(بسم الله الرحمن الرحیم)

(یا بُنَیَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ اصْبِرْ عَلی ما أَصابَکَ إِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنّاسِ وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ * وَ اقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ)

(لقمان: 17-19)

ص:2

التفسیرالتربوی للقرآن الکریم (المبانی والاتجاهات)

هاشم ابوخمسین

ص:3

ص:4

الإسلامیة التی باتت فی محاولة ضروریة لمواجهة الشعارات الخوّاء فی عصر العولمة فی ضوء التدقیق والملاحظة والنقد البنّاء لاجتیاح أیّ فقرة یخشی أن تسبّب مشکلات فی مقتبل الأیام.

ومن هذا المنطلق یتطلّب الصعید الحوزوی النیّر لضرورة الوقوف علی آخر المستجدّات الفکریة فی حقولها المتعدّدة والاستعانة بضروب من التحقیق العلمی الرصین بمعاییر عالمیة حیّة لتوظَّف فی نطاق الدین والشریعة للإجابة علی المتطلّبات العصریة والمنطلق الداعی إلی التکامل و التعالی فی ظلّ الدین والتزام نظامه فی العلم والحیاة من جهة أخری حیث یتطلّب الأمر من الحوزة العلمیة مسؤولیة وضع حدّ لردع الجانب العولمی وتبعاته المنحطّة علی الإنسان بلحاظه العام.

وقد کانت رؤیة التصدّی لهذا الأمر فی عنایة من مؤسسی الحوزة العلمیة هذه الشجرة الطیبة الذی (أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ) ، سیّما الإمام الخمینی الراحل وقائده المبجّل الإمام السیّد علی الخامنئی دام ظله الوارف فی الوقت الراهن.

وقد سعت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی ضوء ما تقدم لنیل النجاح فقامت بإرساء مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر حیث تکفّل بنشر نتاج هذا الجانب العلمی الهامّ.

وإنّ هذه الدراسة التفسیر التربوی للقرآن الکریم (المبانی والاتجاهات)، جاءت بجهود فضیلة الأستاذ «الشیخ هاشم أبوخمسین» متوافقة مع نسق الرؤیة السائدة المتّبعة وهذه الأهداف السامیة.

کما ندعو أصحاب الفضیلة والاختصاص بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة حصریة بالمساهمة معنا والمشارکة فی نشر علوم أهل البیت.

وختاما لیس لنا إلّا تقدیم الشکر الجزیل لکافّة المساهمین الکرام بجهودهم الخاصّة بإعداد الکتاب للطباعة والنشر.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

ص:6

ثالثاً: کیف نعرف المبانی العامة للتفسیر التربوی 34

المبانی العامة للتفسیر التربوی 38

الفصل الثانی: اتجاه التفسیر التربوی 45

أوّلاً: سبب نشوء هذا الاتجاه 45

ثانیا: تعریف التفسیر التربوی 46

ثالثاً: الاتجاه التربوی فی التفسیر 46

رابعاً: الأصول الموضوعیّة التی یتقدّم بها التفسیر التربوی 48

قواعد التفسیر التربوی 49

نقاط الضعف فی التفسیر التربوی 50

خامساً: الأفکار العامة لکتابة الاتجاه التربوی للتفسیر 50

عناصر النظام التربوی 51

تعریف التربیة 60

تعریف فلسفة التربیة 64

مراحل التربیة 67

مسائل علم التربیة المعاصرة 68

الفصل الثالث: تفسیر سورة الجمعة 69

آلیة استنباط المفاهیم التربویة من القرآن 69

تفسیر سورة الجمعة 71

الآیة الأولی 73

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 73

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 74

الآیة الثانیة 75

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 75

ثانیاً: النکات والإرشادات التربویة 78

الآیة الثالثة 79

النظام التربوی الإسلامی 79

الآیة الرابعة 80

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 80

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 81

الآیة الخامسة 81

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 81

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 82

ص:8

الآیة السادسة 83

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 83

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 84

الآیة السابعة والآیة الثامنة 84

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 85

ثانیاً: النکات والإرشادات التربویّة 86

الآیة التاسعة 86

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 86

ثانیاً: النکات والإرشادات التربویة 88

الآیة العاشرة 89

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 89

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 90

الآیة الحادیة عشر 92

أوّلاً: النظام التربوی الإسلامی 92

ثانیاً: النکات والإشارات التربویة 93

فهرس المصادر 95

ص:9

ص:10

والعرفانیّة والاجتهادیّة وغیرها حتّی تطوّرت الأفکار بظهور السیّد جمال الدین الإسترآبادی الذی وضع أسس وأفکار التفسیر الاجتماعی الأخلاقی، فسار علی نهجه تلامذته الکبار.

وبقیت الساحة خالیةً من تفسیر تربوی یوضّح أهمّ هدف للقرآن ویتبنّی النظام التربوی الإسلامی مهمّة کبری قصُرت أمامها الجهود، ولمّا کانت هذه المهمّة لا تتحقّق الیوم - وفقاً للمناهج العلمیة للبحث - إلّا بخطوات منظمة، ارتأیت أن أکتب فی مقدّمات هذا التفسیر واخترت أن أجعل هذه السطور محاولةً فی کشف مبانی التفسیر التربوی.

ص:12

وأما الفصل الثانی فهو یشتمل علی کلام یدور حول الاتجاه التربوی للتفسیر بمحاور أربعة:

1. السبب فی نشوء هذا الاتجاه.

2. الاتجاه التربوی فی التفسیر.

3. کیفیة الکتابة فیه وتدوینه.

4. الأفکار العامة للکتابة فی الاتجاه التربوی للتفسیر.

ویتضمن البحث عرض تعاریف عدیدة عرفناها بحسب تسلسل الکلام ومناسبة المقام کتعریف المبانی وتعریف التفسیر وتعریف الاتجاه التربوی للتفسیر.

والله المستعان.

ص:14

فالمبانی: عبارة عن جملةٍ خبریةٍ حاکیة عن قضیّة خارجیّة واقعیّة تؤثّر فی عملیّة التربیة، أو أنّ عملیة التربیّة والنظام التربوی یعتمد علیها ویتأثّر بها والتی علی أساسها یتمُّ تشخیص - ما ینبغی وما لاینبغی - أصول التربیة وأسالیبها.

فمثلاً: أنّ جملة: الإنسان متکوّن من جسم وروح، جملةٌ خبریّة حاکیة عن مسألة خارجیّة تتأثر بها عملیة التربیّة، فلو کان الإنسان جسماً بلا روح لتغیرت التربیّة الإسلامیّة ولتشابهت مع التربیّة المادیّة أو الغربیّة کثیراً لجهة حذف الجانب الروحی ولعدم إعطائه احتیاجاته المعنویة، فهذه الجملة تعبِّر عن مبنی یؤثر علی نوع التربیة ونظامها.

2. غایة الخلقة وأنّها لیست عبثیّةً.

الدلیل:(وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما باطِلاً) .(1)

3. الإنسان یتکوّن من الجسم والروح.

الدلیل:(... إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ * فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ) .(2)

4. إنّ روح الإنسان مجرّدةٌ وأبدیّة البقاء.

الدلیل:(الَّذِینَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ) ،(3) وقوله تعالی:(ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ) .(4)

5. الإنسان موجود مختار، لا مجبر ولا مسیّر ولا مفوّض ومستقلّ تماماً فی أفعاله.

الدلیل:(إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً) .(5)

6. افتقار الإنسان وضعفه وخوفه:

الدلیل:(یا أَیُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ) ،(6)(یُرِیدُ اللّهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِیفاً) ،(7)(الشَّیْطانُ یَعِدُکُمُ الْفَقْرَ) .(8)

ص:18

7. الإنسان موجود مفکّر یمتلک قوّة العقل.

الدلیل:(یا قَوْمِ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَ فَلا تَعْقِلُونَ) .(1)

(وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ) .(2)

8. الإنسان موجودٌ متغیرٌ، أی یمکن التأثیر فیه والتغییر، وقد تؤثّر علیه البیئة، والمجتمع أو غیر ذلک.

الدلیل:(بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلی آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) .(3)

یتأثر الإنسان من أفعاله وأقواله، فینعکس هذا علی ذاتة ویسبّب له إمّا جانب السلب أو جانب الإیجاب.

الدلیل:(کَلاّ بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ) ،(4) أی أنّ الظاهر من أعمالهم أثَّر علی باطنهم وعلی انحرافهم.

9. الإنسان موجود مؤثر، مؤثر علی البیئة ومقاوم للعوامل الضاغطة، أو فقل: مقاوم للظروف المحیطة.

الدلیل: قصة آسیا بنت مزاحم وعدم انحرافها، بل وإیمانها فی ظلّ تلک الظروف القاسیة، فقد قال تعالی:(وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ) .(5)

ص:19

10. الإنسان یتأثر بالتدریج، لا بالدفعة.

الدلیل: قال الإمام الباقر علیه السلام:

>ما من عبد إلاّ فی قلبه نکتة بیضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج فی تلک النکتة نکتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلک السواد وإن تمادی فی الذنوب زاد ذلک السواد، وهو قوله عزّ وجلّ: (کَلاّ بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ) ».

11. تحلّی الإنسان بالفطرة الإلهیة.

الدلیل:(فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها) .(1)

12. وجود الرغبات المتنوّعة فی الإنسان. فهو لا یخلو من الاتجاهات العامّة للشخصیّة والحرکة، ومن بعض الجذبات المؤثرة علی مسیرة اعتداله سلباً أو إیجاباً، ومنها بعض الغرائز.

الدلیل: قال الله تعالی:(زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) .(2)

13. وجود التباین الواضح بین أفراد البشر فی القابلیّات والقدرات والمواهب.

فلا یستوی أفراد البشر فی الاستعدادات والکفاءات والقابلیّات.

الدلیل: قال الله تبارک وتعالی:(وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ) .(3)

وقال أیضاً:(وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ) .(4)

ص:20

وقال أیضاً:(انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَکْبَرُ تَفْضِیلاً) .(1)

14. کرامة الإنسان الذاتیة وتکریمه.

الدلیل:(وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ) .(2)

15. مدی تأثیر الباطن علی الظاهر.

الدلیل:(وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَی الرَّسُولِ تَری أَعْیُنَهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) .(3)

16. الإنسان مجبول علی حبِّ الحُسن والإحسان.

الدلیل: قال الإمام الصادق علیه السلام:

(جُبلت القلوب علی حبِّ من ینفعها).(4)

وقال علیه السلام:

(طُبعت القلوب علی حبِّ من أحسن إلیها).(5)

وقد مدح الله تعالی أولی الألباب بالقول:(وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ) .(6)

قال تبارک وتعالی:(الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً) .(7)

فمثلاً: عندما نقرأ قوله تعالی:(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَ إِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً) ،(8) یفهم من فحوی هذه الآیات المبارکة نوعیّة المبانی التربویّة المطلوبة، ومن هذا المنطلق یمکن الاعتماد علیها فی مشروع التفسیر التربوی.

ص:21

4. غایة القرآن.

الدلیل:(الر کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ) .(1)

فإنّ هدفه الهدایة، کما هو ظاهر الآیة.

فمثلاً: إنّ کلّ فهمٍ أو تفسیرٍ أو إشارةٍ علمیّة یمکن أن تظهر من النص القرآنی تتعارض مع القرآن وأهدافه تکون باطلة، وغیر معتبرة.

5. تناسق التعالیم القرآنیّة مع الفطرة الإنسانیة.

الدلیل:(فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ) .(2)

فلابدّ أن یکون التفسیر متماشیاً مع الفطرة، وفی مضمارها، ومتی ما تعارض التفسیر مع الفطرة السلیمة سقط عن الاعتبار والحجّیة وإن اقترب المفسّر من القرآن مع فطرته السلیمة بعیداً عن الأهواء والمذهبیّات والقومیّات والتلّون المدنی....

6. إنَّ للقرآن بطون.

الدلیل: الروایات الکثیرة والمتواترة عند الفریقین.(3)

فالقرآن ذو مستویات ودرجات فی الظهور والعلم، وکلٌ یستقی بقدر إنائه، وفهم البطون وإن کان فی طول فهم وتفسیر الظاهر القرآنی، لکنّه لایعتمد علیه، فهو سیّال، وذو نکات جدیدة متطوّرة متعدّدة، کما هو الحال فی انتزاع العبر والمواعظ، والحکم والأوامر، والنواهی عند سرد القصص القرآنیة الکریمة.

ص:23

7. حجیة الظواهر القرآنیة.

الدلیل: بناء العقلاء، وهو منهجهم فی الفهم والعمل والتعامل والاحتجاج وفی مسیرة تحدید المعنی المراد للمتکلّم، ولم یمنع الشارع من سیرة العقلاء هذه، أی أقرّها.(1)

8. التناسق البنائی للقرآن.

ونعنی به: تنظیم الکلمات والمفردات القرآنیة تنظیماً وترتیباً یعتمد کلّیاً علی الوحی والمنطق القرآنی الهادف، وکذلک الحال بین الجُمل أو الآیات القرآنیة فإنّ ترتیبها قدتمّ بأمر النبی صلی الله علیه و آله الذی لا ینطق عن الهوی، أی: أنّ ترتیبها ونظمها کان أمراً بید الوحی، بقی الکلام فی ترتیب السور القرآنیة، وهذا الأمر فیه اختلاف کثیر، ومن هنا اعتبرت قرینة السیاق حجّة وأداة فی التفسیر.(2)

9. القرآن وموقفه من ثقافة عصر النزول.

إنّ القرآن أطلق علی فترة ما قبل الإسلام مصطلح (الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی)3 ، ورفض بعض العبادات التی کانت سائدة آنذاک، قال تعالی:(وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلاّ مُکاءً وَ تَصْدِیَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ) .(3)

ورفض الظهار وبعض تقالید الجاهلیة وخطّأ بعض أحکامهم وعقائدهم، ولکن قد تقبل العناصر الإیجابیة الموجودة فی الثقافة العربیّة المحفوظة فی الحنیفیّة الإبراهیمیّة وأقرّ بعض أحکامها کالحجّ واللعان.

وقد استخدم القرآن نفس الأسالیب اللغویّة السائدة فی الإفهام والبیان، کالاستعارة والکنایة والتشبیه وأنواع المجاز....(4)

ص:24

10. مبانی علوم القرآن.

إنّ علوم القرآن داخلة - بصورة مباشرة أو غیر مباشرة - فی التفسیر، فإنّ الموقف من النسخ أو القراءات أو البطون... کلّها تدخل فی فهم الآیة أو المفردة القرآنیّة.(1)

11. تحدید الموقف قِبال نظریّة لغة القرآن.

فهل هی اللغة العرفیّة العادیّة بما فیها من خصائص وسبک، أو لغة مرکبة من عدّة أسالیب عقلائیة، أو لغة تأویلیّة رمزیّة، أو لغته مختصّة بأهل البیت، أو للقرآن لغة خاصّة وعرف خاص، أو لغة الهدایة العامّة العالمیّة ذات المعارف العالیة؟(2)

ولکنّ الحقّ والإنصاف أنّ للقرآن الکریم لغة اختصت بعرف القرآن، وهی متناسقة مع اللغة الترکیبیّة ولغة الهدایة القرآنیة، فهی لغة عرف خاصّ مرکبّة من اللغات العرفیّة والأدبیّة والعلمیّة، ولها أبعاد وبطون قد تکون رمزیّة أو مجازیّة أو کنائیّة.

12. إمکان فهم القرآن وجواز تفسیره.(3)

الدلیل: العقل؛ لأنّه لو کان غیر مفهوم ولا یمکن فهمه أو تفسیره، لکان ذلک خلاف الحکمة من إنزاله ونقضاً للغرض فی کونه کتاباً هادیاً، وکیف یتمّ العقاب والحجیّة علی المکلّف إذا کان القرآن غیر مفهوم؟ وذلک لأنّه یقبح العقاب بلا بیان، وکلّ ذلک خلاف الحکمة، ونقض الغرض وقبح العقاب بلا بیان، محالٌ علی الله تبارک وتعالی.

وقد دعی القرآن إلی إعمال التفکّر والتأمّل فی مضمونه:(أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها) .(4)

ص:25

والسنّة النبویة، حیث قال النبی صلی الله علیه و آله:

>فإذا التبست علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم فعلیکم بالقرآن، فإنّه... هو الدلیل یدل علی خیر سبیل، وهو کتاب فیه تفصیل وبیان

ص:26

16. عدم افتراق القرآن عن سنّة النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت.

الدلیل: إنّ النبی صلی الله علیه و آله هو المفسّر الأوّل للقرآن الکریم:(لِتُبَیِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ) .(1)

وبدلالة حدیث الثقلین،(2) والذی ینصّ علی ما یلی:

«یا أیّها الناس، إنّی تارکُ فیکم الثقلین ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا، کتاب الله وعترتی أهل بیتی».(3)

وإذا اخترنا التعریف الثالث، بقی لنا أن نوضّح المراد من التفسیر التربوی الذی موضوع الدراسة.

وقبل البدء نوضّح لکم:

أوّلاً: مصطلح التفسیر العلمی، وذلک لأنّ التفسیر قد یضاف إلی شیء ما، فیکون البحث فیه ملوناً أو مشوباً بما هو مضاف إلیه، فقد یُضاف إلی الفقه أو الکلام أو الفلسفة، فیکون التفسیر الفقهی أو التفسیر الکلامی أو التفسیر الفلسفی، وکذلک عندما یُنسب التفسیر ویضاف إلی العلم فیکون عندنا التفسیر العلمی. والمراد منه: انطباق القرآن أو تطبیقه علی أو مع العلوم التجریبیّة.

فالمراد من التفسیر العلمی، هو: توضیح الآیات بواسطة المعطیات العلمیّة التجریبیّة، وبالتالی کشف الإعجاز العلمی.

وقد تنحصر طرق وأعمال التفسیر العلمی بما یلی:

1. استخدام العلوم التجریبیّة المختلفة فی فهم القرآن.

2. محاولة فرض أو تطبیق النظریّات العلمیّة علی القرآن.

3. استخراج العلوم من القرآن.(1)

ولابدّ أنّک الآن بدأت صورة التفسیر التربوی تتضّح عندک شیئاً فشیئاً.

فنحن نسعی فی التفسیر التربوی إلی استخدام النظریّة التربویّة الصحیحة المختارة عند الإسلام، واستخدام معطیات العلوم التربویّة والمبانی التربویّة والأصول والأسالیب والأهداف والعوامل، وکلّ عنصرٍ تربوی علمی فی إیضاح وتبیین الآیات القرآنیّة أو استخدامها - أی العناصر الداخلة فی النظام التربوی - فی أنّ نطبقها علی القرآن أو فی فهمها من القرآن واستخراجها من آیاته ومضامینها؛ إذ لا شکّ أنّ الغرض الأوّل للقرآن الکریم هو الهدایة، ولا تتحقّق هذه الهدایة للبشریّة إلّا عن طریق التربیة المثالیة القائمة علی الواقعیّات

ص:28

المتّسقة مع الفطرة. ومن المعلوم أنّ القرآن قد نجح فی إنقاذ العرب - وکلّ من کان فی عصر الجاهلیة من سمعه ووعاه واتبعه - فی مستوی الفرد والمجتمع فتحقق ذلک، لکن علی الأسس الإسلامیة فی الحیاة والجهاد والاقتصاد والعبادة، حیث هو قام بإرسائها.

(حُمِّلُوا التَّوْراةَ) : کلّفوا العمل بما فیها.

(أَسْفاراً) : کتباً عظاماً ولا ینتفع بها.

(هادُوا) : تدینوا بالیهودیة.

(زَعَمْتُمْ) : ادعیتم.

(مُلاقِیکُمْ) : سیأتیکم.

فقد علم الله أن یهودا قد فرغ عنصرها من مؤهّلات القیادة الجدیدة الکاملة للبشریة، وکانت هناک دعوة إبراهیم خلیل الرحمن علیه السلام، وقد تحقّقت هذه الدعوة بنصّها، والمنّة ظاهرة فی اختیار الله للأمییّن لیجعلهم أهل الکتاب المبین، ولیرسل فیهم رسولاً منهم، یرتفعون باختیاره منهم إلی مقام کریم، ویخرجهم من أمّیتهم أو من أممیتهم بتلاوة آیات الله علیهم، وتغییر ما بهم، وتمییزهم علی العالمین.

وإنّها لتزکیة، وإنّه لتطهیر ذلک الذی کانوا یأخذهم به الرسول علیه السلام تطهیراً للضمیر والشعور، وتطهیراً للعمل والسلوک، وتطهیراً للحیاة الزوجیّة، وتطهیراً للحیاة الاجتماعیّة، تطهیراً ترتفع به النفوس من عقائد الشرک إلی عقیدة التوحید، ومن التصوّرات الباطلة إلی الاعتقاد الصحیح، وترتفع به من رجس الفوضی الأخلاقیّة إلی نظافة الخلق الإیمانی، إنّها تزکیة شاملة للفرد والجماعة، ولحیاة السریرة وحیاة الواقع، ویعلّمهم الکتاب فیصبحون أهل کتاب، ویعملهم الحکمة فیدرکون حقائق الأمور، ویحسنون التقدیر، وتلهم أرواحهم صواب الحکم وصواب العمل وهو خیر کثیر، وقد کانوا مستبدلین بالتوحید شرکاً، وبالیقین شکّاً، وکانوا فی ضلال مبین.

وقد اختار الله سبحانه تلک الأمّة البدویّة فی شبه الجزیرة الصحراویّة لتحمل هذا الدین، بما علم فی نفوسها وفی ظروفها من قابلیّة للاستصلاح وذخیرة مرصودة للبذل والعطاء، فأرسل فیهم الرسول یتلو علیهم آیات الله ویزکّیهم ویعلمهم الکتاب والحکمة، وکما بعثه فی الأمیین الذین علی عهده، وفی آخرین من الأمییّن لم یلحقوا بهم بعد، وسیلحقون بهم وهم الذی بعد الصحابة (رضی الله عنهم)، من کلّ من دخل فی الإسلام إلی یوم القیامة، أو أنّه هؤلاء الآخرین هم الأعاجم، وکلّ من صدّق النبی صلی الله علیه و آله من غیر العرب، والله هو القوی القادر علی الاختیار، الحکیم العلیم بمواضع الاختیار، واختیاره للمتقدمین والمتأخرین فضل وتکریم.

ص:31

وإنّ اختیار الله لأمّة أو جماعة أو فرد لیحمل هذه الأمانة الکبری، ولیکون مستودع نور الله وموضع تلقّی فیضه فضل لا یعدله فضل، فضل عظیم یربو علی کلّ ما یبذله المؤمن من نفسه وماله وحیاته، ویربو علی متاعب الطریق وآلام الکفاح وشدائد الجهاد.

بعد ذلک یذکر ما یفید أنّ الیهود قد انتهی دورهم فی حمل أمانة الله، فلم تعد لهم قلوب تحمل هذه الأمانة التی لا تحملها إلاّ القلوب الحیة الفاقهة المدرکة الواعیة المتجرّدة العاملة بما تحمل، فبنوا إسرائیل حُمّلوا وکلّفوا أمانة العقیدة والشریعة للعمل بها، ثمّ لم یعملوا بها، وسیرة بنی إسرائیل کما عرضها القرآن الکریم، وکما هی فی حقیقتها لا تدلّ علی أنّهم قدروا هذه الأمانة، ولا أنّهم فقهوا حقیقتها، ولا أنّهم عملوا بها، ومن ثمّ کانوا کالحمار یحمل الکتب الضخام، ولیس له منها إلّا ثقلها، فهو لیس صاحبها، ولیس شریکاً فی الغایة منها، وهی صورة زریّة بائسة، ومثل سیئ شائن للذین کذبوا بآیات الله، والله لا یهدی القوم الظالمین.

والذین یعیشون فی هذا الزمان، وهم یحملون أسماء المسلمین، ولا یعملون عمل المسلمین وبخاصة أولئک الذین یقرؤون القرآن والکتب، وهم لا ینهضون بما فیها، أولئک کلّهم کالحمار یحمل أسفاراً، وهم کثیرون کثیرون، فلیست المسألة مسألة کتب تحمل وتدرس، إنّما هی مسألة فقه وعمل بما فی الکتاب.

وکان الیهود یزعمون أنّهم شعب الله المختار، وأنّهم أولیاؤه من دون الناس، وهاهنا دعوة لهم إلی المباهلة، وقد خاف کلّ من دعاهم رسول الله صلی الله علیه و آله إلی هذه المباهلة ونکلوا عنها، ولم یقبلوا التحدی فیها، ممّا یدلّ علی أنّهم فی قرارة نفوسهم کانوا یعرفون صدق رسول الله صلی الله علیه و آله وحقیّة هذا الدین، وقد لا تکون هذه المباهلة، ولکن مجرّد تحدّ لهم، بما أنّهم یزعمون أنّهم

ص:32

أولیاء لله من دون الناس، فما یخیفهم، إذاً من الموت، ویجعلهم أجبن خلق الله؟ وهم حین یموتون ینالون ما عند الله ممّا یلقاه الأولیاء والمقربون؟

ثم، عقّب علی هذا التحدّی بما یفید أنّهم غیر صادقین فیما یدّعون، وأنهم یعرفون لم یقدّموا بین أیدیهم ما یطمئنون إلیه، وما یرجون الثواب والقربی علیه، وإنّما قدّموا الکفر والظلم والفجور، وقدّموا المعصیّة التی تخیفهم من الموت وما وراءه.(وَ اللّهُ عَلِیمٌ بِالظّالِمِینَ)

وفی الجولة یقرّر السیاق حقیقة الموت وما بعده، ویکشف لهم عن قلة الجدوی فی فرارهم من الموت، فهو حتم لا مهرب منه، وما بعده من رجعة إلی الله، وحساب علی العمل حتم کذلک لا ریب فیه، وهی لفتة من اللفتات القرآنیة الموحیة للمخاطبین بها وغیر المخاطبین، تقرّ فی الأخلّاء حقیقة ینساها الناس، وهی تلاحقهم أینما کانوا، فهذه الحیاة إلی انتهاء، والبعد عن الله فیما ینتهی للرجعة إلیهن فلا ملجأ منه إلا إلیه، والحساب والجزاء بعد الرجعة کائنان لا محالة، فلا مهرب، ولا فکاک.

فحقیقة الموت الذی یفرّ منه المکذبون، أنّه ملاقیهم مهما فرّوا، وأنّهم مردودون إلی عالم الغیب والشهادة فمنبؤهم بما کانوا یعلمون، وهو تقریر لا یخصّ الیهود وحدهم، إنّما یلقیه القرآن ویدعه یفعل فعله فی نفوس المؤمنین کذلک، فهذه الحقیقة، لابدّ أن تستقر فی نفوس حملة أمانة الله فی الأرض لینهضوا بتکالیفها وهم یعرفون الطریق.

3. لیست المسألة مسألة کتب تحمل وتدرس، إنّما هی مسألة فقه وعمل بما فی الکتاب.(1)

وأما التفصیل، فهو کما یلی:

أوّلاً: أن تکون المبانی التربویة مع المبانی التفسیریة جمیعاً هی المبانی العامة للتفسیر التربوی.

أی: أن تکون المجموعتان مجموعة واحدة متشکلة من المبانی التربویة، وهی: 16 مبنیً، ومن المبانی التفسیریة وهی: 16 مبنیً، فیتحصل عندنا: 32 مبنیً عاماً للتفسیر التربوی تقریباً لا حصراً.(1)

والدلیل علی هذه الفکرة أنّک لا تستطیع أن تحصل علی تفسیر بدون مبانی التفسیر، ورفع الید عن أیّ واحدٍ منها یمثل خللاً فی التفسیر وابتعاداً عن الصواب، فلا یمکننا رفع الید عن أیّ مبنیً لضرورة بقاءه فی تحقق وصدق وإنتاج التفسیر التربوی.

لأننّا لا نرید تأمّلات تربویة أو خاطرات أو أفکار أو نظریات شخصیّة حول التربیة، بل نرید أن نصیر إلی تفسیر للقرآن الکریم من الوجهة والحیثیّة التربویة العامة ونظریاته أو الثقافة الخاصّة.

هذا کلّه من جهة، ومن جهة أخری لا یمکن أن نرفع أیدینا عن المبانی التربویة، وذلک بنفس السبب المذکورة، فإنّ العلوم التربویة عن وعملیّة التربیّة لا تتحقق بنحو صحیح صائب إلاَّ من خلال مسیرها الصحیح العلمی القائم علی المعرفة والنظر فی أسس لتربیة ومبانیها. وبعبارة أخری: فنحن لا نرید تفسیر قصصی أو تفسیر علمی أو تفسیر فقهی أو غیرها من التفاسیر، وإنّما نبحث عن تفسیر صحیح للتربیة الصحیحة.

أی: التفسیر من جهة التربیّة العامّة وبکل خصوصیاتها، وهذا لا یتحقق إلّا أن تکون نظرتنا إلی المبانی التربویة نظرة صحیحة وجامعة.

ص:35

وعلیه، فتکون الفکرة الأولی هی أنّنا نعترف بکلا المجموعتین کمبانی للتفسیر التربوی.

ثانیاً: التألیف والتداخل بین المبانی التربویة والمبانی التفسیریة؛ إذ یمکن القول إنّ هذه المبانی یمکن التداخل بینهما فیقلّ عددها من (32) إلی ما هو أقلّ. وهذا التداخل علی حالات:

1. أن یکون المبنی التربوی مشابه تماماً للمبنی التفسیری.

2. أن یکون المبنی التربوی مشابه کثیراً وقریباً من المبنی التفسیری بحیث یمکن إدماجهما فی مبنی جدید جامع لهما.

وإلیک مثالاً لهذه التداخلات:

1. مثالٌ علی التشابه التام:

وهو ما حصل بین المبنی التربوی الثانی (هدفیة الخلقة) وبین المبنی التفسیری الرابع (هدفیة القرآن الکریم).

والقرآن الکریم جزء الخلقة أو المخلوقات، وهو کذلک ذو هدف کما أنّ خلقة أو خلق الکون وإیجاد ذو هدف، ولیس عبثّیاً.

فیمکن إدماج أو إدغام هذین المبنیین فی مبنی واحد للتفسیر التربوی ولیکن علی سبیل المثال: لکلّ شیء هدف حتّی القرآن، أو یکون الدمج معنویاً مع التجرید شیئاً کما یلی: القرآن یهدف إلی تربیة الخلق.

2. مثالٌ علی التشابه غیر التام:

ویحصل هذا الادغام بین المبنی التربوی الرابع: (أن روح الإنسان مجردة وأبدیة البقاء) وبین المبنی التفسیری الأول (القرآن وحیٌ إلهی). أی؛ مجرّد. بالإضافة مع المبنی الرابع عشر: (عالمیة القرآن وأبدیته)، فالقرآن حیٌّ لیوم القیامة وجارٍ فی الأیّام ومعجزة علی کل الأجیال، فهو حیٌّ مجرّد أبدی کالروح، ویمکن صیاغته علی سبیل المثال تحت عنوان: (الروح والقرآن حیّان مجردان أبدیان).

ص:36

3. ویمکن إدغام المبنی التربوی الثالث عشر (وجود التفاوت بین أفراد البشر) مع المبنی الثانی عشر (إمکان فهم وتفسیر القرآن) بالاضافة إلی المبنی الخامس عشر (التفسیر لا یکشف عن الواقع)، ویمکن صیاغة هذا المبنی علی سبیل المثال تحت عنوان: (وجود التفاوت بین الناس یجعل التفسیر متفاوتاً).

وکان هذا المثال علی الإدغام بین المبانی غیر المتشابهة تماماً کما هو الحال فی المثال الثانی.

4. الإدغام بین المبنی التربوی الحادی عشر (وجود الفطرة الإلهیة للإنسان) مع المبنی التفسیری الخامس (انسجام التعالیم القرآنیة مع الفطرة البشریّة). ویمکن صیاغة هذا الفرع تحت نفس العنوان التفسیری: (انسجام التعالیم القرآنیة مع الفطرة البشریّة).

الملاحظة الأولی:

هذه المحاولات لدمج عنوانین تحت عنوان واحد إنّما هی من جهة تقریب الفکرة؛ وأمّا العنوان المستنبط الذی قدمناه، فهو للمثال فقط، فقد تکون فکرة الدمج صحیحة، لکن عملیة الدمج تحت عنوان شامل غیر صحیحة، لذا نلفت انتباه الباحث العزیز إلی أنّ العناوین المقترحة لیست بالضرورة صائبة.

الملاحظة الثانیة:

نحن شرحنا الحالة الأولی (أن تکون المبانی التربویة مع المبانی التفسیریة جمیعاً هی المبانی العامة للتفسیر التربوی). وشرحنا الحالة الثانیة (التألیف والتداخل بین المبانی التربویة والمبانی التفسیریّة)، وهما الحالتان الأهمّ من الصور السبعة الممکنة عقلاً، وترکنا الصور الخمسة لقلة فائدتها، وفرصة البحث متروکة للمستقبل وللآخرین علی سعة.

المناط الصحیح:

إنّ المبانی التفسیریّة هی مبانی فهم القرآن بصورة عامة، أی؛ أنّها قواعد وضعت للتفسیر والفهم الصحیح بشکل عام، سواء کان من جهة اقتصادیّة أو

ص:37

سیاسیّة أو تربویّة أو غیرها، فهی المقدّمة علی المبانی التربویة، وهی الأساس فی الفهم التربوی للقرآن الکریم.

أی: نحن نقوم بتفسیر القرآن بنظرة تربویة [من خلال المبانی التربویة] قائمة علی المبانی العامة للتفسیر القرآنی.

فلو تعارض أحد مبانی التربیة مع أحد مبانی التفسیر فنحن نقدم الثانی؛ لعموم حجیّته ولعموم مکانته فی الفهم الصحیح العام للقرآن.

وهذا یستدعی الاستکشاف لمبانی التفسیر التربوی أوّلاً، والانطلاق منها إلی داخل المتن القرآنی العظیم والتوغل فیه لفهمه بالکیفیّة التربویّة، أو قل من حیثیّة تربویّة أو من جهة التربیّة.

2. اهتمّ القرآن بتربیة الجسد والروح:

قال تعالی:(فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ) .(1)

وقال تعالی:(وَ یا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلی قُوَّتِکُمْ) .(2)

وقال تعالی:(أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ یُزَکِّی مَنْ یَشاءُ) .(3)

وقال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ وَ مَنْ یَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّیْطانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَکی مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَ لکِنَّ اللّهَ یُزَکِّی مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) .(4)

3. تأکید القرآن نظریة الاختیار ودورها فی التربیة:

قال تعالی:(فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) .(5)

وقال تعالی:(إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً) .(6)

4. نظریّة الترغیب والترهیب فی الخطاب التربوی القرآنی:

قال تعالی:(إِنّا أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالاً وَ سَعِیراً * إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً) .(7)

5. انسجام التعالیم القرآنیة مع الفطرة:

قال تعالی:(فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ) .(8)

ص:39

6. الأسلوب العقلی والإقناعی فی الخطاب القرآنی:

قال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِکُمْ لا یَأْلُونَکُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِی صُدُورُهُمْ أَکْبَرُ قَدْ بَیَّنّا لَکُمُ الْآیاتِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) .(1)

7. اعتماد التدریج التربوی فی الخطاب القرآنی:

ومثاله التدرج فی تحریم الخمر:

قال تعالی:(یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) .(2)

ثمّ قال تعالی:(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُکاری) .(3)

ثمّ قال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) .(4)

8. البناء التربوی فی القرآن علی أساس کرامة الإنسان:

قال تعالی:(وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ) .(5)

وقوله تعالی:(قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ) .(6) ولا أن یکون أولئک هم الفائزون المتربّون.

وقال تعالی:(إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِینَ * أُولئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَواکِهُ وَ هُمْ مُکْرَمُونَ) .(7)

ص:40

9. أن المُجسِّد الأعلی للمعنی التربوی فی القرآن هو النبی صلی الله علیه و آله والعترة الطاهرة:

قال تعالی:(وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) .(1)

وقال تعالی:(إِنَّکَ لَعَلی هُدیً مُسْتَقِیمٍ) .(2)

وقال تعالی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) .(3)

10. استخدام الصناعات والفنون الأدبیّة فی الخطاب التربوی القرآنی.

قال تعالی:(فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) .(4) إنّ إطلاق البشارة علی الأخبار بما یسوء، أسلوب من أسالیب اللغة العربیّة، ومعلوم أنّ علماء البلاغة یجعلون مثل ذلک مجازاً، ویسمّونه استعارة عنادیة ویقسّمونها إلی تهکمیة وتلمیحیة.(5)

11. العلم سلاح التربیة:

قال تعالی:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اِقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ * اَلَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ) .(6)

وقال تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَیْکُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ یُؤْتِی مُلْکَهُ مَنْ یَشاءُ) .(7)

12. تأکید القرآن للمیول الفطریة المختلفة عند الناس واستخدامها تربویّاً.

قال تعالی:(زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَناطِیرِ

ص:41

اَلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) .(1)

وقال تعالی:(وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ کُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِی رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِیها خالِدُونَ) .(2)

13. تسخیر فکرة خلود الروح فی الخطاب التربوی:

قال تعالی:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ) .(3)

وقال تعالی:(إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَ أُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ) .(4)

هذه المبانی وضحناها بشیءٍ یسیر من الاختصار، وبقی أن أسرد لک بعضاً آخراً منها؛ وأمّا أدلّتها فقد یکون مرّ ذکرها أو سهلة المؤونة، والمجال مفتوح للبحث والأخذ والعطاء فیها، وتبقی هذه مجرّد اقتراحات وهی کما یلی:

14. فقر الإنسان وضعفه فی الخطاب التربوی القرآنی.

قال تعالی:(یُرِیدُ اللّهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِیفاً) .(5)

وقال تعالی:(فَقالَ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ) .(6)

15. یؤکّد القرآن علی قابلیّة التغیّر والتأثر فی الإنسان.

قال تعالی:(ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ) .(7)

وقال تعالی:(فَلَمّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناکَها لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی

ص:42

اَلْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ) .(1)

16. یؤکّد القرآن علی قابلیّة التغییر والتأثیر فی الإنسان.

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا) .(2)

وقال تعالی:(فَلَوْ لا کانَتْ قَرْیَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِیمانُها إِلاّ قَوْمَ یُونُسَ لَمّا آمَنُوا کَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلی حِینٍ) .(3)

17. اهتمام القرآن بالتفاوت بین الناس وتأکیده.

قال تعالی:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ) .(4)

وقال تعالی:(وَ إِنْ یُرِدْکَ بِخَیْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ یُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ) .(5)

وقال تعالی:(انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَکْبَرُ تَفْضِیلاً) .(6)

18. تأثیر الباطن علی الظاهر وبالعکس فی الخطاب القرآنی.

19. اهتمام القرآن بالصورة الجمالیّة والحسنة فی اجتذاب الإنسان وهدایته.

قال تعالی:(یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ) .(7)

وقال تعالی:(وَ قُلْ لِعِبادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ) .(8)

وقال تعالی:(ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ) .(9)

ص:43

20. تسخیر فکرة الإحسان فی النهج التربوی القرآنی.

قال تعالی:(قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ * اِذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوهُ عَلی وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً وَ أْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ) .(1)

وقال تعالی:(وَ أَحْسِنْ کَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَیْکَ) .(2)

21. النفس عارفة للتقوی والفجور.

قال تعالی:(وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ) .(3)

وقال تعالی:(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها) .(4)

ص:44

الفلسفیّة، ذلک لأنّ لکلّ اتجاه ممیزات ومحاور للبحث، فعلی سبیل المثال یمتاز الاتجاه الأدبی وأصحابه بما یلی:

1. الاهتمام بالصرف والنحو والمفردات وإعراب الآیات.

2. شرح النکات البلاغیّة والفصاحة القرآنیة.

3. بیان المفردات الغریبة والمشکلة.

4. بیان الإعجاز الأدبی والبلاغی للقرآن.

5. البحث فی إظهار جذور المفردات اللغوّیة فی اللغة العربیّة، وغیر العربیة کالمفردات الدخیلة.

6. بحث وترجیح القراءات.

7. الاعتماد والاستشهاد بالشعر العربی.

8. التوغّل فی مباحث لغویة کالوجوه والنظائر والمجاز والحقیقة وغیرها.

ولکن السؤال هنا ما هی ممیزات الاتجاه التربوی للتفسیر؟

نقول وبالله العون:

1. إنّ هذا المنحی من التفسیر یحتاج إلی العالم التربوی أو قل من درس علم التربیة بالشکل الأکادیمی بشکل جامع لکی یخوض فیه، حاله حال التفسیر الأدبی الذی لا یمکن تحققه بدون وجود الأدیب، فهذا التفسیر لا یمکن تحقّقه بدون وجود التربوی.

2. یمتاز بشرح النکات التربویة والأخلاقیة والعرفانیة.

3. الاهتمام ببیان العمق التربوی المعجز، وذلک بالکشف عن کیفیة تربیة الله تبارک وتعالی للإنسان، وهو الأعرف بمخلوقه وبفطرته وطاقاته.

4. بیان توظیف الألفاظ العربیة فی صور جمالیة أو جلالیة لصنع التأثیر التربوی.

5. یمتاز بمقوّمات تربیة الفرد والمجتمع والأمّة والعالم وإیضاحها، من العناصر والمشترکات والأسالیب.

ص:47

6. الاهتمام بالأسالیب والطرق التربویة والأدوات والمبانی والأصول والفلسفات وسیاسة الإقناع التعقلی فی إنشاء العملیّة التربویة والأثر التربوی.

7. الوقوق عند الأسالیب التربویة الرقیقة والشدیدة والأحکام والإرشادات والقصّة والترغیب والترهیب وغیرها.

8. بیان أنواع وأهمّ الأبعاد التربویة سواءاً کانت العلمیة، أم الجهادیة، أم المعنویة، أم البدنیة وغیرها.

9. لابدّ أن یکون متمیزاً بالموضوعیة والواقعیة ومعایشاً للحیاة الیومیة أو متمیزاً بجنبة التفسیر التربوی فی حلّ المشاکل التربویة التی یعرضها العالم أو فی اکتشاف الجواب الشافی أو فی معرفة وجهة النظر القرآنیة حول أرکان ومکونات النظام التربوی الإسلامی.

ونحن سنتعرف علی اهمیة جدیدة لهذا التفسیر من خلال عرض هذه النظریات:

1. نظریّة الحدّ الأدنی: أی إنّ بعض الآیات فقط یمکن لها أن تکون ذات طابع تربوی، ویمکن معالجتها بهذا الاتجاه؛ وأما الکثیر الباقی فلا، فمثلا فواتح السور من الایات التی لا تکمن فیها أیّ نکات تربویة، فلا یشملها هذا الاتجاه.

2. نظریة الحدّ الأکثر: وتعتقد هذه النظریّة بأنّ کلّ ما فی القرآن من الآیات قابلة وخاضعة للتفسیر التربوی، ویمکن لهذا الاتجاه أنّ یشملها، الآیات التی هی فواتح السور، وهی النظریّة الصحیحة.(1)

وهذا العمل یقتضی: أن نسرد لک عناصر النظام التربوی، ثمّ نذکر أجزاءه خلال عقد المقارنات بینه وبین الآیات القرآنیة.

الفکرة الأولی

عرض الآیة علی المبانی التربویة، وهنا نقوم بتدوین المبانی التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة مقابل هذه المبانی، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة، وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل. ثمّ نسجّل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک المبانی، ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع المبانی التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول المبانی التربویة.

مثال تطبیقی:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ) .(1)

ثمّ نلاحظ أین تبرز نقاط الاستنباط بین الآیة الکریمة، وبین المبانی التی سنذکرها، کما یلی:

1. الله تعالی الخالق المدبّر للکون.

2. غایة الخلقة.

3. ترکب الإنسان من جسم وروح.

4. روح الإنسان مجرّدة وأبدیّة.

5. الإنسان موجود مختار.

6. افتقار وضعف الإنسان.

7. الإنسان عاقل مفکّر.

8. الإنسان قابل للتأثیر.

9. الإنسان مؤثّر.

10. تأثر الإنسان تدریجی.

ص:52

11. تحلّی الإنسان بالفطرة الإلهیة.

12. تنوّع المیول والرغبات الموجودة فی الإنسان.

13. التباین بین أفراد الإنسان.

14. کرامة الإنسان.

15. تأثیر الباطن علی الظاهر.

16. الإنسان جُبل علی حبِّ الإحسان والخیر.

نلاحظ أنّ الآیة لها علاقة مع المبنی التاسع، وأنّ الإنسان یقاوم الظروف والعوامل الخارجیّة ویرفض بعض التأثیرات ویمکنه الانتصار علی بعض الانحرافات، کما تشیر الآیة إلی المبنی الخامس، أی کون الإنسان مختاراً. ولعلّک إذا تأملت أکثر ستجد علاقات أخری.

الفکرة الثانیة

عرض الآیة علی الأصول التربویة، وهنا نقوم بتدوین الأصول التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه الأصول، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک الأصول، ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع الأصول التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول الأصول التربویة.

تعریف الأصل التربوی:

هو القاعدة العملیة الکلّیة المستنبطة من المبنی التربوی، فهی عبارة عن قضیة یحدد فیها ما یجب أن یفعل تربویاً أو یترک، ولکن لیس بصورة جزئیة، بل بصورة عامة.

فإنّ کلّ مبنی - وأیّة جملة خبریّة تربویّة - قد یمکن استنباط أمراً أو نهیاً

ص:53

عاماً وکلّیاً منه، فإذا قلت الروح موجودة یصدر أمراً تربویاً بوجوب تربیة الروح وإعطائها حاجاتها الخ.

مثال تطبیقی:

(وَ ذَکِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما کَسَبَتْ) .(1)

نذکر هنا الأصول التربویة:

1. تحول الباطن الإنسانی.

2. الاستمرار والحفاظ علی العمل.

3. إصلاح الظروف المحیطة.

4. المسؤولیة.

5. الفضل.

6. التزیّن والجمال.

7. العدل.

8. العزّة.

9. التعقّل.

10. التذکّر.

11. المسامحة.

12. إظهار المحبة أو منعها.

13. التنافس.

نلاحظ أنّ هذه الآیة لها علاقة بالأصل العاشر، وهو التذکیر، فهو أصل تربوی إسلامی قرآنی. فإنّ التذکّر یربّی ویرکّز ویعمّق ویثبت التربیة والتذکّر ینفع المؤمنین، کما أنّها تشیر إلی مبنی من مبانی الفکرة الأولی ألا وهو الخامس عشر، أی تأثیر الباطن علی الظاهر، فالذکر أمرٌ باطنی یؤثّر علی سلوک وهدایة الإنسان.

ص:54

الفکرة الثالثة

عرض الآیة علی الأسالیب التربویة، وهنا نقوم بتدوین الأسالیب التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه الأسالیب، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک الأسالیب ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع الأسالیب التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول الأسالیب التربویة.

لکن لابدّ أن نعرف الأسلوب التربوی، فیمکن أن نعرفّه:

هو الأمر بالفعل أو النهی عنه بما یتعلق بالتربیة، ولکن بصورة جزئیّة وشخصیّة لا کما هو الحال فی الأصل التربوی، أو قل: هو الکیفیّة الفعلیّة، أو قل: کیفیّة تطبیق الأصل.

فمثلاً: المبنی هو ضعف الإنسان، الأصل منه التسامح، وأما الأسلوب منه (من الأصل)، فهو التدریج فی التکالیف.

أو مبنی الکرامة الذاتیة للإنسان یستخرج منها أصلاً، وهو العزة الإنسانیة وهذه تُطبّق وتُفَعّل من خلال أسالیب منها أسلوب التغافل أو أسلوب إظهار القدرات الذاتیة.

مثال تطبیقی:

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَیْدِی النّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ) .(1)

عرض الأسالیب:

1. تلقین النفس.

2. التحمیل علی النفس.

3. الدعوة للإیمان.

ص:55

4. سنّ الفرائض والواجبات.

5. محاسبة النفس.

6. تهیئة الأرضیة اللازمة.

7. تغیّرات الموقع الجغرافی.

8. اتخاذ القدوة.

9. مواجهة نتائج الأعمال.

10. الابتلاء.

11. تزیین الکلام.

12. المبالغة فی العفو.

13. التوبة.

14. التبشیر.

15. المبالغة فی المکافئة والجزاء.

16. التکلیف بالمستطاع.

17. الإنذار.

18. العقوبة علی قدر الخطأ.

19. إظهار القدرات.

20. التغافل.

21. التزکیة.

22. تعلّم الحکمة.

23. الموعظة.

24. تذکّر نعم الله تبارک وتعالی.

25. الاعتبار.

26. المرحلیّة فی التکالیف والتدرّج.

27. إظهار المحبّة والغضب.

28. العطاء والحرمان.

ص:56

ونلاحظ أنّ العلاقة بین الآیة وبین الأسلوب التاسع، أی (مواجهة نتائج الأعمال). والأسلوب السابع عشر: (الإنذار).

والأسلوب الخامس والعشرین (الاعتبار)، ولربّما بتأملک ستجد علاقات أخری.

الفکرة الرابعة

عرض الآیة علی الأهداف التربویة، وهنا نقوم بتدوین الأهداف التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه الأهداف، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک الأهداف ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع الأهداف التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول الأهداف التربویة.

الهدف: هو الوضع أو الحالة المطلوبة، والتی یکون الفرد فی صدد تحقیقها من خلال القیام بفعالیات خاصّة.

والهدف التربوی: هو الوضعیة أو الحالة التربویة المطلوبة، والتی یکون المتربّی فی صدد تحقیقها من خلال القیام بفعالیات تربویة خاصّة.

وأمّا أقسام الأهداف التربویة، فیمکن تقسیمها بأحد طریقین:

1. علی أساس العلاقات وما یرتبط به المتربّی.

2. علی أساس الأبعاد الوجودیة للمتربّی.

ونحن سنعرض الأهداف علی الأساس الأوّل، فإنّ علاقة الإنسان علی أربعة أنحاء:

1. علاقته مع الله تبارک وتعالی.

ص:57

2. علاقته مع نفسه.

3. علاقته مع الآخرین.

4. علاقته مع الطبیعة.

وأمّا التفصیل، فکما یلی:

1. أهداف تربویة ضمن علاقة الإنسان بالله تبارک وتعالی.

أ) معرفة الله.

ب) الإیمان.

ج) التقوی.

د) العبادة.

ه -) الشکر.

2. أهداف ناشئة من علاقة الإنسان مع نفسه.

أوّلاً: أبعاد مختصة بالإنسان [أی: غیر جسمیة].

1. معرفیة.

2. من حیث المیول والغرائز.

3. تقویة الأداة.

والمعرفیة تقسم إلی:

أ) تربیة قوة العقل.

ب) تعلم العلوم والمعارف.

ج) التعالی الفکری.

د) معرفة النفس.

أمّا من حیث المیول والغرائز، فتقسم إلی:

أ) تربیة غریزة طلب الحقیقة.

ب) تربیة غریزة الحس الإلهی.

ص:58

ج) تربیة غریزة الفضیلة وطلبها.

د) تربیة غریزة طلب الکمال.

ه) تربیة غریزة الحیاة الاجتماعیة.

و) تربیة غریزة الدفاع.

ز) تربیة غریزة الجمال.

ح) تربیة غریزة التملک.

ثانیاً: أبعاد مشترکة مع الحیوان:

1) هدایة وتعدیل. الجوع وکیفیة الإشباع.

2) هدایة وضبط المیل إلی النوم والکسل.

3) هدایة وضبط المیل الجنسی.

ثالثاً: أهداف مختصة ببدن الإنسان.

3. أهداف ناشئة من علاقته بالآخرین:

أ) علاقته مع النبی صلی الله علیه و آله والأئمة وخلفائهم.

ب) علاقته بالمعلم.

ج) علاقته بالوالدین.

د) علاقته بالزوج.

ه) علاقته بالأولاد.

و) علاقته بالمؤمنین.

ز) علاقته بعموم الناس.

ح) العلاقات الاقتصادیّة: وفیها:

1. الإنتاج.

2. التوزیع.

3. الاستهلاک.

ط) العلاقات السیاسیة.

ی) العلاقات الثقافیة.

ص:59

4. الأهداف الناشئة من علاقة المتربی بالطبیعة:

أ) معرفة الطبیعة.

ب) الانتفاع الصحیح من الطبیعة.

فإذا قارّنا بین هذه الأهداف وبین قوله تعالی:

(وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ) .(1)

نلاحظ أنّ هذه الآیة یمکن ربطها مع عدّة أهداف مما مرّ ذکرها وانتزاع معلومات جدیدة أو ذات جهة تربویة ضمن طیّات التفسیر، فإنّ العبادة هدف من أهداف الخلقة، ومن أهداف التربیة، وقد ذکرته الآیة.

الفکرة الخامسة

عرض الآیة علی مجالات التربیة، وهنا نقوم بتدوین الأبعاد التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه الأبعاد، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجّل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک الأبعاد نأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع الأبعاد التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول الأبعاد التربویة.

والتربیة لها جوانب أو جهات تبعاً للأبعاد الموجودة فی الإنسان فطرةً وتبعاً لمکانة الإنسان فی هذا الکون ولاحتیاجاته وخصائصه وقدراته وأنواع ارتباطه أو قل علاقاته؛ ولأنّ الکلام لیس فی مقام التفصیل والإستدلال أو التنظیم لمجالات وأبعاد التربیة وترتیبها، فإنّ ذلک موکول لمصادر علم التربیة، لکنّنا هنا نحاول ذکر أنواع التربیة أو مجالات وأبعاد التربیة کی نحقّق وضوحاً أکثر للتصوّر العام حول الموضوع، ولزیادة فرص الحصول علی التفسیر التربوی بین طیات القرآن العظیم، وهی کما یلی:

1. التربیة البدنیّة: هی الإعداد لسلامة المتربی من حیث بدنه واستعمال الأسالیب اللازمة الصحیة أو الغذائیة، وغیرها من أجل تنمیة وتقویة الجسم.

2. التربیة العاطفیّة: هی الإعداد لسلامة المتربی من الجهة العاطفیة واستعمال الأسالیب والأدوات اللازمة لتطویر وضبط العواطف والانفعالات العصبیة عبر منهج اعتدال الشخصیة، من حیث تنمیة ودعم المحبة والألفة والإحسان للناس وتضعیف وتهذیب الانفعالات السلبیة کالحسد والغضب وغیرها.

3. التربیة العقلیّة: وهی الإعداد لتنمیة وتطویر قوة العقل والذهن وصقل إمکانیة إصدار الأحکام العقلیة والتمییز الصحیح، أی الفعالیات والأسالیب المتکلفة فی التأثیر علی العقل والتعقّل الذهنی.

4. التربیة الأخلاقیّة: وهی الإعداد لتنمیة وتطویر الصفات عند الإنسان وتقویتها سواء کانت سلوکیة أو ملکات، أو آداب عامة واستعمال الفعالیات والأسالیب والتدابیر اللازمة لضبط تلک الصفات والآداب أو السلوک علی جهة الاعتدال.

5. التربیة المعنویة: وهی الإعداد لتنمیة وتطویر الجنبة المعنویة والروحیّة عند الفرد واستعمال الأسالیب والتدابیر اللازمة لتطویرها وضبطها سواءً علی الجانب الاعتقادی أم الجانب العبادی.

وفی الحقیقة، فإنّ أبعاد وجوانب التربیة کثیرة نحن نذکرها إلیک باختصار.

ص:61

التربیة الإلهیة الإسلامیة.

التربیة الإلهیة بالنسبة إلی الفقر الذاتی.

التربیة الإلهیة بالنسبة إلی أنّ العصر المادی أمرٌ مؤقت.

التربیة الإلهیة بالنسبة إلی طریقیة الدنیا.

التربیّة الشهودیّة.

التربیّة الفکریّة.

التربیّة التجریبیّة.

التربیّة التعبدیّة.

التربیّة السلوکیّة.

التربیّة الآدابیّة.

التربیّة الاقتصادیّة.

التربیّة الحقوقیّة.

التربیّة الإداریّة بالنسبة للمنزل.

التربیّة السیاسیّة.

التربیّة الجنسیّة.

التربیّة الغذائیّة.

التربیّة المعرفیّة.

التربیّة الانتاجیّة.

التربیّة الفطریّة.

التربیّة بالنسبة للدوافع الإنسانیّة.

التربیّة الإداریّة.

التربیّة بالنسبة للحریّة.

التربیّة الثقافیّة.

ص:62

التربیّة التاریخیّة.

التربیة المستقبلیّة، وغیرها.(1)

مثال:

فلو عرضنا قوله تعالی:(قالَ اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ) .(2) نراها ترتبط بالتربیة الاقتصادیّة والإدرایّة والسیاسیّة ولعلّها بالتربیّة الإنتاجیّة...، وعند ذلک نستطیع أن ننظر إلیها بمنظار البعد التربوی، ونحصل علی الصیغة التربویة للتفسیر.

الفکرة السادسة

عرض الآیة علی فلسفة التربیة أو نعرض الآیة علی فلسفة التربیات المختلفة بأنواعها وأبعادها الآنفة الذکر.

وهنا نقوم بتدوین المسائل التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه المسائل، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک المسائل ونأتی بآیة ثانیة، ثم الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع المسائل التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول المسائل التربویة.

ولکن قبل الخوض فی صمیم البحث لابدّ من تعریف الفلسفة.

تعریف الفلسفة: ولابدّ أنّک تعلم أیها الباحث المحترم أنّه لا یوجد تعریف للفلسفة قد أجمع علیه الفلاسفة، فلقد تعددت التعاریف وتنوعت. ولکن وبشکل إجمالی یمکن إعطاء تصوّر عام عن تعریف الفلسفة: بأنها تفتش عن جواب (لماذا) وعن علل الأشیاء وتسعی لإعطاء تحلیل السبب والإجابة عن الأسئلة.

ص:63

وفی النهایة ترسم ارتباط کلّی للعالم، کنظرة کونیة عن کلّ الموجودات وارتباطها.(1)

فهی الفن أو العلم المسؤول عن إجابة الأسئلة أو تحلیلها منذ بدء الخلقة والوجود، ومن ثمّ یظهر لنا أحکام الوجود وکیف نفهم الوجود علی نظام واحد وما هی أسراره وأسرار وجوده؟

ولا نرید أن نطیل علیک، فنحن نورد إلیک أهم مسائل فلسفة التربیة:

1. المسائل الوجودیة وعلاقتها البدنیة بالإنسان.

2. نظریة المعرفة وعلاقتها بالإنسان.

3. معرفة القیم.

4. البرامج الدراسیة، والمتون الدراسیة.

5. العقلانیّة.

6. الإبداع.

7. الدیمقراطیّة.

8. الثقافة.

مثال:

لو أننّا عرضنا قوله تعالی:(وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ) ،(1) نراها ترتبط بفلسفة حکم له علاقة بالتربیة القانونیّة أو بالاجتماعیّة أو بالجانب العقلانی لفلسفة الأحکام، وهی أنّ المجتمع بالقصاص سیعیش بأمان من خلال اقتلاع الموانع والعناصر الفاسدة.

الفکرة السابعة

عرض الآیة علی عوامل التربیة، وهنا نقوم بتدوین العوامل التربویة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه العوامل، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک العوامل ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع العوامل التربویّة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول العوامل التربویة.

ص:65

تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک المراحل ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع المراحل التربویّة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول المراحل التربویة.

لابدّ من مراعاة المقاطع السنیة للمتربّی وتطور البدن والفکر والثقافة وملاحظة رشده العام المستمرّ فی کلّ أبعاد الإنسان، واتخاذ التدابیر اللازمة تجاه تلک الواقعیّات وسدّ تلک المتطلّبات واستخدام الأسالیب المناسبة لکلّ مقطع سنیّ خاص، وعلی أساس تلک المراحل تتمّ عملیّة التربیّة.

الفکرة التاسعة

عرض الآیة علی المسائل المعاصرة التی تدرس فی العلوم التربویة، وهنا نقوم بتدوین المسائل التربویة المعاصرة من جهة وکتابة آیة واحدة إزاء هذه المسائل، ثمّ ننظر أین ترتبط هذه الآیة وأین تظهر علاقتها وینعکس معناها أو یتفاعل؟ ثمّ نسجّل المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیة مع تلک المسائل ونأتی بآیة ثانیة، ثمّ الثالثة إلی نهایة القرآن الکریم. وبعد جمع تلک المعلومات الحاصلة من تفاعل الآیات مع المسائل التربویة سنکون حصلنا علی نظریّة القرآن الکریم حول تلک المسائل التربویّة.

فإنّ القرآن ما نزل لزمان دون آخر أو لمجتمع دون سواه، فقد تکون الآیة نازلة فی أبی لهب، لکنّها جاریة فی کلّ من یقف موقفه وتجری علی کلّ من یجری علی ما جری علیه أبو لهب وسعی سعیه وعمل عمله ورضی فعله.

فکما یمکن استنباط وتفسیر مفهوم لزوم رجوع الجاهل إلی العالم من قوله تعالی:(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ،(1) وهو معنیً عامّ عقلی کلّی لا یختلف فیه العقلاء، ویمکن ذلک من خلال إسقاط جمیع الخصوصیات المکتنفة للآیة وتجرید روحها واستخلاص فحواها الأوسع، عند ذلک یمکن الجری وفق هذا المنهج لمعرفة الآیات من الجهة التربویة. ولقد أسسّ هذا النهج فی التفسیر أو التأویل لمعرفة البطون أو المفاهیم الأدقّ والأعمق سماحة الشیخ محمّد هادی معرفة ووضع الشروط اللاّزمة، کما أشار إلی ذلک بقوله:

فمن شرائط التأویل الصحیح، أی التأویل المقبول فی مقابلة التأویل المرفوض:

أوّلاً: رعایة المناسبة القریبة بین ظهر الکلام وبطنه، أی بین الدلالة الظاهریّة وهذه الدلالة الباطنیّة للکلام فلا تکون أجنبیة، لا مناسبة بینهما وبین اللفظ أبداً.

ثانیاً: مراعاة النظم والدقّة فی إلغاء الخصوصیات المکتنفة بالکلام، لیخلص صفوه ویجلو لبابه فی مفهومه العام، الأمر الذی یتکفله قانون - السبر والتقسیم - من قوانین علم المنطق، والمعبّر عنه فی علم الأصول ب -: (تنقیح المناط) الذی یستعمله الفقهاء للوقوف علی الملاک القطعی لحکم شرعی، لیدور التکلیف أو الوضع معه نفیّاً وإثباتاً، ولتکون العبرة بعموم الفحوی المستفاد لا بخصوص العنوان الوارد فی لسان الدلیل، وهذا أمر معروف فی الفقه وله شرائط معروفة.

ص:70

ومثاله قوله تعالی:(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ) .(1)

فهذا التعهد أمرٌ لا یختص بالنبی موسی علیه السلام، بل یعم کل الأنبیاء أن لا یستخدموا قواهم وقدراتهم الذاتیة، والتی منحها الله لهم فی غیر ما أمر الله، بل تعمّ هذه النکتة لتشمل کلّ الصالحین والعلماء، والأدباء والحکماء وغیرهم؛ لأنّه حکم عقلی یدعو إلی جعل الإمکانات تحت تصرف الخیر والشریعة.(2)

أوّلاًً: معانی الکلمات

(یُسَبِّحُ لِلّهِ) : یقدّس له.

(الْأُمِّیِّینَ) : العرب المعاصرین للنبی صلی الله علیه و آله.

(یُزَکِّیهِمْ) : یطهّرهم من أدناس الجاهلیّة.

(أَسْفاراً) : الکتب الکبار العظیمة.

(هادُوا) : تدیّنوا بالیهودیة.

(زَعَمْتُمْ) : ادّعیتم.

(ذَرُوا) : اترکوا.

(ابْتَغُوا) : اطلبوا.

(انْفَضُّوا) : انصرفوا.

ثانیاً: المحاور التربویة فی السورة

1. التسبیح وآثاره التربویة فی الروح، والدعاء والصلاة والأعمال العبادیّة المشترکة التی تؤدّی بصورة جماعیة.

2. التأکید علی التعلّم والحکمة فی المسیرة التربویة نحو التکامل.

3. لزوم العمل والتطبیق للمبادئ التی یحملها الإنسان المؤمن.

4. الموت أکبر محکّ للإیمان، لأنّه من أعظم الشدائد والصعوبات علی الإنسان.

5. تقدیم الدین علی الدنیا.

6. التبشیر للمؤمنین والتحذیر لهم من العدو ومن الدنیا.

ثالثاً: المعارف المؤثّرة علی تربیة المسلمین فی السورة

1. أن نتعرّف علی عظمة الله تعالی وخضوع الکون بما فیه لإرادته تعالی، قال تعالی:(یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ) .(1)

ص:72

2. أن نعلم نعمة الله ومنّته علی العرب ببعثة رسوله صلی الله علیه و آله فیهم.

3. أن نعلم طبیعة الیهود [وحقیقتهم] وانحرافهم عن شریعة الله.(1)

4. أن نعرف أهمیة العبادة وصلاة الجمعة.

5. أن نعرف حتمیّة الموت وضمان الرزق والصبر علی الإیمان إزاء الدنیا والغرائز والمیول.

رابعاً: تفسیر الآیات تربویاً

وهنا ندخل إلی التفاصیل ونقترب أکثر من المتن القرآنی المقدّس، لکی نتناول الآیات الشریفة منفردة أو مجموعة بحسب السیاق، فلو وجدنا اثنین أو ثلاث أو أکثر تمثل جملة تامّة وکلاماً واحداً مترابطاً سنعتبره وقفة قرآنیة تربویة جاهزة للتفسیر، وفی هذه المرحلة سنسلّط الضوء علی کلّ آیة أو مجموعة الآیات المترابطة من زاویتین:

الأولی: من زاویة النظام التربوی الإسلامی.

الثانیة: من زاویة النکات التربویّة والإرشادات التربویة التی یمکن أن توحی إلیها الآیة.

ب) التربیة الدینیة:(الْمَلِکِ) (الْقُدُّوسِ) (الْعَزِیزِ) (الْحَکِیمِ) ، ووجه الارتباط: أن یعرف ویتربی علی کون الملک الحقیقی هو الله فلا یطلب إلّا منه فهو الغنی، وکذا فهو الأطهر المقدّس والعزیز والحکیم، فیمارس هذه المفاهیم ویُعملها فی حیاته.

ج) التربیة المعنویة:(الْقُدُّوسِ) . وجه الارتباط: أن یسعی الإنسان فی أن یکون طاهراً، وهذا منهجاً للتربیة المعنویّة فی تطهیر النفس من کلّ الرذائل کی تسمو نحو خالقها بالتحلّی بصفاته.

د) التربیة الأخلاقیة:(الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ) ، ووجه الارتباط: أن یتربّی أخلاقیاً علی الغنی لا الفقر، والطهارة لا الرذیلة، وأن یکون عزیزاً لا ذلیلاً حکیماً غیر جاهل أو طائش.

2. الأدوات التربویة

أ) التسبیح:(یُسَبِّحُ لِلّهِ) ، ووجه الارتباط: أنّه سکن للأرواح ومربّی للنفوس علی العبادة والتمسّک بالرّبّ والخضوع له.

ب) المعرفة:(الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ) ، وجه الارتباط: أنّها باعثة علی السیر التربوی وعلی تقدّم التربیة ونضجها، فإنّ لوازم المعرفة لصفات الله هی الترویض والنهج أو السلوک وفقاً لتلک المعرفة السامیة.

3. الأسالیب التربویة

التسبیح:(یُسَبِّحُ) وجه الارتباط: فهو أسلوب للتربیة الدینیة ونهج للعبادة والخضوع لله کما مرّ وأنّه أداة لذلک أیضاً.

2. التساوی فی العبودیة أمام الخالق، فکلّ الموجودات تعبد الله وتسبّحه (یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ) .

3. الحمد أو المدح والثناء لا تکون إلا بسبب ولِمَن یستحق:(یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ) ، وخلافه باطل، ویکون من المجاملات المرفوضة.

4. الآمر والقائد والرئاسة الإلهیة ملازمة للنزاهة والقداسة، والعدل والعلم والحکمة:(الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ) ، فلیکن الرؤساء والمسؤلون هکذا.

5. یجب أن یکون المسلم المؤمن عزیزاً مقتدیاً بالرب تبارک وتعالی.

2. الأدوات التربویة

أ) نصب القدوة النجومیة:(بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ) ، لکی یروه ویتأثروا بتربیته وأعماله ومعرفته وأخلاقه.

ب) الکتاب: التعلیم والفهم للکتاب الإلهی، والذی إنّما نزل للهدایة والتربیة.

ج) الحکمة: فإنّ التربیة بیان الرؤیة الکونیّة والمطالب العقلیّة وتعلیمها تؤثّر فی تربیة الفرد وسلوکه ومقدار تفهّمه.

3. الأسالیب التربویة

أ) البعثة:(هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً) .

ب) المعلّم المماثل:(رَسُولاً مِنْهُمْ) .

ج) التعلیم:(یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ) .

د) التبشیر بصدق وظهور هذه الدعوة وانتصارها والنهج التربوی؛ لأنّ القرآن استخدم نفس المفردات التی جاءت فی دعوة سیدنا إبراهیم علیه السلام، حیث حکی ذلک القرآن أنّه - علیه السلام - قال فی دعائه:(رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِکَ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ یُزَکِّیهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ) ،(1) فالکلّ یعرف أنّ النبی - صلی الله علیه و آله - هو دعوة أبیه إبراهیم - علیه السلام - ونهجهما العقائدی والتربوی واحد.

ملاحظة: هذه المفاهیم ذکرناها بمعنی المصدر أو الفعل لا کما هو الحال فی رقم: (1) الأهداف التربویة، فهی هناک بمعنی اسم المصدر أو نتیجة الفعل.

ص:76

4. مراتب التربیة أو مراحلها

أ) التلاوة: بمعنی نصب الأستاذ والمعلم.

ب) التلاوة: بمعنی اختیار الأستاذ والمعلم والقبول به.

ج) التزکیة: بمعنی التخلیة.

د) التزکیة: بمعنی النمو والرشد، أو التحلیة فی مقابل التخلیة.

ه) التعلیم: النمو العلمی.

و) تعلیم القرآن.

ز) تعلیم الحکمة.

5. المجالات أو الأبعاد التربویّة

أوّلاً: ما فی قوله تعالی: (یتلو):

أ) التربیة العبادیّة، وجه الارتباط:(یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ) ، وقراءة القرآن من أعظم العبادات، والنبی هنا یُرید تربیة المسلمین علی ذلک، وهو من أهداف التربیة الإسلامیة.

ب) التربیة الأخلاقیة: حیث یبیّن لهم الفضائل والرذائل، وما هو محبوب وما هو مبغوض، والآداب والمکارم.

ج) التربیة السیاسیة: فیقوم بتوجیه الأوامر وقیادة الأمّة فی الحروب والأخذ بزمام أمر الحکومة والدولة والسیر بها علی المصلحة والعزة والحکمة الإلهیة.

ثانیاً: ما فی قوله تعالی:(یُزَکِّیهِمْ)

أ) تربیة أخلاقیة: تزکیة النفس من الرذائل والذنوب.

ب) تربیة معنویة: ارتفاع الروح وتکاملها بالعبادات أو الریاضات الدینیة.

ثالثاً: ما فی قوله تعالی:(یُعَلِّمُهُمُ) .

أ) التربیة العلمیة.

ص:77

ب) التربیة العقلیة: وجه الارتباط فی: (یعلمهم الحکمة)، وذلک بناءً علی تفسیر:(الْحِکْمَةَ) بالمعارف الحقیقة والعلوم الحقّة.(1)

ج) التربیة العقائدیة أو الاعتقادیة.

د) التربیة الدینیة: وجه الارتباط فی (وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ) و (الْحِکْمَةَ) بناءً علی تفسیر (الْحِکْمَةَ) بالشرائع وبسنّة النبی صلی الله علیه و آله ومکارم الأخلاق.(2)

6. مصادر التربیة أو العلوم التربویة

أ) الوحی: من خلال فهم کلمة الکتاب، بأنّ المراد من القرآن، وهو الوحی الإلهی للنبی صلی الله علیه و آله.

ب) العقل: من خلال فهم کلمة:(الْحِکْمَةَ) فیما لو فسرناها بالعلوم والمعارف العالیة والحقیقیة.

ج) سنّة النبی صلی الله علیه و آله: لأنّها قائمة علی تربیة المسلمین والمکلّفین بذلک والمأمورین بالأخذ منه والتأسی به، وجه الارتباط:(یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ) .

3. إنّ تلاوة القرآن مقدّمة ووسیلة للتزکیّة، وهذه مقدّمة علی التعلیم:(یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ) .

4. یجب أن تکون التربیة المعنویّة والأخلاقیّة والعبادیّة، وغیرها تحت إشراف النبی صلی الله علیه و آله ومن سنّته وتعالیمه، وإلّا فإنّ أغلب الریاضات والرهبنة تعدُّ انحرافاً.

5. إنّ أهمّ وأوّل واجب کلّف به النبی صلی الله علیه و آله هو التربیة:(هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ) .

6. یجب أن تکون التربیّة الروحیّة أو المعنویّة أو الأخلاقیّة أو الدینیّة أو العبادیّة وغیرها إلی جنب التربیة الفکریّة والعقلیّة:(وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ) ، لا بصورة تناقض أو افتراق أو إلغاء للعقل والبصیرة.

7. یمکن العمل علی التربیّة والسعی لإیجادها وتوفیر أرضیتها حتّی فی البیئة الفاسدة:(وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ) .

3. المجالات والأبعاد التربویة

التربیّة الدینیّة: من خلال فحوی الآیة بالحث علی العمل بالوحی وتطبیق أحکام الله تبارک وتعالی.

4. موانع التربیة

أ) الانحراف: من خلال عدم العمل بما أنزل الله.

ب) الجهل: لأنّ حقیقة العلم ما یؤدّی إلی العمل به، وهم تخلّفوا فلم یعملوا به، وهو نحو من استحواذ الجهل علی العلم.

ج) التکذیب بالهدایة: ولو من خلال عدم العمل بالقرآن والوحی.

5. الأصول التربویة

التذکّر: فالقرآن یربّی المسلمین من خلال تذکیرهم بقصص الماضین لتبصیرهم وتثبیتهم علی التربیة الحقّة والهدایة المنجیة.

کانتقادهم ومناظرتهم، لکی لا یؤثّروا أکثر فی تربیة المجتمع ومسیرته:(مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوها کَمَثَلِ الْحِمارِ) .

5. العمل هو المناط والمیزان لا حفظ المصطلحات والکتب.

6. إنّ سبب حرماننا هو عدم عملنا بالنهج التربوی السماوی:(وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ) .

تبارک وتعالی ممّا یکشف عن ابتعادهم عن النهج التربوی السماوی المختار.

د) المخاطبة للغیر بالاسم المحبّب عنده:(قُلْ یا أَیُّهَا الَّذِینَ هادُوا) .

ه) أسلوب الحوار الإستدلالی المنطقی الهادئ المصحوب بالاختبار العملی.

أنّ یتحقّق تقدیم الأمور الأخرویّة والدینیّة علی الأمور الدنیویة قال تبارک وتعالی:(وَ ذَرُوا الْبَیْعَ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

2. الأبعاد التربویة

أ) التربیة الروحیة المعنویة لما یتحقق من صلاة الجمعة ولما یتحقق من السعی لذکر الله.

ب) التربیّة العبادیّة لما یتحقّق من صلاة الجمعة.

ج) التربیّة السیاسیّة لما یتحقّق من صلاة الجمعة.

د) التربیّة الاجتماعیّة لما یتحقّق من صلاة الجمعة.

ه) التربیّة البدنیّة لما یتحقّق من صلاة الجمعة.

و) التربیّة العلمیّة، اختیار الصلاة علی التجارة لما یحمله المؤمن العلم والفکر، قال تعالی:(ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

3. الأسالیب التربویة

أ) المدح فی الخطاب عند الأمر أو عند الإرشاد والنصیحة، قال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) .

ب) الخطاب المباشر للمؤمنین فیه نوع من التکریم، وهو أسلوب لمن یراد تربیته أو هدایته بعکس عدم الخطاب أصلاً أو الخطاب غیر المباشر.

ج) أن یقوم المتربّی بمجاهدة نفسه وحملها علی ذکر الله وترک الربح الدنیوی والبیع فی سبیل الله.

4. عوامل التربیة

أ) المتربی من عوامل التربیة: فیجب أن یسعی بنفسه عملاً من أجل تحقیق وتثبیت العناصر التربویة فی نفسه (فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَیْعَ) .

ص:87

ب) المربّی: (نُودِیَ) تُشیر إلی وجود نائب الفاعل أو الفاعل الغیبی أو المحذوف الغائب أو المعرض عن ذکره، فالمربّی أو المعلم أو الهادی من العوامل المؤثرة فی إیجاد وتحقیق عملیّة التربیّة.

ج) موانع التربیة: هناک بعض الأشیاء تمنع أو تعرقل فی العملیّة التربویة العامّة أو التربیّة الدینیّة أو الأخلاقیّة أو غیرها من المجالات التربویة الخاصّة، (والبیع) أو الاشتغال الدنیوی أحد هذه الموانع فیما لو تعارض مع الراجحات الدینیّة.

7. العلم یدعو إلی اختیار وانتخاب الأفضل من الفرص والخیارات فی کل زمان مثلاً - اختیار الصلاة علی التجارة - وهو مقتضی التربیة الدینیة.

8. یجب أن یتوفّر فی التربیة الدینیة عناصر مهمة، منها:

أ) التشجیع والاحترام:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) .

ب) الأمر:(فَاسْعَوْا) .

ج) النهی:(ذَرُوا الْبَیْعَ) .

د) الإستدلال:(ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ) .

3. الأصول التربویة

أ) تقدیم الآخرة: علی الدنیا والعبادة والصلاة علی العمل مثلاً:(فَإِذا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ) .

ب) وجوب السعی من المتربی للحصول علی ما یطمح إلیه:(فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ اذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً) .

4. المبانی التربویّة

أ) إنّ الإنسان مخیّر بین الکمال وغیره، ویستطیع أن یقوم؛ وذلک لأنّ الله تبارک وتعالی لا یأمر إلا المختار والمستطیع وإلاّ یلزم من الأمر لوازم باطلة محالة علی الله تبارک وتعالی کاللغویّة: (فانتشروا... و ابتغوا... و اذکروا).

5. الأدوات التربویّة

أ) الانتشار فی الأرض، وهو وسیلة لتحقیق التربیّة الاقتصادیّة.

ب) الابتغاء من فضل الله: وهو وسیلة لتحقیق التربیّة الاقتصادیّة والمعنویّة الروحیّة.

ج) ذکر الله: وهو وسیلة لتحقیق التربیة الاقتصادیّة والمعنویّة الروحیّة والدینیّة.

6. الأسالیب التربویة

ویمکن أن تکون هذه الثلاثة کذلک أسالیب متنوعة لعدّة أبعاد تربویّة مختلفة.

2. الحثّ علی ذکر الله اثناء طلب الرزق والعمل، وفی وقت یکون الناس فیه مشغولین عن ذکر الله بالدنیا والعمل، فهذا نوع من التربیّة الدینیّة والمعنویّة العالیة.

3. یجب أن یکون نشاط الإنسان وحیویته للعبادة والدین أکثر ممّا لو کان الحال للدنیا والکسب، وفی هذا قال تعالی:(فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللّهِ) بینما قال (وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ) ، لمناسبة (الفاء) فی السعی المشیرة إلی المبادرة والنشاط.

4. یجب أن نطلب فضل الله فی کلّ شیء، فإنّ فضله قد یکون معنویاً کما فی الآیة الرابعة:(ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ) وقد یکون مادّیاً (وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ) ، والتربیة القرآنیة تحثّ علی الدعاء فی کلّ الأمور وأیسرها.

5. إنّ الله لم یأمر بتعطیل العمل والکسب حتّی لیوم کامل، کما هو یوم الجمعة، بل حرّم تبارک وتعالی ذلک وقت صلاة الجمعة فقط. وفی ذلک إشارة إلی أهمیة العمل والکسب للفرد والمجتمع، وهو من مجالات التربیّة الاقتصادیّة والاجتماعیّة.

6. المسارعة إلی العبادة:(فَاسْعَوْا) بعکس التأنّی فی طلب الرزق (وَ ابْتَغُوا) ؛ لأنّ الرزق مقسوم عند الله ومقدّر للعباد، وهذا بعدٌ فی التربیة العقائدیة مؤثر فی السلوک الفردی والإیمانی.

7. الإسلام یحثّ علی الکمیّة فی العبادة:(وَ اذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً) ، کما یحث علی الکیفیة فیها:(الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) .(1)

8. یجب أن یتحصّن الإنسان أکثر فی مواطن الخطر ویتسلّح بالإیمان فی مواطن الضعف والشیطان، لذا أمر الله بالذکر الکثیر فی أثناء طلب الرزق والکسب، والانشغال بالسوق؛ لأنّه من مواطن الغفلة وتناول الحرام والتجاوز علی الغیر بالغشّ وغیره.

ص:91

3. موانع التربیة

أ) الاشتغال بالأمور الدنیویّة کالتجارة، واللهو إذا تعارضا مع الجانب التربوی فی أی بُعد أو مجال من مجالات التربیة.

ب) مخالفة الأحکام الشرعیة:(وَ تَرَکُوکَ قائِماً) مانع من التکامل الإیمانی والرُقی التربوی فی الإسلام والدین والعقیدة.

أن نقدّم ذکر تفضیل وترجیح المسائل المعنویّة علی غیرها أوّلاً، قال تعالی:(ما عِنْدَ اللّهِ خَیْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ) .

8. لیست التجارة الطریق الوحید أو الأفضل للرزق، فإنّ الله خیر الرازقین.(1)

والحمد لله رب العالمین

ص:94