اولیاء عقدالنکاح عندالمذاهب الاسلامیة

اشارة

سرشناسه:صیقل، حمودی حسن عباس، 1342 -

عنوان و نام پدیدآور:اولیاء عقدالنکاح عندالمذاهب الاسلامیة/ حمودی حسن عباس الصیقل.

مشخصات نشر:قم: مرکزالمصطفی(ص) العالمی للترجمه والنشر، 1433 ق.= 1390.

مشخصات ظاهری:280 ص.

فروست:معاونیةالتحقیق؛ 306.

شابک:40000 ریال:978-964-195-515-3

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه: ص. [269]- 280؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:زناشویی (اسلام)

رده بندی کنگره:BP253/2/ص9الف8 1390

رده بندی دیویی:297/642

شماره کتابشناسی ملی:2536420

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

سرشناسه: صیقل، حمودی حسن عباس، 1342

عنوان و نام پدیدآور: اولیاء عقدالنکاح عندالمذاهب الإسلامیة/ حمودی حسن عباس الصیقل.

مشخصات نشر: قم: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه والنشر، 1432 ق. 1390.

مشخصات ظاهری: 280 ص.

شابک: 3-515-195-964-978

وضعیت فهرست نویسی: فیپا

یادداشت: عربی

موضوع: زناشویی (اسلام)

رده بندی کنگره: 1390 8 الف 9 ص/253/2 BP

رده بندی دیویی: 297/642

شماره کتاب شناسی ملی: 2536420

أولیاء عقد النکاح عند المذاهب الإسلامیّة

المؤلف: حمودی حسن عبّاس الصیقل

الطّبعة الأولی: 1433ق / 1390ش

النّاشر: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

المطبعة: فاضل السّعر: 40000 ریال عدد النّسخ: 2000 نسخة

حقوق الطبع محفوظة للناشر

التوزیع:

قم، استدارة الشهداء، شارع الحجتیّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف - الفکس: 02517730517

قم، شارع محمّد الأمین، تقاطع سالاریّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف: 2512133106 فکس: 02512133146

www.eshop.miup.ir www.miup.ir

root@miup.ir E-mail: admin@miup.ir

ص:4

کلمة الناشر

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) والصلوة والسلام علی النبیّ الأمین محمّد صلی الله علیه و آله وآله الهداة المهدیین وعترته المنتجبین و اللعن الدائم علی أعدائهم أعداء الدین.

لقد شهدت علوم الدین مدی أربعة عشر قرناً علی طیلة تاریخها العلمی المشرف مستویً من التغیّر المستمرّ فی الحرکة إلی الأمام علی صعید الثقافة والحضارة الإسلامیة فأوجد تطوّراً منهجیّاً فی العلوم الرئیسة المختصّة بالشریعة ک- : الفقه الاسلامی وعلم الکلام والفلسفة والأخلاق... وتبعاً لهذا الجانب ترک التطوّر انطباعا موازیاً بیّنا فی العلوم الأدواتیة ک- : المنطق وعلم الرجال والحقوق... .

وفی ضوء انتصار الثورة الإسلامیة الإیرانیة المعظمّة وحدثها الداعی إلی رؤیة دینیة حدیثة فی نطاق الحکم بغضون القرن الداعی إلی الانفلات من ظلّ الدین والأیدیولوجیة الدینیة وما یعرض فی مسرح أحداثه من تطوّر فی مسار نظریّات العلاقات الدولیة أو تصاعد الأسئلة المعرفیّة المتعلّقة بمفهوم الوجود ومستلزماته الشاغلة لذهن الإنسان الحاضر وکذلک ما حصل من توسّع لدی علم الوجود الإنسانی فی ظلّ الأحداث والمتغیرات المعنیة بهذا الجانب؛ جعلت المفکّر الإسلامی فی أعلی مستوی من المسؤولیة أکثر ممّا سلف خاصّة فی الدول الإسلامیة التی باتت فی محاولة ضروریة

ص:5

لمواجهة الشعارات الخوّاء فی عصر العولمة فی ضوء التدقیق والملاحظة والنقد البنّاء لاجتیاح أیّ فقرة یخشی أن تسبّب مشکلات فی مقتبل الأیام.

ومن هذا المنطلق یتطلّب الصعید الحوزوی النیّر لضرورة الوقوف علی آخر المستجدّات الفکریة فی حقولها المتعدّدة والاستعانة بضروب من التحقیق العلمی الرصین بمعاییر عالمیة حیّة لتوظَّف فی نطاق الدین والشریعة للإجابة علی المتطلّبات العصریة والمنطلق الداعی إلی التکامل و التعالی فی ظلّ الدین والتزام نظامه فی العلم والحیاة من جهة أخری حیث یتطلّب الأمر من الحوزة العلمیة مسؤولیة وضع حدّ لردع الجانب العولمی وتبعاته المنحطّة علی الإنسان بلحاظه العام.

وقد کانت رؤیة التصدّی لهذا الأمر فی عنایة من مؤسسی الحوزة العلمیة هذه الشجرة الطیبة الذی (أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ) ، سیّما الإمام الخمینی رحمه الله الراحل وقائده المبجّل الإمام السیّد علی الخامنئی دام ظله الوارف فی الوقت الراهن.

وقد سعت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی ضوء ما تقدم لنیل النجاح فقامت بإرساء مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر حیث تکفّل بنشر نتاج هذا الجانب العلمی الهامّ.

وإنّ هذا الدراسة أولیاء عقد النکاح عند المذاهب الإسلامیّة جاءت بجهود فضیلة الأستاذ حمودی حسن عبّاس الصیقل متوافقة مع نسق الرؤیة السائدة المتّبعة وهذه الأهداف السامیة.

کما ندعو أصحاب الفضیلة والاختصاص بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة عصریة بالمساهمة معنا والمشارکة فی نشر علوم أهل البیت علیهم السلام .

وختاما لیس لنا إلّا تقدیم الشکر الجزیل لکافّة المساهمین الکرام بجهودهم الخاصّة بإعداد الکتاب للطباعة والنشر.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

ص:6

الفهرس

المقدّمة 13

منهج البحث وخطته 16

الفصل الأوّل: مباحث تمهیدیّة

المبحث الأوّل: معنی الولی فی اللغة والاصطلاح 21

أوّلاً: تعریف الولیّ لغةً 21

ثانیاً: تعریف الولیّ اصطلاحاً 23

المبحث الثانی: أقسام الولایة 25

1. الولایة العامّة 25

2. الولایة الخاصّة 27

الولایة الخاصّة أقوی من الولایة العامّة 28

انقسام الولایة باعتبار موضوعها 28

1. الولایة علی النفس 28

2. الولایة علی المال 29

أکمل الولایات 30

المبحث الثالث: الولایة حکم أم حقّ؟ 31

أوَّلاً: الحکم 31

ثانیاً: الحقّ 31

الفرق بین الحکم والحقّ 32

ص:7

المبحث الرابع: متی تسقط الولایة؟ 35

الأوّل: عَضْلُ الولی 35

أوّلاً: معنی العضل 35

الرَّاجِح 38

ثانیاً: حکم العضل 39

ثالثاً: تزویجها إذا عضل الولی 41

الثانی: غیبة الولی 43

الرَّاجِح 48

حد الغَیبَة 49

الرَّاجِح 52

المبحث الخامس: حقیقة عَقد النکاح 53

أوّلاً: تعریف العقد لغةً 53

الفرق بین العقد والعهد 54

الثانی: العقد فی الاصطلاح 54

العقد فی القرآن الکریم 55

المبحث السادس: اعتبار اللفظ فی عقد النکاح 59

أوّلاً: اعتبار أصل اللفظ فی العقد 59

ثانیاً: اعتبار اللفظ الخاص فی العقد 61

الأوّل: ألفاظ الإیجاب 61

الثانی: ألفاظ القبول 64

المبحث السابع: الإشهاد فی العقد 65

أدلّة القائلین بعدم ضرورة الإشهاد فی النکاح 65

أدلّة القائلین بضرورة الإشهاد فی النکاح 67

المبحث الثامن: استحباب النکاح وأهمّیته والسعی فیه 73

تعریف النکاح 73

أوّلاً: تعریف النکاح لغةً 73

ثانیاً: تعریف النکاح شرعاً 75

ثالثاً: معنی النکاح فی اصطلاح الفقهاء 79

مشروعیّة النکاح 82

استحباب السعی فی النکاح 84

ص:8

الفصل الثانی: مَن هم أولیاء العقد؟

تمهید 87

الأوّل: الأصل الأولی فی الولایة 87

الثانی: مشروعیَّة الولایة فی النکاح وحکمتها 89

أولیاء العقد عند الشیعة الإمامیّة 91

المبحث الأوّل: ثبوت الولایة علی الصغیر والصغیرة 93

أوّلاً: ولایة الأب 94

ثانیاً: ولایة الجدّ للأب 95

کلّ من الأب والجدّ مستقلّ فی الولایة 98

لا خیار للصغیرة - إذا زوّجها الأب أو الجدّ - بعد بلوغها ورشدها 99

لاخیار للصغیر - إذا زوجه الأب أو الجدّ - بعد بلوغه ورشده 103

أدلّة القائلین بالخیار 105

ثالثاً: ولایة الوصی فی النکاح 106

الأوّل: ثبوت الولایة للوصی مطلقاً 106

الثانی: نفی ولایة التزویج للوصی مطلقاً 107

الثالث: ثبوتها مع نصّ الموصی له علیه 108

الرابع: ثبوت الولایة علی من بلغ فاسد العقل 108

الأدلّة 109

أ) أدلّة من أثبت الولایة للوصی مطلقاً 109

ب) أدلّة من منع الولایة فی النکاح للوصی مطلقاً 111

ج) أدلّة من أثبت الولایة للوصی مع نصّ الموصی له 113

د) أدلّة من أثبت الولایة للوصی علی من بلغ فاسد العقل 115

رابعاً: ولایة الحاکم الشرعی 117

الأوّل: ثبوت ولایته فی النکاح 117

الثانی: المراد بالحاکم الشرعی 123

خامساً: الأم لیس لها ولایة علی الصغیر والصغیرة 124

سادساً: الأخ لیس له ولایة علی الصغیر أو الصغیرة 127

سابعاً: لیس للعمّ ولایة علی الصغیر أو الصغیرة 129

ثامناً: الخال لیس له ولایة علی الصغیر أو الصغیرة 129

المبحث الثانی: الولایة علی المجنون والمجنونة 131

المطلب الأوّل: فی ثبوت الولایة فی النکاح علی المجانین 131

المطلب الثانی: تزویج الأولیاء للمجانین 132

ص:9

ولایة الأب والجدّ علی المجنون والمجنونة 132

الرَّاجِح 137

الوصی له أن یزوّج المجنون والمجنونة 138

الحاکم الشرعی له أن یزوّج المجنون والمجنونة 139

الرَّاجِح 140

لاخیار للمجنون بعد إفاقته 141

المبحث الثالث: ولایة الأب والجدّ من طرف الأب علی البکر الرشیدة 143

تمهید 143

الولایة علی البکر الرشیدة 144

القول الأوّل: وهو استقلال الأب والجدّ فی الولایة علیها 144

القول الثانی: استقلال البکر الرشیدة فی الولایة علی نفسها 151

القول الثالث: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الأوّل دون الثانی 156

القول الرابع: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الثانی دون الأوّل 159

القول الخامس: التشریک فی الولایة بین البکر وبین الأب أو الجدّ فیعتبر إذنهما معاً 161

الرَّاجِح 163

المبحث الرابع: الولایة علی السفیه المبذِّر 167

المطلب الأوّل: معنی السفه لغةً واصطلاحاً 167

المطلب الثانی: الولایة علی السفیه المبذِّر 169

المطلب الثالث: الولایة فی النکاح علی السفیه 171

الأوّل: السفیه المتصل سفهه بزمان صغره 172

الثانی: السفیه الذی لم یتّصل سفهه بصغره 173

الرَّاجِح 173

المبحث الخامس: ثبوت الولایة فی النکاح للوکیل 175

الأدلّة علی ثبوت الوکالة فی النکاح 175

أولیاء العقد عند المذاهب الأخری 178

المطلب الأوّل: الأسباب الموجبة للولایة فی النکاح 178

أوّلاً: القرابة النسبیة 178

الترتیب بین العصبات فی ولایة النکاح 181

مراتب العصبات وأدلّتها 183

الأدلّة 184

ثانیاً: فی ثبوت ولایة السلطان فی النکاح 189

ص:10

المطلب الثانی: فی ثبوت الولایة علی المرأة فی نکاحها 191

المذهب الثانی: أنّ الولایة لیست بشرط فی نکاح الحرّة البالغة 200

المذهب الثالث: التفصیل بین الکفء وغیره 204

المذهب الرابع: انعقاده موقوفاً علی إجازة الولیِّ 205

المذهب الخامس: صحته بإذن ولیِّها 206

المذهب السادس: اشتراط الولایة فی النکاح علی البکر دون الثیب 207

المذهب السابع: اشتراط الولایة علی الشریفة دون الدنیئة 207

الفصل الثالث: شروط تحقّق الولایة وإعماله

المبحث الأوّل: شروط ثبوت الولایة 211

أوّلاً: اشتراط البلوغ فی ولیِّ النکاح 213

الرَّاجِح 215

ثانیاً: اشتراط العقل فی ولیّ النکاح 216

ثالثاً: اشتراط الرشد فی ولی النکاح 217

رابعاً: اشتراط الحریة فی ولی النکاح 221

خامساً: اشتراط الإسلام فی ولیّ النکاح 222

الرَّاجِح 228

ولایة الکافر علی ولده الکافر 229

سادساً: اشتراط العدالة فی ولی النکاح 230

الأدلّة 232

أ) أدلّة القول بعدم ولایة الفاسق 232

من الإمامیّة 232

من أهل السنة 234

ب) أدلّة القول بصحّة ولایة الفاسق 235

من الإمامیّة 235

من أهل السنة 237

الرَّاجِح 238

سابعاً: اشتراط کون الولی غیر محرم بحجّ أو عمرة أو بهما معاً 238

الأدلّة 240

أ) أدلّة من منع المحرم من عقد النکاح 240

ب) أدلّة من أجاز نکاح المحرم 241

المبحث الثانی: شروط إعمال الولایة 245

رعایة المصلحة وعدم المفسدة 245

ص:11

رضا الباکر 249

الرَّاجِح 266

الخاتمة 267

المصادر 269

أوّلاً: القرآن الکریم وعلومه 269

ثانیاً: الحدیث الشریف 270

ثالثاً: الفقه وعلومه 272

رابعاً: کتب التراجم والرجال 279

خامساً: کتب اللغة 280

ص:12

المقدّمة

اشارة

إنَّ من المباحث التی لها أهمیتها العلمیّة والعملیّة هو بحث (الولایة فی عقد النکاح)، فإنّه لا یزال بحاجة إلی إشباع وتحقیق أکثر؛ ولذا فقد اتجهت إلی بحثها احساساً منّی بضرورة ذلک وکونه مورداً لمرضاة الله عزّ وجلّ وخدمة لدینه الحنیف، وکثرة ما یبتلی به الفرد والمجتمع، وما یسأل عنه وحاجة کل مسلم للتعرف علی ما یتعلّق به من أحکام، فقد حاولت أن أقدّم بحثاً محرّراً منسّقاً یجمع شتات الموضوع، بغیة أن یجمع شعث کلّیاته ویعقد الأواصر بین مسائله وجزئیاته وینظمها فی عِقد واحد بیّن المعالم واضح القَسَمات.

ولتوضیح أهمّ ما شرّعه الإسلام - فیما یتصل بالمرأة - وإنّه قرّر أهلیتها الاجتماعیّة والأسریّة ومدی احترام إرادتها وحریّة التعبیر عما فی نفسها، وإنَّ إرادتها معتبرة فی أمر نکاحها ومستقبلها.

وأکّد علی الرجال وجوب الوفاء بها، فإذا ما بلغت وحسن تصرفها زالت عنها ولایة أبیها، وغدت أحقّ بنفسها فیما تقبل أوتردّ بشأن من جاء یطلب الزواج منها، ولیس للولیّ أوغیره أن یجبرها علی قبول من لا تریده، أو یمنعها من أن تتزوّج من رضیته ممّن یکافئها إذا کان صاحب خلق أو دین، وقد منحها الله تعالی هذا الحقّ

ص:13

وهو حریة التعبیر عن هذه المسألة المهمّة فی حیاتها.

کما أنّ الشریعة الإسلامیّة قد خصّت المرأة بکثیرٍ من الأحکام الشرعیة التی تضمن حفظ جمیع حقوقها وصیانة کرامتها.

ولهذا جاءت نصوص الکتاب والسنّة بمشروعیّة الولایة فی عقد النکاح وجعلت لها ضوابط تضمن تحقیق مصلحة المرأة وعدم انتقاص شیء من حقوقها. وممّا یزید فی أهمیّة هذه المسألة ما نسمعه من الحوادث الکثیرة التی تستغل فیها هذه الولایة فی غیر ما شرعت له، وما یحصل من تجاوز من بعض الأولیاء لضوابط هذه الولایة، ممّا یسبب فشل کثیرمن المتزوّجین، والذی یِِؤدی إمّا إلی الفراق، أو إلی حیاة ملیئة بالمشاکل، لا تتحقّق فیها السعادة الزوجیّة، ممّا یعود بالآثار السیئة علی الأسرة، بل علی المجتمع بأسره، ومن أجل دفع هذه المفاسد وجلب المصالح، فإنّه ینبغی للأولیاء أن یقوموا بهذه الولایة خیر قیام، وأن تکون غایتهم تحقیق مصالح المرأة الدینیة والدنیویة ما أمکن ذلک، وألّا یکون هدفهم تحقیق مصالحهم الذاتیة کما یفعل البعض، حیث یستغلّ ما تتصف به المرأة من براءة وحسن نیة، فیزوجها من لیس کفؤاً لا فی دینه ولا فی خلقه، إمّا لأجل عصبیة أو حمیّة جاهلیة، أو لأجل مال، أو لغیر ذلک من الأغراض الدنیئة، أو یستغلّ ضعف المرأة، فیکرهها علی الزواج ممّن لا تریده أو یخجّلها حتّی تقبل الزواج منه، أو یعضلها ویمنعها من الزواج بمن یکون کفؤاً لها لعداوةٍ أو غرضٍ حتّی تقبل بمن یختاره حسب أهوائه ورغباته، وهذا ممّا لا یرضاه الإسلام بأیّ نحو کان.

وفی إزاء هولاء الذین أفرطوا فی ظلم من ولّاهم الله علیهن أناس فرّطوا فی القیام بهذه الولایة فترکوا أمر قبول الخاطب أو ردَّه إلی من لیس له هذه الصلاحیّة فمن رضوه به زوجوه، وإن کان غیر کفء، دون أن یسألوا عن حاله، غیر مهتمین بمستقبل أولادهم وفلذة أکبادهم. وهذا کثیراً ما یؤدی إلی تزویج من لا یرضی دینه وخلقه؛ لأن المرأة غالباً تخدع بمعسول الکلام والمظاهر البراقة. فینبغی للولیّ أن یهتم بمعرفة

ص:14

حال الخاطب فلا یزوّج مولیَّتَه إلّا ممّن یعلم أنّه کفء لها.

کما أن من الأولیاء من یزوّج مولیَّته من یعلم أنّه لیس کفؤاً لها فی دینه ولا فی خلقه فیزوّجها من رجل معلن الفسق، وهذا بلا شک خیانة وجرم؛ لأنّ الزوجة تتأثر غالباً بأخلاق الزوج.

لقد تعرّض الکثیر من الفقهاء والعلماء الشیعة والسنة لهذه المسئلة وهی: (أولیاء عقد النکاح)، منهم: الشیخ المفید وقد تناول المسألة فی المقنعة وأحکام النساء، والسیّد المرتضی فی الانتصار، والشیخ الطوسی فی الخلاف والمبسوط، والعلّامة الحُلّی فی تذکرة الفقهاء، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد، والشهید الثانی فی المسالک، کما کتب المتأخرون من الفقهاء المسألة حیث تناول الشیخ الأنصاری فی کتاب النکاح، والشیخ الجواهری فی جواهر الکلام، والسیّد الحکیم فی المستمسک، والسیّد الخوئی فی مصباح الفقاهة، والسیّد الخمینی فی تحریر الوسیلة، وغیرهم.

وکلّ من بحث هذه المسألة لم یبحثها علی شکل مستقل، وإنّما بحثها ضمن المباحث الکلّیة.

کما تعرّض فقهاء السنة إلی هذه المسألة منهم: ابن رشد الحفید فی بدایة المجتهد ونهایة المقتصد، ومحی الدین النووی فی روضة الطالبین، وأحمد مرتضی فی شرح الأزهار، ومحمّد بن الشربینی فی مغنی المحتاج، والبهوتی فی کشف القناع، والمناوی فی فیض القدیر شرح جامع الصغیر، وغیرهم. وکلّ من تعرّض للمسألة بحثها ضمن کتاب النکاح بکلّیاته، ولم یتعرّضوا لها إلّا بشکل جزئی، ولم یفردوا لها بحثاً مستقلاً ولا مقارناً.

ثمّ إنّی لم أجد الطریق أمامی ممَّهداً - کما صوَّره لی البعض - وإنِّما وجدته یحتاج إلی خبرة بمسالکه، وعزم علی تجشّم صعابه، وکلّها ممّا یقصر دونها عزمی، وتقلّ بها

ص:15

معرفتی، ولکن علی العامل بذل جهده، وصدق توکّله، وعلی الله العون.

وکان الهدف من وراء هذا البحث جملة من الأمور منها:

1. التعرّف علی أدوات البحث العلمی وکتابته بصورة علمیّة فنیّة تطبیقیّة صحیحة تابعة للمقاییس والقواعد المذکورة فی هذا المجال.

2. الوصول إلی حکم المسألة عند الشیعة الإمامیّة والمذاهب الأخری عن طریق استعمال طرق البحث الصحیحة وبصورة موضوعیّة بعیدة عن التعصّب.

3. أن یکون بحثاً ومرجعاً لمن یکتب فی هذا الموضوع، وفی خدمة المکتبة الإسلامیّة وروادها.

4. بیان الأدلّة من الفریقین والسعی إلی التقریب بین المذاهب الإسلامیّة.

منهج البحث وخطته

اعتمدت فی بیان وطرح المسئلة علی المنهج العلمی المرکب من التوصیف والتحلیل الدقیق، وبصورة مبسطة فی سبیل الکشف عن القوّة المبنائیّة فی مسیرة الآراء الفقهیّة عند علماء الإمامیّة، وإن لم نأخذها علی نحو الدّقة والاستدلال التفصیلی فی المبانی فی جمیع أبعادها؛ لأنّ ذلک یخرج البحث عن إطاره الإجمالی، وکان غرضنا التبسیط إضافة إلی أن ما تناولناه فی هذا الموضوع المقارن بین المسائل الفتوائیّة دون المقارنة فی مقام الاستدلال الفقهی؛ لأجل أن لا نخرج عن البحث الموضوعی فی مجال المقارنة بین المسائل الفتوائیة دون المقارنة فی المجال الاستدلالی.

هذا مع أنّا قد أشرنا إلی المسائل المهمّة فی هذا الباب، وما تقوم علیه رکیزة المذاهب الإسلامیّة من القواعد وما یرتکز علیه مذهب أهل البیت علیهم السلام .

وقد التزمت فی هذا البحث بالمنهج التالی:

أوّلاً: اعتماد القوّة المبنائیة فی مسیرة الآراء الفقهیّة عند علماء الإمامیّة والمذاهب

ص:16

الأربعة عند جمهور أهل السنّة. ومع هذا، فإنَّنی ذکرت بعض أقوال أهل الظاهر وغیرهم من العلماء المشهورین عندهم إذا کان قولهم ممّا اشتهر عندهم.

ثانیاً: بیان مدلول عناوین مباحثه من حیث اللغة، والشرع أو الاصطلاح.

ثالثاً: إذا کانت المسألة محلَّ اتّفاق فأذکر أظهر أدلّتها وتوجیهاً مختصراً لها مع ذکر عمدة مصادرها.

وأمّا إن کانت محل خلاف، فأحرِّر موضع الخلاف أوَّلاً، ثمّ أذکر الأقوال فیها إجمالاً، ثمّ أتبعها بالتفصیل بذکر کلِّ قول وعزوه لقائله من مختلف المذاهب، ثمّ دلیل کلّ قول ومناقشة کلّ دلیل - حین یوجد ما یدعو إلی المناقشة - ثمّ بیان الرَّاجِح فی خاتمة تلک المسألة ما أمکن.

رابعاً: العمدة فی عزو کلّ قول وتوجیهه هو الکتب المعتبرة عند الإمامیّة والمذاهب الأخری، ثمّ الکتب المساعدة والتفسیر وشروح الحدیث، محاولاً قدر الإمکان اختیار أحسنها توجیهاً وتحریراً.

خامساً: توثیق الأدلّة - ما أمکن - فإنّ کان الدلیل من الکتاب العزیز، فهو غنی عن التوثیق، فیقع البحث فی دلالته لا فی ثبوته، وإنّما أذکر اسم السورة ورقم الآیة للأمن من تحریفها، ولسهولة الرجوع إلیها.

وأمّا إن کان الدلیل من الأحادیث التی صدرت من النبی صلی الله علیه و آله والأئمّة من أهل البیت علیهم السلام ، فقد التزمت فیها بتوثیق نسبة الحدیث إلی من خرّجه من أصحابها من الکتب المعتبرة، فأرجو أن یکون قد تمّ علی أحسن حال، وکان عملی فیه علی النحو التالی:

أ) استیفاء تخریج الحدیث إذا ورد للاستدلال أصالة؛ وأمّا إن کان ورود الحدیث استشهاداً أو استطراداً فأکتفی بما یدلّ علی ثبوته مع الإحالة علی تخریجه فی کتب التخریج المعروفة، إن وجد فیها.

ص:17

ب) الرجوع إلی المصدر الأصلی لعزوه إلیه بدون واسطة، إن أمکن.

ج) أذکر فی حواشی الکتاب اسم الکتاب، ثمّ الجزء والصفحة لسهولة مراجعته حین تختلف الأجزاء والصفحات، لاختلاف طبعاتها.

د) حاولت - قدر الإمکان - إبداء رأیی فی صحّة الإسناد، أو ضعفه.

ختاماً فأسأل الله تعالی أن أکون قد وفقّت تقدیم بحث موضوعی قائم علی أسس البحث العلمی الصحیحة، وأن یتقبّله منّی وأن یجعله فی میزان حسناتی: (یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَی اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ) . (1)

ولا یفوتنی أن أقدّم الشکر والتقدیر والعرفان الجمیل لذوی الفضل والإحسان من علماء أجلّاء، حیث کانت لهم أیاد بیض لم تبخل علی هذه الرسالة بلمَسَات صدق وإحسان، فتحسّست منها مواطن ضعف فقوّته، وخطأ فأصلحته، وأخص منهم بالذکر فضیلة الدکتور سماحة الشیخ أحمد المبلغی الذی أشرف علی هذه الرسالة منذ أوّل لحظاتها، وفی مختلف أطوارها، وفضیلة الدکتور سماحة الشیخ محمود العیدانی المشاور الذی أفادنا کثیراً، وأمدّنا بعلمه وتوجیهه وخبرته الطویلة حتّی بلغت الرسالة غایتها. کما أتقدم بالشکر والتقدیر لمرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر للجهود والمساعی المضنیة التی بذلت لإخراج هذا الکتاب بحلة منقحة محققة، مستهدفة بذلک الخدمة الصادقة، للإسلام والمسلمین، آملین من الله جلّ وعلا أن یشدّ فی عضدهم فی نشر الکتب التی یمکنها أن تلعب دوراً حساساً وهامّاً لخدمة الدّین الحنیف، إنّه خیر ناصر ومعین، فجزاهم الله عنی خیر الجزاء، والحمد لله أوّلاً وآخراً. والصلاة والسلام علی نبینا محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین.

ص:18


1- (1) . الشعرا: 89-88.

الفصل الأوّل: مباحث تمهیدیّة

اشارة

ص:19

ص:20

المبحث الأوّل: معنی الولی فی اللغة والاصطلاح

أوّلاً: تعریف الولیّ لغةً

الولیّ لغة هو: الأولی والأحق بالتصرف والتدبیر، وهذا ما ذکره غیر واحد من أعلام اللغة، ومنهم الجوهری حیث قال: وکلّ من ولی أمر واحد فهو ولیه. (1)

وقال لبید (2):

فغَدَتْ کلا الفرجین، تحسب أنَّه مولی المخافة خلفها وأمامها

فیرید: أنّه أولی موضع أن تکون فیه الحرب. (3)

وقال المبرّد حول صفات الله تعالی: أصل الولیّ الذی هو أولی أی: أحق بالتصرف.

ص:21


1- (1) . صحاح اللغة: 2529/6.
2- (2) . أبو عقیل، لبید بن ربیعة بن مالک بن جعفر بن کلاب العامری، وکان یقال لأبیه: ربیع المقترین لسخائه، وکان من شعراء الجاهلیة وفرسانهم، وأدرک الإسلام، وقدِم علی رسول الله صلی الله علیه و آله فی وفد بنی کلاب، فأسلموا، ورجعوا إلی بلادهم، ثمّ قدم لبید الکوفة، ومات بها فی خلافة معاویة، وهو ابن مائة وسبع وخمسین سنة.
3- (3) . لسان العرب: 410/15.

والشیخ الطبرسی:

الولیّ هو الذی یلی تدبیر الأمر، فیقال: فلان ولیّ المرأة إذا کان یملک تدبیر نکاحها، وولیّ الدم من کان إلیه المطالبة بالقود، أو السلطان ولیّ أمر الرعیّة.

ویقال: لمن یرشحه لخلافته علیهم بعده ولیّ عهد المسلمین. (1)

وقال الکمیت فی مدح الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام :

و نعم ولی الأمر بعد ولیه ومنتجع التقوی ونعم المؤدب

وقال الزجاج:

وولیّ الیتیم الذی یلی أمره ویقوم بکفایته، وولیّ المرأة الذی یلی عقد النکاح علیها ولایدعها تستبد بعقد النکاح دونه.

وفی الحدیث: «أیّما امرأة نکحت بغیر إذن مولاها فنکاحها باطل».

ورواه بعضهم: بغیر إذن ولیها؛ لأنهما، أی: المولی والولی - فی معنی واحد...

وکلّ من ولیّ أمراً أو قام به فهو مولاه وولیّه. (2)

وقال ابن الأثیر:

فی أسماء الله تعالی (الولیّ) هو الناصر، وقیل: المتولی لأمور العالم والخلائق والقائم بها. ثمّ قال: وکلّ من ولی أمراً أو قام به، فهو مولاه وولیه. وقال: «أیّما امرأة نکِحت بغیر إذن مولاها فنکاحها باطل». وفی روایة: «ولیّها» - أی: متولی أمرها. (3)

یلاحظ من خلال هذه التعریفات إنَّها ترکّز علی معنی واحد، وهو: أنّ الولیّ لیس إلّا الأولی بالشیء، والأحق بالتصرف فیه، وهو حقیقة فی هذا المعنی. والولی، وإن کان یستعمل فی مکان آخر کالمحب والناصر، لکن لا یمکن إرادة غیرالأولی بالتصرف والتدبیر، وهو حقیقة فی هذا المعنی، ولم یطلق لفظ المولی علی المعانی المذکورة إلّا بمناسبة هذا المعنی.

ص:22


1- (1) . مجمع البیان: 359/3.
2- (2) . انظر: لسان العرب: 407/15.
3- (3) . النهایة فی غریب الحدیث: 229/5.

فالمعتِق أولی بالإنعام علی من أعتقه من غیره، والمعتَق أولی بشکر معتِقِه والخضوع بالطاعة، وولاء العتق أیضاً یکون ولائه لمعتِقه کأنَّه أولی به من غیره، إذا لم یکن للمعتق وارث نسب.

والعبد أولی بالانقیاد لمولاه من غیره، والجار أولی بالقیام بحفظ حقوق الجار کلّها من غیره، وابن العمّ أولی بالاتحاد والمناصرة لابن عمه؛ لأنَّهما غصنا شجرةٍ واحدةٍ وهلمَّ جرّا.

إذاً: لیس للمولی إلّا معنی واحد، وهو الأولی بالشیء وتصدق هذه الأولویّة علی مصادیق متعدّدة مختلفة بحسب الاستعمال فی کلّ مورد من موارده.

ثانیاً: تعریف الولیّ اصطلاحاً

هو من له سلطة فی إلزام الغیر وتنفیذ القول علیه، شاء ذلک الغیر أم أبی.

قال السیّد المرتضی: «الولی هو الذی یملک الولایة للعقد». (1)

وبهذا المعنی ذکر السیّد الصدر، حیث قال:

أنَّ الولیّ هو الذی له سلطة أو تخویل شرعی لعمل معین بالنسبة إلی غیره بغض النظر عن رضا الآخر، وهذا معناه أنّه لا یمکن أن یأتی به لولا الولایة.

وهذا المعنی یعم الولیّ العام والولی الخاص کالولایة علی الأوقاف والأیتام بعد فقد الوصی علیهم، ومنه: ولیّ الدم أوولی المقتول إذا کان له المطالبة بالقصاص أو الدیة أو العفو. وفلان ولیّ المرأة إذا کان أولی بالعقد علیها فالذی یلی تدبیر الأمر یقال له ولیّ. (2)

أما علماء السنة ذکروا فی معنی الولی هو إقامة الغیر مقام النفس فی تصرف جائز معلوم، بمعنی قیام شخص کبیر راشد علی شخص قاصر فی تدبیر شؤونه الشخصیة والمالیة.

ص:23


1- (1) . الانتصار: 286.
2- (2) . ماوراء الفقه: 313/9.

قال الجصّاص: «الولی هو الذی یستحقّ الولایة علی من یلی علیه». (1)

وفی خصوص الولایة فی النکاح ذکر الطحاوی قائلاً:

إنَّ الولیّ هو الذی إلیه ولایة البضع من والد الصغیرة أو مولی الأمة. (2)

والذی یلاحظ من التعریف الاصطلاحی للولیّ عند علماء الشیعة وعلماء السنة أن له معنی واحداً، وهو نفس المعنی اللغوی - أی: الأولی بالتصرف والأحقّ فی أمر المولی علیه.

وقد أخذ فی کلّ معانی الولایة أن یکون المولّی علیه قاصراً، ولا ولایة علی غیر القاصر سواء فی ذلک الولایة العامّة والخاصّة؛ لأن المجتمع ککلّ یعتبر قاصراً عن تدبیر المصالح العامّة التی لا ترتبط بالأفراد. فمن هنا کانت الولایة العامّة.

وأمَّا الولایة الخاصّة، فهی قد تکون علی أفراد قاصرین، وهم الصغیر والسفیه والمجنون ویشترکون جمیعاً فی عدم الرشد، وقد تکون علی مرافق محدّدة من المجتمع کالأوقاف والمساجد والحسنیّات والمستشفیات، وما شابه ذلک.

ص:24


1- (1) . أحکام القرآن: 487/1.
2- (2) . شرح معانی الآثار: 10/3.

المبحث الثانی: أقسام الولایة

اشارة

قد اتّضح ممّا مضی أنّ المراد بالولیّ فی اللغة هو: الأولی بالشیء، وفی الإصطلاح هو من له التصرّف والسلطة والتدبیر من مباشرة العقود وترتیب آثارها علیها دون توقف علی رضا غیره، وتنقسم الولایة بهذا المعنی إلی:

1. ولایة عامّة. 2. ولایة خاصّة.

1- الولایة العامّة

وهی عبارة عن سلطة شرعیّة تمکّن صاحبها من التصرّف الصحیح النافذ فی شأن من شؤون المجتمع العامّة، کالقضاء وإقامة الحدود، کما تشمل کلّ ما تتقوّم به حیاة المجتمع، کالأمور الحسبیّة وغیرها.

فهی للفقیه والحاکم الشرعی، فله ولایة عامَّة لکونها تعمّ أفراد المجتمع، وهم أشخاص غیر معینین.

وجاء فی بحث المیرزا النائینی قدس سره :

الولایة العامّة عبارة عن: الرئاسة علی الناس فی أمور دینهم ودنیاهم ومعاشهم ومعادهم. (1)

ص:25


1- (1) . المکاسب والبیع: 332/2.

فهی تشمل القضاء وإقامة الحدود، والولایة علی القاصرین، کما تشمل کلّ ما تتقوّم به حیاة المجتمع کالأمور الحسبیة وغیرها.

وقد وقع الخلاف بین الأعلام فی ثبوت الولایة العامّة للفقیه فی عصر غیبة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف من جهة السعة والضیق، ومرجع الخلاف فی ثبوت الولایة العامّة للفقیه إلی الخلاف المجعول له، هل هو وظیفة القضاة أو أنّه منصوب لوظیفة الولاة؟

فإن ثبت کونه والیاً، فیجوز له التصدی لِکُلِّ ما هو من وظائف الولاة من نظم البلاد، وانتظام أمور العباد، وسد الثغور، والجهاد مع الأعداء، ونحو ذلک ممّا یرجع إلی وظیفة الولاة والأمراء.

وأمَّا وظیفة القضاة، فعبارة عن: قطع الخصومات وحبس الممتنع وجبره علی أداء ما علیه والحجر علیه فی التصرّف فی أمواله إذا کان دینا مستغرقاً ومباشرة بیع أمواله إذا امتنع هو بنفسه عن بیعها، ونحو ذلک ممّا هو من شؤون القضاة.

وکان هذان المنصبان فی عصر النبی صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ، بل فی عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتین، فی کلّ بلد أو صقع کان الوالی غیر القاضی، فصنف کان منصوباً لخصوص القضاء والإفتاء، وصنف کان منصوباً لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر فی مصالح المسلمین.

نعم، اتّفق إعطاء کلتا الوظیفتین لشخص واحد لأهلیَّته لهما، إلّا أنَّ الغالب اختلاف الوالی والقاضی، ولا إشکال فی ثبوت منصب القضاء والإفتاء للفقیه فی عصر الغیبة، وهکذا ما یکون من توابع القضاء، کأخذ المدعی به من المحکوم علیه، وحبس الغریم المماطل، والتصرّف فی بعض الأمور الحسبیة، کحفظ مال الغائب والصغیر، ونحو ذلک. (1)

وقد ذکر الشیخ الآملی رحمه الله فی تقریرات أستاذه النائینی رحمه الله قائلاً:

ص:26


1- (1) . انظر منیة الطالب: 325/1.

أنَّ العمدة فیما یدل علی هذا القول، وهوالولایة العامّة ما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام فی مقبولة عمر بن حنظلة:

من کان منکم ممّن قد روی حدیثنا، ونظر فی حلالنا وحرامنا، وعرف أحکامنا فلیرضوا به حکماً، فإنّی قد جعلته علیکم حاکماً، فإذا حکم بحکمنا فلم یقبل منه، فإنما بحکم الله استخف وعلینا ردّ، والراد علی الله فهو علی حد الشرک بالله.

ونلاحظ أنّه علیه السلام قال: «فإنِّی جعلته علیکم حاکماً»، فإنَّ الحکومة بإطلاقها تشمل کلتا الوظیفتین. بل لا یبعد ظهور لفظ الحاکم فیمن یتصدی لما هو وظیفة الولاة، ولا ینافیه کون مورد الروایة مسئلة القضاء، فإن خصوصیّة المورد لا توجب تخصیص العموم فی الجواب. وبالجملة فروایة ابن حنظلة أحسن ما یتمسک به لإثبات الولایة العامّة للفقیه، وما عداه فلا یدلّ علی هذا المدّعی بشیء. (1)

2- الولایة الخاصّة

اشارة

هی التی یملک بها الولی التصرّف فی شأن من الشؤون الخاصّة للأشخاص المعینین، کولایة الأب والجدّ علی الصغار، أو بتسلیط من الأصل بنیابة عنه، کالوصی والقیم ومتولی الوقف، ولو أختصت الوصیة بجهة خاصّة من أمر الصغیر مثلاً فهو ولی علیه بخصوصه فی خصوص تلک الجهة التی ولّی علیه فیها.

وذکر الشیخ کاشف الغطاء:

الولایة الخاصّة هی ولایة الإنسان علی ماله وأطفاله وعیاله، وسائر شؤونه الخاصّة فی مقابلها الولایة العامّة کولایة الحاکم والوالیّ، بل والسلطان، نعم، هولاء حسب الولایة العامّة لهم سلطة علی الأفراد، ولکن فی دائرة محدودة تعود أیضاً إلی شؤون المصالح العامّة، ومثل ذلک ولایة الولی علی القصّر. (2)

ص:27


1- (1) . محمّد تقی الآملی، المکاسب والبیع: 336/2.
2- (2) . تحریر المجلة: 41/1.
الولایة الخاصّة أقوی من الولایة العامّة

وإذا إجتمعت الولایة العامّة والولایة الخاصّة قدّمت الولایة الخاصّة، للقاعدة الفقهیّة التی تقول: الولایة الخاصّة أقوی من الولایة العامّة. (1)

وأظهر مثال لهذه القاعدة ولایة الإنسان علی نفسه وماله وأطفاله وعیاله وسائر شؤونه الخاصّة، مثلاً: إذا وجد للمرأة ولیّ خاص، وولی عام کالحاکم الشرعی، یقدّم الولیّ الخاصّ علی الحاکم؛ لأن الولایة الخاصّة أقوی وللنصوص (2) الدالّة علی تقدیم الأب والجدّ علی کلِّ أحد، وکذا ولایة الملک التی تعتبر من الولایة الخاصّة أقوی من الکلّ؛ وذلک لأنَّ الناس مسلطون علی أموالهم. (3) ومثل ذلک ولایة الولیّ علی الصغیر، فإنَّها مقدمة علی ولایة القاضی والحاکم ونحوهما. فمع وجود الولیّ الخاصّ لا ینفذ بیع الحاکم مال الصغیر ولا تزویجه، ومثل ذلک ولیّ الوقف، فإنه مقدم علی من لهم الولایة العامّة، نعم، للولی العام أن یعزل ولیّ الوقف فی ظروف خاصّة کالخیانة ونحوها.

انقسام الولایة باعتبار موضوعها

اشارة

وتنقسم الولایة باعتبار موضوعها إلی:

1. ولایة علی النفس. 2. ولایة علی المال.

1- الولایة علی النفس

هی عبارة عمّا یتعلّق بالتصرف الصحیح النافذ فی الشؤون الخاصّة بنفس المُولَّی علیه، والإشراف علی مصالحه من حضانته وتربیته وتزویجه، وتتنوع إلی:

ص:28


1- (1) . المصدر السابق: 42/1؛ الأشباه والنظائر: 287.
2- (2) . الکافی: 395/5، ح: 58.
3- (3) . انظر: عوالی اللئالی: 138/2، ح383.

أ) ولایة الحضانة: وهی ولایة علی الحفظ والرعایة، وتدبیر شؤون المُولَّی علیه منذ الولادة إلی سن التمیز.

ب) ولایة التزویج: فالولی علی النفس یتولّی تزویج المولی علیه - بناء علی ما أعطاه الشرع من صلاحیة ذلک - وحق التصرّف فیه.

وولایة التزویج قد تکون ولایة إجبار - أی: للولی حقّ التصرّف فی زواج من هو فی ولایته دون النظر إلی رغبته وإرادته - ویکون العقد نافذاً؛ وذلک إذا کان المولَّی علیه فاقد الأهلیة کالصبی غیر الممیّز أو المجنون، أو ناقصها کالصبی الممیّز، وکان الولی ممّن له ولایة الإجبار کالأب علی ابنته الصغیرة.

وقد تکون ولایة اختیار - أی: لیس للولی إجبار مولیَّته علی الزواج - بل تراعی رغبتها، وینظر إلی إرادتها، حتّی یتم التزویج بإذنها ورضاها.

2- الولایة علی المال

وهی سلطة شرعیّة تمکن صاحبها من إنشاء العقود والتصرّفات الخاصّة بالمال وتنفیذها، ویشمل کلّ ما یتعلق بأموال المولی علیه من حقوقه علی الغیر، وحقوق الغیر علیه، فیلزم الولیّ حفظ مال مولیَّه من الضیاع والهلاک، والعمل علی تنمیته واستثماره بالأوجه المشروعة، کما یلزم الإنفاق من هذا المال علی صاحبه، وعلی من تلزمه نفقته بالمعروف فی طعام أو کسوة أوتعلیم مراعیاً فی ذلک أوجه الإنفاق المشروعة من غیر إسراف ولا تقتیر.

کما یجب علیه أن یکون أمیناً فی التصرّف فی مال مولیَّه غیر مفسد إلی أن یسلّم إلیه ماله عند انتهاء الولایة علیه.

وقد تجتمع الولایة علی النفس والمال لشخصٍ واحد کالأب علی ولده الصغیر.

ص:29

أکمل الولایات

ثمَّ إنَّ أکمل الولایات وأقواها: هی ولایة الله سبحانه وتعالی علی خلقه من الممکنات بعد أن کانت بأسرها فی جمیع شؤونها وکافة أطوارها مفتقرة فی وجودها إلی الواجب، مقهورة تحت سلطانه متقلبة بقدرته؛ إذ لا استقلالیّة للممکن فی الوجود لکونه ممکناً بالذات موجوداً بالغیر، وعدم التعلّق فی الممتنع لنقصٍ فی المتعلّق، لا لقصور فی التعلق، وإلّا فهو علی کل شیء قدیر.

ومن رشحات هذه الولایة: ولایة النبی صلی الله علیه و آله وخلفائه الأئمّة المعصومین علیهم السلام بالولایة الباطنیة، فإن لهم التصرّف بها فی الممکنات بأسرها من الذرّة إلی الذروة، بإذنه تعالی، وهی بهذا المعنی خارجة عن الولایة المبحوث عنها فی المقام، ولهم الولایة الظاهریة أیضاً علی کافَّة الرعیَّة، بعد أن کان الناس طرّاً رعایاهم، بل عبیدهم لکن عبید الطاعة لا عبید الملک کما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام . (1)

والذی یهمنا فی هذا التقسیم هو البحث عن ولایة التزویج؛ وذلک لأنّ صحّة النکاح فی بعض الصور - عند الإمامیّة، وهکذا المذاهب الإسلامیّة - موقوفاً علی صدوره عن الولیّ کان البحث عن الولیّ من مقدّمات عقد النکاح.

ص:30


1- (1) . الکافی: 1، کتاب الحجّة، باب فرض طاعة الائمة علیهم السلام ، ح10. وبهذا الاسناد عن مروان بن عبید عن محمّد بن زید الطبری، قال: کنت علی رأس الرضا علیه السلام بخراسان، وعنده عدّة من بنی هاشم وفیهم إسحاق بن موسی بن عیسی العبّاسی، فقال: «یا إسحاق بلغنی أن الناس یقولون: أنا نزعم أن الناس عبید لنا، لا وقرابتی من رسول الله صلی الله علیه و آله ما قلته قط، ولا سمعته من آبائی قاله ولا بلغنی عن أحد من آبائی قاله، ولکنی أقول: الناس عبید لنا فی الطاعة موال لنا فی الدین، فلیبلّغ الشاهد الغائب».

المبحث الثالث: الولایة حکم أم حقّ ؟

اشارة

بحث العلماء مسألة الحقّ، والحکم بصورة مفصلّة، والذی ینبغی أن نبیّن هنا هو: ما المراد من الحکم؟ وما المراد من الحقّ؟ وما هو المیزان الفارق بینهما والثمرات المترتّبة علیها؟ وما هو صورة الشکّ فی کلّ من الأمرین بحسب ما تقتضیه الأصول والقواعد؟

وهل الولایة لمن ثبتت ولایته علی غیره هی حکم أم حقّ؟

أوَّلاً: الحکم

وهو جعل بالتکلیف أو بالوضع متعلّق بفعل الإنسان من حیث المنع عنه والرخصة فیه، أو ترتّب الأثر علیه، فجعل الرخصة، مثلأ: حکم والشخص مورده وفعله وموضوعه، وهو لا یسقط بالإسقاط، ولا ینتقل بالنواقل؛ لأنّ أمر الحکم بید الحاکم لا بید المحکوم علیه.

ثانیاً: الحقّ

اشارة

فهو یطلق - مرّة - حیال الملک، وأخری ما یرادفه، وهو - بمعنیه - سلطنة مجعولة للإنسان من حیث هو علی غیره، ولو بالاعتبار: من مال أو شخص أو هما معاً، کالعین المستأجرة، فإنّ للمستأجر سلطنة علی المؤجّر فی ماله الخاص.

ص:31

وقد یکون مستقلاً بنفسه کحقّ التحجیر، وقد لا یکون مستقلاً بنفسه، بل متقوّم بغیره کحق المجنی علیه علی الجانی وحقّ القصاص، فهو کالملک الذی قد یکون متعلقه مستقلاً. وقد لا یکون کالکلیّ فی الذّمة وقد یتّحدان فی المورد، وإنّما یختلفان بالاعتبار کسلطنة الإنسان علی نفسه؛ ولذا قیل: الإنسان أملک بنفسه من غیره، ومنه قوله تعالی حکایة عن کلیمه: (قالَ رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِکُ إِلاّ نَفْسِی وَ أَخِی فَافْرُقْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ) . (1)

فما به التعلق عین ما إلیه الإضافة وإنّما یختلف بالاعتبار. (2)

الفرق بین الحکم والحقّ

ثم إنَّ الفرق بین الحکم والحقّ انّما یقع بأحد الأمور الثلاثة:

أحدها: کلّ ما ینتقل إلی المورث، فهو حقّ وإلّا فهو حکم.

ثانیها: ما کان قابلاً للإسقاط والإبراء، فهو حقّ وإلّا فحکم.

ثالثها: ما کان قابلاً للمعاوضة والمصالحة - بأن ینتقل إلی الغیر بصلح وغیره - فهو حقّ وإلّا فحکم.

ولا شکّ، أنَّ هذه الوجوه لیست ما بها یمتاز الحقّ عن الحکم بحسب الذات بل إنَّما هی آثار لها فیشکل الفرق بحسب الذات، وعند الشک فی أنّ الشیء الفلانی حقّ أو حکم - کما إذا شککنا فی جواز الرجوع فی عدّة المرأة للزوج حقّ حتّی یقبل الإسقاط کأن یقول: أسقطت ما کان لی من حقّ الرجوع أوحکم شرعی غیر قابل للإسقاط - یصعب الأمر، حیث لا أصل فی البین، ولا طریق لتشخیصه إلّا التنصیص من الشارع، فإنّهما متحدان صورة ومختلفان حقیقة کفرض الصلاة ونفلها وفرض الصوم

ص:32


1- (1) . المائدة: 25.
2- (2) . انظر: بلغة الفقیه: 14/1.

ونفله، حیث إنّ إتیان نفل الصوم لمن علیه صوم واجب لیس بجائز دون فرض الصلاة، فهذا یکشف عن اختلاف حقیقتهما.

فإن ورد النصّ علی تعیین أحدهما فیؤخذ به وعند فقدانهما، فهل الأصل یقتضی الحقّ، أو یقتضی أنّه من قبیل الحکم؟

والمحکی عن المحققّ القمّی جواز الرجوع فی الهبة والعدّة قابلة للصلح والإسقاط، فعلی تقدیر عدم ورود نصّ ودلیل علیه لا بدّ أن یقال: إنَّ الأصل عندهما هو الحقّ فیکون هو المرجع عند الشکّ، ولکن العلّامة ذهب إلی أن لا أصل فی البین. (1)

ورأینا إنَّ هذا القول الذی ذهب إلیه العلّامة حسن بحسب تشخیص ذاتهما وحقیقتهما لعدم الأصل فیهما.

نعم، نحن نقول: وإن لم یکن فی مقام تشخیص حقیقتهما أصلاً جاریاً إلّا أنّه یکفینا إجراء الأصل العملی فی آثارهما ولوازمهما، فإنّه بعد ما ثبت جواز الرجوع للزوج فی العدّة مثلاً نشکّ فی سقوطه بعد قوله: «أسقطت» أو: «صالحت». فمقتضی الأصل والاستصحاب بقاؤه وعدم سقوطه وعدم قبوله للصلح، فنحکم حینئذٍ بأنّ جواز الرجوع هنا من قبیل الحکم لیس بحقّ حتّی یقبل للصلح والإسقاط.

وهکذا فی غیره فی سائر المقامات المشکوکة، فعند الشک بینهما الأصل یقتضی أن یکون حکماً لا حقاً.

وبهذا، تکون الولایة لمن ثبتت ولایته علی غیره من الحکم دون الحقّ؛ لأنَّهاغیر قابلة للإسقاط، وأنَّها حکم شرعی مجعول بید الشارع فلا یسقط بالإسقاط، ولا قابل للإنتقال بخلاف الحقّ فإنّه قابل للإسقاط والنقل، وإن کان

ص:33


1- (1) . انظر: فقه الإمامیة قسم الخیارات: 8.

الحقّ کالحکم من حیث الجعل من الشارع المقدّس إلّا أن نحو الجعل مختلف، فإنَّ الحقّ جعل لصاحبه بنحو یکون زمامه بیده، فله الأخذ به، وله العفو والإسقاط، بخلاف الحکم، فإنه مجعول من الشارع المقدّس علی موضوعه بنحو یکون رفعه بید جاعله کوضعه.

و منه یعلم أنّه مع الشک فی کون الولایة حکماً أو حقّاً الأصل الأوّل لاحتیاج الثانی إلی المؤونة.

ص:34

المبحث الرابع: متی تسقط الولایة ؟

اشارة

لمَّا کانت الولایة فی حقیقتها حمایةً ورعایةً وقیاماً بالواجب، باعثها الشفقة الداعیَة إلی الحرص علی مصلحة المولَّی علیه، فإذا لم تکن حمایة ولا رعایة ولا قیام بالواجب، فإنّها تؤول إلی السقوط، فقد ذکر الفقهاء سقوط الولایة للأب أو الجدّ للأب فی موردین وهما:

الأوّل: عَضْلُ الولی

اشارة

وقبل البحث ینبغی أن نبیّن معنی العضل وحکمه وهو ما یأتی علی الشکل الآتی:

أوّلاً: معنی العضل
اشارة

العضل لغةً هو: الشِّدَّة، والمنع، والتضییق.

یقال: عضل الرجل أیَمه، إذا منعها من التزویج ظلماً.

ومنه: الدّاء العضال الذی أعیا الأطباء علاجه، والأمر العضال: الذی استغلق حلّه، ولم یهتدِ لوجهه، کما تسمّی الشدائد معضلات.

ویقال: عضّلت - بتشدید الضاد المعجمة - المرأة أو الناقة بولدها، إذا التوی فی رحمها، ونشب، وتعسّر خروجه.

ص:35

ویقال: عضّلت الأرض بأهلها، أی: غصّت بهم وضاقت لکثرتهم.

ومنه قول الشاعر:

تری الأرض منّا بالفضاء مریضة معضّلة منّا بجمع عرمرم (1)

والباب کلّه یدور حول: الشدّة والمنع والتضییق، کما تقدّم.

قال ابن فارس:

العین والضّاد واللّام - أصل واحد صحیح یدلّ علی شدّة والتواء فی الأمر. (2)

وقال ابن منظور:

أصل العضل: المنع والشدّة، یقال أعضل بی الأمر إذا ضاقت علیک فیه الحیل، وأعضله الأمر غلبه، وداء عضال: شدید معیٍ غالب، قالت لیلی:

سقاها من الدّاء العضال الذی بها غلام إذا هزّ القناة سقاها (3)

العضل شرعاً هو المنع أیضاً، والمراد هنا: منعها من التزویج بکفئها إذا طلبت ذلک ورغب کلّ واحد منهما فی صاحبه. (4)

واختلف الفقهاء فی أنّه متی یکون امتناع الولیّ یعدّ عاضلاً؟

وأهمّ ما اشتهر ذکره عن الفقهاء هنا:

هو امتناع الولیّ من تزویجها بکفئها أو لنقصان مهر مثلها، فیتّفقون علی أنّ الولیّ إذا امتنع من تزویجها بخاطبها الکفء الذی رضیته، فهو عاضل لها. وأمّا إن کان الخاطب الذی رضیته غیر کفء لها، فلا یعد امتناع الولی من تزویجها به عضلاً لها. (5)

ص:36


1- (1) . انظر: مقاییس اللغة: 346/4.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . لسان العرب: 451/11؛ وانظر: مادة عضل فی کلّ من: مقاییس اللغة: 345/4 و346، الصحاح: 1766/5و 1767؛ القاموس: 21/8 و22.
4- (4) . جامع المقاصد فی شرح القواعد: 128/12.
5- (5) . انظر للإمامیة: جواهر الکلام: 185/29؛ کشف اللثام: 82/7؛ وللحنابلة: المغنی: 368/7 و 369؛ الانصاف: 75/8. وللشافعیة: مغنی المحتاج: 153/3؛ وللمالکیة: الخرشی علی مختصر الخلیل: 189/3؛ وللحنفیة: فتح القدیر: 294/3 و 295.

وأمّا إن رضیت المرأة بکفؤ لزمهم أن یزوجوها بما رضیت من المهر - سواء کان مهر مثلها أو أقلّ - فإن منعوها واعترضوا علی قدر مهرها ولّت أمرها من شاءت.

وعند الشافعی یکون قد عضلوها، ویکون السلطان ولیها (1) ،وبه قال أبویوسف ومحمد. (2)

وقال أبو حنیفة:

للأولیاء أن یعترضوا علیها فی قدر المهر، فمتی نکحت بأقلّ من مهر مثلها، فللولی أن یقول للزوج: إمَّا أن تبلغ بالمهر مهر المثل، وإلّا فسخت علیک النکاح وأجری المهر مجری الکفاءة؛ لأنَّ الأولیاء یتفاخرون بکمال مهور نسائهم ویعیّرون بنقصها، فمن هنا أشبه الکفاءة؛ ولأن فی تزویجها بأقلّ من مهر مثلها ضرراً علی نسائها بنقص مهور أمثالهن. (3)

وأمّا وجهة نظر الجمهور منهم: فلأنَّ المهر حقّ خالص للمرأة، فلم یکن للأولیاء حقّ فی منعها، أو الأعتراض علیها من أجل نقصانه، کثمن عبدها أو أجرة دارها؛ (4) ولأنّها لو أسقطته بعد وجوبه لسقط اتّفاقاً. (5)

وأمَّا وجهة نظر الإمامیّة، فقد ذکر الشهید الأوّل:

أنّه إذا زوّج الولیّ الإجباری کالأب والجدّ المولی علیه بدون مهر مثلها، فالوجه صحّة العقد، لعدم مدخلیة المهر فی صحّة النکاح وفساده. (6)

ص:37


1- (1) . الام: 14/5؛ مختصر المزنی: 165.
2- (2) . السرخسی، المبسوط: 13/5.
3- (3) . المصدرالسابق.
4- (4) . ابن قدامة، المغنی: 369/7.
5- (5) . المصدر السابق.
6- (6) . غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد: 124/3.

ثمّ هل یلزم المسمّی أو لا؟

قال الشیخ الطوسی: یلزم، (1) ووجهه أن للولی العفو بالنسبة إلی المهر لقوله تعالی: (أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) 2 ، فإذا ساغ له العفو عن الحقّ بعد ثبوته فالعفو بدونه أولی، وأختاره المحقّق. (2) وذهب العلّامة الحلّی هنا إلی أنّه إن کان لها مصلحة، بأن کان هذا الزوج بهذا القدر أکمل وأصلح من غیره بأضعافه فیصیر صلاحه نقصان المهر، ولیس نوع المصلحة فی هذا الشخص، بل أیة مصلحة کانت، مثل اظطرارها إلی الزواج وخوف الوقوع فی العار، ولو لم یوجد إلّا هذا بهذا المقدار، أو غیر ذلک. (3) وحکی الشیخ فی المبسوط بطلان المسمی لوجوب مراعاة القیمة فی أموالها ففی البضع أولی. (4)

وأشکل علیه الشهید الأوّل:

بأنَّ هذا القول ضعیف، للفرق بأن النکاح فی الأصح لیس معاوضة حقیقیة بخلاف المذکور. (5)

الرَّاجِح

والذی یقتضیه صحیح النظر هو أنّه إن اقتضت المصلحة التزویج بدون مهر المثل صحّ العقد والمهر ولزم، وإلّا کان العقد فضولیا یتوقّف علی الإجازة بعد البلوغ؛ لأنّ صحّة تصرفات الولی منوطة بالمصلحة، وبدونها یکون کتصرّف الأجنبی.

ص:38


1- (1) . الخلاف: 392/4؛ المبسوط: 311/4.
2- (3) . شرائع الإسلام: 276/2.
3- (4) . الإرشاد: 124/3.
4- (5) . المبسوط: 311/4.
5- (6) . غایة المراد: 125/3.
ثانیاً: حکم العضل

وأمّا حکم العضل، فلا خلاف فی تحریمه؛ لأنَّه نوع من الظلم الذی یتنافی ومشروعیة الولایة فی النکاح؛ إذ هی ولایة نظر وإحسان، لا ولایة قهر وإذلال وإستبداد، ومن الأدلّة علی تحریم العضل ما یلی:

1. من الکتاب

قال تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (1)

وجه الاستدلال:

بناءً علی أنَّ الخطاب فی قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) للناس أجمع ویدخل فیهم الأولیاء علی معنی أنّه لا یکون عضل منکم، أو المراد خطاب الأولیاء، وعلی کلّ حال، فالمراد بأزواجهن من رضین بهم أن یکونوا أزواجاً، لا خصوص الأزواج السابقة وإن احتمل فی الآیة.

ولکن علی أیّ وجه دال علی المطلوب، نعم، لو قیل: بکون المراد نهی الأزواج السابقین عن عضل النساء أن یتزوجن بعد خلائهن، خرجت الآیة عن الدلالة، وتکون أجنبیّة عن محلّ بحثنا؛ لأنَّ موضوعها یکون عدم جواز منع المطلقة المدخول بها من التزوج بغیر زوجها الأوّل، أو الرجوع إلیه بعد العدة.

هذا وربّما استفید من الآیة ثبوت الولایة، وإلّا لم یکن للعضل وجه، وفیه إنَّ العضل ظلم متحقق علی کلّ حال، کما هو واضح. (2)

ص:39


1- (1) . البقرة: 233.
2- (2) . انظر: جواهر الکلام: 184/29.

2. من السنة

1. قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام». (1)

ووجه الاستدلال به واضح: حیث إنْ منَعَهَا الولیّ من التزویج بالکفؤ إذا طلبت ذلک فیه ضرر ومشقّة، والإسلام قد رفعه بحدیث «لا ضرر ولا ضرار»، وبالاضافة إلی أنّ لها حقّاً فی الإعفاف والتصّون، ودفع ضرر مدافعة الشهوة والخوف من الوقوع فی الحرام. (2)

2. صحیحة أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام ، إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لرجل: «أنت ومالک لأبیک»، ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام : «ما أحب أن یأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إلیه ممّا لا بد منه، إنَّ الله لا یحبّ الفساد». (3)

وجه الاستدلال:

إنّ الإطلاق الوارد فی صحیحة أبی حمزة الثمالی القائل بأنّ «الله لا یحبّ الفساد»، یقول: إنَّ تحدید ولایة الأب أذا ثبتت فی المال ثبتت فی العرض بطریق أولی، فلا یکون للأب منعها عن التزویج؛ لأنّه فیه الفساد، و«الله لا یحبّ الفساد».

إن الولایة مأمور بها، فاذا کانت فی هذه الصورة فساد، فالله لا یحبّها - أی: لا یأمر بها فتسقط الولایة علیها. (4)

ولکن إذا منعها الولیّ بمن ورد النهی عن التزویج بهم ولو بنحو الکراهة کشارب الخمر وتارک الصلاة والمتجاهر بالفسق مع کونه کفؤاً بالإسلام إذا کانت المرأة مسلمة، أو منعها الولیّ من التزویج بمن یکون علیهم فی زواجها ضعة عرفاً «من حیث

ص:40


1- (1) . الکافی: 292/5؛ وسائل الشیعة: 341/17 ح: 3، ورواه العامة أحمد وغیره، وهو صحیح بمجموع طرقه، ومتّفق علی معناه انظر: ابن حنبل، المسند: 1/ص313.
2- (2) . القواعد والفوائد: 51/2.
3- (3) . وسائل الشیعة: 17 کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، 78، ح: 2.
4- (4) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 219/33.

وجود الغضاضة والنقص والعیب فی العرض» فهو لیس بعضل. وکذا لو منعها من التزویج بکفؤ معین مع وجود کفؤ آخر، وکذا لو منعها من النکاح المنقطع مع تیسر الدائم؛ وذلک لأنَّ الأدلّة التی دلَّت علی سقوط ولایة الأب لا تأتی هنا، حیث إنَّ إعمال ولایة الأب فی منعها فی هذه الصورة المتقدمة یکون لصالحها، ولم یکن المنع فیه مفسدة فتبقی إطلاقات أدلّة ولایة الأب والجدّ سالمة وشاملة لهذه الصورة.

ثالثاً: تزویجها إذا عضل الولی

والبحث فیه یقع علی مستویین:

المستوی الأوّل: عند الإمامیّة

وأمَّا تزویجها إذا عضل ولیَّها عند الإمامیّة، فقد اتفقوا علی سقوط اعتبار رضاه، وجاز لها الاستقلال بالعقد علی نفسها، والمحدَّث عنه هو البکر الرشیدة البالغة.

قال صاحب الحدائق: الظاهر أنّه لا خلاف بین الاصحاب فی أنّه لو عضلها الولیّ سقط اعتبار رضاه، وجاز لها الاستقلال بالعقد علی نفسها. (1)

بل نقل الإجماع علی ذلک جملة من الأصحاب. (2)

وقد یستدلّ له بقوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (3)

إلّا أنَّ فساده أوضح من أن یخفی، فإنّ الموضوع فی هذه الآیة الکریمة إنّما هو المطلَّقات المدخول بهن، کما یشهد لذلک قوله تعالی فی صدرها: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) .

ص:41


1- (1) . الحدائق الناظرة: 233/23.
2- (2) . منهم: الخلاف: 279/4؛ القواعد: 6/2؛ المفاتیح: 265/2.
3- (3) . البقرة: 232.

ومن هذا المنطلق تکون الآیة الکریمة خارجة عن محلّ کلامنا بالکلّیة، فإنّ موضوعها عدم جواز منع المطلقة المدخول بها من التزویج بغیر زوجها الأوّل، أو الرجوع إلیه بعد العدة، وأین هذا من عدم ثبوت الولایة للأب علی ابنته البکر فی فرض عضلها ومنعها من التزویج بالکفء؟

فالصحیح فی الاستدلال هو التمسّک:

أوّلاً: بمناسبة الحکم والموضوع، فإنّ المستفاد من جملة من النصوص أنّ ولایة الأب ثابتة لها لا علیها، ومن الواضح أن هذا إنّما یقتضی النظر فی أمرها ومراعاة مصلحتها فی کلّ ما یقوم به لها.

ثانیاً: دلیل نفی الحرج إذا فرضنا فی بقائها کذلک حرجیاً، فإنّ هذا الدلیل یرفع فی هذه الحالة اعتبار إذن الأب والجدّ علی نحو الاستقلال أو الاشتراک. (1)

المستوی الثانی: عند أهل السنّة

وأمَّا عند السنة، فقد اتّفق فقهاؤهم علی سقوط حقّ الأقرب فی الولایة إذا ثبت عضله وانتقالها إلی غیره، ثمّ اختلفوا فیمن یزوجها. حینئذٍ علی قولین:

القول الأوّل: أنّه یزوجها من یلیه من الأولیاء.

وإلی هذا ذهب إلیه الحنابلة (2)، وبه قالت الشافعیة إذا تکرّر العضل من الولی الأقرب، بناء علی أنّه یصیر بذلک فاسقاً، ولا ولایة للفاسق علی الصحیح عندهم. (3)

ووجهة هذا المذهب: أنّه تعذّرالتزویج من جهة الأقرب فملکه من یلیه، کما لو جن الأقرب. ولأنه یکون بالعضل فاسقاً، فتنتقل الولایة عنه، کما لو شرب الخمر. (4)

ص:42


1- (1) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 218/33.
2- (2) . انظر: کشف القناع: 54/5.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 153/3.
4- (4) . انظر: المغنی: 368/7.

القول الثانی: أنّه یزوجها السلطان، وهذا مذهب المالکیّة وکذلک الشافعیّة فی غیر الصورة السابقة وهی تکرّر العضل، وکذلک الحنفیة بناء علی أنّ العضل کما یکون فی الحرّة المکلّفة یکون فی الصغیرة والمجنونة. (1)

ودلیل هذا القول ما یلی:

1. الدلیل النقلی أو الحدیث: «فإن اشتجروا فالسلطان ولی من لا ولی له». (2)

2. ولأنّ النِّکاح حقّ للمرأة، فإذا تعذر من جهة ولیِّها کان للحاکم استیفاؤه، کما لو کان علی رجلٍ دین فامتنع من أدائه، فإن الحاکم یقوم باستیفائه لصاحبه من الممتنع. (3)

3. ولأنّ الولیّ بامتناعه یکون ظالماً، والسلطان یقوم مقام صاحب الحقّ فی دفع الظلم عنه. (4)

الرَّاجِح

والذی یبدو لی أنَّ الرَّاجِح هو ما ذهبت إلیه الإمامیّة؛ وذلک للإجماع من الطائفة علی استقلالها عند منعها من التزویج بکفئها إذا طلبت ذلک ورغب کلّ واحد بصاحبه، وفیه اعتراف بأنّ لها أهلیّة تولّی النکاح بنفسها، ویدلّ علیه بالإضافة إلی الإجماع حدیث: «لا ضرر ولا ضرار، ورفع الحرج، وسعة الشریعة السمحة السهلة»، وهذا هو الرأی الرَّاجِح، والله أعلم.

الثانی: غیبة الولی

اشارة

اختلف الفقهاء فی انتقال الولایة وکیفیّته عند غیبة الولی علی النحو التالی:

ص:43


1- (1) . انظر للمالکیة: حاشیة الدسوقی: 231/2؛ الشرح الکبیر: 232/2.
2- (2) . مسند أحمد: 66/6.
3- (3) . المغنی: 368/7.
4- (4) . المصدر السابق.

أوّلاً: الإمامیّة

ذهبوا إلی أنَّ الولی إذا کان غائباً لا یمکن الاستئذان منه مع حاجة المرأة إلی الزواج سقط اعتبار إذنه فیجوز لها أن تعقد علی نفسها من دون مراجعة الحاکم.

قال الشیخ الطوسی:

وإن غابا جمیعاً یعنی: الأب والجدّ کان لها أن تعقد علی نفسها، أو توکل من شاءت من باقی الأولیاء. (1)

وقال السیّد الحکیم:

وفی الحدائق: وفی حکم العضل الغیبة المنقطعة التی یحصل معها المشقّة الشدیدة من اعتبار استئذان الولی، (2) ونحوه ما فی الریاض. (3)

والأوّل حکی ارتضاؤه عن کثیر من الأصحاب (4)، ویظهر من الجمیع عدم الخلاف فی ذلک، بل فی کلام بعض (5)، أنّه بلا خلاف وکأنَّه لِما یستفاد من دلیل السقوط بالعضل. (6)

وقد یستدلّ له علی ذلک:

1. من الکتاب

قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (7)

وجه الاستدلال: لمّا دلَّ علی سقوط ولایة الأب عند العضل، حیث یصدق أنَّ الولایة للأب إنِّما هو لمصلحة البنت ولتکمیل نقصها، ولا مصلحة فی ولایته، وهو غائب عنها لا یمکن استئذانه، وهی بحاجة إلی الزواج فتسقط ولایته فی هذه الصورة.

ص:44


1- (1) . الخلاف: 278/4.
2- (2) . الحدائق: 232/23.
3- (3) . ریاض المسائل: 80/2.
4- (4) . التذکرة: 601/2؛ السبزواری، الکفایة: 156؛ الحدائق: 232/23.
5- (5) . السبزواری، کفایة الأحکام: 96/2.
6- (6) . مستمسک العروة: 449/14.
7- (7) . البقرة: 232.

وبعبارة أخری: یمکن القول بأنَّ أدلّة الولایة منصرفة عن الغائب الذی لا یمکن استئذانه، فتکون الولایة لمن حضر من الآباء والأجداد، أو کان یمکن استئذانهم فی أمر البنت لتکمیل نقصها ومصلحتها.

2. من السنّة

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام». (1)

وجه الاستدلال: إن للمرأة حقاً فی العفاف وصون النفس من الوقوع فی الحرام، ودفع ضرر مدافعة الشهوة، وغیبة الولی المنقطعة التی یحصل معها المشقة الشدیدة من اعتبار استیذانه ضرر دینی أو دنیوی، وهو منهی عنه.فتسقط ولایته فی هذه الصورة.

ثانیاً: أهل السنّة

وأمَّا فقهاء السنة، فقد إتفق أصحاب المذاهب الأربعة علی أنّه: إذا غاب ولی المرأة الأقرب فقد جاز لغیره تزویجها، علی خلاف بینهم فی حدِّ الغیبة التی یجوز التزویج فیها لغیر الأقرب، وکذلک فی مَن یزوجها، أهو الولی الذی یلیه، أم السلطان؟

ذهب ابن حزم الظاهری وزفر من الحنفیة إلی أنّه لا یجوز لأحد تزویجها فی غیبة ولیها الأقرب، وإن طالت غیبته حتّی یقدم فیزوجها بنفسه. (2)

وکذلک قال زفر:

إنَّه لا یزوجها الولیّ الأبعد لبقاء ولایة الأقرب، ولا یزوجها السلطان من باب أولی؛ لأن ولایته متأخّرة عن ولایة الولیّ الأبعد، وهذا بخلاف العضل عنده؛ لأنّ الولیّ العاضل ممتنع من إیفاء حقّ لمستحقه، فیقوم السلطان مقام صاحب الحقّ فی دفع الظلم عنه، والغائب غیر ظالم. (3)

ص:45


1- (1) . الکافی: 292/5، ح: 2؛ وسائل الشیعة: 341/17، ح:3.
2- (2) . انظر: المحلّی: 458/9.
3- (3) . انظر: السرخسی، المبسوط: 221/4؛ بدائع الصنائع: 1272/3.

وأمَّا من الذی یزوجها فی غیبة الولیّ الأقرب؟ أهو الولیّ الأبعد أم السلطان؟ قولان مشهوران:

الأوّل:

إنَّ الذی یزوّجها هوالولیّ الذی یلیه مرتبة، وهذا مذهب الحنفیّة والحنابلة. (1)

قالوا: إنَّ الولایة تنتقل من الولیّ الأقرب إلی الولی الأبعد إذا غاب الأوّل غیبة منقطعة یخشی معها فوات الکفء إذا انتظرنا حظوره أو استطلاع رأیه.

الثانی:

إنًّه السلطان، وهو مذهب الشافعیّة. (2)

حیث ذهبوا إلی أنَّ الولیّ الأقرب نسباً أو ولاءً إذا غاب مسافة القصر، ولم یحکم بموته، ولیس له وکیل حاضر فی تزویج مولیَّته، أو کان محرماً بالحج أو العمرة، فإنّ الولایة تنتقل إلی السلطان أو نائبه؛ لأنّ الغائب ولیّ، والتزویج حقّ له، فإن تعذر حضوره ناب عنه الحاکم.

أمَّا إذا غاب دون مسافة القصر، فلا تزوّج مولیَّته إلّا بإذنه، ولا یصحّ تزویج السلطان علیه، وکذلک إذا کان له وکیل، فهو مقدّم علی الأقرب والسلطان.

وأمَّا المالکیّة ففی کلامهم، ونقل بعضهم عن بعض اختلاف واضطراب شدید، وبیان ذلک أن الولیّ - عندهم - إمِّا أن یکون مجبراً وهو الأب فی ابنته البکر، أو الصغیرة مطلقا.

وإمِّا أن یکون غیر مجبر وهم: بقیّة الأولیاء.

فبعضهم جری علی إطلاق قول واحد، ولم یفرّق بین مُجبر وغیر مُجبر، وبعضهم

ص:46


1- (1) . انظر للحنفیة: السرخسی، المبسوط: 220/4؛ بدائع الصنائع: 1372/3.
2- (2) . انظر للشافعیة: الأم: 14/5؛ مغنی المحتاج: 157 و 152/3.

فصل، وحاصل تلک الأقاویل یمکن تصنیفها إلی صنفین:

الصنف الأوّل: یدلّ علی أنّ المعتمد هو أنّ الولایة تنتقل فی غیبة الولی الأقرب إلی الأبعد، ولا فرق بین مُجبر وغیره.

وهذا ما یدلّ علیه کلام ابن رشد (1)، وکلام ابن جزّی صریح، وهذا نصّه:

إذا غاب الأقرب انتقلت الولایة إلی الأبعد، وقال الشافعی: إلی السلطان. (2)

ثمّ قال فی مسألة متتبّعاً:

إذا غاب عن البکر أبوها وهی مُجبرة زوجها سائر الأولیاء، أو السلطان إن لم یکن لها ولی. (3)

الصنف الثانی: یدلّ علی أن المعتمد هو انتقالها إلی السلطان، سواء کان مُجبراً أم غیر مُجبر، إلّا فی بعض الحالات التی قد قیل بانتقالها إلی الأبعد، أو بصحّة تزویجه فیها، وإن کان الأحقّ به فیها السلطان.

وهذا هو ظاهر کلام خلیل فی المختصر وکذلک شروحه.

وحاصله: أنّه إن کان الغائب الولی المجبر کالأب فی ابنته البکر، فلا یزوجها إلا السلطان - حیث قیل بتزویجها. دون الأولیاء الحاضرین. وأما إن کان الغائب غیر مجبر وکانت الغیبة مسافة ثلاثة أیّام فما فوقها فالذی یزوّجها هو السلطان ایضاً، ولکن لو زوجها الولی الأبعد صحّ - حینئذ - بناء علی أنّ الترتیب بین الأولیاء لیس بشرط.

وأمّا إن کان الغائب أسیراً، أو مفقوداً، أولیاً غیر مجبر، ومسافة غیبته دون ثلاثة أیّام، فالذی یزوّج حینئذٍ الولی الأبعد دون السلطان، وقیل غیر ذلک. (4)

ص:47


1- (1) . بدایة المجتهد: 11/2.
2- (2) . قوانین الأحکام الشرعیة: 224.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . انظر: الدردیر، الشرح الکبیر: 229/2 و 230؛ حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر: 230/2.

الأدلّة

استدلّ من قال: یزوجها الولی الأبعد دون السلطان، بما یلی:

1. الدلیل النقلی وهو الحدیث: «السلطان ولیّ من لا ولیّ له».

وهذه لها ولی، فلا ولایة للسلطان علیها مع وجوده. (1)

2. ولأنَّه تعذر حصول التزویج من الأقرب فثبتت الولایة لمن یلیه من الأولیاء الحاضرین، کما لو جن الأقرب، أو مات.

3. ولأنها حالة جاز فیها التزویج لغیر الأقرب، فکان الأبعد أحقّ بها من السلطان؛ لأنه أکمل نظراً لها منه.

وأما من قال: یزوجها السلطان دون الولیّ الأبعد فدلیلهم:

أنَّ الولیّ الأبعد محجوب بولایة الأقرب، وولایة الولیّ الأقرب باقیة، بدلیل أنّه لو زوجها فی مکانه، أو وکلّ من یزوجها لصح ذلک منه، وإنِّما تعذر لغیبته فناب الحاکم عنه، کما لو غاب، وعلیه دین، فإنّ الحاکم ینوب عنه فی الدفع من ماله دون غیره من الأولیاء، کما سبق فی العضل. (2)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی هو: رجحان القول الأوّل؛ وذلک إنّما جعلت الولایة للولی، لمصلحة البنت ولتکمیل نقصها، ولا مصلحة فی ولایته، وهو غائب عنها لا یمکن استئذانه، وهی بحاجة إلی الزواج، فترک التزویج لأجل غیبة الولی نقیض ما هو المقصود من جعل الولایة، مضافاً إلی قاعدة: لا ضرر، فحینئذ تسقط ولایته، وذلک لمَا دلّ علی سقوط ولایة الأب عند العضل، فإنّه بحکمه.

ص:48


1- (1) . انظر: المغنی: 370/7؛ المبسوط: 221/4؛ بدائع الصنائع: 1372/3.
2- (2) . مغنی المحتاج: 157/3.

وإنَّما تکون أحق بنفسها، ولها أن تعقد علی نفسها، للأصل الأوّلی من عدم ولایة أحد علی أحد، ولإجماع الطائفة وعدم الخلاف فی ذلک.

حد الغَیبَة

وأمَّا حدّ الغیبة التی تسقط بموجبها الولایة عن الولیّ وتکون المرأة أحق بنفسها، علی رأی الإمامیّة، أو انتقالها للولی الأبعد، أو للسلطان فی تزویج المرأة علی رأی المذاهب الأخری، فقد اختلف فیها علی أقاویل مختلفة فی کلّ مذهب من المذاهب الخمسة، وذلک شأن المسائل الخاضعة للنظر والاجتهاد؛ إذ لیس فی هذه الغیبة، ولا فی تحدیدها نصّ من کتاب أو سنة وإنِّما هی مسألة اجتهادیة، وإلیک ما قیل فی کلّ مذهب حسب ما نشیر إلیه:

أوّلاً: مذهب الإمامیّة

لم یحدّد مذهب الإمامیّة مقدار معین للغیبة المنقطعة، لعدم وجود النصّ فی ذلک. و قال السید الحکیم:

وفی الحدائق: وفی حکم العضل الغیبة المنقطعة التی یحصل معها المشقة الشدیدة من اعتبار استئذان الولی، (1) ونحوه ما فی الریاض (2). (3)

فجعل المدار فی الغیبة المنقطعة عدم إمکان استئذان الولیّ بأیة حالة، ولو عبر الهاتف أو الرسائل ولا یمکن لقائه کالسجین الذی لا یمکن لقائه. وفی الحدائق:

بما یظهر منه أنّه لدلیل الحرج. (4)

ص:49


1- (1) . الحدائق الناظرة: 233/23.
2- (2) . ریاض المسائل: 80/2.
3- (3) . مستمسک العروة: 449/14.
4- (4) . الحدائق: 233/23.

ثانیاً: مذهب الحنفیة

یتّفق الحنفیة علی أنّ الغیبة التی یجوز لغیرالولیّ الأقرب تزویج المرأة فیها علی أنّها الغیبة المنقطعة، وإنِّما یختلفون متی تکون الغیبة منقطعة علی أقوال کثیرة منها:

1. أن یکون الولیّ فی بلد لا تصل إلیه القوافل فی السَّنة إلّا مرة واحدة. (1)

2. أنّها الغیبة التی یفوت الکفء لو انتظر استطلاع رأی الولیّ الأقرب. (2)

3. وقیل: من جابلقا إلی جابلتا، وقالوا: وهما قریتان إحداهما بالمشرق والأخری بالمغرب.وهذه روایة عن أبی یوسف.

وقد قیل فیها: إنَّ هذا دلیل علی رجوعه إلی قول زفر، أی: أنَّ المرأة لا تزوّج فی غیبة ولیّها، وإنّما ذکر هذا علی طریق ضرب المثل. (3)

4. وقیل: من بغداد إلی الریّ، وهی روایة عن أبی یوسف ومحمّد.

5. وقیل: من الرِّقة إلی البصرة، وهی روایة عن محمّد.

6. وقیل: من الکوفة إلی الرّیّ، وهی روایة عن محمّد.

7. وقیل: إذا کان فی موضع یقع الکراء إلیه دفعة واحدة، فلیست منقطعة، أو بدفعات فهی منقطعة. (4)

ثالثاً: مذهب المالکیة

إنّ الولیّ الغائب عند المالکیّة لا یخلو من أحد أمرین:

الأمر الأوّل: إمّا أن یکون ولیّاً غیر مجبر، فحدها مسافة ثلاثة أیّام. (5)

الأمر الثانی: وأمّا إذا کان الولیّ مجبراً کالأب فی ابنته البکر، فلا تزوّج إلّا إذا کانت غیبته بعیدة، ومثّلوا لها بإفریقیا: - یعنی القیروان - واختلفوا فی بدایتها، فقیل، أی:

ص:50


1- (1) . فتح القدیر: 290/3.
2- (2) . المصدر السابق: السرخسی، المبسوط: 222/4؛ الکاسانی، بدائع الصنائع: 1374/3.
3- (3) . انظر: فتح القدیر: 290/3؛ السرخسی، المبسوط: 222/4.
4- (4) . کلّ هذه الأقوال مصادرها السابقه وصفحاتها.
5- (5) . الدردیر، الشرح الکبیر: 230/2.

من المدینة إلی إفریقیا؛ لأنَّ مالکاً لًما قرًرها کان بالمدینة.

وقیل: بل من مصر؛ لأنَّ ابن القاسم لما سئل عنها، فأجاب کان بمصر.

ثمّ اختلفوا هل من شرطها الاستیطان أو لا؟

فقد قیل لابن القاسم:

أرأیت إن خرج تاجراً إلی أفریقیا، أو إلی نحوها من البلدان وخلف بنات أبکاراً فأردن النکاح، ورفعن ذلک إلی السلطان، أینظر فی ذلک السلطان أم لا؟

قال: إنَّما سمعت مالکاً یقول فی الذی یغیب غیبة منقطعة، فأمّا من خرج تاجراً، ولیس یرد المقام بتلک البلاد فلا یهجم السلطان علی ابنته فیزوّجها، ولیس لأحدٍ من الأولیاء تزویجها.

قال: وهو رأیی؛ لأن مالکاً لم یوسّع فی أنّه تزوّج ابنة الرجل إلّا أنَّ یغیب غیبة منقطعة. (1)

ولقد أطال الحطَّاب فی شرح المختصر فی هذه المسألة، وأکثر من إیراد النقول المتضاربة، ثمّ قال:

عُلم من کلام المدوّنة، وکلام ابن رشد أنّ هذا الخلاف إنّما هو إذا کانت غیبة الأب عن ابنته غیبة انقطاع، بمعنی: أنّه طالت إقامته، بحیث لا یرتجی قدومه بسرعة غالباً؛ وأمّا من خرج لحاجة، أو تجارة، ونیته العودة، ولم تطل إقامته فلا تزوّج ابنته. (2)

رابعاً: مذهب الشافعیة

وأمّا مذهب الشافعیّة، فحدّ الغیبة عندهم مسافة القصر؛ وأمّا ما دونه ففیه قولان فی المذهب، أصحهما:

أنَّها لا تزوج إلّا بإذنه، وقیل: بل تزوّج لئلّا تتضرّر بفوات الکفء الراغب. (3)

ص:51


1- (1) . المدوّنة الکبری: 144/2.
2- (2) . الدردیر، الشرح الکبیر: 229/2.
3- (3) . مغنی المحتاج: 157/3.

خامساً: مذهب الحنابلة

وأمّا مذهب الحنابلة، فهو أشبه بمذهب الحنفیة فی هذه المسألة؛ إذ یتفق معه علی أن المعتبر فی الغیبة إنِّما هی الغیبة المنقطعة ویختلفون فی حدّها علی أقوال هی:

1. قیل: ما یفوت به کفء راغب، وقال صاحب الإنصاف: وهو قوی. (1)

2. وقیل: ما تستضرّ به الزوجة، قال صاحب الإنصاف: وهو الصواب. (2)

3. أنّها المسافة التی تقصر فیها الصلاة، فقد روی عن أحمد أنّه قال: إذا کان الأب بعید السفر یزوّج الأخ.

وقال ابن قدامة: فیحتمل أنّه أراد بالسفر البعید ما تقصر فیه الصلاة؛ لأنّ ذلک هو السفر الذی علقت علیه الأحکام. (3)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی ممّا تقدّم: أنَّ الصواب هو اعتبار الغیبة المنقطعة التی یحصل معها المشقة الشدیدة، ویکون فیها الحرج دون غیرها، فإنّ التحدید بابه النصّ، ولا نصّ فی هذه المسألة.

وأما معرفة حدّ الغیبة المنقطعة من غیرها، فهذه مردها إلی العرف، ولا تقدّر بالأیّام، ولا بطول المسافة؛ إذ التقدیرات بابها النصّ، ولا نصّ فی هذه المسألة. وفی زماننا هذا من وسائل الاتّصال المیسّرة ما لم یسبق لها مثیل، ممّا یوفر کثیراً من الجهد، ویذلل کثیراً من الصعاب التی کانت فی الماضی یحسب حسابها.

ص:52


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . الإنصاف: 77/8.
3- (3) . المغنی: 370/7.

المبحث الخامس: حقیقة عَقد النکاح

أوّلاً: تعریف العقد لغةً

اشارة

العقد لغةً: هوالجمع بین الشیئین بحیث یعسر الانفصال، کما ذکره غیر واحد من أعلام اللغة.

قال الجوهری: عقدت الحبل والعهد والبیع وانعقد. (1)

وفی القاموس: عقدت الحبل والبیع والعقد یعقده اشتدّه. (2) وقال الفیّومی:

عقدت الحبل فانعقد، والعقد ما یمسکه ویحبسه ویوثقه، ومنه قیل: عقدت البیع، ونحوه، وعقدت الیمین. (3)

وقال الراغب الأصفهانی:

العقد الجمع بین أطراف الشیء، ویستعمل ذلک فی الأجسام الصلبة کعقد الحبل وعقد البناء، ثمّ یستعار ذلک للمعانی نحو عقد البیع. (4)

ص:53


1- (1) . صحاح اللغة: 510.
2- (2) . القاموس المحیط: 383/1.
3- (3) . مصباح المنیر: 421.
4- (4) . المفردات فی غریب القرآن: 341.

وقد ذکر الشیخ الطبرسی:

العقود جمع عقد بمعنی معقود، وهو أوکد العهود.

الفرق بین العقد والعهد

إنَّ العقد فیه معنی الاستیثاق والشدّ، ولا یکون إلّا بین متعاقدین، والعهد قد ینفرد به الواحد فکلّ عهد عقد وأصله عقد الشیء بغیره، وهو وصله به، کما یعقد الحبل. (1)

هذه بعض کلماتهم.

ویلاحظ علی هذه التعریفات أنّها تتلخص فی معنیین:

الأوّل: مطلق العهد والالتزام النفسانی سواء أکان بین شخصین کالعقود، أم شخص واحد کالحلف والیمین، وسواء أکان مشدداً لا یجوز فسخه والعدول عنه، أم غیر مشدّد.

الثانی: خصوص العهد المؤکّد الذی یقتضی بحسب طبعه العمل بمقتضاه، وعدم الرجوع عنه، هذا بحسب اللغة.

الثانی: العقد فی الاصطلاح

اشارة

عبارة عن إنشائین متلازمین إبتدائی ومطاوعی معقود أحدهما بالآخر فی وعاء الاعتبار، لا یتم ولا یؤثر واحد منها إلّا بالآخر، وفی کنز العرفان: العقد اسم للإیجاب والقبول. (2)

ویلاحظ علیه: الظاهر أنّ هذا من مصادیق المعنی اللغوی، فاللفظ حقیقة فیه فی الشرع والعرف، کما قال المحقق النائینی رحمه الله :

ص:54


1- (1) . مجمع البیان: 151/3.
2- (2) . کنز العرفان: 72/2.

إنَّ معنی العقد لغة وعرفاً هو العهد المؤکّد. (1)

ویؤیّده ما ورد فی صحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام بأنّ المقصود من العقود فی الآیة العهود. (2)

العقد فی القرآن الکریم

عبّر القرآن الکریم عن لفظ العقد فی موارد عدیدة من الآیات، وأراد منه المعنی اللغوی، وهو: الجمع بین الشیئین بحیث یعسر الانفصال بینهما، وذلک ما نجده فی الآیات الشریفة:

أ) (وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکاحِ حَتّی یَبْلُغَ الْکِتابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا) . (3)

ب) (أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) .

ج) (وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُکُمْ) .

د) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) . وغیرها من الآیات.

لقد ذکر العلّامة الطباطبائی رحمه الله فی خصوص هذه الآیة الکریمة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قائلاً:

العقود جمع عقد وهو شدّ أحد شیئین بالآخر نوع شد یصعب معه انفصال أحدهما عن الآخر، کعقد الحبل والخیط بآخر من مثله، ولازمه التزام أحدهما الآخر، وعدم إنفکاکه عنه.

وقد کان معتبراً عندهم فی الأمور المحسوسة أوّلاً، ثمّ استعیر فعمّم للأمور المعنویة کعقود المعاملات الدائرة بینهم من بیع أو إجارة أو غیر ذلک. (4)

ویفهم من کلامه العقد له معنی واحد، مادی کما فی عقد الحبل ونحوه أو معنوی

ص:55


1- (1) . منیة الطالب: 89/1.
2- (2) . تفسیر القمّی، أوّل سورة: المائدة.
3- (3) . الآیات بترتیب: البقرة: 235؛البقرة: 237؛النساء: 33؛المائدة: 1.
4- (4) . تفسیر المیزان: 158/5.

کعقد البیع والنکاح أو غیرهما، (وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکاحِ حَتّی یَبْلُغَ الْکِتابُ أَجَلَهُ) . (1)

و (وَ لا تَعْزِمُوا) العزم: عقد القلب علی أمر تفعله.

عقدة، العقدة: من العقد وهو الشدّ. والتعبیر فی الآیة وارد علی تشبیه عقد النکاح بالعقدة التی یعقد بها أحد الخیطین بالآخر بحیث یصیران واحداً بالاتّصال، وکأن علاقة الزواج تصیر الزوجین واحداً متصلاً.

هذا هو الرباط المقدّس بین شخصین شاءت الظروف أن یرتبط کلّ منهما بالآخر لیدخلا الحیاة من هذا المنطلق العاطفی والروحی معاً.

لذلک لا بدّ لهذا الاتصال من عقد یربط بین الطرفین المتعاقدین، شأن النکاح من هذه الجهة شأن بقیة العقود التی تقع بین طرفین.

وبهذا یکون عقد النکاح عقداً متمیّزاً عن: الإیقاع، وهوالذی یکون الإنشاء فیه من طرف واحد کالطلاق، فإن فکّ الارتباط الزوجی والتخلّی عن هذه العلاقة، یحصل من جانب واحد، وهو الزوج؛ لأن الطلاق بید من أخذ بالساق. ولولا الدلیل الشرعی المذکور والذی أناط موضوع الطلاق بید الزوج لما کان الطلاق من العملیات الإیقاعیّة بل کنّا نقول: بأنّه من العقود أیضاً، فیتوقف علی قبول المرأة أیضاً.

أو نقول: أنّه من الإیقاعات، وحینئذ فیکون للمرأة أیضاً هذه الصلاحیّة، فبإمکانها أن توقعه أیضاً.

وعلی کلّ حال، فعقد النکاح شرکة حیاتیّة بین إثنین لذلک کان لکلّ طرف أن یعبر عن رأیه فی الالتزام بما تقتضیه هذه الشرکة فکان تعاقداً، وبه کان للمرأة أن تقول کلمتها فی تأسیسه، وتحقیقه.

ص:56


1- (1) . البقرة: 235.

الإیجاب والقبول اللفظیین

وحیث کان النکاح عقداً یتحقّق بین طرفین فلا بدّ لإنعقاد هذا العقد من مبرّز لهذا الأمر الکامن فی النفس لإجماع جمیع الفرق الإسلامیّة علی العقد فی النکاح ولا بدّ من إجراء صیغة خاصة من طرف الموجب والقابل.

قال الشیخ البحرانی:

أجمع العلماء من الخاصّة والعامة علی توقف النکاح علی الإیجاب والقبول اللفظیین. (1)

وقد صرّح الإمام محمّد بن علی الباقر علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (وَ أَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً) ، فقال علیه السلام : «والمیثاق هو الکلمة التی عقد بها النکاح». (2)

وتمام الآیة الکریمة هو قوله تعالی: (وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَکانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً* وَ کَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضی بَعْضُکُمْ إِلی بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً) . (3)

إنّ هذا المیثاق هو الذی ربط بین قلبین لم تکن بینها قبل ذلک أیّ رابطة خاصة، وأیّ التزام من طرف إزاء الطرف الآخر.

وهذا المعنی:

«منقول من عدّة من مفسّری السلف کابن عبّاس وقتادة، وأبی ملیکة والآیة لا تأباه بالنظر إلی أن ذلک حکم یصدق علیه أنّه میثاق مأخوذ علی الرجال للنساء، وإن کان الأظهر أن یکون هو العقد المجری حین الزواج. (4)

ص:57


1- (1) . الحدائق الناظرة: 157/23.
2- (2) . وسائل الشیعة، ب1 من أبواب عقد النکاح، ح4.
3- (3) . النساء: 20 و 21.
4- (4) . تفسیر المیزان: 267/4.

والتعبیر القرآنی بوصف المیثاق: (بالغلظة ) یعطینا الصورة المفخّمة لکلمة النکاح المؤلّفة من الإیجاب والقبول، وهی التی توثق عُری الحیاة الزوجیة لهذین الزوجین.

وقد نلاحظ فی هذا المجال أیضاً أنّ مفردتی: المیثاق الغلیظ لم تردا فی القرآن الکریم، إلّا فی عقد النکاح ممّا یوحی بالأهمیّة الکبری التی یولیها الله سبحانه للعَلاقة الزوجیّة بما لا یولیه لأیة علاقة أخری؛ لأن أیّ علاقة إنسانیّة فی الموارد الأخری تختصّ بجانب من جوانب الحیاة الخاصّة للطرفین.

بینما تمثّل علاقة الزواج اندماجاً روحیّاً وجسدیّاً فی کلّ المدی الزمنی الذی تلتصق حیاتهما فیه فی المفردات الصغیرة والکبیرة، وأضفی الله سبحانه وتعالی علی عقد الزواج من القداسة ما أبعده عن کلّ العقود کعقد البیع والإجارة وما إلیهما؛ لأنّ البیع مبادلة مال بمال؛ أمَّا الزواج فمبادلة روح بروح، وعقده عقد رحمة ومودة لا عقد تملیک للجسم بدلاً عن المال.

ومن هنا قال الفقهاء:

إنَّ عقد الزواج أقرب إلی العبادات منه إلی عقود المعاملات والمعاوضات ومن أجل هذا یجرونه علی اسم الله وکتاب الله وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسیرة الأئمة الطاهرین علیهم السلام .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بکلمة الله». (1)

ولا کلام یستباح به فرج المرأة إلّا الإیجاب والقبول.

إذاً: فالإیجاب والقبول فی ذاتهما یکشفان عن إستعداد کل من الموجب والقابل لیکون طرفاً فی هذه الاتفاقیّة الروحیّة، وعدم تخلّفه عن ذلک، وبهذا المقدار لم یخالف أحد من الفقهاء من جمیع المذاهب.

ص:58


1- (1) . انظر: التبیان فی تفسیر القرآن: 154/3؛ صحیح مسلم: 42/4.

المبحث السادس: اعتبار اللفظ فی عقد النکاح

اشارة

والکلام هنا فی مقامین:

أوّلاً: اعتبار أصل اللفظ فی العقد

إنَّ العقد یحتاج فی تحقّقه إلی الإنشاء والإبراز، فلا یکفی التراضی النفسانی، بل لا بدَّ من العقد اللفظی الذی فیه الإیجاب والقبول، فلا یصحّ إنشائه بالفعل، فیصحّ النکاح معاطاة، بل یعتبر أن یکون الإنشاء باللفظ.

فقد أجمع الفریقان علی اعتبار الصیغة فی العقد، ففی الحدائق:

أجمع العلماء - من الخاصّة والعامّة - علی توقّف النکاح علی الأیجاب والقبول اللفظیین. (1)

وفی مستند النراقی:

یجب فی النکاح الصیغة باتفاق علماء الإسلام بل الضرورة من دین خیر الأنام. (2)

وقال الشیخ الأنصاری:

أجمع علماء الإسلام - کما صرح غیر واحد (3) - علی اعتبار الصیغة فی عقد

ص:59


1- (1) . الحدائق الناظرة: 156/23.
2- (2) . مستند الشیعة: 84/16.
3- (3) . منهم: العاملی، فی نهایة المرام: 20/1؛ ریاض المسائل: 68/3؛ الحدائق الناظرة: 156/23.

النکاح، وإنّ النکاح لا یباح الإباحة ولا المعاطاة وبذلک یمتاز النکاح عن السفاح، لأن فیه التراضی أیضاً غالباً. (1)

وهذا الإجماع یصل إلی حدّ التسالم علی اعتبار إنشاء العقد باللفظ؛ ولذا معه لا مجال للتشکیک فی هذا الأمر، ولیس فی النصوص ما فیه دلالة علی عدم اعتبار الإنشاء اللفظی فی العقد.

قال الشهید الثانی عند عبارة الشهید الأوّل: «العقد فالإیجاب زوّجتک وأنکحتک ومتعتک لا غیر»:

أمّا الأوّلان فموضع وفاق وقد ورد بها القرآن فی قوله تعالی: (زَوَّجْناکَها) 2 ، (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ) . (2)

وأمَّا الأخیر، فاکتفی به المصنّف وجماعة؛ لأنّه من ألفاظ النکاح لکونه حقیقة فی المنقطع وإن توقف معه علی الأجل. (3)

وقد استدلّ علی عدم جریان المعاطاة فی النکاح:

بأنَّ الفعل فیه ملازمة لضدّه، وهو الزنا، بل هو مصداق له حقیقة ومن البیّن الذی لا ریب فیه أنّه لا یمکن إنشاء شیء من الأمور الإنشائیّة بضده. (4)

ونوقش الاستدلال بمایلی:

إنَّ کون الفعل ضد للنکاح إنِّما هو من ناحیة أنّ الشارع قد اعتبر فی عقد النکاح مبرزاً خاصا، وهو اللفظ، وعلیه فالزوجیّة فی نفسها، مع قطع النظر عن اعتبار الشارع فیها مبرزاً خاصا، قابلاً للإنشاء بالفعل.

وعلیه فیکون الفعل بنفسه مصداقاً للنکاح بالحمل الشایع.

فغایة الأمر:

ص:60


1- (1) . النکاح: 77.
2- (3) . النساء: 22.
3- (4) . شرح اللمعة: 108/5.
4- (5) . انظر: مصباح الفقاهة: 192/2.

أنّه لا تحصل الزوجیّة فی نظر الشارع فیما إذا أنشأت بالفعل، لا أن الفعل لا یکون مصداقاً للتزویج عرفاً وفی نظر العقلاء. (1)

وعلیه: فالقاعدة یمکن أن یقع النکاح معاطاتیاً؛ لأن العقود کما تقع بالإنشاء اللفظی تقع بالإنشاء الفعلی، وهو من مصادیق العقود.

وأما النکاح، فخروجه عن القاعدة للإجماع بإیجاد الصیغة، ولا یکفی الإنشاء الفعلی فالإیجاب بلفظ: زوّجتک وانکحتک والقابل بلفظ: قبلت التزویج أو قبلت النکاح.

ثانیاً: اعتبار اللفظ الخاص فی العقد

اشارة

فنتکلم فیه فی فرعین:

الأوّل: ألفاظ الإیجاب

اتّفق الفقهاء علی أنّ الإیجاب فی العقد الدائم یقع بلفظ: زوّجت وانکحت، بل قال جماعة من الفقهاء: لا یقع إلّا بهذین اللفظین.

قال الشیخ الطوسی:

لا ینعقد عقد الدوام إلّا بلفظین: زوّجتک وأنکحتک. (2)

وبه قال ابن الجنید والسیّد المرتضی (3) ،وأبو الصلاح (4) وابن إدریس. (5)

واستدلّ علی ذلک:

قال تعالی: (فَلَمّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناکَها) . (6)

ص:61


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . المبسوط: 193/4.
3- (3) . الناصریات: 152.
4- (4) . الکافی فی الفقه: 293.
5- (5) . السرائر: 574/2.
6- (6) . الأحزاب: 37.

وبقوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِیلاً) . (1)

فإن المراد منه العقد هنا للإجماع علی تحریم من عقد علیها الأب علی إبنه وإن لم یدخل بها الأب. (2)

أمَّا لفظ متعتک هل ینعقد به أم لا؟

قولان:

الأوّل: وهو صریح المحقّق حیث قال:

فالنکاح یفتقر إلی إیجاب وقبول دالین علی العقد الرافع للاحتمال، والعبارة عن الإیجاب زوّجتک وأنکحتک وفی متعتک تردد وجوازه أرجح. (3)

وظاهر العلامة حیث قال:

وألفاظ الإیجاب: زوّجتک، وأنکحتک، ومتّعتک. (4)

حیث أنّه اکتفی بلفظ متعتک.

والاستدلال فیما ذهب إلیه:

هو أنَّ المستفاد من الأخبار أنّ المعتبر من الألفاظ فی العقود ما دلَّ علی المطلوب والمقصود، ولفظ متعتک من الألفاظ الدالّة علی هذا المعنی.

ویعضد ذلک مادلَّ علیه الخبر، وقال به جملة من الأصحاب من أنّه لو تزوّج متعة وأخل بذکر الأجل انقلب دائماً، وذلک فرع صلاحیّة الصیغة له، فإنّه لو لم یکن الصیغة صالح لذلک لما لزم الانقلاب.

ویؤیّد ذلک أیضاً عدم ورود لفظ مخصوص من الشارع لذلک مع عموم البلوی

ص:62


1- (1) . النساء: 22.
2- (2) . الحدائق الناظرة: 157/23.
3- (3) . شرائع الإسلام: 498/2.
4- (4) . قواعد الأحکام: 9/3.

بهذا الحکم وشدة الحاجة إلیه، بل المستفاد من الأخبار الواردة فی الباب وغیره هو إتساع الدائرة فی العقد. (1)

الثانی: اختیار العلّامة فی جملة من کتبه، حیث قال: «للإیجاب صیغتان زوّجتک وأنکحتک وفی متعتک إشکال». (2)

واختاره الشهید الثانی فی المسالک ونقله عن الأکثر علی عدم الاکتفاء بلفظ متعتک. (3)

والاستدلال علی ذلک: ما احتجّ به العلّامة فی المختلف علی ما ذهب إلیه من المنع أنَّ الأصل عصمة الفروج عن الغیر، خرج منه ما أجمعوا علیه من الصیغ فیبقی الباقی علی المنع الأصلی إلی أن یثبت الدلیل علی التحلیل.

ولأنّ المتعة حقیقة فی النکاح المنقطع فی العرف الشرعی، فیکون مجازاً فی الدائم لأصالة عدم الاشتراک.

ولا یکفی فی صیغ العقود ما یدل علی المجاز، وإلّا لم تنحصر الألفاظ وهو باطل إجماعاً. (4)

ویلاحظ علیه: بمنع کون اللفظ المذکور حقیقة فی العقد المنقطع؛ لأنّ أصل اللفظ صالح للنوعین فیکون حقیقة فی القدر المشترک بینهما، ویتمیزان بذکر الأجل وعدمه.

والذی نعتقده إنَّ متعتک متعلقة بمعنی واحد؛ لأنَّ الزمان لیس دخیلاً فی حقیقة الزوجیّة فیکون من باب الاشتراک المعنوی، ولیس کلمة: متعتک موضوعة للمنقطع ومجاز فی الدائم، فإذا جاء الإیجاب بلفظ متعتک احتاج إلی قرینة تعین أحد المعنیین؛ أمّا من حیث الدوام أو تعیین الأجل وإنّما حقیقة فیهما معاً.

ص:63


1- (1) . انظر: الحدائق الناظرة: 157/23.
2- (2) . المختلف: 106/7؛ التحریر: 4/2.
3- (3) . المسالک: 58/7.
4- (4) . لاحظ: المختلف: 106/7.
الثانی: ألفاظ القبول

أمّا القبول، فیکفی اللفظ الدال علی الرضا صراحة، مثل: قبلت ورضیت. قال صاحب الجواهر:

لا خلاف ولا إشکال فی حصول الرضا بهذین اللفظین. (1)

وإذا قالت له: زوّجتک نفسی، وقال: قبلت النکاح، أو قالت: أنکحتک نفسی، وقال: قبلت الزواج، صحّ بداهة قیام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض، کما لا خلاف ولا إشکال فی أنّه یجوز الاقتصار علی: قبلت، کغیره من العقود.

ولا یکفی مجرد التراضی القلبی، ولا الکتابة ولا الإشارة المُفْهمة لمن یستطیع النطق.

وورد فی جامع المقاصد:

أنّه لا ریب عندنا فی أنّ الکتابة لا تکفی فی ایقاع عقد النکاح، وقد علّل وجه عدم صحّة العقد فی الکتابة؛ لأنّها من الکنایات ولا یقع النکاح بالکنایات. (2)

وقد نوقش هذا التعلیل، وناقشه السیّد الحکیم بقوله:

فإن الکتابة لیست من الکنایة فی شیء، ولامانع من الکنایة إذا کانت واضحة الدلالة. (3)

ویلاحظ علیه: أنّه علی فرض قیام الإجماع علی العقد اللفظی فلا مجال للکنایة حتّی ولو کانت واضحة الدلالة؛ لأنّ المیزان فی العقد اللفظی أخذ بنحو الموضوعیة والسببیّة دون الطریقیّة وتصحّ الکتابة فی فرض الطریقیّة دون الموضوعیّة.

وبعبارة أخری: إنّ النظر إلی الألفاظ والکتابة إن کان بما لها من نوع الحکایة والطریقیة لمدلول الإیجاب والقبول فتکون الألفاظ والکتابة فی صراط واحد من حیث الطریقیّة، وإن کان النظر إلی کون الإیجاب والقبول أخذ اللفظ فیهما بنحو الموضوعیّة، فلا یصح إتیان الکتابة عندئذٍ والأدلّة کانت ناظرة إلی جهة الموضوعیّة والسببیّة فیهما دون الطریقیّة.

ص:64


1- (1) . جواهر الکلام: 348/27.
2- (2) . جامع المقاصد: 77/12.
3- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 376/14.

المبحث السابع: الإشهاد فی العقد

اشارة

من المسائل التی حصل الخلاف فیها بین الشیعة والسنة هی مسألة الإشهاد فی النکاح، فالشیعة یرون النکاح صحیحاً لو وقع العقد بدون شهود، وفی الوقت نفسه لایرون وجود الشهود ممنوعاً عنه، بل لا یرون لزومه فی العقد بینما یری فقهاء المذاهب الأخری لزومه.

أدلّة القائلین بعدم ضرورة الإشهاد فی النکاح

ویستدلّ القائل بعدم لزوم الإشهاد:

أوّلاً: من الکتاب

بإطلاق الآیات الکریمة فی قوله تعالی: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ ذلِکَ أَدْنی أَلاّ تَعُولُوا) 1 ، وقوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) 2 ، وقوله تعالی: (وَ لا

ص:65

جُناحَ عَلَیْکُمْ أَنْ تَنْکِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) . (1)

وعندما نلاحظ الآیات نجدها مطلقة ولم تقید ذلک الإطلاق بلزوم الإشهاد ولو کان لازماً لذکر، مع أن النکاح ممّا یترتّب علیه الأنساب والتوارث، ومع ذلک کلّه لم یشترط فیه.

ثانیاً: من السنة

روی عن سهل بن سعد الساعدی إنّ امرأةً أتت النبی صلی الله علیه و آله ، وقالت: یا رسول الله إنی وهبت لک نفسی وقامت قیاماً طویلاً، فقام رجل فقال: یا رسول الله، زوجنیها إن لم یکن لک بها حاجة، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : «هل عندک شیء تصدّقها ایّاه؟». فقال: ما عندی إلّا إزاری هذا، فقال: «إن أعطیتها إزارک جلست بلا إزار التمس، ولو خاتماً من حدید». فلم یجد شیئاً، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : «هل معک من القرآن شیء؟». قال: نعم سورة کذا، وسورة کذا سور سمّاها. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : «زوّجتک بما معک من القرآن». (2)

وروی أنّ جحش بن رباب من بنی أسد خطب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله آمنة بنت عبد المطلب فزوجه إیّاها ولم یشهد. (3)

الاستدلال: یمکن من هاتین الروایتین نلاحظ أن الرسول صلی الله علیه و آله لم یشترط حظور جماعة علی الإشهاد، ولو کان ثابتاً لأمر بإحضار الشهود حین العقد.

ص:66


1- (1) . الممتحنة: 10.
2- (2) . قال الشهید الثانی فی: المسالک: 443/2، کما ورد فی خبر سهل الساعدی المشهور بین العامّة والخاصّة، ورواه کل منهما فی الصحیح، إلّا أنّا لم نقف علیه بهذا المعنی فی مصادر حدیثنا، نعم، ورد بتفاوت میرزا حسین، النوری، مستدرک الوسائل: 313/14 وأحمد بن شعیب، النسائی، السنن الکبری: 434/6.
3- (3) . المؤتلف من المختلف بین أئمة السلف: 114/2 مسألة: 13.

وصحیحة حفص بن البختری عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی الرجل یتزوّج بغیر بیّنة؟ قال: «لا بأس». (1)

علی أن ما ذکر فی الأخبار لتقییده بالإشهاد غیر صالح لمناقشته من حیث السند، کما سیأتی التعرض لذلک.

ولو تتبعنا الوقائع التاریخیّة نری النبی الأکرم صلی الله علیه و آله زوّج کثیراً من النساء، ولم یشترط حضور الشهود فی تلک العقود، ولا شکّ أنّ عمله صلی الله علیه و آله حجّة یِ ِِؤخذ به؛ لأنّ السنة هی: فعل المعصوم، وقوله، وتقریره، فالجمیع سنة وحجّة.

أما فقهاء أهل السنة، فإنّهم لا یجیزون نکاح السّر والإخفاء، بل لا بدّ للعقد عندهم من شاهدین یسمعانه لیشتهر النکاح بهذه العملیّة فیؤمن من التدخل بالأنساب، وقد استندوا لما ذهبوا إلیه علی الأدلّة التالیة:

أدلّة القائلین بضرورة الإشهاد فی النکاح

من الکتاب

یستفاد ذلک لدخول النکاح تحت عنوان العقود وقد أمر الکتاب بالإشهاد علیها والنکاح من جملة العقود ذات الأثر الکبیر فی حیاة الأسرة فیکون أولی من بقیة العقود، فالنکاح عقد لا یقل أهمیة عن عقد المداینة، أو أیّ عقد من عقود المعاوضات، وقد ورد ما دلَّ علی طلب الإشهاد علی عقد المداینة، أو بعض عقود المعاوضات.

فقد قال الله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ فَإِنْ لَمْ یَکُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَکِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْری ) . (2)

ص:67


1- (1) . الکافی: 5، باب التزویج بغیر بینة ح3؛وسائل الشیعة:14، ب43 من أبواب مقدمات النکاح، ح 4.
2- (2) . البقرة: 282.

وعقد النکاح لا یقلّ أهمیّة عن العقود التی طلب الله فیها من العاقدین الإشهاد علیها، بل هو أعظم منها.

إذاً فلصیانته عن حلول الجحود، ولإعلان أمره بین الناس یکون الإشهاد علیه مأموراً به، من باب أولی، فهو عقد یتعلّق بالأعراض، والأنساب ویبتنی علیه أحکام باقیة ببقاء الزمن.

ویرّد هذا الدلیل: بأنّ النکاح صحیح أنّه من العقود التی لا تقلّ أهمیّة عن بقیّة العقود کعقد البیع، والمداینة، وغیرهما.... إلّا أنّ لزوم الإشهاد فی بقیّة العقود کالمداینة، والبیع أوّل الکلام لیقاس علیها النکاح فضلاً عن أن یکون الإشهاد فیه أولی.

وقد استدلّ هذا القائل بالآیة الکریمة: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ) .

ولمناقشة هذه الآیة الکریمة وتبیین ما تضمّنتهُ حول الإشهاد علی المداینة لیس أمراً وجوبیاً، لا بدّ لنا من ذکرها کاملة لمزید من الوضوح.

قال تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَدایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَاکْتُبُوهُ وَ لْیَکْتُبْ بَیْنَکُمْ کاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا یَأْبَ کاتِبٌ أَنْ یَکْتُبَ کَما عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْیَکْتُبْ وَ لْیُمْلِلِ الَّذِی عَلَیْهِ الْحَقُّ وَ لْیَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا یَبْخَسْ مِنْهُ شَیْئاً فَإِنْ کانَ الَّذِی عَلَیْهِ الْحَقُّ سَفِیهاً أَوْ ضَعِیفاً أَوْ لا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُمِلَّ هُوَ فَلْیُمْلِلْ وَلِیُّهُ بِالْعَدْلِ وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ فَإِنْ لَمْ یَکُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَکِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْری وَ لا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَکْتُبُوهُ صَغِیراً أَوْ کَبِیراً إِلی أَجَلِهِ ذلِکُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنی أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِیرُونَها بَیْنَکُمْ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَلاّ تَکْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ وَ لا یُضَارَّ کاتِبٌ وَ لا شَهِیدٌ وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِکُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ یُعَلِّمُکُمُ اللّهُ وَ اللّهُ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ ) . (1)

ص:68


1- (1) . البقرة: 282.

وحیث نلاحظ الآیة الکریمة فإنّا نری أن الأمر بالإشهاد، والکتابة ورد فی ثلاثة موارد:

1. فی قوله تعالی: (إِذا تَدایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَاکْتُبُوهُ)

2. فی قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ)

3. فی قوله تعالی: (وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ)

ولکن الأمر فی جمیع هذه الموارد الثلاث محمول علی الاستحباب لا الوجوب حتّی قال الفخر الرازی فی تفسیره لهذه الآیة، فی أنّ الأمر بالکتابة والإشهاد محمول علی الاستحباب:

علی هذا جمهور الفقهاء المجتهدین، والدلیل علیه: أنّا نری جمهور المسلمین فی جمیع دیار الإسلام یبیعون بالأثمان المؤجلة من غیر کتابة، ولا إشهاد، وذلک إجماع منهم علی عدم وجوبهما، ولأنّ فی إیجابهما أعظم التشدید علی المسلمین والنبی صلی الله علیه و آله یقول: «بعثت بالحنفیّة السهلة السمحة». وقال قوم: بل کانت - الکتابة، والإشهاد واجبة، إلّا أنّ ذلک صار ممسوخاً لقوله تعالی: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) 1 ، وقال التیمی: سألت الحسن عنها فقال: إن شاء أشهد وإن شاء لم یشهد ألا تسمع قوله تعالی: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضاً) . (1)

وقال الشیخ الطوسی من الشیعة الإمامیّة عن کون الأمر فی الکتابة، والإشهاد فی هذه الآیة محمول علی الاستحباب:

فإنّه أصح من حمله علی الفرض - الوجوب - لإجماع أهل عصرنا علی ذلک. (2)

إذاً: فلیست الآیة الأمر فیها بالکتابة، والإشهاد محمول علی الوجوب لیقاس علیه الأمر.

ص:69


1- (2) . التفسیر الکبیر عند تفسیره الآیة: 282 من سورة البقرة.
2- (3) . التبیان فی تفسیر القرآن، عند تفسیره لآیة 282 من سورة البقرة.

من السنّة

وقد استشهد القائل بضرورة الإشهاد بروایات:

منها: ما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله من قوله:«البغایا اللاتی ینکحن أنفسهنَّ بغیر بیّنة». (1)

ومنها: قوله صلی الله علیه و آله : «لا نکاح إلا لولیّ وشاهدی عدل». (2)

وقد ذکر السمرقندی الحنفی فی تحفة الفقهاء ما ذکر بهذا المعنی أحادیث مختلفة نقلها عن أحد عشر صحابیاً، ثمّ ناقشها وأسقطها عن الاعتبار،

کما وأنَّ الشوکانی ناقشها أیضاً. (3)

وعندما نستعرض هذه الأخبار نجد أهمّها حدیث:

«لا نکاح إلّا بولیّ وشاهد عدل».

وقد روی هذا الحدیث من طرق أهل السنّة، ومن طرق الشیعة أیضاً. (4)

وقد صرح البعض من رواة أهل السنّة بأنّه لا مخالف له من الصحابة.

ومع ذلک فقد نوقش من قبل الفقهاء العامّة وحمله فقهاء الشیعة الإمامیّة علی الاستحباب فی هذا الجانب، نظیر ما جاء فی قوله صلی الله علیه و آله : «لا صلاة لجار المسجد إلا فی المسجد». (5)

وینفرد المذهب المالکی عن بقیة المذاهب العامّة الأخری القائلة بلزوم الإشهاد بأن الشرط فی العقد هو الإعلان للعقد دون الإشهاد علیه، حتّی أنّه لو تزوج الرجل المرأة بحضور الشهود، وشرط الکتمان، فإنّ مثل هذا النکاح لا یجوز عندهم لعدم

ص:70


1- (1) . السنن الکبری: 126/7؛ سنن الترمذی: 284/2.
2- (2) . المغنی: 340/7؛ کشف القناع:57/5؛ تحفة الفقهاء: 131/2.
3- (3) . نیل الأوطار: 249/6.
4- (4) . مستدرک الوسائل: 317/14.
5- (5) . انظر: الناصریات: 321.

إعلانه بین الناس - وفی الوقت نفسه - تراهم یجیزون العقد لو حصل بغیر شهود ولکنه أعلن وشوهد.

وبعبارة أوضح: المهمّ عند المالکیّة هو إعلانه لا حضور الشهود مجلس العقد.

ولفقهاء أهل السنّة خلاف فی أنّ هذا الشرط - وهو الإشهاد، هل هو: شرط تمام یؤمر به عند الدخول، ومعنی ذلک: أنَّ العقد یحصل بدونه، أو هو شرط صحّة یؤمر به عند العقد، ومعناه: أنّه لو لم یحصل لایتحقّق العقد. (1)

وقد تحصَّل من ذلک أنّه لا یعتبر الإشهاد فی صحّة عقد النکاح لأصالة عدم الوجوب والاشتراط وعدم دلیل صالح علیه، نعم، یستحبّ الإعلان والإشهاد.

ص:71


1- (1) . بدایة المجتهد: 15/2.

ص:72

المبحث الثامن: استحباب النکاح وأهمّیته والسعی فیه

تعریف النکاح

أوّلاً: تعریف النکاح لغةً

النکاح فی اللغة: الوط ء علی الأشهر، وحکی الإجماع علیه فی المختلف (1)، بمعنی: اتّفاق أهل اللغة.

قال ابن منظور:

وورد أیضاً بمعنی الوط ء، فیقال: نکحها ینکحها: باضعها، أی: جامعها ووطأها. (2)

وقال الأزهری:

أصل النکاح فی کلام العرب الوط ء، وقیل للتزوج نکاح لأنه سبب للوط ء المباح. (3)

ص:73


1- (1) . مختلف الشیعة: 35/7.
2- (2) . لسان العرب: 625/2.
3- (3) . هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهری الهروی، مشهور فی اللغة، کان فقیهاً شافعیاً، غلبت علیه اللغة فاشتهر بها، ولد سنة 282 وتوفی 370، له مصنفات منها: تهذیب اللغة، والتقریب فی التفسیر. انظر: الذهبی، سیر أعلام النبلاء: 315/16؛ وفیات الاعیان: 334/4 و 335.

وقال ابن فارس:

(نکح) النون والکاف والحاء أصل واحد وهو البضاع، ونَکَح ینکِح أی بکسر الکاف، وامرأة ناکح فی بنی فلان، أی: ذات زوج منهم. (1)

وقال الجوهری:

النِّکاح: الوط ء، وقد یکون العقد، تقول: نکحتها، ونکحت هی، أی: تزوجت، وهی ناکح فی بنی فلان، أی: هی ذات زوج منهم. (2)

وقال الفیروزآبادی:

النِّکاح الوط ء والعقد له، نکح کمنع وضرب. (3)

وقال الزبیدی شارحاً تلک العبارة:

النِّکاح بالکسر فی کلام العرب الوط ء فی الأصل، وقیل: هو العقد له، وهو التزویج، لأنَّه سبب للوط ء المباح. (4)

وقال ابن منظور:

نکح فلان امرأة ینکحها نکاحاً إذا تزوجها، ونکحها ینکحها: باضعها أیضاً. (5)

وهذا بعض ما قاله علماء اللغة فی معنی: النکاح، آثرت نقل جمل من أهمها. وفیما یظهر لی؛ لأنّهم أهل الفن، وکما قیل: أهل مکة أدری بشعابها، ومنها یتّضح أنّ القدر المشترک بین تلک الأقوال جمیعاً ثبوت استعمال لفظ النکاح فی کلِّ من الوط ء، وعقد التزویج، وهذا ممّا لا خلاف فیه، فیما أعلم.

ص:74


1- (1) . البِضاع: بکسر الباء الموحدة: هو الجماع. ومنه المثل: (کمعلِّمة أمِّها البِضَاع) یضرب لمن یعلّم من هو أعلم منه. انظر: مادة (بضع)، مقاییس اللغة:255/1 و 256.
2- (2) . الصحاح:413/1.
3- (3) . القاموس:263/1.
4- (4) . تاج العروس:242/2.
5- (5) . لسان العرب:625/2.
ثانیاً: تعریف النکاح شرعاً

وأمّا حقیقة النکاح شرعاً فقیل فیها أربعة أقوال.

القول الأوّل: أنّه حقیقة فی الوط ء دون العقد.

وهذا ما ذهب إلیه العلّامة الحُلّی حیث قال:

الإجماع علیه علی أنّ النکاح فی اللغة بمعنی الوط ء، والاطلاق علی العقد مجاز بعلاقة السببیة. (1)

ودلیل هذا القول: أنّ الأصل فی استعماله لغةً إنِّما هو فی الوط ء کما قاله الأزهری وغیره من أهل اللغة، فیکون کذلک فی الشرع لأصالة البقاء وعدم النسخ والتغیر، وقد استعمل فیه قوله تعالی: (فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) 2 ، وغیر ذلک من الآیات، بل نقول: أنّه لما کان حقیقة فی الوط ء لم یکن حقیقة فی غیره وإلّا لزم الاشتراک والأصل عدمه.

واستعماله فی العقد فی نحو قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) 3 مجاز؛ لأنّه خیر من الاشتراک.

ووجه حسن المجاز: أنّ العقد یؤدّی إلی الوط ء، فأشبه العلة، فحسن التجوّز.

ولو سلم أنّه حقیقة فیه لکان حقیقة شرعیة، فلا یمنع من استعماله فی حقیقته اللغویّة، بل قد استعمل کما بیناه. (2)

وبه قالت الحنفیة:

وأختاره بعض الحنابلة، وهو أحد الأوجه عند الشافعیة. (3)

ص:75


1- (1) . مختلف الشیعة:56/7.
2- (4) . مختلف الشیعة: 56/7.
3- (5) . انظر للحنفیة: المبسوط: 192/4؛ البحر الرائق: 82/3، وللحنابلة: المغنی: 333/7؛ الإنصاف: 4/8؛ وللشافعیة: فتح الباری: 103/9؛ مغنی المحتاج: 123/3.

القول الثانی: أنّه حقیقة فی العقد دون الوط ء.

وهذا ما ذهب إلیه الفاضل الهندی، حیث قال:

وفی الشرع حقیقة فی العقد علی الأشهر، ونفی ابن إدریس (1) عنه الخلاف. (2)

ومن أدلّة هذا القول ما یلی:

أوّلاً: أنَّ لفظ النکاح بمعنی التزویج أکثر وأشهر استعمالاً فی القرآن ولسان أهل العرف، کما فی قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ) . (3)

والوط ء إنّما یجوز بالعقد، لا بالإذن المجرد عنه، بل قیل:

أنّه لم یرد فی القرآن إلّا بمعنی العقد (4) إلّا قوله تعالی: (حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ) . (5)

ثانیاً: ولأنّه یصح نفی النِّکاح عن الوط ء، فیقال: هذا سفاح لا نکاح، وصحّة النفی دلیل المجاز. (6)

وبه قالت الشافعیة والحنابلة وظاهر صنیع بعض المالکیّة یدل علی اعتماده فی المذهب. (7)

القول الثالث: أنّ النکاح حقیقة فی کلٍّ من الوط ء والعقد، أی: أنّه مشترک لفظی بین الوط ء والعقد، ویتعیَّن المقصود منهما بالقرینة؛ لأنّ الشرع تارةً یستعمله فی العقد، وتارةً یستعمله فی الوط ء بدون أن یلاحظ فی الاستعمال هجر المعنی

ص:76


1- (1) . السرائر: 524/2.
2- (2) . کشف اللثام: 6/7.
3- (3) . النور: 32.
4- (4) . الکشّاف: 212/3.
5- (5) . البقرة: 230.
6- (6) . انظر: کشف اللثام: 6/7.
7- (7) . انظر للشافعیة: شرح النووی علی مسلم: 172/9؛ فتح الباری: 103/9. وللحنابلة: المغنی: 123/7؛ الإنصاف: 4/8. وللمالکیة: شرح الزرقانی علی الموطأ: 124/3.

الأوّل، وذلک یدلّ علی أنّه حقیقة فیهما. (1)

وهذا قول لبعض الحنابلة:

إنّه ظاهر ما نقل عن أحمد بن حنبل (2)، وهو أحد الأوجه عند الشافعیة. (3)

قال الحافظ فی الفتح:

وهو الذی یترجّح فی نظری وإن کان أکثر ما یستعمل فی العقد. (4)

ودلیل هذا القول أنّه ثبت الاستعمال فی اللغة والشرع بمعنی الوط ء والعقد، والأصل فی الاطلاق الحقیقة. (5)

القول الرابع: أنّه حقیقة فیهما معاً. أی من الألفاظ المتواطئة.

وبهذا قال بعض الحنابلة، وما نقل عن أحمد یحتمله ویحتمل الاشتراک. (6)

وتوجیه هذا القول:

أنّ القول بالتواطؤ أولی من القول بالاشتراک والمجاز، لأنَّهما خلاف الأصل. (7)

هذه أهمّ الأقوال فی حقیقة النکاح لغةً وشرعاً.

وفی خاتمة هذا البحث لا بدّ من قول وهو أری أنّ أصل النکاح، بمعنی: الضم والاختلاط. یقال: نکح المطر الأرض، إذا اختلط بثراها، وتناکحت الأشجار إذا انضم بعضها مع بعض.

فکأنَّ کل واحد من الرجل والمرأة فرد، فإذا تزوّج أحدهما بالآخر صار

ص:77


1- (1) . انظر: جواهر الکلام: 5/29، الفقه علی المذاهب الإسلامیة ومذهب أهل البیت: 13/4.
2- (2) . المبدع: 4/7؛ الإنصاف: 5/8.
3- (3) . شرح النووی علی مسلم: 172/9؛ مغنی المحتاج: 123/3.
4- (4) . فتح الباری: 186/9.
5- (5) . انظر: فتح القدیر: 187 - 185/3.
6- (6) . الإنصاف: 5/8؛ المبدع: 4/7.
7- (7) . الإنصاف: 6/8.

زوجاً بضم الآخر إلیه، ویطلق علی العقد باعتبار کونه سبباً لاختلاط أحد الزوجین مع الآخر بالوجه الشرعی، ویطلق علی الوط ء باعتبار کونه من لوازم الانضمام والاختلاط، فالحقیقة واحدة والاختلاف بالاعتبار، وقد استعمل فی کل منهما:

أوّلاً: من الکتاب

1. قوله تعالی: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ) 1 ، ویراد بالمناکحة هنا هو: الوط ء والتقارب الجنسی بین الزوجین.

2. قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) . (1) ویقصد بالنکاح هنا: العقد دون ملاحظة الاتّصال الجنسی.

ثانیاً: من السنّة

1. ففی الحدیث عن نبینا الأعظم صلی الله علیه و آله : «ولدت من نکاح لا من سفاح». (2)

أی: مِن وط ء حلال، لاحرام.

2. قول النبی صلی الله علیه و آله : «انکح وعلیک بذات الدین» (3) ،فإنّه یدل علی الوط ء دون النظر إلی جهة العقد.

وبعد ذلک لا وجه للنزاع فی کون هذا اللفظ حقیقة فی الوط ء أو العقد، فإنّه استعمل فی المعنی الجامع، وهما من مظاهر ذلک.

ص:78


1- (2) . الاحزاب: 49.
2- (3) . الدرّ المختار: 202/3؛ المغنی: 333/7.
3- (4) . الکافی: 332/5.
ثالثاً: معنی النکاح فی اصطلاح الفقهاء

وأمّا معنی النکاح فی اصطلاح الفقهاء، فهو عقد التزویج اتّفاقاً وإن اختلفوا فی تعریفه تبعاً لحقیقة المعقود علیه، أهو ملک منفعة الاستمتاع بالأنثی؟ أم إباحة الاستمتاع بها لزوجها؟ أم لکلِّ منهما لصاحبه؟

وهذا ما ستجده ضمن التعاریف المختلفة للمذاهب الإسلامیّة، وأذکر لکلِّ مذهب تعریفاً:

1. الإمامیّة: وعرفه فخر الإسلام ابن فهد الحلّی بأنّه:

عقد لفظی مملّک للوط ء ابتداء، فخرج بالقید الأخیر من نحو شراء الأمّة، فإنّه یملک الوط ء تبعاً لملک الرقبة لا ابتداء. (1)

2. الحنفیة: هناک ثلاثة أقوال فی تعریف النکاح عندهم.

1. عرّف بعضهم:

بأنّه عقد یفید ملک المتعة قصداً، ومعنی ملک المتعة اختصاص الرجل ببضع المرأة وسائر بدنها من حیث التلذذ، فلیس المراد بالملک الحقیقی. (2)

2. وبعضهم یقول:

إنَّه یفید ملک الذات فی حقّ الاستمتاع، ومعناه أنّه یفید الاختصاص بالبضع یستمتع به. (3)

3. وبعضهم یقول:

إنَّه یفید ملک الانتفاع بالبضع وبسائر أجزاء البدن، بمعنی: أنّ الزوج یختص بالاستمتاع بذلک دون سواه.

وکلّ هذه العبارات معناها واحد، فالذی یقول: أنّه یملک الذات لا یرید الملک

ص:79


1- (1) . المهذب البارع فی شرح المختصر النافع: 148/3.
2- (2) . البحر الرائق: 140/2.
3- (3) . بدائع الصنائع: 331/2.

الحقیقی طبعاً؛ لأن الحرة لا تملک وإنّما یرید أنّه یملک الانتفاع، وقولهم قصداً خرج به ما یفید تلک المتعة ضمناً کما إذا اشتری جاریة، فإنّ عقد شرائها یفید حل وطئها وهو لیس عقد نکاح کما لا یخفی. (1)

3. المالکیة: لقد عرفوا النکاح بأنّه عقد علی مجرّد التلذذ بآدمیة غیر موجب قیمتها ببینة قبله غیر عالم عاقده حرمتها أن حرمها الکتاب علی المشهور أو الإجماع علی غیر المشهور رواه ابن عرفة.

ومعنی هذا: أن النکاح عبارة عن عقد علی متعة التلذذ المجرّدة، فقوله: عقد شمل سائر العقود. وقوله: علی متعة التلذذ خرج به کلّ عقد علی غیر متعة التلذذ کالبیع والشراء، وخرج بکلمة التلذذ العقد علی متعة معنویة کالعقدعلی منصب أو جاه.

وخرج بقوله: المجرّدة عقد شراء أمة للتلذذ بها، فإنّ العقد فی هذه الحالة لم یکن لمجرد التلذذ بوطئها وإنّما هو لملکها قصداً والتلذذ بها ضمناً فهو عقد شراء لا عقد نکاح.

وقوله: بآدمیة خرج به عقد المتعة بالطعام والشراب، وقوله: غیر موجب قیمتها خرج به عقد تحلیل الأمة أن وقع ببینة، وذلک کأن یملک شخص منفعة الاستمتاع بأمته فإنّ هذا لا یقال له عقد نکاح کما لا یقال له إجارة، وهو یوجب قیمة الأمة إن وقع.

أما عقد النکاح، فإنّه لا یوجب قیمة المعقود علیها، وقوله: غیر عالم عاقده حرمها - أی: حرمة المعقود علیها بالکتاب أو الإجماع - فإن کانت محرمة علیه بالکتاب وعقد علیها وقع العقد باطلاً، فلا یسمی نکاحاً من أصله، وإن کانت محرمة بالإجماع سمی نکاحاً فاسداً هذا هو المشهور، أنّه لا یسمی نکاحاً أصلاً سواء کان التحریم بالکتاب أو بالإجماع.

ص:80


1- (1) . انظر: الفقه علی المذاهب الاربعة: 6/4.

فقوله: غیر عالم عاقده حرمتها أن حرمها الکتاب، معناه: أنّ هذا قید یخرج به عقد العالم بالتحریم بالکتاب من عقد النکاح أصلاً.

وقوله: أو الإجماع علی غیر المشهور، معناه: أنّ هذا قید یخرج به عقد العالم بالتحریم بالإجماع، فلا یسمی نکاحاً ولکن علی خلاف المشهور؛ لأنّک قد عرفت أن المشهور یسمی نکاحاً فاسداً. وقوله: ببینة قبله أی قبل التلذذ وأخرج به ما إذا دخل بها قبل أن یشهد علی الدخول، فإنّ العقد لا یکون عقد نکاح.

ویرد علیه: أنّه إذا دخل بها بدون شهود یفسخ بطلقة، وهذا هو ثبوت النکاح.

والجواب: أن الفسخ حصل بناء علی أقرارهما بالعقد ورفع عنهما الحدّ بشبهة العقد.

وصرّح المالکیّة فی أوّل الإجارة أنّ عقد النکاح هو عقد تملیک انتفاع بالبضع وسائر بدن الزوجة. (1)

4. الشافعیة: عرف بعضهم النکاح بأنّه عقد یتضمن ملک وط ء بلفظ إنکاح أو تزویج أو معناهما، والمراد: أنّه یترتّب علیه ملک الانتفاع باللذة المعروفة، وعلی هذا یکون عقد تملیک. (2)

وبعضهم یقول: أنّه یتضمن إباحة الوط ء الخ فهو عقد إباحة لا عقد تملیک، (3) وثمرة هذا الخلاف أنّه لو حلف أنّه لا یملک شیئاً ولا نیة له، فإنّه لا یحنث إذا کان لا یملک فقط علی القول بأنّ العقد لا یفید الملک، أمّا علی القول الآخر، فإنه یحنث والرَّاجِح عندهم أنّه عقد إباحة.

5. الحنابلة: قالوا هو عقد بلفظ إنکاح أو تزویج علی منفعة الاستمتاع وهم یریدون بالمنفعة الانتفاع کغیرهم لأنَّ المرأة التی وطئت بشبهة أو بزنا کرها عنها لها

ص:81


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . فتح الوهاب: 53/2.

مهر مثلها، وهی تملکه لا الزوج إن کانت متزوّجة لقوله علیه السلام:«فلها بما استحقّ من فرجها» أی: نال منه بالوط ء. (1)

فیلاحظ فی هذه التعریفات: أنّها ترکّز علی إباحة وط ء أو حلّ تمتّع بصیغة خاصّة، فبعضها أبرز جانباً والآخر أبرز جانباً آخر.

ومن هذا المنطلق أری أنّ الأولی فی تعریف النکاح هو القول بأنَّ النکاح فی الشرع: هو علقة الزواج، وسببها هو العقد اللفظی المبیح للوط ء.

مشروعیّة النکاح

أجمع المسلمون کافة علی مشروعیَّة النِّکاح، والأصل فی مشروعیته الکتاب والسنة فالله تعالی ورسوله صلی الله علیه و آله ندبا إلیه، وحثّاً علیه، وهو سنة النبی صلی الله علیه و آله والأئمّة الطاهرین علیهم السلام لا یجوز الإعراض عنه، فمن النصوص الدالّة علی مشروعیّته ما یلی:

أوّلاً: من الکتاب

1. قوله تعالی: (فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ ذلِکَ أَدْنی أَلاّ تَعُولُوا) . (2)

2. قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) . (3)

الاستدلال: فإنَّ أمر الأولیاء شرعاً أو عرفاً والسادات بإنکاح الأیامی (4)

ص:82


1- (1) . الفقه علی المذاهب الاربعة: 6/4.
2- (2) . النساء: 3.
3- (3) . النور: 32.
4- (4) . الأیامی: الذین لا أزواج لهم من الرجال والنساء الواحد منهما أیم، سواء تزوج من قبل أو لم یتزوج. وامرأة أیم: بکرا کانت أم ثیبا، المختار: 256.

وخصوصاً الصالحین من العبید والإماء والترغیب فیه لیس إلّا لفضیلة النکاح ورجحانه فی نفسه.

3. قوله تعالی - فی مقام الإمتنان به علی عباده - (وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ) . (1)

ثانیاً: من السنة

1. فی الحدیث النبوی المروی بین الفریقین عن الرسول صلی الله علیه و آله قال:

«النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منّی». (2)

2. وهو من أعظم الفوائد بعد الإسلام، فقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله بطریق أهل البیت علیهم السلام أنّه قال:

«ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إلیها وتطیعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسه وماله». (3)

3. قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«ما بنی بناء فی الإسلام أحبّ إلی الله تعالی من التزویج». (4)

ومجموع هذه الروایات تؤکّد علی مشروعیَّة النکاح وندبیَّته ولا یستفاد منها الإلزام، کما لا حظ الدین الإسلامی ندبیَّة المسارعة فی تزویج البنت.

فقد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:

«من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته فی بیته». (5)

ص:83


1- (1) . الروم: 21.
2- (2) . مستدرک الوسائل: 152/14؛ فتح الباری: 91/9، ط 4.
3- (3) . الکافی: 327/5.
4- (4) . من لا یحضره الفقیه: 383/3.
5- (5) . الکافی: 336/5.

استحباب السعی فی النکاح

حثّ الإسلام علی السعی فی النکاح، وکذلک علی المساهمة فی التزویج له وإقراره فی الواقع بالجمع بین الرجل والمرأة لتکوین أسرة مسلمة، فمن یسعی فیه یعوّضه الله تعالی عن سعیه فی الآخرة، قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«... ومن عمل فی تزویج بین مؤمنین حتّی یجمع بینهما زوجه الله عزّ وجلّ ألف امرأة من الحور العین کلّ امرأة فی قصر من درّ ویاقوت، وکان له بکلِّ خطوة خطاها أو بکلّ کلمة تکلم بها فی ذلک عمل سنة قام لیلها وصام نهارها، ومن عمل فی فرقة بین امرأة وزوجها کان علیه غضب الله ولعنته فی الدنیا والآخرة، وکان حقّاً علی الله أن یرضخه بألف صخرة من نار، ومن مشی فی فساد ما بینهما ولم یفرق کان فی سخط الله عزّ وجلّ ولعنته فی الدنیا والآخرة وحرَّم علیه النظر إلی وجهه». (1)

وقال الإمام الصادق علیه السلام :

«أربعة ینظر الله إلیهم یوم القیامة: من أقال نادماً، أو أعان لهفان، أو أعتق نسمة، أو زوّج عزباً». (2)

وقال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام :

«ثلاثة یستظلّون بظلّ عرش الله یوم القیامة یوم لا ظلّ إلا ظّله: رجل زوّج أخاه المسلم، أو خدمه، أو کتم له سرّاً». (3)

وجعله الإمام علی علیه السلام من أفضل الشفاعات. فقال:

«أفضل الشفاعات أن تشفع بین اثنین فی نکاح حتّی یجمع الله بینهما». (4)

والروایات المتقدّمة تحثّ الناس إلی السعی فی الجمع بین الرجل والمرأة علی الحلال، فیستصحب جمیع ما یؤدّی إلی ذلک من السعی فی الخطبة، أو بذل المال لتوفیر مستلزمات الزواج أو التشجیع علیه أو غیر ذلک.

ص:84


1- (1) . وسائل الشیعة: 46/20.
2- (2) . المصدر السابق: 387/17.
3- (3) . المصدر السابق: 45/20.
4- (4) . المصدر السابق.

الفصل الثانی: مَن هم أولیاء العقد؟

اشارة

ص:85

ص:86

تمهید

اشارة

وفیه مبحثان:

الأوّل: الأصل الأولی فی الولایة

إنَّ الأصل الأولی فی هذا المقام هو عدم ولایة أحد علی أحد وانحصارها فی الله تعالی، ویمکن الاستدلال لذلک بوجهین:

الأوّل: أنَّ العقل یحکم فی أنَّ حقّ الطاعة والمولویّة لا تکون إلّا لله تعالی، وذلک لدرکه بأنّه موجدهم ورازقهم وولیّ نعمهم ومالکهم، فلا یری لغیره حقّ سلطنة علی العباد إلّا من أذن له الله تعالی علیهم.

ومن هنا یحمل الأمر بالطاعة فی قوله تعالی: (وَ أَطِیعُوا اللّهَ) 1 والأمر بالعبادة فی قوله تعالی: (یا أَیُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ) 2 ، ونحوها من الآیات الآمرة بطاعة الله وعبادته علی الإرشاد إلی حکم العقل شکراً لنعمه تعالی أو إلی مقتضی الفطرة، من دفع الضرر والعقاب الأخروی

ص:87

الدائم الناشی من عصیان أمر الله تعالی ومخالفة حکمه.

قال الشیخ الأنصاری:

مقتضی الأصل عدم ثبوت الولایة لأحد... خرجنا عن هذا الأصل فی خصوص النبی والائمة علیهم السلام بالأدلّة الأربعة.

ثمّ عدَّ من الأدلّة استقلال العقل فی حکمه بوجوب شکر المنع، بعد معرفة أنهم علیهم السلام أولیاء النعم. (1)

الثانی: قدّ یستدلّ بحصر الولایة فی الله تعالی بأنّ العقل لا یجوّز لأحد التصرّف فی سلطان الله وملکه تعالی؛ لأنّ جمیع الموجودات ملکه وقد خرجنا عن هذا الأصل فی غیر الإنسان من الحیوانات والنباتات، بمثل قوله تعالی: (هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً) . (2)

وأمّا التصرّف فی الإنسان، فخرج خصوص تصرف المولی فی عبده بدلیل الکتاب والسنة؛ وأمّا الإنسان الحرّ، فیبقی تحت عموم المنع العقلی. (3)

وأشکل علی هذا الاستدلال:

أنّ ملکیّة الله تعالی حقیقیّة، لا اعتباریّة، وإنّما یناقض سلطانه وملکیته التصرّف التکوینی الحقیقی فی الإنسان لا الاعتباری، وذلک إنّما یتحقق بالقهر التکوینی، کالإجبار والضرب والجرح والقتل، لا بمجرّد الأمر مادام لم ینجر إلی ذلک.

وعلی أیّ حال، یرد علی هذا الاستدلال: أنّ العقل لا یحکم بمنع التصرّف فی ملک الله إلّا بملاک وذلک الملاک لا یکون إلّا بظلم، ومن هنا لا حکم للعقل بمنع التصرّف فی الناس إذا کان لإجراء العدل وإحقاق الحقّ، وما یکون من الظلم والجور خارج عن محل الکلام.

ص:88


1- (1) . المکاسب المحرّمة: 546/3.
2- (2) . البقرة: 29.
3- (3) . انظر: دلیل تحریر الوسیلة: 16/3.

ویمکن تقریب الاستدلال بوجه آخر:

وهو أنّ العقل لا یری الولایة علی التصرّف فی شیء إلا لمالکه، وأنّه لا یری المالکیّة الحقیقیة للموجودات إلا لخالقها وموجدها، وأن الله تعالی هو المالک الحقیقی للموجودات بنظر العقل؛ لأنّه خلقها وأوجد ما لها من الکمالات والخصوصیات.

وعلیه، فله تعالی حقّ التصرّف فی جمیع الموجودات والولایة علی العباد فی نظر العقل، ولما لا حظّ لغیره فی ذلک لا یری لأحد الولایة علی أحد من الناس، إلّا من ثبتت له الولایة علیهم بإذنه تعالی واعطائه الولایة إلیه. (1)

محصّلة القول: من جمیع ما بیناه أنَّ مقتضی القاعدة العقلیّة عدم ولایة أحد علی غیره من أیّ جهة إلّا من ثبتت له الولایة علی ذلک من جانب الله تعالی بدلیل قطعی.

الثانی: مشروعیَّة الولایة فی النکاح وحکمتها

أمّا مشروعیَّة الولایة فی النکاح، فهی محل بحثنا هذا، وهی فی الجملة ممّا اتّفق علی مشروعیّته، والخلاف إنّما هو فی وجوب بعض صورها کما سیأتی بیان ذلک إن شاء الله تعالی.

وأمّا حکمة مشروعیَّة الولایة فی النکاح، فهی تنبع من أهمیَّة النکاح نفسه، وما یترتّب علیه من أثر فی حیاة الإنسان، فمشروعیَّتها من تمام عنایة الإسلام بهذا العقد، وصیانته ورفع مکانته ورعایة مقاصده، ولذلک أصبحت أهمّیة الولایة فی النِّکاح من المکان المعروف عند المسلمین فی مختلف عصورهم، إدراکاً لأهمیّتها فی حیاتهم الاجتماعیّة، وتمسکاً بها فی أکمل وأتم صورها، وعملاً بها.

وذلک أنَّ المُوَلَّی علیه فی النکاح إمّا أن یکون عاجزاً عن إدراک المصلحة لنفسه

ص:89


1- (1) . المصدر السابق.

بنفسه، وعن درء المفسدة عنها، کالصغار والمجانین ذکوراً وإناثاً، فهولاء تکون الولایة علیهم فی النکاح ضمن ولایة أعم وأشمل لحفظ الأنفس والأموال ورعایة المصالح ودرء المفاسد، وکون تلک المسؤولیة بید أولیائهم فیها بالإضافة إلی وازع الشرع ووازع الطبع والدافع إلی الشفقة والحرص علی القیام بشؤون ذوی القربی العاجزین، وتلک هی الرعایة الاجتماعیّة فی أسمی مکانتها وأجل وأکمل وصفها وهذا لا خلاف فیه.

وإمَّا أن یکون المُوَلَّی عَلَیه فی النکاح هو الأنثی مطلقاً، ففی الولایة علیها فی النکاح رعایة لحقها، وصیانة لکمال أدبها وکرم حیائها، وإیصالها إلی مرادها علی أتمّ وجه وأشرفه وأکمله، دون هضم لحقها فی اختیار من ترضاه زوجاً لها وإن کانت قادرة علی النظر وحسن الاختیار ودون إهمال لها بترکها تضع یدها فی ید من تهوی، فی عقد جلیل قدره، عظیم خطره، إن وقعت منها الزلّة لاتغتفر هذا بخلاف ما إذا کان أمر نکاحها شوری بینها وبین أولیائها، بحیث یکون لرجالها فیه إبرام عقدته، ولها إملاء شروطها حتّی تطیب نفسها.

فهذه بعض محاسن الولایة فی النکاح علی النساء فی أعزِّ وأکمل صورها وکلّها خیر علی النساء - کما سیأتی بیانها إن شاء الله تعالی - فلیست هذه الولایة ولایة قهر وإذلال، ولا استغلال لحیاء المرأة، کما یصِّوره البعض، وإنِّما هو حفظ للحقوق وصیانة للأعراض وتمسک بالفضیلة فی أجمل وأزهی صورها وأرفع وأسمی معانیها.

وهذه الولایة فی النکاح ممّن له الولایة - علی القول بها - تکون شرطاً فی صحّة النکاح وهذا ما یثبت بالدلیل، وإلّا أنّ الأصل عدم ثبوت ولایة أحد علی أحد إلّا من یجب طاعته عقلاً کالمنعم الحقیقی وهو الله تعالی ومن هو واسطة فی الأنعام کرسله وأنبیائه ومن قام مقامهم کأوصیائهم علیهم الصلاة والسلام.

ص:90

أولیاء العقد عند الشیعة الإمامیّة

قبل البدء فی بیان أولیاء العقد عند الشیعة الإمامیّة، أنّه لا خلاف بین أهل العلم جمیعاً فی مشروعیة الولایة فی النکاح، وهی فی الجملة ممّا اتّفق علیها، والخلاف إنّما هو فی بعض صورها، ولا مجازفة فی دعوی کفایة هذا الاتفاق الفتوائی والارتکازی فی حصول الإطمئنان بالحکم، کما سیأتی بیان ذلک إن شاء الله تعالی.

وعلی هذا لا مجال للرجوع إلی الأصل القاضی، بأنّه لا ولایة لأحد علی أحد وعدم نفوذ سلطنته علیه، علی أنّه یمکن أن یقال: أنَّ التمسک بهذا الأصل سواءً أرید به نفی ذات الولایة أو نفی ولایة شخص یتصدی لها، إنّما یتم فی مورد لا یکون فیه فرض عدم الولایة باطلاً فی نفسه. وأمّا المورد الذی یکون فیه فرض عدم الولایة، فکذلک لا مجال لإعمال هذا الأصل؛ لأنه لا بدّ من ثبوت الولایة، ووجود الولی فی الجملة، وإنّما یقع الکلام علی تشخیصه، ومن مصادیق ذلک الصغیروالصغیرة فإنّ فرض عدم الولایة علیهما باطل فی نفسه وغیر عقلائی فلا مجال معه لإعمال هذا الأصل.

ومن مصادیق ذلک أیضاً ولایة الحاکم بما هو حاکم، فإنّه لا مجال لنفیها بهذا الأصل؛ لأن فرض مجتمع بلا حاکم باطل فی نفسه، وهذا ما تراه ضمن المباحث التالیة.

ص:91

ص:92

المبحث الأوّل: ثبوت الولایة علی الصغیر والصغیرة

اشارة

إنَّ الصغر وصف مؤثّر فی سلب أهلیّة العاقد، أو نقصانها فی الذکر والأنثی علی السواء، ولهذا شرعت الولایة علیهم، رعایة لحالهم حتّی یکبروا وتزول صفة الصغر عنهم معتَمدین علی أنفسهم فی تدبیر سائر شؤونهم.

وهذه الولایة عبارة عن ولایة جبریة تستلزم حکماً عاماً فیها، وهو أن تصرفات الولیّ التی یقوم بها لمصلحة القاصر نافذة علیه جبراً، إذا کانت مستوفیة شرائطها الشرعیّة، بحیث لا یکون للقاصر بعد کبره أن ینقض منها شئیاً.

والولیّ عند فقهاء الشیعة الإمامیّة هو الأب، والجدّ من طرف الأب بمعنی أب الأب فصاعداً فلا یندرج فیه أب أم الأب والوصی لأحدهما مع فقد الآخر والسیّد بالنسبة إلی المملوک، والحاکم، ولا ولایة للأم، ولا الجدّ من قبلها ولو من قبل أم الأب ولا الأخ، والعم، والخال، وأولادهم. (1)

وهذا ما سنتناوله مفصّلاً - بمشیئة الله تعالی - بما یلی:

ص:93


1- (1) . انظر: العروة الوثقی: 863/2.

أوّلاً: ولایة الأب

لا خلاف ولا شبهة فی ولایة الأب علی الصغیر، بلا فرق بین الذکر والأنثی. کما صرّح بعدم الخلاف فی کفایة الأحکام، حیث قال:

تثبت الولایة فی النکاح للأب بلا خلاف، بل فی التذکرة الإجماع (1)، (وعلیه) إجماع الأمَّة (2)، وقیل: الإجماع بقسمیه (3). (4)

واستدلّ له بما یلی:

الأوّل: الأخبار المستفیضة منها:

1. صحیحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام : فی الصبی یتزوّج الصبیة یتوارثان؟ فقال علیه السلام : «إن کان أبواهما اللذان زوجاهما، فنعم...». (5)

ووجه الاستدلال: فإنّها صریحة علی ثبوت الولایة للأب، ومفهومه نفی الولایة عن غیر الأب، وأنه رتّب علیه السلام التوارث الذی هو ثمرة النکاح الصحیح. (6)

2. صحیح محمّد بن اسماعیل بن بزیع قال: سألت أبا الحسن الإمام الرضا علیه السلام عن الصبیة یزوّجها أبوها، ثمّ یموت، وهی صغیرة فتکبر قبل أن یدخل بها زوجها یجوز علیها التزویج أو الأمر إلیها؟ قال علیه السلام : «یجوز علیها تزویج أبیها». (7)

فإنها صریحة فی أنَّ للأب ولایة النکاح علی الصغیرة، ولیس لها بعد زوال

ص:94


1- (1) . التذکرة: 2 /80 ، ط. حجری.
2- (2) . مجمع الفائدة والبرهان: 231/9.
3- (3) . جواهر الکلام: 170/29.
4- (4) . کفایة الأحکام: 113.
5- (5) . وسائل الشیعة: 14، باب 13 من أبواب عقد النکاح، وأولیاء العقد، ح1.
6- (6) . الحدائق الناضرة: 206/23.
7- (7) . وسائل الشیعة: 14، باب: 6 من أبواب عقد النکاح، ح1.

الوصف وهو الصغر الاعتراض علی فعل الوالد بل یلزمها حکم العقد، ولا تبین المرأة منه إلّا بالطلاق بعد بلوغه. (1)

الثانی: الإجماع

فقد تواترت دعاوی الإجماع لولایة الأب علی ألسنة عامّة الفقهاء فی کتبهم، کما عن الشیخ فی تفسیر قوله تعالی: (إِلاّ أَنْ یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) 2 ، فإنه قال:

لا ولایة لأحد عندنا إلا للأب والجدّ علی البکر غیر البالغ؛ فأمَّا من عداهما، فلا ولایة له. (2)

ومثله غیره من عموم الفقهاء.

ثانیاً: ولایة الجدّ للأب

اشارة

وقال الشهید الثانی:

المشهور بین الأصحاب ثبوت ولایة الجدّ للأب کالأب. (3)

فکما أن للأب ولایة النکاح علی الصبی والصبیة فکذلک الجدّ حکمه حکم الأب، بل ادعی علیه فی التذکرة (4) الإجماع، وخالف فی ذلک ابن أبی عقیل، فقال:

الولیّ الذی هو أولی بنکاحهن هو الأب دون غیره من الأولیاء ولم یذکر للجدّ ولایة. (5)

واستدلّ المشهور بما یلی:

ص:95


1- (1) . انظر: تذکرة الفقهاء: 586.
2- (3) . التبیان: 273/2.
3- (4) . مسالک الأفهام: 117.
4- (5) . تذکرة الفقهاء: 587/2.
5- (6) . نقل عنه فی مختلف الشیعة: 117/7.

الأوّل: جملة من الأخبار منها:

1. صحیحة محمّد بن مسلم عن أحدهما الإمام الباقر أو الإمام الصادق علیه السلام قال:

«إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز علی ابنه ولابنه أیضاً أن یزوجها» فقلت: فإن هوی أبوها رجلاً وجدّها رجلاً؟ فقال علیه السلام : «الجدّ أولی بنکاحها». (1)

ودلالتها علی ولایة الجدّ واضحة.

2. وصحیح هشام بن سالم ومحمد بن حکیم عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

إذا زوج الأب والجدّ کان التزویج للأوّل، فإن کانا جمیعاً فی حال واحدة، فالجدّ أولی. (2)

وغیرها من الروایات التی تجیز زواج الأب والجدّ وتقدّم زواج الجدّ عند المزاحمة. (3)

الثانی: الإجماع

قال العلّامة الحلی:

الآباء والأجداد لهم الولایة علی الصبیان، وهو قول علمائنا أجمع.

واستدلّ المخالف القائل بحصر الولایة فی الأب، وإنکاره لولایة الجدّ ما نسب إلی ابن أبی عقیل أنّه قال:

الولیّ الذی هو أولی بنکاحهن هو الأب دون غیره من الأولیاء ولم یذکر للجدّ ولایة. (4)

وظاهر هذه العبارة المنقولة عنه حصر الولایة فی الأب، وکأنَّه استند فی ذلک إلی الروایات الحاصرة للولایة فی الأب، وهی کما یلی:

1. روایة أبی مریم عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

ص:96


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 11 من أبواب عقد النکاح، ح1.
2- (2) . المصدر السابق، ح2.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . تذکرة الفقهاء: 27/2.

الجاریة البکر التی لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبیها. (1)

ودلالتها واضحة، فإنّها قد حصرت الولایة بالأب.

2. معتبرة زرارة ابن أعین قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:

لا ینقض النکاح إلّا الأب. (2)

وهی أیضاً واضحة الدلالة فی نفی ولایة غیر الأب.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی هو قول المشهور؛ إذ لا بدّ من رفع الید عن حصر الولایة فی الأب ویقرَّب ذلک بأحد بیانین:

الأوّل: إنَّ رفع الید عن هذه الروایات هو بمعنی رفع الید عن ظهورها فی اختصاص الحکم بالأب لصراحة ما دلّ علی ولایة الجدّ فی ثبوت الولایة وتقدّمها علی الأب ویحمل الحصر علی أنّه بالإضافة إلی غیر الجدّ.

الثانی: لو لم یمکن التصرّف فی ظهور هذه الروایات لزم اسقاطها عن الحجّیة لمنافاتها لما هو القطعی، لکون ولایة الجدّ ثابتة بنحو قطعی لا ریب فیه ولا مجال؛ لأنّ یتعبدنا الشارع بما نقطع بخلافه؛ لأنّه بمنزلة الردع عن القطع وهو محال.

أضف إلی وجود الروایات التی تثبت الولایة لهما ولا معارضة بینهما؛ إذ الروایات الحاصرة للولایة فی الأب ظاهرة فی ذلک والروایات المصرحة فی أنَّ الولایة للأب والجدّ نصّ فی ذلک، فلا بدّ من رفع الید عن الظاهر فی الحصر لوجود القرینة علی ذلک، أضف إلی ذلک وجود الروایات التی تقدّم عقد الجدّ علی ابنه - والد البنت - فإنّها تقتضی أولویة ولایة الجدّ علی ولایة الأب، کما هو واضح.

ص:97


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح3.
2- (2) . المصدر السابق: ح7.

إذاً فظاهر هذه الروایات هو ولایة الأب والجدّ علی الصغیرة؛ أمّا بالقیاس إلی الصغیر، فیبدو من تعبیر الإمام علیه السلام : «لا بأس»، ویستشعر منه الجواز کما فی صحیح الفضل بن عبد الملک، قال: سألت أبا عبد الله الصادق علیه السلام عن الرجل یزوّج ابنه وهو صغیر، قال علیه السلام : «لا بأس». قلت: یجوز طلاق الأب؟ قال علیه السلام : «لا». (1)

کلّ من الأب والجدّ مستقلّ فی الولایة

قال السیّد الیزدی:

إنَّ کلاً من الأب والجدّ مستقل فی الولایة، فلا یلزم الاشتراک فیها ولا الاستئذان من الآخر فی إعمالها فأیهما سبق - مع مراعاة ما یجب مراعاته - لم یبق محل للآخر. (2)

وهذا الحکم قد دلّت علیه جملة من النصوص، منها:

1. موثقة عبید بن زرارة قلت للإمام الصادق علیه السلام : الجاریة یرید أبوها أن یزوّجها من رجل، ویرید جدّها أن یزوجها من رجل آخر، فقال علیه السلام :

الجدّ أولی بذلک ما لم یکن مضاراً إن لم یکن الأب زوّجها قبله ویجوز علیها تزویج الأب والجدّ. (3)

2. صحیحة هشام بن سالم عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

إذا زوّج الأب والجدّ فإنّ التزویج للأوّل، فإنْ کانا جمیعاً فی حالٍ واحدةٍ فالجدّ أولی. (4)

وغیرها من الروایات، فإنّها صریحة علی تقدّم السابق منها، اللازم منه الاستقلال المذکور.

ص:98


1- (1) . المصدر السابق: باب 28 من أبواب الشهور، ح2.
2- (2) . العروة الوثقی: 867/2.
3- (3) . وسائل الشیعة: 14، باب 2 من عقد النکاح، ح4.
4- (4) . المصدر السابق: ح3.

والروایة الثانیة قدّمت عقد الجدّ علی فرض تقارن عقد الأب والجدّ فتکون مقیَّدة لأدلّه ولایة الأب.

وبهذه الروایة أیضاً تخرج عن القاعدة المقتضیة للبطلان - فی صورة اقتران العقدین فی وقت واحد حیث إنَّ الجمع بینهما غیر ممکن وترجیح أحدهما علی الآخر ترجیح من غیر مرجِّح - لأنَّ شرط تقدیم عقد الأب هو کونه سابقاً، وما لم یعلم ذلک یکون عقد الجدّ أولی.

لا خیار للصغیرة - إذا زوّجها الأب أو الجدّ - بعد بلوغها ورشدها

نعم، إذا زوّج الأب أو الجدّ الصغیرة مع مراعاة ما یجب مراعاته، فبعد بلوغها ورشدها لیس لها الحقّ فی ردّ الزواج، بل هو لازم علیها.

قال الشهید الثانی:

وهذا الحکم لا یظهر فیه مخالف (1)، و(وقیل:) الإجماع علیه. (2)

واستدلّوا بما یلی:

أوّلاً: أنَّ مقتضی القاعدة نفوذ ما عمل به الولیّ بعنوان الولایة، وإلّا یلزم لغویة جعل الولایة.

وبعبارة أخری: عمل الولی بمنزلة عمل البالغ فی حقّ نفسه فکما لا خیار له فی عمل نفسه، فکذا الولی. (3)

ثانیاً: جملة من الأخبار منها:

1. الروایات المطلقة التی تقدم بعضها القائلة بنفوذ عقد الأب والجدّ مثل معتبرة محمّد بن إسماعیل بن بزیع قال:

ص:99


1- (1) . مسالک الأفهام: 119/7.
2- (2) . مستمسک العروة الوثقی: 453/14.
3- (3) . مدارک العروة: 151/30.

سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصبیة یزوّجها أبوها، ثمّ یموت، وهی صغیرة، فتکبر قبل أن یدخل بها زوجها یجوز علیها التزویج أو الأمر إلیها؟ قال: «یجوزعلیها تزویج أبیها». (1)

وهی واضحة الدلالة علی نفوذ تزویج الأب علیها، وإن بلغت.

2. روایات خاصة فی المقام، فقد ذکرت صحیحة عبد الله بن الصلت قال:

سألت الإمام الصادق علیه السلام عن الجاریة الصغیرة یزوّجها أبوها لها أمر اذا بلغت؟ قال علیه السلام : «لا، لیس لها مع أبیها أمر». (2)

ودلالتها واضحة فی نفی الخَیار.

3. صحیح علی بن یقطین قال:

سألت الإمام الرضا علیه السلام أتزوّج الجاریة، وهی بنت ثلاث سنین أو یزوّج الغلام، وهو ابن ثلاث سنین... فاذا بلغت الجاریة فلم ترض فما حالها؟ قال: «لا بأس بذلک إذا رضی أبوها أو ولیها». (3)

وهی دالة علی نفی الخیار، سواء فهم من الجواب أنّه «لا بأس» بعدم رضاها، أو «لا بأس» بردّ التزویج إذا رضی أبوها أو ولیها، فعلی الأوّل تکون الروایة مصرحة بنفی الخیار رأساً، وعلی الثانی مقتضی اشتراط رضی الأب أو الولیّ هو عدم استقلالها فی الردّ، وهو یعنی نفی الخیار. (4)

لکن فی جملة من الروایات أن لها الخیار وذلک هو الذی تقتضیه قاعدة تسلط الناس علی أنفسهم، وأیّ أمر أهمّ من هذا؟

فمن تلک الأخبار ما یلی:

ص:100


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 6 من أبواب عقد النکاح، ح3.
2- (2) . وسائل الشیعة، باب 6 من عقد النکاح، ح3.
3- (3) . المصدر السابق: ح7.
4- (4) . کتاب النکاح: 421/1.

1. صحیحة محمّد بن مسلم قال:

سألت الإمام الباقر علیه السلام عن الصبی یزوّج الصبیة قال: «إن کان أبواهما، اللذان زوجاهما، فنعم جائز، ولکن لهما الخیار اذا أدرکا». (1)

وهی کما تری واضحة الدلالة بل صریحة فی عدم لزوم العقد الصادر من الولیّ، وثبوت الخیار لهما بعد البلوغ، فإنَّ حمل الخیار علی الطلاق کما أفاده الشیخ (2) قدس سره بعید غایته، ولا وجه للمصیر إلیه.

وهذه الروایة صالحة لتقیید ما تقدّم من النصوص الدالّة علی نفوذ عقد الأب أو الجدّ بغیر هذا الفرض أو هو ما لو کان کل من الزوجین صغیراً.

وأشکل علیه:

أنَّه لم یعلم قائل من فقهاء الإمامیّة بهذا التقیید، وحینئذٍ تکون صحیحة محمّد بن مسلم مهجورة بین الأصحاب معرض عنها فتسقط عن الحجّة.

وبهذا تکون الروایات القائلة بنفوذ عقد الأب أو الجدّ علی الصغیرة سالمة عن التقیید.

2. وفی حسنة الکناسی الطویلة، عن أبی جعفر علیه السلام ، سئل متی یجوز للأب أن یزوّج ابنته، ولا یستأمرها؟ قال علیه السلام :

«إذا جازت تسع سنین، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنین، کان الخیار لها إذا بلغت تسع سنین». (3)

وهی کالأولی واضحة الدلالة فی عدم لزوم العقد الصادر من الولیّ، وفی ثبوت الخیار لها إذا بلغت تسع سنین.

وأشکل علیه فی هذا المقام بما یلی:

ص:101


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 6 من ابواب النکاح، ح8.
2- (2) . التهذیب: 382.
3- (3) . وسائل الشیعة: 209/14.

أوّلاً: أنَّها ضعیفة السند، فإنّ المذکور فی نسخ التهذیب والاستبصار وإن کان یزید الکناسی (1) إلّا أنّه لم یثبت توثیقه أیضاً؛ وذلک لأنَّ النجاشی قدس سره ذکر یزید أبا خالد القماط ووصفه بأنّه کوفی ثقة. (2) والشیخ قدس سره ذکر یزید الکناسی وأفاد أنّه ینتسب إلی: کناسة محلّة فی الکوفة، من دون أن یذکر له توثیقاً. (3) لکنه قدس سره لم یتعرّض لذکر یزید أبی خالد القماط لا فی الفهرست ولا فی الرجال، وهو ممّا یوجب الاطمئنان بأنّ یزید الکناسی هو یزید أبو خالد القماط، وحینئذٍ فینفع توثیق النجّاشی یزید أبی خالد القماط فی إثبات وثاقة یزید الکناسی.

غیر أنَّ ذلک معارض، بأنَّ البرقی الذی هو أقدم من الشیخ وأعرف منه بالرجال لقرب عهده إلی الرواة ذکر العنوانین معاً، فقد ترجم یزید الکناسی ویزید أباخالد القماط کُلّاً علی حده (4)، وهو إنّما یکشف عن عدم اتّحاد الرجلین، وعلی هذا الأساس، فلا تنفع وثاقة یزید أبی خالد القماط فی إثبات وثاقة یزید الکناسی.

وعلیه فتکون الروایة ساقطة عن الاعتبار سنداً. (5)

ثانیاً: أنَّ هذه الروایة لا یمکن العمل بها؛ لأنه لا یحتمل ثبوت الخیار للتی زوّجها الأب قبل تسع سنین، وعدم ثبوته للتی زوّجها بعد ذلک، مع معارضتها للنصوص الکثیرة الدالة علی نفوذ إنکاح الأب، وأنّه لیس لها من الأمر شیء، بل لمخالفتها الإجماع، کما مرّ. (6)

ص:102


1- (1) . التهذیب: 382/7؛ والاستبصار: 237/3.
2- (2) . رجال النجاشی: 452، رقم 1223.
3- (3) . رجال الطوسی: 149، رقم 1655.
4- (4) . رجال البرقی: 32.
5- (5) . موسوعة الإمام الخوئی: 226/33.
6- (6) . مستند الشیعة: 132/16.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی: أنّه لا خیار للصغیرة إذا زوجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها؛ وذلک لأنَّ إنکاح الصغیرة قد صدر من ولیّ، والولیّ ناظر للمُوَلَّی علیه، وقائم مقامه، وفیه دافع الشفقة والحرص لمصلحة المُوَلَّی علیه، فلیزم نفوذ عقده، وإلّا یلزم لغویة جعل الولایة، أضف إلی ذلک أنَّ الروایتین التی مرَّ ذکرهما التی تقول بثبوت الخیار لهما فإنّها معارضة لما مر، لشذوذهما، بل لمخالفتهما الإجماع.

لاخیار للصغیر - إذا زوجه الأب أو الجدّ - بعد بلوغه ورشده

وهذا المشهور بین فقهاء الإمامیّة، وفی ذلک قال السیّد الحکیم:

لا خیار للصغیرة إذا زوجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها، بل هو لازم علیها وکذا الصغیر علی المشهور. (1)

خلافاً للشیخ فی النهایة، حیث قال:

ومتی عقد الرجل لابنه علی جاریة، وهو غیر بالغ کان له الخیار إذا بلغ (2) ،وابن حمزة:

وإذا عقد الأبوان علی صبیتهما کان عقد الصبی موقوفاً علی إجازته إذا بلغ دون الصبیة، فإذا بلغ الصبی ورضی به استقر، وإن أبی انفسخ. (3)

وابن إدریس:

ومتی عقد الرجل لابنه علی جاریة، وهو غیر بالغ، کان له الخیار إذا بلغ، ولیس کذلک إذا عقد علی بنته غیر البالغ؛ لأنها إذا بلغت لا خیار لها. (4) فاثبتوا له التخییر بعد البلوغ.

ص:103


1- (1) . مستمسک العروة الوثقی: 453/14.
2- (2) . النهایة: 467.
3- (3) . الوسیلة إلی نیل الفضیلة: 300.
4- (4) . السرائر: 562/2 و 563.

استدل القائل بعدم الخیار بأمور:

الأوّل: أصالة بقاء الصحّة.

الثانی: جملة من الروایات منها:

1. صحیح محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام :

فی الصبی یتزوّج الصبیة یتوارثان؟ فقال علیه السلام : «إن کان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم». قلت: فهل یجوز طلاق الأب؟ قال علیه السلام : «لا». (1)

إن اطلاق الروایة دالّ علی لزوم ونفوذ عقد الأب علیهما.

وقد أورد السیّد الحکیم قدس سره علی الاستدلال بهذه الصحیحة قائلاً:

أن التوارث إنَّما یدل علی الصحّة لا غیر وهی لا تنافی ثبوت الخیار. (2)

2. معتبرة عبید بن زُرارة قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یزوّج ابنه وهو صغیر، قال: «إن کان لابنه مال فعلیه المهر، وإن لم یکن للابن مال فالأب ضامن المهر أو لم یضمن». (3)

الظاهر أن تفصیل الإمام علیه السلام فی المهر دالّ علی المفروغیّة عن صحّة النکاح. (4)

ویرد علیه أنّ صحّة النکاح لا تنافی ثبوت الخیار، ولا مجال للتمسّک بإطلاق الصحّة فی المقام؛ لأنّها لوحظت مفروغاً عنها، فلیس الإمام علیه السلام فی مقام البیان من هذه الجهة. (5)

3. صحیح الفضیل بن عبدالملک قال:

ص:104


1- (1) . وسائل الشیعه: 14، باب 13 من أبواب عقد النکاح، وأولیاء العقد، ح1.
2- (2) . مستمسک العروة الوثقی: 454/14.
3- (3) . وسائل الشیعة، باب 28 من أبواب المهور، ح1.
4- (4) . الخوئی، کتاب النکاح: 279/2.
5- (5) . انظر: کتاب النکاح: 415/1.

سألت الإمام الصادق علیه السلام عن الرجل یزوّج ابنه وهو صغیر؟ قال: «لا بأس». (1)

وواضح أنّ إطلاقها هو نفوذ الزواج حتّی بعد بلوغ الطفل وفسخه للعقد.

ویرد علیها أنَّ الروایة لا تدل علی عدم ثبوت الخیار، فإن النظر فیها إلی أصل الصحّة، بل ورد فی ذیلها قوله علیه السلام : «إذا زوّج الرجل ابنه فذاک إلی ابنه»، وهو صریح فی ثبوت الخیار. (2)

أدلّة القائلین بالخیار

وهو ما ذهب إلیه الشیخ الطوسی وابن حمزة وابن إدریس القول: بخیار الصبی فی الفسخ والإمضاء عند بلوغه ورشده.

واستدلّوا بما یلی:

1. التمسک بصحیحة محمّد بن مسلم المتقدّمة فی جعل الخیار للصبی إذا بلغ.

2. یوجد ضرر فی تزویج الابن قبل بلوغه، بحیث یجب علیه بذل المهر والنفقة دون مقابل، وهذا الضرر لا یأتی فی حقّ الزوجة الصغیرة؛ لأنّها تأخذ المهر والنفقة من دون خسران وحینئذٍ لا بدّ من جعل الخیار للابن لکی یتمکّن من دفع الضرر عن نفسه دون البنت؛ لأنّها لیست بحاجة إلی الخیار. (3)

وأجیب:

أوّلاً: إنَّ صحیحة محمّد بن مسلم؛ إمَّا أن یؤخذ بها أو لایؤخذ، حیث أن مضمونها واحد، وهو ثبوت الخیار للصبی والصبیة إذا بلغ فلا معنی للأخذ بها فی الصبی إذا بلغ دون الصبیة؛ إذ لیست هذه الروایة قد عبرَّت بجملتین أحداهما عن الصبی والأخری

ص:105


1- (1) . وسائل الشیعة، باب 28 من أبواب فی المهور، ح2.
2- (2) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 415/1.
3- (3) . انظر: المهذب البارع: 230/3.

عن الصبیة حتّی یکون الإعراض عن إحدی الجملتین، وعدم الإعراض عن الأخری موجباً لحجة الثانیة دون الأولی، بل الروایة ذکرت جملة واحدة، وهی: «لهما الخیار إذا أدرکا»؛ فأمّا أن تقبل، وإمّا أن لا تقبل. (1)

ثانیاً: علی أنّ «لا ضرر ولا ضرار»، حدیث نافی للحکم الضرری، فلا یمکن أن یستفاد منه إثبات حکم الخیار للصبی.

الرَّاجِح:

والذی یظهر لی هو: القول بعدم الخیار؛ لأنَّ عقد الولیّ وقع فی محلّه؛ ولذا قال الحلّی:

لو زوّج الأب أو الجدّ للولد الصغیر، لزمه العقد، ولا خیار له مع بلوغه ورشده، علی الأشهر. (2)

مضافاً إلی ما دلَّ علی صحّة تزویج الصغیر المقتضی لبقائه، ولو بعد البلوغ.

ثالثاً: ولایة الوصی فی النکاح

اشارة

والوصی، وهو من عهد إلیه الولیّ بتزویج مولیَّه بعد مماته.

ففی ثبوت ولایة التزویج للوصی خلاف بین العلماء علی أقوال أربعة:

الأوّل: ثبوت الولایة للوصی مطلقاً

وهذا ما أختاره العلّامة حیث قال بعد أن بیّن کلام الشیخ الطوسی فی الخلاف:

إذا أوصی إلی غیره بأن یزوّج بنته الصغیرة، صحّت الوصیة وکان له تزویجها، ویکون صحیحاً، سواء عین الزوج أو لا.

ثمّ قال العلّامة:

ص:106


1- (1) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 226/33.
2- (2) . شرائع الإسلام: 502/2.

والوجه ماقاله الشیخ فی الخلاف. (1)

والشهید فی الشرح:

فالحکمة تقتضی ثبوت الوصیة تحصیلاً للمصلحة؛ ولأنّه قائم مقام الأب. (2)

وقبلهما الشیخ فی أحد قولیه فی الخلاف فی المسألة التاسعة:

إذا اوصی إلی غیره بان یزوّج بنته الصغیرة صحّت الوصیة، وکان له تزویجها، ویکون صحیحاً، سواء عین الزوج أو لم یعین وإن کانت کبیرة لم تصح الوصیة. (3)

وقوله الآخر فی المبسوط نفی الولایة للوصی مطلقاً:

وأمَّا التزویج فلیس للوصی أن یزوّجه - أی: الصبی - لأنّه لیس من أهله، وربما اتهم، وکذلک لیس له أن یزوّج الصغیرة التی یلی علیها؛ لأنَّ ولایة النکاح لا تستفاد بالوصیة. (4)

الثانی: نفی ولایة التزویج للوصی مطلقاً

وهذا ما أختاره المحقّق فی النافع (5)و فی الشرائع حیث قال:

ولا ولایة للوصی وإن نصَّ له الموصی علی النکاح علی الأظهر. (6)

والعلّامة فی القواعد:

ولا تصح الوصیة فی تزویج الأصاغر، لعدم الغبطة علی إشکال. (7)

وفی التذکرة:

ص:107


1- (1) . مختلف الشیعة: 141/7.
2- (2) . غایة المراد: 50/3.
3- (3) . الخلاف: 254/4 مسألة (9).
4- (4) . المبسوط: 59/4.
5- (5) . المختصر النافع :173، حیث قال: لا ولایة فی النکاح لغیر الأب، والجد للأب وإن علا ، والوصی.
6- (6) . الشرائع: 222/2.
7- (7) . قواعد الأحکام: 562/2.

إنِّما تثبت وصایة الوصی فی صورة واحدة عند بعض علمائنا هی لمن یبلغ فاسد العقل. (1)

بل هو المشهور، کما فی المسالک. (2)

الثالث: ثبوتها مع نصّ الموصی له علیه

وهذا هو المحکی عن الخلاف بثبوت الولایة للوصی إذا نصَّ الموصی علی ذلک، واختاره العلّامة فی المختلف. (3)

الرابع: ثبوت الولایة علی من بلغ فاسد العقل
اشارة

وهذا ما اختاره الفاضل الآبی فی کشف الرموز، حیث قال:

ولا یزوّج الوصی إلّا من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة. (4)

وبه قال المحقّق فی الشرائع (5) والعلامة فی التحریر والقواعد (6) وفی إرشاد الأذهان:

ولا تثبت ولایة الوصی علی الصغیرین وإن نصَّ الموصی علی الإنکاح علی رأی، وتثبت ولایته علی من بلغ فاسد العقل مع الحاجة. (7)

، والشهید الأوّل فی الدروس:

وله تزویج من بلغ فاسد العقل، مع المصلحة، وغایة المراد. (8)

وغیرهم.

ص:108


1- (1) . تذکرة الفقهاء:592.
2- (2) . مسالک الأفهام: 148/7.
3- (3) . انظر: غایة المرام: 30/3.
4- (4) . کشف الرموز: 113/2.
5- (5) . شرائع الإسلام: 221/2.
6- (6) . التحریر: 6/2؛ القواعد: 562/2.
7- (7) . إرشاد الأذهان: 8/2.
8- (8) . الدروس: 327/2؛ غایة المراد: 49/3.
الأدلّة
أ) أدلّة من أثبت الولایة للوصی مطلقاً

استدلّ من أثبت الولایة للوصی بما یلی:

الأوّل: اطلاقات أدلّة نفوذ الوصیّة، کقوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَیْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) . (1)

والاستدلال بها بتقریب أنَّ صدرها، وإن کان ناظراً إلی الوصیّة المالیّة للوالدین والأقربین إلّا أنَّ الذیل دالّ علی نفوذ الوصیة مطلقاً، ولزوم العمل بمقتضاها باستثناء ما کان فیها جنف أو إثم، وعلیه فتشمل الوصیة فی النکاح وتکون الوصیة نافذة، وبذلک تکون للوصی الولایة علی التزویج. (2)

وأورد علیه: إنَّها فی مقام أصل التشریع والترغیب لها، ولا یصح التمسّک بها لإثبات ما شک فی صحّة الوصیة، کما فی جمیع الموارد المشکوکة، مع أنّ المُنساق منها الوصیة بالمال، وما یتعلق بنفس الشخص من التجهیزات، فلا یشمل المقام. (3)

وأجیب: أنّ صدر الآیة، وإن کان فی مورد الوصیة بالمال، ولکن خصوصیة المورد لا توجب ضیقاً فی مدلول الخطاب اللفظی. (4)

الثانی: قوله تعالی: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) . (5)

ص:109


1- (1) . البقرة: 181 و 182.
2- (2) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 438/1.
3- (3) . مهذّب الأحکام: 277/24.
4- (4) . دلیل تحریر الوسیلة: 221/2.
5- (5) . البقرة: 181.

إنَّ فی قوله تعالی: (فَمَنْ بَدَّلَهُ) یدل بإطلاقه علی نفوذ الوصیّة ووجوب العمل بها فی غیر ما کان فیها جنف أو إثم أو ضرر علی الوارث (1) ،خصوصاً فیما إذا نصَّ الموصی علی کونه وصیّاً وقیّماً علی النکاح.

وأورد علیه: أنّه لا بد من کون مورد الوصیة والقیمومة صحیحة شرعاً، والشک فی الصحّة یکفی فی عدمها فلا وجه للتمسک بها. (2)

الثالث: جملة من الأخبار منها:

1. إطلاقات النصوص الواردة فی تفسیر من بیده عقدة النکاح، نظراً إلی اشتمال کثیر من هذه النصوص علی الوصی مثل صحیح ابن مسلم، وأبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن الذی بیده عقدة النکاح، قال علیه السلام : «هو الأب والأخ والرجل یوصی إلیه».

وخبر أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال: سألته عن الذی بیده عقدة النکاح قال علیه السلام : «هو الأب والأخ والرجل یوصی إلیه». (3)

واشتمالها علی ذکر الأخ لا یسقطها عن الحجیة فی سائر الفقرات، کما قال فی الجواهر مع إمکان حمله علی کون الأخ وکیلاً لها أو وصیّاً.

ولا یضرّ کون عطف الوصی علیه من عطف العامّ علی الخاصّ، ولا یخفی أنَّ المراد بالوصی فی هذه النصوص بقرینة مناسبة الحکم والموضوع هو من أوصی إلیه بأمر النکاح دون الوصی فی تصدی الأمور المالیّة، بل ولا شؤونه العامّة علی النحو المطلق.

وأمَّا مع عدم نص الوصی، أو قرینة قطعیّة علی إرادة نکاح الأولاد الصغار، فیشکل الإلتزام بثبوت ولایة الوصی علی ذلک، بل ظاهرها هو الأمور العامّة الراجعة إلی

ص:110


1- (1) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 244/33 و 245.
2- (2) . مهذّب الأحکام: 278/24.
3- (3) . التهذیب: 393/7.

الشؤون المالیّة، ولعدم دلیل یثبت ولایة الوصی بعنوان أنّه وصی مطلق علی أمر النکاح والزواج، بل یستفاد من بعض النصوص خلاف ذلک، مثل صحیح ابن بزیع ومحمد بن مسلم، فإنّ الأوّل کالصریح فی عدم ولایة الوصی علی أمر الزواج والنکاح، والثانی دلَّ علی ذلک بمفهوم الشرط. (1)

2. معتبرة محمّد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنّه سئل عن رجل أوصی إلی رجل بولده، وبمال لهم، وأذن له عند الوصیة أن یعمل بالمال، وأن یکون الربح بینه وبینهم، فقال: «لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد أذن له فی ذلک، وهو حی». (2)

ویمکن أن یقرّب الاستدلال بها بأحد بیانین:

الأوّل: ما ورد فی مفروض السؤال من الوصیّة بالأولاد، وهی غیر الوصیة بالمال، ویفهم من جواب الإمام علیه السلام إما بسکوته أو باطلاق نفی البأس نفوذ الوصیّة.

الثانی: التمسک بالتعلیل الوارد فی جواب الإمام علیه السلام الدال علی نفوذ وصیة الأب بالأولاد مطلقاً. (3)

ب) أدلّة من منع الولایة فی النکاح للوصی مطلقاً

استدل علی عدم الولایة للوصی علی تزویج الصغیر بجملة من الأدلّة منها:

أوّلاً: أنَّ الأصل فی ولایة التزویج بالنسبة إلی الصغیر القرابة، وولایة القرابة لا تقبل النقل إلی الغیر بعد الموت، لانقطاعها به، کما لا تقبل الحضانة - ونحوها ممّا یختص بالقرابة - النقل بالوصایة. (4)

ص:111


1- (1) . جواهر الکلام: 190/29.
2- (2) . وسائل الشیعة، باب 92 من أبواب الوصایا، ح1.
3- (3) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 439/1.
4- (4) . مسالک الأفهام: 148/7.

ثانیاً: انتفاء حاجة الصغیر إلیه. (1)

ثالثاً: جملة من الأخبار:

1. صحیح أیوب، عن محمّد بن سوقة قال:

سألت أبا عبد الله علیه السلام إلی أن قال فی تفسیر: (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) «یعنی: الموصی إلیه إن خاف جنفاً من الموصی، فیما أوصی به إلیه ممّا لا یرضی الله عن ذکره من خلاف الحقّ، فلا إثم علیه». (2)

بتقریب أنَّ الوصیة بزواج ولده جنف وهو العدوان، کما أنّ الوصیة بزواج أخیه وابن أخیه جنف. (3)

وأورد علیه:

إنَّ العرف لا یشکّ فی أنَّ الوصیة لزواج ولده الصغیر لیس جنفاً. (4)

2. صحیح أبی بصیر، ومحمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن الذی بیده عقدة النکاح؟ قال:

«هو الأب والأخ والرجل یوصی إلیه، والذی یجوز أمره فی مال المرأة فیبتاع لها ویشتری، فأیّ هولاء عفا فقد جاز». (5)

بتقریب أنَّ ذکر الأخ دلیل علی إرادة کون الوصی وکیلاً فی زواج الکبیرة.

وأشکل علیه:

إنَّ ذکر الأخ لا یوجب صرف غیره عن ظاهره، وقد ذکر الحرّ العاملی: «أنَّ حکم الأخ محمول علی کونه وکیلاً». (6)

ص:112


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . وسائل الشیعة: 421/13.
3- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 474/14.
4- (4) . موسوعة الفقه: 73/64.
5- (5) . وسائل الشیعة: 213/14.
6- (6) . المصدر السابق: 317/21.

والوصی یحتمل ذلک أیضاً، وقد خصّه بعض علمائنا (1) بکون البنت الکبیرة غیر رشیدة.

3. صحیح محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام :

فی الصبی یتزوّج الصبیة یتوارثان؟ فقال: «إذا کان أبواهما اللذان زوجاهما، فنعم».

فإنَّ مفهومه عدم نفوذ زواج غیر الأب.

وأورد علیه:

أنّ الوصی قائم مقام الأب، فهو امتداد له، کما أن الجدّ والحاکم کذلک؛ ولذا لا یمکن الاستدلال به لعدم ولایتهما. (2)

ج) أدلّة من أثبت الولایة للوصی مع نصّ الموصی له

استدل لهذا القول بوجوه:

الأوّل: قوله تعالی: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) . (3)

فإنَّ حرمة تبدیل الوصیة مستلزمة لتحقق الولایة بتولیة الموصی. (4)

وأُشکِلَ علیه:

بأنَّ الضمیر فی: (بَدَّلَهُ ) راجع إلی الإیصاء للوالدین والأقربین بما ترک من الخیر المتقدّم ذکرهما فی آیة الوصیة، فلا یعمّ مطلق التبدیل. (5)

ص:113


1- (1) . التذکرة: 593/2.
2- (2) . موسوعة الفقه:73/64.
3- (3) . البقرة: 181.
4- (4) . کتاب النکاح:144.
5- (5) . انظر: الریاض: 81/2.

وأجیب:

أنَّه فی کثیر من النصوص استدلّ المعصوم علیه السلام بهذه الآیة فی أحکام کثیرة من الوصایة، وهو آیة فی عدم الاختصاص بالمورد، فلا بدّ من إرجاع ضمیر: (بَدَّلَهُ ) إمَّا إلی مطلق الإیصاء؛ وإمَّا إلی خصوص الإیصاء للوالدین والأقربین، ولکن مع إناطة حکم الإثم بأصل تبدیل الإیصاء لا خصوص هذا الإیصاء، بأنّ یجعل المورد خاصاً والمناط عاماً.

ولذا قال الشیخ الأنصاری:

الإنصاف أنَّ الآیة ظاهرة فی المدعی ولو بمعونة الأخبار المشتملة علی الاستدلال بها. (1)

والذی یظهر لی أنَّ الآیة بحسب ظهورها الأولی خاص من جهتین:

الأولی: جهة الاختصاص بالوالدین والأقربین.

الثانیة: جهة الاختصاص بکون الموصی به ما ترک من الخیر، والأخبار تصلح شاهدة للتعمیم من الجهة الأولی؛ وأما من الجهة الثانیة؛ فلا قرینة لصرف الآیة عن ظاهرها.

الثانی: قوله تعالی: (وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْیَتامی قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَیْرٌ) 2 ، فإنّ التزویج مع المصلحة إصلاح لهم، فهو خیر مأذون فیه. (2)

وأشکل علیه:

أوّلاً: أنّه غیر مختص بالوصی، بل هو شامل لجمیع المکلفین.

ثانیاً: أنّه یدلّ علی أن ما هو إصلاح لهم خیر، بشرط أن یکون المصلح مأذوناً فی

ص:114


1- (1) . کتاب النکاح: 144.
2- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 472/14.

متعلقه شرعاً وهذا أوّل الدعوی، فلا یصح الاستدلال بها للمقام؛ لأنّها من التمسک بالدلیل فی الموضوع المشکوک. (1)

الثالث: إنَّ الوصیة بالمال نافذة بالنسبة إلیه، فکذلک فی النکاح.

وأشکل علیه:

إنّ التلازم غیر ثابت، والقیاس باطل. (2)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی هو القول الأوّل؛ وذلک وإن کان مقتضی الأصل عدم الولایة للوصی إلّا أنّ یدل دلیل معتبر کما نسب إلی المشهور عدم الولایة علی الصغیر مطلقا نصّ الوصی بذلک أو لا، إلّا أنّه لا مجال للأصل بعد وجود الدلیل، وهو اطلاقات أدلّة نفوذ الوصیة.

وردت فی المقام کصحیح أبی بصیر، ومحمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

سألته عن الذی بیده عقدة النکاح؟ قال علیه السلام : «هو الأب والأخ والرجل یوصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال المرأة فیبتاع لها ویشتری فأیّ هولاء عفا فقد جاز». (3)

وغیرها التی تشیر إلی من بیده عقدة النکاح.

فإنها ظاهرة الدلالة فی القول الأوّل لإتفاقها علی عدّ الموصی إلیه فی جملة من بیده عقدة النکاح الذی هو بمعنی الولایة فی التزویج کالأب.

د) أدلّة من أثبت الولایة للوصی علی من بلغ فاسد العقل

وقد أستدل له بوجوه:

ص:115


1- (1) . انظر: فقه الصادق: 174/21.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . وسائل الشیعة: 213/14.

الأوّل: قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَیْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) . (1)

فإنّ هذه الآیة تدلّ علی نفوذ وصیة الوصی ووجوب العمل بها مطلقاً باستثناء ما کان فی الوصیة جنف، أو أثم، أو ضرّر علی الوارث، کما دلّت علیه النصوص، فإنّه لا یجب العمل بها وحینئذٍ إذا شملت الوصیة تزویج المجنون فیجب العمل بها وفقاً للوصیة، حیث یکون فی مخالفتها تبدیلاً لها فیکون (إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ) . (2)

الثانی: معتبرة محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق علیه السلام :

أنَّه سئل عن رجل أوصی إلی رجل بولده وبمال لهم وأذن عند الوصیة أن یعمل بالمال وأن یکون الربح بینه، وبینهم فقال علیه السلام : «لا بأس من أجل أن أباه قد أذن فی ذلک وهو حی». (3)

الاستدلال بها فإنَّ التعلیل یدلّ علی أنَّ کلّ ما کان للأب فی حال حیاته یتمکن أن یوصی به بعد مماته، وتزویج المجنون کان للأب فی حیاته - کما تقدّم - فیتمکن أن یوصی بعد وفاته. (4)

والذی یظهر لی، کما أن للأب أن یزوّج ولده المجنون سواء کان جنونه متصلاً بالصغر أم لا؟ فللوصی ذلک، حیث أن الوصی قائم مقام الأب.

نعم، لا بدّ وإن یراد بالزواج ما لم یکن فیه مفسدة، فیشمله دلیل الاستحباب.

ص:116


1- (1) . البقرة: 182 - 180.
2- (2) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 243/33.
3- (3) . وسائل الشیعة: 13، باب 29 من الوصایا، ح1.
4- (4) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 244/33.

رابعاً: ولایة الحاکم الشرعی

الأوّل: ثبوت ولایته فی النکاح

إنَّ الکلام فی ثبوت الولایة للحاکم الشرعی تارةً فی ولایة الحاکم علی نکاح الیتامی الصغار، وأخری فی سائر شؤونهم.

فالبحث فی مقامین:

المقام الأوّل: فیقع الکلام تارةً فی صورة فقدان الوصی، وأخری مع وجوده.

أمّا مع فقدانه، فالظاهرثبوت الولایة للحاکم حینئذ، ولو من باب الحسبة؛ لأنّه القدر المتیقن ممّن یجوز له التصدی لشؤون الیتیم حینئذ.

وأمّا الإشکال بعدم کون المقام من الحسبة، فمدفوع بعدم انحصار مصلحة النکاح فی الوط ء لکی تنتفی الحاجة إلی النکاح بدونه، کما أجاب بذلک فی الجواهر (1)، بل فی مفتاح الکرامة عدم الخلاف فی ذلک، حیث قال:

وأما أنهما إن فقدا فالولایة للوصی، فإن فقد الوصی فالحاکم، بلا خلاف فی ذلک ولایةً وترتیباً ولافی کون المراد بالحاکم حیث یطلق من یعمّ الفقیه المأمون الجامع لشرائط الفتوی، ویستفاد من بعض الأخبار ثبوت الولایة للحاکم مع فقد

الوصی وللمؤمنین مع فقده. (2)

وعلیه فعمدة الکلام فی صورة وجود الوصی، وعلی أیّ حال، فالمشهور بین الإمامیّة عدم ثبوت الولایة للحاکم علی نکاح الصغار مطلقاً.

وهذا ما أختاره الشهید الثانی، حیث قال:

ولا ولایة للحاکم علی الصغیر مطلقاً. أی مع المصلحة وغیرها. فی المشهور. (3)

ص:117


1- (1) . جواهر الکلام: 188/29.
2- (2) . مفتاح الکرامة: 257/5.
3- (3) . الروضة البهیة: 118/5.

والجواهر:

والمشهور علی ما فی الروضة أنّه لیس للحاکم ولایة فی النکاح علی من لم یبلغ ذکراً کان أو أنثی. (1)

ونسبه فی الحدائق (2) إلی الأصحاب وکذا فی المستمسک (3)، بل نقل فیه عن رسالة الشیخ الأنصاری أنّه لایبعد کونه إجماعیاً.

ولکن الإنصاف أنّه لا إجماع فی المقام، نظراً إلی وجود المخالف فی المسألة.

أدلّة القائلین بعدم ولایة النکاح علی الصبی للحاکم

وقد استدل للمشهور:

أوّلاً: بأصل عدم ثبوت الولایة لأحد ما دام لم یدل دلیل قطعی من الشارع، وفی المقام لا دلیل علی ولایة الحاکم علی نکاح الیتامی الصغار. (4)

وأجیب: أن الأصل مقطوع بعموم ولایة الحاکم من نحو قوله صلی الله علیه و آله :

«السلطان ولیّ من لا ولیّ له». (5)

ومعتبرة أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمال قال: قال، أبو عبد الله جعفر بن محمّد علیه السلام :

«إیِّاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا فاجعلوه بینکم، فإنی قد جعلته قاضیاً فتحاکموا إلیه». (6)

والاستدلال بها فی قوله علیه السلام :

ص:118


1- (1) . جواهر الکلام: 188/29.
2- (2) . الحدائق الناظرة: 237/23.
3- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 476/14.
4- (4) . انظر: دلیل تحریر الوسیلة: 225/3.
5- (5) . جواهر الکلام: 188/29.
6- (6) . الکافی: 412/7، ح5؛ التهذیب: 219/6، ح516.

«فإنِّی قد جعلته علیکم قاضیاً»، بناء علی أنَّ التزویج مع الحاجة من مناصب القضاة ووظائفهم. (1)

ونوقش فیها من حیث الدلالة، أنَّ کون نکاح الصغار من شؤون القضاء أوّل الکلام، بل الظاهر العدم. (2)

ثانیاً: أنّ ولایة الحاکم إنِّما هی ثابتة من باب الحسبة، وهی فی أمور لا بدّ من القیام بها للحاجة إلیها، بحیث لا یرضی الشارع بترکها وتعطیلها، ولا حاجة إلی تزویج الصغار؛ لأن مصلحة النکاح هی الوط ء والجماع والاستمتاع الجنسی، والفرض عدم قابلیة الصغیر لذلک. (3)

وأشکل علیه:

فی أنَّ مصلحة النکاح لا تنحصر فی الوط ء، کما قال فی الجواهر (4)، بل ربّما تکون فی أمر آخر، کقرابة المصاهرة وسائر الاستمتاعات من غیر الوط ء، وکأنه لذلک أفتی الفقیه الیزدی بشرط الحاجة إلیه أو المصلحة الملزمة فی ثبوت الولایة. (5)

وفی المسالک بعد أن ذکر دلیل المنع المتقدّم قال: ولا یخلو من نظر إن لم یکن إجماعیّاً. (6) وفی کشف اللثام، قال:

لا ولایة له یعنی للحاکم علی الصغیرین، للأصل، وعدم الحاجة فیهما وفیه نظر ظاهر، فإن استند الفرق إلی الإجماع صحّ، وإلّا أشکل. (7)

ص:119


1- (1) . مستمسک العروة الوثقی: 476/14.
2- (2) . انظر: دلیل تحریر الوسیلة: 225/3.
3- (3) . جامع المدارک فی شرح مختصر النافع: 166/4.
4- (4) . جواهر الکلام: 188/29.
5- (5) . العروة الوثقی: 869/2.
6- (6) . مسالک الأفهام: 146/7.
7- (7) . کشف اللثام: 61/7.

ولأجل أنّه لم یتّضح الإجماع علی العدم یتعیّن البناء علی الثبوت مع الضرورة والحاجة الشدیدة، من باب ولایة الحسبة التی مرجعها إلی العلم بأن الشارع المقدس یرید التصرّف فی الجملة، والقدر المتیقن منه أن یکون من الحاکم أو بإذنه مع الإمکان، وإلّا فمن غیره والظاهر أنّها من مناصب القضاة، کما أنها المقصودة من ولایة السلطان، یعنی: أنَّ السلطان ولیّ فی المورد الذی لا بدّ فیه من نصب الولیّ وتصرفه، ولعلَّ تعلیل الأصحاب المنع فی الصبی بعدم الحاجة یقتضی البناء منهم علی الولایة مع الحاجة. (1)

ثالثاً: صحیح محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام :

فی الصبی یتزوّج الصبیة یتوارثان؟ فقال: «إذا کان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم». (2)

الاستدلال بها بمفهوم الشرط، فإن مفهومه عدم نفوذ زواج غیر الأب. (3)

وأورد علیه:

أنَّ مفهومها معارض بمنطوق صحیحة ابن یقطین قال:

سألت أبا الحسن علیه السلام أتزوج الجاریة، وهی بنت ثلاث سنین أو یزوّج الغلام، وهو ابن ثلاث سنین؟ وما أدنی حد ذلک الذی یزوجان فیه، فإذا بلغت الجاریة، فلم ترض فما حالها؟ قال: «لا بأس بذلک إذا رضی أبوها أوولیها». (4)

مضافاً إلی أنَّ الأدلّة علی ثبوت الولایة له تکون مخصصة للمفهوم نظیر الأدلّة الدالة علی ولایة الجدّ. (5)

ص:120


1- (1) . مستمسک العروة الوثقی: 477/14.
2- (2) . التهذیب: 382/7.
3- (3) . عوائد الأیّام/567.
4- (4) . وسائل الشیعة: 208/14، باب 6 من أبواب عقد النکاح، ح7.
5- (5) . النور الساطع فی الفقه النافع: 488/1.

أدلّة القائلین بثبوت ولایة النکاح علی الصبی للحاکم

واستدلّ لهم بما یلی:

أوّلاً: أنّه ولیه فی المال فیکون ولیه فی النکاح للتلازم بین ولایة المال وولایة النکاح؛ لأنه من جملة مصالحه. (1)

ونوقش هذا الاستدلال بعدم التلازم بین ولایتی المال والنکاح. (2)

ثانیاً: الحدیث النبوی: «السلطان ولیّ من لا ولیَّ له». (3)

وأشکل علیه بما یلی:

أوّلاً: ضعف السند، و توضیحه: أنَّ سند الحدیث ضعیف بالإرسال، و من المعلوم أن الاعتماد علیه منوط بانجبار ضعفه بعمل المشهور، و هو لا یخلو من تکلّف. (4)

ثانیاً: أنَّ معناه أنّه ولیّ من لا ولیَّ له ویحتاج إلی الولیّ، لا أنّه ولیّ من لا ولیَّ له سواء کان محتاجاً إلی الولیّ أم لا. (5)

ثالثاً: صحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام أنّه قال:«الذی بیده عقدة النکاح هو ولیّ أمرها». (6)

ولا شک أنَّ الحاکم ولی أمر الصغیر، ولا فارق بین الذکر والأنثی. (7)

ص:121


1- (1) . رسائل آل طوق: 411/3.
2- (2) . کشف اللثام: 62/7.
3- (3) . سنن أبی داود: 229/2،ح 2083، سنن الترمذی: 281/2/ح1108.
4- (4) . هدی الطالب فی شرح المکاسب: 185/6.
5- (5) . عوائد الأیّام/576.
6- (6) . التهذیب: 392/7، ح1570.
7- (7) . النور الساطع فی الفقه النافع: 490/1.

الرَّاجِح

والذی یبدوا لی بهذه المرحلة هو ثبوت ولایة الحاکم فی تزویج الصغیرین لاقتضاء الأدلّة ومنها: «السلطان ولیّ من لا ولیَّ له»، وقد اشتهر فی الألسن وتداول فی بعض الکتب (1) کما أشار إلیه الشیخ الأنصاری قدس سره (2) ،بل نُسبت روایته إلی النبی صلی الله علیه و آله إلی کتب العامّة والخاصّة أن السلطان ولیّ من لا ولیَّ له ولعل الأصل فیه من کتب العامّة ما رواه البیهقی فی سننه عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال:

«لا تنکح المرأة بغیر أمر ولیها، فإن نکحت فنکاحها باطل، ثلاث مرات، فإن أصابها فلها مهر مثلها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولیّ من لا ولیَّ له». (3)

هذا وقد استدل بالحدیث صاحب الجواهر، وغیره، حیث قال فی مبحث أولیاء النکاح فی نفی کلام المشهور:

أنه لیس للحاکم ولایة فی النکاح بالأصل، أن الأصل مقطوع بعموم ولایة الحاکم من نحو قوله صلی الله علیه و آله : «السلطان ولیّ من لا ولیَّ له». (4)

وأمَّا أنّه لا حاجة للصغیرین فی النکاح، وإنَّ المدار یدور مدار المصلحة فقد تتحقّق فیه للصغیرین والوجدان شاهد.

وعلیه فما نسب إلی المشهور من أنّه لیس للحاکم ولایة النکاح علی الصبی غیر ظاهر الوجه.

المقام الثانی: وهو ولایة الحاکم علی الصغار فی غیر أمر النکاح، ولو من باب الحسبة، فلا خلاف فیه فی صورة فقدان الوصی.

ص:122


1- (1) . مسالک الأفهام: 147/7،جواهر الکلام: 188/29،عوائد الأیّام :563.
2- (2) . المکاسب: 558/3،( ط - الحدیثة).
3- (3) . سنن البیهقی: 105/7.
4- (4) . جواهر الکلام: 188/29.

وأمّا مع وجوده فلا ولایة له ما دام الوصی واجداً للشرائط المعتبرة؛ وذلک لدلالة النصوص المعتبرة علی ولایة الوصی علی الصغار، کما سبق ذکره سابقاً.

ولا خلاف فی ذلک بین فقهاء الإمامیّة، کما سبق آنفاً عن مفتاح الکرامة، فإن مقصوده ظاهراً فی غیر أمر النکاح، وإلّا فهو مذعن بذهاب الأصحاب إلی عدم ولایة الحاکم علی نکاح الصغیر مطلقاً.

ثم إنَّ ولایة الحاکم الشرعی إنَّما تثبت مع عدم وجود الأب والوصی، کما ادّعی فی المفتاح الإجماع علی هذا الترتیب، ولا أقلّ من کونه ظاهر عبارات کثیر من الأصحاب.

وأمَّا مع وجود الأب، بل الوصی، لا ولایة له؛ وذلک لما دلَّ من النصوص علی ثبوت الولایة لهما بعنوانها بالأصالة، نعم، لو صارا فاقدین للصلاحیة تصل النوبة إلی الحاکم.

الثانی: المراد بالحاکم الشرعی

وأمَّا المراد بالحاکم الشرعی هنا: فهو الإمام العادل، أو من أذن له فی ذلک عموماً أو خصوصاً، أو الفقیه الجامع لشرائط الفتوی عند تعذر الأوّلین، ومأذونه فیه بحکمه.

ولکن لقد اختلف الفقهاء قدس سره فی أنّ من له الولایة علی غیره هل هو خصوص الإمام الأصل أی المعصوم علیه السلام ، أم عموم من له السلطنة الحقّة، فیشمل الفقیه المأمون؟

مقتضی کلام غیر واحد هو الإختصاص بالإمام المعصوم، قال السیّد الطباطبائی قدس سره :

ویزوجهما مع فقدهما - أی الأب والجدّ - مع الغبطة إجماعاً؛ لأنه - أی: الحاکم- ولیهما فی المال، فیتولی نکاحهما، ثمّ استدل بالنبوی، وقال: ویلحق به - أی: بالسلطان - نوابه لعموم أدلّة النیابة. (1)

ص:123


1- (1) . ریاض المسائل: 101/11.

ومقتضی کلام جماعة هو الثانی.

قال العاملی قدس سره :

ولا خلاف فی کون المراد بالحاکم حیث یطلق فی أبواب الفقه الفقیه المأمون الجامع لشرائط الفتوی، ونقل فی المسالک (1) الإجماع علیه. (2)

وعلیه فیکون للسلطان مصداقان:

أحدهما: الإمام المعصوم علیه السلام ، لکونه المصداق الأتمّ لمن جعلت له الولایة والسلطنة علی غیره.

ثانیهما: الفقیه العادل.

الرَّاجِح

ویبدو لی أنّه عامّ فی کل سلطان عادل، ولا وجه لاستظهارخصوص الإمام المعصوم علیه السلام منه، نعم، هو المصداق الأتمّ لمن جعلت له الولایة والسلطنة علی غیره.

خامساً: الأم لیس لها ولایة علی الصغیر والصغیرة

قال الشهید الثانی:

اتّفق الأصحاب عدا ابن الجنید علی أن الأم لا ولایة لها علی الولد مطلقاً، سواء کان ذکراً أو أنثی. (3)

وقال ابن الجنید:

فأمَّا الصبیة غیر البالغة فإذا عقد علیها أبوها فبلغت لم یکن لها اختیار، ولیس ذلک لغیر الأب وآبائه فی حیاته، والأم وأبوها یقومان مقام الأب وآبائه فی ذلک. (4)

ص:124


1- (1) . مسالک الأفهام: 164/4.
2- (2) . مفتاح الکرامة: 257/5.
3- (3) . مسالک الأفهام: 195/7.
4- (4) . مختلف الشیعة: 124/7.

استدلّ للمشهور بما یلی:

أوّلاً: الأصل، حیث إنّنا بعد عدم وجود دلیل لفظی علی ولایة الأمّ نشکّ فی ولایتها والأصل عدم الولایة.

ثانیاً: أنّ المرأة عند أکثر الفقهاء لا تلی تزویج نفسها، فأولی أن لا تلی نکاح غیرها. (1)

ثالثاً: جملة من الأخبار منها:

1. صحیح محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الصبی یتزوّج الصبیة یتوارثان؟ فقال: «إذا کان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم». (2)

الاستدلال بها بمفهوم الشرط، فإنّ مفهومه عدم نفوذ زواج غیر الأب. (3)

2. قوله علیه السلام فی صحیح زرارة: «لا ینقض النکاح إلّا الأب». (4)

إلی غیرذلک من الأخبار الکثیرة.

ویمکن أن یستدلّ لابن الجنید بما یلی:

أوّلاً: انّ رسول الله صلی الله علیه و آله أمر نعیم بن النحام أن یستأمر أم ابنته فی أمرها، وقال: «وائتمروهنّ فی بناتهنّ». (5)

والاستدلال بها أنّ الائتمار هوامتثال الأمر فیدل علی نفوذ أمرها فی نکاح ابنتها. وعلیه فثبوت الولایة للأم وأبیها مع فقد الأب وآبائه لا مع وجودهم. (6)

وأجیب: إنّ الخبر ضعیف السند وحجته قاصرة، فإن الائتمار بمعنی المشاورة

ص:125


1- (1) . تذکرة الفقهاء: 586.
2- (2) . التهذیب: 382/7.
3- (3) . عوائد الأیّام: 567.
4- (4) . الکافی: 392/5.
5- (5) . سنن البیهقی: 115/7.
6- (6) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 371/1.

أیضاً، فلعلَّ المراد شاوروهن فی نکاح بناتهن والمشاورة أعمّ من الولایة کما هو واضح. بالإضافة إلی أنّه یدفعه صریحاً، قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة «لا ینقض النکاح إلّا الأب». (1)

ثانیاً: بموثق ابراهیم بن میمون عن الإمام الصادق علیه السلام تدلّ علی ثبوت الولایة للأم أیضاً، حیث قال الإمام الصادق علیه السلام :

«إذا کانت الجاریة بین أبویها فلیس لها مع أبویها أمر وإذا کانت قد تزوّجت لم یزوجها إلّا برضاً منها». (2)

حیث إنّ ظاهرها عدم إختصاص الولایة للأب وثبوتها للأمّ أیضاً.

وأجیب: هذه الروایة بالإضافة إلی ضعف سندها بإبراهیم بن میمون، حیث لم یرد فیه توثیق، ولا مدح، لا ولایة للأم علی انفراد، بل غایة ما تدلّ علیه ثبوت الولایة للأم منضمة إلی الأب وهذا مخالف للنصوص والإجماع القائم علی استقلال الأب فی الولایة. (3)

الرَّاجِح

والذی یظهر فی هذا المستوی لی: أنّ لا ولایة للأمّ للأصل، وأنَّ الحکم بعدم ولایة الأمّ مجمع علیه، کما قد ورد:

بلا خلاف أجده فیه إلّا من إلاسکافی الذی یمکن تحصیل الإجماع علی خلافه. (4)

فیکون الاتفاق المذکور حجّة للحکم؛ إذ لم یخالف فیه إلّا ابن الجنبد وضعفه واضح لعدم الدلیل علی ولایتها، ومن المحتمل جدّاً أن یراد بالأبوین فی روایة ابراهیم بن میمون الأب والجدّ لا الأب والأمّ، وممّا یقوّی هذا الاحتمال ما ورد عن

ص:126


1- (1) . نهایة المرام: 95/1.
2- (2) . وسائل الشیعة:14، باب 1 من عقد النکاح، ح3.
3- (3) . موسوعة الإمام الخوئی: 199/33.
4- (4) . جواهر الکلام: 234/29.

فضل بن عبد الملک: «إذا أراد أبوها أن یزوّجها».

فإنّه لو کان المراد بالأبوین الأب والأمّ للزم إضافة الأم أیضاً بخلاف ما إذا کان المراد الأب والجدّ، فإنَّ ذکر عنوان الأب لوحده مع سبق التعبیر عن الجدّ بالأب فی قوله علیه السلام : «أبویها»، لا محذور فیه.

وإذا لم یکن ولایة للام، فلا ولایة لمن یتقرب بها إلی الصغیر والصغیرة بالأوّلیة.

سادساً: الأخ لیس له ولایة علی الصغیر أو الصغیرة

إنَّ مقتضی الأصل والنصوص الحاصرة للولایة بالأب هو عدم ولایة غیره خرجنا عن ذلک فی الجدّ للنصوص الدالَّة علی ولایته، ومقتضی ذلک عدم ولایة الأخ، وإذا نظرنا إلی الروایات فی ولایة الأخ علی الصغیر والصغیرة فنراها مختلفة؛ إذ بعضها تثبت له الولایة کمعتبرة سماعة عن الإمام الصادق علیه السلام فی قوله عزّ وجلّ: (إِلاّ أَنْ یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) 1 ، قال: «هو الأب أو الأخ، أو الرجل یوصی إلیه». (1)

وبعضها ینفی عنه الولایة کصحیحة الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

سئل عن رجل یرید أن یزوّج أخته؟ قال علیه السلام : «یؤامرها فان سکتت، فهو إقرارها وإن أبت لا یزوجها». (2)

ومثلها صحیحة داود بن سرحان عن الإمام الصادق علیه السلام : فی رجل یرید ان یزوّج أخته قال:

«یؤامرها فإن سکتت فهو أقرارها، وإن أبت لم یزوجها فإن قالت: زوجنی فلاناً زوّجها ممّن ترضَ...». (3)

فإنّ لسان الروایتین واضح فی نفی ولایة الأخ.

ص:127


1- (2) . وسائل الشیعة، باب 52 من المهور، ح1.
2- (3) . المصدر السابق:14، باب 4 من عقد النکاح، ح4.
3- (4) . المصدر السابق: 14، باب 7 من عقد النکاح، ح1.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی من خلال هذا أنّ لا ولایة للأخ شرعاً لعدم وجود الأدلّة الکافیّة، ومع وجودها فإنَّها قاصرة عن الحجّة، بل الذی یوهن روایات إثبات الولایة للأخ ما یلی:

أوّلاً: عدم ذهاب أحد من علماء الإمامیّة إلی ذلک علی الإطلاق، قال السیّد الخوئی: بلا خلاف فیه، ویقتضیه الأصل. (1)

وهو أصالة عدم ولایة أحد علی غیره إلّا بدلیل معتبر وهو مفقود. وهذا یوجب إطلاعهم علی عیب فی روایات ولایة الأخ، فأعرضوا عنها، وهو موجب للقطع ببطلان هذه الروایات.

ثانیاً: وعلی فرض التعارض بین الروایات وتساقطها بالمعارضه فحینئذٍ ترجع إلی الروایات التی حصرت الولایة بالأب فمنها صحیحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام : «إن کان أبواهما اللذان زواجاهما فنعم». (2)

فإنّ مفهومها یقتضی انحصار الولایة فی الأب.

ثالثاً: عند عدم دلیل یدلّ علی ثبوت الولایة للأخ - لتساقط روایات ثبوت الولایة له مع عدم ثبوتها - فإنّ القاعدة تقتضی عدم ثبوت ولایة لأحد علی غیره إلّا بدلیل؛ لأن نفوذ العقد من قبل الأخ علی الأخت یحتاج إلی دلیل، فإن لم یوجد دلیل فالعقد محکوم بالبطلان.

وإذا ثبت عدم ولایة للأخ علی أخته فعدم الولایة لأولاد الأخ یکون بالأولویّة القطعیّة.

نعم إذا کان الأخ وکیلاً عنها، وقد ولته أمرها فیکون له الولایة علیها وعلی زواجها بالوکالة، وهذا ممّا لا کلام فیه.

ص:128


1- (1) . موسوعة الإمام الخوئی: 200/33.
2- (2) . التهذیب: 382/7.

سابعاً: لیس للعمّ ولایة علی الصغیر أو الصغیرة

لأنّنا قلنا إنَّ الولایة تحتاج إلی إثبات شرعی فیما لو لم یوجد فالقاعدة تقول بعدم ثبوت ولایة لأحد علی غیره.

کما أنَّ مفهوم صحیحة محمّد بن مسلم المتقدمة تنفی الولایة لغیر الأب، ویؤیّد عدم ثبوت الولایة للعمّ.

ما استدلّ بالإضافة إلی الأصل والنصوص الحاصرة للولایة للأب روایة محمّد بن

الحسن الأشعری قال:

کتب بعض بنی عمّی إلی أبی جعفر الثانی الإمام الجواد علیه السلام ما تقول فی صبیة زوجها عمّها، فلما کبرت أبت التزویج؟ فکتب لی: «لا تُکره علی ذلک والأمر أمرها». (1)

وهذه الروایة قد عبَّر عنها البعض بالصحیحة (2)، والصحیح أنّها لیست کذلک لأنّ الراوی لها هو محمّد بن الحسن بن خالد الأشعری المعروف ب-(الشنبولة)؛ وهو ممّا لم یرد فیه توثیق، لذلک جعلناها مؤید للمطلب.

وإذا لم تثبت الولایة للعمّ، فعدم ثبوتها لأبناء العمّ بالأولویة القطعیّة.

ثامناً: الخال لیس له ولایة علی الصغیر أو الصغیرة

وکذا الخال، فلیس له ولایة علی الصغیر أو الصغیرة للقاعدة المتقدّمة، ولمفهوم صحیحة محمّد بن مسلم المتقدّمة التی حصرت الولایة فی الأب وإذا لم تثبت الولایة للخال، فعدم ثبوتها لأبناء الخال بالأولویة القطعیّة.

ص:129


1- (1) . وسائل الشیعة:14، باب 6 من عقد النکاح، ح2.
2- (2) . جواهر الکلام: 170/29.

ص:130

المبحث الثانی: الولایة علی المجنون والمجنونة

المطلب الأوّل: فی ثبوت الولایة فی النکاح علی المجانین

إنَّ الجنون سبب لثبوت الولایة علی الذکر والأنثی، لاستوائهما فی العجز عن النظر لأنفسهما، فلزم أن یکون هناک من یلی أمورهما، حفظاً لأنفسهما، ونظراً لمصالحهما، حتّی یزول ما ألمَّ بهما؛ لأنّ تصرّفات فاقد العقل خالیة من الإرادة الصحیحة، والقصد الصحیح، وإن وقع منهم شیء موافق للصواب فهو أمر اتفاقی لا اعتبار له. ولهذا فهو غیر مکلّف شرعاً کما یدلّ علی ذلک حدیث:

رُفِعَ القلم عن ثلاثة، عن الطفل حتّی یبلغ، وعن المجنون حتّی یفیق وعن النائم حتّی ینتبه. (1)

فثبوت الولایة علی المجنون أمر لا ریب فیه ومتسالم علیه، وفرض عدم الولایة باطل فی نفسه، ومع الاتفاق علیه، إلّا أنَّ الفقهاء قد اختلفوا فی بعض جزئیات المسألة، وذلک تبعاً لاختلاف الاجتهاد عندهم.

ص:131


1- (1) . وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، باب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، ح10.

المطلب الثانی: تزویج الأولیاء للمجانین

اشارة

والمجنون قد یکون ذکراً أو أنثی، وکلّ منهما قد یکون صغیراً أو کبیراً، وقد یبلغ مجنوناً، أو عاقلاً ثمّ یجَّن، وقد یکون جنونه مطبقاً أو أدواریّاً. والولیّ قد یکون الأب أو الجدّ للأب أو الوصی من قبل الأب أو من قبل الجدّ بشرط عدم وجود الآخر مع فقد الوصی، أو الحاکم، وسنبحث کلّ واحد منهما ولایته علی المجنون والمجنونة علی حِدّة.

ولایة الأب والجدّ علی المجنون والمجنونة

ففی ثبوت الولایة للأب والجدّ علی المجنون والمجنونة خلاف بین کون الجنون متصلاً بالبلوغ أو منفصل.

فالبحث یقع فی موردین:

الأوّل: فی الجنون المتّصل بالبلوغ

وفی حال ثبوت الولایة للأب أو الجدّ علی المجنون والمجنونة المتّصل بالبلوغ، فقد ذکر صاحب الجواهر قدس سره عند قول المصنّف: وتثبت ولایتهما علی الجمیع مع الجنون، قال:

المتصل جنونه بالصغر بلا خلاف أجده فیه، بل فی المسالک أنّه موضع وفاق، بل فی غیرها الإجماع علیه. (1)

وفی المستند:

ثمّ ولایة الأب والجدّ مع وجودهما علیه مع اتّصال الفساد بالصغر ثابتة عند الأصحاب کما فی بعض العبارات، وبلا خلاف کما فی بعض أخر (2)، وإجماعاً، کما فی کلام جماعة (3)، بل هو إجماعاً محققاً. (4)

ص:132


1- (1) . جواهر الکلام: 186/29.
2- (2) . مفتاح الکرامة: 265/2.
3- (3) . منهم صاحب: المسالک: 452/1.
4- (4) . مستند الشیعة: 134/16.

واستدلّ له بوجوه:

أوّلاً: الإجماع، وهو الدلیل علیه. (1)

ثانیاً: عموم ولایتهما علی الباکرة أو الجاریة أو البنت (2)، الخالیة عن معارضة ما تضمّن استقلالها لانتفاء الاستقلال فی حقّ المجنون.

ثالثاً: الاستصحاب

ویمکن القول أنّ ولایة الأب والجدّ کانت ثابتة قبل البلوغ، فإذا شککنا حین البلوغ فی ارتفاعها کان مقتضی الاستصحاب، وهو بقاء هذه الولایة.

الثانی: فی المنفصل عنه

فلو طرأ الجنون بعد البلوغ والرشد، ففی ثبوت ولایة الأبّ والجدّ علی المجنون قولان:

1. ثبوت ولایتهما علیه

وهذا ما ذهب إلیه المحقّق الحلّی قال:

ویثبت ولایتهما علی الجمیع - أی: الذکر والأنثی، والثیّب والبکر، والبالغ والصغیر - مع الجنون. (3)

وصاحب الجواهر (4) والشیخ الأنصاری (5) فی رسالة النکاح، لعدم الفرق فی الجنون بین المتصل بالبلوغ والمنفصل عنه، فإن حالهما واحد من حیث ثبوت الولایة.

ص:133


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . انظر: وسائل الشیعة:14، أبواب عقد النکاح، باب6.
3- (3) . شرائع الإسلام: 221/2.
4- (4) . جواهر الکلام: 186/29.
5- (5) . کتاب النکاح: 280.

2. انتفاء ولایتهما علیه

وذلک بالبلوغ والرشد فعودها یحتاج إلی دلیل.

قال المحقّق الکرکی:

التی تجدد جنونها بعد بلوغها تکون الولایة علیها للسلطان، والمنقول عن شیخنا الشهید من أنَّ الولایة للحاکم، ولیس ببعید. (1)

وهذا أیضاً هو المحکی عن المنتهی وصاحب المدارک، فقالا: الولایة للحاکم الشرعی. (2)

وفی الجواهر بأنّ الولایة للحاکم الشرعی فی الجملة، حیث قال:

المتّجه علی تقدیر التفصیل، أنّه لو کان الجنون أدواریّاً فاتفق دوره متّصلاً بالبلوغ کانت الولایة لهما وبعد انتهائه ترتفع، فإذا جاء الدور الثانی کانت الولایة للحاکم. (3)

الأدلّة

أوّلاً: دلیل من أثبت الولایة للأب والجدّ علی المجنون فی المنفصل.

واستدلّ له بأمور:

الأوّل: التمسّک بقوله تعالی: (إِلاّ أَنْ یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) . (4)

فإنّها بضمیمة النصوص الواردة فی تفسیرها والمصرّحة بأنَّ: (الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) هو الأب والجدّ ظاهرة الدلالة فی ثبوت الولایة بقول مطلق؛ نعم، خرج الأخ بالدلیل الخاص والإجماع وخرجت الثیّب المالکة أمرها فیبقی بما فی ذلک المجنونة تحت الإطلاق. (5)

ص:134


1- (1) . جامع المقاصد: 113/12.
2- (2) . انظر: موسوعة الفقه: 15/64.
3- (3) . جواهر الکلام: 187/29.
4- (4) . البقرة: 237.
5- (5) . جواهر الکلام: 187/29.

ونوقش فیه: أن الآیة الکریمة بضمیمة الروایات المفسّرة لا تدلّ إلّا علی أن الأب والجدّ هما ممّن بیده عقدة النکاح؛ وأمّا حدود ذلک؛ فلا تدل علیها فلا یمکن استفادة الإطلاق من هذه الجهة. (1)

الثانی: ما أفاده السیّد الخوئی قدس سره أیضاً فی أنّ التمسّک بما ورد فی باب الطلاق من أنَّ الولیّ بمنزلة السلطان کمعتبرة أبی خالد القماط، حیث قال:

قلت للإمام الصادق علیه السلام : الرجل الأحمق الذاهب العقل یجوز طلاق ولیه علیه؟ قال علیه السلام «ولم لا یطّلق هو؟»، قلت: لا یؤمن إن طلق هو أن یقول غداً لم أطلق أولا یحسن أن یطلق، قال علیه السلام : «ما أری ولیَّه إلّا بمنزلة السلطان». (2)

وکذلک ما دلَّ علی أنَّ الولیّ بمنزلة الإمام کروایة أبی خالد القماط عن الإمام الصادق علیه السلام أیضاً فی طلاق المعتوه قال:

«یطلّق عنه ولیّه، فإنّی أراه بمنزلة الإمام علیه». (3)

إذا ثبتت الولایة لهما فی الطلاق تثبت بالنکاح بالأولویة القطعیة؛ لأنّ أمر الطلاق أعظم من النکاح، ولذا ثبتت لهما الولایة فی النکاح علی الصغیر، ولم تثبت لهما علیه فی الطلاق.

وکذلک، فإنّ قوله علیه السلام : «ما أری ولیّه إلّا بمنزلة السلطان» ظاهر فی کونه من باب تطبیق الکبری علی الصغری وجعل ما للسلطان من الصلاحیّات فی هذه القضیّة للولی، وبما أنَّ السلطان ولیّ بقول مطلق فی الطلاق والنکاح وغیرهما فیکون الأب، والجدّ أیضاً ولیاً علی المجنون بقول مطلق.

الثالث: قال الفاضل الهندی:

ص:135


1- (1) . المؤید، بحوث استدلالیة کتاب النکاح: 364/1.
2- (2) . وسائل الشیعة:15، باب 35 من مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح1.
3- (3) . المصدر السابق: ح3.

أنَّ ولایة الأب والجدّ ذاتیة منوطة باشفاقهما وتضررهما بما یتضرّر به الولد. (1)

وفی الجواهر قوة ذلک: لأنّ المنشأ فی ولایتهما الشفقة والرأفة ونحوهما ممّا لا فرق فیه بین المتصل والمنفصل. (2)

وقد أورد علیه: بأنّه تخمین لا یعوّل علیه فی إثبات حکم شرعی. (3)

ولکن یمکن توجیهه بأن السیرة العقلائیّة قائمة علی تولی الأب والجدّ لشؤون الولد المجنون، ونکتة السیرة هی إشفاقهما وتضرّرهما بما یتضرّر به الولد فیتمّ الاستدلال.

ثانیاً: دلیل من أثبت الولایة للحاکم علی المجنون فی المنفصل.

واستدلّ له بما یلی:

الأوّل: إن کان دلیل القائل بثبوت الولایة للأب والجدّ علی المجنون بقول مطلق هو الإجماع، فهو غیر متحقّق. (4)

الثانی: وإن کان المستند هو الاستصحاب، فقد تغیّر الموضوع وتبدَّل. (5)

الثالث: وإن کان مستنده بعض الاستحسانات، مثل أن ولایة الأب والجدّ ذاتیة منوطة باشفاقهما وتضرّرهما بما یتضرّر به الولد؛ لأنّ المنشأ فی ولایتهما الشفقة والرأفة ونحوهما ممّا لا فرق فیه بین المتّصل والمنفصل، فإنّ الفقه الجعفری أجلّ من ابتناء أحکامه علیها. (6)

الرابع: وإن کان مستنده مثل خبر زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام :

ص:136


1- (1) . کشف اللثام: 60/7.
2- (2) . جواهر الکلام: 187/29.
3- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 438/14.
4- (4) . انظر: مهذّب الأحکام: 258/24.
5- (5) . المصدر السابق.
6- (6) . المصدر السابق.

«إذا کانت المرأة مالکة أمرها تبیع وتشتری، وتعتق وتشهد، وتعطی من مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تزوج إن شاءت بغیر إذن ولیها، وإن لم تکن کذلک، فلا یجوز تزویجها إلّا بأمر ولیّها». (1)

فلم یثبت اعتبار سنده ودلالته، فتصل النوبة إلی عموم: السلطان ولیّ من لا ولیَّ له. (2)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی ممّا تقدم، أنَّ الراجح هو ثبوت الولایة للأب والجدّ علی المجنون والمجنونة مطلقاً، أی: سواء کان صغیراً أو کبیراً ذکراً کان أو أنثی جنونه کان متصلاً بالبلوغ أو منفصل، ویدلّ علیه قوله تعالی: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ) 3 ، وروایات من بیده عقدة النکاح وعمومات ولایتهما علی الباکرة، وجملة أخری من الأدلّة مثل وحدة المناط فی الجنون المتّصل والمنفصل، ومثل مفهوم مرسل بن بکیر عن رجل عن أبی عبد الله علیه السلام :

«لا بأس أن تزوج المرأة نفسها إذا کانت ثیباً بغیر إذن أبیها إذا کان بأس بما صنعت». (3)

فإنّ مفهومه ثبوت البأس بدون إذن أبیها إذا کان بأس بما صنعت أی: کانت فاسدة العقل، فیتمّ فی الصغیر لعدم القول بالفصل.

وخبر زرارة، عن الإمام الباقر علیه السلام :

«إذا کانت المرأة مالکة أمرها تبیع وتشتری، وتعتق وتشهد، وتعطی من مالها ما شاءت، فإن أمرها جائز، تزوج إن شاءت بغیر إذن ولیها، وإن لم تکن کذلک فلا یجوز تزویجها إلّا بأمر ولیّها». (4)

ص:137


1- (1) . وسائل الشیعة: 215/14، باب 9 من أبواب عقد النکاح، ح6.
2- (2) . سنن أبی داود: 229/2، ح2083؛ سنن الترمذی: 281/2 ح1108.
3- (4) . وسائل الشیعة: 204/14 باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح14.
4- (5) . المصدر السابق: ح6.

فإنَّ الولیّ شامل للأب والجدّ والوصی والحاکم، لکنهم مقدّمون علی الحاکم؛ لأنّه ولیّ من لا ولیّ له، والإشکال علیها بضعف السند وإجمال الولی غیر تام؛ إذ الضعف مجبور بالعمل، ولا إجمال فی لفظ الولیّ، بل إطلاقه یشمل کلّ الأولیاء وکون ذا مراتب بالقرائن الخارجیّة، أضف لو کان الولیّ للمجنونة هو الحاکم الشرعی لقالت الروایة: «لا یجوز تزویجها إلّا بأمر ولیّ المسلمین» ولم تقل: «إلّا بأمر ولیها»، فإنّ التعبیر: «ولیّها»، یراد منه: ظاهراً الولیّ الخاص، وهو الأب والجدّ للأب، لا العامّ، وهو: الحاکم الشرعی.

أمّا من قال: بأنَّ الولایة للحاکم، فقد استدلّ بأنّ الحاکم هو ولیّ من لا ولی له، والمفروض أنَّ أدلّة ولایة الأب أو الجدّ لا تشمل المقام، ففیه إن إطلاقات کون الحاکم ولیاً بضمیمة ما دلَّ علی أنّه ولیّ من لا ولیّ له یجعل الحاکم فی مرتبة ثانیة، لا المرتبة الأولی فی الولایة.

الوصی له أن یزوّج المجنون والمجنونة

ثمّ إن الوصی للأب أو للجدّ مع، فقد الآخر له أن یزوّج المجنون إذا کان الوصی قد ذکر ذلک فی وصیته.

قال المحقِّق الحلیِّ:

للوصی أن یزوّج من بلغ فاسد العقل إذا کان به ضرورة إلی النکاح. (1)

ونحوه فی القواعد. (2) وفی المسالک: یظهر عدم الخلاف فی هذه الصورة یعنی صورة ما إذا بلغ فاسد العقل (3) ، وقد تقدم الاستدلال علیه فی بحث الوصی مفصلاً، فراجع ثمّة.

ص:138


1- (1) . شرائع الإسلام،221/2.
2- (2) . قواعد الأحکام،562/2.
3- (3) . مسالک الافهام،149/7.
الحاکم الشرعی له أن یزوّج المجنون والمجنونة

یتمکّن الحاکم الشرعی أن یزوّج المجنون والمجنونة إذا فقد الأب والجدّ للأب والوصی لأحدهما.

وقد ذهب المشهور إلی ذلک بلا خلاف أجده فیه، بل الظاهر کونه مجمعاً علیه. (1) )وقد قیل:( بلا خلاف بین علمائنا یعلم (2)، بل بالإجماع، کما قیل. (3)

واستدلّ له بوجوه:

الأوّل: لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله من أن: «السلطان ولیّ من لا ولیّ له». (4)

وتقریب الاستدلال به:

یدل هذا علی ثبوت الولایة علی من لا ولیّ له فی التصرّفات المتوقفة نفوذها علی إذن الولیّ لمن له السلطنة، والحاکم له الولایة باعتبار قیام السلطان مقام الولی حیث لاولیّ غیره. (5)

الثانی: روایة أبی خدیجة عن أبی عبد الله جعفر بن محمّد علیه السلام :

«انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا، فاجعلوه بینکم، فإنّی قد جعلته قاضیاً فتحاکموا إلیه». (6)

وثبوت هذا المنصب کغیره من مناصب القضاة للفقیه، وعلی هذا ثبوت الولایة للحاکم علی المجنون. (7)

ص:139


1- (1) . جواهر الکلام،189/29.
2- (2) . مستند الشیعة،143/16.
3- (3) . انظر: الریاض،81/2.
4- (4) . سنن أبی داود: 229/2،ح 2083؛ سنن الترمذی: 281/2 ح1108.
5- (5) . فقه الصادق: 167/21.
6- (6) . وسائل الشیعة: 4/18، باب 1 من أبواب صفات القاضی، ح5.
7- (7) . انظر: فقه الصادق: 167/21.

الثالث: أنَّ الحاکم ولیّ المجنون فی ماله بلا خلاف، فیشمله صحیح أبی بصیر، ومحمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

سألته عن الذی بیده عقدة النکاح؟ قال: «هو الأب والأخ والرجل یوصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال المرأة فیبتاع لها ویشتری فأی هولاء عفا فقد جاز». (1)

ولا یضرّ اختصاصه بالمرأة، لعدم القول بالفصل بینها وبین الرجل، وما دلّ أنّ من بیده عقدة النکاح هو ولیّ أمرها، کصحیح عبد الله بن سنان، فإنّ الحاکم ولیّ أمر المجنون والمجنونة. (2)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی، أنّ الحاکم له تزویج المجنون والمجنونة ممّن لا ولیّ له، وذلک للإطلاقات الدالة علی ولایة الحاکم، ثمّ إنّ من الفقهاء من ذهب إلی أّن ولایة الحاکم الشرعی (الفقیه) قد ثبتت بأدلّة لفظیّة مثل التوقیع المروی عن إسحاق بن یعقوب قال:

سألت محمّد بن عثمان العمری أن یوصل لی کتاباً قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علیّ، فورد التوقیع بخطّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام : «أمَّا ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک...وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنَّهم حجّتی علیکم، وأنا حجة الله». (3)

بناءً علی توثیق إسحاق بن یعقوب والاستدلال بالجملة الأخیرة علی الولایة: «فإنّهم حجّتی علیکم وأنا حجّة الله».

ص:140


1- (1) . وسائل الشیعة: 213/14.
2- (2) . انظر: فقه الصادق: 167/21.
3- (3) . وسائل الشیعة: 18، باب 11 من صفات القاضی، ح9.
لاخیار للمجنون بعد إفاقته

إذا زوّج الولیّ المجنون أو المجنونة، فلا خیار لأحدهما بعد إفاقته.

قال الشهید الثانی:

وحیث تثبت الولایة علی المجنون فلا خیار له بعد الإفاقة إجماعاً (1)، و)قیل:( لا یعرف فیه خلاف. (2)

واستدلّ له بما یلی:

أوّلاً: الإجماع (3)

ثانیاً: أصالة اللزوم، حیث إن مقتضی اطلاق صحّة العقد الصادر من ولیه ونفوذه هو عدم ثبوت الخیار له بعد افاقته فإنّ ثبوت الخیار یحتاج إلی دلیل ولا دلیل علی ثبوت الخیار بعد إفاقته. (4)

ص:141


1- (1) . مسالک الأفهام: 144/7.
2- (2) . کشف اللثام: 99/7.
3- (3) . انظر: مسالک الأفهام: 144/7.
4- (4) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 229/33.

ص:142

المبحث الثالث: ولایة الأب والجدّ من طرف الأب علی البکر الرشیدة

تمهید

إنَّ القول فی حکم الولایة فی النکاح یقتضی معرفة الأسباب الموجبة للولایة علی النفس عموماً، وهی تنقسم بحسب الظاهر إلی قسمین:

الأوّل: ما یخص الأنثی فی النکاح، بسبب وصف الأنوثة عند البعض القائل بثبوت الولایة علی البکر الرشیدة، فبه تثبت الولایة فی النکاح علی الإناث دون الرجال.

الثانی: أسباب عامّة، لا تختص بباب النکاح، بل یشارکه غیره من العقود، وهی عدم أو نقصان أهلیّة الشخص للتصرّف، بسبب صغره، أو جنونه، أو رقّه، أو ماشابه ذلک، وواضح من هذه الأسباب استواء الذکور فیها والإناث.

وإنّما أردت البحث فی بیان حکم الولایة علی البکر الرشیدة لما یلی:

أوّلاً: أنَّ الولایة فی النکاح - عند الإطلاق - لا تنصرّف إلّا إلی الولایة علی الأنثی، لعدم القول بالولایة علی الرجل فی النکاح.

ثانیاً: أهمّیة الولایة فی النکاح علی البکر الرشیدة؛ إذ هی محلّ الخلاف، وهی الصورة الغالبة الوقوع فی النکاح؛ لأنّه إنما یتم - غالباً. بین رجل وامرأة حرَّین مکلَّفین، وما سوی ذلک من تزویج الصغار والمجانین فقلیل ونادر.

ص:143

لذلک رأیت أن یکون البحث فی الولایة فی الزواج علی البکر الرشیدة أکثرعمقاً وبحثاً وتفصیلاً؛ لأنَّه هو المهمّ فی بحث هذه الرسالة المتواضعة.

فمن الله استمد العون والتوفیق.

الولایة علی البکر الرشیدة

وأمَّا الحدیث عن البکر البالغة الرشیدة اختلف الفقهاء فی هذه المسألة علی أقوال خمسة، وهی:

أ) ذکر الأقوال إجمالاً:

القول الأوّل: استقلال الأب والجدّ فی الولایة علیها.

القول الثانی: استقلال البکر الرشیدة فی ولایتها عن نفسها.

القول الثالث: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الأوّل دون الثانی.

القول الرابع: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الثانی دون الأوّل.

القول الخامس: التشریک فی الولایة بینها وبین الأب أو الجدّ فیعتبر إذنهما معاً.

وإلیک بیان هذه الأقوال وأدلتها بالتفصیل - ما أمکن - وسیکون بحثها علی النحو التالی:

1. تحریر کلّ قول مع نسبته لقائله.

2. أدلّة قائله ومناقشة کلّ دلیل.

3. ثمّ بیان ما یظهر رجحانه فی أخر هذا البحث، إن شاء الله تعالی.

ب) تفصیل الأقوال وأدلّتها:

القول الأوّل: وهو استقلال الأب والجدّ فی الولایة علیها

وعلی هذا، فإنّ مباشرة عقد النکاح هو حقّ من حقوق ولیها، فلا تلی نکاح نفسها، ولا عبارة لها فی النکاح، وإن عقدته فهو موقوف علی إجازة ولیِّها.

ص:144

وهذا هو مختارالصدوق فی الهدایة، حیث قال: «ولا ولایة لأحد علی البنت إلّا لأبیها ما دامت بکراً» (1)، والعمانی، والصهرشتی (2)، والشیخ فی النهایة:

ولا یجوز للبکر أن تعقد علی نفسها نکاح الدوام إلّا بإذن أبیها، فإن عقدت علی نفسها بغیر إذن أبیها، کان العقد موقوفاً علی رضا الأب، فإن أمضاه مضی، وإن لم یمضه، وفسخ، کان مفسوخاً، ولوعقد الأب علیها من غیر استئذان لها مضی العقد، ولم یکن لها خلافه، وإن أبت التزویج وأظهرت کراهیته لم یلتفت الی کراهیتها. (3)

فجعل علیها الولایة، ولم یسوغ لها التفرد بالعقد وبه قال فی التهذیب، والاستبصار، والخلاف، والمبسوط (4)، والقاضی، والراوندی حیث یقول:

قوله تعالی: (الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) 5 الأب والجدّ مع وجود الأب إذا کانت البنت صغیرة لم تبلغ مبلغ النساء، أو بلغت وکانت بکراً، فکلّ واحد منهما أن یعقد علی کلّ واحدة منهما، ولا تکون للصغیرة إذا بلغت خیار. وکذلک إن أبت التزویج البکر وأظهرت کراهیة بما عقد علیها أبوها أو جدّها مع وجود الأب، فلا یلتفت إلی کراهیتها. (5)

وهو ظاهر موضع من الوسیلة: «حیث جعل نکاح البکر الرشیدة موقوفاً علی الإجازة» (6)، والکفایة، وشرح النافع لصاحب المدارک (7)، والمحدّث البحرانی فی الحدائق،

ص:145


1- (1) . الهدایة: 260.
2- (2) . المختلف: 534؛ حکاه عن الصهرشتی فی الحدائق: 211/23.
3- (3) . النهایة: 465.
4- (4) . التهذیب: 379/7؛ الاستبصار: 234/3؛ الخلاف: 250/4؛ المبسوط: 162/4.
5- (6) . المهذّب: 193/2؛ فقه القرآن: 138/2.
6- (7) . الوسیلة الی نیل الفضیلة:300.
7- (8) . الکفایة: 155، حکاه عن شرح النافع فی الحدائق: 211/23.

والمحدّث الکاشانی فی رسالة أفردها للمسألة، ویمیل إلیه کلام الفاضل الهندی فی شرح القواعد. (1)

الأدلّة

استدلّ من اشترط الولایة فی نکاح البکر البالغة الرشیدة بالکتاب والسنّة، وإلیک بیان ذلک ما أمکن حسب الآتی:

أ) القرآن الکریم

قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) . (2)

فالخطاب فی قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا) هو للأولیاء المکلّفین.

قال الشیخ الطوسی:

هذا خطاب من الله تعالی للمکلّفین من الرجال یأمرهم أن یزوجوا الأیامی اللواتی لهم علیهن ولایة، وأن یزوّجوا الصالحین المستورین الذین یفعلون الطاعات من الممالیک والإماء إذا کانوا ملکاً لهم. (3)

وفیه دلالة علی أن إنکاح الحرائر إلی الأولیاء، وأن إنکاح الأرقّاء إلی أسیادهم.

ب) السنّة

وأمَّا أدلّة اشتراط الولایة فی النکاح من السنة، فهی أظهر وأشهر منها.

1. روایة الفضل بن عبد الملک عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

ص:146


1- (1) . کشف اللثام: 18/2.
2- (2) . النور: 32.
3- (3) . التبیان: 432/7.

«لا تستأمر الجاریة التی بین أبویها إذا أراد أبوها أن یزوّجها هو أنظر لها؛ وأما الثیب فإنّها تستأذن، وأن کانت بین أبویها إذا أراد أن یزوجاها». (1)

وهذه الروایة تامّة، سنداً، وإن وقع فیها جعفر بن سماعة، فإنّه جعفر بن محمّد بن سماعة، وهو ثقة بشهادة النجاشی. (2)

وأما دلالتها، فهی تدلّ علی ولایة الأب علی التزویج بنحو له أن یزوّجها دون استیذانها ورأیها، فهی تدلّ علی عدم اختیارها فی قبال الأب إذا أعمل الاب ولایته. (3)

ونوقش فی الاستدلال بها:

إنَّ العنوان المأخوذ فی الروایة هو الجاریة، وهی الفتیة من النساء، کما ورد فی لسان العرب - أی: الشابة الحدثة التی هی فی مطلع شبابها - وهذا العنوان أخص من عنوان البکر، وبمناسبة الحکم والموضوع تدلّ علی أنّ ذلک لأجل ضعف رشد الجاریة عادة، ویشهد له أیضاً التعلیل هو أنظر لها.

وعلیه، فبما أنَّ للحکم نکتة عرفیة فلا یحمل علی التعبد وإنَّما الملحوظ فی ولایة الأب هو الرشد وینتج من ذلک أنّه فی مورد لا تتواجد فیه النکتة، فلیس للأب استقلالیّة فی التزویج. (4)

2. روایة أبی مریم عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«الجاریة البکر التی لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبیها». (5)

فهی واضحة الدلالة علی المطلوب علی أنّه لیس لها مع أبیها أمر.

وأورد علی الاستدلال بها:

ص:147


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 3 من النکاح، ح6.
2- (2) . رجال النجاشی: 41.
3- (3) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 383/1.
4- (4) . المصدر السابق.
5- (5) . وسائل الشیعة: 3 من أبواب أولیاء العقد، ح7.

إنَّها ضعیفة سنداً بالمعلّی بن محمّد الوارد فی سندها، والذی لم یثبت وثاقته، علی أنّها لا تدل علی استقلال الولیّ وإنّما تنفی أستقلالها فقط. (1)

3. معتبرة علی بن جعفر عن أخیه الإمام موسی بن جعفر علیه السلام قال:

سألته عن الرجل هل یصلح له أن یزوّج ابنته بغیر إذنها؟ قال علیه السلام : «نعم لیس للولد مع الوالد أمر إلّا أن تکون امرأة قد دخل بها قبل ذلک فتلک لا یجوز نکاحها إلّا أن تستأمر». (2)

ودلالتها علی استقلال الأب فی تزویج بنته وعدم سلطنتها علی التزویج مع تصدّی الأب لا مستقلاً ولا منضمّاً وإطلاقها شامل لمطلق البکر. (3)

4. روایة عبد الله بن الصلت عن أبی الحسن علیه السلام قال:

وسألته عن البکر اذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبیها أمر؟ فقال علیه السلام : «لیس لها مع أبیها أمر ما لم تثیب». (4)

والروایة تامّة سنداً.

وأما دلالة، فقد یقال: إن قوله علیه السلام : «لیس مع أبیها أمر»، له احتمالین:

الأوّل: أنّه لیس لها مع وجود الأب اختیار أصلاً.

الثانی: أنّه لیس لها مع أمر الأب أمر.

وعلی الاحتمال الأوّل تدلّ الروایة علی أنّه لا اختیارلها فی النکاح مطلقاً، بینما علی الاحتمال الثانی تدل الروایة علی عدم اختیارها إذا تدخّل الأب وکان له أمر.

فإذا بنی علی الإجمال کان القدر المتیقن هو ما إذا کان لأبیها أمر، فإنّه الثابت علی کلا الإحتمالین، إلا أنّ المُنساق عُرفاً من الروایة هو الاحتمال الأوّل، فتدلّ علی

ص:148


1- (1) . المؤید، کتاب النکاح: 383/1.
2- (2) . وسائل الشیعة: 14، باب 9، من أبواب عقد النکاح، ح8.
3- (3) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 389/1.
4- (4) . وسائل الشیعة: 14 باب9، من أبواب عقد النکاح، ح11.

استقلاله فی التزویج وعدم سلطنة لها مطلقاً، إلّا أنّ الوارد فیها هو البکر إذا بلغت مبلغ النساء، فالسؤال عن البنت الحدیثة عهداً بالبلوغ فلا إطلاق لها لمطلق البکر.

وأمَّا قوله علیه السلام : ما لم تثیب فإنّ: (ما) وإن کانت زمانیّة، فإنها لا تدلّ علی سعة الموضوع للکبیرة، فإنّ الضمیر فی تثیب یرجع إلی البکر الحدیثة عهداً بالبلوغ، فهی فی هذه السن تحت ولایة الأب ما لم تصبح ثیّب، فإذا صارت ثیباً انتهت سلطنة الأب المطلقة علیها وإن کانت حدیثة عهد بالبلوغ.وهذا یعنی تمام مدخلیة البکارة فی الحکم بالولایة المطلقة علیها، وکون الحکم تعبدیّاً، وبما أن هذا خلاف الإرتکاز ومناسبة الحکم والموضوع، فلا بدّ من رفع الید عن ذلک. (1)

5. روایة عبید بن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث قال:

«لا تستأمر الجاریة فی ذلک إذا کانت بین أبویها فإذا کانت ثیباً فهی أولی بنفسها». (2)

وهی تدلّ علی سلطنة الأب علی تزویج الجاریة إذا أراد تزویجها بقرینة لا تستأمر، فهی تدل علی أنّ محلّ النظر هو ما إذا تصدی الأب لتزویجها وموضوعه الجاریة فلا تدل علی سعة الحکم لمطلق البکر. (3)

وغیرها من الروایات ویؤید هذا القول ما نسب إلی النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: «لا نکاح إلّا بولی» (4)، وما نسب إلیه أیضاً عن الزهری أنَّ النبی صلی الله علیه و آله قال: «أیّما امرأة نکحت نفسها بغیر اذن ولیها فنکاحها باطل )قالها ثلاثاً(.

ولکن توجد روایتان معتبرتان تعارض ما تقدم وتقول بلزوم استشارة البکر وعدم استقلال الأب فی أمرها وهما:

ص:149


1- (1) . المؤید، کتاب النکاح: 386/1.
2- (2) . وسائل الشیعة، باب 3 من أبواب أولیاء العقد، ح13.
3- (3) . المؤید، کتاب النکاح: 385/1.
4- (4) . سنن البیهقی، ح 7 :126 - 124 نصب الرایة: 167/3؛ 249/6.

الأولی: صحیحة منصور بن حازم عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «تستأمر البکر وغیرها ولا تنکح إلا بأمرها». (1)

الثانیة: معتبرة صفوان قال:«استشار عبدالرحمن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام فی تزویج ابنته لابن أخیه قال علیه السلام : افعل ویکون ذلک برضاها فإن لها فی نفسها نصیباٌ». (2)

قال: واستشار خالد بن داود الإمام موسی بن جعفر علیه السلام فی تزویج ابنته علی بن جعفر، فقال علیه السلام :

«افعل ویکون ذلک برضاها، فإن لها فی نفسها حظّاً». (3)

وبما أنَّ هاتین الطائفتین من الروایات إذا عرضتا علی الکتاب کانت الموافقة للکتاب هی الطائفة الثانیة التی تقول باعتبار إذن المرأة فی العقد علیها، فهی المعتبرة فی الاستناد إلیها.

والذی یظهر لی، أنّ الروایتین لا یظهر منهما إلّا اعتبار رضا البکر دون نفی انضمام إذن الأب إلی رضاها، بل قد یظهر منهما أن المعتبر هو رضاهما معاً لقوله علیه السلام : «أن لها فی نفسها نصیباً أو حظّاً»، فتکون هاتین الروایتین من أدلّة القول الخامس.

أمَّا النبویتین، فلا یمکن قبولهما من أمور عدة: منها: بطلان الأوّل لجواز نکاح المرأة إذا کان ولیها غائباً أو ناقصاً بجنون أورق أو کفر مع إسلامها، فحینئذٍ یکون المراد منه لا نکاح کامل إلّا بولیّ کما فی لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد وبطلان الثانی بما ذکره الترمذی فی سننه من أن ابن جریح سأل الزهری عن هذا الخبر الذی یروی عنه فلم یعرفه. (4)

ص:150


1- (1) . وسائل الشیعة: 14، باب 3 من عقد النکاح، ح10.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . سنن الترمذی: 410/3 ذیل، ح1102.

القول الثانی: استقلال البکر الرشیدة فی الولایة علی نفسها

وعلی هذا، فالمرأة العاقلة الرشیدة البکر لها أن تزوج نفسها من دون إذن ولیها.

وهذا هو مذهب السیّد المرتضی، حیث قال:

بجواز عقد المرأة التی تملک أمرها علی نفسها بغیر ولیّ. (1)

وقال الشیخ المفید:

والمرأة إذا کانت کاملة العقل سدیدة الرأی کانت أولی بنفسها فی العقد علی نفسها غیر أنها إذا کانت بکراً ولها أب أو جدّ لأب فمن السنة أن یتولی العقد علیها أبوها أو جدّها لأبیها، ولو عقدت علی نفسها بغیر إذن أبیها کان العقد ما ضیاً وإن أخطأت السنة فی ذلک. (2)

وقال العلّامة الحلّی:

فأما عقدهما أی الأب والجدّ علیها بعد بلوغها التسع سنین، وهی رشیدة مالکة لأمرها، وهی بکر غیر ثیّب، فإن لم ترض وأظهرت الکراهة بطل العقد وانفسخ، وهو قول شیخنا المفید فی کتابه أحکام النساء وقول السیّد المرتضی، وإلی هذا أذهب وعلیه أعتمد وبه أفتی. (3)

والمحقّق:

«أما البکر البالغة الرشیدة فأمرها بیدها، ولو کان أبوها حیاً.» (4)

وقال العلّامة الفاضل:

وإن کانت بالغة رشیدة، فإن کانت ثیّباً کانت الولایة لها خاصة تولی أمرها من شاءت ولو عقدت بنفسها صح، وإن کانت بکراً فکذلک علی أقوی القولین. (5)

ص:151


1- (1) . الانتصار :283.
2- (2) . أحکام النساء: 36.
3- (3) . السرائر: 561/2.
4- (4) . نجم الدین جعفر، النافع: 173/1.
5- (5) . تحریر الأحکام: 6/2.

وقد قالا الشهیدان:

«ولا ولایة علی البکر البالغة الرشیدة فی الأصح.» (1)

وقال المحقّق الکرکی:

«وأنَّ الأصحّ أنّها مع بلوغها ورشدها لها الاستقلال بالعقد علی نفسها.» (2)

وقال الفاضل المقداد بعد أن ذکر الأقوال فی المسألة:

«الأوّل، وهو الحقّ، أیّ: أن البکر البالغ الرشیدة أمرها بیدها، ولو کان أبوها حیاً.» (3)

الأدلّة

واستدلّوا أصحاب هذا القول لما ذهبوا إلیه بالکتاب والسنة، وإلیک بیان ذلک مفصلاً:

أ) أدلّتهم من القرآن الکریم

الدلیل الأوّل: قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِکَ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کانَ مِنْکُمْ یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکُمْ أَزْکی لَکُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . (4)

قال الشیخ الطبرسی: قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) ، أی: لا تمنعوهن ظلماً عن التزویج. (5)

وقد دلّت هذه الآیة من وجوه علی جواز النکاح إذا عقدت علی نفسها بغیر ولیّ، ولا إذن ولیها:

ص:152


1- (1) . اللمعة والروضة: 116/5.
2- (2) . جامع المقاصد: 83/12.
3- (3) . التنقیح: 31/3.
4- (4) . البقرة: 232.
5- (5) . مجمع البیان: 110/2.

أحدها: إضافة العقد إلیهن.

والثانی: نهی الأولیاء عن معارضتهن. (1)

الدلیل الثانی: قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ) . (2)

قال القطب الراوندی:

قوله تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فأباح فعلها فی نفسها من غیر إشتراط الولیّ قال: ولا یجوز أن یحمل إشتراط المعروف علی تزویج الولیّ لها وذلک لوجهین:

أحدها: أنّه تعالی رفع الجناح عنها فی فعلها بنفسها بالمعروف؛

ثانیاً: عقد الولیّ علیها لا یکون فعلاً منها فی نفسها. (3)

الدلیل الثالث: قوله تعالی: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ یُقِیما حُدُودَ اللّهِ وَ تِلْکَ حُدُودُ اللّهِ یُبَیِّنُها لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ) . (4)

قال ابن إدریس الحلّی: قوله تعالی: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ) فجعل النکاح فی الولایة بیدها، وأضافه إلیها، فالظاهر أنّها تتوّلاه.

قوله تعالی: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیْهِما) أن یتراجعا، فأضاف التراجع - وهو عقد مستقل - إلیهما؛ لأنّه لو أراد الرجعة من الزوج وحده لما أضافه إلیها معاً. (5)

ص:153


1- (1) . الانتصار: 285.
2- (2) . البقرة: 234.
3- (3) . فقه القرآن: 139/2.
4- (4) . البقرة: 230.
5- (5) . السرائر: 561/2.

ب) الدلیل من السنة

وأمّا الدلیل من السنة علی إنکاح نفسها من دون إذن الولیّ، فقد استدلّوا بجملة من الأحادیث منها ما یلی:

الحدیث الأوّل: معتبرة الفضیل بن یسار ومحمّد بن مسلم وزرارة وبرید بن معاویة کلّهم عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«المرأة التی قد ملکت نفسها غیر السفیهة ولا المولی علیها تزویجها بغیر ولیّ جائز». (1)

ودلالتها علی المطلوب تامّة واطلاقها شامل للبکر، ودعوی عدم کون البکر مالکة لأمرها؛ لأنّه أوّل الکلام فی غایة الضعف لوضوح أن المراد کونها مالکة لنفسها فی غیر النکاح، کما هو المنساق منها عرفاً. (2)

الحدیث الثانی: روایة أبی مریم عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«الجاریة البکر التی لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبیها». وقال: «إذا کانت مالکة لأمرها تزوّجت متی شاءت». (3)

وهی واضحة الدلالة علی استقلال البکر الرشیدة فی زواجها.

وأشکل علی الاستدلال بهذه الروایة بما یلی:

أوّلاً: أنها ضعیفة السند بالمعلّی بن محمّد الذی لم تثبت وثاقته.

ثانیاً: بإجمال المراد من کونها مالکة لأمرها، فیحتمل أن یکون المراد به البلوغ، فیکون المراد من الجاریة الصغیرة، ویحتمل أن یکون المراد الثیّب فی قبال البکر المذکورة فی صدر الروایة، ویحتمل أن یکون المراد من لیس لها أب والحمل علی الأوّل غیر ظاهر. (4)

ص:154


1- (1) . وسائل الشیعة، باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح1و7.
2- (2) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 378/1.
3- (3) . وسائل الشیعة، باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح7.
4- (4) . انظر مستمسک العروة الوثقی: 442/14.

ثالثاً: أنّ الموضوع فی صدر الروایة لما لم یکن الجاریة، فحسب، بل الجاریة البکر کشف صدر الروایة عن وجود خصوصیة للبکارة ومدخلیتها فی ولایة الأب، وعلیه لا یمکن حمل الصدر علی خصوص الصغیرة غیر البالغة وحمل الذیل علی البالغة؛ لأنّ معناه إلغاء خصوصیة البکارة، فإنّ الصبیة أمرها بید أبیها سواء کانت بکراً أم ثیّباً، فلا بدّ من حمل الجملة الثانیة علی موت الأب أو تثیّب البنت بعد ذلک. (1)

الحدیث الثالث: روایة عبد الرحمن عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«تزوج المرأة من شاءت إذا کانت مالکة لأمرها، فإن شاءت جعلت ولیاً». (2)

ودلالتها تامّة وواضحة علی المطلوب.

وأورد علی الاستدلال بها أن سندها ضعیف بالمعلی بن محمّد أیضاً. (3)

الحدیث الرابع: معتبرة عبد الله بن الصلت قال:

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجاریة الصغیرة یزوجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: «لیس لها مع أبیها أمر». قال: وسألته عن البکر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبیها أمر؟ قال: «لیس مع أبیها أمر ما لم تکبر». (4)

فإن ذیلها یدل علی أنّها إذا کبرت لم تکن لأبیها الولایة علیها، والمراد بالکبر لیس البلوغ؛ لکونه قد أخذ فی مفروض السؤال، فلا بدّ أن یکون المراد الرشد.

أمّا لارتکازیّة عدم خصوصیة الکبر؛ وأمّا لکون الکبر أمراً غیر منضبط فی الروایة، فإیکال القضیّة إلی الکبر، وهو أمر مشکک خلاف الارتکاز العرفی فلا بدّ أن یراد به الرشد. (5)

ص:155


1- (1) . کتاب النکاح: 261/2.
2- (2) . وسائل الشیعة: 14، باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح8.
3- (3) . رجال النجاشی: 418؛ رجال ابن الغضائری: 96.
4- (4) . وسائل الشیعة: 14، باب 3 من أبواب عقد النکاح، ح3.
5- (5) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 380/1.

وأورد علی الاستدلال:

إنّ الروایة لا تدل علی استقلال البالغة الرشیدة، لأنّها لم تنف اعتبار إذن الأب وإنّما دلت علی عدم استقلال الأب فی التزویج. (1)

هذه هی جملة من الاخبار المستدل بها فی المقام، وقد ظهر أن فیها ما هو تامّ سنداً ودلالةً.

لکن لا بدّ من ملاحظة أدلّة الأقوال الأخری والنسبة بینها وبین هذه الأخبار.

القول الثالث: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الأوّل دون الثانی

وعلی هذا، فالمرأة العاقلة الرشیدة الباکر لها أن تزوّج نفسها من دون إذن ولیها إذا کان العقد دائماً؛ وأمّا إذا کان العقد منفصلاً، فلیزم أن یکون بإذن الولیّ.

قال المحقّق: ومن الأصحاب من أذن لها فی الدائم دون المنقطع. (2) ولم یذکر من هو القائل، وعن الشهید فی شرح نکت الإرشاد (3) أنّ المحقّق سئل عن قائله، فلم یجب. (4)

ویمکن أن یستدل له:

بدعوی انصراف مادلّ علی استقلالها إلی خصوص الدائم والتمسّک بإطلاقات أدلّة النکاح المنقطع. (5)

وقد ذکر السیّد الخوئی:

وفیه مالا یخفی فإن دعوی الانصراف فی غیر محلها فإن المتعة نوع وقسم من النکاح یجری علیه جمیع الأحکام الثابتة لعنوان الزواج کحرمة الأم أو البنت فی

ص:156


1- (1) . المصدر السابق: 380/1.
2- (2) . شرائع الإسلام: 220/2.
3- (3) . غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد: 22/3.
4- (4) . السائل هو الفاضل الأبی کما فی کشف الرموز: 112/2 و 113.
5- (5) . انظر: مستمسک العروة الوثقی: 443/14.

فرض الدخول وحرمتها هی بالزنا بها وهی ذات بعل، أو التزویج بها فی أثناء العدة مع الدخول أو العلم بالحال علی أنّه لو سلم ذلک ففی المقام معتبرتان تدلّان علی اعتبار إذن الأب فی خصوص المتعة وهما.

أوّلاً: صحیحة البزنطی عن الإمام الرضا علیه السلام : قال: «البکر لا تتزوّج متعة إلا بإذن أبیها». (1)

ثانیاً: صحیحة أبی مریم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «العذراء التی لها أب لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبیها». (2)

ومن هنا یکون حکم المتعة حکم الزواج الدائم فی اعتبار رضا الأب.

نعم، فی خصوص المتعة دلت روایتان علی جوازهما من غیر إذن الأب فیما إذا اشترط عدم الدخول وهما:

أوّلاً: روایة الحلبی، قال سألته:

عن التمتع من البکر إذا کان بین أبوبها بلا أذن أبوبها قال علیه السلام : «لا بأس ما لم یفتض ماهناک لتعف بذلک». (3)

ثانیاً: روایة أبی سعید القماط عمن رواه قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام جاریة بکر بین أبوبها تدعونی إلی نفسها سراً من أبویها أفعل ذلک؟ قال: «نعم واتّق موضع الفرج». قال: قلت: فإن رضیت بذلک؟ قال: «وإن رضیت فإنّه عار علی الأبکار». (4)

وهاتان الروایتان لو تمتّا سنداً فلا محیص عن الالتزام بمضونهما لعدم المعارض لهما، وبذلک تکون مخصصتین لما دلّ علی اعتبار إذن الأب فی تزویج البکر.

إلّا أنهما ضعیفتان سنداً ولاتصلحان للاعتماد علیهما.

أمَّا الثانیة، فلوقوع محمّد بن سنان فی الطریق مضافاً إلی إرسالها.

ص:157


1- (1) . وسائل الشیعة: 21، کتاب النکاح، ابواب المتعة، ب 11، ح5.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . المصدر السابق: ح9.
4- (4) . المصدر السابق: 21 کتاب النکاح، ابواب المتعة، ب 11، ح7.

وأمَّا الأولی، فقد ذکرهما الشیخ باسناده، عن أبی سعید وقد ذکر قدس سره فی الفهرست أنّ أباسعید له کتاب الطهارة، ثمّ ذکر طریقه إلیه. (1)

غیر أنّه لم یذکر أنّه من هو بالذات، ومن هنا تکون الروایة ضعیفة من حیث جهالة أبی سعید علی أنّه طریقه قدس سره إلیه ضعیف بأبی الفضل. (2)

ولایة الأب فی الزواج المنقطع

إنَّ الزواج المنقطع قد وقع فی عصر الإسلام فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وفی عهد أبی بکر إلّا أنّه لما جاء دور عمر بن الخطاب منعه، وقال بتحریمه.

وإلیک العرض التاریخی حول أساس الزواج المنقطع، وما یتفرّع علیه من وجود الولایة وعدمها.

ذکر ابن جریر الطبری فی تفسیره جامع البیان عن آیة المتعة عن عبد الرزاق وأبی داود فی ناسخه وابن جریر عن الحکم قال:

سألته عن هذه الآیة: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیماً حَکِیماً) 3 أمنسوخة هی؟ قال: لا. قال الحکم: قال علی علیه السلام : «لولا أن عمر نهی عن المتعة مازنی إلّا شقیّ». (3)

ویقول ابن الأثیر فی نهایته فی مادة شقی: قال ابن عبّاس:

ما کانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها أمّة محمّد صلی الله علیه و آله لولا نهیه عنها - یعنی: عمر - ما احتاج إلی الزنی إلّا الشقیّ، أی: قلیل من الناس. (4)

وجاء فی تفسیرالجامع لأحکام القرآن: روی عن عطاء عن ابن عبّاس قال:

ص:158


1- (1) . الفهرست :184 رقم 823.
2- (2) . موسوعة الإمام الخوئی: 213/33، مسألة 1.
3- (4) . جامع البیان: 20/5.
4- (5) . النهایة: 488/2.

ما کانت المتعة إلّا رحمة من الله رحم بها عباده، ولولا نهی عمر عنها ما زنی إلّا شقیّ. (1)

وقال الجصّاص فی أحکام القرآن فی تفسیر آیة المتعة ما روی عن عمر أنّه قال فی خطبته:

متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله حلالاً أنا أنهی عنهما وأعاقب علیهما متعة النساء ومتعة الحجّ. (2)

أمّا من حیث انطواء حقیقة الزواج علی المنقطع والدائم إلی حقیقة واحدة، کما أشرنا إلیه أیضاً فی حقیقة العقد.

وأمّا بالنظر إلی کون الولایة هل تشمل المنقطع أم لا، فالظاهر إن قلنا بالولایة للدائم. فنلتزم بالولایة للمنقطع؛ لأنَّهما من مقولة واحدة.

ولا وجه لانصراف الولایة للدائم مع کون المنقطع من حقیقة واحدة وقلة الزمان وطوله لایجعلهما دخیلین فی ماهیة الزواج؛ لأنَّ الزمان ظرف لتحققهما.

القول الرابع: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الثانی دون الأوّل

وعلی هذا، فالمرأة العاقلة الرشیدة الباکر لها أن تزوّج نفسها من دون إذن أبیها إذا کان العقد منقطعاً؛ وأمَّا إذا کان دائماً، فلیزم أن یکون بإذن الولیّ.

وذهب إلی هذا التفصیل الشیخ الطوسی حیث قال:

بعد نقل ماهو معارض لأخبار إستقلالها، ما هذا لفظه فهذا الخبر یحتمل شیئین:

الأوّل: أن یکون مخصوصاً بنکاح المتعة علی ما قدمناه من الرخصة فی ذلک بالشرائط التی قدّمناها.

الثانی: أن یکون محمولاً علی أنَّها إذا کانت بالغة ولا یزوجها أبوها من کفو

ص:159


1- (1) . الجامع لأحکام القرآن: 130/5.
2- (2) . أحکام القرآن: 103/3.

لها ویعضلها بذلک فحینئذ یجوز لها العقد علی نفسها. (1)

ولم ینسب إلیه فی غیرهما ولا إلی غیره.

واستدلّ علی عدم استقلالها فی الدوام الروایات الدالة علی عدم استقلالها، ممّا تقدم.

وعلی استقلالها فی المتعة بجملة من الأحادیث منها ما یلی:

الحدیث الأوّل: روایة أبی سعید القماط عمن رواه قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جاریة بکر بین أبوبها تدعونی إلی نفسها سرّاً من أبوبها أفعل ذلک؟ قال: «نعم واتّق موضع الفرج». قال: قلت: فان رضیت بذلک؟ قال: «وإن رضیت فانه عار علی الأبکار». (2)

الحدیث الثانی: روایة الحلبی قال: سألته عن التمتع من البکر اذا کان بین أبوبها بلا أذن أبوبها قال علیه السلام : «لا بأس ما لم یفتض ما هناک لتعف بذلک». (3)

وهاتان الروایتان لو تمتا سنداً فلا محیص عن الالتزام بمضونهما لعدم المعارض لهما، وبذلک تکون مخصصتین لما دلّ علی اعتبار إذن الأب فی تزویج البکر.

للجمع بین الأخبار من الأخذ بنصوص اسقتلال الولی، بعد تقییدها بالدوام وإخراج المتعة منها للأخبار المتقدّمة. (4)

وقد أشکل علی هذا الجمع بإباء ظاهر جمیع الأخبار عنه، فهو جمع غیر عرفی، أی: تبرعی لاشاهد له فی الأخبار أو العرف، بل یأباه الاعتبار لوجود غضاضة وعار علی أهلها فی زواجها بدون إذن ولیها فی المنقطع مع احتمال الحبل فیه، ولو کان قصیر المدة فضلاً عن طویلها. (5)

ص:160


1- (1) . الاستبصار: 236/3.
2- (2) . وسائل الشیعة: 21 کتاب النکاح، أبواب المتعة، ب 11، ح7.
3- (3) . المصدر السابق: باب 11 من أبواب المتعة، ح9.
4- (4) . موسوعة الإمام الخوئی: 214/33.
5- (5) . جواهر الکلام: 179/29.

علی أنّه توجد صحیحتان تصرحان بلا بدّیة إذن الأب فی الزواج المنقطع.

أحدها: صحیحة البزنطی عن الإمام الرضا علیه السلام قال: «البکر لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبیها». (1)

ثانیاً: صحیحة أبی مریم عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«العذراء التی لها أب لا تتزوّج متعة إلا بإذن أبیها». (2)

ومن هنا یکون حکم المتعة حکم الزواج الدائم، وذلک باعتبار رضا الأب.

القول الخامس: التشریک فی الولایة بین البکر وبین الأب أو الجدّ فیعتبر إذنهما معاً

اشارة

وأشار إلیه المحقّق بقوله:

وفیه روایة أخری دالة علی شرکتهما فی الولایة حتّی لا یجوز لهما أن ینفردا عنها بالعقد. (3)

واستدلّ له بأمور:

الأوّل: أنّه مقتضی الجمع بین ما دل علی اعتبار إذن الأب نضیر معتبرة العلاء بن رزین عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا تتزوّج ذوات الآباء من الأبکار إلّا بإذن آبائهن» (4)، وما دل علی اعتبار إذن البکر. (5)

الثانی: ما أفاده السیّد الخوئی قدس سره من التمسک بمعتبرة صفوان قال:

استشار عبد الرحمن موسی بن جعفر علیه السلام فی تزویج ابنته لابن أخیه، فقال: «افعل ویکون ذلک برضاها، فإن لها فی نفسها نصیباً».

ص:161


1- (1) . وسائل الشیعة: کتاب النکاح، أبواب المتعة، ب 11، ح5.
2- (2) . المصدر السابق: باب 11 من أبواب المتعة، ح5.
3- (3) . شرائع الإسلام: 276/2.
4- (4) . وسائل الشیعة: باب 6 من أبواب عقد النکاح، ح5.
5- (5) . انظر: المؤید: کتاب النکاح: 390/1.

قال: واستشار خالد بن داود موسی بن جعفر علیه السلام فی تزویج ابنته علی بن جعفر فقال: «افعل ویکون ذلک برضاها فإن لها فی نفسها نصیباً».

فإنّ لها ظهور فی عدم استقلالها وکون بعض الأمر لها خاصّة. (1)

الثالث: ما أفاده السیّد الخوئی قدس سره أیضاً من التمسک بمعتبرة زرارة بن أعین، حیث قال:

سمعت الإمام الباقر علیه السلام یقول: «لاینقض النکاح إلّا الأب» (2) ومثلها معتبرة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لا ینقض النکاح إلّا الأب». (3)

وتقریب الاستدلال بهاتین الروایتین یقوم علی أساس أنَّ النقض إنّما یکون بالنسبة إلی الأمر المبرم، وأنّ المقصود من العقد المبرم فی المقام لا یمکن أن یکون العقد الصحیح بالفعل؛ لأنّه غیر قابل للنقض مطلقاً؛ إذ لیس لأحد الخیار فی فسخ النکاح الصحیح بإجماع المسلمین قاطبة.

وعلیه لا بدّ من الحمل علی الإبرام الشأنی والصحّة التأهلیّة - أی: ما یکون صادراً من أهله وواقعاً فی محلّه - بحیث له قابلیّة الإتمام والصحّة عند استکمال سائر الشروط المعتبرة. وقد استعمل الإبرام بهذا المعنی فی غیر هذا المورد فقد ورد فی کتاب الصلاة أن من أجهر فی موضع الإخفات أو أخفت فی موضع الجهر فقد نقض صلاته، ومن الواضح أنّه لیس المقصود نقض الصلاة المحکومة بالصحّة بالفعل.

وعلیه، تدلّ هاتان المعتبرتان علی التشریک، فإنّ العقد محکوم بالصحّة الشأنیّة المتوقفة علی رضا الأب وإذنه، فإن تحقق ذلک صحّ العقد بالفعل. (4)

تقریب الاستدلال

1. بما أن لیس لأحد الخیار فی فسخ النکاح الصحیح بإجماع المسلمین قاطبة، فلا یراد من النقض هنا النقض الحقیقی للعقد الصحیح، بل لا بدّ أن یکون بالمعنی إنّ ما من شأنه

ص:162


1- (1) . موسوعة الإمام الخوئی: 208/33.
2- (2) . وسائل الشیعة: 205/14، ب 241 من ابواب عقد النکاح أولیاء العقد، ح5.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . الخوئی، کتاب النکاح: 265/2.

أن یکون مبرماً بأن یکون صادراً من أهله، بحیث یکون له قابلیّة الإتمام والصحّة یتمکن الأب من نقضه بعدم رضاه، ویتمکّن من حلّه کما یتمکن من تصحیح العقد برضاه.

2. بما أن الثیب قد ثبت عدم جواز نقض عقدها من قبل الأب وثبت أن عقد الصبیة محکوم بالبطلان وإن أذِنَ الأب فینحصر مورد ها تین الصحیحتین فی تزویج البکر بغیر إذن أبیها.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی، هو: ترجیح القول الخامس لما فیه الجمع بین النصوص الواردة.

وقد ذکر صاحب الجواهر:

أنّه لم یعرف له وجها سوی دعوی الجمع بین الأدلّة. (1)

وخصوص قوله علیه السلام فی معتبرة صفوان: «فإن لها فی نفسها نصیباً» أو: «فإن لها فی نفسها حظّاً»، فإنّهما ظاهران فی عدم استقلالها وکون بعض الأمر خاصة لها.

وأیضاً لصحیحة زرارة بن اعین، حیث قال: سمعت الإمام الباقر علیه السلام یقول: «لاینقض النکاح إلّا الأب». (2)

وصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لا ینقض النکاح إلّا الأب».

إنَّ التشریک بین البکر وبین الأب أو الجدّ من قبل الأب فی الولایة بمعنی توقّف الصحّة علی إذنهما معاً إنّما یکون ذلک مراعاة مصلحة البنت فلأنها بکر لا تجربة لها فی الحیاة الزوجیّة ولکونها غیر مخالطة للرجال فمعرفتها بصفاتهم وأخلاقیاتهم محدودة، ولما قد یغلب علیها من الاندفاع العاطفی، لکلِّ ذلک یخشی علیها من ألّا یکون قرارها فی اختیار الزوج موضوعیّاً مناسباً فتتورّط فی حیاة زوجیّة لا تسعدبها،

ص:163


1- (1) . جواهر الکلام: 183/29.
2- (2) . وسائل الشیعة: 205/14، ب 241 من أبواب عقد النکاح وأولیاء العقد، ح5.

ولا یمکن الخلاص منها بسهولة، باعتبار أنّ قرار الانفصال والطلاق بید الزوج.

کما أنّها لو حصل بینها وبین زوجها أیّ مشکلة فستحتاج إلی وقوف أهلها معها، وإذا ما کان الزواج خلاف رأیهم فتحْرَمُ من دعمهم ومساعدتهم عند اللزوم.

لهذه الحیثیّات التی تصب فی مصلحة البنت، کان لولیها دور فی قرار زواجها، لما یترتّب علیه من ألفة، ومودة، وسکن، وراحة للحیاة الزوجیّة، وفی ذلک تحقیق لمصالح النکاح الشرعیّة من عُشرة بینهما بالمعروف، وقیام بالحقوق الزوجیّة لکلّ منهما نحو صاحبه، وفی ذلک دوام للنکاح، واستقرار له، وتعاون علی حفظ النسل وتربیته، کما أنّه تشیر إلی ذلک بعض الروایات الواردة فی هذا المجال.

ففی صحیحة الفضل بن عبد الملک عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إذا أراد أبوها أن یزوّجها هو أنظر لها» (1)، أی: هو أصوب نظر لتحقیق مصلحتها لخبرته الا جتماعیة وحرصه علی مستقبل ابنته ولموضوعیته فی اتخاذ القرار دون الوقوع تحت سیطرة الأحاسیس والعواطف أضف إلی مدی اهتمام الشارع فی احترام إرادة المرأة وحریّة التعبیر عمّا فی نفسها، وإنّ إرادتها معتبرة فی نکاحها وقد منحها الله تعالی هذا الحقّ، وهو حریّة التعییر عن هذه المسألة المهمة فی حیاتها، کما أشارت إلی ذلک معتبرة صفوان: «فإنّ لها فی نفسها نصیباً» و:«فإنّ لها فی نفسها حظاً» فیکون التشریک بین رضا الأب ورضا البنت فیکون کلا الرضائین بنحو جزء العلة المؤثرة.

نلخصّ ما تقدّم فی النقاط التالیة:

1. إنّ القول الأوّل بروایاته الدالة علیه استقلال الأب أو الجدّ فی الولایة علیها لا یمکن القول به لما فیه من المعارضة لمعتبرة صفوان القائلة «إن لها فی نفسها نصیباً» الموافقة للکتاب والسنة الدالین علی عدم ثبوت ولایة أحد علی غیره إلّا بدلیل.

ص:164


1- (1) . وسائل الشیعة: 270/20 الباب 3 من ابواب عقد النکاح، ح6.

2. القول الثانی: «استقلال البکر فی أمرها» لا یمکن الأخذ به رغم ذهاب المشهور إلیه؛ لأنَّ أدلته کما تقدّمت هی مطلقة أو عامّة والمطلق أو العامّ لا یمکن الأخذ به إلّا ما ثبت خلافه.

3. القول الثالث: التفصیل بین الدوام والانقطاع باستقلالها فی الأوّل دون الثانی.

لم یعرف قائله رغم وجود صحیحتین تدلّان علیه، فحینئذٍ تکون الصحیحتان قد أعرض عنهما فسقطتا عن الحجیّة.

4. القول الرابع: وهو عکس الثالث، لا شاهد له من الأخبار أو العرف.

5. القول الخامس: إذن هو المتعین للنصوص الصحیحة أوّلاً وعدم مخالفة الکتاب ومطابقة الاعتبار فی إعطائها من نفسها نصیباً أو حظّاً، وهو الموافق للاحتیاط أیضاً.

ص:165

ص:166

المبحث الرابع: الولایة علی السفیه المبذِّر

المطلب الأوّل: معنی السفه لغةً واصطلاحاً

السَّفَه لغةً:

فهو ضدّ الحلم، وقیل خفّته، وقیل الجهل، ولا منافاة بین ذلک، فإنّ أصل معنی السفه: لغة الخفّة، والسخافة، کما قاله ابن فارس، وغیره، ونصّ علی أنّه قیاس مطَّرد فی هذا، فیقال ثوب سفیه، أی: ردیء النسج.

ویقال: تسفّهت الریح الشجر، أی: أمالته.

کما قال ذو الرمة:

مشین کما اهتزّت ریاح تسفّهت أعالیها مرّ الریاح النَّواسم

ومن شعره فی وصف زمام ناقته:

وابیضَ (1) مَوشیِّ القمیص نصبته علی ظهر مقلاتٍ سفیهٍ جَدِیلها

أی: خفیف زمامها. (2)

ص:167


1- (1) . الأبیض هنا هو السیف، کما فی اللسان وغیره.
2- (2) . انظر: مقاییس اللغة: 79/3؛الصحاح: 2234/6؛تاج العروس: 390/9؛ القاموس: 287/4؛ لسان العرب: 497/13.

السفه اصطلاحاً:

فالسفیه بکسر الفاء، وسمّی سفیها لخفة عقله وسوء تصرفه، وقد عرفه الفاضل الآبی فی کشف الرموز: هو الذی یصرّف أمواله فی غیر الأغراض الصحیحة. (1)

فالسفیه هو المحجور علیه فی التصرّفات المالیّة الذی یصرف الأموال فی غیر الأغراض الصحیحة عند العقلاء، بحیث یعاب علی ذلک عرفاً؛ ولذا فسّره الفقهاء جمیعاً فی کتاب الحجر بهذا المعنی.

قال العلامة:

أما الرشد، فهو کیفیة نفسانیة تمنع من إفساد المال وصرفه فی غیر الوجوه اللایقة بافعال العقلاء.

وقال أیضاً:

وأما السفیه فهو الذی یصرف أمواله فی غیر الوجه الملایم لأفعال العقلاء. (2)

وقال المحقّق الحلّی:

أمّا السفیه، فهو الذی یصرف أمواله فی غیر الأغراض الصحیحة. (3)

وقال الطوسی:

والمبذر سفیه (4)، وفی التنقیح: لا شکّ أنّ المفهوم من الرشد عرفاً هو إصلاح المال وعدم الانخداع فی المعاملات. (5)

إلی غیر ذلک من کلمات الفقهاء بل هی متطابقة علی ذلک، وقد فسّر السفیه بهذا المعنی فی بعض الروایات، ففی موثقة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

ص:168


1- (1) . کشف الرموز: 553/1.
2- (2) . قواعد الأحکام: 137/2.
3- (3) . الشرائع: 86/2.
4- (4) . الخلاف: 287/3.
5- (5) . التنقیح الرائع: 181/2.

سأله أبی وأنا حاضر عن قول الله عزّ وجلّ: (حَتّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ، قال: «الاحتلام». قال: فقال: یحتلم فی ستة عشر سنة وسبع عشر سنة ونحوها؟ فقال: «إذا أتت علیه ثلاث عشر سنة کتبت له الحسنات وکتبت علیه السیئات وجاز أمره إلّا أن یکون سفیهاً أو ضعیفاً». فقال: وما السفیه؟ فقال: «الذی یشتری الدرهم بأضعافه»، وقال: وما الضعیف؟ قال: «الأبله». (1)

وفی صحیحة عیص بن القاسم عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

سألته عن الیتیمة متی یدفع إلیها مالها؟ قال: «إذا علمت أنّها لا تفسد ولا تضیع». (2)

وفی مرسلة الفقیه عن الإمام الصادق علیه السلام :

أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ) قال: «إیناس الرشد حفظ المال». (3)

ثمّ هذا التفسیر من الفقهاء یمکن أن یکون مرادهم منه السفیه المحجور علیه فی التصرّفات المالیّة، فیکون ما ذکروه بیاناً للسفیه المخصوص، لا مطلق السفیه.

وعلی هذا یکون عرفهم فی السفیه متطابقاً مع عرف اللغویّین من کونه ضعیف العقل.

المطلب الثانی: الولایة علی السفیه المبذِّر

لا شکّ أنَّ الولایة فی النکاح لا تکون إلّا علی ناقص بصغر أو جنون أو سفه أورقّ، والسفیه هنا من کان سفهه فی تبذیر المال لا من جهة أخری کفساد العقل الملحق له بالجنون، وهولا یجبر علی النکاح؛ لأنّه بالغ عاقل ولا یجوز له الاستقلال بالنکاح لسفهه فی تبذیر المال جاء فی الحدائق:

ص:169


1- (1) . التهذیب: 182/9، ح731.
2- (2) . وسائل الشیعة، باب 1 من أبواب الحجر، ح3.
3- (3) . المصدر السابق: 143/13، ح2.

إنَّ المحجور علیه للسفه والتبذیر لا یجوز له أن یتزوّج؛ لأنه ممنوع من التصرّفات المالیة. (1)

واستدلّ علی ذلک:

أنّ السفیه لما کان ممنوعاً من التصرّفات المالیّة، ولما کان النکاح بلحاظ ما یترتّب علیه من مهر ونفقة مندرجاً فی التصرّفات المالیّة، لذا کان ممنوع علیه من دون إذن الولیّ، کما یقتضیه الحجر علی السفیه. (2)

وقد أورد علیه السیّد الخوئی بما یلی:

أوّلاً: أن هذا الدلیل مختص بالولد دون البنت.

ثانیاً: بالمنع من کون مطلق الزواج من الأمور المالیه إذ ربما لا یستلزم النکاح المال، کما إذا نکحها بدون المهر بشرط عدم النفقة.

ثالثاً: أن المهر قد یفرض من غیره ومن دون أی تصرف فی شیء من أمواله؛ وأمّا وجوب الإنفاق، فهو حکم شرعی متفرع علی التزویج، ولیس من مصادیق التصرّف المالی، فلا وجه لاستلزام الحجر عنه للحجر بالنسبة إلیه.

وفیه: أنَّ وجوب الإنفاق وإن کان حکماً شرعیّاً، لکن لمّا کان علی السفیه أن ینفق، ولما کان الإنفاق تصرّفاً مالیّاً، ولما کانت النفقة تتحدّد بشأن الزوجة وما یلیق بها؛ لذا فإنّ الحجر علی السفیه فی التصرّفات المالیّة یقتضی منعه من الزواج إلّا بإذن الولیّ لما یستتبعه زواجه من إنفاق، وما یستتبع الإنفاق من تصرف مالی، فکلّ عمل یستتبع تصرّفاً مالیّاً لیس للسفیه بلحاظ الحجر أن یستقلّ به.

ولذا، فإنّ الاستدلال علی هذا البحث یکون بالروایات الدالة علی أن السفیه لا یجوز أمره فی النکاح، فقد وردت صحیحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام قال: سأله أبی وأنا حاضر عن الیتیم متی یجوز أمره؟ قال:

«حتّی یبلغ أشده». قال: وما أشده؟ قال: «احتلامه». قال: قلت: قد یکون الغلام ابن ثمان عشر سنة أو أقلّ أو أکثر ولم یحتلم؟ قال: «إذا بلغ وکتب علیه الشیء

ص:170


1- (1) . الحدائق الناظرة: 246/23.
2- (2) . جامع المقاصد: 100/12.

جاز أمره إلّا أن یکون سفیهاً أو ضعیفاً. (1)

وهذه الروایة واضحة الدلالة علی عدم جواز أمر السفیه وبقاء الولایة علیه ویجری الحکم إلی البنت السفیهة لعدم القول بالفصل، وأیضاً وردت صحیحة الفضلاء عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«المرأة التی ملکت نفسها غیر السفیهة ولا المولی علیها، تزویجها بغیر ولی جائز». (2)

ویدلّ ظاهر هذه الروایة أنّها قیدت استقلالها فی النکاح بعد أن ملکت نفسها وبلغت بعدم کونها سفیهة وحینئذٍ، فان کانت سفیهة فهی غیر مستقلّة فی النکاح. (3)

فرع

لو تزوّجت السفیهة بدون إذن الولیّ فیتوقف صحّة هذا النکاح علی إجازة الولیّ إذا رأی مصلحة فی هذا الزواج ولا یحتاج إلی إعادة الصیغة؛ لأنَّ صیغة السفیهة معتبرة، ولیست هی کالمجنون والصبی الذی سلب الشارع عبارتهما وجعل عمدهما خطاً؛ ولذا یصحّ أن توکل السفیه فی إجراء صیغة النکاح بین رجل وامرأة، کما یصح له إجراء صیغة نکاح نفسه إذا أذِنَ له الولیّ.

المطلب الثالث: الولایة فی النکاح علی السفیه

اشارة

والکلام هنا فی مقامین:

الأوّل: السفیه المتّصل سفهه بزمان الصغر.

الثانی: السفیه الذی لم یتّصل سفهه بصغره.

ص:171


1- (1) . وسائل الشیعة: 13، باب 2 من أبواب الحجر، ح5.
2- (2) . المصدر السابق: 14، باب 3 من عقد النکاح، ح1.
3- (3) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 233/33.
الأوّل: السفیه المتصل سفهه بزمان صغره

فالظاهر ثبوت الولایة علیه للأب والجدّ ومع فقدهما للحاکم الشرعی.

قال الشهید الثانی: فی شرح قول الشهید الأوّل:

والحاکم والوصی یزوّجان من بلغ فاسد العقل، قال: لا ولایة لهما علی الصغیر مطلقاً فی المشهور. (1)

وقال السیّد الطباطبائی فی الریاض شارحاً عبارة المختصر النافع للمحقق:

ولا یزوّج الوصی إلّا من بلغ فاسد العقل، وکذا الحاکم.

معلقاً علی الفقرة الأولی:

ولا یزوّج الوصی للأب والجدّ صغیری الموصی مطلقاً علی الأشهر کما فی المسالک، وهو الأظهر.

وعلی الفقرة الثانیة:

وکذا الحاکم... فلا یزوّج الصغیرین مطلقاً فی المشهور. (2)

بل فی الحدائق اتفاق الأصحاب علیه، حیث قال:

وتثبت ولایته علی من تجدد جنونه أو سفهه بعد البلوغ فی غیر إشکال عندهم ولا خلاف، وتنتفی عن الصغیر مطلقاً عند الأصحاب. (3)

واستدلّ له بما یلی:

أوّلاً: الاستصحاب.

ثانیاً: إن مقتضی ما دلَّ علی ولایتهما علی أموال الصغیر إلی إیناس الرشد. (4)

ص:172


1- (1) . الروضة البهیة: 118/5.
2- (2) . ریاض المسائل: 98/11.
3- (3) . الحدائق الناظرة: 237/23، أوائل کتاب النکاح، فی ولایة الحاکم.
4- (4) . انظر: المؤید، کتاب النکاح: 431/1.
الثانی: السفیه الذی لم یتّصل سفهه بصغره
اشارة

فإنّه قد یقال: إنّ الولایة علیه للحاکم الشرعی، فإنّ ولایة الأب والجدّ قد انقطعت والأصل عدم ولایتهما علیه بعد ذلک، وثبوت الولایة فی التزویج لا یستلزم ثبوتها فی التصرّفات المالیّة، فعلیه تکون الولایة للحاکم باعتباره ولی من لا ولی له.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی أنّ المستفاد من قوله تعالی: (فَإِنْ کانَ الَّذِی عَلَیْهِ الْحَقُّ سَفِیهاً أَوْ ضَعِیفاً أَوْ لا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُمِلَّ هُوَ فَلْیُمْلِلْ وَلِیُّهُ بِالْعَدْلِ) . (1)

هو ثبوت الولایة علی السفیه مطلقاً للأب؛ لأنّ المنساق من کلمة ولیّه هو الولیّ المختص به، وهو الأب والجدّ لأنَّهما الولیّ المختص بإدارة شؤونه. وبما أنّه لا فصل فی الشؤون المالیّة فی الولایة لذا فما دام أن الولایة فی الدین ثابتة للأب والجدّ لذا فهی ثابتة کذلک فی سائر التصرّفات المالیة.

ص:173


1- (1) . البقرة: 282.

ص:174

المبحث الخامس: ثبوت الولایة فی النکاح للوکیل

اشارة

الوکالة: هی الاستنابة فی التصرف، فهی تسبیب للعمل علی ید الوکیل. (1)

والذی یهمّنا فی هذا المبحث منها: هو وکیل الولیّ، وهو من استنابه الولی فی تزویج مولیته فی حیاته.فیقوم مقام الولیّ فیما وکلّ فیه فی وجود الولیّ وغیابه، ویثبت له ما یثبت للولیّ.

والتوکیل فی النکاح من الواضحات التی لا یحتاج إلی مزید من الکلام.

الأدلّة علی ثبوت الوکالة فی النکاح

1. معتبرة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال:

جاءت امرأة إلی النبی صلی الله علیه و آله فقالت: زوجنی، فقال: «من لهذه؟»، فقال رجل: أنا یارسول الله، قال: «ما تعطیها؟». قال: ما لی شیء إلی أن قال: «أتحسن شیئاً من القرآن؟»، قال: نعم. قال: «زوّجتکها علی ما تحسن من القرآن فعلمها إیّاه». (2)

فإنّ ظاهرها قد وکلّت رسول الله صلی الله علیه و آله فی إنکاحها فکان صلی الله علیه و آله وکیلاً عنها فی إیجاب العقد.

ص:175


1- (1) . انظر: أبو القاسم، الخوئی، الاجتهاد والتقلید: 269.
2- (2) . وسائل الشیعة: باب 2 من أبواب المهور، ح 1.

2. معتبرة داود بن سرحان عن أبی عبدالله علیه السلام فی رجل یرید أن یزوّج أخته، قال:

«یؤامرها فإن سکتت، فهو إقرارها وإن أبت لم یزوجها فإن قالت: زوجنی فلاناً زوجها ممّن ترضی». (1)

وهی دالّة علی صحّة التوکیل، کما هو واضح فإنّ قولها زوجنی فلاناً توکیل له فی التزویج.

کما أنَّ للمرأة أن توکل کما دلّت الروایات المتقدّمة، فکذلک للرجل أن یوکل أیضاً کما دلّت علی ذلک:

لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله وکل عمرو بن أمیة الضمری فی قبول نکاح أم حبیبة وکانت بالحبشة. (2)

ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه وکل أبا رافع فی تزویج میمونة بنت الحارث الهلالیة خالة عبد الله بن العبّاس. (3)

وهذا الحدیث رواه مالک فی الموطأ عن ربیعة بن أبی عبد الرحمن، عن سلیمان بن یسار:

أن رسول الله صلی الله علیه و آله بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار، فزوّجاه میمونة بنت الحارث، ورسول الله بالمدینة قبل أن یخرج. (4)

3. روایة أبی ولّاد الحناط قال:

سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل أمر رجلاً أن یزوّجه امرأة بالمدینة وسمّاها له، والذی أمره بالعراق فخرج المأمور فزوّجه إیّاه، ثمّ قدم إلی العراق فوجد الذی أمره قد مات، قال:

«ینظر فی ذلک، فإن کان المأمور زوجها إیّاه قبل أن یموت الآمر، ثمّ مات

ص:176


1- (1) . المصدر السابق: 201/14.
2- (2) . انظر: مستدرک الوسائل: 210/2.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . شرح الزرقانی علی الموطأ: 272/2.

الآمر بعده فإن المهر فی جمیع ذلک المیراث بمنزلة الدین». (1)

فإنّها تدلّ علی صحّة التوکیل بالدلالة الالتزامیة، کما هو واضح.

غیرأنَّ الولایة التی قد تکلمنا عنها سابقاً تختلف عن هذه الولایة للوکیل، حیث تکون الأولی ثابتة علی المولَّی علیه، ولم تکن ثابتة له بینما الثانیة إنِّما تکون ثابتة للوکیل فی طول ثبوتها للموکل، وهناک فرق آخر وهو أنّ الولایة الأولی تکون ثابتة حتّی وإن کره المُولَّی علیه الزواج بینما الولایة الثانیة لا تصحّ إذا کان المولی علیه کارها لها، ولهذا تری أنّ هذه الولایة مجازیّة ولیست حقیقیّة.

واستدلّ لها بهذا الخصوص بما یلی:

1. الأدلّة العامّة فی صحّة الوکالة ونفوذها ما لم یعزل الوکیل ویبلغه العزل، ففی صحیح معاویة بن وهب وجابر بن یزید جمیعاً عن الإمام الصادق علیه السلام إنّه قال:

«من وکل رجلاً علی إمضاء أمر من الأمور فالوکالة ثابتة أبداً حتّی یعلمه بالخروج منها کما أعلمه بالدخول فیها». (2)

وعن ابن أبی عمیر، عن هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام :

«والوکالة ثابتة حتّی یبلغه العزل عن الوکالة بثقة یبلغه أو یشافهه بالعزل من الوکالة». (3)

وغیرها من الروایات.

2. الأدلّة الخاصّة فیما إذا أولت أمرها رجلاً یزوجها من رجل معین، ففی صحیح الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «فی المرأة الثیّب تخطب إلی نفسها؟ قال علیه السلام :

«هی أملک بنفسها تولی أمرها من شاءت إذا کان کفواً بعد أن تکون قد نکحت رجلاً قبله». (4)

ولا فرق بین الثیّب وبین من أن یکون الأمر لها فی الزواج.

ص:177


1- (1) . وسائل الشیعة: باب 28 من أبواب عقد النکاح، ح: 1.
2- (2) . المصدر السابق: 13، باب 1 من ابواب الوکالة، ح: 1.
3- (3) . المصدر السابق: باب 2 قطعة من ح: 1 من کتاب الوکالة.
4- (4) . المصدر السابق: 14، باب 2 من عقد النکاح، ح4.

أولیاء العقد عند المذاهب الأخری

وهویشتمل علی مطلبین:

المطلب الأوّل: الأسباب الموجبة للولایة علی النفس.

المطلب الثانی: فی ثبوت الولایة علی المرأة فی نکاحها.

المطلب الأوّل: الأسباب الموجبة للولایة فی النکاح

اشارة

إنَّ الأسباب: جمع سبب، والسبب فی اللغة الحبل وکلّ ما یتوصّل به إلی غیره. (1)

والمقصود به هنا فی هذا المبحث: العلاقة بین الولیَّ والمولیَّ علیه من عصبة نسب، أو ما یقوم مقامها، ممّا یتوصل به إلی ثبوت ولایة الولیّ علی غیره وأحقیته بها.

وللولایة فی النکاح عدة أسباب: منها ماهو متفق علیه عندهم، ومنها ما هو محلّ خلاف، وهی کما یلی:

أوّلاً: القرابة النسبیة
اشارة

قالوا: إنّ قرابة النسب هی أقوی أسباب الولایة فی النکاح عندهم علی الأنثی صغیرة کانت أم کبیرة اتّفاقاً من حیث الجملة، کما سیأتی.

أمّا نوع القرابة التی تثبت بها ولایة النکاح، فقد اتفقوا علی ثبوت ولایة النکاح للعصبات من أقرباء النسب إلّا الابن کما سیأتی.

واتّفقوا أیضاً علی تقدیمهم علی غیرهم من ذوی الأرحام، بل حکی الإجماع علی عدم ولایة ذوی الأرحام مع وجود العصبات.

واختلفوا فی ثبوت ولایة النکاح لذوی الأرحام، کأب الأمّ، والأخ للأمّ، والعمّ للأمّ، والخال، ونحوهم من الأقارب من جهة الأمّ علی قولین:

ص:178


1- (1) . انظر مادة، (سبب) فی الصحاح: 145/1؛تاج العروس: 293/1؛ مقاییس اللغة: 64/3.

القول الأوّل: أنّه لا ولایة لذوی الأرحام، بل الولایة خاصّة بالعصبات دونهم.

وبهذا قال الجمهور، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة، عدا روایة عن أبی حنیفة. (1)

القول الثانی: إنّ کلّ من یرث بفرض أو تعصیب تثبت له الولایة فی النکاح، وهی إحدی الروایتین عن أبی حنیفة. (2)

سبب الخلاف

ویرجع سبب هذا الخلاف إلی اختلافهم فی أصل ثبوت سبب الولایة هنا، أهو مطلق القرابة؟ أم هو نوع خاصّ من القرابة، وهم العصبات؟

فعند الجمهور أنّ شرط ثبوت الولایة للقریب فی النکاح إنَّما هو العصوبة خاصّة.

وأمّا علی الروایة الثانیة عن أبی حنیفة، فهو أن شرط ثبوت الولایة هو مطلق القرابة؛ أمّا العصوبة، فهی شرط للتقدیم لا غیر فلا ولایة لذوی الأرحام مع العصبات؛ أمّا عند عدم وجود العصبة نسباً أو ولاء، فتثبت الولایة لذوی الأرحام، لوجود أصل سببها، وهو مطلق القرابة. (3)

دلیل الجمهور

استدلّ الجمهور لقصر الولایة فی النکاح علی العصبات دون ذوی الأرحام بما یلی:

أوّلاً: أنَّ الأصل فی الأولیاء هم العصبات، فهم أهل الرأی والصیانة عما یلحق القبیلة من العار والشین، ولذلک کانوا مقدمین علی ذوی الأرحام بالإجماع؛ (4) وأمَّا ذوو

ص:179


1- (1) . انظر: السرخسی، المبسوط: 223/4؛ الأم: 14/5؛ المغنی: 350/7.
2- (2) . السرخسی، المبسوط: 223/4؛ بدائع الصنائع: 1350/3 و 1351.
3- (3) . انظر: السرخسی، المبسوط: 223/4؛ بدائع الصنائع: 1370،1351/3.
4- (4) . انظر: بدائع الصنائع: 1351/3.

الأرحام فهم ینسبون إلی قبیلة أخری فلا یلحقهم عار نسب غیر نسبهم. (1)

ثانیاً: أنَّ مولی العتاقة مقدم علیهم، فلو کان لقرابتهم تأثیر فی استحقاق الولایة بها لکانوا مقدّمین علی مولی العتاقة، إذ لا قرابة لمولی العتاقة. (2)

دلیل أبی حنیفة فی إثبات ولایة النکاح لذوی الأرحام

لقد استدل لأبی حنیفة علی إثبات الولایة لذوی الأرحام بعد العصبات بما یلی:

أوّلاً: قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) . (3)

من غیر فصل بین العصبات وغیرهم، فثبت ولایة النکاح علی العموم إلّا من خصَّ بدلیل. (4)

ثانیاً: ما روی عن ابن مسعود أنّه أجاز تزویج امرأته ابنتها، وابنتها هذه لم تکن من ابن مسعود علی الأصح، وإنّما جوّز نکاحها بولایة الأمومة. (5)

ثالثاً: أنّ للشفقة اعتبارها فی ولایة النکاح، وهی کما توجد فی قرابة الأب کذلک فی قرابة الأم، لوجود سببها وهو القرابة. (6)

رابعاً: أنَّ ولایة النکاح مرتبة علی استحقاق المیراث، لاتحاد سببهما، وهو القرابة، فکل من استحق المیراث، استحق الولایة، بدلیل أنّه لا ولایة لعبد ولا لکافر علی مسلمة، وإنّما یقدّم العصبات علی ذوی الأرحام؛ لأنّ للمیراث أسباباً هی الفریضة،

ص:180


1- (1) . انظر: السرخسی، المبسوط: 223/4.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . النور: 32.
4- (4) . انظر: بدائع الصنائع: 1351/3.
5- (5) . انظر: السرخسی، المبسوط: 223/4.
6- (6) . المصدر السابق.

والعصوبة، والقرابة، والعصوبة أقوی أسباب الارث، لاستحقاق جمیع المال بها عند الانفراد فترتب أسباب الولایة علی أقوی أسباب الارث. (1)

الترتیب بین العصبات فی ولایة النکاح

وأمّا الترتیب بینهم فی ولایة النکاح، لتقدیم أحقّهم بها، فهذا یختلف بین کلّ مذهب وآخر، وإلیک بیان مذاهب الفقهاء من المذاهب الإسلامیّة فی ترتیب الأولیاء من العصبات.

أ) مذهب الحنفیة

إنَّ الترتیب بین العصبات فی ولایة النکاح عند الحنفیة کالترتیب فی الارث، والأبعد محجوب بالأقرب علی النحو التالی: فأوّلهم الابن، فابنه وإن سفل، ثمّ الأب، فأبوه وإن علا، ثمّ الأخ الشقیق، ثمّ الأخ لأب، ثمّ ابن الأخ الشقیق، ثمّ ابن الأخ لأب، ثمّ العم الشقیق ثمّ العم لأب، ثمّ ابن العم لأب، ثمّ ابن العم الشقیق، ثمّ ابن العمّ لأب، ثمّ أعمام الأب کذلک.

فکلّ هولاء تثبت لهم ولایة الإجبار علی الأنثی والذکر فی حال صغرهما، وکذلک فی حال کبرهما إذا جنّا، إلّا الابن فلا یتصوّر فی حقّه إلّا ولایته علی أمه المعتوهة أو المجنونة، وکذلک تثبت لهم ولایة الاستحباب علی المرأة الکبیرة. (2)

ب) مذهب المالکیة

وأمّا الترتیب عند المالکیّة، فیقدّم الأبناء فأبناؤهم وإن سفلوا، ثمّ الأب، ثمّ الإخوة الأشقاء، ثمّ الإخوة لأب، ثمّ بنو الإخوة للأب والأمّ، ثمّ بنو الإخوة لأب، ثمّ الأجداد للأب وإن علوا، ثمّ العمومة وإن سفلوا. (3)

ص:181


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . انظر فی هذا الترتیب: السرخسی، المبسوط: 219/4؛ فتح القدیر: 277/3.
3- (3) . انظر: بدایة المجتهد: 10/2؛ القرطبی، الجامع لأحکام القرآن: 77/3.

إلا أن بعضهم نصَّ علی أن کل جدّ یقدم علی ابنه من العمومة، وعلی هذا، فالذی یتقدّم العمومة مطلقاً إنّما هو الجدّ الأدنی، ثمّ بعد ذلک کلّ أب منهم یتقدّم ابنه.

وقال المغیرة: الجدّ وأبوه أولی من الأخ وابنه، وتقدّم الأبناء علی الأب مقیَّد بما إذا لم تکن للمرأة فی حجر أبیها أو وصیه، وإلّا فالمقدّم الأب أو وصیه، وکذلک وصی الوصی. (1)

ج) مذهب الشافعیة

وأمّا مذهب الشافعیّة، فترتیب الأولیاء عندهم کترتیبهم فی أحقیتهم بالمیراث، إلّا فی بعض المسائل، فأحقّ الناس بإنکاح المرأة عندهم: أبوها، ثمّ أبوه وإن علا، ثمّ أخ لأبوین، ثمّ لأب، ثمّ بنو الإخوة وإن نزلوا، ثمّ الأعمام، ثمّ بنوهم وإن سفلوا، ثمّ سائر العصبة علی ترتیب الارث بالتعصیب. (2)

والمسائل التی یختلف فیها هذا الترتیب عن ترتیب المیراث - عندهم - هی:

الأولی:

الابن یقدّم فی المیراث اتّفاقاً، وهنا لا ولایة للابن بمحض البنوّة، وإنما قد یلی بسبب آخر کمشارکتها فی النسب، کأن یکون ابن عم، أو مولی، أو حاکماً، أو تولدت قرابة من المجوس، أو وط ء شبهة کأن یکون ابن أخیها أو ابن عمها، فیلی نکاحها بذلک السبب لا بسبب محض البنوة. (3)

الثانیة:

الجدّ یشارک الأخ فی المیراث، وهنا یقدّم علیه اتّفاقاً عندهم.

ص:182


1- (1) . مواهب الجلیل: 429/3.
2- (2) . انظر: الأم: 13/5 و 14؛ مغنی المحتاج: 151/3.
3- (3) . مغنی المحتاج: 151/3.

الثالثة:

الأخ الشقیق یقدم علی الأخ لأب فی المیراث اتّفاقاً. عندهم، وهنا فیه قولان:

أظهرهما یقدّم الأخ الشقیق علی الأخ لأب، کالمیراث.

والقول الآخر:

یستویان فی أحقیة الولایةٍ، ویجری هذان القولان فی أبناء الأخوة والأعمام وبنیهم إذا کان أحدهم شقیقا والآخر لأب. (1)

د) مذهب الحنابلة

وأمّا ترتیبهم عند الحنابلة: فأحق الناس بإنکاح المرأة هو أبوها فأبوه وإن علا، ثمّ ابنها فابنه وإن نزل، ثمّ أخوها لأبوین، ثمّ لأب، ثمّ بنوهما کذلک، ثمّ عمّها لأبوین، ثمّ لأب، ثمّ بنوهما کذلک، ثمّ سائر الأولیاء علی ترتیب الارث بالتعصیب. (2)

مراتب العصبات وأدلّتها

1. مرتبة الأب

إنّ للأب فی ولایته علی ابنته ما لیس لغیره من الأولیاء، بل إنّ الولایة له ولفروعه وأصوله دون غیرهم عند الشافعیة ومن وافقهم، ولیس هناک سبب آخر یشارکه إلّا البنوة عند الجمهور.

وعلی هذا، فإذا اجتمع أب المرأة وابنها فأیهما أحق بإنکاحها؟ فی هذا ثلاثة أقوال عندهم:

الأوّل: أنَّ الأب أحق بإنکاحها من الابن.

ص:183


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . انظر: المغنی: 349/7 - 346؛ الإنصاف: 69/8 و 70.

وهذا مذهب الشافعیة، والحنابلة، ومحمد بن الحسن من الحنفیة، وکذلک المالکیة إذا کانت فی حجر أبیها.

الثانی: أنَّ الأب فی المرتبة الثانیة بعد الابن وأبنائه وإن نزلوا.

وهذا مذهب الحنفیة عدا محمّد بن الحسن، ومذهب المالکیّة إن لم تکن فی حجر أبیها.

الثالث: استواء الأب والابن فی درجة واحدة.وهو قول بعض الحنابلة کما تقدّم. (1)

الأدلّة

أ) استدلّ من قدّم الأب علی الابن بما یلی:

1. أن الولد موهوب لأبیه، کما فی قوله تعالی: (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی) 2 ، وقول زکریا علیه السلام : (هُنالِکَ دَعا زَکَرِیّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً) 3 ، وقول إبراهیم علیه السلام : (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الْکِبَرِ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعاءِ) 4 وقوله صلی الله علیه و آله : «أنت ومالک لأبیک».

وولایة الموهوب له علی الهبة أولی من العکس. (2)

2. أنَّ الأب أکمل نظراً، وأشدّ شفقة علی ابنته، ممّا یحمله علی طلب الحظ لها أکثر من غیره. (3)

3. أنَّ الأب یلی ولده فی صغره، وفی سفهه وجنونه، فیلیه فی سائر ما یثبت علیه

ص:184


1- (1) . راجع مذهب الحنابلة السابق.
2- (5) . انظر: المغنی: 346/7.
3- (6) . المصدر السابق.

من الولایة، ولذلک أختص بولایة المال، وجاز له أن یشتری لها من ماله، وله من مالها، إذا کانت صغیرة، بخلاف غیره. (1)

4. أنّ فی الولایة نوعاً من الاحتکام، واحتکام الأصل علی فرعه أولی من العکس، بخلاف المیراث، فإنّه لا یعتبر له نظر، ولهذا یرث الصغیر المجنون، ولیس فیه احتکام ولا ولایة علی الموروث، بخلاف ولایة النکاح. (2)

5. أنّ کلّ الأولیاء یدلّون به عدا الأبناء. (3)

6. أنّ الأب من قومها، والابن لیس کذلک، فهو ینسب إلی أبیه، فاستحقّ الأب الولایة، لقوّة قرابته. (4)

ب) وأمّا من قدّم الابن علی الأب فی ولایة النکاح

فاستدلّ بأنّ الابن مقدّم علی الأب فی المیراث، فهو أقوی منه تعصیباً؛ ولذلک لا یستحقّ الأب معه إلّا السدس من المیراث بالفریضة، ومبنی الولایة علی العصوبة، فلمّا کان أقوی تعصیباً فی المیراث، کان أحقّ بالتقدیم من الأب فی ولایة النکاح. (5)

ج) وأمّا من سوی بین الابن والأب فی درجة واحدة

فقد رأی أنّ کلاً منهما قد وجد فیه سبب التقدیم؛ أمّا الأب، فلأنّه من قومها وأشفق علیها؛ وأمّا الابن، فلأنه أقوی تعصیباً فی المیراث، وکلّ واحد من هذین السببین داع للتقدیم، فاستویا فی القوّة، فاستحقا الولایة معاً، وقال أبو یوسف:

ص:185


1- (1) . انظر: المصدر السابق.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . مغنی المحتاج: 151/3.
4- (4) . بدائع الصنائع: 1371/3.
5- (5) . انظر: المغنی: 346/7.

إنّ الأولی أن یفوّض الابن - حینئذٍ - الأب فی الإنکاح، إجلالاً واحتراماً واحترازاً عن موضع الخلاف. (1)

2. مرتبة الجدّ فی ولایة النکاح

وأما مرتبة الجدّ: أب الأب، فی أحقیته بولایة النکاح، ففیها الأقوال التالیة:

1. أنّه أحقّ بالولایة بعد أبیها وإن علت درجته، فیقدّم الأقرب فالأقرب منهم، سواء علی قول من یقدّم جهة الأبوة مطلقاً کالشافعیّة والحنابلة، أم علی قول من یقدّم جهة البنوة علی الأبوة، کمذهب المالکیّة ومذهب أبی حنیفة وأبی یوسف.

2. استواء الأخ والجدّ فی مرتبة واحدة، وهذه روایة عن أحمد وقول أبی یوسف ومحمّد کما تقدّم.

3. تقدیم الإخوة وبنیهم علی الجدّ الأدنی - وهو أب الأب - وهذا مذهب المالکیّة، کما تقدم.

4. تقدیم کلّ جدّ علی ابنه من العمومة فقط، فیقدّم الجدّ الأدنی علی العم الأدنی، کما یقدم العم الأدنی علی أب الجدّ، وهکذا کلّ أب یتقدّم ابنه، وهذا مذهب المالکیّة، وإن کان بعضهم یطلق القول بتقدیم الأجداد علی الأعمام، کأبن رشد وابن جزی. (2)

الأدلّة

أ) استدلَّ من قدّم الجدّ علی الابن وأبنائه بنفس الأدلّة علی تقدیم الأب علی الابن، فینزّل الجدّ وإن علا منزلة أبیه - عند عدمه - کما ینزل الابن وإن نزل منزلة أبیه، فالجدّ أب وإن علا، کما أن ابن الابن ابن وإن نزل. (3)

ص:186


1- (1) . انظر: بدائع الصنائع:3 /1371.
2- (2) . راجع الترتیب السابق فی مذهب المالکیة.
3- (3) . انظر: المغنی: 367/7 - 364.

کما استدلَّ أیضاً من قدم الابن علی الجدّ بنفس الأدلّة علی تقدیم الابن علی الأب وأولی.

وأمّا من قدّم الجدّ علی الإخوة أیضاً، فلأنّ الجدّ أقوی تعصیباً من الإخوة فی المیراث، فالجدّ لا یسقط إلّا بالأب؛ أمّا الأخ فیسقط بالأب وبالابن، وکذلک إذا ضاق المال، وفی المسألة جدّ وأخ سقط الأخ دون الجدّ، فوجب تقدیمه علی الأخ فی الولایة. (1)

وأیضاً، فإنَّ للجدّ ولایة علی النفس والمال جمیعاً، بخلاف الأخ فلا ولایة له فی المال. (2)

ب) وأمّا من سوّی بین الأخ والجدّ فی أحقّیّة الولایة، فهذا فرع عن التسویة بینهما عنده فی الإرث، ولکن لا یخفی أنّ هناک فرقاً بین استحقاق الولایة وبین استحقاق المیراث، فالمیراث لا یعتبر له کمال النظر، ولهذا یرث الصبی والمجنون، والولایة نوع من الاحتکام بخلاف المیراث. (3)

ج) وأمّا من قدّم أبناء الإخوة علی الجدّ أیضاً فهذا تابع لتقدیم الإخوة علیه.

د) وأما من قدم بعض العمومة علی بعض الجدود، فقال بتقدیم کلّ جدّ علی ابنه فقط، فهذا نظر لقرب الدرجة فیما یظهر.

3. مرتبة الابن فی ولایة النکاح

أمّا ترتیب الابن فی سلم العصبات عند من قال بولایته فی النکاح، وفیها الأقوال الثلاثة التی سبقت فی مرتبة الأب، وهی:

ص:187


1- (1) . انظر: المصدر السابق: 247/7؛ السرخسی، المبسوط: 219/4.
2- (2) . انظر: السرخسی، المبسوط: 219/4.
3- (3) . انظر: المغنی: 347/7.

1. تقدیم الأبوة مطلقاً علی البنوة مطلقاً، وعلی هذا فیکون الأب وأبوه وإن علا مقدّماً علی الابن، وابنه وإن نزل.

2. تقدیم البنوّة مطلقاً علی الأبوة مطلقاً - أی: عکس الأولی.

3. استواء الابن والأب فی درجة واحدة.

وقد تقدَّم بیان من قال بها ووجهة نظر کلّ فی ذلک (1)، فلا حاجة إلی إعادتها مرّة أخری.

4. مرتبة ولایة الإخوة

المقصود بالإخوة فی هذا المبحث هم: الإخوة الأشقاء، أو لأب، وأمّا الأخ لأمّ، فلیس هو من العصبات - التی هی محل بحثنا هذا، وإنما قد یلی عند عدم العصبات بقرابة ذوی الأرحام، کما فی الروایة المشهورة عن أبی حنیفة، وکذلک قد یلی بالولایة العامّة التی تستحق بمجرّد الإسلام، کما هو المشهور عند المالکیّة.

وترتیب الإخوة الأشقاء أو لأب فی سلّم العصبات فیه الخلاف المشهور فی الجدّ والأخوة، وقد سبق أهمّ ما قیل فیه فی مبحث مرتبة الجدّ فی الولایة وحاصله ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

إنّ ترتیب الإخوة وبنیهم فی ولایة النکاح یأتی بعد الأصول والفروع، فلا ولایة لأخ وابنه وإن نزل مع أب وأبیه وإن علا، ولا مع ابن وابنه وإن نزل عند من یقول بولایة الأبناء، وهم الجمهور.

وهذا القول هو مذهب الحنفیة، والحنابلة، وکذلک الشافعیة القائلین بعدم ولایة الابن أصلاً. (2)

ص:188


1- (1) . راجع: مرتبة ولایة الأب.
2- (2) . راجع الأقوال السابقة فی ترتیب العصبات إجمالاً.

وحجّة هذا القول: أنّ الإخوة أقرب العصبات بعد الأصول والفروع، وأقواهم تعصیباً، وأحقّهم بالمیراث. (1)

القول الثانی:

إنّ الإخوة وبنیهم مقدمون علی الجدّ.وهذا هو المشهور من مذهب المالکیّة.

وقد ذکر ابن قدامة روایة لأحمد بن حنبل توافق مذهب المالکیة هذا فی تقدیم الأخ علی الجدّ، وقال فی توجیهها: لأنَّ الجدّ. یدلی بابوّة الأب، والأخ یدلی ببنوّة، والبنوّة مقدّمة. (2)

القول الثالث:

هو استواء الأخ والجدّ فی درجة واحدة، وهی روایة عن أحمد، وقول أبی یوسف، ومحمّد، وهذا بناء علی استواهما فی المیراث بالتعصیب، فیستویان فی الولایة کالأخوین، کما تقدّم. (3)

ثانیاً: فی ثبوت ولایة السلطان فی النکاح

إنَّ ثبوت الولایة فی النکاح بسبب السلطنة من الأسباب المتّفق علیها عندهم لکل من لا ولیّ لها، قالوا: علی أنَّ للسلطان ولایة عامّة علی الأنفس والأموال.

وقد استدلّوا لثبوت ولایة السلطان فی النکاح بما یلی:

أوّلاً: حدیث «السلطان ولیّ من لا ولیَّ لها». (4)

وهذا الحدیث هو الأصل فی إثبات ولایة السلطان وعلیه العمل عندهم. (5)

ص:189


1- (1) . انظر: المغنی: 348/7؛ السرخسی، المبسوط: 219/4.
2- (2) . المغنی: 347/7.
3- (3) . راجع: مبحث مرتبة الجدّ فی الولایة.
4- (4) . سنن ابن ماجة: 605/1، ح: 1879.
5- (5) . انظر: تهذیب السنن: 32/3.

ثانیاً: قوله صلی الله علیه و آله لمن خطب منه المرأة التی وهبت نفسها للنبی: «زوّجناکها بما معک من القرآن» (1)، متّفق علیه.

وممّن استدلّ بهذا الحدیث علی ثبوت ولایة السلطان فی النکاح البخاری فی صحیحه، حیث کانت إحدی تراجمه علیه، باب (2) السلطان ولی، لقوله صلی الله علیه و آله : «زوّجناکها بما معک من القرآن».

متی یکون السلطان ولیّاً فی النکاح؟

ویکون السلطان ولیا فی النکاح عندهم فی الحالات التالیة:

الأولی: إذا لم یکن للمرأة ولیّ غیره، وهذا متّفق علیه.

الثانیة: إذا عضل الأولیاء، فإن امتنعوا جمیعاً من تزویجها، فیزوجها السلطان أو نائبه اتفاقاً أیضاً.

الثالثة: إذا غاب الولیّ الأقرب أن فیه قولین:

أحدهما: أنّه السلطان، وهو مذهب الشافعیة وظاهر مذهب المالکیة المعتمد فی مختصر خلیل وشروحه.

ثانیهما: أنّه الولیّ الحاضر الذی یلی الغائب فی الترتیب. وهو مذهب الحنفیة والحنابلة.

الرابعة: إذا کان الخاطب هو الولی، وذلک کأبن العم، فیزوّجه السلطان إن لم یکن لها ولیّ فی درجته، وهذا مذهب الشافعیة.

وهذا مبنی علی مسألة مشهورة، وهی: هل یتولی شخص واحد طرفی العقد بنفسه؟

ص:190


1- (1) . سنن الترمذی: 254/4.
2- (2) . صحیح البخاری: 62/3.

فعند الشافعیّة المنع إلّا الجدّ، فیصحّ أن یزوّج بنت ابنه بابن ابنه الآخر فی الأصحِّ عندهم. (1)

وأمّا الجمهور (2) فعلی الجواز، فیتولی ابن العمّ - مثلاً - طرفی الإیجاب والقبول بنفسه لنفسه.

المطلب الثانی: فی ثبوت الولایة علی المرأة فی نکاحها

اشارة

وقبل الشروع فی بیان مذاهب الفقهاء من الجمهور فی حکم الولایة فی النکاح علی المرأة، أنّه لا خلاف عندهم فی مشروعیّة الولایة علیها فی النکاح، لیکون تزویجها بید ولیّها.

فقد ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الإسلامیّة أنّ المرأة لا تزوّج نفسها بنفسها ولا بدّ أن یتولّی ذلک ولیّها.

قال الشوکانی:

ذهب إلی اعتبار الولی جمهور السلف والخلف حتّی قال ابن المنذر: أنّه لا یعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلک. (3)

وعلی هذا فتکون الولایة حقّاً من حقوق الولیّ عندهم.

وإلیک بیان مذاهب الفقهاء فی ذلک إجمالاً سیتبعه التفصیل والبیان بحول الله وقوته.

أ) المذاهب إجمالاً

إنّ مذاهب القوم فی هذه المسألة یمکن حصرها فی سبعة مذاهب، وهی:

المذهب الأوّل: اشتراط الولایة علیها فی النکاح.

ص:191


1- (1) . انظر للشافعیة: روضة الطالبیین: 58/7؛ مغنی المحتاج: 163/3.
2- (2) . انظر للحنفیة: فتح القدیر: 307/3 - 305 وللمالکیة: الخرشی علی مختصر خلیل: 190/3. وللحنابلة: کشف القناع: 62/5.
3- (3) . نیل الأوطار: 251/6.

المذهب الثانی: أنَّ الولایة فی النکاح لیست بشرط وإنّما هی مستحبة.

المذهب الثالث: التفصیل، باعتبار کفاءة الزوج أو عدم کفاءته، فإن کان کفؤاً لها صحّ نکاحها بدون ولیّ، ولا اعتراض لولیّها علیها، وإن لم یکن کفؤاً لها فلا یصح إنکاحها نفسها منه أصلاً.

المذهب الرابع: إنعقاد نکاحها بدون ولیّ موقوفاً علی إجازة الولیّ، سواء کان الزوج کفؤاً لها أم غیر کفء.

المذهب الخامس: التفریق بین من أذن لها ولیها فی نکاحها، وبین من لم یأذن لها، فإن أذن لها قبل العقد صحّ إنکاحها نفسها، وإن لم یأذن لها لم یصحّ.

المذهب السادس: التفریق بین البکر والثیب، فإن کانت بکراً فلا نکاح لها إلّا بولیّ، وإن کانت ثیباً جاز لها أن تولِّی أمرها رجلاً من المسلمین، ولا تعقده بنفسها.

المذهب السابع: التفریق بین المرأة الشریفة والدنیئة، فإن کانت شریفة فلا یصح نکاحها بدون ولیّ، وإن کانت دنیئة، ولیس لها ولی جاز لها أن تجعل أمر نکاحها إلی رجل من المسلمین فیزوّجها بالولایة العامّة ولا تباشر النکاح بنفسها.

ومن هذا العرض الموجز لمذاهب القوم فی هذه المسألة، یتّضح أنّ مردّها إلی ثلاث مذاهب:

المذهب الأوّل: اشتراط الولایة فی النکاح مطلقاً.

المذهب الثانی: عدم اشتراطه مطلقاً.

المذهب الثالث: التفصیل: إمّا باعتبار أحوال المرأة من بکارة أو ثیبوبة، ومن شرف أو دناءة، أو باعتبار إذن الولیّ للمرأة سواء کان الإذن لها سابقاً للعقد أو لاحقاً له، أو باعتبار أحوال الزوج من کفاءة أو عدمها.

وإلیک بیان هذه المذاهب وأدلّتها بالتفصیل ما أمکن.

ص:192

ب) تفصیل المذاهب وأدلتها

المذهب الأوّل: أن الولایة شرط فی نکاحها

وعلی هذا فإنّ مباشرة عقد نکاحها حقّ من حقوق ولیِ ِّّها، فلا تلی نکاح نفسها ولا نکاح غیرها، ولا عبارة لها فی النکاح مطلقاً، وإن عقدته فهو باطل، وکذلک إن عقده لها أجنبی عنها بدون إذن ولیها.

وهذا هو المعتمد عند المالکیة والشافعیة والحنابلة.

وقد عزا ابن قدامة هذا القول إلی علی بن أبی طالب علیه السلام ، وعمر بن الخطّاب، وابن مسعود، وابن عبّاس، وأبی هریرة، وبه قال سعید بن المسیّب، والحسن البصری، والثوری، وابن أبی لیلی، وبن شبرمة، وابن المبارک، والشافعی، وعبید الله بن الحسن - العنبری - وأحمد، وإسحاق، وأبو عبید. (1) وقال أیضاً: إنّه لا یعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلک. (2)

أدلَّة اشتراط الولایة فی النکاح

استدلَّ من اشترط الولایة فی نکاح المرأة بالکتاب والسنة.

أ) الأدلّة من القرآن الکریم

الدلیل الأوّل

قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (3)

ص:193


1- (1) . المغنی: 337/3.
2- (2) . انظر: فتح الباری: 187/9؛ بدایة المجتهد: 7/2؛ المغنی: 337/7.
3- (3) . البقرة: 232.

علی أن الخطاب فی قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) لأولیاء النساء خاصّة، قالوا: إذ لو کان أمر النساء إلیهن لما خاطب الله به أولیائهن دونهن، ونهاهم عن الإضرار بهن إذا رغبن فی نکاح أزواجهن، فإنَّ من کان أمره بیده لا یقال: إنّ غیره منعه منه؛ إذ لا معنی لمنع غیره له.

قال الشافعی:

«هذه الآیة أبین آیة فی کتاب الله عزّ وجلّ دلالة علی أن لیس للمرأة أن تنکح نفسها». (1)

قالوا: والدَّلیل علی أنّ الخطاب فی قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) لأولیاء النساء خاصّة هو ما صحَّ فی سبب نزول هذه الآیة الکریمة، کما ذکر ذلک من المفسرین ابن جریر الطبری، وغیره.

قال ابن جریر:

أن هذه الآیة نزلت فی رجل کانت له أخت کان زوجها ابن عمِّ لها فطَّلقها وترکها، فلم یراجعها حتّی انقظت عدتها، ثمّ خطبها، فأبی أن یزوجها إیّاه، ومنعها منه وهی فیه راغبة، فنزلت فیه هذه الآیة. (2)

وقد أورد علی هذا الاستدلال بما یلی:

أوّلاً: منع أن یکون الخطاب فی قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) خطاباً للأولیاء، بل هو خطاب للأزواج المطلِّقین.

ثانیاً: أنّه علی فرض التسلیم بکون الخطاب للأولیاء فلیس فی نهی الأولیاء عن العضل دلیل علی إثبات حقّ لهم فیما نهوا عنه.

فأمَّا القول بأنَّه خطاب للأزواج المطلِّقین فقد اختاره الفخر الرازی وأیَّده «بقوله:

ص:194


1- (1) . الأم: 166/5.
2- (2) . جامع البیان: 297/2.

إنَّ قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) جملة واحدة مرکَّبة من شرط وجزاء، فالشرط قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) والجزاء قوله (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) ولا شکَّ أنَّ الشرط وهو قوله: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) خطاب للأزواج، فوجب أن یکون الجزاء وهو قوله: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) خطاباً معهم أیضاً، إذ لو لم یکن کذلک لصار تقدیر الآیة: إذا طلقتم النساء أیها الأزواج فلا تعضلوهن أیها الأولیاء، وحینئذ لا یکون بین الشرط والجزاء مناسبة أصلاً، وذلک یوجب تفکّک نظم الکلام، وتنزیه کلام الله عن مثله واجب، فهذا کلام قوی متین فی تقریر هذا القول، ثمّ أنّه یتأکَّد بوجهین آخرین:

الأوّل: أنَّ من أوّل آیة فی الطلاق إلی هذا الموضع کان الخطاب کلّه مع الأزواج، والبتَّة ما جری للأولیاء ذکر، فکان صرف هذا الخطاب إلی الأولیاء علی خلاف النظم.

الثانی: ما قبل هذه الآیة خطاب مع الأزواج فی کیفیَّة معاملتهم مع النساء قبل إنقضاء العدَّة، فإذا جعلنا هذه الآیة خطاباً لهم فی کیفیَّة معاملتهم مع النساء قبل انقضاء العدَّة کان الکلام منتضماً والترتیب مستقیماً؛ أمَّا إذا جعلناه للأولیاء لم یحصل فیه هذا الترتیب الحسن اللطیف، فکان صرف الخطاب إلی الأزواج أولی. (1)

الدلیل الثانی

قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) . (2)

علی أنَّ الخطاب فی قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا) هو لأولیاء النساء، ودلالته علی

ص:195


1- (1) . التفسیر الکبیر: 112/6.
2- (2) . النور: 32.

اشتراط الولایة فی النکاح من عدَّة وجوه:

أوّلاً: أنّ هذا الخطاب للرجال دون النساء. (1)

ثانیاً: أنّ الله خاطبهم بصیغة الأمر الدالة علی الوجوب، فدلّ علی أنّهم هم المکلفون بتزویجهم. (2)

وأورد علی هذا الاستدلال:

إنّه خطاب لجمیع الأمَّة للتعاون علی تیسیر أسباب الزواج لطالبیه، ولیس المراد بالإنکاح فی الآیة إجراء عقد الزواج. (3)

الدلیل الثالث

قوله تعالی: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِیضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوی وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَیْنَکُمْ إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ) . (4)

قال الفخر الرازی:

للشافعیّ أن یتمسک بهذه الآیة فی بیان أنّه لا یجوز النکاح إلا بولیّ؛ وذلک لأنّ جمهور المفسرین أجمعوا علی أن المراد من قوله: (أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکاحِ) ، وهو إمَّا الزَّوج وإمَّا الولیّ، وبطل حمله علی الزوج لما بیناه أنّ الزوج لا قدرة له البتَّة علی عقدة النکاح، فوجب حمله علی الولیّ. (5)

ص:196


1- (1) . الجامع لأحکام القرآن: 239/12.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . روح المعانی: 148/18.
4- (4) . البقرة: 237.
5- (5) . التفسیر الکبیر: 144/6.

ب) أدلّة اشتراط الولایة فی النکاح من السنة

وأمَّا أدلّة اشتراط الولایة فی النکاح من السنَّة النبویَّة، فهی الأظهر والأشهر عندهم، بل هی العمدة فی هذه المسألة عند کثیر ممّن ذهب إلی اشتراط الولایة فی النکاح، ومنها:

الحدیث الأوّل: ما رواه أبو موسی الأشعری قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «لا نکاح إلا بولیِّ». (1)

ویعتبر هذا الحدیث أقوی حجَّة عند القائل باشتراط الولایة فی صحّة نکاح المرأة؛ إذ هو صریح فی نفی النکاح بدون ولیّ.

قال الشوکانی:

قوله: «لا نکاح إلّا بولیّ» هذا النفی یتوجه إلی الذات الشرعیَّة، لأنَّ الذات الموجودة - أعنی: صورة العقد بدون ولیّ - لیست بشرعیة، أو یتوجَّه إلی الصحّة التی هی أقرب المجازین إلی الذات، فیکون النکاح بغیر ولیّ باطلاً، کما هو مصرَّح فی حدیث عائشة. (2)

وهذا الحدیث علیه العمل عندهم، کما قال الترمذی:

والعمل فی هذا الباب علی حدیث النبی صلی الله علیه و آله : «لا نکاح إلّا بولیّ»، عند أهل العلم من الأصحاب، منهم علی بن أبی طالب علیه السلام وعمر بن الخطّاب، وعبد الله بن عبّاس، وأبو هریرة وغیرهم.

وهکذا روی عن بعض التابعین أنّهم قالوا: «لا نکاح إلا بولی» منهم سعید بن المسیب، والحسن البصری، وشریح، وإبراهیم النَخَعی، وعمر بن عبد العزیز، وغیرهم، وبهذا یقول سفیان الثوری، والأوزاعی، ومالک وعبد الله بن المبارک، والشافعی، وأحمد، وإسحاق». (3)

ص:197


1- (1) . سنن الترمذی: 226/4؛ سنن ابن ماجة: 605/1.
2- (2) . نیل الأوطار: 135/6.
3- (3) . انظر: جامع الترمذی مع التحفة: 234/4 - 232؛ الجامع لأحکام القرآن: 73/3.

وقد أورد علی هذا الحدیث من جهة إسناده ودلالته علی اشتراط الولایة جملة اعتراضات:

أوّلاً: ضعف السند إنَّ هذا الحدیث مضطرب بین الرفع والإرسال، والوصل والانقطاع. (1)

ثانیاً: وعلی فرض تسلیمه فإنَّ فیه أمرین:

الأوّل: أنَّ المنفی فی حدیث: «لا نکاح إلّا بولیّ» هو الکمال والاستحباب؛ إذ لا خلاف عندهم أنّه یندب للمرأة أن لا تباشر عقدة النکاح بنفسها، لئلا تنسب إلی الوقاحة، ولکن ذلک لا یمنع صحته منها إذا وقع.

الثانی: أن لفظ (الولیّ) مجمل، یحتمل ما قاله من اشترط الولایة فی النکاح، ویحتمل غیره، ومع هذا الاحتمال، فلا یجوزحمله علی بعضها دون بعض إلّا بدلیل.

فأمّا سبب حمله علی نفی الکمال والاستحباب، فذلک لمعارضته لأحادیث أخری، مثل حدیث ابن عبّاس أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:

«الأیِّم أحقّ بنفسها من ولیِّها، والبکر تستأذن فی نفسها، وإذنها صماتها». (2)

الحدیث الثانی: ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:

«أیّما امرأة نکحت بغیر إذن ولیِّها فنکاحها باطل، فنکاحها باطل، فنکاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولیّ من لا ولیَّ له». (3)

قالوا: علی أن هذا الحدیث نصّ فی بطلان إنکاح المرأة نفسها بغیر إذن ولیِّها، وهو عام فی کل امرأة صغیرة أم کبیرة، بکراً أم ثیّباً، فی سلب ولایة النکاح عنها من غیر تخصیص لبعضهنّ دون بعض.

ص:198


1- (1) . انظر: فتح القدیر: 259/3.
2- (2) . سنن بن ماجة: 601/1؛ سنن البیهقی: 115/7.
3- (3) . سنن بن ماجة: 605/1.

وکذلک أکَّد النبی صلی الله علیه و آله حقیقة دلالته علی بطلان إنکاح المرأة نفسها بدون ولیِّها، وأنَّ ولایة نکاحها حقّ من حقوق ولیِّها. (1)

مناقشة الاستدلال بهذا الحدیث

وقد أورد علی سند هذا الحدیث ودلالته جملة اعتراضات منها:

أوّلاً: أنَّ الزهری - راویه - قد سئل عنه، فقال: لست أعرفه، أو لست أحفظه، وفی لفظ فأنکره. (2)

فدلَّ ذلک علی ضعف هذا الحدیث.

ثانیاً: أنَّ عائشة، وهی التی روته قد عملت بخلافه، وکذلک الزهری.

فقالوا: أنَّ عمل عائشة یخالف ما روته هنا ما رواه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبیه، عن عائشة: أنَّها زوَّجت بنت عبد الرحمن المنذرَ بن الزبیر، وعبد الرحمن غائب بالشام، فلمَّا قدم عبد الرحمن قال: أمثلی یصنع به هذا ویفتات علیه؟ فکلَّمت عایشة عن المنذر، فقال المنذر: إن ذلک بید عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما کنت أرد أمراّ قَضَیِتیه، فقرَّت حفصة عنده ولم یکن ذلک طلاقاً. انتهی بلفط الطحاوی. ثمَّ قال الطحاوی:

فلما کانت عائشة قد رأت تزویجها بنت عبد الرحمن بغیر أمره جائز، ورأت ذلک العقد مستقیماً حتّی أجازت فیه التملیک الذی لا یکون إلّا عن صحّة النکاح وثبوته استحال، عندنا أن یکون تری ذلک. (3)

وأمّا خلاف الزهری، فقد ذکر ابن حزم من طریق عبد الرزّاق عن معمر أنّه قال له:

ص:199


1- (1) . انظر فی دلالة هذا الحدیث علی اشتراط الولایة فی النکاح: الجامع لأحکام القرآن: 73/3 و 74؛ نیل الأوطار: 136/6.
2- (2) . المحلّی: 452/9.
3- (3) . شرح معانی الآثار: 8/3.

سألت الزهری عن الرجل یتزوّج بغیر ولیّ؟ فقال: إن کان کفؤاً لم یفرَّق بینهما. (1)

فدلّ ذلک علی ضعف هذا الحدیث أو نسخه.

المذهب الثانی: أنّ الولایة لیست بشرط فی نکاح الحرّة البالغة

وعلی هذا فللحرة البالغة العاقلة - بکراً کانت أم ثیّبأ - تزویج نفسها إلّا أنّه خلاف المستحبّ، وسواء أکان الزوج کفؤاً لها أم غیر کفء؟ فالنکاح صحیح وللأولیاء حقّ الاعتراض إذا لم یکن الزوج کفؤاً لها. (2)

وهذا المذهب هو المشهور عن أبی حنیفة - وبه قال زفر - وهو روایة عن أبی یوسف فی ظاهر المذهب. (3)

استدل أصحاب هذا القول لما ذهبوا إلیه بما یلی:

أ) الدلیل من القرآن

الدلیل الأوّل: قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (4)

فقد قال أبو بکر الجَصَّاص: قوله تعالی: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) معناه: لا تمنعوهنَّ أو لا تضیِّقوا علیهن فی التزویج، وقد دلَّت هذه الآیة من وجوه علی جواز النکاح إذا عقدت علی نفسها بغیر ولیّ، ولا إذن ولیِّها:

أحدها: إضافة العقد إلیها من غیر شرط إذن الولیّ.

والثانی: نهیه عن العضل إذا تراضی الزوجان. (5)

ص:200


1- (1) . المحلّی: 452/9.
2- (2) . انظر: السرخسی، المبسوط: 10/5؛ بدائع الصنائع: 1364/3.
3- (3) . فتح القدیر: 256/3؛ بدائع الصنائع: 1364/3.
4- (4) . البقرة: 232.
5- (5) . أحکام القرآن: 400/1.

وأجیب عن ذلک بأنَّ المراد بنکاحهنَّ هو ما یعقده لهن أولیاؤهنَّ لا ما تعقده المرأة لنفسها، کما دلَّ سبب نزول الآیة فی حدیث معقل بن یسار فی عضله أخته کما سبق بیانه.

وأمَّا إضافة النکاح إلیهنَّ فلإنَّهنَّ محلّه والمتسبِّبات فیه.

قال الفخر الرازی:

وهذا وإن کان مجازاً إلّا أنّه یجب المصیر إلیه، لدلالة الأحادیث علی بطلان هذا النکاح أی بدون ولیّ. (1)

الدلیل الثانی: قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ) . (2)

قال أبو بکر الجصّاص:

ومن دلائل القرآن علی ذلک - أی: علی تزویج المرأة نفسها - قوله تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، فجاز فعلها فی نفسها من غیر شرط الولیّ، وفی إثبات شرط الولیّ فی صحّة العقد نفی لموجب الآیة.

فإن قیل: إنَّما أراد بذلک إختیار الأزواج وألّا یجوز العقد علیها إلّا بإذنها.

قیل له: هذا غلط من وجهین:

أحدهما: عموم اللفظ فی اختیار الأزواج وفی غیره.

والثانی: أنّ إختیار الأزواج لا یحصل لها به فعل فی نفسها، وإنَّما یحصل ذلک بالعقد الذی یتعلّق به أحکام النکاح، وأیضاً، فقد ذکر الاختیار مع العقد بقوله: (إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . (3)

وأجیب عن ذلک بما یلی:

ص:201


1- (1) . التفسیر الکبیر: 114/6.
2- (2) . البقره: 234.
3- (3) . أحکام القرآن: 400/1.

1. أنَّ قوله تعالی: (فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ) 1 خطاب للأولیاء، ولولا أنَّ العقد لا یصحّ إلّا من الولیّ لما کان مخاطباً به، حکی ذلک الفخر الرازی عن الشافعیة. (1)

2. أنَّ الله عزّ وجلّ إنَّما أباح لها فعلها فی نفسها بالمعروف، وعقدها علی نفسها لیس من المعروف؛ إذ هو خلاف المستحب عند من قال بجوازه من الحنفیّة، وصرحوا بأنَّ فیه ما یشعر بابتذالها ووقاحتها. (2)

ب) الدلیل من السنة

وأمّا الدلیل من السنة، فقد استدلوا بجملة من الأحادیث منها ما یلی:

الحدیث الأوّل: ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله قال:

«الأیّم أحقّ بنفسها من ولیّها، والبکر تستأذن فی نفسها وإذنها صماتها».

فقالوا: إنًّ الأیَّم فی هذا الحدیث اسم لامرأة لا زوج لها، بکراً کانت أم ثیباً، وقد أثبت النبی صلی الله علیه و آله لکل من الولیّ والأیِّم حقاً ضمن قوله أحقّ وجعلها أحقّ بنفسها من ولیِّها ولن تکون أحقّ منه بنفسها إلّا إذا صحَّ تزویجها نفسها بغیر رضاه، وهذا یمنع أن یکون له حقّ فی منعها العقد علی نفسها. (3)

وقد أجاب عنه الجمهور: بأنَّه لا حجة فی هذا الحدیث، وعمدة ما أجابوا به جوابان:

أوّلهما: أنَّ لفظ (الأیِّم) وإن کان لغةً اسماً لامرأة لا زوج لها، بکراً کانت أم ثیباً، صغیرةً أم کبیرةً، بل لکلِّ من لا زوج له، وإن کان رجلاً، إلّا أنَّ المقصود به فی هذا

ص:202


1- (2) . التفسیر الکبیر: 129/6.
2- (3) . انظر: فتح القدیر: 258/3.
3- (4) . نصب الرایة وحاشیتها: 174/4.

الحدیث إنِّما هو: «المرأة الثیِّب»، خاصَّة فیبقی الاستدلال به قاصراً عن دعوی شموله الثیب والبکر معاً. (1)

واستدلّوا علی ذلک بثلاثة أمور:

1. مقابلة الأیِّم بالبکر فی الحدیث دلیل علی أنَّ النبی صلی الله علیه و آله إنَّما أراد بالأیِّم من لم تکن بکراً، فقد قسَّم النساء قسمین: أیامی وأبکاراً ولا ثالث لهما. (2)

2. ما جاء فی بعض روایات هذا الحدیث بلفظ: «الثیب أحقّ بنفسها من ولیِّها»؛ أذ إنّها مفسِّرة للمراد من الأیِّم فی هذا الحدیث. (3)

3. أنَّ استعمال لفظ الأیِّم فی المرأة الثیِّب التی فارقت زوجها بموت أو طلاق ونحوه أکثر استعمالاً فی اللغة، وأشهر ذکراً بخلافه فی البکر التی لمَّا تزوّج بعد. (4)

ثانیهما: أنّه متی أمکن الجمع بین الأحادیث التی ظاهرها التعارض وجب المصیر إلیه، لما فی ذلک من العمل بالأدلّة جمیعاً دون العمل ببعضها وردِّ بعض، والجمع بین هذا الحدیث وأحادیث اشتراط الولایة فی النکاح ممکن، وذلک بحمل حقّ الولیِّ علی العقد، وحقِّها علی الرضی، ولا شکّ أنَّ حقّها بنفسها آکد، لتوقف حقّ الولیِّ علیه، فهذا وجه أحقّیّتها بنفسها. (5)

وقال النووی:

قوله صلی الله علیه و آله : «أحقّ بنفسها»، یحتمل من حیث اللفظ أنَّ المراد أحق من ولیها فی کل شیء من عقده وغیره، کما قاله أبو حنیفة وداود. ویحتمل أنَّها أحقّ بالرضی - أی: لا تزوج حتّی تنطق بالإذن بخلاف البکر - ولکن لما صحّ قول

ص:203


1- (1) . انظر: فی معنی الأیِّم مادة ( أیم ) مقاییس اللغة: 165/1 و 166؛ الصحاح: 186/5؛ القاموس: 79/4؛ النهایة فی غریب الحدیث: 85/1 و 86.
2- (2) . انظر: نصب الرایة: 193/3؛ شرح النووی لصحیح مسلم: 203/9.
3- (3) . المصادر السابقة.
4- (4) . المصادر السابقة.
5- (5) . انظر فی هذا المعنی: عون المعبود: 125/6 و 124.

النبی صلی الله علیه و آله : «لا نکاح إلّا بولیّ»، مع غیره من الأحادیث الدالَّة علی اشتراط الولیّ تعیَّن الاحتمال الثانی، وأعلم أنّ لفظة أحقّ هنا للمشارکة، معناه: أنّ لها فی نفسها فی النکاح حقاً، ولولیها حقاً وحقها أوکد من حقّه، لو أراد تزویجها کفؤاً وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوّج کفؤاً فامتنع الولیّ أجبر، فإن أصرَّ زوجها القاضی، فدلّ علی تأکید حقّها ورجحانه. (1)

الحدیث الثانی: ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله :«لیس للولیِّ مع الثیب أمر، والیتیمة تستأمر وصمتها إقرارها». (2)

فقالوا: إن قوله صلی الله علیه و آله :«لیس للولیِّ مع الثیب»، أمر نصّ فی إسقاط اعتبار الولیّ فی العقد، وفی إثبات حقّ المرأة فی تزویج نفسها. (3)

وقد أجیب عنه بما یلی:

أوّلاً: إنّ هذا الحدیث قاصر عن الدعوی - وهو إنکاح المرأة نفسها بکراً أم ثیباً - فهو لا یشمل البکر. (4)

ثانیاً: الجمع بینه وبین أحادیث اشتراط الولایة فی النکاح بحمل هذا الحدیث علی نفی حقّ الولیّ فی الإکراه؛ إذ لیس للولیّ مع الثیّب أمر إکراه، فلا یجبرها علی النکاح، ولا علی من ترضاه، وهذا محلّ اتفاق. (5)

المذهب الثالث: التفصیل بین الکفء وغیره

وأمَّا المذهب الثالث فی الولایة علی المرأة، فهو التفصیل فی ذلک باعتبار کفاءة الزوج أو عدم کفاءته.

ص:204


1- (1) . شرح النووی لصحیح مسلم: 203/9 و 204.
2- (2) . سنن أبی داود: 127/6؛ سنن البیهقی: 118/7.
3- (3) . انظر: أحکام القرآن: 401/1؛ بدائع الصنائع: 1367/3.
4- (4) . انظر: عون المعبود: 127/6.
5- (5) . المصدر السابق.

فإنّ کان الزَّوج کفؤاً لها صحَّ عقدها نکاح نفسها ونفذ، وإن لم یکن الزوج کفؤاً لها، فالنکاح غیر صحیح أصلاً.

وهذا القول: هو روایة الحسن اللؤلؤی عن أبی حنیفة، وقد أختیرت هذه الروایة الفتوی. (1)

توجیه هذه الروایة:

وتوجیه هذه الرِّوایة عن أبی حنیفة - والتی قد أختیرت للفتوی - هو سدّ باب التزویج علی المرأة من غیر کفئها احتیاطاً للأولیاء ودفعاً للضّرر عنهم، لأنَّه کما قالوا: کم من واقع لا یرفع؟

ولیس کلّ ولیٍّ یحسن المرافعة والخصومة، ولا کلّ قاض یعدل، ولو أحسن الولیّ وعدل القاضی فقد یترک أنفة للتردّد علی أبواب الحکام واستثقالاً للخصومات، کما أن الجثوّ بین یدی الحکام مذلَّة، فیتقرَّر الضرر، وخاصَّة بعد فساد الزمان، فکان الأحوط سدّ الباب بالقول بعدم الانعقاد أصلاً. (2)

والحاصل:

أنَّ الأصل فی إنکاح المرأة نفسها صحته؛ وأما بطلانه، فیدور مع الکفاءة وجوداً وعدماً.

المذهب الرابع: انعقاده موقوفاً علی إجازة الولیِّ

وأمَّا المذهب الرابع فی الولایة علی المرأة، فهو صحّة إنکاحها نفسها بدون إذن ولیِّها، ولکنّه ینعقد موقوفاً علی إجازة ولیِّها، سواء کان الزوج کفوءاً أم غیر کفء.

وهذا القول هو الروایة المشهورة عن محمّد بن الحسن. (3)

ص:205


1- (1) . انظر: فتح القدیر: 255/3؛ السرخسی، المبسوط: 10/5.
2- (2) . فتح القدیر: 255/3.
3- (3) . السرخسی، المبسوط: 10/5؛ فتح القدیر: 256/3.

الاستدلال لهذا المذهب:

قال الکاسانی:

احتجَّ محمّد بما روی عن عائشة عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال: «أیما امرأة تزوجت بغیر إذن ولیها فنکاحها باطل»، ثمّ قال: والباطل من التصرّفات لا حکم له شرعاً کالبیع الباطل ونحوه. (1)

واستدلّ له من جهة المعقول: بأن للولیّ حقاً فی النکاح، بدلیل ثبوت حقّ الاعتراض له أو الفسخ، ومن لا حقّ له فی عقد فلا یملک فسخه، والتصرّف فی حقّ إنسان إنما یقف جوازه علی إجازته، کالأمة إذا زوجت نفسها بغیر إذن سیّدها. (2)

المذهب الخامس: صحته بإذن ولیِّها

وأمَّا المذهب الخامس: فهو التفریق بین من أذن لها ولیها فی إنکاح نفسها وبین من لم یأذن لها، فإن أذن لها ولیِّها صحّ تولیها عقد نفسها وإن لم یأذن لها، فلا یصحّ.

وهذا هو مذهب أبی ثور. (3)

استدلَّ أبو ثور لمذهبه هذا بما یلی:

1. بحدیث عائشة أن النبی صلی الله علیه و آله قال:

«أیّما امرأة نکحت بغیر إذن ولیِّها فنکاحها باطل، فنکاحها باطل، فنکاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولیّ من لا ولیَّ له».

فإنّ منطوق هذا الحدیث یدلّ علی بطلان إنکاح المرأة نفسها بغیر إذن ولیِّها، ومفهومه یدلّ علی صحّة إنکاحها نفسها بإذن ولیِّها.

ص:206


1- (1) . بدائع الصنائع: 1365/3 و 1366.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . انظر فی هذا المذهب: شرح النووی: 205/9؛ نیل الأوطار: 136/6.

2. إنَّ الولیّ إنَّما یراد لیختار کفوءاً، لدفع العار وذلک یحصل بإذنه. (1)

ولکن ماذا لو أنکحت نفسها کفؤاً بدون إذنه؟ أیجیزه أبو ثور أم لا؟

المذهب السادس: اشتراط الولایة فی النکاح علی البکر دون الثیب

وأمَّا المذهب السادس، فهو التفریق بین البکر والثیب، فإن کانت المرأة بکراً فلا نکاح لها إلّا بولیّ، وإن کانت ثیباً صحَّ لها أن تولیِّ أمر نکاحها رجلاً من المسلمین، فیزوّجها ولا اعتراض لولیِّها علیها.

وهذا مذهب داود الظاهری. (2)

دلیل داود الظاهری

واستدلّ داود الظاهری لمذهبه هذا بحدیث ابن عبّاس أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:

«الأیِّم أحقّ بنفسها من ولیِّها، والبکر تستأذن فی نفسها، وإذنها صماتها». (3)

فظاهر هذا الحدیث التفریق بین البکر والثیب فی الولایة، حیث جعل الثیب أحقّ بنفسها من ولیّها، وذلک بخلاف البکر، فإنّ ظاهر الحدیث یدلّ علی أنَّ أمرها بید من یستأذنها. (4)

المذهب السابع: اشتراط الولایة علی الشریفة دون الدنیئة

وأمَّا المذهب السابع: فهو القول بالتفریق بین الدنیئة والشریفة، فإن کانت المرأة شریفة فلا یصحّ لها نکاح إلا بولیّ، وإن کانت دنیئة صحَّ نکاحها بالولایة العامّة، فیصح أن تجعل أمرها إلی رجل صالح من المسلمین، فیعقد لها، ویصح نکاحها ولو تولی الزوج العقد بنفسه.

ص:207


1- (1) . شرح النووی: 205/9.
2- (2) . بدایة المجتهد: 7/2؛ نیل الأوطار: 136/6.
3- (3) . لقد تقدّم تخریجه.
4- (4) . انظر: المصادر السابقة.

وهذا القول هو المشهور عن مالک بن أنس. (1)

شرط القول بهذا المذهب.

لا بدّ فی صحّة نکاح الدنیئة بغیر ولیّ - علی هذا المذهب. من شرطین:

أوّلهما: ألّا یوجد لها ولیّ خاص مجبر، فإن وجد الولیّ الخاص المجبر فلا یصح نکاحها بالولایة العامّة، ولا بدّ من فسخه حتّی ولو أجازه الولیّ الخاصّ المجبر بعد ذلک. (2)

وثانیهما: ألّا تتولَّی هی بنفسها عقدة النکاح، ولا تتولّاه لها امرأة، بل تستخلف رجلاً من المسلمین فیتولی أمر نکاحها، فإن باشرته بنفسها أو امرأة لها فلا یصحّ ذلک النکاح، ویفسخ إن وقع، ففی المدوّنة قال:

أرأیت لو أن امرأة زوّجت نفسها ولم تستخلف من یزوجها بغیر أمر الأولیاء، وهی ممّن الخطب لها، أو هی ممّن لا خطب لها؟

قال: قال مالک: لا یقرّ هذا النکاح أبداً علی حال، وإن تطاولت وولدت منه أولاداً؛ لأنَّها هی عقدت عقدة النکاح، فلا یجوز ذلک علی حال. (3)

ص:208


1- (1) . شرح النووی علی مسلم: 205/9.
2- (2) . حاشیة الدسوقی، علی الشرح الکبیر: 226/2.
3- (3) . المدوّنة الکبری: 152/2.

الفصل الثالث: شروط تحقّق الولایة وإعمالها

اشارة

ص:209

ص:210

المبحث الأوّل: شروط ثبوت الولایة

اشارة

تمهید

المراد بشروط ثبوت الولایة فی النکاح فی هذا الفصل هی: صفات أهلیّة ولیِّ النکاح، وإنّ کان ما یذکر هنا من تلک الصفات لیست خاصّة بولیّ النکاح، بل هی شرط لصحّة تصرّف کلّ عاقد.

وقد دأب الفقهاء هنا علی بحث تلک الصفات باسم: «شروط الولیّ فی النکاح»، وبعضهم باسم موانع الولایة فی النکاح، ولا مُشاحة بین الاصطلاحین، فالشروط ضد الموانع، فبعضهم أراد بیان الصفات التی یجب وجودها فی الولیّ کالعقل والبلوغ، وبعضهم أراد بیان الصفات السالبة للأهلیّة کالجنون والصغر.

والذی جری اختیاره، هو: بحث صفات أهلیّة الولیّ، وهی المسماة بالشروط، وإلیک تعریفاً موجزاً لکلّ من الشروط والموانع حسب الآتی:

أوّلاً: الشروط

لغةً:

هی جمع شَرط وهو إلزام شیء والتزامه، وأصله العلامة، ومنه شرط الحاجم؛لأنّه یترک أثراً علامة فی مکانه. (1)

ص:211


1- (1) . انظر فی معنی الشرط لغة مادة: مقاییس اللغة: 262/3 - 260؛الصحاح: 1136/3؛ القاموس المحیط: 381/2؛ لسان العرب: 329/7.

عرفاً:

ما یتوقف علیه تأثیر المؤثّر فی تأثیره لا فی وجوده، ومن خاصیته: أنّه یلزم من عدمه العدم، لا من وجوده الوجود، کالطهارة للصلاة، والحول للزکاة (1)، والعقل للولیّ.

ثانیاً: الموانع

لغةً:

جمع مانع: اسم فاعل، من منعه إذا حجزه أو حال بینه وبین ما یرید، وأصل: منع ضدّ أعطی، والمانع ضدّ المعطی. (2)

اصطلاحاً:

المانع: فهو الذی یلزم من وجوده العدم، ولا یلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته.

فبالأوّل: خرج السبب.

وبالثانی: خرج الشرط.

وبالثالث: احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط، ما یلزم العدم، أو وجوب السبب فیلزم الوجود، بل بالنظر إلی ذاته لا یلزم شیء من ذلک.

فظهر، أنّ المعتبر من المانع وجوده، ومن الشرط عدمه، ومن السبب وجوده وعدمه، وقد اجتمعت فی الصلاة، فإنّ الدلوک سبب فی الوجوب، والبلوغ شرط، والحیض مانع. (3) والمانع کالأبوة فی القصاص، والجنون فی الولیّ.

وبهذا یتضح أنّ مفهومی الشروط والموانع ضدَّان، وسیکون البحث عن صفات

ص:212


1- (1) . القواعد والفوائد: 64/1.
2- (2) . انظر: مقاییس اللغة: 278/5؛ الصحاح: 1287/3؛ القاموس المحیط: 89/3؛ تاج العروس: 515/5؛ لسان العرب: 343/8.
3- (3) . القواعد والفوائد: 255/1 و 256.

أهلیّة الولی، وهی الصفات المسمّاة بالشروط، وهی تبلغ سبعة شروط، وسیکون لکلٍّ منها مبحث خاصّ لبیان أهمّ ما قیل فیه - إن شاء الله تعالی - وهی کالتالی:

أوّلاً: اشتراط البلوغ فی ولیِّ النکاح

اشارة

إنَّ اشتراط البلوغ فی ولیّ النکاح فإنَّه یکاد أن یکون محلَّ اتفاق بین جمیع المذاهب الإسلامیّة؛ إذ إنَّ الولایة فی النکاح ولایة نظر فاعتبارالبلوغ هو أمارة تکامل القوی العقلیَّة، ولما کانت الولایة معتبرة بشرط النظر، لم یصح إسنادها لمن لا یعرف المفسدة من المصلحة ولا یقدرها لنقصان عقله. وإذا کان الصغیر والصغیرة یحتاجان إلی الولی، فلا معنی لثبوت الولایة لهما علی غیره؛ إذ إنَّ الولایة فی النکاح، أو غیره، ولایة نظر، والصغیر إمّا معدوم النظر أو ناقصه، فلم یکن من أهلها.

وهذا هو المذهب المعتمد عند جمیع أصحاب المذاهب الإسلامیّة. (1)

قال المحقّق الکرکی:

لما کان تصرف الولیّ منوطاً بالغبطة والمصلحة - وإنّما یحصل بالبحث والنظر ممّن له أهلیّة ذلک - اعتبر فی الولیّ: أن لا یکون صبیّاً، لنقصه، وعدم اعتبار أفعاله التی من جملتها نظره، وعبارته وإن کان مراهقاً، ومعلوم أنّه یمتنع فی الأب والجدّ أن یکونا صبیین. (2)

ولکن روی عن أحمد بن حنبل: أنَّ الصغیر إذا بلغ عشراً زوّج وطلق،

ص:213


1- (1) . انظر للإمامیة: قواعد الأحکام: 12/3؛ جامع المقاصد: 104/12؛ کشف اللثام: 66/7؛ الحدائق الناظرة: 269/23. للحنفیة: فتح القدیر: 284/3 و 285؛ بدائع الصنائع: 1347/3. وللمالکیة: بدایة المجتهد: 9/2؛ قوانین الأحکام: 224. وللشافعیة: مغنی المحتاج: 154/3؛ روضة الطالبین: 62/7. وللحنابلة: الإنصاف: 73/8؛ کشف القناع: 53/5.
2- (2) . جامع المقاصد: 105/12.

وأجیزت وکالته فی الطلاق، قال ابن قدامة - بعد أن حکی هذه الروایة - وذلک لأنَّه إذا بلغ هذا السن صحّ بیعه، ووصیّته وطلاقه، فتثبت له الولایة کالبالغ. (1)

الأدلّة

استدل الإمامیّة له بما یلی:

أوّلاً: من جهة المعنی إنّ اعتبار البلوغ لا بدّ منه؛ لأنّ الصغیر والصغیرة یحتاجان إلی الولی، فلا معنی لثبوت الولایة لهما علی غیره.

ثانیاً: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«رفع القلم عن ثلاثة عن الصبی حتّی یبلغ، وعن النائم حتّی یستیقظ، وعن المجنون حتّی یفیق». (2)

وهو واضح الدلالة.

استدلّ الجمهور من أهل السنة بما یلی:

أوّلاً: قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ) . (3)

فإذا لم یؤتمن الصغیر علی حفظ ماله حتّی یبلغ، فأولی ألّا یؤتمن علی تصریف أمور غیره فیما هو أشدّ خطراً من المال. (4)

ثانیاً: ما روی عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: «لا نکاح إلّا بولیٍّ مرشد» (5)، ومظنّة الرشد المعتبر هو: ما کان بعد البلوغ لا قبله. (6)

ص:214


1- (1) . المغنی: 256/7.
2- (2) . الخصال: 94؛ سنن أبی داود: 140/4 و 141؛سنن الترمذی: 32/4؛ سنن ابن ماجة: 658/1.
3- (3) . النساء: 6.
4- (4) . المغنی: 356/7.
5- (5) . سیأتی تخریجه والکلام علیه إن شاء الله تعالی.
6- (6) . انظر: المغنی: 357/7.

ولکن نوقش هذا الحدیث من جهة إسناده قالوا: فالصحیح فیه أنّه موقوف علی ابن عبّاس کما رواه البیهقی من طریق الشافعی وغیره. (1)

ثالثاًً: ویستدلّ من جهة المعنی بأنَّ الصغیر مُولَّی علیه فی نفسه، فأولی أن لا یلی علی غیره، والولایة یعتبر لها کمال النظر، والصغیر إما أن یکون لا نظر له - إن کان غیر ممیِّز - أو ناقص النظر إن کان ممیِّزاً؛ ولأنَّ النکاح عقد معاوضة فلم یصح من الصبِّی کالبیع. (2)

وامَّا وجه ما روی عن أحمد بن حنبل من أنّ الصغیر إذا بلغ عشراً زوّج وتزوّج؛ فذلک لأنَّه إذا بلغ هذا السنّ صحّ بیعه، ووصیّته وطلاقه، فتثبت له الولایة کالبالغ، قاله ابن قدامة، إلّا أنّه رجّح الروایة المشهورة فی المذهب، وهی اشتراط البلوغ. (3)

ولعلَّ هذا فیما ترجّح عنده، وإلّا فالروایة بصحّة بیع الصَّبیِّ وطلاقه ووصیّته موجودة فی المذهب، بل إنَّ صحّة طلاق الصبی ووصیَّته هی المذهب کما قرّره صاحب الإنصاف.

بل إنَّ صاحب الإنصاف حکی عن الشارح المذکور قوله:

إن أکثر الروایات تحدِّد من یقع طلاقه، من الصبیان بکونه یعقل، وهذا اختیار القاضی من الحنابلة. (4)

الرَّاجِح

علی مذهب الإمامیّة، فإنَّه لا یتصوّر الولایة من الصبی؛ لأنَّ الولایة علی مبناهم لا تکون إلّا للأب والجدّ حصراً، ثمّ إنَّ هذه الولایة ولایة علی الغیر، فینبغی أن یعتبر لها

ص:215


1- (1) . سنن البیهقی: 124/7.
2- (2) . انظر: المغنی: 356/7؛ مغنی المحتاج: 154/3؛ بدائع الصنائع: 1347/3.
3- (3) . المغنی: 356/7.
4- (4) . الإنصاف: 432/8.

کمال النظر، ومظنتَّه البلوغ، والصغیر إن کان غیر ممیّز، فلا نظر له لنفسه ولا لغیره، وأمّا إن کان ممیّزاً فهو قاصر النظر، وقصور نظره مظنّة إلحاق الضّرر بغیره.

ثانیاً: اشتراط العقل فی ولیّ النکاح

إنَّ العقل شرط من شروط الولیّ اتّفاقاً، وهذا ممّا لا شبهة فیه لعدم صحّة تولیة المجنون؛ لأنّه عاجز عن النظر لنفسه، فاسد التدبیر ولیس أهلاً لأیّ عقد أو تصرّف قولی لعدم اعتبار عبارته شرعاً، ومن لا عقل له لا یمکنه أن ینظر لنفسه ولا لغیره.

وقد تقدّم حدیث رفع القلم عن ثلاثة ومنهم: المجنون حتّی یفیق.

وهذا یدل علی رفع التکلیف عنه زمن جنونه، فلا ولایة له علی نفسه فضلاً أن تکون له ولایة علی غیره، وإن عدم العقل هو الأصل فی موانع الأهلیّة والتکلیف.

ویشمل من زال عقله بالجنون، سواء أکان جنوناً مطبقاً أم متقطعاً، وسواء أکان أصلیاً أم طارئاً علیه بعد بلوغه، وکذلک یشمل من ذهب عقله بسبب الإغماء وما شابه ذلک.

قال الشهید الثانی:

فلا تثبت الولایة للمجنون، ولا للمغمی علیه، لعجزهما عن اختیار الأزواج والنظر فی أحوالهم، وإدراک التفاوت بینهم المطلوب من الولیّ. (1)

وعلیه، فحیث یختل الشرط فی الولیّ ینتقل الحکم إلی غیره من الأولیاء وهو عند فقهاء الإمامیّة فی الأب والجدّ؛ لأنّ لکلّ منهما الولایة مع کمال الآخر، فمع نقصه أولی، فإذا جن الأب أو أغمی علیه فالولایة للجدّ خاصّة.

قال المحقّق الحلّی:

ص:216


1- (1) . مسالک الأفهام: 167/7.

لو جن الأب أو أغمی علیه تثبت الولایة للجدّ خاصّة، ولو زال المانع عادت الولایة. (1)

ولا فرق بین طول زمان الجنون والإغماء وقصره، لقصور حالته ووجود الولایة فی الآخر، وعند فقهاء السنة تنتقل الولایة إلی من بعده من الأولیاء (2)، إلّا فی بعض الحالات الطارئة علی العقل والتی عرف بالعادة قرب إفاقة صاحبها، فحینئذ تنتظر إفاقته ولا تسلب منه ولایته بسبب ذلک العذر الطاریء، وذلک کمن زال عقله بالإغماء، أو بجنون غیر مطبق، فهذه الحالات لا یستدیم العقل فیها زواله غالباً، بل یرجی عن قرب زوال ما أ لّم به فیکون من أهل النظر لنفسه ولغیره أشبه النائم وهذا ما ذهب إلیه الشافعی (3)، حیث جعل المانع القصیر غیر مبطل للولایة، ولا ناقل لها إلی الأبعد کالنوم.

ثالثاً: اشتراط الرشد فی ولی النکاح

المراد بالرشد فی هذا المبحث

الرُّشْد لغةً:

وهو خلاف الغیّ، وأصل هذه الکلمة یدلُّ علی معنی: الاستقامة، سواء أکانت حسیَّة أم معنویَّة. (4)

وأمّا المراد بالرُّشد عند الفقهاء، فهو: ضد السَّفَه، قال الفاضل المقداد:

ص:217


1- (1) . شرائع الإسلام: 223/2.
2- (2) . انظر للحنفیة: نیل الأوطار: 284/3 و 285؛ بدائع الصنائع: 1347/3؛ وللمالکیة: الکافی: 430/1؛ قوانین الأحکام: 224؛ وللحنابلة: المغنی: 355/7؛ الإنصاف: 75/8.
3- (3) . الأم: 13/5.
4- (4) . انظر مادة (رشد) مقاییس اللغة: 398/2؛ الصحاح: 474/2؛ القاموس: 305/1؛ تاج العروس: 352/2، لسان العرب: 174/3؛ النهایة فی غریب الحدیث: 225/2.

لا شک أنّ المفهوم من الرشد عرفاً هو إصلاح المال وعدم الانخداع فی المعاملات. (1)

وقال العلّامة: الرشد هو الصلاح فی المال. (2)

فهل بین الرشّد فی المال والرشد فی النکاح تلازم؟ أو أنَّ رشد کلّ مقام بحسبه؟

هذا ما نحاول بحثه من خلال استعراض مذاهب الفقهاء التالیة:

أوّلاً: مذهب الإمامیّة

لقد نصّ الإمامیّة علی أنَّ الرشد شرط من شروط الولیّ فی النکاح؛ إذ غیر الرشید لا ولایة له لنفسه، فکیف تکون الولایة لغیره؟

إلّا أنَّهم قد صرّحوا بالفرق بین الرّشد فی المال والرشد فی النکاح، قال السید الحکیم:

و أنَّ حصرهم أسباب الحجر بخصوص السفه فی المال وأنَّ الحجر یرتفع بالرشد فی المال: أن السفه فی غیر المالیات لا أثر له فی الحجر، ولیس السفه فی التزویج إلّا کالسفه فی المأکل، والمسکن، والملبس، والمرکب، ومعاشرة الإخوان، وغیر ذلک من الأمور المتعلقة بالإنسان ممّا لا یستوجب اتلاف المال وتبذیره، فإنَّ من الضروی أنّه لا ولایة علی السفیه فیها، ولیس هو ممنوعاً من التصرّف إلّا بإذن ولیّه، فلیکن السفه کذلک فی التزویج. (3)

ثانیاً: مذهب الحنفیة

لم أرَ من صرح منهم بعدّ الرشّد شرطاً من شروط الولی فی النکاح، وهذا هو قیاس مذهب أبی حنیفة فی الولایة علی ماله؛ إذ لا حَجر - عنده - علی السفیه الحرّ فی ماله، ولا فی إنکاحه نفسه، فکذلک ینبغی أن یکون لا حجر علیه فی ولایته النکاح؛

ص:218


1- (1) . التنقیح الرائع لمختصر الشرائع: 181/2.
2- (2) . التحریر: 218/1.
3- (3) . مستمسک العروة الوثقی: 460/14 و 461.

إذ باب الولایتین عنده واحد، وهذا هو المشهور عنه، أعنی أنَّ الرّشد لیس شرطاً فی ولیّ النکاح. (1)

ثالثاً: مذهب المالکیة

وأمَّا مذهب المالکیَّة، فقد اختلف أصحاب مالک فی اشتراط الرّشد فی ولی النکاح، فمنهم من عدّه شرطاً، ومنهم من لم یرَهُ - وهم الأکثر والمذهب المشتهر - ومنهم من قال: أنّه شرط کمال لا صحّة.

وظاهر مذهبهم أنَّ الرَّشید ضدّ السَّفیه المحجور علیه فی ماله، وعلی هذا فلا فرق عندهم بین رشد المال ورشد النکاح. (2)

رابعاً: مذهب الشافعیة

إنّ الرّشد شرط فی ولی النِّکاح، والرشید هنا ضدّ السفیه المحجور علیه فی ماله، فلا ولایة له فی النکاح علی الصحیح المعتمد فی المذهب، وهناک قول آخر مرجوح أنّه یلی؛ لأنَّه کامل النظر فی النِّکاح، وإنَّما حجر علیه لحفظ ماله. (3)

خامساً: مذهب الحنابلة

لقد نصّ بعضهم علی أنَّ الرّشد شرط من شروط الولیّ فی النِّکاح، إلّا أنَّهم صرّحوا بالفرق بین الرّشد فی المال والرّشد فی النکاح، وأنَّ رشد المال غیر معتبر فی النکاح، فقالوا: إنَّ الرشد هنا: هو معرفة الکفء، ومصالح النکاح، ولیس هو حفظ المال؛ لأنَّ رشد کلِّ مقام بحسبه. (4)

ص:219


1- (1) . انظر: بدایة المجتهد: 9/2؛ قوانین الأحکام الشرعیة: 224.
2- (2) . انظر: المجتهد: 9/2؛ قوانین الأحکام الشرعیّة: 224.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 154/3؛ روضة الطالبین: 63/7.
4- (4) . انظر للحنابلة: کشف القناع: 53/5 و 54؛ الإنصاف: 74/8.

وممَّا سبق یتَّضح أنَّ للفقهاء فی معنی الرّشد فی ولیِّ النکاح وجهتین:

الوجهة الأولی: أنَّ الرّشد فی النکاح فرع الرّشد فی الأموال.

ولعلَّ وجهتهم: أنَّ من لم یکن رشیداً فی ماله، فأولی ألّا یکون رشیداً فی معرفة مصالح النکاح، خاصّة أنَّ النکاح أعلی شأناً من المال، وعلی هذا تصح ولایة النکاح من السفیه قبل الحجر علیه فی ماله، کما یصحّ تصرّفه فی ماله قبل ذلک اتّفاقاً.

وأمّا بعد الحجر علیه فی ماله، فلا تصحّ ولایته فی النکاح.

الوجهة الثانیة: أنّ الرشد فی النکاح غیر الرشد فی المال، وکلٍّ منهما معتبر فی محله.

واشتراط الرّشد فی النکاح بهذا المعنی لم أجده صریحاً کغیره من الشروط لغیر الإمامیّة والحنابلة، کما تقدّم.

ومع هذا فإن عبارات عامّة الفقهاء لم تخل من هذا المعنی کقولهم إنَّ شرط الولی النظر ولکنّ الظاهرأن هذا معتبر عندهم بالعقل والبلوغ؛ لأنَّ شأن العاقل البالغ حسن النظر، فإذا کان الشخص بالغاً، رشیداً فی المالیات، لکن لا رشد له بالنسبة إلی أمر التزویج، وخصوصیاته من تعیین الزوجة وکیفیّة الإمهار، ونحو ذلک، قال السیّد الشیرازی:

فلا ینبغی الإشکال أنّه لا یلحق بالسفیه، إلّا إذا کان فیه نوع من السفه -لأن الجنون فنون - وذلک لأدلّة السلطة العامّة الشاملة للمقام، ومثله من لا رشد له بالنسبة إلی أمر المسکن، أو أمر الملبس أو غیر ذلک، فیکون مبذراً فی أحدها مثلاً، فإنّه لا ینبغی الاشکال فی عدم الولایة علیه، نعم قد یستفاد من روایة عبد الله بن سنان: «إذا بلغت ونبت علیه الشعر جاز أمره، إلّا أن یکون سفیهاً أو ضعیفاً». (1)

ص:220


1- (1) . هذا المضمون مروی بتعبیرات مختلفة، وأقرب الکلّ إلیه ما رواه محمّد بن الحسن، الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، باب 2 من أحکام الحجر، ح5، إلّا أنَّه نقله عن الخصال عن أبی الحسین الخادم بیاع اللؤلؤ من دون توسط ابن سنان. ولکن الموجود فی الخصال 89/2، روایته عن بیاع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان، فلاحظ.

بناء علی إطلاق السفیه الشامل لما نحن فیه، لکنه غیر ظاهر، بل یراد به مقابل الرشد لا ما یشمل المقام. (1)

رابعاً: اشتراط الحریة فی ولی النکاح

إنّ اشتراط الحرّیة فی ولیِّ النکاح ممّا لم أجد فیه خلافاً فی جمیع المذاهب الإسلامیّة.

قال النجفی:

فلا ولایة للعبد علی ولده الحرّ والمملوک الذکر والأنثی بلا خلاف ولا إشکال، فلو عقد علی بنته الصغیرة مثلاً الحرّة لم یمض عقده، وإن لم یناف غرض السیّد، بل وإن أذن له، فإنّ إذنه لا تفید ولایة بعد أن کان ناقصاً عنها لعدم قدرته علی شیء، بل لو أذن سیّده فی العقد علی بنته المملوکة له کان ذلک توکیلاً من السیّد لا إثبات ولایة. (2)

ولکن حکی عن بعض الحنابلة من احتمال صحّة إنکاح العبد ابنته، وتصحیح بعضهم له بإذن سیّده، وأطلق بعضهم فحکی فی المذهب روایة فی صحّة ولایة العبد علی قریباته الحرائر، ومع هذا فالرِّوایة المعتمدة فی المذهب عندهم هی اشتراط الحّریة فی ولیّ النکاح، کما فی المغنی والإنصاف. (3)

ووجه اشتراط الحریة فی ولی النکاح: أنَّ العبد مولّی علیه فی النکاح إجماعاً، فهو ملک لسیّدهن، ولا یملک تزویج نفسه بغیر إذن سیده؛ لأنّه لا ولایة له علی نفسه، بل علیه ولی فمن علیه ولی لا یکون ولیّاً علی الغیر.

ص:221


1- (1) . موسوعة الفقه: 54/64.
2- (2) . جواهر الکلام: 206/29.
3- (3) . المغنی: 356/7؛ الإنصاف: 72/7.

ومن لا یملک تزویج نفسه فأولی أن لا یملک تزویج غیره؛ ولأنّ ولایة النکاح یشترط لها النظر، ولا نظر فی تفویض نکاح الحرّة إلی مملوک. (1)

ولإطلاق الأدلّة مثل قوله تعالی: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ ءٍ) . (2)

فهو ممنوع من التصرّف فی نفسه فضلاً عن غیره، بل الولایة علی الولد الحر للجدّ إن وجد أو وصیه، فإن لم یوجد فللحاکم الشرعی.

وأمّا إذا کان الولد رقاً فالولایة لمولاه وهذا واضح.

ولافرق فی سقوط ولایته علی ولده بین کونه حرّاً أو عبداً مملوکاً لسیّده أو غیره، هذا إذا لم یأذن له مولاه فإن أذن له صحّ، وینبغی أن یکون موضع الصحّة ما إذا کان الولد مملوکاً فأذن له مولاه أیضاً فی تزویجه، أمّا لو کان حرّاً صغیراً، فإن ثبوت ولایته علیه بإذن المولی له مشکل؛ لأنّ المقتضی لسلب ولایته هو الرّق، ولا یزول بالإذن.

خامساً: اشتراط الإسلام فی ولیّ النکاح

اشارة

أمّا اعتبار الإسلام فی الولیّ، فقد ادعی الإجماع منّا ومن أهل السنة علی عدم ثبوت الولایة للکافر علی ولده المسلم. (3)

ذکر المحقّق البحرانی قائلاً: الظاهر أنّه لا خلاف بین الأصحاب فی اشتراط

ص:222


1- (1) . انظر: فی شرط الحرّیة المصادر التالیة للإمامیّة: جامع المقاصد: 104/12؛ قواعد الأحکام: 13/3؛ للحنفیة: السرخسی، المبسوط: 223/4 و 224، بدائع الصنائع، ج1336/3 و 1337؛ وللمالکیة: المدونة:150/2؛ الشرح الکبیر: 230/2؛ وللشافعیة: الأمّ: 14/5؛ روضة الطالبین: 62/7؛ وللحنابلة: المغنی: 356/7؛ الإنصاف: 72/7.
2- (2) . النحل: 75.
3- (3) . انظر للإمامیة: مسالک الأفهام: 166/7؛ کشف اللثام: 68/7؛ جواهر الکلام: 206/29؛ وانظر لأهل السنة: المغنی: 356/7 - 363، المحلّی: 473/9.

الإسلام فی الولایة فلا تثبت للکافر - أباً کان أو جدّاً. الولایة علی الولد المسلم صغیراً أو مجنوناً ذکراً کان أو أنثی. (1)

قال ابن المنذر:

الإسلام یعلو ولا یُعلی علیه، به اعزّ الله عباده، وبه قطع الموالاة بین أولیائه المؤمنین وأعدائه الکافرین، فلا ولایة لکافر علی مسلم بإجماع أهل العلم. (2)

ولکن حکی بعض الحنابلة وجهاً فی المذهب لصحّة ولایة الکافر علی ابنته المسلمة، وهل یباشر تزویجها بنفسه علی هذا الوجه؟ أو یعقده مسلم بإذنه؟ أو یعقده الحاکم بإذنه؟ أوجه علی هذا الوجه، قالوا: أصحّها الأوّل. (3)

وقد استدلّ له الإمامیّة بأمور:

أوّلاً: من القرآن الکریم:

أوّلاً: قوله تعالی: (وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً) . (4)

وجه الاستدلال:

الآیة تشیر إلی نفی السبیل، ومن المعلوم أن الولایة سبیل علی المؤمن، فلا تکون الولایة إلّا للمسلم. (5)

مناقشة الاستدلال:

نوقش الاستدلال بهذه الآیة بأن الظاهر من الجعل فیها بقرینة ما قبلها، وهو قوله تعالی: (فَاللّهُ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ) ووجود حرف الاستقبال فیها یکون الظاهر منها الجعل التکوینی فیما یتعلّق بأمور الأخرة لا الجعل التشریعی الذی نحن فیه، مع أنّه

ص:223


1- (1) . الحدائق الناظرة: 267/23.
2- (2) . الإشراف علی مذاهب العلماء: 40/4.
3- (3) . انظر: الإنصاف: 79/8؛ المبدع: 38/7.
4- (4) . النساء: 141.
5- (5) . کتاب النکاح: 128.

فسَّرت الآیة فی بعض الأخبار بنفی الحجّة للکفار علی المؤمنین فالسبیل المنفی فی الآیة إنّما هو الحجّة لا التسلّط علیه، ولذا نری ثبوت السلطة للکافر علی أجیره المسلم، مضافاً إلی إمکان انصراف السبیل علیه ممّا کان لمصلحة المسلم وخدمته. (1)

ثانیاً: قوله تعالی: (وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ) . (2)

بتقریب أنَّ المستفاد من الآیة جعل الولایة للمؤمنین فیما بینهم فلا ولایة لغیرهم علیهم. (3)

وأورد علی الاستدلال بالآیة الکریمة، أنّه لم یثبت منها إرادة الولایة بهذا المعنی، وإنّما أن یراد بها المودة أو النصرة، وهو کونهم متعاونین بعضهم لبعض، فکما أن قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ) لیس فی مقام جعل الولایة وتشریعها بین الکافرین، فمن الممکن أن تکون الآیة علی هذا المنال، بل قد یستظهر من الآیة أن الولایة من الطرفین، فتعمّ الکبیر والصغیر فلا دلالة فی عدم ولایة الکافر الکبیر علی المؤمن الصغیر. (4)

ثانیاً: من السنة

فمنها: الحدیث المروی عن النبی صلی الله علیه و آله : «الإسلام یعلو ولا یعلی علیه». (5)

والاستدلال به فی کون الحدیث فی مقام التشریع فیدل علی أنّه لیس فی أحکام الإسلام ما یوجب علو غیر المسلم علی المسلم، فلا تجعل له الولایة علیه إذن. (6)

ص:224


1- (1) . انظر: مستمسک العروة الوثقی: 483/14.
2- (2) . التوبة: 71.
3- (3) . المؤید، کتاب النکاح: 445/1.
4- (4) . مستمسک العروة الوثقی: 483/14.
5- (5) . وسائل الشیعة: 376/17، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث، ح: 11.
6- (6) . المؤید، کتاب النکاح: 445/1.

وأورد علیه السیّد الحکیم قائلاً:

المراد من العلو الظهور نظیر قوله تعالی: (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ) 1 . (1)

ثالثاً: الإجماع

قال الشهید الثانی:

فلا تثبت الولایة للکافر، أباً کان أو جدّاً أو غیرهما... ثمّ قال والحکم فیه إجماعی. (2)

ومثله فی الحدائق. (3)

رابعاً: دعوی اقتضاء مناسبة الحکم والموضوع لنفی ولایة الکافر علی المسلم؛ لأنّ شرف الإسلام وعزته مقتض بل علة تامّة؛ لأن لا یجعل فی أحکامه وشرائعه ما یوجب ذلّ المسلم وهوانه، وقد قال الله تعالی: (وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لکِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ) 5 ، فکیف یمکن أن یشرع الله أحکاما توجب علو الکافر علی المسلم، فیکون الکفار هم الأعزة مع أنّه تبارک وتعالی حصر العزة به وبرسوله وبالمؤمنین.

فالفقیه یقطع بعد التأمل فی ذلک بعدم إمکان جعل مثل هذا الحکم الذی یکون سبباً لهوان المسلم وذلّه بالنسبة إلی الکافر الذی لا احترام له وهو کالأنعام بل أضل سبیلاً. (4)

ویلاحظ علیه:

ص:225


1- (2) . مستمسک العروة الوثقی: 483/14.
2- (3) . مسالک الأفهام: 166/7.
3- (4) . الحدائق الناظرة: 267/23.
4- (6) . محمد حسین، البجنوردی، القواعد الفقهیة: 162/1.

عدم صحّة هذا البیان علی اطلاقه لا سیما فیما نحن فیه، فإن ولایة الأب علی ولده ورعایته لشؤونه والقیام بما تقتضیه مصلحته لا یعدّ هواناً وذلّة علی الولد الذی ألزمه الشارع الأقدس بإحترام أبیه ومعاشرته بالمعروف وإن کان کافراً.

وبالجملة إذا کانت مناسبة الحکم والموضوع المستدل بها قائمة علی أساس أنَّ فی ولایة الکافر علی المسلم ذلاً وهواناً، فلا شمولیة لهذا الدلیل لأنه دائر مدار تحقق الذل والهوان.وقد تسالم الفقهاء علی أن عمل المسلم أجیراً عند الکافر لا إشکال فیه فی نفسه، وکذلک اقتراضه منه وما شاکل. (1)

خامساً: ما أفاده السیّد الخوئی قدس سره من انصراف أدلّة الولایة عن الکافر؛ لأنّ المتفاهم العرفی منها جعل الولایة للشخص من جهة احترامه وأداء حقوقه، فلا تشمل الکافر الذی یجب عدم موادته والابتعاد عنه، وهذا لایتّسق مع الولایة علی المسلم. (2)

ویردّ علیه:

إنَّ احترام الآباء والأجداد قد نقول به وإن لم تثبت ولایة للکافر؛ إذ لا ملازمة بین الاحترام والولایة ولاترتب بینهما من قبیل ترتب الحکم علی موضوعه، فسواء ثبتت الولایة فی موردنا أم لم تثبت یکون حکم احترام الأب والجدّ، وإن کان کافراً علی حاله فلا تضاد بین عدم الولایة والاحترام.

سادساً: ما أفاده السیّد الخوئی قدس سره أیضاً من التمسک بقاعدة الالزام، بدعوی إن الکفار لا یلتزمون بجواز إنکاح الصغیرة مطلقاً، کما لا یلتزمون بالولایة علی بناتهم الأبکار، وتوقف نکاحهن علی إذنهم، فمقتضی قاعدة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم تقتضی سقوط ولایتهم، والالتزام بصحّة نکاح الباکر من غیر إذنهم. (3)

ص:226


1- (1) . المؤید، کتاب النکاح: 448/1.
2- (2) . موسوعة الإمام الخوئی: 254/33.
3- (3) . مستند العروة الوثقی: 312/2.

ویلاحظ علیه:

إنَّ قاعدة الإلزام متوقفة علی وضوح عدم ثبوت ولایة لهم علی الصِّغار فی النکاح وعلی الأبکار الرشیدات، وهو أمر غیر معلوم عند جمیع الکفار خصوصاً فی نکاح الصغیرة. (1)

وأمّا أهل السنة استدلوا بما یلی:

أولاً: من القرآن

بالإضافة الآیات المتقدّمة التی استدلّ بها الإمامیّة استدلوا بقوله تعالی: (ما لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ ءٍ) . (2)

قالوا: علی أنَّ هذه الآیة وإن کانت لیست فی الکافرین، بل هی فی المؤمنین لبیان الموالاة بین من أسلم ولم یهاجر، ومن هم فی دار الإسلام، إلّا أنَّ بعضهم - کمالک - قد استدلَّ بها علی منع الموالاة بین المؤمنین والکافرین من باب أولی. (3)

ثانیاً: من السنة

زواج النبی صلی الله علیه و آله أمّ حبیبة، ابنة أبی سفیان من غیر ولایة أبیها.

قال الشافعی:

ولا یکون الکافر ولیَّاً لمسلمة وإن کانت بنته، قد زوّج ابن سعید بن العاص النبی صلی الله علیه و آله أمّ حبیبة، وأبو سفیان حیّ؛ لأنّها کانت مسلمة وابن سعید مسلم، لا أعلم مسلماً أقرب بها منه، ولم یکن لأبی سفیان فیها ولایة؛ لأنّ الله تبارک وتعالی قطع الموالاة بین المسلمین والمشرکین والمواریث والعقل وغیر ذلک. (4)

ص:227


1- (1) . انظر: المصدر السابق.
2- (2) . الأنفال: 72.
3- (3) . انظر: المدوّنة: 150/2.
4- (4) . الأم: 15/5.

ثالثاً: من المعقول

فولایة الکافر علی المسلمة ممنوعة قیاساً علی منع التوارث بینهما. (1)

الرَّاجِح

والذی یظهر لی من بعد هذا أنّ العمدة فی الاستدلال هو الإجماع وتسالم الأصحاب علیه.

و یمکن الاستدلال - بالإضافة إلی الإجماع - بما یلی:

إنّ الولایة التی جعلها الله سبحانه وتعالی علی الصغیر أو الصغیرة أو المجنون والمجنونة أو البنت الباکر أو السفیه أو السفیهة إنّما هی من أجل مصلحة المولَّی علیه وعدم إیقاعه فی مفسدة ما، وبما أنَّ ولایة الکافر علی المسلم هو عین المفسدة لما فیه توجه الکفار إلی غیر ما یتوجّه إلیه المسلم فی حیاته الاجتماعیّة والدینیّة وغیرها، فتکون أدلّة الولایة منصرفة عن ولایة الکافر علی المسلم، وهذا الانصراف للأَدلّة هو المقبول عرفاً.

ولأنَّ الحکمة المقتضیة لجعل الولیّ، حیث أنّه لأجل حفظ مصلحة المسلم التی غالباً تکون مرتبطة بالإسلام والکافر لا یلتزم بذلک، بل یعارضه.

وعلیه، فلا یزوّج الأب الکافر ابنته المسلمة ولا ابنه الصغیر المسلم؛ لأنّه لا ولایة للکافر علی نفس المسلم.

ثم إذا سقطت ولایة الأب الکافر علی ولده المسلم، فتکون حینئذ للجدّ إن کان مسلماً؛ لأنّ ولایته لم تسقط بسقوط ولایة الأب أمّا إذا کان الجدّ کافراً فالولایة للحاکم الشرعی.

ص:228


1- (1) . انظر: السرخسی، المبسوط: 223/4.
ولایة الکافر علی ولده الکافر

ولو کان الابن کافراً، فهل لأبیه الکافر الولایة علیه أم لا؟

اختلف الفقهاء من الإمامیّة فی هذه المسألة فذهب العلّامة إلی الولایة، حیث قال:

ولا تسلب ولایته عن الکافر (1) والیزدی: والأقوی ثبوت ولایته علی ولده الکافر. (2)

ولکن مقتضی إطلاق ما فی قوله: إذا کان الولیّ کافراً، فلا ولایة له (3)، انتفاء ولایة الکافر حتّی علی الولد الکافر.

ونحوه فی التحریر (4)، انتفاء ولایة الکافر.

أمّا عند فقهاء الجمهور من أهل السنة قالوا: وأمّا ولایة الکافر علی الکافرة فهذا لایخلو من أن یکون الکافر أصلیاً أو مرتداً، فإن کان مرتدّاً، فلا ولایة له علی أحد، ولو علی مرتدّة مثله؛ لأنّه محکوم علیه بالقتل.

وأمَّا إن کان أصلیّاً فله الولایة علی قریبته الکافرة، وهی کلّ من یربطه بها سبب من أسباب الولایة المعروفة فی نکاح المسلمین من نسب، أوسلطان أو نحوها. (5)

واستدلّ القائل بثبوت الولایة علی الولد الکافر بعموم أدلّة الولایة علی الولد المسلم، ولیس فیها ما یقتضی انتفاء ولایته مطلقاً.

وأمَّا من استدل (6) بعموم قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ) 7 ، فلیس

ص:229


1- (1) . قواعد الأحکام: 13/3.
2- (2) . العروة الوثقی: 869/2.
3- (3) . شرائع الإسلام: 504/2.
4- (4) . تحریر الأحکام: 6/2.
5- (5) . انظر: بدائع الصنائع: 1347/3؛ روضة الطالبین: 67/7؛ مغنی المحتاج: 156/3.
6- (6) . انظر للامامیة: جواهر الکلام: 207/29؛ وللسنة: بدائع الصنائع: 1347/3؛ مغنی المحتاج: 156/3.

صحیحاً؛ إذ لم یثبت إرادة ما نحن بصدده من الولایة، بل یحتمل علی الأقل إرادة المودة أو النصرة. (1)

سادساً: اشتراط العدالة فی ولی النکاح

اشارة

وهل تعتبر العدالة فی ولی النکاح أم لا؟

المشهور عند الإمامیّة هو عدم اشتراط العدالة فی ولایة الأب والجدّ.

قال السیّد المجاهد قدس سره عند التعرّض لکون المسألة ذات قولین ما لفظه:

یظهر من إطلاق النافع والشرائع، والتبصرة والإرشاد والتذکرة، والدروس واللمعة وکنز العرفان والمسالک والروضة والکفایة: الثانی، أی: عدم اعتبار العدالة. (2)

بل صرّح الکرکی:

أنّ الذی یقتضیه النظر أن ولایته ثابتة بمقتضی النصّ والإجماع، واشتراط العدالة فیه لا دلیل علیه.

وقال الشهید الثانی:

لا یشترط عدالة الولیّ وهو الأب والجدّ فی النکاح، فلهما أن یزوجا الولد وإن کانا فاسقین. (3)

وقال السبزواری:

أن أکثر العبارات خالیة من اشتراط العدالة فی الأب والجدّ والأصل یقتض عدم الاشتراط. (4)

بل المحکی الإجماع المدّعی کما نقله العاملی:

الفسق لا یسلب ولایة النکاح عند علمائنا، فللفاسق أن یزوّج ابنته

ص:230


1- (1) . انظر: مستمسک العروة الوثقی: 484/14.
2- (2) . المناهل :105.
3- (3) . مسالک الأفهام: 269/5؛جامع المقاصد: 276/11.
4- (4) . کفایة الأحکام: 589/1.

الصالحة البالغة بإذنها، والصغیرة والمجنونة مطلقاً. (1)

ولکن الإنصاف هناک من خالف حیث اشترط العدالة، کما فی الوسیلة وفی الإیضاح:

أنّ الأصحّ أنّه لا ولایة للأب أو الجدّ ما دام فاسقاً. (2)

وأمّا عند أهل السنة فی ولایة الفاسق

فیمکن حصرها فی ما یلی:

أوّلاً: أنّه لا ولایة لفاسق فی النکاح مطلقاً.

وهذا هو المعتمد فی مذهب الشافعیة (3)، وإحدی الروایتین عن أحمد، وعلیها المذهب. (4)

ثانیاً: صحّة ولایته فی النکاح، وهذا مذهب الحنفیة والمالکیة، وإحدی الروایتین عن أحمد، وقول للشافعیّة قیل: إنَّ الفتوی علیه عند أکثر المتأخِّرین. (5)

إلّا أنّ المشهور من مذهب المالکیة أنَّ عدم الفسق شرط کمال، وهل المراد به عندهم تقدیم العدل الأبعد علی الفاسق الأقرب؟ أو تقدیم العدل علی الفاسق المساوی له فی الرتبة؟ ظاهر کلام شراح المختصر أنّ المراد الثانی. (6)

ثالثاً: أنّه إن کان الفاسق لو سلب الولایة لانتقلت منه إلی حاکم فاسق صحت ولایته، وإلّا فلا.

وبهذا أفتی الغزالی من الشافعیّة، وقال: ولا سبیل إلی الفتوی بغیره؛ إذ قد عم

ص:231


1- (1) . مفتاح الکرامة: 257/5؛راجع: تذکرة الفقهاء: 599/2.
2- (2) . إیضاح الفوائد: 628/2.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 155/3؛ روضة الطالبین: 64/7.
4- (4) . انظر: المغنی: 357/7؛ الإنصاف: 73/8 و 74.
5- (5) . انظر للحنفیة: بدائع الصنائع: 1348/3؛ فتح القدیر: 285/3؛ وللمالکیة: الدردیر، الشرح الکبیر: 230/2؛ وللشافعیة والحنابلة: المصادر السابقة.
6- (6) . انظر: المصادر السابقة للمالکیة.

الفسق البلاد والعباد. وقال النووی: وهذا الذی قاله حسن وینبغی أن یکون العمل به. (1)

رابعاً: أنّه یلی إن کان مجبراً، وهذا قول للشافعیة، والمقصود بالمجبر عندهم الأب والجدّ فیما لهما إجباره، کالصغیرة والبکر.

خامساً: أنّه یلی إن لم یکن مجبراً، عکس الأوّل، وهو قول لهم أیضاً.

سادساً: أنّه یلی إن کان فسقه بغیر شرب الخمر، وهو قول لهم أیضاً.

سابعاً: أنّه یلی إن کان متستّراً غیر معلن بفسقه، وهو قول لهم أیضاً. (2)

الأدلّة
أ) أدلّة القول بعدم ولایة الفاسق

من الإمامیّة

استدلّ له بوجوه:

الأوّل: أنّه ولایة علی من لا یدفع عن نفسه ولا یعرب عن حاله، ویستحیل من حکمة الصانع جعل الفاسق أمیناً تقبل إقراراته وإخباراته عن الغیر مع نصّ القرآن علی خلافه. (3)

وفیه:

إنّ المنافی للحکمة جعل من لا یبالی بالخیانة ولیاً مطلقاً، فإذا فرضنا تحدید الولایة بالنکاح الذی لا مفسدة فیه لا منافاة هناک، مع أنّ الأب مأمون من ذلک بملاحظة شفقته ورأفته. (4)

ص:232


1- (1) . انظر: مغنی المحتاج: 155/3؛ روضة الطالبین: 64/7.
2- (2) . انظر: کلّ هذه الأقوال: روضة الطالبین: 64/7.
3- (3) . إیضاح الفوائد: 628/2.
4- (4) . فقه الصادق: 144/21.

الثانی: قوله تعالی: (وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النّارُ وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) . (1)

والاستدلال بها بأحد وجهین:

أحدهما: أنّ جعله تعالی الفاسق أمیناً وولیاً رکون منه إلی الظالم، مع أنّه نهی عنه.

ثانیهما: أن العقد مع الأب بعنوان أنّه ولی الطفل رکون إلیه، وهو منهی عنه. (2)

وأورد علیهما بما یلی:

أمَّا الأوّل: فلأنّ مجرد جعله أمیناً وولیاً کجعل الشخص وکیلاً لیس رکوناً إلیه، مع أنّ الملاک غیر معلوم، ولعل لرکون العبد مفسدة لیست فی رکون المولی.

وأمّا الثانی: فلأَنَّ العقد مع الأب بعنوان أن الله تعالی جعله ولیاً لیس رکوناً من العبد إلیه، فإنّه کالعقد معه بما أنّه مالک أو وکیل، مع أن الظالم أخصّ من الفاسق، أضف إلی ذلک ما قیل من ورود الآیة فی سلاطین الجور، وأن المراد بالرکون الداء لهم بالبقاء. (3)

الثالث: قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) . (4)

والاستدلال بها: أنَّ الشارع لمَّا لم یعتمد علی خبر الفاسق لا یعتمد علی عمله بطریق أولی. (5)

وفیه: أنَّ قبول إخبار الفاسق حینئذ وإقراره إنَّما یکون من جهة کونه ولیاً، حیث أنّه

ص:233


1- (1) . هود: 113.
2- (2) . انظر: فقه الصادق: 145/21 و 146.
3- (3) . فقه الصادق: 145/21.
4- (4) . الحجرات: 6.
5- (5) . الشیرازی، کتاب البیع: 217/4.

من ملک شیئا ملک الإقرار به، ولا ینافی مع عدم قبوله إلی غیره من حیث هو، والآیة متضمنة للثانی، مع أن عدم قبول أخباره لا ینافی ثبوت الولایة، مع أن قبول أخباره بعد ثبوت الولایة بما أنّه بلسان أنّه لأبیه غیر قبول إخباره عن غیره، بل هو فی حکم قبول إقراره عن نفسه. (1)

من أهل السنة

استدل القائلون منهم بعدم ولایة الفاسق بما یلی:

أوّلاً: حدیث ابن عبّاس: «لا نکاح إلا بولیٍّ مرشد وشاهدی عدل». رواه الدارقطنی والبیهقی وغیرهما. (2)

وفی لفظ للدارقطنی والبیهقی:

لا نکاح إلا بولیٍّ مرشد وشاهدی عدل، وأیّما امرأة أنکحها ولیّ مسخوط علیه فنکاحها باطل.

وفی لفظ ثالث للبیهقی:

لا نکاح إلا بولی أو سلطان، فإن أنکحها سفیه أو مسخوط علیه فلا نکاح له.

وقد نقل عن الشافعی قوله: والمراد بالمرشد فی الحدیث العدل. (3) أی: أنَّ الفاسق غیر رشید.

وقد نوقش هذا الحدیث من جهة إسناده ودلالته علی هذا.

فأمَّا الإسناد فالصحیح فیه أنّه موقوف علی ابن عبّاس، کما رواه البیهقی من طریق الشافعی وغیره (4)، وأمَّا المرفوع فضعیف، کما قاله الدارقطنی والبیهقی وغیرهما. (5)

ص:234


1- (1) . فقه الصادق: 145/21.
2- (2) . تخریجه: سنن الدارقطنی: 221/3 - 222؛ السنن الکبری: 112/7، آخر باب لا نکاح إلّا بولی، عن طریق الشافعی موقوفاً علی ابن عباس: 124/7، باب لا نکاح إلّا بولیّ مرشد من طرق مرفوعاً وموقوفاً.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 155/3.
4- (4) . انظر: سنن البیهقی: 112/7.
5- (5) . انظر: سنن الدارقطنی: 222/3؛ سنن البیهقی: 124/7.

وأمَّا عدم دلالته علی اشتراط العدالة سواء أکان مرفوعاً أم موقوفاً، فلاحتمال أن یکون المراد به غیر العاقل. (1)

ثانیاً: ما رواه أبو بکر البرقانی بإسناده إلی جابر بن عبد الله الأنصاری قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«لا نکاح إلّا بولی مرشد وشاهدی عدل.»

کذا فی المغنی لابن قدامة وغیره من کتب الحنابلة (2)، ولم أقف له علی تخریج، فإن صحّ، فهو شاهد لما سبق عن ابن عبّاس.

ثالثاً: ولأنَّ الفسق عیب قادح فی الشهادة فکذلک الولایة. (3)

رابعاً: ولأنَّ ولایة النکاح ولایة نظر، فلا تثبت لفاسق، کولایة المال. (4)

ب) أدلّة القول بصحّة ولایة الفاسق

من الإمامیّة

ویمکن أن یستدل لعدم اعتبارالعدالة بوجهین غیر الإجماع.

أحدهما: الأصل.

ویحتمل فی ما یراد بالأصل هنا وجهان:

الأوّل: الأصل اللفظی، وهو اطلاق الأدلّة الإجتهادیة، إمّا ما دلّ علی الأمر بالوفاء بالعقود، فإن اطلاقها ینفی دخل العدالة فی ترتب الأثر.

وأمّا ما دلّ علی النصوص من ولایة الأب والجدّ من دون تقییدها بالعدالة وعلی کلّ من تقریری أصالة إلاطلاق یکون عطف (الإطلاقات) علی (الأصل)

ص:235


1- (1) . انظر: بدائع الصنائع: 1349/3.
2- (2) . المغنی: 357/7؛ المبدع: 35/7.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 155/3؛ بدائع الصنائع: 1348/3.
4- (4) . انظر: المغنی: 357/7؛ المبدع: 35/7.

تفسیریاً وهو مقتضی حکومة الدلیل الاجتهادی علی الأصل العملی حتّی مع وحدة المفاد.

الثانی: الأصل العملی، وأعنی به: استصحاب عدم الاشتراط، أو البراءة من شرطیة العدالة.

وهذا الاحتمال مغایرة المعطوف للمعطوف علیه، ومن هذا المنطلق یکون الغرض الإشارة إلی دلیلین أحدهما الأصل العملی، والآخر الاطلاق اللفظی.

وقد تمسک به الشیخ الانصاری قدس سره فی مقابل الإطلاق، وعلیه فلیس المراد به القاعدة المستفادة منه کما توهم، بل المراد به الأصل العملی، ولذا أورد علیه جمع من المتأخرین عنه - منهم المحقّق النائینی قدس سره بأنّ الأصل بالعکس؛ لأنّ نفوذ نکاح شخص علی أخر یتوقف علی دلیل، ومع عدمه فالأصل یقتضی عدم نفوذه.

ولکن یبدوا أنّ الظاهر من مراده بالأصل هو استصحاب عدم الردع، وذلک بعد ثبوت عدم اعتبارها عند العقلاء، وعدم ثبوت ردع من الشارع الأقدس عنه، فلا إیراد علیه. (1)

ثانیهما: إطلاق النصوص المتقدمة الدالّة علی ولایة الأب، لعدم التفصیل فیها بین کون المتصرّف عادلاً أو فاسقاً، خصوصاً مع توفر الدواعی لبیان الاشتراط، لو کانت العدالة معتبرة شرعاً فی نفوذ التصرف، فلاحظ قول أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی روایة محمّد بن مسلم الواردة فی تصرف الوصی فی مال الیتیم:

«من أجل أنّ أباه قد أذن له فی ذلک، وهو حی».

حیث إنَّ إذن الأب تمام الموضوع لنفوذ تصرّف الوصی بلا دخل قید العدالة فیه. (2)

ص:236


1- (1) . انظر: فقه الصادق: 145/21.
2- (2) . المروج الجزائری، هدی الطالب فی شرح المکاسب: 84/6.

من أهل السنة

استدلوا بما یلی:

أوّلاً: عموم قوله تعالی: (وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ) 1 ، وهذا خطاب للأولیاء بدون فرق بین عدل وفاسق. (1)

ثانیاً: أنَّ الفسقة لم یمنعوا من التزویج فی العصور المفضلة، ولا فیما بعدها. (2)

بل قد یدّعی الإجماع علی ذلک کما قال الکاسانی:

ولنا إجماع الأمّة أیضاً، فإن الناس عن آخرهم عامّهم وخاصّهم من لدن رسول الله صلی الله علیه و آله إلی یومنا هذا یزوّجون بناتهم من غیر نکیر من أحد. (3)

ثالثاً: ولأنّ الفاسق یلی نکاح نفسه، فثبت له الولایة علی غیره کالعدل. (4)

وردَّ بالفرق بین تزویجه نفسه وولایته علی غیره، فإنَّ غایة ما فی تزویجه نفسه أن یضرَّ بها، ویحتمل فی حقّ نفسه ما لا یحتمل فی حقّ غیره، ولهذا یقبل إقراره علی نفسه ولا تقبل شهادته لها. (5)

رابعاً: ولأنَّ سبب الولایة القرابة، وشرطها النظر، والفاسق قریب ناظر، والفسق لا یقدح فی تحصیل النظر، ولا فی الداعی إلیه وهو الشفقة. (6)

ص:237


1- (2) . انظر: بدائع الصنائع: 1348/3.
2- (3) . مغنی المحتاج: 155/3.
3- (4) . بدائع الصنائع: 1348/3.
4- (5) . انظر: المغنی: 357/7؛ المبدع: 35/7.
5- (6) . انظر: مغنی المحتاج: 155/3.
6- (7) . انظر: المغنی: 357/7؛ بدائع الصنائع: 1348/3.

الرَّاجِح

وبتأمل الأقوال السابقة یتضح أنَّ أقوی ما یمکن أن یوجّه به المنع من ولایة الفاسق هو الاحتیاط للدین والعرض، وأقوی ما یمکن أن یوجّه به الجواز هو الحاجة إلی ولایتهم، خاصّة إذا عم الابتلاء بکثرة الفسّاق، وبناء علی هذا یبدو لی أنَّ أولی تلک الأقوال بالرجحان هو قول المشهور للإمامیّة وذلک لما یلی:

أوّلاً: أنَّ الأصل فی عقود الأولیاء الصحّة، ما لم یقم دلیل علی بطلانها، وما تقدم من الأدلّة غیر ناهض علی المدَّعی.

ثانیاً: السیرة القطعیّة المستمرّة من زمان النبی صلی الله علیه و آله إلی زماننا هذا علی عدم التفتیش عن سلوک الأولیاء ومنعهم عن التصرّف فی شؤون المولَّی علیه، وجعلهم بمنزلة الأجنبی حتّی تثبت عدالتهم، بل لم یعهد إلی الآن عزل الولیّ عن النکاح لفسقه.

ثالثاً: الحاجة والضرورة إلی تفویض أنکحة النساء إلی أولیائهنَّ وإن کانوا فسَّاقاً، لما فی منعهم من الضیق والحرج علی الناس ما یترتَّب علی ذلک من المفاسد والخصومات، بسبب أنفة الأولیاء الفسَّاق عن التنازل عن حقّهم فی ولایة أنکحة نسائهم.

سابعاً: اشتراط کون الولی غیر محرم بحجّ أو عمرة أو بهما معاً

ومعنی هذا الشرط: أنّه لا یصحّ للولیِّ تزویج مَوِلیَّته ما دام محرماً بحجٍّ، أو عمرة، أو بهما معاً، ولیس معناه أنًّ إحرام الولی سالب لحقّه فی الولایة، کما هو الشأن فی سائر ما تقدَّم من الشروط.

وفی عدّ هذا من جملة شروط ولیِّ النکاح تسامح؛ لأنّ الإحرام لا یخرج الولیَّ عن کونه ولیًّاً علی الصحیح، وإنّما هو مبنیّ علی عدم صحّة نکاح المحرم مطلقاً،

ص:238

سواء أکان ناکحاً أم منکِحاً؟ رجلاً أم امرأة؟ ولیاً أم وکیلاً؟ وللفقهاء فی هذه المسألة مذهبان:

المذهب الأوّل: أنّه لا یصح للمحرم أن یعقد النکاح لنفسه ولا لغیره، ولا أن یعقد له مطلقاً.

وهذا هو مذهب الإمامیّة قال السیّد الحکیم:

بلا خلاف ولا اشکال فیه، فإن المحرم لا یصح العقد منه له ولا لغیره. (1)

وقال العلامة الحلی:

لا یجوز للمحرم أن یکون ولیاً ولا وکیلاً فی العقد لا للمحلّ ولا للمحرم. (2)

والجمهور من السنة منهم مالک والشافعی وأحمد.

قال ابن قدامة:

روی ذلک عن عمر وابنه وزید بن ثابت، وبه قال سعید بن المسیّب وسلیمان بن یسار والزهری والأوزاعی ومالک والشافعی. (3)

المذهب الثانی: أنّ الإحرام لا یمنع النکاح مطلقاً، أی عکس الأول، وإلیه ذهب أبو حنیفة وأصحابه والثوری وغیرهم، وقالوا: علی أنّه هو المرویّ عن ابن عبّاس.

قال ابن حزم:

اختلف السلف فی هذا: فأجاز نکاح المحرم طائفة، صحّ ذلک عن ابن عباس، وروی عن ابن مسعود ومعاذ، وقال به عطاء والقاسم بن محمّد بن أبی بکر، وعکرمة وإبراهیم النخعی، وبه یقول أبو حنیفة وسفیان... . (4)

ص:239


1- (1) . مستمسک العروة الوثقی: 484/14.
2- (2) . منتهی المطلب: 809/2.
3- (3) . المغنی: 311/3 و 312. وانظرمن کتب المذاهب المصادر التالیة: للمالکیة: بدایة المجتهد: 242/1. للشافعیة: مغنی المحتاج: 156 و 157، روضة الطالبیین: 67/7. وللحنابلة: کشف القناع: 441/2. وانظر للظاهریة: المحلّی: 201/7 - 197.
4- (4) . المحلّی: 198/7.

الأدلّة

أ) أدلّة من منع المحرم من عقد النکاح

استدلّ جمهورالسنة بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله قال:

«لا ینکح المحرم ولا ینکح ولا یخطب». (1)

ولهذا الحدیث شواهد منها:

1. ما رواه مالک فی الموطأ عن نافع أنّ عبد الله بن عمر کان یقول: لایَنکِح المحرم ولا یخطب علی نفسه ولا علی غیره.

وبنحوه هذا رواه أیضاً أحمد والبیهقی من طرق عن بن عمر موقوفاً علیه. (2)

2. ما رواه أبان بن عثمان عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«لا یتزوّج المحرم ولا یزوِّج».

رواه الدارقطنی. (3)

3. ما رواه مالک عن داود بن الحصین: أنّ أبا غطفان المرّی أخبره أنّ أباه طریفاً تزوّج امرأة، وهو محرم فرد عمر نکاحه، ورواه الدارقطنی عن یحیی بن سعید عن داود بن الحصین. (4)

4. وعن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام قال: «من تزوَّج، وهو محرم نزعنا منه امرأته».

وفی لفظ أخر: قال: «لا یَنکح المحرم فإن نکح ردّ نکاحه»، رواهما البیهقی. (5)

ص:240


1- (1) . سنن الترمذی: 578/3 و 579؛ سنن ابن ماجة: 632/1.
2- (2) . تخریجه: 1. ترتیب المسند: 227/11؛ 2. سنن البیهقی: 65/5.
3- (3) . سنن الدارقطنی: 261/3.
4- (4) . المصدر السابق.
5- (5) . سنن البیهقی: 66/5.

5. وروی البیهقی بإسناده أنّ مولی لزید بن ثابت تزوّج، وهو محرم، ففرق بینهما زید بن ثابت. (1)

فالحدیث الأوّل، وهذه الشواهد، فیها الدلیل الواضح، علی أنّه لیس للمحرم أن یعقد النکاح، ولا أن یعقد له، ولا أن یخطب أیضاً، وعلی هذا جری عمل التابعین بعد الصحابة، فقد روی البیهقی بإسناده إلی سعید بن المسیب أنّ رجلاً تزوّج وهو محرم فأجمع أهل المدینة علی أن یفرق بینهما.

من الإمامیّة

استدلّوا بصحیح ابن سنان، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«لیس للمحرم أن یتزوّج ولا یزوّج، وإن تزوّج أو زوّج محلّا فتزویجه باطل». (2)

فهی کذلک واضحة الدلالة علی أنّه لیس للمحرم أن یعقد النکاح لنفسه، ولا لغیره، وإن تزوّج أو زوّج فتزویجه باطل بدلیل ما أشرنا إلیه.

ب) أدلّة من أجاز نکاح المحرم

وأمّا أدلّة من أجاز للمحرم عقد النکاح، فهو حدیث ابن عبّاس قال: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوج میمونة وهو محرم.

وهذا الحدیث رواه: البخاری ومسلم والترمذی والدارقطنی والبیهقی وغیرهم. (3)

وفی لفظ لأحمد والنسائی عن ابن عبّاس أیضاً: أنّ النبی صلی الله علیه و آله : تزوّج میمونة بنت الحارث وهما محرمان. (4)

ص:241


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . وسائل الشیعة: 436/12.
3- (3) . تخریجه: 1. صحیح البخاری: 165/9؛ 2. صحیح مسلم: 196/9؛ 3. عون المعبود، شرح سنن أبی داود: 296/5؛ 4. سنن الترمذی: 581/3 و 582؛ 5. سنن الدارقطنی: 263/3 و 264.
4- (4) . شرح سنن النسائی: 191/5 و 192.

وهی واضحة الدلالة علی من احتج به من أن الإحرام لم یکن مانعاً للمحرم من التزویج.

واحتجوا من جهة المعقول: بقیاس النّکاح علی شراء الأمة للتَّسریّ؛ إذ أنّه عقد کسائر العقود التی یتلفظ بها، ولا یمنع شیء منها بسبب الإحرام. (1)

وقد أجاب الجمهور عن حدیث ابن عبّاس بأجوبة منها ما یلی:

أوّلاً: أنّ حدیث ابن عباس معارض بما صحّ عن میمونة صاحبة القضیّة، حیث أخبرت عن نفسها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوّجها وهو حلال، وبنی بها وهو حلال، وصاحبة القضیّة أعرف بها، وحدیث میمونة هذا رواه عنها یزید بن الأصمّ - ابن أختها - قال: حدّثتنی میمونة بنت الحارث أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله : «تزوجها وهو حلال»، قال: وکانت خالتی وخالة ابن عبّاس.

هذا لفظ حدیث مسلم، وقد رواه أیضاً أحمد وأبو داود والترمذی وابن ماجه والدارقطنی والبیهقی. (2)

ثانیاً: إنّ حدیث ابن عبّاس معارض بخبر أبی رافع، وکان هو الرسول بین رسول الله صلی الله علیه و آله ومیمونة، ورسول القضیة أعلم بها.

وخبر أبی رافع هذا رواه: أحمد والترمذی والدارقطنی والبیهقی کلّهم عن طریق حماد بن زید، عن مطر الوراق، عن ربیعة بن أبی عبد الرحمن عن سلیمان بن یسار عن أبی رافع مولی رسول الله صلی الله علیه و آله : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوّج میمونة حلالاً وبنی بها حلالاً، وکنت الرسول بینهما. (3)

ص:242


1- (1) . انظر: فتح القدیر: 233/3؛ تبیین الحقائق: 111/2.
2- (2) . تخریجه: 1. شرح النووی لصحیح مسلم: 196/9 -197؛ 2. سنن أبی داود: 295/5 المطبوع مع: عون المعبود؛ 3. تحفة الأحوذی، بشرح جامع الترمذی: 4/3 .583. سنن ابن ماجة: 632/1؛ 5. سنن الدارقطنی: 262/3 و 263؛ 6. سنن البیهقی: 66/5.
3- (3) . تخریجه: 1. تحفة الآحوذی، بشرح جامع الترمذی: 580/3؛ 2. سنن الدارمی: 369/1؛ 3. شرح معانی الآثار: 270/2؛ 4. سنن الدارقطنی: 262/3 - 263.

وروایة مالک التی أشار إلیها الترمذی هی فی الموطأ عن سلیمان بن یسار:

أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فزوّجاه میمونة بنت الحارث ورسول الله صلی الله علیه و آله بالمدینة لم یخرج. (1)

وقال ابن القیِّم:

هذا وإن کان ظاهره الإرسال، فهو متَّصل؛ لأنَّ سلیمان بن یسار رواه عن أبی رافع: أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوّج میمونة وهو حلال، وبنی بها وهو حلال، وکنت الرسولَ بینهما، وسلیمان بن یسار مولی میمونة، وهذا صریح فی تزوّجها بالوکالة قبل الإحرام. (2)

ولهذا فقد نقل الزیعلی عن الطحاوی ترجیحه لحدیث أبی رافع علی روایة ابن عبّاس فقال:

قال الطحاوی فی کتابه الناسخ والمنسوخ:

والأخذ بحدیث أبی رافع أولی؛ لأنّه کان السفیر بینهما، وکان مباشراً للحال، وابن عباس کان حاکیاً، ومباشر الحال مقدَّم علی حاکیه، ألا تری عائشة کیف أحالت علی علی حین سئلت عن مسح الخف، وقالت سلوا علیاً؟ فإنّه کان یسافر مع رسول الله صلی الله علیه و آله . (3)

ثالثاً: إنَّ ابن عبّاس کان إذ ذاک صغیراً، وهذا بخلاف میمونة صاحبة القضیة، وبخلاف أبی رافع أیضاً السفیر فیها، فلم یکن لابن عبّاس من الضبط والعنایة بهذه القضیة فی ذلک العمر، ما لمیمونة وأبی رافع.

ولذلک اشتهر عن سعید بن المسِّیب توهیم ابن عبّاس فی قوله:

إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نکح میمونة وهو محرم.

ص:243


1- (1) . شرح الزرقانی علی الموطأ: 272/2.
2- (2) . تهذیب السنن مع عون المعبود: 296/5.
3- (3) . نصب الرایة: 174/3.

قال الحافظ:

قال الأثرم قلت لأحمد، إنّ أبا ثور یقول: بأیّ شیء یدفع حدیث ابن عبّاس؟ - أی مع صحته - قال: فقال: الله المستعان: إنَّ ابن المسِّیب یقول: وَهِمَ ابن عبّاس، ومیمونة تقول تزوّجنی وهو حلال. (1)

وأمَّا قیاس نکاح المحرم علی شراء الأمة للتّسریّ، فهو قیاس فی مقابل النصّ، ومثله فاسد الاعتبار، وبهذا یتضح أنّ القول الراجح هو: أنَّ المحرم لا یعقد النکاح لنفسه ولا لغیره، ولا یعقد له أیضاً، ولا فرق بین إحرام الحجّ أو العمرة الواجب والمندوب الأصلی أو النیابی.

ص:244


1- (1) . فتح الباری: 165/9.

المبحث الثانی: شروط إعمال الولایة

رعایة المصلحة وعدم المفسدة

عندما یقوم الأب والجدّ فی العقد علی القصّرهل یلحظان مجرّد جانب المصلحة لهم أم یکفی عدم وجود المفسدة؟

وقد فرق علماء القدماء من الإمامیّة بین ولایة المال للأب وولایة النکاح له فاکتفوا فی ولایة المال له وجود المصلحة، ولکن فی ولایة النکاح اکتفوا بمجرّد عدم المفسدة.

قال النراقی:

لا اشکال فی اشتراط جواز التزویج بانتفاء المفسدة له. (1)

وقال الیزدی:

یشترط فی صحّة تزویج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة. (2)

والکلام فی المقام یقع فی ثلاثة أمور:

ص:245


1- (1) . مستند الشیعة: 136/16.
2- (2) . العروة الوثقی: 866/2.

الأوّل: صحّة النکاح حتّی مع المفسدة

ویدلّ علیه إطلاق الأدلّة، فکما إنّ للبالغ أن یزوّج نفسه مع المفسدة کذلک أن یزوّج المولَّی علیه. (1)

لکن یرد علیه:

أوّلاً: بانصراف الأدلّة فیما إذا کان هناک مفسدة علی المولَّی علیه.

ثانیاً: بحدیث لا ضرر، لأن الزواج فیه الضرر وهو منهی عنه.

ثالثاً: بالأولویة من التصرّف فی المال فإذا کان لا یجوز التصرّف فی مال الطفل الذی یکون فیه المفسدة فزواجه مع المفسدة أولی. (2)

الثانی: لزوم المصلحة

وإلی هذا ذهب العلّامة قائلاً:

یجب علی الولی حفظ مال الطفل لأن الله تعالی جعله قیَّما علیه ناظراً فی مصالحه وتحصیل منافعه ودفع المفاسد عنه. (3)

وقال الشهید الثانی:

یزوجه قدر ما تقتضیه الحاجة مراعیاً للمصلحة. (4)

واستدلّ له بما یلی:

1. قوله تعالی: (وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ) . (5)

ص:246


1- (1) . موسوعة الفقه: 45/64.
2- (2) . المصدر السابق.
3- (3) . تذکرة الفقهاء: 609/2.
4- (4) . جامع المقاصد: 111/12.
5- (5) . الأنعام: 152.

بتقریب أنّه إذا کان أن الأحسن ما فیه المصلحة، وهی وإن لم تشمل الأب لکنها تشمل الجدّ وتثبت فی الأب لعدم القول بالفصل. (1)

وأورد علی الاستدلال بما یلی:

أوّلاً: أنّه لا یصدق الیتیم علی من له الجدّ.

ثانیاً: إنّ المراد بأحسن الحسن، الفعل الذی لا مفسدة فیه.

ثالثاً: إنّ الآیة منصرفة إلی الأجانب، والخطاب فیها لا یشمل الجدّ.

رابعاً: عدم الفصل غیر محرز. (2)

2. الإجماع.

بدعوی الإجماع علی اعتبار المصلحة فی التصرّف فی مال الصغیر، فالتصرّف فی عرضه بالنکاح یکون بطریق أولی. (3)

وأورد علیه:

أنّه لو ثبت ذلک فی التصرّف فی المال لا وجه للتعدّی إلی المقام. (4)

3. الأصل.

وهو إن لم یکن لأدلّة الولایة إطلاق لا بدّ من الاقتصار علی المتیقن، وهو الولایة علی التصرّف الذی فیه المصلحة، والرجوع فی غیر ذلک إلی أصالة عدم ثبوت الولایة، أو عدم نفوذ التصرّف. (5)

ویرد علیه:

ص:247


1- (1) . انظر: موسوعة الإمام الخوئی: 330/33.
2- (2) . فقه الصادق: 150/16.
3- (3) . انظر: موسوعة الفقه: 45/64.
4- (4) . المصدر السابق.
5- (5) . انظر: نهج الفقاهة:295.

أنَّ مقتضی الإطلاق عدم الاعتبار أضف إلیه بناء العقلاء، فإنّ بنائهم علی ثبوت الولایة مع عدم المفسدة، ولم یردع الشارع الأقدس عنه. (1)

الثالث: کفایة عدم المفسدة

قال السیّد الخوئی معلّقاً علی العروة الوثقی:

یشترط فی صحّة تزویج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة.

وقال أیضاً:

اتفاقاً بل لم ینسب الخلاف فیه إلی أحد. (2)

وذلک لوضوح أَّن ولایة الأب والجدّ علی الصغیر والصغیرة لا تکون مطلقة، بل إنّما جعلت لهما لأجل عدم التضرّر بهما.

وقد یستدلّ له بأمور:

الأوّل: معتبرة أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال لرجل:

«أنت وما لک لأبیک». قال أبو جعفر علیه السلام : «ما أحبّ أن یأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إلیه ممّا لا بدّ منه إنّ الله لا یحبّ الفساد». (3)

الاستدلال بها إن تحدید ولایة الأب بعدم المفسدة إذا ثبت فی المال ثبت فی العرض بطریق أولی. (4)

الثانی: معتبرة الفضل بن عبد الملک عن أبی جعفر علیه السلام قال:

إن الجدّ إذا زوج ابنة ابنه، وکان أبوها حیّاً، وکان الجدّ مرضیاً جاز... . (5)

بتقریب أنَّ ظاهر التقیید وبملاحظة مناسبة الحکم والموضوع هو اعتبار کونه مرضیاً

ص:248


1- (1) . فقه الصادق: 144/21.
2- (2) . موسوعة الإمام الخوئی: 229/33.
3- (3) . وسائل الشیعة: 195/12، باب78 من أبواب ما یکتسب به، ح2.
4- (4) . المؤید، کتاب النکاح: 411/1.
5- (5) . وسائل الشیعة: 14، باب 11 من أبواب عقد النکاح، ح4.

بلحاظ تصرّفاته الصادرة تجاه البنت، وإلّا فکونه مرضیاً بالنسبة إلی سائر تصرفاته أجنبی عن ولایته علی البنت. (1)

الثالث: معتبرة عبید بن زرارة المتقدّمة والتی ورد فیها:

«الجدّ أولی بها ما لم یکن مضاراً». (2)

ومن أجل التقریب الذهنی لا بدّ من قول، وهو أنَّ التقیید بعدم کونه مضاراً إنّما یدل علی عدم ثبوت الولایة للجدّ إذا کان فی مقام الإضرار بالبنت. (3)

الرابع: التمسک بدلیل نفی الضرر، فإنّه یقتضی نفی جعل الولایة للأب والجدّ فیما إذا کان فی إنکاحهما لها ضرر علیها، وبذلک تختص ولایتهما علیها، وعلی الصبی بفرض عدم المفسدة لا محالة. (4)

رضا الباکر

لقد عرفنا أنَّ البکر البالغ لا تنکح إلّا بإذنها وإذن ولیِّها، وبقی أن نعرف فی هذا المبحث ما یحصل به معرفة إذن البکر لولیها فی نکاحها.

وخلاصة الأقوال: فی هذا أنّه یحصل بثلاثة دلائل علی الأذن والرضی وهی:

1. صریح کلامها.

2. سکوتها، وإن لم یقترن به ما یدل علی سخط أو کراهة.

3. ما له حکم السکوت دلالة علی الرضی.

وإلیک بیان ذلک بالتفصیل:

ص:249


1- (1) . موسوعة الإمام الخوئی: 229/33.
2- (2) . وسائل الشیعة: 14، باب 11 من أبواب عقد النکاح، ح2.
3- (3) . موسوعة الإمام الخوئی: 229/33.
4- (4) . المصدر السابق.

أوّلاً: إذن البکر بصریح کلامها

إنَّ تعبیر البکر عن رضاها وإذنها لولیّها فی إنکاحها بصریح کلامها هو أقوی الوسائل لمعرفة رضاها؛ إذ أنَّ التعبیر باللسان هو أبلغ وسائل التعبیر لمعرفة رضاها، وهو أبلغ وسائل التعبیر عمّا فی النفس، وهوالأصل فی الدلالة علی مرادها، والقول أبلغ دلالة من الفعل، ولم یخالف فی هذا من المذاهب الإسلامیّة إلّا ابن حزم الظاهری، فهو یری أنَّ إذن البکر لا یکون إلّا بسکوتها، فإن سکتت بعد استئذانها فقد رضیت وأذنت ولزمها إنکاح ولیّها لها، وإن تکلمت بالرضی أو بالمنع أو غیر ذلک، فلا یعقد علیها. (1)

واستدلّ ابن حزم لِما ذهب إلیه بظاهر الأحادیث التی فرّقت بین صفة إذن البکر، وإذن الثیّب، فجعلت النطق للثیب، والسکوت للبکر.

ومن تلک الأحادیث:

1. حدیث ابن عبّاس أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:

«الأیِّم أحقّ بنفسها من ولیِّها، والبکر تستأذن فی نفسها وإذنها صماتها... ».

وفی لفظ: «الثیب أحق بنفسها». (2)

2. حدیث أبی هریرة أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:

«لا تنکح الأیِّم حتّی تستأمر، ولا البکر حتّی تستأذن». قالوا: یا رسول الله، وکیف إذنها؟ قال: «أن تسکت». (3)

وقد حمل ابن حزم علی من خالف مذهبه هذا ممّن قال: بصحّة رضی البکر

ص:250


1- (1) . انظر: المحلّی: 471/9.
2- (2) . تخریجه: 1. شرح الزرقانی علی الموطأ: 126/3؛ 2. شرح النووی لصحیح مسلم: 204/9 و 205؛ 3. عون المعبود، شرح سنن أبی داود: 4/6 .124. تحفة الاحوذی، بشرح جامع الترمذی: 5/4 .244. سنن ابن ماجة: 601/1.
3- (3) . سنن البیهقی: 119/7، سنن ابن ماجة: 601/1 و 602.

بصریح القول، فقال - بعد أن ذکر الحدیثین السابقین:

ذهب قوم من الخوالف إلی أنّ البکر إن تکلّمت بالرِّضی، فإنّ النکاح یصحّ بذلک خلافاً علی رسول الله صلی الله علیه و آله وعلی الصحابة، فسبحان الذی أوهمهم أنَّهم أصحّ أذهاناً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وأوقع فی نفوسهم أنّهم وقفوا علی فهم وبیان غاب عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، نعوذ بالله عن مثل هذا.

فأمّا رسول الله صلی الله علیه و آله فإنّه أبطل النکاح عن البکر ما لم تستأذن فتسکت، وأجازه إذا استؤذنت فسکتت، بقوله صلی الله علیه و آله «لا تنکح البکر حتّی تستأذن وإذنها صماتها».

وأمّا الصحابة فإنّهم - کما أوردنا فی الخبر آنفاً. لم یعرفوا ما إذن البکر حتّی سألوا رسول الله صلی الله علیه و آله عنه، وإلا فکان سؤالهم عند هؤلاء فضولاً، وحاش لهم من ذلک، فتنبه هؤلاء لما لم یتنّبه له أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله ولا نبّه عنه صلی الله علیه و آله وهذا کما ترون، وما علمنا أحداً من السلف روی عنه أنّ کلام البکر یکون رضی، وقد روینا عن عمر بن الخطّاب وعلی بن أبی طالب علیه السلام وغیرهما أن إذن البکر هو السکوت.

ومن عجائب الدنیا قول مالک: إنّ العانس البکر لا یکون إذنها إلّا بالکلام، وهذا مع مخالفته لنص کلام رسول الله صلی الله علیه و آله ففی غایة الفساد؛ لأنّه أوجب فرضاً علی العانس ما أسقطه عن غیرها، فوددنا أنّ یعرّفونا الحدّ الذی إذا بلغته المرأة انتقل فرضها إلی ما ذکر. (1)

إنّ ما ذهب إلیه ابن حزم فی هذا ممّا یعاب علی أهل الظاهر فی تحمیلهم ظواهر النصوص ما لا تحتمله، ولیس فی هذه الأحادیث النبویّة ونحوها أنّ السکوت فرض علی البکر، به یصحّ نکاحها وبدونه یبطل، بل لیس فیها إلا صحّة اعتبار سکوت البکر رضی منها، وهو رخصة صان الله بها کرم حیاء البکر، فأکرم الله بهذا السکوت ذلک الحیاء الذی حبس لسانها عن رغبة تستحی من إبدائها بصریح قولها.

ص:251


1- (1) . المحلّی: 471/9.

ثانیاً: إذن البکر بالسکوت

أ) رأی الإمامیّة

لقد اتفق فقهاء الإمامیّة إجمالاً علی أنّ سکوت البکر بعد استئذانها یکفی دلالة علی إذنها لولیها بإنکاحها ورضاها بخاطبها ما لم تقترن به قرینة واضحة دالّة علی عدم الرضی.

قال الیزدی:

ورد فی الأخبار أن إذن البکر سکوتها عند العرض علیها، وأفتی به العلماء، لکنها محمولة علی ما إذا ظهر رضاها وکان سکوتها لحیائها عن النطق بذلک. (1)

وقال السیّد الحکیم:

بل المشهور بین الأصحاب، بل الظاهر أنّه لا خلاف فیه إلّا من ابن ادریس انکاره. (2)

قال ابن إدریس:

إنَّ السکوت لا یدل فی موضع من المواضع علی الرضا إلّا إذا لم یکن له وجه إلا الرضا فحینئذ یدل علیه، حیث یقول لا بدّ من النطق ولا یکفی السکوت، لکونه أعم من الرضا، وحمل ما ورد من الروایات وأقوال الأصحاب باستئذانها والاکتفاء بسکوتها علی تقدیر تقدم توکیلها، فلا یوقع العقد علیها إلا عند استئمارها ثانیاً.

قال: فإن قیل: إذا وکلته فی العقد فلا حاجة إلی استئمارها؟

قلنا: بل یستحبّ أن یستأمرها عند العقد بعد ذلک. (3)

وقال العلّامة:

ولیس بجید فإن العادة قاضیة بأن السکوت هنا رضا؛ إذ حیاء المرأة البکر، یمنعها عن النطق فلو لم یجعل السکوت دلالة علی الرضا.

مع أنّه دال عرفاً فیه، وفی کثیر من المواضع انتفت الدلالة علی الرضا

ص:252


1- (1) . العروة الوثقی: 869/2.
2- (2) . مستمسک العروة الوثقی: 480/14.
3- (3) . السرائر: 569/2.

مطلقاً، مع أنّ النقل عن النبی صلی الله علیه و آله فی أنّ الثیّب یعرب عنها لسانها، والبکر إذنها صماتها مشهور. (1)

نعم، فی المبسوط أنّه احتاط فی استنطاقها، فقال:

وأمَّا البکر، فإن کان لها ولی الإجبار مثل الأب والجدّ فلا یفتقر نکاحها إلی إذنها، ولا إلی نطقها، وإن لم یکن لها ولی الإجبار کالأخ وابن الأخ والعمّ فلا بدّ من إذنها، والأحوط أن یرعی نطقها، وهو الأقوی عند الجمیع. وقال قوم یکفی سکوتها، لعموم الخبر، وهو قوی. (2)

ب) رأی أهل السنّة

وأما فقهاء السنة اتّفقوا أیضاً - من حیث الجملة - علی أن سکوت البکر بعد استئذانها یکفی دلالة علی إذنها لولیها بإنکاحها ورضاها ما لم تقترن به قرینة واضحة دالة علی عدم الرضی، إلّا أنّ بعض الفقهاء منهم قد قصره علی اعتباره إذناً للبکر مع بعض أولیائها دون بعض، أو لبعض الأبکار دون بعض، فتحصل بذلک لهم ثلاثة أقوال فی اعتبار السکوت من البکر رضی.

القول الأوّل: أنّ سکوت البکر بعد استئذانها یکفی لمعرفة رضاها بالنکاح وإذنها فیه، وأنّه معتبر فی کل بکرٍ، ومع کلِّ ولیّ.

وهذا مذهب جمهور علمائهم ومنهم الحنفیّة والحنابلة والظاهریّة وأحد الوجهین عند الشافعیّة، قال ابن قدامة فی المغنی:

فأمّا البکر فإذنها صماتها فی قول عامّة أهل العلم منهم: شریح والشعبی، وإسحاق، والنخعی، والثوری، والأوزاعی، وابن شبرمة، وأبو حنیفة، ولا فرق بین کون الولی أباً أو غیره. (3)

ص:253


1- (1) . مختلف الشیعة: 130/7.
2- (2) . الطوسی، المبسوط: 183/4.
3- (3) . المغنی: 386/7، انظر للحنابلة: الإنصاف: 64/8؛ المبدع: 28/7. وانظر للحنفیة: السرخسی، المبسوط: 32/5؛ بدائع الصنائع: 1354/3 و 1355، وانظر للظاهریة: المحلّی: 471/9، وللشافعیة: مغنی المحتاج: 150/3، روضة الطالبین: 55/7

القول الثانی: أنَ َََّّ سکوت البکرإنَّما یکتفی به دلالة علی الرضی والإذن إذا کان ولیّها أباها أو جدّها، وأمَّا سائر أولیائها فلا یکون إذنها لهم فی نکاحها إلّا بصریح کلامها.

وهذا القول لبعض الشافعیة. (1)

القول الثالث: أنَّ سکوت البکر إنَّما یکتفی به مع بعض الأبکار دون بعض تبعاً لاختلاف أحوالهنَّ، وهذ التفصیل للمالکیة، حیث قالوا: إنَّ الأصل فی إذن البکر أنّه یحصل بسکوتها، وهناک حالات مستثناة من هذه القاعدة، لا یکون للبکر فیها إذن إلّا بصریح القول، وذکروا سبع حالات للأبکار لا یعتبر لهنّ إذن إلّا بصریح کلامهنّ وهنّ:

الأولی: البکر البالغ المرشَّدة، ولو کانت ذات أب؛ لأنَّه لمّا رشَّدها علم من ذلک أنَّها عارفة بمصالح نفسها، وما یراد منها ففارقت غیرها. (2)

الثانیة: البکر التی عضلها ولیّها عن النِّکاح، سواء کان ولیها أباها أو غیره، فرفعت أمرها إلی الحاکم فزوّجها فلا بدّ من نطقها، إلّا إنّ أمر الحاکم أباها بتزویجها بعد تحقق العضل منه، فإنّه یجبرها ولا یحتاج إلی إذنها. (3)

الثالثة: البکر التی زوّجت بعرض (4)، وهی من قوم لا یزوّجون به ولا أب ولا وصی ینظر فی مالها، فلا بدَّ من نطقها؛ لأنّها بائعة مشتریة، والبیع والشراء لا یلزم بالصمت. (5)

ونحو هذا القول قال بعض الشافعیة: أنّه إذا استأذنها ولیّها أن یزوّجها بأقلِّ من

ص:254


1- (1) . انظر: المصادر السابقة للشافعیة.
2- (2) . انظر: حاشیة الدسوقی، علی الشرح الکبیر: 227/2 و 228.
3- (3) . انظر: المصدر السابق.
4- (4) . أی: غیر ذهب أو فضّة. انظر: منح الجلیل: 20/2.
5- (5) . انظر المصدر السابق.

مهر مثلها، أو بغیر نقد البلد، وصمتت، لم یکن ذلک إذناً منها فی ذلک؛ لأنّه استئذان فی مال. (1)

الرابعة: البکر التی زوَّجت بمن فیه رقّ لو زوجها أبوها بعده، وهذا بناءً علی أنّ العبد غیر کفء للحرّة، وقیل إن کان زوّجها بعبد أبیها فلا بدَّ من نطقها، حتّی ولو قیل: إن العبد کفؤ للحرة، لما یلحقها من زیادة المعرَّة بتزویجها بعبد أبیها، ممّا لم یحصل مثله لو تزوّجت بغیر عبد أبیها. (2)

الخامسة: البکر التی تزوَّجت بذی عیب یوجب لها الخیار، کجنون وجذام وبرص ولو مجبرة، لأنَّ ذلک عیب تدخل علیه ویلزمها. (3)

السادسة: البکر المفتات علیها، وهی التی زوّجها ولیّها بدون إذنها، ثمّ استأذنها بعد العقد فلا تصحّ إجازتها إلّا بصریح قولها، وهذا عندهم فی غیر الولیّ المجبر؛ لأنّه لا یتصور منه افتیات. (4)

السابعة: البکر المعنّسة، وبعضهم قیدها بالیتیمة. (5)

الأدلّة

أوّلاً: أدلّة المشهور من الإمامیّة: وهو أنّ سکوت البکر بعد استئذانها یکفی دلالة علی إذنها لولیها بإنکاحها ورضاها بخاطبها.

استدلّوا بما یلی:

ص:255


1- (1) . انظر: روضة الطالبین: 56/7.
2- (2) . انظر: حاشیة الدسوقی، علی الشرح الکبیر: 128/2.
3- (3) . انظر: المصدر السابق.
4- (4) . انظر: المصدر السابق.
5- (5) . انظر: حاشیة البنانی علی الزرقانی: 178/3.

1. ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله :

البکر تستأمر فإذنها صماتها، والثیّب یعرب عنها لسانها. (1)

أی: تبین، یقال: أعرب الرجل عن صاحبه، أی: أبان.

2. صحیح البزنطی قال: قال أبو الحسن علیه السلام :

فی المرأة البکر إذنها سکوتها والثیب أمرها إلیها. (2)

3. صحیح داود بن سرحان، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل یرید أن یزوّج أخته؟ قال علیه السلام : یؤامرها فإن سکتت فهو إقرارها، وإن أبت لم یزوجها، ونحوه صحیح الحلبی. (3)

1. خبر الضحّاک بن مزاحم قال:

سمعت علی بن أبی طالب علیه السلام یقول: (وذکر حدیث تزویج فاطمة علیها السلام وإنه طلبها من رسول الله صلی الله علیه و آله ) فقال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام :

«أنّه قد ذکرها قبلک رجال، فذکرت ذلک لها فرأیت الکراهة فی وجهها، ولکن علی رسلک حتّی أخرج إلیک». فدخل علیها وقال: «إنَّ علیاً قد ذکر من أمرک شیئاً، فما ترین؟» فسکتت فلم تولّ وجهها، ولم یر فیه کراهة، فقام وهو یقول: «الله أکبر سکوتها إقرارها». (4)

دلّت هذه الروایات علی الاکتفاء فی إذن البکر بالسکوت، ومتی ثبت الاکتفاء بالسکوت فی الإذن کفی فی الإجازة؛ لأنّها فی معنی الاذن، وهی: کما تری ظاهرة، بل صریحة فی القول المشهور، ولیس فی شیء منها ما یشیر إلی حصول الوکالة التی ادعاها ابن إدریس، بل ظاهرة فی خلاف ذلک، وما ادعاه من استحباب استئمارها بعد الوکالة مجرد دعوی ألجأه إلیه ضیق الخناق فی الخروج عما وقع

ص:256


1- (1) . وسائل الشیعة: 204/14؛ سنن ابن ماجة: 601/1؛ سنن الترمذی: 415/3؛ سنن أبی داود: 232/2 و 233.
2- (2) . وسائل الشیعة: 14، 206، باب 5 من ابواب عقد النکاح، ح1.
3- (3) . المصدر السابق.
4- (4) . المصدر السابق.

علیه الاتّفاق، فإنا لم نقف لذلک علی دلیل عقلی ولا نقلی کما لا یخفی. (1)

ثمّ أنّه تارة یکون السکوت دالاً قطعاً علی الرضا، وأخری یکون مقروناً بقرائن توجب الظنّ بالرضا، وثالثة لا تکون هناک قرینة علی شیء من الرضا وعدمه، ورابعة یکون مقروناً بقرائن موجبة للقطع بعدم الرضا، وخامسة یکون مقروناً بما یوجب الظن بعدمه، وسادسة تتعارض فیه الأمارات.

وقد اختار صاحب الجواهر قدس سره حجّیة السکوت فی الصور الثلاث الأوّل، وظاهر من السیّد الیزدی فی العروة الاختصاص بالصورتین الأوّلیتین، وظاهر ما فی الریاض حجیته عدا المقترن بما یدل علی عدم الرضا قطعاً.

وتنقیح القول ببیان أمور:

أحدها: إنّ المستفاد من جملة من النصوص الاکتفاء بالسکوت فی الإجازة، کما فی صحیح معاویة بن وهب قال:

جاء رجل إلی أبی عبد الله علیه السلام فقال: إنّی کنت مملوکاً لقوم، وإنّی تزوّجت امرأة حرّة بغیر إذن موالیّ، ثمّ اعتقونی بعد ذلک، فاجدّد نکاحی إیّاها حین اعتقت؟ فقال له: «أکانوا علموا أنّک تزوّجت امرأة وأنت مملوک لهم؟» فقال: نعم، وسکتوا عنّی ولم یغیروا علی، فقال علیه السلام : سکوتهم عنک بعد علمهم إقرار منهم، أثبت علی نکاحک الأوّل. (2)

فإنّها دالّة علی صحّة عقد العبد بدون إذن موالیه بسکوتهم وإنّ سکوتهم إقرارهم.

ونحوه خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام عن آبائه عن علی علیه السلام : «إنّه أتاه رجل بعبده، فقال: إنّ عبدی تزوّج بغیر إذنی، فقال علی علیه السلام لسیده: فرق بینهما، فقال السیّد لعبده یا عدو الله، طَلَّقْ فقال له علی علیه السلام : کیف قلت له؟ قال: قلت له: طلق فقال علی علیه السلام للعبد: أمّا الآن فإن شئت فطلَّق، وإن شئت فأمسک.

ص:257


1- (1) . الحدائق الناضرة: 264/23.
2- (2) . وسائل الشیعة: 117/21.

فقال السیّد: یا أمیر المؤمنین، أمر کان بیدی فجعلته بید غیری. فقال علیه السلام : ذلک لأنّک حین قلت له طلق أقررت له بالنکاح». (1)

فإنَّها دالَّة علی أن المولی الذی قال لعبده المزوج لنفسه فضولاً طلق یکون ذلک إقراراً بالنکاح.

ثانیها: أنّه فی هذه النصوص لم ینزل السکوت منزلة الرضا، بل نزل منزلة الإقرار والإذن الکاشفین عنه، فلا وجه لتوهم کونه بمنزلة الرضا موضوعاً للصحّة واقعاً، بل الظاهر کونه موضوعاً للحجیّة.

ثالثها: إن السکوت من الأمارات العرفیّة، وعند أهل العرف یکون حجّة فی الصورتین الأوّلیتین، فعلی هذا یدور الأمر فی هذه النصوص بین کونها إمضاء لما عند العرف، فتختص حجیته بالصورتین الأوّلیتین، وبین کونها تأسیساً فی مقابل ما عند العرف، فتعم الحجیّة جمیع الصور غیر الرابعة، والظاهر من کلام الشارع وإن کان هو التأسیس، ولکن فی باب العقود والإیقاعات لا یبعد دعوی الظهور فی الإمضاء ولا أقلّ من الإجمال، فالمتیقن هوحجیّته فی الصورتین الأوّلیتین.

ثانیاً: أدلّة مذهب الجمهور من السنة: وهو أنَّ سکوت البکر رضی فی حقّ کلّ بکرٍ، وکلّ ولیّ.

استدلّ الجمهور من السنّة القائلون بأنّ سکوت البکر رضی مع کلّ ولیّ وفی حقّ کلّ بکر بالسنة.

فمنها مایلی:

1. حدیث أبی هریرة أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:«لا تنکح الأیِّم حتّی تستأمر، ولا تنکح البکر حتّی تستأذن» فقالوا: یا رسول الله، وکیف إذنها؟ قال: «أن تسکت». (2)

ص:258


1- (1) . المصدر السابق.
2- (2) . لقد مرّ تخریجه.

2. حدیث ابن عباس أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:

«الأیِّم أحقّ بنفسها من ولیها، والبکر تستأذن فی نفسها، وإذنها صماتها».

3. حدیث عائشة أنَّها قالت: یا رسول الله، إنَّ البکر تستحی؟ قال: «رضاها صمتها...».

وفی لفظ: قلت: یا رسول الله: یستأمر النّساء فی أبضاعهنَّ؟ قال: «نعم». قلت: إنَّ البکر تستحی فتسکت، قال: «سکاتها إذنها».

وفی لفظ ثالث: قالت: قال رسول الله: «تستأذن النساء». قلت: إنَّ البکر تستحی، قال: «إذنها صماتها». رواه البخاری بالألفاظ الثلاثة، وراه أیضاً مسلم وغیره، وتقدَّم تخریجه.

4. ما رواه عدی بن عدی الکندی، عن أبیه، عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «أشیروا علی النساء فی أنفسهنَّ». فقالوا: إنَّ البکر تستحی یا رسول الله، قال: «الثیّب تعرب عن نفسها بلسانها، والبکر رضاها صمتها». رواه ابن ماجه والبیهقی. (1)

فقالوا هذه الأحادیث صحیحة صریحة واضحة الدلالة علی أنّ البکر إذا استأذنها ولیّها فی نکاحها فسکتت، أنَّ ذلک إذن منها، لا فرق بین بکر وأخری، ولا بین ولیّ وآخر.

وأمّا توجیه القول الثالث: وهو أنَّ سکوت البکر إنّما یکتفی به دلالة علی الرضی مع أبیها أو جدّها دون غیرهما، فهو:

أوّلاً: إنَّ السکوت إنّما یکتفی به فی حقّ البکر لشدّة حیائها، وهی أشدّ حیاء مع أبیها وجدّها، بخلاف غیرهما؛ إذ لا تستحی أن تفصح عن رضاها وإذنها، بصریح قولها مع أخیها، وعمِّها، ونحوهما. (2)

ثانیاً: أنَّ نکاح البکر لا یتوقّف علی رضاها إذا کان ولیها أباها أو جدّها،

ص:259


1- (1) . تخریجه: 1. سنن ابن ماجة: 602/1؛ 2. سنن البیهقی: 123/7.
2- (2) . انظر: شرح النووی علی مسلم: 209/9.

بخلاف غیرهما، فإنّها لا تنکَح إلابإذنها، والصمت محتمل للرضی، وللحیاء، ولغیرهما، وکلّ من افتقر رضاها إلی إذنها افتقر إلی نطقها مع قدرتها علی النطق کالثیّب. (1)

وظاهر هذا القول أنّ صفة إذن البکر لولیّها فی نکاحها یتبع القول فی إجبار البکر أوعدمه، فحیث ثبت عندهم لولیّها حقّ إجبارها، کما فی أبیها وجدّها اکتفی بسکوتها، لعدم توقف نکاحها علی إذنها، وحیث لم یجزِ له إجبارها، کما فی غیر الأب والجدّ، لم یکتف بسکوتها، بل لا بدّ من إذنها بالقول.

ولا یخفی ضعف هذا القول، ومخالفته للسنّة، والإجماع المدعی، وحتّی المعقول، علی مبنی أهل السنّة أنفسهم.

فأمّا مخالفته السنّة:

فقد سبق بیانها، ولم تفرّق بین صفة إذن البکر مع أب أو جدّ.

وأمّا مخالفته الإجماع:

فقد اجمع علمائهم علی ما دلّت علیه السنّة الصحیحة والصریحة، قبل حدوث هذا الخلاف، کما حکاه ابن قدامة، وقد تقدّم.

وأمّا توجیه القول الرابع: وهو تفصیل المالکیة فی صفة إذن البکر تبعاً لاختلاف أحوالها، حیث استثنوا سبع حالات للأبکار لا یکون لهنَّ إذن فیها إلّا بالنطق، فلم أجد له مستنداً من النصوص الشرعیّة، ولا قاعدة یمکن اطّرادها، ومن تأمّل تلک الأقوال وجدّها أشبه بالقول السابق لبعض الشافعیة، من حیث التثّبت فی الوقوف علی رضی البکر بصریح القول فیما یتوقَّف علیه نکاحها، إلّا أنّ القول السابق یشترط النطق حیث وجب الإذن، وأمّا هذا التفصیل للمالکیة، فإنّه یشترط الإذن بالقول لقرائن یترجّح بها أنّ السکوت فی تلک الحالات غیر دالّ علی الرضی، کما تشیر إلیه تعلیلاتهم لبعض

ص:260


1- (1) . انظر: المغنی: 386/7.

تلک الصور، فإنَّهم ذکروا أنّ البکر المرشّدة أو المعنّسة أعرف بمصالح نفسها، فأشبهت الثیب. (1)

وعلی هذا، فسکوت البکر المعنّسة أو المرشّدة یغلب علی الظن أنّه لعدم الرضی، لا لشدّة الحیاء.

إلّا أنّ هذا التوجیه لا یقاوم ما سبق من النصّ والمشهور علی مبنی الإمامیّة والإجماع علی مبنی الجمهور من أهل السنة علی أنّ سکوت البکر رضی من غیر تفصیل، وقد سبق وصف ابن حزم لقول مالک فی المعنّسة: أنّه من عجائب الدّنیا.

والبکر المرشّدة لا تختلف عن هذا.

وأمّا قولهم فی البکر التی عضلها أبوها، فرفعت أمرها إلی الحاکم فأنکحها أو أمر من ینکحها فاشترط صریح القول بالإذن فی هذه الصورة لا یختلف عن وجهة بعض الشافعیة السابقة فی اشتراط الإذن بالقول، حیث لا یکون للولی حقّ الإجبار، فقد نص بعض شراح المختصر علی أنّ الحاکم لو أمر أباها أن ینکحها بعد تحقق العضل عنده أنّ الأب یجبرها، ولا یحتاج إلی إذنها. (2)

وأمّا قولهم فی التی زوّجت بعرض، وهی من قوم لا یزوّجون به، فقالوا: إنّ هذا مال وهی بائعة مشتریة، والمال لا یلزم بالصمت، ولکن استثناء الأب من هذه الصورة یلحقه بالقاعدة السابقة فی اعتبار الإجبار أو عدمه.

وأمّا التی زوّجت بمن فیه رقّ فاعتبار نطقها هنا لتزویجها بغیر کفئها، والغالب أنّ المرأة لا ترضی بغیر الکفء، فإذا سکتت کان ذلک قرینة دالّة علی عدم الرضی، لا علی شدة الحیاء، وکذلک إذا أرید تزویجها بمن فیه عیب، فالغالب أنّ المرأة لا ترضی

ص:261


1- (1) . انظر: حاشیة الدسوقی، علی الشرح الکبیر: 227/2 و 228.
2- (2) . انظر: المصدر السابق.

بمعیب، فوجود العیب قرینة دالّة علی أنّ سکوتها للکراهة لا للرضی، وخاصّة إذا کان العیب یثبت لها حقّ الفسخ.

وأمّا قولهم فی التی زوّجها ولیّها غیر المجبر افتیاتاً علیها، أی: بدون إذنها، فذلک؛ لأنّ افتیات ولیها هنا قد أظهر تعدّیه علی حقها، فاحتیج لنطقها للأمن من هذا التعدّی مرةً ثانیةً.

وبهذا نعلم أنّ أصح هذه الأقوال هو القول الأوّل، وهو:

أنّ سکوت البکربعد استئذانها یکفی دلالة علی إذنها لولیها بإنکاحها ورضاها بخاطبها. ما لم تظهر قرینة واضحة دالّة علی أنّ سکوتها سکوت سخط أو کراهیة، لا سکوت أدب وحیاء.

ثالثاً: ما یکون له حکم السکوت فی الدّلالة علی رضی البکر

وأمّا ما یلحق بالسکوت فی الدلالة علی إذن البکر ورضاها، فقد بحث الفقهاء ما إذا استأذنها ولیّها فی تزویجها فضحکت، أو تبسمت، أو بکت، أیلحق ذلک بسکوتها أم لا؟!

فأمّا الضحک والتبسم، فهو بمنزلة سکوتها فی دلالته علی الرضی، بل إنّه أدلّ علی الرضی من السکوت؛ لأنَّ الإنسان إنّما یضحک غالباَ ممّا یسره، وهذا مذهب الإمامیّة، وفیه قال الشهید الثانی:

ولو ضحکت أو تبسمت عند عرضه علیها، فأولی بالإکتفاء؛ لأنه أقوی دلالة من السکوت. (1)

وهذا أیضاً ما ذهب إلیه الجمهور من أهل السنّة.

وأما إن ضحکت أو تبسَّمت کالمستهزئة، فلا یکون ذلک دالاً علی الرضی. (2)

ص:262


1- (1) . مسالک الأفهام: 166/7.
2- (2) . انظر فی إلحاق الضحک بالسکوت المصادر التالیة: للحنفیة: السرخسی، المبسوط: 4/5؛ بدائع الصنائع: 1355/3. وللمالکیة: الخرشی علی مختصر خلیل:184/3. وللشافعیة: مغنی المحتاج: 150/3؛ روضة الطالبین: 55/7. وللحنابلة: المغنی: 389/7؛ الإنصاف: 65/8.

وأمَّا إذا استأذنها ولیّها فبکت

ففی دلالته علی الرضی إلحاقاً له بالسکوت خلاف.

1. فقیل: هو بمنزلة سکوتها، وبه قال ابن البراج من الإمامیّة، حیث قال:

إذا أراد أبوها العقد علیها، ویستحب له أن لا یعقد علیها حتّی یستأذنها، فإنّ سکتت أو ضحکت أو بکت کان ذلک رضی منها بالتزویج. (1)

وبه قال الحنابلة، والمالکیة، وروایة عن أبی یوسف من الحنفیَّة. (2)

2. قیل: أنّه بمنزلة سکوتها، إلّا إذا اقترن به صیاح، أو ضرب خدّ؛ لأنّ ذلک مشعر بعدم الرضی.

وبهذا قال الشافعیة، بناء علی الأصح عندهم، وهو أنَّ سکوت البکر رضی مع جمیع الأولیاء. (3)

وبنحو هذا قال بعض الحنفیة: إنَّ البکاء لا یکون رداًّ إلّا إذا کان له صوت، کالویل، وأمّا لو خرج الدمع من عینیها من غیر صوت البکاء لم یکن هذا رداًّ، بل تحزن علی مفارقة بیت أبویها. (4)

قال ابن الهمام: واختیرت للفتوی. (5)

ص:263


1- (1) . المهذّب: 194/2.
2- (2) . انظر لأبی یوسف: محمد، ابن الهمّام، فتح القدیر: 264/3؛ بدائع الصنائع: 1355/3. وللمالکیة: الخرشی علی مختصر خلیل: 184/3. وللحنابلة: المغنی: 389/7؛ الإنصاف: 65/8.
3- (3) . انظر: مغنی المحتاج: 150/3.
4- (4) . انظر: السرخسی، المبسوط: 4/5.
5- (5) . انظر: فتح القدیر: 264/3.

3. أنَّ البکاء دلیل عدم الرضی مطلقاً، وهو مذهب الحنفیّة. (1)

4. اعتبار قرائن الأحوال، بالکشف عن بکائها أهو للکراهة أم لا؟

فإذا کان للکراهة لم یکن إذنا.

وهذا قول اختاره بعض المحقّقین من المذاهب الخمسة.

قال الشهید الثانی:

وینبغی تقیید الإکتفاء بالسکوت بعدم اشتماله علی امارة الکراهة، وإلّا لم یکف، ومتی أشبه الحال کفی السکوت عملاً بالنص، ولو ضحکت أو تبسمت عند عرضه علیها فأولی بالإکتفاء؛ لأنّه أقوی دلالة من السکوت، وألحق ابن البراج لها ما لو بکت، وهو بعید، والأولی الرجوع فیه إلی قرائن الأحوال. (2)

وقال ابن الهمام:

والمعول علیه اعتبار قرائن الأحوال فی الضحک والبکاء، فإن تعارضت أو أشکل أحتیط، ومن هذا ما اعتبر بعضهم من أنَّ دموعها إن کانت حارّة فهو ردّ، أو باردة فهو رضی، لکنه اعتبار قلیل الجدوی أو عدیمه؛ إذ الإحساس بکیفیتی الدمع لا یتهیأ إلّا لخدّ الباکی، ولو ذهب إنسان یحسه لا یدرک حقیقة المقصود، ولیس بمعتاد، ولا یطمئن به القلب، إلّا أنّه کذا ذکر. (3)

الأدلّة

استدلّ من قال إنَّ بکاء البکر بمنزلة سکوتها بما یلی:

من الإمامیّة

ما روی فی دعائم الإسلام عن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام أنّه قال:

ص:264


1- (1) . انظر: السرخسی، المبسوط: 4/5؛ بدائع الصنائع: 1355/3.
2- (2) . مسالک الأفهام: 7، 165 و166.
3- (3) . فتح القدیر: 264/3.

«لا ینکح أحدکم ابنته حتّی یستأمرها فی نفسها فهی أعلم بنفسها، فإن سکتت أو بکت أو ضحکت، فقد أذنت وإن أبت لم یزوجها». (1)

من أهل السنة ما یلی:

1. ما روی عن أبی هریرة قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«تستأمر الیتیمة فی نفسها، فإن بکت أو سکتت فهو رضاها، وإن أبت فلا جواز علیها».

کذا أورده ابن قدامة فی المغنی وعزاه لأبی بکر (2)، والحدیث قد رواه أبو داود أیضاً وقال: ولیس بکت بمحفوظ وهو وهم فی الحدیث. (3)

2. لأنَّها لو کرهت لنطقت بامتناعه؟ فإنَّها لا تستحی من الامتناع، فکان إذناً منها کالصمات، والضحک، وأما البکاء فهو دلیل فرط الحیاء، أو لما یترتَّب علی نکاحها من فراقها لبیت أبویها. (4)

وقیل: إنَّ البکاء قد یکون للحزن، وقد یکون لشّدة الفرح، فلا یجعل ردّاً ولا إجازة للتعارض، کأنَ َّها سکتت فکان رضی. (5)

وأمّا من فرّق بین البکاء الذی یصحبه صیاح، أو ضرب للخدود، أو دعاء بالویل، وبین غیره من البکاء، فلأنَّ تلک القرائن مشعرة بالغضب، والسخط، دون البکاء المجَّرد منها، فإنّه دلیل الحیاء، وخوف فراق بیوت الآباء. (6)

ص:265


1- (1) . النعمان المغربی، دعائم الاسلام: 218/2.
2- (2) . المغنی: 387/7.
3- (3) . عون المعبود، شرح سنن أبی داود: 18/6.
4- (4) . انظر: المغنی: 388/7.
5- (5) . کذا قال أبو بکر الکاسانی فی: بدائع الصنائع توجیهاً لقول أبی یوسف: 1355/3.
6- (6) . انظر: السرخسی، المبسوط: 4/5.

وأمّا من جعل البکاء دلیلاً علی الردّ وعدم الإذن، فلأنّ البکاء وضع أصلاً للحزن، والسخط، والکراهیة، لا للفرح والرضی، بخلاف الضحک والتبسم، فإنّ وضعه لما یسرّ ویفرح، ولیس هو بصمت فیدخل فی عموم الأحادیث. (1)

وأمّا من اعتبر قرینة الحال، وعوّل علیها فی هذا المقام، فلأنّ البکاء یدل علی الحزن والکراهیة، وقد یکون لغیر ذلک، وقرینة الحال هی التی تدّل علی المراد به.

الرَّاجِح

والذی یظهر لی من کلّ ما تقدّم: أنّه قلّ من العلماء من یلغی قرینة الحال عند التحقیق والتأمل.

ویبدو لی: أنَّ البکاء لا یلحق بالصمت فی الدلالة علی الرضی إلّا بقرینة تدل علی فرط الحیاء أو خشیة فراق بیوت الآباء أو نحو ذلک، ولذا أشکل العلّامة علی القاضی ابن البراج، حیث قال: وکلام ابن البراج: من إن البکاء دالّ علیه مشکل. (2)

والشهید الثانی بعد نقل ایراد کلامه: وهو بعید. (3)

ثمّ إنّ البکاء دالّ حقیقة علی السخط والکراهیة، لا علی الفرح والرضی ونحوه، فلا یخرج عما وضع له إلّا بقرینة واضحة.

ص:266


1- (1) . انظر: المصدر السابق.
2- (2) . المختلف: 129/7.
3- (3) . مسالک الأفهام: 166/7.

الخاتمة

بعد الثناء والحمد لله تعالی أن یسّر لنا إنجاز هذا البحث المتواضع، وهو الولایة فی عقد النکاح، وکلّی أمل أن أکون وفّقت من خلاله تقدیم رؤیة إسلامیّة لهذا الموضوع الذی یعتبر من المواضیع المهمّة التی یجب أن یحظی بمزید من العنایة والبحث لما یترتب علیه من نتائج مهمّة فی مسیرة الحیاة الزوجیّة.

ونستعرض فیما یلی ما تمّت دراسته فی هذا الکتاب بشکل موجز، فقد قسّمت البحث إلی مقدّمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.

تناولت فی المقدّمة أسباب اختیاری لهذا الموضوع، وخطتی فیه.

وتناولت فی الفصل الأوّل: معنی الولی، وأقسام الولایة وهل الولایة حکم أو حق، ومتی تسقط الولایة.

وفی الفصل الثانی: تحدّثت عن أولیاء العقد عند الشیعة الإمامیّة وباقی المذاهب الأخری.

وتحدّثت فی الفصل الثالث: عن شروط تحقّق الولایة وإعمالها من عدم المفسدة ووجود المصلحة.

وما تم التوصل إلیه من نتائج فهی کما یلی:

1. توضیح أهمّ ما شرعه الإسلام فیما یتصل بالمرأة وأنّه قرّر أهلیتها الاجتماعیّة والأسریة، ومدی احترام إرادتها، وحرّیة التعبیر عمّا فی نفسها، وأن إرداتها معتبرة فی أمر نکاحها ومستقبلها.

ص:267

2. أکدّ علی الرجال وجوب الوفاء بها، فإذا ما بلغت وحسن تصرفها زالت عنها الولایة وغدت أحقّ بنفسها تقبل أو ترد من جاء یطلب یدها للزواج منها، ولیس للولی أو غیره أن یجبرها علی قبول من لا تریده، أو یمنعها من أن تتزوّج من رضیته ممّن یکافئها، وقد منحها الله تعالی هذا الحقّ وهو حریة التعبیر عن هذه المسألة المهمة فی حیاتها.

3. أثبت الشارع المقدّس الولایة لبعض الأولیاء ممّن تتوفّر فیهم الشفقة والحرص علی مصلحة من یحتاج إلیها علیهم ضمن شروط وضوابط معینة، حیث أن تزویجها حال صغرها مصالح کثیرة کتقیید الأکفأ، وخوف من الفوات ورعایة حقوق الصغیرة وغیر ذلک.

4. التشریک بین البکر وبین الأب أو الجدّ من قبل الأب فی الولایة بمعنی توقف الصحّة علی إذنهما معاً، إنّما یکون ذلک مراعاة لمصلحة البنت؛ فلأنها بکر لا تجربة لها فی الحیاة الزوجیة، ولکونها غیر مخالطة للرجال فمعرفتها بصفاتهم وأخلاقهم محدودة. ولما قد یغلب علیها من الاندفاع العاطفی لکل ذلک یخشی علیها من ألّا یکون قرارها فی انتقاء الزوج موضوعیاً مناسباً فتتورط فی حیاة زوجیة لا تسعد بها ولا یمکن الخلاص منها بسهولة، باعتبار أن قرار الانفصال والطلاق بید الزوج فمن هنا یکون التشریک بین رضا الأب ورضا البنت فیکون کلا الرضائین بنحو جزء العلة المؤثرة.

5. لهذه الحیثیّات التی تنصب فی مصلحة البنت کان لولیها دور فی قرار زواجها لما یترتب علیه من ألّفة ومودة وسکن وراحة للحیاة الزوجیّة، وفی ذلک تحقیق لمصالح الزواج ودوامه واستقراره.

هذه عصارة الفکر ونتیجة البحث والتلقی تراها بین یدیک فما وجدت فیه من خیر وصواب فهو من عند الله تعالی، وما وجدت فیه من خطأ أو نقص فهو من نفسی، فتلک سنة الله فی بنی الإنسان فالکمال لله وحده وأسأل الله سبحانه أن یتقبله بقبول حسن، وأن یجعله خالصاً لوجهه الکریم وأن ینفع به عباده المؤمنین، فإنّه علی کل شیء قدیر وبالإجابة جدیر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة علی محمّد وآله الطیّبین الطاهرین.

ص:268

المصادر

اشارة

القرآن الکریم.

أوّلاً: القرآن الکریم وعلومه

1. أحکام القرآن، الجصّاص، أبی بکر أحمد بن علی، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت.

2. التبیان فی تفسیر القرآن، الطوسی، محمّد بن الحسن، تحقیق وتصحیح: أحمد حبیب قصیر العاملی، الطبعة الأولی 1409ق، الناشر: مکتب الإعلام الإسلامی.

3. تفسیر القرآن العظیم، ابن کثیر، إسماعیل بن عمرو، الناشر: دار الکتب العلمیة، منشورات محمّد علی بیضون.

4. تفسیر القمّی، القمّی، علی بن ابراهیم، الطبعة الثالثة 1404ق، الناشر: مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر، قم - إیران.

5. التفسیر الکبیر، الفخر الرازی، محمّد بن عمر بن حسین، الناشر: دار الکتب العلمیّة، طهران - ایران.

6. تفسیر المیزان فی تفسیر القرآن، الطباطبائی، محمّد حسین، الناشر: جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة.

7. جامع البیان فی تفسیر القرآن، الطبری، أبو جعفر محمّد بن جریر، قدم له الشیخ خلیل المیس، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر.

8. الجامع لأحکام القرآن، القرطبی، محمّد بن أحمد، الناشر: انتشارات ناصر خسرو، طهران - إیران.

9. روح المعانی فی تفسیرالقرآن والسبع المثانی، الآلوسی، محمود بن عبد الله، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت.

ص:269

10. فقه القرآن، القطب الراوندی، سعید بن هبة الله، تحقیق السیّد أحمد الحسینی، الطبعة الثانیة 1405ق، مطبعة الولایة - قم المقدسة، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی النجفی المرعشی.

11. الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، الزمخشری، محمود بن عمر، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت - لبنان.

12. مجمع البیان، الطبرسی، الفضل بن الحسن، حقّقه وعلّق علیه لجنة من العلماء المحققین الإخصائیین قدم له السیّد محسن الأمین العاملی، من منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، الطبعة الأولی 1415ق/ 1995م.

13. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن، السبزواری، عبد الأعلی، الناشر: مؤسسة أهل البیت علیهم السلام، بیروت 1409 ق.

ثانیاً: الحدیث الشریف

14. الأمالی، الصدوق، محمّد بن علی، تحقیق قسم الدراسات الإسلامیّة، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولی 1417ق.

15. تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیه و آله ، ابن شعبة الحرانی، حسن بن علی، الطبعة الثانیة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی - التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة - إیران.

16. تحفة الأحوذی بشرح جامع الترمذی، المبارکفوری، الحافظ أبی یعلی محمّد بن عبد الرحیم، المتوفی سنة 1353ش، ضبطه وراجع أصله وصحّحه عبد الرحمن عثمان، الناشر محمّد بن عبد المحسن الکتبی - صاحب المکتبة السلفیّة بالمدینة المنورة - الطبعة الثانیة 1385ش/ 1965م.

17. تهذیب التهذیب، الحافظ ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، الطبعة الأولی بمطبعة دائرة المعارف النظامیة، الهند - حیدر آباد الدکن سنة 1325ش.

18. تهذیب السنن لابن القیّم، ابن القیّم، محمّد بن أبی بکر بن أیوب، الناشر: محمّد عبد المحسن صاحب المکتبة السلفیة بالمدینة المنورة، الطبعة الثانیة 1388ش/ 1986م.

19. سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلّة الأحکام، الصنعانی، محمّد بن إسماعیل، الناشر: دار إحیاء الترث العربی، بیروت، الطبعة الرابعة 1379ش/1965م.

20. سنن ابن ماجة، القزوینی، محمّد بن یزید، تحقیق محمّد فؤاد الباقی، مطبعة عیسی البابی الحلبی.

ص:270

21. سنن أبی داود، السجستانی، الحافظ أبی داود، تحقیق: سعید محمّد اللحام، الناشر: دار الفکر بیروت، الطبعة الأولی 1410ق/ 1990م.

22. سنن الدارقطنی، الدارقطنی، أبی الحسن علی بن عمر، تحقیق السیّد عبد الله هاشم الیمانی المدنی الناشر المحقق، طبع دار المحاسن القاهرة سنة 1386ش/ 1966م.

23. سنن الدارمی، الدارمی، عبد الله، تحقیق وتخریج السیّد عبد الله هاشم الیمانی المدنی، الناشر: المحقق، طبع دار المحاسن القاهرة 1386ش/ 1966م.

24. السنن الکبری، البیهقی، الحافظ أبی بکر أحمد بن الحسین، الطبعة الأولی بمطبعة دار المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدکن - الهند سنة 1353ش وأعادت تصویرها دار المعرفة، بیروت.

25. شرح النووی لصحیح مسلم، النووی، محی الدین أبو زکریا، الناشر المطبعة المصریة ومکتبتها.

26. شرح سنن النسائی، السیوطی، جلال الدین عبد الرحمن، الناشر: دار احیاء التراث العربی، بیروت.

27. شرح معانی الآثار، الطحاوی، أبی جعفر أحمد بن محمّد، شرح معانی الآثار، تحقیق محمّد زهری النجار، الناشر دار الکتب العلمیّة، بیروت، الطبعة الأولی 1399ش/ 1979م.

28. صحیح البخاری، البخاری، محمّد بن إسماعیل، الناشر: دار الفکر بیروت، الطبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإسطنبول 1401ق/ 1981م.

29. صحیح مسلم، ابن مسلم القشیری، مسلم بن الحجاج، الناشر دار الفکر بیروت.

30. عوالی اللئالی العزیزیّة فی شرح الأحادیث الدینیة، الإحسائی، محمّد بن علی، الطبعة الأولی 1403ق/ 1983م، مطبعة سید الشهداء، قم - ایران.

31. عون المعبود، شرح سنن أبی داود، العظیم آبادی، محمّد شمس الحق، الناشر: محمّد عبد المحسن صاحب المکتبة السلفیة بالمدینة المنورة - الطبعة الثانیة سنة 1388ش/ 1968م.

32. الغدیر، الأمینی، عبد الحسین أحمد، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت 1379ش.

33. فتح الباری بشرح صحیح البخاری، ابن حجرالعسقلانی، أحمد بن علی، طبع المکتبة السلفیّة.

34. الکافی، الکلینی، محمّد یعقوب، الناشر: دار الکتب الإسلامیّة، مرتضی آخوندی، طهران - إیران.

35. مسند أحمد، ابن حنبل، أحمد، الناشر: المکتب الإسلامی، بیروت، الطبعة الثانیة 1398ش/ 1978م.

ص:271

36. الموطأ، مالک، عبد الله مالک بن أنس، الناشر: دار المعرفة بیروت 1398ش/ 1978م.

37. نصب الرایة لأحادیث الهدایة، الزیعلی، عبد الله، من مطبوعات المجلس العلمی بالهند، الطبعة الثانیة 1393ش المکتب الإسلامی، بیروت.

38. النهایة فی غریب الحدیث والأثر، ابن الأثیر، مبارک بن محمّد، الطبعة الرابعة، تحقیق: طاهر أحمد الزاوی - محود محمّد الطناحی، الناشر: إسماعیلیان، قم.

39. نیل الاوطار الناشر، الشوکانی، محمّد بن علی، مصطفی الحلبی وأولاده بمصر.

40. وسائل الشیعة، الحر العاملی، محمّد بن الحسن، الطبعة الثانیة، 1414ق تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ثالثاً: الفقه وعلومه

41. أحکام النساء، المفید، محمّد بن محمّد، تحقیق: الشیخ مهدی نجف، الناشر: المؤتمر العالمی لألفیّة الشیخ المفید، مطبعة مهر.

42. إرشاد الأذهان إلی أحکام الإیمان، العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، الطبعة الأولی 1410ق، تحقیق: الشیخ فارس الحسون، الناشر: جماعة المدرّسین، قم المقدّسة.

43. إرشاد الطالب إلی التعلیق علی المکاسب، التبریزی، جواد بن علی، الطبعة الثالثة، الناشر: مؤسسة إسماعیلیان 1416ق.

44. الإشراف علی مذاهب العلماء، ابن المنذر، محمّد بن المنذر النیسابوری، الناشر- دار طیبة، الریاض، الطبعة الأولی.

45. الاقتصاد الهادی إلی طریق الرشاد، الطوسی، محمّد بن الحسن، تحقیق: الشیخ حسن سعید، الناشر: مکتبة جهلستون 1400ق، مطبعة خیام، قم.

46. الأمّ الشافعی، عبد الله محمّد، ، الطبعة الأولی 1400ق/ 1980 م، المطبعة دار الفکر بیروت.

47. الانتصار، المرتضی، علی بن الحسین، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة الأولی 1415ق.

48. الإنصاف، فی معرفة الراجح من الخلاف علی مذهب أحمد بن حنبل،المرداوی، علی بن سلیمان، دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1400ق/ 1980م.

49. إیضاح الفوائد فی شرح إشکلات القواعد، الحلّی، محمّد بن حسن، الطبعة الأولی 1389ش الناشر: طبع بأمر السیّد محمود الشاهرودی.

ص:272

50. البحر الرائق شرح کنز الدقائق، ابن نجیم، زین الدین ابراهیم، الناشر: دار المعرفة - بیروت - طبعة ثانیة مُعادةٌ بالأوفست.

51. بحوث استدلالیة فی فقه الأحوال الشخصیة کتاب النکاح، لمؤید، حسین، الناشر: دار التفسیر، الطبعة الأولی 1423ق/ 2002م.

52. بدایة المجتهد ونهایة المقتصد، ابن رشید الحفید، محمّد بن أحمد، دار الفکر بیروت.

53. بدائع الصنائع، الکاسانی، علاء الدین أبی بکربن مسعود، الناشر: زکریا علی یوسف.

54. بلغة الفقیه، بحر العلوم، محمّد، الناشر: مکتبة الصادق، طهران، الطبعة الرابعة 1403ق/ 1984م.

55. تبیین الحقائق، الزیعلی، عثمان بن علی، الناشر دار المعرفة، بیروت، الطبعة الثانیة 1313ش.

56. تحریر الأحکام، العلّامة الحلی، حسن بن یوسف، الطبعة الحجریة، مطبعة طوس مشهد المقدّسة.

57. تحریر المجلة، کاشف الغطاء، محمّد حسین، الطبعة الأولی 1359ش، الناشر: المکتبة الرضویة، النجف - العراق.

58. تحفة الفقهاء، السمرقندی، علاء الدین، الطبعة الثانیة 1414ق، المطبعة دار الکتب العلمیّة، بیروت.

59. تذکرة الفقهاء (ط - ق)، العلامة الحلی، حسن بن یوسف، الناشر: مکتبة الرضویة لإحیاء الآثار الجعفریة المؤسس الشیخ عبد الکریم التبریزی.

60. تکملة المجموعة الثانیة، المطیعی، محمّد نجیب، الناشر: المکتبة السلفیة بالمدینة المنورة.

61. التنقیح الرائع لمختصر الشرائع، الفاضل المقداد، جمال الدین، تحقیق: عبد اللطیف حسین کوهکمری، الناشر: مکتبة السیّد المرعشی، قم المقدّسة 1404ق.

62. تهذیب الأحکام، الطوسی، محمّد بن الحسن، الناشر: دار الکتب الإسلامیّة، طهران - إیران.

63. تهذیب التهذیب، العسقلانی، أحمد بن علی، الطبعة الأولی 1404ق، النشر: دارالفکر بیروت.

64. جامع المدارک فی شرح المختصر النافع، الخونساری، أحمد، تحقیق: علی أکبر غفاری، الناشر: مکتبة الصدوق، طهران، الطبعة الثانیة.

65. جامع المقاصد فی شرح القواعد، لکرکی، علی بن الحسین، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الأولی 1408ق، المطبعة المهدیة - قم المقدسة.

66. جواهر الکلام، النجفی، محمّد حسن، تحقیق عباس القوجانی، الناشر: دار الکتب الإسلامیّة - آخوندی، مطبعة خورشید، الطبعة الثالثة.

ص:273

67. حاشیة البنانی علی الزرقانی المسمَّاه، البنانی، محمّد، ( بالفتح الربانی فیما ذهل عنه الزرقانی) دار الفکر، بیروت.

68. حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر، الدسوقی، محمّد بن أحمد، الناشر: دار الفکر، بیروت.

69. حاشیة المکاسب، الأصفهانی الکمبانی، محمّد حسین، تحقیق عباس محمّد آل سباع القطیفی، الطبعة الأولی 1418ق.

70. حاشیة المکاسب، الخراسانی، محمّد کاظم حسین، تحقیق: السیّد مهدی شمس الدین، الناشر: وزارة الإرشاد الإسلامی، الطبعة الأولی 1406ق.

71. حاشیة المکاسب، الیزدی، السیّد محمّد کاظم، الناشر: مؤسسة اسماعیلیان 1418ق.

72. الحدائق الناظرة، البحرانی، یوسف، تحقیق: محمّد تقی الأیروانی، الناشر: جماعة المدرسین، قم المشرفة - إیران.

73. الخرشی علی مختصر الخلیل، الخرشی، محمّد بن عبد لله، الناشر: دار الفکر بیروت.

74. الخلاف، تحقیق سید علی الخراسانی، الطوسی، محمّد بن الحسن، سید جواد الشهرستانی، الشیخ محمّد مهدی نجف، الطبعة الأولی 1417ق، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی، قم المقدّسة.

75. الدرّ المختار، الحصفکی، علاء الدین، الناشر دار الفکر 1415ق، بیروت - لبنان.

76. دلیل تحریر الوسیلة، السیفی المازندرانی، علی أکبر، الناشر: مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، قم - إیران.

77. رسائل آل طوق، آل طوق، أحمد بن صالح، الطبعة الأولی 1422ق، الناشر: دار المصطفی لإحیاء التراث.

78. الروضة البهیة (شرح اللمعة)، الشهید الثانی، زین الدین، الطبعة الأولی 1410ق، الناشر: داوری، المطبعة أمیر - قم.

79. روضة الطالبین، النووی، أبو زکریا یحیی بن شرف، طبع ونشر المکتب الإسلامی للطباعة والنشر.

80. ریاض المسائل فی بیان الأحکام بالدلائل، الطباطبائی، علی، الطبعة الحجریة، الناشر: مؤسسة آل البیت، قم - إیران.

81. السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی، ابن ادریس، محمّد بن منصور، الناشر والمطبعة: جماعة المدرسین، قم المقدّسة، الطبعة الثانیة 1410ق.

ص:274

82. شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام، المحقّق الحلّی، جعفر بن حسن، المعلّق: السیّد صادق الشیرازی، الطبعة الثانیة، الناشر: انتشارات استقلال طهران ناصر خسرو، المطبعة أمیر، قم.

83. الشرح الکبیر، الدردیر، أبو البرکات سیدی، الناشر: دار إحیاء الکتب العربیّة، بیروت.

84. العدّة فی اصول الفقة، الطوسی، محمّد بن الحسن، الطبعة الأولی 1417ق، تحقیق: محمّد رضا انصاری قمی، الناشر: مطبعة ستارة، قم - إیران.

85. العروة الوثقی، الحکیم، محسن، مستمسک الناشر مکتبة السیّد المرعشی 1404ق.

86. العروة الوثقی، الیزدی، محمّد کاظم، الناشر: مؤسسة الأعلمی، بیروت، الطبعة الثانیة 1409ق.

87. عوائد الأیام، النراقی، أحمد، الناشر: مکتبة بصیرتی، قم، الطبعة الثالثة 1408ق، مطبعة غدیر، قم.

88. غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد، الشهید الأوّل، محمّد بن مکی، الطبعة الأولی1414ق تحقیق: رضا مختاری، الناشر: دفتر تبلیغات الإسلامی التابع للحوزة العلمیّة فی قم المقدّسة.

89. غایة المرام فی شرح شرائع الإسلام، راشد الصیمری، مفلح بن حسن، الطبعة الأولی 1420ق، الناشر: دار الهادی بیروت لبنان.

90. فتح القدیر، ابن الهمّام، محمّد بن عبد الواحد، مکتبة ومطبعة مصطفی البابی الحلبی بمصر الطبعة الأولی سنة 1389ش/ 1970م.

91. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، الأنصاری، زکریا، الطبعة الأولی 1418ق تحقیق: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

92. فقه الإمامیّة، قم الخیارات، الگیلانی، میرزا حبیب الله بن محمد عل، الناشر: الداوری، إیران، قم المقدّسة، 1407ق.

93. فقه الصادق، الروحانی، محمّد صادق، الطبعة الثالثة 1412ق، المطبعة العلمیّة، الناشر: مؤسسة دار الکتاب، قم.

94. الفقه علی المذاهب الأربعة، الجزیری، عبد الرحمن، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

95. الفقه علی المذاهب الإسلامیّة ومذهب أهل البیت علیهم السلام ، الجزیری، عبد الرحمن؛ الغروی، محمّد؛ المازح، یاسر، الطبعة الأولی 1419ق، الناشر: دار الثقلین، بیروت - لبنان.

ص:275

96. فی فقه الإمامیّة، الشهید الأوّل، محمّد بن مکی، الدروس تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی - التابعة لجماعة المدرسین - قم، الطبعة الأولی 1412ق.

97. قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام، العلامة الحلی، حسن بن یوسف، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین 1413ق، قم المقدّسة.

98. القواعد الفقهیّة، البجنوردی، محمّد حسین، تحقیق: مهدی المهریزی، محمّد حسین الدرایتی، الطبعة الأولی 1419ق الناشر: نشر الهادی، قم المقدسة.

99. القواعد والفوائد فی الفقه والأصول والعربیة، الشهید الأوّل، محمّد بن مکی، تحقیق الدکتور السیّد عبد الهادی الحکیم، الناشر: مکتبة المفید، قم - ایران.

100. قوانین الأحکام الشرعیّة، ابن جزی، محمّد بن أحمد، دار العلم للملایین، بیروت 1979م.

101. الکافی فی الفقه، أبو الصلاح الحلبی، تقی الدین بن نجم، تحقیق: رضا استادی، الناشر: مکتبة أمیر المؤمنین علیه السلام ، أصفهان 1403ق.

102. الکافی فی فقه أهل المدینة المالکی، ابن عبد البر، یوسف بن عبد الله، الناشر: مطبعة حسان القاهرة 1399ش/ 1979م.

103. کتاب البیع، الحسینی الشیرازی، محمّد، الناشر: معهد التعالیم الإسلامیّة، الطبعة الأولی 1414ق.

104. کتاب النکاح، الأنصاری، مرتضی محمّد أمین، تحقیق: لجنة تحقق تراث الشیخ الأنصاری، الطبعة الأولی 1415ق، المطبعة باقری، قم.

105. کشف الرموز فی شرح المختصر النافع، الفاضل الآبی، زین الدین أبی علی الحسن بن أبی طالب، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولی 1410ق.

106. کشف القناع عن متن الإقناع، البهوتی، منصور بن یونس، الناشر: مکتبة النصر الحدیثة بالریاض.

107. کشف اللثام، الفاضل الهندی، بهاء الدین محمّد بن الحسن، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی عام 1405ق، قم المقدّسة.

108. کفایة الأحکام، السبزواری، محمّد باقر، الطبعة الحجریة، الناشر: مدرسة صدر مهدوی - أصفهان، مطبعة مهر - قم.

ص:276

109. ماوراء الفقه، الصدر، محمّد محمّد صادق، تحقیق: جعفر هادی الدجیلی، الناشر: دار الأضواء للطباعة والنشر 1420ق.

110. المبدع فی شرح المقنع، ابن مفلح، إبراهیم، الناشر: المکتب الإسلامی 1397ش/ 1977م.

111. المبسوط فی فقه الإمامیّة، الطوسی، محمّد بن الحسن، تحقیق: محمّد تقی الکشفی، الناشر: المکتبة الرضویة، المطبعة الحیدریة - طهران.

112. المبسوط، السرخسی، أبو بکر محمّد بن أحمد، دار المعرفة بیروت، طبعة ثالثة مُعادةٌ بالأوفست 1398ش/ 1978م.

113. مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان، المقدّس الأردبیلی، أحمد بن محمّد، الناشر: جماعة المدرسین 1403ق.

114. المحلّی، ابن حزم، علی بن أحمد، دار الفکر بیروت.

115. مختصر المُزنی، المُزنی، إسماعیل بن یحیی، الناشر دار المعرفة، بیروت.

116. المختصر النافع فی فقه الإمامیّة، المحقّق الحلی، نجم الدین جعفر، الناشر: مؤسسة البعثة - طهران 1410ق، طبعة دار التقریب، القاهرة.

117. مختلف الشیعة فی أحکام الشریعة، العلامة الحلی، حسن بن یوسف، الناشر: موسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین؛ بقم المشرفه، الطبعة الثانیة، 1413ق .

118. مدارک العروة، الاشتهاردی، علی بناه، الطبعة الأولی 1417ق، الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر، طهران - إیران.

119. المدونة الکبری، مالک بن أنس، دار الفکر بیروت سنة 1398ش، 1978م.

120. المراسم العلویة فی الأحکام النبویة، سلّار، عبد العزیز، تحقیق: السیّد محسن الحسینی الأمینی، الناشر: المعاونیة الثقافیة للمجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام 1414ق، المطبعة أمیر - قم.

121. مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، الشهید الثانی، زین الدین، تحقیق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامیّة، الطبعة الأولی 1413ق، المطبعة بهمن، قم.

122. مسائل الناصریات، المرتضی، علی بن الحسین، الناشر: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامیّة، طهران، المطبعة مؤسسة الهدی.

123. مستند الشیعة فی أحکام الشریعة، النراقی، أحمد، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث مشهد، الطبعة الأولی 1415ق، المطبعة ستارة قم.

ص:277

124. مصباح الفقاهة، التوحیدی التبریزی، المیرزا محمّد علی، من تقریرات أبو القاسم الخوئی، الناشر: الوجدانی، الطبعة الثالثة، مطبعة الغدیر.

125. مطارح الأنظار، الأنصاری، مرتضی محمّد أمین، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، قم - إیران.

126. مغنی المحتاج، الخطیب الشربینی، محمّد بن أحمد، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

127. المغنی علی مختصر الخرقی، ابن قدامة المقدسی، عبد الله بن أحمد، الناشر: مکتبة المؤید عن طبعة المنار الأولی سنة 1348ش.

128. مفاتیح الشرائع، الفیض الکاشانی، محمّد محسن، الناشر: مکتبة السیّد المرعشی قم المقدّسة.

129. مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة، العاملی، جواد بن محمّد، تحقیق: الشیخ محمّد باقر الخالصی، الطبعة الأولی 1419ق، مطبعة ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی - التابعة لجماعة المدرسین - بقم المشرّفة.

130. المقنعة، المفید، محمّد بن محمّد، تحقیق ونشر: جماعة المدرسین، قم المقدّسة، الطبعة الثانیة 1410ق.

131. المکاسب المحرمة، الأنصاری، مرتضی، تحقیق: لجنة تحقق تراث الشیخ الأنصاری، الطبعة الأولی، المطبعة باقری، قم.

132. المکاسب والبیع، الآملی، محمّد تقی، تقریر أبحاث المیرزا النائینی، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرّفة.

133. المناهل، الطبعة الأولی، الطباطبائی، محمّد مجاهد، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام .

134. منیة الطالب فی شرح المکاسب، الخونساری، موسی بن محمّد، تقریر أبحاث المیرزا محمّد حسین النائینی، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولی 1418ق.

135. مهذب الأحکام، السبزواری، عبد الأعلی، تحقیق: مؤسسة المنار، الطبعة الرابعة، الناشر: مکتب آیة الله السبزواری، قم - ایران.

136. المهذب البارع فی شرح المختصر النافع، ابن فهد الحلّی، جمال الدین، تحقیق مجتبی العراقی، الناشر والمطبعة: جماعة المدرسین، قم 1407ق.

137. المهذب، ابن البراج، عبد العزیز، تحقیق: باشراف الشیخ السبحانی، الناشر: جماعة المدرسین، قم 1406ق.

ص:278

138. مواهب الجلیل لشرح مختصر، الحطاب الرعینی، محمّد بن محمّد، الناشر: دار الفکر، الطبعة الثانیة 1398ش/ 1978م.

139. موسوعة الإمام الخوئی، الخوئی، أبو القاسم، الطبعة الثانیة، الناشر: مؤسسة إحیاء آثار الإمام الخوئی 1426ق/ 2005م.

140. موسوعة الفقه، الحسینی الشیرازی، محمّد، الناشر: دار العلوم، الطبعة الثانیة 1409ق/ 1988م.

141. نهایة المرام، العاملی، محمّد، الناشر والمطبعة: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم، الطبعة الأولی 1413ق.

142. نهج الفقاهة، الحکیم، محسن، الناشر: انتشارات 22 بهمن، قم.

143. النور الساطع فی الفقه النافع، کاشف الغطاء علی، مطبعة الآداب 1381ش/ 1961م، النجف الأشرف.

144. الهدایة فی الفروع والأصول، الصدوق، محمّد بن علی، تحقیق ونشر: مؤسسة الإمام الهادی علیه السلام ، الطبعة الأولی 1418ق، مطبعة اعتماد، قم.

145. هدی الطالب فی شرح المکاسب، مروج الجزائری، محمّد جعفر، الناشر: مؤسسة دار الکتاب للجزائری، قم - ایران.

146. الوسیلة إلی نیل الفضیلة، ابن حمزة، محمّد بن علی، تحقیق: الشیخ محمّد الحسون، الناشر: مکتبة السیّد المرعشی، الطبعة الأولی 1408 ق مطبعة، خیام - قم.

رابعاً: کتب التراجم والرجال

147. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربین، الزرکلی، خیر الدین، الطبعة الثالثة 1389ش/ 1969م.

148. رجال الطوسی، الطوسی، محمّد بن الحسن، تحقیق الشیخ جواد القیومی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة 1415ق.

149. رجال النجاشی، النجاشی، أحمد بن علی، تحقیق: السیّد موسی الشبیری الزنجانی، الطبعة الخامسة 1416ق، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین قم المشرفة.

150. الرجال لابن الغضائری، أحمد بن الحسین الواسطی البغدادی، تحقیق: السید محمدرضا الحسینی الجلالی.

ص:279

151. الفهرست، الطبعة الأولی، الطوسی، محمّد بن الحسن، تحقیق ونشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الشیخ جواد القیومی، المطبعة مؤسسة النشر الإسلامی.

152. معجم المؤلفین تراجم مصنفی الکتب العربیة، کحالة، عمر رضا، الناشر: مکتبة المثنی بیروت، ودار إحیاء التراث العربی بیروت.

153. نقد الرجال، التفرشی، مصطفی بن حسین، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الأولی 1418ق، المطبعة ستارة - قم.

خامساً: کتب اللغة

154. تاج العروس من جواهر القاموس، الزبیدی، محمّد مرتضی، من منشورات دار کتب الحیاة بیروت صورة عن الطبعة الأولی بالمطبعة الخیریة بمصر 1306ش.

155. الصحاح، الجوهری، إسماعیل بن حماد، تحقیق أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملایین، بیروت، الطبعة الثانیة 1399ش/ 1979م.

156. القاموس المحیط، الفیروزآبادی، محمّد بن یعقوب، مطبعة مصطفی البابی الحلبی بمصر 1371ش.

157. لسان العرب، ابن منظور، محمّد بن مکرم، الطبعة الأولی 1405ق المطبعة دار إحیاء التراث العربی الناشر: نشر أدب حوزة.

158. المصباح المنیر فی غریب الشرح الکبیر للرافعی، الفیومی، أحمد بن علی، الناشر: المکتبة العلمیّة، بیروت.

159. المفردات فی غریب القرآن، الراغب الأصفهانی، أبو القاسم حسین بن أحمد، الطبعة الأولی 1404ق، الناشر: دفتر نشر الکتاب.

160. مقاییس اللغة، ابن فارس، أحمد بن فارس بن زکریا، تحقیق عبد السلام محمّد هارون - دار الکتب العلمیة، ایران.

ص:280

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.