الآداب الاسلامیه

اشارة

عنوان و نام پدیدآور:الآداب الاسلامیه/ لجنه التالیف فی جامعه المصطفی (ص) العالمیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز المصطفی(ص) العالمی للترجمه والنشر، 1437 ق.= 1395.

مشخصات ظاهری:2 ج.

فروست:مرکزالمصطفی (ص) العالمی للدراسات والتحقیق؛ 644.

شابک:130000 ریال: ج.1 978-964-195-808-6 : ؛ 120000 ریال: ج.2 978-964-195-809-3 :

یادداشت:عربی.

یادداشت:چاپ پنجم.

یادداشت:ج.2 (چاپ پنجم: 1437 ق. = 1395).

یادداشت:فروست چاپ قبلی: مرکزالمصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للدراسات والتحقیق؛ 85، 86.

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:قرآن -- اخلاق

موضوع:Qur'an -- Ethics

موضوع:اخلاق اسلامی

موضوع:Islamic ethics

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

شناسه افزوده:Almustafa International University‪Almustafa International Translation and Publication center

رده بندی کنگره:BP247/8/آ425 1395

رده بندی دیویی:297/61

شماره کتابشناسی ملی:4897517

ص :1

الجزء الأول

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :2

الآداب الاسلامیه(الجزء الأول)

لجنه التالیف فی جامعه المصطفی (ص) العالمیه

ص :3

ص :4

مقدّمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحیم الحمدلله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا ونبینا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.وبعد

إنّ التطوّر المعرفی الذی یشهده عالمنا الیوم فی مختلف المجالات،بخاصّة بعد ثورة الاتصالات الحدیثة التی هیأت فرصاً فریدة للاطلاع الواسع،ودفعت بعجلة الفکر و الثقافة و التعلیم إلی آفاق واسعة.

وغدا الإنسان یترقّب فی کلّ یوم تطوّراً جدیداً فی البحوث العلمیة،وفی المناهج التی تنسجم مع هذا التطوّر الهائل.ومع کلّ ذلک بقیت بعض المناهج الدراسیة حبیسة الماضی ومقرراته.

وبعد أن بزغ فجر الثورة الاسلامیة المبارکة بقیادة الإمام الخمینی قدس سره،انبثقت ثورة علمیة وثقافیة کبری،مما حدا برجال العلم و الفکر فی الجمهوریة الإسلامیة أن یعملوا علی صیاغة مناهج دراسیة جدیدة لمجمل العلوم الإنسانیة،الإسلامیة بشکل خاص؛فأحدث هذا الأمر تغییراً جذریاً وأساسیاً فی الکتب الدراسیة فی الحوزات العلمیة و الجامعات الأکادیمیة.

وفی ظل إرشادات قائد الجمهوریة الإسلامیة الإمام الخامنئی(مدّظله)؛أخذت

ص:5

المؤسسات العلمیة و الثقافیة علی عاتقها تجدید الکتب الدراسیة وتحدیثها علی مختلف الصعد،بخاصة مناهج الحوزة العلمیة،التی هی ثمرة جهود کبار الفقهاء و المفکرین عبر تاریخها المجید.

من هنا بادرت جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة إلی تبنّی المنهج العلمی الحدیث فی نظامها الدراسی،وفی التألیف،والتحقیق وتدوین الکتب الدراسیة لمختلف المراحل الدراسیة ولجمیع الفروع العلمیة،ولشتی الموضوعات بما ینسجم مع المتغیرات الحاصلة فی مجمل دوائر الفکر و المعرفة.

فقامت بمخاطبة العلماء و الأساتذة،لیساهموا فی تدوین کتب دراسیة علی الاُسس المنهجیة الحدیثة للعلوم الإسلامیة خاصّة،ولسائر العلوم الإنسانیة:کعلوم القرآن،والحدیث و الفقه،والتفسیر،والاُصول،وعلم الکلام و الفلسفة،والسیرة و التأریخ،والأخلاق،والآداب،والاجتماع،والنفس،وغیرها،حملت هذه المناهج طابعاً أکادیمیاً مع حفاظها علی الجانب العلمی الأصیل المتّبع فی الحوزات العلمیة فی مدرسة أهل البیت علیهم السلام الرسالیة.

ومن أجل نشر هذه المعارف و العلوم،بادرت جامعة المصطفی العالمیة صلّی الله علیه و آله إلی تأسیس«مرکز المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر»لتحقیق،وترجمة،ونشر کلِّ ما یصدر عن هذه الجامعة الکبیرة،مما ألّفه أو حقّقه العلماء و الأساتذة فی مختلف الاختصاصات وبمختلف اللغات.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم الذی یحمل عنوان الآداب الإسلامیة(الجزء الاول)هو ثمرة التألیف لجنة تألیف فی جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة وترجمه من اللغة الفارسیة إلی العربیة الاُستاذ الفاضل کمال السید(السید عباس الموسوی).

ویحرص مرکز المصطفی العالمی علی تسجیل تقدیره لمترجمه الجلیل علی

ص:6

مابذله من جهد وعنایة،کما یشکر کلَّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب وتقدیمه للقراء الکرام.

وفی الختام نتوجّه بالرجاء إلی العلماء و الأساتذة وأصحاب الفضیلة.للمساهمة فی ترشید هذا المشروع الإسلامی بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة،و أن یبعثوا إلینا بما یستدرکون علیه من خطأ أو نقص یلازم الإنسان عادة،لتلافیهما فی الطبعات اللاحقة،نسأله تبارک وتعالی التوفیق و السداد،والله من وراء القصد.

مرکز المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمی

للترجمة و النشر

ص:7

ص:8

مقدّمة قسم المناهج الدراسیة

وضعت الحوزات العلمیة-عبر تاریخها المجید-مهمّة التربیة و التعلیم علی رأس مهامهّا و جزءاً من رسالاتها الأساسیة،الأمر الذی ضمن إیصال معارف الإسلام السامیة وعلوم أهل البیت علیهم السلام إلینا خلال الأجیال المتعاقبة بأمانة علمیة صارمة،وفی هذا الإطار جاء اهتمام تلک الحوزة العلمیة بالمناهج الدراسیة التعلیمیة.

وممّا لا شکّ فیه،أنّ التطوّر التکنولوجی الذی شهده عصرنا الحالی وثورة الاتصالات الکبری أفرزتا تحوّلاً هائلاً فی حقل العلم و المعرفة،حتّی أصبح بمقدور البشریة فی عالم الیوم أن تحصل علی المعلومات و المعارف اللازمة فی جمیع الفروع بسرعة قیاسیة وبسهولة ویسر.فقد حلّت الأسالیب التعلیمیة الحدیثة و المتطوّرة محلّ الأسالیب القدیمة و الموروثة کمّا و نوعاً،وسارت هذه التطّورات بسرعة نحو تحقیق الأهداف التعلیمیة المنشودة.

وبرزت جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة فی هذا الخضم کمؤسسة حوزویة وأکادیمیة تأخذ علی عاتقها مسؤولیة إعداد الکوادر العلمیة و التعلیمیة الأجنبیة فی مجال العلوم الإسلامیة،حیث تعکف أعداد غفیرة من الطلبة الأجانب الذین ینتمون إلی جنسیات مختلفة علی مواصلة الدراسة فی مختلف المستویات التعلیمیة وضمن العدید من فروع العلوم الإسلامیة و العلوم الإنسانیة التابعة لهذه الجامعة.

ص:9

وبطبیعة الحال،إنّ العلوم و المعارف الإسلامیة التی یتوافر علیها الطلبة الأجانب تتمایز بتمایز البلدان و الأصقاع التی ینتمون إلیها،مما یدفع جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة إلی تدوین مناهج حدیثة تستجیب لطبیعة التمایز الذی یفرضه تنوّع البلدان وتنوع حاجات مواطینها.

لطالما أکّد أساتذة الحوزة ومفکّریها ولا سیما الإمام الخمینی رحمة الله،وسماحة قائد الثورة الإسلامیة(دام ظله)علی ضرورة أن یستند التعلیم الحوزوی للأسالیب الحدیثة المستلهمة من مناهج الاستنباط فی الفقه الجواهری،وأن یتمّ سوقه نحو مسارات التألّق والازدهار،وفی هذا السیاق نشیر إلی مقطع من الکلمة المهمّة التی ألقاها سماحة قائد الثورة السید الخامنئی(دام ظله)فی عام 2007م،مخاطباً فیها رجال الدین الأفاضل:

بالطبع،إنّ حرکة العلم فی العقدین القادمین ستشهد تعجیلاً متسارعاً فی حقول العلم و التکنولوجیا مقارنة بما مرّ علینا فی العقدین المنصرمین...،وفیما یتعلّق بالمناهج الدراسیة یجب علینا توضیح العبارات و الأفکار التی تتضمّنها تلک المناهج إلی الدرجة التی تنزاح معها کلّ العقبات التی تقف فی طریق من یرید فهم تلک الأفکار،طبعاً،دون أن نُهبط بمستوی الفکرة.

فی الحقیقة،لقد استطاعت الثورة الإسلامیة المبارکة فی إیران-ولله الحمد-أن تسند المحافل العلمیة و الجامعات بطاقات وإمکانات هائلة لتفعیلها و تطویرها.ومن هذا المنطلق،واستلهاماً من نمیر علوم أهل البیت علیهم السلام وبفضل الأجواء التی أتاحتها هذه الثورة العظیمة لإحداث طفرة فی النظام التعلیمی،أناطت جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة مهمّة ترجمة وطباعة ونشر المناهج الدراسیة التی تنسجم مع النظام المذکور،إلی مرکز المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمی،وذلک بالاعتماد علی اللّجان العلمیة و التربویة الکفؤة،وتنظیم هذه المناهج بالترکیز علی الأهمیة الإقلیمیة و الدولیة الخاصّة بها.

وللحقیقة فإنّ جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة تملک خبرة عالیة فی مجال تدوین المناهج الدراسیة و البحوث العلمیة،حیث حقّقت تحوّلاً جدیداً فی میدان انتاج

ص:10

المعرفة،وذلک من خلال تجربتها فی تدوین مجموعة المناهج الخاصّة بالمؤسّستین السابقتین التی انبثقت عنهما،وهما:«المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة»و«مؤسسه الحوزات و المدارس العلمیة فی الخارج».

وکانت حصیلة الفعالیات العلمیة لهذه الجامعة فی مجال تدوین المناهج؛إصدار أکثر من مئتی منهجٍ دراسی لداخل البلاد وخارجها،وإعداد أکثر من مئتی منهجٍ وکرّاسةٍ علمیة،والتی نأمل بفضل العنایة الإلهیة وفی ظلّ رعایة الإمام المهدی المنتظر عجّل الله تعالی فرجه الشریف أن تکون قد ساهمت بقسط ولو غیر قلیل فی نشر الثقافة و المعارف الإسلامیة المحمّدیة الأصیلة.

وبدوره یشدّ مرکز المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمی علی أیدی الروّاد الأوائل ویثمّن جهودهم المخلصة،کما یعلن عن شکره للتعاون البنّاء للّجان العلمیة التابعة لجامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله علی مواصلة هذه الانطلاقة المبارکة فی تلبیة المتطلبات التربویة و التعلیمیة من خلال توفیر المناهج الدراسیة طبقاً للمعاییر الجدیدة.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم الذی یحمل عنوان الآداب الإسلامیة(الجزء الاول)هو ثمرة تألیف لجنة التألیف فی جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة وترجمه من اللغة الفارسیة إلی العربیة الاُستاذ الفاضل کمال السید(السید عباس الموسوی).

ویحرص مرکز المصطفی العالمی علی تسجیل تقدیره و شکره للمترجم المحترم علی مابذله من جهد وعنایة،کما یشکر کلّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب.

کما لا یفوتنا أن نتوجّه بالرجاء إلی العلماء و الأساتذة و أصحاب الفضیلة أن یبعثوا إلینا بإرشاداتهم،و بما یستدرکونه علیه منه خطأ أو اشتباه؛لتلافیه فی الطبعات اللاحقة.

نسأله تعالی التوفیق و السداد،والله من وراء القصد.

جامعة المصطفی صلّی الله علیه و آله العالمیة

ص:11

ص:12

الفهرس

الدرس الأوّل:الإسلام دینٌ اجتماعی 19

صلاة الجماعة 22

صلاة الجمعة 24

الأمرُ بالمعروف و النّهی عن المنکر 24

الخُمسُ و الزّکاة 24

الخُلاصة 26

الأسئلة 26

الدرس الثانی:الأُخوّةُ الإسلامیة 27

الخُلاصة 32

الأسئلة 32

الدرس الثالث:حقوق الوالدین 33

1.الإحسان بالوالدین 33

2.اجتناب الإساءة 35

3.اللین و الرحمة 38

الخُلاصة 39

الأسئلة 39

ص:13

الدرس الرابع:صلة الرحم 41

قطع العلاقات مع الأرحام 45

الخُلاصة 47

الأسئلة 47

الدرس الخامس:حقوق الجوار 49

إیذاء الجیران 52

الخُلاصة 55

الأسئلة 55

الدرس السادس:أدب المعاشرة 57

حسن الخلق 58

الآثار الناجمة عن حسن الخلق 62

الخُلاصة 64

الأسئلة 64

الدرس السابع:التواضع 65

معالم التواضع 68

آثار التواضع 68

الخُلاصة 71

الأسئلة 71

الدرس الثامن:الوفاء بالعهد 73

أهمّیة الوفاء بالعهد 74

الخُلاصة 78

الأسئلة 78

الدرس التاسع:الحلم(1)79

ما هو الحل إذاً؟80

البحث الأوّل:الغضب 80

الخُلاصة 86

الأسئلة 86

ص:14

الدرس العاشر:الحلم(2)87

البحث الثانی:الحلم 87

البحث الثالث:بعض أمثلة الحلم وکظم الغیظ 91

الخُلاصة 94

الأسئلة 94

الدرس الحادی عشر:العفو و الصفح 95

الفرق بین العفو و الصفح 97

العفو عند المقدرة 98

مواضع العفو 99

الخُلاصة 101

الأسئلة 101

الدرس الثانی عشر:الإنصاف 103

ملاحظة أخلاقیة 106

الخُلاصة 108

الأسئلة 108

الدرس الثالث عشر:البشاشة و المزاح 109

آثار وثُمّار البشاشة 110

المزاح 111

الطائفة الاُولی 112

الطائفة الثانیة 112

الطائفة الثالثة 114

وأشرقت ابتسامة فی وجه النبی صلّی الله علیه و آله 115

الخُلاصة 116

الأسئلة 116

الدرس الرابع عشر:المؤاساة وقضاء الحوائج 117

الخُلاصة 122

الأسئلة 122

ص:15

الدرس الخامس عشر:إشاعة السرور و الإصلاح بین المؤمنین 123

الإصلاح بین المؤمنین 125

الخُلاصة 129

الأسئلة 129

الدرس السادس عشر:إکرام الیتامی ورعایة البائسین 131

الخُلاصة 137

الأسئلة 137

الدرس السابع عشر:عیادة المریض 139

1.العیادة 139

2.التشجیع علی العیادة 140

3.آداب العیادة 141

الخُلاصة 144

الأسئلة 144

الدرس الثامن العاشر:المشارکة فی الأفراح و الأتراح 145

1.تلبیة الدعوات 145

2.حضور التعازی ومجالس الحداد 147

الخُلاصة 151

الأسئلة 151

الدرس التاسع عشر:الضیافة و التزاور 153

الضیافة 155

آداب الضیافة 156

الخُلاصة 159

الأسئلة 159

الدرس العشرون:التحیة و السلام 161

آداب التحیة و السلام 164

المصافحة و المعانقة 166

ص:16

الخُلاصة 168

الأسئلة 168

الدرس الحادی عشر:حفظ الحُرُمات 169

1.الحرمة الفردیة 169

2.ستر العیوب 170

3.أداء الأمانة 172

الخُلاصة 175

الأسئلة 175

الدرس الثانی والعشرون:الصدیق و الجلیس(1)177

الخُلاصة 182

الأسئلة 182

الدرس الثالث و العشرون:الصدیق و الجلیس(2)183

الخُلاصة 189

الأسئلة 189

الدرس الرابع و العشرون:الغیبة(1)191

البحث الأوّل:تعریف الغیبة 192

البحث الثانی:حرمة الغیبة 193

الخُلاصة 197

الأسئلة 197

الدرس الخامس و العشرون:الغیبة(2)199

البحث الثالث:بواعث الغیبة 199

البحث الرابع:موارد جواز الغیبة 201

البحث الخامس:الاستماع للغیبه 203

الخُلاصة 205

الأسئلة 205

الدرس السادس و العشرون:البهتان وسوء الظنّ 207

سوء الظنّ 209

ص:17

نتائج سوء الظنّ 210

الخُلاصة 214

الأسئلة 214

الدرس السابع و العشرون:النمیمة و السخریة 215

التعامل مع النمّام 217

السخریة والاستهزاء 218

الخُلاصة 221

الأسئلة 221

الدرس الثامن و العشرون:الحسد 223

تعریف الحسد 223

الحسد فی ضوء القرآن الکریم 224

الحسد و الحاسد فی الروایات الاسلامیة 225

الخُلاصة 230

الأسئلة 230

الدرس التاسع و العشرون:الکذب 231

تعریف الکذب 232

الکذب فی ضوء القرآن الکریم 232

الکذب فی ضوء الأحادیث الإسلامیة 233

الصدق فی ضوء القرآن الکریم و الحدیث الشریف 235

الکذب الجائز 236

الکذب فی المزاح 237

التوریة 238

الخُلاصة 239

الأسئلة 239

الخاتمه 241

المصادر 247

ص:18

الدرس الأوّل:الإسلام دینٌ اجتماعی

اشارة

الإسلام دینٌ اجتماعی

من خصائص الدین الاسلامی التی یمتاز بها علی کثیر من الأدیان و المذاهب الأُخری هی أنّه دینٌ اجتماعی فهو لا یکتفی ببیان واجبات الفرد وبنائه الروحی و النفسی،و إنّما یتعدّاه إلی تنظیم البناء الاجتماعی.

وابتداءً یجب الإشارة إلی نقطة مهمّة فی حیاة الناس جمیعاً وهی أنَّ بلوغ السعادة یعدُّ الهدف الأسمی و المنشود.

البشر فی فطرتهم ینشدونَ الکمالَ ویطمحونَ إلی الرخاء و الرُّقی فی مدارج التکامل،وبلوغ أسمی المراتب وحیاة لاعوز فیها ولا شقاء.

و هذه حقیقةٌ ساطعة أنّهُ لا یوجد علی وجه البسیطة من یرفض الرّفاه و الثراء ولا یرید النجاح و التقدّم و التفوّق فی حیاته.والبشر إضافةً إلی ما فُطروا علیه من حُبٍّ للتکامل و النموّ و التفوّق لا یودّونَ التوقّف لحظة واحدة فی سیرهم الحثیث نحو الکمال.

من هنا فلو أنّ فرداً اضطرَّتهُ الظروف إلی التوقّف فی مسیرة الحیاة،فإنّک ستجدهُ یتململ مکتئباً حزیناً.

و هذه هی الحقیقة التی دعاها علماء الإسلام«نشدان الکمال الفطری»ومن

ص:19

المؤکَّد أنّه لا یوجد من یشکّک فی هذه الحقیقة الفطریة،کما أنّه لا یوجد بین الأدیان و المذاهب الوضعیة اختلاف حول هذه المسألة،بل إنّه مع القناعة الکاملة بها،نجدها جمیعاً تنتهج-کلاًّ حسب رؤیته-طرقاً خاصّة بغیة بلوغ الکمال الإنسانی المنشود.

و نجد فی دراستنا للأدیان و العقائد المختلفة إلهیة کانت أو مادیة ادّعاءً فی أنّ النهج الذی ترسمه هو الذی یوصل الإنسان إلی الکمال ویحقّق له السعادة.

فالاختلاف بینها إذاً یکمن فی تعریف الکمال و السعادة و معالم الطریق الذی یضمن للإنسان نیله الکمال و السعادة.

و قد ذکرنا أنَّ هذا المیل الکامن فی أعماق البشر للتکامل،لا یعرف الانتهاء و التوقّف و الخمود.وبناءً علی ذلک فإنّ الإنسان ینشد المطلق و اللانهائی فی حرکته،وفی إذعاننا لهذه الحقیقة،فإنَّ الکمال الذی ینشده الإنسان هو ما یحدّده الإسلام ویشیر إلیه و هو بلوغ القرب الإلهی و الوصول إلی الله،ذلک إنّ الله وحده هو الحقیقة و الکمال المطلق فی هذا الوجود.

و من وجهة نظر الإسلام أنّ الإنسان یبلغ کماله الحقیقی فی«القُربی من الله»و هذا مرهون بطاعة الله أمراً ونهیاً واکتساب رضاه سبحانه وتعالی.

و من هنا فإنّ کلّ شیء یسیر نحو الفناء إلاّ الله،ولا شیء سواه سبحانه یحقّق الرغبة الإنسانیة فی الخلود،ولذا فإنَّ الذین یجعلون المال و الثراء سبباً للسعادة هم خاطئون،ذلک أنّ المال و الثروة مهما کانت عریضة فإنّها محدودة وزائلة،إضافةً إلی أنّ الحیاة الإنسانیة تنطوی علی کثیر من المشاکل و المعضلات،ما یعجز المال عن حلّها.أمّا الله سبحانه فإنّه خالقُ کلِّ شیء و هو نبعُ الکمال ومصدرُ الخیر و الجمال و الباقی بعد فناءِ الأشیاء،فالتوکّل علیه والاستناد إلیه یمکّن الإنسان من تحقیق الغنی الحقیقی و الخلود.

ص:20

یقول القرآن الکریم فی هذا المضمار: یا أَیُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ . (1)

فالإنسان یمثّل الفقر المطلق فی مقابل الله الذی یمثّل الغنی المطلق.

ویقول الإمام الحسین علیه السلام فی دعاء عرفة و هو دعاء یزخر بالحقائق و المعارف العالیة:

«ماذا وجَدَ من فَقَدَک،وما الذی فَقَدَ من وجَدَک؟!».

إنّ سیدنا الحسین علیه السلام یکشف عن حقیقة بالغة الأهمیة وهی إنّ الله هو الوجود الکامل،وأنَّ من یتّجه إلی غیر الله فإنّما یتّجه إلی الفناء و الزوال و التّیه،أمّا من یتّجه إلی الله،فإنّه یتّجه إلی الکمال و الغنی ولن یشعر خلال مسیرته بأی نقص أو خَواء.

و إذا کان الإسلام یجعل القرب الإلهی هدفاً أعلی وکمالاً وسعادة فما هو الطریق الذی یحدّدُهُ من أجل ذلک؟

إنّ الآیة الکریمة تجیب عن هذا السؤال فی قوله تعالی: فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً . (2)

فالطموح الإنسانی فی لقاء الله یتوقّف علی شرطین هما:

1.القیام بالأعمال الصالحة.

2.الإخلاص وانتفاء الشرک فی عبادة الله.

إنَّ تحقّق السعادة فی نظر الإسلام یکمن فی الالتزام الکامل بأوامر الله ونواهیه،ففی أداء الواجبات والابتعاد عن المحرّمات یتحقّق رضا الله تبارک وتعالی،حیث العبودیة لله عزّ وجلّ تحقّق للإنسان المعنی السّامی للحریة.

ص:21


1- (1) .فاطر:15.
2- (2) .الکهف:110.

وعندما ندرس مجموع الأحکام الإلهیة سواءً فی الشؤون العبادیة وغیرها نجد أکثرها یرتبط بعلاقة الإنسان مع المجتمع،فمن النّادر وجود حکم شرعی فردی لا یأخذ بنظر الاعتبار المجتمع.

بعبارة اخری:إنّ الإسلام الذی یری عبودیة الإنسان لله الطریق الوحید لولوج الرّحمة الإلهیة الواسعة،لا یعنی انفصال الإنسان عن المجتمع الذی یحیا فیه ولا یعنی انزواءه،کأن یلجأ إلی کهف فی جبل أو غابة وینقطع عن العالم،بل العکس،فخدمة المجتمع و الإسهام فی حلّ مشکلات الناس من خلال التعاون و التضامن و الأُخوة،یحقّق القرب من الله عزّ وجلّ ویجسّد معنی العبودیة له سبحانه.

وشریعة الإسلام لا یقتصر خطابها الاجتماعی بالأحکام التی تتحدّث مباشرةً عن ذلک و هو الأغلب،بل تشمل کثیراً من العبادات التی تؤدّی جماعیاً،فحتّی الاعتکاف الذی هو عملٌ مستحبّ یستهدف تربیة الفرد وتزکیته نفسیاً وروحیاً،لا یتحقّق إلاّ فی المساجد الکبری أوالجوامع،ومع أنّ مغادرة المسجد خلال فترة الاعتکاف یخِلُّ بشروطه لکنّنا نجد إجازة شرعیة فی ذلک فی حالة قیام المعتکف بأمر اجتماعی هامّ کعیادة مریض مثلاً.و من جهة أُخری فإنَّ تعزیز القیم الإنسانیة التی تتوقَّف علیها السعادة الحقیقیة،لا یمکن أن تتحقّق إلاّ فی ظلّ العلاقات بین أفراد المجتمع،کما أنّه یجب القول أن منظومة القیم الإنسانیة،من حبّ و مودّة و تضحیة و تضامن و إیثار،لا یمکن أن تبرز إلاّ بعد إنّ ینصهر الإنسان فی بوتقة المجتمع.

وفیما یلی بعض الأحکام التی تکشف عن المضمون الاجتماعی فی الشریعة الإسلامیة:

صلاة الجماعة

بدءاً تبدو الصلاة-التی هی رمز العبادة و العُبودیة لله تبارک وتعالی-عملاً فردیاً

ص:22

حیث یمکن لأی إنسان أن یقوم بها علی انفراد،من أجل اکتساب رضا الله و ثوابه،غیر أنّه یجب أن نعرف أن الشریعة الإسلامیة تنطوی علی تأکید بالغ فی إقامة الصلاة جماعةً،إلی الحدّ الذی یجعلها أصلاً هامّاً.

والخطاب القرآنی یتضمّن الحالة الإجتماعیة فی قوله تعالی: وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ ارْکَعُوا مَعَ الرّاکِعِینَ . (1)

فی کلّ معارک الرسول صلّی الله علیه و آله ومع حراجة الظروف الحربیة،التی تتطلّب مراقبة دقیقة لتحرّکات العدوّ،کان الرسول یقیم الصلاة جماعةً.

وفی واقعة عاشوراء سنة 61ه وفیما کان سیدنا الحسین علیه السلام یواجه حصاراً عسکریاً،فی ظروف غایة فی الصعوبة،أدّی الإمام صلاة الظهر جماعةً،حیث أَمَّ أصحابه وأهل بیته وکانت السّهام تتّجه إلیه فیصدّها أحد أصحابه و هو سعید بن عبدالله،حتّی هوی علی الأرض شهیداً،کلّ ذلک من أجل الصلاة جماعة.

و قد روی عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«لا صلاة لمن لم یصَلِّ فی المسجد مع المسلمین إلاّ من علّة». (2)

ومن هنا یری الفقهاء فی رسائلهم العملیة إشکالاً شرعیاً،فی تغیب المسلم عن صلاة الجماعة،وأنّه لایلیق بالمسلم ترکه الجماعة دون عذر ومبرّر.

ونشاهد فی أدبیات الصلاة وأرکانها،حتّی لو أدّیت فرادی،بعداً اجتماعیاً یتجسّد بقراءة سورة الحمد حین یقرأ المصلّی:

إِیّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّاکَ نَسْتَعِینُ ،

وحین یسلّم فی النهایة قائلاً:«السلامُ علینا وعلی عباد الله الصّالحین».فهنا خطاب اجتماعی یجعل الفرد یعیش الحسّ الاجتماعی،حتّی فی إقامة الصّلاة فرادی.

ص:23


1- (1) .البقرة:43.
2- (2) .وسائل الشیعة:293/8.

صلاة الجمعة

أوجب الإسلام صلاة الجمعة،إذ یؤدّیها المسلم بدل صلاة الظهر،ولصلاة الجمعة أهمیة بالغة،وهی عبادة لا یمکن أن تتحقّق إلاّ بشکل جماعی،یضاف لذلک وجوب أن یؤدّی الإمام فیها خطبة،تتمحور حول قضایا المجتمع ومصالح الناس وحثّ الأفراد علی أداء الواجبات الاجتماعیة.

الأمرُ بالمعروف و النّهی عن المنکر

و هو الدّعوة إلی القیام بالأعمال الصّالحة و الحؤول دون وقوع الأعمال الخاطئة وبسبب هاتین الفریضتین أصبحت أُمّة الإسلام خیر أمّة, قال تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ . (1)

هناک حشدٌ کبیر من الآیات و الأحادیث،یؤکّد أهمیة هاتین الفریضتین ویشجّع علیهما،إنّ أساس التشریع فیهما هو إشراف اجتماعی عام یحمی المجتمع أخلاقیاً ویصونه من الانحراف.

الخُمسُ و الزّکاة

فریضتان اجتماعیتان أوجبهما الإسلام علی الأغنیاء ووضع لهما نظاماً خاصّاً وجعلهما حقّاً للمجتمع و للفقراء من خلال الحاکم الشرعی.

والزکاة فریضة هامّة قرن ذکرها الباری عزّ وجلّ بالصلاة فلا تجد فی أغلب الأحیان دعوةً لإقامة الصلاة،إلاّ و اقترنت معها دعوة لدفع ضریبة الزکاة.

قال عزّ وجل: وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ ارْکَعُوا مَعَ الرّاکِعِینَ . (2)

ص:24


1- (1) .آل عمران:110.
2- (2) .البقرة:43.

وقال سبحانه: اَلَّذِینَ إِنْ مَکَّنّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ . (1)

وما ذکرناه یعَدّ غیضاً من فیض،من مجموع الأحکام الاجتماعیة فی الشریعة الإسلامیة وقوانینها.فالجهاد،والوحدة و التضامن،والاهتمام بشؤون المسلمین و التعاون علی البرّ و التقوی و الإحسان إلی الیتامی و الأخذ بأیدی الفقراء،نماذج اخری من أحکام الإسلام الاجتماعیة.

ویمکن القول:إنّ الدین الإسلامی یرسم لأتباعه طریق السعادة و الکمال،من خلال التضامن الاجتماعی و التعاون و المحبّة بین أفراد المجتمع وبشکل عام من خلال مجمل العلاقات الاجتماعیة بین الأفراد.

و إذا آمنّا بذلک یتعین علینا أن نُسلّم بما یلی:

أوّلاً:إنّ لأفراد المجتمع حقوقاً وعلیهم واجبات إزاء بعضهم البعض.

ثانیاً:وجود منظومة من الاُصول الأخلاقیة و القواعد الاجتماعیة هی التی تحدّد موقع المجتمع وحقوق الفرد.

و إخلال الفرد بواجباته تجاه المجتمع،سوف یترتّب علیه ضیاع حقوقه الاجتماعیة،و سوف نستعرض فی الدروس القادمة منظومة الحقوق و الواجبات التی تحدد العلاقة بین الفرد و المجتمع.

ص:25


1- (1) .الحجّ:41.

الخُلاصة

الکمال الإنسانی من وجهة نظرالإسلام یتحقّق بالقربی إلی الله.

إذا آمنّا بزوال کلّ شیء إلاّ الله،عندها یکون التوکّل علیه سبحانه هو الضمان فی بلوغ الکمال المطلق،و قد حدّد کتاب الله ذلک فی شرطین:

-العمل الصالح.

-توحید الخالق و الإخلاص فی عبادته.

ولا یمکن تحقیق هذین الشرطین إلاّ بالتزام وصایا الشریعة وتنظیم العلاقات الاجتماعیة،لا بالعزلة والانزواء بعیداً عن المجتمع.

الأسئلة

1.ما معنی«نشدان الکمال الفطری»؟

2.اُذکر شروط الإسلام فی بلوغ السعادة الحقیقیة.

3.لماذا ینحصر بلوغ السعادة الحقیقیة فی العلاقات الاجتماعیة؟

4.اُذکر حدیثاً نبویاً شریفاً حول أهمیة صلاة الجماعة.

5.اُذکر آیة قرآنیة کریمة حول فریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.

6.لماذا حازت فریضتا الخمس و الزکاة أهمیتهما فی الإسلام؟

ص:26

الدرس الثانی:الأُخوّةُ الإسلامیة

إنّ اولی الخطوات التی قام بها نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله بعد وصوله المدینة المنوّرة،هی إرساء دعائم المحبّة والاُلفة بین المسلمین أنصاراً ومهاجرین بأن یؤاخی کلّ فرد من الأنصار فرداً من المهاجرین.و قد کان لهذا المیثاق المقدّس أثره العمیق فی تعزیز العلاقات الاجتماعیة،وتهاوت إثر ذلک عادات الثأر و العصبیة الجاهلیة وحَلّ مکانها الحبّ و المودّة والاُخوّة الإسلامیة وانصهر الجمیع فی بوتقة الدین الحنیف،ممّا جعلهم صفّاً واحداً واُمّة واحدة.

و قد ألغی الإسلام کلّ اعتبارات التفوّق و التمایز علی أساس العرق و القبیلة و اللون و المستوی الاقتصادی،فأفراد المجتمع الإسلامی متساوون فی الحقوق و الواجبات وأصبح ملاک التفاضل هو تقوی الله عزّوجلّ.

والإعلان الإلهی صریح جدّاً: یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ . (1)

وکان هذا الملاک الجدید نعمة من الله عزّ وجلّ أنعم بها علی البشریة لیسود الوئام

ص:27


1- (1) .الحجرات:13.

والسلام.قال الله تعالی: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ کُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْها کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ . (1)

و قد أکّد النبی صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام علی میثاق الاُخوّة بین المؤمنین،لیکون آصرة قویة تزید فی تماسک المجتمع وتعزیز العلاقات القویة بین الأفراد،و معیاراً فی نیل الدرجات یوم القیامة.

قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«ومن آخی أخاً فی الله رَفعَ الله له درجةً فی الجنّة لا ینالها بشیء من عمله». (2)

وعنه صلّی الله علیه و آله:

«ینصب لطائفة من الناس کراسی حول العرش یومَ القیامة وجوههم کالقمر لیلة البدر،یفزعُ الناس ولا یفزعون ویخافُ الناس ولا یخافون،هم أولیاءُ الله لاخوفٌ علیهم ولا هم یحزنون.فقیل:من هم یا رسول الله؟قال:همُ المتحابّونَ فی الله». (3)

وعنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«إنّ الله تعالی یقول:حَقَّتْ محبّتی للذین یتزاورون من أجلی،وحَقّتْ محبّتی للذین یتناصرون من أجلی،وحَقّتْ محبّتی للذین یتحابّون من أجلی،وحَقّتْ محبّتی للذین یتباذلون من أجلی». (4)

وجاء عن الإمام الصّادق علیه السلام:

«إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله سأل أصحابه یوماً:أی عُری الإیمان أوثق»؟

ص:28


1- (1) .آل عمران:103.
2- (2) .الحقائق:318.
3- (3) .إحیاء العلوم:کتاب آداب الصّحبة و المعاشرة.
4- (4) .مسند ابن حنبل:386/4.

فقالوا:الله ورسوله أعلم،وقال بعضٌ:الصلاة،وقال بعضٌ:الزکاة،وقال بعضٌ:الصوم،وقال بعضٌ:الحجّ و العمرة،وقال بعض:الجهاد.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله:«لکلّ ما قلتم فضل ولیس به،ولکن أوثق عُری الإیمان الحبّ فی الله و البغض فی الله و التولّی لأولیاء الله و التبرّی عن أعداء الله». (1)

وکما إنّ جمیع الاُمور فی الإسلام تأخذ اتّجاهها الإلهی،کذلک الحبّ و البغض اللّذان یعَدّان من أرکان الدین،بل إنّ بعض الروایات ترتفع بها إلی أصل الدین کلّه إذا کان لله وفی الله.

فما میثاق الاُخوّة الاسلامیة إلاّ المحبّة فی الله بین المؤمنین.

یقول القرآن الکریم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (2)ومیثاق الاُخوة هذا ینهض علی صرح الإیمان بالله وطاعته عزّ وجلّ وما عدا ذلک من أوامر مادیة فباطل لا اعتبار له.

إنّ الذین یحبّون من کان ثریاً أو وجیهاً ویتوددون له ویظهرون له الاحترام خوفاً أو طمعاً أو لمجرّد الانبهار به،لا تثبت مودّتهم ولا تستمّر ذلک أنّهم حین یحقّقون ما یصبون إلیه من الثراء و المقام أو حین یتنکّر الدهر لذلک الإنسان تنتهی تلک العلاقة.فمحبوب الأمس یکون مبغوض الیوم.أمّا الحبّ الأخوی الإسلامی فثابت لا یعرف الزوال؛لأنّ قاعدته صُلبة تستند إلی القیم الإلهیة الخالدة.

ولذا فإنَّ میثاق الاُخوّة الإسلامیة یتجاوز کلّ الاعتبارات المادیة من لون وعرق ومقام وسائر الاعتبارات المادیة الاُخری.ومن هنا شهد عصر صدر الإسلام هذه الآصرة الاُخویة وکان نبینا صلّی الله علیه و آله یجلس مع الغلمان و العبید إلی مائدة واحدة.

ویوم کانت القبائل فی جزیرة العرب تتفاخر فی عدد الإبل و الأولاد و الأموال،بل وحتّی بعدد الموتی،شواهد القبور و...و کان یقدمون العرب علی العجم و الأبیض علی

ص:29


1- (1) .بحارالأنوار:242/69.
2- (2) .الحجرات:10.

الأسود،إذا بنبینا محمّد صلّی الله علیه و آله یقضی علی هذه الاعتبارات الفارغة و إذا أصحابه بلال الحبشی وصهیب الرومی وسلمان الفارسی،و إذا زید بن حارثة یتزوّج من سیدة قرشیة هی زینب بنت عمّة محمّد النبی صلّی الله علیه و آله وجویبر الأفریقی الفقیر یتزوّج من الزلفاء وهی ابنة أحد الأثریاء و الوجهاء؛لأنّ النبی صلّی الله علیه و آله یقول«المؤمن کفء المؤمن».

نستنتج ممّا سبق أنّ الحبّ فی غیر الله یعدُّ نوعاً من الشرک؛لأنّ عاطفة الحبّ عندما تتّجه إلی شخص بسبب جمال ظاهری أو باطنی فهذا الجمال منشؤه الله عزّ وجلّ،والغفلة عن مصدر الجمال والاتّجاه إلی غیره شرک.

وعندما یحضّ الإسلام علی حبّ الله،فإنّ هذا الحبّ یتّجه إلی أحباب الله وأولیائه أیضاً،هذا من جهة،ومن جهة اخری أنّ حبّ أولیاء الله یبعث علی ذکر الله،حیث تتجلّی صفاته عزّ وجلّ فی سیرة أولیائه وبالنهایة یقرّبنا من الله زلفی.

وعلی هذا الأساس أیضاً و هو أساس الحبّ لله،یأتی الرفض و التبرّی من أعدائه و الکافرین به؛لأنّ عدوّ حبیبی عدوی.

وتجسّد الآیة الکریمة هذا المعنی بشکل رائع: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ . (1)

فهناک علاقات حمیمة بین المؤمنین وحّدَها الحبُّ الإلهی و هو نفسُ الحبّ الذی جعل منهم کتلة قویة شدیدة البأس ضدَّ أعداء الله.

و قد جاء فی زیارة عاشوراء هذا المیثاق الإلهی:

«إنّی سِلْمٌ لمنْ سالمکم وحَربٌ لمنْ حاربکم إلی یومِ القیامة». (2)

ویتحقّق الصّدْق فی الحبّ الإلهی من خلال أمرین:

الأوّل:طاعة الله عزّ وجلّ فی أوامره ونواهیه؛لأنّه لیس صادقاً من یدّعی الحبّ ولا

ص:30


1- (1) .الفتح:29.
2- (2) .مفاتیح الجنان:زیارة عاشوراء.

یطیع الحبیب،والله سبحانه وتعالی یحُبُّنا و هذه نعمُهُ الوافرة تغمرنا ونحنُ نُطیعهُ ونشکرُه لنُعبّر عن حُبّنا له،کما أنّ الشکر یزید فی النعم قال تعالی: لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ . (1)

فتتنامی النّعم إلی أن تصل بالإنسان إلی أعلی درجة وأسمی مقام.

الثانی:إنّ الحبّ الإلهی یستلزم القیام بواجبات اجتماعیة،من قبیل طاعة الوالدین وکسب رضاهما وصلة الرحم و الإحسان إلی الجیران و العطف علی المساکین و الفقراء،إضافةً إلی البراءة ومعاداة أعداء الله،و قد حدّد القرآن الکریم قاعدة الانطلاق فی علاقات الصّداقة وقضایا العداء:قال الله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ . (2)

وقال عزّ وجَلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ . (3)

من هنا فإنّ میثاق الاُخوة الإسلامیة میثاق أصیل نابع من صمیم العقیده الإسلامیة و هو جوهر هذه العقیدة و شعارها.

ص:31


1- (1) .إبراهیم:7.
2- (2) .النساء:144.
3- (3) .الممتحنة:1.

الخُلاصة

اولی خطوات النبی صلّی الله علیه و آله لدی وصوله المدینة المنوّرة هی تنظیمه میثاق الاُخوّة بین المهاجرین و الأنصار،و قد نجم عن ذلک علاقات بین أفراد المجتمع الإسلامی غایة فی الصمیمیة و المودّة و الحبّ.

جعل الله عزّ وجلّ التقوی معیاراً أساسیاً فی تفوّق الإنسان وحدّد العلاقات الاجتماعیة وفق أساس الحبّ و البغض فی الله،کما أنّ الحبّ فی الله و البغض فی الله یتحقّق من خلال القیام بواجبات اجتماعیة تجاه أولیاء الله وقطع کلِّ أشکال العلاقات الودّیة مع أعدائه.

الأسئلة

1.اُذکر معیار التفاضل فی الإسلام واستشهد بالآیة الکریمة فی سورة الحجرات.

2.اُذکر حدیثاً نبویاً شریفاً یبرز أهمیة الاُخوّة والاُلفة بین المؤمنین.

3.ماذا قال النبی صلّی الله علیه و آله عن أقوی آصرة إیمانیة؟

4.ماهی الغایة من دعوة الإسلام لنا فی مودّة المؤمنین وتولّی أولیاء الله؟

5.ماذا یقول القرآن الکریم فی وصف نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله وأنصاره؟

6.ماهی القاعدة التی ینطلق منها الإنسان المؤمن فی حبّ الله وبغض أعدائه؟

ص:32

الدرس الثالث:حقوق الوالدین

اشارة

علمنا إنّ الإسلام منهج اجتماعی،یقیم أتباعه علاقاتهم الاجتماعیة فی سبیل الله سبحانه و الحصول علی رضاه.والمودّة و المحبّة فیما بینهم لها هدف إلهی وسعادة أفراد المجتمع تتحقّق من خلال الاعتصام بحبل الله.

و قد بین الإسلام لنا واجبات ووظائف دینیة،تبلور علاقاتنا الاجتماعیة،فمعرفتها و العمل بها سبب فی اکتساب رضا الله،وبالتالی تحقیق سعادتنا فی الدنیا و الآخرة.

إذا أردنا معرفة واجباتنا إزاء الآخرین فعلینا أوّلاً أن نعرف حقوقهم علینا.

فی هذا الدرس وفی الدروس القادمة،سوف نتعرّف علی أهمِّ الحقوق و الواجبات التی ینبغی علی المؤمنین أدائها وتحمّلها.و قدخصصنا هذا الدرس لمعرفة حقوق الوالدین.

1.الإحسان بالوالدین

من أعظم الواجبات فی الإسلام هو حقوق الآباء علی الأبناء،فقد قرن الله عزّ وجلّ الإحسان للوالدین مع عبادته سبحانه،فقال فی کتابه العزیز: وَ قَضی رَبُّکَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ

ص:33

لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً* وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً . (1)

فی هذه الآیات الکریمة نجد توحّداً فی الأمر الإلهی; فجعل عبادته سبحانه مقترنة بالإحسان للوالدین.یقول الإمام الصادق فی توضیح معنی الإحسان فی هذه الآیة:

«الاحسان أن تُحسن صحبتهما وألّا تکلفهما أن یسألاک شیئاً ممّا یحتاجان إلیه و إن کان مستغنیین».

أی یتوجب علی المؤمن أن یکون فی غایة الطیبة فی تعامله مع و الدیه وأن یتفقد حاجاتهما بنفسه قبل أن یسألاه.

وجاء فی السیرة أنّ أحدهم سأل نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«ما حقّ الوالدین علی ولدهما؟فقال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:هما جنتک ونارک». (2)

یعنی أنّ مصیر الإنسان فی الآخرة یتوقّف علی علاقاته مع و الدیه.وفی هذا المعنی جاء الحدیث الشریف:

«الجنة تحت أقدام الأُمّهات». (3)

فإذا کان هدفنا دخول الجنة فعلینا أنّ نکون فی منتهی التواضع للوالدین؛لأنّ الجنة تحت أقدامهما،فالإحسان للوالدین هو الطریق الذی یوصلنا إلی الجنة.

وبالرغم من کثرة الأحادیث حول حقوق الوالدین علی الأبناء غیر انّنا نجد تأکیداً علی أولویة حقّ الاُم.یقول الإمام السجاد سیدنا علی بن الحسین علیه السلام فی رسالته المعروفة«رسالة الحقوق»:

«فأوجبها علیک حقّ امک،ثُمّ حقّ أبیک،ثُمّ حقّ ولدک...». (4)

ص:34


1- (1) .الإسراء:23-24.
2- (2) .الترغیب و الترهیب:316/3.
3- (3) .کنز العمال:ح 45439.
4- (4) .بحارالأنوار:3/74.

ثُمّ یفصِّل الإمام السجاد علیه السلام حقوق الاُم قائلاً:

«فحق امک أن تعلم أنّها حملتک،حیث لا یحمل أحدٌ أحداً وأطعمتک من ثُمّرة قلبها ما لا یطعم أحدٌ أحداً،وأنّها وقتک بسمعها وبصرها ویدها ورجلها وشعرها وبشرها وجمیع جوارحها مستبشرة بذلک فرحة محتملة لما فیه مکروهها وألمه وثقله حتّی دفعتها عنک ید القدرة وأخرجتک إلی الأرض،فرضیت أن تشبع وتجوع هی،وتکسوک وتعری،وترویک وتظمأ،وتظلِّک وتضحی،وتنعمک ببؤسها وتلذذک بالنوم بأرقها وکان بطنها وعاءً وحجرها لک حواءً وثدیها لک سقاءً ونفسها لک وقاءً; تباشر حرّ الدنیا وبردها لک ودونک فتشکرها علی قدر ذلک ولا تقدر علیه إلاّ بعون الله و توفیقه». (1)

و هذه الصورة الرائعة التی یرسمها لنا سیدنا علی بن الحسین،تجسّد عاطفة الاُمومة،التی هی قبس من الرحمة الإلهیة،حیث حضن الاُم مهد مغمور بالدفء و الحنان الذی لا یمکن إدراکه.

ثُمّ یعود الإمام فیذکر حقوق الأب مفلسفاً ذلک فی قوله:

«و أمّا حقّ أبیک فتعلم أنّه أصلک وأنّک فرعه وأنّک لولاه لم تکن فمهما رأیت فی نفسک ممّا یعجبک،فاعلم أنّ أباک أصل النعمة علیک فیه،فاحمد الله واشکره علی قدر ذلک». (2)

2.اجتناب الإساءة

إنّ أقل شیء یعبّر فیه المرء عن استیائه،هو أن یتأفف و التأفف صوت ینشأ عن زفیر حادّ وحتّی هذا الحدّ الأدنی من الاستیاء عدّه الله عزّ وجلّ إساءةً للوالدین ونهی عنه عبده،فقال الله تعالی: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ . (3)

ص:35


1- (1) .بحارالأنوار:74/باب1،ح2.
2- (2) .المصدر.
3- (3) .الإسراء:24

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«أدنی العقوق اُفٍّ" ولو علم الله شیئاً أهون منه لنهی عنه». (1)

فإذا کانت اُفٍّ" فی أوّل الممنوعات فما بالک بالکلمة البذیئة ورفع الصوت علیهما فی الکلام؟!

فلا نعجب أن نری عقوق الوالدین من ضمن الکبائر،أی الآثام و الذنوب الکبری التی یحاسب الله سبحانه حساباً شدیداً.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ أکبر الکبائر عند الله یوم القیامة:الشرک بالله،وقتل النفس المؤمنة بغیر الحقّ،والفرار فی سبیل الله یوم الزحف،وعقوق الوالدین». (2)

ویقول صلّی الله علیه و آله فی حدیث آخر:

«یقال للعاق اعمل ما شئت فإنّی لا أغفر لک». (3)

و هذا یعنی أن عقوق الوالدین،سبب فی الحرمان من الجنة و الغفران یوم القیامة طبعاً أن العقوق ذنب کسائر الذنوب،و قد فتح الله عزّ وجلّ باب التوبة لعباده،ومن الممکن أن یتدارک المرء ما بدر منه إزاء و الدیه ویصلح ما فاته.

ونشیر هنا إلی نقطتین:

1.مصادیق الإساءة للوالدین وعقوقهما ونورد بعض الأحادیث فی ذلک،فمنها حدیث نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من أحزن و الدیه فقد عقهما». (4)

ص:36


1- (1) .بحارالأنوار:6/74.
2- (2) .الترغیب و الترهیب:327/3.
3- (3) .کنز العمال:ح25527.
4- (4) .کنز العمال:ح45537.

و قول الإمام الصادق علیه السلام:

«من العقوق إنّ ینظر الرجل إلی و الدیه فیحدّ النظر الیهما». (1)

ویصل العقوق درجة حساسة عندما یظلم الأبوان ابنهما،ولکن الابن مطالب حتّی فی هذه الظروف بألاّینظر إلی أبویه نظرة فیها مقت.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«من نظر إلی أبویه نظر ماقت وهما ظالمان له،لم یقبل الله له صلاة». (2)

2.عدم اقتصار العقوق علی إسلامیة الوالدین وشموله لغیر المسلمین،إنّ النهی عن الحقوق و القیام بالواجبات التی تجسّد معنی الإحسان للوالدین تبقی فی قوَّتها.والابن المسلم مطالب بطاعة أبویه فی کلّ شیء ماعدا الشرک بالله سبحانه.

یقول عزّ وجلّ: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلی وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی وَ لِوالِدَیْکَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ* وَ إِنْ جاهَداکَ عَلی أَنْ تُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً . (3)

کان زکریا بن إبراهیم نصرانیاً, ثُمّ اعتنق الإسلام علی ید الإمام الصادق علیه السلام فسأل زکریا یوماً الإمام مستفتیاً:

إنّ لی امّاً کفَّ بصرها وأنا أعیش مع أهلی وآکل من طعامهم فی آنیتهم فما حکم ذلک؟فسأل الإمام:هل یأکلون لحم الخنزیر؟قال زکریا:کلا یا سیدی.فقال الإمام:کل معهم وأحسن إلی امک ما استطعت. (4)

ویعود زکریا إلی الکوفة فیبالغ فی إکرام امه وخدمتها; یطعمها بیده ویغسل ثیابها ویشرف علی نظافتها،حتّی تعجّبت منه; فسألته یوماً یا ولدی عندما کنت علی دیننا لم

ص:37


1- (1) .بحارالأنوار:61/74.
2- (2) .بحارالأنوار:61/74.
3- (3) .لقمان:14-15.
4- (4) .بحارالأنوار:374/47.

تفعل بی ما تفعله هذه الأیام إنّک لتحسن لی وترحمنی وتتودد إلی؟!قال زکریا لاُمه بأدب الإسلام:إنّ رجلاً من ذرّیة النبی أوصانی بذلک.قالت الاُم:أهو نبی؟قال الابن:لا یا امی أنّه من أبناء النبی.قالت الاُم:ولکن هذه وصایا الأنبیاء.قال زکریا:یا امی إنّه لیس بنبی،ولکنه من أبنائه و هو إمام.قالت الاُم بحنان:یا بنی یا زکریا الزم دینک إنّه لمن أفضل الأدیان, ثُمّ قالت:عرّفنیه یا ولدی.وراح زکریا یشرح لها عقیدة الإسلام وما أوصی به الله عزّ وجلّ أتباع هذا الدین الحقّ.وخشع قلب الاُم فاعتنقت الإسلام وتعلمت الصلاة،فلما حان وقت الظهر صلّت الظهر, ثُمّ صلت العصر ولما غابت الشمس صلت المغرب،ثُمّ صلت العشاء،ثُمّ شعرت بوعکة ألزمتها الفراش.

وشاء الله سبحانه أن تلتحق بالرفیق الأعلی فأسلمت الروح إلی بارئها وتوفیت مسلمةً مؤمنةً وحضر المسلمون جنازتها فشیعت ودفنت فی مقابر المسلمین.

3.اللین و الرحمة

فی مطلع الدرس قرأنا بخشوع آیات بینات فی سورة الإسراء و قد جاء فیها: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ . (1)

و هذا التعبیر البلیغ یصوّر بدقّة منتهی التواضع المطلوب من الأبناء إزاء آبائهم.

یقول الإمام الصادق علیه السلام موضحاً کیفیة التعامل:

«لا تملأ عینیک من النظر إلیهما إلاّ برحمة ورقة،ولا ترفع صوتک فوق أصواتهما،ولا یدک فوق أیدیهما ولا تقدّم قدّامهما». (2)

ثُمّ یستطرد علیه موضحاً منطوق الآیة الکریمة: وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً قائلاً:

«إن ضرباک فقل لهما:غفر الله لکما». (3)

ص:38


1- (1) .الإسراء:24
2- (2) .بحارالأنوار:39/74-40.
3- (3) .الکافی:158/2.

الخُلاصة

الإسلام دین اجتماعی یقوم أتباعه بصیاغة علاقاتهم الاجتماعیة فی سبیل الله وکسب رضاه،لذا فمن واجباتنا الیومیة أن نعرف حقوق الآخرین علینا لکی نؤدی واجباتنا إزاءهم.

من ضمن الحقوق فی الإسلام حقوق الوالدین و الإحسان بهما،و قد جعل الله ذلک مقروناً بطاعته سبحانه.ووصف نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله الإحسان بالوالدین بأنّه أعظم الواجبات فهما،کما قال صلّی الله علیه و آله:«جنتنا ونارنا»فنحن مأمورون بالإحسان بالوالدین سواء کانا مسلمین أو مشرکین.

الأسئلة

1.ماذا یقول القرآن الکریم فی موضوع الإحسان بالوالدین؟

2.اذکر حدیث الإمام السجاد فی رسالة الحقوق حول حقوق الاُم؟

3.اُذکر حدیث نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله حول عقوق الوالدین.

4.اُذکر مصادیق عقوق الوالدین وفقاً لما جاء فی الروایات.

5.کیف وضَّح الإمام الصادق علیه السلام معنی الآیة 25 من سورة الإسراء؟

ص:39

ص:40

الدرس الرابع:صلة الرحم

اشارة

من الحقوق الاجتماعیة التی أکّد علیها الإسلام ودعا المسلمین إلی الالتزام بها،هی تعزیز العلاقات الحسنة مع الأقارب وما عرف ب-«صلة الرحم».فالمطلوب من المسلم المؤمن،زیارة ذویه وأقاربه وتفقدهم وبرّهم،یساعد محتاجهم ویغیث المکروب منهم ویتضامن معهم ویتعاون إیاهم علی البرّ و التقوی،فإن حلّت مصیبة بأحدهم،هبّ لمؤاساتهم و إن واجهت مشکلة فرداً منهم بادر إلی التعاون فی حلّها،و إن بدرت من أحدهم بادرة سوء تحملها أو رأی انحرافاً لدی واحد من أقاربه وعظه ونصحه بالتی هی أحسن.

فالأرحام و الأقارب و العشیرة سند للإنسان؛لأنّه إن حلّت به من عادیات الزمن نکبة اتجهت انظاره إلیهم; لهذا عظم حقّهم.

یقول الإمام علی علیه السلام:

«أیها الناس أنّه لا یستغنی الرجل و إن کان ذا مال عن عشیرته ودفاعهم عنه بأیدیهم وألسنتهم وهم أعظم الناس حیطة من ورائه وألمّهم لشعثه وأعطفهم علیه عند نازلة إذا نزلت به». (1)

ص:41


1- (1) .نهج البلاغة:الخطبة 23.

ثُمّ یقول علیه السلام:

«ألا لایعدلنّ أحدکم عن القرابة یری بها الخصاصة أن یسرّها بالذی لایزیده إن أمسکه ولا ینقصه إن أهلکه ومن یقبض یده عن عشیرته،فإنّما تقبض منه عنهم ید واحدة وتقبض منهم عنه أید کثیرة ومن تلن حاشیته یستدم من قومه المودّة». (1)

ویصوّر الإمام فی هذا المقطع الخسائر التی تنجم عن قطع المرء علاقاته مع قومه وذویه،أنّ قومه یخسرون فرداً واحداً،أمّا قاطع الرحم فإنّه یخسر الکثیر الکثیر من الأفراد.وأشار الإمام إلی أنّ حسن المعاشرة یجتذب حبَّ عشیرته له وفی هذا خیر کثیر.

إنّ کلّ عشیرة أو اسرة کبیرة تتألف من عدد من الأفراد.وهؤلاء الأفراد متفاوتون فی استعداداتهم وإمکاناتهم وقابلیاتهم; فتجد فیهم الغنی و الفقیر و القوی فی جسمه و الضعیف،والعالم و الجاهل وذوی الجاه و المغمور و...فأی شیء یا تری یحقّق لهذا الکیان توازنه وتکامله وقوّته؟إنّ العلاقات الصمیمیة و المسؤولة،التی تتبلور فی التضامن و التکامل و التعاون هی التی تحقّق هذه الغایة المنشودة.

الثری یأخذ بأیدی الفقراء من قومه وعشیرته،والقوی یساند الضعفاء من ذویه علی الحقّ ویقف إلی جانبهم ضد العدوان.أنّ صلة الرحم فی العشیرة و القوم تخلق کیاناً متماسکاً قویاً وعزیزاً.

من هنا نری فی آداب الإسلام تأکیداً علی المسلمین فی تعزیز العلاقات الأخویة فیما بینهم وتحذیراً من قطع هذه العلاقات فی کلِّ الظروف.

والأحادیث الشریفة ترتفع بصلة الرحم إلی الدین و الإیمان; فعن الإمام الباقر عن آبائه عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قال:

«اُوصی الشاهد من امتی و الغائب منهم ومن فی أصلاب الرجال وأرحام النساء إلی

ص:42


1- (1) .المصدر.

یوم القیامة إنّ یصل الرحم و إن کان منه علی مسیرة سنة،فإنّ ذلک من الدین». (1)

وعن الإمام زین العابدین عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«من سرّه أن یمدّ الله فی عمره وأن یبسط فی رزقه فلیصل رحمه،فإنّ الرحم لها لسان یوم القیامة ذلق تقول:یا رب صِلْ من وصلنی واقطعْ من قطعنی». (2)

وعن الإمام الرضا علیه السلام عن آبائه عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«من ضمن لی واحدة ضمنت له أربعة:یصل رحمه فیحبّه الله تعالی ویوسّع علیه رزقه ویزیده فی عمره ویدخله الجنة التی وعده». (3)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«صلة الأرحام تُزکّی الأعمال وتنمی الأموال وتدفع البلوی وتنسی من الأجل». (4)

فأنت تری فی ذلک الدین و الإیمان وطول العمر و الرزق الوفیر وحبَّ الله ورضاه و الجنّة.أن صلة الرحم ضمان للمرء فی الدنیا بالغنی وفی الآخرة فی الجنة ورضوان من الله أکبر،ومعنی هذا حیاة طیبة فی الدنیا ومصیر مشرق فی الآخرة.

فإذا عرفنا أهمّیة صلة الرحم،فهل یصحّ التعلل بطول المسافة وکثرة المشاغل فی قطع العلاقات بین المرء وأقاربه؟وهل یجوز لأحدهم ذلک إن واجهه أحد ذویه بقول ظالم أو فعل؟

إنَّ نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار من آله علیهم السلام یرسمون للمسلم المؤمن طریقاً مضیئاً یرضاه الله لعباده.جاء فی الروایات أنَّ أحدهم شکی للنبی أذی قومه وعشیرته وأنّه رأی اجتناب قومه وقطع علاقته بهم فقال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

إذن یمقتک الله.فقال الرجل:فما أفعل یا رسول الله؟قال:«تعطی من حرمک

ص:43


1- (1) .بحارالأنوار:74/باب صلة الرحم.
2- (2) .بحارالأنوار:74/باب صلة الرحم.
3- (3) .بحارالأنوار:74/باب صلة الرحم.
4- (4) .المصدر.

وتصلُ من قطعک وتعفو عمّن ظلمک،فإذا فعلت ذلک کان الله عزّ وجل لک علیهم ظهیراً». (1)

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«صلوا أرحامکم و إن قطعوکم». (2)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ صلة الرحم و البرّ لیهوّنان الحساب ویعصمان من الذنوب،فصلوا أرحامکم وبرّوا بإخوانکم ولو بحسن السلام وردّ الجواب». (3)

وعن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«صلوا أرحامکم ولو بالسلام». (4)

وعنه أیضاً صلّی الله علیه و آله:

«صل رحمک ولو بشربة من ماء وأفضل ما یوصل به الرحم کف الأذی عنها». (5)

ومن خلال هذه الأحادیث الشریفة یمکننا أن نتصوّر صلة الرحم فی وجود علاقات طیبة فأنت لا تستطیع إنّ تزور قریباً لک لبعد المسافة أنّ رسالة رقیقة سوف تعزز علاقاتک به وتؤدّی دور صلة الرحم،کما أنّ تحیة طیبة تلقی بها قریبک وذوی رحمک هی أیضاً من صلة الرحم،حتّی عندما تقدم له قدح ماء تکون قد أدّیت لوناً من صلة الرحم.

بل وحتّی کفّک الأذی عن أقاربک هو شکل من أشکال صلة الرحم و قد عدّه النبی صلّی الله علیه و آله من أفضلها.

ص:44


1- (1) .إحیاء العلوم:کتاب الصحبة و المعاشرة.
2- (2) .بحارالأنوار:404/74
3- (3) .المصدر.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .بحارالأنوار:117،103،88/71

قطع العلاقات مع الأرحام

الآن و قد عرفنا ما لصلة الرحم وإقامة العلاقات الطیبة مع الأقارب من أهمّیة دینیة،ینبغی لنا أن نعرف أیضاً،ما لقطع الرحم من آثار ونتائج فی حیاة الإنسان المسلم.

قال الله عزّ وجلّ فی کتابه الکریم: فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ . (1)

وقال عزّ وجلّ: اَلَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ وَ یَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ . (2)

لقد قرن الله سبحانه قطع الأرحام بالفساد فی الأرض،وقال أتأملون فی الخلاص و النجاة وأنتم تفسدون فی الأرض وتقطعون الأوامر فیما بینکم وعلاقات الرحم هذه الأواصر التی أمر الله بتعزیزها وتقویتها.

وتأتی الأحادیث الشریفة لتوضح بعض العواقب الوخیمة من جرّاء قطع الأرحام.

قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الرحمة لاتنزل علی قوم فیهم قاطع رحم». (3)

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«وجدنا فی کتاب رسول الله صلّی الله علیه و آله:إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال فی أیدی الأشرار». (4)

ص:45


1- (1) .محمّد:22.
2- (2) .البقرة:27.
3- (3) .کنزالعمال:ح 6978.
4- (4) .بحارالأنوار:369/70.

وعنه علیه السلام عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال:

«ثلاثاًخصال لایموت صاحبهن أبداً حتّی یری وبالهنّ:البغی وقطیعة الرحم و الیمین الکاذبة یبارز الله بها». (1)

إنّ الرحمة الإلهیة وفقاً لهذه الأحادیث لن تشمل الذین یقطعون علاقاتهم مع ذویهم وأرحامهم و هذه الظهرة السلبیة إذا سادت فی قوم تتجدد ثرواتهم وتنتقل إلی أیدی الأشرار،وواضح أنّ صلة الرحم التی هی فی أحد وجوهها حالة من التضامن الأخوی سوف تتحطم فإذا تحطمت وغاب الشعور بالمسؤولیة سهل علی الناهبین و الأشرار النفوذ فیهم و السیطرة علی أموالهم.

کما أنّ قطیعة الرحم من الأعمال و الخصال التی یری المرء نتائجها السلبیة فی الدنیا؛لأنّ تخریب العلاقات وهدمها له آثار اجتماعیة خطیرة وسریعة؛لأنّ من یقطع رحمه کمن یزرع شوکاً لا یحصد إلاّ شوکاً ومن یزرع الشر یحصد الندم و الخسران.

ص:46


1- (1) .المصدر:134/71 و 274/72.

الخُلاصة

من أهمّ الواجبات و الحقوق الدینیة الاجتماعیة هی صلة الرحم وإقامة علاقات حسنة مع الأقارب،وصلة الرحم تعنی التضامن و التعاون و التکافل بین أفراد العشیرة،وتعنی الاشتراک فی الأفراح و الأتراح.وقطیعة الرحم توجب الخسران فی الدنیا و الندم فی الآخرة.

الأسئلة

1.ما هو المراد من صلة الرحم؟

2.بین کیفیة صلة الرحم فی ضوء الروایات الإسلامیة؟

3.اُذکر حدیث الإمام الرضا فی صلة الرحم؟

4.اُذکر حدیثاً لنبینا محمّد صلّی الله علیه و آله فی صلة الرحم؟.

5.اُذکر آیة کریمة تتحدّث عن قطیعة الرحم؟

6.اذکر حدیثاً یرویه الإمام الباقر عن أمیر المؤمنین فی التحذیر من بعض الخصال السیئة.

ص:47

ص:48

الدرس الخامس:حقوق الجوار

اشارة

أکدّت الشریعة الإسلامیة علی حسن الجوار وجعلته جزءاً لا ینفک من الدین و الإیمان.قال الإمام الصادق علیه السلام:

«علیکم بحسن الجوار،فإنّ الله عزّ وجلّ أمر بذلک». (1)

والأمر الإلهی هذا نجده فی الآیة الکریمة من قوله تبارک وتعالی: وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَ بِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ الْجارِ ذِی الْقُرْبی وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ وَ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالاً فَخُوراً . (2)

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

مازال جبرئیل یوصینی بالجار حتّی ظننت أنّه سیورّثه. (3)

ویقول سیدنا علی علیه السلام فی وصیته:

الله الله فی جیرانکم،فإنّه وصیة نبیکم مازال یوصی بهم حتّی ظنّنا أنّه سیورّثهم. (4)

ص:49


1- (1) .المصدر:69،ح11.
2- (2) .النساء:36.
3- (3) .کنزالعمال:ح 24913.
4- (4) .بحارالأنوار:153/71.

و هذا التعبیر فی کلا الحدیثین یجعل من حرمة الجیران علی مستوی بالغ من الحساسیة.وفیما یلی طائفة من الأحادیث الشریفة وهی من وصایا رسول الإسلام صلّی الله علیه و آله:

1.أحسن مجاورة من جاورک تکن مؤمناً. (1)

2.حرمة الجار علی الإنسان کحرمة امه. (2)

3.ما تأکّدت الحرمة بمثل المصاحبة و المجاورة. (3)

4.سئل النبی صلّی الله علیه و آله:

یا نبی الله أ فی المال حق سوی الزکاة؟فقال:«نعم،برّ الرحم إذا أدبرت وصلة الجار المسلم،فما آمن بی من بات شبعاناً وجاره المسلم جائع». (4)

5.وجاء رجل إلی رسول الله یستشیره فی شراء دار،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:

«الجار ثُمّ الدار،الرفیق ثمَّ السفر». (5)

6.وجاء فی الأثر:

«إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله قال لأصحابه:أتدرون ما حقّ الجار؟قالوا:لا.قال:«إن استغاثک أغثه،و إن استقرضک أقرضه،و إن افتقر عُدْت إلیه،و إن أصابه خیر هنّأته،و إن مرض عدته،و إن أصابته مصیبة عزّیته،و إن مات تبعت جنازته،ولا تستطیل علیه بالبناء فتحجب عنه الریح إلاّ بإذنه،و إذا اشتریت فاکهة فاهدها له و إن لم تفعل فأدخلها سرّاً ولا یخرج بها ولدک یغیض ولده ولا تؤذه بریح قدرک إلاّ أن تغرف له منها». (6)

ص:50


1- (1) .المصدر:116/74.
2- (2) .المصدر:154/73.
3- (3) .عیون الحکم و المواعظ،476.
4- (4) .بحار الأنوار:151/71.
5- (5) .میزان الحکمة:487/1،ح 64،باب تقدّم البحار علی الدار.
6- (6) .بحارالأنوار:93/79،باب التعزیة و المآتم.

7.وجاء فی رسالة الحقوق للإمام السجاد علیه السلام:

«أّما حقُّ جارک فحفظه غائباً وإکرامه شاهداً ونصرتهُ إذا کان مظلوماً ولا تتبع له عورة فإن علمت علیه سوءاً سترته و إن علمت أنّه یقبل نصیحتک نصحته فیما بینک وبینه ولا تسلمه عند شدیدة وتُقیل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرةً کریمة». (1)

وکان الإمام الحسن علیه السلام فی صباه یری و الدته السیدة الزهراء ترفع کفّیها إلی السماء فی صلاة اللیل،فتدعو لجیرانها واحداً واحداً،وکان هذا دیدنها فی لیالی الجمعات،فسألها یوماً:

«لِمَ لا تدعین لنفسک یا اماه؟فقالت سیدة نساء العالمین:یا بنی الجار ثُمّ الدار». (2)

وأهل البیت علیهم السلام کانوا مثالاً فی حسن الجوار وکانوا یحثون الناس علی ذلک من خلال بیان فوائده وعوائده علی من تأدب به یقول سیدنا علی بن أبی طالب علیه السلام:

«من أحسن إلی جیرانه کثر خدمه». (3)

ویقول علیه السلام:

«من حسن جواره کثر جیرانه». (4)

ومن تجارب الحیاة الإنسانیة إنّ المرء إذا أحسن إلی جیرانه وعاشرهم معاشرة حسنة.مدّوا له جسور المحبّة و المودّة وتسابقوا إلی خدمته،تعبیراً عن حبّهم له واحترامهم.وحسن الجوار یجعل الناس یتهافتون علی التعرّف علیه وخطبهم ودّه; فیکثر جیرانه وتتوسّع دائرة علاقاته الطیبة مع الناس.

ص:51


1- (1) .بحارالأنوار:7/71،باب جوامع الحقوق.
2- (2) .بحارالأنوار:81/43 و 313/86.
3- (3) .غرر الحکم:437
4- (4) .المصدر.

وحسن الجوار له آثار إیجابیة مبارکة فی الحیاة الإنسانیة; فهو یزید فی الرزق ویکون سبباً فی نمو العمران ویزید فی عمر الإنسان.یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«حسن الجوار یزید فی الرزق» (1)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«حسن الجوار یعمر الدیار ویزید فی الأعمار». (2)

إیذاء الجیران

فی مقابل تأکید الشریعة الإسلامیة علی معاشرة الجیران معاشرة حسنة،فإنّها حذرت من أی سلوک ینطوی علی إیذاء الجیران وجعلت مسألة حسن الجوار وکفّ الأذی عنه محکاً للإیمان بالله و الیوم الآخر.یقول سیدنا ونبینا محمد صلّی الله علیه و آله:

«من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر فلا یؤذی جاره». (3)

وجاء رجل من الأنصار إلی النبی صلّی الله علیه و آله قائلاً:

یا رسول الله ابتعت داراً ولی جار لا آمل خیره ولا آمن شره.فدعا النبی صلّی الله علیه و آله أربعة نفر هُم:علی،وسلمان،وأبوذر،والمقداد وأمرهم أن ینادوا فی المسجد بصوت عال:«لا إیمان لمن لم یأمن جاره بوائقه». (4)

وجاء رجل إلی نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله یشکو جاره فقال له النبی صلّی الله علیه و آله:

اصبر ثُمّ جاءه مرّة اخری فقال له:اصبر ثُمّ جاءه ثالثة فأمره بإخلاء داره من المتاع و الجلوس فی قارعة الطریق،فإذا سأله الناس عن حاله شکی لهم أذی جاره.ولمّا رأی الجار المؤذی ذلک خاف الفضیحة بین الناس; فاعتذر إلیه وطلب منه العودة إلی داره وعاهده علی کفّ الأذی.

ص:52


1- (1) .بحار الأنوار:53/71.
2- (2) .الکافی:667/2.
3- (3) .بحار الأنوار:43،باب61/3.
4- (4) .وسائل الشیعة:125/12،باب وجوب کف الأذی عن الجار.

وبین الإحسان إلی الجار وإیذائه منطقة ثالثة هی عدم الاهتمام بالجیران لایدری جاعوا أم شبعوا فرحوا أم حزنوا و قد نددت أحادیث نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار من آله علیهم السلام بالمسلم الذی لا یکترث بحال جیرانه.قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«لیس بالمؤمن الذی یبیت شبعاناً وجاره جائع إلی جنبه». (1)

وروی سیدنا علی علیه السلام عن النبی صلّی الله علیه و آله قوله:

«ما آمن بالله و الیوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع.

فقال أصحابه:إذاً هلکنا یا رسول الله.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله:

من فضل طعامکم ومن فضل تمرکم وورقکم وخُلقکم وخرقکم تُطفئون بها غضب الربّ». (2)

وفی هذا الحدیث الشریف دعوة إلی تفقد الفقراء من الجیران وإهدائهم ما یفیض عن الحاجة من غذاء وکساء کلّ هذا فی إطار من المحبّة و الخلق الکریم.

أمّا الحدود التی تحدد مساحة الجوار فنجدها فی حدیث للإمام علی علیه السلام یقول فیه:

«حریم المسجد أربعون ذراعاً و الجوار أربعون داراً ومن أربعة جوانبها». (3)

و قد اقتدی علماء الإسلام بسیرة نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار فکانوا أمثلة رفیعة فی حسن الجوار.

یروی الفقیه الکبیر السید جواد العاملی قصّة وقعت له:

کنت جالساً ذات لیلة أتناول طعام العشاء فطرق الباب طارق ولما فتحته،رأیت خادم استاذی العلّامة بحر العلوم; فقال لی:إنّ الاُستاذ یدعوک و هو لا یتناول طعامه حتّی تحضر.فأسرعت فی ارتداء ثیابی و الذهاب إلیه،ولما دخلت علیه

ص:53


1- (1) .کنز العمال:ح 24929.
2- (2) .بحار الأنوار:77/باب7.
3- (3) .بحار الأنوار:77/باب7.

وجدت الغضب بادیاً علی وجهه وبادرنی قائلاً:ألا تخاف الله؟ألا تستحی من الله؟فقلت مدهوشاً:وهل بدر منّی شیء؟فقال:جارک فلان وعائلته یتضورون جوعاً و قد مرّ علیهم سبع لیال بلا طعام سوی تمر رخیص.یأخذونه نسیئة من البقال،و قد امتنع البقال هذا الیوم من بیع التمر لهم،بسبب ما تراکم من الدین وهم الآن بلا عشاء.

قلت:أقسم بالله یا استاذی إنّی لم أعلم بذلک ولو علمت بحالهم لأسعفتهم،فقال الاُستاذ:إننّی أتألّم لأنّک لم تعلم بحال جیرانک؟کیف تمرّ علیهم سبع لیال من الجوع وأنت فی غفلة عن حالهم؟ولو أنّک علمت ولم تفعل شیئاً ما کنت مسلماً،بل کنت یهودیاً.

ثُمّ أمر الاُستاذ خادمه بحمل طبق الطعام وأمرنی أن أصحبه إلی منزل ذلک الجار قائلاً:اذهب إلیه بهذا الطعام وقل جئت لأتعشی فی منزلک وخذ هذا المبلغ من المال وضعه تحت بساطه.

إنّ هذه الحادثة تدلّ علی أن السید بحر العلوم کان لا یتفقد حال جیرانه فحسب،بل وحال جیران تلامذته أیضاً.

ص:54

الخُلاصة

حسن الجوار من الخصال التی حثَّ علیها الدین الاسلامی وجعلها من آداب الإسلام و قد أکّد علی ذلک نبینا محمّد وآله الأطهار،وذکروا آثار حسن الجوار فی زیادة الرزق وطول العمر ونمو العمران وإعمار الدیار.

جاء فی الروایات:إنّ ایذاء الجار وحتّی عدم الاهتمام بأحواله،سبب فی غضب الله وأنّه لا إیمان لمن یؤذی جاره.

الأسئلة

1.اُذکر حدیثاً نبویاً فی حسن الجوار.

2.ما هی الفوائد التی بینها الإمام علی من وراء حسن الجوار؟

3.اُذکر روایة فی باب إیذاء الجیران.

4.بماذا خاطب العلّامة بحر العلوم تلمیذه الذی غفل عن حال جاره؟

ص:55

ص:56

الدرس السادس:أدب المعاشرة

اشارة

تتطلّب العلاقات و الروابط السویة بین أفراد المجتمع اصولاً ومقاییس یتوجب الالتزام بها وفی هذا یتحقّق مایلی:

أوّلاً:نمو الشخصیة الفردیة من خلال نجاح علاقاته مع الآخرین،وبالتالی انطلاقها نحو الکمال.

ثانیاً:إنّ الفرد من خلال علاقاته یکتشف الحقوق الاجتماعیة فلا یقع انتهاک من قبله أو تجاوز علی حقوق الآخرین.

ومنظومة الاُصول و القواعد تنقسم إلی قسمین:قسم یتألف من الصفات و الخصائص السلوکیة التی ینبغی إنّ یتحلّی بها الفرد إزاء الآخرین،وقسم آخر من الصفات السلبیة التی یتوجب علی المرء اجتنابها.

وبعبارة اخری:إنّ هناک أوامر ونواهی أخلاقیة ینبغی علی جمیع أفراد المجتمع الالتزام بها.

والالتزام بذلک یمنح الإنسان ملکة حسن الخلق التی تعدّ فی ذاتها جوهر الإنسان ومعدنه.

ص:57

حسن الخلق

یطمح المرء فی علاقاته الاجتماعیة أن یکون محترماً،محبوباً وعزیزاً بین الناس،و هذا المیل الإنسانی فی البحث عن مکانة اجتماعیة ناجم عن مخاوف الإحساس بالغربة والانزواء و الشعور بالوحدة.و قد أشرنا فی الدروس الماضیة إلی أنّ معظم حاجات الإنسان المادیة و المعنویة لا یمکن تلبیتها إلاّ من خلال الارتباط مع الآخرین ولا یمکن للإنسان أن یحقّق ما یصبو إلیه وحیداً،إضافة إلی أنّ مشاعر الغربة والانزواء سوف ترتد إلی روح الإنسان فتصیبه بالکآبة و الحزن و الشعور بالنقص،و هذه المشکلات التی یواجهها الفرد وحیداً تدفعه إلی إقامة علاقات سویة مع المجتمع یتعلّم خلالها کثیراً من الصفات الإنسانیة النبیلة فتتبلور شخصیته الإنسانیة وتنمو باتجاه التکامل.

إنّ حسن الخلق سیکون له الدور الأکبر فی اجتذاب قلوب الناس،بل إنّه محور لسائر الفضائل،ذلک أنّ الفضائل تفقد قیمتها مالم تتجسد من خلال حسن الخلق فأیة قیمة مثلاً یقدمها المرء عابس الوجه مکفهر الملامح ولعلّ المهدی إلیه سوف یردّها؛لأنه لن یشعر بالارتیاح بسبب هذه الطریقة من التعامل.

و قد عرّف علماء الأخلاق حسن الخلق:بأنّه حالة نفسیة تجعل المرء إنساناً طیباً یتعامل مع الناس بلین الکلام ووجه بشوش.

و قد سئل الإمام الصادق علیه السلام عن حسن الخلق،فقال:

«تلین جناحک وتطیب کلامک وتلقی أخاک ببشر حسن». (1)

ولین الجناح یعنی:التواضع الذی یتجسد من خلال السلوک وطریقة الکلام.

و قد ورد فی فضیلة حسن الخلق کثیر من الأحادیث تصف قیمته وآثاره دنیویاً واُخرویاً.

ص:58


1- (1) .بحار الأنوار:171/71.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«أفاضلکم أحسنکم أخلاقاً،الموطِّئون أکنافاً الذین یألفون ویؤلفون وتوطأ رحالهم». (1)

ویقول صلّی الله علیه و آله:

«إنّ صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم». (2)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«أوّل ما یوضع فی میزان العبد یوم القیامة حسن خلقه». (3)

ویقول أیضاً:

«ما من شیء أفضل فی المیزان من خلق حسن». (4)

ویقول أیضاً:

«إنّ أحبّکم إلی وأقربکم منّی یوم القیامة مجلساً أحسنکم خلقاً». (5)

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«لا قرین کحسن الخلق». (6)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«عنوان صحیفة المؤمن حسن خلقه». (7)

ویقول الإمام الحسن علیه السلام:

«إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن». (8)

ص:59


1- (1) .الکافی:102/2،باب حسن الخلق.
2- (2) .المصدر:100.
3- (3) .بحار الأنوار:385/68،باب حسن الخلق.
4- (4) .المصدر:385/68.
5- (5) .المصدر:409/66.
6- (6) .المصدر:392/68.
7- (7) .المصدر:386.
8- (8) .المصدر:372.

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ أکمل المؤمنین إیماناً أحسنهم خلقاً». (1)

فی هذه الطائفة من الأحادیث الشریفة عن النبی صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار من آله علیهم السلام بیان لأهمیة حسن الخلق ودوره المصیری فی حیاة الإنسان.

فقد جعل النبی صلّی الله علیه و آله ملاک الأفضلیة فی حسن الخلق فالذین یستقبلون الناس بالمنطق الجمیل وبالوجه الطلق،هم أفضل الناس،ومن خلال هذا السلوک الطیب یکتسب المرء الأجر و الثواب; لأنّ سلوکه هذا عبادة لا یقل أجرها عن عبادة،الذی یقضی عمره فی الصوم و الصلاة.

وفی عالم الآخرة یحاسب الإنسان علی سلوکه فی الدنیا وما من شیء أثقل فی میزان الإنسان ذلک الیوم من حسن خلقه،وکلما تسامی المسلم فی حسن خلقه،کان أقرب وأحبّ إلی نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله یوم القیامة.

و قد مجد الله عزّ وجلّ وأثنی علی خلق رسوله نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قائلاً: وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ . (2)

ونجد فی آیة اخری توضیحاً لخلق سیدنا العظیم فی قوله تعالی: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ (3)ویصف الإمام علی خلق نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قائلاً:

«کان أجود کفّاً وأجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمّة وألینهم عریکة وأکرمهم عشرة من رآه بدیهة هابه ومن خالطه فعرفه أحبّه.لم أر مثله قبله ولا بعده». (4)

ص:60


1- (1) .بحارالأنوار:373/68.
2- (2) .القلم:4.
3- (3) .آل عمران:159.
4- (4) .بحارالأنوار:231/16.

فالنبی صلّی الله علیه و آله کان فی الذروة من الأخلاق النبیلة فی سخائه وجوده وفی سعة صدره وفی صدقه ووفائه ما خالطه إنسان إلاّ وأحبّه.

ونعزز وصف الإمام علی للنبی صلّی الله علیه و آله بمثال تاریخی:

کان نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله مدیناً بمبلغ من المال لرجل یهودی.وذات یوم جاء الیهودی یطالب بدینه،فقال له نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:لیس عندی الآن مالٌ.فقال الیهودی:إذن لا افارقک حتّی تسدی إلی المال.فقال النبی صلّی الله علیه و آله:افعل.

لم یفارق النبی صلّی الله علیه و آله الرجل الیهودی وأدّی عنده صلاة الظهرین،ثُمّ العشاءین،ثُمّ بات لیلته عنده و صلّی صلاة الفجر.

وجاء أصحاب النبی صلّی الله علیه و آله فتوعّدوا الرجل الیهودی وهدّدوه،فقال النبی مستنکراً:ما الذی تصنعون؟قالوا:حبسک هذا الیهودی،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:إنّ الله عزّ وجلّ لم یبعثنی أظلم الناس.

وفی ظهر الیوم التالی شاهد الناس الرجل الیهودی یدخل المسجد ویتّجه نحو النبی صلّی الله علیه و آله،ثُمّ یقف فی حضرته قائلاً:أشهد أنّ لا إله ألّا الله واشهد أنّ محمداً رسول الله.

ثُمّ قال:والله ما فعلت ذلک إلاّ لأعرف صفاتک لأنّنا نجد فی التوراة:نبی الله محمّد بن عبد الله مولده فی مکّة وهجرته إلی طیبة حسن الخلق لا صخاب ولا لعّان.

و هذا یا رسول الله مالی هو لک تنفقه،حیث تشاء وکان ذلک الرجل ثریاً فوهب ثروته للنبی صلّی الله علیه و آله.

ونحن مطلوب منّا إنّ نقتدی بنبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قال الله عزّ وجلّ: لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . (1)

کان لخلق نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله الأثر الکبیر فی انتشار الإسلام؛لأنّ الناس کانوا یرون فی سیرته مثالاً إنسانیاً کریماً تخشع له النفوس وتخفق له القلوب.

ص:61


1- (1) .الأحزاب:21.

الآثار الناجمة عن حسن الخلق

إنّ لحسن الخلق ثُمّاره التی یجنیهاالإنسان فی حیاته الدنیا قبل الآخرة.

ومن آثاره أنّه یزید فی الرزق.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«حسن الخلق یزید فی الرزق». (1)

ویقول سیدناعلی علیه السلام:

«حسن الأخلاق یدرّ الأرزاق ویؤنس الرفاق». (2)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«من حَسُن خلقه کَثُر محبّوه وآنست النفوس به». (3)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ البرّ وحسن الخلق یعمران الدیار ویزیدان فی الأعمار». (4)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«إنّ حسن الخلق یذیب الخطیئة،کما تذیب الشمس الجلید،و إنّ سوء الخلق لیفسد العمل کما یفسد الخَلُّ العسلَ». (5)

إنّ حسن الخلق طاقة إنسانیة إیجابیة تشع بالدفء،وهی من القدرة علی إذابة الخطایا کما یقول الإمام علیه السلام بعکس سوء الخلق الذی یؤدّی دوراً سلبیاً ویبدد فوائد العمل الصالح وآثاره.

و قد حذرنا النبی صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار من آله علیهم السلام من سوء الخلق وبینوا لنا آثاره الوخیمة.

ص:62


1- (1) .بحارالأنوار:396/68.
2- (2) .غررالحکم:255.
3- (3) .غررالحکم:255
4- (4) .بحارالأنوار:395/68
5- (5) .المصدر:395/68

قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«سوء الخلق ذنب لا یغفر». (1)

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«سوء الخلق شرّ قرین». (2)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«سوء الخلق نکد العیش وعذاب النفس». (3)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«سوء الخلق یوحش النفس ویرفع الأنس». (4)

ویقول أیضاً:

«سوء الخلق یوحش القریب وینفر البعید». (5)

ونختتم هذا الدرس بحدیث نبوی شریف و هو قول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«خصلتان لاتجتمعان فی مؤمن:البخل وسوء الخلق». (6)

وفی ضوء هذه الأحادیث نجد أنّ حسن الخلق بآثاره الاجتماعیة و الفردیة الإیجابیة،یعود علی المرء بالخیر الوفیر ویشعره بالسعادة و الطمأنینة و السلام،بعکس سوء الخلق الذی یجعل النفس الإنسانیة تعیش فی عذاب دائم.

ص:63


1- (1) .میزان الحکمة:806/1،ح 1115.
2- (2) .المصدر.
3- (3) .المصدر.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .المصدر.
6- (6) .میزان الحکمة:807/1.

الخُلاصة

إنّ إقامة العلاقات الاجتماعیة،تلزمها اصول وقواعد یتوجّب اتباعها،و هذه الاُصول قسمان:قسم یشمل تنفیذ الأوامر الإلهیة وقسم یشمل النواهی.

إنّ حسن الخلق هو جوهر الأساس فی آداب المعاشرة ونجاح العلاقة بین الفرد و المجتمع.

الأسئلة

1.کیف یعرّف علماء الأخلاق حسن الخلق؟

2.اُذکر الآیة الکریمة التی یمجد فیها الله عزّ وجلّ خلق نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله.

3.اُذکر مثالاً تاریخیاً فی أخلاق النبی صلّی الله علیه و آله وتعامله مع الآخرین.

4.اُذکر فائدتین لحسن الخلق.

5.ماذا قال النبی صلّی الله علیه و آله عن سوء الخلق؟

ص:64

الدرس السابع:التواضع

اشارة

التواضع فی طلیعة الاُصول والاُسس الأخلاقیة فی التعامل مع الناس،و قد جعله تبارک وتعالی من علامات العبودیة الخالصة لله.قال الله عزّ وجلّ فی کتابه العزیز: وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً . (1)

و هذه الصورة التی ترسمها الآیة المبارکة تعکس حالة من الطمأنینة و الوقار و التواضع،ذلک أنّ طریقة المشی تعبر عمّا یموج فی ذات الإنسان،فالمتکبر یمشی بطریقة تعکس تکبره وغروره واستعلائه فتراه یصعّر خده للناس فهو یتصوّر نفسه و قد بلغ طوله الجبال أو کأنّه سوف یخرق الأرض بقدمیه!

ولذا نجد الإمام علی علیه السلام یصف المتقین قائلاً:«ومشیهم التواضع». (2)والتواضع من أهمّ سمات المؤمنین الذین یحبّون الله عزّ وجلّ ویحبّهم قال تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکافِرِینَ . (3)

ص:65


1- (1) .الفرقان:63.
2- (2) .بحارالأنوار:67/باب14،ح 50.
3- (3) .المائدة:54.

والتواضع من الصفات التی ترفع من قدر الإنسان لدی الآخرین فکلما ازداد تواضعاً ازداد عظمة فی عیون الناس.یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ التواضع یزید صاحبه رفعة فتواضعوا یرفعکم الله». (1)

ویقول صلّی الله علیه و آله:

«من تواضع لله رفعه الله فهو فی نفسه ضعیف وفی أعین الناس عظیم». (2)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«قال لقمان لابنه:لا عِزّ إلّا لمن تذلّل لله ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله». (3)

وعنه علیه السلام أیضاً:

«إنّ فی السماء ملکین موکّلین بالعباد فمن تواضع لله رفعاه،ومن تکبّر وضعاه». (4)

و قد حثّ أهل البیت علیهم السلام أتباعهم المؤمنین علی ارتداء ثوب التواضع؛لأنّه زینة الشرفاء و هو زکاة الشرف،إضافة إلی کونه أعظم العبادة و هو النعمة التی یحسد علیها،قال الإمام علی علیه السلام:

«زینة الشریف التواضع». (5)

وقال علیه السلام:

«التواضع زکاة الشرف». (6)

وقال علیه السلام یوصی ابنه الحسن المجتبی علیه السلام:

«علیک بالتواضع فإنّه من أعظم العبادة». (7)

ص:66


1- (1) .بحارالأنوار:18/باب4،ح 2.
2- (2) .کنز العمال:113/3،ح5737.
3- (3) .مشکاة الأنوار:226.
4- (4) .بحارالأنوار:59/باب23،ح50.
5- (5) .المصدر:75/باب51،ح 11.
6- (6) .المصدر.
7- (7) .المصدر.

وعن الإمام الحسن العسکری علیه السلام قال:

«التواضع نعمة لا یحسد علیها». (1)

والتواضع ألّا تعدّ نفسک أفضل من الآخرین،ویجب إنّ یتوفر فی التواضع ما یلی:

أوّلاً:إنّ التواضع هو فی سبیل الله،ولهذا فلا یجوز إلاّ للمؤمنین ویحرم التواضع فی التعامل مع الکافرین و المشرکین لأنّه ذلّة.

ثانیاً:إنّ التواضع أمر مرتبط بالإیمان و التقوی،فالتواضع للأثریاء طمعاً لما فی أیدیهم تملّق مذموم.و قد روی الإمام الصادق علیه السلام عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«من أتی ذا میسرة فتخشع له طلب ما فی یدیه ذهب ثلثا دینه». (2)

ویقول الإمام علی علیه السلام فی هذا المضمار:

«ما أحسن تواضع الأغنیاء للفقراء طلباً لما عند الله،و أحسن منه تیه الفقراء علی الأغنیاء اتکالاً علی الله». (3)

فالتواضع إذاً عمل میزانه الإیمان و التقوی و العبودیة لله عزّ وجلّ ولا یلتفت إلی الثروة و المنصب و المکانة الاجتماعیة؛لأنّ الإسلام لا یعترف إلاّ بالتقوی مقیاساً للتفاضل.

ثالثاً:التواضع سلوک متّزن یتّصف بالاعتدال یجتنب الإفراط و التفریط،فالاستغراق و المبالغة فی التواضع یؤدّی إلی حالة من الضعة و التفاهة ویقترب من حدود التملّق،والتفریط به،والتقصیر یخرج بالمرء إلی حدود التکبر و الغرور.ولذا جاء فی الأثر:«التکبر علی المتکبر تواضع»لأنّ التواضع للمتکبّر یؤدی بالمرء إلی الإحساس بالضعة و ینفخ فی روح المتکبر المزید من الغرور و التباهی و الشعور بالنرجسیة. (4)

ص:67


1- (1) .المصدر:78/باب29،ح 1.
2- (2) .بحار الأنوار:73/باب122،ح 58.
3- (3) .المصدر:72/باب94،ح 57.
4- (4) .النرجسیة:أن یری الإنسان ذاته فقط.

معالم التواضع

ورد فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام ما یرسم لنا صورة واضحة من معالم التواضع فقد سئل الإمام الرضا علیه السلام عن حدّ التواضع فقال علیه السلام:

«أن تعطی الناس من نفسک ما تحبّ أن یعطوک مثله». (1)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«التواضع أن ترضی من المجلس بدون شرفک و أن تسلّم علی من لقیت و أن تترک المراء و إن کنت محقّاً ورأس الخیر التواضع». (2)

ویضیف الإمام الصادق علامة اخری قائلاً:

«ولا یحب أن یحمد علی التقوی». (3)

آثار التواضع

قال الإمام موسی الکاظم علیه السلام:

«کذلک الحکمة تعمر فی قلب المتواضع ولا تعمر فی قلب المتکبر الجبار؛لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل و جعل التکبر آلة الجهل». (4)

وروی إنّ سیدنا عیسی بن مریم علیه السلام قال للحواریین:

إن تطیعونی أقول لکم.قالوا:نطیعک یا نبی الله فقام سیدنا عیسی علیه السلام وغسل أقدامهم واحداً واحداً.شعر الحواریون بالخجل،لکنّهم عاهدوه علی الطاعة فترکوه یغسل أقدامهم.فلما انتهی من غسل أقدامهم،قالوا:أنت معلمنا و کان الأجدر أن نغسل قدمیک لا أن تغسل أقدامنا.

فقال لهم النبی علیه السلام:لقد فعلت هذا لاُعلمکم أن أجدر الناس بخدمة الناس أنتم

ص:68


1- (1) .بحارالأنوار:71/باب63،ح 11.
2- (2) .المصدر:75/باب51،ح 20.
3- (3) .المصدر:2/باب17،ح 20.
4- (4) .بحارالأنوار:14/باب21،ح 17.

تعلمون الناس بعدی.فلیکن منهجکم التواضع واعلموا أنّ الحکمة تنبت فی أرض التواضع،کالنبات ینمو فی الأرض اللینة ولا ینبت فی صخور الجبال.

و من ثُمّار التواضع ما بینه الإمام علی علیه السلام فی قوله:

«ثُمّرة التواضع المحبّة وثُمّرة الکبر المسبّة». (1)

والتواضع یعود علی المرء بالسلامة ویکسوه حلّة من الوقار و الهیبة.

یقول علیه السلام:

«التواضع یکسبک السلامة». (2)

ویقول أیضاً:

«التواضع یکسوک المهابة». (3)

وعندما یشیع التواضع بین الناس لا یبقی مکان للتفاخر والاستعلاء کما لا یبقی محل للبغی و العدوان.روی عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«إنّ الله تعالی أوحی إلی إنّ تواضعوا حتّی لا یفخر أحد علی أحد ولا یبغی أحد علی أحد». (4)

ونختتم هذاالدرس بحکایتین من سیرة نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام:

ورد فی السیرة النبویة الشریفة أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله کان فی جمع من أصحابه فی سفر فلما حان وقت الغداء توقفوا:فقال أحدهم:علی ذبح الشاة.وقال آخر:وعلی سلخها وقال ثالث:وعلی شویها،هنالک قال رسول الله صلّی الله علیه و آله:وعلی جمع الحطب.قال أصحابه:یا رسول الله نحن نکفیک.فقال صلّی الله علیه و آله:أعلم ذلک ولکن الله عزّ وجلّ لا یحبّ لعبد إنّ یمتاز علی إخوانه.قال النبی صلّی الله علیه و آله ذلک وانطلق یجمع الحطب.

ص:69


1- (1) .غرر الحکم:327/3.
2- (2) .بحارالأنوار:75/باب51،ح 11.
3- (3) .المصدر:77/باب14،ح 1.
4- (4) .کنزل العمال:110/3،ح5722.

والحکایة الاُخری ما روی عن الإمام الحسن العسکری علیه السلام:

«من تواضع فی الدنیا لإخوانه فهو عند الله من الصدیقین ومن شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام حقّاً» (1)

ولقد ورد علی أمیر المؤمنین علیه السلام أخوان مؤمنان أب وابن فقام إلیهما وأکرمهما وأجلسهما فی صدر مجلسه و جلس ببن أیدیهما, ثُمّ أمر بطعام فأُحضر،فأکلا منه ثُمّ جاء قنبر بطست وإبریق لیصبّ علی ید الرجل،فتمرّغ الرجل فی التراب،وقال:یا أمیر المؤمنین الله یرانی وأنت تصبّ علی یدی؟!قال:اقعد واغسل فإنّ الله عزّ وجلّ یراک،وأخوک الذی لا یتمیز منک ولا یتفضّل علیک یخدمک،یرید بذلک فی خدمته فی الجنّة عشرة أضعاف عدد أهل الدنیا،وعلی حسب ذلک فی ممالیکه منها،فقعد الرجل فقال له علی علیه السلام:أقسمت بعظیم حقّی الذی عرفته وتواضعک لله لما غسلت مطمئناً کما کنت تغسل لو کان الصاب علیک قنبراً!ففعل الرجل ذلک،فلما فرغ ناول الإبریق محمد بن الحنفیة وقال:یا بنی لو کان هذا الابن حضر دون أبیه لصببت علی یده،ولکن الله عزّ وجلّ یأبی إنّ یسوّی بین ابن وأبیه إذا جمعهما مکان،لکن قد صبَّ الأبُ علی الأب فلیصبّ الابن علی الابن،فصب محمد بن الحنفیة علی الابن،ثُمّ قال:الحسن بن علی العسکری علیه السلام:

«فمن اتّبع علیاً علی ذلک فهو الشیعی حقّاً». (2)

ص:70


1- (1) .بحارالأنوار:55/41 و 117/72
2- (2) .المصدر:41/باب105،ح 5.

الخُلاصة

إنّ من أهمّ الخصال الحمیدة هی التواضع و قد جعله الله عزّ وجلّ من صفات العبودیة.والتواضع من أسباب النمو فی الحکمة،والمحبّة و العزّة،وعلوِّ المنزلة.

الأسئلة

1.وضح معنی التواضع.

2.اُذکر أولی صفات عباد الله المخلصین کما ورد فی الآیة الکریمة 63 من سورة الفرقان؟ولماذا؟

3.ماذا یقول الإمام الرضا علیه السلام بشأن التواضع؟

4.اُذکر ثمّار التواضع.

ص:71

ص:72

الدرس الثامن:الوفاء بالعهد

اشارة

الوفاء بالعهد من الاُصول الأخلاقیة التی یجب علی المسلمین الالتزام بها فی علاقاتهم الاجتماعیة.و قد آکدت آیات القرآن الکریم و الروایات المأثورة عن أهل البیت علیهم السلام علی هذه الصفة النبیلة و الخصلة الحمیدة فی الحیاة الإنسانیة.

قال الله عزّ وجلّ: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً . (1)

وقال تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . (2)

فالمؤمن من إذا قال فعل; ذلک أنّ الله سبحانه یمقت من لا یکون قوله کفعله قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ . (3)

إنّ العهد و العقد والاتفاق واجب تنفیذه والالتزام به.وعلی المسلم إذا عاهد إنساناً سواء کان مسلماً أم کافراً أن یفی له.

و قد کان بین المسلمین و المشرکین فی صدر الإسلام عهود،فکان النبی صلّی الله علیه و آله یفی بالعهد وکان المشرکون و الیهود یغدرون.

ص:73


1- (1) .الإسراء:34.
2- (2) .المائدة:1.
3- (3) .الصف:2-3.

یقول القرآن الکریم: فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ . (1)

وجاء فی حدیث للإمام الصادق علیه السلام:

«ثلاثة لا عذر لأحد فیها:أداء الأمانة إلی البرِّ و الفاجر،والوفاء بالعهد للبرّ و الفاجر, وبرّ الوالدین برّین کانا أو فاجرین». (2)

إنّ الوفاء بالعهد والالتزام بالعقد والاتفاق شرط ضروری ولازم فی نظم المجتمع واستقراره،فإذا انتشر الغدر وخیانة الأمانة فی المجتمع انفرط عقده وزالت الثقة،وعند ذلک یغیب التعاون الذی هو الأساس فی تلبیة حاجات المجتمع ویأکل القوی حق الضعیف لهذا أکّد الإمام الصادق علیه السلام علی الوفاء و الأمانة ولم یعذر أحداً فی عدم الوفاء وقال الإمام علی علیه السلام فی هذا المدد:

«و إن عقدت بینک وبین عدوک عقدةً أو ألبسته منک ذمّةً فحط عهدک بالوفاء،وارعَ ذمّتک بالأمانة واجعل نفسک جُنّة دون ما أعطیت; فإنّه لیس من فرائض الله شیء إلی الناس أشدّ علیه اجتماعاً مع تفرّق أهوائهم و تشتت آرائهم من تعظیم الوفاء بالعهد،و قد لزم ذلک المشرکون فیما بینهم دون المسلمین لما استوبلوا من عواقب الغدر; فلا تغدرنّ بذمّتک ولا تخیسنّ بعهدک،ولا تختلنّ عدوک،فإنّه لا یجترئ علی الله إلاّ جاهل شقی و قد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بین العباد برحمته وحریماً یسکنون إلی منعته ویستفیضون إلی جواره،فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فیه». (3)

أهمّیة الوفاء بالعهد

من خلال النصوص القرآنیة المقدّسة وأحادیث أهل البیت علیهم السلام عرفنا وجوب الوفاء بالعهد للمسلم وغیر المسلم.

ص:74


1- (1) .التوبة:4.
2- (2) .بحار الأنوار:74/باب2،ح 46.
3- (3) .نهج البلاغة:کتاب 53.

والآن لنعرف أهمّیة الوفاء وموقعها فی منظومة الإسلام الأخلاقیة:

1.إنّ القرآن الکریم یعدّ الوفاء من خصائص المؤمنین قال سبحانه: وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ . (1)

ویقول نبینامحمّد صلّی الله علیه و آله:

«من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر فلیفِ إذا وعد». (2)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«إنّ الوفاء بالعهد من علامات أهل الدین». (3)

ویقول أیضاً:

«أصل الدین أداء الأمانة و الوفاء بالعهود».

2.إنّ الله عزّ وجلّ مجّد الأنبیاء و الرسل لوفائهم بالعهد و التزامهم بالوعد فقال عن إسماعیل علیه السلام: وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا . (4)

فالصفة التی ذکرها القرآن عن إسماعیل هی صدقه فی الموعد وجاءت قبل ذکره بالنبوّة و الرسالة.

وروی الإمام الرضا علیه السلام عن و الده حکایة وقعت لنبینا محمّد صلّی الله علیه و آله،إذ واعده رجل عند صخرة وحضر النبی صلّی الله علیه و آله فی موعده ولم یحضر الرجل وکانت الشمس ترسل أشعتها اللاهبة،فقال بعض الصحابة للنبی صلّی الله علیه و آله:لو أویت إلی الظل یا رسول الله:فقال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ موعدنا هنا ولن أبرح المکان حتّی یأتی».

ص:75


1- (1) .المؤمنون:8.
2- (2) .بحارالأنوار:77/باب7،ح 1.
3- (3) .المصدر:17/باب14،ح 11.
4- (4) .مریم:54.

3.جاء فی الأثر عن أهل البیت علیهم السلام أنّ الوفاء بالوعد من حقوق المؤمنین،قال الإمام الصادق علیه السلام:

«المؤمن أخو المؤمن عینه ودلیله لا یخونه ولا یظلمه ولا یغشه ولا یعده عدةً فیخلفه». (1)

4.إنّ صفة الوفاء توأم الصدق وأنّها تتناقض مع الحیلة و المکر و الخدیعة یقول سیدنا علی علیه السلام:

«إنّ الوفاء توأم الصدق ولا أعلم جنةً أوقی منه وما یغدر من علم کیف المرجع ولقد أصبحنا فی زمان قد اتّخذ أکثر أهله الغدر کیساً ونسبهم أهل الجهل فیه إلی حسن الحیلة،ما لهم قاتلهم الله.قد یری الحوّل القلّب وجه الحیلة ودونه مانع من أمر الله ونهیه فیدعها رأی عین بعد القدرة علیها.وینتهز فرصتها من لاحریجة له فی الدین». (2)

ومن خلال هذا الحدیث نجد أنّ ظاهرة الغدر تنتشر فی المجتمعات الجاهلة،فالانسان الجاهل ینظر إلی السیاسی الذی یغدر باعتباره إنساناً!

ولکن سیدنا علی علیه السلام یعتبر هذا الإنسان فی منتهی الغباء؛لأنّ الغدر صفة منحطة یتّصف بها الإنسان الذی لا یؤمن بالله و الیوم الآخر،و أنّ المؤمن لا یستطیع أن یغدر؛لأنّ الغدر یتناقض مع الإیمان.ولذا نری نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله کان یفی بعهوده للمشرکین و الکافرین و یحتمل ما کان منهم من الأذی و الإساءة ونقض العهود حتّی ورد الأمر الإلهی الصریح بإعلان بطلان العهود الّتی کانت بینه صلّی الله علیه و آله وبینهم،کما قال الله عزّ وجلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ . (3)

ص:76


1- (1) .بحارالأنوار:74/باب16،ح 7.
2- (2) .المصدر:96/75،ح 21.
3- (3) .التوبة:1.

وبعد نزول هذه الآیة و الآیات الّتی بعدها من سورة التوبة انتقض العهد الّذی کان بین المسلمین و المشرکین،باستثناء المشرکین الذین لم ینقضوا عهدهم مع المسلمین.

5.إنّ نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار علیهم السلام،کانوا یؤکّدون علی صفة الوفاء ویحثون المسلمین و المؤمنین علی التحلّی بها وفی نفس الوقت کانوا یحذّرون من الغدر؛لأنّ الغادر منافق یمقته الله ویمقته المجتمع الإنسانی.یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«آیة المنافق ثلاث:إذا حدث کذب،و إذا وعد أخلف،و إذا أُئتمن خان». (1)

وجاء فی عهد سیدناعلی علیه السلام إلی مالک الأشتر لما عینه حاکماً علی مصر:

«إیاک...أن تعدهم فتتبع موعدک بخلفک...والخلف یوجب المقت عند الله وعندالناس; قال الله تعالی: کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» . (2)

وروی عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«عِدة المؤمن أخاه نذر لا کفّارة له،فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرّض،وذلک قوله: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ . (3)

فالوعد یرتفع إلی مستوی النذر،إنّک تستطیع لو نذرت إنّ تکفّر عن عدم الوفاء أمّا الوعد فهو نذر لا کفارة له.

ولهذا ینصحنا أهل البیت علیهم السلام بألاّ نعد وعداً لا نستطیع الوفاء به،یقول سیدنا علی علیه السلام:

«لا تعد بما تعجز عن الوفاء».

ویقول أیضاً:

«لا تعدن عدة لا تثق من نفسک بإنجازها». (4)

ص:77


1- (1) .بحار الأنوار:72/باب106،ح6.
2- (2) .المصدر:96/75،ح 21؛الآیة من سورة الصف:2 و 3.
3- (3) .الکافی:362/2،ح 1.
4- (4) .غرر الحکم:253.

الخُلاصة

الوفاء بالعهد من الاُصول الأخلاقیة،و قد وصف القرآن الکریم المؤمنین بالوفاء،وعلی المسلم المؤمن أن یفی بوعده إذا وعد و عاهد،سواء کان الطرف الآخر مسلماً أو غیر مسلم.

الأسئلة

1.ماذا یقول القرآن الکریم فی الذین لا یفون بعهودهم؟

2.اذکر ما جاء فی عهد الإمام علی علیه السلام إلی مالک الأشتر حول موضوع العهد.

3.ما هی منزلة العهد فی الإسلام؟

4.ما هو الشرط فی إبرام العهد مع الطرف الآخر؟

ص:78

الدرس التاسع:الحلم(1)

اشارة

یواجه الفرد فی حیاته الاجتماعیة أنماطاً مختلفة من البشر ویقیم مع کثیر من الناس علاقات اجتماعیة دائمة.والأفراد باعتبارهم أعضاء فی اسرة واحدة هی المجتمع تشملهم هذه الظاهرة.

ولکلّ فرد شخصیته الإنسانیة والاجتماعیة ولکلٍّ صفاته وسلوکه،بعضهم إیجابی فی تعامله وعلاقاته،وآخر سلبی فی تصرّفه ومواقفه،فکیف تکون إذاً علاقاتنا مع هؤلاء الأفراد؟

ربّما یخطر فی بال بعضهم أنّ أفضل وسیلة،هی أن نقطع علاقاتنا مع الذین یسیئون التصرّف ونقتصر فی العلاقات الاجتماعیة،مع الناس الطیبین،وفی هذه الحالة سوف نعیش فی بال فارغ وراحة!

ولکن هذا السبیل لیس عملیاً؛لأنّه من المستحیل أن نجد مجتمعاً یتألف من أفراد لهم ذوق واحد وخلق واحد وسلوک واحد.

هکذا خلق الله سبحانه البشر متفاوتین فی أذواقهم وأخلاقهم ومشاربهم ومن النادر جدّاً أن نجد اثنین،یتطابقان فی طریقة تفکیرهم ورؤیتهم وأخلاقهم.

ثُمّ إنّ حاجاتنا الاجتماعیة لا یمکن تأمینها فی إقامة علاقات محدودة مع بعض

ص:79

الناس،إضافة إلی أنّنا فی حالة قطع علاقاتنا مع الآخرین،لا نضمن أیضاً تبنیهم نفس هذه الفکرة فی قطع العلاقات.

ربّما یقترح أحدهم حلّاً آخر و هو الدخول فی صراع مع کلّ من یسیء التصرّف،والاشتباک مع کلّ من یخرج عن الجادّة،وفی النهایة سوف یعیش أفراد المجتمع فی وئام،ولکن معطیات التاریخ تفید غیر ذلک؛لأنّ اندلاع الصراع بین أفراد المجتمع الواحد یتطوّر إلی ما لا تحمد عقباه وما أکثر الدماء التی اریقت من جرّاء المنازعات،وربّما یحسم فریق ما الصراع لصالحه،ولکن هل انتهی کلّ شیء کلاّ إنّ النار-کما یقال-تبقی تحت الرماد; لأنّ النزاع الاجتماعی یفرز أحقاداً متراکمة فی قلب الفریق المقهور تظهر کلما سنحت الفرصة فی الانتقام..والانتقام وحش أعمی لا یعرف طریقاً.

ومن المؤکّد أنّ الحیاة ستکون صعبة وشاقة جدّاً فی ظلّ مجتمع یسوده النزاع وتتأجج فی أعماقه الأحقاد و البغضاء.

ما هو الحل إذاً؟

یقترح الإسلام فی مثل هذه الظروف حلّاً مناسباً هو:«الحلم وکظم الغیظ».

وهنا نشیر إلی ثلاث نقاط:

1.الغضب و الغیظ من وجهة نظر الإسلام.

2.قیمة الحلم وکظم الغیظ فی العقیدة الإسلامیة.

3.بعض أمثلة الحلم وکظم الغیظ.

البحث الأوّل:الغضب

تصوّر الروایات و الأحادیث المأثورة الغضب رذیلة من الرذائل البشریة،وفیما یلی طائفة من هذه الأحادیث:

ص:80

الإمام الصادق علیه السلام:

«الغضب مفتاح کلّ شرّ». (1)

الإمام علی علیه السلام:

«الغضب شرّ إنّ أطلقته دمّر». (2)

أیضاً:

«الغضب یردی صاحبه ویبدی معایبه». (3)

أیضاً:

«الغضب یثیر کوامن الحقد». (4)

نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«الغضب جمرة من الشیطان». (5)

الإمام علی علیه السلام:

«الغضب نارٌ مو قدة من کظمه أطفأها ومن أطلقه کان أوّل محترق بها». (6)

أیضاً:

«احذر الغضب فإنّه جند عظیم من جنود إبلیس». (7)

أیضاً:

«إیاک و الغضب فأوّله جنون وآخره ندم». (8)

ص:81


1- (1) .بحار الأنوار:73/باب132،ح 4.
2- (2) .المستدرک:12/باب53،ح 13376.
3- (3) .غرر الحکم:31/2.
4- (4) .المصدر:155/2.
5- (5) .بحار الأنوار:73/باب132،ح 15.
6- (6) .المستدرک:12/باب53،ح 13376.
7- (7) .بحار الأنوار:33/باب29،ح 707.
8- (8) .المستدرک:12/باب53،ح 13376.

أیضاً:

«الغضب من الجنون؛لأنّ صاحبه یندم فإن لم یندم فجنونه مستحکم». (1)

أیضاً:

«یفسد الألباب ویبعد عن الصواب». (2)

الإمام الصادق علیه السلام:

«من لم یملک غضبه لم یملک عقله». (3)

و هذه الاحادیث الشریفة تصوّر لنا قوّة الغضب وسعة تدمیرها إذا انفلتت عن سیطرة الإنسان.

والیک طائفة اخری من الأحادیث تثنی علی الإنسان الذی یتحکّم فی غضبه ویسیطر علیه:

الإمام علی علیه السلام:

«أفضل الملک ملک الغضب». (4)

أیضاً:

«أقدر الناس علی الصواب من لم یغضب». (5)

أیضاً:

«ظفر بالشیطان من غلب غضبه،ظفر الشیطان بمن ملکه غضبه». (6)

أیضاً:«الغضب عدو فلا تملکه نفسک». (7)

ص:82


1- (1) .بحار الأنوار:73/باب132،ح 20.
2- (2) .المستدرک:12/باب53،ح 13376.
3- (3) .بحار الأنوار:73/باب132،ح 33.
4- (4) .غرر الحکم:302/4.
5- (5) .المصدر:246.
6- (6) .المصدر:301.
7- (7) .المستدرک:11/12.

أیضاً:

«من غلب علیه غضبه وشهوته فهو فی حیز البهائم». (1)

نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«لیس الشدید بالصرعة إنّما الشدید الذی یملک نفسه عند الغضب». (2)

أیضاً:

«الصرعة کلّ الصرعة،الصرعة کلّ الصرعة،الصرعة کلّ الصرعة:الرجل الذی یغضب،فیشتد ویحمر وجهه ویقشعر جلده فیصرع غضبه».

الإمام علی علیه السلام:

«أقوی الناس من قوی علی غضبه».

الإمام الباقر علیه السلام:

«لا قوة کردّ الغضب». (3)

و قد ورد فی السیرة الشریفة:إنّ رجلاً جاء إلی النبی صلّی الله علیه و آله،وقال له:عظنی یا رسول الله،فقال له نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:لا تغضب.فقال الرجل:زدنی،قال رسول الله:لا تغضب.قال الرجل:زدنی،فقال رسول الله:لا تغضب.وعاد الرجل إلی مضارب قبیلته فوجدها تتأهب للقتال،ولما استطلع الخبر عرف أنّ أفراداً من قبیلته أغاروا علی قبیلة اخری ونهبوا من أموالها ونشب الصراع بین القبیلتین،ولما رأی الجرحی فی قبیلته شعر بالغضب ودخل خیمته لیرتدی لامة الحرب،وفی هذه اللحظة تذکّر ما وعظه به نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قائلاً:«لا تغضب»،فثاب إلی رشده وراح یفکّر فی عاقبة ذلک،فرمی بسیفه وانطلق إلی تلک القبیلة وعرض علی زعمائها،التعویض عن کلّ ما لحق بقبیلتهم من الخسائر،وقال لهم:هذه أموالی فخذوا منها ماتطیب به

ص:83


1- (1) .غرر الحکم:362/5.
2- (2) .بحار الأنوار:77/باب7،ح 1.
3- (3) .المصدر:78/باب22،ح 1.

نفوسکم ولاتسفکوا المزید من الدماء،وتأثّر رجال القبیلة بموقفه النبیل،وقالوا له:لقد طابت نفوسنا بما قلت فانصرف راشداً،وهکذا أطفأت کلمة نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«لا تغضب»،نیران الحرب و الأحقاد.

وفی هذه الروایات التی قرأناها نجد بعدین:الأوّل:ذمّ الغضب،والثانی:تمجید السیطرة علیه; غیر أنّنا نجد بعداً ثالثاً فی هذه الأحادیث التی تطرقت إلی الغضب من أجل الله وفی سبیله تبارک وتعالی.

یقول الإمام علی علیه السلام:

«من أحدّ سنان الغضب لله قوی علی قتل أشدّاء الباطل». (1)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«من شنئ الفاسقین وغضب لله غضب الله له وأرضاه یوم القیامة». (2)

ویقول علیه السلام-و هو یودّع الصحابی الجلیل أباذّر عندما نفی إلی الربذة-:

«یا أباذّر،إنّک غضبت لله فارج من غضبت له،إنّ القوم خافوک علی دنیاهم وخفتهم علی دینک،فاترک فی أیدیهم ماخافوک علیه واهرب منهم بما خفتهم علیه.فماأحوجهم إلی مامنعتهم وماأغناک عمّا منعوک،وستعلم من الرابح غداً و الأکثر حُسّداً،ولو إنّ السماوات و الأرضین کانتا علی عبد رتقاً،ثُمّ اتقی الله لجعل الله له منها مخرجاً.لایؤنسنک إلّا الحقّ ولا یوحشّنک إلّا الباطل; فلو قبلت دنیاهم لأحبّوک ولو قرضت منها لأمَّنوک». (3)

وجاء فی مناجاة سیدنا موسی بن عمران علیه السلام و هو یسأل الله عزّ وجلّ:

«من أهلک الذین تظلّهم فی ظلّ عرشک یوم لا ظلّ إلّا ظلّک؟».

فجاء الجواب من الذات الأحدیة:

ص:84


1- (1) .المصدر:71/باب89،ح 6.
2- (2) .المصدر:348/68،ح 17.
3- (3) .المصدر:22/باب12،ح 30.

«...والذین یغضبون لمحارمی إذا استحلّت مثل النمر إذا جُرح». (1)

من خلال ما مضی ندرک إنّ الغضب قوّة وطاقة أودعها الله عزّ وجلّ فی نفوس البشر،و هذه القوة ینبغی الاستفادة منها فی سبیل الله.

فعندما یقع عدوان علی الدین وتُنتهک حدود الله سبحانه یصبح الغضبُ مشروعاً ومطلوباً،فعلی المسلم أن یهبّ للدفاع وأن یشعر بالغضب المقدّس من أجل الله وفی سبیله.

ولذا نجد القرآن الکریم یطلب من نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أن یهبّ لمواجهة الکفّار و المنافقین وأن یکون معهم فی غایة الشدّة قال تعالی: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ . (2)

و قد وصف القرآن الکریم المؤمنین أنّهم رحماء فیما بینهم أشدّاء علی الکفّار،قال عزّ وجلّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ . (3)

ص:85


1- (1) .المصدر:13/باب11،ح 42.
2- (2) .التوبة:73.
3- (3) .الفتح:29.

الخُلاصة

إنّ إقامة العلاقات بین الأفراد من ضرورات الحیاة الاجتماعیة وبسبب التنوع و التضاد بین أذواق وسلوک الأفراد،یحصل الاصطدام و الصراع الذی یفرز الأحقاد،یتصوّر البعض أنّ الحلّ یکمن فی استخدام القوة وبعض آخر یری الحلّ فی قطع العلاقات،غیر أنّ الإسلام یدعو إلی«الحلم»وکظم«الغیظ»ویعدّهما وسیلةً ناجحةً وناجعة فی تنظیم العلاقات الاجتماعیة.

الأسئلة

1.ما معنی الحلم؟

2.لماذا تصوّر الأحادیث و الروایات الغضب کصفة رذیلة؟

3.اُذکر حدیثاً للإمام علی فی مضمار السیطرة علی الغضب

4.ماذا قال الإمام علی علیه السلام عن الغضب لدی تودیعه الصحابی الجلیل أبی ذرّ رضی الله عنه.

ص:86

الدرس العاشر:الحلم(2)

البحث الثانی:الحلم

الآن و قد عرفنا أنّ الغضب لا یجوز إلّا فی مواجهة أعداء الله سبحانه أمّا فی مقابل المؤمنین فهو جنون وحرام،فکیف نتعامل مع أخطاء وتجاوزات أصدقائنا وإخواننا؟

قد ذکرنا فی الدرس الماضی أنّ الإسلام قد اقترح الحلم وکظم الغیظ اسلوباً فی العلاقات الاجتماعیة; ذلک أنّ کثیراً من المنازعات والاختلافات بین الأفراد یمکن حلّها من خلال الحلم وممارسة ضبط النفس.

من هنا عدّت الشریعة الإسلامیة الحلم من الصفات النبیلة التی ینبغی للمؤمنین أن یتحلّوا بها.

و قد حث القرآن علی ضبط النفس و السیطرة علیها فی حالة الغضب،قال تعالی: وَ الْکاظِمِینَ الْغَیْظَ وَ الْعافِینَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ . (1)

وقال عزّ وجلّ: وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ* وَ ما یُلَقّاها إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ . (2)

ص:87


1- (1) .آل عمران:134.
2- (2) .فصلت:34-35.

إنّ ثقافة الحلم تتناقض مع ثقافة الانتقام السلبیة; ذلک أنّ الانتقام یزید من حدّه العداء واشتعال الأحقاد فیما الحلم یجعلنا نتعامل مع الخصوم وکأنّهم أصدقاء حمیمین،فالحلم نور یضیء طریق الإنسانیة،والانتقام نار مجنونة تحرق المجتمعات البشریة.

لقد مجد الأئمة الأطهار علیهم السلام الحلم ودعوا المؤمنین إلی التحلّی بالحلم وضبط النفس،وفیما یلی طائفة من الأحادیث:

الإمام علی علیه السلام:

«الحلم حجاب من الآفات». (1)

أیضاً:

«الحلم نور جوهره العقل». (2)

أیضاً:

«لا عز أرفع من الحلم». (3)

أیضاً:

«تعلموا الحلم فإنّ الحلم خلیل المؤمن ووزیره». (4)

أیضاً:

«علیک بالحلم،فإنّه ثمرة العلم». (5)

أیضاً:

«من حلم ساد». (6)

ص:88


1- (1) .نور الحقیقة:213.
2- (2) .غرر الحکم:286/5.
3- (3) .بحار الأنوار:71/باب93،ح 32.
4- (4) .المصدر:78/باب16،ح 140.
5- (5) .المصدر:71/باب93،ح 35.
6- (6) .المصدر:77/باب8،ح 1.

أیضاً:

«السلم ثمرة الحلم». (1)

أیضاً:

«إنّ أوّل عوض الحلیم من خصلته أنّ الناس أعوانه علی الجاهل». (2)

أیضاً:

«من استعان بالحلم علیک غلبک وتفضل علیک». (3)

ویقول الإمام محمدالجواد علیه السلام:

«الحلم لباس العالم فلا تعرینّ منه». (4)

ولأنّ الحلم یعنی فیما یعنی ضبط النفس وکظم الغیظ،فقد جاء فی الأحادیث تأکید علی ذلک.

قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من کظم غیظاً ملأ الله جوفه إیماناً». (5)

ویقول الإمام علی علیه السلام:«من کف غضبه ستر الله عورته». (6)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«من کظم غیظاً و هو یقدر علی إمضائه حشا الله قلبه أمناً وإیماناً یوم القیامة». (7)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

ص:89


1- (1) .غرر الحکم:227/1.
2- (2) .بحار الأنوار:71/باب93،ح 68.
3- (3) .غرر الحکم:451/5.
4- (4) .بحار الأنوار:78/باب3،ح 2.
5- (5) .المصدر:69/باب38،ح 44.
6- (6) .المصدر:73/باب132،ح 11.
7- (7) .المصدر:7/باب15،ح 62.

«من کظم غیظاً و هو یقدر علی إنفاذه وحلم عنه أعطاه الله أجر شهید». (1)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«أحزم الناس أکظمهم للغیظ». (2)

ونجد من خلال هذه الأحادیث الشریفة أنّ ضبط النفس و السیطرة علیها إنّما ینطلق من نور الإیمان الذی یضیء للإنسان طریقه فیعرف موقفه الصحیح.

فالحلم یستر عیوب الإنسان؛لأنّ فورة الغضب تکشف للناس کثیراً من العیوب.

ویرتفع الحلم بالإنسان إلی مصاف الشهداء؛لأنّ الإنسان عندما یقاوم نوازعه النفسیة وینتصر علیها یکون قد حقّق إحدی الحسنیین النصر أو الشهادة،والإنسان الحلیم إنسان یتّصف بالحزم و الحزم من صفات القادة وذوی الشخصیات القویة.

ولهذا یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ أحزم الناس أکظمهم للغیظ»

و قد سئل الإمام الحسن السبط علیه السلام عن الحلم فقال:

«کظم الغیظ وملک النفس». (3)

ویقول الإمام السجاد علی بن الحسین علیه السلام:

«إنّه لیعجبنی الرجل إنّ یدرکه حلمه عند غضبه». (4)

وتساءل أحدهم فی حضرة الإمام الصادق علیه السلام:ألیس فی ترک الخصومة ذلاًّ؟فقال الإمام علیه السلام:

«إنّما الذلیل الظالم». (5)

ص:90


1- (1) .المصدر:75/باب66،ح 10.
2- (2) .المصدر:71/باب93،ح 55.
3- (3) .بحار الأنوار:78/باب19،ح 2.
4- (4) .المصدر:71/باب93،ح 13.
5- (5) .المحجة البیضاء:313/5.

ربّما یجادلک شخص فی مسألة ما وأنت علی حقّ فی رأیک،ولکن محاورک یتعصّب لرأیه ویجادل.إنّ آداب الشریعة الإسلامیة تحثک علی ترک الجدل؛لأنّه لا طائل من ورائه و قدیؤدی إلی الشحناء ولیس فی موقفک هذا ذلاًّ؛لأنّ الحقیقة کالشمس لا تبقی خلف الغیوم إلی الأبد وسوف ینتبه صدیقک أو زمیلک إلی خطئه ذات یوم.

و هذا من مظاهر حلم الإنسان یحافظ به علی علاقاته مع أفرادالمجتمع

البحث الثالث:بعض أمثلة الحلم وکظم الغیظ

وفی هذا البحث نستعرض بعض أمثلة الحلم وکظم الغیظ فنستلهم من ذلک الدروس و العبر.

1.کانت نار الحرب بین قبیلتی الأوس و الخزرج مشتعلة فی الجاهلیة ثُمّ هدی الله عزّ وجلّ هاتیین القبیلتین إلی نور الإسلام وانطفأت تلک النار المجنونة،وأصبح الجمیع إخوة متحابین.وحلّت الاُخوة الإسلامیة محلّ العداوة الجاهلیة،فکانوا یجلسون معاً ویتحدّثون بحبّ وإخاء،ورآهم ذات یوم یهودی یدعی«شاس بن قیس»فحسدهم علی ذلک وبرقت عیناه بالخسّة و النذالة،فأراد أن یشعل الحرب بینهما ویؤجج نار الحقد،فأرسل إلی محافلهم رجلاً خبیثاً وأمره أن ینشد بینهم شعراً قدیماً.

ذهب الرجل الیهودی وجلس بینهم وراح ینشد شعراً من الأوس وشعراً من الخزرج،وکان هذا الشعر یتحدّث عن معارکهم فی یوم بغاث وشیئاً فشیئاً اشتعلت الأحقاد القدیمة وتأججت الحمیة الجاهلیة وتنادوا للسلاح و السیوف،وانتشرت الحرب بین رجال القبیلتین انتشار النار فی الهشیم.

وعندما سمع نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله بذلک هبّ من فوره وانطلق إلی محلّ الفتنة ونادی بأعلی صوته:

ص:91

«یا معشر المسلمین،الله الله أبدعوی الجاهلیة،وأنا بین أظهرکم وبعد أن هداکم الله تعالی إلی الإسلام وأکرمکم به, وقطع عنکم أمر الجاهلیة واستنقذکم به من الکفر،وألّف بین قلوبکم (1)؟!

وثاب المسلمون إلی رشدهم وأدرکوا أنّهم قد ارتکبوا خطأً فادحاً فاظهروا الندم وجددوا میثاق الاُخوة الإسلامیة،وهکذا أطفأ نورالإسلام نیران الجاهلیة وانطفأت نار الحرب التی کاد یشعلها ذلک الیهودی الخبیث.

2.جاء فی السیرة أنّ إعرابیاً دخل المسجد وعرض علی رسول الله صلّی الله علیه و آله حاجته فأعطاه النبی صلّی الله علیه و آله ما تیسّر،ولکن الأعرابی استقل المال وأغلظ للنبی فی الکلام.وتبادر أصحاب النبی لتأدیب الأعرابی فنهاهم نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله.

فرأی النبی صلّی الله علیه و آله الأعرابی خارج المسجد فدعاه إلی منزله وأعطاه مبلغاً آخر،ولمّا خرج الأعرابی من بیت النبی أدرک أنّه لا یختلف عن بیوت الفقراء،فشعر بالحزن لمّا بدر منه وأظهر الندم و التوبة وشکر النبی صلّی الله علیه و آله علی ما نقده إیاه.

فقال النبی صلّی الله علیه و آله:أخشی علیک الآذی ممّن سمع مقالتک لی فی المسجد فلو أظهرت رضاک.

وهز الأعرابی رأسه موافقاً،وفی الیوم التالی حضر المسجد،فقال النبی صلّی الله علیه و آله لما رآه:إنّ هذا الرجل قد رضی عنّی،وصدّق الأعرابی ما قاله النبی صلّی الله علیه و آله قائلاً:بلی،ثُمّ غادر المسجد.

فقال النبی صلّی الله علیه و آله یعلّم أصحابه:إنّما مثلی ومثل هذا; رجلٌ فرّ جَمَلُه وأراد الناس الإمساک به فانطلقوا یرکضون وراءه وکان الجمل کلما سمع أصواتهم یزداد فراراً،فقال الرجل لهم:کفوا عنه لأری فیه رأیی،فأخذ الرجل علفاً ورمی به إلیه،فعاد الجمل یأکل منه،وأمسک الرجل به.وإنّی لو ترکتم بالأمس وشأنکم فربّما قتلتموه فانظروا ما فعل اللین به.

ص:92


1- (1) .السیرة النبویة،ابن هشام:397/2،بتصرّف.

3.جاء رجل شامی إلی المدینة المنوّرة ولما رأی الإمام الحسن سبط النبی صلّی الله علیه و آله وعرفه راح یکیل له الشتائم و الإمام ساکت لا یرد علیه،ولما فرغ الرجل من السبّ قال له الإمام بودّ وابتسام:

«أیها الشیخ،أظنّک غریباً؟ولعلّ شبّهت،فلو استعتبتنا أعتبناک،ولو سألتنا أعطیناک،ولو استرشدتنا أرشدناک،ولو استحملتنا حملناک،و إن کنت جائعاً أشبعناک،و إن کنت محتاجاً أغنیناک،و إن کنت طریداً آویناک» (1)

وظلّ الإمام یلاطفه بناعم القول إلی إنّ قلع من أعماق الرجل روح الشرّ و الحقد وظهرت علی وجهه ملامح الندم فراح یعتذر للإمام ثُمّ قال:الله أعلم حیث یجعل رسالته.

إنّ الإمام لم یکظم غیظه فحسب،بل قابل الإساءة بالإحسان وعرض علی الرجل الشامی روحه الإنسانیة واستعداده لأی خدمة یطلبها وبهذا الاُسلوب الأخلاقی الرفیع ینتصر الخیر علی الشرّ،والفضیلة علی الرذیلة،والعلم علی الجهل،والإسلام علی الجاهلیة.

ص:93


1- (1) .مناقب آل أبی طالب،ابن شهر آشوب:184/3.

الخُلاصة

إنّ أولیاء الله کانوا أمثلة رفیعة فی تعزیز العلاقات الاجتماعیة،فبالحلم وکظم الغیظ وضبط النفس ومقابلة الإساءة و الإحسان ضربوا المثل الأعلی فی الأخلاق الرفیعة.أنّ الحلم له رسالة إنسانیة واجتماعیة کبری فی الحیاة.

الأسئلة

1.بین آثار الحلم فی الحیاة الاجتماعیة.

2.لماذا یؤکّد الإمام علی علیه السلام علی تعلم الحلم؟

3.بین العلاقة بین الحلم وکظم الغیظ.

4.اذکر مثالاً من السیرة و التاریخ الإسلامی عن الحلم.

ص:94

الدرس الحادی عشر:العفو و الصفح

اشارة

تعلمنا من الدرسین الماضیین أنّ الإسلام یطرح أدب الحلم فی مواجهة إساءات الآخرین من أجل تعزیز العلاقات الاجتماعیة وعندما تحدّثنا عن الحلم تحدّثنا أیضاً عن کظم الغیظ وضبط النفس،وفی هذا الدرس سنجد أنّ الحلم یقترن أیضاً بالعفو و التسامح و الصفح.

تعدّ صفة العفو من الخصال والاُصول الأخلاقیة و الآداب الإسلامیة التی تؤکّد علیها الشریعة فی مجال العلاقات الاجتماعیة.

وکما ذکرنا فی الدرس الماضی أنّ العدوان وانتهاک حقوق الآخرین من الظواهر الاجتماعیة،ومن الممکن إنّ تضیع بعض الحقوق خاصّة فی تفاصیل الحیاة الیومیة،فالضوضاء-مثلاً-التی تصدر من جهاز صوتی أو اغتصاب الدور فی طوابیر الانتظار،فإذا کان التعنت و الإصرار-فی هذه المواقف-هو شعار الجمیع فی استرداد حقوقهم،فإنّنا سنشهد سلسلة طویلة من النزاعات و الخصومات،بحیث تصبح الحیاة الیومیة مریرة لا تطاق،ولذا جاءت الشریعة بحلّ أخلاقی نبیل فحثت المؤمنین علی الحلم وممارسة ضبط النفس و العفو و التسامح.

ص:95

و قد أوحی القرآن الکریم بذلک فی قوله تعالی: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ . (1)

إنّ العفو یجب أن یکون ملکة فی شخصیتنا،لا أن یکون حالة مؤقتة وعابرة.ولذا جاء فی تفسیر الآیة الآنفة الذکر ما یلی:

«سأل رسول الله صلّی الله علیه و آله جبرائیل عن ذلک،فقال:لا أدری حتّی أسأل العالم.ثُمّ أتاه فقال:یا محمّد،إنّ الله یأمرک أن تعفو عمّن ظلمک وتعطی من حرمک وتصل من قطعک». (2)

و قد وصف الله عزّ وجلّ المؤمنین بهذه الخصلة: وَ الْکاظِمِینَ الْغَیْظَ وَ الْعافِینَ عَنِ النّاسِ . (3)

ولهذا نجد القرآن الکریم یحث علی العفو قال تعالی: وَ لْیَعْفُوا وَ لْیَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَکُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ . (4)وقال تبارک وتعالی: وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ . (5)

کما نجد نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار من آله علیهم السلام یحثون المؤمنین علی التحلّی بهذه الصفة الحمیدة،یقول النبی صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الله عفوٌ یحبّ العفوَّ». (6)

ویقول صلّی الله علیه و آله:«من أقال مسلماً عثرته أقال الله عثرته یوم القیامة». (7)

ص:96


1- (1) .الأعراف:199.
2- (2) .بحار الأنوار:75/باب66،ح 4.
3- (3) .آل عمران:134.
4- (4) .النور:22.
5- (5) .التغابن:14.
6- (6) .کنز العمال:373/3،ح 7005.
7- (7) .المصدر:376/3،ح 7019.

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:«علیکم بالعفو فإنّ العفو لا یزید العبد إلاّ عزّاً فتعافوا یعزّکم الله». (1)

وعنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:«من کثر عفوه مُدّ فی عمره». (2)

وعن الإمام علی علیه السلام قال:«العفو تاج المکارم». (3)

وعنه علیه السلام أیضاً:«شیئان لا یوزن ثوابهما:العفو و العدل». (4)

وعنه علیه السلام أیضاً:«شرّ الناس من لا یعفو عن الزلة ولا یستر العورة». (5)

وعنه علیه السلام أیضاً:«قلّة العفو أقبح العیوب،والتسرع إلی الانتقام أعظم الذنوب». (6)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:«الندامة علی العفو أفضل وأیسر من الندامة علی العقوبة».

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:«إنّا أهل البیت علیهم السلام مروّتنا العفو عمّن ظلمنا».

ویقول علیه السلام أیضاً:«ثلاث من مکارم الدنیا و الآخرة:تعفو عمن ظلمک،وتَصِلُ من قطعک, وتَحلم إذا جُهل علیک». (7)

الفرق بین العفو و الصفح

تبدو مفردة الصفح مرادفة للعفو فکلاهما تعبیر عن موقف واحد و هو عدم مقابلة الإساءة بمثلها،وعدم ترتیب عقاب علی ذنب أو اعتداء،غیر أنّ الصفح یتّسع لما هو أبعد من العفو،فإذا کان العفو یعنی ضمناً ثبوت الخطأ ومن ثَمّ العفو إلّا أنّ الصفح یعنی الإعراض عن الذنب و الخطأ نفسه وکأنّ شیئاً لم یکن.

ص:97


1- (1) .بحار الأنوار:71/باب93،ح 5.
2- (2) .المصدر:75/باب74،81.
3- (3) .غرر الحکم:245.
4- (4) .المصدر:446
5- (5) .بحار الأنوار:71/باب93،ح 6.
6- (6) .غرر الحکم:465.
7- (7) .بحار الأنوار:71/باب94،ح 3.

یقول القرآن الکریم: وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظّالِمِینَ . (1)

ویقول فی مضمار الصفح: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ . (2)

ویقول أیضاً: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ . (3)

فالآیة الاُولی ثبتت الخطأ وحددت العقوبة أیضاً،ثُمّ دعت إلی العفو مقابل الأجر الإلهی،فیما دعت الآیتان الثانیة و الثالثة النبی صلّی الله علیه و آله إلی غض النظر عن نفس الخطأ،و قد جاء فی تفسیر الآیة: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ عن الإمام الرضا علیه السلام قوله:«العفو من غیر عتاب». (4)

العفو عند المقدرة

إنّ معنی العفو لا یتحقّق إلّا عند المقدرة،ولهذا ینتفی معنی العفو فی حالة العجز عن الردّ و المقابلة بالمثل،بل قد یؤدّی العجز أحیاناً إلی شعور بالحقد و الکراهیة وإطلاق الاتهامات أو الحسد و الکذب...إلخ.

وعندما دعت الشریعة الإسلامیة إلی العفو; فذلک لأنّ المجتمع و الدولة الإسلامیة قد تکفلت بإجراء العدالة وإنزال العقوبة بالطرف المعتدی.

من هنا نجد فی الروایات الإسلامیة و الأحادیث الشریفة اقتراناً بین العفو و القدرة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«من عفا عند قدرة عفا الله عنه یوم العثرة». (5)

ص:98


1- (1) .الشوری:40.
2- (2) .الزخرف:89.
3- (3) .الحجر:85.
4- (4) .بحارالأنوار:71/باب93،ح 56.
5- (5) .کنز العمال:377/3.

ویقول صلّی الله علیه و آله:«أولی الناس بالعفو أقدرهم علی العقوبة». (1)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:«اذا قدرت علی عدوّک فاجعل العفو عنه شکراً للقدرة علیه». (2)

وعنه علیه السلام أیضاً:«العفو زکاة القدرة». (3)

ویقول الإمام الحسن السبط علیه السلام:«إنّ أعفی الناس من عفا عندقدرته». (4)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:«العفو عند القدرة من سنن المرسلین و المتقین». (5)

وفی فتح مکّة عندما دخل الجیش الإسلامی فاتحاً کانت الرایة فی ید الصحابی«سعد بن عبادة»فأطلق صیحاته المدوّیة:«الیوم یوم الملحمة الیوم تُستحل الحرمة». (6)

وعندما سمع نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله بذلک أمر علیاً علیه السلام أن یسرع إلیه ویأخذ الرایة منه ویتدارک الأمر،وانطلق الإمام مسرعاً وأخذ الرایة من سعد وراح یهتف عالیاً:«بل الیوم یوم المرحمة».

و قد جسد الإسلام کلّ معانی العفو فقد کان بإمکان الجیش الإسلامی الانتقام وتدمیر بیوت مکّة،ولکن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله بالرغم من کلّ الأذی الذی لحق به،وبالرغم من کلّ الحروب و المؤامرات عفا عن جمیع أعدائه،فکان یوم الفتح یوماً مشهوداً فی تاریخ الإنسانیة.

مواضع العفو

أین یتجسد معنی العفو؟وفی أی الموارد یجوز ذلک؟

ص:99


1- (1) .بحار الأنوار:420/68.
2- (2) .المصدر:71/باب93،ح 76.
3- (3) .غرر الحکم:342.
4- (4) .بحار الأنوار:74/باب 28،ح 41.
5- (5) .المصدر:71/باب93،ح 62.
6- (6) .شرح نهج البلاغة:272/17.

وفی الجواب عن ذلک یمکن القول:إنّ العفو محبب فی کلّ ما یتعلّق بالشؤون الذاتیة أمّا فی ما یتعلّق بالحقوق العامّة و الإلهیة فلا.

إنّ من ینتهک حرمة المجتمع لا یمکن إنّ یکون محلّاً للعفو،ومن ضیع حقوق الله أو انتهک حدوده کذلک.

وجاء فی تاریخ الإسلام:إنّ الإمام علی علیه السلام بعث إلی أحد ولاته وعماله-وکان قد اختلس من بیت المال-رسالة شدیدة اللهجة جاء فیها:

«فاتق الله واردد إلی هؤلاء القوم أموالهم فإنّک إن لم تفعل ثُمّ امکننی الله منک لأعذرنّ إلی الله فیک ولأضربنّک بسیفی الذی ما ضربت به أحداً إلّا دخل النار.ووالله،لو أنّ الحسن و الحسین فعلا مثل الذی فعلت ما کانت لهما عندی هوادة ولا ظفرا منّی بإرادة حتّی آخذ الحقّ منهما وازیح الباطل عن مظلمتهما». (1)

وعندما نطالع سیرة الأولیاء نجدهم فی ذروة العفو و الصفح و التسامح فی ما یتعلّق بحقوقهم وشؤونهم الذاتیة و الفردیة أمّا فی الحقوق الإلهیة والاجتماعیة فهم فی غایة الشدّة و الحزم.

إنّ العفو اسلوب أخلاقی من أجل اشعار الطرف الآخر بخطئه ودفعه إلی عدم تکرار هذا الخطأ،ولذا نجد بعض الناس یعتذر عمّا بدر منه،فالعفو یجدی مع الإنسان الکریم،أمّا الإنسان اللئیم فلا ینفع معه العفو،بل إنّه یستغل ذلک ویزداد وقاحة.

یقول الإمام علی علیه السلام:«العفو یفسد من اللئیم بقدر إصلاحه من الکریم». (2)

ویقول الإمام زین العابدین علیه السلام:

حق من ساءک إنّ تعفو عنه،و إن علمت أنّ العفو یضرُّ انتصرت،قال الله تبارک وتعالی: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ . (3)

ص:100


1- (1) .نهج البلاغة:الکتاب 41.
2- (2) .بحار الأنوار:77،باب15،ح 4.
3- (3) .المصدر:ح 9/71،1؛الشوری:41.

الخُلاصة

العفو و الصفح،من الاُصول الأخلاقیة فی الإسلام و الحیاة الاجتماعیة.ومعناه لا یتحقّق إلّا فی حالة القدرة علی الرد و المقابلة بالمثل وإجراء العقوبة.و قد حببت الشریعة العفو فی المسائل و القضایا الفردیة،أمّا فی التعدّی علی الحقوق الإلهیة والاجتماعیة فلا یجوز.

الأسئلة

1.بین الفرق بین العفو و الصفح.

2.اذکر نص الرسالة التی بعث بها الإمام علی علیه السلام إلی الوالی المختلس.

3.لماذا ینفع العفو مع الکریم ولا یجدی مع اللئیم؟

4.اذکر حدیث الإمام الصادق علیه السلام فی مکارم الدنیا و الآخرة.

ص:101

ص:102

الدرس الثانی عشر:الإنصاف

اشارة

الانصاف و العدل من الاُصول الأخلاقیة فی الإسلام.والانصاف فی العلاقات الاجتماعیة هو أن یکون الحقّ و العدل نصب أعیننا, أی أن نقول حقّاً ونفعل حقّاً،حتّی لو کان علینا.وأن نحبّ لغیرنا ما نحبّ لأنفسنا.والإنصاف و العدل یقتضی وجود اصول ثابتة فی الحیاة الاجتماعیة تسری قوانینها علی الجمیع.والعدل و الإنصاف یعنی تطبیق وإجراء القانون.

إنّ حقوق الأفراد وواجباتهم موزعة بشکل یحقّق العدالة.والإخلال بهذا التوزیع یعنی عدم الإنصاف.ومشکلة البشر أنّهم یتحدّثون عن الحقّ کثیراً،ولکن عندما یکون الحقّ فی جهة ومنافعهم الذاتیة فی جهة اخری فإنّهم یختارون منفعتهم الخاصّة،و قد یقدم بعضهم علی تغییر القانون نفسه لیصب فی مصلحته الشخصیة.

یقول الإمام علی علیه السلام:

فالحقّ أوسع الأشیاء فی التواصف وأضیقها فی التناصف. (1)

فعندما نتحدّث عن الحقّ نتحدّث کثیراً ونطنب و قد نحلّق فی سماء الفکر،ولکن عندما یلزمنا الحقّ بأداء حقوق الآخرین و القیام بواجبنا إزاءهم،فإنّنا نقع فی حرج شدید!

ص:103


1- (1) .نهج البلاغة:الخطبة 216.

ومسألة العدل و الإنصاف فی القول و الفعل مسألة حساسة جدّاً،وعلینا أن نکون منصفین فی منطقنا ومواقفنا.

قال الله عزّ وجلّ: وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِکُمْ وَصّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ . (1)

وقال تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلی أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ إِنْ یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقِیراً فَاللّهُ أَوْلی بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوی أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً . (2)

ووفقاً لهذه الآیة الکریمة یأتی موقف الإنسان المؤمن و هو موقف لا یأخذ بنظر الاعتبار شیئاً إلاّ الحقّ و القسط و الإنصاف.

هناک میزان ثابت و هو الحقّ،هذا المیزان لا یخضع لمؤثرات خارجیة مثلاً لا یتأثّر بالعلاقات ولا یتأثّر بالعواطف ولا یتأثّر أیضاً بالأطماع.

یعنی أنّ الإنسان یحکم بالحقّ حتّی جاء حکمه ضد أخیه واُمه وأبیه،ویحکم بالحقّ حتّی لو کان المحکوم إنساناً فقیراً یثیر الشفقة ولا نحکم بالحقّ لغنی أو ثری جمعاً بما عنده.

إنّ میزان الحقّ هو میزان العدالة و الإنصاف وفیه مکیال واحد للجمیع،قال الله تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلی أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ . (3)

إنّ میزان العدالة لا یتأثّر أیضاً بطبیعة علاقاتنا مع الآخرین،فربّما یقوم الآخرون

ص:104


1- (1) .الأنعام:152.
2- (2) .النساء:135.
3- (3) .المائدة:8.

بعمل قبیح ولا نرتاح لما یعملون،ولکن ینبغی علینا إلّا نتصرّف معهم إلّا بما یقتضیه العدل و الإنصاف.

و قد ورد فی الأحادیث الشریفة عن النبی صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام تمجید لقیمة العدل و الإنصاف،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«أعدل الناس من رضی للناس ما یرضی لنفسه وکره لهم ما یکره لنفسه». (1)

ویقول صلّی الله علیه و آله:

«من واسی الفقیر وأنصف الناس من نفسه فذلک المؤمن حقّاً». (2)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«من ینصف الناس من نفسه لم یزده الله إلّا عزة». (3)

ویقول علیه السلام فی وصیته لابنه الحسن السبط علیه السلام:

«یا بنی اجعل نفسک میزاناً فیما بینک وبین غیرک،فاحبب لغیرک ما تحبّ لنفسک،واکره له ما تکره لها،ولا تظلم کما لا تحب إنّ تُظلم،وأحسن کما تحبّ أن یحسن إلیک،واستقبح من نفسک ما تستقبح من غیرک،وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسک،ولا تقل ما لا تعلم وقل ما تعلم ولا تقل ما لا تحبّ أن یقال لک». (4)

ونجد فی هذا النص من الوصیة برنامجاً دقیقاً للإنصاف و هو جعل النفس و الذات میزاناً،و هو أن نحبّ لغیرنا ما نحبّ لأنفسنا،ونکره للغیر ما نکره لذاتنا فلا نظلم أحداً،لأنّنا لا نحبّ أن نُظلم،و هذا هو معنی ما ورد فی کثیر من الروایات و الأحادیث حول«إنصاف الناس من النفس».

ص:105


1- (1) .بحار الأنوار:75/باب35،ح 1.
2- (2) .المصدر:75/باب35،ح 5.
3- (3) .المصدر:75/باب35،ح 25.
4- (4) .المصدر:75،ب35،ح21.

یقول علیه السلام أیضاً فی عهده إلی مالک الأشتر:

«انصف الله وانصف الناس من نفسک ومن خاصّة أهلک ومن لک فیه هویً من رعیتک; فإنّک إلّا تفعل تظلم ومن ظلمَ عباد الله کان الله خصمه دون عباده،ومن خاصمه الله أدحض حجّته وکان لله حرباً حتّی ینزع ویتوب». (1)

و هذه طائفة من کلمات الإمام علیه السلام القصار فی الإنصاف:

1.الإنصاف یستدیم المحبّة. (2)

2.الإنصاف یألف القلوب. (3)

3.الإنصاف یرفع الخلاف ویوجب الائتلاف. (4)

ملاحظة أخلاقیة

نستنتج من مجموع الأحادیث أنّ الإنصاف و العدل فی العلاقات الاجتماعیة یعنی مساواة الذات مع الغیر فی کلّ الحقوق الاجتماعیة،فالمجتمع الإسلامی الذی ینهض علی المساواة فی الحقوق و الواجبات یکون مجتمعاً مستقرّاً متضامناً متکافلاً تشیع فی جنباته المحبّة و المودّة و الصداقة.

ومن هنا ینبغی أن ندرک أنّ إنصاف الناس من النفس أمر صعب؛لأنّه یتضاد مع«حبّ الذات»و هو أیضاً متجذّر فی النفس الانسانیة.ولذا یقول الإمام الصادق علیه السلام:«ألا اخبرکم بأشدّ ما افترض الله علی خلقه،إنصاف الناس من أنفسهم». (5)

ص:106


1- (1) .المصدر:33/باب30،ح 744.
2- (2) .غرر الحکم:394.
3- (3) .المصدر:394.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .بحار الأنوار:27/72.

وجاء فی تاریخ الإمام الصادق علیه السلام أنّ أحد أصحابه بعث الیه برسالة یسأله فیها عن أشیاء فأجابه عنها ما خلا شیئاً واحداً یتعلّق بحقوق المؤمنین،ولمّا رام السفر من المدینة المنورة وجاء یودع الإمام،وقال له:یا سیدی لم تجب سؤالی؟فقال الإمام الصادق علیه السلام ما مضمونه:اخشی إنّ قلت لم تعمل فتخرج من الدین،ثُمّ قال:إنّ أشدّ ما فرض الله علی عبده ثلاث:إنصاف الناس من نفسک فتفعل مع أخیک المسلم ما تحبَّ أن یفعل بک،وأن توأسی إخوانک بما لک،والثالثة ذکر الله علی کلّ حال ولیس الذکر قولک:سبحان الله و الحمد لله،ولکن إن عرض لک أمر حرام جعلت الله نصب عینک.

فالإنصاف من أشدّ الفرائض التی أوجبها الله عزّ وجلّ علی عباده.

ولذا یتعین علی الإنسان المسلم أن یجاهد نفسه ویروضها حتّی یری الحقّ نصب عینه دائماً وأبداً فلا یقول إلاّ حقاً ولا یفعل إلّا حقّاً،وحتّی یحبّ للناس ما یحبّ لنفسه ویکره لهم ما یکره لذاته ویتمنی لهم الخیر کما یتمناه لنفسه.

ص:107

الخُلاصة

الإنصاف یعنی مساواة الغیر" مع"الذات" فی کلّ الحقوق الاجتماعیة والالتزام بالعدل و الإنصاف،و فی هذا ما یعزّ من استقرار وأمن المجتمع ویزید فی تضامن أفراده وتکافلهم ویشیع فی المجتمع روح المحبّة و الصداقة.

والإنصاف-کما تبین الأحادیث الشریفة-من أصعب الواجبات الإلهیة وأشدّها.

الأسئلة

1.لماذا لا یجوز أخذ حالات مثل الفقر،والغنی،والقربی و الخصومة فی حالة الشهادة بنظر الاعتبار؟

2.ما هو المعیار الذی حدّده الإمام علی علیه السلام للإنصاف فی وصیته لابنه الحسن السبط علیه السلام؟

3.بین بعض آثار وثُمّار الإنصاف.

4.لماذا تعدّ مساواة الذات مع الغیر عملاً أخلاقیاً صعباً؟

ص:108

الدرس الثالث عشر:البشاشة و المزاح

اشارة

البِشر و البشاشة من آداب الإسلام فی العلاقات الاجتماعیة،ومن مظاهر حسن السلوک فی الحیاة الإنسانیة،فالبشاشة من أخلاق الأنبیاء و الأولیاء،ولذا جاء عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:«إنّکم لن تسعوا الناس بأموالکم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر». (1)

و هذه الکلمات المضیئة تبین لنا حقیقة هامّة; فإذا کان هدفنا اکتساب مودّة الجمیع فلا نملک وسیلة عملیة سوی الأخلاق،وأقلّ شیء یمکن فعله هو مقابلة الناس بوجه تشیع فیه البشاشة وتشرق فیه الابتسامة.

ولذا علی الإنسان المؤمن أن یخفی حزنه فی قلبه ویقابل من یلقاه بوجه طلق.

یقول سیدنا علی علیه السلام:«المؤمن بشره فی وجهه وحزنه فی قلبه». (2)

من هنا ینبغی للمؤمن أن یلقی أصدقاءه وأخوانه وجیرانه بوجه باسم; فإذا کان یعانی من مشکلة ما أو یشعر بالحزن لسبب من الأسباب،فینبغی علیه أن یجعل ذلک فی قلبه؛لأنّ انعکاس الحزن و الکآبة فی الوجه ستکون له آثار سلبیة علی الآخرین.فإذا سمحنا للحزن أن

ص:109


1- (1) .بحار الأنوار:74/باب38،ح 36.
2- (2) .المصدر:67،باب14،ح 37.

ینشر ظلاله القاتمة علی الوجه،فإنّ المجتمع شیئاً فشیئاً سیصاب بحالة من الکآبة،غیر أنّ المجتمع الإسلامی ینبغی أن یکون مجتمعاً سعیداً یزخر بالحیویة و النشاط.

آثار وثُمّار البشاشة

للبشاشة و البِشر وطلاقة الوجه آثار طیبة فی الحیاة الفردیة والاجتماعیة،و قد ورد فی الأحادیث الشریفة عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله،وآله الأطهار علیهم السلام من الفوائد الکثیر.یقول النبی صلّی الله علیه و آله:

«حسن البشر یذهب بالسخیمة». (1)یعنی أنّ البشاشة تکافح الأحقاد وتغسل القلوب منها.

وقال الإمام علی علیه السلام:

«البشاشة حبالة المودّة». (2)والحبالة هنا:من الحبل أی الآصرة و العلاقة.

وقال علیه السلام:

«البشاشة أحد القرابتین». (3)

وقال أیضاً:

«القهم بالبشر تمت اضغانهم». (4)

وأیضاً:

«إذا لقیتم أخوانکم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة و البِشر تتفرقوا وما علیکم من الأوزار قد ذهب». (5)

وقال علیه السلام فی حدیث آخر:

«إنّ أحسن ما یؤلَّف به الناس قلوب أودائهم وینفوا به الضغن عن قلوب

ص:110


1- (1) .المصدر:74/باب10،ح 41.
2- (2) .المصدر:75/باب59،ح 12.
3- (3) .المصدر:75/باب59،ح 9.
4- (4) .المصدر:75/باب59،ح 21.
5- (5) .المصدر:75/باب59،ح 19.

أعدائهم حسن البِشر عند لقائهم،والتفقد فی غیبتهم و البشاشة بهم عندحضورهم». (1)

ویقول أیضاً:

«بشرک یدلّ علی کرم نفسک». (2)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«البِشر الحسن وطلاقة الوجه مکسبة للمحبّة وقربة من الله عزّ وجلّ،وعبوس الوجه وسوء البِشر مکسبة للمقت وبعد من الله». (3)

و هذه الأحادیث تؤکّد علی دور البشاشة وطلاقة الوجه فی تعزیز العلاقات الاجتماعیة بین الأفراد؛ولأنّ المسلم لا یحصر اهتمامه فی الدنیا فقط فقد أشارت أحادیث اخَر إلی آثار البشاشة فی الآخرة.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«ثلاث من أتی بواحدة منهنّ أوجب الله له الجنة:الانفاق من اقتار, و البشر لجمیع العالم،والإنصاف من نفسه». (4)

المزاح

عندما یأتی الحدیث عن البشاشة و التبسم یتداعی إلی الأذهان المزاح و الدعابة.

عندما نرید أن نعرف موقف الشریعة الإسلامیة من المزاح،فإنّنا نتقصی ذلک فی الأحادیث الشریفة،وعندما نطالع الأحادیث الواردة فی ذلک نجد طائفتین:إحداهما تحبب المزاح،والاُخری تذمّه وتنهی عنه.

ص:111


1- (1) .المصدر:7/باب8،ح 83.
2- (2) .غرر الحکم:434.
3- (3) .بحار الأنوار:75/باب8،ح 83.
4- (4) .المصدر:74/باب10،ح 28.

الطائفة الاُولی

1.قال رسول الله صلّی الله علیه و آله:

«المؤمن دعب لعب و المنافق قطب غضب». (1)

2.و عنه أیضاً:

«إنّی لأمزح ولا أقول إلاّ حقّاً». (2)

3.قال الإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ الله یحبّ المداعب فی الجماعة بلا رفث». (3)

4.قال الإمام الصادق علیه السلام:

«ما من مؤمن إلّا وفیه دعابة،قیل:وما الدعابة؟قال علیه السلام:المزاح». (4)

5.روی یونس الشیبانی و هو من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام قال:

«قال لی أبو عبدالله(الصادق)علیه السلام:کیف مداعبة بعضکم بعضاً؟قلت:قلیل،قال:«فلا تفعلوا فإنّ المداعبة من حسن الخلق،وإنّک لتدخل بها السرور علی أخیک،ولقد کان رسول الله صلّی الله علیه و آله یداعب الرجل یرید إنّ یسرّه». (5)

الطائفة الثانیة

1.عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«یا علی،لا تمزح فیذهب بهاؤک ولا تکذب فیذهب نورک». (6)

2.عن الإمام علی علیه السلام:

ص:112


1- (1) .المصدر:77/باب7،ح 1.
2- (2) .المصدر:16/باب10،ح 2.
3- (3) .المصدر:71/ب80،ح 18.
4- (4) .المصدر:76/باب106،ح 13.
5- (5) .المصدر:16/باب10،ح 2.
6- (6) .المصدر:77/باب3،ح 10.

«لا یبلغ العبد صریح الإیمان حتّی یدع المزاح و الکذب،ویدع المراء و إن کان محقّاً».

3.«المزاح یورث الضغائن». (1)

4.«لکلّ شیء بذر وبذر العداوة المزاح». (2)

5.«آفة الهیبة المزاح». (3)

6.«من مزح استخف به». (4)

7.الإمام الصادق علیه السلام:«لا تمازح فیجرّأ علیک». (5)

8.«إیاکم و المزاح،فإنّه یذهب بماء الوجه ومهابة الرجال». (6)

9.«إیاک و المزاح فإنّه یذهب بالبهاء». (7)

من هاتین الطائفتین نکتشف أنّ الإسلام لا یقف موقفاً حدّیاً من مسألة المزاح،ویعدّها مسألة نسبیة مشروطة؛ذلک أنّ الإسلام لا یرتضی للمؤمن الهزل فی کلِّ حیاته.والمطلوب من المسلم أن یکون جادّاً فی سیره نحو الکمال،والهزل و المزاح باستمرار یتنافی مع الهدف المنشود،کما أنّ الهزل و المزاح یؤدیان إلی ایذاء الآخرین وزرع الحقد فی نفوسهم.

وبما أنّ الإسلام یهدف إلی إشاعة المودّة و السرور بین أفراد المجتمع وبعث روح النشاط،فقد حبب للمؤمنین البشاشة و المزاح بشرط ألّا یخرج المزاح عن دائرة الحقّ وألّا تستخدم فیه کلمات بذیئة تخدش الذوق الأخلاقی.

من هنا یمکن تشبیه المزاح بملح الطعام،فالمطلوب منه ما یجعل الطعام شهیاً.

ص:113


1- (1) .المصدر:77/باب3،ح 10.
2- (2) .غرر الحکم:436.
3- (3) .المصدر:222.
4- (4) .بحار الأنوار:237/77.
5- (5) .المصدر:76،باب106،ح 10.
6- (6) .وسائل الشیعة:118/12.
7- (7) .بحار الأنوار:60/73.

الطائفة الثالثة

وعندما نطالع الطائفة الثالثة من الأحادیث ندرک أنّ المذموم من المزاح هو کثرته فقط:

1.قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«کثرة المزاح تذهب بماء الوجه». (1)

2.قال علی علیه السلام:

«کثرة المزاح تسقط الهیبة». (2)

3.قال علی علیه السلام:

«کثرة المزاح تذهب البهاء وتوجب الشحناء». (3)

4.قال علی علیه السلام:

«من کثر مزاحه قل وقاره». (4)

من هنا نعرف أنّ الذمّ ینصب علی الإفراط فی المزاح؛ذلک أنّ الإفراط یؤدّی إلی فقدان الهیبة و الوقار والاحترام فی حیاة الفرد،کما أنّه یزرع الأحقاد فی نفوس الآخرین ویحطم أواصر المحبّة و الصداقة بین الأفراد.

وعندما نطالع سیرة النبی صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام نجد أمثلة رفیعة من المزاح البریء الذی یدخل البهجة فی النفوس ویشیع البسمة فی الوجوه:

جاءت امرأة عجوز من الأنصار وطلبت من النبی أن یدعو لها بالجنّة،فقال صلّی الله علیه و آله:«إنّ الجنّة لاید خلها العجوز»،فبکت،فضحک النبی صلّی الله علیه و آله،وقال:أما سمعت المرأة تلا النبی صلّی الله علیه و آله قول الله تعالی: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْکاراً . (5)

ص:114


1- (1) .الکافی:665/2.
2- (2) .غرر الحکم:591/4.
3- (3) .المصدر:597/4.
4- (4) .المصدر:293/5.
5- (5) .جامع أحادیث الشیعة:547/15؛الواقعة:35-36.

وابتسمت المرأة بعد أن ادرکت أنّ نساء الجنّة یبعثهن الله عزّ وجلّ فی سن الشباب.

وجاءت امرأة یقال لها ام أیمن إلی النبی صلّی الله علیه و آله وقالت:إنّ بعلی یبلغک السلام،فقال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:بعلک الذی فی عینه بیاض.وتصوّرت الصحابیة أنّ النبی یعنی ذلک المرض،فقالت:لیس فی عینه بیاض،فقال النبی:بلی،فی عینه بیاض فقالت:لا, و الله لیس فی عینه بیاض.فقال النبی متبسماً:ومن لا یوجد فی عینه بیاض الحدقة؟!

وابتسمت ام أیمن لهذه الدعابة.

وکان رجل من البادیة یأتی إلی النبی صلّی الله علیه و آله حاملاً له هدیة فلا یقوم منه حتّی یطلب منه ثُمّن الهدیة،فیبتسم النبی صلّی الله علیه و آله ویضحک من حضر،ولذا کان النبی صلّی الله علیه و آله اذا ما شعر بالحزن قال:لیت ذلک الإعرابی یأتی! (1)

وجاء رجل إلی النبی صلّی الله علیه و آله یطلب منه بعیراً یحمله،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:لیس عندنا إلاّ ولد ناقة فقال الرجل إنّ متاعی ثقیل لا ینهض به ابن بعیر،فقال النبی-و هو یبتسم-:أولیس کلّ بعیر ابن بعیر؟!

فضحک الرجل لهذه الدعابة.

وکان النبی صلّی الله علیه و آله یتناول التمر ذات یوم مع الإمام علی علیه السلام،فیضع النوی،فی جهة علی علیه السلام فلما اجتمع من النوی قال لعلی:ما أشدّ أکلک للتمر و التفت علی فرأی النوی فی جهته ولیس فی جهة النبی نواة واحدة فابتسم،وقال:أشدّ منّی أکلاً من یأکل التمر ونواه!

وأشرقت ابتسامة فی وجه النبی صلّی الله علیه و آله

وأنت تری فی هذه الحکایات مزاحاً بریئاً نظیفاً لا کذب فیه و لا لغو،نتعلم منها کیف نداعب اخواننا ونشیع فی نفوسهم روح البهجة و السرور فتزداد أواصرنا قوّة.

ص:115


1- (1) .هذه الروایات وأشباهها تجدها فی میزان الحکمة:2896/4،وغیره.

الخُلاصة

البشاشة من الآداب الإسلام.و هذه الصفة تنم عن کرم النفس وحسن السلوک.ولها دور کبیر فی تعزیز أواصر المحبّة بین أفراد المجتمع.والمزاح من مصادیق البشاشة،بشرط ألاّ یکون هناک إفراط فیه وإلاّ یخدش الذوق الأخلاقی.

الأسئلة

1.ما هی الآثار الاجتماعیة للبشاشة کما بینها الأئمة الأطهار علیهم السلام؟

2.متی یکون المزاح مطلوباً؟

3.اذکر حدیثاً للإمام علی علیه السلام حول البشاشة.

4.ما هی آثار وثمار البشاشة فی الآخرة؟

ص:116

الدرس الرابع عشر:المؤاساة وقضاء الحوائج

ذکرنا فی الدرس الثانی أنّ المؤمنین اخوة،والاُخوّة تقتضی التضامن و التعاون،وهم أعضاء فی اسرة واحدة هی المجتمع الإسلامی،ومن آداب الاُخوّة أن یهب الأخ لنجدة أخیه إذا واجه مشکلة أو وقع فی مأزق،وما أجمل هذه الصورة التی یرسمها الحدیث النبوی المشهور:«إنّما المؤمنون فی تراحمهم وتعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتکی منه عضو تداعی له سائر الجسد بالحمی و السهر». (1)

ولأنّ الفرد فی حیاته یواجه بعض المصاعب و المشکلات،فإنّه إذا ما رأی إخوة له یتضامنون معه ویقفون إلی جانبه،فسوف یشعر بالدفء و الأمل ویسقف بدوره إلی جانب إخوته إذا احتاجوا إلی عونه ومساعدته،وبهذا تشیع روح المحبّة و التآزر بین أفراد المجتمع.قال الله عزّ وجلّ: وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی . (2)

ومسألة التعاون تقتضی وجود روح الاهتمام فی نفس الفرد المسلم بمواطنیه

ص:117


1- (1) .بحار الأنوار:234/74.
2- (2) .المائدة:2.

واُخوانه،ومن هنا قال النبی صلّی الله علیه و آله:«من أصبح لا یهتم باُمور المسلمین فلیس منهم،ومن سمع رجلاً ینادی یا للمسلمین فلم یجبه فلیس بمسلم». (1)

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

ما آمن بالله ولا بمحمّد ولا بعلی صلّی الله علیه و آله من إذا أتاه أخوه المؤمن فی حاجة فلم یضحک فی وجهه،فإن کانت حاجته عنده سارع إلی قضائها،و إن لم تکن عنده تکلّف من عند غیره حتّی یقضیها له،فإذا کان بخلاف ما وصفته،فلا ولایة بیننا وبینه. (2)

إنّ التضامن وتقدیم العون للمؤمنین واجب إسلامی،و أنّ الإنسان إذا ما رزق مالاً،ثُمّ تنکّر لاُخوانه وبخل بماله،فلم یقض للمحتاج منهم حاجة ولم یهب لمساعدة من یطلب عونه ومساعدته انتفت عنه هویة المسلم؛لأنّه من آداب الإسلام روح التعاون،و قد جاء فی حدیث للإمام الباقر علیه السلام:«من بخل بمعونة أخیه المسلم و القیام له فی حاجته ابتلی بمعونة من یأثُمّ علیه ولا یؤجر». (3)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:«أیما رجل من شیعتنا أتی رجلاً من إخوانه فاستعان به فی حاجته فلم یعنه و هو یقدر إلّا ابتلاه الله بأنّ یقضی حوائج غیره من أعدائنا یعذّبه الله علیها یوم القیامة». (4)

وقال الإمام موسی الکاظم علیه السلام:«من قصد إلیه رجل من إخوانه مستجیراً به فی بعض أحواله فلم یجره بعد إنّ یقدر علیه،فقد قطع ولایة الله تبارک وتعالی». (5)

وجاء فی حدیث للإمام الصادق علیه السلام ما یجعل التقصیر فی ذلک خیانة یقول علیه السلام:

ص:118


1- (1) .بحار الأنوار:74/باب20،ح 120.
2- (2) .المستدرک:434/12،ح14546.
3- (3) .بحار الأنوار:75/باب59،ح 8.
4- (4) .المصدر:75/باب59،ح 21.
5- (5) .المصدر:75/باب59،ح 21.

«أیما مؤمن منع مؤمناً شیئاً ممّا یحتاج إلیه و هو یقدر علیه من عنده أو من عند غیره،أقامه الله یوم القیامة مسودّاً وجهه مزرقة عیناه مغلولة یداه إلی عنقه،فیقال:هذا الخائن الذی خان الله ورسوله،ثُمّ یؤمر به إلی النار». (1)

وتشیر هذه الروایة إلی أنّ الاستطاعة لا تنحصر ذاتیاً،وأنّما تمتد لتشمل إمکانیة قضاء حاجة المؤمن بالاستعانة بالغیر أفراداً أو مؤسسات.

وروی عن الواقدی(العالم الإسلامی):کان لی صدیقان أحدهما هاشمی،فکنّا روحاً واحدة فی ثلاثة أبدان،واحتجت فی أحد الأعوام و قد اقترب یوم العید،فقالت زوجتی:أنا وأنت نصبر علی ذلک،ولکن أبناءنا إذا رأوا أبناء الجیران و قد ارتدوا الثیاب و الحلل الجدیدة وهم فی ثیاب خلقة انکسرت قلوبهم،فاقترض لنا بعض المال نشتری لهم ثیاباً جدیدة للعید.

فکتبت إلی صدیقی الهاشمی رسالة أن یرسل لی مبلغاً من المال،فأرسل صدیقی صرّةً مشدودة وکتب لی أنّ فیها ألف درهم،فلما هممت بفتحها إذا طارق یطرق الباب ویسلّمنی رسالة من صدیقی الآخر یطلب منّی مبلغاً من المال،فأعطیته صرّة الدراهم وانطلقت إلی المسجد حیاءً من زوجتی.فلقیت صدیقی الهاشمی فی المسجد وفی یده الصرّة.

فقال لی:ماذا فعلت بالمال الذی أرسلته إلیک؟

فقصصت علیه الخبر،فقال لی:أتعلم أنّ المال الذی أرسلته إلیک هو کلّ ما کنت أملک،فلما بعثتُ به إلیک کتبت رسالة إلی صدیقنا وأخبرته بحاجتی،ولکنّه لم یکن یملک شیئاً،فکتب إلیک رسالة یطلب منک مالاً،وما فعلته أنّک أرسلت إلیه بصرّة الدراهم هذه،فأرسلها إلی فعادت کما تری إلی صاحبها،والآن مادام الأمر کذلک نقتسم المبلغ ثلاثتنا معاً فکلنا محتاج إلیه.

ص:119


1- (1) .المصدر:7/باب8،ح 83.

فانظر ما تفعل رابطة الصداقة من إیثار ومؤاساة.یقول الإمام علی علیه السلام:«لا یکون الصدیق صدیقاً حتّی یحفظ أخاه فی ثلاث:«فی نکبته،وغیبته،ووفاته». (1)

أی أنّ الصدیق یهب لنجدة صدیقه فی النکبات ویرعی اسرته فی غیاب صدیقه،فإذا توفی کان فی طلیعة من یحضر لأداء حقّ الصداقة و القیام بما علیه الواجب فی مثل هذه المناسبات.

یقول القرآن الکریم یصف المؤمنین: وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ . (2)فتری أحدهم یؤثر أخاه المؤمن بالشیء الذی هو فی أمس الحاجة إلیه،ویجد فی ذلک لذة العمل الصالح،یقول الإمام الصادق علیه السلام:«إنّ الرجل لیسألنی الحاجة فاُبادر بقضائها مخافة أن یستغنی عنها فلا یجد لها موقعاً إذاجاءته». (3)

إنّ التعاون وقضاء حوائج المؤمنین له دور فی تعزیز العلاقات الاجتماعیة،وإضافة إلی ذلک فإنّ لهذا الأدب و الخلق الإسلامی و الإنسانی الرفیع آثار اخرویة کبری،یقول الإمام علی علیه السلام:

«مؤاساة الأخ فی الله عزّ وجلّ تزید فی الرزق». (4)

وروی عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«تقرّبوا إلی الله بمواساة إخوانکم». (5)

وعنه علیه السلام أیضاً:

ص:120


1- (1) .بحار الأنوار:74/باب10،ح 28.
2- (2) .الحشر:9.
3- (3) .بحار الأنوار:74/باب28،ح 22.
4- (4) .المصدر:74/باب28،ح 22.
5- (5) .المصدر:74/باب28،ح 5.

«من قضی لأخیه المؤمن حاجةً قضی الله عزّ وجلّ له یوم القیامة مئة ألف حاجة من ذلک أوّلها الجنة ومن ذلک أن یدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد إلّا یکونوا نصّاباً». (1)

وعنه علیه السلام أیضاً:

«ما قضی مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه الله تبارک وتعالی:علی ثوابک ولا أرضی لک بدون الجنة». (2)

ویصل شأن هذا الأدب الکریم و الخلق الرفیع منزلة العبادة،إذ یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«والله لقضاء حاجة المؤمن خیر من صیام شهر واعتکافه». (3)

یروی أحد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام قائلاً:

«خرجت ذات سنة حاجّاً،فانصرفت إلی أبی عبد الله الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام فقال:من أین أتیت؟فقلت:جعلت فداک کنت حاجّاً.فقال:أوتدری ما للحاجّ من الثواب؟فقلت:ما أدری حتّی تعلمنی،فقال:إنّ العبد إذا طاف بهذا البیت اسبوعاً (4)وصلّی رکعتیه،وسعی بین الصفا و المروة،کتب الله له ستّة آلاف حسنة،وحط عنه ستّة آلاف سیئة ورفع له ستّة آلاف درجة،وقضی له ستّة آلاف حاجة للدنیا کذا وادخر للآخرة کذا،فقلت له:جعلت فداک إنّ هذا لکثیر،فقال:أفلا اخبرک بما هو أکثر من ذلک؟قلت:بلی،فقال علیه السلام:لقضاء حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجّة وحجّة وحجّة حتّی عدّ عشر حجج». (5)

و هذه أمثلة ممّا ورد عن أهل البیت علیهم السلام فی شأن قضاء حوائج المؤمنین ومؤاساتهم.

ص:121


1- (1) .المصدر:74/باب20،ح 90.
2- (2) .المصدر:74/باب20،ح 8.
3- (3) .المصدر:74/باب20،ح 6.
4- (4) .المراد سبع مرّات ولیس سبعة أیام.
5- (5) .بحار الأنوار:74/باب20،ح 4.

الخُلاصة

إنَّ أفراد المجتمع الإسلامی من حیث العلاقات الوطیدة کأعضاء الجسد الواحد; فالتضامن و المؤاساة وقضاء حوائج المؤمنین من آدابهم وأخلاقهم.وفی هذا أجر إلهی کبیر،کما أنّ التقصیر فی ذلک یوجب غضب الله سبحانه وسخطه.

الأسئلة

1.لماذا عدّ النبی صلّی الله علیه و آله الاهتمام بشؤون المسلمین معیاراً لإسلامیة الفرد المسلم؟

2.کیف یصف القرآن علاقة المؤمنین بعضاً ببعض؟اذکر الآیة.

3.اذکر أمثلة من آثار قضاء حوائج المؤمنین،کما ورد فی الأحادیث الشریفة.

4.اذکر حدیث الإمام الصادق علیه السلام بشأن قضاء حاجة المؤمن.

ص:122

الدرس الخامس عشر:إشاعة السرور و الإصلاح بین المؤمنین

اشارة

بینّا فی الدرس الماضی أنّ قضاء حوائج الناس والاهتمام بمشکلاتهم فی طلیعة الآداب التی أکّد علیها الإسلام وحث المؤمنین علی التحلّی بها.وفی هذا الدرس نبین خصلة اخری هی الإصلاح بین المؤمنین وإدخال السرور علی قلوبهم.

سئل نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

أی الأعمال أحبّ إلی الله؟قال صلّی الله علیه و آله:«اتّباع سرور المؤمن.فقیل:یا رسول الله وما اتّباع سرور المؤمن؟قال صلّی الله علیه و آله:«شبعة جوعه وتنفیس کربه وقضاءدینه». (1)

وقال الإمام علی علیه السلام مخاطباً صاحبه کمیل بن زیاد:

«یا کمیل،مر أهلک إنّ یروحوا فی کسب المکارم ویداجّوا فی حاجة من هو نائم،فوالذی وسع سمعه الأصوات،ما من أحد أودع قلباً سروراً إلّا وخلق الله له من ذلک السرور لطفاً،فإذا نزلت به نائبة جری إلیها کالماء فی انحداره حتّی یطردها عنه کما تطرد غریبة الإبل». (2)

وعن الإمام الباقر علیه السلام:

ص:123


1- (1) .المصدر:74/باب20،ح 2.
2- (2) .المصدر:74/باب20،ح 82.

«تبسّم الرجل فی وجه أخیه حسنة،وصرفه القذی عنه حسنة،وما عبد الله بشیء أحبّ إلی الله من إدخال السرور علی المؤمن». (1)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«لا یری أحدکم اذا أدخل علی مؤمن سروراً أنّه علیه أدخله فقط،بل و الله علینا بل و الله علی رسول الله». (2)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من سرّ مؤمناً فقد سرّنی ومن سرّنی فقد سرّ الله». (3)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«أوحی الله عزّ وجلّ إلی داوود علیه السلام:إنّ العبد من عبادی لیأتینی بالحسنة فاُبیحه جنتی،فقال داوود علیه السلام:یا ربّ وما تلک الحسنة؟قال یدخل علی عبدی المؤمن سروراً ولو بتمرة.فقال داوود علیه السلام:حقّ لمن عرفک إلّا یقطع رجاءه منک». (4)

وعن النبی الأکرم صلّی الله علیه و آله:«من أکرم أخاه المسلم بکلمة یلطفه بها،وفرّج عنه کربته لم یزل فی ظلّ الله الممدود علیه الرحمة ما کان فی ذلک». (5)

من مجموع هذه الأحادیث الشریفة نخرج بنتیجة ناصعة وهی أنّ إدخال السرور و البهجة و الفرح علی قلب المسلم جزء لا ینفک من آداب الإسلام وتعالیم الشریعة السمحاء.وتتعدد وسائل إدخال الفرح فی قلوب المسلمین،ربّما یصادف المرء إنساناً جائعاً فیشبعه،أو مکروباً فیکشف عن وجهه الکرب،أو مدیناً فیقضی عنه الدین،بل إنّ مجرّد الابتسامة التی تعبّر عن المحبّة والاحترام تدخل الفرح فی القلوب.

ص:124


1- (1) .المصدر:74/باب20،ح 15.
2- (2) .المصدر:74/باب20،ح 19.
3- (3) .المصدر:74/باب20،ح 14.
4- (4) .بحار الأنوار:14/باب3،ح 5.
5- (5) .المصدر:74/باب20،ح 34.

ویتحوّل هذا الخلق الکریم فی نفس الإنسان إلی حالة من الطمأنینة و الشعور بالسلام،و هذه من هبات الخالق عزّ وجلّ یمنحها عبده الذی یدخل الفرح فی قلوب الناس الطیبین.

إنّنا عندما ندخل الفرحة علی المؤمنین نکون قد أدخلنا الفرح علی أهل البیت علیهم السلام وعلی نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله،فننال رضا الله عزّ وجلّ.

الإصلاح بین المؤمنین

إنّ السعی فی إصلاح ذات البین وإعادة علاقات المحبّة بین المؤمنین من الواجبات الاجتماعیة فی الإسلام.

و قد حذرت الشریعة الإسلامیة من قطع العلاقات الأخویة بین المؤمنین،کما وأشارت الأحادیث الشریفة عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام إلی دور الشیطان فی ذلک،ولذا فإنّ الاستمرار فی القطیعة و الإصرار علیها له عواقب وخیمة فی حیاة الإنسان المسلم.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«أیما مسلمین تهاجرا فمکثا ثلاثاً لا یصطلحان إلاّ کانا خارجین من الإسلام،ولم یکن بینهما ولایة فأیهما سبق إلی کلام أخیه کان السابق إلی الجنّة یوم الحساب». (1)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«لا یفترق رجلان علی الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة و اللعنة،وربّما استحقّ ذلک کلاهما». (2)

وتعتبر أدبیات الإسلام الحالات العدائیة بین المسلمین من عمل الشیطان،یقول القرآن الکریم: إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ . (3)

ص:125


1- (1) .المصدر:75،باب60،ح 5.
2- (2) .المصدر:75،باب60،ح 1.
3- (3) .المائدة:91.

ویوضح الأئمة من أهل البیت علیهم السلام هذا الدور الشیطانی الخبیث،کما نجد فی حدیث الإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ الشیطان یغری بین المؤمنین ما لم یرجع أحدهم عن دینه،فإذا فعلوا ذلک استلقا علی قفاه وتمدد،ثُمّ قال:فزت.فرحم الله امرأَ ألّف بین ولیین لنا،یا معشر المؤمنین تألّفوا وتعاطفوا». (1)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«لا یزال إبلیس فرحاً ما اهتجر المسلمان،فإذا التقیا اصطکّت رکبتاه وتخلعت أوصاله،ونادی یاویله مالقی من الثبور». (2)

إنّ العلاقات بین المؤمنین علاقات أخویة تنهض علی المحبّة و المودّة،و أنّ کلّ ما یسیء إلی هذه العلاقات ویؤدّی إلی قطعها هو عمل شیطانی،ومن هنا یحث القرآن علی الاصلاح وإعادة ما انقطع من روابط الاُخوة.یقول القرآن الکریم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ . (3)ویقول فی موضع آخر: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ . (4)

و قد وعد الله عزّ وجلّ من یقوم بعمل الإصلاح بین الناس بالأجر و الثواب،قال تعالی: لا خَیْرَ فِی کَثِیرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَیْنَ النّاسِ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً . (5)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«ألا اخبرک وأدلک علی صدقة یحبّها الله ورسوله؟تصلح بین الناس إذا تفاسدوا و تباعدوا». (6)

ص:126


1- (1) .بحار الأنوار:75/باب60،ح 6.
2- (2) .المصدر:75/باب60،ح 7.
3- (3) .الحجرات:10.
4- (4) .الأنفال:1.
5- (5) .النساء:114.
6- (6) .کنز العمال:59/3،ح 5488.

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«صدقة یحبّها الله إصلاح بین الناس إذا تفاسدوا،وتقاربٌ بینهم إذا تباعدوا». (1)

وجاء فی وصیة الإمام علی علیه السلام لابنیه الحسن و الحسین علیهم السلام:

«اوصیکما وجمیع ولدی وأهلی ومن بلغه کتابی:بتقوی الله ونظم أمرکم وصلاح ذات بینکم،فإنّی سمعت جدّکما رسول الله صلّی الله علیه و آله یقول:صلاح ذات البین أفضل من عامّة الصلاة و الصیام». (2)

وهکذا نجد لهذا الأدب الإسلامی الرفیع شأناً ومنزلة کبیرة ترتفع به إلی مستوی الصدقة التی یحبّها الله عزّ وجلّ ورسوله صلّی الله علیه و آله،بل إنّ النبی صلّی الله علیه و آله یقول:صلاح ذات البین أفضل من عامّة الصلاة و الصیام. (3)

ونجد فی سیرة أهل البیت علیهم السلام هذا الاهتمام من خلال ما یلی:

1.إنّ الإمام الصادق علیه السلام خصص جزءاً من أمواله للإفادة منه فی مهمّة الإصلاح وفض النزاعات بین المسلمین.

ویقول المفضل-و هو من أصحاب الإمام علیه السلام-:

قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام:«إذا رأیت بین اثنین من شیعتنا منازعة فافتدها من مالی». (4)

یروی أبوحنیفة وکان یعمل سائقاً فی قوافل الحجّ:«مرّ بنا المفضل وأنا وختنی نتشاجر فی میراث،فوقف علینا ساعة،ثُمّ قال لنا:تعالوا إلی المنزل،فأتیناه فأصلح بیننا بأربعمئة درهم فدفعها إلینا من عنده حتّی إذا استوثق کلّ واحد منّا من صاحبه قال:أما أنّها لیست من مالی،ولکنّ أبوعبد الله أمرنی إذا تنازع رجلان من أصحابنا فی شیء أن أصلح بینهما وافتدیهما من ماله،فهذا من مال أبی عبد الله». (5)

ص:127


1- (1) .بحار الأنوار:76/باب101،ح 6.
2- (2) .المصدر:42/باب127،ح 51.
3- (3) .المصدر:24/72.
4- (4) .بحار الأنوار:76/باب101،ح 8.
5- (5) .المصدر:76/باب101،ح 9.

2.نعلم جمیعاً أنّ الکذب من أقبح الخصال ومن أسوأ الذنوب،و قد ندد القرآن الکریم بالکذابین،ولکن عندما یکون وسیلة لإصلاح ما فسد من العلاقات بین المؤمنین،فإنّه یدخل دائرة اخری وفی ذلک یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ المصلح لیس بکذاب» (1)وجاء فی سیرته علیه السلام عن أحد أصحابه قال:قال لی أبو عبد الله علیه السلام:أبلغ عنّی کذا وکذا فی أشیاء أمر بها،قلت:فابلغهم عنک وأقول عنّی ما قلت لی وغیر الذی قلت؟قال:نعم،إنّ المصلح لیس بکذاب،إنّما هو الصلح لیس بکذب». (2)

فالرجل هنا توسل بالکذب ووضع أحادیث علی لسان طرفی النزاع،تؤدّی إلی التفاهم و الإصلاح وعودة العلاقات الأخویة.

و هکذا نجد أنّ الإصلاح بین المؤمنین یشغل أهمّیة کبیرة فی الآداب الإسلامیة.

ص:128


1- (1) .المصدر:ج48/73.
2- (2) .المصدر:76/باب101،ح 12.

الخُلاصة

إدخال السرور فی قلوب الناس من الآداب الاجتماعیة فی الإسلام،ولهذا الخلق الکریم آثاره وثُمّاره الإیجابیة فی الدنیا و الآخرة،کما أنّ الإصلاح بین المؤمنین وإعادة العلاقات الأخویة هو الآخر من الواجبات الاجتماعیة فی الشریعة الإسلامیة،و قد حث علی ذلک نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله و الأئمة الأطهار علیهم السلام،بما یجعل من هذا العمل أهمّیة بالغة فی حیاة الفرد و المجتمع.

الأسئلة

1.ماهو أحبّ الأعمال إلی الله عزّ وجلّ؟اذکر نص الحدیث النبوی الشریف.

2.هل ینحصر إدخال السرور فی قلب المؤمن بالمساعدات المالیة؟بین ذلک.

3.لماذا یصاب الشیطان بالهلع عند الإصلاح بین المؤمنین؟

4.لماذا خصص الإمام الصادق علیه السلام قسماً من أمواله فی مهمّات الإصلاح؟

5.لماذا یجوز الکذب بهدف إعادة العلاقات الأخویة بین المؤمنین؟

ص:129

ص:130

الدرس السادس عشر:إکرام الیتامی ورعایة البائسین

الإسلام هو ینبوع الرحمة و العاطفة الإنسانیة و الحنان،فلا غرو أن نجد دیننا الحنیف یهتّم بالأطفال الیتامی ویحنو علیهم ویسعی فی توفیر الدفء لقلوبهم الصغیرة،ومن هنا نجد القرآن الکریم یحض المؤمنین علی النهوض بهذه المسؤولیة الاجتماعیة و الإنسانیة.

قال عزّ وجلّ یذکر نبیه بنعمة الحنان التی وفرها له بعد أن توفّی و الده: أَ لَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوی (1)ثمّ یوصیه سبحانه قائلاً: فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا تَقْهَرْ . (2)

ولقد ذاق نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله مرارة الیتم إذ فقد و الده و هو ما یزال جنیناً فی بطن امه،ثُمّ فقد و الدته بعد سنوات قلیلة،ولکن الله عزّ وجلّ هیأ له من یؤویه و هو جدّه عبدالمطلب, ثُمّ عمّه أبو طالب،ولهذا فإنّه صلّی الله علیه و آله طالما یؤکّد علی إکرام الیتامی فیقول صلّی الله علیه و آله:«أحبّ البیوت إلی الله تعالی بیت فیه یتیم مکرّم»، (3)ویقول صلّی الله علیه و آله:«کن للیتیم کالأب الرحیم واعلم أنّک تزرع کذلک تحصد». (4)

ص:131


1- (1) .الضحی:6.
2- (2) .الضحی:9.
3- (3) .الجعفریات:167.
4- (4) .بحار الأنوار:77/باب18،ح 23.

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«إنّ فی الجنّة داراً یقال لها:دار الفرح لا یدخلها إلاّ من فرّح یتامی المؤمنین». (1)

وعنه صلّی الله علیه و آله قال:

«من عال ثلاثة من الأیتام کان کمن قام لیله وصام نهاره وغدا وراح شاهراً سیفه فی سبیل الله،وکنت أنا و هو فی الجنّة أخوین،کما أنّ هاتین اختین(وألصق السبابة و الوسطی)». (2)

ولأهمّیة رعایة الأیتام وإکرامهم جعلت الشریعة الإنفاق علیهم من موارد صرف الزکاة،کما أنّ الإنفاق علیهم أیضاً من الطرق التی تقرب الإنسان إلی الله زلفی،قال تعالی: وَ آتَی الْمالَ عَلی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی... . (3)

وقصّة تصدّق أهل البیت علیهم السلام بطعامهم ثلاثة أیام علی التوالی مشهورة حتّی نزل فی حقّهم من القرآن قوله تعالی: وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً* إِنَّما نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزاءً وَ لا شُکُوراً . (4)

إذاً من الواجبات الاجتماعیة فی الإسلام هو تفقد الیتامی و الإنفاق علیهم وتأمین حیاة کریمة لهم،ولا یعنی ذلک الاقتصار علی الجانب المالی؛لأنّ الیتیم لا ینشد ذلک فقط،و إنّما یرنو إلی من یمنحه الشعور بالدفء و الحنان الذی فقده.

و قد نهی القرآن الکریم عن قهر الیتیم،إذ یقول تعالی: فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا تَقْهَرْ کما بین القرآن العاقبة الوخیمة للمجتمع الذی یقهر الیتیم ولا یوفر له الدفء و الحنان: کَلاّ بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ* وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ . (5)

ص:132


1- (1) .کنز العمال:170/3،ح 6008.
2- (2) .سنن ابن ماجه:1213/2،ح 3680.
3- (3) .البقرة:177.
4- (4) .الدهر:9،8.
5- (5) .الفجر:18،17.

ونلاحظ فی الآیة أنّ مسألة الإکرام تتعدی سدّ العوز المالی إلی ما هو أبعد،فقد یوجد یتیم لا یعانی من العوز و الفاقة،لکنّه یبحث عمّن یشعره بالحنان و الدفء.فإکرام الیتیم یعنی احترام شخصیته وإنسانیته و التعامل معه بشکل إیجابی.

أمّا الحض علی إطعام المساکین فقد جاء بعد إکرام الیتامی،والحض الاجتماعی لتوفیر لقمة العیش للمساکین،ربّما یأتی من خلال التناصح بین الأفراد أو من خلال المؤسّسات الاجتماعیة الخیریة التی یرفدها أفراد المجتمع بالدعم المالی و العون الاقتصادی.

إنّ طرد الأیتام وحرمان المساکین الطعام یعنی تکذیباً بالرسالات الإلهیة،قال الله تعالی: أَ رَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ بِالدِّینِ* فَذلِکَ الَّذِی یَدُعُّ الْیَتِیمَ* وَ لا یَحُضُّ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ . (1)

ومن هنا نجد فی الأحادیث الشریفة تأکیداً علی الجانب العاطفی،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من وضع یده علی رأس یتیم ترحماً کان له بکلّ شعرة تمرّ یده علیها حسنة». (2)

ویروی أحد الصحابة أنّ صبیاً جاء النبی صلّی الله علیه و آله ونحن جلوس،فقال:

إنّی یتیم ولی اخت یتیمة و قد ترمّلت امنا, فأطعمنا بما أطعمک الله وأعطنا یعطیک الله حتّی ترضی فقال النبی صلّی الله علیه و آله:ما أحسن ما تکلمت به یا فتی،ثُمّ قال لبلال:انطلق وهات ما عندنا من الطعام.فانطلق بلال وجاء یحمل إحدی وعشرین تمرة،فأعطی النبی صلّی الله علیه و آله التمر للصبی وقال:سبع تمرات لک وسبع لاُختک وسبع لاُمک.وقام الصحابی معاذ بن جبل فمسح علی رأس الصبی،وقال:جبر الله یتمک

ص:133


1- (1) .الماعون:1-3.
2- (2) .کنز العمال:177/3.

وجعلک خلف خیر لأبیک،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:ما أردت بذلک؟فقال معاذ:أردت أن أعطف علیه،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:«لایلی أحد منکم یتیماً فیحسن ولایته ووضع یده علی رأسه إلّا کتب الله له بکلّ شعرة حسنة ومحا عنه بکلّ شعرة سیئة ورفع له بکلّ شعرة درجة».

وجاء عن النبی صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«إنّ الیتیم إذا بکی اهتز له العرش فیقول الربّ تبارک وتعالی:من هذا الذی أبکی عبدی الذی سلبته أبویه فی صغره فبعزتی وجلالی لا یسکته أحد إلاّ أوجبت له الجنّة». (1)

وشکی أحدهم للنبی صلّی الله علیه و آله قسوة قلبه فقال صلّی الله علیه و آله:

«أتحبّ أن یلین قلبک وتدرک حاجتک؟ارحم الیتیم وامسح رأسه واطعمه من طعامک یلن قلبک وتدرک حاجتک».

والآن لنتأمّل فی هذا المنال الأخلاقی الذی جسّده الإمام علی علیه السلام سیرته،یقول التاریخ:رأی الإمام علی علیه السلام-وکان آنذاک خلیفة-امرأة تحمل علی کتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلی موضعها،وسألها عن حالها فقالت:بعث علی بن أبی طالب صاحبی إلی بعض الثغور فقتل هناک وترک علی صبیاناً یتامی ولیس عندی شیء و قد ألجأتنی الحاجة إلی خدمة الناس.فتألم الإمام علیه السلام وانصرف وبات لیلته تلک قلقاً،فلما طلع الصبح حمل زنبیلاً فیه طعام،فقال بعضهم:أعطنی احمله عنک،فقال الإمام علیه السلام:من یحمل وزری عنّی یوم القیامة؟فأتی إلی منزل المرأة وطرق الباب فنادت:من الطارق؟قال:أنا ذلک العبد الذی حمل معک القربة،فافتحی فإنّ معی شیئاً للصبیان،فقالت:رضی الله عنک وحکم بینی وبین علی بن أبی طالب،فدخل وقال:إنّی أحببت اکتساب الثواب،فاختاری بین أن تعجنین وتخبزین وبین أن تعلّلین الصبیان لأخبز أنا،فقالت:أنا بالخبز أبصر وعلیه

ص:134


1- (1) .بحار الأنوار:75/باب31،ح 12.

أقدر،ولکن شأنک و الصبیان،فعللهم حتّی أفرغ من الخبز،فعمدت المرأة إلی الدقیق فعجنته وعمد علی علیه السلام إلی اللحم فطبخه،وجعل یلقم الصبیان من اللحم و التمر وغیره،فکلما ناول الصبیان من ذلک شیئاً قال له:یا بنی اجعل علی بن أبی طالب فی حل فی ما أُمّر من أمرک،فلما اختمر العجین،قالت:یا عبد الله اسجر التنور فبادر لسجره،فلما أشعله ولفح فی وجهه جعل یقول:ذق یا علی هذا جزاء من ضیع الأرامل و الیتامی،فرأته امرأة تعرفه،فقالت لصاحبة الدار:ویحک هذا أمیرالمؤمنین،فبادرت المرأة وهی تقول:واحیائی منک یا أمیرالمؤمنین فقال:بل واحیائی منک یا أمة الله فیما قصرت فی أمرک،ثُمّ انصرف و قد شبع الأطفال أمّا هو فکان یذرف الدموع فی الطریق. (1)

وللبائسین المحرومین حقوق علی الأثریاء و الأغنیاء،و أنّ المجتمع الاسلامی الذی تربط بین أفراده آصرة الاُخوة مجتمع متضامن ومتکافل،فالغنی یأخذ بید الفقیر و الثری یساعد أخاه المحتاج.ومن موارد صرف الزکاة هو تقدیم العون للمساکین و المحرومین،یقول الله عزّ وجلّ فی کتابه الکریم: وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (2)ویقول تبارک وتعالی: وَ الَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ . (3)

ومن خلال هذه الآیات الکریمة نعرف أنّ مساعدة المساکین و المحتاجین وتقدیم العون للبائسین و المحرومین من الواجبات الاجتماعیة فی الإسلام.

وعلینا أن نعلم أنّ ما نقوم به تجاههم لیس تفضلاً و إنّما هو أداء للواجب الإسلامی

ص:135


1- (1) .المصدر:5/41،باب104.
2- (2) .الذاریات:19.
3- (3) .المعارج:25،24.

والشرعی،أنّ الله عزّ وجلّ جعل فی أموال الأغنیاء حقوقاً للفقراء وعلی الأغنیاء أن یؤدوها لهم دون منٍّ،أنّ کلّ من یتصدّق من فضل ماله،ثُمّ یعدّ ذلک منه منّة وفضلاً فقد بطل عمله؛ذلک أنّ الله تبارک وتعالی یقول: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی . (1)

ص:136


1- (1) .البقرة:264.

الخُلاصة

یعدّ إکرام الیتیم وتقدیم العون للمسکین من مصادیق إدخال السرور ومن الآداب الاجتماعیة فی الإسلام.

إنّ إکرام الیتیم وتأمین حاجاته المادیة و العاطفیة واجب اجتماعی یتعین علی المسلمین القیام به.

إنّ ما نقوم به من واجب إزاء الیتامی و المساکین هو جزء من حقوقهم ولا یجوز أن نتبع ذلک بالمنّ وإشعارهم بالتفضل.

الأسئلة

1.اذکر إحدی وصایا نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله بالیتامی.

2.بین بإیجاز حجم الثواب الذی ینتظر من یکرم الیتامی ویرعاهم؟

3.کیف یمکن تأمین حاجات الیتامی؟

4.بماذا وعد الله عزّ وجلّ من یدخل البهجة و الفرح فی قلوب الیتامی؟

5.بین الفرق بین حاجات الیتامی و المساکین.

6.لماذا یبطل المنّ الصدقة؟

ص:137

ص:138

الدرس السابع عشر:عیادة المریض

اشارة

عیادة المرضی من مصادیق إدخال السرور علی قلوب المؤمنین،وهی من آداب الإسلام الاجتماعیة،و أنّ عیادة المرضی من الأصدقاء و الأقرباء و المعارف أمر ضروری فی تعزیز العلاقات بین الأفراد.

فما هی العیادة وما آدابها وکیف ینظر الإسلام إلیها؟

1.العیادة

یعدّ الدین الإسلامی الحنیف العیادة واجباً اجتماعیاً یؤدّیه المسلم تجاه أخیه فی العقیدة،وللمسلم المریض حقّ فی زیارة إخوانه وتفقدهم إیاه.

قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من حقّ المسلم علی المسلم إذا لقیه أن یسلّم علیه،و إذا مرض أن یعوده،و إذا مات أن یشیع جنازته». (1)

ویروی الإمام علی علیه السلام عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«للمسلم علی أخیه ثلاثون حقّاً لا براءة له منها إلّا بالأداء أو العفو...یعود مرضته». (2)

ص:139


1- (1) .مکارم الأخلاق:359.
2- (2) .بحار الأنوار:74/باب15،ح 36.

وسأل المعلّی بن خنیس الإمام الصادق علیه السلام:ما حقّ المسلم علی المسلم؟قال علیه السلام:

«سبع حقوق واجبات ما منهنَّ حقّ إلاّ و هو علیه واجب،إن ضیع منها شیئاً خرج من ولایة الله وطاعته ولم یکن لله فیه من نصیب.قلت له:جعلت فداک وما هی؟قال:یا معلّی إنّی علیک شفیق أخاف أن تضیع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل.قال،قلت له:لا قوة إلاّ بالله.قال علیه السلام:«أیسر حقّ منها إنّ تحبّ له ما تحبّ لنفسک،وتکره له ما تکره لنفسک...،والحقّ السابع:إنّ تبرّ قَسَمه،وتجیب دعوته،وتعود مریضه،وتشهد جنازته،واذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلی قضائها». (1)

وسأل معاویة بن وهب الإمام الصادق علیه السلام:قلت لأبی عبد الله علیه السلام:کیف ینبغی لنا أن نصنع فیما بیننا وبین قومنا وفیما بیننا وبین خلطائنا من الناس؟قال علیه السلام:

«تؤدون الأمانة إلیهم وتقیمون الشهادة لهم وعلیهم،وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم». (2)

إنّ عیادة المریض عمل أخلاقی یدخل الفرحة و السرور و الرضا علی قلب المریض،وسیکون له أثر طیب فی شفائه أو التخفیف من معاناته.

2.التشجیع علی العیادة

یعتبر الإسلام العیادة واجباً اجتماعیاً ینبغی علی المسلم أداؤه،و قد جعل الله عزّ وجلّ لهذا العمل الصالح الثواب و الأجر الجزیل یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إذا عاد المسلم أخاه وزاره قال الله تعالی:«طبت وطاب ممشاک وتبوأت منزلاً فی الجنّة».

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«أیما مؤمن عاد مؤمناً مریضاً فی مرضه حین یصبح شیعه سبعون ألف ملک،فإذا

ص:140


1- (1) .المصدر:74/باب15،ح 40.
2- (2) .الکافی:635/2.

قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتّی یمسی،و إن کان مساء کان له مثل ذلک حتّی یصبح». (1)

وعنه صلّی الله علیه و آله:

«یعیر الله عزّ وجلّ عبداً من عباده یوم القیامة فیقول:عبدی!ما منعک إذا مرضت أن تعودنی فیقول:سبحانک أنت ربّ العباد لا تألم ولا تمرض.فیقول:مرض أخوک المؤمن فلم تعده وعزّتی وجلالی لو عدته لوجدتنی عنده،ثُمّ لتکفلت حوائجک فقضیتها لک وذلک من کرامة عبدی المؤمن وأنا الرحمن الرحیم». (2)

وعن الإمام الباقر علیه السلام:

«کان فیما ناجی به موسی بن عمران ربّه عزّ وجلّ أن قال له:یا ربّ،ما بلغ من عیادة المریض من الأجر؟قال:اُوکّل به ملکاً یعوده فی قبره إلی محشره». (3)

وعن الإمام الصادق علیه السلام:

«من عاد مریضاً فی الله لم یسأل المریض للعائد شیئاً إلّا استجاب الله له». (4)

3.آداب العیادة

للعیادة آداب واُصول ینبغی علینا الالتزام بها:

أ)أن نحمل له هدیة ممّا یدخل البهجة فی قلب المریض أو نحمل له شیئاً هو فی حاجة إلیه.

یقول النبی صلّی الله علیه و آله:

«من أطعم مریضاً شهوته أطعمه الله من ثُمّار الجنّة». (5)

ص:141


1- (1) .المصدر:120/2،ح 6.
2- (2) .بحار الأنوار:7/باب15،ح 75.
3- (3) .المصدر:81/باب4،ح 11.
4- (4) .المصدر:81/باب4،ح 10.
5- (5) .المصدر:81/باب4،ح 32.

وجاء فی کتب الروایات:

إنّ أحدهم مرض وذهب جمع من إخوانه لعیادته،فصادفوا الإمام الصادق علیه السلام فی الطریق فسألهم عن وجهتهم قالوا:نرید أن نعود فلاناً فقال علیه السلام:قفوا،فوقفوا.قال:مع أحدکم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعفة من طیب أو قطعة من عود بخور؟قالوا:ما معنا من هذا شیء.قال علیه السلام:«أما علمتم أنّ المریض یستریح إلی کلّ ما ادخل به علیه؟». (1)

ب)ومن آداب العیادة أن یقلّ المرء المکث عند المریض فلا یثقل علیه.یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«خیر العیادة أخفها» (2)ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:«العیادة قدر فواق ناقة» (3)أی مدّة استراحة الإبل.

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«إنّ من أعظم العواد أجراً عند الله لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس إلاّ أن یکون المریض یحبّ ذلک ویریده». (4)

ج)ومن آداب العیادة أن نسأل المریض عن علّته وندعو له بالشفاء،وأن نصافحه بحرارة ومحبّة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«تمام عیادة المریض أن یضع أحدکم یده علیه ویسأله کیف هو:کیف أصبحت وکیف أمسیت؟وتمام تحیتکم المصافحة». (5)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«عودوا المرضی...وتدعوا للمریض،فتقول:اللّهمّ اشفه بشفائک وداوه بدوائک وعافه من بلائک». (6)

ص:142


1- (1) .المصدر:ج81/باب4،ح 39.
2- (2) .کنز العمال:94/9،ح 25139.
3- (3) .الکافی:118/3.
4- (4) .بحار الأنوار:81/باب4 ح 1.
5- (5) .المصدر:81/باب4،ح 32.
6- (6) .المصدر:81/باب4،ح 32.

د)ومن آداب العیادة فی الإسلام إنّ نشعره بالأمل فنتحدّث معه بوجه طلق ونبث فی روحه القوّة ونعزز معنویاته.قال سیدنا:

«اذا دخلتم علی المریض فنفّسوا له فی الأجل،فإنّ ذلک لا یردّ شیئاً و هو یطیب النفس». (1)

فحتّی لو کانت حالة المریض مأیوساً منها, فالمطلوب منّا عندما نعوده،أن نتحدّث عن شفائه؛لأنّ فی هذا راحة للمریض،فلا نجمع علیه المرض و الحزن و الکآبة.

ه)ومن آداب العیادة التی ینبغی الالتزام بها هی عدم تناول الطعام،فلا ننتظر ذلک من اسرة المریض.و قد روی عن الإمام علی علیه السلام قوله:

«نهی رسول الله صلّی الله علیه و آله إنّ یأکل العائد عند العلیل فیحبط الله أجر عیادته». (2)

فلا یلیق بالانسان المسلم إنّ یتناول الطعام فی حضرة المریض،بل یکون جلّ همّه إدخال السرور و الأمل علی قلبه،والتحدّث إلیه بما یخفف عنه آلام المرض ومعاناته.

ص:143


1- (1) .المصدر:81/باب4،ح 33.
2- (2) .المصدر:81/باب4،ح 41.

الخُلاصة

عیادة المریض من آداب الإسلام الاجتماعیة وهی من مصادیق إدخال السرور علی قلوب المؤمنین،ویعدّ الإسلام العیادة من الحقوق التی ینبغی علی المسلم أداؤها لإخوانه فی حالة المرض،وفی العیادة أجر کبیر وثواب جزیل.

للعیادة آداب واُصول یتوجب علینا الالتزام بها وفی طلیعتها إنّ نحمل إلیه هدیة مناسبة.وأن نُقلّ المکث و الجلوس عنده،وأن نسأله عن حاله وعلّته،وأن ندعو له بالشفاء.

الأسئلة

1.لماذا تعدّ العیادة من مصادیق إدخال السرور؟

2.ماذا نستنتج من کون العیادة من حقوق المؤمنین؟

3.ما هو المراد من عیادة الله؟

4.بین بإیجاز آداب العیادة.

ص:144

الدرس الثامن العاشر:المشارکة فی الأفراح و الأتراح

اشارة

المؤمنون وبحکم العلاقة الأخویة،متضامنون متکافلون،یشترکون فی الأفراح و الأتراح،عندما یجد المرء إلی جانبه من یشارکه همومه وأحزانه،فإنّه یشعر بالدفء ویخف شعوره بالحزن و الأسی.

ولذا فإنّ مشارکة الآخرین أحزانهم وأفراحهم من مصادیق العلاقة الأخویة.

والإنسان بطبعه یحبّ أن یشارکه الناس أفراحه وأتراحه سروره وأحزانه.ومن هنا یتوجب علینا أن نشارک الآخرین فی فرحهم وغمهم.

وفی أدبیات الإسلام نجد مفردات مثل التآخی و التزاور وغیرها،وهی تعبیر عن التبادل فی العاطفة الأخویة و التبادل فی الزیارات،والتساوی بین جمیع الأطراف.

والآن نتطرّق إلی مصادیق المشارکة الأخویة:

1.تلبیة الدعوات

من واجبات الفرد المسلم إزاء إخوانه فی الدین أن یجیب دعوتهم إذا دعوه،فالداعی له حقّ وحقّه إجابته.یقول الإمام الصادق علیه السلام:«من حقّ المسلم أن یجیبه إذا دعاه». (1)

ص:145


1- (1) .المصدر:75/باب89،ح 5.

ومن الجفاء ألّا یلبّی المؤمن دعوة أخیه أو یلبّی الدعوة،ثُمّ لا یتناول الطعام فی بیته.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:«ثلاثة من الجفا...أنّ یدعی الرجل إلی طعام فلا یجیب أو یجیب فلا یأکل». (1)ویقول علیه السلام:أیضاً:«من الحقوق الواجبات للمؤمن علی المؤمن إنّ یجیب دعوته». (2)

إنّ الدعوة إلی الولائم ومجالس الضیافة هی من أکثر الدعوات شیوعاً فی المجتمعات الإسلامیة.ومن الطبیعی إنّ الداعی و هو یستعد ویتهیأ لاستقبال ضیوفه،إذا یشعر بالمرارة اذا لم یلبّ المدعوون دعوته.وصاحب الدعوة یبتهج بحضور إخوانه من الضیوف ویدرک مدی احترامهم له،وهم أیضاً قد أدخلوا السرور علی قلبه بإجابة دعوته،فإجابه الدعوة وتلبیتها واجب علی المدعو وحقّ للداعی،ولذا قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«اُوصی الشاهد من امتی و الغائب إنّ یجیب دعوة المسلم ولو علی خمسة أمیال, فإنّ ذلک من الدین». (3)

ویقول صلّی الله علیه و آله فی حدیث آخر:

«من لم یجب الدعوة فقد عصی الله ورسوله.ویکره إجابة من یشهد ولیمته الأغنیاءُ دون الفقراء». (4)

لقد نظم الإسلام علاقات الأفراد وفق معیار الاُخوة و المساواة،ولذا جعل عدم تلبیة دعوة الأخ المسلم معصیة لله وللرسول؛ولأنّ الهدف من إجابة الدعوة هو تعزیز الآصرة الأخویة،فإنّ حضور ولائم الأغنیاء التی لا یدعی إلیها الفقراء أمر مکروه.

ص:146


1- (1) .المصدر:74/باب11،ح 5.
2- (2) .المصدر:75/باب89،ح 6.
3- (3) .المصدر:75/باب89،ح 7.
4- (4) .المصدر:75/باب89،ح 11.

إنّ ولائم الأغنیاء غالباً ما تقام من أجل التفاخر و التباهی بالمال و الثراء،وفی هذا ما یصطدم مع آداب الإسلام وقیمه الأخلاقیة.

و قد ورد فی التاریخ:إنّ عثُمّان بن حنیف و هو صحابی جلیل کان حاکماً علی مدینة البصرة فی خلافة الإمام علی علیه السلام،و قد دعاه أحد اثریاء المدینة إلی ولیمة ولبّی الحاکم دعوة الرجل الثری،وعندما وصل خبر ذلک إلی الإمام علی علیه السلام بعث إلیه رسالة یؤنبه فیها:

«یا بن حنیف،فقد بلغنی أنّ رجلاً من فِتیة أهل البصرة دعاک إلی مأدبة فأسرعت إلیها تُستطاب لک الألوان وتُنقل إلیک الجفان،وما ظننت أنّک تجیب إلی طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنیهم مدعوّ». (1)

نجد فی هذه الرسالة تطبیقاً لما ورد فی حدیث نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله حول کراهیة حضور الولائم التی لا یدعی إلیها الفقراء.

2.حضور التعازی ومجالس الحداد

من واجبات المؤمنین إزاء بعضهم البعض هو المشارکة فی مجالس التعازی و الحداد علی أرواح الموتی،و قد ورد فی الأحادیث الشریفة ما یؤکّد علی المشارکة فی مراسم التشییع ومواراة الموتی الثری،وتقدیم التعازی لاُسرة الفقید وذویه.

کما أنّ مسائل مثل غسل المیت وتکفینه و الصلاة علیه واجبة کفائیاً فی الفقه الإسلامی.

وفیما یلی طائفة من الأحادیث فی هذا المضمار:

الإمام الباقر علیه السلام:

«من شیع جنازة امرئ مسلم أُعطی یوم القیامة أربع شفاعات،ولم یقل شیئاً إلاّ قال الملک:ولک مثل ذلک». (2)

ص:147


1- (1) .المصدر:33/باب29،ح 686.
2- (2) .المصدر:80/باب7،ح 2.

الإمام الصادق علیه السلام:

«من شیع جنازة مؤمن حتّی یدفن فی قبره وکّل الله عزّ وجل سبعین ألف ملک من المشیعین یشیعونه ویستغفرون له إذا خرج من قبره». (1)

أیضاً:

«من شیع جنازة مؤمن حُطّ عنه خمس وعشرون کبیرة». (2)

أیضاً-مخاطباً أحد أصحابه-:

«یا خیثُمّة اقرأ موالینا السلام وأوصهم بتقوی الله العظیم...وأن یشهد أحیاؤهم جنائز موتاهم». (3)

الإمام الباقر علیه السلام:

«أیما مؤمن غسل مؤمناً فقال إذا قلبه:اللّهمّ هذا بدن عبدک المؤمن و قد أخرجت روحه منه وفرّقت بینهما فعفوک عفوک.غفر الله له ذنوب سنة إلّا الکبائر». (4)

الإمام الصادق علیه السلام:

«من غسل میتاً مؤمناً فأدّی فیه الأمانة غفر له.قیل:وکیف یؤدی فیه الأمانة؟قال:لا یخبر بما یری». (5)

الإمام الحسن السبط علیه السلام:عن جدّه نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«ما من مؤمن یصلّی علی الجنائز إلاّ أوجب الله له الجنة إلاّ أن یکون منافقاً أو عاقّاً». (6)

الإمام الصادق علیه السلام عن النبی صلّی الله علیه و آله:

ص:148


1- (1) .المصدر:81/باب7،ح 1.
2- (2) .المصدر:81/باب7،ح 6.
3- (3) .المصدر:71/باب7،ح 9.
4- (4) .المصدر:81/باب9،ح 5.
5- (5) .المصدر:81/باب8،ح 6.
6- (6) .المصدر:347/78.

«من صلّی علی میت صلّی علیه سبعون ألف ملک،وغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر،فإن قام حتّی یدفن ویحثی علیه التراب کان له بکلّ قدم نقلها قیراطاً من الأجر و القیراط مثل جبل احد». (1)

و هذه الأحادیث فیها المشارکة فی مراسم الغسل و التکفین و التشییع وإقامة الصلاة علی المیت وثواب ذلک کما تفید الأحادیث.

وهناک واجبات اخری علی المؤمنین،وهی فی تقدیم التعازی وحضور مجالس قراءة سورة الحمد فاتحة الکتاب العزیز.

عن النبی صلّی الله علیه و آله قال:

«من عزی مصاباً فله مثل أجره». (2)

وعنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«من عزی أخاه المؤمن من مصیبته کساه الله عزّ وجلّ من حلل الکرامة یوم القیامة». (3)

وعن سیدنا علی علیه السلام قال:

«من عزی الثکلی أظلّه الله فی ظلّ عرشه یوم لا ظلّ إلاّ ظلّه». (4)

کما أنّ فی زیارة قبور الموتی وخاصّة الوالدین ثواب کبیر وأجر وفیر؛لأنّ فی ذلک ما یدخل الفرح علی سکان القبور.

یقول سیدنا علی علیه السلام:

«زوروا موتاکم فإنّهم یفرحون بزیارتکم،ولیطلب الرجل حاجته عند قبر أبیه واُمه بعدما یدعو لهما». (5)

ص:149


1- (1) .المصدر:76/باب6،ح1.
2- (2) .المصدر:82/باب16،ح 49.
3- (3) .المصدر:82/باب16،ح 46.
4- (4) .المصدر:82/باب26،ح 57.
5- (5) .المصدر:10/باب7،ح 1.

وجاء فی سیرة أهل البیت علیهم السلام:

إنّ أحد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام سأل الإمام عن الرجل یزور قبر و الدیه أو صدیقه هل ینفع المیت شیئاً،فقال الإمام علیه السلام:«نعم،إنّ ذلک یدخل علیه،کما یدخل علی أحدکم الهدیة یفرح بها». (1)

وعن أحد أصحاب الإمام علیه السلام قال:قلت لأبی عبد الله علیه السلام نصلّی عن المیت؟قال:«نعم حتّی أنّه لیکون فی ضیق فیوسّع الله علیه ذلک الضیق،ثُمّ یؤتی فیقال له:خفف عنک هذا الضیق بصلاة فلان أخیک». (2)

وعنه علیه السلام أیضاً:

«إنّ المیت لیفرح بالترحم علیه والاستغفار له،کما یفرح الحی بالهدیة تهدی إلیه». (3)

ص:150


1- (1) .المصدر:64/79.
2- (2) .بحار الأنوار:62/79،باب14.
3- (3) .المصدر:82،باب14،ح 1.

الخُلاصة

یجب علی المؤمن تلبیة دعوة أخیه،فمن آداب الإسلام إجابة الدعوة،ومشارکة المؤمنین أفراحهم وأتراحهم.إنّ من واجب المؤمنین إزاء بعضهم البعض حضور مجالس الفرح و المشارکة فی مجالس العزاء وتقدیم التعازی لذوی الفقید واُسرته.

الأسئلة

1.لماذا تعدّ إهمال دعوة المؤمن جفاءً له؟

2.أی الدعوات یکره إجابتها؟استشهد بالحدیث النبوی الشریف.

3.ما هو واجبنا إزاء موتی المؤمنین؟

4.ما هو واجبنا إزاء أهل المصاب؟

5.هل یمکن إدخال السرور علی المؤمن بعد وفاته؟کیف؟

ص:151

ص:152

الدرس التاسع عشر:الضیافة و التزاور

اشارة

من آداب الإسلام الاجتماعیة هی تزاور المؤمنین واستقبال بعضهم البعض،و أنّ من الضروری أخلاقیاً أن یتفقد المؤمن أخاه المؤمن یزوره ویتفقد شؤونه،وفی ذلک ما یعزز بین المؤمنین أواصر الاُخوة و المحبّة والاُلفة.

و إذا تضاءلت ظاهرة التزاور بین المؤمنین ازدادت الفاصلة بین القلوب وتنحسر العلاقة الأخویة.ومن هنا علی المؤمن أن یحافظ علی ارتباطه مع إخوانه بالزیارات فإذا تعذرت الزیارة فعلیه أن یراسله ویبدی له حبّه واعتزازه واهتمامه بشؤونه.

إنّ الإسلام یجعل من علاقة الاُخوة الإسلامیة و المحبّة فی سبیل الله معیاراً للزیارات الأخویة،أی أن تکون زیارة المؤمن لأخیه خالصة لله.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من زار أخاه المؤمن إلی منزله لا حاجة منه إلیه کتب من زوار الله وکان حقیقاً علی الله أن یکرم زائره». (1)

ص:153


1- (1) .المصدر:75/باب81،ح77.

وعنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«من زار أخاه فی بیته،قال الله(عزّ وجلّ)له:أنت ضیفی وزائری،علی قراک،و قد أوجبت لک الجنّة بحبّک إیاه». (1)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«من زار أخاه فی الله قال الله عزّ وجلّ:إیای زرت وثوابک علی ولست أرضی لک ثواباً دون الجنة». (2)

ویروی الإمام الباقر علیه السلام عن آبائه عن جدّه رسول الله صلّی الله علیه و آله:

«حدّثنی جبرئیل علیه السلام:إنّ الله عزّ وجلّ أهبط إلی الأرض ملکاً فأقبل ذلک الملک یمشی حتّی وقع إلی باب علیه رجل یستأذن علی ربّ الدار،فقال له الملک:ما حاجتک إلی ربّ هذه الدار؟قال:أخٌ لی مسلم زرته فی الله تبارک وتعالی.فقال له الملک:ما جاء بک إلاّ ذاک؟قال:ما جاء بی الاّ ذاک.قال:فإنّی رسول الله إلیک و هو یقرؤک السلام ویقول:وجبت لک الجنّة،وقال الملک:إنّ الله عزّ وجلّ یقول:أیما مسلم زار مسلماً فلیس إیاه زار, بل إیای زار وثوابه علیّ الجنة». (3)

ومن هذا الحدیث وغیره نکتشف أنّ زیارة المؤمن فی الله هو زیارة لله عزّ وجلّ.من هنا یجب علینا إنّ نهتمّ بهذا الأدب الإسلامی الرفیع.

ولأنّ التزاور بین المؤمنین یؤدّی إلی تبادل الأحادیث فهو یتضمّن فائدة ثقافیة للجمیع وروحیة تزید من حالة المودّة.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«تزاوروا فإنّ فی زیارتکم إحیاء قلوبکم وذکراً لأحادیثنا،وأحادیثنا تعطِّف

ص:154


1- (1) .المصدر:74/باب21،ح6.
2- (2) .المصدر:74/باب21،ح4.
3- (3) .المصدر:59/باب23،ح39.

بعضکم علی بعض،فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم،و إن ترکتموها ضللتم وهلکتم،فخذوا بها وأنا بنجاتکم زعیم». (1)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«تزاوروا فی بیوتکم،فإنّ ذلک حیاة لأمرنا رحم الله عبداً أحیا أمرنا». (2)

وتتضمّن أحادیث أهل البیت علیهم السلام فی أدب التزاور دعوة لنا بالمبادرة؛لأنّ إشاعة ثقافة التزاور تحتاج إلی مبادرة من المؤمنین،وینبغی أن تکون الزیارة هادفة،أی تنمیة روح الاُلفة.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«الزیارة تنبت المودّة». (3)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«لقاء الإخوان مغنم جسیم و إن قلّوا». (4)

الضیافة

عادة ما یستعد المرء لاستقبال ضیوفه وزوّاره،حیث یعدّ مکان للاستقبال یوفر جوّاً من الصمیمیة والاُلفة،ولأنّ ظاهرة الضیافة تعزز من أواصر الاُخوة بین المؤمنین فقد حثت علیها الأحادیث الشریفة وشجعت،وجعلت للضیافة قیمة أخلاقیة هامّة.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«کلّ بیت لایدخل فیه الضیف لاتدخله الملائکة». (5)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:«لا خیر فیمن لا یضیف». (6)

ص:155


1- (1) .المصدر:74/باب15،ح56.
2- (2) .المصدر:2/باب19،ح6.
3- (3) .المصدر:74/باب21،ح36.
4- (4) .المصدر:74/باب21،ح16.
5- (5) .المصدر:75/باب93،ح14.
6- (6) .المحجة البیضاء:32/3.

و قد نهی صلّی الله علیه و آله عن التکلّف للضیف حتّی لا یؤدّی ذلک إلی بغضه:

«لا تکلفوا للضیف فتبغضوه،فإنّ من أبغض الضیف فقد أبغض الله،ومن أبغض الله فقد أبغضه الله». (1)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله عن الضیف:

«الضیف ینزل برزقه ویرتحل بذنوب أهل البیت علیهم السلام». (2)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«من أتاه الله مالاً فلیصل به القرابة ولیحسن منه الضیافة». (3)

آداب الضیافة

للضیافة آداب واُصول بعضها یتعلّق بسلوک المضیف،والآخر یرتبط بسلوک الضیف وفیما یلی أهمّها:

1.الاهتمام بالمعیار الدینی فی الضیافة وأن یجلس إلی مأدبتک المؤمنون الأتقیاء.قال النبی صلّی الله علیه و آله:

«لا تأکل إلّا طعام تقی ولا یأکل طعامک إلّا تقی». (4)

وقال صلّی الله علیه و آله:

«لا تأکل طعام الفاسقین». (5)

وقال صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«أَضف طعامک وشرابک من تحبّه فی الله». (6)

ص:156


1- (1) .المصدر:31/3.
2- (2) .بحار الأنوار:75/باب93،ح14.
3- (3) .المصدر:74/باب30،ح35.
4- (4) .المصدر:86/74.
5- (5) .المصدر:77/باب4،ح2.
6- (6) .المصدر:75/باب93،ح15.

و قد تعلّمنا فی الدرس الماضی عدم التمیز فی الدعوات بین الأغنیاء و الفقراء،والالتزام بالمعیار الدینی و الأخلاقی فقط.

2.عدم التمیز فی تلبیة الدعوات بین الفقراء و الأغنیاء،والمعیار الوحید هو إنّ یکون الداعی إنساناً مؤمناً وتقیاً.

جاء فی سیرة سیدنا الحسن السبط علیه السلام أنّه اجتاز علی جماعة من الفقراء قد وضعوا علی وجه الأرض کِسَرات من الخبز،کانوا قد التقطوها من الطریق وهم یأکلون منها،فدعوه إلی مشارکتهم فأجابهم إلی ذلک،و هو یقول:«إنّ الله لا یحبُّ المتکبّرین»،ولما فرغ من تناول الطعام دعاهم إلی ضیافته فاطعمهم وکساهم وأغدق علیهم. (1)

کما ینبغی إلاّ نتعلّل من الذهاب وتلبیة الدعوة بسبب بعد المسافة،و قد قرأنا فی الدرس الماضی الحدیث الشریف:

«اُوصی الشاهد من امتی و الغائب إنّ یجیب دعوة المسلم ولو علی خمسة أمیال،فأنّ ذلک من الدین». (2)

3.إنّ من آداب الضیافة ألاّ یفکر الضیف فی تصدّر المجلس،وأن یجلس حیث ینتهی به المجلس وألّا یتسبب حضوره فی إزعاج الضیوف الآخرین فی أماکنهم،ومن الآداب یقضی بأن یسلس قیاده للمضیف فی اختیار مکان الجلوس.

4.علی المُضیف ألاّ یستخدم ضیوفه فی أی عمل،یقول الإمام الصادق علیه السلام:«نهی رسول الله عن إنّ یستخدم الضیف». (3)

5.علی المضیف ألاّ یتکلّف لضیوفه ما لا یطیق وألاّ یشق علی اسرته فی

ص:157


1- (1) .أعیان الشیعة:24/4.
2- (2) .بحار الأنوار:447/72.
3- (3) .المصدر:41/75،ح 49.

الاستعداد للضیوف واستقبالهم،و قد جاء فی سیرة سیدنا علی علیه السلام:إنّ أحدهم دعاه إلی منزله فاشترط علیه الإمام ثلاثة أشیاء قائلاً:

«لا تدخل علی شیئاً من خارج, ولا تدّخر علی شیئاً فی البیت, ولا تجحف بالعیال». (1)

وعندما وافق الرجل لبی الإمام علیه السلام دعوته.

إنّ التکلّف فی الاستعداد لاستقبال الضیوف یتنافی مع العلاقات الأخویة،بل إنّه عندما یکتشف الضیف أنّ مضیفه قد تکلّف له وشقّ علی اسرته ذلک،فإنّه سیشعر بالأسی،و قد یفکر بعدم تکرار الزیارة فی المستقبل،وربّما یفکّر الضیف تفکیراً سلبیاً،و هو أن یرتّب ضیافة أوسع وتحصل حالة من التسابق یؤدّی إلی الإسراف و التنافس،وإلی ظهور فتور فی العلاقات الأخویة الصمیمیة.

6.علی المضیف أن یکون هو البادئ فی تناول الطعام،ثُمّ لایرفع یده حسنة،یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«کان رسول الله صلّی الله علیه و آله إذا أکل مع القوم أوّل من یضع یده مع القوم،وآخر من یرفعها لئن یأکل القوم». (2)

إنّ هذه الخطوة من قبل المضیف تنسجم مع نفسیة الضیف الذی قد یخجل أن یکون هو البادئ.

7.ومن الآداب الاجتماعیة فی هذا المضمار أن یقوم المضیف بمرافقة ضیوفه إلی باب الدار عند انصرافهم،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«إنّ من سنّة الضیف أن یشیع إلی باب الدار».

کما أنّ علی الضیف ألاّ ینصرف حتّی یستأذن مضیفه،وأن یودعه بوجه طلق وملامح باسمة،ویظهر له تقدیره وسعادته بهذه الضیافة.

ص:158


1- (1) .المصدر:91/75،ح4.
2- (2) .بحار الأنوار:75/باب91،ح22.

الخُلاصة

التزاور بین المؤمنین یعزّز من أواصر الاُخوة وعامل فی تنمیة الاُلفة و المحبّة بینهم،ولذا جاء فی الأحادیث الشریفة ما یؤکّد علی التزاور،کما أنّ الضیافة هی الاُخری لها دور کبیر فی ذلک.ومن آداب الإسلام إنّ یدعی المؤمنون و الصالحون ولا یدعی أهل الفسق و الفجور،وألاّ یکون هناک أی تمییز بین الفقراء و الأغنیاء؛لأنّ المعیار الإسلامی فی التکریم هو التقوی.

إنّ علی الضیف أن یدخل مجلس مُضیفه بوجه طلق ویغادر الدار معرباً عن شکره وشعوره بالارتیاح،وعلیه إنّ یجلس حیث ینتهی به المجلس.

علی المضیف ألاّ یستخدم ضیفه فی أی عمل وألاّ یشقّ علی نفسه واُسرته فی الاستعداد للضیافة،وعلیه أن یرافق ضیفه لدی انصرافه إلی باب الدار.

علی المضیف أن یکون هو البادئ فی تناول الطعام وألاّ یرفع یده حتّی ینتهی جمیع ضیوفه ویرفعوا أیدیهم.

الأسئلة

1.ماهی أهمّیة التزاور بین المؤمنین فی ضوء الأحادیث الشریفة؟

2.ماهو معیار التزاور و الهدف من وراء الزیارة فی ضوء الآداب الإسلامیة؟

3.بین قیمة التزاور بین المؤمنین.

4.ما هی أهمّیة الضیافة فی ضوء أحادیث أهل البیت علیهم السلام؟

5.بین بإیجاز آداب الضیافة.

ص:159

ص:160

الدرس العشرون:التحیة و السلام

اشارة

التحیة من تقالید الشعوب والاُمم،إذ یعبر الإنسان عن عواطفه ومشاعره بإلقاء التحیة و المصافحة و الشدّ علی الأیدی.وفی الآداب الإسلامیة یقوم الفرد بإلقاء التحیة قائلاً:«السلام علیکم».

ومفردة«السلام»غنیة فی التعبیر،ثُمّ تأتی المصافحة و المعانقة لتأکید حالة الصفاء و المودّة بین أفراد المجتمع.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:«السلام تحیة لملّتنا و أمان لذمّتنا». (1)

و قد ذکر القرآن هذه التحیة المبارکة فی مناسبات کثیرة،وفیما یلی نشیر إلی بعضها:

1.قوله تعالی: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا عَلی أَنْفُسِکُمْ تَحِیَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَکَةً طَیِّبَةً کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ . (2)

2.قوله تعالی: وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً . (3)وفی هذه الآیة نجد الإنسان المؤمن یتجاوز الخطاب الجاهلی ویرد علیه بالسلام.

ص:161


1- (1) .بحارالأنوار:76/باب97،ح46.
2- (2) .النور:61.
3- (3) .الفرقان:63.

3.عندما قام آذر بتهدید إبراهیم وأمره بالعودة إلی عبادة الأصنام،أجاب إبراهیم أباه: قالَ سَلامٌ عَلَیْکَ سَأَسْتَغْفِرُ لَکَ رَبِّی إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا . (1)

وعندما جاء الملائکة بهیئة الضیوف ودخلوا علی إبراهیم فی منزله حیوه: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ . (2)

4.تضمّنت سورة الصافات تحیات الله عزّ وجلّ لأنبیائه ورسله وجاء فیها: سَلامٌ عَلی نُوحٍ فِی الْعالَمِینَ (3)، سَلامٌ عَلی إِبْراهِیمَ (4)، سَلامٌ عَلی مُوسی وَ هارُونَ (5)، سَلامٌ عَلی إِلْ یاسِینَ . (6)

5.وفی اللحظة التی تعرج فیها روح الإنسان المؤمن تستقبله الملائکة بهذه التحیة المبارکة وتبشر بالمصیر الأخضر: اَلَّذِینَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . (7)

وفی الجنّة یحیی الملائکة الناس الطیبین: سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدّارِ . (8)

کما ویحیی أهل الجنة بعضهم البعض بهذه التحیة: تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ . (9)

ولأهمّیة هذه التحیة ودورها الاجتماعی فی تعزیز العلاقات و الروابط الأخویة جاء فی الأحادیث الشریفة عن النبی صلّی الله علیه و آله وآله الاطهار علیهم السلام ما یؤکّد علیها،و هذه طائفة من الأحادیث:

ص:162


1- (1) .مریم:47.
2- (2) .هود:68.
3- (3) .الصافات:79.
4- (4) .الصافات:109.
5- (5) .الصافات:120.
6- (6) .الصافات:130.
7- (7) .النحل:32.
8- (8) .الرعد:24،23.
9- (9) .یونس:10،إبراهیم:23.

1.قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ فی الجنة غرفاً یری ظاهرها من باطنها،وباطنها من ظاهرها یسکنها من امتی من أطاب الکلام وأطعم الطعام،وأفشی السلام،وصلّی باللیل و الناس نیام». (1)

2.عن الإمام الصادق علیه السلام:

إنّ نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قال:«یا بنی عبدالمطلب أفشوا السلام،وصلوا الأرحام،وتهجدوا و الناس نیام،وأطعموا الطعام،وأطیبوا الکلام تدخلوا الجنّة بسلام». (2)

3.عن النبی صلّی الله علیه و آله قال:

«سلم علی من لقیت یزید الله فی حسناتک وسلّم فی بیتک یزید الله فی برکتک». (3)

4.وقال صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«ألا اخبرکم بخیر أخلاق أهل الدنیا و الآخرة؟قالوا:بلی یا رسول الله.فقال:إفشاء السلام فی العالم». (4)

5.وقال صلّی الله علیه و آله:

«إنّ السلام اسم من أسماء الله تعالی فافشوه بینکم». (5)

6.قال الإمام الصادق علیه السلام:

«من قال:سلام علیکم ورحمة الله،فهی عشرون حسنة». (6)

وعنه علیه السلام أیضاً قال:

«إنّ من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الکلام». (7)

ص:163


1- (1) .بحار الأنوار:8/باب23،ح5.
2- (2) .المصدر:69/باب38،ح74.
3- (3) .المصدر:69/باب38،ح81.
4- (4) .المصدر:76/باب97،ح50.
5- (5) .المصدر:84/باب17،ح30.
6- (6) .المصدر:76/باب97،ح46.
7- (7) .المصدر:76/باب97،ح46.

وعنه علیه السلام أیضاً:

«من التواضع إنّ تسلّم علی من لقیت». (1)

ولأنّ التحیة کلمات طیبة لا تکلّف المرء شیئاً،فإنّ البخل بها یدلّ علی بخل فی الإنسان شدیداً; ولذا جاء عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«أبخل الناس من بَخِلَ بالسلام». (2)

آداب التحیة و السلام

للتحیة و السلام آداب فی الإسلام ینبغی علینا رعایتها:

1.أفضلیة البدء فی إلقاء التحیة؛ولأنّ التحیة من عمل الخیر فإنّ الاستباق فی لقاء السلام أمر محمود قال الله تعالی: فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ . (3)

وجاء فی السیرة النبویة الشریفة:إنّ نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله کان یبادر من یلقاه بالسلام.و قد روی عنه صلّی الله علیه و آله أنّه قال:

«السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدئ وواحدة للرادّ». (4)

2.ینبغی إنّ یکون السلام بصوت واضح ومسموع وأن یکون رد السلام مسموعاً وواضحاً،أیضاً یقول الإمام الصادق علیه السلام فی ذلک:

«إذا سلّم أحدکم فلیجهر بسلامه،لا یقول:سلّمتُ فلم یردّوا علی،ولعلّه یکون قد سلّم ولم یسمعهم،فإذا ردّ أحدکم فلیجهر بردّه،ولا یقول المسلّم:سلّمتُ فلم یردّوا علی». (5)

ص:164


1- (1) .المصدر:75/باب51،ح9.
2- (2) .المصدر:100/باب5،ح26.
3- (3) .المائدة:48.
4- (4) .بحارالأنوار:76/باب97،ح46.
5- (5) .الکافی:465/2،ح7.

3.إنّ أداء التحیة و السلام مشروط فی البدء بالحدیث وبالکلام،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من بدأ بالکلام قبل السلام فلا تجیبوه». (1)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«لا تدع إلی طعامک أحداً حتّی یسلّم» (2)

ویقول سیدنا الحسین علیه السلام:

«لا تأذنوا لأحد حتّی یسلّم» (3)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:«السلام قبل الکلام». (4)

4.إنّ المبادرة بالسلام أمر مطلوب من الجمیع مهما علت منزلتهم،و قد حث نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أتباعه علی ذلک،وجاء فی السیرة الشریفة قوله صلّی الله علیه و آله:

«خمس لا أدعهنّ حتّی الممات...والتسلیم علی الصبیان لتکون سنّة بعدی». (5)

إنّ آداب التحیة فی السلام یحددها النبی صلّی الله علیه و آله فی قوله الشریف:

«السنّة إنّ یسلّم الراکب علی الماشی،وراکب الفرس علی راکب الحمار،والصغیر علی الکبیر،والأقلّ علی الأکثر،والقائم علی القاعد».

5.ومن سنن الإسلام وآدابه فی التحیة أن یأتی الردّ علی التحیة بالمثل أو بأحسن منها قال الله عزّ وجلّ فی کتابه الکریم: وَ إِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللّهَ کانَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ حَسِیباً . (6)

ص:165


1- (1) .بحارالأنوار:76/باب97،ح6.
2- (2) .المصدر:76/باب97،ح6.
3- (3) .المصدر:78/باب20،ح2.
4- (4) .المصدر:93/باب17،ح17.
5- (5) .المصدر:16/باب6،ح37.
6- (6) .النساء:86.

جاء فی سیرة نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:إنّه کان جالساً فی جمع من أصحابه فجاء رجل وسلّم قائلاً:السلام علیک،فردّ النبی صلّی الله علیه و آله تحیته قائلاً:وعلیک السلام ورحمة الله،وجاء رجل آخر فسلم قائلاً:السلام علیک ورحمة الله،فردّ النبی صلّی الله علیه و آله تحیته قائلاً:وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته.

ثُمّ جاء رجل ثالث فسلّم قائلاً:السلام علیک ورحمة الله وبرکاته،فردّ النبی صلّی الله علیه و آله تحیته قائلاً:وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته،والتفت أحد الصحابة إلی أنّ النبی صلّی الله علیه و آله کان یزید فی جواب التحیة للرجلین،أمّا الثالث فرد علیه تحیته بمثلها،فسأل النبی صلّی الله علیه و آله عن علّة ذلک فقال صلّی الله علیه و آله:إنّ الثالث لم یبق من التحیة شیئاً. (1)

من هنا ندرک أنّ تمام التحیة إنّ یقول المرء:السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.

المصافحة و المعانقة

من آداب الإسلام وسننه الاُخری هی المصافحة و المعانقة.

یقول سیدنا علی علیه السلام:

«إذا لقیتم إخوانکم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة و البشر،فتتفرّقوا وما علیکم من الأوزار قد ذهب». (2)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«إذا تلاقیتم فتلاقوا بالتسلیم و التصافح،و إذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار». (3)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله فی أهمّیة التصافح:

«تصافحوا فإنّ التصافح یذهب السخیمة». (4)والسخیمة هی:الحقد و الضغینة.

ص:166


1- (1) .بحار الأنوار:274/81.
2- (2) .بحار الأنوار:76/باب100،ح3.
3- (3) .بحارالأنوار:76/باب97،ح13.
4- (4) .المصدر:77/باب7،ح1.

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«إنّ تمام التحیة للمقیم المصافحة وتمام التسلیم علی المسافر المعانقة». (1)

وجاء فی السیرة النبویة الشریفة:إنّ نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله إذا صافحه أحد یبقی یده فی یده حتّی ینزعها الرجل،وفی هذا تعبیر عن الحبّ و المودّة والاحترام للطرف الآخر.

وجاء فی حدیث للإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ المؤمنین إذا التقیا وتصافحا أدخل الله یده بین أیدیهما،فصافح أشدّهما حبّاً لصاحبه». (2)

ص:167


1- (1) .المصدر:78/باب23،ح108.
2- (2) .المصدر:76/باب100،ح12.

الخُلاصة

التحیة و التسلیم و المصافحة و المعانقة من آداب الإسلام وسننه،وجاء فی الأحادیث الشریفة ما یجیب المرء علی السلام علی التحیة والاستباق فی إلقاء السلام،کما أنّ ردّ التحیة بأحسن منها أو بالمثل أدب یتوجب علی المسلمین الالتزام به،وکما جاء فی سنن الإسلام أنّ السلام قبل الکلام،فالتحیة و التسلیم تسبقان أی حدیث بین المؤمنین.

الأسئلة

1.ماذا نستنتج من مجموع الآیات التی ورد فیها ذکر السلام و التحیة؟

2.ماذا یعنی إفشاء السلام؟

3.اذکر آداب التسلیم التی وردت فی حدیث النبی صلّی الله علیه و آله.

4.کیف نردّ علی التحیة؟

5.اشرح الحدیث النبوی الشریف حول تمام التحیة وتمام التسلیم.

ص:168

الدرس الحادی عشر:حفظ الحُرُمات

اشارة

خلق الله عزّ وجلّ عباده وجعل لهم حقوقاً وحدوداً وحرمات،وأمرهم جمیعاً بالالتزام بها ونهی عن تجاوزهما،فالإنسان له حرماته وحقوقه فی الأمن و الحیاة و الکرامة.

إنّ التزام أفراد المجتمع بهذه المبادئ یوفر لهم الاستقرار و الرفاه و الأمان وفی غیر ذلک تسود المجتمعات الفوضی والاضطراب.

ومجتمع لایری أفراده حرمة للملکیة الشخصیة ولا یری حدّاً للحریات أو حرمة للعفة و الکرامة سوف یتراجع فی مسیرته ویضمحل ویتلاشی وینقرض.

من هنا جعل الله سبحانه لعباده حرمات وحقوق وأرسل انبیاءه یبینون للناس ذلک،وفیما یلی استعراض لثلاثة موارد هامّة فی الحقوق الإنسانیة.

1.الحرمة الفردیة

لکلّ إنسان حیاته الشخصیة الخاصّة فهو یعیش حرّیته الکاملة فی منزله وینعم بحمایة تامّة من تدخل الغیر.

ومن آداب الإسلام وجوب احترام الحیاة الشخصیة للأفراد،وجاء فی القرآن الکریم ما یؤکّد ویحمی الحیاة الفردیة و الملکیة الذاتیة قال تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ* فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِیها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّی یُؤْذَنَ لَکُمْ وَ إِنْ قِیلَ لَکُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْکی لَکُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ . 1

ص:169

ومن آداب الإسلام وجوب احترام الحیاة الشخصیة للأفراد،وجاء فی القرآن الکریم ما یؤکّد ویحمی الحیاة الفردیة و الملکیة الذاتیة قال تبارک وتعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ* فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِیها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّی یُؤْذَنَ لَکُمْ وَ إِنْ قِیلَ لَکُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْکی لَکُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ . (1)

وفی مسألة الاستئذان یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«الاستئذان ثلاثة:أوّلهنّ یسمعون،والثانیة یحذرون،والثالثة إن شاؤوا أذنوا و إن شاؤوا لم یفعلوا فیرجع المستأذن». (2)

وکانت التقالید الجاهلیة تسمح للعرب دخول المنازل،حتّی من غیر أبوابها،فلما ظهر الإسلام جعل لذلک آداباً یتوجب علی المسلم الالتزام بها،یقول القرآن الکریم: وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ . (3)

کما نظم الإسلام العلاقات و الآداب الاجتماعیة داخل المنازل،کما فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِینَ تَضَعُونَ ثِیابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ وَ لا عَلَیْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَیْکُمْ بَعْضُکُمْ عَلی بَعْضٍ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمُ الْآیاتِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ* وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ الْحُلُمَ فَلْیَسْتَأْذِنُوا کَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ . (4)

2.ستر العیوب

لا یوجد إنسان یخلو من عیب،کما لا یوجد إنسان لا یخطئ،و قد جاء فی الأثر

ص:


1- (1) .النور:27-28.
2- (2) .بحار الأنوار:98/76،ح2.
3- (3) .البقرة:189.
4- (4) .النور:59،58.

کلّ ابن آدم خطّاء.ومن الطبیعی أن یسعی المرء فی إخفاء عیوبه،والله سبحانه وتعالی هو ستار العیوب ویحبّ الساترین.

من هنا فإنّ تسقّط العیوب صفة سیئة وعمل حرام،ویعدّ عدواناً علی کرامة الإنسان الآخر.یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من علم من أخیه سیئة فسترها ستر الله علیه یوم القیامة». (1)

وجاء فی السیرة النبویة الشریفة:أنّ أحدهم قال للنبی صلّی الله علیه و آله:أحبّ إنّ یستر الله علی عیوبی،فقال النبی صلّی الله علیه و آله:

«استر عیوب إخوانک ستر الله علیک عیوبک». (2)

وروی عنه صلّی الله علیه و آله قوله:

«من روی علی مؤمن روایة یرید بها شینه وهدم مروءته لیسقط من أعین الناس،أخرجه الله من ولایته إلی ولایة الشیطان فلا یقبله الشیطان». (3)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ أقرب ما یکون العبد إلی الکفر أن یؤاخی الرجل الرجل علی الدین،ویحصی علیه عثراته وزلّاته لیعنفه بها یوماً». (4)

ویقول الإمام علی علیه السلام فی عهده إلی مالک الأشتر:

«ولیکن أبعد رعیتک منک وأشنأهم عندک أطلبهم لمعایب الناس،فإنّ فی الناس عیوباً الوالی أحقّ من سترها فلا تکشفنّ عمّا غاب عنک منها،فإنّما علیک تطهیر ما ظهر لک،والله یحکم علی ما غاب عنک،فاستر العورة ما استطعت یستر الله ما تحبّ ستره من رعیتک». (5)

ص:171


1- (1) .الترغیب و الترهیب:239/3؛مسند أحمد:104/4.
2- (2) .کنزالعمال:129/16،ح44154.
3- (3) .بحارالأنوار:75/باب57،ح40.
4- (4) .المصدر:75/باب65،ح13.
5- (5) .بحار الأنوار:33/باب30،ح744.

3.أداء الأمانة

ومن حقوق المسلم أداء الأمانة،سواء کانت أموالاً أو ودائع أو أسراراً،أنّ أداءالأمانة واجب علی کلّ مسلم،وأی خیانة فی ذلک یعدّ تجاوزاً وعدواناً علی الحقوق الاسلامیة.

وآداب الإسلام تنظر إلی أداء الأمانة باعتباره فی طلیعة صفات المؤمنین،أمّا الخیانة فهی من الکبائر.

یقول القرآن الکریم: وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ . (1)

ویقول فی موضع آخر: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها . (2)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«لا دین لمن لا أمانة له». (3)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:«لیس منّا من خان الأمانة». (4)

و یقول صلّی الله علیه و آله:

«آیة النفاق ثلاث:إذا حدّث کذب،و إذا وعد أخلف،و إذا ائتمن خان». (5)

ویقول الإمام جعفر الصادق علیه السلام:

«لا تنظروا إلی طول رکوع الرجل وسجوده،فإنّ ذلک شیء اعتاده فلو ترکه استوحش لذلک،ولکن انظروا إلی صدق حدیثه وأداء أمانته». (6)

إنّ أداء الأمانة جزء من أخلاق الإنسان وفطرته،بحیث ترقی لتکون جوهر

ص:172


1- (1) .المؤمنون:8.
2- (2) .النساء:58.
3- (3) .کنز العمال:677/3،ح8436.
4- (4) .بحار الأنوار:75/باب58،ح14.
5- (5) .المصدر:72/باب106،ح6.
6- (6) .المصدر:71/باب60،ح10.

الرسالات الإلهیة،یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ الله عزّ وجلّ لم یبعث نبیاً إلاّ بصدق الحدیث وأداء الأمانة إلی البرّوالفاجر». (1)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«أدّوا الأمانة ولو إلی قاتل الحسین بن علی». (2)

وعن الإمام علی علیه السلام قال:

«لا تخن من ائتمنک و إن خانک،ولا تذع سرّه و إن أذاع سرّک». (3)

ولهذا المسلک الأخلاقی و الأدب الإسلامی الرفیع ثُمّاره فی الدنیا وثوابه العظیم فی الآخرة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«الأمانة تجلب الغنی،والخیانة تجلب الفقر». (4)

ویقول الإمام علی علیه السلام فی حدیث مشابه:

«الأمانة تجرّ الرزق،والخیانة تجرّ الفقر». (5)

ویقول علیه السلام:

«إذا قویت الأمانة کثر الصدق». (6)

وعنه علیه السلام أیضاً قال:

«الأمانة تؤدّی إلی الصدق». (7)

ص:173


1- (1) .المصدر:11/باب2،ح21.
2- (2) .المصدر.
3- (3) .المصدر:77/باب8،ح1.
4- (4) .المصدر:75/باب58،ح4.
5- (5) .المصدر:78/باب16،ح138.
6- (6) .غررالحکم:134/3.
7- (7) .المصدر:7/2.

و قد ذکرنا آنفاً أنّ الأمانة لا تنحصر بالمال و الأشیاء الثُمّینة فقط،بل تشمل کلّ الأشیاء الثُمّینة و الزهیدة وکذلک الأسرار،والمسلم مطالب بأداء الأمانة إلی الخائن فلا نخون من خاننا ولا نذیع أسرار من أذاع أسرارنا.

إنّ أداء الأمانة واجب إلهی علی کلّ مسلم ومؤمن.

ص:174

الخُلاصة

لکلّ إنسان حیاته الشخصیة الخاصّة وله حرماته فلا یجوز اختراقها،أنّ له أمواله،وکرامته وأسراره،وعلی الجمیع احترامه وأداء الأمانة إلیه،فلا یجوز دخول منزله الاّ بإذنه،ولا یجوز إذاعة أسراره أو تسقّط عیوبه،ومن یفعل ذلک کان خائناً.

الأسئلة

1.ما المقصود بالحرمات الشخصیة و الذاتیة؟

2.هل یمنع الغرباء فقط من تجاوز الحریم الذاتی؟

3.ما هی الأوقات التی عینتها الآیة الکریمة فی الاستئذان داخل المنازل؟

4.لماذا یعتبر الإسلام تسقّط العیوب عدواناً علی حرمات الناس؟

5.عین الموارد التی تشتمل علیها الأمانة.

ص:175

ص:176

الدرس الثانی والعشرون:الصدیق و الجلیس(1)

اشارة

تعدّ ظاهرة الصداقة من أبرز الظواهر فی الحیاة الاجتماعیة،وغالباً ما ینتخب المرء عدّة أصدقاء أو یعثر علیهم خلال تجربته الحیاتیة،فالصدیق إنسان آخر ینسجم مع النفس وتنجذب إلیه الروح،کما أنّ الحیاة الاجتماعیة تتطلّب وجود أصدقاء یعتمد علیهم المرء إذا ما واجه مشکلة أو مرّ بأزمة،و قد شجعت أدبیات الإسلام علی الصداقة وجعلت لها مکاناً فریداً،یقول سیدنا علی علیه السلام:«من لا صدیق له لا ذخر له» (1)،ویقول علیه السلام:«الأصدقاء نفس واحد فی جسوم متفرقة». (2)و إذا أردنا أن نعرف شخصیة إنسان ما فیمکننا ذلک من خلال معرفة شخصیة صدیقه،یقول سیدنا ونبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«المرء علی دین خلیله فلینظر أحدکم من یخالل». (3)

ویقول صلّی الله علیه و آله:

«اختبروا الناس بأخدانهم, فإنّما یخادن الرجل من یعجبه نحوه». (4)

ص:177


1- (1) .غررالحکم:177/1.
2- (2) .المصدر:123/2.
3- (3) .بحارالأنوار:72/باب14،ح12.
4- (4) .المستدرک:8/باب327/10،ح9568.

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«کلّ امرئ یمیل إلی مثله. (1)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«لا یصحب الأبرار إلاّ نظراءهم ولا یوادّ الأشرار إلاّ أشباههم». (2)

من هنا ندرک أنّه یجب تحرّی الدقّة فی انتخاب الأصدقاء،فما هی مقوّمات الصدیق المطلوب فی ضوء القرآن الکریم و الأحادیث الشریفة؟

1.یعدّ القرآن الکریم المؤمنین بشکل عام أهلاً للصداقة،فالمعیار الأوّل هو الإیمان،یقول عزّ وجلّ: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ . (3)ویقول تبارک وتعالی: وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ . (4)

2.إنّ الکرام من الناس هم الأجدر بعلاقات الصداقة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:«أسعد الناس من خالط کرام الناس». (5)

3.ومن مقوّمات الصدیق أن تذکر رؤیته بالله عزّ وجلّ،وأن یکون منطقه منطق العلم وعمله نابع من التقوی،یقول النبی الأکرم صلّی الله علیه و آله و قد سئل النبی صلّی الله علیه و آله عن ذلک فقال علیه السلام:«من ذکرکم الله رؤیتُهُ وزادکم فی علمِکم منطقُهُ وذکّرکُم الآخرة عملُهُ». (6)

4.یروی الإمام الحسن العسکری علیه السلام عن جدّه الإمام زین العابدین علیه السلام حدیثاً مفصلاً غایة فی الدقّة وزاخراً بکلّ ما یعین المرء علی الرؤیة الصحیحة.

ص:178


1- (1) .غررالحکم:532/4.
2- (2) .المصدر:376/6.
3- (3) .الأنعام:52.
4- (4) .الکهف:28.
5- (5) .بحار الأنوار:1 ب4 ح13.
6- (6) .المستدرک:ج5،ب42،ح6173.

یقول علیه السلام:

«إذا رأیتم الرجل قد حسن سمته وهدیه وتماوت فی منطقه وتخاضع فی حرکاته،فرویداً لا یغرکم فما أکثر من یعجزه تناول الدنیا ورکوب الحرام منها لضعف بنیته ومهانته وجبن قلبه،فنصب الدین فخاً لها فهو لا یزال یختل الناس بظاهره،فإن تمکن من حرام امتحنه.و إذا وجدتموه یعفّ عن المال الحرام،فرویداً لا یغرکم فإنّ شهوات الخلق مختلفة فما أکثر من ینبو عن المال الحرام و إن کثر،ویحمل نفسه علی شوهاء قبیحة فیأتی منها محرماً.فإذا وجدتموه یعفّ عن ذلک فرویداً لا یغرکم حتّی تنظروا ما عقدة عقله فما أکثر من ترک ذلک أجمع،ثُمّ لا یرجع إلی عقل متین فیکون ما یفسده بجهله أکثر ممّا یصلحه بعقله.فإذا وجدتم عقله متیناً،فرویداً لا یغرکم حتّی تنظروا أمع هواه یکون علی عقله أو یکون مع عقله علی هواه،فکیف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فیها،فإنّ فی الناس من خسر الدنیا و الآخرة،یترک الدنیا للدنیا ویری إنّ لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال و النعم المباحة المحلّلة فیترک ذلک أجمع طلباً للرئاسة حتّی وَ إِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ . (1)فهو یخبط خبط عشواء یقوده أوّل باطل إلی أبعد غایات الخسارة،ویمدّه ربّه بعد طلبه لما لا یقدر علیه فی طغیانه،فهو یحلّ ما حرّم الله ویحرّم ما أحلّ الله لا یبالی بما فات من دینه إذا سَلِمت رئاسته التی قد شقی من أجلها فاُولئک الذین غضب الله علیهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً مهیناً.

ولکن الرجل کلّ الرجل نعم الرجل الذی جعل هواه تبعاً لأمرالله وقواه مبذولة فی رضا الله،یری الذلّ مع الحقّ أقرب إلی عِزّ الأبد مع العز فی الباطل،ویعلم أنّ قلیل ما یحتمله من ضرّائهایؤدّیه إلی دوام النعم فی دار لا تبید ولا تنفد،و أنّ کثیر ما یلحقه من سرّائها إن اتبع هواه یؤدّیه إلی عذاب لا انقطاع له ولا یزول،فذلکم الرجل نِعم الرجل،فبه

ص:179


1- (1) .البقرة:206.

فتمسّکواوبسنته فاقتدوا وإلی ربّکم به فتوسّلوا،وإنّه لا تُردّ له دعوة ولا تخیب له طلبة». (1)

إنّ المعیار الأساس الذی یضعه الإمام زین العابدین علیه السلام فی الشخصیة الإنسانیة المنشودة هی فی تبعیة الهوی لشریعة الله عزّ وجلّ،بحیث تراه ناشطاً فی کلّ ما یرضی الله تبارک وتعالی هو یرجح الذلّ-إذا کان مع الحقّ-علی العز مع الباطل،وتراه فی أخلاقه صبراً علی کلّ شیء.أنّ الإمام السجّاد یطلب منّا ألاّ ننخدع بالمظاهر البرّاقة لبعض الناس.

5.یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«سائلوا العلماء وخالطوا الحکماء وجالسوا الفقراء». (2)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«صاحب الحکماء وجالس العلماء،واعرض عن الدنیا تسکن جنة المأوی». (3)

ویقول أیضاً:

«أکثر الصواب و الصلاح فی صحبة اولی النهی و الألباب». (4)

6.یحدد الإمام الحسن المجتبی علیه السلام شروطاً فی اتّخاذ الأصدقاء،فیقول لأحد أصحابه:

«اصحب من إذا صحبته زانک و إذا خدمته صانک و إذا أردت منه معونة أعانک،و إن قلت صدق قولک و إن صُلت شدَّ صولتک،و إن مددت یدک بفضل مدّها،و إن بدت عنک ثلمة سدّها،و إن رأی منک حسنة عدّها،و إن سألته أعطاک،و إن سکتّ عنه ابتدأک،و إن نزلت إحدی الملمّات به ساءک». (5)

ص:180


1- (1) .بحارالأنوار:2/باب14،ح10.
2- (2) .المصدر:1/باب3،ح5.
3- (3) .غررالحکم:205/4.
4- (4) .المصدر:429.
5- (5) .بحارالأنوار:44/باب22،ح69.

7.ویحدد الإمام محمد الباقر علیه السلام شروطاً للصداقة قائلاً:

«اتّبع من یبکیک و هو لک ناصح،ولا تتبع من یضحکک و هو لک غاش وسَتُردّون علی الله جمیعاً فتعلمون». (1)

ویقول الإمام جعفر الصادق علیه السلام:

«أحبّ إخوانی إلی من أهدی عیوبی إلی». (2)

ص:181


1- (1) .المصدر:75/باب48،ح31.
2- (2) .المصدر:74/باب19،ح4.

الخُلاصة

نظراً لأهمّیة الصدیق ودوره فی سلوک المرء وأخلاقه،فقد جاء فی الروایات ما یشجع علی اتّخاذ الأصدقاء وفق شروط أساسیة فی طلیعتها الإیمان و التقوی

الأسئلة

1.ما هو المعیار الأساسی فی انتخاب الصدیق المنشود؟

2.ما هی الشروط و المقوّمات الأساسیة التی ینبغی توفرها فی الأصدقاء؟

ص:182

الدرس الثالث و العشرون:الصدیق و الجلیس(2)

اشارة

تعلّمنا فی الدرس السابق أنّ علی المرء أن یتحرّی الدقّة فی انتخاب الأصدقاء و الجلساء،لما فی ذلک من أثر فی سلوکه وحیاته.

وکذا فإنّ علینا أن ننتخب الصدیق الذی له تأثیر إیجابی وبنّاء فی حیاتنا،وفی هذا الدرس سنتعرّف علی مواصفات الأشخاص الذین ینبغی إنّ نحذرهم ولا نتخذهم أصدقاء أو جلساء.

یجب أن نعرف أنّنا لسنا أحراراً فی المخالطة،ولسنا أحراراً فی أن نتکلّم ما نشاء،یقول الإمام زین العابدین علیه السلام:

«لیس لک إنّ تَقْعد مع من شئت؛لأنّ الله تبارک وتعالی یقول: وَ إِذا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیاتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ وَ إِمّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْری مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ . (1)ولیس لک إنّ تتکلّم بما شئت؛لأنّ الله عزّ وجل قال: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ . (2)ولأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله قال:«رحم الله عبداً قال:خیراً فغنم أو صمت فسلم».ولیس لک إنّ

ص:183


1- (1) .الأنعام:68.
2- (2) .الإسراء:36.

تسمع ما شئت؛لأنّ الله عزّ وجل یقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً . (1)

وتصل تأثیرات الصدیق الفاسق حدوداً خطیرة تؤدّی بالإنسان إلی الدمار وإلی العذاب الإلهی.

یروی سلیمان الجعفری:سمعت أبا الحسن الإمام الرضا علیه السلام یقول لأبی:

مالی رأیتک عند عبد الرحمن بن یعقوب؟فقال:إنّه خالی،فقال:انه یقول فی الله قولاً عظیماً:یصف الله ولا یوصف،فإمّا جلست معه وترکتنا،و إمّا جلست معنا وترکته.فقلت:هو یقول ما شاء،أی شیء علی منه إذا لم أقل ما یقول؟!فقال أبو الحسن علیه السلام:«أما تخاف أنّ تنزل به نقمة فتصیبکم جمیعاً؟أما علمت بالذی کان من أصحاب موسی علیه السلام وکان أبوه من أصحاب فرعون،فلما لحقت خیل فرعون موسی علیه السلام،تخلّف عنهم لیعظ أباه فیلحقه بموسی علیه السلام،فمضی أبوه و هو یراغمه حتّی بلغا طرفاً من البحر فغرقا جمیعاً،فاُتی موسی الخبر فسأل جبرئیل عن حاله،فقال له:غرق رحمه الله ولم یکن علی رأی أبیه،لکن النقمة إذا نزلت لم یکن لها عمّن قارب المذنب دفاع». (2)

والآن من هم الأشخاص الذین ینبغی ألاّ نجالسهم ونخالطهم؟إنّ الآیات الکریمة والاحادیث الشریفة تلقی الضوء الکاشف ویمکن تقسیمهم إلی خمسة فِرق:

الفریق الأوّل:الأشخاص الذین یسخرون من الدین یقول الله عزّ وجلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَکُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ الْکُفّارَ أَوْلِیاءَ (3)،فهؤلاء لا یجوز لنا أنّ نتخذهم أصدقاء أبداً؛ذلک أنّهم یدوسون علی أوّل شروط الصداقة و هو الاحترام المتبادل.

ص:184


1- (1) .الإسراء:36.
2- (2) .بحارالأنوار:74/باب14،ح39.
3- (3) .المائدة:57.

الفریق الثانی:الأشخاص الذین لا یتورعون من التجاوز علی حرمة النبی صلّی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام،و قد ورد فی السیرة النبویة الشریفة أن عقبة بن أبی معیط" کان یکثر من مجالسة النبی صلّی الله علیه و آله،فدعاه إلی ضیافته فأبی أن یأکل من طعامه حتّی ینطق بالشهادتین،ففعل،فعاتبه صدیقه ابن أبی خلف قائلاً له:صبأت؟!فقال:لا و الله،ولکن أبی أن یأکل من طعامی و هو فی بیتی فاستحییت منه فشهدت له،فقال(الصدیق):لا أرضی منک إلاّ أن تأتیه فتطأ قفاه وتبزق فی وجهه،فوجده ساجداً فی دار الندوة ففعل،فقال له النبی صلّی الله علیه و آله:لا ألقاک خارج مکّة إلاّ علوت رأسک بالسیف فأُسر یوم بدر فأمر علیاً فقتله.و قد نزل فی ذلک قوله تعالی: وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً* یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً . (1)

وسیکون مصیر عقبة وأمثاله هذا المصیر یوم القیامة بسبب ما جنوا علی أنفسهم من اتّخاذهم أصدقاء سوء.

ولنا إنّ نتصوّر هذا المشهد فی یوم القیامة عندما یقوم أحدهم یعض إصبع الندامة؛لأنّه اتّخذ فلاناً خلیلاً فخدعه وأضله وانحرف به عن طریق الحقّ و الکمال.

یقول الإمام الصادق علیه السلام محذراً من أهل النصب و العداء لأهل البیت علیهم السلام:

«إذا ابتلیت بأهل النصب ومجالستهم فکن کأنّک علی الرّضف حتّی تقوم،فإنّ الله یمقتهم ویلعنهم،فإذا رأیتهم یخوضون فی ذکر إمام من الأئمة فقم فإن سخط الله ینزل هناک علیهم». (2)

وعنه علیه السلام أیضاً:

«من قعد عند سبّاب لأولیاء الله فقد عصی الله». (3)

ص:185


1- (1) .الفرقان:27-29.
2- (2) .بحارالأنوار:74/باب14،ح5.
3- (3) .المصدر:74/باب14،ح5.

وعنه علیه السلام أیضاً:

«من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر فلا یقعدنّ فی مجلس یعاب فیه إمام أو ینتقص فیه مؤمن». (1)

الفریق الثالث:الذین تحرم مجالستهم ومخالطتهم،وهم أهل البدع،والذین یبثون الشکوک فی اسس الدین واُصوله،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إذا رأیتم أهل الریب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم وأکثروا من سبّهم و القول فیهم و الوقیعة وباهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام ویحذرهم الناس ولا یتعلمون من بدعهم،یکتب الله لکم بذلک الحسنات ویرفع لکم به الدرجات فی الآخرة». (2)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصیروا عند الناس کواحد منهم». (3)

قال رسول الله صلّی الله علیه و آله:المرء علی دین خلیله وقرینه». (4)

الفریق الرابع:هم الأشرار و الفسّاق وأهل المعاصی و الفجور،یقول سیدناعلی علیه السلام:

«لا ینبغی للمرء المسلم أن یؤاخی الفاجر،فإنّه یزین له فعله،ویحبّ أن یکون مثله ولا یعینه علی أمر دنیاه ولا أمر معاده ومدخله إلیه ومخرجه من عنده شین علیه». (5)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«لا ینبغی للمرء المسلم أن یؤاخی الفاجر ولا الأحمق ولا الکذاب». (6)

ص:186


1- (1) .المصدر:74/باب14،ح48.
2- (2) .المصدر:74/باب14،ح41
3- (3) .الکافی:642/2.
4- (4) .بحارالأنوار:74/باب14،ح40.
5- (5) .الکافی:640/2،ح2.
6- (6) .المصدر:ح 3.

ویقول علیه السلام:

«لا ینبغی للمؤمن أن یجلس مجلساً یعصی الله فیه ولا یقدر علی تغییره». (1)

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«مجالسة الأشرار تورث سوء الظنّ بالأخیار،ومجالسة الأخیار تلحق الأشرار بالأخیار،ومجالسة الأبرار للفجار تلحق الأبرار بالفجّار،فمن اشتبه علیکم أمره ولم تعرفوا دینه فانظروا إلی خلطائه،فإن کانوا أهل دین الله فهو علی دین الله،و إن کانوا علی غیر دین الله فلا حظ له من دین الله.إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله کان یقول:من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر فلا یؤاخینَّ کافراً ولا یخالطنّ فاجراً،ومن آخی کافراً أو خالط فاجراً کان کافراً فاجراً». (2)

ویقول الإمام علیه السلام أیضاً:

«إیاک ومصاحبة الفسّاق،فإنّ الشرّ بالشرّملحق». (3)

الفریق الخامس:الأشخاص الذین ینبغی اجتنابهم فی المجالسة و المخالطة،وهم أهل اللهو و المجون و الحمقی و الکذابین،یقول الإمام علی علیه السلام:

«ینبغی للمسلم أن یجتنب مؤاخاة ثلاثة:الماجن،والأحمق،والکذاب». (4)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«قال أبی علی بن الحسین علیه السلام:یا بنی انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم من طریق.فقلت:یا أبی من هم؟عرّفنیهم.قال:إیاک ومصاحبة الکذاب فإنّه بمنزلة السراب یقرّب لک البعید ویبعّد لک القریب،وإیاک ومصاحبة الفاسق فإنّه بایعک بأکلة أو أقلّ من ذلک،وإیاک ومصاحبة البخیل فإنّه یخذلک فی ماله أحوج ما تکون إلیه،وإیاک ومصاحبة الأحمق

ص:187


1- (1) .بحارالأنوار:74/باب14،ح38.
2- (2) .المصدر:74/باب14،ح31.
3- (3) .بحارالأنوار:33/باب29،ح707.
4- (4) .بحارالأنوار:74/باب14،ح43.

فإنّه یرید أن ینفعک فیضرک،وإیاک ومصاحبة القاطع لرَحِمهِ فإنّی وجدته ملعوناً فی کتاب الله فی ثلاثة مواضع». (1)

ثُمّ تلا الإمام الآیات الکریمة من سورة محمّد:(23،22)وسورة الرعد:(25)وسورة البقرة:(27). (2)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«أربعة یذهبن ضیاعاً:مودّة تمنحها من لا وفاء له...». (3)

ویقول الإمام الباقر علیه السلام:

«لا تقارن ولا تؤاخ أربعة:الأحمق و البخیل و الجبان و الکذاب.أمّا الأحمق فانّه یرید أن ینفعک فیضرّک،و أمّا البخیل فإنّه یأخذ منک ولا یعطیک،و أمّا الجبان فإنّه یهرب عنک وعن و الدیه،و أمّا الکذّاب فإنّه یصدُقُ ولا یصدّق». (4)

ص:188


1- (1) .المصدر:74/باب14،ح29.
2- (2) .راجع:ا لدرس الرابع.
3- (3) .بحارالأنوار:2/باب13،ح210.
4- (4) .بحارالأنوار:74/باب14،ح8.

الخُلاصة

إنّ أدبیات الإسلام توصی المؤمنین بعدم مجالسة الفسّاق و الکذابین و الحمقی،وکذا أهل التشکیک فی الدین و العقیدة الإسلامیة.

الأسئلة

1.لماذا لا یمکن مدّ جسور الصداقة مع الجمیع دون استثناء؟

2.ما هی عواقب مجالسة أصحاب العقائد الفاسدة؟

3.ما هی العبرة من قصّة عقبة بن أبی معیط؟

ص:189

ص:190

الدرس الرابع و العشرون:الغیبة(1)

اشارة

بینا فی الدرس السادس أنّ النظام الاجتماعی فی الإسلام ینهض علی منظومة من الاُصول و المعاییر الأخلاقیة،کما ذکرنا أنّ الاُصول الأخلاقیة هی مجموع الصفات و الخصال الحسنة التی تعدّ من شروط السلوک و الأدب الاجتماعی للفرد المسلم.و قد درسنا طائفة من تلک الصفات وهی:التواضع،الإنصاف،البشاشة،الوفاء بالعهد و...

وإلی جانب هذه من الصفات الإیجابیة توجد صفات وخصال سلبیة تسیء إلی العلاقات الاجتماعیة وتلحق بها أکبر الأضرار،ولذا فإنّ اجتنابها یعدّ هو الآخر جزءاً من شروط الآداب الاجتماعیة فی العقیدة الإسلامیة.

ومن هنا فإنّ الابتعاد عن هذه الصفات واجب شرعی.

وفی ابتعاد المسلمین عن هذه الصفات و الخصال یعزز من العلاقات الاجتماعیة ویرسی فی المجتمع المسلم حالة من الصفاء و النقاء والانسجام.

وسنتناول فی هذا الدرس أهمّ وأبرز هذه الطائفة من الصفات السلبیة وهی الغیبة.

ص:191

البحث الأوّل:تعریف الغیبة

الغیبة ذکر الغائب بما یکرهه،فعندما نتعرّض إلی عیوب إنسان ما فی غیابه یعنی أنّنا نغتابه،والعیوب التی نعددها قد تکون أخلاقیة أو دینیة و قد تکون جسمیة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«الغیبة ذکرک أخاک بما یکرهه.قیل له:أرأیت إن کان فی أخی ما أقول؟قال:إن کان فیه ما تقول فقد اغتبته و إن لم یکن فیه فقد بهته». (1)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«الغیبة أن تقول فی أخیک ما ستره الله علیه». (2)

فالغیبة أن تذکر أخاک وتعدد عیوبه التی سترها الله عن الناس،و هذا ما یدخل فی قلبه الألم.

یقول الإمام الکاظم علیه السلام:

«من ذکر رجلاً من خلفه بما هو فیه ممّا عرفه الناس لم یغتبه،ومن ذکره من خلفه بما هو فیه ممّا لا یعرفه الناس اغتابه،ومن ذکره بما لیس فیه فقد بَهَته». (3)

والبهتان أسوأ من الغیبة؛لأنّه ذکر لعیوب لا وجود لها فی ذلک الإنسان.

والغیبة تتحقّق بوجود هدف تسقیط الإنسان أمام الآخرین،أمّا عندما نذکر عیوب إنسان ما أمام طبیب نفسانی بهدف معالجته فلیس ذلک من الغیبة،کما أنّ ذکر عیوب الکفّار من أعداء الإسلام لا یعدّ غیبة کذلک،ولا یعدّ من الغیبة إنّ نذکر مساوئ إنسان لا یعرفه الحاضرون،کما لا یعدّ منها أیضاً ذکر مساوئ من یعلن بها،مثلاً عندما نقول:إنّ فلاناً یشرب الخمر و الناس یعرفون ذلک عنه؛لأنّه یتناول الخمرة فی العلن.

ص:192


1- (1) .بحارالأنوار:222/72.
2- (2) .المصدر:75/باب66،ح7.
3- (3) .بحارالأنوار:75/باب66،ح6.

البحث الثانی:حرمة الغیبة

إنّ الآیات القرآنیة الکریمة و الروایات الواردة من أهل البیت علیهم السلام تصوّر بوضوح بشاعة الغیبة،وعندما نقرأ الآیة الکریمة فی قوله تعالی: وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ . (1)

إنّ ممارسة الغیبة من البشاعة ما عبر عنها القرآن الکریم بهذا المشهد الفظیع،و هو أن یأکل الإنسان لحم أخیه میتاً.

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«کلّ المسلم علی المسلم حرام دمه وماله وعرضه». (2)

فالغیبة مساس بکرامة الإنسان المؤمن وانتهاک لحرمته،وکما أنّ القتل جریمة بشعة؛لأنّه عدوان علی حیاة الإنسان،فکذلک الغیبة عدوان علی کرامته وسمعته.

ولذا هی جریمة بشعة وذنب کبیر.ومن هنا یجب علی المسلم إذا ما سمع إنساناً یغتاب مؤمناً إنّ یهب لنصرة ذلک الغائب و الدفاع عن کرامته،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«من أذلّ عنده مؤمن و هو یقدر علی أن ینتصر له فلم ینصره أذلّه الله یوم القیامة علی رؤوس الخلائق». (3)

أمّا من یدافع عن حرمة أخیه المؤمن أمام المغتابین فله الأجر الکبیر،یقول سیدنا ونبینا صلّی الله علیه و آله:

«من ردّ عن عرض أخیه بالغیب،کان حقّاً علی الله أن یردّ عن عرضه

ص:193


1- (1) .الحجرات:12.
2- (2) .کنزالعمال:150/1،ح747.
3- (3) .بحارالأنوار:75/باب66،ح1.

یوم القیامة». (1)

ویقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«من ذبّ عن عرض أخیه بالغیب کان حقّاً علی الله أن یعتقه من النار». (2)

ولبشاعة الغیبة عبر عنها القرآن الکریم بمشهد بشع فرید ولم یستخدم مثله مع أی من المعاصی و الذنوب الاُخری.

و قد جاء فی الحدیث النبوی الشریف:

«من أکل لحم أخیه فی الدنیا قرّب إلیه یوم القیامة فیقال:کله میتاً کما أکلته حیاً فیأکله ویکلح ویضجّ». (3)

ویقول صلّی الله علیه و آله فی حدیث الإسراء و المعراج:

«مررت لیلة اسری بی علی قوم یخمشون وجوههم بأظافیرهم فقلت:یا جبرئیل من هؤلاء؟قال:هؤلاء الذین یغتابون الناس ویقعون فی أعراضهم». (4)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«إیاکم و الغیبة،فإنّ الغیبة أشدّ من الزنا،أنّ الرجل قد یزنی فیتوب،فیتوب الله علیه،و أنّ صاحب الغیبة لا یغفر له حتّی یغفر له صاحبه». (5)

ویقول النبی الأکرم صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الدرهم یصیبه الرجل من الربا أعظم عند الله فی الخطیئة من ستّ وثلاثین زنیة یزنیها الرجل،و إن أربی الربا عرض الرجل المسلم». (6)

والغیبة من مصادیق إشاعة الفحشاء فی المجتمع،و قد جاء فی القرآن الکریم: إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ . (7)

ص:194


1- (1) .بحارالأنوار:226/72،باب66.
2- (2) .المحجة البیضاء:261/5.
3- (3) .فتح الباری:392/10.
4- (4) .بحارالأنوار:75/باب66،ح1.
5- (5) .المصدر.
6- (6) .المصدر:75/باب61،ح1.
7- (7) .النور:19.

کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«من قال فی مؤمن ما رأته عیناه وسمعته إذناه فهو من الذین قال الله عزّ وجلّ فیهم: إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ . (1)

ومعنی الحدیث:إنّ رأی فی أخیه ما لم یره الناس وسمع منه ما لم یسمعه الناس،ثُمّ نشره و هذا معنی الغیبة،وإشاعة الفحشاء و الغیبة طعام کلاب النار،یقول سیدنا علی علیه السلام:

«اجتنب الغیبة فإنّها إدام کلاب النار». (2)

ومرّ الإمام الحسین علیه السلام برجل یغتاب فقال له:

«یا هذا کف عن الغیبة فإنّها إدام کلاب النار». (3)

وعن الإمام زین العابدین علی بن الحسین علیه السلام قال:

«إیاک و الغیبة فإنّها إدام کلاب النار،واعلم أنّ من أکثرَ من ذکر عیوب الناس شهد علیه الإکثار أنّه إنّما یطلبها بقدر ما فیه». (4)

و هذا الحدیث الشریف یکشف عن حالة نفسیة فی نفوس المغتابین و المصابین بهذا المرض،و هو شعورهم بالنقص ووجود العیوب فی شخصیاتهم فهم یحاولون إشاعتها بین الناس وتبریر وجودها فیهم،ومن هنا ورد عن سیدنا علی علیه السلام قوله:

«ذوو العیوب یحبّون إشاعة معایب الناس لیتسّع لهم العذر فی معائبهم». (5)

والغیبة تعمل عمل النار فهی تأکل الحسنات یقول الصادق علیه السلام:

«الغیبة حرام علی کلّ مسلم وأنّها لتأکل الحسنات،کما تأکل النار الحطب». (6)

ص:195


1- (1) .بحار الأنوار:75/باب66،ح2.
2- (2) .المصدر:ح 13.
3- (3) .المصدر:78/باب20،ح2.
4- (4) .بحارالأنوار:75/باب66،ح8.
5- (5) .غررالحکم:38/4.
6- (6) .کشف الریبة:9.

و هو مرض سرطانی خطیر یقضی علی کیان المغتاب وشخصیته،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«الغیبة أسرع فی دین الرجل المسلم من الآکلة فی جوفه». (1)

وعنه صلّی الله علیه و آله قال:

«یؤتی بأحد یوم القیامة یوقف بین یدی الله ویدفع إلیه کتابه فلا یری حسناته،فیقول:إلهی لیس هذا کتابی،فإنّی لا أری فیها طاعتی؟!فیقال له:إنّ ربّک لا یضلّ ولا ینسی،ذهب عملک باغتیاب الناس،ثُمّ یؤتی بآخر ویدفع إلیه کتابه فیری فیها طاعات کثیرة.فیقول:إلهی ما هذا کتابی!فإنّی ما عملت هذه الطاعات.فیقال له:لأنّ فلاناً اغتابک فدفعت حسناته إلیک». (2)

و قد جاء فی الحکایات أنّ لأحدهم قیل له:إنّ فلاناً اغتابک فابتسم وأمر بإرسال طبق من الحلوی إلیه،وأن یقال له:هذه الحلوی جزاء ما أرسلت إلینا من الحسنات!

ص:196


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب66 ح1.
2- (2) .المصدر:75/باب66،ح53.

الخُلاصة

الغیبة ذکر عیوب الناس فی غیابهم.والإسلام یعدّ الغیبة عدواناً علی کرامة الإنسان المسلم وانتهاک لحرمته،ومصداقاً لإشاعة الفحشاء فی المجتمع الإسلامی،والغیبة من الذنوب الکبیرة کالربا و الزنا و الکذب وغیرها.

الأسئلة

1.عرّف الغیبة.

2.اذکر شرطین من شروط الغیبة.

3.کیف صوّر القرآن الغیبة،ولماذا؟

4.لماذا أوجب النبی صلّی الله علیه و آله الدفاع عن کرامة المؤمن؟

ص:197

ص:198

الدرس الخامس و العشرون:الغیبة(2)

البحث الثالث:بواعث الغیبة

عرفنا بشاعة الغیبة وقبحها وأنّها من کبائر الذنوب و المعاصی،وعرفنا أیضاً آثارها الهدّامة فی الحیاة الاجتماعیة،وعواقبها علی الإنسان المصاب بها فی الآخرة.

وفی هذا الدرس نتناول بواعث الغیبة،ونکتشف الوسائل فی اجتنابها والاحتراز منها.

لقد حدد علماء الأخلاق مجموعة من الأسباب فی هذه الظاهرة المرضیة الخطیرة:

1.دفع العذاب الوجدانی:یسعی البعض من الناس إلی الکشف عن عیوب الآخرین فی صفاتهم وأفعالهم فی معالجة خاطئة لما یشعر به من العذاب الوجدانی،بسبب ممارساته الخاطئة وعیوبه وصفاته الذاتیة.

فالمغتاب إنسان یعانی من تأنیب الضمیر،ولکنّه بدل معالجة نفسه وإصلاحها یتّجه إلی التنقیب و البحث وتسقط عیوب غیره،و هو یفعل هذا حتّی یوحی إلی نفسه بأنّه لیس الوحید الذی یعانی من العیوب،ولیس الوحید فی ممارساته الخاطئة فهناک الکثیرون ممّن یشارکونه فی ذلک!

ص:199

إنّ المغتاب إنسان مصاب بمرض أخلاقی و هو یضیف إلی عیوبه عیباً آخر،وإلی ذنوبه ذنباً کبیراً غیرها.

2.التباهی:یقوم البعض ومن أجل إظهار فضله ومنزلته بتحقیر الآخرین و الحط من شأنهم ومنزلتهم،فالمغتاب فی هذه الحالة یحاول التباهی بنفسه وأنّه ذوشأن فهو لا یرتکب ما ارتکبه الآخرون،وعادة ما یخفق هذا الإنسان المریض؛لأنّ الناس لا ینظرون إلیه نظرتهم إلی إنسان یتمتّع بالکمال،بل إلی إنسان یتباهی بنفسه فقط.

3.السخریة والاستهزاء:إنّ کثیراً من مجالس الغیبة تهدف إلی السخریة من الناس والاستهزاء بهم،وسوف نتعرّض إلی هذه الظاهرة فی الدرس السابع و العشرین.

4.الحسد:الحسد من بواعث الغیبة،فعندما یشعر أحدهم بالنقص وبضعف فی شخصیته،فإنّه ومع الأسف لا یهب إلی استکمال نواقصه وتعزیز شخصیته،و إنّما یدفعه شعوره بالحقارة إلی حسد الآخرین وبالتالی إلی تسقط عیوبهم و البحث عن نواقصهم واستغابتهم بهدف الحط من شأنهم بین الناس.

5.مجاراة الآخرین:یتجاذب الناس فی المحافل و المجالس أطراف الحدیث،بعضهم یثنی علی فلان ویصف أعمال فلان،وبعض یذکر عیوب إنسان ما،ولکی یجد المرء نفسه منسجماً مع الجمیع،فإنّه یجاری جلساءه فیذکر عیوباً یعرفها عن بعض الناس،و هو یتصوّر أنّ المطلوب منه ذلک و إذا لم یفعل فإنّ أهل المجلس سوف ینبذونه ولا یعیرونه اهتماماً،غافلاً عن أنّ مجاراة الآخرین فی الأحادیث مباحة إلی حدود ارتکاب الحرام،والغیبة من الکبائر ولا یجوز للمسلم أن یجاری الناس فی أحادیث الغیبة.

وجاء فی القرآن الکریم أنّ أهل الجنّة یتساءلون ویسألون أهل النار عن أعمالهم التی جرّتهم إلی هذا المصیر.

ص:200

قال الله عزّ وجلّ: فِی جَنّاتٍ یَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِینَ* ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ* وَ لَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ* وَ کُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ . (1)

6.إبطال المفعول:عندما یشعر المرء باحتمال قیام أحدهم بذکر سوءاته لدی شخص أو أشخاص،فإنّه ومن أجل إبطال مفعول کلامه و التشویش علی حدیثه ومعلوماته،فإنّه یقوم باغتیابه أمام السامعین.

7.التظاهر بالدهشة:یقوم بعضهم بإظهار دهشته من فلان قائلاً:إنّه لم یکن یتصوّر أنّه سوف یرتکب هذه المعصیة أو تلک،ومن الواضح أنّه یرید الحط من شأن ذلک الإنسان للسببین التالیین:

أوّلاً:إنّه یستطیع عدم ذکر اسم ذلک الإنسان.

ثانیاً:لو أنّه مندهش من ارتکاب الذنب لما قام هو بارتکاب الغیبة،وهی من الکبائر.

8.التظاهر بالألم:و هو طریقة مشابهة للسابقة،حیث یقوم المغتاب بالتظاهر بالألم لحال فلان؛لأنّه ارتکب ما ارتکب من الذنوب.

فالمغتاب هنا یرید من وراء ذلک الحطّ من شأن ذلک الإنسان وفضحه وإظهار نفسه کإنسان فاضل.

البحث الرابع:موارد جواز الغیبة

بالرغم من أنّ الغیبة من الکبائر غیر أنّه توجد موارد تخرج عن دائرة الغیبة،وهی:

المورد الأوّل:التظلم،یستطیع المرء إذا تعرّض للظلّم أن یتظلّم ویشتکی بهدف رفع الظلم،و هذا لا یحصل إلاّ بذکر أفعال من ظلمه،قال تعالی: لا یُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَ کانَ اللّهُ سَمِیعاً عَلِیماً . (2)

ص:201


1- (1) .المدثر:40-45.
2- (2) .النساء:148.

الله سبحانه وتعالی لا یحبّ الجهر بالسوء،أمّا إذا تعرّض الإنسان إلی ظلم فإنّ قیمة العدالة أعلی من غیبة الظالم حتّی لو کان مسلماً،وفی هذا إجراء ردعی للظالم فلا معنی للحرمة هنا فی استغابته.

المورد الثانی:الإرشاد و المشورة،فی موارد الاستشارة وطلب الإرشاد یسوغ للمرء إنّ یذکر بعض العیوب،فمثلاً عندما یروم أحدهم الزواج فإنّ التحقیق فی شخصیة الطرفین الرجل و المرأة أمر جائز،ذلک أنّ مصلحة المجتمع أهمّ من مصلحة الفرد،وعندما تتعارض المصلحتان تسقط من الاعتبار مصلحة الفرد.

المورد الثالث:التحذیر،عندما یقوم فرد أو مجموعة من الأفراد بانتهاک الذوق الأخلاقی للمجتمع،ویکون فی ترکهم فساد للمجتمع،فإنّ التعرّض لهم وبیان فسادهم وعیوبهم أمر واجب،ولا یعدّ ذلک من الغیبة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

أ ترغبون عن ذکر الفاجر حتّی لا یعرفه الناس؟!اذکروه بما فیه یحذره الناس». (1)

المورد الرابع:الحؤول دون وقوع المنکرات،من أجل الحفاظ علی النظام الأخلاقی للمجتمع ومکافحة المنکرات،والفساد الاجتماعی یجوز بل یجب علی الفرد المسلم إحاطة المراجع القانونیة و المسؤولیة بارتکاب عمل منکر ما وفی هذا ما یساعد علی تطهیر الجوّ الاجتماعی من الفساد.

المورد الخامس:الجرح و التعدیل،فی موارد مثل نقل الحدیث وروایته،وکذا مسألة الشهود فی المحاکم القضائیة وغیرها حیث العدالة و الحقّ هی الهدف المنشود کلّ ذلک یستلزم التأکّد من أمانة الرواة و الشهود وبیان خصائصهم النفسیة و الأخلاقیة،وفی هذا مسوغ قانونی وشرعی ولا مجال للغیبة فیه أبداً.

المورد السادس:الشهرة،یشتهر بعض الأفراد بلقب ما بحیث لایعرفه الکثیر إلاّ به،

ص:202


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب66،ح1.

فقد یرد اسم فلان،ولکن أحداً لا یعرفه إلاّ إذا قلت:الأعور،أو الأعرج،فبالرغم من أنّ إطلاق هذه الألقاب فی بدئها کان حراماً علی من أطلقها؛لأنّه من باب التنابز بالألقاب،ولکن عندما تصبح ألقاباً یعرفون بها ولا یعرفون بغیرها حینئذٍ یجوز لمن أراد أن یعرّفهم أن یذکرهم بهذه الألقاب ولا یعدّ ذلک غیبة.

المورد السابع:أهل البدع،أنّ فضح أهل البدع من الذین یریدون إغواء الناس وحرفهم عن الطریق المستقیم واجب شرعی کلّ مسلم،ولا یعدّ هذا العمل من الغیبة.أنّ أصحاب البدعة یهدفون إلی هدم الدین،والسماح لهم أو السکوت عنهم حرام.

المورد الثامن:المعلن بالفسق،المعلنون بالفسق و الفجور فریق آخر یجوز اغتیابهم؛ذلک أنّهم لا یخفون أعمالهم القبیحة فلا غیبة لهؤلاء الأفراد; یقول نبینامحمّد صلّی الله علیه و آله:

«ثلاثة لیس لهم غیبة:الإمام الجائر،والفاسق المعلن بفسقه،والمبدع الّذی یدعو الناس إلی بدعته». (1)

وعنه صلّی الله علیه و آله قال:

«إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة ولا غیبة». (2)

البحث الخامس:الاستماع للغیبه

إنّ اغتیاب الناس عمل قبیح جدّاً،و قد تحدّثنا عن ذلک مفصلاً،وهناک عمل لا یقلّ قبحاً عن الاغتیاب و هو الاستماع للغیبة و الإصغاء للمغتابین،یقول نبینامحمّد صلّی الله علیه و آله:

«السامع للغیبة أحد المغتابین». (3)

ص:203


1- (1) .الدر المنثور:97/6.
2- (2) .المصدر:75/باب57،ح33.
3- (3) .المصدر:75/باب66،ح1.

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«الغیبة کفر و المستمع لها و الراضی بها مشرک». (1)

و قد حثت الشریعة الإسلامیة علی ردّ الغیبة و الدفاع عن حرمة المؤمن فی المجالس إذا أقدم أحدهم علی اغتیاب مؤمن ما.

و قد جاء عن النبی صلّی الله علیه و آله قوله:

«من ردّ عن أخیه غیبة سمعها فی مجلس ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ فی الدنیا و الآخرة». (2)

إنّ الدفاع عن حرمة المؤمنین وردّ الغیبة أمر تشجع علیه الشریعة الإسلامیة.

وفی حالة عدم تمکّن الفرد من ذلک،فالواجب علیه إنّ یغادر المجلس وحتّی لا یکون مستمعاً لها فیکون شریکاً فی الذنب.

ص:204


1- (1) .المستدرک:9/باب136،ح10462.
2- (2) .بحارالأنوار:76/ب67،ح30.

الخُلاصة

إنّ بواعث الغیبة الأساسیة لدی المغتابین هی:التباهی،السخریة من آخرین،مجاراة المتحدثین،الحطّ من شأن الناس ومحاولة دفع عذاب الضمیر و الوجدان.

أنّ طلب المشوره و الإرشاد،والتحذیر ومکافحة المنکرات وکلّ ما من شأنه دفع الفساد الاجتماعی لا یعد غیبة؛لأنّ مصالح المجتمع مقدمة علی مصالح الفرد.

الاستماع إلی الغیبة حرام و هو عمل قبیح لا یقلّ فی قبحه عن الاغتیاب نفسه.

الأسئلة

1.اشرح باختصار بعض بواعث الغیبة.

2.لماذا تجوز الغیبة فی حالة وقوع الظلم وطلب الانصاف؟

3.لماذا یجب فضح أهل البدع والانحراف عن الدین؟

ص:205

ص:206

الدرس السادس و العشرون:البهتان وسوء الظنّ

اشارة

البهتان:واحدة من الصفات الذمیمة فی العلاقات الاجتماعیة; و قد تعلّمنا فی الدرس الماضی أنّ الغیبة هی ذکر عیوب الآخرین وفضحهم بین الناس،والاتهام أو البهتان هی ذکر عیوب لا وجود لها وإلصاقها بالناس.من هنا ندرک أنّ البهتان أکثر إثمّاً من الغیبة،و أنّ من یفعل ذلک مع إخوانه المؤمنین یکون أشدّ عذاباً یوم القیامة.

یقول القرآن الکریم: وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً . (1)

ویقول نبینامحمّد صلّی الله علیه و آله:

«من بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فیه ما لیس فیه أقامه الله تعالی یوم القیامة علی تلّ من نار حتّی یخرج ممّا قاله فیه». (2)

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث الإیمان من قلبه،کما ینماث الملح فی الماء». (3)

ص:207


1- (1) .النساء:112.
2- (2) .بحارالأنوار:75/باب62،ح5.
3- (3) .المصدر:ح 19.

إنّ الایمان یتناقض مع هذه الحالة السلوکیة فی الإنسان،ومن کان مؤمناً حقّاً،فإنّه لایتّهم أخاه ولا یبهته.

ویأتی الاتهام علی مستویات ثلاثة،هی:

الأوّل:إطلاق الاتهام دون التأکّد من حقیقة الأمر.

الثانی:إطلاق الاتهام مع الیقین بعدم وجود أساس له.

الثالث:أن یتّهم المرء الآخرین بعیوبه هو.

وبالرغم من أن جمیع هذه المستویات تشترک فی القبح،ولکن من الواضح وجود فوارق فی شدّة القبح.

والاتّهام یعنی انتهاک حرمة المؤمن و التجاوز علی کرامته الشخصیة،و قد کفلت الشریعة للمسلم الإحساس بالأمن الذاتی.

إنّ الإحساس بالأمن الذاتی یوفر فرصة التکامل لجمیع أفراد المجتمع،وعندما تشیع ظاهرة البهتان بین الأفراد،فإنّ فرص التکامل الاجتماعی سوف تتضاءل ویتراجع المجتمع أخلاقیاً.

وفی الوقت الذی تمنع الشریعة الإسلامیة الاتهّام وتشدّد النکیر علی البهتان،فإنّها تحث المسلم علی التأبی بنفسه عن مواضع الشبهة والاتّهام،و قد جاء عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«أولی الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة». (1)

ویقول سیدنا علی علیه السلام:

«من وقف موقف التهمة فلا یلومنّ إلاّ نفسه». (2)

ص:208


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب46،ح3.
2- (2) .المصدر:91/72.

وجاء عن الإمام الصادق علیه السلام:

«قال أبی:یا بنی من یصحب صاحب السوء لا یسلَم،ومن یدخل مداخل السوء یتّهم،ومن لا یملک لسانه یندم». (1)

سوء الظنّ

من الصفات الذمیمة فی العلاقات الاجتماعیة«سوء الظنّ»وهی النظرة السلبیة التی ینظرها المرء إلی الآخرین،فیظنّ فیهم ما لیس فیهم،وسوء الظنّ صفة مذمومة،وإضافة إلی کونه معصیة،فإنّه منشأ لمعاصی اخری.

قال الله عزّ وجلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً . (2)

والآیة الکریمة تشیر إلی أنّ بعض الظنون لا أساس لها،و هذا الظنّ الذی لایطابق الحقیقة إثم.وسوء الظنّ صفة ذمیمة؛لأنّها تؤدّی إلی الغیبة; ذلک أنّ المبتلی بسوء الظنّ یندفع إلی التجسس و التحقیق فی ما ذهبت إلیه الظنون ومن وسائل التجسس الغیبة؛لأنّ الحصول علی المعلومات المطلوبة ستکون عن طریق الاستفسار و السؤال من هذا وذاک یعنی هذا تسقّط العیوب وذکر المؤمن بما یکره،کما أنّ أدبیات الإسلام فی مقابل سوء الظنّ تقول ب-«أصالة الصحّة»یعنی أنّ الأصل فی العلاقات الاجتماعیة حسن الظنّ بالآخرین،و قد ورد فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام ما یؤکّد هذا الموضوع, یقول الإمام علی علیه السلام:

«ضع أمر أخیک علی أحسنه حتّی یأتیک ما یغلبک منه،ولا تظنّنَّ بکلمة خرجت من أخیک سوءاً وأنت تجد لها فی الخیر محملاً». (3)

ص:209


1- (1) .المصدر:75/باب46،ح1.
2- (2) .الحجرات:12.
3- (3) .بحارالأنوار:74/باب13،ح7.

نتائج سوء الظنّ ضمّن أحادیث أهل البیت علیهم السلام إشارات إلی النتائج الحاصلة عن سوء الظنّ:

1.قال الإمام علی علیه السلام:

«من لم یحسن ظنّه استوحش من کلّ أحد». (1)

یعنی أنّ المرء المصاب بسوء الظنّ سوف یخفق فی إقامة علاقات طبیعیة مع الناس؛لأنّ الإنسان عندما یظنّ سوءاً بالآخرین فلن یستطیع أن یمدّ ید الصداقة والاُخوة،وسوف یظلّ وحیداً تتنازعه الوساوس و الأوهام.

2.قال الإمام علی علیه السلام:

«سوء الظنّ یفسد الاُمور ویبعث علی الشرور». (2)

أنّ الثقة المتبادلة وحسن الظنّ من عوامل النجاح فی الشؤون الاجتماعیة؛لأنّ غیاب الثقة وشیوع سوء الظنّ بین الأفراد سیفشل المشاریع الاجتماعیة.

3.یشیر الإمام علی علیه السلام أیضاً إلی أنّ سوء الظنّ سوف یقضی علی حالة الصفاء و السلام بین الأصدقاء یقول علیه السلام:

«من غلب علیه سوء الظنّ لم یترک بینه وبین خلیله صلحاً». (3)

4.إنّ سوء الظنّ له آثار سیئة علی عبادة الإنسان یقول علیه السلام فی هذا المضمار:

«إیاک إنّ تسیء الظنّ،فإنّ سوء الظنّ یفسد العبادة ویعظِّم الوزر». (4)

ویقول أیضاً:

«لا إیمان مع سوء الظنّ». (5)

ص:210


1- (1) .غررالحکم:442/5.
2- (2) .غررالحکم:132/4.
3- (3) .المصدر:406/5.
4- (4) .المصدر:308/2.
5- (5) .المصدر:362/6.

وفی مقابل هذه الأحادیث نجد أحادیث اخری تشید بحسن الظنّ وتشجع علیه،یقول الإمام علی علیه السلام:

«حسن الظنّ من أحسن الشیم وأفضل القِسَم». (1)

وعنه علیه السلام أیضا:

«حسن الظنّ راحة القلب وسلامة الدین». (2)

یعنی أنّ الحالة النفسیة للإنسان الذی یحسن الظنّ بإخوانه ستکون طیبة،وسیکون المرء معافی من الأمراض الروحیة،ویقول علیه السلام أیضاً:

«حسن الظنّ یخفّف الهم وینجی من تقلّد الإثمّ». (3)

ویقول علیه السلام أیضاً:

«من حسن ظنّه بالناس حاز منهم المحبّة». (4)

و هذا الحدیث الشریف یشیر إلی أنّ حسن الظنّ سیترک لدی الناس آثاراً طیبة تعود علی الإنسان بالمحبّة و الخیر.

وحسن الظنّ من ثُمّار الإیمان الحسن وسلامة النفسیة،یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«حسن الظنّ أصله من حسن إیمان المرء وسلامة صدره». (5)

وجاء فی الأثر عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«احسنوا ظنونکم بإخوانکم تغتنموا بها صفاء القلب ونقاء الطبع». (6)

إنّ سلامة الصدر وصفاء القلب ونقاء الطبع کلّها مفردات تعکس السلامة

ص:211


1- (1) .غررالحکم:386/3.
2- (2) .المصدر:384/3.
3- (3) .المصدر:385/3.
4- (4) .المصدر:379/5.
5- (5) .بحارالأنوار:75/باب72،ح12.
6- (6) .المصدر.

النفسیة و الروحیة،من هنا نعرف أنّ حسن الظنّ یزید فی قوّة العلاقات الودّیة بین أفراد المجتمع بعکس سوء الظنّ الذی یؤدّی إلی تفاقم الأحقاد و الضغائن بین الأفراد.

وممّا سبق نعرف أنّ حسن الظنّ هو الأصل و المعیار فی العلاقات الاجتماعیة،وبالرغم من ذلک فإنّ لحسن الظنّ شروط وحدود التی إذا خرج عن حدوده لیس صفة حمیدة،و قد جاء فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام ما یرسم هذه الحدود وبشکل عام یعدّ الظلم و العدالة و الفساد و الصلاح المعیار الأساس فی ذلک

1.قال الإمام علی علیه السلام:

«إذا استولی الصلاح علی الزمان وأهله،ثُمّ أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر منه حوبة فقد ظَلَم،و إذا استولی الفساد علی الزمان وأهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر». (1)

2.الإمام الکاظم علیه السلام:

«إذا کان الجور أغلب من الحقّ لم یحلّ لأحد إنّ یظنّ بأحد خیراً حتّی یعرف ذلک منه». (2)

3.الإمام علی الهادی علیه السلام:

«إذا کان زمانٌ،العدل فیه أغلب من الجور،فحرام أن یظنّ بأحد سوءاً حتّی یعلم ذلک منه،و إذا کان زمانٌ الجور أغلب فیه من العدل،فلیس لأحد أن یظنّ بأحد خیراً مالم یعلم ذلک منه». (3)

ومن مجموع هذه الأحادیث الشریفة نعلم أنّ انتشار الظلم و الفساد یعطل حسن

ص:212


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب72،ح18.
2- (2) .المصدر:10/باب16،ح11.
3- (3) .بحارالأنوار:75/باب62،ح17.

الظنّ،و أنّ سیادة الصلاح و العدل فی المجتمع یشجع علی حسن الظنّ،ولیس من حقّ المسلم إنّ یسیء الظنّ بأخیه المسلم فی مثل هذه الظروف،وهناک شرط هو أنّ حسن الظنّ لا یصحّ إذا عرف المرء شخصاً ما بالغش و الخیانة،ولذا جاء عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«لیس لک أن تأتمن من غشک ولا تتّهم من ائتمنت». (1)

ص:213


1- (1) .المصدر:75/باب62،ح17.

الخُلاصة

البهتان:هو إلصاق العیوب بإنسان ما هو بریء منها،والبهتان من کبائر الذنوب و المعاصی فی الشریعة الإسلامیة.

إنّ الأصل فی العلاقات الاجتماعیة هو حسن الظنّ،و إنّ سوء الظنّ صفة ذمیمة.

إنّ حسن الظنّ یزید فی المحبّة بین أفراد المجتمع بعکس سوء الظنّ الذی یوتر العلاقات الاجتماعیة.

إنّ المعیار فی سوء الظنّ،وحسن الظنّ, هو الوضع الاجتماعی،فإذا کان العدلُ و الصلاحُ فیه سائداً فلا یجوز للمسلم أن یسیء الظنّ بالناس و العکس بالعکس.

الأسئلة

1.ما هو البهتان فی ضوء مادرست من الآیات و الروایات؟

2.عدد مستویات البهتان.

3.ما معنی«أصالة الصحّة»؟

4.اشرح باختصار الآثار الناجمة عن سوء الظنّ.

5.هل من الواجب دائماً أن یحسن المرء الظنّ بالآخرین؟

ص:214

الدرس السابع و العشرون:النمیمة و السخریة

اشارة

النمیمة مرض أخلاقی وصفة قبیحة تلحق أضراراً بالعلاقات الاجتماعیة بین أفراد المجتمع, ومن جملة الآثار السیئة للنمیمة هو التشاؤم وانعدام الثقة بین أفراد المجتمع،کما تؤدّی هذه الصفة الذمیمة إلی بروز الحقد و العداء بین الناس.

من هنا تعدّ النمیمة فی طلیعة العوامل التی تؤدّی إلی الفتنة فی المجتمع.وتحارب الشریعة الإسلامیة هذا المرض الأخلاقی الخطیر بشدّة،فنجد آیات القرآن الکریم و الروایات الواردة حافلة بذمّ النمیمة،ولهذا عدّها علماء الإسلام من الکبائر.

والنمیمة هی أنّه عندنا یتحدّث فرد عن شخص غائب بکلام فیه ذمّ وقبح،ثُمّ یقوم أحد الحاضرین بدور النمام فینقل ذلک الکلام إلی ذلک الشخص.

والنمام إنسان مریض لا ینقل الکلام الطیب أبداً, و إنّما ینقل الکلمات التی تؤدّی إلی بروز الحقد و العداء ثُمّ الفتنة.

إنّ إیجاد الفتن و الأحقاد و العداوات بین الأصدقاء والاُخوة فی الدین هو الفتنة التی عدّها القرآن الکریم جریمة کبری قال الله عزّ وجلّ: وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ . (1)

ص:215


1- (1) .البقرة:191.

وقال سبحانه: وَ الْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ . (1)

وقال تبارک وتعالی: وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . (2)

و قد خاطب ربّنا عزّ وجلّ رسوله الأکرم صلّی الله علیه و آله قائلاً: وَ لا تُطِعْ کُلَّ حَلاّفٍ مَهِینٍ* هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِیمٍ . (3)

وتتضمّن الآیات الأخیرة إشارة إلی أنّ النمام منحط أخلاقیاً ولا ینبغی احترامه،کما ورد فی الحدیث النبوی الشریف قوله صلّی الله علیه و آله لأصحابه:

«ألا انبئکم بشرارکم،قالوا:بلی یا رسول الله.قال:المشاؤون بالنمیمة المفرّقون بین الأحبّة الباغون للبرآء المعایب». (4)

وجاء عنه صلّی الله علیه و آله قوله:

«إنّ أبغضکم إلی الله المشاؤون بالنمیمة المفرّقون بین الأحبّة الملتمسون للبرآء العثرات». (5)

وجاء عنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«إنّ النمیمة و الحقد فی النار،لا یجتمعان فی قلب مسلم». (6)

وعنه صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«لا یدخل الجنّة نمام». (7)

وجاء عن سیدنا علی علیه السلام قوله:

«إیاک و النمیمة،فإنّها تزرع الضغینة وتبعّد عن الله وعن الناس». (8)

ص:216


1- (1) .البقرة:217.
2- (2) .الهمزة:1.
3- (3) .القلم:10-11.
4- (4) .بحارالأنوار:75/باب67،ح17.
5- (5) .کنزالعمال:15/3،ح5215.
6- (6) .المصدر:23/16،ح43768.
7- (7) .بحارالأنوار:68/باب15،ح21.
8- (8) .غررالحکم:296/2.

التعامل مع النمّام

من أجل إحباط مساعی النمام الخبیثة فی إیجاد الفتنة بین الاُخوة و الأصدقاء علینا أن نقوم بما یلی:

1.عدم التصدیق به،لأنّ النمام فاسق،و قد قال الله تعالی: إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا . (1)

2.نهیه عن هذا العمل الذمیم و الفعل القبیح؛لأنّ النمیمة منکر،و قد أمرنا الله عزّ وجلّ بالنهی عن المنکر قال عزّ وجلّ: وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ . (2)

3.ینبغی أن نعدّ النمّام عدوّاً؛لأنّه عدوّ الله.

4.إنّ النمیمة من أخبار السوء و الظنّ الذی أمر الله عزّ وجلّ باجتنابه،قال الله تعالی: اِجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ . (3)

5.ألاّ تدفعه النمیمة إلی التجسس و التفتیش فی شخصیة من تحدّث عنه بسوء،و قد نهی الله عزّ وجلّ عن ذلک بقوله: وَ لا تَجَسَّسُوا (4)

6.ألاّ یکرر عمل النمام فلا ینقل النمیمة إلی الآخرین ولا یرضی لنفسه هذا العمل.

و قد جاء فی سیرة أحد العلماء و قد کان فی سفر،فلما عاد من سفره جاءه صدیق له زائراً،وکان ممّا حدّثه به الصدیق أن نقل له قول أحدهم فیه أی نمّ له.قال العالم بحزن:لقد أتیتنی بعد هذه المدّة من الفراق بثلاث خیانات:

الاُولی:إنّک جعلتنی أُسیء الظنّ بذلک الرجل وأوجدت بیننا العداوة.

الثانیة:إنّک شغلت بالی بما قلت،و قد کنت فارغ البال مرتاحاً.

ص:217


1- (1) .الحجرات:6.
2- (2) .لقمان:17.
3- (3) .الحجرات:12.
4- (4) .الحجرات:12.

الثالثة:إنّک سلبتنی الثقة بک فأنت عندی الآن متهم بالخیانة.

من هنا فإنّ الواجب الأکید تکذیب النمّام وعدم الاکتراث بأقواله ونمیمته،و قد جاء فی الأثر:«من نمّ إلیک نمّ علیک». (1)

و هذا الموقف الحازم من النمام یحقّق ثلاثة امور:

1.إنّ النمام سیندم علی فعله.

2.إنّه لن یکرر فعله القبیح.

3.استمرار المحبّة بین الإخوة فی الدین و العقیدة.

کان محمّد بن فضیل من أصحاب الإمام موسی الکاظم علیه السلام،و قد شکی إلی الإمام یوماً قائلاً:جعلت فداک،الرجل من إخوانی یبلغنی عنه الشیء الذی اکره له فأسأله عنه فینکر ذلک،و قد أخبرنی عنه قوم ثقات.فقال الإمام علیه السلام:

«یا محمد کذب سمعک وبصرک عن أخیک،فإن شهد عندک خمسون قسامة فقال لک قولاً فصدّقه وکذّبهم ولا تذیعنّ علیه شیئاً تشینه به وتهدم مروءته فتکون من الذین قال الله: إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ» . (2)

وجاء فی الأثر:إنّ رجلاً جاء إلی أمیر المؤمنین علیه السلام یسعی الیه برجل،أی نمّ إلی الإمام فقال الإمام علی علیه السلام:

«یا هذا،نحن نسأل عمّن قلتَ.فإن کنت صادقاً مقتناک،و إن کنت کاذباً عاقبناک،و إن شئت أن نقیلک أقلناک.قال:أقلنی یا أمیر المؤمنین». (3)

السخریة والاستهزاء

الاستهزاء و السخریة بشخص ما بهدف الضحک وإضحاک الآخرین من خلال

ص:218


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب67،ح19.
2- (2) .المصدر:75/باب65،ح11.
3- (3) .المصدر:75/باب67،ح19.

وصف تقلید بعض صفاته الأخلاقیة أو الجسمیة عمل حرام،ویعدّ إهانة لکرامة الإنسان وانتهاک لحرمته وسحق لشخصیته.

إنّ الإنسان المؤمن فی الشریعة الإسلامیة یتمتّع بالکرامة والاحترام الکامل،ولذا لا یحق لأی کان إهانته وإذلاله وانتهاک کرامته; قال الله عزّ وجلّ: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ (1)،وقال سبحانه وتعالی: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ . (2)

وقال سیدنا ونبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الله جلّ ثناؤه یقول:وعزّتی وجلالی ما خلقت من خلقی خلقاً أحبّ إلی من عبدی المؤمن». (3)

وجاء عن الصحابی الجلیل جابر بن عبد الله الأنصاری:إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله نظر إلی الکعبة وقال:

«مرحباً بک من بیت،ما أعظمک وأعظم حرمتک علی الله!والله للمؤمن أعظم حرمة منک؛لأنّ الله حرّم منک واحدة ومن المؤمن ثلاثة:ماله ودمه وأن یظنّ به ظنّ السوء». (4)

وجاء عن الإمام الباقر علیه السلام قوله:

«إنّ الله عزّ وجلّ أعطی المؤمن ثلاث خصال:العزّ فی الدنیا،والدین و الفلح فی الآخرة،والمهابة فی صدور العالمین». (5)

ویقول الإمام الصادق علیه السلام:

«المؤمن أعظم حرمة من الکعبة». (6)

ص:219


1- (1) .المنافقون:8.
2- (2) .البینة:7.
3- (3) .بحارالأنوار:71/باب63،ح75.
4- (4) .المصدر:67/باب1،ح39.
5- (5) .المصدر:68/باب15،ح21.
6- (6) .المصدر:7/باب16،ح16.

وجاء عنه علیه السلام أیضاً:

«قال الله عزّ وجلّ:لیأذن بحرب منّی من أذلّ عبدی المؤمن،ولیأمن من غضبی من أکرم عبدی المؤمن». (1)

ومن خلال مفاد الآیات و الروایات حول عزّة الإنسان المؤمن وکرامته ندرک مدی قبح وبشاعة السخریة منه والاستهزاء به،ولذا ورد فی القرآن قوله عزّ وجلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ (2)

السخریة والاستهزاء سلوک نفاقی و قد نکّل بهم القرآن الکریم فی قوله تعالی: وَ إِذا لَقُوا الَّذِینَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا إِلی شَیاطِینِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَکُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ . (3)

و قد أوعد الله سبحانه المستهزئین بالعذاب قال الله تعالی: اَلَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ وَ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ . (4)

ص:220


1- (1) .المصدر:75/باب56،ح12.
2- (2) .الحجرات:11.
3- (3) .البقرة:14.
4- (4) .التوبة:79.

الخُلاصة

إنّ تسقّط العیوب و النمیمة وإیجاد الفتنة بین الاُخوة المؤمنین عمل قبیح وذنب کبیر ومعصیة لله عزّ وجلّ،و قد نهی الله سبحانه عن ذلک،و أنّ الإنسان المؤمن یتمتّع بالعزّة و الکرامة والاحترام الکامل.

الأسئلة

1.لماذا حرّم الإسلام النمیمة؟

2.ما هو موقفنا إزاء النمّام؟

3.اذکر حدیث الإمام الکاظم علیه السلام فی مروءة المؤمن.

4.ماهی الآثار الناجمة عن السخریة والاستهزاء؟

ص:221

ص:222

الدرس الثامن و العشرون:الحسد

اشارة

الحسد من الصفات القبیحة ومن کبائر الذنوب،ولهذه الصفة الذمیمة دور مخرّب فی العلاقات الاجتماعیة،والإنسان المصاب بالحسد عاجز عن النمو و التقدّم فی طریق الکمال الإنسانی.

و قد جاء فی القرآن الکریم قصّة حسد إبلیس لأبینا آدم علیه السلام فطرده الله من رحمته،فقاده الحسد إلی الحقد علی آدم وزوجه فأغواهما فأهبطهما الله من الجنّة لیکدحا فی الأرض.

وحسد قابیل أخاه هابیل،ووسوس له الشیطان قتل أخیه فقتله; فکان الحسد وراء الأحقاد و العدوان فی تاریخ الإنسان.

تعریف الحسد

الحسد:هوتمنی زوال نعمة الغیر،و قدتکون هذه النعمة مادیة أو معنویة،وعادة مایسعی الحسود فی تحقیق هدفه ذلک و الحسد علی أربعة مستویات:

الأوّل:یتمنّی المصاب بالحسد زوال نعمة شخص ما دون أن یتمنّی لنفسه تلک النعمة.

الثانی:یتمنّی المصاب زوال نعمة الشخص المحسود وانتقالها إلیه.

ص:223

الثالث:یتمنّی المصاب نظیر نعمة الشخص المحسود،وعندما لا تتحقّق امنیته فإنّه یتمنّی زوالها من ذلک الشخص.

الرابع:یتمنّی المرء فی هذا المستوی أن یرزق نعمة نظیر ما أنعم الله علی غیره.

والمستوی الرابع لا یعدّ من الحسد ولا یعدّ فعله قبیحاً،ویدعی فی هذه الحالة ب-«الغبطة».

والغبطة علی عکس الحسد أمر محمود ویدفع بالإنسان إلی التکامل و النمو فی طریق الخیر.

یقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ المؤمن یغبط ولا یحسد،والمنافق یحسد ولا یغبط». (1)

الحسد فی ضوء القرآن الکریم

وضع القرآن الکریم شرور الحسود إلی جانب وساوس الشیطان المدمّرة قال سبحانه وتعالی مخاطباً رسوله الأکرم صلّی الله علیه و آله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَ مِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِی الْعُقَدِ* وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ . (2)

کما نهی الله تبارک وتعالی عن تمنّی نعمة الغیر قال سبحانه: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمَّا اکْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمَّا اکْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ کانَ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً . (3)

وخاطب الله عزّ وجلّ نبیه صلّی الله علیه و آله: لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ . (4)

ونجد فی آیة کریمة اخری إشارة إلی مساعی أهل الکتاب فی إبعاد المسلمین

ص:224


1- (1) .بحارالأنوار:73/باب131،ح7.
2- (2) .الفلق:1-5.
3- (3) .النساء:32.
4- (4) .طه:131،الحجر:88.

عن دینهم.بسبب مشاعر الحسد تجاه المسلمین فی إیمانهم و حیاتهم وآدابهم الطیبة, قال عزّ وجلّ: وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَوْ یَرُدُّونَکُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِکُمْ کُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ . (1)

الحسد و الحاسد فی الروایات الاسلامیة

عن النبی صلّی الله علیه و آله قال:قال الله عزّ وجلّ لموسی بن عمران:

«یا بن عمران،لا تحسد الناس علی ما آتیتهم من فضلی،ولا تمدّن عینیک إلی ذلک ولا تتبعه نفْسَکَ،فإنّ الحاسد ساخط لنعمتی صادّ لِقسَمی الذی قسمت بین عبادی». (2)

وقال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله لأصحابه:

«ألّا تعادوا نعم الله»فقیل:یا رسول الله ومن یعادی نعم الله؟!قال صلّی الله علیه و آله:«الذین یحسدون». (3)

وورد عن سیدنا علی علیه السلام قوله:

«الحسد مرض لایؤسی». (4)

أی أنّ الحسد مرض لا مسکّن له،وعنه علیه السلام قال:

«الحسد حبس الروح». (5)

فالروح الإنسانیة لا تعرف الانطلاق فی حالة إصابة الإنسان بمرض الحسد.وقال علیه السلام:

«رأس الرذائل الحسد». (6)

ص:225


1- (1) .البقرة:109.
2- (2) .بحارالأنوار:73/باب131،ح6.
3- (3) .المصدر:73/باب131،ح2.
4- (4) .المستدرک:12/باب55،ح1340.
5- (5) .غررالحکم:100/1.
6- (6) .المصدر:50/4.

و«الحسد شرّ الأمراض». (1)

وللإمام علی علیه السلام طائفة من الحکم القصیرة الجمل العمیقة الغور:

-«الحسد مطیة التعب». (2)

-«ثُمّرة الحسد شقاء الدنیا و الآخرة». (3)

-«من ترک الحسد کانت له المحبّة عند الناس». (4)

-«الحسود کثیر الحسرات متضاعف السیئات». (5)

-«الحسود لا یسود». (6)

-«الحاسد لا یشفیه إلاّ زوال النعمة». (7)

-«الحاسد یفرح بالشرّ ویغتمّ بالسرور». (8)

-«الحاسد یری أنّ زوالَ النعمة عمّن یحسده نعمة علیه». (9)

-«الحاسد یظهر ودّه فی أقواله ویخفی بغضه فی أفعاله فله اسم الصدیق وصفة العدو». (10)

-«بئس الرفیق الحسود». (11)

-«لا تحاسدوا فإنّ الحسد یأکل الإیمان،کما تأکل النار الحطب». (12)

ص:226


1- (1) .المصدر:91/1.
2- (2) .بحارالأنوار:78/باب15،ح71.
3- (3) .المستدرک:12/باب55،ح13401.
4- (4) .بحارالأنوار:77/باب9،ح1.
5- (5) .المستدرک:12/باب55،ح13401.
6- (6) .بحارالأنوار:73/باب131،ح4.
7- (7) .المستدرک:12/باب55،ح13401.
8- (8) .المصدر:12/باب55،ح13401.
9- (9) .المصدر:12/باب55،ح13401.
10- (10) .غررالحکم:139/2.
11- (11) .المصدر:253/3.
12- (12) .میزان الحکم و المواعظ:526.

-«الحسد یمیث الایمان فی القلب،کما یمیث الماء الثلج» (1)

وورد عن الإمام الصادق علیه السلام ما یلی:

-«لیست للبخیل راحة ولا للحسود لذّة». (2)

-«الحاسد مضرّ بنفسه قبل أن یضرّ بالمحسود کإبلیس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم علیه السلام الاجتباء». (3)

-«اُصول الکفر ثلاثة:الحرص،والاستکبار،والحسد». (4)

-«الحسد أصله من عمی القلب و الجحود لفضل الله تعالی،وهما جناحان للکفر،وبالحسد وقع ابن آدم فی حسرة الأبد وهلک مهلکاً لا ینجو منه أبداً». (5)

-«آفة الدین الحسد و العجب و الفخر». (6)

وجاء عن نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله قوله:

«ألا إنّه قد دبّ إلیکم داء الاُمم من قبلکم و هو الحسد،لیس بحالق الشعر،لکنّه حالق الدین». (7)

وجاء عن سیدنا علی علیه السلام أحادیث حول الأضرار التی یلحقها الحسد بجسم الإنسان:

-«الحسود علیل أبداً». (8)

-«الحسد یذیب الجسد». (9)

ص:227


1- (1) .المستدرک:18/12.
2- (2) .بحارالأنوار:77/باب10،ح13.
3- (3) .المصدر:73/باب131،ح23.
4- (4) .المصدر:72/باب99،ح1.
5- (5) .المصدر:73/باب131.
6- (6) .المصدر:73/باب131،ح5.
7- (7) .المصدر:73/باب131،ح23.
8- (8) .المستدرک:12/باب55،ح13401.
9- (9) .غررالحکم:241/1.

-«العجب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد». (1)

-«صحّة الجسد من قلّة الحسد». (2)

بواعث الحسد

عرفنا ماهیة الحسد وآثاره السیئة فی الحیاة الفردیة والاجتماعیة،ولکی نعالج هذا المرض الخطیر یتوجب علینا معرفة أسبابه وبواعثه؛لأنّ معرفة الداء تمهد لمعرفة الدواء،و قد حدد علم الأخلاق سبعة أسباب للحسد،هی:

1.الخبث:کثیر من الأفراد یعانون من خبث فی النفس هو وراء حسدهم للآخرین،فهم أساساً یفرحون بمصائب الناس ویحزنون لفرحهم،بغض النظر عن وجود علاقة معهم ودّیة کانت أو عدائیة،فهم یودّون عدم الموفقیة للجمیع.

2.العداوة:الحقد و العداء بین الحاسد و المحسود سبب من أسباب الحسد،ولذا فإنّ الحسود إذا رأی وقوع عدوّه فی مأزق أو مشکلة،فإنّه یفرح ویتمنّی له المزید من المصائب،فإذا حدث العکس أو رأی علی عدوّه آثار الموفقیة و النجاح،فإنّه یغتم ویحزن وتملأ نفسه الحسرات.

3.حبّ الجاه و الثراء:إنّ الکثیر من الحسّاد من یستهویهم الجاه و الثراء فهم یحبّون ذلک لأنفسهم فقط فإذا رأوا من ینافسهم فی ذلک حسدوه،فمثلاً الممثل الناجح أو التاجر الموفق و الأکثر ثراء فی المجتمع إذا ما رأی فرداً أو أفراداً یتقدّمون فی عملهم ویتألقون فی مجتمعهم انبعثت فی نفسه مشاعر الحسد لهم وتمنّی لهم الفشل و الإخفاق.

4.التنافس:و هذا ما نشاهده فی المسابقات عندما یکون التنافس علی احتلال المرکز الأوّل،وعندما یحصل أحدهم علی هذا المرکز تنبعث فی نفوس منافسیه مشاعر الحسد.

ص:228


1- (1) .بحارالأنوار:73/باب131،ح28.
2- (2) .المصدر:73/باب141،ح28.

5.التکبّر:التکبّر و النرجسیة وتضخم الذات أسباب للحسد،والمصاب بهذه الأمراض الروحیة لا یتحمّل رؤیة نجاح غیره وتقدمه؛لأنّ المتکبّر یودّ رؤیة غیره أدنی منه فی المنزلة لکی یتبختر علیه،وینتظر من الآخر أن یخنع ویکون له ذیلاً،فإن رآه موفقاً ناجحاً حسده وتمنّی له الفشل و الإخفاق والانکسار.

6.حبّ الذات:وحبّ الذات یختلف عن التکبّر،لأنّ الشخص فی هذه الحالة یخشی المهانة فهو یتصوّر أن تقدّم غیره سیعرضه للامتهان.

أمّا المتکبّر فهو یطلب التفوق ولایرضاه لغیره فی حین أنّ هؤلاء لا یطلبون التفوق ولا یرتضوه لغیره أیضاً فیحسدونهم ویتمنون لهم الفشل.

7.التعجّب:ومن بواعث الحسد لدی بعض الحساد أنّهم إذا رأوا شخصاً رزق نعمة وفضلاً ومنزلة حسدوه؛لأنّهم یتعجبون من ذلک ویعدّونه أحقر من أن یکون له ذلک ویودّون زوال نعمته.

ص:229

الخُلاصة

الحسد صفة ذمیمة وهی أن یتمنّی المرء زوال نعمة الغیر.

ربّما یسعی الحسود من أجل زوال نعمة المحسود و هذه الدرجة من الحسد لها آثار مخرّبة علی شخص الحسود،و قد تلحق أضراراً بالمحسود.

الأسئلة

1.عرّف الحسد.

2.عدّد مستویات الحسد.

3.ماذا تعنی الغبطة؟

4.لماذا یعدّ الحسد عملاً نفاقیاً؟

5.ما هو أثر الحسد علی الإیمان؟

6.اشرح باختصار بواعث الحسد.

ص:230

الدرس التاسع و العشرون:الکذب

اشارة

الکذب من أسوأ وأکبر الذنوب،و هو من الصفات الأخلاقیة الأکثر انحطاطاً و الأبشع تخریباً فی العلاقات الاجتماعیة.إنّ العلاقات الإنسانیة الحقّة تنهض علی الصدق وفی غیاب الصدق یخسر الفرد اعتباره فی المجتمع،فإذا شاعت هذه الصفة الأخلاقیة المنحطة،تمزق النسیج الاجتماعی،وتصبح الحیاة الاجتماعیة جحیماً لا یطاق.

وظاهرة الکذب من المواضیع التی اهتمّ بها القرآن الکریم واستنکرها وتظافرت الروایات علی إدانتها وحذرت من عواقب الکذب وآثاره المدمّرة فی الحیاة الإنسانیة.

ولأنّ الکذب لا یکلّف صاحبه فی الظاهر شیئاً فقد تورّط کثیر من الناس ومع الأسف فی هذه الظاهرة الأخلاقیة الهابطة،فنری البعض ومن أجل تحقیق مآربه یتوسّل بالکذب.

ومن الخطأ أن یزن الناس عملاً ما،معصیة کان أم غیر معصیة بمیزان الجهد من ناحیة،وبما یعود علیهم من النفع و اللذة من ناحیة اخری.ومن هنا یتصوّر البعض أنّ الکذب لا یکلّف المرء شیئاً و قد یعود علیهم بالمنافع.

ولهذا فإنّ الکذب مسألة أخلاقیة حسّاسة،و هو من الأمراض الاجتماعیة الأکثر خطراً فی حیاة الفرد و المجتمع.

ص:231

تعریف الکذب

الکذب:هو إظهار غیر الحقّ،وله شرطان:أحدهما:جریان الکلام علی اللسان أو عمل الجوارح بما یخالف الحقیقة،والثانی:علم المتکلّم بذلک.فلو أنّ أحدهم قال شیئاً یخالف الحقیقة و هو یجهل هذا الخلاف،ویظنّ ما قاله صدقاً لم یعدّ کاذباً.

وهناک نقطة بالغة الأهمیة وهی أنّ الکذب قدیکون قولاً و قدیکون فعلاً،کما لو أنّ إنساناً یتظاهر بسلوک معین لیوحی للناس أنّه وقور و هو لیس بذلک،فهذاأیضاً من الکذب; لأنّ الکذب هو اظهار خلاف الحقّ و الواقع.

الکذب فی ضوء القرآن الکریم

ندّدت کثیر من الآیات القرآنیة بالکذب و الکذّابین،وفیما یلی طائفة منها،قال الله تعالی:

1. فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . (1)

2. إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ . (2)

3. إِنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کاذِبٌ کَفّارٌ . (3)

4. إِنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذّابٌ . (4)

5. فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ . (5)

6. أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَیْهِ إِنْ کانَ مِنَ الْکاذِبِینَ . (6)

ص:232


1- (1) .الحج:30.
2- (2) .النحل:105.
3- (3) .الزمر:3.
4- (4) .غافر:28.
5- (5) .آل عمران:61.
6- (6) .النور:7.

ومن خلال هذه الآیات الکریمة نعرف أنّ الله سبحانه جعل الکذب ردفاً لعبادة الأوثان،و أنّ الکذب یدلّ علی انعدام الإیمان فی قلب الإنسان،و أنّ احتمالات الهدایة تتضاءل فی حالة الکذب،و أنّ لعنة الله تحلّ بالکذابین،ومن هنا نعرف مدی قبح الکذب وابتعاد الکذّاب عن طریق الکمال.

الکذب فی ضوء الأحادیث الإسلامیة

تحفل الأحادیث و الروایات الإسلامیة ببیان مخاطر الکذب وآثاره المخرّبة فی حیاة الإنسان،وفیما یلی طائفة من هذه الأحادیث:

1.قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إیاکم و الکذب،فإنّ الکذب مجانب للإیمان». (1)

2.قال الإمام علی علیه السلام:

«جانبوا الکذب فإنّه مجانب للإیمان،و إنّ الصادق علی شُرُفِ منجاة وکرامة،والکاذب علی شفا مهواة وهلکة». (2)

3.قال الإمام الباقر علیه السلام:

«إنّ الکذب هو خراب الإیمان». (3)

فالکذب یتناسب عکسیاً مع الإیمان،والمؤمن عادة لا یکذب و إذا فعل ذلک مرّة،فإنه یشعر بالندم العمیق،أمّا الذی اعتاد الکذب فلیس بمؤمن البتة.

وجاء عن أحد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام و هو الحسن بن محبوب،قال:

«قلت لأبی عبد الله علیه السلام:یکون المؤمن بخیلاً؟قال:نعم...قلت:فیکون کذاباً؟

ص:233


1- (1) .کنزالعمال:620/3،ح8206.
2- (2) .بحارالأنوار:77/باب14،ح2.
3- (3) .الکافی:339/3،ح4.

قال:لا ولا خائناً،ثُمّ قال:یجبل المؤمن علی کلّ طبیعة إلاّ الخیانة و الکذب». (1)

وتؤکّد الأحادیث و الروایات الإسلامیة أنّ الکذب هو بدایة السقوط والانحراف،وفیما یلی حدیثان یشیران إلی هذا المعنی:

1.قال نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الکذب یهدی إلی الفجور و الفجور یهدی إلی النار». (2)

2.قال الإمام الحسن العسکری علیه السلام:

«جعلت الخبائث کلّها فی بیت وجعل مفتاحها الکذب». (3)

وهناک قسم من الأحادیث الشریفة یعدّ الکذب أسوأ الخصال الأخلاقیة:

1.قال الإمام علی علیه السلام:

«تحفظوا من الکذب،فإنّه من أدنی الأخلاق قدراً،و هو نوع من الفحش وضرب من الدناءة». (4)

قال علی علیه السلام:

«شر الأخلاق الکذب و النفاق». (5)

قال علی علیه السلام:«لا شیمة أقبح من الکذب». (6)

قال علی علیه السلام:«الصدق أمانة و الکذب خیانة». (7)

قال علی علیه السلام:«شرّ القول الکذب». (8)

ص:234


1- (1) .بحارالأنوار:75/باب58،ح11.
2- (2) .المصدر:72/باب114،ح34.
3- (3) .المصدر:72/باب114،ح48.
4- (4) .المصدر:78/باب16،ح157.
5- (5) .غررالحکم:166/4.
6- (6) .المصدر:380/6.
7- (7) .بحارالأنوار:69/باب38،ح35.
8- (8) .میزان الحکمة:2672/3.

قال علی علیه السلام:

«علامة الإیمان أن تؤثر الصدق حیث یضرّک علی الکذب حیث ینفعک». (1)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«کبرت خیانة أن تحدّث أخاک حدیثاً هو لک مصدّق وأنت به کاذب». (2)

ویقول علیه الصلاة و السلام:

«أعظم الخطایا اللسان الکذب». (3)

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«إنّ العاقل لایکذِّب و إن کان فیه هواه». (4)

ومن خلال هذه الأحادیث نعرف أنّ الکذب خیانة و هو یتنافی مع الإیمان والعقل.

الصدق فی ضوء القرآن الکریم و الحدیث الشریف

عرفنا رأی الشریعة الإسلامیة فی الکذب،وعرفنا أیضاً آثاره الضارّة فی الحیاة الاجتماعیة،والآن نتطرّق إلی نقیض الکذب و هو الصدق فما هی منزلة هذه الصفة النبیلة فی الشریعة الإلهیة؟

دعا الله عزّ وجلّ عباده إلی أن یکونوا مع الصادقین: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ کُونُوا مَعَ الصّادِقِینَ (5)وفی آیة اخری یبشّر الله تبارک وتعالی عباده الصادقین: قالَ اللّهُ هذا یَوْمُ یَنْفَعُ الصّادِقِینَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللّهُ

ص:235


1- (1) .المصدر.
2- (2) .کنزالعمال:620/3،ح8210.
3- (3) .بحارالأنوار:21/باب210،29.
4- (4) .الکافی:17/1.
5- (5) .التوبة:119.

عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ . (1)

ویقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«أقربکم منّی غداً فی الموقف أصدقکم للحدیث». (2)

ویقول الإمام علی علیه السلام:

«الصدقُ عزّة»ویقول أیضاً:«الصدق أخو العدل». (3)

وجاء عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«إنّ الله عزّ وجلّ لم یبعث نبیاً إلاّ بصدق الحدیث وأداء الأمانة». (4)

الکذب الجائز

بالرغم من قبح الکذب واعتباره عملاً ذمیماً إلاّ أنّ الشریعة ترخصه فی ظروف خاصّة،حیث تملی المصلحة و الضرورة الکبری،فما هی الموارد التی یجوز فیها الکذب؟توجد ثلاثة موارد،هی:

1.الضرورة:عندما تتوقّف حیاة الإنسان علی ذلک،و قد جاء فی القرآن الکریم قوله تعالی: إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ (5)و قد نزلت هذه الایة الکریمة عندما تعرّض الصحابی الجلیل عمّار بن یاسر للتعذیب واضطر إلی أن یقول کلمة الکفر بلسانه فالاضطرار یجیز الأشیاء المحرّمة،و قد جاء عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:«ولیس شیء ممّا حرم الله إلاّ و قد أحلّه الله لمن اضطر الیه» (6)ولهذا یقول الفقهاء:الضرورات

ص:236


1- (1) .المائدة:119.
2- (2) .بحارالأنوار:152/74،ب7.
3- (3) .غررالحکم:217.
4- (4) .الکافی:104/2.
5- (5) .النحل:106.
6- (6) .الفصول المهمّة فی أُصول الأئمة:408

تبیح المحظورات،عندما یتعرّض الإنسان لأضرار لا یمکنه تحمّلها سواء فی نفسه أو ماله أو سمعته،فإنّه یجوز له أن یدفع الضرر بالکذب.

2.الإصلاح:إنّ الإصلاح بین الناس ورفع العداوات إذا توقّف علی الکذب جاز ذلک،بل إذا أدّی الصدق إلی اشتداد العداوة أصبح حراماً،فالإصلاح یجعل من حرمة الکذب حلالاً ومن قول الصدق حراماً،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله مخاطباً الإمام علی علیه السلام:«یا علی،إنّ الله یحبّ الکذب فی الإصلاح ویبغض الصدق فی الفساد». (1)

3.الخدعة الحربیة:إنّ محاولات خداع العدو فی المعارک و الحروب والاشتباکات العسکریة أمر أجازته الشریعة الإسلامیة،فمن الممکن القیام بأی من محاولات الاستعراض و الإیحاء إلیه بغیر النوایا الحقیقیة و الخطط الحربیة،یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله مخاطباً الإمام علی علیه السلام فی هذا المضمار:«المکیدة فی الحرب». (2)

الکذب فی المزاح

عادة مایخالط المزاح قدر من الکذب،وعندما یمزح المرء علی صدیقه مثلاً ویضمن مزاحه کذباً یبرر ذلک قائلاً:إنّنی أمزح!ینبغی أنّ تدرک أنّ المزاح أو الجد لایغیر من مسألة الکذب ولا یکسب المزاح الکذب الشرعیة; یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«إنّ الکذب لایصلح منه جدّ ولاهزل». (3)

و یقول صلّی الله علیه و آله أیضاً:

«ویل للذی یحدّث فیکذب لیضحک به القوم ویل له ویل له». (4)

ص:237


1- (1) .بحارالأنوار:356/78،ب10.
2- (2) .المصدر:8/68،ب60.
3- (3) .المصدر:259/69،ب114.
4- (4) .المصدر:235/69،ب114.

وجاء عن الإمام الباقر علیه السلام قال:سمعت أبی یقول:

«اتقوا الکذب الصغیر منه و الکبیر فی کلّ جدّ و هزل». (1)

التوریة

التوریة حدیث یفهم منه معنیان; معنی یقصده المتحدّث ومعنی آخر یفهمه السامع،والتوریة فی حقیقتها لیست کذباً،ولکن فهم السامع یجعل منها قریبة من الکذب،ویجنح الإنسان إلی استخدام التوریة عندما لا یرید أن یقول الصدق ولا یرید أیضاً أن یکذب،ومثالاً علی هذا شخص یبحث عن شخص آخر،ثُمّ یسأل شخصاً ثالثاً عنه،الشخص الثالث لا یرید أن یقول الصدق ولا یرید الکذب،فیقول له مثلاً:رأیته فی المسجد،فیفهم السامع أنّه رآه قبل وقت قصیر فی حین أنّ القائل یعنی أنّه رآه قبل اسبوع!

لهذا یفهم السامع غیر ذلک وینطلق إلی المسجد لعلّه یعثر علیه.

ص:238


1- (1) .بحارالأنوار:235/69،ب114.

الخُلاصة

الکذب من الکبائر،و هو کثیر الشیوع لسهولة ارتکابه من قبل کثیر من الناس.وللکذب دور مخرب فی العلاقات الاجتماعیة؛لأنّه یقضی علی جوّ الثقة،ولهذا عدّه الإسلام من أقبح الصفات الأخلاقیة فی الحیاة الإنسانیة.

الأسئلة

1.عرّف الکذب.

2.أی الخصوصیات الأکثر حساسیة فی الکذب؟

3.ما هو موقف الشریعة من الکذّابین؟

4.کیف تصف الأحادیث الکذب؟

5.ما هی الموارد التی یجوز فیها الکذب؟

6.هل یجوز الکذب فی المزاح؟استشهد بالحدیث النبوی.

7.ما معنی التوریة؟اضرب مثالاً علی ذلک.

ص:239

ص:240

الخاتمه

علی امتداد تسعة وعشرین درساً تعلمنا أنّ الإسلام یهدف إلی إسعاد البشر من خلال بلوغ الإنسان مرحلة الکمال،ولکی یتحقّق هذا الهدف حدد لهم آداباً وسلوکاً تنظم علاقاتهم الاجتماعیة.

ونحن نعلم أنّ الإنسان باستثناء المعصومین من البشر یعانی من نقص نسبی و هو بحاجة إلی غیره فی طریق التکامل الإنسانی،والانسان لوحده لا یستطیع أن یوفّر لنفسه جمیع الظروف و الشروط اللازمة فی حیاته المادیة و المعنویة،بما یحقّق له هدف الکمال،فهو بحاجة إلی مشورة وإرشاد وإلی عون مادی وعلمی.وحاجات الإنسان متعددة منها حاجات مادیة وحاجات اخری عاطفیة،ولا یمکن للإنسان بمفرده أن یوفّر ما یلبی حاجاته هذه.

ونحن المسلمین امّة من الاُمم ولنا أعداء یعملون علی منعنا من طریق التقدّم و النمو و الکمال،لهذا یتوجّب علی المسلمین جمیعاً التضامن فیما بینهم والاتّحاد و الوقوف فی جبهة واحدة ضد الأعداء.

یقول نبینا محمّد صلّی الله علیه و آله:

«المسلمون یدٌ واحدة علی من سواهم» (1)

ص:241


1- (1) .بحارالأنوار:150/58.

ومن البدیهی أنّ الأیدی الکثیرة إذا أصبحت یداً واحدة تضاعفت قوتها،أمّا إذا تفرقت فتهبط قدرتها وتتراجع.

ولهذا نهی الله عزّ وجلّ المسلمین عن الفرقة و التنازع،قال سبحانه وتعالی: أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِینَ . (1)

ومن هنا یعمل الطغاة علی إلقاء الفرقة و التمزق بین أبناء الشعب الواحد لکی تسهل سیطرته علی الناس،قال عزّ وجلّ عن فرعون: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِی الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِیَعاً یَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ . (2)

وعندما یصبح المجتمع الواحد طوائف متعددة متنازعة،فإنّه یصاب بالضعف وتتراجع إرادته ویسهل استعباده.

من أجل ذلک حذر القرآن من التفرقة ووصفها بأنّها من عمل الشیطان،قال الله تبارک وتعالی: إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ . (3)

أمّا الوحدة والاتّحاد و التضامن فإنّهما تؤدی إلی القوّة،یقول الإمام علی علیه السلام:

«إنّه لم یجتمع قوم قط علی أمر واحد إلاّ اشتدّ أمرهم واستحکمت عقدتهم». (4)

ومن هنا نری الإمام یدعو إلی التأمّل فی تاریخ الاُمم الغابرة والاعتبار من تجاربها یقول علیه السلام فی خطبته المعروفة ب-«القاصعة»:

«وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَکُمْ مِنَ الْمَثُلاتِ (5)بِسُوءِ الأَفْعَالِ وَذَمِیمِ الأَعْمَالِ.

ص:242


1- (1) .الأنفال:46.
2- (2) .القصص:4.
3- (3) .المائدة:91.
4- (4) .بحارالأنوار:403/32.
5- (5) .العقوبات.

فَتَذَکَّرُوا فی الْخَیرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ،وَاحْذَرُوا أن تَکُونُوا أَمْثَالَهُمْ.فَإِذَا تَفَکَّرْتُمْ فی تَفَاوُتِ حَالَیهِمْ (1)فَالْزَمُوا کُلَّ أَمْر لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُم (2)،وَزَاحَتِ الأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ،وَمُدَّتِ الْعَافِیةُ بِهِ عَلَیهِمْ،وَانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ،وَوَصَلَتِ الْکَرَامَةُ عَلَیهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ (3)،وَاللُّزُومِ لِلأُلْفَةِ،وَالتَّحَاضِّ عَلَیهَا وَالتَّوَاصِی بِهَا،وَاجْتَنِبُوا کُلَّ أَمْر کَسَرَ فِقْرَتَهُمْ (4)،وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ.مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ،وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ،وَتَدَابُرِ النُّفُوسِ،وَتَخَاذُلِ الأَیدِی،وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ قَبْلَکُمْ کَیفَ کَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِیصِ وَالْبَلاءِ. (5)أَلَمْ یکُونُوا أَثْقَلَ الْخَلائِقِ أَعْبَاءً وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاءً،وَأَضْیقَ أَهْلِ الدُّنْیا حَالاً،اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِیداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ،وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ (6)فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فی ذُلِّ الْهَلَکَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ.لا یجِدُونَ حِیلَةً فی امْتِنَاع،وَلا سَبِیلاً إلی دِفَاع.حَتَّی إِذَا رَأَی اللهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَی الأَذَی فی مَحَبَّتِهِ،وَالاحْتِمَالَ لِلْمَکْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَایقِ الْبَلاءِ فَرَجاً،فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَکَانَ الذُّلِّ،وَالأَمْنَ مَکَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوکاً حُکَّاماً،وَأَئِمَّةً أَعْلاماً،وبَلَغَتِ الْکَرَامَةُ مِنَ اللهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَبْلُغِ الآمَالُ إِلَیهِ بِهِمْ.

فَانْظُرُوا کَیفَ کَانُوا حَیثُ کَانَتِ الأَمْلاءُ مُجْتَمِعَةً (7)،وَالأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً،وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً،وَالأَیدِی مُتَرَادِفَةً،وَالسُّیوفُ مُتَنَاصِرَةً،وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً،وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً.أَلَمْ یکُونُوا أَرْبَاباً فی أَقْطَارِ الأَرَضِینَ (8)،وَمُلُوکاً عَلَی رِقَابِ الْعَالَمِینَ.فَانْظُرُوا إلی مَا صَارُوا إِلَیهِ فی آخِرِ أُمُورِهِمْ حِینَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ،وَتَشَتَّتَتِ الأُلْفَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْکَلِمَةُ

ص:243


1- (1) .من سعادة وشقاء.
2- (2) .لزمت العزّة به شأنهم،أی کان سبباً فی عزّتهم وما یتبعها من الأحوال الآتیة.ومدت أی انبسطت.
3- (3) .من الاجتناب بیان لأسباب العزة و بعد الأعداء و انبساط العافیة وانقیاد النعمة و الصلة بحبل الکرامة.
4- (4) .الفقرة-بالکسر و الفتح-کالفقارة بالفتح-:ما انتظم من عظم الصلب من الکاهل إلی عجب الذنب.وأوهن أی أضعف.والمنة-بضم المیم-:القوة.
5- (5) .التمحیص:الابتلاء والاختبار.
6- (6) .المرار-بضم ففتح-:شجر شدید المرارة تتقلص منه شفاه الإبل إذا أکلته،أی جرعوهم عصارته.
7- (7) .الأملاء-جمع ملأ-:بمعنی الجماعة و القوم.والأیدی المترادفة المتعاونة.
8- (8) .أرباباً:سادات.

وَ الأَفْئِدَةُ،وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِینَ،وَتَفَرَّقُوا مُتَحَازِبِینَ قَدْ خَلَعَ اللهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ کَرَامَتِهِ،وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ (1)وَ بَقِی قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِیکُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِینَ» (2)

ومن خلال التأمّل فی هذا البیان الرائع ندرک بوضوح أنّ الوحدة و التضامن والاتّحاد سبب فی رقی الاُمم وسعادتها،و أنّ الفرقة و الشتات و التمزق عامل کبیر فی سقوطها واضمحلالها وزوالها.

و قد بلغت امّة الإسلام فی زمن النبی صلّی الله علیه و آله مجدها الأخلاقی بالتزامها بآداب الإسلام،فکان المسلمون یومذاک رحماء بینهم أشدّاء علی الکفّار.

وأصبح المجتمع الإسلامی فی المدینة المنوّرة علی قدر کبیر من الرقی الاجتماعی و الکمال الإنسانی،وکانت الاُمة الإسلامیة قدوة للاُمم الاُخری،قال الله عزّ وجلّ: وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً ، (3)وقال سبحانه وتعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ . (4)

ومن خلال الآداب الرفیعة و السلوک القویم و الأخلاق النبیلة یکون الأفراد و المجتمعات و الشعوب قدوة واُسوة،و قد جاء فی الأثر:«کونوا دعاة الناس بغیر ألسنتکم». (5)

إنّ القول لا یکتسب قیمة ولا یکون له تأثیر حتّی یمتزج بالعمل،فإذا أردنا لرایة الإسلام أن ترتفع ولرسالة الله أن تنتشر فی ربوع العالم،فعلینا أنّ نتحلّی بآداب الإسلام ویکون سلوکنا منطلقاً من روح الإسلام ونبعه الإلهی السامی،فنکون حینئذٍ مثالاً للاُمم و قدوة للشعوب فتهوی الإسلام وتهفوا إلیه.

ص:244


1- (1) .غضارة النعمة:سعتها.وقصص الأخبار:حکایتها وروایتها.
2- (2) .نهج البلاغة:الخطبة المعروفة بالقاصعة.
3- (3) .القصص:4.
4- (4) .آل عمران:110.
5- (5) .بحار الأنوار:309/7.

إن واجبنا هو امتثال آداب الإسلام لنکون امّة عزیزة یهابها الأعداء،و قد أمرنا الله سبحانه بأن نکون یداً واحدة،ونهانا عزّ وجلّ عن الفرقة و التنازع.

من هنا یمکن أن ندرک أنّ الأهداف الأساسیة لآداب الشریعة الاسلامیة ما یلی:

1.عزّة الاُمة الإسلامیة وصیانة کرامتها من خلال إشاعة روح الاُخوة و التضامن بین المسلمین.

2.السعی إلی دعوة سائر الاُمم إلی اعتناق الإسلام من خلال تقدیم النموذج و المثال المؤثر.

3.التعاون و التکافل من أجل تکامل المسلمین ونمو المجتمع الإسلامی وتقدمه وتحقیق سعادته.

و هذا لا یمکن تحقیقه إلاّ من خلال إشاعة روح المحبّة والاُخوة والاحترام الکامل و المتقابل بین أفراد المجتمع الإسلامی.

ص:245

ص:246

المصادر

القرآن الکریم

1.ابن أبی الحدید:عزّالدین،عبدالحمید بن هبة الله المدائنی(ت 656ه)،شرح نهج البلاغه،تحقیق:محمد أبوالفضل إبراهیم،دار إحیاء التراث العربی،ط 1378،1ه.

2.ابن حجر:أحمد بن علی العسقلانی(ت 852ه)،فتح الباری بشرح البخاری،دار إحیاء التراث العربی،بیروت،ط 1402،1ه.

3.ابن حنبل:أحمد بن حنبل(ت 241ه)،مسند أحمد،دار أحیاء التراث العربی،بیروت.

4.ابن ماجة:محمدبن یزید القزوینی(ت275ه)،سنن ابن ماجه،دار إحیاء التراث العربی،بیروت،1395ه.

5.الآمدی:عبدالواحد التمیمی.غررالحکم و درر الکلم،مکتب الإعلام الإسلامی،قم.

6.الأمین:السیدمحسن بن عبدالکریم الحسینی العاملی(ت 1371ه)،أعیان الشیعة،دارالتعارف للمطبوعات،بیروت،ط 1407،2ه.

7.ابن الجوزی:إسماعیل بن محمد بن الفضل الأصبهانی،الترغیب و الترهیب،تحقیق:أیمن بن صالح،نشر:دار الحدیث،بیروت،1414ه.

8.الری الشهری:الشیخ محمد،میزان الحکمة،نشر:دارالحدیث،قم،ط 1416،2ه.

9.السیوطی:جلال الدین،عبدالرحمان بن أبی بکر(ت 911ه)،الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور،دارالفکر،بیروت،1403ه.

10.

ص:247

شرف الدین:السید عبدالحسین الموسوی(ت1377ه)،الفصول المهمة فی تألیف الاُمة،قسم الإعلام الخارجی لمؤسسة البعثة،طهران،ط 1.

11.الطبرسی:أبوالفضل،ثقة الإسلام علی الطبرسی(ت القرن7)،مشکاة الأنوار فی غررالأخبار،تحقیق:مهدی هوشمند،الناشر:دارالحدیث،قم،ط 1418،1ه.

12.الطبرسی:رضی الدین،الحسن بن الفضل(ت 548ه)،مکارم الأخلاق،نشر:مکتبة الشریف الرضی،ط 1392،2ه.

13.العاملی:الشیخ حسین بن عبد الصمد،نُور الحقیقة و نَوْر الحدیقة،تحقیق:محمدجواد الجلالی،نشر:فکر،طهران،1387ش.

14.العاملی:الشیخ محمد بن الحسن بن علی،الشهیر ب-(الحر العاملی)(ت 1104ه)،تفصیل وسائل الشیعة إلی أحکام الشریعة،ط مؤسسة آل البیت علیه السلام،لإحیاء التراث،قم،1409ه.

15.الغزالی:أبوحامد،محمدبن محمد الغزالی(ت 505ه)،إحیاء العلوم.

16.القمی:الشیخ عباس القمی،مفاتیح الجنان،نشر:مرکز جهانی علوم إسلامی،قم.

17.الکاشانی:محمدبن مرتضی،الشهیر بالفیض،المحجّة البیضاء فی تهذیب الإحیاء،تصحیح:علی أکبر غفاری،مؤسسة النشر الإسلامی،التابعة لجماعة المدرّسین،قم،ط 1376،1ش.

18.الکلینی:أبوجعفر،محمدبن یعقوب(ت329ه)،الکافی،طهران،المکتبة العلمیة الإسلامیة.

19.الکوفی:أبوعلی،محمدبن الأشعث(کان حیاً 313ه)،الجعفریات،نشر:مکتبة نینوی الحدیثة،طهران،

20.المتقی الهندی:علی بن حسام الدین(ت 975ه)،کنزالعمال،مکتبة التراث السلامی،حلب،سوریا.

21.المجلسی:العلامة محمدباقر بن محمد تقی(ت 1111 ه)،بحارالأنوار،مؤسسة الوفاء،بیروت،ط 1403،2ه.

22.النوری:المیرزا حسین،مستدرک الوسائل،نشر:المکتبة الإسلامیة و مؤسسة إسماعیلیان،قم.

23.

ص:248

الجزء الثانی

اشارة

عنوان و نام پدیدآور:الآداب الاسلامیه (الجزء الثانی)/ لجنه التالیف فی جامعه المصطفی (ص) العالمیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز المصطفی(ص) العالمی للترجمه والنشر، 1437 ق.= 1395.

مشخصات ظاهری:2 ج.

فروست:مرکزالمصطفی (ص) العالمی للدراسات والتحقیق؛ 644.

شابک:130000 ریال: ج.1 978-964-195-808-6 : ؛ 120000 ریال: ج.2 978-964-195-809-3 :

یادداشت:عربی.

یادداشت:چاپ پنجم.

یادداشت:ج.2 (چاپ پنجم: 1437 ق. = 1395).

یادداشت:فروست چاپ قبلی: مرکزالمصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للدراسات والتحقیق؛ 85، 86.

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:قرآن -- اخلاق

موضوع:Qur'an -- Ethics

موضوع:اخلاق اسلامی

موضوع:Islamic ethics

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

شناسه افزوده:Almustafa International University‪Almustafa International Translation and Publication center

رده بندی کنگره:BP247/8/آ425 1395

رده بندی دیویی:297/61

شماره کتابشناسی ملی:4897517

ص :1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :2

الآداب الاسلامیه (الجزء الثانی)

لجنه التالیف فی جامعه المصطفی (ص) العالمیه

ص :3

ص :4

کلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحیم الحمدلله رب العالمین والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین. وبعد

إنّ التطوّر المعرفی الذی یشهده عالمنا الیوم فی مختلف المجالات، بخاصّة بعد ثورة الاتصالات الحدیثة التی هیأت فرصاً فریدة للاطلاع الواسع، ودفعت بعجلة الفکر والثقافة والتعلیم إلی آفاق واسعة.

وغدا الإنسان یترقّب فی کلّ یوم تطوّراً جدیداً فی البحوث العلمیة، وفی المناهج التی تنسجم مع هذا التطوّر الهائل. ومع کلّ ذلک بقیت بعض المناهج الدراسیة حبیسة الماضی ومقرراته.

وبعد أن بزغ فجر الثورة الاسلامیة المبارکة بقیادة الإمام الخمینی(قدس سره)، انبثقت ثورة علمیة وثقافیة کبری، مما حدا برجال العلم والفکر فی الجمهوریة الإسلامیة أن یعملوا علی صیاغة مناهج دراسیة جدیدة لمجمل العلوم الإنسانیة، الإسلامیة بشکل خاص؛ فأحدث هذا الأمر تغییراً جذریاً وأساسیاً فی الکتب الدراسیة فی الحوزات العلمیة والجامعات الأکادیمیة.

وفی ظل إرشادات قائد الجمهوریة الإسلامیة الإمام الخامنئی(مدّظله)؛ أخذت

ص:5

المؤسسات العلمیة والثقافیة علی عاتقها تجدید الکتب الدراسیة وتحدیثها علی مختلف الصعد، بخاصة مناهج الحوزة العلمیة، التی هی ثمرة جهود کبار الفقهاء والمفکرین عبر تاریخها المجید.

من هنا بادرت جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة إلی تبنّی المنهج العلمی الحدیث فی نظامها الدراسی، وفی التألیف، والتحقیق وتدوین الکتب الدراسیة لمختلف المراحل الدراسیة ولجمیع الفروع العلمیة، ولشتی الموضوعات بما ینسجم مع المتغیّرات الحاصلة فی مجمل دوائر الفکر والمعرفة.

فقامت بمخاطبة العلماء والأساتذة، لیساهموا فی تدوین کتب دراسیة علی الاُسس المنهجیة الحدیثة للعلوم الإسلامیة خاصّة، ولسائر العلوم الإنسانیة: کعلوم القرآن، والحدیث والفقه، والتفسیر، والاُصول، وعلم الکلام والفلسفة، والسیرة والتأریخ، والأخلاق، والآداب، والاجتماع، والنفس، وغیرها، حملت هذه المناهج طابعاً أکادیمیاً مع حفاظها علی الجانب العلمی الأصیل المتّبع فی الحوزات العلمیة فی مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) الرسالیة.

ومن أجل نشر هذه المعارف والعلوم، بادرت جامعة المصطفی العالمیة(صلی الله علیه و آله) إلی تأسیس «مرکز المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمی للترجمة والنشر» لتحقیق، وترجمة، ونشر کلِّ ما یصدر عن هذه الجامعة الکبیرة، مما ألّفه أو حقّقه العلماء والأساتذة فی مختلف الاختصاصات وبمختلف اللغات.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم الذی یحمل عنوان الآداب الإسلامیة (الجزء الثانی) هو ثمرة تألیف لجنة التألیف فی جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة وترجمه من اللغة الفارسیة إلی العربیة الاُستاذ الفاضل کمال السیّد (السیّد عباس الموسوی).

ویحرص مرکز المصطفی العالمی علی تسجیل تقدیره لمترجمه الجلیل علی

ص:6

مابذله من جهد وعنایة، کما یشکر کلَّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب وتقدیمه للقراء الکرام.

وفی الختام نتوجّه بالرجاء إلی العلماء والأساتذة وأصحاب الفضیلة. للمساهمة فی ترشید هذا المشروع الإسلامی بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة، وأن یبعثوا إلینا بما یستدرکون علیه من خطأ أو نقص یلازم الإنسان عادة، لتلافیهما فی الطبعات اللاحقة، نسأله تبارک وتعالی التوفیق والسداد، والله من وراء القصد.

مرکز المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمی

للترجمة والنشر

ص:7

ص:8

مقدّمة قسم المناهج الدراسیة

وضعت الحوزات العلمیة - عبر تاریخها المجید - مهمّة التربیة والتعلیم علی رأس مهامهّا و جزءاً من رسالاتها الأساسیة، الأمر الذی ضمن إیصال معارف الإسلام السامیة وعلوم أهل البیت(علیهم السلام) إلینا خلال الأجیال المتعاقبة بأمانة علمیة صارمة، وفی هذا الإطار جاء اهتمام تلک الحوزة العلمیّة بالمناهج الدراسیة التعلیمیة.

وممّا لا شکّ فیه، أنّ التطوّر التکنولوجی الذی شهده عصرنا الحالی وثورة الاتصالات الکبری أفرزتا تحوّلاً هائلاً فی حقل العلم والمعرفة، حتّی أصبح بمقدور البشریة فی عالم الیوم أن تحصل علی المعلومات والمعارف اللازمة فی جمیع الفروع بسرعة قیاسیة وبسهولة ویسر. فقد حلّت الأسالیب التعلیمیة الحدیثة والمتطوّرة محلّ الأسالیب القدیمة والموروثة کمّا و نوعاً ، وسارت هذه التطّورات بسرعة نحو تحقیق الأهداف التعلیمیة المنشودة.

وبرزت جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة فی هذا الخضم کمؤسسة حوزویة وأکادیمیة تأخذ علی عاتقها مسؤولیة إعداد الکوادر العلمیة والتعلیمیة الأجنبیة فی مجال العلوم الإسلامیة، حیث تعکف أعداد غفیرة من الطلبة الأجانب الذین ینتمون إلی جنسیات مختلفة علی مواصلة الدراسة فی مختلف المستویات التعلیمیة وضمن العدید من فروع العلوم الإسلامیة والعلوم الإنسانیة التابعة لهذه الجامعة.

ص:9

وبطبیعة الحال، إنّ العلوم والمعارف الإسلامیة التی یتوافر علیها الطلبة الأجانب تتمایز بتمایز البلدان والأصقاع التی ینتمون إلیها، مما یدفع جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة إلی تدوین مناهج حدیثة تستجیب لطبیعة التمایز الذی یفرضه تنوّع البلدان وتنوع حاجات مواطینها.

لطالما أکّد أساتذة الحوزة ومفکّریها ولا سیّما الإمام الخمینی(رحمه الله)، وسماحة قائد الثورة الإسلامیة (دام ظله) علی ضرورة أن یستند التعلیم الحوزوی للأسالیب الحدیثة المستلهمة من مناهج الاستنباط فی الفقه الجواهری، وأن یتمّ سوقه نحو مسارات التألّق والازدهار، وفی هذا السیاق نشیر إلی مقطع من الکلمة المهمّة التی ألقاها سماحة قائد الثورة السیّد الخامنئی (دام ظله) فی عام 2007م، مخاطباً فیها رجال الدین الأفاضل:

بالطبع، إنّ حرکة العلم فی العقدین القادمین ستشهد تعجیلاً متسارعاً فی حقول العلم والتکنولوجیا مقارنة بما مرّ علینا فی العقدین المنصرمین ...، وفیما یتعلّق بالمناهج الدراسیة یجب علینا توضیح العبارات والأفکار التی تتضمّنها تلک المناهج إلی الدرجة التی تنزاح معها کلّ العقبات التی تقف فی طریق من یرید فهم تلک الأفکار، طبعاً، دون أن نُهبط بمستوی الفکرة.

فی الحقیقة، لقد استطاعت الثورة الإسلامیة المبارکة فی إیران - ولله الحمد - أن تسند المحافل العلمیة والجامعات بطاقات وإمکانات هائلة لتفعیلها و تطویرها. ومن هذا المنطلق، واستلهاماً من نمیر علوم أهل البیت(علیهم السلام) وبفضل الأجواء التی أتاحتها هذه الثورة العظیمة لإحداث طفرة فی النظام التعلیمی، أناطت جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة مهمّة ترجمة وطباعة ونشر المناهج الدراسیة التی تنسجم مع النظام المذکور، إلی مرکز المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمی، وذلک بالاعتماد علی اللّجان العلمیة والتربویة الکفؤة، وتنظیم هذه المناهج بالترکیز علی الأهمیة الإقلیمیة والدولیة الخاصّة بها.

وللحقیقة فإنّ جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة تملک خبرة عالیة فی مجال تدوین المناهج الدراسیة والبحوث العلمیة، حیث حقّقت تحوّلاً جدیداً فی میدان انتاج

ص:10

المعرفة، وذلک من خلال تجربتها فی تدوین مجموعة المناهج الخاصّة بالمؤسّستین السابقتین التی انبثقت عنهما، وهما: «المرکز العالمی للدراسات الإسلامیّة» و«مؤسسه الحوزات والمدارس العلمیة فی الخارج».

وکانت حصیلة الفعالیات العلمیة لهذه الجامعة فی مجال تدوین المناهج؛ إصدار أکثر من مئتی منهجٍ دراسی لداخل البلاد وخارجها، وإعداد أکثر من مئتی منهجٍ وکرّاسةٍ علمیّة، والتی نأمل بفضل العنایة الإلهیة وفی ظلّ رعایة الإمام المهدی المنتظر(عج) أن تکون قد ساهمت بقسط ولو غیر قلیل فی نشر الثقافة والمعارف الإسلامیة المحمّدیة الأصیلة.

وبدوره یشدّ مرکز المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمی علی أیدی الروّاد الأوائل ویثمّن جهودهم المخلصة، کما یعلن عن شکره للتعاون البنّاء للّجان العلمیة التابعة لجامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) علی مواصلة هذه الانطلاقة المبارکة فی تلبیة المتطلبات التربویة والتعلیمیة من خلال توفیر المناهج الدراسیة طبقاً للمعاییر الجدیدة.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم الذی یحمل عنوان الآداب الإسلامیة (الجزء الثانی) هو ثمرة تألیف لجنة التألیف فی جامعة المصطفی(صلی الله علیه و آله) العالمیة وترجمه من اللغة الفارسیة إلی العربیة الاُستاذ الفاضل کمال السید (السید عباس الموسوی).

ویحرص مرکز المصطفی العالمی علی تسجیل تقدیره و شکره للمترجم المحترم علی مابذله من جهد وعنایة، کما یشکر کلّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب.

کما لا یفوتنا أن نتوجّه بالرجاء إلی العلماء و الأساتذة و أصحاب الفضیلة أن یبعثوا إلینا بإرشاداتهم، و بما یستدرکونه علیه منه خطأ أو اشتباه؛ لتلافیه فی الطبعات اللاحقة.

نسأله تعالی التوفیق والسداد، والله من وراء القصد.

جامعة المصطفی (صلی الله علیه و آله) العالمیة

ص:11

ص:12

الفهرس

الدرس الأوّل: منزلة العلم والعلماء فی الإسلام «1» 21

1. قیمة العلم والعلماء فی القرآن الکریم 21

2. قیمة العلم والعلماء فی ضوء السنّة النبویة الشریفة 22

3. قیمة الطالب وطلب العلم فی السنّة النبویة الشریفة 24

الدرس الثانی: منزلة العلم والعلماء فی الإسلام «2» 27

4. قیمة العلم والعلماء فی أحادیث أهل البیت(علیهم السلام) 27

5. أفضلیة العالم علی العابد 29

6. الهدفیة فی تحصیل العلم 30

الدرس الثالث: الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «1» 33

الواجبات المشترکة 33

1. الإخلاص فی النیة 33

کیفیة بلوغ الإخلاص فی النیّة 35

الدرس الرابع: الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «2» 39

2. العلم والعمل 39

الدرس الخامس: الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «3» 45

3. اجتناب الغرور العلمی 45

4. التوکّل 46

5. التقوی وتهذیب النفس 47

ص:13

6. حسن الخلق 48

7. العفّة والکرامة 49

8. التمسّک بشعائر الدین 50

الدرس السادس: واجبات الاُستاذ «1» 53

1. واجبات الاُستاذ لذاته 53

الدرس السابع: واجبات الاُستاذ «2» 59

2. واجبات الاُستاذ إزاء طلابه 59

الدرس الثامن: واجبات الاُستاذ «3» 65

3. واجبات الاُستاذ فی الصف 65

الدرس التاسع: واجبات الطلاب «1» 71

1. واجبات الطلاب الذاتیة 71

2. واجبات الطلاب إزاء الاُستاذ 74

الدرس العاشر: واجبات الطلاب «2» 77

3. واجبات الطلاب فی الصف 77

4. آداب السکن فی القسم الداخلی 79

الدرس الحادی عشر: الزواج 83

1. موقع الزواج وقیمته 83

2. فوائد الزواج 85

الدرس الثانی عشر: الحقوق الزوجیة 91

1. واجبات المرأة إزاء زوجها 91

2. واجبات الرجل إزاء زوجته 93

الدرس الثالث عشر: قیمة العمل الأخلاقیة فی الطائفتین من الآیات و الروایات 97

الطائفة الاُولی 97

الطائفة الثانیة 100

الدرس الرابع عشر: آداب العمل والکسب 103

1. فقه العمل 103

2. اجتناب الاحتکار 104

ص:14

3. الدعاء وذکر الله سبحانه 105

4. اجتناب القسم والحلف 106

5. ذکر العیوب 107

6. الإنصاف 107

7. التساهل مع الفقراء 108

8. اجتناب الغش 108

الدرس الخامس عشر: النظافة «1» 111

1. النظافة البدنیة 112

2. آداب الحمام 113

3. نظافة الثوب 114

الدرس السادس عشر: النظافة «2» 119

4. السواک ونظافة الأسنان 119

فوائد المسواک 120

کیفیة استعمال المسواک 121

5. الحلاقة والجمال 122

6. تقلیم الأظافر 123

الدرس السابع عشر: النظافة «3» 127

7. التعطّر والتطیّب 127

8. نظافة المنزل والبیئة 129

نظافة البیئة 130

الدرس الثامن عشر: آداب التخلّی 133

1. الاستتار 133

2. صون العورة 134

3. کیفیة التخلّی 134

4. السکوت 135

5. آداب اخری 136

الدرس التاسع عشر: آداب الطعام «1» 139

1. حلّیة وطهارة الغذاء 139

ص:15

2. غسل الیدین 140

3. کیفیة الجلوس الی المائدة 141

4. البدء باسم الله 142

5. النیّة 142

6. کیفیة البدء بتناول الطعام 143

الدرس العشرون: آداب الطعام «2» 145

7. کیفیة الأکل 145

8. اجتناب التملّی من الطعام 146

9. تناول الطعام جماعیاً 148

10. آداب الأکل جماعة 149

الدرس الحادی عشر: العبادة 153

1. العبادة غائیة الخلق ورسالة الأنبیاء 154

2. فضیلة العبادة 155

3. حقیقة العبادة والعبودیة 155

4. العبادة الواعیة 156

5. غایات العبادة 156

6. انواع العبادة 157

الدرس الثانی والعشرون: فضیلة الصلاة 159

1. الصلاة فی القرآن الکریم 159

2. الصلاة فی الأحادیث النبویة الشریفة 160

3. الصلاة فی أحادیث أهل البیت(علیهم السلام) 162

الدرس الثالث والعشرون: آداب الصلاة 165

1. الالتزام بشروطها 165

2. أدب الحضور 165

3. الحَیَویّة والحبّ 166

4. الخشوع 167

5. حضور القلب 167

6. إجلال الصلاة 168

ص:16

7. وقت الفضیلة 169

8. الزینة 169

9. أداء الصلاة جماعة 169

الدرس الرابع والعشرون: فضیلة الصوم 171

1. الصوم لی 171

2. الصوم جُنّة 172

3. علّة الصیام 173

4. الآثار الروحیة للصوم 174

5. حدود الصوم 174

الدرس الخامس والعشرون: فضیلة القرآن الکریم ومنزلته 177

1. فضل القرآن 177

2. فضل التلاوة القرآنیة 178

3. فضیلة تعلّم القرآن وتعلیمه 179

4. فضیلة تدبّر القرآن وحفظه 180

5. الإصغاء والإنصات 181

الدرس السادس والعشرون: آداب التلاوة 183

1. الآداب الظاهریة 183

2. مکان القراءة 184

3. مقدار القراءة 184

4. الاستعاذة والتسمیة 185

6. الترتیل 185

7. الصوت الحسن 186

8. الحزن والخشوع 186

9. التدبّر 187

10. القراءة من خلال النظر فی المصحف 187

الدرس السابع والعشرون: قیمة الدعاء والزیارة 189

1. منزلة الدعاء 189

2. قیمة الدعاء وآثاره: 191

ص:17

3. زیارة الأولیاء 192

الدرس الثامن والعشرون: آداب الدعاء والزیارة 195

1. آداب الدعاء 195

أ) معرفة الله 195

ب) الأمل بالله والرجاء 195

ج) قطع الأمل بغیر الله عزّ وجلّ 196

د) حضور القلب 196

ه) التضرّع والرقّة 196

و) البدء باسم الله 197

ز) الثناء والحمد 197

ح) تحیة النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) 197

ط) التوسّل بالنبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام) 197

ی) الاعتراف بالذنب 198

ک) الطهر والأکل الحلال 198

ل) الإصرار 198

م) الدعاء الجماعی 198

ن) مرافقة العمل للدعاء 199

س) الأدعیة المأثورة 199

2. آداب الزیارة 199

أ) الغسل والنظافة 199

ب) أن یولّی وجهه شطر القبلة أثناء قراءة الزیارة. 200

ج) التزام الأدب 200

د) الزیارة المأثورة 200

ه) صلاة الزیارة 200

و) قراءة القرآن 200

الدرس التاسع والعشرون: السفر: غایاته وفوائده 203

1. البواعث المشروعة للسفر 204

أ) اکتساب العلم والمعرفة 204

ب) صون الدین وحفظه 205

ص:18

ج) الحج والزیارة 206

د) لقمة العیش الکریم 206

2. فوائد السفر 206

الدرس الثلاثون: آداب السفر وأخلاق المسافر 209

1. انتخاب رفیق السفر 209

2. أداء الحقوق 210

3. مستلزمات السفر 210

4. الدعاء والذکر 211

5. التصدّق 211

6. المروءة 212

7. جلب الهدایا 213

المصادر 215

ص:19

ص:20

الدرس الأوّل : منزلة العلم والعلماء فی الإسلام «1»

اشارة

طلب العلم والمعرفة فی الإسلام کسائر شؤون الحیاة، تابع لآداب وسلوکیات خاصّة، بعضها یخصّ الاُستاذ أثناء عملیة التدریس وبعض آخر خاصّ بالطلاب فی الصف وعلاقتهم الإجتماعیة، وقسم ثالث من هذه الآداب یشمل الاُستاذ والطلاب معاً، وسنتعرض فی الدروس القادمة آداب واُصول التعلّم فی الإسلام، أمّا فی هذا فسنتطرق إلی منزلة العلم والعالم فی الإسلام.

1. قیمة العلم والعلماء فی القرآن الکریم

1. إنّ أوّل ما نزل من الوحی الإلهی علی قلب سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) هو کلمة «اقرأ»

قال سبحانه وتعالی: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اِقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ* اَلَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ. 1

2. فضل الله عزّ وجلّ العلماء المؤمنین علی غیرهم قال سبحانه وتعالی: یَرْفَعِ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ. 2

ص:21

3. إنّ الحکمة منبع الخیر فمن یؤت الحکمة فقد اوتی خیراً کثیراً یقول عزّ وجلّ: وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً. 1 ومن طرق الحصول علی الحکمة هو العلم وطلب العلم.

4. إنّ أهل العلم یتمتعون بخمس خصال فی رأی القرآن الکریم:

أوّلاً: الایمان: وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ. 2

ثانیاً: التوحید: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ. 3

ثالثاً: الحزن خوفاً من الله: إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً. .. یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً. 4

رابعاً: الخشوع، کما ورد فی الآیة أعلاه.

خامساً: الخشیة: إِنَّما یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. 5

2. قیمة العلم والعلماء فی ضوء السنّة النبویة الشریفة

قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله):

1. «من یرد الله به خیراً یفقهه فی الدین». (1)

2. «علماء امتی کأنبیاء بنی إسرائیل». (2)

3. «العلماء ورثة الأنبیاء». (3)

ص:22


1- (6) . صحیح البخاری: کتاب العلم، ح70.
2- (7) . بحار الأنوار: 2، 22، الباب 8 .
3- (8) . سنن ابن ماجه: 1/ باب 17، ح 223.

4. «یستغفر للعالم ما فی السماوات والأرض». (1)

5. «أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد. أمّا أهل العلم فدلّوا الناس علی ما جاءت به الرسل، وأمّا أهل الجهاد فجاهدوا بأسیافهم علی ما جاءت به الرسل». (2)

6. «یوزن یوم القیامة مداد العلماء بدماء الشهداء». (3)

7. «إنّ مَثَل العلماءِ فی الأرض کمثل النجوم فی السماء یهتدی بها فی ظلمات البرّ والبحر، فإذا انطمست أوشک أن تضلّ الهداة». (4)

8. «أوحی الله عزّ وجلّ إلی إبراهیم(علیه السلام): یا إبراهیم، إنّی علیم وأحبّ کلّ علیم». (5)

9. «موت قبیلة أیسر من موت العالم». (6)

10. «من تفقه فی دین الله کفاه الله هَمَّهُ ورزقه من حیث لا یحتسب». (7)

11. «یشفع یوم القیامة لثلاثة: الأنبیاء، ثُمّ العُلماءُ ثُمّ الشهداءُ». (8)

12. «أفضل الصدقة أن یعلم المرء علماً ثُمّ یعلّمه أخاه». (9)

13. «إنّ الله وملائکته حتّی النملة فی جحرها وحتّی الحوت فی البحر یصلّون علی معلم الناس الخیر». (10)

ص:23


1- (1) . سنن ابن أبی داوود: 285/2.
2- (2) . احیاء العلوم للغزالی: کتاب العلم.
3- (3) . احیاء العلوم للغزالی: کتاب العلم.
4- (4) . کنز العمال: ح 28769.
5- (5) . المصدر.
6- (6) . المصدر.
7- (7) . المصدر.
8- (8) . سنن ابن ماجه: ح4209.
9- (9) . المصدر: باب20/ ح 243.
10- (10) . کنز العمال: ح 28736.

14. «النظر إلی وجه العالم عبادة». (1)

15. «موت العالم ثلمةٌ فی الإسلام لا تُسدُّ ما اختلف اللیل والنهار». (2)

3. قیمة الطالب وطلب العلم فی السنّة النبویة الشریفة

قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله):

1. «طلب العلم فریضة علی کلّ مسلم». (3)

2. «اطلبواالعلم ولو بالصین، فإنّ طلب العلم فریضة علی کلّ مسلم». (4)

3. «من طلب علماً فأدرکه کتب الله له کفلین من الأجر، ومن طلب علماً فلم یدرکه کتب الله له کفلاً من الأجر». (5)

4. «من أحبّ أن ینظر إلی عتقاء الله من النار فلینظر إلی المتعلّمین، فوالذی نفسی بیده ما من متعلّم یختلف إلی باب العالم إلاّ کتب الله له بکلّ قدم عبادة سنة وبنی الله له بکلّ قدم مدینة فی الجنّة ویمشی علی الأرض وهی تستغفر له ویمسی ویصبح مغفوراً له وشهدت الملائکة أنّهم عتقاء الله من النار». (6)

5. «من طلب العلم فهو کالصائم نهاره القائم لیله، وأنّ باباً من العلم یتعلّمه الرجل خیر له من أن یکون أبوقبیس ذهباً فأنفقه فی سبیل الله». (7)

ص:24


1- (1) . بحار الأنوار: 1/ کتاب العلم.
2- (2) . کنز العمال: ح 28761.
3- (3) . سنن ابن ماجه: 1/ باب 17/ ح 224.
4- (4) . بحار الأنوار: 180/1، باب1.
5- (5) . الترغیب والترهیب: 96/1.
6- (6) . تفسیر الرازی: 180/2.
7- (7) . المصدر.

6. «من خرج فی طلب العلم فهو فی سبیل الله حتّی یرجع». (1)

7. «طالب العلم بین الجهال کالحیّ بین الأموات». (2)

8. «إذا جاء الموت لطالب العلم وهو علی هذه الحالة مات وهو شهید». (3)

9. «من طلب باباً من العلم لیحیی به الإسلام کان بینه وبین الأنبیاء درجةً فی الجنّة». (4)

10. «طالب العلم تبسط له الملائکة أجنحتها رضاً بما یطلب». (5)

11. «من سلک طریقاً یطلب فیه علماً سلک الله به طریقاً من طرق الجنّة». (6)

12. ورد فی السیرة النبویة الشریفة: إنّ سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) دخل المسجد فرأی مجلسین: مجلس من المسلمین مستغرقین فی الذکر والعبادة، ومجلس علم وفقه، فقال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «کلا المجلسین إلی خیر، أمّا هؤلاء فیدعون الله وأمّا هؤلاء فیتعلمون ویفقّهون الجاهل، هؤلاء أفضل، بالعِلم ارسلت». (7)

من مجموع هذه الأحادیث ندرک أهمّیة العلم فی الدنیا وآثار ذلک فی الآخرة.

إنّ التقدّم الذی أحرزه المسلمون وازدهار الحضارة الإسلامیة یعود إلی هذا المخزون الکبیر من النصوص، وإلی التأکید علی طلب العلم ومنزلة العلماء وإلی جانب هذا، فإنّ الشریعة الإسلامیة تؤکّد علی طلب العلم المقرون بالإیمان؛ لأنّ المجتمع الإسلامی یحتاج إلی عینین: أحدهما «العلم» والاُخری «الإیمان».

ص:25


1- (1) . سنن الترمذی: ح 2647.
2- (2) . کنز العمال: ح 28726.
3- (3) . الترغیب والترهیب: 97/1.
4- (4) . کنز العمال: ح 28833.
5- (5) . المصدر: ح 28725.
6- (6) . کنز العمال: ح 28746.
7- (7) . سنن ابن ماجه: ح 229؛ کنز العمال: ح 28701 و28873 مع اختلاف فی اللفظ.

الخُلاصة

للعلم وطلب المعرفة فی الإسلام منزلة رفیعة، وکان أوّل ما نزل من الوحی الالهی علی سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) التذکیر بنعمة العلم. وقد تضمّن القرآن الکریم والسنّة النبویة الشریفة إشادة بالعلماء وحثاً علی طلب العلم.

الأسئلة

1. اذکر الآیات القرآنیة الکریمة التی تشیر إلی منزلة العلماء.

2. ما هی منزلة العالم فی ضوء السنّة النبویة الشریفة؟ استشهد بحدیث واحد.

3. من هم الناجون یوم القیامة؟ استشهد بحدیث نبوی شریف یدلّ علی ذلک.

4. اذکر حدیثاً شریفاً عن منزلة العالم وتفضیله علی العابد.

5. ما هو دور العلم فی بناء الحضارة الإسلامیة؟

ص:26

الدرس الثانی : منزلة العلم والعلماء فی الإسلام «2»

4. قیمة العلم والعلماء فی أحادیث أهل البیت(علیهم السلام)

1. قال الإمام علی(علیه السلام): «أیّها الناس اعلموا أنّ کمال الدین طلب العلم والعمل به، ألا وأنّ طلب العلم أوجب علیکم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لکم، قد قسّمه عادل بینکم وقد ضمنهُ وسیفی لکم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه». (1)

2. ویقول(علیه السلام) أیضاً: «العلم أفضل من المال بسبعة:

الأوّل: إنّه میراث الأنبیاء والمال میراث الفراعنة.

الثانی: العلم لا ینقص بالنفقة والمال ینقص بها.

الثالث: یحتاج المال إلی الحافظ والعلم یحفظ صاحبه.

الرابع: العلم یدخل فی الکفن ویبقی المال.

الخامس: المال یحصل للمؤمن والکافر، والعلم لا یحصل إلاّ للمؤمن خاصّة.

السادس: جمیع الناس یحتاجون إلی صاحب العلم فی أمر دینهم ولا یحتاجون إلی صاحب المال.

ص:27


1- (1) . الکافی: 30/1.

السابع: العلم یقوّی الرجل علی المرور علی الصراط والمال یمنعه». (1)

3. ویقول(علیه السلام) أیضاً: «رأس الفضائل العلم، غایة الفضائل العلم». (2)

4. ویقول(علیه السلام) أیضاً: «العلم وراثة کریمة». (3)

وعنه(علیه السلام) أیضاً: «العلم حجاب من الآفات». (4)

وعنه(علیه السلام) أیضاً: «العلم ضالّة المؤمن». (5)

5. وعن الإمام زین العابدین(علیه السلام) قال: «لو یعلم الناس ما فی طلب العلم لطلبوه ولو بسفک المهج وخوض اللجج، أنّ الله تعالی أوحی إلی دانیال: إنّ أمقت عبادی إلیّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم التارک للاقتداء بهم، وإنّ أحبّ عبادی إلیَّ التقیُّ الطالب للثواب الجزیل اللازم للعلماء التابع للحکماء القابل عن الحکماء». (6)

6. وجاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «من علّم باب هدیً فله مثل أجر من عمل به ولا ینقص اولئک من اجورهم شیئاً، ومن علّم باب ضلالة کان علیه مثل أوزار من عمل به ولا ینقص اولئک من أوزارهم شیئاً». (7)

7. وعن الإمام الرضا(علیه السلام) أیضاً: «إنّ الذی یعلم العلم منکم له أجر المتعلّم وله الفضل علیه، فتعلّموا العلم من حملة العلم وعلّموه إخوانکم کما علّمکموه العلماء». (8)

8. وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «من علّم خیراً فله مثل أجر من عمل به،

ص:28


1- (1) . بحار الأنوار: 185/1.
2- (2) . غرر الحکم: 41 و 16.
3- (3) . نهج البلاغة: الحکمة 5.
4- (4) . غرر الحکم: 64 و 794.
5- (5) . بحار الأنوار: 168/1، باب1.
6- (6) . الکافی: 35/1.
7- (7) . المصدر.
8- (8) . المصدر.

فسأله صاحبه أبو بصیر: فإن علّمه غیره یجری ذلک له؟ قال(علیه السلام): إن علّمه الناس کلّهم جری له. قال ابوبصیر: فإن مات؟ قال(علیه السلام): وإن مات». (1)

9. وعنه(علیه السلام) أیضاً: «من تعلّم العلم وعمل به وعلّم لله دعی فی ملکوت السماوات عظیماً، فقیل: تعلّم لله وعَمِل لله وعلَّم لله». (2)

5. أفضلیة العالم علی العابد

وفی هذا الموضوع طائفة من الأحادیث الشریفة:

1. قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «العلم أفضل من العبادة». (3)

2. وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من خرج یطلب باباً من علم لیردَّ به باطلاً إلی حقّ أوضلالة إلی هدیً کان عمله ذلک کعبادة متعبّد أربعین عاماً». (4)

3. وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «نوم مع علم خیر من صلاة مع جهل». (5)

4. وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «طلب العلم أفضل عند الله من الصلاة والصیام والحجّ والجهاد فی سبیل الله». (6)

5. وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «فضل العالم علی العابد کفضل القمر علی سائر النجوم لیلة البدر». (7)

6. «فضل العالم علی العابد سبعون درجة بین کلّ درجتین خضر الفرس سبعین عاماً؛

ص:29


1- (1) . الکافی: 35/1.
2- (2) . الکافی: 35/1.
3- (3) . کنز العمال: ح 2857.
4- (4) . المصدر: ح 28835.
5- (5) . المصدر: ح 28711.
6- (6) . کنز العمال: ح 28655.
7- (7) . بحار الأنوار: 124/1، باب4.

وذلک لأنّ الشیطان یضع البدعة للناس فیبصرها العالم فیزیلها، والعابد یُقبل علی عبادته». (1)

7. «فقیه واحد أشدُّ علی الشیطان من ألف عابد». (2)

8. وعنه(صلی الله علیه و آله): أیضاً: «رکعة من عالم بالله خیر من ألف رکعة من متجاهل بالله». (3)

9. وقال سیّدنا علی(علیه السلام): «الکلمة من الحکمة یسمعها الرجل فیقول أویعمل بها، خیر من عبادة سنة». (4)

10. وعن الإمام الباقر(علیه السلام): «تذکر العلم ساعة خیر من قیام لیلة». (5)

11. وعنه(علیه السلام): أیضاً: «عالم ینتفع بعلمه، أفضل من عبادة سبعین ألف عابد». (6)

12. وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «عالم أفضل من ألف عابد ومن ألف زاهد». (7)

6. الهدفیة فی تحصیل العلم

طالعنا فی هذا الدرس وفی الدرس الماضی مجموعة من أحادیث النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) وکلّها تصف منزلة العلم وکرامة العلماء، ومن الضروری الآن أن نعرف أی العلوم یحظی بهذه المنزلة الرفیعة وأی العلماء یتمتعون بهذا التکریم؟

وفی معرض الجواب عن هذا السؤال یمکن القول بأنّ جمیع العلوم تحظی بالأهمّیة وتتفاوت أهمّیتها تبعاً لما تقدّمه للمجتمع من فائدة عامّة وما تحقّق من منافع، ولهذا یعدّ تعلم جمیع الحقول العلمیة واجب کفائی فی الشریعة الإسلامیة، غیر أنّ

ص:30


1- (1) . الترغیب والترهیب: 102/1، ح 36.
2- (2) . إحیاء العلوم للغزالی: کتاب العلم.
3- (3) . کنز العمال: ح 28786.
4- (4) . بحار الأنوار: 183/1، ح 93.
5- (5) . بحار الأنوار: 204/1، باب4.
6- (6) . المصدر: 18/2، باب8.
7- (7) . المصدر: 19/2، باب8.

الأحادیث الشریفة تعنی بالثناء والتکریم للعلوم الدینیة وعلماء الدین، وذلک لما یلی:

أوّلاً: حدیث النبی(صلی الله علیه و آله) وقوله: «موت العالم ثلمة فی الإسلام لا تُسدُّ ما اختلف اللیل والنهار». (1)

ثانیاً: الحدیث النبوی الشریف: «والذی نفس محمّد بیده لعالم واحد أشدّ علی إبلیس من ألف عابد؛ لأنَّ العابد لنفسه والعالم لغیره». (2)

ثالثاً: جاء فی السیرة النبویة الشریفة: إنّ سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) دخل المسجد فإذا جماعةٌ قد أطافوا برجل، فقال(صلی الله علیه و آله): ما هذا؟ فقیل: علّامة فقال(صلی الله علیه و آله): وما العلّامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأیّام الجاهلیة والأشعار العربیة، قال: فقال(صلی الله علیه و آله): «ذاک علم لا یضرُّ من جَهلهُ ولا ینفع من عَلِمهُ، ثُمّ قال: إنّما العلمُ ثلاثة: آیةٌ محکمة أوفریضةٌ عادلةٌ أوسنّةٌ قائمة وما خلاهنّ فهو فضل». (3)

رابعاً: جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «إنّ العلماء ورثة الأنبیاء، إنّ الأنبیاء لم یورّثوا درهماً ولا دیناراً، وإنّما ورّثوا أحادیث من أحادیثهم فمن أخذ بشیء منها فقد أخذ حظّاً وافراً، فانظروا علمکم هذا عمّن تأخذونه فإنّ فینا أهل البیت(علیهم السلام) فی کلّ خَلَف عدولاً ینفون عنه تحریف الغالین وانتحال المبطلین وتأویل الجاهلین». (4)

فالعلوم الدینیة إذاً تحظی بمنزلة خاصّة، لما تنطوی علیه من فوائد کثیرة علی المجتمعات الإنسانیه.

وکلّما انتشر العلم الدینی ظلّ الدین مصوناً من تحریف المحرّفین، وتلاعب المغرضین.

ص:31


1- (1) . کنز العمال: ح 28761.
2- (2) . المصدر: ح 28908.
3- (3) . الکافی: 32/1، ح 1.
4- (4) . الکافی: 1/کتاب فضل العلم.

الخُلاصة

بیّنت أحادیث أهل البیت(علیهم السلام) منزلة العلم وکرامة العلماء، وقد دعوا(علیهم السلام) المسلمین إلی طلب العلم وحثوهم علی ذلک، وجعلوا طلب العلم أوجب من طلب المال.

إنّ الشریعة الإسلامیة تفضل العلم علی العبادة والعالم علی العابد.

إنّ الإسلام جعل الاُولویة فی طلب العلم للعلم الدینی والتفقه فیه، لما فیه من الخیر الکثیر الذی یعود علی المجتمع.

الأسئلة

1. لماذا عدّ الإمام علی(علیه السلام) تحصیل العلم أوجب من طلب المال؟

2. ما هی أوجه الاختلاف بین العلم والثروة؟ اشرح ذلک فی ضوء الحدیث المروی عن الإمام علی(علیه السلام).

3. لماذا یعدّ العالم أفضل من العابد؟ اشرح ذلک فی ضوء الأحادیث المثبته فی الدرسین الماضیین.

4. هل تتمتّع جمیع الحقول العلمیة بقیمة متساویة؟ وما هو المعیار فی درجة الأهمّیة؟

ص:32

الدرس الثالث:الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «1»

اشارة

تعرّفنا فیما مضی علی منزلة العلم وفضیلته، والآن نتعرّف علی آداب الإسلام فی التعلیم والتعلّم.

قسم العالم الإسلامی الکبیر الشهید الثانی هذه الآداب إلی ثلاثة أقسام، هی:

1. واجبات مشترکة بین المعلّم والمتعلّم.

2. واجبات خاصّة بالمعلّم.

3. واجبات خاصّة بالمتعلّم.

وفیما یلی تفصیل هذه الآداب حسب رؤیة الشهید الثانی(رحمه الله)

الواجبات المشترکة

اشارة

علی المعلّم والمتعلّم أن ینتبها إلی امور:

1. الإخلاص فی النیة
اشارة

أوصی الإسلام المؤمنین أن یخلصوا نوایاهم فی کلّ ما یعملون ویفعلون فتکون

ص:33

نیّاتهم لله عزّ وجلّ، ذلک أنّ بقاء الأجر وخلود الأعمال إنّما یکون من خلال النیّة الخالصة، کما أنّ ملاک وقیمة العمل تکمن فی النیّة، فإن کانت نیّة المرء خالصة لله کُتب له البقاء والخلود، وقد قال الله عزّ وجلّ فی کتابه العزیز: ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ. 1

ومعنی الخلوص فی النیة هو أنّ المرء لا یرجو من وراء عمله إلاّ رضوان الله ولا ینتظر من وراء عمله هدفاً آخر، ذلک أنّ کلّ شیء یتحرّک باتجاه الزوال إلاّ الله عزّ وجلّ، فمن یعمل لغیر الله فهو من الخاسرین.

یقول القرآن الکریم: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالاً* اَلَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً. 2

ویقول عزّ وجلّ: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ. 3

ویقول تبارک وتعالی: مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. 4

ویقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّما الأعمال بالنیّات، وإنّما لکلّ امرئ ما نوی، فمن کانت هجرته إلی الله ورسوله فهجرته إلی الله ورسوله، ومن کانت هجرته إلی دنیا یصیبها أوامرأة ینکحها فهجرته إلی ما هاجر إلیه». (1)

وعلی هذا فإنّ بلوغ النیّة الخالصة یتطلّب الأخذ بنظر الاعتبار رضا الله سبحانه

ص:34


1- (5) . کنز العمال: ح 7272؛ منیة المرید: 132.

وتعالی وسیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی کلّ عمل نعمله، بما فی ذلک التعلیم والتعلّم، ولهذا

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «نیّة المؤمن خیر من عمله». (1)

کیفیة بلوغ الإخلاص فی النیّة

من أجل بلوغ الإخلاص فی النیّة یتوجب تطهیر النفس وتزکیتها من کلّ دنس، یعنی ألاّ یکون فی القلب أمر آخر غیر الإیمان بالله تبارک وتعالی، فتکون العبودیة خالصة لله، قال عزّ وجلّ: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ* أَلا لِلّهِ الدِّینُ الْخالِصُ، 2 وقال تبارک وتعالی: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ وَ یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُؤْتُوا الزَّکاةَ وَ ذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ. 3

کما أنّ الإخلاص فی النیّة من شروط القرب الإلهی بعد التوحید، قال تبارک وتعالی: فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. 4

إنّ الإخلاص فی النیّة هو الذی یحدد قیمة العمل، ومن هنا نجد أنّ النیة إذا کانت لغیر الله، فإنّ ذلک یؤدّی بالمرء إلی الهلاک.

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من تعلّم علماً ممّا یبتغی به وجه الله عزّوجلّ لایتعلّمه إلاّ لیصیب به عرضاً من الدنیا لم یجد عرف الجنّة یوم القیامة». (2)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «من تعلّم علماً لغیر الله وأراد به غیر الله فلیتبوأ مقعده من النار». (3)

ص:35


1- (1) . الکافی: 84/2.
2- (5) . کنز العمال: ح 29020؛ منیة المرید: 134.
3- (6) . سنن الترمذی: 141/4؛ باب فیمن یطلب بعلمه الدنیا، ح 2793.

ویقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من طلب العلم لیماری به العلماء أولیماری به السفهاء ویصرف به وجوه الناس أدخله الله النار». (1)

وروی عنه(صلی الله علیه و آله) قوله: «لا تعلّموا العلم لتماروا به السفهاء وتجادلوا به الفقهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إلیکم وابتغوا بقولکم ما عند الله، فإنّه یدوم ویبقی، وینفد ما سواه، کونوا ینابیع الحکمة، مصابیح الهدی، أحلاس البیوت، سُرُج اللیل جدد القلوب خَلْقان الثیاب تعرفون فی أهل السماء وتخفون فی أهل الأرض». (2)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من طلب العلم لأربع دخل النار: لیباهی به العلماء أویماری به السفهاء أولیصرف به وجوه الناس إلیه أو یأخذ به من الاُمراء». (3)

وجاء فی الحدیث النبوی الشریف أیضاً: «ما ازداد عبدٌ علماً فازداد فی الدنیا رغبةً إلاّ ازداد من الله بعداً». (4)

ویروی الإمام علی(علیه السلام) عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «منهومان لا یشبعان: طالب دنیا وطالب علم فمن اقتصر من الدنیا علی ما أحلّ الله له سَلِم ومن تناولها من غیر حِلّها هلک، إلاّ أن یتوب ویرجع، ومن أخذ العِلْم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنیا فهی حظّه». (5)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «إذا رأیتم العالم محبّاً للدنیا فاتهموه علی دینکم، فإنّ کلّ محبّ لشیء یحوط ما أحبّ».

وقال(علیه السلام) أوحی الله تعالی إلی داوود(علیه السلام): «لا تجعل بینی وبینک عالماً مفتوناً بالدنیا

ص:36


1- (1) . کنز العمال: ح 29036.
2- (2) . سنن الدارمی: 131/1؛منیة المرید: 135.
3- (3) . سنن الدارمی: 103/1؛منیة المرید: 135.
4- (4) . المصدر.
5- (5) . الکافی: 46/1.

فیصدّک عن طریق محبّتی، فإنّ اولئک قطّاع طریق عبادی المریدین، أنّ أدنی ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتی من قلوبهم». (1)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): الفقهاء أُمناء الرسل مالم یدخلوا فی الدنیا. قیل: یا رسول الله، وما دخولهم فی الدنیا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلک فاحذروهم علی دینکم». (2)

ومن هنا ندرک أنّ أولّ شرط فی اکتساب العلم وتحصیله هو أن یکون ذلک من أجل رضا الله تبارک وتعالی وفی طریق معرفته سبحانه، وهنالک یبارکنا الله فی الدنیا وتشملنا رحمته فی الآخرة.

ص:37


1- (1) . الکافی: 46/1.
2- (2) . المصدر.

الخُلاصة

إنّ تحقیق رضوان الله هو هدف الإنسان المسلم، فی کلّ شؤون حیاته، وعلی هذا یجب علی المعلم والمتعلّم أن یجعلا نصب أعینهما هذا الهدف، فتکون نیّتهما خالصة لله وحده؛ لأنّ ملاک القبول فی الأعمال هو خلوص النیّة.

الأسئلة

1. من هم الخاسرون فی الحیاة؟ استشهد بالنصّ القرآنی.

2. کیف یمکن بلوغ الإخلاص فی النیّة.

3. ما هو الهدف الذی حذرنا منه نبینا محمّد(صلی الله علیه و آله) من وراء تحصیل العلم؟

4. من أی صنف من العلماء حذّرنا منهم الإمام الصادق(علیه السلام)؟

5. أی العلماء هم امناء الرسل؟ اذکر نصّ الحدیث النبوّی الشریف فی ذلک.

ص:38

الدرس الرابع:الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «2»

اشارة

تحدّثنا فی الدرس الماضی عن اولی الواجبات المشترکة والتی تخصّ کلاًّ من الاُستاذ والطالب علی حدٍّ سواء وهی الإخلاص فی النیّة. وسنتعرض فی هذا الدرس علی واجب آخر مشترک أیضاً

2. العلم والعمل

من واجبات الاُستاذ والطالب علی حدٍّ سواء هو العمل؛ لأنّ طلب العلم وتعلیم الناس لیس هدفاً بذاته وإنّما المطلوب هو العمل والسلوک، وحیاة الإنسان إنّما هی تجربته العملیة، وکذلک العمل لا ینبغی أن یکون دون علم، أنّ من عمل بغیر علم ضل وهدی.

یقول سیّدنا علی بن أبی طالب(علیه السلام): «فإنّ العامل بغیر علم کالسائر علی غیر طریق فلا یزیده بعده عن الطریق إلاّ بعداً من حاجته، والعامل بالعلم کالسائر علی الطریق الواضح فلینظر ناظر أسائر هو أم راجع». (1)

ص:39


1- (1) . نهج البلاغة: الخطبة 154.

والإمام یطلب منّا أن نعمل عن وعی وإدراک وعلم، وأن نسیر فی حیاتنا وفق منهج یسدّد خطانا وحرکتنا؛ لأنّ السیر فی غیر طریق واضح یعنی الضیاع والتیه والضلال. وعلی کلّ إنسان أن یعی حرکته جیّداً وإلی أی مقصد هو سائر. وفی هذا المعنی جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «العامل علی غیر بصیرة کالسائر علی غیر الطریق ولا یزیده سرعة السیر من الطریق إلاّ بعداً». (1)

وفوق کلّ هذا ما جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «مثل العابد الذی لا یتفقّه کمثل الذی یبنی باللیل ویهدم بالنهار». (2)

وفی هذا الحدیث النبوی الشریف أعمق تصویر للإنسان الذی یمضی لیله فی العبادة، فإذا أصبح تصرّف عن غیر وعی وعلم وإدراک، وبالتالی یرتکب من الذنوب ما یقضی علی الثواب الذی اکتسبه بالعبادة.

وحرکة الإنسان الفارغة من العلم هی حرکة من غیر هدف، ودوران فی حلقة مفرغة، یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «المتعبِّد علی غیر فقه کحمار الطاحونة یدور ولا یبرح من مکانه». (3)

ومثل هذا الإنسان تضیع کلّ جهوده ولن یتقدّم فی الحیاة ولن یبلغ الکمال لأنّ مسیرته وحرکته تفتقد العلم الذی یضیء طریقه ویرشده إلی طریق الصواب، تماماً کالإنسان الذی یصوم ویجهل أحکام الصوم ویرتکب من الأخطاء ما یبطل صومه، فلا یحصل من الصوم إلاّ الجوع والظمأ.

ولهذا شبّه الإمام علی الإنسان الجاهل بحمار الطاحونة یسیر ویسیر، ولکنّه فی الحقیقة یراوح فی مکانه، ثُمّ یقاد فی النهایة متعباً إلی الحظیرة.

ص:40


1- (1) . بحار الأنوار: 206/1، باب5.
2- (2) . کنز العمال: 179/10، ح 2893.
3- (3) . کنز العمال: 208/10.

من هنا فإنّ العمل الصائب یلزمه العلم، والعلم المقصود هنا هو العلم النافع فی

حیاتنا دنیویاً واُخرویاً، وعلی هذا الأساس ینبغی الالتفات إلی ما یلی:

أوّلاً: اجتناب العلوم التی لاطائل من ورائها فی حیاتنا، فمن أجل هذا جاء فی الدعاءالمأثور عن النبی(صلی الله علیه و آله) وآله الأطهار(علیهم السلام): «اللّهمّ إنّی أعوذ بک من علم لاینفع، ومن قلب لایخشع، ومن دعاء لایسمع، ومن نفس لاتشبع». (1)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) مع قوله: «لا خیر فی قلب لا یخشع، وعین لا تدمع، وعلم لا ینفع». (2)

کما جاء عنه(علیه السلام): «علم لا ینفعُ کدواء لا ینجعُ». (3)

من هنا فإنّ من العبث أن یهدر المرء وقته وعمره فی تعلم علوم لا دور لها فی الحیاة الإنسانیة.

ثانیاً: علی المرء أن یقصد من وراء طلب العلم العمل، ولهذا ندّد القرآن الکریم بالذین یقولون ما یعملون قال عزّ وجلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. 4

وقد شبّه القرآن الکریم بعض علماء الیهود بالحمیر التی تحمل فوق ظهورها الأسفار من الکتب، قال تبارک وتعالی: مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوها کَمَثَلِ الْحِمارِ یَحْمِلُ أَسْفاراً. 5

ویروی الإمام علی(علیه السلام) عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «العلماء رجلان: رجل

ص:41


1- (1) . کنز العمال: ح 3609.
2- (2) . غرر الحکم: 191.
3- (3) . المصدر: 44.

أخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارک لعلمه فهذا هالک، وأنّ أهل النار لیتأذّون من ریح العالم التارک لعلمه وأنّ اشدّ أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلی الله تبارک وتعالی، فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الجنّة وأُدخل الداعی النار بترکه علمه واتّباعه الهوی وطول الأمل. أمّا اتّباع الهوی فیصدّ عن الحقّ وطول الأمل ینسی الآخرة». (1)

وفی حدیث نبوی آخر یقول(صلی الله علیه و آله): «ألا وإنّ العالم من یعمل بالعلم وإن کان قلیل العلم». (2) فالمعیار للعالم هنا هو العمل بما علم. ویقول الإمام علی(علیه السلام) فی هذا المعنی: «العلم بالعمل» (3) ویقول(علیه السلام) أیضاً: «ما علم من لم یعمل بعلمه»، (4) ویروی عن السیّد المسیح عیسی بن مریم(علیه السلام) قوله: «لیس بنافعک أن تعلم ما لم تعمل، أنّ کثرة العلم لا یزیدک إلاّ جهلاً إذا لم تعمل به». (5)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «أشدّ الناس عذاباً عالم لا ینتفع من علمه بشیء». (6)

وجاء عنه(علیه السلام): «إنّ العالم إذا لم یعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب، کما یزلّ المطر عن الصفا». (7)

ومن عَلَی المنبر خطب الإمام علی(علیه السلام) بالناس قائلاً: «أیّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلکم تهتدون، أنّ العالم العامل بغیره کالجاهل الحائر الذی لا یستفیق عن جهله، بل قد رأیت أنّ الحجّة علیه أعظم والحسرة أدوم علی هذا العالم المنسلخ من

ص:42


1- (1) . الکافی: 1/کتاب فضل العلم.
2- (2) . بحار الأنوار: 76، باب 67.
3- (3) . غرر الحکم: 152.
4- (4) . المصدر: 153.
5- (5) . میزان الحکمة: ح 2888.
6- (6) . بحار الأنوار: 37/2.
7- (7) . الکافی: 44/1.

علمه منها علی هذا الجاهل المتحیّر فی جهله، وکلاهما حائر بائر. لا ترتابوا فتشکوا، ولا تشکّوا فتکفروا، ولا ترخّصوا لأنفسکم فتدهنوا، ولا تدهنوا فی الحقّ فتخسروا، وأنّ من الحقّ أن تفقهوا ومن الفقه ألّاتغتروا، وأنّ أنصحکم لنفسه أطوعکم لربّه، وأغشکم لنفسه أعصاکم لربّه، ومن یطع الله یأمن ویستبشر، ومن یعص الله یخب ویندم». (1)

وسأل المفضل بن عمر الإمام الصادق(علیه السلام) عن علامات الناجین من النار یوم القیامة، فقال الإمام(علیه السلام): «من کان فعله لقوله موافقاً فآت له بالشهادة، ومن لم یکن فعله لقوله موافقاً فإنّما ذلک مستودع». (2)

وخلاصة القول: إنّ الأحادیث الشریفة تقرن بین العلم والعمل فلا علم بلا عمل، کما أنّه لا عمل بلا علم، وقد جاء فی الحدیث النبوی الشریف: «إنّ العلم یهتف بالعمل، فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه». (3)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام): «العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم یهتف بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه». (4)

ولا ضمان لاستمرار العلم إلاّ بالعمل، وفی غیر ذلک یتعرّض العلم، إلی النسیان والزوال.

ص:43


1- (1) . المصدر: 45/1.
2- (2) . الکافی: 45/1.
3- (3) . المصدر.
4- (4) . بحار الأنوار: 36/2.

الخُلاصة

الإسلام لا یعدّ العلم هدفاً بذاته، وتحصیل العلم یکتسب قیمته للإفادة منه فی الحیاة الإنسانیة. ومن هنا دعا الإسلام إلی اجتناب العلوم التی لا دور لها فی بناء الحیاة والإنسان. کما وأنّ الروایات الإسلامیة تؤکّد بأنّ العمل من غیر علم وبصیرة یقود الإنسان إلی الحیرة والضیاع والخسران.

الأسئلة

1. کیف صوّر الحدیث النبوی الشریف العابد بلا فقه؟

2. کیف شبّه الإمام علی(علیه السلام) الإنسان العامل بلا علم؟

3. استشهد بالنصّ القرآنی فی العاملین بلا علم.

4. ما هو مصیر العالم بلا عمل فی الآخرة؟ استشهد بالحدیث الشریف.

5. من هم الناجون یوم القیامة من النار؟ اذکر حدیث الإمام الصادق فی هذا المضمار.

ص:44

الدرس الخامس:الآداب والواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب «3»

اشارة

استمراراً فی الحدیث عن الآداب المشترکة نتناول فی هذا الدرس أحد الواجبات المهمّة فی هذا المضمار

3. اجتناب الغرور العلمی

بعد أن یعقد المعلّم والطالب النیّة الخالصة لله فی طلب العلم ونشره، وبعد أن یعزما علی العمل علی بصیرة فی الحیاة، یأتی الدور إلی نقطة هامّة اخری هی الحذر من الغرور العلمی.

إنّ الإنسان مفطور علی حبّ الکمال والسعی للتقدّم فی حیاته، ومن الطبیعی أن یشعر المرء بلذة العلم ویدفعه إلی المزید من الانتهال منه حبّاً فی التکامل، ولکن علی الإنسان أن یعی أنّ التکامل العلمی مقدّمة لبلوغ الکمال المطلق وهو القرب الإلهی. وعلی هذا الأساس أنّ تحصیل العلم واکتساب الفضائل الأخلاقیة یجب أن تکون فی سبیل الله عزّ وجلّ ونیل رضوانه سبحانه وتعالی، غیر أنّه قد یحصل فی طلب العلم أن ینسی المرء الهدف الأساس، فیطلب العلم لذاته لما فی طلب العلم من لذة، فیستغرق

ص:45

فی ذلک ویتناسی واجبه الأساس وهدفه الحقیقی.

وفی علم الأخلاق الإسلامیة أنّ کلّ ما یقطع الطریق إلی الله وکلّ ما یمنع الإنسان من بلوغ رضا الله یدعی «حجاباً»، وفی هذه الحالة یستحیل طلب العلم إلی مشغلة تستغرق المرء ویعیقه عن طلب الکمال ذلک أنّه:

أوّلاً: إنّ العلم یضاعف من قدرة الإنسان وسیطرته علی الطبیعة.

ثانیاً: إنّ العلم یؤثّر فی سائر مجالات الکمال فینشأ شعور بالغرور بسبب ما أحرزه المرء من منزلة علمیة، ولهذا جاء فی الأثر عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «العلم هو الحجاب الأکبر».

ونقطة مهمّة اخری هی أنّ اکتساب جمیع العلوم یجب أن یکون مقدّمة لاکتساب معرفة النفس ومعرفة العالم والغایة من الوجود وبالتالی معرفة الله تبارک وتعالی، لکی تکون هذه المعرفة الصحیحة طریقاً فی تهذیب النفس وبناء الشخصیة الإنسانیة. فإذا تحوّل طلب العلم إلی حالة من «النرجسیة» وتضخم الذات أی لا یری المرء حینها إلاّ ذاته عندئذٍ یصاب بالغرور والتکبّر، ویصبح همّ المرء هو مضاعفة ما حصل علیه من العلوم والتعالی علی الناس أکثر فأکثر ممّا یبعده عن التواضع للناس والخشوع لله عزّ وجلّ، فیصبح العلم فی هذه الحالة سبباً فی سقوط الإنسان أخلاقیاً.

وعلی هذا الأساس ینبغی علی طلاب العلم وأهله أن یکون همّهم الإفادة من العلم واستخدامه سلّماً لبلوغ قمم الکمال الأخلاقی والروحی، فیکون العلم وسیلة فی تزکیة النفس وتهذیبها.

4. التوکّل

إنّ علی جمیع المشتغلین فی الحقل العلمی دراسة وتدریساً وبحثاً وتحقیقاً أن یتوکلوا علی الله عزّ وجلّ إضافة إلی الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالعجز والضعف; ذلک:

ص:46

أوّلاً: السعی والجهد العلمی، عمل صعب ومعاناة، وفیه من المشاق ما لا یمکن

تجاوزها بیسر، وأنّ علی المرء أن یستعد متوکّلاً علی الله تبارک وتعالی؛ لأنّه «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله».

ثانیاً: إنّ المشتغلین فی الحقل العلمی غالباً لا یمکنهم تأمین وتوفیر مستلزمات الحیاة والعیش بالقدر الکافی، ومن هنا فقد یتسلل إلی بعضهم شعور بالیأس والحرمان، ولهذا علیهم ألاّ یغفلوا عن أنّ الله سبحانه وتعالی یتکفّل معیشتهم، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله تعالی قد تکفّل لطالب العلم برزقه خاصّة عمّا ضمنه لغیره». (1)

ثالثاً: إنّ علی طالب العلم أن یعی هذه الحقیقة، وهو أنّ بلوغ مراتب الکمال العلمی لا ینحصر بالتحصیل والدراسة بالرغم من ضرورة ذلک؛ لأنّ العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء من عباده الصالحین، وقد جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «لیس العلم بالتعلّم إنّما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک وتعالی أن یهدیه». (2)

5. التقوی وتهذیب النفس

تطرّقنا فی البحث الثالث من هذا الدرس إلی أنّه یجب الانتباه إلی مشاعر الغرور العلمی التی قد تراود أهل العلم، فمن الممکن أن ینخدع الإنسان بمرتبته العلمیة ویصیبه الغرور والتکبّر الأمر الذی یقطع علیه الطریق إلی الله عزّوجلّ، فعلی أهل العلم طلّاباً ومعلّمین أن یسعوا ما وسعهم ذلک فی تهذیب انفسهم وتعزیز روح الإیمان فی ذواتهم، وأن یکونوا سبّاقین فی مضمار تزکیة النفس، وأن یکون العلم وسیلتهم فی القربی من الله تبارک وتعالی.

ص:47


1- (1) . کنز العمال: ح 28701؛ منیة المرید: 160.
2- (2) . بحار الأنوار: 224/1، باب7.

إنّ التقوی هی الاُخری من شروط اکتساب العلم ذلک أنّ الله تعالی جعلها شرطاً

فی الهدایة بقوله عزّ وجلّ: ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ (1) هذا أوّلاً.

ثانیاً: إنّ الله سبحانه وعد المتقین بالعلم، یقول تعالی: وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ یُعَلِّمُکُمُ اللّهُ. 2 ویقول عزّ وجلّ أیضاً: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً. 3 الفرقان هو بصیرة تمکن الإنسان من معرفة الحقّ وتشخیص الباطل فلا یقع فی حیرة عندما یواجه أمراً ما.

ثالثاً: إذا کان العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء فعلینا أن نطلبه من الله عزّوجلّ وطلبه لا ینحصر بالدعاء، وإنّما بالتقوی وتطهیر النفس من الوساوس والقلب من الأدران، ذلک أنّ القلب لا یستقبل النور الإلهی حتّی یکون طاهراً کالمرآة الصافیة.

رابعاً: إنّ العلماء یصبحون قدوة لعامّة الشعب، وقد جاء عن أحد الصالحین: إنّ الناس فی مرتبة أدنی من العلماء، فإذا کان العلماء أهل ورع وتقوی وزهد فی الدنیا خاض الناس فی المباحات من شؤون الحیاة، فإن خاض العلماء فی المباحات لم یتورع الناس عن دخول الشبهات، فإن دخل العلماء فی الشبهات خاض الناس فی الحرام، فإن خاض العلماء فی الحرام حینئذٍ سیکفر الناس.

6. حسن الخلق

إنّ أهل العلم قدوة لغیرهم، ومن هنا فعلیهم أن یتحلّوا بالأخلاق الکریمة والصفات النبیلة، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «اطلبوا العلم وتزیّنوا معه بالحلم والوقار،

ص:48


1- (1) . البقرة: 2.

وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تکونوا علماء جبّارین فیذهب باطلکم بحقّکم». (1)

ولهذا خاطب الله عزّ وجلّ رسوله الأکرم(صلی الله علیه و آله): فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ. 2

7. العفّة والکرامة

لکی یؤدّی أهل العلم دورهم الإنسانی فی الحیاة علیهم ألاّ یشعروا بالحاجة إلی أحد إلا الله عزّ وجلّ، فالاستغناء عن الناس یمنحهم شعور العزة والکرامة، ولهذا فإنّ المرء إذا واجه مصاعب فی معیشته فعلیه أن یتصرّف بطریقة تظهر للناس غناه؛ لأنّه إذا التفت الناس إلی عوزه ومدّوا له ید المساعدة سوف یخامرهم شعور بأن لهم فضلاً علیه وأنّهم أولیاء نعمته، ولو حصل ذلک فإنّ العالم لن یتصرّف بما توحیه رسالته الاجتماعیة، وإنّما سوف یحاول إرضاء الناس والاستجابة لما یرغبون وتهوی أنفسهم.

إن الله عزّ وجلّ قد تکفل برزق الناس جمیعاً وأهل العلم خاصّة، فلا یجدر بطالب العلم أن یمدّ عینه إلی ما فی أیدی الناس.

والأسوأ من ذلک أن یقف العلماء عند أبواب السلاطین یقتاتون علی فتات موائدهم أوطمعاً بالجاه والمقام والمال؛ لأنّهم إن فعلوا ذلک أداروا ظهورهم إلی الناس وباعوا دینهم بدنیا السلاطین والاُمراء والحکام، وقد توعّد الله اولئک بالعقاب والعذاب الألیم.

غیر أنّه یجب الإشارة إلی أنّ البعض یدخل فی أجهزة الحاکم الظالم لا لمعاونة الظالمین، وإنّما بقصد التخفیف من ظلم الظالمین وإنصاف المظلومین والدفاع عن حقوق المؤمنین، فهؤلاء لا یطالهم ذمّ وإنّما العکس، وقد جاء فی التاریخ أنّ الأئمة

ص:49


1- (1) . الکافی: 36/1.

من أهل البیت(علیهم السلام) امتدحوا هؤلاء ومنهم علی بن یقطین، الذی خدم فی حکومة ظالمة لکنّه کان عوناً للمظلومین وغوثاً للمحرومین.

8. التمسّک بشعائر الدین

إنّ علی طالب العلم والاُستاذ أن یکونا مثالاً فی التمسّک والالتزام بشعائر الدین، من الحضور المستمرّ فی المساجد والجوامع وإقامة الصلاة جماعة، وحسن السلوک والاهتمام بالآداب الإسلامیة، کعیادة المرضی ومساعدة المحتاجین والتواضع للناس أجمعین.

کما أنّ علی أهل العلم أن یکونوا قدوة فی مظهرهم وملبسهم، ذلک والاهتمام بنظافة الجسم والثوب والتعطّر هو من خصائص المؤمنین، فلا یکون منظرهم منفراً ولا تنبعث عنهم رائحة کریهة ولا یرتدون من الأزیاء ما یتعارض مع ثقافة المجتمع الذی یعیشون فیه.

وخلاصة القول: إنّ علی أهل العلم أن یکونوا قدوة ومثالاً وتجسیداً لشعائر الدین وآدابه وسننه، فیتعلّم الناس من سلوکهم أکثر ممّا یتعلمونه من حدیثهم.

ص:50

الخُلاصة

من الممکن أن یتحوّل العلم إلی حجاب بین المرء وربّه وذلک لما فی العلم من لذائذ، ولما فیه من مراتب قد تخدع الإنسان وتستغفله عن الهدف الأساس من وراء طلب العلم والحصول علیه، ولذا فعلی العلماء والطلاب الحذر من الغرور العلمی.

إنّ طریق العلم صعب وشاق، فعلی العلماء وطلاب العلم أن یتوکّلوا علی الله سبحانه.

بما أنّ العلم نور إلهی، فإنّ التقوی من شروط الإعداد الروحی لتلقی هذا النور.

إنّ مهمّة العلماء هو هدایة الناس، ولهذا علیهم أن یعاملوا الناس بالحسنی.

إنّ التوکّل علی الله سبحانه والإخلاص فی النیّة یستوجبان من العالم وطالب العلم أن یتعفف وألاّ یشعروا الناس بالحاجة إلی معوناتهم.

إنّ الانسجام بین القول والعمل أمر مطلوب من العلماء وطلاب العلم، فعلیهم أن یکونوا مثالاً فی رعایة الآداب والشعائر الإسلامیة.

الأسئلة

1. لماذا یعتبر النبی(صلی الله علیه و آله) العلم «الحجاب الأکبر»؟

2. لماذا یجب علی طلاب العلم أن یکونوا أسبق من غیرهم فی التوکّل علی الله؟

3. لماذا تعتبر التقوی شرطاً فی تلقی العلم؟

4. لماذا التف الناس حول النبی(صلی الله علیه و آله) وانجذبوا إلیه؟ استشهد بالنّص القرآنی.

5. بیّن بإیجاز الواجبات المشترکة للمعلّم والمتعلّم.

ص:51

ص:52

الدرس السادس : واجبات الاُستاذ «1»

اشارة

بعد أن تعرّفنا علی الواجبات المشترکة للطالب والاُستاذ، نتناول فی هذا الدرس والدرس القادم الواجبات الخاصّة بالاُستاذ والمعلّم، وقد قسّم العالم الإسلامی المعروف بالشهید الثانی واجبات المعلّم إلی ثلاثة أقسام، هی:

1. واجباته لذاته 2. واجباته إزاء تلامذته وطلابه 3. واجباته فی الصف.

1. واجبات الاُستاذ لذاته

أ) یجب علی الاُستاذ أن یتورع عن التدریس مالم یحط بالموضوع إحاطة کافیة، وعلیه بدءاً ألاّ ینبری للتعلیم أساساً حتّی یؤیّده أساتذة یشهدون علی قابلیاته العلمیة، وفی غیر هذه الصورة یکون الاُستاذ من غیر أهلّیة کلابس ثوب أکبر من حجمه.

وقد قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «المتشبّع بما لم یعط کلابس ثوبی زور». (1)

ب) علی الاُستاذ أن یتورع عن تدریس من لا یحترم العلم ولا یقدر منزلة المعلم، وفی غیر هذه الحالة یتعرّض العلم والمعلّم للاستخفاف. وقد کان العلماء فیما مضی یعدّون ذهاب المعلم إلی منزل الطالب خفة وإهانة لجلال العلم؛ لأنّ الطالب الذی

ص:53


1- (1) . سنن ابی داوود: کتاب الأدب/ح 4997؛ منیة المرید: 217.

یقصد الاُستاذ، یری نفسه فی مقام أعلی، ولذا کانوا ینصحون بعکس ذلک وهو أن یستقبل الاُستاذ طالبه فی بیته.

وکانوا یوصون بالهجرة من الوطن من أجل طلب العلم؛ لأنّ العلم من الرفعة والجلال ما یبرّر للمرء تغرّبه عن الدیار وتحمله مشاق الأسفار.

ج) لقد بحثنا فی الواجبات المشترکة بین الاُستاذ والطالب، وقلنا: إنّ علیهما الإخلاص فی النیّة، وهنا نؤکّد هذه النقطة وهی الاُستاذ أولی بهذا الواجب من الطالب؛ ذلک أنّ الاُستاذ إذا لم یعمل بعلمه فقد تأثیره المطلوب فی نفوس طلابه ولن یکترثوا لما یقوله، ویبرّرون ذلک أنّ کلام الاُستاذ لو کان حقّاً لعمل به، وفی هذا المعنی یقول القرآن الکریم: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ. 1

وقد سئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن العلماء فی هذه الآیة الکریمة من قوله تعالی: إِنَّما یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. 2

فقال(علیه السلام): «من صدّق فعله قوله، ومن لم یصدّق فعله قوله فلیس بعالم». (1)

وجاء عنه(علیه السلام) قوله: «قطع ظهری اثنان: عالم متهتّک وجاهل متنسّک، هذا یصدّ الناس عن علمه بتهتکه، وهذا یصدّ الناس عن نسکه بجهله». (2)

وعلی أیّة حال علی الاُستاذ ألاّ یکون ازدواجیاً، أی یقول شیئاً ویفعل شیئاً آخر یأمر الطلاب أوینهاهم عن شیء، ثُمّ یمارس عکس ما یقول، فمثلاً یوصی طلابه بالصلاة جماعة وبعیادة المرضی والمشارکة فی تشییع جنائز المؤمنین وحضور الاحتفالات، لکنّه لا یقوم بواحدة ممّا ذُکر، أوینهی طلابه عن أشیاء ویرتکبها هو،

ص:54


1- (3) . الکافی: 36/1.
2- (4) . بحار الأنوار: 208/1.

کأن ینهاهم ویحذرهم من الوقوع فی حبّ الدنیا والانخداع بمظاهرها البراقة، أمّا هو فیعیش حیاة باذخة.

ربّما یوجد عذر شرعی یمنع الاُستاذ من أداء واجب دینی ما، ولکن علیه أن یجسّد المثال الذی یجعل منه قدوة لغیره؛ لأنّ الناس إذا رأوا فی سلوکه ما یخلّ بالمثال تزعزعت ثقتهم به وساورتهم الشکوک والشبهات حوله.

کلّنا یعرف أنّ الصوم فی رمضان واجب علی الجمیع، وأنّ لهذا الشهر الکریم حرمته وقداسته، فکلّ من یحاول کسر حرمته یعدّ وقحاً فی نظر الجمیع، ولذا یتحتم علی کلّ من لدیه عذر شرعی فی الإفطار وتناول الطعام ألاّ یفعل ذلک بمرأی من الناس، ذلک أنّ هذا العمل سوف یشجع ذوی النفوس الضعیفة علی التجرئ علی حرمة وقداسة الشهر المبارک، ویکون وضع الاُستاذ فی هذه الحالة حساساً جدّاً؛ لأنّه قدوة ومثال لغیره، فلا ینبغی له أن یفعل ذلک بتاتاً، ومثال الصوم فی رمضان إلاّ مثال علی ذلک.

من هنا یتوجب علی الاُستاذ ألاّ یقوم بعمل یوقعه فی دائرة الشکّ والشبهة والاتّهام.

وقد جاء فی سیرة النبی(صلی الله علیه و آله) أنّ الرسول کان فی طریقه إلی بیته ومعه أحد أزواجه فصادف رجلاً من أصحابه، فقال النبی(صلی الله علیه و آله): هذه زوجتی فلانه، وقد فعل ذلک حتّی یقطع الطریق علی وساوس الشیطان التی قد تراود الرجل حول هویة المرأة التی شاهدها مع النبی(صلی الله علیه و آله).

د) علی الاُستاذ أن یتجلّی بدرجة عالیة من حسن الخلق، فمن البدیهی أنّ سلوک الاُستاذ أکثر تأثیراً من کلامه، ومن هنا فإنّه مطلوب من الاُستاذ أن یکون متواضعاً طیباً ومرناً، فمثل هذه الصفات هی التی تشدّ الناس إلیه وتدفعهم إلی الإصغاء لکلامه وإلی الاستلهام من سیرته وسلوکه.

وقد طالعنا فی الدروس الاُولی ما قام به السیّد المسیح(علیه السلام) وکان یعرف ب- «المعلم» وکیف غسل أقدام الحواریین من أجل أن یعلّمهم معنی التواضع وقال لهم: غسلت

ص:55

أقدامکم تواضعاً لکم، فتواضعوا للناس، کما تواضعتُ لکم. وقال لهم: تعمر الحکمة بالتواضع لا بالتکبّر، کما أنّ النبات ینمو فی الأرض اللینه لا فی الصخور.

5. لا ینبغی أن یکون العلم فی خدمة الظالمین؛ لأنّ بعضهم یهتمّ بالعلم من أجل أن تسلّح به فیکون أکثر قوّة وأشدّ بطشاً وطغیاناً، کما لا ینبغی أن یکون طلب العلم من أجل أهداف دنیویة، ولو حصل ذلک من بعض الأفراد، فعلی الاُستاذ إن وقف علی نیتهم ألاّ یحرمهم من فیض علمه فقد ینتبه هؤلاء إلی أخطائهم ویَصلحُ أمرهم، وهذا من برکات الاُستاذ، أنّه یدمج العلم بالخلق الکریم فیکون نموذجاً مؤثراً فی طلابه، وقد کان کبار العلماء فیما مضی لایشرعون ببحوثهم حتّی یعظوا وینصحوا ویذکّروا، فإذا اطمئنوا إلی أخلاق طلابهم حینئذٍ یبدؤون دروسهم، ومثل هذا المنهج یضع الطلاب فی الجهة الصحیحة من الطریق وهم فی بدایة المسیر.

ولذا علی الاُستاذ أن یودع العلم عند أهله حتّی لا یکون وسیلة بأیدی الظالمین ینشرون به الفساد.

6. یجب أن یکون الاُستاذ من أسخی الناس بعلمه فینشره ولا یبخل به ولا یکتمه قال الله عزّ وجلّ: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ لَتُبَیِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَکْتُمُونَهُ. 1

وقال سبحانه وتعالی: إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ. 2

وجاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «زکاة العلم أن تعلمه عباد الله». (1)

کما جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «قرأت فی کتاب علیٍّ(علیه السلام): إنّ الله یأخذ

ص:56


1- (3) . الکافی: 41/1.

علی الجهال عهداً بطلب العلم حتّی أخذ علی العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال؛ لأنّ العلم کان قبل الجهل». (1)

7. ومن واجبات الاُستاذ أن یظهر الحقّ والحقیقة حتّی یمیز الناس الحقّ من الباطل أویلقی الحجّة علی المبطلین وحتّی لا یقول قائل: إنّنا لم نعرف الحقّ ولم یکن هناک من یدلّنا علیه.

إنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو أساساً من واجب العلماء، فکلّ مؤمن یتوجب علیه الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بمقدار ما عنده من العلم، ومن هنا تکون مسؤولیة العلماء والمعلّمین والمربّین أکثر من غیرهم فی هذا المجال، وهذا ما یجعلهم فی الخطّ الأوّل من الصراع مع البدع والمنکرات، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إذا ظهرت البدعة فی امتی فلیظهر العالم علمه، فإن لم یفعل فعلیه لعنة الله». (2)

ولذا فأی تقصیر فی هذا الواجب وأی غفلة عن مواجهة البدع، فإنّ الناس ینخدعون بها وینحرفون عن دینهم، فعلی الاُستاذ أن یتحلّی بالشجاعة الکافیة والصراحة فی بیان الحقّ وإعلان الحقیقة وألاّ تأخذه فی ذلک لومة لائم.

ص:57


1- (1) . المصدر.
2- (2) . بحار الأنوار: 72/2، باب 13.

الخُلاصة

إنّ من واجبات الاُستاذ أن تکون له قابلیة التدریس والتعلیم وأن یطابق عمله قوله، وأن یتحلّی بحسن الخلق، وأن یعرف طلابه الحقیقیین، وأن یقف بشجاعة فی مواجهة البدع والمنکرات، ویعلن الحقیقة دون خوف وتردد.

الأسئلة

1. ما هی الاستعدادات المطلوبة من الاُستاذ قبل المباشرة بعملیة التعلیم؟

2. هل یتوجب علی الاُستاذ أن یودع علمه لدی کلّ من یطلب ذلک منه؟

3. ما هی خصائص العالم فی ضوء الحدیث المروی عن الإمام الصادق(علیه السلام)؟

4. لماذا کان علماء السلف الصالح لا یبدؤون دروسهم حتّی یعظوا طلابهم وینصحونهم أخلاقیاً؟

ص:58

الدرس السابع : واجبات الاُستاذ «2»

2. واجبات الاُستاذ إزاء طلابه

1. إنّ أولی واجبات الاُستاذ إزاء تلامیذه أن یعرّفهم تدریجیاً الآداب الدینیة والأخلاقیة، ویؤکّد علی أهمّیتها وسموها بالنسبة إلی المراتب العلمیة.

وأساساً أنّ لکلّ شیء وعاء، ووعاء العلم القلوب الطاهرة والعقول السلیمة. من هناینبغی من الاُستاذ قبل البدء بعملیة التعلیم أن یهیئ نفوس تلامیذه وطلابه لتقبل الحقائق العلمیة؛ وذلک من أجل أن یتواضعوا إزاء الحقیقة ویسلّموا لها تسلیماً، وفی هذه الحالة فقط یکون کسب العلم سلّماً لرقی الطلاب نحو الکمال الإنسانی.

والشرط الأوّل: - فی هذا المسار - هو أن یسعی الاُستاذ فی إرشاد طلابه إلی الإخلاص فی النیّة، وتحدید الأهداف السامیة من وراء التعلّم، وفی مثل هذه الظروف یتحقّق التلقی من الفیض الإلهی.

وعلی هذا الأساس تکون مهمّة الاُستاذ الاُولی أن یوضّح لطلابه الأهداف الحقیقیة المثلی من وراء العلم، لکی یدرکوا أنّ الأهداف الدنیویة البرّاقة ما هی إلاّ سراب یحسبه الظمآن ماء، وأنّ کلّ شیء دنیوی إنّما هو عابر وزائل، وأنّ الکمال الحقیقی للإنسان هو فی بلوغ القرب الإلهی.

ص:59

الشرط الثانی: عندما یطمئن الاُستاذ إلی وعی طلابه ویقظة ضمائرهم وصفاء نفوسهم تأتی مهمّته التالیة فی بیان قیمة العلم ومنزلة الفکر وأهمّیة اکتساب الفضائل مذکّراً إیّاهم أنّ الإنسان الذی یروم بلوغ الحقیقة علیه أن یطیر بجناحین: الأوّل: العلم، والثانی: التقوی، وأن تکون تجارب العلماء الماضین نصب أعینهم.

الشرط الثالث: إنّ العلاقة التی تربط بین الاُستاذ وطلابه إنّما تنهض علی میثاق الاُخوة الإسلامیة، وهذه العلاقة کما یؤکّد علماء السلف هو رابطة الأب مع ولده، فعلی الاُستاذ أن یشعر طلابه باُبوّته فیحبّ لهم ما یحبّ لأبنائه، ویکره لهم ما یکره لأولاده، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی هذا المضمار: «لایؤمن أحدکم حتّی یحبّ لأخیه ما یحبّ لنفسه». (1)

الشرط الرابع: علی الاُستاذ أن یردع طلابه عن ارتکاب الحرام ویحذرهم من الرذیلة، ویکون اسلوب الاُستاذ فی ذلک غایة فی الدقّة وبعیداً عن الغلظة مستخدماً أسالیب غیر مباشرة; ذلک أنّ الحدیث مباشرة قد یؤدّی إلی سقوط الحاجز الأخلاقی، وأفضل أسالیب التربیة هو الأسلوب اللیّن فی الوعظ والإرشاد، وقد أمر الله عزّ وجلّ رسوله موسی(علیه السلام) وأخاه هارون أن یذهبا إلی فرعون قال سبحانه وتعالی: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیِّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشی. 2 أنّ الاُسلوب اللیّن والإشارة إلی منافاة عمل ما للشریعة والأخلاق دون التصریح باسم مرتکب ذلک العمل سوف یفتح باب عودة الطالب إلی طریق الصواب.

الشرط الخامس: علی الاُستاذ ألاّ یکون متکبّراً مغروراً أمام طلابه، وأن یکون سلوکه مزیجاً من الوقار والتواضع، وفی هذه الحالة فقط یتحقّق الارتباط القلبی بین

ص:60


1- (1) . صحیح البخاری: 1/کتاب الإیمان؛ منیة المرید: 190.

الطلاب واُستاذهم وبالتالی تأثّرهم بشخصیته وتلقی العلم عنه، یقول عزّ وجلّ فی محکم کتابه الکریم: وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ. 1

فعلی الاُستاذ أن یتحلّی بالرحمة والرأفة والمحبّة، وأن یشعر طلابه بألّا یرید شیئاً سوی مصلحتهم الحقیقیة، وفی هذه الحالة سوف یدرک الطلاب إخلاصه وصفاء سریرته.

من هنا یتوجّب علی الاُستاذ أن یعرف طلابه جمیعاً بأسمائهم، وأن یخاطبهم باحترام، وإذا ما غاب أحدهم سأله عن حاله واستفسر عن علّة تغیّبه، وهذا السلوک من أسباب موفقیة الاُستاذ ونجاحه فی مهمّته هذا أولاً، وثانیاً سوف یحفظ للاُستاذ وقاره ومنزلته فی قلوب تلامیذه.

الشرط السادس: علی الاُستاذ أن یأخذ بنظر الاعتبار المستوی العلمی لطلابه ومدی استعدادهم؛ ذلک أنّ طرح المادّة العلمیة لا یتناسب مع مستوی الطلاب سیکون له نتائج سلبیة، من هنا یتوجّب أن یکون الطرح مهلاً بعیداً عن التعقید الذی لا طائل من ورائه، وفی غیر هذه الحالة سیفتر حماس الطلاب وتتراجع نسبة الإصغاء لدیهم.

وفی حالة طرح الطلاب لأسئلتهم یجب علی الاُستاذ أن یقدم أجوبة واضحة، فإذا تطلب السؤال جواباً یشتمل علی بحوث معقدة أرجأ الجواب إلی وقت آخر؛ لأنّ بأجوبته المعقدة تضاعف من حیرة الطلاب، وربّما تقودهم إلی الانحراف.

وعلی هذا یتوجب علی الاُستاذ أن یرتّب مادّته العلمیة فی طرح منطقی حتّی یسهل تلقیها من قبل الطلاب، إضافة إلی ترتیبها حسب أهمّیتها الشرعیة والعلمیة.

الشرط السابع: علی الاُستاذ أن یزرع فی نفوس طلابه الثقة بالنفس والأمل، وأن یحثهم علی التقدّم والرقی فی طریق التکامل الإنسانی والعلمی، وأن یشجعهم دائماً علی السؤال وإبداء الآراء، وإذا ما طرح أحدهم سؤالاً سطحیاً تافهاً أو أبدی رأیاً

ص:61

خاطئاً استقبل الاُستاذ ذلک منه بوقار ورحابة صدر؛ لأنّ السخریة علی الطالب تحدّ من شجاعته الأدبیة وتفاعله مع الاُستاذ وبالتالی تقضی علی العلاقة الصمیمیة بینهما.

الشرط الثامن: علی الاُستاذ أن یبسط مادّته العلمیة من دون المساس بعمقها ومحتواها، وذلک من أجل تیسیر فهمها، وعندما یقوم بعض الأساتذة بطرح معقد للمادّة العلمیة، فإنّ ذلک یؤثّر تأثیراً سلبیاً علی حماس الطلاب ویجعلهم یشککون فی استعدادهم ومستوی ذکائهم وفطنتهم، وهذا ما یزرع روح الیأس والفشل فی دراستهم العلمیة.

الشرط التاسع: علی الاُستاذ تشجیع طلابه علی التقدّم فی دراستهم من خلال تکلیفهم بإنجاز بعض تحقیقات العلمیة، ومن خلال طرح الأسئلة ومطالبتهم بالإجابة عنها وإثراء البحث من خلال المناقشة.

کما وأنّ علیه أیضاً تشجیع علی النقد والإشکال علی موضوع البحث، فمن شأن ذلک أن یرسّخ المادّة العلمیة فی ذهن الطالب ویزید فی وعیه لها.

الشرط العاشر: علی المعلّم أن یعامل طلابه علی أساس العدل والإنصاف وألاّ یمیّز فیما بینهم فهم جمیعاً متساوون فی الحقوق والواجبات، غیر أنّه من الطبیعی أن یمتاز بعض الطلّاب علی غیرهم فی الإصغاء واستیعاب مادّة الدرس، وقد یتفوق بعضهم من خلال استغراقهم فی الدراسة وانهماکهم فی البحث والتحقیق، فی هذه الحالة ینبغی علی الاُستاذ أن یهتمّ بهؤلاء الطلاب ولا یعدّ اهتمامه هذا ممارسة فی التمییز، بل إنّه من السلبی جدّاً أن یساوی الاُستاذ بین الطالب النشیط وبین الکسول، فالمساواة هنا تقضی علی محفزات الطالب الذکی وتدفعه إلی الفتور والتکاسل، وتضاعف من وقاحة الطلاب الکسالی.

وسلوک الاُستاذ إزاء الطلاب النابهین واهتمامه بهم واحترامه لهم یجب أن یکون سببه واضحاً للجمیع، وهو تفوق هؤلاء الطلاب ورعایتهم للآداب والاُصول الأخلاقیة.

ص:62

الشرط الحادی عشر: علی الاُستاذ أن یهتمّ باختصاصه خلال التدریس وألاّ یتطرّق إلی موضوعات لیست من تخصصه ولا یملک الاطّلاع الکافی عنها؛ لأنّ طرحه الموضوع وتحدّثه فیه سوف یقلل من شأنه أمام طلابه هذا من جهة، ومن جهة اخری سوف یکون سبباً فی انحراف بعض الطلاب.

کما یتوجب علیه أیضاً ألاّ یوحی بأنّ الحقل العلمی الذی یشتغل فیه هو الوحید الذی یستحقّ الاحترام، فیحاول الحط من شأن سائر الحقول العلمیة.

الشرط الثانی عشر: علی الاُستاذ وبعد أن یتوفر لدیه الاطّلاع الکافی عن قابلیات طلابه العلمیة أن یرشدهم حسب مستویاتهم إلی أساتذة أکفاء.

الشرط الثالث عشر: وفی الوقت الذی یقتنع فیه الاُستاذ ویطمئن إلی مقدرة بعض طلابه فی التدریس وإحاطتهم بالمادّة العلمیة أن یفتح أمامهم الأبواب من أجل تعلیم وإرشاد الآخرین، فعلی الاُستاذ والمربّی أن ینوّه بذکرهم فی المحافل ویعرّفهم لدی أصحاب الشأن والاهتمام.

ص:63

الخُلاصة

إنّ تربیة الطلاب علی الآداب الإسلامیة، ودعوتهم إلی تقوی الله عزّ وجلّ، وإرساء علاقات صمیمیة معهم والتواضع لهم، وبعث روح الأمل فی نفوسهم وتشجیعهم علی الدرس والتنقیب والمناقشة، والتعامل معهم بالعدل والإنصاف وعدم التمییز فیما بینهم. إنّ کلّ هذا هو من واجبات الاُستاذ إزاء الطلاب.

الأسئلة

1. لماذا یتعیّن علی الاُستاذ أن یهتمّ بتهذیب أخلاق طلابه قبل الشروع بتعلیمهم؟

2. کیف ینبغی أن تکون العلاقة بین الاُستاذ مع طلابه؟

3. ماذا یتعین علی الاُستاذ أن یأخذ بنظر الاعتبار عند طرحه للمادّة العلمیة؟

4. ما هی مسؤولیة الاُستاذ إزاء تفوق واستعداد طلابه؟

5. ما هی مسؤولیة الاُستاذ إزاء طلابه بعد نجاحهم وتفوقهم؟

ص:64

الدرس الثامن : واجبات الاُستاذ «3»

3. واجبات الاُستاذ فی الصف

1. علی الاُستاذ أن یکون مستعدّاً للتدریس قبل دخوله الصف، وهذا الاستعداد لا یقتصر علی إحاطته بمادّة الدرس، وإنّما یشمل ذلک مظهره العام من نظافة وأناقة، بحیث یکون مثالاً للوقار والجلال والهیبة، ولا یعنی الأناقة ارتداء الثیاب الفاخرة وإنّما نظافتها وتناسقها، کما أنّ الهیبة لا یصنعها الزی وإنّما ما یشعّ من سلوک الاُستاذ وسیرته.

2. یجدر بالاُستاذ وهو یستعد لمغادرة بیته ومنزله إلی ممارسة عمله التعلیمی أن یذکر الله سبحانه، وأن یقرأ هذا الدعاء المأثور عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «اللّهمّ إنّی أعوذ بک أن أضلّ أوأُضَلّ، أوأزلّ أوأُزلّ، وأظلِم أوأُظلم، أوأَجهل أویجهل علیّ، عَزّ جارک، وجلَّ ثناؤک، ولا إله غیرک». (1)

ثُمّ یقول: «باسم الله حسبی الله، توکّلتُ علی الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم، اللّهمّ ثبّت جنانی وأَدر الحقّ علی لسانی». (2)

ص:65


1- (1) . سنن أبی داوود: 4/ ح 5094؛ منیة المرید: 205.
2- (2) . المصدر: 4/ ح 5095؛ منیة المرید: 205.

3. علی الاُستاذ وأثناء دخوله الصف أن یسلّم علی طلاّبه ویحیّیهم بمحبّة وأن یحافظ علی وقاره إلی نهایة الدرس، وأن تکون حرکاته وطریقة جلوسه تشفّ عن أدب رفیع وخلق إسلامی کریم، وأن یجتنب أی هیئة فی الجلوس لا تلیق بأهل العلم، کما علیه أن یجتنب أیضاً أی حرکة من شأنها أن تثیر انتباه الطلاب وتصرّفهم عن الإصغاء للدرس.

کما ویتوجب علی الاُستاذ أن یجلس أویقف فی المکان الذی یتیح له إشرافاً کاملاً علی جمیع الطلاب، وهذا ما یمکن الطلاب أیضاً من الإصغاء إلیه جیّداً وبالتالی الإفادة من الدرس.

4. علی الاُستاذ أن یبدأ درسه باسم الله عزّ وجلّ وأن یختمه بالحمد والثناء لله سبحانه، وأن یستمرّ علی هذا حتّی یصبح ملکة لدی طلابه لیس فی عملیة التدریس وحدها، بل فی کلّ أعمال الخیر، وکان علماء الأخلاق من السلف الصالح یوصون الاُستاذ بأداء رکعتین قبل البدء بدرسه یتضرّع فیها إلی الله بأن یعینه علی أداء رسالته. وفی هذا العمل ما یکسب الدرس هالة من القداسة والجلال ویدفع الطلاب إلی احترام الدرس والاُستاذ والتفاعل مع الموضوع، کما یکون له الأثر الواضح فی صفاء النیة والإخلاص فی تلقی العلم بما یرضی الله تبارک وتعالی.

5. ینبغی أن یکون منهج الاُستاذ فی تدریسه موحیاً بإیمانه واعتقاده بما یقول، لأنّه؛ فی غیر هذه الحالة لن یحظی درسه بالاهتمام المطلوب، ناهیک عن تلقیه من قبل الطلاب، ومن هنا ینبغی أن یکون الطرح جادّاً بعیداً کلّ البعد عن إشکال الاستخفاف والمزاح والهزل.

وینبغی أن نذکّر هنا أنّ الجدّیة لا تعنی الفظاظة ولا تتنافی مع اللین والطرح الهادئ، فلیس معنی الجدیّة هو فی الوجه العابس المکفهرّ؛ لأنّه من الضروری جدّاً أن یشیع الاُستاذ فی أجواء الدرس حالة من النشاط من خلال ابتسامة أوطرفة بریئة.

ص:66

6. ینبغی للاُستاذ أن یکون علی إلمام بمناهج التدریس وطرق التعلیم وأن تکون له طریقة مناسبة تحقّق الأهداف المنشودة، فهناک کتب عدیدة تشتمل علی هذا الموضوع.

کما وینبغی للاُستاذ أن یکتشف المستویات العلمیة لطلابه ویوضح منذ الحصّة الاُولی طریقته ومنهجه فی التدریس، وکذا فائدة وجدوی البحوث التی سیتطرّق إلیها، لما فی هذا من دور فی إیجاد بواعث الإصغاء للدرس.

7. علی الاُستاذ أن یجتنب البحوث المملّة والمطوّلة، وکذا الاستغراق فی الوقت ذلک أنّ نسبة الإصغاء تتراجع کلّما طال الوقت.

کما أنّ علی الاُستاذ إلاّ یمرّ علی النقاط الهامّة مروراً عابراً؛ لأنّه من الضروری جدّاً أن یمنح الطلاب فرصة کافیة لکی تترسخ فی أذهانهم أفکار البحث. وهناک تأکیدات حول الاختصار فی عرض الفکرة، وقد عرضت أحادیث سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) وآله الأطهار بأنّها من جوامع؛ لأنّها أحادیث مختصرة ومفیدة.

8. علی الاُستاذ أن یأخذ بنظر الاعتبار مصالح طلابه فی انتخاب البحث ومنهج التدریس والوقت المناسب وترتیب البحوث، بحیث تحصل للطلاب الفائدة الأکبر، کما أنّ الاُستاذ أیضاً أن یلاحظ شدّة صوته فلا یکون مرتفعاً مؤذیاً ولا یکون منخفضاً بحیث لا یسمع جیّداً.

9. علی الاُستاذ أن یحول دون وقوع حالة الفوضی وحتّی الهمهمة ففی مثل هذه الحالات یکون الجوّ مساعداً لانتهاک حرمة وقداسة الدرس، وقد ینتهی ذلک إلی الجدل الفارغ الذی لا طائل من ورائه ممّا یؤدّی إلی انحراف ذهنیة بعض الطلاب.

10. علی الاُستاذ أن یحث الطلاب علی النظام والانضباط الأخلاقی واحترام الصف، وأن یعزز فی ضمائرهم الشعور بالمسؤولیة الأخلاقیة والاجتماعیة خاصّة، وأنّهم علی أبواب الحیاة الاجتماعیة الکبری فی القیام بمسؤولیاتهم إزاء مجتمعهم واُمتهم.

ص:67

11. علی الاُستاذ أن یتحلّی بسعة الصدر وأن یصغی إلی أسئلة الطلاب بدقّة وانتباه؛ ذلک لأنّ البعض یطرح أسئلة تکمن وراءها أغراض ما، وربّما یحاول بعضهم اختبار أعصاب الاُستاذ وقدرته علی التحمّل، وربّما یتعمد أحدهم استخدام مفردات بذیئة فی سؤاله، فعلی الاُستاذ أن یواجه کلّ ذلک بوقار ویبدأ بالإجابة هادئاً مرکزاً علی الجانب العلمی لکیلا تحصل حالة من الاستغلال السیئ.

12. ومن واجبات الاُستاذ الحساسة أن یعترف أمام الحقّ وأن یتحلّی بالشهامة أمام طلابه، فلیس من العیب إذا ما سئل عن شیء لا علم له به أن یقول: لا أعلم; یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «إذا سئلتم عمّا لا تعلمون فاهربوا، قالوا: وکیف الهرب؟ قال(علیه السلام): تقولون: الله أعلم». (1)

وجاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا، فقولوا: الله أعلم، أنّ الرجل لینزع الآیة من القرآن یخرّ فیها أبعد ما بین السماء والأرض». (2)

ربّما یظنّ البعض خطأً أنّ قول لا أعلم یحطّ من شأنه ومنزلته لدی طلابه، فی حین أنّ العکس هو الصحیح؛ ذلک أنّ الطلاب عندما یسمعون استاذهم اعترافه بالحقیقة، فإنّ ثقتهم به سوف تتضاعف ویصدّقون بکلّ ما یقوله ویطرحه من مادّة علمیة، کما أنّ موقفه هذا سیکون نابعاً من التقوی والأمانة والصدق ومن الشجاعة أیضاً، فلیس المطلوب من الاُستاذ أن یحیط بکلّ الحقول العلمیة، من هنا فلا ضرورة أن یتصنّع الاُستاذ ویتکلّف إذا ما سئل عن شیء لا علم له أن یجیب بأجوبة تبعث الشک فی نفوس طلابه وقد یتهم بالهذیان.

13. علی الاُستاذ وقبل أن یختتم درسه أن یلملم موضوعات البحث ویعید ذکر

ص:68


1- (1) . سنن الدارمی: المجلّد الأوّل؛منیة المرید: 215.
2- (2) . الکافی: 42/1.

نقاطه الهامّة للوصول إلی النتیجة المطلوبة، ففی مثل هذه الحالة یستدرک ما فاته بیانه وما ترسخ فی ذهن طلابه بشکل ناقص، وکذا یستطیع رفع الشبهات التی قد تراود بعض الأذهان، وعلیه أیضاً أن یتحلّی بالشهامة والاعتراف بالخطأ إذا أخطأ، وأن یبادر إلی إصلاح ذلک قبل فوات الأوان، کما من الأجدر به أیضاً أن یعتذر عن ذلک الخطأ؛ لأنّ هذا من التواضع والأمانة، والاُستاذ الذی یعتذر إلی تلامیذه یتضاعف حبّه فی قلوبهم ویزداد احترامه لدیهم.

14. کان علماء السلف الصالح یوصون الاُستاذ بتقدیم النصح والموعظة لتلامیذه فی خاتمة الدرس من أجل تزکیة نفوسهم وصفاء باطنهم؛ ذلک أنّ العلم لا یستقر إلاّ فی القلب الطاهر.

15. علی الاُستاذ أن یخصص قدراً من الوقت فی نهایة الدرس للإجابة عن الأسئلة والمناقشة، ولا یغادر الصف فی عجلة من أمره مع السماح لمن یرید مغادرة الصف من الطلاب.

16. الأجدر بالاُستاذ أن یحمد الله عزّ وجلّ ویدعوه ویثنی علیه فی ختام الدرس، وقد روی عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) دعاءً جلیلاً فی هذا المضمار: «اللّهمّ اغفر لنا ما أخطأنا وما تعمّدنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منّا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلّا أنت». (1)

ص:69


1- (1) . بحار الأنوار: 63/2.

الخُلاصة

إنّ الاهتمام بنظافة الثوب والبدن والإناقة، وکذا الدعاء عند مغادرة المنزل إلی محلّ التدریس والمبادرة بتحیّة الطلاب وبدء الدرس باسم الله وختمه بالحمد له سبحانه هی من آداب التدریس الذی ینبغی للاُستاذ الالتزام بها.

کما أنّ اعتماد المنهج الصحیح، واجتناب البحوث المطوّلة والمملّة، وجعل مصلحة الطلاب نصب العین والإشراف التامّ علی الصف هو من واجبات الاُستاذ إضافة إلی التحلّی بالشهامة فی الاعتراف بالخطأ عند الخطأ، وسعة الصدر وقول لا أعلم إذا سئل عمّا لا علم له به.

الأسئلة

1. ما هی الآداب اللازم إجرائها قبل الشروع بالتدریس؟

2. لماذا یتعیّن علی الاُستاذ الحؤول دون وقوع الجدل بین الطلاب؟

3. کیف یتعامل الاُستاذ مع البحوث التی لیست من تخصصه ولا یملک الاطّلاع الکافی فیها؟

4. بیّن الطریقة الصحیحة لبدء الدرس وخاتمته.

ص:70

الدرس التاسع : واجبات الطلاب «1»

اشارة

تکلّمنا فی الدروس الماضیة أنّ واجبات الاُستاذ تنقسم إلی ثلاثة أقسام.

وسنتعرض فی هذا الدرس والدرس القادم علی ثلاثة أقسام أیضاً من واجبات الطلاب، وهی کما یلی:

1. واجبات الطلاب الذاتیة.

2. واجبات الطلاب إزاء الاُستاذ.

3. واجبات الطلاب فی الصف.

ومن الجدیر ذکره أنّ علی الطلاب فی الأقسام الداخلیة واجبات وآداب اخری، ولذا سوف نتعرّف فی هذا الدرس والدرس القادم علی واجبات الطلاب فی الصف وإزاء الاُستاذ، ثُمّ نبین بعد ذلک الآداب التی ینبغی الالتزام فی الأقسام الداخلیة.

1. واجبات الطلاب الذاتیة

1. علی الطالب الاستعداد نفسیاً للدراسة والتحصیل العلمی وأولی الخطوات فی ذلک هو تزکیة النفس وتطهیر القلب، وهذه العملیة تشبه الی حدٍّ کبیر حراثة الأرض وإعدادها لموسم البذار؛ ذلک أنّ المعارف الإلهیة لا تنبت فی القلوب المثقلة بالصدأ

ص:71

والأدران، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّ فی الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد کلّه، وإذا فسدت فسد الجسد کلّه ألا وهی القلب». (1)

ویوصی علماء الأخلاق ومن أجل تقویة الذاکرة ومعالجة ضعفها بالتقوی واجتناب الآثام، ذلک أنّ المعاصی والذنوب تدمّر الأرضیة الصالحة لحفظ ورسوخ العلوم والمعارف الإلهیة. من هنا یجدر بطلاب العلم والحقیقة صیانة أنفسهم وحمایة أرواحهم وقلوبهم من التلوّث بالآثام والمعاصی.

2. إنّ علی طلاب العلم ألاّ یهدروا أفضل مرحلة فی حیاة الإنسان ألا وهی مرحلة الشباب، ففی هذه المرحلة یبلغ الإنسان أوج قدراته الجسمیة والفکریة، وهو أفضل المراحل لاکتساب المعرفة، کما أنّ الإنسان فی هذه المرحلة لم یتحمّل من المسؤولیات الحیاتیة والاجتماعیة ما یشغل ذهنه، وقد جاء فی الأثر عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «مثل الذی یتعلّم العلم فی صغره کالنقش علی الحجر، ومثل الذی یتعلّم فی کبره کالذی یکتب علی الماء». (2)

کما أنّ تقدّم الإنسان فی العمر یضعف من قابلیاته وقدراته، وقد جاء فی القرآن الکریم قوله تعالی: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ. 3

ومع أنّ التعلّم وکسب المعرفة ممکن فی کلّ مراحل الإنسان الحیاتیة إلاّ أنّ فترة الطفولة والفتوة والشباب هی المراحل الأساسیة، حیث تتبلور شخصیة الإنسان العلمیة والفکریة، علی أنّ هذا لا یمنع من التعلّم فی الکبر فقد سجل التاریخ نبوغ أفراد أقبلوا علی التعلّم فی سنّ الأربعین، کما هو المعروف عن «السکّاکی» الذی بدأ دراسته فی

ص:72


1- (1) . صحیح البخاری: 1، کتاب الإیمان؛ منیة المرید: 224؛بحار الأنوار: 23/58.
2- (2) . الجامع الصغیر: 2/ حرف «المیم»؛ منیة المرید: 225.

الأربعین، وقد عاش فی الکثیر من المشاق والصعوبات، ولکنّه أصبح فی النهایة من کبار العلماء فی عصره.

3. علی الطلاب اجتناب کلّ ما من شأنه أن یشغل الذهن عن تحصیل المعرفة واکتساب العلم; ذلک انشغال الذهن بمسائل مثل الغذاء والکساء والسکن والترفیه ومشاغل العمل لن یبقی مساحة لذهن الطالب فی تلقی المعارف والعلوم، أنّ اکتساب المعارف والعلوم تتطلّب الصبر ومقاومة الأهواء النفسیة وصرف النظر عن اللذائذ العابرة لا بالرکون إلی حیاة البذخ والترف والاستغراق فی اللذائذ.

4. علی طلاب العلم إعادة النظر فی علاقاتهم الاجتماعیة وانتخاب أصدقاء یحترمون العلم وطلب العلم، ذلک أنّ الأصدقاء الذین یمیلون إلی البطالة واللغو وقتل الوقت والعبث سوف یکون لهم تأثیر بالغ السلبیة علی طالب العلم وسوف یعرقلون سیرته العلمیة وتقدّمه فی اکتساب المعرفة.

5. علی طالب العلم أن یکون علی درجة کبیرة من علوّ الهمّة، بحیث یتطلّع إلی أرقی المراتب العلمیة والفکریة، ففی هذه الحالة سوف یتقدّم فی دراسته بعزم راسخ وإرادة لا تلین، ذلک أنّ القناعة بالدرجات العلمیة والاکتفاء بها سوف یکون سدّاً فی طریق الإنسان، وعادة ما یبلغ المرء الدرجة التی هی أدنی من الهدف الذی عقد العزم علی تحقیقه.

6. علی طالب العلم أن یکون متحمساً فی دراسته ویقبل علیها بروح شابة فی کلّ الظروف، وألاّ یسمح لشیء مهما کان أن یبث روح الفتور فی نشاطه الدراسی.

7. علی الطلاب أن یتلقوا العلوم وفق المعاییر المنطقیة والعقلیة، وأن یکون تسلسلهم فی اکتساب المعارف تدریجیاً، فمن غیر الصحیح الخوض فی البحوث العمیقة قبل استکمال تعلّم المقدّمات والاُسس.

ص:73

2. واجبات الطلاب إزاء الاُستاذ

1. إنّ أوّل واجب علی الطلاب إزاء الاُستاذ هو انتخاب الصالح منهم، ذلک أنّ للاُستاذ دوراً حیاتیاً مهمّاً فی تربیة وتحدید المسار الفکری والروحی لتلامیذه وطلابه، وهناک بُعدان یجب توفرهما فی الاُستاذ: أوّلهما: أن یکون مهذباً تقیاً قدوة فی سلوکه وسیرته. وثانیهما: أن یکون علی جانب واسع من الثقافة والعلم والفکر.

2. علی الطلاب أن یتعاملوا مع الاُستاذ تعاملهم مع الأب، بل وأکثر من الأب، ذلک أنّ الآباء یهمّون بتربیة أبنائهم بدنیاً وجسمیاً، أمّا الاُستاذ فیتولّی مهمّة التربیة الروحیة، یقول الإمام زین العابدین فی هذا المضمار: «وحقّ سائسک بالعلم التعظیم له والتوقیر لمجلسه وحسن الاستماع إلیه والإقبال علیه، ولا ترفع علیه صوتک، ولا تجیب أحداً یسأله عن شیء حتّی یکون هو الذی یجیبُ، ولا تحدّث فی مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذکر عندک بسوء، وأن تستر عیوبه وتُظهر مناقبهُ، ولا تجالس له عدوّاً ولا تعادی له ولیّاً، فإذا فعلت ذلک شهدت لک ملائکة الله جلّ وعزّ بأنّک قصدته وتعلّمتَ علمه لله عزّ وجلّ اسمه لاللناس». (1)

3. علی الطالب أن یبدی تواضعه التامّ لاُستاذه، ذلک أنّ التواضع للعلم والعلماء أمر لازم، فکیف بمن یجمع بین حمله العلم وأدائه رسالة التعلیم، وهذا التواضع من شروط التعلّم؛ لأنّ التعلّم اکتساب المعرفة لا یمکن أن یتمّ مع الغرور والتکبّر، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی هذا المضمار: «تعلّموا العلم، وتعلّموا للعلم السکینة والوقار، وتواضعوا لمن تَتعَلَّمون منه». (2)

4. ومن آداب التعلّم أن یرجح الطالب رأی الاُستاذ علی رأیه وألاّ یتهم الطالب استاذه بالخطأ والجهل، وعلیه أن یحتمل الخطأ فی رأیه، وأنّ استاذه علی حقٍّ

ص:74


1- (1) . من لا یحضره الفقیه: 2/ح 1626.
2- (2) . کنز العمال: ح 28717؛ منیة المرید: 243.

وصوابٍ، ففی هذا ما یدلّ علی عمق الاحترام الذی یکنَّه الطالب لاُستاذه، کما یمنحه الفرصة للتأمّل أکثر والحوار، ومن ثَمَّ ظهور الحقیقة.

وفی حالة اثبات خطأ الاُستاذ لا ینبغی للطالب مواجهة استاذه علناً أمام طلابه وإحراجه، فما أکثر العلماء الذین توصلوا إلی حقائق وجاؤوا بنظریات تخالف نظریات اساتذتهم، لکنّهم لم یعلنوا عنها ما دام الاُستاذ حیّاً احتراماً لهم وإجلالاً لمنزلتهم.

5. ومن الآداب أیضاً أن یذکر الطالب استاذه باحترام وتقدیر فلا یخاطبه إلاّ بألقاب تبیّن قدره ومقامه، ولا یذکره فی کتاب أورسالة إلاّ بهذه الألقاب.

6. من واجبات الطالب تجاه استاذه ألاّ ینسی جهوده وأن یقف إلی جانبه فی منعطفات الحیاة، وأن یدعو له بعد الوفاة، ومن الوفاء له أن یسیر بسیرته ویتخلّق بأخلاقه.

7. ومن واجبات الطلاب تجاه استاذهم أن یخصّوا بأفضل مکان وموقع فی الصف، وأن یلتزموا الأدب فی حضرته، ومن الآداب الجلوس والتزام الهدوء ومخاطبة الاُستاذ بلهجة مفعمة بالاحترام والاجلال.

8. یجب الأخذ بنظر الاعتبار أنّ حماس الاُستاذ فی التدریس یتوقّف علی نشاط الطلاب وإقبالهم علیه، ولذا یتوجب علی الطلاب السعی فی خلق جوّ فعّال من خلال الانتباه التامّ والاصغاء إلی ما یقوله الاُستاذ واجتناب کلّ ما یوحی للاستاذ بعدم الاکتراث والاهتمام، إضافة إلی الالتزام وأداء الواجبات التی یقررها الاُستاذ لطلابه.

9. ومن آداب التعلّم غض النظر عن هفوات الاُستاذ قولاً وفعلاً، فمن الطبیعی أنّ کلّ إنسان معرض للخطأ، فلا ینبغی للطلاب أن یشعروا استاذهم بالخجل، فهناک من الموارد ما یحصل وقوعها عادة (أزرار مفتوحة و..) فینبغی للطالب أن ینبه استاذه بطریقة مفعمة بالاحترام ومن دون أن یلتفت الآخرون.

10. علی الطلاب عدم مضایقة الاُستاذ أو مراجعته فی الأوقات غیر المناسبة، فلا یقتحموا علیه خلوته أو یلهوه عن بعض الأعمال التی تتعلّق باُسرته.

ص:75

الخُلاصة

إنّ الاستعداد لتلقی العلم، واستثمار مرحلة الشباب والابتعاد عمّا یشغل الذهن، وإقامة العلاقات الاجتماعیة البنّاءة، والسعی لتحقیق أعلی الدرجات العلمیة، واعتماد منهج منطقی فی اکتساب المعرفة هی من واجبات الطلاب قبل الشروع بالدراسة والتعلّم.

کما أنّ انتخاب الاُستاذ الصالح ومعاملته معاملة الابناء للآباء، والتأدّب فی حضرته وعرفان خدماته من أهمّ الواجبات الطلاب إزاء أساتذتهم.

الأسئلة

1. کیف یستعد المرء لتلقی العلم؟

2. ما هی أفضل مرحلة فی حیاة الإنسان لتحصیل العلم؟

3. ما هی الاُمور الواجب اجتنابها فی طریق التحصیل العلمی؟

4. ما هی الخصائص التی یجب توفرها فی الاُستاذ؟

5. ما هی حقوق الاُستاذ علی طلّابه؟

6. بیّن المسؤولیة الأخلاقیة للطالب إزاء استاذه.

ص:76

الدرس العاشر : واجبات الطلاب «2»

3. واجبات الطلاب فی الصف

1. ینصح علماء الأخلاق الإسلامیین طلاب العلم بتلاوة وحفظ القرآن الکریم، وذلک لما یلی:

أ) إنّ القرآن الکریم هو نبع المعارف الإلهیة، فعدم تعلّم القرآن یعنی أنّ کلّ ما ستتعلمه سیبقی ناقصاً ومبتوراً.

ب) إنّ حفظ وتلاوة القرآن الکریم یعود علی المرء بالبرکة والخیر ویغسل القلب من الأدران ممّا یجعله مستعدّاً لتلقی العلوم.

2. علی الطالب أن یعی ویدرک قابلیاته واستعداده حتّی لا یحمل نفسه من العلوم ما لا طاقة له بها، وینبغی أن نعرف أنّ الإنسان کلّما خطا فی طریق العلم انفتحت أمامه آفاق أکثر وتنامی استعداده واتسعت قدراته.

3. علی الطالب أن یعتمد منهجاً صحیحاً فی المطالعة والدراسة والحفظ، وألاّ یمارس الحفظ حتّی یتأکّد من صحّة وسقم الموضوعات؛ لأنّه من الصعوبة إصلاح الأفکار الخاطئة بعد رسوخها فی الذاکرة.

ص:77

4. أن یعتمد الطالب برنامجاً یومیاً دقیقاً یحقّق له أقصی استثمار للوقت، فیقوم بتوزیع وقته توزیعاً یغطی مجموع دراسته، فلا یحصل إفراط ولا تفریط ولا یستغرق فی جانب ویهمل جانباً آخر.

5. من المناسب للطالب أن یختار الصباح الباکر کأفضل وقت للدراسة؛ ذلک أنّ المرء یکون فی أفضل أوقاته فی الحیویة والنشاط وصفاء الذهن، وفی أجواء مناسبة ومنعشة.

6. ولأنّه یتوجّب علی الطالب أن یکون فی کامل استعداده داخل الصف، فعلیه إذاً أن یتهیأ لهذا الاستعداد ذهنیاً ونفسیاً.

إنّ ممارسة الریاضة والاهتمام بنظافة الجسم والملبس والوضوء، أنّ کلّ هذا یضاعف من حیویة الإنسان ونشاطه، وعلی الطالب ألاّ یغفل مستلزمات الدراسة من دفتر وکتاب، وکذا مطالعة مسبقه لموضوع الدرس.

7. علی الطالب الإصغاء بدقّة إلی حدیث الاُستاذ، وأن یتفاعل مع موضوع البحث لمعرفة جمیع زوایاه ومناقشة استاذه فی النقاط التی تستلزم توضیحاً أکثر، وألاّ یتصوّر أنّ الإصغاء وحده کافٍ فی إدراک الموضوع، بل إنّ استعادته ذهنیاً وکتابة الملاحظات هو الذی یرسخه فی الذاکرة.

8. علی الطالب ألاّ یتغیب دون عذر مقبول; ذلک أنّ أغلب البحوث تطرح بطریقة تسلسلیة یعتمد اللاحق منها فی الفهم علی السابق، وفی حالة التغیب ستبقی بعض البحوث ناقصة وتحتاج إلی إشباع.

9. علی الطالب أن یحیی زملاءه أثناء دخوله الصف، وفی حالة حضور الاُستاذ فی الصف یکون سلامه وتحیته أکثر إجلالاً واحتراماً، أمّا فی حالة حضور الاُستاذ بعد طلابه فعلی الطلاب النهوض له ولا یجلسون حتّی یأذن لهم.

ص:78

10. علی الطالب فی حالة دخوله الصف ألاّ ینتخب لنفسه أفضل المقاعد إلاّ إذا اضطر لذلک; ذلک أنّ من التواضع أن یجلس الطالب فی أقرب المقاعد إلی الباب، علی ألاّ یکون ذلک من باب عدم الاکتراث للدرس.

11. علی الطلاب احترام الحقوق فیما بینهم، فمن حقّ الطلاب جمیعاً الجلوس فی المکان الذی یمکنهم من رؤیة الاُستاذ والافادة من حدیثه، فعلی هذا ینبغی أن یجلس أصحاب القامة الطویلة فی المقاعد المتأخّرة، وأن یجلس من یعانی ضعفاً فی حاسة البصر فی المقاعد الإمامیة، ومن واجبات الطلاب احترام حقوق فیما بینهم فی مسألة الوقت المخصص للمناقشة فلا یغتصبه أحدهم حقّ غیره فی السؤال والاستیضاح.

12. الاحترام المتقابل بین الطلاب جانب آخر من الآداب التی یتوجّب الالتزام بها، فلا یجوز للطالب إهانة أیّاً من زملائه أو الاستهزاء به بسبب تصرّف خاطئ أو خطأ فی بیان بعض المواضیع العلمیة، کما لا یجوز للطالب أن یقطع الحدیث علی طالب آخر أو وصفه بلقب مهین، کما یتوجّب علی کلّ طالب ألاّ یحتلّ مقعداً یختصّ بغیره، بل العکس من ذلک کلّه هو المطلوب، أی ألاّ یبخل الطالب المجد الفطن علی زمیله بالمساعدة فی توضیح مسألة ما وتقدیم العون عند الحاجة.

4. آداب السکن فی القسم الداخلی

أشرنا فی مطلع الدرس إلی وجود آداب تختصّ بطلاب القسم الداخلی، وفیما یلی أهمّ الواجبات:

1. یجب أن نعرف أنّ جمیع المدارس المجهزة بالأقسام الداخلیة إنّما بنیت واُسست لنوایا مؤسیسها، وتختلف النوایا من شخص إلی آخر ومن جهة إلی اخری، فبعض یقصد بذلک تربیة وإعداد علماء حقیقیین یخدمون دین الله الحقّ، فیما یوجد قسم آخر یهدف من وراء عمله نشر البدع والضلال بین الناس، ولذا یتوجّب علی

ص:79

الطلاب وقبل التسجیل فی أیة مدرسة أن ینتبه إلی ذلک، ویجری تحقیقاً فی المدرسة ومقاصدها وأهدافها قبل الانتساب إلیها.

وهناک کثیر من المحسنین یقومون ببناء وإنشاء المدارس من أجل الثواب وینتظرون من الطلاب الدعاء لآبائهم، ولا یجدر بالطلاب أن یخیبوا ظنّهم.

2. إنّ النظام والاستقرار من ضرورات الحیاة فی الأقسام الداخلیة، ولذا یجب علی الطلاب الالتزام بالشروط المقررة من قبل مسؤول القسم، ومن الطبیعی أنّ قسماً من الشروط لا یتفق مع طموحات بعض الطلاب ویحدّ من حریتهم، ولکن یجب الاعتراف بأنّ مجموع البنود یکفل للجمیع حدّاً معقولاً من الشعور بالاستقرار والهدوء.

3. إنّ من واجبات الطلاب فی الأقسام، الاهتمام بالنظافة والصحّة العامّة، فمن مستلزمات الحیاة الاجتماعیة توزیع المسؤولیات علی الطلاب بشکل یحقّق التعاون فیما بینهم من أجل حیاة طیبة، فلا یجوز لأی طالب أن یتملص من المسؤولیة الملقاة علی عاتقه، کما یتوجّب علیه المشارکة فی أی عمل یعود بالنفع العام علی سکّان القسم الداخلی.

4. إنّ کلّ طالب فی القسم الداخلی له کرامته وحرمته التی یتوجّب علی الجمیع الاعتراف بها رسمیاً واحترامها، فلا یجوز لأی کان أن یضایق الطالب فی خلوته للمطالعة أو الاستراحة، وعلی الجمیع إرساء علاقات الصداقة والزمالة والاُخوة بما یعود علیهم جمیعاً بالنفع العام.

5. وعلی الطالب أن یکون قدوة لغیره فی الخلق الکریم، وأن یجتنب الاختلاط مع ذوی الأخلاق السیئة، وانتخاب أصدقاء وفق ما تعلمناه سابقاً فی آداب المعاشرة.

6. من المناسب والمقید جدّاً أن یهتمّ الطالب بشؤون زملائه فی القسم الداخلی، وأن تکون علاقاته معهم ودّیة للغایة، فیسأل منهم إذا تغیبوا ویتفقدهم فی أوّل فرصة تسنح له، ویقف إلی جانب من یحتاج إلی عونه ومساعدته.

ص:80

7. یجب أن ندرک أنّ طلاب الأقسام الداخلیة متنوعون فی مشاربهم وأذواقهم؛ وذلک بسبب تعدد قومیاتهم وأجناسهم واختلاف مستویات التربیة التی تلقوها فی بیئاتهم المختلفة، ولذا یجب أخذ هذه الفرضیة بنظر الاعتبار، فمن التوصیات الهامّة فی هذا المضمار هو التسامح وتجاوز أخطاء الصدیق، مع التأکید علی انتهاج اسلوب أخلاقی رفیع فی الإصلاح، فالعفو والغفران هو شعار الإنسان الصالح دائماً ومن ضرورات الحیاة الاجتماعیة.

8. علی الطلاب الالتزام بنظام الحضور المقرر فی الأقسام الداخلیة، وکذا أوقات النوم، وساعة النهوض، وعدم إشغال المعابر والسلالم بوضع أثاث بحجّة عدم وجود مکان فی الغرفة.

ص:81

الخُلاصة

یتوجّب علی الطلاب التخطیط لحیاتهم الدراسیة باعتمادهم برنامجاً دقیقاً من أجل الإفادة القصوی من الوقت.

علی الطالب أن ینتخب لنفسه مکاناً مناسباً یحفظ حرمة استاذه، ولا یسبب أذی لسائر زملائه.

إنّ الالتزام بشروط السکن فی الأقسام الداخلیة، والاهتمام بالنظافة والصحّة العامّة، واحترام حقوق الآخرین، وإقامة علاقات طیبة مع الجمیع من آداب الحیاة الاجتماعیة فی القسم الداخلی.

الأسئلة

1. ما هی الثمار والفوائد التی تعود علی المرء من وراء تلاوة وحفظ القرآن الکریم؟

2. ما هی الضوابط التی ینبغی للطالب الالتزام بها فی تحصیله العلمی؟

3. ما هو أفضل الأوقات للدراسة والمطالعة؟

4. ما هی الآداب الواجب اتباعها علی الطالب أثناء دخوله الصف؟

5. کیف ینبغی للطالب أن ینتخب مدرسته؟

ص:82

الدرس الحادی عشر : الزواج

اشارة

الزواج وتشکیل الاُسرة من آداب الشعوب وتقالیدها العریقة ولا یقتصر ذلک علی امة دون اخری، بل یشمل جمیع الاُمم ورافق تاریخ البشریة منذ القدم، وذلک بسبب المنشأ الغریزی والطبیعی فی فطرة الإنسان، أمّا موارد الاختلاف فهی فی منزلة الاُسرة وقیمة الزواج والآداب والسنن المتبعة فی الثقافات الإنسانیة المتنوعة.

ویحظی النظام الحقوقی للاُسرة والعلاقات الزوجیة والحقوق والواجبات التی تنظم العلاقة بین الآباء والأبناء بأهمّیة فائقة، وسنتعرض فی هذا الدرس والدروس القادمة أهمّیة الزواج والحقوق الزوجیة، وتوصیات الشریعة الإسلامیة فی إرساء الآداب العامّة فی هذا الموضوع الحساس.

1. موقع الزواج وقیمته

یشغل الزواج فی الشریعة الإسلامیة موقعاً فریداً وتعدّه الشریعة الإلهیة عاملاً هامّاً فی نمو ورقی وتکامل الإنسان، ومع أنّ الزواج فی الشریعة الإسلامیة عمل مستحبّ ومؤکّد إلاّ أنّه یکاد یصل إلی مستوی الواجب من خلال التأکید علیه، وفیما یلی نصوص الشریعة المقدّسة فی هذا المضمار:

ص:83

1. قال الله عزّ وجلّ: وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ. 1

2. وقال تبارک وتعالی: وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ. 2

3. وجاء عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منّی». (1)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من رغب عن سنَّتی فلیس منّی، وأنّ من سنّتی النکاح، فمن أحبّنی فلیتسنَّن بسنتی». (2)

4. جاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً قوله: «من ترک التزویج مخافة العیلة فلیس منّا». (3)

وعنه(صلی الله علیه و آله) فی هذا المعنی أیضاً: «من ترک التزویج مخافة العیلة فقد أساء الظنّ بالله». (4)

5. وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «خیار امّتی المتأهلون وشرار امّتی العزّاب». (5)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «شرارکم عزّابکم، رکعتان من متأهل خیر من سبعین رکعة من غیر متأهل». (6)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً قوله: «شرار موتاکم العُزّاب». (7)

ص:84


1- (3) . بحار الأنوار: 220/100.
2- (4) . فی کنز العمال: 272/16، ح 44413؛ هکذا: «من أحبّ فطرتی فلیتسنن بسنتی...».
3- (5) . الکافی: 330/5، وقد جاء فیه: «من ترک التزویج فقد أساء بالله الظّن» و کذا فی غیره من المصادر، وکلّها عنه الإمام الصادق(علیه السلام).
4- (6) . الکافی: 330/5.
5- (7) . بحار الأنوار: 103؛المستدرک: 156/14.
6- (8) . کنز العمال: ح 44448.
7- (9) . بحار الأنوار: 220/100.

وقوله(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «المتزوج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب». (1)

وقوله(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «ما بنی فی الإسلام بناء أحبّ إلی الله عزّ وجلّ من التزویج». (2)

وقوله(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من تزوج فقد أحرز نصف دینه، فلیتق الله فی النصف الباقی». (3)

وقوله(صلی الله علیه و آله): «أیّما شابّ تزوج من حداثة سنّه عجّ شیطانه: یا ویله: عصم منّی دینه». (4)

وقوله(صلی الله علیه و آله): «من تزوّج فقد اعطی نصف العبادة». (5)

وقوله(صلی الله علیه و آله): «من أحبّ أن یلقی الله طاهراً مطهّراً فلیلقه بزوجة». (6)

2. فوائد الزواج

بعد أن عرفنا قیمة الزواج وأهمّیته من خلال النصوص المقدّسة، نتناول الآن فوائد الزواج وثماره الطیبة.

فقد ذکر علماء الإسلام فوائد عدیدة للزواج من خلال تأملهم فی نصوص الشریعة الإسلامیة، وفیما یلی طائفة منها:

1. إنّ أولی الفوائد هی استمرار النوع الإنسانی وبقاؤه، حیث أودع الله عزّ وجلّ غریزة الجنس فی الرجل والمرأة من أجل اللقاء المشروع وبالتالی التناسل فاُمنیة کلّ من الرجل والمرأة أن یکون لهما ذرّیة یسعدون بها، وقد جاء فی القرآن الکریم هذا

الدعاء الإنسانی: رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّیّاتِنا قُرَّةَ أَعْیُنٍ. 7

ص:85


1- (1) . بحار الأنوار: 221/100، باب 1.
2- (2) . المستدرک: 152/14.
3- (3) . بحار الأنوار: 219/100، باب1.
4- (4) . کنز العمال: ح 44441.
5- (5) . بحار الأنوار: 220/100، باب1.
6- (6) . المصدر: 221/100، باب1.

فالزواج یحقّق رغبة قویة فی ذات الإنسان فی أن یکون ولد وذرّیة ونسل، وقد ذکر القرآن الکریم قصّة النبی زکریا فی قوله تعالی: وَ زَکَرِیّا إِذْ نادی رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوارِثِینَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی.... 1

کما ورد تفصیل هذه القصّة والاُمنیة الإنسانیة فی سورة مریم: ذِکْرُ رَحْمَتِ رَبِّکَ عَبْدَهُ زَکَرِیّا* إِذْ نادی رَبَّهُ نِداءً خَفِیًّا* قالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّی وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیًّا* وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا. 2

وبشر الله عزّ وجلّ زکریا بمیلاد یحیی لیکون استمراراً فی الحیاة وأداء الرسالة.

2. إنّ الزواج یحقّق للإنسان العفّة والحیاء، ویعزز ملکة التقوی فی نفسه ویحمیه من وساوس الشیطان؛ ذلک أنّ الشیطان - کما تفید أدبیات الإسلام - یتسلل إلی الإنسان عبرطریقین رئیسیین: الغضب، والشهوة.

یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «لیس لإبلیس وهق (1) أعظم من الغضب والنساء». (2)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «لیس لإبلیس جند أشدّ من النساء والغضب». (3)

وإن(صلی الله علیه و آله) أردنا المقارنة بین الغضب والشهوة وجدنا الشهوة أقوی، ذلک أنّ الشهوة والغریزة الجنسیة موجودة لدی الجمیع، کما یمکن التعبیر عنها علی نطاق واسع، أمّا الغضب فلیس بهذا الانتشار لا یمکن للکثیرین التعبیر عنه، ومن هنا فإنّ الشهوة هی من أکثر الوسائل التی یستغلها الشیطان فی إغواء البشر.

ص:86


1- (3) . الوهق: الحبل والوسیلة.
2- (4) . غررالحکم: 408.
3- (5) . بحار الأنوار: 246/75، باب23.

ولذا نجد فی الشریعة الإسلامیة تحذر الرجل المسلم من الاختلاء مع امرأة اجنبیة؛ لأنّ الشیطان سیکون ثالثها لا محالة.

إذاً الزواج سوف یحصّن الإنسان ویحمیه من وساوس الشیطان، فهو یروی ظمأ الإنسان الجنسی وبالتالی إحباط وسائل الشیطان وأحابیله، وقد جاء فی الأثر «من تزوج فقد أحرز نصف دینه».

3. الشعور بالاستقرار النفسی والعاطفی، ذلک أنّ الاقتران بین الجنسین والحیاة المشترکة فی ظلال الشریعة یؤمن للمرأة والرجل إرواء وإشباع الجانب العاطفی، ویحمی الإنسان من هواجس القلل والملل والکآبة والوحدة والإحساس بالغربة؛ لأنّ الرجل أوالمرأة یجد إلی جانبه شریک العمر ورفیق الدرب الذی یقاسمه حزنه وسعادته ویخفف عنه أعباء الحیاة، وقد ذکرنا فی مطلع البحث الآیة الکریمة التی جعلت الزواج من آیات الله عزّ وجلّ؛ لأنّ الزواج یحمل معه الحبّ والمودّة وأروع صور العلاقة العاطفیة بین المرأة والرجل.

4. إنّ کثرة الهموم الحیاتیة تتطلّب المشارکة والتعاون، والزواج یلبّی هذه الحاجة فالمرء لوحده لا یستطیع أن ینهض بکلّ المهام فیأتی الزواج لیحقّق أروع صور التعاون وتقاسم المهام وتوزیع الأعمال، حیث ینطلق الرجل فی میدان الحیاة فیعمل ویکدح، ثُمَّ یعود إلی المنزل فیجده واحة خضراء مفعمة بالدفء، زوجة تستقبله بابتسامة مشرقة وتقدّم له مائدة من الطعام الذی یحبّه ویجد حلّة الاستراحة نظیفة، والأکثر من ذلک کلّه یجد إنساناً یؤنسه یتجاذب معه أطراف الحدیث أویبث همومه ودواعیه أویتحدّث معه عن أمانی المستقبل وأحلام الحیاة.

ویجب أن یأخذ بنظر الاعتبار وعد الله سبحانه الأزواج بالغنی، فکم من فقیر کان یعانی شظف العیش حتّی إذا تزوج انفتحت برکات السماء والأرض.

ص:87

5. إنّ الزواج خطوة هامّة فی طریق التکامل الإنسانی، وأنّ الإرادة الإنسانیة فی کسب الفضائل الأخلاقیة تعزز أکثر فأکثر بعد الزواج، وأنّ الحیاة الزوجیة بما فیها من مسؤولیات تعدّ معاناة حقیقیة تصهر الإنسان وتربیه علی الفضیلة والحبّ والتضحیة، وقد جاء فی الحدیث النبوی الشریف: «الکادّ علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله عزّ وجلّ». (1)

ویقول علماء الإسلام: إنّ الله عزّ وجلّ لم یخلق الرجل کاملاً وکذا المرأة وأنّ أحدهما نصف الآخر الذی یکمله، ولا یتحقّق الکمال إلاّ فی ظلّ الزواج وإقامة علاقة زوجیة ناجحة.

ص:88


1- (1) . الکافی: 88/5؛ باب (من کدّ علی عیاله) ح1.

الخُلاصة

یعدّ الإسلام الزواج وتشکیل الاُسرة مشروعاً إنسانیاً یحقّق الطمأنینة والحبّ والصفاء الذی ینشده الرجل وتبحث عنه المرأة.

إنّ الزواج فی الإسلام یؤمّن للمرء نصف دینه.

الأسئلة

1. لماذا ینظر القرآن الکریم إلی الزواج کآیة من آیات الله؟

2. کیف ینظر النبی(صلی الله علیه و آله) إلی العزّاب من امته؟

3. بیّن بإیجاز فوائد وثمار الزواج.

4. أی وسائل الشیطان أکثر تأثیراً؟ استشهد بحدیث لسیّدنا علی(علیه السلام).

5. اذکر الحدیث النبوی الشریف الذی یقیّم من یکدح ویعمل من أجل اسرته وعائلته.

ص:89

ص:90

الدرس الثانی عشر : الحقوق الزوجیة

اشارة

فی الحیاة الزوجیة حقوق وواجبات متقابلة تضمن للطرفین حیاة مشترکة مفعمة بالسعادة والحبّ، ولذا ینبغی علی المرأة والرجل معرفة ما علیهما من واجبات ولهما من حقوق.

1. واجبات المرأة إزاء زوجها

1. ورد عن الإمام الباقر(علیه السلام): «إنّ امرأة جاءت إلی النبی(صلی الله علیه و آله) وسألته عن حقّ الرجل علی زوجته فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): أن تطیعه ولا تعصیه ولا تتصدّق من بیتها شیئاً إلاّ بأذنه ولا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها. فقالت: یا رسول الله من أعظم الناس حقّاً علی الرجل؟ قال(صلی الله علیه و آله): والداه. فقالت: فمن أعظم الناس حقّاً علی المرأة؟ قال(صلی الله علیه و آله): زوجها». (1)

2. ومن واجبات المرأة إزاء الزوج أن تنسجم معه وتوافقه فی أمرین هما:

أ) خصائصه الأخلاقیة; ذلک أنّ البیئة المختلفة والتربیة المختلة للرجل عن المرأة تؤدّی إلی خصائص أخلاقیه مختلفة وبالتالی إلی سلوک مختلف، ولاستحالة

ص:91


1- (1) . مکارم الأخلاق للطبرسی: 214.

التطابق بین المرأة والرجل فی کثیر من الخصائص والعادات لذا یتوجّب علی الطرفین التفاهم والانسجام، ولأنّ الدرس یخصّ واجبات المرأة، فعلی المرأة أن تحاول الانسجام مع زوجها، وأن تتحمّل وتصبر فی حالة سوء خلق زوجها، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من صبرت علی سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسیة بنت مزاحم». (1)

وجاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «إنّ الله عزّ وجلّ کتب علی الرجال الجهاد وعلی النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن یبذل ماله ودمه حتّی یقتل فی سبیل الله، وجهاد المرأة أن تصبر علی ما تری من أذی زوجها وغیرته». (2)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «جهاد المرأة حسن التبعّل».

ب) مشارکة زوجها والوقوف إلی جانبه فی حالة العسر وتحمل شظف العیش وألاّ تحمله علی ما لا طاقة له بذلک، وبعبارة اخری: أن تعینه علی نوائب الدهر ولا تزیده شقاءً وعذاباً.

جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله: «أیّما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته علی ما لا یقدر علیه وما لا یطیق، لم تقبل منها حسنة، وتلقی الله وهو علیها غضبان». (3)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «أیّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم یقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنةً من عملها حتّی ترضیه، وإن صامت نهارها وقامت لیلها وأعتقت الرقاب وحملت علی جیاد الخیل فی سبیل الله، فکانت أوّل من یرد النار». (4)

ص:92


1- (1) . المصدر: 213.
2- (2) . المصدر: 215.
3- (3) . أمالی الصدوق: 516؛مکارم الأخلاق: 214.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 214.

3. علی المرأة أن تتزیّن وتتعطر لزوجها، قال الله عزّوجلّ: ...وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ. 1

وقد جاءت الآیة الکریمة بصیغة المنع من إبداء الزینة أمام غیر المحارم والزینة وإن کان إبداؤها جائزاً فی الموارد التی ذکرتها الآیة، ولکنّها واجبة للزوج.

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «أیّما امرأة تطیّبت لغیر زوجها لم یُقبل منها صلاة حتّی تغتسل من طیبها کغسلها من جنابتها». (1)

4. لا یجوز للمرأة أن تغادر بیتها إلاّ بإذن زوجها، وقد ورد فی الحدیث النبوّی الشریف: «أیّما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها فلا نفقة لها حتّی ترجع». (2)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «أیّما امرأة وضعت ثوبها فی غیر منزل زوجها، وبغیر إذنه لم تزل فی لعنة الله إلی أن ترجع إلی بیتها». (3)

2. واجبات الرجل إزاء زوجته

وعلی الرجل أیضاً واجبات تجاه زوجته وهی حقوق المرأة علی زوجها قسم منها مادّیة، واُخری حقوق أدبیة یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «أوصانی جبریل بالمرأة حتّی ظننت أنّه لا ینبغی طلاقها إلاّ من فاحشة مبیّنة». (4)

وفیما یلی طائفة من واجبات الرجل فی الحیاة الزوجیة:

ص:93


1- (2) . مکارم الأخلاق: 215.
2- (3) . المصدر.
3- (4) . المصدر.
4- (5) . مکارم الاخلاق: 216.

1. علی الرجل أن یؤمّن جمیع متطلبات زوجته من مأکل وملبس و... یقول الإمام الصادق(علیه السلام) فی حقوق الزوجة: «یشبع بطنها ویکسو جثّتها وإن جهلت غفر لها». (1)

2. وجاء فی رسالة الحقوق للامام زین العابدین(علیه السلام): «وأمّا حقّ الزوجة فإن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لک سکناً واُنساً، فتعلم أنّ ذلک نعمة من الله علیک فتکرمها وترفق بها، وإن کان حقّک علیها أوجب فانّ لها علیک أن ترحمها؛ لأنّها أسیرتک وتطعمها وتکسوها وإذا جهلت عفوت عنها». (2)

3. علی الرجل أن یعامل زوجته بمودّة وحبّ، وقد جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله): «قول الرجل للمرأة إنّی احبّک لا یذهب من قلبها أبداً». (3)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من صبر علی سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطی أیوب(علیه السلام) علی بلائه». (4)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «إنّ المرء یحتاج فی منزله وعیاله إلی ثلاث خلال یتکلّفها وإن لم یکن فی طبعه ذلک: معاشرة جمیلة، وسعة بتقدیر، وغیرة بتحصّن». (5)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «لاغنی بالزوج عن ثلاثة أشیاء فیما بینه وبین زوجته، وهی: الموافقة لیجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهیئة الحسنة فی عینها، وتوسعته علیها». (6)

ص:94


1- (1) . المصدر: 216.
2- (2) . بحار الأنوار: 4/71، باب1.
3- (3) . وسائل الشیعة: 23/20، باب3.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 213.
5- (5) . بحار الأنوار: 235/75، باب23.
6- (6) . تحف العقول: 322.

4. علی الرجل ألاّ یتشدّد فی معاملة زوجته فیضیّق علیها الخناق، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «خیر الرجال من امتی الذین لا یتطاولون علی أهلیهم ویحنون علیهم ولا یظلمونهم، ثُمَّ قرأ: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ. 1

وقد جاء فی الحدیث النبوّی الشریف حرمة إیذاء الرجل زوجته، وأنّه إن فعل ذلک لم یقبل الله منه حسنة، قال النبی(صلی الله علیه و آله): «وکذلک الرجل إذا کان لها ظالماً». (1)

ص:95


1- (2) . من لا یحضره الفقیه: 15/4.

الخُلاصة

حدد النظام الحقوقی للإسلام حقوقاً وواجبات للمرأة والرجل فی الحیاة الزوجیة.

وتوفر الآداب الإسلامیة فی الحیاة الزوجیة الصفاء والاستقرار المطلوب، کما أنّ توزیع العمل والمهام بین الزوجین یسهم هو الآخر فی تعزیز العلاقات الزوجیة بما یحقّق رخاء الاُسرة المسلمة، إضافة إلی ما وعد الله سبحانه عباده الصالحین من الثواب فی الآخرة.

الأسئلة

1. ما هی واجبات المرأة إزاء زوجها؟

2. بیّن باختصار جهاد المرأة.

3. ماهی واجبات الرجل إزاء زوجته؟

4. أی الرجال أفضل؟ أجب عن السؤال فی ضوء الحدیث النبوّی الشریف.

ص:96

الدرس الثالث عشر:قیمة العمل الأخلاقیة فی الطائفتین من الآیات و الروایات

اشارة

للعمل والکدّ والکدح آداب فی الشریعة الإسلامیة، وقبل أن نتعرّف علی آداب العمل فی الإسلام نجیب عن السؤال التالی: هل توجد للعمل قیمة أم لا؟ وإذا کان الجواب بالإیجاب فما هی حدودها، وسنتناول فی هذا الدرس قیمة العمل الأخلاقیة، ثُمَّ نأتی علی آداب العمل بالشرح فی الدرس القادم.

فیما یخص قیمة العمل والکسب نجد طائفتین من الآیات والروایات: الطائفة الأولی تشتمل علی نصوص أکثر من الطائفة الثانیة وهی تمجد العمل وترفع من قیمة العامل والکاسب. أمّا الطائفة الثانیة فتعرضت بالنقد وإلی التهافت علی جمع المال والثروة.

الطائفة الاُولی

قال الله عزّ وجلّ: وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً. 1

وقال سبحانه وتعالی: وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ قَلِیلاً ما تَشْکُرُونَ. 2

ص:97

وکلتا الآیتین الکریمتین تتضمنان صورة من الامتنان الإلهی علی العباد بأن جعل لهم النهار ومکّن لهم الأرض، من أجل العمل والسعی والکسب وطلب لقمة العیش.

وجاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله: «من الذنوب ذنوب لا یکفرِّها إلاّ الهمّ فی طلب المعیشة». (1)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله): «التاجر الصدوق الأمین مع النبیین والصدّیقین والشهداء». (2)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من طلب الدنیا حلالاً استعفافاً عن المسألة وسیعاً علی عیاله، وتعطّفاً علی جاره، لقی الله ووجهه کالقمر لیلة البدر». (3)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «الأسواق مرائد الله فمن أتاها أصاب منها». (4)

وجاء فی السیرة النبویة الشریفة: إنّ النبی(صلی الله علیه و آله) مرّ - ومعه أصحابه - بشاب یعمل بحماس واجتهاد، وکان شاباً قویّاً، فقال أصحاب النبی(صلی الله علیه و آله): یا ویله، لیته کان فی سبیل الله، فقال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لا تقولوا هذا، فإنّه کان یسعی علی نفسه لیکفها عن المسألة، ویغنیها عن الناس فهو فی سبیل الله، وإن کان یسعی علی أبوین ضعیفین أو ذرّیة ضعاف لیغنیهم ویکفیهم فهو فی سبیل الله، وإن کان یسعی تفاخراً وتکاثراً فهو فی سبیل الشیطان». (5)

وروی الإمام الباقر(علیه السلام): إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال فی حجّة الوداع: «ألا إنّ الروح الأمین نفث فی روعی أنّه لا تموت نفس حتّی تستکمل رزقها، فاتقوا الله عزّ وجلّ وأجملوا فی الطلب، ولایحملنکم استبطاء شیء من الرزق أن تطلبوه بشیء من معصیة

ص:98


1- (1) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب الکلسب والمعاش.
2- (2) . سنن الترمذی: 241/2، ح 1227.
3- (3) . الکافی: 5؛مستدرک الوسائل: 55/13.
4- (4) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب الکسب والمعاش.
5- (5) . المصدر.

الله عزّ وجلّ، فإنّ الله تبارک وتعالی قسَّم الأرزاق بین خلقه حلالاً ولم یقسِّمها حراماً فمن اتقی الله عزّ وجلّ وصبر أتاه الله برزقه من حلّه، ومن هتک حجاب الستر وعجّل فأخذ من غیر حلّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسب علیه یوم القیامة». (1)

ویروی محمّد بن المنکدر أنّه ذهب إلی أطراف المدینة المنوّرة، وکان الوقت قیظاً شدید الحرّ فوقعت عیناه علی أبی جعفر الباقر(علیه السلام) یعمل فی أرض له فقال ابن المنکدر: والله لأعظنّه فتقدّم إلیه وقال: أصلحک الله شیخ من شیوخ قریش فی هذه الساعة علی مثل هذه الحالة فی طلب الدنیا! ألا تخشی أن یجیئک الموت وأنت علی هذه الحالة؟!

فأجابه الإمام وهو یتصبّب عرقاً: «والله لو جاءنی الموت علی هذا الحال، جاءنی وأنا فی طاعة من طاعات الله أکفی بها نفسی عنک وعن الناس، وإنّما أخاف الموت إذا جاءنی وأنا علی معصیة».

فأطرق ابن المنکدر برأسه، وقال: رحمک الله أبا جعفر، أردت أن أعظک فوعظتنی. (2)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «إذ کان الرجل معسراً، فعمل بقدر ما یقوت نفسه وأهله لا یطلب حراماً، فهو کالمجاهد فی سبیل الله». (3)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «الکادّ علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله». (4)

وروی(علیه السلام): إنّ النبی(صلی الله علیه و آله) قال: «ملعون من ألقی کلّه علی الناس». (5)

ص:99


1- (1) . الکافی: 80/5.
2- (2) . الکافی: 73/5.
3- (3) . المصدر: 88/5.
4- (4) . الکافی: 88/5.
5- (5) . المصدر: 72/5.

الطائفة الثانیة

قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «ما اوحی إلیّ أن أجمع المال وکن من التاجرین، ولکن اوحی إلیّ أن سبّح بحمد ربّک وکن من الساجدین، وأعبد ربّک حتّی یأتیک الیقین». (1)

وعنه (صلی الله علیه و آله): «اکثروا الاستغفار فإنّه یجلب الرزق». (2)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «إنّ الله عزّ وجلّ أوحی إلی داوود: «من انقطع إلیّ کفیته». (3)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «إنّ الله یعطی الدنیا بعمل الآخرة، ولا یعطی الآخرة بعمل الدنیا». (4)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «الرزق رزقان: طالب ومطلوب، فمن طلب الدنیا طلبه الموت حتّی یخرج عنها، ومن طلب الآخرة طلبته الدنیا حتّی یستوفی رزقه منها». (5)

ومن هذه الطائفة من الأحادیث الشریفة قد یستنتج البعض بأنّ علی المؤمنین أن ینصرفوا إلی الدعاء والعبادة ویترکوا العمل والتجارة والسعی وطلب الرزق، فعندما یکون الاستغفار سبباً فی الرزق فلماذا العمل! أوعندما یقول الرسول(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله یعطی الدنیا بعمل الآخرة» فلماذا لا ننصرف إلی العبادة فقط، أمّا الرزق فإنّ الله یتکفّل بإرساله؟

غیر أنّنا إذا وضعنا إلی جانب هذه النصوص ما طالعنا فی الطائفة الاُولی عندئذٍ ندرک أنّ الإسلام یمجّد العمل والسعی والکدح فی سبیل توفیر لقمة العیش للنفس والعیال، ومع أنّ الأعمال الإداریة والقضائیة تسوغ للمرء الاستفادة من بیت المال إلّا أنّ الشریعة تحث المرء علی أن یأکل من کدّ یده، وقد جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) عن علی(علیه السلام) قوله: «أوحی الله عزّ وجلّ إلی داوود(علیه السلام): «إنّک نعم العبد لولا أنّک تأکل من بیت المال ولا

ص:100


1- (1) . بحار الأنوار: 47/69، باب94.
2- (2) . المصدر: 21/100، باب2.
3- (3) . المصدر: 22/100، باب2.
4- (4) . المصدر: 25/100، باب2.
5- (5) . بحار الانوار: 38/100، باب2.

تعمل بیدک شیئاً، فبکی داوود أربعین صباحاً، فأحی الله عزّ وجلّ إلی الحدید، أن لن لعبدی داوود، فألان الله عزّ وجلّ له الحدید، وکان یعمل کلّ یوم درعاً فیبیعها بألف درهم، فعمل ثلاثمئة وستّین درعاً، فباعها بثلاثمئة وستین ألفاً واستغنی عن بیت المال». (1)

ولذا کان النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) یعملون فی البساتین والحقول إضافة إلی مسؤولیاتهم الاجتماعیة والثقافیة.

من هنا فإنّ العمل والکدح والکسب لیس مذموماً فی ذاته، وما یذمّه الإسلام شیئان:

الأوّل: الإفراط فی ذلک والاستغراق فیه إلی الحدّ الذی یخرج بالمرء عن حدود التوازن، ولذا دعا النبی(صلی الله علیه و آله) الناس إلی الإجمال فی الطلب، وقد جاء عنه(صلی الله علیه و آله) فی ذلک أیضاً: «إنّ أفضل الناس عبد أخذ من الدنیا الکفاف». (2)

الثانی: ألاّ یکون جمع المال والثراء همّ الإنسان الأوّل والأخیر، بحیث یغفل عن آخرته; وقد سئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن تفسیر الآیة الکریمة فی قوله تعالی: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ فقال(علیه السلام): «کانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلاة ترکوا التجارة، وانطلقوا إلی الصلاة وهم أعظم أجراً ممّن لا یتّجر». (3)

وقد جاء فی السیرة النبویة الشریفة لمّا نزلت: وَ مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ 4 أغلقوا الأبواب وأقبلوا علی العبادة، وقالوا: قدکفینا، فبلغ ذلک النبی(صلی الله علیه و آله) فأرسل إلیهم، فقال: ما حملکم علی ما صنعتم؟ قالوا: یا رسول الله، تکفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا علی العبادة، فقال: «إنّه من فعل ذلک لم یستجب له، علیکم بالطلب». (4)

ص:101


1- (1) . الکافی: 74/5.
2- (2) . بحار الأنوار: 27/100، باب2.
3- (3) . الکافی: 5؛بحار الأنوار: 274/64.
4- (5) . الکافی: 84/5.

الخُلاصة

تمجد الشریعة الإسلامیة العمل وتحث علیه، وتجعل الکدّ والعمل جهاداً فی سبیل الله، وقد وعد الله الذین یکدّون من أجل عیالهم بالثواب الجزیل یوم القیامة.

الأسئلة

1. بیّن قیمة العمل والکسب فی الإسلام.

2. ماذا تفهم من خطبة النبی(صلی الله علیه و آله) فی حجّة الوداع؟

3. ما معنی الإجمال فی الطب؟ بین ذلک باختصار.

4. ما هو دور التقوی فی کسب لقمة العیش؟

ص:102

الدرس الرابع عشر : آداب العمل والکسب

اشارة

عرفنا أنّ الإسلام یمجد العمل ویثنی علی العامل، وأنّ العمل بمنزلة الجهاد فی سبیل الله، وینبغی الآن أن نعرف اصول العمل وآدابه وضوابطه، ذلک أنّ معرفتنا آداب العمل یقودنا إلی اکتشاف ومعرفة العمل السلیم الذی لا حرمة فیه ولا إثم، وبالتالی معرفة اصول الکسب الحلال، وما یرید الله عزّ وجلّ من عباده فی السعی وطلب الرزق، وفی هذا بیان موجز لاُصول وآداب العمل.

1. فقه العمل

إنّ أوّل ما ینبغی أخذه بنظر الاعتبار هو الأحکام الشرعیة فی التجارة والمعاملات، فمن المعروف أن بیع وشراء بعض السلع وکذا تقدیم بعض الخدمات حرام شرعاً، کما أنّ هناک حقوقاً للبائع والمشتری ینبغی احترامها فی المعاملة، وعلی هذا یتوجب معرفة هذه الاُمور والاطّلاع علیها وإلاّ یوشک بالمرء أن یقع فی دائرة الکسب الحرام ویهضم حقوق الناس، یقول الإمام علی(علیه السلام): «من اتّجر بغیر فقه ارتطم فی الربا» (1) وجاء عنه(علیه السلام) قوله: «من اتجر بغیر علم ارتطم فی الربا ثُمَّ

ص:103


1- (1) . بحار الأنوار: 93/100، باب1.

ارتطم فلا یقعدنّ فی السوق إلاّ من یعقل الشراء والبیع». (1)

ویروی الأصبغ بن نباته: سمعت علیاً(علیه السلام) علی المنبر یقول: «یا معشر التجّار الفقه ثُمَّ المتجر، الفقه ثُمَّ المتجر والله للربا فی هذه الاُمّة أخفی من دبیب النمل علی الصفا، صونوا أموالکم بالصدقة، التاجر فاجر، والفاجر فی النار إلاّ من أخذ الحق وأعطی الحقّ». (2)

ومن هنا فإنّ التعرّف علی الأحکام الشرعیة فیما یتعلّق بالمعاملات الواردة فی الرسائل العملیة وکتب الفقه شرط لازم قبل الدخول فی عالم السوق والکسب.

2. اجتناب الاحتکار

من أقبح ما یمارسه التجار فی السوق هو شراؤهم بعض المواد والسلع الأساسیة والضروریة وإخفائها فی المخازن بغیة ارتفاع الأسعار، ومن ثَمّ عرضها بشکل تدریجی مستغلین حاجة الناس واضطرارهم لشرائها وبالتالی حصد أرباح خیالیة جراء ذلک.

ومن هنا فإنّ الاحتکار یعدّ عدواناً علی عموم الناس وممارسة ظالمة، ولهذا استنکر سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) الاحتکار ونهی عن ممارسته بشدّة، یقول(صلی الله علیه و آله): «من احتکر الطعام أربعین یوماً فقد برئ من الله، وبرئ الله منه». (3)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «من احتکر الطعام أربعین یوماً قسا قلبه». (4)

وفی مقابل هذه الممارسة الظالمة أثنی سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) علی من یقوم بعکس ما یقوم به المحتکر: «من جلب طعاماً فباعه بسعر یومه فکأنّما تصدّق به». (5)

ص:104


1- (1) . الکافی: 154/5.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب الکسب والمعاشر.
4- (4) . المصدر.
5- (5) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب الکسب والمعاشر.

وعلی هذا الأساس یجتنب التجار المؤمنون الاحتکار، وقد جاء فی بعض القصص: إنّ تاجراً کان له وکیل فی مدینة البصرة، وکان التاجر یرسل إلیه البضائع لیصرفها فی أسواق المدینة، فأرسل إلیه ذات مرّة شحنة من القمح وکتب إلیه أن ینزلها إلی السوق فور وصولها ویبیعها بسعر الیوم، ولما وصلت الحمولة، قال بعض أصدقاء الوکیل لو أخّرت بیعها إلی غد الجمعة تضاعف ربحک، وأصغی الوکیل إلی کلامهم، فأخّر بیع القمح یوماً وجنی من ذلک ربحاً مضاعفاً وکتب إلی التاجر یقص علیه ما فعل وما جنی من الربح، وتأثّر التاجر المُتدین من عمل وکیله وأرسل إلیه: لقد کنت قانعاً بالقلیل من الربح وکنت فی سلامة من دینی، فما جدوی الربح المضاعف إذا کان ینقص من الدین ذرّة، لقد جنیت علیّ وعلی نفسک فتب إلی اللهو انفق ما معک من المال کلّه علی فقراء البصرة وبؤسائها، فلعلّ الله یتجاوز عنّی ویغفر لی». (1)

3. الدعاء وذکر الله سبحانه

جاء فی توصیات سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) والأئمة من آله(علیهم السلام) أن یذکر المرء ربّه وهو یتجه إلی السوق والعمل، فیبدأ سعیه وکدحه باسم الله سبحانه، ویجعل الله نصب عینیه فلا یغفل عنه فی معاملاته وتجارته، یقول النبی(صلی الله علیه و آله): «من ذکر الله فی السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما فیه الکتاب، کتب الله له ألف حسنة، ویغفر الله له یوم القیامة مغفرة لم تخطر علی قلب بشر». (2)

وجاء فی أدعیة الإمام الباقر(علیه السلام) أن یقول المرء إذا اتجه إلی السوق: «اللّهمّ إنّی أسألک من خیرْها وخیر أهلها». (3)

ص:105


1- (1) . المصدر.
2- (2) . بحار الأنوار: 102/100، باب1.
3- (3) . الکافی: 155/5.

فإذا جلس للمعاملات قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللّهمّ إنّی أسألک من فضلک حلالاً طیباً، وأعوذ بک من أن أظلم أوأُظلم، وأعوذ بک من صفقة خاسرة ویمین کاذبة». (1)

إنّ من أهمّ صفات التاجر المؤمن إلّا تستغرقه المعاملات وعقد الصفقات عن ذکر الله وأداء الفرائض الدینیة، وقد ذکرنا فی الدرس الماضی أنّ الله عزّ وجلّ یبارک الذین لا تلهیهم التجارة والبیع عن ذکره تبارک وتعالی.

4. اجتناب القسم والحلف

إنّ محاولة البعض فی إقناع الطرف الآخر بالبیع أوالشراء من خلال القسم علی البضاعة المعروضة أمر یستنکره الإسلام، لیس فی البیع والشراء فقط بل فی جمیع شؤون الحیاة؛ ذلک أنّ الشریعة الإسلامیة لا تجیز القسم إلاّ فی بعض الموارد الحساسة والقضایا البالغة الأهمّیة، قال الله تعالی فی القرآن الکریم: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَیْمانِکُمْ. 2

وعلی هذا یعدّ القسم والحلف فی الشؤون المادّیة وبخاصة البیع والشراء أمراً مذموماً، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من باع واشتری فلیحفظ خمس خصال وإلاّ فلا یبیعنَّ ولا یشترینّ: الربا، والحلف، وکتمان العیب، والحمد إذا باع، والذمّ إذا اشتری». (2)

وجاء عن الإمام الکاظم(علیه السلام): «ثلاثة لا ینظر الله تعالی إلیهم یوم القیامة: أحدهم رجل اتّخذ الله بضاعة لا یبیع الاّ بیمین ولا یشتری الاّ بیمین...». (3)

فالذمّ الذی أشارت إلیه النصوص السالفة الذکر هو فی حالة الصدق، أمّا إذا کانت

ص:106


1- (1) . المصدر.
2- (3) . بحار الأنوار: 95/100، باب1.
3- (4) . الکافی: 162/5.

یمیناً کاذبة فإنّ المرء یکون قد ارتکب ذنباً کبیراً، ومن الاُمور التی نهی عنها الإسلام ما أشار إلیها سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله)، وهو أن یقدم المرء بمدح ما یبیع وذمّ ما یشتری.

5. ذکر العیوب

ومن آداب البیع ألاّ یتکتم المرء علی عیوب ما یرید بیعه، ومن یفعل ذلک فقد مارس الغش فی المعاملة وهو ما حرّمته الشریعة وشدّدت علیه، وقد جاء فی السیرة النبویّة الشریفة: إنّ سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) مرّ برجل یبیع قمحاً، فرأی النبی ظاهراً یعجبه، فلمّا مدّ کفه وجده رطباً، فتساءل عن ذلک، فقال الرجل: اصابته السماء، فاستنکر النبی(صلی الله علیه و آله) عدم عرض المرطوب للناس ثُمَّ قال: «من غشنا لیس منّا». (1)

6. الإنصاف

ومن آداب البیع والشراء التی یتوجب الالتزام بها هو الإنصاف، والإنصاف هو العدالة فی البیع، فلا یجوز استغلال حاجة المشتری لسلعة ما وعرضها بسعرأکثر من قیمتها الحقیقیة، کما لا یجوز للمشتری أن یستغل اضطرار البائع بضاعته أن یعرض علیه ثمناً أقلّ من قیمتها الحقیقیة، أنّ استغلال البائع للمشتری والمشتری للبائع کلاهما ظلم وعدوان علی حقوق الآخر وهو حرام شرعاً.

جاء فی سیرة الإمام الصادق(علیه السلام): إنّه دعا یوماً مولی له، یقال له: مصادف، فأعطاه ألف دینار، وقال له: تجهز حتّی تخرج إلی مصر فإنّ عیالی قد کثروا، فتجهز بمتاع وخرج مع التجار حتّی إذا دنوا من مصر، استقبلهم عیر خارجة منها، فسألوهم عن المتاع الذی یحملونه ما حاله فی مصر، وما متاع العامّة؟ فعلموا منهم أنّ لیس بمصر منه شیء. فتحالفوا علی ألاّ ینقصوا من ربح الدینار دینار، فلمّا قبضوا أموالهم انصرفوا إلی المدینة، فدخل

ص:107


1- (1) . صحیح مسلم: 1.

مصادف علی مولاه ومعه کیسان فی کلّ منهما ألف دینار. وقال: جعلت فداک، هذا رأس المال، وهذا الربح. قال الصادق(علیه السلام) - بعد أن عرف القصّة - : سبحان الله، تحلفون بالله علی قوم ألاّ تبیعوهم أو یربح الدینار دیناراً! ثُمّ أخذ واحداً من الکیسین وقال: هذا رأس مالی ولا حاجة لنا فی الربح، ثُمّ قال: «یا مصادف، مجالدة السیوف أهون من طلب الحلال». (1) وهکذا وضع الإمام الصادق إطاراً أخلاقیاً للتجارة والتبادل الاقتصادی.

7. التساهل مع الفقراء

ومن الآداب الإسلامیة فی العمل هو رعایة الضعفاء والمساکین وذوی الدخل المحدود، وقد ورد فی الأحادیث الشریفة ما یؤکّد علی عدم التشدّد مع هؤلاء، ولذا ینبغی التعامل معهم بطریقة لا یعودون فیها إلی منازلهم منکسری القلوب فارغی الأیدی، فمن الآداب فی هذا المضمار التخفیف من أسعار وأثمان البضائع المعروضة للبیع، بیعهم نسیئة أوعلی شکل أقساط مؤجلة تتناسب مع قدراتهم الشرائیة، وقد جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله علی سبیل الدعاء: «بارک الله علی سهل البیع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء». (2) وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من أنظر معسراً أوترک، حاسبه الله حساباً یسیراً».

8. اجتناب الغش

إنّ عرض بضاعة مغشوشة أومواد غذائیة فاسدة أوالتعامل بنقود مزوّرة هو من مصادیق الخیانة واللصوصیة والسرقة، ولذا یتوجب اجتناب الغش فی المعاملات.

الذین قاموا باتلاف بضائعهم الفاسدة والرضا بالخسارة المادّیة، والمحافظة علی أمانتهم وعدم الغش فی تعاملهم متحمِّلین الخسائر بقلب راض وضمیر مرتاح.

ص:108


1- (1) . بحار الأنوار: 59/47، باب4.
2- (2) . وسائل الشیعة: 450/17، باب42، ح1.

الخُلاصة

للعمل والکدح والکسب فی الإسلام آداب یتوجّب علی المسلم الالتزام بها، وهذه الآداب نابعة من الاُصول الأخلاقیة والشرعیة، کما أن علی البائع والمشتری واجبات ولهما حقوق، ینبغی أداءها لتصحّ المعاملة شرعیاً وأخلاقیاً.

الأسئلة

1. لماذا قال الأئمة الأطهار(علیهم السلام) بأولویة الفقه قبل التجارة؟

2. لماذا یعدّ الإسلام الاحتکار عملاً محرّماً وقبیحاً؟

3. هل یجوز القسم فی عملیة البیع والشراء؟

4. بیّن بإیجاز واجبات البائع.

ص:109

ص:110

الدرس الخامس عشر : النظافة «1»

اشارة

النظافة من الآداب المهمّة فی الشریعة الإسلامیة، فقد أکّد الإسلام علی الاهتمام بنظافة الجسم والثیاب والمنازل، کما حثّ علی السواک وترجیل الشعر وحلاقته وتقلیم الأظافر والاهتمام بنظافة البیئة.

والمسلم لا یکون مسلماً حقیقیاً حتّی یؤدّی ما علیه فی هذا المضمار، فلا یجوز له تلویث البیئة، کما لا یجوز له أیضاً إهمال نظافته الفردیة وإیذاء مواطنیه بمنظره المنفر وبما یصدر عنه من رائحة کریهة.

وقد جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) مایلی:

- «إنّ الله طیّب یحبّ الطیب، نظیف یحبّ النظافة». (1)

- «الطهور شطر الإیمان». (2)

- «أوّل ما یحاسب به العبد الطهور». (3)

ص:111


1- (1) . سنن الترمذی: 198/4، ح 2951.
2- (2) . کنزل العمال: ح 25998.
3- (3) . المصدر: ح 31010.

- «تنظفوا بکلّ ما استطعتم، فإنّ الله تعالی بنی الإسلام علی النظافة ولن یدخل الجنّة إلّا کلّ نظیف». (1)

- «الإسلام نظیف فتنظفوا، فإنّه لا یدخل الجنّة إلاّ نظیف». (2)

- «إنّ الله یحبّ الناسک النظیف». (3)

وجاء عن الإمام الرضا(علیه السلام) قوله: «من أخلاق الأنبیاء التنظّف». (4)

إنّ جزءاً من واجبات المسلم فی النظافة یرتبط بطهارته الشّرعیة، فهاک الوضوء، الغسل والتیمم وهی مشروحة بالتفصیل فی کتب الفقه والرسائل العملیة، فلا تقبل عبادته ما لم یؤدِ هذه الواجبات الشرعیة بشکل صحیح، وإلی جانب هذه الواجبات توجد آداب وسنن سوف نتناولها فی هذا الدرس والدرسین القادمین.

1. النظافة البدنیة

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «طهّروا هذه الأجساد طهّرکم الله، فإنّه لیس عبدٌ یبیتُ طاهراً إلاّ بات معه ملک فی شعاره ولا یتقلّب ساعة من اللیل إلّا قال: اللّهمّ اغفر لعبدک فإنّه بات طاهراً». (5)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «تنظفوا بالماء من المنتن الریح الذی یتأذّی به، تعهّدوا أنفسکم، فإنّ الله عزّ وجلّ یبغض من عباده القاذورة الذی یتأنّف به من جلس إلیه». (6)

ص:112


1- (1) . المصدر: ح 26002.
2- (2) . المصدر: ح 26007.
3- (3) . المصدر: ح 2600.
4- (4) . بحار الأنوار: 335/75، باب26.
5- (5) . کنز العمال: ح 26003.
6- (6) . بحار الأنوار: 98/10، باب7.

وجاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «بئس العبد القاذورة»، (1) وقوله(صلی الله علیه و آله): «هلک المتقذّرون». (2)

2. آداب الحمام

یقول الإمام علی(علیه السلام) فی أهمّیة الحمام: «نعم البیت الحمّام تذکر فیه النار ویُذهب بالدرن»، (3) وجاء عنه(علیه السلام) قوله: «بئس البیت الحمّام یهتک الستر ویذهب بالحیاء». (4)

وقد یبدو فی هذا الحدیث نقضاً لسابقه، ولکن التأمّل فی المقطع الأخیر یدعو ضمناً إلی بناء حمامات توفر الستر المطلوب ولا تخدش الحیاء.

وجاء فی حدیث للإمام الصادق(علیه السلام) تفاصیل حول آداب الذهاب إلی الحمام فعلی المرء أن یقول حین الدخول: «اللّهمّ اذهب عنّی الرجس النَجِسَ وطهّر جسدی وقلبی». فإذا صبّ علی نفسه الماء الساخن، یقول: «نعوذ بالله من النار ونسأله الجنّة» فإذا استحمّ وأراد ارتداء ثیابه یقول: «اللّهمّ البسنی التقوی وجنبنی الردی». (5)

ومن آداب الذهاب إلی الحمام الستر، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لا یدخلنّ أحدکم الحمام إلاّ بمئزر». (6) کما جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «من الأدب ألّا یدخل الرجل ولده معه الحمّام فینظر إلی عورته». (7)

ص:113


1- (1) . الکافی: 439/6.
2- (2) . کنز العمال: ح 7422.
3- (3) . مکارم الاخلاق: 53.
4- (4) . المصدر: 53.
5- (5) . المصدر: 52.
6- (6) . بحار الأنوار: 69/73، باب3.
7- (7) . مکارم الأخلاق: 53.

وعنه(علیه السلام): «من دخل الحمّام بمئزر ستره الله بستره». (1)

وجاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله تبارک وتعالی کرّه لکم أیتها الاُمّة... دخول الأنهار إلاّ بمئزر». (2)

وهذا یعنی أنّ الاستحمام لا یقتصر علی الحمّامات، کما أنّ الستر مطلوب فی کلّ الأحوال والظروف، ومع أنّ الالتزام بستر العورة واجب علی الجمیع، فقد جاء فی الأحادیث الشریفة حث علی غض النظر إمعاناً فی الستر، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «من دخل الحمّام فغضّ طرفه عن النظر إلی عورة أخیه آمنه الله من الحمیم یوم القیامة». (3)

وسأل أحدهم الإمام الباقر: هل نهی أمیرالمؤمنین(علیه السلام) عن قراءة القرآن فی الحمام؟ فقال الباقر(علیه السلام): «لا، إنّما نهی أن یقرأ الرجل وهو عریان، فإذا کان علیه إزار فلا بأس». (4)

ومن السنّة أیضاً: إزالة الشعر من عدّة مواضع من البدن کالإبطین والعورتین، حیث یستحبّ للمرء أن یقوم بذلک مرّة فی کلّ اسبوعین أو ثلاثة أسابیع، أمّا إذا قام المرء بذلک بعد أربعین یوماً فلا فضیلة ولا کرامة. (5)

3. نظافة الثوب

قبل أن یطرح الإسلام مسألة الزی لوناً وشکلاً ونوعیةً شدّد أوّلاً علی نظافته وطهره، وقد جاء فی السیرة النبویّة الشریفة: إنّ النبی(صلی الله علیه و آله) رأی رجلاً وعلیه ثیاباً وسخة

ص:114


1- (1) . بحار الأنوار: 74/73، باب3.
2- (2) . المصدر: 69/73، باب3.
3- (3) . المصدر: 74/73، باب3.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 52.
5- (5) . بحار الأنوار: 76، باب6.

فقال(صلی الله علیه و آله): «أما کان هذا یجدُ ماءً یغسل به ثوبه». (1) کما جاء فی الحدیث النبویّ الشریف: «من الدین المتعة وإظهار النعمة»، (2) وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «من اتّخذ ثوباً فلینظفه». (3)

وخاطب(صلی الله علیه و آله) عائشة قائلاً: «یا عائشة، اغسلی هذین الثوبین، أما علمتِ أنّ الثوب یسبّح فإذا اتسخ انقطع تسبیحه». (4)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «النظیف من الثیاب یذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة». (5)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «الثوب النقیّ یکبت العدو». (6)

وجاء عن الإمام(علیه السلام) فی تفسیر الآیة الشریفة من قوله عزّ وجلّ: «وثیابک فطهّر» «أی شمّر»، (7) کما جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی توضیح ذلک: «أی فارفعها ولا تجرّها» ذلک أنّ ارتفاع الثوب عن الأرض یحمیه من التلوّث والوساخة.

ومن خلال الأحادیث النبوِّیة الشریفة ومرویات أهل البیت(علیهم السلام) أنّ أفضل الثیاب هو الثوب الأبیض، فکان(صلی الله علیه و آله) یرتدی الأبیض من الثیاب فی أغلب أوقاته، وأوصی بذلک أصحابه یقول(صلی الله علیه و آله): «البسوا البیاض فإنّه أطیب وأطهر، وکفنوا فیه موتاکم». (8)

کما جاء عنه(صلی الله علیه و آله) قوله: «البسوا من ثیابکم البیض، فإنّها من خیر ثیابکم، وکفّنوا

ص:115


1- (1) . سنن أبی داوود: 261/2، ح 4062.
2- (2) . الکافی: 439/6.
3- (3) . المصدر: 441/6.
4- (4) . کنز العمال: ح 26009.
5- (5) . الکافی: 444/6.
6- (6) . مکارم الأخلاق: 103.
7- (7) . المصدر.
8- (8) . کنز العمال: ح 41101؛ الکافی: 445/6.

فیه موتاکم». (1) وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «أحسن ما زرتم الله عزّ وجلّ به فی قبورکم ومساجدکم البیاض». (2) کما جاء عنه(صلی الله علیه و آله) کذلک: «من أحبّ ثیابکم إلی الله البیاض، فصلّوا فیها وکفنوا فیها موتاکم». (3)

أمّا فی نوعیة الخیوط، فإنّ القطن والکتان هو المفضل، فیما حرّمت الشریعة ارتداء الحریر علی الذکور وأحلّته للاُناث، یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «البسوا ثیاب القُطن فإنّما هو لباس رسول الله(صلی الله علیه و آله) وهو لباسنا». (4)

وجاء عن سیّدنا ونبینا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «حُرّم لباس الحریر والذهب علی ذکور امّتی، واُحلّ لإناثهم». (5)

إنّ الهدف الأساس من ارتداء الثیاب هو الستر والظهور بمظهر لائق، أمّا ارتداء الملابس بقصد التباهی والتفاخر فهو ممّا استنکرته الشریعة الإسلامیة، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «ومن لبس ثوباً یباهی به لیراه الناس لم ینظر الله إلیه حتّی ینزعه». (6)

ص:116


1- (1) . المصدر: ح 41102.
2- (2) . میزان الحکمة: 2762/4.
3- (3) . کنز العمال: ح 41117.
4- (4) . الکافی: 446/6.
5- (5) . کنز العمال: ح 41210.
6- (6) . المصدر: ح 41203.

الخُلاصة

إنّ مقولة الإسلام هی: «النظافة من الإیمان» فلا ینبغی للمسلم أن یکون أشعث الشعر، وسخ الثیاب.

الاستحمام والاهتمام بنظافة البدن والثیاب من الآداب الإسلامیة المهمّة، التی یتوجب الالتزام بها.

الأسئلة

1. بیّن أهمّیة النظافة فی الإسلام وفقاً لما جاء فی الحدیث النبوّی الشریف.

2. أیّ العباد یبغضه الله عزّ وجلّ؟ استدلّ بحدیث من أهل البیت(علیهم السلام).

3. اشرح باختصار آداب الحمام.

4. لماذا یؤکّد النبی(صلی الله علیه و آله) علی ارتداء الأبیض من الثیاب؟

5. أیّ الثیاب حرّمها الإسلام؟

ص:117

ص:118

الدرس السادس عشر : النظافة «2»

4. السواک ونظافة الأسنان

اشارة

فیما یخصّ نظافة الأسنان جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «ما زال جبرئیل یوصینی بالسواک حتّی ظننت أنّه سیجعله فریضة». (1)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «من أخلاق الأنبیاء السواک». (2)

وجاء فی الحدیث النبوّی الشریف: «لولا أن اشق علی امتی لأمرتهم بالسواک عند وضوء کلّ صلاة». (3)

وعن النبی(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «صلاة علی أثر السواک أفضل من خمس وسبعین صلاة بغیر السواک». (4)

وفیما وصّی به نبینا(صلی الله علیه و آله) وصیّه علی(علیه السلام) قوله: «علیک بالسِّواک لکلّ صلاة». (5)

ص:119


1- (1) . بحار الأنوار: 126/73، باب 18.
2- (2) . المصدر: 131/73، باب 18.
3- (3) . سنن ابن ماجة: ح 287؛ بحار الأنوار: 137/73، باب18.
4- (4) . بحار الأنوار: 344/77، باب7.
5- (5) . المصدر: 132/73، باب 18.

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «السواک شطر الوضوء، والوضوء شطر الإیمان». (1)

کما جاء عنه (صلی الله علیه و آله): «إنّ أفواهکم طرق القرآن فطیِّبوها بالسواک». (2)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «طهّروا أفواهکم فإنّها طرق القرآن». (3)

وقوله(صلی الله علیه و آله): «نظفوا طریق القرآن» فقیل: وما طریق القرآن؟ قال(صلی الله علیه و آله): أفواهکم، فقیل: بماذا؟ قال(صلی الله علیه و آله): بالسواک. (4)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله): «أفواهکم طریق من طرق ربِّکم فأحبّها إلی الله أطیبها ریحاً فطیّبوها بما قدرتم علیه». (5)

وانتقد النبی(صلی الله علیه و آله) بعض أصحابه قائلاً: «ما لی أراکم تدخلون علیَّ قلحاً مرغاً ما لکم لا تستاکون». (6) فقد استنکر النبی منظر الأسنان السوداء، ولذا أمرهم بالاستیاک وتنظیف أفواههم وأسنانهم.

فوائد المسواک

جاء فی وصایا النبی(صلی الله علیه و آله) إلی وصیّه علی(علیه السلام) قوله: «یا علیّ فی السواک اثنتا عشرة خصلة: هو من السنّة، وهو مطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ویرضی الرحمان، ویبیّض الأسنان ویذهب بالحَفر، ویشدّ اللثة، ویشهّی الطعام، ویذهب بالبلغم، ویزید فی الحفظ، ویضاعف الحسنات، ویفرح الملائکة». (7)

ص:120


1- (1) . کنز العمال: ح 2699؛ بحار الأنوار: 140/73، باب 18.
2- (2) . سنن ابن ماجة: ح 291؛ بحار الأنوار: 330/81.
3- (3) . کنز العمال: ح 2804؛ المستدرک: 367/1.
4- (4) . بحار الأنوار: 130/73، باب 18.
5- (5) . المصدر: 131/73، باب 18.
6- (6) . الکافی: 496/6؛ باب السواک، ح9.
7- (7) . بحار الأنوار: 346/77، باب7.

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام): «السواک من مرضاة الله عزّ وجلّ وسنّة للنبی(صلی الله علیه و آله) ومطیبة للفم». (1) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «السواک یجلی البصر». (2)

وفی حدیث للإمام الصادق(علیه السلام) قال: «علیکم بالسواک، فإنّه یذهب وسوسة الصدر». (3) وجاء عن الإمام علی بن موسی الرضا(علیه السلام): «السواک یجلو البصر، وینبت الشعر، ویذهب بالدمعة». (4)

ومن ثمار السواک ما جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله): «السواک یزید الرجل فصاحة». (5)

کیفیة استعمال المسواک

جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی هذا المضمار قوله: «استاکوا عرضاً ولا تستاکوا طولاً». (6) وجاء فی سیرته(صلی الله علیه و آله): إنّه کان یستاک افقیاً لا عمودیاً، وأنّه یفعل ذلک ثلاث مرّات فی الیوم واللیلة، قبل أن یأوی إلی فراشه وبعد استیقاظه وقبل مغادرته بیته.

أمّا فی حالة الصیام فیقول(صلی الله علیه و آله): «إذا صمتم فاستاکوا بالغداة ولا تستاکوا بالعشیِّ، فإنَّه لیس من صائم تیبس شفتاه بالعشیّ إلاّ کان نوراً بین عینیه یوم القیامة». (7)

وجاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «إنّ السواک فی السحر وقبل الوضوء من السنّة»، (8) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «لا تدعه (السواک) فی کلّ ثلاثة أیّام ولو أن تمرّه مرّة واحدة». (9)

ص:121


1- (1) . المصدر: 129/73، باب18.
2- (2) . المصدر: 134/73، باب18.
3- (3) . المصدر: 139/73، باب18.
4- (4) . المصدر: 137/73، باب18.
5- (5) . المصدر: 135/73، باب18.
6- (6) . بحار الأنوار: 139/73.
7- (7) . المصدر.
8- (8) . وسائل الشیعة: 22/2؛ باب استحباب السواک، ح5.
9- (9) . المصدر: 24/2؛ باب إحراء السواک مرة، ح1.

5. الحلاقة والجمال

ان قصّ شعر الرأس والشارب والذقن من آداب الإسلام التی ینبغی علی المسلم الالتزام بها، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لیأخذ أحدکم من شاربه والشعر الذی فی أنفه ولیتعاهد نفسه، فإنّ ذلک یزید فی جماله». (1)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «أخذ الشعر من الأنف یحسن الوجه». (2)

کما جاء فی الحدیث النبوی الشریف: «لا یطوّلنّ أحدکم شاربه، فإنّ الشیطان یتّخذه مخبأً یستتر به»، (3) وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «من لم یأخذ شاربه فلیس منّا»، وعن النبی(صلی الله علیه و آله) قال: «أحفوا الشوارب واعفوا اللحی ولا تتشبهوا بالیهود». (4) وسأل علی بن جعفر أخاه الإمام موسی الکاظم(علیه السلام) عن حکم من أخذ من لحیته، فقال(علیه السلام): «أمّا من عارضیه فلا بأس، وأمّا من مقدِّمها فلا یأخذ». (5)

وهناک حدود فی هذه المسألة والإمام الصادق(علیه السلام)یعین ذلک بقوله: «تقبض بیدک علی اللحیة وتجزّ ما فضل» (6) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «ما زاد من اللحیة عن القبضة ففی النار». (7)

أمّا فی مضمار الحلاقة والجمال فقد جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله: «الشعر الحسن من کسْوة الله فاکرموه». (8)

ص:122


1- (1) . بحار الأنوار: 109/73، باب12.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . المصدر: 112/73، باب 13.
4- (4) . المصدر: 112/73، باب 13.
5- (5) . المصدر: 76، باب 13؛مکارم الاخلأق: 68.
6- (6) . المصدر: 112/73، باب 13.
7- (7) . المصدر.
8- (8) . المصدر: 116/73، باب 14.

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «المشط ینفی الفقر ویذهب الداء». (1) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «إمرار المشط علی صدرک یذهب بالهمّ». (2)وجاء عن الإمام الرضا(علیه السلام) فی تفسیر الآیة الکریمة من قوله تعالی: خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ (3) فقال(علیه السلام): «من ذلک التمشّط عند کلّ صلاة»، (4) وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) حول سیرة النبی(صلی الله علیه و آله) فی ذلک: «کان شعر رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا طال، طال إلی شحمة اذنیه». (5)

6. تقلیم الأظافر

جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) فی تقلیم الأظافر: «من قلَّم أظفاره یوم الجمعة أخرج الله من أنامله داءً وأدخل فیها شفاءً». (6)

وسأل أحدهم الإمام الصادق(علیه السلام) أن یعلمه دعاءً یزید فی الرزق، فقال الإمام(علیه السلام): «خذ من شاربک وأظفارک، ولیکن ذلک فی یوم الجمعة». (7) کما جاء عنه(علیه السلام): «تقلیم الأظفار یوم الجمعة یؤمن من الجُذام والبرص والعمی». (8) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «من قلّم أظفاره وقصَّ شاربه فی کلّ جمعة، ثُمّ قال: باسم الله وعلی سنّة محمّد وآل محمّد أُعطی بکلّ قلامة وجزازة عتق رقبة من ولد إسماعیل». (9)

ص:123


1- (1) . المصدر: 113/73، باب 14.
2- (2) . المصدر: 114/73، باب 15.
3- (3) . الأعراف: 31.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 69.
5- (5) . المصدر: 70.
6- (6) . المصدر: 64.
7- (7) . بحار الأنوار: 110/73، باب 13.
8- (8) . المصدر: 110/73، باب 13.
9- (9) . المصدر: 110/73، باب 13.

وهذا التأکید علی یوم الجمعة إنّما هو تأکید علی أهمّیة النظافة; ذلک أنّ النظافة مطلوبة فی أی وقت، ولیس من اللازم إذا ما طالت الأظافر وتحتم تقلیمها تأخیر ذلک إلی یوم الجمعة، ولذا جاء فی الأثر: إنّ أحدهم سأل الإمام الکاظم(علیه السلام) قائلاً: إنّ أصحابنا یقولون بوجوب تقلیم الأظافر، والأخذ من الشارب فی یوم الجمعة، فقال(علیه السلام): «سبحان الله، خذها إن شئت فی الجمعة، وإن شئت فی سائر الأیّام». (1)

وقد جاء فی الأحادیث ما یؤکّد استحباب القیام بهذه الأعمال فی یوم الجمعة، فقد سئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن ذلک، فقال(علیه السلام) فی ثواب ذلک: «لا یزال مطهّراً إلی یوم الجمعة الاُخری». (2) ومع ذلک فقد جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله): «من قلّم أظفاره یوم السبت ویوم الخمیس وأخذ من شاربه عوفی من وجع الأضراس ووجع العینین». (3)

وفی کیفیة تقلیم الأظافر جاء عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «إنّ من یقلّم أظفاره یوم الجمعة، یبدأ بخنصره من یده الیسری ویختم بخنصره من یده الیمنی». (4)

ص:124


1- (1) . مکارم الأخلاق: 64.
2- (2) . المصدر: 65.
3- (3) . المصدر.
4- (4) . المصدر: 66.

الخُلاصة

أکّد الإسلام علی النظافة العامّة، وحثت الشریعة المؤمنین علی استعمال المسواک بشکل یومی، کما دعت إلی قص الشعر وتقلیم الأظافر اسبوعیاً.

الأسئلة

1. اذکر الحدیث النبوی الشریف الذی یبین قیمة الصلاة بعد استعمال المسواک.

2. ما هی ثمار وفوائد الاستیاک؟ استشهد بالحدیث النبوّی الشریف.

3. بیّن کیفیة الاستیاک وأوقاته المناسبة.

4. کیف یجب أن یکون الشعر فی الرأس والشارب والذقن؟ اذکر الأحادیث الشریفة فی ذلک.

5. ما هی أهمّیة التمشیط؟ اذکر حدیثاً شریفاً فی هذا المضمار.

6. بیّن کیفیة تقلیم الأظافر والوقت المناسب فی ذلک.

ص:125

ص:126

الدرس السابع عشر : النظافة «3»

7. التعطّر والتطیّب

تتضمّن الروایات والأحادیث الإسلامیة علی تأکید واسع فی استعمال العطر والطیب، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الطیب یشدّ القلب»، (1) وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «العطر من سنن المرسلین»، (2) کما جاء عن الإمام الرضا(علیه السلام) قوله: «الطیب من أخلاق الأنبیاء»، وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «من أخلاق الأنبیاء التطیّب». (3)

ویقول الإمام الصادق حول أهمّیة الجمال فی حیاة الإنسان المسلم: «إنّ الله تعالی یحبّ الجمال والتجمّل، ویکره البؤس والتباؤس، وإنّ الله تعالی إذا أنعم علی عبد نعمةً أحبّ أن یری علیه أثرها. قیل: وکیف ذلک؟ قال(علیه السلام): ینظّف ثوبه، ویطیّب ریحه، ویبیّض داره، ویکنس أفنیته، حتّی أنَّ السِّراج قبل مغیب الشمس یُنفی الفقر ویزید فی الرزق». (4)

وجاء عن النبی(صلی الله علیه و آله): «حُبّب إلیّ من دنیاکم: النساء، والطیب، وجعل قرّة عینی

ص:127


1- (1) . الکافی: 510/6.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . مکارم الأخلاق: 40.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 41.

فی الصلاة»، کما جاء عنه(صلی الله علیه و آله): «أربع من سنن المرسلین: العطر، والنساء، والسِّواک، والحنّاءَ». (1)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «لا تدع الطیب فإنّ الملائکة تستنشق ریح الطیب من المؤمن، فلا تدع الطیب فی کلّ جمعة». (2) کما جاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «من تطیّب أوّل النهار لم یزل عقله معه إلی اللیل». (3)

ویقول الإمام موسی الکاظم(علیه السلام): «لا ینبغی للرجل أن یدع الطیب فی کلّ یوم، فإن لم یقدر علیه فیوم ویوم لا، فإن لم یقدر ففی کلّ جمعة». (4)

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «ما انفقت فی الطیب فلیس بسرف». (5)

وعنه(علیه السلام) أیضاً: «کان رسول الله(صلی الله علیه و آله) ینفق فی الطیب أکثر ممّا ینفق فی الطعام». (6) وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) فی سیرة سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّ النبی(صلی الله علیه و آله) کان لا یرد الطیب والحلواء». (7) وجاء عن أنس بن مالک فی السیرة النبویة الشریفة: «کان النبی(صلی الله علیه و آله) إذا اتی بطیب لم یردّه». (8)

وسأل أحدهم الإمام الصادق(علیه السلام) عن رجل ارسلت له قارورة طیب هدیة فردّها فقال الإمام(علیه السلام): «لا ینبغی له أن یردّ الکرامة». (9)

ص:128


1- (1) . بحار الأنوار: 142/73، باب 19.
2- (2) . الکافی: 511/6.
3- (3) . المصدر.
4- (4) . المصدر.
5- (5) . مکارم الأخلاق: 41.
6- (6) . وسائل الشیعة: 146/2.
7- (7) . الکافی: 513/6.
8- (8) . مسند أحمد: 118/3.
9- (9) . وسائل الشیعة: 47/2.

8. نظافة المنزل والبیئة

وکما اهتمّت الشریعة الإسلامیة بنظافة البدن واللباس، ووضعت لذلک آداباً، فقد أکّدت أیضاً علی نظافة المنازل ونظافة البیئة. وبشکل عام فإنّ الإسلام یؤکّد علی أهمّیة النظافة والجمال وظهور الأشیاء بوجه حسن، بحیث یکون المسلم نموذجاً لغیره فی سلوکه وصفاته الحسنة وفی مظهره الحسن الجمیل وبیئته النظیفة، وهذا ما یؤدّی بطبیعة الحال إلی مکافحة التلوث وتراجع نسبة الإصابة بالأمراض والأوبئة.

ویری بعض العلماء أنّ المراد من الشیطان فی بعض الروایات ربّما الجراثیم والفیروسات، فعلی سبیل المثال روی عن النبی(صلی الله علیه و آله) أنّه قال: «لا یطوّلنّ أحدکم شاربه فإنّ الشیطان یتّخذه مخبّأً یستتر به». (1) ومن هنا فإنّ العمل بوصایا النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة الأطهار من آله(علیهم السلام) سوف یؤدّی إلی حیاة طیبة فی بیئة صحیة نظیفة خالیة من الأمراض والأوبئة.

والأحادیث الشریفة تنقسم إلی قسمین: قسم یؤکّد أهمّیة النظافة البیئیة، وقسم آخر یحدد آداب المسلم فی ذلک.

وهناک نقطة جدیرة بالاهتمام هی أنّ النظافة المنزلیة ترتبط ارتباطاً وثیقاً بالنظافة البیئیة، فکلما زاد الاهتمام بنظافة المنزل یزداد الاهتمام بنظافة البیئة، ومن هنا فانّ المرء النظیف فی حیاته المنزلیة لا بدَّ أن یکون نظیفاً فی بیئته، کما أنّ الاهتمام بنظافة البیئة یعنی احترام حقوق الآخرین فی التمتّع ببیئة نظیفة خالیة من کلّ أشکال التلوث.

یقول الإمام الباقر(علیه السلام): «کنس البیوت ینفی الفقر». (2)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «غسل الإناء وکنس الفناء مجلبة للرزق». (3)

ص:129


1- (1) . الکافی: 6/ 488.
2- (2) . وسائل الشیعة: 317/5.
3- (3) . المصدر.

وجاء فی الحدیث النبوّی الشریف: «لاتؤووا مندیل اللحم فی البیت فإنّه مربض الشیطان، ولاتؤووا التراب خلف الباب فإنّه مأوی الشیطان»، (1) کما جاء عنه(صلی الله علیه و آله): «لا تُبیتوا القمامة فی بیوتکم وأخرجوها نهاراً، فإنّها مقعد الشیطان». (2)

وروی أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام)، إنّ سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قال: «لا تذروا مندیل الغمر فی البیت، فإنّه مربض الشیطان». (3)

وعنه(صلی الله علیه و آله) قال: «بیت الشیاطین من بیوتکم بیت العنکبوت». (4)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «نظفوا بیوتکم من حوک العنکبوت، فإن ترکه فی البیت یورث الفقر».

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن یدخل بیتاً مظلماً إلاّ بمصباح». (5) وروی(علیه السلام) أیضاً: «إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) کره أن یدخل بیتاً مظلماً إلاّ بسراج». وعنه (صلی الله علیه و آله) أیضاً: «السراج قبل مغیب الشمس ینفی الفقر ویزید فی الرزق». (6)

وجاء عن الإمام الرضا(علیه السلام) قوله: «إسراج السراج قبل أن تغیب الشمس ینفی الفقر». (7)

نظافة البیئة

تضمّنت الروایات والأحادیث الإسلامیة نهیاً أکیداً عن ممارسة بعض الفعالیات الحیاتیة فی الأماکن العامّة، من قبیل الشوارع والأزقة والطرق العامّة، وکذا فی المجاری

ص:130


1- (1) . بحار الأنوار: 174/73، باب 36.
2- (2) . وسائل الشیعة: 318/5.
3- (3) . بحار الأنوار: 176/73، باب 36.
4- (4) . وسائل الشیعة: 322/5.
5- (5) . المصدر.
6- (6) . بحار الأنوار: 175/73، باب 36.
7- (7) . وسائل الشیعة: 573/3.

المائیة وتحت الأشجار المثمرة والاشجار التی یفیء الناس إلی ظلالها، وفی ظلال وأطراف المساجد والمنازل، وبعبارة واحدة فی کلّ مکان یطرقه الناس ویتسبب بإیذائهم.

وقد روی الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام): «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن یتغوّط علی شفیر بئر ماء یُستعذب منها، أو نهر یُستعذب، أوتحت شجرة فیها ثمرتها». (1)

وروی(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): ثلاث، ثلاث; ملعون من فعلهنّ: المتغوّط فی ظِل النزال، والمانع الماء المنتاب، وسادّ الطریق المسلوک». (2)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام): «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن یبول أحدٌ تحت شجرة مثمرة أوعلی قارعةِ الطریق». (3)

وروی الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): إنّ الله کره لکم أیتها الاُمّة أربعاً وعشرین خصلة ونهاکم عنها. إلی أن قال: وکره البول علی شطّ نهرجار، وکره أن یحدث الرجل تحت شجرة مثمرة قد أینعت أونخلة قد أینعت یعنی أثمرت». (4)

وسأل رجل الإمام زین العابدین(علیه السلام) عن المکان الذی یقضی فیه المرء حاجته؟ فقال(علیه السلام): «یتّقی شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن فقیل له: وأین مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور». (5)

ص:131


1- (1) . المصدر: 325/1.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . المصدر.
4- (4) . وسائل الشیعة: 328/1.
5- (5) . المصدر: 324/1.

الخُلاصة

إنّ التعطّر والاهتمام بنظافة المنزل والبیئة من وصایا الإسلام فی الحفاظ علی الصحّة العامّة والبیئة من کل أشکال التلوث، ممّا یوفر حیاة طیبة للمجتمع الإسلامی.

الأسئلة

1. اذکر حدیثاً نبویاً شریفاً فی موضوع التعطّر والتطیّب.

2. کم ینبغی للمرء المسلم أن ینفق علی العطور والطیب؟

3. اذکر حدیثین شریفین حول نظافة المنزل وأهمّیة ذلک.

4. ماهی الوسائل الکفیلة بالحفاظ علی البیئة من التلوّث؟

ص:132

الدرس الثامن عشر : آداب التخلّی

اشارة

بعد أن تعرّفنا علی آداب وتوصیات الشریعة الإسلامیة حول الصحّة العامّة ونظافة البیئة، ینبغی استکمال البحث فی هذا المضمار فنتناول آداب ووصایا الإسلام فی کیفیة التخلّی وشروطه.

1. الاستتار

ینبغی أن یقضی المرء حاجته بعیداً عن أنظار الناس، ولذا یکون بناء المرحاض بطریقة توفر الستر للمرء من جمیع الجهات، أمّا فی البراری فینبغی للمرء أن یستر نفسه عن الآخرین، فیختار منخفض أرضی أویتخلّی وراء مرتفع یستره عن أنظار الآخرین، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «من أتی الغائط فلیستتر». (1)

وجاء عنه(علیه السلام): «قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأکثر استشارتهم، إلی أن قال: وإذا أردت قضاء حاجتک فأبعد المذهب فی الأرض». (2)

وعنه(علیه السلام) أیضاً: «ما اوتی لقمان الحکمة لحسب ولا مال ولا بسط فی جسم ولا

ص:133


1- (1) . وسائل الشیعة: 306/1.
2- (2) . المصدر: 305/1.

جمال، ولکنّه کان رجلاً قویاً فی أمر الله متورّعاً فی الله ساکناً سکّیتاً، إلی أن قال: ولم یره أحد من الناس علی بول ولا غائط قطّ ولا اغتسال لشدّة تستّره وتحفظه فی أمره، إلی أن قال: فبذلک اوتی الحکمة ومنح القضیة». (1)

2. صون العورة

یجب علی المسلم أن یصون عورته من أنظار الآخرین فسترها واجب دائماً، (2) وفی الحدیث النبوّی الشریف المعروف بحدیث المناهی جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله: «إذا اغتسل أحدکم فی فضاء من الأرض فلیحاذر علی عورته، وقال: لا یدخلن أحدکم الحمام إلّا بمئزر، ونهی أن ینظر الرجل، إلی عورة أخیه المسلم، وقال: من تأمّل عورة أخیه المسلم لعنه سبعون ألف ملک، ونهی المرأة أن تنظر إلی عورة المرأة، وقال: من نظر إلی عورة أخیه المسلم أو عورة غیر أهله متعمّداً أدخله الله مع المنافقین الذین کانوا یبحثون عن عورات الناس، ولم یخرج من الدنیا حتّی یفضحه الله إلاّ أن یتوب». (3)

وسئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن تفسیر قوله تعالی: قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکی لَهُمْ 4 فقال(علیه السلام): «کلّ ما کان فی کتاب الله من ذکرحفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ فی هذا الموضع، فإنّه للحفظ من أن یُنظر إلیه». (4)

3. کیفیة التخلّی

نهت الشریعة الإسلامیة عن استقبال القبلة أواستدبارها فی حالة التخلّی والجلوس

ص:134


1- (1) . المصدر.
2- (2) . إلّا فی موارد استثنائیة کالزوجة أو فی حالة إجراء الفحوصات الطبیة.
3- (3) . وسائل الشیعة: 299/1.
4- (5) . وسائل الشیعة: 300/1.

لقضاء الحاجة، وعدّت من یفعل ذلک خاطئاً مرتکباً للمعصیة، ورد عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة». (1)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن استقبال القبلة ببول أوغائط». (2) کما جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی الحدیث النبوی الشریف: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولکن شرّقوا أوغربوا». (3)

وتوضیحاً لهذا الحدیث حول التشریق أوالتغریب، هو أنّ المطلوب ألاّ یکون المرء مستقبلاً القبلة أومستدبراً، وهناک توصیات فی حالة هبوب الریاح، کما جاء فی الحدیث عن الإمام الرضا(علیه السلام): «لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها». (4)

4. السکوت

لا یجوز الکلام أثناء التخلّی ولا تجوز تلاوة القرآن، ولکن للمتخلّی ذکر الله إذا صادف ارتفاع الأذان ومجاراة المؤذن، وقد جاء فی الحدیث عن الإمام الرضا(علیه السلام): «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن یجیب الرجل آخر، وهو علی الغائط أویکلّمه حتّی یفرغ». (5) کما جاء عن الإمام علی أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «سبعة لا یقرؤون القرآن: الراکع، والساجد، وفی الکنیف، وفی الحمّام، والجُنب، والنفساء، والحائض». (6)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إن سمعت الأذان وأنت علی الخلاء فقل مثل ما یقول المؤذن ولا تدع ذکر الله عزّ وجلّ فی تلک الحال؛ لأنّ ذکر الله حسن علی کلّ

ص:135


1- (1) . المصدر: 302/1.
2- (2) . المصدر: 300/1.
3- (3) . المصدر: 302/1.
4- (4) . بحار الأنوار: 182/77، باب2.
5- (5) . وسائل الشیعه: 309/1.
6- (6) . بحار الأنوار: 174/77، باب2.

حال». (1) وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «لا بأس بذکر الله وأنت تبول، فإن ذکر الله حسن علی کلِّ حال ولا تسأم من ذکر الله». (2)

5. آداب اخری

ومن الآداب فی موضوع التخلّی هو أن یقدم المرء رجله الیسری فی حال الدخول بیت الخلاء، ویقدّم رجله الیمنی فی حال الخروج، کما لا ینبغی التبوّل قائماً، وقد روی الإمام الصادق(علیه السلام): «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): البول قائماً من غیر علّة من الجفاء والاستنجاء بالیمین من الجفاء». (3)

ومن الآداب، عدم التبوّل فی الأماکن الصمّاء کالصخور، کذا التبوّل فی المیاه الراکدة، وقد روی الإمام الکاظم(علیه السلام) عن آبائه عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «البول فی الماء القائم من الجفاء». (4)

ومن آداب التخلّی ما جاء عن الإمام الباقر(علیه السلام): «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن یطمح الرجل ببوله من السطح فی الهواء». (5)

وهناک طائفة اخری من الآداب لها معناً، قسماً منها فی درس النظافة، أمّا ما یتعلّق باجتناب النجاسات وکیفیة التطهّر والغسل، فسوف نتحدّث عنها فی الدروس القادمة.

ص:136


1- (1) . المصدر: 175/77، باب2.
2- (2) . المصدر: 190/77، باب2.
3- (3) . المصدر: 174/77، باب2.
4- (4) . المصدر: 188/77، باب2.
5- (5) . المصدر.

الخُلاصة

من آداب التخلّی فی الشریعة الإسلامیة، الاستتار وصون العورة من الأنظار، وعدم استقبال القبلة أواستدبارها، والتزام السکوت، إلاّ فی حالة ارتفاع الأذان، فیجوز للمتخلّی مجاراة المؤذن فی ذکر الله.

الأسئلة

1. اذکر بعضاً من الدلائل التی أفاضت بالحکمة من الله علی لقمان .

2. اذکر حدیثاً نبویّاً شریفاً حول من ینظر إلی عورة أخیه المؤمن.

3. أی الاتجاهات محرّمة فی حالة التخلّی؟

4. هل یجوز الکلام فی حالة التخلّی؟

5. بیّن بإیجاز آداب التخلّی.

ص:137

ص:138

الدرس التاسع عشر : آداب الطعام «1»

اشارة

إنّ تناول الطعام والشراب من النشاطات الحیاتیة التی یمارسها الإنسان غریزیاً، وقد اهتمت الشریعة الإسلامیة ووضعت لذلک آداباً واُسساً فقهیة وأخلاقیة، وکما بیّنا سابقاً إنّ الالتزام بالآداب الإسلامیة یؤمن للفرد المسلم والمجتمع الإسلامی حیاة طیبة، والحیاة الطیبة فی الرؤیة الإسلامیة تشتمل علی تلبیة الحاجات الإنسانیة مادّیاً وروحیاً.

وسنتعرف فی هذا الدرس والدرس القادم علی الآداب الإسلامیة فی تناول الطعام والشراب، وهی:

1. حلّیة وطهارة الغذاء

إنّ أوّل أصل فی هذا الموضوع هو الالتفات إلی مایلی:

أوّلاً: حلّیة الطعام، فقد حرّمت الشریعة الإسلامیة تناول النجاسات کلحم الخنزیر، وتعاطی المشروبات الکحولیة، فعلی المسلم أن یلتفت إلی نوع اللحم الذی یتناوله، وکذا إلی طریقة الذبح، حیث یجب اتّباع الموازین الشرعیة فی طریقة الذبح.

ثانیاً: أن یکون الطعام طاهراً وألّا تدخل فی عملیة الطهو وفی ترکیب الغذاء مادّة محرّمة; ذلک أنّ دخول الحرام فی الطعام یؤثّر علی صفاء القلب ونقاء الروح، وفی

ص:139

هذا ما یعیق من حرکة الإنسان التکاملیة. ومن هنا نجد فی أدبیات الشریعة تشجیعاً علی عدم تناول أغذیة الأسواق؛ لأنّ بعض باعة الأطعمة لا یهتمون بالموازین الشرعیة فی إعداد الطعام، وهذه التوصیات لیست احکاماً شرعیة تحرم تناول أطعمة السوق، وإنّما هی وصایا أخلاقیة بحتة لتعزیز حالة النقاء الأخلاقی فی شخصیة الإنسان، فالأصل فی طعام السوق فی البلدان الإسلامیة هو الطهارة والحلّیة.

ثالثاً: أن یکون مصدر الطعام حلالاً وقد فصلت الشریعة فی موضوع الکسب الحلال والمکاسب المحرّمة، وکذا دفع الحقوق الشرعیة من خمس وزکاة لتذکیة المال، ولذا یجب علی المسلم أن یتأکّد من مصدر کسبه، وألّا یکون عمله جزءاً من معاملات محرّمة أوتجارة فی مواد محرّمة.

2. غسل الیدین

إنّ نشاط الإنسان الحیاتی یضطره إلی استخدام یدیه باستمرار، وهذا یعنی أن یداه تلامسان الکثیر من الأشیاء ممّا یعرّضها إلی التلوّث، ولذا ینبغی للمسلم أن یغسل یدیه قبل أن یتناول طعامه، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الوضوء قبل الطّعام ینفی الفقر وبعده ینفی اللّمم ویصحُّ البصر». (1)

وجاء فی بعض النسخ أنّه: «ینفی الهمّ»، وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) قوله: «من أراد أن یکثر خیره، فلیتوضأ عند حضور طعامه». (2)

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «من غسل یده قبل الطعام وبعده بورک له فی أوّله وآخره، وعاش ما عاش فی سعة وعوفی من بلوی فی جسده». (3)

ص:140


1- (1) . مکارم الأخلاق: 139.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . المصدر: 139.

وجاء عنه(علیه السلام) قوله: «من غسل یده قبل الطعام فلا یمسحها بالمندیل، فإنّه لا تزال البرکة فی الطعام ما دامت النداوة فی الید». (1) ویروی صفوان الجمال أنّه کان یوماً فی حضرة الإمام الصادق(علیه السلام) فجاؤوا بالمائدة وجاء الخادم بإناء فتوضأ الإمام، ولما ناوله الخادم مندیلاً، قال الإمام(علیه السلام): «إنّما الوضوء من هذا وأمثاله».

ورأی أحدهم الإمام موسی الکاظم(علیه السلام) یتوضأ قبل تناوله الطعام ولم یستخدم المندیل لیجفف کفیه، لکنّه غسل یدیه بعد الطعام واستخدم المندیل. (2)

3. کیفیة الجلوس الی المائدة

ینبغی للمسلم أن یجلس إلی المائدة جلسة فیها الکثیر من التواضع لله عزّ وجلّ وأن یتناول طعامه بطریقة تعکس عبودیته له سبحانه وتعالی وتجسد شکره وحمد علی نعمه التی وهبها إیّاه وقد روی أنس بن مالک: «ما أکل رسول الله(صلی الله علیه و آله) علی خوان ولا فی سکرجه. قیل له: فعلی ماذا کنتم تأکلون؟ قال: علی السفرة». (3)

وجاء فی الحدیث النبوی الشریف قوله(صلی الله علیه و آله): «أنا لا آکل متکئاً إنّما أنا عبد آکل کما یأکل العبد، وأجلس کما یجلس العبد». (4)

وجاء عن سیّدنا علی(علیه السلام): «إذا جلس أحدکم علی الطعام فلیجلس جلسة العبد ولا یضعنّ أحدکم إحدی رجلیه علی الاُخری یتربع، فإنّها جلسة یبغضها الله عزّ وجلّ ویمقت صاحبها». (5)

ص:141


1- (1) . مکارم الأخلاق: 139.
2- (2) . المصدر.
3- (3) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب الأکل.
4- (4) . سنن ابن ماجه: ح 32620.
5- (5) . الکافی: 272/6.

وروی الإمام الصادق(علیه السلام): «ما أکل رسول الله(صلی الله علیه و آله) متکئاً منذ بعثه الله عزّ وجل إلی أن قبضه، وکان یأکل أکلة العبد ویجلس جلسة العبد قیل: ولم ذلک؟ قال: تواضعاً لله عزّوجل». (1)

4. البدء باسم الله

کان ممّا علّم النبی(صلی الله علیه و آله) وصیه علی(علیه السلام) أن قال له: «یا علی، إذا أکلت فقل: «باسم الله» وإذا فرغت فقل: «الحمد لله» فإنّ حافظیک لا یستریحان من أن یکتبا لک الحسنات». (2)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام) قوله: «ضمنت لمن یسمّی علی طعامه ألّا یشتکی منه». (3)

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّ من نسی أن یسمّی علی کلّ لون فلیقل: باسم الله علی أوّله وآخره». (4)

وهناک توصیات من علماء الأخلاق أن یسمّی المرء علی کلّ لقمة یتناولها من طعامه فیکون ذلک جزءاً من عبادته.

5. النیّة

یجدر بالمسلم أن تکون نیته فی تناول الغذاء هی تقویة جسمه من أجل القیام بالأعمال التی ترضی الله سبحانه وتعالی لا من أجل التلذذ وملء البطن؛ ذلک أن تناول الطعام تلذذاً ینحط بالإنسان إلی منزلة الحیوانیة، فالأصل فی حیاة الإنسان المسلم أنّه یأکل من أجل أن یعیش حیاة الطاعة لله لا أن یعیش من أجل أن یأکل ویتغذی.

ص:142


1- (1) . المصدر: 270.
2- (2) . مکارم الأخلاق: 142.
3- (3) . الکافی: 295/6.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 143.

وقد جاء فی وصایا سیّدنا علی(علیه السلام) لابنه الحسن السبط:(علیه السلام) «یا بنیّ، لا تطعمنّ لقمة من حارّ ولا بارد ولا تشربنّ شربة ولا جرعة إلاّ وأنت تقول قبل أن تأکل وقبل أن تشربه: «اللّهمّ إنّی اسألک فی أکلی وشربی السلامة من وعکة، والقوّة به علی طاعتک وذکرک، وشکرک فیما بقَّیته فی بدنی، وأن تشجِّعنی بقوّته علی عبادتک، وأن تلهمنی حسن التحرّز من معصیتک». (1)

6. کیفیة البدء بتناول الطعام

بعد أن یجلس المرء إلی المائدة ویذکر اسم الله یستحبّ له أن یمدّ یده الیمنی لتناول الطعام، وأن یبدأ بالملح، وقد جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) وقد سئل عن آداب الأکل: «لا یأکل بشماله ولا یشرب بشماله ولا یتناول بها شیئاً»، (2) وجاء عنه(علیه السلام): «لا تأکل بالیسری وأنت تستطیع». (3)

وجاء عن سیّدنا علی(علیه السلام) قوله: «ابدؤوا بالملح فی أوّل الطعام فلو علم الناس ما فی الملح لاختاروه علی التریاق المجرّب»، (4) وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّما نبدأ بالملح ونختم بالخلّ». (5)

ص:143


1- (1) . مکارم الأخلاق: 143.
2- (2) . وسائل الشیعة: 258/24.
3- (3) . المصدر: 259/24.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 142.
5- (5) . المصدر: 142.

الخُلاصة

إنّ الأکل والشرب نشاط إنسانی وفعالیة کسائر فعالیات الإنسان الاُخری، لها آداب واُصول فی الشریعة الإسلامیة، بعضها واجب شرعی وبعض توصیات أخلاقیة من أجل تکامل الإنسان المؤمن.

إنّ حلّیة الطعام وطهارته وغسل الیدین والتواضع عند الجلوس للمائدة وذکر الله عزّ وجلّ، هی من آداب الإسلام فی تناول الطعام.

الأسئلة

1. ما هی أهمّ واجبات المسلم فی الأکل والشرب؟

2. بیّن أدب الشریعة فی الجلوس للمائدة.

3. بیّن الکیفیة التی یبدأ بها المسلم فی تناول طعامه.

4. ما هی النیة التی یجدر بالمسلم أن یستحضرها عند تناوله الطعام؟

ص:144

الدرس العشرون : آداب الطعام «2»

7. کیفیة الأکل

ینبغی للمرء عند جلوسه إلی المائدة أن یأکل من المکان الذی فی متناول یده وألاّ یمدّ یده إلی ما هو أمام الآخرین.

ومن آداب الأکل أن تکون اللقمة صغیرة، وذلک لسهولة مضغها ویسر هضمها، کما أنّ منظر اللقمة الکبیرة لایلیق بالإنسان المسلم إضافة إلی عسر مضغها وصعوبة بلعها وبالتالی هضمها.

ومن الآداب أن یتناول المرء من أطراف صحنه لا من وسطه، ولا یتناول لقمة اخری ما لم یکن قد ابتلع سابقتها.

ومن آداب الطعام ألّا ینظر المرء إلی غیره ما أمکن، وألّا یتناول الطعام علی عجلة من أمره، وإنّما یتناوله علی مهل وفی طمأنینة تامّة، وأن یطیل الجلوس الی المائدة، وإذا ما وجد المرء طعاماً لا یحبّه ولا یشتهیه، فعلیه ألاّ یظهر ازدراءه أو یذمّه، یقول الإمام الحسن السبط(علیه السلام): «فی المائدة اثنتا عشرة خصلة یجب علی کلّ مسلم أن یعرفها: أربع منها فرض، وأربع منها سنّة، وأربع منها تأدیب. فأمّا الفرض: فالمعرفة، والرّضا، والتسمیة، والشکر. وأمّا السنّة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس علی الجانب

ص:145

الأیسر، والأکل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع. وأمّا التأدیب: فالأکل مما یلیک، وتصغیر اللقمة، والمضغ الشدید، وقلّة النظر فی وجوه الناس». (1)

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: « قال رسول(صلی الله علیه و آله): إذا أکل أحدکم فلیأکل ممّا یلیه». (2)

وعنه(علیه السلام) قال: «إنّ لکل شیء حدّاً ینتهی إلیه، وما من شیء إلاّ وله حدّ فاُتی بالخوان، فقیل: ما حدّه؟ فقال(علیه السلام): حدّه إذا وضع الرجل یده قال: باسم الله، وإذا رفعها قال: الحمد لله ویأکل کلّ إنسان من بین یدیه، ولا یتناول من قدّام الآخر». (3)

وعنه(علیه السلام): أیضاً قال: «أطیلوا الجلوس علی الموائد، فإنّها ساعة لا تحسب من أعمارکم». (4)

وعنه(علیه السلام) کذلک: «أقرّوا الحار حتّی یبرد، فإنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قرب إلیه طعام حار. فقال: اقرّوا حتّی یمکّن، ماکان الله لیطعمنا النار والبرکة فی البارد». (5)

وفی حدیث آخر عن الصادق(علیه السلام): «إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) نهی أن ینفخ فی طعام أوشراب». (6)

8. اجتناب التملّی من الطعام

ومن الاُمور التی ینبغی اجتنابها فی الأکل والشرب هو البطنة أوالاکثار من تناول الطعام، لما فی ذلک من آثار سلبیة علی جسم وروح الإنسان، وقد تضمّنت الأحادیث والروایات الإسلامیة تأکیداً شدیداً علی اجتناب التخمة فی الطعام، جاء عن سیّدنا

ص:146


1- (1) . مکارم الأخلاق: 141.
2- (2) . وسائل الشیعة: 369/24.
3- (3) . المصدر: 370/24.
4- (4) . مکارم الأخلاق: 141.
5- (5) . وسائل الشیعة: 399/24.
6- (6) . المصدر: 401/24.

محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «لاتمیتوا القلوب بکثرة الطعام والشراب، فإنّ القلب یموت کالزرع إذا أکثر علیه الماء». (1)

وجاءعنه(صلی الله علیه و آله): «لایدخل ملکوت السماوات والأرض من ملأ بطنه». (2)

وعنه(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «لیس شیءٌ أبغض إلی الله من بطن الملاء»، (3) وعنه (صلی الله علیه و آله) قال: «إیّاکم وفضول المطعم، فإنّه یسم القلب بالقسوة ویبطئ بالجوارح عن الطاعة ویُصمّ الهمم عن سماع الموعظة». (4) ویقول سیّدنا علی(علیه السلام): «کثرة الأکل والنوم یفسدان النفس ویجلبان المضرّة». (5) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «من کثر أکله قلّت صحّته وثقلت علی نفسه مؤونته»، (6) وعنه(علیه السلام) کذلک: «إیّاکم والبطنة فإنّها مقساة للقلب، مکسلة عن الصلاة مفسدة للجسد». (7) ویقول(علیه السلام) أیضاً: «لافطنة مع بطنة». (8) و«الشبع یفسد الورع». (9) و«نعم عون المعاصی الشبع». (10)

وجاء فی الحدیث النبوی الشریف عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله: «من قلّ طعامه صحّ بدنه وصفا قلبه، ومن کثر طعامه سقم بدنه وقسا قلبه». (11)

ص:147


1- (1) . مکارم الأخلاق: 149.
2- (2) . میزان الحکمة: باب99.
3- (3) . وسائل الشیعة: 24/25.
4- (4) . بحار الأنوار: 184/74، باب7.
5- (5) . مستدرک الوسائل: 214/16.
6- (6) . المصدر.
7- (7) . غرر الحکم: 360.
8- (8) . المصدر.
9- (9) . المصدر .
10- (10) . المصدر: 361.
11- (11) . بحار الأنوار: 268/59، باب 88.

کما جاء فی الحدیث النبوی الشریف: «من قلّ أکله قلّ حسابه» (1)ویقول الإمام علی(علیه السلام): «قلّة الغذاء أکرم للنفس وأدوم للصحّة»، (2) ویقول(علیه السلام) أیضاً: «إذا أراد الله سبحانه صلاح عبده ألهمه قلّة الکلام وقلّة الطعام وقلّة المنام». (3) ویقول(علیه السلام): «قلّة الأکل من العفاف، وکثرته من الإسراف». (4)

ومن آداب المائدة والطعام ما جاء فی روایة عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «کل وأنت تشتهی وأمسک وأنت تشتهی»، (5) وعن الإمام علی(علیه السلام) فی هذا المعنی قوله: «لا ترفعنّ یدک من الطعام إلاّ وأنت تشتهیه، فإذا فعلت ذلک فأنت تستمرئه». (6)

9. تناول الطعام جماعیاً

ومن الآداب الإسلامیة ألاّ یتناول المرء طعامه بمفرده ما أمکن، إنّ تناول الطعام جماعیاً ولو علی مستوی العائلة والاُسرة یعدّ التزاماً بآداب الإسلام، وقد حثت الشریعة علی تناول الطعام جماعیاً، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «اجتمعوا علی طعامکم یبارک لکم فیه». (7)

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) الطعام إذا جمع أربع خصال فقد تمّ: إذا کان من حلال، وکثرت الأیدی، وسمّی فی أوّله، وحمد الله عزّوجل فی آخره». (8)

ص:148


1- (1) . المصدر: 292/59.
2- (2) . غررالحکم: 320.
3- (3) . المصدر: 211.
4- (4) . المصدر: 360.
5- (5) . بحار الأنوار: 290/59، باب 89.
6- (6) . المصدر: 219/74.
7- (7) . سنن ابن ماجه: ح 3286.
8- (8) . الکافی: 273/6.

10. آداب الأکل جماعة

ینبغی علی الشبّان ألّا یسبقوا من هم أسنّ منهم فی مدّ أیدیهم إلی الطعام، کما ینبغی للکبار فی السنّ أن یتناولوا الطعام فی الوقت المناسب، وأن تکون المبادرة فی أیدیهم ولا یطیلوا أمد الانتظار.

ومن المستحبّات إقلال الکلام خاصّة خلال مضغ الطعام، فقد کرّهت الشریعة هذا العمل. وینبغی علی المرء أن یتصرّف علی المائدة بطریقة لا تحرم حقوق الآخرین منها.

وعلی المضیّف أن یتصرّف هو الآخر بطریقة ترفع الحرج عن ضیوفه وتجعلهم یقبلون علی الطعام بشهیة وطمأنینة.

کما أنّ علی المرء ألاّ ینظر إلی الآخرین أثناء تناولهم الطعام، ذلک أنّ هذه النظرات قد تشعرهم بالخجل فیکفّوا عن تناول الطعام قبل إحساسهم بالشبع، وعلی الکبار فی السنّ وبخاصّة المضیّف أن یتناول طعامه علی مهل; لأنّه إذا تناول طعامه علی عجلة، فمع سیئات ذلک بالنسبة له فإنّ عمله هذا سوف یدفع بالآخرین إلی کفّ أیدیهم عن المائدة قبل شبعهم وذلک تأسیاً بالمضیّف.

ومن آداب الطعام والأکل مع الجماعة ألّا یتصرّف المرء بطریقة تخدش الذوق وتنفر الآخرین، کأن یصدر عن مضغه الطعام صوت منفر.

علی صاحب المأدبة أوالمضیّف أن یکون أوّل من یبدأ الأکل وآخر من یکفّ یده عن المائدة، وفی هذه الحالة یتوفر لجمیع ضیوفه الوقت الکافی لتناول الطعام دون حرج.

ومن الآداب ألّا یکلّف الضیوف صاحب الدعوة ما لا طاقة له به، وقد جاء فی الأثر شرّ الإخوان من تکلّف له.

ص:149

ویستحبّ للمدعوین البدء بتناول الطعام مع حضور الخبز، فقد جاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «أکرموا الخبز. قیل: یا رسول الله، وما إکرامه؟ قال: إذا وضع لا ینتظر به غیره». (1)

ومن الآداب فی هذا الموضوع ما ذکرناه فی آداب الضیافة وفی آداب المعاشرة.

ص:150


1- (1) . الکافی: 303/6.

الخُلاصة

من آداب الطعام أن یتناول المرء ما قدّامه من الطعام، وأن یصغّر لقمته ویمضغها جیّداً وعلی مهل، وأن یحمد الله عزّ وجلّ بعد أن یفرغ.

ومن الآداب الإسلامیة عدم الشره فی تناول الطعام، وقد حبّبت الشریعة أن یتناول الطعام مع الجماعة.

ومن الآداب عند تناول الطعام جماعیاً احترام کبار السّن وتبادل الأحادیث الودّیة قبل إحضار المائدة، فإذا حان تناول الطعام فمن الآداب أن یقلّ المرء کلامه وألاّ ینظر إلی الآخرین ما أمکن.

الأسئلة

1. بیّن بإیجاز آداب الإسلام فی تناول الطعام.

2. اشرح الخصائص الاثنی عشر للمائدة، کما وردت فی حدیث الإمام الحسن السبط(علیه السلام).

3. ماذا قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) عن البطنة؟

4. متی یستحبّ للمرء أن یکفّ یده عن تناول الطعام؟

5. بیّن باختصار آداب تناول الطعام جماعیاً.

ص:151

ص:152

الدرس الحادی عشر : العبادة

اشارة

منذ فجر الحیاة الإنسانیة کان للعبادة مساحة مهمّة فی نشاط الإنسان وفعالیاته الحیاتیة، فلا یوجد مجتمع من المجتمعات لم یمارس العبادة بنحو ما، وفی هذا ما یدلّ علی أنّ هناک میلاً للعبادة وحاجةً فی أعماق البشر لها.

فمسألة العبادة إذاً مسألة فطریة وهی تعبر عن حاجة إنسانیة فی تلبیة نداء یکمن فی أعماق البشر، غیر أنّ الجهل واستغلال المنحرفین هو الذی یوقع المجتمعات الإنسانیة فی مهاوی الخطأ ویخرج العبادة عن مسارها الصحیح، ولذا نجد الاُمم السابقة تعبد أوثاناً حجریة أوتعبد الجبابرة والطواغیت من دون الله.

إنّ نداء العبادة الفطری من القوّة، بحیث لا یستطیع الإنسان أن یتجاهله حتّی لو کان فی أقصی نقطة من العالم، ومن هنا نجد البشر عبر العصور التاریخیة یبحثون عمّا یروی ظمأهم الفطری.

وأساساً فإنّ عبادة الله الواحد کانت فی صمیم الرسالات الإلهیة التی یبشر بها الأنبیاء، فقد دعا الرسل والأنبیاء أقوامهم إلی عبادة الله الواحد الأحد ونبذ عبادة الأوثان والظواهر الطبیعیة وطواغیت البشر والجبابرة، وسنتناول فی هذا الدرس أهمّیة العبادة وموقعها فی الحیاة الإنسانیة ودورها فی صیاغة شخصیة الإنسان.

ص:153

1. العبادة غائیة الخلق ورسالة الأنبیاء

قال الله عزّ وجلّ: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ. 1

ومن البدیهی أنّ الله سبحانه وتعالی لا یحتاج عبادتنا ولایناله شیئاً منها; ذلک أنّ سبحانه هو الغنی المطلق، وهوالقائل: فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنْکُمْ. 2

ویقول سیّدنا الحسین(علیه السلام) فی دعائه المشهور فی عرفة: «أنت الغنی بذاتک أن یصل إلیک النفع منک فکیف لا تکون غنیاً عنّی». (1) وکانت رسالات الأنبیاء هی النور الحقیقی من أجل إضاءة الطریق أمام البشر فی البحث عن الاُسلوب الأمثل للعبادة وتلبیة نداء الفطرة الإنسانیة، قال الله عزّوجلّ: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ. 4

ومن هنا فانّ ثمار العبادة إنّما یجنیها الإنسان نفسه فهی التی تمهد له الطریق فی التکامل الإنسانی، ذلک أنّ الکمال الإنسانی إنّما هو القرب من الله عزّ وجلّ ولا طریق لذلک إلاّ بالعبادة، قال سبحانه وتعالی: یا أَیُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ. 5

وفی فضیلة وأهمّیة الصلاة یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «الصلاة قربان کلّ تقی». (2)

فالعبادة إذاً هی الوسیلة المثلی والوحیدة لتحقیق التکامل فی القرب الإلهی.

ص:154


1- (3) . بحار الأنوار: 226/95، باب2.
2- (6) . من لا یحضره الفقیه: 210/1.

2. فضیلة العبادة

یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «العبادة فوز». (1) ویقول(علیه السلام): «فضیلة السادة حسن العبادة» (2) ویقول(علیه السلام) أیضاً: «إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حسن العبادة». (3) ویقول: «دوام العبادة برهان الظفر بالسعادة». (4) ویقول(علیه السلام): «ما تقرّب متقرّب بمثل عبادة الله». (5)

3. حقیقة العبادة والعبودیة

یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحیده». (6)

وسأل أحدهم الإمام الصادق(علیه السلام) عن حقیقة العبودیة، فقال الإمام: «ثلاثة أشیاء: ألّا یری العبد لنفسه فیما خوّله الله ملکاً؛ لأنّ العبید لا یکون لهم ملک، یرون المال مال الله یصرفونه حیث أمرهم الله به، ولا یدبّر العبد لنفسه تدبیراً وجملة اشتغاله فیما أمره تعالی به ونهاه عنه... فهذا أوّل درجة التقی». (7)

وعن الإمام علی(علیه السلام) قال: «العبودیة خمسة أشیاء: خلأ البطن، وقراءة القرآن، وقیام اللیل، والتضرّع عند الصبح، والبکاء من خشیة الله». (8)

ص:155


1- (1) . غرر الحکم: 198/ ح 3932.
2- (2) . المصدر: 199/ ح 3937.
3- (3) . المصدر: 198/ ح 3935.
4- (4) . المصدر: 198/ ح 3936.
5- (5) . المصدر: 199/ ح 3942.
6- (6) . بحار الأنوار: 227/4، باب4.
7- (7) . المصدر: 224/1، باب7.
8- (8) . مستدرک الوسائل: 244/11.

4. العبادة الواعیة

قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إعلم أنّ أوّل عبادته المعرفة به». (1) ویقول الإمام علی(علیه السلام): «لا خیر فی عبادة لیس فیها تفقه». (2) ویقول(علیه السلام): «سکّنوا فی أنفسکم معرفة ما تعبدون حتّی ینفعکم ما تحرّکون من الجوارح لعبادة من تعرفون». (3) وعنه(علیه السلام) أیضاً: «المتعبّد بغیر علم کحمار الطاحونة یدور ولا یبرح من مکانه». (4)

5. غایات العبادة

یقول الإمام علی(علیه السلام): «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة، فتلک عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة، فتلک عبادة العبید، وإنّ قوماً عبدوا الله شکراً فتلک عبادة الأحرار». (5)

وعن الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّ الناس یعبدون الله عزّ وجلّ علی ثلاثة أوجه: فطبقة یعبدونه رغبة فی ثوابه فتلک عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون یعبدونه فرقاً من النار فتلک عبادة العبید وهی رهبة، ولکنّی أعبده حبّاً له عزّ وجلّ فتلک عبادة الکرام وهو الأمن لقوله عزّ وجلّ: وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، 6 ولقوله عزّ وجلّ: قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللّهُ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ. 7 فمن أحبّ الله، أحبّه الله، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ کان من الآمنین». (6)

ص:156


1- (1) . الأمالی للطوسی: 526؛ وبحار الأنوار: 47/77.
2- (2) . بحار الأنوار: 49/2.
3- (3) . تحف العقول: 223؛ بحار الأنوار: 63/78.
4- (4) . غرر الحکم: 125/2.
5- (5) . نهج البلاغة: الحکمة 237.
6- (8) . بحار الأنوار: 204/67، باب53.

6. انواع العبادة

وفی أنواع العبادة یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «العبادة سبعون جزأً، وأفضلها جزأً طلب الحلال». (1) وعن الإمام علی(علیه السلام) قال: «التفکّر فی آلاء الله نعم العبادة». (2) وقال أیضاً: «التفکّر فی ملکوت السماوات والأرض عبادة المخلصین». (3) وقال أیضاً: «إنّ من العبادة لین الکلام وإفشاء السلام». (4)

فالعبادة لا تقتصر علی أداء بعض الطقوس، وإنّما تمتدّ لتشمل طریقة الکلام ونشر السلام، بل وحتّی النظر، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «النظر إلی العالم عبادة، والنظر إلی الإمام المقسط عبادة، والنظر إلی الوالدین برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلی الأخ تودّه فی الله عزّ وجلّ عبادة». (5)

ویتحوّل طلب العلم فی سبیل الحقّ ودفع الباطل إلی عمل عبادی یقول سیّدنا ونبینا(صلی الله علیه و آله): «من خرج یطلب باباً من علم لیردّ به باطلاً إلی الحقّ أو ضلالة إلی هدی، کان عمله ذلک کعبادة متعبّد أربعین عاماً». (6)

وجاء فی الأثر: إنّ الأمین جبرئیل(علیه السلام) قال للنبی(صلی الله علیه و آله): «یا محمّد، لو کانت عبادتنا علی وجه الأرض لعملنا ثلاث خصال سقی الماء للمسلمین وإغاثة أصحاب العیال وستر الذنوب». (7)

وجدیر ذکره فی ختام الدرس أنّ کتب الأخلاق قد فصّلت فی موضوع العبادة وأبعادها وما تعلمنا فی هذا الدرس هو أهمّیة ومنزلة العبادة ودورها فی حیاة الإنسان.

ص:157


1- (1) . بحار الأنوار: 17/100، باب1.
2- (2) . غرر الحکم: 56.
3- (3) . المصدر: 56.
4- (4) . المصدر: 215.
5- (5) . بحار الأنوار: 278/71.
6- (6) . المصدر: 181/1، باب1.
7- (7) . میزان الحکمة: باب249.

الخُلاصة

بما أنّ غائیة الخلق هی بلوغ الإنسان مرتبة الکمال الحقیقی، وهذا لا یتیسر إلّا عن طریق تحقیق رضا الله عزّ وجلّ وحبّه، فإنّ الشریعة الإسلامیة اعتبرت الهدف من وراء خلق الإنسانیة هو العبادة بمضمونها الواسع الذی یشمل حرکة الإنسان.

الأسئلة

1. لماذا یری القرآن الکریم غائیة الخلق فی العبادة؟

2. ما هو دور العبادة فی حیاة الإنسان؟ بین ذلک مستشهداً بالأحادیث الشریفة.

3. ما هی العبودیة؟

4. کیف ینبغی أن تکون العبادة؟

5. عدد أهداف العبادة واشرحها باختصار.

6. أی الأعمال تنطوی تحت مفهوم العبادة؟

ص:158

الدرس الثانی والعشرون : فضیلة الصلاة

اشارة

تشغل الصلاة من بین سائر الأعمال العبادیة مکاناً رفیعاً جدّاً، فهی عمود الدین ومعراج المؤمن وقوام الإسلام، کما أنّ أوّل ما یحاسب علیه الإنسان یوم القیامة الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها من الأعمال، وإن ردّت ردّ ما سواها.

کما أنّ التفصیل فی موضوع الصلاة یحتاج إلی عشرات الکتب إذا ارید بحث آیاتها وأحادیثها وشروطها وآدابها وأرکانها واُصولها وواجبات المصلّی، وما إلی ذلک من التفصیل، غیر أنّ هذا الدرس سوف یتحدّث عن جانب من عظمتها ومنزلتها الرفیعة، وذلک بالاشارة إلی طائفة من الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة.

1. الصلاة فی القرآن الکریم

قال الله عزّ وجلّ: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ وَ یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُؤْتُوا الزَّکاةَ وَ ذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ. 1

وقال سبحانه وتعالی: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَذِکْرُ اللّهِ أَکْبَرُ. 2

ص:159

وقال تعالی: اَلَّذِینَ إِنْ مَکَّنّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ. 1

وقال تعالی علی لسان ملائکة العذاب یوم القیامة: ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ. 2

وقال تبارک وتعالی: وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَکَبِیرَةٌ إِلاّ عَلَی الْخاشِعِینَ. 3

وقال سبحانه علی لسان عیسی بن مریم، وهو فی المهد: وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا. 4

وقال تعالی علی لسان إبراهیم الخلیل فی دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ. 5

وقال عزّ وجلّ: إِنَّ الصَّلاةَ کانَتْ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ کِتاباً مَوْقُوتاً. 6

2. الصلاة فی الأحادیث النبویة الشریفة

قال سیّدنا ونبینا محمّد(صلی الله علیه و آله): «جعل الله جلّ ثناؤه قرّة عینی فی الصلاة، وحببّ إلیّ الصلاة کما حبّب إلی الجائع الطعام وإلی الظمآن الماء، وأنّ الجائع إذا أکل شبع وإن الظمآن إذا شرب روی وأنا لا أشبع من الصلاة». (1)

وقال(صلی الله علیه و آله): «الصلاة عماد الدین فمن ترک صلاته متعمّداً فقد هدم دینه، ومن ترک

ص:160


1- (7) . بحار الأنوار: 80/74، باب4.

أوقاتها یدخل الویل، والویل واد فی جهنم، کما قال الله تعالی: فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ* اَلَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ». 1

وقال(صلی الله علیه و آله): «لا تضیِّعوا صلاتکم، فإنّ من ضیع صلاته حشره الله مع قارون وفرعون وهامان لعنهم الله وأخزاهم، وکان حقّاً علی الله أن یدخله النار مع المنافقین. فالویل لمن لم یحافظ صلاته». (1)

وقال(صلی الله علیه و آله): «مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء، وإذا أنکر العمود لم ینفع طنب ولا وتد ولا غشاء». (2)

وقال(صلی الله علیه و آله): «حافظوا علی الصلوات، فإنّ الله تبارک وتعالی إذا کان یوم القیامة یأتی بالعبد، فأوّل شیء یسأله عن الصلاة فإن جاء بها تامّة وإلاّ زخّ فی النار». (3)

وقال(صلی الله علیه و آله): «إذا قمت إلی الصلاة وتوجهت وقرأت ام الکتاب وما تیسّر من السور، ثُمّ رکعت فأتممت رکوعها وسجودها وتشهّدت وسلّمت، غفر لک کلّ ذنب فیما بینک وبین الصلاة التی قدّمتها إلی الصلاة المؤخرة». (4)

وقال(صلی الله علیه و آله): «ما دمت فی الصلاة فإنّک تقرع باب الملک الجبّار، ومن یکثر قرع باب الملک یفتح له». (5)

وقال(صلی الله علیه و آله): «ما من صلاة یحضر وقتها إلاّ نادی ملک بین یدی الناس: أیّها الناس، قوموا إلی نیرانکم التی أو قدتموها علی ظهورکم فأطفئوها بصلاتکم». (6)

ص:161


1- (2) . بحار الأنوار: 202/79، باب1.
2- (3) . الکافی: 266/3.
3- (4) . بحار الأنوار: 202/79، باب1.
4- (5) . المصدر: 205/79، باب1.
5- (6) . المصدر: 80/74، باب4.
6- (7) . المصدر: 209/79، باب1.

وقال(صلی الله علیه و آله): «الصلاة من شرائع الدین وفیها مرضاة الربّ عزّ وجلّ فهی منهاج الأنبیاء». (1)

3. الصلاة فی أحادیث أهل البیت(علیهم السلام)

قال الإمام علی(علیه السلام): «الصلاة حصن من سطوات الشیطان». (2)

وقال(علیه السلام): «الصلاة تنزل الرحمة». (3)

وقال(علیه السلام): «الله الله فی الصلاة فإنّها عمود دینکم». (4)

وقال(علیه السلام): «فرض الله الإیمان تطهیراً من الشرک والصلاة تنزیهاً عن الکبر». (5)

وقال(علیه السلام): «لو یعلم المصلّی ما یغشاه من جلال الله، ما سرّه أن یرفع رأسه من السجود». (6)

وقال الإمام محمّد الباقر(علیه السلام): «إذا استقبل المصلّی القبلة استقبل الرحمن بوجهه لا إله غیره». (7)

وقال(علیه السلام): «إنّ أوّل ما یحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها». (8)

وقال(علیه السلام): «لکلّ شیء وجه ووجه دینکم الصلاة». (9)

وقال(علیه السلام): «إنّ طاعة الله خدمة فی الأرض فلیس شیء من خدمتة یعدل الصلاة». (10)

ص:162


1- (1) . المصدر: 231/79، باب1.
2- (2) . غرر الحکم: 175، ح 3343.
3- (3) . المصدر: 175، ح 3341.
4- (4) . نهج البلاغة: الکتاب421/47.
5- (5) . المصدر: الحکمة 512.
6- (6) . بحار الأنوار: 207/79، باب1.
7- (7) . المصدر: 219/79، باب1.
8- (8) . المصدر: 25/80، باب6.
9- (9) . المصدر: 227/79، باب1.
10- (10) . المصدر: 219/79، باب1.

وقال(علیه السلام): «من أتی الصلاة عارفاً بحقّها غفر له». (1)

وقال(علیه السلام): «لا حظّ فی الإسلام لمن ترک الصلاة». (2)

وقال(علیه السلام): «اعلم أنّ الصلاة حجزة الله فی الأرض، فمن أحبّ أن یعلم ما یدرک من نفع صلاته، فلینظر فإن کانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنکر، فإنّما أدرک من نفعها بقدر ما احتجز». (3)

ص:163


1- (1) . المصدر: 207/79، باب1.
2- (2) . المصدر: 232/79، باب1.
3- (3) . المصدر: 263/81، باب16.

الخُلاصة

الصلاة من أهمّ الواجبات العبادیة فی الشریعة الإسلامیة، ولذا شبهت بعمود الخیمة.

الصلاة أساس کلّ عبادة، وقد جاء فی الأثر: إنّ أوّل ما یحاسب علیه الإنسان یوم القیامة الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها.

الأسئلة

1. ما هو موقع الصلاة فی الأحکام الإسلامیة؟

2. بیّن علاقة النبی(صلی الله علیه و آله) بالصلاة، کما ورد فی الحدیث النبوی الشریف؟

3. بماذا شبّه النبی(صلی الله علیه و آله) الصلاة؟

4. کیف یصف الأئمة الطاهرون(علیهم السلام) الصلاة؟

ص:164

الدرس الثالث والعشرون : آداب الصلاة

1. الالتزام بشروطها

إنّ أوّل ما یجب علی المصلّی هو الالتزام بشروط الصلاة أرکانها وواجباتها، فمن الوضوء إلی الطهارة، إلی طهر الثیاب والمکان، والالتزام بالوقت والاتجاه الصحیح، وأداء القراءة صحیحة وأداء الاذکار الواجبة، إلی غیر ذلک ممّا ورد فی الرسائل العملیة والفقهیة، فالتعرّف علی تفاصیل الصلاة من واجبات المصلّی و إهمالها والجهل بها وعدم الالتزام بها یبطل الصلاة.

2. أدب الحضور

عندما یقف المصلّی باتجاه القبلة وقبل البدء بالصلاة، علیه أن یکون واعیاً لما یقوم وأن یعی بأنّه واقف فی حضرة الله عزّ وجلّ، ولذا علی المصلّی أن یجتنب الحرکات الزائدة التی لا علاقة لها بالصلاة ولا تنسجم مع حالة الطمأنینة والخشوع، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «اعبد الله کأنّک تراه، فإن کنت لا تراه فإنّه یراک». (1)

ص:165


1- (1) . بحار الأنوار: 75/74، باب4.

وجاء فی السیرة: إنّ سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) دخل المسجد فرأی أنس بن مالک یصلّی، ولکنّه کان ینظر إلی ما حوله، فقال النبی(صلی الله علیه و آله): «یا أنس، صلِّ صلاة مودع تری أنّک لا تصلّی بعدها صلاة أبداً، اضرب ببصرک موضع سجودک لا تعرف من عن یمینک ولا عن شمالک، واعلم أنک بین یدی من یراک ولا تراه». (1)

ورأی النبی(صلی الله علیه و آله) رجلاً یعبث بلحیته أثناء الصلاة، فقال(صلی الله علیه و آله): «أمّا أنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». (2)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله کره لکم ستّاً: العبث فی الصلاة...». (3)

وجاء عن الإمام محمّد الباقر(علیه السلام) حول صلاة والده الإمام زین العابدین(علیه السلام): «إذا قام فی الصلاة کأنّه ساق شجرة لا یتحرک منه إلاّ ما حرّکه الریح منه». (4)

3. الحَیَویّة والحبّ

علی المصلّی أن یؤدّی صلاته بحیویة ونشاط وحبّ، وأن ینفض عنه حالة الکسل والتراخی الذی ینم عنه عدم رغبة فی ذلک، وقد وصف القرآن الکریم المنافقین بالکسل فی حالة الصلاة قال الله عزّ وجلّ: إِنَّ الْمُنافِقِینَ یُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ وَ إِذا قامُوا إِلَی الصَّلاةِ قامُوا کُسالی یُراؤُنَ النّاسَ وَ لا یَذْکُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِیلاً. 5

وجاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «أفضل الناس من عشق العبادة، فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا یبالی علی ما أصبح من الدنیا علی عسر أم علی یسر». (5)

ص:166


1- (1) . المصدر: 264/81، باب16.
2- (2) . المصدر: 228/81، باب16.
3- (3) . المصدر: 267/81، باب16.
4- (4) . المصدر: 248/81، باب16.
5- (6) . بحار الأنوار: 253/67، باب55.

ویقول الإمام الباقر(علیه السلام): «لا تقمْ إلی الصلاة متکاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً، فإنّها من خلل النفاق، فإنّ الله نهی المؤمنین أن یقوموا إلی الصلاة وهم سکاری یعنی من النوم». (1)

4. الخشوع

وصف الله عزّ وجلّ المؤمنین بالخشوع أثناء الصلاة، قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. 2 وسئل النبی(صلی الله علیه و آله) عن الخشوع فی الصلاة فقال(صلی الله علیه و آله): «التواضع فی الصلاة، وأن یقبل العبد بقلبه کلِّه علی ربّه». (2)

وقسم علماء الأخلاق الخشوع فی الصلاة إلی قسمین:

الأوّل: خشوع القلب، وهو إفراغ القلب من کلِّ مشاغل الدنیا وما یلهی المرء عن حالة التوجّه لله عزّ وجلّ.

الثّانی: خشوع البدن، حیث سکون وطمأنینة الجوارح فلا یقوم المرء بحرکة زائدة لا علاقة لها بالصلاة، فالبصر متجه إلی محلّ السجود، والسکینة تغمر المصلِّی فلا یقوم، الاّ بحرکات الصلاة فقط.

یقول النبی(صلی الله علیه و آله): «إنّما الصلاة تمسکن وتواضع وتضرّع وتبأس وتندّم وتقنّع بمدّ یدیک، فتقول: اللّهمّ، اللّهمّ، فمن لم یفعل فهو خداج». (3)

5. حضور القلب

یجب علی المصلّی أن یکون حاضراً بقلبه وهو ینوی أداء الصلاة، وأن یفرغ باله من کلّ ما یشتت ذهنه وفؤاده، وعلیه أن یعی بأنّه یناجی ربّه ویقف فی حضرة خالقه

ص:167


1- (1) . المصدر: 231/81، باب16.
2- (3) . بحار الأنوار: 264/81، باب16.
3- (4) . إحیاء العلوم الدین: کتاب أسرار الصلاة.

فلا یفکر بأمر من امور الدنیا، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لا یقبل الله صلاة عبد لا یُحضر قلبه مع بدنه»، (1) ویقول الإمام علی(علیه السلام): «لا یقومنّ أحدکم فی الصلاة متکاسلاً ولا ناعساً ولا یفکّرنَّ فی نفسه، فإنّه بین یدی ربّه عزّ وجلّ، وإنّما للعبد من صلاته ما أقبل علیه منها بقلبه». (2)

ویروی أبو حمزة الثمالی أنّه رأی الإمام زین العابدین(علیه السلام) یصلّی فسقط عنه بعض ردائه، فلمّا فرغ قلت: لم لم تسوّ رداءک، فقال(علیه السلام): «ویحک بین یدی من کنت؟ إنّ العبد لا یقبل من صلاته إلاّ ما أقبل علیه منها بقلبه». (3)

وجاء عن النبی(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «إنّ العبد لیصلّی الصلاة لا یکتب له سدسها ولا عشرها، وإنّما یکتب للعبد من صلاته ما عقل منها». (4)

6. إجلال الصلاة

ینبغی علی المؤمن أن یعظم الصلاة ویجلّها ویجعلها الهمّ الأول فی حیاته، وأنّ الاستخفاف بالصلاة من الکبائر، وقد حذّر النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة الأطهار من آله(علیهم السلام) من الاستخفاف بالصلاة، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لیس منّی من استخف بصلاته، لا یرد علیّ الحوض لا والله». (5)

ویقول الإمام الباقر(علیه السلام): «لا تتهاون بصلاتک، فإنّ النبی(صلی الله علیه و آله)، قال عند موته: لیس منّی من استخفّ بصلاته». (6)

ص:168


1- (1) . بحار الأنوار: 242/81، باب16.
2- (2) . المصدر: 239/81، باب16.
3- (3) . المصدر: 237/81، باب16.
4- (4) . المصدر: 249/81، باب16.
5- (5) . وسائل الشیعة: 23/4، باب6.
6- (6) . بحار الأنوار: 224/79، باب1.

7. وقت الفضیلة

یجدر بالمسلم أن یؤدّی صلاته فی أوّل وقتها ولا یوفرها، وقد حثت الشریعة الإسلامیة المسلمین علی أداء الصلاة فی أوّل وقتها وأداء الإنسان الصلاة فی أوّل الوقت تعبیر عن حبّه للصلاة وإجلاله لها، یقول الإمام الباقر(علیه السلام): «اعلم أنّ أوّل الوقت أبداً أفضل، فعجّل بالخیر ما استطعت وأحبّ الأعمال إلی الله ما داوم العبد علیه وإن قلّ». (1) ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «فضل الوقت الأوّل علی الآخر کفضل الآخرة علی الدنیا» (2) ویقول(علیه السلام): «لفضل الوقت الأوّل علی الآخر خیر للمؤمن عن ماله وولده». (3)

8. الزینة

قال الله عزّ وجلّ: یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ.... 4

ومن هنا ینبغی علی المصلّی إذا قام إلی الصلاة أن یکون علی أفضل هیئة من لباس نظیف وأنیق؛ لأنّه یقف فی حضرة الله عزّ وجلّ، وقد شرحنا الزینة فی دروس ماضیة.

9. أداء الصلاة جماعة

یجدر بالمصلّی أن یؤدّی صلاته جماعة ما أمکن; ذلک أنّ الحضور فی المساجد لأداء الصلاة یترتّب علیه من الثواب الکبیر ما لا یتصوّره أحد، وقد جاء فی الروایات إذا بلغ المصلّون جماعة عشرة عجز الملائکة عن کتابة ثوابهم.

ص:169


1- (1) . الکافی: 274/3.
2- (2) . مستدرک الوسائل: 102/3، باب3.
3- (3) . بحار الأنوار: 82/ باب 5.

الخُلاصة

إنّ الالتزام بشروط الصلاة والحضور القلبی والشعور بالحیویة والنشاط والخشوع التامّ من آداب الصلاة، کما أنّ أداء الصلاة فی أوّل الوقت یعدّ من الآداب التی ینبغی للمسلم الالتزام بها.

الأسئلة

1. بیّن کیفیة آداب الحضور فی حضرة الله عزّ وجلّ.

2. کیف وصف القرآن صلاة المنافقین؟

3. أیّ الناس أفضل؟ بیّن ذلک فی ضوء الحدیث النبوّی الشریف.

4. ما معنی الخشوع فی الصلاة؟

5. أیّ الناس لا تنالهم شفاعة النبی(صلی الله علیه و آله)؟ بیّن ذلک فی ضوء الحدیث النبوی الشریف.

6. اشرح باختصار فضیلة أداء الصلاة فی أوّل الوقت.

ص:170

الدرس الرابع والعشرون : فضیلة الصوم

اشارة

یأتی الصیام فی أهمّیة بعد الصلاة کأبرز الواجبات الشرعیة التی یجب علی المسلم الالتزام بها، وقد أوجب الله عزّ وجلّ الصوم فی شهر رمضان المبارک، وبیّنت کتب الفقه والرسائل العملیة تفاصیل هذا التکلیف الإلهی.

ویعدّ الصیام أفضل وسیلة فی تربیة المرء نفسیاً وتجربة ثرّة فی تطهیر القلب وتعزیز الإرادة وکبح جماح الغرائز الحیوانیة، وبالتالی سمو الروح وتحقیق الحبّ الإلهی، وأخیراً بلوغ رضا الله عزّ وجلّ ودخوله الجنّة.

وسنتناول فی هذا الدرس أهمّیة الصیام وثماره فی ضوء ما ورد من الأحادیث النبویّة الشریف والمأثور من أحادیث أهل البیت(علیهم السلام)، وکذا آداب الصوم وشروطه.

1. الصوم لی

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «قال الله تعالی: کلّ حسنة بعشر أمثالها إلی سبعمئة ضعف إلّا الصیام، فإنّه لی وأنا أجزی به». (1)

ص:171


1- (1) . سنن النسائی: 159/4.

وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «استعینوا بالصبر والصلاة یعنی بالصبر: الصوم». (1)

وهو إشارة إلی تفسیر قوله: وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ...، 2 وعلی هذا یکون معنی قوله تعالی: إِنَّما یُوَفَّی الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسابٍ. 3 أنّ الأعمال العبادیة التی یمارسها الإنسان لها ثواب محدد إلّا الصوم فالله وحده سبحانه الذی یعلم مداه، وفی هذا دلالة علی عظمة الصیام ومنزلته.

وقد جاء فی الحدیث النبوّی الشریف قوله(صلی الله علیه و آله): «قال الله تبارک وتعالی: کلّ عمل ابن آدم هو له غیر الصیام، هو لی وأنا أجزی به، والصیام جنّة العبد المؤمن یوم القیامة، کما یقی أَحَدَکم سلاحُهُ فی الدنیا، ولخلوف فم الصائم أطیب عند الله عزّ وجلّ من ریح المسک والصائم یفرح بفرحتین: حین یفطر ویشرب، وحین یلقانی فاُدخله الجنّة». (2)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «والذی نفسی بیده لخلُوف فم الصائم أطیب عند الله من ریح المسک، یقول الله عزّ وجلّ: إنّما یذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلی، فالصوم لی وأنا أجزی به». (3)

2. الصوم جُنّة

یقول النبی(صلی الله علیه و آله): «الصوم جُنّة من النار». (4)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «علیک بالصوم فإنّه جُنّة من النار، وإن استطعت أن یأتیک الموت

ص:172


1- (1) . فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق: 122؛ باب: الاستعانة بالصلاة والصیام، ح125.
2- (4) . بحار الأنوار: 249/93، باب30.
3- (5) . صحیح البخاری: 226/2؛ کتاب الصوم.
4- (6) . بحار الأنوار: 126/93، باب14.

وبطنک جائع فافعل». (1) والسبب فی اعتبار النبی(صلی الله علیه و آله) الصوم جنّة من النار هو أنّ الصیام یکبح جماح غریزتین قویتین هی: الشهوة، والغضب، وهاتان الشهوتان لهما دور کبیر فی انحراف الإنسان وسقوطه، ومن هنا یقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «الصوم جُنّة ما لم یخرقها». (2)

والخرق: یعنی القیام بعمل یبطل الصوم.

3. علّة الصیام

یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «فرض الله... الصیام ابتلاءً لإخلاص الخلق»، (3) وتقول السیّدة فاطمة الزهراء(علیها السلام): «فرض الله الصیام تثبیتاً للإخلاص» (4) وجاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) قوله: «أمّا العلّة فی الصیام لیستوی به الغنی والفقیر؛ وذلک لأنّ الغنی لم یکن یجد مسَّ الجوع فیرحم الفقیر؛ لانّ الغنی کلّما أراد شیئاً قَدَر علیه، فأراد الله عزّ وجلّ أن یسوّی بین خلقه، وأن یذیق الغنیَّ مس الجوع والألم لیرقَّ علی الضعیف ویرحم الجائع». (5)

ویقول الإمام الرضا فی بیان علّة الصیام: «فإن قال: فلم أُمروا بالصیام؟ قیل: لکی یعرفوا ألم الجوع والعطش فیستدلّوا علی فقر الآخرة، ولیکون الصائم خاشعاً ذلیلاً مستکیناً مأجوراً محتسباً عارفاً، صابراً لما أصابه من الجوع والعطش، فیستوجب الثواب مع ما فیه من الانکسار عن الشهوات، ویکون ذلک واعظاً لهم فی العاجل، ورائضاً لهم علی أداء ما کلّفهم، ودلیلاً فی الآجل، ولیعرفوا شدّة مبلغ

ص:173


1- (1) . المصدر: 258/93، باب30.
2- (2) . المصدر: 296/93، باب36.
3- (3) . نهج البلاغة: الحکمة 252.
4- (4) . بحار الأنوار: 368/93، باب46.
5- (5) . المصدر: 371/93، باب46.

ذلک علی أهل الفقر والمسکنة فی الدنیا، فیؤدّوا إلیهم ما افترض الله تعالی لهم فی أموالهم». (1)

وفی هذا کثیر من الآثار الاجتماعیة وتعزیزحالة التضامن بین أفراد المجتمع.

4. الآثار الروحیة للصوم

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «نوم الصائم عبادة ونفسه تسبیح». (2) ویقول(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله وکّل ملائکة بالدعاء للصائمین». (3) ویقول(صلی الله علیه و آله): «من صام یوماً تطوّعاً فلو اعطی ملء الأرض ذهباً ما وُفّی أجره دون یوم الحساب». (4)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «نوم الصائم عبادة، وصمته تسبیح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف». (5)

ویقول(علیه السلام) أیضاً: «إنّ للصائم عند افطاره دعوة لا تُردّ». (6)

ویقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الصائم فی عبادة الله وإن کان نائماً علی فراشه، ما لم یغتب مسلماً». (7)

5. حدود الصوم

وإذا کان الصوم بهذه الأهمّیة فما هی حدوده؟ یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «لیس

ص:174


1- (1) . المصدر: 369/93، باب46.
2- (2) . المصدر: 258/93، باب30.
3- (3) . المصدر: 253/93، باب30.
4- (4) . المصدر: 252/93، باب30.
5- (5) . المصدر: 255/93، باب30.
6- (6) . المصدر.
7- (7) . المصدر: 247/93، باب30.

الصیام من الطعام والشراب ألّا یأکل الإنسان ولا یشرب فقط، ولکنْ إذا صمت فلیصم سمعک وبصرک ولسانک وبطنک وفرجک، واحفظ یدک وفرجک وأکثر السکوت إلاّ من خیر وارفق بخادمک». (1)

وجاء عن الإمام الرضا(علیه السلام): «إذا صمت فلیصم سمعک وبصرک وجلدک وشعرک». (2)

ص:175


1- (1) . وسائل الشیعة: 165/10، باب11.
2- (2) . بحار الأنوار: 291/93، باب 36.

الخُلاصة

الصیام فی طلیعة العبادات الإسلامیة، وهو أفضل وسیلة لتربیة النفس وتعزیز الارادة وکبح جماح الغرائز الحیوانیة، وقد وعد الله سبحانه الصائم بالأجر الجزیل الذی لا یعرف أحد مداه.

الأسئلة:

1. لماذا قال الله عزّ وجلّ: الصوم لی وأنا أجزی به؟

2. جاء فی الأثر: إنّ للصائم فرحتین فما هما؟

3. ما معنی الحدیث الشریف: «الصوم جُنّة من النار»؟

4. ما هی علّة وجوب الصیام؟

5. بیّن آثار الصوم روحیاً.

6. هل ینحصر مفهوم الصوم باجتناب الأکل والشرب؟ اشرح ذلک بإیجاز.

ص:176

الدرس الخامس والعشرون : فضیلة القرآن الکریم ومنزلته

1. فضل القرآن

إنّ القرآن الکریم هو الحبل الممدود من السماء إلی الأرض وهو الثقل الأکبر الذی ترکه سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) أمانة فی أعناقنا إلی یوم القیامة، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «فضل القرآن علی سائر الکلام کفضل الله علی خلقه». (1)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «القرآن غنی لا غنی دونه ولا فقر بعده». (2)

ویقول صلوات الله علیه وآله: «أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص کتاب الله». (3)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «علیکم بالقرآن فاتخذوه إماماً قائداً». (4)ویقول(علیه السلام) أیضاً: «اعلموا أنّه لیس علی أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنی،

ص:177


1- (1) . بحار الأنوار: 17/89، باب1.
2- (2) . المصدر: 17/89، باب1.
3- (3) . المصدر: 116/74، باب6.
4- (4) . کنز العمال: ح 4029.

فاستشفوه من أدوائکم واستعینوا به علی لاَوائکم، فإنّ فیه شفاء من أکبر الداء وهو الکفر والنفاق والغی والضلال». (1)

2. فضل التلاوة القرآنیة

جاء فی الحدیث النبوّی الشریف عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی فضل التلاوة:

- «أفضل عبادة امتی قراءة القرآن». (2)

- «أهل القرآن أهل الله وخاصّتة». (3)

- «إنّ القلوب تصدأ، کما یصدأ الحدید، فقیل: یا رسول الله، وما جلاؤها؟ فقال: قراءة القرآن وذکر الموت». (4)

- «إذا أحبّ أحدکم أن یُحدِّث ربّه فلیقرأ القرآن». (5)

- «علیک بقراءة القرآن، فإنّ قراءته کفّارة للذنوب، وستر فی النار، وأمان من العذاب». (6)

- «لا تغفل عن قراءة القرآن فإنّ القرآن یحیی القلب، وینهی عن الفحشاء والمنکر والبغی». (7)

وجاء عن الإمام علی(علیه السلام): «من أنَس بتلاوة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان». (8)

ص:178


1- (1) . نهج البلاغة: الخطبة 176.
2- (2) . الجامع الصغیر، السیوطی: 195/1، ح1304.
3- (3) . سنن ابن ماجة: 78/1؛ باب فضل من علّم القرآن، ح215.
4- (4) . إحیاء علوم الدین: کتاب آداب؛مستدرک الوسائل: 104/2.
5- (5) . کنز العمال: تلاوة القرآن، ح 2257.
6- (6) . بحار الأنوار: 17/89، باب1.
7- (7) . کنز العمال: ح 4032.
8- (8) . غرر الحکم: 112، ح 1993.

وعنه(علیه السلام) أیضاً: «لقاح الإیمان تلاوة القرآن». (1)

وقال الإمام جعفر الصادق(علیه السلام): «من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، جعله الله مع السفرة الکرام البررة». (2)

3. فضیلة تعلّم القرآن وتعلیمه

وجاء فی هذا الموضوع فی الحدیث النبوّی الشریف مایلی:

- «إنّ هذا القرآن مأدبة الله، فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم». (3)

- وفی وصایاه(صلی الله علیه و آله) لمعاذ: «یا معاذ، إن أردت عیش السعداء ومیتة الشهداء، والنجاة یوم الحشر، والأمن یوم الخوف، والنور یوم الظلمات، والظلّ یوم الحرور، والریّ یوم العطش، والوزن یوم الخفّة، والهدی یوم الضلالة، فادرس القرآن فإنّه ذکر الرحمن وحرزٌ من الشیطان ورجحان فی المیزان». (4)

- «خیرکم من تعلّم القرآن وعلّمه». (5)

- «من علّم عبداً آیةً من کتاب الله، فهو مولاه لا ینبغی أن یخذله ولا یستأثر علیه فإنّ هو فعله قصم عروة من عری الإسلام». (6)

- «ما اجتمع قوم فی بیت من بیوت الله یتلون کتاب الله ویتدارسونه بینهم، الاّ نزلت علیهم السکینة وغشیتهم الرحمة وحفّتهم الملائکة وذکرهم فیمن عنده». (7)

ص:179


1- (1) . المصدر: 112، ح 1992.
2- (2) . بحار الأنوار: 187/89، باب20.
3- (3) . کنزالعمال: 526/1، ح 2356.
4- (4) . المصدر: ح 2439.
5- (5) . المصدر: ح 2351.
6- (6) . المصدر: ح 2320.
7- (7) . المصدر: ح 2320.

- «من علّم ولداً له القرآن قلّده الله قلادة یعجب منها الأولون والآخرون یوم القیامة». (1)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «حقّ الولد علی الوالد أن یحسن اسمه، ویحسن أدبه ویعلّمه القرآن». (2)

وعنه(علیه السلام) قال: «تعلّموا القرآن، فإنّه أحسن الحدیث وتفقهوا فیه فإنّه ربیع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنّه أنفع القصص». (3)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «ینبغی للمؤمن ألّا یموت حتی یتعلّم القرآن أو یکون فی تعلّمه». (4)

4. فضیلة تدبّر القرآن وحفظه

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «أشراف امتی حملة القرآن وأصحاب اللّیل». (5)

ویقول(صلی الله علیه و آله): أیضاً: «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة». (6)

«لا یعذّب الله قلباً وعی القرآن». (7)

«إنّ أهل القرآن فی أعلی درجة من الآدمیین ما خلا النبیین والمرسلین، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فإنّ لهم من الله لمکاناً». (8)

ص:180


1- (1) . المصدر: ح 2386.
2- (2) . نهج البلاغة: الحکمة 399.
3- (3) . المصدر: الخطبة 110.
4- (4) . بحار الأنوار: 189/89، باب20.
5- (5) . المصدر: 177/89، باب19.
6- (6) . المصدر: 177/89، باب19.
7- (7) . المصدر: 178/89، باب19.
8- (8) . الکافی: 603/2.

«من أعطاه الله حفظ کتابه، فظنّ أنّ أحداً اعطی أفضل ممّا اعطی، فقد غمط أفضل النعمة». (1)

«إنّ الذی لیس فی جوفه شیء من القرآن کالبیت الخراب». (2)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «الحافظ للقرآن، العامل به مع السفرة الکرام البررة». (3)

«إنّ من الناس من یقرأ القرآن لیقال فلان قارئ، ومنهم من یقرأ القرآن لیطلب به الدنیا ولاخیر فی ذلک، ومنهم من یقرأ القرآن لینتفع به فی صلاته ولیله ونهاره». (4)

5. الإصغاء والإنصات

جاء فی الحدیث النبوّی الشریف فی موضوع الاستماع للقرآن مایلی:

- «ألا من اشتاق إلی الله فلیستمع کلام الله». (5)

- «من استمع إلی آیة من کتاب الله کتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آیة من کتاب الله کانت له نوراً یوم القیامة». (6)

- «یدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنیا، ویدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة». (7)

ص:181


1- (1) . کنز العمال: ح 2317.
2- (2) . المصدر: ح 2478.
3- (3) . بحار الأنوار: 177/89، باب19.
4- (4) . الکافی: 607/2.
5- (5) . کنز العمال: ح 2472.
6- (6) . المصدر: ح 1316.
7- (7) . المصدر: ح 4031.

الخُلاصة

إنّ القرآن کتاب هدایة وإرشاد للإنسانیة، یدلّ علی طریق السعادة، ولذا فإنّ تلاوته وتدبّر معانیه، یعنی الاستضاءة بنوره فی اکتشاف الطریق، الذی یؤدّی إلی السعادة المنشودة، ومن هنا نجد الأحادیث النبوّیة الشریفة والأحادیث المرویّة عن أهل البیت(علیهم السلام)، تزخر بالدعوة إلی تلاوة القرآن وحفظه والعمل به والإنصات له؛ لأنّه منهاج الحیاة الطیبة.

الأسئلة

1. بیّن منزلة وأهمّیة القرآن الکریم فی ضوء الروایات المأثورة.

2. ما هی الآثار المعنویة فی تلاوة القرآن؟

3. اشرح أهمّیة تعلّم القرآن وتعلیمه.

4. ما هو ثواب من یستمع إلی القرآن وینصت له؟

5. ما هی الطریقة الّتی یمکن فیها تکریم حفاظ القرآن الکریم؟

ص:182

الدرس السادس والعشرون : آداب التلاوة

اشارة

القرآن الکریم کلام الله وکتابه العزیز، فهو یختلف عن سائر الکتب الاُخری، من هنا فإنّ لقراءته وتلاوته آداب ینبغی علی المسلم أن یلتزم بها، وبعض هذه الآداب ترتبط باحترامه وتقدیسه، وبعض آخر یرتبط بفهمه وتدبّره والتأمّل فیه والانتهال من فیضه، وفیما یلی تعریف بهذه الآداب.

1. الآداب الظاهریة

یجدر بالمرء إذا أراد تلاوة القرآن الکریم، أن یتوضأ ویتطهّر، وأن یجلس فی حضرة کتاب الله بأدب واحترام، وأن یکون فی حالة من التواضع التامّ جالساً کان أم واقفاً، وأن یجتنب کلّ حالات التکبّر من قبیل مدّ الرجلین، وبعبارة اخری اجتناب کلّ ما یخدش الآداب، کما ینبغی للقارئ أن یغسل فمه وأسنانه، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «نظفوا طریق القرآن. قیل: یا رسول الله، وما طریق القرآن؟ قال: أفواهکم. قیل: بماذا؟ قال: بالسواک». (1)

وقال(صلی الله علیه و آله): «إنّ أفواهکم طرق القرآن فطیّبوها بالسواک». (2)

ص:183


1- (1) . بحار الأنوار: 213/89، باب26.
2- (2) . کنز العمال: ح 2751؛ بحار الأنوار: 330/81، باب20.

2. مکان القراءة

یجب علی المسلم أن یحفظ حرمة القرآن، فلا یجوز له أن یتلو القرآن فی أماکن من قبیل الحمامات ودورات المیاه، وفی مقابل ذلک ینبغی له أن ینتخب أماکن مقدّسة طاهرة کالمساجد، وکذا ینبغی للمسلم أن یقرأ القرآن فی بیته لما فی ذلک من أثر هامّ، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «نوّروا بیوتکم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبوراً، کما فعلت الیهود والنصاری، صلّوا فی الکنائس والبیع وعطّلوا بیوتهم. فإنّ البیت إذا کثر فیه تلاوة القرآن کثر خیره واتّسع أهله واضاء لأهل السماء، کما تضیء نجوم السماء لأهل الدنیا». (1)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «البیت الذی یقرأ فیه القرآن ویذکر الله فیه، تکثر برکته وتحضره الملائکة وتهجره الشیاطین ویضیء لأهل السماء، کما تضیء الکواکب لأهل الأرض. وإنّ البیت الذی لا یقرأ فیه القرآن ولا یذکر الله فیه، تقلّ برکته وتهجره الملائکة وتحضره الشیاطین». (2)

3. مقدار القراءة

ما جاء فی الأثر یشیر إلی أنّ الحد الأدنی لقراءة القرآن یومیاً هو خمسون آیة، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «القرآن عهد الله إلی خلقه فقد ینبغی للمرء المسلم أن ینظر فی عهده وأن یقرأ منه فی کلّ یوم خمسین آیة». (3)

ومن البدیهی أنّه کلما قرأ المرء أکثر فهو أفضل، ولکن یجدر بالمسلم أن یقرأ کتاب الله قراءة صحیحة وأن یحسن فهمه، ولذا جاء عن الإمام الصادق لما سئل عن

ص:184


1- (1) . الکافی: 610/2.
2- (2) . المصدر: 610/2.
3- (3) . المصدر: 609/2.

ختم القرآن کل یوم فقال(علیه السلام): «لا یعجبنی أن تقرأه فی أقلّ من شهر». (1)

ومن الواضح أن من یرید ختم القرآن فی کلّ یوم لا یسمح له الوقت أن یتأمّل فی معانیه ویتدبّر آیاته، وقد جاء عن سیّدنا ونبینا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من قرأ القرآن فی أقلّ من ثلاث لم یفقهه». (2)

4. الاستعاذة والتسمیة

من آداب التلاوة أن یستعیذ القارئ من شرور الشیطان الرجیم، وأن یبدأ قراءة القرآن قائلاً: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم» قال الله عزّ وجلّ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ. 3

ومن الآداب الاُخری «التسمیة» وقد جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) فیها قوله: «أغلقوا أبواب المعصیة بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمیة». (3)

وجاء فی سیرة الإمام الکاظم(علیه السلام): إنّه کلما استشهد بآیة لیقرأها، قال: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم،بسم الله الرحمن الرحیم». ثُمّ یقرأ الآیة. (4)

6. الترتیل

یقول الله تبارک وتعالی: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً. 6 وقد سئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن معنی هذه الآیة، فقال: «قال أمیرالمؤمنین(علیه السلام): بیّنه تبیاناً ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر

ص:185


1- (1) . المصدر: 617/2.
2- (2) . سنن ابن ماجه: ح 1347.
3- (4) . بحار الأنوار: 216/89، باب26.
4- (5) . المصدر: 210/89، باب26.

الرمل، ولکن افزعوا قلوبکم القاسیة ولا یکن همّ أحدکم آخر السورة».

معنی الحدیث الإجمالی هو أن تکون القراءة هادئة واضحة توفر فرصة مناسبة للتأمّل فی المعانی.

7. الصوت الحسن

یجدر بالمسلم أن یقرأ القرآن بصوت حسن، وقد قال سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «زیّنوا القرآن بأصواتکم». (1) وقال(صلی الله علیه و آله): «إنّ حُسن الصوت زینة للقرآن». (2) وقال(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «إنّ لکلّ شیء حلیة وحلیة القرآن الصوت الحَسن». (3)

8. الحزن والخشوع

ومن الآداب فی قراءة القرآن وتلاوته أن یستشعر المرء حالة الحزن والخشوع؛ لأنّ ذلک من آثار إدراک المعانی، فذکر الله عزّ وجلّ یغمر القلب بالخشوع.

قال الله عزّوجلّ: أَ لَمْ یَأْنِ لِلَّذِینَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِکْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ. 4

وجاء عن سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) قوله الشریف: «اقرؤوا القرآن بالحزن، فإنّه نزل بالحزن». (4)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله): «اتلوا القرآن وأبکوا فإن لم تبکوا فتباکوا». (5)

وجاء عنه(صلی الله علیه و آله) کذلک: «ما من عین فاضت من قراءة القرآن، إلاّ قرّت یوم القیامة». (6)

ص:186


1- (1) . سنن الدارمی: 474/2؛ باب التغنّی بالقرآن.
2- (2) . بحار الأنوار: 190/89، باب 21.
3- (3) . المصدر.
4- (5) . کنز العمال: ح 2777.
5- (6) . سنن ابن ماجه: ح 4196.
6- (7) . کنز العمال: ح 2824.

9. التدبّر

إنّ فی طلیعة الواجبات التی یتحملها القارئ التدبّر; ذلک أنّ الهدف الأساسی من القراءة هو اکتشاف المعانی والمفاهیم وتطبیقها فی الحیاة، فالقراءة السطحیة لا یمکن أن تحقّق ذلک، ولذا یتوجب علی القارئ أن یتدبّر فی القرآن ویتأمّل فیه، فإذا استعصی علیه فهم ما یقرأ راجع کتب التفسیر.

قال الله عزّ وجلّ: کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. 1

وقال تبارک وتعالی: أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها. 2

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «ألا لا خیر فی قراءة لیس فیها تدبّر». (1)

10. القراءة من خلال النظر فی المصحف

یجدر بالمرء أن یقرأ القرآن من خلال النظر فی المصحف الشریف حتّی لو کان حافظاً للقرآن، وقد جاء فی الروایات أنّ النظر فی المصحف عبادة، وسأل رجل الإمام الصادق(علیه السلام) عن قراءة القرآن وکان حافظاً، فقال الإمام(علیه السلام): «بل اقرأه وانظر فی المصحف فهو أفضل، أما علمت أن النظر فی المصحف عبادة». (2)

ص:187


1- (3) . بحار الأنوار: 210/89، باب 26.
2- (4) . المصدر: 196/89، باب 22.

الخُلاصة

إنّ من آداب تلاوة القرآن الکریم أن یکون الإنسان علی وضوء وطهارة، وأن ینتخب مکاناً مناسباً، وأن یستعیذ من الشیطان، ویذکر اسم الله عزّ وجلّ، وأن یقرأ القرآن بصوت حسن وعلی مهل، لیتدبّر آیاته وأن تغمره حالة من الخشوع.

الأسئلة

1. کیف ینبغی أن تکون حالة القارئ أثناء التلاوة؟

2. أیّ الأماکن أجدر بقراءة القرآن الکریم؟

3. ما هو الحدّ الأدنی فی مقدار تلاوة القرآن الکریم؟

4. ما معنی الترتیل؟

5. بیّن قیمة التدبّر فی آیات القرآن الکریم.

ص:188

الدرس السابع والعشرون : قیمة الدعاء والزیارة

اشارة

فی هذا الدرس نحاول بدءاً الإجابة عن السؤال التالی: ما هی منزلة الدعاء والتوجّه بالحاجات فی رحاب الله عزّ وجلّ فی مجموع الأحکام والآداب الإسلامیة؟

وبعد أن نعرف ذلک، تتوضح لدینا فضیلة وأهمّیة الدعاء، وبالتالی نبیّن دور زیارة الأولیاء الإلهیین فی حیاتهم، ودور زیارة مراقدهم بعد الوفاة.

1. منزلة الدعاء

لکی نعرف أهمّیة الدعاء نطالع هذه الطائفة من الأحادیث الشریفة:

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الدعاء مخ العبادة ولا یهلک مع الدعاء أحد». (1)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «ترک الدعاء معصیة». (2)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «أحبّ الأعمال إلی الله فی الأرض الدعاء». (3)

ویقول الإمام الباقر(علیه السلام) فی قول الله عزّ وجلّ: « إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی

ص:189


1- (1) . بحار الأنوار: 300/90، باب 16.
2- (2) . میزان الحکمة: باب 1189.
3- (3) . الکافی: 467/2.

سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِینَ. 1 هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء». (1)

وسأل أحدهم الإمام الباقر(علیه السلام): أی العبادة أفضل؟ فأجاب(علیه السلام): «ما من شیء أفضل عندالله عزّ وجلّ من أن یسأل ویطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلی الله عزّ وجلّ ممّن یستکبر عن عبادته ولا یسأل ما عنده». (2)

من خلال هذه الأحادیث المضیئة نکتشف الموقع الرفیع للدعاء; ذلک أنّ المشیئة الإلهیة اقتضت أن تکون غایة الإنسان الکمال الحقیقی الذی لا یتحقّق إلاّ من خلال عبادة الله عزّ وجلّ، حیث غایة الخلق العبادة.

قال الله عزّ وجلّ: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ. 4

إنّ علی الإنسان أن یستشعر فقره المطلق، وأنّ کلّ ما لدیه هو من الله سبحانه، یقول القرآن الکریم: یا أَیُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ. 5 فإذا أدرک الإنسان هذه الحقیقة، فإنّه سیتحرک نحو العبادة والدعاء والتضرّع إلی الله الغنی المطلق.

قال الله تبارک وتعالی: قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ . 6

إنّ الدعاء هو الذی ینظم العلاقة بین الإنسان وخالقه، وهی علاقة المخلوق بالخالق، والفقیر بالغنی المطلق، والمحتاج بالله الواحد الصمد، ولذا نجد القرآن الکریم یؤکّد علی مسألة الدعاء:

- وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ. 7

ص:190


1- (2) . الکافی: 466/2.
2- (3) . المصدر.

-- فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ. 1

- وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِینَ. 2

کما نجد ترک الدعاء تجسیداً للعصیان، بینما الالتزام بالدعاء یترجم حالة عبودیّة الإنسان لله ربّ العالمین، فعباد الله الصالحین هم من یدعون الله عزّ وجلّ یقول سبحانه واصفاً إیّاهم: یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً. 3

ویقول تبارک وتعالی: وَ یَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ کانُوا لَنا خاشِعِینَ. 4

2. قیمة الدعاء وآثاره:

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدین، ونور السماوات والأرض». (1)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «لا یردّ القضاء إلاّ الدعاء». (2)

ویقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «داووا مرضاکم بالصدقة، وادفعوا أبواب البلاء بالدعاء». (3)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «ما من شیء أکرم علی الله تعالی من الدعاء». (4)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «أعلم الناس بالله سبحانه أکثرهم له مسألة». (5)

ص:191


1- (5) . الکافی: 468/2.
2- (6) . بحار الأنوار: 294/90، باب 16.
3- (7) . المصدر: 288/90، باب 16.
4- (8) . المصدر: 294/90، باب 16.
5- (9) . غرر الحکم: 192/ ح 3734.

ویقول(علیه السلام): «الدعاء مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة». (1)

ویقول(علیه السلام) أیضاً: «من قرع باب الله سبحانه فتح له». (2)

ویقول(علیه السلام) أیضاً: «الدعاء أنفذ من السنان». (3)

3. زیارة الأولیاء

للإنسان روابطه الاجتماعیة، حیث یزور بعضهم البعض ویلتقی بعضهم البعض الآخر، ذلک أنّ العلاقات العاطفیة والودّیة تجعلهم یستأنسون ببعضهم البعض، ومن هنا نری أحدهم یزور صدیقه، لیعبر له فی ذلک عن ودّه ومحبته، وهذه العلاقات الاجتماعیة، تعبر عن تفاهم فیما بینهم وفهم مشترک للاشیاء، کما توجد علاقات یوحدها الفکر أوتوحدها السیاسة، ولذا یزور بعضهم البعض الآخر من أجل إشباع الجانب الفکری أوالمادّی. ومن هنا یمکن اختصار الغایات من وراء الزیارة فیما یلی:

1. التعبیر عن المحبّة والودّ والصداقة.

2. تنظیم علاقات فکریة أوحزبیة ونقابیة.

3. الإفادة المعنویة والمادّیة.

وتوجد فی الثقافة الدینیة علاقة تربط الناس بقادتهم الدینیین الصالحین وعلمائهم المتقین؛ ذلک أنّهم أبصر الناس بشؤون الدین واُصوله وأرکانه، فهم أکثر الناس قرباً إلی الله عزّ وجلّ.

وعندما یعبّر الناس عن ولائهم لهم، فإنّهم فی الحقیقة یعبرون عن حبّهم لله ودینه، وعندما یزورهم الناس ویقصدونهم فإنّهم یفعلون ذلک إرواء لظمئهم الروحی، وهذه

ص:192


1- (1) . بحار الأنوار: 300/90، باب 16.
2- (2) . غرر الحکم: 193.
3- (3) . بحار الأنوار: 295/90، باب 16.

الظاهرة فی لقاء الأبرار والأولیاء تدعی ب- «الزیارة».

وبالرغم من أهمّیة زیارة الأولیاء وعلماء الدین الصالحین فی کلّ عصر وزمان، ولکن أعظم الزیارات هی زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومین من آله(علیهم السلام)، فالذین حظوا بزیارتهم فی حیاتهم حظوا بالمجد الرفیع والشرف الکبیر، ومن لم یدرکهم زار مراقدهم لإرواء ظمئه الروحی والمعنوی، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من زارنی حیّاً ومیتاً کنت له شفیعاً یوم القیامة». (1)ویقول(صلی الله علیه و آله): «من سلّم علیّ فی شیء من الأرض أبلغته، ومن سلّم علیّ عند القبر سمعته». (2)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إذا حجّ أحدکم فلیختم حجّه بزیارتنا؛ لأنّ ذلک من تمام الحجّ». (3)

ویقول(علیه السلام): «من زارنا فی مماتنا فکأنّما زارنا فی حیاتنا». (4)

ولذا یجدر بالمؤمن فی أیة نقطة من العالم أن یتوجّه بقلبه وروحه إلی النبی فیحییه ویسلّم علیه، وکذلک بالنسبة للأئمة الأطهار من آله(علیهم السلام) ویعلن ولاءه وحبّه للرسول وآله والبراءة من أعدائهم، فنبینا وآله(علیهم السلام) هم الوسیلة إلی الله عزّ وجلّ وهم الذین یشفعون لنا یوم القیامة والمعاد.

ص:193


1- (1) . بحار الأنوار: 139/97، باب1.
2- (2) . المصدر: 182/97، باب3.
3- (3) . المصدر: 139/97، باب1.
4- (4) . المصدر: 124/97، باب2.

الخُلاصة

لمّا کانت غایة الخلق الإلهی للإنسان هی تکامله، وهذا لا یتیسر إلاّ بعبودیة الإنسان لخالقه، فإنّ الدعاء وتعبیر الإنسان عن فقره وحاجته إلی الله الغنی المطلق، هی التجسید الحقیقی العمیق للعبادة والعبودیة. من هنا یشغل الدعاء منزلة عالیة ودرجة رفیعة فی المعرفة الإسلامیة، کما أنّ زیارة الأولیاء الإلهیین وفی طلیعتهم النبی(صلی الله علیه و آله) وآله الأطهار(علیهم السلام) لها دور فائق الأهمّیة فی بلوغ الإنسان درجة الکمال.

الأسئلة

1. لماذا یعبر الحدیث النبوی الشریف عن الدعاء بأنّه «مخ العبادة»؟

2. ما علاقة الفقر والحاجة بالعبودیة والعبادة؟

3. بین آثار الدعاء فی ضوء الأحادیث الشریفة.

4. ما هی غایات الإنسان من وراء لقائه مع الآخرین وزیارته لهم؟

5. ماهی ثمار زیارة الأولیاء الإلهیین؟

ص:194

الدرس الثامن والعشرون : آداب الدعاء والزیارة

اشارة

للدعاء والزیارة شروط وآداب ینبغی الالتزام بها من قبل الداعی والزائر، وسنتعرّف فی هذا الدرس علی أهمّها:

1. آداب الدعاء

أ) معرفة الله

ینبغی علی من یدعو الله عزّ وجلّ أن یعرفه ویعرف أنّه تبارک وتعالی القادر علی کلّ شیء، وهو مصدر کلّ شیء، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «یقول الله عزّ وجلّ: من سألنی وهو یعلم أنّی أضرّ وأنفع استجیب له». (1)

وجاء عن الإمام موسی الکاظم(علیه السلام): «قال قوم للصادق(علیه السلام): ما بالنا ندعوا فلا یستجاب لنا؟ قال: لأنّکم تدعون من لا تعرفونه». (2)

ب) الأمل بالله والرجاء

مرّ بنا فی الدرس الماضی قوله تعالی: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِیبٌ مِنَ

ص:195


1- (1) . بحار الأنوار: 305/90، باب17.
2- (2) . شرح نهج البلاغة: 230/11.

اَلْمُحْسِنِینَ. فالطمع هو الأمل بالله عزّ وجلّ والطمأنینة بأنّه سبحانه هو السمیع المجیب، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة». (1)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إذا دعوت فظُنّ أنّ حاجتک بالباب». (2)

ج) قطع الأمل بغیر الله عزّ وجلّ

علی من یدعو الله عزّ وجلّ أن یقطع أمله بکلّ الأسباب الاُخری، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إذا أراد أحدکم ألّا یسأل ربّه شیئاً إلاّ أعطاه فلییأس من الناس کلّهم، ولا یکون له رجاء إلّا عند الله، فإذا علم الله عزّ وجلّ ذلک من قلبه لم یسأل الله شیئاً إلّا أعطاه». (3)

د) حضور القلب

یستلزم أدب الدعاء أن یرافقه حضور للقلب، فالدعاء قبل أن یجری علی اللسان یجب أن یکون إرادة قلبیة تنبع من صمیم القلب، ثُمّ تجد طریقها إلی اللسان، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ لا یستجیب دعاءً بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبک ثُمّ استیقن بالإجابة». (4)

ه) التضرّع والرقّة

إنّ حالة التضرّع والرقة تعبّر عن إحساس بالحاجة حقیقی، ولذا ینبغی علی المرء إذا دعا أن تغمره هذه الحالة، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إذا رقَّ أحکم فلیدعُ، فإنّ القلب لا یرقّ حتّی یخلص». (5)

ص:196


1- (1) . بحار الأنوار: 305/90، باب17.
2- (2) . الکافی: 473/2.
3- (3) . المصدر: 148/2.
4- (4) . المصدر: 473/2.
5- (5) . المصدر: 477/2.
و) البدء باسم الله

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «لا یردّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحیم». (1)وأساساً ینبغی للمرء المسلم إلاّ یبدأ عملاً إلاّ بعد البسملة.

ز) الثناء والحمد

یجدر بالمسلم أن یبدأ دعاءه بذکر الله عزّ وجلّ وحمده والثناء علی مجده وجلالته وصفاته، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «کلّ دعاء لا یکون قبله تمجید فهو أبتر». (2)

ح) تحیة النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام)

کما یجدر بالمرء بعد ذکره الله عزّ وجلّ أن یصلّی علی النبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام).

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «صلاتکم علیَّ إجابة لدعائکم وزکاة لأعمالکم». (3)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «لا یزال الدعاء محجوباً عن السماء حتّی یُصلّی علی النبی وآله». (4)

ط) التوسّل بالنبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام)

لما کان النبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته(علیهم السلام) هم واسطة الفیض الإلهی والرحمة ولهم حقّ الشفاعة عند الله عزّ وجلّ، فیجدر بالمسلم المؤمن أن یتوسّل بالنبی(صلی الله علیه و آله) وآله من أجل قضاء حاجته، ویقسم علی الله عزّ وجلّ بشأنهم وحرمتهم وحقّهم ویستشفع بهم.

ص:197


1- (1) . بحار الأنوار: 313/90، باب17.
2- (2) . المصدر: 317/90، باب17.
3- (3) . المصدر: 54/91، باب29.
4- (4) . المصدر: 313/90، باب17.
ی) الاعتراف بالذنب

وعلی المرء قبل أن یبین حاجته أن یعترف بعجزه وضعفه وما ارتکبه من الذنوب والمعاصی، ثُمّ یعبّر عن ندمه، یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلّا بالإقرار». (1)

ک) الطهر والأکل الحلال

جاء فی الحدیث القدسی الشریف: «فمنک الدعاء وعلیّ الإجابة، فلا تحتجب عنّی دعوة إلاّ دعوة آکل الحرام». (2)

وعن النبی(صلی الله علیه و آله) قال: «من أحبّ أن یستجاب دعاؤه فلیطیّب مطعمه وکسبه». (3)

ل) الإصرار

ینبغی للمرء إذا أراد الدعاء ألاّ یملّ وأن یصرّ ویلحّ ما أمکنه; ذلک أنّ الالحاح یعبّر عن إدراک ووعی بأنّ الله عزّ وجلّ هو الأوّل والآخر، وأنّ سبحانه العمد الذی یقصد بالحاجات ویحلّ المشکلات، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «إنّ الله یحبّ الملحّین فی الدعاء». (4)

م) الدعاء الجماعی

یجدر بالمرء إذا أراد الدعاء وإبراز حاجته أن یجمع اسرته مثلاً أوأصداقاءه، ثُمّ

ص:198


1- (1) . الکافی: 484/2.
2- (2) . عدّة الداعی: 139.
3- (3) . بحار الأنوار: 372/90، باب24.
4- (4) . بحار الأنوار: 300/90، باب16.

یتوجّه بالدعاء إلی الله عزّ وجلّ یقول الإمام الصادق(علیه السلام): «کان أبی(علیه السلام) إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبیان، ثُمّ دعا وأمّنوا». (1)

ن) مرافقة العمل للدعاء

هناک فرق بین التوکّل والتواکل، أنّ التوکّل علی الله عزّ وجلّ یعنی الإیمان بمشیئته والعمل، أمّا التواکل فهو أنّ المرء یدعو الله سبحانه لحلّ مشکلته مثلاً، ثُمّ لا یسعی هو ولا یبادر إلی العمل، أنّ علی الداعی أن یبذل قصاری جهده ویتوکّل علی الله عزّ وجلّ، یقول الإمام علی(علیه السلام): «الداعی بلا عمل کالرامی بلا وتر». (2)

س) الأدعیة المأثورة

ینبغی للداعی إذا أراد عرض حاجته فی رحاب الله عزّ وجلّ أن ینتخب لذلک المأثور من أدعیة أهل البیت(علیهم السلام)، لما تشتمل علیه من أدب الدعاء وجمال البیان وما تنطوی علیه من القیم التربویة وتزکیة النفس وتهذیبها کدعاء کمیل، الصباح، الدعاء المعروف بدعاء أبی حمزة الثمالی، المناجاة الشعبانیة وغیرها.

وهناک آداب اخری فی الدعاء کالطهارة والوضوء والتوجّه جهة القبلة وانتخاب المکان والزمان المناسبین.

2. آداب الزیارة

أ) الغسل والنظافة

یستحبّ لمن یقصد زیارة أئمة الدین أن یغتسل ویتطهّر، وأن یکون علی وضوء وأن یرتدی ثوباً نظیفاً.

ص:199


1- (1) . الکافی: 487/2.
2- (2) . نهج البلاغة: الحکمة 337.
ب) أن یولّی وجهه شطر القبلة أثناء قراءة الزیارة.
ج) التزام الأدب

وعلی الزائر أن یلتزم الآداب ویعبّر عن تواضع واحترامه لمن یزور، ویتصوّر نفسه أنّه واقفاً فی حضرته.

د) الزیارة المأثورة

وعلی الزائر أن ینتخب لزیارته نصّاً مأثوراً ممّا ورد فی الروایات من الزیارات، مع کفایة التحیة والسلام فی ذلک.

ه) صلاة الزیارة

یستحبّ للزائر أن یصلّی رکعتین بنیّة الزیارة، مع التأکید علی جواز ذلک فی حالة زیارة الأئمة الأطهار(علیهم السلام) فقط.

و) قراءة القرآن

إنّ تلاوة آیات من القرآن الکریم وإهداء ذلک لمن یزوره المرء أمر مستحبّ.

ص:200

الخُلاصة

علی الداعی أن یعرف أنّ من یدعوه ویعتقد بإجابته هو الله عزّ وجل، فعلیه أن یقطع رجاءه من کلِّ شیء إلّا من الله عزّ وجلّ، وأن ترافق دعاءه حالة من التضرّع، وأن یتّجه بقلبه إلی الله تبارک وتعالی، وأن یبدأ دعاءه بذکر الله عزّ وجلّ والصلاة علی النبی وآله، وألّا یملّ من الدعاء؛ لأنّ الإلحاح من آداب الدعاء، وعلی المرء کذلک أن یعترف بضعفه وحاجته وما ارتکبه من الذنوب، وأن یعزم علی ترک المعصیة، کما أنّ التوسّل بالنبی(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته من آداب الدعاء، لأنّهم شفعاء مشفَّعون.

الأسئلة

1. ما هی أهمّیة معرفة الله عزّ وجلّ فی الدعاء؟

2. کیف ینبغی أن تکون حالة الداعی؟

3. لماذا یتوجب علی الداعی أن یقطع الأمل والرجاء من العبد ویتجه إلی الله عزّ وجلّ؟

4. ماذا یتوجب علی المرء قبل الدعاء؟

5. لماذا ینبغی التوسّل بالنبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام)؟

6. أی الناس لا یستجاب دعاؤهم؟ بین ذلک فی ضوء الأحادیث الشریفة.

ص:201

ص:202

الدرس التاسع والعشرون : السفر: غایاته وفوائده

اشارة

تختلف بواعث السفر وغایاته من إنسان إلی آخر، کما أنّ الغایات والأهداف المتوخاة من وراء السفر قد تکون صحیحة، وقد تکون خاطئة هذا أوّلاً وثانیاً أنّ السفر حالة من العلاقات مع الآخرین. ومن هنا فإنّ الإسلام ینظر إلی السفر من زاویتین:

1. الزاویة الشرعیة.

2. الزاویة الأخلاقیة.

ومن الزاویة الشرعیة یکون الموضوع واضحاً من خلال غایات السفر، فیما إذا کانت مشروعة أوغیر مشروعة، ومن ثَمّ تترتّب علی ذلک أحکام الصلاة والصوم.

أمّا من الزاویة الأخلاقیة فإنّ السفر یدخل فی إطار العلاقات الاجتماعیة کرفیق السفر والجلیس، والآداب التی یتوجب الالتزام بها ذاتیاً أومع الآخرین خاصّة مع رفاق السفر.

سنتناول فی هذا الدرس البواعث والغایات المشروعة فی السفر، ومن ثَمّ نستعرض فوائد السفر وثماره من خلال الأحادیث الشریفة، أمّا آداب السفر فنبحثه فی الدرس القادم.

ص:203

1. البواعث المشروعة للسفر

أ) اکتساب العلم والمعرفة

إنّ اکتساب العلم فی الطلیعة من الغایات المشروعة فی السفر، فإذا کان الهدف اکتساب العلوم الدینیة والمعارف الإلهیة، فهو غایة رفیعة ومجد کبیر وعادة ما یکون فی مثل هذه الحالات علی شکلین:

سیراً فی الأرض من أجل التأمّل فی الآثار والاعتبار من حیاة الشعوب والاُمم السالفة ومشاهدة نعم الله وآیاته وآلائه، أویکون السفر إلی مدینة یقطنها کبار علماء الدین فأضحت مرکزاً ومدرسة کبری للعلوم الدینیة، فالسفر إلیها من أجل ذلک غایة سامیة وهدف رفیع.

قال الله عزّ وجلّ: قُلْ سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللّهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ. 1

وقال عزّ وجلّ: أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها. 2

ومن أجل الاعتبار بما جری علی الاُمم الغابرة یقول سبحانه وتعالی: فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُروا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ. 3

وقال عزّ وجلّ: أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ کانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ کانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِی الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ ما کانَ لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ واقٍ. 4

وهذه الآیات الکریمة وآیات غیرها تدعو إلی السفر والسیر والسیاقة فی

ص:204

الأرض لهدفین: الأوّل: التأمّل فی الطبیعة وما فیها من آیات تدلّ علی عظمة الخالق سبحانه ورحمته بعباده. الثانی: مشاهدة آثار الاُمم والشعوب من بقایا القصور والقلاع والحصون التی بناها الجبابرة، فإذا الیوم أثراً بعد عین، فیعتبرالإنسان من تاریخ الذین مضوا ویکتشف الطریق طریق، الخیر والحقّ وصراط الله المستقیم.

یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من خرج فی طلب العلم فهو فی سبیل الله حتّی یرجع». (1)

وقال(صلی الله علیه و آله): «من سلک طریقاً یلتمس به علماً سهّل الله له طریقاً إلی الجنّة». (2)

ب) صون الدین وحفظه

إنّ الحفاظ علی الدین وصون العقیدة إذا تعذر فی الوطن وجب السفر وتصبح الهجرة واجبة، فالظلم والجور واستبداد الطغاة ینبغی ألاّ یکون ذریعة للتنصل عن الدین والتخلّی عن العقیدة، بل إنّ ما یجب عمله علی الإنسان المسلم هو الهجرة إلی أرض اخری بحثاً عن ظروف تمکّنه من ممارسة شعائر الدینیة، قال الله عزّ وجلّ فی کتابه الکریم: إِنَّ الَّذِینَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِیمَ کُنْتُمْ قالُوا کُنّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِیها. 3

وقد مجّد القرآن المهاجرین فی سبیل عقیدتهم ودینهم یقول سبحانه وتعالی:

وَ مَنْ یَخْرُجْ مِنْ بَیْتِهِ مُهاجِراً إِلَی اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ یُدْرِکْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللّهِ. 4

ص:205


1- (1) . سنن الترمذی: 137/10، ح 2785.
2- (2) . منیة المرید: 104.
ج) الحج والزیارة

یجب علی کلّ مسلم أن یحجّ إلی بیت الله الحرام مرّة واحدة فی العمر إذا استطاع ذلک وتوفرت له نفقات السفر وانتفی کلّ ما یعوقه عن السفر جسمیاً، أنّ السفر من أجل أداء فریضة الحجّ وزیارة ضریح النبی(صلی الله علیه و آله) ومراقد الأئمة من آله الاطهار(علیهم السلام) هی غایة سامیة وهدف رفیع.

د) لقمة العیش الکریم

من بواعث السفر المشرفة هی البحث عن لقمة العیش الکریم، وکذا السیاحة من الترفیه عن النفس ما لم یمارس الإنسان فیها محرّماً، جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «مکتوب فی حکمة آل داوود(علیه السلام) لا یظعن الرجل إلاّ فی ثلاث: زاد لمعاد، أومرمّة لمعاش، أو لذة فی غیر محرّم». (1)

2. فوائد السفر

وفی ثمار السفر وما یجنیه المرء فی السفر، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «سافروا تصحّوا، سافروا تغنموا». (2)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «سافروا فإنّکم إن لم تغنموا مالاً أفدتم عقلاً». (3)

ویقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «سافروا تصحّوا وترزقوا». (4)

وجاء فی الشعر المنسوب للإمام علی(علیه السلام) قوله:

ص:206


1- (1) . بحار الأنوار: 221/73، باب45.
2- (2) . المصدر: 221/73، باب45.
3- (3) . مکارم الأخلاق: 240.
4- (4) . کنز العمال: ح 17469.

تغرّب عن الأوطان فی طلب العلی

وعلی هذا فإنّ السفر یغذی الإنسان روحیاً وعلمیاً ویعود علی الإنسان بالرزق الوفیر، کما أنّ السفر یتیح للمرء فرصة طیبة للتعرّف علی الشعوب والاُمم وعاداتها وتقالیدها، کما یفتح له نافذة علی التجارة والکسب المشروع والحلال، ویمکّن الإنسان المسلم الرسالی من أن یبلّغ دین الله الحق إلی الشعوب والمجتمعات ویضیء لهم طریق الإسلام; رسالة الله الأخیرة، وفی هذا من الثواب والأجر ما لا یعرفه إلاّ الله عزّ وجلّ.

ص:207

الخُلاصة

إنّ بواعث السفر وأهدافه المشروعة فی الإسلام، هی اکتساب المعرفة، الحفاظ علی العقیدة والدین، الحجّ وزیارة مراقد النبی(صلی الله علیه و آله)، البحث عن لقمة العیش الکریم والترفیه عن النفس فی إطار الحلال.

الأسئلة

1. عدّد الصور التی یمکن من خلالها اکتساب المعرفة الإلهیة.

2. أی أنواع السفر حثّ علیه القرآن الکریم؟

3. اذکر نصّ الآیة الکریمة التی تتحدّث عن الذین واجهوا ظلم الجبابرة وخضعوا للظالمین ولم یهاجروا ...، اشرح ذلک باختصار.

4. ما هی بواعث الهجرة فی ضوء حدیث الإمام جعفر الصادق(علیه السلام)؟

5. ما هی الثمار التی یجنیها المرء من وراء السفر؟

ص:208

الدرس الثلاثون : آداب السفر وأخلاق المسافر

اشارة

علی من ینوی السفر ویعزم علیه أن ینتبه إلی مجموعة من آداب وشروط السفر، والسلوک الذین یتعیّن انتهاجه علی المسافر:

1. انتخاب رفیق السفر

ینبغی لمن یرید السفر ألاّ یسافر وحیداً ما أمکنه ذلک، ویتعین علیه انتخاب رفیق یرافقه فی رحلته، وأنّ رفیق السفر یبدر وحشة الطریق ویؤمن حالة من الاُنس، کما أنّ المسافر قد یمرّ بمصاعب فیحتاج إلی مدّ ید العون له، وأساساً یتعرّض المسافر لوحده إلی مخاطر الإغراء والسقوط فی الرذیلة، جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): ألا انبئکم بشرِّ الناس؟ قالوا: بلی یا رسول الله، قال: من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده». (1)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثلاثة: الآکل زاده وحده، والنائم فی بیت وحده، والراکب فی الفلاة وحده». (2)

ص:209


1- (1) . من لا یحضره الفقیه: باب کراهة الوحدة فی السفر: 276/2.
2- (2) . المصدر: 277/2.

من أجل هذا یقول سیّدنا علی(علیه السلام): «الرفیق قبل الطریق». (1)

ولذا یتوجّب علی المرء أن یحسن اختیار رفیقه فی السفر، والرفیق الجیّد هو من تتأثّر إیجابیاً به ویتأثّر بک، فیحدث التکامل المطلوب.

یقول الإمام علی(علیه السلام): «لا تصحبنّ فی سفر من لا یری لک من الفضل علیه، کما تری له علیک». (2)

2. أداء الحقوق

یتوجّب علی من یعزم علی السفر أن یؤدّی جمیع الحقوق التی بذمّته کتسدید الدیون والقروض، فإذا تعذر علیه ذلک فالواجب أن یکتب ذلک فی وصیة فتؤدّی من أمواله فیما بعد، وکذا ینبغی علی المرء إن أراد السفر أن یؤدّی ما علیه من حقوق الله عزّ وجلّ.

3. مستلزمات السفر

ینبغی للمسافر أن یعدّ للسفر مستلزماته، فلیس من المنطقی أن یسافر المرء دون أن یعدّ العدّة الکافیة من نفقات السفر، ففی غیر هذه الحالة فإنّه إما سیعانی ویشقی فی سفره أویحمّل رفاقه ما لا یرتضون فینغّص علیهم أوقاتهم، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «من شرف الرجل أن یطیّب زاده إذا خرج فی سفر». (3)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «من السنّة إذا خرج القوم فی سفر أن یُخرجوا نفقتهم، فإنّ ذلک أطیب لأنفسهم وأحسن لأخلاقهم». (4)

وهذه نقطة هامّة وهی من صلب الأخلاق والعلاقات الاجتماعیة، إذ ینبغی للرفاق

ص:210


1- (1) . بحار الأنوار: 229/73، باب47.
2- (2) . من لا یحضره الفقیه: 278/2.
3- (3) . من لا یحضره الفقیه: 281/2.
4- (4) . المصدر: 278/2.

فی السفر أن یتقاسموا نفقات السفر بالتساوی، فلا ینبغی أن یحمّل المرء نفسه علی الآخرین، وبهذا تطیب أخلاقهم ویسود الصفاء والاحترام فیما بینهم.

4. الدعاء والذکر

ینبغی للمسافر أن یذکر الله عزّ وجلّ ویدعوه، وهذا فی صمیم الآداب الإسلامیة فی الإقدام علی أی عمل، ویستحبّ للمسافر أن یقرأ سورة الحمد وآیة الکرسی ویدعو بأحد الأدعیة المأثورة عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) فی باب السفر، وقد جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) إذا أراد السفر، قال: «اللّهمّ خلّ سبیلنا وأحسن مسیرنا واعظم عافیتنا». (1) فإذا وضع قدمه فی الرکاب قرأ ابتداءً الآیة الکریمة: سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما کُنّا لَهُ مُقْرِنِینَ. 2 ثُمّ یقول: «سبحان الله» سبع مرّات، و«الحمد لله» سبع مرّات، وسبع مرّات «لا إله إلاّ الله». (2)

یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «إذا خرجت من منزلک فی سفر أو حضر، فقل: باسم الله آمنتُ بالله، توکلت علی الله، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله». (3)

5. التصدّق

من السنّة فی الإسلام التصدّق علی الفقراء والمعوزین وبخاصّة عند العزم علی السفر، وقد أکّدت الشریعة الإسلامیة علی ذلک أیما تأکید، فیقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «الصدقة تدفع البلاء». (4)

ص:211


1- (1) . من لا یحضره الفقیه: 271/2.
2- (3) . مکارم الأخلاق.
3- (4) . من لا یحضره الفقیه: 272/2.
4- (5) . بحار الأنوار: 137/93، باب14.

ویقول(صلی الله علیه و آله): «الصدقة تسدّ سبعین باباً من الشرّ». (1)

ویقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «الصدقة تمنع سبعین نوعاً من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص». (2)

ویقول(صلی الله علیه و آله) أیضاً: «الصدقة تمنع میتة السوء». (3)

6. المروءة

ینبغی للرفاق فی السفر أن یحترم بعضهم بعضاً، وأن یتحلّوا بالشهامة والطیبة والمروءة، وأن یتحمّلوا جمیعاً وبشکل مساوٍ متطلبات السفر وألاّ یؤذی أحدهم الآخر، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله): «ما اصطحب اثنان إلاّ کان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلی الله أرفقهما بصاحبه». (4)

ویقول(صلی الله علیه و آله): «وأمّا المروءة التی فی السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح فی غیر المعاصی». (5)

ویقول الإمام علی(علیه السلام): «أمّا مروءة السفر فبذل الزاد، وقلّة الخلاف علی من صحبک، وکثرة ذکر الله عزّ وجلّ فی کلّ مصعد ومهبط ونزول وقیام وقعود». (6)

ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «أمّا مروءة السفر فبذل الزاد، والمزاح فی غیر ما یسخط الله عزّ وجلّ، وقلّة الخلاف علی من صحبک، وترک الروایة علیهم إذا أنت فارقتهم». (7)

وجاء عنه(علیه السلام) أیضاً: «قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأکثر استشارتهم فی

ص:212


1- (1) . المصدر: 132/93، باب14.
2- (2) . کنز العمال: ح 15982.
3- (3) . بحار الأنوار: 130/93، باب14.
4- (4) . وسائل الشیعة: 412/11.
5- (5) . بحار الأنوار: 266/73، باب49.
6- (6) . وسائل الشیعة: 437/11.
7- (7) . المصدر: 436/11.

أمرک واُمورهم، وأکثر التبسّم فی وجوههم، وکن کریماً علی زادک بینهم، وإذا دعوک فأجبهم، وإن استعانوا بک فأعنهم». (1)

7. جلب الهدایا

تحث الشریعة الإسلامیة المسافر علی جلب الهدایا لاُسرته حین العودة، ذلک أنّ اسرته تنتظر قدومه وتترقب عودته وتشتاق إلیه، وستکون الهدیة تعبیراً منه عن حبّه وشوقه إلیها، یقول سیّدنا محمّد: «إذا خرج أحدکم إلی سفر، ثُمّ قدم علی أهله فلیهدهم ولیطرفهم ولو حجارة». (2)

هذا وفی السفر آداب اخری، یجدر بالمرء إذا عزم السفر أن یلتزم بها، ومنها کتابة وصیته وأداء رکعتین یصلیهما لربّه وتودیع أحبته وأقاربه وأصدقائه، فإذا عاد من سفره استقبلوه وزاروه واحتفوا به، ومن آداب السفر جماعة أن ینتخب أحدهم مسؤولاً یتعهد الجمیع بالانقیاد له، یقول سیّدنا محمّد(صلی الله علیه و آله) فی هذا المضمار: «إذا کان ثلاثة فی سفر فلیؤمّروا أحدهم». (3)

وعلی المسؤول المنتخب ألاّ یتصوّر ما اسند إلیه امتیازاً، بل مسؤولیة یؤدّیها وخدمة یقدّمها لرفاقه، من خلال تنظیم الرحلة وتوزیع المهام بطریقة عادلة تحقّق الإنصاف للجمیع، ولذا جاء عن النبی(صلی الله علیه و آله)قوله الشریف: «سیّد القوم خادمهم فی السفر». (4)

ص:213


1- (1) . المصدر: 440/11.
2- (2) . بحار الأنوار: 283/73.
3- (3) . کنز العمال: ح 7549.
4- (4) . بحار الأنوار: 273/73، باب 49.

الخلاصة

للسفر آداب عدیدة، منها ألاّ یسافر المرء وحده، وأن یؤدّی ما علیه من دیون أویکتب ذلک فی وصیته، وعلی من یسافر مع غیره ألاّ یکون عبثاً علیهم، وأن ینتخبوا من بینهم مسؤولاً ینقادون له.

ومن آداب السفر الدعاء وقراءة ما تیسّر من القرآن الکریم، کما یستحبّ للمرء أن یتصدّق عند العزم علی السفر، وأن یکون طیّباً مع رفاق السفر، ومن آداب السفر أیضاً أن یجلب المسافر لاُسرته عند العودة بعض الهدایا.

الأسئلة

1. اذکر بعض آداب السفر.

2. اشرح بإیجاز الحدیث الشریف: «الرفیق قبل الطریق».

3. ما هی الآداب التی ینبغی علی المسافر أن یتحلّی بها مع رفاق السفر؟

4. عن أی شیء تعبّر الهدایا التی یجلبها العائدون من سفرهم إلی أهلهم؟

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین، اللّهمّ صلِّ علی محمّد وآل محمّد، کما صلّیت علی إبراهیم وآل إبراهیم، إنّک حمید مجید.

ص:214

المصادر

القرآن الکریم

1.ابن أبی الحدید: عزّالدین، عبدالحمید بن هبة الله المدائنی(ت 656ه)، شرح نهج البلاغه، تحقیق: محمد أبوالفضل إبراهیم، دار إحیاء التراث العربی، ط 1، 1378ه .

2.ابن حجر: أحمد بن علی العسقلانی (ت 852 ه )، فتح الباری بشرح البخاری، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط 1، 1402ه .

3.ابن حنبل: أحمد بن حنبل (ت 241ه )، مسند أحمد، دار أحیاء التراث العربی، بیروت.

4.ابن ماجة: محمدبن یزید القزوینی (ت275 ه)، سنن ابن ماجه، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1395ه .

5.الآمدی: عبدالواحد التمیمی. غررالحکم و درر الکلم، مکتب الإعلام الإسلامی، قم.

6.الأمین: السیدمحسن بن عبدالکریم الحسینی العاملی (ت 1371 ه)، أعیان الشیعة، دارالتعارف للمطبوعات، بیروت، ط 2، 1407 ه.

7.ابن الجوزی: إسماعیل بن محمد بن الفضل الأصبهانی، الترغیب و الترهیب، تحقیق: أیمن بن صالح، نشر: دار الحدیث، بیروت، 1414 ه.

8.الری الشهری: الشیخ محمد، میزان الحکمة، نشر: دارالحدیث، قم، ط 2، 1416ه .

9.السیوطی: جلال الدین، عبدالرحمان بن أبی بکر(ت 911 ه)، الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، دارالفکر، بیروت، 1403 ه.

ص:215

10.شرف الدین: السید عبدالحسین الموسوی (ت1377 ه)، الفصول المهمة فی تألیف الاُمة، قسم الإعلام الخارجی لمؤسسة البعثة، طهران، ط 1.

11.الطبرسی: أبوالفضل، ثقة الإسلام علی الطبرسی (ت القرن7)، مشکاة الأنوار فی غررالأخبار، تحقیق: مهدی هوشمند، الناشر: دارالحدیث، قم، ط 1، 1418ه .

12.الطبرسی: رضی الدین، الحسن بن الفضل (ت 548ه )، مکارم الأخلاق، نشر: مکتبة الشریف الرضی، ط 2، 1392ه .

13.العاملی: الشیخ حسین بن عبد الصمد، نُور الحقیقة و نَوْر الحدیقة، تحقیق: محمدجواد الجلالی، نشر: فکر، طهران، 1387ش.

14.العاملی: الشیخ محمد بن الحسن بن علی، الشهیر ب- (الحر العاملی) (ت 1104ه )، تفصیل وسائل الشیعة إلی أحکام الشریعة، ط مؤسسة آل البیت(علیه السلام)، لإحیاء التراث، قم، 1409ه .

15.الغزالی: أبوحامد، محمدبن محمد الغزالی(ت 505 ه)، إحیاء العلوم.

16.القمی: الشیخ عباس القمی، مفاتیح الجنان، نشر: مرکز جهانی علوم إسلامی، قم.

17.الکاشانی: محمدبن مرتضی، الشهیر بالفیض، المحجّة البیضاء فی تهذیب الإحیاء، تصحیح: علی أکبر غفاری، مؤسسة النشر الإسلامی، التابعة لجماعة المدرّسین، قم، ط 1، 1376ش.

18.الکلینی: أبوجعفر، محمدبن یعقوب (ت329 ه)، الکافی، طهران، المکتبة العلمیة الإسلامیة.

19.الکوفی: أبوعلی، محمدبن الأشعث (کان حیّاً 313 ه)، الجعفریات، نشر: مکتبة نینوی الحدیثة، طهران.

20.المتقی الهندی: علی بن حسام الدین (ت 975ه )، کنزالعمال، مکتبة التراث السلامی، حلب، سوریا.

21.المجلسی: العلامة محمدباقر بن محمد تقی (ت 1111 ه)، بحارالأنوار، مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، 1403 ه.

22.النوری: المیرزا حسین، مستدرک الوسائل، نشر: المکتبة الإسلامیة و مؤسسة إسماعیلیان، قم.

ص:216

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.