوجوه التی أوردها ابن قتیبة 225

الدرس الرابع والثلاثون: الإعجاز لغة واصطلاحاً

الإعجاز لغة 231

نتیجة المعنی اللغوی لمصطلح الإعجاز 232

الإعجاز اصطلاحاً 233

المعجزة لغة واصطلاحاً 233

المعجزة لغةً 233

المعجزة اصطلاحاً 233

ص:15

الدرس الخامس والثلاثون: المراحل والأدوار التی مرّ بها بحث الإعجاز

أسباب انحسار الکتابات القرآنیة فی العهد القرون الاُولی 237

التحدّی ومراحله 241

الدرس السادس والثلاثون: وجوه إعجاز القرآن

الإعجاز البیانی 246

الدرس السابع والثلاثون: أسالیب الإعجاز البیانی

أوّلاً: الاُسلوب العلمی 249

ثانیاً: الاُسلوب الأدبی 249

ثالثاً: الاُسلوب الخطابی 251

الدرس الثامن والثلاثون: سمو اسلوب القرآن عن الأسالیب الثلاثة

الدلیل علی سمو اسلوب القرآن 255

الدرس التاسع والثلاثون: إثبات تفوق الاُسلوب القرآنی من نفس القرآن

تقریب الجهة الثانیة 259

أ) اختیار الکلمات والألفاظ 259

ب) اتساق الکلام ودقّة التعبیر 263

الدرس الأربعون: الإعجاز العلمی

بعض الإشارات القرآنیة لإثبات الإعجاز العلمی 268

الدرس الحادی والأربعون: الإعجاز الغیبی والتشریعی

الإعجاز الغیبی 273

الإعجاز التشریعی 275

الدرس الثانی والأربعون: صیانة القرآن من التحریف

التحریف فی اللغة 279

التحریف فی الاصطلاح 280

القرآن ولفظ التحریف 283

الدرس الثالث والأربعون: موانع حدوث التحریف

دلائل بطلان شبهة التحریف 287

ص:16

الدرس الرابع والأربعون

الدلائل الاُخری علی بطلان التحریف 293

الدرس الخامس والأربعون: دعاوی القائلین بالتحریف

الدعوی الاُولی 299

الرد علی الدعوی الاُولی 300

الدعوی الثانیة 300

الرد علی الدعوی الثانیة 301

الدعوی الثالثة 301

الدرس السادس والأربعون: الناسخ والمنسوخ

أوّل من صنف فی علم النسخ 305

تعریف النسخ 305

الدرس السابع والأربعون: حقیقة النسخ

حقیقة النسخ فی حقّه تعالی 309

الفرق بین النسخ والبداء 310

الفرق بین النسخ والتخصیص 310

الدرس الثامن والأربعون: شروط النسخ فی القرآن

شروط النسخ 313

الدرس التاسع والعشرون: أصناف النسخ فی القرآن

النسخ فی القرآن یتصوّر علی أقسام 319

الدرس الخمسون: المحکم والمتشابه

ماهو المحکم؟ 327

عوامل التشابه 328

الدرس الحادی والخمسون: عوامل الإبهام وممیزاته

عوامل الإبهام 331

هل فی القرآن متشابه؟ 332

ص:17

الدرس الثانی والخمسون: حقیقة التأویل

معنی التأویل 337

هل یعلم التأویلَ غیرُ الله؟ 339

من هم الراسخون فی العلم؟ 341

المصادر 347

ص:18

3. ختم کلّ درس بخلاصة تمثل حصیلة الدرس بشکل کامل.

4. فی نهایة کلّ درس أسئلة حول الموضوع المتحدث عنه.

5. احتوت بعض الدروس علی مخططات و رسوم مختلفة و بأشکال متعددة، تتناسب مع طبیعة الدرس و نوعیة المعلومة المطروحة فیه.

حتی تصل المعلومة إلی طلابنا الإعزاء بشکل سلیم خالٍ من التشویش و التعقید، و ذلک من خلال إتباع التوجیهات التالیة:

1. أن یراجع الأستاذ الکریم قبل تدریس کلّ درس الوثائق العلمیة المذکورة فی هذا الکتاب من مصادرها المعتمدة لسببین أساسیین هما:

أ) التأکّد من صحّة الوثیقة المطروحة التی اعتمد علیها المؤلّف.

ب) توسیع مجال الوثیقة فی ذهن الاُستاذ عند إلقائها لطلابنا الأعزاء.

2. توسیع دائرة الآیات المذکورة فی الکتاب, والاستفادة من الآیات القرآنیة التی تدلّ علی المطلب المذکور؛ لفتح افق الطالب فی الاعتماد علی الآیات القرآنیة.

3. السیر التدریسی للکتاب یجب أن یکون حسب تسلسل الدروس المطروحة, وعدم تجاوز ذلک؛ لأنّ هذه الدروس خضعت من ناحیة الترتیب الزمانی حسب ذهنیة الطالب بشکل تدریجی.

4. تقسیم الدروس إلی مراحل زمنیة مختلفة تناسب عمر الطالب فی مرحلة البکالوریوس, ولایقتصر تدریسه علی سنة دراسیة واحدة, لأنّ المعلومات المطروحة فیه تتجاوز حدود السنة الدراسیة الواحدة, خصوصاً إذا سعی الاُستاذ إلی توسیع افق المعلومة المطروحة.

5. یبدأ فی تدریس هذا الکتاب فی مراحل المتقدّمة من عمر الطالب الدراسی, وعدم تدریسه فی السنة الاُولی من دراسته لهذه العلوم.

6. تشجیع الطلاب علی البحث و التحقیق فی العناوین المطروحة فی هذه الدروس لتعمیق الوعی القرآنی لدی طلابنا الأعزاء.

وأخیراً أتمنی من أساتذتنا الکرام أن یرفدونا بما هو نافع ومفید من خلال تجربتهم تدریس هذا الکتاب. وفق الله الجمیع لخدمة الإسلام المحمدی الأصیل.

دکتر السیّد نذیر الحسنی

ص:21

ص:22

المجتمع فضیلة والانحطاط خلقاً، فقد کان الآباء یئدون البنت؛ لأنّها تُمثل عاراً علیهم وفق مقاییسهم، وکانوا یعبدون ما ینحتون ممّا لا ینفع ولا یضر، وإذا ما أردنا وصف تلک الحقبة الزمنیة فأتصوّر أنّ خطبة الزهراء (س) تُمثل وصفاً دقیقاً لحیاة العرب قبل الإسلام حیث قالت (س):

«لقد کنتم تشربون الطرق وتقتاتون القدَّ أذلّة خاسئین تخافون أن یتخطفکم الشیطان من حولکم, فأنقذکم الله تبارک وتعالی بأبی محمّد (صلی الله علیه و آله)». (1)

فالرسول (صلی الله علیه و آله) هو المنقذ لهذه الاُمة، ولکن بماذا أنقذهم؟ أنقذهم بالقرآن ذلک الکتاب الذی وصف نفسه بنفسه کما فی الآیة المبارکة: (... وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ...) : وقال تعالی فیه (اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ...) , ووصفه الرسول الأکرم بأنّه الثقل الأکبر عندما قال:

إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی. (2)

ووصفه أیضاً بقوله:

کتابٌ فیه تفصیلٌ وبیان وتحصیل، وهو الفصل لیس بالهزل، وله ظهرٌ وبطن، فظاهره حکم وباطنه علم، ظاهره أنیق وباطنه عمیق له نجوم وعلی نجومه نجوم لا تُحصی عجائبه ولا تُبلی غرائبه, فیه مصابیح الهدی ومنار الحکمة، ودلیل علی المعرفة. (3)

کلّ هذه الامتیازات یحملها کتاب الله تعالی، فکان بحقّ موضع اهتمام المسلمین منذ أوّل یوم نزل به الوحی المبارک علی صدر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) ولهذا یقول ابن مسعود:

کان الرجل منّا إذا تعلم عشر آیات لم یتجاوزهن حتّی یعرف معانیهنّ والعمل بهنّ. (4)

فاهتمّ المسلمون بهذا الکتاب الکریم فکانوا یرجعون إلی آیاته فیفهمون ما یستطیعون فهمه، والذی یستعصی علیهم یعودون به إلی الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله), الذی

ص:24

جعله الحقّ تبارک وتعالی مرجعاً فی فهم وتفسیر القرآن عندما قال:

(... وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ...) . (1)

لو طالعنا الدراسات التی تعرضت إلی هذا العنوان نجد أنّها توزعت علی ثلاث اتجاهات:

الاتجاه الأوّل: الدراسات التی اهتمّت بعنوان واحد من عناوین هذا العلم من قبیل الدراسات التی اهتمّت بالإعجاز أو التحریف أوالمحکم والمتشابه أوالناسخ والمنسوخ وغیرها، ومن أمثلة هذه الدراسات (1):

ما کتبه یحیی بن یعمر (ت89ه) حول القراءات.

ما کتبه الحسن البصری (ت110ه) حول نزول القرآن وعدد آیات القرآن.

ما کتبه عبدالله بن عامر الیحصبی (ت118ه) حول اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق والمقطوع والموصول.

ما کتبه محمد بن سائب الکلبی (ت146ه) حول بدایة تدوین احکام القرآن.

ما کتبه عطاء بن أبی مسلم میسرة الخراسانی (ت 135ه)، وهو أوّل من کتب فی علم الناسخ والمنسوخ.

ما دونه محمد بن یزید الواسطی (ت 306ه) فی إعجاز القرآن.

الاتجاه الثانی : الدراسات التی جمعت أغلب عناوین هذا البحث فی کتب مستقلة ومن أمثلة هذا الاتجاه:

کتاب البرهان للزرکشی (ت794ه).

کتاب الاتقان للسیوطی (ت911ه).

کتاب التمهید فی علوم القرآن للشیخ محمد هادی معرفة (ت 1427ه).

وغیرهم.

ص:27

الاتجاه الثالث: الدراسات التی جعلت مباحث علوم القرآن من مقدّمات علم التفسیر ولانبالغ إذا قلنا إنّ أغلب التفاسیر التی کتبت فی هذا المجال تضمّنت هذا النوع من البحوث، ولعلّ أقدم بحث فی علوم القرآن کان فی مقدّمات الکتب التفسیریة، ویمکن القول: إنّ هذا الاتجاه من أقدم الاتجاهات التی کتبت فی علوم القرآن.

ویجب الالتفات إلی أنّ هذه الاتجاهات لا تتسلسل زمانیاً، وإنّما فی کلّ اتجاه نجد دراسات ضاربة فی القدم الزمانی وفی نفس الوقت نجد دراسات حدیثة ومعاصرة.

الخلاصة

1. القرآن الکریم هو دستور المسلمین وقداتفقوا علی أصالته وسلامته من التحریف.

2. کانت الحیاة قبل الإسلام حیاة تسودها الهمجیة والجهل والأخلاق الوضیعة، کوأد البنات وغیرها، حتّی جاء الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) فانقذهم منها.

3. لقد عاش المسلمون واقعاً مراً بعد الرسول حتّی أصبحت ألفاظ القرآن غریبة غیر مفهومة لدی الناس، وقد ترجع أسباب إلی: الفاصلة الزمنیة بین تلک الکلمات القرآنیة وبین المخاطبین، عملیات التحریف والتزویر والدس المتعددة، دخول الکثیر من القومیات غیر العربیة إلی الإسلام، توسع الإسلام جغرافیاً.

4. ولد علوم القرآن فی أحضان علم التفسیر عندما کان المفسّرون یجعلون مباحثه مقدّمات لتفسیرهم؛ لأنّ شرح الآیات وتفهیمها یتوقّف علی بیان وعرض مباحث علوم القرآن، وشیئاً فشیئاً بدأ علوم القرآن ینفصل عن علم التفسیر.

ص:28

5. قیل: إنّ القرن الخامس یمثل بدایة حقیقیة لتأسیس هذا الفن.

6. صنّفت کتب عدیدة فی مجال علوم القرآن، وهی علی ثلاث اتجاهات: اتجاه اهتمّ بعنوان واحد من عناوین هذا العلم من قبیل الدراسات التی اهتمت بالإعجاز أو التعریف و غیرها، واتجاه عکف علی جعل مباحث هذا العلم فی کتب مستقلة، واتجاه وضع مباحث علوم القرآن کمقدّمات لعلم التفسیر.

ص:29

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. القرآن الکریم

أ) کتاب یهتمّ به بعض المسلمین دون غیرهم.

ب) دستور المسلمین.

ج) اختلفوا علی سلامته من التحریف.

د) لایحتوی علی مناهج حیاتیة کافیة للإنسان.

2. تعود غرابة ألفاظ القرآن بعد رحلة النبی (صلی الله علیه و آله) إلی:

أ) وفاة النبی.

ب) دخول القومیات غیر العربیة إلی الإسلام.

ج) التحریف و التزویر.

د) ب, ج.

3. «وضح العبارة التالیة: إنّ القرن الخامس یمثل بدایة حقیقیة لتأسیس علوم القرآن».

4. لماذا أصبحت الآیات القرآنیة بألفاظها العربیة غربیة عن الناس بعد رحیل الرسول (صلی الله علیه و آله)؟ وضح ذلک، ذاکراً الأسباب التی أدّت إلی ذلک.

ص:30

السماویّ الخالد یحمل بین دفّتیه کلام الله تعالی، فإنّها تحتلّ مکانة هامّة حیث تمهّد الأرضیة لفهم معارف القرآن السامیة واستیعابها ممّا یضمّه کتاب الله المجید.

خلالها الولوج إلی القرآن والتعرّف علی معانیه من قبیل (سلامة القرآن من التحریف) وغیر ذلک.

ثالثاً: هناک مباحث فی علوم القرآن تساعد علی تحدید الآیات من حیث السعة والشمول من قبیل معرفة أسباب النزول وغیرها، فمثلاً عندما أقرأ الآیة المبارکة (... إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (1) لا یمکن التعرّف علی حدود مصطلح أهل البیت (علیهم السلام) من نفس القرآن فلا بدّ من التأکّد من أسباب النزول وأسباب النزول من مباحث علوم القرآن.

الخلاصة

1. مهمّة علوم القرآن هی معالجة مجموعة من القضایا التمهیدیة من أجل تسهیل عملیة تفسیر القرآن، وذلک کالإعجاز، والتجوید، والقراءة، وتأریخ القرآن، والمکّی والمدنیّ.

2. یعرف علوم القرآن: بأنّه مجموعة من المسائل التی تتناول شؤون قرآنیة مختلفة تتعلّق مواضیعه خارجة عن النصّ القرآنی.

3. إنّ مباحث علوم القرآن لها ارتباط وثیق بألفاظ القرآن وآیاته، بل إنّ بعضها یتوقّف علیه فهم القرآن کمباحث المحکم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ونحوها.

4. تعدّ بعض مباحث علوم القرآن غایة فی الأهمّیة، بحیث لایستغنی عنها أبداً فی التعرّف علی معانی ومفاهیم الکتاب الکریم، کبحوث سلامة القرآن من التحریف.

5. تساهم دراسة أسباب النزول مساهمة کبیرة فی فهم دلالات بعض الآیات القرآنیة.

ص:33

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. إنّ مباحث علوم القرآن تعالج...

أ) مسائل متعلّقة بالدراسات الفلکیة.

ب) قضایا تمهیدیة لعلم التفسیر.

ج) امور تتعلّق بالقراءة وأسباب النزول فقط.

د) معطیات النصّ القرآنی.

2. یشتمل مصطلح علوم القرآن علی عنصرین:

أ) المکّی والمدنی.

ب) الناسخ والمنسوخ.

ج) علوم القرآن ومعارف القرآن.

د) المحکم والمتشابه.

3. ماهی مکانة علوم القرآن؟

4. ما أهمّیة علوم القرآن الکریم؟

ص:34

أمّا تسمیته بالقرآن فقد جاء فی قوله تعالی: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَیْنا إِلَیْکَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِینَ ) . (1)

وأمّا تسمیته بالذکر قال تعالی: (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) . (2)

وأمّا تسمیته بالفرقان قال تعالی: (تَبارَکَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلی عَبْدِهِ لِیَکُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً) . (3)

وذهب إلی هذا القول کلّ من الطبری والماوردی.

القول الثانی: أسماء القرآن أکثر من تسعین اسماً

وذهب إلی ذلک الحرالی. (4)

القول الثالث: أسماء القرآن «55» اسماً, منها:

1. الکتاب، 2. القرآن، 3. النور، 4. الهدی، 5. الرحمة، 6. الفرقان... إلخ

وهناک أقوال اخری أیضاً خلطت بین الأسماء والصفات، ولکن القول المشهور: إنّ للقرآن أربعة أسماء وهی:

1. القرآن

2. الکتاب

3. الفرقان

4. الذکر

وتسمیة القرآن بالذکر والکتاب والفرقان هی تسمیة مشترکة مع الکتب السماویة الاُخری, أی التوراة والإنجیل

ص:36

قال تعالی:

(وَ إِذْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ ) . (1)

وقوله تعالی:

(وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (2) وغیر ذلک من الآیات.

وقیل: معناه التألیف.

وقیل: من البیان فقد ورد فی قوله تعالی: (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) یعنی إذا بیّناه فاعمل به.

س2: ما هو سبب تسمیته بالفرقان؟

ج: لأنّه یفرق بین شیئین، بین الحقّ والباطل. وهذه التسمیة تشیر إلی وظیفة القرآن فی التعریف بین الهدی والضلال وبین الحقّ والباطل وبین الجنة والنار. وقیل: إنّه سمّی بذلک؛ لأنّه یؤدّی إلی النجاة والمخرج، قال تعالی: (... یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً...) . (1)

س3: ما هو سبب تسمیته بالذکر؟

ج: إنّ ذکر من الله تعالی ذکر به عباده وعرفهم فرائضه وحدوده.

وقیل: إنّ سبب التسمیة بالذکر؛ لأنّه فخر وشرف لمن أمن به وصدق بما جاء فیه، وکما جاء فی الآیة: (وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَ لِقَوْمِکَ...) . یعنی شرف لک ولقومک. (2)

س4: ما هو سبب تسمیته بالکتاب؟

ج: لأنه مکتوب متکوّن من حروف، فأخذوه من الجمع فی قولهم کتبت السقاء إذا جمعته بالخرز، فالکتاب هو الصحیفة والصحائف التی تضبط فیها طائفة من المعانی، عن طریق التخطیط بقلم أو طابع أو غیرهما. (3)

والحقّ تبارک وتعالی أطلق لفظة کتاب علی امور عدّة منها:

1. الکتب التی أنزلها علی أنبیاء الله وفیها شرائع، فقال: (... وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ...) . (4) وقال: (یا یَحْیی خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّةٍ...) . (5)

ص:38

2. أطلق لفظ الکتاب علی الکتب التی تضبط الحسنات والسیئات قال تعالی: (وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً* اِقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً) . (1)

3. کتب تضبط ما یجری فی الوجود من حرکات وسکنات، قال تعالی: (... وَ ما یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ ) . (2)

الخلاصة

1. اختلفت آراء العلماء فی عدد أسماء القرآن وصفاته إلی ثلاثة آراء:

أوّلاً: إنّ للقران أربعة أسماء وهی القرآن، والکتاب، والذکر، والفراقان. وهو القول المشهور.

ثانیاً: إنّ للقران أکثر من تسعین اسماً.

ثالثاً: إنّ للقران خمسة وخمسون اسماً.

2. هناک عدّة أقوال فی وجه تسمیة الکتاب العزیز بالقرآن، منها: إنّها جاءت من کونه مقروءاً ومتلواً، ومنها: إنّها جاءت من کونه جامعاً لتاریخ وأحکام الاُمم الماضیة و....

3. وسبب تسمیته بالفرقان؛ لأنّه یفرق بین الحقّ والباطل.

ص:39

4. إنّ سبب تسمیة القرآن بالذکر؛ لأنّه ذکر فیه عباده وعرفهم فیه فرائضه، وقیل: إنّ تسمیته بذلک, لأنّه شرف وفخر لمن أمن وصدق به.

5. إنّ علة تسمیة القرآن بالکتاب؛ لأنّ مکتوب مدون، وهو مأخوذ من الجمع فی قولهم: کتبت السقاء إذا جمعته بالخرز.

6. لقد أطلق تبارک وتعالی لفظ الکتاب علی ثلاثة امور:

أ) الکتب والألواح التی نزلت علی أنبیائه ورسله.

ب) الکتب التی التی تدون فیها الحسنات والسیئات.

ج) الکتب التی تحصی فیها حرکات الوجود وسکناته.

ص:40

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. القول المشهور فی عدد أسماء القرآن, هی:

أ) خمسة وخمسون اسماً. ب) ستّة أسماء.

ج) تسعون اسماً. د) أربعة أسماء.

2. إنّ التسمیة التی تشیر إلی وظیفة القرآن فی التمییز بین الحقّ والباطل هی:

أ) الکتاب. ب) المنیر.

ج) الفرقان. د) الذکر.

3. انقسم العلماء إلی ثلاث أقوال حول أسماء القرآن وصفاته. اذکر هذه الأقوال. مع التوضیح.

4. أطلق الله تبارک وتعالی لفظ الکتاب علی ثلاثة أمور. اذکرها.

ص:41

ص:42

إِلَیْکَ هذَا الْقُرْآنَ...) ، (1)(وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُری وَ مَنْ حَوْلَها...) . (2)

والوحی الرسالی یتحقّق علی أنحاء ثلاثة کما جاء فی الآیة الکریمة:

(وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولاً فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ ) . (3)

الصورة الاُولی: إلقاء فی القلب.

الصورة الثانیة: تکلیم من وراء حجاب بخلق الصوت فی الهواء بما یقرع مسامع النّبی (صلی الله علیه و آله) (4) ولا یری شخص المتکلّم.

الصورة الثالثة: إرسال ملک الوحی فیبلّغه إلی النبی، إمّا عیاناً، أو لا یراه ولکن یستمع إلی رسالته.

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ* عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ ) ، (1) والقلب هو لبّ الشیء وحقیقته الأصلیّة. قال سیّدنا العلّامة الطباطبائی (قدس سره):

هذا إشارة إلی کیفیّة تلقّیه (صلی الله علیه و آله) القرآن النازل علیه، وأنّ الذی کان یتلقّاه من الرّوح [الأمین] هی نفسه الکریمة من غیر مشارکة الحواسّ الظاهرة التی هی أدوات لإدراکات جزئیّة خارجیّة... فکان (صلی الله علیه و آله) یری شخص الملک ویسمع صوت الوحی، لکن لا بهذه السمع والبصر المادّیتین وإلّا لکان أمراً مشترکاً بینه وبین غیره، ولم یکن یسمع أو یبصر هو دون غیره. فکان یأخذه بَرْحاء الوحی وهو بین الناس فیوحی إلیه ولا یشعر الآخرون الحاضرون.

نعم، ورد بشأن مولانا أمیر المؤمنین (علیه السلام)، کان یری ما یراه النبی (صلی الله علیه و آله) ویسمع ما یسمعه إلّا أنّه لیس بنبیّ کما قال له الرسول (صلی الله علیه و آله). (2)

الخلاصة

1. استعمل الوحی فی القرآن علی معان أربعة:

الأوّل: المعنی اللغوی: هو الإعلام السریع الخفی علی سبیل الرمز والإیماء.

الثانی: أمر غریزی فطری مجعول فی ذات الأشیاء کما فی الإیحاء إلی النحل.

الثالث: الإلهام النفسی: وهو شعور الباطن یحس به الإنسان فی الباطن.

الرابع: الوحی الرسالی: وهو الوسیلة التی یسخّرها الله تعالی من أجل الاتصال برسله وأنبیائه.

2. یتحقّق الوحی الرسالی بثلاثة طرق:

الاُولی: الإلقاء فی القلب.

ص:46

الثانیة: الکلام من وراء حجاب.

الثالثة: إرسال الملک.

3. إنّ مهبط الوحی ونزوله هو قلب النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) قال تعالی: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلی قَلْبِکَ ) ، (1)(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ* عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ ) (2) والقلب هنا هو الشخصیة الباطنیة للنبی وروحه الطاهرة، فکان یری الوحی ویسمع حدیثه، لکن لا بهذه السمع والبصر المادّیتین وإلّا لکان أمراً مشترکاً بینه وبین غیره، فیسمع الآخرون کما یسمع هو. أجل، ورد أنّ علیاً کان یسمع ما یسمعه رسول الله ویری ما یراه.

ص:47

أسئلة الدرس

1. یتحقّق الوصی الرسالی بثلاثة طرق. اذکرها.

2. استعمل القرآن الکریم «الوصی» بعدّة معانٍ. اذکرها مع التوضیح.

3. اختر الإجابة الصحیحة:

أ) یتضمّن قوله تعالی: (وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولاً فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ ) . (1) ثلاثة أنواع من الوحی:

1. إلالقاء فی القلب والحدیث بشکل مباشر والتکلّم من وراء حجاب.

2. التوجیه عبر المنام وإرسال الملک والإلقاء فی القلب والحدیث بشکل مباشر.

3. الإلقاء فی القلب والتکلم من وراء حجاب وإرسال الملک.

4. إرسال الملک والإلقاء فی القلب والتوجیه عبر المنام.

ب) إنّ مهبط الوحی ونزوله إنّما یکون علی...............

1. لسان النبی.

2. علی قلب النبی وروحه.

3. علی عقل النبی.

4. علی جوارح النبی.

ص:48

ج) إنّ الشخص الوحید الذی کان یسمع مایسمعه النبی هو...........

1. دحیة الکلبی. 2. خدیجة بنت خویلد.

3. زید ابن الارقم. 4. علی بن أبی طالب (علیه السلام).

د) الوحی فی اللغة هو....

1. إعلام سریع خفی. 2. الکلام من وراء حجاب.

ص:49

ص:50

قوله: «قبل الوحی» أی قبل الوحی الرّسالی المأمور بتبلیغه؛ لأنّ هذا البیان تفسیر لمفهوم «النّبی» قبل أن یکون رسولاً، وهو إنسان اوحی إلیه من غیر أن یکون مأموراً بتبلیغه. فهو یتّصل بالملأ الأعلی اتّصالاً روحیّاً وینکشف له الملکوت، کما حصل لنبیّنا (صلی الله علیه و آله) قبیل بعثته المبارکة.

ولکن لم یعهد نزول قرآن علیه فی المنام. نعم، ربّما کانت بعض رؤیاه أسباباً لنزول القرآن، کما فی قوله تعالی: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ* عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ...) . (1) فقد رأی النبی (صلی الله علیه و آله) ذلک عام الحدیبیة (سنة الستّ من الهجرة) وصدّقت عام الفتح (سنة الثمان من الهجرة).

2. نزول جبرئیل: کان الملک الذی ینزل علی النبی (صلی الله علیه و آله) بالوحی هو جبرئیل (علیه السلام)، تارة یراه، إمّا فی صورته الأصلیّة-وهذا حصل مرّتین-أو فی صورة دِحْیَة بن خلیفة الکلبی، واُخری لا یراه.

والمرّتان کانت إحداهما فی بدء الوحی بحراء. ظهر له جبرئیل فی صورته الأصلیّة التی خلقه الله علیها، مالئاً افق السماء من المشرق والمغرب، فتهیّبه النبی (صلی الله علیه و آله) تهیّباً بالغاً، فنزل علیه جبرئیل فی صورة الآدمیّین فضمّه إلی صدره، فکان لا ینزل علیه بعد ذلک إلّا فی صورة بشر جمیل. والثانیة کانت باستدعائه (صلی الله علیه و آله) أن یریه نفسه مرّة اخری صورته التی خلقه الله، فأراه صورته فسدّ الاُفق. فقوله تعالی: (وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلی ) , (2) کانت المرّة الاُولی، وقوله تعالی: (وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْری ) (3) کانت المرّة الثانیة، علی ما جاءت فی الروایات. (4)

ص:52

وکان جبرئیل عند ما یتمثّل لرسول الله (صلی الله علیه و آله) یبدو فی صورة دِحْیَة بن خلیفة الکلبی، وهو کان أجمل إنسان فی المدینة، وکان الصحابة یزعمون أنّ جبرئیل-حین یتمثّل بشراً-هو دِحْیَةُ الکلبی حقیقة، ومن ثمَ نهاهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن یدخلوا علیه إذا وجدوا دحیة عنده. (1)

3. الوحی المباشری: لعلّ أکثر موارد الوحی کان مباشریّاً لا یتوسّطه ملک، علی ما جاء فی وصف الصّحابة حالته (صلی الله علیه و آله)، ساعةَ نزولِ الوحیِ علیه.

قال الشیخُ الصدوقُ:

إنّ النبی (صلی الله علیه و آله) کان یکونُ بین أصحابه فیُغْمی علیه وهو یتصابُّ عرقاً فإذا أفاق قال:

«قال الله: کذا وکذا وأمَرَکُم بکذا ونَهاکم عن کذا». قال: وکان یَزْعَمُ أکثرُ مخالفینا أنّ ذلک کان عند نزول جبرئیل، فسُئل الإمام الصادق (علیه السلام) عن الغشیة التی کانت تأخذ النبی (صلی الله علیه و آله) أکانت عند هبوط جبرئیل (علیه السلام)؟ فقال:

«إنّ جبرئیل کان إذا أتی النبی (صلی الله علیه و آله) لم یدخل حتّی یستأذنه، وإذا دخل علیه قعد بین یدیه قعدة العبد، وإنّما ذاک عند مخاطبة الله عزوجلّ إیّاه بغیر ترجمانٍ وواسطةٍ. (2)

الأوّل: کیف عرف النبیّ أنّه مبعوث بالرسالة؟ ولِمَ لا یشکّ فی أنّ الذی أتاه شیطان واطمأن أنّه جبرئیل؟

الثانی: هل یجوز علی النبیّ أن یخطأ فیما یوحی إلیه، فیلتبس علیه تخیّلات باطلة فی نفسه لتبدو له بصورة وحی أو یلقی علیه إبلیس ما یظنّه وحیاً من الله؟

أکثر أصحاب الحدیث من العامّة جعلوا النبیّ مرتاعاً فی أوّل أمره خائفاً علی نفسه من مسّ الجنون عائذاً إلی إحضان زوجته الوفیّة لتستنجد هی إلی ابن عمّها ورقة بن نوفل-وکان قارئاً للکتب-فیطمئنّه هو بأنّه نبی ویؤکّد علیه ذلک حتّی یطمئنّ ویستریح باله, کما أنّهم ذهبوا إلی استیلاء الشیطان علی النبی (صلی الله علیه و آله)، کما جاءت روایتهم لقصة الغرانیق. قالوا: حین نزل سورة النجم وجعل النبی (صلی الله علیه و آله) یتلوها، وبلغ قوله: (أَ فَرَأَیْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّی* وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْری ) (1) ألقی علیه الشیطان: «تلک الغرانیق (2) العُلی وإنّ شفاعتهنّ لتُرتجی»، فحسبها وحیاً فقرأها علی ملأ من قریش, ثُمّ قرأ بقیّة السورة وأکملها، فسجد وسجد المسلمون والمشرکون أیضاً، تقدیراً بما وافقهم محمّد (صلی الله علیه و آله) فی تعظیم آلهتهم ورجاء شفاعتهم، وانتشر هذا النبأ حتّی بلغ مهاجری حبشة فرجعوا إلی مکّة فرحین، کما فرح النبی (صلی الله علیه و آله) بتحقّق امنیّته القدیمة علی ائتلاف قومه. فلمّا أمسی أتاه جبرئیل، فقال له: «أعرض علیّ السورة». فجعل النبی (صلی الله علیه و آله) یقرؤها علیه حتّی إذا بلغ الکلمتین قال له جبرئیل: «مه، من أین جئت بهاتین الکلمتین؟» فتندّم رسول الله (صلی الله علیه و آله)... وقال:

«إنّه أتانی آتٍ علی صورتک فألقاها علی لسانی». فقال جبرئیل: «معاذ الله أن أکون أقرأتک هذا». (3)

ص:54

لکن ذهب أئمّة أهل البیت فی ذلک مذهباً نزیهاً وجعلوا النبی أکرم علی الله من أن یترکه إلی غیر ذاته المقدّسة ولا ینیر علیه الدلائل الموضحة علی نبوّته فی تلک الساعة الحرجة. کما لا یدع الشیطان أن یسلّط علی مشاعر نبیّه الکریم. (وَ اصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ فَإِنَّکَ بِأَعْیُنِنا...) . (1)

توضیح ذلک: یجب علی الله-بمقتضی قاعدة اللطف-أن یقرن نبوّته بدلائل نیّرة لا مجال للشک فیها، وهذا الوجوب منبعث من مقام حکمته تعالی إذا کان یرید من عباده الانقیاد وإلّا کان نقضاً لغرضه من التکلیف. ولهذا لا یدع مجالاً لتدلیس أهل الزیغ والأهواء إلّا ویفضحهم فوراً (وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ ) ، (2)(إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا...) . (3)

روی زرارة بن أعین قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): «کیف لم یخف رسول الله (صلی الله علیه و آله) فیما یأتیه من قبل الله أن یکون ممّا ینزغ به الشیطان؟»، قال (علیه السلام):

«إنّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل علیه السکینة والوقار، (4) فکان الذی یأتیه من قبل الله مثل الذی یراه بعینه». (5)

أیضاً: أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) لم یختره الله لنبوّته إلّا بعد أن أکمل عقله وأدّبه فأحسن تأدیبه، وعرّفه من أسرار ملکوت السماوات والأرض ما یستأهله للقیام بهذه المهمّة الخطیرة. قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام):

«ولقد قرن الله به من لدن أن کان فطیماً أعظمَ ملک من ملائکته یسلک به طریق المکارم ومحاسن أخلاق العالم لیله ونهاره». (6)

ص:55

وکان قبیل بعثته تظهر له علامات النبوّة، فقد ظهرت آیاتها قبل ثلاث سنوات من بعثته، فکان یری الرؤیا الصادقة وکان یختلی بنفسه فی غار حراء متفکّراً فی أسرار الملکوت، متعمّقاً فی ذات الله، متطلّعاً سرّ الخلیقة، حتّی فاجأه الحقّ وقد بلغ سنّ الأربعین.

علی أنّه (صلی الله علیه و آله) کان أشرف الأنبیاء وأفضل المرسلین وخاتم سفراء ربّ العالمین، فکان أکرم علیه تعالی من أن یترکه ونفسَه.

الخلاصة

1. یتلقی النبی (صلی الله علیه و آله) الوحی علی ثلاثة أنحاء:

أ) الرؤیا الصادقة. ب) هبوط جبرئیل. ج) الوحی المباشر.

2. لم یعهد نزول القرآن علی النبی فی المنام. نعم، ربّما کانت بعض رؤاه أسباباً لنزول القرآن کما فی قوله تعالی: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ* عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ...) . (1)

3. ینزل جبرئیل علی النبی أمّا بصورته الحقیقیة، وقد رآه رسولنا علی تلک الصورة مرّتین، أو علی صورة دحیة الکلبی.

4. هناک مذهبان إزاء موقف النبی من الوحی:

الأوّل: مذهب أصحاب الحدیث من العامة عندما جعلوا النبی (صلی الله علیه و آله) مرتاعاً فی أوّل أمره خائفاً علی نفسه من مسّ الجنون عائذاً إلی إحضان زوجته الوفیّة، فذهبت لتقصّ قصته علی ابن عمّها ورقة بن نوفل وتسنجده، فیأتی إلیه ویطمئنه.

الثانی: مذهب نزه النبی عن کلّ هذه المثالب ونفی عنه کلّ هذا الارتباک؛ لأنّ مقتضی قاعدة اللطف هو أن یقرن نبوّته بدلائل نیّرة لا مجال للشک فیها، مضافا إلی أنّ الله لم یختره إلّا بعد أکمل عقله وأحسن تأدیبة وجعله مستعداً لتلقی الخطاب الإلهی والرسالة الخاتمة.

ص:56

أسئلة الدرس

1. اختر الإجابة الصحیحة:

لقدکان تلقی النبی للوحی علی ثلاث صور:

أ) الرؤیة الصادقة ونزول جبرئیل والوحی المباشر.

ب) نزول جبرئیل والوحی المباشر وعروج روحه الی السماء.

2. یهبط جبرئیل علی النبی:

أ) علی صورته الحقیقة. ب) علی صورة دحیة الکلبی.

ج) علی هیئة شبح. د) أ و ب

3. هناک مذهبان إزاء موقف النبی من الوصی، اذکرهما مع التوضیح.

ص:57

ص:58

رابعاً: اختلاف ألفاظ نصوصها فقد جاء فی بعض النصوص «تلک الغرانیق العلی أنّ شفاعتهن لترتجی».

وجاءت «الغرانقة العلی أنّ شفاعتهن ترتجی».

وجاءت «وأنّها لهی الغرانیق العلی».

فهذه القصة لا أساس لها فمختلفة من أصلها.

الخلاصة

1. فحوی قصة الغرانیق أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) اعترف بجلالة ومنزلة الأصنام التی کانت تعبد فی الکعبة، عندما أوحی إلیه: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن ترتجی. وقد ذهب المستشرق «سیرولیم مویر» إلی القطع بصحّة هذه القصة.

2. إنّ هذه القصة مختلقة ولا أساس لها من الصحّة، وذلک لمایلی:

أوّلاً: إنّها مخالفة لصراحة آیات قرآنیة کثیرة: (... ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ...) . (1)

وقوله: (وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی ) . (2)

وقوله: (وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ ) . (3)

ثانیاً: إنّ إسانید هذه القصة بین منقطع ومرسل، کما یقول ابن کثیر، خصوصا أنّها جاءت بسند فیه الکلبی، والکلبی متروک.

ثالثاً: عدم استعمال الغرانیق بمعنی الإله لغویاً.

رابعاً: إنّ اختلاف ألفاظ النصوص التی جاءت بها یدلّ علی بطلانها.

ص:61

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. زعم المستشرقون أنّ الغرانیق تطلق علی:

أ) کبار المشرکین ب) شعاب مکّة

ج) الأصنام الموجودة فی الکبعة د) الذین أذوا النبی

2. المستشرق الذی قطع بصحّة قصة الغرانیق هو:

أ) لویس ماسینیون ب) سیرولیم مویر

ج) نولدکه د) لوت

3. اذکر الردود علی شبهة «قصة الفرانیق».

4. ما معنی الفرانیق لغةً؟

ص:62

(وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) . (1)

ومن خلال ما تقدّم من آیات تبین:

1. إنّ بعض الآیات تشیر إلی أنّ نزول القرآن فی شهر رمضان وفی لیلة القدر.

2. إنّ البعثة فی رجب ممّا تستلزم نزول القرآن فیه.

3. بعض الآیات تشیر إلی أنّ نزول القرآن نجوماً علی طول المدّة الزمنیة التی عاشها الرسول بین ظهرانی الأمة.

الخلاصة

1. لقد أشارت بعض الآیات القرآنیة إلی أنّ القرآن نزل فی لیلة القدر (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ) . (1) واُخری أشارت إلی أنّه نزل منجماً علی طول حیاة الرسول (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) . (2) وعلمنا ببعثة النبی الأکرم فی رجب یستلزم أن یکون القرآن نزل فیه.

2. ولحل التعارض بین هذه المعطیات الثلاثة ذکر العلماء عدّة توجیهات:

منها: إنّ القرآن نزل مرّتین: الاُولی: نزوله بشکل دفعی، والثانیة: بشکل تدریجی.

3. النزول الدفعی یعنی أنّه نزل کاملاً دفعة واحدة فی لیلة القدر. والنزول التدریجی یعنی أنّ نزول القرآن ابتدأ من حین بعثة النبی (صلی الله علیه و آله) وإلی آخر حیاته.

ص:65

أسئلة الدرس

اختر الإجابة صحیحة:

1. یشیر قوله تعالی: (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) (1) إلی:

أ) إنّ القرآن نزل فی شهر رمضان.

ب) إنّ القرآن نزل فی شهر رجب.

ج) إنّ القرآن نزل منجّماً.

د) لا تشیر إلی أی من ذلک.

2. نزل القرآن الکریم مرّتین

أ) فی مکّة وفی المدینة.

ب) قبل الفتح وبعده.

ج) فی غار حراء وفی یثرب.

د) دفعی وتدریجی.

3. اذکر التوجیهات التی ذکرها العلماء حول نزول القرآن

ص:66

أوّل لیلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لستّ مضین من شهر رمضان، واُنزل الإنجیل لثلاث عشر لیلة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان، وأنزل القرآن فی ثلاث وعشرین من شهر رمضان». (1)

وهناک روایة تشیر إلی أنّ القرآن نزل من السماء الرابعة، ثُمّ إلی البیت المعمور. (2) وهذه الروایة تم تأویلها من قبل التوصیه الاوّل الفیض الکاشانی، قال فی توجیه هذه الروایة.

الخلاصة

1. لقد ذکرت معالجات اخری لتعین زمن النزول وکیفیته:

منها: إنّ القسم الکبیر منه نزل فی شهر رمضان.

ومنها: إنّ مایقدره الله أن ینزله فی سنة واحدة ینزله فی لیلة القدر.

ومنها: إنّ القول بنزول القرآن فی شهر رمضان کان یلحظ مبدأ النزول.

ومنها: إنّ نزول القرآن فی لیلة القدر یعنی نزول أهدافه الکلیة.

2. لقد استدلّوا علی النزول الدفعی والتدریجی بدلیلین: أحدهما قرآنی، والثانی روائی.

3. إنّ فائدة النزول الدفعی هو تنویر قلب النبی بالمعارف والعلوم القرآنیة، واعانته علی تحمل أعباء الرسالة.

ص:70

أسئلة الدرس

اختر الأجابة الصحیحة:

1. إنّ الفائدة من النزول الدفعی هی:

أ) تنویر قلب النبی بتعالیم القرآن. ب) حفظ القرآن من الضیاع.

ج) إخبار النبی بالمغیبات. د) بشری للمسلمین.

2. إنّ المخصص لانصراف نزول القرآن فی شهر رمضان هو:

أ) نفس الآیة الشریفة. ب) سورة القدر.

ج) العرف العام. د) لاشیء من ذلک.

3. ذهب أبو عبد الله الزنجانی إلی أنّ نزول القرآن فی لیلة القدر هو:

أ) نزوله بکماله وتمامه. ب) نزول الأهداف الکلیة للقرآن.

ج) نزول بعض بسور. د) نزول بعض الایات.

4. لقد أَوّلَ الفیض الکاشانی البیت المعمور والسماء الرابعة:

أ) بالکعبة وقلب النبی. ب) بقلب النبی والعالم الإنسانی.

ج) ببیت النبی ومسجده. د) بالمسجد الحرام والمسجد الأقصی.

5. ضع علامة() أمام العبارة الصحیحة:

أ) من المعالجات التی ذکرت لحل التعارض مسألة نزول القرآن هی نزول القسم الکبیر من القرآن فی شهر رمضان().

ب) فی السماء الرابعة توجد مراتب تصاعدیة تبدأ من النبات، ثُمّ الإنسان، ثُمّ الجماد ثُمّ... إلخ().

ص:71

ص:72

وقوله تعالی: (وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ... وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ...) . (1)

فإنّ الآیات الشریفة ظاهرة الدلالة علی أنّ التفصیل أمر طارٍ علی الکتاب..., وأوضح منه قوله تعالی: (حم* وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ* إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ* وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ ) . (2)

فإنّه ظاهر فی أنّ هناک کتاباً مُبَیناً عُرض علیه، جعله مقروءاً عربیاً، وإنّما ألبس لباس القراءة والعربیة لیعقله الناس وإلّا فإنّه-وهو فی ام الکتاب-عند الله علیّ لا تصعد إلیه العقول، حکیم لا یوجد فیه فصل وفصل، وفی الآیة تعریف الکتاب المبین وأنّه أصل القرآن العربی المبین.

ثُمّ کون القرآن فی مرتبة التنزیل بالنسبة إلی الکتاب المبین-ونحن نسمیه بحقیقة الکتاب-بمنزلة اللباس من المتلبس وبمنزلة المثال من الحقیقة و بمنزلة المثل من الفرض المقصود بالکلام هو المصحح لئن یطلق القرآن أحیاناً علی أصل الکتاب، کما فی قوله تعالی: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ* فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) . (3)

وکلام السید یمکن اختصاره فی نقاط:

أوّلاً: نزول القرآن فی شهر رمضان، جاء فی القرآن بلفظ الإنزال وهو یشیر إلی الدفعة ولیس بلفظ التنزیل الذی یشیر إلی التدرج.

ثانیاً: نحن عندما نقول: إنّ القرآن نزل دفعة، أمّا المقصود کلّ الکتاب قد نزل دفعة أو نقصد بعض من الکتاب نزل دفعة، أو نقصد أنّ الکتاب له حقیقة واحدة، وهذه الحقیقة هی التی نزلت دفعة.

ص:74

ثالثا: الذی یمکن استظهاره من الآیات المبارکة أنّ المقصود من النزول دفعة هو تلک الحقیقة الخاصة بالکتاب، والتی هی وراء ما نفهمه بالفهم العادی.

رابعاً: الآیات التی تدلّ علی أنّ النزول دفعة بمعنی نزول حقیقة الکتاب، هی:

1. قوله تعالی: (کِتابٌ أُحْکِمَتْ آیاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ) . (1)

کیفیة الاستدلال

إنّ الإحکام هنا مقابل التفصیل، والتفصیل جعله فصلاً فصلاً وقطعة قطعة ممّا یشیر إلی أنّ حقیقة الکتاب محکمة غیر مفصلة.

2. قوله تعالی: (وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلی عِلْمٍ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ* هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِیلَهُ...) . (2)

کیفیة الاستدلال

الآیة تشیر إلی أنّ القرآن له حقیقة واحدة ثُمّ فصلت.

3. قوله تعالی: (وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ* أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ...) . (3)

کیفیة الاستدلال

إنّ الآیة ظاهرة بأنّ التفصیل أمر طارٍ علی الکتاب، وکذلک فی الآیات إشعار بأنّ أصل الکتاب هو التأویل لتفصیل الکتاب، فأصل الکتاب شیء، وتفصیل الکتاب شیءآخر.

ص:75

4. قوله تعالی: (حم* وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ* إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ* وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ ) . (1)

کیفیة الاستدلال

الذی یظهر من الآیة أنّ هناک کتاباً له حقیقة فی ام الکتاب لا تناله العقول ولا یوجد فیه تفصیل. نعم، هذا الکتاب المبین الذی بین أیدینا هو قرآن عربی.

إذ یوجد للکتاب حقیقة وهی فی ام الکتاب عند الله ویوجد للکتاب وجود آخر هو هذا الذی بین أیدینا.

والنتیجة: إنّ السیّد الطباطبائی یقول: إنّ الرسول عَلِمَ بحقیقة الکتاب فی شهر رمضان، وأمّا تفصیل الکتاب استمرّ تنزیله علی طول الفترة التی عاشها الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله).

ولذا یری العلّامة أنّ قوله تعالی: (... وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْکَ وَحْیُهُ...) . (2)

وقوله تعالی: (لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ ) . (3)

إنّ هذه الآیات ظاهرة فی أنّ الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) کان له علم بما سینزل علیه فنُهی عن الاستعجال بالقراءة قبل انقضاء الوحی. (4)

الخلاصة

1. یری العلّامة الطباطبائی أنّ نزول القرآن فی شهر رمضان جاء بلفظ الإنزال الذی یشیر إلی الدفعة، ولیس بلفظ التنزیل الذی یعنی التدرج.

ص:76

2. إنّ نزول القرآن دفعة فیه ثلاث وجوه: أ) نزول القرآن کلّه دفعة. ب) نزول بعض القرآن دفعة. ج) نزول حقیقة القرآن دفعة واحدة.

3. ربّما یظهر من بعض الآیات أنّ حقیقة النزول هی حقیقة خاصّة بأسرار الکتاب العزیز، ولایمکن استیعابها وفهمها بسهولة ولکلّ واحد.

5. یستفاد من بعض الآیات أنّ النزول هو نزول حقیقة الکتاب دفعة واحدة، کقوله تعالی: (کِتابٌ أُحْکِمَتْ آیاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ) . (1) بتقریب أنّ الأحکام هنا مقابل التفصیل، والتفصیل جعله فصلاً فصلاً وقطعة قطعة ممّا یشیر إلی أنّ حقیقة الکتاب محکمة غیر مفصلة.

وقد ذکرت فی ثنایا الدرس مجموعة اخری من الآیات قریبة من هذه الآیة.

ص:77

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. یری العلّامة الطباطبائی أنّ القرآن الکریم نزل دفعة إلّا أنّه فسر ذلک:

أ) بنزول القرآن باکمله. ب) نزول بعضه.

ج) نزول حقیقة الکتاب. د) ب و ج.

2. استدلّ العلّامة بقوله تعالی: (وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ... وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ...) (1) علی:

أ) بطلان المفترین. ب) تفصیل الکتاب.

ج) حقیقیة الکتاب العظیمة. د) صحّة تاویل القرآن.

3. لقد کان نزول الکتاب مفصلاً علی صدر نبینا محمد (صلی الله علیه و آله):

أ) فی شهر رمضان. ب) بعد الفتح.

ج) علی طول الفترة التی عاشها الرسول. د) آخر حیاة النبی.

ص:78

(الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلاً) . (1)

فالنزول التدریجی للآیات کان هدفه الأساس لتثبیت قلب النبی فی مواجهة الصعاب والمواقف الشدیدة التی سوف یواجهها الرسول الأکرم خلال فترة تبلیغه للرسالة، ولهذا نجد أنّ المشرکین عندما کانوا یؤذون النبی (صلی الله علیه و آله) فی الأقوال والأفعال ینزل قوله تعالی: (فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنّا نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ ) . (2)

وقوله تعالی: (وَ لَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ فَصَبَرُوا عَلی ما کُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّی أَتاهُمْ نَصْرُنا...) . (3)

فهذه الآیات تساعد الرسول الأکرم علی مواجهة الصعاب.

2. من الأسباب الأساسیة التی دعت إلی النزول التدریجی هو مساعدة الناس علی تلقی التعالیم الإلهیة، فالقانون عندما یطبق دفعة واحدة قد لا یلاقی نفس الاستجابة فیما إذا روعی فی تطبیقه الظروف الحیاتیة والزمانیة والمکانیة للمجتمع، ولعلّ لفظة (مُکْثٍ) تشیر إلی هذا المعنی قال تعالی: (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) . (4)

3. تساعد عملیة النزول التدریجی علی التدرج فی حفظ القرآن وفهمه بشکل سهل، خصوصاً وأنّ الاُمة التی نزل علیها القرآن تعانی من مشاکل عدیدة اجتماعیة واقتصادیة وسیاسیة تجعلها امة مرتبکة، فالتنزل التدریجی لهذا الکتاب یساعد تلک الاُمة علی سهولة حفظه وتعلمه.

4. تشیر عملیة النزول التدریجی علی مدی (23) عاماً إلی الإعجاز القرآنی فی نظمه وأحکامه، فعلی سنوات عدیدة ینزل القرآن لم یجدوا فیه إلّا الاُسلوب الرصین

ص:80

والحجّة المحکمة والإتقان فی ألفاظه ومعانیه، فلو کان القرآن کلاماً بشریاً لوجدت فیه الاختلاف والتضارب، ولهذا جاءت الآیة المبارکة.

(... وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً) . (1)

5. عملیة النزول التدریجی تشیر أیضاً إلی أنّ المسلمین کانوا یتوقّعون الوحی ونزول الآیات فی کلّ ما یواجههم فی حیاتهم من صعوبات ومشاکل سواء کانت نظریة علی شکل تحدیات فکریة أو عملیة، هذا التوجّه من قبل المسلمین نحو السماء یساعدهم علی ربطهم بالسماء باستمرار حتّی یصلوا إلی المستوی الذی یطمح إلی تحقیقه القرآن.

الخلاصة

1. لقد أورد المشرکون علی النبی إشکالاً فحواه: إنّ القرآن الکریم بما أنّه کتاب هدایة، وعلیه یجب أن یکون معلوماً لدی الناس بکل تفاصیله، والنزول التدریجی ینافی ذلک.

2. یمکن تلخیص فوائد النزول التدریجی بما یلی:

أوّلاً: انه تثبیت لقلب النبی (صلی الله علیه و آله) وطمئنته.

ثانیاً: تدریب المجتمع المسلم علی تلقی التعالیم والأوامر الإلهیة.

ثالثاً: حفظ القرآن وفهم واستیعاب مضامینه.

رابعاً: عرض الإعجاز القرآنی.

خامساً: جعل الناس یرتبطون بالسماء بشکل مستمرّ.

ص:81

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. یدلّ قوله تعالی: (... لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً...) (1) علی:

أ) استهزاء المشرکین بالقرآن. ب) عدم اعتقادهم به.

ج) إرادتهم تعلم احکامه. د) رفضهم للنزول التدریجی.

2. قوله تعالی: (... کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلاً) (2) یدلّ علی الفائدة التالیة من فوائد النزول التدریجی:

أ) إزالة خوف النبی (صلی الله علیه و آله). ب) الأمر بقراءة القرآن.

ج) تثبیت قلب النبی (صلی الله علیه و آله). د) لاشیء من ذلک.

3. من فوائد النزول التدریجی:

أ) تدریب المجتمع المسلم علی تلقی التعالیم الإلهیة.

ب) عرض الإعجاز القرآنی.

ج) ارتباط الناس بالسماء بشکل مستمرّ.

د) الکل صحیح.

ص:82

القول الثانی: سورة المدَّثِّر, روی عن ابن سلمة، قال:

«سألت جابر بن عبد الله الأنصاری: أیّ القرآن انزل قبل؟ قال:*یا أیّها المدَّثِّر*قلتُ: أو*اقرأ باسم ربّک*؟ قال: احدّثکم ما حدَّثَنا به رسول الله (صلی الله علیه و آله): إنّی جاورت بحراء، فلمّا قضیت جواری نزلت فاستبطنت الوادی، فنظرت أمامی وخلفی وعن یمینی وشمالی-ولعلّه سمع هاتفاً-ثُمّ نظرتُ إلی السماء فإذا هو-یعنی جبرئیل-فأخذتنی رجفة، فأتیت خدیجة، فأمرتهم فدثّرونی، فأنزل الله (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ)» . (1)

ولعلّ جابراً اجتهد من نفسه أنّها أوّل سورة نزلت، إذ لیس فی کلام رسول الله (صلی الله علیه و آله) دلالة علی ذلک، والأرجح أنّ ما ذکره جابر کان بعد فترة انقطاع الوحی فظنّه جابر بدء الوحی، (2) حیث روی جابر حدیث فترة انقطاع الوحی أیضاً، قال:

«سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) یحدّث عن فترة انقطاع الوحی، قال: فبینما أنا أمشی إذ سمعت هاتفاً من السماء، فرفعت رأسی فإذا الملک الذی جاءنی بحراء جالساً علی کرسیّ بین السماء والأرض، فجثثت منه فرقاً-أی فزعت-فرجعت، فقلت: زمّلونی زمّلونی فدثّرونی، فأنزل الله تبارک وتعالی: (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَ رَبَّکَ فَکَبِّرْ* وَ ثِیابَکَ فَطَهِّرْ* وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) -وهی الأوثان-قال (صلی الله علیه و آله): ثمّ تتابع الوحی». (3)

القول الثالث: سورة الفاتحة، قال الزمخشری: «أکثر المفسّرین علی أنّ الفاتحة أوّل ما نزل». (4)

وروی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال:

«سألت النبیّ (صلی الله علیه و آله) عن ثواب القرآن، فأخبرنی بثواب سورة سورة علی نحو ما نزلت من السماء فأوّل ما نزل علیه بمکّة: فاتحة الکتاب، ثُمّ: (*اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ*، ثم: *ن وَ الْقَلَمِ*...») . (5)

ص:84

ولا شکّ أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) کان یصلّی منذ بعثته، وکان یصلّی معه علی وجعفر وزید بن حارثة وخدیجة (1) و «لا صلاة لمن لم یقرأ بفاتحة الکتاب» (2)فقد ورد فی الأثر: أوّل ما بدأ به جبرئیل أن علّمه الوضوء والصلاة، (3) فلا بدّ أنّ سورة الفاتحة کانت مقرونة بالبعثة.

الجمع بین الأقوال: نحن لا نری تنافیاً جوهریّاً بین الأقوال الثلاثة؛ لأنّ الآیات الثلاثة أو الخمسة من أوّل سورة العلق إنّما نزلت تبشیراً بنبوّته (صلی الله علیه و آله) وهذا إجماع أهل الملّة، ثُمّ بعد فترة جاءته آیات-أیضاً-من أوّل سورة المدّثر، کما جاء فی حدیث جابر ثانیاً.

أمّا سورة الفاتحة فهی أوّل سورة نزلت بصورة کاملة وبسمة کونها سورة من القرآن کتاباً سماویّاً للمسلمین. ومن هنا صحّ التعبیر عن سورة الحمد بسورة الفاتحة، أی: أوّل سورة کاملة نزلت بهذه السمة الخاصّة، إذ لیس المراد من الفاتحة أنّها کتبت فی بدء المصاحف؛ لأنّ هذا الترتیب شیء حصل بعد وفاة النبی (صلی الله علیه و آله) أو لا أقلّ فی عهد متأخّر من حیاته-فرضاً-فی حین أنّها کانت تسمّی بفاتحة الکتاب منذ بدایة نزولها، کما یشیر إلیه قوله (صلی الله علیه و آله):

«لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب». (4)

ص:85

الجمع بین الأقوال: لا شکّ أنّ سورة النصر نزلت قبل براءة؛ لأنّها کانت بشارة بالفتح أو بمکّة عام الفتح (1) وبراءة نزلت بعد الفتح بسنة.

فطریق الجمع بین هذه الروایات: إنّ آخر سورة نزلت کاملة هی سورة النصر، فقال (صلی الله علیه و آله): أمّا أنّ نفسی نعیت إلیّ. وآخر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هی سورة براءة. وأمّا آیة: (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) فإن صحّ أنّها نزلت بمنی یوم النحر فی حجّة الوداع-کما جاء فی روایة الماوردی (2)-فآخر آیة نزلت هی آیة الإکمال-کما ذکرها الیعقوبی-لأنّها نزلت فی مرجعه (صلی الله علیه و آله) من حجّة الوداع ثامن عشر ذی الحجّة. وإلّا فلو صحّ أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) عاشر بعد آیة: (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) أحداً وعشرین یوماً أو سبعة أو تسعة أیّام، فهذه هی آخر آیة نزلت علیه (صلی الله علیه و آله).

والأرجح ما ذهب إلیه الیعقوبی، نظراً إلی أنّها آیة الإعلام بکمال الدّین، فکانت إنذاراً بانتهاء الوحی علیه (صلی الله علیه و آله) بالبلاغ والأداء. فلعلّ تلک الآیة کانت آخر آیات الأحکام، وهذه آخر آیات الوحی إطلاقاً.

الخلاصة

1. اختلفت الأقوال فی تعیین أولّ سورة نزلت من القرآن الکریم فقیل: إنّها سورة العلق، وقیل: إنّها سورة المدّثر، وقیل: إنّها سورة الفاتحة.

2. لا یوحد تنافی بین الأقوال الثلاثة علی اعتبار أنّ اّهل الملّة یجمعون علی أنّ بعض آیات سورة العلق هی التی نزلت أولاً، ثُمّ بعدها بفترة نزلت الآیات الاُولی من المدّثر، وأمّا الفاتحة فهی أوّل سورة کاملة نزلت علی صدر النبی، وبذلک یرتفع التعارض.

ص:87

3. واختلفت الأقوال أیضاً فی آخر سورة نزلت، هل هی النصر أو براءة أو آیة (وَ اتَّقُوا یَوْماً...) أو أنّها آیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ...) ؟ وقد عولجت هذه الأقوال بعدّة معالجات منها:

أ) إنّ آخر سورة نزلت کاملة هی النصر، وآخر سورة باعتبار مفتتحها هی سورة براءة.

ب) یرجح ان تکون آخر مانزل من الآیات هی آیة اکمال الدین، کما ذهب إلی ذلک الیعقوبی؛ لأنّها آیة الإعلان عن إکمال الدین، وقد تکون آیة (وَ اتَّقُوا یَوْماً...) هی آخر آیات الإحکام.

ص:88

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من الأقوال فی تحدید أوّل مانزل من السور هو:

أ) أوّل مانزل هو سورة المدثر.

ب) أوّل مانزل هو سورة ق.

ج) أوّل مانزل هو سورة الفاتحة.

د) أ و ج.

2. أوّل آیات نزلت هی آیات:

أ) النصر. ب) العلق.

ج) الفاتحة. د) المدثر.

3. أوّل سورة کاملة نزلت:

أ) الغاشیة. ب) براءة.

ج) العلق. د) الفاتحة.

4. من الأقوال المذکورة فی تحدید آخر ما نزل من القرآن:

أ) آخر مانزل سورة تبارک.

ب) آخر مانزل آیة (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) .

ج) آخر مانزل سورة براءة.

د) ب و ج.

ص:89

5. آخر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هی:

أ) النصر. ب) العلق.

ج) المدثر. د) لاشیء من ذلک.

6. الأرجح أنّ آخر آیة نزلت هی:

أ) آیة (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) .

ب) آیة براءة.

ج) إکمال الدین.

د) (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ...) .

ص:90

مکّی، وما نزل بعد ذلک ولو فی غیر المدینة حتّی لو نزل فی مکّة عام الفتح أو فی حجّة الوداع فهو مدنیّ.

الثانیة: ما نزل بمکّة وحوالیها-ولو بعد الهجرة-فهو مکّی، وما نزل بالمدینة وحوالیها فهو مدنیّ، وما نزل خارجاً عنهما فهو لا مکیّ ولا مدنیّ.

الثالثة: کلّ شیء نزل فیه «یا أیّها الناس» فهو بمکّة وکلّ شیء نزل فیه «یا أیّها الذین آمنوا» فهو بالمدینة. (1) قال الزرکشی:

لأنّ الغالب علی أهل مکّة الکفر، والغالب علی أهل مدینة الإیمان. (2)

والمشهور الذی جری علیه أکثر أهل القلم هو الاصطلاح الأوّل. (3)

الخلاصة

1. إنّ معرفة المکّی والمدنی فیه فوائد جمة؛ لأنّها تنفع الفقیه والمفسّر وتساهم فی معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاصّ ونحوه.

2. هناک ثلاث نظریات فی تحدید المکّی والمدنی:

الاُولی: ماکان قبل قبل الهجرة فهو مکّی، وما نزل بعدها فهو مدنی.

الثانیة: مانزل فی المدینة وأطرافها فهو مدنی، ومانزل فی مکّة وأطرافها ولو بعد الهجرة فهو مکّی.

الثالثة: ما ابتدأ ب-«یا أیّها الناس» فهو مکّی، وما ابتدأ ب-«یا أیّها الذین آمنوا» فهو مدنی.

3. المناط فی ترتیب السور هو فواتحها، فمن کانت آیاتها الاُولی قد نزلت أوّلاً کانت هی المقدّمة، والسورة التی نزلت فواتحها لاحقاً تکون متأخّرة عنها.

4. عمدة الروابات المعتمدة فی تعیین وترتیب السور هی روایة ابن عبّاس.

ص:92

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من فوائد معرفة المکّی والمدنی:

أ) تمییز الناسخ من المنسوخ. ب) إعانة المفسّر والفقیة.

ج) معرفة الخاصّ والعام. د) الکلّ صحیح.

2. مانزل قبل الهجرة وقبل وصوله إلی المدینة فهو:

أ) مکّی ومدنی. ب) مکّی.

ج) لامکّی ولامدنی. د) مدنی.

3. مانزل بعد الهجرة ولو بعد الفتح فهو:

أ) لامکّی ولامدنی. ب) مدنی ومکّی.

ج) مدنی. د) مکی.

4. مانزل خارج مکّة والمدینة فهو:

أ) مکّی. ب) مدنی.

ج) مکّی ومدنی. د) لامکّی ولامدنی.

5. السورة التی نزل فیها «یا أیّها الناس» هی......... والتی نزل فیها «یا أیّها الذین آمنوا» هی...........

أ) الاُولی مکّیة والثانیة مدنیة. ب) الاُولی مدنیة والثانیة مکّیة.

6. اذکر النظریات التی طرحها العلماء فی تعیین المکّی والمدنی.

ص:93

ص:94

الألمانی (نولدکه) فی کتابه تاریخ القرآن، وإلی الثانیة بعض من کتب فی هذا الموضوع ویمکن الجمع بین الطریقتین بأنّ الطریقة الاُولی لم تکن النصوص فیها وافیة بجمیع القرآن.

الخلاصة

1. هناک مرحلتان مر بهما التعرّف علی المکّی والمدنی:

الاُولی: اعتماد النصّ الروائی والنقل التاریخی وتسلسل زمن الأحداث.

الثانیة: اعتماد لحن الآیات واُسلوب عرضها وطبیعة المواضیع التی تناولتها.

2. ذهب إلی الطریقة الاُولی المستشرق الألمانی (نولدکه)، وإلی الثانیة بعض من دون فی هذا الموضوع.

3. وقد یمکن الجمع بین المرحلتین علی اعتبار أنّ المرحلة الاُولی لم تکن النصوص فیها مستوفیة جمیع آیات القرآن.

ص:96

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من ذهب إلی معالجة المکّی والمدنی عن طریق البیان القرآنی هو:

أ) السیّد الطباطبائی. ب) محمود البستانی.

ج) المستشرق الألمانی (نولدکه). د) أ و ج صحیح.

2. من مراحل التصرّف علی المکی والمدنی هو

أ) الاعتماد علی النصّ الروائی والنقل التاریخی.

ب) الاعتماد علی طبیعة النصّ القرآنی.

ج) أ وب صحیح.

د) أ وب خطأ.

ص:97

ص:98

للاختلاف فی تحدید المکّی والمدنی أو فی عدد المکیات من المدنیات، ومن ثَمّ جاء اختلافهم فی نیف وثلاثین سورة: إنّها مکّیات أم مدنیات.

والنظر فی هذا العرض کان إلی مفتتح السور، فالسورة إذا نزلت من أوّلها بضع آیات، ثُمّ نزلت اخری، وبعدها اکتملت الاُولی، کانت الاُولی متقدّمة علی الثانیة فی ترتیب النزول، حسب هذا الاصطلاح، لکن هذا التحدید لم یکن متفقاً علیه عند الجمیع.

ص:101

ص:102

ص:104

الخلاصة

1. من المتفق علیه هو تسلسل السور وترتیبها فی المصحف لیس هو الترتیب والتسلسل الذی نزل علی صدر النبی (صلی الله علیه و آله)، فمثلاً نشاهد أنّ المصحف الشریف یبدأ بسورة الفاتحة إلّا أنّ هذه السورة لم تکن قد نزلت أوّلاً بل سورة العلق وهکذا، والجدول المتقدّم یوضح ذلک جلیاً.

ص:105

2. عمدة الروایات التی شرحت ترتیب النزول هی روایة ابن عبّاس وما سقط منها أکمل بروایة جابر بن زید وغیره.

3. المناط فی تقدّم السورة علی غیرها هو نزول آیاتها الاُول فتتقدّم عن الآیات التی نزلت بعدها.

4. مجموع السور القرآنیة مئة وأربع عشرة سورة، وعدد السور المکّیة ست وثمانون سورة، وعدد السور المدنیة ثمان وعشرون سورة.

ص:106

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. جعل مفتتح السور ملاکاً فی تقدیم السورة وتأخّرها:

أ) متفق علیه. ب) مختلف فیه.

ج) یجری فی بعض السور دون اخری. د) یجری فی جمیع السور.

2. مَن القائل: وعلی هذا الترتیب استقرّت الروایة من الثقات.

أ) الیعقوبی ب) الزمخشری

ج) الطبرسی د) الزرکشی

3. عدد السور المکیة...... والمدنیة.......

أ) 86-20 ب) 28-86

ج) 86-28 د) 28-87

4. أکمل الجدول التالی مستعیناً بالجدول الموجود فی الدرس:

ص:107

ص:108

ص:109

ص:110

شریف ولمعرفته دور خطیر فی فهم معانی القرآن الکریم وحلّ معضلات التفسیر.

مثلاً: قوله تعالی: (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما...) . (1)

فقد اشکل علی بعض المفسّرین تعبیر «لا جناح علیه»، لأنّه لرفع الإثم ولیس للإلزام، فالآیة تکون دالّة علی جواز السّعی بین الصّفا والمروة لا الوجوب مع أنّ الوجوب إجماعیّ. لکن إذا عرفنا سبب نزولها لم یبق مجال لهذا الإشکال.

وذلک أنّ مراسم الحجّ والعمرة کانت معهودة منذ العهد الجاهلیّ غیر أنّ العرب کانوا قد لوّثوا هذه المشاعر ببدع أبدعوها، من ذلک أنّهم کانوا قد وضعوا علی الصّفا صنماً علی صورة رجل یقال له: «أساف»، وعلی المروة صنماً آخر علی صورة امرأة یقال لها: «نائلة»، زعموا أنّهما زنیا فی الکعبة فمسخهما الله حجرین، فوضعا علی الجبلین لیعتبر بهما. فلمّا طالت المدّة عبدتهما العرب جهلاً وسفهاً. فکانوا إذا طافوا بینهما مسحوهما تبرّکاً, ثُمّ لمّا جاء الإسلام وکسر الأصنام، تحرّج المسلمون عن الطواف بینهما، زعماً أنّه کان من بدع الجاهلیّة تقرّباً إلی الصنمین. فنزلت الآیة لترفع هذه الشبهة عن أذهان المسلمین. (2)

وبما أنّ الغالب علی أحادیث شأن النزول هو الضعف والجهالة والإرسال، لا بدّ

ص:112

من تقیید الاستناد إلی شأن النزول بألّا یکون مخالفاً لضرورة دین أو متنافراً مع بدیهة العقل.

مثلاً: روی البخاری ومسلم عن المسیّب، قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دخل علیه النبیّ (صلی الله علیه و آله) وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبی أمیّة، فقال النبیّ (صلی الله علیه و آله):

«أی عمّ، قل: لا إله إلّا الله، احاجّ لک بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله: «یا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟» فقال النبی (صلی الله علیه و آله): «لأستغفرنّ لک ما لم انْهَ عنک»، فنزلت (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ ) . (1)

مع أنّ أبا طالب (رحمه الله) مات قبل الهجرة بثلاث سنین، وکان عضداً قویّاً لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، أمّا آیة براءة فإنّها نزلت فی سنة التسع من الهجرة، أی بعد وفاة أبی طالب باثنتی عشرة سنة، هذا فضلاً عن الدلائل الوفیرة علی إسلام أبی طالب، ولا یقول بکفره إلّا ذوو الأحقاد علی الإسلام والمسلمین أحقاد بدر وحنین.

-بوجهها الخاصّ-مشکلة حاضرة، فإنّها-بوجهها العامّ-تعالج مشاکل الاُمّة علی مرّ الأیّام، غیر أنّ الوقوف علی تأویل القرآن وفهم بطون الآیات، إنّما هو من اختصاص الراسخین فی العلم.

مثلاً: قوله تعالی: (وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ ) . (1) هذه الآیة تبدو-فی ظاهرها-متعارضة مع آیات التوجّه فی الصلاة شطر المسجد الحرام، (2) ولکن مع ملاحظة سبب النزول، وأنّه دفع لشبهة الیهود ورفع لارتیابهم فی تحویل القبلة، یتبیّن أنّ لا معارضة، ویرتفع الإبهام عن وجه الآیة؛ لأنّ الاستقبال فی الصلاة والعبادات أمر اعتباریّ محض، ینوط باعتبار صاحب الشریعة فی مصالح یراها مقتضیة حسب الأحوال والأوضاع، ولیس وجه الله محصوراً فی زاویة القدس الشریف أو الکعبة المکرّمة.

وقد فهم الأئمّة (علیهم السلام) أمراً آخر أیضاً، استخرجوه من باطن الآیة، وأنّها تعنی جواز التطوّع بالنوافل إلی حیث توجّهت به راحلتک، أو اشتبهت القبلة، فتصلّی إلی أیّ جهات شئت.

الخطابات مع فئات معهودة، صدرت علی نحو القضیة الخارجیة، (1) فإنّها لا تعمّ بلفظها، وإن کانت قد تعمّ بملاکها، إذا کان قد احرز یقیناً.

مثلاً: قوله تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ ) . (2)

قال العلّامة الطباطبائی:

«لا یبعد أن یکون المراد هم الکفّار من صنادید قریش وکبراء مکّة الذین عاندوا ولجّوا فی أمر الدّین ولم یألوا جهداً فی ذلک، إذ لا یمکن استطراد هذا التعبیر فی حقّ جمیع الکفّار، وإلّا لانسدّ باب الهدایة. فالأشبه أن یکون المراد من «الذین کفروا» هاهنا وفی سائر الموارد من کلامه تعالی هم کفّار مکّة فی أوّل البعثة، إلّا أن تقوم قرینة علی خلافه... نظیر ما سیأتی أنّ المراد من قوله «الذین آمنوا» فیما اطلق فی القرآن من غیر قرینة علی إرادة الإطلاق، هم السابقون الأوّلون من المؤمنین. خصّوا بهذا الخطاب تشریفاً». (3)

نعم، هذا الحکم یسری فیمن شابه اولئک فی العناد واللّجاج مع الحقّ بعد الوضوح.

وهذا مَثَل لمن یخاطب شخصاً أو یتکلّم عن أمر وهو یرید غیره وعلی سبیل الکنایة والتعریض.

وقال (علیه السلام) أیضاً: «ما عاتب الله نبیّه فهو یعنی به من قد مضی فی القرآن، مثل قوله: (وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلاً) ، (1) عنی بذلک غیره (صلی الله علیه و آله)». (2) قوله «من قد مضی فی القرآن» أی مضی ذکره إشارة أو تلویحاً وربّما نصّاً. والأکثر أن یراد امّته (صلی الله علیه و آله) بالعتاب، ولا سیّما المؤمنون صدر الإسلام، کانوا علی قلقٍ واضطراب فی مواضعهم مع الکفّار.

الخلاصة

1. سمّیت أسباب النزول بذلک؛ لأنّها نزول الآیات القرآنیة کانت بداعی مناسبة معینة وحادثة خاصّة، فتأتی الآیة لتعالج تلک الحادثة.

2. بما أنّ الغالب علی روایات شأن النزول هو الضعف والجهل فقد اشترط فی الرجوع إلی أسباب النزل أمران: ألّا یکون مخالفاً لضرورة دینیة و لا ینافر مع بدیهة عقلیة.

3. إنّ ما رواه البخاری ومسلم، من أنّ قوله تعالی: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ ) . (1) نزل بحقّ أبی طالب غیر صحیح من وجهین: الأوّل: إنّ أبا طالب توفّی قبل الهجرة بثلاث سنین ونزول هذه الآیة کان فی السنة التاسعة للهجرة، والثانی: توافر الدلائل الکثیرة علی إسلام أبی طالب وموقفه من دعوة ابن أخیه محمد (صلی الله علیه و آله).

4. إنّ للآیات القرآنیة وجهاً مرتبطاً بالحادثة الواقعة-التی استدعت نزولها-ووجهاً آخر عامّاً تکون الآیات بذلک دستوراً کلّیاً یجری علیه المسلمون فیما بعد، وهذا مایصطلح علیه بالتأویل والتنزیل.

5. إنّما یصدر من منابع الوحی والرسالة بشأن بیان أحکام الله وتکالیفه للعباد، لیس یخصّ مورداً دون مورد، فعمل الفقهاء بإطلاق الحکم هنا، أجل لو کانت الخطابات علی نحو القضیة الخارجیة، عندئذٍ یجری الخطاب فی المورد الخاص.

6. نبطق قول العرب المشهور «إیّاک أعنی واسمعی یاجارة» علی الکثیر من الآیات القرآنیة الکریمة من قبیل قوله: (وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلاً) ، (2)

ص:117

فیکون المقصود بها غیر النبی (صلی الله علیه و آله)، کالمسلمون الأوائل أو عموم الاُمة، کما أشارت إلیه بعض الروایات الشریفة.

7. أفضل وسیلة للاهتداء إلی تعالیم القرآن ومفاهیمه هو اللّجوء إلی أبواب رحمة الله ومنابع فیضه القدسیّ، وهم أهل بیت الوحی؛ لأنّ أهل البیت أدری بما فیه.

ص:118

أسئلة الدرس

1. یشترط فی العمل بأسباب النزول:

أ) أن تکون موافقة لقواعد المحکم والمتشابه.

ب) ألّاتکون مخالفة لضرورة عقلیة ودینیة.

ج) أ و ب صحیح.

د) أ و ب خطأ.

2. لقد عالج سبب نزول قوله تعالی: (وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ ) . (1)

أ) شکّ الیهود فی تحویل القبلة من المسجد الأقصی إلی المسجد الحرام.

ب) انحراف صلاة المسلمین عن شطر المسجد الأقصی.

3. إنّ المراد ب-«الذین کفروا» فی قوله تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ...) هم:

أ) مشرکو احد. ب) مشرکو بدر.

ج) أهل الطائف. د) کفّار مکّة فی أوّل البعثة.

4. خیر وسیلة لفهم القرآن هی:

أ) دراسة علوم اللغة. ب) الترکیز علی أسباب النزول.

ج) الرجوع إلی أهل البیت (علیه السلام). د) قراءة القرآن بشکل مستمرّ.

ص:119

ص:120

قال تعالی: (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) . (1)

ثانیاً: آیات نزلت ابتداءً تتعلّق بشرح أحوال الاُمم الماضیة وسلوکیاتهم وتصرّفاتهم من قبیل شرح أحوال قوم هود ونوح وصالح وغیرهم من الأنبیاء.

ثالثاً: آیات نزلت بعد سؤال المسلمین أو بعد واقعة حدثت فی المجتمع الإسلامی فمثلاً سألوا الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) عن الروح فحادث الآیة تقول (... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِیلاً) . (2)

وهناک آیات اخری نزلت لبناء الإنسان من ناحیة عقائدیة وفکریة وآیات اخری تتعلّق بأحکام الإنسان العملیة، ولکن تلک الآیات لا تتعلّق بجهة نزول بقدر تعلّقها بشکل مباشر بالهدف الأساس من إنزال القرآن.

(وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ ) (1) لو قرأنا الآیة من دون التعرّف علی سبب النزول لتبادر إلی أذهاننا حکماً یقول: إنّنا نستطیع أن نتجه بالصلاة إلی أی جهة کانت عملاً بظاهر الآیة ولکن بعد الإطّلاع علی سبب نزول الآیة یتبدد ذلک التبادر؛ لأنّ الآیة نزلت فی ما یرتبط بنافلة السفر، فقد جاء فی تفسیر العیاشی عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی قوله تعالی: (وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ...) .

قال (علیه السلام):

«أنزل الله هذه الآیة فی التطوع خاصّة، (... فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ ) ، وصلی رسول الله (صلی الله علیه و آله) إیحاءً علی راحلته أینما توجّهت به حیث خرج إلی خیبر وحین رجع من مکّة وجعل الکعبة خلف ظهره.» (2)

ونقل فی ذلک أیضاً أنّها نزلت فی مجموعة من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) صلوا مع النبی فی لیلة مظلمة ولم یعرفوا القبلة وصلی کلٌ منهم علی حاله ونزلت الآیة بذلک لتوافق علی صلاتهم بهذه الحالة. (3)

فمعرفة السبب بدد الفهم الظاهری لألفاظ الآیات، بل إنّ عدم التعرّف علی السبب یؤدّی إلی تبادر حدوث التضاد بین الآیات الکریمة؛ لأنّ قبال هذه الآیة توجد آیة اخری تقول: (وَ حَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) . (4)

ممّا تشیر الآیة إلی أنّ الفرائض لا تصلّی إلّا باتجاه القبلة فیحدث التنافی مع الآیة المذکورة أعلاه لولا سبب النزول.

2. هناک آیات جاءت فیها أحکام نزلت بصیغة العموم، لکن هذه الأحکام مخصصة بالسبب الذی نزلت الآیة فیه فمثلاً قال تعالی:

ص:123

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ یُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِما لَمْ یَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ) . (1)

فالآیة المبارکة فیها صیغة العموم من ناحیة أنّ کلّ إنسان إذا فرح بما أوتی وأحب أن یُحمد علی ما لم یفعل فسوف یُعذب، ولکن بمراجعة سبب النزول نجد أنّ الآیة نزلت فی الیهود وهو المروی عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال:

«بأنّ الیهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وأهل الصلاة والصیام، ولیسوا أولیاء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة والصیام ولکنّهم أهل الشرک والنفاق.» (2)

3. إنّ معرفة السبب لنزول الآیة یساعد علی معرفة الزمان والمکان وحدود دائرة الحکم الوارد فی الآیة ومثاله:

قال تعالی: (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ...) . (3)

فعدم معرفة سبب نزول الآیة والزمان قد یسبب مشکلة فی فهم الآیة، فمن الآیة أعلاه فهم البعض أنّ الخمرة مباحة واحتجّ بها. (4)

ولکن معرفة سبب نزول الآیة یطرد هذا الاحتمال، والسبب هو أنّ الله تعالی لما أنزل تحریم الخمرة، وأنّها رجس من عمل الشیطان قال بعض المسلمین: کیف بإخواننا الذین ماتوا وهم یشربونها فنزلت الآیة لیس علی الذین آمنوا وعملوا الصالحات جناح فی....

4. معرفة السبب یساعد فی معرفة نوعیة الحکم الموجود فی الآیة فمثلاً قوله تعالی:

ص:124

(إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما...) . (1)

ظاهر الآیة أنّ السعی بین الصفا والمروة لیس واجباً وإنّما هو سائغ ولیس فیه حرمة، ویُستفاد ذلک من قوله (فلا جناح) ولکن بمعرفة سبب النزول یُستبعد ذلک الحکم فقد روی عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال:

«إنّه کان ذلک فی عمرة القضاء وذلک أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) شرط علیهم أن یرفعوا الأصنام فشاغل رجل من أصحابه حتّی اعیدت الأصنام فجاؤوا إلی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقیل له: إنّ فلاناً لم یطف، وقد اعیدت الأصنام فنزلت الآیة «فلا جناح علیه أن یطوف بهما» أی والأصنام علیها.» (2)

ومن خلال هذا السبب فهم أنّ التسویغ لیس مجرد, وإنّما بسبب معین ذکر فی الآیة.

فمعرفة أسباب النزول لها أهمّیة کبیرة فی معرفة امور کثیرة سواء ما تتعلّق بالحکمة الباعثة علی تشریع الأحکام أو فیما یتعلّق بالمعنی وحدود ذلک المعنی وغیر ذلک من امور تکتنف الآیة.

الخلاصة

1. أسباب النزول: ما نزل بسببه آیة أو أکثر توضحه أو تجیب عنه أو تبینه.

ص:125

2. تنقسم الآیات القرآنیة من حیث أسباب النزول إلی:

أوّلاً: آیات تتعلّق بعرض الاُمور المستقبیلة.

ثانیاً: آیات تتعلّق بشرح أحوال الاُمم السابقة.

ثالثاً: آیات تتعلّق بالإجابة عن أسئلة المسلمین.

3. النتائج التی یمکن الحصول علیها من خلال دراستنا لأسباب النزول، هی:

أوّلاً: الإحاطة بأبعاد الآیات القرآنیة ومعرفة مقاصدها.

ثانیاً: تقیید عموم الآیات القرآنیة وتخصیص عموماتها.

ثالثاً: تشخیص دائرة الأحکام من ناحیة الزمان والمکان.

رابعاً: التعرّف علی نوع الأحکام الموجودة فی الآیات وطبیعة متعلّقاتها.

ص:126

أسئلة الدرس

اختر الإجابة صحیحة:

1. متعلّق الآیة الکریمة: (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) ، (1) هو:

أ) بیان حال الاُمم السابقة.

ب) جواب عن سؤال المسلمین.

ج) تتعلّق بحادثة قد وقعت.

د) الاُمور المستقبیلة.

2. الآیة التی نزلت بعد سؤال المسلمین، هی:

أ) (... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِیلاً) . (2)

ب) (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ یُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِما لَمْ یَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ) . (3)

ج) (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما...) . (4)

د) لاشیء من ذلک.

ص:127

3. إنّ سبب النزول فی قوله تعالی: (وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ ) (1) هو:

أ) تحدید القبلة ب) نافلة السفر

ج) الیهود د) بعض الصحابة

4. إنّ فائدة تحدید سبب النزول فی قوله تعالی: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ یُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِما لَمْ یَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ) (2) هو:

أ) التعرّف علی نوع الحکم. ب) معرفة زمان ومکان الآیة.

ج) معرفة ناسخ الآیة. د) تقیید عموم الآیة بالیهود.

5. نزل قوله تعالی: (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ...) (3) فی:

أ) فی المسلمین الذین ماتوا وکانوا قد تناولوا الخمر.

ب) فیمن قتل فی معرکة احد.

ج) أ و ب صحیح.

د) أ و ب خطأ.

ص:128

لا یحل القول فی أسباب نزول الکتاب إلّا بالروایة والسماع ممّن شاهدوا التنزیل ووقفوا علی الأسباب. (1)

3. جاءت بعض أسباب النزول من قبل التابعین وهذه الأسباب تواجه جملة من الإشکالات ابتداءً من مدی حجّیة أقوال التابعین وعدمها ومروراً بکیفیة اطلاع التابعین علی هذه الأسباب وغیر ذلک.

4. قلّة الروایات الواردة فی أسباب النزول ولهذا یقول السیوطی:

الروایات التی لدینا عن الرسول الأکرم فیما یرتبط بالقرآن لا تتجاوز (248) روایة وبین هذه الروایات عدد کبیر من الروایات الضعیفة والمرسلة.

5. الکثیر من أسباب النزول هی اجتهادات شخصیة، بل إنّ السید الطباطبائی قال:

أسباب النزول کلّها أوجلها نظریة بمعنی أنّهم یرون غالباً الحوادث التاریخیة، ثُمّ یشفعونها بما یقبل الانطباق علیها من الآیات الکریمة فیعدّونها أسباب النزول، وربّما أدّی ذلک إلی تجزئة آیة واحدة أو آیات ذات سیاق واحد، ثُمّ نسبة کلّ جزء إلی تنزیل واحد مستقل وإن أوجب ذلک اختلال نظم الآیات وبطلان سیاقها، وهذا أحد أسباب الوهن فی نوع الروایات الواردة فی أسباب النزول. (2)

6. اختلاف المذاهب والتوجّهات الشخصیة والمیول المذهبیة والطائفیة کان له مدخل فی توجیه أسباب النزول یقول السیّد الطباطبائی:

إنّ لاختلاف المذاهب تأثیراً فی لحن هذه الروایات وسوقها إلی ما یوجه به المذاهب الخاصة. (3)

7. وهناک سبب آخر فی بیان الأسباب الحقیقیة للآیات أو عدم بیانها وهو السبب السیاسی الذی أدّی إلی تشرذم الاُمة وتمحورها حول اطر ضیقة وجهت

ص:130

الموروث الدینی من خلالها یقول السیّد الطباطبائی:

إنّ للأجواء السیاسیة والبیئات الحاکمة فی کلّ زمان أثراً قویاً فی الحقائق من حیث إخفائها أو إبهامها. (1)

فهذه الأسباب أدّت إلی ضعف الاهتمام بأسباب النزول مع أهمّیتها، ولکن هذا لا یعفی الباحث من جهة التقصّی والتحقیق الموضوعی المجرّد من النزعات النفسیة والمذهبیة للوصول إلی فهم دقیق للآیات من خلال أسباب النزول ولهذا تمّ البحث عن المرجّحات فی هذا المجال فقیل: کثیراً ما یذکر المفسّرون لنزول الآیة أسباباً متعددة نزلت فی کذا، والآخر، نزلت فی کذا وذکروا اموراً اخری، فقد تقدّم أنّ هذا یراد به التفسیر لا ذکر سبب النزول فلا منافاة بین قولیهما. وإن عبر واحد بقوله: نزلت بکذا وصرح آخر بذکر سبب خلافه فهو المعتمد وذاک استنباط وإن ذکر واحد سبباً وآخر سبباً غیره، فإن کان إسناد أحدهما صحیحاً دون الآخر فهو الصحیح المعتمد... الحال الرابع: أن یستوی الإسنادان فی الصحّة فیرجّح أحدهما بکون روایة حاضر القصة أو نحو ذلک من وجوه الترجیحات... الحال الخامس: أن یمکن نزولها عقیب السببین والأسباب المذکورة بأن تکون معلومة التباعد فیحمل علی ذلک.

الحال السادس: ألا یمکن ذلک فیحمل علی تعدد النزول وتکرره. (2)

فکلّ ما ذکره السیوطی قد لا یکون موضوعیاً. نعم، هو طریق للجمع وعدم التفریط بما ذکر من أسباب، ولکن المفروض اتّباع طریقة معتبرة للوصول إلی السبب الصحیح وهذه الطریقة هی:

1. إذا کانت الروایات واردة عن طریق الرسول الأکرم أو أحد الأئمة المعصومین فیتم اخضاعها لشروط قبول الروایة وعدمها.

ص:131

2. إذا کانت الروایات واردة من طریق الصحابة أو التابعین فلا یکفی صحّة السند إلیهما، وإنّما تحتاج إلی التأکّد أنّ ذلک لیس اجتهاداً منهم فی فهم الآیات الکریمة.

3. اتّباع طریقة تجمیع القصاصات الوثائقیة من خلال معرفة القرائن المختلفة للوصول إلی السبب الموضوعی العلمی من خلال العرض علی الآیة والمواقف وما شابه ذلک.

الخلاصة

1. إنّ حجّیة أسباب النزول تواجه مشاکل عدیدة منها: وجود الدس والتزویر فیها، وقوف الروایة علی بعض الصحابة والتابعین، قلة الروایات الواردة فی هذا المجال، دخول اللغط السیاسی وتأثیره علی تمحیص أسباب النزول و....

2. ذکر البعض مجموعة من المرجحات مثل: لو عبر واحد بقوله نزلت بکذا وصرح آخر بذکر سبب خلافه، فهو المعتمد، وذاک استنباط. وإن ذکر واحد سبباً وآخر سبباً غیره، فإن کان إسناد أحدهما صحیحاً دون الآخر فهو الصحیح المعتمد...، ولکن هذه ا لمرجحات لایمکن الاعتماد علیها دائماً.

3. الطرق الصحیحة للوصول إلی صحّة الروایة، هی:

أوّلاً: إخضاع الروایة لقواعد الحدیث لو کانت مرویة عن النبی وأهل بیته (علیهم السلام).

ثانیاً: التأکّد من عدم اجتهاد الصحابة لوکانت مرویة عنهم.

ثالثاً: جمع القصاصات الوثائقیة وعرضها علی الآیات والقرائن الاُخری.

ص:132

أسئلة الدرس

1. اختر الإجابة الصحیحة:

أ) روایات أسباب النزول تواجه مشاکل عدیدة.

ب) تواجه مشاکل قلیلة تخصّ دلالتها فقط.

ج) تواجه مشاکل ترتبط بالسند فقط.

د) أ و ب صحیح.

2. یمکن الأخذ بقول الصحابة والتابعین فی تفسیر القرآن بشرط:

أ) کونهم من المهاجرین. ب) انسجامها مع منطوق الآیة.

ج) علمنا بأنّها لیست اجتهاداً منهم. د) کونهم من الأنصار.

3. اختر الجواب الصحیح:

أ) الکثیر من أسباب النزول هی قواعد عامة.

ب) الکثیر من أسباب النزول اجتهادات شخصیة.

ج) بعض أسباب النزول قواعد عامة و بعضها اجتهادات شخصیة.

د) أ و ب صحیح.

4. من المشاکل التی تواجهها روایات أسباب النزول، هی:

أ) تعدد المذاهب والمیول الشخصیة

ب) قلّة الروایات الواردة فی أسباب النزول

ج) صعوبة النصّ القرآنی

د) أ و ج خطأ

ص:133

5. من أهمّ الأسباب التی أدّت إلی إخفاء الحقائق وإبهامها هو...

أ) اجتهادات

ب) الفاصلة الزمنیة بیننا وبین عصر النصّ

ج) الجهل بأسباب النزول

د) العامل السیاسی

6. اختر الجواب الصحیح:

أ) من الطرق المعتبر ة فی معالجة روایات أسباب النزول هی إخضاع الحدیث إلی قواعد قبول الروایة.

ب) جمع القصاصات الوثائقیة لیست من الطرق المعتبرة فی معالجة روایات أسباب النزول.

ص:134

فواقعة الفیل لم تکن فی زمن الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله)، وإنّما فی فترات سابقة، ولکن جاءت الآیات المبارکة لتوضیح هذه الأحداث وتشرحها للمسلمین، لکن الواحدی فی أسباب النزول عمم شأن النزول إلی أکثر من ذلک وذکر ما معناه: إنّ شأن النزول بمعنی بیان الآیة فی أی مطلب نزلت، ولکن سبب النزول یعنی السبب الموجب لنزول الآیة وسبب النزول غالباً مقارناً لنزول الآیة أمّا شأن النزول أعم من ذلک. (1)

مع امرأته إن أخبر بما یری جلد ثمانین جلده وإن التمس أربعة شهداء قضی الرجل منها حاجته وانصرف... فأنزل الله تعالی: (وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِینَ* وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَیْهِ إِنْ کانَ مِنَ الْکاذِبِینَ ) . (1)

فإذا ما خصصنا هذا الحکم بخصوص السائلین لرسول الله (صلی الله علیه و آله) فسوف تتوقّف أحکام القرآن عن التطبیق لعدم العمومیة فیها وهذا یخالف الرسالة التی جاء بها القرآن بأنّها بیان للناس کافّة.

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِینَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ أُوذُوا فِی سَبِیلِی وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ) . (1)

وأنزل أیضاً جواباً لاُم سلمة: (إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِینَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِینَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِینَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِینَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِینَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِینَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاکِرِینَ اللّهَ کَثِیراً وَ الذّاکِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً) . (2)

الخلاصة

1. سبب النزول هو الحوادث الواقعة التی تنزل الآیة لعلاجها، وشأن النزول هو الآیات الشارحة لحال الاُمم السابقة.

2. إنّ الآیات الناظرة لحادثة معینة لا یمکن أن تنحصر بها فقط، بل تکون عامّة لجمیع الحوادث المشابهة، فلو قلنا: إنّ الآیة ینحصر دورها فی السبب الذی نزلت فیه لأصبح القرآن کتاباً تاریخیاً.

3. قد یحدث تکرر نزول الآیة تبعاً لتکرر سببه فیتعدد السبب، ولکن یبقی النازل واحداً، ووجه ذلک هو تعظیم ورفع لمنزلة تلک الآیة، ومثال ذلک سورة الإخلاص.

4. وقد یتعدد النازل ویتّحد السبب، مثاله ما قیل فی سؤال ام سلمة لرسول الله (صلی الله علیه و آله): یا رسول الله لا أسمع الله ذکر النساء فی الهجرة بشیء.

ص:138

أسئلة الدرس

1. اختر الإجابة الصحیحة:

أ) سبب النزول هو الحوادث والوقائع التی تؤدّی إلی نزول الآیة.

ب) سبب النزول هو الآیات التی تخبر عن الاُمم السابقة.

ج) أ وب صحیح.

د) أ وب خطأ.

2. نستنتج من قوله تعالی (أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحابِ الْفِیلِ ) :

أ) سبباً نزولیاً. ب) شأناً نزولیاً.

ج) عمارة الکّعبة. د) أ وب خطأ.

3. یشیر قول الإمام الباقر (علیه السلام): یجری کما تجری الشمس والقمر... إلی:

أ) حرکة الشمس والقمر.

ب) عظمة القرآن.

ج) عدم اختصاص الآیات بالوقائع التی نزلت فیها.

د) تعدد أسباب النزول.

4. یلزم من تخصیص الأحکام بمن سأل رسول الله (صلی الله علیه و آله):

أ) ضیاع الکثیر من الآیات.

ب) توقّف احکام القرآن عن التطبیق وبالتالی مخالفة هدف الرسالة الأساسی.

ج) إیذاء النبی.

د) عدول المسلمین عن إسلامهم

ص:139

5. الذی یبرر نزول الآیة مرّتین عند تعدد سببها هو:

أ) طلب رسول الله لذلک. ب) رفع شأن الآیة.

ج) تعظیم الآیة النازلة. د) ب وج.

6. اختر الجواب الصحیح:

أ) إنّ ما نتج عن سؤال ام سلمة لرسول الله هو من باب تعدد السبب واتّحاد النازل.

ب) إنّ ما نتج عن سؤال ام سلمة لرسول الله هو من باب تعدد النازل واتّحاد السبب.

ص:140

علی مختلف آرائهم فی سائر المواضیع، ومن ثَمّ لم یتردّد أحدٌ من علماء الأدب والبیان فی آیة قرآنیّة جاءت مخالفة لقواعد رسموها، فی أخذ الآیة حجّة قاطعة علی تلک القاعدة وتأویلها إلی ما یلتئم وترکیب الآیة، وذلک علماً منهم بأنّ النظم الموجود فی الآیة وحیٌ لا یتسرّب إلیه خطأ البتّة، وإنّما الخطأ فیما استنبطوه من قواعد مرسومة.

مثال ذلک قوله تعالی: (وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنّاسِ...) . (1) فزعموا أنّ الحال لا تتقدّم علی صاحبها المجرور بحرف، والآیة جاءت مخالفة لهذه القاعدة. ولجأ ابن مالک إلی نبذ القاعدة؛ لأنّها مخالفة للآیة، قال:

وَسَبقَ حالٍ ما بحرفٍ جُرَّ قَدْ أبَوا ولا أمنَعُهُ فَقَدْ وَرَدَ

(تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) فأشار جبرئیل أن توضع بین آیتی الربا والدین من سورة البقرة. (1)

وربّما کانت السورة تفتتح، وقبل أن تکتمل، تفتتح سورة اخری وتکتمل الأخیرة قبل أن تکتمل الاُولی، وذلک کان بأمر النبی (صلی الله علیه و آله) وبإشارته، کما فی سورة البقرة، هی أوّل سورة ابتدئ نزولها بالمدینة بعد الهجرة، لکنّها استمرّ نزولها سنوات، إذ فیها الکثیر من الآیات نزلن فی هذه الفترات المتأخّرة، منها: آیة (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما...) . (2) إنّها نزلت عندما تحرّج المسلمون من السعی بین الصفا والمروة لمکان أساف ونائلة علیهما، وکان المشرکون وضعوهما علی الجبلین یطوفون بهما ویلمسونهما. فنزلت الآیة دفعاً لتوهّم الحظر. الأمر الذی یستدعی نزولها بعد صلح الحدیبیة فی عمرة القضاء، (3) وهو عام الستّ من الهجرة، أو لعلّ النبی (صلی الله علیه و آله) أمر بوضع الآیة فی هذا الموضع من السورة. والله العالم.

الخلاصة

1. لقد مرّ علی جمع القرآن أدوار عدیدة، ابتدأت بالعهد الرسالی، وانتهت بدور توحید المصاحف علی عهد عثمان، ثُمّ إلی عهد الخلیل بن أحمد النحویّ الذی أکمل تشکیله بالوضع الموجود.

2. الأشکال المتصوّرة فی تألیف النصّ القرآنی ثلاثة:

أوّلاً: نظم کلماته بصورة جمل وتراکیب کلامیّة ضمن الآیات.

ثانیاً: تألیف آیاته ضمن السّور.

ثالثاً: ترتیب السور بین دفّتین علی صورة مصحف کامل.

ص:144

3. إنّ نظم الکلمات والجمل والتعابیر فی القرآن، کلّها کانت بفعله تعالی؛ لأنّ القسط الأوفر من إعجاز القرآن کامناً وراء هذا النظم البدیع.

4. تألیف الآیات ضمن کلّ سورة، علی الترتیب الموجود، یرجع علی الأرجح إلی نزول «بسم الله الرحمن الرحیم» فعندما تنزل یعلم أنّ السورة السابقة انتهت وقد بدأت سورة اخری.

5. هناک عامل آخر یساهم فی ضم الآیات إلی سورة معینة، وهو أمر النبی أو جبرئیل فتوضع الآیة فی السورة التی امرا بها.

ص:145

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من أکمل المصحف علی وضعه الموجود هو:

أ) عثمان بن عفان ب) الخلیل بن أحمد النحوی

ج) الخلیل بن أحمد الفراهیدی د) م و ب صحیح

2. من مراحل جمع القرآن:

أ) تألیف آیاته ضمن السّور.

ب) ترتیب السور بین دفّتین علی صورة مصحف کامل.

ج) أ وب خطأ.

د) أ وب صحیحان.

3. الدلیل علی نظم کلمات المصحف من قبله تعالی:

أ) اتفاق کلمة الاُمة. ب) جمع المصحف فی زمن أبی بکر.

ج) إملاء جبرئیل علی النبی. د) لاشیء من ذلک.

4. أوّل سورة ابتدأ نزولها فی المدینة:

أ) التین ب) النور

ج) البقرة د) الحدید

ص:146

هذا هو المعروف عن رواة الآثار وعند الباحثین عن شؤون القرآن، منذ الصدر الأوّل إلی یومنا هذا، ولکن مع ذلک نجد من ینکر ذلک التفصیل فی جمع القرآن، ویری أنّ القرآن بنظمه القائم وترتیبه الحاضر کان قد حصل فی حیاة الرسول (صلی الله علیه و آله).

وقد ذهب إلی هذا الرأی جماعة من علماء السلف ووافقهم علم الهدی السیّد المرتضی واستدلّ علی ذلک بأنّ القرآن کان یدرس ویحفظ جمیعه فی ذلک الزمان حتّی عیّن جماعة من الصحابة فی حفظهم له، وأنّه کان یعرض علی النبی (صلی الله علیه و آله) ویتلی علیه. وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود واُبیّ بن کعب وغیرهما ختموا القرآن علی النبی (صلی الله علیه و آله) عدّة ختماتٍ. وکلّ ذلک یدلّ بأدنی تأمّل علی أنّه کان مجموعاًمرتّباً. (1)

لکن حفظ القرآن هو بمعنی حفظ جمیع سوره التی اکتملت آیاتها، سواء کان بین السور ترتیب أم لا. وهکذا ختم القرآن هو بمعنی قراءة جمیع سوره من غیر لحاظ ترتیب خاصّ بینها. أو الحفظ کان بمعنی الاحتفاظ علی جمیع القرآن النازل لحدّ ذاک والتحفظ علیه من الضیاع والتفرقة، وهو لا یدلّ علی وجود ترتیب خاصّ بین سوره کما هو الآن.

الخلاصة

1. هناک قولان فی زمان ترتیب السور:

الأوّل: إنّها رتبت بعد رحلة الرسول (صلی الله علیه و آله) لعدم انقطاع والوحی فی حیاته، وهوالمشهور.

الثانی : إنّها رتبت فی حیاته (صلی الله علیه و آله)، وقد ذهب إلی هذا القول السیّد المرتضی.

ص:148

2. واستدلّ علی القول الأوّل بقول الامام الصادق:

«یا علی، القرآن خلف فراشی فی الصحف والحریر والقراطیس، فخذوه واجمعوه ولا تضیّعوه». (1)

وعلی القول الثانی القرآن کان یدرس ویحفظ جمیعه فی ذلک الزمان.

3. قد یناقش القول الثانی بأنّ الحفظ بمعنی حفظ جمیع سوره التی اکتملت آیاتها، أو بمعنی المحافظة علی مانزل من القرآن من التلف والضیاع.

ص:149

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. یذهب السیّد المرتضی إلی أنّ ترتیب السور قد حصل...

أ) علی عهد علی بن أبی طالب (علیه السلام) ب) علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله)

ج) بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) د) علی عهد أبی بکر

2. یستدلّ بقوله (علیه السلام): «یا علی، القرآن خلف فراشی فی الصحف والحریر والقراطیس، فخذوه واجمعوه ولا تضیّعوه»

أ) علی جمع القرآن فی حیاة النبی.

ب) علی ضرورة المحافظة علی القرآن.

ج) علی ترتیب السور بعد وفاته.

د) لاشیء من ذلک.

3. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) فما دام الوحی غیر منقطع لا یصحّ تألیف السور مصحفاً إلّا بعد الاکتمال وانقطاع الوحی().

ب) المشهور عند الباحثین فی علوم القرآن أنّ ترتیب السور وقع فی زمن النبی().

ص:150

المرحلة الثانیة: کتابة الآیات علی ألواح من اللخاف (1) أو العسیب (2) أو الرقاع (3) أو الأکتاف (4) أو الأقتاب، (5) وهذه الألواح تبقی مبعثرة غیر مجموعة، فهذه العملیة أیضاً تسمّی عملیة جمع القرآن، ویشهد لذلک ما ورد عن مصعب بن سعد، قال: قام عثمان یخطب الناس فقال: أیّها الناس عهدکم بنبیکم منذ ثلاثة عشرة وأنتم تمترون فی القرآن تقولون قراءة أبی وقراءة عبد الله... فاعزم علی کلّ رجل منکم کان معه من کتاب الله شیء لما جاء به فکان الرجل یجیء بالورق والأدیم فیه القرآن حتّی جمع من ذلک کثیر، (6) فالروایة تشیر إلی أنّ القرآن کان مجموعاً عند الناس، و أنّه مکتوب علی الورق والأدیم.

المرحلة الثالثة: جمع القرآن یطلق علی القرآن المجموع بین دفتین بحیث جمعت کلّ آیاته فی سور منتظمة وجُمعت سورة فی مصحف واحد، ولعلّ ما ورد فی الأحادیث من أنّ عثمان أرسل إلی حفصة لیأخذ المجموع عندها لینسخه دلیل علی ذلک.

المرحلة الرابعة: تطلق عملیة جمع القرآن علی مسألة توحید المصحف علی قراءة واحدة بعد أن کان یقرأ بقراءات متعددة ومتنوعة، وهذا ما تشیر إلیه الروایات الواردة فی اختلاف الصحابة فی القراءة، بحیث دفع حذیفة بن الیمان إلی أن یراجع عثمان فی ذلک لیوحد ویجمع القرآن، ولهذا نجد أنّ عثمان أمر اللجنة المکلفة بالجمع علی هذا المعنی فی حالة حدوث اختلاف بینهم فلیکتُب بلغة قریش؛ لأنّه نزل بلسانهم.

ص:152

هذه المراحل الأربعة کلّها تطلق علیها لفظة جمع القرآن، وسنحاول تتبع هذه المراحل منذ زمن الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) إلی عصر الخلفاء لنری معنی الجمع فی کلّ فترة زمنیة معینة.

الخلاصة

1. لقد مرّ جمع القرآن الکریم بأربعة أدوار:

الأوّل: حفظ القرآن فی قلوب المسلمین، أو فی صدر نبیه.

الثانی: تدوین آیاته وسوره علی الألواح والقراطیس.

الثالث: جمع الآیات والسور بین دفتین.

الرابع: توحید القرآن بقراءة واحدة.

2. إنّ مصدر وسند کلّ مرحلة من المراحل المتقدّمة هو الروایات والنقل التاریخی.

3. یطلق علی کلّ مرحلة من هذه المراحل: جمع القرآن.

ص:153

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من مراحل جمع القرآن:

أ) تعلیمه للصحابة ب) توحیده بقراءة واحدة

ج) کتابته علی الألواح د) ب وج

2. قوله تعالی ( لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ...) یشیر إلی:

أ) حفظ القرآن فی صدر النبی.

ب) الحفاظ علی نصّ الآیات القرآنیة.

ج) النهی عن اللحن فی قراءة الآیات.

د) لاشیء من ذلک.

3. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) کان المصحف یقرأ بقراءة واحدة().

ب) أمرت السلطة الحاکمة آنذاک بأن یکتُب القرآن بلغة قریش؛ لأنّه نزل بلسانهم().

ص:154

جمعتها، ولیس منه آیة وقد أقرأنیها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلّمنی تأویلها، أن تقولوا غداً: إنّا کنّا عن هذا غافلین!». فقام إلیه رجل من کبار القوم-وفی روایة أبی ذرّ: فنظر فیه فلان وإذا فیه أشیاء (1)-فقال یا علیّ، اردده فلا حاجة لنا فیه، ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إلیه فدخل علیّ (علیه السلام) بیته. (2)

وهذا المصحف یتوارثه أوصیاؤه الأئمّة من بعده، واحداً بعد واحدٍ لا یرونه لأحدٍ. (3) وفی عهد عثمان حین اختلفت المصاحف وأثار ضجّة بین المسلمین، قال طلحة للإمام (علیه السلام):

ما یمنعک-یرحمک الله-أن تخرج کتاب الله إلی الناس؟ قال (علیه السلام): «یا طلحة, عمداً کففت عن جوابک. فأخبرنی عمّا کتبه القوم أقرآن کلّه أم فیه ما لیس بقرآن؟»، قال طلحة: بل قرآن کلّه. قال (علیه السلام): «إن أخذتم بما فیه، نجوتم من النّار ودخلتم الجنّة»، قال طلحة: حسبی، أمّا إذا کان قرآناً فحسبی. (4)

وهذه الفکرة أبدها عمر بن الخطّاب، واقتراح علی أبی بکر-وهو ولی المسلمین یوم ذاک-أن ینتدب لذلک من تتوفر فیه شرائط القیام بهذه المهمّة الخطیرة، فوقع اختیارهم علی زید بن ثابت، وهو شابّ حدث وله سابقة کتابة الوحی أیضاً، فقد ملک الجدارة الذاتیّة من غیر أن یخشی منه علی جوانب الخلافة الفتیّة فی شیء، کما کان یخشی من غیره من کبار الصحابة، وفیهم شیء من الجموح وعدم الانقیاد التامّ لمیول السلطة وأهدافها آنذاک.

حاملیه، فدوّنت فی صحف وجعلت فی إضبارة، واُودعت عند أبی بکر مدّة حیاته، ثُمّ عند عمر بن الخطّاب حتّی توفّاه الله، فصارت عند ابنته حفصة، وهی النسخة التی أخذها عثمان لمقابلة المصاحف علیها، ثُمّ ردّه علیها، وکانت عندها إلی أن ماتت، فاستلبها مروان من ورثتها حینما کان والیاً علی المدینة من قبل معاویة، فأمر بها فشقّت. (1)

الخلاصة

أوّل من تصدّی لجمع المصحف وشرحه وتریبه بعد وفاة النبی هو علی بن أبی طالب (علیه السلام) بوصیة وأمر من الرسول (صلی الله علیه و آله).

أ) اعتذر الإمام علی عن المبایعة بسبب جمعه للقرآن، ولما أعلن عن جمعه له لم یقبلوه منه. وبقی مصحف علی یتوارثه الأئمة واحداً بعد واحد.

ب) بعد أن رفض مصحف علی وقتل الکثیر من الحفاظ والقراء لزم التفکیر الجدی بضرروة جمع القرآن، فاقترح عمر علی أبی بکر ذلک حتّی وقع اختیارهم علی زید بن ثابت.

ج) انتدب زید بن ثابت لجنة مکونة من خمسة وعشرین لجمع القرآن فیلتقون فی باب المسجد فیجمعون ما بأیدیهم من أیات قرانیة، وکان عمر یشرف علی ذلک بنفسه.

د) إنّ منهج زید فی جمع القرآن لم یکن مرتباً أو منظماً، بل کلّ همه هو حفظ القرآن من التلف والضیاع.

ه) کان یتسم المصحف الذی جمعه الصحابة بطابع منهجی واضح وهو تقدیم السور الطوال علی القصار، وهو قریب من المصحف الموجود بأیدینا.

ص:159

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من القائل: ما نزلت آیة علی رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلّا أقرأنیها وأملأها علیّ فأکتبهابخطّی...

أ) زید بن ثابت ب) علی بن أبی طالب (علیه السلام)

ج) عمر بن الخطاب د) حفصة بنت عمر

2. اعتذر الامام علی عن المبایعة ب-........... فسکتوا عنه أیاماً.

أ) تأبین النبی والحزن علیه ب) مرض فاطمة (س)

ج) جیش اسامة د) جمع القرآن

3. الذی اقترح علی أبی بکر انتداب جماعة لجمع القرآن هو:

أ) سعد بن أبی وقاص ب) علی بن أبی طالب (علیه السلام)

ج) عمر بن الخطاب د) لیس واحد من هؤلاء.

4. النسخة التی اعتمدها عثمان لمقابلة المصاحف علیها:

أ) النسخة التی جمعها زید بن ثابت.

ب) النسخة التی جمعها علی بن أبی طالب (علیه السلام).

ج) النسخة التی کانت محفوظة لدی حفصة.

د) أ و ج.

ص:160

5. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) کان أهل الکوفة یقرؤون علی مصحف عبد الله بن مسعود وأهل البصرة علی مصحف أبی موسی الأشعری. وأهل الشام علی مصحف ابیّ بن کعب().

ب) کان أهل الکوفة یقرؤون علی مصحف أبی موسی الأشعری وأهل البصرة علی مصحف ابیّ بن کعب. وأهل الشام علی مصحف عبد الله بن مسعود().

ص:161

ص:162

بل إنّ الرسول کان یشجع علی حفظ القرآن بحیث شاع حفظه بین الرجال والنساء حتّی وصل الأمر أنّ المرأة تجعل مهرها سورة من القرآن، ولهذا ینقل ابن کثیر عن سهل بن سعد قال:

إنّ امرأة أتت النبی (صلی الله علیه و آله) ووهبت نفسها إلیه، فقال: مالی من النساء من حاجة، فقام رجل فقال: زوجنیها یا رسول الله؟ فقال: أعطها ثوباً، قال: لا أجد.

قال: أعطها ولو خاتماً من حدید فاعتل له.

فقال: ما معک من القرآن.

قال: کذا وکذا.

قال النبی: زوجتکها بما معک من القرآن. (1)

وکان الرسول (صلی الله علیه و آله) یحث المسلمین علی تعلم القرآن وحفظه، بل إنّ هناک أسباباً اخری تدفع المسلمین إلی حفظ القرآن، منها:

1. یُعتبر القرآن بالنسبة للمسلمین منهجاً عاماً لهم فی حیاتهم یتعلمون منه الحلال والحرام فی عباداتهم ومعاملاتهم.

2. الحالة الاجتماعیة التی یتمیز بها حفاظ القرآن قد تکون عامل مهمّ تدفع المسلمین الأوائل إلی حفظ القرآن.

فمسألة جمع القرآن بمعنی الحفظ کان علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله).

أمّا الجمع للآیات فی داخل السور، والسور فی داخل المصحف الشریف، فقد ورد لدینا الکثیر من الأحادیث والروایات تشیر إلی أنّ هذه العملیة تمّت فی زمن الرسول (صلی الله علیه و آله).

فهنا أمران:

الأوّل: جمع الآیات داخل السورة الواحدة فی زمن الرسول (صلی الله علیه و آله).

وردت لدینا الکثیر من المنقولات التأریخیة تؤکّد لنا أنّ وضع الآیات داخل

ص:164

سورها کان یتمّ من قبل الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله)، وبعضها کان یُصرح فیه بأنّ وضع الآیة فی السورة الفلانیة هو بتوجیه من جبرئیل أمین الوحی إلی النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) فمثلاً نقل عن الإمام علی (علیه السلام) فی خلو سورة براءة من «بِِسمِ ِ اللهِ الرَحمنِ الرَحیم» قال:

«بأنّ البسملة أمان وهذه السورة نزلت لرفع الأمان بالسیف بعد نقض المشرکین للعهد» (1)

وورد عن عثمان بن أبی العاص قال:

کنت جالساً عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذ شخص ببصره، ثُمّ صوبه، ثُمّ قال: أتانی جبرئیل فأمرنی أن أضع هذه الآیة هذا الموضع من هذه السورة (إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی...) فجعلت فی سورة النحل بین آیات الاستشهاد وآیات العهد. (2)

وورد أیضاً أنّ جبرئیل أشار علی النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) فی وضع قوله تعالی: (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ...) بین آیات الربا والدَیَن من سورة البقرة. (3)

ولهذا السبب ذهب العلماء إلی أنّ ترتیب الآیات داخل السور توقیفی ولا شبهة فی ذلک. (4)

وقال الباقلانی:

ترتیب الآیات أمر واجب وحکم لازم فقد کان جبرئیل یقول ضعوا آیة کذا فی موضع کذا. (5)

فما ورد من نقولات تاریخیة حول مسألة جمع الآیات القرآنیة سواء فی عهد أبی بکر أو غیره لا یمکن الوثوق به خصوصاً، وأنّ الطریقة المستخدمة من قبول شاهدین

ص:165

وما شابه ذلک تؤدّی إلی الوقوع بالتحریف، فکلّ ما ورد فی مسألة جمع الآیات داخل السورة الواحدة فی غیر زمن الرسول (صلی الله علیه و آله) لا یمکن قبوله.

الثانی: جمع السور فی زمن الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله).

هذه المسألة من المسائل التی وقع فیها خلاف بین الأعلام، والذی یجب أن نرکز علیه هنا أنّ الرأی فی هذه المسألة لا یؤثّر علی القرآن من ناحیة التحریف، فوجدت هنا اتجاهات متعددة:

الاتجاه الأوّل : یقول: إنّ القرآن بصورته الحالیة جمع فی زمن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ورتبت علی شکل مصحف منذ ذلک الزمان.

الاتجاه الثانی : إنّ القرآن رتبت آیاته داخل السور فی زمن الرسول (صلی الله علیه و آله) إلّا أنّ ترتیب السور وجعله مصحفاً حصل بعد وفاة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) سواء أکان الجمع حاصل من قبل الإمام علی (علیه السلام) أو من قبل الخلیفة الأوّل أو الثانی أو الثالث أو من غیرهم من الصحابة.

وذهب السیّد الطباطبائی إلی أنّ مسألة جمع القرآن تمّ بعد وفاة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) فقال:

إنّ جمع القرآن مصحفاً واحداً إنّما کان بعد ما قبض النبی (صلی الله علیه و آله) بلا إشکال. (1)

والذی یمکن أن یقال هنا: إنّ جمع القرآن بهذا المعنی کان علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) للأدّلة التالیة:

1. ورد عن أبی بکر الحضرمی عن الإمام الصادق (علیه السلام) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال لعلی (علیه السلام):

یا علی، إنّ القرآن خلف فراشی فی المصحف والحریر والقراطیس فخذوه واجمعوه ولا تضیعوه کما ضیعت الیهود التوراة. (2)

ص:166

فالألفاظ فی هذا الحدیث صادرة من معصوم وهذه الألفاظ هی «القرآن» و «خلف فراشی» وما شابه ذلک تشیر إلی أنّ القرآن کان بأجمعه موجود عند النبی ومجموع بشکل کامل وطلب من الإمام علی (علیه السلام) أن یجمعه بمعنی أن یجعله بین الدفتین وکان ذلک فی زمن الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله).

2. سأل قتادة أنس بن کعب:

مَن جَمَع القرآن علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟

فقال:

أربعة کلّهم من الأنصار: ابی بن کعب، ومعاذ بن جبل، وزید بن ثابت، وأبو زید. (1)

3. نقل المجلسی فی البحار:

مات النبی (صلی الله علیه و آله) ولم یجمع القرآن غیر أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزید بن ثابت، وأبو زید. (2)

ما یواجه هذه الروایات التاریخیة أنّ الجمع هنا بمعنی الحفظ ولیس جمع السور، وحصر الجامعین له بعدد معین ضعیف؛ لأنّ الرسول (صلی الله علیه و آله) قبض وعشرات بل مئات المسلمین یحفظون القرآن ولیس فقط هؤلاء الأشخاص الأربعة، أضف إلی ذلک من أین للراوی أن یتعرّف علی حفاظ القرآن فی البلاد الإسلامیة ویحصرهم فی أربعة أشخاص فقط وهم منتشرون فی بلاد الله العریضة.

ویواجه هذا الرأی أیضاً أنّه إذا کان الجمع فی عصر الرسول فما معنی ما ورد: إنّ الإمام علی (علیه السلام) لم یرتدِ رداء إلّا للصلاة حتّی جمع القرآن بعد وفاة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله).

ویمکن أن یجاب علی ذلک من خلال التعرّف علی مواصفات مصحف الإمام علی (علیه السلام)، إذ إنّ الإمام علی (علیه السلام) بعد أن أخذ القرآن مجموعاً من النبی (صلی الله علیه و آله) وفق ترتیب

ص:167

النزول، ولهذا عد البعض من مواصفات مصحف علی أنّه مجموع وفق ترتیب النزول، وفی الحقیقة هذه لیست خصیصة لمصحف الإمام علی (علیه السلام) وإنّما خصیصة للمصحف الذی أخذه الإمام علی (علیه السلام) من الرسول (صلی الله علیه و آله)، وأمّا معنی جمع الإمام علی (علیه السلام) بقرینة قول الرسول الذی أمر الإمام بجمع القرآن حتّی لا یضیع کما ضیع الیهود التوراة، بهذه القرینة نجد أنّ الإمام کتب هوامش لهذا المصحف حتّی لا یقع التلاعب بالنصّ الأصلی وتحریف معانیه، وهذه الهوامش کانت عبارة عن أسوار لحفظ النصّ من قبیل أسباب النزول ومکان النزول والمصادیق التی نزلت فیهم، ولهذا نجد أنّ هذا المصحف استقرّ بعد الإمام بید أئمة أهل البیت العلوی فلقد جاء فی الروایة: إنّ طلحة سأل علیاً عن مصحفه وإلی من یکون من بعده؟ قال له:

إلی الذی أمرنی رسول الله أن أدفعه إلیه وصیی وأولی الناس بعدی بالناس ابنی الحسن ثُمّ یدفعه ابنی الحسن إلی ابنی الحسین ثُمّ یصیر إلی واحد بعد واحد من ولدالحسین (علیه السلام).

فالقرآن مجموع علی عهد الرسول (صلی الله علیه و آله)

والذی یواجه هذا الرأی النقولات التاریخیة التی تقول: إنّ المصحف جُمع فی زمن أبی بکر أو عمر وعثمان کما تشیر إلی ذلک المصادر الحدیثة والتاریخیة.

ویمکن أن یجاب هنا:

إنّ جمع القرآن فی زمن أبی بکر أمر لا بدّ منه بعد رفض مصحف الإمام علی (علیه السلام)، وهذا الجمع یجب ألّا ینصرف إلی جمع الآیات داخل السورة الواحدة وما ورد فی هذا المعنی فهو مردود، وإنّما الجمع للسور القرآنیة داخل المصحف الواحد خصوصاً وإنّ الخلافة تعتبر القرآن الدستور الإسلامی الأوّل فلا بدّ من الاهتمام به، فجمعه فی زمن أبی بکر لا یدلّ علی عدم وجوده فی زمن الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله)، أضف إلی ذلک أنّ الروایات والنقولات التاریخیة التی أشارت إلی جمعه فی زمن أبی

ص:168

بکر أو عمر کان فیها نوع من التضارب الواضح والخلط بین جمع الآیات داخل السورة الواحدة الذی أثبت الدلیل أنّه تمّ فی زمن النبی (صلی الله علیه و آله) وبین جمع السور القرآنیة.

الخلاصة

1. لا شکّ فی أنّ جمع القرآن بمعنی حفظه فی الصدور قد تحقّق فی زمن النبی (سَنُقْرِئُکَ فَلا تَنْسی ) .

2. کان الرسول یشجع علی حفظ القرآن عن ظهر قلب حتّی حفظ القرآن مجموعة کبیرة من الصحابة أطلق علیهم اسم: الحفاظ.

3. هناک روایات کثیرة تشیر إلی أنّ وضع الآیات فی داخل السور کان فی زمن النبی (صلی الله علیه و آله) وبإشراف منه وبرعایة من جبرئیل.

4. وقع الکلام فی ترتیب السور وجعلها مصحفاً هل وقع فی زمن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو بعدوفاته، اتجاه ذهب إلی الأوّل، وآخر إلی الثانی، وهو ما یراه العلّامة الطباطبائی.

5. استدلّ علی الاتجاه الأوّل بمجموعة من الروایات نوقشت بأنّ المقصود منها الحفظ من التلف ولیس ترتیب السور، والروایات التی حدد الحفاظ بأربعة هی روایات ضعیفة.

مصحف الإمام علی هو المصحف الذی کان عند رسول الله المرتب بحسب النزول، ولکن أضاف إلیه الإمام مجموعة من الهوامش شملت: أسباب النزول ومکانه والناسخ والمنسوخ و....

ص:169

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. إنّ حفظ القرآن فی الصدور لا شکّ فی وقوعه فی:

أ) زمن أبی بکر ب) زمن عثمان

ج) زمن النبی وأصحابه د) بعد الفتح

2. ترتیب السور داخل المصحف:

أ) أمر متفق علیه

ب) أمر مختلف فیه

ج) غیر مبحوث فی علوم القرآن

د) لاشیء من ذلک

3. قوله تعالی: (إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی...) وضعت فی سورة:

أ) الدخان ب) آل عمران

ج) الحجّ د) النحل

4. ذکرت بعض الروایات أنّ الذین جمعوا القرآن هم أربعة:

أ) ابی بن کعب، ومعاذ بن جبل، وزید بن ثابت، وأبو زید.

ب) ابوزید, معاذ بن جبل، و علی بن أبی طالب، وزید بن ثابت.

ج) أبوبکر، وأبی بن کبعب، ومعاذ بن جبل، وأبو زید.

د) لاشیء من ذلک.

ص:170

5. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة.

أ) ذهب العلماء إلی أنّ ترتیب الآیات داخل السور توقیفی.()

ب) ذهب العلماء إلی أنّ ترتیب الآیات داخل السور والسور داخل المصحف توقیفی.()

ص:171

ص:172

وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جمیعاً ما رأی حذیفة. (1)

وهکذا الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) أبدی رأیه موافقاً لهذا الأمر، قال (علیه السلام):

«فوالله ما فعل عثمان الذی فعل فی المصاحف إلّا عن ملأ منّا. استشارنا فی أمر القراءات... قلنا: فماذا رأیت؟ قال: أری أن یجمع الناس علی مصحف واحد فلا تکون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأیت». (2)

وفی روایة اخری قال:

«لو ولّیت فی المصاحف ما ولّی عثمان لفعلت کما فعل». (3)

وکان (علیه السلام)-بعد ما تولّی الخلافة-أحرص الناس علی الالتزام بالمصحف المرسوم-حتّی ولو کانت فیه أخطاء إملائیّة-حفظاً علی کتاب الله من أن تمسّه ید التحریف فیما بعد باسم الإصلاح، وهکذا سار علی منهجه (علیه السلام) الأئمّة من ولده.

روی إنّه قرأ رجل عند الإمام أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) حروفاً من القرآن لیس علی ما یقرؤه الناس! فقال له الإمام (علیه السلام):

«مه مه! کُفّ عن هذه القراءة واقرأ کما یقرأ الناس».

ومن ثمّ وقع إجماع أصحابنا الإمامیّة علی أنّ ما بأیدینا هو قرآن کلّه، (4) لم تمسّه ید تحریف أصلاً. وأنّ القراءة المشهورة هی القراءة الصحیحة، التی تجوز القراءة بها فی الصلاة وغیرها من أحکام أجروها علی النصّ الموجود، واعتبروه القرآن الذی اوحی إلی النبی (صلی الله علیه و آله) ولم یعتبروا شیئاً سواه.

وأمّا ابن مسعود فلا أظنّ مخالفته کانت جوهریّة، وإنّما أغضبه انتداب أشخاص غیر أکفاء لهذا الأمر الخطیر کان أمثاله جدیرین له، کما یظهر من کلامه، حیث قال:

ص:174

یا معشر المسلمین أاُعزل عن نسخ المصاحف ویتولّاها رجلٌ، والله لقد أسلمت وإنّه لفی صلب رجل کافر-یرید زید ابن ثابت-. (1)

2. البحث عن النسخ الصحیحة لغرض النسخ علیها مصاحف متعدّدة وبثّها بین المسلمین، ففی هذه المرحلة کان عثمان فی بدء الأمر زعمها هیّنة، ومن ثَمّ اختار لها جماعة غیر أکفاء، ثُمّ لجأ إلی جماعة آخرین وفیهم الأکفاء، مثل سیّد القرّاء الصحابی الکبیر ابیّ بن کعب. وأرسل إلی الصحف التی جمع فیها القرآن أیّام خلافة أبی بکر-وهی کانت فی بیت حفصة-للمقابلة علیها فأبت حفصة لأوّل أمرها أن تدفع إلیه حتّی عاهدها عثمان لیردّنّها فبعث بها إلیه. (1)

3. مقابلة هذه المصاحف الموحّدة لغرض التأکّد من صحّتها أوّلاً وعدم وجود اختلاف بینها ثانیاً. ففی هذه المرحلة کان التساهل أوضح.

حدّث ابن أبی داوود عن بعض أهل الشام، کان یقول:

مصحفنا ومصحف أهل البصرة أحفظ من مصحف أهل الکوفة؛ لأنّ عثمان لمّا کتب المصاحف بلغه قراءة أهل الکوفة علی حرف عبد الله. فبعث إلیهم بالمصحف قبل أن یعرض-أی: قبل مقابلته علی سائر النسخ-وعرض مصحفنا ومصحف أهل البصرة قبل أن یبعث بهما. (2)

وروی أیضاً: إنّهم عندما فرغوا من نسخ المصاحف أتوا به إلی عثمان، فنظر فیه فقال: قد أحسنتم وأجملتم. أری فیه شیئاً من اللحن-لکن-ستقیمه العرب بألسنتها، ثُمّ قال: لو کان المملی من هذیل والکاتب من ثقیف لم یوجد فیه هذا. (3)

قلت: ألم یکن کتاب الله العزیز الحمید جدیراً بالاهتمام به لیکون خالیاً من کلّ خطأ أو لحن؟! ثمّ ما هذا التمنّی الکاذب، وفی استطاعته بدء الأمر أن یختار مملیاً من هذیل وکتبة من ثقیف، وهو یعلم أنّ فیهم الجدارة والکفاءة.

ص:176

وهذا التساهل أحد أسباب الاختلاف فی القراءة فیما بعد کما سیأتی.

الخلاصة

1. أوّل من فکّر فی توحید المصاحف هو حذیفة بن الیمان، عندما شاهد فی سفره إلی غزو أرمینیة-آذربیجان-اختلاف الناس فی القراءات.

2. وافق أکثر الصحابة ومنهم الإمام علی (علیه السلام) علی توحید المصاحف، وخالف فی هذا الأمر ابن مسعود؛ لعدم اختیار الناس الأکفاء للقیام بهذه المهمّة.

3. انتدب الخلیفة عثمان أربعة رجال للقیام بمهمّة توحید المصاحف، وهم: زید بن ثابت، وسعید بن العاص، وعبد الله بن الزبیر، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

4. لقد مرّ توحید المصاحف بخطوات ثلاث:

أ) جمع المصاحف المنتشرة فی الأقطار الإسلامیة.

ب) البحث عن النسخ الصحیحة.

ج) مقابلة المصاحف الموحدة للتأکّد من صحّتها، وعدم اختلافها.

د) التساهل فی أمر توحید المصاحف جعل إمکانیة حدوث الخطأ واللحن وارد جدّاً، وهو الأمر الذی اعترف به عثمان نفسه.

ص:177

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. أوّل من اقترح توحید المصاحف:

أ) زید بن ثابت. ب) أبی بن کعب.

ج) ابو زید. د) حذیفة بن الیمان.

2. وافق أکثر الأصحاب علی توحید المصاحف سوی:

أ) ابن مسعود. ب) عمر بن الخطاب.

ج) علی بن أبی طالب. د) عبد الرحمان بن عوف.

3. ترأس لجنة توحید المصاحف:

أ) عبدالله بن الزبیر. ب) ابی بن کعب.

ج) زید بن ثابت. د) ب و ج.

4. عندما اتی بالمصحف الموحد إلی الخلیفة عثمان...

أ) اعتبره ملفقاً ومزوراً. ب) اعترف بخلوه من أی نقص.

ج) اعترف بوجود لحن فی آیاته. د) سکت ولم یتحدث.

ص:178

علیه فی مرکز القطر، یستنسخ علیه ویرجع إلیه عند اختلاف القراءة. ویکون هو حجّة. ومصحف المدینة کان مرجعاً للجمیع بصورة عامّة. وروی:

إنّ عثمان بعث مع کلّ مصحف قارئاً یقرئ الناس علی قراءة ذلک المصحف. (1)

بتنقیط المصحف، وذلک فی ولایة الحجاج بن یوسف الثقفی علی العراق من قبل عبد الملک بن مروان (75-86 ه). (1)

ثُمّ إنّ القرآن فی الصدر الأوّل کان محفوظاً فی صدور الرّجال ومأموناً علیه من الخطأ واللّحن بسبب أنّ العرب کانت تقرؤه صحیحاً حسب سلیقتها الفطریة التی کانت محفوظة لحدّ ذاک الوقت مضافاً إلی شدّة عنایتهم بالأخذ والتلقی عن مشایخ کانوا قریبی العهد بعصر النبوة. ولکن بعد منتصف القرن الأوّل حیث کثر الأعاجم-وهم أجانب عن اللغة العربیّة-مسّ الحاجة إلی وضع علامات تؤمن علیهم الخطأ واللحن، من ثَمّ عزم أبو الأسود الدؤلی علی تشکیل المصحف وذلک فی زمن ولایة زیاد بن أبیه علی الکوفة (50-53 ه).

قال جلال الدین السیوطی:

کان الشکل فی الصدر الأوّل نقطاً، فالفتحة نقطة علی أوّل الحرف والضمة نقطة علی آخره والکسرة تحت أوّله. (2)

وفی الأغلب یکتبونها بلون غیر لون خطّ المصحف والأکثر یکتبونها بلون أحمر. والظاهر أنّ تبدیل النقط السود إلی نقطة ملوّنة حدث بعد وضع الإعجام للفرق بین النقطة التی هی علامة الحرکة والتی هی علامة الإعجام. وأوّل من وضع الهمز والتشدید و... الخلیل بن أحمد الفراهیدی. (3)

وهکذا کلّما امتدّ الزمان بالناس ازدادت عنایتهم بالقرآن وتیسیر رسمه من طور إلی طور حتّی إذا کانت نهایة القرن الثالث الهجری بلغ الرّسم ذروته فی الجودة والحسن.

وأمّا وضع علامات التحزیب والتجزئة فقیل: إنّ المأمون العباسی هو الذی أمر بذلک. وقیل: إنّ الحجّاج فعل ذلک. (4)

ص:181

وینتصف القرآن علی الفاء من قوله تعالی: (وَ لْیَتَلَطَّفْ) . (1)

وعدد آیاته-فی قول علی (علیه السلام): 6218 آیة وفی روایة: 6236 آیة.

وقد اشتهر تحزیب القرآن وتجزءته إلی ثلاثین جزءاً تسهیلاً لقراءته فی المدارس وغیرها.

وأطول سورة فی القرآن هی: البقرة، وأقصرها الکوثر.

وأطول آیة فی القرآن: آیة الدین (2) وأقصرها: (وَ الضُّحی ) ، (3) ثُمّ (وَ الْفَجْرِ) . (4)

وأطول کلمة فی القرآن: (فَأَسْقَیْناکُمُوهُ ) . (5)

الخلاصة

1. إنّ عدد المصاحف العثمانیة کانت کما ذکرها ابن أبی داوود: کانت ستّة حسب الأمصار المهمّة ذوات المرکزیّة الخاصّة: مکّة والکوفة والبصرة والشام والبحرین والیمن. وحبس السابعة-وکانت تسمّی الاُمّ أو الإمام-بالمدینة. (6)

2. اتصفت المصحف العثمانی بصفتین أساسیتین:

الاُولی: إنّ ترتیبه ونظمه کان خاصّاً وهو قریب من الترتیب الموجود فی المصحف الآن.

الثانیة: خلوه من التنقیط والتشکیل، فکان علی القارئ معرفة الفرق بین الأحرف وحرکات آخر الکلمات.

ص:182

3. أوّل من نقط المصحف هما: نصر بن عاصم ویحیی بن یعمر، فی زمن ولایة الحجاج علی العراق.

4. إنّ أبا الأسود الدؤلی هو أول من ضبط شکل المصحف فی زمن ولایة زیاد بن أبیه علی الکوفة.

5. أوّل وضع الهمز والتشدید هوالخلیل بن أحمد الفراهیدی.

ص:183

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. أضاف الیعقوبی إلی الأمصار التی ارسل إلیها المصحف العثمانی:

أ) مکّة والمدینة. ب) مصر والجزیرة.

ج) سمرقند وبلاد الشام. د) أ و ب صحیح.

2. إنّ منشأ اختلاف القراءات:

أ) تعدد القراء.

ب) قلّة المصاحف.

ج) توقّف القراءة علی النقل والسماع.

د) لاشیء من ذلک.

3. کان الخطّ الذی اقتبسه العرب من السریان والأنباط...

أ) منقطاً ومضبوط الشکل. ب) بعضه منقطاً.

ج) خالیاً من التشکیل. د) خالیاً من النقط.

4. کانت العرب تقرأ القرآن:

أ) حسب ما موجد من حروف المصحف.

ب) حسب سلیقتها الفطریة.

ج) علی ضوء مانزل علی صدر النبی.

د) بصورة خاطئة.

ص:184

ولایة زیاد بن أبیه علی الکوفة (50-53 ه).

قال جلال الدین السیوطی: کان الشکل فی الصدر الأوّل نقطاً، فالفتحة نقطة علی أوّل الحرف والضمة نقطة علی آخره والکسرة تحت أوّله. (1)

وفی الأغلب یکتبونها بلون غیر لون خط المصحف والأکثر یکتبونها بلون أحمر.

والظاهر أنّ تبدیل النقط السود إلی نقطة ملوّنة حدث بعد وضع الإعجام للفرق بین النقطة التی هی علامة الحرکة والتی هی علامة الإعجام.

وهکذا کلّما امتدّ الزمان بالناس ازدادت عنایتهم بالقرآن وتیسیر رسمه من طور إلی طور حتّی إذا کانت نهایة القرن الثالث الهجری بلغ الرّسم ذروته فی الجودة والحسن.

والمهمّ فإنّ الکتابة والقراءة کانت معروفة عند العرب وإن کانت بشکل بسیط، ولکن کان الخطّ الذی تکتبه وتقرؤه العرب عار عن الشکل والاعجام، ولکن بعد اختلاط العرب بغیرهم من بالأعاجم أخذت عملیة اللحن فی کلامهم تسری بشکل واضح، ویروی لنا التاریخ أنّ أبا الأسود الدؤلی (ت69ه) دخل علی ابنته یوماً فقالت له:

یا أبتِ ما أشدُّ الحر (رفعت دال أشد)

فتصور أنّها تسأل عن أی زمان یشتدّ فیه الحر؟

فقال لها: شهر ناجر یعنی شهر صفر حیث کانت الجاهلیة تسمّی شهور السنة بهذه الأسماء.

فقالت یا أبتِ: إنّما أخبرتک ولم أسألک.

فجاء إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال له: ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم فسأله عن الخبر فقص له خبر ابنته.

وهناک روایة اخری تقول:

إنّ أبا الأسود الدؤلی قد سمع قارئاً یقرأ القرآن وهو یقول: (... أَنَّ اللّهَ بَرِیءٌ مِنَ )

ص:186

(الْمُشْرِکِینَ وَ رَسُولُهُ...) (بکسر اللام فی رسوله، فقال أبو الأسود: عزّ وجه الله أن یبرأ من رسوله: فذهب إلی علی بن أبی طالب (علیه السلام) فأمره أن یشتری صحفاً بدراهم وأملی علیه... وقال له أکتب: الکلام کلّه لا یخرج من اسم وفعل وحرف... ثُمّ رسم أصول النحو... وقیل لأبی الأسود الدؤلی: من أین لک هذا العلم-یعنی النحو-فقال: أخذت حدوده عن علی بن أبی طالب (علیه السلام). (1)

ویتّضح ممّا تقدم أنّ أوّل من نقَّط القرآن، حیث وضع نقاطاً مدورة علی الحروف بدل الحرکات بالشکل التالی:

1. علامة الفتحة نقطة فوق الحرف.

2. علامة الکسرة نقطة أسفل الحرف.

3. علامة الضمة نقطة آخر الحرف أو بین أجزاء الحرف.

4. علامة التنوین جعلها نقطتین.

ومن ثَمّ قام نصر بن عاصم ویحیی بن یعمر تلمیذا أبی الأسود الدؤلی بتنقیط المصحف، وذلک فی ولایة الحجاج بن یوسف الثقفی علی العراق من قبل عبد الملک بن مروان (75-86 ه). (2) بعد ذلک جاء الخلیل بن أحمد الفراهیدی (ت 157ه) حیث استبدل النقط المدورة بعلامات وهی الفتحة والکسرة والضمة والسکون.

وأمّا وضع علامات التحزیب والتجزئة فقیل:

إنّ المأمون العباسی هو الذی أمر بذلک. وقیل: إنّ الحجّاج فعل ذلک. (3)

وینتصف القرآن علی الفاء من قوله تعالی: (وَ لْیَتَلَطَّفْ) . (4)

ص:187

وعدد آیاته-فی قول علی (علیه السلام): 6218 آیة وفی روایة: 6236 آیة.

وقد اشتهر تحزیب القرآن وتجزءته إلی ثلاثین جزءاً تسهیلاً لقراءته فی المدارس وغیرها.

وأطول سورة فی القرآن هی: البقرة، وأقصرها الکوثر.

وأطول آیة فی القرآن: آیة الدین (1) وأقصرها: (وَ الضُّحی ) ، (2) ثمّ (وَ الْفَجْرِ) . (3)

وأطول کلمة فی القرآن: (فَأَسْقَیْناکُمُوهُ ) . (4)

الخلاصة

1. أوّل من نقط المصحف هما نصر بن عاصم ویحیی بن یعمر، فی زمن ولایة الحجاج علی العراق.

2. إنّ أبا الاسود الدؤلی هو أوّل من خلال تنقیط شکل المصحف بالدوائر فی زمن ولایة زیاد بن أبیه علی الکوفة.

3. کان الخط الذی تکتبه وتقرؤه العرب عار عن الشکل والإعجام، ولکن بعد اختلاط العرب بغیرهم من الأعاجم أخذت عملیة اللحن تسری فی کلامهم بشکل واضح، فاضطروا إلی وضع قواعد الشکل والإعجام.

4. یحدّثنا التاریخ عن انتشار اللحن فی الکلام العربی، فاضطر أبو الأسود بمساعدة الإمام علی إلی وضع علم النحو.

ص:188

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. لو قرأت «رسوله» فی قوله تعالی: (... أَنَّ اللّهَ بَرِیءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَ رَسُولُهُ...) بالکسر لأصبح معنی الآیة:

أ) الله ورسوله یتبرئان من المشرکین.

ب) الله یتبرأ من المشرکین دون الرسول.

ج) الله یتبرأ من المشرکین و من الرسول.

د) المشرکون یتبرؤون من الله والرسول.

2. اشتهر تحزیب القرآن:

أ) لتوحید المصاحف.

ب) لتسهیل تفسیره.

ج) تسهیلاً لقراءته.

د) لاشیء من ذلک.

3. من هو واضع علم النحو؟

ص:189

ص:190

یکونوا یعرفون الکتابة سوی عدد قلیل منهم یجیدون الخط البدائی الردیء، کما یبدو من الخطوط الباقیة من صدر الأوّل. (1) ولم یمسّوا القرآن بید إصلاح بعد ذلک قطّ، لئلّا یقع القرآن عرضة تحریف أهل الباطل بعدئذٍ بحجّة الإصلاح.

والأخطاء الإملائیة الموجودة فی المصحف لاتمسّ کرامة القرآن وصیانته وذلک لوجوه:

أوّلاً: القرآن-فی واقعه-هو الذی یقرأ لا الّذی یکتب، فما دامت القراءة باقیة علی سلامتها الاُولی لا تضرّ الکتابة، ولا شکّ أنّ المسلمین احتفظوا علی نصّ القرآن بلفظه المقروء صحیحاً.

ثانیاً: تخطئة الکتاب هی استنکار علی الکتبة الأوائل ولیست قدحاً فی نفس الکتاب الّذی: (لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ) . (2)

ثالثاً: إنّ بقاء الأخطاء علی حالها ظلّت باقیة، یفید المسلمین فی احتجاجهم بها علی سلامة کتابهم من التحریف عبر القرون. إذ إنّ الأخطاء الإملائیة لا شأن لها بذلک، وإن کان تلک الاخطاء بالإصلاح، لکنّها ابقیت سلیمة عن التغییر، تکریماً لمقام السلف فیما کتبوه، فأجدر بنصّ الکتاب العزیز أن یبقی بعیداً عن احتمال التحریف والتبدیل رأساً.

4. (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ) . (1) والصحیح: لَأَذْبَحَنَّهُ.

5. (وَ جِیءَ بِالنَّبِیِّینَ ) . (2) والصحیح: وَجِیءَ...

الخلاصة

1. إنّ أسالیب الإنشاء والکتابة قد تختلف القاعدة القاضیة بضرورة مطابقة المنطوق للمکتوب، ولکن یبدو أنّ أهل الفن وافقوا بذلک فی بعض الأحیان ما دام الاصطلاح العامّ جاریاً علیه، ولم یسبّب اشتباهاً أو التباساً فی المراد.

2. ذکروا عدّة وجوه لتبریر الأخطاء الإملائیة فی المصحف:

أوّلاً: القرآن-فی الواقع-یقرأ ولایکتب فما دامت القراءة محفوظة فلاضیر فی ذلک.

ثانیاً: إنّ الإنکار واقع علی الکتبة الأوائل ولیس علی النصّ القرآنی؛ لأنّه محفوظ بنصّ الکلام الالهی.

ثالثاً: إنّ غض الطرف عن الأخطاء الإملائیة تکریماً للکتبة الأوائل، وینفع أیضاً فی تأیید صیانة القرآن من التحریف.

3. هناک ثلاث مواقف من عملیة التنقیط والإعجام وهی: رفض هذه العملیة، والقول بجوازها، والقول باستحبابها.

ص:195

أسئلة الدرس

1. صحح مایلی:

أ) (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ) .

ب) (وَ جِیءَ بِالنَّبِیِّینَ ) .

2. اذکر الرسم الصحیح لقول تعالی:

أ) (فَقالَ الْمَلَأُ) .

ب) (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ ) .

3. اختر الإجابة الصحیحة:

1. الذی رفض علمیة التشکیل والإعجام هو....

أ) مالک ب) النووی

ج) الجرجانی د) ابن مسعود

2. من القائل: نقط المصحف وشکله مستحبّ؛ لأنّه صیانة له من اللحن والتحریف:

أ) ابن سیرین ب) أبو الحسن البصری

ج) النووی د) لا أحد من هؤلاء.

ص:196

ید الخطّاط المستعصمی یاقوت بن عبد الله الموصلیّ (689م).

وهکذا صارت المصاحف تکتب علی اسلوب خطّ یاقوت حتّی القرن الحادی عشر, ومنذ مفتتح القرن الثانی عشر اهتمّ الأتراک العثمانیّون بالخطّ العربی الإسلامی, فجعل الخطّ العربی یتطوّر علی أیدی الخطّاطین الفرس الّذین استخدمهم العثمانیُّون فی امبراطوریّتهم. وقد نقل السلطان سلیم جمیع الخطّاطین إلی عاصمته، وأضافوا للخطّ العربیّ أنواعاً جدیدة لا زالت تستعمل فی الکتابات الدارجة کالخطّ الرقعی والخطّ الدیوانی والخطّ الطغرائی والخطّ الإسلامبولی وغیرها.

أمّا طباعة المصحف الشریف فقد مرّت-ککتابته خطاً-بأطوار التجوید والتحسین، وأوّل دولة إسلامیّة قامت بطبع القرآن، هی إیران. (1) طبعت طبعتین حجریّتین ومنقّحتین فی حجم کبیر مع ترجمة موضوعة تحت کلّ سطر من القرآن ومفهرستین بعدّة فهارس. إحداهما کانت فی طهران ِسنة1234ه والاُخری فی تبریز سنة1248ه.

الخلاصة

1. أوّل من کتب القرآن هو خالد بن أبی الهیاج-صاحب أمیر المؤمنین علی (علیه السلام)، وکان مشهوراً بجمال خطّه وکمال ذوقه.

2. لقد کتب القرآن بخطوط عدیدة منها الخط الکوفی والنسخ، وقد بلغ ذروة حسنه وجماله علی ید الخطاط یاقوت بن عبد الله الموصلی.

3. وقد تطوّر الخطّ العربی أیضا علی أیدی الخطّاطین الفرس الّذین استخدمهم العثمانیُّون فی امبراطوریّتهم.

4. أوّل دولة طبعت القرآن هی إیران، حیث قام بطباعته مرّتین: الاُولی فی طهران، والثانیة فی تبریز.

ص:198

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. لقد کان الخطاط المشهور بخطّ النسخ هو:

أ) یاقوت بن عبد الله الموصلیّ ب) خالد بن أبی الهیاج

ج) محمد بن علی بن الحسین بن مُقْلَة د) سعد مولی الولید

2. الذی قام بنقل الخطاطین إلی عاصمته هو...

أ) السلطان سلیم ب) الولید بن عبد الملک

ج) الحجاج الثقفی د) لا أحد منهم

ص:199

ص:200

إلی جانب ذلک کانت هناک عوامل اخری ساعدت علی هذا الاختلاف نذکر منها ما یلی:

1. بداءة الخطّ: کان الخطّ عند العرب فی ذلک الزمان فی مرحلة بدائیّة، ومن ثَمّ لم تستحکم اصوله ولم تتعرّف العرب إلی فنونه والإتقان من رسمه وکتابته الصحیحة، وکثیراً ما کانت الکلمة تکتب علی غیر قیاس النطق بها. کانوا یکتبون الکلمة وفیها تشابه، فالنون الأخیرة کانت تکتب بشکل لا یفترق عن الراء وکذا الواو عن الیاء، کما کانوا یفکّکون بین حروف کلمة واحدة فیکتبون الیاء منفصلة عنها کما فی «یَسْتَحْی ی» أو یحذفونها رأساً کما فی «إیلافِهِم» کتبوها «إلافِهِم» بلا یاء. الأمر الذی أشکل علی بعض القرّاء فاختلفت القراءات؛ ولذلک قرأ بعضهم: «لِیْلافِ قریشٍ» بحذف الهمزة وإثبات الیاء. و «إلافِهِم رِحْلةَ الشِّتاءِ والصَّیفِ» بإثبات الهمزة وحذف الیاء. وقرأ بعضهم: «ألْفِهِم» بالهمزة وسکون اللام.

2. الخلوّ عن النقط: کان الحرف المعجم یکتب کالحرف المهمل بلا نقط فلا یفرّق بین السین والشین فی الکتاب ولا بین العین والغین أو الراء والزای و... فکان علی القارئ نفسه أن یمیّز بحسب القرائن الموجودة أنّها باء أو یاء...

من ذلک قراءة ابن عامر وحفص: (وَ یُکَفِّرُ عَنْکُمْ ) (1) وقرأ الباقون: (نُکَفِّرْ) .

3. التجرید عن الشکل: کانت الکلمة تکتب عاریة عن علامات الحرکات القیاسیّة فی وزنها وفی إعرابها وربّما یحتار القارئ فی وزن الکلمة وفی حرکتها فیما إذا کانت الکلمة محتملة لوجوه، مثلاً: لم یکن یدری «اعلم» فعل أمر أو فعل مضارع للمتکلم. قرأ حمزة والکسائی: (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ) (2) بصیغة الأمر، وقرأ الباقون بصیغة المتکلّم.

ص:202

الخلاصة

1. رغم ما قام به عثمان من إرسال مقرئین مع کلّ مصحف إلّا أنّ ذلک لم یمنع من وقوع الاختلاف فی القرآن؛ لأنّه فی نفس المصحف الموحد لحن وتفاوت.

2. إنّ الاختلاف فی مصاحف الأمصار هو السبب الرئیسی الذی کان وراء اختلاف القراءات، حتّی تعددت القراءات بتعدد الأمصار، فیقال: قراءة المدینة وقراءة الشام وقراءة البصرة....

3. من الأسباب الاُخری التی أدّت إلی حدوث الاختلاف بین قراءة واُخری، هی:

بداءة الخطّ و أسالیب الکتابة، و خلو النصّ القرآنی من التنقیط، وتجرده عن الشکل.

ص:203

أسئلة الدرس

1. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة

أ) قرأ حمزة والکسائی: (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ) بصیغة الأمر وقرأ الباقون بصیعة المتکلّم().

ب) قرأ حمزة والکسائی: (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ) بصیغة المتکلم، وقرأ الباقون بصیغة الأمر().

2. اختر الإجابة الصحیحة

السبب الأساسی فی نشوء تعدد القراءات:

أ) بداءة الخط. ب) التجرد عن الشکل.

ج) تجرد النصّ عن النقط. د) اختلاف مصاحف الأمصار.

ص:204

ألفاً أثناء کلمة واحدة فربّما یحسب القارئ الجاهل بالواقع أنّها لا النافیة فی حین أنّها لام تأکید والهمزة حرف المتکلّم والألف زائدة.

5. تأثیر اللهجة: لا شکّ أنّ کلّ امّة-وإن کانت ذات لغة واحدة-فإنّ لهجاتها تختلف حسب تعدّد القبائل المتشعبة. وهکذا کانت القبائل العربیّة تختلف مع بعضها فی اللهجة وفی التعبیر والأداء. من ذلک اختلافهم فی الحرکات، مثل «نستعین»-بفتح النون وکسرها-قال الفرّاء:

هی مفتوحة فی لغة قیس وأسد. وغیرهم یقولونها بکسر النون. (1)

واختلافهم فی الحرکة والسکون، مثل قولهم: «معکم» بفتح العین وسکونها. واختلافهم فی الإعراب نحو «ما» النافیة، فإنّها غیر عاملة عند تمیم وعاملة عمل لیس عند الحجازیین. وغیر ذلک من موارد الاختلاف.

6. تحکیم الرأی والاجتهاد: هذا أکبر العوامل تأثیراً فی اختیارات القرّاء، کان لکلّ قارئ رأی یعتمده فی القراءة التی یختارها وکانوا-أحیاناً-مستبدّین بآرائهم ولو خالفهم الجمهور أو أهل التحقیق. قرأ ابن کثیر وأبو عمرو: (فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ ) (2) بالتنوین والرفع. وقرأ الباقون بالفتح من غیر تنوین. قال مکّی:

وجه القراءة الاُولی: إنّ «لا» بمعنی «لیس» والخبر محذوف. ووجه الثانیة: أنّ «لا» نفی للجنس دلالة علی النفی العامّ؛ لأنّ التی بمعنی لیس لا تنفی إلاّ واحدة والمقصود فی الآیة العموم. (3)

7. غلوّ فی الأدب: من العوامل التی کانت تبعث علی اختیار قراءة-ولو کانت شاذّة خارجة علی المشهور أو مخالفة لرسم الخطّ-هو غلّو القارئ فیما اختصّ به من الأدب العربی معجباً بنفسه فیزعم الصحیح فیما رآه، وفقاً للقواعد العربیة التی تسلّمها کلّیات لا

ص:206

ینخر من بوجه. من ذلک ما نجده فی أبی بکر العطار المقرئ النحوی (265-355). کان أعلم دهره بالنحو والقراءة ومن ثَمّ لم یکن یتوجّه بالمأثور من القراءات وکان یختار لنفسه قراءة یراها صحیحة ومناسبة فی سیاق معنی الآیة ففی قوله تعالی: (فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیًّا) . (1) قرأ «نَجِباً» (2) جمع «نجیب». فکان مآل أمره أن ثارت علیه ضجّة الفقهاء وحاکمه الأمیر، فلم یستطع الدّفاع فأراد ضربه لکنّه استسلم أخیراً فاستتیب. (3)

8. الشذوذ النفسی: وهو ما یرجع إلی عللٍ روحیّة، یروم أصحابها الاشتهار بمخالفة المشهور، أو عُقَدٍ نفسیّة تنفجر فی وجه الأعراف التقلیدیّة، فتتمثل فی قالب الاختیارات الشاذّة، کما ذکرنا فی أبی بکر العطّار.

9. عوامل اخری: زعموها ذات صلة بتکییف قراءة القرآن أو اختیار قراءة غیر قراءة الآخرین:

أ) زعم خطأ النسخة: زعم بعضهم فی قوله تعالی: (وَ قَضی رَبُّکَ ) (4) أنّها کانت «وَوَصّی رَبُّکَ» فاستمدّ الکاتب مداداً کثیراً فالتزقت الواو بالصّاد. (5)

ب) تخلیط التفسیر بالنصّ: کأکثر القراءات المنسوبة إلی ابن مسعود واُبیّ بن کعب وغیرهما، ممّا فیها زیادة-تفسیریّة-نحو قوله تعالی: (کانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [فاختلفوا] فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ ) . (6) هذه الزیادة ترفع إبهاماً عن الآیة: هل کانت بعثة الأنبیاء سبباً للاختلاف أم کان العکس؟ وذیل الآیة یعیّن هذا الأخیر. وجاءت الزّیادة توضّح هذا

ص:207

الجانب أکثر وربّما جاء متأخّر فزعمها قراءة خاصّة.

ج) أهداف سیاسیّة: قرأ: (وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ -بالرفع- وَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) (1)-بإسقاط الواو-. کان یعتقد اختصاص المهاجرین بالسابقیّة، وأنّ فضل الأنصار فی متابعتهم، وبذلک صرّح لمن أنکر علیه قراءته هذه. (2)

د) نظرات کلامیّة: قرأ بعض المعتزلة: (... وَ کَلَّمَ اللّهُ مُوسی تَکْلِیماً) (3) بنصب لفظ الجلالة، (4) زاعماً أنّه تعالی لا یتکلّم علی حقیقته.

ه) عدم معرفة القاریّ بقواعد اللّغة والأدب: فربّما یلحن فی قراءة القرآن ویعدّ ذلک قراءة، نظراً لموقعه الاجتماعی المعروف، کقراءات منسوبة إلی أبی حنیفة-وهو مشهور باللّحن فی کلامه-یحکی عنه: أنّه قرأ (إِنَّما یَخْشَی اللّهَ -بالرفع- مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) -بالنصب-. (5) وتنسب إلی عمر بن عبد العزیز-أیضاً-. (6) وربّما توجّه بأنّ معنی الخشیة-فی هذه القراءة-هو التعظیم والتکریم. وهی محاولة لتوجیه قراءة شاذّة. (7)

والقراءات من هذا القبیل ساقطة رأساً. والمراد من القراءة فی موضوع بحثنا هی التی تبتنی علی اجتهاد صاحبها، ولو عن خطأ فی استنباطه یراه صحیحاً فی نظره.

الخلاصة

الأسباب الاُخری التی ذکرت لتتعدد القراءات هی:

ص:208

أ) إسقاط الألفات.

ب) تأثّر اللهجة.

ج) تحکیم الرأی والاجتهاد.

د) غلوّ فی الأدب.

ه) الشذوذ النفسی.

و) زعم خطأ النسخة.

ز) تخلیط التفسیر بالنصّ.

ح) أهداف سیاسیّة.

ط) نظرات کلامیّة.

ی) عدم معرفة القارئ بقواعد اللّغة والأدب.

ص:209

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. الخط الذی کان یسقط الألفات هو:

أ) الخطّ الدیوانی ب) خطّ النسخ

ج) الخطّ الکوفی د) خطّ یاقوت

2. إنّ أکبر العوامل المؤثّرة فی اختیارات القرّاء هو:

أ) تحکیم الرأی والاجتهاد ب) غلوّ فی الأدب

ج) الشذوذ النفسی د) زعم خطأ النسخة

3. کان أبو بکر العطار المقرئ النحوی یتّصف ب-:

أ) کثرة الاجتهاد ب) بالعجب والغلو فی الأدب

ج) عدم معرفته بقواعد الأدب د) اللحن فی التلاوة

4. یرجع الاختلاف بین (وَ قَضی رَبُّکَ ) و «ووصی ربک» إلی:

أ) اختلاف مصاحف الأمصار ب) تلوین المصاحف

ج) زعم اختلاف النسخ د) فقدان التشکیل

5. یشیر قوله تعالی: (... وَ کَلَّمَ اللّهُ مُوسی تَکْلِیماً) بنصب لفظ الجلالة إلی:

أ) أهداف سیاسیة ب) رؤیة کلامیة

ج) موضوع یخصّ النطق د) لاشیء من ذلک

ص:210

هذا ولم یکن اختلاف القراءات سوی الاختلاف فی کیفیّة التعبیر عن هذا النّص المحفوظ کاملاً علی ید الاُمّة عبر الأجیال. وهکذا تعاهد المسلمون نصّ القرآن امّة عن امّة، نقلاً متواتراً فی جمیع خصوصیّاته الموجودة، نظماً وترتیباً، ورسماً وقراءة، بکلّ أمانة وإخلاص عبر العصور، معجزة قرآنیة خالدة: (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) ، (1) أی: علی ید هذه الأُمّة مع الأبدیة.

وتوضیح ذلک یتوقّف علی تمهید مقدّمة نستوضح فیها مسألة «تواتر النصّ القرآنی» ثُمّ التعرّیج إلی مسألة «اختیار القراءة الصحیحة» نظراً للعلاقة القریبة بین المسألتین فی هذا البحث، وإلیک بإیجاز:

التعبیر فی بعضها-ولیس لسوی أنّه خارج عن قراءة الناس. (1)

ویدلّ-أیضاً علی تواتر النصّ الموجود-من غیر أن یؤثّر علیه شیء من اختلاف القراءات-تلک المخالفات فی رسم الخطّ وربّما کتبت وفق قراءة العامّة وتثبت رغم تقلّبات الدّهور ومرّ العصور، من ذلک قوله تعالی: (لَمْ یَتَسَنَّهْ ) ، (2) الهاء زائدة للوقف. کتبت وقرئت هکذا منذ العهد الأوّل وثبتت مرّ الدّهور، قال عبد الله بن هانی البریزی-مولی عثمان-:

کنت عند عثمان وهم یعرضون المصاحف، فأرسلنی بکتف شاة إلی ابی بن کعب فیها: «لَمْ یَتَسَنَّ». وفیها «لا تَبْدِیْلَ لِلْخَلْقِ الله». وفیها «فأمْهِل الکافرینَ». فدعا بدواة فمحا اللامین وکتب «لِخَلْقِ الله». ومحا «فأمْهِلْ» وکتب «فمَهِّلْ». وکتب «لَمْ یَتَسَنَّه» فألحق الهاء». (3)

ولولا أنّه السماع من رسول الله (صلی الله علیه و آله) لم یکتبها ابی بالهاء، کما أنّ اختلاف القرّاء فیما بعد وتطّور الکتابة والخطّ کلیهما لم یؤثّر علی تغییر الکلمة عمّا کتبها الأوائل وقرأها السلف، ومن ورائهم عامّة المسلمین عبر الأجیال.

وأیضاً فإنّ قضیة تشکیل المصحف علی ید أبی الأسود، وتنقیطه علی ید تلمیذیه نصر بن عاصم ویحیی بن یعمر دلیل علی أنّ القرآن کان ذا حقیقة ثابتة فی صدور المسلمین فجاء تقییدها فی المصحف علی ید زعماء الاُمّة خشیة تحریف من لا عهد له بالقرآن. والمصاحف المرسومة وفق المصطلح الأوّل باقیة لا تختلف عن النصّ الموجود.

کما أنّ المخالفات التی جرت علی ألسن بعض السلف، وقعت موضع إنکار العامّة وعرفت منذ العهد الأوّل أنّها غیر نصّ الوحی، کقراءة أبی بکر لما احتضر: «وجاءت

ص:213

سکرةُ الحَقِّ بالموتِ». (1) وأرباب التاریخ-المفسرون والمحدّثون-رموا-منذ ذلک العهد-هذه القراءة بالشذوذ المخالف للرسم. (2)

فلولا أنّ للقرآن حقیقة ثابتة معهودة عند الجمیع لما کان لهذا الغوغاء سبب واضح.

وعلیه فالملاک فی تعیین القراءة هو:

موافقتها مع النصّ الأصل المحفوظ لدی عامّة المسلمین بشروط نذکر بعضها الآن.

ثُمّ لتعیین هذا الحرف الواحد جعل الإمام (علیه السلام) المقیاس معهود عامّة المسلمین، قال: «اِقْرَأ کما یَقْرأُ الناسُ». وفی روایة اخری: «اِقْرَأُوا کَما عُلِّمْتُم». (1) فجعل المقیاس «کما یَقْرَأُ الناسُ» أی: عامّة المسلمین، ولم یعتبر من قراءة القراء شیئاً، والروایة الاُخری أصرح، «کما عُلِّمْتُمْ» أی: تعاهدتموه جیلاً عن جیل واُمَّة عن امَّة لا قراءة أفرادهم آحاد. فالصحیح من القراءتین هی «فَتَبَیَّنوا»؛ لأنّ ثبت المصحف قدیماً وحدیثاً والذی تعاهدته الاُمّة هو بالباء والقراءة الاُخری ساقطة عندنا وغیر جائزة إطلاقاً.

وفی مثل قوله تعالی: (حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2)-ثلاثیاً بمعنی انقطاع الدم، أو «یَطَّهَّرّنَ» مزیداً فیه من باب التفعّل علی معنی التطهّر بالماء (3)-نرجّح التخفیف؛ لأنّ شرط جواز إتیانهنّ بلا کراهة أمران: انقطاع الدم والاغتسال. وأمّا علی قراءة التشدید فیبقی أمر انقطاع الدّم مسکوتاً عنه.

وفی مثل قوله تعالی: (وَ جاءَتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) ، (4) الذی قرأه أبو بکر: «وجاءت سکرةُ الحقِّ بالموتِ». نرجّح الاُولی لأنّها مشهورة والاُخری باطلة، لمخالفتها الرسم والمتعاهد بین عامّة المسلمین جمیعاً.

الخلاصة

1. ذکر العلماء ضوابط ثلاثة لقبول القراءة: صحّة السند، وموافقة الرسم، واستقامة وجهها فی العربیة، وإذا فقد أحد هذه الشروط تکون القراءة شاذة.

ص:215

2. مایدلّ علی تواتر النصّ القرآنی امور:

أ) اتفاق المسلمین وتظافرهم علی نقله واهتمامهم الکبیر به.

ب) المخالفات فی رسم الخط القرآنی.

ج) تشکیل المصحف وتنقیطه.

3. إنّ المخالفات التی جرت علی ألسن بعض السلف، وقعت موضع إنکار العامّة وعرفت منذ العهد الأوّل أنّها غیر نصّ الوحی.

4. الملاک فی صحّة القراءة هو: موافقتها مع النصّ الأصل المحفوظ لدی عامّة المسلمین بشروط أحدها أن یتفق مع الثبت الموجود لدی المسلمین.

5. اقرأ کما یقرأ الناس شعار رفعه الإمام الصادق لتصحیح القراءة، وجعل ماهو المعروف لدی الناس من قراءة هو المعیار.

ص:216

أسئلة الدرس

1. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) القراءة الصحیحة هی التی تتوافق مع النصّ المتواتر بین المسلمین، منذ الصدر الأوّل إلی الآن ()

ب) القراءة الصحیحة هی التی تتوافق مع القواعد التی اوردها القراء الاوائل ()

2. اختر الإجابة الصحیحة

1. قراءة أبی بکر: «وجاءت سکرةُ الحَقِّ بالموتِ»

أ) قراءة صحیحة. ب) اعترف بها بعص الصحابة.

ج) کان یقرؤها فی زمن الرسول. د) شاذة.

2. أرجع الإمام الصادق فضیل بن یسار فی تصحیح القراءة إلی:

أ) قراءة الناس. ب) أ و ج صحیح.

ج) قراءة ابی بن کعب. د) لم یرجعه إلی أحد.

3. الصحیح قراءة (فَتَبَیَّنُوا) ؛

أ) لأنّ الرسول هکذا قرأها.

ب) لموافقتها مع ما وضعه الکتبة الأوائل.

ج) أ و ب صحیحة.

د) لأنّها موافقة لثبت المصحف.

ص:217

ص:218

صحیحة الإسناد مقبولة عند الأئمّة. فمثل «أرجلِکم»-بالخفض-وإنْ قرأ بها بعض کبار القرّاء لکنّها مرفوضة حیث کانت معارضة للدلیل الأقوی، کما رفضها جمهور المسلمین، وکانت علامة الثبت الاُولی والّتی کان علیها ثبت المصاحف هی علامة النصب. أمّا الدلیل الأقوی الذی یرجّح النصب علی الخفض، فهو اعتبار الاستیعاب-طولاً-فی مسح الأرجل، نظراً لذکر الحدّ-بدءاً ومنتهیً-فی الآیة الکریمة «من رؤوس أصابع الأقدام إلی الکعبین».

ولتوضیح هذا الجانب-من المسألة الفقهیّة المستنبطة من الآیة الکریمة-لا بدّ من تمهید مقدّمة هی: إنّ مادّة «مسح» یتعدّی بنفسه إلی المفعول به، ولا یحتاج فی تعدیته إلی إضافة حرف فی مدخوله لکن زیادة الباء فی هذا الموضع من الآیة کانت لنکتة، وهی أنّها لو لم تزد هنا لاستدعی إضافة «مسح» إلی متعلّقه، استیعاب المسح لمحلّه استدعاءً بالطبع، کما فی کلّ فعل اطلق بالنسبة إلی متعلّقه، کما فی «فاغسلوا وجوهَکم» استدعی استیعاب الغَسل لجمیع صفحة الوجه طولاً وعرضاً، ومن ثَمّ لو لم یقیّد الغَسل فی الیدین بقوله «إلی المرافق» لاستدعی استیعاب جمیع الید حتّی المنکب. وعلیه فلو لم تزد الباء، وقیل: «وامسحوا رؤوسَکم» لاستدعی مسح الرأس کلّه نظیر الوجه، حرفاً بحرفٍ. فزیدت الباء لتکون دلیلاً علی کفایة مجرّد المسح الملصق بالرأس، ولو وضع المتوضّی رأس إصبعه علی رأسه وجرّها جرّاً خفیفاً، فقد صدق «لصوق المسح بالرأس». والامتثال یقتضی الإجزاء-کما فی الاُصول-ولا امتثال عقیب الامتثال هذا فی الرأس. أمّا فی الرِّجل، فلمّا جاء ذکر الحدّ للمسح، کان ذلک دلیلاً علی إرادة استیعاب ما بین الحدّین «رؤوس أصابع القدم، الکعبین» طولاً، ومن ثَمّ فإنّه معطوف علی مدخول «وامسحوا» بلا زیادة الباء، أی محلّ المجرور وهو النصب. نعم، لیس النصب عطفاً علی مدخول «فاغسلوا»-کما زعمه القائل بوجوب غَسل الأرجل-استناداً إلی قراءة النصب فی الآیة، وهو فهم خاطئ واستنباط معوجّ،

ص:220

بعد ملاحظة أنّ العطف مع الفصل بالأجنبی مرفوض أو مرجوح فی اللغة ولا یحمل علیه القرآن الکریم.

الخلاصة

1. ملاکات صحّة القراءة ثلاثة: أن توافق الثبت القرآنی، موافتها للأفصح فی العربیة، ألّا تخالف دلیلا قطعیا.

2. القراءة الصحیحة هی قراءة عاصم بروایة حفص بالخصوص؛ لأنّها القراءة التی کان علیها جماهیر المسلمین وتلقّوها یداً بیدٍ منذ الصدر الأوّل حتّی توالی العصور.

3. المشهور بین الفقهاء قبولهم للقراءات السبعة، وهذه الموافقة لاتخلو من ثلاثة أسباب: سیرة المسلمین، إجماع الفقهاء، تظافر النصوص.

ص:222

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. قراءة «أرجلِکم»-بالخفض قراءة خاطئة لأنّها:

أ) تخالف الأفشی فی العربیة. ب) غیر موافقة للثبت القرآنی.

ج) تخالف دلیلاً قطعیاً. د) لم ترد فی القراءات أصلاً.

2. القراءة المختارة هی قراءة:

أ) عاصم بروایة حفص. ب. الکسائی الکوفی.

ج) نافع المدنی. د) أبو عمرو البصری.

3. الشائع بین الفقهاء:

أ) رفض الأحرف السبعة. ب) قبول بعض الأحرف السبعة.

ج) عدم التعرّض للحدیث عنها. د) قبول الأحرف السبعة.

ص:223

ص:224

یزیلها عن صورتها فی الکتاب، نحو قوله تعالی: (... إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ...) (1)-بتشدید القاف-. و «تَلْقُوْنَهُ»-بالتخفیف-. (2)

الثالث: أن یکون الاختلاف فی حروف الکلمة دون إعرابها، بما یغیّر معناها ولا یزیل صورتها، نحو قوله تعالی: (... وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها...) . (3) و «نُنْشِرُها». (4)

الرابع: أن یکون الاختلاف فی الکلمة بما یغیّر صورتها فی الکتاب، ولا یغیّر معناها، نحو قوله تعالی: (کَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) (5) و «کالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ». (6)

الخامس: أن یکون الاختلاف فی الکلمة بما یزیل صورتها ومعناها، نحو قوله تعالی: (وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ) (7) و «طَلْعٍ مَنْضُودٍ». (8)

السادس: أن یکون الاختلاف بالتقدیم والتأخیر، نحو قوله تعالی: (وَ جاءَتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) (9) «وجاءَتْ سکرةُ الحَقِّ بالموتِ». (10)

السابع: أن یکون الاختلاف بالزیادة والنقصان، نحو قوله تعالی: (... وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ...) (11) و «ما عَمِلَتْ أیْدِیْهِمْ». (12)

ص:226

الخلاصة

أورد ابن قتیبة مجموعة من الوجوه التی تمیز قراءة عن اخری تتمحور حول إعراب الکلمة و شکلها و حروفها ممّا یسبب التغیر أمّا بمعنی الکلمة أو فی صورتها، أو یکون التغیر بمعنی الجملة، کما فی وجه التقدیم والتأخیر.

ص:227

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. الفرق بین (... وَ یَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ...) -بضمّ الباء وسکون الخاء-. و «البَخَل»-بفتح الباء والخاء-یرجع إلی:

أ) الاختلاف فی الزیادة والنقصان. ب) الاختلاف فی حروف الکلمة.

ج) الاختلاف فی إعراب الکلمة. د) الاختلاف فی الکلمة.

2. یعود الفرق بین (وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ ) و «ما عَمِلَتْ أیْدِیْهِمْ». إلی:

أ) الاختلاف فی إعراب الکلمة. ب) الاختلاف فی التقدیم والتأخیر.

ج) الاختلاف فی بناء الکلمة. د) الاختلاف فی الزیادة والنقصان.

3. إنّ الذی تغیر فی الجملتین: (وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ) و «وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ» هو:

أ) صورة الکلمة ومعناها. ب) صورة الکلمة دون معناها.

ج) معنی الکلمة دون صورتها. د) لم یتغیر شیء فی الکلمة.

4. إنّ التغیر الذی یحصل جراء تبدیل کلمة (ننشرها) ب-(ننشزها) هو:

أ) تغیر المعنی والصورة معاً. ب) تغیر المعنی دون الصورة.

ج) تغیر الصورة دون المعنی. د) لم یتغیر شیئاً منهما.

5. اختر العبارة الصحیحیة:

أ) إنّ الفرق بین (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ...) -بتشدید القاف-. وبین «تَلْقُوْنَهُ»-

ص:228

بالتخفیف-. هو اختلاف فی إعراب الکلمة وحرکات بنائها.

ب) إنّ الفرق بین (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ...) -بتشدید القاف-. وبین «تَلْقُوْنَهُ»-بالتخفیف-. هو اختلاف فی حروف الکلمة.

ص:229

ص:230

العین والجیم والزاء أصلان صحیحان یدلّ أحدهما علی الضعف، والآخر علی مؤخر الشیء... فالأوّل: عجز عن الشیء یعجز عجزاً فهو عاجز أی ضعیف ویقولون: العجز فی فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراکه. (1)

وقال ابن منظور:

الإعجاز هو: الفوت والسبق بالنظر إلی حال المُعجِز وهو الضعف بالنظر إلی حال العاجز. (2)

وجمع الراغب الإصفهانی بین معانی الإعجاز اللغویة حیث قال:

العجز أصله التأخّر عن الشیء وحصوله عند عَجُز الأمر، أی مؤخِّرة... وصار فی التعارف اسماً للقصور عن فعل الشیء, وهو القدرة قال: (أَ عَجَزْتُ أَنْ أَکُونَ ) ، (3) وأعجزتُ فلاناً وعجَّزته وعاجزته، جعلته عاجزاً، قال: (... وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللّهِ...) ، (4)(وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ...) ، (5)(وَ الَّذِینَ سَعَوْا فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ ) . (6)(7)

ونقل الزبیدی فی تاج العروس:

أعجزه: صیره عاجزاً، أی عن إدراکه واللحوق به. (8)

2. ابن خلدون قال:

إنّ المعجزات أفعال یعجز البشر عن مثلها فسمّیت بذلک معجزة، ولیست فی مقدور العباد، وإنّما تقع فی غیر محل قدرتهم. (1)

3. نصیرالدین الطوسی:

هو ثبوت ما لیس بمعتاد أو نفی ما هو معتاد مع خرق العادة، ومطابقة الدعوی. (2)

4. القوشجی:

هو الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدی مع عدم المعارضة. (3)

5. القرطبی:

سمّیت معجزة لأنّ البشر یعجزون عن الإتیان بمثلها وشرائطها خسمة، فإن اختل منها شرط لا تکون معجزة... وشروطها:

أ) أن تکون لما لا یقدر علیها إلّا الله سبحانه.

ب) أن تخرق العادة.

ج) أن یستشهد بها مدعی الرسالة علی الله عزّ وجلّ.

د) أن تقع علی وفق دعوی المتحدّی بها.

ه) ألّا یأتی أحد بمثلها علی وجه المعارضة. (4)

6. عرفها البلاغی:

المعجز: هو الذی یأتی به مدعی النبوة بعنایة الله الخاصة خارقاً للعادة وخارجاً عن حدود القدرة البشریة وقوانین العلم والتعلم, لیکون بذلک دلیلاً علی صدق النبی وحجّته فی دعواه النبوة ودعوته. (5)

ص:234

7. وعرّفها السیّد باقر الحکیم:

المعجزة: هی أن یحدث تغییراً فی الکون-صغیراً أو کبیراً-یتحدّی به القوانین الطبیعیة التی ثبتت عن طریق الحسّ والتجربة. (1)

هذه مجموعة من التعاریف الکلامیة للمعجزة وکلّها تشیر إلی معنی واحد وأنّ اضیف فی بعضها شروط إضافیة، ولکنّها لم تکن قربیة إلی تعریف المعجزة التی نتحدّث عنها للأنبیاء.

وأری أقرب تعریف ذُکر هو تعریف السیّد الخوئی (رحمه الله) حیث قال:

المعجزة: هو أنّ یأتی المدعی لمنصب من المناصب الإلهیة بما یخرق نوامیس الطبیعیة ویعجز عنه غیره شاهداً علی صدق دعواه. (2)

الخلاصة

1. الإعجاز فی اللغة: إثبات العجز، وهو القصور عن فعل الشیء، وتدور التعاریف اللغویة التی فسرت الإعجاز حول ثلاثة معانٍ أساسیة:

1. عدم القدرة. 2. الضعف. 3. الانقطاع.

2. الإعجاز اصطلاحاً: هو أداء الکلام بطریقه واُسلوب یصل إلی حد یفوق فیه کلّ الطرق والأسالیب بلاغة.

3. المعجزة فی اللغة: هی مایعجز الخلق عن الإتیان بمثلها، فهی اسم فاعل من الإعجاز وهی للأنبیاء خاصّة.

4. المعجزة اصطلاحاً: هی کلّ أمر خارق للعادة، إذا قرن بالتحدّی وسلم عن المعارضة، یظهره الله علی ید أنبیائه لیکون دلیلاً علی صدق رسالتهم.

5. إنّ أقرب التعاریف هو أن یأتی المدعی لمنصب من المناصب الإلهیة بما یخرق نوامیس الطبیعیة ویعجز عنه غیره شاهداً علی صدق دعواه.

ص:235

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. یدور المعنی اللغوی لمصطلح الإعجاز علی المعانی التالیة:

أ) عدم القدرة و الضعف والغرابة ب) الانقطاع والغرابة و عدم القدرة

ج) الانقطاع وعدم القدرة والضعف د) لا شیء من هذه المعانی

2. إنّ الذی عرف المعجزة بأمر خارق للعادة، مقرون بالتحدّی، سالم عن المعارضة. هو...........

أ) السیّد الحکیم ب) السیوطی

ج) ابن خلدون د) البلاغی

3. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) شروط المعجزة: هی أن یأتی المدعی لمنصب من المناصب الإلهیة بما یخرق نوامیس الطبیعیة ویعجز عنه غیره شاهداً علی صدق دعواه().

ب) شروط المعجزة: الخرق للعادة والاقتران بالتحدّی وإظهارة علی ید وصی نبیه().

ص:236

تمثّلت فی الصراعات التی حدثت بین المسلمین فی العصور الاُولی وانشغالهم بالحروب والغزوات وما شابه ذلک.

وفی نهایة القرن الثانی بدأت الکتابات فی إعجاز القرآن تظهر بشکل أکثر سعة، حیث کتب أبوعبیدة معمر بن مثنی (ت209) کتاب إعجاز القرآن.

ثُمّ بدأت الکتابات فی هذا العنوان، وسنحاول ان نذکر هذه الکتابات بشکل متسلسل وفق المرحلة الزمنیة لذلک.

1. الجاحظ، أبوعثمان عمرو بن بحر (ت255) له کتاب اسمه نظم القرآن وذکر الإعجاز فی هذا الکتاب، ویذهب إلی أنّ إعجاز القرآن فی النظم والتألیف، ورد علی شیخه واُستاذه إبراهیم بن سیار النظام (ت224) الذی ذهب إلی أنّ الإعجاز متحقّق بسبب نظریة الصرفة.

2. أبوسلیمان حمد بن محمد بن إبراهیم الخطابی (ت388) له کتاب بیان إعجاز القرآن، وذهب فیه إلی أنّ الإعجاز متحقّق فی اللفظ القرآنی باعتباره أفصح الألفاظ، فی أحسن نظوم التألیف، مضمناً أصح المعانی. (1)

ثُمّ التفت إلی وجه آخر فی الإعجاز وهو:

صنیعه بالقلوب وتأثیره فی النفوس... تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور... فکم من عدو للرسول (صلی الله علیه و آله) من رجال العرب وفتاکها اقبلوا یریدون اغتیاله وقتله فسمعوا آیات من القرآن فلم یلبثوا حین وقعت فی مسامعهم أن یتحولوا عن رأیهم الأوّل، وأن یرکنوا إلی مسالمته، ویدخلوا فی دینه، وصارت عدواتهم موالاة، وکفرهم إیماناً. (2)

3. أبوالحسن علی بن عیسی الرمانی (ت386) له کتاب النکت فی الإعجاز القرآن وذکر سبع جهات للإعجاز هی:

ص:238

أ) ترک المعارضة مع توفر الدواعی وشدّة الحاجة.

ب) التحدّی للکافة.

ج) الصرفة.

د) البلاغة.

ه) الأخبار الصادقة عن الاُمور المستقبلة.

و) نقض العادة.

ز) قیاسة بکلّ معجزة.

4. أبوبکر محمد بن الطیب الباقلانی (ت403) وله کتاب إعجاز القرآن، وذکر الإعجاز من وجوه ثلاث:

أ) أخبار عن الغیبیات.

ب) قصص الأوّلین وأخبار الماضین.

ج) إنّه بدیع النظم وعجیب التألیف. (1)

د) أبوبکر عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجانی (ت471) له رسالة اسمها الرسالة الشافیة، ذکر فیها الإعجاز وله کتاب دلائل الاعجاز، وأشار إلی النظم وعجیب التألیف. (2)

5. القاضی عیاض بن موسی (ت544) له کتاب اسمه الشفا بتعریف حقوق المصطفی وحدد وجوه الإعجاز فی أربع:

أ) حسن التألیف.

ب) النظم العجیب والاُسلوب الغریب.

ج) الأخبار بالمغیبات.

د) أخباره عن القرون السابقة.

ص:239

وجوه اخری ذکرت فی الإعجاز منها. (1)

6. علی بن محمد السخاوی (ت643) ذهب إلی أنّ الإعجاز فی النظم والاُسلوب، وفصل بین الإعجاز وبین ما تحدّی به الکتاب، حیث جعل الإعجاز بدیع النظم وغرابة الاُسلوب، وأما الأخبار عن المغیبات وأخبار القرون الماضیة وما یتعلّق بالخلق والأرض والسماء فی رأیه لیس ممّا تحداهم به، وإنّما هذه الاُمور تدلّ علی صدق الرسول (صلی الله علیه و آله). (2)

7. أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبی (ت684) حیث جعل وجوه الإعجاز عشرة ذکرها فی جامعة. (3)

8. الزرکشی بدر الدین (ت794) ذکر وجوه متعددة فی البرهان. (4)

9. السیوطی جلال الدین (ت911) له کتاب الإتقان فی علوم القرآن وألف کتاب معترک الأقران فی إعجاز القرآن وذکر وجوه کثیرة للإعجاز.

جدول بیانی یعرض بعص مادون عن الإعجاز من القرن الثانی إلی العاشر الهجری

ص:240

لقد تحدّی القرآن الکریم خصومه علی مراحل:

1. (أَمْ یَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا یُؤْمِنُونَ* فَلْیَأْتُوا بِحَدِیثٍ مِثْلِهِ إِنْ کانُوا صادِقِینَ ) . (1)

2. (أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* فَإِلَّمْ یَسْتَجِیبُوا لَکُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ...) . (2)

3. (أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ کَذلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ...) . (3)

4. (وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِی وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ ) . (4)

5. (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً) . (5)

الخلاصة

ولد اصطلاح الإعجاز والمعجزة علی أیدی علماء القرآنیات عندما صنف أوّل بحث حول تحدّی القرآن لخصومه فی النصف الثانی من القرن الثانی.

یعود غیاب موضوع الإعجاز عن التدوین الإسلامی فی القرن الأوّل إلی مجموعة من الأسباب منها: انشغال المسلمین بالحروب والفتوحات و ضعف العقلیة الإسلامیة أنذاک.

ص:242

انتشرت بعد القرن الثانی الهجری مجموعة کبیرة اهتمت ببحث الإعجاز وفصلت فیه، وقد فصلت فی الجدول المتقدّم فلاحظ.

لقد تحدّی القرآن خصومه علی مراحل متعددة أشارت إلیها الآیات الکریمة، فهو تحداهم أن یأتوا بحدیث مثله فلم یستطیعوا، ثُمّ تحداهم أن یأتوا بعشر سور مثله فلم یستطیعوا، ثُمّ تحداهم أن یاتوا بسورة واحدة وعجزوا عن ذلک أیضاً.

ص:243

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة

1. مصنف کتاب إعجاز القرآن:

أ) أبو بکر الباقلانی ب) جلال الدین السیوطی

ج) بدر الدین الزرکشی د) أبو بکر الجرجانی

2. یری أبو عثمان الجاحظ أنّ وجه إعجاز القرآن هو:

أ) الأخبار بالمغیبات ب) اللفظ القرآنی

ج) النظم والتألیف د) الصرفة

3. من جوه الإعجاز التی ذکرها الرمانی هی:

أ) التحدّی للکافة ب) الصرفة

ج) البلاغة د) کلّها صحیحة

4. بدأت الکتابات فی الإعجاز القرآنی فی:

أ) منتصف القرن الثالث ب) منتصف القرن الثانی

ج) أواخر القرن الثالث د) منتصف القرن الرابع

5. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) من الأسباب التی کانت وراء انحسار التألیف فی الإعجاز فی القرن الأوّل هو نظرة الإجلال والتقدیس التی کانوا ینظرون بها للقرآن().

ب) لم یکن للصراعات التی خاضها المسلمون أی دور فی انحسار التألیف().

ص:244

وفی هذه المرحلة الدراسیة لعلوم القرآن سنبحث بعض هذه الوجوه، ویترک ماتبقی منها إلی المراحل الدراسیة الاُخری.

الخلاصة

1. اختلفت آراء العلماء والباحثین ومشاربهم فی تبینهم لأنواع ووجوه الإعجاز، فبعضهم تبنی وجهاً واحداً من الوجوه المذکورة، وآخر تبنی ثلاثة أو أربعة منها، وبعضهم أکثر من ذلک.

2. یتعلّق الإعجاز البیانی باللفظ والمعنی، بمعنی أنّ القرآن الکریم وظف أفضل وأعذب الألفاظ والمعانی والجمل والکلمات فی اسلوب غایة فی الدقّة والإحکام لإیصال المقصود إلی المخاطب.

3. أسالیب القرآن ثلاثة: الاُسلوب العلمی والأدبی والخطابی.

ص:247

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من وجوه الإعجاز:

أ) الصرفة ب) الإعجاز العددی

ج) أخباره بالمغیبات د) أ و ب و ج صحیح.

2. علماء الدراسات القرآنیة:

أ) مجمعون علی وجوه الإعجاز. ب) مختلفون.

ج) لم یستعملوها فی دراساتهم. د) أ و ج صحیح.

3. ضع علامة () العبارة الصحیحة:

أ) الاُسلوب: هو الطریقة التی یصاغ بها اللفظ بشکل یکون أقرب لنیل المقصود من الکلام ().

ب) للاُسلوب معنی واحداً، وهو الطریقة کما تقول: سلکت اسلوب فلان، أی: سلکت طریقته ().

ص:248

القراءوالسامعین، (1) ومن ممیزات هذا الاُسلوب:

1. استخدام الخیال.

2. التصویر الدقیق.

3. محاولة إیجاد الفروق الدقیقة من ناحیة التمثیل والتشابه وتقریبها بین الأشیاء،

فمثلاً یری الاُسلوب العلمی الحُمَّی بأنّها نتیجة لجراثیم معینه داخلة إلی الجسم لکن فی الأسلوب الأدبی یصورها المتنبی بما یلی:

وزائرتی کان بها حیاءً فلیس تزور إلّا فی الظلام

بذلتُ لها المطارف والحشایا فعافتها وباتت فی عظامی (2)

فالاُسلوب الأدبی یحاول إیجاد حالة الشبه بین شیئین، ثُمّ یبدأ بأخذ أوصاف کلا الشیئین ویعطها للآخر وهکذا.

ویمتاز هذا الاُسلوب أیضاً بالوضوح وعدم الغموض، فمثلاً یرثی المتنبی أحد الرجال بعدما حُمل نعشة بالقول:

ما کنت أمُلُ قبل نعشک أن أری رضوی علی أیدی الرجال یسیرُ (3)

وکذلک ابن المعتز (4) عندما قال وهو یرثی ابن العبّاس:

قد ذهب الناسُ ومات الکمال وصاح صرفً الدهر: أین الرجال

هذا أبوالعباس فی نعشه قوموا انظُروا کیف تسیرُ الجبال

وغیرها من التشبیهات التی یستخدمها الاُسلوب الادبی بشکل بدیع وجمیل.

ص:250

تلک العملیة من أحداث إلی إثارة شعورهم فی عدم مواجهة عدوهم وغیر ذلک من قدرة عالیة فی إلقاء الخطبة لا یدانیه فیها أحد.

الخلاصة

الاُسلوب العلمی: یتکفّل بشرح الحقائق العلمیة الدقیقة باُسلوب واضح وجلی.

الاُسلوب الأدبی: یعتمد علی الکلام البلیغ ویستخدم الأدوات التی تحرک مشاعر وأحاسیس الجماهیر.

یراعی فی الاُسلوب الخطابی الحدیث المؤثّر فی السامع ویعتمد علی التمثیل والحجّة والبرهان.

ص:252

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. الغالب فی أسالیب المناهج الدراسیة هو:

أ) الاُسلوب الأدبی ب) الاُسلوب العلمی

ج) الاُسلوب الخطابی د) الاُسلوب الفنی

وزائرتی کان بها حیاءً فلیس تزور إلّا فی الظلام

بذلتُ لها المطارف والحشایا فعافتها وباتت فی عظامی

2. الاُسلوب المستفاد من هذه الأبیات هو:

أ) الاُسلوب الإعلامی ب) الاُسلوب التراجیدی

ج) الاُسلوب الأدبی د) خالیة من أی اسلوب

3. یعتمد الاُسلوب الخطابی علی:

أ) الحجّة والبرهان ب) التصویر الدقیق

ج) قوة العقل د) أ و ج

4. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

قد ذهب الناسُ ومات الکمال وصاح صرفً الدهر: أین الرجال

هذا أبوالعباس فی نعشه قوموا انظُروا کیف تسیرُ الجبال

أ) تصنف هذه الأبیات ضمن الاُسلوب الخطابی ().

ب) تصنف هذه الأبیات ضمن الاُسلوب الأدبی ().

ص:253

ص:254

ووصفه فی وصف آخر:

«ثم أنزل علیه الکتاب نوراً لا تطفأ مصابیحه، وسراجاً لا ینجو توقده وبحراً لا یدرک قعره». (1)

امّا الولید بن المغیرة، وهذا کان من الذین تتحاکم لدیه الاُدباء قال بحقّ القرآن لما سمع النبی یتلو بعض آیاته فقال:

والله لقد سمعت من محمد آنفاً کلاماً ما هو من کلام الأنس ولا من کلام الجن وأنّ له لحلاوة، وأنّ علیه لطلاوة، وأنّ أعلاه لمثمر، وأنّ أسفله لمغدق وأنّه لیعلو وما یُعلی علیه. (2)

أمّا عتبة بن ربیعة عندما سمع آیات من الذکر الحکیم قال:

إنّی سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالکهانة... فوالله لیکونن لقوله الذی سمعت منه نبأ عظیم. (3)

وهناک قصة قد حکاها القرآن بقوله: (وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَغْلِبُونَ ) . (4)

والقصة تشیر إلی وجود ثلاث أشخاص کانوا یأتون لیلاً لیسمعوا من الرسول (صلی الله علیه و آله) القرآن وکان لا یعلم أحدهم بالآخر، فکلّ واحد منهم یأخذ مکاناً فی أستار اللیل لیسمع من الرسول (صلی الله علیه و آله)، وکانوا یتفرقون فیلتقون فی الطریق ویتواصوا بعدم الذهاب ثانیة، ثُمّ یکرروها إلی أن قال بعضهم لبعض:

لا تعودوا فلو رأکم بعض سفهائکم لا وقعتم فی نفسه شیئاً ثم انصرفوا. (5)

ص:256

ألم یکونوا هؤلاء أصحاب البلاغة والفصاحة، وملوک البیان والشعر، فلماذا أسرهم القرآن بهذا الشکل إذا لم یکن فیه تفوق علی ما یمتلکونه من فصاحة وبلاغة، هذه من الجهة الاُولی.

الخلاصة

1. إنّ اسلوب القرآن الکریم یفوق الأسالیب التی تقدم شرحها سواء کانت علمیة أم أدبیة أم خطابیة.

2. یستدلّ علی تفوق بیان القرآن الکریم واُسلوبه بوجهین: الأوّل: شهادات واعترافات کبار الفصحاء وملوک البیان. والثانی: حدیث القرآن عن نفسه.

3. من أبرز الذین بینوا عظمة خطاب هذا الکتاب واعترفوا بسمو عرضه واُسلوبه هم: علی بن أبی طالب، والولید بن المغیرة، و عتبه بن ربیعة.

ص:257

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. اسلوب القرآن الکریم هو:

أ) اسلوب خطابی ب) اسلوب علمی

ج) اسلوب أدبی د) یفوق هذه الأسالیب

2. مَن القائل: «وکتاب الله بین أظهرکم ناطق لا یعیا لسانه، وبیت لا تهدم أرکانه وعز لا تهزم أعوانه.»

أ) عتبة بن ربیعة ب) رسول الله (صلی الله علیه و آله)

ج) علی بن أبی طالب (علیه السلام) د) الولید بن المغیرة

3. لقد قرر الأشخاص الثلاثة الذین کانوا یستمعون القرآن خلسة:

أ) أن یؤمنوا بما انزل علی محمد.

ب) ألّا یعودو مرّة اخری واستهزؤوا بالقرآن.

ج) أن یستفهموا من النبی معالم الدین الجدید.

د) ألّا یُطهروا أنفسهم فی سماع القرآن.

ص:258

قوله: (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ) . (1)

فلو تلمسنا الفروق بین هذه العبارة: «القتل أنفی للقتل» وبین عبارة: «القصاص حیاة» لوجدنا ذلک من عدّة جهات کما ذکرها الشیخ الطوسی (رحمه الله). (2)

1. الآیة أکثر فائدة من العبارة المذکورة؛ لأنّ الآیة فیها معنی العبارة المتقدّمة مع زیادة والزیادة هی:

أ) إظهار العدل لذکر الآیة القصاص.

ب) إظهار الحیاة الشیء الجمیل المرغوب والدافع لتطبیق المادة.

ج) الآیة فیها ترغیب وترهیب، فی نفس الوقت فیها القصاص وفیها الحیاة, أمّا العبارة اقتصرت علی القتل.

2. إنّ الآیة أقلّ حروفاً وأکثر إیجازاً من العبارة المذکورة، فالحروف فی قوله: «القصاص حیاة» عشرة أمّا الحروف فی العبارة: «القتل أنفی للقتل» أربعة عشر حرفاً.

3. العبارة المذکورة فیها تکرار للقتل، وهذا غیر حسن فی الکلام البلیغ إذ أمکن تعویضه بعبارة لیس فیها تکرار من قبیل: «القصاص حیاة».

4. التألیف فی الآیة أفضل من التألیف فی العبارة المذکورة، فنحن ندرک ذلک بالوجدان، فالآیة «فی القصاص حیاة» خرجت من الفاء إلی اللام وذلک أعدل، کما یقول علماء اللغة من الخروج من اللام إلی الهمزة کما فی عبارة «القتل أنفی للقتل».

وکذلک الخروج من الصاد إلی الحاء أعدل من الخروج من الألف إلی اللام.

وهناک فروق اخری ذکرت بین العبارتین منها:

-إنّ القتل لا ینفی القتل، أمّا إذا کان القتل بعنوان القصاص فهو النافی للقتل حقیقة.

-الآیة فیها جنبه إیجابیة «فی القصاص حیاة» أمّا فی العبارة فیها جنبة نفی «القتل

ص:260

أنفی للقتل» ویقال: إنّ فی القانون العبارة الإیجابیة أولی وأفضل من العبارة السلبیة.

-فی الآیة یوجد فیها محسنات معنویة، نحن نعلم أنّ فی علم البدیع نوعین من المحسنات:

محسنات لفظیة، وهی:

1. الجناس: تشابه اللفظ فی النطق ویختلف فی المعنی، مثال: (وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ...) . (1)

2. الاقتباس: أن تقتبس شیئاً من القرآن، أو الشعر لتضمنه الکلام، کما قال: عبدالمؤمن الإصفهانی (2): «لا تغّرنّک من الظّلمة کثرة الجیوش والأنصار: (إِنَّما یُؤَخِّرُهُمْ لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ) . (3)

3. السجع: یستخدم فی النثر بحیث تتوافق الکلمتین فی الحرفین الأخیرین وأحسنه عندما تتوافق الفقرات مثال: الحر إذا وعد وفی وإذا أعان کفی وإذا ملک عفی.

ص:261

امّا المحسنات المعنویة، فهی:

1. التوریة: وهی ذکر لفظ له معنیان قریب ظاهر غیر مقصود وبعید خفی مقصود ومراد. قال سراج الدین الوراق (1):

أصون أدیم وجهی عن أناس لقاء الموت عندهم الأدیب

وربّ الشّعر عندهم بغیض لو وافی به لهم حبیب

فکلمة حبیب لها معنی وهو متبادر إلی الذهن وهذا معنی ظاهر خصوصاً وأنّ الشاعر استخدم مفردة (بغیض) ولکن لها معنی آخر هو یرید (حبیب بن أوس) وهو الشاعر أبو تمام. وهو یقصد هذا المعنی.

2. المقابلة: أن تأتی بمعنیین أو أکثر ثُمّ تأتی بما یقابلها علی الترتیب. مثل: قال (علیه السلام) للأنصار:

«إنّکم لتکثرون عند الفزع، وتقلّون عن الطمع». (2)

3. الطباق: وهو الجمع بین الشیء وضده فی الکلام، وهنا فی الآیة جمع بین (القصاص والحیاة) وهما ضدان؛ لأنّ القصاص هو من القتل وفی الظاهر أنّه ضد الحیاة، وفی نفس الوقت هو موجد للحیاة.

فهذه العبارة القرآنیة الواحدة تمثل بحقّ معجزة إلهیة فی صیاغتها واُسلوبها وترکیبها ومعناها. والشواهد کثیرة فی القرآن.

ص:262

3. إنّ الجملة التی استخدمها القرآن بجعل القصاص حیاة أفضل ممّا استخدمها العرب عندما قالوا: القتل أنفی للقتل، لوجوه:

الأوّل: إنّها أکثر فائدة، والثانی: إنّها مختصرة وأکثر دلالة، والثالث: خلوها من التکرار و....

4. إنّ الجملة التی استخدمها القرآن فیها من المحسنات اللفظیة کالجناس والاقتباس والسجع، والمحسنات المعنویة کالتوریة والمقابلة والطباق.

5. هناک آیات عدیدة دلّت علی اتساق الکلام ودقّة التعبیر منها: قوله تعالی: (وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما...) وکذا: (الزّانِیَةُ وَ الزّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ...) ، وغیرها.

ص:264

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة

1. الکلمات القرآنیة منسجمة فیما بینها من حیث:

أ) الإعراب و النغم والصوت

ب) الصوت والنغم والفصاحة

ج) الفصاحة والصوت والسجع

د) الصوت والسجع والإعراب

2. معنی القتل أنفی للقتل:

أ) إنّ قتل القاتل أخذ بحقّ المقتول.

ب) إنّ قتل القاتل هو نفی للقتل.

ج) إنّ قتل القاتل أفضل رادع عن القتل.

د) لاشیء من ذلک.

3. المعانی الموجودة فی آیة القصاص والزائدة علی عبارة: «القتل أنفی للقتل» هی:

أ) إنّ فیها معنی العدل.

ب) إنّ فیها ترغیباً وترهیباً.

ج) أ و ب صحیح.

د) أ و ب خطأ.

ص:265

4. تقدیم الزانیة علی الزانی....

أ) لأنّها تجلد أوّلاً.

ب) لأنّ لزانی ذنبه أقلّ.

ج) لأنّ الزانیة هی البادئة.

د) أ و ب صحیح.

5. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) الطباق: وهو الجمع بین الشیء وضده فی الکلام().

ب) الطباق: تشابه اللفظ فی النطق والاختلاف فی المعنی().

ص:266

ج) قوله تعالی: (وَ السَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ ) ، (1)-أی: بنیناها بقوّة وإحکام-یشیر إلی حقیقة کانت خافیة علی البشر ثلاثة عشر قرناً، وهی أنّ فسحة السّماء لا تزال تتمدّد وتتوسّع مع توالی الأحقاب. وأوّل من تنبّه لذلک هو العالِم الفلکی لومتر البلجیکی، فی عام 1927 المیلادی.

د) قوله تعالی: (... وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً کَأَنَّما یَصَّعَّدُ فِی السَّماءِ...) ، (2) یشیر إلی أنّ الطبقات العلیا من الفضاء خالیة من الهواء، أی: ومن یرد أن یضلّه فهو کمن یحسّ بحرج فی تنفّسه وتتضایق علیه الحیاة بسبب ارتفاعه فی طبقات علیا من الفضاء. هکذا یکشف العلم عن أسرار هذا الکتاب المبین.

ه) قوله تعالی: (وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً...) ، (3) یشیر إلی حقیقة کشف عنها العلم، وهی إحاطة الأرض بواسطة غلاف هوائی سمیک، قد یبلغ ارتفاعه أکثر من 350 کیلومتراً، یکوّن تُرساً واقیاً للأرض من قذائف السماء.

و) قوله تعالی: (وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ ) ، (4) یشیر إلی الجاذبیّة العامّة والحبک: الشدّ الوثیق.

ز) قوله تعالی: (وَ تَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ...) ، (5) یشیر إلی حرکة الجبال، ولیست حرکة الجبال فی مسیر الفضاء سوی حرکة الأرض الانتقالیّة فی دورتها السنویّة، أو الوضعیّة حول نفسها.

ح) قوله تعالی: (أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلی قادِرِینَ عَلی أَنْ نُسَوِّیَ بَنانَهُ ) ، (6)

ص:269

یشیر إلی أنّ هناک معجزة کبری فی تسویة البنان، وبعثُه علی صورته الاُولی یکون أکبر من إحیاء العظام البالیة، الأمر الّذی لم یکشف سرّه إلاّ بعد نزول الآیة بأکثر من ألف سنة، حینما عرف أنّ لکلّ إنسان بصمة خاصّة رسمت علی بنانه لا یتّفق اثنان فی بصمة واحدة، منذ أن خلق الله الإنسان. وهذا سرّ غریب فی الخلیقة أوّلاً وفی إشارة القرآن إلیه ثانیاً.

الخلاصة

إنّ الأصل فی کتاب الله أنّه کتاب هدایة وارشاد ولیس کتاباً عملیاً أو طبیعیاً تطرح فیه نظریات فی الأحیاء الریاضیات، أجل وردت فیه إیرادات علمیة تثبت الإعجاز العلمی.

من الإشارات العلمیة التی وردت القرآن الکریم: علاقة الحیاة بالماء عندما صرح القرآن بذلک: (... وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ...) قبل أن یولد هذا الموضوع فی الکتب العلمیة.

لقد أثبت القرآن أن هناک فسحة فی السماء لازالت تتمدد وتتوسع: (... وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ ) وکان ذلک قبل أن یلتفت إلیها العالم البلجیکی بمئات السنین.

(وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ ) یشیر إلی قانون الجاذبیة الذی اکتشفه «نیوتن» فیما بعد بزمن طویل.

وهناک إشارات عدیدة تثبت الأعجاز العلمی من نفس آیات القرآن الکریم تراجع فیها الکتب المختصّة فی هذا المجال.

ص:270

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. الأصل فی کتاب الله:

أ) أن یکون کتاباً علمیاً. ب) کتاب هدایة وإرشاد.

ج) کتاب یخبر عن المغیبات. د) کتاب أدبی.

2. یشیر قوله تعالی (یَصَّعَّدُ فِی السَّماءِ) :

أ) إلی النجوم التی فی السماء.

ب) إلی الملائکة الموکلین بالسماء.

ج) إلی خلو الطبقات العلیا من الهواء.

د) لا تشیر إلی شیء من ذلک.

3. (... وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ...) یشیر إلی:

أ) إنّ الماء حی. ب) إنّ خالقه حی.

ج) حیاة المخلوقات. د) إنّ أصل الحیاة من الماء.

4. أجب عن سؤال واحد:

أ) بین المعجزة فی قوله تعالی: (وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ ) .

ب) ما هو وجه الإعجاز فی الآیة الکریمة: (أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلی قادِرِینَ عَلی أَنْ نُسَوِّیَ بَنانَهُ ) .

ص:271

ص:272

(کُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هذا...) . (1) فإنّ ورود أخبار الاُمم الماضیة بهذا التفصیل الدقیق دلیل علی کونه وحیاً من عند الله علّام الغیوب ولیس من عند البشر ذی العلم القصیر ولا سیّما من مثل محمد (صلی الله علیه و آله) الذی نشأ فی بیئة لا تمکّنه الاطّلاع علی مثل هذه الاُمور علی دقائقها وظروفها. ولیست تهمة قریش بأنّها (أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ اکْتَتَبَها) ، (2) إلّا افتراءً مفضوحاً، جاءت علی خلاف ما استیقنتها نفوسهم من امّیّة الرسول (صلی الله علیه و آله) وعدم اتّصاله بأحد من أهل الکتاب، ولم تکن له أسفار علمیّة للبحث عن آثار الاُمم.

ومن غیب الحاضر-والمقصود منه ما جری علی عهد الرسول (صلی الله علیه و آله)، من حوادث لم یحضرها هو ولا الخاصّة من أصحابه فنزل القرآن متضمّناً لها ومخبراً بحقیقة ما جری-قوله تعالی بشأن المنافقین الذین بنوا مسجد ضرار: (وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ کُفْراً وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنی وَ اللّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ ) . (3) والغایة الأساسیّة من غیب الحاضر هو تأیید الدعوة.

ومن غیب المستقبل قوله تعالی: (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِی أَدْنَی الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ* فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللّهِ یَنْصُرُ مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ* وَعْدَ اللّهِ لا یُخْلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ ) ، (4) وقوله تعالی: (وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِی وَقُودُهَا )

ص:274

(النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ ) ، (1) وقوله تعالی: (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) ، (2) وقوله تعالی: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) . (3)

الخلاصة

1. یطلق الإعجاز الغیبی علی إخبار ما غاب عن النبی (صلی الله علیه و آله) وقومه ممّا لم یشهدوه من حوادث وقعت، أو لم یحضروا وقتها.

2. ینقسم الإعجاز الغیبی إلی غیب الماضی وغیب الحاضر وغیب المستقبل، فمثال الأوّل: أخباره عن مجموعة من قصص الأنبیاء السابقین، ومثال الثانی: أخباره ما فعله المنافقون عندما بنوا المسجد، ومثال الثالث: أخباره بانتصار الروم لاحقاً.

3. من جوه الإعجاز الاُخری هو الإعجاز الغیبی، وأبرز مثال قرآنی یمکن ذکره هنا هو تشریع القصاص.

ص:276

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. صور الإعجاز الغیبی:

أ) غیب الماضی والحاضر والمستقبل.

ب) غیب ماقبل النبی وغیب ما بعده.

ج) غیب الماضی والمستقبل.

د) غیب الحاضر فقط.

2. قصة نوح ومریم من:

أ) غیب الحاضر. ب) غیب الماضی.

ج) غیب المستقبل. د) لایوجد فیهما إشارة للغیب.

3. نجد الإشارة إلی غیب المستقبل فی:

أ) قصة یوسف.

ب) قصة موسی.

ج) (وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ کُفْراً...) .

د) (غُلِبَتِ الرُّومُ...) .

4. إنّ قوله تعالی: (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ...)

أ) شاهد علی الإعجاز البیانی. ب) شاهد علی الإعجاز التشریعی.

ج) شاهد علی الإعجاز الغیبی. د) شاهد علی الإعجاز العلمی.

ص:277

ص:278

العسکر، فإن أحسّ بظفر وغنیمة قرّ واطمأنّ، وإلاّ فرّ وطار علی وجهه. (1)

تحریف الکلام: تفسیره علی غیر وجهه، أی: تأویله بما لا یکون ظاهراً فیه، تأویلاً من غیر دلیل.

والتحریف بهذا المعنی إنّما هو تغییر فی معنی الکلم، کما قال تعالی: (... یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ...) . (2) أی: یفسّرونها علی غیر وجهها بما لا دلالة للکلام وضعاً فیه. وهذا تحریف معنوی لا غیر. قال الطبرسی (رحمه الله) فی تفسیر قوله تعالی:

(... یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ...) : أی: یفسّرونها علی غیر ما انزل ویغیّرون صفة النبی (صلی الله علیه و آله).

فیکون التحریف بأمرین، أحدهما: سوء التأویل، والآخر: التغییر والتبدیل، کقوله تعالی: (... وَ یَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ...) . (3)

وهذا فی الآیات قلیل نادر، لکن السور کلّها جاء ثبتها فی المصحف علی خلاف ترتیب النزول، کما تقدّم.

3. تحریف فی القراءة: بأن یقرأ الکلمة علی خلاف قراءتها المعهودة لدی جمهور المسلمین، وهذا کأکثر اجتهادات القرّاء فی قراءاتهم المبتدعة لا عهد لها فی الصدر الأوّل، الأمر الذی لا نجیزه بعد أن کان القرآن واحداً نزل من عند واحد، کما فی الحدیث الشریف. (1) وقد ذکرنا ذلک فی بحث القراءات.

4. تحریف فی لهجة التعبیر: کما فی لهجات القبائل تختلف عند النطق بالحرف أو الکلمة فی الحرکات وفی الأداء. الأمر الّذی یجوز، ما دامت بُنیة الکلمة الأصلیّة محتفظة لا یختلف معناها وقد نزّلنا حدیث الأحرف السبعة-علی فرض صحّة الإسناد-علی إرادة اختلاف لهجات العرب فی أداء الکلمات والحروف، بل وحتّی إذا لم تکن اللهجة عربیّة، فإنّ الملائکة ترفعها عربیّة کما فی الحدیث. (2) نعم لا یجوز إذا کان لحناً-أی: خطأً ومخالفاً لقواعد الإعراب-قال تعالی: (قُرْآناً عَرَبِیًّا غَیْرَ ذِی عِوَجٍ...) ، (3) وقد امرنا بقراءة القرآن عربیّة صحیحة «تعلّموا القرآن بعربیّته، (4) وهکذا إذا کان التحریف اللهجة مغیّراً لمعنی الکلمة فإنّه لا یجوز، ولا سیّما إذا کان عن عمدٍ ولغرض خبیث، کما کانت تفعله الیهود عند النطق بلفظ «راعنا» فکانت تمیل حرکة العین إلی فوق لتصبح معنی الکلمة «شرّیرنا» حسبما ذکره الحسین بن علی المغربی (5) وذکره القرآن فی سورة البقرة «آیة102» وفی سورة النساء «آیة46».

ص:281

5. تحریف بتبدیل الکلم: بأن تتبدّل الکلمة إلی غیرها مرادفة لها أو غیر مرادفة. الأمر الذی کان یجوّزه ابن مسعود فی المترادفات نظراً منه إلی حفظ المعنی المراد، وأنّه لا بأس باختلاف اللفظ. وقد قلنا بعدم جواز ذلک فی نصّ الوحی؛ لأنّ الإعجاز قائم بلفظه کما هو قائم بمعناه. (1)

6. التحریف بالزیادة: نسب إلی جماعة-کابن مسعود-أنّهم کانوا یزیدون فی نصّ الوحی، لا عقیدة بأنّها من القرآن، بل لغرض إیضاح الآیة ورفع الإبهام من لفظها. وهذا لا بأس به مع التزام الشرط وعدم الالتباس، وهکذا نجد زیادات تفسیریّة فی المأثور عن الأئمّة الصادقین (علیهم السلام).

ولم نجد من زعم زیادة فی النصّ الموجود سوی ما یحکی عن العجاردة (أصحاب عبد الکریم بن عجرد من زعماء الخوارج) أنّهم أنکروا أن تکون سورة یوسف من القرآن، وکانوا یرون أنّها قصّة عشق ولم یجوزوا أن تکون من الوحی. (2) ولهم مقالات فاسدة غیر ذلک. (3) وسیأتی ردّ مقالتهم. نعم، کان ممّا اشتبه علی ابن مسعود زعمه أنّه المعوّذتین تعویذان لیستا من القرآن وکان یقول:

لا تخلطوا بالقرآن ما لیس منه.

وکان یحکّمها من المصحف. (4)

7. التحریف بالنقص: إمّا بقراءة النقص، کما اثر عن ابن مسعود أنّه کان یقرأ:

ص:282

«واللیلِ إذا یغشی والنهارِ إذا تجلّی والذکرِ والاُنثی» بإسقاط «ما خَلَقَ»، (1) وعن الأعمش أنّه کان یقرأ: «حم سق» بإسقاط «ع» قیل: «وهکذا قرأ ابن عبّاس». (2) أو بزعم أنّ فی النصّ الحاضر سقطاً، کان من القرآن فاُسقط إمّا عن عمد أو عن نسیان، وهذا إمّا فی حرف واحد أو کلمة أو جملة کاملة أو آیة أو سورة کما زعم. وکلّ ذلک ورد مأثوراً فی امَّهات الکتب الحدیثیّة کالصحاح الستّة وغیرهما. الأمر الذی ننکره أشدّ الإنکار، وهو الّذی وقع الکلام حوله فی مسألة تحریف الکتاب. ولا مجال لتغییر العبارة والقول بأنّه من منسوخ التلاوة أو منسیّها-کما التزم به بعض أئمّة أهل السنّة-فإنّه من الالتواء فی التعبیر، وتغییر العنوان لا یغیّر الواقع المعنون.

ومجمل القول فی ذلک: إنّ ما ورد بهذا الشأن من الروایات العامیّة الإسناد، لا تعدو کونها من صنع الزنادقة والوضّاعین المعروفین بالکذب والاختلاق، أو أنّ لها تأویلاً صحیحاً لا یمسّ جانب تحریف الکتاب. وإلاّ فهی أوهام وخرافات لا اعتبار بشأنها أصلاً.

خیانة فی أمانة الأداء والبلاغ. وفی قوله تعالی: (... مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ...) ، (1) تصریح بهذا المعنی، حیث إنّ التحریف إزاحة للّفظ عن موضعه الذی هو معناه.

وفی سورة البقرة: (... وَ قَدْ کانَ فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَسْمَعُونَ کَلامَ اللّهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ...) ، (2) أی: جاء تحریف المعنی إلی ما أرادوه بعد علمهم بالمعنی الحقیقی المراد الذی کان علی خلاف مصالحهم فیما زعموا، ومن ثَمّ فهو من سوء التأویل کما عبّر عنه الطبرسی ومن قبله الشیخ فی التبیان. قال:

فالتحریف یکون بأمرین: بسوء التأویل وبالتغییر والتبدیل. (3)

أی: بتغییر لهجة الکلام بحیث یغیّر المعنی بذلک، کما جاء فی سورة آل عمران: 78.

والخلاصة کان تحریف العهدین الّذی أشار إلیه القرآن إمّا بسوء التأویل-أی التصرّف فی تفسیرهما بغیر الحقّ، من غیر أن یمسّوا یداً إلی لفظ الکتاب-أو مع تغییر فی لهجة التعبیر عند النطق بالکتاب، کما قال تعالی: (وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِیقاً یَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْکِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْکِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْکِتابِ وَ یَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ یَقُولُونَ عَلَی اللّهِ الْکَذِبَ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ ) . (4) لأنّ اللفظ إذا لهج به علی غیر لهجته الاُولی لم یکن نفسه وإنّما هو غیره، وإنّما کانوا یعمدون إلی ذلک ذریعة لکتمان الحقیقة وإخفاء البشائر بمقدم نبیّ الإسلام (صلی الله علیه و آله).

أمّا التحریف بمعنی الزیادة أو النقصان أو تبدیل الکلم إلی کلمات غیرها-الّذی هو المعنی الاصطلاحی-فلم یعهد استعماله فی القرآن، حسبما عرفت.

ص:284

الخلاصة

1. التحریف فی اللغة یقع فی أمرین: تحریف الشیء: وهو إمالته والعدول به عن موضعه، وتحریف الکلام: تفسیره علی غیر وجهه.

2. التحریف فی الاصطلاح: جاء علی وجوه سبعة وهی مبینة بصورة واضحة فی الشکل أعلاه.

3. الوجوه الاصطلاحیة للتحریف کلّها ممنوعة ماعدا اعترافنا بوقوع التحریف باللهجة والتحریف الموضعی وإن کان نادراً فی الآیات.

4. لم یستعمل القرآن لفظ التحریف فی غیر معناه اللغوی، وأمّا التحریف بمعنی الزیادة أو النقصان أو تبدیل الکلم إلی کلمات غیرها-الّذی هو المعنی الاصطلاحی-فلم یعهد استعماله فی القرآن.

5. إنّ ما ورد بشأن تحریف القرآن زیادة اونقیصة هی روایات عامیّة الإسناد، من صنع الزنادقة والوضّاعین، أو أنّ لها تأویلاً صحیحاً لا یمسّ جانب تحریف الکتاب.

ص:285

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من وجوه التحریف الاصطلاحی:

أ) التحریف بالزیادة والنقصان. ب) التحریف باللهجة والتعبیر.

ج) التحریف بتبدیل الکلم. د) کلّها صحیحة.

2. قوله تعالی (... یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ...) یشیر:

أ) إلی معنی التحریف اللغوی.

ب) إلی معنی التحریف الاصطلاحی.

ج) إلی معنی التحریف المعنوی.

د) إلی معنی التحریف فی لهجة التعبیر.

3. التحریف بمعنی الزیادة والنقصان:

أ) استعمل فی القرآن. ب) لم یستعمل فی القرآن.

ج) یوجد ولکن بشکل قلیل. د) أ و ج صحیح.

ص:286

وما ورد من أخبار النقیصة تمنع البدیهة من العمل بظاهرها ولا سیّما ما فیه من نقص ثلث القرآن أو کثیر منه، فإنّه لو کان ذلک لتواتر نقله، لتوفّر الدواعی علیه ولاتّخذه غیر أهل الإسلام من أعظم المطاعن علی الإسلام وأهله... کیف یکون ذلک وکانوا شدیدی المحافظة علی ضبط آیاته وحروفه، وخصوصاً ما ورد أنّه صُرّح فیه بأسماء کثیر من المنافقین؟ وکیف یمکن ذلک وکان من حکمة النبی (صلی الله علیه و آله) الستر علیهم ومعاملتهم معاملة أهل الدین؟. (1)

وأخیراً قال:

یاللعجب من قوم یزعمون سلامة الأحادیث وبقائها محفوظة، وهی دائرة علی الألسن ومنقولة فی الکتب، فی مدّة ألف ومئتی سنة، وأنّها لو حدث فیها نقص لظهر واستبان وشاع، لکنّهم یحکمون بنقص القرآن، وخفی ذلک فی جمیع الأزمان. (2)

2. ضرورة تواتر القرآن: من الدلائل ذوات الشأن النافیة لشبهة التحریف هی مسألة «ضرورة کون القرآن متواتراً» فی مجموعه وفی أبعاضه، فی سوره وآیاته، حتّی فی جمله الترکیبیّة وفی کلماته وحروفه، بل وحتی فی قراءته وهجائه علی ما أسلفنا فی بحث القراءات، وقلنا:

إنّ الصحیح من القراءات هی القراءة المشهورة الّتی علیها جمهور المسلمین وقد انطبقت علی قراءة عاصم بروایة حفص.

فإنّ هذا ممّا یرفض احتمال التحریف، لأنّ ما قیل بسقوطه وأنّه کان قرآناً یتلی إنّما نقل إلینا بخبر واحد، وهو غیر حجّة فی هذا الباب، حتّی لو فرض صحّة إسناده.

هکذا استدلّ العلّامة الحلّی (3) وجماعة من المحقّقین کالسیّد المجاهد محمد بن

ص:288

علی الطباطبائی (1) والفقیه المحقّق المولی أحمد الأردبیلی (2) والمحقّق المتتبّع السیّد محمد جواد العاملی (3) وغیرهم.

3. مسألة الإعجاز: ممّا یتنافی مع احتمال التحریف فی کتاب الله هی مسألة الإعجاز المتحدّی به. وقد اعتبروه العلماء من أکبر الدلائل علی نفی التحریف. أمّا احتمال الزیادة-کما احتمله أصحاب ابن العجرد من الخوارج، قالوا بزیادة سورة یوسف فی القرآن؛ لأنّها قصّة عشق ولا یجوز أن تکون وحیاً، (4) وکما زعمه ابن مسعود بشأن سورتی المعوّذتین (5) فهو احتمال باطل، إذ یستدعی ذلک أن یکون باستطاعة البشریّة أن تقوم بإنشاء سورة کاملة تماثل سور القرآن تماماً، وقد قال تعالی: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً) ، (6)(أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ...) ، (7)(أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ...) ، (8)(وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...) . (9) فهذا التحدّی الصارخ یبطل دعوی کلّ زیادة فی سور القرآن وآیاته الکریمة.

وکذا احتمال التبدیل، فإنّ المتبدَّل لا یکون من کلامه تعالی وإنّما هو من کلام مبدِّله والکلام یسند إلی قائله إذا کان مجموع الکلمات مستندة إلیه لا البعض دون

ص:289

البعض. إذاً فاحتمال التبدیل ولو فی بعض کلمات القرآن یبطل إسناد مجموع الکتاب إلیه سبحانه وتعالی، ومن ذلک تعلم فساد ما قیل فی قوله تعالی: (کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ...) (1): إنّها تبدلت إلی «کُنْتُمْ خَیْرَ أئِمَّةٍ»، کما زعمه الشیخ النوری والسیّد الجزائری (2) وغیرهما. وزعموا فی کثیر من کلمات قرآنیّة مثل ذلک وقالوا: «ومثل هذا کثیر». (3) کلّ ذلک باطل؛ لأنّه ورد بخبر واحد وهو غیر حجّة فی باب القطعیّات.

وهکذا التبدیل الموضعی یخلّ بنظم الکلام المبتنی علی الإعجاز نظماً واُسلوباً. قالوا فی قوله تعالی: (أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسی إِماماً وَ رَحْمَةً...) . (4) «إنّها متغیّرة من «ویتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله کتاب موسی» قالوا: «تقدّم حرف علی حرف»، فذهب معنی الآیة (5) حسب زعمهم.

ومثله النقص بإسقاط کلمة أو کلمات ضمن جملة واحدة. إنّها إذا کانت منتظمة فی اسلوب بلاغی بدیع، فإنّ حذف کلمات منها یؤدّی إلی إخلال فی نظمها ویذهب بروعتها الاُولی ولا یدع مجالاً للتحدّی بها. الأمر الذی غفل عنه زاعمو التحریف. زعموا إسقاط اسم الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) من مواضع من القرآن، (6) ذهولاً عن أنّه لو أثبتناه فی تلک المواضع لذهب عنها تلک الرّوعة، فی حین عدم الحاجة إلی ذکر الاسم، وإنّما هو بیان شأن النزول لا غیر.

وأسخف مزعومة زعمها هؤلاء هی سقط أکثر من ثلث القرآن-أی ما یزید علی ألفی آیة-من خلال آیة واحدة وهی قوله تعالی: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی )

ص:290

(فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ...) . (1) حیث إنّهم زعموا عدم تناسبها مع ذیلها. (2)

الخلاصة

1. تتلخص دلائل بطلان شبهة التحریف والاُمور التی تمنع وقوعه فی امور ثلاثة: بداهة العقل وتواتر القرآن والإعجاز، وما تبقی منها ستذکر فی الدرس القادم.

2. إنّ الصحیح من القراءات هی القراءة المتواترة المشهورة لدی المسلمین، وقد انطبقت علی قراءة عاصم بروایة حفص.

3. إنّ وقوع التحریف فی القرآن یتنافی مع وقوع التحریف تماماً؛ فإنّ التحریف بالزیادة باطل؛ لأنّ زیادة سورة کاملة فی القرآن کما علیه العجاردة یخالف القرآن نفسه، والتحریف بالتبدیل باطل أیضاً؛ لأنّه یستلزم أن ینسب جمیع القرآن إلی مبدله وهو باطل أساساً.

4. هناک أقوال مهجورة وشاذة فی القول بالتحریف کالقول بإسقاط ثلث القرآن، أی ما یقرب من ألفی آیة، وهو مذهب لایستحقّ الإجابة.

ص:291

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. من القائل: «وما ورد من أخبار النقیصة تمنع البدیهة من العمل بظاهرها...»؟

أ) الشیخ کاشف الغطاء ب) السیّد الخوئی

ج) السیّد الطباطبائی د) العلّامة الحلّی

2. من الضروری أن یکون القرآن متواتراً

أ) فی مجموعه وفی سوره.

ب) فی أبعاضه وآیاته.

ج) فی مجموعه وأبعاضه وسوره وآیاته.

د) أ و ب صحیح.

3. لقد ذهب أصحاب ابن العجرد...

أ) إلی زیادة المعوذتین فی القرآن.

ب) إلی زیادة سورة یوسف.

ج) إسقاط اسم الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) من مواضع من القرآن.

د) سلامة القرآن من التحریف.

ص:292

جوانب إعجاز هذا الکتاب، وأن یبقی سلیماً علی أیدی الناس وبین أظهرهم، ولیس فی السماء فی البیت المعمور فی حقائب مخبوءة وراء الستور. لیس هذا إعجازاً إنّما الإعجاز هو حفظه وحراسته فی معرض عام وعلی ملأ الأشهاد.

5. نفی الباطل عنه: قال تعالی: (... وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ* لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ) . (1) وعد تعالی صیانته من الضیاع وسلامته من حوادث الأزمان. قوله: (لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ...) ، الباطل: الفاسد الضائع: أی: لا یعرضه فساد أو نقض لا فی حاضره ولا فی مستقبل الأیّام؛ وذلک لأنّه (تَنْزِیلٌ مِنْ ) لدن (حَکِیمٍ ) ، وأنّ حکمته تعالی لتبعث علی ضمان حفظه وحراسته مع أبدیّة الإسلام. (حَمِیدٍ) ، من کان محموداً علی فعاله فلا یخلف المیعاد، وقد اعترف الخصم بأنّ مطلق التغییر فی القرآن یعدّ باطلاً وتنافیاً مع ظاهر الآیة الکریمة، سوی أنّ المقصود غیر هذا المعنی. قال:

لأنّ المقصود هو البطلان الحاصل من تناقض أحکامه وتکاذب أخباره. (2)

قلت: «لعلّه لم یتنبّه لموضع قوله تعالی: (لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ ) . والباطل الّذی یمکن إتیانه للکتاب هو تناول ید المحرّفین (الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ ) . (3) أمّا التناقض والتکاذب فی أحکامه وإخباراته فهو من الباطل المنبعث من الداخل، وقد نفاه تعالی أیضاً بقوله: (وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً...) . (4) ومن ثَمّ أطبق المفسّرون علی أنّ آیة نفی الباطل هی من أصرح الآیات دلالة علی نفی احتمال التحریف من الکتاب فلا یناله مغیّر أبداً.

ص:294

6. العرض علی کتاب الله: قال الصادق (علیه السلام):

«إنّ علی کلّ حقیقة وعلی کلّ صواب نوراً، فما وافق کتاب الله فخذوه وما خالف کتاب الله فدعوه». (1)

الأمر الذی یتنافی مع احتمال التحریف فی کتاب الله، وذلک من جهتین:

الجهة الاُولی: إنّ المعروض علیه یجب أن یکون مقطوعاً به؛ لأنّه المقیاس الفارق بین الحقّ والباطل ولا موضع للشکّ فی نفس المقیاس. إذاً لو عرضت روایات التحریف علی نفس ما قیل بسقوطه لتکون موافقة له، فهذا عرض علی المقیاس المشکوک فیه، وهو دور باطل. وإن عرضت علی غیره فهی تخالفه، قال تعالی: (لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ...) (2) و (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) . (3)

الجهة الثانیة: إنّ العرض لابدّ أن یکون علی هذا الموجود المتواتر لدی عامّة المسلمین لما ذکرناه-فی الجهة الاُولی-من أنّ المقیاس لا بدّ أن یکون متواتراً مقطوعاً به، وروایات التحریف إذا عرضت علی هذا الموجود بأیدینا کانت مخالفة له؛ لأنّها تنفی سلامة هذا الموجود وتدلّ علی أنّه لیس ذلک الکتاب النازل علی رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهذا تکذیب صریح للکتاب ومخالفة مع القرآن.

7. نصوص أهل البیت (علیه السلام): لدینا کثیر من أحادیث مأثورة عن أهل البیت (علیه السلام) تنصّ علی صیانة القرآن من التحریف-إمّا تصریحاً أو تلویحاً-وأنّه مصون عن التغییر نصّاً، لم ینله مسّ سوء أصلاً. وإنْ نالته الأیدی الأثیمة تأویلاً وتفسیراً بغیر حقّ.

ص:295

الخلاصة

1. تعدّ آیة الحفظ ضمان إلهی لسلامة القرآن من التحریف؛ لأنّ مقتضی قاعدة اللطف هو أن یبقی محفوظاً من أی خلل.

2. أطبق المفسّرون علی أنّ آیة نفی الباطل هی من أصرح الآیات دلالة علی نفی احتمال التحریف من الکتاب.

3. یعتبر فی روایات العرض علی الکتاب أمران: الأوّل لا بدّ أنّ یکون العرض علی المقیاس المقطوع به لا المشکوک به، أن یکون العرض علی هذه الموجود المتواتر لدی المسلمین.

4. ممّا یستدلّ به علی عدم وقوع التحریف هو النصوص الصحیحة عن أهل البیت، والتی دلّت علی خلو القرآن من أی نقص أو خلل.

ص:296

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. معنی قوله تعالی (لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ ) :

أ) لایعرضه فساد فی المستقبل.

ب) لا یعرضه فساد لا فی حاضره ولا فی مستقبل الأیّام.

ج) لایعرضه فساد فی الحاضر.

د) الکلّ غیر صحیح.

2. تدلّ هذه الروایة «فما وافق کتاب الله فخذوه وما خالف کتاب الله فدعوه» علی:

أ) سلامة القرآن من التحریف.

ب) احتمال وقوع التحریف.

ج) عرض روایات التحریف علی القرآن.

د) کلّها خطأ.

3. روایات أهل البیت:

أ) تدلّ علی عدم وقوع التحریف تصریحاً وتلویحاً.

ب) دلّت علی وقوعه فی بعض المواطن.

ج) أشارت إلی أنّ القرآن مصون عن التغییر.

د) أ و ج.

ص:297

4. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) معنی قاعدة اللطف هو: یجب علی الله تعالی-وفق حکمته فی التکلیف-فعل ما یوجب تقریب العباد إلی الطاعة وبعدهم عن المعصیة().

ب) معنی قاعدة اللطف هو: یجب علی الله تعالی-وفق حکمته فی التکلیف-فعل ما یوجب تقریب العباد إلی الطاعة دون المعصیة().

ص:298

وغیر ذلک من الروایات التی تشیر إلی وجود مصحف کامل فی ید الإمام علی (علیه السلام) یختلف عن المصحف الموجود فی أیدینا.

2. وقد اجیب عن الأمر الأوّل بأنّه قدیکون المقصود من التحریف هنا هو انحراف الأئمة عن العمل بدینها، مضافاً إلی أنّ الکثیر ممّا وقع فی تلک الاُمم لم یتکرر وقوعه فی امتنا.

3. واُجیب عن الأمر الثانی بأنّ مصحف الامام علی هو شرح للقرآن وبیان لأسراره وخفایاه ولیس شیء من نصّ القرآن.

4. الجواب عن الأمر الثالث موکول للمصادر التی أشرنا إلیها.

ص:302

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة

1. إنّ الحدیث الذی روی عن للنبی (صلی الله علیه و آله) «کلّ ما کان فی الاُمم السالفة فإنّه یکون فی هذه الاُمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة» ونحوه هو:

أ) من الأحادیث الصحیحة. ب) من أحادیث الآحاد.

ج) من الأحادیث المختلقة. د) لا شیء من ذلک.

2. من مواضعات مصحف لإمام علی فی

أ) کون هذه المصحف مصحف آخر.

ب) إنّ هذه المصحف مأخوذ عن جبرئیل.

ج) إنّه غیر الموجود بأیدینا.

د) إنّه شرح وتفسیر للقرآن الکریم. الوجودتین ایدینا.

3. ضع علامة () أمام العبارة الصحیحة:

أ) إنّ مثل غرق آل فرعون، وغیر ذلک من امور قد حصلت فی الاُمم السالفة ولم تحصل فی امة الإسلام، فهو اشارة لا بطلان دعوی تطابقت ماحدث فی لامم السابقه موافة النبی محمد (صلی الله علیه و آله)().

ب) إنّ مثل غرق آل فرعون، وغیر ذلک من امور قد حصلت فی الاُمم السالفة ولم تحصل فی امة الإسلام، فهو دلیل علی صدق دعوی تطابق مایحدث یتق الامم السابقة وامة محمد().

ص:303

ص:304

تخصیص، إذ لم یرتفع التشریع السابق نهائیّاً، وإنّما اختصّ بسائر الأفراد.

وکذلک إذا کان الحکم محدوداً صریحاً من أوّل الأمر فارتفاعه بانتهاء أمده لا یکون نسخاً فی الاصطلاح.

وهکذا إذا ارتفع تکلیف عند مصادفة حرج أو اضطرار أو ضرر شخصیّ أو لمصلحة وقتیّة-علی ما یفصّلها الفقهاء-لا یکون من النسخ فی شیء، إذ جمیع ذلک لم یکن من ارتفاع التشریع، وإنّما تبدّل الموضوع بطرو أحد هذه العناوین، کما لو جاز للمضطرّ أن یأکل من المیتة بقدر ما یسدّ رمقه، فإنّ مثل هذا الجواز لا یکون نسخاً للحرمة الأصلیّة التی کان موضوعها الإنسان المختار وقد تبدّل إلی إنسان مضطرّ.

الخلاصة

1. اوّل من صنّف فی علم الناسخ والمنسوخ هو: أبو محمّد عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعیّ.

2. النسخ هو رفع تشریع سابق-کان یقتضی الدّوام حسب ظاهره-بتشریع لاحق بحیث لا یمکن اجتماعهما معاً، إمّا ذاتاً-إذا کان التنافی بینهما بیّناً-أو بدلیل خاصّ، من إجماع أو نصّ صریح.

3. إنّ رفع الحکم عن بعض أفراد العامّ، ورفع تکلیف عند مصادفة حرج أو اضطرار ورفع الحکم المحدود بوقت بانتهاء أمده.

ص:306

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. أول من صنف فی علم الناسخ والمنسوخ:

أ) أبان بن تغلب. ب) زرارة بن أعین.

ج) أبو بصیر. د) عبد الله المسمعی.

2. النسخ هو:

أ) رفع تشریع سابق بتشریع لاحق.

ب) رفع الحکم عن بعض أفراد العامّ.

ج) رفع تکلیف عند مصادفة حرج أو اضطرار.

د) رفع الحکم المحدود بوقت بانتهاء أمده.

3. رفع الحکم عن بعض أفراد العامّ.

أ) نسخ. ب) تقیید.

ج) تخصیص. د) لا شیء منها.

ص:307

ص:308

فی طول الزمان وعرضه علی حدّ سواء فیمتنع علیه أن یخطأ فی إصابة الواقع، أو یفوته نقص کان غافلاً عنه ثُمّ وجده.

إذاً فالنسخ المنسوب إلیه تعالی نسخ فی ظاهره، أمّا الواقع فلا نسخ أصلاً وإنّما هو حکم مؤقّت وتشریع محدود من أوّل الأمر، وأنّه تعالی لم یشرّعه حین شرّعه إلاّ وهو یعلم أنّ له أمداً ینتهی إلیه وإنّما المصلحة الواقعیّة اقتضت هذا التشریع المؤقّت، لکن لمصحلة فی التکلیف أخفی تعالی بیان الأمد، ثُمّ فی نهایة الأمد جاء البیان إلی الناس: إنّ هذا التشریع قد انتهی بهذا الأجل، ومن المصلحة الاختبارُ بتوطینهم علی الطاعة فیما کان التکلیف السابق شاقّاً-مثلاً-وغیر ذلک. وعلیه فالتعبیر عن هذه الظاهرة الدینیّة بالنسخ تعبیر ظاهری ولیس من الحقیقة فی شیء.

ویفترق النسخ عن التخصیص: إنّ النسخ قطع لاستمرار التشریع السابق بالمرّة بعد أن عمل به المسلمون فی فترة من الزّمن طویلة أم قصیرة. أمّا التخصیص: فهو قصر الحکم العام علی بعض أفراد الموضوع وإخراج البقیّة عن الشمول، قبل أن یعمل المکلّفون بعموم التکلیف.

فالنسخ اختصاص للحکم ببعض الأزمان. والتخصیص اختصاصه ببعض الأفراد، ذاک تخصیص أزمانی وهذا تخصیص أفرادی ولا یشتبه أحدهما بالآخر.

الخلاصة

1. حقیقة النسخ بمعنی نشأة رأی جدید، و هو أمر یخصّ الآدمین ولا یجوز فی حقّه تعالی-وإلّا لجاز فی حقّه النقص.

2. النسخ فی حقّه تعالی هو نسخ فی ظاهره لا فی الواقع، فإنّ الحکم مؤقّت والتشریع محدود من أوّل الأمر وأنّه تعالی لم یشرّعه حین شرّعه إلاّ وهو یعلم أنّ له أمداً ینتهی إلیه.

3. الفرق بین النسخ والبداء: هو أنّ الأوّل خاصّ بالتشریعیات، والثانی خاصّ بالتکوینیات.

4. الفرق بین النسخ والتخصیص أنّ الأوّل اختصاص الحکم بمقطع من الزمن، والثانی اختصاصه ببعض الأفراد دون غیرها.

ص:311

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة

1. النسخ فی حقّه تعالی:

أ) رفع الحکم عن بعض أفراده.

ب) رفع الحکم عن بعض خصوصیاته.

ج) نسخ واقعی.

د) نسخ ظاهری.

2. البداء اصطلاحاً أمر یخصّ:

أ) التکوینیات. ب. التشریعیات.

ج) التشریعیات والتکوینیات. د) لا یخصهما معاً.

3. الأوّل تخصیص أزمانی والثانی تخصیص أفرادی

أ) النسخ والبداء. ب) النسخ والتخصیص.

ج) البداء والتخصیص. د) أ و ج صحیح.

ص:312

بقوله تعالی: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) . (1)

أو بدلیل قاطع دلّ علی نقض التشریع السابق بتشریع لاحق، کما فی آیة الإمتاع إلی الحول مع آیة الاعتداد بأربع أشهر وعشرة أیّام وآیة المواریث فإنّ قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِی ما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ ) ، (2) نسخت بقوله تعالی: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً...) (3) وقوله تعالی: (... وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَکْتُمْ إِنْ لَمْ یَکُنْ لَکُمْ وَلَدٌ فَإِنْ کانَ لَکُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَکْتُمْ...) . (4) فقد قام الإجماع علی نسخ الاُولی بالأخیرتین. (5)

الثانی: أن یکون التنافی کلیّاً علی الإطلاق، لا جزئیّاً وفی بعض الجوانب، فإنّ الثانی تخصیص فی الحکم العامّ، ولیس من النسخ فی شیء. فإنّ قوله تعالی: (وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ...) ، (6) لاتصلح ناسخة لقوله تعالی: (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ...) ، (7) بعد أن کانت الاُولی أخصّ من الثانیة والخاصّ لا ینسخ العامّ، بل یخصّصه بما عداه من أفراد الموضوع.

الثالث: ألّا یکون الحکم السابق محدّداً بأمد صریح؛ لأنّ الحکم بنفسه یرتفع عند

ص:314

انتهاء أمده من غیر حاجة إلی النسخ، فمثل قوله تعالی: (... فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللّهِ...) ، (1) لا یصدق علیه النسخ عندما تفیء الفئة الباغیة وترجع إلی رشدها والتسلیم لحکم الله.

الرابع: أن یتعلّق النسخ بالتشریعیّات، فلا نسخ فیما یتعلّق بالأخبار، فقوله تعالی: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) ، (2) لا یصلح ناسخاً لقوله تعالی: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ قَلِیلٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) . (3) فیما زعمه مقاتل بن سلیمان؛ لأنّ الآیة إخبار عن واقعیّة لا تتغیّر بالوجوه والاعتبار.

وهکذا الإباحة الأصلیّة ترتفع بحدوث التشریع من غیر أن یکون ذلک نسخاً، حیث إنّ تلک الإباحة لم تکن بتشریع، وإنّما کانت بحکم العقل الفطری (البراءة العقلیّة)، وموضوعها: عدم التشریع فترتفع بالتشریع.

الخامس: التحفّظ علی نفس الموضوع، إذ عندما یتبدّل موضوع حکم إلی غیره، فإنّ الحکم یتغیّر لا محالة حیث إنّ الحکم قید موضوعه، ولیس هذا نسخاً، فمثل قوله تعالی: (... فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ...) ، (4) لیس ناسخاً لقوله تعالی: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ...) . (5) الأمر الذی اشتبه علی کثیر ممّن کتب فی النسخ کابن حزم. (6)

ص:315

الخلاصة

حتّی تتم عملیة النسخ فلا بدّ من توفر شروط خمسة:

الأوّل: أن یکون بین الناسخ والمنسوخ تنافی، کما فی آیات وجوب الصفح مع آیات القتال.

الثانی: أن یکون التنافی بین الناسخ والمنسوخ کلیاً علی الإطلاق، فتخرج آیة النساء القواعد مع آیة غض البصر.

الثالث: ألّا یکون الحکم المنسوخ محدداً بزمن معین. فتخرج آیة (... فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللّهِ...) .

الرابع: أن یکون متعلّق النسخ هو التشریعات. فقوله تعالی (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) ، لا یصلح أن یکون ناسخاً لقوله تعالی: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ قَلِیلٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) .

الخامس: أن یکون الموضوع بین الناسخ والمنسوخ واحداً. فقوله تعالی: (... فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ...) ، لیس ناسخاً لقوله تعالی: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ...) لاختلاف الموضوع.

ص:316

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. الآیة (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِی ما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ ) والآیة (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً...) :

أ) بینهما تخصیص. ب) بینهما نسخ.

ج) بینهما تقیید. د) لا علاقة بینهما.

2. الآیة: (وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ...) والآیة: (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ...) :

أ) بینهما عام وخاصّ. ب) بینهما ناسخ ومنسوخ.

ج) علّة ومعلول. د) لا علاقة بینهما.

3. الآیة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) ، لا تصلح ناسخة للآیة: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ* وَ قَلِیلٌ مِنَ الْآخِرِینَ ) .

أ) لأنّ الموضوع بینهما مختلف.

ب) لأنّ الحکم متعلّق بأمد صریح.

ج) لأنّ التنافی بیهما جزئی.

د) لأنّ الآیة إخبار عن واقعیّة لا تتغیّر بالوجوه والاعتبار.

ص:317

ص:318

معلومات» قالت: وتوفّی رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهنّ فیما یقرأ من القرآن. (1)

وکانت الصحیفة تحت السریر فاشتغلنا بدفن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فدخل داجن البیت فأکله. (2) وهذا حدیث واحد یرجع إلی التلاعب بالقرآن الکریم مضافاً إلی أنّ هذا القول یرجع إلی القول بالتحریف ونسیان آیة تتلی حتّی وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، الأمر الذی ینکره جماعة المسلمین. ومعلوم أنّ بما ذکرته عائشة لا ینعدم حفظه من القلوب ولا یتعذّر علیهم إثباته فی صحیفة اخری، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحدیث.

الثانی: نسخ التلاوة دون الحکم: بأن تسقط آیة من القرآن الحکیم، کانت تقرأ، وکانت ذات حکم تشریعیّ، ثُمّ نسیت ومحیت عن صفحة الوجود لکن کان حکمها بقی مستمرّاً غیر منسوخ. وهذا النوع من النسخ أیضاً مرفوض عندنا؛ لأنّ القائل بذلک إنّما یتمسّک بأخبار آحاد زعمها صحیحة الإسناد، وغفل عن أنّ نسخ آیة محکمة شیء لا یمکن إثباته بأخبار آحاد لا تفید سوی الظنّ و (إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً) .

هذا فضلاً عن منافاته لمصحلة نزول نفس الآیة أو الآیات, إذ لو کانت المصلحة التی کانت تقتضی نزولها هی اشتمالها علی حکم تشریعی ثابت فلماذا ترفع الآیة وحدها، فی حین اقتضاء المصلحة بقاء الآیة لتکون سنداً للحکم الشرعی المذکور. والالتزام بذلک التزام صریح بتحریف القرآن وحاشاه من کتاب إلهی خالد مصون.

قال السرخسی:

إنّ صوم کفارة الیمین ثلاثة أیّام متتابعة، بقراءة ابن مسعود: «فصیام ثلاثة أیّام متتابعات». وقد کانت هذه قراءة مشهورة إلی زمن أبی حنیفة، ولکن لم یوجد فیها النقل المتواتر، الذی یثبت بمثله القرآن، وابن مسعود لا یشکّ فی عدالته وإتقانه، فلا وجه لذلک إلّا أن نقول: کان ذلک ممّا یتلی فی القرآن-کما حفظه

ص:320

ابن مسعود-ثُمّ انتسخت تلاوته فی حیاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) بصرف القلوب عن حفظها إلّا قلب ابن مسعود لیکون الحکم باقیاً بنقله، فإنّ خبر الواحد موجب للعمل به، وقراءته لا تکون دون روایته، فکان بقاء هذا الحکم بعد نسخ التلاوة بهذا الطریق. (1)

ولا یخفی سخافة هذا الاستدلال.

الثالث: نسخ الحکم دون التلاوة: وذلک بأن تبقی الآیة ثابتة فی الکتاب یقرؤها المسلمون عبر العصور سوی أنّها من ناحیة مفادها التشریعیّ منسوخة، لا یجوز العمل بها بعد مجیء الناسخ القاطع لحکمها.

وهذا النوع من النسخ هو المعروف بین العلماء والمفسّرین واتّفق الجمیع علی جوازه إمکاناً وعلی تحقّقه بالفعل أیضاً، حیث توجد فی القرآن الحاضر آیات منسوخة وآیات ناسخة.

وکانت لهذا النوع من النسخ أنحاء ثلاثة، وقع الکلام فی إمکان بعضها:

الأوّل: أن ینسخ مفاد آیة کریمة بسنّة قطعیّة أو إجماع محقّق، کقوله تعالی: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ...) ، (2) فإنّه-بظاهره-لا یتنافی مع قوله: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً...) ، (3) وقوله: (وَ لَکُمْ نِصْفُ ما تَرَکَ أَزْواجُکُمْ إِنْ لَمْ یَکُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ کانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَکُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَکْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِینَ بِها أَوْ دَیْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَکْتُمْ إِنْ لَمْ یَکُنْ لَکُمْ وَلَدٌ فَإِنْ کانَ لَکُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَکْتُمْ...) ، (4) غیر أنّ السنّة القطعیة وإجماع المسلمین أثبتا نسخ الأوّل بالأخیرین.

ص:321

الثانی: أن ینسخ مفاد آیة بآیة اخری، بحیث تکون الثانیة ناظرة إلی مفاد الاُولی ورافعة لحکمها بالتنصیص، ولولا ذلک لم یکن موقع لنزول الثانیة وکانت لغواً. مثلاً: قوله تعالی (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواکُمْ صَدَقَةً...) (1) أوجب التصدّق بین یَدَی مناجاة الرسول (صلی الله علیه و آله)، ونسخته قوله تعالی: (أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواکُمْ صَدَقاتٍ...) . (2) وهذا النحو من النسخ لم یختلف فیه أحد.

الثالث: أن تنسخ آیة باُخری من غیر أن تکون إحداهما ناظرة إلی الاُخری سوی أنّهم وجدوا التنافی بین الآیتین، بحیث لم یمکن الجمع بینهما تشریعیاً, ومن ثَمّ أخذوا الثانیة المتأخّرة نزولاً ناسخاً للاُولی.

ویجب أن یکون التنافی بین الآیتین کلیّاً-علی وجه التباین الکلّی-لا جزئیّاً وفی بعض الوجوه، ویشترط فی هذا القسم الثالث، وجود نصّ صحیح وأثر قطعیّ صریح، یدعمه إجماع القُدامی، إذ من الصعب جدّاً الوقوف علی تاریخ نزول آیة فی تقدّمها وتأخّرها، ولا عبرة بثبت آیة قبل اخری فی المصحف، إذ کثیر من آیات ناسخة هی متقدّمة فی ثبتها علی المنسوخة، کما فی آیة العِدَد برقم: 234 من البقرة وهی ناسخة لآیة الإمتاع إلی الحول برقم: 240 من نفس هذه السورة، وهذا إجماع.

کما أنّ التنافی-علی الوجه الکلّی-لا یمکن القطع به بین آیتین قرآنیّتین سوی عن نصّ معصوم (علیه السلام)؛ لأنّ للقرآن ظاهراً وباطناً ومحکماً ومتشابهاً ولیس من السهل الوقوف علی کنه آیة مهما کانت محکمة.

إشکال:

إنّ الالتزام بوجود آیات ناسخة وآیات منسوخة فی القرآن یستدعی وجود تناف

ص:322

بین آیاته الکریمة، الأمر الذی یناقضه قوله تعالی: (أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً) . (1)

الجواب: إنّ الاختلاف الذی تنفیه الآیة الکریمة هو ما إذا کان حقیقیّاً فی ظرف الواقع، أمّا إذا کان شکلیّا وفی ظاهر الأمر-کما بین الناسخ والمنسوخ-فلا تناقضه الآیة، مثلاً: یشترط فی الاختلاف الحقیقیّ (التناقض) امور ثمانیة، (2) منها: وحدة الزمان ووحدة الملاک والشرط، وإذا تخلّف أحدها فلا تنافی ولا اختلاف، کما فی الناسخ، ظرفه متأخّر وملاکه مصلحة اخری، تبدّلت عن مصلحة سابقة کانت مستدعیة لذلک الحکم المنسوخ.

إشکال: ما هی الفائدة وراء ثبت الآیة المنسوخة فی القرآن؟

الجواب: لا تنحصر فائدة آیة قرآنیّة فی الحکم التشریعی فقط، بل للآیة أهداف کثیرة، منها-مضافة إلی إلإعجاز والتحدّی العام-الدلالة علی مراحل الدعوة الإسلامیّة.

الخلاصة

1. أنواع النسخ هو نسخ الحکم والتلاوة معا، وهذا النوع لم یقع وهو باطل عندنا، والذین صححوا هذا النوع من النسخ استندوا لأحادیث لا أصل لها.

ص:323

2. ثانی أنواع النسخ هو أن تنسخ التلاوة دون الحکم، وهو مرفوض عندنا أیضاً؛ لأنّ الأحادیث التی دلّت علی ذلک هی أحادیث آحاد.

3. الثالث: هو نسخ الحکم دون التلاوة، وهذا النوع من النسخ هو المعروف بین العلماء والمفسّرین واتّفق الجمیع علی جوازه إمکاناً وعلی تحقّقه بالفعل أیضاً، حیث توجد فی القرآن الحاضر آیات منسوخة وآیات ناسخة.

4. إنّ نسخ الحکم دون التلاوة تارة یکون بواسطة سنة قطعیة، واُخری یکون بآیة ناظرة إلی الآیة المنسوخة، وثالثة بآیة غیر ناظرة إلی لآیة المنسوخة.

5. اشکل علی نسخ الحکم دون التلاوة بأنّه مالفائدة من بقاء الآیة فی المصحف إذا کان حکمها منسوخ؟ والجواب: إنّ الآیة لاتنحصر فائدتها فی التشریع فقط، بل إنّ بقاءها فیه دلالة علی مراحل الدعوة الإسلامیة.

ص:324

أسئلة الدرس

اختر الإجابة الصحیحة:

1. النسخ المتفق علی جوازة هو:

أ) نسخ الحکم دون التلاوة.

ب) نسخ التلاوة دون الحکم.

ج) نسخ الحکم والتلاوة والحکم معاً.

د) لم یتفق علی شیء منها.

2. نسخ مفاد آیة بسنة قطعیة أو إجماع

أ) نسخ غیر جائز

ب) خارج عن حقیقة النسخ

ج) نسخ جائز

د) مختلف علیه

3. لو کانت الآیة الناسخة ناظرة إلی مفاد الآیة المنسوخة:

أ) لم یتفقوا علی صحّة النسخ.

ب) لایتحقّق النسخ.

ج) لم یتعرضوا لهذا النوع من النسخ.

د) لم یختلف علی صحّة هذا النسخ أحد.

ص:325

4. یشترط فی صحّة نسخ آیة لآیة اخری لم تکن ناظرة إلی مفادها...