الضرورات الدینیه والمذهبیه والفقهیه علی ضوء مدرسه اهل البیت علیهم السلام المفهوم - الحکم- المصداق

اشارة

سرشناسه:وائلی، علی

عنوان و نام پدیدآور:الضرورات الدینیه والمذهبیه والفقهیه علی ضوء مدرسه اهل البیت علیهم السلام المفهوم - الحکم- المصداق [کتاب]/ المولف علی الوائلی.

مشخصات نشر:قم : مرکز المصطفی(ص) العالمی للترجمه والنشر، 1435 ق.= 1393.

مشخصات ظاهری:280 ص.

فروست:ممثلیه جامعه المصطفی (ص) فی العراق؛ 778.

شابک:125000 ریال:978-964-195-857-4

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه: ص. [275] - 280؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:اضطرار (فقه)

موضوع:فقه -- فلسفه

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

رده بندی کنگره:BP169/52 /الف55 و2 1393

رده بندی دیویی:297/324

شماره کتابشناسی ملی:3523823

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

کلمة الناشر

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. (1)

والصلاة و السلام علی سیدنا محمد خاتم النبیین وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.

لقد شهدت دائرة العلوم الإسلامیة علی اختلاف موضواتها وأغراضها،عبر تاریخها الطویل اتّساعاً واضحاً ونموّاً مطّرداً،صاحبَهَا ازدهارٌ مشابهٌ فی العلوم الإنسانیه،وفی الفکر،والثقافة و التعلیم،والفنّ،والأدب.

و قد ازدادت هذه العلوم نشاطاً وحیویة وعمقاً وشمولاً بعد انتصار الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی قدس سره،وتصاعدت حرکة أسلمة العلوم،وترکیز القیم الدینیة و الروحیة و الإنسانیة،بعد تزاید الحاجة الماسّة إلی إیجاد الحلول للمشاکل والاستفهامات الدائرة فی شتی الموضوعات الاجتماعیة و السیاسیة و العقائدیة،فی ظل المتغیرات الحاصلة فی مجمل دوائر الفکر و المجتمع،وانتشار شبهات العولمة و الفکر الإلحادی،وحتی التکفیری المتطرّف،بخاصّة بعد ثورة الاتصالات الکبری التی هیأت للعالم فرصة فریدة للاطلاع الواسع بما یحیط به.

من هنا دعت الحاجة إلی وضع مناهج للبحث و التحقیق واستخلاص النتائج الصحیحة فی کلّ علم من علوم الشریعة:فی التوحید،والفقه،والأصول،والفلسفة،والکلام،والحدیث،والرجال،والتاریخ،والأخلاق،والنفس،والاجتماع،وغیرها؛لتوقّف سعادة الإنسان علیها فی

ص:5


1- (1) .الکهف:1.

الدنیا و الآخرة،ولتحقیق الغرض العبادی الذی خُلق الإنسان من أجله وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ. 1

فقامت فی الحوزة العلمیة حرکة علمیة کبری بتوجیه من قائد الجمهوریة الاسلامیة الإمام الخامنئی(دام ظله)وجهود الفقهاء و العلماء و المفکرین،والعمل الجاد وبذل غایة الوسع،فی بناء صرح علمی دینی رصین،وصیاغة مناهج جدیدة تُعنی بعلوم الشریعة،وعموم حقول المعرفة الإسلامیة و الإنسانیة.

وأخذت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة علی عاتقها المساهمة الفعّالة فی صیاغة کثیر من المناهج الدراسیة،التی تنسجم مع تصاعد الحرکة العلمیة و الثقافیة الحدیثة.

فأسست«مرکز المصطفی العالمی للترجمة و النشر»لینهض بنشر هذه الآثار العلمیة وتقدیمها لطلاب العلم وروّاد المعرفة.

نأمل أن تأخذ هذه الآثار مکانها فی المکتبة الإسلامیة وتلقی جمیل الأثر،وحسن الردّ من رجال العلم و الفضیلة؛بأن یرسلوا إلیها بما یستدرکون علیها من نقص،أو خطأ یفوّت جهد المحقّق الحصیف،والمؤلّف الحریص.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم تقدّم به فضیلة الأستاذ شیخ علی الوائلی جاء متّسقاً مع أهداف الجامعة،ومفردة من مفردات مناهجها الدراسیة المترامیة الأطراف.

یتقدّم«مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر»بوافر الشکر لمؤلفه الکریم علی ما بذله من جهد وعنایة،ولکلّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب وتقدیمه للقرّاء الکرام.

نسأل الله تعالی التوفیق و السداد و هو من وراء القصد.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر

ص:6

الفهرس

المقدّمة 13

کلیات البحث 17

الضروری فی اللغة 17

الضروری فی المنطق 18

أقسام الضروریات 19

الفطریات فی الفلسفة 21

أقسام النظریات و الکسبیات 21

البدیهیات عند الشهید الصدر قدس سره 22

کلمة إنصاف 25

الفصل الأوّل:الضرورات الدینیة

المبحث الأول:مفهوم ضروری الدین 29

النظریة الأولی 29

مناقشة النظریة الأولی 31

النظریة الثانیة 33

مناقشة النظریة الثانیة 34

النظریة الثالثة 34

مناقشة النظریة الثالثة 35

النظریة الرابعة 36

مناقشة النظریة الرابعة 38

النظریة الخامسة 39

الطریق لمعرفة مصداق ضروری الدین 41

ص:7

إشکالات علی الضابطة المختارة 41

الإشکال الأول 41

الإشکال الثانی 43

الإشکال الثالث 43

الإشکال الرابع 44

الإشکال الخامس 46

الإشکال السادس 46

الإشکال السابع 50

الإشکال الثامن 51

الاشکال التاسع 52

الإشکال العاشر 52

ضروریات الدین فی إطار الزمان و المکان 54

کلام للامام الخمینی قدس سره 56

الصحیح من القول 56

خلاصة تحدید الضابطة المتقدمة 59

المبحث الثانی:حکم منکر ضروری الدِّین 61

توطئة مفیدة 61

1.إنّ للإسلام معانی ومراتب مختلفة 61

2.تعدد معانی ومراتب الکفر 62

3.شرائط تحقق الإسلام ابتداءاً وبقاءاً 63

حکم منکر ضروری الدین 63

حکم منکر ضروری الدین من القسم الأول 63

1.الإقرار بوجود الحقّ تعالی وإلوهیته 64

2.الإقرار بتوحید الحق تعالی 64

دائرة الإقرار بالتوحید 65

3.الإقرار برسالة الرسول صلی الله علیه و آله 66

تساؤل وإجابة 67

الالتزام الإجمالی بالرسالة 69

المأخوذ فی حَدِّ الإقرار بالرسالة 70

الإقرار بالشهادتین لساناً وقلباً 71

تفصیل السید الخوئی 74

الاستدلال علی دخول الإقرار بالمعاد فی حدّ الإسلام 77

الدلیل الأول:الاستدلال بآیات القرآن الکریم 77

الدلیل الثانی:الإجماع 81

الدلیل الثالث:الاستدلال بأهمیته فی القرآن و السنّة 81

الاستدلال علی عدم أخذ الإیمان بالمعاد فی حدّ الاسلام 83

ص:8

دائرة الإقرار بالمعاد 84

تفریعات 86

الفرع الأول:حکم الإنکار عن علم(الجحود)86

الفرع الثانی:حکم الإنکار عن جهل وغفلة 86

الفرع الثالث:الإنکار عن إکراه أو لتقیة 88

الفرع الرابع:الإنکار عن عصبیة وغضب 90

حکم منکر القِسْم الثانی من ضروری الدین 91

إنکار ما علم ثبوته فی الدین ضرورة 92

القول الأول:السببیة المستقلة لتحقق الکفر 93

القول الثانی:السببیة غیر المستقلّة لتحقق الکفر 95

الاستدلال علی سببیة إنکار الضروری بذاته لتحقق الکفر 98

الدلیل الأول 98

الدلیل الثانی 100

الدلیل الثالث 101

الدلیل الرابع(الروایات)102

1.الطائفة الاولی 103

2.الطائفة الثانیة 110

3.الطائفة الثالثة 124

4.الطائفة الرابعة 129

إشکالات علی القول الثانی 131

الإشکال الأول 131

الإشکال الثانی 132

تفریعات فقهیة 136

الفرع الأول:إنکار الضروری عن جهل 136

الفرع الثانی:إنکار الضروری عن إکراه أو تقیة 137

الفرع الثالث:إنکار الضروری عن عصبیة وغضب 138

الفرع الرابع:إنکار الضروری عن اجتهاد أو تقلید 139

المبحث الثالث:مصادیق ضروری الدین فی کلمات العلماء 141

القسم الأول:ما یرتبط بالامور الاعتقادیة 141

القسم الثانی:مایرتبط بالاُمور العملیة و الأحکام الشرعیة 148

الفصل الثانی:الضرورات المذهبیة

المبحث الاول:مفهوم ضروری المذهب 173

الضابطة الاُولی 173

مناقشة الضابطة الأولی 173

الضابطة الثانیة 175

ص:9

مناقشة الضابطة الثانیة 175

الضابطة الثالثة 175

مناقشة الضابطة الثالثة 176

الضابطة الرابعة 176

مناقشة الضابطة الرابعة 177

الضابطة الخامسة 177

ممیزات الضابطة المذکورة 179

1.مصادیق هذه الضابطة تتحدد من خلال النصّ الدینی 179

2.عدم تأثر الضروری فی هذه الضابطة بالزمان و المکان 179

3.قلّة الأخطار الاجتماعیة 181

4.الاتحاد بین ضرورات المذهب وأرکان الإیمان 182

إشکالات علی الضابطة المذکورة 183

خلاصة ما تقدّم 187

المبحث الثانی:حکم منکر ضروری المذهب 189

المقام الأوّل:إنکار ضرورات المذهب من القسم الأوّل 189

1.الإقرار بولایة و إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام 190

مقدار الإقرار بالإمامة و الولایة 192

کلام الشهید الثانی قدس سره 196

مناقشة السید عبدالله شبّر لکلام الشهید الثانی 198

التبّری من أعداء أهل البیت علیهم السلام 202

قضیة وجوب الفرائض الأربع 203

کلام الشهید مطهری قدس سره 205

أبحاث منهجیة فی الإمامة 206

البحث الأول:الإمامة بین الاُصول و الفروع 207

البحث الثانی:الإمامة بین أُصول الإسلام وأُصول الایمان 209

البحث الثالث:الإمامة بین ضرورات الدین وضرورات المذهب 216

2.الإقرار بأنّ الله تعالی عادلٌ لایظلم ولایفعل القبیح 218

3.الإقرار بالمعاد الجسمانی 220

الاستدلال علی أخذ الإقرار بالمعاد فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص 223

البحث الرابع:التعرّض لبعض التفریعات 225

قضیة البراءة من أمیر المؤمنین علیه السلام 227

الطائفة الاولی 227

الطائفة الثانیة 229

الطائفة الثالثة 231

المقام الثانی:إنکار ضرورات المذهب من القسم الثانی 234

المقام الثالث:إنکار ما علم ثبوته من المذهب بالضرورة 234

ص:10

أدلة القول الأول 235

أدلة القول الثانی 237

التطرّق لبعض الفروع الفقهیة 239

المبحث الثالث:مصادیق ضروری المذهب فی کلمات الاعلام 243

القسم الأوّل:ما یرتبط بالاُمور الاعتقادیة 243

القسم الثانی:ما یرتبط بالاُمور الفقهیة الفرعیة 246

الفصل الثالث:الضرورات الفقهیة

المبحث الأوّل:مفهوم الضرورة الفقهیة 261

الضابطة الاُولی 261

الضابطة الثانیة 262

الضابطة الثالثة 262

الضابطة الرابعة 263

الضابطة الخامسة 263

المبحث الثانی:حکم منکر الضرورة الفقهیة 267

الأول:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الأول 267

الثانی:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الثانی 269

الثالث:حکم منکر ما علم ثبوته فی الفقه ضرورةً 269

المبحث الثالث:مصادیق الضرورة الفقهیة فی کلمات الأعلام 271

المصادر 275

ص:11

ص:12

المقدّمة

الحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علی أشرف الأنبیاء و المرسلین محمد وآله الطیبین الطاهرین،لاسیما بقیة الله فی أرضه،الإمام المهدی الحجة بن الحسن العسکری عجل الله تعالی فرجه الشریف.

مما لا شکّ فیه أنّ الدین الإسلامی یعد منظومة متکاملة ذات أبعاد ثلاثة:(اعتقادات،وأحکام عملیة،وقضایا أخلاقیة)،وطبیعی أنّ هناک کثیراً من تعالیم هذا الدین تمثّل المعالم و البنی الأساسیة له،بحیث لولاها لما بقی الدین دیناً،فهی ضروریاته الملتصقة به إلتصاقاً وثیقاً إذ لا یستغنی عنها أبداً،ولکن نلحظ أنّ هذه المعالم و هذه الضروریات کثیراً ما یقع الخلط و التشویش فیها بحیث لا تمیز ولا یعرف ملاکها،والسبب فی ذلک لعله یرجع إلی أمرین:

1.خطورة هذا العنوان؛لما یمثله من أهمیة فی الدین الإسلامی،سواءً علی المستوی الفکری العقائدی أو علی المستوی العملی الفقهی،إذ إنّ هذا العنوان بلا شکّ یشیر فی فکر الإنسان المسلم إلی ثوابت ومسلّمات فی الشریعة یصعب التنازل عنها،ومن ثمّ قد یتجنب الباحث العلمی من التعرض إلیها خوفاً من النتائج التی قد لا ترضی بعضهم،مما یعنی ممارسة حالات الإقصاء و التهمیش وربما یصل الأمر إلی التضلیل و التکفیر،فیرجو الإنسان السلامة فی دینه ودنیاه،وترک الخوض فی مثل هذه البحوث.

2.قلة المصادر فی هذا البحث،فقلیل جداً من تعرّض بالبحث الموضوعی العلمی الدقیق لتحدید مفهوم ومعنی الضرورات سواءً الدینیة أو المذهبیة أو الفقهیة-بل فی هذا الأخیر لم نشاهد من تعرّض إلیه بالبحث-وما یرتبط بها من أحکام وبحوث،وکلّ ما هناک أنّ الأعلام تعرّضوا فی بحث نجاسة الکافر إلی حکم من أنکر ضرورة من ضروریات الدین،

ص:13

فلاجل هذا السبب أیضاً،قد یکون هناک مانع یحول دون التعرض لهذا العنوان بالبحث.

ولا أخفی أنّ هذه الاسباب وغیرها،منعتنی فی بدایة الأمر من البحث،ولکن شیئاً فشیئاً شمّرت عن ساعد الجدّ،وبدأت الکتابة،ولم تکن فی نیتی-بل لم أکن أتصوّر-أن یمثل هذا البحث أکثر من رسالة لا تصل فی صفحاتها إلی 50 صفحة،ولکن شیئاً فشیئاً أخذت المباحث و العناوین تزداد أمامی،إلی ما انتهیت إلیه و الکتاب قد تجاوز ال-400 فی صفحاته،ولعل هذا شیء طبیعی فی عالم الفکر،فالعلم نقطة کثرها الجاهلون کما یقول مولی الموحدین علیه السلام،فجاءت بحمد الله هذه الدراسة کتاباً متکاملاً یتعرّض إلی هذه العناوین وما یرتبط بها من أحکام ومسائل وإشکالیات،بشکل علمی موضوعی دقیق،ولعلی لا أبالغ إذا قلت:إنّ هذا الکتاب هو الأوّل من نوعه بهذا الشکل الموّسع فی هذا العنوان،وعلی أی حال حاولت فی البدء أن أبین أمرین:

1.البحث فی تحدید المعنی اللغوی للضرورة أو الضروری،إذ کنت أقصد من ذلک،أنّ المعنی اللغوی ربّما کان یرشدنا إلی تحدید المعنی و المفهوم للضرورة الدینیة و المذهبیة و الفقهیة،فإنّ المعنی الاصطلاحی فی الغالب لا یبتعد کثیراً عن المعنی اللغوی.

2.البحث فی تحدید المعنی المنطقی للضروری،لأنّ کلّ الضوابط التی ذکرت فی کلمات الأعلام لتحدید مفهوم الضروری الدینی و المذهبی و الفقهی،کانت تسلک السبیل المنطقی فی ذلک،غایة الأمر أنّ بعضها کان یتوسّع فی مناشئ الضروری بما هو أوسع من مناشئ الضروری المنطقی.

ثمّ بعد ذلک دخلت فی صلب الموضوع،الذی یمثل عنوان مادة الکتاب،و هو التعرض بالبحث لهذه العناوین الثلاثة(ضروری الدین،ضروری المذهب،الضرورة الفقهیة)فقمت بتقسیم الکتاب علی ثلاثة فصول:

1.تناولت فی الفصل الأول البحث فی عنوان الضرورات الدینیة ویشمل ثلاثة بحوث:

البحث الأول:فی تحدید ضابط ضروری الدین.

البحث الثانی:تحدید حکم منکر ضروری الدین،وما یرتبط بذلک من أبحاث.

البحث الثالث:مصادیق ضروری الدین فی کلمات الأعلام.

2.تناولت فی الفصل الثانی البحث عن عنوان الضرورات المذهبیة،ویشمل ثلاثة بحوث:

البحث الأول:ضابط ضروری المذهب.

ص:14

البحث الثانی:حکم منکر ضروری المذهب.

البحث الثالث:مصادیق ضروری المذهب فی کلمات الأعلام.

3.تناولت فی الفصل الثالث البحث عن عنوان الضرورات الفقهیة،ویشمل ثلاثة بحوث:

البحث الأول:ضابط الضرورة الفقهیة.

البحث الثانی:حکم منکر الضرورة الفقهیة.

البحث الثالث:مصادیق الضرورة الفقهیة فی کلمات الأعلام.

وفی الختام:أتقدم بالشکر لکل من ساعدنی فی إتمام هذا الکتاب،راجیاً من القاریء الکریم التغاضی عن زلات هذا العبد الحقیر،فإنّ العصمة لأهلها،وماتوفیقی إلّا بالله العلی العظیم،علیه توکلت وإلیه أُنیب.

علی الوائلی

عش آل محمد-قم المقدّسة

ص:15

ص:16

کلیات البحث

الضروری فی اللغة

لمعرفة المعنی اللغوی لهذه المفردة یمکننا مراجعة مجموعة من القوامیس اللغویة،التی من خلالها یمکن معرفة أنّ هذه المفردة فی أی شیء قد استعملت،الأمر الذی قد یساعدنا فی فهم المعنی الاصطلاحی لذلک،إذ المعنی الإصطلاحی لایبتعد کثیراً عن المعنی اللغوی.

1.ففی مجمع البحرین:والضَرُورَة-بالفتح-الحاجة.ومنه(رجل ذو ضَرُورَة)أی ذو حاجة،و قد اضطَّر إلی الشیء:أی:لجأ إلیه.إلی أن یقول:والضروری یطلق علی:ما یرادف البدیهی و القطعی و الیقینی. (1)

2.وفی لسان العرب:والضَّرُورةُ:کالضّرَّةِ.والضَّرارُ:المُضارَّةُ،ولیس علیک ضَررٌ ولا ضراورةُ ولا ضرَّة ولا ضارُورةُ ولا مَضُرَّةٌ،ورجلٌ ذو ضارُرةٍ أی ذو حاجةٍ،و قد أضطُرَّ إلی الشیء أی أُلجیء إلیه. (2)

3.وفی المعجم الوسیط:الضَّرُورَةُ:الحاجَةُ, و الشدةُ لا مَدفعَ لها.و, المشقَّة.

الضّروری:کلُ ما تمسُ إلیه الحاجة.وکلُ ما لیس منه بُدَّ.و هو خلاف الکمالی. (3)

4.وفی أقرب الموارد:الضَرُورة-بالفتح:-الحاجة(ج)ضَرُورات،ومنه:الضرورات تبیح المحضورات.و الضرورة الشعریة:الحاجة الداعیة إلی أن یرتکب فی الشعر ما یمتنع فی النثر.الضروری:نسبة إلی الضرورة, و هو:یطلق علی ما اکره علیه

ص:17


1- (1) .مجمع البحرین،الربع الثالث:15-17.
2- (2) .لسان العرب:45/8-46.
3- (3) .المعجم الوسیط:558/1.

وعلی ما تدعو الحاجة إلیه دعاءً قویاً کألاکل وعلی ما سلب فیه الاختیار للفعل و الترک کحرکة المرتعش وهی ضَروریة. (1)

5.وفی تاج العروس:والضرورة:الحاجة وتجمع علی الضرورات کالضارورة, و الضارور, و الضاروراء)والإخیران نقلهما الصاغانی, وأنشد فی اللسان علی الضارورة:

أثیبی أخا ضارورة أصفُق العدی شق علیه وقلّت فی الصدیق أواصره

وقال اللیث:الضرورة اسم لمصدر الاضطرار.تقول حملتنی الضرورة علی کذا وکذا.... (2)

6.وفی مفردات الراغب:والضروری یقال علی ثلاثة أضرب:

أحدهما:إما یکون علی طریق القهر و القسر،لا علی الاختیار کالشجر إذا حرَّکه الریح الشدیدة.

والثانی:ما لا یحصل وجوده إلّا به نحو الغذاء الضروری للإنسان فی حفظ البدن.

والثالث:یقال فیما لا یمکن أن یکون علی خلافه،نحو أن یقال:الجسم الواحد لا یصحّ حصوله فی مکانین فی حالة واحدة بالضرورة. (3)

النتیجة:من خلال عرضنا هذه المجموعة من کلمات اللغویین یحصل عندنا الاطمئنان أنهم متفقون علی کون معنی الضرورة هو:بمعنی الحاجة, و الأمر الذی لابدّ منه.

الضروری فی المنطق

قسّم علماء المنطق العلوم تقسیماً أولیاً،علی علوم بدیهیة ضروریة, وإلی علوم کسبیة نظریة،وقالوا فی تعریفهما إنَّ:

أ)العلم البدیهی الضروری:هو مالا یحتاج فی حصوله إلی کسب ونظر وفکر،فیحصل بالاضطرار و البداهة،التی هی المفاجأة و الإرتجال من دون توقّف،کتصوّرنا لمفهوم الوجود و العدم ومفهوم الشیء،وکتصدیقنا بأنّ الکلّ أعظم من الجزء،وبأنّ النقیضین لا یجتمعان ولا یرتفعان،وأن الواحد نصف الاثنین. (4)

ب)العلم النظری الکسبی:هو:ما یحتاج حصوله إلی کسب ونظر وفکر،کتصوّر حقیقة

ص:18


1- (1) .أقرب الموارد:682/1.
2- (2) .تاج العروس من جواهر القاموس:349/3.
3- (3) .مفردات غریب القرآن:505.
4- (4) .نظریة المعرفة, الشیخ السبحانی:38.

الروح و الکهرباء أو التصدیق بأن الأرض ساکنة أو متحرکة حول نفسها وحول الشمس،و هذا ما یسمی بالکسبی.وبعبارة أخری:إن کان حصولُ العلم بشیء غیر متوقّفٍ, علی توسّط عملیة فکریة،فهذا هو العلم الضروری،و إن کان متوقّفاً علیه بأن یتوسل بالمعلومات عنده إلی العلم به،فهذا هو النظری و الکسبی،فلا یستطیع الإنسان حلّ المعادلات الجبریة بلا توسیط معلومات وتنظیمها علی وجه صحیح. (1)

ثمّ قسّم المناطقة الضروریات علی أقسام،والنظریات إلی أقسام.

أقسام الضروریات

وعلی ما قالوا هی:ستة بحسب الاستقراء،أی أن تقسیمها إلی هذه الأقسام هی قسمة استقرائیة ناتجة من التتبع،لا قسمة عقلیة.

1.الأولیات: وهی:قضایا یصدّق بها العقل لذاتها.أی:من دون سبب خارجی عن ذاتها،بأن یکون تصوّر الطرفین مع توجه النفس إلی النسبة بینهما کافیاً فی الحکم و الجزم بصدق القضیة.فکلما تیسّر للعقل أن یتصوّر حدود القضیة(الطرفین)علی حقیقتهما،وقع له التصدیق بها فوراً،مثل قولنا:الکل أعظم من الجزء،والنقیضان لا یجتمعان.

2.المشاهدات: وهی القضایا التی یحکم بها العقل بوساطة الحسّ،ولایکفی فیها تصوّر الطرفین مع النسبة.والحس علی قسمین:ظاهری،وباطنی.

فالحکم بأنّ الشمس مضیئة،والنار حارّة،یحکم به العقل بوساطة الحسّ الظاهری،أنّ العلم بأن لنا ألماً،ولذة،وجوعاً،وعطشاً،یدرکه العقل بوساطة الحسّ الباطنی،و هذا هو المسمی بالوجدانیات فی علم النفس،فالحاکم هو العقل بوساطة أحد الحسّین،وعلی ذلک فالمراد من المشهادة،المشهادة بالحس الظاهری و الباطنی. (2)

3.التجریبیات: أو المجرّبات،وهی القضایا التی یحکم بها العقل بوساطة تکرر المشاهدة منّا فی إحساسنا،فیحصل بتکرر المشاهدة ما یوجب أن یرسخ فی النفس حکماً لا شکّ فیه،کالحکم بأنّ کلّ نار حارة،و أنّ الجسم یتمدد بالحرارة.ففی المثال الأخیر عندما نجرّب أنواع الأحسام المختلفة من حدید, ونحاس, وحجر, وغیرها مرّات متعددة ونجدها تتمدد

ص:19


1- (1) .المصدر:38-39.
2- (2) .المصدر:40-41.

بالحرارة،فإنّا نجزم جزماً باتاً بأن ارتفاع درجة حرارة الجسم من شأنها أن تؤثر التمدد فی حجمه،کما أن هبوطها یؤثر التقلص فیه،وأکثر مسائل العلوم الطبیعیة و الکیمیاء و الطب من نوع المجربات.

4.المتواترات: وهی قضایا تسکن إلیها النفس سکوناً یزول معه الشکّ،ویحصل الجزم القاطع.وذلک بوساطة إخبار جماعة یمتنع تواطؤهم علی الکذب،ویمتنع اتفاق خطأهم فی فهم الحادثة،کعلمنا بوجود البلدان النائیة التی لم نشاهدها وبنزول القرآن الکریم علی النبی محمد صلی الله علیه و آله وبوجود بعض الامم السالفة أو الأشخاص.وبعضٌ حصر عدد المخبرین لحصول التواتر فی عدد معین،و هو خطأ،فإنّ المدار إنّما هو حصول الیقین من الشهادات عندما یعلم امتناع التواطیء علی الکذب وامتناع خطأ الجمیع،ولا یرتبط الیقین بعدد مخصوص من المخبرین تؤثر فیه الزیادة و النقصان.

5.الحدسیات: وهی:قضایا مبدأ الحکم بها حدس من النفس قوی جداً،یزول معه الشکّ ویذعن الذهن بمضمونها،مثل حکمنا بأنّ القمر و الزهرة وعطارد وسائر الکواکب السیارة مستفاد نورها من نور الشمس،و أنّ انعکاس شعاع نورها إلی الارض یضاهی انعکاس الأشعة من المرآة إلی الاجسام التی تقابلها.

ومنشأ هذا الحکم أو الحدس اختلاف تشکلّها عند إختلاف نسبتها من الشمس قرباً وبعداً وکحکمنا بأن الارض علی هیئة الکرة،وذلک لمشاهدة السفن-مثلاً-فی البحر أوَّل مایبدو منها أعالیها ثمّ تظهر بالتدریج کلما قربت من الشاطئ،وکحکم علماء الهیئة حدیثاً بدوران السیارات حول الشمس،وجاذبیة الشمس لها لمشاهدة اختلاف أوضاع هذه السیارات بالنسبة إلی الشمس وإلینا،علی وجه یثیر الحدس بذلک.

6.الفطریات: وهی القضایا التی قیاساتها معها؛أی:أنّ العقل لا یصدق بها لمجرد تصوّر طرفیها کالاولیات،بل لابّد لها من وسط،الا أنّ هذا الوسط لیس مما یذهب عن الذهن حتی یحتاج إلی طلب وفکر،فکلما أحضر المطلوب فی الذهن حضر التصدیق به لحضور الوسط معه،مثل حکمنا أنّ الاثنین خُمس العشرة،فإنّ هذا حکم بدیهی إلّا أنّه معلوم بوسط،لأنّ الاثنین عدد قد أنقسمت العشرة إلیه وإلی أربعة أقسام أخری کلّ منها یساویه،وکل ما ینقسم عدد إلیه وإلی أربعة أقسام أخری کلّ منها یساویه فهو خمس ذلک العدد. (1)

ص:20


1- (1) .منطق المظفر:284/3-289.

الفطریات فی الفلسفة

إن للفطریات معنی آخر فی الفلسفة غیر معناها المنطقی،یقول الشهید مطهری:

...إنّ المعلومات الفطریة أو الفطریات تستخدم فی موردین ومعنیین وفق المصطلح الفلسفی:

الأول:المعلومات التی تنبثق مباشر من العقل،وتجدها القوة العاقلة بالطبع-بلا حاجة إلی الحواس الخمسة أو إلی شیء آخر-حاضرة لدیها.

هناک خلاف بین المفکرین حول وجود وعدم وجود مثل هذه المعلومات،فافلاطون یری ان جمیع المعلومات فطریة وما العلم الا تذکر،اما دیکارت( Descartes) وأتباعه فقد ذهبوا إلی ان بعض المعلومات فطریة وناشئة من العقل،بینما أنکر فریق من المفکرین هذا اللون من المعلومات من حیث الاساس.

الثانی:الحقائق المسلمة التی تتفق علیها کل العقول،ولا مجال لاحد فی إنکارها أو الشک بها،واذا انکرت علی لسان أحد فهو یذعن بها عملاً. (1)

أقسام النظریات و الکسبیات

یقسم علماء المنطق النظریات علی قسمین رئیسین هما:التصورات النظریة،والتصدیقات النظریة،ثمّ یقسموا التصورات النظریة إلی أربعة أقسام هی:

1.الحد التام:هو التعریف بالفصل و الجنس القریبین.

2.الحد الناقص:هو التعریف بالفصل القریب مع الجنس البعید،أو بالفصل القریب وحده.

3.الرسم التام:هو التعریف بالجنس و الخاصّة.

4.الرسم الناقص:هو التعریف بالخاصّة وحدها.

ویقسموا التصدیقات الکسبیة إلی ثلاثة أقسام هی:

1.القیاس: (و هو قول مؤلف من قضایا متی سُلّمت لزم عنه لذاته قول آخر،کما إذا سلّمنا الصغری(العالم متغیر)والکبری(کل متغیر حادث)؛فإنه یلزم عنه-لذاته-قول آخر و هو(العالم حادث).

وهنا الاستدلال یکون من الکلی إلی الجزئی.

2.الاستقراء: و هو إثبات الحکم الکلّی لثبوته فی جزئیاته؛إما کلّها فیفید الیقین،وعندئذ

ص:21


1- (1) .أصول الفلسفة و المنهج الواقعی:98-99.

یکون استقراءاً تاماً،أو بعضها ولا یفید إلّا الظن،وعندئذ یکون استقراءاً ناقصاً،لجواز أن یکون مالم یستقرئ علی خلاف ما استقرأ،کما یقال:(کل حیوان یحرّک عند المضغ فکّه الأسفل)؛لأنّ الإنسان و الفرس وغیرهما مما نشاهده کذلک،مع أنّ التمساح بخلافه،ونلاحظ أنّ الاستدلال فیه یکون من الجزئی إلی الکلّی.

3.التمثیل: ویسمیه الفقهاء قیاساً،و هو:مشارکة أمر بأمر فی علّة الحکم،والاستدلال فیه یکون من الجزئی إلی الجزئی.

یقول الشیخ السبحانی:

إن العلم الکسبی ینقسم حسب التصور و التصدیق إلی قسمین:کسبی تصوری،و هو الحدود و الرسوم،وکسبی تصدیقی کالقیاس والاستقراء و التمثیل.... (1)

البدیهیات عند الشهید الصدر قدس سره

من الأفکار الابداعیة لهذا الشهید الکیبر رحمه الله نظریته المعروفة فی الاستقراء وحساب الاحتمالات،هذه النظریة التی عبّر عنها بأنّها:نظریة جدیدة للمعرفة البشریة استطاعت أن تملأ فراغاً کبیراً فی نظریة المعرفة البشریة لم یستطع الفکر الفلسفی أن یملأه خلال ألفین سنة. (2)

والمهم:أنّ السید الشهید قدس سره طرح فی هذه النظریة مطلباً مهمّاً،یرتبط بالضروریات و البدیهیات الست،حیث إنّه لم یقبل من هذه الضروریات الست إلّا اثنین هما الأولیات کقضیة اجتماع النقیضین محال،والفطریات التی أرجعها إلی القضایا الأولیة أیضاً.

أما باقی القضایا:-التجریبیات،والحدسیات،والمتواترات،والحسّیات-فهی لسیت قضایا أولیة بدیهیة قبلیة؛و إنّما المعرفة البشریة بها بعدیة؛أی:أنّها تثبت من خلال الاستقراء وحساب الاحتمالات.

یقول السید الشهید قدس سره:

فیما یتعلّق بالعقل الأول ومدرکاته وهی المدرکات التی حددها المنطق الصوری فی قضایا ست اعتبرتها مواد البرهان فی کلّ معرفة بشریة وهی:الأولیات, و الفطریات, و التجریبیات, و المتواترات, و الحدسیات, و الحسیات.و قد ادعی المنطق الصوری أنّ

ص:22


1- (1) .نظریة المعرفة, الشیخ السبحانی:42.
2- (2) .بحوث فی علم الاُصول،تقریرات السید محمود الهاشمی:130/4.

هذه القضایا کلّها بدیهیة،ونحن نسلّم معهم فی اثنتین منها هما الأولیات-کأستحالة اجتماع النقیضین-والفطریات وهی التی قیاساتها معها ولم نقل برجوعها إلی الأولیات علی ما هو التحقیق, فهاتان قضیتان قبلیتان و أمّا غیرهما أی القضایا الأربع الباقیة فلیست المعرفة البشریة فیها قبلیة بل بعدیة أی تثبت بحساب الاحتمالات وبالطریقة الاستقرائیة التی یسیر فیها الفکر من الخاص إلی العام حسب قوانین وأسس شرحناها مفصلاً فی ذلک الکتاب بعد إبطال ما حاوله المنطق الصوری من تطبیق قیاس حفی فیها بمناقشات عدیدة مشروحة فی محلّها.

و قد أثبتنا هناک أنّه حتی المحسوسات التی هی أبده القضایا الأربعة الباقیة تخضع للاسس المنطقیة للدلیل الاستقرائی.... (1)

واذا کانت المعرفة فی هذه القضایا الأربع تخضع للاستقراء وحساب الاحتمالات،فسوف تکون داخلة تحت الأمور النظریة الکسبیة،اذ کما قلنا سابقاً:إنّ الاستقراء داخل ضمن الکسبیات التصدیقیة.

وفی مقام توضیح کیفیة خروج هذه القضایا الأربع عن کونها قضایا بدیهیة ضروریة-ولو بشکل إجمالی-نکتفی بنقل کلام السید الشهید قدس سره فی تقریرات بحوثه الاُصولیة،ومن أحب التوسّع فلیراجع کتاب الاُسس المنطقیة للاستقراء.

یقول قدس سره:إن منطق أرسطو یری أن القضایا الست وهی القضایا العقلیة الأولیة هی أساس المعرفة البشریة،وتکّون المواد الرئیسیة لکتاب البرهان،لأنّها مضمونة الحقانیة.

ونحن لا نسلم ذلک فی کل هذه القضایا،بل إنّ مانسلمه قسمین من هذه القضایا الست،وهی الأولیات،من قبیل(استحالة اجتماع النقیضین)،والفطریات التی هی عبارة عن القضایا التی قیاستها معها, من قبیل(أن الأربعة زوج؛لأنها تنقسم إلی متساویین)،بینما لا نسلّم کون القضایا الأربع الاُخری من التجریبیات،والحدسیات،والمتواترات،والمحسوسات،أنّها قضایا أولیة لا تعتمد علی قضایا قبلیة،وذلک لأنّه لو أخذنا علی سبیل المثال التجریبیات،نری أنّ المنطق الأرسطی عندما یجری تجارب عدّة علی قطع عدیدة من الحدید،ویری أنّه یتمدد بالحرارة فالعقل یحکم حینئذ بأنّ کلّ حدید یتمدد بالحرارة،فهذه قضیة تجریبیة خارجیة،حیث جرّبنا مائة قطعة حدید فوجدناها تتمدد بالحرارة،وبعد ذلک لم نصدر الحکم علی خصوص المتمددة بالحرارة،بل عمّمنا الحکم علی کل حدید.

ص:23


1- (1) .المصدر:130/4-131،وللمزید, راجع:کتاب الأسس المنطقیة للاستقراء:375-400.

وحینئذ فی بادئ النظر یخطر علی بال الإنسان العرفی أنّ مدرک هذا الحکم هو هذه التجارب العدیدة،ومن هنا یقال:بأنّ النتیجة هنا أکبر من المقدّمات؛لأن المقدّمات فی الدلیل محصورة بعدد معین،بینما النتیجة تشمل کل حدید فی العالم،والحال علی عکس ذلک فی الاستنباط و القیاس من الشکل الأوّل،فإنّ النتیجة إمّا مساویة للمقدّمات أو أصغر منها،ومن هنا یقال:إنّ الفکر له سیران،أحدهما:سیر من العام إلی الخاص،کما فی باب الشکل الأول من القیاس،وثانیهما:سیر من الخاص إلی العام،کما فی باب الاستقراء المنطقی.

والمنطق الأرسطی لم یقبل السیر من الخاص إلی العام فی الاستنتاج؛لأنّ مسألة السیر هذه أوجدت مشکلة منطقیة لم تحل وهی زیادة الحکم علی التجربة حیث یقال:ما هو مبرر الانتقال من الخاص إلی العام؟

وفی مقام حلّ هذا الإشکال قال المنطق الأرسطی:إنّ الاستقراء و التجربة بحسب الدّقة هی سیر من العام إلی الخاص؛وذلک لأنّه یوجد عند العقل قبل التجربة والاستقراء قضیة عقلیة قبلیة،وهی أنّ الاتفاق لا یکون دائمیاً ولا أکثریاً فی عالم الطبیعة و الخارج،بمعنی أنّ الصدفة لا تتکرر،والاتفاق لا یستمر،و هذه قضیة یعتبرها أرسطو قضیة أولیة من العقل.

ونحن, إذا افترضنا أنّ هذه القضیة قضیة أولیة نأتی إلی مثالنا, فنقول:بأنّه فی مائة حالة تجریبیة وجدت فیها الحرارة،وجد التمدد أیضاً،فإن لم تکن الحرارة سبباً للتمدد،إذن،یکون اجتماع الحرارة مع التمدد فی المائة مرّة اتفاقیاً،لکن قلنا:إنّ الاتفاق لا یتکرر ولا یکون دائمیاً،بقانون تلک القضیة العقلیة المتقدّمة،إذن, فیتبرهن أنّ الحرارة هی سبب التمدد فی الحدید،و إذا کانت سبباً وعلّة،فیجب أن لا یتخلّف عنها معلولها،إذن،فتسری هذه العلّة إلی کل حدید آخر إذا تعرّض للحرارة،ومعه یسری حکم التمدد إلی کل حدید تعرّض للحرارة.

وبهذا أرجع القضیة التجریبیة إلی السیر من العام إلی الخاص،وبهذا یعرف أن القضیة العقلیة الأولیة هی عبارة عن قضیة(أن الاتفاق لا یتکرر ولیس دائمیاً)و أما قضیة الحرارة و التمدد فهی قضیة ثانویة.

ونفس هذا الکلام الذی قالوه فی التجریبیات،قالوه أیضاً فی الحدسیات،فذکروا أنّ نور القمر مستمد من ضوء الشمس،لأنّ ضوءه دائماً یتشکل بشکل یناسب مع نسبة مکان الشمس إلیه،فإن لم یکن ضوءه مستمدّ منها،فهذه صدفة،والقضیة العقلیة الأولیة تقول بأنّ الصدفة والاتفاق لا یتکرر،إذن یتبرهن أنّ ضوءه مستمد من ضوء الشمس،إذن فضؤها علّة لضوئه،فتسری إلی دائمیة ضوئه.

ص:24

کذلک قالوا فی المتواترات:فإنّ التواتر علی ماعرفوه،عبارة عن:اجتماع عدد من الناس وتوافقهم علی الإخبار عن قضیة یکونون بنحو من الکثرة بحیث یمتنع تواطؤهم علی الکذب.وأمتناع تواطؤهم باعتبار أنه لو کان کلّ واحد منهم یکذب لکان صدفة،وهی لا تتکرر ولیست دائمیة،إذن, فیثبت صدقهم.

فالمتواترات،والحدسیات،والتجریبیات،أقاموها علی أساس هذه القضیة العقلیة القبلیة.

و قد ناقشنا هذا المطلب فی کتاب الاُسس المنطقیة للاستقراء،وأثبتنا بسبعة براهین،أنّ هذه القضیة العقلیة الأولیة،وهی کون(الاتفاق لا یکون دائمیاً،و أنّ الصدفة لا تتکرر)أثبتنا أنّها لیست قضیة عقلیة ثابتة قبل التجربة،کاستحالة اجتماع النقیضین،و إنّما هی قضیة مبنیة علی الاستقراء و التجربة وحساب الاحتمالات،فمثلاً:عندما نعطی مریضاً قرصاً من الأسبرین فیشفی،نقول:یحتمل أن یکون سبب شفائه ذلک القرص،ولکن یبقی احتمال آخر و هو أنّ یکون سبب شفائه حادثة أخری اقترنت مع الاسبرین صدفة،لکن اذا أُعطی الأسبرین لشخص آخر مریضاً بنفس المرض وشفی فاحتمال أن تکون الصدفة قد تکررت فی هذا الأمر الثانی احتمال ضعیف،و هو أضعف من الفرض الأول،وهکذا یضعف هذا الاحتمال أکثر لو أعطینا شخصاً ثالثاً قرصاً من الأسبرین،حیث یضعف احتمال کون حادثة أخری أقترنت صدفة مع الأسبرین،وهکذا یضعف أکثر لو أعطینا قرص الأسبرین شخصاً رابعاً وشفی،إلی أن یصبح احتمال استناد الشفاء لأمر آخر غیر قرص الاسبرین ضعیف جداً،بحیث لا یؤثر علی احتمال استناد الشفاء إلی قرص الاسبرین الذی أعطیناه للمریض،لأنّه لو لم یکن الأسبرین هو سبب شفائه لکان معناه اجتماع ثلاث أو أربع صدف،و هذا بحسب حساب الاحتمالات ضعیف،فإنّه کلّما تکاثرت التجربة وکانت النتیجة واحدة ضعف احتمال الصدفة،لأنّ ضرب مجموع الاحتمالات ببعضها یضعفها،إذن،فقضیة(انّ الاتفاق لایکون دائمیاً)لیس قضیة قبلیة بدیهیة،بل هی قضیة بنفسها استقرائیة ثبتت بحساب الاحتمالات،وبهذا یثبت أنّ المتواترات،والتجریبیات،والحدسیات،لیست قضایا ضروریة بدیهیة،کما أنّها لیست مضمونة الحقانیة،و إن کانت قضایا قطعیة بالقطع الاُصولی،لکنّها لیست کذلک منطقیاً،لقیاسها علی أساس حساب الاحتمال،بل هذا المطلب قلناه بعینه فی المحسوسات أیضاً. (1)

کلمة إنصاف

وفی الختام لا یفوتنا أن نشیر إلی قضیة مهمّة ترتبط بهذا العالم الکبیر،الذی بذل کل ما یملک فی سبیل الله سبحانه وتعالی،حتی کلل هذا العطاء بما لیس فوقه عطاء،و هو الشهادة فی سبیل الله،

ص:25


1- (1) .تمهید فی مباحث الدلیل اللفظی-تقریرات الشیخ حسن عبد الساتر-:337/8.

فإنّه:«فوق کلِ ّ ذی برٍّ برٌّ حتی یقتل المرء فی سبیل الله فلیس فوق ذلک بر»وبکتابه هذا بالخصوص،فإننا بعد مرور عشرات من السنین علی تألیف هذا الکتاب،ما نزال نراه غریباً بین أوساط الحوزة العلمیة وعلمائها،فالموقف تجاه هذه النظریة المطروحة قد تعددت الآراء فیه:

1.فمن رافض لها بالکلیة،معتبراً إیاها نظریة غربیة،لا تستحق أن یعقد لها بحث علمی.

ومثل هذا التقویم للجهد العلمی الذی بذله السید الشهید قدس سره فی هذا الکتاب،أقل ما نقول فی حقّه:أنه صادر من إنسان لا یستحق الخطاب،کائناً من یکون مقامه الإثباتی.

2.إلی مؤید لها بالکلیة،ومثل هذا التقویم إن صدر عن دراسة بهذه النظریة فجید،وإلا فقد یؤدی إلی قتل الفکر البشری فی مهده.

3.وثالث متوجّس منها خیفة،خوفاً من أن تؤدی به إلی نتائج قد تکون فی نظر بعضهم،نتائجاً خطیرة،ومثل هکذا إنسان نقول له:اجلس فی بیتک بعیداً عن الناس وکن مقلداً للآخرین،خیر لک من ان تکون عالماً ینظر للناس أفکارهم ویهدیهم سبیل الرشاد،وکما یقول الشاعر:

ومن یتهیب صعود الجبال یبقی أبد الدهر بین الحفر

4.إلی رابع-الذی نعتقد هو الصحیح-یدعو إلی طرح هذه النظریة علی بساط البحث،حیث یتم تناولها بالدراسة و البحث بشکل علمی موضوعی دقیق ومن ثم معرفة نقاط القوة فیها حتی یبنی علیها ویستفاد من نتائجها وثمراتها،أو معرفة نقاط الضعف فیها-إن وجدت-حتی حیث یتمّ معالجتها وسد ثغراتها،وطبیعی أنّ الارتقاء العلمی سیره هکذا, فکلّ نظریة هی فی بدایتها عبارة عن فکرة یتم تطویرها فترتقی العلوم وتتطور.ومجمل القول:لیست أفکار السید الشهید قدس سره من الأفکار السطحیة البسیطة التی لا تستحق البحث،فإننا نلاحظ أن الأفکار التی ذکرها الشهید الصدر سواءً فی علم الاُصول،أو الفقه،أو المنطق،أو الفلسفة،أو الکلام،أو التفسیر،أو التأریخ, أو غیر ذلک،من الأفکار الإبداعیة العمیقة التی تستحق البحث بل الدرس،ولکن-مع الاسف-نشاهد أن کثیراً من المفکرین الباحثین من خارج الحوزة،یکنون بالغ الاحترام لآراء هذا الفیلسوف الکبیر،أکثر ممن هو داخل الحوزة،إلّا القلیل ممن ینتمی لمدرسة وفکر السید الشهید قدس سره،متناسبین أنّ الأمم الحیة هی تلک التی تخلد وتحی ذکری عظمائها،ولا شک ان العظماء الذین سجلوا بأسطر من نور ذکرهم فی سجلات الفکر،أقل شیء علی سلفهم ان یخلدهم من خلال تبنّی أفکارهم القیمة وعرضها علی أروقة البحث و المحافل العلمیة.

ص:26

الفصل الأوّل: الضرورات الدینیة

اشارة

ص:27

ص:28

المبحث الأول:مفهوم ضروری الدین

اشارة

اختلفت کلمات العلماء فی تحدید ضابط وملاک ضروری الدین إلی عدة آراء ونظریات،وما استطعنا ان نستوحیه من کلماتهم هو:

النظریة الأولی

اشارة

ما قد یستظهر من کلمات مجموعة من العلماء کون المراد من ملاک ضروری الدین هو ملاک الضروری نفسه و البدیهی فی فن المنطق الذی یقابل الکسبی و النظری،فإنّه کما یعلم أنّ علم المنطق یقسّم العلم:تصوّراً وتصدیقاً علی قسمین رئیسین:

1.العلم الکسبی أوالنظری: هو:ما یحتاج فی حصوله إلی کسب ونظر وفکر،کتصورنا لحقیقة الروح و الکهرباء،وکتصدیقنا بأنّ الأرض ساکنة أو متحرکة حول نفسها وحول الشمس. (1)

2.العلم الضروری أو البدیهی: هو:ما لا یحتاج فی حصوله إلی کسب ونظر وفکر،فیحصل بالاضطرار و البداهة التی هی المفاجأة والارتجال من دون توقف،کتصورنا لمفهوم الوجود و العدم, ومفهوم الشیء،وکتصدیقنا بأنّ الکلّ أعظم من الجزء،ولأنّ النقیضین لا یجتمعان ولأن الشمس طالعة،و أنّ الواحد نصف الاثنین وهکذا.... (2)

وکما قلنا هذا القول قد یستوحی من کلمات مجموعة من العلماء منهم السید الگلبایگانی قدس سره و السید الخوئی قدس سره و السید الحکیم قدس سره وإلیک کلماتهم:

ص:29


1- (1) .منطق المظفر:21.
2- (2) .منطق المظفر:21.

1.قال السید الگلبایگانی قدس سره:

بقی الکلام هنا فی ملاک الضروری, ولابدّ من معرفته وتمیزه عن غیره کی لا یتبادر بتکفیر مسلم أو الحکم بإسلام من خرج عن الإسلام فنقول:إنّه لیس له اصطلاح خاص وراء اصطلاحه الجاری فی فن المنطق،فأهل المنطق قسّموا القضایا إلی قسمین:نظریة،وضروریة.

الأولی:هی ما یحتاج إثباته إلی دلیل وبرهان ولا یمکن التصدیق به بدون ذلک, نظیر قولنا:العالم حادث،فإنّه مترتب علی تشکیل قیاس وترتیب صغری وکبری حتی یحصل الجزم به و الحکم بحدوث العالم.

الثانیة:أعنی الضروریة من القضایا, فهی:مالاحاجة فی إثباته إلی ترتیب قیاس وإقامة دلیل وبرهان،مثل قولنا:النار حارّة وعلی هذا فکل حکم اعتقادی أو عملی فی الإسلام الذی لا حاجة لنا فی إثبات کونه من الإسلام وأنّه من برامجه إلی دلیل فهو ضروری, نظیر الصلاة بل مثل الختان فإنّه فی الشریعة الاسلامیة من الأمور التی صارت ضروریة الثبوت یعلم کل من دخل فی حوزة الإسلام بل وغیر المسلمین أیضاً أنّه من دین النبی صلی الله علیه و آله ومن خصائص المسلمین یترددون فی إسلام من لم یکن مختوناً،أو یحکمون بکفره, فالمسلم وغیر المسلم یعلم شدّة اهتمام الشارع علی هذه السنّة, ولهذا قد یتفق أنّ المسیحی یرید أن یعتنق الإسلام فیحاسب نفسه أولاً أنّه یمکنه التسلیم حذاء إجراء هذه السنّة القطعیة علیه فیحینئذٍ یتشرّف بقبول الإسلام واعتناقه أو لا یمکنه ذلک, ولا یری من نفسه التهیؤ للختان ویثقل علیه ذلک فهناک یرجع وینصرف عمّا أراده من قبول الاسلام. (1)

2.وقال السید الخوئی قدس سره:

و أما الولایة بمعنی الخلافة فهی لسیت بضروریة بوجه و إنّما هی مسألة نظریة. (2)

فإنّه حیث قابل فی کلامه بین الضروری و النظری فیفهم انه یرید المعنی المنطقی للضروری.

3.وقال السید الحکیم قدس سره:

و أمّا الأمور الاعتقادیة التی یجب فیها الاعتقاد لا غیر فالحکم بکفر منکرها-ضروریة کانت أو نظریة-یتوقّف علی قیام دلیل علی وجوب الاعتقاد بها تفصیلاً. (3)

ص:30


1- (1) .نتائج الأفکار فی نجاسة الکفار،تقریراً لأبحاث السید الکلبایکانی:179.
2- (2) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:8/3.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی:380/1.

فإنّه حیث قابل بین الضروریة و النظریة،فیفهم من ذلک أنّه یرید المعنی المنطقی للضروری.

نعم, قد یقال:إنّ خصوص کلام السید الخوئی و السید الحکیم رحمه الله غیر ظاهر من قرینة المقابلة بین المعنی الضروری و النظری فی إرادة المعنی المنطقی،اذ یحتمل أنّهما یریدان ما یقابل الضروری من الأمور النظریة فی الدین،کما لعلّه یشیر إلیه کلام العلمین فی موارد أخری من کتبهم الفقهیة.

وبعبارة أدق:أنّ الضروری المنطقی یقابله النظری المنطقی،کذلک یمکن أن یکون مرادهما الضروری الدینی،و هو بغیر معنی الضروری المنطقی-ویکون ما یقابله أیضاً النظری الدینی-و هو بغیر معنی النظری المنطقی-وعلی أی حال تبقی المسألة،مسألة استظهار،فربّ شخص یستظهر ما قلناه،وربّ آخر لا یستظهر ذلک،والآراء تبقی کلّها عزیزة.

مناقشة النظریة الأولی

المناقشة الأولی:ذکر المحقق الاسترابادی قدس سره فی کتابه الفوائد المدنیة،مناقشتین للقول الاول:أحداهما:نقْضیة،والأخری حلیة:

أ)أمّا النقضیة:فحاصلها،أنّنا لو قبلنا أنّ الضروری الدینی هو بمعنی الضروری و البدیهی المنطقی،فهذا سیؤدی إلی خروج مجموعة من الأمور المسلّم کونها من ضروریات الدین عن کونها من ضروریات الدین،مثل وجوب الصلاة و الصیام و الحجّ وما شاکل.

بعبارة أخری:أنّ الامور الضروریة البدیهیة فی المنطق قد حُصرت فی الأمور الستة المعروفة التی هی:الأولیات،والمحسوسات،والمتواترات،والتجریبیات،والحدسیات،والفطریات.

والمهم:أنه باتضاح هذه الأقسام الستة للضروریات و البدیهیات،یتّضح لنا أنّ وجوب الصلاة أو الصوم أو الحجّ وغیرها لیست من هذه الاقسام الستة لأنّ العلم بها لم یکن من أحد هذه الطرق الست،وعلیه فبناءاً علی کون الضروری الدینی هو نفس معنی الضروری المنطقی نفسه یلزم خروج مجموعة من ضروریات الدین عن کونها من ضروریات الدین،ولا یمکن الالتزام بذلک.

ب)و أما الحلیة:فحاصلها:أنّ علمنا بالضروریات دائماً یکون من خلال النص القرآنی أو نص الرسول صلی الله علیه و آله أو نص الأئمة علیهم السلام علی ذلک،بینما الضروری المنطقی لا یحصل من خلال ذلک،فتیبن أنّه لیس بمعناه نفسه.

ص:31

قال قدس سره:

فائدة:ضروریات الدین لیست ضروریة بالمعنی المصطلح علیه عند المنطقیین؛وذلک لوجهین:أحدهما:أنّهم حصروا الضروریات فی الست،ولیس علمنا بوجوب الصلوة مثلاً داخلاً فی الست.وثانیهما أنّ علمنا بها إنّما یحصل بالنص. (1)

إن قلت:إن ما أفاده المحقق الاسترابادی قدس سره غیر تام،باعتبار أنّ مثل وجوب الصلاة و الصیام و الحج وما شاکلها،هی داخلة تحت أحد أقسام البدیهیات المنطقیة الست،إذ هی داخلة تحت المتواترات،فمثل الصلاة و الصیام و الحجّ ثابت وجوبها بالتواتر بین المسلمین.

قلنا:یمکن للاسترابادی ان یجیب بجوابین:

1.أنّ مثل وجوب الصلاة و الصیام و الحجّ لیست ثابتةً بالتواتر،و إنّما هی ثابتة من خلال النص القرآنی،فلو سألنا أی إنسان مسلم:لماذا الصلاة أو الصیام أو الحجّ واجب فی دینک؟

لم یکن جوابه أنّها ثابتة بالتواتر،و إنّما یقول قرآننا الذی هو الدستور الأول لنا أوجب ذلک عیناً.

2.إننا لو حصرنا ضروریات الدین بالمتواترات فقط-إذ من الواضح أنّها لا تدخل تحت باقی الأقسام الخمسة للبدیهیات-فهذا سوف یؤدی إلی خروج جملة من ضروریات الدین عن کونها ضروریات،إذ أنّها لم تثبت بالتواتر،ولم تتم فی حقها شروط التواتر المذکورة فی محلّها،کشرط التواتر فی کلّ طبقة.

ولکن یرد علیه:أنّ القرآن قطعیته ثبتت بالتواتر أیضاً،فیکون وجوب الصلاة و الصوم و الحجّ المشرّعة فیه أیضاً ثابتة بالتواتر.هذا أولاً.

وثانیاً:أنّ ضروریات الدین لا تنحصر بالمتواترات من أقسام البدیهیات الست المنطقیة،اذ یمکن أن یکون ضروریاً من ضروریات الدین وداخل تحت قسم المحسوسات سواءً المحسوسات بالحواس الظاهرة،أو الباطنة التی هی الوجدانیات.

کما للناس الموجودین فی الصدر الأول من الإسلام،إذ إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لو قال للناس:إنّ الشیء الفلانی واجب فعله،وفعله هو صلی الله علیه و آله وشاهده الناس،ثبت عندهم أنّه من ضروریات الدین،وکما فی عقیدة التوحید ووجود الله تعالی فإنّها فطریة وجدانیة.

ص:32


1- (1) .الفوائد المدنیة:127-128.

والنتیجة النهائیة:أنّ کلام الاسترابادی فیه جهة قوة وفیه جهة ضعف،ولکن علی الرغم من کلّ ذلک لا یصار إلی القول الأول فی تحدید ضابط ضروری الدین،اذ هناک أمورٌ لاشکّ فی ضروریتها،ولم تکن من أقسام الضروریات المنطقیة الست.

المناقشة الثانیة:بناءاً علی ما أفاده السید الشهید قدس سره فیما تقدّم من حصر البدیهیات و الضروریات فی قسمین فقط هما الأولیات و الفطریات،وخروج الأقسام الأربعة الباقیة-المتواترات،والتجریبیات،والحدسیات،والمحسوسات بالحس الظاهری لا الباطنی-عن کونها بدیهیات وضروریات،سوف تبطل هذه الضابطة المدعاة،إذ سوف تکون کلّ ضروریات الدین هی من النظریات،ولایمکن الالتزام بذلک،إذ أغلب الضروریات أمَّا أن تکون ثابتة بالتواتر أو من خلال المشاهدة الظاهریة،و هذه الأمور علی مبنی السید الشهید قدس سره لیست من البدیهیات و الضروریات و إنّما هی من المسائل النظریة منطقیاً کما تری.

اذاً, لا یمکن القول أن ضروری الدین هو بمعنی الضروری المنطقی.

المناقشة الثالثة:أنّ هذه الضابطة تفتقر إلی الدلیل و الملاک العلمی،فما هو الدلیل یا تری علی کون الضروری الدینی،هو بنفس معنی الضروری المنطقی،أنّ من یختار هذا القول لم یبین لنا دلیله علی ذلک،وکأنّه أرسل دعوی مسلمة, وما هی کذلک.

النظریة الثانیة

اشارة

ماذهب إلیه المقدّس الأردبیلی قدس سره من أن:المراد بالضروری الذی یکفَّر منکره الذی ثبت عنده یقیناً کونه من الدین ولو بالبرهان, ولو لم یکن مجمعاً علیه. (1)

وکأن الأردبیلی یوسّع من دائرة الضروری الدینی لتشمل مطلق الأمر الیقینی الجزمی،سواءً کانت هذه الیقینیة حاصلة نتیجة کون القضیة ضروریة بالمعنی المنطقی،أو حتی لو کانت القضیة نظریة فی نفسها؛إلّا أنّه أقیم البرهان و الدلیل القطعی علیها،فإنّ کلّ ذلک یکون داخلاً تحت الضرورة الدینیة.

أمَّا قضیة کون الأمر مجمعاً علیه أو غیر مجمع علیه فذلک لا یضرّ فی الضرورة بوجه کما صُرّح بذلک.

ص:33


1- (1) .مجمع الفائدة و البرهان:199/3.
مناقشة النظریة الثانیة

یمکن أن تناقش هذه النظریة بمناقشات عدّة:

1.أنّ هذا الرأی مجرّد دعوی خالیة عن البرهان،فما هو الدلیل یا تری علی کون معنی ضروری الدین هو ما ذکره الأردبیلی؟

2.أنّ شمول ضروری الدین للأمر الذی اقیم البرهان علیه،یعنی أنّ ذلک الأمر حتی لو کان من أبسط جزئیات ذلک الدین لکن استطاع العالم أن یقیم برهاناً قطعیاً علی وجوبه أو حرمته،فإنّه یکون من ضروریات الدین،و هذا أمر یصعب الالتزام به.

3.أنّ هذا القول یفتقد لحصر الضرورات،إذ إنّ شمول ضروری الدین للأمر النظری الذی یقام الدلیل القطعی علیه حتی لو لم یکن مجمعاً علیه،یختلف من شخص لآخر،فربّ عالم یقیم الدلیل القطعی علی قضیة فیدّعی کونها ضروریة،وربَّ آخر لا یقیم ذلک فیدّعی عدم ضروریتها،ویأتی ثالث فی قضیة أخری ویدّعی ضروریتها لإقامته البرهان علیها،وینکر ذلک رابع،مما یؤدی إلی عدم حصر الضرورات والاتفاق علیها،ولاسامح الله قد یؤدی فی النهایة إلی تکفیر وتضلیل بعضهم الآخر وحصول الهرج و المرج،سیما إذا أُعطیت القضیة بید عامة الناس،ولم تحصر فی دائرة علماء الدین کما شاهدنا ذلک فی قضایا معاصرة.

إن قلتَ:إنّ قضیة عدم حصر الضرورات،ومآل ذلک إلی احتمال وقوع التکفیر و التضلیل و الهرج و المرج،لا یعنی بطلان الضابطة المتقدمة.

قلت:إنّ شریعة السماء أتت لتحافظ علی المجتمع الاسلامی،فواحدة من أهم رکائز هذا التشریع الإلهی هو صیانة المجتمع و المحافظة علیه،وعلی هذا فکلّ حکم أو ضابطة تکن مؤدیة أو یحتمل فیها احتمالاً معتدّاً به عقلائیاً أن تؤدی إلی خلاف ذلک تکون غیر مقبولة.

نعم, هذه المناقشة الثالثة نحن لا نعدّها مناقشة بالمعنی الفنی العلمی الدقیق،بقدر ما هی صیاغة تأیدیة لعدم قبول هذه الضابطة.

النظریة الثالثة

اشارة

ما ذهب إلیه المحقق الاستربادری قدس سره فی کتابه الفوائد المدنیة،حیث قال:

ص:34

وبالجملة معنی ضروری الدین ما یکون دلیله واضحاً عند علماء الإسلام بحیث لا یصلح لاختلافهم فیه بعد تصوره. (1)

ومن بعده السید عبدالله شبر قدس سره فی کتابه حق الیقین،قائلاً:والحاصل أنّ ضروری الدین ما یکون دلیله واضحاً عند علماء الإسلام بحیث لا یصلح لاختلافهم فیه ونحو ذلک ضروری المذهب. (2)

وضابطته هذه تبتنی کما هو واضح من کلامه علی رکائز عدة:

1.أنّ ضروری الدین یحتاج إلی دلیل.

2.وأن هذا الدلیل لابدّ أن یکون واضحاً عند خصوص علماء المسلمین،أما عوام المسلمین من غیر العلماء فعلمهم أو عدم علمهم لا یضر بالضروری،وکذلک إذا کان الدلیل عند علماء المسلمین علی شیء غیر واضح،ویکتنفه نوع من الغموض،فلا یکون الأمر ضروریاً.

3.وأن یکون هذا الأمر لا یصلح وقوع الاختلاف فیه بعد تصوره،نعم, قد یکون الاختلاف واقعاً بالفعل،إلّا أنّ القضیة إذا کانت لا یصلح الاختلاف فیها بمجرّد تصورها فلا یضر فی ضروریتها الدینیة الاختلاف الفعلی فیها.

إنه إذا توافرت هذه الشرائط الثلاثة فی قضیة عُدت من ضروریات الدین.

مناقشة النظریة الثالثة

1.أنّ هذا الرأی کسابقیه یفتقر إلی الدلیل،فهو مجرّد دعوی لم یستدل علیها المحقق الاسترابادی.

2.أن هذا القول یؤدی بنا إلی حصر ضروریات الدین فی عدد قلیل،إذ کم هی الأمور التی أدلتها واضحة جداً عند کل علماء المسلمین،فالمسلمون کما یقال:لم یبقَ عندهم شیءٌ لم یختلفوا فیه.

3.أنّ هذا القول قد یؤدی إلی دخول أمر مسلّم کونه لیس من ضروریات الدین فی ضرویات الدین،کما لو کان دلیله واضحاً عند علماء المسلمین.

4.أنّ معنی هذا الرأی أن تکون الضروریات،هی ضروریات بنظر العلماء فقط،إذ هم

ص:35


1- (1) .الفوائد المدنیة:128.
2- (2) .حق الیقین فی معرفة أصول الدین:245/2.

الذین یقیمون الأدلة علیها،أو تکون أدلتها واضحة عندهم،أما عوام الناس،فسوف یکون أمرهم محصوراً فی طرق عدة:

1.أمّا أن ینکروا کون هذه الأمور من الضروریات،لأنّهم لم یقیموا الدلیل علیها،و هذا لا یمکن الالتزام به.

2.و أمّا أن یجتهدوا لیقیموا الدلیل.و هذا أمر لایمکن من الکل.

3.و أمّا أن یقلّدوا من أقاموا الدلیل فی کون هذه ضروریات.و هذا أیضاً لا یمکن الالتزام به،لأنّه لا تقلید فی الضروریات،خصوصاً إذا کانت الضروریات من أصول الدین التی لا یجوز التقلید فیها،فإنّ المطلوب فی الاعتقادیات تحصیل الیقین و القطع ولا أقل الاطمئنان و التقلید لا یفید إلّا الظن،والظن لا یغنی من الحق شیئاً.

و إذا إتضح بطلان هذه الأمور فسوف یکون تعریف الضروریات بأنّها ما یکون دلیلها واضحاً عند علماء المسلمین،أمراً لا یمکن قبوله.

النظریة الرابعة

اشارة

ما اختاره جملة من الأعلام؛ولعله هو المشهور من کون ضابط ضروری الدین،هو ذلک الأمر الذی یکون مشهوراً معروفاً بین جمیع المسلمین،رجالهم ونسائهم،صغارهم, وکبارهم،علمائهم, وعوامهم،حیث لا یجهل أحد منهم أنّه من أجزاء دینهم.

وإلیک مجموعة من کلماتهم،فإنه و إن تجد إختلافاً فی بعض تعابیرهم،إلا أنّ مرادهم واحد کما سوف تجد:

1.ما ذکره السید الخوانساری قدس سره فی رسالة له مختصة بضروریات الدین،حیث یقول:

إنّ رسم ضروری الدین لما کان بموجب ما وجد فی کلمات بعض أعاظم المحققین هو ما کان أمر بداهة کونه من أجزاء هذا الدین, بحیث لو سئل عنه کلّ أحد من أهل هذا الدین لأجاب بأنّه منه علی وجه الجزم و الیقین إلّا من کان جدید الإسلام أو بعید الدار من المسلمین.

وبعبارة أدق ذکرها أمین المحدثین هو:ماکان دلیله واضحاً عند جمیع علماء المسلمین.بحیث لا یصلح اختلافهم فیه بعد التفاتهم إلیه, بل یعدّ التصریح به والاستدلال علیه من الاشتغال باعمال الهازلین وأفعال الهاذرین.

ص:36

وبعبارة ثالثة قد نقل أنّها سمعت من محققی مشایخنا(رضوان الله علیهم)هو الذی علماء المسلمین و الکافرین یعرفون أنّه مما جاء به نبینا صلی الله علیه و آله.

وبعبارة رابعة أجدها أحسن ما یعبر عنه مالا یتعرض أحد من المصنفین فی علوم الشریعة لبیان حکمة من جهة نفسه فی شیء من کتبهم الاستدلالیة وغیرها؛لعدهم ذلک من قبل توضیح الواضحات وإیراد القول غیر المفید،مثل وجوب الصلوات الخمس،وصیام شهر الصیام،وحجّ بیت الله الحرام،وغسل النجس،وغسل الجنابة،والحیض،وکون رکعات الظهر مثلاً أربعاً،ونکاح المحارم محرّماً،وتناول المسکرات حراماً،وتعدد المزاوجة جایزاً،إلی غیر ذلک....

وبعبارة خامسة هو ما کان من لوازمه المشهورة التی لا تعزب ذلک غالباً عن أذهان من یدین بدین نبینا صلی الله علیه و آله ولا عن غیره کما ذکره بعض شراح الجعفریة،أو ما یقطع بکونه من الدین ویشهد کلّ أحد بذلک و إن لم یکن متدیناً بدین الاسلام. (1)

ونلاحظ وجود خلط،فالعبارة الثانیة و الثالثة تنسجم مع القول و الرأی الثالث الذی نقلنا،لأنّ العبارة الثانیة و الثالثة یوجد فیها فرق فی بعض الموارد مع العبارات الأُخر التی نقلها،ففی بعض الموارد یکون دلیل الضروری واضحاً عند علماء المسلمین وغیرهم،إلّا أنّه لا یکون واضحاً عند عوام المسلمین فضلاً عن غیرهم،ویکفینا ملاحظة حال المسلمین وجهلهم بأبسط أمور دینهم.

نعم, العبارة الأولی،والرابعة, و الخامسة،تقریباً یوجد بینها ترادف،مع اختلاف فی بعض التعابیر،إلّا أنّ المراد واحد،والله العالم بحقائق الامور.

2.ما ذکره الشیخ الاملی قدس سره فی مصباح الهدی،حیث قال ما نصه:

بل الضرورة من الدین ظاهر حیث إنّه لا یجهله أحد بل وجوبه عند المسلمین معلوم عند جمیع الملل وأنّهم یعلمون أنه من أرکان دین الاسلام. (2)فانه و إن کان فی مقام بیان قیام ضرورة الدین علی وجوب الحجّ،ألّا أنّه أیضاً یوضّح کیفیة کون الحج من ضروریات الدین،مما یعطی ضابط وملاک ضروری الدین.

3.ما ذکره السید الشهید الصدر قدس سره حیث ذکر فی معرض ردّه علی من یدّعی کفر المخالفین؛لأنّهم ینکرون ضروریاً من ضروریات الدین الذی هو إمامة أهل البیت علیهم السلام،

ص:37


1- (1) .رسالة فی ضروریات الدین للسید الخونساری:78.
2- (2) .مصباح الهدی فی شرح العروة الوثقی:232/11.

مانصه:(ویرد علیه:مضافاً إلی عدم الالتزام بکفر منکر ضروری الدین-أن المراد بالضروری الذی ینکره المخالف،إن کان هو نفس إمامة أهل البیت فمن الجلی أن هذه القضیة لم تبلغ فی وضوحها إلی درجة الضرورة...). (1)

فإن عبارته:(لم تبلغ فی وضوحها إلی درجة الضرورة)یظهر منها أنّه یقصد بضروری الدین ذلک الأمر الذی بلغ من الوضوح درجة کبیرة بحیث لا یجهله أحد.

4.ما ذکره السید حسن القمی فی کتاب الحجّ،حیث قال:

لأنّ الضروری هو الذی لا یجهله أحد من المسلمین. (2)

5.ما ذکره الشیخ آصف محسنی فی کتابة القیم صراط الحق, حیث قال:

الضرورة الدینیة شهرة شیء بین المسلمین رجالهم ونسائهم خواصّهم وعوامهم،بحیث یفهم أن هذا الشیء مم قاله النبی الخاتم صلی الله علیه و آله،وبالجملة ضروری الدین ما صار جزءاً من الدین ولم یحتج إلی دلیل بعد ثبوت أصل الدین،و هذا مثل وجوب الصلاة و الصوم و الزکاة وحقیة المعاد ونحوهما. (3)

مناقشة النظریة الرابعة

یمکن ان یناقش هذا الرأی بمناقشتین:

1.إن أخذ قید(عدم الجهل)فی معنی الضروری یؤدی بنا إلی رفع الید عن الکثیر من الأمور التی لا شکّ فی کونها من ضروریات الدین إذ هناک من یجهلها من المسلمین،کما هو الملاحظ لمن خبر حال المسلمین وغفلتهم وتغافلهم عن أصول وفروع دینهم الحنیف الذی أدی بهم إلی الذلة و الخنوع أمام المستکبرین الطامعین،ولا حول ولا قوة الا بالله العلی العظیم.

2.ان شهرة أمر بین المسلمین بحیث یفهم أنّه مما قاله النبی صلی الله علیه و آله لا یؤدی به إلی أن یکون ضروریاً من ضروریات الدین.

وبعبارة نستطیع أن نصوغ الإشکال من خلالها:

أ)إن کانت القیمة للأمر الضروری لمجرد شهرته بین المسلمین،فهذا لا اعتبار به إذ کم من مشهور لا أصل له!

ص:38


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:15/3.
2- (2) .کتاب الحجّ:7/1.
3- (3) .صراط الحقّ:25/1.

ب)و إن کانت القیمة للأمر الضروری لا لمجرد شهرته،وإنما لکون الشهرة طریق لفهم أن ذلک مما قاله النبی-کما هو ظاهر کلام المحسنی-فهذا یؤدی بنا إلی کون کل ما ثبت عندنا أنّ النبی صلی الله علیه و آله قد قاله،فسوف یکون من ضروریات الدین،وبالتالی تکون ضروریات الدین إلی ماشاء الله،ولا یمکن الالتزام بذلک.

3.إن هذا الرأی کغیره أیضاً لم یستدل علیه،و إنّما أرسلوه کإرسال المُسلَّمات،فما هو الدلیل یا تری علی کون ضروری الدین هو بهذا المعنی؟وبالتالی لا یعدو هذا الرأی کونه دعوی بلا دلیل.

النظریة الخامسة

و هو مانختاره،وحاصله:أنّ هناک عنوانین:

1.عنوان ضروری الدین؛أی:أنّ ضرورته منسوبة إلی الدین.

2.عنوان ما عُلِم ثبوته فی الدین ضرورة،أی أن العلم بکون الشیء الفلانی داخلاً فی الدین،یکون بعلم ضروری بدیهی لا کسبی نظری،وکل من بحث عن هذا الموضوع لم یفرق بین العنوانین،فجعل عنوان ضروری الدین هو نفس عنوان ما عُلِم ثبوته فی الدین ضرورة،بینما الصحیح هو التفریق.

فعنوان ضروری الدین:هو ذلک الأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة لا مطلق الحاجة،والضروری بهذا المعنی سوف یکون عبارة عن قسمین:

1.الأرکان الأساسیة المقوّمة لأصل الدین،إذ هی مصداق للأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة،فإن ما یقّوم الشیء لا شکّ فی احتیاج ذلک الشیء إلیه،فمثلاً ما یقّوم الإنسانیة هی أجزاؤها الأصلیة التی هی الحیوانیة و الناطقیة،فکذلک الأرکان الأساسیة المقوّمة لأصل الدین, کالتوحید و النبوة تکون مقوّمة لأصل الدین ومن دون أحدها ینهدم أصل الدین،ولذلک احتاج إلیها الدین حاجة شدیدة،فکانت ضروریة له.

2.الأجزاء الأساسیة فی الدین کالصوم و الصلاة وما شابه هذه الأمور،فإنها و إن لم تکن مقومة لأصل وحقیقة الدین،لکنها تعد من الأجزاء الأساسیة للدین،ومعلوم أن الجزء الأساس للشیء مما یحتاجه ذلک الشیء-و إن کانت حاجته أقل درجة من الأول-حاجة شدیدة أیضاً،فلذلک تکون هذه الامور من ضروریات الدین.

ص:39

بینما عنوان ما علم ثبوته فی الدین ضرورة:المقصود منه:أننا نعلم بثبوت أمر ما فی الدین أو نفیه من الدین،من خلال علم ضروری لا نظری.

نعم, هذا العنوان الثانی نسبته مع العنوان الأول تختلف باختلاف قسمی الضروری عندنا:

1.فان نسبة ما علم ثبوته فی الدین بالضرورة مع القسم الأول من أقسام الضروری عندنا،وهی الأرکان المقوّمة للدین التی هی عبارة عن:«اثبات الإلوهیة،التوحید،النبوة و الرسالة،أو باضافة المعاد»هی نسبة العموم و الخصوص المطلق،إذ هذه الأرکان الأساسیة المقوّمة هی معلومة بعلم ضروری لا نظری،ولکن لیس کلّ ماهو معلوم بعلم ضروری هو من الأرکان الأساسیة المقوّمة التی ذکرناها؛فتکون النسبة هی نسبة العموم و الخصوص المطلق.

2.بینما نسبة ما علم ثبوته فی الدین بالضرورة مع القسم الثانی من أقسام الضروری الدینی عندنا،التی هی الأجزاء الأساسیة فی الدین غیر المقوّمة لأصل الدین،هی نسبة العموم و الخصوص من وجه وذلک،لأنهما یشترکان فی نقطة ویفترقان فی نقطتین:

أ)إذ هما یشترکان فی الأمر الذی یکون من الأجزاء الأساسیة ومعلوم بعلم ضروری لانظری.

ب)ویفترقان فی الأمر الذی یکون من الأجزاء الأساسیة،ولکن معلوماً بعلم نظری لا ضروری.

ج)وکذلک یفترقان فی الأمر الذی یکون معلوماً بعلم ضروری؛ولکنه لیس من الأجزاء الأساسیة.

إن قلت:إنّ الأعلام یصطلحون علی ما یعلم ثبوته فی الدین بعلم ضروری،بمصطلح ضروری الدین،وکما هو معلوم لا مشاحة فی الاصطلاح،وعلیه فلا یصح ما تقولون من کون أحد العنوانین غیر الآخر.

قلت:صحیح لا مشاحة فی الاصطلاح،ولکن علی الباحث العلمی أن یراعی فی اصطلاحاته أموراً عدة،منها وجدانه العقلائی وإرتکازاته المتشرّعیة،ومنها موارد استعمال لفظة الضروری فی کلّ شیءٍ لیری ماذا تتضمن من معنی،وعندما نلاحظ هذه الأمور نشاهد وجود تغایر بین المصطلحین،ولهذا کلّ إنسان صاحب ذوق سلیم عندما یسمع ولو لأوّل وهلة بمطلح ضروری الدین ینتقل ذهنه مباشرة إلی معنی یعبر عن أمور أساسیة ومهمة وذات معالم فی الدین الإسلامی.لا مجرد أمور ثابتة بالوضوح أو الضرورة المنطقیة وما شاکل.

وبعد هذا أیصح للباحث العلمی،جراء ملاحظته هذه الأمور،أن یجعل ما ثبت بعلم ضروری،ویصطلح علیه بمصطلح ضروری الدین.

ص:40

إن قلتَ:إنّ معنی هذا أنّکم تصطلحون باصطلاح جدید علی تلک الأمور المقوّمة للدین و الأجزاء الأساسیة له،مصطلح ضروری الدین.

قلت:وما المانع من ذلک بعد موافقته للأساس اللغوی و الوجدان العقلائی والارتکاز المتشرّعی،فإنّ کلّ هذه الامور تکون داعیة لما ذکرنا.

الطریق لمعرفة مصداق ضروری الدین

بناءاً علی الضابطة التی ذکرناها،سوف ینحصر الطریق لمعرفة مصداق الضروری الدینی بأمرین:

1.النصّ الدینی, قرآناً وسنّة-رویات المعصومین علیهم السلام-فإذا قال لنا النصّ الدینی:إنّ الأمر الفلانی من أرکان الدین أو أجزائه الأساسیة أو دعائمه أو قواعدها وما شابه هذه التعابیر،أو أکّد أهمیته بصورة کبیرة کمّاً أو کیفاً،ثبت عند ذلک أنّه من ضروریات الدین.

2.اتفاق أو إجماع المسلمین علی کون أمر ما من أرکان أو أجزاء أو دعائم أو قواعد دینهم،فإنّه علی هذه الحالة حتی لو لم یوجد نصّ دینی یثبت هذه الحقیقة فإنّ إجماع المسلمین یکفی فی إثبات کون ذلک الأمر من ضروریات الدین الإسلامی.وفی الحقیقة هذا یرجع إلی الأول،إذ الإجماع کما هو معلوم عندنا-نحن الإمامیة-لا یکون حجّة إلّا إذا کان کاشفاً عن قول المعصوم فیکون داخلاً تحت السنّة الشریفة.

إشکالات علی الضابطة المختارة

اشارة

قد تُوّجَه عدة إشکالات علی الضابطة التی ذکرناها،نحاول أن نذکر منها:

الإشکال الأول [إن هذه الضابطة لا تعدو أن تکون دعوی غیر مبرهنة]

إن هذه الضابطة لا تعدو أن تکون دعوی غیر مبرهنة،إذ ما هو الدلیل علی کون ضابط ضروری الدین هو بالمعنی المذکور،أی ما یحتاجه الدین حاجة شدیدة لکی یکون منحصراً فی قسمین رئیسین،هما الأرکان المقوّمة لأصل الدین،والأجزاء الأساسیة له،ومن المعروف علمیاً أن الدعوی الخالیة من الدلیل لا یرکن إلیها علمیاً.

والجواب:تارة بالنقض،وأخری بالحلّ.

ص:41

أمّا الجواب النقضی:فنسأل المُستشکل،ماذا تقول فی الضوابط الأخری؟فهل هی تمتلک الدلیل و الرصید العلمی؟أو أنها مجرّد دعاوی فاقدة للدلیل؟إذ لم نرَ أی واحد من الأعلام الذین تبنّوا تلک الأقوال،استدل علی کون ضابط ضروری الدین هو بنفس معنی الضروری المنطقی،أو بمعنی الأمر الذی لا یجهله أحد من المسلمین،أو الذی یکون دلیله واضحاً عند علماء المسلمین أو غیر ذلک،فکلّهم ادعوا هذه الاقوال من دون الاستدلال علیها،ومن هنا فإذا کان هذا الإشکال یتوجّه علی الضابطة التی اخترناها،فهو لا یختص بها،بل یشمل کلّ الضوابط المدعاة.

و أما الجواب الحَلّی:فان هذه الضابطة غیر فاقدة للدلیل،إذ یمکن الاستدلال علیها:

1.أنّ ضروری الدین فیه نسبة إلی الدین لا إلی علم الإنسان به وعدمه،حتی یرجع إلی طبیعة تحدید نسبة وکیفیة هذا العلم إلی الإنسان وأنه بالمعنی المنطقی،أو بمعنی الوضوح وما شابه من الضوابط المدعاة،وعلیه فلابدّ من تحدید نوع هذه النسبة إلی الدین،وفی مقام تحدید هذه النسبة نقول:إنّ الضروری لکلّ شیءٍ لاشکّ فی احتیاج ذلک الشیء إلیه وإلّا لما صار ضروریاً له.ومن هنا نکون بین احتمالین:

أ)فإمّا أن نقول أنّ مطلق مایحتاجه الدین ولو حاجة بسیطة وجزئیة هو من ضروریات الدین.

ب)و إمّا أن نقول إنّ مایحتاجه الدین فقط حاجة شدیدة ورئیسة هو من ضروریات الدین.

ولایمکن الالتزام بالأول،لأنّه یلزم علی ذلک أن تکون کلّ تعالیم الدین الإسلامی وأحکامه وقوانینه هی ضرورات الدین،إذ الدین هو مجموع أحکامه وقوانینه سواءً کانت أساسیة وأرکان أو غیر ذلک،فلهذا یکون الثانی هو الصحیح أی ما کانت حاجته شدیدة رئیسیة،وهی عبارة عن الأرکان المقوّمة لحقیقة الإسلام أو الأجزاء الأصلیة فیه،فیکون ضروری الدین هو بمعنی رکن الدین المقوّم لماهیة الدین أو جزء أساس فیه.

2.إنّ الأنسب بروح الشریعة الاسلامیة الغرّاء،ووجداننا العقلائی،ومرتکزاتنا المتشرعیة،هو کون ضروریات الدین بمعنی أرکانه الأساسیة المقوّمة له وأجزائه الأساسیة الأصلیة،إذ لو سألنا هذا السؤال:عندما نعرض الضوابط المتقدّمة علی هذه الامور-روح الشریعة،مرتکزاتنا المتشرعیة،وجداننا العقلائی-فأی الضوابط نجدها أقرب إلیها؟!

إننی کأنسان مسلم أحمل بین دفتی فهماً عن هذه الأمور،لا أخفی القول،إننی أجد قرب الضابطة التی ذکرناها إلی هذه الامور أکثر من الضوابط الأخری.

ص:42

وکما قیل وسمعنا من أساتذتنا-حفظهم الله-أنّ وجدان الإنسان ثروة وکنز عظیم لاینبغی التفریط به.

إذن, هذا الاشکال غیر تام.

الإشکال الثانی [أنّه بناءاً علی هذا الضابطة،سوف ننتهی إلی نتیجة خطیرة]

أنّه بناءاً علی هذا الضابطة،سوف ننتهی إلی نتیجة خطیرة،إذ سوف یؤدی الالتزام بهذه الضابطة إلی إنکار الکثیر من ضروریات الدین،وذلک لعدم کونها من أرکان الدین المقوّمة لمرتبة أصل الاسلام،أو لعدم کونها من الأجزاء الأساسیة فی الدین،فکثیر من الضروریات التزم الکثیر من العلماء بکونها من ضروریات الدین مع اعترافهم أنّها لیست أرکاناً مقوّمة للدین الإسلامی،ولا أجزاءً رئیسیة فی الدین الاسلامی.

والجواب:نحن أصحاب الدلیل أین ما مال نمیل،فهؤلاء العلماء التزموا بکون تلک الأمور من ضروریات الدین لانطباق أحد الضوابط الأخری التی تعمم الضروریات لغیرالأرکان المقوّمة و الأجزاء الرئیسة،أمّا نحن حیث لانقبل تلک الضوابط،ذلک سوف لانقبل مصادیقها،وکما قیل إذا انهار الأصل انهار الفرع،ولکن عدم التزامنا بکونها من ضروریات الدین لا یعنی أننا ننکر ثبوتها فی الدین،إذ قد نقیم البرهان علیها-سواءً کان بعلم ضروری أو نظری-ونثبت وجودها ووجوب الاعتقاد بها أو العمل بها.وبناءاً علی هذا سوف لا تکون هناک أی نتیجة خطیرة تمنعنا من الالتزام بضابطتنا التی ذکرناها.

الإشکال الثالث [أنّ هذه الضابطة لم یقل بها أحد من العلماء]

أنّ هذه الضابطة لم یقل بها أحد من العلماء،وعلیه تکون مخالفة لإجماعهم علی کون ضروری الدین هو بأحد المعانی الأربعة الاولی.

والجواب:أنّ کلام الأعلام لیس وحیاً منزلاً وهب أنه لم یقل بها أحد من العلماء،فذلک لا یعنی بطلانها إذا کانت تستند إلی الوجاهة العلمیة،مدعومة بالدلیل،بعد بیان الملاحظات علی الضوابط الأربعة الاولی.هذا أولاً.

وثانیاً:لیس اتفاق العلماء علی شیءٍ یعنی صحته-فلسنا ممن یقول«لا تجتمع أمتی علی خطأ»-ومن الشواهد اللطیفة،ما فعله السید الشهید الصر قدس سره فی علمی المنطق و الأصول.

ص:43

أ)فالمنطق لمدة ألفی عام یسیر علی وفق المنطق الأرسطی الذی ینکر المنطق الاستقرائی،إلی أن جاء السید الشهید قدس سره وأثبت منطق الاستقراء،و هذه الضوابط المدعاة فی کلمات الأعلام لضروری الدین لا أقل لم یسر علیها الفکر البشری الإسلامی لمدة ألفی عام،حتی إنّ المسالة لم یتعرّض إلیها قبل عصر المحقق الحلی قدس سره صاحب کتاب شرائع الاسلام.

ب)وعلم الاصول ظل لمدة ألف عام سائراً علی قاعدة(قبح العقاب بلا بیان)إلی أن جاء السید الشهید قدس سره وأثبت بطلانها،وصحة مسلک(حق الطاعة)الوسیع.

فهل یا تری أتی السید الشهید ببدعاً من القول؟!کلا وألف کلا،إنّ الأفکار عزیزة و التقلید و التسطیح،وعدم الغور فی المطالب العلمیة،لیس من شأن المحققین المدققین.

الإشکال الرابع [أنّ هذه الضابطة،یلزم منها الحکم بکفر منکر الضروری]

أنّ هذه الضابطة،یلزم منها الحکم بکفر منکر الضروری،و أنّ کان جدید العهد بالإسلام،سواءً کان یقطن البلاد الاسلامیة أو غیر الإسلامیة،إذ مادام الضروری هو بمعنی الرکن و الجزء الأساس فی الإسلام،فإنکاره أو عدم الاعتقاد به بل الشکّ فیه،یؤدی إلی انهیار أصل الدین بالنسبة لذلک الإنسان،وعلیه عدم دخوله فی دائرة الدین،مع أن الفقهاء متفقون علی أنّ إنکار الضروری لمثل ذلک الشخص لا یؤدی إلی خروجه من الدین الإسلامی،إذن, هذه الضابطة یلزم منها لازم باطل و هو ما أشرنا إلیه،وکما قیل:إذا بطل اللازم بطل الملزوم.و هو أصل الضابطة المدعاة.

والجواب:إنّ فی هذا الإشکال توجد ملاحظات عدة:

1.لایوجد اتفاق بین الفقهاء بمعنی الإجماع المصطلح فی علم الأصول علی أن جدید العهد بالإسلام لا یلزم من إنکاره للضروری الخروج من الإسلام،إذ إنّ هذه المسألة تبتنی علی مسألة أخری،حاصلها:أنّ إنکار ضروری الدین هل هو سبب مستقل بذاته للکفر أو أنّه لیس بذاته سبباً مستقلّاً للکفر،و إنّما نتیجة لکونه یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،فإنّ قیل بالثانی فسوف لا یحکم بکفر منکر الضروری الجدید العهد بالاسلام؛لأن إنکاره لا یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،و إن قیل بالاول فسوف یحکم بکفره،وحیث إنّ هذه المسألة لم تذکر أصلاً فی کلمات علمائنا المتقدمین کالکلینی, و الشیخ المفید, و السید المرتضی, و الشیخ الصدوق رحمه الله فإذن, لا مجال لاستکشاف الإجماع،

ص:44

و إنّما أول من ذکر حکم من أنکر ما علم ثبوته من الدین بالضرورة،هو المحقق فی الشرائع،علی أنّ الأعلام بعده اختلفوا إلی الرأیین المذکورین.

اذاً, لا أجماع لا عند المتقدّمین ولا عند المتأخرین،حتی یقال بوجود ذلک اللازم المتفق علی بطلانه،فاین هو الاتفاق علی بطلانه یا تری؟!

2.لو سلّمنا ببطلان هذا اللازم،فإنّما یکون باطلاً علی وفق الضوابط الاُخری المذکورة لضروری الدین،ولا یکون کذلک علی وفق ضابطتنا،فإنّه علی وفق ضابطتنا سوف تکون ضروریات الدین منحصره فی قسمین رئیسین:

أ)ما تشکّل الأرکان الأساسیة للدین کالتوحید،والنبوة،والمعاد علی قول،و هذه تشکل سبباً مستقلاً للکفر بذاتها،إذ من الواضح إذا انهد الرکن انهد الأساس،کالبیت الذی یبنی علی أعمدة ثلاثة،فإنه بأنهیار أی واحد فیها سوف ینهدّ الدار،وعلی ذلک فجدید العهد بالإسلام بمجرد إنکاره لأحد هذه الأرکان سوف یخرج من الدین.

ب)ما تشکّل أجزاء أساسیة فی الدین, کالصوم و الصلاة و الحجّ وما شاکل،و هذه إنکارها لایؤدی إلی الخروج من دائرة الإسلام الظاهری بینما یؤدی إلی الخروج من دائرة الإسلام الواقعی،وتوضح ذلک:أنّ بعض الروایات التی عندنا عُدّت فی الدخول فی دائرة الإسلام أن یتلفظ ویعتقد الإنسان ببعض الأمور کأن یتشهد الشهادتین،فیما عدت بعض الروایات الأخری أموراً اخری یبتنی علیها الدین،کالروایات التی تقول:«بنی الإسلام علی خمس:الصوم, و الصلاة, و الحجّ, و الزکاة, و الولایة»ومن الواضح أن ما یبتنی علیه الشیء،یعد رکناً مقوماً لذلک الشیء ینهار بانهیاره.

ومن هنا اتجهت الأنظار إلی وجه الجمع بین هذه الروایات،وأحد الوجوه الذی ذکرها الأعلام للجمع،هو حمل روایات الشهادتین علی الإسلام الظاهری،وحمل الروایات التی تقول بنی الإسلام علی خمس علی الإسلام الواقعی الذی یحشر علی موجبه الإنسان یوم القیامة مسلماً لا کافراً.

وبعد إیضاح هذا:یتبین لنا أن جدید العهد بالإسلام إذا تشهّد الشهادتین فإنّه یدخل فی دائرة الإسلام الظاهری الذی تترتب عیه أحکام طهارته،وحقن دمه وماله وعرضه،وأنه یرث ویورث وما شابه هذه الاحکام،بینما إذا أنکر أحد الأجزاء الأساسیة, کالصوم أو الصلاة؛فإنه لا یخرج من دائرة الإسلام الظاهری،و إنّما یخرج من دائرة الإسلام الواقعی الذی هو الإیمان بالمعنی الأدق،فإذا بقی علی حاله هذه حتی الممات حشر کافراً.

ص:45

الإشکال الخامس [أنّه یلزم علی هذه الضابطة الحکم بکفر کلّ فرق المسلمین]

أنّه یلزم علی هذه الضابطة الحکم بکفر کلّ فرق المسلمین من غیر الشیعة الاثنی عشریة،إذ صرح فی کثیر من الروایات بکون الإیمان بأمامة وولایة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام من أرکان الدین-بل ما نودی بشیء کما نودی بالولایة-و هذا لازم لایمکن الالتزام به،فتکون تلک الضابطة باطلة.

والجواب:

1.لا تتعجب من هذا اللازم،فإنّ کثیراً من علماء الإمامیة المتقدّمین التزموا بذلک؛أی:علی الحکم بکفر غیر الشیعی،و إن کنا الآن لا نقبل ذلک.

2.إننا نفرّق بین إسلامَین:الإسلام الواقعی الحقیقی-المعبّر عنه بالإیمان بالمعنی الأخص-والإسلام الظاهری:-المعبّر عنه بالإیمان بالمعنی الأعم-الذی تترتب علیه أحکام شرعیة إسلامیة کجواز التزویج،وحقن الدم و المال و العرض،وکأحکام التوارث وما شابهها،إذا اتضح ذلک نقول:إنّ الولایة شرط ورکن فی الإسلام الواقعی الحقیقی الذی یحشر الإنسان علیه یوم القیامة،ولیس شرطاً فی ذلک الإسلام الظاهری بحسب مادلّت علیه الأدلة،کما سوف یأتی توضیحه عند عقد بحث مستقل لذلک.

اذاً, الإشکال لا یتمّ من خلال ما أوضحناه من التفریق بین الاسلامین.

الإشکال السادس [توجد عندنا بعض الروایات التی تقف حائلاً أمام قبول هذه الضابطة]

توجد عندنا بعض الروایات التی تقف حائلاً أمام قبول هذه الضابطة،إذ هناک بعض الروایات تجعل مثل:غسل الجنابة, أو اجتناب المسکرات, وغیرها من الأرکان الأساسیة للدین الإسلامی،فهل یمکن قبول أن مثل هذه الأشیاء من ضروریات الدین التی بنی علیها الدین من حیث یکون إنکارها وعدم الإقرار بها من موجبات الکفر؟!.

والجواب:إننا لابّد أن نلاحظ مثل هذه الروایات لنری مدی تمامیة دلالتها وسندها،حتی بعد ذلک یمکن القول:إنّها تقف حائلاً أمام الضابطة التی ذکرناها أولاً،وما حصلنا علیه من تلک الروایات بعد المراجعة والاستقراء هی:

1.ما رواه معاذ بن مسلم عن أبی عبدالله علیه السلام

أنّه سُئل عن الدین الذی لا یقبل الله من العباد غیره،ولا یعذرهم علی جهله،فقال:

ص:46

شهادة أن لا إله إلّا الله،و أنّ محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله و الصلاة،والخمس،وصیام شهر رمضان،والغسل من الجنابة،وحجّ البیت،والإقرار بما جاء من عند الله جملة،والإتمام بأئمة الحق من آل محمد. (1)

وفیه:

ان هذه الروایة ضعیفة السند بالحسین بن سیف،حیث لم یوثّقه أحد فیکون مجهولاً،فلا تصحّ الروایة للاستدلال،ومع التنزّل وقبول سندها،فیمکن الالتزام بکون کل المذکورات من ضروریات الدین،غایته بعضها من القسم الأول للضروریات وبعضها الآخر من القسم الثانی للضروریات کالصلاة و الصوم و الغسل من الجنابة.

2.ما رواه الفضیل بن یسار عن أبی جعفر علیه السلام قال:

عشرٌ, من لقی الله بهنّ دخل الجنة:شهادة ان لا إله الا الله،و أنّ محمداً رسول الله،والإقرار بما جاء من عند الله،وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة, وصوم شهر رمضان،وحجّ البیت،والولایة لأولیاء الله،والبراءة من أعداء الله،واجتناب کلّ مسکر. (2)

وفیه:

أ)أنّ الروایة و إن کانت تامّة سنداً،إلّا أنه یمکن الخدشة فی دلالتها،فإن الإمام-روحی فداه-لم یقل إنّ أرکان الدین عشرة،أو إنّ أجزاء الدین الأساسیة أو بنی الإسلام أو دعائم الإسلام أو ماشاکل هذه الألفاظ،حتی یفهم أن کلّ المذکورات هی من ضرورات الدین،وإنما الإمام عبّر ب-(عشر, من لقی الله بهن دخل الجنة)،الأمر الذی یوجب الجنة کما ینسجم مع کونه من أرکان وضروریات الدین کذلک ینسجم مع کونه من أجزاء الدین الاُخری من غیر الضروریات،ومن هنا فالالتزام بکون کلّ المذکورات غیر اجتناب المسکر من ضروریات الدین،لا یعنی الالتزام بکون أجتناب المسکر أیضاً من ضروریات الدین،بعد ان لم یکن لفظ(عشر, من لقی الله بهن دخل الجنة)دالاً علی کون کل المذکورات من ضروریات الدین،والأجزاء الرئیسیة فی الدین.

ب)حتی لو سلمنا بکون اللفظ المذکور یدل علی ما ذکر،فما المانع من الالتزام بکون واجتناب المسکرات من الأجزاء الرئیسیة فی الدین؟ومن ضروریات الدین من القسم الثانی.

ص:47


1- (1) .وسائل الشیعة:28/1،باب 1 من أبواب مقدّمات العبادات, ح38.
2- (2) .وسائل الشیعة:28/1،باب 1 من ابواب مقدمات العبادات ح39.

إن قلت:إنّ مثل الشهادة لله بالألوهیة وبالرسالة للخاتم صلی الله علیه و آله هی لا شکّ من أرکان وأصول الدین،و هذا یعنی أن کلّ المذکورات هی کذلک.

قلت:من أین لک ذلک؟!فمجرد ذکر أمر ما إلی جنب رکن من أرکان الدین،لا یعنی أنّه صار من أرکان الدین وضروریاته.

3.ما رواه ابن ظبیان قال:قال أبو عبدالله علیه السلام:

المحمدیة السمحة:إقام الصلاة،وإیتاء الزکاة،وصیام شهر رمضان،وحجّ البیت،والطاعة للإمام،وأداء حقوق المؤمن؛فإنّ من حبس حقَّ المؤمن أقامه الله یوم القیامة خمس مائة عام علی رجلیه،حتی یسیل من عرقه أودیة،ثمّ ینادی مناد من عند الله جلّ جلاله،هذا الظالم الذی حبس عن الله حقّه،قال فیوبخ أربعین عاماً ثمّ یؤمر به إلی نار جهنم. (1)

وفیه:

أ)ان فی سند الروایة کلاماً طویلاً من جهة سهل بن زیاد،ومحمد بن سنان،ویونس بن ظبیان،فان هؤلاء الثلاثة اختلفت فیهم کلمات الأعلام بین مضعف یتهمهم بالغلو و الکذب،إلی موثّق لهم،إلی ثالث متوقّف فی أمرهم،و إن کنا نمیل إلی وثاقة خصوص سهل, ویونس.

ب)إنّ دلالة هذه الروایة غیر تامة،إذ إنّ جعل أداء حقوق المؤمنین من جملة أجزاء الشریعة المحمدیة السمحة لا یعنی کونه من أرکان الدین وضروریاته،ومجرد الأمر به إلی جهنم لا یعنی ذلک أیضاً،وقضیة اقترانه من حیث السیاق ببعض أرکان الدین وضروریاته لا یجعله من الأرکان و الضروریات کما هو واضح.

ج)ومع التنزل عن کلّ ذلک یمکن الالتزام بکون کلِّ الأمور المذکورة من ضروریات الدین من القسم الثانی.

4.ما رواه زرارة قال:قال أبو جعفر علیه السلام:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:بنی الإسلام علی عشرة أسهم:علی شهادة أن لا إله الا الله وهی الملّة،والصلاة وهی الفریضة،والصوم و هو الجنّة،والزکاة وهی الطهارة،والحجّ وهی الشریعة،والجهاد و هو العزّ،والأمر بالمعروف و هو الوقاء،والنهی عن المنکر وهی المحجّة،والجماعة وهی الألفة،والعصمة وهی الطاعة. (2)

ص:48


1- (1) .بحار الانوار:377/68،باب دعائم الإیمان و الإسلام،ح23.
2- (2) .المصدر.

وفیه:

أ)أنّ الروایة و إن کانت تامة سنداً،إلّا أنّه یمکن الخدشة فی دلالتها من جهة:أن فقرتی(الجماعة وهی:الألفة،والعصمة وهی:الطاعة)غیر معلوم أن المراد منهما صلاة الجماعة،وترک المعاصی بالنسبة للناس،حتی یکون الاستدلال بهاتین الفقرتین تاماً علی بطلان ضابطتنا،إذ من المحتمل قویاً أن المراد منهما-کما احتمله المجلسی فی البحار (1)-هو عدم التفرق فی المذاهب مما یؤدی إلی ضعف الإسلام کلّیاً،والاعتقاد بأئمة أهل البیت علیهم السلام،ولعله لأجل ذلک قال علیه السلام و العصمة وهی:الطاعة،إذ المعصوم تجب طاعته.

ومن هنا اذا احتملنا المراد من هاتین الفقرتین هو ما ذکرنا،فسوف یکون هذا الاحتمال هادماً للاستدلال،اذ کما قیل:إذا ورد الاحتمال بطل الاستلال.

وعلی هذا سوف تصبح هذه الروایة-فی الفقرتین الأخیرتین-مجملة غیر ظاهرة فی معنی خاص،والمجمل کما هو معروف أصولیاً لیس بحجّة،نعم, إجمال بعض الفقرات لا یسری إلی الفقرات الأخری فی أمثال المقام،لأنّ کل فقرة غیر مرتبطة بالاخری،فالعرف هنا یری التبعیض فی الحجّیة.

ب)ومع التنزل یمکن الالتزام بکون کل الأمور المذکورة فی غیر الشهادة بالالوهیة من ضروریات الدین من القسم الثانی.

5.ما رواه أبی العالیة قال:سمعت أبا امامة یقول:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه یوم القیامة حتی تدخله الجنة،تقول:أی ربّ, قد کان یعمل بی فی الدنیا:الصلاة،والزکاة،والحجّ،والصیام،وأداء الأمانة،وصلة الرحم. (2)

وفیه:

أ)أنّ الروایة ضعیفة السند،لوجود عدّة مجاهیل فیها, کعبید بن قیس, و القاسم بن محمد بن حماد،ویحیی بن أبی حیة،وأبی العالیة.

ب)ومخدوشة الدلالة،إذ مجرد کون أداء الأمانة وصلة الرحم،مما توجب دخول الجنة لا یعنی کونهما من ضروریات الدین،وإلا للزم أن یکون کل ما یوجب دخول الجنة

ص:49


1- (1) .المصدر.
2- (2) .بحار الأنوار:378/65،باب دعائم الإیمان و الإسلام،ح26.

أنّه من ضروریات الدین،وعلیه ننتهی إلی کون أبسط المستحبات من ضروریات الدین،ولا یمکن الالتزام بذلک.

ج)وعلی فرض التنزّل عن الخدشة فی الدلالة،یمکن الالتزام بضروریة هذه الأمور المذکورة فی الروایة،وجعلها من ضروریات الدین من القسم الثانی.

6.ما رواه الکمیل بن زیاد

سألت أمیر المؤمنین علیه السلام عن قواعد الإسلام ما هی؟فقال:قواعد الإسلام سبعة،فأولها:العقل وعلیه بنی الصبر،والثانی:صون العرض وصدق اللهجة،والثالثة:تلاوة القرآن علی جهته،والرابعة:الحبّ فی الله و البغض فی الله،والخامسة:حق آل محمد ومعرفة ولایتهم،والسادسة:حقّ الإخوان و المحامات علیهم،والسابعة:مجاورة الناس بالحسنی.... (1)

وفیه:

أ)أنّ هذه الروایة ضعیفة السند بالإرسال،إذ مصدر الروایة هو کتاب تحف العقول غیر المعتبر؛لأنّه لا یوجد طریق صحیح لهذا الکتاب،وروایاته کلّها مرسلة.

ب)علی فرض التنزل عن قضیة السند،یمکن الالتزام بکون الأمور المذکورة من ضروریات الدین من القسم الثانی،أی الأجزاء الرئیسیة فی الدین من غیر أن تکون مقوّمة لأصل الدین.

الإشکال السابع [إنّ لازم هذه الضابطة،ألا یکون تشهد الشهادتین کافیاً فی الدخول فی الإسلام]

إنّ لازم هذه الضابطة،ألا یکون تشهد الشهادتین کافیاً فی الدخول فی الإسلام،إذ ورد فی الکثیر من الروایات أنّ الإسلام قد بنی علی خمسة أشیاء:(الصوم،والصلاة،والحجّ،والولایة).وما دام الإسلام قد بنی علی هذه الأمور،فلابدّ من الاعتقاد بها بالإضافة إلی الشهادتین حتی یتحقق الإسلام عند الإنسان و هذا خلاف ما هو المتفق علیه بین کل المسلمین من کفایة الشهادتین فقط فی تحقق الإسلام،إذ لابدّ من التنازل عن کون ضابط ضروری الدین هو بمعنی الرکن أو الجزء الأساسی الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة،وإلّا للزم المحذور المذکور.

ص:50


1- (1) .بحار الانوار:378/68،باب دعائم الإیمان و الإسلام،ح31.

والجواب:أن رکنیة هذه الأمور الخمسة للإسلام،لا یعنی أنّها مقوّمة لحقیقة الإسلام تقوم الذاتی بذاتیاته کالحیوانیة الناطقیة للإنسان،إذ الرکنیة مفهوم مشکک لا متواطئ،ولذا تری ان هذه الارکان الخمسة ورد التفاوت فی فضلها فی بعض الروایات (1)،ولذا فمجرد قوله علیه السلام:«بنی الإسلام علی خمس»لایعنی أن رکنیتها کرکنیة الشهادتین بدرجة واحدة،فمن الممکن أن یکون بعضها هو المقوّم لحقیقة الإسلام،ومن هنا تکون الروایات المبینة لکون الإسلام هو مجرّد تشهّد الشهادتین،متلائمة کمال الملائمة مع هذه الرویات،إذ إنّها تبین ما هی الأرکان الأساسیة المقوّمة لحقیقة الدین الاسلامی التی یحتاج الإنسان أن یتلفظ بها فقط أو یعتقد بها بالإضافة إلی التلفّظ،لکی یکون مسلماً،وهی رکنیة الشهادة لله تعالی بأنّه إله واحد لا شریک له،ورکنیة الشهادة للخاتم بالرسالة صلی الله علیه و آله وتبقی الأرکان الخمسة البقیة أجزاء أساسیة فی الدین الاسلامی،لا أنّها مقومة لحقیقة الدین.هذا أولا.

وثانیاً:قلنا فیما سبق،إنّ هناک إسلاماً ظاهریا تترتب علیه بعض الأحکام الشرعیة،وهناک إسلاماً حقیقیاً واقعیاً یحشر بموجبه الإنسان یوم القیامة فی دائرة المسلمین و هو الذی یعبّر عنه بالإیمان بالمعنی الأخص فی قبال الإسلام الظاهری الذی هو الإیمان بالمعنی الأعم, فإذا اتضح هذا،نقول:إنّ ما تکفی فیه الشهادتین هو الإسلام الظاهری،الذی هو الإیمان بالمعنی الأعم،وما یتقوّم برکنیه تلک الأمور الاُخری هو الإسلام الواقعی الحقیقی الذی هو الإیمان بالمعنی الأخص.

الإشکال الثامن [بناءاً علی هذه الضابطة،یلزم القول بکون تارک الصلاة الذی لا یصوم شهر رمضان]

بناءاً علی هذه الضابطة،یلزم القول بکون تارک الصلاة الذی لا یصوم شهر رمضان, و الذی لا یؤدی الزکاة هو کافر خارج عن الدین،اذ ورد فی بعض الروایات (2)أن إقامة

ص:51


1- (1) .کما فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر*قال:«بنی الإسلام علی خمسة أشیاء:علی الصلاة،والزکاة،والحجّ،والصوم،والولایة».قال زرارة:فقلت وأی شیء من ذلک أفضل؟فقال:«الولایة أفضل لأنها مفتاحهن،والوالی هو الدلیل علیهنّ».قلت:ثمّ الذی یلی ذلک من الفضل؟فقال:«الصلاة»،قلت:ثمّ الذی یلیها من الفضل؟قال:«الزکاة؛لأنه قرنها بها،وبدأ بالصلاة قبلها»قلت فالذی یلیها فی الفضل؟قال:«الحجّ».قلت:ماذا یتبعه؟قال:«الصوم».(وسائل الشیعة:13/1،باب من أبواب مقدمات العبادات،ح2).
2- (2) .کما فی صحیحة أبی حمزة الثمالی, عن أبی جعفر*قال:«بنی الإسلام علی خمس دعائم:إقام الصلاة،وإیتاء الزکاة،وصوم شهر رمضان،وحجّ بیت الله الحرام،والولایة لنا أهل البیت».(وسائل الشیعة:16/1،باب 1 من أبواب مقدمات العبادات،ح31).

الصلاة وأداء الصیام هو مما بنی علیه الإسلام،فیکون من أرکانه وضروریاته،ولا یمکن الالتزام بذلک،مما یؤدی إلی عدم إمکان الالتزام بتلک الضابطة.

والجواب:أنّ هذا الإشکال یشابه تماماً الإشکال الذی سبقه،والجواب علیه هو عین الجواب علی الاشکال السابق.

الاشکال التاسع [إنکم فی اشکالاتکم علی الضوابط المتقدّمة]

إنکم فی اشکالاتکم علی الضوابط المتقدّمة،نلاحظ أنّکم ترکّزون علی قضیة أنّ الضوابط الاُخری بموجبها لاتکون ضروریات الدین محددة،إذ بعض تلک الضوابط یلزم فیها سعة دائرة الضروریات لأمور لا یمکن الالتزام بضروریتها،وبعضها الآخر یلزم منها التنازل عن أمور لا یمکن التنازل عن ضروریتها،وقلتم بالتالی علی هذا یلزم وقوع الهرج و المرج وتکفیر بعضهم لبعضهم الآخر،کما حصل فی فترات متعاقبة من التاریخ.

ونفس هذا یأتی علی ضابطتکم،اذ إنّکم ذکرتم إنّ تحدید مصداق ضروری الدین یتم من خلال النص الدینی،أو الإجماع،وهنا یقال لکم:إنّ الأنظار و الأفهام مختلفة فی فهم واستظهار المراد من النص الدینی،وکذلک من جهة صحة أسانید النصوص الدینیة-الروایات-العلماء مختلفون،ومن هنا أیضاً علی هذه الضابطة التی ذکرتموها سوف تکون الضروریات الدینیة غیر منضبطة مما یعنی أنّ الأمر قد ینتهی إلی ذلک اللازم الباطل.إذن, ما هربتم منه جراء الضوابط الاُخری،وقعتم فیه علی الضابطة التی ذکرتموها.

والجواب:صحیح أنّ الأنظار و الأفهام قد تختلف تجاه النص الدینی،ولکن تلک الأخطار الاجتماعیة-من التکفیر التضلیل وما شابه-سوف تنحسر،وتکون أقل علی الضابطة المختارة منه علی الضوابط الأخری،وذلک لأننا لو نظرنا إلی تلک النصوص الدینیة التی تعبّر عن بعض الاُمور الدینیة بالأرکان المقوّمة أو الأجزاء الأساسیة أو قواعد الإسلام أو أسسه،مما یعنی أنّها تجعل هذه الأمور من ضروریات الدین،لو نظرنا إلیها لَما وجدنا فیها اختلافاً بین العلماء،ولا أقل لایوجد فیها ذلک الخلاف الذی یکون موجوداً بناءاً علی الضوابط الاخری.

و هذا الأمر هو أحد ما یمیز الضابطة المختارة علی بقیة الضوابط الاخری.

الإشکال العاشر [و هو أهم الاشکلات وأکثرها فنیة]

و هو أهم الاشکلات وأکثرها فنیة،وحاصله:أننا عندما نرید أن نحدد مفهوم شیء وقع

ص:52

موضوعاً لحکم شرعی فی آیة أو روایة،نرجع إلی کلمات اللغویین لنری ماذا قالوا فیه،أو نرجع إلی العرف و العقلاء،وفی المقام عنوان ضروری الدین لم یقع موضوعاً لحکم شرعی لا فی آیة ولا روایة،حتی یرجع فی تحدید مفهومه ومعناه إلی کلمات اللغویین،وعلی هذا فلا یصحّ منکم الرجوع والاسترشاد بکلمات اللغویین لتحدید المراد من مفهوم ضروری الدین،ومن هنا فلا تکون الضابطة التی ذکرتموها تامة.

والجواب:تارة بالنقض واُخری بالحل.

1.أما النقض:

فهذا الإشکال لایختصّ بالضابطة التی ذکرناها،و إنّما یشمل الضوابط الاُخری المذکورة،فإذا لم یصحّ الرجوع إلی کلمات اللغویین فی تفسیر الضروری،لأنّه لم یرد لا فی آیة ولا روایة کموضوع لحکم شرعی،کذلک لا یصحّ الرجوع فی تفسیره إلی کلمات المناطقة،أو إلی الملاکات الاُخری التی ذکروها،وعلی أیة حال فالنقض لا یوسع إلّا من الإشکال.

2.و أمّا الحل:

أ)فإننا لم نرجع فی تفسیر ضروری الدین إلی کلمات اللغویین،و إنّما ذکرنا أنّ الأعلام سلکوا فی فهم معنی ضروری الدین،إلی طرق مثل:الاستناد إلی علم المنطق أو الاستناد إلی وضوح الدلیل،أو الأمر القطعی الیقینی،أو الوضوح و الشهادة ولم یأتوا بدلیل علی مدعیاتهم،فقلنا:إنّ هناک طریقاً آخر و هو أنّ ضروری الدین هو أمر منسوب إلی الدین،وفی مقام فهم نوع هذه النسبة ذکرنا أنّ الضروری فی کلَّ شیءٍ هو أمر یحتاجه ذلک الشیء،فیکون أمر ضروری الدین من هذا القبیل،وعلی هذا سوف یدور الأمر بین أحتمالین:

1.فإمّا أن تکون حاجة الدین إلیه مطلق الحاجة،ولو کانت بسیطة.

2.و إمّا أن تکون حاجته شدیدة ماسة وکبیرة.

والأول لایمکن الالتزام به لما ذکرنا هناک،فیتعین الثانی؛أی یکون ضروری الدین هو:«ذلک الأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة وماسة جداً».و هذا المعنی قریب جداً إلی المعنی اللغوی للضروری کما ذکرنا،ثمّ قلنا:إنّه علی هذا سوف تکون ضروریات الدین منحصره فی قسمین رئیسیین.ثمّ ذکرنا إذا عرضنا کلّ هذه الضوابط علی أمور ثلاثة هی روح الشریعة،ارتکازاتنا المتشرعیة،وارتکازاتنا العقلائیة،لوجدنا الضابطة التی ذکرناها أکثر التصاقاً فی فهم معنی ضروری الدین من الضوابط الاُخری.

ص:53

ب)ومما یؤید الضابطة التی ذکرناها أکثر ویرجّحها علی الآخر،هو تلک الروایات التی تعبّر عن بعض الاُمور بأنّها دعائم الدین و الإسلام،أو مما بنی علیه الإسلام،أو أجزاء الدین،أو أسهم الدین،أو بعض الاُمور التی أکدت علیها باستمرار،وأعطتها الأهمیة الکثیرة و الکبری،وما شاکل.

فإنّ هذه الروایات و إن لم تذکر لفظ ضروری الدین إلّا أنّها ذکرته ببعض ألفاظ مصادیقه،من رکن الشیء, أو دعامة الدین, أو مابنی علیه, وما شاکل،التی هی ألفاظ تعبّر عن أمور یحتاجها الدین حاجة شدیدة وکبیرة،فتکون الضابطة التی ذکرناها،ودافعنا عنها مذکورة فی ألسنة الروایات ولکن بما یشیر إلی بعض المصادیق لضروری الدین.

ضروریات الدین فی إطار الزمان و المکان

من الابحاث المهمة فی الفکر الدینی،التی بدأت تجد لها مساحة واسعة فی مقالات وابحاث العلماء المسلمین-وخصوصاً الواعین الذین عندهم جنبة انفتاح نحو العصر وتطوراته (1)-و هو بحث تأثیر الظروف الزمانیة و المکانیة علی الفکر الدینی سواءً فی أصول الدین وعقائده, أو فروع الدین وأحکامه،وطبیعی ککل بحث جدید یطرأ علی الأبحاث الدینیة،نجد أهل الدین اختلفوا فیه إلی ثلاثة مشارب:

1.فمشرب رفضه بالکلیة معتبراً إیاه بحثاً یراد منه هدم الدین بإصوله وفروعه.

2.ومشرب آخر قبله بالکلیة،مدخلاً إیاه فی البحث الدینی علی مصراعیه.

3.ومشرب ثالث،توجس منه خیفة،ووقف یتعامل معه بحذر.

وعلی أی حال لا یهمنا ذلک،و إنّما المهم عندنا،أنّ هذا البحث هل له تأثیر علی ضروریات الدین،فهل من الممکن أن تختلف الضروریات باختلاف الأزمنة و الأمکنة،کما لو کانت بعض الامور الدینیة تعد من الضروریات الدینیة فی زمان ومکان،ولاتعدّ کذلک فی زمان ومکان آخر؟!

أو أنّ الضروریات الدینیة لا تختلف بأختلاف الأزمنة و الأمکنة, فالأمر إمّا أن یکون ضروریاً فی کلّ الأزمنة و الأمکنة و أمّا ألّا یکون کذلک.

ص:54


1- (1) .وأخص بالذکر منهم مفجر الثورة الاسلامیة فیء ایران وقائدها الإمام روح الله الموسوی الخمینی, و السید الإمام آیة الله العظمی الشهید محمد باقر الصدر.

وفی هذا المجال نجد اتجاهین:

الأول:یری عدم خضوع الضروریات الدینیة لنظریة الزمان و المکان.

الثانی:یری أن الضروریات الدینیة تختلف باختلاف الزمان و المکان،ونسطیع أن نذکر مجموعة من العلماء الذین یختارون هذا الاتجاه:

أ)الوحید البهبهانی قدس سره فإنه یقول:

قد ظهر من جملة ما ذکر-مما سبق-أنّ کثیراً من الأحکام کانت ظاهرة غایة الظهور فی عهد الرسول صلی الله علیه و آله وکثیراً منها صارت کذلک فی عهد الأئمة علیهم السلام فربما بقی الظهوران علی حالهما فیسمی الأول:ضروری الدین, و الثانی:ضروری المذهب،لحصول القطع بالحکم من دون حاجة إلی دلیل،کما أنّ ضروری العقل کذلک.

والأزمنة مختلفة فیها،فربّما کان الحکم ضروریاً فی أول الأمر-فی الزمن الأول-ثمّ عرضه الخفاء بسبب الحوادث فصار نظریاً،وربّما کان الأمر بالعکس.

والأشخاص أیضاً متفاوته فی ذلک،فربّما کان الحکم ضروریاً عند شخص, نظریاً عند آخر.

والضروری الذی صار نظریاً ربّما یمکن للمجتهد استعلامه من اتفاق جمیع المسلمین فیسمی بإجماع المسلمین،ومن اتفاق جمیع الشیعة فیسمی إجماع الشیعة.إلی أن یقول:

وأیضاً،ربما یکون الحکم ضرویاً فی وقت وإجماعیاً فی وقت, ولا هذا ولاذاک فی وقت.

وربمّا یکون ضرویاً بالنسبة إلی شخص،وإجماعیاً عند شخص،ولا هذا ولاذاک عند آخر.

ولعلّ حرمة القیاس کذلک،فإنّه عندنا صار ضروریاً،وان کان ابن الجنید یقول بحجیته.

وربما یکون عند بعض المتقدّمین إجماعیاً.

وأیضا ربّما یکون شخصاً واحداً مختلف الحال فی حکم واحد فی الأزمنة المتعددة فی کونه إجماعیاً عنده أو ضروریاً،أو لا هذا ولا ذاک.... (1)

ب)المحدّث الاسترابادی قدس سره حیث یقول:

فائدة شریفة:فی کثیر من المواضع نافعة قد کان کثیر من المسائل فی الصدر الأول من ضروریات الدین ثمّ صار من نظریاته فی الطبقات اللاحقة بسبب التلبیسات التی

ص:55


1- (1) .الرسائل الاُصولیة:265-268.

وقعت و التدلیسات التی صدرت, ومن هذا الباب خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام ومما یوضّح هذا المقام ما تواترت به الأخبار عن الأئمة الأطهار علیهم السلام من انقسام الناس بعده صلی الله علیه و آله فی الصدر الأول إلی مؤمن ومرتد ومن انقسامهم فی الصدر اللاحق إلی المؤمن و الضال و الناصبی من غیر ارتداد کما قال الله عز وجلّ: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ* صِراطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَ لاَ الضّالِّینَ. 1 و (1)

ج)السید الشهید الصدر قدس سره،حیث یقول فی معرض رده علی الاستدلال علی نجاسة المخالفین،بکونهم ناکرین لإمامة الأئمة الاثنی عشر باعتبار کونها من ضروریات الدین،وإنکار ضروری الدین یوجب الکفر بحسب زعم المستدل،ما نصه:

ویردّ علیه:مضافاً إلی عدم الالتزام بکفر منکر الضروری-أنّ المراد بالضروری الذی ینکره المخالف،إن کان هونفس إمامة أهل البیت فمن الجلی أنّ هذه القضیة لم تبلغ فی وضوحها إلی درجة الضرورة،ولو سلم بلوغها حدوثاً تلک الدرجة فلا شکّ فی عدم استمرار وضوحها بتلک المثابة لما اکتنفها من عوامل الغموض.... (2)

فإن عبارته قدس سره الأخیرة واضحة فی أنّ الأمر قد یکون واضحاً وضروریاً فی زمن،ولیس واضحاً وغامضاً ولذا یکون نظریاً فی زمن آخر.

کلام للامام الخمینی قدس سره

بینما نشاهد علی النقیض تماماً من کلام الشهید الصدر قدس سره أنّ الإمام الخمینی قدس سره یری أن قضیة إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام فی الصدر الأول للإسلام کانت واضحة وضروریة فیقول:

إنّ أصل الإمامة کانت فی الصدر الأول من ضروریات الإسلام و الطبقة الأولی المنکرین لإمامة المولی أمیر المؤمنین علیه السلام ولنص رسول الله صلی الله علیه و آله علی خلافته ووزارته کانوا منکرین للضروری من غیر شبهة مقبولة من نوعهم سیما أصحاب الحل و العقد. (3)

الصحیح من القول

وتحقیق الصحیح بنظرنا من القولین یرتبط بتحدید الضابط المختار فی مفهوم ضروری

ص:56


1- (2) .الفوائد المدنیة:128.
2- (3) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:315/3.
3- (4) .کتاب الطهارة،الإمام الخمینی+:446/3.

الدین،فان اختیر إحدی النظریات الأربع الاُولی،فالصحیح هو القول الثانی،وامکان اختلاف الضروری الدینی باختلاف الزمان المکان،فإنّ کلّ الضوابط المذکورة فی کلمات الأعلام لاتأبی ذلک،فمثلاً:

1.علی الضابطة الأولی التی ذکرناها لضروری الدین،التی هی بنفس معنی الضروری المنطقی،من الممکن أن یکون أمراً دینیاً متواتراً فی زمن مّا،فیکون ضروریاً باعتبار أنّ المتواترات من أقسام الضروریات،وغیر متواترٍ فی زمن آخر فلا یکون ضروریاً،وکذلک بالنسبة للمشاهدات.

2.وعلی الضابطة الثانیة التی ذکرناها للضروری الدینی،والتی هی بمعنی الأمر الثابت یقیناً من الدین ولو بالبرهان،فکذلک من الممکن أن یختلف الضروری باختلاف الزمان و المکان،إذ قد نثبت أمراً فی الدین ببرهان یقینی فی زمان ما فیکون ضروریاً،و قد یأتی علینا زمان آخر یتّضح لنا بطلان ذلک الدلیل الیقینی فی ذلک الزمان،وبالتالی لا یکون ذلک الأمر ضروریاً.

3.وکذلک علی الضابطة الثالثة،التی هی بمعنی ما کان دلیله واضحاً عند علماء المسلمین،فإنّه قد یکون أمراً ما دلیله واضحاً فی زمان فیکون ضروریاً،وغیر واضح فی زمان آخر فیکون نظریاً،ولذا نجد المحقق الاسترابادی قدس سره اختار کما نقلنا کلامه قبل قلیل،اختلاف الضروری باختلاف الزمان و المکان.

4.وأیضاً الأمر فی الضابطة الرابعة،لا یختلف عنه فی الضوابط المتقدّمة،إذ الضابطة الرابعة تقول:إنّ ضروری الدین هو بمعنی الأمر الواضح جداً،والمعروف عند عامة المسلمین بحیث لا یجهله منهم لا الصغیر ولا الکبیر ولا العالم ولا الجاهل،إذ من الممکن أن یکون أمراً ما واضحاً جداً فی زمن بحیث لا یجهله أحد من المسلمین فیکون ضروریاً،ویأتی زمان آخر فیکتنف ذلک الأمر بعض الغموض فلا یکون واضحاً،وبالتالی یخرج من حدّ الضروری إلی النظری،وعبارة السید الشهید قدس سره المتقدّمة واضحة جداً فی ذلک.

5.بینما علی الضابطة الخامسة التی أخترناها فی تفسیر معنی ضروری الدین،وأنّه الأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة،وبالتالی تکون مصادیقه،إمّا أرکان الدین الأساسیة التی یتقوم بها أصل الدین تقوم الماهیة بذاتیاتها،التی هی إما ثلاثة-أصل وجود الحقّ تعالی،وتوحیده،والتصدیق بالرسالة-علی مختارنا کما سوف یأتی بیانه،و إمّا بإضافة المعاد إلیها،

ص:57

کما اختاره مجموعة من الأعلام،و إما أجزاء الدین الأساسیة کوجوب الصلاة و الصوم و الحجّ و الزکاة و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر وما شاکل.

إنّه علی هذه الضابطة،سوف لا تتغیر ضرورات الدین،من زمان إلی آخر،ومن مکان إلی آخر،إذ هذه الضابطة لم تربط الضرورة بعلم الإنسان الضروری أو کما یعبّر فی کلمات الأعلام(ما علم ثبوته فی الدین ضرورة)،و إنّما هذه الضابطة ترجع الضرورة إلی نفس الدین،ومدی احتیاج الدین إلی ذلک الشیء،ومن المعلوم أنّ أرکان الدین الأساسیة،کوجود الخالق وتوحیده و الرسالة أو بإضافة المعاد،لا یمکن أن یقال:إنّ الدین متقوّم بها فی زمان وغیر متقوّم بها فی زمان آخر،إذ معنی ذلک هو ثبوت الدین فی زمان وانتفائه فی زمان آخر،لأنّ هذه الأجزاء کما قلنا مقومة لأصل الدین،فکما أنّ ماهیة الإنسان لا یمکن أن تنتفی عن أجزائها الأصلیة فی زمان دون زمان،فکذلک الدین بالنسبة إلی أرکانه الأصلیة وکذلک الأمر بالنسبة لأجزاء الدین الأساسیة کالصوم و الصلاة و الحجّ و الزکاة...،إذ القضیة لمّا کانت غیر مرتبطة بعلم الإنسان الضروری وعدمه،فلا یمکن أن تکون جزءاً رئیسیاً فی زمان فتکون ضروریة،ولیست جزءاً أساسیاً فی زمان آخر،فلا تکون ضروریة،لأنّ القضیة مرتبطة بالنص الدینی الذی یثبت جزئیتها الرئیسیة،فإذا أثبت ذلک کانت جزءاً رئیسیاً فی الدین فی کلّ الأزمنة و العصور،وبالتالی ضروریتها کذلک.

نعم, من جهة علم الإنسان بکون الشیء الفلانی من أجزاء الدین الأساسیة وعدم علمه بذلک،سوف تختلف النتیجة؛أی:أن علم الإنسان بکون الشیء الفلانی من الأجزاء الرئیسیة،وضرورات الدین تختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمکنة،ولکن هذا لیس معناه أن عدم علمه بکون الشیء الفلانی مثلاً من الأجزاء الرئیسیة فی الدین ومن ضروریات الدین،أنّ الشیء الفلانی خرج عن کونه من ضروریات الدین،إذ قلنا فیما تقدّم أنّ ضروریة شیء للدین خارج عن قضیة علم الإنسان وعدمه علی الضابطة التی اخترناها, فإذا شئت أنّه بناءاً علی هذا-بتأثر الضرورات الدینیة حتی علی الضابطة المختارة-بالظروف الزمانیة و المکانیة فلا بأس.

نعم, بالنسبة إلی الأرکان الأساسیة المقوّمة لأصل الدین،یتّفق الجمیع علی عدم خضوعها للظروف الزمانیة و المکانیة،لکن لا لأجل عدم تأثیر الزمان و المکان علی ضروریات الدین،و إنّما لأنهم یفرّقون بین ضروریات الدین وأرکان الدین الأساسیة المقوّمة

ص:58

لأصل الدین،فیرون خضوع ضروریات الدین للزمان و المکان (1)وعدم خضوع أرکان الدین الأساسیة للزمان و المکان.

ولکن نحن حیث ندخل أرکان الدین الأساسیة تحت عنوان ضروریات الدین،لما ذکرناه،ونری عدم تأثیر الزمان و المکان علی ضروریات الدین،فلذلک لا تکون داخلة فی إطار الزمان و المکان،للوجه الذی ذکرناه.

نعم, فی الأرکان الأساسیة،النتیجة سوف تکون واحدة.

خلاصة تحدید الضابطة المتقدمة

1.إنّ الضابطة المتقدّمة تعنی بضروری الدین:«ذلک الأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة»،وعلی ذلک سوف ینحصر فی مصداقین:

أ)ما کان رکناً أساساً یتقوّم به أصل الدین کالأصول الثلاثة, أو بإضافة المعاد.

ب)ما کان جزءاً أساسیاً فی الدین کالولایة،والصوم،والصلاة،والحجّ،والزکاة, وما شاکل.

2.إنّ هناک فرقاً بین عنوان ضروری الدین،وعنوان ما علم ثبوته فی الدین ضرورة،إذ العنوان الثانی یراد منه الأمر الذی یعلم أنه ثابت فی الدین بعلم ضروری لا نظری،بینما العنوان الأول یراد منه ما ذکرناه سواءً علمنا بکونه رکناً أساسیاً مقوّماً أو جزءاً أساسیاً،بعلم ضروری أو نظری.

3.إنّ بعض ضروریات الدین تکون مقوّمة لمرتبة الإسلام الظاهری،و هذه کالاُصول الثلاثة-إثبات الألوهیة،التوحید،النبوة-أو بإضافة المعاد, وبعضها تکون مقوّمة لمرتبة الإسلام الحقیقی الإیمان بالمعنی الأخص لا الظاهری, کالولایة و الصوم و الصلاة وما شاکل.

4.علی الضابطة التی ذکرناها،سوف لا تختلف الضروریات الدینیة باختلاف الزمان و المکان،بخلافه علی الضوابط الأخری،فإنّها سوف تختلف باختلاف ذلک.

ص:59


1- (1) .طبعاً عندما نقول:إنهم یرون خضوع ضروریات الدین للزمان و المکان،فهم لا یقصدون ذلک علی نحو الموجبة الکلیة،و إنّما یرون ذلک بنحو الموجبة الجزئیة،وإلّا مثل وجوب الصلاة و الصوم و الحجّ و الزکاة هی من ضروریات الدین ویرون عدم خضوعها للزمان و المکان.

ص:60

المبحث الثانی:حکم منکر ضروری الدِّین

توطئة مفیدة

اشارة

قبل الدخول فی بیان وتوضیح ما هو حکم منکر ضروری الدِّین،لا بأس بالإشارة إلی مقدّمة مفیدة،نوضّح من خلالها بعض الأمور المهمّة:

1.إنّ للإسلام معانی ومراتب مختلفة

أ)فتارة یطلق الإسلام ویراد منه تلک المرتبة التی تترتب علیها بعض الأحکام الفقهیة فقط, مثل الحکم بالطهارة،واحترام الدم،والمال،والعرض،وجواز المناکحة،والتوریث وماشاکل،و هذه المرتبة یطلق علیها فی بعض الأحیان بالإسلام الظاهری أو الإیمان بالمعنی الأعم،بحیث تکون مقابلة لتلک المرتبة من الکفر التی تتربت علیها تلک الاحکام الفقهیة المعروفة من الحکم بالنجاسة،وعدم احترام الدم و المال و العرض،وعدم جواز المناکحة،وعدم التوریث وما شاکل.

وعندما نبحث عن إنکار الضروری،وأنّه هل یوجب الکفر أو یبقی الإنسان معه علی الإسلام؟المراد من الحکم بالإسلام أو الکفر هو هذا المعنی من الإسلام و الکفر.

ب)وتارة أخری یطلق الإسلام،ویراد منه مرتبة أعلی من المرتبة الأولی،فیعبّر عن هذه المرتبة بالإسلام الحقیقی الواقعی أو الإیمان بالمعنی الأخص،و هذه المرتبة بالإضافة إلی ترتّب بعض الأحکام الفقهیة علیها،یترتب علیها بعض الآثار التکوینیة المهمة فی دنیا الإنسان وآخرته،مثلاً من الأحکام الفقهیة المترتّبة علیها الحکم بعدالة ذلک الشخص المحرِز لهذه

ص:61

المرتبة فیها لو کان علی جادة الشریعة،فغیر المؤمن بالمعنی الأخص لیس بعادل،و إن کان یصلّی ویصوم،ویؤدی کلّ ما فرض علیه،ومن الآثار التکوینیة المهمة لهذه المرتبة, أنّ الإنسان إذا مات علی الإسلام الواقعی والایمان فانه یحشر علیهما أیضاً بخلاف غیره فانه وان تشهد الشهادتین الا انه یحشر کافراً غیر مسلم یوم القیامة.

ثمّ إنّ الإسلام الحقیقی الواقعی نفسه و الإیمان بالمعنی الأخص له درجات ومراتب متعددة کما دلّت علی ذلک الآیات و الروایات المتعددة،واستقصاء مراتبه ودرجاته أمر لاتسعه هذه العجالة فهو مما یحتاج إلی بحث وکتاب مستقل ولعلّنا نوفّق إلی ذلک فی مستقبل أمرنا إن شاء الله تعالی.

2.تعدد معانی ومراتب الکفر

وبما أنّ للإسلام مراتب ومعانی مختلفة من حیث الآثار التکوینیة و الآثار الشرعیة،فکذلک ما یقابله و هو الکفر أیضاً له معانی ومراتب مختلفة من حیث الآثار التکوینیة و الآثار الشرعیة:

أ)فمنها کفر نفی الألوهیة،أو الشکّ فیها.

ب)ومنها کفر الشرک بإثبات آله آخر غیر الله تعالی.

ج)ومنها کفر إنکار الرسالة أو النبوة.

د)ومنها کفر الجحود باللسان.

ه)ومنها کفر النفاق و العناد.

و)ومنها کفر العصیان وعدم الطاعة.

ز)ومنها کفر عدم الشکر المعبّر عنه بکفر النعمة.

ح)ومنها کفر الهتک بقول أو فعل،کسبِّ الباری تعالی،أو الرسول صلی الله علیه و آله أو أحد الأئمة علیهم السلام وکذلک الصدیقة الطاهرة علیها السلام أو تمزیق القرآن أو إحراقه أو إلقائه فی القاذورات.

ط)ومنها کفر إنکار ضروریاً من ضروریات الدین،علی الخلاف الموجود من کونه سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،أو کونه لیس سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،و إنّما یؤدی إلی الکفر من باب استلزامه تکذیب النبی وإنکار الرسالة،کما سوف یأتی تحقیق ذلک.

و لعلّ هناک معانی ومراتب اخری للکفر تظهر بالتتبع.

ص:62

3.شرائط تحقق الإسلام ابتداءاً وبقاءاً

ثمّ إنّ بعض مراتب الإسلام تعتبر فیها بعض الشروط من حیث الابتداء،و قد تضاف إلیها بعض الشروط الاخری من حیث الاستدامة و البقاء.

فمثلاً مرتبة الإسلام الظاهری التی هی أسفل وأنزل المراتب الإیمانیة،لا یعتبر فیها من حیث الابتداء-أی للذی یرید أن یدخل فی دائرة الإسلام ابتداءاً-أزید من تشهد الشهادتین،کما دلّت علی ذلک الأدلة،ولکن هذه المرتبة نفسها من حیث الاستمرار و البقاء-أی للذی دخل فی الإسلام ومرّ زمان علیه فیه-تضاف إلیها شروط اخری،من قبیل ألّا ینکر ما هو ضروریاً من ضروریات الإسلام،طبعاً علی الخلاف فی ذلک.

ومن هنا قیل فی أحد وجوه الجمع بین تلک الأدلة التی لا تعدّ فی تحقق الإسلام الظاهری أزید من تشهد الشهادتین،وبین تلک الأدلة التی تعد أموراً اخری أزید من الشهادتین فی تحقق الإسلام الظاهری،هذا المعنی الذی ذکرناه.

حکم منکر ضروری الدین

اشارة

لما ذکرنا أنّ عنوان ضروری الدین،یختلف عن عنوان ما علم ثبوته فی الدین ضرورة،إذن, لابدّ من البحث فی حکم منکر کلا الأمرین،ولما کان ضروری الدین حسب الضابطة التی ذکرناها یتحدد فی قسمین،إذن, لابد من البحث فی کلا القسمین.

حکم منکر ضروری الدین من القسم الأول
اشارة

ومصادیق هذا القسم تتحدد فی ثلاثة (1)،هی:

أ)الإقرار بوجود الحقّ تعالی.

ب)الإقرار بتوحید الحقّ تعالی.

ج)الإقرار برسالة الرسول صلی الله علیه و آله.

نعم, ذکر بعض الأعلام الإیمان بالمعاد کرکنٍ رابع،وسوف یأتی البحث فیه.إذن, لابد ان نعقد بحثاً فقهیاً لکل واحد من هذه الامور الأربعة.

ص:63


1- (1) .لا یخفی أنّ الأعلام یطلقون علی هذه الامور بالأرکان ولا یسمونها بالضروری،ولکن نحن علی الضابطة التی ذکرناها سوف تکون من الضروریات بالإضافة إلی کونها من الأرکان.
1.الإقرار بوجود الحقّ تعالی وإلوهیته

مما لا شکّ فیه أن إنکار وجود الله تعالی،یوجب الکفر و الخروج عن ربقة الإسلام سواءً کان ذلک الإنکار عن قصور أو تقصیر،لشبهة أو غیر ذلک،إذ إنّ هذا الأمر لا یحتاج إلی الاستدلال،فإنّ الدخول فی دین الله-الإسلام-هو فرع الإیمان بوجوده.

وعلی الرغم من ذلک یمکن الاستدلال علیه قرآنیاً وروائیاً:

1.أمّا قرآنیاً:فبمثل قوله تعالی: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ... ، (1)وغیرها من الآیات.نعم, قد یستشکل فی هذه الآیة بکون الإیمان المأخوذ فیها لیس بمعنی الإسلام الظاهری،و إنّما المراد منه الإیمان بالمعنی الأخص المساوق للإسلام الحقیقی الواقعی،بقرینة ما فی ذیل الآیة من قوله تعالی: وَ إِذا کانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ أُولئِکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... 2 فإنّ قضیة الاستئذان قد توحی بذلک.

2.و أمّا روائیاً:فهناک العدید من الأحادیث من قبیل:موثقة سماعة قال:

قلت لأبی عبدالله علیه السلام:أخبرنی عن الإسلام و الإیمان أهما مختلفان؟فقال:إنّ الإیمان یشارک الإسلام و الإسلام لا یشارک الإیمان،فقلت:فصفهما لی،فقال:الإسلام شهادة أن لا إله الا الله و التصدیق برسول الله صلی الله علیه و آله به حقنت الدماء, وعلیه جرت المناکح و المواریث, وعلی ظاهره جماعة الناس،والإیمان الهدی وما یثبت فی القلوب من صفة الإسلام, وما ظهر من العمل به و الإیمان أرفع من الإسلام بدرجة،إنّ الإیمان یشارک الإسلام فی الظاهر و الإسلام لا یشارک الإیمان فی الباطن و إن اجتمعا فی القول و الصفة. (2)

وغیرها،فانه من الواضح اذا کان الإسلام الظاهری لا یتحقق الا بتوحید الباری تعالی،فبالاولی ان لا یتحقق بدون الإیمان بوجوده(عزّ اسمه).

2.الإقرار بتوحید الحق تعالی
اشارة

و هذا أیضاً مما لا شک فیه،إذ بدون الإقرار بالتوحید, و أنّ الله تعالی واحد لا شریک له لا یتحقق الإسلام عند الإنسان،وتدلّ علیه مجموعة کبیرة من الآیات و الروایات:

ص:64


1- (1) .النور:62.
2- (3) .أصول الکافی:25/2،باب ان الإیمان یشرک الإسلام و الإسلام لا یشرک الإیمان،ح1.

أ)فمن الآیات:قوله تعالی: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی کُلِّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَکاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا یَعْلَمُ فِی الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مَکْرُهُمْ وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِیلِ.... 1

وقوله: وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ 2 وقوله تعالی: ...وَ جَعَلَ لِلّهِ أَنْداداً لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلاً إِنَّکَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ . (1)

وقوله تعالی: تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِکَ بِهِ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَی الْعَزِیزِ الْغَفّارِ. 4 إلی غیر ذلک من الآیات التی دلّت علی تحقق الکفر بالإشراک مع الله،الذی یحمل عندما یطلق علی الکفر الاصطلاحی الذی یسبب تلک الآثار الخاصّة من النجاسة،وعدم حقن الدم،وعدم احترام المال و العرض،وعدم جواز المناکحه إلی غیر ذلک،مما یعنی:أنّ التوحید مأخوذ فی حدِّ الإسلام الظاهری.

ولا یصحّ الاستدلال بقوله تعالی: ...إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ... 5 کما فعل السید الخوئی قدس سره فی تقریرات بحثه (2)،إذ إنّ تمامیة الاستدلال بهذه الآیة یتوقّف علی کون المراد من کلمة-نجس-النجاسة المادیة التی هی المعنی الاصطلاحی،أما إذا کان المراد من الکلمة-نجس-هی القذارة المعنویة،فلا یصحّ الاستدلال،إذ أقصی ما یکون فی البین أنّ المشرک قذر معنویاً،لانجس مادیاً حتی یقال:إنّه لیس بمسلم ظاهری،والعجیب أن السید الخوئی قدس سره لایری أنّ کلمة-نجس-هی بمعنی النجاسة المصطلحة (3)،ولکن علی الرغم من ذلک یستدل بالآیة.

ب)ومن الروایات:موثقة سماعة المتقدمة،وغیرها.

دائرة الإقرار بالتوحید

إنّ للتوحید معانی متعددة تختلف بحسب تعدد مراتب حقیقة التوحید،وأنّها تختلف بحسب اختلاف المذاهب و المدارس الإسلامیة،فمن معانی الوحدة:

ص:65


1- (3) .الزُّمَر:8.
2- (6) .دروس فی فقه الشیعة:110/3.
3- (7) .ینظر کتاب دروس فی فقه الشیعة:88/3،ط مؤسسة الآفاق،وکذلک التنقیح فی شرح العروة الوثقی:39/3.

1.هناک وحدة عددیة بمعنی أنّه لا ثانی له.

2.وهناک وحدة بمعنی البساطة وأنّه غیر مرکّب،و هذا الترکیب تارة یکون عقلی وأخری مقداری, وثالثة خارجی.

3.وهناک وحدة بحسب اصطلاح الحکماء و العرفاء تسمی الوحدة الحقّة الحقیقیة.

ومن مراتب التوحید:

1.هناک التوحید الذاتی.

2.وهناک التوحید الصفاتی.

3.وهناک التوحید الافعالی.

ومن هنا یاتی السؤال ما هی دائرة ضرورة ورکنیة التوحید فی الإسلام،فهل کل هذه الأمور تدخل فی دائرة الضرورة،أو أنّ أصل الاعتقاد بالتوحید-وأن الله واحد لا شریک له-هو الضروری فقط،وتبقی کل التفریعات الاُخری المذکورة فی التوحید،خارجة عن إطار الضروری؟

والجواب:أنّ أصل الاعتقاد بالتوحید فقط هو الداخل تحت دائرة الضروری،فلا یشترط فی الدخول فی الإسلام أزید من الإقرار بکون الله واحد لا شریک له،أما الاعتقاد بکون وحدته عددیة أو غیر عددیة،حقه حقیقیة أو لیس کذلک،فلا یشترط ذلک فی الدخول فی الإسلام،وکذلک قضیة توحیده صفاتیاً وذاتیاً وأفعالیاً،فإنّ کلّ هذه الأمور لا تدخل فی مناط تحقق الإسلام،وإلّا لو اشترط ذلک فلازمه الحکم بکفر وعدم إسلام أغلب المسلمین سیما من کان فی الصدر الأول،لعدم مجیء هذه القضایا علی بالهم فضلاً عن الاعتقاد بها, مضافاً إلی ذلک أنّ الروایات و السیرة القطعیة من الرسول صلی الله علیه و آله لم تعتبر فی الدخول فی الإسلام مثل هذه التفریعات.

3.الإقرار برسالة الرسول صلی الله علیه و آله
اشارة

و هو أمر لا شکّ فیه أیضاً،ویمکن الاستدلال علیه بأدلة عدة:

أ)فمن آیات القرآن الحکیم یمکن الاستدلال بقوله تعالی: وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِی وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ. 1

ص:66

فهذه الآیة جعلت الذی عنده شکّ فی رسالة الرسول،من الذین یدخلون النار المُعدّة للکافرین،مما یعنی أن مجرّد شکّهم وریبهم فی رسالة الرسول وقرآنه مما یوجب کفرهم،فکیف بالذی ینکر الرسالة من الأساس؟!إنّ هذا أوضح مصداقٍ للکفر.

ب)ومن الروایات:تکفینا موثّقة سماعة المتقدّمة فإنّها جعلت الإسلام الظاهری هو عبارة عن الإقرار بالشهادتین مما یعنی عدم کفایة أحدهما دون الاخری.

ج)وکذلک یمکن الاستدلال بسیرة الرسول القطعیة فإنّه لم یکتف ممن یرید الدخول فی الإسلام بالشهادة بالتوحید من دون الشهادة له بالرسالة.

تساؤل وإجابة

قد یقال:إنّ هناک بعض الروایات،اعتبرت فی تحقق الإسلام الظاهری ما هو أزید من تشهد الشهادتین

1.من قبیل مارواه سفیان بن السمط:

قال:سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام عن الإسلام و الإیمان ما الفرق بینهما؟...فقال:الإسلام هو الظاهر الذی علیه الناس؛شهادة أن لا إله الا الله و أنّ محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإیتاء الزکاة, وحجّ البیت, وصیام شهر رمضان, فهذا الإسلام, وقال:الإیمان:معرفة هذا الأمر, مع هذا فإنّ أقرّ بها ولم یعرف هذا الأمر کان مسلماً وکان ضالاً. (1)

2.ومن قبیل ما رواه جعفر بن عثمان عن أبی بصیر قال:

کنت عند أبی جعفر علیه السلام فقال له رجل أصلحک الله, إنّ بالکوفة قوماً یقولون مقالة ینسبونها إلیک،فقال:وما هی؟قال:یقولون:إنّ الإیمان غیر الاسلام،فقال أ بو جعفر علیه السلام نعم،فقال له الرجل:صفه لی،قال:من شهد أن لا إله إلّا الله،و أنّ محمداً رسول الله،وأقر بما جاء من عند الله،وأقام الصلاة،وآتی الزکاة،وصام شهر رمضان،وحجّ البیت فهو مسلم.... (2)

3.ومن قبیل ما رواه سعدان بن مسلم عن أبی بصیر قال:

سألت أبا عبدالله علیه السلام ما الإیمان؟فجمع لی الجواب فی کلمتین فقال:الإیمان بالله،وأن لا تعصی الله،قلت:فما الإسلام؟فجمعه فی کلمتین فقال:من شهد شهادتنا،ونسک نسکنا،وذبح ذبیحتنا. (3)

ص:67


1- (1) .الوافی:83/4-84.
2- (2) .بحار الانوار:270/68،ح 26 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.
3- (3) .بحار الانوار:271/68،ح 36 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.

4.ومن قبیل روایة أبی بصیر قال:

کنت عند أبی جعفر علیه السلام فقال له سلام:إنّ خیثمة بن أبی خیثمة حدّثنا أنّه سألک عن الإسلام،فقلت له:إنّ الإسلام:من استقبل قبلتنا،وشهد شهادتنا ونسک نسکنا،ووالی ولینا،وعادی عدّونا،فهو مسلم،قال:صدق. (1)

5.ومن قبیل ما روی:عن أبی عبدالله علیه السلام قال:

إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یسیر فی بعض مسیره فقال لأصحابه:یطلع علیکم من بعض هذه الفجاج شخصٌ لیس له عهد بإبلیس من ثلاثة أیام،فما لبثوا أن أقبل أعرابی قد یبس جلده علی عظمه, وغارت عیناه فی رأسه،وأخضرت شفتاه من أکل البقل،فسأل عن النبی صلی الله علیه و آله فی أول الرفاق حتی لقیه،فقال له:أعرض علی الإسلام،فقال:قل أشهد أن لا إله إلّا الله،وأنّی محمد رسول الله،قال:أقررت،قال تصلّی الخمس،وتصوم شهر رمضان،قال:أقررت،قال:تحجّ البیت الحرام،وتؤدی الزکاة،وتغتسل من الجنابة،قال:أقررت.... (2)

6.ومن قبیل ما رواه سُلیم بن قیس الهلالی, قال:

سمعت علی بن أبی طالب علیه السلام...ثمّ أقبل علی علیه السلام علی الرجل فقال:أما علمت أنّ جبرئیل أتی رسول الله صلی الله علیه و آله فی صورة آدمی فقال له:ما الإسلام؟فقال:شهادة أن لا إله إلّا الله و أنّ محمداً رسول الله, وإقام الصلاة،وإیتاء الزکاة،وحجّ البیت،وصیام شهر رمضان،والغسل من الجنابة.... (3)

7.ومن قبیل مارواه الراوندی:(باسناده عن موس بن جعفر،عن آبائه علیهم السلام قال:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:إنّ الله تعالی جعل الإسلام دینه،وجعل کلمة الإخلاص حصنا له،فمن استقبل قبلتنا،وشهد شهادتنا،وأحل ذبیحتنا،فهو مسلم،له ما لنا وعلیه ما علینا. (4)

8.ومن قبیل ما روی فی المحاسن عن أمیر المؤمنین علیه السلام

قال:من استقبل قبلتنا،وأکل ذبیحتنا،وآمن بنبینا،وشهد شهادتنا،دخل فی دیننا،أجرینا علیه حکم القرآن،وحدود الاسلام.... (5)

ص:68


1- (1) .بحار الانوار:282/68،ح 28 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.
2- (2) .بحار الانوار:282/68-283،ح 36 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.
3- (3) .بحار الانوار:288/68،ح 46،باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.
4- (4) .بحار الانوار:288/68،ح 47 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.
5- (5) .المصدر:292/68،ح 52 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام.

فإنّ هذه الروایات من الواضح أخذ فی تحقق الإسلام الظاهری فیها،ما هو أزید من تشهد الشهادتین،کإقامة الصلاة،وأداء الصیام فی شهر رمضان،وأداء الزکاة،وحجّ البیت،والغسل من الجنابة،واستقبال القبلة،وأکل ذبیحة المسلمین،وموالاة ولینا, ومعاداة عدوّنا،وبعد هذا کیف یصحّ جعل الإسلام الظاهری هو مجرد تشهّد الشهادتین.

وفی مقام الإجابة عن ذلک:

نقول:لا یمکن الالتزام بکون المذکورات فی هذه الروایات،من الاُمور المأخوذة فی حَدِّ الإسلام الظاهری،کما هو الحال فی الشهادتین،وإلّا لزم خروج ملایین المسلمین عن الإسلام،إذ کثیراً منهم قد لا یؤدی الصلاة أو لا یصوم شهر رمضان،أو لا یؤدی الزکاة مع وجوبها علیه،أو لایحجّ مع استطاعته،أو لایغتسل من الجنابة،وما شاکل،فهل یا تری یمکن لمتفقة فضلاً عن فقیه أن یلتزم بکفر هؤلاء؟!من الطبیعی لا یمکن ذلک.

ومن هنا لابدّ أن یقال:إنّ المذکورات لم تؤخذ فی هذه الروایات بوصفها حدوداً مستقلة مأخوذة فی حدّ الإسلام کالشهادتین،و إنّما ذکرت:

1.إمّا من باب کون أداؤها طریقاً لمعرفة الإقرار بالرسالة و الرسول،لأنها من أظهر ما جاء به الرسول صلی الله علیه و آله فیکون ذکرها لا لموضوعیتها الاستقلالیة،وانما ذکرها من باب الطریقیة.

2.و إمّا من باب أنه علیه السلام بالاضافة إلی أنّه بین ما هو مأخوذ فی حدّ الإسلام الظاهری،وهی الشهادتان،کذلک أراد أن یبین بعض التعالیم و التکالیف الرئیسیة فی الإسلام،فبین المذکورات من الصلاة و الصیام و الحجّ و الزکاة وما شاکل،ولعل الأول أوجه.

الالتزام الإجمالی بالرسالة

مما لاشکّ فیه أنّه لایجب الإیمان التفصیلی بالرسالة،بمعنی:أنّه لابّد أن یعلم الإنسان بکلّ ما جاء فی الشریعة الإسلامیة من اصول وفروع،ثمّ یعتقد بها،فإنّ هذا أشبه بالتکلیف بما لایطاق،إذ من المعلوم أن تعالیم الدین الإسلامی کثیرة جداً ومتشعبة وفیه الکثیر من التفریعات التی تصعب معرفتها علی عامة المسلمین.

اذاً, ماذا تعنی لابدّیة الإقرار برسالة الرسول.

وفی هذا المجال ذکر علماونا أنه لابدّ أن یکون الإقرار بالرسالة علی نحو الإجمال.

وفی مقام تفسیر الإقرار الاجمالی بالرسالة یوجد اتجاهان:

ص:69

1.أن یکون المراد الإیمان بالرسالة فی حدود ما یعلم اشتمال الرسالة علیه من أحکام, کما سوف یأتی عندما ننقل کلام الشهید الثانی قدس سره.

2.أن یکون المراد الإیمان بالرسالة،فیما هو أوسع من ذلک حیث یشمل حتی الاُمور المظنون فیها و المحتمل اشتمال الرسالة علیها.یقول السید الشهید الصدر قدس سره:

إن من آمن بالمرسَل و الرسول،والتزم إجمالاً بالرسالة فهو مسلم حقیقة.ونرید بالتزامه الإجمالی بالرسالة:إیمانه بأن کلّ ما یحتمل أو یظن أو یقطع باشتمال الرسالة علیه فهو حق إذا کانت الرسالة مشتملة علیه حقاً،أی الإیمان بهذه القضیة الشرطیة فی حدود الأشیاء التی یحتمل أو یعتقد فی نفس الوقت باشتمال الرسالة علیها،فمن یری بطلان شیء ما ویحتمل أو یعتقد فی نفس الوقت باشتمال الرساله علیه فهذا یعنی أنّه علی الأقل یحتمل فعلاً بطلان الرسالة.و أمّا من یری بطلان حسن الظلم حتی لو حسنته الشریعة،و هو قاطع فی نفس الوقت بعدم تحسین الشریعة له،فهو مؤمن فعلاً بالشریعة. (1)

المأخوذ فی حَدِّ الإقرار بالرسالة

مما لاشک فیه أن من لم یقر بکون الرسول صلی الله علیه و آله نبیاً مرسلاً من قبل الله تعالی لهدایة البشر وکونه مفترضَ الطاعة علیهم،فهو غیر مقرّ برسالته ونبوته،وعلیه یحکم بکفره.

ولکن هل یشترط لکی یکون الإنسان مسلماً ومقراً بالرسالة،أن یقرّ ویؤمن بأمور أخری فی البین،حیث تکون مأخوذة فی حدّ الإقرار بالرسالة:

1.من قبیل الإقرار و الإیمان بعصمة النبی الرسول صلی الله علیه و آله.

2.ومن قبیل کونه خاتم الأنبیاء و المرسلین.

3.ومن قبیل کونه واسطة فی الفیض،وأن له الولایة التکوینیة و التشریعیة،والعلم بالغیب وما شاکل هذه الأمور من مقاماته العالیة.

أو لا یشترط ذلک،ویکفی مجرد الإقرار بکونه نبیاً ورسولاً مبعوثاً من قبل الله تعالی،وأنّه مفترض الطاعة

یقول الشهید الثانی الصحیح:هو الثانی،فإنّ الأدلة القرآنیة و الروائیة المتقدّمة لم تأخذ

ص:70


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:291/3.

أکثر من ذلک،مضافاً إلی سیرة الرسول صلی الله علیه و آله فی الصدر الأول علی قبول إسلام الناس بمجرد شهادتهم الشهادتین،مع أنّ أغلبهم لم یکن ملتفتاً إلی هذه التشقیقات:

ولیس بعیداً ان یکون التصدیق الاجمالی بجمیع ما جاء به علیه السلام کافیاً فی تحقق الإیمان،وان کان قادراً علی العلم بذلک تفصیلاً،نعم, یجب العلم بتفاصیل ما جاء به من الشرایع للعمل به.

و أمّا تفصیل ما أخبر به من أحوال المبدأ و المعاد،کالتکلیف بالعبادات،والسؤال فی القبر وعذابه،والمعاد الجسمانی،والحساب،والصراط،والجنة،النار،والمیزان،وتطایر الکتب،مما ثبت مجیؤه به تواتراً،فهل التصدیق بتفاصیله معتبرة فی تحقق الإیمان؟صرّح باعتباره جمع من العلماء.

والظاهر أن التصدیق به إجمالاً کافٍ،بمعنی أنّ المکلف لو اعتقد حقّیة کلّ ما أخبر به علیه السلام بحیث کلّما ثبت عنده جزئی منها صدّق به تفصیلاً کان مؤمناً و إن لم یطلّع علی تفصیل تلک الجزئیات بعد.

ویؤید ذلک أن أکثر الناس فی الصدر الأول لم یکونوا عالمین بهذه التفاصیل فی الأول،بل کانوا یطلعون علیها وقتاً فوقتاً مع الحکم بإیمانهم فی کل وقت من حین التصدیق بالوحدانیة و الرسالة،بل هذا حال أکثر الناس فی جمیع الاعصار کما هو المشاهد،فلو اعتبرناه لزم خروج أکثر أهل الإیمان عنه،و هو بعید عن حکمة العزیز الحکیم.

نعم, العلم بذلک لا ریب أنه من مکملات الإیمان،و قد یجب العلم به محافظة علی صیانة الشریعة عن النسیان،وتباعداً عن شبه المضلّین،وإدخال ما لیس من الدین فیه،فهذا سبب آخر لخروجه،لا لتوقّف الإیمان علیه،و هوظاهر.

وهل یعتبر فی تحقق الإیمان التصدیق بعصمته وطهارته وختمه الأنبیاء؛بمعنی:لانبی بعده،وغیر ذلک من أحکام النبوات وشرائطها؟

یظهر من کلام بعض العلماء ذلک،حیث ذکر أنّ من جهل شیئاً من ذلک خرج عن الإیمان،ویحتمل الإکتفاء بما ذکرناه من التصدیق بها إجمالاً. (1)

الإقرار بالشهادتین لساناً وقلباً

فی هذا العنوان نرید أن نتعرّض لحکم ثلاثة فروع هی:

ص:71


1- (1) .رسالة حقائق الإیمان:404.

أ)حکم المقرّ بالشهادتین-الشهادة لله بالتوحید وللنبی بالرسالة-لساناً وقلباً.

ب)حکم المقرّ بهما لساناً فقط.

ج)حکم المقرّ بهما لساناً المشکوک الإقرار بهما قلباً.

1.أمّا بالنسبة للفرع الأول:و هو الذی یقر بالشهادتین لساناً وقلباً،فهو مما لا شکّ فی إسلامه،لکونه المصداق الأوضح للأدلة التی تقول:إنّ الإسلام الظاهری هو عبارة عن الشهادتین،إذن, فهذا الفرع لا إشکال فیه،بل لا ینبغی التعرّض إلیه بالبحث بعد وضوحه جداً.

2.و أما بالنسبة للفرع الثانی:و هو من أقرَّ بها لساناً لا قلباً،فقد یقال بعدم کفایة ذلک فی الحکم بإسلامه،مستدلّاً له بعدة أدلة:

الأول:ما ذکره الشهید الثانی قدس سره (1)من أنّ الذی لا یقرُّ بالشهادتین قلباً لا یحکم بإسلامه،لأنّه یکون من قبیل المستهزأ و المشکک،ومن الواضح أنّ المستهزأ غیر جاد فی کلامه حتی یحکم بإسلامه.

وفیه:

أنّه لیس کالمستهزأ،لأنّه یکون جاد فی التکلم بهذه الکلمات،غایته هو لا یؤمن بها قلباً،وان سُلم فقد دلّ الدلیل علی قبول إسلامه کما سوف یأتی.

الثانی:و هو أیضاً للشهید الثانی قدس سره (2)وحاصله: إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ... 3 کما ذکرت الآیة الشریفة،والدین لا یتحقق إلّا بالإخلاص کما ذکرت الآیة: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ... 4 فتکون النتیجة أن الإسلام لا یتحقق إلّا مع الإخلاص،وحیث إن غیر المقرّ بالشهادتین قلباً لا إخلاص عنده فلا یکون مسلماً.

وفیه:

أنّ الکلام فی تحقق الإسلام الظاهری الذی هو موضوع لبعض الأحکام الشرعیة کالطهارة, وحقن الدم و المال و العرض, و الإرث, وما شاکل،وما یفیده هذا الاستدلال أنّ الدین و العبادة باعلی المراتب لا یتحقق إلّا بالإخلاص،فما استدل علیه غیر ما هو المدّعی.

ص:72


1- (1) .المصدر:380.
2- (2) .المصدر:380.

الثالث:ماذکره الشهید الثانی قدس سره (1)أیضاً،وحاصله:أنّ الإسلام ضد الکفر،فلا یجتمعان فی موضع واحد فی زمان واحد،ولکن الإقرار بالشهادتین لساناً فقط یجتمع مع الکفر،فإذن لا یمکن أن یکون الإقرار اللسانی فقط داخلاً تحت الإسلام.

وفیه:

أنّه لم یبین لنا کیف یجتمع الإقرار باللسان فقط مع الکفر،فهل یقصد الکفر فی قبال الإسلام الظاهری،أو یقصد الکفر فی قبال مراتب الإسلام الاُخری؟إذ کما للکفر مراتب متعددة فکذلک للإسلام مراتب متعددة،فأی منها هو المقصود:

1.فان کان یقصد الکفر فی قبال الإسلام الظاهری،فهذه مصادرة علی المطلوب،وعین المتنازع فیه.

2.وان کان یقصد المعانی الاُخری،فهذا خروج عن محل البحث.

الرابع:الاستدلال بالمروی عن العامة،من قضیة اسامة لما قتل شخصاً تشهد الشهادتین حیث کان یظن أنه تشهد الشهادتین،لا أیماناً واعتقاداً و إنّما ذلک للتخلّص،فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله:(هلا شققت قلبه). (2)

وفیه:عدم صلاحیة الاستدلال بهذه الروایة؛لکونها عامیة ضعیفة السند.

إذن, الادلة المستدل بها علی عدم کفایة تتحقق الإسلام بالشهادة الظاهریة،کلّها غیر تامة،وعلیه فالقول الأول غیر صحیح.

والصحیح هو کفایة الشهادة الظاهریة فی تحقق الإسلام،ویمکن الاستدلال علی ذلک بعدة أدلة:

الأول:الروایات التی تقول بتحقق الإسلام بمجرد الشهادتین،کموثقة سماعة:

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام أخبرنی عن الإسلام و الإیمان،أهما مختلفان؟فقال:إنّ الإیمان یشارک الإسلام،والإسلام لا یشارک الإیمان.فقلت:فصفهما لی،فقال:الإسلام:شهادة أن لا إله الا الله،والتصدیق برسول الله صلی الله علیه و آله به حقنت الدماء،وحرمت المناکح،والمواریث،وعلی ظاهره جماعة الناس،والإیمان:الهدی،وما یثبت فی القلوب من صفة الإسلام. (3)

ص:73


1- (1) .رسالة حقائق الإیمان:80.
2- (2) .نقلاً عن سند العروة الوثقی:118/2؛سنن ابن ماجة:1296/2, الرقم:3930.
3- (3) .أصول الکافی:29/2،باب الإیمان لا یشارک الإسلام...،ح1.

فإنها تدل علی کفایة التشهد اللفظی فقط فی حصول الإسلام إذ قالت:«إلاسلام شهادة أن لا إله الا الله»،ولم تذکر قید الإقرار القلبی مما یعنی عدم اعتباره،ویؤید ذلک ما رواه فی البحار:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:أن لا إله الا الله کملة عظیمة کریمة علی الله(عزّ وجل)من قالها مخلصاً استوجب الجنة،ومن قالها کاذباً عصمت ماله ودمه وکان مصیره إلی النار. (1)

ویؤید هذه الروایة ما ورد فی صحیح البخاری عن النبی صلی الله علیه و آله:

أمرت أن أقاتل الناس حتی یشهدوا أن لا إله الا الله،وأن محمداً رسول الله،ویقیموا الصلاة, ویؤتوا الزکاة،فإذا فعلوا ذلک عصموا منّی دماءهم وأموالهم. (2)

الثانی:السیرة القطعیة من الرسول صلی الله علیه و آله حیث إنّه کان یکتفی ممن یرید الدخول فی الإسلام بمجرد تشهّده الشهادتین لفظاً،فإنه کان یعلم من بعض المنافقین کأبی سفیان, ومعاویة, وأمثالها من الطلقاء وأبناء الطلقاء،بعدم اعتقادهم بها قلباً،وإنما تشهدوا الشهادتین تخلّصاً من حدّ السیف.

الثالث:قوله تعالی: ...وَ اللّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَکاذِبُونَ . (3)وقوله تعالی: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ... . (4)

فان الآیة الاولی:تدلّ علی أن هؤلاء المنافقین یکذبون فی شهادتهم أنّه رسول الله،ولکن مع ذلک کان الرسول صلی الله علیه و آله یعاملهم معاملة المسلمین من حیث الطهارة و الأحکام الشرعیة الاُخری،مما یعنی کفایة شهادتهم الظاهریة فقط فی تحقق إسلامهم الظاهری،و إن کانوا کفار الآخرة.

والآیة الثانیة:تدلّ علی أنّ هؤلاء الأعراب بالرغم من عدم تحقق الإیمان فی قلوبهم إلّا أنّهم مسلمون فی الظاهر،مما یعنی کفایة الشهادة الظاهریة فقط فی تحقق الاسلام.

تفصیل السید الخوئی

فصّل السید الخوئی قدس سره (5)فی المقام بین أمرین:

ص:74


1- (1) .بحار الأنوار:5/3،ح13.
2- (2) .صحیح البخاری:13/1.
3- (3) .المنافقون:1.
4- (4) .الحُجُرات:14.
5- (5) .دروس فی فقه الشیعة:122/3.

1.فیما یتصل بالإنسان المتولّد من أبوین مسلمین, أو أحدهما مسلماً ونشأ علی ذلک،وعبّر عنه بالمسلم التبعی،ذکر قدس سره أنّه لا یعتبر فی إسلامه الإقرار بالشهادتین،سواءً لفظاً وقلباً أو لفظاً فقط, فإنّ کلّ ذلک غیر معتبر،واستدل علی ذلک بدلیلین:

أ)السیرة المتشرعیة المتصلة بزمن المعصومین علیهم السلام علی معاملة أولاد المسلمین معاملة المسلمین من دون سؤالهم أن یقروا بالشهادتین لفظاً أو قلباً أو کلیهما عندما یبلغوا.نعم, إذا أظهروا الکفر و الجحود عند ذلک لا یحکم بإسلامهم.

ب)صحیحة محمد بن مسلم قال:

کنت عند أبی عبدالله علیه السلام جالساً عن یساره،وزرارة عن یمینه،فدخل علیه أبو بصیر،فقال:یا أبا عبدالله،ماتقول فیمن شکّ فی الله؟فقال:کافر،یاأبا محمد،قال:فشکّ فی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال:کافر،ثمّ التفت إلی زرارة،فقال:إنّما یکفر إذا جحد. (1)

ومثلها روایة زرارة(عن أبی عبدالله علیه السلام قال:

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا. (2)

بتقریب:أن المراد بالشاک بالله أو برسوله،أو بالمعاد إذا جهلوا،هم المسلمون لا حتی الکفار؛وذلک بقرینة قوله فی الروایة الاولی-إنما یکفر...وفی الثانیة-لم یکفروا-؛فانه لامعنی لتحقق الکفر من قبل الکافر،و إذا کان المراد هو خصوص المسلمین فالروایة صرحت أنّه لا یتحقق الکفر منه إلّا مع الجحود،مما یعنی:أنّ المسلم ما لم یظهر الکفر و الجحود لا یحکم بکفره،فیکون المتولّد من المسلم محکوماً بالإسلام إلّا مع إظهار الکفر و الجحود.

أقول:إنّ ما أفاده قدس سره من السیرة أمر صحیح لاغبار علیه،إلّا فی بعض الفروض-التی ربما کان السید الخوئی غیر ناظر إلیها-کمن تولد من مسلمین أو من مسلم وکافر وعاش طول عمره فی بلاد الکفر ثمّ بعد 50 سنة رجع إلی بلاد الإسلام،فهل یمکن القول إنّ السیرة شاملة لمثل ذلک؟أو هل یمکن القول إنّ السیرة شاملة لمن علم عدم إقراره بهما قلباً ولم یظهرهما لفظاً؟

أما ما أفاده من الروایتین فأمر غیر صحیح،لأنّ الروایتین و إن صرّحت بکون الکفر لا یتحقق من قبل المسلم إلّا مع الجحود،لکنها لیست فیها دلالة علی أنّ هذا المسلم یکتفی

ص:75


1- (1) .وسائل الشیعة:الباب 10 من أبواب حد المرتد،ح56.
2- (2) .وسائل الشیعة:الباب 2 من أبواب مقدمة العبادات،ح8.

بتحقق الإسلام منه, إذا کان قد تولد من مسلم،ولو لم یتشهد الشهادتین.

اذاً, الروایتان ناظراتان إلی قضیة الخروج من الإسلام و هو لا یتحقق إلّا مع الجحود،ولیس لهما نظر إلی کیفیة الدخول فیه.

3.و أما بالنسبة للفرع الثالث:و هو من أقر بالشهادتین لفظاً،وشکّ فی اعتقاده بهما قلباً.

فلا ینبغی التوقّف فی الحکم بإسلامه،لعدة أدلة:

أ)روایات تحقق الإسلام بمجرد التلفظ بالشهادتین،فإنّها بإطلاقها شاملة له.

ب)الأولویة القطعیة،فإنه إذا کانت سیرة الرسول صلی الله علیه و آله علی الحکم بإسلام من تلفّظ الشهادتین و إن لم یکن یعترف بها قلباً-کالمنافقین-فمن باب أولی أنّ یحکم بإسلام الشاک قلباً بها.

ج)لزوم الحکم بعد إسلام أغلب المسلمین،إذ لایعلم ما فی القلوب إلّا علّام الغیوب،فإذا قیل عند الشک فی الاعتقاد القلبی بالشهادتین لا یحکم بالاسلام،فهذا یعنی أننا لا نحکم بإسلام أغلب الناس،إذ من أین لنا أن نعلم ما فی قلوبهم؟!و هذا اللازم باطل فالمقدّم مثله.

4.الإقرار بالمعاد:لم یتعرض إلیه العدید من الأعلام فی کتبهم،کالحدائق،والجواهر،والشرائع،واللمعة،والمدارک،وجامع المقاصد،والمختصر النافع،والدروس،والذکری،والمسالک،ومصباح الفقیه،وغیرها.

ولکن ذکره غیر واحد بأنّه مأخوذ فی حدّ الإسلام:

1.منهم الشیخ الطوسی قدس سره:

اذا سألک سائل وقال لک:ما الإیمان؟فقل:هو التصدیق بالله وبالرسول وبما جاء به الرسول و الأئمة علیهم السلام.کلّ ذلک بالدلیل،لا بالتقلید،و هو مرکّب علی خمسة أرکان،من عرفها فهو مؤمن،ومن جهلها کان کافراً وهی:التوحید،والعدل،والنبوة،والإمامة،والمعاد. (1)

فإنّ ظاهر قوله من جهلها کان کافراً،یعنی:أن هذه الاُمور التی منها المعاد مأخوذة فی حدّ الإسلام بالاستقلال اللّهُمَّ إلّا أن یقال إنّه من غیر المعلوم کون مقصود الشیخ من الإیمان هو بمعنی الإسلام الظاهری،فلّعله یرید من الإیمان ما هو أخص من الإسلام بالمعنی الاعم.

ومن هنا تظهر احتمالات عدة منها:

1.فإمّا أنّ هؤلاء الأعلام لم یتعرّضوا لحکم الإقرار بالمعاد،لوضوحه, وعدم الحاجة لعقد بحث من أجله.

ص:76


1- (1) .رسالة فی الاعتقادات.

2.و إما أنّهم لا یرون دخوله فی حدّ الإسلام،فلا یشترط فی المسلم الظاهری أن یقر بالمعاد،نعم, یشترط ألّا ینکره ویجحده.

3.و إمّا أنّ هؤلاء یرون دخوله تحت ضروریات الدین التی یکون منکرها خارجاً عن الإسلام بزعمهم.

4.و إمّا إنهم یرون أنّ منکر المعاد هو منکر للرسالة ومکّذب بالقرآن،وعلی هذا لایکون إنکار المعاد سبباً مستقلاً للکفر بل لأجل تضمن الرسالة علیه وکونه من ابده ما أخبرت به الرسالة.

الاستدلال علی دخول الإقرار بالمعاد فی حدّ الإسلام
الدلیل الأول:الاستدلال بآیات القرآن الکریم

استدل مجموعة من الأعلام-کالسید الخوئی (1), وغیره-علی دخول الإیمان بالمعاد فی حدّ الإسلام کأمر مستقل کما فی التوحید و النبوة بمجموعة من آیات القرآن الکریم،یمکن أن نقسّمها علی عدة طوائف:

1.الطائفة الاولی: الآیات التی قرنت الإیمان بالمعاد, و الیوم الآخر بالإیمان بالله تعالی،مما یعنی:أنّ أمر المعاد کالإیمان بالله أمراً مأخوذاً علی وجه الاستقلال و الموضوعیة فی تحقق الإسلام.

من قبیل قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ... ، (2)أو قوله تعالی: وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ... أو قوله تعالی: ...اَلسَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ... 3 ،أو قوله تعالی: لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ... . (3)

ص:77


1- (1) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:53/3-54.
2- (2) .النساء:59.
3- (4) .البقرة:177.

وفیه:

أنّ مجرد عطف الإیمان بالمعاد, و الیوم الآخرعلی الإیمان بالله،لا یدلّ علی کونه أمراً مستقلاً فی تحقق الإسلام کالإیمان بالله،فعطف شیءٍ علی شیءٍ لا یعنی أنّ أحکامهما واحدة فی کلِّ شیءٍ،کما هو واضح،ومن هنا یقول السید الشهید قدس سره:

إن هذا العطف لا یدلّ علی شیءٍ من ذلک،وإنما یعبر عطف الإیمان بالیوم الآخر عن التهدید بالنار فی مقام التاکید علی ما ذکر فی صدر الکلام،من الرد إلی الله ورسوله،أو عدم کتمان ما فی الأرحام،ونحو ذلک. (1)

2.الطائفة الثانیة: قوله تعالی: إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ . (2)

وتقریب الاستدلال:أن الآیة عبّرت عن هؤلاء بنقصین:الأول:کونهم لا یؤمنون بالله،والثانی:کونهم کفاراً بالآخرة،والظاهر کونهما نقصین أحدهما فی عرض الآخر،ولا یرجع الکفر بالآخرة إلی الکفر بالله حیث یکون داخلاً ضمنه،وإلّا لما صحّ ذکره نقصاً علیهم علی حدة،و هذا یعنی سببیة کلِّ واحد منهما علی وجه الموضوعیة للکفر.

وفیه:

أنّ ذکر عدم الإیمان بالاخرة کنقص مستقل،لا یعنی کونه سبباً مستقلاً للکفر،وأحدهما لا یلازم الآخر ومن هنا فقد یکون ذکره لکونه أبرز ما اتصف به الکفار, لا أنّه أحد الأسباب المستقلّة لکفرهم.

3.الطائفة الثالثة: الآیات التی تشیر وتوصف الذین لا یؤمنون بالأصلین الأولین-الإیمان بالله و الإیمان بالرسول-أنّهم الذین لایؤمنون بالآخرة و المعاد،و هذا یظهر منه أنّ إنکار المعاد یکون سبباً مستقلّاً للکفر،مما یعنی دخله فی حدّ الاسلام. (3)

کقوله تعالی: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً . (4)

وکقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی . (5)

ص:78


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:292/3.
2- (2) .یوسف:37.
3- (3) .سند العروة الوثقی, الشیخ محمد السند:98/3.
4- (4) .الإسراء:45.
5- (5) .النجم:27.

وفیه:أنّ هذه الآیات لیس لها أی ظهور من هذا القبیل،بل لا یظهر منها حتی السببیة غیر المستقلة لإیجاب إنکار المعاد للکفر.

4.الطائفة الرابعة: الآیات التی تجعل تلازماً بین الکفر بالأصلین الأولین وبین الکفر بالمعاد و الیوم الآخر (1)،مما یعنی سببیته المستقلة،کقوله تعالی: إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ 2 أو قوله تعالی: وَ هذا کِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَکٌ مُصَدِّقُ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُری وَ مَنْ حَوْلَها وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یُؤْمِنُونَ بِهِ... 3 أو قوله تعالی: وَ إِذا ذُکِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.... 4

وفیه:

أنّ هذه الآیات لا یستکشف منها السببیة المستقلة للإیمان بالمعاد ودخوله فی حدّ الإسلام،إذ غایة ما تدل علیه أن عدم الإیمان بالمعاد معناه عدم الإیمان بالله تعالی،لا أنّ عدم الإیمان بالمعاد من حیث هو مأخوذ فی حد الاسلام،ویوجب الکفر بذاته،و إنّما یوجب الکفر من جهة انه یؤدی إلی عدم الإیمان بالله تعالی،و هذا معناه عدم کونه بذاته سبباً مستقلاً للکفر.

5.الطائفة الخامسة: الآیات التی تجعل عدم الإیمان بالآخرة هو السبب فی الجحد و اللجاج من الکفار، (2)من قبیل قوله تعالی وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ نَدُلُّکُمْ عَلی رَجُلٍ یُنَبِّئُکُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّکُمْ لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ* أَفْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِی الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِیدِ 6 أو قوله تعال: وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِیدَ هذِهِ أَبَداً* وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً* قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ... . (3)

ص:79


1- (1) .سند العروة الوثقی،الشیخ محمد السند:98/3.
2- (5) .سند العروة الوثقی،الشیخ محمد السند:99/3.
3- (7) .الکهف:35-36-37.

وفیه:

أنّ مجرد کون عدم الإیمان بالآخرة هو السبب فی الجحد و اللجاج من الکفار،لا یعنی أنّه سبب مستقل بعنوانه للدخول فی حدّ الإسلام،بل من الممکن أن یکون سبباً غیر مستقل من جهة أنّه یؤدی إلی إنکار الرسالة أو الإیمان بالله تعالی.ولعلّ الذی یقرّب ذلک أنّ الآیة الثانیة قالت: (أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ) بعد أن قالت: وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً ،فجعل عدم الإیمان بالقیامة و الآخرة طریقاً إلی الکفر بالخالق مما یعنی عدم السببیة المستقلّة لإنکار المعاد-بعنوانه-للکفر.

6.الطائفة السادسة: الآیات التی تجعل عذاب الذی لا یؤمن بالآخرة و المعاد هو نفس عذاب الکافر الأصلی، (1)مما یعنی کونه سبباً مستقلاً بذاته للکفر،وإلّا لماذا یجعل عذابه نفس عذاب الکافر،کقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ* أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ 2 أو قوله تعالی: وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً . (2)

وفیه:

أنّ مجرد کون عذاب منکر المعاد هونفس عذاب الکافر لا یعنی کونه کافراً مثله،إذ مجرد الاتحاد فی العذاب لا یستفاد ومنه ذلک،وها هم المنافقون الذین یحکم بإسلامهم الظاهری یقول عنهم القرآن الکریم:إنّهم فی الدرک الأسفل من النار،ثمّ قد یکون اتحاد منکر المعاد مع الکافر فی العذاب من جهة کون إنکار المعاد یؤدی إلی الکفر،نتیجة لکونه یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله.

و إذا قیل:صحیح إذا لاحظنا کلّ طائفة طائفة من هذه الآیات لوحدها لما کانت مفیدة لأخذ الإیمان بالمعاد بالاستقلال کحدّ فی الإسلام،ولکن لو لاحظنا هذه الطوائف من الآیات بمجموعها الکامل لحصل الاطمئنان بذلک.

قلنا:علی الرغم من إننا نؤمن بهذا المنهج-منهج جمع القرائن المتعددة إلی أن یستفاد الاطمئنان-إلا أننا نقول:إنّ قضیة حصول الاطمئنان قضیة شخصیة،تختلف باختلاف الاشخاص،

ص:80


1- (1) .المصدر.
2- (3) .الإسراء:10.

وبأختلاف القضایا،فربَّ قضیة صغیرة لیست بذات أهمیة کبیرة،یکفی فیها مجموعة قرائن قلیلة لإفادة الاطمئنان،ورب قضیة کبیرة وذات أهمیة حساسة فتحتاج إلی مجموع قرائن کبیرة کماً وکیفاً لإفادة الاطمئنان،وقضیتنا فی المقام من قبیل الثانیة لا الأولی،والقرآئن المذکورة أی:طوائف الآیات المتعددة لا نری أنّها بالمقدار الکافی-کماً وکیفاً-لإفادة الاطمئنان عندنا.

والخلاصة:أنّ طوائف الآیات المذکورة للاستدلال علی أخذ المعاد بعنوانه فی حدّ الإسلام غیر تامة،فلا یکون القول الأول تاماً.

الدلیل الثانی:الإجماع

استدل بعض الأعلام علی أخذ المعاد فی حدّ الإسلام بالإجماع فقال:

الرابع:الإیمان بالمعاد الجسمانی, و الإقرار بیوم القیامة, و الإجماع قائم علی کون الإیمان بالمعاد الجسمانی دخیل فی الإسلام. (1)

ویرده:أنّه علی فرض تحقق الإجماع من قبل المتقدّمین علی ذلک،کیف یتسنّی لنا دفع احتمال مدرکیة هذا الإجماع وکونه مستنداً إلی تلک الآیات التی ذکر کونها دالة علی أخذ الإقرار بالمعاد فی حدّ الإسلام کحدّیة الشهادتین؟،ومن المعلوم یکفینا احتمال المدرکیة لسقوط هذا الاجماع المدّعی عن الاعتبار.

الدلیل الثالث:الاستدلال بأهمیته فی القرآن و السنّة

و هذا الدلیل یرید أن یقول أصحابه،إننا لو رأینا مجموع الآیات المرتبطة بأمر المعاد بشتی جوانبه لرأیناها من الکثرة ما تفوق أی أمر تعرضت له آیات الذکر الحکیم حتی التوحید الذی هو أساس الدین،حتی یذکر أحد الاعلام: (2)أنّ عدد الآیات التی ترتبط بأمر المعاد تصل إلی 1400 آیة.

ولو حاولنا أن نستقرأ الروایات الواردة فی کتب أحادیث المسلمین،لوجدناها تفوق هذا العدد،ومن هنا یأتی هذا القول:إنّ أمراً من الأهمیة الکبری بهذا الشکل الذی یؤکد علیه دین الله،کیف لا یکون من أرکانه وحدوده المقوّمة له؟!.

ص:81


1- (1) .عمدة الطالب فی التعلیق علی المکاسب:188/1.
2- (2) .المعاد للشهید مطهری+:5-48.

و هذا الدلیل قد یکون هو مراد السید السبزواری قدس سره فی مهذب الأحکام،حیث قال:

فرع:المعاد من ضروریات الدین،فهل یکون منکره کافراً،حتی مع الاعتقاد بالتوحید و الرسالة،أو أنّه کسائر الضروریات لا یوجب الکفر إلّا إذا رجع إنکاره إلی إنکار التوحید،أو الرسالة؟قولان:أقربهما الأول،لکثرة الاهتمام فی الکتاب و السنة به. (1)

وفیه:

1.النقض بولایة أهل البیت علیهم السلام،وما یرتبط بذلک من شوؤنهم،فإنّه ورد عندنا فی الروایات أن ثلث القرآن مرتبط بهم علیهم السلام وفی رویات اخری ربعه (2)وعلی الرغم من ذلک لم تؤخذ ولایتهم و إمامتهم کحدٍّ ورکن مقوم للإسلام الظاهری أو الإیمان بالمعنی الأعم،و إنّما کانت حداً ورکناً مقوماً للإسلام الحقیقی الواقعی أو الإیمان بالمعنی الأخص.

2.إنّ التأکید علی أمر المعاد فی القرآن و السنة،بحیث لم یؤکد علی أمر آخر فی الإسلام مثله،إذا أردنا أن نقیس ذلک ونوازنه لحدّ للإسلام الظاهری الذی تترتب علیه بعض الأحکام الشرعیة فی هذه الدنیا،کالطهارة،وجواز المناکحة،وحقن الدم،واحترام المال و العرض،وماشاکل،أو حدّ للإسلام الواقعی الحقیقی و الإیمان بالمعنی الأخص الذی تتوقف علیه تلک الحیاة السعیدة الأبدیة و النعیم الدائم بجوار الأنبیاء و الأولیاء و الصالحین وما أعد من قُرة أعین.اذا أردنا أن نوازن بین هذین الأمرین،فلا شک تترجح کفّة الإسلام الواقع الحقیقی المعبّر عنه بالإیمان بالمعنی الأخص،فإن المناسب لتأکید القرآن و السنة بصورة کبیرة کمّا وکیفاً علی أهمیة المعاد أن یکون حدّاً ورکناً مقوماً للإسلام الواقعی و الإیمان بالمعنی الأخص.

إن قلت:لم لا یکون رکناً مقوماً للأمرین أی للإسلام الظاهری و الإسلام الواقعی.

قلت:إنّ ما یقف حائلاً دون کونه حدّاً مقوماً للإسلام الظاهری،تلک الروایات المتقدّمة التی بینت أنّ الإسلام الظاهری الذی تترب علیه تلک الاحکام هو محض الشهادتین،مضافاً إلی أنّ المعلوم من سیرة الرسول صلی الله علیه و آله؛أنّه لم یکن یطالب المشرکین و الکفار عند دخولهم فی الإسلام أکثر من الإقرار بالشهادتین،فلم یکن یشترط علیهم من البدایة الإقرار بالمعاد.

ص:82


1- (1) .مهذب الاحکام:388/1.
2- (2) .راجع هذه الروایات فی:شواهد التنزیل لقواعد التفصیل:43/1-47.
الاستدلال علی عدم أخذ الإیمان بالمعاد فی حدّ الاسلام

ویمکن أن یستدل علی عدم أخذ الإیمان بالمعاد کأمر مستقل فی حدّ الإسلام الظاهری بعدة أدلة:

الدلیل الأول:قوله تعالی: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... 1 بتقریب أنّ الآیة الکریمة تجعل الإیمان-الذی هو فی الآیة بمعنی الإسلام الظاهری-یدور أمر تحققه بالإیمان بالله ورسوله،ولم تذکر أی أمر آخر أخذ فی حدّه،فلو کان الإقرار بالمعاد مأخوذاً فی الحدّ لذکرته الآیة الکریمة.

إن قلتَ:إنّ عدم الإیمان بالمعاد یلازم عدم الإیمان برسالة الرسول صلی الله علیه و آله لأنّه أخبر بتحقق المعاد-سواءً علی لسانه أو علی لسان القرآن-ووجوب الإیمان به،مما یعنی:أنّه مأخوذ فی حدّ الإسلام.

قلت:إنّ بحثنا فی أخذه فی حدّ الإسلام علی نحو الموضوعیة والاستقلال،وما ذکرتم لا یثبت ذلک،وإنما یثبت أن الإیمان به إنّما هو من توابع الإیمان بالنبی صلی الله علیه و آله ورسالته،أی بعبارة واضحة:أن انکاره حیث یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله؛فلذلک یجب الإیمان به،أمّا أن عدم الإیمان به یؤدی للکفر علی وجه الاستقلال فهذا مما لایستفاد من أی دلیل.

ولذا نری السید الشهید الصدر قدس سره یقول:(وعلیه فدخل الإیمان بالمعاد فی الرسالة إنما هو باعتبار کونه من أوضح وأبده ما اشتملت علیه الرسالة،ولیس قیداً مستقلاً فی الاسلام). (1)

الدلیل الثانی:الاستدلال بمجموعة من الروایات التی تصرّح بکون حدّ الإسلام الظاهری الذی هو فی قبال الإسلام الواقعی المعبر عنه بالإیمان بالمعنی الأخص،هو عبارة عن شهادة(أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله)،کما فی موثقّة سماعة المتقدّمة حیث ورد فیها:

الاسلام:شهادة أن لا اله الا الله،والتصدیق برسول الله صلی الله علیه و آله به حقنت الدماء،وحرمت المناکح،والمواریث،وعلی ظاهره جماعة الناس.... (2)

ص:83


1- (2) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:293/3.
2- (3) .ُاصول الکافی:29/2،باب ان الإیمان لا یشارک الاسلام،ح1.

وغیرها من الروایات (1)،فإننّا نلاحظ أن هذه الروایة لم تأخذ فی حدّ الإسلام الظاهری غیر هذین الأمرین،مما یعنی عدم اشتراط أی أمر آخر علی وجه الموضوعیة والاستقلالیة فی تحقق حد الإسلام الظاهری لا المعاد ولا أی أمر آخر غیره.

الدلیل الثالث:السیرة القطعیة الجاریة من الرسول صلی الله علیه و آله علی قبول إسلام الناس فی ذلک العصر بمجرد تشهدهم الشهادتین،فلم نسمع أو ینقل الینا أنه صلی الله علیه و آله کان یشترط علیهم أن یقرّوا بالمعاد،ویشهدوا أنّهم یؤمنون به علی وجه الموضوعیة والاستقلالیة؛لکی یقبل إسلامهم،مما یعنی عدم أخذه فی حدّ الإسلام علی وجه الاستقلالیة و الموضوعیة.

والخلاصة:

أنّ الصحیح:أن الإیمان بالمعاد هو من لوازم الإیمان بالرسالة وتصدیق الرسول صلی الله علیه و آله،لأنه کما ذکر السید الشهید قدس سره من أوضح ما أشتملت علیه الرسالة،و هذا یعنی عدم أخذ الإیمان به فی حدّ الإسلام علی وجه الموضوعیة والاستقلالیة،کما فی الأصول الثلاثة الاُولی(الإیمان بأصل وجود الله،والإیمان بتوحیده،والإیمان بالرسالة ونبوّة النبی)؛فإن هذه الاُمور هی حدود الإسلام الظاهری التی یدخل الإنسان بموجب الإقرار بها فی دائرة المسلمین و الإسلام.

دائرة الإقرار بالمعاد

هنا نرید أنّ نعرف ما هی دائرة وحدّ الإقرار بالمعاد؛لکی یکون الإنسان مسلماً, سواء قلنا:إنّه من حدود الإسلام الرئیسیة کما هو حال التوحید و النبوة،أو قلنا:إنّه من لوازم الإقرار بالرسالة-فإنه لا یخفی علی الباحث،أن فی المعاد بحوثاً متعددة:

1.من قبیل أنّ المعاد هل هو جسمانی وروحانی أو هو جسمانی فقط أو هو روحانی فقط؟!.

2.ومن قبیل،إذا قلنا:إنّه جسمانی روحانی أو جسمانی فقط،فهل الجسم المُعاد هو عین هذا الجسم الدنیوی العنصری أو هو مثله لاعینه؟!.

3.ومن قبیل أن الآخرة هل هی عین هذه النشأة أو هی نشأة اخری؟!.

4.و إذا کانت نشأة اخری هل قوانینها نفس قوانین عالم المادة أو تلک النشأة لها قوانینها الخاصة بها؟!.

ص:84


1- (1) .راجع.هذه الروایات فی:بحار الأنوار:309،242/68 باب الفرق بین الإیمان و الإسلام،فإنّه ذکر فی هذا الباب روایات متعددة بهذا الشأن.

وعشرات البحوث الاُخری.

فهل یا تری یحتاج الإنسان أن یقرّ ویؤمن بکلّ هذه الاُمور أو بعضها علی الأقل لیدخل فی دائرة الإسلام أو یکفی الإیمان بأصل تحقق المعاد من دون الحاجة إلی التعرّض لهذه التفصیلات؟!.

والجواب:ذکر العدید من العلماء أنّه یجب الإقرار بالمعاد الجسمانی فقط،أمّا الأبحاث و المسائل الاُخری فی المعاد،فلیست مأخوذة فی حد الاسلام،وإلّا للزم القول بعدم إسلام أغلب المسلمین،خصوصاً فی ذلک العصر،اذ إنهم لا یعرفون هذه المسائل،وبعضها لم تخطر علی بالهم أصلاً.

قال السید الخوئی قدس سره:

4.الإیمان بالمعاد الجسمانی, و الإقرار بیوم القیامة, و الحشر و النشر وجمع العظام البالیة, وإرجاع الأرواح فیها،فمن أنکر المعاد, أو أنکر کونه جسمانیاً فهو کافر بالضرورة. (1)

هذا علی القول الذی یری دخل عنوان الإقرار بالمعاد استقلالاً فی حدّ الإسلام, کالتوحید و الرسالة،أما علی القول الثانی؛أی:القول الذی یری الإقرار بالمعاد من لوازم الرسالة وما أخبرت به-فالبحث سوف یأخذ لوناً آخر،إذ سوف تکون هذه المسألة داخلة تحت ذلک البحث المعروف،فی أنّ إنکار ما علم ثبوته فی الدین ضرورة هل یستلزم الکفر لأخذ عنوان الضروری بذاته فی حدّ الإسلام،أم أنّ أنکاره لا یستلزم الکفر إلا إذا استلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی؟وبالتالی لا تکون میزة لإنکار خصوص ما علم بعلم ضروری بل یشمل حتی المعلوم بعلم نظری لأنّه أیضاً یستلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله.

ومن هنا:فمن علم بهذه التفریعات فی المعاد،سواءً بعلم ضروری أو نظری،سوف تتسع فی حقه دائرة الإیمان بالمعاد لتشمل بالإضافة إلی أصل المعاد الجسمانی ما علم من خصوصیات المعاد،وذلک لأن إنکار هذه الخصوصیات مع العلم بثبوتها فی الرسالة،یؤدی إلی إنکار أصل الرسالة،ومن لم یعلم بهذه الخصوصیات،سوف لا تتسع فی حقّه دائرة الإیمان بالمعاد،و إنّما تشمل فقط أصل الإیمان بالمعاد الجسمانی و الإقرار به،إذ مع عدم علمه سوف لا یتحقق ذلک اللازم الباطل.

ص:85


1- (1) .مصباح الفقاهة:390/2.

نعم, بناءاً علی رأی السید الشهید الصدر قدس سره فی تفسیر الإلتزام الإجمالی بالشریعة و الرسالة،إذا احتمل ثبوت أحد هذه الخصوصیات فی الرسالة واقعاً وکانت الرسالة مشتملة علیه واقعاً،فلابدّ أن یعقد قلبه علیه أیضاً إذا کان ثابتاً فی الواقع،حتی لا یلزم ذلک اللازم الباطل.

تفریعات
اشارة

إن إنکار الاُصول الثلاثة الرئیسیة للإسلام أو بإضافة المعاد الیها،له أشکال وصور متعددة:

1.فتارة یکون الإنکار مع العلم بثبوت هذه الاُصول و الأرکان فی الدین،و هو المعبّر عنه بالجحود،کما قالت الآیة الکریمة: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ... . (1)

2.واُخری یکون عن جهل وغفلة،و هذا تارة یکون عن جهل قصوری وأخری عن جهل تقصیری.

3.وثالثة یکون عن إکراه أو عن تقیة.

والسؤال یقع هنا:هل یحکم بالکفر علی المنکر فی جمیع هذه الأقسام،أم أنّ الأمر یختلف،ولا یکون الحکم بالکفر شاملاً لجمیع هذه الأقسام؟

والجواب:لابدّ من التعرض لکلّ فرع من هذه الفروع علی حده.

الفرع الأول:حکم الإنکار عن علم(الجحود)

و هذا الأمر لا ینبغی عقد بحث لأجله،بعد کونه المصداق الأوضح للإنکار،فکلّ ما تقدّم یشمله بلا إشکال،بل الأمر مع الجحود لا یختص بالاصول الثلاثة أو بأضافة المعاد الیها بل یشمل کل جزئیات الدین،فإنه مع العلم بثبوت أی أمر فی الدین،ومع ذلک ینکره العالم به،سوف یلزم الحکم بکفره،لأنه سوف یؤدی إلی انکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،ومن الواضح أن تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة معناه إنکار لرکن أساسی مأخوذ فی حدّ الدین،فیحکم بکفر مثل هکذا إنسان.

الفرع الثانی:حکم الإنکار عن جهل وغفلة

والحکم هنا کالحکم فی الفرع السابق،فإنّ من أنکر هذه الاُمور عن جهل،سواءً استند

ص:86


1- (1) .النمل:14.

جهله إلی قصوره کما لو کان من المستضعفین أو استند جهله إلی تقصیره،یحکم علیه بالکفر،والسبب فی ذلک:أنّ کلّ الأدلة المتقدّمة-سواء الآیات،أو الروایات،أو السیرة القطعیة-اعتبرت فی حدّ الإسلام الإقرار بالاُمور المذکورة،و هذا یعنی:أن عدم الإقرار بها لا یدخل الإنسان فی الإسلام،ولا تترتب علیه احکامه من الطهارة،وجواز المناکحة،والتوریث،وحقن الدم،واحترام المال و العرض،وغیر ذلک من الأحکام،بلا فرق بین کونه لم یقر بذلک عن جحود أو عن جهل سواء عن قصور أو عن تقصیر،مما یعنی بقاؤه علی أحکام الکفر من النجاسة وعدم احترام دمه وماله وعرضه وغیر ذلک من أحکام الکفار.

نعم, إذا کان عدم الإقرار عن جهل قصوری فإنّه هنا لاعقاب علیه،لقبح عقاب الجاهل القاصر عقلاً.هذا کلّه بالنسبة إلی الاُصول و الأرکان الرئیسیة الثلاثة غیر المعاد.

أما بالنسبة للمعاد،ففیه تفصیل:

1.فإذا قلنا کمقالة بعض الأعلام:من أخذ الإقرار به علی وجه الموضوعیة والاستقلال فی حدّ الإسلام،کما هو الأمر فی وجود الحق تعالی وتوحیده و الإقرار بالرسالة،فهنا لا یفرق الأمر بین إنکار المعاد عن علم أو عن جهل سواء عن قصور أو تقصیر،إذ مع الإنکار عن جهل سوف لا یتحقق حد الاسلام.نعم مع الإنکار عن جهل قصوری لا عقاب کما تقدم.

2.أما إذا قلنا کمقالة السید الشهید الصدر قدس سره:من أنّ الإقرار بالمعاد غیر مأخوذ فی حدّ الإسلام علی وجه الاستقلال و الموضوعیة،و إنّما هو من لوازم وتوابع الإیمان بالرسالة،فهنا الأمر یختلف:

أ)فاذا کان الإنکار وعدم الإقرار بالمعاد عن جهل تقصیری،حکم بالکفر،فیما إذا کان هذا الجاهل محتملاً لثبوت أمر المعاد فی الرسالة،کما هو الأعم الأغلب فی فرض الجاهل المقصر،فاذا أنکره و الحال هذه فسوف یکون منکراً لامر محتمل الثبوت فی الرسالة،و هذا فی الحقیقة یتنافی مع الإیمان الاجمالی بالرسالة الذی ذکرناه فیما سبق،فلا یکون مثل هکذا إنسان مؤمناً حقاً بالرسالة،ولأجل ذلک یحکم بکفره وخروجه عن دائرة الإسلام.

ب)و أما إذا کان عدم الإقرار و الإنکار لجهل قصوری،فلا یحکم علیه بالکفر،فیما إذا لم یکن محتملاً لثبوته فی الرسالة کما هو الأعم الأغلب فی فرض الجاهل القاصر،و إذا لم یکن محتملاً لذلک فهو فی الحقیقة مؤمن بالرسالة إجمالاً وباقٍ فی دائرة الإسلام.

ص:87

الفرع الثالث:الإنکار عن إکراه أو لتقیة

و أمّا الإنکار وعدم الإقرار عن إکراه أو لتقیة کما لو کان یخاف من الظالم،فله صورتان:

1.أن یکون الإنسان مؤمناً قلباً بالله تعالی وبالرسالة للرسول صلی الله علیه و آله،ولکن خوفه من السلطان الظالم الکافر مثلاً یمنعه من تلفظ الشهادتین.

و هذا یحکم بإسلامه،لدلالة القرآن و الروایات علی ذلک:

أ)فمن القرآن قوله تعال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... 1 فان هذه الآیة جعلت الإسلام یدور مدار الإیمان بالله ورسوله،مما یعنی الحکم باسلام من آمن قلباً بالله ورسوله وان لم یتلفظ الشهادتین.

ب)ومن الروایات:نفس الروایات التی تجعل حدّ الإسلام هو الشهادتین،فإنّ موثّقة سماعة المتقدّمة قال:«والتصدیق برسول الله»،و هذا العنوان صادق علی الشخص الذی یؤمن برسول الله صلی الله علیه و آله قلباً؛ولکنه لم یشهد لفظاً بذلک،مما یعنی کفایة التصدیق القلبی،فی الحکم بالإسلام.

إن قلتَ:هذا صحیح فی التصدیق برسول الله،إلّا أنّ الموثقة بالنسبة للشهادة لله تعالی بالألوهیة و التوحید قالت:(الاسلام:شهادة أن لا إله الا الله...)و هذا العنوان غیر صادق علی التشهد القلبی و إنّما لصدقه یحتاج إلی التشهد اللفظی.

قلت:إنّ لم نناقش فی ذلک،ونقول بصدقه علی التشهد القلبی کذلک،فنقول:إنّ هذا الإشکال یتماشی مع قضیة الجمود علی الألفاظ الموجودة فی النص،ولا یحاول أن یدقق فی نکات ودقائق النص لیصل إلی المراد،ونحن إذا نظرنا إلی فقرة(والتصدیق برسول الله)الشاملة بإطلاقها للتصدیق القلبی،عرفنا کذلک ان فقرة(شهادة ان لا إله الا الله)تشمل کذلک الشهادة القلبیة،إنّ قضیة استکشاف المراد من خلال القرائن الموجودة فی فقرات النص لهو أوفق بالذوق العقلائی-الذی تبتنی علیه قضیة الظهور-من الجمود علی فقرة هنا أو هناک فی النص الدینی.

وکذلک یمکن الاستدلال بمثل صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السلام قال:

إنّ مَثَلَ أبی طالب مثل أصحاب الکهف،أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرکٍ فآتاهم الله أجرهم مرتین (1)

ص:88


1- (2) .وسائل الشیعة:باب 29،من أبوب الامر و النهی ح1.

فان هذه الروایة نستفید منها أنّ کلّ من أسر الإیمان-سواءً أظهره فی مکان أو لم یظهره لفظاً فی مکان-وأظهر الشرک هو مؤمن حقاً.

2.أن یکون مظهراً للشهادتین،ولکن أضطر لإکراه من قبل ظالم أو تقیة وخوفاً من ظالم لإنکارها،وإظهار الکفر.

ومثل هکذا إنسان لا إشکال فی بقائه علی الإسلام،وعدم تحقق الارتداد منه بمثل هکذا فعل،ویمکن أن یستدل علی ذلک قرآنیاً وروائیاً.

أ)أما قرآنیاً:

فقوله تعالی: مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ . (1)

فإنّ هذه الآیة تدل علی أنّ الإنسان لا یکفر إذا اکره علی إظهار الکفر مادام قلبه مطمئناً بالإیمان،هذا إذا لاحظنا الآیة بذاتها.

أمّا إذا لاحظناها من خلال سبب نزولها و هو قضیة عمار بن یاسر لما أکرهه المشرکون علی إظهار الکفر،فالأمر یکون أوضح،فلاحظ ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبی عبدالله علیه السلام...وماله الا ما مضی علیه عمار بن یاسر حیث أکرهه أهل مکة وقلبه مطمئن بالایمان،فقال له النبی صلی الله علیه و آله عندها:

یاعمار, إن عادوا فعد،فقد أنزل الله عذرک وأمرک أن تعود إن عادوا. (2)

نلحظ ما ذکره الزمخشری بشأن هذه الآیة:

روی أن اناساً من أهل مکة فتنوا،فارتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فیه،وکان فیهم من اکره وأجری کلمة الکفر علی لسانه و هو معتقد بالإیمان،منهم عمار بن یاسر, وأبواه یاسر وسمیة, وصهیب, وبلال, وخباب, وسالم عذبوا...فأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مکرهاً. (3)

وکذلک نلحظ المراغی یقول:

من نطق بکلمة الکفر وقایة لنفسه من الهلاک وقلبه مطمئن بالإیمان لا یکون

ص:89


1- (1) .النحل:106.
2- (2) .المصدر:باب 29،من أبواب الأمر و النهی, ح2.
3- (3) .تفسیر الکشاف:430/2.

کافراً،بل یعذر کما فعل عمار بن یاسر حیث أکرهته قریش علی الکفر فوافقها مکرهاً وقلبه ملیء بالإیمان،وفیه نزلت آیة: مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ... . (1)

ب)و أما روائیاً:

فهناک طائفتان من الروایات یمکن أن یستدل بها علی المطلوب،أحدهما روایات عامة،والاُخری روایات خاصّة بالمقام:

1.أما الروایات العامة:فهی الروایات التی تبیح کلّ شیءٍ یضطر إلیه الإنسان حال الضرورة،مما یعنی أن الإنسان لو اضطر لإظهار الکفر لاکراه أو تقیة فإنه لاشیءَ علیه،ولا یخرج بذلک عن حدّ الإسلام،ونکتفی من هذه الروایات بروایتین:

الاولی:صحیحة زرارة, عن أبی جعفر علیه السلام قال:

التقیة فی کلّ ضرروة،وصاحبها أعلم بها حین تنزل به. (2)

الثانیة:صحیحة محمد بن مسلم وزارة:

قالوا:سمعنا أبا جعفر علیه السلام یقول:التقیة فی کل شیء یضطر إلیه ابن آدم فقد أحله الله له. (3)

2.و أما الروایات الخاصة:فهی متعددة بعضها تام السند،وبعضها ضعیف السند.

منها:صحیحة هشام بن سالم المتقدمة:

عن أبی عبدالله علیه السلام قال:إنّ مثل أبی طالب مثل أصحاب الکهف،أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرتین. (4)

ومنها:الروایات الواردة فی قضیة عمار بن یاسر،التی ذکرنا واحدة منها.

الفرع الرابع:الإنکار عن عصبیة وغضب

لو أنکر الإنسان الاُصول الأساسیة فی الإسلام عن غضب وعصبیة،کما لو کفر بالله تعالی أو بتوحیده أو بالرسالة و هو فی حالة غضب،فهل یخرجه ذلک عن الإسلام ویتحقق منه الارتداد أم لا؟

ص:90


1- (1) .تفسیر المراغی:137/1.
2- (2) .وسائل الشیعة:باب 24 من أبواب الامر و النهی،ح14.
3- (3) .وسائل الشیعة:باب 25 من أبواب الامر و النهی،ح2.
4- (4) .المصدر:باب 29 من أبواب الامر و النهی،ح1.

والجواب:ینبغی التفصیل فی صور الإنکار عن غضب:

1.فتارة یصل الإنسان فی حالة الغضب إلی حَدِّ لایکون مختاراً وقاصداً لما یتکلّم،فیکون أشبه بالمجنون.

وفی مثل هذه الصورة لا عبرة بمثل هذا الإنکار،ولا یخرجه عن حَدِّ الاسلام؛لأنّ أحد الشروط المذکورة لتحقق الارتداد هو الاختیار،ومثل هکذا شخص لا اختیار له فی ما تکلّم به من الإنکار،فلا یکون قاصداً أصلاً لما تکلّم به.

2.وتارة اخری لا تصل حالة الغضب إلی تلک الحالة من سلب الاختیار.

وفی مثل هذه الحالة ینبغی التفصیل:

أ)بینما إذا کان المنکر قاصداً للمراد الجدّی من الإنکار،فیحکم بکفره وارتداده.

ب)وبینما إذا کان قاصداً فقط للمراد الاستعمالی من دون الجدّی للإنکار،فلا یحکم بکفره وارتداده.

و إذا قلت:لماذا هذا التفصیل؟!.

قلنا:لما کانت الإرادة الاستعمالیة موجودة حتی عند الهازل،ولا یمکن الحکم بکفر وارتداد الهازل فی إنکاره،فلذلک اشترط فی تحقق الکفر والارتداد بالإنکار وجود الإرادة الجدّیة للإنکار.

حکم منکر القِسْم الثانی من ضروری الدین
اشارة

وهی کما قلنا:إنّ الأجزاء الرئیسیة فی الدین غیر المقوّمة لأصل الدین کوجوب الصلاة و الصیام و الحجّ و الزکاة وما شاکل هذه الاُمور،وحیث إن مثل هذه الاُمور معلوم وجوبها فی الشریعة المقدّسة بعلم ضروری-علی الاختلاف فی ملاک الضرورة-فلذلک سوف تکون مثل هذه الاُمور مصداق الاتحاد للضرورات الدینیة علی کلّ الضوابط المدّعاة لضروری الدین،ونتیجة لذلک سوف یتّحد البحث فی تحدید حکم منکر ضروری الدین فی هذه المصادیق بین ضابطتنا المختارة وبین البحث،الذی عقده الأعلام بعنوان حکم منکر ما علم ثبوته فی الدین ضرورة.

نعم, عنوان ما علم ثبوته فی الدین ضرورة-ضروری الدین عند الأعلام-هو أعم من عنوان ضروری الدین من القسم الثانی عندنا-الأجزاء الأساسیة فی الدین من دون أن تکون

ص:91

مقوّمة لأصل الدین ومأخوذة فی حدّه-إذ قد یکون أمراً ما معلوماً بالضرورة من الدین ولکنه لیس من الأجزاء الأساسیة للدین.

وکذلک لیس کلّ ما هو من الأجزاء الأساسیة-ضروری الدین عندنا من القسم الثانی-معلوماً بالضرورة من الدین،إذ قد یکون أمر ما معلوماً بعلم نظری أنّه من الأجزاء الأساسیة،کما لو قام خبر الثقة علی ذلک-أی کونه من الأجزاء الأساسیة-فإنّ العلم الحاصل من خبر الثقة لیس علماً ضروریاً.

وعلی هذا سوف تکون النسبة بین ضروری الدین عند الأعلام-ماعلم ثبوته فی الدین ضرورة-وبین ضروری الدین من القسم الثانی عندنا،هی نسبة العموم و الخصوص من وجه،إذ یشترکان فی الأمر الذی یکون من الأجزاء الأساسیة للدین،ومعلوم بعلم ضروری،لانظری،ویفترقان فی الأمر الذی یکون من الأجزاء الأساسیة للدین وغیر معلوم بعلم ضروری،وفی الأمر المعلوم بعلم ضروری ولیس من الأجزاء الأساسیة للدین؛ولکن حیث إنّ الأعلام لم یفرّقوا فی بحثهم عن حکم منکر الضروری بین الضروری الذی یکون جزءاً أساسیاً للدین کوجوب الصلاة و الصوم،وبین ما لم یکن جزءاً أساسیاً وذلک لأنّ الضوابط التی قرروها للضروری تستدعی ذلک،فنحن نسایرهم فی ذلک ولا نفصٌل-و إن کانت الضابطة التی ذکرناها تقصر الضروری من القسم الثانی فیما کان جزءاً رئیسیاً فی الدین-.

وعلی أی حال سوف یتضح الحکم فی القسم الثانی من ضروری الدین عندنا،عند بیان هذا البحث الفقهی فی کلمات الأعلام وکیف استدلوا علی مدّعیاتهم؟!.

إنکار ما علم ثبوته فی الدین ضرورة
اشارة

یوجد اتجاهان بین الفقهاء فی هذه المسألة:

1.اتجاه یری سببیة إنکار الضروری للکفر بالذات.

2.واتجاه آخر لا یری السببیة،و إنّما یری أن إنکار الضروری إذا أدّی إلی تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة،فهو یستلزم الکفر و إن لم یؤدِ إلی ذلک فلا یستلزم الکفر.

وطبیعی کما قلنا سابقاً:کلا الاتجاهین لم یفرق فیما إذا کان الضرروی جزءاً رئیسیاً فی الدین أو لم یکن کذلک.

والفرق بین القولین:

إنّه علی الرأی الأول

ص:92

1.سوف توجد موضوعیة مستقلّة لعنوان الضروری،فلا یشمل الحکم بالتکفیر للأمر المنکِر إذا لم یکن ضروریاً وکان نظریاً.

2.وأنه سوف یلزم الحکم بکفر منکر الضروری،سواءً إذا کان الإنکار عن علم أو عن جهل وشبهة،علم المنکر بضرورة ما ینکره أو لم یعلم.

بینما علی الرأی الثانی سوف لا توجد موضوعیة للضروری،إذ سوف تکون تلک الملازمة ثابتة حتی لو کان الأمر المنکَر لیس ضروریاً لکن کان معلوماً للمنکر بعلم نظری لاضروری،بل تکون ثابتة حتی لو کان المنکر أمراً محتمل الثبوت فی الرسالة،وکان المنکر ملتفتاً إلی هذا الاحتمال،فإنه سوف یکون غیر ملتزم إجمالاً بالرسالة،لأنّه ذکرنا فیما سبق أنّ دائرة الالتزام الإجمالی بالرسالة تشمل الأمر المحتمل أیضاً.

القول الأول:السببیة المستقلة لتحقق الکفر

ومدعی کثیر من الأعلام أن عنوان إنکار الضروری بذاته وبالاستقلال یوجب الکفر حتی لو لم یستلزم تکذیب النبی وإنکار الرسالة،ولا یفرقون بین ما إذا کان ذلک الأمر المعلوم بالضرورة من الدین،جزءاً رئیسیاَ فی الدین أو لم یکن جزءاً رئیسیاً فی الدین.وإلیک جملة من کلمات بعضهم:

1.المحقق الحلی فی الشرایع:

العاشر:الکافر،وضابطُهُ:کل من خرج عن الإسلام،أو من انتحلهُ،وجحد ما یعلم من الدین ضرورة, کالخوارج و الغُلاة. (1)

2.الشهید الثانی فی الروضة البهیة:

والکافر أصلیاً،ومرتداً:وان انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضروریاته.وظابطه:من أنکر الإلهیة،أو الرسالة،أو بعض ما عُلم ثبوته من الدین ضرورة. (2)

3.العلامة الحلی فی التذکرة:

لافرق بین أن یکون الکافر أصلیاً أو مرتداً،ولا بین أن یتدین بملّة أو لا،ولا بین المسلم اذا أنکر ما یعلم ثبوته من الدین ضرورة وبینة،وکذا لو اعتقد المسلم ما یعلم نفیه من الدین ضرورة. (3)

ص:93


1- (1) .شرائع الاسلام:64/1-65.
2- (2) .الزبدة الفقهیة فی شرح الروضة البهیة:80/1-84.
3- (3) .تذکرة الفقهاء:68/1.

4.الشهید الأول فی الدروس:

والکافر أصلیاً،أو مرتداً،أو منتحلاً الإسلام جاحداً بعض ضروریاته, کالخارجی, و الناصبی, و الغالی, و المجسمی. (1)

5.المحقق الثانی(الکرکی)فی جامع المقاصد:(قوله:

وسواء انتمی إلی الإسلام...)إنتمی إلیه:أنتسب ذکره فی القاموس،والمراد به:إظهار الشهادتین المقتضی لکونه من جملة المسلمین مع ارتکابه ما یقتضی کفره،بنحو إنکار شیءٍ من ضروریات الدین. (2)

6.السید محمد بن علی الموسوی العاملی فی المدارک:

المراد بمن خرج عن الإسلام:من باینه کالیهود و النصاری.وممن انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة:من انتمی إلیه وأظهر التدین به لکن جحد بعض ضروریاته.... (3)

7.صاحب الجواهر:

...لکن قد یقال:إنّ ذلک کلّه منافٍ لما عساه یظهر من الأصحاب کالمصنّف وغیره خصوصاً من عبر بالإنکار منهم،و إن کان الظاهر إرادته منه الجحود هنا من تسبیب إنکار الضروری الکفر لنفسه،حیث أناطوه به،حتی نقل عن غیر واحد منهم ظهور الإجماع علیه من غیر إشارة منهم إلی الاستلزام المذکور-إلی ان یقول-(فدعوی)أن إنکار الضروری یثبت الکفر ان استلزم إنکار النبی مثلاً،فمتی علم أن ذلک کان لشبهة وإلّا فاعتقاده بالنبی صلی الله علیه و آله مثلاً ثابت لم یحکم بکفره،لا شاهد علیها،بل هی مخالفة لظاهر الأصحاب،وکأنّ منشأها عدم وضوح دلیل الکفر بدونها علی مدعیها.... (4)

8.صاحب الریاض:

الثامن:الکافر أصلیاً ومرتداً, ومن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضروریاته،وضابطه من أنکر الإلهیة أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدین ضرورة. (5)

وغیر هؤلاء کثیر ممن صرح بهذه الدعوی.

ملاحظة:إنّ بعض من ذکرنا کلماتهم ذکر حالة الجحود،ومن هنا قد یقال:«إنّ کلمات

ص:94


1- (1) .الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة:124/1.
2- (2) .جامع المقاصد فی شرح القواعد:162/1.
3- (3) .مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام:294/2.
4- (4) .جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام:46/6-48.
5- (5) .ریاض المسائل فی تحقیق الأحکام بالدلائل:79/2.

بعضهم غیر ظاهرة فی إرادة کون إنکار الضروری بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الکفر؛لأنّ کلمة الجحود لاتصدق إلّا مع حالة الإنکار عن علم،والقول الأول یری تحقق الکفر بإنکار الضروری سواءً کان الإنکار عن علم أو عن جهل وشک وشبهة،علم المنکر بضروریة ما ینکر أو لم یعلم».

نعم, إذا کان هولاء یرون أنّ الجحود یستعمل فیما هو أعم من الإنکار عن علم،ویشمل حتی حالة الإنکار عن جهل وشکّ وشبهة،فسوف یکون هناک مجال لموافقة کلماتهم للقول الأول.

القول الثانی:السببیة غیر المستقلّة لتحقق الکفر

وفی قبال هذه الدعوی،وجدت دعوی اخری تبناها کثیرٌ من العلماء-سیما فی عصرنا-تقول:

إنّ إنکار الضروری بذاته لا یؤدی إلی الکفر،و إنّما یؤدی إلی الکفر فیما إذا استلزم تکذیب النبی صلی الله علیه و آله،وإنکار الرسالة أو التوحید و الإلوهیة،وإلیک جملة من کلمات بعضهم:

1.ماذکره العلامة فی المنتهی مستدلاً علی کفر منکری الإمامة:

...لأنّ الإمامة من أرکان الدین واُصوله و قد علم ثبوتها من النبی صلی الله علیه و آله ضرورة و الجاحد لها لایکون مصدقاً للرسول فی جمیع ما جاء به؛فیکون کافراً. (1)

2.ما ذکره الهمدانی فی مصباح الفقیه:

وکیف کان فالمعتبر فی الإسلام-الذی به یخرج من حدّ الکفر،وتترتب علیه الآثار العملّیة علی ما یستفاد من النصوص و الفتاوی بعد التأمل و التدبرّ-إنّما هو الشهادة بالتوحید و الرسالة وتصدیق الرسول صلی الله علیه و آله فی جمیع أحکامه علی سبیل الإجمال،المستلزم للتدّین بالأحکام الضروریة الثابتة فی الشریعة من وجوب الصلاة و الزکاة و الصوم و الحجّ ونحوها من الضروریات التی لا تکاد تختفی شرعیتها علی من تدین بهذا الدین،فمثل هذه الاشیاء و إن لم یکن الاعتراف بحقیتها تفصیلاً من مقومات الدین لکن التدّین بها وعدم إنکارها شرط فی تحقق الإسلام،فإنّ إنکار مثل هذه الاُمور المعروف ثبوتها فی الشریعة یناقض الاعتراف الإجمالی بصدق النبی صلی الله علیه و آله وحقیة شریعته. (2)

ص:95


1- (1) .نقلاً عن کتاب الحدائق الناضرة, للشیخ یوسف البحرانی:175/5-176.
2- (2) .مصباح الفقیه:269/7-270.

ویقول أیضاً:

لکن لیعلم أنّ إنکار الضروری أو غیره من الأحکام المعلومة الصدور عن النبی صلی الله علیه و آله لیس ضروری التنافی للتصدیق الإجمالی،بل قد یجتمعان بواسطة بعض الشکوک و الشبهات الطارئة علی النفس،فلیس الإنکار فی مثل الفرض منافیاً للإیمان بالله ورسوله،فلا یکون موجباً للکفر،إلا أن نقول بکونه من حیث هو-کالکفر بالله ورسوله-سبباً مستقلاً له،کما هو صریح بعض،وظاهر آخرین.

بل ربما استظهر ذلک من المشهور حیث جلعوه قسیماً للأوّلین.

وفیه تأمل:نظراً إلی ما صرّح به غیر واحد-بل قد یقال:إنّه هو المشهور عندهم-من استثناء صورة الشبهة،و هو لا یناسب سببیته المستقلّة. (1)

3.ما ذکره الشیخ جعفر الکبیر فی کشف الغطاء-

ثانیهما:ما یترتب علیه الکفر بطریق الاستلزام کإنکار بعض الضروریات الإسلامیة،والمتواترات عن سید البریة،کالقول بالجبر و التفویض و الإرجاء،والوعد و الوعید،و قدم العالم،و قدِم المجردات،والتجسیم،والتشبیه بالحقیقة،والحلول والاتحاد،ووحدة الوجود أو الموجود أو الاتحاد،أو ثبوت الزمان و المکان أو الکلام النفسی،أو قدم القرآن،أو الرؤیة البصریة فی الدنیا و الآخرة،أو أنّ الأفعال بأسرها مخلوقة لله،أو صدور الظلم منه،أو إنکار الإمامة المستلزمة لإنکار النبوة،أو البغض لبعض الأئمة مع التدّین به وعدمه،مع التظاهر وعدمه ونحوها.

و هذه, إن صرّح فیها باللوازم أو اعتقدها؛کفر،وجری علیه حکم الارتداد الفطری،وإلّا فان یکن عن شبهة عرضت له واحتمل صدقه فی دعواها استتیب وقبلت توبته.... (2)

4.ما ذکره المقدس الأردبیلی:

الضروری الذی یکفر منکره الذی ثبت عنده یقیناً کونه من الدین ولو بالبرهان ولو لم یکن مجمعاً علیه،إذ الظاهر أنّ دلیل کفره هو إنکار الشریعة وإنکار صدق النبی صلی الله علیه و آله.... (3)

5.ما ذکره المحقق القمی فی غنائم الأیام:

ثمّ مامّر من الکافر هو ما قابل المسلم،و هو من أنکر أحد الاُصول الثلاثة:التوحید

ص:96


1- (1) .المصدر:271/7.
2- (2) .کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغرّاء:356/2.
3- (3) .مجمع الفائدة و البرهان:199/3.

والنبوة و المعاد،بل الأصلین الأولین،فإنّ الثالث یرجع إلی إنکار الأولین،لکونه إنکاراً للبدیهی من الدین،بل جمیع الأدیان،وکلّ منکر للبدیهی منه کافر،لأنّه یرجع إلی إنکار المخبر عنه أو صدقه. (1)

6.ما ذکره السید الیزدی فی العروة الوثقی:

...والمراد بالکافر:من کان منکراً للألوهیة أو التوحید أو الرسالة أو ضروریاً من ضروریات الدین مع الالتفات إلی کونه ضروریاً بحیث یرجع إنکاره إلی إنکار الرسالة.... (2)

7.ما ذکره السید الحکیم فی المستمسک:

...ومجرّد کونه ضروریاً لا یوجب کفر منکره،إلّا بناءاً علی کون انکار الضروری سبباً مستقلاً للکفر،و قد عرفت عدم ثبوته فالمتبع الدلیل الوارد فیه بالخصوص. (3)

8.ما ذکره السید الخوئی فی فقه الشیعة:

...والمشهور هو الأوّل کما فی مفتاح الکرامة.لکن التحقیق هو الثانی؛لعدم ثبوت دلیل تعبدی علی کفر منکر الضروری مطلقاً.نعم, لو کان مرجعه إلی إنکار الرسالة أوجب الکفر،ولا یکون ذلک إلّا مع العلم و الإلتفاف إلی کونه ضروریاً،کما أن لازمه کفر منکر الحکم المعلوم مطلقاً،ولو لم یکن ضروریاً. (4)

9.ما ذکره السید الإمام الخمینی فی تحریر الوسیلة:

العاشر:الکافر،و هو من انتحل غیر الإسلام،أو انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة،بحیث یرجع جحوده إلی إنکار الرسالة،أو تکذیب النبی صلی الله علیه و آله أو تنقیص شریعته المطهرة،أو صدور منه ما یقتضی کفره من قول أو فعل.... (5)

10.ما ذکره السید الشهید الصدرفی بحوث شرح العروة:

والقید الآخر ماذکره جماعة من الفقهاء،بل ادعی أنّه المشهور،و هو:أن لا یکون منکراً لضروری من ضروریات الدین،ومنکر الضروری تارة:یؤدی إنکاره هذا إلی إنکار الرسالة؛لالتفاته إلی الملازمة بینها وبین ما أنکره.وأخری:یری عدم هذه الملازمة بینها،فلا یسری الإنکار إلی أصل الرسالة.ففی الأول لاإشکال فی کفره،و إنّما

ص:97


1- (1) .غنائم الأیام فی مسائل الحلال و الحرام:414/1.
2- (2) .العروة الوثقی:61/1.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی:380/1.
4- (4) .فقه الشیعة:111/3-112.
5- (5) .تحریر الوسیلة:102/1.

الکلام فی الثانی الذی یکون کفره مبنیاً علی أخذ القید المذکور تعبداً فی تحقق الإسلام.و قد استدل علی ذلک ببعض الروایات. (1)

ثمّ ناقش قدس سره کل هذه الروایات،وأثبت عدم دلالتها علی المدعی،مما یعنی انه لا یری استقلالیة انکار الضروری فی إثبات الکفر،بل یراه یؤدی إلی الکفر اذا استلزم تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وانکار الرسالة.

الاستدلال علی سببیة إنکار الضروری بذاته لتحقق الکفر
اشارة

استُدل علی هذه الدعوی بأدلة عدة:

الدلیل الأول [الإجماع]

الإجماع, الذی قد یستظهر من کلمات غیر واحد من الفقهاء،علی کون إنکار الضروری بذاته وعنوانه یکون سبباً مستقلاً للکفر.قال فی مفتاح الکرامة:

وهنا کلام فی أنّ جحود الضروری کفر فی نفسه, أو یکشف عن إنکار النبوة مثلاً؟ظاهرهم الأول واحتمل الاُستاذ, الثانی،قال:فعلیه لو احتمل وقوع الشبهة علیه لم یحکم بتکفیره إلّا أنّ الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ینبغی. (2)

وقال صاحب الریاض:

و أما الحجة علی نجاسة الفرق الثلاث ومن أنکر ضروری الدین فهو الإجماع المحکی عن جماعة.... (3)

وفیه:

1.أنّ الإجماع المعتبر الذی یستکشف منه قول المعصوم،نحتاج إلی إحرازه فی کلمات المتقدّمین کالشیخ الطوسی, و المفید, و المرتضی, و الصدوق, و الکلینی،ومن هو فی هذه الطبقة،والملاحظ أن مسألة إنکار الضروری،وأنه یستوجب الکفر لذاته أو لأنّه یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،لم تحرر وتذکر فی کلماتهم حتی یستکشف الإجماع،فإنّه کما ذکر بعض العلماء أنّ أول من ذکرها هو المحقق الحلی فی الشرائع.

ص:98


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:293/3.
2- (2) .مفتاح الکرامة،للسید جواد الحسینی العاملی.
3- (3) .ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلائل:83/2.

إن قلت:إنّ المتقدمین حکموا بکفر النواصب و الخوارج و الغلاة والمفوضة و المجسمة،إذ لیس ذلک إلا لأنّهم ینکرون ما هو ضروری من ضرویات الدین،أو یلتزموا بما هو باطل بالضرورة وکذلک ذکروا بعض الفتاوی الفقهیة التی یستفاد منها ذلک،من قبیل،ما ذکره المفید فی المقنعة:

وتجتنب الأکل و الشرب فی آنیة مستحلّی شرب الخمر وکلّ شراب مسکر (1)

ومن قبیل ما ذکره الشیخ فی الخلاف:

من ترک الصلاة معتقداً أنها غیر واجبة کان کافراً یجب قتله بلا خلاف (2)،وفی النهایة:(من شرب الخمر مستحلاً له حلّ دمه...ومن استحل المیتة أو الدم أو لحم الخنزیر ممّن هو مولود علی فطرة الإسلام فقد ارتد بذلک عن دین الإسلام ووجب علیه القتل بالاجماع (3)فان هذه الأحکام رتبت علی هولاء لیس الا لکونهم ینکرون ضروری الدین.

و هذا یعنی أن المتقدّمین یلتزمون بکفر منکر الضروری؛وأنه سبب بذاته لتحقق الکفر؛ومن هنا یکون الإجماع متحققاً.

قلت:إنّ ماذکر کما ینسجم مع کون إنکار الضروری بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،کذلک ینسجم مع کون الإنکار یؤدی إلی الکفر فیما إذا استلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،فلعل المتقدّمین حکموا بکفر المذکورین للثانی لا للأول.نعم, سیأتی تعمیق أکثر لإثبات الإجماع فی الدلیل الثالث،وسوف نجیب علی ذلک أیضاً.

2.وحتی لو سلمنا کون المسألة محررة فی کلمات المتقدمین،ومجمع علیها بینهم،فنقول من أین لنا أن ننفی احتمال مدرکیة هذا الإجماع،فلعلَّ هؤلاء المجمعین استندوا إلی الروایات التی استدل بها علی سببیة إنکار الضروری بذاته وبالاستقلال لإیجاب الکفر.وما دام هذا الاحتمال موجوداً،فمثل هکذا أجماع لا یکون إلّا محتمل المدرک،ومن المعلوم عند أصحاب الفن أن الإجماع المحتمل المدرکیة لیس بحجة،و إنّما لابدّ أن ینظر إلی نفس المدرک لیری تمامیته أو عدم تمامیته.

ص:99


1- (1) .المقنعة:14،من سلسلة مؤلفات الشیخ المفید.
2- (2) .الخلاف, للشیخ الطوسی.
3- (3) .النهایة ونکتها:316/3-319.

3.حتی لو تنزلنا وقبلنا وجود إجماع تعبدی کاشف عن قول المعصوم علیه السلام عند المتقدّمین،لکن نقول:إن الإجماع لا یعدّ دلیلاً لفظیاً یمکن التمسک بإطلاقه،حتی یقال:إنّ إنکار الضروری سبب مستقل للکفر سواء یستلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله أو لم یستلزم ذلک،و إنّما هو-الإجماع-دلیل لُبی،ومن المعلوم أن الدلیل اللُبی عند الشک فی شموله لبعض الحالات یتمسک به فی المقدار المتیقن،وفی مقامنا نحن نشک أن الإجماع هل هو قائم علی کون إنکار الضروری بذاته سبباً مستقلاً للکفر أو أنه سبب للکفر؛لأنه یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،والمقدار المتیقن من قیام الإجماع،هو فیما إذا أدّی إنکار الضروری إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،فیتمسک به فی هذا المقدار المتیقن.وعلیه فاذا کان الإجماع دلیلاً تاماً،فهو علی القول الثانی،لا القول الأول الذی یراد الاستدلال علیه.

الدلیل الثانی [الدین الإسلامی]

إنّ الدین الإسلامی عبارة عن منظومة متکاملة فی الاُصول و الفروع سواءً أکانت أصولاً أم فروعاً رئیسیة أو جزئیة،فالإنسان یحتاج لکی یکون فی إطار الإسلام،أن یتدّین بکلّ هذا المجموع،فلو أنکر أی جز من أجزاء هذه المنظومة سوف یکون خارجاً عن إطار هذا الدین ویحکم علیه بالکفر،ومن هنا لو أنکر الإنسان حکماً ضروریاً من هذا الدین،فإنه سوف یخرج عن هذا الدین،لأنه بأنکاره هذا لم یؤمن ویتدین بکلِّ هذا الدین.

و هذا الدلیل أشار إلیه المحقق الهمدانی فی مصباح الفقیه حیث یقول:

منها:إن الإسلام عرفاً وشرعاً عبارة عن التدین بهذا الدین الخاصّ الذی یراد منه مجموع حدود شرعیة منجّزة علی العباد،فمن خرج من ذلک ولم یتدین به کان کافراً غیر مسلم،سواء لم یتدّین به أصلاً أو تدین ببعضه دون بعض أی بعضٍ کان. (1)

وفیه:

1.إنّ هذا الدلیل أعم من المدّعی،إذ إنّه لا یختص بمنکر الضروری بل یشمل حتی لو أنکر المسلم حکماً نظریاً من أحکام الإسلام،فإنه علی ذلک أیضاً لم یتدین بحکم من أحکام الإسلام،فیکون خارجاً عن الإسلام،بل یشمل إذا ما کان الإنکار عن علم أو عن جهل قصُوریاً أو تَقْصِیریاً،وهل یلتزم المستدل بذلک.

ص:100


1- (1) .مصباح الفقیه:267/7-277.

2.صحیح أن الإسلام هو عبارة عن مجموع أحکامه،ولکن هذا الإسلام له مراتب متعددة متفاوتة الدرجات وکذلک متفاوته الأحکام،وما هو فی قباله-أعنی الکفر-أیضاً له مراتب وأحکام متفاوتة:

أ)فتارة یطلق الکفر ویراد منه مایقابل أصل الإسلام.

ب)وأُخری یطلق الکفر ویراد منه مایقابل الإیمان الذی هو أخص من أصل الاسلام.

ج)وثالثة یطلق الکفر،ویراد منه کفر المعصیة و الفسق.

د)ورابعة یطلق الکفر فیما یقابل الشکر،کما فی الآیة الکریمة: إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً . (1)

إلی غیر ذلک من استعمالات کلمة الکفر.

اذا اتضح هذا نقول:أنّ مجرد إنکار حکم من أحکام الإسلام لا یعنی الخروج من أصل الإسلام, وبذلک تترتب الأحکام الخاصّة بالکافر من النجاسة،وعدم التوریث, وعدم المناکحة،وعدم احترام الدم و المال و العرض،وغیر ذلک من الأحکام المترتبة علی أصل الإسلام المسمّی بالإسلام الظاهری،و إنّما لترتب هذه الأحکام نحتاج إلی دلیل خاص،نستفید منه ذلک،نعم, مثل هکذا شخص یطلق علیه کافر بلحاظ المرتبة العالیة من الإسلام،ولکنّ هذا لا یفید فی المقام،لأنّ کلامنا فی الکفر المقابل للمرتبة الأولی من الإسلام المعبّر عنها بالإسلام الظاهری.

3.ماذکره المحقق الهمدانی فی مصباح الفقیه, بقوله:

وفیه:ماعرفت فیما سبق من أنّ المعتبر فی الإسلام إنّما هو التدین بجمیع ما جاء به النبی صلی الله علیه و آله إجمالاً بمعنی الاعتراف بصحتها وصدق النبی صلی الله علیه و آله فی جمیع ما جاء به علی سبیل الإجمال, و أما التدین بها تفصیلاً فلا یعتبر فی الإسلام قطعاً،فالإنکار التفصیلی ما لم یکن منافیاً للتصیدق الإجمالی-بان کان المنکر معترفاً بخطئه علی تقدیر مخالفة قوله لما جاء به النبی صلی الله علیه و آله لا یوجب الخروج مما یعتبر فی الإسلام. (2)

الدلیل الثالث [قضیة کفر النواصب و الخوارج]

قضیة کفر النواصب و الخوارج لأنّهم ینکرون ضروری الدین،حیث صرح بذلک الکثیر

ص:101


1- (1) .الإنسان:3.
2- (2) .مصباح الفقیه:277/7.

من العلماء،و هذه لا تنسجم إلا مع سببیة إنکار الضروری بذاته وبالاستقلال لإیجاب الکفر،لأنّ الکثیر من النواصب و الخوارج یرون فی بغض أهل بیت العصمة و الطهارة ومحاربتهم،تقرباً إلی الله تعالی-ولو لجهلهم بمنزلتهم وما ذکره الله ورسوله فی حقهم فی قرآنه وفی السنة النبویة الشریفة-و هذا یعنی التزامهم الإجمالی بالرسالة،و إنّ ذلک اللازم الباطل-و هو إنکار الرسالة وتکذیب النبی-لا یأتی فی حقهم.

و هذا الدلیل ذکره المحقق الهمدانی فی مصباح الفقیه،واستشکل علیه بعد ذلک. (1)

وفیه:

1.إنّ هذا الدلیل لا یلزم القائل بکون إنکار الضروری بذاته لا یستوجب الکفر،إذ إنّه یستطیع أن یبقی علی مقالته هذه،ویحکم بکفر النواصب و الخوارج للروایات التی تدل علی ذلک بالخصوص.

2.الظاهر أنّ المستدل یرید من خلال هذا التقریب أن یثبّت وجود التسالم و الإجماع علی سببیة إنکار الضروری بذاته للکفر.

ولکن هذا یرد علیه:

أنّ المتقدمین الذین هم مَدار الإجماع لم یذکروا أنّ السبب فی کفر النواصب و الخوارج هو قضیة إنکارهم للضروری حتی یأتی التقریب المتقدّم،فلعلهَّم استندوا فی کفرهم للرویات التی تثبت ذلک.

3.أنّ البغض و العداوة و المحاربة من قبل النواصب و الخوارج،تکون منافیة للتصدیق الإجمالی بالرسالة،فمن البعید فی کثیر من النواصب و الخوارج أن لا یحتملوا-علی الأقل-ثبوت محبة أهل البیت علیهم السلام فی الرسالة،وأنّها مما أخبر بها الصادق الأمین،فلو أنکروها و الحال هذه فسوف یکون ذلک منافیاً للتصدیق الاجمالی بالرسالة،وعلیه یستوجب الکفر.

إذاً کفر النواصب و الخوارج من جهة إنکارهم للضروری کما ینسجم مع القول الأول،و هو سببیة الإنکار بالذات للکفر،کذلک ینجسم مع القول الثانی،و هو سببیة الإنکار من جهة الاستلزام.

الدلیل الرابع(الروایات)

و هو العمدة فی المقام،الاستدلال بمجموعة من الروایات،وهی علی طوائف:

ص:102


1- (1) .المصدر:282/7-283.
1.الطائفة الاولی

ما دلّ علی أنّ مرتکب الکبیرة باعتقاد أنّها حلال, هو کافر.

أ)صحیحة عبدالله بن سنان قال:

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یرتکب الکبیرة فیموت،هل یخرجه ذلک عن الإسلام،و إن عذّب کان عذابه کعذاب المشرکین،أم له مدّة وانقطاع؟فقال:من ارتکب کبیرة من الکبائر،فزعم أنّها حلال أخرجه ذلک من الإسلام،وعُذّب أشدَّ العذاب،و إن کان معترفاً أنه ذنب،ومات علیها أخرجه من الإیمان ولم یخرجه من الإسلام،وکان عذابه أهون من عذاب الأول. (1)

ب)روایة مسعدة بن صدقة (2):

ص:103


1- (1) .وسائل الشیعة:33/1،الباب 2،من أبواب مقدمة العبادات،ح10.
2- (2) .عبرنا عنها بالروایة-و إن ذکر الکثیر من الأعلام أنّها موثقة-باعتبار عدم ورود توثیق لمسعدة بن صدقة،إلّا قضیة وروده فی أسانید تفسیر القمی،ولهذا بنی السید الخوئی+ علی وثاقته،ولکنا لا نقول بهذا المبنی ولا نری تمامیة تلک الکبری،ووثاقة کل من ورد فی أسانید تفسیر القمی،ولیس محل تنقیح هذه الکبری هنا. ولکن بشکل مجمل ومختصر نقول فی ردّ هذه القضیة: إنّ السید الخوئی+ استند فی تمامیة هذه الکبری إلی عبارة علی بن إبراهیم القمی فی تفسیره التی یقول فیها:(ونحن ذاکرون ومخبرون بما ینتهی إلینا من مشایخنا وثقاتنا عن الذین فرض الله طاعتهم...)[تفسیر القمی:16/1،فقال السید الخوئی«....فان علی بن إبراهیم یرید بما ذکره إثبات صحة تفسیره،و أنّ روایاته ثابته وصادره من المعصومین ،وأنّها انتهت الیه بواسطة المشایخ و الثقات من الشیعة،وعلی ذلک فلا موجب لتخصیص التوثیق بمشایخه الذی یروی عنهم علی بن إبراهیم بلا واسطة کما زعمه بعضهم»[معجم رجال الحدیث:49/1-50]و قد ذکرت مناقشات متعددة علی کلام السید الخوئی+ أغلبها یمکن الخدشة فیها وردّها إلا واحدة:حاصلها:أنه یحتمل قویاً أن عبارة(وثقاتنا)هی عطف تفسیر لکلمة(مشایخنا)و هذا معناه أن علی بن إبراهیم یرید أن یخبر عما ورد إلیه من خلال مشایخه هو الثقات،ولیس هو بصدد توثیق کل الرواة الواردین فی تفسیره. وحیث إن هذا الاحتمال وارد،وذلک الاحتمال وارد أیضاً،فلا معین لظهور العبارة فی أحد الاحتمالین دون الآخر،فتکون مجملة،ویقتصر فیها علی القدر المتیقّن و هو توثیق مشایخه المباشرین بل یمکن دعوی أقربیة کون علی بن أبراهیم لیس بصدد توثیق جمیع رواة کتابه،وإلا لکان معنی ذلک التزام علی بن إبراهیم بوثاقة یحیی بن أکثم الوارد فی ج1،ص356،الذی لا یمکن القول بوثاقته. نعم, قضیة أن التفسیر الموجود بأیدینا هل کله لعلی بن إبراهیم, أو انه ملفّق من تفسیرین؟!تحتاج لبحث لا یسعه المقام. قضیة اتحاد مسعدة بن صدقة مع مسعدة بن زیاد قد یقال:إننا نثبت وثاقة مسعدة بن صدقة،من خلال إبراز عدة قرائن تثبت اتحاده مع مسعدة بن زیاد الذی وثقه النجاشی،حیث قال عنه:«مسعدة بن زیاد الربعی ثقة،عین...»[رجال النجاشی ص415]. وتلک القرائن هی: 1.إنّ الراوی لکتابیهما هو هارون بن مسلم عن عبدالله بن جعفر الحمیری. 2.إن مسعدة بن زیاد تارة یوصف بالربعی کما عنونه النجاشی کذلک،وتارة أخری یوصف بالعبدی فی أسانید بعض الروایات-کما ذکر الشیخ الطوسی فی[التهذیب:1303/7]-کُما أن مسعدة بن صدقة یوصف بالربعی-کما ذکر الصدوق فی[الفقیه:1737/3،ج464،4]،ح478 وفی مشیخة الفقیه فی طریقه الیه،وکذلک وصف الشیخ الطوسی مسعدة بن صدقة بالربعی-کما فی التهذیب:729/3،والاستبصار:ج1،ح 1702،وج9،ح 706-مما یعنی أنهما شخص واحد تارة یوصف بالعبدی واخری بالربعی. 3.إن کلیهما فی طبقة واحدة،حیث إنّ کلیهما من أصحاب الباقر و الصادق. وفیه:بالاضافة إلی کون هذه القرائن بمجموعها-بغض بالنظر عن المناقشة فی کل واحد منها-لا تفید الاطمئنان بالاتحاد،بالاضافة إلی ذلک توجد قرائن فی قبالها تدل علی عدم الاتحاد،و إنّ هناک إثنینیة: أ)إن کلاً من النجاشی, و الشیخ الطوسی عنونا الاثنین مما یعنی وجود شخصین بینهما مغایرت. ب)أن النجاشی ذکر أنّ مسعدة بن زیاد له کتاب فی الحلال و الحرام،و أنّ مسعدة بن صدقة له کتب متعددة منها کتاب خطب أمیر المؤمنین*،فلو کانا شخصاً واحداً لقال النجاشی فی حقّ مسعدة بن زیاد له کتب متعددة منها:کتاب الحلال و الحرام. ج)ان الشیخ ذکر أن مسعدة بن صدقة عامی, وذکر الکشی أنه بتری،ولم یذکروا ذلک فی ابن زیاد, وحتی النجاشی لم یذکر ذلک مما یعنی التغایر بینهما.

قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول:الکبائر القنوط من رحمة الله،والیأس من روح الله،والأمن من مکر الله،وقتل النفس التی حرّم الله،وعقوق الوالدین،وأکل مال الیتیم ظلماً،وأکل الربا بعد البینة،والتعرّب بعد الهجرة،وقذف المحصنة،والفرار من الزحف،فقیل له:أرایت المرتکب للکبیرة یموت علیها،أتخرجه من الإیمان،و إن عذب بها فیکون عذابه کعذاب المشرکین أوله انقطاع؟فقال:یخرج من الإسلام إذا زعم أنها حلال ولذلک یعذّب أشد العذاب،و إن کان معترفاً بأنها کبیرة وهی علیه حرام وأنه یعذّب علیها وأنها غیر حلال،فإنه معذّب علیها و هو أهون عذاباً من الأول ویخرجه من الإیمان ولا یخرجه من الإسلام. (1)

بعبارة أدق:إن قوله علیه السلام من ارتکب کبیرة من الکبائر،فزعم أنها حلال أخرجه ذلک من الإسلام...)مطلق،یشمل باطلاقه کل من ارتکب کبیرة سواء کانت حرمة هذه الکبیرة ضروریة أو غیر ضروریة لزم من إنکارها تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وانکار الرسالة أو لم یستلزم

ص:104


1- (1) .وسائل الشیعة:33/1،الباب 2 من أبواب مقدّمة العبادات،ح11.

ذلک،وبهذا یثبت أنّ إنکار الضرروی یکون بذاته سبباً مستقلاً للکفر،وکما قلنا:إنّ إطلاق الروایة یقتضی ذلک.

مناقشات حول الروایة

ذکرت عدة مناقشات من قبل الأعلام فی مقام ردّ دلالة الروایة علی المدّعی:

المناقشة الأولی

ما ذکره-الهمدانی قدس سره من أن هذه الصحیحة لا یمکن العمل باطلاقها،لأنّ لازم هذا الإطلاق الحکم بکفر مُستحل الکبیرة سواءً کانت حرمتها ضروریة أو نظریة،وسواء أکان المکلّف عالماً بالحرمة أم جاهلاً بها،وسواءّ أکان جاهلاً قصوراً أم تقصیراً،فتشمل حتی من هو جدید العهد بالإسلام-سواءً فی أرض الإسلام أو فی بلاد الکفر-وکذلک تشمل المجتهد المخطئ فی حکمه للواقع ومقلدیه فیما لو افتی بحلیة شیء،وکان فی الواقع حراماً ومن الکبائر،وسار معه مقلدوه علی ذلک،فإنّ کلّ ذلک هو من مصادیق الجاهل القاصر.

حیث إنّه لا یمکن الالتزام بکفر مثل هؤلاء،فإذاً, لابد من رفع الید عن إطلاق هذه الصحیحة،والاقتصار فیها علی القدر المتیقن و هو من کان عالماً بحرمة ما استحله،وعلی هذا سوف یکون الحکم بکفر مثل هذا من باب منافاة عمله للتصدیق الإجمالی بالرسالة بلا فرق بین أن یکون ما ارتکبه, کانت حرمته ضروریة أو نظریة،لامن باب کون إنکار الضروری بذاته وبالاستقلال یکون موجباً للکفر.

قال قدس سره:

ویتوجّه علی الاستدلال بمثل الروایات-بعد الغض عمّا فی بعضها من الخدشة من حیث الدلالة-أن استحلال الحرام أو عکسه موجب للکفر من غیر فرق بین کونه ضروریاً أو غیره،بل بعضها کالصریح فی الإطلاق،وحیث لا یمکن الالتزام بإطلاقها یتعین حملها علی إرادة ما إذا کان عالماً بکون ما استحله حراماً فی الشریعة،فیکون نفی الإثم عن نفسه واستحلاله منافیاً للتدین بهذا الدین،ومناقضاً للتصدیق بما جاء به سید المرسلین،فیکون کافراً،سواء کان الحکم فی حدّ ذاته ضروریاً أم لم یکن. (1)

وردّه السید الخوئی قدس سره:

بأن مقتضی القاعدة هو الأخذ بالإطلاق إلّا فیما قام الدلیل علی خلافه،والصحیحة-بإطلاقها-تشمل جمیع الأقسام،العالم بالحکم الضروری وغیره،والجاهل به قصوراً أو

ص:105


1- (1) .مصباح الفقیه:279/7.

تقصیراً،ویخرج منه بالإجماع الجاهل القاصر،کالمجتهد المخطئ ومقلده،ونحوهما،ویبقی الباقی تحت الإطلاق،ومنه منکر الضروری. (1)

فأذن مناقشة المحقق الهمدانی تکون غیر تامة.

المناقشة الثانیة

وهی نفس الاولی ولکن بصیاغة اخری،حیث ذکر السید الحکیم قدس سره فی المستمسک،أنّ الروایة لا یمکن الأخذ بإطلاقها؛لشمولها للضروری وغیر الضروری،فیدور الأمر بین تقییدها بخصوص الضروری،أو تقییدها بخصوص صورة العالم بکون ما ارتکبه حراماً شرعاً،وحیث لا مرجح للاحتمال الأول علی الثانی-بل یمکن القول بترجیح الثانی بقرینة الروایات الاخری التی تقید بالجحود المختص بصورة العلم-فسوف تکون الروایة مجملة،وعلیه لا یمکن التمسک بها لإثبات المدّعی،بل یقتصر عند الاجمال علی القدر المتیقن و هو صورة العلم بالحرمة.

قال قدس سره:

و أمّا النصوص فهی ما بین مشتمل...ومطلق لا یمکن الأخذ باطلاقه،لعمومه للضروری وغیره،وتخصیصه بالضروری لیس بأولی من تخصیصه بصورة العلم،بل لعل الثانی أولی بقرینة ما اشتمل منها علی التعبیر بالجحود المختص بالعلم،ولو فرض التساوی فالمتیقن الثانی. (2)

ویرده:نفس الجواب عن المناقشة الاولی،إذ یقال إننا نتمسّک بالإطلاق الشامل للضروری وغیره،وتبقی قضیة الجاهل القاصرکالمجتهد المخطئ ومقلدیه،خارجة عن الإطلاق إمّا بالإجماع کما ادعاه السید الخوئی أو بالادلة الاخری کالروایات التی تصرّح بمعذریة الجاهل التی لا شک فی شمولها للجاهل القاصر،مثل حدیث رفع التسعة الذی ورد فیه فقرة«رفع ما لا یعلمون»،أو الروایات التی تقول:«أی أمرءً رکب أمراً بجهالة فلا شیء علیه». (3)

المناقشة الثالثة

ما أفاده السید الخوئی قدس سره بقوله:

ص:106


1- (1) .دروس فی فقه الشیعة:115/3.
2- (2) .مستمسک العروة الوثقی:379/1.
3- (3) .وسائل الشیعة،باب 45 من ابواب تروک الاحرام،ح3.

فالصحیح فی الجواب عنها أن یقال:إن الکفر المترتب علی ارتکاب الکبیرة بزعم حلیتها لیس هو الکفر المقابل للإسلام الذی هو المقصود بالبحث فی المقام،وذلک لأنّ للکفر مراتب عدیدة.

منها:ما یقابل الإسلام،ویحکم علیه بنجاسته،وهدر دمه وماله وعرضه،وعدم جواز مناکحته وتوریثه من المسلم،و قد دلت الروایات الکثیرة علی أنّ العبرة فی معاملة الإسلام بالشهادتین اللتین علیهما أکثر الناس کما تأتی فی محلّها.

ومنها:ما یقابل الإیمان ویحکم بطهارته،واحترام دمه وماله وعرضه،کما یجوز مناکحته وتوریثه إلّا أنّ الله سبحانه یعامل معه معاملة الکفر فی الأخرة،و قد کنّا سمّینا هذه الطائفة فی بعض أبحاثنا:بمسلم الدنیا وکافر الآخرة.

ومنها:ما یقابل المطیع،لأنّه کثیراً ما یطلق الکفر علی العصیان, ویقال:إنّ العاصی کافر،و قد ورد فی تفسیر قوله(عزّ وجلّ): إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً 1 ما مضمونه أنّ الشاکر هو المطیع و الکفور هو العاصی (1), وورد فی بعض الروایات أنّ المؤمن لا یزنی ولا یکذب،فقیل کیف هذا مع أنا نری أن المؤمن یزنی ویکذب،فاجابوا علیهم السلام بأن الإیمان یخرج عن قلوبهم حال عصیانهم ویعود إلیهم بعده فلا یصدر منهم الکذب مثلاً حال کونهم مؤمنین.

وعلی الجملة أنّ ارتکاب المعصیة لیس بأقوی من إنکار الولایة لأنّها من أهم ما بنی علیه الإسلام کما فی الخبر،و قد عقد لبطلان العبادة بدونها باباً فی الوسائل،فإذا لم یوجب إنکارها الحکم بالنجاسة والارتداد فکیف یکون ارتکاب المعصیة موجباً لهما؟

فالموضوع للآثار المتقدّمة من الطهارة واحترام المال و الدم وغیرهما إنّما هو الاعتراف بالوحدانیة و الرسالة و المعاد ولیس هناک شیء آخر دخیلاً فی تحقق الإسلام وترتب آثاره المذکورة،نعم, یمکن أن یکون له دخل فی تحقق الإیمان،و هذا القسم الأخیر هو المراد بالکفر فی الروایة و هو بمعنی المعصیة فی قبال الطاعة ولیس فی مقابل الإسلام.فلا یکون مثله موجباً للکفر و النجاسة وغیرهما من الآثار. (2)

ص:107


1- (2) .وسائل الشیعة:ج1،باب 2 من أبواب مقدمة العبادات،ح5.
2- (3) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:58/3-59.

وفیه:

إنّ ماذکره السید الخوئی قدس سره وجیه لو عبّرت الروایة بکلمة الکفر التی یمکن أن نحملها علی معنی المعصیة،ولکنّ الروایة عبّرت بالخروج من الإسلام حیث قالت:

من ارتکب کبیرة من الکبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلک من الإسلام

ومثل هذا التعبیر ظاهر عرفاً بالخروج بالکلیة من دائرة الإسلام لا الخروج من بعض مراتبه.

و إذا قلت:بأمکان السید الخوئی قدس سره أن یقول:لا یضر ذلک،فالمراد لیس الخروج من أصل الإسلام،وإنما الخروج من بعض مراتبه التی هی مرتبة الإسلام بمعنی الإطاعة.

قلت:مضافاً إلی أنّ ذلک خلاف الظاهر عرفاً،لا یمکن المصیر إلیه لأنّ الروایة فصّلت بین مرتکب الکبیرة مستحلاً فأخرجته من الإسلام،ومرتکب الکبیرة من دون استحلال فاخرجته من الإیمان ولم تخرجه من الإسلام،مما یعنی أنّها قابلت بین مرتبة الإسلام الدانیة المعبر عنها بمرتبة الإسلام الظاهری وبین مرتبة أعلی فی الإسلام التی هی بمعنی الإیمان،لابین الإسلام بمعنی الإطاعة و الإسلام بمعنی الإیمان.

إذا ما أفاده السید الخوئی قدس سره فی مقام مناقشة دلالة الصحیحة،غیر تام.

المناقشة الرابعة

ما أفاده السید الشهید الصدر قدس سره من أنّ الصحیحة لا إطلاق لها لتشمل حتی مثل الجاهل القاصر کالمجتهد ومقلدیه،وذلک لوجود قرینتین فی داخل الروایة،تجعل الحکم بکفر من استحل الکبیرة،مختصاً بمن تنجزت علیه الحرمة،بعلم وجدانی أو بمنجز آخر کفتوی الفقیه علی مقلدیه التی هی حجة علیهم،وان افادت لهم الظن.والقرینتان هما:

1.قرینة العقاب, فإنّه علیه السلام قال:«وعُذّب أشدّ العذاب»،ومن الواضح أن العذاب لا یکون إلّا علی من علم بالحرمة،أو تنجزت علیه تلک الحرمة بمنجز.

2.قرینة الإرتکاب, فإنه علیه السلام قال:«من ارتکب...»ولفظ الارتکاب لا یصدق عرفاً إلّا علی حالة العلم أو التنجز بمنجز.

وعلیه فالجاهل القاصر،الذی عنده شبهة،إذا أنکر الضروری مع إیمانه الإجمالی بالرسالة وتصدیق النبی صلی الله علیه و آله،لا تکون الصحیحة شاملة له بمقتضی ما ذکر.

قال قدس سره:

والتحقیق:إنّ الروایة لا تشمل فی نفسها المجتهد المستحل باجتهاده للحرام،وتختص بالمستحل الذی تنجّزت علیه الحرمة بالعلم أو غیره من المنجزات.ومثل هذا

ص:108

الاستحلال یوجب الکفر لتعارضه مع الإیمان الإجمالی بالرسالة،ولا یفی ذلک بمقصود المستدل...ومن الواضح اختصاص الروایة بمن تنجزت علیه الحرمة،بقرینة العقاب ولفظة الارتکاب.وعلیه فلا یستفاد من الروایة کفر من أنکر الضروری لشبهة أوجبت غفلته عنه مع إیمانه الإجمالی بالرسالة. (1)

نعم, قد یدغدغ فی قرینة لفظ الارتکاب علی الاختصاص بصورة العلم بالحرمة و التنجّز،بدعوی أنّ لفظة الارتکاب لا تدلّ إلّا علی إسناد الفعل إلی الفاعل عن علم واختیار،فاذا قلنا:«ارتکب فلان کبیرة من الکبائر»لایدلّ هذا اللفظ إلّا علی کون فلان ارتکب ذلک الفعل عن علم واختیار،إمّا انه یستفاد من هذا التعبیر أنّ فلاناً یعلم بعنوان ما ارتکبه،و هو کونها کبیرة من الکبائر وحرام،فهذا لا یستفاد من ذلک اللفظ.

وعلی أی حال سواءً تمّ هذا أو لم یتم،تکفی قرینیة العقاب لتمامیة ما أفاده السید الشهید قدس سره فی الإشکال،الذی هو إنصافٌ دقیق وبالتحقیق حقیق.

المناقشة الخامسة

ما أفاده السید الشهید الصدر قدس سره أیضاً،من ان المستفاد من الروایة هو أخص من المدّعی،إذ المدّعی الذی یراد إثباته هو کفر من أنکر الضروری حیث یکون إنکار الضروری بذاته سبباً مستقلاً للکفر،سواء أکان هذا الضروری أمراً عقائدیاً أم أمراً فرعیاً،ومن الأحکام الشرعیة الفرعیة،وسواءً کان هذا الأمر الشرعی حرمةً أو وجوباً أو غیر ذلک.

بینما الروایة مختصة بأمر فرعی ومن الأحکام الشرعیة الفرعیة،وهی قضیة استحلال الحرام من الکبائر،بل مختصة بقضیة الارتکاب الفعلی لذلک الحرام،ولا تشمل الاستحلال اللسانی اللفظی.

إذن, حتی لو تمت دلالة الروایة،فهی مختصة بموردها و هو ماذکرنا،فکیف یتعدّی إلی کل الضروریات؟!.

قال قدس سره:

ثمّ إنّ الروایة لوتمت دلالتها علی کفر المستحل ولو لشبهة.فإثبات تمام المدّعی بها یتوقف أولاً:علی إلغاء خصوصیة استحلال الحرام،لکی یتعدّی إلی إنکار غیر الحرمة من الأحکام الضروریة.وثانیاً:علی إلغاء دخل الارتکاب الفعلی للحرام فی الحکم بالکفر،کما هو مقتضی الجمود علی عبارة الروایة. (2)

ص:109


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:294/3-295.
2- (2) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:295/3.

وما أفاده قدس سره أیضاً وجیه،ولا غبار علیه.

إذن, بعد تمامیة المناقشة الرابعة و الخامسة،تکون الصحیحة غیر تامة الدلالة علی المدّعی.

2.الطائفة الثانیة

ما دلّ علی أنّ من جحد شیئاً من الفرائض أو مطلق الأحکام الشرعیة،یکون کافراً وخارجاً من الإسلام.وهی مجموعة روایات:

الروایة الاولی:روایة أبی الصباح الکنانی:عن أبی جعفر علیه السلام قال:

قیل لأمیر المؤمنین علیه السلام من شهد أن لا إله إلّا الله و أنّ محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله کان مؤمناً؟قال:فأین فرائض الله؟قال:وسمعته یقول:کان علی علیه السلام یقول:لو کان الإیمان کلاماً لم ینزل فیه صوم ولا صلاة, ولا حلال ولا حرام،قال قلت:لأبی جعفر علیه السلام إنّ عندنا قوماً یقولون إذا شهد أن لا إله إلّا الله و أنّ محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله فهو مؤمن.قال:فلم یضربون الحدود ولم تقطع أیدیهم وما خلق الله(عزّ وجلّ)خلقاً أکرم علی الله(عزّ وجلّ)من المؤمن لأنّ الملائکة خدام المؤمنین وأن جوار الله للمؤمنین, و أنّ الجنة للمؤمنین, و أنّ الحور العین للمؤمنین, ثمّ قال:فما بال من جحد الفرائض کان کافراً. (1)

وتقریب دلالتها:أن الإیمان هنا هو بمعنی الإسلام،و قد أخذ الإمام علیه السلام لابدیة الإیمان و الإقرار بالفرائض بما هی, التی منها الضروریات بلا شکّ فی تحقق الإسلام،فقال:

«فأین فرائض الله...»،فیکون إنکار احدی الضروریات بعنوانها سبباً مُستقلاً للخروج من دائرة الإسلام وتحقق الکفر.

وفیه:

إنّ الکلام تارة یقع فی دلالة هذه الروایة،واُخری فی سندها:

1.الکلام فی الدلالة:فهی غیر تامة لأمرین الأوّل:باعتبار أنّ الإیمان المذکور فی الروایة قطعاً لیس بمعنی الإسلام فی قبال الکفر الذی له تلک الآثار الشرعیة الخاصّة من الحکم بالنجاسة،وعدم جواز مناکحته وعدم احترام ماله ودمه وعرضه, وغیر ذلک،و إنّما الإیمان المراد به هنا المرتبة العالیة من الإسلام،وذلک بقرینة:

أ)إقامة الحدود وتقطیع الأیدی وما شاکل،فإنّ هذه-من الواضح-تقام علی الإنسان

ص:110


1- (1) .وسائل الشیعة:34/1،الباب 2 من أبواب مقدمة العبادات،ح13.

المسلم،ولا یخرج من الإسلام بمجرد إقامة حدّ الزنا علیه, أو حدّ شرب الخمر, أو حدّ السرقة.

ب)قضیة کرامة المؤمن عند الله،وکون الملائکة خدّام المؤمنین،وکون جوار الله و الجنة, و الحور العین للمؤمنین،فإنّ هذه المقامات من الواضح لا تتناسب إلّا مع من وصل إلی مراتب عالیة من الإیمان و التقوی و الورع،ولیست شاملة لکلّ مسلمٍ ولو تلفظ بالشهادتین لساناً.

وعلی هذا فسوف لاتکون الروایة دالة علی کون إنکار الضروریات بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الکفر.

الثانی:إنّ الامام قال فی ذیل الروایة:«فما بال من جحد الفرائض کان کافراً»،فهنا حتی لو سلم کون المراد من الإیمان فی الروایة هو:بمعنی الإسلام،فسوف لا تکون الروایة إلّا دالة علی تحقق الکفر بإنکار الفرائض-ومنها الضروریات-عند الجحود لا مطلق الإنکار ولو جهلاً أو لشبهة،إذ إنّ الجحود لا یتحقق إلّا عند حالة العلم،ومعلوم أنّه مع العلم سوف یلزم من إنکار الضروری إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،وعلی هذا سوف تکون الروایة دالة علی تحقق الکفر بإنکار الضروری؛لأنّه یستلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،لا أنّها تدلّ علی کون إنکار الضروری بعنوانه یکون سبباً مستقلاً لتحقق الکفر.

نعم, یبقی علینا أن نثبت کون لفظ الجحود مختصاً بحالة الإنکار عن علم،وما یمکن ان یستدل به لذلک:

1.الآیة الکریمة: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ... . (1)

حیث دلت هذه الآیة علی استعمال لفظ الجحود مع الإنکار عن یقین ومعرفة،مما یعنی اختصاصه بذلک.

وفیه:

إنّ أقصی ما تدلّ علیه الآیة الکریمة هو استعمال لفظ الجحود مع الإنکار عن معرفة،و هذا لایعنی اختصاص لفظ الجحود بذلک وعدم صحة استعماله فیما هو أعم من ذلک،وکما قیل إثبات شیءٍ لشیءٍ لا ینفی ماعداه،وبعبارة أدق الاستعمال کما هو معلوم أعم من الحقیقة و المجاز.

2.کلمات اللغویین،فإنّهم تقریباً أطبقوا علی تفسیر الجحود بحالة الإنکار عن علم،مما یعنی اختصاصه بذلک،وإلیک جملة من کلماتهم:

ص:111


1- (1) .النمل:14.

أ)ففی معجم مقاییس اللغة:ومن هذا الباب الجحود و هو ضد الإقرار ولا یکون إلا مع علم الجاحد به أنه صحیح. (1)

ب)وفی مجمع البحرین:(والجُحُود هو الإنکار مع العلم،یقال جَحَدَ حقه جحداً وجُحُداً:أی أنکره مع علمه بثبوته). (2)

ج)وفی أقرب الموارد:حجده حقه وبحقه-ع-جحداً وجحوداً:أنکره مع علمه به. (3)

د)وفی مفردات ألفاظ القرآن:الجحود:نفی ما فی القلب إثباته،وإثبات ما فی القلب نفیه. (4)

ه)وفی الصحاح:الجحود الإنکار مع العلم. (5)

و)وفی القاموس:جحده حقه وبحقه-کمنعه-جحداً وجحوداً أنکره مع علمه. (6)

ز)وفی المعجم الوسیط:جحد الأمر وبه-جحداً وجحوداً:أنکره مع علمه به. (7)

وفی قبال هذا أدعی عدم اختصاص کلمات اللغویین بتفسیر الجحود بحالة الإنکار عن علم،بل إنّ بعضهم فسره بما هو أعم من حالة الإنکار عن علم،مستنداً فی ذلک إلی کلمات بعض اللغویین:

1.ففی تاج العروس, فسّره بما هو أعم،حیث قال:(یجحده(جحداً)بفتح فسکون(وجحوداً)کعقود(أنکره مع علمه)قاله الجوهری:فهو أخص،ویقال له:المکابرة،و قد یطلق علی مطلق الإنکار قاله شیخنا. (8)

وفیه:

إن کلامه یشعر أنه خلاف الاستعمال العام،ولهذا أتی بکلمة قد مع الفعل المضارع-یطلق-مما یعنی استفادة التقلیل،و هذا یعنی:أنّه استعمال نادر لا یصار إلیه إلّا مع وجود

ص:112


1- (1) .معجم مقاییس اللغة:426/1
2- (2) .مجمع البحرین:345/1.
3- (3) .أقرب الموارد:103/1.
4- (4) .مفردات ألفاظ القرآن:187.
5- (5) .الصحاح:451/2
6- (6) .القاموس:398/1
7- (7) .المعجم الوسیط:112/1.
8- (8) .تاج العروس من جواهر القاموس:312/2.

القرینة،أمّا مع عدم وجود القرینة فیحمل علی معنی العام الذی هو حالة الإنکار مع العلم,لأنّ کثرة الإستعمال فی معنی توجب الانصراف کما هو معلوم.

2.ما فی کتاب العین،وکتاب لسان العرب،حیث قال صاحب العین:الجحود ضد الإقرار کالإنکار و المعرفة، (1)وفی لسان العرب یقول:الجحد و الجحود:نقیض الإقرار کالإنکار و المعرفة،جَحَدَهُ یجْحَدُه جحدً وجحوداً»الجوهری:«الجحود:الإنکار مع العلم». (2)حیث یفهم من هذه الکلمات أنّ الجحود مثل الإنکار،ومعلوم أن الإنکار لا یختص بحالة العلم بل یشمل حالة الجهل و الشکّ أیضاً.

وفیه:

إنّ غایة ما یظهر من کلامهما،أنّ الجحود و الإقرار من المتضادات کما أنّ الإنکار و المعرفة کذلک،فما یفهم من کلامهما التمثیل لحالة تضاد وتقابل الجحود و الإقرار بحالة تقابل وتضاد الإنکار و المعرفة،و هذا لا یستفاد منه أن الجحود هو مثل الإنکار فی جمیع حالاته حتی یقال بعدم اختصاصه بحالة العلم کما فی الإنکار.

ثمّ لو سلّمنا بما تقدّم،وقلنا:إنّ کلمات بعض اللغویین تامة علی التفسیر بالأعم،فسوف تقع المعارضة بین کلماتهم،إذ کثیراً منهم قصره علی حالة الإنکار عن علم،وبعضهم الآخر فسّره بالأعم،ومع هذه المعارضة سوف تصبح اللفظة مجملة فهل المراد خصوص حالة الإنکار عن علم التی هی مورد اتفاق بین الطرفین, أم حالة ما هو أعم من ذلک،ومعه لابدّ من التمسّک بالقدر المُتیقّن و هو حالة الإنکار عن علم.

إن قلتَ:لماذا إیقاع التعارض بین کلمات اللغویین،فإنّ اللغوی لا ینقل إلا موارد استعمال الالفاظ فی المعانی؟وفی المقام لا یوجد تعارض إذ إنّ بعض اللغویین نقل استعمال لفظ الجحود فی المعنی الأخص وبعضهم الآخر نقل استعمالها فی المعنی الأعم.

قلت:هذه القاعدة صحیحة،ولکنها لا تنطبق علی المقام،إذ إنّ الطائفة الأولی من اللغویین یظهر من کلامهم أنّ لفظ الجحود لا یستعمل إلّا مع حالة الإنکار عن علم،ولایستعمل فی المعنی الأعم،فاذا أتی بعض اللغویین،وقال باستعماله فی المعنی الأعم،

ص:113


1- (1) .کتاب العین:72/3.
2- (2) .لسان العرب:182/2.

عندئذٍ یقع التعارض بین الکلامین وتصبح اللفظة فی معناها مردده بین مفهومین:مفهوم ضیق،ومفهوم وسیع،وعندئذٍ القاعدة العقلائیة تقتضی أن یقتصر فی معناها علی المعنی الضیق الذی هو القدر المتیقّن،فان الزائد مشکوک.

الاستدلال علی المعنی الأعم ببعض الروایات

وحاول البعض الاستدلال علی کون لفظ الجحود غیر مختص بحالة الإنکار عن علم،بل هو یشمل مطلق الإنکار ولو عن جهل وشکّ وشبهةٍ،ببعض الروایات:

1.مثل صحیحة محمد بن مسلم:

کنت عند أبی عبدالله علیه السلام جالساً عن یساره وزرارة عن یمینه فدخل علیه أبو بصیر فقال:یا أبا عبدالله, ما تقول فی من شکّ فی الله؟فقال:کافر یا أبا محمد, قال:فشکّ فی رسول الله؟فقال:کافر،ثمّ التفت إلی زرارة فقا:إنّما یکفر اذا جحد. (1)

بتقریب:أنّ الإمام علیه السلام قد استعمل لفظ الجحود فی حالة الإنکار عن شکّ؛لأنّ السؤال کان عن الشکّ بالله و الرسول،فیثبت بذلک أنّ معنی لفظ الجحود هو أعم من حالة الإنکار عن علم.

وفیه:

إننا إمّا أن نقول:إنّ الشکّ هو مرتبة من مراتب الإنکار بوصف أنّ الشاکّ لا یکون مقرِّاً،و إما أن نقول:إنّه لیس مرتبة من مراتب الإنکار.

أ)فعلی الأول،سیکون قول الإمام لزرارة فی ذیل الروایة:«إنّما یکفر إذا جحد»أشبه باللغو ولا فائدة فیه،لإننا إذا قلنا:إنّ الشکّ هو مرتبة من مراتب الإنکار فسوف یکون الجحود متحققاً-بناءاً علی تفسیره بالمعنی الأعم-فی صدر الروایة عند قول السائل:(ماتقول فیمن شکّ فی الله؟فقال:کافر یا أبا محمد, قال:فشکّ فی رسول الله؟فقال:کافر)،ومن هنا سوف یمثّل ذلک مانعاً من قبول الروایة.

ب)وعلی الثانی،فإنّه و إن لم یلزم المحذور الأوّل،لأنّ الإمام علیه السلام یرید أن یبین لزرارة فی ذیل الروایة أنّ الکفر یتحقق مع حالة الجحود التی هی الشکّ مع الإنکار لا مجرد الشکّ فقط.

لکنه سوف توجد فی الروایة ظاهرة تستدعی الانتباه،إذ إنّ السائل کان هو أبو بصیر،وسأله عن الشاکّ بالله أو بالرسول فأجابه الإمام علیه السلام کونه کافراً،ثمّ مباشرة التفت إلی زرارة،

ص:114


1- (1) .اُصول الکافی:ج2،کتاب الکفر و الإیمان, باب الشک،ح3.

وقال له:«إنّما یکفر إذا الجحد».و هذا أمر علی خلاف الطبع الاجتماعی العقلائی،فلاحظ من نفسک ومن أی عاقل عندما یأتیک شخص،ویسألک عن قضیة وتجیبه عنها ونفرض وجود تتمة لجوابک فهل تتوجه بالتتمة لنفس السائل أو إلی شخص آخر موجود فی المکان نفسه؟من الواضح أنک تتوجه بها إلی السائل نفسه لا إلی شخص آخر،اللّهُمَّ إلا إذا کانت بینک وبین ذلک الشخص الآخر غیر السائل قضیة اخری لها نحو ارتباط بنفس ما سأله السائل،وعندما أجبته توهّم ذلک الشخص أنّ الإجابة کذلک هی لقضیته،ومن هنا أنت تبادر لتنبه علی عدم الاتحاد بتلک التتمة التی تذکرها.

وفی هذه الروایة،نحن نقول ذلک أیضاً،فیحتمل احتمالاً قویاً وجود قضیة اخری غیر المسؤول عنها بین الامام علیه السلام وزرارة،ولعلها قضیة الإقرار بإمامة الأئمة علیهم السلام بالنسبة للمخالفین،وعندما أجاب الامام علیه السلام أبا بصیر بالحکم بکفر من شکّ فی الله أو الرسول،توهم زرارة أنّ حکم کل المخالفین هو الکفر؛لأنّهم علی أقل التقادیر یشکوّن فی إمامة الأئمة علیهم السلام،فهنا بادر الإمام علیه السلام إلی تنبیه زرارة أنّ هؤلاء أنّما یحکم علیهم بالکفر إذا جحدوا،أی کانوا یعلمون بثبوت الإمامة ثمّ ینکرونها،ومن هنا،فلا یکون لفظ الجحود فی الروایة مستعملاً فی المعنی الأعم.

2.ما رواه زرارة, عن أبی عبدالله علیه السلام

قال:لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا, لم یکفروا. (1)

وفیه:إنّ دلالة الروایة و إن کانت تامة؛إذ استعمل فیها لفظ الجحود فی حالة الإنکار مع الجهل،لکنّ هذه الروایة فیها مشکلة سندیة من جهة محمد بن سنان الوارد فی سندها،فإنّه مما تعارض فیه التوثیق و التضعیف،وبعد التساقط،لایوجد مایدلّ علی وثاقته فتصبح الروایة ضعیفة السند.

3.ما رواه الزبیری(عن أبی عبدلله علیه السلام قال:

الکفر فی کتاب الله(عزّ وجلّ)علی خمسة أوجه،فمنها کفر الجحود علی وجهین و الکفر بترک ما أمر الله عزّوجلّ وکفر البرائة،وکفر النعم،فأمّا کفر الجحود فهو الجحود بالربوبیة و الجحود علی معرفة،و هو أن یجحد الجاحد و هو یعلم أنّه حقّ قد استقر عنده. (2)

ص:115


1- (1) .وسائل الشیعة:باب 2،من أبواب مقدمة العبادات،ح8.
2- (2) .وسائل الشیعة:باب 2،من أبواب مقدمة العبادات،ح8،

بتقریب:أنّ الروایة قالت فی القسم الأول من الجحود الذی یوجب الکفر«فهو الجحود بالربوبیة»،و هذا یعنی استعمال لفظ الجحود فی مطلق الإنکار؛إذ من المعلوم أنّ الکفر یتحقق ولو بالشک أو الجهل بربوبیة الله تعالی.

وقالت فی القسم الثانی من الجحود الذی یوجب الکفر:«والجحود علی معرفة و هو أن یجحد الجاحد و هو یعلم أنّه حق قد استقر عنده»،وظاهر هذا القول أنّ لفظ الجحود له معنی أعم من الإنکار مع العلم،ولهذا قال:و هو أن یجحد الجاحد و هو یعلم....

وفیه:

1.ضعف الروایة سنداً بأبی عمر الزبیدی؛فإنّه لم یرد فی حقِّه توثیق.

2.إننا لا ننکر دلالة الروایة علی کون لفظ الجحود له معنی أعم،لکنّ الکلام فی الجحود الذی یوجب الکفر فی غیر قضیة إنکار الربوبیة،والروایة دالة علی أنّ الجحود الذی یوجب الکفر،هو الإنکار مع العلم لا مطلق الانکار.

الخلاصة

إنّ لفظ الجحود لا یدل عند إطلاقه إلّا علی حالة الإنکار عن علم ومعرفة.

2.الکلام فی السند:فقد وقع النقاش فیه من جهة محمد بن الفضیل،فذکر السید الخوئی قدس سره (1)أنّه مشترک بین الثقة وغیره،وحیث لا یمیز فتصبح الروایة ضعیفة السند.

وفی المقام عدة محاولات للتغلّب علی هذه المشکلة:

منها:إن الأردبیلی قدس سره ذکر فی جامع الرواة،أنّ المراد من محمد بن الفضیل فی مثل هذه الرویات وغیرها،هو محمد بن القاسم بن الفضیل بن یسار النهدی،الثقة،لکونهما فی طبقة واحدة،ویشترکان فی من یروی عنهما،وفی الذی یرویان عنه،وإطلاق ابن الفضیل دون ابن القاسم هو من باب الإسناد إلی الجدّ،واحتمل ذلک أیضاً المجلسی فی الوجیزة.

وفیه:

أنّ الأردبیلی لم یقل:متی ورد محمد بن الفضیل فی سند روایة, کان المراد منه محمد بن القاسم بن الفضیل لاتحادهما،و إنّما قال:إنّ محمد بن الفضیل الأزدی الکوفی-الذی ضعف ورمی بالغلو-هو متحد مع محمد بن القاسم بن الفضیل بن یسار، (2)وعلی هذا فحتی لو

ص:116


1- (1) .راجع:التنقیح فی شرح العروة الوثقی:55/3،هامش 3و4؛ودروس فی فقه الشیعة:113/3،هامش1.
2- (2) .راجع:جامع الرواة:175/2.

قیل:إنّ المراد فی الروایة،هو محمد بن الفضیل الأزدی الکوفی،وقیل باتحاد هذا مع محمد بن القاسم بن الفضیل،سوف یکون هناک شخص تعارض فیه التوثیق و التضعیف،وبعد التساقط،لا یبقی ما یدلّ علی الوثاقة.علی أنّ دعوی الاتحاد لاتشکّل إلا احتمالاً لایصل إلی حدِّ الاطمئنان.

ومنها:ماذکره السید التفریشی (1)محتملاً غیر جازم من أنّ محمد بن الفضیل هذا،المراد منه هو محمد بن القاسم بن الفضیل،وذلک لأن الشیخ الصدوق فی الفقیه یروی کثیراً عن محمد بن الفضیل عن أبی الصباح الکنانی،وعندما جاء فی المشیخة لم یذکر طریقه إلی محمد بن الفضیل بل قال:«وما کان فیه محمد بن القاسم بن الفضیل البصری صاحب الرضا علیه السلام فقد رویته عن...». (2)

و هذا یعنی أنّ محمد الفضیل الواقع فی أسانید الفقیه یراد منه محمد بن القاسم بن الفضیل الثقة،فتثبت بذلک وثاقة محمد بن الفضیل وعلیه صحة الروایة.

وفیه:

أنّ ما ذکره یتم لو لم یروی الصدوق فی الفقیه عن أشخاص کثر،وعلی الرغم من ذلک لم یذکر فی مشیخته طریقه إلیهم،مثل أبی عبیدة،وبرید،وجمیل بن صالح،وحمران بن أعین،وموسی بن بکیر،ویونس بن عبدالرحمن،وغیرهم،إذن, لعل محمد بن الفضیل الذی روی عنه الصدوق فی الفقیه هو غیر محمد بن القاسم بن الفضیل،ولم یذکر طریقه إلیه کما فی الآخرین الذین روی عنهم،ولم یذکر طریقه إلیهم.

ومنها:ما نختاره،وبموجبه نوثّق محمد بن الفضیل هذا،فإنّ هناک قاعدة رجالیة،وهی فی نفس الوقت عقلائیة, حاصلها:إذا کان هناک اسم مشترک بین جماعة،فعند إطلاقه ینصرف إلی من هو المعروف المشهور منهم وخصوصاً إذا کان صاحب کتاب،ألا تری أنّک لو دخلت إلی قریة أو مدینة وکان فیها مجموعة أشخاص کُلَّ واحد یصدق علیه اسم محمد،وکان واحد منهم هو المشهور المعروف بالمدینة،فإنک لو سألت أی شخص أین بیت محمد؟لانصرف ذهنه مباشرة إلی ذلک المحمد المعروف المشهور،وفی المقام حیث

ص:117


1- (1) .نقد الرجال:94،93/1.
2- (2) .من لا یحضره الفقیه:ج4؛المشیخة:ص91.

إنّ المشهور المعروف وصاحب الکتاب من هؤلاء هو محمد بن الفضیل الصیرفی الکوفی الأزدی،فعند إطلاقه ینصرف إلیه.

ولکن لحدّ الآن لم تحل المشکلة،إذ إنّ محمد بن الفضیل الصیرفی الکوفی الأزدی ضّعفه الشیخ صریحاً ورماه بالغلو،فقال فی حقّه:«محمد بن الفضیل الکوفی الأزدی،ضعیف» (1)،وقال:«محمد بن الفضیل ازدی صیرفی،یرمی بالغلو،له کتاب». (2)نعم, وثقه الشیخ المفید قدس سره فی رسالته العددیة حیث قال فی حقّ جماعة منهم محمد بن الفضیل:«فهم فقهاء...والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتیا و الأحکام, الذین لا یطعن علیهم ولا طریق لذم واحد منهم». (3)

ولکن مع تضعیف الشیخ له فإنه لا یفید هذا التوثیق،إذ غایته وقوع المعارضة بین التوثیق و التضعیف،فیتساقطان،وبعد التساقط لا یبقی هناک ما یدلّ علی الوثاقة،فیصبح الرجل مجهول الحال من حیث الوثاقة،وعلیه ضعف الروایة التی یرد فی سندها.

وفی مقام حلّ هذه المشکلة نقول:إنّ المحتمل قویاً کون تضعیف الشیخ الطوسی قد نشأ من قضیة الرمی بالغلو-و هو احتمال وجدانی لا دافع له-و هذه القضیة عندما نرجع إلی الروایات التی یرویها محمد بن الفضیل وخصوصاً روایات العقائد وفضائل الأئمة علیهم السلام یتضح لنا جلیاً أنها ناشئة من جهة روایة هذا الرجل تلک المقامات و الفضائل العالیة لأهل البیت علیهم السلام الأمر الذی لم تکن تحتمله تلک العقول فی تلک الأزمنة،فلهذا أتهم هو وأمثاله بقضیة الغلو و التکذیب وما شاکل،وفی الحقیقة لم یکن هؤلاء من المغالین،بل من الذین یعتقدون فی أئمتهم تلک المقامات العالیة.

وعلیه فإذا عرف منشأ التضعیف،أو احتمل احتمالاً قویاً،وعلم أیضاً خطأ واشتباه منشأ ذلک التضعیف،فسوف یسقط ذلک التضعیف تبعاً له إذ أنّ مدرک حجیة قول الرجالی هو من باب الخبرویة-الذی قامت سیرة العقلاء علی حجیته-ومن غیر المعلوم أنّها تشمل أمثال المقام.

ومن هنا إذا سقط تضعیف الشیخ الطوسی عن الاعتبار فسوف یبقی توثیق الشیخ المفید بلا معارض،وعلیه یصبح محمد بن الفضیل الأزدی ثقة،وبالتالی تمامیة سند الروایة المشار إلیها.

ص:118


1- (1) .رجال الطوسی:343.
2- (2) .رجال الطوسی:365.
3- (3) .ضمن سلسلة مؤلفات الشیخ المفید:25/9.

إذاً ما أفاده السید الخوئی فی تضعیف سند الروایة غیر تام.

الروایة الثانیة:مکاتبة عبد الرحیم القصیر:

عن أبی عبدالله علیه السلام فی حدیث:قال:الإسلام قبل الإیمان،و هو یشارک الإیمان،فإذا أتی العبد بکبیرة من کبائر المعاصی،أو صغیرة من صغائر المعاصی،التی نهی الله عنها،کان خارجاً من الإیمان وثابتاً علیه الکفر و الجحود والاستحلال, و إذا قال للحلال هذا حرام،وللحرام هذا حلال،ودان بذلک،فعندها یکون خارجاً من الإیمان و الإسلام إلی الکفر. (1)

ولکن فی الکافی-و هو المصدر الرئیسی للروایة-هکذا:«ولم یخرجه إلی الکفر إلا الجحود والاستحلال». (2)

بتقریب:أنّ حیثیة الاستحلال للحرام مطلقة فی الروایة لم تقید ذلک الأمر المستحل بکونه أمراً ضروریاً أو نظریاً،صادراً من عالم أو جاهل،قاصر أو مقصّر،وعلی هذا فلو أنکر شخص حرمة أمر کانت حرمته ضروریة واستحل ذلک،کان هذا کافیاً للحکم بکفره،و هذا معناه أن إنکار الضروری بذاته سبب مستقل لتحقق الکفر فیثبت المدّعی.

وفیه:

إن هذه الروایة غیر تامة دلالة وسنداً:

أ)أما دلالة:فأوّلاً:لأنّها صّرحت أن الذی یخرج الإنسان من الإسلام إلی الکفر هو الجحود والاستحلال،الذی هو مختص بحالة العلم کما تقدّم بحث ذلک فیما تقدم.

إن قلتَ:نسلّم ذلک فی لفظة الجحود،ولکن ماذا تقول فی لفظ الاستحلال،فإنه غیر مختص بحالة العلم،وبذلک یثبت الإطلاق،وبالتالی صحة التقریب المتقدّم.

قلت:یحتمل أن تکون لفظة الاستحلال عطف تفسیر للفظ الجحود،وبالتالی تکون مختصة أیضاً بحالة العلم،فلا یثبت ما أفید.

وثانیاً:أن الروایة أخص من المدّعی،إذ أنها مختصة-بناءاً علی تمامیة دلالتها-بالکبائر و الصغائر من المعاصی التی تشکّل ضروریات دین،بل مختصة بحالة استحلال الحرام وبالعکس لا مطلق الضروریات من العقائد و الفروع.

ص:119


1- (1) .وسائل الشیعة:25/1-26،باب 2 من أبواب مقدمة العبادات،ح18.
2- (2) .أصول الکافی:27/2 باب أنّ الإسلام قبل الإیمان،ح1.

ب)و أما سنداً:فلعدم توثیق عبد الرحیم القصیر،نعم, من یبنی علی وثاقة کل من روی عنه أصحاب الإجماع،أو وثاقة کلّ من ورد فی تفسیر القمی،یصبح عنده عبد الرحیم القصیر موثّقاً،فإنه ممن روی عنه عبد الله بن مسکان وحماد بن عثمان وهما من أصحاب الإجماع،و قد ورد فی تفسیر القمی،أما قضیة ترحم الإمام علیه السلام علیه فی بعض الورایات فهی لا تفید؛لکون الراوی لهذه الروایات هو عبد الرحیم نفسه.

لکننا حیث لا نقبل هذین المبنیین، (1)فسوف لا تثبت عندنا وثاقة عبد الرحیم القصیر،ولذا یثبت عدم تمامیة الروایة سنداً.

الروایة الثالثة:ما رواه داود بن کثیر الرقی:

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام:سنن رسول الله صلی الله علیه و آله کفرائض الله عزّوجلّ؟فقال:إنّ الله(عزّ وجلّ)فرض فرائض موجبات علی العباد،فمن ترک فریضة من الموجبات فلم یعمل بها وجحدها کان کافراً،وأمر رسول الله صلی الله علیه و آله بأمور کلها حسنة،فلیس من ترک بعض ما أمر الله عزّوجلّ به عباده بکافر،ولکن تارک للفضل منقوص من الخیر. (2)

بتقریب:أنّ مجرد ترک أی فریضة من الموجبات مع جحدها سواءً کانت من الضروریات أولا،یوجب الکفر،و هذا معناه أنّ إنکار الضروری بذاته سبب مستقل للکفر؛حتی لو لم یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله.

وفیه:

إنّ الروایة مختصة بحالة العلم،حیث عبرت بالجحود الذی هو مختص بحالة الإنکار عن علم،و إذا کانت مختصة بذلک،فهذا یعنی أنّ ترک الفرائض الموجبات مع الجحود حیث یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی, فلذلک لزم منه الکفر فإنّ من ینکر أمراً ما مع علمه بثبوته فی الشریعة معناه أنه لا یصّدق النبی فی کل ماجاء به،والقرینة الإضافیة علی ذلک،أنّ الروایة قالت:«من ترک فریضة من الموجبات فلم یعمل بها»اذ لا یمکن الالتزام بأن مجرد ترک الصلاة أو الصیام أو الخمس،مما یوجب الکفر،وإلا لحکم بکفر الملایین من

ص:120


1- (1) .أما قضیة تفسیر القمی فقد تقدمت،و أما کبری وثاقة من روی عنه أصحاب الإجماع فلا نقبلها،لأنّه لا یستفاد من العبارة التی نقلها الکشی:«اجتمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عن هؤلاء وتصدیقهم لما یقولون وأقرّوا لهم بالفقه...»علی أکثر من جلالة قدر هؤلاء،وأنهم إذا وقعوا فی سند روایة فالروایة من ناحیتهم لا خلل فیها،أما الوسائط التی قبلهم أو بعدهم فلا یوجد للعبارة المتقدّمة نظر إلیها،وأنّهم ثقات أو لا.
2- (2) .وسائل الشیعة:ج1،باب 2 من أبواب مقدمة العبادات،ح2.

المسلمین حیث لا یصلون ولا یصومون ولا...،فلذلک لابدّ من القول:إنّها مختصة بحالة العلم،ولذلک عبرت بالجحود.إذن, دلالة الروایة غیر تامة علی المدّعی،بل هی علی خلاف المدّعی أتم.

و أما سند الروایة ففیه کلام من جهة داود بن کثیر الرّقی،إذ هو متعارض فیه التوثیق و التضعیف.

1.فقد ضُعّف من قبل النجاشی وابن الغضائری،فقال النجاشی فی حقه:«داود بن کثیر الرقی وأبوه کثیر یکنّی أبا خالد،و هو یکنّی أبا سلیمان.ضعیف جداً،والغلاة تروی عنه.قال احمد بن عبد الواحد:قلَّ ما رأیت له حدیثاً سدیداً». (1)

وقال فی حقه ابن الغضائری:«داود بن کثیر بن أبی خالد الرقّی:مولی بنی أسد, یروی عن أبی عبدالله علیه السلام کان فاسد المذهب ضعیف الروایة لا یلتفت الیه». (2)

2.ووثق من قبل الشیخ المفید و الشیخ الطوسی, فقال الشیخ المفید قدس سره فی حقّه:«فمن روی النص علی الرضا علی بن موسی صلی الله علیه و آله بالإمامة من أبیه و الإشارة إلیه منه بذلک،من خاصته وثقاته وأهل الورع و العلم و الفقه من شیعته:داود بن کثیر الرقی...». (3)

وقال الشیخ الطوسی قدس سره فی حقّه:«داود بن کثیر الرقی،مولی بین أسد،ثقة». (4)

وبالإضافة إلی ذلک هناک إمارات علی وثاقته کثیرة:

منها:روایة ابن أبی عمیر عنه،الذی هو أحد الثلاثة الذین قیل فی حقهم:«إنّهم لا یرون،ولا یرسلون إلّا عن ثقة».

ومنها:روایة الأجلاء عنه،وبعضهم من أصحاب الإجماع.

ومنها:وقوعه فی أسانید تفسیر القمی.

ومنها:ما ذکره الکشی:«یذکر الغلاة أنه من أرکانهم،و قد یروی عنه المناکیر من الغلو وینسب إلیه أقاویلهم،ولم أسمع أحداً من مشایخ العصابة یطعن فیه،ولا عثرت من الروایة علی شیءٍ غیر ما أثبتّه فی هذا الکتاب». (5)

ص:121


1- (1) .رجال النجاشی:156.
2- (2) .رجال ابن الغضاری:71.
3- (3) .الإرشاد فی معرفة حج الله علی العباد:248/2،ضمن سلسلة مؤلفات الشیخ المفید:ج11.
4- (4) .رجال الطوسی:336.
5- (5) .اختیار معرفة الرجال:708/2.

ومنها:وجود مجموعة من الروایات تدل علی وثاقته،وبعضها تام سنداً:

1.ما ذکره الشیخ المفید قدس سره بسند صحیح فی الاختصاص:(عن محمد بن علی قال:حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل،قال:حدثنا علی بن إبراهیم،عن محمد بن عیسی بن عبید،عن أبی أحمد الازدی،عن عبدالله بن المفضل الهاشمی،قال:

کنت عند الصادق جعفر بن محمد علیه السلام،اذ دخل المفضّل بن عمر،فلما بصر به ضحک إلیه،ثمّ قال:إلی یا مفضل،فوربّی إنّی لأحبک وأحب من یحبک،قال:فما منزلة داود بن کثیر الرقی منکم؟قال علیه السلام:منزلة المقداد بن الأسود من رسول الله صلی الله علیه و آله. (1)

نعم, یبقی الکلام فی صحة نسبة کتاب الخصال إلی الشیخ المفید وعدمه،فمن لا یقبل الصحة،تصبح الروایة غیر تامة سنداً،ومن یقبل صحة النسبة تکون الروایة تامة السند.

2.ما ذکره الشیخ الصدوق قدس سره فی مشیخة الفقیه:«وروی عن الصادق علیه السلام أنزلوا داود الرقی منی منزلة المقداد من رسول الله صلی الله علیه و آله». (2)

3.ما رواه الکشی:حدثنی حمدویة وابراهیم ومحمد بن مسعود قال:حدثنی محمد بن نصیر قالوا:حدثنا محمد بن عیسی عن یونس بن عبد الرحمن،عمن ذکره،عن أبی عبدالله علیه السلام قال:«انزلوا داود الرقی منی بمنزلة المقداد من رسول الله صلی الله علیه و آله». (3)

4.ما رواه أیضاً عن«علی بن محمد قال:حدثی أحمد بن محمد،عن أبی عبدالله البرقی رفعه،قال:

نظر أبو عبدالله علیه السلام إلی داود الرقی و قد ولّی،فقال:من سرّه أن ینظر إلی رجل من أصحاب القائم علیه السلام فلینظر إلی هذا،وقال فی موضع آخر:أنزلوه فیکم بمنزلة المقداد رحمه الله. (4)

5.ما رواه أیضاً:حدثنی محمد بن مسعود،قال:حدثنی علی بن محمد بن عیسی عن عمر بن عبد العزیز،عن بعض أصحابنا،عن داود بن کثیر الرقّی،قال:

قال لی أبو عبدالله علیه السلام:یا داود, إذا حدّثت عنا بالحدیث فاشتهرت به فأنکره. (5)

ص:122


1- (1) .الاختصاص:216.
2- (2) .من لا یحضره الفقیه:95/4؛المشیخة.
3- (3) .اختیار معرفة الرجال:704/2.
4- (4) .اختیار معرفة الرجال:704/2-705.
5- (5) .المصدر:708/2.

6.ما رواه أیضاً طاهر بن عیسی،قال:حدثنی الشجاعی،عن الحسین بن بشار،عن داود الرقی قال:

قال لی داود:تری ما تقول الغلاة الطیارة, وما یذکرون عن شرطة الخمیس عن أمیر المؤمنین علیه السلام وما یحکی أصحابه عنه فذلک و الله, أرانی أکبر منه ولکن أمرنی أن لا أذکره لأحد.قال:وقلت له:إنی کبرت ودق عظمی أحب أن یختم عمری بقتل فیکم،فقال:وما من هذا بدٌّ إن لم یکن العاجلة یکون فی الآجلة. (1)

إثبات وثاقة داود بن کثیر الرقی

وفی مقام إثبات وثاقته،نقول:إنّ شهادة النجاشی بالضعف التی هی المهمة فی المقام(اذ لا اعتبار بکلام ابن الغضائری بعدم عدم ثبوت کون الکتاب له،ولا طریق صحیح عندنا إلی هذا الکتاب)،لا تعارض أمارات التوثیق المتعددة.

1.إما للاطمئنان بکون تضعیف النجاشی کان لمسألة الغلو التی أتهم بها داود بن کثیر،حیث إنّ النجاشی عقّب التضعیف بقوله:(والغلاة تروی عنه)مع احتمال أن النجاشی استند فی تضعیفه إلی کلام استاذه ابن الغضائری،وحیث إنّه لا تلازم بین الغلو و الضعف؛إذ من الممکن أن یکون شخص فاسد المذهب و العقیدة وعلی الرغم من ذلک لا یتعمّد الکذب،فلا یؤخذ بکلام النجاشی.

وببیان آخر:إنّ إتهامه بالغلو أمر لیس بصحیح،إذ من یلاحظ تلک الروایات المتعددة التی تمدح وتوثق داود بن کثیر،التی لا یبعد دعوی استفاضتها،یحصل له الاطمئنان بعدم صحة هذه النسبة،خصوصاً مع تصریح الکشی أنّه لم یسمع أحداً من مشایخ العصابة یطعن فیه.

وعلیه فإذا عُلم منشأ التضعیف وعلم عدم صحة هذا المنشأ،فتبعاً لذلک،سوف یسقط التضعیف عن الاعتبار.

2.و إما لاحتمال-احتمالاً معتداً به-أنّ هذا التضعیف کان لمسألة الغلو(ولا دافع لهذا الاحتمال)فإنّ هذا الاحتمال یقوی أکثر بملاحظة إمارات التوثیق المتعددة التی منها الروایات المذکورة،وعلیه فإذا کان هذا الاحتمال قویاً جداً،عند ذلک تسقط شهادة النجاشی عن الاعتبار،إذ إنّها تکون محتملة الاستناد إلی مدرک غیر صحیح, وسیرة العقلاء التی هی المدرک لحجیة قول الرجالی-سواءً علی المبنی الذی یری أنّ حجیة قول الرجالی من باب

ص:123


1- (1) .المصدر:708/2.

شهادة أهل الخبرة أو من باب خبر الثقة-من غیر المعلوم أنّها تشمل مثل هکذا توثیقات.

ومعه تسقط شهادة النجاشی عن الاعتبار،وتبقی أمارات التوثیق بلا معارض،فتثبت وثاقة داود بن کثیر الرقی.

3.الطائفة الثالثة

مادلّ علی أنّ مطلق إنکار الشیء سواءً أکان أمراً تشریعیاً أم تکوینیاً،عقائدیاً أو فرعیاً،یوجب الکفر إذا دان الإنسان به.

مثل صحیحة برید العجلی:

عن أبی جعفر علیه السلام قال:سألته عن أدنی ما یکون العبد به مشرکاً،فقال:من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة هی نواة،ثمّ دان به. (1)

بتقریب:أنّ الروایة بأطلاقها تشمل کلّ شخص یتدین بغیرالواقع،والذی ینکر الضروری،ویتدین بخلافه،یکون قد تدین بغیر الواقع،فیکون مشرکاً،مما یعنی سببیة إنکار الضروری بذاته للشرک و الکفر.

وفیه:

أنّ الشرک المراد فی الروایة،لیس الشرک الذی یوجب الکفر،وتترتب علیه تلک الآثار الخاصّة من الحکم بالنجاسة وغیرها،لأنّ الشرک الذی یوجب الکفر هو الشرک فی الألوهیة فقط،لا مطلق الشرک الذی له مراتب متعددة التی منها أن یقول الشخص للنواة أنها حصاة وبالعکس ویتدین بغیر الواقع،وإلّا لو التزمنا بکون هذا الشرک أیضاً یوجب الکفر بالمعنی الخاصّ،للزم الحکم بکفر مطلق من تدین بغیر الواقع،سواءً أکان ذلک الأمر الثابت فی الواقع ضروریاً أم غیر ضروری،یعلم به المکلّف أو یجهل به،عن قصور أو تقصیر،فإنّه فی کل ذلک یصدق علیه أنه تدین بغیر الواقع.ولا یمکن الالتزام بذلک،إذن, لابدّ ان نقول:إنّ المراد بالشرک فی الروایة لیس هو الشرک الذی یسبب الکفر بالمعنی الخاص.

وبعبارة اخری کما یقول السید الشهید قدس سره:

إنّ الإنسان قد یقول للنواة أنّها حصاة فی مقام الکذب،و هذا خارج عن فرض الروایة،واُخری:یقول ذلک ویجعله دیناً،بنحو لابدّ من الجری علی طبقه اعتقاداً أو

ص:124


1- (1) .اُصول الکافی:ج2،کتاب الإیمان و الکفر:باب الشرک ح1.

عملاً و هذا تشریع لدین فی مقابل الله تعالی،وشرک،بمعنی أنه أشرک مع الله غیره فی أحد المقامات التی ینفرد بها و هو مقام تشریع الدین, غیر أن الروایة لا تدلّ علی أن هذا الاشراک مع الله فی مقام التشریع یوجب الکفر،بالمعنی الذی تترتب علیه الآثار المعهودة للکفر. (1)

سند الروایة:

و قد الکلام فی سند الروایة من جهتین:

1.من جهة محمد بن عیسی بن عبید،فإنّه قد تعارض فیه التوثیق و التضعیف.

2.من جهة روایة محمد بن عبید عن یونس.

أ)أمّا من الجهة الأولی:فیمکن إثبات وثاقته،ببیان أنّ تضعیف الشیخ الطوسی إیاه فی أکثر من موضع،حیث قال فیه:«محمد بن عیسی بن عبید الیقطینی،ضعیف استثناه أبو جعفر محمد بن علی بن بابویه عن رجال نوادر الحکمة،وقال:لا أروی ما یختص بروایاته،وقیل:انه کان یذهب مذهب الغلاة...»، (2)وقال:«محمد بن عیسی الیقطینی ضعیف». (3)

وقال:«إنّ هذا الخبر مرسل منقطع،وطریقه محمد بن عیسی بن عبید عن یونس،و هو ضعیف،و قد استثناه أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه رحمه الله من جملة الرجال الذین روی عنهم صاحب نوادر الحکمة،وقال:ما یختص بروایته لا أرویه ومن هذه صورته فی الضعف لا یعترض بحدیثه». (4)

لا یعارض توثیق النجاشی وغیره،إذ قال النجاشی فی حقه:«محمد بن عیسی بن عبید بن یقطین بن موسی،مولی أسد بن خزیمة،أبو جعفر:جلیل فی أصحابنا،ثقة،عین،کثیر الروایة،حسن التصانیف،روی عن ابی جعفر الثانی علیه السلام مکاتبة ومشافهة،ذکر أبو جعفر بن بابویه،عن ابن الولید أنّه قال:ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا تعتمد علیه،ورأیت أصحابنا یذکرون هذا القول ویقولون:من مثل أبی جعفر محمد بن عیسی،سکن بغداد». (5)

ص:125


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:296/3.
2- (2) .الفهرست للشیخ الطوسی:216،تحقیق نشر الفقاهة
3- (3) .رجال الطوسی:448.
4- (4) .الاستبصار:156/3.
5- (5) .رجال النجاشی:333.

وقال الکشی:«نصر بن صباح یقول:إن محمد بن عیسی بن عبید بن یقطین أصغر فی السن ان یروی عن ابن محبوب،قال أبو عمرو:قال القتیببی:کان الفضل بن شاذان رحمه الله یحب العبیدی ویثنی علیه،ویمدحه ویمیل إلیه ویقول:لیس فی أقرانه مثله...». (1)

والسبب فی عدم المعارضة:أن المتتبع لکلمات الشیخ الطوسی فی مقام التضعیف،یری أنّ أحد ملاکات الشیخ فی التضعیف هو ما فعله ابن الولید(وتبعه علی ذلک الشیخ الصدوق)،من استثناء مجموعة من الرواة من کتاب نوادر الحکمة،فالشیخ الطوسی یری أن ابن الولید لم یستثنِ أحداً إلّا من جهة ضعفه،ولهذا یتبعه فی ذلک،فانظر الی:

1.ترجمة سهل بن زیاد:(و هو ضعیف جداً عند نقّاد الأخبار،و قد استثناه أبو جعفر بن بابویه فی رجال نوادر الحکمة). (2)

2.وترجمة أحمد بن محمد السیاری:(فهذا خبر ضعیف وراویه السیاری, وقال أبو جعفر بن بابویه رحمه الله فی فهرسته حین ذکر کتاب النوادر استثنی منه ما رواه السیاری, وقال:لا أعمل به ولا أفتی به لضعفه». (3)

3.وترجمة محمد بن عیسی بن عبید:«ضعیف استثناه أبو جعفر محمد بن علی بن بابویة عن رجالب نوادر الحکمة،وقال:لا أروی ما یختص بروایته». (4)

بینما عندما نراجع کلام النجاشی المتقدّم نشاهد أن ابن الولید و الصدوق لم یستثنیا إلّا روایة محمد بن عیسی عن یونس،و قد رویا عن محمد بن عیسی بن عبید عن غیر یونس، (5)مما یعنی أنّه لیس ضعیف بنظرهما وإنما هو ثقة،نعم توجد عندهما مشکلة فی روایاته عن یونس،وعلی هذا یکون تصوّر الشیخ الطوسی مبنیاً علی اجتهاد خاطئ،فیسقط تضعیفه عن الاعتبار،ویبقی توثیق النجاشی وغیره سالماً عن المعارضة،فتثبت وثاقة الرجل.

علی أن أصل أستثناء ابن الولید و الصدوق لا یدل علی التضعیف،لأنّهما لم یذکرا سبب

ص:126


1- (1) .اختیار معرفة الرجال:817/2.
2- (2) .الاستبصار:291/3.
3- (3) .الاستبصار:237/1.
4- (4) .الفهرست, للشیخ الطوسی:216،تحقیق نشر الفقاهة.
5- (5) .ذکر السید الخوئی+ فی معجم رجال الحدیث:117/17:أنّ الشیخ الصدوق روی فی الفقیه فی المشیخة عن محمد بن عیسی عن غیر یونس فی نیف وثلاثین موضعاً،مما یعنی أنّ الاستثناء لم یکن لأجل الضعف.

الاستثناء،ولعلّهما لو ذکرا السبب ووصل إلینا لم نقبله،ومن هنا لم یقبل کثیرٌ من الأعلام دلالة ذلک علی التضعیف.

إن قلتَ:إن استناد الشیخ الطوسی فی مقام التضعیف إلی ما فعله ابن الولید, و الصدوق،لایعدو کونه احتمالاً،ومع مجرد احتمال ذلک،سوف یبقی احتمال استناد التضعیف إلی مستند حسی أمر لا یمکن إنکاره ومن ثم تجری أصالة الحس فی تضعیف الشیخ مما یعنی وقوفه سدّاً منیعاً قبال توثیق النجاشی وغیره،وعلیه سقوطهما نتیجة لتعارضهما وعدم وجود ما یدلّ علی التوثیق.

قلت:تنزلنا وسلمنا بذلک،إلّا أنّ هذا لا یفید أیضاً،لعدة أسباب:

1.أنّ ابن الولید و الصدوق لا یریان ضعف محمد بن عیسی،ولهذا لم یستثنیا إلّا روایته عن یونس،مما یعنی خطأ الطوسی فی فهم التضعیف کما ذکرنا.

2.إنّ احتمال استناد الشیخ فی مقام التضعیف إلی استثناء ابن الولید و الصدوق،احتمال قوی معتد به.

3.أضف إلی ذلک أن الأصحاب لم یقبلوا حتی استثناء ابن الولید لخصوص روایة محمد بن عیسی عن عبید عن یونس،وکانوا یقولون من مثلُ أبی جعفر محمد بن عیسی،فإذا لم یقبلوا مجرد هذا الاستثناء فکیف یقبلون ضعفه،مما یعنی أنّه کان مسلّم الوثاقة عندهم.

فإذا أضفنا هذا إلی ذاک،سوف یکون احتمال استناد الشیخ فی تضعیفه إلی مستند حسی،احتمالاً ضعیفاً لا تجری معه أصالة الحس،و هذا مطلب عقلائی یقرّه العقلاء.

والخلاصة:أنّ تضعیف الشیخ ساقط عن الاعتبار،فیبقی توثیق النجاشی،وغیره سالماً عن المعارضة،مثبتاً لوثاقة محمد بن عیسی بن عبید.

ب)و أما الجهة الثانیة:وهی استثناء روایاته عن یونس-التی منها الروایة المستدل بها فی المقام-فلم یذکر ابن الولید أو الصدوق وجهاً لذلک،ومن ثمّ لا یمکن الاعتماد علی مجرد فتواهما بذلک.

نعم, یحتمل أن یکون ذلک لما ذکره نصر بن صباح من:«أنّ محمد بن عیسی بن عبید بن یقطین أصغر فی السن أن یروی عن ابن محبوب». (1)فاذا کان صغر سن محمد بن عیسی مانعاً من أن یروی عن ابن محبوب،فبالأولی أن لا یروی عن یونس؛لأنّ ابن محبوب متأخّر

ص:127


1- (1) .رجال النجاشی:334.

عن یونس بست عشرة سنة،مما یعنی:أنّ محمد بن عیسی أمَّا لم یکن مولوداً فی زمان یونس أو کان فی السنة الاُولی أو الثانیة من عمره،فکیف یروی عنه؟.

ویردّه:

1.أن نصر بن صباح لم یذکر أنّ محمد بن عیسی أصغر من أن یروی عن ابن محبوب،فان ذلک نقله النجاشی عن أبی عمر الکشی،بینما الموجود فی إختیار معرفة الرجال, هکذا:«أبو جعفر محمد بن عیسی بن عبید بن یقطین:قال نصر بن الصباح:إنّ محمد بن عیسی بن عبید من صغار من یروی عن ابن محبوب فی السن»، (1)و هذه العبارة وا ضحة فی أنّه یروی عن ابن محبوب،ولکنه من صغار السن الذین یروون عن ابن محبوب،لا أنّه لا یروی عنه لکونه صغیر السن،ولعل النسخة التی وصلت إلی الکشی کانت العبارة فیها مختلفة بفعل النساخ أو لأمر آخر،وعلی أی حال ما ذکر غیر ثابت.

2.ما ذکره السید الخوئی قدس سره:«أنّ نصر بن الصباح لا یعتمد علی قوله لو ثبت ذلک،کیف،و قد روی عن الحسن بن محبوب أحمد بن محمد بن عیسی،وأخوه عبدالله،وعلی بن إبراهیم،وأحمد بن أبی عبدالله البرقی،فی مواضع،فکیف لا یمکن روایة محمد بن عیسی بن عبید،عنه،و هو قد أدرک الرضا علیه السلام،و قد مات ابن محبوب فی آخر سنة(224ه)؟

ولیت شعری کیف یمکن إنکار روایة محمد بن عیسی بن عبید،عن ابن محبوب،و هو لم یدرک الصادق علیه السلام؟و قد روی محمد بن عیسی بن عبید،عن جماعة قد أدرکوا الصادق علیه السلام منهم:محمد بن الفضیل،[الکافی:الجزء1 باب ما جاء فی الاثنی عشر 126 ح10].

والمفضل بن صالح أبو جملیة،الکافی:الجزء 2 کتاب الإیمان و الکفر،باب سلامة الدین 96،الحدیث2.

وإبراهیم بن محمد المدنی،الکافی:الجزء4،کتاب الصیام،باب قبل باب الیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان الحدیث1.

وحماد بن عیسی،ذکره الصدوق فی المشیخة فی طریقه إلی زرارة بن اعین،وحریز بن عبدالله،وفی طریقه إلی نفس حماد بن عیسی،وحنّان بن سدیر،ذکره الصدوق فی المشیخة فی طریقه إلی نفس حنان بن سدیر». (2)

ص:128


1- (1) .اختیار معرفة الرجال:817/2.
2- (2) .معجم رجال الحدیث:119/17.

والنتیجة:أنّ التوقّف فی روایات محمد بن عیسی عن یونس لا وجه له،وأنه لا إشکال فی وثاقة محمد بن عیسی،وعلیه فسند الروایة تام؛إلّا أنّ المشکلة تبقی فی دلالتها.

4.الطائفة الرابعة

ما دل علی کفر أو قتل من أنکر وجوب الصلاة أو الصیام أو الحجّ أو الزکاة،من الرویات المتفرقة فی أبواب الفقه.

من قبیل:صحیحة زرارة

عن أبی جعفر علیه السلام...قال:ان تارک الفریضة کافر.... (1)

ومن قبیل:صحیحة برید العجلی قال:

سئل أبو جعفر علیه السلام عن رجل شهد علیه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أیام قال:یسأل هل علیک فی إفطارک إثم؟فان قال:لا؛فإن علی الامام ان یقتله،وان قال:نعم،فإنّ علی الإمام ان ینهکه ضرباً. (2)

ومن قبیل:صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام

قال:..فمن لم یحجّ منّا فقد کفر؟قال:لا ولکن من قال:لیس هذا هکذا فقد کفر. (3)

ومن قبیل:ما رواه أبو بصیر:

عن أبی عبدلله علیه السلام قال:من منع قیراطاً من الزکاة فلیس بمؤمن ولا مسلم. (4)

ومن قبیل:ما رواه جابر:

قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله ما بین الکفر و الإیمان إلّا ترک الصلاة (5)،

وغیرها من الروایات.

و هذه الروایات و إن کان بعضها ضعیف السند لکنّها من الکثرة بحیث تمثل عنوان الاستفاضة،ومعه فلاحاجة للبحث فی أسانیدها.

وفیه:لابدّ من حملها:

أ)إمّا علی الخروج من الإسلام بمعنی الإیمان،جمعاً بینهما وبین مادل من الروایات

ص:129


1- (1) .وسائل الشیعة:28/3،باب 11 من ابواب اعداد الفرائض،ح1.
2- (2) .وسائل الشیعة:179/7،باب2 من أبواب احکام شهر رمضان،ح1.
3- (3) .المصدر:10/5،باب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه،ح1.
4- (4) .المصدر:18/6،باب 4 من أبواب ما تجب فیه الزکاة،ح3
5- (5) .المصدر:29/3،باب11 من أبواب اعداد الفرئض،ح7.

المتقدمة علی تحقق الإسلام بمجرد الإقرار بالشهادتین،ومما یقرّب هذا الحمل أنّ بعض هذه الروایات ذکرت:«من منع قیراطاً من الزکاة فلیمت إن شاء یهودیاً أو نصرانیاً» (1)مما یعنی أنّ إنکار وجوب الزکاة بذاته وبالاستقلال فی هذه الدنیا لا یؤدی إلی الخروج من الإسلام وتحقق الکفر فی هذه الدنیا،نعم, عند انتقاله إلی عالم الآخرة یکون یهودیاً أو نصرانیاً،و هذا الذی عبّرنا عنه فیما سبق بمسلم الدنیا کافر الآخرة.

ب)و إمّا أن نحملها علی الإنکار مع العلم الذی هو الجحود،لأنّ مثل وجوب الصلاة و الصیام و الزکاة وما شابهها من الاُمور الواضحة عند أغلب المسلمین،وأنها مشرّعة فی القرآن الکریم،فإنکارها فی الأعم الأغلب یکون عن علم،و إذا کان عن علم فمن الواضح أنّه یؤدی إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،فلهذا یلزم الکفر.

ومن هنا نجد صاحب الوسائل عنون الباب بعنوان:(باب ثبوت الکفر والارتداد و القتل بمنع الزکاة استحلالاً وجحوداً). (2)

وکذلک نجد المحقق الهمدانی قدس سره یقول:

...فلا یمکن الاستدلال به لإثبات سببیة إنکار الفرائض-التی هی من الضروریات علی الإطلاق-للکفر،لجریه مجری العادة من عدم اختفاء شرعیتها علی أحد من المسلمین،بل یعرفها کل من قارب المسلمین فضلاً عمن تدین بهذا الدین،ففرض کون إنکار الصلاة-التی هی عمود الدین-ناشئاً من شبهة مجامعة للاعتراف بحقیة الشریعة وصدق النبی صلی الله علیه و آله فی جمیع ما جاء به مجرد فرض لایکاد یتحقق له مصداق خارجی. (3)

و إذا قلت:لماذا هذا التأویل و التوجیه لهذه الروایات؟

قلنا:إنّه لا یمکن الالتزام بظاهر هذه الروایات من کون مجرد ترک الصلاة أو ترک أداء الزکاة مما یوجب الکفر،وإلّا للزم الحکم بکفر الملایین من المسلمین الآن.

دلیل القول الثانی

إلی هنا تبین لنا عدم دلالة کلّ الأدلة المستدلّ بها علی القول الأول،ولکن یاتری ماهو الدلیل علی صحة القول الثانی؟فإن مجرّد عدم تمامیة أدلة القول الأول لا یعنی صحة القول الثانی.

ص:130


1- (1) .المصدر:18/6،باب 4 من أبواب ماتجب فیه الزکاة،ح5.
2- (2) .وسائل الشیعة:17/4.
3- (3) .مصباح الفقیه:280/7.

والدلیل علی ذلک:هو الأدلة نفسها التی دلت علی أخذ الإقرار بالالوهیة أو التوحید أو الرسالة کحدٍّ فی تحقق الإسلام،فإن هذه الأدلة بإطلاقها تدلّ علی تحقق الکفر بإنکار هذه الأصول سواءً کان ذلک بطریق المباشرة،أو کان بطریق الاستلزام الذی منه ما لو استلزم إنکار الضروری إلی إنکار الرسالة أو التوحید أو الاُلوهیة.

خلاصة ما تقدّم

والنتیجة النهائیة من کل ماتقدّم أنّ الصحیح من القولین هو الثانی؛أی:أن إنکار الضروری-سواء من القسم الثانی علی ضابطتنا أو مطلق ما علم ثبوته من الدین بالضرورة،کما یعبّر بذلک فی کلمات الأعلام عن الضروری-لیس سبباً مستقلاً بذاته لتحقق الکفر،و إنّما یؤدی إلی الکفر إذا لزم منه إنکار الرسالة أو عدم الالتزام الإجمالی بما تضمنته الرسالة أو إنکار التوحید والاُلوهیة،وکما هو معلوم علی ذلک،سوف لا تکون هناک أی موضوعیة لإنکار الضروری،فحتی لو کان المنکر أمراً غیر ضروری وإنما کان نظریاً فسوف یثبت هذا اللازم،ویؤدی إلی إنکار الرسالة أو التوحید أو الاُلوهیة.

إشکالات علی القول الثانی

قد تظهر بعض الإشکالات للمنع من قبول الرأی الثانی وکون إنکار الضروری یؤدی إلی الکفر من باب الاستلزام لا السببیة الاستقلالیة،و هذه الإشکالات هی:

الإشکال الأول

إنّه علی الرأی الثانی یلزم الغاء خصوصیة عنوان الضروری،إذ القول الثانی یلزم علیه الحکم بکفر کلّ من أنکر أمراً معلوم الثبوت فی الدین سواء أکان ضروریاً أم نظریاً؛بل حتی لو کان أمراً محتملاً أو مظنون الثبوت فی الدین،و هذا خلاف أصرار العلماء علی هذا العنوان-الضروری-،وکون إنکاره یوجب الکفر.

ویردّه:

1.إننا ذکرنا-فیما تقدّم-أنّه علی القول الثانی لا تکون هناک أی خصوصیة لإنکار عنوان ضروری الدین،فلیس هذا الإشکال مما غاب عنا حتی یشکل به.

2.إنّ الفقهاء الذین أصرّوا علی إنکار عنوان ضروری الدین،إنما ذهبوا لذلک؛لکونهم

ص:131

یرون ان إنکاره یکون سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،و هذا لا یمثل مانعاً للذی لایقبل هذا الرأی،ویری صحة الرأی الثانی.

الإشکال الثانی

علی الرأی الثانی کیف یمکن الحکم بکفر مثل الخوارج و النواصب وأمثالهم،فإنّهم ممن یقرون بالرسالة و التوحید والاُلوهیة،فلو کان إنکار الضروری أنما یؤدی إلی الکفر إذا لزم منه إنکار الرسالة أو التوحید أو الالوهیة،لما أمکن الحکم بکفر هؤلاء،مع أنّ قضیة کفرهم مما لا یتنازل عنه.

ومن هنا یبرز هذا التساؤل:فیا تری ما هو سبب الحکم بکفرهم بعد کونهم ممن یقر بالرسالة و التوحید والاُلوهیة؟

والجواب:لا سبب لذلک إلّا کونهم ینکرون ضروریاً من ضروریات الدین،و هو إمّا أمامة أمیر المؤمنین علیه السلام أو مودته ومحبته،التی لاشکّ فی کونها من ضروریات الدین،وطبیعی هذا مما یتعارض مع کون إنکار الضروری یؤدی بطریق الاستلزام إلی تحقق الکفر.

ومن هنا نری العلامة الحلی قدس سره یقول:«وکذا الخوارج لإنکارهم ما علم ثبوته من الدین ضرورة»ویقول المحقق السبزواری قدس سره«والظاهر أنه لا منشأ لتکفیر الخوارج وبالتالی إثبات نجاستهم فی کلمات الأصحاب سوی إنکارهم ما هو من ضروریات الدین».

ویرده:إننا نلتزم بصحة القول الثانی،وبالرغم من ذلک نلتزم بکفر مثل الخوارج و النواصب،وذلک لا لقضیة إنکار الضروری حتی یقال:ان إنکارهم لا ینافی الالتزام بالرسالة أو التوحید أو الألوهیة؛لأنّهم ممن یؤمن ویقر بها،وإنما لورود أدلة تعبدیة تدلّ علی ذلک:

أ)أما بالنسبة للنواصب:

فمن قبیل:موثقة ابن أبی یعفور:

عن أبی عبدالله علیه السلام وإیاک أن تغتسل من غسالة الحمام،ففیها تجتمع غسالة الیهودی و النصرانی و المجوسی،والناصب لنا أهل البیت،فهو شرّهم،فإنّ الله تبارک وتعالی لم یخلق خلقاً أنجس من الکلب،و أنّ الناصب لنا أهل البیت لانجس منه. (1)

ص:132


1- (1) .وسائل الشیعة:الباب 11 من ابواب الماء المضاف،ح5.
وما یشکل علی هذه الروایات:

1.بکون المراد من النجاسة فیها-ولا أقل من احتمال ذلک احتمالاً معتدّاً به-،هی النجاسة بمعنی الخباثة المعنویة الباطنیة لا النجاسة الظاهریة المادیة:بتقریب:أنّ أنجسیة الناصب من الکلب ذکرت تعلیلاً لقوله«فهو شرّهم»،وشرّیة الناصب ظاهرة فی الحیثیة المعنویة،و هذا إن لم یوجب-للزوم التناسب بین العلة و المعلول-حمل النجاسة علی جهة معنویة أیضاً،فلا أقل من اقتضائه لإجمال کلمة النجاسة فی جانب التعلیل. (1)

یردّهُ:

أ)إنّه خلاف الظاهر عرفاً،فإن الإمام علیه السلام-إنسان عرفی یتکلّم بلسان عرفی أیضاً،وکل من یسمع قوله:(فإنّه أنجس من الکلب)یفهم النجاسة بالمعنی المصطلح،اللّهُمَّ إلّا إذا کان الإمام یتکلّم بأسلوب فلسفی مثل ابن سینا أو ملا صدرا الشیرازی.

ب)إنّ شریة الناصب لیست ظاهرة فی الحیثیة المعنویة فقط،و إنّما هی ظاهرة فی المعنی العام للأشریة أی الباطنیة و الظاهریة،من جهة خبثه باطناً،وأظهاره البغض و العداوة لأهل البیت ظاهراً،ومن هنا فللزوم التناسب بین العلّة و المعلول لابدّ من حمل أنجسیة الناصب من الکلب علی معنی النجاسة العام؛أی:الشامل للنجاسة الباطنیة؛لأنّ الکلب قد یکون وفیاً ولا خبث باطنی فیه،والشامل للنجاسة المادیة الظاهریة.

2.إنّه لم یدل أی دلیل علی ثبوت الملازمة بین تحقق الإسلام و الحکم بالطهارة أو الکفر و الحکم بالنجاسة بقول مطلق،وعلی هذا فالروایة و إن دلّت علی نجاسة الناصبی،إلّا أنّ هذا لایدل علی تحقق الکفر بعد عدم الدلیل علی الملازمة.

وفیه:

إنّ هذه الملازمة و إن لم ترد فی آیة أو روایة،ولکن من الصعب جداً أن یلتزم الفقیه بإسلام شخص ونجاسته فی الوقت نفسه،و هذا ما قد یشکّل أمراً وجدانیاً أو ارتکازاً متشرعیاً علی صحة هذه الملازمة،فإن الحکم بنجاستهم لا یجتمع مع إسلامهم،إذ إنّ کلّ مسلم طاهر.

ب)و أما بالنسبة للخوارج:

ص:133


1- (1) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:308/3.

فمن قبیل معتبرة الفضیل:

قال:دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وعنده رجل فلما قعدتُ, قام الرجل فخرج فقال لی:یا فضیل ما هذا عندک؟قلت:وماهو؟قال:حروری،قلت:کافر, قال:أی و الله مشرک. (1)

فإن قوله-حروری-نسبة إلی فرقة من الخوارج تسمی بالحروریة؛لأنّهم أوّل ما اجتمعوا فی قریة من قری الکوفة یقال لها حروراء.

ومن قبیل معتبرة أبی مسروق:

قال:سألنی أبو عبد الله علیه السلام عن أهل البصرة فقال لی:ما هم؟قلت:مرجئة, و قدریة, وحروریة, فقال:لعن الله تلک الملل الکافرة المشرکة التی لا تعبد الله علی شیء. (2)

کیفیة ثبوت الملازمة علی القول الثانی

بعد أن تبین لنا أنّ الصحیح هو الرأی الثانی،نأتی هنا لنطرح هذین التساؤلین:

الأول:هل الحکم بالکفر علی المنکر یشترط فیه أن یکون عالماً بثبوت ما أنکره سواءً بعلم ضروری أو نظری،أو یکفی فیه أن یظن أو یحتمل ثبوته فی الشریعة و الرسالة؛فیحکم بکفره لو أنکره علی هذه الحالة؟

الثانی:وعلی الأمرین،فهل یحتاج للحکم بکفره أن یکون ملتفتاً إلی أنّه لو أنکر ما علم أو احتمل ثبوته فی الدین،فإنّه سوف یکون مکذّباً ومنکراً للرسالة أو التوحید أو الالوهیة،أو لا یحتاج إلی ذلک ویکفی العلم أو الاحتمال فقط وان لم یکن ملتفتاً إلی تلک الملازمة؟

أما التساؤل الأول:فالظاهر وجود الخلاف فیه.

1.حیث إنّ ظاهر کلمات مجموعة من العلماء هو اشتراط أن یکون المنکر عالماً بثبوت ما أنکره فی الرسالة بل إنّ بعضهم اشترط أن یکون عالماً بضروریة ما ینکره،مثل السید الخوئی قدس سره حیث قال:«نعم لو کان مرجعه إلی إنکار الرسالة أوجب الکفر،ولا یکون ذلک إلّا مع العلم والالتفات إلی کونه ضروریاً،کما أن لازمه کفر منکر الحکم المعلوم مطلقاً،ولو لم یکن ضروریاً». (3)

ص:134


1- (1) .اُصول الکافی:ج2،کتاب الإیمان و الکفر،باب الکفر،ح14.
2- (2) .المصدر،ح13.
3- (3) .دروس فی فقه الشیعة:112/3.

2.بینما ذهب السید الشیهد قدس سره کما نقلنا عبارته فیما تقدّم إلی أبعد من ذلک،وأنه یکفی فی الحکم بالکفر إنکار ما هو مظنون أو محتمل الثبوت أیضاً.

والصحیح من الرأیین:هو الثانی إذ ما دمنا نفسر الالتزام الإجمالی بالرسالة بالالتزام بکلّ أمر معلوم أو مظنون أو محتمل الثبوت فی الرسالة علی تقدیر ثبوته واقعاً،فسوف یکون إنکار الأمر المظنون أو المحتمل الثبوت فی الرسالة مع الالتفات إلی ذلک،معناه عدم تحقق ذلک الالتزام الإجمالی بالرسالة من قبل المنکر،وعدم تحقق الالتزام الإجمالی بالرسالة یساوق عدم الالتزام بالرسالة،وعندها یتحقق الکفر و الخروج من الإسلام،إذ قلنا:إنّ معنی الإقرار بالرسالة،هو أن یلتزم المسلم بأن هذا الرسول صلی الله علیه و آله هونبی مرسل من قبل الله تعالی وأن یتلزم بإطاعته إجمالاً علی النحو الذی فسرناه.

نعم, قد یکون کلام السید الخوئی قدس سره وغیره،غیر ناظر إلی ذلک و إنّما هو ناظر إلی أنّه علی الرأی الثانی لا تکون هناک خصوصیة لإنکار خصوص الضروری،والله تعالی العالم.

و أما التساؤل الثانی:فذهب السید الخوئی قدس سره و السید الشهید قدس سره إلی اشتراط الالتفات إلی الملازمة،فقال فی مصباح الفقاهة:«الأمر الثانی:إنّه یجب علی العباد الاعتراف بفرائض الله وسنن رسوله صلی الله علیه و آله وبما جاء به النبی صلی الله علیه و آله فمن ترکها جاحداً و هو عالم بأنّ إنکاره هذا یستلزم تکذیب النبی صلی الله علیه و آله فهو کافر،وإلّا فلا ملازمة بین الإنکار وبین الکفر»، (1)

وقال السید الشهید فی شرح العروة«ومنکر الضروری تارة:یؤدی إنکاره هذا إلی إنکار الرسالة،لالتفاته إلی الملازمة بینها وبین ما أنکره». (2)

ویردّه:عدم اشتراط الالتفات إلی الملازمة،وذلک لسببین:

1.أنّه لا معنی لاشتراط أن یکون المنکر لما علم ثبوته فی الرسالة, و أنّ الرسول صلی الله علیه و آله قد جاء به،أن یکون ملتفتاً إلی أنّه بإنکاره هذا سوف یکون مکذّباً له ومنکراً لرسالته،إذ هذا التکذیب و الإنکار للرسالة حاصل قهراً سواءً التفت المنکر إلی اللازم أو لم یلتفت،فهل یاتری یکون معنی لقولک:إنی أعلم بکون هذا الأمر مما جاء به الرسول صلی الله علیه و آله وأنا أنکره ولکنّی لست مکذباً للرسول صلی الله علیه و آله.إذن, بمجرد إنکار الشیء سوف یکون ذلک اللازم متحققاً.

ص:135


1- (1) .مصباح الفقاهة:391/1.
2- (2) .بحوث فی شرح العروة الوثقی:2932/3ط مجمع الشهید آیة الله الصدر.

2.أنّ من ینکر ما علم أو ظن أو احتمل ثبوته فی الرسالة،لا یکون ذلک الالتزام الإجمالی بالرسالة متحققاًً منه،ومع عدم تحققه سوف لا یکون عند هذا الشخص إقرار بالرسالة وإطاعة الرسول صلی الله علیه و آله،ومعه یخرج من الإسلام،ویحکم بکفره،و إن لم یکن ملتفتاً إلی تلک الملازمة.

فما ذهب إلیه السید الخوئی قدس سره و السید الشهید قدس سره غیر تام.

تفریعات فقهیة
الفرع الأول:إنکار الضروری عن جهل

لاشکّ فی کفر منکر الضروری فیما إذا کان یعلم بضرورته أو حتی لو کان یعلم بثبوته فی الشریعة لا علی نحو الضرورة،إذ کما قلنا فیما تقدّم یلزم منه إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،والروایات المتقدّمة قد دلت علی ذلک.

ولکن لو کان جاهلاً-سواءً عن قصور أو عن تقصیر-بکون الشیء الفلانی من ضروریات الدین, أو کان یجهل ثبوته فی الدین بنحو مطلق سواءً بعلم ضروری أو نظری،وأنکره،فهل یحکم بکفره أو لا یحکم؟

فصّل الشیخ الأنصاری قدس سره فی ذلک بین القاصر و المقصّر،فذکر أن الجاهل القاصر لایحکم بکفره،بینما المقصّر یحکم بکفره،ولکن فی الأحکام الفرعیة،ولیس فی المسائل الاعتقادیة.

قال قدس سره:

فالاقوی:التفصیل بین القاصر وغیره فی الأحکام العملیة الضروریة،دون العقائد،تمسّکاً فی عدم کفر منکر الحکم العملی الضروری،لعدم الدلیل علی سببیته للکفر مع فرض عدم التکلیف بالتدین بذلک الحکم ولا بالعمل بمقتضاه؛لأنّه المفروض.

ویبعد أن لا یحرم علی الشخص شرب الخمر ویکفّر بترک التدین بحرمته،وصریح الأخبار المتقدّمة-فی استحلال الفرائض-فی غیر القاصر،و قد تقدّم ما ورد فی درء الحد عمّن لم یعلم بحرمة المحرمات،ودعوی عدم الملازمة بین الحدّ وعدم الکفر کما تری.بل ظاهر أدلّة دفع الحدّ أنّه لا یحکم بارتداده،لا أنه مرتد لا یقتل.

ومنه یظهر أنّ من استثنی صورة المشتبه عن وجوب الحدّ علی شارب الخمر ونحوه ممّن اعترف بعدم اعتقاده للحکم الضروری،ظاهره استثناء ذلک عن الحکم بالارتداد،فلا نقول بکونه مرتداً لا یحدّ.

ص:136

و أمّا الحکم بکفر منکر العقائد الضروریة فلعلّه الأقوی،للاطلاقات المتقدمة... (1)،

فالشیخ الأنصاری قدس سره یستند فی التفصیل المتقدّم إلی أمور عدة:

1.عدم وجود دلیل یدلّ کون إنکار الضروری یمثل سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،مع فرض کون الجاهل القاصر غیر مکلّف بالتدین بذلک الحکم العملی،لأنّه یکفّر بإنکار ما لم یکلّف بالتدین به،ولا العمل بمقتضاه.

2.إن الأخبار المتقدّمة التی دلت علی کفر أو قتل من یستحل الفرائض،لا تشمل الجاهل القاصر،ولهذا صرّحت تلک الروایات بدرء الحد عمن لا یعلم بحرمة المحرمات.

أمّا المقّصر حیث یشمله الإجماع وإطلاق الأدلة و الفتاوی بکفر منکر الضروری؛فلذلک یحکم بکفره.

وفیه:

إنّ ما أفاده من التفصیل بین الأحکام الفرعیة العملیة الضروریة و الأمور الاعتقادیة الضروریة،حیث فصّل فی الأول بین القاصر و المقصر،ولم یفصّل فی الثانی،غیر تام،إذ بعدما ذکرنا کون إنکار الضروری یؤدی إلی الکفر فیما إذا لزم منه إنکار الرسالة وتکذیب النبی،فعلی هذا سوف لا یکون هناک وجه للتفصیل المذکور،إذ متی ما أدّی إنکار أمر ما سواءً أکان أمراً فرعیاً عملیاً أم کان أمراً عقائدیاً،إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله أو إنکار التوحید و الألوهیة،حُکم بالکفر.

نعم،الجاهل وخصوصاً(المقصّر)إذا أنکر الأمر الضروری-سواءً الأمر الفرعی العملی أو العقائدی-و هو یحتمل ثبوته فی الشریعة وأنّه مما جاءت به الرسالة،فعلی هذا سوف یکون إنکاره منافیاً للالتزام الإجمالی بالرسالة،وعلیه من هذه الجهة یحکم بکفره وخروجه عن حَدَّ الإسلام.

الفرع الثانی:إنکار الضروری عن إکراه أو تقیة

کمن أنکر وجوب الصلاة أو الصوم فی الشریعة لإکراه أو لتقیة،و هذا حکمه لعله اتضح من البحث الذی ذکرناه فیما سبق لحکم إنکار الشهادتین عن إکراه أو لتقیة،وقلنا هناک أنّه توجد أدلة خاصة وعامة تدلّ علی عدم تحقق الکفر بذلک.

ص:137


1- (1) .کتاب الطهارة:141/5-142،إعداد لجنة تحقیق تراث الشیخ الاعظم.

وفی المقام نستطیع أن نقول:

1.إنّ الأدلة التی تدلّ علی تحقق الکفر بإنکار الضروری،سواء علی القول بأن إنکار الضروری بذاته سبب مستقل لتحقق الکفر،أو علی القول الصحیح من ان إنکار الضروری یؤدی إلی الکفر،اذا استلزم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،لا تشمل الإنکار عن إکراه أو تقیة.

أ)أمّا علی القول الأول, فإمّا أن یقال:إنّها لا إطلاق لها لتشمل المکره أو المتقی،أو یقال:لها إطلاق لکنها تقید بأدلة التقیة التی تقول التقیة لکل ضرورة،أو أدلة رفع الإکراه.

ب)و أمّا علی القول الثانی،فمن الواضح أنه لا یحکم بالکفر،لإنّ الإنکار عن إکراه أو تقیة،لا یلزم منه إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله کما هو واضح.

2.إنّ أدلة التقیة العامة تشمل مثل المتقی و المکره،إذ تبیح له الإنکار حال الضرورة،ومن الواضح أنّ لذلک لازم،و هو عدم تحقق الکفر بإنکار الضروری.

3.إذا قلنا-کما سبق-إنّ الکفر لا یتحقق بإنکار الشهادتین عن تقیة وإکراه-التی هی المقومات الأساسیة للدین الاسلامی-فمن باب أولی قطعاً ألّا یتحقق الکفر بإنکار بعض الضروریات-طبعاً من القسم الثانی علی ضابطتنا-التی هی أقل درجة من الشهادتین،لتقیة وإکراه.

الفرع الثالث:إنکار الضروری عن عصبیة وغضب

وما ذکرناه فی إنکار الشهادتین عن غضب،یأتی بعینه هنا،حیث یفصّل-کما قلنا هناک-بین حالتین:

1.بین إذا وصل الإنسان فی حالته العصبیة إلی حدّ یخرجه عن الاختیار و القصد،فأنکر الضروری،فهنا لا یحکم بکفره لأنّه لا اختیار له فی إنکاره،ومن المعلوم أنّ من لا اختیار له لایحکم بکفره.

2.وبین إذا لم یصل إلی ذلک الحدّ من العصبیة و الغضب،حیث یبقی الاختیار عنده موجوداً،وفی مثل هذه الحالة ینبغی التفصیل بین حالتین:

أ)ما إذا کان قاصداً للمراد الجدّی من الإنکار،وفی مثله یحکم بکفره وارتداده.

ب)وما إذا لم یکن قاصداً للمراد الجدّی،فلا یحکم بکفره وارتداده،لأنّ مجرد

ص:138

وجود الإرادة الاستعمالیة لا تسبب تحقق الکفر،إذ هذه الإرادة موجودة حتی عند الهازل،ولا یمکن الالتزام بکفر المنکر لهزل،نعم, قضیة تعزیره من قبل الحاکم الشرعی علی فعله هذا أمر آخر.

الفرع الرابع:إنکار الضروری عن اجتهاد أو تقلید

الحالة الاولی:

تارة ینکر الإنسان ضروریاً من ضروریات الدین عن اجتهاد،و هذا کما لو وصل شخص إلی مرتبة الاجتهاد وحقّق بنفسه مسألة من المسائل علی وفق الطریقة المألوفة فی الاستنباط،فوصل من خلال الدلیل إلی أنّ الأمر الکذائی غیر ثابت فی الشریعة،فهل یا تری یحکم بکفره أم لا؟

أ)أمّا من یبنی علی القول الأول, و أنّ إنکار الضروری بذاته سبب مستقل لتحقق الکفر،فلابدّ أن یحکم بکفره،إذ هذا القول یری أنّ الإنکار للضروری یتحقق بسببه الکفر من أی طریق حصل هذا الإنکار سواءً عن علم بالضروری أو عن جهل وغفلة به،کان ذلک الجهل قصوریاً أو تقصیریاً.

نعم, بما أنّ إنکار المجتهد للضروری من مصادیق الجهل القصوری،فسوف یکون العقاب مرفوعاً عنه فی الآخرة،إذ عقاب الجاهل القاصر قبیح علی المولی الحکیم بادراک العقل.

ب)و أمّا من یبنی علی القول الثانی-و هو الصحیح-فلابدّ أن یفصّل بین عدة حالات:

1.فتارة ینکر المجتهد ضرورة أمر من الاُمور،وینکر بالإضافة إلی ذلک الدلیل علی ثبوته فی الشریعة و الرسالة ولو بعلم نظری،حیث یکون حتی احتمال ثبوته غیر متحقق أی یکون قاطعاً ومطمئناً بالعدم.

وفی مثل هذه الحالة لا یحکم علیه بالکفر لعدم تحقق إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله فی حقّه أو حتی عدم الالتزام الاجمالی بالرسالة منه.

2.وتارة اخری ینکر ضرورته فقط،أی یقول:إنّ الأمر الفلانی لیس من ضروریات الدین،ولکنه یؤمن بثبوته فی الشریعة و الرسالة بعلم نظری.

وفی مثل هذه الحالة أیضاً لا یحکم علیه بالکفر لعین ما تقدّم فی الحالة الاولی.

3.وثالثة ینکر ضرورته وثبوته فی الشریعة أیضاً مع العلم بثبوته فی الشریعة بعلم نظری عنده أو مع احتمال أو الظن بالثبوت.

ص:139

وفی هذه الحالة یحکم بکفره؛لتحقق ذلک اللازم فی حقّه و هو تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة وعدم الالتزام الإجمالی بها.

الحالة الثانیة:

وأخری ینکر الإنسان ضروریاً من ضروریات الدین عن تقلید،کما لو کان زید من الناس یقلّد مجتهداً من المجتهدین الجامعین للشرائط،وتبعاً لهذا المجتهد أنکر ضروریاً من ضروریات الدین،فهل یحکم علیه بالکفر أم لا؟

وعین ما تقدّم من التفصیلات فی إنکار المجتهد یأتی هنا فلا نکرر.

خلاصة ما تقدّم

اتضح لنا مما تقدّم:

1.ضرورات الدین علی قسمین رئیسین-علی وفق الضابطة التی ذکرناها-بینما علی الضوابط الاخری هی علی قسم واحد.

2.القسم الأول من الضرورات-إرکان الدین الأساسیة-الالوهیة،التوحید،النبوة و الرسالة-یکون إنکارها سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،بینما المشهور لا یعدونها من الضروریات وإنما یعدونها من الارکان،وکذلک یرون إنکارها بذاته سبب مستقل لتحقق الکفر.

3.لا یفرق فی کفر منکرها بین الجاهل القاصر و المقصّر،نعم, القاصر لاعقاب علیه،بینما منکرها لإکراه أو لتقیة لا یحکم بکفره،نعم, یفرق فی منکرها لغضب وعصبیة بین حالتین.

4.القسم الثانی من ضرورات الدین-الأجزاء الأساسیة للدین غیر المقوّمة-والضرورات الدینیة بنظر المشهور-ما علم ثبوته فی الدین ضرورة-الرأی الصحیح فی منکرها أنّه لا یلزم الحکم بکفره إلّا إذا أدّی إنکاره إلی إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله أو إنکار الألوهیة و التوحید،أو عدم الالتزام الإجمالی بالرسالة.

5.التفریق الذی ذکره الشیخ الأنصاری فی إنکار هذه الضروریات عن جهل بین الجاهل المقصّر؛فیحکم بکفره،والجاهل القاصر؛فلا یحکم بکفره،غیر صحیح.

6.إنکار هذه الضرورات لإکراه أو لتقیة لا یؤدی إلی الکفر،کما أنّ إنکارها لغضب وعصبیة یفرق فیه بین حالتین.

ص:140

المبحث الثالث:مصادیق ضروری الدین فی کلمات العلماء

اشارة

و هذا بحث استقرائی،فلابدّ من مراجعة کلمات الأعلام،لنری ما هی الضرورات الدینیة التی ذکروها، (1)وبطبیعة الحال سوف یکون إستقراءاً ناقصاً مهما أتعب الباحث نفسه فی التتبع،ولکن نحن نحاول استقصاء أکبر عدد من کلماتهم،وسوف نقسّم کلماتهم فی إطارین رئیسیین:الأول:فی الاُمور الاعتقادیة،والثانی:فی الاُمور العملیة و الأحکام الشرعیة:

القسم الأول:ما یرتبط بالامور الاعتقادیة

1.الأرکان الثلاثة:الاُلوهیة،التوحید،الرسالة, فإنّها علی الضابطة التی ذکرناها تکون من ضرورات الدین،بالإضافة إلی کونها الأرکان الأساسیة لحدّ الإسلام،بل حتی علی الضوابط الاُخری یمکن عدها من الضروریات،لأنّها معلومة الثبوت بعلم ضروری لا نظری.

2.الاعتقاد بالمعاد،فإنّ من یراه مأخوذاً فی حدّ الإسلام کالأرکان الثلاثة المتقدّمة یکون من ضروریات الدین،بناءاً علی الضابطة التی ذکرناها بل حتی لو لم یکن مأخوذاً فی حدّ الإسلام،فإنّه أیضاً یکون من ضروریات الدین من القسم الثانی،لأنّه من الأجزاء الأساسیة فی الدین الإسلامی،وکذلک هو من ضروریات الدین بناءاً علی الضوابط الاُخری،فإنّه من أبده ما

ص:141


1- (1) .لا یخفی أنّ قبول ضرورة بعض ما ذکروه،یختلف بإختلاف الضوابط التی ذکرناها،فمثلاً علی الضابطة التتی ذکرناها سوف تضیق دائرة الضرورات،بینما علی بعض الضوابط الاُخری تتسع دائرة القبول،ونحن نستقرأ الکلمات من دون الإشارة إلی قبول ضرورة بعض الضرورات أو عدم قبول ذلک،تارکین الحکم للقارئ المختص المحترم.

أشتملت علیه الرسالة،فیکون داخلاً تحت عنوان ما علم ثبوته فی الدین بالضرورة.

3.المعاد الجسمانی،صرّح کثیر من العلماء کونه من ضروریات الدین منهم:

أ)العلامة المجلسی فی البحار،حیث یقول:

اعلم أنّ القول بالمعاد الجسمانی مما اتفق علیه جمیع المسلمین و هو من ضروریات الدین, ومنکره خارج من عداد المسلمین. (1)

ب)الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء،قائلاً:

و هذه المعارف الثلاث ومقصوده(التوحید و النبوة و المعاد الجسمانی)اصول الإسلام فمن أنکر منها واحداً عرف بالکفر بین الأنام. (2)

ج)الشیخ العراقی فی نهایة الأفکار،قائلاً:

...ربما یکون إنکاره حراماً علیه بل موجباً لکفره إذا کان من الضروریات لما یظهر منهم من التسالم علی کفر منکر ضروری الدین کالمعراج, و المعاد الجسمانی, ونحوهما. (3)

د)الشیخ المظفر فی عقائد الإمامیة،قائلاً:

فالمعاد الجسمانی بالخصوص ضرورة من ضروریات الدین الإسلامی. (4)

نعم, تفاصیل المعاد الجسمانی لیست من الضروریات،ومن هنا یقول فی کشف الغطاء:

ولاتجب المعرفة علی التحقیق التی لا یصلها إلّا صاحب النظر الدقیق،کالعلم بأنّ الاُبدان هل تعود بذواتها أو إنما یعود ما یماثلها بهیئاتها،و أنّ الأرواح هل تعدم کالأجساد أو تبقی مستمرة حتی تتصل بالابدان عند المعاد..... (5)

4.نفی التجسیم الحقیقی عن الله تعالی،صرّح مجموعة من علماء الدین کونه من ضروریات الدین،منهم:

أ)الشهید الأول فی الدروس،قائلاً:

جاحداً بعض ضروریاته, کالخارجی و الناصبی و الغالی و المجسّمی. (6)

ص:142


1- (1) .بحار الأنوار:47/7.
2- (2) .کشف الغطاء:61/1.
3- (3) .نهایة الأفکار:190/3.
4- (4) .بدایة المعارف الإلهیة فی شرح عقائد الإمامیة:238/2.
5- (5) .کشف الغطاء:60/1.
6- (6) .الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة:124/1.

ب)الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء،قائلاً:

ثانیهما:ما یترتب علیه الکفر بطریق الاستلزام, کإنکار بعض الضروریات الإسلامیة و المتواترات عن سید البریة...والتجسیم.... (1)

ج)السید علی البروجردی فی طرائف المقال،قائلاً:

إلّا أن یستلزم إنکار ضروری الدین،کالتجسیم بالحقیقة لا بالتسمیة. (2)

د)الشیخ السبحانی فی رجاله،قائلاً:

إلا أن یستلزم إنکار ضروری الدین کالتجسیم الحقیقی لا بالتسمیة. (3)

وأنکر غیر واحد من الأعلام کون بطلان التجسیم الحقیقی من ضروریات الدین،منهم:

أ)المحقق الهمدانی فی مصباح الفقیه،حیث یقول:

و قد یقال:بأن إثبات وصف الجسمیة لله تعالی فی حدّ ذاته مخالف للضرورة.وفیه:منعٌ ظاهر،خصوصاً مع مساعدة بعض ظواهر الکتاب و السنّة علیه. (4)

ب)والسید الخوئی فی دروس فی فقه الشیعة،قائلاً:

بأن عدم الجسمیة لیس من الضروریات،و إنّما هو حکم عقلی لابدّ من الاستدلال علیه بالبراهین العقلیة.کیف و قد یوهم کثیر من الآیات و الأخبار ثبوت الجسمیة له تعالی،مثل قوله عزّ من قائل: اَلرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی ، (5)وقوله تعالی: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّی* فَکانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی ، (6)وقوله تعالی: یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ... . (7)و (8)

5.بطلان الحدوث،صرح صاحب الریاض کونه من ضروریات الدین،حیث یقول:

و أما الحجّة علی نجاسة الفرق الثلاث, ومن أنکر ضروری الدین فهو الإجماع المحکی عن جماعة.ویدخل فی الأخیر المجسمة الحقیقیة،لقولهم بالحدوث الباطل بالضرورة من الدین. (9)

ص:143


1- (1) .کشف الغطاء:356/2.
2- (2) .طرائف المقال:607/2.
3- (3) .کلیات فی علم الرجال:422.
4- (4) .مصباح الفقیه:293/7-294.
5- (5) .طه:5.
6- (6) .النجم:8-9.
7- (7) .الفتح:10.
8- (8) .دروس فی فقه الشیعة:143/3.
9- (9) .ریاض المسائل فی تحقیق الأحکام بالدلائل:83/2.

6.المعراج الجسمانی،صرح الشیخ العراقی فی نهایة الأفکار کونه من ضروریات الدین،قائلاً:

...لما یظهر منهم من التسالم علی کفر منکر ضروری الدین, کالمعراج و المعاد الجمسانی ونحوهما. (1)

7.بطلان الجبر و التفویض،ذکر ضرورته الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء:

ثانیهما:ما یترتّب علیه الکفر بطریق الاستلزام کإنکار بعض الضروریات الإسلامیة،والمتواترات عن سید البریة،کالقول بالجبر و التفویض و الإرجاء.... (2)

وأنکر ضرورته السید الخوئی قدس سره قائلاً:

ولا یخفی أنّ مجرد القول بالجبر-کالقول بالتجسیم-و إن کان باطلاً،إلّا أنه لایوجب الکفر،لأن عدمه لیس من الضروریات،کیف وظواهر جملة من الآیات و الآخبار یؤید هذا القول،و قد حار کثیر من الأعاظم الخائضین لجج بحار الجبر و التفویض،ولم یأت أکثرهم بما یشفی العلیل ویروی الغلیل،نعم, لازم هذا القول هو بطلان الثواب و العقاب،بل بطلان الأحکام و النبوات،و هو مخالف لضرورة الدین،فان کان القائل بالجبر ملتفتاً إلی هذا اللازم،وملتزماً به أیضاً فهو کافر،لإنکاره الضروری بإعتبار اللازم المذکور.و أمّا إذا لم یکن ملتفتاً إلیه،وکان فی غفلة من هذا،أو لم یکن ملتزماً به-کما هو کذلک-فلا موجب للکفر و النجاسة کما ذکرنا. (3)

8.الوعد و الوعید،ذکر ضرورته الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء،قائلاً:

...کإنکار بعض الضروریات الإسلامیة و المتواترات عن سید البریة کالقول...والوعد و الوعید. (4)

9.نفی الرؤیة البصریة له سبحانه وتعالی،ذکر أنّ ذلک من ضروریات الدین،مجموعة من العلماء،منهم:

أ)الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء،حیث عدّ من الضروریات الإسلامیة و المتواترات عن سید البریة،الرؤیة البصریة فی الدنیا و الآخرة. (5)

ب)السید علی البروجردی فی طرائف المقال.

ج)الشیخ علی الخاقانی فی رجاله.

ص:144


1- (1) .نهایة الافکار:190/3.
2- (2) .کشف الغطاء:356/2.
3- (3) .دروس فی فقه الشیعة:145/3.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .کشف الغطاء:356/2.

د)الشیخ السبحانی فی رجاله.

فذکر هؤلاء:

غیر الأصول الخمسة لا توجب الفسق إلّا أن یستلزم إنکار ضروری الدین کالتجسیم بالحقیقة لا بالتسمیة و القول بالرؤیة بالانطباع أو الانعکاس. (1)

10.قِدَم العالم،ذکر ضرورته الشیخ جعفر کاشف الغطاء. (2)

11.قِدَم المجرّدات،ذکر ضرورته کذلک فی کشف الغطاء. (3)

12.قِدَم القرآن،ذکر ضرورته أیضاً فی کشف الغطاء. (4)

13.التشبیه بالحقیقة،أیضاً ذکر ضرورته فی کشف الغطاء. (5)

14.کون الأفعال بأسرها مخلوقة لله تعالی،أیضاً ذکره فی کشف الغطاء. (6)

15.بطلان ثبوت الزمان و المکان أو الکلام النفسی له تعالی،أیضاً ذکره فی کشف الغطاء. (7)

16.الحلول والاتحاد ووحدة الوجود أو الموجود،أیضاً ذکره فی کشف الغطاء. (8)

17.عدم صدور الظلم منه تعالی،کذلک ذکره فی کشف الغطاء. (9)

18.کون الباری هو الموجد للعالم و المدبر له،ذکر ضرورته الشیخ الأنصاری فی المکاسب. (10)

19.ثبوت نبوة نبینا صلی الله علیه و آله وکونها لکلّ البشر،ذکر ضرورته الشیخ آصف محسنی فی صراط الحق،قائلاً:

والمسألة لا تحتاج إلی مزید بیان؛لأنّها ضروریة فی دین الإسلام وواضحة عند المسلمین. (11)

ص:145


1- (1) .رجال الخاقانی:149 و422؛طرائف المقال:607/2.
2- (2) .کشف الغطاء:356/2.
3- (3) .المصدر.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .المصدر.
6- (6) .المصدر.
7- (7) .المصدر.
8- (8) .المصدر.
9- (9) .المصدر.
10- (10) .المکاسب:213/1.
11- (11) .صراط الحق:88/3.

20.صدور المعجزات من الرسول صلی الله علیه و آله،أدعی ضرورة ذلک الشیخ البلاغی فی أنوار الهدی. (1)

21.عصمة نبینا صلی الله علیه و آله فی التبلیغ بل سائر الأنبیاء،ذکر ضرورته الإمام محمد حسین کاشف الغطاء فی کتابه الدین و الإسلام.

نعم،عموم العصمة لغیر أمر التبلیغ-والمعبّر عنها بالعصمة المطلقة-لیس من الضروریات،لکنه أمر ثابت بالدلیل أیضاً.

22.أفضلیة نبینا صلی الله علیه و آله من باقی الأنبیاء و المرسلین،ذکر ضرورته الشیخ آصف محسنی فی صراط الحق،حیث یقول:

نبینا الأعظم صلی الله علیه و آله أفضل من جمیع النبیین و المرسلین،بلا خلاف أجده من المسلمین فی ذلک بل قیل:إنّ الأمة متفقة علی ذلک.والظاهر إنّه من الواضحات الاسلامیة. (2)

23.ثبوت منصب الشفاعة للرسول صلی الله علیه و آله،ذکر ضرورته السید عبدالله شبر فی حق الیقین،حیث یقول:

إعلم أنّه لا خلاف بین المسلمین فی ثبوت الشفاعة لسید المرسلین فی امته بل فی سائر الأمم الماضین،بل ذلک من ضروریات الدین. (3)

24.الولایة لأهل البیت علیهم السلام،بمعنی:المحبة و المودة،ذکر کونه من ضروریات الدین،مجموعة من العلماء،منهم:

أ)الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء. (4)

ب)والعلامة المظفر فی عقائد الإمامیة،قائلاً:

بل حبّهم فرض من ضروریات الدین الإسلامی. (5)

ج)والسید الخوئی قدس سره فی التنقیح،قائلاً:

لأنّ الضروری من الولایة إنّما هی الولایة بمعنی الحبّ و الولاء. (6)

25.الولایة للأئمة الاثنی عشر علیهم السلام بمعنی:الخلافة و الحاکمیة السیاسیة ووجوب الطاعة،ذکر کون ذلک من ضروریات الدین مجموعة من العلماء،منهم:

ص:146


1- (1) .أنوار الهدی:135-137.
2- (2) .صراط الحق:125/3.
3- (3) .حق الیقین فی معرفة أصول الدین:134/2.
4- (4) .کشف الغطاء:356/2.
5- (5) .بدایة المعارف الإلهیة فی شرح عقائد الإمامیة:79/2.
6- (6) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:79/3.

أ)العلامة الحلی فی المنتهی،قائلاً:

لأنّ الإمامة من أرکان الدین وأصوله،و قد علم ثبوتها من النبی صلی الله علیه و آله ضروره. (1)

ب)العلامة الحلی فی شرح فص الیاقوت لابن نوبخت،قائلاً:

أما دافعوا النصّ علی أمیر المؤمنین علیه السلام بالإمامة فقد ذهب أکثر اصحابنا إلی تکفیرهم،لأنّ النص معلوم بالتواتر من دین محمد صلی الله علیه و آله فیکون ضروریاً أی معلوم من دینه ضرورة. (2)

ج)الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء،قائلاً:

أو إنکار الإمامة المستلزمة لإنکار النبوة. (3)

وأنکر السید الخوئی قدس سره وغیره،کونها من ضروریات الدین،و إنّما هی من ضروریات المذهب،قائلاً:

و أما الولایة بمعنی الخلافة فهی لیست بضروریة بوجه و إنّما هی مسألة نظریة...نعم،الولایة بمعنی الخلافة من ضروریات المذهب لا من ضروریات الدین. (4)

26.بطلان کون النجوم لها تأثیر بالاستقلال،وکونها علة فاعلیة بالإرداة والاختیار،صَرَّحَ بضرورته مجموعة من الأعلام.

أ)منهم المجلسی فی البحار،قائلاً:

إن القول باستقلال النجوم فی تاثیرها،بل القول بکونها علّة فاعلیة بالإرادة والاختیار،و إن توقّف تأثیرها علی شرائط،کفرٌ ومخالف لضرورة الدین. (5)

ب)وابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة،قائلاً:

إنّ المعلوم ضرورة فی الدین ابطال حکم النجوم وتحریم الاعتقاد بها و الزجر عن تصدیق المنجمین. (6)

ج)والسید الخوئی فی مصباح الفقاهة:

والظاهر أنّه لا خلاف فی ذلک بین الشیعة و السنّة،بل قامت الضرورة بین المسلمین علی کفر من اعتقد بذلک. (7)

ص:147


1- (1) .نقلاً عن الحدائق الناظرة:176/5.
2- (2) .نقلاً عن الحدائق الناظرة:175/5.
3- (3) .کشف الغطاء:356/2.
4- (4) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:80/3.
5- (5) .بحار الانوار:308/8.
6- (6) .شرح نهج البلاغة:212/6.
7- (7) .مصباح الفقاهة:394/1-395.

د)والسید تقی القمی فی عمدة الطالب،قائلاً:

الفرع الثانی:إنّه یحرم الإخبار عن تأثیر الأوضاع الفلکیة فی الاُمور السفلیة علی نحو التأثیر الاستقلالی،أو علی نحو الدخل فی التأثیر؛فإنّه علی خلاف ضرورة الدین إذ لا مؤثر فی الوجود إلا الله. (1)

هذا ما استطعت أن أظفر به بحسب استقرائی الناقص من ضروریات الدین فی کلمات الأعلام،ولعلّ هناک أموراً أخری فی باب العقائدیات یجدها الباحث بالتتبع.

القسم الثانی:مایرتبط بالاُمور العملیة و الأحکام الشرعیة

ذُکرت فی کلمات الاعلام الکثیر من ضرورات الدین المرتبطة بفروع الدین،وإلیک ما حصلنا علیه بحسب استقرائنا الناقص،ولعلک تجد غیرها أیضاً بالتتبع:

1.فروع الدین الرئیسیة-وجوب الصلاة،وجوب الصوم،وجوب الحجّ،وجوب الخمس،وجوب الزکاة،وجوب الجهاد،الأمر بالعروف و النهی عن المنکر-فإنّه علی کلّ الضوابط المتقدّمة هی من أهم ضروریات الدین،و قد صرّح أکثر العلماء بضروریة هذه الاُمور،ومن ثمّ لا حاجة لذکر کلماتهم فی هذا المجال.

2.صلاة الجمعة،فقد صرح المحقق النراقی فی المستند،کون وجوبها فی الجملة من ضروریات الدین،حیث یقول:

صلاة الجمعة واجبة فی الجملة،بإجماع الاُمة،بل الضرورة الدینیة.... (2)

3.کون الکعبة قبلة المسلمین،ذکره فی مفتاح الکرامة قائلاً:

وفی حاشیة المدارک:أنّ کون الکعبة قبلة ضروری الدین. (3)

4.حرمة اللواط،ذکر ضرورته فی الجواهر قائلاً:

واشتقاقه من فعل قوم لوط،وحرمته من ضروری الدین.... (4)

5.حرمة الربا،ذکره الوحید البهبهانی فی رسائله الفقهیة:

ص:148


1- (1) .عمد الطالب فی التعلیق علی المکاسب:179/1.
2- (2) .مستند الشیعة:9/6.
3- (3) .مفتاح الکرامة:256/5.
4- (4) .جواهر الکلام:347/41.

...خفی أن الربا عند هؤلاء الأعلام حرمته منحصرة فیما هو ضروری الدین،یعرفه جمیع المسلمین.... (1)

6.حرمة البدعة،ذکر ضرورة ذلک المحقق النراقی فی عوائد الأیام،قائلاً:

إنّه لا شکّ فی حرمة البدعة فی الدین،وإدخال مالیس من الشارع فیه،وعلیه إجماع الاُمة،بل هو ضروری الدین و الملّة. (2)

7.حرمة شرب الخمر،ذکر ذلک السید الگلبایگانی فی الدر المنضود،قائلاً:

واستدل للقول الثانی بأنّ حرمة شرب الخمر من ضروری الدین لا شبهة فیها و قد أجمع علیها المسلمون.... (3)

8.مشروعیة ومطلوبیة الأذان و الإقامة للصلوات الخمس الیومیة،ذکره المحقق النراقی فی المستند،قائلاً:

لا ریب فی مشروعیتهما ومطلوبیتهما لکل من الفرائض الخمس الیومیة ومنها الجمعة إلا فیما یأتی الکلام فیه،للرجال و النساء،فرادی وجماعة،أداءً وقضاءً،حضراً وسفراً،بل هی إجماع من المسلمین،بل ضروری الدین. (4)

9.استحباب الصلاة فی المساجد،ذکره المحقق النراقی فی المستند،قائلاً:

یستحب أداء الصلوات فی المساجد استحباباً مؤکداً بالإجماع،بل الضرورة الدینیة.... (5)

10.جواز إفتاء العلماء للعوام،ذکره المحقق النراقی فی عوائد الأیام،قائلاً:

بل الضرورة الدینیة بل ضرورة جمیع الأدیان فإنّ الکلّ قد أجمعوا علی إفتاء العلماء للعوام وعلی ترک الإنکار فی التقلید. (6)

11.حرمة صوم یومی العیدین،ذکره المحقق النراقی فی المستند،قائلاً:

صوم العیدین بإجماع علماء الإسلام کافه،بل الضرورة الدینیة.... (7)

12.حرمة النظر لعورة غیر الأهل،ذکره المحقق النراقی فی المستند،قائلاً:

ص:149


1- (1) .الرسائل الفقهیة:261.
2- (2) .عوائد الأیام،للنراقی:111.
3- (3) .الدر المنضود:387/2.
4- (4) .مستند الشیعة:515/4.
5- (5) .المصدر:472/4.
6- (6) .عوائد الأیام:129.
7- (7) .مستند الشیعة:507/10.

المسألة الأولی:الأصل و إن کان جواز نظر کلّ أحد إلی کلِّ شیء،إلّا أنه خرج منه نظر الرجل إلی عورة غیر الأهل،رجلاً کان أو أمرأة،حرة أو أمة،محرماً أو غیر محرم،بالإجماع بل الضرورة الدینیة. (1)

13.ثبوت أحکام علینا تزید عما قامت علیها الأدلة القطعیة التفصیلیة،ذکره فی هدایة المسترشدین شرح معالم الدین،حیث یقول:

إنّه قد دل إجماع الفرقة بل الأمة بل الضرورة الدینیة علی ثبوت أحکام بالنسبة إلینا یزید تفصیلها عما قامت علیها الأدلة القطعیة التفصیلیة. (2)

14.حجیة الاستصحاب فی الموضوعات،ذکره الشیخ الانصاری فی حاشیته علی القوانین رافضاً لذلک؛إذ یقول:

و أما دعوی الضرورة الدینیة علی حجیة الاستصحاب فی الموضوعات،فهی أیضاً دعوی لا شاهد علیها. (3)

15.وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم،ذکره السید الخوئی فی التنقیح،حیث یقول:

وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم من المسائل القطعیة بل الضروریة فی الجملة.... (4)

16.حجیة الأخبار فی الجملة،ذکرذلک المحقق النراقی فی عوائد الأیام،حیث یقول:

فإن حجیة تلک الأخبار فی الجملة ووجوب العمل بها،مما لایصلح محلاً للنزاع أصلاً،بل صار هو ضروری المذهب و الدین. (5)

17.ثبوت ولایة القضاء و المرافعات للفقهاء،ذکره المحقق النراقی فی عوائد الأیام،حیث یقول:

فلهم ولایة القضاء و المرافعات،وعلی الرعیة الترافع إلیهم،وقبول أحکامهم،ویدل علی ثبوتها لهم مع الإجماع القطعی،بل الضرورة. (6)

نعم،یحتمل أنّ مراده لیس الضرورة الدینیة،و إنّما الضرورة الفقهیة،والأمر سهل.

ص:150


1- (1) .المصدر:29/16.
2- (2) .هدایة المسترشدین:403.
3- (3) .الحاشیة علی استصحاب القوانین:230،ضمن موسوعة تراث الشیخ الأعظم إعداد لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم.
4- (4) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:316/4.
5- (5) .عوائد الأیام:458.
6- (6) .المصدر:552.

18.ولایة الفقیه علی أموال الیتمامی،ذکره أیضاً المحقق النراقی فی عوائد الایام،حیث یقول:

ومنها:أموال الیتامی،وثبوت ولایتها للفقهاء الجامعی لشرائط الحکم و الفتوی إجماعی بل ضروری. (1)

19.حلِّیة سمک البحر،ذکر ذلک فی جواهر الکلام،حیث یقول:

نعم, لا خلاف بین المسلمین بل وغیرهم فی حِلّ السمک منه بل لعله من ضروری الدین. (2)

20.حلیة أکل الإبل و البقر و الغنم،ذکره فی جواهر الکلام،حیث یقول:

لا خلاف بین المسلمین فی أنه یؤکل من الإنسیة منها جمیع أصناف الإبل و البقر و الغنم بل هو من ضروری الدین. (3)

21.وجوب مسح الجبهة فی التیمم،ذکره السید الروحانی فی فقه الصادق،حیث یقول:

للإجماع علی وجوب مسح الجبهة تحصیلاً ونقلاً مستفیضاً،بل متواتراً کما فی الجواهر،بل عن المستند،والمصابیح:أنّه ضروری الدین. (4)

22.تنجیس المتنجس،ذکر ضرورته المحقق النراقی فی المستند،قائلاً:

والمتنجس کالنجس ینجّس ما یلاقیه مع الرطوبة المذکورة،بالإجماع وخلاف بعض الطبقة الثالثة فیه غیر قادح.و هو الدلیل علیه بل الضرورة علی ما قیل. (5)

وذُکر فی الحاشیة رقم(5)قال الوحید البهبانی:

الظاهر اتفاق الأصحاب بل إجماعهم علی وجوب غسله-أی الملاقی لملاقی النجس-بل هو ضروری الدین.شرح المفاتیح(مخطوط).

وذکر فی الجواهر أن المحقق الکاشانی خالف فی ذلک،وذهب إلی عدم تنجیس المتنجس؛وإنما المنّجس فقط هو عین النجاسة،وذکر أنّه بذلک خالف ضروری الدین:

و قد تفرّد الکاشانی بشیء خالف به إجماع الفرقة الناجیة،بل إجماع المسلمین،بل الضرورة من الدین...و هو ان المتنجس لا ینجس،بل الذی ینجس انما هو عین النجاسة...ولا یلیق بالفقیه التصدّی لرد مثل ذلک بعدما عرفت أنّه مخالف لإجماع المسلمین وضروری الدین. (6)

ص:151


1- (1) .المصدر:555.
2- (2) .جواهر الکلام:243/36.
3- (3) .المصدر:264/36.
4- (4) .فقه الصادق:142/3.
5- (5) .مستند الشیعة:241/1.
6- (6) .جواهر الکلام:15/2.

23.وجوب التوجّه إلی القبلة فی الصلوات المفروضة،ذکر المحقق النراقی فی المستند،أنّه من ضروریات الدین،حیث یقول:

ثمّ إنّه لا خلاف فی وجوب التوجّه إلی القبلة فی الصلوات المفروضة یومیة کانت أو غیرها مع القدرة،وعلیه إجماع المسلمین،بل هو ضروری الدین.... (1)

24.عدم جواز لبس الذهب للرجال فی الصلاة،أیضاً ذکره ضرورته المحقق النراقی فی المستند،قا ئلاً:

الخامس من الشرائط:أن لا یکون ذهباً إن کان المصلی رجلاً،فإنّه لا یجوز له لبسه،وتبطل الصلاة فیه،أمّا الأول فمما لاخلاف فیه،کما فی الحبل المتین،والبحار،والمفاتیح،بل قیل:إنّه ضروری الدین،و هو الحجّة فیه. (2)

25.وجوب سجدتین فی کلّ رکعة من الصلوات فریضة أو نافلة،أیضاً ذکر ضرورته المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:

وجوب سجدتین فی رکعة من فریضة شرعاً،أو نافلة شرطاً مجمع علیه،بل ضروری الدین. (3)

26.حصول التحریم بالرضاع،ذکر ضروته أیضاً المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:

ومقتضی حصول التحریم بالرضاع الذی هو ضروری الدین. (4)

27.جواز الاقتداء و المباشرة و المصافحة مع الناس مع العلم بکون النجاسة تلاقیهم کل یوم،ذکر ضرورته المحقق النراقی أیضاً فی المستند،حیث یقول:(بل الضرورة الدینیة تحققت علی جواز الاقتداء و المباشرة و المصافحة مع الناس،واشتراء ما تلاقیه أیدیهم بالرطوبة،مع العلم بنجاستهم کلّ یوم بالبول و الغائط). (5)

28.عدم جواز أتیان الاذکار الواجبة فی الصلاة بغیر العربیة،ذکر ضرورته أیضاً المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:(و أما الواجبة منها فلا تجوز بغیر العربیة،وان قلنا بکفایة مطلق الذکر فی الرکوع و السجود بالإجماع بل الضرورة الدینیة). (6)

ص:152


1- (1) .مستند الشیعة:202/4.
2- (2) .المصدر:356/4.
3- (3) .المصدر:231/5.
4- (4) .المصدر:287/16.
5- (5) .المصدر:344/1.
6- (6) .المصدر:33/7.

29.حرمة الغناء،ذکر ضرورته أیضاً المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:(الدلیل علیه هو الاجماع القطعی بل الضرورة الدینیة). (1)

30.وجوب القضاء علی أهله فی زمن الغیبة،ذکر ضرورته أیضاً المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:القضاء واجب علی أهله،بحق النیابة للإمام فی زمن الغیبة فی الجملة بإجماع الامة،بل الضرورة الدینیة). (2)

31.تحریم نکاح الامهات و البنات والاخوات و العمات و الخالات وبنات الاخ وبنات الاخت،ذکر ضرورته السید الروحانی فی فقه الصادق،حیث یقول:(وتحریم هؤلاء مجمع علیه بین الامة،بل علیه الضرورة الدینیة). (3)

32.وجوب الغسل علی الفاعل و المفعول عند جماع المرأة فی دبرها،ذکر کونه من ضرروی الدین فی ریاض المسائل،حیث یقول:(وکذا یجب الغسل علی الفاعل و المفعول فی الجماع(فی دبر المرأة)مع إدخال قدر الحشفة علی(الاشبه)الاشهر،بل نقل علیه المرتضی إجماع المسلمین کافة،بل ادّعی کونه ضروری الدین...). (4)

33.کون النسب و السبب من موجبات الإرث،ذکر ضرورته المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:(وهی اثنان بالاستقراء و الضرورة من الدین:النسب و السبب). (5)

34.اشتراط العدالة فی الشاهد،ذکر ضرورته المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:(بل ادعی الاخیران وبعض مشایخنا الضرورة الدینیة علیه). (6)

35.ثبوت البنوة بالشیاع و الشهرة والاستفاضة بین الناس،ذکر ضرورته أیضاً المحقق النراقی فی المستند،حیث یقول:(ومن شاع واشتهر واستفاض بین الناس انه ابنه من غیر معارض بالإجماع القطعی،بل الضرورة الدینیة،بل ضرورة کلّ دین). (7)

36.نجاسة الدماء فی الجملة،ذکر ضرورة ذلک الدینیة فی الجواهر،حیث یقول:

ص:153


1- (1) .المصدر:129/4.
2- (2) .المصدر:10/17.
3- (3) .فقه الصادق:213/21.
4- (4) .ریاض المسائل:292/1.
5- (5) .مستند الشیعة:10/19.
6- (6) .المصدر:51/18.
7- (7) .المصدر:335/18.

(الخامس:الدماء،ونجاستها فی الجملة إجماعیة بین الشیعة بل بین المسلمین،بل هی من ضروریات هذا الدین). (1)

37.حرمة الزواج بما زاد علی الاربع مع وجودهن دواماً،ذکر ذلک فی الجواهر،حیث یقول:(إذا إستکمل الحر أربعاً بالعقد الدائم حرم علیه مع وجود الاربع عنده نکاح ما زاد غبطة أی دواماً إجماعاً من المسلمین بل ضرورة من الدین). (2)

38.جواز ان ینکح الرجل بملک الیمین ما یشاء،ذکر ذلک فی الجواهر حیث یقول:(وکذا لکل منهما ان ینکح بملک الیمین ما شاء وبلا خلاف فیه بین المسلمین فضلاً عن المؤمنین،بل لعله من ضروریات الدین). (3)

مصادیق الضروریات عند المجلسی و المحقق الخونساری

ذکر المحقق الخونساری قدس سره فی رسالته عن ضروریات الدین مصادیق عدیدة وکثیرة جداً لضروریات الدین سواء فی الامور الاعتقادیة أو فی الامور الفرعیة والاحکام الشرعیة،فنُقِل:ان الشیخ المجلسی قدس سره فی کتابه حق الیقین،ذکر مجموعة کثیرة من ضروریات الدین،وقام الخونساری بترجمة ما ذکره المجلسی-لان کتاب المجلسی المذکور بالفارسیة-إلی العربیة.

وإلیک نص ما ذکره الخونساری (4):

وأنت إذا عرفت هذا فاعلم أنّ مثل هذا الضروری الأوّلی المنعقد لبیان شاکلة جزئیاته فی هذا المقام،والمنتسب إلی خصوص الدین المبین وشریعة الإسلام،ینقسم فی هذه الشریعة علی قسمین،ویرتسم فی حاضر الحقیقة علی رسمین:

أحداهما:ما کان یتعلّق بمراتب اصول الإیمان،والعقود القلبیة الراجعة إلی العقول و الأذهان.

(وثانیهما):ما کان من جملة مسائل الفروع و الأحکام،ومقاصد الفقه المتعلّق بأفعال المکلّفین من الأنام.

فأما ما کان من القبیل الأول فقد کفتنا مؤنة تفصیله بما حرره المتکلّمون من علماء

ص:154


1- (1) .جواهر الکلام:354/5.
2- (2) .المصدر:2/30.
3- (3) .المصدر:8/30. 1.رسالة تلویح النوریات من الکلام فی تنقیح الضروریات من الإسلام:105-121.
4- (4) ..رسالة تلویح النوریات من الکلام فی تنقیح الضروریات من الإسلام:105-121.

الجمهور فی هذا الباب،وقرره فی مصنفاتهم المطولة علماء الأصحاب،ولم یتوقّف فی لزوم العلم بحقیته أحد من اولی الألباب.

و أما ما کان من القبیل الآخر فهو:

أولاً:کما استنبطناه من الآیات المحکمة،والسنة المتواترة المسلّمة بعد الأصل الأصیل القویم،الذی هو حقیة وجود صانع قدیم،وربٍّ عظیم،وإله یخلق ولا یخلق،ویرزق ولا یرزق،ویحیی ویمیت،ویعطی ویمنع،ویکون بکف کفایته زمام التقدیر،وحسام التنظیم،أنّ ذاته المقدّسة لا یبلغ حقیقتها،ولا تدرک ماهیتها،ولا یمکن أن تعرف إلّا بالسلوب و الإضافات،ولا أن تحدد إلا بالأحدیة من جمیع الجهات،والصمدیة المغنیة الصافیة عن دیدن التنزه عن عموم الحاجات،وخروج مرتبته الجلیلة عن حدّی التشبیه و التعطیل،وبراءة منزلته الرفیعة عن التعرّف بالقال و القیل،وأنّه کما قال وفوق ما یقول القائلون: سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا یَصِفُونَ ، (1)وأنّه یکفی فی الوفاء بحق الواجب من معرفته الاعتراف بما قد جاء من صفته ونسبته فی سورة التوحید،مضافاً إلی ما اشتملت علیه الآیات الست الأوائل من سورة الحدید،وأن ما زاد علی ذلک فلیس بالواجب من الاعتقاد،بل من التعمّق المنتهی إلی الضلالة و الإلحاد،والمنهی عن التکلّم فیها فی کلمات أرباب الرشاد،والأئمة الأمجاد،وذلک لأن مرجع الصفات الثبوتیة و السلبیة الثمان و السبع المعروفة بصفات الجمال و الجلال،أعنی:العلم و القدرة،والحیاة،والارادة،والإدراک،والقدم،والاُبود،والتکلّم،والصدق،مرجعها جمیعاً إلی المحصّل من الآیات المفصّلات.

وثانیاً:إنّ شرائع النبیین،وقوانیین المرسلین،المنتهیة إلی الوحی المبین،من قبل إله العالمین،کلها حق،ومن مقتضیات لطفه المحقق،وفیضه المطلق،و أنّ أشرفها وأفضلها وأجمعها لکل ما کان علی الرب أن یفعلها ولا یهملها إنّما هو هذه الشریعة السهلة السمحاء،والملة العدلة البیضاء،کما أنّ صاحبها الصادق بها أشرف الأنبیاء،وأفضل أهل الأرض و السماء،وخاتم من بعث؛لإبلاغ الدعاء إلی الرجال،وإلی النساء،وأن أصحاب الجنة فی هذه الأزمنة متابعوه،وأصحاب النار منکروه ومخالفوه،و أنّ القرآن حقٌّ ولم یزد علیه شیء فی هذه المصاحف الموجودة،بل کل ما وقع بین الدفتین منزّل من الملأ الأعلی بالوحی

ص:155


1- (1) .الصافات:180.

المبین،و أنّ جمیع الشرایع السابقة منسوخة بشریعة هذا الرسول الأمین،وأن العسر و الحرج منتفیان فی هذا الدین،والعقل و العرف مرجعان فی کثیر من أحکام المسلمین،ولا یجوز لأحد منهم الأخذ و العمل بسائر شرایع المرسلین،وأن أهل بیت هذا النبی صلی الله علیه و آله وذوی قرباه المعهودین أفضل أقارب رسل الله أجمعین،وهم المحثوث فی هذه الشریعة علی مودتهم،والقیام بحق حرمتهم،وأداء حقوق جملتهم،وإهداء الصلوات فی الصلاة علی جماعتهم،و أنّ له صلی الله علیه و آله منصب الشفاعة العظمی،یوم القیامة الکبری،و أنّ معراجه إلی السموات العلی بهذه الجثة العنصریة المثلی حق فی الجملة،وأن معجزاته الفاخرة کثیرة من کلِّ صنف وصفة،و أنّ شهر رمضان شهر صیام هذه الاُمة،والقیام بموجبات الرحمة،و أنّ لیلة القدر فی کلِّ سنة لیلة یقدر فیها ما یکون من التوقعیات هی العمدة،وأن الأیام المعدودات و المعلومات من ذی الحجة الحرام من الأیام الکرام،وفیها الأمر بالآیات بوظیفة الحجّ من البدو إلی الختام،و أنّ مقابر الأنبیاء و الأولیاء مواضع نزول الفیض التام علی الزائرین من الأنام،و أنّ المسجد الحرام قبلة لجمیع أهل الإسلام،ووجهة تعتبر فی کثیر من الموارد و الأمورات العظام،و أنّ النبی المصطفی صلی الله علیه و آله فُضّل علی سائر الأنبیاء بست خصال:(أوتی جوامع الکلم،واُحلّت له المغانم،وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً،واُوتی منصب الشفاعة الکبری،واُعین بالرعب،وختم به الرسالة،وأن التکالیف المقررة من جانب الشارع المقدس باقیة علی أعناق البالغین العاقلین العالمین القادرین إلی یوم القیامة،و أنّ الطریق إلی معرفتها منحصرة فی هذه الأزمنة فی الاجتهاد التقلید،والعمل بالمظنة المعتبرة لمکان انسداد باب العلم،بالنسبة إلی أکثر الأحکام،وأن أنبیاء الله فی الدنیا من جنس البشر،یأکلون ویشربون،ویولدون ویموتون،کما قال سبحانه وتعالی: إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ 1 ،و إنّ من خصائص هذا الدین الأجل الأبجل،هی الجمعة و الجماعة،والآذان و الإقامة،والجهر بالقرائة،والحجّ و العمرة،وصلوة العیدین و الآیات،والصلوة علی الأموات،والخمس المعین للسادات،والاعتکاف فی المساجد الجامعة،واستصحاب الحالات السابقة فی کلّ واقعة،وأن عالم البرزخ واقع بین نشأتی الخلق و البعث،وکذلک هول المطلع واختلاف أحوال الخلائق فیما بعد الموت،وضغطة القبر،وسؤال منکر ونکیر،

ص:156

وما یتبع کلّ ذلک من الوبال و الراحة لکثیر من الأرواح الرائحة،من الأبدان علی حسب الاستیجاب،وانتفاعهم فی خلال تلک الأحوال بما أهدی إلیهم من الأعمال الصالحة و الأدعیة و الزیارات والاستغفارات والاستیجارات،أو أُفیض علیهم من برکات محال القبور ومجاورة مزارات الصالحین و الأبرار،وکذلک خروج الدجال،ودابة الأرض،ووقوع الزلازل الکثیرة،قبل قیام الطامة الکبری،مثل نفختی الصور الأولی والاُخری،وتحقق میزان الأعمال،ووقوف المحشر و الحساب،وتطایر الکتب و الصراط،وانتهاء الأمر إلی النعیم أو الجحیم علی وجه أنزله الله تعالی فی الذکر الحکیم،ومحکم کتابه الکریم،بل ثبت کثیر منها فی الأدیان السالفة ونزل علیه الوحی القدیم.

ثمّ إنّ ما کان من القبیل الآخر من القسمین الأولین فهو أیضاً ینقسم حسب ما یرتسم فی مؤلفات علماء هذه الاُمة إلی قسمین:

أحدهما:ما تعرّض لجمعه فی بعض المواضع بعض الأعاظم.

وثانیهما:ما انتشر فی تضاعیف المؤلفات متفرقات،وسوف نجعلها لک إن شاء الله تعالی فی هذه المقامة من هذه المقالة مجتمعات.

فأمّا ما کان من القبیل الأول:فهو کما ذکره سمینا العلامة المجلسی قدس سره القدّوسی فی أواخر کتاب حق الیقین یزید علی سبعین عملاً من الأعمال،ووظیفة من الوظائف،وحکماً من الأحکام،وعبارته کما أوردها هناک ما ترجتمها وصورتها بعدما عرف حقیقة الضروری بأول ما تقدّم من رسومه الأربعة وأراد أن یورد مصادیقها وأمثلتها هکذا:

مثل وجوب الصلوات الیومیة،والأعداد المعینة فی رکعاتها،واشتمالها علی الرکوع و السجود،بل القیام وتکبیرة الإحرام،والقراءة فی الجملة،واشتراط الطهارة من الأحداث المعینة فیها،ووجوب غسل الجنابة و الحیض و النفاس فی الجملة من الدماء الثلاثة،ونقض الأخبثین للوضوء و الطهارة،ووجوب غسل الأموات بل التکفین لهم و التدفین،ووجوب الزکاة فی الجملة،ووجوب صیام شهر رمضان،وانتقاض الصیام بالأکل و الشرب،والمواقعة المتعارفة مع المرأة الصائمة،ووجوب حجّ بیت الله،واشتماله علی الطواف فی الجملة،بل السعی بین الصفا و المروة و الإحرام،ووقوف العرفات و المشعر،بل الذبح و الحلق،ورمی الجمرات أیضا فی الجملة،ووجوب الجهاد فی سبیل الله،ورجحان صلوة الجمعة،والتصدّق علی أرباب الاستحقاق،وفضیلة العلم وأهله،والصدق غیر المضر،ورذالة الکذب الغیر

ص:157

النافع،وحرمة الزنا و اللواط،بل تقبیل الأجنبیة و الغلام بالشهوة،وحرمة الخمر المأخوذة من العنب دون سائر المطعومات،وحرمة لحم الخنزیر و المیتة و الدم فی الجملة،وحرمة مناکحة الاُمهات و الأخوات و البنات وبنات الاُخوة وبنات الأخوات و العمات و الخالات،بل امهات النساء،والجمع بین الاُختین علی ما هو الأظهر،وحرمة شرط الزیادة فی القرض فی الجملة علی احتمال،وحرمة الظلم،وأکل أموال الناس بالباطل،وحرمة قتل المسلم بغیر الحقّ،والفحش وشتم المسلمین من غیر جهة مجوزة،وکذلک ضربهم وتعذیبهم وغیبتهم واتهامهم علی احتمال فیها،ورجحان التسلیم وجوابه علی الأقوی وکذلک الإحسان بالوالدین ومرجوحیة ما یوجب عقوقهما،بل رجحان مطلق صلة الأرحام علی احتمال،وفرائض المواریث فی الجملة،وکون الوارث أحق بمال المیت من غیره،بل وجوب العمل بالوصیة فی الجملة،واعتقاد أنّ الصدقات و المبرّات مما ینتفع به الإنسان بعد الوفاة،ورجحان الصیام فی الجملة،وکون النکاح محللاً للوطئ،والطلاق فی الجملة موجباً للتفریق بین المتزاوجین،ووجوب ستر البدن عن غیر المحارم،وحرمة النظر إلی عورات الأجانب،وحزازة وطئ البهائم،وإیجاب عقود البیع و الصلح،والإجارة انتقال الملک فی الجملة،وإیجاب الذبح حلّیة لحوم الحیوانات،وحرمة سرقة أموال المسلمین،وقطع الطریق و الشوارع،وحقیة القرآن المجید وکونه مُنزلاً من عند الله،بل معجزة لرسول الله صلی الله علیه و آله علی الأظهر،وکذا وجوب مودّة أهل بیت الرسالة،والقیام بحق تعظیمهم،ولذا نقول:بکفر الخوارج و الناصبین لهم العداوة و إن کانوا فی عداد هذه الاُمة فإنهم أنکروا فی الحقیقة ضروریاً من دین الإسلام،قد ثبت بداهة کونه من هذا الدین صریح الکتاب المبین و المتواتر من سنة سید المرسلین.

انتهی ما ذکره سمینا العلامة المجلسی قدس سره القدوسی فی مقام تفصیله لأمثلة الضروریات الفرعیة المقبولة بداهتها عند جمیع الآحاد من المسلمین، (1)وغیر الغفال من التابعین لهذا الدین و إن کانوا من جملة المخالفین للفرقة الناجیة من الفرق الثلاث و السبعین من أمة سید المرسلین(سلام الله علیه وعلی أهل بیته المعصومین).

ص:158


1- (1) .النظر إلی واقع المسلمین فی شتی الامصار والاعصار،أقوی شاهد علی بطلان ما یدعیه من کون بداهة کل هذه الامور لا تخفی علی أی واحد من المسلمین،إذ کثیر من هذه الاُمور المذکورة لاتعدّ من الاُمور البدیهیة الثبوت عند بعض علماء المسلمین حتی الشیعة منهم،فضلاً عن عوامهم،بل أکثر من ذلک أنّ الکثیر من العوام لا یعلم بثبوتها فی الشریعة لا علی نحو العلم البدیهی ولا علی نحو العلم النظری.

و أما ما کان من القبیل الثانی:القسیم فی الحقیقة لهذا القبیل و إن کان علی فرض أخذنا إیاه بمعنییه الثانی و الرابع دون الأول و الثالث من حدوده الأربعة المتقدّمة وصار علی هذا التقدیر یعمّ جمیع الأحکام الیقینیة فی هذا الدین ولو عند خصوص الفقهاء و المجتهدین مثل مسائل إجماعیاتهم التی لا توجد فیها خلاف ولا ینکره أحد بعد التأمّل فی الحواشی و الأطراف هو ما عثرنا علیه من التتبع التام فی کلمات المنصفین من المؤلفین و المصنفین من الموآلفین ولم نلفه مجموعاً مرتباً فی مکان مخصوص ولا وجدناه منصوصاً مبیناً علی کونه من ضروریات الدین علی النحو المقصوص.

فمن جملتها:أنّ الماء المطلق رافع لجمیع أنواع الحدث،ومطهر لجمیع أقسام المتنجسات،وأن التراب الطاهر بل مطلق الأرض أیضاً مطهر فی الجملة،و أنّ البول و الغائط ناقضان للوضوء و التیمم،والمنی و الحیض موجبان للغسل،والتیمم بالصعید الطاهر بدل عن الغسل و الوضوء فی جملة مقامات،وغسل الوجه و الیدین واجبان فی کل وضوء،وغسل تمام البدن شرط فی جمیع الأغسال،ولایجب غسل بواطن البدن فی الطهارات،ولا ما زاد علی المرفقین و الکعبین فی الأجزاء الأربعة فی الوضوء،ویجب رعایة الترتیب بین أجزائه فی الجملة،وکذلک الموالات،ویجب نیة القربة فی جمیع الطهارات الثلاثة.

وتحصل الجنابة بغیبوبة الحشفة فی قبل المرأة بالنسبة إلی الفاعل و المفعول،ویحرم علی الجنب و الحائض مس کتابة القرآن،وعلی الرجل جماع الحائض فی موضع الدم،ویجب قضاء الحائض و النفساء ما ترکتاه من الصیام الواجب دون الصلاة،ویجب تغسیل المیت أیضاً وتکفینه وتدفینه علی النحو المشروع،ومن جملة النجاسات بول ذی النفس السائلة من الحیوان الغیر المأکول وکذا رجعه فی الجملة،وکذلک المنی و المیتة و الدم من صاحب النفس السائلة مطلقاً،ولا یجوز ولا یجزی الإتیان بالصلوة الفریضة قبل دخول وقتها ولا إلی غیر القبلة التی هی جهة الکعبة المعظمة مع الاختیار،ولا أن تصلی الفریضة علی الراحلة اختیاراً،ویجب ستر العورة فی الصلوة مع وجود الناظر المحترم،ولا یجب فی حق الأمة و الصبیة الغیر البالغة ستر الرأس بخصوصه فیها،وتحریم صلوة الرجل فی لباس الحریر المحض و الثوب المنسوج من الذهب بخلاف المرأة،ویستحب إقامة الصلوة الفریضة المکتوبة فی المجسد،وکذلک الأذان للإعلان بالوقت،ولأجل الصلوات الخمس الیومیة و الجمعة دون غیره من الصلوات.

ص:159

وتکبیرة الإحرام رکن فی الصلوة تبطل بترکها فیها عمداً وسهواً،وکذلک القیام مع الإمکان،ویجب فیها قرائة فاتحة الکتاب،ویستحب الترتیل فی القرآن،ویجب فی کلّ رکعة من الصلوات رکوع واحد وسجدتان وهما رکنان بخلاف التشهد و التسلیم،فإن جزئیتهما للصلوة من ضروریات المذهب دون الدین مع تأمل أیضاً فی ضروریة الإسلام وخصوصاً بالنسبة إلی أوائل الإسلام.

وتبطل الصلوة بنواقض الوضوء یقیناً وکذا بالاستدبار من القبلة فی الفرائض،وبکل ما یصدق علیه کلام الآدمیین عرفاً،أو یعد من الفعل الکثیر المخرج للإنسان عن کونه مصلّیاً،ویشترط الهیئات المخصوصة فی صلوة الجمعة و العیدین و الآیات وصلوة الأموات جمیعاً،وکذا الخطبتان فی صلواتی الجمعة و العیدین مع اجتماع سائر شرائطهما فی هذه الأعصار،ویجب قضاء الفرائض الیومیة مع تفویتها أو الإخلال بشرائطها النفس الأمریة عمداً أم سهواً إلّا فی صورة کون الموجب لفواتها کفراً أصلیاً،أو عدم اجتماع شرائط الوجوب فی شخص المفوّت لها أولاً،ویستحب الجماعة فی الصلوات الفرائض ولا سیما الخمس الیومیة موکداً،ویجوز اقتداء المفترِض و المتنفّل بالمفترض دون المتنفل, ویجب القصر فی صلوة المسافر مع الشرائط التی من جملتها المسافة المخصوصة،والزکوة فی الأموال التسعة الزکویة المعینة واجبة علی المالکین لنصبها المعینات،ووقت إخراج زکوة الغلات الأربع إذا صفت الغلة وجمعت الثمرة بل إذا یبست،ولا یجب الزکوة فی شیءٍ منها،إلّا إذا تمّت فی المسلک،ثمّ إنّه یجب فیما یسقی سیحاً أو عذیاً أو بعلاً العُشر،وفیما یسقی بالنواضح و الدوالی نصف العشر وفی المتساوی السقی من القسمین من نصف العُشر،ومن نصفه نصف العشر،ومستحقّها الفقراء و المساکین و إن وجد معهما سائر الأصناف الثمانیة المذکورین فی الآیة الکریمة،ویشترط فیهما الإسلام،وأن لا یکونوا من الذین یجب علی المزکّی نفقتهم ولا من الهاشمیین إذا کان المزکّی من غیرهم،وزکاة الفطرة أیضاً واجبة بشرائطها المقررة ویجوز أن یتولّی المالک إخراجها،وإخراج الخمس من الغنائم المکتسبة أیضاً من الواجبات فی هذه الشریعة المطهرة فی الجملة.

من الواجبات المؤهلة أیضاً صیام شهر رمضان المبارک،وقضاؤه فی أیام اخر لمن کان مریضاً أو علی سفر بمعنی الإمساک مع النیة عن التعمّد فی الأکل و الشرب،وعن الجماع قبلاً،والاستمناء مع الإمناء،فمن فعلها متعمّداً فی شهر رمضان فعلیه الکفارة مع القضاء،ولا

ص:160

کفارة فی إفساد غیر صیام هذا الشهر أم قضائه أم النذر المعین أم الاعتکاف،ولا یصحّ الصوم من الحائض و النفساء،و إن صادفت الدم جزءاً من نهارهما،ولا من المریض ولا المسافر ولا من المجنون و الصبی الغیر الممیز،ولا یجب أیضاً علیهم ولکن یصحّ من الصبی الممیز مطلقاً،ویجب الصوم علی کلّ من رأی هلال شهر رمضان و إن انحصر فی شخصه،أو بلغ أمر الرؤیة إلی حد الشیاع الموجب لعلمه،أو مضی من شعبان ثلاثون یوماً،ووقت الإمساک من طلوع الفجر الصادق إلی أوّل اللیل.

ویستحب صوم الأیام البِیض من جمیع الشهور،وصوم رجب وشعبان أیضاً بتمامهما وأبعاضهما،وکذلک صوم التسع الأوائل من ذی الحجّة بل صیام غیر الإیام المحرّمة من السنة.

والاعتکاف فی المساجد من جملة العبادات المقررة التی لا تنعقد إلا بالنیة ویجب بالنذر وشبهه،وشرط الصیام والاقامة فی المساجد ولا أقل من ثلاثة أیام،ویستحب ان یشترک فی ابتدائه الرجوع فیه عند عروض العارض مثل المحرم،ویحرم فیه الاستمتاع بالنساء لمساً وتقبیلاً وجماعاً.

والحجّ واجب بأصل الشرع للمستطیع إلیه مرة واحدة،و قد یجب بالنذر وشبهه وبالاستیجار و الإفساد،ویشترط فی وجوبه فضلاً عن الاستطاعة بالبدن،والزاد،والراحلة،البلوغ،والعقل،والحریة،وتخلیة السرب من المانع،وسعة الوقت،بل التمکّن مما یموّل به العیال الواجب علی الإنسان نفقتهم علی ما نقل عن المنتهی:اتفاق کافة العلماء علیه أیضاً،وأنواعه ثلاثة:تمتع،وقران،وإفراد.کما أنّ أشهُره التی لابدّ أن یتفق فیها أعماله ومراسمه أیضاً ثلاثة:شوال،وذو العقدة،وذو الحجّة قال الله تعالی: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ الآیة.

ویجب أن یوقع الحجّ و العمرة فی سنة واحدة،وأن یحرم بحجّ التمتّع من بطن مکّة بعد الفراغ من أعمال العمرة بخلاف حجّ القرآن و الإفراد،ولا یجب علی القارِن و المفرِد هدی،ویجب علی المتمتع ذبحه فی یوم النحر،ولا یجوز القرآن بین الحج و العمرة بنیة واحدة؛لأنها منسکان متغایران،ویجب الإحرام بالحجّ و العمرة من المیقات،ومیقات کلّ من حجّ أو اعتمر علی طریق میقات أهل ذلک الطریق،ولا یجوز لمرید النسک المجاوزة من المیقات إلّا مع الإحرام،ویحرم فی الإحرام صید البر و الإعانة علیه بأی وجه کان،ولبس المخیط للرجال،وإزالة الشعر عن البدن قلیله وکثیره إلّا مع الضرورة،وتغطیة الرأس للرجل دون

ص:161

المرأة،وقصّ الأظفار مطلقاً،وقطع الشجر و الحشیش إلّا الأذخر،ویجب مسمی الوقوف بعرفات فی یوم عرفة مع النیة فإن ترکه أحد عامداً بطل حجّه،وکذلک الوقوف بالمشعر لیلة الأضحی أو صبیحته،وحدّه ما بین المأزمین إلی الحیاض إلی وادی محسّر،ولا یجوز الإفاضة منه لیلاً إلا للمرأة أو المعذور،ولو فاته الموقفان جمیعاً بطل الحجّ ولو کان ناسیاً،ثمّ یجب الخروج إلی منی فی یوم العید،ورمی جمرة العقبة بسبع حصیات وإصابة الجمرة بفعله،ثمّ ذبح الهدی هناک،وفی یوم النحر لا قبله و هو أیضاً واجب علی المتمتع ولو کان متنفّلاً من إحدی النعم الثلاث تامة الأعضاء،ویکره التضحیة بالثور و الجاموس ولو فقد الهدی فی ذلک المحل انتقل فرضه إلی البدل،وصیام ثلاثة أیام فی الحجّ وسبعة بعد الرجوع إلی الأهل،ومن جملة آداب الحجّ مطلقاً هو التضحیة بمنی،وکذلک إیقاع الحلق أو التقصیر فیها،ورمی جمرة العقبة قبلها،ومن الفرائض المقررة فی المنسکین بأقسامها هو الطواف بالبیت المحترم علی النهج المعروف،وکذلک السعی بین الصفا و المروة،ولا یجوز قطع الطواف إلا لحدث أو حاجة أو فریضة حاضرة و إن لم یتضیق وقتها.

ولا یجوز للمتمتع طواف حجّة وسعیة علی الوقوفین،وقضاء المناسک فی منی یوم النحر ویجب فی کل من الطواف و السعی نیة القربة وقصد الطاعة وتعیین کونهما للحجّ أو العمرة،ویجب رمی الجمار الثلاث الأولی و الوسطی و العقبة فی الأیام التی یقیم فیها بمنی،کلّ جمرة بسبع حصیات علی الترتیب المذکور،ویجوز النفر فی الیوم الأول و الثانی لمن اتقی الصید و النساء.

ویجب الإقامة لغیر من اتقی منهما إلی النفر الأخیر،وکل من أحدث شیئاً من موجبات الحدّ أو القصاص وأُلجئ إلی الحرم کان آمناً من النقم،ولکن یضیق علیه فی المشرب و المطعم حتی یخرج فیؤاخذ بخلاف من أحدث ذلک فی نفس الحرم؛فإنّه یعامل بما یقتضیه عمله الشنیع ولیس له شفیع.

تجب علی کلّ مستطیع العمرة أیضاً علی حسب تکلیفه بشرائطها المقررة،کما قال الله تعالی: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ وإنما نزلت العمرة فی المدینة و الحجّ فی مکّة،و قد یجبان أیضاً بالنذر وشبهه،وتصح العمرة المذکورة فی جمیع أیام السنة وان کان الواجب فیها بأصل الشرع فی العمر مرة فی مواقتها المعینة،وأفعالها ثمانیة:النیة،والأحرام،والطواف،ورکعتاه،والسعی بعده،والتحلّل منها بالحلق أو التقصیر،ولا یحرم علی المحرم صیدُ البحر کما یحرم علیه غیره،

ص:162

ویکّفر فی صید البر بمثل ما قتل من النعم،فإذاکان ظبیاً فبشاة إن وجدت وإلّا فببدلها من الصدقة و الصیام،ویحرم الاصطیاد فی الحرم ولو للمُحل.وحدّ الحرم برید فی برید بمعنی أربعة فراسخ فی مثلها،ومن المحضور فی الحجّ الموجب للکفارة المعینة فی مقامها هو الاستمتاع بالنساء عالماً بالتحریم،والطیب،وتقلیم الأظفار،ولبس المخیط،وحلق الرأس،ونتف الاُبطین،والتظلیل فی حالة المسیر،وتغطیة الرأس ولو بالطین،والجدال إلی ثلاث مرات.

وأمَّا الجهاد فی سبیل الله،فهو أیضاً من أعظم أرکان الإسلام،ووجوبه ثابت بالکتاب و السنة وإجماع المسلمین،بل الضرورة من الدین المبین،ومن جملة شرائط وجوبه،البلوغ،والذکورة،والبصر،والاستطاعة البدنیة و المالیة.ومن یجب جهاده ثلاثة أصناف من الناس،وهم:الکفار الذین لیس لهم کتاب مثل عبدة الأصنام،والکفار من أهل الکتاب مثل الیهود و النصاری،والبغاة من المسلمین الذین یبغون علی من یقاتلونه منهم کما نصت علیه الآیة المحکمة.ولا یجوز الفرار من الحرب ان کان العدو علی الضعف من المسلمین،ولا یجوز لأهل الکتاب استیناف البِیع و الکنائس فی بلد الإسلام.ولا یجوز لأحد منهم أیضاً فضلاً عن المشرکین دخول المسجد الحرام،والإناث و الأطفال من الأساری یسترقون ولا یقتلون،والذکور البالغون یقتلون إن أخذوا و الحرب قائمة ما لم یسلموا.

ثمّ إنّ المعاملات المشروعة هو بیع الأموال بالعقد العربی المخصوص،ولا یجوز إیقاعه علی الاعیان النجسة بالاتفاق،ویشترک فیه تقدیر الثمن وجنسه،ویحرم فی متعلّقه الربا إذا کان مکیلاً أو موزوناً بأن یجعل فی طرف العوضین المتجانسین الزیادة علی الآخر.

ومنها الرهن،وثیقة للدَّین و هو أیضاً ثابت بالإجماع من المسلمین کافة مضافاً إلی محکم الکتاب و السنّة المتواترة،ولابدّ فیه أیضاً:من الإیجاب و القبول،وکمال العقل،وجواز التصرّف کما فی سائر العقود،والحِجر الذی هو:بمعنی الممنوعیة من تصرّف الإنسان فی ماله المختص به أیضاً باب من أبواب الفقه.وأسبابه ستة:الصغر،والجنون،والرق،والمرض فی الجملة،والفلس،والسفه.کذلک الضمان للمال.والکفالة التی هی بمعنی التعهّد بالنفس لمن أراد ثابتان بالکتاب و السنة و الإجماع،والصلح بین المتنازعین أو المترافعین أیضاً أمر مجمع علیه بین الأمة فی الجملة.

وکذلک الشرکة،والمضاربة،والمزارعة،والمساقاة،والودیعة،والعاریة،والاجارة،والوکالة،والسبق و الرمایة،والوقف،والوصیة،والهبة،والصدقة.

ص:163

و أما النکاح:الذی هو بمعنی تحلیل الوط ء للمرأة الاجنبیة،أو نفس الوط ء لها بعقد الدوام الواقع بین المتزاوجین بالتراضی فهو أیضاً من جملة ضروریات هذا الدین،بل المتّفق علیه بین جمیع المسلمین،وکذلک التحلیل بملک الیمین مع شرائطهما المقررة فی الکتاب المبین أو السنة المتواترة عن خاتم النبیین(صلی الله علیه وعلی أهل بیته الهداة المهدیین).

ویحرم نکاح المحارم نسباً ومصاهرة ورضاعاً علی حسب ما تقتضیه الآیات المحکمة و السنة المسلمة واتفاق کلمة الاُمة،ولا یجوز الجمع بین الاُختین فی النکاح،کما أنّه یحرم وط ء اخت المملوکة الموطوئة بملک الیمین ما لم یخرج الاُولی عن الملک،وکذا نکاح من کان فی العدة مطلقاً،ونکاح المطلقة بثلاث تطلیقات ورجعتین ما لم ینکحها زوج یکون غیر الزوج المطلّق لها،ونکاح غیر الکتابیة من الکفار ابتداء،ولو أرتدّ أحد المتزاوجین المسلمین قبل الدخول وقع الفسخ بینهما فی الحال،ویحرم أیضاً نکاح الشغار کما کان فی الجاهلیة:بأن یزوّج الرجل أحداً بنته علی أن یزوجه بنته ویجعل صداق أحدی الأمراتین بضع الاُخری،وکذا نکاح الخامسة بعقد الدوام،والمتولّد من الزوجة الدائمة یلحق بأبیه مع تحقق الدخول بها ومضی ستة أشهر فصاعداً من حین الوط ء وعدم تجاوزه أقصی مدة الحمل.

ومن الاُمور الثابتة فی الشریعة المطهرة أیضاً التسمیة و العقیقة،وخفض الجواری،والختان للذکر من الأولاد،ولو بلغ الولد غیر مختون وجب علیه ختان نفسه.

والواجب من النفقات،النفقة علی من کانت فیه واحدة من ثلاث،الزوجیة الدائمة،والقرابة الوالدیة و الولدیة من غیرهما،والملوکیة المطلقة.

والطلاق للزوجة الدائمة بید الزوج متی شاء وأراد،وتزول به علاقة النکاح بشرائطه المقرّرة التی منها:کون الزوج عاقلاً طائعاً غیر مکره،وکون الزوجه طاهرة من دم الحیض و النفاس إذا کانت مدخوله غیر حامل،وزوجها معها حاضر و هو علی قسمین:رجعی،وبائن،وتصحّ رجعة الزوج إلیها من غیر عقد جدید فیما کان من قبیل الأول أیام عدتها،وهی ثلاثة قروء لمن تری الحیض،وثلاثة أشهر لمن لیست تحیض وهی فی سن من تحیض،وعدة الحامل فی الطلاق بالوضع ولو بعد الطلاق بلحظة،وتعتد الحرّة المنکوحة بالعقد الدائم الصحیح إذا کانت غیر حامل بأربعة أشهر وعشرة أیام،و إن کانت صغیرة أو غیر مدخولة،وعدة الأمة فی الطلاق قرءان،ولا یجوز لمن طلّق رجعیاً أن یخرج الزوجة من بیته بالاختیار إلّا أن تأتی بفاحشة مبینة.

ص:164

ثمّ إنّ الخلع و المبارات،والظهار،والإیلاء،واللعان:أیضاً من الاُمور الملحقة بالطلاق المتعلّقة بها أنواع من أسباب الفراق،یستفاد أحکامها من الکتاب و السنة،وتلتمس تفاصیلها من الکتب الفقهیة متی أتفقت بین الأزواج،وان کانت قلیلة الجدوی وغیر عامّة البلوی فی أمثال هذه الاعصار.

ومن جملة العناوین الشرعیة و التداوین الإسلامیة أیضاً العتق،والتدبیر،والمکاتبة،المخصوصات بالممالیک من الآدمیین،وفضل عتق رقبة المؤمن متّفق علیه بین جمیع الطوائف من المسلمین بل الملیین،وکذلک المکاتبة و التدبیر،ویختص الرق بأهل الحرب من أصناف الکفار،ومن أقرّ علی نفسه بالرقیة رشیداً مختاراً مشکوکاً فی أمره حکم برقیته،ولا یملک الإنسان أحداً من آبائه وأُمهاته وأولاده،ولا الرجل بالخصوص أحداً من محارمه،وینعتق جمیع هؤلاء بمجرد الملک،ویشترط فی المولی المعتِق؛جواز التصرّف والاختیار و القصد و القربة،وأمَّا العِتق بالعوارض فیحصل؛بالعمی،والجذام،وتنکیل المولی للعبد.

ومن الإیقاعات الشرعیة الواجب علیها الوفاء ثلاثة:النذر،والعهد،والیمین.ویشترط فی انعقادها التکلیف،والقصد،والحریة،وإذن المالک،والصیغة،والقدرة علی الوفاء.

ومن أبواب الفقه المصطفوی أیضاً الأحکام المتعلّقة بالصید و الذباحة،والأطعمة و الأشربة،فمن جملة تلک الوظائف أنه یؤکل من الصید ما یقتله الکلب المعلّم دون غیره.

ویحرم ذبیحة غیر المسلم و الکتابی من سائر أصناف الکفار و إن کانوا فی الأصل مسلمین،وکذلک ما لم یذکر اسم الله علیه،أو ذبح إلی غیر القبلة مع التعمّد والالتفات إلیها فی حال الذبح،وما لم یقع علیه التذکیة الشرعیة المختلفة باختلاف الحیوانات،وما ذبح علی طریقة أهل الجاهلیة،أو صدق علیه أنّه من المیتات،ولا یحل من حیوان البحر إلّا السمک و الطیر،ولا یحل من السمک إلّا ما کان له فلس،ویحل أن یؤکل من البهائم الإنسیة:الأنعام الثلاثة،ومن الوحشیة:البقر, و الکباش الجبلیة،والحمر،والغزلان،والیمامیر.

ویحرم من المطعوم:الأعیان النجسة،والأشیاء الخبائث،والطین الخسیس،والسموم القاتلة،وأنواع الخمور،والدم المسفوح.

ومن الاُمور المحرّمة بالضرورة من الدِّین هو غصب الأموال،بمعنی:إثبات الید علی مال الغیر عدواناً وظلماً،کما أنّ من الاُمور المقررة فی هذه الشریعة المطهرة هو الأخذ بالشفعة و المراد بها استحقاق الشخص حصة شریکه لانتقالها بالبیع من قبله إلی الغیر،ویثبت

ص:165

فی الأرضین و المساکن،وفی غیر ذلک من المنقولات خلاف،وکذلک فی الانتقال بغیر البیع وفیما إذا زاد الشرکاء علی اثنین.

ومن الأحکام المقررة فی هذه الشریعة المطهرة أیضاً ما تعلّق منها بإحیاء الموات من الاراضی،والمراد بها:الأراضی الغیر المنتفع بها لعطلتها بالاستیجام ونحوه،أو عدم الماء عنها،أو استیلاء الماء علیها،وباحیائها؛إخراجها عن الخراب و العطلة إلی حیز الانتفاع و هو من موجبات الملک بإجماع المسلمین و النصوص القطعیة الخاصیة و العامیة.قالوا فالعامر منها ملک لأربابه،لایجوز التصرّف فیها إلّا باذنهم،وکذا ما به إصلاح العامر،ویحتاج إلیه من المرافق و الحریم و الشرب و المراح،وأمَّا الموات التی لم یجر علیها ملک مسلم أو جری ولکن هلک أهلها بحیث لایعرفون من سبق إلی إحیائها فی أزمنة غیاب الإمام علیه السلام کان أحق بها،ویشترط فی التملیک بالإحیاء أن لایکون الأرض فی ید مسلم ولا مسالم،ولایکون حریم العامر،ولامَشعراً للعبادة مثل عرفه ومنی،ولامقطعاً من الإمام لغیره،ولامشروعاً فی إحیائها ولو بالتحجیر،ولاتقدیر للشرع فی حقیقة الإحیاء بل المرجع فیها العرف و العادة،کما أن المناط فی حرائم القنوات و الآبار ما أوجب التعدّی إلیها من الأغیار بمنافعها الإضرار،و إن ورد تجدید حریم المعطّن بأربعین ذراعاً من الجوانب الأربع،وحریم بئر الناضح بستین،وحریم العین و القناة فی أرض الرخوة بألف،وفی الصلبة بخمسمائة ذراع.

ومن الأحکام المقررة أیضاً أحکام اللقیط،والضالة،واللقطة علی وزن اللطیف،واللامّة و اللمزة بمعنی الصبی الضایع الذی یجده الإنسان بلا کافل،والحیوان المملوک الضایع الغیر الموضوعة علیه ید محترمة،والمال الصامت الذی یوجد کذلک بطریق اللف و النشر المرتب.

وحکم التقاط هذه الأقسام الثلاثة ینقسم إلی ثلاثة أحکام:واجب،ومکروه،ومباح،ولایجوز للملتقط فی.

الأول:قصد التملک له مطلقاً،ولا ولایة له إلّا فی حضانته وتربیته والانفاق علیه مع القدرة بقصد الرجوع علیه بعد البلوغ ولو بالاستسقاء،ولایجوز الإهمال فی نفقته ولو بالاستعانة من الإمام أو سائر من قدر علیها من الأنام بالإجماع المحقق،بل الضرورة من دین الإسلام بل سائر أدیان الانبیاء علیهم السلام.

و أما الثانی:فإن کان من قبیل البعیر فلایؤخذ إن وجد فی کلاء وماء یکفیانه لو کان صحیحاً؛لأصالة عدم جواز إثبات الید علی مال الغیر من دون الإذن و السبب المرخّص فیه،

ص:166

ولم یثبت فیه شیء منهما لکون المفروض فیه کذلک وعدم کونه فی معرض التلف من جهة فرض کونه مصوناً عن السباع فإنّه یؤخذ وجوباً أو استحباباً،ولا ضمانة فیه للمالک مثل ضمانة الشاة،ویجب علی الواجد أن ینفق علیهما حفظاً لنفسها المحترمة عن الهلکة ولکن لایرجع بالنفقة علی المالک حیثما لم یجز له أخذهما.

وأمَّا الثالث:فإن کان زائداً علی الدرهم الشرعی لایجوز التصرّف فیه إلّا بعد التعریف حولاً کاملاً ثمّ مع عدم ظهور مالک له یجب أن یتصدّق به عنه إن کان قد التقطه من الحرم،و إن التقطه من غیره فهو بعد الحول بالخیار بین التملک مع الضمان وبین الصدقة بها عن المالک إلّا إذا کان الملتقط مما یسرع إلیه الفساد،فإن الواجد یقوّمه علی نفسه من أول الأمر ثمّ یأخذه بقصد التملک مع الضمان و إن شاء دفعه إلی الحاکم ولا ضمان علیه.وکلّما یوجد فی أرض خربة أو فی فلاة لم تعمر أصلاً فإن لم یکن علیه أثر الإسلام فهو لواجده من غیر تعریف،وکذا ما یجده أحد فی داره أو صندوقه المختصین به،وفی غیر ذلک یحتاج جواز التصرّف فیه إلی التعریف،هذا.

ومن الأحکام المقررة بالضرورة من جمیع الشرایع المطهرة هی الفرائض المعینة التی خصها الشارع المقدس فی أبواب المواریث بأن جعل بعض أولی الأرحام أولی ببعض فی کتاب الله بالنسبة إلی الوراثة و التوریث،والمحصّل من تلک الأوضاع المفصّلة،أنّ أولی القرابات النسبیة الوارثین المورّثین بالنسبة إلی أمثالهم علی ثلاث طبقات:

أوّلهم:الوالدان و الأولاد إلی ما نزلوا

وثانیتهم:الاُخوة و الأجداد إلی ما صعدوا وبعدوا

وثالثتهم:الأعمام و الأخوال مع ما توالدوا وتناسلوا.

کما أن السببیة منها علی أقسام أربعة:أحدهم:الأزواج الذین بینهم علقة المزاوجة الدائمیة و هو یجامع جمیع الوراث.

والثانی:أصحاب ولاء العتق عند فقد أرباب النسب بالتمام.

والثالث:صاحبوا ولاء ضمان الجریرة.

والرابع:الإمام علیه السلام الوارث لمن لاوارث له من الانام.

ثمّ إن نصائب کلّ من أولئک الأقارب و الأرحام سهامهم المقدّرة فی شریعة الإسلام تلتمس تفاصیلها من القرآن المجید،وأخبار أهل بیت العصمة علیهم السلام،والکتب الفقهیة و المؤلفات الاستدلالیة الموضوعة لبیان المسائل و الأحکام.

ص:167

ثمّ من جملة موانع الإرث:الکفر بمعنی أن الکافر لایرث المسلم ویرث لو کان بالعکس،والمسلمون یتوارثون وان اختلفت مذاهبهم ما لم ینکروا ما علم ضرورة من الدین مثل الغلاة و المجسمة و الخوارج و الجبریة من المظهرین للشهادتین،وهما یکفیان فی الحکم بإسلام المظهر لهما ما لم یعلم فیه اعتقاد ما یکفر به،والمرتد الفطری الذی ولد علی الإسلام من أحد أبویه یقتل ولایستتاب،وتعتد أمرأته عدة الوفاة،وتقسم أمواله بین ورثته المسلمین و إن کان حیاً،بخلاف الملّی فإن حکمه أیضاً ذلک ولکن بعد الاستتابة وعدم القبول،ولاقتل فی المرأة مطلقاً.

ومن الموانع أیضاً:قتل العمد فلایرث القاتل من المقتول،ومنها الرق فلایرث الإنسان إذا کان رقّاً ولایورّث أیضاً أحداً لأنه لایملک أبداً شیئاً.

ومن الواجبات الکفائیة فی دین الله تعالی،هو:القضاء بین الناس بالحق فی کل ما اختلفوا فیه ووقع بینهم التشاجر لمن کان أهلاً و هو الإنسان العاقل العادل العالم القادر علی استنباط الأحکام الشرعیة،فی زمان غیبة الحجّة الهادیة المهدیة عجل الله تعالی فرجه الشریف،عن أدلتها التفصیلیة.

ویجب علی الرعیة الانقیاد لأمره والاتباع لحکمه فی جمیع الوقایع،وعلیه أن یحضر بحیث یلتمس المدّعی فی إحضار غریمه و إن کانت امرأة،وأن یسوی بین الخصوم فی السلام و الکلام إلا من جهة اختصاص أحدهم بالسلام،ویحرم علیه أخذ الرشوة علی الأحکام،وعلی المتحاکم إلیه بذلها للشهود أو الحکام،ویطلب من المدّعی إقامة البینة علی مدعاه،فإن أُقیمت حکم بمقتضاها مع طلبه وإلا یعرض علیه الحلف علی البرائة،ولکن لایجوز إحلافه حتی یلتمس المدّعی ثم أنّ المنکر أما أن یحلف أو یردّه علی المدعی أو ینکل،فان حلف سقطت الدعوی،فلو عاودا للخصومة لم تسمع دعواه إلّا أن یکذّب الحالف نفسه،و إن حلف المدّعی بعد الرد ثبت حقه،و إن نکل بطل و إن بذل الیمین بعد الحکم علیه بالنکول،ولایستحلف المدّعی مع بینته المرضیة إلّا فی الشهادة بالدین علی المیت استظهاراً،ویشترط فی الشاهد البلوغ إلّا فی مثل الشجاج و الجراح،وکذلک کمال العقل مطلقاً،والتدین بدین الإسلام فی غیر الوصیة،والمراد به الإقرار بالشهادتین وبالضروریات التی جاء بها النبی صلی الله علیه و آله بالاتفاق من هذه الاُمة،والعدالة التی هی بمعنی اجتناب الکبائر و الإصرار علی الصغائر من الذنوب وارتفاع التهمة فی الشهادة مثل الشرکة و التبعیة أو الخصومة الدنیویة،وتقبل شهادة المرأة أیضاً فی الجملة کما فی مثل العیوب المتعلّقة بالنساء،

ص:168

ولایجزی فی الشهادة إلا اثنان،ویلزم فی الشهادة علی الفواحش الثلاث أن یزید علیهما آخر،أو یقرّ الفاعل بواحدة منها أربع مرات فی مجالس مختلفة،فلو شهد ما دون الأربعة بنحو المشاهدة أو صدر الإقرار بها أقل من الأربع فی أربعة لم یثبت الفاحشة بل یقام علی الشهود حد الفریة من غیر تربّص لإتمام البینة.

ثمّ إنّ حَدَ الزانی و الزانیة،إن کان مع عدم الإحصان،أو المحرمة النسبیة،أو الکفر فهو مأة جلدة بالسیاط المتوسطة،و إن کانا مع الأول فهو الرجم بالحجارة،و إن کان مع الأخیرین فهو القتل بالسیف بضربة واحدة.

وأمَّا حَدَّ اللّواط الموقب المثقب فهو القتل کذلک،أو الإسقاط من الحالق أو الإحراق بالنار،و إن کان دون ذلک مثل التفخیذ و الدخول بین الإلیین فحده مأة جلدة،ویثبت السحق بما یثبت به اللواط و الحدّ فیه أیضاً مأة جلدة فی الجملة.

ومن المحرمات القذف الذی هو بمعنی الرمی بالزنا و اللواط،وحده ثمانون جلدة بنصّ الآیة المحکمة،والتعریض به یوجب التعزیر مثل سائر ما یوجب الأذی من ألفاظ الشتم و السباب.

ویقتل من سبَّ النبی صلی الله علیه و آله،أو واحداً من أهل بیته المعصومین،بل سایر الأنبیاء المرسلین لدلالة الأخبار المستفیضة علیه،ولانَّ تعظیمهم قد علم من دین الإسلام ضرورة فسبهم إرتداد،قیل وکذا من قال لاأدری أنّ محمداً صلی الله علیه و آله صادق أم لا،

ویثبت مثل حدّ القذف أیضاً لشارب الخمور متعمّداً ومن غیر علة مجددة للشرب لتخمیرها العقل وإیجابها الفساد فی الخلق،کما یوجب إرتکاب الفواحش الفساد فی النسب و النسل والارتداد الإخلال فی الدین و الشرع.

والقتل المحرم التجرّی علی إفناء النفس،والسرقة من الأحرار وقوع الهرج و المرج فی الملک و المال،و إن هذه هی الخمسة المؤهّلة المرعیة فی جمیع الملل و المعبر عنها عند المتشرعین بالاُصول الخمسة التی یجب تقریرها فی کل شریعة فضلاً عن الدین القویم الذی هو عند الله الإسلام،وقطع أیدی السارق و السارقة فی الجملة أیضاً من الحدود المنصوصة بالخصوص فی محکم الکتاب ومبرم الخطاب،وکذلک القتل و الصلب فی حق المحاربین الذین یحاربون الله ورسوله ویسعون فی الارض فساداً و إن کانوا فی الظاهر فی عداد أهل الاسلام». (1)

ص:169


1- (1) .رسالة تلویح النوریات من الکلام فی تنقیح الضروریات من الإسلام:105-121.

أقول:لیت شعری،کان بامکانه قدس سره ان یختصر علینا،وعلی نفسه المسافة ویقول:إنّ کلّ ما هو مذکور فی أبواب الفقه و الرسائل العملیة هو من ضروریات الدین؛بدلاً من أن یذکر هذه القائمة الطویلة من مصادیق ضروریات الدین.

ثمّ یاتری،هل إنّ کل ما ذکره تنطبق علیه تلک الضوابط التی ذکرها لضروری الدین؟بل حتی الضابطة التی ذکرها الأردبیلی قدس سره من کون ضروری الدین هو الأمر الیقینی القطعی سواءً کان نظریاً أو ضروریاً،لاتنطبق علی کثیر مما ذکر،فإنّ کثیراً من المصادیق التی ذکرها لم تکن یقینیة،و إنّما قامت علیها ظواهر الکتاب وأخبار الثقات الآحاد،ومن المعلوم أنّ هذه لیست أدلة قطعیة یقینیة،و إنّما هی أدلة ظنّیة قام الدلیل علی حجیتها.

ومن هنا یتضح لنا جلیاً مقدار الخلط الواقع فی کلمات الأعلام فی بحث الضرورات بین مقام النظریة ومقام المصداق و التطبیق،فإنّ بعضهم یذکرون مصادیقَ للضروریات غیر منطبقة علی الضوابط التی یذکرونها لمعنی الضروری الدینی،وفی ظنّی أنّ الضابط نفسه إذا لم یکن واضح المعالم،محددَ الجوانب،مبینَ الطریق فی سلوکه،یؤدی إلی صعوبة انطباقه علی المصادیق،وعلیه تنتهی النتیجة،والمحصلة النهائیة إلی مثل هذا الخلط.

ص:170

الفصل الثانی: الضرورات المذهبیة

اشارة

ص:171

ص:172

المبحث الاول:مفهوم ضروری المذهب

اشارة

ضروی المذهب کضروری الدین وقع الخلاف بین العلماء فی مقام تحدید الضابطة العلمیة لمعناه ومفهومه،إلی عدة أقوال،فذکرت ضوابط مختلفة فی ذلک:

الضابطة الاُولی

اشارة

وهی کالضابطة الأولی التی ذکرناها لضروری الدین،حیث یقال:إنّ ضروری المذهب هو ذلک الأمر الذی لایحتاج إلی دلیل فی مقام إثباته،أی:یکون بنفس معنی البدیهی و الضروری المنطقی،ولکن فرقه عن ضروری الدین،أنّ الأوّل أی:(ضروری الدین)أمر بداهته وضروریته بلحاظ کلّ فرق المسلمین وطوائفهم،بینما الثانی(أی ضروری المذهب)أمر بداهته وضروریته بلحاظ مذهب من المذاهب الإسلامیة دون سائر المذاهب،کما لو کان متواتراً عند مذهب الشیعة فقط دون سائر المذاهب الاُخری.

وطبیعی إذا کان معنی ضروری المذهب هو بنفس معنی الضروری المنطقی،فسوف تکون طرق إثبات ضرورة مفرداته هی تلک البدیهیات و الضروریات الست المذکورة فی المنطق،ولکن کما قلنا هذه الطرق تکون ضروریة وبدیهیة بلحاظ مذهب وطائفة خاصّة من المسلمین دون سائر طوائف ومذاهب المسلمین کما مثلّنا بقضیة التواتر.

مناقشة الضابطة الأولی

یمکن أن یناقش هذا الرأی بعدة مناقشات:

ص:173

1.إنّ هذا الرأی لایعدو کونه دعوی غیر مُبرهنة،فما هو الدلیل یاتری علی کون ضروری المذهب هو بنفس معنی الضروری المنطقی لکنه أضیق دائرة؟وکما هو معلوم أنّ الدعوی غیر المستدّلة لایمکن الرکون إلیها علمیاً،نعم،من حیث الإمکان وعالم الثبوت یبقی الأمر ممکنا،إلّا أنّ کلامنا فی عالم الإثبات و الوقوع الذی یحتاج إلی الدلیل.

2.بناءاً علی ما أفاده السید الشهید الصدر قدس سره من حصر الضروریات و البدیهیات فی قسمین هما:الأولیات و الفطریات-و إن أرجع الفطریات إلی الأولیات أیضاً-سوف یتّضح بطلان هذه الضابطة المدعاة،إذ علی هذه الضابطة تکون أغلب ضروریات المذهب قد ثبتت ضرورتها من خلال التواتر،والمتواترات عند السید الشهید لیست أموراً بدیهیة ضروریة،و إنّما هی قضایا نظریة مستدّلة ومستنتجة-کما نقلنا کلامه فی بدایات الکتاب-،ومعنی هذا أن تکون أغلب ضروریات المذهب إن لم نقل کلها خارجة عن ملاک الضرورة،وداخلة فی ملاک القضایا النظریة،و هذا أمر لایمکن الالتزام به،إذ هذه الضابطة تقودنا إلی أمر خطیر لایمکن الالتزام به،و هو دلیل بطلانها،فإنّه قیل:إذا بطل اللازم بطل الملزوم.نعم،هذه مناقشة مبنائیة لا بنائیة.

3.ما یظهر من کلام المحقق الاسترابادی فی الفوائد المدنیة:من أنّ ضرورات المذهب لیست ضروریة بالمعنی المنطقی وذلک لسببین:

أ)أنّ الضروریات المنطقیة منحصرة فی ستة أقسام و الضرورات المذهبیة لیست داخلة تحت أی قسم من هذه الأقسام الستة.

ب)إنّ عِلمنا بالضرورات المذهبیة دائماً یکون من خلال النصّ الدینی-القرآن،وسنّة المعصوم-،والضروری المنطقی لایکون العلم به من هذا الطریق.

ویمکن أن یجاب علیه:إن أغلب الضرورات المذهبیة هی حاصلة من خلال التواتر،أمّا من خلال القرآن الکریم،و هو لاشک فی تواتره،أو من خلال روایات المعصومین علیهم السلام المتواترة،ومعلوم أن المتواترات من أقسام الضروریات الست المنطقیة.

نعم،یبقی الإشکال بالنسبة للامور التی یلتزم بضروریتها المذهبیة؛لکنها لم تثبت بالتواتر أو بباقی الأقسام الخمسة الاُخری للضروریات المنطقیة،فهنا کیف یقال:إنّ ضرورتها هی بنفس معنی الضروری المنطقی؟!

والنتیجة:إنّ هذه الضابطة لایمکن المصیر إلیها،بعدما ذکرناه من الإشکالات التی ترد علیها.

ص:174

الضابطة الثانیة

اشارة

الضابطة نفسها التی ذکرها الأردبیلی قدس سره لضروری الدین،فیقال فی ضابط ضروری المذهب:هو ذلک الأمر الیقینی الذی یثبت عند الشخص؛کونه من المذهب ولو بالدلیل،والبرهان حتی لو لم یکن مجمعاً علیه.

و هذه الضابطة فیها میزات عدة:

أ)إنّ هذه الضابطة توسّع من ضروری المذهب لیشمل حتی مثل الأمر النظری المنطقی الذی أُقیم الدلیل القطعی علیه.

ب)إنّ هذه الضابطة تعتبر فی الضروری المذهبی حال الشخص المستدل الذی یحصل عنده الیقین بکون الشیء الفلانی من ضرورات المذهب،ومعنی هذا أنّ الضرورات المذهبیة تختلف باختلاف الأشخاص،فربَّ شخصٍ أقام الدلیل القطعی علی شیءٍ وحصل عنده الیقین بکون الشیء الفلانی من ضرورات المذهب،وربَّ شخصٍ آخر لم یقم الدلیل،فلم یحصل عنده الیقین؛ولذا لایکون نفس الشیء عنده من ضرورات المذهب،ومن هنا قال:«حتی لو لم یکن مجمعاً علیه».

مناقشة الضابطة الثانیة

أیضاً هذا الرأی یمکن مناقشته من خلال:

1.أنّ هذا الرأی کسابقه لایعدو کونه دعوی غیر مبرهنة،فأی دلیل دلّ علی کون ضروری المذهب هو بهذا المعنی.

2.أنّ معنی شمول ضروری المذهب للأمر النظری المقام علیه الدلیل الیقینی القطعی،یعنی أنّ أی شخص لو أقام الدلیل علی أمر بسیط جداً من أحکام المذهب،فهذا یعنی صیرورة ذلک الأمر البسیط من ضرورات المذهب،و هذا أمر یستبعد الالتزام به.

3.المناقشة الثالثة نفسها التی ذکرناها علی الضابطة الثانیة من ضوابط ضروری الدین،فإنّها بعینها تأتی هنا،نعم،قلنا هناک:إنّ تلک المناقشة لاتعدو کونها صیاغة تأییدیه لعدم قبول تلک الضابطة،و هذا بعینه نقوله هنا.

الضابطة الثالثة

اشارة

ماذکره المحقق الاسترابادی قدس سره فی فوائده المدنیة من أنّ:«ضروری المذهب ما یکون

ص:175

دلیله واضحاً عند علماء المذهب حیث لایصلح الاختلاف فیه» (1)،و هذه الضابطة کما هو واضح فیها میزات عدة:

أ)إنّ الضروری المذهبی لیس بمعنی الضروری المنطقی،إذ الواضح من عبارة الاسترابادی أنّ الضروری المذهبی یحتاج إلی دلیل بخلاف الضروری المنطقی.

ب)إنّ دلیل الضروری المذهبی واضح لاغموض فیه،و هذا معناه أنّ کلّ أمر فی المذهب کان دلیله غیر واضح عند علماء المذهب،فهو خارج عن إطار ضروری المذهب.

ج)إنّ الضروری المذهبی قد یقع الخلاف بین العلماء فی الدلیل علیه،لکن إذا کان هذا الدلیل مما لایصلح الاختلاف فیه فذلک أمر لایضر بضرورته.

مناقشة الضابطة الثالثة

کذلک هذا الرأی ترد علیه عدة إعتراضات:

1.إنّه یفتقر إلی الدلیل العلمی،فالاسترابادی ادّعی دعوی،ولم یستدل علیها،وعلیه لاتقبل مقالته غیر المبرهنة.

2.إنّ هذا الرأی یؤدی إلی لازم لایلتزم به الاسترابادی،ومن هو علی شاکلته،إذ کم هی الاُمور المذهبیة التی لم یقع الاختلاف فی أدلتها بین علماء المذهب الواحد،و هذا معناه الانتهاء إلی حصر الضرورات المذهبیة فی عدد قلیل جداً،و هو أمر لایلتزمون به،سیما مع ملاحظة المصادیق الکثیرة التی ذکروها للضرورات المذهبیة.

3.إنّ معنی هذا الرأی،أن نلتزم فی کون أی أمر فی المذهب؛ولو کان من أبسط الاُمور جداً،إذا کان دلیله واضحاً جداً،أن نلتزم بکونه من ضرورات المذهب،و هو أمر یصعب الالتزام به.

4.معنی هذا الرأی،أنّ ضرورات المذهب هی ضرورات بنظر العلماء فقط دون عوام الناس حتی لو کانوا من أهل العلم،إذ إنّ العلماء هم الذین یقیمون الأدلة التی تکون بنظرهم واضحة جداً علی أمر من المذهب،و هذا أیضاً أمر یصعب الالتزام به.

الضابطة الرابعة

اشارة

ما ذکره الشیخ آصف محسنی فی کتابه صراط الحق،ولعله هو المشهور من أنّ المراد

ص:176


1- (1) .الفوائد المدنیة:128.

بضروری المذهب:«ما أصبح جزءاً لذلک المذهب،بحیث کان معلوماً لکل واحد من أهل ذلک المذهب.و هذا کوجوب الخمس علی الأرباح،وعصمة الأوصیاء،ونحوهما فی مذهب الامامیة». (1)

مناقشة الضابطة الرابعة

و هذه الضابطة کسابقاتها لاتصمد أمام النقد،إذ یرد علیها:

1.أنّها دعوی غیر مبرهنة کسابقاتها.

2.إنّ معنی هذه الضابطة التنازل عن کثیر من الاُمور التی یعدونها من ضروریات المذهب،إذ یجهلها ولم تخطر علی بال کثیر من أهل المذهب،فمثلاً:بطلان القیاس،ومتعة النساء،وعصمة الأنبیاء،بل حتی الاُمور التی ذکرها من الخمس علی الأرباح،وعصمة الأوصیاء،یعدّونها من ضرورات المذهب الشیعی،مع أنّ الکثیر من الشیعة یجهلون مثل هذه الاُمور ولایعرفونها،فیلزم علی القید الذی ذکره-بحیث کان معلوماً لکلّ واحدٍ من أهل ذلک المذهب-أن لاتکون هذه الاُمور من ضرورات المذهب،إذن،لابدّ أما التنازل عن کون هذه الاُمور من الضروریات أو الالتزام بعدم صحة الضابطة المذکورة،وحیث لایتنازلون عن کون تلک الامور من الضرورات المذهبیة،فلابدّ من الالتزام بعدم صحة الضابطة.

الضابطة الخامسة

اشارة

ما نختاره،وحاصله:أنّ معنی ضروری المذهب:هو ذلک الأمر الذی یحتاجه المذهب حاجة شدیدة حیث یکون إمّا مقوّماً له،أو أحد أجزائه الرئیسیة،و هذا معناه أن الضرورات المذهبیة سوف تنحصر فی قسمین:

الأول:الأرکان الأساسیة التی تتقوّم بها حقیقة المذهب.کولایة أمیر المؤمنین علیه السلام و الأئمة من ولده علیهم السلام لمذهب الشیعة الامامیة.

الثانی:الأجزاء الأساسیة غیر المقوّمة من العقائد و الأحکام الفرعیة،الثابتة فی ذلک المذهب.

والدلیل علی أنّ ضروری المذهب هو بهذا المعنی أمران:

الأول:أنّ ضروری المذهب أمر منسوب إلی المذهب ولفهم نوع هذه النسبة،نقول:إنّ الأمر الضروری لکلِّ شیء لا شکّ أنّ ذلک الشیء یحتاج إلیه وإلّا لما عُدَّ ضروریاً لذلک

ص:177


1- (1) .صراط الحق:25/1.

الشیء،وضروری المذهب لا یشذّ عن هذه القاعدة،فیکون ذلک المذهب محتاجاً إلیه, هذه مقدمة.

ومقدمة أخری،یدور الأمر بین أن تکون الحاجة هذه إمّا مطلق الحاجة أو الحاجة الشدیدة،وحیث لایمکننا الالتزام-ولا أقل لکاتب هذه السطور-أن یکون ضروری المذهب بمعنی مطلق الأمر الذی یحتاجه المذهب،ولو حاجة بسیطة،اذ ینتهی بنا الأمر إلی کون أبسط أمور المذهب ولو کان أمراً استحبابیاً صغیراً،أن یکون من ضرورات المذهب،فإنّ المذهب هو مجموع تلک المنظومة من عقائد وأحکام وأخلاق وأداب إلی غیر ذلک،ویصعب الالتزام بذلک،إذاً،لابدّ أن نقول:إنّ ضروری المذهب هو ذلک الأمر الذی یحتاجه المذهب حاجة شدیدة،وما یحتاجه المذهب حاجة شدیدة إما یکون من أرکانه الأساسیة المقوّمة لحقیقته أو من أجزائه الرئیسیة.

الثانی:إننا لو عرضنا کلّ الضوابط المتقدّمة بما فیها الضابطة التی ذکرناها علی أمور ثلاثة:

1.فهمنا لروح الشریعة المقدّسة.

2.إرتکازاتنا المتشرعیة.

3.إرتکازاتنا وإدراکاتنا الوجدانیة العقلائیة.

فیاتری أی،الضوابط المتقدّمة أقرب لهذه الاُمور من الاُخری؟!

إننی کأنسان مسلم أملک فهمنا عن هذه الامور-التی یستدل بها الفقهاء علی کثیر من الأحکام-لا أُخفی أننی أری قرب الضابطة الأخیرة التی ذکرناها لهذه الامُور أکثر من غیرها من الضوابط الاُخری المدعاة.

وبضمِّ هذا الأمر الثانی إلی الأول یحصل عندنا الاطمئنان؛کون معنی ضروری المذهب هو ما ذکرنا.

ومن هنا یکون عنوان ما عُلِم ثبوته فی المذهب بالضرورة،أمراً آخر غیر عنوان ضروری المذهب لا أنّ أحدهما هو عین الآخر،إذ إنّ ذلک یأتی علی تلک الضوابط التی لم تفرق بین العنوانین،أما الضابطة التی ذکرناها فإنّها تفرّق بین العنوانیین.

نعم،قد یشترکان فی بعض المصادق و قد یفترقان،کما لو کان أمراً ما من ضروریات المذهب وأرکانه ومعلوم الثبوت فی المذهب بعلم ضروری،کما فی إمامة أمیر المؤمنین و الأئمة علیهم السلام إذ إنّها من ضرورات وأرکان مذهب الشیعة ومعلومة بعلم ضروری لا نظری لأنّها

ص:178

ثابتة بالتواتر،وکما لو کان أمراً ما من ضرورات المذهب کما لو کان من أجزائه الرئیسیة لکنّه ثابت بعلم نظری لا ضروری أو کان أمراً ما ثابتاً بعلم ضروری؛لکنه لیس من ضرورات المذهب.

ممیزات الضابطة المذکورة
اشارة

لهذه الضابطة التی ذکرناها عدة ممیزات،تمیزها من حیث الآثار و النتائج عن الضوابط الاُخری:

1.مصادیق هذه الضابطة تتحدد من خلال النصّ الدینی

تتمیز هذه الضابطة بکون مصادیقها التی تنطبق علیها من الضرورات المذهبیة،تعرف وتتحد من خلال النصّ الدینی حتی لو کان ذلک النصّ الدینی لایفید العلم القطعی سواءً الضروری أو النظری،بل یکفی فیه أن تکون حجیته ثابتة کما فی أخبار الآحاد الثقات،وکذلک تتحدد المصادیق من خلال الإجماع القائم من کلِّ أهل المذهب أو علمائه،طبعاً إذا کان ذلک الإجماع والاتفاق کاشفاً عن رأی المعصوم علیه السلام فإنّه هو الذی یکون حجّة،إذ لمّا کانت هذه الضابطة تدّعی أنّ ضروری المذهب هو:«الأمر الذی یحتاجه المذهب حاجة شدیدة»،وبالتالی تحدده فی قسمین رئیسین هما:الأرکان المقوّمة،والأجزاء الأساسیة الأصلیة للمذهب.فعلی هذا سوف تنحصر معرفة کون الشیء الفلانی مصداقاً لضروری المذهب فیما اذا أثبت لنا النصّ الدینی المذهبی أنّه رکن مقوّم لذلک المذهب،أو جزء أساسی أصیل فیه،وکلّ طریق آخر غیر ذلک لایکون مثبتاً لهذه الحقیقة.

و هذا بخلافه فی الضوابط الاخری،فإنها لمّا کانت تحدد ضابطة الضروری المذهبی کونه ضروریاً منطقیاً،أو بما کان دلیله واضحاً عند علماء المذهب،أو بما کان یقینی الثبوت سواء بعلم ضروری أو نظری،أو بما کان واضحاً لایجهله أحد من أفراد المذهب،فهذا معناه انها تجعل ما یقّوم ضرورة الضروری هو علم الإنسان وعدم علمه،مما یعنی ان الذی یحدد مصداق الضروری هو مدی علم الإنسان وعدمه،سواء من خلال النص الدینی الضروری حصل ذلک العلم أو من غیره،و هذا معناه ان أحد مشارب مصداق الضروری المذهبی هو النص الدینی المذهبی الضروری مع وجود مشارب أخری.

2.عدم تأثر الضروری فی هذه الضابطة بالزمان و المکان

ومما تتمیز به هذه الضابطة عن غیرها من الضوابط الاُخری،أنّ الضروری المذهبی علی

ص:179

وفقها لایکون خاضعاً للظروف الزمانیة و المکانیة،کما کانت تتأثر بهما ضروریات المذهب علی الضوابط الاُخری.

والسبب فی ذلک:أنّ الضوابط الاُخری لما کانت تُخضع ملاک الضروری المذهبی لعلم الإنسان الضروری وعدمه-إذ الضابطة الأولی:کانت تعدَّ فی الضروری المذهبی حصول العلم الضروری المنطقی به.والضابطة الثانیة:کانت تعد حصول العلم الیقینی الضروری المنطقی أو النظری المنطقی.والضابطة الثالثة:تعد حصول الوضوح فی دلیله عند العلماء.والضابطة الرابعة:کانت تعتبر حصول الوضوح فیه عند کلّ أبناء المذهب-فعلی هذا من الممکن أن یکون أمراً معلوماً بالعلم الضروری أو العلم القطعی النظری فی زمان ما أو مکان ما،فیکون داخلاً فی إطار ضروری المذاهب،وفی المقام نفسه یکون غیر معلوم بعلم ضروری أو لم یقم الدلیل القطعی النظری علیه فی زمان آخر أو مکان آخر،فلایکون داخلاً فی إطار الضروری المذهبی.وهکذا.

بینما علی الضابطة المختارة،حیث إنّ ضروریة الضروری المذهبی غیر متقوّمة بعلم الإنسان وعدمه،و إنّما هی متقوّمة بمدی احتیاج المذهب الشدید إلیه وعدمه،حیث یکون مقوّماً لأصل المذهب،أو جزءاً أصلیاً أساسیاً فیه،فعلی هذا لایکون ضروری المذهب متأثّراً بالظروف الزمانیة و المکانیة،لأنّه لامعنی لأن یکون أمراً ما مقوّماً لأصل المذهب فی زمان أو مکان ما،ولایکون مقوماً له فی زمان أو مکان آخر،أو یکون أمراً ما جزءاً أصلیاً فی المذهب فی زمان أو مکان ما،ولایکون کذلک فی زمان أو مکان آخر؛فالأمر یدور بین أن یکون الأمر ضروریاً للمذهب فی کلّ الأزمان و الأماکن،و أما لایکون کذلک.

نعم،قد تتأثر ضرورات المذهب من القسم الثانی-الأجزاء الأساسیة-بالظروف الزمانیة و المکانیة للأشخاص و العلماء،فلربَّ عالمٍ یعیش فی ظرف زمانی أومکانی معین،وتؤثر علیه تلک الظروف-وهی ما یعبّر عنها حالیاً بقبلیات الفقیه-وبسبب ذلک یتأثر فهمهُ للنص الدینی بتلک الظروف،فیفهم من نص معین کون الأمر الفلانی من ضرورات المذهب وأجزائه الأساسیة،ویأتی فقیه آخر یعیش فی غیر تلک الظروف،فلایفهم ما فهمه الأول،ونتیجة لذلک تختلف الضرورات بأختلاف الأزمنة و الأمکنة.وعلیه إذا شئت أن تقول:إنّ الضرورات المذهبیة أیضاً تتأثر وتتغیر بالظروف الزمانیة و المکانیة حتی علی الضابطة المختارة-طبیعی فی غیر الأرکان المقوّمة-بناءاً علی ما تقدّم فلا بأس بذلک.

ص:180

3.قلّة الأخطار الاجتماعیة

ومما تتمیز به هذه الضابطة عن غیرها من الضوابط الاُخری،أنّ بعض الآثار السلبیة الاجتماعیة التی تفکک بنیة المجتمع الإسلامی،تنحسر فیها کثیراً،بخلافه علی الضوابط الاُخری.

ومقصودنا من تلک الآثار الاجتماعیة السلبیة،قضایا التکفیر،والتضلیل،والتفسیق بین المسلمین بعضهم للبعض الآخر،أو بین أبناء المذهب الواحد.

وتوضیح ذلک:أنّه علی الضوابط الاُخری تبرز فیها تلک الظاهرة بشکل واضح-بل حصلت وعاصرناها-فتلک الضوابط لما کانت تحدد ضابط الضروری المذهبی:

1 بما کان ضروریاً بأقسامه المنطقیة.

2.أو بما کان یقینی الثبوت،سواءً بعلم ضروری أو نظری.

3.أو بما کان دلیله واضحاً عند علماء المذهب.

4.أو بما کان واضحاً لایجهله أبناء المذهب.

فسوف تختلف الضرورات المذهبیة باختلاف الأشخاص و العلماء،فربّ أمر ثبت عند بعض العلماء أو عند بعض الناس بالتواتر فیعتبرونه من ضرورات المذهب،بینما لم یثبت تواتره عند بعضهم الآخر،فینکرون کونه من ضرورات المذهب،ولذا قد یعتبر أولئک أنّ هؤلاء ناکرین لضروری المذهب؛فیخرجونهم من دائرة المذهب ویکفرونهم ویضللونهم.

ورُبَّ أمر ما یکون عند بعض العلماء دلیله واضحاً فیعدّه من ضرورات المذهب،ولایکون کذلک عند علماء آخرین فینکرون کونه من ضرورات المذهب،مما قد یؤدی إلی أن یکفّر ویضلّل أولئک هؤلاء.

وکذلک رُبَّ أمر ما یکون یقینی الثبوت عند مجموعة،ولایکون کذلک عند آخرین فیثبت بعضهم ضرورته وینکره الآخرون،مما قد یؤدی إلی الإخراج من المذهب و التضلیل و التکفیر.

وهکذا لو کان أمراً ما واضحاً عند جماعة،ولیس کذلک عند آخرین فیعتبر أولئک أنّه من ضرورات المذهب،وینکره هؤلاء،مما قد یؤدی إلی نفس ذلک اللازم الخطیر.

بینما علی الضابطة التی ذکرناها فإنّ هذه الظاهرة الاجتماعیة إن لم نقل:إنّها تنعدم فیها فلا أقل من أنّها تکون ضعیفة،وقلیلة جداً،إذ علی الضابطة المذکورة سوف تکون قضیة تحدید أمر الضروری المذهبی و الطریق إلیه،منحصرة کما قلنا بالنص الدینی،فإذا قال لنا

ص:181

النص الدینی:إنّ أمراً ما من مقومات المذهب ثبت عندنا أنه ضروری المذهب،و إذا قال لنا:إن أمراً ما من الأجزاء الأصلیة الأساسیة للمذهب ثبت عندنا ضرورته المذهبیة،و إن لم یقل النص الدینی.هذا أو ذاک لأمر ما لایکون من ضرورات المذهب،وعلیه هذه الضابطة؛تکون الضرورات المذهبیة فیها محددة واضحة المعالم،ومعه تنحسر تلک الظاهرة.

إن قلتَ:إنّ النص الدینی توجد فیه قراءات واستظهارات متعددة،و إنّ قضیة السند فی النص الدینی-الروایات-غیر مسلّمة عند الکلِّ،فبعض الروایات مختلف بین العلماء تجاه أساندیها صحة وضعفاً،وعلی هذا ربّ عالم یستظهر من نصٍّ دینی أن أمراً ما من ضرورات المذهب،ولایستظهر آخر ذلک فینکر ضرورة ما أثبته الأول،ولذا قد یکفِّر ویضلِّل بعضهم بعضهم الآخر،وعلیه ما نقضتم به علی تلک الضوابط راجع علیکم.

قلت:صحیح أنّ قضیة الاختلاف تجاه النصّ الدینی دلالةً وسنداً موجودة بین العلماء،ولکن بملاحظة أمرین یندفع هذا الإشکال:

1.إننا قلنا:إنّ ذلک اللازم الاجتماعی الخطیر،یکون بروزه فی المجتمع بصورة قلیلة بناء علی الضابطة المختارة،بینما علی تلک الضوابط یکون بروزه فی المجتمع أکثر وبصورة أوضح.

2.إنّ النصوص الدینیة التی بین أیدینا و التی تحدد ضرورات المذهب بالأرکان الأساسیة المقوّمة أو الأجزاء الأصلیة الأساسیة،عندما نلاحظها،لانری وجود کثیر اختلاف-إن لم نقل أنّه منعدم-فی مضامینها ودلالتها وأسانیدها.

4.الاتحاد بین ضرورات المذهب وأرکان الإیمان

ومن الاُمور و الآثار المهمّة لهذه الضابطة التی تمیزها عن باقی الضوابط،أنّه علی هذه الضابطة سوف تتحد الضرورات المذهبیة من القسم الأول بالنسبة لمذهبنا نحن الإمامیة-الأرکان المقوّمة لأصل المذهب-مع أرکان الإیمان التی تحددها بعض الروایات،فمثلاً:ولایة أمیر المؤمنین و الأئمة علیهم السلام تعتبر الرکن المقوّم لحقیقة الإیمان بالمعنی الأخص،وهی فی نفس الوقت من أهم ضرورات مذهب الشیعة التی لایختلفون فیها.

نعم،بالنسبة لضرورات المذهب من القسم الثانی لایکون الأمر کذلک.

بینما علی الضوابط الاُخری لایکون هناک اتحاد دائمی بین الضرورات المذهبیة بالنسبة لنا نحن إلامامیة،مع أرکان الإیمان.

ص:182

إشکالات علی الضابطة المذکورة

قد توجّه عدة إشکالات علی الضابطة التی ذکرناها،وهی تقریباً من نمط الإشکالات التی کانت متوجّهة علی الضابطة التی ذکرناها فی تحدید مفهوم ضروری الدین.

الإشکال الأول: إنّ الالتزام بهذه الضابطة یؤدی بنا إلی إنکار کثیر من الضرورات التی إدعی کونها من ضرورات المذهب،إذ هذه الضابطة تقلّص کثیراً من تلک الضرورات؛لأنّها ترجع ضرورة الضروری إلی ما ثبت من خلال النص الدینی کونه رکناً أساسیاً مقوماً لأصل المذهب أو جزءاً أساسیاً أصلیاً فیه،ومن المعلوم أنّ کثیراً من الضرورات المذهبیة المدعاة لم یثبت علیها نص دینی بعنوان أنّها من الأرکان المقوّمة أو الأجزاء الأساسیة،وطبیعی هذه النتیجة أمر خطیر یصعب الالتزام به،إذاً لابّد من رفع الید عن هذه الضابطة.

والجواب:إنّ هذا الاشکال یرد علیه نقضاً وحّلاً:

1.أما نقضاً:فهذا إلاشکال لایختص بالضابطة التی ذکرناها،و إنّما یشمل الضوابط الاُخری،إذ الأمر علی تلک الضوابط أیضاً یؤدی إلی رفع الیدِّ عن الکثیر من الضرورات المذهبیة المدعاة کونها ضرورات مذهبیة.

فعلی سبیل المثال کم هی الضرورات المذهبیة التی تکون أدلتها واضحة غیر مختلف فیها عند العلماء،حتی تصح تلک الضابطة التی تقول:إنّ ضروری المذهب ما کان دلیله واضحاً عند علماء المذهب،إننا لو دققنا فی أدلة تلک الضرورات،لوجدنا أنّ ما کان دلیله واضحاً منها لایتجاوز عدد الأصابع.

وکذلک الضابطة التی تدّعی کون ضروری المذهب ما کان أمره واضحاً عند أبناء المذهب حیث لایجهله أحد منهم،فیاتری کم هی الضرورات المذهبیة التی تکون بهذه الدرجة من الوضوح؟لا أجازف الحقیقة إذا ما قلت:إنّ استقراء حال أبناء مذهبنا شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً،یؤدی بنا إلی القول:إنّها لاتتجاوز عدد الأصابع إن لم یکن أقل،وکذلک الحال فی الضوابط الاخری.

وعلی أی حال النقض،لایزید من الاشکال الا إشکالاً،والمهم هو الحلّ.

2.و أمّا حلّاً:فلأنّ الباحث العلمی لأبدّ أن یجرّد نفسه عن هذه النزعات التی لامنشأ صحیح لها،لأننا ما دمنا قد ناقشنا کل تلک الضوابط وأتینا بضابطة جدیدة للضروری المذهبی

ص:183

فلابدّ أن نلاحظ فی کلّ مصداق یدّعی کونه من ضرورات المذهب انطباق ذلک الضابط علیه،فإذا کان منطبقاً صَحَّ أن ندّعی کونه من ضرورات المذهب،و إن لم یکن منطبقاً صحَّ لنا أیضاً ان ندّعی خروجه عن ضرورات المذهب،ولا أعتقد أنّ باحثاً علمیاً لایراعی هذه القاعدة،إلا إذا کان لایحترم التحقیق العلمی و الفکر الإنسانی.

إذاً،ما ذکر من ذلک اللازم الخطیر الذی یصعب الالتزام به،لیس بخطیر وسهّل لنا أن نلتزم به.

الإشکال الثانی: إنّ ما ذکرتم من ضابطة لم یقل بها أحد من العلماء،فهم تفرّقوا فی الاختیار علی تلک الضوابط التی ذکرت،وعلیه تکون ضابطتکم مخالفة لإجماعهم،فیلزم طرحها.

والجواب:

1.إنّ العلم لیس وقفاً علی أحدٍ حتی یلزم الوقوف علی کلِّ ما قاله العلماء.

2.إنّ کلام العلماء لیس وحیاً منزلاً من السماء لایجوز مناقشته ومخالفته،سیما علی من کان صاحب نظر مثلهم.

3.لا أدری هل هذا من قبیل الإجماع المصطلح فی علم الاُصول حتی یستشکل بمثل هذا الاشکال؟أو یرید المستشکل أن یستشکل بالإجماع المرکّب الذی ثبت أصولیاً عدم حجیته.

4.إننا عرضنا ضوابطهم التی ادّعوها،ورأینا مضافاً إلی خلوها من الدلیل وکونها مجرد دعاوی غیر مُستدلة،وأنّها لاتصمد أمام النقد العلمی،وذکرنا ضابطة أخری،وذکرنا أدلة علیها،فکیف بعد هذا یصح أن یقال لنا:إنکّم تخالفون اجماع العلماء؟!

الإشکال الثالث:إن لازم هذه الضابطة ألا یکفی-بالنسبة لنا نحن مذهب الامامیة-الاعتقاد بإمامة وولایة أمیر المؤمنین علیه السلام و الأئمة من ولده علیهم السلام وأصل عصمتهم،فی دخول الإنسان فی دائرة التشیع و المذهب،لأنّه ورد فی بعض الروایات ما یستفاد منه أنّ هناک أرکاناً أخری مُقومة لحقیقة التشیع مثل:استحلال المتعة،والإیمان بالرجعة،وغیرهما؛لأنّه ما دامت هذه الضابطة تقول:إنّ القسم الأول من ضروری المذهب کان بمعنی الرکن المقوّم لحقیقة وأصل المذهب،مما یعنی أنّ قضیة الإقرار به و الإیمان به،أمر لابدّ منه فی دخول الإنسان فی ذلک المذهب.

ص:184

والجواب:إننا لابدّ أن نعرض تلک الروایات لنرَ مدی دلالة مضامینها علی المدّعی،وکذلک قضیة أسانیدها ما هو مدی اعتبارها؟حتی بعد ذلک یمکن تقویم مدی صحة الإشکال أو عدم صحته.

أ)مارواه الصدوق قدس سره بإسناده،عن محمد بن عمارة،عن أبیه قال:

قال الصادق علیه السلام:لیس من شیعتنا من أنکر أربعة أشیاء:المعراج،والمسألة فی القبر،وخلق الجنة و النار،والشفاعة. (1)

ب)وعن ابن عبدوس،عن ابن قتیبة،عن الفضل،

عن الرضا علیه السلام قال:من أقر بتوحید الله،ونفی التشبیه عنه،ونزّهه عما لایلیق به،وأقرَّ أنّ له الحول و القوة،والإرادة و المشیة،والخلق و الأمر،والقضاء و القدر،و أنّ أفعال العباد مخلوقة خلق تقدیر لا خلق تکوین،وشهد أنّ محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله و أنّ علیاً و الأئمة بعده حجج الله،ووالی أولیاءهم وعادی أعداءهم وأجتنب الکبائر،وأقرَّ بالرجعة،والمتعتین،وخلق الجنة و النار،والصراط و المیزان،والبعث و النشور،والجزاء و الحساب،فهو مؤمن حقاً،و هو من شیعتنا أهل البیت. (2)

وبعد ان أستعرضنا هذه الروایات،نأتی إلی مناقشتها فنقول:

1.إنّ الروایة الأولی ضعیفة السند لا أقل من جهة جهالة محمد بن عمّارة وأبیه،حیث لم یوثّقا،والثانیة یوجد کلام فی سندها من جهة ابن عبدوس وابن قتیبة،ولکن مع غض النظر عن ذلک.

2.یمکن المناقشة فی دلالتهما علی المدّعی،حیث یقال:أنّ الظاهر أن العلامات المذکورة تکون دخیلة فی استکمال المرء حقیقة الإیمان و المرتبة العالیة من التشیع،وذلک من خلال ملاحظة مجموعة قرائن:

أ)إنّ الروایة الثانیة ورد فی ذیلها«فهو مؤمن حقّاً»مما یعنی:أنّ الإیمان و الإقرار بهذه الاُمور المذکورة مما یتوقّف علیه الوصول إلی المرتبة العالیة من الإیمان-الذی له مراتب متعددة-لامجرد أصل الإیمان وأصل التشیع.

ب)ورود روایات أخری تکتفی فی حصول الإیمان ودخول الجنة وقبول الدین،بمجرد

ص:185


1- (1) .بحار الأنوار:9/66.
2- (2) .المصدر.

ولایة الأئمة الأطهار علیهم السلام ولزوم طاعتهم،ولایضرّ عدم معرفة غیر ذلک،مما یعنی:أنّ أصل الإیمان ودخول التشیع یکتفی به بذلک.

و هذه الروایات من قبیل:

1.صحیحة الحسن بن زیاد العطار،

عن أبی عبدالله علیه السلام قال:قلت:إنی أرید أن أعرض علیک دینی و إن کنت فی حسناتی ممن قد فرغ من هذا،قال:فآته،قال:قلت:إنی أشهد أن لا إله الا الله وحده لاشریک له،و أنّ محمداً عبده ورسوله صلی الله علیه و آله وأُقرُّ بما جاء به من عند الله،فقال لی مثل ما قلت،و أنّ علیاً إمامی فرض الله طاعته،من عرفه کان مؤمناً ومن جهله کان ضالّاً،ومن ردّ علیه کان کافراً،ثمّ وضعتُ الأئمة علیهم السلام حتی انتهیت إلیه فقال:ما الذی ترید؟أترید ان أتولاّک علی هذا؟فانی أتولاک علی هذا. (1)

2.مارواه یوسف قال:

قلت لأبی عبدالله علیه السلام أصف لک دینی الذی أدین الله به؟فان أکن علی حق فثبتنی،و إن أکن علی غیر الحق فردّنی إلی الحق قال:هات،قال:قلت:أشهد أن لا إله الا الله وحده لاشریک له،و أنّ محمداً عبده ورسوله،و أنّ علیاً کان إمامی،و أنّ الحسن کان إمامی،و أنّ الحسین کان إمامی،و أنّ علی بن الحسین کان إمامی،و أنّ محمد بن علی کان إمامی،وأنت جعلت فداک علی منهاج آبائک،قال:فقال عند ذلک مراراً:رحمک الله،ثمّ قال:هذا و الله دین الله ودین ملائکته ودین آبائی الذی لایقبل الله غیره (2)

وغیرها من الروایات.

وعلی هذا سوف تکون النتیجة جمعاً بین الروایات،أنّ الدخول فی أصل الإیمان و التشیع لایتوقّف علی أکثر من الإقرار بولایة الأئمة علیهم السلام ولزوم طاعتهم،أمّا من أراد ان یرتقی فی مراتب أعلی للإیمان و التشیع،فعلیه أن یقرّ بتلک الاُمور التی ذکرتها روایة الفضل عن الرضا علیه السلام بل أکثر من ذلک إن أراد المرء أن یصل إلی مراتب أعلی فی الإیمان و التشیع فعلیه أن یکون مصداقاً لتلک الروایات التی تقول:

إنّما شیعة علی علیه السلام الشاحبون،الناحلون،الذابلون،ذابلة شفاههم،خمیصة بطونهم،متغیرة

ص:186


1- (1) .بحار الانوار:9/66.
2- (2) .المصدر:8.

ألوانهم،مصفرة وجوههم،اذا جنّهم اللیل اتخذوا الأرض فراشاً،واستقبلوا الأرض بجباههم،کثیر سجودهم،کثیر دموعهم،کثیر دعاؤهم،کثیر بکاؤهم،یفرح الناس وهم محزونون. (1)

بل أکثر من ذلک عن الامام الصادق علیه السلام:الإیمان عشرة درجات (2)بمنزلة السلّم،وکان سلمان فی الدرجة العاشرة،وأبو ذر فی التاسعة،والمقداد فی الثامنة،

ولایصل إلی ذلک إلّا الأوحدی من الناس.

والخلاصة:أنّ تلک الروایات لاتدلَّ علی کون تلک الاُمور المذکورة فیها من الأرکان المقوّمة لأصل الإیمان،وأصل الدخول فی التشیع؛وانّما هی من الاُمور المقوّمة للمراتب العالیة فی الإیمان و التشیع.

نعم،یمکن التمسّک بکون تلک الروایات ظاهرة فی کون تلک الاُمور من الأجزاء الأصلیة الأساسیة للإیمان ومذهب أهل البیت علیهم السلام؛ولذا تکون من ضرورات المذهب من القسم الثانی.

خلاصة ما تقدّم

یتّضح لنا مما تقدّم أمور عدّة:

1.أنّ ضابط ضروری المذهب هو بمعنی الأمر الذی یحتاجه المذهب حاجّة شدیدة،و هذا یعنی أنّه ینطوی علی قسمین رئیسین:

أ)ما کان رکناً مقوّماً لأصل المذهب.

ب)ما کان جزءاً رئیسیاً فی المذهب.

2.تتمیز الضابطة المذکورة عن غیرها من الضوابط بأمور عدة:

أ)کون الطریق فی تحدید مصداق ضروری المذهب هو النص الدینی المذهبی،وان لم یکن العلم به قطعیاً سواء القطع الضروری أو النظری،بل یکفی ثبوت حجیته،وجواز الأستناد إلیه فی مقام الإثبات.

ب)عدم تأثر الضرورات المذهبیة بقضیة الزمان و المکان علی نقیض الضوابط الاُخری،إلّا فی حالات خاصة.

ص:187


1- (1) .المصدر:149/65.
2- (2) .المصدر:168/66.

ج)کون بعض الآثار الاجتماعیة السلبیة-قضیة التکفیر و التضلیل و الإخراج من دائرة المذهب-تکون أقل علی الضابطة المذکورة منه علی الضوابط الاُخری.

د)إتحاد الضرورات المذهبیة من القسم الأول مع أرکان الإیمان الأساسیة الواردة فی الروایات علی مذهبنا الحق.

3.کلّ الإشکالات التی ذکرناها علی الضابطة المختارة تبین لنا أنّها لیست تامة،ولاتقف حائلاً أمام قبول هذه الضابطة.

ص:188

المبحث الثانی:حکم منکر ضروری المذهب

اشارة

الکلام فی هذا المبحث،بناءاً علی الضابطة التی ذکرناها یقع فی مستویین:

1.البحث عن حکم إنکار الأرکان الأساسیة المقوّمة لأصل وحقیقة الإیمان و التشیع،التی هی تمثّل الضرورات المذهبیة من القسم الأول،تماماً کما کان الحال فی البحث عن إنکار ضروری الدین من القسم الأول.

2.البحث عن حکم إنکار الأجزاء الأساسیة غیر المقوّمة لأصل الإیمان و التشیع.

بینما علی الضوابط الاُخری یقع فی مستوی واحد،و هو حکم إنکار ما علم ثبوته فی الدین بعلم ضروری سواءً أکان من الأرکان للمذهب أم من أجزائه الأصلیة أو حتی لو کان من أبسط أحکامه.

ومن هنا لابدّ أن نبحث فی ثلاثة مقامات:

1.فی حکم إنکار الأرکان الأساسیة المقوّمة للمذهب.

2.فی حکم إنکار الأجزاء الأساسیة للمذهب.

3.فی حکم إنکار ما علم ثبوته فی المذهب بعلم ضروری لانظری.

المقام الأوّل:إنکار ضرورات المذهب من القسم الأوّل

اشارة

اختلفت کلمات الأعلام فی مقام تحدید الاُصول،والأرکان المقوّمة للإیمان بالمعنی الأخص:

1.فالمحقق الطوسی قدس سره ینقل فی قواعد العقائد:أنّها عند الشیعة ثلاثة«التصدیق بوحدانیة الله تعالی فی ذاته،والعدل فی أفعاله،والتصدیق بنبوة الأنبیاء،والتصدیق بإمامة

ص:189

الأئمة المعصومین من بعد الانبیاء» (1)،ولایعدَّ من ضمنها المعاد.

2.بینما الشهید الثانی قدس سره فی رسالة الإیمان، (2)یذکر أن أرکان واُصول الإیمان هی«خمسة:التوحید،والعدل،والتصدیق بنبوة نبینا صلی الله علیه و آله،والتصدیق بامامة الأئمة علیهم السلام،والمعاد الجسمانی».

ومثله یقول الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء. (3)

وعلی أی حال لا إشکال فی الأصلین الأولین-التوحید و النبوة-وإنما الکلام فی الثلاث الاُخری:

1.الإقرار بولایة و إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام
اشارة

و هذا الأمر قد دلّت علی رکنیته وکونه مقوّماً لحقیقة الإیمان بالمعنی الأخص و التشیع،العدید من الروایات:

أ)کالروایات التی اعتبرت الولایة رکناً مبنیاً علیه الإسلام،الذی هو فیها بمعنی الإیمان،جمعاً بینها وبین مادلّ علی کون الإسلام الظاهری،الذی تجری علیه تلک الأحکام المعروفة،هو مجرد إظهار الشهادتین کموثّقة سماعة المتقدّمة.

فإنّه من الواضح أنّ الرکن المبنی علیه الشیء یفهم منه عُرفاً أنّه مقوّم لحقیقة ذلک الشیء،إذ لولاه لانهد ذلک الشیء.

منها:صحیحة زرارة«عن أبی جعفر علیه السلام قال:

بنی الإسلام علی خمسة أشیاء:علی الصلاة،والزکاة،والحجّ،والصوم،والولایة.

قال زرارة:قلت وأی شیء من ذلک أفضل؟فقال:الولایة أفضل لأنّها مفتاحهن،والوالی هو الدلیل علیهن.قلت:ثّم الذی یلی ذلک فی الفضل؟فقال:الصلاة،قلت ثّم الذی یلیها فی الفضل؟قال الزکاة،لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها.قلت فالذی یلیها فی الفضل؟قال الحجّ،قلت ماذا یتبعه؟قال:الصوم. (4)

ص:190


1- (1) .قواعد العقائد:145.
2- (2) .حقیقة الایمان:400-413،مطبوعة ضمن کتاب المصنفات الأربعة من سلسلة مؤلفات الشهید الثانی/11،تحقیق مرکز الابحاث و الدراسات الاسلامیة.
3- (3) .کشف الغطاء:292/1.
4- (4) .وسائل الشیعة:ج1،باب1 من أبواب مقدمة العبادات:ح1.

ومنها:صحیحة أبی حمزة الثمالی«عن أبی جعفر علیه السلام قال:

بنی الإسلام علی خمس دعائم:إقام الصلاة،وإیتاء الزکاة،وصوم شهر رمضان،وحجّ بیت الله الحرام،والولایة لنا أهل البیت (1)

وغیر ذلک من الروایات بهذا المضمون التی ان لم نقل بتواترها فلاشک فی استفاضتها.

بیان نافع

ذکر المجلسی قدس سره فی البحار, فی معنی الإسلام فی قوله علیه السلام«بنی الإسلام علی خمس»ما نصه:«یحتمل ان یکون المراد بالإسلام الشهادتین،وکأنّهما موضوعتان علی هذه الخمسة،لاتقومان إلّا بها،أو یکون المراد بالإسلام:الإیمان،وبالبناء علیها کونها أجزاءه وأرکانه فحینئذٍ یمکن أن یکون المراد بالولایة مایشمل الشهادتین أیضاً أو یکون عدم ذکرهما للظهور،و أما ذکر الولایة التی هی من العقائد الإیمانیة مع العبادات الفرعیة،مع تأخیرها عنها،إمّا للمماشاة مع العامة،أو المراد بها فرط المودّة و المتابعة اللّتان هما من مکمّلات الإیمان أو المراد بالأربع الاعتقاد بها والانقیاد لها،فتکون من اصول الدین لأنّها من ضروریاته،وإنکارها کفر،والأول أظهر». (2)

أقول:ما ذکره من هذه الإحتمالات واستظهاره للأول الذی هو بمعنی الإسلام لا الإیمان،کلها تبقی احتمالات لها رصید من المراد فی الروایة،لولا وجود روایة أخری هی نفس صحیحة زرارة المتقدّمة ولکنها بطریق آخر،وفیها إضافة عما ذکره فی الوسائل،وتلک الروایة التی بسند آخر موجودة فی البحار أیضاً،حیث یقول الإمام علیه السلام فی ذیلها

ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضی الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته،إنّ الله(عزّوجلّ)یقول: مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَ مَنْ تَوَلّی فَما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً . (3)أمّا لو أنّ رجلاً قام لیله وصام نهاره،وتصدق بجمیع ماله،وحجّ جمیع دهره،ولم یعرف ولایة ولی الله،فیوالیه ویکون جمیع أعماله بدلالته إلیهن ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه،ولا کان من أهل الإیمان،ثمّ قال:أولئک المحسن منهم یدخله الله الجنة بفضل رحمته. (4)

ص:191


1- (1) .المصدر:ح31.
2- (2) .بحار الأنوار:329/68-330.
3- (3) .النساء:80.
4- (4) .بحار الانوار:9/66.

فإنَّ هذه الروایة واضح أنّ ذیلها یجعل الذی لایوالی ولی الله،خارج عن الإیمان،حیث قالت:«ولا کان من أهل الإیمان»،ولفظ الإیمان عند إطلاقه لابدّ أن یحمل علی معناه الخاص ما لم تکن هناک قرینة تعینه لمعنی الإسلام الأعم،وهی مفقودة فی المقام.

ومما یؤکد بل مما یدل علی کون المراد من أهل الإیمان فی ذیل الروایة هم الشیعة الإمامیة انه علیه السلام قال:«المحسن منهم یدخله الله الجنة بفضل رحمته»،إذ المراد من هولاء هم المخالفون بقرینة أن الله بفضل رحمته یدخل المحسن منهم الجنة؛لأنّ المخالف لایستحق أن یدخل الجنة؛لأنّه لیس له حق علی الله بدخول الجنة کالمؤمن الإمامی.

ب)وکالروایات التی یعرض فیها بعض الأصحاب دینهم،مثل صحیحة الحسن بن زیاد العطار المتقدّمة،حیث ورد فیها«وأن علیاً إمامی فرض الله طاعته،من عرفه کان مؤمناً،ومن جهله کان ضالّاً،ومن ردَّ علیه کان کافراً ثم وصفت الائمة علیهم السلام حتی انتهیت إلیه...»وغیرها مما هو بمضمونها. (1)

فان هذه الروایة واضحة فی أن الذی لایؤمن بولایة الأمیر علیه السلام أو باقی الأئمة علیهم السلام یکون خارجاً عن الإیمان و التشیع.

ج)وکالروایات التی تجعل موتة من لم یعرف إمام زمانه،میتة جاهلیة،وضلال ونفاق مما یعنی:أنّه باقٍ علی أصل الإسلام الظاهری،وسیأتی ذکر العدید منها فی الطائفة الثالثة من الروایات التی نذکرها عند البحث عن کون الإمامة من أصول الاسلام،أو من اصول الإیمان.

مقدار الإقرار بالإمامة و الولایة

ماهو یاتری المقدار اللازم من الإیمان بإمامة الأئمة من أهل البیت علیهم السلام لکی یکون المرء داخلاً فی إطار الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی،فانّ فی هذا احتمالات متعددة:

1.ان یقرَّ الإنسان فقط بکون الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام خلیفة وحاکماً للمسلمین بعد رسول الله صلی الله علیه و آله بلا فصل،وأنّه مفترض الطاعة،وکذلک للأئمة من ولده إلی القائم-عجل الله تعالی فرجه الشریف-.

2.أو بالإضافة إلی ذلک،أن یقر بأصل عصمتهم.

ص:192


1- (1) .راجع:هذه الروایات فی بحار الانوار،ج66،باب الدین الذی لایقبل الله أعمال العباد إلّا به،حدیث:16،9،7،6،5،4.وکذلک فی باب أدنی ما یکون به العبد مؤمناً وأدنی ما یخرجه عنه،ج69،حدیث:3،1

3.أو بالإضافة إلی ذلک،أن یقر بولایتهم التشریعیة و التکوینیة.

4.أو بالإضافة إلی ذلک،أن یقر بعلمهم بالغیب،وما شاکل.

ولا أخفی أنّ المسألة تبدو حرجة وخطیرة.

والصحیح من هذه الاحتمالات:هو الأول فقط،فلم یؤخذ فی حدَّ الإیمان بالمعنی الأخص و التشیع أکثر من الإقرار بالولایة و الإمامة للائمة علیهم السلام،وکونهم خلفاء للرسول مفترضی الطاعة علی الأُمة.

ویدلّ علی ذلک أمران هما:

الأول:إنّ الروایات التی استعرضناها و التی دلّت علی أخذ الولایة للأئمة علیهم السلام فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص و التشیع،لم تذکر أکثر من الإقرار بالإمامة وافتراض الطاعة،فلو کان أزید من ذلک معتبراً لذکرته الروایات،ولأشار إلیه الأئمة علیهم السلام.

الثانی:إنّ افتراض ما هو أزید من ذلک کأصل العصمة أو العصمة المطلقة،والولایة التکوینیة و التشریعیة،والعلم بالغیب،وکونهم واسطة فی الفیض،وأنّهم أول من خلق الله،وغیر ذلک،یعنی الحکم بأخراج کثیر-إن لم نقل الأغلب-من الشیعة الإمامیة عن حَدِّ الإیمان و المذهب،إذ إنّ کثیراً منهم لایعرفون هذه الاُمور ویجهلونها،و هذا أمر مقطوع البطلان،ولایمکن الالتزام به،بل حتی فی عصرهم علیهم السلام لعلل کثیراً من شیعتهم لم یکونوا ینظرون إلیهم بمثل هذه الصفات،وعلی الرغم من ذلک نراهم یعاملونهم معاملة الموالین و الشیعة لهم.

و إن قلتَ:فی خصوص العصمة لانُسلّم ما قلت،إذ هؤلاء الناس البسطاء،لایعرفون مصطلحات العصمة وما شاکلها نتیجة لجهلهم بالمصطلحات العلمیة الفلسفیة و الکلامیة،ولکن واقعها ثابت فی کیانهم وفطرتهم ونفوسهم،والشاهد و المنبه الوجدانی علی ذلک،أنّ أی واحد من الشیعة حتی سکان البوادی و القری و الأریاف،إذا قلت له:إنّ إمامک علی بن أبی طالب غیر معصوم یمکن فی حقّه ان یقترف الذنوب ویعصی الله تعالی،لوجدته یتعصّب علیک،وینکر علیک قولک هذا،ویقول لک کیف تتکلم علی أمیر المؤمنین بهذا الکلام؟!.ممّا یکشف عن اعتقاده بأصل عصمته علیه السلام،وهکذا بقیة الأئمة.

قلت:سلّمنا بذلک فی کثیر منهم،ولم نناقش فی کون الثابت فی نفوس بعضهم قضیة العدالة فقط،ولکن یبقی السؤال ماهو الدلیل علی أخذ العصمة کحدٍّ مستقل فی تحقق

ص:193

الإیمان بالمعنی الأخص؟!فإنّ ما ذکرتم لا یصلح لذلک،فإنّ إرتکاز کون الأئمة علیهم السلام معصومین فی أذهان الشیعة لا یدل علی أخذ العصمة کحدٍّ للإیمان بالمعنی الأخص،و إنّما ذلک ینسجم حتی مع ماهو أعمُ من ذلک.

إن قلتَ:یمکن الاستدلال علی أخذ الإقرار و الإیمان بأصل عصمتهم کحدٍّ فی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص بدلیلن:

الأول:الإجماع من قبل الطائفة علی أنّ من لم یعتقد بعصمتهم علیهم السلام،فهو خارج عن حدِّ المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص،مما یعنی أخذ الإقرار بالعصمة فی حدّ المذهب.

الثانی:أنّه عندنا معاشر الإمامیة،لاتنعقد الإمامة إلّا للمعصوم،فمن شروط الإمامة العصمة،فاذا لم نأخذ الإیمان بالعصمة فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی،کان معنی ذلک عدم أخذ أصل الإمامة و الولایة کحدٍّ فیه،إذ الشخص إذا لم یعتقد بعصمة أمیر المؤمنین علیه السلام مثلاً،ولو عن جهل،فإنّ معنی ذلک أنّ إمامته لم تثبت عنده.

ویردّهما:

أمَّا الأول:فنحن نسلّم أنّ الإجماع مُنعقد من قبل الطائفة علی عصمتهم علیهم السلام؛ولکن أول الکلام کون الإجماع انعقد علی العصمة بوصف کونها رکناً مقوماً لحقیقة الإیمان بالمعنی الأخص،بل لعلّ الإجماع قد انعقد علی کون العصمة من ضروریات المذهب،ومن الواضح أنّ عنوان ضروری المذهب أعم من الرکن المقوّم لأصل المذهب،اذ هناک من ضرورات المذهب مالیس من الأرکان المقوّمة لحقیقة المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص کما هو الحال فی ضرورات الدین فبعضها رکن مقوم وبعضها الآخر جزء أساسی غیر مقوم،و إذا توجّه هذا الاحتمال فلایکون هذا الإجماع دلیلاً علی خروج من لم یعتقد بعصمتهم من المذهب لجهلٍ،إذ علی هذا الاحتمال سوف یرجع البحث إلی أنّ إنکار ضروری المذهب هل یکون بذاته سبباً مستقلّاً لتحقق الخروج من المذهب،أو أنّه یؤدی إلی ذلک إذا لزم من إنکاره،إنکار أصل الإمامة لأحد الائمة ووجوب طاعتهم،و هذه الملازمة لاتتم إلا فی حالة العلم أو الظن واحتمال الثبوت احتمالاً معتدّاً به عقلائیاً،ومن ثمّ لاینحصر البحث بإنکار الضروریات بل یشمل حتی النظریات.

وحیث إنّ الصحیح هو الرأی الثانی کما سوف یأتی،فلایکون الإقرار بالعصمة مأخوذاً کحدٍّ مستقل فی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص.

ص:194

وأمَّا الثانی:فهو لایفید فی إثبات المدّعی،إذ أقصی ما یفیده هو ثبوت الإقرار بالعصمة فی حقِّ من یعلم بشرطیتها للإمامة،و هذا معناه أنها لم تؤخذ کحدٍّ مستقل فی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص،وإنما العالم بشرطیتها للامامة حیث یلزم فی حقِّه اذا لم یقر بها أن یکون غیر مقرٌّ بالإمامة،فلهذا أعتبرت فی حقّه.

أمَّا من یجهل بشرطیتها للإمامة فلایلزم لو لم یقر بها أنّ یکون غیر مقر بالإمامة،فلاتؤخذ کحد فی تحقق إیمانه ودخوله فی إطار المذهب.

نعم،ذکر الشیخ المفید قدس سره أنّ حَدَّ الإیمان بالمعنی الأخص،مأخوذ فیه الإیمان بثلاثة أمور:

1.الإقرار بالإمامة،وکونها واجبة علیه تعالی لطفاً.

2.الإقرار بالعصمة.

3.کون الإمامة بالنص.

فمن أقرَّ بهذه الثلاثة فهو إمامی وإلّا فلا.

قال قدس سره:«فی معنی نسبة الإمامیة قال الشیخ أیده الله:الإمامیة هم القائلون بوجوب الإمامة و العصمة ووجوب النصّ،و إنّما حصل لها هذا الاسم فی الأصل لجمعها فی المقالة هذه الاُصول فکل من جمعها فهو إمامی و إن ضمّ إلیها حقاً فی المذهب کان أم باطلاً». (1)

أقول:لعلَّ الشیخ المفید قدس سره عندما أعتبر فی حدِّ مذهب الإمامیة قد أُخذ الإقرار بالعصمة،والنصّ بالاضافة إلی أصل الإمامة،من جهة کون عصمة الإمام و النص علیه من ضرورات المذهب،وکون الإقرار بضروری المذهب مأخوذاً علی نحو الموضوعیة والاستقلال فی حدِّ المذهب،والإیمان بالمعنی الأخص،مما یعنی:أن من لم یقرّ بأی واحدة من الثلاث،ولو لجهل وشبهة،خرج عن حدِّ المذهب.

ولکن مما یبعّد هذا الاحتمال،أنّ لازمه أن یلتزم الشیخ المفید بکون کل ضرورات المذهب غیر هذه الثلاثة قد أخذ الإقرار بها فی حدّ المذهب،مما یعنی أنّ عدم الإقرار بأی واحدة منها ولو لجهل وشبهة،یؤدی بذاته إلی الخروج عن المذهب،ومن البعید أن یلتزم الشیخ المفید بذلک.

وعلی أی حال سواء کان مراد الشیخ المفید ما ذکر أو ما احتملنا،لایصار إلی کلامه بعد

ص:195


1- (1) .الفصول المختارة من العیون و المحاسن:296/2،من سلسلة مؤلفات الشیخ المفید.

أن ذکرنا الأدلة علی عدم وجود دلیل یدلّ علیٍ کون المأخوذ فی حدّ المذهب الإمامی و الإیمان بالمعنی الأخص أکثر من الإقرار بإمامة الأئمة علیهم السلام ولزوم طاعتهم.

تنبیه

ثمّ أنه لیتنبه،أنّنا عندما نقول:إنّ أمثال العصمة،والولایة التکوینیة و التشریعیة،والعلم بالغیب،وأمثال هذه المقامات العلیا لأئمة أهل البیت علیهم السلام غیر مأخوذة فی حَدِّ الإیمان بالاستقلال،لایساء فهم ذلک،حیث یتوهم أنّها غیر ثابتة لهم علیهم السلام،ویجوز إنکارها وجحودها،فإننا نستعیذ بالله تعالی أن نجرأ علی هذه الذوات المقدّسة،إذ إنّ هذه المقامات مما قامت علیها الأدلة القرآنیة و الروائیة،بل بعضها مما یثبته الدلیل العقلی القطعی.

ولایتوهم أننا نرید أن نقول:إنّ هذه الاُمور لیست من ضرورات المذهب الإمامی،کیف و إن مثل أصل العصمة،قد ثبت أنّه من الأجزاء الرئیسیة فی المذهب الإمامی؟!.

و إنّما غایة ما نرید أن نقوله:کما أنّه لم یؤخذ فی حدِّ الإسلام الظاهری أکثر من الإقرار بالشهادتین أو بإضافة المعاد،کما دلّت الأدلة علی ذلک فیما تقدّم،وعلیه فلا تکون ضرورات الدین و الإسلام من القسم الأول إلّا هذه الامور الثلاثة،کذلک لم یؤخذ فی حدِّ الإیمان و المذهب الإمامی بالنسبة للإقرار بالإمامة أکثر مما ذکرنا،کما دلّت الادلة علی ذلک،ولذا لاتکون تلک الامور المرتبطة بالإمامة من العصمة وغیرها من ضرورات المذهب من القسم الأول،نعم،بعضها کالعصمة هی من ضرورات المذهب من القسم الثانی.

کلام الشهید الثانی قدس سره

ذکر الشهید الثانی قدس سره فیما یرتبط برکنیة الإمامة للإیمان بالمعنی الأخص،والمقدار المطلوب من ذلک،ما نصه:

«الأصل الرابع:التصدیق بإمامة الاثنی عشر علیهم السلام و هذا الأصل اعتبره فی تحقق الإیمان الطائفة المحقّة الإمامیة،حتی إنّه من ضروریات مذهبهم،دون غیرهم من المخالفین،فإنه عندهم من الفروع.

ثمّ إنّه لاریب أنّه یشترط التصدیق بکونهم أئمة یهدون بالحق،وبوجوب الانقیاد إلیهم فی أوامرهم ونواهیهم،إذ الفرض من الحکم بإمامتهم ذلک،فلو لم یتحقق التصدیق بذلک لم یتحقق التصدیق بکونهم أئمة.

ص:196

أما التصدیق بکونهم معصومین مطهرین من الرجس،کما دلت علیه الأدلة العقلیة و النقلیة.

والتصدیق بکونهم منصوصاً علیهم من الله تعالی ورسوله،وأنّهم حافظون للشرع،عالمون بما فیه صلاح أهل الشریعة من أمور معاشهم ومعادهم.

و أنّ علمهم لیس عن رأی واجتهاد،بل عن یقین تلقّوه عمن لاینطق عن الهوی خلفاً عن سلف بأنفس قویة قدسیة،أو بعضه لدنی من لدن حکیم خبیر.

أو غیر ذلک مما یفید الیقین،کما ورد فی الحدیث أنهم علیهم السلام محدّثون،أی معهم ملک یحدّثهم بجمیع ما یحتاجون،أو یرجع إلیهم فیه،أو أنّهم یحصل لهم نکتٌ فی القلوب بذلک علی أحد التفسیرین للحدیث.

وأنّه لایصح خلوّ العصر عن إمام منهم،وإلاّ لساخت الأرض بأهلها،و أنّ الدنیا تتمّ بتمامهم،ولاتصحّ الزیادة علیهم.

و أنّ خاتمهم المهدی صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنّه حی إلی أن یأذن الله تعالی له ولغیره،وأدعیة الفرقة المحقّة الناجیة بالفرج بظهوره علیه السلام کثیرة.

فهل یعتبر فی تحقق الإیمان،أم یکفی اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم فی الجملة؟

فیه الوجهان السابقان فی النبوة،ویمکن ترجیح الأول بأن الذی دلّ علی ثبوت إمامتهم دلّ علی جمیع ما ذکرناه خصوصاً العصمة،لثبوتها بالعقل و النقل.

ولیس بعیداً الاکتفاء بالأخیر،علی ما یظهر من جلّ رواتهم ومعاصریهم من شیعتهم فی أحادیثهم علیهم السلام فإنّ کثیراً منهم ما کانوا یعتقدون عصمتهم،لخفائها علیهم،بل کانوا یعتقدون أنّهم علماء أبرار،یعرف ذلک من تتبع سیرهم وأحادیثهم.

وفی کتاب أبی عمرو الکشی رحمه الله جملة مُطلعة علی ذلک،مع أنّ المعلوم من سیرتهم علیهم السلام مع هؤلاء أنّهم کانوا حاکمین بإیمانهم بل عدالتهم.

وهل یکفی فی کلّ شخصٍ اعتقاد إمامة من مضی منهم علیهم السلام إلی إمام زمانه و أنّ لم یعتقد إمامة الأئمة الباقین الذین وجدوا وانتهت الإمامة إلیهم بعد انقراضه؟الظاهر ذلک،وفی کثیر من کتب الأحادیث و الرجال ما یشعر بذلک،فیلطلب منها.

والدلیل إنّما دلّ علی وجوب اعتقاد إمامة الاثنی عشر بالنظر إلی من تأخّر زمانه عن تمام عددهم علیهم السلام،فالیتأمل.

ص:197

کیف،و قد کانوا فی کلّ زمان مخفیین مشردین منزوین،ملتزمین للتقیة فی أکثر أوقاتهم،لایستطیعون إخبار خواصّهم بإمامتهم فضلاً عن غیرهم،تشهد بذلک کتب الرجال و الأحادیث أیضاً،وحینئذٍ فلابدّ من الاکتفاء بما ذکرناه،وإلا لزم خروج أکثر شیعتهم علیهم السلام عن الإیمان،و هو باطل (1)».

مناقشة السید عبدالله شبّر لکلام الشهید الثانی

فی کتابه حق الیقین فی معرفة أصول الدین،ذکر السید عبدالله شبر قدس سره مناقشات عدة لکلام الشهید الثانی قدس سره نحاول أن نذکر هذه المناقشات علی شکل نقاط:

1.فذکر أن«الاکتفاء فی الإیمان بإمامتهم ووجوب إطاعتهم علی الإجمال لایخلو من تعسّف واختلال فإنّ کثیراً من الاُمور کانت من ضروریات مذهبهم ودینهم علیهم السلام فإنکارها أو عدم اعتقادها خروج من دینهم علیهم السلام کحلّیة المتعة،وعدم جواز المسح علی الخفین،والإقرار بغائبهم علیهم السلام،وأن کلّ زمان لایخلو من أحدهم،وبالجملة فیجب الإیمان بضروریات مذهبهم علیهم السلام زیادة علی ما ذکره رحمه الله من الإجمال،نعم،لو فرض أنّ بعض المسائل التی هی الآن ضروریة عندنا لم تکن ضروریة فی الأزمنة السالفة لم یخرج منکرها عن الإیمان،ولذا ورد فی جملة من الأخبار لیس من شیعتنا من لم یؤمن برجعتنا،ومن أنکر المتعة،ومن أنکر القبر ونحو ذلک،لکون ذلک من ضروریات مذهبهم علیهم السلام». (2)

2.وذکر«والظاهر أن القول بعصمتهم من الضروریات وإلا لم تثبت إمامة اللّاحق بنص السابق منه».

وکأنه قدس سره یرید أن یقول:إنّ الاعتقاد بعصمتهم رکن فی الإیمان،لأنّ عدم رکنیتها معناه عدم رکنیة الإمامة نفسها،إذ إمامة کلّ إمام تثبت بنص الإمام السابق علیه،فإذا لم یکن الشخص یعتقد عصمة السابق فکیف تثبت له إمامة اللاحق وصحة نصه علیه؟.

3.وذکر أنّه«لم نقف علی نقل وأثر یتضمن إنکار أحد من ثقات الرواة لعصمتهم علیهم السلام وماورد من بحث زرارة ونحوه واعتراضه علی الإمام وطلبه الدلیل من القرآن منه،فله محامل

ص:198


1- (1) .حقیقة الإیمان:100-102،مطبوعة ضمن کتاب المصنفات الأربعة،من سلسلة مؤلفات الشهید الثانی،تحقیق مرکز الابحاث و الدراسات الإسلامیة.
2- (2) .حق الیقین فی معرفة أصول الدین:236/2-237.

ذکرها الأصحاب فی مواضعها منها أنه یرید التثبت بذلک للمجادلة مع العامة،وغایته أن یکون ذلک من التقصیرات التی یرجی لهم العفو عنها».

4.وذکر«و أما الاعتقاد بالأئمة الباقین قبل زمانهم فالأقوی فیه التفصیل بأنّه إن بلغهم ذلک بأخبار متواترة وآثار متظافرة تفید العلم و الیقین وجب اعتقاد ذلک وإلّا فلا و قد تقدّم فی خبر فاطمة بنت أسد أنها سئلت فی القبر عن إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام».

أقول:توجد فی کلامه عدة ملاحظات:

أ)إنّ ما ذکره أولاً من کون إنکار ضروریات المذهب أو عدم اعتقادها خروج عن المذهب،فتکون مأخوذة فی حدّ الإیمان،مبنیة علی أخذ الإقرار بالضروریات فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،ولم یدل أی دلیل علی ذلک لا من عقل ولا من نقل و إنّما غایة ما تدل علیه الأدلة-کما سوف یأتی فی البحوث اللاحقة-أنّ إنکار ضروری المذهب من القسم الثانی إذا أدّی إلی إنکار الإمامة لأحد الأئمة علیهم السلام أو إنکار رسالة الرسول صلی الله علیه و آله فإنّه یؤدی علی الأول إلی الخروج من الإیمان وعلی الثانی الخروج من الإسلام،و هذا معناه أنّ الاعتقاد بالضروری لم یؤخذ بذاته کحدِّ مستقل فی الإیمان بالمعنی الأخص.

ثمّ إذا کان إنکار ضرورات المذهب أو عدم الاعتقاد بها یخرج الإنسان من المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص،فلماذا فرّق قدس سره بین ما کان ضروریاً فی زمنهم علیهم السلام فیوجب الخروج،وبین ما کان ضروریاً فی زمان،ولم یکن کذلک فی زمانهم؛فإنه لایوجب الخروج،لا أدری ما هو وجه هذا التفریق.

ب)و أما ما ذکره ثانیاً من أنّ العصمة لو لم تکن من الضروریات لم تثبت إمامة اللاحق بنص السابق.

فیرد علیه:أنه إن کان یرید أن یثبت کون العصمة من ضروریات المذهب فهذا لاخلاف فیه،ولکنه لایفید إذ مجرد کون الأمر ضروریاً من ضرورات مذهب الإمامیة لایعنی کونه من مقومات الإیمان وأرکانه بالمعنی الأخصّ،لأنّ عنوان ضروری المذهب أعمّ من عنوان رکن الإیمان بالمعنی الأخص.

و إن کان یرید-کما احتملنا-أنّ العصمة من أرکان الإیمان وإلّا لم تثبت إمامة اللاحق بنصّ السابق،فهذا أیضاً لایضرّ؛إذ لایثبت من خلاله کون العصمة رکن الإیمان بالمعنی الأخص،لأنّ هذا الدلیل غایة مایثبت کون العصمة شرطاً فی ثبوت الإمامة لمن یعلم بهذه

ص:199

الملازمة،أمّا من لم یعلم بهذه الشرطیة،فلاتثبت فی حقّه رکنیة الاعتقاد بالعصمة حتی تثبت الإمامة،فمن الممکن أن تثبت له إمامته من خلال تقواه وورعه،وکونه أعلم أهل زمانه وما شاکل من دون أن یکون قد لاحظ قضیة العصمة و النصّ.

ج)و أمّا ما ذکره ثالثاً،فیحتاج إلی تتبع کثیر فی الروایات حتی یحصل الاطمئنان بذلک،وما ذکره من التوجیه فی قضیة زرارة لا بأس به.

د)نعم،ما ذکره أخیراً وجیه،إلّا أنه بحث لا فائدة فیه فی عصرنا،حیث یجب علینا الآن أن نعتقد بإمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام علی کلّ حال.

ویبقی بعد ذلک إشکال واحد:یتوجّه علی بعض کلام الشهید الثانی قدس سره و هو فی خصوص ما ذکره من أنّه لایصحّ خلوّ العصر عن إمام منهم و أنّ خاتمهم المهدی صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنّه حی إلی أن یأذن الله تعالی له ولغیره،حیث جعل هذا الأمر فی ضمن الاُمور التی لایستبعد کونها غیر دخیلة فی رکنیة الإیمان.

فإنّ کلامه فی هذا الخصوص غیر صحیح؛إذ وردت عندنا مجموعة من الروایات تدلّ علی دخل هذه القضیة فی رکنیة الإیمان،ومن دونها لایتحقق الإیمان بالمعنی الأخص.

ومن هذه الروایات:

1.الروایات التی تجعل«من مات ولم یعرف إمام زمانه الحی،مات میتة جاهلیة أو کفر وضلال ونفاق» (1)فإنّ المستفاد من هذه الروایات ان قضیة وجود إمام فی کل عصر لابدّ ان یعرفه ویؤمن به الناس مما یقوّم حقیقة الإیمان عندهم،والإ لو ماتوا علی خلاف ذلک فإنّهم سوف یموتون علی جاهلیة وضلال ونفاق،ومن المعلوم لولا دخل ذلک کرکن فی الإیمان لما سبب تلک الموتة،فإنّ المؤمن لایموت علی هذه الحالة.

2.الروایات التی تجعل المنکر لواحد منهم کالمنکر لجمیعهم،ففی بعضها من لم یعرف الإمام الذی فی زمانه،خارج عن الإیمان باق علی الإسلام،وفی بعضها الآخر المقرّ بجمیع الأئمة الجاحد بآخرهم کمن أقر بعیسی وجحد محمداً،وبالعکس. (2)

حیث یستفاد بضمیمة إطباق کلّ الإمامیة علی کون إمامهم فی هذا الزمن هو الحجّة

ص:200


1- (1) .راجع:بحار الأنوار:76/23-93،باب وجوب معرفة الإمام،وأنّه لایعذر الناس بترک الولایة،و إن من مات لایعرف إمامه أو شکّ فیه مات میتة جاهلیة وکفر ونفاق.
2- (2) .راجع:أیضاً بحار الأنوار:95/3-98،باب أن من أنکر واحداً منهم فقد أنکر الجمیع.

بن الحسن العسکری عجل الله تعالی فرجه الشریف وکذلک الروایات المصرّحة باسمه،علی کون الاعتقاد بإمامة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف وکونه مولود حی یرزق،رکن فی تحقق إیمان الإنسان ودخوله فی مذهب الإمامیة.

روایتان ذکرت فیها رکنیة العصمة

ثمّ قد یستدل علی کون الاعتقاد بالعصمة داخل کرکن فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص بروایتین،هما:

1.صحیحة زرارة

قال:قال أبو جعفر علیه السلام،قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:بنی الإسلام علی عشرة أسهم:علی شهادة أن لا إله إلّا الله،وهی الکلمة،والصلاة وهی الفریضة،والصوم و هو الجنة،والزکاة وهی الطهارة،والحجّ و هو الشریعة،والجهاد و هو العزّ،والأمر بالمعروف و هو الوفاء،والنهی عن المنکر وهی الحجّة،والجماعة وهی الاُلفة،والعصمة وهی الطاعة. (1)

2.مارواه أنس بن مالک أنّه قال:

قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:جاءنی جبرئیل فقال لی:یا أحمد،الإسلام عشرة أسهم،و قد خاب من لاسهم له فیها،أولها شهادة أن لا إله إلّا الله وهی الکلمة،والثانیة الصلاة وهی الطهر،والثالثة الزکاة وهی الفطرة،والرابعة الصوم وهی الجنة،والخامسة الحجّ وهی الشریعة،والسادسة الجهاد و هو العزُّ،والسابعة الأمر بالمعروف و هو الوفاء،والثامنة النهی عن النکر و هو الحجّة،والتاسعة الجماعة وهی الاُلفة،والعاشرة الطاعة وهی العصمة. (2)

بتقریب:أنه علیه السلام عدّ من الأسهم التی بُنی علیها الإسلام-الذی هنا هو بمعنی الإیمان بالمعنی الأخص کما لایخفی لما تقدّم-العصمة،والظاهر منها أنّها عصمة الأئمة علیهم السلام فتکون من أرکان الإیمان بالمعنی الأخص،ومأخوذة فی حدّه.

وفیه:أن قوله علیه السلام:«والعصمة وهی الطاعة أو بالعکس»غیر ظاهر فی کون المراد هو عصمة الأئمة،إذ من المحتمل أن یکون المراد العصمة عن المعاصی من قبل کل المکلّفین،أو یکون المراد الاعتصام بحبل أئمة الهدی ولزوم طاعتهم فهو العاصم من النار فلایدلَّ علی أکثر من رکنیة الاعتقاد بإمامتهم ولزوم طاعتهم فی تحقق الإیمان بالمعنی

ص:201


1- (1) .المصدر:377/68،ح25.
2- (2) .المصدر:380/86،ح30.

الأخص،ولعلّ هذا الاحتمال هو الأقرب ومن هنا ذکر فی الروایة الأخری«والطاعة وهی العصمة»،وعلی أی حال الروایتان لاتدلّان علی أنّ الإیمان بالمعنی الأخص لایتحقق إلّا باعتقاد عصمتهم علیهم السلام.

التبّری من أعداء أهل البیت علیهم السلام

و هو مما ینبغی عدّه أیضاً من حدود الإیمان وأرکانه بالمعنی الأخص،أو یقال:إنّه داخل فی حدِّ الإمامة و الولایة،فإنّ التولّی لهم علیهم السلام لایحصل بدون البراءة من أعدائهم حیث دلّت علی ذلک بعض الروایات:

منها:صحیحة عجلان أبی صالح:

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام أوقفنی علی حدود الایمان،فقال:شهادة أن لا إله إلّا الله،و أنّ محمداً رسول الله،والإقرار بما جاء من عند الله،وصلاة الخَمس،وأداء الزکاة،وصوم شهر رمضان،وحجّ البیت،وولایة ولینا،وعداوة عدوِّنا،والدخول مع الصادقین. (1)

إذ الروایة دلّت علی أن عداوة أعداء آل محمد علیهم السلام من جملة الاُمور المأخوذة فی حَدِّ الإیمان الذی هو هنا بمعنی الإیمان بالمعنی الأخص کما لایخفی.

نعم،یکفی فی ذلک التبرّی الإجمالی،فلایحتاج إلی معرفة أعداء آل محمد علیهم السلام بالتفصیل،بل یکفی أن یعقد الإنسان قلبه علی التبرّی من کلِّ شخص یعادیهم علیهم السلام علی نحو الإجمال.

ومنها:مارواه إسماعیل الجعفی

قال:دخل رجل علی أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام ومعه صحیفة مسائل شبه الخصومة،فقال له أبو جعفر علیه السلام:هذه صحیفة مخاصم علی الدین الذی یقبل الله فیه العمل،فقال:رحمک الله،هذا الذی ارید،فقال أبو جعفر علیه السلام:أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لاشریک له و أنّ محمداً عبده ورسوله،وتقرّ بما جاء من عند الله،والولایة لنا أهلَ البیت،والبراءة من عدوّنا،والتسلیم لنا و التواضع و الطمأنینة،وانتظار أمرنا،فإنّ لنا دولة إن شاء الله جاء بها. (2)

اذ بقرینة قوله علیه السلام«هذه صحیفة مخاصم علی الدین الذی یقبل الله فیه العمل»نفهم أن المذکورات التی من ضمنها البراءة من أعدائهم علیهم السلام مأخوذة فی حدّ الإیمان بالمعنی

ص:202


1- (1) .بحار الانوار:330/68،ح4.
2- (2) .بحار الانوار:302/68.

الأخص،إذ أن قبول العمل و الثواب یتوقّف علی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص.

نعم،هذه الروایة فیها مشکلة سندیة من جهة أحمد بن الولید وأبیه،فأنّهما مجهولان لم یوثّقا.

قضیة وجوب الفرائض الأربع

وهی الأرکان الأربعة:الصوم،والصلاة،والزکاة،والحجّ.فقد یقال:بکون أدائها من حدود وأرکان الإیمان بالمعنی الأخص،استناداً إلی الروایات المتقدّمة التی قالت:بنی الإسلام علی خمسة أرکان،وعدّت هذه الأمور الأربعة بالإضافة إلی الولایة،حیث ذکرنا هناک أن المراد من الإسلام من هذه الروایات،هو الإیمان بالمعنی الأخص،لوجود قرائن خارجیة،وداخلیة تدل علی ذلک.

نعم،الذی یجهل وجوب هذه الفرائض عن قصور ومن ثمّ لجهله لایکون معتقداً بها،کما لو کان داخلاً لتوّه فی الإسلام،ویقطن بلاد الکفر،أو عرضت له شبهة أدّت به إلی إنکار وجوبها،یعذر من جهة جهله،فإنّ عقاب الجاهل القاصر مرفوع،ولکن یبقی الحکم علیه بالخروج عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص.

مشکلة فی هذه الروایات

ولکن ما یقف حائلاً دون تمامیة الاستدلال بهذه الروایات،هو أنّ المراد من هذه الأربعة الموجودة فیها:(الصوم،الصلاة،الحج،الزکاة)لیس هو وجوب الاعتقاد بها قلباً،و إنّما المراد هو أدائها عملاً،بل فی بعض هذه الروایات تصریح بذلک کما فی صحیحة أبی حمزة الثمالی المتقدّمة،وعلی هذا کیف یصح أخذ الإیمان بها فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص بالاستقلال؟إذ لازمه أن من ترک الصلاة ولم یأتِ بها أو لم یصم شهر رمضان أو لم یؤدِ الزکاة أو لم یحجّ مع استطاعته،لازمه أن یحکم بخروجه عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،وعدم کونه شیعیاً إمامیاً،و هذا لایقول به أحد بل لایمکن التفوه به من متفقّه فضلاً عن فقیه،فإنّ لازمه خروج کثیر من الشیعة عن المذهب؛لأنّهم لا یؤدّون هذه الفرائض.

بل قد یوسِع هذا الإشکال إلی الولایة(الرکن الخامس)فی هذه الروایات،حیث یقال:بما أنّ المراد بالأرکان الأربعة هو أداؤها وبترک أدائها قطعاً لایتحقق الخروج من الإیمان

ص:203

بالمعنی الأخص،فبوحدة السیاق أیضاً یکشف أنّ عدم الاعتقاد بالولایة أیضاً لایحقق الخروج من المذهب الإمامی و الإیمان بالمعنی الأخص،و هذا یعنی:أنّ الإیمان والاعتقاد بالولایة و الإمامة لیس مأخوذاً کحدٍّ مستقل فی الإیمان بالمعنی الأخص.

والجواب:إنّ ما ذکر أولاً من کون المراد بهذه الاُمور الأربعة لیس هو الاعتقاد بوجوبها و إنّما المراد أداؤها،وبالتالی یلزم ألا تکون مأخوذة فی حدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،کلام صحیح،ولکن ما ذکر ثانیاً من تسریة الإشکال إلی الولایة بقضیة السیاق،کلام غیر صحیح.

والسبب فی ذلک:أنّ الإیمان بالمعنی الأخص یترکّب من شقّین:

1.شقٌّ منه فی بعده الاعتقادی القلبی الجوارحی.

2.وشقٌّ منه فی بعده العملی الجوانحی.

ومن هنا ورد فی العدید من الروایات؛«أنّ الإیمان:معرفة بالقلب وإقرار باللسان،وعمل بالأرکان».

فإذا اتضح هذا:فلامانع من أن تکون الروایة ترید أن تبین أرکان الإیمان بالمعنی الأخص فی کلا شقیه؛أی أرکان الإیمان بالمعنی الأخص فی جنبته العملیة الجوانحیة،وأرکان الإیمان بالمعنی الأخص فی جنبته الاعتقادیة القلبیة الجوارحیة،ومن ثمّ لاتأتی قضیة السیاق؛لأنه بانعدام تلک الأرکان الأربعة وعدم إتیانها من المکلّف سوف لایکون الشخص مُتحققاً منه الإیمان بالمعنی الأخص فی جنبته العملیة،فإذا کان معتقداً بالولایة و الإمامة للأئمة الأطهار علیهم السلام یکون قد تحقق منه الإیمان بالمعنی الأخص فی جنبته القلبیة الاعتقادیة الجوارحیة،وبالتالی یکون داخلاً فی إطار الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی،ولو عکسنا فکان الشخص یأتی ویؤدی هذه الفرائض الأربعة؛لکنه غیر معتقد بولایة و إمامة الأئمة الأطهار علیهم السلام أو أی واحدٍ منهم،فإنّه فی البعد الأول للإیمان بالمعنی الأخص-البعد العملی-یکون داخلاً فیه،لکنّه یکون خارجاً منه فی البعد الثانی-البعد الاعتقادی-وحیث إنّ الکلام کلّ الکلام هو فی البعد الاعتقادی فإنّه مدار الکفر و الضلال،فلذلک سوف لایکون مثل هذا الشخص إمامیاً شیعیاً،وعلی ذلک تبقی الولایة و الإمامة مأخوذة فی حَدِّ البُعد الاعتقادی للإیمان بالمعنی الأخص.بل أکثر من ذلک،حیث دلّت الأدلة علی عدم صحة الأعمال من دون الولایة و الإمامة،فلذلک سوف تکون مؤثّرة حتی علی البُعد العملی للإیمان بالمعنی الأخص.

ص:204

کلام الشهید مطهری قدس سره

ولایفوتنی فی المقام أن أشیر إلی کلام للشهید مطهری قدس سره ینفع فی المقام،إذ إنّه ذکر فی کتابه الإمامة:أن للإمامة ثلاث معانی ودرجات:

1.الإمامة،بمعنی الخلافة،والحاکمیة السیاسیة.

2.الإمامة بمعنی المرجعیة الدینیة،التی تبین أحکام الله تعالی.

3.الإمامة بمعنی الولایة،والدور الوجودی ووساطة الفیض،التی هی أعلی مرتبة من الدرجتین الأولیتین.

ثمّ ذکر قضیتین رئیسیتین فیما یرتبط بهذه المعانی الثلاث:

الاولی:قال قدس سره

ومازلت أذکر أنّ هنری کوربان،سأل العلامة الطباطبائی فی حوار له معه قبل عشر سنوات،فیما إذا کان الشیعة قد أخذوا هذا المفهوم من المتصوِّفة أم أخذه المتصوِّفة من الشیعة؟کان یرید أن یقول:إنّ أحد الطرفین أخذ من الآخر.وعندئذٍ ذکر له العلامة الطباطبائی أنّ المتصوِّفة هم الذین أخذوا من الشیعة،لأنّه کان متداولاً فی أوساط الشیعة فی وقت لم یکن قد تبلور فیه التصوّف،ولم تکن قد شاعت فی أوساطه مثل هذه المسائل،ثمّ نفذ ذلک وبرز فی أوساطهم. (1)

أقول:وعلی هذا فلیس من الصحیح أن ینسب إلی أحدٍ لمجرد کونه یعتقد بکون الأئمة لهم الولایة التکوینیة و التشریعیة،وهم وساطة الفیض الإلهی للخلق من قبل الله تعالی،انه مغالٍ أو متصوّف قد أخذ عقیدته من المتصوّفة،فإنّ هذه المفاهیم حقّة ثابتة بالکتاب و السنة.

الثانیة:ثمّ ذکر مرتّباً علی تلک المراتب الثلاث للإمامة:«ویترتّب علیها أن للتشیع ثلاث مراتب أیضاً،فبعض الشیعة یعتقد بالإمامة بمعنی کونها قیادة اجتماعیة فقط،هؤلاء یقولون أنّ النبی صلی الله علیه و آله عین علیاً علیه السلام قائداً من بعده،وأن أبا بکر،وعمر،وعثمان تقدّموا لهذا الموقع من عند أنفسهم-خلافاً لمراد النبی-هؤلاء شیعة بهذا المقدار،أمّا فی المسألتین الأخریین فهم إما لایعتقدون بهما أو یسکتون عنهما.

البعض الآخر،یعتقد بالمرتبة الثانیة للإمامة ویقول بهذا،بید أنّه لایصل إلی الثالثة،

ص:205


1- (1) .الإمامة:51.

ومما یقال بهذا الشأن أنّ المرحوم السید محمد باقر درچئی استاذ السید البروجردی فی أصفهان،کان ینکر المرتبة الثالثة،فقد کان یعتقد بالإمامة إلی مرتبتها الثانیة ولم یتجاوزها إلی ما بعدها.

أما أکثریة الشیعة وعلماؤهم قد کانوا یعتقدون بالمرحلة الثالثة أیضاً». (1)

أقول:إن کان للتشیع مراتب ثلاث،فلماذا لانتجاوز قضیة التضلیل و التکفیر وحالات الإقصاء و التهمیش،وکلّ جماعة ترید أن تفترس الاُخری،فهذه مضافاً؛لکونها دلالة علی التخلّف و العیش خارج إطار الزمان و المکان،والرجوع إلی أزمان القرون الوسطی،مضافاً إلی ذلک لایرضی بها أئمة الهدی علیهم السلام الذین قسّموا الإیمان إلی عشرة درجات.

ومن اللطیف فی المقام أن أذکر روایة وردت عنهم علیهم السلام ترتبط بالمقام کامل الارتباط.

عن عبد العزیز القراطیسی قال:دخلتُ علی أبی عبدالله علیه السلام فذکرتُ له شیئاً من أمر الشیعة ومن أقاویلهم،فقال:یا عبدالعزیز،الإیمان عشر درجات بمنزلة السلّم له عشر مراقی وترتقی منه مرقاة بعد مرقاة،فلایقولنّ صاحب الواحدة لصاحب الثانیة:لست علی شیءٍ.ولایقولنّ صاحب الثانیة لصاحب الثالثة:لستَ علی شیءٍ.حتی انتهی إلی العاشرة،قال:وکان سلمان فی العاشرة،وأبو ذر فی التاسعة،والمقداد فی الثامنة،یا عبدالعزیز،لاتسقط من هو دونک فیسقطک من هو فوقک،إذا رأیت الذی هو دونک فقدرت أن ترفعه إلی درجتک رفعاً رفیعاً فافعل،ولاتحملنّ علیه ما لایطیقه فتکسره فإنه من کسر مؤمناً فعلیه جبره،لأنّک اذا ذهبت تحمل الفصیل حمل البازل فسخته. (2)

وتوجد بنفس المضمون روایات أُخر مرویة فی الکافی، (3)والبحار. (4)

أبحاث منهجیة فی الإمامة
اشارة

من الأبحاث المهمة التی لابدّ أن یقف عندها الباحث عندما یرید أن یحدد منهجه فی بحث نظریة الإمامة،هی هذه الابحاث:

1.هل الإمامة من أُصول الدین أو من فروع الدین؟!.

ص:206


1- (1) .المصدر.
2- (2) .الخصال للشیخ الصدوق:448/2.
3- (3) .أصول الکافی:42/2،باب درجات الإیمان.
4- (4) .بحار الانوار:159/69،باب درجات الإیمان وحقائقه،ح:6،4،3،2،1 26،14،13،11،10،9،7،5.

2.و إذا کانت من الاُصول فهل هی من أصول الإسلام أم من أصول الإیمان؟.

3.وسواء کانت من الاُصول أو الفروع،فهل هی من ضروریات الدین أم من ضروریات المذهب؟.

البحث الأول:الإمامة بین الاُصول و الفروع

ذهبت العامة إلی کون الإمامة من فروع الدین:

1.یقول الآیجی:

وهی عندنا من الفروع،و إنّما ذکرناها فی علم الکلام تأسیاً بمن قبلنا. (1)

2.ویقول التفتازانی:

لانزاع فی أنّ مباحث الإمامة،بعلم الفروع ألیق،لرجوعها إلی أنّ القیام بالإمامة،ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الکفایات،وهی أمور کلیة تتعلّق بها مصالح دینیة أو دنیویة،لاینتظم الأمر إلّا بحصولها،فیقصد الشارع تحصیلها فی الجملة،من غیر أن یقصد حصولها من کلِّ أحدٍ ولاخفاء فی أنّ ذلک من الأحکام العملیة دون الاعتقادیة. (2)

3.وقال الآمدی:

واعلم أنّ الکلام فی الإمامة لیس من أُصول الدیانات ولا من الاُمور اللّابدیات،بحیث لایسع المکلّف الإعراض عنها و الجهل بها. (3)

4.وقال الغزالی:

إعلم أنّ النظر فی الإمامة أیضاً لیس من المهمات ولیس أیضاً من فن المعقولات،بل من الفقهیات. (4)

ویردهم:

1.أنّ الإمامة عهد وجعل إلهی کما دلت علی ذلک الآیة الکریمة: ...إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ. 5

ص:207


1- (1) .المواقف:395.
2- (2) .شرح المقاصد:271/2.
3- (3) .غایة المرام فی علم الکلام:363.
4- (4) .الاقتصاد فی الاعتقاد:234.

و إذا کانت کذلک فسوف ینطبق علیها ضابط المسألة العقائدیة،إذ إنّ المعروف فی الفرق بین المسألة العقائدیة و المسألة الفقهیة الفرعیة،أنّ المسألة العقائدیة هی المرتبطة بفعل الله،بینما المسألة الفقهیة هی المرتبطة بفعل المکلّف وعمله،والآیة المتقدّمة دلّت علی أنّ الإمامة فعل وجعل الله فتکون من المسائل العقائدیة المرتبطة بفعل الله.

هذا إذا قبلنا هذا الضابط.

و أما إذا لم نقبل هذا الضابط للمسألة العقائدیة،وقلنا:إنّ المسألة العقائدیة هی التی یکون المطلوب فیها أولاً وبالذات العلم لا العمل،فکذلک سوف تکون مسألة الإمامة من المسائل العقائدیة لا الفرعیة،لأنّه من الواضح المطلوب بالذات فی الإمامة لیس هو العمل و إنّما المطلوب فیها هو العلم و الإیمان والاعتقاد بإمامة فلان،أو عدم الإیمان والاعتقاد بإمامته.

والسبب کلّ السبب:الذی أدّی بهم إلی القول کون الإمامة من فروع الدین هو النسیج الفکری الذی وضعوه لنظریة الإمامة إذ هی عندهم:

أ)تساوی الخلافة و القیادة للأمة،ولیس لها معنی آخر غیر ذلک.

ب)إنّها تنعقد بالشوری وإجماع أهل الحَلِّ و العَقد،وعلیه تکون عهدٌ بین الناس و الحاکم،فتکون شأناً دنیویاً لا الهیاً.

ج)ومن ثّم تکفی فیها الشروط المتعارفة التی یحتاجها الناس فی القائد من:الشجاعة و العدالة بالمقدار المتعارف،والعلم بالمقدار المتعارف،وما شاکل ولایشترط فیها العصمة.

د)ونتیجة لکل ذلک سوف تکون من فروع الدین لا من أُصوله.

وواقعاً هذا النسیج الفکری لایؤدی إلی أکثر من ذلک،وکون الإمامة من فروع الدین.

ولکن:حیث أن هذا النسیج الفکری کلَّه خطأ وخلاف ما أثبته القرآن و السنّة المعصومة لمفهوم الإمامة،فسوف تکون قضیة أنّ الامامة من فروع الدین،مسألة خاطئة أیضاً.

2.إذا کانت الإمامة من فروع الدین وشأن فقهی لا أکثر کأی مسألة فقهیة أُخری،فلماذا هذا التشاجر و التخاصم و التکفیر و التضلیل،وکلّ تلک الحروب و الدماء التی سالت من أجل هذا الشأن الفقهی،حتی قال الشهرستانی

وأعظم خلاف بین الاُمة،خلاف الإمامة،إذ ما سُلّ سیف فی الإسلام علی قاعدة دینیة مثل ما سُل علی الإمامة فی کل زمان. (1)

ص:208


1- (1) .الملل و النحل للشهرستانی:24/1.

3.ثمّ هل یتناسب کون الإمامة من فروع الدین ومسائله الفقهیة،مع تلک الروایات المتواترة بین الشیعة و السنة،التی تقول:

إنّ من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة.

فأمر یتوقف علیه موت الإنسان موتة کفر وجاهلیة أو موتة إیمان وإسلام،هل یصحّ عده من المسائل الفقهیة کباقی الاُمور الفقهیة،أو أنّه أمر أصیل فی الدین،ویرتبط بالجانب الاعتقادی؟!.

4.وکیف ینسجم کون الإمامة من الشؤون الفقهیة،وهی التی تمّ بها إکمال الدین وإتمام النعمة،حیث لو لم یبْلَّغها الرسول صلی الله علیه و آله للمسلمین،فلم یکن قد بلّغ رسالة الله سبحانه وتعالی،إنّ أمراً تتوقّف علیه هذه الاُمور الخطیرة و العظیمة کیف یصحّ عدّه من المسائل الفقهیة کسائر مسائل الفقه الاُخری؟

ولکن کما قیل:

إذا لم یکن للمرء عینٌ سلیمة فلاغرو أن یرتابَ و الصبحُ مسفر

البحث الثانی:الإمامة بین أُصول الإسلام وأُصول الایمان

هل الولایة و الإمامة من الاُصول و الأرکان المقوّمةٌ لأصل الإسلام،أو أنّها من الأرکان المقوّمة للإیمان بالمعنی الأخص،وبعبارة أقرب هل هی من أصول الدین کالتوحید و النبوة أو هی من أصول المذهب.

یوجد اتجاهان فی البین:

الاتجاه الاول

یری أنّها من أرکان ومقومات الاسلام،ویستدل علی ذلک بطوائف من الروایات:

الطائفة الاولی

الروایات المتقدّمة التی تجعل الولایة رکناً یبتنی علیه الإسلامُ،فإنّهم یستظهرون من رکنیتها للاسلام،أنّها مقوّمة لحقیقته،بمعنی أنّ الإسلام من دونها ینهار وینهدم،وعلیه من لایعتقد بها ولو جهلاً فهو خارج عن ربقة الإسلام،ویحکم علیه بالکفر.

وفیه:

إننا ذکرنا فیما تقدّم أن هذه الروایات توجد فیها قرائن خارجیة وداخلیة تبین أنّ المراد

ص:209

بالإسلام فیها لیس هو الإسلام الظاهری الذی تترتب علی الخروج منه تلک الأحکام المعهودة من النجاسة وغیرها،و إنّما المراد منه الإیمان بالمعنی الأخص.

1.فالقرینة الخارجیة هی تلک الروایات التی تکتفی فی تحقق الإسلام بمجرد الشهادتین،فإنه من خلال الجمع بین هذه الروایات،وتلک نحصل علی النتیجة التی ذکرناها.

2.والقرینة الداخلیة،إنّه ورد فی بعض روایات:«بُنی الإسلام علی خمس»،کما فی ذیل صحیحة زرارة المتقدّمة, ما نصه:

أما لو أنّ رجلاً قام لیله،وصام نهاره،وتصدّق بجمیع ماله،وحجّ جمیع دهره ولم یعرف ولایة ولی الله،فیوالیه،ویکون جمیع أعماله بدلالته إلیه،ما کان له علی الله حق فی ثوابه،ولا کان من أهل الإیمان،ثم قال:أُولئک المحسن منهم یدخله الله الجنة بفضل رحمته.

فإنه صَرَّحَ:إنّ الذی لایوالی الإمام علیه السلام لایکون من أهل الإیمان،وکما هو معلوم أنّ لفظ الإیمان عندما یطلق یحمل علی معناه الخاص لامایساوی الإسلام الذی هو الإیمان بالمعنی الاُعم فإنّ ذلک یحتاج إلی قرینة،ومما یؤکّد ما نقول بل یدلّ علیه،أنّه قال:«أولئک المحسن منهم یدخله الله الجنة بفضل رحمته»،وهؤلاء طبیعی هم أهل الخلاف،لأنّ المؤمن بالمعنی الأخص یدخل الجنة بالاستحقاق الذی وعده الله إیاه،بینما أهل الخلاف لایستحقون علی الله شیء لعدم وعده إیاهم بشیءٍ،و إنّما بفضل رحمته یدخلهم الجنة لمن لم یکن معانداً،وفی قلبه ذرة من بغضهم،وإلّا فمثله لایشم رائحتها البتة فإنها محرمة علیه.

الطائفة الثانیة

الروایات التی تجعل الإیمان بالولایة و الإمامة الحدّ الفاصل بین الإیمان و الکفر مما یعنی أنها مأخوذة فی حدّ الإسلام کحدیة الشهادتین،وعلی هذا تکون من أُصول وأرکان الإسلام،وهی عمدة ما استدل به صاحب الحدائق قدس سره (1)علی کفر من لم یعتقد بولایة الأئمة علیهم السلام وهم المخالفون لمذهب الحق.

ونحن نعرض جملة من هذه الروایات،مع غض النظر عن أسانیدها؛لأنّها واصلة حدَّ الاستفاضة المفید للاطمئنان:

1.مارواه الفضیل بن یسار عن ابی جعفر الإمام الباقر علیه السلام قال

ص:210


1- (1) .الحدائق الناضرة:181/5.

إن الله عزَّ وجلَّ نصب علیاً علیه السلام علماً بینه وبین خلقه،فمن عرفه کان مؤمناً ومن أنکره کان کافراً ومن جهله کان ضالاً،ومن نصب معه شیئاً کان مشرکاً،ومن جاء بولایته دخل الجنة. (1)

2.مارواه أبی حمزة أنّه قال:

قال:سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:إنّ علیاً علیه السلام باب فتحه الله فمن دخله کان مؤمناً،ومن خرج منه کان کافراً،ومن لم یدخل فیه ولم یخرج منه کان فی الطبقة الذین قال الله تبارک وتعالی:«لی فیهم المشیئة». (2)

3.مارواه أبی سلمة عن أبی عبدالله علیه السلام أنه قال:

قال:سمعته یقول:نحن الذین فرض الله طاعتنا،لایسع الناس إلّا معرفتنا ولایعذر الناس بجهالتنا،من عرفنا کان مؤمناً ومن أنکرنا کان کافراً ومن لم یعرفنا ولم ینکرنا کان ضالّاً حتی یرجع إلی الهدی الذی افترض الله علیه من طاعتنا الواجبة فإن یمت علی ضلالته یفعل الله به ما یشاء. (3)

4.مارواه الصدوق فی عقاب الأعمال،قال

قال أبو جعفر علیه السلام:إنّ الله تعالی جعل علیاً علیه السلام علماً بینه وبین خلقه،لیس بینهم وبینه علم غیره،فمن تبعه کان مؤمناً،ومن جحده کان کافراً،ومن شکّ فیه کان مشرکاً». (4)

5.مارواه الصدوق فی المحاسن،عن الصادق علیه السلام إذ یقول:

إنّ علیاً علیه السلام باب هدی من عرفه کان مؤمناً ومن خالفه کان کافراً ومن أنکره دخل النار. (5)

6.مارواه الصدوق فی العلل،عن الباقر علیه السلام إذ یقول:

إنّ العلم الذی وضعه رسول الله صلی الله علیه و آله عند علی علیه السلام من عرفه کان مؤمناً ومن جحده کان کافراً. (6)

7.ومارواه الصدوق فی التوحید،وفی إکمال الدین واتمام النعمة عن الصادق علیه السلام إذ یقول:

ص:211


1- (1) .أصول الکافی:437/1،ح7.
2- (2) .المصدر:437/1،ح8.
3- (3) .المصدر:ج؟ص187،ح11.
4- (4) .نقلاً عن الحدائق الناضرة:182/5.
5- (5) .نقلاً عن الحدائق الناضرة:182/5.
6- (6) .نقلا عن الحدائق الناضرة:182/5.

الإمام علم بین الله عزوجل وبین خلقه من عرفه کان مؤمناً ومن أنکره کان کافراً. (1)

8.ومارواه الصدوق فی الأمالی عن النبی صلی الله علیه و آله فی قوله لحذیفة الیمانی

یا حذیفة،إنّ حجّة الله علیکم بعدی علی بن أبی طالب علیه السلام الکفر به،کفرٌ بالله سبحانه،والشرک به شرکٌ بالله سبحانه،والشک فیه شکٌّ فی الله سبحانه،والإلحاد فیه إلحاد فی الله سبحانه،والإنکار له إنکار لله تعالی،والإیمان به إیمان بالله تعالی؛لأنه أخو رسول الله صلی الله علیه و آله ووصیه و إمام امته ومولاهم.... (2)

ویردّه:أنه توجد قرائن خارجیة وداخلیة تدلّ علی أنّ المراد بالإیمان الموجود فی هذه الروایات هو الإیمان بالمعنی الأخص لا الإیمان بالمعنی الأعم المساوق للإسلام الظاهری.

1.أمّا القرانیة الخارجیة،فهی تلک الروایات التی جعلت الدخول فی الإسلام الظاهری هو عبارة عن تشهّد الشهادتین،فإنه بوجود تلک الروایات،لابدّ من أن نجمع بین الطائفتین بحمل روایات المقام علی الخروج من الإیمان بالمعنی الأخص لا الإیمان بالمعنی الأعم المساوق للإسلام الظاهری.

2.و أمّا القرائن الداخلیة،فإنّ هذه الروایات نجد فیها تفصیلاً،حیث إنّها فصّلت بین حالة الإنکار و الجحود-الذی لایکون إلّا مع العلم-وبین حالة الجهل و الحیرة و الشکّ،فحکمت فی الحالة الاُولی بالکفر،وفی الحالة الثانیة بالضلال أو دخول النار أو من المرجئین لأمر الله ومشیئته.

و هذا یکشف لنا أنّ مجرد عدم الإیمان والاعتقاد بالولایة ولو عن جهل وقصور من دون معاندة وجحود لایؤدی إلی الخروج من الإسلام الظاهری،و إنّما الذی یؤدی إلی الخروج من الإسلام و الکفر هو الجحود مع المعرفة؛لأنه یستلزم تکذیب النبی صلی الله علیه و آله و الردّ علی الله تعالی،فإنّه مثلاً من علم کون أمیر المؤمنین علیه السلام هو الإمام و الولی بعد رسول الله صلی الله علیه و آله مباشرة وبلا فصل؛ولکن علی الرغم من ذلک لم یقبل ولم یعترف،و قدّم غیره علیه،کالاول و الثانی و الثالث،فهذا معناه أنّه یردّ علی الرسول ویکذبه،وعلیه یرد علی الباری تعالی فیکون کافراً من هذه الجهة.

ص:212


1- (1) .نقلا عن الحدائق الناضرة:182/5.
2- (2) .نقلا عن الحدائق الناضرة:182/5-183.

و هذا یعنی أنّ الاعتقاد بالإمامة بذاته لیس رکناً من أرکان الإسلام کالشهادتین،وإلا للزم الحکم بکفر حتی الجاهل القاصر بإمامتهم علیهم السلام مع إنا نشاهد تلک الروایات لم تحکم بکفر الجاهل،و إنّما حکمت بضلالته وکون مستحقاً للنار وما شاکل،و هذانستفید منه خروجه-،أی:غیر المعتقد بالإمامة لجهل-من الإیمان بالمعنی الأخص،لأنّ غیر المؤمن بالمعنی الأخص لایستحق علی الله تعالی شیئاً،وبالتالی نستفید کون الاعتقاد بالإمامة بذاته حدّ فی الإیمان بالمعنی الأخص ورکن مقوم له.

الطائفة الثالثة

الروایات التی تجعل من لم یعرف إمام زمانه،بأن موتته سوف تکون موتة کفر ونفاق وجاهلیة،مما یعنی أنّ الولایة و الإمامة رکن من أرکان الإسلام،وأصل من أصول الدین یتقوّم بها الدین،و هذه الروایات من الکثرة ما بلغت حدّ الاستفاضة إن لم تکن متواترة،و قد رواها کل من الشیعة و السنّة،والیک جملة منها:

1.عن بشیر الدهّان أنه قال:

قال:قال أبو عبدالله علیه السلام:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:من مات و هو لایعرف إمامه مات میتة جاهلیة،فعلیکم بالطاعة،قد رأیتم أصحاب علی وأنتم تأتمون بمن لایعذر الناس بجهالته،لنا کرائم القرآن،ونحن أقوام افترض الله طاعتنا،ولنا الأنفال،ولنا صفو المال. (1)

2.وعن أبی الیسع عیسی بن الری أنّه قال:

قال:قال أبو عبدالله علیه السلام:إنّ الأرض لاتصلح إلّا بالإمام،ومن مات لایعرف إمامه مات میتة جاهلیة،وأحوج ما یکون أحدکم إلی معرفته إذا بلغت نفسه هذه،وأهوی بیده إلی صدره یقول:لقد کنت علی أمر حسن. (2)

3.وعن الفضیل أنه قال:

قال:سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:من مات ولیس له إمام فموتته میتة جاهلیة،ولایعذر الناس حتّی یعرفوا إمامهم.ومن مات و هو عارف لإمامه لایضره تقدّم هذا الأمر أو تأخّره،ومن مات عارفاً لإمامه کان کمن هو مع القائم فی فسطاطه. (3)

4.وعن سماعة بن مهران أنّه قال:

ص:213


1- (1) .بحار الانوار:76/23 ح 1.
2- (2) .المصدر:76/23 ح 2.
3- (3) .المصدر:77/23 ح 6.

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام رجل یتولّی علیاً ویتبرّأ من عدوّه،ویقول:کلّ شیء یقول،إلّا أنه یقول قد اختلفوا فیما بینهم وهم الأئمة القادة فلست أدری أیهم الامام؟و إذا اجتمعوا علی رجل أخذت بقوله،و قد عرفت أنّ الأمر فیهم،قال:إن مات هذا علی ذلک مات میتة جاهلیة.... (1)

5.وعن عمرو بن یزید أنّه قال:

عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام قال:سمعته یقول:من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة،إمام حی یعرفه،قلت:لم أسمع أباک یذکر هذا،یعنی إماماً حیاً،فقال:قد و الله قال ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله قال:وقال رسول الله صلی الله علیه و آله:من مات ولیس له إمام یسمع له ویطیع مات میتة جاهلیة. (2)

الی غیر ذلک من الروایات التی بمضمونها.

ویردّه:أنّ هذه الروایات علی الخلاف أدلّ؛أی:أنّها تدل علی کون الولایة و الإمامة من الأرکان المقوّمة للإیمان بالمعنی الأخص،لا أنّها من الأرکان المقوّمة و المأخوذة فی حدّ الإسلام الظاهری کالشهادتین،و هذا یتّضح من خلال ملاحظة عدة أمور:

1.إنّ هذه الروایات لم تقل:إنّ من لم یعرف إمام زمانه فهو کافر وخارج عن الإسلام،و إنّما غایة ما قالته إذا مات سوف یموت علی جاهلیة،و هذا یعنی أنّ انتقاله من الإسلام إلی الجاهلیة و الکفر إنّما یکون عند الموت،والانتقال إلی عالم الآخرة،أمّا حال حیاته فی هذه الدنیا فهو باق علی إسلامه علی الرغم من کونه لایعرف إمام زمانه،ونتیجة هذا أنّ الإمامة لیست رکناً مأخوذاً فی حدّ الإسلام الظاهری،وإلّا لقالت تلک الروایات:إنّه کافر حال الدنیا أیضاً،و هذا یعنی:أنّها رکن مأخوذ فی حدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،لأنّ المؤمن لایموت موتة جاهلیة،ویحشر یوم القیامة مع الکفار،و إنّما موتته تکون موتة علی الدین،ویحشر یوم القیامة علی الإسلام.

2.توجد مجموعة من الروایات تُصرّح أنّ الذی یموت غیر عارف لإمامه موتته تکون موتة ضلال ونفاق وما شاکل،مما یفهم منها أنّ من لم یعتقد الإمامة فهو باق علی الإسلام الظاهری،إلّا أنّه لیس بمومن،مما یعنی أنّ الولایة و الإمامة لیست رکناً مقوماً ومأخوذاً فی حدِّ الإسلام بل هو کذلک فی حدِّ الإیمان بالمعنی الأخص.

ص:214


1- (1) .المصدر:79/23 ح 13.
2- (2) .المصدر:92/23 ح 26.

و هذه الروایات هی:

1.عن الحسین بن أبی العلاء أنه قال:

قال:سألت أبا عبدالله علیه السلام عن قول رسول الله صلی الله علیه و آله:من مات لیس له إمام مات میتة جاهلیة،فقال:نعم،لو أنّ الناس تبعوا علی بن الحسین علیه السلام وترکوا عبدالملک بن مروان اهتدوا،فقلنا:من مات لایعرف إمامه مات میتة جاهلیة میتة کفر؟فقال:لا میتة ضلال. (1)

ویعلّق المجلسی فی البحار بقوله«لعلّه علیه السلام إنّما نفی الکفر؛لأن السائل توهم أنّه یجری علیه أحکام الکفر فی الدنیا،فنفی ذلک،وأثبت له الضلال عن الحق فی الدنیا...». (2)

2.«حدثنی الصادق عن علی علیه السلام قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

من مات بغیر إمام جماعة مات میتة جاهلیة»قال الحارث بن المغیرة فلقیت جعفر بن محمد صلی الله علیه و آله فقال:نعم،قلنا:فمات میتة جاهلیة؟قال:میتة کفر وضلال ونفاق. (3)

3.وعن سلیم بن قیس الهلالی أنّه قال:

عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال:قلتُ له:ما أدنی ما یکون به الرجل ضالاً؟قال:أن لایعرف من أمر الله بطاعته،وفرض ولایته،وجعله حجّة فی أرضه،وشاهده علی خلقه،قلت:فمن هم یا أمیر المؤمنین؟فقال:الذین قرنهم الله بنفسه ونبیه،فقال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ قال:فقبّلت رأسه وقلت:أوضحت لی،وفرّجت عنی وأذهبت کلّ شیء کان فی قلبی. (4)

4.وعن أبان بن تغلب أنه قال:

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام:من عرف الائمة ولم یعرف الإمام الذی فی زمانه أمؤمن هو؟قال:لا،قلت:أمسلم هو؟قال:نعم. (5)

5.وعن محمد بن تمام أنه قال

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام إنّ فلاناً مولاک یقرؤک السلام ویقول لک:اضمن لی الشفاعة،فقال:أمن موالینا؟قلت:نعم،قال:أمره أرفع من ذلک،قال:قلت:إنه رجل یوالی علیاً ولم یعرف من بعده الأوصیاء،قال:ضال،قلت:فأقر بالأئمة جمیعاً وجحد

ص:215


1- (1) .المصدر:77/23،ح3.
2- (2) .المصدر:77/23.
3- (3) .المصدر:77/23،ح5.
4- (4) .المصدر:82/23،ح21.
5- (5) .المصدر:96/23،ح2.

الاخر،قال:هو کمن أقرّ بعیسی وجحد بمحمد صلی الله علیه و آله،أو أقر بمحمد وجحد بعیسی علیه السلام نعوذ بالله مِن جحدِ حجة من حججه. (1)

الاتجاه الثانی

و هو الصحیح،أنّ الولایة و الإمامة من أرکان وأُصول الإیمان بالمعنی الأخص،وتدلّ علی هذه الحقیقة الطوائف المتقدّمة نفسها التی عرضناها من الروایات التی أدعی دلالتها علی کون الإمامة من أرکان وأُصول الإسلام.

و هذه الطوائف کما تقدّمت هی:

أ)الروایات التی تدلّ علی کون الإسلام-الذی هو فیها بمعنی الإیمان بالمعنی الأخص-قد بنی علی خمس،واحدة منها الولایة و الإمامة.

ب)الروایات التی تدلّ علی کون الإمامة هی الحدّ الفاصل بین الإیمان بالمعنی الأخص،والکفر المقابل له لا الکفر المقابل للإسلام الظاهری.

ج)الروایات التی تدلّ علی أنّ من لم یعرف إمام زمانه،سوف تکون موتته میتة جاهلیة ونفاق وضلال.

البحث الثالث:الإمامة بین ضرورات الدین وضرورات المذهب

إختلف الأعلام فی نوع ضروریة الإمامة:

أ)فمثل صاحب الحدائق ومن قبله مجموعة من المتقدّمین،ذهبوا إلی کونها من ضروریات الدین،وإلیک مجموعة من کلماتهم:

1.قال العلامة الحلی قدس سره فی شرح فص الیاقوت«أمّا دافعوا النصِّ علی أمیر المؤمنین علیه السلام بالإمامة،فقد ذهب أکثر أصحابنا إلی تکفیرهم لأنّ النص معلوم بالتواتر من دین محمد صلی الله علیه و آله فیکون ضروریاً أی معلوم من دینه ضرورة...». (2)

وقال فی المنتهی:«إن الإمامة من أرکان الدین وأصوله،و قد علم ثبوتها من النبی صلی الله علیه و آله ضرورة». (3)

ص:216


1- (1) .المصدر:97/23،ح5.
2- (2) .نقلاً عن الحدائق الناضرة:175/5.
3- (3) .نقلا عن الحدائق الناضرة:175/5-176.

2.وقال المولی صالح المازندرانی فی شرح أصول الکافی:«ومن أنکرها-یعنی الولایة-فهو کافر حیث أنکر أعظم ما جاء به الرسول وأصلاً من أصوله». (1)

3.وقال الشریف القاضی نور الله فی کتابه إحقاق الحق:«...إلّا أنهما من الکافرین نظراً إلی جحودهما ما علم من الدین ولیکن منه بل من أعظم أصوله إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام». (2)

4.وکذلک صاحب الحدائق قدس سره الشیخ یوسف البحرانی،فانه استشهد بکلام من تقدّم ذکره،مما یعنی:قبوله إیاه. (3)

ب)بینما ذهب آخرون-ولعله هو المعروف المشهور فی العصور المتأخرة-إلی کونها من ضرورات المذهب،فیقول السید الخوئی قدس سره:«نعم الولایة بمعنی الخلافة من ضروریات المذهب لا من ضروریات الدین». (4)

أی القولین هو الصحیح؟

إذا أردنا أن نحاکم الاتجاهین علی وفق الضوابط التی ذکروها لضروری الدین وضروری المذهب،فالحقّ مع الاتجاه الثانی الذی یری کون الإمامة و الولایة من ضرورات المذهب،إذ إنّک بأی معنی أخذت ضروری الدین أو المذهب من المعانی الأربعة المتقدّمة سوف ینتج أن الإمامة من ضرورات المذهب:

1.فإذا قلت:إنّ ضروری الدین و المذهب هما بنفس معنی الضروری و البدیهی المنطقی،سوف تکون الإمامة من ضرورات المذهب؛لأن إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام و الأئمة من بعده لم تثبت عند کلّ طوائف المسلمین بالتواتر،و إنّما هی ثابتة کذلک فقط عند مذهب الإمامیة الشیعة،فتکون من ضروری المذهب.

2.و إذا قلت:إنّ ضروری الدین أو المذهب ما کان دلیله واضحاً عند علماء الإسلام کلهم أو عند علماء مذهب خاص،کذلک سوف تکون النتیجة؛لأن دلیل إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام لم یکن واضحاً عند کلّ علماء المسلمین،بل هو واضح عند علماء مذهب الإمامیة فقط.

ص:217


1- (1) .المصدر:176/5.
2- (2) .المصدر:176/5.
3- (3) .المصدر:176/5.
4- (4) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:80/3.

3.واذا أخذت ضروری الدین أو المذهب بمعنی ما کان ثابتاً بالدلیل الیقینی سواءَ الضروری أو النظری،فسوف لاتکون النتیجة مختلفة عما سبق؛لأن سائر طوائف المسلمین غیر الإمامیة لم یعترفوا بوجود دلیل یقینی علی إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام.

4.و إذا أخذت ضروری الدین أو المذهب،بمعنی ما کان واضحاً عند کلّ المسلمین أو عند مذهب خاصّ،فسوف تکون الإمامة للأئمة الاثنی عشر علیهم السلام من ضرورات المذهب لا الدین؛لأنّ إمامتهم لم تتضح عند سائر المسلمین بل هی واضحة عند أبناء الطائفة الإمامیة فقط.

بینما:إذا أردنا أن نسیر علی وفق الضابطة التی ذکرناها لضروری الدین وضروری المذهب،فسوف یختلف الأمر،إذ سوف یکون الحق مع الاتجاه الاول،وسوف تکون الإمامة و الولایة من ضروریات الدین لا المذهب،والسبب فی ذلک:أننا قلنا إنّ ضروری الدین هو ذلک الأمر الذی یحتاجه الدین حاجة شدیدة،ومعنی ذلک انحصاره فی قسمین رئیسین هما:

1.ما کان من الأرکان المقوّمة لأصل الدین.

2.ما کان من أجزائه الأساسیة.

و إذا أتینا للإمامة وجدنا أن الروایات تجعلها من الأجزاء الأساسیة للدین،و هذا یعنی أنّها أصبحت من ضروریات الدین.

و إذا قلتَ:إنّ هذه الروایات جعلت الإمامة من أرکان وأصول الإیمان بالمعنی الأخص،فتکون من ضرورات المذهب لا من ضرورات الدین.

قلت:ذکرنا فیما سبق إنّ کلّ الأرکان المقوّمة لحقیقة الإیمان بالمعنی الأخص-والتی هی ضرورات المذهب من القسم الأول-هی داخلة تحت ضرورات الدین من القسم الثانی،ومع هذا سوف تکون کل ضرورات المذهب من القسم الأول هی من ضرورات الدین؛ولذا تکون الإمامة من ضرورات الدین.

2.الإقرار بأنّ الله تعالی عادلٌ لایظلم ولایفعل القبیح

ذکر کثیر من الإعلام أنّ الإیمان بالعدل من الاُصول المأخوذة فی حَدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،ومن ثم أعتبروه من أُصول مذهب الإمامیة لامن أُصول الإسلام.

1.یقول الشیخ الطوسی قدس سره«و هو مرکب-أی:الإیمان-علی خمسة أرکان،من عرفها

ص:218

فهو مؤمن،ومن جهلها کان کافراً،وهی:التوحید،والعدل،والنبوة،والإمامة،والمعاد» (1)بناءاً علی کون المقصود من الإیمان هنا مایقابل الإسلام.

2.ویقول الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره«المقصد الثالث:فی الإیمان ویتحقّق بإضافة إعتقاد العدل و الإمامة مع الأصول الثلاثة الإسلامیة،فلاتصح عبادة غیر الإمامی من فرق المسلمین». (2)

3.ولکن الامام محمد حسین آل کاشف الغطاء قدس سره،یقول«العدل:ویراد به:الاعتقاد بأنّ الله سبحانه لایظلم أحداً،ولایفعل ما یستقبحه العقل السلیم.ولیس هذا فی الحقیقة أصلاً مستقلاً،بل هو مندرج فی نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم بجامعیته لصفات الجمال و الکمال،فهو شأن من شؤون التوحید،ولکنّ الأشاعرة لما خالفوا العدلیة،وهم المعتزلة و الإمامیة،فأنکروا الحسن و القبح العقلیین،وقالوا:لیس الحَسن إلّا ما حسّنه الشرع،ولیس القبیح إلّا ماقبّحه الشرع،وأنّه تعالی لو خلّد المطیع فی جهنم و العاصی فی الجنة،لم یکن قبیحاً،لأنّه یتصرف فی ملکه«لایسئل عما یفعل وهم یسئلون» (3)،حتی إنّهم أثبتوا وجوب معرفة الصانع،ووجوب النظر فی المعجزة لمعرفة النبی صلی الله علیه و آله من طریق السمع و الشرع لا من طریق العقل،لأنّه ساقط عن منصّة الحکم،فوقعوا فی الاستحالة و الدور الواضح.

أما العدلیة فقالوا:إنّ الحاکم فی تلک النظریات هو العقل مستقلاً،ولا سبیل لحکم الشرع فیها إلّا تأکیداً وإرشاداً،والعقل یستقل بحسن بعض الأفعال وقبح قبح بعضها،ویحکم بأنّ القبیح محال علی الله تعالی لأنّه حکیم،وفعل القبیح مناف للحکمة،وتعذیب المطیع ظلم،والظلم قبیح،و هو لایقع منه تعالی.

وبهذا أثبتوا لله صفة العدل،وأفردوها بالذکر من دون سائر الصفات إشارة إلی خلاف الاشاعرة،مع أنّ الأشاعرة فی الحقیقة لاینکرون کونه تعالی عادلاً،غایته:أنّ العدل عندهم هو ما یفعله،وکلّ ما یفعله فهو حسن،نعم،أنکروا ما أثبته المعتزلة و الإمامیة من حکومة العقل،وإدراکه للحسن و القبح علی الحقّ(جلّ شأنه)،زاعمین أنّه لیس للعقل وظیفة الحکم بأنّ هذا حسن من الله و هذا قبیح منه». (4)

ص:219


1- (1) .رسالة فی الاعتقادات،مطبوعة ضمن کتاب عشر رسائل لشیخ الطائفة:103.
2- (2) .کشف الغطاء:292/1.
3- (3) .الأنبیاء:21-23.
4- (4) .أصل الشیعة وأصولها:229-230.

ومن هذا الکلام:سوف نفهم أمرین:

1.أنّ العدل لایعدّ أصلاً من أُصول الدین برأسه،و إنّما هو شأن من شؤون التوحید.

2.أنّ العدل لایعد أصلاً ورکناً مقوماً للإیمان بالمعنی الأخص،حیث یکون مأخوذاً فی حدّ مذهب الإمامیة،کحدّیة الشهادتین للإسلام،حیث یقال:إنّ الذی لم تتحقق منه الشهادتین،ولو عن جهل وقصور یکون کافراً غیر مسلم کذلک من لم یعتقد بالعدل ولو عن جهل وقصور.

وذلک لسببین:

1.إنّ الروایات التی ذکرناها فیما تقدّم لم تعدّ فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص أکثر من الاعتقاد بولایة و إمامة الأئمة الأطهار علیهم السلام،وکونهم مفترضی الطاعة.

2.إنّ کثیراً ممن هو یعتقد بولایة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام ممن یجهل بهذه القضیة،سیما سکان القری والاریاف و البوادی و الصحاری،وکبار السنِّ ممن لم یتعلّموا القراءة و الکتابة،ولم یعیشوا فی الحواضر الإسلامیة،ولم یتربوا تربیة إسلامیة،فهل یمکن الالتزام بإخراج هؤلاء عن حدّ المذهب الإمامی؟إذ لازم أخذ الإیمان بالعدل کحدٍّ مستقلٍ فی مذهب الإمامیة هو هذا.

و إذا قیل:إنّه حتی هؤلاء فی قضیة العدل،و إنّ الباری تعالی لایظلم ولایفعل القبیح،أمر مرتکز فی نفوسهم لکنّهم قد لایعرفون أصطلاحاته،وما دام الأمر کذلک فهم إجمالاً یعتقدون به،ولهذا بمجرد أن تقول لهم:إنّ الربّ الذی تعبدون-حاشا لله-هو ربّ ظالم یفعل القبیح،تراهم سرعان ما یردّوا علیک ویستنکرون منک ذلک الکلام.

قلت:سلمنا ذلک فی الکثیر منهم،لکن یبقی ما هو الدلیل علی أخذ الاعتقاد بالعدل کرکن مستقل فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،فإن مجرّد ارتکاز الاعتقاد بالعدل فی أذهان المسلمین لا یعنی أنّه رکن مقوّم لحقیقة الإیمان بالمعنی الأخص،فکثیر من الاُمور مرتکزه ولم تؤخذ کرکن وحدّ.

3.الإقرار بالمعاد الجسمانی
اشارة

صرح باعتبار حدّیته فی الإیمان بالمعنی الأخص مجموعة من العلماء،کالشیخ الطوسی فیما تقدّم من عبارته فی رسالة الاعتقادات،بناءاً علی کون المراد من الإیمان فی کلامه هو

ص:220

الإیمان بالمعنی الأخص لا الإسلام الظاهری, و الشهید الثانی قدس سره فی رسالة حقیقة الإیمان،فإنّه ذکر هناک:أنّ أصول وأرکان الإیمان خمسة وعد خامسها المعاد الجسمانی،فقال:«الاصل الخامس:المعاد الجسمانی،اتفق المسلمون قاطبة علی إثباته.وذهب الفلاسفة إلی نفیه وقالوا:بالروحانی.

والمراد من الأول:إعادة البدن بعد فنائه إلی ما کان علیه قبله لنفع دائم أو ضرر دائم،أو منقطع یتعلقّان به....وحیث تبین بما ذکرنا أنّ المعاد البدنی من ضروریات الدین،وجب علی کلّ مکلّف التصدیق والایمان به،وإلّا خرج عن ربقة الإیمان وضلّ فی تیه الکفر و الطغیان،نعوذ بالله...

و أما عذاب القبر-نعوذ بالله منه-وما یتبع المعاد مما دلّ علیه السمع أیضاً کالحساب،والصراط،والمیزان،وتطایر الکتب،ودوام عقاب الکافرین فی النار،ودوام نعیم المؤمن فی الجنة،فلاریب أنّه یجب التصدیق بهما إجمالاً،لاتفاق الاُمة علیها،وتواتر السمع المتواتر،فمنکرها یخرج عن الإیمان.

أمّا التصدیق بتفاصیلها ککون الحساب علی صفة کذا و الصراط علی صفة کذا،والمیزان هل هو میزان حقیقة أم کنایة عن العدل؟إلی غیر ذلک من التفاصیل التی طریقها الآحاد،فالظاهر أن الجهل بها غیر مخلٍّ بالإیمان،وکذا کون جهنم-نعوذ بالله منها-تحت الأرض،وکون الجنة فوق السماء». (1)

التعلیق علی کلام الشهید الثانی

ویمکن أن یلاحظ علی کلامه:

1.إننا إمّا أن نعتبر الإقرار بالمعاد الجسمانی مأخوذ فی حدّ الإسلام الظاهری کالشهادتین فتکون أُصول الإسلام ثلاثة(التوحید،والنبوة،والمعاد الجسمانی)،کما ذهب إلی ذلک مجموعة من الأعلام،وعلی هذا فلاشکّ فی کون الاعتقاد بالمعاد الجسمانی من مقومات وأرکان الإیمان بالمعنی الأخص،إذ من الواضح أن أرکان الإسلام الأساسیة هی کذلک أرکان للإیمان ومقوماته،فعند انهدام أی واحد منها ینهدم الإیمان.

و أما أن لانعدّ أن الإقرار بالمعاد الجسمانی مأخوذ فی حدّ الإسلام الظاهری،و إنّما

ص:221


1- (1) .رسالة حقیقة الایمان:413-417،مطبوعة ضمن کتاب المصنفات الأربعة من سلسلة مؤلفات الشهید الثانی/11.

حدوده فقط الشهادتین(التوحید و النبوة)أما هو أی:المعاد الجسمانی فیجب الاعتقاد به لأنّه من أبده ما اشتملت علیه الرسالة،کما ذهب إلی ذلک السید الشهید الصدر قدس سره ونقلنا کلامه فیما تقدم،وعلی هذا الرأی سوف یکون المعاد الجسمانی من ضروریات الدین،ولایوجد دلیل یدل علی کون الإقرار بضروریات الدین مأخوذاً فی حدّ الإسلام حیث تکون حدود الإسلام ثلاثة:(التوحید،النبوة،الإقرار بضروریات الدین)حتی یکون غیر المقر بالمعاد الجسمانی،غیر متحقق فی حقه الرکن الثالث،ولذا لایکون مسلماً؛ونتیجة لذلک یخرج من الإیمان،لأنّ من لم یکن مسلماً لاشکّ فی خروجه عن الإیمان أیضاً.

کیف؟ولازم أخذ الإقرار بضروریات الدین کلّها فی حدّ الإسلام،خروج أکثر المسلمین عن دائرة الإسلام،فإنّ کثیراً منهم مما یجهل أبسط أمور دینه فما بالک ببعض الضروریات،وکما هو معلوم الجاهل غیر متحقق منه الإقرار،ولایمکن الالتزام بذلک.

وحیث تقدّم فیما سبق أنّ الرأی الصحیح بحسب الأدلة هو الرأی الثانی-أی:أن الإقرار بالمعاد الجسمانی غیر مأخوذ فی حدّ الإسلام-فلا یکون عدم الإقرار به ولو لجهل هادماً للإیمان بالمعنی الأخص.

نعم،من أنکره بعد العلم بثبوته فی الرسالة فهذا سوف یؤدی إلی تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة،وعلیه یکون خارجاً عن الإسلام لانهدام الرکن الثانی من أرکان الاسلام،ومن الواضح أنّ من خرج عن الإسلام خرج عن الإیمان بالمعنی الأخص.

2.وعلی الرأی الثانی الذی یقول:إنّ الإقرار بالمعاد غیر مأخوذ فی حدّ الاسلام،یسأل هنا:

ما هو الدلیل علی أخذه؟أی:المعاد الجسمانی فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،حتی یکون عدم الإقرار به ولو عن جهل قصوری،مخرجاً للإنسان عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،فان الشهید الثانی قدس سره لم یذکر دلیلاً من آیة أو روایة علی ذلک.

وقضیة کونه من ضروریات الدین،لاتدلّ علی المدّعی،لأنّ الإقرار بضروریات الدین لیست مأخوذة بذاتها کحدّ فی الإسلام کالشهادتین،کما تقدّم ذلک،کما لم یدل دلیل علی أخذ ضروریات الدین فی حدّ ذاتها فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،کما هو الحال فی الإمامة و الولایة.

3.و أمّا ما ذکره أخیراً من قضیة الإیمان إجمالاً بالحساب،والصراط،والمیزان،وتطایر الکتب،ودوام عقاب الکافرین فی النار،ودوام نعیم المؤمن فی الجنة،و أنّ منکرها یخرج عن الإیمان.

فالظاهر من کلامه أنّه یدخلها تحت ضروریات الدین؛لأنّه قال:«إنّ الاُمة متّفقة علیها

ص:222

وثابتة بالتواتر»والظاهر من کلامه أیضاً أنّه یری أنّ إنکار الضروری بذاته یکون سبباً مستقلاً لتحقق الکفر،والخروج عن الإسلام،ویتبع ذلک الخروج عن الإیمان.

ویلاحظ علیه هنا أیضاً:

أ)أنّه لو سُلّم کون کلّ هذه الاُمور من ضروریات الدین،فسوف یرجع البحث إلی ما تقدّم،وأن إنکار ضروری الدین هل یکون بذاته سبباً مستقلاً للکفر أو أنّه یؤدی إلی الکفر إذا لزم من إنکاره إنکار الرسالة أو التوحید؟وحیث قلنا فیما سبق:إنّ الصحیح هو الثانی،فلایکون إنکارها وعدم الإقرار بها بذاته مأخوذاً فی حدّ الإسلام،وعلیه لایکون مأخوذاً فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص.

ب)أنّ قضیة التسلیم بکون هذه الاُمور من ضروریات الدین،یرجع إلی اختیار الضابطة الموضوعیة لملاک ضروری الدین،وواضح أنّ الاُمور المذکورة علی بعض الضوابط المتقدّمة لاتکون من ضروریات الدین،فلو أخذنا مثلاً بالضابطة التی تقول:إنّ الضروری الدینی ما کان واضحاً عند کل أفراد المسلمین بحیث لایجهله أحدٌ منهم.سوف تکون بعض المذکورات خارجة عن الحدّ،اذ کثیر من المسلمین یجهل أبسط أمور دینه،فضلاً عن قضیة تطایر الکتب،وأن الکفار مخلّدون فی النار،أو غیر مخلّدین.

الاستدلال علی أخذ الإقرار بالمعاد فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص

وبالرغم من کلّ ذلک یمکننا أن نقیم دلیلاً قرآنیاً علی أخذ الإقرار بالمعاد فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص؛فإنّ القرآن الکریم وصف الذین لایؤمنون بالآخرة و المعاد،أو الذین یکذّبون بها،بأوصاف لاتنسجم مع تحقق الإیمان فیهم وکونهم داخلین فی إطاره فی الحیاة الدنیا،فإنّ کلّ إنسان سلیم الذوق و الفطرة،عندما یلاحظ مجموع هذه الأوصاف التی وصفهم الله تعالی بها،یحصل له الاطمئنان بخروجهم عن دائرة الإیمان فی دار الدنیا،فمثلاً:

1.جعل القرآن قضیة عدم الإیمان بالآخرة من أبرز ما أتصف به الکفار،کما فی قوله تعالی: زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَنْ یُبْعَثُوا قُلْ بَلی وَ رَبِّی لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ . (1)

2.وصف الذین لایؤمنون بالآخرة بأنّهم فی العذاب و الضلال البعید،کما فی قوله تعالی:

ص:223


1- (1) .التغابن:7.

أَفْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِی الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِیدِ . (1)

3.وصفهم بأنّ أعمالهم قد حبطت،کما فی قوله تعالی: وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاّ ما کانُوا یَعْمَلُونَ . (2)

4.وعدهم بالعذاب الألیم،کما فی قوله تعالی: وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً . (3)

5.وصفهم بأنهم الأخسرون،کما فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ* أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ . (4)

6.وصفهم بعدم الهدایة،کما فی قوله تعالی: وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ کَأَنْ لَمْ یَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ یَتَعارَفُونَ بَیْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ وَ ما کانُوا مُهْتَدِینَ . (5)

7.وصفهم بالطغیان،کما فی قوله تعالی: فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ . (6)

8.وصف المکذّب بالآخرة بأنّه معتدٍ أثیم،کما فی قوله تعالی: وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ* اَلَّذِینَ یُکَذِّبُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ* وَ ما یُکَذِّبُ بِهِ إِلاّ کُلُّ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ . (7)

9.مخاطبة الذین آمنوا بعدم تولّی من یئس من الآخرة ولم یصّدق بها،کما فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ کَما یَئِسَ الْکُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ . (8)

10.استعاذة نبی الله موسی علیه السلام ممن لایؤمنون بالآخرة،کما فی قوله تعالی: وَ قالَ مُوسی إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ . (9)

نعم،هذا الدلیل لایثبت إلّا أخذ أصل الإقرار بالمعاد فی حَدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،

ص:224


1- (1) .سبأ:8.
2- (2) .الأعراف:147.
3- (3) .الإسراء:10.
4- (4) .النمل:4و5.
5- (5) .یونس:45.
6- (6) .یونس:11.
7- (7) .المطفِّفین:10-11-12.
8- (8) .الممتحنة:13.
9- (9) .غافر:27.

أمّا قضیة کونه مَعاداً بصفة الجسمانیة؛فلایثبته هذا الدلیل،إذ کل هذه الآیات ناظرة إلی أصل الآخرة و المعاد فقط.

ومن هنا تبقی قضیة أخذ صفة الجسمانیة للمعاد-سواءً جسمانیة عین الجسم الذی فی الدنیا أو مثله لا عینه-کحدّ فی الإیمان بالمعنی الأخص مرهونة بأمرین:

1.تمامیة ما أدعی من قیام الإجماع علی ذلک.

2.تمامیة ما أدّعی من أن کثیراً من الظواهر القرآنیة و الروائیة،قد أکدت علی المعاد الجسمانی،ولو أحصیت الآیات و الروایات من ذلک لبلغت المئات،ویستبعد ان أمراً کهذا غیر داخل فی حدِّ الإیمان.

فإن تمّت هاتان الدعوتان،أصبح أخذ المعاد بصفة کونه جسمانیاً فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص أمراً تاماً،و إن لم تتم،فلایکون إلّا أصل الإقرار بالمعاد مأخوذاً فی حد الإیمان بالمعنی الأخص.

والخلاصة

إنّ ما ثبت بالدلیل أخذه فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،وکأرکان للمذهب الإمامی مقومة له،هی هذه الامور:

1.الإقرار بالتوحید،وأن الله تعالی واحد لا شریک له.

2.الإقرار بالرسالة للرسول صلی الله علیه و آله و التصدیق بما جاء به علی نحو الإجمال.

3.الإقرار بإمامة وولایة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام،وکونهم مفترضی الطاعة.

4.البراءة من أعدائهم علی نحو الإجمال.

5.الإقرار بأصل المعاد و الآخرة.

وکلٌّ ما هو غیر ذلک غیرداخل فی حَدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،فإذا لم یقرّ به الإنسان عن جهل فلاضیر فی حقّه،و إن لم یقرّبه عن علم بثبوته-الجاحد-فسوف یلزم من إنکاره هذا إنکار أصل الإمامة و الولایة للأئمة علیهم السلام،وعدم التصدیق بکلّ ما جاء عنهم؛ولهذا السبب یکون خارجاً عن حدٍّ الإیمان بالمعنی الأخص،ودائرة المذهب الإمامی.

البحث الرابع:التعرّض لبعض التفریعات
اشارة

لابأس أن نعرض لبعض الفروع المرتبطة بإنکار أرکان وأصول الإیمان بالمعنی الأخص،أو ضرورات المذهب من القسم الاول:

ص:225

الفرع الاول:هل یکفی فی دخول الإنسان فی دائرة الإیمان بالمعنی الأخص،الإقرار القلبی بأرکانه المتقدّمة فقط ولایحتاج إلی الإقرار اللسانی،أو أنّه یحتاج أیضاً إلی الإقرار اللسانی؟ثمّ ما هو حکم من أقرّ لساناً وأنکر قلباً؟فهل حکمه هنا هو کما تقدّم فی الإسلام الظاهری أو أنّ الأمر مختلف؟

والجواب:إنّ هذا الفرع تنطوی تحته ثلاثة فروع:

1.الإقرار بأرکان الإیمان المتقدّمة لساناً وقلباً،و هذا لاشکّ فی دخول الإنسان به تحت دائرة الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی.

2.الإقرار بها قلباً لا لساناً،و هذا لاشکّ فی دخوله أیضاً تحت دائرة الإیمان بالمعنی الأخص،لأنّ الأدلة المتقدّمة التی ذکرناها لاعتبار هذه الاُمور،لم تدلّ علی أکثر من الإقرار والاعتقاد القلبی،فلم یذکر فی أی واحد منها قضیة الإقرار اللسانی.

3.و هذا هو المهم،الإقرار بهذه الأرکان لساناً لا قلباً،وفیه صور عدة:

أ)فتارة لایقرّ بها لساناً مع علمنا بعدم إقراره واعتقاده بها قلباً،ومثله لاشکّ فی عدم دخوله تحت دائرة الإیمان بالمعنی الأخص،إذ أدلة تلک الأرکان أخذ فیها علی نحو الموضوعیة قضیة الإقرار القلبی،فمثلاً روایات«بنی الإسلام»-الذی هو یعنی الإیمان فی هذه الروایات کما تقدّم-علی خمس وعدّ منها الولایة،ظاهرة فی اعتبار الإقرار والاعتقاد القلبی،وإلّا من البعید أن یبنی الإسلام علی رکن هو مجرد لقلقة لسان لا أکثر،وکذلک الروایات التی تقول:«من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة»،اذ واضح أنّ المراد من معرفة الإمام لیست هی مجرد المعرفة بکونه فلان بن فلان من دون الإعتقاد به قلباً.

ب)وتارة أخری لایقرّ بها لساناً ولکن لانعلم انه یقرّ بها قلباً أولا،فنشکّ فی ذلک.

و هذا قد قیل:أیضاً بعدم دخوله تحت دائرة الإیمان بالمعنی الأخص؛لأنّ شرط الدخول هو الإقرار القلبی بأرکان الایمان،وکما قیل:المشروط عدم عند عدم إحراز شرطه.

ولکن الصحیح:هو الحکم بدخوله تحت دائرة الإیمان بالمعنی الأخص؛لأنّ أکثر الناس ممن یقر بهذه الارکان ظاهراً ولساناً،لانعلم حاله قلباً،فنحن لسنا فی أعماق قلبه حتی نعلم الغیب،فلو اعتبرنا العلم بالإقرار القلبی فی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص للزم الحکم بخروج أغلب الشیعة عن دائرة المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص،و هو أمر واضح البطلان.

الفرع الثانی:لایفّرق فی الحکم بخروج من أنکر ضروریاً من ضروریات المذهب من

ص:226

القسم الأول-الأرکان المقوّمة-بین من کان عالماً بثبوته ورکنیته أو لم یعلم بذلک،کان جهله عن قصور أو تقصیر لغفلة أو لنسیان أو لشبهة،فإنّه فی کلّ ذلک یکون بإنکاره قد خرج عن دائرة الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی،إذ کما قلنا یعتبر فی الدخول فی دائرة المذهب الإمامی،والإیمان بالمعنی الأخص الإقرار بأرکانه المقوّمة له:(الولایة و الإمامة،والبرائة من أعدائهم إجمالاً،والمعاد)؛فإنّ هذه الاُمور حدود مستقلّة مقوِّمة له،فبإنکارها وعدم الإقرار بها لأی سبب کان،یکون الإنسان غیر متوافر فی حقّه حدود الإیمان و المذهب،فلایکون داخلاً فیه.

الفرع الثالث:من أنکر ضروری المذهب من القسم الأول کالإمامة عن غضب وعصبیة،تأتی فیه نفس التشقیقات التی ذکرناها فی إنکار ضروری الدین عن عصبیة،والنتیجة هنا هی نفس النتیجة هناک.

الفرع الرابع:من أنکر ضروریاً من ضروریات المذهب من القسم الأول عن إکراه أو تقیة،یأتی فیه نفس ما تقدّم فی إنکار ضروری الدین عن إکراه وتقیة،والنتیجة هنا هی نفس النتیجة هناک.نعم،فی قضیة البراءة من أمیر المؤمنین علیه السلام،قد یقال بخروجها عن دائرة التقیة استناداً إلی بعض الروایات،وسیأتی بحث ذلک.

قضیة البراءة من أمیر المؤمنین علیه السلام

جاء فی بعض الروایات المنع من شمول التقیة فی مورد البراءة من أمیر المؤمنین علیه السلام ووجدت فی قبالها روایات أخری تلزم بإستعمال التقیة فی صور البراءة منه علیه السلام،وثالثة ظاهرة فی التخییر فی استعمال التقیة فی هذا المورد وعدمه.

ومن هنا لابدّ من عرض هذه الطوائف الثلاث لنری النتیجة التی ننتهی إلیها؟:

الطائفة الاولی

وهی التی تمنع من استعمال التقیة فی مورد البراءة من أمیر المؤمنین علیه السلام حیث تکون التقیة محرّمة،وغیر جائزة فی هذا المورد:

1.ما فی نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین علیه السلام

أما أنه سیظهر علیکم بعدی رجل رحب البلعوم،مندحق البطن،یأکل ما یجد،ویطلب ما لایجد،فاقتلوه،ولن تقتلوه،ألا وإنّه سیأمرکم بسبی و البراءة منی،فأمّا السب

ص:227

فسبونی فإنّه لی زکاة ولکم نجاة،و أما البراءة فلاتبرؤا-(تتبروا)منی،فإنی ولدت علی الفطرة،وسبقت إلی الإیمان و الهجرة. (1)

2.مارواه الحسن بن عبدالله بن محمد بن العباس الرازی التمیمی حیث قال:

عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال:إنّکم ستعرضون علی البراءة منی،فلاتبرؤا منی فإنی علی دین محمد صلی الله علیه و آله. (2)

3.مارواه بکر بن مسلم،عن محمد بن میمون،عن جعفر بن محمد،عن أبیه،عن جده علیهم السلام

قال:قال أمیر المؤمنین علیه السلام:ستدعون إلی سبّی فسبّونی،وتُدعون إلی البراءة فمدّوا الرقاب فإنّی علی الفطرة. (3)

4.مارواه إسماعیل بن علی الدعبلی،عن علی بن علی أخی دعبل بن علی الخزاعی،«عن علی بن موسی الرضا،عن أبیه عن آبائه،عن علی بن أبی طالب علیهم السلام أنّه قال:

إنّکم ستعرضون علی سبّی فإن خفتم علی أنفسکم فسبونی،ألا وإنّکم ستعرضون علی البراءة منّی فلاتفعلوا فإنّی علی الفطرة. (4)

5.مارواه الشیخ المفید قدس سره فی الإرشاد حیث قال:

استفاض عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال:ستعرضون من بعدی علی سبی فسبونی،فمن عرض علیه البراءة منی فلیمدد عنقه،فإن برئ منی فلادنیا له ولا آخرة. (5)

دلالة وسند هذه الروایات:

1.أمّا دلالتها:فهی تامة علی المدّعی،إذ هی تنهی عن البراءة،والنهی کما هو معلوم ظاهر فی الحرمة.

و أمّا ما أفاده السید الخوئی قدس سره من

أنه هل یستفاد من تلک الروایات المستفیضة وجوب إختیار القتل وعدم جواز التبری وإظهاره باللسان للصیانة عن القتل،أو أنّه لایستفاد منها ذلک؟

الثانی هو الصحیح،وذلک لعدم دلالتها علی تعین اختیار القتل حینئذٍ،لأنّها إنّما وردت فی مقام توهّم الحظر،لأنّ تعریض النفس علی القتل حرام،وبهذه القرینة یکون

ص:228


1- (1) .وسائل الشیعة،باب 29 من أبواب الامر بالمعروف،ح10.
2- (2) .المصدر،ح21.
3- (3) .المصدر،ح8.
4- (4) .المصدر،ح9.
5- (5) .الارشاد فی معرفة حجج الله علی العباد:322/1.

الأمر بمدِّ الاُعناق واختیار القتل ظاهراً فی الجواز دون الوجوب،وعلیه فالأخبار إنّما تدلنا علی الجواز فی کلّ من التقیة بإظهار التبرّی منه علیه السلام باللسان وترکها باختیار القتل ومد الاعناق». (1)

فمدفوع:

أ)کونه خلاف الظاهر العرفی من الروایات.

ب)عدم انسجامه مع ما ذکر فی روایة الإرشاد:إذ قال فیها علیه السلام:

فإنّ برئ منی فلادنیا له ولا آخرة.

إذ لو کان الأمر بالبراءة لیس أمراً وجوبیاً،وکانت البراءة جائزة،فکیف یکون لادنیا له ولا آخرة.

2.و أما سنداً:فتارة یقال:بأنّها بالغة حدَّ الاستفاضة-کما ذکر ذلک الشیخ المفید و السید الخوئی-وعلی هذا لاحاجة للبحث فی أسانیدها،فإن الاستفاضة مما تفید الاطمئنان الذی هوحجّة بالسیرة العقلائیة،وتارة أُخری لایقال باستفاضتها-کماهو الصحیح-فإنّ هذه الروایات لاتتجاوز الخمس،و هذا العدد لیس مما وصل إلی حد الاستفاضة،وعلیه لابدّ من ملاحظة سند کلّ واحدة من هذه الروایات:

أ)أمّا الأولی:فهی مرسلة؛لأنّ الرضی قدس سره لم یذکر أسانیده إلی الامام علیه السلام.

ب)و أما الثانیة:فهی ضعیفة لجهالة الحسن بن عبدالله بن محمد بن العباس الرازی التمیمی.

ج)و أما الثالثة:فهی کذلک ضعیفة لجهالة بکربن مسلم،وعدم توثیق محمد بن میمون.

د)و أما الرابعة:فهی کذلک ضعیفة من جهة إسماعیل بن علی الدعبلی،فإنّه لم یوثق مضافاً إلی الطعن فیه من جهة النجاشی و الشیخ الطوسی.

ه)و أما الرابعة:فهی مرسلة،إذ الشیخ المفید ذکرها دون أن یذکر الطریق للإمام علیه السلام.

والنتیجة:إن هذه الطائفة من الروایات و إن کانت تامة الدلالة،إلّا أنّ أسانیدها غیر تامة.

الطائفة الثانیة

ما دلّ علی وجوب التقیة فی مورد البراءة:

1.روایة مسعدة بن صدقة:

ص:229


1- (1) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:229/5.

قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام:إنّ الناس یروون أنّ علیاً علیه السلام قال علی منبر الکوفة:أیها الناسُ إنکم ستدعون إلی سبی فسبونی ثمّ تدعون إلی البراءة منی فلاتبرؤا منی،فقال:ما أکثر ما یکذب الناس علی علی علیه السلام ثمّ قال:إنّما قال:إنکم ستدعون إلی سبی فسبونی،ثم تدعون إلی البراءة منی،وإنی لعلی دین محمد صلی الله علیه و آله ولم یقل ولاتبرؤا منی،فقال له سائل:أرأیت إن اختار القتل دون البراءة؟فقال:والله،ما ذلک علیه وما له إلّا ما مضی علیه عمار بن یاسر،حیث أکرهه اهل مکّة وقلبه مطمئن بالإیمان،فأنزل الله(عزوجل)فیه إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ ،فقال له النبی صلی الله علیه و آله عندها:یا عمار،إن عادوا،فعد،فقد أنزل الله عذرک وأمرک أن تعود إن عادوا. (1)

وفیه:ان دلالة الروایة علی لزوم التقیة فی مورد البراءة من الأمیر علیه السلام لیست واضحة،إذ قوله علیه السلام:«والله،ما ذلک علیه وماله الا ما مضی علیه عمار بن یاسر»غیر ظاهر فی لزوم التقیة اذ کما یحتمل منه أنه لیس له طریق إلا طریق عمار بن یاسر،فیستفاد لزوم التقیة و التبری،کذلک یحتمل منه أن طریق القتل غیر متعین علیه وله أن یختار طریق عمار بن یاسر،وممّا یقرّب هذا الاحتمال أنّ التقیة لم تکن لازمة ومتعینة علی عمار وأبویه ولهذا نجد أنّ أبواه اختارا القتل وعدم استعمال التقیة،بینما هو اختار التقیة و النجاة من القتل بإظهار الکفر.

وکذلک الکلام فی سندها فإنّ مسعدة بن صدقة کما تقدّم منّا فی مباحث متقدّمة لم یوثق،إلّا بناءاً علی کبری وثاقة من وقع فی تفسیر القمی،أو کامل الزیارات،حیث إنّه وقع فی أسانیدهما،لکنّا لانقبل هذین المبنیین،وبالتالی تصبح الروایة ضعیفة السند.

2.مارواه محمد بن مروان

قال:قال لی أبو عبدالله علیه السلام ما منع میثم رحمه الله من التقیة؟فوالله لقد علم أنّ هذه الآیة نزلت فی عمار وأصحابه إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ . (2)

بتقریب:أنه علیه السلام یتعجب من میثم لماذا لم یعمل بالتقیة مع علمه بالآیة الکریمة وقضیة عمار،ومعنی تعجبه هذا:أنّ التقیة کانت لازمة علی میثم.

ویردّه:

1.أن تعجب الإمام علیه السلام لایدلّ عرفاً علی کون التقیة کانت لازمة علی میثم،وذلک؛لأنّ التعجب أیضاً ینسجم مع جواز التقیة،فکأن الامام علیه السلام یرید أن یقول،لماذا لم یستخدم میثم

ص:230


1- (1) .وسائل الشیعة:باب 29 من أبواب الامر بالمعروف،ح2.
2- (2) .المصدر،ح3.

التقیة ویتبرأ لساناً من أمیر المؤمنین علیه السلام،ویخلّص نفسه فإنّ التقیة کانت سائغة له،ولکنّه علی الرغم من ذلک اختار طرف التخییر الآخر،و هو القتل وعدم التبری.

2.و هو ما أشار الیه السید الخوئی قدس سره من أن جملة:«مامنع میثم من التقیة»،الصحیح فی قراءتها ان تکون مبنیة للمفعول؛أی:هکذا«مامُنع»،لامبنیة للفاعل«مامَنع»فیکون المعنی هکذا:«ما کان میثم ممنوعاً من التقیة بل کانت التقیة جائزة فی حقّه ومرخّص تجاهها»،والذی یشهد لذلک أنّ کلمة-میثم-منصرفة،ولیست مما یمنع عن الصرف لعدم دخوله تحت أی قسم من أقسام الممنوع من الصرف،وإلّا لو کانت ممنوعة من الصرف لکانت منصوبة«میثماً»مع أننا نجدها وقعت مرفوعة«میثم»و هذا یعنی أنّها لابدّ أن تقرأ مجهولة ومبنیة للمفعول«ما مُنع».

الطائفة الثالثة

الروایات التی تفید التخییر فی مورد البراءة بین التقیة وبین عدمها؛أی:بین أختیار التبری أو أختیار القتل.

1.مارواه عبدالله بن عطا

قال:قلت لأبی جعفر علیه السلام رجلان من أهل الکوفة أخذا فقیل لهما:ابریا من أمیر المؤمنین علیه السلام فبرئ واحد منهما وأبی الآخر،فخلّی سبیل الذی برئ وقتل الآخر،فقال:أمّا الذی برئ فرجل فقیه فی دینه،و أمّا الذی لم یبرأ فرجل تعجل إلی الجنة. (1)

ودلالتها واضحة علی التخییر،وجواز کلا الطرفین،وإلا فلا معنی لتعبیره عن الأول بالفقیه فی دینه،وعن الثانی بانه تعجل فی جنته.

نعم،توجد مشکلة فی سندها،فإنّ عبدالله بن عطا،وعبدالله بن أسد،وزکریا المؤمن من المجاهیل حیث لم یوثّقوا،فتصبح الروایة ضعیفة السند،نعم،فی خصوص عبدالله بن عطا بن أبی ریاح،نقل الکشی«قال نصر بن صباح:وولد عطاء بن أبی ریاح تلمیذ ابن عباس،عبدالملک،وعبدالله وعریفاً،نجباء من أصحاب أبی جعفر،وأبی عبدالله صلی الله علیه و آله. (2)

وکلمة نجباء وان لم تکن دالة علی الوثاقة فلا أقل من المدح و الحسن.

ص:231


1- (1) .وسائل الشیعة:باب 29 من أبواب الأمر و النهی وما یناسبها،ح4.
2- (2) .اختیار معرفة الرجال:477/2.

ولکن یبقی:من أین لنا أن نعرف أن الوارد فی سند الروایة هو عبدالله بن عطاء بن أبی ریاح دون غیره ممن هو کذلک من أصحاب الصادق و الباقر صلی الله علیه و آله کالمکّی و المطلبی؟!.

2.مارواه أحمد بن علی بن أبی طالب الطبرسی فی الاحتجاج قوله:

عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی احتجاجه علی بعض الیونان...و قد أذنت لکم فی تفضیل أعدائنا إن ألجأک الخوف إلیه،وفی إظهار البراءة إن حملک الوجل علیه ومن ترک الصلوات المکتوبات إن خشیت علی حشاشةِ نفسِک الآفات و العاهات،فإنّ تفضیلک أعداءنا عند خوفک لاینفعهم ولایضرنا و إن إظهارک براءتک منّا عند تقیتک لایقدح فینا ولاینقصنا،ولئن تبرأ منّا ساعة بلسان وأنت موالٍ لنا بجنانک لتبقی علی نفسک روحها التی بها قوامها ومالها الذی به قیامها وجاهها الذی به تمسکها،وتصون من عرف بذلک أولیاءنا وإخواننا،فإنّ ذلک أفضل من أن تتعرض للهلاک.... (1)

إذ أن العبارة الأخیرة«فان ذلک أفضل من أن تتعرض للهلاک»تفید لنا جواز کلا الأمرین،غایته التقیة بالبراءة لساناً أفضل وأرجح.

لکن هذه الروایة کسابقتها ضعیفة السند من جهة الإرسال،فإنّ الطبرسی فی الاحتجاج لم یذکر طریقه إلی الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

3.روایة أبی بکر الحضرمی

عن أبی عبدالله علیه السلام(فی حدیث)أنّه قیل له:مد الرقاب أحب إلیک أم البراءة من علی علیه السلام؟فقال:الرخصة أحبّ إلی،أما سمعت قول الله(عزوجل)فی عمار: إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ. 2

ودلالتها واضحة علی التخییر،نعم،یستفاد منها أرجحیة التقیة و البراءة من طرف عدم التقیة و القتل؛وعلی أی حال هی ضعیفة السند لعدم توثیق الحضرمی،مضافاً إلی أنّ العیاشی لم یذکر طریقه إلی الحضرمی،فتأتی قضیة الإرسال.

4.مارواه عبدالله بن عجلان قوله:

عن أبی عبدالله علیه السلام قال:سألته فقلت له:إنّ الضحاک قد ظهر بالکوفة ویوشک أن تدعی إلی البراءة من علی علیه السلام فکیف نصنع،قال:فابرء منه،قلت:أیهما أحب الیک؟قال:أن تمضوا علی ما مضی علیه عمار بن یاسر،اُخِذ بمکّة فقالوا له:ابرء من رسول

ص:232


1- (1) .وسائل الشیعة،باب 29 من أبواب الأمر و النهی وما یناسبها،ح11.

الله صلی الله علیه و آله فبرأ منه وأنزل الله عزوجل عذره إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ . (1)

ودلالتها واضحة علی التخییر حیث قیل له:«أیهما أحبّ إلیک؟فقال:ان تمضوا علی ما مضی علیه عمار بن یاسر»،فیستفاد التخییر غایته أرجحیة التقیة بالبراءة؛لأنّها أحبّ إلیه علیه السلام،لکن المشکلة فی سندها فإنها علی أی حال مرسلة من جهة عدم معرفة طریق العیاشی إلی عبدالله بن عجلان.

إذن،روایات الطوائف الثلاث کلها غیر تامة السند،فلاتصلح للاستدلال و الحجّة،ومعه لابدّ من الرجوع إلی أدلة التقیة العامة التی تقول التقیة فی کل ضرورة،ومن موارد الضرورة هو قضیة ما لو أکره المرء علی البراءة لساناً من أمیر المؤمنین علیه السلام أو أحد الائمة علیهم السلام-؛فتکون التقیة جائزة فی المقام،ولکن لوجود تلک الروایات التی تنهی عن استعمال التقیة فی مورد البراءة،فالأحوط هو عدم البراءة.

هذا کله إذا أردنا ان نلحظ أسانید هذه الروایات،أما مع الغض عن أسانیدها أو مماشاةً مع من یصحح أسانید بعض الروایات من کل الطوائف الثلاث.

فنقول:أما الطائفة الثانیة:فتقدم انها لاتدلّ علی لزوم استعمال التقیة،وبالتالی وجوب التبرّی،فینحصر الأمر فی الطائفة الأولی و الثالثة،والمقترح للجمع بینهما:أنّ الطائفة الأولی نصّتْ علی إستعمال التقیة بإظهار البراءة،فهی إذن،ظاهرة فی حرمة البراءة،

والطائفة الثالثة صریحة ونصٌّ فی جواز البراءة؛لأنّه أحد طرفی التخییر و الرخصة فیها،فیحمل النص علی الظاهر،وتکون النتیجة أنّ اختیار عدم التقیة بعدم إظهار التبرّی ومدّ العنق للقتل أمر جائز لکنّه مکروه،و هذا النتیجة سوف تکون منسجمة کمال الانسجام،مع ما ذکره الإمام علیه السلام فی الطائفة الثالثة من أنّ التبرّی واستعمال التقیة أحبّ إلیه.

و إن أبی شخص،وقال:إنّ المعارضة مستحکمة ولاتوجد أظهریة لإحدی الطوائف علی الاُخری،فسوف ننتهی إلی التعارض المستقر المستحکم, ومن ثمّ التساقط،ویکون المرجع إمّا أدلة التقیة العامة الشاملة للمورد،أو یرجع إلی أصل البراءة العقلیة-علی القول بها-فترفع لنا حرمة استعمال التبرّی المشکوک بها حال الاکراه،و إذا لم نقل بالبراءة العقلیة, فنرجع إلی البراءة الشرعیة،لترفع لنا الحرمة المشکوکة للتبرّی وتثبت لنا جواز التبرّی حال الإکره.

إذن،فعلی کل الآراء و المبانی سوف تکون النتیجة النهائیة واحدة.

ص:233


1- (1) .المصدر:ح13.

المقام الثانی:إنکار ضرورات المذهب من القسم الثانی

لم یدل أی دلیل علی أنّ إنکار الأجزاء الأساسیة فی المذهب التی لاتکون مقوّمة لأصل المذهب الإمامی و الإیمان بالمعنی الأخص،موجباً للخروج عن الإیمان بالمعنی الأخص.

ومن هنا فلاتکون هناک أی فائدة للبحث فی هذا العنوان،إلّا من جهة أنّ إنکار الجزء الأساسی فی المذهب إذا کان عن علم-و هو الجحود-هل یؤدی إلی الخروج عن الإیمان بالمعنی الأخص،والمذهب الإمامی،لأنه یستلزم إنکار الإمامة من جهة عدم الالتزام بالطاعة و الإقرار الإجمالی لما جاء عنهم،أو لایؤدی إلی ذلک؟

و إذا کان البحث ینحصر فی هذا المقام بهذه الجهة،فمن الوجیه دمج هذا البحث فی ضمن البحث عن المقام الثالث،الذی هو البحث عن إنکار ما علم ثبوته من المذهب بالضرورة و الذی هو مساوق لضروری المذهب بحسب إصطلاح العلماء،لأنّ ما علم ثبوته من المذهب بالضرورة تارة یکون من الأجزاء الأساسیة وأخری من الأجزاء غیر الأساسیة فی الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی.

وعلی هذا فالأدلة التی تذکر إذا کانت تدل علی أخذ عنوان ضروری المذهب فی حدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،حیث یکون إنکاره بذاته سبباً مستقلاً للخروج من المذهب،فهذا سوف یشمل ما کان جزءاً رئیسیاً أیضاً،و إذا کانت الأدلة لاتدل علی ذلک،وإنما تدل علی إنکار ضروری المذهب إذا لزم منه إنکار الإمامة وعدم الالتزام الإجمالی بما جاء عنه؛وعند ذلک یتحقق الخروج من المذهب،فهذا أیضاً سوف یشمل ما کان جزءاً أساسیاً أیضاً،فإذا لزم من إنکار الجزء الأساسی ذلک اللازم الباطل تحقق الخروج وإلّا فلا.

المقام الثالث:إنکار ما علم ثبوته من المذهب بالضرورة

اشارة

وفی هذا المقام وجد قولان رئیسیان:

الأول:إنّ إنکار ضروری المذهب،یکون بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الخروج من المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص.

الثانی:إن إنکار ضروری المذهب لایکون بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الخروج من المذهب،والإیمان بالمعنی الأخص،و إنّما یؤدی إلی ذلک إذا لزم من إنکاره،إنکار الإمامة و الولایة لأحد الأئمة علیهم السلام وعلی هذا سوف لایتحقق هذا اللازم إلّا فی حالة العلم أو الظن

ص:234

وإحتمال ثبوت ذلک الأمر المنکر فی المذهب،ومن ثمّ لایختص البحث بالضروری بل یشمل کل ما هو معلوم ولو کان نظریاً.

أدلة القول الأول

ما یمکن أن یستدل به علی صحة القول الأول أدلة عدة:

الدلیل الاول:الإجماع الذی قد یدعی فی المقام،حیث یقال:إنّه قام الإجماع من قبل الطائفة المحقّة علی أنّ إنکار ما علم ثبوته فی المذهب بالضرورة-سواءً أکان من الأجزاء الأساسیة أم من غیرها-فروعاً وأصولاً-یکون بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الخروج عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی.

وفیه:

1.إنّ الإجماع المعتبر هو الإجماع التعبّدی الکاشف عن قول المعصوم علیه السلام،وأنّی لنا تحصیل ذلک؟؛لأنّ:

أ)هذه المسألة لم تعرض فی کلمات المتقدّمین القریبین لعصر النص کالکلینی،والصدوق،والمفید،والسید المرتضی،والشیخ الطوسی،ومن هو فی تلک الطبقة،حتی یعرف تحقق إجماع أو لا.

ب)و إذا تنزلنا وسلّمنا بأنّها مطروحة فی کلماتهم،فکیف لنا أن نثبت أن معقد الإجماع هو علی السببیة الاستقلالیة لتحقق الخروج من الإیمان بالمعنی الأخص بإنکار ضروری المذهب؟دون السببیة غیر الاستقلالیة،بمعنی الالتزام بالخروج عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص إذا استلزم من الإنکار إنکار الإمامة و الولایة،إن لم نقل:إنّ ذلک هو القدر المتیقّن.

2.ولو تنزل عن کل ذلک،فکیف یمکن دفع احتمال مدرکیة هذا الإجماع؟فمن المحتمل أن یکون المجمعون قد استندوا إلی الروایات التی سوف یأتی ذکرها.

الدلیل الثانی:و هو مشابه للدلیل الثانی الذی ذکرناه علی کفر من أنکر ضروری الدین،وحاصله:أنّ الإیمان بالمعنی الأخص عبارة عن منظومة متکاملة فی الاُصول و الفروع،فلو أراد المرء أن یکون داخل هذا الإطار فعلیه أن یلتزم بکل هذه المنظومة،ولو أنکر أی جزء منها فسوف یکون خارج عن إطار الإیمان بالمعنی الأخص.

ومن هنا لو أنکر الإنسان الحکم الضروری فی المذهب والایمان بالمعنی الأخص،لکان

ص:235

ذلک بذاته کافیاً فی الخروج عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،مما یعنی کون إنکار الضروری المذهبی بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الخروج من المذهب.

وفیه:

1.إنّ هذا الدلیل أعم من المدّعی،فیشمل ما إذا کان الحکم المنکر غیر ضروری،بل کان نظریاً،وهل یلتزم المستدل بذلک؟

2.إنّ لازم هذا الدلیل أنّ من لم یأتی بالصلاة أو لم یأتی بصیام شهر رمضان مثلاً،أن یکون خارجاً عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص ودائرة المذهب الإمامی،وما أکثر من کان هکذا،ولا أظن متفقهاً فضلاً عن فقیه یلتزم بذلک،فمن بطلان اللازم یتضح بطلان الملزوم.

3.إنّ الإیمان بالمعنی الأخص لیس درجة ومرتبة واحدة،و إنّما هو أیضاً فیه درجات ومراتب بعضها فوق بعض،ولیس معنی عدم التدین ببعض الأحکام الخروج من حدّ الإیمان بالمعنی الأخص،و إنّما أقصی ما یکون فی البین الخروج من بعض المراتب،فإنّ المرتبة الأولی منه کما قلنا سابقاً،لاتتقوم بأکثرمن الاُصول المقوّمة لحقیقته التی ذکرناها فیما سبق.

الدلیل الثالث:قد یتوهم الاستدلال علی الدعوی المذکورة،ببعض الروایات التی ذکرناها ضمن الاستدلال علی إنکار ضروری الدین یکون بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الکفر.

من قبیل:بعض الروایات التی صرحت بکون تارک الفریضة کافراً وما شاکلها.

بتقریب:أن الروایة مطلقة حیث قالت:تارک الفریضة کافر،فلم تقید کون هذه الفریضة المتروکة من ضروریات الدین أو المذهب أو من غیرهما, کون هذا الترک عن علم أو لا،فتشمل کل هذه الصور،وحیث لایمکن أن یکون المراد من الکفر هو ما فی قبال الإسلام إذ لایمکن المصیر إلیه وإلا لحکم بکفر الکثیر من المسلمین الذین لایصلّون أو لایصومون أو لایحجون أو...أو...،فلابدّ أن یکون المراد من الکفر هو المقابل للإیمان بالمعنی الأخص،فیثبت المطلوب.

وفیه:

أنّ هذه الروایات لابدّ من حملها علی حالة الاستحلال،وإلّا لو لم نحملها علی ذلک للزم الحکم بخروج من لایصلّی ولایصوم ولایحجّ ولایزکی عن المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص حتی لو کان یعترف بوجوب هذه الفرائض،ولایمکن التفوه به.

أو نحملها علی بعض مراتب الکفر الکاشفة عن خبث الباطن التی لاتنافی أصل الإیمان بالمعنی الأخص.

ص:236

وعلیه فلایوجد دلیل یدل علی أخذ الإقرار بضروریات المذهب من القسم الثانی فی حَدِّ الإیمان بالمعنی الأخص،وکون إنکار الضروری المذهبی بذاته سبباً مستقلاً لتحقق الخروج من الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی.

أدلة القول الثانی
اشارة

وبعد أن اتضح لنا عدم تمامیة أدلة القول الأول،سوف یکون الصحیح هو القول الثانی،إذ دلّت الأدلة علی ذلک وهی:

نفس الأدلة التی دلّت علی اعتبار الإقرار بإمامة وولایة الأئمة الأطهار علیهم السلام ووجوب طاعتهم،والتبری من أعدائهم إجمالاً،والإقرار بالمعاد فی تحقق الإیمان بالمعنی الأخص،فإنّ أی أمرٍ یلزم من إنکاره،إنکار أحد هذه الاُمور سوف یخرج من دائرة الإیمان بالمعنی الأخص،ولکن لا باعتبار إنکاره نفسه کما قلنا،و إنّما باعتبار إنکار هذه الاُمور التی دلت الأدلة کما تقدّم علی أخذها فی حدّ الإیمان بالمعنی الأخص کأرکان مقومة له،فإذا لم یؤمن بها الإنسان أو ببعضها-ولو لجهل-لم یکن داخلاً فی إطار الإیمان بالمعنی الاخص وعلیه یکون خارجاً عن المذهب الإمامی الاثنی عشری.

قضیة الملازمة

اتضح لنا أنّه علی القول الذی یری أنّ إنکار ضروری المذهب له السببیة الاستقلالیة لتحقق الخروج من الإیمان بالمعنی الأخص و المذهب الإمامی،سوف لاتکون موضوعیة لقضیة العلم بکون الشیء الفلانی ضروری أو غیر ضروری،إذ علی هذا الرأی سوف تکون قضیة الإقرار و الإیمان بضرورات المذهب من الارکان المقوّمة لحقیقة الإیمان و المذهب،کما فی الشهادتین للإسلام،فمن أنکر أحد الضرورات المذهبیة ولو لجهل یکون خارجاً عن المذهب،و هذا أمر واضح.

ولکن یوجد سؤال:بناءً علی الرأی الثانی-الذی هو الصحیح-کیف تثبت تلک الملازمة التی هی لزوم إنکار الامامة أو لزوم عدم تحقق التبرّی الإجمالی أو لزوم إنکار المعاد؟فانه اتضح لنا أنّه علی القول الثانی لایختص الأمر بالضرورات بل یشمل کل ما علم ثبوته فی المذهب ولو کان نظریاً،فهل یحتاج لثبوت الملازمة علم المنکر بثبوت ما أنکره فی المذهب فقط،أو یحتاج بالإضافة إلی ذلک التفاته إلی أنّه بإنکاره هذا ینکر الإمامة مثلاً؟.

ص:237

وبعبارة أوضح:علی الرأی الثانی،هل یکفی للحکم بخروج المنکر لضروری المذهب من المذهب علمه بثبوته فی المذهب فقط،أو لایکفی ذلک ویحتاج بالإضافة إلیه التفاته إلی أنّ إنکاره هذا یؤدی إلی إنکار أصل الإمامة و الولایة.

والجواب:أنه یکفی للحکم بخروجه عن دائرة الإیمان و المذهب،علمه بکون ما ینکره ثابتاً فی المذهب،وصادراً عمن فرض الله تعالی طاعتهم،ولایحتاج إلی التفاته إلی ذلک اللازم الباطل،وذلک لأنّ نفس إنکاره ما علم ثبوته فی المذهب بعلم ضروری أو نظری،یکشف عن أنّه غیر متحقق فی حقّه الالتزام الاجمالی بطاعة الأئمة علیهم السلام،و هو مساوق لعدم الالتزام بإمامتهم.

و إذا قیل:لماذا لایتحقق فی حقّه الالتزام الإجمالی بکلّ ما صدر من مقام الولایة و الإمامة،والشاهد علی ذلک،أنّه لو أنکر ما علم ثبوته،ولکنه لم یکن ملتفتاً إلی ذلک اللازم الباطل،وقلنا له إنک بإنکارک هذا تنکر الإمامة ولاتلتزم إجمالاً بوجوب طاعتهم بکل ما صدر عنهم،لقال لنا:أنا لا انکر إمامتهم ووجوب طاعة ما صدر عنهم إجمالاً،و هذا خیر شاهد علی أنه لم ینکر الامامة ووجوب الطاعة إجمالاً،و إذا لم یکن ذلک اللازم متحققاً فی حقّه،فلایکون مشمولاً لدلیل القول الثانی،إذ القول الثانی المتقدّم یری الخروج عن المذهب بإنکار الضروری إذا کان مستلزماً لإنکار الامامة ووجوب الطاعة إجمالاً،و هذا اللازم غیر متحقق فی حق من ینکر عن علم،ولکنه لم یکن ملتفتاً للملازمة المتقدّمة.

قلنا:تقدّم فیما سبق فی تفسیر الالتزام و الإقرار بالرسالة،أن یلتزم المکلّف إجمالاً بکل ما هو صادر عن مقام الرسالة و النبوة،سواءً علم بثبوت أمر ما فی الرسالة أو حتی لو ظن أو احتمل ثبوته،وفی مقام الإمامة وولایة الأمر کذلک،فإنّ المعنی الصحیح لتفسیر الالتزام بالإمامة ووجوب الطاعة،هو أن یلتزم المکلّف إجمالاً بوجوب الطاعة لکل ما علم ثبوت صدوره عنهم أو ظن أو احتمل ذلک علی تقدیر الثبوت واقعاً،وفی المقام إذا أنکر المکلّف ما علم ثبوته عنهم علیهم السلام بل حتی لو أنکر ما ظن أو ما احتمل ثبوته،فهذا یعنی:أن الالتزام الإجمالی ووجوب الطاعة لهم إجمالاً غیر متحقق عنده،و إذا لم یتحقق هذا عنده فهذا یعنی أنه غیر مقرّ بوجوب طاعتهم و إمامتهم.فیلزم من ذلک خروجه عن حدّ الإیمان بالمعنی الأخص ومذهب الامامیة.

ص:238

التطرّق لبعض الفروع الفقهیة

الفرع الاول:إنکار ضروری المذهب من القسم الثانی،أو ما علم ثبوته فی المذهب بالضرورة،إذا لزم منه إنکار الرسالة وعدم الالتزام الإجمالی بها،فهو لایؤدی إلی الخروج من المذهب فقط،و إنّما بالاضافة إلی ذلک یؤدی إلی الکفر و الخروج من الإسلام بالکلّیة.

ومثاله:کما لو علم الشیعی الاثنی عشری،أنّ الأمر الکذائی ثابت وجزء فی مذهبه من خلال قول الرسول صلی الله علیه و آله أو حتی لو احتمل ثبوته بقول الرسول صلی الله علیه و آله بناءاً علی تفسیر الالتزام الإجمالی بالرسالة لما یعم الأمر المحتمل الثبوت فی الرسالة،فإنّه لو أنکره علی هذا،یکون غیر ملتزم بالرسالة إجمالاً.

و هذا الأمر صرّح به السید السبزواری قدس سره فی،مهذب الأحکام،قائلاً:«العاشر:إنکار ضروری المذهب ان رجع إلی إنکار الرسالة أو الألوهیة أو التوحید یوجب الکفر». (1)

الفرع الثانی:بناءاً علی القول الأول-السببیة المستقلة لإیجاب إنکار ضروری المذهب للخروج عنه-،لایفرق بین من علم بکون ما ینکره من الضرورات المذهبیة أو بین من جهل بذلک،أکان جهله عن قصور أم تقصیر،لشبهة دعته إلی الإنکار أو غیر ذلک،فإنّه فی کلّ هذه الحلات یحکم علیه بالخروج من المذهب و الإیمان بالمعنی الأخص.

أما علی القول الثانی-السببیة غیر المستقلّة-فالأمر یفرّق فیه بین عدة حالات:

1.إذا کان المنکر یعلم بثبوت ما ینکره-سواءً علماً ضروریاً أو نظریاً-فإنّه یحکم بخروجه من الإیمان و المذهب کما ذکرنا.

2.إذا کان المنکر یجهل ثبوت ذلک الأمر فی المذهب،فهنا یفصّل بین حالات عدة:

أ)إذا کان جهله عن قصور،فهنا لایحکم علیه بالخروج من الإیمان و المذهب،إذ الإنکار مع الجهل القصوری لایستلزم ذلک اللازم الباطل من إنکار الإمامة وعدم وجوب الطاعة إجمالاً.

ب)اذا کان جهله تقصیریاً،کالذی لایبالی بمعرفة أمور دینه ولایسأل عنها مع کونه فی الحواظر الإسلامیة،فهذا إذا کان یظن أو یحتمل ثبوت ذلک الأمر فی مذهبه وعلی الرغم من ذلک ینکره،فهو أیضاً یحکم علیه بالخروج من المذهب لعدم تحقق الالتزام

ص:239


1- (1) .مهذب الاحکام:376/1.

الإجمالی،ووجوب الطاعة لما صدر عنهم إجمالاً،کما ذکرنا ذلک فیما تقدّم.

ج)أما اذا لم یکن متحققاً عنده حتی مثل هذا الاحتمال،فلایحکم بخروجه من المذهب نتیجة لهذا الانکار،لعدم تحقق ذلک اللازم فی حقه،فهو باق علی إعترافه الاجمالی بالإمامة ووجوب الطاعة.

الفرع الثالث:ذهب السید بحر العلوم قدس سره (1)فی بلغته،وصاحب الجواهر قدس سره فی جواهره (2)إلی الحکم بکفر منکر ما علم ثبوته فی المذهب بالضرورة-ضروری المذهب باصطلاحهم-فیما لو صدر الإنکار من أهل المذهب،ومثلَّ له صاحب الجواهر کما لو أنکر الشیعی الإمامی أحد الأئمة علیهم السلام أو أنکر المتعة المعلومة بالضرورة من مذهب الإمامیة.

واستدلوا علی ذلک بأدلة عدة:

1.ما ذکره صاحب الجواهر،والسید بحر العلوم رحمه الله من أنّ المعتبر من دین الإسلام هو التدین بجمیع احکامه من اصول وفروع والالتزام بذلک،فلو لم یتدین المسلم،أو تدین بخلاف ما هو علیه دین الإسلام-کما لو أنکر الضروری-فسوف یخرج عن دین الإسلام،والشیعی الاثنی عشری یعتبر أن دین الإسلام هو ما علیه مذهبه،فلو أنکر حکماً من أحکامه-کما لو أنکر ضروری مذهبه-فسوف یکون خارجاً عن دین الإسلام.

ومن هنا قال فی الجواهر«بل الظاهر حصول الارتداد بإنکار ضروری المذهب کالمتعة من ذی المذهب أیضاً؛لإن الدین هو ما علیه».

وفیه:

ما تقدّم سابقاً،فإن هذا الوجه ذکر کدلیل علی کفر منکر ضروری الدین و المذهب بالاستقلال،وتبین هناک عدم دلالته فراجع.

2.ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره فقط مختصاً بإنکار إمامة أحد الائمة علیهم السلام فاستدل علی تحقق الکفر من الشیعی لو أنکر ذلک،بمجموعة من الروایات،وذکر اثنین من هذه الروایات،هما:

أ)صحیحة محمد بن مسلم

عن أبی جعفر علیه السلام قال:قلت له:أرأیت من جحد إماماً منکم ما حاله؟فقال:من جحد إماماً من الائمة وبریء منه ومن دینه فهو کافر ومرتد عن الإسلام؛لأنّ الإمام من

ص:240


1- (1) .بلغة الفقیه:201/4.
2- (2) .جواهر الکلام:602/41.

الله،ودینه دین الله،ومن برئ من دین الله فدمه مباح فی تلک الحالة إلّا أن یرجع أو یتوب إلی الله مما قال. (1)

و هذه الروایة تدل علی ما ادعاه،حیث إنّها قیدت بحالة الجحود التی هی الإنکار مع العلم کما تقدّم،والإمامی بالطبع عندما ینکر إمامة أحدهم علیهم السلام یکون عالماً بإمامته،وإلّا لایکون إمامیاً،نعم،قد یدغدغ فی دلالتها،من جهة أنّها لیست مقیدة بحالة الجحود فحسب حتی یتم مطلوب صاحب الجواهر،و إنّما إضافة إلی الجحود حالة البراءة من الإمام ومن دینه،وعلی هذا لایحکم بکفر الشیعی إذا أنکر إمامة واحد منهم علیهم السلام إلّا إذا کان یبرئ من ذلک الإمام المنکر له ویبرأ من دینه.وعلی هذا لاتکون الروایة دالة علی کفر الشیعی الإمامی فیما لو أنکر فقط إمامة أحد الأئمة علیهم السلام نعم،قد یدفع هذا الإشکال بالقول:إنّ البراءة من الإمام ودینة مأخوذة فی الروایة علی نحو الطریقیة لإنکار إمامته مع العلم بها.

ب)مارواه سعید بن هبة الله الراوندی فی الخرائج و الجرائح عن أحمد بن محمد بن مطهر أنه قال

قال:کتبَ بعض أصحابنا إلی أبی محمد علیه السلام یسأله عمن وقف علی أبی الحسن موسی علیه السلام فکتب:لاتترحم علی عمّک وتبرّأ منه،أنا إلی الله منه بریء،فلا تتولهم،ولا تعد مرضاهم،ولاتشهد جنائزهم،ولاتصل علی أحد منهم مات أبداً،من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً لیست إمامته من الله،کان کمن قال: إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ إنّ الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا. (2)

وتقریب دلالتها:أنّ الإمام علیه السلام نهی عن الصلاة علی الواقفیة الذین ینکرون إمامة الإمام الکاظم علیه السلام،وکذلک نهی عن شهادة جنائزهم وعیادة مرضاهم؛ومعلوم أن ذلک لایصح إلا فی حق الکفرة،فإن المسلم یجب الصلاة علیه،ویستحب شهادة جنازته وعیادته فی مرضه،ثمّ أنّه علیه السلام أعطی قاعدة کلیة:أنّ من جحد أی إمام من الأئمة علیهم السلام أو زاد إماماً لیس من الله تعالی،کان کمن قال إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ،أی هو شرکٌ،مما یعنی أنّ ذلک حکم الإمامی،لو أنکر إمامة أی واحد منهم.

ولکن تبقی المشکلة فی سند هذه الروایة،فانه بالاضافة إلی عدم توثیق أحمد بن محمد

ص:241


1- (1) .وسائل الشیعة،باب10 من أبواب حد المرتد،ح 38.
2- (2) .المصدر،ح40.

بن مطهر،تبقی الروایة مرسلة من جهة عدم معرفة طریق الراوندی إلی أحمد بن محمد بن مطهر،اذ الفاصلة بینهما کبیرة.

3.ما ذکره السید بحر العلوم قدس سره (1)فقط،وحاصله:بناءاً علی الرأی الذی یقول:إنّ إنکار ضروری الدین یؤدی إلی الکفر إذا استلزم الإنکار تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة أو إنکار التوحید و الألوهیة،سوف یکون إنکار ضروری المذهب من قبل أحد أفراد المذهب،مؤدیاً إلی الکفر و الخروج من الإسلام؛لأنّ الإمامی عندما ینکر المتعة مثلاً و هو عالم بثبوتها من قبل الأئمة علیهم السلام سوف یکون مکذّباً لهم،وحیث إنّه یعلم أنّ کلّ ما جاءوا به فهو عن رسول الله صلی الله علیه و آله وثابت فی الشریعة المحمدیة،إذ لم یأتوا بشیءٍ من عندهم کما دلّت علی ذلک الأدلة،فمن هنا لو أنکره یلزم أن یکون مکذّباً للنبی ومنکراً للرسالة،و هذا یؤدی إلی کفره وخروجه عن الدین،و قد ذکرنا ذلک فیما سبق،وقلنا:إنّ ضروری المذهب إذا لزم من إنکاره تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وإنکار الرسالة،یلزم منه الکفر.وما ذکره قدس سره وجیه ولا مفرّ من المصیر إلیه.

نعم،قضیة أنّه هل یتحقق وجود شخص عاقل یعلم بثبوت أمر ما فی الإسلام أو فی المذهب ورغم ذلک ینکره ویکون جاحداً له،فهذه قضیة أخری لیس لها دخل فی بحثنا العلمی.

الفرع الرابع:فیما لو أنکر شخص ضروری المذهب عن اجتهاد أو عن تقلید،فهل یحکم بخروجه عن المذهب،أو یحکم بکفره أو لایحکم بذلک؟

والجواب:عین ما تقدّم فی إنکار ضروری الدین عن اجتهاد أو تقلید،فقد تقدّم ذکره فلا مسوّغ لإعادته.

ص:242


1- (1) .بلغة الفقیه:201/4.

المبحث الثالث:مصادیق ضروری المذهب فی کلمات الاعلام

اشارة

ذکرت مصادیق کثیرة لضروری المذهب فی کلمات العلماء،وما استطعنا أن نحصل علیه من استقراء کلماتهم ما سوف نتلوه علیک، (1)مقسّمة إلی قسمین رئیسین:

أ)ما یرتبط بالمسائل الاعتقادیة.

ب)ما یرتبط بالمسائل الفقهیة الفرعیة.

القسم الأوّل:ما یرتبط بالاُمور الاعتقادیة

1.إنّ مما لاشکّ فیه کون إمامة وولایة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام بمعنی خلافة رسول الله صلی الله علیه و آله و الحاکمیة السیاسیة علی الاُمة من بعده،من أهم ضروریات المذهب الإمامی،وممّن صرّح بذلک السید الخوئی قدس سره ونقلنا کلامه فیما تقدّم،والکثیر غیره.

2.کونهم علیهم السلام بالإضافة إلی السیدة الزهراء علیها السلام بل کلّ الأنبیاء،معصومین مطهرین عن الذنوب،فإنّ هذه الاُمور من ضروریات المذهب الإمامی من القسم الثانی-الأجزاء الرئیسیة-بناءاً علی الضابطة التی اخترناها،إذ یوجد إطباق واجماع-حیث لم نرَ أحداً من الإمامیة ینکر عصمتهم علیهم السلام مضافاً إلی قیام الأدلة الکثیرة عقلیة ونقلیة-قرآنیاً وروائیاً-علی ذلک،مما یعنی أهمیة هذا الامر،وکونه من الأجزاء الأساسیة فی المذهب الإمامی.

وکذلک صرّح کثیر من الأعلام کون ذلک من ضروریات المذهب, کالمجلسی،والسید

ص:243


1- (1) .وطبیعی قبول أورفض المصادیق یتعلّق بالضابطة المختارة لضروری المذهب ومدی انطباقها علی المصداق المدّعی،وعلیه سوف یختلف قبول بعض المصادیق المذکورة أو رفضها سعةً ً وضیقاً،ونحن نذکر ما أدعی من المصادیق بغض النظر عن قضیة التسلیم أو عدم ذلک.

عبدالله شبّر-قدّس سرهما-کما سوف یأتی نقل کلامهما،وغیرهما.

3.کونهم علیهم السلام منصوص علی إمامتهم من قبل الله ورسوله،صرّح بضروریته المجلسی و السید عبدالله شبّر أیضاً،وسیأتی نقل کلامهما.

4.إنّ عددهم لایزید علی الاثنی عشر،و أنّ الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف حی،کذلک صرّحا بضروریته.

5.الرجعة،فقد صرّح بکونها من ضروریات المذهب الإمامی عدّة من العلماء.

أ)منهم الشیخ المجلسی،کما سیأتی نقل کلامه.

ب)ومنهم الحرّ العاملی فی کتابه الایقاض من الهجعة بالبرهان علی الرجعة،قائلاً:«فإن ثبوت الرجعة من ضروریات مذهب الإمامیة عند جمیع العلماء المعروفین و المصّنفین المشهورین،بل یعلم العامة أن ذلک من مذهب الشیعة...». (1)

ج)ومنهم السید عبدالله شبر قدس سره فی حق الیقین،إذ یقول:«اعلم أنّ ثبوت الرجعة مما جتمعت علیه الشیعة الحقّة و الفرقة المحقّة بل هی من ضروریات مذهبهم»

وقال العلامة المجلسی رحمه الله!أجمعت الشیعة علی ثبوت الرجعة فی جمیع الأعصار واشتهرت بینهم کالشمس فی رابعة النهار». (2)

د)ومنهم الشیخ المظفر قدس سره فی عقائد الإمامیة،إذ یقول:«و أما المناقشة الثانیة وهی دعوی أن الحدیث فیها موضوع فإنّه لاوجه لها،لأنّ الرجعة من الاُمور الضروریة فیما جاء عن آل البیت من الأخبار المتواترة». (3)

ه)السید الطباطبائی فی تفسیر المیزان،إذ یقول:«إنّ الروایات متواترة معنی عن أئمة أهل البیت حتی عدّ القول بالرجعة عند المخالفین من مختصات الشیعة وأئمتهم من لدن الصدر الاول» (4)وغیرهم.

وأنکر ضرورة الرجعة السید الخوئی قدس سره إذ یقول:«المقصود منها رجوع بعض من فارق الدنیا إلیها قبل یوم البعث الأکبر،ولکن لیست من الضروری الذی یجب الاعتقاد به». (5)

وقال الإمام محمد حسین کاشف الغطاء قدس سره«وأنا لا أرید أن أثبت فی مقامی هذا-ولا

ص:244


1- (1) .الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة.
2- (2) .حق الیقین فی معرفة أصول الدین:2/2.
3- (3) .بدایة المعارف الإلهیة فی شرح عقائد الامامیة:171/2.
4- (4) .تفسیر المیزان:107/2.
5- (5) .صراط النجاة فی أجوبة الاستفتاءات،القسم الأول:469.

غیره-صحة القول بالرجعة،ولیس لها عندی من الاهتمام قدر قلامة ظفر...». (1)

أقول:یا شیخنا الکبیر-وکلک عظمة وتفانی من أجل الدین-کیف لایکون للرجعة عندک من الأهمیة قدر قلامة ظفر،وأنت تصرّح قبل أسطر من کلامک هذا بأن الرجعة من الضروریات عند الشیعة فتقول«ولیس التدین بالرجعة فی مذهب التشیع بلازم،ولا إنکارها بضارّه،وان کانت ضروریة عندهم...». (2)

ویقول السید الشهید الصدر الثانی قدس سره فی معرض ردّه علی الشیخ المجلسی الذی ادعی تواتر الأخبار علی الرجعة،وکونها مما أجمع علیه الشیعة،«إنّ إجماع الشیعة وضرورة المذهب عندهم،لم تثبت علی الإطلاق،بل المسألة عندهم محل الخلاف و الکلام علی طول الخطّ.والمتورعون منهم یقولون:إنّ الرجعة لیست من أصول الدین،ولا من فروعه،ولا یجب الاعتقاد فیها بشیء،بل یکفی إیکال علمها إلی أهله.فهل فی هذا الکلام-و هو الأکثر شیوعاً-اعتراف بالرجعة.

و إنّما اعترف من اعترف بالرجعة وأخذ بها،نتیجة لهذه الاخبار التی ادّعی المجلسی تواترها،إذاً،فالرأی العام المتخذ حولها-ولا أقول الإجماع-ناتج من هذه الإخبار،ولایمکن أن تزید قیمة الفرع علی الاصل». (3)

6.البراءة من الجبت و الطاغوت و الأوثان وغاصبی حقوقهم وقاتلیهم وظالمیهم و التبری من جمیع أعدائهم،ذکر کونه من ضرورات المذهب الشیخ المجلسی،والسید عبدالله شبر کما سوف یأتی نقل کلامهما.

7.الاعتقاد بحسن حال سلمان،وأبی ذر،والمقداد،وعمار،ذکر ضرورته السید عبدالله شبر قدس سره،کما سوف یأتی نقل کلامه.

8.الاعتقاد بعصمة الملائکة،ذکره الشیخ المجلسی قدس سره،کما سیأتی نقل کلامه.

9.کون الأئمة علیهم السلام أشرف المخلوقات،وأفضل من الملائکة وجمیع الأنبیاء باستثناء رسول الله صلی الله علیه و آله أیضاً ذکره المجلسی قدس سره.

10.کونهم علیهم السلام یعلمون علم ما کان وعلم ما یکون إلی یوم القیامة،و أنّ عندهم آثار الأنبیاء وکتبهم کالتورة والانجیل و الزبور وصحف آدم وإبراهیم،وشیث،وعصا موسی،وخاتم سلیمان،

ص:245


1- (1) .أصل الشیعة وأصولها:168.
2- (2) .المصدر السابق:167.
3- (3) .موسوعة الإمام المهدی:ج3،تاریخ ما بعد الظهور:ص632-633.

وقمیص ابراهیم،والتابوت،والألواح وغیر ذلک،أیضاً ذکر کل ذلک المجلسی قدس سره.

11.کون جهاد من جاهد منهم علیهم السلام،وقعود من قعد منهم،وجمیع أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم بأمر من الله تعالی،کذلک ذکر ضرورته الشیخ المجلسی.

12.کون کل ما علم رسول الله صلی الله علیه و آله قد علّمه علیاً علیه السلام،وکل إمام لاحق یعلم علم السابق عند إماتته،أیضاً ذکر ذلک العلّامة المجلسی.

13.وأنّهم علیهم السلام لایقولون برأی ولا اجتهاد،وإنما یعلمون جمیع الأحکام من الله سبحانه وتعالی،ذکره العلّامة المجلسی أیضاً.

14.وأنّهم علیهم السلام یعلمون جمیع اللغات،ویعلمون جمیع الناس بالکفر و الإیمان،وتعرض علیهم أعمال هذه الاُمة کلّ یوم.

15.المعراج الجسمانی للرسول صلی الله علیه و آله أیضاً ذکر ضرورته الشیخ المجلسی.

وکذلک ذکر أموراً أخری سوف تأتی عند عرض نصّ کلامه فی رسالته الموسومة بالاعتقادات.

القسم الثانی:ما یرتبط بالاُمور الفقهیة الفرعیة

1.حرمة العمل بالقیاس،فقد صرّح بکون ذلک من ضرورات مذهب الإمامیة کثیر من الأعلام.

أ)منهم السید محمد جواد العاملی قدس سره صاحب مفتاح الکرامة،إذ یقول:«ثم إنّ النزاع لاینافی الإجماع عندنا مع أنّ ضروری المذهب مثل حرمة القیاس وقع فیه النزاع». (1)

ب)ومنهم الشیخ الانصاری قدس سره فی الرسائل،لکنه ذکر أنّ الضرورة المذهبیة قائمة علی حرمة العمل بالقیاس وبطلانه فی الجملة،أی لیست قائمة فی کلّ الأزمنة و إنّما فی زمانهم علیهم السلام،حیث یقول قدس سره:«وان کان الدلیل هو الإجماع بل الضرورة عند علماء المذهب-کما ادّعی-فنقول:إنّه کذلک إلّا أن دعوی الإجماع و الضرورة علی الحرمة فی کلّ زمان ممنوعة.الا تری أنه لو فرض-والعیاذ بالله-انسداد باب الظنّ من الطرق السمعیة لعامة المکلفین أو لمکلف واحد باعتبار ما سنح له من البعد عن بلاد الاسلام،فهل تقول:انه یحرم علیه العمل بما یظن بواسطة القیاس أنه الحکم الشرعی المتداول بین المتشرعة وأنه مخیر بین العمل به و العمل بما یقابله من الاحتمال المو هوم،ثم تدعی الضرورة علی ما ادّعیته من الحرمة،حاشاک». (2)

ص:246


1- (1) .مفتاح الکرامة:556/2.
2- (2) .فرائد الاُصول:295/1.

ج)قال السید محمد تقی الحکیم قدس سره«والشیء الذی لا أشک فیه،هو أن المنع عن العمل بقسم من أقسام القیاس یعدّ من ضروریات مذهبهم لتواتر أخبار أهل البیت فی الردع عن العمل به». (1)

2.حلیة المتعتین،فقد صرح بکونهما من ضروریات المذهب الکثیر من الأعلام.

أ)منهم الشیخ المجلسی،والسید عبدالله شبر-قدس سرّهما-کما سوف یأتی نقل کلامهما.

ب)ومنهم صاحب الجواهر قدس سره،کما تقدّم نقل کلامه.

ج)ومنهم السید الگلپایگانی قدس سره فی نجاسة الکفّار،حیث قال:«والحق أن المتعتین تعتبران من ضروریات المذهب-أی مذهب الشیعة-لا من ضروریات الدین». (2)

3.بطلان العول و التعصیب فی الإرث،فقد صرّح بکون بطلانهما من ضروریات مذهبنا عدد کثیرمن الأعلام:

أ)منهم السید بحر العلوم فی بلغته،حیث یقول:«وحیث کان وجوب الردّ وبطلان التعصیب من ضروریات مذهبنا،فلاحاجة إلی إطالة الکلام فی الاستدلال علیه....(و أما الأمر الثانی)فأجمعت الإمامیة علی بطلان العول بمعنی دخول النقص علی جمیع ذوی الفروض-کما علیه الجمهور-.ویدلّ علیه-مضافاً إلی الإجماع-بل وضرورة المذهب...». (3)

ب)ومنهم صاحب الجواهر قدس سره فی جواهره حیث قال:«أجمع أصحابنا وتواترت أخبارنا عن سادتنا علیهم السلام بل هو من ضروریات مذهبنا أنّه(لایثبت المیراث عندنا بالتعصیب)»، (4)وقال:«العول عندنا معاشر الإمامیة باطل». (5)

4.قول حی علی خیر العمل فی الأذان و الإقامة،ذکر کونه من ضروریات المذهب المجلسی،والسید عبدالله شبّر فی حقّ،الیقین کما سوف یأتی نقل کلامهما.

5.عدم استحباب التکتف،وقول آمین فی الصلاة،وعدم استحباب قول:«الصلاة خیر من النوم»فی الأذان،کذلک ذکرهما فی حقّ الیقین.

6.مسح الرجلین فی الوضوء،کذلک ذکره فی حق الیقین.

ص:247


1- (1) .الاُصول العامة للفقه المقارن:308.
2- (2) .نتائج الأفکار فی نجاسة الکفّار:178.
3- (3) .بُلغة الفقیه:283/4-286.
4- (4) .جواهر الکلام:99/39.
5- (5) .المصدر:105/39.

7.استحباب زیارة قبور الأئمة وتعمیرها وتعظیمهم،ذکره المجلسی،والسید عبدالله شبّر أیضاً.

8.حرمة لحم الکلب،وسائر السباع،والحشرات علی احتمالٍ،أیضاً ذکر ضرورته المذهبیة السید عبدالله شبّر فی حق الیقین.

9.حرمة وط ء المحارم مع لف الذکر بالحریر،کذلک ذکره فی حقّ الیقین.

10.عدم سقوط العبادات،کذلک ذکره فی حقّ الیقین.

قال السید عبدالله شبر قدس سره فی مقام تعداد مصادیق ضروریات المذهب ما نصّه:«من أنکر ضروری مذهب الإمامیة یخرج عن مذهبهم،کإنکار إمامتهم وکمالهم علیهم السلام وعلمهم وفضلهم بل عصمتهم،والنصّ علیهم من الله ورسوله علی الأظهر،وأنّه لایزید عددهم علی الاثنی عشر وأن الإمام الثانی عشر حی موجود یتوقّع ظهوره،ووجوب البراءة من الجبت و الطاغوت و الأوثان،وغاصبی حقوقهم،وقاتلیهم وظالمیهم،والتبری من جمیع أعدائهم،ووجوب الاعتقاد بحسن حال سلمان،وأبی ذر،والمقداد،وعمار،وحلّیة المتعة،وحجّ التمتع،وقول:(حی علی خیر)العمل فی الأذان و الإقامة،ومسح الرجلین فی الوضوء،وعدم استحباب التکتف،وقول آمین فی الصلاة،وقول:(الصلاة خیر من النوم)فی الآذان،واستحباب زیارة قبور الأئمة وتعمیرها وتعظیمهم،وحرمة لحم الکلب بل سائر السباع و الحشرات علی احتمال،وحرمة وط ء المحارم مع لف الذکر بالحریر،وعدم الجبر وعدم سقوط العبادات ونحو ذلک». (1)

11.طهارة المخالفین فی هذه الأزمنة:ادّعی کون ذلک من ضروری المذهب،صاحب الجواهر قدس سره حیث یقول:«بل لعلّه ضروری المذهب...». (2)

12.کون الإمام علیه السلام أولی بالصلاة علی المیت من کلّ أحد،ادّعی کون ذلک من ضروریات المذهب صاحب الجواهر قدس سره إذ یقول:«و إمام الأصل علیه السلام أولی بالصلاة من کلّ أحد،بلا خلاف أجده فیه،بل عن ظاهر الخلاف الإجماع علیه،بل لعله ضروری المذهب کما اعترف به فی کشف اللثام (3)لأنّه أولی بالمؤمنین من أنفسهم». (4)

13.سقوط وجوب القضاء بالصغر،ذکر کونه من ضروری المذهب صاحب الجواهر،

ص:248


1- (1) .حق الیقین فی معرفة أُصول الدین:244/2-245.
2- (2) .جواهر الکلام:56/6.
3- (3) .کشف اللثام:321/2.
4- (4) .المصدر:21/12.

اذ یقول:«أما السبب فمنه مایسقط معه وجوب القضاء و هو سبعة:الصغر،ما لم یبلغ مدرکاً لمقدار الرکعة و الطهارة ولو الاضطراریة إجماعاً محصّلاً ومنقولاً،مستفیضاً کالسنة بل لعله من ضروری المذهب بل الدین،کما اعترف به فی المفاتیح». (1)

14.استحباب الصدقة،ذکر کون ذلک من ضروریات المذهب صاحب الجواهر قدس سره حیث یقول:«و أما الصدقة غیر الوقف،التی قد تواتر ندبها،والحثّ علی فعلها حتی صار ذلک من ضروری المذهب بل الدین». (2)

15.استحباب النکاح لمن تاقت نفسه،ذکر ضرورته المذهبیة فی جواهر الکلام،حیث یقول«النکاح مشروع بل مستحب لمن تاقت نفسه...أو ضرورة من المذهب بل الدین». (3)

16.عدم جواز نظر الخصی البالغ إلی المرأة المالکة له أو الاجنبیة،ذکر کونه من ضرورات المذهب صاحب الجواهر قدس سره اذ یقول:«وعلی کلّ حال فلاریب فی أنّ الثانی هو الأظهر،لعموم المنع المستفاد من السنّة و الإجماع بقسمیه علی أنّ المرأة عورة،بل ذلک من ضروری المذهب أو الدین». (4)

17.إعتبار الإسلام و الإیمان فی صحّة العبادات،ذکر ضرورته المذهبیة فی الجواهر،إذ یقول:«ومن المعلوم اعتبار الإسلام بل الإیمان فی صحتها حتی کاد یکون ضروری المذهب إن لم یکن الدین». (5)

18.حرمة أکل الجرّی و المارماهی،صرح بکون ذلک من ضروریات المذهب فی الجواهر،إذ یقول:«بل قال فی باب الحدود منها:«ویعزّر إنّ أکلّ الجری و المارماهی وغیر ذلک من المحرّمات،فإن عاد أدّب ثانیة،فان استحل شیئاً فی ذلک وجب علیه القتل»ومقتضاه کونه من ضروری المذهب أو الدین». (6)

19.عدم قبول شهادة غیر المؤمن-الإمامی الاثنی عشری-لکونه متصفاً بالفسق و الظلم،ذکر ضرورته المذهبیة فی الجواهر،إذ یقول:«بلا خلاف أجده فیه بل عن جماعة

ص:249


1- (1) .المصدر:2/13.
2- (2) .المصدر:124/28.
3- (3) .المصدر:8/29.
4- (4) .المصدر:91/29.
5- (5) .المصدر:108/34.
6- (6) .المصدر:244/36.

الإجماع علیه،بل لعلّه من ضروری المذهب فی هذا الزمان». (1)

20.اعتبار أصل التحبیس فی الوقف،ذکره فی الجواهر،حیث یقول:«ودعوی-عدم اعتبار أصل التحبیس فی الوقف،بل یکفی فیه سبل المنفعة کما عن أبی الصلاح-یدفعها ظهور النص و الفتوی بخلافه بل یمکن دعوی ضرورة المذهب أو الدین علی ذلک». (2)

21.کون حکم العورة غیر مرتفع عن القواعد من النساء،ذکره فی الجواهر،حیث یقول:«لا أنّ المراد ارتفاع حکم العورة بالنسبة إلیهن الذی یمکن دعوی ضرورة المذهب أو الدین علی خلافه». (3)

22.عدم المعذوریة فی أُصول الدین التی منها الإمامة،ذکره فی الجواهر حیث یقول:«إذ من ضرورة المذهب عدم المعذوریة فی اصول الدین التی منها الإمامة». (4)

23.عدم جواز استباحة المحکوم له ما حکم له به إذا علم بطلان الشهادة و الحکم،ذکره فی الجواهر حیث یقول:«وبالجملة الحکم ینفذ عندنا ظاهراً لا باطناً،ولایستبیح المشهود له ما حکم له إلا مع العلم بصحة الشهادة أو الجهل بحالها...،خلافاً لأبی حنیفة فحکم بإستباحة المحکوم له وان علم بطلانه،من غیر فرق بین المال و البضع،و قد خالف فی ذلک ضرورة المذهب أو الدین». (5)

24.وجوب غسل موضع البول بالماء وعدم إجزاء غیره،ذکره فی الجواهر،حیث یقول:«یجب غسل موضع البول،إجماعاً منقولاً ومحصلاً،بل هو من ضروریات مذهبنا». (6)

25.نجاسة الکلب و الخنزیر البریان،ذکر ذلک فی الجواهر،إذ یقول:«السادس و السابع الکلب و الخنزیر البریان،للنصوص المستفیضة وفیها الصحیح وغیره،والقسم بالله:أنّ الکلب نجس،وللإجماع المحصّل،بل ضرورة المذهب». (7)

26.عدم جواز السجود اختیاراً علی ما لیس بأرض أو نبات کالجلود و الصوف و الشعر و الوبر،ذکر ذلک فی الجواهر،إذ یقول:«لایجوز السجود اختیاراً علی ما لیس بأرض ولا

ص:250


1- (1) .المصدر:16/41.
2- (2) .المصدر:17/28.
3- (3) .المصدر:85/29.
4- (4) .المصدر:19/41.
5- (5) .المصدر:179/41.
6- (6) .المصدر:14/2.
7- (7) .المصدر:366/5.

نباتاً....کالجلود و الصوف و الشعر و الوبر و الریش ونحوها إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفیضاً بل متواتراً،کالنصوص التی ستسمع فی أثناء البحث جملة منها،بل یمکن دعوی ضرورة المذهب علیه». (1)

27.عدم جواز دفع الزکاة للعیال للتوسعة،ذکر ذلک فی الجواهر،إذ یقول:«بل یمکن دعوی ضرورة المذهب أو الدین علی خلاف ذلک،وأنه لیس إیتاء للزکاة،ضرورة رجوع التوسعة علی عیاله إلیه». (2)

28.کون وکالة الفقیه عن الإمام علیه السلام غیر مقصورة علی خصوص الفتوی و القضاء،ذکر ذلک فی الجواهر،إذ یقول:«ومع الإغضاء عن ذلک کلّه فیندفع جمیع ما تقدّم بتسلیمه إلی الفقیه المأمون الذی هو وکیله علی کل ما کان یفعله من القسمة ونحوها،إذ احتمال قصر وکالته علی خصوص القضاء و الفتوی کما فی الحدائق ضعیف جداً مناف لما علیه الأصحاب فی سائر الأبواب،بل وللمعلوم من ضرورة المذهب». (3)

29.کون ما یحصل من الرهن من فائدة هی للراهن،ذکر ذلک فی الجواهر إذ یقول:«بل یمکن دعوی ضرورة المذهب بل الدین علیه». (4)

30.جواز النکاح بالعقد المنقطع مایزید علی الأربع،ذکر ذلک فی الجواهر اذ یقول:«لابأس بدعوی ضرورة المذهب علی ذلک». (5)

31.یشترط فی المطلقة أن تکون زوجة،ذکر ذلک فی الجواهر،حیث یقول:«الأول:أن تکون زوجة،بلا خلاف أجده،بل الإجماع بقسمیه علیه،بل لعلّه من ضروریات المذهب». (6)

32.قبول الإسلام بأظهار الإسلام ما لم یعلم الخلاف،ذکره فی الجواهر،حیث یقول:«لثبوت الإسلام بإظهاره الإسلام الذی من ضرورة المذهب،بل الدین،وجوب قبوله ممن یحصل منه ما لم یعلم خلافه». (7)

ص:251


1- (1) .المصدر:411/8.
2- (2) .المصدر:401/15.
3- (3) .المصدر:167/16.
4- (4) .المصدر:229/25.
5- (5) .المصدر:8/30.
6- (6) .المصدر:27/32.
7- (7) .المصدر:33/34.

33.وجوب الحجّ و العمرة،ذکر ذلک فی کشف الغطاء،حیث یقول:«وقامت علی وجوبه ووجوب العمرة ضرورة المذهب،وعلیه ضرورة الدین». (1)

34.وجوب الحج و العمرة فی العمر مرة واحدة،أیضاً ذکره فی کشف الغطاء حیث یقول:«أنه یجب فی العمر کالعمرة مرة،و قد قام علیه إجماع أهل الحق تحصیلاً ونقلاً،وربما تدعی علیه ضرورة المذهب،بل ضرورة الدین». (2)

35.مشروعیة القرعة،ذکر ذلک فی عوائد الایام،حیث یقول:«وبالجملة:انعقاد الاجماع علی مشروعیة القرعة أظهر ظاهر للفقهاء،بل یمکن ادعاء الضرورة المذهبیة فیه أیضا». (3)

36.عدم نسخ الکتاب و السنة بالخبر الظنی،ذکره السید الخوئی فی مصباح الاُصول،حیث یقول:«فإنّ ضرورة المذهب قاضیة بعدم نسخ الکتاب و السنّة بالخبر الظنی». (4)

37.عدم حجیة خبر الواحد،نقل السید الخوئی قدس سره وجود من یقول:إنّ عدم حجیته من ضروری المذهب،فقال:«وقع الخلاف بین الأعلام فی حجیة خبر الواحد،فذهب جماعة من قدماء الأصحاب إلی عدم حجیته،بل ألحقه بعضهم بالقیاس فی أن عدم حجیته من ضروری المذهب». (5)

38.بطلان تقلید المیت لو کان أعلم الأحیاء و الأموات،ذکر کون ذلک من ضرورات مذهب الشیعة،السید الخوئی قدس سره فی التنقیح،إذ یقول:«إلا أنّ السیرة مما لایمکن الاستدلال بها فی المقام،وذلک لاستلزامها حصر المجتهد المقلَّد فی شخص واحد فی الأعصار بأجمعها لأن أعلم علمائنا من الأموات و الأحیاء شخص واحد لامحالة،فإذا فرضنا أنّه الشیخ أو غیره تعین علی الجمیع الرجوع إلیه حسبما تقتضیه السیرة العقلائیة،وذلک للعلم الإجمالی بوجود الخلاف بین المجتهدین فی الفتیا،ویأتی أنّ مع العلم بالمخالفة یجب تقلید الأعلم فحسب من دون فرق فی ذلک بین عصر وعصر،و هو مما لایمکن الالتزام به لأنه خلاف الضرورة من مذهب الشیعة،ولایسوغ هذا عندهم بوجه لتکون الأئمة ثلاثة عشر». (6)

ص:252


1- (1) .کشف الغطاء:664/4.
2- (2) .المصدر:667/4.
3- (3) .عوائد الایام:653.
4- (4) .مصباح الاُصول:417/3.
5- (5) .المصدر:148/2.
6- (6) .التنقیح فی شرح العروة الوثقی:83/1.

أقول:لا أدری کیف یلزم من تقلید المیت الأعلم بین الأحیاء و الأموات کون الأئمة ثلاثة عشر،حتی یکون ذلک خلاف ضرورة المذهب الشیعی؟!فهل ذلک یمنحه صفة العصمة التی هی شرط فی الأمام عندنا, حتی یکون إماماً ثالث عشر،أو یجعله ذلک منصوصاً علیه،کما نشترط فی الإمام،حتی یصبح إماماً کذلک؟!وأظن أنّ کلّ هذه التخرصات جاءته قدس سره من ضیق الخناق،فلدیه نتیجة مسبقة مقتنع بها،وعندما واجه السیرة التی لامفر منها فی قضیة تقلید المیت،حاول کیفما کان أن یدفعها،فأوجد لها هذا الکلام،الذی أعجب کیف یصدر من أمثال السید الخوئی؟!

39.جواز غیبة المخالف وهتکه وعدم احترامه, ذکر ذلک السید الامام الخمینی قدس سره إذ یقول:«...فلا شبهة فی عدم احترامهم بل هو من ضروری المذهب کما قال المحققون» (1)والظاهر أنّ مقصوده من المحققین صاحب الجواهر قدس سره حیث قال فی جواهره«وعلی کل حال فالظاهر إلحاق المخالفین بالمشرکین فی ذلک لاتحاد الکفر الإسلامی و الإیمانی فیه،بل لعل هجاؤهم علی رؤوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقیة،وأولی من ذلک غیبتهم التی جرت سیرة الشیعة علیها فی جمیع الأعصار و الأمصار علمائهم وعوامهم،حتی ملأوا القراطیس منها بل هی عندهم من أفضل الطاعات،وأکمل القربات فلاغرابة فی دعوی تحصیل الإجماع،کما عن بعضهم بل یمکن دعوی کون ذلک من الضروریات فضلاً عن القطعیات». (2)

40.حرمة الغناء،ذکر کونها من ضرورات المذهب فی الجواهر،قائلاً«بل یمکن دعوی کونه ضروریاً فی المذهب». (3)

41.طهارة الماء المستعمل فی الوضوء من الحدث،ذکر ذلک السید الحکیم قدس سره فی المستمسک،إذ یقول:«إجماعاً،بل أدعی علی الأول ضرورة المذهب». (4)

42.طهارة الماء المستعمل فی الحدث الأکبر مع طهارة البدن،أیضاً ذکر ذلک فی المستمسک،اذ یقول:«اتفاقاً نصّاً وفتوی،بل لعله ضروری». (5)

43.إبتداء وقت الظهرین بالزوال،ذکر ذلک فی المستمسک،إذ یقول:«لما عرفت من

ص:253


1- (1) .المکاسب المحرّمة:379/1.
2- (2) .جواهر الکلام:62/22.
3- (3) .المصدر:44/22.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی:219/1.
5- (5) .المصدر:219/1.

دعوی الإجماع علی التوقیت بالزوال،بل ادعی علیه ضرورة المذهب أو الدین». (1)

44.حرمة النظر إلی الأجنبیة،ذکر ذلک السید الروحانی فی فقه الصادق،قائلاً:«لایجوز النظر إلی الاجنبیة إجماعاً،بل ضرورة المذهب بل الدین». (2)

45.بطلان الصلاة وقطعها بما یبطل الطهارة من الأحداث مطلقاً فیما لو صدر الحدث عن عمد،ذکر ذلک فی ریاض المسائل،إذ یقول:«فإن الحکم بالبطلان فی الصورة الاولی-ومقصوده صورة العمد-کاد ان یکون ضروری المذهب،بل الدین جداً». (3)

46.استثناء المؤنة من الخمس،نقل الشیخ الانصاری قدس سره عن شرح المفاتیح إدعاء الضرورة المذهبیة علی ذلک،اذ یقول:«وفی شرح المفاتیح،أنه إجماعی بل ضروری المذهب». (4)

47.استحباب جعل الجریدة مع المیت،ذکر ذلک النراقی فی المستند،إذ یقول«وفی المنتهی أنه مذهب أهل البیت،والظاهر أنه ضروری المذهب». (5)

48.بطلان طهارة جلد المیتة بالدبغ،ذکر ذلک الشیخ الأنصاری،إذ یقول:«استفاضة دعوی الاجماع بل تواترها کالاخبار بل دعوی ضرورة المذهب کما عن شرح المفاتیح علی بطلان قول ابن الجنید بطهارة جلد المیتة بالدبغ». (6)

49.کون خبر الواحد کالقیاس،نقل الشیخ الانصاری نسبة ذلک إلی السید المرتضی،إذ یقول:«إلی ما رأو من السید:من دعوی الاجماع بل ضرورة المذهب علی کون خبر الواحد کالقیاس عند الشیعة». (7)

50.أصل وجوب العمل بالأخبار المدوّنة فی الکتب المعروفة،إدعی ضرورة ذلک الشیخ الانصاری فی الرسائل،حیث یقول:«ثم اعلم ان أصل وجوب العمل بالأخبار المدوّنة فی الکتب المعروفة مما أجمع علیه فی هذه الأعصار،بل لایبعد کونه ضروری المذهب». (8)

ص:254


1- (1) .المصدر:27/5.
2- (2) .فقه الصادق:110/21.
3- (3) .ریاض المسائل:500/3.
4- (4) .کتاب الخمس:199/11،من سلسلة مؤلفات الشیخ الانصاری.
5- (5) .مستند الشیعة:223/3.
6- (6) .کتاب الطهارة:34/2،ضمن سلسلة مؤلفات الشیخ الأنصاری.
7- (7) .فرائد الاصول:164/1.
8- (8) .المصدر:239/1.

کلام المجلسی قدس سره فی تعداد ضروریات المذهب

ذکر العلّامه المجلسی قدس سره فی رسالة له موسوعة بالاعتقادات مجموعة کثیرة من مصادیق ضروری المذهب فی الامور الاعتقادیة والامور العملیة الفرعیة،والیک نص ماذکره.

«و أما إنکار ما علم ضرورة من مذهب الامامیة فهو یلحق فاعله بالمخالفین،ویخرجه عن التدین بدین الائمة الطاهرین علیهم السلام کامامة الائمة الاثنی عشر،وفضلهم،وعلمهم،ووجوب طاعتهم،وفضل زیارتهم،واما مودتهم وتعظیمهم فی الجملة فمن ضروریات دین الإسلام ومنکرها کافر کالنواصب و الخوارج،ومما عدّ من ضروریات دین الإمامیة،استحلال المتعة وحج التمتّع،والبراءة ممن ظلم وحارب أمیر المؤمنین أو غیره من الأئمة ومن جمیع قتلة الحسین علیه السلام،وقول:«حی علی خیر العمل»فی الآذان،ثمّ لابد أن تعتقد فی النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام،أنهم معصومون من أول العمر إلی آخره من صغایر الذنوب وکبایرها،وکذا جمیع الأنبیاء و الملائکة،وأنّهم أشرف المخلوقات جمیعاً،وأنّهم أفضل من جمیع الأنبیاء وجمیع الملائکة،وأنّهم یعلمون علوم جمیع الأنبیاء،وأنهم یعلمون علم ما کان وعلم مایکون إلی یوم القیامة،وأن عندهم آثار الأنبیاء وکتبهم کالتوراة و الإنجیل و الزبور وصحف آدم وابراهیم وشیث،وعصا موسی،وخاتم سلیمان،وقمیص ابراهیم،والتابوت و الألواح،وغیر ذلک،وأنه کان جهاد من جاهد منهم،وقعود من قعد عن الجهاد،وسکوت من سکت ونطق من نطق وجمیع أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم بأمر الله،و أنّ کل ما علم رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه علیاً،وکذا کل لاحق یعلم جمیع علم السابق عند إماتته،وأنّهم لایقولون برأی،ولا اجتهاد بل یعلمون جمیع الأحکام من الله تعالی،ولایجهلون شیئاً یسألوا عنه،ویعلمون جمیع اللغات وجمیع أصناف الناس بالإیمان و الکفر،ویعرض علیهم اعمال هذه الاُمة کلّ أبرارها وفجارها،ولاتعتقد أنهم خلقوا العالم بأمر الله تعالی،فإنا قد نهینا فی صحاح الأخبار عن القول به،ولا عبرة بما رواه البرسی وغیره من الأخبار الضعیفة،ولایجوز علیهم السهو و النسیان وماورد به من الأخبار محمولة علی التقیة.

ویجب علیک أن تقرّ بالمعراج الجسمانی وأنه عرج ببدنه الشریف وتجاوز السماوات،ولاتصغ إلی شبه الحکماء فی نفی الخرق والالتیام علی الأفلاک،فإنها واهیة ضعیفة،والمعراج من ضروریات الدین وإنکاره کفر،وأن تکون فی مقام التسلیم فی کل ما وصل الیک من أخبارهم،فإنّ أدرکه فهمک ووصل إلیه عقلک تؤمن به تفصیلاً وإلا فتؤمن به إجمالاً،وتردّ علمه إلیهم،وإیاک أن ترد شیئاً من أخبارهم لضعف عقلک؛لعله یکون منهم ورددته لسوء فهمک،فکذبت الله فوق عرشه کما قال الصادق علیه السلام واعلم أن علومهم عجیبة وأطوارهم غریبة،لایصل إلیها عقولنا،فلایجوز لنا ردّ ما

ص:255

وصل إلینا من ذلک،ثم اعلم انه یجب الإقرار بحضور النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام عند موت الأبرار و الفجار و المؤمنین و الکفار،فینفعون المؤمنین بشفاعتهم فی تسهیل غمرات الموت وسکراته علیهم،ویشددون علی المنافقین ومبغضی أهل البیت علیهم السلام؛وفی الأخبار أن الماء الذی یسیل من أعین المؤمنین عند الموت هو من شدّة فرحهم وسرورهم برؤیة النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة علیه السلام،ویجب الإقرار بذلک مجملاً،ولایلزم التفکّر فی کیفیة ذلک،أنّهم یحضرون فی الأجساد الأصلیة أو المثالیة أو بغیر ذلک،ولایجوز التأویل بالعلم أو انتقاش الصور فی القوی الخیالیة فإنه تحریف لما ثبت فی الدین وتضییع لعقاید المؤمنین،ویجب الإیمان بأن الروح باق بعد مفارقة الجسد ویتعلّق بجسد مثل هذا الجسد،و هو مع جنازته،ویطلع علی مشیعیه فإن کان مؤمناً یناشدهم فی التعجیل،لیصل إلی ما أعد الله له من الدرجات الرفیعة و النعم العظیمة،و إن کان منافقاً یناشدهم فی عدم التعجیل حذراً مما اعد له من العقوبات،و هو مع غاسله ومقلبه ومشیعیه حتی إذا دفن فی قبره ورجع مشیعوه, ینتقل الروح إلی جسده الأصلی؛فیجیبئه الملکان منکر ونکیر فی صورة مهیبة إن کان معذّباً،وبشر وبشیر فی صورة حسنة ان کان من الأبرار،فیسئل عن عقائده ومن یعتقده من الأئمة واحداً بعد واحد؛فإن لم یجب عن واحد منهم یضربانه بعمود من نار یمتلئ قبره ناراً إلی یوم القیامة،و إن أجاب یبشرانه بکرامة الله؛ویقولان له:«نم نومة عروس قریر العین»،وإیاک ان تؤول هذین الملکین،وسؤالهما فإنه من ضروریات الدین،وایاک أن تصغ إلی تأویلات الملاحدة فی جمیع الملائکة بالعقول و النفوس الفلکیة،فانه قد تظافرت الآیات وتواترت الأخبار بکونهم أجساماً لطیفة یقدرون علی التشکل بأشکال مختلفة،ویراهم رسول الله صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام وأنهم اولوا أجنحة مثنی وثلاث ورباع،وأنهم أکثر خلق الله وأعظمهم و قد وردت الأخبار الکثیرة عن کلّ واحد من الأئمة فی کیفیاتهم وعظمتهم وغرایب خلقهم وشؤونهم وأشغالهم وأطوارهم.

ویجب أن تعتقد أن السماوات غیر مطابقة بل من کلّ سماء إلی سماء خمسمائة سنة ومابینهما مملؤة من الملائکة و قد ورد فی الأحادیث،أنه ما من موضع قدم فی السماوات إلّا وفیها ملک یسبح الله ویقدسه،ویجب أن تعتقد عصمة الملائکة،ولاتصغ إلی ما اشتهر بین عوام الناس وفی التواریخ و التفاسیر المأخوذة من کتب العامة،وهم اخذوا من تواریخ الیهود من قصة هارون وماروت،وتخطئة الأنبیاء فانه قد ورد فی أخبارنا الرد علیها وتفسیر الآیات الواردة فیها علی وجه لایتضمن فسقهم وخطاهم،ولایسع بهذه الرسالة ذکر تفاصیلها.

ثم اعلم أنه یلزمک الإیمان و الإذعان بضغطة القبر فی الجملة،و أما أنها عامة لجمیع الناس أو

ص:256

مخصوصة بغیر کمل المؤمنین،یظهر من کثیر من الأخبار الثانی،ولابدّ من الإذعان بکون الضغطة فی الجسد الأصلی لا المثالی،وبأنّ بعد السؤال و الضغطة ینتقلون إلی اجسادهم المثالیة فقد یکونون علی قبورهم ویطلّعون علی زوارهم،ویأنسون بهم وینتفعون بزیارتهم إن کانوا مؤمنین،و قد ینتقلون إلی وادی السلام،و هو النجف علی مشرفها ألف تحیة؛و قد ینتقلون إلی جنة الدنیا فیتنعمون بنعمها ویأکلون من فواکهها ویشربون من أنهارها کما قال الله تعالی: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ* فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وان کانوا کافرین معاندین،یذهب بهم إلی النار فیعذبون إلی یوم القیامة،وان کانوا مستضعفین؛فظاهر بعض الأخبار أنّهم یمهلون إلی یوم القیامة لایتنعمون ولایعذبون،ویجب أن تعتقد أن لله تعالی فی الدنیا جنة ونار سوی جنة الخلد ونار الخلد،بل ورد الخبر عن الرضا علیه السلام«أن جنة آدم أیضاً کانت جنة الدنیا لا جنة الخلد»،ویجب الإذعان بالجنة و النار حسبما ورد عن صاحب الشرع معلوماً وتأویلها بالمعلومات الحقّة و الباطلة و الأخلاق الحسنة و الردیة کفر و الحاد،بل یجب الإذعان بکونهما مخلوقین بالفعل؛لا أنهما ستخلقان بعد ذلک و قد ورد عن الرضا علیه السلام«أنّ من انکر ذلک؛فهو منکر للآیات ولمعراج النبی»و هو کافر،ویجب أن تؤمن بالرجعة فإنها من خصائص الشیعة واشتهر ثبوتها عن الأئمة بین الخاصة و العامة،و قد روی عنهم لیس منا من لم یؤمن بکرّتنا و الذی یظهر من الاخبار هو انه یحشر الله تعالی فی زمان القائم أو قبیله جماعة من المؤمنین؛لتقر أعینهم برؤیة أئمتهم ودولتهم وجماعة من الکافرین و المعاندین للانتقام عاجلاً فی الدنیا،و أما المستضعفون فلایرجعون إلی یوم القیامة الکبری،واما رجوع الائمة فقد دلت الأخبار الکثیرة علی رجعة أمیر المؤمنین علیه السلام،وکثیر منها علی رجعة الحسین علیه السلام؛ودلّ بعض الأخبار علی رجوع النبی صلی الله علیه و آله وسایر الأئمة،و أما کون رجوعهم فی زمان القائم علیه السلام أو قبلها وبعده فالأخبار فیه مختلفة فیجب ان تقرَّ برجوع بعض الناس و الأئمة علیهم السلام مجملاً،وتردّ علم ماورد فی تفاصیل ذلک إلیهم،و قد أوردت الأخبار الواردة فیها فی کتاب بحار الانوار وکتبت رسالة منفردة أیضاً فی ذلک،ویجب ان تعتقد:أن الله تعالی یحشر الناس فی القیامة،ویردٌ أرواحهم إلی الأجساد الأصلیة وإنکار ذلک وتأویله بما یوجب إنکار ظاهره کما نسمع فی زماننا عن بعض الملاحدة کفر و الحاد إجماعاً،وأکثر القرآن وارد فی اثبات ذلک وکفر من أنکره،ولاتلتفت إلی شبه الحکماء فی ذلک من نفی اعادة المعدوم وتأویل الآیات و الأخبار بالمعاد الروحانی،ویجب أن تذعن بحقیة الحساب وتطایر الکتب یمیناً وشمالاً،وأن الله تعالی وکلَّ بکلّ إنسان ملکین احدهما علی یمین الإنسان و الآخر علی شماله،ویکتب صاحب الیمین الحسنات

ص:257

وصاحب الشمال السیئات ففی الیوم ملکان یکتبان عمل الیوم؛فإذا انتهی الیوم یصعدان بعمله ویجیئ ملکان یکتبان عمل اللیلة،وایاک أن تؤلهما بما نسمع فی زماننا فإنه کفر،ویجب أن تؤمن بشفاعة النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام وأن الله تعالی لایخلف وعده بالثواب لمن أطاعه،ویمکن أن یخلف الوعد بأن یغفر لمن عصاه من المؤمنین من غیر توبة،وانه یقبل التوبة بمقتضی وعده،وبأن الکفار و المعاندین یخلدون فی النار وأن المستضعفین مرجؤن لأمر الله،یحتمل نجاتهم من النار بفضل الله،والمستضعفون هم:الضعفاء العقول ومنهم علی مثل عقول الصبیان و النساء،والذین لم یتم علیهم الحجة کما هی،وأن المؤمنین یدخلون الجنة،ویخلدون فیها أما بلا عذاب أو بعد عذاب فی عالم البرزخ أو فی النار،واعلم أن الشفاعة مختصة بالمؤمنین لاتتعداهم إلی غیرهم،واعلم أن الحبط و التکفیر هما ثابتان عندی ببعض معانیهما،والآیات الدالة علیها لاتحصی و الأخبار لاتتناهی و الدلائل الموردة علی نفیها ضعیفة کما لایخفی علی المتدبّر فیها،ثمّ لابدّ أن تؤمن بکل ماورد علی لسان الشرع،من:الصراط،والمیزان،وجمیع أحوال القیامة واهوالها ولاتؤلها بشیء إلا ماورد تاویله عن صاحب الشرع؛فإنّ أول الکفر و الإلحاد التصرف فی النواصیص الشرعیة بالعقول الضعیفة و الأهواء الردیة أعاذنا الله وسایر المؤمنین منها،ومن أمثالها و السلام علی من اتبع الهدی». (1)

أقول:اذا کان یری قدس سره أن کل هذه المذکورات هی من ضروریات مذهب الإمامیة،فیاتری بربک،أی واحدة من الضوابط المتقدّمة لمعنی ضروری المذهب ینبطق علی جملة منها،کلّ المذکورات أدلتها واضحة عند علماء المذهب الإمامی،أو أن کل المذکورات مما لایجهله أحد من أبناء المذهب،أو أن کل المذکورات مما قام الدلیل الیقینی القطعی علیه،أم أن کل المذکورات من الأرکان المقوّمة لحقیقة المذهب أو من أجزائه الاساسیة؟!.

إن کلّ الضوابط المتقدمة لاتنطبق علی جملة من المصادیق التی ذکرها،ومن هنا نبقی نؤکد علی أهمیة ملاحظة مدی انطباق النظریة علی المصداق بالنسبة لادعاء ضرورة أمر أو عدم ضرورته،هذا الأمر الذی لاحظنا بکثب عدم مراعاته فی کثیر من کلمات الأعلام،وعلی کل حال العصمة تبقی لأهلها.

ص:258


1- (1) .رسالة الاعتقادات للعلامة المجلسی+:15-22.

الفصل الثالث: الضرورات الفقهیة

اشارة

ص:259

ص:260

المبحث الأوّل:مفهوم الضرورة الفقهیة

اشارة

لم نرَ بحسب تتبعنا کثیراً فی کلمات الأعلام قدیماً وحدیثاً مَن تعرّض لتحدید مفهوم عنوان الضرورة الفقهیة،و إنّما غایة مایذکرون بعض المصادیق للضرورة الفقهیة،کقولهم:«إنّ الأمر الفلانی مما قامت علی إثباته،أو نفیه الضرورة الفقهیة».

و هذا الأمر یمثّل أحد الصعوبات أمام الباحث العلمی من التعرّض بالبحث لهذا العنوان،ولعلّه لأجل هذا لم نجد بحثاً أو کتاباً مستقلّاً یتناول العنوان المذکور بالبحث.

ویمکننا القول فی تحدید ضابط الضرورة الفقهیة عدّة احتمالات:

الضابطة الاُولی

اشارة

أنْ یقال:إنّ ضابط الضرورة الفقهیة هو ضابط الضروری المنطقی نفسه؛أی:تلک الاُمور التی لایحتاج ثبوتها أو نفیها فی الفقه إلی دلیل،وهی عبارة عن البدیهیات و الضروریات الست،ولکن لما کانت الاُمور الفقهیة لیس للاُولیات فیها نصیب ولا للتجریبیات ولا للحدسیات،وکذلک تقریباً للفطریات،فسوف تنحصر مناشیء الضرورة الفقهیة علی هذا الرأی بأمرین:المتواترات،والحسّیات،سواءً المحسوسات بالحواس الباطنیة المعبّر عنها بالوجدانیات،أو المحسوسات بالحواس الظاهرة الخمسة.

ویمکن المناقشة فی هذه الضابطة:

1.ان هذه الضابطة لاتمثّل إلّا دعوی غیر مبرهنة،فما هو الدلیل علی کون الضرورة الفقهیة هی بهذا المعنی؟!ولماذا نحاول أن نسلک فی فهم هذا العنوان سبیل المناطقة،ثمّ لماذا حصر مناشئ الضرورة الفقهیة بطریقی التواتر و الحِسّ؟!.

ص:261

2.إنّ هذا الرأی قد یؤدی إلی التنازل عن ضرورة بعض الاُمور التی تمثّل ضرورات فقهیة لایمکن التنازل عنها،حیث لم تثبت بالتواتر أو الحس.

الضابطة الثانیة

أن یقال:إنّ ضابط الضرورة الفقهیة هو:ذلک الأمر الفقهی الذی اتفق علی إثباته أو نفیه فی الفقه من قبل العلماء فی مختلف الأزمان و العصور أو فی عصر معین.

وفیه:

مضافاً إلی عدم الدلیل علی هذا المدّعی،یوجد أمر یمثل مانعاً من قبول هذه الضابطة،و هو ما الفرق بین هذه الضابطة وبین الإجماع إذ الإجماع أیضاً هو اتفاق فتوی الأعلام إمّا فی کلّ الأزمان أو فی زمان معین-کما لو أتفق قدماء علمائنا نحن الإمامیة علی فتوی معینة-،ولایمکن قبول أنّ عنوان الإجماع هو عنوان الضرورة الفقهیة نفسه إذ الکل متفقٌ-تقریباً-علی ان أحدهما غیر الآخر.

الضابطة الثالثة

أن یقال:إن ضَابط الضرورة الفقهیة هو ذلک الأمر الفقهی،الذی یکون دلیله واضحاً عند العلماء بحیث لایصلح الخلاف فیه.

وفیه:

ما تقدّم فی الضوابط السابقة،فإنّ هذه الضابطة أیضاً لاتمثّل إلّا دعوی لم یستدل علیها،علی أن ربط الأمر فی هذه الضابطة بوضوح الدلیل،قد جعلها من الضوابط غیر الواضحة المعالم،إذ مَن الذی یحدد أنّ هذا الأمر واضح الدلیل أو لا؟فهل اتفاق العلماء کلّهم،أو طبقة خاصّة منهم،أو من یاتری هذا من جهة؟!.

ومن جهة أخری،انطباق هذه الضابطة علی مصادقها،قد یؤدی إلی أمور خطیرة لاترضی بها الشریعة؛لأنه قد یکون أمراً ما واضح الدلیل عند عالم من العلماء فیدعی ضرورته الفقهیة،ولایری آخر وضوح دلیله فینکر ضرورته،ولا سامح الله قد یؤدی الأمر إلی التضلیل والاتّهام وما شابه،و هذا و إن لم یکن إشکالاً علمیاً بالمعنی الصناعی،لکنّه علی أی حال یمثّل وجود خلل فی الضابطة المدعاة.

ص:262

الضابطة الرابعة

أن یقال:إنّ ضابط الضرورة الفقهیة،هو ذلک الأمر الفقهی الذی وصل إلی درجة من الوضوح حیث لایجهله أحد من أفراد المسلمین-إلا الشاذّ منهم-علمائهم وعوامهم،نسائهم ورجالهم،شیوخهم وشبابهم وصغارهم-بل حتی الملل الاُخری تعلم أنّه من الاُمور الثابتة فی فقه المسلمین.

وفیه:

1.عدم الدلیل علی هذه الضابطة،فهی دعوی بلا دلیل.

2.إنّ هذه الضابطة یمکننا القول:انَّه لامصداق لها إلّا مثل وجوب الصلاة و الصوم و الحجّ،فإنّ هذه الاُمور الفقهیة هی التی یقطع بوصول وضوحها إلی هذه المرتبة بین کل المسلمین،أما غیرها؛فیوجد مجال واسع-بملاحظة حال المسلمین وأبتعادهم عن تعالیم دینهم-؛للتشکیک فی وصولها مرتبة الوضوح تلک،فهل یقبل من یختار هذه الضابطة حصر الضرورات الفقهیة بأمور تساوی عدد أصابع الید الواحد لا الیدین الأثنین.إنّ هذا خیر منبه وجدانی علی بطلان هذه الضابطة.

الضابطة الخامسة

وهی الضابطة التی ذکرناها نفسها فی تحدید مفهوم ضروری الدین وضروری المذهب،فنختارها هنا فی تحدید ضابط الضرورة الفقهیة،للتتشکل عندنا نظریة جدیدة متناسقة ومتکاملة،وعلی نهج واحد فی تحدید مفاهیم هذه العناوین الثلاثة:(الضرورة الدینیة،الضرورة المذهبیة،الضرورة الفقهیة).

إذن،الضرورة الفقهیة:هی الأمر الذی یحتاجه الفقه حاجة شدیدة،وعلی هذا سوف تکون الضرورات الفقهیة منحصرةً فی قسمین رئیسین:

أ)الضرورات الفقهیة التی تمثل أرکاناً رئیسیة مقومة لحقیقة الفقه،حیث لولاها لانهدّ أصل الفقه.

ب)الضرورات الفقهیة التی تشکل أجزاءاً رئیسیة فی الفقه من غیر أن تکون مقومة له.

فإنّ الرکن المقوّم و الجزء الأساسی للفقه هو الذی یحتاجه الفقه تلک الحاجة الشدیدة،و أما غیرهما فإما هو یحتاجه الفقه؛ولکن لیست حاجة شدیدة أو هو غیر معلوم الاحتیاج الشدید.

ص:263

وبعد ان أتضحت هذه الضابطة لابدّ من التنبیه علی بعض الاُمور:

1.إنّ الدلیل علی هذه الضابطة المختارة،هو نفس الدلیل الذی ذکرناه علی الضابط المختار لعنوانی:ضروری الدین وضروری المذهب،واللذان کانا ینطلقان من التفریق بین عنوان ما علم ثبوته فی الدین أو المذهب بالضرورة،وبین عنوان ضروری الدین وعنوان ضروری المذهب،وهنا أیضاً نقول یوجد فرق بین عنوان ما علم ثبوته فی الفقه ضرورة وبین عنوان الضرورة الفقهیة فلیس أحد العنوانین مرادفاً للآخر بالبیان المتقدّم فی الأبحاث السابقة.

2.إنّ بعض الإشکالات التی ذکرنا یمکن أن تورد علی الضابط الذی ذکرناها لضروری الدین وضروری المذهب،قد تورد بعینها علی الضابط الذی ذکرناها للضرورة الفقهیة،وسوف یکون الجواب هو الجواب هناک،فراجع.

3.بناءاً علی هذه الضابطة المختارة سوف؛یکون تحدید مصداق الضرورة الفقهیة،و أنّ الأمر الفلانی من الأرکان المقوّمة أو الأجزاء الأساسیة،لا سبیل له الا أحد طریقین:

أ)النصّ الدینی،قرآناً أو سنةً.

ب)الاتفاق بین المسلمین أو بین العلماء علی کون أمر ما من أرکان فقههم أو أجزائه الاساسیة.

4.بناءاً علی الضابطة المختارة سوف لایکون لعاملی الزمان و المکان تأثیر علی تغییر الضرورات الفقهیة،لأنّ النص الدینی أو الاتفاق بین المسلمین أو العلماء،إذا تمّ علی کون أمر ما من أرکان الفقه المقوّمة له أو أجزائه الأساسیة،فهذا یعنی:انَّه یثبته کذلک فی کلّ الأزمان وفی کلّ الأماکن،و هذا یعنی أنّ ضرورته الفقهیة عامة وغیر مخصصة بزمان أو مکان معین،فإذا ما أردنا إثبات التقیید أو التخصیص،أحتجنا إلی دلیل خاص یثبت ذلک؛وإلّا فالقاعدة تقتضی العموم.

نعم،یمکن تصویر خضوع الضرورات الفقهیة لعامل الزمان و المکان من خلال القول:إنّ فهم الفقهاء للنصوص الدینیة مختلف،فربّ عالمٍ یفهم من نصّ دینی أنّ الأمر الفلانی من أرکان ومقومات الفقه أو أجزائه الأساسیة فیعدّه من الضروری،ورب عالم آخر لایفهم ذلک من النص نفسه فلایعدّه من الضروری،ولعل اختلاف الفهم بین الفقهاء فی بعض الأحیان یکون نتیجة لاختلاف الأزمنة و الأمکنة التی یعیشون فیها،وما یجر من ذلک من عوامل بیئیة وتربویة ووراثیة-المعبّر عنها فی البحوث الحدیثة بقبلیات الفقیه-ولأجل هذه النکتة قد یقال بتأثیر عامل الزمان و المکان علی اختلاف الضرورات الفقهیة سعةً وضیقاً.

ص:264

بینما علی الضوابط الاُخری التی ذکرناها،فالأمر واضح بملاحظة ما تقدّم فی تأثیر عامل الزمان و المکان علی الضرورات الفقهیة،حالها حال الضرورات الدینیة و المذهبیة.

5.بناءاً علی الضابطة التی ذکرناها أو الضوابط الاُخری سوف یکون هناک إشتراک فی بعض مصادیق العناوین الثلاثة:

أ)فسوف تکون هناک ضرورات فقهیة هی فی الوقت نفسه ضرورات دینیة،و هذا کما فی وجوب الصلاة،والصیام،والحجّ،والزکاة،وأمثالها.

ب)وسوف تکون هناک ضرورات فقهیة هی فی الوقت نفسه ضرورات مذهبیة،و هذا کما:فی حرمة العمل بالقیاس،أو استحباب زواج المتعة،وما شاکل.

ص:265

ص:266

المبحث الثانی

حکم منکر الضرورة الفقهیة

البحث المنهجی النظری فی هذا العنوان،لابدّ أن یمنهج علی وفق التصورات المتقدّمة لضابط الضرورة الفقهیة،ومن هنا یکون الاقتراح تقسیم المبحث هنا علی ثلاثة أقسام،إذ بناءاً علی الضابطة المختارة،لابدّ من عقد بحثین:

1.حکم منکر الضرورة الفقهیة؛فیما إذا کانت من الأرکان المقوّمة.

2.حکم منکر الضرورة الفقهیة فیما إذا کانت من الأجزاء الأساسیة.

بینما علی الضوابط الاُخری المدّعاة،ینحصر البحث تحت عنوان واحد.

3.هو حکم منکر ما علم ثبوته فی الفقه ضرورة-الذی هو یساوی عنوان الضرورة الفقهیة باصطلاح الأعلام-سواء أکان رکناً مقوماً أو جزءاً أسیاساً،أو لم یکن کذلک.

وعلیه فسوف تکون البحوث ثلاثة:

الأول:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الأول.

الثانی:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الثانی.

الثالث:حکم منکر ما علم ثبوته فی الفقه ضرورة.

الأول:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الأول

نستطیع أن نقسم الضرورات الفقهیة التی تمثّل أرکاناً رئیسیة مقومة للفقه-ولا سیما الفقه الإمامی-یحتاجها حاجّة شدیدة،علی قسمین رئیسین:

1.مطالب عقائدیة تمثل دعائماً رئیسیةً للفقه الإمامی،إذ لولاها لهُدم ذلک الفقه،

ص:267

کالتوحید،والنبوة،والإمامة،والعدل و العصمة مثلاً،إذ لولا الإمامة مثلاً لما بقی هناک مذهب حتی یبقی فقهه،فهذه الاُمور بالإضافة إلی کونها تمثل ضرورات دینیة ومذهبیة هی کذلک فی الوقت نفسه تمثل ضرورات فقهیة،لاحتیاج الفقه إلیها حاجة شدیدة،والکلام فی حکم منکرها تقدّم فیما سبق.

2.مطالب فقهیة تمثل دعائماً وأرکاناً رئیسیةً فی الفقه الإمامی،وتعیین هذه الاُمور لم یذکر فی أی کتاب،ولم یتعرض إلیها فی أی بحث،مما یعنی مواجهة الصعوبة فی ذلک،ولکن لا علی سبیل الحصر نستطیع أن نذکر بعض تلک الاُمور:

أ)من قبیل الاعتماد فی فقه الإمامیة علی الکتاب و السنة؛أی:الروایات الصادرة عن أهل البیت علیهم السلام؛فإن الفقه الإمامی یحتاج إلی هذین الامرین حاجة شدیدة؛لأنها من الأرکان المقوّمة له،ولولاها لم یبق الفقه فقهاً.

ب)ومن قبیل الاعتماد فی الفقه علی الاستظهار العرفی من الروایات الواردة عن أهل بیت العصمة و الطهارة،إذ لولا هذا الاستظهار لم یبقَ الفقه فقهاً.

ج)ومن قبیل الاعتماد فی فقه الإمامیة فی زمان الغیبة علی أهل الاختصاص المعبّر عنهم بالفقهاء المجتهدین،فی تحدید النظریات و الآراء الفقهیة من النصوص الشرعیة،وإلّا لو جاز ذلک حتی لغیرهم لم یبقَ الفقه فقهاً.

د)ومن قبیل تقسیم الفقه إلی:العبادات و المعاملات،وتقسیم العبادات إلی أبواب مختلفة من:صلاة،وصیام،وحجّ وخمس،وزکاة،وجهاد،وتقسیم المعاملات علی أبواب مختلفة أیضاً من:تجارة،ورهن،ونکاح،وطلاق،إلی غیر ذلک،فإنّه لولا هذا التقسیم لم یبقَ الفقه علی هذه الهیکلیة المعروفة.

ولعله بالتتبع وإمعان النظر أکثر یحصل الباحث علی أرکان أخری یحتاجها الفقه حاجةً مقومةً.

ثمّ إنّ هذه الضرورات الفقهیة التی ذکرناها من الواضح إنّه لایترتب علی إنکارها الکفر و الخروج من الإسلام أو الخروج من المذهب و الإیمان،إذ لم تأخذ فی حدهما،فانه لم یدل أی دلیل علی کفر أو عدم إیمان منکرها.نعم قد تترتب بعض الأحکام الفقهیة علی بعضها،فمثلاً من لایعتمد علی الکتاب و السنة والاستظهار العرفی فی استنباطه للاحکام الفقهیة،وإنما یسلک فی ذلک طرقاً غیر متعارفة،کالجفر،وبعض الاُمور الغریبة،وما شابه،فإنّه لایعدّ

ص:268

مجتهداً وعلیه لایحق له الإفتاء،کما لایجوز تقلیده وتصدیه لمناصب المجتهد الفقیه الجامع لشرائط الإفتاء.

الثانی:حکم منکر الضرورة الفقهیة من القسم الثانی

و هذه مثل:وجوب الصلاة،والصیام،والحج،والزکاة،والجهاد،والأمر بالمعروف،والنهی عن المنکر،فإنّ هذه الاُمور وأمثالها من الأجزاء الرئیسیة التی یحتاجها الفقه حاجة شدیدة.

وعلی هذا سوف تکون هذه الاُمور بالاضافة إلی کونها ضرورات دینیة هی کذلک فی الوقت نفسه ضرورات فقهیة.وسوف یکون حکم منکرها هو نفس حکم منکر ضروری الدین من القسم الثانی،وبما أن إنکارها بذاته لایؤدی إلی الحکم بالکفر بحسب الأدلة،و إنّما غایة ما دلت علیه الأدلة أن إنکارها مع العلم بثبوتها سوف یؤدی إلی الکفر،فلذلک سوف یتحد المبحث فی هذا القسم مع المبحث فی القسم الثالث و هو المبحث عن إنکار ما علم ثبوته فی الفقه ضرورةً.

الثالث:حکم منکر ما علم ثبوته فی الفقه ضرورةً

مما تقدّم فی البحث عن منکر ضروری الدین،سوف یتضح لنا أن إنکار الضرورة الفقهیة أیضاً لایؤدی إلی الکفر بذاته،إذ لم یدل أی دلیل علی ذلک،و إنّما إذا استلزم إنکار ما علم ثبوته فی الفقه بالضرورة إنکار الرسالة وتکذیب النبی،فإنّه عند ذلک یحکم علی المنکر بالکفر.

و هذا معناه:

1.أنّه لا خصوصیة لإنکار خصوص ما علم بالضرورة،و إنّما الأمر یشمل حتی المعلوم الثبوت من الفقه بعلم نظری،بل یشمل حتی المظنون و المحتمل الثبوت،إذ إنکاره مع الالتفات إلی الاحتمال مما ینافی الالتزام الاجمالی بالرسالة.

2.إنّ لزوم إنکار الرسالة وتکذیب النبی صلی الله علیه و آله،لایتحقق إلا مع العلم بثبوت ما أنکر فی الفقه أو احتمال ذلک أیضاً،ولایشترط الالتفات إلی الملازمة،وعلی هذا فالجاهل،وذی الشبهة و الغافل،والناسی،وأمثالهم،لایحکم علیهم بالکفر لعدم تحقق ذلک اللازم الباطل فی حقّهم.

ص:269

ص:270

المبحث الثالث:مصادیق الضرورة الفقهیة فی کلمات الأعلام

ذکرت فی کلمات کثیر من علمائنا،بعض المصادیق للضرورة الفقهیة،ونحن نحاول أن نذکر ما عثرنا علیه بالتتبع والاستقراء من هذه المصادیق،ولعل هناک کثیراً غیرها،مع الأخذ بالحسبان عدم التعرّض لمدی صحة ما أدعی کونه من ضرورات الفقه فی کلماتهم إذ غرضنا هو استقراء المصادیق المدعاة فی کلماتهم فقط لا أکثر،و إن کنّا لا نقبل کثیراً من تلک المصادیق،إذ ذلک راجع إلی مدی انطباق النظریة المختارة فی تحدید مفهوم الضرورة الفقهیة علی المصداق وعدم ذلک:

1.اشتراط أن یأتی المکلّف بأعماله قربة إلی الله تعالی:ادعی الضرورة الفقهیة علی ذلک الإمام الخمینی قدس سره فی تهذیب الاُصول،إذ یقول:

إنّ ما دل علیه ضرورة الفقه و المسلمین،أنّه یشترط أن یأتی المکلف بأعماله لوجه الله. (1)

وکذلک الشیخ علی الاشتهاردی فی تقریرات فی أصول الفقه،یقول:

ولما قام الإجماع بل الضرورة الفقهیة علی اعتبار قصد التقرب فی العبادات. (2)

2.وجوب الاجتناب عن ملاقی النجس القطعی:ادعی الضرورة الفقهیة علی ذلک السید الإمام الخمینی قدس سره فی تهذیب الاصول،حیث یقول:

بعدما علم من ضرورة الفقه وجوب الاجتناب عن ملاقی النجس القطعی. (3)

ص:271


1- (1) .تهذیب الاُصول:291/2.
2- (2) .تقریرات فی اصول الفقه:15.
3- (3) .تهذیب الاُصول:354/2.

3.عدم حرمة خلف الوعد:ذکر ذلک السید الحائری فی کتابه القضاء،اذ یقول:

أمّا وجه الدلالة فهو أن یقال:إنّ خلف الوعد لیس حراماً بالإجماع أو الضرورة الفقهیة. (1)

4.نفوذ شهادة البینة:ذکر ذلک السید الحائری أیضاً فی کتابه القضاء،قائلاً

إن أدلة شهادة البینة عدیدة:الأول:الإجماع البالغ حد الضرورة الفقهیة مما لایضر به وجود المدرک. (2)

5.کونه القرعة لاتجری إلّا عند عدم وجود حلّ آخر:ذکر ذلک السید الحائری أیضاً،قائلاً

و أما الإیراد بأن إطلاق الکبری الموجودة فی هذا الحدیث یشمل فرض وجود حلّ آخر للنزاع،و هو خلاف الضرورة الفقهیة. (3)

6.عدم مطالبة القاضی فی حکمه ببینة علی البینة،ذکر ذلک أیضاً السید الحائری،إذ یقول:

إذ من ضرورة الفقه أنّه لو أنکر أحد الخصمین الیمین،أو الإقرار،أو قیام البینة بعد وقوع ذلک لایطالب القاضی فی حکمه ببینة علی البینة،أو الحصول علی إقرار أو یمین. (4)

7.عدم کون البلاد الشمالیة بالإضافة إلی مکّة قبلتها نقطة الجنوب:ذکر ضرورة ذلک الفقهیة السید الحکیم قدس سره فی المستمسک،حیث یقول:

(وثانیاً)بأن لازم ماذکره ان یکون جمیع البلاد الشمالیة بالاضافة إلی مکة قبلتها نقطة الجنوب،فان الخط الخارج من موقف المصلّی إلی الخط المذکور المقاطع له علی زوایا قوائم هو خط نصف النهار المفروض ما بین نقطتی الجنوب و الشمال،و هذا إن لم یکن خلاف الضرورة من الدین فلا أقل من کونه خلاف ضرورة الفقه. (5)

8.عدم وجوب قضاء الصیام الفائت فی السفر:ذکره السید الحکیم قدس سره أیضاً فی المستمسک،قائلاً:

ولاوجه لوجوب القضاء لما فات،فی السفر،بل إنّ وجب بعد ذلک فی الحضر،لم یکن قضاء لما فات،بل هو واجب آخر أجنبی عنه.و هو خلاف ضرورة الفقه. (6)

9.کون عمومات أدلة العقود غیر مختصة بالعقود المتعارفة:ذکره السید الحیکم فی المستمسک أیضاً،حیث یقول:

ص:272


1- (1) .القضاء فی الفقه الاسلامی:134.
2- (2) .المصدر:422.
3- (3) .المصدر:767.
4- (4) .المصدر:197.
5- (5) .المصدر:179/5.
6- (6) .المصدر:142/8.

فالعمدة:منع الاختصاص بالمتعارف،بل ضرورة الفقه علی خلاف ذلک،وإلّا لزم تأسیس فقه جدید. (1)

10.جواز الإقالة و الفسخ فی العقد:ذکر ضرورة ذلک السید الروحانی قدس سره فی تقریرات بحوثه الفقهیة،حیث یقول:

ولکن تقدّم أنّ حمل الآیة علی وجوب إتمام العقد وعدم نقضه ینافی قیام الضرورة الفقهیة علی جواز الاقالة و الفسخ. (2)

11.عدم حرمة الفسخ فی عقد المعاملة:ذکر ذلک السید الروحانی أیضاً فی تقریرات بحوثه الفقهیة،حیث یقول:

أنّه من الواضح الضروری أنّ الفسخ لو ثبت تأثیره أو عدمه لایکون محرّماً،إذ لم یدّع أحد من الفقهاء حرمته.إذن،فحمله علی الوجوب المولوی الراجع إلی حرمة الفسخ خلاف ضرورة الفقه. (3)

12.عدم وجوب الموافقة القطعیة فی الشبهة غیر المحصورة:ذکر ذلک السید الروحانی قدس سره فی منتقی الاُصول،حیث یقول:

و قد ادّعی الإجماع بل الضرورة الفقهیة علی عدم وجوب الموافقة القطعیة فیها. (4)

13.الاکتفاء بالإطاعة الاحتمالیة مع عدم التمکّن من الاطاعة التفصیلیة:ذکر ذلک السید الروحانی قدس سره فی منتقی الاُصول أیضاً،قائلاً

نعم, مع عدم التمکّن تحسن الإطاعة الاحتمالیة ولو کان لهما شریک فی مقام الداعویة.لأنّها أولی من ترک الإطاعة بالمرّة،و قد قامت الضرورة الفقهیة و الإجماع علی الاکتفاء بها. (5)

4.جواز إبداء المرأة زینتها لغیر نساء عشیرتها من النساء،ذکر ذلک السید الخوئی قدس سره فی تقریرات بحوثه،إذ یقول«إذ ان لازمه الالتزام بدلالة الآیة الکریمة علی حرمة إبداء المرأة زینتها لغیر نساء عشیرتها،و هو خلاف الضرورة الفقهیة. (6)

والحمد لله رب العالمین

ص:273


1- (1) .المصدر:146/12.
2- (2) .المرتقی إلی الفقه الارقی،کتاب الخیارات:107/1.
3- (3) .المصدر:31/1.
4- (4) .منتقی الاصول:139/5.
5- (5) .المصدر:326/5.
6- (6) .موسوعة الإمام الخوئی:32/32.

ص:274

المصادر

القرآن الکریم

1.ابن أبی الحدید:شرح نهج البلاغه،عزّالدین بن هبة الله المعتزلی،تحقیق:محمد أبوالفضل،دارإحیاء الکتب العربیة،بیروت،ط 1959،1م.

2.ابن الغضائری،أحمد بن الحسین الواسطی،رجال ابن الغضاری, تحقیق:ماجد الکاظمی, الناشر دار الهدی, 1380.

3.ابن منظور:جمال الدین محمد بن مکرم،لسان العرب, ط دار إحیاء التراث العربی-بیروت.

4.الأردبیلی:المحقق أحمد،مجمع الفائدة و البرهان, ط مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین بقم.

5.الأردبیلی:محمد علی،جامع الرواة،منشورات مکتبة السید المرعشی النجفی،قم،إیران،1403ه ق.

6.الاسترآبادی:محمد أمین،الفوائد المدینة،مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین،قم،ط 1424،1ه.

7.الصدر:السید محمدباقر،الأسس المنطقیة للاستقراء.

8.الأنصاری:الشیخ مرتضی،کتاب الخمس, من سلسلة مؤلفات الشیخ الأنصاری.

9.الأنصاری:الشیخ مزتضی،فراید الاصول الشیخ،ط مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

10.بحرالعلوم:السید محمد،بلغة الفقیه،منشورات مکتبة الصادق للمطبوعات،ایران-طهران.

11.البحرانی:الشیخ یوسف،الحدائق الناضرة،ط مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین،قم.

12.البخاری:محمد بن إسماعیل الجعفی،صحیح البخاری،تحقیق:مصطفی دیب البغا،دار ابن کثیر و الیمامة،دمشق و بیروت،ط 1990،4م.

13.الترحینی،السید حسن،الزبدة الفقهیة فی شرح الروضة البهیة،دار الهادی،بیروت.

ص:275

14.التفریشی:السید مصطفی،نقد الرجال،تحقیق وطبع:مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث،قم.

15.الجوهری:إسماعیل بن حمّاد،الصحاح،تحقیق:أحمد عبدالغفور،دارالعلم للملایین،بیروت،ط 1399،2ه.

16.الحائری:السید کاظم،القضاء فی الفقه الاسلامی،ط مجمع الفکر الإسلامی،ط 1،قم،1415 ه.

17.الحسکانی:الحاکم عبید الله بن أحمد،شواهد التنزیل لقواعد التفضیل, منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت-لبنان،ط 11393ه 1974م.

18.الحکیم:السید محمدتقی،الاُصول العامة للفقه المقارن،ط وتحقیق:المجمع العالمی لاهل البیت علیهم السلام بقم.

19.الحلّی:العلّامة الحسن بن المطهر،تذکرة الفقها،ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

20.الخاقانی:الشیخ علی،رجال الخاقانی, تحقیق:السید محمدصادق بحرالعلوم،مکتب الإعلام الإسلامی،قم،ط 1404،2ه.

21.الخرّازی:السید محسن،بدایة المعارف الإلهیة فی شرح عقائد الإمامیة،ط مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

22.الخمینی:الإمام روح الله الموسوی،المکاسب المحرّمة،ط مؤسسة تنظیم ونشر آثار الامام الخمینی،قم،ط 1.

23.الخمینی:الإمام روح الله الموسوی،تحریر الوسیلة،مکتبة الاعتماد،ط 1403،4ه 1983م.

24.الخمینی:السید روح الله الموسوی،کتاب الطهارة, مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی قدس سره.

25.الخونساری:رسالة فی ضروریات الدین.

26.الخوئی:السید أبوالقاسم الموسوی،مصباح الاُصول،ط مکتبة الداوری.

27.الخوئی:السید أبوالقاسم الموسوی،مصباح الفقاهة, ط منشورات مکتبة الداوری قم, ایران.

28.الخوئی:السید أبوالقاسم الموسوی،معجم رجال الحدیث, بیروت.

29.الخوانساری:السید محمدباقر،رسالة تلویح النوریات من الکلام فی تنقیح الضروریات من الإسلام, طبع علی نفقة جماعة من أهل الخیر باصفهان فی(1377 ق ه).

30.الروحانی:السید محمد صادق،فقه الصادق, ط مؤسسة دار الکتاب, قم المقدسة, ط 31412ه.

31.الروحانی:السید محمد،المرتقی الی الفقه الأرقی،کتاب الخیارات،ط دار الجلی.

32.الزبیدی:السید محمد مرتضی،تاج العروس من جواهر القاموس،تحقیق:علی شیری،منشورات دار الفکر،لبنان،ط 1994،1م.

33.السبحانی:الشیخ جعفر،تهذیب الاُصول،نشر:دارالفکر،قم،1367ش.

34.السبحانی:الشیخ جعفر،کلیات فی علم الرجال, ط مرکز مدیریت حوزه علمیة قم.

35.السند:الشیخ محمد،سند العروة الوثقی, ط مؤسسة إحیاء التراث البحرانی, قم.

ص:276

36.الشرتونی:سعید،أقرب الموارد،منشورات مکتبة آیة الله المرعشی النجفی،قم.

37.الشهرستانی:عبدالکریم،الملل و النحل،مکتبة الأنجلوا المصریة،القاهرة،ط 1988،3م.

38.الشهید الأول:محمدجمال الدین بن مکّی،الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة،ط مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرفة.

39.الصدوق:الشیخ محمد بن علی بن بابویة القمی(ت 381ه)،من لایحضره الفقیه،تصحیح و تعلیق:علی أکبر غفاری،مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین قم،ط 1404،2ه.

40.الصدوق:الشیخ محمد بن علی القمی،الخصال،ط،مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین.

41.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،اختیار معرفة الرجال(رجال الکشی)،ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث،قم.

42.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،الاستبصار،تحقیق:السید الحسن الخراسان،نشر:دارالکتب الإسلامیة،طهران،1390ه.

43.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،التهذیب،درالکتب الإسلامیة،طهران،ط 1390،3ش.

44.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،النهایة ونکتها،تحقیق مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

45.المفید:الشیخ محمد بن النعمان العکبری،الاختصاص،مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدّسة،قم،1414ه.

46.المفید:الشیخ محمد بن النعمان العکبری،الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد،ضمن سلسلة مؤلفات الشیخ المفید:11،ط دار المفید بیروت.

47.المفید:الشیخ محمد بن محمد بن العکبری،الفصول المختارة من العیون و المحاسن،(ت 413ه)،ط دار المفید،بیروت-لبنان.

48.الصدر:السید محمد،تاریخ ما بعد الظهور،ط دار التعارف للمطبوعات،بیروت-لبنان.

49.الصدر:السید محمدباقر،بحوث فی شرح العروة الوثقی،ط مجمع الشهید آیة الله الصدر العلمی-قم.

50.الصدر:السید محمدباقر،بحوث فی علم الاُصول-تقریرات:السید محمود الهاشمی،نشر:مؤسسة دائرة المعارف،قم.

51.الصدر:السید محمدباقر،تمهید فی مباحث الدلیل اللفظی-تقریرات الشیخ حسن عبد الساتر-:337/8.

52.دستغیب:سید علی محمد،صراط الحق.

53.الطباطبائی:السید علی،ریاض المسائل فی تحقیق الأحکام بالدلائل،ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث, قم.

54.الطباطبائی:السید محمدحسین،اُصول الفلسفة و المنهج الواقعی،ترجمة:السید عمار أبو رغیف،مؤسسة أم القری للتحقیق و النشر،قم.

ص:277

55.الطباطبائی:السید محمدحسین،تفسیر المیزان،ط مؤسسة مطبوعاتی اسماعیلیان،ط 1973م.

56.الطریحی:فخرالدین،مجمع البحرین, الناشر:مکتب نشر الإسلامیة, 1408 ه.

57.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،رجال الطوسی،(اختیار معرفة الرجال), تحقیق جواد القیومی الاصفهانی, ط مؤسسه النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدّسة.

58.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن،رسالة فی الاعتقادات مطبوعة ضمن کتاب الرسائل العشر لشیخ الطائفة, ط مؤسسة الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

59.الطوسی:للشیخ محمد بن الحسن،کتاب الخلاف،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،ط 1407،1ه.

60.العاملی:السید محمد بن علی الموسوی،مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام, ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم.

61.العاملی:الشهید الثانی زین الدین الجبعی،رسالة حقیقة الإیمان, المطبوعة فی کتاب المنصفات الأربعة, ضمن سلسلة مؤلفات الشهید الثانی, تحقیق مرکز الأبحاث و الدراسات الإسلامیة.

62.العاملی:السید جواد الحسینی،مفتاح الکرامة, مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة, ط.الأولی.

63.العاملی:محمد بن الحسن الشهیر ب-(الحر العاملی)،الإیقاظ من الهجة بالبرهان علی الرجعة،تحقیق مشتاق الحلو،انتشارات دلیل ما،ط 1422،1 ق-1380 ش.

64.العاملی:محمد بن الحسن،الشهید(بالحرّ العاملی)،وسائل الشیعة،الإسلامیة،طهران.

65.العراقی:أقاضیاءالدین،نهایة الأفکار،بقلم:الشیخ محمد تقی البروجردی،مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة،1405ه.

66.الغروی:المیرزا علی،التنقیح فی شرح العروة الوثقی،تقریراً لأبحاث السید الخوئی:53/3،طمؤسسة الإمام الخوئی،قم.

67.الفراهیدی:الخلیل بن أحمد،کتاب العین, ط مؤسسة دار الهجرة, ط 21409ه.

68.الفیروز آبادی:محمد بن یعقوب،القاموس المحیط،دارالعلم للجمیع،بیروت،لبنان.

69.القمی:المیرزا أبوالقاسم،غنائم الأیام فی مسائل الحلال و الحرام, تحقیق مکتب الاعلام الاسلامی, فرع خراسان.

70.الطوسی:خواجة نصیرالدین،محمد بن محمد،قواعد العقائد, تحقیق:حازم علی حسین،دار الغربة،بیروت.

71.الکاشانی:الفیض محمدمحسن،الوافی،منشورات مکتبة الإمام أمیرالمؤمنین علی علیه السلام العامة،أصفهان،1406ه.

72.کاشف الغطاء:الشیخ جعفر بن خضر،کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغرّاء, تحقیق مکتب الإعلام الإسلامی-فرع خراسان.

ص:278

73.کاشف الغطاء:الشیخ محمدالحسین،أصل الشیعة وأصولها،تحقیق:علاء آل جعفر،مؤسسة الإمام علی علیه السلام،قم.

74.الکرکی:المحقق عبدالعالی بن الحسین،جامع المقاصد فی شرح القواعد،ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث،ط 1،قم،1408ه.

75.الکلینی:محمد بن یعقوب،اُصول الکافی،ط دار الأضواء،بیروت،ط 1413،1-1992.

76.الگلبایگانی:السید محمدرضا الموسوی،نتائج الأفکار فی نجاسة الکفار.

77.الگلپایگانی:السید محمدرضا الموسوی،الدر المنضود فی أحکام الحدود،بقلم:الشیخ علی الجهرمی،نشر:دارالقرآن الکریم،قم المقدسة،ط 1412،1ه.

78.لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم،الحاشیة علی استصحاب القوانین،ضمن موسوعة تراث الشیخ الأعظم.

79.الطوسی:الشیخ محمد بن الحسن(ت 460ه)،الفهرست،تحقیق:مؤسسة نشر الفقاهة،قم،ط 1417،1ه.

80.النراقی:الشیخ أحمد،عوائد الأیام, منشورات مکتبة بصیرتی, قم المقدسة, ط 3.

81.المجلسی:العلامة محمدباقر،حقّ الیقین فی معرفة اصول الدین،ط مؤسسة الاعلمی-طهران.

82.المجلسی:العلامة محمدباقر،بحارالانوار،ط مؤسسة الوفاء بیروت-لبنان.

83.المجلسی:للعلامه محمدباقر،رسالة الاعتقادات, ط اصفهان.

84.مجمع اللغة العربیة:المعجم الوسیط،ط مکتبة النوری،دمشق،ط 3.

85.الحّلی:المحقق جعفر بن الحسن(ت 676ه)شرائع الإسلام, ط مؤسسة المعارف الاسلامیة.

86.المراغی:أحمد مصطفی،تفسیر المراغی،ط إحیاء التراث العربی،بیروت،ط 2.

87.المطهری:الشیخ مرتضی،الإمامة،ط مؤسسة أم القری،قم.

88.المطهری:الشیخ مرتضی،المعاد،ط مؤسسة أم القری.

89.المظفر:الشیخ محمدرضا،المنطق, انتشارات الفیروز آبادی.

90.المفید:الشیخ محمد بن محمد بن النعمان العکبری،المقنعة،من سلسلة مؤلفات الشیخ المفید،دار المفید،بیروت.

91.المفید:الشیخ محمد بن محمد النعمان العکبری, من رسالة الرد علی أهل العدد و الرؤیة, ط دار المفید, بیروت البنان.

92.المفید:الشیخ محمد بن محمد بن النعمان العکبری،حقیقة الإیمان،مطبوعة ضمن کتاب المصنّفات الأربعة من سلسلة مؤلفات الشهید الثانی/11،تحقیق مرکز الابحاث و الدراسات الاسلامیة.

93.النجاشی:أحمد بن علی الأسدی الکوفی،رجال النجاشی, مؤسسه النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة،ط 1416،5ه.

ص:279

94.النجفی:الشیخ محمدتقی الأصفهانی،هدایة المسترشدین،ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

95.النجفی:الشیخ محمدحسن،جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام،ط دار إحیاء التراث العربی بیروت.

96.النراقی:أحمد بن محمد مهدی،مستند الشیعة, ط مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

97.الهندی:الفاضل،بهاءالدین بن الحسن الأصفهانی،کشف اللثام, ط موسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

98.الوحید البهبهانی:محمدباقر،الرسائل الاُصولیة،ط مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی،قم،1419ه.

99.الوحید البهبهانی:محمدباقر،الرسائل الفقهیة،ط مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی،قم،1419ه.

100.الیزدی:السید کاظم الطباطبائی،العروة الوثقی،تحقیق ونشر مدینة العلم،قم.

ص:280

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.