التبتیل فی التجوید و الترتیل

اشارة

سرشناسه: عالمی بکتاش، حسن، 1340.

عنوان و نام پدیدآور: التبتیل فی التجوید والترتیل: باستخدام الترمیز للعناوین والجداول.../ حسن عالمی بکتاش.

مشخصات نشر: قم: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه والنشر، 1390ش /1433ق.

مشخصات ظاهری : 248ص

شابک: 4-307-195-964-978

وضعیت فهرست نویسی فیپا

یادداشت: عربی

موضوع: قرآن - - قرائت.

موضوع: قرآن - - تجوید.

رده بندی کنگره: 2 1390 ت 162ع /5/ 74 BP

رده بندی دیویی : 297/151

شماره کتابشناسی ملی : 2573789

التَّبْتیلُ فی التَّجویدِ والتَّرتیِلِ

المؤلّف: حسن عالمی بکتاش

الطبعة الأولی: 1433ق / 1390 ش

النّاشر: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

المطبعة: اسراء السعر: 38000 ریال عدد الطبع: 2000 نسخة

حقوق الطبع محفوظة للناشر.

التوزیع:

قم، استدارة الشهداء، شارع الحجتیّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف - الفکس: 9-02517839305

قم، شارع محمّد الأمین، تقاطع سالاریّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف: 02512133106 فکس: 02512133146

www.eshop.miup.ir www.miup.ir

root@miup.ir E-mail: admin@miup.ir

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص:4

کلمة الناشر

إنّ التطور العلمی الذی یشهده عالمنا الیوم، والوسائل التکنولوجیة الحدیثة قد دفعت بعجلة المدنیة والثقافة إلی الأمام، بل وأصبح الإنسان یرقب فی کلّ یوم تصوراًآخر، وهذا التطور قد کشف لنا القناع عن بعض المناهج الدراسیة فی معاهدنا و مؤسساتنا العلمیة وإذا بها مناهج تحتل زوایة ضیقة من هذا العالم العلمی الفسیح.

من هنا اتخذت المؤسسات العلمیّة فی الجمهوریة الإسلامیة فی إیران وفی مقدّمتها جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیّة؛ اتخذت علی عاتقها صیاغة بعض المناهج الدراسیّة صیاغة تلائم الحرکة العلمیّة المعاصرة، ومالها من متطلّبات بحیث تنسجم مع المحیط العلمی الجدید.

لقد بادرت الأقسام العلمیّة فی جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله بمخاطبة الأساتذة ذوی الاختصاص لیساهموا فی وضع مناهج حدیثة فی علوم القرآن، والفقه، والأصول، والتفسیر، والتاریخ، و... کی تلبّی احتیاجات الدارسین فی مختلف المستویات وعلی صعید کلّ الاختصاصات الإنسانیة والدینیة.

کانت خطوة الجامعة جریئة وموفقة حیث بذرت بذوراً صالحة تفتّقت من خلالها

ص:5

براعم طیبة، وأنتجت ثماراً ناضجة تؤتی اکُلها فی کلّ حین.

نعم، لمّا کانت بعض المواد الدراسیّة لم تتوفر فیها الکتب المنهجیّة اللازمة التی تنسجم مع السطح العلمی لعموم المعاهد والمؤسسات العلمیّة، فقد أناطت إدارة جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله - الحقل العلمی - مهمّة تدوین وتألیف هذه المناهج الجدیدة والبحوث العلمیّة ذات الطابع العلمی والأکادیمی إلی جملة من الأستاتذة المختصّین والعلماء الأفاضل، وأولتهم رعایة فائقة وتسهیلات محمودة کی یتمّ إنجاز تلک البحوث علی وفق المناهج المقرّرة. وفعلاً تصدّی للعمل نخبة من العلماء، واُنجز الکثیر من تلک البحوث والمؤلّفات، حیث بذل أصحاب الفضیلة جهوداً مضنیة، ومساعی متواصلة، بغیة المساهمة الجادة فی خلق کادرٍ متخصّصٍ فی شتی العلوم والفنون، ثمّ جاءت هذه المساهمة صادقة فی کلّ أبعادها، تجلّلها النظرة الشمولیة والعمق العلمی والبیان الواضح.

إن جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیّة أصبحت الیوم محطّ أنظار الدارسین فی الداخل والخارج، وهی تعدّ بحقٍ من أکبر المؤسسات العلمیة فی عالمنا الإسلامی والعربی، وقد استقطبت العدید من أصحاب الاختصاص من الأساتذة والمؤلفین، کما أغنت المکتبة الاسلامیة بمجموعة بحوث ومؤلفات قد تم طبعهاونشرها خلال هذه السنین القلائل لتکون منهلاً عذباً للدارسین وطلاب الحقیقة والمعرفة.

ومن منطلق الخدمة العلمیّة یتقدّم دارالنشر المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی هذه الجامعة بالشکر والتقدیر لسماحة الاستاذ لما بذله من جهود تستحق الاحترام و التقدیر فی تألیفه لکتاب «التبتیل فی التجوید والترتیل» کما نشکر اعضاء الکادر الفنی الذی ساهم بشکل حثیث فی انجاز وطبع هذا الکتاب الماثل بین یدی القارئ الکریم.

وکلّنا أمل ورجاء بأن نکون قد ساهمنا فی رفد الحقل العلمی والمکتبة الإسلامیة

ص:6

بالبحوث والمؤلفات خدمة للعلم والعلماء ومشارکة منّا فی تفعیل الحرکة الثقافیة فی العالم الإسلامی، وما التوفیق إلا من عند الله.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

ص:7

ص:8

الفهرس

مقدمة المؤلف 13

الفصل الأوّل: المعارف القرآنیّة

المبحث الأوّل: فضل القرآن الکریم 19

فضل القرآن والقارئ 19

1. ثمة أحادیث شریفة فی فضل القرآن 21

2. الاهتمام بالقرآن 23

3. سور یُستحب الإکثار من تلاوتها 24

4. فضل تلاوة القرآن وحفظه 26

آداب تلاوة القرآن 28

الطهارة 28

القراءة فی مکان ملائم 28

الاستعاذة والبسملة والتصدیق 28

حضور القلب والخشوع 29

التفکر والتدبر 30

الترتیل بالقرآن 30

تحسین الصوت بالقرآن 30

المبحث الثانی: نبذة عن تاریخ القرآن 35

تقسیم القرآن إلی آیات وسور وتسمیتها 36

کیفیة جمع القرآن 37

تنقیط الآیات ووضع العلامات فی المصحف 39

ص:9

أسباب نشوء اختلاف القراءات 40

المبحث الثالث: تدوین القراءات 41

القراءات السبع 41

الرواة الأربعة عشر 42

الفرق بین «القراءة» و«الروایة» و«الطریق» 43

مخطط بیانی لسلسلة روایة حفص عن عاصم 45

معلومات قرآنیّة عامة 46

تعریف بالمصحف الشریف الذی ضبطت علیه القواعد فی هذا الکتاب 47

المبحث الرابع: مراتب القراءة 49

تعریف الترتیل 49

1. التحقیق 49

2. التدویر 50

3. الحدر 50

الفصل الثانی: علم التجوید

المبحث الأول: مدخل إلی تجوید القرآن 55

تاریخ علم التجوید 55

تعریف علم التجوید 55

ثمرة علم التجوید وغایته 56

المبحث الثانی: دروس تمهیدیة لا بدّ منها 59

أحکام الاستعاذة والبسملة 59

أحکام همزة الوصل 63

طرق الوقف علی أواخر الکلم 69

أحکام الهاء فی آخر الکلمة 74

المبحث الثالث: أحکام التجوید 79

جهاز النطق 79

الحروف الهجائیة 82

مخارج الحروف 86

کیفیة تکوّن الحرف 86

المواضع الخمسة فی جهاز النطق 88

ص:10

أولاً: موضع الجوف 89

ثانیاً: موضع الحلق 91

ثالثاً: موضع اللسان 95

أقصی اللسان 99

وسط اللسان 100

طَرَف اللسان 102

حافّة اللسان 106

رابعاً: موضع الشفتین 109

خامساً: موضع الخیشوم 110

صفات الحروف (حق الحرف) 116

القسم الأول من صفات الحروف 117

القسم الثانی من صفات الحروف 123

تتمة فی صفات الحروف 129

صفات القوة والضعف 131

جدول صفات الحروف 133

أحکام الحروف (مستحق الحرف) 135

1. باب التفخیم والترقیق 135

أوّلاً: تفخیم الألف المدیة وترقیقها 137

ثانیاً: تغلیظ اللام وترقیقها 138

ثالثاً: تفخیم الراء وترقیقها 139

2. باب الإدغام 145

أوّلاً: أنواع الإدغام (و موارده حسب روایة حفص عن عاصم) 147

ثانیاً: الإدغام التامّ والناقص 150

3. أحکام النون الساکنة والتنوین 153

أوّلاً: الإظهار 154

ثانیاً: الإدغام 156

- الإدغام بغنة 156

- الإدغام بغیر غنة 157

ثالثاً: الإقلاب 159

رابعاً: الإخفاء 161

4. أحکام المیم الساکنة 165

أوّلاً: الإدغام 165

ثانیاً: الإخفاء 166

ص:11

ثالثاً: الإظهار 168

5 . أحکام الغنّة 170

6. أحکام المدّ والقصر 174

أوّلاً: أنواع المد 178

ثانیاً: مراتب المدّ 192

باب الوقف والابتداء 196

أ. أنواع الوقف (من حیث محل الوقف ومفهوم العبارة) 200

أوّلاً: الوقف الاضطراری 200

ثانیاً: الوقف الاختیاری 200

- أنواع الوقف الاختیاری 201

- الأصول المهمة والعامة فی صحة الوقف والابتداء 204

ب. أنواع الابتداء 218

ج. رموز السجاوندی للوقف 221

المبحث الرابع: ملحقات التجوید 231

التکبیر بین سورتین 231

السجدات فی القرآن 232

باب فرش الحروف 237

مصطلحات الضبط 241

مسک الختام 245

المصادر 247

ص:12

مقدمة المؤلف

تلبیةً لشغف قرّاء القرآن الکریم، وإرضاءً لتطلع الکثیرین إلی الولوج فی بحره الزاخر الذی لا تنقضی غرائبه ولا تُفنی عجائبه، ونزولاً عند رغبة من کان القرآن مهوی أفئدتهم ومحور معتقداتهم، أضع بین أیدی المجتمع القرآنی هذه الوُریقات، التی توخّیت أن تکون بمثابة البوصلة التی تدل علی طریقة الأداء المتناسبة مع قواعد الترتیل المؤکد علیه، فیما یثیره من الخشوع والروحانیة والانسیاب مع المعانی المتنوعة السامیة التی یحلّق الإنسان معها بأجنحة روحیة صوب الآفاق اللامتناهیة.

وبعد؛ فهذه رسالة «التبتیل فی التجوید والترتیل»، تهدف إلی تصحیح النطق وتحسین الأداء، فأعددتها وفق المنهج الدراسی المقرر لإخوانی الطلبة فی حوزة الإمام الخمینی رحمه الله التابعة ل- «جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة».

وعمدتُ إلی استعراض قواعد التجوید المرتکزة أصلاً علی التدقیق فی النصّ المقدس لأداء قراءته بالطریقة المثلی التی تُراعی أدق القواعد التجویدیة وأتمها، غیر مغفلةٍ لما جاءت به علوم العربیة من نحو وصرف و... .

وقد نهجت فیها سبیل الإیجاز فی المادة والتیسیر فی التعبیر، والابتعاد عن التفصیل والإقحام الزائد، استجابةً لرغبة الطلاب واختصاصهم، وتعاوناً معهم علی تلاوة القرآن الکریم ومعرفة آیاته، معرفةً تُقرّبهم زلفی عند الله تعالی، وتُؤهلهم لجزیل ثوابه.

ص:13

خطوات ضروریة لمعرفة القرآن الکریم

أما معرفة القرآن فتمرّ بمراحل عدیدة:

الأولی: القراءة الصحیحة: ففی هذه المرحلة یتعلم الطالب کیفیة قراءة الحروف والحرکات والعلامات لیتمکن من قراءة القرآن الکریم وفق الأسس السلیمة والقواعدالصحیحة.

الثانیة: القراءة المجوّدة: والهدف منها هو تعلیم الطالب القواعد التجویدیة لیُحسن قراءة الکتاب العزیز وفق الأسالیب الفنیة.

الثالثة: إدراک معانی الکلمات والجمل البسیطة.

الرابعة: معرفة علوم القرآن وتاریخه.

الخامسة: معرفة الحقائق السامیة والمعارف العمیقة.

فإننی تناولت فی هذا الکتاب «المرحلة الثانیة» من الخطوات المذکورة کمادة دراسیة بحیث یتمکن الطالب الناشئ فی التجوید أن یستفید منه فی سَیره الدراسی، ومن ثمّ یرتقی إلی مستوی عال فی فهم المعارف السامیة للقرآن الکریم.

ملاحظات عامة حول الکتاب

یَحسن هنا فی المقدمة أن أشیر إلی مجموعة من الملاحظات العامة التی أری أنها نافعة ومهمة فی فهم القواعد التجویدیة ومسارها وطبیعة مصادرها ووسائل نقلها وإثباتها، مضافاً إلی ملاحظات أخری أقدمها بین یدی الأساتذة للاستفادة منها فی توجیه الطلبة أعزهم الله:

الملاحظة الأولی: اعتمدت فی مراجعة المصادر لتکوین إطار الکتاب وترتیب دروسه إلی کتاب حلیة القرآن (بالفارسیة) للسید محسن موسوی بلدة، أکثر من أی کتاب آخر، وإنما تم اختیاره لأنه یمثّل خبرة قرآنیة أکثر من ثلاثة عقود، حیث تم طبعه 51 مرة فی إیران. کما استفدت من الکتاب القیّم المشهور أحکام قراءة القرآن

ص:14

الکریم وکتاب معالم الاهتداء إلی معرفة الوقوف والابتداء للشیخ محمود خلیل الحصری، أما المراجعة کمصدر فاعتمدت علی کتابَی التمهید فی علم التجوید وطیبة النشر فی القراءات العشر للعلامة ابن الجزری، والذی یعدّ من أهم المراجع فی علم التجوید، ویبدو أنها صارت مقرّراً دراسیاً لدارسی التجوید، حتّی عصور متأخرة، بل لا تزال تُدرّس وتُحفظ إلی زماننا، وکتاب الإتقان فی علوم القرآن لجلال الدین السیوطی، کما لم أُهمل مراجعة ملزمة نظام التحکیم فی المسابقات الدولیة للقرآن الکریم، لما فیه من أهمیة فی معرفة الکیفیة المطلوبة لتطبیق الأحکام التجویدیة عند الأساتذة والقراء الکبار المعاصرین.

الملاحظة الثانیة: لقد حاولت الالتزام بالمنهج الدراسی الحدیث کالتالی:

فرز الموضوعات التجویدیة مع ملاحظة الأهمیة والأولویة فیما إذا کان الدرس مقدمة لدرس آخر، وذلک حرصاً علی الترتیب الذی یؤهل الطالب أن یتدرج فی تطبیق التجوید بصورة صحیحة.

یحتوی الکتاب علی مقدمة وفصلَین، وکل فصل ینقسم إلی عدة مباحث، وکل مبحث إلی أمور، کما یحتوی علی فهرس تفصیلی فی آخره.

یتناول کلّ درس تعریف الموضوع لغةً واصطلاحاً، ثمّ شرحه بطریقة حدیثة (أکادیمیة) مع ذکر الأمثلة، بالإضافة إلی ذکر فائدة کلّ درس باختصار شدید، وأخیراً تلخیص الدرس وتبسیط الموضوع بجداول توضیحیة وخطوط بیانیة، کما ینتهی کلّ درس بأسئلة وتمرینات وتطبیقات قرآنیة التی أدرجناها فی نهایة الدروس لتدریب الطالب علی تطبیق التجوید عملیاً.

تم تنظیم الدروس کماً وکیفاً بحسب الموضوع وأهمیته وفائدته. فلذلک قد یکون درساً یحتاج إلی ساعة التدریس فی الحالة الاعتیادیة، وقد یحتاج إلی تقسیمه إلی حصتین أو أکثر، فإن الأمر فی هذا الخصوص یعود إلی الأساتذة الکرام.

ص:15

1. قدّمنا أربعة دروس علی دروس التجوید الأخری بما فیها من أهمیة وأولویة فی ذکرها، إلا أن بعض العلماء وزّعوا هذه الدروس بین دروس أخری أو ذکروها فی نهایة کتبهم، ونحن علی أمل أن یکون اختیارنا علی الصواب، والعلم عند الله.

2. هذا الکتاب علی فرض أن الطالب قد اجتاز مرحلة القراءة الصحیحة (التفکیکیة) کما یُعتمد علیها کأول مرحلة فی مختلف الأجواء القرآنیّة.

الملاحظة الثالثة: من الأمور الضروریة عند تدریس الکتاب حث الطلاب علی قراءة القرآن مستعیناً بالأشرطة المسجل علیها أصوات القراء المشهورین، تسهیلاً وتیسیراً للراغبین فی تعلم هذا العلم المهم، وخدمةً للقرآن وأهله، وهنا ننوه إلی أهمیة استعانة الأستاذ بکتابة الأمثلة وشرح الموضوع علی السبورة مع تطبیقها عملاً، ولا یقرأ من ظهر الکتاب بصورة تقلیدیة.

وأخیراً نثمّن الجهود التی بذلها کلّ من ساعدنا فی إعداد ونشر هذا الکتاب، ونسأل الله أن یشرح صدورنا للإیمان الصادق حتّی نعمل بما نعلم، وأن یسدد خطانا علی درب الإسلام لتطبیق ما أحلّ وحرّم، وأن یرزقنا شفاعة حبیبه محمد صلی الله علیه و آله إنه قریب مجیب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.

حسن عالمی بکتاش

السیدة زینب - دمشق - عام 2009م

ص:16

الفصل الأوّل : المعارف القرآنیّة

اشارة

ص:17

ص:18

المبحث الأوّل: فضل القرآن الکریم

فضل القرآن والقارئ

اشارة

القرآن الکریم هو الدستور الإلهی للأمة الإسلامیة علی مر الأزمنة والدهور والأعوام ولن تجد الأمة الإسلامیة بدیلا عنه یقودها إلی شاطئ النجاح والخیر والسعادة نهائیا.

القرآن الکریم هو کلام الله المنزل علی رسوله محمد صلی الله علیه و آله , المتعبد بتلاوته, المتحدی بأقصر سورة منه, المنقول إلینا نقلاً متواتراً. وکلنا نعلم أن تحولاً هائلاً قد وقع فی الکون بنزول القرآن الکریم، حیث سارت معه قافلة الحیاة، علی هدی ونور من خالقها ومبدعها، ونشطت مع فجره نفوس لبّت نداء ربها فأحیاها وجعل لها نوراً تمشی به فی الناس. وبقی القرآن بقاء النور فی الکون، ولقد صان الله کتابه عن التحریف والتبدیل: (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) . (1)

ولم نر شیئاً تفجرت به ینابیع الحکمة وامتدت منه أنهار المعرفة فی غیر انقطاع. فقال الله تبارک وسبحانه وتعالی: (وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً وَ بُشْری لِلْمُسْلِمِینَ ) . (2)

ص:19


1- (1) . الحجر: 9.
2- (2) . النحل: 89 .

القرآن هو کلام الله سبحانه وتعالی لا یدانیه کلام, وحدیثه لا یشابهه حدیث قال تعالی: (وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِیثاً) . (1) وظل القرآن فی جمیع الأحوال وسیظل عزیزاً شامخاً أبیاً، ولو تکسرت من حوله السیوف، أو ضعفت فی الإقبال علیه النفوس: (وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ * لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ) . (2)

والقرآن یدعو الناس فی کلّ زمان، ویتلی علیهم فی کلّ مکان، ویهدیهم فی کلّ شأن للتی هی أقوم. وبالقرآن وبیانه نستطیع أن نزن الأمور کلها بالمیزان الصحیح، میزان الله الذی أنزله وحفظه وأبقاه: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ...) . (3)

و هو أهم مصدر من مصادر الشریعة الإسلامیة فی جمیع نواحی الحیاة، وهو حبل الله الذی لا ینقطع. من تمسک به نجی، ومن تخلف عنه أو ترکه غرق. وهو الشفاء الناجع النافع، ومصباح الهدی، ومنار الحکمة، وهو أحد الثَّقَلَین الذَین أمر الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله بالتمسک بهما معاً فی الحدیث المتواتر (4)بین المسلمین: «إنی تارک فیکم الثَّقَلَین (5) کتاب الله وأهل بیتی، وإنهما لن یفترقا حتّی یردا علیَّ الحوض». (6)

ص:20


1- (1) . النساء: 87 .
2- (2) . فصلت: 41 و42.
3- (3) . الحدید: 25.
4- (4) . قال الشیخ المظفر فی کتابه الثقلان: 13؛ وقد قیل أن طرقه قد بلغت 250 طریقاً.
5- (5) . قال ابن الأثیر وغیره من علماء اللغة: «إنی تارک فیکم الثَّقَلَین کتاب الله وعترتی، سماهما ثَقَلین؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقیل. ویقال لکل خطیر [نفیس] ثَقَل، فسماهما ثَقَلین إعظاماً لقَدْرهما وتفخیماً لشأنهما». النهایة لابن الأثیر، 211/1؛ وجامع أحادیث الشیعة ، 81/1 .
6- (6) . أخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر عن زید بن أرقم، حدیث: (4980) وفیه: «کتاب الله وعترتی أهل بیتی». انظر کتاب المراجعات، رقم 31.
1. ثمة أحادیث شریفة فی فضل القرآن

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «فضل القرآن علی سائر الکلام کفضل اللّه علی خلقه». (1)

قال الإمام علی علیه السلام : «واعلموا أَنه لیس علی أَحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنی، فاستشفوه من أَدوائکم، واستعینوا به علی لَأوائکُم (2)، فإنّ فیه شفاءً من أَکبر الداء: وهو الکفر والنفاق والغیّ والضلال، فاسألوا اللهَ به، وتوجّهوا إلیه بحبّه، ولا تسأَلوا به خَلقه، إنه ما توجه العباد إِلی الله تعالی بمثله». (3)

قالت فاطمة الزهراء علیها السلام : «للهِ فیکم عَهدٌ قَدَّمه إلیکم، وبقیّةٌ استخلفها فیکم: کتاب الله بیّنة بصائره، وآیٌ منکشفة سرائره، وبرهان متجلّیة ظواهره، مدیمٌ للبریّة استماعُه...». (4)

قال الإمام الحسن علیه السلام : «إنّ هذا القرآن فیه مصابیح النور وشفاء الصدور». (5)

قال الإمام الحسین علیه السلام : «کتاب اللّه علی أربعة أشیاء: علی العبارة والإشارة واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولیاء و الحقائق للأنبیاء». (6)

: «لو مات مَنْ بین المشرق والمغرب لمَا استَوحشتُ، بعد أَن یکون القرآن معی». (7)

ص:21


1- (1) . بحار الأنوار: 92 / 19.
2- (2) . اللأواء: الشدة.
3- (3) . نهج البلاغة: الخطبة: 176.
4- (4) . علل الشرائع: 248/1.
5- (5) . مستدرک سفینة البحار: 8 /1.
6- (6) . بحار الأنوار: 92 /20.
7- (7) . الکافی: 2 /440.

قال الإمام محمّد الباقر علیه السلام : «قرّاء القران ثلاثة: 1. رجل قرأ القران، فاتّخذه بضاعة واستجرّ به الملوک واستطال علی الناس. 2. ورجلٌ قرأ القران، فحفظ حروفه وضیّع حدوده. 3. ورجلٌ قرأ القران، ووضع دواء القران علی داء قلبه». (1)

قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : «قراءة القران فی المصحف تخفف العذاب عن الوالدین ولو کانا کافرَیْن». (2)

قال الإمام موسی الکاظم علیه السلام : «من استکفی بآیة من القرآن من الشرق إِلی الغرب کُفِیَ إِذا کان بیقین». (3)

قال الإمام علی الرضا علیه السلام : «هو حبل اللّه المتین، وطریقته المُثلی، لا یخلق علی الأزمنة ولا یغثّ علی الألسنة، لأنه لم یجعل لزمان دون زمان، بل جُعل دلیل البرهان». (4)

قال الإمام محمّد الجواد علیه السلام : «ما استوی رجلان فی حسب ودین قط إلاّ کان أفضلهما عند الله آدبهما. قیل له: فما فضله عند اللَّه عز وجل؟ قال علیه السلام : بقراءة القران کما انزل...». (5)

قال الإمام علی الهادی علیه السلام : «نحن نری أن الجدال فی القرآن بدعة، اشترک فیها السائل والمجیب، فتعاطی السائل ما لیس له وتکلف المجیب ما لیس علیه...». (6)

قال الإمام الحسن العسکری علیه السلام : «اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بینهم فی ذلک أن القرآن حق لا ریب فیه عند جمیع فرقها...». (7)

ص:22


1- (1) . مشکاة الأنوار: 105/1.
2- (2) . الکافی: 2 /449.
3- (3) . المصدر: 2 / 456.
4- (4) . عیون أخبار الرضا: 2 / 130.
5- (5) . مختصر تاریخ دمشق: 23 / 85 .
6- (6) . بحار الأنوار: 89/ 118.
7- (7) . شرح أصول الکافی: 60/4.
2. الاهتمام بالقرآن

إنّ القرآن العظیم رسالة ربانیة المنهج، متکاملة المعالم والأغراض، واضحة المعانی والأهداف، سهلة الفهم والتطبیق، ومع ذلک فالناس فی الغالب نیام، فإذا ماتوا انتبهوا. إن المصطفی صلی الله علیه و آله قد بین لنا أن خیر الناس وأفضلهم الذی یتعلم القرآن الکریم ویعلمه، وذلک فیما ثبت عنه صلی الله علیه و آله أنه قال: «خیرکم من تعلم القرآن وعلمه». وعنه صلی الله علیه و آله أنه قال: «لیس شیء أشد علی الشیطان من القراءة فی المصحف نظراً».

القرآن هو الفارق بین الحق والباطل، والممیز بین الصحیح والفاسد فی الروایات والعقائد، إن الاختلاف فی صحتها وعدم صحتها لا بد من مرجع ترجع الأمة إلیه، المرجع الأصیل والمیزان العدل هو القرآن، فما وافق کتاب الله یؤخذ به، وما عارض کتاب الله یضرب به عرض الحائط، فالقرآن هو المصدر الأساسی للأمة، وهو عهد الله لها کما تقدم فی الروایة السابقة. وهو قلب الأمة الإسلامیة فما دام القرآن فیها وله وجود فی حرکاتها وسکناتها فإنها حیة وهی بخیر وإذا - لا سمح الله - رفع القرآن منها فقد رفع منها کلّ خیر ورفع التقدم والعزة والکرامة وأصبحت خاویة تتقاذفها الأهواء والفتن وتصبح تابعة غیر متبوعة.

لذلک یجب علی الأمة الاهتمام به والمحافظة علیه وتقدیسه وتعظیمه وتکریمه بما یلیق بشأنه کالاهتمام بتطبیق أحکامه وتحقیق أهدافه.

ولهذا عُنی المسلمون أن یجعلوا کتاب الله تبارک وتعالی أول ما یهمهم فی الحیاة, واهتم أئمة أهل البیت علیهم السلام بالقرآن الکریم اهتماما کبیراً وبالغاً، قراءةً وحفظاً وترتیلاً وتطبیقاً فی جمیع المجالات لحیاتهم وشؤونهم، وکیف لا یکونوا کذلک وهم عدله، وفی بیتهم وعلی قلب جدهم نزل، وقد حثوا أتباعهم علی قراءته وترتیله وحفظه والتدبر فیه وإلیک هذا النصّ من سیّد العترة، حیث قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لابنه محمّد بن الحنفیة: «وعلیک بقراءة القرآن، والعمل بما فیه، ولزوم فرائضه وشرائعه

ص:23

وحلاله وحرامه وأمره ونهیه، والتهجد به، وتلاوته فی لیلک ونهارک، فإنه عهد من الله تبارک وتعالی إلی خلقه فهو واجب علی کلّ مسلم أن ینظر کلّ یوم فی عهده ولو خمسین آیة، واعلم أن درجات الجنة علی عدد آیات القرآن فإذا کان یوم القیامة یقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فلا یکون فی الجنة بعد النبیین والصدیقین أرفع درجة منه». (1)

ومما جاء فی وصایا آیة الله العظمی السید علی الخامنئی دام ظله حول القرآن الکریم ومعارفه إنه قال:

یجب أن تکون قراءة القرآن میسّرة بنحو یتمکن جمیع الشعب، بل وکل الناس من قراءة القرآن... .

إن البلاد التی یحکمها الإسلام یجب علی جمیع شعبها القراءة الصحیحة للقرآن.

و قال فضیلته:

إن الأنس بالقرآن یقوی المعرفة الإسلامیة ویعمقها فی نفوسنا، وإن معنی الأنس بالقرآن هو القراءة للقرآن والتدبر فی مفاهیمه وفهمها.

کما قال:

إن ما تعانی منه الشعوب الإسلامیة إنما هو لأجل الابتعاد عن الحقائق والمعارف القرآنیّة ولو تأملنا فی آیات القرآن الکریم لاستحکمت إرادتنا وازدادت عزیمتنا.

ولقد أرجع انتصار الثورة الإسلامیة القرآن إلینا، وفتح طریق القرآن بوجهنا، وعلینا أن نجبر تخلّفنا فی ظل تعلم هذا الکتاب السماوی، ومضافاً إلی تعلّمه لا بدّ من التعلم الکامل لترجمته. (2)

3. سور یُستحب الإکثار من تلاوتها

من المستحب المواظبة علی تلاوة بعض السور, وقد وردت بذلک الأحادیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام مما لا یسع المجال لذکرها، فنکتفی بذکر بعضها فیما یلی:

ص:24


1- (1) . من لا یحضره الفقیه: 2/ 628؛ وسائل الشیعة: 283/ 4.
2- (2) . مقتطفات من بیانات سماحته فی مناسبات مختلفة.

سورة الفاتحة

عن الرسول صلی الله علیه و آله أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاری: «ألا أعلّمک أفضل سورة أنزلها الله فی کتابه، فقال جابر: بلی، قال: فعلّمه الحمد أمّ الکتاب...، ثمّ قال صلی الله علیه و آله : هی شفاء من کلّ داء إلا السّام، والسّام الموت». (1)

آیة الکرسی

فی وصیة أبی ذر أنه سأل النبی صلی الله علیه و آله أیُّ آیة أنزلها الله علیک أعظم قال: «آیة الکرسی». وقال صلی الله علیه و آله : «من قرأ آیة الکرسی فی دبر کلّ صلاة لم یمنعه دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حین نام آمنه الله تعالی جاره، وأهل الدویرات حوله». (2)

سورة یس

قال الرسول صلی الله علیه و آله : «یس قلب القرآن لا یقرؤها عبد یرید الله والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرؤوها علی موتاکم».

سورة الرحمن

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من قرأ سورة الرحمن، فقال عند کلّ (فَبِأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ ) 3 : «لا بشیء من آلائک ربّ أکذّب»، فإن قرأ لیلاً ثمّ

ص:25


1- (1) . جامع الأخبار: 7 / 3.
2- (2) . عن الأئمة المعصومین علیهم السلام : أن آیة الکرسی هی قوله تعالی: (اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا یَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ * لا إِکْراهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ یُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ * اَللّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ أُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ ) البقرة: 255 - 257.

مات مات شهیداً، وإن قرأها نهاراً ثمّ مات مات شهیداً». (1)

سورة الواقعة

قال الإمام الصادق علیه السلام : «من قرأ فی کلّ لیلة جمعة الواقعة أحبه الله وحببه إلی الناس أجمعین، ولم یر فی الدنیا بؤساً أبداً، ولا فقراً ولا فاقة، ولا آفة من آفات الدنیا...». (2)

سورة الملک

عن أبی جعفر علیه السلام : «من قرأ سورة الملک فی لیلته فقد أکثر وأطاب، ولم یکن من الغافلین، وإنّی لأرکع بها بعد العشاء وأنا جالس». (3)

سورة القدر

عن النبی صلی الله علیه و آله : «من قرأ سورة القدر فی لیلة، عدل ربع القرآن»، «ومن قرأها فی کلّ فریضة من الفرائض نادی منادٍ: یا عبد الله قد غفر لک ما مضی فاستأنف العمل». (4)

سورة العادیات

قال الإمام الصادق علیه السلام : «من قرأ سورة العادیات وأدمن قراءتها بعثه الله عزّوجلّ مع أمیر المؤمنین علیه السلام یوم القیمة خاصة». (5)

4. فضل تلاوة القرآن وحفظه

ومن الأمور المهمة فی هذا الجانب هو قراءته قراءة صحیحة وحفظه عن ظهر قلب حتّی تترسخ مفاهیمه وأحکامه وأخلاقه فی ذهن الأمة ویخرج فی سلوکها وکیانها وأخلاقها وقد أکدت علی ذلک الروایات فعن أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قال: «الْحَافِظُ لِلْقُرْآنِ

ص:26


1- (1) . بحار الأنوار: 89/ 306.
2- (2) . المصدر: 310/86.
3- (3) . مستدرک سفینة البحار: 18؛ کتاب الصلاة: 546.
4- (4) . ثواب الأعمال: 2 / 152.
5- (5) . المصدر: 1/ 152.

الْعَامِلُ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْکِرَامِ الْبَرَرَةِ» (1). فیستحب للأخ المسلم أن یجتهد ما استطاع فی حفظ ما یمکن من القرآن الکریم, فیرتب علی نفسه کلّ یوم آیة أو آیات من القرآن الکریم بقدر طاقته یحفظها حفظاً جیداً.

والحافظ للقرآن عادة یلاقی المشقة فی ذلک أو المحافظة علیه بعد حفظه إیاه یحتاج إلی مداومة المذاکرة والتکرار وهذا ما نبهت علیه بعض الروایات من أن مثل هذا الشخص سوف یضاعف الله سبحانه له الأجر والثواب.

کما جاء فی الصحیح عن أَبِی عبد الله علیه السلام قال: «إِنَّ الَّذِی یُعَالِجُ الْقُرْآنَ وَیَحْفَظُهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْهُ وَقِلَّةِ حِفْظٍ لَهُ أَجْرَانِ». (2)

إن تحفیظ القرآن الکریم للناشئة من أولادنا وبناتنا لهو من الأمور الضروریة وأن کلّ من تفوته هذه الفرصة سوف یتأسف علی ذلک ویندم حیث لا یجدیه نفعا .

وفقنی الله وإیاکم إلی تلاوة کتابه حق تلاوته، والعمل بأحکامه وأوامره، واجتناب نواهیه وزواجره، راجین من العلی القدیر أن یوفقنا لخدمة کتابه العزیز، وعترته الطاهرة المکملة للقرآن، وأن یهدینا إلی التمسک بهما جمیعاً، عملاً بقوله صلی الله علیه و آله «یا أیها الناس إنی ترکت فیکم ما إن أخذتم به لن تضلوا: کتاب الله وعترتی أهل بیتی». (3)

فاجتهد یا أخی أن تفوز بهذه الفضیلة, واللهَ نسأل أن یجعلنا وإیاک من أهل القرآن فنکون بذلک من أهل الله وخاصته, والله حسبنا ونعم الوکیل.

ص:27


1- (1) . وسائل الشیعة: 6 / 176، ح: 7667.
2- (2) . المصدر: 6 / 176، ح: 7668 .
3- (3) . انظر کتاب المراجعات: رقم 28 وما بعده؛ جامع أحادیث الشیعة: 1 / 46 وما بعدها.

آداب تلاوة القرآن

اشارة

ینبغی لقارئ القرآن أن یستحضر فی نفسه أن یناجی الله تعالی، فیراعی الأدب مع القرآن، ومع کلامه سبحانه. فمن الآداب التی تنبغی مراعاتها وتعاهدها:

الطهارة

یستحب لمن أراد قراءة القرآن من لیل أو نهار أن یتطهر لذلک بالوضوء، وأن یستاک بالسواک؛ لأن فی ذلک تعظیماً للقرآن الذی هو کلام الله عز وجل، ولأن الملائکة تدنو منه عند تلاوته للقرآن.

القراءة فی مکان ملائم

یستحب أن تکون القراءة فی مکان نظیف مختار، وأفضل الأماکن المسجد، لکونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة. وتکره القراءة فی مکان مستقذر، کأماکن قضاء الحاجة والمزابل ونحو ذلک. کما یستحب عند القراءة أن یستقبل القبلة.

الاستعاذة والبسملة والتصدیق

إذا أراد الشروع فی القراءة فإنه یستحب له أن یستعیذ، لقوله تعالی: (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ ) . (1)

و صیغة الاستعاذة المختارة: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم». ومن استعاذ بغیرها من الصیغ الواردة فجائز.

ص:28


1- (1) . النحل: 98.

ویجهر بالاستعاذة إذا کان بحضرة من یسمعه؛ لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة، وحتی ینصت السامع للقراءة من أولها لئلا یفوته منها شیء.

- وإذا قطع القراءة أو فصلها بفاصل وطال، استأنف الاستعاذة.

- وأن یقول بعدها: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) ، ویستحب أن یحافظ علی قراءة البسملة فی أول کلّ سورة سوی سورة التوبة.

- ومن عادة القراء الإتیان بلفظ «التصدیق» علامة للانصراف عن القراءة، والتصدیق عبارة عن «صَدَقَ اللهُ العَلِیُّ العَظِیمُ»، أو أی عبارة تؤدی هذا المعنی، والدلیل علی ذلک أن هذه الصیغة أو قریباً منها ورد الأمر بها فی القرآن، ومنه قوله تعالی: (قُلْ صَدَقَ اللّهُ ) 1 ، (وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ ) , (وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ ) .

حضور القلب والخشوع

من آداب التلاوة حضور القلب، والخشوع للمقروء، وأن یقرأ القرآن جالساً خاشعاً بسکینة ووقار مطرقاً رأسه، ویستحب أن یُحضر قلبه الحزن عند القراءة وأن یتباکی، وأن یتأمل ما فیه من التهدید والوعید الشدید والمواثیق والعهود، ثمّ یتأمل تقصیره فی ذلک، قال تعالی: (اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلی ذِکْرِ اللّهِ ذلِکَ هُدَی اللّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) . (1)

و قد ذمّ الله عز وجل من استمع القرآن فلم یخشع له قلبه، فقال: (أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ * وَ تَضْحَکُونَ وَ لا تَبْکُونَ ) . (2)

ص:29


1- (2) . الزمر: 23.
2- (3) . النجم: 59 و60.
التفکر والتدبر

و من آداب التلاوة الاجتهاد کلّ الاجتهاد فی التدبر والتفکر، فذلک هو المقصود الأول منها, فقال الله تبارک وتعالی (کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) 1 ، وعلی الإخوان إذا استمعوا أن ینصتوا ویفکروا فی المعانی، وأن یکونوا علی غایة الخشوع والتعظیم لکتاب الله تبارک وتعالی، ویستحضروا الآیة الکریمة: (وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ ) . (1)

ولقد کان أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله یستمعون القرآن وکأن علی رؤوسهم الطیر, وکانوا یستمعون إلی القرآن، فلا یری الراءون أکثر بکاءً منهم فی حالهم تلک حین الاستماع: (وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَی الرَّسُولِ تَری أَعْیُنَهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ...) . (2)

الترتیل بالقرآن

و من آداب التلاوة کذلک تلاوة القرآن بالترتیل ومراعاة أحکام التجوید, فیخرج الحروف من مخارجها, ویؤدیها علی قواعدها فیمد الممدود, ویغنّ ما یستحق الغنة, ویفخّم المفخم ویرقّق المرقق... وهکذا.

تحسین الصوت بالقرآن

ثمة أحادیث شریفة تحث علی قراءة القرآن بصوت حسن، لما له من فعل مؤثر لتحسس مفاهیمه، وتجمیل استماعه، والإقبال علی تدبر معانیه، والالتذاذ برحیق مشکاة

ص:30


1- (2) . الأعراف: 204.
2- (3) . المائدة: 83 .

علومه وبلاغه لقوله صلی الله علیه و آله : «زینوا أصواتکم، فإن صوت الحسن یزید القرآن حُسناً». (1) وأیضاً قال صلی الله علیه و آله : «إن لکل شیء حلیة، وحلیة القرآن الصوت الحسن». (2)

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن هذا القرآن نزل بحُزن فإذا قرأتموه فابکوا, فإن لم تبکوا فتباکوا وتغنّوا به, فمن لم یتغنّ بالقرآن فلیس منا». (3)

والمراد «بالتغنی» هنا التحزن والخشوع مع تجوید القراءة، فقد جاء فی حدیث جابر رحمه الله قال: رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذی إذا سمعتموه یقرأ حسبتموه یخشی الله». (4)

و یشیر المفکر الکبیر الشهید مرتضی مطهری رحمه الله إلی دور التلحین فی القرآن بشرح قوله تعالی: (وَ لَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّکِرٍ) 5 ، هناک أقوال فی خصوص تفسیر شطرین من هذه الآیة الکریمة: أولاً: التیسیر والتسهیل للقرآن، وثانیاً: تذکیر وموعظة القرآن.

أما فی معنی تیسیر القرآن، فإن البعض ذهبوا إلی أن القرآن حقیقة ما فوق العالم المادی، فتم تنزیلها بصورة اللفظ والعبارة. وقیل فی جوابه، أن هناک کثیر من الکتب السماویة نزلت بصورة اللفظ، أما تمیّز القرآن فهو نزل بلسان عربی مبین. وجاء فی الشطر الثانی من الآیة، سبب التیسیر وهو التذکر والاتعاظ، لأن الکلام الفصیح والبلیغ تأثیره ونفوذه أکثر من الکلام الألکن. وقد یُوصِل کلاهما الفکرة، ولکن البیان غیر الفصیح لا یستطیع أن یَنفذ فی القلب، کما أن الکلام إذا تم بیانه بلحن جمیل سیکون

ص:31


1- (1) . عیون أخبار الرضا : 2 / 69 .
2- (2) . مستدرک الوسائل: 273/4.
3- (3) . جامع الأخبار: 13/7.
4- (4) . البحار: 195 :92 / 10.

تأثیره ضعفین، وعلاوة علی ذلک إذا کان للکلام صلة بالقلب؛ یعنی کان متصلاً بفطرة الإنسان سیکون نوراً علی نور. فهذا هو حال القرآن. وباختصار أن القرآن مدین فی بقائه لثلاثة أشیاء: أولاً: کلماته تنبعث من الفطرة البشریة، وثانیاً: عباراته فی قمة الفصاحة والبلاغة، وثالثاً: کون تلاوته بلحن لطیف، حیث أکدوا فی الروایات علی قراءته بصوت جمیل وبالغناء: «تغنوا بالقرآن» (1) !

یعنی: لا تقرؤوا القرآن بشکل عادی، بل اقرؤوه بالتغنی، وهذا ما أمره النبی صلی الله علیه و آله والأئمة الأطهار علیهم السلام والناس کانوا ینفّذون. وکان الأئمة أنفسهم یقرؤون القرآن بأصوات وألحان جمیلة. فقد نقل أن الإمامین «السجاد» و«الباقر» علیهما السلام کانا أحسن الناس صوتاً بالقرآن، بحیث کان السقاؤون یمرون فیقفون ببابهما یستمعون قراءتهما. (2)

فإن أوربا - ولاشک - أکثر تطوراً منا فی مجال الموسیقی، فلمَ لا تبثّ التوراة والإنجیل أو أی کتاب سماوی آخر عبر الإذاعة؟ لأنه لا تناسب قراءة أی کتاب نثر غیر القرآن بالتلحین، وهذه المیزة منحصرة فی القرآن... إذاً قراءة القرآن بالصوت والتغنی الجمیلین هی المطلوبة، وقابلیة القرآن لقراءة مرتّلة ومغنّاة من إعجاز القرآن، والمراد من التلحین، القراءة بألحان معنویة وروحیة، لا شهوانیة، والمرجع فی هذا الأمر الخبراء فی هذا الفن.

هنا أتساءل لماذا انتشرت تلاوات عبد الباسط فی البلدان الإسلامیة برمتها؟

ص:32


1- (1) . مقدمة مجمع البیان: 16، الفن السابع.
2- (2) . عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان علی بن الحسین علیه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن، وکان السقاؤون یمرون فیقفون ببابه یستمعون قراءته». وعن علی بن محمّد النوفلی عن أبی الحسن علیهما السلام قال: «إن علی بن الحسین علیه السلام کان یقرأ القرآن فربّما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته، وإن الإمام علیه السلام لو أظهر من ذلک شیئاً لما احتمله الناس من حسنه». قلت: ولم یکن رسول الله علیه السلام یصلی بالناس ویرفع صوته بالقرآن فقال: «إن رسول الله علیه السلام کان یحمل الناس من خلفه ما یطیقون». وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «وکان أبو جعفر علیه السلام أحسن الناس صوتا». التفسیر الصافی: 75/1.

لأنه قرأ القرآن الکریم باعتماده علی صوته العالی ولحنه الجمیل ومعرفته لأنواع القراءات والألحان، وتمییزه بأن کلّ آیة تناسب أی لحن، فعلی سبیل المثال استمعوا إلی قراءته لسورة الشمس أو سورة الضحی، فهو یختار أنسب لحن لقراءة السور الکریمة.

کل هذا یدل علی ماذا؟ استخدام الوسائل المشروعة لتبلیغ الرسالة الإلهیة. لماذا کان یقرأ الإمام [المعصوم] علیه السلام القرآن بصوت جمیل ولطیف جدا؟ لأنه کان بصدد إیصال المفاهیم القرآنیّة للناس وتبلیغها بهذه الطریقة. (1)

و أشار آیة الله السید الخامنئی دام ظله إلیه بقوله:

... وینبغی أن أشیر إلی أن الأنغام عموماً تُخرج الإنسان بمقدارٍ ما عن حالة الجدّ، وهذا طبع الموسیقی، فلا ینبغی إنکار الواقع، اللهم إلا إذا کان محتواها من القوة بحیث لا یسمح بحدوث ذلک، کما هو حال القرآن، فاللحن القرآنی له هذه الخاصیة، فهو یبعث الروح فی المقروء، ویبرزه أمام الإنسان، ویدخله ذهنَه کلمة کلمة، ویجری فی الروح جریان الماء، وبذلک یزیل تلک الحالة السلبیة [الإخراج عن حالة الجدّ] الناتجة من صوت جمیل مثل صوت الشیخ مصطفی إسماعیل، والشیخ الشحات محمّد أنور مثلاً... . (2)

ص:33


1- (1) . التعرف إلی القرآن [بالفارسیة]: 5/ 18، للأستاذ الشهید مرتضی المطهری باختصار فی النقل.
2- (2) . من حدیث السید آیة الله الخامنئی دام ظله مع أعضاء القسم الثقافی فی صحیفة الجمهوریة الإسلامیة (1982/2/15م)؛ والقسم الأخیر مأخوذ من حدیث آخر لسماحته، انظر: العنبر المنثور: 54/1.

ص:34

المبحث الثانی: نبذة عن تاریخ القرآن

اشارة

إنّ الرسول الأمین صلی الله علیه و آله بعث بالرسالة فی السابع والعشرین من شهر رجب، وإنّ أوّل ما نزل من القرآن فی لیلة المبعث أول «خمس آیات» من سورة «العلق» وهی قوله تعالی: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اِقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ * اَلَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ ) ، ثمّ نزل باقیها فی وقت آخر، وکذلک سورة «المدثر» نزلت بعدها، فنزل أولها، ثمّ نزل سائرها بعد.

أما نزول القرآن ککتاب مفصل سماوی فإنما تمّ إنزاله فی لیلة واحدة - وهی لیلة القدر - من شهر رمضان الواقعة بعد البعثة بثلاث سنوات، کما قال تبارک وتعالی: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنّاسِ ) 1 (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ) 2 ، بید أننا إذا لاحظنا مدة 23 سنة من رسالة النبی صلی الله علیه و آله استنتجنا أن القرآن تم تنزیله بشکل تدریجی خلال عشرین عاماً حسب المناسبات والظروف المختلفة: (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) . (1)

ص:35


1- (3) . الإسراء: 106.

ثم إن أول سورة نزلت کاملة علی النبی صلی الله علیه و آله هی سورة «الفاتحة» ولذلک سمیت ب- «فاتحة الکتاب» وآخر سورة کاملة نزلت علی النبی صلی الله علیه و آله هی سورة «النصر».

و جدیر بالملاحظة أن بدء البعثة یختلف عن بدء نزول القرآن ککتاب سماوی؛ لأن النبی صلی الله علیه و آله لم یؤمر بالتبلیغ العام إلا بعد ثلاث سنوات, کان خلالها یدعو فی اختفاء حتّی نزلت الآیة الکریمة: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ ) . (1) ومن هذا الحین جعل القرآن ینزل تباعا بسمة کونه کتابا أنزل من السماء, وکان یسجّل علی العُسُب واللخاف (2)، یکتبه من کان یعرف الکتابة من المؤمنین, وهم عدد قلیل خلال عشرین عاماً.

و علی الأشهر أنّ آخر آیة نزلت علی رسول الله صلی الله علیه و آله هی الآیة: (وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ ثُمَّ تُوَفّی کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ ) 3 ، إذ توفی النبی صلی الله علیه و آله بعد نزولها بأحد عشر یوماً وقیل بعد سبعة أیام، ویمکن القول بأن الآیة الکریمة: (الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ دِینِکُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً...) 4 هی آخر آیة نزلت فی «الأحکام»، أما الآیة (وَ اتَّقُوا یَوْماً) هی آخر آیة علی الإطلاق، والله أعلم.

تقسیم القرآن إلی آیات وسور وتسمیتها

إنّ تقسیم القرآن الکریم إلی آیات وسور هو تقسیم إلهی تم تحقیقه بواسطة شخص النبی صلی الله علیه و آله , ویستدل علی ذلک بآیات من القرآن الکریم ذاته, حیث جاء التعبیر عن

ص:36


1- (1) . الحجر: 94.
2- (2) . العُسُب: سعف النخل، مفردها: عسیب؛ واللِخاف: حجارة بیض رقاق، واحدتها: لَخفة.

هذه القطع القرآنیّة بالسورة, فی مثل قوله تعالی: (وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) 1 ، أو (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ ) 2 ، وعدد السور114 سورة بالاتفاق.

أمّا تسمیة السور، فهی تناسب مع موضوعٍ ذکر فیها أو جاء الإسلام نفسه فیها، وقد ورد أنه کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله تنزل علیه الآیات فیقول: «ضعوها فی السورة التی یذکر فیها کذا». (1) وإن هذه الأسماء والنعوت کانت موجودة فی الصدر الأول بشهادة الآثار والتاریخ، وحتی أسماء بعض السور جاءت فی الأحادیث النبویة کسورة البقرة وسورة آل عمران وسورة هود وسورة الواقعة.

جدیر بالذکر أن القرآن الکریم أُنزل وهو غیر مکتوب علی «نبی أمی»، لم یتعلم القراءة والکتابة، فإنه صلی الله علیه و آله منذ الأیام الأولی، انتخب عددا من خواص الکتاب، ویعرفون باسم «کتّاب الوحی»، وبالإضافة إلی «کتابة» کلام الله منذ البدایة فإن «حفظ» الآیات القرآنیّة من قبل الصحابة یعتبر عاملا قطعیا لحفظ القرآن وصونه من التحریف والنسیان.

کیفیة جمع القرآن

إنّ بعض الصحابة اقترحوا علی الخلیفة عثمان, حتّی أصدر أمراً بکتابة المصحف الموحد وساعد عدد من الصحابة فی تنفیذ أمر الخلیفة فی المدینة حتّی اکتمل نسخ المصاحف ثمّ ساعدوا فی إصدار الخلیفة قراراً بتوحید جمیع نسخ القرآن علی المصحف الموحد, وإن علی کلّ من عنده نسخة مصحف أو صحف فیها قرآن أن یسلمها إلی الخلیفة أو إلی عماله.

ص:37


1- (3) . تفسیر القرطبی: 162/16.

والشخص الذی کان وراء توحید نسخة القرآن هو علی بن أبی طالب علیه السلام ، وبالرغم من أنه کان أول من جمع القرآن علی ترتیب النزول ردّوا جمعه ولم یشرکوه فی الجمع الأول والثانی، مع هذا لم یبد أیة مخالفة أو معارضة فی توحید المصاحف، بل أیّد المصحف الموحد ولم یقل شیئا عن هذا الموضوع حتّی فی أیام خلافته. بل کان یشجع الناس علی الالتزام بمصحف عثمان، ولو کان فیه «أخطاءٌ إملائیة»! وأقصد بالذات من الأخطاء الإملائیة النقص أو الزیادة فی کتابة بعض الکلمات مثل (بأیید) (1) إذ تُقرأ «بِأَیْدٍ»، أو (نجی المؤمنین ) (2) ؛ إذ تقرأ «نُنْجِی المُؤْمِنِینَ» وإلی ما شابه ذلک. أما ما خرج عن قواعد العربیة فی الرسم، لم یسمح بتعدیلها أو تصحیحها خشیة فتح باب التحریف فی القرآن بذریعة إصلاح رسمه، کما أشار إلیه الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام حینما سئل عن جواز تغییر کلمة فی القرآن بقوله: «لاَ یُهَاجُ القُرآنُ الْیَوْمَ». (3)

ومهما یکن الأمر, فمن الطبیعی أن یکون کتّاب کثیرون شارکوا فی الکتابة الأولی فی جلسات المذاکرات والمسودات, وحینما تم إقرار «المصحف الأم» أو «المصحف الإمام»، استنسخت المصاحف «التسع» - علی الأکثر - فی ضوئه، ثمّ احتفظ بنسخة منها فی المدینة، وسُیّرت المصاحف الأخری الثمانیة فی الآفاق، حیث أرسلت إلی المراکز المهمة الإسلامیة آنذاک أی مکة، والبصرة، والشام، والبحرین، والیمن، ومصر، والجزیرة. (4)

ومع کلّ اهتمام أعیر فی جمع القرآن وتوحید نسخه بقیت مجموعة من الأخطاء الإملائیة فی المصاحف، ومع الأسف أهمل تصحیحها قبل النشر والإرسال، مما أدی

ص:38


1- (1) . الذاریات: 47.
2- (2) . الأنبیاء: 88 ، تکتب فی الرسم العثمانی بنون صغیرة فوق الکلمه .
3- (3) . الدر المنثور: 387/9.
4- (4) . حلیة القرآن: 11/2.

إلی ظهور اختلاف فی القراءات فیما بعد. کما یعتبر تعدد لهجات العرب هو الآخر من أسباب اختلاف القراءات.

تنقیط الآیات ووضع العلامات فی المصحف

أوّل من وضع نقط المصحف هو أبو الأسود الدؤلی (1) المتوفی 69ه ، وأسهم فی تکمیل التنقیط تلمیذاه «یحیی بن یعمر» العدوانی البصری، و«نصر بن عاصم»، وحینما ظهرت مشکلة اختلاط نقط الحرکات التی وضعها أبو الأسود بنقط الحروف المتشابهة الرسم التی وضعها تلامذته کما أسلفناه، استطاع الخلیل بن احمد الفراهیدی المتوفی 170ه أن یبتدع أشکال الحرکات، فتمیزت حینئذ الحرکات عن الحروف، فقد جعل الحرکات حروفا صغیرة بدل النقط، وابتکر لکل حرکة ما یناسبها فی الشکل من الحروف، فالضمة واو صغیرة فوق الحرف، والکسرة یاء مردفة تحت الحرف، والفتحة ألف مائلة فوق الحرف، وقد وفق الخلیل مضافاً لهذا إلی ابتکار علامات الهمز والتشدید والروم والإشمام.

وحینما أباح المسلمون لأنفسهم ضبط النصّ المصحفی فی النقط والحرکات وقواعد الهمز والتشدید، أحدثوا النقط عند آخر الآی، ثمّ الفواتح والخواتم. وکان هذا العمل إیذانا بمعرفة حدود الآیة، إذ یفصل بینها وبین الآیة التی تلیها بمؤشر نقطی، تطور فیما بعد إلی شکل دائری، یوضع داخله رقم الآیة، وبذلک تم تأشیر أعداد الآیات وضبطها فی سورة واحدة.

ص:39


1- (1) . ظالم بن عمرو أبو الأسود البصری کان من سادات التابعین وأعیانهم وصاحب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ، شهد معه حرب «صفین»، وکان من أکمل رجاله فی الرأی والعقل، وهو أول من دوّن علم «النحو» بإرشاده. حکاه الجاحظ فی کتابه الشعر والشعراء، وأبو الفرج فی الأغانی، والسیوطی فی الطبقات، وابن حجر فی الإصابة أیضاً.

أسباب نشوء اختلاف القراءات

لا یخفی أن المتفق علیه بین المسلمین أن القرآن هو هذا الذی بین الدفتین لم یزد فیه ولم یغیر شیء، وإن اختلاف القراءات فی بعض الموارد، ووجود قراءة خاصة لأحد القراء لا یعنی اختلاف نسخ القرآن، فالقرآن واحد، حیث روی عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال: «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، ولکنّ الاختلاف یجیء من قبل الرواة». (1)

وهناک عدة عوامل لنشوء اختلاف القراءات منها:

1. تجویز الرسول صلی الله علیه و آله قراءة قراء مختلفین من حیث اللغة، واللهجة، والتلفظ.

2. اختلاف القُرّاء الذین کانوا فی الأمصار قبل وصول المصاحف.

3. اختلاف المصاحف التی کانت فی الأمصار قبل توحید المصاحف.

4. وجود الاختلاف فی نفس تلک المصاحف الموحّدة حسب الظاهر ورسم الخط. ویمکن القول أن جزءا کبیرا من اختلاف القراءات قد نشأ عن الخط المصحفی القدیم، باعتباره محتملا للنطق بوجوه متعددة .

ص:40


1- (1) . أصول الکافی: 630/2، ح: 12.

المبحث الثالث: تدوین القراءات

اشارة

إن القراءات هی اختلاف کلمات الوحی فی اللفظ، والأداء (1)، واللغة، والإعراب المنقول بالتواتر عن النبی صلی الله علیه و آله ، وبعد وفاته أخذت دائرة الخلاف تتسع یوماً بعد یوم إلی أن بلغت کثرة الروایات فی القراءات مبلغاً اضطر العلماء أن یقوموا بوضع حد لها، فکان أول من عرف عنه جمع القراءات فی کتاب، هو «أبو عبید القاسم بن سلام»، حیث حصرهم فی خمسة وعشرین قارئاً. ثمّ قام «ابن مجاهد» بتدوین کتابه (السبعة فی القراءات) وحصر أئمة القراءة بسبعة. ثمّ اتفقت الأمة علی تلقی قراءتهم بالقبول.

القراءات السبع

القراءات المشهورة «سبعة»، وکل منها منسوبة إلی إمام من أئمة القراءات، اشتهر عن کلّ واحد «راویان»، وفیما یلی أسماء القراء ورواتهم:

ص:41


1- (1) . إنّ «الأداء» الأخذ عن المشایخ، و«التلاوة» خاصة بالقرآن الکریم مع الاتباع أی متتابعاً کذکر الأوراد، أما «القراءة» فهی تطلق علی الأداء والتلاوة معاً؛ إذ هی أعم منهما.

الرواة الأربعة عشر

ص:42

ثم أضاف العلماء ثلاثة آخرین إلی القراء السبعة حتّی تتکون مجموعة «القرّاء العشرة» وهم أقل شهرة من القراء السبعة، وإلیک أسماء الثلاثة وأسماء رواتهم:

الفرق بین «القراءة» و«الروایة» و«الطریق»

اشارة

طریقة تلفظ أی کلمة أو عبارة فی القرآن لا تخلو عن ثلاثة تعریفات کما یلی:

القراءة: هی کلّ ما نسب قراءته لأحد من القراء العشرة، والذی تنسب القراءة إلیه یسمی «القارئ» أو «الإمام»، مثلاً کلمة «اَلْأَنْهار» تقرأ بسکون اللام وفتح الهمز وفق قراءة عاصم بلا خلاف بین راویَیْه.

الروایة: هی کلّ ما نسب للراوی عن الإمام مختلفاً عن نقل الراوی الآخر، مثلاً

ص:43

نفس کلمة «اَلْأَنْهار» تقرأ بسکون اللام وفتح الهمز وفق روایة «قالون عن نافع»، فی حین أنها تقرأ «اَلَنْهار» طبق روایة «ورش عن نافع»، وهکذا مثل کلمة «بیُوت» فی القرآن کله بروایة حفص بضم الباء، وروایة شعبة بکسر الباء أی «بِیوت». فنلاحظ أن الخلاف نسب للراوی ولم ینسب للإمام لاختلاف الروایتین.

الطریق: هو عبارة عن ما نقل عن الراوی، ویسمی الناقل والنقل «الطریق»، کما أن کلّ الناقلین المتأخرین عنه أیضاً «الطریق». فعلی سبیل المثال إن المدّ المنفصل بالقصر والتوسط هو طریق طیبة النشر (1) لابن الجزری. (2)

و روی أنه کان «حفص» أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم فکان مرجحاً علی «شعبة»بضبط الحروف، وقال الذهبی: هو فی القراءة ثقة ثبت ضابط، وقال ابن المنادی: قرأ علی «عاصم» مراراً، وکان الأولون یعدّونه فی الحفظ فوق أبی بکر بن عیاش. ویصفونه بضبط الحروف التی قرأها علی عاصم، وقرأ الناس بها دهراً طویلاً وکانت التی أخذها عن عاصم ترتفع إلی «علی علیه السلام ».

وروی عن حفص أنه قال: قلت لعاصم إن «أبا بکر شعبة» یخالفنی فی القراءة، فقال أقرأتک بما أقرأنی به أبو عبد الرحمن السلمی عن «علی» علیه السلام ، وأقرأت أبا بکر بما أقرأنی به زر بن حبیش عن «عبد الله بن مسعود».

فإن قراءة عاصم الکوفی تعتبر أکثر القراءات شهرة وثقة، إذ إنه قرأ علی أبی عبدالرحمن السُلمی وهو أخذ عن علی بن أبی طالب علیه السلام ، ومن بین الروایات تعتبر روایة حفص بن سلیمان أکثر الروایات شهرة وثقة بین المسلمین کافة، ولذلک «قراءة

ص:44


1- (1) .هناک منظومتان تدور علیهما أوجه القراءات: الأولی الطیبة فی القراءات العشر للإمام ابن الجزری. والثانیة الشاطبیة فی القراءات السبع للإمام الشاطبی.
2- (2) . هو أبو الخیر محمّد بن محمّد الدمشقی المتوفی 833 ه. أحد أصحاب الطرق المشهورة، وطریقه تسمی «طیبة النشر» مشیراً إلی کتابه طیِّبة النشر فی القراءات العشر.

عاصم» هی أفصح القراءات، و«روایة حفص» هی أتقن الروایات، وهی التی أُخذت قواعدها من طریق (طیبة النشر) لابن جزری رحمه الله.

مخطط بیانی لسلسلة روایة حفص عن عاصم

ص:45

معلومات قرآنیّة عامة

أول آیة نزلت هی: أول «خمس آیات» من سورة «العلق».

آخر آیة نزلت هی: الآیة 281 من سورة البقرة: (وَ اتَّقُوا یَوْماً...) .

أول سورة کاملة نزلت هی: سورة «الفاتحة».

آخر سورة کاملة نزلت هی: سورة «النصر».

أطول آیة فی القرآن هی: الآیة 282 من سورة البقرة: (آیة الدین ) .

أقصر آیة من فواتح السور هی: طه (طاها).

أقصر آیة من غیر الفواتح هی: (مُدْهامَّتانِ ) الرحمن / 64.

أطول سورة فی القرآن هی: سورة «البقرة».

أقصر سورة فی القرآن هی: سورة «الکوثر».

الکلمة الواقعة فی وسط القرآن تماماً هی: (وَ لْیَتَلَطَّفْ) الکهف/ 19.

عدد آیات القرآن علی الأشهر: 6236 آیة.

عدد سور القرآن: 114 سورة.

عدد أجزاء القرآن: 30 جزءً.

عدد أحزاب القرآن: 60 حزباً.

عدد السور التی تبدأ بالحروف المقطعة: 29 سورة.

عدد أسماء الأنبیاء التی ذکرت فی القرآن: 25 نبیاً.

أوّل من وضع نقط المصحف هو: «أبو الأسود الدؤلی».

أشهر الروایات فی قراءة القرآن: روایة «حفص عن عاصم».

ص:46

تعریف بالمصحف الشریف الذی ضبطت علیه القواعد فی هذا الکتاب

لقد کُتب وضُبط ما بین دفّتی المصحف الشریف علی ما یوافق روایة حفص بن سلیمان لقراءة عاصم الکوفی عن أبی عبد الرحمن السُلمی عن علی بن أبی طالب علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله .

وأخذت طریقة ضبطه مما قرره علماء الضبط مع الأخذ بعلامات «الخلیل بن أحمد» وأتباعه، واتبعت فی عدّ آیاته طریقة الکوفیین عن أبی عبدالرحمن عبدالله بن حبیب بن ربیعة السلمی عن علی بن أبی طالب علیه السلام علی حسب ما ورد فی کتاب «ناظمة الزهر» للإمام الشاطبی وغیرها من الکتب المدونة فی علم الفواصل، وآیات القرآن علی طریقتهم 6236 آیة.

وأخذ بیان أوائل أجزائه «الثلاثین» وأحزابه «الستین» وأرباعها من کتاب غیث النفع للعلامة السفاقسی وناظمة الزُّهر للإمام الشاطبی رحمهما الله تعالی. وأخذ بیان «مکیة» و«مدنیة» من کتب القراءات والتفاسیر علی خلاف فی بعضها، وجدیر بالذکر أن هذا التقسیم یساعد الباحث بشکل کبیر فی الوصول إلی هدفه العلمی.

أما نسبة المصاحف المطبوعة فی عصرنا إلی عثمان، وتسمیتها بالمصاحف العثمانیة أو بالرسم العثمانی، فإنّما هی نسبة إلی الخطاط الترکی «حافظ عثمان»، الذی تخصص لکتابة المصاحف، واتّفق رجال الدولة العثمانیة الترکیة علی قبول رسمه، کما اشتهرت فی السنوات الأخیرة النسخة التی کتبها الخطاط السوری «عثمان طه».

ص:47

ص:48

المبحث الرابع: مراتب القراءة

اشارة

قال الله تبارک وتعالی: (وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلاً) 1 ، ثمّ قال فی جواب هؤلاء: (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً) 2 ، فالترتیل هو المطلوب فی القراءة، وکل مراتب القراءة تجب أن تندرج ضمن الترتیل المؤکد علیه فی کتاب الله عزوجل:

تعریف الترتیل

اشارة

هو قراءة القرآن بطمأنینة وتؤدة مع تدبر المعانی ورعایة أحکام التجوید. قال الإمام علی علیه السلام فی تعریفه: «التَّرْتِیلُ أَدَاءُ الحُرُوفِ وحِفْظُ الوُقُوفِ». (1) وللقراءة مع مراعاة «أصل الترتیل» ثلاث مراتب:

1. التحقیق

وهو قراءة القرآن مع المبالغة فی أحکام التجوید وتستخدم هذه الطریقة للتعلیم.

ص:49


1- (3) . شرح أصول الکافی، للعلامة مولی محمد: 61/18.

ومعظم القراءات المتداولة فی الأمسیات والاحتفالات القرآنیّة تتم باتخاذ هذا النوع من القراءة، ومن الملاحظ أنه کانت «قراءة» عاصم و«روایة» ورش تمیلان إلی مرتبة التحقیق، وهی أبطأ أنواع الترتیل، إذ یتم فیه إشباع المدود، وتحقیق الهمزة،وإتمام الحرکات، وتفکیک الحروف من بعضها البعض، والوقف حیث یجوز،وبعبارة مختصرة مراعاة کاملة لجمیع القواعد التجویدیة، خلال قراءة بأدنی حدّمن السرعة.

2. التدویر

وهو قراءة القرآن بمنزلة بین السرعة والطمأنینة - أی بین مرتبتی الحدر والتحقیق - مع مراعاة أحکام التجوید. هذا النوع من القراءة اشتهرت بین الناس ب-«الترتیل»! ووجه اشتهاره قد یکون بسبب أن التدویر هو أحسن أنواع الترتیل، حیث یقال: «خیر الأمور أوسطها»، وإلا فإن الترتیل هو الروح الحاکم والسائد علی کلّ مراتب القراءة. والتدویر هو اختیار أهل الأداء والقراءة من الذین یقرأون «المدّ المنفصل» بالتوسط أی أقل من درجة الإشباع، ومنهم «ابن عامر» و«الکسائی».

3. الحدر

وهو قراءة القرآن الکریم مع الإسراع؛ بشرط أن لا یتجاوز حدّ الترتیل، ولا تهمل قواعد التجوید. وهذا النوع من القراءة طریقة من قرؤوا «المدّ المنفصل» بالقصر، منهم «ابن کثیر»، و«قالون» و«أبی عمرو» و... .

ملحوظة: هذا التقسیم مخالف لکثیر من کتب أحکام التجوید، حیث یعتبرون المراتب أربعة والترتیل یعد مرتبة من مراتب القراءة، فعند ذلک لا بدّ أن نقول ثلاثة من المراتب خارج نطاق الترتیل المؤکد علیه، ومن الأفضل ترکها!

ص:50

فلذلک إننی رجّحت القول بأن کلّ المراتب المذکورة أعلاه یعمّها الترتیل، وإذا لم یکن کذلک، لما کانت القراءة مستحسنة، وهذا الرأی هو المرجح فی کتاب حلیة القرآن أیضاً. (1)

و مهما کان فإن الترتیل هو أفضل القراءات، وکیف لا وقد جاء فی رابع آی المزّمّل: (أَوْ زِدْ عَلَیْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً) ولأنه تلاوة القرآن بسرعة معتدلة وتطبق فیه جمیع أحکام التجوید مع نیة أن تکون القراءة قربة لله تعالی، ومع التدبر فی معانی الآیات.

و لا تعتبر التلاوة ترتیلاً إذا غاب عنها التدبر والتفکر، کما یشیر إلی ذلک العلامة الطباطبائی رحمه الله فی تفسیر المیزان بذکر قوله تعالی: (وَ اذْکُرِ اسْمَ رَبِّکَ وَ تَبَتَّلْ إِلَیْهِ تَبْتِیلاً) . (2)

«و الظاهر أنه یصف صلاة اللیل فهو کالعطف التفسیری علی قوله: (... وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً) وعلی هذا فالمراد بذکر اسم الرب تعالی الذکر اللفظی بمواطأة من القلب وکذا المراد بالتبتل التبتل مع اللفظ. (3)

و بذلک اتضح وجه تسمیة هذا الکتاب: «التبتیل فی التجوید والترتیل»، مما یتناول قراءةَ القرآن المجوّدة مع التدبر والتوجه والإخلاص. (4)

ص:51


1- (1) . حلیة القرآن: 21/2 - 25.
2- (2) . المزمل: 8 .
3- (3) . المراد من التبتیل فی الآیة الکریمة: (وَ تَبَتَّلْ إِلَیْهِ تَبْتِیلاً) هو التبتل أی «الانقطاع» فیکون معنی العبارة: انقطع إلیه بالعبادة، وجرّد نفسک عما سواه. وقیل: أخلص إلیه إخلاصاً. وفی روایة: «هو رفع یدک إلی الله وتضرعک إلیه».
4- (4) . تفسیر المیزان:35/20.

أسئلة وتمرینات

1. عرّف الترتیل مع ذکر الفرق بین الترتیل والتدویر.

2. أی نوع من القراءات تفضل؟ لماذا؟

3. اقرأ آیة من القرآن الکریم بالمراتب الثلاثة من الترتیل، هل وجدت أن مرتبة الحدر أسرع من الجمیع؟

ص:52

الفصل الثانی : علم التجوید

اشارة

ص:53

ص:54

المبحث الأول: مدخل إلی تجوید القرآن

تاریخ علم التجوید

کان النبی صلی الله علیه و آله منذ نزول القرآن، حریصًا علی أن یعلم الصحابة القرآن ویتقنوه عنه کما کان یتلقّنه صلی الله علیه و آله من جبریل. وقد أتقن القرآنَ من الصحابة عددٌ کبیر مثل علی بن أبی طالب علیه السلام ، وأبی بن کعب وعبد الله بن مسعود، وزید بن ثابت وغیرهما.

وروی أیضاً أن أوّل مَن صنّف فی القراءات هو «أبان بن تغلب» (1) تلمیذ الإمام السجاد علیه السلام . ثمّ توالت الکتب فی هذا العلم توضح أصول القراءة وکیفیّة الطریقة الصحیحة لتجوید القرآن.

تعریف علم التجوید

التجوید فی اللغة: التحسین والتجمیل والتزیین.

ص:55


1- (1) . وهو ما ذکره ابن الندیم فی الفهرست؛ إذ قال: أبان بن تغلب وله من الکتب کتاب معانی القرآن وکتاب القراءات، وهو کتاب من الأصول علی مذهب الشیعة، وهو قبل أبی عبید القاسم بن سلام؛ لأنه توفی سنة (224ه) وأبان بن تغلب مات قبله بثلاث وثمانین سنة (ت 141ه)، ثمّ أعقبه حمزة بن حبیب أحد السبعة فی القراءات، وهو من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام .

و فی الاصطلاح: «إخراج کلّ حرف من مخرجه وإعطاؤه حقَّه ومستحقَّه من المخارج والصفات».

حق الحرف: هی صفات لازمة لا تنفک عن الحرف أبداً مثل صفة الجهر لحرف الزای، مع غض النظر عن حرکتها أو حروف أخری. ونحن سنتناول هذا البحث فی باب «صفات الحروف».

مستحق الحرف: هی صفات طارئة یمکن أن تنفک عن الحرف مثل: تفخیم الراء إذ إنها ناشئة من تأثیر الحرکات أو تعلقها بحروف أخری. ونحن سنتناول هذا البحث فی باب «أحکام الحروف». والذی یشمل أحکام التفخیم والترقیق، وأحکام النون والمیم الساکنتین، وأحکام المدّ والقصر.

ثمرة علم التجوید وغایته

أهم فائدة لتعلم التجوید هی: «حفظ اللسان من الخطأ أو ما یسمی باللحن عند قراءة القرآن».

واللحن فی القرآن نوعان:

اللحن الجَلیّ: وهو الخطأ الذی یطرأ علی الألفاظ ویخلّ بالقراءة المقصودة للآیة ومثاله استبدال حرف مکان آخر أو تغییر حرکة بأخری کتبدیل الطاء دالاً بترک إطباقها واستعلائها.

اللحن الخفی: وهو الخطأ الذی لا یغیر المعنی ولکن یخالف قواعد التجوید مثل ترک الغنة أو تقصیر المدّ ومد القصر.

و ینبغی الحذر من کلا اللحنین خشیة إحباط أجر القراءة وثوابها عندهما.

ولهذا یلزم ترویض اللسان علی النطق الصحیح بألفاظ القرآن بعد معرفة النطق بحروفه. ولا أعلم سبباً لبلوغ نهایة الإتقان فی التجوید ووصول غایة التصحیح، مثل ترویض الألسن والتکرار علی اللفظ المتلقی من فم المتقن المجوّد.

ص:56

ومن فوائد التجوید

1. التعبد لله والامتثال لأمره والاتباع لسنة رسوله صلی الله علیه و آله فی کیفیة القراءة.

2. إظهار الإعجاز القرآنی.

3. بیان الفرق بین قراءة القرآن الکریم وقراءة الکتب العادیة.

4. تجمیل القراءة وتزیینها.

5. التأنی وإبطاء القراءة مما یعطی فرصة للأمور التالیة:

أ. التدبر المأمور به شرعاً.

ب. الفهم والتأمل.

ج. الخشوع.

د. النطق الصحیح.

6. القراءة الصحیحة وفق المصاحف المتداولة برسم عثمان طه.

وبعد هذا التمهید لعلم التجوید نتناول فیما یلی بحث القواعد اللازمة لصیانة اللسان وإصابة النطق الصحیح عند تلاوة القرآن فی أبواب ثلاثة وهی:

«مخارج الحروف»، و«صفات الحروف»، و«أحکام الحروف»، وبعد ذلک سنتحدث عن علم «الوقف والابتداء» فی فصول متعاقبة إن شاء الله. (1)

أسئلة وتمرینات

1. عرّف التجوید لغة واصطلاحاً.

2. ما هی فائدة تعلم التجوید؟

3. ما هو حق الحرف وما هو مستحقه؟

ص:57


1- (1) . وکما مضی أن کلام الإمام علی علیه السلام یتکون من شطرین: فقال فی الشطر الأول (الترتیل أداء الحروف) والشطر الثانی (وحفظ الوقوف) وهذا هو الذی وضعناه نصب أعیننا فی تنظیم مباحث الکتاب.

ص:58

المبحث الثانی: دروس تمهیدیة لا بدّ منها

أحکام الاستعاذة والبسملة

1. الاستعاذة

الاستعاذة لغة: طلب اللجوء والعَوذ، وفی اصطلاح القراءة: أن تقول: (أعوذ بالله من الشیطان الرجیم )

إن الاستعاذة مستحبة ومندوبة عند الجمهور، وقیل واجبة عند البدء بالقراءة وذلک بمقتضی قوله تعالی فی (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ ) . (1)

طبعاً فإن الاستعاذة لا تتحقق إلا عن قلب وبنیة خالصة، وفی نفس الوقف تجری علی لسان القارئ.

ملحوظتان

الأولی: طریقة أداء لفظ الاستعاذة بالجهر أو الهمس تابعة للقراءة، فإذا قرأ بالجهر

ص:59


1- (2) . النحل: 98.

فالاستعاذة بالجهر وإلا فلا. أما فی خصوص الصلاة فالاستعاذة فیها دائماً بالهمس فتأمل.

الثانیة: فی حال قطع القراءة - ولو لمدة قصیرة - واستئناف القراءة لا بدّ من الاستعاذة من جدید.

و للاستعاذة مع البسملة عند أول السورة أربعة أوجه:

2. البسملة

اختلف رأی العلماء فی البسملة هل هی من القرآن أم لیست منه فقال بعضهم إن البسملة آیة فی سورة الفاتحة فقط ولا خلاف بین العلماء فی أنها بعض آیة من سورة النمل حیث قال: (إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) 1 وبذلک یکون عدد البسملة فی المصحف مطابقاً بعدد السور (114)؛ لأنها جاءت فی سورة «النمل» مرتین، وفی باقی السور مرة واحدة سوی سورة «التوبة». وقال بعضهم أنها جزء من

ص:60

أول کلّ سورة عدا سورة التوبة، وهذا هو الرأی المرجّح عند علماء الإمامیة.

عن الإمام الصادق علیه السلام - منتقداً الذین کتموا البسملة - قال: «کتموا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ ، فنعم والله الأسماء کتموها، کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا دخل إلی منزله واجتمعت علیه قریش یجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ ویرفع بها صوته، فتولی قریش فراراً! فأنزل الله عز وجل فی ذلک: (وَ إِذا ذَکَرْتَ رَبَّکَ فِی الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلی أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) ». (1) و (2)

و للبسملة بین السورتین ثلاثة أوجه عند حفص ومن وافقه:

أما الوجه الرابع فهو غیر جائز، أی لا یصح وصل آخر السورة بالبسملة، ثمّ قطع البسملة عن أول السورة بعدها لارتباط معنی البسملة بأول السورة لا بآخرها.

أوجه القراءة بین سورتی «الأنفال» و«التوبة»

1. الوقف بین السورتین.

2. وصل السورتین بدون البسملة.

3. السکت بین السورتین.

ص:61


1- (1) . الإسراء: 46.
2- (2) . الکافی: 266/8.

وطریقة «السکت» إسکان المیم فی آخر آیة من سورة الأنفال، حیث: (عَلِیمٌ ) وحبس النفس بمقدار حرکتین: (ما یقارب ثانیة)، ومن ثمّ الابتداء بأول آیة من سورة التوبة من دون أخذ النفس بین الآیتین.

وتجوز البسملة أثناء السور «حتی أثناء سورة التوبة»؛ أی ولو بعد أول السورة بآیة واحدة فتجوز البسملة، ویجوز عدم الإتیان بها، وقد ورد عن «الإمام الشاطبی» أنه کان یأمر بالبسملة بعد الاستعاذة أثناء السور فی نحو: (اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ) 1 ، (عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ ) 2 ، (إِلَیْهِ یُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ ) 3 ، لما فی وصل هذا وأمثاله بالاستعاذة من البشاعة فی المعنی والإیهام.

ملحوظة هامة: إذا أراد القارئ أثناء تلاوة سورة ما، أن یتوجه إلی سورة أخری أو آیات منفصلة من نفس السورة، فهو مخیر فی الإتیان بالبسملة وعدمه، لکنه إذا أخذ بتلاوة آیات من سورة سابقة، مثلاً رجع أثناء تلاوة سورة آل عمران إلی الوراء وبدأ یقرأ آیاتٍ من سورة البقرة، فهنا من «المؤکد» الإتیان بالبسملة، والله أعلم.

أسئلة وتمرینات

1. أیّ آیة من القرآن یؤکد استحباب الاستعاذة قبل القراءة؟

2. ما هو الوجه الممنوع فی القراءة بین سورتین متتالیتین؟

3. سورة التوبة نزلت بدون بسملة، مع ذلک عدد البسملة فی القرآن مطابق لعدد السور، اشرح السبب فی ذلک.

4. اذکر حکم البسملة فی بدایة سورة التوبة وأنصافها.

5. اذکر وجوه مختلفة للقراءة المتتالیة بین سورتی الأنفال والتوبة.

ص:62

أحکام همزة الوصل

«همزة الوصل» (1) هی همزة تثبت ابتداءً وتسقط درجاً، وتکون فی الحرف وفی الاسم وفی الفعل، وعلامتها فی المصحف مثل رأس «ص»: (ص) علی ألف الهمزة «ا». وهذه العلامة تدل علی الوصل.

وللمعلومة لا بد من إضافة القول بأنه إذا لم تسقط الهمزة عند الوصل تسمی «همزة القطع».

أما همزة الوصل فتأتی فی مواضع ثلاث:

1. الحرف

لا توجد همزة الوصل فی الحرف إلا فی أل التعریف، وتقرأ بإثبات الهمزة ابتداءً، وحرکتها الفتح: (الْعالَمِینَ * اَلرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) فتقرأ وصلاً «اَلعالمینَ رَّحمنِ رَّحیم».

2.الاسم

تکون همزة الوصل فی سبعة أسماء وردت فی القرآن الکریم هی:

الأمثلة:

ابن: (عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ ) تقرأ وصلاً (عیسَ بْنَ مریم).

ابنة: (وَ مَرْیَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ ) تقرأ وصلاً (ومریمَ بْنَة عمران).

ص:63


1- (1) . ورد فی وجه تسمیتها أنها همزة تلحق فی أول الکلمة «توصّلاً إلی النطق بها».

امرأ: (ما کانَ أَبُوکِ امْرَأَ سَوْءٍ) 1 تقرأ وصلاً (ما کان أبوکِ مْرَأَ سَوْءٍ).

امرُؤ: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ ) تقرأ وصلاً (إنِ مْرُؤٌ هلک).

امرأة: (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِیزِ) تقرأ وصلاً (قالتِ مْرأة العزیز).

اسم: (مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ) تقرأ وصلاً (من بعدِ سْمه أحمد).

اثنان: (حِینَ الْوَصِیَّةِ اثْنانِ ) تقرأ وصلاً (حین الوصیةِ ثْنان).

اثنین: (لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ ) تقرأ وصلاً (لا تتخذوا إِلَهینِ ثْنین).

اثنتان: (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ ) تقرأ وصلاً (منهُ ثْنتا عشرة).

اثنتین: (فَإِنْ کانَتَا اثْنَتَیْنِ ) تقرأ وصلاً (فإن کانَتَ ثْنتین).

3. الفعل

یکون فی أمر الثلاثی، وماضی الخماسی والسداسی المبدوءین بالهمزة، وأمرهما، ومصدرهما.

أمر الثلاثی، مثل: «ضرِب، فتَح، دخُلِ، خْرُجْ»

ماضی الخماسی وأمره ومصدره، مثل: «فنتقمنا، وصطبر، وختلاف»

ماضی السداسی وأمره ومصدره، مثل: «ستکبر»؛ «ستغفر»

وما سوی ما ذکرناه من الهمزات فی القرآن الکریم همزات قطع، مثل: «إستبرق، أحمد، أتی، إلیاس، إسمعیل».

حرکات همزة الوصل

أ. تفتح همزة الوصل فی «أل» التعریف ابتداءً، مثل: (الرَّحْمَنِ, الرَّحِیمِ, الْقُرْآنُ)

ب. تضمّ فی الفعل المضموم ثالثه، مثل: (خْرُجْ, دْخُلُوأ, ضْطُرَّ)

ص:64

ویستثنی الکلمات التالیة: (مْشُوا, بْنُوا، وَمْضُوا, قْضُوا) حیث ضمة الحرف الثالث عارضة لصلتها بواو الجماعة، والأصل فیها (امشِیوا، ابنِیوا، امضِیوا، اقضِیوا) .

ج. تکسر فیما سوی ذلک، نحو: (قْرَأْ, ضْرِبْ, خْتَلَفَ, قْتَتَلَ, بْتِغَاءَ) .

ملاحظات هامة

1. تحریک الحرف الساکن قبل همزة الوصل:

إذا وقعت همزة الوصل بعد الحرف الساکن ففی ذلک ثلاث حالات، إما أن یحرک بالفتح أو بالضم أو بالکسر.

أ. إذا سبقت (مِن) همزة الوصل یحرک النون فیها بالفتح، مثل: (فَمِنَ اللّهِ ) , (مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ )

ب. یحرک میم الجمع أو واو الجمع الساکن المسبوق بفتح قبل همزة الوصل بالضم، مثل: (عَلَیْکُمُ الصِّیامُ ) , (إِلَیْکُمُ السَّلَمَ ) , (وَ آتُوا الزَّکاةَ ) , (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ )

ج. یحرک الحرف الساکن قبل همزة الوصل بالکسر فی غیر الحالتین السابقتین، مثل: (أن ضرب ) , (قالت خرج) , (أن مشوا) , (أن صنع لفلک )

د. إذا سبق التنوین همزة الوصل فإن نونه تحرک بالکسر، مثل: (محظورا نظر)تقرأ (محظورَنِ نْظُر) . و (أَحَدٌ اَللّهُ ) تقرأ (أحدُنِ الله) مع مراعاة ترقیق لام لفظ الجلالة لکسر ما قبله.

2. هذه الکلمات السبع اجتمعت فی کلّ منها همزتان الأولی همزة وصل والثانیة همزة قطع، فإذا وصلت الکلمة بما قبلها حذفت همزة الوصل وبقیت همزة القطع ساکنة کما فی التالی: (ائْذَنْ لِی) , (اؤْتُمِنَ ) ، (رَأَیْتَ ) ، (ائْتِنا) ، (ائْتِیا) , (ائْتُوا) , (ائْتُونِی) إذا ابتدئ بها فحینئذ تثبت همزة الوصل وتُبدل همزة

ص:65

القطع حرف مد من جنس حرکة ما قبلها، فإن کان ثالث الفعل مضموماً ضمّاً لازماً بُدئ بهمزة الوصل مضمومة مثل «أُوتُمِنَ»، وإن کان ثالث الفعل مفتوحاً مثل «اِیذن لی» أو مکسوراً مثل «اِیتِنا» أو مضموماً ضمّاً عارضاً مثل «اِیتُوا» بدئ بها فی ذلک کله مکسورة.

3. هناک بعض أفعال الطلب تبدأ باللام الساکنة فی القرآن، فإذا بُدئ بها تُکسر اللام، مثال: (ثُمَّ لْیَقْطَعْ ) (تُقرأ: لِیُقطع) ، (ثُمَّ لْیَقْطَعْ ) (تُقرأ: لِیَقضوا) ، (وَ لْیُوفُوا) (تقرأ: لِیوفوا) ، (وَ لْیَطَّوَّفُوا) (تُقرأ: لِیَطّوّفوا) . ولا یخفی علیک أنه لا یجوز الابتداء بهذه الکلمات إلا عن اختبار وما شابه ذلک.

4. فی قوله تعالی: (کَذَّبَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ الْمُرْسَلِینَ ) 1 فی حال الابتداء ب- «لئَیْکَةِ» تُقرأ (الْئَیْکَةِ) ، فانتبه.

5. إذا جاءت همزة الاستفهام قبل همزة الوصل فی الأفعال، تحذف همزة الوصل رسماً وقراءة، کما حدث فی الأفعال السبعة أدناه فی القرآن الکریم:

(اتَّخَذْتُمُ ) ، (أَطَّلَعَ ) , (افْتَری) , (اصْطَفی) , (أَتَّخَذْناهُمْ ) , (أَسْتَکْبَرْتَ ) , (أَسْتَغْفَرْتَ ) . (1)

6. إذا دخلت همزة الاستفهام علی همزة (أل التعریف) فی الأسماء، فلا تُسقط همزة الوصل، بل تبدّل همزة الوصل ألفاً أو تسهّل، و«التسهیل» هو أداء الهمزة بدون نبرة وشدة. (2)

ص:66


1- (2) . مواضع الآیات أعلاه علی التوالی: البقرة: 80؛ مریم: 78؛ سبأ: 8؛ الصافات: 153؛ ص: 63؛ ص:75؛ المنافقون: 6.
2- (3) . للمزید مراجعة درس: تتمة فی صفات الحروف.

هذه الحالة لها ثلاثة مواضع فی القرآن فحسب، وهی:

- آلذَّکَرَینِ (بمد الألف) أو أ ا لذَّکرین (بتسهیل الهمزة الثانیة) .

- آلْان (بمد الألف) أو «أ ا لان» (بالتسهیل) .

- آلله (بمد الألف) أو «أَ ا للَّهُ» (بالتسهیل) .

7. إذا جاءت أل التعریف قبل همزة الوصل فبالإضافة إلی حذف همزة الوصل تُکسر اللام أیضاً، وذلک فی موضع واحد فی القرن فقط، وهو قوله تعالی: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ ) 1 ، فتقرأ وصلاً بإسقاط همزتی الوصل قبل اللام وبعدها، وتحریک اللام بالکسر: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ ) .

وتقرأ ابتداءً بوجهین: إثبات همزة أل التعریف أو حذفها کالتالی:

(الاِسْمُ الْفُسُوقُ ) أو (الاِسْمُ الْفُسُوقُ ) .

أسئلة وتمرینات

1. عرّف همزتی الوصل والقطع؟

2. أین تقع همزة الوصل؟ مثّل لذلک من القرآن.

3. ما حکم همزة الوصل مع الحرف؟ مثل لذلک.

4. ما حکم همزة الوصل مع الفعل؟ مثل ذلک.

5. ما حکم همزة الوصل مع الاسم؟ مثل لذلک.

6. اذکر الکلمات الثلاث فی القرآن التی یجوز فیها قراءة الهمزة بوجهَی المدّوالتسهیل.

7. ما هی أوجه قراءة (الاسم) فی قوله تعالی: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ ) ؟

8 . اقرأ وبیّن همزتی الوصل والقطع فی الآیات التالیة:

ص:67

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ * یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِیمانِ وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ * یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِیمٌ * یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ) . (1)

ص:68


1- (1) . الحجرات: 10- 13.

طرق الوقف علی أواخر الکلم

کان الأصل عند العرب فی النطق أنهم لا یبتدئون بساکن، ولا یقفون علی متحرک، وإنما کانت «الحرکة» أصلاً فی الابتداء (1)، و«السکون» أصلاً فی الوقف. ولما کان الغرض من الوقف الاستراحة، والسکون أخف من الحرکات کلها، وأبلغ فی تحصیل الراحة، صار أصلاً بهذا الاعتبار.

ملحوظة: الکلمة الناتجة من ترکیب عدة کلمات کلمة واحدة، باعتبار اتصال أجزائها رسماً، فلا یجوز الوقف إلا فی آخرها.

أمثلة: (فَأَسْقَیْناکُمُوهُ ) , (لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ) , (أَ نُلْزِمُکُمُوها) .

إنّ أهمّ طرق الوقف علی أواخر الکلم هی «الإسکان» و«الإبدال». وهناک طرق أخری للوقف فی قراءة القرآن أقل شهرة، مثل وقف «الإلحاق» حیث روعی مواضعه فی رسم المصاحف، أو لا لزوم فی تطبیقها مثل: «الروم»، و«الإشمام»، أو لم تنقل من طریق «حفص» مثل: الحذف، والإثبات، والإدغام، والنقل، مما لا فائدة فی ذکر الجمیع فی هذا الکتاب.

1. الإبدال

ومعناه تبدیل آخر حرف فی الکلمة إلی حرف آخر، وهو فی موقعین:

تبدیل هاء التأنیث المربوطة (ة) إلی هاء ساکنة (هْ) ، نحو: (عَشِیَّةً ) تُقرأ: «عَشِیَّهْ» عند الوقف.

ملاحظة : تاء التأنیث التی ترد فی القرآن مکتوبة بالتاء (أی تاء التأنیث المبسوطة) یوقف علیها بالتاء، نحو: (رَحْمَتَ، أمْرَأتَ، شَجَرَتَ)

ص:69


1- (1) . فی بعض اللغات یجوز الابتداء بالساکن، مثل اللغة الإنجلیزیة، فیجوز فیها الابتداء بحرف ساکن، مثل ( s) فی بدایة کلمة ( st ، فانتبه.

تبدیل تنوین النصب إلی الألف المدیة، نحو: (طَیْراً) تُقرأ: «طَیْرَا» عند الوقف.

2. الإسکان

وهو الأصل فی الوقوف علی آخر الکلمة، ویشمل جمیع الحروف والحرکات، غیر الموارد التابعة لقاعدة «الإبدال» أعلاه.

هنا لا بدّ من تنویه أن هناک «سبع کلمات» فی القرآن تخالف قاعدة الإسکان عند الوقف. فتثبت «الألف» الواقعة فی هذه الکلمات فی الوقف، وتبدل إلی «الفتحة» فی الوصل کما فی التالی:

ص:70

ملاحظات

1. یجوز فی «سَلَاسِلَاْ» فقط الوجهان فی الوقف الحذف والإثبات «سلاسلا» و«سلاسل».

2. تکررت کلمة «قَوَارِیرَ» مرتین فی سورة الدهر، والمقصود هنا «قواریرَا» الأولی فقط، إذ إن «قواریرا» الثانیة هی تابعة لقاعدة الإسکان، فلا تُقرأ الألف عندها لا فی الوصل ولا فی الوقف. (1)

3. قیل أن السبب فی الموارد (3، 4، 5، 7) هو التناسب فی الوزن مع فواصل الآیات المجاورة والله أعلم.

طرق أخری للوقوف علی آخر الکلمة

و هنا نشیر إلی ثلاثة من طرق الوقوف علی أواخر الکلم وهی أقل شهرة وأهمیة فی القراءة:

3. الإلحاق

و هو عبارة عن «إلحاق الهاء الساکنة» بآخر بعض الکلمات عند الوقف، فهذا یسمی «وقف الإلحاق»، والهاء المضافة إلی آخر الکلمة تسمی «هاء السکت»، وفائدته حفظ حرکة آخر الکلمة حال الوقف.

من الملاحظ أن قاعدة الإلحاق روعیت فی المصاحف - طبق روایة حفص عن عاصم - مثل إلحاق الهاء بآخر کلمة «لَم یتسّنَّ» من: (لَمْ یَتَسَنَّهْ ) . (2)

فاعلم أن هاء السکت تٌقرأ وصلاً ووقفاً عند «حفص»، ویأتیک شرح ذلک فی «أحکام الهاء» فی هذا الکتاب.

4. الروم

وهو الإتیان ببعض الحرکة (3) حتّی یذهب معظم صوتها، فیسمع لها صوت خفی، یسمعه

ص:71


1- (1) . للمزید مراجعة «باب فرش الحروف» فی نهایة هذا الکتاب.
2- (2) . البقرة: 259.
3- (3) . الأشهر هو «ثُلث الحرکة» ولا أکثر.

القریب المصغی دون البعید؛ لأنها غیرتامة. ولا یکون الرَّوم إلا فی «الکسرة» أو «الضمة».

و بما أن الروم لا یکون إلا بتحریک الحرف الساکن فی آخر الکلمة، فلا یُمدّ فیه «العارض»، وباختصار أن المدّ العارض سببه هو «السکون»، وإذا تحرک فلا یبقی سبباً للمد، وبالتالی یُقرأ بالمدّ الطبیعی بمقدار «حرکتین»، مثال:

5. الإشمام

وهو ضم الشفتین بُعیدَ إسکان الحرف کهیئتهما عند النطق بالضمة، وهو إشارة إلی الضمّ بدون أداء الحرکة، ومن ثمّ فلا یدرکه إلا الناظر إلی القارئ، ولا یجوز إلا علی «الضمة». (1)

وهناک أنواع أخری للإشمام غیر إشمام الوقف لا حاجة لذکرها، ولکننا نذکر منها نوعاً ورد فی لفظ (تَأْمَنّا) فی قوله تعالی: (قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنّا عَلی یُوسُفَ) 2 فأصل الکلمة «تأمنُنا» بنونین، أدغمت الأولی فی الثانیة للجمیع.

تنبیه هامّ : اعلم أن الرَّوم کالوصل، فلا یمد فیه العارض لزوال السبب. أما الإشمام فهو تظاهرٌ بتحریک آخر الکلمة ولیس تحریکها بالفعل، فلا یزول السبب عنده، وبالتالی یُمدّ العارض للسکون فی حالة «الإشمام» (2)، وفائدة الروم والإشمام هی «بیان

ص:72


1- (1) . اعلم أن وقفَی الروم والإشمام من طرق الوقف الاختیاری، بمعنی أن القارئ مخیّر بین التطبیق وعدمه، ولا بد من التذکیر أن طریقة عاصم فی الوقف تعتمد علی رسم الخط المتداول فی المصحف الشریف، فلذا أن أحسن طریقة الوقف وأشهرها هی وقف (الإسکان) و(الإبدال)، حیث لا ینصح القارئ العزیز إلا باتباع هاتین الطریقتین للوقف.
2- (3) . للمزید راجع «أحکام المدّ العارض للسکون» فی باب أحکام المدّ والقصر من هذا الکتاب.

حرکة آخر الکلمة» للمستمع، فلا روم ولا إشمام فی الخلوة، فانتبه.

استثناء: إن الأصل - کما ذکرناه - هو الإسکان أو الإبدال، ویجوز الروم والإشمام إلا علی «الفتحة»، أو علی «الحرکة العارضة»، أو «تاء التأنیث»، أو «میم الجمع»، فلا یجوزان فی الأمثلة التالیة:

(الْمُؤْمِنُونَ ) أو (قالَتِ امْرَأَتُ ) أو (کاذِبَةٌ ) أو (کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِتالُ ) .

أسئلة وتمرینات

1. عدّد أهم طرق الوقف علی آخر الکلم.

2. اذکر أربعة من الألفات السبع التی تخالف قاعدة الإسکان عند الوقف.

3. اشرح وقف الروم والإشمام.

4. اذکر نوعاً وحیداً من الإشمام فی القرآن یقع فی وسط الکلمة مع شرح ذلک.

ص:73

أحکام الهاء فی آخر الکلمة

اعلم أخی القارئ أن الهاء فی آخر الکلمة لا تخلو من حالات ثلاث:

1. الهاء الأصلیة.

2. هاء السکت.

3. هاء الضمیر.

1. الهاء الأصلیة

الهاء الأصلیة أو الذاتیة فهی جزء من جوهر الکلمة مثل هاء فی آخر کلمة نحو: (اللّهِ ) أو (فِتْنَتَهُ ) أو (زَوْجِهِ ) وغیرها، فمن البدیهی أن تُقرأ کما کان بدون أیّ مدّأوإشباع.

ملاحظة : الهاء فی کلمة: (هذِهِ ) تقرأ بالإشباع أی تُمد بمقدار الیاء المدیة (حرکتین) کالتالی: «هَاذِهی»، مع أنها من جذر الکلمة.

2. هاء السکت (1)

إن هاء السکت هی الملحَقة بآخر الکلمة - کما سبق فی حکم وقف «الإلحاق» - لبیان حرکة آخر الکلمة عند الوقف، ولیس لها معنی فی الکلام!

وحکمها أنها ساکنة أبداً إن کانت فی حالة الوقف أو الوصل. وتقع فی القرآن فی سبعة مواضع وهی:

ص:74


1- (1) . جدیر بالذکر أن هاء السکت لا تعنی لزوم السکت عندها، بل هی - کما ذکرناه آنفاً - تُلحق بآخر الکلمة لبیان الحرکة الأخیرة لها، أما السکت بمعنی «التوقف لهنیهة» فسیأتی شرحه فی الدروس اللاحقة تفصیلاً إن شاء الله.

3. هاء الضمیر (هاء الکنایة)

وهی عبارة عن هاء الضمیر التی یکنی بها عن المفرد المذکر الغائب، وحرکتها «الضم» أو «الکسر»، وهی إما أن تقع بین متحرکین وإما یکون بعدها أو قبلها ساکن، ویترتب علی ذلک إشباع (1)الهاء وعدمه.

الإشباع لغةً: التوفیة، والمقصود بإشباع الحرکة إعطاؤها زمناً أطول عند النطق بها، وباختصار: «هو تبدیل الحرکة إلی حرف المد»، فنحن إذا أشبعنا حرکة الفتح تولد عنها حرف الألف، وإذا أشبعنا حرکة الضم تولد عنها حرف الواو، وإذا أشبعنا حرکة الکسر تولد عنها حرف الیاء.

ص:75


1- (1) . «الإشباع» اصطلاحاً هو مدّ الحرکة بمقدار حرف المدّ أی بقدر حرکتین، ویسمی الإشباع «مدّ الصلة» أیضاً. وینقسم إلی قسمین: مد الصلة الصغری ومد الصلة الکبری. والصلة الصغری هی مد هاء الکنایة بمقدار حرکتین، أما إذا جاء بعد الهاء الهمزة، فیسمی مد الصلة الکبری، فیأخذ حکم «المد المنفصل»، مثال: (اللّهِ إِنْ ) ، أو (عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ ) وسیأتی شرحها فی مبحث المدود بالتفصیل، إن شاء الله.

مثلاً فی کلمة: (الْأُولی) تُشبع الهمزة، ولکنها فی کلمة: (أُولِی) تُقرأ بدون إشباع کالتالی: «أُلی».

إشباع هاء الضمیر : تُمد هاء الضمیر عند الإشباع بمقدار حرکتین حال «الوصل» فقط دون الوقف. مثل هاء الضمیر فی: (اللّهِ ) فهی تمد حرکتین حال الوصل فقط.

أما عدم الإشباع یعنی: «أن لا تُمدّ الهمزة أکثر من حرکة واحدة». ومثاله هاء الضمیر فی (مِنْهُ ) فلا تمد إلا حرکة واحدة فقط.

حالات عدم إشباع هاء الضمیر

1. فیما إذا وقع بعد هاء الضمیر أو قبلها «ساکن» أو وقعت الهاء بین «ساکنین» نحو: (یَعْلَمْهُ اللّهُ ) , و (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ ) , و (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ ) , و (مِنْهُ لَحْماً) , و (إِلَیْهِ الْمَصِیرُ) .

2. فیما إذا کان بعدها «حرف مشدّد» نحو: (بِهِ الَّذِینَ ) ، وقوله: (مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ )

3. فیما إذا کان قبلها أحد «حروف المد» نحو: (أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ ) ، و (بالِغِیهِ إِلاّ) ، و (فِیهِ هُدیً ) ، و (وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ ) .

حالات إشباع هاء الضمیر

تُشبع هاء الضمیر فیما إذا وقعت بین متحرکین، یعنی إذا کان ما قبلها مکسوراً تٌقرأالهاء بالیاء المدیة، وإذا کان ما قبلها مفتوحاً أو مضموماً فتقرأ الهاء بالواو المدیة،نحو: (فِی حُکْمِهِ أَحَداً) ، تُقرأ: «فی حکمِهی أبداً»، و (قالَ لَهُ صاحِبُهُ ) ،تُقرأ: «قال لَهُو صاحِبُهو» و (رَبُّهُ بِکَلِماتٍ ) ، تُقرأ: «ربّهُو بکلمات»، وقس علی ذلک.

ص:76

استثناءات «الإمام حفص» فی إشباع هاء الکنایة

1. تحققت شروط إشباع هاء الضمیر فی قوله تعالی: (یَرْضَهُ لَکُمْ ) 1 ، إلا أن «حفص» قرأها بعدم إشباع الهاء، وذلک اعتداداً بأصل الکلمة وهو «یَرْضَاهُ» .

2. إن هاء الکنایة وقعت بین متحرکین فی قوله تعالی: (وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً) 2 ، ورغم ذلک قرأها «حفص» بالإشباع کالتالی: «فِیهِی مُهَاناً»، تأکیداً علی العذاب.

3. لا بدّ من ملاحظة أن الهاء فی کلمتَی: (أَرْجِهْ ) 3 و (فَأَلْقِهْ ) 4 ، هی هاء الضمیر الساکنة تبعاً للتلقی والتواتر، ویجب أن لا تختلط مع هاء «السکت»، فانتبه.

4. فی قوله تعالی: (وَ یَتَّقْهِ ) 5 ، قرأها حفص بسکون القاف وعدم إشباع الهاء.

5. فی آیتی: (وَ ما أَنْسانِیهُ ) و (عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ ) 6 ، تُضم الهاء خلاف القاعدة؛ إذ کان ینبغی کسرها، فتأمل.

أسئلة وتمرینات

1. ما الفرق بین الهاء الأصلیة وغیرها؟

2. بیّن نوع الهاء فی أواخر الکلمات مع فرض أنها تقرأ فی حالة «الوقف»:

نَفْقَهْ - فواکِهْ - یَتَّقْهْ - فَسْئَلْهْ - أَرْجِهْ - مَالِیَهْ - لَمْ یَتَسَنَّهْ - سَفِهْ - اقْتَدِهْ - عَلَیْهْ - یَنْتَهْ - فَأَلْقِهْ - یَرْضَهْ.

3. اذکر القاعدة العامّة لإشباع هاء الضمیر (خلال جملة واحدة).

4. إلام ینقسم مد الصلة؟

ص:77

5. اذکر استثناءات الإمام حفص فی إشباع هاء الضمیر.

6. اقرأ الآیات التالیة بوصلها مرة، وبفصلها مرّة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

(الْقارِعَةُ * مَا الْقارِعَةُ * وَ ما أَدْراکَ مَا الْقارِعَةُ * یَوْمَ یَکُونُ النّاسُ کَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ * وَ تَکُونُ الْجِبالُ کَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِینُهُ * فَهُوَ فِی عِیشَةٍ راضِیَةٍ * وَ أَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ * فَأُمُّهُ هاوِیَةٌ * وَ ما أَدْراکَ ما هِیَهْ * نارٌ حامِیَةٌ ) . (1)

ص:78


1- (1) . القارعة: 1 - 11.

المبحث الثالث: أحکام التجوید

جهاز النطق

تتکوّن آلة النطق لدی الإنسان من ثلاثة تجاویف رئیسة، وبعبارة أبسط أنّ کلّ کلام ینطق به مصدره أحد تجاویف ثلاثة فی جهاز النطق، وهی «تجویف الفم»، و«تجویف الأنف»، و«تجویف الحلق».

وهذه صورة لأعضاء آلة النطق یتّضح من خلالها موقع التجاویف الثلاثة فیها:

ص:79

الصوت

تعریف الصوت: هو تخلخل أو تموّج فی طبقات الهواء تدرکه الأذن البشریة؛ لأنه هناک بعض الأصوات لا تدرکها الأذن البشریة .

و«وحدة» قیاس الصوت هی «الحرکة»، یقال: صوت بمقدار حرکة أو حرکتین أو أکثر.

فالحرکة هی: الفتحة، أو الکسرة، أو الضمة، وهی الزمن الذی ینطق فیه حرف متحرک، وعندما نقول «حرکتین» فهو الزمن اللازم لنطق حرفین والذی یسمی بالمد، وسیأتی شرح حروف المد، وأنواع المدود فی هذا الکتاب بالتفصیل إن شاء الله.

مثال: عندما ننطق «بَ»: زمن امتداد الصوت «حرکة واحدة» فقط، أما عندما ننطق «بَا»: نلاحظ أن الألف هنا ضِعف حرکة الفتح، فنقول زمن امتداد الصوت فی الألف: «حرکتان».

إذاً: «الفتحة»: نصف الألف المدیة.

و«الکسرة»: نصف الیاء المدیة.

و«الضمة»: نصف الواو المدیة.

الحرف

تعریف «الحرف» لغةً: هو طرف الشیء، واصطلاحاً: هو صوت یعتمد علی مخرج محقق أو مقدّر.

المخرج المحقّق والمقدّر

المخرج المحقق ما یعتمد علی جزء معین من أجزاء جهاز النطق وینتهی فی نقطه محددة، وهو ما نسمیه فی العصر الراهن ب- : «الحرف الصامت».

والمخرج المقدر هو الذی لا یعتمد علی أی جزء من أجزاء جهاز النطق ولا ینتهی فی نقطه محددة، بل ینتهی بانتهاء هواء الزفیر. وهو ما نسمیه ب- : «الحرف الصائت».

ص:80

إذاً الأصوات الثلاثة (-َُِ-) وحروف المدّ التی تتشعب منها (ا -ِ- ی -ُ- و) هی «الحروف الصائتة» فی اللغة العربیة، وما عدی ذلک کلها تعتبر «الحروف الصامتة». والمقصود بالصوامت هی کلّ صوت یقبل التحریک بالفتح أو الضم أو الکسر. (1)

أسئلة وتمرینات

1. ما هی تجاویف جهاز النطق؟

2. ما هی وحدة قیاس الصوت، وما هو مقدارها؟

3. ما الفرق بین الحرکات (-َُِ-) وبین حروف المدّ (ا، ِی، ُو) ؟

4. عّرف الحرف، واذکر علام یعتمد الحرف؟

5. بیّن الحرف الصامت والحرف الصائت.

ص:81


1- (1) . مهارات الاتصال فی اللغة العربیة.

الحروف الهجائیة

الحرف فی التجوید هو أصغر وحدة لتکوین الکلمة القرآنیّة. والحروف الهجائیة «ثمانیة وعشرون» حرفاً، وذلک لأنَّ کانت «الألف المدیة» و«الهمزة» فرعَین عن «الألف»، أما إذا اعتبرنا «الألف المدیة» حرفاً مستقلاً، و«الهمزة» حرفا آخر، فتکون الحروف الأصلیة تسعةً وعشرین حرفاً، فانتبه.

أما الحروف الهجائیة فهی علی نوعین:

القسم الأول: الحروف الأصلیة

الألف - الباء - التاء - الثاء - الجیم - الحاء - الخاء - الدال - الذال - الراء - الزاء (1) - السین - الشین - الصاد - الضاد - الطاء - الظاء - العین - الغین - الفاء - القاف - الکاف - اللام - المیم - النون - الهاء - الواو - الیاء.

ملاحظة: مجموعة متکونة من «أربعة عشر» حرفاً وردت فی أوائل 29 سورة من القرآن، وسمیت بالحروف المقطعة. وأن کیفیة نطقها أن یُنطق بها موقوفة دون علامات إعراب علی حکم الأسماء المسرودة؛ إذ لم تکن معمولة لعوامل، فحالهاکحال الأعداد المسرودة حین تقول: «ثلاثهْ»، «أربعهْ» ، «خمسهْ». ولذلک نطق القراء بها ساکنة سکون الموقوف علیه. وهی طائفتان، المتکونة من حرفین، والمتکونة من ثلاثة أحرف؛ أمّا الأولی، فهی مجتمعة فی عبارة «حیّ طهر»، وما کان من أسماء الحروف ممدود الآخر نُطق به فی أوائل السور أَلفاً مقصوراً طلباً للخفة، وهی کالتالی:

ص:82


1- (1) . ویقال للزای أیضاً زاء بالمدّ ، وأحیانا زِی بالکسر والتشدید وهی خلاف الفصیح.

و المجموعة الثانیة فهی عبارة عن:

«ألف، سین، صاد، عین، قاف، کاف، لام، میم، نون».

القسم الثانی: الحروف الفرعیة

«الحروف الفرعیة» هی التی تخرج من مخرجین، وتتردد بین حرفین أو صفتین، وعلی الأغلب تقع عند غیر «حفص»، وأشهرها سبعة:

1. «الهمزة المسهلة»: وهی التی تکون بدون شدة وحرکتها بدون مدّ, تکون بین الهمزة والألف نحو (أَ أَنْذَرْتَهُمْ ) أو بین الهمزة والواو نحو (أَ أُنَبِّئُکُمْ ) أو بین الهمزة والیاء نحو (أءنا) و کل ذلک عند «غیر حفص»؛ لأنّ حفص لم یسهّل إلا همزة واحدة، وهی الهمزة المفتوحة من کلمة (ءَ أَعْجَمِیٌّ) 1 وثلاث کلمات بوجهی الإبدال والتسهیل وهی: (آلذَّکَرَیْنِ ) , (آللّهُ ) , (آلْآنَ ) . (1)

2. «الألف الممالة» هی التی بین الألف والیاء، والإمام «حفص» لم یُمِل إلا ألفاً واحدة من القرآن، وهی ألف (مَجْراها) . (2)

ص:83


1- (2) . الأنعام: 143؛ یونس: 59 - 51 - 91.
2- (3) . هود: 41.

3. «الصّاد المشمَّة صوت الزای: » أی التی یخالط لفظها لفظ الزای، إلا أن صوت الصاد أغلبُ، نحو: (الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ ) 1 ، وهذا فی قراءة الإمام «حمزة» وغیره.

4. «الیاء المشمّة صوت الواو» ، نحو: (قِیلَ ) ، (وَ قُضِیَ) 2 ، وهذا فی قراءة الإمام «کسائی» و«هشام».

5. «اللاّم المفخمة:» وذلک فی لفظ الجلالة إذا سبقها فتح أو ضمّ نحو: (قالَ اللّهُ ) أو (رَسُولَ اللّهِ ) بقراءة «حفص»، أما «ورش» فهو غلّظ کلّ لام مفتوحة، وقعت بعد حرف من الأحرف الثلاثة (الصاد - الطاء - الظاء) ، بشرط أن تکون هذه الحروف ساکنة أو مفتوحة، وأن تکون هی واللام فی کلمة واحدة.

6. «الألف المفخمة»، وهی فرع عن الألف الأصلیة.

7. «النون الساکنة والتنوین فی حال إخفائهما أو إدغامهما بغنة»، وکل من الإخفاء والإدغام فرع الإظهار، والله أعلم. (1)

ملحوظة: هناک فرق بین «الهمزة» و«الألف» من الجهة الصوتیة لکلا الحرفین، فالهمزة تخرج من أقصی الحلق، بینما «الألف» تخرج من الجوف کسائر حروف الجوف، وهی: الألف المدیة، والیاء المدیة، والواو المدیة، و«الهمزة» صوت مجهور ساکن، مثلاً: أمر، أکل و... حرفها الأول هو الهمزة، بینما الکلمات: قال، آل، صام و... حرفها الثانی هو الألف.

کذلک نبّه بعض علماء العربیة من القدماء والمعاصرین أن الهمزة والألف حرفان مختلفان مستقلان، ولیسا حرفاً واحداً کما یظن البعض، أما الآخرون فاعتبروا الهمزة

ص:84


1- (3) . أحکام قراءة القرآن الکریم للشیخ محمود خلیل الحصری: 48.

من فروع الألف، فعلی هذا الأساس أصبح عدد الحروف ثمانیة وعشرین حرفا، والترتیب الذی جاء به العلامة «محمد بن الجَزَری» فی کتابه التمهید فی علم التجوید کما یلی:

«أصل حروف العربیة تسعة وعشرون حرفاً: الهمزة، والباء والتاء والثاء والجیم والحاء والخاء والدال والذال والراء والزاء (الزای) ، والسین والشین والصاد والضاد والطاء والظاء والعین والغین والفاء والقاف والکاف واللام والمیم والنون والهاء والواو والألف والیاء».

و علی کلّ حال أن أول حرف فی الأبجدیة العربیة هو الألف. والألف قسمان:

1. الألف اللینة: هی الألف الساکنة (ا - ی) ، یأتی قبلها حرف مفتوح، مثل: (قالا، ماء) وتسمی أیضا الألف المدیة أو الألف الجوفیة. وهی التی لا تکون إلا فی وسط الکلمة أو فی طرفها.

2. الألف الیابسة : (أی المتحرکة) أو الألف غیر المدیة والتی اشتهرت بالهمزة، تقبل الحرکات وتکون فی بدایة الکلمة ووسطها وآخرها، وکتابتها الأصلیة هی (ء)، والأحرف الأخری تستخدم کمسند للهمزة. مثال: (أَخَذَ) ، (أُمْطِرَتْ ) ، (الضَّلالَةَ ) ، (یَأْخُذُ) (فَیَؤُسٌ ) ، (سُوءَ) ، (آمَنُوا) .

أسئلة وتمرینات

1.کم عدد الحروف الأصلیة؟

2. عّرف الحروف الفرعیة، واذکر ثلاثة منها؟

3. ما الفرق بین الهمزة والألف؟

4. ما الفرق بین الألف الساکنة والألف المتحرکة؟

ص:85

مخارج الحروف

اشارة

اعلم أن المخرج هو المکان الذی یخرج منه الحرف سواء علی سبیل التحقیق أو التقدیر. ویمکنک تحدید مخرج الحرف وذلک بالوقوف علیه ساکنا، وذلک یکون بوضع الهمزة قبل الحرف وتسکینه، أمثلة:

أب، أن، أر، أص، أذ، أس، أک، أج، أش، أق، أس، أد، أط، أز، أف، أت، أض، أظ... إلخ.

فالمخرج «المحقق» - کما سبق ذکره - هو الذی یعتمد علی جزء معین من أجزاء الحلق أو اللسان أو الشفة. والمخرج «المقدر» هو جوف الفم والحلق - أی من فراغهما - ویخرج منه حروف المد.

تعریف «المخرج» لغة: هو موضع الخروج، أو محل خروج الشیء، واصطلاحاً: « هو محل خروج الحرف ».

کیفیة تکوّن الحرف

یستقر هواء الزفیر الخارج من الرئتین، بعد عبوره عن الحنجرة - مع اهتزاز الأحبال الصوتیة فی الحنجرة أو بدونها - علی جزء من أجزاء «جهاز النطق»، وبذلک یتکون«الحرف».

ص:86

وجهاز النطق یتکون من:

فالموضع الذی یتحول الهواء من خلاله إلی الحرف یسمی مخرج الحرف. مثل محل ملاقاة اللسان واللهاة وهو مخرج أداء حرفی القاف والکاف، أو ملتقی الشفتین العلیا والسفلی وهو موضع خروج حرف الباء، وقس علی ذلک.

ص:87

المواضع الخمسة فی جهاز النطق
اشارة

1. الجوف.

2. الحلق.

3. اللسان.

4. الشفتان.

5. الخیشوم.

نستطیع تشبیه المواضع الخمسة لجهاز النطق بمحافظات البلد، ثمّ تنقسم کلّ «محافظة» إلی عدة مدن (مخارج) ، وکل «مدینة» إلی عدة «قری» (حروف)، فلکل موضع مخرج أو أکثر للحروف.

واعلم أنّ عدد المخارج سبعة عشر مخرجاً (1)، وقیل ستة عشر مخرجاً (2)، وقیل أربعة عشر مخرجاً (3)، والمشهور هو المخرج التی ذکرت فی الأول. (4)

ورجَّح ابن الجزری فی کتابه النشر فی القراءات العشر الذی انتهی من تألیفه سنة (799ه-) مذهب مَن جعل المخارج سبعة عشر، فقال: «أمَّا مخارج الحروف، فقد اختلفوا فی عددها فالصحیح المختار عندنا وعند من تقدَّمنا من المحققین... سبعة عشر مخرجاً، وهذا الذی یظهر من حیث الاختبار». (5)

ص:88


1- (1) . وهو مذهب الخلیل بن أحمد وابن الجزری.
2- (2) . وهو مذهب الشاطبی.
3- (3) . وهو مذهب الفراء ویحیی وقطرب.
4- (4) . قیل إن عدد مخارج الحروف یتعدی 17 مخرجاً؛ لأن هناک حروف تخرج من نفس المخرج، فلابد أن یکون صوتها هو نفس الصوت، وبالرغم من أنها تخرج من نفس المخرج، فإن الصوت یختلف، وهذا دلیل علی أنها مختلفة فی المخرج، وأجاب الآخرون بأن الحروف مشترکة المخرج تختلف باختلاف الصفة لا المخرج فحسب، فتأمل.
5- (5) . النشر: 198/1، ویُنظر: جهد المقال: 121.
أولاً: موضع الجوف

«الجوف» لغة: هو الخلاء، واصطلاحاً: هو « الخلاء الداخل فی جهاز النطق ». وهذا الموضع له مخرج واحد فقط، وبعبارة أخری هو «أول مخرج» من مخارج جهاز النطق. وتخرج منه حروف المد.

المخرج الأول: حروف المد

هذه الحروف تتکون فی «جوف» الفم والحلق، من غیر اعتماد علی أی جزء من أجزاء الفم.

صورة حروف المد

«حروف المد» (1) یسمی حروف «المدّ واللین» أیضاً، کما یشیر إلیه العلامة ابن الجزری بقوله: «سمیت بذلک؛ لأن الصوت یمتد بها ویلین، وذلک فی مخرجها حین یسمع السامع مدها، والألف هی الأصل فی ذلک، والواو والیاء مشبهتان الألف؛ لأنهما ساکنتان کالألف، ولأن حرکة ما قبلهما منهما کالألف یتولدان من إشباع الحرکة قبلهما کالألف، فاعلم». (2)

ص:89


1- (1) . تسمی هذه الحروف«جوفیة»؛ لأنها تخرج من الجوف، أو «هوائیة»؛ لأنها تنتهی بانتهاء هواء الفم، أو «مدیة»؛ لأن الصوت یمتد عند النطق بها، أو «حروف العلة»؛ وسمیت کذلک لتأوه العلیل (المریض) بها.
2- (2) . التمهید فی علم التجوید: 97/1.

و هی:

الألف المدیة: ألف ساکنة ما قبلها مفتوح.

الواو المدیة: واو ساکنة ما قبلها مضموم.

الیاء المدیة: یاء ساکنة ما قبلها مکسور.

ملحوظة هامة : لا فرق فی لسان العرب بین «الفتحة» و«الألف المدیة»، ولا فرق بین «الضمة» و«الواو المدیة»، ولا فرق بین «الکسرة» و«الیاء المدیة» إلا فی طول مدّ الصوت، بمعنی أن «الألف والواو والیاء المدیة» نفس «الفتحة والضمة والکسرة»، إلا أن «الحروف المدیة» تُمدّ بمقدار حرکتین أو أکثر. (1)

ملاحظات حول حروف الجوف:

الملاحظة الأولی : ینبغی إخراج الحروف الجوفیة خالصة من جوف الفم بدون أیّ شائبة من الأنف, ولهذا کان ابن الجزری دقیقاً عندما قال: «للهواء تنتهی» أی : لهواء جوف الفم, فما یفعله بعض الناس من إخراجها من الأنف خطأ محض.

الملاحظة الثانیة : ینبغی ملاحظة ترقیق الواو والیاء فی جمیع الأحوال, فهما لا یفخّمان بحال, وخاصة الواو إذا جاء بعدها مفخم, مثل: (غَفُورٌ) و (الصُّدُورِ) فی حالة الوقف, أو جاء قبلها مفخم، أو وقعت بین مفخّمین، وکذلک الأمر بالنسبة للیاء. أما الألف فلا توصف بترقیق ولا بتفخیم، بل تکون تابعة للحرف الذی قبلها، فإذا جاء قبلها حرف من حروف التفخیم فخّمت, مثل: (خالِدِینَ ) , (الظّالِمِینَ ) ، وإن جاء قبلها حرف مرقق رقَّقت, مثل: (مالِکِ ) أو (الْبابَ ) , ولتنتبه إلی عدم تفخیمها إذا کان بعدها حرف مفخّم, مثل: (بِالْباطِلِ ) .

الملاحظة الثالثة: ینبغی التخلص من الخنخنة، وهی إخراج الحروف من الأنف مشربة بغنة.

ص:90


1- (1) . سیأتی ذکر أنواع المدود ومقدارها لاحقاً إن شاء الله.
ثانیاً: موضع الحلق

ویراد بالحَلْق فی علم التجوید، الموضع الذی ینتهی من الأسفل إلی «الأوتار الصوتیة» فی الحنجرة، ومن الأعلی إلی «اللهاة»، مع ملاحظة أن اللهاة لیست جزءاً من الحلق.

ویتداخل المعنی اللغوی لکلمة الحلق بمعنی کلمة «البُلعوم»، لکنّ علماء العربیة المتقدّمین استخدموا کلمة «الحلق» دون کلمة البلعوم للدلالة علی التجویف الذی تصدر منه الأصوات الستَّة. (1)

أما فی وجهة نظر العلماء الجدد، فإن الحلق موضع یقع فوق منطقة الحنجرة - أی فوق فتحتَی المریء والحنجرة- فلذلک أن الحنجرة والأوتار الصوتیة تقعان خارج موضع الحلق، بل فی أسفله. (2)

فالحلق فی الواقع عبارة عن مفترق طرق لتجویف الفم، وتجویف الأنف، وفتحة المریء، والحنجرة. وتُعدّ الحنجرة أهمّ عضو فی التجویف الحلقی؛ لأنّها تضمّ الوترین الصوتیین اللذین تصدر منهما النغمة الحنجریة التی تعطی صفة الجهر لعدد من أصوات اللغة.

فمن الناحیة التجویدیة للحلق ثلاثة مخارج کما یلی:

«أقصی الحلق» - «وسط الحلق» - «أدنی الحلق». وکل من المناطق الثلاثة فیها«مخرجان».

ص:91


1- (1) . وجهة نظر جدیدة فی مخارج الأصوات الستة: 17.
2- (2) . حلیة القرآن: 63/2.

صورة حروف الحلق

المخرج الثانی: محل خروج حرفَی (ء - ه)

و هو أقصی الحلق، أی أبعد مخرج عن الفم، وهذا المخرج وقع فی موضع الأوتار الصوتیة بالضبط.

والأوتار الصوتیة هی عبارة عن «وترَیْن» ظریفین داخل الحنجرة. والحنجرة عبارة عن صندوق صغیر یتألف من عدد من الغضاریف. والقسم الأمامی من الحنجرة یبرز عند استدارة الرقبة إلی الوراء، والمسمّی «تفاحة آدم».

والفاصل بین الوترین الصوتین أو الثنیة الصوتیة یسمی «جیب الحنجرة».

ویخرج من «أقصی الحلق» حرفان (الهمزة والهاء)

فی حالة نطق حرف الهمزة ینطبق الوتران انطباقاً قویاً، فینحبس هواء الزفیر الخارج من الرئتین خلف جیب الحنجرة لحظة، ثمّ ینفرجان فیحدث صوت الهمزة بحیث یشبه صوت «انفجار».

ملحوظة هامّة : یتم أداء «الهمزة» بقدرة و«نبرة» دائماً، ویمنع نطقه بالسهولة

ص:92

واللین.ولا یوجد فی القرآن کله إلا همزة مسهّلة واحدة بقراءة حفص، وذلک فی قوله تعالی: (ءَ أَعْجَمِیٌّ) . (1)

و التسهیل هو: «سلب صفة القوة والنبرة من الهمزة»، وسیأتی شرح «النبرة» فی تتمة مبحث صفات الحروف بالتفصیل إن شاء الله.

وعند نطق حرف الهاء یقترب الوتران الصوتیان من بعضهما البعض، وتفتح فتحة صغیرة بینهما، بدون إیجاد الارتعاش، بل بتضییق ممرّ الهواء فقط. ومع عبور الهواء من جیب الحنجرة یتولد حرف الهاء. فنستطیع القول بأن الهاء هی «زفیر صائت»! ولا بدّ من اجتناب الإفراط والتفریط فی إخراج الزفیر، بحیث لا تتحول «الهاء» إلی «الخاء» أو «الکاف»، کما هو الخطأ الشائع عند بعض القراء، أما التفریط فی أداء الهاء یؤدی إلی تولید صوت جوفی مبهم، فانتبه.

المخرج الثالث: محل خروج حرفَی (ع - ح)

و هذا المخرج یسمی «وسط الحلق»، ویخرج منه حرف «الحاء» بتضییق جدیرات الحلق، بدون حدوث ارتعاش فی الأوتار الصوتیة، فیخرج صوت یرافقه البُحّة بتماسّ الزفیر بها.

و إذا أضفنا إلی الحالة أعلاه أی کیفیة نطق «ح» ارتعاشَ الأوتار الصوتیة، فعندئذٍ تتولد حرف «ع». وذلک بفارق أنه فی صوت «ع» لا تکون بحة والخشونة الکائنتین فی حرف الحاء.

وجدیر بالاهتمام أنه لا بدّ من اجتناب التفخیم والتغلیظ لحرفی الحاء والعین. وکذلک تقریبهما من مخرج الخاء والغین وهذه الحالة ناتجة عن الإفراط فی أدائهما، أما التفریط فیؤدی إلی تولید صوت مبهم من الجوف، فانتبه.

ص:93


1- (1) . فصلت: 44.

المخرج الرابع: محل خروج حرفَی (غ - خ)

و هذا المخرج یسمی «أدنی الحلق»، وهو أقرب نقطة الحلق إلی الفم، ویقع عند جدیرات الحلق عقب اللهاة مباشرة، ویخرج منه حرفی «غ» و«خ». أما فی الواقع العلمی فإن حرفی «غ» و«خ» یتولدان نتیجة ارتعاشات سریعة تنتهی فی اللهاة.

- صوت حرف «غ» صوت لین ومطّرد إلی حد ما، ویرافقه ارتعاش فی الأوتار الصوتیة، مثل صوت «غرغرة» الماء فی الحلق.

- حرف «خ» یؤدی إلی خدش فی مخرجه، ولکنه لا یحدث الارتعاش فی الأوتار الصوتیة. ولابد من أداء حرفی غ وخ بتفخیم وتغلیظ.

أما الإفراط فی الضغط علی الحلق عند أداء حرفی غ» و«خ»، یحول غ إلی خ، ویکثر من خرورة «خ». کما أن التفریط یحوّل «غ» إلی صوت جوفی مبهم، ویحوّل «خ» إلی «ح».

وتسمی الحروف التی تخرج من الحلق کلها ب- «الحروف الحلقیة»؛ لأنها تخرج من الحلق.

و هی: «ء - ه - ع - ح - غ - خ»

ص:94

ثالثاً: موضع اللسان

اللسان: هو أوسع موضع فی جهاز النطق، وسبب تسمیته کون اللسان له دور أساسی فی تولید معظم الحروف وتنویع الأصوات فی هذا الموضع.

واللسان بشکل عام یشمل أجزاء مختلفة من اللسان، والأسنان، واللثة، والحنک الأعلی، واللهاة. وفیما یلی ذکر کلّ من هذه المخارج واحداً تلو الآخر.

أقسام اللسان

اللسان هو أهم عضو فی الفم، حیث أنه یمتلک 17 عضلة فی الجهات المختلفة، کمایتمتع بانعطاف وتحرک فوق الوصف. فاللسان ینقسم إلی 6 أقسام کما هو موضح بالشکل:

ص:95

وکون رأس اللسان من أهم المواضع أعلاه تفرّع جزء منه سمّی ذَلْق اللسان، والحروف التی تخرج منه تسمی الحروف«الذَلَقیة» أو «الذَّلْقیة». (1) فکل الأقسام الستة للسان عند تلامس الأقسام الثابتة فی مقابلها تولّد حرفاً خاصاً. (2)

الأسنان

لما کانت الأسنان وثیقة العلاقة بالمخارج ناسب أن نذکر فصلاً موجزاً عنها، فالأَسنان جمع للسنً، وعددها فی فم الإنسان عند اکتمال النمو 32 سناً مقسمةً فی کلّ فکّ 16سنّاً.

ثم تنقسم الأسنان إلی أربع فصائل أصلیة، وهی بترتیب من الأمام إلی الخلف مایلی:

أ. الثنایا: مفردها ثنیة، وهی أربع، فی کلّ فک اثنتان. أما الثنایا العلیا أضخم من الثنایا السفلی.

ب. الرباعیات: مفردها رباعیة، وهی أربع کذلک، فی کلّ فک اثنتان.

ج. الأنیاب: مفردها ناب، وهی أربع، فی کلّ فک اثنتان کذلک. وعلامتها أنها حادة الرأس، وتکون حدتها أبرز عند الحیوانات المفترسة.

د. الأضراس ، وهی جمع الضِّرس، وتنقسم إلی ثلاثة:

-الضواحک: تلی الأنیاب، مفردها ضاحکة، وهی أول الأضراس، وهی فی کلّ فک ضاحکتان. وسبب تسمیتها أنها تبدو عند فتح الفم بالضحک.

-الطواحن: تلی الضواحک، مفردها طاحنة، وهی الأضراس الأصلیة، إذ عددها اثنا عشر طاحناً، فی کلّ فک ست. وتسمی أیضاً «الأرحاء».

ص:96


1- (1) . سیأتی شرح صفة الإذلاق وحروفها فی مبحث صفات الحروف إن شاء الله.
2- (2) . مهارات الاتصال فی اللغة العربیة.

-النواجذ: مفردها ناجذة، وهی آخر الأضراس، وعددها أربع، فی کلّ فک ناجذتان. ولا تنبت إلا بعد العشرین من العمر، ولذلک اشتهر بضرس العقل. ویقال للرجل «قد عضَّ علی ناجذه»: إذا بلغ أشدّه.

ملحوظة : کلّ الطواحن أضراس ولکن لیس کلّ الأضراس طواحن. کما هو موضّح بالشکل:

ص:97

اللِّثَة

وهو النسیج الوردی الذی فیه منابت الأسنان وأصولها فی الفکین العلیا والسفلی،والجمع لِثات، وهی تعتبر جزءاً من النسیج المبطن للفم. وتتعلق بها ثلاثة من مخارج الحروف:

الأول حدّ «ما بین السنّ واللثة»، والثانی «اللثة» ذاتها، والثالث الحد الفاصل «بین اللثة والحنک الأعلی»، وکل منها له دور فی تولید الأصوات والحروف.

الحنک الأعلی

هذا الجزء من الفم ینقسم إلی قسمین: الحنک الصُّلب والحنک الرخو.

«الحنک الصُّلب»، ویقال له: «الغار الأعلی» أیضا، ویقع خلف اللثة مباشرة، وهو یتخذ شکل القبة. فیکوّن وسط اللسان بعض الحروف بملامسة هذا القسم من الفم.

«الحنک الرخو» أو الحنک اللیّن، وهو الجزء الخلفی من الحنک الصلب، وله مهمتان: الأولی هو یساعد عقب اللسان کعضو ثابت فی تکوین بعض الحروف، والثانیة یقترب من الحلق کعضو متحرک لتولید بعض الأصوات.

وللحنک أهمیةٌ فی تحدید ملامح کثیرٍ من أصوات العربیة، خاصّةً وأنه یتلاقی واللسان - أکثر أعضاء جهاز النطق حرکةً ومرونة - فی مواضعَ مختلفة.

اللهاة

وهی زائدةٌ لحمیةٌ صغیرةٌ تتدلی فی نهایة الطرف الخلفی إلی الحنک الرخو، ومهمتها الفسیولوجیة إغلاق البلعوم الأنفی عن البلعوم الفموی فی أثناء بلع الطعام، ولها أهمیتها فی إحداث صوت الغنَّة والصوت الأنفی.

أما موضع اللسان موضع واسع حیث یشتمل علی عشرة مخارج کما ذکره العلماء، وهی مخرج 18 حرفاً کما یلی:

ص:98

أقصی اللسان

المخرج الخامس: محل خروج حرف (ق)

یرتفع «جذر» اللسان وهو مع «اللهاة» یشکلّ نقطةَ اعتراضٍ للنَّفس الزفیری بحیث ینحبس ممرّ الأنف کذلک، وفجأة ینفتح مخرج الحرف ویخرج حرف «ق».

حرف «ق» بخلاف حرف «غ» لا یتمتع بالمرونة ولا امتداد، بل یخرج بشدة وقوة، ما نسمیه من «الحروف الانسدادیة» (1)، لکنه إذا یُستطال فی أدائه سیتصف بالخرورة، ویقترب من حرف «خ». ولابد من اجتناب ذلک.

المخرج السادس: محل خروج حرف (ک)

یرتفع «مؤخّر» اللسان وهو أقرب إلی الفم من «الجذر» بقلیل، فیشکّل مع «اللهاة» نقطةَ اعتراضٍ للنَّفس الزفیری بحیث ینحبس ممرّ الأنف کذلک، وفجأة ینفتح مخرج الحرف ویخرج حرف «ک». فمخرج الکاف أسفل من القاف نحو الفم قلیلاً، ویتناول قسماً أعظم من جذر اللسان فی أدائه.

حرف «ک» أیضاً یخرج بشدة وقوة، إذ یعتبر من «الحروف الانسدادیة»، لکنه إذا یُمتدّ أو یُبطأ فی أدائه سیتصف بالرخاوة، ولابد من اجتناب ذلک.

و بما أن للهاة دور کبیر فی أداء حرفَی «القاف» و«الکاف»، فلذلک یقال لهما: «الحروف اللهویة».

ص:99


1- (1) . المراد من الحروف الانسدادیّة، هو: لزوم انسداد النفس وجریان الهواء عند نطقها؛ لأنّنا بذلک نمنحها صفة الرخاوة مما یأتی شرحه فی مبحث صفات الحروف بالتفصیل إن شاء الله.
وسط اللسان

المخرج السابع: محل خروج حروف (ج - ش - ی)

یشکّل «وسط اللسان» وما فوقه من وسط الحنک الأعلی، حروف الجیم، والشین، والیاء غیر المدیة.

«ج»: تخرج من وسط اللسان مع ما یحاذیه من الحنک الأعلی، ثمّ بافتراقهما وارتعاش الأوتار الصوتیة؛ ولذلک تعتبر من «الحروف الانسدادیة» وذات الشدة. ویخطئ بعض القراء فی أدائه، وذلک بتقریب رأس اللسان إلی الثنایا واللثة المحیطة بها، بحیث تُصدر الجیم صوتاً ما یعادل صوت الصفیر فی الزای، کما یحذر من تشبیه «ج» صوت «ش»، فلابد من اجتناب ذلک.

«ش»: تخرج باقتراب وسط اللسان (شبه ملعقة) مما یحاذیه من الحنک الأعلی بدون ارتعاش الأوتار الصوتیة. إذا اقترب رأس اللسان من اللِثات الأمامیة خطأً، بدلاً من وسط اللسان سیشبه صوت الشین صوتَ السین، ومن البدیهی أنه لا یجوز، فانتبه.

«ی»: تخرج باقتراب وسط اللسان مما یحاذیه من الحنک الأعلی کذلک، ولکنها مع ارتعاش الأوتار الصوتیة. أما ضغط الهواء واحتکاک الحاصل من خروجه أقل مما کان فی «ش».

و قیل فی الفرق بین «الیاء» و«الیاء المدیة»، أن الیاء المدیة تخرج من مخرج الیاء بفارق أن الیاء المدیة لا تلامس المخرج، وصوته ألیَن من صوت الیاءالأصلیة.

ص:100

والإفراط فی إخراج الهواء بضغط کثیر، یحوّل الیاء إلی حرف ( j) فی الإنجلیزیة، أو یؤدی إلی شبه الانسداد فی المخرج، وبالتالی یشبه حرف ( g) فی الإنجلیزیة.

وتلقب حروف (ج - ش - ی) بالحروف الشَّجْریة لأنها تخرج من شَجْر الفم.

شَجْر الفم: هو المفتَح فی الفم بین وسط اللسان وما یحاذیه من الحنک الأعلی.

ص:101

طَرَف اللسان

المخرج الثامن: محل خروج حرف (ن)

تخرج «النون» بتماسّ «رأس اللسان» مع النتوء الواقع عقب لثة الثنایا العلیا - قبل مخرج اللام بقلیل نحو الداخل - وفی نفس الوقت بارتعاش الأوتار الصوتیة، ففی أداء حرف النون یلتصق طرف اللسان من الجانبین تماماً بالأسنان الواقعة فی الحنک الأعلی، وبهذا ینسدّ ممرّ الهواء فی الفم کاملاً، فیخرج الهواء من طریق الخیشوم اضطراراً، وهذا الصوت یسمی «الغنة».

المخرج التاسع: محل خروج حرف (ر)

یتولد حرف «الراء» من التصاق وانقطاع «رأس اللسان» السریعتین جداً بالنتوء الواقع عقب لثة الثنایا العلیا، وذلک مشفوعاً بارتعاش الأوتار الصوتیة. فلذا هی قابلة للتکرار ما یسمی بصفة التکریر والتی لا بدّ من تجنبها.

والطریقة الصحیحة لأداء الراء هی نطق الراء ب- «ضربة واحدة» من رأس اللسان علی اللثة العلیا، فینصح للقارئ المبتدئ ممارسة نطق الراء بدءاً من «الراء المفخمة» فی کلمات مثل «أرادَ - أرَدنا»، ثمّ «الراءات المشددة»، وأخیراً «الراءات المرققة».

و یقال للحروف الثلاثة (ل - ر - ن) «الحروف الذلقیة» لخروجها من ذَلْق اللسان، والذلق طرف اللسان ورأسه، وقیل إن مخرج الثلاثة واحد، وذلک لقرب مخرجها.

المخرج العاشر: محل خروج حروف (ت - د - ط)

تتولد هذه الحروف الثلاثة من تلامس «رأس اللسان» مع صفیحة واقعة عقب لثة الثنایا العلیا. وفی نفس الوقت یُسدّ ممرّ الهواء، بالتصاق طرف اللسان من جانبَیه بأسنان

ص:102

الحنک الأعلی تماماً، ویُسدّ الخیشوم أیضاً بواسطة الحنک الرخو، فینحبس هواء الزفیر خلف الفم والأنف، وبإطلاق رأس اللسان فجأةً مع انسداد ممرّ الأنف، یخرج الهواء من طریق الفم وذلک بترکیزٍ علی رأس اللسان، مما یؤدی إلی تکوین الحروف المذکورة أعلاه.

«ت»: تخرج کما ذکرناه أعلاه، ویضاف إلیه أنه یتم بارتعاش الأوتار الصوتیة، ومن المحذورات فی هذا القسم أن لا ینفصل رأس اللسان عن صحیفة عقب اللثة ببط ء قد یحوّل التاء إلی صوت یشبه صوت السین، فانتبه.

«د»: تخرج کما ذکرناه أعلاه، ویضاف إلیه أنه یتم ارتعاش الأوتار الصوتیة.

«ط»: بالإضافة إلی التعریف أعلاه، تمتاز الطاء بصفة خاصة، وهی أنه متزامناً مع خروج الطاء یرتفع مؤخّر اللسان نحو الحنک الأعلی حیث یقعّر سطح اللسان، وبالتالی یجعل الطاء مفخّماً جداً.

و لا یخفی علیک أن «الطاء» فی الواقع یتولد من «التاء»، ولیس من «الدال»، حیث سمّاه البعض «التاء المفخمة».

و یقال لهذه الأحرف الثلاثة «الحروف النِطعیة» بکسر النون؛ لخروجها من النَّطع، وهو سطح ذو نتوءات یقع خلف لثة الثنایا العلیا.

المخرج الحادی عشر: محل خروج حروف (س - ز - ص)

یقترب القسم الأمامی للسان - قسم یشبه أخدود تحت رأس اللسان مباشرة - مما یحاذیه من الحدّ الوسط بین اللثة والحنک الأعلی، وتتولد من هذا المجری الضیّق الأحرف الثلاثة أعلاه.

لتمهید أرضیة تولید هذه الأحرف لا بدّ من إلصاق رأس اللسان بلثة الثنایا السفلی أولاً، ثمّ إلصاق حافّتی اللسان بالأضراس العلیا، وسدّ جریان الهواء بشکل کامل. ففی هذه الحالة یجری الهواء باحتکاک الأخدود الواقع بین اللسان ونتوء اللثة، وذلک تحت

ص:103

ضغط الهواء الذی یضطر إلی الخروج بشکل من الأشکال، فینجرّ إلی ظهور صوت یشبه الصفیر، وسیأتی شرحه فی مبحث الصفات بالتفصیل.

«س»: یخرج بدون ارتعاش فی الأوتار الصوتیة وبهدوء کامل.

«ز»: هی مثل السین، إلا أنها تخرج بارتعاش الأوتار الصوتیة.

«ص»: هی مثل السین کذلک، وتخرج بدون ارتعاش فی الأوتار الصوتیة. بفارق وحید، وهو أنه متزامناً مع خروج الصاد ینبسط مؤخّر اللسان مرتفعاً نحو الحنک الأعلی حیث یفخّم صوت «س» ویحوّله إلی «ص»، حیث سماها البعض «السین المفخمة».

وتسمی هذه الحرف الثلاثة «الحروف الأَسَلیة» بفتح الهمزة والسین؛ لمبدأ خروجها من أَسَلة اللسان.

المخرج الثانی عشر: محل خروج حروف (ث - ذ - ظ)

عند تلفظ هذه الأحرف الثلاثة، یتماسّ «ذلق اللسان» مع طرف الثنایا العلیا، وفی نفس الوقت یقترب «رأس اللسان» من اللثة خلفها، وهنا مخرج الحرف، فعندئذٍ یولّد جریان الهواء صوتاً من بین رأس اللسان واللثة، وهو الصوت المطلوب.

طبعاً ینصح للأخ القارئ أن لا یُلصق «ذلق» و«رأس» اللسان بطرف الثنایا واللثة بشدة وقوة؛ لأنه قد یؤدی إلی انسداد مجری الهواء، وبالتالی تشبه هذه الحروف بالحروف النطعیة.

«ث»: یخرج وفق التعریف أعلاه وبدون ارتعاش فی الأوتار الصوتیة. ومن اللازم بقاء سطح اللسان مستویاً ولا یتشکل أخدود هناک؛ لکی لا تُشم منه رائحة «س».

«ذ»: وهی مثل «ث»، بفارق وحید وهو ارتعاش الأوتار الصوتیة عند أداء حرف «الذال»، والملاحظة أعلاه ساریة هنا أیضاً.

«ظ»: وهی مثل «ذ»، بفارق أنها مفخّمة جدّاً، حیث سماها البعض «الذال المفخم».

ص:104

متزامناً مع أداء الحرف من مخرج الذال، یُقعّر سطح اللسان ویرتفع جذر اللسان نحو الحنک الأعلی حیث یتولد صوت مفخّم بحیث یحوّل «ذ» إلی «ظ».

و هنا لا بدّ من التأکید علی أن هذه الأحرف الثلاثة تُلفظ من «رأس اللسان» بالضبط، وخاصة فی أداء حرف «ظ»، لکی لا یختلط بحرف «ض».

و تسمی هذه الأحرف «الحروف اللِثَویّة» بکسر اللام نسبة إلی اللثة العلیا، وهی «العضو الثابت» فی هذا المخرج.

ص:105

حافّة اللسان
اشارة

المخرج الثالث عشر: محل خروج حرف (ض)

تخرج «الضاد» من تلامس حافة اللسان - أی: جانبه - مع ما یحاذیه من الأضراس العلیا فی الجهة الیمنی أو الیسری، وذلک بارتعاش الأوتار الصوتیة. والأکثر علی إخراجها من الجانب الأیسر علی حسب ما یسهل علی المتکلم.

ویسمی حرف الضاد «الحرف الضرسی»، لارتباطه بالأضراس، وکذلک «الحرف الحافّی» لارتباطه بحافّة اللسان. وعلی کلّ حال تُنطق الضاد مع التفخیم والتغلیظ دائماً.

یعتبر هذا الحرف من حیث النطق والأداء أصعب الحروف فی اللغة العربیة، وقیل فی وجه تسمیة العربیة ب- «لسان الضاد» ، أن حرف الضاد لا ینطق به فی أیّ لغة أخری، وأشار النبی إلی هذا المعنی بقوله: « أنا أفصح من نطق بالضاد ». (1)

و نحن سوف نتناول هذا الحرف وصفاته فی مبحث صفات الحروف بالتفصیل، فنکتفی هنا بذکر نقطة مهمة فی أدائه، وهی:

تُلفظ الضاد فی عصرنا الراهن بشکل انسدادی مفخَّم حیث یشبه صوت الدال المفخَّمة تماماً، فی حین أن أهل الفن فی هذا المجال لهم رأی آخر، وهو لزوم إعطاء صفة الرخاوة للضاد، وبعبارة أخری استطالة الضاد عند النطق بها. (2)

ص:106


1- (1) . عند النطق بالضاد یستمر الصوت لزمن ما، واستمرار الصوت هذا هو الرخاوة، وتحرک اللسان واندفاعه للأمام ثمّ رجوعه للخلف هو الاستطالة، وسیأتی شرح کلّ ذلک فی مبحث صفات الحروف إن شاء الله.
2- (2) . منهاج البراعة: 1/243.

فهناک اقتراح من قبل الأساتذة المتأخرین فی فن تجوید القرآن للجمع بین «الشیوع» الواقعی بحیث لا یمکن إنکاره ومعالجته، و«الأصالة» (1) التی لا یمکن تهمیشها والتراجع عنها، فهو:

«إنه یمکن أداء الضاد مثل الدال المفخّمة بشرطین: الأول إخراجها من حافّة اللسان، والثانی أداؤها برخاوة واجتناب الشدة». (2)

و ببیان أوضح أنه تُلامس حافة اللسان الأضراس العلیا ولا تُنطق ما سمیناه بالدال المفخّمة بقوة وانفجار الصوت، بل ببط ء ورخاوة، حیث یؤدی إلی نطق الضادالأصِیلة.

و أهم شیء هنا أنه لا تُلفظ الضاد مثل الظاء، کما یؤکد علیه العلامة ابن الجزری بقوله: «واعلم أنه لیس من الحروف حرف یعسر علی اللسان غیره [ض]، والناس یتفاضلون فی النطق به، فمنهم من یجعله ظاءً مطلقاً؛ لأنه یشارک الظاء فی صفاتها کلها...، وهذا لا یجوز فی کلام الله تعالی لمخالفة المعنی الذی أراد الله تعالی؛ إذ لو قلنا (الضّالِّینَ ) 3 أن معناه الدائمِین، وهذا خلاف مراد الله تعالی وهو مبطل للصلاة؛ لأن «الضلال» هو ضد «الهدی» کقوله: (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِیّاهُ ) 4

ص:107


1- (1) . نقل علماء العربیة وعلماء التجوید عن سیبویه أنه عدّ الضاد من أصوات الرخوة بالإضافة إلی کونها صوتاً مجهوراً، مُطْبَقاً، مستطیلاً. والضاد بهذه الصفات لم یعد لها وجود فی النطق العربی الفصیح فی زماننا، لا فی قراءة القرآن، ولا فی غیرها، کما یقول علماء الأصوات المحدثون، وقد تحولت إلی دال مطبقة فی نطق کثیر من العرب، کما فی بلاد الشام ومصر، وصارت علی ألسنة آخرین من العرب صوتاً لا یختلف عن الظاء، کما فی العراق وبلدان الخلیج العربی. وهو المأخوذ به فی قراءة القرآن أیضاً. فتأمل.
2- (2) . للمزید مراجعة حلیة القرآن: 71.

ونحوه، وبالظاء هو الدوام کقوله: (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) 1 ...». (1)

المخرج الرابع عشر: محل خروج حرف (ل)

یخرج «اللام» من تماسّ «ذلق أو ذولق اللسان» بحدّ ما بین اللثة العلیا وغار الحنک، أی النتوء الواقع عقب لثة الثنایا العلیا، وفی هذه الحالة تنفصل حافّتی اللسان عن الأسنان ما تحاذیهما فی الفک الأعلی، فیخرج هواء الزفیر بارتعاش الأوتار الصوتیة، من جانبی اللسان.

و قیل فی مخرج «اللام»: إنه یلامس القسم الأمامی لحافّتی اللسان ومع رأس اللسان اللثات ما یحاذیهما (لِثات الضواحک، والأنیاب، والرباعیات، والثنایا العلیا) ولکن القسم الخلفی من اللسان منفصل عنها. مع هذا الوصف نستطیع أن نعدّ اللام، حرفاً «واسع المخرج».

و من الملاحظ أن الإفراط فی إخراج الهواء بضغط کثیر، وتقریب وسط اللسان من الحنک الأعلی، وکذلک تقریب حافتی اللسان من الأسنان مما یولّد احتکاکاً زائداً فی المخارج، وبالتالی یختلط صوت اللام بصوت ما یشبه ( j) فی الإنجلیزیة. کما أن من اللازم عدم قطع صوت اللام عند أدائه.

ص:108


1- (2) . التمهید فی علم التجوید: 115/1.
رابعاً: موضع الشفتین

الشفتان: مفردها «شفة»، وفیهما مخرجان، ویخرج منهما أربعة أحرف.

المخرج الخامس عشر: محل خروج حرف (ف)

یتماسّ باطن الشفة السفلی مع أطراف الثنایا العلیا، ومنه تخرج الهواء بصوت «ف» . ولا یخفی أن الأوتار الصوتیة لا ترتعش عند تلفظ ف، فإذا تم الارتعاش فیتولد صوتاً یشبه ( v) فی الإنجلیزیة، وهذا غیر موجود فی اللغة العربیة أساساً.

المخرج السادس عشر: محل خروج حروف (ب - م - و)

وهو ما بین الشفتین، ومنهما تخرج هذه الأحرف الثلاثة.

«ب»: تتولد بانطباق الشفتین، وهو متزامناً مع انسداد مجری الهواء، ینسدّ مجری الأنف أیضاً بواسطة الحنک الرخو واللهاة، فینحبس الهواء خلف الشفتین للحظة، وعند انفتاحهما فجأةً یتولد صوت «ب»، مع ملاحظة أن مجری الأنف لا یزال مسدوداً. ومن التعریف واضح أن «الباء» حرف «انسدادی».

و یرافق صوت الباء ارتعاش الأوتار الصوتیة، وغیر ذلک یتحول «ب» إلی ( p) کما فی اللغة الإنجلیزیة.

م: تُلفظ تماماً مثل الباء بارتعاش الأوتار الصوتیة، مع فارق وحید وهو انفتاح مجری الأنف عند انسداد فتحة الفم، وخروج الصوت من الأنف ما یسمی الغنة.

و: علی عکس ( v) فی اللغة الإنجلیزیة، تتکون الواو فی العربیة من جمع الشفتین (بحالة الضمة أو الإشمام) من غیر انطباقهما. ویتم بارتعاش الأوتار الصوتیة أیضاً.

لا بدّ من ملاحظة أنه فی تلفظ الواو أن تُجمع الشفتان بسرعة، ویخرج صوت وبعده مباشرة، لا من بدء جمعهما إلی عودهما إلی الحالة الطبیعیة!

و هذه الأربعة أعنی الفاء والواو والباء والمیم یقال لها الحروف الشفویة أو الشفهیة لخروجها من الشفتین.

ص:109

خامساً: موضع الخیشوم

الخیشوم: هو خرق الأنف المنجذب إلی داخل الفم، وله دور کبیر فی إعطاء الرنین والجمال للصوت الحاصل من ارتعاش الأوتار الصوتیة.

و تظهر أهمیة هذا الموضع عندما یصاب القارئ بالزکام أو انسداد فی الأنف بأی سبب کان.

المخرج السابع عشر: محل خروج (الغنة)

فی الواقع أن الحقل الموجود داخل الأنف (ما یسمی الخیشوم)، هو آخر مخرج فی جهاز النطق.

والصوت الحاصل من ارتعاش الأوتار الصوتیة فی حال خروجه من الأنف - بدلاً من الفم - یسمی «الغنة».

والغنة حالة خاصة تمتاز بها «ن» و«م» فی جمیع الحالات باختلاف مراتبها (1)، وسیأتی شرحها فی مبحث صفات الحروف، وکذلک فی درس أحکام الغنة إن شاء الله.

ولمعرفة أکثر بأهمیة الخیشوم وضرورته فی أداء هذین الحرفین، یکفیکم سدّفتحة الأنف وقراءة هذه الآیة الکریمة: (وَ عَلی أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ ) 2 هل تستطیعون قراءتها؟!

ص:110


1- (1) . أحکام قراءة القرآن الکریم: للشیخ محمود خلیل الحصری: 111.

صورة توضیحیة لمخارج الحروف

ص:111

جدول یبیّن مخارج الحروف الهجائیة کلّ حرف علی حدة

ص:112

ملاحظتان

أ. من الملاحظ درج حرف الألف تحت الهمزة، وذلک بسبب کثرة استعمال هذین الحرفین مکان بعضهما البعض، ونستطیع القول بأن الهمزة «حرف صامت» وله مخرج خاص یستقر علیه فی جهاز النطق، ألا وهو أقصی الحرف،أما الألف فهی «حرف صائت» یخرج من الجوف، کما هی تابعة لحرکة الفتحة التی تسبقها دائماً.

ب. تکررت الیاء والواو فی مخرجین:

1. الجوف: وتخرج منه الیاء المدیة والواو المدیة.

2. وسط اللسان: (مخرج الیاء غیر المدیة)، والشفتان: (مخرج الواو غیر المدیة).

ص:113

جدول مخارج وألقاب الحروف

ص:114

أسئلة وتمرینات

1. عدّد أعضاء جهاز النطق، مع ذکر أنواع التجاویف التی تعطی الصوت الرنین والجمالیة.

2. اذکر مواضع جهاز النطق، وعیّن حدود کلّ منها إجمالاً.

3. اذکر مخارج الحروف بالترتیب؟

4. ما هو المخرج لغة واصطلاحاً؟

5. ما هی الحروف الذلقیة والشجریة والأسلیة؟

6. بیِّن مخارج الحروف الآتیة: (خ، ه ، ک، ص، ن، ش، ر)

7. الألف لا تکون إلا مدیة، خلاف الیاء والواو إذ تکونان مدیتین وغیر مدیتین، اشرح ذلک؟

8 . اذکر کیفیة تلفظ «ض» بالتفصیل.

9. حاول قراءة الکلمات التالیة منتبهاً إلی مخرج کلّ حرف منها:

ثَلَاثَةَ، مَحَبَّةَ َ، (زُحْزِحَ عَنِ النّارِ) ، (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ) ، (صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ ) , (عَذابٍ غَلِیظٍ) , (أَنْقَضَ ظَهْرَکَ ) , (یَعَضُّ الظّالِمُ ) , (آوَوْا وَ نَصَرُوا) , (وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً) .

ص:115

صفات الحروف (حق الحرف)
اشارة

لقد أسلفنا فی القول بأن کلّ حرف یتولد فی نقطة محددة من جهاز النطق ما یسمی بالمخرج، لکن معرفة المخرج لا یکفی لتولید الحرف؛ لأننا نلاحظ أن من بعض المخارج یخرج حرفان أو ثلاثة، إذاً هناک عامل آخر لا بدّ من معرفته لتمییز الحروف المشترکة المخرج، ألا وهو کیفیة نطق الحرف من مخرجه ما یسمی صفة الحرف.

الصفة لغة

ما قام بالشیء من المعانی ولیس من حقیقته، کالبیاض والسواد والحُمرة والصُّفرة.

واصطلاحاً

کیفیة یوصف بها الحرف عند حصوله فی المخرج، فتوصف الحروف مثلاً بالجهر أو الهمس أو الشدة أو الرخاوة أو غیر ذلک. وهذه هی التی عبرنا عنها فی تعریف التجوید ب-«حق الحرف» فتأمل.

و قد ذکر صاحب کتاب النشر بأن عدد الصفات «سبع عشرة» صفة، وقد اتبعه معظم أهل هذا الفن، حیث سجلوها فی کتبهم، ولکن هناک صفات أخری لا یُستغنی عنها فی التجوید، ثمّ اختلف العلماء فی عددها، فالبعض ذهب إلی أن عددها تبلغ 44 صفة، لأهمیة بعض تلک الصفات ارتأینا أن ندرج بعضها إکمالاً لهذا المبحث، وذلک تحت عنوان تتمة الصفات.

وتنقسم الصفات «السبع عشرة» إلی قسمین:

الأول: قسم له ضد، بمعنی أن الحرف لا بدّ له من أن تکون له خمس صفات من مجموع هذه الصفات، وإذا وُجدت فیه إحدی الصفات المتضادة فلن تکون فیه ضد تلک الصفة. والصفات المتضادة تسمی أیضاً الصفات الأصلیة: وهی عشر صفات.

ص:116

القسم الأول من صفات الحروف

(الصفات التی لها ضدّ)

وإلیک بیانها بالتفصیل:

1. الجهر

الجهر لغة: «الوضوح» و«الصوت العالی»، کما جاء فی قوله تعالی: (وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ) . (1)

و فی اصطلاح التجوید: «الجهر صوت نابع من ارتعاش الأوتار الصوتیة خلال تلفظ الحرف »، وهو من صفات القوة. وحروفه هی:

ا ، ب ، ج ، د ، ذ ، ر ، ز ، ض ، ط ، ظ ، ع ، غ ، ق ، ل، م، ن ، و، ی. (2)

و هی مجموعة فی هذه العبارة: «عَظُم وزنُ قارئٍ غَضٍّ ذی طلبٍ جِدٍّ».

ص:117


1- (1) . الحجرات: 2.
2- (2) . إننا نجد فی بعض الکتب الحدیثة فی علم الأصوات العربیة أنهم یعتبرون الحروف الثلاثة (ء - ط - ق) من الحروف المهموسة، فی حین أنها کانت فی العصور المتقدمة تُعتبر من الحروف المجهورة، وبما أننا فی علم التجوید نعتمد علی کیفیة نطق الحروف العربیة فی عصر نزول القرآن ولیس فی عصرنا الحاضر، فلابد من جعل هذه الحروف ضمن إطار الحروف المهموسة وإعطائها حقها، فانتبه.

2. الهمس

والهمس ضد الجهر، وهی لغة «الاختباء» و«الصوت الخافت»، کما جاء فی قوله تعالی: (فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً) . (1)

و فی اصطلاح التجوید: « تجرد الصوت عن صفة الجهر بسبب عدم ارتعاش الأوتار الصوتیة »، وهی صفة من صفات الضعف.

وعدد حروف الهمس «عشرة»: ت، ث، ح، خ، س، ش، ص، ف، ک، ه .

وهی مجموعة فی هذه العبارة: «سَکَتَ، فَحَثَّهُ شَخْصٌ».

ملحوظة : لاستزادة المعرفة یمکنکم النطق بالحروف التالیة ( زْسْ - زْسْ - زْسْ ) بشکل متناوب وممتدّ وبدون وقفة، فإذا لاحظتم لوجدتم عند تلفظ حرف الزای یتمّ ارتعاش الأوتار الصوتیة فی الحنجرة، حیث یدوّی صوته فی المخّ، علی عکس السین؛ فعند تلفظها وباقی حروف الهمس یخرج الصوت بدون أی احتکاک بالأوتار الصوتیة، ومن الخطأ حصر الهمس لحالة السکون فقط، بل الصفة من ذات الحرف لا تنفک عنه أبداً، فتأمل.

3. الشّدة

الشدة لغة: القوة، واصطلاحاً: « هی امتناع جریان الصوت مع الحرف لقوته فی المخرج ». وحروف الشدة «ثمانیة»: ء، ب، ت، ج، د، ط، ق، ک.

وهی مجموعة فی هذه الکلمات: «أَجِدُ قِطٍّ بَکَتْ». (2)

4. الرخاوة

الرخاوة لغة: «اللین»، واصطلاحاً: « هی جریان الصوت تماماً فی مخرج الحرف »، وهی

ص:118


1- (1) . طه: 108.
2- (2) . قیل إن «قطٍ» اسم امرأة، ومعنی الجملة علی هذا: أجد المرأة التی اسمها «قط» تبکی.

من صفات الضعف. وحروف الرخاوة «خمسة عشر» حرفاً، وهی:

ث، ح، خ، ذ، ز، س، ش، ص، ض، ظ، غ، ف، و، ه ، ی.

التوسط (بین الشدة والرخاوة) :

هو صفة «بین الرخاوة والشدة»،بحیث لا ینقطع الصوت تماماً، ولا یجری بشکل کامل وبسهولة.

وأما حروف التوسط فخمسة وهی: «ر، ع، ل، م، ن». (1)

وهی أیضاً مجموعة فی عبارة: «لِنْ عُمَرُ».

5. الاستعلاء

الاستعلاء لغة: طلب العلوّ والارتفاع، وهو فی اصطلاح التجوید: «ارتفاع جذر اللسان إلی الحنک الأعلی عند النطق بالحرف»، وتسمی هذه الحالة «التفخیم» اصطلاحاً، وهو من صفات القوة. ومن الملاحظ استخدامنا لکلمة «الجذر» فی تعریف الاستعلاء بدلاً من مؤخر اللسان، لکی نُخرج بذلک حرف «الکاف» وما شابه ذلک، فتأمل.

ملاحظة هامة: ولا یخفی علیک أن «الاستعلاء» هی من أسباب التفخیم، ولیس مرادفه، والحاصل أن کلّ تفخیم لیس نتیجة الاستعلاء، بل هناک حالات فی تفخیم الحروف المستفلة مثل «اللام» تحصل من غیر الاستعلاء.

والاستعلاء من صفات القوة، وحروفها «سبعة» والمجموعة فی «خُصَّ ضَغطٍ قِظ» (2)، وهی:

ص:119


1- (1) . وذکر الإمام ابن الجزری فی کتابه التمهید حرفَی «الیاء» و«الواو» من ضمن الحروف التوسط،بینما أخرجهما من هذه المجموعة وأدخلهما فی مجموعة حروف الرخاوة فی کتابه الأخیر «النشر»، والظاهر أن الصواب هو الأول؛ لأن هذین الحرفین یشبهان بالحروف المتوسطة أکثر،والله أعلم.
2- (2) . قیل فی معنی العبارة: إن أصلها «خُصّ القبرُ بالضغط، فاستیقظ»!

أما أقوی الحروف المستعلیة صفةً فهو حرف «الطاء»، بل هی أقوی الحروف کلها.

6. الاستفال

الاستفال لغة: «الانخفاض»، وفی التجوید: «هو انخفاض جذر اللسان عن الحنک الأعلی عند النطق بالحرف»، وتسمی هذه الحالة «الترقیق» اصطلاحاً، وهو من صفات الضعف.

و ما بقی من حروف الاستعلاء السبعة، فهی حروف الاستفال.

7. الإطباق

الإطباق لغة: الإلصاق، واصطلاحاً: «هو تلاقی طائفتی اللسان والحنک الأعلی عند النطق بالحرف»؛ والتلاقی لیس الالتصاق، بل اقتراب اللسان مما یحاذیه من الحنک الأعلی حتّی یتشاکل اللسان والحنک الأعلی مع بعضهما البعض.

والإطباق من صفات القوة، وحروفه «أربعة»: «ص، ض، ط، ظ»

و حرف الطاء أقوی هذه الأحرف إطباقاً، وأضعفها حرف الظاء، أما الصاد والضاد فتُطبقان إطباقاً متوسّطاً.

فائدة عملیة: الإطباق یزید الحرف المستعلی تفخیماً، ولذلک أن الحروف الثلاثة (خ - غ - ق) من حروف الاستعلاء أضعف من الباقی، ولا تنسی أن حروف الإطباق لن تُلفظ بدون هذه الصفة أبداً، فإذا زالت صفة الإطباق فیتغیر الحرف إلی حرف آخر.

ص:120

وسبب عدم وجود الإطباق عند (خ - غ - ق) ، أنه لا علاقة لمخرج هذه الحروف بسطح اللسان الذی هو «محل أداء الإطباق» بالضبط فتأمل.

8. الانفتاح

الانفتاح لغة: ضد الإطباق والانغلاق، واصطلاحاً: «عدم انطباق سطح اللسان علی الحنک الأعلی».

والانفتاح من صفات الضعف، وحروف الانفتاح هی ما بقی بعد الحروف الأربعة للإطباق.

9. الإصمات

الإصمات لغة: «الإسکات» أو «المنع»، واصطلاحاً: «هو نطق الحرف بصعوبة وامتناعه عن سهولة الأداء»، وذلک أدّی إلی منع انفراد حروفه أصولاً فی الکلمة الرباعیة أو الخماسیة لثقل النطق بها، بل لا بد من أن یکون فی الکلمة حرف «مُذْلَقُ» فأکثر، حتّی تکون عربیة الأصل؛ والإصمات صفة بین القوة والضعف. وحروفه هی ما بقی بعد حروف الإذلاق المذکورة أدناه.

10. الإذلاق

الإذلاق لغة: «حدّة اللسان» وقیل الطرف. واصطلاحًا: «خفّة الحرف وسرعة النطق به».

والإذلاق صفة بین القوة والضعف کذلک، وحروفه ستة وهی:

ب، ر، ف، ل، م، ن. وهی مجموعة فی عبارة: «فَرَّ مِنْ لُبٍّ».

فائدة عملیة: إن بعض الأساتذة حصروا فائدة هذه الصفة لحالة السکون لدی الحروف المُذلقة، هنا أتساءل إذا قلنا أن الحروف المُذلقة لا یصحّ المکث عندها فی حالة السکون، فهل یصحّ المکث من غیر سبب عند الحروف الأخری أولاً؟

و ثانیاً هل یمکن عملیاً أن نمکث لدی حرف الباء الساکنة؟ لکی نقول هذا یصح أو لا یصح!

ص:121

فلابد أن نذکّرکم بأن: «الصفات هی من ذات الحرف، فترافق الحرف فی جمیع الأحوال؛ ساکناً کان، أو متحرکاً، أو مشدّداً».

فمن الخطأ القول بأن بعض الصفات خاصة بحالة السکون أو الشدة، بل الأصح أن نقول إن ظهور الصفة فی حالة کذا أکثر من غیرها.

ملاحظة: إنه من الصعب ذکر أی فائدة عملیة لصفتَی الإصمات والإذلاق فی التجوید، ولذلک حذفهما بعض العلماء من قائمة الصفات الأصلیة، ولکننا ذکرناهما بین هذه المجموعة اتباعاً للمشهور.

ص:122

القسم الثانی من صفات الحروف
اشارة

الصفات التی لا ضد لها

وخذ دلیل الصفات غیر المتضادة من الجزریة، حیث قال ابن الجزری:

صَفِیرُهَا: صَادٌ وَزَایٌ سِینٌ قَلْقَلَةٌ: قُطْبُ جَدٍ وَاللِّینُ

وَاوٌ وَیَاءٌ سَکَنَا وَانْفَتَحَا قَبْلَهُمَا، وَالانْحِرَافُ صُحِّحَا

فی اللاَّمِ وَالرَّا وَبِتَکْرِیرٍ جُعِلْ وَلِلتَفَشِّی الشِّینُ، ضَاداً اسْتُطِلْ

وإلیک بیانها بالتفصیل:

1. الصفیر

الصفیر لغةً: هو صوت یشبه صوت الطائر. واصطلاحاً: «صوت یُلازم الحروف الثلاثة «ص - س - ز» عند النطق بها».

و سُمِّیت حروف الصفیر؛ لأنک تسمع لها عند النطق بها صوتاً یشبه صوت بعض الطیور. کما قیل إن الصاد تشبه صوت الإوز، والزای تشبه صوت النحل، والسین تشبه صوت الجراد!

ص:123

وأقوی هذه الحروف الثلاثة: حرف «الصاد»، لما فیه من «استعلاء» و«إطباق». وحرف الزای أقوی صفیراً من السین، لأن الزای من الحروف المجهورة. ولکن البعض یعتبرون السین أقوی من الزای، وذلک لشدة خروج الزفیر عند الحروف المهموسة، والتی تؤدی إلی صوت الصفیر، فتأمل.

فائدة عملیة: إن أهم فائدة معرفة هذه الصفة أنه یُلاحظ عند النطق بأحرف الصفیر مراعاة الاعتدال، بعیداً عن الإفراط والتفریط، وأعنی من الإفراط أن یُصفَّر القارئ خاصة عند الصاد! کما هو الخطأ الشائع بین الکثیرین، وأعنی من التفریط أن یقرأ بدون إظهار هذه الحروف من مخرجها الصحیح.

2. القلقلة

القلقلة لغة: «الحرکة» و«الاضطراب»، واصطلاحاً: « تحرّک الحرف قلیلاً عند حالة السکون ».

والقلقلة من أهم الصفات الفرعیة. وحروفها خمسة: « ب، ج، د، ط، ق »

وهی مجموعة فی عبارة: «قُطْبُ جَدّ». (1)

و السبب فی هذا الاضطراب والتحریک شدة حروفها لما فیها من «الجهر» و«الشدة». وقیل إن القلقلة هی ولیدة اجتماع الجهر والشدة، فتأمل.

ملحوظة: من الملاحظ أن صفتَی الحهر والشدة مجتمعتان فی الهمزة أیضاً، ومع ذلک هی لا تُقلقل؛ ولعل السبب هو شدة الهمزة ونبرتها، والتی تجعلها مستغنیة عن القلقلة لإبراز نفسها. کما أشار صاحب کتاب «نهایة قول المفید فی علم التجوید» بقوله: «إن قلقلة الهمز - خاصة عند الوقف وسکون الهمزة - تؤدی إلی صوت ما یشبه التهوّع مما ینافی حلاوة کلام الله ولطافته». (2)

ص:124


1- (1) . القطب هو عصی الرحی ومحورها، والجَدّ هو العظمة أو الحظ، فمعنی العبارة: محور العظمة.
2- (2) . منقول من حلیة القرآن، مع تصرف یسیر: 99/2.

مراتب القلقلة

اعلم أن للقلقلة مرتبتان:

1. أقواها فی نهایة الکلمة الموقوف علیها، وتسمی «القلقلة الکبری».

2. أخفّها فی وسط الکلمة، وتسمی «القلقلة الصغری».

والقلقلة صفة لازمة لهذه الأحرف إذا سکنت، سواء کانت فی وسط الکلمة أو فی آخرها، ویجب بیانها فی الوقف أکثر من الوصل، خاصة إذا کان الحرف الموقوف علیه مشدداً مثل (الْحَقُّ ) ، قال «ابن الجزری»:

وَ بَیِّنَنْ مُقَلْقَلاً إنْ سَکَنا وَ إِنْ یَکُنْ فیْ الْوَقْفِ کَانَ أَبْیَنَا

کیفیتها

و أما کیفیة القلقلة فقد اختلف العلماء فیها، فقیل: إنها أقرب إلی الفتح مطلقاً، وهو الأرجح، وقیل إنّها تابعة لما قبلها، فإن کان ما قبلها مفتوحاً نحو: (أَقْرَبُ ) کانت قریبة إلی الفتح، وإن کان ما قبلها مکسوراً نحو: (اقْرَأْ) کانت قریبة إلی الکسر، وإن کان ما قبلها مضموماً نحو: (فَانْظُرْ) کانت قریبة إلی الضم. والله أعلم.

ملحوظة هامة جدّاً: لا یُحرّک أی حرف ساکن غیر حروف القلقلة، مهما کان السبب. إلی أن قال علماء هذا الفن: «من أبرز علامات مهارة القارئ فی التلاوة، أن یحافظ علی السکون ویتحکم به فی غیر حروف القلقلة»!

ملحوظة أخری: لا بدّ من انتباه ودقة فی أداء حرفَی «ت» و«ک» الساکنتین، وتجنب قلقلتهما؛ لأنهما من الحروف المهموسة الشدیدة، لکی لا یخرج منهما عدا صوت هادئ وخفیف.

3. اللین

اللین لغة: الیُسر، واصطلاحاً: «إخراج الحرف فی سهولة وعدم کلفة»، وهو فی حرفَی

ص:125

«الواو» و«الیاء» الساکنتین المفتوح ما قبلهما، مثل: (خَوْفٌ) و (الْبَیْتَ ) .

ملاحظة: إن الحروف الجوفیة، وهی الألف، والیاء، والواو المدیة تُسمی حروف «المدّ واللین» للسهولة والمرونة فی أدائها. ولابد من ملاحظة أن الألف لیست من حروف اللین أعلاه. (1)

4. الانحراف

الانحراف لغة: «المیل» و«العدول»، واصطلاحاً: «میل الحرف عن مخرجه إلی مخرج حرف آخر»، وقیل: میله إلی صفة أخری! وحروفه اثنان وهما «ل» و«ر».

فاللام تنحرف إلی طرف اللسان (مخرج الضاد) ، والراء تنحرف إلی ظهر اللسان (مخرج اللام) وأحیاناً إلی (مخرج الیاء) .

من الملاحظ أنه لا توجد أی فائدة عملیة لهذه الصفة فی التجوید کذلک، والله أعلم.

5. التکریر

التکریر لغة

فهی تکرار الشیء، واصطلاحاً: « قابلیة الحرف للتکرار بشکل عالٍ »، والتکریر صفة «الراء» خاصة، مثل تکرار الراء فی کلمة «مَرّة» بأن تقول: «مَرْرْرْرْرْرْرَة»، وهذه الصفة علی عکس باقی الصفات تُعرف لتجتنب فحسب، ولیس للتطبیق، خاصة عند الراء الساکنة أو المشددة مثل: وَالْأَرْضِ, تَرْمِی, أَنْصَارُ، الرَّحْمَنِ, ذُو مِرَّةٍ, الْبَرُّ الرَّحِیمُ. وأشار إلیه ابن الجزری بقوله:

وَأخْفِ تَکْرِیراً إذا تَشَدَّدا

ولیس معنی إخفاء التکریر إعدامه بالکلیة؛ لأن إعدامه یسبب حبساً للصوت

ص:126


1- (1) . للمزید مراجعة أحکام قراءة القرآن الکریم: 103.

یترتب علیه أن تکون الراء شبیهة بالطاء وهو خطأ. وإنما تعطی شیئاً یسیراً من التکریر حتّی لا تنعدم صفتها نهائیاً.

6. التفشی

التفشی لغة

الانتشار، واصطلاحاً: « هو انتشار الهواء فی الفم عندال نطق»، وهی صفة لحرف «ش» فقط.

و فائدة معرفة هذه الصفة هی تمییز بین حرفی «السین» و«الشین»، لکیلا یختلطا مع بعضهما البعض.

7. الاستطالة

الاستطالة لغة: الامتداد، واصطلاحاً: « هی امتداد الصوت من أول إحدی حافتی اللسان إلی آخرها »، وهی صفة لحرف «الضاد» فقط.

فائدة عملیة: بما أن حرفی «ض» و«ظ» مشترکان فی جمیع الصفات - ولیس فی المخرج - کان من اللازم أن یکون صفة لتمییز هذین الحرفین من بعضهما البعض، وکما قلنا فی باب مخارج الحروف أن حرف «الضاد» أکثر الحروف العربیة إثارةً للجدل والنقاش، فهناک من یلفظها مثل «ظ»، ومن یلفظها مثل «ط»، ومن یلفظها مثل «الدال» المفخّمة، فلابد من أن نبحث عن تلفظ صحیح لهذا الحرف فی موطنه الأصلی وموضع نزول القرآن، ألا وهو «الحجاز»، فنری أن العلماء المتقدمین ذکروا حرف «الضاد» بین حروف «الرخاوة» أولاً، فلیس بین حروف الشدة، وثانیاً تخرج «الضاد» بامتداد الصوت وتماسّ مستمرّ لحافة اللسان مع الأضراس، وهاتان الصفتان جعلتاها مختلفةً عن الحروف المتشابهة بها، فانتبه.

وللممارسة وتمییز «الضاد» من «الظاء» یُنصح بقراءة الآیات التالیة بدقة، وملاحظة الفرق بین الحرفین المذکورَین:

ص:127

قال تعالی: (یَعَضُّ الظّالِمُ ) 1 ، (أَنْقَضَ ظَهْرَکَ ) . (1)

و نضیف هنا کآخر ملاحظة، أنه لا بدّ من تجنب قلقلة الضاد الساکنة، کما یُلاحظ عند بعض القراء الناشئین، وذلک ینم عن إخراج الضاد من مخرج الدال، حیث یؤدی إلی قلقلتها فی حالة السکون، فانتبه جیداً. (2)

انتهی الکلام فی صفات غیر متضادة وفق تقسیم ابن الجزری وتابعیه، وسیأتیک لاحقاً بعض الصفات الفرعیة التی لا تقل أهمیة من الصفات السبعة المذکورة، کما تأتی سلالم وجداول لبیان صفات حروف الهجاء، من حیث الصفات القویة والضعیفة والمتوسطة، وعدد صفات کلّ حرف منها.

ص:128


1- (2) . الشرح: 3.
2- (3) . للمزید مراجعة حلیة القرآن: 103 - 105؛ وأحکام قراءة القرآن الکریم: 108؛ وأیضاً ملزمة نظام تحکیم المسابقات الدولیة للقرآن الکریم، باب المطلوب من الصفات لقارئ القرآن.
تتمة فی صفات الحروف

وها هنا نضیف بعض الصفات الفرعیة التی لا تقل أهمیة من الصفات السبعة المذکورة من الناحیة التطبیقیة لتجوید القرآن وهی کالتالی:

-الغنة

الغنة لغة: صوت الغزالة إذا ضاع ولدها، واصطلاحاً: «صوت یخرج من الخیشوم»، وهی عند «ن» و«م» متحرکتین کانتا، أو ساکنتین. وعلی رأی علماء التجوید أن غنة «ن» أقوی من غنة «م» کیفاً.

مقدار الغنة «حرکتان»، وهی تابعة لما بعدها «تفخیماً» و«ترقیقاً»، فإن کان ما بعدهاحرف استعلاء فُخِّمت مثل: (یَنْطِقُونَ ) وإن کان ما بعدها حرف استفال رُقِّقَت مثل: (ما نَنْسَخْ ) .

ملاحظة : والغُنَّة تثبت فی المتحرک والساکن بلا فرق، واستدل العلماء علی ثبوت الغنة فی الساکن المظهر والمتحرک حیث یتعذر النطق بالنون والمیم المظهرتین أو المحرکتین إذا انسدّ مخرج الغنة وهو الخیشوم. کما ینبغی الانتباه للغنة فی النون والمیم الساکنین فی حالة الوقف علیهما.

-النبرة (1)

النبرة لغة: الحدة وارتفاع الصوت، یقال نبر الرجل نبرة إذا تکلم بکلمة فیها علو، ومنه «المِنبر» بکسر المیم لمرقاة الخاطب، وسمّی لارتفاعه وعلوه.

وهی فی التجوید: « قوة وشدة التلفظ التی تُعطی للهمزة ».

و بما أن الهمزة لا تُحقّق إلا بالنبرة، والتی تنم عنّ هزّها للأوتار الصوتیة بشدة،

ص:129


1- (1) . یُذکر للهمزة صفات أخری مثل «الجَرْس» و«الهَتف»، وهما بمعنی «الصوت الشدید»، فوُصفت الهمزة بذلک لشدة الصوت بها وقوته. وبرأی المؤلف أن ذکر «النبرة» یُغنینا من ذکر غیرها. فتأمل.

فلذا یقال لأداء الهمزة الصحیح: «تحقیق الهمزة»، وذلک فی مقابل تسهیل الهمزة.

و تتبین فائدة معرفة الصفة أکثر عند من یقرأ الهمزة بالتسهیل - بین بین - أی بالهمزة المسهّلة بین الألف وبین الهمز، وذلک لا یجوز فی القرآن إلا فی کلمة (ءَ أَعْجَمِیٌّ) . (1)

« التسهیل » اصطلاحاً: « هو التخفیف وسلب النبرة والشدة من الهمزة ».

فائدة عملیة: إن من الألحان الشائعة تحویل الهمزة - فی حالة التسهیل - إلی الهاء أو الألف؛ لأن کلتا الحالتین خارج عن إطار التسهیل، والتسهیل - کما ذکرناه - هو أداء الهمزة بدون نبرة وشدة، بل لا بدّ أن تخرج مثل صوت حرکة الفتح، وبعیداً عن الشدة المعهودة لدی الهمزة.

کما أن من الألحان الشائعة تسهیل الهمزة بعد الألف مثل: (السَّماءِ) ، (السَّماءِ) , (مِمّا آتَیْتُمُوهُنَّ ) . فلابد من انتباه کاف لأداء الهمزة بنبرة وشدة فی جمیع حالاتها، وتجنب قلقلتها فی حالة السکون.

-البُحَّة

وهی لغةً : غلظة فی الصوت وخشونته، واصطلاحاً: « إعطاء حرف الحاء صفة الخشونة التی یجری معها النفس »، بعیداً عن الإفراط والتفریط والمراد منهما أن الحاء لا تُلفظ کالخاء التی عندها صفة الخرورة، ولا کالهاء التی من صفاتها الهمس.

وهناک صفات أخری ذُکرت فی کتب التجوید مثل: «الخفاء» عند الحروف الأربعة (حروف المدّ الثلاثة، والهاء) و«النفخ» للفاء و«النفث» للثاء و«الخرورة»

ص:130


1- (1) . سورة فصلت: 44. والمراد من عدم جواز تسهیل الهمزة هو تسهیل همزات القطع الواقعة بعد همزة الاستفهام، أما تسهیل همزة الوصل الواقعة بعد همزة الاستفهام، فسبق الکلام عنه فی أحکام همزة الوصل، فلتراجع.

للخاء و... مما لا فائدة فی ذکرها، إن یتمّ تطبیق الصفات التی ذکرناها سابقاً بدقة واهتمام.

صفات القوة والضعف

اعلم أخی القارئ أن الحروف الهجائیة فیها القوی وفیها الضعیف، ولکی یتسنّی لک أن تعرف ذلک لا بد لک من أن تعرف صفات القوة وصفات الضعف وإلیک سلّم الصفات من حیث القوة والضعف، أما صفات القوة فهی مجموعة:

من الصفات الأصلیة

ومن الصفات الفرعیة

وأما صفات الضعف فهی مجموعة:

من الصفات الأصلیة

ومن الصفات الفرعیة

ص:131

واعلم أخی القارئ أن أقوی الحروف علی الإطلاق هو حرف الطاء ؛ لأنه لا توجد فیه صفة من صفات الضعف. وأضعف الحروف علی الإطلاق هو حرف الفاء ، لأنه لیس له صفة واحدة من صفات القوة، وبعدها حرف الهاء فی المرتبة الثانیة من الضعف، وذلک لأن صفاتها کلها ضعیفة إلا صفة واحدة وهی الإصمات، وبعدها حروف المدّ الثلاثة؛ لأن حروفها بها صفتان من صفات القوة، وهی الجهر والإصمات.

ولکی تعرف قوة الحرف من ضعفه، فلا بد من معرفة صفات القوة وصفات الضعف فی الحرف، فإن زادت صفات القوة علی صفات الضعف کان الحرف قویاً، وإن زادت صفات الضعف علی صفات القوة کان الحرف ضعیفاً. وإن تساوت الصفات فی القوة والضعف کان الحرف متوسطاً.

وإلیک الآن جدولاً مبیناً فیه صفات الحروف، ودرجة الحرف من ناحیة القوة والضعف.

ص:132

جدول صفات الحروف

ص:133

تمرینات لصفات الحروف

1. ما هی صفات حرف الباء، والهمزة، والنون، والخاء، والظاء؟

2. کلّ مجموعة تحتوی علی حرفین مشترکین فی عدة صفات کالتالی: (ص - س)، (ط - ت)، (ل - ر)، (م - ن) . اذکر ما هی الصفات المشترکة بین کلّ حرفین؟

3. اذکر الصفات المتضادة مع ذکر القوی والضعیف منها.

4. اشرح کیفیة ثبوت الغنة عند المیم والنون المتحرکین.

5. ما هی النبرة فی اصطلاح التجوید؟ وما هی فائدة معرفتها؟

6. اقرأ سورة الفاتحة، وعدد حروف الاستعلاء، والجهر، والشدة (بدون احتساب الحروف التی تکتب ولاتُقرأ) .

7. اقرأ وبین موارد القلقلة فی الآیات التالیة:

(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ )

(وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَکَنُودٌ * وَ إِنَّهُ عَلی ذلِکَ لَشَهِیدٌ * وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ * أَ فَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُورِ * وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ) . (1)

ص:134


1- (1) . العادیات: 1 - 11.
أحکام الحروف (مستحق الحرف)
اشارة

تعلمنا فی الدروس السابقة مخارج الحروف وصفاتها (حق الحرف)، واعتباراً من هذا الدرس نتناول مبحث أحکام الحروف (مستحق الحرف)، إن شاء الله.

وکما ذکرناه سالفاً أن الأحکام هی تغییرات مختلفة تصیب الکلمة عند ترکیبها مع غیرها، ویشمل هذا القسم باب «التفخیم والترقیق»، و«الإدغام»، و«أحکام النون والمیم الساکنتین»، وباب «المدّ والقصر».

1. باب التفخیم والترقیق

إنّ أحد المفاتیح الثلاثة لتعلم اللسان العربی هو «مراعاة التفخیم والترقیق»، والمفتاحان الآخران هما: تلفظ الحرکات (الصوائت)، وأداء الحروف (الصوامت).

التفخیم

التفخیم لغة: «التسمین»، واصطلاحاً: «هو تغلیظ الحرف عند النطق به». وهو ضخامة تدخل علی الصوت حتّی یمتلئ الفم بصداه.

والأحرف المفخمة قسمان:

1. قسم مفخم دائماً، وهی: أحرف الاستعلاء السبعة: «خُصَّ ضَغطٍ قِظْ».

2. قسم یرقق أحیاناً ویفخم أحیاناً وهی عبارة عن: (الألف واللام والراء). (1)

أما باقی الحروف فتُرقّق قولاً واحداً.

ص:135


1- (1) . ویضیف البعض الغنةَ إلی الحروف التی تُرقق تارة وتُفخّم أخری، ولا یخفی علی القارئ العزیز أن الغنة کما شرحناها سابقاً فی «صفات الحروف» فهی تابعة لما بعدها من حیث التفخیم والترقیق، فلتراجع.

أحرف الاستعلاء

هی مفخمة دائماً، وللتفخیم عندها «خمسة» مراتب، فهی مبینة من أقوی درجات التفخیم إلی أدنی درجاته طی جدول مراتب التفخیم:

ملحوظتان

الأولی: هنا لا بدّ من تأکید مرة ثانیة علی أن تفخیم حروف الاستعلاء لن ینعدم أبداً، بل یَضعُف ویَقلّ، ولاسیما لدی الأحرف غیر المطبقة (خ، غ، ق)؛ لأنّه فی حالة انعدام الاستعلاء یتغیر الحرف إلی حرف آخر. کما أشار إلیه النحوی الکبیر «سیبویه»بقوله: «ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً، والصاد سیناً، والظاء ذالاً، ولخرجت الضاد من الکلام؛ لأنه لیس من موضعها شیء غیرها، تزول الضاد إذا عدمت الإطباق البتة». (1)

الثانیة: یصاب بعض القرّاء بإفراط فی تفخیم الحروف، وذلک بأداء الحرف بحالة « الضمة »، وکأنّ الحرف مضموم! فلابد من تجنب ذلک.

الترقیق

الترقیق لغة: «التخفیف»، واصطلاحاً «هو تحجیم الحرف عند النطق به»، ویشمل جمیع الحروف عدا حروف الاستعلاء. وإلیک خلاصة الدرس خلال الجدول التالی:

ص:136


1- (1) . الکتاب، باب الإدغام فی الحرفین: 449/1.

الأحرف التی تُفخَّم أحیاناً وتُرقَّق أحیاناً

وهی عبارة عن: «الألف المدیة»، و«اللام فی لفظ الجلالة»، و«الراء».

أوّلاً: تفخیم الألف المدیة وترقیقها

قبل کلّ شیء لا بدّ من معرفة أن الألف المدیة تُنطق بحالتین: الفتح - الإمالة

الفتح : هو عبارة عن النطق بالألف مرکبة علی فتحة خالصة غیر ممالة، وحدّه أن یؤتی به علی مقدار انفتاح الفم، نحو: «قال» و«کان» ونظیرهما، وکیفیة أدائه أن ینفتح الفم بالنطق ب- «الألف».

الإمالة : هی عبارة عن « إمالة الألف المدیة إلی الیاء المدیة ». وهی من المباحث المهمة فی «علم الأصوات» للغة العربیة؛ لأن لها جذور فی لغة العرب. کما قال الحافظ الدانی (1):

والإمالة والفتح لغتان مشهورتان فاشیتان علی ألسنة الفصحاء من العرب الذین نزل القرآن بلغتهم. فالفتح لغة أهل الحجاز. والإمالة لغة عامة أهل نجد من تمیم وأسد وقیس،... والغرض من الإمالة هو الإعلام بأن أصل الألف «الیاء» أو التنبیه علی انقلابها إلی الیاء فی موضع، أو مشاکلتها للکسر المجاور لها أو الیاء. (2)

ص:137


1- (1) . هو الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعید الدانی مؤلف التیسیر فی القراءات السبع وجامع البیان فی القراءات السبع: المتوفی سنة 444 ه .
2- (2) . النشر فی القراءات العشر: 2/ 36.

و هی نوعان: «إمالة کبری»، و«إمالة صغری».

الإمالة الصغری: « هی میل الألف المدیة من حالة الفتحة إلی الکسرة قلیلاً ».

هذا النوع من الإمالة لا تقع فی روایة حفص عن عاصم، وتسمی «التقلیل» أو «بینَ بینَ» (أی بین حالة الفتح وبین الإمالة الکبری) .

الإمالة الکبری: « هی میل الألف المدیة إلی الیاء المدیة کثیراً ».

و لیس عند حفص إمالة کبری إلا مورداً واحداً فی القرآن، وهو إمالة الألف بعد الراء المفتوحة فی کلمة «مَجْرَاهَا» من قوله (وَ قالَ ارْکَبُوا فِیها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ ) 1 ، ولابد أن لا ننسی ترقیق الراء فی هذه الکلمة!

والألف المدیة هی تابعة لما قبلها تفخیماً وترقیقاً ولها عدة وجوه، نبیّنها فی المخطط التالی:

ثانیاً: تغلیظ اللام وترقیقها

اعلم أن الأصل فی «ل» هو الترقیق، ولا یعرض لها التفخیم أو التغلیظ إلا فی کلمة واحدة، ألا وهی لفظ الجلالة (اللّهِ ) ، وحکمها کما یلی:

ص:138

ملحوظة: مصطلح «التغلیظ» هو مترادف لکلمة «التفخیم»، إلا أنه مختص لتفخیم اللام دون غیرها. واللام ترقّق فی غیر کلمة «الله» بلا استثناء عند حفص عن عاصم. نحو: خَلَقَ, ظَلَمَ, الصَّ َلَاةَ, الضُلُمَاتِ, صَلْصَالٍ, سُلْطَانٍ.

ثالثاً: تفخیم الراء وترقیقها

واعلم أن الأصل فی «ر» التفخیم، والترقیق یحتاج إلی سبب، علی عکس «ل»، وإلیک «مفاتیح» أحکام تفخیم الراء أو ترقیقها:

تتشکل «أسرة التفخیم» من الفتحة، والألف المدیة، والضمة والواو المدیة، کما تتشکل «أسرة الترقیق» من الکسرة، والیاء بنوعیها.

أول خطوة لتشخیص حکم الراء، هی مراجعة حرکة الراء، فإن کانت متحرکة فننظر إلیها، وإلا فلنراجع حرکة ما قبلها، وإن کان ما قبلها ساکناً فإلی ما قبل الساکن، حتّی نصل إلی الحرف المتحرک ونستخرج الحکم من خلاله.

والآن مع ملاحظة هذین البندین أعلاه نتناول أحکام الراء بالتفصیل:

ص:139

أحکام تفخیم الراء

اعلم أن الراء تَفخّم فی جمیع الحالات المذکورة أعلاه، إلا أن هناک بعض الأمور ینبغی أخذها فی الحسبان:

1. أنّ البندین (3) و(4) لا یحصلان إلا فی حالة الوقف.

2. فی البند (5) بما أن همزة الوصل هی عارضة علی الکلمة، وتبدأ الکلمة فی الواقع بالراء الساکنة، فعادت الراء إلی أصلها، ألا وهو التفخیم.

3. لا تتأثر الراء إلا بما قبلها، والبند (6) هو المورد الوحید الذی تأثّرت الراء بما بعدها. وذلک إذا اجتمعت الراء وأحد حروف الاستعلاء فی کلمة واحدة، فلا تفخّم الراء إذا وقعت هی فی کلمة، وحرف الاستعلاء فی کلمة أخری، نحو: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلاً) , (وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّکَ ) .

4. فی حال تفخیم الراء فی آخر الکلمة عند الوقف، إن کانت الراء فی الأصل «مکسورة»، ووقفنا علیها وقف «الروم»، فتُرقّق الراء؛ لأنّ الحرف فی وقف الروم

ص:140

یخرج من حالة السکون، ویُطبق علیه حکم الحرف المتحرک. نحو: ألْأکْبَرِ, (مَعَ الْأَبْرارِ) , (وَ سُعُرٍ) , (قَوْلَ الزُّورِ) , (وَ الْفَجْرِ) , (لَفِی خُسْرٍ) .

أحکام ترقیق الراء

اعلم أنّ الراء تُرقّق فی جمیع الحالات المذکورة أعلاه، إلاّ أن هناک بعض الأمور ینبغی أخذها فی الحسبان:

1. أن البندین (3) و(4) لا یحصلان إلا فی حالة الوقف.

2. فی البند (5) تُرقق الراء حتّی إذا کان قبل الیاء الساکنة حرفاً مفتوحاً؛ لأن الیاء تتغلب علی الفتحة، فانتبه.

3. فی حال ترقیق الراء فی آخر الکلمة عند الوقف، إن کانت الراء فی الأصل «مضمومة»، ووقفنا علیها وقف «الروم»، فتُفخّم الراء؛ لأنّ الحرف فی وقف الروم یخرج من حالة السکون، ویُطبق علیه حکم الحرف المتحرّک. نحو: (یَوْمٌ عَسِرٌ) , (السِّحْرَ) , (قَدِیرٌ) , (وَ الطَّیْرَ) .

ملاحظات هامة

أ. اعلم أن فی المواضع التالیة یجوز لک وجهان «التفخیم» و«الترقیق»، وذلک عند«الراء الساکنة»:

ص:141

1. (نُفَرِّقُ ) فی قوله تعالی: (فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ ) . (1)

2. (بِمِصْرَ) : (فی حالة الوقف) الواقعة فی قوله تعالی: (بِمِصْرَ بُیُوتاً) 2 ، و (وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ) 3 ، و (أَ لَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ) . (2)

3. (الْقِطْرِ) : (فی حالة الوقف) ، وذلک فی قوله تعالی: (وَ أَسَلْنا لَهُ عَیْنَ الْقِطْرِ) . (3)

وقد اختلف أهل الأداء فی الوقف علی هاتین الکلمتین، فمنهم من فخّم الراء فی الوقف علیها، ومنهم من رقَّقَها، والذی اختاره الإمام ابن الجزری «تفخیم» الراء عند الوقف علی کلمة: (بِمِصْرَ) و«ترقیق» الراء عند الوقف علی کلمة: (الْقِطْرِ) ؛ وذلک لأن الراء مفتوحة فی مصر ومکسورة فی قطر.

ولا بدّ من ذکر أن اختیار بعض العلماء المخضرمین تفخیم الراء فی کلتا الکلمتین؛ لأن ترقیق الراء بعد تفخیم ما قبلها مباشرة یبدو صعباً علی جهاز النطق، وهذا اختیارنا أیضاً، والله اعلم.

4. (فَأَسْرِ) (فی الوقف) ، و (نَذْرٍ) (فی الوقف) ، و (الْیُسْرَ) (فی الوقف) ، وذلک فی الآیات التالیة: (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی) 6 و (فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ ) 7 و (فَأَسْرِ بِعِبادِی) 8 و (عَذابِی وَ نُذُرِ) 9 و (وَ اللَّیْلِ إِذا یَسْرِ) . (4)

ص:142


1- (1) . الشعراء: 63.
2- (4) . الزخرف: 51.
3- (5) . سبأ: 12.
4- (10) . الفجر: 4.

ونص العلماء علی أن «الترقیق» أَوْلَی من التفخیم؛ لأنّ أصل الکلمة أصل الکلمات المذکورة أعلاه هی: «أَسْرِی»، و«نُذُرِی»، و«یَسْرِی». ثمّ حذفت الیاء للتخفیف ولتناسق آی السورة، واللّه تعالی أعلم.

5. «تُرقّق» الراء فی قوله تعالی: (مَجْراها) 1 ؛ لأنّ الألف المدیة بعدها تُلفظ بإمالة کبری، فانتبه.

ب. من الملاحظ عند بعض القراء المبتدئین ترکیب التفخیم والترقیق معاً عند الراء المشددة مثل قوله تعالی: (ذُو مِرَّةٍ ) ، (وَ لَیْسَ الْبِرُّ) ، (فِی الْبَرِّ) و... حیث إن القارئ یرقّق نصف الأول من الراء، ثمّ یفخّم نصفه الآخر، زعماً بأن الراء المشددة متکونة من رائین، أولهما مرققة، والثانیة مفخمة! فی حین أن الحرف المشدد من حیث التفخیم والترقیق یعتبر حرفاً واحداً، فإما ترقّق کاملةً، وإما تفخّم، فانتبه.

ج. لا بدّ من الانتباه إلی نطق الحروف المفخمة والمرققة المتجاورة، لکیلا یتأثر الحرف المرقق بالحرف المفخّم، وأن لا یتأثر الحرف المفخم بالحرف المرقّق أبداً.

أسئلة وتمرینات

1. عرّف التفخیم والترقیق مع ذکر حروفهما.

2. اقرأ الکلمات التالیة وانتبه إلی تلفظ لفظ جلالة الله:

هُوَ اللَّهُ, بِسْمِ اللَّهِ, سَبِیلِ اللَّهِ, شَاءَ اللَّهُ, یَدُ اللَّهُ, ِللَّهُ, أَرِنَا اللَّهَ.

3. اقرأ الکلمات التالیة مع مراعاة تفخیم الراء أو ترقیقها «وقفاً» و«وصلاً»:

(شَرابٌ ) , (فَاهْجُرْ) , (لِمَنِ ارْتَضی ) , (حُرِّمَتْ ) , (وَ الْعَصْرِ) , (مُرْساها) , (رَبِّ ارْحَمْهُما) , (ذُو مِرَّةٍ ) , (غَفُورٌ) , (لَفِی خُسْرٍ) , (وَ اسْتَغْفِرِ اللّهَ ) , (لا تُدْرِکُهُ

ص:143

الْأَبْصارِ) , (لِذِی حِجْرٍ) , (فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) , (لا ضَیْرَ) , (الصّابِرِینَ ) , (یَسِیرٌ) , (الذَّکَرُ) , (فِرْعَوْنَ ) , (مَرْیَمَ ) , (مِنْ مِصْرَ) , (عَیْنَ الْقِطْرِ) , (کُلُّ فِرْقٍ ) , (مَعَ الْأَبْرارِ) , (أَمِ ارْتابُوا) , (نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) .

4. اتل ما تیسر من سورة الأنبیاء من الآیة 24 إلی 28 ، مع مراعاة حالات التفخیم والترقیق فیها.

ص:144

2. باب الإدغام

من المعروف أنّ الإدغام یوجد فی کلّ لغات العالم، واللغة العربیة لیست مستثناة عن هذا الکلام، لکنّه فی القرآن الکریم یتبع قاعدة خاصة تختلف أحیاناً عن قواعد اللغة، فنحن فی هذا الباب بصدد تناول مبحث الإدغام فی القرآن الکریم وفق روایة حفص عن عاصم.

تعریف الإدغام

الإدغام لغة: الإدخال، واصطلاحاً: « هو حذف الحرف الأول، وتشدید الحرف الثانی ».

تسمیة مکونات الإدغام : یسمی الحرف المحذوف « مُدغماً »، والمشدّد « مدغماً فیه ».

فائدة الإدغام

فهی: « التخفیف والتسهیل فی الکلام »؛ لأن المدغم والمدغم فیه ینطق بهما حرفاً واحداً مشدداً.

والإدغام قسمان:

إدغام صغیر وإدغام کبیر

الإدغام الصغیر : إذا کان المدغم ساکناً یسمی الإدغام صغیراً. مثل قوله تعالی: (وَ قَدْ دَخَلُوا)

الإدغام الکبیر : إذا کان الإدغام متحرکاً یسمی الإدغام کبیراً. وذلک لأن الإدغام یتم فی مرحلتین، الأولی تحوّل المدغم المتحرک إلی الساکن، والثانیة تشدید المدغم فیه، کقوله تعالی: (ما لَکَ لا تَأْمَنّا عَلی یُوسُفَ) 1 ، وأصلها «لَا تَأمَنُنَا»، فالنون المرفوعة تحولت إلی النون الساکنة أولاً، ثمّ أُدغمت النون الساکنة فی النون التی بعدها، فشدّدت، ومن الإدغام الکبیر أیضاً (ما مَکَّنِّی) وأصلها «ما مَکَّنَنِی» و (تَأْمُرُونِّی) وأصلها «تأمرونَنِی».

ص:145

ملاحظة هامة: روعیت جمیع موارد الإدغام الکبیر لحفص فی القرآن کتابةً، بحیث تم إدغام الحرف الأول وتشدید الحرف الثانی، ککلمة (الضّالِّینَ ) والأصل فیها «الضَّالِلِینَ»، أو کلمة (دَابَّةٍ ) وأصلها دابِبَة، أو (أَ تُحاجُّونِّی) وأصلها «أتحاجِجُونَنی».

فلذا لا یحق للقارئ أن یقوم بإدغام کبیر من عنده فی کلمات خارج النطاق المذکور.

أنواع العلاقة بین الحرفین

کل حرف من حیث علاقته بحرف آخر لا یخلو عن أربع حالات:

1. التماثل، 2. التجانس، 3. التقارب، 4. التباعد.

والآن إلیک شرح کلّ ذلک کما یلی:

1. التماثل هو اتحاد الحرفین مخرجاً وصفةً، مثل: (ب - ب) و(س - س) و(م - م) و(ک - ک) و...

2. التجانس هو اتحاد الحرفین فی المخرج واختلافهما فی الصفة، مثل: الحروف «النطعیة» (ت - د - ط) ، والحروف «اللثویة» (ث - ذ - ظ) ، والحروف «الشفویة» (ب - م - و) و... .

3. التقارب هو قرب مخرج الحرفین مثل: (ق - ک) و(ل - ن - ر) و(ت - ث) و(س - ج) .

4. التباعد هو بعد مخرج الحرفین، مثل: (ح - ز) حیث یُخرج الأول من الحلق، والثانی من اللسان، أو مثل: (ک - ب) حیث یُخرج الأول من اللسان، والثانی من الشفتین، أو مثل (ق - ذ) حیث کان موضعهما مشترکاً، بینما کان مخرجاهما متباعدان... .

بعد هذا التمهید نستطیع أن ندخل فی صلب الموضوع وهو ذکر أنواع الإدغام کما یلی:

ص:146

أوّلاً: أنواع الإدغام (و موارده حسب روایة حفص عن عاصم)

الأصل فی القراءة هو النقل، أما الاجتهاد وإن وقع فی القرون الأولی فهو لا یجوز الیوم. فلا یُطبق الإدغام بسبب التماثل أو التقارب إلا إذا کان جائزاً وفق روایة حفص عن عاصم.

و بعد أن تعرفنا علی علاقات مختلفة بین حرفین، علمنا أن المتباعدین لا یتزاحمان مع بعضهما البعض فی المخرج، وبالتالی لا یُدغمان.

فالإدغام من حیث علاقة المدغم بالمدغم فیه علی ثلاثة أنواع:

1. إدغام المتماثلین، 2. إدغام المتجانسین، 3. إدغام المتقاربین.

1. إدغام المتماثلین: یُدغم الحرفان المتماثلان فی بعضهما البعض بشرط سکون الأول، مثلاً: (رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ) 1 و (فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ ) 2 و (اذْهَبْ بِکِتابِی) 3 و (اضْرِبْ بِعَصاکَ ) 4 و (عَفَوْا وَ قالُوا) 5 و (قَدْ جاءَتْکُمْ ) 6 و (لَنْ نَصْبِرَ) . (1)

استثناء: هناک مورد وحید من إدغام المتماثلین یجوز إظهاره کما یجوز إدغامه، وهی قوله تعالی: (مالِیَهْ * هَلَکَ ) 8 ، ولا یخفی وجوب السکت عند الأخذ بالإظهار بین آیتین، وهو توقف یسیر بعد کلمة: (مالِیَهْ ) بدون تنفس فتأمل.

ص:147


1- (7) . الحاقة: 28 و29.

2. إدغام المتجانسین: وهو اتحاد حرفین مخرجاً واختلافهما صفة، وهو فی الموارد التالیة:

بْ م: (1)

و له مورد واحد فی القرآن، وهو: (ارْکَبْ مَعَنا) 2 تقرأ بالشکل التالی: (ارکمَّعَنا).

إدغام الحروف النطعیة فی بعضها البعض (ت - د - ط) :

کإدغام التاء فی الدال: (فَلَمّا, أَثْقَلَتْ , دَعَوَا) 3 ، أو التاء فی الطاء: (وَدَّتْ طائِفَةٌ ) 4 ، أو الدال فی التاء: (قَدْ تَبَیَّنَ ) 5 ، أو الطاء فی التاء: (بَسَطْتَ ) 6 ، ولا یخفی علیک أن المثال الأخیر من موارد الإدغام الناقص والذی سیأتی شرحه لاحقاً.

إدغام الحروف اللثویة فی بعضها البعض (ث - ذ - ظ) :

کإدغام الثاء فی الذال: (یَلْهَثْ ذلِکَ ) 7 ، أو الذال فی الظاء: (إِذْ ظَلَمُوا) . (2)

ملاحظة: حسب روایة حفص عن عاصم لا یُدغم المتجانسان غیر الموارد المذکورة أعلاه.

ص:148


1- (1) . علامة «السهم» فی هذا الدرس تعنی أن عکس المسألة غیر جائز، فعلی سبیل المثال فی هذا المورد أن إدغام المیم الساکنة فی الباء غیر جائز، بل یجوز عکسه فحسب.
2- (8) . النساء: 64.

3. إدغام المتقاربین: هو تقارب الحرفین مخرجاً وصفةً، وهو فی الموارد التالیة:

قْ ک:

مثال: (أَ لَمْ نَخْلُقْکُمْ ) 1 تقرأ (أَلم نَخلکُّم) مع اختلاف فی کیفیة الإدغام من النقص والکمال، أما الأصل هو وجوب الإدغام.

لْ ___ ر:

مثال: (قُلْ رَبِّ ) ، أو (بَلْ رَبُّکُمْ )

استثناء: یجب إظهار اللام فی عبارة: (بَلْ رانَ ) 2 بسکت (1) بین «بَل» و«رَانٍ»، وذلک بدون أخذ النفس بین الحرفین.

نْ ___ ل - ر:

مثال: (مِنْ لَدُنْکَ ) و (وَ مَنْ لا یُجِبْ ) و (مِنْ رَبِّکُمْ ) و (أَنْ رَبَطْنا) .

استثناء: یجب إظهار النون الساکنة فی عبارة: (مَنْ راقٍ ) 4 بسکت بین «مَن»و«رَاقٍ».

نْ ___ م - و- ی:

سبب هذا الإدغام هو «التقارب فی الصفات». وسیأتی شرح ذلک فی باب أحکام النون الساکنة لاحقاً إن شاء الله.

ملاحظة: حسب روایة حفص عن عاصم لا یُدغم المتقاربان غیر الموارد المذکورة أعلاه.

ص:149


1- (3) . سنتناول مبحث السکت فی باب أحکام المدّ والقصر بالتفصیل إن شاء الله.
ثانیاً: الإدغام التامّ والناقص

أما الإدغام من جهة «بقاء أثر المدغم» فیقسّم إلی قسمین: «تامّ» و«ناقص».

1. الإدغام التامّ

هو ذهاب ذات الحرف وصفته معاً، والذی یسمی الإدغام «المتداول»، وأمثلته قد مرت کلها فی أمثلة الإدغام.

وعلامته: وضع الشَّدة علی المدغم فیه.

2. الإدغام الناقص

هو ذهاب ذات الحرف وإبقاء صفته، وهو یحصل عادة عندما یکون الحرف الساکن أقوی من الحرف الذی بعده؛ وذلک فی ثلاثة مواقع حسب قراءة «حفص»:

إدغام «طْ»

«ت»

مثال: (بَسَطْتَ ) و (أَحَطْتُ ) و (فَرَّطْتُ ) . وکیفیة تلفظها أن تظهر صفة تفخیم الطاء «بدون القلقلة»، وثم تنطق التاء «مشدّدةً».

إدغام «قْ» ___ «ک»

و له مورد واحد فی القرآن: (أَ لَمْ نَخْلُقْکُمْ ...) 1 تقرأ علی أحد الوجهین:

1. تقرأ بإظهار صفة تفخیم القاف «بدون القلقلة»، وثم تنطق الکاف «مشدّدةً».

2. تقرأ إدغامه کاملاً بکاف خالصة: «ألم نخلکُّم» بحیث لا یبقی من القاف أثر. وهذا الوجه أرجح عند علماء التجوید.

إدغام «نْ» ___ «و - ی»

تبقی صفة «الغنة» عند النون الساکنة، فلذا تتولد من هذا الإدغام واواً أو یاءً

ص:150

مشددتان مع الغنة، حیث إذا انسدّ مجری الأنف أثناء تلفظهما یتغیر الصوت تماماً ما یسمی بالصوت الفموی مثال: (مِنْ واقٍ ) و (وَ مَنْ یَعْمَلْ ) .

أما الغنة الناتجة عن إدغام النون فی المیم (من أقسام إدغام المتقاربین) هی ناتجة عن المدغم فیه (أی المیم المشددة) ، ولذلک إدغامه «لیس ناقصاً»، فتأمل.

ملاحظات

1. إدغام النون الساکنة فی حروف «یرملون» سیتضح لک من خلال «أحکام النون الساکنة والتنوین».

2. لا تدغم الواو المدیة فی الواو، ولا الیاء المدیة فی الیاء، مثال:

(آمَنُوا وَ عَمِلُوا) ، و (وَ ما کَسَبَ ) ، و (فِی یُوسُفَ) ، و (الَّذِی یُوَسْوِسُ ) ، و (بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ ) .

کما أنّ هذا الحکم یشمل الیاء الساکنة المفتوح ما قبلها (یاء اللین) ، غیر أن موارد الإدغام روعیت فی الرسم، فتُقرأ کما هی، مثل قوله تعالی: (لَدَی) (لدی + ی) , أو (لِوالِدَیَّ) (والدی + ی) .

هنا نؤکد مرة أخری علی عدم الإدغام سوی الموارد المذکورة فی هذا الدرس، وإلیک مواضع مختلفة لا یجوز الإدغام فیها فی القرآن الکریم (1):

(لَقَدْ جاءَکُمْ ) , (وَ لَقَدْ زَیَّنَّا) , (لَقَدْ سَمِعَ ) , (قَدْ شَغَفَها) , (وَ لَقَدْ ضَرَبْنا) , (فَقَدْ ظَلَمَ ) , (وَ إِذْ زَیَّنَ ) , (وَ إِذْ صَرَفْنا) , (أَفَضْتُمْ ) , (فَمَنِ اضْطُرَّ ) , (أَ وَعَظْتَ ) , (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) .

ص:151


1- (1) . وذلک کله بروایة حفص عن عاصم، أما لمعرفة موارد الإدغام عند غیر حفص مراجعة کتب اختلاف القراءات.

أسئلة وتمرینات

1. عرّف الإدغام لغةً واصطلاحاً؟

2. ما هی فائدة الإدغام؟

3. اذکر أنواع العلاقة بین حرفین متجاورین.

4. اذکر أنواع الإدغام من حیث بقاء أثر المدغم فیه.

5. اذکر موارد إدغام المتقاربین.

6. اذکر مواضع الإدغام وعدمه حسب روایة حفص فی الأمثلة التالیة:

(وَ إِذْ زَیَّنَ ) , (یَلْهَثْ ذلِکَ ) , (الضّالِّینَ ) , (یَغْفِرْ لَکُمْ ) , (ما سَلَکَکُمْ ) , (فَرَّطْتُمْ ) , (بَلْ رانَ ) , (قُلْ رَبِّی) , (فِی یَوْمٍ ) , (یُوَجِّهْهُ ) , (أَوْ وَزَنُوهُمْ ) .

ص:152

3. أحکام النون الساکنة والتنوین

اعلم أن حرف النون بعد حرف اللام، هی أکثر الحروف فی التجوید استخداماً، ولاسیما فی حالة السکون تترتب علیها أحکام مختلفة، والنون الساکنة فی هذا الباب تشمل التنوین أیضاً. والتنوین هو نون ساکنة زائدة، تلحق آخر الأسماء لفظاً لا خطّاً، وهی عبارة عن الفتحتین، أو الکسرتین، أو الضمتین.

لا تخلو ملاقاة النون الساکنة لأیّ من الحروف العربیة عن أربع حالات ما یلی:

1. الإظهار 2. الإدغام 3. الإقلاب 4. الإخفاء

ص:153

أوّلاً: الإظهار

الإظهار لغةً : البیان.

اصطلاحاً : «هو إخراج کلّ حرف من مخرجه».

وهو الحکم الأوّل من أحکام النون الساکنة والتنوین، حیث ملاقاة النون الساکنة مع أحد الحروف الحلقیة، یسمّی «إظهاراً حلقیاً»؛ لأنّ حروفه الستة تخرج من الحلق. والحروف الحلقیة - کما تعرفناها سابقاً - ستة فقط، وهی:

1. الهمزة 2. الهاء 3. العین 4. الحاء 5. الغین 6. الخاء.

ملاحظات ثلاثة للإظهار

الأولی: لزوم عدم تحریک النون (احترازاً عن قلقلة النون) .

الثانیة: لزوم عدم المکث عند النون، وإلا ستتحول النون الساکنة إلی النون المشددة إثر إعطائها الغنة أکثر من حرکة واحدة. (1)

الثالثة: لزوم عدم السکت، حیث أن بعض القراء المبتدئین خشیة الوقوع فی أیّ لحنٍ تجویدی أثناء الإظهار، یفصلون بین النون الساکنة والحرف الحلقی بعدها بسکت قصیر، ومن البدیهی لزوم الاجتناب عن ذلک.

وإلیک الأمثلة من کلمة ومن کلمتین، ومع التنوین أیضاً:

ص:154


1- (1) . لا یخفی علیک أن النون تتصف بصفة «الغنة» فی جمیع حالاتها بما فیه حالة السکون، لکن غنتها فی هذه الحالة هی أخف مراتب الغنة بعد النون المتحرکة، وستأتیک أحکام الغنة ومراتبها فی نهایة هذا الباب، أیضاً انظر أحکام قراءة القرآن الکریم للشیخ محمود خلیل الحصری، باب صفات الحروف.

أسئلة وتمرینات

1. عرِّف الإظهار لغة واصطلاحاً.

2. اذکر الملاحظات الثلاثة للإظهار.

3. بیِّن مواضع الإظهار الحلقی فی الکلمات الآتیة:

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ) 1 ، (وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) 2 ، (فَأَمّا مَنْ أَعْطی وَ اتَّقی ) 3 ، (وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ) . (1)

ص:155


1- (4) . الغاشیة: 2.
ثانیاً: الإدغام

الإدغام - کما مرّ - لغةً: الإدخال، واصطلاحاً: « هو حذف الحرف الأول، وتشدید الحرف الثانی »، وهو الحکم الثانی من أحکام النون الساکنة والتنوین.

عدد حروف الإدغام «ستة أحرف» فقط. وهی:

1. الیاء 2. الراء 3. المیم 4. اللام 5. الواو 6. النون

وهی مجموعة فی کلمة « یَرْمُلُونَ ». فإذا أتی بعد النون أحد الحروف الستة أعلاه تُحذف النون أولاً، ثمّ یُقرأ ما بعدها مشدّداً.

ینقسم إدغام «النون الساکنة» إلی قسمین وهما: «إدغام بغنة» و«إدغام بغیر غنة».

-الإدغام بغنة

و توضیح ذلک أنه إذا أتی حرف من الحروف الأربعة أدناه یخرج الصوت متزامناً من الفم والأنف، ویطول ذلک بمقدار حرکتین، وکما قلنا سابقاً أن الحرکتین تعادلان تلفظ حرکتَی فتحة، أو ألف مدی، وحروفه أربعة، وهی:

1. الیاء 2. النون 3. المیم 4. الواو.

وهی مجموعة فی کلمة « یَنمو »، والأمثلة ما یلی:

ص:156

والإدغام یکون تاماً عند «النون» و«المیم» الساکنتین، أما الواو والیاء فتُقرأان مشدّدتین مع إعطاء شیء من الغنة. ویُطلق علیهما مصطلح عند علماء الصوت یسمی «صوت أنفمی» وهو مرکّب من «الأنف» و«الفم» إذ إن الواو والیاء فی هذه الحالة تخرجان من الأنف والفم معاً.

اختبار صحة إدغام النون الساکنة عند (و - ی)

سدّوا مخرج الأنف فجأةً أثناء تطبیق الإدغام:

1. إذا لم یتمّ أی تغییر فی الصوت، فاعلموا أن الإدغام لم یکن صحیحاً.

2. إذا تمّ قطع الصوت تماماً، فاعلموا أن الإدغام لم یکن صحیحاً کذلک؛ لأنّه کان یخرج من الأنف تماماً، وهذا غیر مطلوب.

3. إذا تمّ تغییر الصوت دون قطعه، فهذا یدلّ علی أن الصوت یخرج من الأنف متزامناً مع خروجه من الفم، وهذا هو الشکل الصحیح للإدغام الأنفمی.

-الإدغام بغیر غنة

الثانی من قسمی الإدغام هو: الإدغام بغیر غنة، وله حرفان وهما: « ل » و« ر ».

فإذا أتی أحد الحرفین المذکورین بعد النون الساکنة، تُحذف النون، ویُلفظ الحرف التالی مشدّداً بغیر غنة. وخذ الأمثلة لهما:

ملاحظات هامة

الأولی: کما لاحظتَ أن الإدغام - بغنة أو بغیر غنة - لا یکون إلاّ فی «کلمتین»،

ص:157

فإذا وقع حرف الإدغام والنون الساکنة فی الکلمة الواحدة وجب إظهارها. نحو: (الدُّنْیا) و (قِنْوانٌ ) 1 و (صِنْوانٌ ) 2 و (بُنْیانٌ ) 3 ، وهذا فی أربع کلمات لا خامس لها فی القرآن الکریم، ویسمی هذا الإظهار «إظهاراً مطلقاً».

الثانیة: ویوجد فی القرآن «إظهار مطلق» من کلمتین فی (یس [إظهار] وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ ) 4 و (ن [إظهار] وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ ) . (1)

الثالثة: یجب إظهار النون الساکنة، وعدم الإدغام فی قوله تعالی: (... مَنْ راقٍ ) 6 ؛ لأنه یجب السکت بین «مَنْ» و«رَاقٍ» والسکت مانع من الإدغام، وسببه أن لا یتوهم أن «مَنْ» مع ما بعدها کلمة واحدة: «مرّاق» علی وزن فعّال وهی مبالغة «مارق».

أسئلة وتمرینات

1. اذکر أنواع إدغام النون الساکنة، وما هی حروفها؟

2. وضّح کیفیة اختبار صحة الإدغام مع الغنة عند حرفَی (و- ی) .

3. ما هی استثناءات إدغام النون الساکنة؟

ص:158


1- (5) . القلم: 1.
ثالثاً: الإقلاب

الإقلاب لغةً: التحویل والتبدیل، واصطلاحاً: « تبدیل النون الساکنة إلی المیم »، وذلک عند ملاقاة الباء فقط، مع مراعاة الغنة والإخفاء.

و توضیح ذلک أن النون فی الإقلاب تتحول إلی «المیم»، ثمّ المیم نفسها تُخفی عند «الباء»، کما سیأتی شرح ذلک بالتفصیل فی الدرس الآتی إن شاء الله.

وإلیک الأمثلة للإقلاب مع النون الساکنة من کلمة ومن کلمتین، ومع التنوین:

طریقة تطبیق الإقلاب

إذا جاء حرف الباء بعد النون الساکنة أو التنوین - سواء اجتمعا فی کلمة واحدة أو فی کلمتین - بتقریب الشفتین إلی بعضهما البعض مع إبقاء فتحة خفیفة بمقدار دخول ورقة رقیقة بینهما، فتتحقق بذلک الغنة ویمتنع التشدید.

ولاختبار صحة الإقلاب نستطیع الاستفادة من الطریقة التی ذکرناها فی «اختبار صحة الإدغام»، بمعنی: أنّه إذا کان الإقلاب خالیاً عن الغنة، فهذا یدل علی أن القارئ بدلاً من الإقلاب یمدّ الحرکة السابقة، فانتبه!

أسئلة وتمرینات

1. ما هو حکم المیم الناتجة إثر الإقلاب؟

2. بیّن کیفیة تطبیق الإقلاب.

3. اذکر موارد الإقلاب فی الآیات التالیة:

ص:159

(مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ) 1 ، (وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ ) 2 ، (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ *بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ * الْقارِعَةُ ) . (1)

ص:160


1- (3) . العادیات: 11؛القارعة: 1.
رابعاً: الإخفاء

الإخفاء لغةً: الستر والإخباء.

واصطلاحاً: «حذف مخرج النون، مع بقاء غنتها، والنطق بالحرف التالی غیرمشدّدٍ».

وفی الحقیقة هو حالة بین الإظهار والإدغام؛ لأن النون الساکنة لا تُلفظ من مخرجها حتّی یکون إظهاراً، ولا یُشدّد الحرف الذی یلیها حتّی یکون إدغاماً، بل تُخفی النون إخفاءً.

ویسمی أیضاً «الإخفاء الحقیقی» ؛ لأن النون الساکنة والتنوین تکاد تکون معدومة ولم یبق منها إلا الغنة، فی مقابل « الإخفاء الشفوی » عند المیم الساکنة والباء، وسیأتی شرحه لاحقاً.

وللإخفاء «خمسة عشر» حرفاً وهی المتبقیة بعد حروف الإظهار الستة «الحلقیة»، وحروف الإدغام الستة «یرملون»، وحرف الإقلاب «ب»، فحروف الإخفاء هی:

(ت، ث، ج، د، ذ ، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ف، ق، ک) .

و هی مجموعة فی أوائل کلمات هذا البیت:

صَفْ ذَا ثَنَا کَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا دُمْ طَیِّباً، زِدْ فِی تُقیً، ضَعْ ظَالِماً

ملاحظات هامة 1. الفارق بین «الإخفاء» و«الإدغام بغنة» هو: أن فی الإدغام تشدیداً، بینما لیس فی الإخفاء تشدید. وإلا أنهما مشترکان فی حذف مخرج النون، وإبقاء غنتها.

2. لاختبار صحة الإخفاء نستطیع الاستفادة من الطریقة التی ذکرناها فی «اختبار صحة الإدغام والإقلاب»، فإذا کان الإخفاء خالیاً عن الغنة، فهذا یدل علی أن القارئ بدلاً من الإخفاء یمدّ الحرکة السابقة، فانتبه!

ص:161

3. یقال فی تعریف الإخفاء: «إن علامة الإخفاء الصحیح هی أن تُشم رائحة الحرف المُخفی قبل أدائه». فعند إجراء عملیة الإخفاء نحاول أن نُخرج الإخفاء من مخرج الحرف الذی یلی النون الساکنة أو التنوین، بحیث یحزره المستمع! ومعرفة مخرج الحرف تکون بوضع الهمزة قبل هذا الحرف وتسکین الحرف. مثال:

اصْ، اذْ، اکْ، اجْ، اشْ، اقْ، اسْ، ادْ، اطْ، ازْ، افْ، اتْ، اضْ، اظْ.

4. الإخفاء لا یتغیر «کمّاً»؛ أی مقداره حرکتان دائماً، أما هو فیتغیر بتغیّر الحرف ««کیفاً»، فانتبه.

5. یتصف الإخفاء بصفة الحرف الذی یلی النون الساکنة؛ هذا یعنی أن الإخفاء یکون مفخماً إذا کان الحرف الذی یلی النون الساکنة أو التنوین أحد الأحرف المستعلیة، وترقّق الغنة فیما سوی ذلک.

6. لا یوجد أی استثناء فی حکم «الإخفاء» فتأمل. (1)

وخذ الأمثلة للإخفاء مع النون الساکنة من کلمة، ومن کلمتین، ومع التنوین:

ص:162


1- (1) . هناک من یستثنی قوله تعالی (کُنْ فَیَکُونُ ) من قاعدة الإخفاء، فیُظهِر النون الساکنة، زعماً أن للإخفاء تأثیراً سلبیاً فی المعنی، فی حین أن هذا الکلام لا أصل له فی التجوید، وکما قلنا إن الإخفاء لا استثناء له فی القرآن قط.

أسئلة وتمرینات

1. بیِّن کیفیة الإخفاء الصحیحة.

2. ما عدد حروف الإخفاء، وما هی؟

3. استخرج موارد الإخفاء الحقیقی من الآیات القرآنیّة التالیة:

(هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً) 1 ، (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ * وَ وَضَعْنا عَنْکَ وِزْرَکَ * اَلَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ * وَ رَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ ) . (1)

ص:163


1- (2) . الانشراح: 1 - 4.

تطبیقات لأحکام النون الساکنة

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنّاتٍ وَ نَعِیمٍ * فاکِهِینَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِیمِ * کُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِیئاً بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّکِئِینَ عَلی سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِینٍ * وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْ ءٍ کُلُّ امْرِئٍ بِما کَسَبَ رَهِینٌ * وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاکِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمّا یَشْتَهُونَ * یَتَنازَعُونَ فِیها کَأْساً لا لَغْوٌ فِیها وَ لا تَأْثِیمٌ * وَ یَطُوفُ عَلَیْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ کَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَکْنُونٌ * وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ * قالُوا إِنّا کُنّا قَبْلُ فِی أَهْلِنا مُشْفِقِینَ * فَمَنَّ اللّهُ عَلَیْنا وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ * إِنّا کُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِیمُ ) . (1)

ص:164


1- (1) . الطور: 17 - 28.
4. أحکام المیم الساکنة

لا تخلو ملاقاة «م» الساکنة لأیّ من الحروف العربیة عن ثلاثة أحکام، وهی:

1. الإدغام 2. الإخفاء 3. الإظهار

أوّلاً: الإدغام

الحکم الأول من أحکام المیم الساکنة الإدغام، ولا یکون إلا فی «المتماثلین»، یعنی تُدغم المیم فی المیم فقط، ویسمی «إدغاماً شفویاً». وتصحبه «الغنة» بمقدار حرکتین؛ لأن الشفتین فی هذه الحالة منضمتین، فیخرج تمام الصوت من «الخیشوم». مثال: (إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ ) ، (وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ ) ، (وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضی ) ، (یُمَتِّعْکُمْ مَتاعاً) . (1)

أسئلة وتمرینات

1. أی حرف من حروف الهجاء یکون للإدغام عند المیم الساکنة؟

2. بیِّن ما فی هذه الآیات من إدغام المیم الساکنة: (لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) 2 ، (أَ لا یَظُنُّ أُولئِکَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ) 3 ، (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) . (2)

ص:165


1- (1) . مواضع الآیات أعلاه علی التوالی: البقرة: 91؛النحل: 57؛النساء: 43؛هود: 3.
2- (4) . البقرة: 46.
ثانیاً: الإخفاء

قد سبق تعریف الإخفاء فی النون الساکنة والتنوین، ویکون إخفاء المیم الساکنة عند حرف واحد، وهو « ب » فقط، مثل (یَوْمَ هُمْ بارِزُونَ ) 1 ، فإذا وقعت میم ساکنة ووقع بعدها حرف الباء فیُحذف « مخرج المیم »، ولکن تبقی غنّتها، فتغنّ « حرکتین ».

و یسمی هذا الإخفاء « إخفاءً شفویاً »، لخروج حرفَی المیم والباء من الشَّفتین، بخلاف الإِخفاء مع النون الساکنة والتنوین، فَیُسمَّی «إخفاءً حقیقیّاً».

ملاحظة : یجب أن یخرج صوت الإخفاء الشفوی من الأنف والفم؛ صوتاً « أنفمیاً »، فلذا من الخطأ إخراج الغنة من «الفم» فقط، أو من «الأنف» فقط.

طریقة إخفاء المیم الساکنة

ویتم ذلک بتقریب الشفتین إلی بعضهما البعض مع إبقاء فتحة خفیفة بمقدار دخول ورقة رقیقة بینهما، فعندها نُطلِق معظم الزفیر من الخیشوم، کما یخرج مقداراً طفیفاً منه من طریق الفم، فنمدّه حرکتین لتحقق الغنة، فعند ذلک نلفظ «الباء».

اختبار صحة إخفاء المیم الساکنة

یتم ذلک مثل اختبار صحة إخفاء النون الساکنة تماماً، فبعد سدّ مخرج الأنف، إذا لم یتمّ أی تغییر فی الصوت، فاعلموا أن الإخفاء المیم کان «فمویاً»، وکان الإخفاء مجرد مدّ حرف المیم الساکنة! کما أنّ قطع الصوت تماماً، یدل علی أن الإخفاء کان یخرج من الخیشوم تماماً، وهذا غیر مطلوب أیضاً.

أما إذا تمّ تغییر الصوت دون قطعه، فهذا یدلّ علی أن الصوت یخرج من الأنف متزامناً مع خروجه من الفم، وهذا هو الشکل الصحیح للإخفاء الشفوی.

ص:166

أسئلة وتمرینات

1. لماذا سمّی إخفاء المیم الساکنة إخفاءً شفویّاً؟

2. بین الطریقة الصحیحة لإخفاء المیم الساکنة.

3. بیِّن الإخفاء الشفوی فی هذه الآیات:

قال تعالی: (وَ أَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ ) 1 ، (وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ) 2 ، (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ) . (1)

ص:167


1- (3) . العادیات: 11.
ثالثاً: الإظهار

یکون إظهار المیم الساکنة عند بقیة أحرف الهجاء، بعد أخذ «الباء» للإخفاء الشفوی، و«المیم» للإدغام، فیکون الباقی منها «ستة وعشرین» حرفاً من الهمز إلی الیاء، ما عدا حرفی المیم والباء. ویسمی هذا الإظهار «إظهاراً شفویّاً».

و معناه: « وجوب إخراج الحرف من مخرجه بشکل طبیعی ».

ویکون فی کلمة واحدة، مثل: (تُمْسُونَ ) 1 ، وفی کلمتین مثل (أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحابِ الْفِیلِ ) 2 ، و (أَ لَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوی ) . (1)

ملاحظات أربعة فی إظهار المیم الساکنة

1. لزوم عدم تحریک المیم الساکنة (احترازاً عن قلقلة المیم) .

2. لزوم عدم المکث (خشیة تشابه المیم الساکنة بالمیم المشددة) .

3. لزوم عدم السکت (لأنه لا یجوز الفصل بین المیم والحرف الذی یلیها) .

4. لزوم مراعاة شدة إظهار المیم الساکنة عند «الواو» و «الفاء » أکثر من غیرهما من الحروف، لاتحاد «المیم» مع «الواو» فی المخرج، وقربها مع «الفاء» فی المخرج. ویسمی الإظهار عند الحرفین المذکورین «أشد الإظهار»، ویُنصح للقارئ العزیز عند موارد أشد الإظهار أنه بعد أداء المیم الساکنة أن یفتح شفتیه بقوة، ویلفظ الحرف التالی مع مراعاة النقاط الثلاثة أعلاه.

أسئلة وتمرینات

1. اذکر الملاحظات الهامة الثلاثة لإظهار المیم الساکنة.

2. فی أی حروف یکون أشد الإظهار؟ وما هو المراد منه؟

ص:168


1- (3) . الضحی: 6.

تطبیقات لأحکام المیم الساکنة

(وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرفَقاً* وَ تَرَی الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللّهِ مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً * وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) . (1)

ص:169


1- (1) . الکهف: 16 - 18.
5. أحکام الغنّة

کما لاحظتَ أن هذا المصطلح یستخدم فی عدة مباحث، وله ارتباط بأکثر من حکم، فنحن نتناول الغنة فی التجوید مرتین:

1. مرّة نقول - کما أسلفنا فی باب صفات الحروف - إنّ «الغنة » صوت یخرج من الخیشوم، وهی صفة ذاتیة ترافق «ن» و«م» فی جمیع الحالات.

2. ومرة نطرحها کحکم عارضی بجانب أحکام النون والمیم الساکنتین فقط.

فنستطیع القول بأن الفارق بین صفة الغنة وحکم الغنة، هو أن الصفة لا تنفک عن الحرف أبداً، وهی من ذات الحرف، لکن الحکم یعرض علی الحرف تارةً، وتنفک عنه أخری.

و لأهمیة الغنة نطرح مبحث الغنة کدرس مستقل لما لها من أهمیة بالغة فی التجوید، حیث یقال: «إن من مهارة القارئ رعایة أحکام الغنة بجانب تحکّمه بالحرف الساکن!»

تعریف الغنة: «هی صوت تخرج من الخیشوم».

مواضع الغنة

1. عند النون والمیم المشدّدتین.

2. إدغام «نْ» عند حروف «ینمو».

3. إقلاب النون الساکنة.

4. عند جمیع حروف الإخفاء.

حکم الغنة : مقدار الغنة حرکتان ومعناه أن تطول بمقدار «المدّ الطبیعی».

ملاحظة : علی القارئ عند وصوله إلی النون والمیم المشددتین - إن کانت الشدة أصلیة أو نتیجة إدغام المتماثلین - مدّ الغنة بمقدار حرکتین، ولا فرق بین غنّة المشدّد بین الکلام، وبین المشدّد الموقوف علیه. (1)

ص:170


1- (1) . هناک «قاعدة عامة» فی خصوص الحرف المشدّد، وهی: أن المکث عند الحرف المشدد فی حالة الوقف، یکون بمقدار المکث عند الحرف نفسه فی حالة الوصل، لا أقل ولا أکثر.

أمثلة: (وَ یُمَنِّیهِمْ ) ، (فَطَرَهُنَّ ) ، (إِقامَتِکُمْ ) ، (فِی الْیَمِّ ) [فی الوقف] ، (جَنّاتِ النَّعِیمِ ) ، (وَ لا جَانٌّ ) [فی الوقف] ، (سَمّاعُونَ ) ، (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ ) ، (وَ الْأَصَمِّ ) [فی الوقف].

إن الغنة تشمل جمیع حالات الإخفاء، وهی: «إخفاء النون الساکنة» عند الحروف الخمسة عشر، و«إخفاء المیم الساکنة» عند الباء.

المقصود من مدّ الغنة بمقدار حرکتین، هی أن تمدّ الغنة بمقدار المدّ الطبیعی (1)، فعلی هذا تکون الغنة فی: (أَنْتَ ) بمقدار ألف «مَا» من: (عَلاماتٍ ) ، وغنة: (مِنْ شَیْ ءٍ) بمقدار یاء «لفِی» من: (لَفِی شَکٍّ ) ، وغنة: (فَانْظُرْ) بمقدار واو «ذُو» من: (لَذُو فَضْلٍ ) ، والأمر یتضح أکثر من خلال الجدول التالی:

مراتب الغنة کیفاً

المراد من الکیف هو درجة القوة والضعف للغنة، وذلک فی مقابل الکمّ وهو مقدار الغنة، والذی کان حرکتین لا أقل ولا أکثر.

من وجهة نظر أهل الأداء، فإن غنة «ن» أکمل من غنة «م». (2)

ص:171


1- (1) . إن ما عند المجودین کله منقول بالمشافهة إلی یومنا الحاضر، و«المشافهة» تلقی قواعد التجوید بالحضور بین یدی أستاذ ملمّ بالتجوید النظری والعملی معاً، وفی خصوص مقدار الغنة عند ملاحظة قراءة القراء المشاهیر والأساتذة الکبار نجد أن الغنّة علی الأغلب تطول أکثر من حرکتین، وعلی کلّ حال ینبغی اجتناب الإفراط والتفریط فی مقدار الغنة.
2- (2) . أحکام قراءة القرآن الکریم للشیخ محمود خلیل الحصری: 111.

مراتب غنة «النون» کیفاً (من الحد الأدنی إلی الحد الأقصی)

مراتب غنة «المیم» کیفاً (من الحد الأدنی إلی الحد الأقصی)

أسئلة وتمرینات

1. ما هی الغنة؟ وما مقدارها؟

2. ما الفرق بین صفة الغنة وحکمها؟

3. اقرأ وبیّن أحکام الغنة فی الآیات التالیة:

(وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ

ص:172

أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَی اللّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ) . (1)

ص:173


1- (1) . النور: 31 .
6. أحکام المدّ والقصر

الأصل فی هذا الباب ما نقله صاحب کتاب النشر عن ابن مسعود رحمه الله من حدیثٍ لفظُه: «کان ابن مسعود یُقرئ رجلاً القرآن، فقرأ الرجل: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ ) 1 مرسلةً؛ أی مقصورة، فقال ابن مسعود: ما هکذا أقرَأَنیها رسولُ الله صلی الله علیه و آله ، فقال: وکیف أقرأَکَها یا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أقرأنیها: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ ) فمدها». وهذا الحدیث نص فی هذا الباب. (1)

واعلم أن مبحث المدّ من المباحث المهمة فی التجوید، فالقارئ من خلال تعلم أنواع المدّ وقواعده، یستطیع أن ینمّی مهاراته فی «تحسین الصوت واللحن» والنغمات القرآنیّة، وذلک باستغلال مواضع المدّ وإطالة الصوت.

تعریف المد

«المد» لغة هو مطلق «الزیادة» لقوله تعالی: (وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ ...) 3 ، أی: یزدکم أو (وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) 4 ، واصطلاحاً هو: «إطالة الصوت عند حروف المد».

فعلی سبیل المثال فی کلمة: (قالَ ) یقال إن القارئ مدّها مدّاً طبیعیاً، أما فی کلمة (قائِلٌ ) یقال إن القارئ مدّها أکثر من المقدار الطبیعی.

تعریف القصر

«القصر» ضد المدّ وهو لغةً «الحبس»، لقوله تعالی: (فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ

ص:174


1- (2) . النشر فی القراءات العشر: 315/1.

الصَّلاةِ ) 1 وکذلک: (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِی الْخِیامِ ) 2 ، أی: محبوسات فیها، واصطلاحا هو: « أداء حرف المدّ بمقدار طبیعی ومن غیر زیادة علیه ».

فمثلاً إذا قرأ: (أُوذِینا) بشکل طبیعی، یقال: إنه قرأها بالقصر. فکلمة القصر تطلق علی «المدّ الطبیعی»، فتارة یکون المدّ بمقدار «حرکتین»، وتارة یأتی فی مقابل «الإشباع» وتفید بأنه لا یجوز إشباع الکلمة أکثر من «حرکة واحدة». فبالمناسبة نذکر هنا مقادیر المدّ المختلفة وأسماءها.

إن وحدة قیاس المدّ هی « الحرکة ». فمثلاً یقال: مدّه «أربع حرکات» أو «ست حرکات» وما شابه ذلک.

أسماء مقادیر المد

مقدار المدّ لا یقل عن حرکتین ولا یتجاوز ست حرکات والجدول التالی یبین لک مقاییس ومقادیر المدّ وأسماءها:

ص:175

حروف المد

حروف المدّ عبارة عن: الألف المدیة، والواو المدیة، والیاء المدیة، والتی اجتمعت فی الأمثلة التالیة: (نُوحِیها) و (أُوذِینا) و (وَ أُوتِینا) .

أسباب المد: معنوی ولفظی

السبب المعنوی

هذا السبب یرتبط بمعنی الکلمة ولیس بلفظها، وهو سبب قوی مقصود عند العرب، وإن کان أضعف من اللفظی عند القراء حیث لا یأخذ حقه من الاهتمام، والمراد منه قصد المبالغة فی النفی، ولذلک سمی بمد المبالغة، وهو نوعان:

مد التعظیم ومد التبرئة

مد التعظیم نحو مد «الألف المدیة» فی کلمة التوحید: (لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ) 1 و (لا إِلهَ إِلاّ هُوَ) 2 و (لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ) 3 ، والمراد من المدّ فی مثل هذه العبارات هو التأکید والمبالغة فی نفی الألوهیة عما سوی الله عز وجل. ومقداره 4 حرکات (التوسط) عند من قرأ المدّ المنفصل بحرکتین (القصر) ، مثل: «ابن کثیر»، و«أبو جعفر»، وکذلک «حفص» من طریق طیبة النشر فقط.

النوع الثانی من المدود المعنویة مد التبرئة وهو عبارة عن مد لا النافیة نحو: (لا رَیْبَ ) 4 و (لا شِیَةَ ) 5 و (لا مَرَدَّ لَهُ ) 6 و (لا جَرَمَ ) 7 و ... .

ص:176

هذا النوع وردت به قراءة «حمزة الکوفی» بروایة «خَلَف»، ومقداره 4 حرکات (التوسط) کذلک.

أما السبب اللفظی - کما أشرنا إلیه - هو أقوی من السبب اللفظی فی تلاوة القرآن.

السبب اللفظی

هو عبارة عن سبب فی ظاهر اللفظ حیث یُقرأ دائماً، وهو علی قسمین: « الهمزة » و « السکون ».

فإذا وقع أحد هذین السببین بعد حروف المدّ یُمدّ أکثر من المقدار الطبیعی، ولابد من ذکر أن «الشدة» التی تحتوی علی حرف ساکن تُعدّ من أسباب المدّالضمنیة.

ثمرة المد وفائدته

و لمّا کان المدّ ضعیفاً وخفیاً، والهمزة شدیدة وقویة، مدّوا الضعیف حتّی یتقوّی بجانب القوی، ومن جهة أخری تُتاح فرصة لأداء لائق لتبیین صفتَی الجهروالنبرة للهمزة، کما أن ثقل السکون یسبب تضعیف حرف المدّ أکثر فأکثر، فلتقویة العنصر الضعیف تجاه العنصر القوی وإیجاد التوازن لا بدّ من زیادة مقدار المدّ، والله أعلم.

أمثلة لأنواع المدّ المختلفة:

(الْبَأْساءِ) ، (سُوءَ) ، (النَّسِیءُ) ، (یا أَبانا) ، (قُوا أَنْفُسَکُمْ ) ، (فِی آیاتِنا) ، (آلئن ) ، (ن )(نون) ، (الضّالِّینَ ) ، (أَ تُحاجُّونِّی) ، (طسم ) (طا سیمّیم) ، (الْمُفْلِحُونَ ) ، (بِمُؤْمِنِینَ ) ، (بِالْیَوْمِ ) ، (هذَا الْبَیْتِ ) .

ص:177

أوّلاً: أنواع المد

المدّ بشکل عام علی نوعین: المدّ الأصلی (الطبیعی) - المدّ الفرعی (غیر الطبیعی)

المدّ الأصلی (الطبیعی)

تعریف: «إذا لم یقع بعد حروف المدّ لا همز ولا سکون یسمی المدّ مداً طبیعیاً».

و بما أن کلّ مد ینشأ من صفة ذاتیة فی حروف المد، ألا وهی الإطالة فی الصوت، فلذلک سمّوه مداً أصلیاً أو طبیعیاً.

مقدار المدّ الطبیعی (القصر) أی حرکتان أو بمقدار ألف.

والمراد من الحرکتین أنه مثلا فی کلمة (نُوحِیها) تمدّ ضمة «ن» بقدر «ضمّتین»، وکسرة «ح» بقدر «کسرتین»، وفتحة «ه» بقدر «فتحتین». وقد ذکر علماء التجوید «الحرکةَ» بأنها بمقدار قبض الإصبع أو بسطه، بحال وسط بین الإسراع والتأنی. (1)

یُدرِک صاحب «الذوق السلیم» مقدارَ المدّ الطبیعی، والقراء عادة متفقون علی ذلک. ومع ملاحظة هذا الأصل، فإذا أردنا أن نقرأ مدّاً بأربع حرکات، فیکفینا أن نطیل المدّ الطبیعی ضِعفین، وإذا أردنا مّداً بخمس حرکات، فنمدّه ضعفین ونصف، وإذا أردنا ست حرکات، فنمدّه ثلاثة أضعاف المدّ الطبیعی. (2)

ص:178


1- (1) . طبعاً طرح المسألة بهذا الشکل لیس إلا لتقریبٍ أکثر إلی ذهن القارئ العزیز، وإلا فإن المستنبَط من قراءة عموم الأساتذة الکبار أولاً إن مقدار أربع حرکات عندهم «أطول» من ألفَین، أی یمدون «أکثر» من ضعفَی المدّ الطبیعی! وثانیاً لا یمکن تعلم مقدار المدّ الصحیح والإلمام به، إلا عن طریق «المشافهة» کما هی الأصل فی سائر القواعد التجویدیة، وهی عبارة عن تلقی القاعدة من أستاذ حاذق وذی صفة «حسن الأداء». فبعض العلماء جعلوا «الألف» - بدلاً من الحرکة - معیاراً لقیاس المد، فمهما یکن من الأمر فإن أغلبیة القراء لا یختلفون مع بعضهم البعض فی إطالة مقدار المد، فلذا أن أحسن طریقة لإتقان کیفیة المدّ ومقداره هو «متابعة تلاوات القراء الکبار» وتقلیدهم. للمزید مراجعة حلیة القرآن: 159.
2- (2) . ولذلک یُذکر فی الکتب القدیمة أن مد التوسط بمقدار ألفین، والطول ثلاث ألفات، فانتبه.

و من الملاحظ أن هذه الطریقة عملیة وأدق من قبض الإصبع أو بسطه، والله أعلم.

المدّ الفرعی

تعریف: المدّ الفرعی هو المدّ الزائد علی المدّ الطبیعی أو المتفرع منه بسبب همز أو سکون.

مثال: (یَشاءُ) ، (قالُوا آمَنّا) ، (آلْآنَ ) ، (الضّالِّینَ ) (عند الوقف) ، (بِمُؤْمِنِینَ ) (عند الوقف) , (الْبَیْتَ ) (عند الوقف).

أنواع المدّ الفرعی

المدّ الفرعی ینقسم إلی ستة أنواع:

اعلم أن سبب المدّ فی النوع الأول «الهمز» وفی النوع الثانی «السکون».

1. المدّ المتصل

تعریف: وهو المدّ الذی سببه الهمزة، بشرط أن تکون هی وحرف المدّ متصلتین فی کلمة واحدة.

مثال: (الْبَأْساءِ) ، (سُوءَ) ، (النَّسِیءُ) ، (أُولئِکَ ) ، (لِیَسُوؤُا) ، (خَطِیئَةً ) .

ص:179

مقدار المدّ المتصل

حکم المدّ المتصل عند حفص أنه بمقدار 4 - 5 حرکات (التوسط وفویق التوسط) ، ولابد من تسویة المدود أثناء التلاوة، بمعنی أنه إذا اختار القارئ أربع أو خمس حرکات للمد المتصل فی بدء قراءته علیه أن یراعی ذلک إلی النهایة.

علماً إذا وقع همز المدّ المتصل فی آخر کلمة عند الوقف ما یسمی بالمدّ المتصل المتطرف الهمز (1)، فبالإضافة إلی الوجه المختار یجوز للقارئ أن یمده مد الطول؛ یعنی(6) حرکات لاجتماع السببین للمد (الهمز والسکون) مثل: (یَشاءُ) ، (سُوءَ) ، (النَّسِیءُ) .

ملحوظة : مع ملاحظة درس طُرق الوقف علی أواخر الکلم نستطیع القول بأن المدّ المتصل عند الوقف لا یخلو عن حالات ما یلی:

فی حالة «الوقف بالإسکان» یعنی إسکان الهمزة یجوز فیه المدّ بالأوجه الثلاثة: (4- 5 - 6) حرکات.

فی حالة «الوقف بالإشمام» یجوز المدّ بالأوجه الثلاثة أعلاه کذلک.

أما فی حالة «الوقف بالروم» فلا یجوز إلا المدّ بالوجهین: 4 أو 5 حرکات ولا یجوز فیه الطول (6 حرکات) بسبب خروج الهمز عن حالة السکون.

فعلی هذا یجوز فی المدّ المتصل المتطرف الهمز مجموعاً «8 أوجه»، وهنا نؤکدمرة أخری علی لزوم «التسویة» بین المدود والتوازن فی مقادیر المدّ أثناء التلاوة،خاصة عندما یتقارب مدان متصلان إلی بعضهما البعض، مثل: (وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) . (2)

ص:180


1- (1) . الحرف المتطرف هو الحرف الذی وقع فی طرف الکلمة وحافتها، مثل وقوع الهمز فی کلمة السماء.
2- (2) . البقرة: 22.

2. المدّ المنفصل

تعریف : کلمة المنفصل لغة تعنی ضد المتصل والملتصق، وفی اصطلاح التجوید: هو أن یأتی حرف المدّ فی آخر الکلمة، والهمزة بعده مباشرة فی أول الکلمة التی تلیها سواء کان حرف المدّ ثابتاً لفظاً ورسماً فی المصاحف، مثل: (إِنّا أَنْزَلْنا) ، (قالُوا آذَنّاکَ ) ، (فِی أَنْفُسِهِمْ ) ، أو کان حرف المدّ ثابتاً فی اللفظ دون الرسم مثل: (یا أَیُّهَا) ، (ها أَنْتُمْ ) ، (فِی حُکْمِهِ أَحَداً) ، (وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ) . (1)

و سمی هذا النوع من المدّ منفصلاً لانفصال حرف المدّ عن الهمز فی کلمة أخری، ومن البدیهی عند الوقف علی الکلمة الأولی وعدم ذکر سبب المدّ الکامن فی الکلمة التالیة، فلا یمدّ إلا مدا طبیعیا بمقدار حرکتین، وذلک لعدم إکمال هیکلیة المد.

مقدار المدّ المنفصل

حکم المدّ المدّ المنفصل لحفص من طریق «طیبة النشر» هو جواز القصر والتوسط وفویق التوسط (2 - 4 - 6 حرکات) .

إن المدّ المنفصل هو أضعف من المدّ المتصل، ولذلک لا بدّ من أن یکون دائماً أقل أو مساوٍ لمقدار المدّ المتصل أثناء التلاوة.

ملحوظة هامة: إنه یجب تسویة المدّ بنظیره حال التلاوة، فلا یجوز قصر مد منفصل مع توسط مد منفصل آخر، لاسیما إذا اقترب مدان منفصلان فی مثل هذه الآیة: (وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ ) 2 ، أو

ص:181


1- (1) . من الملاحظ أن المثالین الأخیرین من مصادیق مد الصلة الکبری، والذی یندرج ضمن المدّ المنفصل، فانتبه.

مثل: (إِنّا أَنْزَلْنا) ، فلا یقرأ بقصر (إِنّا) ومد: (أَنْزَلْنا) أو العکس، کما لا یجوز الوقف علی یاء النداء وحدها من مثل: (یا أَیُّهَا) ، ولا علی هاء التنبیه وحدها مثل: (ها أَنْتُمْ ) ، ولا علی الأفعال المتصلة بضمائرها رسماً فی المصاحف، فلا یقال: (فَکَذَّبُوا...) مِن (فَکَذَّبُوهُما) ، ولا علی (أل) التعریف؛ فهذه الأنواع لا یفصل بین أجزائها اصطلاحاً وحکماً، فحکم هذه الکلمات کحکم الکلمة الواحدة لا یفصل بین أجزائها. (1)

و سمی المدّ المنفصل بالمدّ المستحب أو المدّ الجائز لجواز قصره، کما یجوز القصر فی غیره وأخص بالذات المدّ العارض الذی سیأتی شرحه إن شاء الله.

یُنصح للقراء الأعزاء أنه من الأفضل عدم اتخاذ وجه «القصر» عند المدّ المنفصل، لأن فی حال أخذ القصر یترتب علیه الکثیر من القواعد التجویدیة؛ بمعنی أن رعایة أو عدم رعایة تلک القواعد متوقفة علی القصر أو دونه، فلذلک الأخذ بوجه «التوسط» فی کلا المدین «المتصل» و«المنفصل» هو أوسط المقادیر وأنسبها.

أنواع المدّ المنفصل

مدّ التعظیم: وقد سبق ذکره بالتفصیل فی مبحث أسباب المدّ وتحدیداً فی السبب المعنوی.

مد الصلة الکبری: هذا المدّ یتعلق بدرس هاء الضمیر وإشباعها - کما مرّ - فإن وقعت همزة القطع بعد «الصلة الصغری» (2) یسمی المدّ المنفصل فی هذه الحالة بمد «الصلة الکبری». أما حکمه فلا یختلف عن أقسام المدّ المنفصل الأخری، مثلاً:

ص:182


1- (1) . العقد الفرید فی فن التجوید: 104.
2- (2) . یسمی المدّ الطبیعی الواقع فی هاء الضمیر التی تم إشباعها - کما سبق فی «أحکام الهاء فی آخر الکلمة» - مد «الصلة الصغری»، نحو: (لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) ، أو (بِهِ قَوْماً) .

(فِی حُکْمِهِ أَحَداً) 1 ، (لَمْ یَرَهُ أَحَدٌ) 2 ، (بِهِ أَزْواجاً) 3 ، (مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) . (1)

ملحوظة: علامة مد «الصلة الکبری» فی المصحف - کما فی الأمثلة أعلاه - إما «واو صغیرة» إذا کانت الهاء مضمومة، أو «یاء مقلوبة» إذا کانت الهاء مکسورة.

ص:183


1- (4) . السجدة: 5.

3. مد البدل

یُمد هذا المدّ فی قراءة عاصم (1) مداً طبیعیاً (القصر) ، فلذا - من الناحیة التطبیقیة - لا یُعد من أنواع المدّ الفرعی، أی لا یترتب علیه شیء، لکننا بسبب الالتزام بالمباحث المطروحة فی سائر المصادر التجویدیة، وکذلک إکمالاً لمعلومات القارئ المحترم ذکرناه ضمن المدود الفرعیة.

تعریف: هو أن یأتی سبب المدّ (الهمزة) - علی خلاف سائر المدود - قبل حرف المد، نحو: (آمَنُوا) ، (أُوتُوا) ، (بِالْإِیمانِ ) ، (مَآرِبُ ) ، (رءا) .

و یعد هذا المدّ من أقسام المدّ الطبیعی فی جمیع القراءات، إلا قراءة «نافع» بروایة «ورش»، فیُقرأ بالقصر والتوسط والطول عند ورش فقط.

إلی الآن تعرفنا علی أنواع المدّ الفرعی التی سببها «الهمز»، فنبدأ بتبیین أنواع المدّ الثلاثة الأخری والتی سببها هو «السکون».

السکون بصفته سبب المد، نوعان: سکون لازم، وسکون عارض. کلمة «اللازم» تعنی هنا «الذاتی والدائمی» وکلمة العارض تعنی «غیر الذاتی والمؤقت».

السکون اللازم: هو سکون یرافق الکلمة فی کلّ حال، ولم یطرأ بسبب الوقف، مثل سکون «الفاء» فی کلمة: (الْمُفْلِحُونَ ) .

السکون العارض: هو سکون مؤقت یعرض علی الکلمة بسبب الوقوف علیها، ویزول عند وصلها بالکلمة التالیة.

مثل: سکون «النون» فی کلمة (الْمُفْلِحُونَ ) ، إذ أن حرکتها فی الوصل الفتح.

ص:184


1- (1) . مد البدل وتوسّطه عند «ورش عن نافع» لا غیر. أما بقیة القراء فیمدونه مداً طبیعیاً بمقدار حرکتین.

4. المدّ اللازم

تعریف: هو مد سببه السکون اللازم ولابد من اجتماعه مع حرف المدّ فی کلمة واحدة.

السکون المُظهَر : کما هو معلوم من اسمه أنه ظاهر غیر مخفی، مثل سکون اللام فی کلمة (الْآنَ ) أو السکون الذی فی هجاء الحروف المقطعة کلها، مثل: (حم * عسق ) 1 (حَا مِیمْ - عَیْنْ - سِینْ - قَافْ)

السکون المُدغَم : سکون مخفی فی الشدة، فالشدة مرکب من حرفین، فأدغم الحرف الأول الساکن فی الحرف الثانی المتحرک، مثل: (الضّالِّینَ ) (ضالْلِینْ) .

طبعاً فی المثال أعلاه کانت اللام فی الأصل متحرکة، ثمّ أُسکنت، وأُدغمت فی اللام الثانیة. وعلی أی حال أصبحت ساکنة علی الدوام ولن یزول السکون أبداً. ومثال ذلک فی الحروف المقطعة: (الم ) (ألفْ لآمْ میمْ ألِفْ لَآمِّیمْ)

مقدار المدّ اللازم

یجب قراءة المدّ اللازم بالطول (6 حرکات) دائماً لا أکثر ولا أقل! مثل: (آلْآنَ ) ، (الضّالِّینَ ) ، (أَ تُحاجُّونِّی) ، (الر) (ألف لآمْ را) ، (الم ) (ألفْ لآمّیمْ) ، (طسم ) (طاسیمّیمْ) .

ملحوظة : إذا وقع حرف المدّ فی کلمة وسکون فی کلمة أخری، فبالإضافة إلی زوال المدّ المنفصل یتحول حرف المدّ إلی حرکة واحدة فحسب. مثل: (وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ) ، (قالُوا الْآنَ ) ، (الَّذِی اشْتَراهُ ) .

أنواع المدّ اللازم

إذا تأملنا فی الأمثلة المختلفة للمد اللازم لاحظنا أن بعض الموارد حرفیة؛ أی وقعت فی الحروف المقطعة، والأخری کلمیّة؛ أی وقعت فی الکلمات أثناء السور والآیات،

ص:185

کما أن السکون فی بعض الأمثلة مظهر والذی یسمی بالمخفف، وفی الأخری مدغَم والذی یسمی بالمثقّل.

فعلی هذا یأتی المدّ اللازم فی القرآن الکریم علی أربعة أنواع:

أ. المدّ اللازم الحرفی المخفّف

ب. المدّ اللازم الحرفی المثقّل

ج. المدّ اللازم الکلمی المخفّف

د. المدّ اللازم الکلمی المثقّل

و إلیک تفاصیلها کما یلی:

أ. المدّ اللازم الحرفی المخفّف

هو المدّ الذی سببه سکون مظهر (غیر مشدد) ویقع فی الحروف المقطعة فقط، مثل: (أَحْرَصَ ) (صآدْ) ، (بَرْقٌ ) (قآفْ) ، (لَحْمَ ) (حا میمْ) ، (إِبْلِیسَ ) (یا سینْ) ، (الر) (ألف لآم را) ، (حم * عسق ) (حَا میمْ عَیْنْ سینْ قَآفْ).

ب. المدّ اللازم الحرفی المثقّل

هو المدّ الذی سببه سکون مدغم (مشدد) وکذلک یقع فی الحروف المقطعة فقط، مثل: (الم ) (ألفْ لآمْ میمْ ألِفْ لَآمِّیمْ) ، (طسم ) (طا سین میم طا سیمّیمْ) ، (المص ) (الف لآمْ میمْ صادْ الف لامّیمْ صادْ) .

ج. المدّ اللازم الکلمی المخفّف

هناک نوع من المدّ سببه سکون مظهر ویقع فی غیر الحروف المقطعة، مثل: (آلْآنَ ) ، ولا یوجد هذا القسم من المدّ اللازم إلا فی کلمتین فی القرآن الکریم، وهما: (آلْآنَ وَ قَدْ کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) و (آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ ) . (1)

ص:186


1- (1) . یونس: 51 و91.

د. المدّ اللازم الکلمی المثقّل

و هو آخر أنواع المدّ اللازم، وسببه شدّة ویقع فی غیر الحروف المقطعة، مثل: (حَاجَّ) ، (دَابَّةٍ ) ، (وَ لاَ الضّالِّینَ ) ، (أَ تُحاجُّونِّی) ، (آللّهُ ) ، (آلذَّکَرَیْنِ ) .

ملاحظتان هامتان

الملاحظة الأولی

المدّ اللازم فی الکلمات الثلاث: (آللّهُ ) ، (آلذَّکَرَیْنِ ) ، (آلْآنَ ) یسمّی المدّ « الفَرق »، وهو عندما تدخل همزة الاستفهام علی اسم معّرف ب- (أل) التعریف، تبدل ألف أل التعریف ألفاً مدیة لیفرّق بین همزة الاستفهام وهمزة (أل) فی الجملة الخبریة. وهناک من قرأ الهمزة الثانیة بالتسهیل کما مضی ذکره عند صفة النبرة فی مبحث صفات الحروف.

اعلم یا أخی القارئ أن هذه التقسیمات أعلاه لا دخل ولا تأثیر لها فی مقدار المدّ اللازم، فیمدّ المدّ اللازم بمقدار 6 حرکات (الطول) فی جمیع الحالات.

الملاحظة الثانیة

تُقرأ الآیة الأولی والثانیة من سورة آل عمران، وهی: (الم * اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ ) عند الوصل بفتح المیم (میمَ الله) بدلاً من کسرها خلاف قاعدة التقاء الساکنین، لحفظ تفخیم اللام فی لفظ الجلالة، أما مدّ المیم فیجوز بوجهَیْ الطول والقصر بالتفصیل التالی:

1. وجه الطول (6 حرکات) : لأن المیم ساکنة ذاتاً ولا تُسقط صفتها عند الوصل.

2. وجه القصر (حرکتان) : لتحوّل الساکن إلی المتحرک فی الوصل. أما فی حالة الوقف علی المیم من (الم) فلا یجوز إلا «وجه الطول»، وسببه واضح.

ص:187

5. المدّ العارض

تعریف: وهو أن یأتی بعد حرف المدّ حرف متحرک فی آخر الکلمة ثمّ یُسکن هذا الحرف المتطرف لأجل الوقف؛ لأن الوقف لا یکون علی متحرک، فیکون هذا السکون «عارضاً» و«مؤقتاً» لأجل الوقف فقط، ولذلک سمّاه المحقق الإمام الجزری «المدّ العارض للسکون»، أی سکون غیر ذاتی مثل کلمة (الْمُفْلِحُونَ ) حیث تصبح (الْمُفْلِحُونَ ) عند الوقف.

أمثلة أخری: (تُکَذِّبانِ ) ، (مِنْ نارٍ) ، (تَعْلَمُونَ ) ، (ذاتِ الْبُرُوجِ) ، (متقین ) ، (سَمِیعٌ عَلِیمٌ ) ، وکل ذلک فی حال الوقف بالإسکان.

أما فی حال الوصل فیزول السکون وبالتالی لا یبقی سبباً للمد العارض ویرجع إلی الحالة السابقة أی المدّ الطبیعی ولا أکثر.

مقدار المدّ العارض للسکون

حکمه جواز القصر والتوسط والطول (2 - 4 - 6 حرکات) ، ویجب التسویة بین المدود من هذا النوع کما أشرنا إلیه سابقاً. (1)

ملحوظة هامة: فی حالة الوقف علی الحرف الأخیر من الکلمة وقف بالرَّوم لا یبقی سبب للمد العارض، ولا تجوز القراءة إلا بالقصر، مثل الوقف بالروم علی الکلمات التالیة:

(یَسْجُدانِ ) ، (بِإِحْسانٍ ) ، (الرَّحِیمِ ) ، (نَسْتَعِینُ ) ، (مِنْ یَحْمُومٍ ) ، (وَ لا مَجْنُونٍ ) .

ص:188


1- (1) . طبعاً إذا لاحظنا قراءات القراء الکبار فرأینا أنهم لا یهتمون کثیراً بتسویة المدود من نوع المدّ العارض، ولعل السبب یکمن فی ترکیزهم علی «العربات» أو «القفلات» والتی یستغلها القارئ فی مثل هذه المواقع لتحسین النغمات وتلوینها، ولذلک یختلف مقدار المدّ العارض أثناء تلاوةٍ واحدةٍ لبعض القراء الکبار فی کثیر من الأحایین، فانتبه. وللمزید مراجعة حلیة القرآن: 168.

الأوجه السبعة للمد العارض

نستطیع جمع الحالات المختلفة للمد العارض حسب مقدار مده عند الوقف فی « سبعة أوجه » کالتالی:

ثلاثة أوجه (القصر والتوسط والطول) فی وقف الإسکان.

ثلاثة أوجه (القصر والتوسط والطول) فی وقف الإشمام.

وجه واحد (القصر فقط) فی وقف الروم.

ص:189

6. مد اللین

من الملاحظ أن هذا النوع من المدّ مختلف عن سائر أنواعه من حیث حرف المد. فلابد من الإشارة أننا ذکرنا فی مبحث الصفات صفة «اللین»، وکان حرفاها هما (و - ی) الساکنتان المفتوح ما قبلهما. وکما أشرنا أن حروف المدّ الثلاثة (الألف والواو والیاء المدیة) تسمی أحیاناً «حروف المدّ واللین»، وذلک لأجل اللیونة والمرونة الکامنة فی أداء الحروف الجوفیة.

أما تعریف مد اللین فهو: الواو والیاء الساکنتان المفتوح ما قبلهما وسببه السکون فقط. وإلیک الأمثلة:

(یَوْمِ ) : یَوْمْ - (خَوْفٌ) : خَوْفْ - (سُوءَ) : سَوْءْ - (الْبَیْتَ ) : البَیْتْ - (الطَّیْرِ) : طَیْرْ- (مِنْ شَیْ ءٍ) : مِنْ شَیْ ءْ.

مقدار مد اللین

إن اللین فی نفس قوة العارض، وله نفس الأوجه الثلاثة للعارض (القصر والتوسط والطول) .

و قد اختلف القراء فی مقدار القصر بالنسبة لحرف اللین فی أحوال قبولها للزیادة مثل اللین العارض لسکون الوقف وکذا للإدغام وفی حالة الروم وکذا فی «عین» من فاتحتی مریم والشوری .

ولا یخفی علی القارئ العزیز أن المقصود من «القصر» فی مد اللین لیس مدّه بمقدار حرکتین، لأن حرفَی اللین یتکونان من حرکة واحدة (فتحة) قبلهما وسکون واحد فی آخرهما، لا من حرکتین! ولا یُلفظ حرفی اللین فی شکلهما الطبیعی بمقدار أکثر من حرکة، بل یلفظان مثل باقی الحروف الساکنة. لهذا فإن «القصر» هنا معناه «ضد المد»، کما أشار إلیه الشیخ «محمود خلیل الحصری» بقوله: «و ینبغی أن یُعلم أن المراد بالقصر فی حرفی اللین حذف المدّ منهما مطلقاً، بحیث یکون النطق بهما

ص:190

عند الوقف کالنطق بهما عند الوصل، إجراءً لها مجری الحروف الصحیحة، کما یُؤخذ من "النشر"». (1) و (2)

أما مقدار مد اللین فی الحالات المختلفة فهی أیضاً « سبعة أوجه » کما ذکرناه فی المدّ العارض، ومن البدیهی لا یُمد عند الوصل لزوال سببه.

ملحوظة هامة: لیس فی القرآن موقعاً أن یقع مد اللین الذی یکون سببه السکون اللازم إلا فی هجاء «عَیْنْ» فی الحروف المقطعة فی بدایة سورتَی «مریم» و«الشوری»:

هناک خلاف فی مقدار هذا النوع من مد اللین، فیجوز قراءته بالطول والتوسط وحتّی بالقصر، أما نظراً للسکون الذاتی عند کلمة «عَیْنْ» فالأرجح قراءتها بالطول، والله اعلم.

ص:191


1- (1) . النشر: 350/1.
2- (2) . أحکام قراءة القرآن الکریم: 208.
ثانیاً: مراتب المدّ

ترتبط مراتب المدّ من حیث القوة والضعف بسبب المد، فکلما کان السبب أقوی فکان المدّ أقوی.

إن السکون فی الأصل هو أقوی من الهمزة، کما أن ثبات السکون أو الهمزة له دور فی تضعیف أو تقویة السبب، فبهذه المقدمة نستطیع أن نقول:

مراتب المدّ من الأقوی إلی الأضعف

أقوی المدود «لازم» فما «اتصل» «فعارض» فذو «انفصال» «فبدل»

الفائدة العملیة

إذا وقع نوعان من المدّ فی کلمة واحدة، یجب تطبیق حکم المدّ الأقوی.

مثال: وقع المدّ اللازم فی کلمة (بِإِلْحادٍ) أو (الْجَانَّ ) ، فیُضاف إلیه عند الوقف المدّ العارض أیضاً. فهنا یجب العمل علی حکم المدّ اللازم. فلا یجوز مدهما أقل من

ص:192

6 حرکات. کما عند الوقف علی کلمتی: (یَشاءُ) و (سُوءَ) ، نرجّح حکم المدّ المتصل علی حکم المدّ العارض، فلا یجوز مده أقل من 4 حرکات.

ویجب أن لا یکون مقدار المدّ المتصل أقل من المدّ المنفصل فی تلاوة واحدة، بل یجب أن یکون المتصل أطول أو مساوٍ - علی الأقل - للمنفصل. کما أن فی مجاورة المدّ العارض لمد اللین لا بدّ من ترجیح حکم العارض، یعنی أن یکون العارض أطول من اللین أو مساوٍ له علی الأقل.

مثال: (ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ [وقف] فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ ) . (1)

أو: (لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ [وقف] قالُوا لا ضَیْرَ) . (2)

قاعدة سهلة للقرّاء المبتدئین

یُنصح للقارئ الناشئ رعایة مقادیر التالیة عند تطبیق المدود مما یجعل رعایة المقادیر المختلفة أمراً سهلاً له: فعند المدّ الطبیعی یُمدّ «حرکتین»، وعند المدّ الذی سببه همزة یُمدّ «أربع حرکات»، أما المدّ الذی سببه سکون فیُمدّ «ست حرکات».

ص:193


1- (1) . البقرة: 2.
2- (2) . الشعراء: 50.

مخطط بیانی لأنواع المد

ص:194

أسئلة وتمرینات

1. عرّف المدّ والقصر، واشرح أسباب المد.

2. اذکر مقادیر المدّ المختلفة مع ذکر أسمائها.

3. بیّن الوجوه المختلفة لمقدار المدّ المتصل.

4. ما هو دور وقف الروم فی مبحث المد؟

5. اشرح الوجوه المختلفة للمد العارض مع ذکر مثال لکل واحد منها.

6. اذکر أنواع المدّ اللازم.

7. اذکر مراتب المدّ من الأقوی إلی الأضعف.

8 . بیّن کیفیة المدّ فی الحروف المقطعة مع ذکر مثال.

9. اقرأ وبیّن أنواع المدّ فی الآیات التالیة:

(وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ * حَتّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ * أَ لَمْ یَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِیَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ * وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ وَ کُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِینَ * وَ تَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِی أَتْقَنَ کُلَّ شَیْ ءٍ إِنَّهُ خَبِیرٌ بِما تَفْعَلُونَ ) . (1)

ص:195


1- (1) . النمل: 82 - 88 .

باب الوقف والابتداء

اشارة

إنّ معرفة هذا الباب مهم جداً لقارئ القرآن الکریم، حیث إنّ الوقف الصحیح حلیة التلاوة وزینة القراءة، وبه یُعرف المعنی المراد من ربّ العباد لکلامه الحکیم ودستوره العظیم، ومن أهمیة هذا الباب أنه من قرأ القرآن بصوت جمیل ولحن داوودی ولم یعرف مواضع الوقف والابتداء فلا یعتبر «قارئ القرآن». فإنه روی عن عدی بن حاتم أنه قال: جاء رجلان إلی النبی صلی الله علیه و آله فتشهّد أحدهما فقال: «من یطع الله ورسوله فقد رشد ومَن یَعصَهما» ووقف، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : «قم واذهب بئس الخطیب»!

قالوا: وهذا دلیل علی أنه لا یجوز القطع علی القبیح؛ لأنه جمع بین حالَی من أطاع الله ورسوله ومن عصی، والأولی أنه یقف علی «رشد»، ثمّ یقول: ومن یعصهما فقدغوی، أو یقف علی «رشد». فإذا کان مثل هذا مکروهاً فی الخطب ففی کلام الله أشدّ. (1)

و کما ذکرناه سابقا أن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام عندما سُئل عن قوله تعالی: (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً) 2 قال: «الترتیل تجوید الحروف، ومعرفة الوقوف» (2)، إذاً أن هذا الباب هو الشطر الثانی الذی یحتاج إلیه القارئ لمعرفة الترتیل.

واعلم کذلک أنّ هناک تقسیمات متعددة وأحیاناً مغایرة للوقف والابتداء، حیث أن

ص:196


1- (1) . البرهان فی علوم القرآن: 1 /343.
2- (3) . النشر فی القراءات العشر للعلامة ابن الجزری، وجدیر بالملاحظة أننا قد ذکرناه فی بدایة الکتاب من سند آخر مع فرق یسیر فی اللفظ.

هذا المبحث متعلق بمعنی العبارة وتفسیرها أکثر من تعلقها باللفظ، وبما أن التفاسیر مختلفة، فإن الوقف والابتداء أیضاً یکونان مختلفین حسب کلّ رأی وتفسیر. ولکننا نهجنا فی هذا الکتاب، نهج السهولة واجتناب التعقید أو التناقض أحیاناً فی التعاریف، ومن موارد التناقض فی تقسیم الوقف أنهم قسّموا الوقف الاختیاری إلی خمسة وأولها الوقف اللازم والأخری: التام والکافی والحسن والقبیح، ثمّ عند مراجعة التفاسیر نجد أن بعض موارد الوقف التام والکافی والحسن هی تندرج ضمن الوقف اللازم! فارتأینا أن نتبع تقسیماً أشمل وأتقن والذی أدرجه صاحب «حلیة القرآن» (1) مع تصرف یسیر، إذ إنه أقرب إلی الصواب، والله أعلم.

الوقف

الوقف لغةً: الحبس والمنع عن الحرکة.

اصطلاحاً: هو قطع الصوت علی آخر الکلمة زمناً یتنفس فیه بنیة استئناف القراءة.

فالوقف یحدث فی آخر الکلمة ولا یجوز الوقف أثناء الکلمة، کما لا یجوز التنفس أثناء الکلمة ولا بین کلمتین قبل إنهاء العبارة کاملةً والوقف علیها. ومن البدیهی أن کلمة «الجواز» أو «الوجوب» فی التجوید تختلف عن معناه الفقهی، فإن الوجوب واللزوم فی التجوید معناه «لزوم» مطابقته للطرق والروایات.

السکت

تعریف: «السکت» لغةً الوقفة والسکوت، واصطلاحاً: «هو قطع الصوت علی آخر الکلمة من غیر تنفس زمناً أقل من زمن الوقف بنیة الاستئناف کذلک».

فالسکت یحدث فی وسط الکلمة ویحدث أیضاً بین کلمتین، وهو ما یسمی «وقفة لطیفة» بدون تنفس، ومقداره «حرکتان» علی الأشهر.

ص:197


1- (1) . حلیة القرآن، باب الوقف والابتداء: 175.

و هو ینقسم بروایة حفص عن عاصم إلی قسمین: «الجائز» و«الواجب». (1)

موارد جواز السکت

1. السکت بین سورتی الأنفال والتوبة.

أما الوجهان الآخران بین السورتین فهما «الوصل» بدون السکت و«الوقف».

3. السکت بین الهاءین فی عبارة: (ما أَغْنی عَنِّی مالِیَهْ [السکت] یُهْلِکَ ) . (2)

4. أما الوجه الثانی والثالث فهما «الإدغام» و«الوقف»، والوجه الأخیر هو الأرجح.

موارد وجوب السکت

ملاحظات

غیر المواضع المذکورة أعلاه فأینما أتی القارئ بالسکت - حسب روایة حفص عن عاصم - یعتبر خطأ فی القراءة.

إنّ أحکام وطرق الوقف علی أواخر الکلم تشمل حالة السکت أیضاً. فلذا عند الوصل بالسکت، یتحول تنوین (عِوَجاً) إلی الألف المدیة: (عِوَجاً * قَیِّماً...) .

ص:198


1- (1) . کما قلنا إنّ المراد من الوجوب هنا لزوم رعایتها وفق الطُرق والروایات، ولیس وجوباً فقهیاً.
2- (2) . الحاقة: 28 - 29.

فی جمیع المواضع الأربعة المذکورة عند عدم السکت تقع شبهة فی مفهوم الآیة، ففی الموضعین الأولین الوقف أولی من الوصل ولو بالسکت! وفی الموضعین الأخیرین فالسکت یمنع إدغام النون واللام فی حرف الراء، مما فیه تحول الکلمة الأولی إلی «مرّاق» (بصیغة المبالغة للمارق ومعناها الخارج عن الدین) ، والثانی إلی «برّان» (بمعنی شخصین برّین وحسنین) وکل ذلک خلاف المعنی المقصود.

القطع

هو اصطلاحاً «قطع صوت القارئ عن القراءة رأساً بقصد الانتهاء منها».

فالقطع لا یحدث إلا فی رؤوس الآیات، ولا ینبغی القطع بین الآیة. ومن عادة القراء عند القطع، استخدام «لفظ التصدیق» علامة للانصراف عن القراءة، والتصدیق عبارة عن «صَدَقَ اللهُ العَلِیُّ العَظِیمُ»، والمأخوذ عن آیة الکرسی المبارکة: (...وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ ) 1 ، فإذا کفّ القارئ عن التلاوة بنیة «القطع»، وأراد استئناف القراءة ولو فی نفس تلک اللحظة، علیه أن یبدأ ب- «الاستعاذة». (1)

ص:199


1- (2) . آداب تلاوة القرآن، والبسملة فی هذا الکتاب .
أ. أنواع الوقف (من حیث محل الوقف ومفهوم العبارة)
اشارة

الوقف نوعان (1):

أوّلاً: الوقف الاضطراری

ثانیاً: الوقف الاختیاری

أوّلاً: الوقف الاضطراری

کما یبدو من اسمه أنه وقف یحصل خارجاً عن إرادة القارئ، بسبب ضیق النفس، أو عُطاس، أو سعال، أو نسیان الآیة، أو نحو ذلک.

و هذا الوقف جائز علی أیة کلمة، ولکن علی القارئ بعد رفع الاضطرار، القراءة مما یصح به الابتداء ووصله بما بعده. (2)

ثانیاً: الوقف الاختیاری
اشارة

(و هو المراد من هذا الباب) ، وهو أن یقف القارئ بإرادته وتشخیصه علی کلمة اختیاراً، ولیس اضطراراً.

ص:200


1- (1) . ذکر فی بعض الکتب أنواعاً أخری للوقف من قبیل: الوقف الانتظاری، والوقف الاختباری، وغیرهما، مما لا یهمنا فی هذا الکتاب، أو نستطیع إدراج کلّ واحد منها ضمن النوعین المذکورین أعلاه، والله أعلم.
2- (2) . کون بعض الآیات طویلة جداً، مما یجعل القارئ مضطرباً فی الحصول علی محل مناسب للوقف أثناء الآیة أحیاناً، فلا یقدر إنهاء الآیة والوصول إلی محل الوقف المناسب، فمن الإنصاف أن لا یصعَّب الأمر علی القارئ فی مثل هذه الأحایین، ومن التسهیلات فی خصوص الوقف اضطراراً استخدام الأفعال أنصاف الآیة، کما یلی: أن یبدأ القارئ بالتلاوة إلی أن یصل فعلاً فی أثناء الآیة ویقف عنده اضطراراً، فیجدّد النفس، ثمّ یبدأ من نفس الفعل ویکمل الآیة. فمن البدیهی أن هذا الأسلوب لا یبرّر کلّ وقف قبیح، وهنا لا بدّ من الإقرار بجدارة القراء الذین یتمتعون من نفس طویل أثناء التلاوة.
-أنواع الوقف الاختیاری

هناک خلاف بین العلماء فی تقسیم أنواع الوقف الاختیاری، فنحن هنا نورد الرأی المشهور فی تقسیمه، وعلی هذا الأساس فینقسم الوقف الاختیاری إلی أربعة أنواع، والثلاثة منها جائزة والنوع الأخیر غیر جائز:

ذکر بعض العلماء بجانب الأسماء أعلاه حکم کلّ نوع منه کما یلی:

1. تامّ مختار

2. کافٍ جائز

3. حسن مفهوم

4. قبیح متروک

فیصح معنی العبارة عند الوقف علی الأنواع الثلاثة الأولی، أما النوع الرابع والأخیرفیبقی المعنی عنده ناقصاً وقبیحاً، وحتّی أحیاناً یغایر المعنی المقصود عند الله تعالی. والبعض قسموا الوقف الاختیاری إلی ثلاثة، ووضعوا النوع القبیح ضمن أقسام الوقف الاضطراری، ولکنه لا یخفی علی اللبیب أن القارئ قد یقف علی القبیح باختیاره ولیس اضطراراً، فالأفضل جعل النوع القبیح من أقسام

ص:201

الوقف الاختیاری تحت عنوان الوقف غیر الجائز الاختیاری، والله أعلم. (1)

و بما أن مبنی التقسیم فی هذا الباب هو التعلق بین عبارتین واقعتین قبل وبعد محل الوقف، فلابد من توضیح إجمالی لهذا التعلق وأنواعه:

التعلق بین عبارتین أحدهما قبل الوقف والآخر بعده، وهو علی نوعین:

1. التعلق اللفظی

2. التعلق المعنوی

التعلق اللفظی: المراد من التعلق اللفظی: «علاقة بین طرفَی العبارة من حیث قواعد اللغة العربیة من الإعراب وغیره».

فمن خلال ذلک یتبین لنا أنه فی بعض الأحایین لا نجد أی علاقة لفظیة بین طرفی محل الوقف، حیث أن کلّ واحد منهما عبارة کاملة ومستقلة عن الآخر، کماأننا نجد فی بعض الأحایین عبارتین لا یکتمل معناهما إلا بربط بعضهما البعض.مثال:

1. عدم وجود علاقة لفظیة: (لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) . (2)

فإذا لاحظنا وجدنا أن کلا العبارتین کاملتان ومستقلتان، ومن الناحیة اللفظیة لیس تعلقاً بینهما.

2. وجود علاقة لفظیة: (یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیّاکُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّکُمْ ...) . (3)

هنا نری أن الجملة الأولی مفیدة ومفهومة، أما الجملة الثانیة فهی ناقصة ولا

ص:202


1- (1) . للمزید مراجعة حلیة القرآن: 180؛ وملزمة نظام تحکیم المسابقات الدولیة للقرآن الکریم.
2- (2) . الفرقان: 29.
3- (3) . الممتحنة: 1.

تکتمل إلا بذکر الأولی، فلذلک لایصح الابتداء بالثانیة، إذ تحتاج إلی الأولی من الناحیة اللفظیة.

التعلق المعنوی: المراد من التعلق المعنوی: «تعلق فی مفهوم العبارتین فی سیاق الکلام. والعلاقة هنا أیضاً نوعان:

الحالة الأولی عدم وجود علاقة معنویة، وذلک یعرف من خلال الترابط الموضوعی أو سیاق البحث، فهنا أیضاً حالتان:

الحالة الأولی: هی عدم التعلق المعنوی، بحیث أن موضوع الکلام یتغیر بدءاً من العبارة الثانیة، ولم تکن بینها وبین العبارة الأولی أدنی علاقة. مثلا تتحدث العبارة الأولی عن المؤمنین، والثانیة عن الکفار، وهذا ما سمیناه بتغییر الموضوع، أو تحول حالة الخبریة إلی حالة الدعاء، أو تبدل الغائب إلی المخاطب وهذا ما عبرنا عنه بالتغییر فی السیاق.

أما الحالة الثانیة: فهی عبارة عن وجود التعلق المعنوی بین العبارتین، بمعنی: أن الموضوع أو سیاق الکلام فی العبارة الثانیة مرتبطة ومتعلقة بالعبارة الأولی، مثلاً استمرار الکلام فی خصوص المؤمنین فی العبارة الثانیة أیضاً.

الآن مع ملاحظة أن التعلق بین عبارتین فی النوعین أعلاه، من حیث وقوعهما بین طرفی محل الوقف لا تخلو عن أربع حالات:

1. عدم التعلق اللفظی ولا المعنوی

2. وجود التعلق اللفظی والمعنوی

3. وجود التعلق المعنوی فقط

وجود التعلق اللفظی فقط، ومن الواضح أن هذا الشق من المستحیل حدوثه، لأنه لا یمکن أن یکون بین عبارتین تعلق لفظی بدون أی علاقة معنویة!

ص:203

-الأصول المهمة والعامة فی صحة الوقف والابتداء

الشرط الرئیس فی جواز «کل نوع» من الأنواع المذکورة عند الوقف أو الوصل أو الابتداء هو:

1. عدم تعقید الجملة وتشکیل الإبهام أو النقصان فیها

2. عدم تغییر مقصود الله تبارک وتعالی

فالآن نتحول إلی شرح کلّ من الأنواع الأربعة للوقف الاختیاری:

ص:204

1. الوقف التام

تعریف : وهو الوقف علی ما تمّ معناه ولم یتعلق بما بعده لا لفظاً ولا معنی، وبعبارة أخری کلّ عبارة مفیدة، ولا تحتاج إلی عبارة أخری لإکمال معناها (عدم التعلق اللفظی) ، وکذلک لا تعلق بین «موضوع» العبارة الأولی و«سیاق» الکلام فیها وبین العبارة الثانیة (عدم التعلق المعنوی) .

حکم الوقف التام

لابد من الوقف علی العبارة الأولی، والابتداء بالعبارة الثانیة.

و هاهنا نتطرق إلی بعض موارد الوقف التام فی القرآن الکریم:

أ. رؤوس الآیات

إنّ الکثیر من رؤوس الآیات من محالّ الوقف التام. مثال:

(مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ [الوقف التام] إِیّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّاکَ نَسْتَعِینُ ) . (1)

لا یتوقف اکتمال معنی أی من العبارتین (الآیتین) علی الأخری، وقد تحوّل سیاق الکلام من وصف الله عزّوجلّ إلی وصف حال العباد وخطابهم إلی ذاته المقدسة.

(أُولئِکَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الوقف التام] إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ ) . (2)

لیست أی من الآیتین ناقصة (عدم التعلق اللفظی)؛ لأن الآیة الأولی فی وصف المتقین، والثانیة فی تعریف الکفار (عدم التعلق المعنوی).

أمثلة أخری للوقف التام:

ص:205


1- (1) . الفاتحة: 4 و5.
2- (2) . البقرة: 5 و6.

(وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ ) 1 ، (إِنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ) 2 ، (وَ هُوَ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ ) 3 ، (وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) 4 ، (وَ لَوْ أَلْقی مَعاذِیرَهُ ) . (1)

ب. بین الآیات

(لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) . (2)

الجملة الأولی هی «قول الکافر»، والثانیة «قول الله عز وجل».

أمثلة أخری: (هذا هُدیً ...) 7 ، (وَ غَرَّتْکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا...) . (3)

فمن الممکن أن تکون أول کلمة من الآیة محل الوقف التام، وهذا یعنی أنه امتداد الآیة السابقة، مثل قوله تعالی:

(وَ إِنَّکُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَیْهِمْ مُصْبِحِینَ * وَ بِاللَّیْلِ [الوقف التام] أَ فَلا تَعْقِلُونَ ) 9 ، و فی الواقع أن الجملة تنتهی عند (وَ بِاللَّیْلِ ) .

مثال آخر: (وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ * وَ زُخْرُفاً...) . (4)

الاختلاف فی التفسیر

تارة یکون الوقف تاماً وفق تفسیر ما، ولکنه غیر تامّ حسب تفسیر آخر، وبعبارة أخری

ص:206


1- (5) . القیامة: 15.
2- (6) . الفرقان: 29.
3- (8) . الجاثیة: 35.
4- (10) . الزخرف: 35.

یمکن تغییر معنی الآیة بالوقف أو الوصل، مثلاً فی الآیة الکریمة: (وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ [الوقف التام] وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا...) . (1)

فإذا قلنا إن تأویل الآیات المتشابهة عند الله فقط، فالوقف وقف تامّ، أما حسب تفسیر آخر فبالإضافة إلی الله عزّوجلّ یعلمها «الراسخون فی العلم» کذلک، فوفق ذلک أن الوقف عند: (إِلاَّ اللّهَ ) لیس تامّاً، بل لا بدّ من وصله بالعبارة التی تلیها.

الاختلاف فی القراءات

وتارة یکون الوقف تاماً وفق قراءة ما، ولکنه غیر تامّ حسب قراءة أخری، وبالتالی یتغیر حکمه أیضاً، مثلاً فی الآیة الکریمة:

(کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ [الوقف التام] اللّهِ الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ ) . (2)

فمن الملاحظ فی المصحف حرف «الهاء» فی (اللّهِ ) مکسورة، وهذا یدل علی أنها متعلقة ب- (الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ) فی الآیة السابقة، فالوصل بین الآیتین المذکورتین أحسن من الوقف بینهما. وسیأتی شرح «الوقف الحسن» لاحقاً، إن شاء الله.

أما حسب قراءات أخری هناک من قرأ «الهاء» بالضم، یعنی «اللَّهُ» فالوقف علی (الْحَمِیدِ) وقف تام، ولا حُسنَ فی وصلها.

أمثلة أخری: (وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً [الوقف التام] وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی ...) . (3)

فالوقف علی: (وَ أَمْناً) «وقف تام» بشرط قراءة: (وَ اتَّخِذُوا) بکسر «خِ»، أما فی

ص:207


1- (1) . آل عمران: 7.
2- (2) . إبراهیم: 1 و2.
3- (3) . البقرة: 125.

حال قراءة «خَ» بالفتح، فالوقف یکون من مصادیق الوقف الکافی.

ملحوظة هامة: علی الأغلب أن الوصل عند موارد الوقف التام یؤدی إلی ثقل زائد فی الکلام، ولذلک من الأفضل ترکه. أما النقطة الأهم أنه فی بعض الأحیان عند الوصل فبالإضافة إلی الثقل والإبهام یسبب تغییراً فادحاً فی المعنی، فیکون الوقف ضروریاً. ویسمی هذا النوع من الوقف «وقف البیان التامّ»، ومن اللازم الوقف علیه، فلذا اشتهر ب- «الوقف اللازم»،حیث یشار إلیه فی القرآن بعلامة( ). علماً أن هذه العلامة تختلف عن علامة الإقلاب (__)، فانتبه.

مثال: (وَ لا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِیعاً) 1 ، فمن الملاحظ أنه عند الوصل یکون کلام الله تبارک وتعالی جزءا من کلام الکفار والمشرکین!

أمثلة أخری:

(قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِیرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِیاءُ) 2 ، (سُبْحانَهُ أَنْ یَکُونَ لَهُ وَلَدٌ) 3 ، (یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ ) 4 ، (فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ ) 5 ، (إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ ) . (1)

ص:208


1- (6) . الحشر: 7.

2. الوقف الکافی

تعریف : هو الوقف علی ما تمّ فی نفسه، ولکنه تعلق بما بعده معنی، لا لفظاً.وبعبارة أخری فأن کلاً من العبارتین جملة مفیدة لا تحتاج فی اللفظ إلی الأخری، إلاأنها تتعلق بالجملة الثانیة معنی، حیث إن الموضوع یستمر فی الجملة التالیة کذلک.ولهذا فکما أن الوصل صحیح فی حد ذاته، فکذلک الوقف یفی بالغرض.

حکم الوقف الکافی

یجوز الوقف والوصل. فیمکن الوقف علی العبارة الأولی والابتداء بما بعدها، کما یمکن وصل العبارتین بالبعض.

و موارد الوقف الکافی ما یلی:

أ. رؤوس الآیات

(الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ [الوقف الکافی] وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ ) . (1)

من الملاحظ أنّ العبارتین أعلاه لا تتعلقان ببعضهما البعض لفظاً، ولکن الموضوع مستمرّ فی العبارة الثانیة أیضاً، حیث إن الکلام یدور حول «المتّقین».

(إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ [الوقف الکافی] خَتَمَ اللّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ ) . (2)

أمثلة أخری: (وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِینَ ) و (وَ ما یَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما یَشْعُرُونَ )

ص:209


1- (1) . البقرة: 3 و4.
2- (2) . البقرة: 6 و7.

و (وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ) . (1)

ب. بین الآیات

(وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [الوقف الکافی] وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ ) و (یُخادِعُونَ اللّهَ [الوقف الکافی] وَ ما یَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما یَشْعُرُونَ ) . (2)

أمثلة أخری للوقف الکافی:

(فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) , (قالُوا أَ نُؤْمِنُ کَما آمَنَ السُّفَهاءُ) , (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَ اسْتَغْفِرْهُ ) . (3)

ملحوظة هامة: فی بعض موارد الوقف الکافی، درجة کفایة المدّ أعلی من الوصل بکثیر؛ حیث أن الوصل یغیر المعنی الأصلی للآیة، فهذا النوع من الوقف یسمی «وقف البیان الکافی» والوقف علیه «لازم»، ولذلک اشتهر ب- «الوقف اللازم» فی القرآن مثل وقف البیان التامّ، وعلامته (

) فی المصحف الشریف.

مثال: (لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ) 4 فإن العبارة فی حال الوصل توحی بأن الجزء الثانی أیضاً من کلام الکفار!

أمثلة أخری:

(وَ یَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ) 5 ، (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللّهِ [وقف البیان الکافی] وَ اللّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ ) 6 ، (وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [وقف البیان

ص:210


1- (1) . البقرة: 8 - 23.
2- (2) . البقرة: 7 - 9.
3- (3) . النصر: 3.

الکافی] إِنّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً) 1 ، (الَّذِینَ هُمْ فِی خَوْضٍ یَلْعَبُونَ [وقف البیان الکافی] یَوْمَ یُدَعُّونَ إِلی نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) 2 ، (إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی ضَلالٍ وَ سُعُرٍ [وقف البیان الکافی] یَوْمَ یُسْحَبُونَ فِی النّارِ عَلی وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) . (1)

ص:211


1- (3) . القمر: 47 و48.

3. الوقف الحسن

تعریف: «وهو الوقف علی عبارة مستقلة ومفیدة للمعنی، ولکن العبارة الثانیة متعلقة بها ولابد منها لاکتمال معنی الثانیة». لهذا فإن التعلق بین العبارتین تعلق لفظی وکذلک معنوی لأن سیاق الکلام لا یتغیر فی الجملة الثانیة.

حکم الوقف الحسن

لا إشکال فی الوقف علی الجملة الأولی لأن المفهوم کامل وواضح، ولکن الابتداء بما بعدها «غیر جائز»، فلذا علی القارئ العودة إلی الوراء والابتداء من الکلمة المناسبة، وبالتالی وصل العبارتین ببعضهما البعض، وبشکل عام فإن «عدم الوقف» عند الوقف الحسن «أرجح».

طبعاً لا بدّ أن لا ننسی أن شرط صحة الوقف - من أیّ نوع کان وبما فیه الوقف الحسن - أن تکون العبارة مفیدة وکاملة وأن لا یغیر المعنی المقصود فی الآیة؛ إذ إنه فی حال تغییر المعنی یدخل فی مقولة «الوقف الأقبح».

مثلاً فی العبارة: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُکاری ) 1 فإن الوقف علی (الصَّلاةَ ) یعتبر وقفاً حسناً؛ لأن العبارة الأولی لم تظل ناقصة، لکن العبارة الثانیة ناقصة ولابد أن لا تُقرأ لوحدها، فی حین أننا نلاحظ أنها مخالفة للمعنی المقصود عند الله؛ إذ تنهی المؤمنین عن الصلاة! ولهذا فإن الموضوع خارج عن «الوقف الحسن»، بل داخل فی «الوقف الأقبح»، فالآن نتطرق إلی بعض موارد الوقف الحسن فی القرآن الکریم:

ص:212

أ. رؤوس الآیات

(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ [وقف البیان الکافی] الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) 1 ، فإن الآیة الأولی کاملة،أما الثانیة فهی تبقی صفة بلا موصوف، وبالتالی ناقصة. والوقف علی رؤوس الآیات والابتداء بالآیة التالیة من السنن النبویة صلی الله علیه و آله وسیأتی ذکرها بالتفصیل إن شاء الله.

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ [الوقف الحسن] صِراطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَ لاَ الضّالِّینَ ) . (1) فإن الجملة الأولی کاملة، أما الثانیة بقیت ناقصة؛ إذ إن (صِراطَ) الثانیة بدل من (الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ ) الأولی، فهی متعلقة بما قبلها من حیث الإعراب، فکذلک الابتداء ب- (غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ ) غیر صحیح.

ب. بین الآیات

(الْحَمْدُ لِلّهِ [الوقف الحسن] رَبِّ الْعالَمِینَ ) ، (یا أَیُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ [الوقف الحسن] الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ) 3 ، (یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیّاکُمْ [الوقف الحسن] أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّکُمْ ...) . (2)

و هناک نموذج من الوقف الحسن الذی لا یجوز الابتداء بما بعدها وهی من مصادیق «الابتداء القبیح» مثال: (یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ [الوقف الحسن] وَ إِیّاکُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّکُمْ ) : هاهنا نجد العبارة الأولی مفیدة للمعنی، ولکن الابتداء بما بعدها یؤدی إلی الکفر!

ص:213


1- (2) . الفاتحة: 6 و7.
2- (4) . الممتحنة: 1.

ملاحظة هامة: فی بعض الأحیان یؤکَّد علی الوقف الحسن لبیان المعنی المقصود عند الله تبارک وتعالی، فذلک یسمی «وقف البیان الحسن»؛ والوقف عندها لازم، فلذااشتهر ب- «الوقف اللازم» کذلک، حیث یشار إلیه فی القرآن بعلامة (). (1)

مثال: (وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ ...) . (2)

فوصل العبارتین یوحی بأن العبارة الثانیة أیضاً من کلام الیهود، فی حال أنها من کلام الله عز وجل.

(رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما [وقف البیان الحسن] إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ ) 3 ، فوصل العبارتین یوقع الشبهة بأن ربوبیة الله متوقفة علی یقین الناس، فی حین أنه هو ربّ الکائنات، شاء الناس أم أبَوْا!

و لا یخفی علیک أن بعض العلماء جوّزوا الوصل فی بعض الآیات المشابهة بما ذکرناه آنفاً. مثل:

(وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ ) و (وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَیْرٌ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ ) . (3)

فی النتیجة أننا نلاحظ أن الهدف من کلّ وقف أو وصل أو ابتداء فی القرآن، هو فی النهایة إیصال المعنی المقصود للآیة بدون زیادة أو نقصان، وتجنب أی نوع من الإبهام والشبهة والتغییر فی المفهوم.

ص:214


1- (1) . إذاً هناک تقسیم آخر لأنواع الوقف، وهو تقسیم الوقف إلی «اللازم» و«غیر اللازم»؛ إذ إن اللازم تارة یکون جزءاً من الوقف التامّ وتارة من الوقف الکافی وتارة من الوقف الحسن، فتأمل جیداً.
2- (2) . المائدة: 64.
3- (4) . البقرة: 102 و103.

أمثلة أخری لوقف البیان الحسن:

(أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِی حَاجَّ إِبْراهِیمَ فِی رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْکَ [وقف البیان الحسن] إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّیَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ ) . (1)

(وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ [وقف البیان الحسن] إِذْ قَرَّبا قُرْباناً...) . (2)

(أَنْ تَعْتَدُوا [وقف البیان الحسن] وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی ) . (3)

(وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ مَرْیَمَ [وقف البیان الحسن] إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَکاناً شَرْقِیًّا) . (4)

(إِنَّکُمْ عائِدُونَ [وقف البیان الحسن] یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری إِنّا مُنْتَقِمُونَ ) . (5)

(إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا یُؤَخَّرُ [وقف البیان الحسن] لَوْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) . (6)

ص:215


1- (1) . البقرة: 258.
2- (2) . المائدة: 27.
3- (3) . المائدة: 2.
4- (4) . مریم: 16.
5- (5) . الدخان: 15 و16.
6- (6) . نوح: 4.

4. الوقف القبیح

تعریف: وهو الوقف علی ما لم یتمّ فی نفسه، وذلک لتعلقه بما بعده لفظاً ومعنی (إن کانت العبارة الثانیة کاملة أو کانت ناقصة) . وبعبارة أخری هو وقف یخلّ بالمعنی ویفسد الکلام، وأحیاناً یؤدی إلی الکفر.

حکم الوقف القبیح

کما هو المتبادر من اسمه فإن هذا النوع من الوقف غیر جائز مطلقاً، وإذا اضطر القارئ إلیه (الوقف الاضطراری) ، علیه أن یعید الآیة ویبدأ من مکان مناسب بوصل العبارتین. وأمثلة الوقف القبیح والتی تؤدی إلی النقصان أو التعقید فی معنی الآیة فکما یلی:

(وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ [الوقف المؤدی إلی النقصان] ...) (1) فمن الملاحظ أن الکلام ناقص والمستمع ینتظر باقی الکلام.

(فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَیْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ [الوقف المؤدی إلی الإبهام] ...) (2) ومن الملاحظ أن جزاء الجاریة التی ارتکبت فاحشةً غیر معلوم، وأنه بحاجة إلی ذکر: (فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَی الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) .

و هناک موارد من الوقف القبیح فبالإضافة إلی إخلال المعنی یؤدی إلی کلمات الکفر والإلحاد أو تغییر جذری فی المعنی، ویسمی الوقف «الأقبح»، ومنها:

(فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ وَ اللّهُ [الوقف الأقبح] لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ ) 3 ، وبهذا الوقف یتوهم أن الله عز وجل - العیاذ بالله - کذلک بُهت مثل الکفار.

ص:216


1- (1) . البقرة: 11.
2- (2) . النساء: 25.

(إِنَّ اللّهَ لا یَسْتَحْیِی [الوقف الأقبح] أَنْ یَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها...) . (1)

(لا یَبْعَثُ اللّهُ [الوقف الأقبح] مَنْ یَمُوتُ ) . (2)

(فَما أَرْسَلْناکَ [الوقف الأقبح] عَلَیْهِمْ حَفِیظاً) . (3)

(وَ تَرَکْنا یُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَکَلَهُ [الوقف الأقبح] الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) . (4)

ص:217


1- (1) . البقرة: 26.
2- (2) . النحل: 38.
3- (3) . الشوری: 48.
4- (4) . یوسف: 17.
ب. أنواع الابتداء

إن «الابتداء» لا یقل أهمیة عن «الوقف»، والخبراء علی أن الابتداء لا یکون عن اضطرار بخلاف الوقف، حیث یحصل عن اختیار واضطرار. أما بنظر بعض أساتذة الفن بما فیهم الأستاذ الشیخ خلیل الحصری، فالابتداء أیضاً قد یحصل عن اضطرار؛ بمعنی أن فی بعض الآیات الطویلة إذا لم یستطع القارئ إکمال العبارة بسبب ضیق النفس، ووقف علی محل غیر مناسب اضطراراً، مثل قوله تعالی: (فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ ) 1 ، فالمسألة هنا لا تخلو عن حالتین:

إما أن یعود القارئ إلی بدایة الآیة ویقرأ من جدید، ویواجه نفس المشکلة مما یوقع القارئ فی «خطأ إعادة الآیة» (1)من جهة، ومن جهة أخری تکرار الوقف علی محل قبیح!

و إما أن یبدأ من محل غیر مناسب أثناء العبارة اضطراراً. وهذا ما سمیناه ب-«الابتداء الاضطراری»، ولعل أصحاب المنطق والإنصاف یعترفون بهذه التسمیة. وهنانؤکد مرة أخری بأفضلیة القراء الذین یتمتعون من «نفس طویل»، وتفوّقهم فی التلاوة. (2)

ص:218


1- (2) . المراد من الخطأ هنا «خطأ فنی» أی عدم لزوم إعادة الآیة بدون سبب، حیث أن إعادتها تؤدی إلی إنقاص بعض الدرجات من القارئ فی مسابقات القرآن الدولیة. انظر: نظام التحکیم لمسابقات القرآن الدولیة.
2- (3) . معالم الاهتداء إلی معرفة الوقوف والابتداء: 125.

و علی کلّ حال - مع غض النظر عن الابتداء الاضطراری - للابتداء أیضا مثل الوقف أربعة أنواع:

الأنواع الثلاثة الأولی هی من مصادیق «الابتداء الجائز»، والنوع الأخیر یعتبر «ابتداءً غیرَ جائز». فالفرق بین أنواع الابتداء الجائز یعود إلی مدی تعلق الجملة بما قبلها. فکلما کانت الجملة أکثر استقلالاً کانت تمیل إلی النوع «التامّ»، وکلما قلّ استقلالها مالت إلی «الحسن»، ومن ثمّ إلی «القبیح».

1. الابتداء التام

هو الابتداء بجملة مستقلة غیر متعلقة بما قبلها لفظاً ومعنیً. مثال:

(وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [محل الابتداء] إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ ...) . (1)

2. الابتداء الکافی

و هو فیما یتمّ الکلام لفظاً دون المعنی، مثل قوله: (أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ [محل الابتداء] خَتَمَ اللّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ ) . (2)

ص:219


1- (1) . البقرة: 5 و6.
2- (2) . البقرة: 6 و7.

3. الابتداء الحسن

و هو فیما یتمّ الکلام لفظاً، ولکن العبارة التی قبله لا تستغنی عنه، مثل قوله:

(وَ مِنَ النّاسِ [الابتداء ب-] مَنْ یَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِینَ ) . (1)

4. الابتداء القبیح

و هو أن یبدأ بکلمة تؤدی معنی غیر ما أراده الله تعالی، ومثال الابتداء القبیح - أی: الذی یؤدی إلی نقصان المعنی أو التعقید والإبهام - فکل ما أوردناه فی مبحث الوقف الأقبح فإن الابتداء به یکون من مصادیق الابتداء القبیح. ومثل ذلک کأن یتغیر المعنی ویعتبر من کلمات الکفر والإلحاد فیسمی ب- «الابتداء الأقبح»، والأمثلة ما یلی:

(...إِنَّ اللّهَ فَقِیرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِیاءُ) . (2)

(...إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ ) . (3)

(...عُزَیْرٌ ابْنُ اللّهِ ) أو (...اَلْمَسِیحُ ابْنُ اللّهِ ) . (4)

(...لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی) . (5)

(...غَیْرُ اللّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) . (6)

ص:220


1- (1) . البقرة: 8 .
2- (2) . آل عمران: 181.
3- (3) . المائدة: 17.
4- (4) . التوبة: 30.
5- (5) . یس: 22.
6- (6) . فاطر: 3.
ج. رموز السجاوندی للوقف

فی القرون الأولی من الإسلام بعد ما جعلوا للحروف الواقعة فی وسط الکلمة علامات تعیّن حرکاتها وسکناتها الثابتة، وصارت الحرکات والسکنات المتغیرة فی آخر الکلمات موضوعاً لمبحث الإعراب، طرأت مسألة جدیدة: فأین یجب «الوقف» علی الکلمة، و«الابتداء» بما بعدها؟ وأین یجب «الوصل» بینهما وأقسام کلّ منهما؟ وکانت حاجة المسلمین إلی تعیین ذلک کسائر قواعد اللغة العربیة تزداد کلما ابتعدوا عن الجزیرة العربیة، ولذلک قام العلماء باختراع الرموز التجدیدیة فأول من وضع علامات خاصة للوقف والابتداء هو عبد الله السجاوندی (1)، ولذلک سمیت العلامات هذه ب-« رموز السجاوندی ».

وهی عبارة عن رموز ستة فی الأصل، ثمّ أضافوا إلیها رموز أخری کما یلی:

ص:221


1- (1) . هو الشیخ أبو جعفر عبد الله طیفور السجاوندی المتوفی سنة560 ه ق.

و إلیک شرح کلّ منها باختصار:

(الوقف اللازم)

و هو وقف ضروری لتجنب الخلل بمعنی الآیة. فکما ذکرناه أن لکلٍ من الوقف التام والکافی والحسن موارد یعمّها الوقف اللازم، وأیاً کان لا بدّ من الوقف عنده. مثال:

لزوم الوقف التامّ (وقف البیان التامّ)

(أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْکافِرِینَ [الوقف اللازم] وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) . (1)

فوصل العبارتین یوقع الوهم بأن جهنم مثویً للکافرین وکذلک للمتقین!

لزوم الوقف الکافی (وقف البیان الکافی)

(أُولئِکَ لَمْ یَکُونُوا مُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ وَ ما کانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ [الوقف اللازم] یُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ) . (2)

حسب التعریف هذا من مصادیق الوقف الکافی؛ لکن الوصل بین العبارتین أعلاه یوحی الشبهة بأن العذاب یُضاعف لأولیاء الله!

ص:222


1- (1) . الزمر: 32 و33.
2- (2) . هود: 20.

لزوم الوقف الحسن (وقف البیان الحسن)

(لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ [الوقف اللازم] وَ تُسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَ أَصِیلاً) . (1)

إنّ فعل (وَ تُسَبِّحُوهُ ) معطوف علی (لِتُؤْمِنُوا) ، فالظاهر أن العبارة الثانیة ناقصة، لذلک فإن الوقف من مصادیق الوقف الحسن، أما عند الوصل یتوهم بأن الأفعال الثلاثة عائدة إلی کلمة واحدة؛ ألا وهی الله أو رسوله، فی حین أن الفعلین الأولین مختصان بالنبی صلی الله علیه و آله والثالث والأخیر مختص بالله تبارک وتعالی.

ملحوظة: هناک علامة أخری فی القرآن تدل علی إقلاب النون الساکنة فی الباء، وهی علامة ( )، مثل قوله تعالی: (إِنَّهُ کانَ تَوّاباً ) . (2) فهذه العلامة تدل علی إقلاب النون الساکنة فی تنوین النصب لکلمة « تَوَّاباً » فی باء « بِسْمِ اللهِ » بعدها، أما علامة الوقف اللازم فهی ()، فلا تشتبه علیک العلامتان!

(الوقف الممنوع)

وهو الوقف الذی یغیر مفهوم الآیة بشکل من الأشکال. فبالإضافة إلی موارد الوقف القبیح التی تغیر المعنی المقصود، مثل قوله: (وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً [الوقف القبیح] اللّهُ مُهْلِکُهُمْ ) 3 ، فقد توضع هذه العلامة (لا) علی بعض موارد الوقف الحسن، ویتم فی الواقع إعلان القارئ أن لا یقف علی الکلمة؛ لأنه لا یستطیع الابتداء بما بعدها، ویُضطر إلی إعادة العبارة من جدید ووصل العبارتین فی النهایة. مثل قوله: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ تارَةً أُخْری فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِما کَفَرْتُمْ [الوقف القبیح]). (3)

ص:223


1- (1) . الفتح: 9.
2- (2) . النصر: 3.
3- (4) . الإسراء: 69.

(الوقف الجائز)

و هو الوقف «المتساوی الطرفین»؛ یعنی أن الوقف جائز والوصل جائز کذلک.

و«الوقف الجائز» یشمل ما یقرب جمیع موارد «الوقف الکافی»، ماعدا النوع اللازم منه. مثال: (...وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً [الوقف الجائز] وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً...) . (1)

ط(الوقف المطلق)

الوقف حسن مطلقاً، والابتداء بما بعده مستحسن أیضاً. لکن الوصل لا یشکل توهماً بقدر ما یشکل فی الوقف اللازم. و«الوقف المطلق» یشمل جمیع موارد «الوقف التامّ»، ماعدا النوع «اللازم» من الوقف التام. کما یشمل بعض موارد «الوقف الکافی». مثال: (کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ [الوقف المطلق] وَ ما ظَلَمُونا وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ ) . (2)

ز(الوقف المجوَّز)

و هو وقف جُوّز لوجهٍ ما، ولذلک یسمی «مجوّز لوجهٍ»، لکن الوصل مجوز أیضاً بل أولی. مثال:

(أُولئِکَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ [الوقف المجوّز] وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . (3)

الوقف «المجوز» أیضاً مثل الوقف «الجائز» یشمل «الوقف الکافی»، مع الفارق أن العلاقة بین عبارتین فی الوقف المجوز أکثر من الوقف الجائز، ولذلک «الوصل» عنده أحسن من «الوقف». فی حین أن الجائز هو متساوی الطرفین.

ص:224


1- (1) . الأعراف: 146.
2- (2) . الأعراف: 160.
3- (3) . البقرة: 5.

ص(الوقف المرخَّص) (1)

کلمة «المرخّص» تعنی أن فیه جواز ورخصة، وذلک عند طول العبارة وضیق نفس القارئ، واسم الکامل لهذا الوقف «مرخّص لضرورةٍ»، والضرورة هنا هی ضرورة تجدید النفس. طبعاً هناک علاقة وطیدة بین طرفَی الوقف فی هذه الحالة، مما جعل هذا النوع من الوقف فی أدنی مراتب الجواز للوقف. فالوصل فی غایة الأولویة من الوقف.

یمکن الابتداء بعد الوقف المرخّص علی الأغلب؛ لأن معظم موارد الوقف المرخّص یشملها الوقف الکافی. (و درجة کفایته أدنی من الکافی) ، إلا أنه یشمل بعضاً من موارد الوقف الحسن. مثال للوقف المرخص:

(وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الوقف المرخّص] وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ) . (2)

وأخیراً لا بدّ من التنویه إلی بعض العلامات غیر رموز السجاوندی، والتی تنتسب إلی بعض العلماء المتأخرین، وأهم هذه العلامات ما یلی:

(بکسر قاف)

تعنی أن «الوقف» أولی من الوصل، وهذا الوقف مرادف للوقف الکافی، مع أولویة «الوقف».

(بکسر الصاد)

تعنی أن «الوصل» أولی من الوقف، وهذا الوقف أیضاً مرادف للوقف الکافی، مع أولویة «الوصل».

ص:225


1- (1) . لا تستخدم هذه العلامات الأربعة (ط) ، (ز) ، (ص) ، (ق) فی مصحف عثمان طه، وبما أنها تشمل الوقف الکافی وأحیاناً الوقف الحسن، فتقع غالباً ما موقع (قِلی) أو (صِلی) أو (ج) فی المصحف المعاصرة.
2- (2) . البقرة: 23.

(وقف المعانقة)

إنه یُلاحظ فی بعض المصاحف وضع ثلاث نقاط إشارة علی «وقف المعانقة» أو المراقبة. وعلامة هذا الوقف وجود ثلاث نقاط أعلی کلمتین متتالیتین فی المصحف، وهذه النقط تنوب عن نقاط حرفَی «ن» و«ق» من کلمة المعانقة، أو نقاط حرفَی «ب» و«ق» من کلمة المراقبة.

حکم وقف المعانقة

علی کلّ حال یَحسُن الوقف علی إحداهما دون الأخری، فإن وقف القارئ علی الأولی فلا یقف علی الثانیة، وإن لم یقف علی الأولی له أن یقف علی الثانیة. مثال ذلک فی قوله تعالی: (ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ ) 1 ، فإن وقف علی کلمة (لا رَیْبَ ) لا یقف علی کلمة (فِیهِ ) والعکس صحیح، وقس علی هذا فی کلّ موضع تراقب فیه هذه النقط الثلاث متعانقة بین کلمتین؛ لأنه إذا اجتمع الوقفان فی محل واحد اختل المعنی، فلا یصح للقارئ أن یقف علی کلّ منهما، بل إذا وقف علی أحدهما امتنع الوقف علی الآخر.

مثال آخر: (وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا...) . (1)

و قد وقع هذا النوع من الوقف فی خمسة وثلاثین موضعاً فی القرآن الکریم فانتبه لها؛ لأن هذا الملخص لا یتسع لذکرها فی کلّ مواضعها من القرآن الکریم. (2)

ملاحظة: فی بعض الأحیان لم توضع علامة المعانقة فی المصحف، وعلی القارئ القیام بتشخیصها بنفسه، وذلک من خلال مطالعة تفاسیر الآیة، من قبیل الآیة المذکورة أعلاه، فتأمل.

ص:226


1- (2) . آل عمران: 7.
2- (3) . نهایة القول المفید فی علم التجوید: 172.

الوقف علی فواصل الآیات

قد سبق ذکره أن الوقف: هو قطع الصوت علی آخر الکلمة زمناً یسیراً؛ لیتنفس فیه القارئ، مع نیّة استئناف القراءة. ویکون الوقف إما علی فواصل الآیات، أو فی أثنائها. والوقف علی فواصل الآیات أو بعبارة أخری رؤوس الآیات سنّة. (1)

ویُلاحظ أن الابتداء القبیح لا یکون إلا فی غیر رؤوس الآیات؛ لأن الوقف علی فواصل الآیات هو سنّة، سواء تعلّق بما قبله أم لم یتعلّق به؛ لحدیث أم سلمة رحمه الله حیث قالت: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا قرأ قطع قراءته آیةً آیةً. یقول: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) ، ثمّ یقف، ثمّ یقول: (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ) ، ثمّ یقف، ثمّ یقول: (الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ) ، ثمّ یقف... .» إلی آخر الحدیث (2)، وهذا الحدیث أصل فی هذا الباب، فظاهر هذا الحدیث أنّ فواصل الآی یستحب الوقف علیها مطلقاً؛ أی حتّی إن کان علی آخر آیة علامة (لا) فکذلک یجوز الوقف عندها.

وقال بعضهم فی شرح هذا الحدیث: هذا الحدیث یثبت استحباب الوقف علی أواخر آیات سورة «الفاتحة» لا أکثر، فإذا کان الوقف علی آخر الآیة من النوع الحَسَن أو القبیح فإن الوصل أولی وأفضل، والمذهب الأول هو المشهور عند غالب أهل هذا الفن.

ملحوظة: لا بدّ من التأکید مرة أخری علی هذا الأصل فی کلّ أنواع الوقف أو الوصل أو الابتداء. فإنه یشترط فی کلّ منها:

أن لا یؤدّی إلی النقصان أو الزیادة فی العبارة.

أن لا یُغیّر المعنی المقصود عند الله تبارک وتعالی.

ص:227


1- (1) . والمراد من الفاصلة بین الآیات آخر الآیة المقروءة، والمراد من رأسها أی رأس الآیة التالیة.
2- (2) . تفسیر الآلوسی: 1 / 5.

جداول بیانیة توضح أقسام الوقف والابتداء والسکت

ص:228

ص:229

أسئلة وتمرینات

1. عرّف المصطلحات التالیة: السکت، الوقف، القطع.

2. اذکر موارد السکت بروایة حفص عن عاصم.

3. اذکر أنواع الوقف، واشرح الفرق بین الوقف التام والکافی مع ذکر حکمهما.

4. ما هی علاقة الوقف اللازم بالوقف الاختیاری؟

5. عدّد رموز الوقف للسجاوندی واشرحها باختصار.

6. یعتقد بعض العلماء بوجود الابتداء الاضطراری فی القراءة، اشرح ذلک.

ص:230

المبحث الرابع: ملحقات التجوید

التکبیر بین سورتین

التکبیر أن تقول: الله أکبر ، ویجوز التکبیر وعدمه من أول سورة الضحی إلی آخر سورة الناس. وذُکر فی مناسبة التکبیر من أول سورة «الضحی»: «أنه لما تأخر الوحی عن رسول الله صلی الله علیه و آله وطالت تلک المدة جاءه الملک فأوحی إلیه: (وَ الضُّحی * وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی...) . (1)

فسنّ التکبیر أولها وآخرها استحباباً، والقول بالبدایة علی أن الرسول صلی الله علیه و آله کبّر ثمّ بدأ بقراءة سورة الضحی، وأما القول بالنهایة علی أن الرسول کبّر بعد قراءة جبرائیل علیه السلام لسورة الضحی، والله اعلم.

و بناء علیه أن وفق روایة حفص عن عاصم عن طریق مشهور، یجوز التکبیر أول السور بدءاً من «سورة الضحی» إلی نهایة القرآن وهی «سورة الناس»، لکن التکبیر فی بدایة هذه السور أشهر من نهایتها.

ولیعلم أن التهلیل ( لا إله إلا الله ) مع التکبیر ومع التحمید ( ولله الحمد ) عند من رواه حکمه حکم التکبیر لا یفصل بعضها من بعض، بل یوصل جملة واحدة هکذا:

(لا إله إلا الله، والله أکبر، ولله الحمد)

ص:231


1- (1) . تفسیر ابن کثیر: 8 /423 .

وهنا یجوز لحفص سبعة أوجه علی القول بالتکبیر وفیما یلی تفصیلها مع تقدیم الوجه الممنوع حسب رأی علماء التجوید:

الأول : «قطع الجمیع»؛ أی الوقف علی آخر السورة السابقة وعلی التکبیر وعلی البسملة.

الثانی : الوقف علی آخر السورة السابقة وعلی التکبیر، ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

الثالث : الوقف علی آخر السورة السابقة، ووصل التکبیر، والوقف علی البسملة.

الرابع : الوقف علی آخر السورة السابقة مع وصل التکبیر والبسملة بأول السورة اللاحقة.

الخامس : وصل آخر السورة السابقة والوقف علی التکبیر وعلی البسملة، ثمّ الابتداء بأول السورة اللاحقة.

السادس : وصل آخر السورة السابقة والوقف علی التکبیر، مع وصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

السابع : «وصل الجمیع».

الثامن : وصل آخر السورة السابقة بالتکبیر والبسملة، لکن مع الوقف علی البسملة! ( هذا الوجه ممنوع ، لإیقاع التوهم بأن البسملة جزء من السورة السابقة) .

ولا یخفی علیک أنه یجوز وجهَی الخامس والسادس علی قول من یلحق التکبیر بآخر السورة، فتأمل.

السجدات فی القرآن

یُسجد بعد الانتهاء من قراءة الآیة عند علامة السجدة حسب رسم المصحف الشریف. أما عدد السجدات المستحبة فهی «إحدی عشرة» سجدة فی القرآن الکریم وهی فی:

ص:232

«الأعراف»، و«الرعد»، و«النحل»، و«الإسراء»، و«مریم»، و«الحج» فی موضعین، و«الفرقان»، و«النمل»، و«ص»، و«الانشقاق» کما فی التالی:

1. (إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ یَسْجُدُونَ ) . (1)

2. (وَ لِلّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ) . (2)

3. (وَ لِلّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِکَةُ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ * یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ ) . (3)

4. (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً * وَ یَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ کانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً * وَ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً ) . (4)

5. (إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُکِیًّا ) . (5)

6. (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ وَ کَثِیرٌ حَقَّ عَلَیْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ یُهِنِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُکْرِمٍ إِنَّ اللّهَ یَفْعَلُ ما یَشاءُ ) . (6)

7. (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ) . (7)

ص:233


1- (1) . الأعراف: 206.
2- (2) . الرعد: 15.
3- (3) . النحل: 50 و49.
4- (4) . الإسراء: 109 و107.
5- (5) . مریم: 58.
6- (6) . الحج: 18.
7- (7) . الحج: 77.

8 . (وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً ) . (1)

9. (أَلاّ یَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ یَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ * اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ ) . (2)

10. (قالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ قَلِیلٌ ما هُمْ وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راکِعاً وَ أَنابَ ) . (3)

11. (وَ إِذا قُرِئَ عَلَیْهِمُ الْقُرْآنُ لا یَسْجُدُونَ ) . (4)

ویُسجد وجوباً علی الفور لقراءة کلّ من آیات «العزائم الأربع» وذلک بعد إکمال الآیات الکریمة کالتالی:

1. السجدة ، وهی قوله تعالی: (إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ) .

2. فصلت ، وهی قوله تعالی: (وَ مِنْ آیاتِهِ اللَّیْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِنْ کُنْتُمْ إِیّاهُ تَعْبُدُونَ * فَإِنِ اسْتَکْبَرُوا فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا یَسْأَمُونَ ) قیل موضع السجدة (تَعْبُدُونَ ) لقربه من الأمر بالسجود وفیه تأمل، فإن هذا الأمر لا یدل علی وجوبه عند قراءتها، وقیل (لا یَسْأَمُونَ ) وهو مذهب الأکثر لتمام المعنی، والله أعلم.

ص:234


1- (1) . الفرقان: 60.
2- (2) . النمل: 26 و25.
3- (3) . ص: 24.
4- (4) . الانشقاق: 21.

3. النَّجم ، (الآیة الأخیرة)، وهی قوله تعالی: (فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَ اعْبُدُوا ) .

4. العلق ، (الآیة الأخیرة) وهی قوله تعالی: (کَلاّ لا تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ ) .

هذه العزائم الأربع التی یجب فیها السّجود علی القارئ والمستمع. قال السید الإمام الخمینی رحمه الله : «لو سمع آیة السَّجدة من مثل الرادیو؛ فإن أذیعت قراءة شخصٍ مباشرة وجبت السَّجدة، وإن أذیعت من المسجِّلات لا تجب». (1)

ولا یجب علی من کتبها أو تصورها أو نظرها مکتوبة أو أخطرها بالبال أو قرأ نصفها أو أکثر، ویکفی فیه مجرد السجود، فلا یجب فیه الذکر وإن کان الأولی أن یأتی بالمأثور من الذکر، والأفضل ما روی عن أبی عبد الله أنه قال: «یقول فی سجدة العزائم: «لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله إیماناً وتصدیقاً، لا إله إلاّ الله عبودیة ورقاً، سجدت لک یا ربّ تعبّداً ورقاً، لا مستنکفاً ولا مستکبراً، بل أنا عبد ذلیل خائف مستجیر»، ثمّ یرفع رأسه، ثمّ یکبّر». (2)

ولا یحتاج بعد إباحة محل السجود عدم علو المسجد بما یزید علی أربعة أصابع، وبعد النیة إلی طهارة، ولا استقبال، ولا إلی ما یصح السجود علیه، فیسجد المحدث بالأصغر والأکبر کالجنب والحائض، ولو نسیها سجد متی ذکر وجوباً.

وفی الصلاة الواجبة لا یجوز أن یُقرأ شیءٌ من العزائم الأربعة عند الإمامیة، لقول الباقر والصادق علیهما السلام :

«لا یُقرأ فی المکتوبة (3) شیءٌ من العزائم، فإن السجود زیادةٌ فی المکتوبة ولأن سجود التِّلاوة واجبٌ، وزیادة السُّجود فی الصلاة مبطلٌ». (4)

ص:235


1- (1) . تحریر الوسیلة: 274/1.
2- (2) . وسائل الشیعة: 241/6، ح: 7852.
3- (3) . المکتوبة: الصلاة الواجبة.
4- (4) . وسائل الشیعة: 101/6، ح: 7460.

تمرینات لملحقات التجوید

1. بین حکم التکبیر بین سورتین.

2. ما هی السور التی یجوز ذکر التکبیر فی بدایتها؟

3. ما هو الوجه الممنوع من تلاوة سورتین متتالیتین بتوسط التکبیر بینهما؟

4. عدد آیات العزائم الأربع.

5. بیّن حکم السجدة عند التلاوة.

ص:236

باب فرش الحروف

الأحکام التی ینبغی مراعاتها عند القراءة بروایة حفص (1)

1. تُقرأ الهمزة الثانیة بالتسهیل، أی بسلب صفة النبرة منها فی کلمة (ءَ أَعْجَمِیٌّ) . (2)

2. جواز القراءة بالألف المدیة مدّاً لازماً أو بهمزتین مفتوحتین مع تسهیل الهمزة الثانیة فی: (آلذَّکَرَیْنِ ) و (آلْآنَ ) و (آللّهُ ) . (3)

3. فی سورة الحجرات قوله تعالی: (الاِسْمُ ) 5 ، تُقرأ بحذف همزتَیْ الوصل وکسر اللام (بِئْسَ لِسْمُ) ، لکنه فی الابتداء تقرأ بوجهین تالیین: (الِسْمُ) و(لِسْمُ).

4. الإمالة الکبری عند الألف فی لفظ (مَجْراها) 6 ، والإمام حفص لم یُمِلْ فی القرآن إمالة کبری غیرها، ومن الطبیعی ترقیق الراء عندها.

5. إثبات الألف وقفاً، وحذفها وصلاً فی الکلمات التالیة (4): (إِنّا) , و (أَهْلَکْنا) ,

ص:237


1- (2) . سمیت هذه الاختلافات عند الرواة والطُرق «خُلف حفص»؛ وهناک موارد أخری جاءت من طُرق غیر مشهورة لحفص، وللمزید راجع ملزمة «نظام تحکیم المسابقات الدولیة للقرآن الکریم»، باب المختار من خُلف حفص عن عاصم.
2- (3) . فصلت: 44.
3- (4) . انظر درس صفات الحروف، «صفة النبرة».
4- (7) . انظر درس «طرق الوقوف علی أواخر الکلم» فی الفصل الثانی.

و (الظُّنُونَا) ، و (الرَّسُولاَ) ، و (السَّبِیلاَ) 1 ، و (قَوارِیرَا) (فی الموضع الأول) (1)، و (سَلاسِلَ ) . (2) إلا أنه یجوز فی الکلمة الأخیرة: (سَلاسِلَ ) إثبات الألف أو الحذف عند الوقف، وأما فی الوصل فتحذف عنده قولاً واحداً.

6. رجحان الأخذ بوجه الإدغام فی (ارْکَبْ مَعَنا) 4 ، و (یَلْهَثْ ذلِکَ ) 5 ، إلا أن إظهار «ب» و«ث» أیضاً ورد فی طریق آخر لحفص، فانتبه.

7. قرأ حفص بالسین علی القول الأرجح فی قوله تعالی: (وَ یَبْصُطُ) 6 ، و فی: (بَسْطَةً ) 7 ، وإن کان قد ورد بالصاد أیضاً.

8 . رجحان القراءة بالصاد فی: (الْمُصَیْطِرُونَ ) 8 ، وفی: (بِمُصَیْطِرٍ) 9 ، والقراءة بالسین فی هاتین الأخیرتین ضعیفة.

9. جواز القراءة بفتح الضاد وضمّها فی کلمتی: (ضَعْفٍ) ، وکلمة: (ضَعْفاً) 10 لکن فتح الضاد أقرب إلی الصواب، مع ملاحظة أن حفص فی هذا المورد لم یتبع عاصم، إذ إن عاصماً قرأ بالفتح فقط، والله أعلم.

ص:238


1- (2) . الإنسان: 15. وجدیر بالملاحظة أن (قَوارِیرَا) تکررت مرتین فی سورة الإنسان، فحکم الأولی کما ذکرناه آنفاً، أما فی الموضع الثانی وهو: (قَوارِیرَا) فالألف محذوفة وصلاً ووقفاً.
2- (3) . الإنسان: 4.

10. جواز الأخذ فی مدّ «عَیْن» من فاتحة سورتَی مریم والشوری: (کهیعص ) و (حم * عسق ) ، بالطول والتوسط وحتی القصر، أما الطول فهو الأرجح.

11. جواز إدغام حرف القاف الساکنة فی الکاف إدغاماً «تامّاً» أو «ناقصاً»، فی قوله: (أَ لَمْ نَخْلُقْکُمْ ) 1 ، لکن الأرجح هو الأخذ بوجه الإدغام التامّ. (1)

12. قرأ حفص فی «نون»: (لا تَأْمَنّا) 3 بالإشمام. (2)

13. قرأ حفص فی نون: (یس * وَ الْقُرْآنِ ) 5 و (ن وَ الْقَلَمِ ) 6 بالإظهار فیهما.

14. أسکن حفص هاء الضمیر من لفظی: (أَرْجِهْ ) 7 و (فَأَلْقِهْ ) 8 ، فانتبه.

15. قرأ حفص الهاء من لفظ: (یَرْضی لِعِبادِهِ ) 9 بدون إشباع.

16. إشباع هاء الضمیر بقدر حرکتین عند الوصل فی کلمة: (فِیهِ ) فی قوله تعالی: (وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً) . (3)

17. قرأ حفص: (وَ یَتَّقْهِ ) 11 بسکون القاف وعدم إشباع هاء الضمیر.

ص:239


1- (2) . انظر باب الإدغام، مبحث «إدغام المتقاربین».
2- (4) . الإشمام: هو ضمّ الشفتین من غیر صوت بعد النطق، إشارة إلی حرکة الضمّ فی أصل الکلمة إذ کانت: «لاتَأْمَنُنَا» حیث قال أبناء یعقوب علیه السلام لأبیهم: یا أبتاه ألا تَأمَنُنَا ولا تَثِق بنا فی شأن یوسف؟ (راجع التفاسیر) . ولمعرفة الإشمام انظر درس «طرق الوقف علی أواخرالکلم».
3- (10) . الفرقان: 69.

18. فی قوله تعالی: (آتانِیَ ) 1 ، قرأها حفص بفتح الیاء فی الوصل، وبوَجهَی: «إثبات الیاء» : (آتانِیَ) و«حذف الیاء» : (آتان ) فی الوقف.

19. سکت حفص سکتة یسیرة من غیر تنفس علی أربع مواضع وجوباً (1)، کما ورد عدم السکت فی تلک المواضع من طریق آخر لحفص، والذی ورد من خلاله قراءة مد المنفصل ب- «قصر»فقط، أما «طریق السکت» هو الأشهر والأرجح، والله تعالی أعلم.

ص:240


1- (2) . درس «أحکام المدّ والقصر»، و«مواضع السکت» فیه.

مصطلحات الضبط

وَضْع الصِّفر المستدیر (5) فوق حرفِ عِلّة یدل علی زیادة ذلک الحرف یُنْطقُ به فی الوصل ولا فی الوقف، نحو: (یَتْلُوا صُحُفاً) ، (أُولئِکَ ) ، (نَبَإِ الْمُرْسَلِینَ ) ، (بَنَیْناها بِأَیْدٍ) .

ووضْع الصِّفر المستطیل القائم فوق ألِف بعدها متحرّک یدلُّ علی زیادتها وصلا لا وقفا، نحو: (أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ ) ، (لکِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّی) وأهملت الألف التی بعدها ساکن، نحو: (أَنَا النَّذِیرُ) من وضع الصفر المستطیل فوقها وإن کان حکمها مثل التی بعدها متحرک فی أنها تسقط وصلا وتثبت وقفا لعدم توهم ثبوتها وصلا.

ووضع رأس خاء صغیرة (بدون نقطة) فوق أی حرف یدُلُّ علی سکون ذلک الحرف وعلی أنه مُظْهَر بحیث یقْرَعه اللسانُ، نحو: (مِنْ خَیْرٍ) ، (وَ یَنْأَوْنَ عَنْهُ ) ، (لَقَدْ سَمِعَ ) ، (أَ وَعَظْتَ ) ، (وَ خُضْتُمْ ) .

وتعریَة الحرف من علامة السکون مع تشدید الحرفِ التالی یدُلُّ علی إدغام الأوَّل فی الثانی إدغاماً کاملاً، نحو: (أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُما) ، (یَلْهَثْ ذلِکَ ) ، (وَ قالَتْ طائِفَةٌ ) ، (وَ مَنْ یُکْرِهْهُنَّ ) ، وکذا قوله تعالی (أَ لَمْ نَخْلُقْکُمْ ) علی أرجح الوجهین فیه.

وتعریته مع عدم تشدید التالی یدُلُّ علی إدغام الأول فی الثانی إدغاما ناقصا نحو (مَنْ یَقُولُ ) ، (مِنْ والٍ ) ، (فَرَّطْتُمْ ) ، (بَسَطْتَ ) أو إخفائه عنده فلا هو مظهر حتّی یقرعه اللسان ولا هو مُدْغَم حتّی یقلب من جنس تالیه نحو (مِنْ تَحْتِهَا) ، (مِنْ ثَمَرَةٍ ) ، (إِنَّ رَبَّهُمْ ) .

ص:241

ووضع میم صغیرة بَدَل الحرکة الثانیة من المنوَّن أو فوقَ النون الساکنة بدَلَ السکون مع عدم تشدید الباء التالیة یدُلُّ علی قلب التنوین أو النون میماً، نحو: (عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، (جَزاءً بِما کانُوا) ، (مُنْبَثًّا) .

وترکیب الحرکتین : (ضمتین أو فتحین أو کسرتین) هکذا :

یدُلُّ علی إظهار التنوین، نحو: (سَمِیعٌ عَلِیمٌ ) ، (وَ لا شَراباً إِلاّ) ، (وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ) .

وتتابعهما هکذا مع تشدید التالی یدُلّ علی الإدغام الکامل نحو: (خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) ، (غَفُوراً رَحِیماً) ، (وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ) .

وتتابعهما مع عدم التشدید یدُلّ علی الإدغام الناقص نحو: (وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ) ، (رَحِیمٌ وَدُودٌ) أو الإخفاء نحو، (شِهابٌ ثاقِبٌ ) ، (سِراعاً ذلِکَ ) ، (بِأَیْدِی سَفَرَةٍ کِرامٍ ) فترکیب الحرکتین بمنزلة وضع السکون علی الحرف. وتتابعهما بمنزلة تعریته عنک.

والحروف الصغیرة تدل علی أعیان الحروف المتروکة فی المصاحف العثمانیة مع وجوب النطق بها نحو: (ذلِکَ الْکِتابُ ) ، (یَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ ) ، (إن ولی الله ) ، (إِیلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّیْفِ) ، (وَ کَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ ) .

وکان علماء الضبط یلحقون هذه الأحرف حمراء بقدر حروف الکتابة الأصلیة ولکن تَعسَّر ذلک فی المطابع فاکتفی بتصغیرها فی الدلالة علی المقصود.

وإذا کان الحرف المتروک له بدلُ ٌ فی الکتابة الأصلیة عُوِّل فی النطق علی الحرف الملحق لا علی البدل، نحو: (الصَّلاةَ ) ، (الرِّبا) ونحو: (وَ اللّهُ یَقْبِضُ وَ یَبْصُطُ) ، فإن وضعت السین تحت الصاد دلّ علی أن النطق بالصاد أشهر وذلک فی لفظ: (الْمُصَیْطِرُونَ ) .

ووضع هذه العلامة (__) فوق الحرف یدلّ علی لزوم مدّه مدّاً زائداً علی المدّ الأصلی الطبیعی، نحو: (أَ لَمْ ) ، (الطَّامَّةُ ) ، (قُرُوءٍ) ، (سِیءَ بِهِمْ ) ، (شُفَعاءَ) ،

ص:242

(تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ ) ، (لا یَسْتَحْیِی أَنْ یَضْرِبَ ) علی تفصیل من یعلم فن التجوید. ولا تستعمل هذه العلامة للدلالة علی ألف محذوفة بعد ألف مکتوبة، مثل: «آمنوا» کما وُضع غلطاً فی کثیر من المصاحف، بل تکتب «ءَامنوا» بهمزة وألف بعدها.

والدائرة المحلاة التی فی جوفها رقم تدل بهیئتها علی انتهاء الآیة وبرقمها علی عدد تلک الآیة فی السورة، نحو: (إِنّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ1) ، ولا یجوز وضعها قبل الآیة البتة فلذلک لا توجد فی أوائل السور، وتوجد دائماً فی أواخرها.

وتدل هذه العلامة (___) علی بدایة الأجزاء والأحزاب وأنصافها وأرباعها.

ووضعُ خطٍ أفقیٍ ( ___ ) تحت کلمة تدل علی مَوجب السجدة، أیضاً وضع هذه العلامة:(___)بعد کلمة یدل علی موضع السجدة نحو: (کَلاّ لا تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ ) .

ووضع النقطة الخالیة الوسط المعیَّنة الشکل تحت الراء فی قوله تعالی: (بِسْمِ اللّهِ مَجْراها) یدل علی إمالة الفتحة إلی الکسرة، وإمالة الألف إلی الیاء. وکان النقاط یضعونها دائرة حمراء فلما تعسر ذلک فی المطابع عُدل إلی الشکل المعیَّن.

ووضع النقطة المذکورة فوق آخر المیم قُبیل النون المشددة من قوله تعالی: (ما لَکَ لا تَأْمَنّا عَلی یُوسُفَ) یدل علی الإشمام (و هو ضم الشفتین) کمن یرید النطق بضمة إشارة إلی أن الحرکة المحذوفة ضمة (من غیر أن یظهر لذلک أثر فی النطق) .

ووضع نقطة مدوّرة مسدودة الوسط فوق الهمزة الثانیة من قوله تعالی: (ءَ أَعْجَمِیٌّ وَ عَرَبِیٌّ) یدل علی تسهیلها بینَ بینَ، أی بین الهمزة والألف.

ووضع حرف السین فوق الحرف الأخیر فی بعض الکلمات یدل علی السکت علی ذلک الحرف فی حال وصله بما بعده سکتة یسیرة من غیر تنفس.

وورد عن حفص عن عاصم السکت بلا خلاف من طریق الشاطبیة علی ألف

ص:243

(عِوَجاً) بسورة الکهف، وألف (مَرْقَدِنا) بسورة یس، ونون (مَنْ راقٍ ) بسورة القیامة، ولام (بَلْ رانَ ) بسورة المطففین. ویجوز له فی هاء (مالِیَهْ ) بسورة الحآقة وجهان:

أحدهما : إظهارها مع السکت.

وثانیهما: إدغامها فی الهاء التی بعدها فی لفظ (یُهْلِکَ ) .

و قد ضبط هذا الموضع علی وجه الإظهار مع السکت، لأنه هو الأرجح، وذلک بوضع علامة السکون علی الهاء الأولی، مع تجرید الهاء الثانیة من علامة التشدید للدلالة علی الإظهار، ووضع حرف السین علی هاء (مالِیَهْ ) للدلالة علی السکت علیها سکتة یسیرة بدون تنفس، لأن الإظهار لا یتحقق وصلاً إلا بالسکت.

و إلحاق واو صغیرة بعد هاء ضمیر المفرد الغائب إذا کانت مضمومة یدل علی صلة هذه الهاء بواو لفظیة فی حال الوصل. وإلحاق یاء صغیرة مردودة إلی خلف بعد هاء الضمیر المذکور إذا کانت مکسورة یدل علی صلتها بیاء لفظیة فی حال الوصل أیضاً. (1)

ص:244


1- (1) . والقاعدة أن حفصاً عن عاصم یصل کلّ هاء ضمیر للمفرد الغائب بواو لفظیة إذا کانت مضمومة، ویاء لفظیة إذا کانت مکسورة بشرط أن یتحرک ما قبل هذه الهاء وما بعدها. انظر: «أحکام هاء الضمیر» فی هذا الکتاب.

مسک الختام

وهنا نصل إلی ختام مشوارنا القرآنی «التبتیل فی التجوید والترتیل»، وعلی أمل أنناقد حقّقنا - ولو نسبیاً - تبیین التجوید لعشّاق القرآن المجید، خاضعین لأمره جلّ وعلا حیث قال: (أَوْ زِدْ عَلَیْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً) 1 ، صدق الله العلی العظیم، وصدق رسوله النبی الأمین الکریم، ونحن علی ذلک من الشاهدین والشاکرین، ونسأل الله للجمیع مزیداً من التوفیق، إنه نِعم المولی ونعم الرفیق.

«اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلِ القُرْآنَ لَنا فی ظُلَمِ اللَّیالِی مُؤنِساً وَمِنْ نَزَغاتِ الشَّیْطانِ وَخَطَراتِ الوساوِسِ حارِساً، وَلأَقْدامِنا عَنْ نَقْلِها إِلی المَعاصی حابِساً،وَلأَلْسِنَتِنا عَنِ الخَوْضِ فی الباطِلِ مِنْ غَیْرِ ما آفَةٍ مُخْرِساً، وَلِجوارِحِنا عَنِ اقْتِرافِ الآثامِ زاجِراً وَلِما طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ الاعْتِبارِ ناشِرَاً، حَتّی تُوصِلَ إِلی قُلوُبِنا فَهْمَ عَجائِبِهِ، وَزَواجِرَ أمْثالِهِ الَّتِی ضَعُفَتِ الجِبالُ الرَّواسی عَلی صَلابَتِها عَنِ احْتِمالِهِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدِمْ بِالقُرْآنِ صَلاحَ ظاهِرِنا، وَاحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ

ص:245

الوَساوِس عَنْ صِحَّةِ ضَمائِرِنا، وَاغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلوُبِنا وَعَلائِقَ أوْزارِنا وَاجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أَمُورِنا، وَأرْوِ بِهِ فِی مَوْقِفِ العَرْضِ عَلَیْکَ ظَمَأَ هَواجِرِنا وَاکْسُنا بِهِ حُلَلَ الأمانِ یَوْمَ الفَزَعِ الأَکْبَرِ فی نُشُورِنا...». (1)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین

سوریة - أیار 2009م

ص:246


1- (1) . الصحیفة السجادیة: 16/7؛ مقتطفات من «دعاء ختم القرآن» المروی عن الإمام السجاد علیه السلام .

المصادر

1. ابن الجزری، محمد، المقدمة فی ما علی قارئ القرآن أن یعلمه، دارالکتاب العربی، الطبعة الثانیة، بیروت، 1984م.

2. ابن الجزری، محمد، التمهید فی علم التجوید، مکتبة علی حسین بوّاب، الطبعة الأولی، ریاض، 1985م.

3. ابن الجزری، محمد، طیبة النشر فی القراءات العشر، مکتبة دار الهدی، الطبعة الأولی، المدینة المنورة، 1414ه .

4. الحصری، محمود خلیل، أحکام قراءة القرآن الکریم، دارالبشائر الإسلامیة، الطبعة الرابعة، بیروت، 1999م.

5. الحصری، محمود خلیل، معالم الاهتداء إلی معرفة الوقوف والابتداء، مکتبة السنة، الطبعة الأولی، القاهرة، 2002م.

6. الدانی، أبو عمرو، التیسیر فی القراءات السبع، دارالکتاب العربی، الطبعة الأولی، بیروت، 1985م.

7. الزرکشی، محمد بن عبدالله، البرهان فی علوم القرآن، دارالفکر، الطبعة الأولی، بیروت، 1408ه .

8. السیوطی، جلال الدین، الإتقان فی علوم القرآن، دارالفکر، الطبعة الأولی، بیروت، 1996م.

9. الشاطبی، قاسم بن فیره، حرز الأمانی و وجه التهانی، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة، الطبعة الأولی، رباط، 1994م.

10. الضباع، علی محمد، صریح النص فی الکلمات المختلف فیها عن حفص، دارالتألیف،

ص:247

الطبعة الثانیة، مصر، 1987م.

11. العطار، داود، التجوید وأحکام التلاوة، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولی، بغداد، 1973م.

12. الغریانی، علی بن أحمد صبرة، العقد الفرید فی فنّ التجوید، مکتبة مکة المکرمة، الطبعة الأولی، المملکة العربیة السعودیة، 1948ه .

13. قدوری الحمد، غانم، وجهة نظر جدیدة فی مخارج الأصوات الستّة، کلیة التربیة، الطبعة الأولی، جامعة تکریت، 1980م.

14. مطهری، مرتضی، آشنائی با قرآن، منشورات صدرا، الطبعة الحادیة عشرة، طهران، 1388ه .ش.

15. معبد، محمد أحمد، الملخص المفید فی علم التجوید، دارالسلام، الطبعة الثامنة، ریاض، 2003م.

16. مکی نصر، محمد، نهایة القول المفید فی علم التجوید، دارالکتاب، الطبعة الأولی، لبنان، 1413ه .

17. مکی نصر، محمد، نهایة القول المفید فی علم التجوید، دارالکتاب، الطبعة الأولی، لبنان، 1413ه .

18. منظمة الأوقاف والأمور الخیریة، نظام التحکیم فی المسابقات الدولیة للقرآن الکریم، الطبعة الأولی، طهران، 1388ه .ش.

19. موسوی بلدة، سید محسن، حلیة القرآن، إحیاء کتاب، الطبعة الخامسة والخمسون، طهران، 1389 ه .ش

ص:248

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.