المدخل الی تاریخ علم الاصول

اشارة

علی پور، مهدی

المدخل إلی تاریخ علم الأصول/ مهدی علی پور؛ ترجمه و تعلیق علی ظاهر؛[ ل]جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة، مکتب التخطیط وتقنیة التعلیم. - - قم: جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة، 1430 ق 1388.

408 ص. - - (مکتب التخطیط و تقنیة التعلیم؛ 103)

ISBN: 978-964-195-100-1

54000ریال عنوان اصلی: درآمدی به تاریخ علم اصول.

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

عربی.

کتابنامه ص. 403 - 408؛ همچنین به صورت زیرنویس.

1. اصول فقه شیعه - - تاریخ. الف. ظاهر، علی، مترجم. ب. جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة. دفتر برنامه ریزی و فن آوری آموزشی. ج. عنوان.

4043 د 8 ع / 148 BP 39/297

المدخل إلی تاریخ علم الأصول

المؤلّف: مهدی علی پور

تعریب و تعلیق: علی ظاهر

الطبعة اولی: عام 1431ه

النّاشر: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه و النشر

الإخراج الفنی: صراط گل میشی

المطبعة: امیران السّعر: 54000 ریال عدد النسخ: 2000

حقوق الطبع محفوظة للناشر.

التوزیع:

قم، استدارة الشهداء، شارع الحجتیه، مقابل مدرسه الحجتیه، محل بیع مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه و النشر. هاتف - فکس: 02517730517

قم، شارع محمد الامین، تقاطع سالاریة، قرب جامعة العلوم، محل بیع مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه و النشر. هاتف: 02512133106 ، فکس: 02512133146

www.miup.ir

، www.eshop.miup.ir

E-mail: Admin@miup.ir

، Root@miup.ir

ص :1

اشارة

ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

المدخل إلی تاریخ علم الأصول

مهدی علی پور

ص:4

کلمة المکتب

إنّ انتعاش المراکز التّعلیمیّة رهن نظام تعلیمی دقیق ثابت ومجرب، وتشکل البرامج التّعلیمیّة والمناهج الدّراسیّة والأساتذة عموده الفقری.

إنّ فاعلیّة البرامج التّعلیمیّة تکمن فی تجاوبها مع متطلبات العصر وتوافر الإمکانات ومؤهلات الطّلاب، کما أنّ تقویم المناهج الدّراسیة یعتمد إلی حدّ کبیر علی طرحها لآخر المنجزات العلمیّة بأحدث الأسالیب المتّبعة فی التّربیة والتّعلیم. هذه المراکز بحاجة ماسّة إلی التّقویم الدّائم وإعادة النّظر فی مناهجها الدّراسیّة وتجدیدها بأرقی الأسالیب وفق آخر ما وصلت إلیه التّقنیات العلمیّة، بغیة الحفاظ علی مستوی نشاطها العلمی.

إنّ حوزات العلوم الدّینیّة الّتی تقع علی عاتقها مهمّة إعداد علماء الدّین ونشر المبادیء الإسلامیّة غیر مستثناة من هذه القاعدة، بإعتبارها من مؤسسات التّعلیم الدّینی.

ومن حسن الحظ فإنّ الحوزات العلمیّة وببرکة الثّورة الإسلامیة العظیمة بقیادة الإمام الخمینی قدس سره أخذت منذ سنوات عدة التّفکیر جدیّا فی اصلاح نظامها التّعلیمی وتجدید النظر فی مناهجها الدّراسیّة.

وانطلاقاً من الشّعور بالمسؤولیّة قامت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیّة- الّتی تمثل جزءاً من هذه المجموعة وتضطلع بمهمّة تعلیم الطّلاب غیر الإیرانیین- قبل غیرها من سائر الموسسات التّأبعة للحوزة بانشاء مکتب التّخطیط وتقنیة التّعلیم.

هذا المکتب مع تثمینه للجهود المضنیة الّتی بذلها العلماء فی سبیل التّجاوب مع هذه الحاجة واقتطافه ثمار نتاجاتهم العلمیّة سعی إلی تنظیم المناهج الدّراسیة وفق برامج مستوحاة من الأسالیب التّعلیمیّة المعتمدة علی آخر المنجزات العلمیّة.

ص:5

وقد انجزت حتی الآن- بفضل همّة وإرادة الباحثین وفضلاء الحوزة- الخطوات الاُولی لهذا المشروع من خلال تألیف ما یربو علی الثّمانین کتابا دراسیّاً فی مجالات العلوم الدّینیّة والانسانیة المختلفة.

والکتاب الّذی بین یدیک تأریخ علم الأُصول یمثّل أحد النماذج المختارة من هذه الکتب، وهو یُعنی بالبحث حول تأریخ علم الأُصول.

ویعدّ هذا الکتاب خطوة راسخة فی هذا الطریق وجهدا یستحق التقدیر، بذله الدّکتور مهدی علی پور، وترجمه إلی العربیّة الأخ الفاضل علی ظاهر. فشکراً متواصلاً لهما ولجمیع الّذین ساهموا فی إنجاز هذا العمل.

وفی الختام لابدّ من القول: إنّ أیّ عمل لایکاد یخلو فی بدایاته من زلّات وهفوات، ولذا فإنّنا نتطلّع إلی أصحاب العلم والفضیلة الّذین نأمل أنّ لایضنوا علینا بآرائهم الصّائبة، فهذا التّطلع هو مهماز شروعنا فی العمل ومبعث أملنا بمستقبل زاهر.

مرکزالمصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه والنشر

مکتب التّخطیط وتقنیة التّعلیم

ص:6

الفهرس

تقدیم المؤلّف 21

مقدّمة التّرجمة و التّحقیق 23

الخلفیّات العامّة للبحث 23

مشاکل وعقبات 27

تقییم عام لکتاب تأریخ علم الأُصول 31

هویة الکتاب والغرض منه 31

طبیعة البحث 32

محدّدات البحث 33

حول تقسیم المراحل 34

المنهجیّة المتبعة فی التّرجمة والتّحقیق 38

التّرجمة وإعادة الصّیاغة 38

المراجعة والتّدقیق 38

مقدّمة المؤلّف 41

تأریخ علم الأُصول 42

المقدّمة 42

فوائد البحث التّأریخی فی الأُصول 43

أشکال البحث التّأریخی فی علم الأُصول 45

1. تأریخ تطوّر علم الأُصول (مراحل الأُصول) 45

2. تأریخ العلماء والمحققین فی الأُصول 45

3. تأریخ التّبویب فی علم الأُصول 46

4. البحث التّأریخی فی مسائل علم الأُصول 46

المراد من العمل التّأریخی فی هذا الکتاب 46

ممیزات الکتاب 47

ص:7

کلمة مختصرة إلی الأساتذة والطلبة المحترمین 49

الدّرس الأوّل: تعریف «أُصول الفقه» و «تأریخ الأُصول»

المقدّمة 53

تعریف علم الأُصول 54

موضوع علم الأُصول 55

غرض علم الأُصول 56

مصادر الحکم الشّرعی وأدلّته 56

تأریخ علم الأُصول 57

1. تعریف 57

2. موضوع «تأریخ علم الأُصول» والغرض منه 58

3. الجذور التّأریخیة لعلم الأُصول 58

خلاصة الدّرس 60

أسئلة للمناقشة والبحث 60

للمناقشة والتّوسع 61

الدّرس الثّانی: نشأة علم الأُصول

نشأة علم الأُصول 65

دلیل الحاجة إلی أُصول الفقه 68

تدوین أُصول الفقه 69

مناقشة الرأی الأوّل 69

مناقشة الرأیین الثّانی والثّالث 70

مناقشة الرأیین الرابع والخامس 70

استنتاجات البحث الختامیّة 73

خلاصة الدّرس 75

أسئلة للتفکیر والمناقشة 76

للبحث والتّوسع 76

مصادر و مراجع 76

الدّرس الثّالث: المرحلة الأُولی -عصر التّأسیس

مراحل وأدوار علم أُصول الفقه 79

ما المراد من المرحلة؟ 79

ما هو معیار تصنیف مراحل العلم؟ 79

مراحل أُصول الفقه فی نظر الباحثین 80

مرحلة التّأسیس 81

ص:8

دور الأئمة علیهم السلام فی تأسیس أُصول الفقه 82

الشّخصیّات البارزة فی هذه الحقبة 84

1. هشام بن الحکم 84

2. یونس بن عبدالرحمن: 85

3. دارِم بن قَبِیصة 85

4. أبوسهل النوبختی 85

5. محمّد بن أحمد بن الجنید 86

باقة من الآراء الأُصولیّة فی هذه الحقبة 87

الخصائص البارزة لهذه المرحلة 89

1. بساطة المسائل وسهولتها 89

2. الرسائل المفردة 89

3. مرحلة الأمالی (الاتصال بالأئمة علیهم السلام ) 90

4. تدوین رسائل أُصولیّة فی إتجاهین 90

5. ظهور مسائل أُصولیّة جدیدة 90

خلاصة الدّرس 90

أسئلة للمناقشة والبحث 91

للتحقیق والتّوسع 91

المصادر لِلتحقیق 92

الدّرس الرّابع المرحلة الثّانیة: عصر التّوسع والتّدوین الشّامل فی الأُصول (1)

إطلالة عامّة علی هذه الحقبة 95

الشّخصیّات البارزة، خلاصة أفکارهم ومصنّفاتهم: 96

1. الشّیخ المفید (336- 413ه) 96

تلامذته 97

الشّیخ المفید، مصنّفاته الأُصولیّة 97

الشّیخ المفید، خلاصة آرائه الأُصولیّة 98

2. السّید المرتضی (355 - 436ه) 99

مصنّفاته العلمیّة 100

أساتذته 100

تلامذته 100

السّید المرتضی، مصنّفاته الأُصولیّة 101

السّید المرتضی، خلاصة أفکاره الأُصولیّة 103

3. سلاّر الدیلمی (م: 448 أو 463ه) 104

أساتذته 104

ص:9

تلامذته 104

مصنّفاته العلمیّة 104

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة 105

4. الشّیخ الطّوسی 105

تلامذته 107

إطلالة علی مؤلّفاته ومنزلته العلمیّة 107

مصنّفاته الأُصولیّة 108

دور کتاب عدّة الأُصول فی تکامل الأُصول الشّیعی 108

خلاصة آرائه وأفکاره الأُصولیّة 110

خلاصة الدّرس 111

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 112

للتّحقیق والبحث 112

بعض المصادر 112

الدّرس الخامس المرحلة الثّانیة: عصر التّوسع والتّدوین الشّامل فی الأُصول(2)

إطلالة إجمالیة علی مرحلة ما بعد الشّیخ 115

5. سدیدالدّین الحمصی الرّازی 116

أساتذته 116

تلامذته 117

مصنّفاته العلمیّة 117

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة 117

6. إبن زهرَة (511 - 585ه) 119

أساتذته 119

تلامذته 119

مصنّفاته العلمیّة 119

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة 120

أبرز مصنّفات هذه المرحلة 122

الأفکار والآراء الأُصولیّة الشّائعة فی هذه المرحلة 123

التّبویب الرّائج فی الحقبة الثّانیة 125

خصائص المرحلة الثّانیة 125

إطلالة عامة علی أُصول أهل السّنة إلی هذه الحقبة 126

خلاصة الدّرس 127

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 129

للتّحقیق والبحث 129

ص:10

بعض المصادر 129

الدّرس السّادس: المرحلة الثّالثة - مرحلة التّکامل(1)

إطلالة إجمالیة علی الحقبة الثّالثة 133

عوامل ظهور هذه المرحلة 134

1. هجرة الشّیخ الطّوسی من بغداد إلی النّجف 134

2. هیبة الشّیخ وعظمته العلمیّة 134

3. رکود البحث الفقهی- الأُصولی عند أهل السّنة 135

أبرز شخصیّات المرحلة، مصنّفاتهم وخلاصة أفکارهم (القسم الأوّل) 136

1. ابن إدریس الحلّی (543- 598ه) 136

أساتذته 138

تلامذته 138

مصنّفاته العلمیّة 138

مصنّفاته الأُصولیّة 139

آراؤه الأُصولیّة 139

2. المحقق الحلّی (602- 676ه) 141

أساتذته 142

تلامذته 142

مصنّفاته العلمیّة 142

مصنّفاته الأُصولیّة 143

خلاصّة آرائه الأُصولیّة 145

3. العلاّمة الحلّی (648- 726ه) 146

أساتذته 147

تلامذته 147

مصنّفاته العلمیّة 148

مصنّفاته الأُصولیّة 148

آراؤه الأُصولیّة 152

خلاصة الدّرس 155

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 156

للبحث والتّوسع 157

مصادر للبحث 157

الدّرس السّابع: المرحلة الثّالثة - مرحلة التّکامل (2)

الشّخصیات البارزة فی المرحلة الثّالثة (القسم الثّانی) 161

4. الشهید الثّانی (911 - 956ه) 161

ص:11

أساتذته 162

تلامذته 162

مصنّفاته 163

مصنّفاته الأُصولیّة 163

آراؤه وأفکاره الأُصولیّة 165

5. الشّیخ حسن بن زین الدّین صاحب المعالم (959 - 1011ه) 166

أساتذته 167

تلامذته 167

مصنّفاته العلمیّة 167

مصنّفاته الأُصولیّة 168

آراؤه الأُصولیّة 169

6. الشّیخ البهائی (953 -1030ه) 170

أساتذته 170

تلامذته 170

مصنّفاته العلمیّة 171

مصنّفاته الأُصولیّة 171

إطلالة علی بعض آرائه الأُصولیّة 172

المصنّفات الأُصولیّة البارزة فی هذه المرحلة 172

خلاصة الآراء والإبتکارات الأُصولیّة فی المرحلة الثّالثة 174

إطلالة علی التّبویب الرّائج فی المرحلة الثّالثة 175

أصول أهل السّنة فی هذه المرحلة 176

خصائص المرحلة الثّالثة 177

خلاصة الدّرس 178

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 179

للبحث والتّوسع 180

مصادر البحث 180

الدّرس الثّامن المرحلة الرّابعة: قیام الحرکة الأخباریّة و ضعف الأُصول(1)

ظهور التّیار الأخباری، العوامل والأسباب 183

أصول الفکر الأخباری ومبادؤه 188

1. رفض الإجتهاد والقول بعدم حجیته 188

2. سنة الأئمة المعصومین علیهم السلام عند الأخباریین هی المصدر الوحید لمعرفة الأحکام الشّرعیة 189

3. العقل والإجماع والکتاب خارج دائرة مصادر الکشف عن الحکم 189

4. لا حجیة عند الأخباریین للقطع الحاصل من المقدمات العقلیة ومن الإجماع. 190

5. لا حجیة عند الأخباریین لخبر الواحد الظنّی 190

ص:12

6. روایات الکتب الأربعة قطعیة بنظر الأخباریین 191

إطلالة علی نقاط الخلاف ما بین الأُصولیین والأخباریین 191

أبرز الشّخصیات فی الحرکة الأخباریّة 192

1. محمد أمین الأسترآبادی 192

مصنّفاته 193

2. الفیض الکاشانی (1007- 1091ه) 194

أساتذته 195

تلامذته 195

مصنّفاته 195

3. الشّیخ الحرّ العاملی (1033- 1104ه) 198

مصنّفاته 198

4. المیرزا محمد الأخباری (1178- 1232ه) 200

مصنّفاته 200

5. الشّیخ یوسف البحرانی (1107- 1186ه) 201

أساتذته 201

تلامذته 201

مصنّفاته 202

أبرز مصنّفات الأخباریین 203

النّتائج والآثار الإیجابیّة والسّلبیّة للنزعة الأخباریّة 205

الآثار الإیجابیّة للإتّجاه الأخباری 205

1. تألیف الجوامع الرّوائیة 205

2. الحدّ من بعض التّفسیرات الإفراطیّة للإجتهاد 206

3. دفع الأُصولیین إلی المزید من توضیح القواعد والأُصول وتنقیحها 207

4. جمع وتألیف الکتب الرّوائیة فی باب القواعد والأُصول المقبولة للکشف عن الحکم. 207

النّتائج السّلبیّة والهدّامة للإتّجاه الأخباری 207

خلاصة الدّرس 208

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 209

بحث و تحقیق 209

الدّرس التّاسع المرحلة الرّابعة: قیام الحرکة الأخباریّة و ضعف الأُصول(2)

الشّخصیات الأُصولیّة 213

1. سلطان العلماء (1001- 1064ه) 213

أساتذته ومصنّفاته 214

2. الفاضل التّونی (1071ه) 214

ص:13

مصنّفاته العلمیّة 215

مصنّفاته الأُصولیّة 215

خلاصة أفکاره وابتکاراته الأُصولیّة 218

3. المولی محمد صالح المازندرانی (1081ه) 219

مصنّفاته العلمیّة 220

4. الملا خلیل القزوینی (1001- 1089ه) 220

5. الآغا حسین الخوانساری (1016- 1101ه) 222

6. الآغا جمال الخوانساری (1125ه) 223

المصنّفات البارزة فی هذه المرحلة 224

أصول أهل السّنة فی هذه المرحلة 225

میزات هذه المرحلة 226

خلاصة الدّرس 228

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 228

للبحث والتّوسع 228

الدّرس العاشر المرحلة الخامسة: مرحلة الانتعاش والتّحولات العمیقة (1)

إطلالة عامة علی المرحلة الخامسة 231

عوامل ظهور هذه المرحلة 232

1. الإفراط الزائد عند الأخباریین 232

2. تنبه المجتهدین إلی لزوم إعادة بناء أسس الإجتهاد بصورة شاملة 233

3. جهود الوحید البهبهانی فی مواجهة الأخباریین 234

الشّخصیات البارزة لهذه المرحلة 236

1. العلاّمة محمّدباقر وحید البهبهانی (1118- 1205ه) 236

أساتذته 237

تلامذته 237

مصنّفاته 238

مصنّفاته الأُصولیّة وباقة من آرائه 239

2. العلاّمة بحرالعلوم (1155- 1212ه) 242

أساتذته 243

تلامذته 243

مصنّفاته العلمیّة 244

مصنّفاته الأُصولیّة 244

باقة من آرائه الأُصولیّة 245

3. الشّیخ جعفر کاشف الغطاء (1156- 1228ه) 246

ص:14

مصنّفاته العلمیّة 246

مصنّفاته الأُصولیّة 247

آراؤه الأُصولیّة 247

4. السّید علی الطّباطبائی (1161- 1231ه) 248

تلامذته 249

مصنّفاته العلمیّة 249

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة 250

خلاصة الدّرس 251

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 252

للتّحقیق والبحث 252

الدّرس الحادی عشرالمرحلة الخامسة: مرحلة الانتعاش والتّحولات العمیقة (2)

الشّخصیات الأُصولیّة لهذه المرحلة (2) 255

5. المیرزا القمی (1150- 1231ه) 255

أساتذته 255

تلامذته 256

مصنّفاته العلمیّة 256

مصنّفاته الأُصولیّة 257

إطلالة عامة علی آرائه الأُصولیّة 258

6. المولی مهدی النّراقی (1128- 1209ه) 259

مصنّفاته الأُصولیّة 260

آراؤه الأُصولیّة 261

7. السّید محسن الأعرجی الکاظمی (م: 1242ه) 261

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة 262

8. السّید محمّد المجاهد (م1242ه) 263

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة 263

9. شریف العلماء المازندرانی (م: 1245ه) 265

دوره فی أُصول الفقه 265

10. الشّیخ محمّدتقی بن عبدالرحیم الأصفهانی (1185- 1248ه) 266

مصنّفاته الأُصولیّة 267

آراؤه الأُصولیّة 267

11. الشّیخ محمدحسین الأصفهانی (م 1261ه) 268

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة 269

12. السّید إبراهیم القزوینی (1266- 1214ه) 270

ص:15

مصنّفاته الأُصولیّة 271

آراؤه الأُصولیّة 271

المصنّفات الأُصولیّة المهمة لهذه الحقبة 272

الآراء الأُصولیّة الرّائجة و باقة من إبداعات المرحلة 274

إطلالة علی التّبویب الرّائج فی هذه المرحلة 275

إطلالة عامة علی أُصول أهل السُّنة 275

ممیّزات وخصائص المرحلة الخامسة 276

1. تکامل الأُصول وازدهاره من جدید 276

2. التحدیث و ضرورة تدوین الرسائل المستقلة 277

3. التّوسع فی تناوّل المسائل الخلافیة بین الأُصولیین والأخباریین 277

4. طرح مجموعة من المسائل الجدیدة والمبتکرة فی علم الأُصول 278

5. دخول جملة مسائل فلسفیة إلی الأُصول 278

6. بدایة منحی الانفصال وتوقف نظر الأُصول الشّیعی إلی الأُصول السُّنی 279

7. تألیف کتب أُصولیّة موسعة 279

خلاصة الدّرس 279

أسئلة للتفکیر والمناقشة 280

بحث وتحقیق 280

الدّرس الثّانی عشر المرحلة السّادسة: مرحلة التعمق فی علم الأُصول (1)

إطلالة عامة علی المرحلة السّادسة 283

الشّخصیات الأُصولیّة، آثارهم وآراؤهم 284

1. الشّیخ مرتضی الأنصاری (1214- 1281ه) 284

أساتذته 286

تلامذته 286

مصنّفاته العلمیّة 288

مصنّفات الأُصولیّة 288

باقة من تقریرات دروس الشّیخ الأنصاری 293

إطلالة علی آراء الشّیخ وباقة من إبداعاته فی الأُصول 293

خلاصة الدّرس 299

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 299

تحقیق وبحث 300

الدّرس الثّالث عشر المرحلة السّادسة: مرحلة التّعمق فی الأُصول (2)

أبرز شخصیّات المرحلة (القسم الثّانی) 303

2. المیرزا الشیرازی (1230-1312ه) 303

ص:16

أساتذته 304

تلامذته 304

مصنّفاته العلمیّة 305

تقریرات دروسه 305

آراؤه الأُصولیّة 306

3. المیرزا الرشتی (1234-1312ه) 308

أساتذته 308

مصنّفاته 309

مصنّفاته الأُصولیّة 309

إطلالة علی بعض آرائه الأُصولیّة 310

4. الشّیخ هادی الطّهرانی (1253- 1321ه) 311

أساتذته 312

تلامذته 312

مصنّفاته العلمیّة 313

مصنّفاته الأُصولیّة 313

آراؤه الأُصولیّة 314

5. الشّیخ محمدکاظم الخراسانی (الآخوند) (1255- 1329ه) 317

أساتذته 318

تلامذته 318

مصنّفاته العلمیّة 319

مصنّفاته الأُصولیّة 319

حواشی الکفایة 321

آراؤه الأُصولیّة 322

خلاصة الدّرس 324

أسئلة للتفکیر والمناقشة 324

بحث وتحقیق 325

الدّرس الرّابع عشر: المرحلة السّادسة- مرحلة التّعمق فی الأُصول (3)

المقدّمة 329

الشّخصیات البارزة فی هذه الحقبة (القسم الثّالث) 329

6. المیرزا النّائینی (1277- 1355ه) 329

أساتذته 330

تلامذته 331

مصنّفاته العلمیّة 332

مصنّفاته الأُصولیّة 332

إطلالة علی آرائه الأُصولیّة 333

7. آغا ضیاءالدّین العراقی (1278-1361ه) 335

أساتذته 336

تلامذته 336

مصنّفاته العلمیّة 337

ص:17

مصنّفاته الأُصولیّة 337

آراؤه الأُصولیّة 338

8. الشّیخ محمّدحسین الأصفهانی (1296- 1361ه) 340

أساتذته 340

تلامذته 341

مصنّفاته العلمیّة 341

مصنّفاته الأُصولیّة 342

آراؤه ونظریاته الأُصولیّة 344

أبرز مصنّفات هذه الحقبة 346

الآراء و الأبحاث الّتی راجت خلال المرحلة 347

إبداعات هذه المرحلة 348

التّبویب الرّائج خلال المرحلة 349

أُصول أهل السّنة خلال هذه الفترة 349

ممیّزات هذه المرحلة 350

خلاصة الدّرس 351

أسئلة للتفکیر والمناقشة 352

بحث وتحقیق 352

الدّرس الخامس عشر: أُصول الفقه فی العصر الحاضر

المقدّمة 355

ثلة من علماء الأُصول، آراؤهم ومصنّفاتهم 356

1. آیة الله السّید أبوالقاسم الخوئی (1317-1413ه) 356

أساتذته 357

تلامذته 357

مصنّفاته العلمیّة 358

مصنّفاته الأُصولیّة 358

آراؤه الأُصولیّة 359

2. الإمام الخمینی (1320 -1410ه) 362

ص:18

مصنّفاته العلمیّة 364

مصنّفاته الأُصولیّة 364

تقریرات دروسه 365

إطلالة علی آرائه ونظریاته الأُصولیّة 365

3. العلاّمة الشّهید السّید محمدباقر الصّدر (1353-1400ه) 368

مصنّفاته العلمیّة 370

مصنّفاته الأُصولیّة 371

آراؤه و نظریاته الأُصولیّة 373

أُصول الفقه الیوم، والإخفاقات 376

إطلالة علی جهود العلماء المعاصرین، نقاط الضّعف والمشاکل 377

أ) إبداعات التّحول، علی مستوی الشّکل والبناء، فی محاور ثلاثة: 377

نقد المحاور الثّلاثة 377

ب) التّحول الکیفی ومشاکله. 378

ضرورة الوصول إلی المستوی المطلوب؛ وعناصر تشکله 379

الخصائص الّتی ینبغی توفّرها فی أُصول الیوم 379

أصول أهل السّنة والرّکود الواسع الّذی أصابه 380

خلاصة الدّرس 381

أسئلة للتّفکیر والمناقشة 382

بحث وتحقیق 382

الملاحق 383

خاتمة وتوصیات- التحقیق 383

عناوین بارزة، ومحطات مفصلیة فی تأریخ الأُصول 387

قضایا تستحق البحث 389

توصیات عامة 389

ملاحق وجداول 391

جداوّل بیانیة 393

مسرد کتب وأبحاث فی تأریخ الأُصول 393

المصادر والمراجع 403

دراسات أخری 408

ص:19

ص:20

تقدیم المؤلّف

شکراً لله تعالی علی أنّ منحنی القوّة لإنجاز هذا العمل المتواضع، وأتوسّل إلیه أنّ یدیم توفیقه وعطائه.

بإختصار شدید، جعلت فی المقدّمة کلّ ما من شأنه أنّ یکون مدخلاً وتوجیهاً لقراءة الکتاب؛ وعلیه لا کلام هنا سوی ذکر إشارة وتوجیه شکر.

والإشارة هنا متعلقة ببدایة العمل، فمنذ مدة زمنیة مضت کان قد شغل بالی واستحوذ علی إهتمامی میل قوی إلی البحث فی تأریخ علم الأُصول، فقمت بمطالعات کثیرة، ومتفرقة، وانشغلت بإستخراج بطاقات لا عدّ لها فی هذا الموضوع؛ إلی إنّ جاءت فکرة تألیف کتاب دراسی فی تأریخ علم الأُصول من قبل مکتب التخطیط وتقنیّة التّعلیم فی جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیّة وأیقظت الدّافع فی نفسی أکثر فأکثر، حیث سنحت لی الفرصة، فقمت بترکیز جهدی علی هذا الأمر المهمّ. وانکببت بشوق وجدیّة عالیة، فکان هذا الأثر حصیلة جهود دامت لأکثر من ستة أشهر، لیصبح فی مستوی مقبول.

وقد فرغت من تألیفه عام 1380ش/2002م. وبعد ذلک جُعل متناً دراسیاً کتجربة لإحدی الدّورات التّعلیمیّة وکانت له أصداء جیدة، ومن المؤمّل أنّ یحظی بقبول أهل الفضل والعلم وإعجابهم.

وهنا أتوجه بالشّکر الجزیل لکلّ من ساعد- بأیّ نحو کان- فی تألیف الکتاب وتدوینه وطباعته، ونخصّ بالذّکر مسؤول مکتب التّخطیط وتقنیة التّعلیم، الشّیخ عزالدّین رضا نجاد- دامت توفیقاته- ومساعدیّه المحترمین، حیث کانت لهم مساهمات مبارکة فی هذا المجال.

ص:21

ولا أنسی من توجیه الشّکر إلی مسؤول مکتبة الأُصول والفقه المتخصّصة، الأخ الفاضل مقدادی، وأنا مدیون له کثیراً فی انجاز هذا العمل، لجهوده المخلصة ولوضعه إمکانات مهمّة فی المکتبة تحت تصرّفی، وساعد فی تزویدی بالعدید من الکتب وخاصّة کتب التّراجم.

وفی الختام، أری من اللازم أیضاً توجیه الشّکر إلی کلّ من زوجتی الکریمة ووالدتها الموقرة، حیث کانتا عوناً لی علی الدّوام فی إنجاز أعمالی البحثیّة، خاصة خلال الصّیف الحار من عام 1380ش/2002م. حیث وفرنّ لی الأجواءالمناسبة.

وفی الختام أدعوالله العلیّ القدیر أنّ یسدد خطانا ویهدینا سبیل الرّشاد.

قم- الخامس عشر من شهر مرداد من السّنة الهجریة الشّمسیّة 1382

الموافق للسّادس من أغسطس آب 2004میلادیّة

مهدی علی پور

ص:22

مقدّمة التّرجمة و التّحقیق

الخلفیّات العامّة للبحث

ولد علم «أُصول الفقه» من رحم علوم الشّریعة، ونما فی أحضان الفقه خصوصاً، وقد وضع بذوره الأولی أئمة أهل البیت علیهم السلام ، عندما علّموا أصحابهم وأملوا علیهم قواعده، ثمّ تطوّر عبر العصور بجهود العلماء والفقهاء، آخذاً بعض عناصر تشکّله من العلوم الأخری، کاللغة والکلام والمنطق والفلسفة.

ولعلّه من الطّبیعی أنّ یمرّ العلم بمراحل مختلفة، صعوداً وهبوطاً، تبعاً لمستوی الحاجة والإهتمام، وللظّروف الحاکمة علی المجتمعات أیضاً. حیث تطوّرت المسائل الأُصولیّة تدریجیّاً، ووصلت إلی أوجها خلال فترات زمنیة معیّنة علی ید أساطین کبار کالشّیخ المفید والشّیخ الطّوسی والعلاّمة والشّیخ الأنصاری، والشّهید الصّدر.

والتّجارب ووقائع التّأریخ أثبتت من جهتها أنّ العلوم إجمالاً تتطور مع الزّمن، وأنّها تمرّ أیضاً بفترات انحسار وضعف. (1) لذا فإنّ تقییم العلوم ودراستها فی سیاق تأریخی عامل أساسی مؤثر فی تطوّر العلوم نفسها، وعلم الأُصول کغیره، تسری علیه هذه الحالة، إذ هناک حاجة ملحة لدّراسة مسیرة هذا العلم وتقییمها، لأسباب کثیرة مذکورة بالتفصیل فی مقدّمة المؤلّف.

ص:23


1- (1) . بیّن السّید محمّدباقر الصّدر مصادر الإلهام للفکر الأُصولی فی کتابه المعالم الجدیدة، وهی باختصار: - حاجة الفقیه إلی حلّ المشاکل فی البحث الفقهی التّطبیقی- توسّع دائرة البحث فی علم الکلام الّذی اعتبره من المصادر المهمّة الّتی موّنت الفکر الأُصولی- الفلسفة- الظّرف الموضوعی الّذی یعیشه العالم الأُصولی- عامل الزّمن- وعنصر الإبداع الذّاتی. انظر: المعالم الجدیدة: 95-103.

احتمل علم أُصول الفقه التّأثر بالعلوم والتّأثیر فیها، فهو یؤثر فی الفقه والحدیث- وکما قیل هو منطق الفقه- وأفاد العلوم الأخری. (1) وهو أیضاً تأثر بحدود ملحوظة وأحیاناً کبیرة بالعلوم الأخری المماثلة له لدخالتها فی مجموعة من العناصر المستخدمة فی الاستنباط. علی الرّغم من أنّه کان لاختلاط مسائل العلوم الأخری بالأُصول وطغیانها- فی کثیر من الموارد- علی الأبحاث سلبیات، مثلما کان لها فوائد فی تثبیت قواعده وحل مشاکله. وقد عانی علم الأُصول من هذا الاختلاط- فی بدایاته بالتّحدید- وبالتزامن مع التّحول الّذی طرأ علی الأُصول السّنی، ولجوء العلماء الشّیعة إلی تفنید و ردّ القواعد والأُصول الّتی استندوا إلیها فی الاستدلال والاستنباط- وإلی مجاراتهم فی البحث لإظهار قوّة علم الأُصول الشّیعی- من جهة، وانبراء مجموعة من المتکلمین- من جهة أخری- إلی تناوّل الأبحاث الأُصولیّة حیث تحوّل أصولهم فی مقطع زمنی مهم إلی علم تجریدی محض. وأغلب الظنّ، لا بل من المؤکد أنّ نمط البحث الأُصولی الّذی نما فی الوسط السّنی ألقی بظلاله علی البحث الأُصولی عند الشّیعة، علی کلا النظریتین اللتین فسرّتا مستوی وطبیعة تأثر الأُصول الشّیعی به. (2) وعلیه یحتّم الأمر علی الباحثین استقصاء أوضاع العلم فی مراحله المختلفة لیستکشفوا مکامن ضعفه وقوته، ولیحولوا دوّن الإخفاقات الّتی أصیب بها فی الماضی.

ص:24


1- (1) . یذکر السّید الصّدر أیضاً أنّ الفکر الأُصولی لم یقتصر إبداعه الذّاتی علی مجاله الأصیل وکان له إبداع کبیر فی حلّ أهمّ مشاکل الفکر البشری، بل سبق بعض العلوم الجدیدة فی حلّ مشاکل استعصت علیها، فی مجالات عدیدة، منها: نظریة المعرفة، وفلسفة اللغة، وعلی مستوی نظریة الأنماط المنطقیّة، ومشکلة تحلیل الکلمات فی الفلسفة القدیمة. انظر: کتاب المعالم الجدیدة، المصدر السّابق.
2- (2) . فهناک رأی یقول إنّ بعض الأُصولیین الشّیعة الأوائل قد تأثروا بالأُصول السّنی فاتجه بحثهم وجهة سنیّة فی المفاهیم والاصطلاحات والتّبویب، ما زالت آثارها ظاهرة حتی الآن، وهذه النظرة للأخباریین وقد دافعوا عنها بقوة، وتبعهم علیه بعض العلماء من المتأخرین والمعاصرین. ورأی آخر- منهم الإمام الخمینی- یقول إنّ الأمر لا یعدو کونه تأثراً ظاهریّا، وأنّ علماء الشّیعة سلکوا مسلکهم البحثی ولکن فی إطار نقدی، بحیث اضطروا فی أغلب الأحیان إلی مجاراتهم فی أبحاثهم لإظهار قوة أُصول الفقه عند الشّیعة، ومحاججة القوم بطریقتهم کما حدث فی مسألة القیاس والإجتهاد بالرأی، وتقلیدهم أیضاً فی طریقة التّبویب، بحیث أصبح مشهوراً بین العلماء أنّ التّبویبات الأولی للأُصول کانت مستوحاة من التّبویب السّنی دوّن شک. ولا ننسی أنّ السّنة کانوا أسبق من الشّیعة فی التّوسع والتّفریع فی المسائل، وبالتّالی التّبویب والتّصنیف أیضاً، وإن کان الشّیعة - حسب رأی السّید حسن الصدر، ومصنّف الکتاب- أسبق منهم فی تأسیس قواعده وبالتّالی وضع الأعمدة الأولی لعلم «الأُصول.»

صحیح أنّ علم الأُصول قائم علی أسس وقواعد وضعت من قبل المعصومین علیهم السلام ، وقام أصحابهم بتدوینها وتثبیتها، ثمّ عمل العلماء والفقهاء فیما بعد علی توضیحها وتوسیعها، ضمن قواعد التّفریع نفسها الّتی وضعها الأئمة علیهم السلام . إلّا أنّ هذا العلم لم یتطوّر خلال مراحله المختلفة وفق منهجیة علمیة واضحة، وبتفصیل أکثر فإنّ العوامل الّتی کانت تؤثر فی تطوّره لیست معیاریة واحدة. (1) فعلی سبیل المثال، نذکر أنّ الأُصول الشّیعی تأثر إیجاباً بالطّفرة الّتی شهدها علم الأُصول السّنی خلال القرون الأولی من حیاته، وسلباً بحقبة الانحسار الّتی أصابته، ثمّ أنّ هناک عوامل أُخری فی تطوّر الأُصول الشّیعی، کانت لها انعکاسات سلبیّة، وأنّ بطریقة غیر مباشرة مثل بروز ثلّة من العلماء الفطاحل خلال محطات أساسیة، فرضت هیبتها العلمیّة ولم یُجرأ علی مخالفتها فی الرأی، فأعقبها رکود عارم وتقلید تام، وکدخول الأبحاث العقلیّة والفلسفیّة الّتی شکّل الإمعان فی إدخالها إلی علوم الشّریعة، الذّریعة الأساسیة الأخری لحرکة الأخباریین وحملتهم العنیفة علی الأُصول. وهناک شواهد کثیرة یمکن الوقوف علِیها من خلال التّأمّل فی مسیرة هذا العلم.

والخلاصة: أنّ علم الأُصول لم یکن ینمو ویتطوّر بشکل متوازن وضمن منهجیة واضحة لأسباب عدیدة. ومن هنا یمکن للبحث التّأریخی فی «علم الأُصول» أنّ یسلّط الأضواء علی أوضاع العلم ویکشف النقاب عن نقاط الضعف الّتی ابتلی بها، من خلال دراسة الأسباب والعوامل والظروف من جوانب عدیدة، وإجراء المقارنات والتّقییمات الممکنة، وبالتالی یشکل هذا الأسلوب مقدمة مهمة علی طریق الإصلاح والتّطویر.

وهنا لا یمکن الادعاء أنّ هذا الأسلوب من العمل البحثی هو الطّریق الحصری لمعالجة آفات العلوم، لکنّه أثبت أنّه من أکثر الطرق جدوائیة، وقد ذکر المؤلّف المحترم أشکالاً متعددة للبحث التّأریخی فی أُصول الفقه، وذکر بوضوح أیضاً فوائده وثماره. فمن المؤکد أنّ تراکم الأبحاث وجمعها مع بعضها البعض یفضی إلی نتائج طیبة، وهذه من السّنن الّتی اکتشفتها عقول البشر علی مرّ التّأریخ، وخلصت إلی أنّ من العوامل المؤثرة جداً فی استقامة العلم وصیرورته أکثر إنتاجیّة إتباع منهجیة البحث العلمی والتّأریخی فی تقویم

ص:25


1- (1) . أی ضمن معاییر منسجمة مع بعضها البعض. بمعنی أنّه لم یکن هذا العلم ینمو ویتطوّر علی وتیرة محددة أولاً، حیث مر بمراحل تنازلیّة وتصاعدیّة، ولعبت عوامل أُخری من خارجه دوراً مهماً فی توسّعه أو انحساره ثانیاً.

أوضاعه. ومن الطّبیعی أیضاً أنّ تکون لنتائج هذا النوع من الأبحاث فوائد وثمار تستفید منها العلوم الأخری.

هناک من یقول أنّ العلوم تتطوّر بذاتها ولا حاجة للبحث فیها من زاویة تأریخیة، وهذا غیر دقیق وغیر کافٍ لوحده، وأصبح معلوماً أنّ تقدم العلوم لیس بکمیة وحجم الأبحاث الّتی تستوعبها، بل أنّ مقیاس تقدمها یکمن فی مدی تحقیق النّتائج والأغراض الّتی قامت لأجلها، وهذا الأمر ینبغی أنّ یکون معیاراً أساسیاً فی تقییم تطوّر العلوم. فالّذی یساعد أیضاً فی تقدم العلوم وإصلاحها هو مراقبة هذه العلوم والنظر إلیها بمنظار کُلّی شمولی، بمعنی أنّ یقدم «البحث التّأریخی فی العلم» الدّعم المطلوب له. وهذه النظریة تستند إلی عنصر مهم جداً فی تشکّل العلوم أصلاً، وهو عنصر الجمع والتّألیف فی مسائل العلم، وکلّما کان الجمع من زاویة أشمل، وکانت الإضاءة علی أبعاده المختلفة، کلما بدت صورة العلم أکثر وضوحاً وشفافیة بمواقعها الناصعة والدّاکنة. (1)

صحیح أنّ علم الأُصول من العلوم الّتی تستند کثیراً علی القواعد العقلائیة- الاعتباریة، (2)ویحتاج إلی عنایة فائقة فی التّعامل معه، وهناک موازین تحکم مسیرته وقد وضعتها الشّریعة المقدسة؛ لکن التّوسع والتّفریع فیه من ابتکارات العقول واعتباراتها أیضاً، وبالتّالی یخضع لقوانین تطوّر العلوم بشکل عام وتسری علیه مناهج البحث التّأریخی، وما یؤکد ذلک أنّ هذا العلم قد أصیب فی بعض مراحل تأریخه بنکسات ودخلت علیه مسائل إضافیة، أثارت حفیظة الکثیر من رواده، بحیث نشأت مواقف واتّجاهات فکریّة بسبب ذلک. وکانت هناک محاولات کثیرة لتنقیة الأُصول ممّا شابه ولتقویم إنتاجیته، وتحدیث أسالیب البحث فیه، وجعله أکثر التصاقاً بواقع المجتمع وحاجات الناس کما فعل الشّهید الصّدر من خلال

ص:26


1- (1) . ذکر المؤلّف فی المقدّمة ضمن بیانه للمجالات المختلفة للبحث فی علم الأُصول، إلی جانب البحث التّأریخی مجالین آخرین، الاوّل تقدیم نظریات إبداعیّة متقدّمة لجهة ترمیم بناء علم الأُصول، والثّانی تصحیح مناهج تدریس الأُصول وفق معاییر واضحة. کما أنّه ذکر العدید من فوائد البحث التّأریخی، ونحن هنا لن نکررها، فلتراجع فی محلها.
2- (2) . إنّ أکثر القواعد الأُصولیّة من وجهة نظر- تنشأ من السّیرة والمرتکزات العقلائیة، ولو أردنا تصنیف المصادر الأُصولیّة حسب طبیعة الاستفادة منها فی القواعد الأُصولیة، فإن المرتکزات العقلائیة تأتی بالدّرجة الأولی، ثم القرآن والرّوایات والعقل. راجع: أحمد مبلغی، المدرسة الأُصولیّة للإمام الخمینی،مجلة فقه أهل البیت، العدد42، عام1427ه.

المنهجیة التّدریسیّة الّتی وضعها فی کتاب الحلقات واللغة العصریة الّتی أدخلها، والإمام الخمینی فی بحث الخطابات القانونیة وفی إدخال عنصری الزّمان المکان، وتقدیم النظر العرفی فی حلّ الکثیر من مشاکله، إلی جملة العناصر المقومة للإجتهاد.

مشاکل وعقبات

قد یُبتلی علم الأُصول بمشاکل ویواجه عقبات کغیر من العلوم، لکنّه أیضاً یختزن قابلیة التّغلب علیها. وفی نتیجة هذا البحث وطبقا للمنهجیّة المتبعة فی الدّراسة التّأریخیة، یمکن استخلاص مجموعة أمور تعتبر من العقبات الّتی واجهت وتواجه علم أُصول الفقه، وهی کالتّالی:

1. عدم وجود منهجیة واضحة ومکتملة للبحث فی علم الأُصول: أی منهجیة تراعی دائماً الغرض منه والوسیلة، دوّن الغوص فی الأبحاث الجانبیّة الغریبة أحیاناً، بمعنی الحؤول دوّن تلون البحث الأُصولی بصبغة العلوم الأخری هذا من جهة، وعدم إصابته بداء البحث العقلی التّجریدی المحض من جهة أخری. وبتعبیر آخر المحافظة علی وجهة البحث الأُصولی بما هو آلة ومنطق للفقه.

وینبغی الاعتراف إلی أنّه مع تطوّر البحث فیه وتراکمه عبر العصور، والتّبدلات الّتی طرأت علی الکثیر من مسائله، أصبحت هناک هیکلیّة واضحة للبحث من خلال التّبویبات المختلفة الّتی ظهرت سواء القدیمة منها کتبویب العدّة والذّریعة ومبادئ الوصول والمعالم) أم الجدیدة کتبویب الشّیخ والکفایة الّذی مازال رائجاً حتی الآن)، وهذه التّبویبات مرت بمراحل عدیدة حتی ظهرت بهذا الشکل، وهذه إشارة واضحة علی التّقدیم الّذی طرأ علی هذا العلم عبر الزمن. فلا بدّ من ذکر أنّ اوّل کتاب شامل لمختلف المسائل الأُصولیّة المتداولة، ظهر عند الشّیعة بعد مرحلة الرسائل المنفردة کان کتاب العدّة للشّیخ الطّوسی، وإن سبقه الذّریعة الّذی استفاد الشّیخ الطّوسی کثیراً منه (1) والتّبویب فیها کان شبیها بالتّبویب

ص:27


1- (1) . یُذکر أنّ اوّل کتاب أُصولی شیعی، جمع المسائل الأُصولیّة بعد مرحلة الرسائل المفردة، هو التّذکرة بأُصول الفقه للشّیخ المفید (وکتاب مختصر التّذکرة لیس له، بل هو علی الأرجح مختارات الکراجکی من التّذکرة). أمّا بالنّسبة إلی کتاب العدّة، فهناک رأیان: رأی - حسبما یذکر المصنّف -یقول إنّ الذّریعة بمستوی العدّة، لا بل أهمّ منه؛ لأنّ الثّانی استند إلیه کثیراً، وهناک أبحاث بکاملها نقلها الشّیخ بحرفیتها عن

السّنی، أو لنقل کان مقتبساً منه. ثمّ جاء کتابا العلاّمة الحلی (1) اللذان شکّلاً منعطفاً ممیزاً علی صعید البحث والتّبویب الأُصولی، ثمّ تلاهما کتاب المعالم الّذی تمیّز بتبویب أکثر تقدّما عمّا سبقه، وأصبح لفترات زمنیة محور کتابة التعلیقات والحواشی والتّدریس، بحیث وضعت علیه أبحاث وشروح واسعة خاصة خلال الحقبة الأخباریّة، ثمّ جاء الشّیخ الأنصاری، ووضع فرائد الأُصول الّذی شکّل منعطفاً آخر فی تأریخ هذا العلم، حیث امتدت جذور مدرسته وما زالت إلی الیوم. کما أنّ التّبویب الحالی لیس التّبویب المطلوب، إذ یکفی أنّها حتّی الجدیدة منها (وخاصّة الّتی وضعها السّید الشّهید) ترجع فی الأساس إلی الشّیخ الأنصاری، الّذی یفصلنا عنه فارق زمنی ممتدّ إلی حدٍّ ما، وبالتّالی لا بدّ من ظهور تبویب أکثر تقدّماً من الموجود.

وهناک أمرٌ مهمٌ وهو طبیعة المعیار الّذی یحدد دراسة الآراء والنظریات عبر التّأریخ، حیث یشکّل عنصر بارز فی وجود منهجیة متقدّمة وواضحة فی البحث الأُصولی. فهناک نظریات قدیمة، تحولت وتبدلت مع الزّمن نتیجة کثرة البحث فیها. وظهرت أیضاً نظریات وآراء أُخری أکثر استحکاماً واستدلالاً. فکیف یمکن تقدیم منهج دراسی یجمع بینها دوّن تکرار، بما ینسجم مع التّطور الّذی طرأ علی مختلف العلوم. بمعنی آخر، المفترض أنّ یکون هناک منهج علمی واضح، یسأهم فی مزید من الإبداع ویوفر علی الطّلاب والباحثین الوقت والجهد بحیث یسرّع عملیة الوصول إلی الثّمار المرجوّة، وهی حیازة جملة قواعد ومبادئ محکمة للإحاطة بعناصر الإجتهاد والتّمکن من استخدامها.

2. تعقید المسائل وعدم وجود منهجیة موحدة وواضحة فی تدریس الأُصول: إنّ أخطر آفة یصاب بها العلم هی وجود صعوبة فی نشره وتعلیمه. وأکبر مشکلة یواجهها نشر العلم هی تعقید مسائله وصعوبة فهمها، فقد أصبح بدیهیاً الیوم أنّ حیویة العلم تکمن فی سهولة التّنقل بین مسائله وهذا یؤثر أیضاً علی عملیة تدوینه وتدریسه، وبالتّالی علی مسار تطوّره العام. وهذه کلّها حلقات تغذی بعضها بعضاً. وما هو موجود الیوم من مناهج وأسالیب تعانی من هذه المشکلة، ومن غیر الواضح أنّ أصحابها أنفسهم من القائلین بکفایتها.

ص:28


1- (1) . نهایة الوصول إلی علم الأُصول، وتهذیب الوصول إلی علم الأُصول.

لا یشک اثنان فی وجود خلل ما فی منهجیة تدریس الأُصول ضمن العملیّة التّراتبیة المعمول بها والتّی تراعی التّدرج فی المستویات، (1) مع التّسلیم بأن عمل الشّهید الصّدر یعتبر إبداعاً متقدّماً فی هذا المجال لکنّه غیر تام علی رأی بعض العلماء من الأساتذة والباحثین. (2)

3. کثرة دخول مسائل العلوم الأخری علیه: وتغلغلها فی طیات أبحاثه لأسباب کثیرة لا حصر لها، واتّجاه البحث فی أحیانٍ کثیرة منحی التّفریع الّذی لا طائل تحته، ممّا حدا بکثیر من العلماء خاصة المعاصرین إلی الدّعوة إلی تصفیة الأُصول وتنقیّته منها. والبحث هنا یطول سبق وألمحنا إلیه. (3)

4. ندرة الأبحاث التّطبیقیة: تکمن أهمیّة «نتائج البحث الأُصولی» فی «التّطبیق»، انطلاقاً من کونه آلة للفقه، وعلیه، فإنّ غنی البحث فیه ورقیّه ینبغی أنّ یتجلّی فی ظهور البحوث التّطبیقیة، لکن هذا الانعکاس لیس فی المستوی المطلوب. ونذکر أنّه توجد محاولة قدیمة من الشّهید الثّانی ولکنّها بقیت فریدة. فما نشاهده من الفصل بین البحث الفقهی والأُصولی فی المجالات التّطبیقیة یؤید ذلک، وما نعنیه من البحث التّطبیقی، التّرقی درجة من البحث النظری والتّقدم خطوة إلی تطبیقات هذه القواعد والنّظریات والبحث عن مصادیقها فی الفقه، وهذا هو الغرض الأساس من الأبحاث النظریّة. وربّما هناک محاولات جدیدة الیوم لکنّها ما تزال فریدة ولم تصل إلی حدّ الرّواج، (4) وما زال البحث الأُصولی بعیداً فی التّطبیق

ص:29


1- (1) . لم یذهب أحد الی أنّ علم الأُصول موضوع للأذکیاء أو لنخبة النخبة. وحتّی فی النّخبة، تراعی بالنّسبة لها منهجیة تعلیمیة واضحة، وهذا یستدعی وجود مستویات فی تدریسه.
2- (2) . بدلیل أنّ الحلقات لم تستطع الإحلال کلّیاً مکان المتون السّابقة، و لعلّ هذا الأمر یرجع إلی تحفضات بعض العلماء علی المناهج الجدیدة.
3- (3) . وهذه الدعوة ظاهرة فی مصنّفات الکثیر من الأعلام، نذکر علی سبیل المثال، الإمام الخمینی فی مناهج الوصول، والعلاّمة السبزواری فی تهذیب الأُصول والشّهید الصّدر أیضاً فی مطاوی بعض أبحاثه.
4- (4) . هناک دراسة تطبیقیّة صدرت مؤخراً فی مدینة قم، تحت عنوان «تطبیقات الأُصول» أعدّها الأستاذ السّید عباس نور الدین، وهی بمثابة تطبیقات فقهیة استخلصها من کتابی الفقیه الکبیر السّید عبدالأعلی السبزواری، «مهذب الأحکام» فی الفقه و«تهذیب الأُصول»، حیث استخرج القواعد الأُصولیّة من الکتاب الأخیر واستخرج مجموعة من أهمّ تطبیقاتها من «المهذب» ووضعها جنباً إلی جنب، وزاوج بین ثمار البحث الأُصولی النظری والتّطبیق العملی فی الفقه. واعتبر ذلک خطوة مهمة توفر علی الطّالب الجهود والوقت، وعناء البحث غیر الممنهج فی دائرة واسعة جداً من الأبحاث الأُصولیّة والفقهیة. نذکر أیضاً فی هذا السّیاق، دراسة أُخری صدرت عن المجمع العالمی للتّقریب بین المذاهب بعنوان «القواعد الأُصولیّة

العملی عن البحث الفقهی. ونحن رأینا فی مطاوی بعض الأبحاث إشارات وشواهد تطبیقیة، لکنّها لا تعدو کونها أمثلة وشواهد، ولم تصبح منهجاً رائجاً بعد.

5. قلة التّوازن فی الأبحاث: بمعنی غیاب التّناسب والموضوعیّة فی التّوسع وتفریع المسائل، وغیاب العنایة بالمسائل ذات الأهمیة الّتی تترتب علیها ثمار لا تقاس بغیرها أو علی الأقل إعطاؤها حقها من البحث- مع الاعتراف بالفائدة العامة لجمیع الأبحاث علی الصّعید الذّهنی علی الأقل، کما یشیر الإمام الخمینی عند انتقاده للإفراط فی تناوّل المسائل الکلامیّة والفلسفیّة وجعلها فی صلب البحث الأُصولی- فلیس من مبرر أنّ تجعل مسألة أُصولیّة محل بحث وجدل وتأخذ حیزاً وافراً من تبویب الأبحاث مثلاً، ولا نجد لها تطبیقاً عملیّاً واحداً.

6. التّکرار وقلة الإبداع- نسبیاً- مقارنة مع حجم الأبحاث: بمعنی أنّه کثیراً ما اتّجهت جهود العلماء- فی العصر الحاضر- إلی شرح الأبحاث المتجذرة فی القدم، وإعادة طرحها من جدید، بأسلوب مختلف، وجلّ ما یضیفونه إشکالات هنا وهناک، فی أغلب الأحیان تعود إلی أبحاث ثانویة غیر أصیلة، کأبحاث الماهیة والواحد فی الفلسفة، والأبحاث العقلیة، والوضع والمعانی الحرفیّة، وغیرها من الأبحاث الّتی لا تشکل فی الأُصول نظریات أصیلة، إنّما وردت إلیه من باب الحاجة والاستطراد.

7. ندرة الأبحاث المشترکة بین من عاصروا بعضهم إلاّ نادراً: فلم نرَ فی تأریخ الأُصول مثلاً أنّ هناک بحثاً مشترکاً بین اثنین أو ثلاثة من العلماء. نعم یمکن القول وبجزم أنّ جلّ الأبحاث کانت تستند إلی ما سبقها من آثار القدماء، حیث شکّلت أبحاث السّلف المحور الأبرز الّتی قامت علیه أبحاث الخلف، سواء فی قبول الآراء أو ردّها.

والخلاصة: إنّنا ذکرنا هذه القضایا الّتی تشکل فی الواقع عوامل سلبیّة فی حیاة علم أُصول الفقه لنشیر إلی أهمیة البحث فی أسبابها وخلفیاتها، وضرورة اجتراح الحلول المناسبة لها. وهنا یأتی دور البحث التّأریخی فیها، وکذا أهمیة وجود علم یتبنی دراستها بشکل منهجیّ والمساهمة فی التّطویر والتّقویم.

ص:30

تقییم عام لکتاب تأریخ علم الأُصول

اشارة

بالنظر إلی ما تقدم، وانطلاقاً من الخلفیات والأغراض الّتی یصبو لتحقیقها سوف یطرح هذا السّؤال: ما هی الحلول؟!. ونحن هنا لسنا فی صدد تقدیم الحلول الجذریة النهائیة، إنّما التّقدم خطوات علی طریق استکشاف الحلّ، وهکذا عندما تتراکم النظریات والمقترحات فی هذا المجال، لیصبح أرباب العلم والعاملین فیه علی قدر من الاطمئنان بمکامن الإخفاقات ومنشئها، فتنمو عندها حوافز الإبداع والتّطویر، وتتضح أکثر صورة الإصلاح العام الّذی ینبغی أنّ یرافق أی علم من العلوم.

بناءً لما تقدم، تظهر أهمیة القیام بأبحاث حول علم الأُصول بالّذات، ولما رأینا حاجة السّاحة الحوزویّة إلی المزید من الدّراسات الّتی تعنی بالبحث الأُصولی، وتغنی السّاحة العلمیّة عموماً، وتساعد الطالب فی مجالات عدیدة، فقد اخترت القیام بترجمة هذا الکتاب (1) ومراجعته وتحقیقه کمشروع رسالة الماجستیر علی مشارف إتمام السّطح الثّالث من الدّراسات الحوزویّة فی اختصاص الفقه والأُصول. وهنا أحاوّل تقدیم رؤیة کلیة حول الکتاب، ضمن العناوین التّألیة:

هویة الکتاب والغرض منه

یعتبر هذا الکتاب من أوائل الدّراسات التّأریخیة الشّاملة فی علم الأُصول، منذ نشوئه وإلی یومنا هذا، وفیه قدر کبیر من التسلسل التّأریخی والعلمی، بحیث یستطیع الطالب من خلاله تشکیل صورة جامعة وأکثر شفافیة عن نشوء العلم، ورواده، ومختلف حالاته من الصّعود والهبوط. وقد حدّد المؤلّف مستواه البحثی مسبقاً، والساحة الّتی نظر إلیها عند تدوینه. (2)

ص:31


1- (1) . اسم الکتاب بالفارسیة «درآمدی به تأریخ علم أُصول» لمؤلّفه الأستاذ د. مهدی علی پور. وقد صدر فی مدینة قم المقدّسة عام 1424ه.
2- (2) . أشار فی مقدّمة الکتاب إلی أنّه معد للتّدریس، لطّلاب السّطوح الأولی من الدّراسة الحوزویة، أما بالنّسبة للباحثین والمتخصصین فلیس بأکثر من کتاب مطالعة. والأسلوب الّذی اعتمده فی البحث هو الشّکل الأوّل من أشکال البحث التّأریخی الّذی قسّمه إلی أربعة، حیث یقول: وهذا النوع من البحث التّأریخی یدور حول العوامل والأسباب، وزمن ظهور العلم، والمؤسّسین والمدونین له، ومراحله المختلفة. والنّظرة العامة والإجمالیة علی نشوء مسائل العلم، والشّخصیّات البارزة فیه، ومصنّفاتهم وآرائهم. وهنا یمکن الرّجوع إلی مقدّمة المؤلّف للوقوف أکثر علی الخلفیات والمعاییر إلی اعتمدها فی تدوین الکتاب.

وبالتّالی حدّد الغایة منه أیضاً، فلیس هو بحثاً تخصّصیّاً فی الأُصول، حتی یستدعی الغوص إلی عمق المسائل من النّاحیة العلمیّة، بقدر ما یکون الغرض منه الوقوف علی الآراء العلمیّة ومقارنتها إلی حدود معینة لیس إلاّ، وبالتّالی لم نر أنفسنا مکلّفین بإضافة الشّیء الکثیر علی عمل المصنّف فی هذا المجال، باستثناء توضیح بعض الآراء ونقل شواهد نصِّیّة من المصادر الأُصولیّة المختلفة، وکذلک إضافة بعض العناصر التّأریخیة، کأن نذکر بعض العلماء الّذین کان لهم مساهمات فی البحث الأُصولی، ومجموعة من الآراء أو الأبحاث الّتی لم ترد فی الکتاب وهی منسجمة مع السّقف العلمی المحدد له، حیث أضفنا بعض الأبحاث الّتی تناولت إبداعات السّید الشّهید الصّدر والإمام الخمینی. کما أنّه لیس بحثاً عاماً أو علی هامش علم الأُصول، بل یأتی ضمن علمٍ قائمٍ بذاته تحت عنوان «مدخل إلی تأریخ علم الأُصول»، ویشکل دراسة شاملة حول «علم أُصول الفقه»، یتناوّل بالبیان والمقاربة التفصیلیة لمختلف عناصر تشکّله، ویقف عند مختلف الآراء والنظریات دوّن الغوص فی التّفاصیل والتّفریعات. وبالتّالی یمکن وبوضوح، تصنیفه ککتاب تدریسی بامتیاز للّذین ولجوا میدان البحث الحوزوی، والأکادیمی فی المعارف والعلوم الإسلامیّة، وکذلک یشکل بالنّسبة للباحثین والمفکرین مصدراً مهماً من مصادر التّعرف علی علم الأُصول من کافة جوانبه.

طبیعة البحث

نتفق مع المصنّف، علی أنّ هذا النمط من البحث التّأریخی فی الأُصول مازال ضعیفاً، ویحتاج إلی المزید من الوقت حتی یصل إلی أوجه. والدّراسة الّتی بین أیدینا هی خطوة علی هذا الطریق. فالأبحاث المتوفرة هی بعدد الأصابع، وجلّها تفتقد إلی الشّمولیة والتّرتیب، وعمدتها ما کتبه الشّهید الصّدر فی المعالم الجدیدة، الّذی إعتمدت علیه بقیة الدّراسات فی الغالب. وبالتّالی تطلب البحث هنا (تدویناً وتحقیقاً) الکثیر من العناء والجهد بسبب ندرة المصادر، وتشتّت المعطیات ذات الصلة فی الکثیر من کتب التّراجم والسّیر، وکتب المصنّفین الأُصولیین أنفسهم، وأیضاً تشتت النّظریات والآراء فی العدید من الکتب والتّقریرات، وفقدان العدید منها لاسیّما القدیمة.

وهنا لا بدّ من التّنبیه إلی وجود سنّة واضحة ومعهودة بین الباحثین والمفکرین، یستکشف منها فائدة مهمّة من نتائج هذا النّوع من الدّراسات، مفادها أنّ تراکم الأبحاث فی

ص:32

العلوم وخاصة التّأریخیّة منها تؤدی فی نهایة المطاف إلی توالد نظریات جدیدة وإعادة النّظر فی الکثیر من المسائل، وتقدیم إجابات علی ما تفرضه مستجدات التّطور الزّمنی، وهذا علی صلة وثیقة بقابلیة التّجربة الفکریة للتّطور التّلقائی. وبالتّالی، فإنّ أهمّ ما یتمخض عن هکذا دراسات ابتکار منهجیة علمیة فی تناوّل هذا العلم، تسهم فی تنشیط البحث فیه من جهة، ونشره وتدریسه من جهة أخری.

أمّا بالنّسبة لهذا الکتاب فقد اتبع مؤلّفه منهجیة السّرد البیانی التّحلیلی، وجمع المعطیات المختلفة ضمن کلّ دائرة من دوائر بحثه والعمل علی مقاربتها فی کلّ مرحلة من المراحل، مستنداً إلی مصادر علمیّة أُصولیّة، وتأریخیّة، اقتنصها من المراجع والکتب المشهورة.

إضافة إلی البنیة الأساسیة للبحث وتعمیماً للفائدة وضعنا فی ختام البحث خلاصة وتوصیات، وألحقنا به جداوّل توضیحیة خاصة بکلّ مرحلة تختصر أهمّ عناصرها. واختتمناها بوضع رسم بیانی للمساهمة فی تقدیم رؤیة عامة، وتقریب الوضعیّة التّأریخیة لحالة علم الأُصول بمراحله ورجاله.

محدّدات البحث

عرض المؤلّف فی المقدّمة جملة عناصر إعتمد علیها فی رسم حدود هذه الدّراسة منها: الأهداف والأسالیب والفوائد أو النّتائج وطریقة البحث، ونحن نوافقه فی المنهجیة المعتمدة، مع الإشارة إلی أنّه عندما قسّم أشکال البحث التّأریخی إلی أربعة: 1) البحث فی مراحل العلم، 2) دراسة تأریخ العلماء، 3) تأریخ التّبویب، 4) والبحث فی المسائل، کاد القارئ لیظن أنّه سیعتمد إحدی هذه الأشکال، لکنّه استدرک فی السّیاق وذکر أنّنا لا نجد مناصاً عند التّطبیق، من الاستعانة بالأشکال الأخری، وعدم الجمود علی نمط واحد. وبالتّالی اتّبع منهجیة مختلطة وإن کانت صورتها العامة «البحث فی المراحل الزّمنیة.» وعلیه یمکننا إضافة نوع آخر إلی هذه الأشکال وهو الشّکل المختلط الّذی یجمع بینها جمیعاً حسب ما تقتضیه طبیعة العلم ومدی قابلیته لذلک، ولیس من موجبٍ لحصرها بأربعة. ولابّد من التّنویه هنا إلی أهمیّة إضافته لعنصر هام من عناصر البحث وهو «الإطلالة علی وضعیة علم الأُصول السّنی»، بسبب الواقع المؤثر الّذی فرضه علی الأُصول الشّیعی، فکان من مقتضیات تمامیة البحث الوقوف علی أُصولهم والمقارنة بین الأُصولین.

ص:33

حول تقسیم المراحل

اعتمد المؤلّف فی دراسته علی الشّکل الاوّل بالدّرجة الأولی- أی البحث التّأریخی فی المراحل- حیث قسمها إلی ستّة، وحدد مسبقاً مجموعة معاییر لتصنیف المراحل، لأنّ التّصنیف المرحلی الّذی یعتمد علی عنصر الزّمان والشّخصیات بدرجة أساسیّة، هو الأکثر إمکانیة ویوفی بالغرض. لکن خلفیة التّقسیم السّداسی للمراحل لیست للوهلة الأولی علی قدر من الوضوح، (1) مع العلم أنّه بالإمکان اعتماد التّقسیم الّذی عرضه الدکتور أبوالقاسم

ص:34


1- (1) . نشیر إلی أنّ المؤلّف، قد راعی الجنبة التّعلیمیة للکتاب الّذی یتناسب أکثر مع التّقسیم السّداسی حسب رأیه. وأشار فی الحاشیة إلی أنّ لدیه تقسیماً أکثر دقة، وذکر أنّه سیقوم فی المستقبل بتدوین کتاب مفصل وجامع حول تأریخ علم الأُصول- بالتّزامن مع البحث فی مراحل الأُصول السّنی- علی أساس التّصنیف الجدید. ثم أشار بإختصار فی کتاب آخر صدر حدیثاً- بعنوان «معرفة مکانة علم الأُصول، خطوة بإتّجاه التّحول» باللغة الفارسیّة- إلی تصنیفه الجدید للمراحل الأُصولیة، ضمن مقالة بعنوان «تطویر علم الأُصول، المشاریع والبرامج.» والمراحل الأُصولیّة طبق تصنیفه الجدید موزعة علی تسعة مراحل کما یلی: المرحلة أولی: مرحلة التّأسیس واستخدام القواعد الأُصولیّة فی الإستنباط، من قبل الأصحاب بعد رحلة النّبی صلی الله علیه و آله ، وأصحاب الأئمة علیهم السلام . المرحلة الثّانیة: مرحلة التدوینات الإبتدائیة والأمالی أو الرسائل المفردة. المرحلة الثّالثة: مرحلة التّدوین الواسع وتشکّل علم الأُصول واستقلاله النسبی، بالنظر إلی الأُصول السّنی ومستوی التّأثر به. المرحلة الرّابعة: المرحلة الأولی من الرکود، الّتی واجهها علم الأُصول، مرحلة التّقلید التّأم للشّیخ الطّوسی بعد وفاته. المرحلة الخامسة: مرحلة النّمو التّدریجی، مع ظهور ابن إدریس والمحقق والعلاّمة الحلّی والشّیخ حسن صاحب المعالم والشّیخ البهائی، مرحلة طرح نظریّات جدیدة ومتقدّمة فی الاستدلال، أعم من الإستدلالات العقلیّة والعقلائیّة، وتقدیم تبویبات جدیدة بالمقارنة مع أهل السّنة والتّأثر بهم. المرحلة السّادسة: مرحلة الرّکود الثّانیة الّتی أصابت الأُصول الشّیعی، مع ظهور الحرکة الأخباریّة، وشاعت فیها کتابة الحواشی والتّعلیقات والشّروح. المرحلة السّابعة: مرحلة النهوض وعودة المنهج الأُصولی من جدید، والمواجهة الجدیة مع الأخباریین والتّغلب علیهم من قِبل الوحید البهبهانی وتلامذته من الجیل الاوّل والثّانی، حیث برزت خلال هذه الحقبة حالة الانفصال التّأم عن أُصول أهل السّنة، وکان نظر الأُصولیین متوجه إلی الرّد علی الأفکار الأخباریّة وشبهاتهم، وإبطال نظریاتهم وإثبات المبانی الأُصولیّة، خاصّة أنّهم طعنوا علیهم بأنهم اتبعوا المنهج السّنی فی الأُصول. وفی مجمل الحال ظهرت نظریات أُصولیّة جدیدة، متأثرة بالمواجهة الفکریة بین الطرفین. المرحلة الثّامنة: مرحلة التّعمق والتّحول الجدی فی الأُصول، فبعد تجدید قواه فی الحقبة الماضیة، بدأ الأُصول فی هذه المرحلة مع تلامذة الوحید کالمیرزا القمی وصاحب الفصول وصاحب المفاتیح.. لکن الظّهور الحقیقی لهذه المرحلة مدین للشّیخ الأنصاری ولتلامذته المباشرین وغیر المباشرین، کالمیرزا الشیرازی

کرجی وهو «التّقسیم الثّمانی»، أو تقسیم قریب منه. حیث یمکننا إضافة مرحلة علی الأقل وهی المرحلة الّتی أعقبت وفاة الشّیخ الطّوسی مباشرة وهی جدیرة بذلک، فحقبة (حیاة الشّیخ) کانت تصاعدیة، وما تلاها کان التّقلید والرّکود، ویمکن اعتبارها مرحلة مستقلة؛ ویمکن أیضاً عدّ الحقبة الّتی أعقبت أفول الحرکة الأخباریّة إلی عصر الشّیخ الأنصاری مرحلة مستقلة، لکن المصنّف اعتبرها واحدة.

بالإجمال، یفهم من التّقسیم الّذی اعتمده فی الکتاب أنّه کان ناظرا إلی مجموعة عناصر تشکّل معاییر التّقسیم، أهمّها: عنصر الزّمان، والشّخصیّات الأُصولیّة، والتّحول الطارئ علی الآراء والنّظریات، وأسالیب التّبویب؛ فعلی سبیل المثال، اعتبر حقبة الشّیخ الطّوسی وما أعقبها مرحلة واحدة بسبب هیمنة آراء الشّیخ علی تمام الأبحاث والنّظریات، ثمّ جعل الحقبة الّتی أصبحت فیها آراء الشّیخ تحت مجهر النّقد والمناقشة، وطرَِأت تحولات منهجیة علی المضمون وعلی التّبویب أیضاً، مرحلة تالیة. وهکذا حقبة الأخباریین، ثمّ أخیراً حقبة الشّیخ الأنصاری الّتی یری بأنّها مازالت مستمرة إلی الآن، وهذا هو السّائد بین العلماء. ولنلق نظرة علی التّقسیمات الأخری، الّتی ذکرها الکاتب باقتضاب فی سیاق شرحه للمقدّمات والأهداف، ثمّ انتقدها مفنّداً ما اعتراها من ضعف: (1)

ص:35


1- (1) . ولا بدّ من التّنویه إلی صدور دراسات جدیدة حول علم الأُصول والإجتهاد عموماً، لم یأت المؤلّف علی ذکرها لأنّها صدرت متأخرة عنه، وهی: کتاب بعنوان: حرکة الإجتهاد عند الشّیعة الإمامیة للشّیخ عدنان فرحان، وهو بحث تأریخی حول الإجتهاد عند الشّیعة، قسمّه إلی ستّة مراحل، وأفرد لکلّ منها أبواباً مستقلة لکنّها مختصرة واعتمد فیها علی کتابی المعالم الجدیدة وأدوار الإجتهاد ومقالة حول مراحل تطوّر الإجتهاد الشّیعی للسّید منذر الحکیم فی مجلة فقه أهل البیت، الأعداد 13 و14و15 و16. وجاءت المراحل علی الشّکل التّألی:

1. التصنیف الثّلاثی للسّید الشّهید:

العصر التّمهیدی، وهو عصر وضع البذور الأساسیة لعلم الأُصول، وبدأ بابن الجنید وابن أبی عقیل العمانی، وانتهی بمجیء الشّیخ الطّوسی.

عصر العلم، وهو عصر اختمار البذور وإثمارها، واتّضاح معالم الفکر الأُصولی، وانعکاسها علی مجالات البحث الفقهی، ورائد هذا العصر هو الشّیخ الطّوسی، ومن رجالاته الکبار: ابن إدریس الحلّی والمحقّق الحلّی العلاّمة الحلّی والشّهید الأوّل.

عصر الکمال العلمی، وهو العصر الّذی افتتحته مدرسة العلاّمة الوحید البهبهانی الجدیدة فی أواخر القرن الثّانی عشر الهجری، وبدأت تبنی للعلم عصره الثّالث. وتعاقبت فی هذه الحقبة ثلاثة أجیال:

ص:36

الاوّل الجلیل:تلامذة الوحید البهبهانی کالسّید مهدی بحرالعلوم، والشّیخ کاشف الغطاء، والمیرزا القمی، والسّید علی الطباطبائی والشّیخ التّستری.

والجیل الثّانی: الّذین تتلمّذوا علی هؤلاء، ومنهم: الشّیخ محمّدتقی، وشریف العلماء، والسّید الأعرجی، والمولی النّراقی، والشّیخ محمّدحسن النّجفی.

والجیل الثّالث: ویأتی علی رأسه تلمیذ شریف العلماء العلاّمة الأنصاری. ویعتبر السّید الشّهید أنّه یمکننا تقسیم کلّ عصر من هذه العصور الثّلاثة إلی «مراحل نمو» لکنّنا نعتبر أنّ الشّیخ الأنصاری جاء علی رأس أرقی مرحلة أُصولیّة فی العصر الثّالث.

2. التّصنیف الثّمانی للدّکتور کرجی:

1. مرحلة التّأسیس بدأت فی حیاة الأئمة المعصومین علیهم السلام ، وکان أصحابهم یعملون بالقواعد الأُصولیّة الّتی أملوها علیهم، ویمکن تسمیة هذه المرحلة بعصر تأسیس بذور علم الأُصول الأولی.

2. مرحلة التّدوین: عصر تدوین القواعد والتّصنیفات الأُصولیّة الأولی، بواسطة هشام بن الحکم ویونس بن عبدالرحمن، وغیرهم... .

3. مرحلة الإختلاط بالعلوم: علم الکلام بالأُصول، ومن روّادها ابن الجنید وأبوسهل النوبختی.

4. مرحلة الإستقلال والکمال: وهی المرحلة الثّانیة للتّصنیف الشّیعی فی الأُصول، هی مرحلة تحول الأُصول من بساطته الأولی إلی مرحلة التّعمق والتّشعب بهمّة الشّیخ المفید، والشّیخ الطّوسی والسّید المرتضی.

5. مرحلة الرّکود والضّعف: عقب ارتحال الشّیخ الطّوسی وإلی ابن إدریس الحلی598ه .

6. مرحلة النهوض من جدید: علی ید ابن إدریس الحلی، وابن زهرة والعلاّمة الحلّی والمحقّق الحلّی.

7. مرحلة الرّکود المجدّد: الحقبة الأخباریّة.

8. مرحلة النهوض المجدد: مع مجیء العلاّمة البهبهانی ومازالت مستمرة.

3. المدارس الأربعة للشّیخ القائینی النّجفی:

وهو تصنیف یعتمد علی دراسة المدارس الأُصولیّة أکثر منه علی المراحل الزّمنیة، وهی:

1. مدرسة ما قبل التّألیف، وظهرت فی عصر المعصومین علیهم السلام وعلی ید فقهائهم.

ص:37

2. بدایة عصر التّألیف.

3. مدرسة التّقدم والازدهار.

4. مدرسة التّعمق والإبداع، ومرت هذه المدرسة فی ثلاث مراحل: (1)

المرحلة الإبتدائیة: علی ید تلامذة الوحید البهبهانی.

المرحلة المتوسطة: وقامت علی ید شریف العلماء والسّید الأعرجی وصاحب الجواهر.

المرحلة الختامیّة: وقامت بجهود الشّیخ الأنصاری، وامتدت إلی عصر المجدد الشّیرازی، والآخوند الخراسانی، والمحقق الأصفهانی، وما زالت مستمرة إلی عصرنا الحالی.

المنهجیّة المتبعة فی التّرجمة والتّحقیق

اشارة

تطلب إنجاز هذا العمل المرور بمرحلتین:

التّرجمة وإعادة الصّیاغة

ترجمة النّصوص من اللغة الفارسیّة إلی العربیّة، وهذا العمل تطلب الجُهد والوقت الکثیر نظراً لحجم الدّراسة، وتطلب أیضاً مراجعة الکثیر من المصادر للوقوف بدقة علی المعنی المطلوب. ثمّ عرض النصوص المترجمة علی مؤلّف الکتاب- الّذی أتوجه إلیه بالشکر الجزیل- وقد أبدی ملاحظاته فی بعض الموارد. وأجری بعض التّعدیلات علی النص الفارسی، وقمتُ من جانبی بإدراج التعدیلات اللازمة ضمن النص العربی. ولابّد من التّنویه إلی أنّه أجریت تعدیلات علی الکثیر من فقرات ومفردات البحث، والجمل والعناوین دوّن الإخلال بالمعانی؛ بهدف المزید من البیان، ولتوضیح المعانی والرّبط أکثر بین الفقرات وسبک العبارات، خاصة أنّ التّحویل من لغة إلی أُخری قد یفقد المادة شیئاً من السّیاق الأصلی، بالإضافة إلی أنّ بعض العبارات کانت تحتاج فی الأساس إلی مزید من الرّبط والتّوضیح.

المراجعة والتّدقیق

وقد اتبعتُ فی ذلک أسلوب الترکیز علی الموارد غیر الواضحة والتّی تحتاج إلی مزید من التّفصیل؛ لتصبح قابلة للفهم، فعدت إلی المصادر اللازمة من الکتب الأُصولیّة الّتی

ص:38


1- (1) . وهذا التّصنیف مقتبس إلی حدّ کبیر من تقسیم السّید الشّهید فی المعالم الجدیدة.

وضعها أصحابها محل البحث، ومجموعة من الدّراسات التّأریخیة وهی قلیلة نسبیاً، لأسباب ذکرها المؤلّف، وبعض الموسوعات المعروفة الّتی أرّخت لأعیان الشّیعة عموماً، وقد استفدت هنا کثیراً من ملاحظات الأُستاذ المشرف وتوجیهاته - الّذی أقدّم له خالص الشّکر والتّقدیر- فی مسار البحث.

وببیان آخر: تمّ النّظر إلی الأبحاث لجهة التّدقیق فی المصادر وإضافة ما لزم من توضیحات وعناصر أُخری غیر مذکورة. وقد أُخذت کلّها- تقریباً- شکلاً موحّداً، ضمن المنهجیة الّتی اتّبعها المؤلّف فی تقسیم المراحل، ودراسة کلّ مرحلة بمختلف عناصرها، بحیث توزعت المراحل علی دروس متناسبة لجهة الحجم؛ لیسهل علی الطّالب الإحاطة بها، باستثناء اثنین أو ثلاثة منها کانت ذات حجم کبیر نسبیاً. أمّا هیکلیة الدّروس فجاءت علی الشّکل التّألی:

عناوین البحث.

إطلالة عامة علی المرحلة والشّخصیّات الأُصولیّة: وهذه عادة ما تکون مقدّمة استشرافیة کلیّة، من زاویة تأریخیّة.

البحث بالتّفصیل حول أبرز أُصولیی المرحلة: سیرتهم- أساتذتهم- تلامذتهم- مصنّفاتهم- مصنّفاتهم الأُصولیّة وخلاصة آرائهم ونظریاتهم- إطلالة علی التّبویب السائد وحالة الأُصول السّنی- خلاصة البحث- أسئلة وقضایا للمناقشة والبحث.

وکانت عمدة التّدقیقات حول ما یتعلق بالشّخصیات الأُصولیّة، ومصنّفاتهم وآرائهم، حیث أقتصر المؤلّف علی المشهورین منهم، الّذین کانت لهم مساهمات فی البناء الأُصولی، وقد رأینا من المناسب ذکر الشّخصیّات الأُخری ولو تلمیحاً، وکذا بعض الآراء والنّظریات والتّوضیحات ودوّناها فی الهوامش.

ولابدّ من ملاحظة مستوی وطبیعة الکتاب التّی- کما أسلفنا- تحددت سابقاً، فلم یکن من المنطقی أنّ نحوله إلی بحث موسّع وتفصیلی، مع أنّ هذا العمل مطلوب أیضاً، وقد ألمح إلیه المصنّف المحترم، ولذلک من المؤمّل أنّ یقوم أهل العلم والباحثون المهتمون بإجراء دراسات أکثر عمقاً وتفصیلاً؛ لتصبح مصدراً أکثر غنی وموسوعیة عمّا هو علیه بشأن تأریخ هذا العلم ولتسأهم فی تحقیق الأغراض الّتی نظّر لها المصنّف فی المقدّمة.

ص:39

ص:40

مقدّمة المؤلّف

اشارة

إنّ فتح باب الإجتهاد من أهمّ الخصائص الّتی امتاز بها المذهب الشّیعی؛ وهذا ما یدعو علماء الإسلام والباحثین إلی الاستفادة من هذا الکنز الثّمین لتطویر علوم الدّین والدّفع بها نحو الرّقی؛ وأن لا یغفلوا عن هذا المنهج الفرید فی فهم الدّین وتفسیره. أمّا سدّ باب الإجتهاد فکان من أخطر ما جری فی تأریخ الإسلام، حیث أوجد حالة من الإرباک لدی علماء أهل السّنة، حتی أصبح أکثر فقهائهم وأُصولییهم ناقلین وشارحین لکلام أسلافهم، ولم یکن لدیهم الجرأة علی إبداء الرأی أو مخالفة الماضین فی آرائهم.

وإذ یفتخر علماء الشّیعة بأنّ لدیهم القدرة علی تقدیم نظریات وآراء مغایرة لما علیه الفریق الآخر انطلاقاً من الإجتهاد. فحذار أنّ تضیع هذه النعمة علی أثر التّساهل واستخدام الإجتهاد فی غیر محلّه- لا سمح الله- فینتهی الحال إلی الجمود والتّوّقف.

ولا شکّ أنّ من الأخطار الأساسیة الّتی تهدد الإجتهاد وتقف عثرةً أمامه هی الجهل، وعدم الالتفات إلی مکانته بین العلوم والمعارف الإسلامیة بکلّ ما للکلمة من معنی؛ لأنّه من الممکن شیئاً فشیئاً أنّ یؤدی ذلک- بسبب القصور والجهل وإلقاء جملة من الشبهات حول الإجتهاد و إبطاله- إلی خسارة السّاحات الشّیعیة لهذه المائدة المبارکة.

من هنا ینبغی التّنبه والحذر وطرح ما هو الأکثر دقة فیما یتصل بهذا الأمر المهم، وأن یعالج الإجتهاد کموضوع مستقل، وأن لا یغفل عن تداوله ونشره. فمرةً تکون ضرورة معرفة مکانة الإجتهاد أمراً غیر جلی- حسب اعتقاد المؤلّف- وأُخری تکون واضحة ومن أهمّ المسائل.

ومن الأبحاث الأساسیة فی هذا المجال، الّتی ینبغی أنّ تُولی المزید من الاهتمام فی

ص:41

التّعرف علی مکانة الإجتهاد، هی البحث عن وسائله وأدواته. وهنا تبرز عملیات الاستنباط فی علم الأُصول باعتبارها أهمّ عناوین هذه الوسائل. وعلی الباحثین والمجتهدین فی العلوم الإسلامیة إیلاء هذا العلم الأهمیة الفائقة والبحث فیه بعمق وشمولیة.

وهناک مجالات مختلفة للبحث فی علم الأُصول، کما فی أغلب العلوم، ویمکن أنّ تنتظّم ضمن خیارات ثلاثة:

1. المجالات البحثیة الموجبة لترمیم بناء علم الأُصول وتطویره عبّر تقدیم نظریات جدیدة وأفکار إبداعیّة.

2. العمل علی تصحیح مناهج تدریس علم الأُصول وفق معاییر واضحة.

3. البحث التّأریخی فی علم الأُصول. (1)

وما اخترناه فی هذا الکتاب کمنهج للبحث هو الخیار الثّالث.

تأریخ علم الأُصول

المقدّمة

یتمتع البحث التّأریخی فی العصر الحاضر وفی أیّ علم بقدرٍ من الأهمّیّة، ممّا حداً بجماعة من الباحثین إلی الاستغراق فی الکتابة التّأریخیّة، وبتعبیر آخر ابتلوا بالنزعة التّأریخیّة، بمعنی أنّهم اعتبروا الطّریق الوحید لنموّ وتکامل أیّ علم لا یکون إلاّ من خلال البحث التّأریخی فیه، هذه النظرة وإن بدت إفراطیّة، لکن عدم الاشتغال بالبحث التّأریخی فی العلوم هو تفریطٌ بنفس القدر؛ إذ یؤدی ذلک إلی ضیاع الکثیر من الفوائد.

ینصبّ العمل التّأریخی فی أیّ علم علی البحث والتّقصی فی مجالاته المختلفة، وعلی ظروف وأسباب ظهور مسائله، والکیفیة الّتی نمت فیها، کما یتناوّل روادَ العلم وأساطینه، وزبدة أفکارهم ومحاور آثارهم، ومدی مساهمة نظریاتهم فی تطوّره. ویتمّ البحث أیضاً حول مسار تطوّر العلم فی المراحل المختلفة، ودراسة الظّروف الإجتماعیة والسّیاسیّة والثّقافیة، ودوافع العلماء وراء ذلک، وأخیراً البحث فی کیفیّة تدوین وتصنیف المسائل المرتبطة به علی مرّ التّأریخ.

ص:42


1- (1) . والبحث التّأریخی هنا له أشکال مختلفة سیشیر (المؤلّف) إلیه لاحقاً. (المترجم).

فوائد البحث التّأریخی فی الأُصول

یمکن القیام بالبحث التّأریخی فی أیّ علم ضمن مجالین: الاوّل تعلیمی والآخر بحثی- تحقیقی. وعلم الأُصول غیر مستثنیً من هذه القاعدة، ونشیر فیما یلی إلی رزمة من الفوائد المترتبة علی ذلک، فی کلا المجالین.

أ) فوائد تدریس االأُصول من زاویة نظر تأریخیّة: یعدّ «منهج التّدریس التّأریخی» لأیّ علم فی عصرنا الحاضر، من أفضل أسالیب التّعلیم، وله نتائج وآثار مفیدة فی مجالات مختلفة نستعرضها کما یلی:

1. التّعلم والتّعلیم: یمکن رصد جملة من النقائص الّتی تعتری الکتب والمناهج الدّراسیة الحوزویة الیوم، منها: عدم الاهتمام بتنمیة روح النقد وإبداء الرأی، والجهل بالثّوابت والمتغیرات التّأریخیة للمسائل، وعدم الفهم العمیق والمحکم للکثیر من المسائل، والجهل بمکامن ضعف الاستدلال ووهنه، وعدم وجود دوافع کامنة للتّحصیل العلمی؛ فتدریس العلوم الحوزویة من زاویة تأریخیة یساعد علی تجنب النقائص أعلاه، وینتج الکثیر من الفوائد الّتی منها:

أ) الإفلات من القوالب الموجودة فی أیّ علم.

ب) التّحرر من هیمنة العلم وهالة العلماء فی إطار البحث العلمی.

ج) الإحاطة الدّقیقة بالموضوعات والعلاقة فیما بینها.

د) معرفة نقاط ضعف الاستدلال والاحتراز منها.

ه) إیجاد الحوافز لدی الطّلاب.

و) طرح مواضیع جدیدة للنقاش والبحث.

2. التّدریب علی ممارسة النقد وإبداء الرأی: ویعتبر هذا الأمر من مقتضیات حیاة العلم، ومع رکودها یفقد الحیویة والنشاط، ویصبح فی زمرة الوقائع التّأریخیة الّتی انطوت صفحاتها. من هنا، ولأجل الحفاظ علی حیویة العلم، ینبغی تفعیل روح النقد والنظر فیه، وعدم الجمود علی آراء العلماء الماضین، فلا شکّ أنّ الاهتمام بتأریخ أیّ علم له دور مهم، فی علاج هذه المعضلة ورفع هذا الالتباس. (1)

ص:43


1- (1) . طبیعی أنّ النقد المقصود هنا، هو النقد المستند إلی معاییر علمیة مستدلّة، وتجنب الغوص فی المماحکة

فالنظرة التّأریخیة لمسار أیّ علم، تجعل الباحث علی یقین تام من أنّ علیه إزالة ما توهمه من قطعیة استنتاجات العلم المسبقة من فکره. والباحث من هذه الزاویة، کمن یقف علی أعلی قمة یراقب الأحداث؛ ومن هذه الناحیة، لن یتسلل إلیه الخشیة والخوف من تحلیل مبانی القدماء وآرائهم ونقدها فی نفس الوقت. (1)

3. معرفة طبیعة مشاکل العلم ونقاط ضعفه: أنّ الطّریق المناسب لمعرفة عوامل رکود العلم وخروجه عن مساره الطّبیعی یکون من خلال دراسة مراحل الضّعف والرّکود، وکذا دراسة تأثیر وتأثر ذلک العلم بالمجالات والوقائع الأُخری. وبهذا الشّکل یمکن إیجاد الطّرق المناسبة لرفع الموانع والعمل علی حلّها.

ب) فوائد البحث التّأریخی فی علم الأُصول: لا شکّ أنّ البحث التّأریخی فی علم الأُصول یکتسب أهمیة کبری، وتنتج عنه فوائد جمة تعود علی الباحثین والعلماء بالنفع الکثیر؛ ومن هذه الفوائد:

أ) تساعد الباحث فی تثبیت وقائع العلم وأحواله، والوصول إلی نظریة أکثر إحکاماً واطمئناناً. (2)

ب) ترشد الباحث إلی التّعرف علی مکامن ضعف الاستدلالات عند الماضین، والاحتراز منها.

ج) تجعل الباحث علی معرفة بمناشئ ظهور مسائل العلم، وترشده إلی تصحیح وتقویم أسالیب البحث فیها.

د) تمنع من انحراف موضوعات المسائل المطروحة فی العلم، بالالتفات إلی مناشئ الأبحاث ومسارها التّأریخی.

ص:44


1- (1) . لابدّ من التّوضیح هنا، إلی أنّ الباحث فی علم الأُصول، لابدّ أن یکون من هذه الجهة، من أهل هذا الفن أو علی الأقل قد أحاط بمجمل قواعده وأُصوله ولدیه القدرة علی الغوص فی مفاصله وفروعه أیضاً.(المترجم)
2- (2) . من خلال استشراف مختلف الآراء وضمها إلی بعضها البعض.(المترجم)

ه) توفر للباحث نظرة کلیّة شمولیة، وتهیئ له أرضیة تأسیسیة وتراکمیة للمسائل، وتجعله مصوناً من الاستغراق فی موضوع محوری، الّذی هو من المشاکل الأساسیة الّتی تواجه الدّراسات التّأریخیة، والتّی تکون فی الأغلب موجبة لعدم الانسجام، وأحیاناً موجبة للتّناقض، فی آراء الباحث نفسه فی المواضیع المختلفة.

و) أنّ طرح الکثیر من الأسئلة الأساسیة والنظریات الجدیدة، الممهدة والموقدة لشرارات التّحول العلمی البناء لأیّ مفکر وباحث، یکون فی ظل القراءات والأبحاث التّأریخیة فی العلم.

أشکال البحث التّأریخی فی علم الأُصول

اشارة

یمکن للبحث التّأریخی فی أُصول الفقه- کما فی العلوم الأُخری- أنّ یتخذ شکلاً من الأشکال الأربعة التّألیة:

1. تأریخ تطوّر علم الأُصول (مراحل الأُصول)

هذا النوع من البحث التّأریخی یدور حول مجالات مختلفة منها: العوامل والأسباب، وزمن ظهور العلم، والمؤسسون والمدونون له، ومراحله المختلفة. وفیه إطلالة عامة وإجمالیة علی نشوء مسائل العلم، وعلی الشّخصیات البارزة فیه، ومصنّفاتهم وآرائهم.

2. تأریخ العلماء والمحققین فی الأُصول

یتمّ فی هذا الفرع من البحث التّأریخی التّعرف بالتفصیل علی کلّ عَلَم ورائد فی هذا العلم، وسرد إبداعاتهم والآثار الّتی ترکوها، والبحث فی إنجازاتهم الأُصولیّة. (1)- (2)

ص:45


1- (1) . لابدّ من التّنویه إلی أنّ اوّل دراسة قریبة من هذا الشّکل، صدرت فی قم المقدسة، عام 2005م، تحت عنوان دانشنامه أصولیان شیعه (موسوعة أصولیی الشّیعة)، إعداد محمّدرضا ضمیری. وقد طبع منها المجلد الاوّل فقط، حیث تناولت علماء الأُصول من عصر التّأسیس والغیبة الکبری إلی أوائل القرن الحادی عشر أی بدایة حرکة الأخباریین. (المترجم)
2- (2) . یمکن أن یدخل ضمن هذا العنوان بحث المدارس الأُصولیة، کونها ترتبط عادةً بواحد أو مجموعة من رجال أُصول الفقه الّذین أدخلوا الأُصول منعطفاً جدیداً، وفی نهایة المطاف أصبح ینظر إلیه کمن شکل تیاراً أو مدرسة أُصولیّة کان لها امتدادها خلال حقب زمنیة، وتأثیرها علی أجیال من العلماء اللاحقین، کما حدث مع الشّیخ الطّوسی والشّیخ الأنصاری. (المترجم)

3. تأریخ التّبویب فی علم الأُصول

ینصب البحث هنا، حول المسار التّأریخی لتّبویب المسائل الأُصولیّة وتنظیمها. ویمکن بهذا العمل الإحاطة بالقواعد والأُسس العامة للعلم علی امتداد تأریخه، والاطّلاع علی التّغیرات والتّحولات الّتی طرأت علیها وکیفیة تطوّرها. طبعاً مع المسائل الّتی تطرح فیه بشکل عام.

4. البحث التّأریخی فی مسائل علم الأُصول

هذا النوع من العمل التّأریخی أکثر تعقیداً وحاجة إلی الوقت والتّحلیل، الاّ أنّه أکثر فائدة. وفی الواقع تشکل المراحل السّابقة أرضیة معِدَّة ومؤسِّسة لهذا النوع من البحث، وفی هذه المرحلة یُعمل علی دراسة مسار ظهور المسألة، العوامل والأسباب، والمبدع الاوّل فیها، وتحدید موضوع بحثه بدقة، وتحلیل کیفیة تطوّرها، والشّروح والتّفاسیر المختلفة لها عبر التّأریخ، مؤیدوها ومعارضوها ودراسة أدلة کلّ منهم، ودراسة الانحراف عن الموضوع محل البحث وعدمه وغیر ذلک. وبعبارة مبسّطة، یتم هنا بحث وتوصیف مسائل العلم وتحلیلها علی امتداد التّأریخ ومن زاویة تأریخیة.

المراد من العمل التّأریخی فی هذا الکتاب

لا شکّ، بأنّ العمل التّأریخی فی کلّ واحد من الأقسام الأربعة السّابقة، یعتبر عملاً مستقلاً قائماً بذاته، وینبغی الاهتمام والعمل بکل واحد منفصلاً عن الآخر، وأن تنجز حوله دراسات مستقلة؛ ومن جهتی کمدوّن لهذا الکتاب، قمت بأبحاث مستقلة فی هذا الصدد، وأقوم أیضا بإعداد کتابات منفصلة، طُبع بعضها، (1) والقسم الآخر سوف یبصر النور بعد تکمیله.

العمل التّأریخی الّذی بین أیدینا هو من القسم الاوّل بلا شکّ، أی من قسم البحث فی مراحل العلم. وسأعطی لنفسی فرصةً أُخری لتکمیل قراءاته، ولیصبح أکثر إحاطة بما هو أوسع من تأریخ تطوّر العلم ومراحله، لأنّ هذه الکتابة تحتمل فی داخلها فی کثیر من المجالات، أموراً أکبر من طاقة «العمل التّأریخی فی مراحل العلم.» (2)

ص:46


1- (1) . کنتُ فی السّابق قد کتبتُ مقالة حول تأریخ التّبویب فی علم الأُصول بعنوان إطلالة علی المسار التّأریخی للتّبویب فی علم الأُصول، وطبعت من قبل المؤتمر العالمی للشّهید الصّدر، ومن المؤمَّل أن یصدر بصورة کتاب فی المستقبل القریب.
2- (2) . أی علی مستوی البحث فی المراحل طبق الشکل الأول.(المترجم)

ولعل القارئ یوافقنی الرأی بعد مطالعة الکتاب؛ بمعنی أنّه فی الکثیر من مواضیع الکتاب ستظهر أبحاث من سنخ الأعمال التّأریخیة من القسم الثّانی والثّالث والرّابع. وکمثال علی ذلک: فإنّ الإطلالة الإجمالیة علی التّبویب الرّائج- الّتی جاءت فی نهایة کلّ مرحلة زمنیة- ومقارنتها مع ما سبقها وما سیتلوها من مراحل، هی نموذج من العمل التّأریخی من القسم الثّالث. وکذا الإشارة إلی المواضیع والمسائل الرّائجة فی کلّ مرحلة، وأحیاناً التّحلیل التّأریخی لعوامل نشوئها تکون بمثابة نموذج عن العمل التّأریخی من النوع الرّابعِ. لکن المؤلّف یعترف فی الوقت عینه، بأن هذا المقدار- وحده- بأی صورة کان لا یرفع من البین ضرورة القیام بالأعمال الثّلاثة الأُخری.

ممیزات الکتاب

1. لما کان لا توجد سابقةُ بحثٍ معتدٍ بها حول تأریخ علم الأُصول، وما کُتب فیه محدود ومختصر جداً، یمکن القول أنّ الکتاب الحاضر اوّل کتاب شامل ومفصل- وإن جاء فی قالب دراسی- وفی الوقت نفسه یستند إلی شواهد وأدلة مع تحلیل ودراسة لتأریخ الأُصول ومراحله. ولذلک واجهت صعوبات کثیرة من عدة جهات:

أولاً: کان علیه مراجعة عدد کبیر من المصادر الاولیة الّتی تطرّقت إلی هذا الموضوع، لیصبح الکتاب مستنداً، وفیه ما یکفی من الأدلة والشواهد.

ثانیاً: بسبب عدم وجود مصادر بحثیة سابقة، والموجود منها إلی حد کبیر کان لا یزال بکراً فی مراحله الأولی، لذلک، کان علیه لاصطیاد المواضیع، البحث والتّنقیب فی ما بین صفحات الکتب الأُصولیّة، والکتب الرجالیة، وفی التراجم، والفهارس والموسوعات، ... .

ثالثاً: مع فقدان مجموعة من الکتب الأُصولیّة أو لعدم توفرها بین أیدینا، خاصة کتب المراحل الأولی الّتی هی إما ذهبت وفقدت أو أنّه لا وجود لها فی إیران أصلاً، أو أنها ما زالت مخطوطة- أنّ وجدت- ومحفوظة فی مکتبات خاصة، کان من الضروری بذل المزید من الجهد بطریقة أو بأخری، والاطلاع علی المحتوی وطریقة التصنیف، والعمل علی تقدیم خلاصة ونبذة عنها. وهذا الأمر یشیر بوضوح إلی أنّ الکتاب استوجب الکثیر من الجهد والتّعب، لکنی وبتوفیق من الله تعالی استطعت إتمام العمل، وآمل أنّ یکون مقبولاً لدی أصحاب الدّرایة والعلماء الباحثین والطلبة الدارسین، حیث أنّ قبولهم وإعجابهم سیکون

ص:47

أفضل شکر وأثمن تحفة تقدم لی. آمل أنّ یکون الکتاب- لهذه الخصوصیة و لما سیأتی من خصائص- مفیداً للباحثین والأساتذة، ومعیناً للطلاب فی معرفة ما هو أفضل وأعمق.

2. ترافق طرح المواضیع التّأریخیة فیه، مع تحلیل المجالات ودراسة الظروف والأسباب الّتی أدت إلی ظهور المسائل، وکذلک دراسة المراحل الّتی مر بها.

3. سعینا فی هذا الکتاب إلی تقدیم الشخصیات الأُصولیّة المهمة فی کلّ مرحلة، وبیان نتاجاتهم وخلاصة نظریاتهم ومحاورها الأساسیة، لیتضح مستوی التّأثیر الّذی ترکوه علی مسار تطوّر علم الأُصول.

4. مع أنّ محور البحث الرئیسی فی الکتاب متعلق بمراحل علم الأُصول، لکنه لم یهمل، ضمن الحدود الممکنة، الأبحاث التّأریخیة- التحلیلیة بالنسبة لتبویب وتدوین المسائل الأُصولیّة، بغیة تمکین الباحثین والطلاب أکثر فی البحث والتّحلیل.

5. تم فی نهایة کلّ مرحلة، إدراج ما یتعلق بها من خصائص، لیصبح بالإمکان مقارنتها مع المراحل اللاحقة والسابقة.

6. عرضنا فی طیات الکتاب إطلالة إجمالیة علی تأریخ أُصول أهل السّنة الّذی کان له التّأثیر الکبیر علی أُصول الفقه الشّیعی وخاصة فی المراحل الأولی. ومن الطبیعی أنّ الدراسة التفصیلیة لتأریخ الأُصول السّنی هو عمل مستقل بذاته، وینبغی بحثه بشکل منفصل تماماً.

7. وضعت فی نهایة کلّ درس، مجموعة من الأسئلة الّتی تمثل فی الواقع القضایا الّتی لم تبحث خلال الدّرس وتتعلق بالمرحلة المذکورة، ولم ندرجها فی المتن لواحد من الأسباب التّألیة:

أ) تشعب البحث وحاجته إلی مزید من التحلیل، ولیس بالإمکان إدخالها ضمن الدرس.

ب) الخشیة من التطویل وتجاوز الحد المطلوب فی الدروس.

ج) سهولة تحصیله من قبل القراء أنفسهم.

وهذه الأسئلة بالنسبة للقراء، بمثابة منطلق للمزید من التفکیر والتّدقیق.

8. مع حرصنا علی أنّ تأتی الأبحاث ببیان سهل، وخاصة التحلیلیة منها، وأن تکون قابلة للفهم والاستیعاب بالنسبة للمستویات المختلفة، لکنها - کما یظهر- بمثابة کتاب مطالعة للباحثین والأساتذة وطلبة دروس البحث الخارج؛ و فی نفس الوقت کتاب دراسی لطلاب المقدمات والسطوح ومرحلة الإجازة والماجستیر فی الفقه والحقوق، حتی یتم هضم

ص:48

مواضیعها بشکل صحیح ومطلوب، وخاصة المواضیع التحلیلیة والنظریات الأُصولیّة لأساطین الأُصول فی المراحل المختلفة.

کلمة مختصرة إلی الأساتذة والطلبة المحترمین

أولاً: بالنظر إلی أنّ الکتاب أعد لوحدتین دراسیتین بمعدل 34 حصة (ساعة واحدة للحصة)، فمن الأفضل أنّ یقوم الأساتذة المحترمون بتقسیم الحصص بشکل یمکِّنهم من تغطیة جمیع الدروس الموجودة. ویلزم التذکیر بأن عدد الدروس 15 درساً، لم یراعَ التناسب الکمی فیما بینها، بل تم إعداد الدروس بما یناسب حجم المواضیع المفیدة واللازمة لکل مرحلة أصولیة. ویحتاج کلّ درس بالطبع إلی جلسة، لکن بعض الدروس تحتاج إلی حصتین أو حتی ثلاثة؛ مع ذلک، تبقی عدة جلسات ینبغی تخصیصها للإجابة علی الأسئلة والمناقشات فی کلّ درس ولتقدیم الأبحاث الّتی تم إنجازها من قبل الطلاب.

ثانیاً: علی الطلاب الأعزاء مطالعة الدّرس قبل الحضور حتی لا یضطر الأستاذ إلی صرف الوقت فی نقل تأریخی للأبحاث، ولیتسنی له الخوض فی الفروع التحلیلیة والأبحاث المتعلقة بالنظریات والآراء فی کلّ دورة أصولیة.

ثالثاً: وضعنا أسئلة فی نهایة کلّ درس بغیة تشجیع الطلاب علی البحث والتّحلیل و تفعیل حضورهم ولهذا السبب کانت الأسئلة تحلیلیة ومحددة.

رابعاً: أخذنا بعین الاعتبار توزیع بحث أو أکثر علی الطلاب فی نهایة کلّ درس، بتوجیه الأستاذ المحترم، لیعمل علی التوسع فیه.

وینبغی مناقشة الأبحاث المختارة فی حلقات بحث جماعیة إلی الحد الّذی یسمح فیه الوقت المخصص للمادة.

ص:49

ص:50

الدّرس الأول:تعریف «أصول الفقه» و «تأریخ الأصول»

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

مقدّمة حول نشأة علم الأُصول.

إطلالة علی تعریف الأُصول، الموضوع والغرض منه.

دراسة مصادر علم الأُصول.

إطلالة علی علم «تأریخ الأُصول» و مسیرة تطوّره.

ص:51

ص:52

المقدّمة

عندما آمن الإنسان بالله تعالی، وقَبِل دین الإسلام وشریعة النبی محمد بوصفها آخر دیانة سماویة، وعرف أنّه عبداً لله، أوجب علی نفسه إطاعته. فالإنسان بحکم عقله یری نفسه مسؤولاً أمام التّکالیف والإلزامات الإلهیة، ویعلم أنّ الإسّلام بوصفه شریعة خاتمة حددت له فی شؤون الحیاة جمیعها الوظیفة والموقف العملی الموصل إلی السّعادة الأبدیة، فیصبح مدعّواً إلی بناء تصرفاته الخاصة وعلاقاته مع غیره من الأفراد والجماعات علی أساس الأحکام الإسلامیة. ثمّ علیه أنّ یعرف ما هو موقف الدّین فی کلّ شأن من شؤون الحیاة المختلفة حتی یتصرف وفق ذلک.

ولو کانت أحکام الشّریعة- أوامرها ونواهیها- واضحة للجمیع وضوحاً تاماً وبدیهیاً لکان تحدید الموقف العملی (1) فی کلّ أمرٍ میسوراً لکلّ أحد، ولا حاجة بعدها للأبحاث العلمیّة العمیقة والواسعة؛ لکنّه ولعوامل متعددة- منها البعد الزّمنی عن عصر التّشریع- لم یکن من السّهولة بمکان تحدید الموقف العملی، والکشف عن أحکام الشّریعة، بل أنّ أکثر الأحکام غیر محددة بمعزل عن الأبحاث العلمیّة المفصلة الّتی ترفع ما اکتنفها من غموض وإبهام. علی هذا الأساس کان من الضّروری وضع علم یتولی رفع الغموض عن الموقف العملی للمکلّف علی أساس الشّریعة، ومن هنا ظهر «علم الفقه» کی یحدد «الموقف» ویکشف عن الحکم بطریقة الاستدلال.

ص:53


1- (1) . المراد من «الموقف العملی تجاه الشّریعة»: السّلوک الّذی یفرض علی الإنسان بحکم تبعیته للشّریعة أن یسلکه تجاهها. (راجع: السّید الشّهید محمّدباقر الصّدر: المعالم الجدیدة: 12).

فعلم الفقه یستدلّ فی کلّ واقعة لتعیین الموقف العملی للإنسان، وهذه العملیة هی ما یطلق علیها اسم «استنباط الحکم الشّرعی» وأحیاناً «الإجتهاد»، (1) ویتمّ الاستدلال بطریقتین:

1. الطّریقة غیر المباشرة: عبر إقامة الدّلیل القطعی أو الظنّی علی الحکم المجعول فی الشّریعة، لأنّه بتعیین الحکم الشّرعی تتضح وظیفة المکلّف والموقف العملی إزاء الواقعة.

2. الطّریقة المباشرة: حیث یقوم الفقیه بتحدید الموقف العملی للمکلّف قبال واقعة محددة مباشرة، لا عن طریق کشف حکمها الشّرعی، بل بالاستدلال المباشر، ویسلک الفقیه هذا الطّریق عندما یعجز عن تحدید نوع الحکم الشّرعی الثابت فی الواقعة. ولما کان اکتشاف وتحدید الوظیفة العملیة للإنسان فی جمیع شؤون الحیاة بعهدة علم الفقه، بحیث یتسع هذا العلم لعملیات استنباط لاحصر لها بقدر الوقائع والأحداث الّتی تزخر بها حیاة الإنسان، فعلی الفقیه ممارسة عملیة الاستنباط لحکم ما فی کلّ واقعة علی حدة، بإحدی ذینک الأسلوبین.

وعملیات الاستنباط الّتی یشتمل علیها علم الفقه بالرغم من تعددها وتنوعها، تشترک فی عناصر موحدة وقواعد عامة؛ وقد تطلبّ تشخیص هذه «الأصول» و«العناصر المشترکة» فی الاستنباط، وَضعَ علمٍ جدیدٍ لتحدیدها ودراستها، لیستعین بها الفقیه فی الاستنباطات الفقهیة؛ وبهذا الشّکل ظهر «علم الأُصول» وتمّ تدوینه. (2)

تعریف علم الأُصول

یُعرف علم الأُصول علی المشهور بین الأُصولیین:

«أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لإستنباط الأحکام الشّرعیة.» (3) ولمّا کان تعریف المشهور قد

ص:54


1- (1) . مصطلح «الإجتهاد» له معنیان: الأول: الحکم علی أساس الرأی والمصلحة، المعتمد علی التّفکیر الشّخصی، واوّل ظهور لهذا النوع من الإجتهاد کان فی فقه أهل السّنة، بحیث إنّ الفقیه کان یبادر إلیه عندما لا یجد دلیلاً من القرآن والسّنة، علی الحکم الشّرعی. والرّوایات الصادرة عن الأئمة المعصومین علیهم السلام الّتی تذمّ الإجتهاد ناظرة إلی هذا المعنی. الثّانی: بذل الوسع- الجهد العلمی- لاستخراج الأحکام الشّرعیة من الأدلة الشّرعیة المعتبرة. والشّیعة الإمامیة یقصدون هذا المعنی من الإجتهاد. (راجع: السّید الشّهید الصّدر: المعالم الجدیدة: 30-33). وتفصیل البحث فی حقیقة الإجتهاد وکیفیة الاستفادة منه فی العلوم الإسلامیة سنتعرض له فی بحث بعنوان «معرفة مکانة الإجتهاد.»
2- (2) . راجع: الشهید محمّدباقر الصّدر، المعالم الجدیدة، ص 19- 22.
3- (3) . علم الأُصول: عبارة عن العلم بمجموعة من القواعد الّتی تساعد فی استنباط الأحکام الشّرعیة أو هی القواعد الّتی جعلت لاستنباط الأحکام الشّرعیة.

واجه إشکالات متعدّدة- نظیر کونه غیر جامعٍ ولا مانعٍ- قدّم علماء الأُصول تعریفات أخری.

فالمرحوم النائینی یری أنّ علم أُصول الفقه أقرب إلی الفقه، لأنّ الأُصول هو الجزء الأخیر من علّة الإستنباط، والقاعدة الأُصولیّة تقع کبری فی قیاس الاستنباط، والحال أنّ جمیع العلوم الّتی یحتاجها، کعلم اللغة والصّرف والنّحو والرّجال تقع فی صغری القیاس، وعلی سبیل المثال، تقع حجیة خبر الواحد تحت کبری القیاس فی المثال الآتی؛ وتصبح المسألة أُصولیّة کما یلی:

«الشیء الفلانی ممّا قام علی وجوبه الخبر الفلانی.»

«وکلّما قام علی وجوبه خبر الثّقة فهو واجب.» (1)

فیستنتج من تألیف القیاس «وجوب الشیء الفلانی» وعلیه: ینبغی تعریف الأُصول بأن یقال:

«هو العلم بالکبریات الّتی لو انضمت إلیها صغریاتها یستنتج منها حکم فرعی کلّی.» (2)

ویقول الشّهید الصّدر قدس سره :

«علم الأُصول: هو العلم بالعناصر المشترکة فی عملیة استنباط الحکم الشّرعی.» (3)

بمعنی أنّه یتمّ فی هذا العلم دراسة مجموعة من القواعد الّتی تستخدم فی مواضع متعددة من أبواب الفقه، نظیر البحث فی حجیة الظهور العرفی وحجیة الخبر وغیر ذلک مما یدخل مثلاً فی استنباط أحکام الصوم والخمس والصلاة..، إضافة إلی أنّ علم الأُصول یحدد العناصر والأُصول المشترکة، یبین أیضاً درجات استعمالها فی عملیات الاستنباط والعلاقة القائمة بینها وأُمور أخری.

موضوع علم الأُصول

من المعروف عادةً، أنّ لکلّ علمٍ موضوعاً، تدور حوله أبحاث العلم؛ فمثلاً یقال أنّ موضوع علم الفیزیاء هو «الطّبیعة»، وموضوع علم النحو هو «الکلمة»، وهذا یعنی أنّ جمیع الأبحاث الّتی تطرح فی کلّ من هذین العلمین تدور حول موضوعٍ، أخذت لأجله بعین الاعتبار.

ص:55


1- (1) 2. من الطّبیعی أنّ نفس هذه المقدّمة متوقفة علی حجیة خبر الواحد الّذی هو نتیجة مسألة أُصولیة.
2- (2) 3. محمدعلی الکاظمی الخراسانی: فوائد الأُصول (تقریرات المرحوم النائینی): 1 /18 و 19.
3- (3) 4. السّید الشّهید الصّدر: المعالم الجدیدة: 22؛ وأیضا: السّید الشّهید الصّدر: دروس فی علم الأُصول (الحلقة الأولی): 46- 49.

یعتقد الکثیر من الباحثین والأُصولیین أنّ الأدلّة الأربعة هی موضوع علم الأُصول، أی الکتاب، والسُّنة والإجماع، والعقل؛ بمعنی أنّه یبحث عن أحوال الأدلّة الأربعة وحجیتها. والأُصولیون أنفسهم منقسمون إلی فئتین: فئةٌ اعتبرت الأدلّة الأربعة- بوصفها «أدلّة»- موضوع علم الأُصول، (1) وآخرون کصاحب الفصول اعتبروا «ذات الأدلة» هی الموضوع بصرف النظر عن دلیلیتها؛ (2) أمّا المحقق الآخوند الخراسانی- ولکی یتجنب الإشکالات الّتی ترِد علی الموضوع السّابق- اعتبر أنّ موضوع الأُصول هو الکلی الّذی ینطبق علی تمام موضوعات مسائل علم الأُصول، سواء أکانت الأدلّة الأربعة أم غیرها. وعلیه، فحتی الخبر الواحد یدخل تحت موضوع علم الأُصول مع أنّه لیس من الأدلّة الأربعة، لأنّه موضوع مسألة أُصولیّة. (3)

غرض علم الأُصول

بالالتفات إلی ما سبق، یتضح أنّ فائدة علم الأُصول والغرض منه امتلاک القدرة علی استنباط الحکم الشّرعی من مصادره.

مصادر الحکم الشّرعی وأدلّته

یقوم الفقه الشّیعی علی أربعة مصادر: الکتاب (القرآن الکریم)، والسُّنة، والإجماع، والعقل. والمراد من المصدر أو الدّلیل، أنّ بالإمکان استنباط الحکم الشّرعی وکشفه، من داخلها أو عن طریقها، باستخدام قواعد خاصة.

والهدف من علم أُصول الفقه تبیین کیفیة استخراج الحکم الشّرعی من المصادر والأدلّة المذکورة. ومن الطّبیعی أنّه فی بعض الحالات لا یمکن أخذ الأحکام الفقهیة مباشرة من هذه المصادر، لذلک جعلت قواعد وأُصول عامة محددة فی أُصول الفقه الشّیعی، عرفت ب الأُصول العملیة، ومن هذه الجهة قسِّم أُصول الفقه إلی قسمین: قسم یعتمد علی طریقة استنباط الأحکام من المصادر أو الأدلّة الأربعة وقسم آخر یعتمد علی الأُصول العملیّة.

ص:56


1- (1) . المیرزا أبوالقاسم القمی: قوانین الأُصول: 9.
2- (2) . الشّیخ محمّدحسین الأصفهانی: الفصول الغرویة فی الأُصول الفقهیة: 10.
3- (3) . المحقق الخراسانی: کفایة الأُصول: 8.

وبناءًً علی ما سبق، فإنّ التّعرف علی مصادر الإستنباط له أهمّیّة بالغة، وهذا یتمّ فی علم الأُصول. وسوف نستعرض هذه المصادر بإختصار ضمن البیان الآتی:

1. القرآن الکریم (الکتاب): اوّل مصدرٍ ودلیلٍ لمعرفة الأحکام الشّرعیة، فی الحوادث الواقعة والموضوعات المستحدثة، هو کتاب الله عز وجل، المصون من أی تحریف والمنزّه عن أی خطأ.

2. السّنة: المقصود من السُّنة قول (1) وفعل (2) وتقریر (3) المعصوم، وهی المصدر والدّلیل الثّانی ورکن أساسی فی عملیة الإستنباط، وبمعنی آخر، تعتبر السّنة من أهمّ مصادر الإجتهاد وأوسعها وأکثرها استخداماً. والمراد بالسُّنة عند الشّیعة سنة الرّسول صلی الله علیه و آله والأئمة الأطهار علیهم السلام .

3. الإجماع: المراد من الإجماع اتفاق جمیع علماء المسلمین علی مسألة، والإجماع المعتبر فی فقه الشّیعة، هو فی الحالة الّتی یُعلم من أدلّة الحکم الشّرعی أنّه کاشف عن قول المعصوم.

4. العقل: یعتبر العقل فی بعض الموارد، من أدلّة الإجتهاد، والعقل هنا أعم من المستقلات العقلیة القطعیة وغیر المستقلات العقلیّة القطعیّة.

یقبل السّنة بالأدلّة الأربعة أعلاه، لکنّهم یختلفون مع الشّیعة فی الکیفیة؛ فعلی سبیل المثال: یضیفون إلی سنة النبیّ سنّة الصحابة، ویعتبرون الإجماع بالمطلق کاشفاً مستقلاً عن الحکم الشّرعی؛ وتوجد لدیهم بالإضافة إلی الأدلّة الأربعة، مصادر وأدلّة أُخری کالقیاس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا. (4)

تأریخ علم الأُصول

1. تعریف

مفهوم تأریخ الأُصول واضحٌ نسبیاً، ولا یحتاج إلی تعریف، ولتقدیم صورة عامة عنه، سنوضّح ولو باختصار المراد منه.

ص:57


1- (1) . القول: عبارة عن الخبر الّذی یتضمن کلام المعصومین علیهم السلام فی موارد الأحکام الشّرعیة.
2- (2) . الفعل: هو عمل المعصوم* الّذی یعبر عن کیفیة تطبیقه للحکم الشّرعی الّذی نقل إلینا بواسطة الخبر.
3- (3) . التقریر: عبارة عن السّکوت الدّال علی إمضاء المعصوم* فی مقابل قول أو فعل جری أمامه وعلی مرأی ومسمع منه.
4- (4) . انظر: محمد إبراهیم جناتی، مصادر الإجتهاد علی المذاهب الإسلامیّة؛ ومحمود محمد الطنطاوی، أُصول الفقه الإسلامی.

تأریخ الأُصول علم یبحث فیه عن نشأة علم الأُصول- من حیث الزّمان وعوامل ظهوره- ومسار تطوّر مسائله خلال مراحل مختلفة بالنظر إلی الظّروف الاجتماعیة، والثّقافیة والسّیاسیة والدوافع المختلفة الفردیة أو الجماعیة، ویشار- بتبع ذلک- إلی رواد هذا العلم ونظریاتهم وآرائهم، وخاصة أصحاب الإبداع منهم.

2. موضوع «تأریخ علم الأُصول» والغرض منه

موضوع هذا العلم هو علم الأُصول نفسه، مسار تکامله ومراحل حیاته. والغرض منه البحث التّأریخی فیه لکی یطلع الباحثون والطّلاب بشکل صحیح وسلیم علی هذا العلم، وکیفیة نشوئه وتحوّله، لیتمکنوا- فی ظل المنهج التّأریخی- من فهم المسائل الأُصولیّة بدقة أکثر، ولیطّلعوا علی فلسفة ظهوره، ولیحظوا بمزید من التّوفیق فی حل معضلاته. (1)

3. الجذور التّأریخیة لعلم الأُصول

لا شکّ أنّ الظّهور الرّسمی لعلم باسم تأریخ الأُصول لا یتجاوز نصف قرن، ولم یصبح البحث فی تأریخ الأُصول ودراسة مسیرة تحوله وتکامله محل اهتمام علماء الأُصول- کقضیة مهمّة وعلم ینبغی الاشتغال به بشکل جدّی ورسمی- إلاّ فی العقود الأخیرة من هذا القرن. ولعلّ علماء السّنة یتقدمون علی أُصولیی الشّیعة فی هذا الأمر، فقد کتبوا مدونات مختصرة ومفصلة فی هذا المجال. ومن بینهم: الأستاذ محمد أبوزهرة (المتوفی1395ه) والدّکتور. شعبان إسماعیل (المولود 1359ه) فهما من الأساتذة البارزین فی الفقه والأُصول فی جامعة الأزهر والجامعات المصریّة الأُخری. (2)

أمّا بین أصولیی الشّیعة فاوّل من اهتمّ بهذا الأمر الأُستاذ الشّهید السّید محمّدباقر الصّدر، والأُستاذ محمود شهابی، وآیة الله جناتی، والدکتور أبوالقاسم کرجی. وقبل هؤلاء، نجد بعض

ص:58


1- (1) . سبق وتحدثنا عن فوائد البحث التّأریخی فی المقدمة، وهذه النّتائج تصدق أیضاً بالنسبة للبحث التّأریخی فی علم الأُصول.
2- (2) . للأستاذ محمد أبوزهرة أبحاث قیمة فی مختلف فروع العلوم الإسلامیّة، ومن جملتها أُصول الفقه. وهو عقد فی مقدّمة کتابه «أُصول الفقه» أبحاثاً حول تأریخ الأُصول. أمّا الأستاذ شعبان إسماعیل فهو أیضاً من الباحثین الّذین ألّفوا کتباً کثیرة. وله کتاب تحت عنوان «علم الأُصول، تأریخه ورجاله» بحث فیه حول تأریخ الأُصول عند السّنة.

الأُصولیین الّذین دوّنوا أحیاناً فی مقدمات مؤلّفاتهم الأُصولیّة مطالب مختصرة، حول تأریخ هذا العلم وأغلبها یفتقد إلی التّحقیق والأدلّة الکافیة؛ فهی إلی حد ما لا تبعث علی الاطمئنان.

إنّ الأهمیّة الّتی أولیت للأبحاث التّأریخیة فی العصر الحاضر، دفع علماء الأُصول للقیام بتنقیبات ودراسات مستقلة فی تأریخ هذا العلم، لیلتمسوا لمدّعأهم شواهد وأدلّة کافیة؛ وفیما یلی مجموعة من المصنّفات الّتی تشکل حصیلة هذه الأبحاث:

1. الأستاذ محمود الشهابی، کان فی بدایة درسه فی الأُصول یستعرض نبذة تأریخیّة حول أُصول الفقه، فی معهد الحقوق فی جامعة طهران، وقد طبعت هذه النبذات فی مقدّمة کتابه «تقریرات الأُصول.»

2. کتب الشّهید الصّدر رسالة فی تأریخ الأُصول، طبعت فی اوّل کتابه المعالم الجدیدة.

3. کتب أبوالقاسم کرجی رسالة تحت عنوان تحول الأُصول بحث فیها تأریخ علم أُصول الفقه عند السّنة والشّیعة فی تسع مراحل، ثمّ طبعت هذه الرّسالة بعد ذلک کضمیمة فی کتابه «تأریخ الفقه والفقهاء.»

4. ألّف آیة الله جناتی- من أساتذة الحوزة العلمیّة فی قم- کتاباً باسم أدوار الإجتهاد بحث فیه أیضاً تأریخ الأُصول.

مع أنّ هذه الآثار تستحق التقدیر، باعتبارها باکورة الأبحاث الرّسمیة فی تأریخ الأُصول، لکنّه لا مجال لإنکار ما اعتراها من ضعف. فعلی سبیل المثال: ما جاء فی مقدّمة تقریرات الأُصول للأُستاذ الشّهابی کان سریعاً وفاقداً للتّحلیل والبیان الدّقیق، إضافة إلی عدم کفایة المصادر والأدلّة الّتی اعتمد علیها.

أمّا ما قام به الشّهید الصّدر فی المعالم وإن کان أقواها وأمتنها، لکن البحث المرتبط بتأریخ الأُصول لا یشکل سوی جزءٍ من القسم الاوّل من الکتاب، وباقی الأبحاث ترجع إلی مسائل أُخری یمکن أنّ تأتی تحت عنوان مکانة الإجتهاد. من هنا فإن ما بحثه الشّهید الصّدر لم یأت ضمن إطار بحث متکامل وحقیقی لمختلف الحقب والمراحل التّأریخیّة.

أمّا تحول الأُصول لِلدکتور کرجی فهو أیضاً مختصر جداً ویفتقد إلی التّحلیل، والمواضع الّتی ظهر فیها تحلیلاً ما، فهی جمیعاً مقتطفة من المعالم الجدیدة للشّهید الصّدر.

وأدوار الإجتهاد لإبراهیم جناتی، وإن کان أکثر تفصیلاً إلاّ أنّه لیس مختصاً بتأریخ الأُصول، بل هو حول مراحل الإجتهاد، وهو بحث أعمّ من کونه بحثاً فی تأریخ الأُصول.

ص:59

والحقیقة أنّ البحث فی تأریخ الأُصول فی الوقت الحاضر ما زال فی مراحله الأولی، من هنا، ینبغی علی الباحثین والمعنیین تکثیف الجهود والقیام بدراسات معمقة فی سبیل ایصاله إلی مرحلة النضوج؛ ومن المؤمّل أنّ تکون هذه المحاولة المتواضعة علی هذا الطّریق.

خلاصة الدّرس

1. لدی الأدیان السّماویة وخاصة الإسلام تکالیف وأحکام، ینبغی علی الفرد المسلم أنّ یعتبر نفسه مسؤولاً تجاهها. ولذلک، ینبغی الکشف عنها والعمل طبقها.

ولما کان فهم جمیع التّکالیف من المتون الدّینیة لیس من السّهولة بمکان، لذلک لزم وجود مقدمات تمکن من استنباط أحکام الشریعة منها؛ ولهذا السبب ظهر علم الفقه.

2. للکشف عن الأحکام الشّرعیة یحتاج الفقیه إلی علوم أهمها علم الأُصول، وهذا العلم یضع بین یدی الفقیه قواعد عامة یستفید منها فی الاستنباط الفقهی.

3. یوجد اختلاف حول تعریف موضوع علم الأُصول، بعضهم عرّفه بالأدلّة الأربعة بوصف دلیلیتها، وآخرون جعلوا ذات الأدلّة هی الموضوع، وفئة ثالثة قالوا إنّ موضوع العلم هو الکلی الانتزاعی القابل للانطباق علی جمیع موضوعات مسائله.

4. الغرض من علم أُصول الفقه استفراغ الوسع علی استنباط الحکم الشّرعی من مصادره.

5. مصادر الحکم الشّرعی: القرآن، السّنة، العقل والإجماع. وهذه المصادر هی محل البحث فی أُصول الفقه.

6. تأریخ علم الأُصول علمٌ یقوم علی البحث فی نشأة علم الأُصول والمسار التّأریخی لتطور مسائله، و سیرة علماء الأُصول والنظریات والإبداعات الّتی قدموها.

7. أنّ موضوع تأریخ الأُصول هو نفس علم الأُصول ومراحل تکامله.

8. لا یتجاوز عمر هذا العلم نصف قرن، ویمکن عدّ الشّهید الصّدر (قده) والأُستاذ محمود الشّهابی من رواده الأوائل.

أسئلة للمناقشة والبحث

1. لماذا عُدّ التّعریف المشهور غیر مانع ولا جامع؟ بناء علیه، هل خطرت فی ذهنک إشکالات أُخری علی هذا التعریف؟

ص:60

2. قارن بین تعریف المحقق النائینی لعلم الأُصول وتعریف الشّهید الصّدر، واذکر عیوب ومحاسن کلّ منهما.

3. بالنظر إلی التّعریف الّذی قدّمه الشّهید الصّدر، ما هو موضوع علم الأُصول برأیک؟ قارن بین حاصل استنتاجات ومباحثة طلاب صفک مع ما کتبه الشّهید الصّدر فی کتابی المعالم الجدیدة ودروس فی علم الأُصول.

4. عدّد الفوائد المتوخاة من البحث التّأریخی فی علم الأُصول؟

5. ابحث فی مصادر الحکم الشّرعی؟

للمناقشة والتّوسع

1. توجد لعلم الأُصول عند علماء السّنة تعریفات مشابهة لما مر؛ قارن بین تلک الّتی قدّمها علماء الشّیعة مع ما قدّمه غیرهم- بمراجعة مجموعة من مصادرهم- ، وبین ما هی نقاط ضعف وقوة کلّ منها، (یراجع فی هذا المجال:کتاب: المستصفی/ تألیف محمد الغزالی، وکتاب المحصول /تصنیف الفخر الرّازی؛ وراجع أیضاً تعریف المحقق الحلّی- من علماء الشّیعة- لأُصول الفقه فی کتاب معارج الأُصول، وقارنه مع تعریف الغزالی والفخر الرّازی).

2. ابحث فی مصادر الإجتهاد من وجهة نظر علماء الفریقین، وأجر مقارنة تفصیلیة بینهما.

ص:61

ص:62

الدّرس الثّانی:نشأة علم الأصول

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

البحث فی الظّروف والعصر الّذی نشأ فیه علم الأصول

الحاجة إلی أُصول الفقه وعلّة ذلک.

إطلالة علی عصر تدوین الأصول.

ص:63

ص:64

نشأة علم الأُصول

من المؤکّد أنّه قلیلاً ما راودت أذهان المسلمین الأوائل فکرة بعنوان الإجتهاد أو الکشف عن الحکم الشّرعی، سواء الّذین عاشوا فی زمن حضور النبیّ الأکرم صلی الله علیه و آله والحقبة الّتی أعقبت ارتحاله الشّریف (بالنّسبة لأهل السّنة)، أو المسلمین الّذین کانوا فی عصر حضور الأئمة المعصومین (بالنّسبة للشّیعة)؛ لأنّه متی ما واجهتهم مشکلة کانوا یسألون النبیّ صلی الله علیه و آله بشخصه أو الإمام المعصوم علیه السلام ، أو الأصحاب العارفین الّذین لازموه؛ وکانوا یحصلون علی الجواب ولم یکونوا بحاجة إلی الاستنباط وکشف الحکم بالطّرق الإجتهادیة. (1)

إضافة إلی ذلک، لم تظهر مشاکل محددة فی هذه الحقبة، بسبب عدم اتساع البلاد الإسلامیّة وسهولة المسائل الّتی ابتلی بها المسلمون لوجود أحکام معروفة ومنصوص علیها. لکن تدریجیاً، مع توسع المجتمع الإسلامی وتطوره، وطرح مسائل معقدة لا سابقة لها، دفع

ص:65


1- (1) . علی الرغم من وجود موارد تحکی عن اجتهاد الأصحاب والخلفاء فی هذه الحقبة نفسها- سواء فی زمان النبی الأکرم صلی الله علیه و آله ، أو فی زمان الخلفاء الأوائل، حیث استفادوا فی اجتهاداتهم، من جملة قواعد کلیة کالإجتهاد بالرأی، القیاس وقواعد الاستظهار فی فهم المتون وغیر ذلک... . *تذکیر: من الأفضل أن ینقل الأُستاذ فی هذا القسم بعض الشّواهد التّأریخیّة الّتی تخبر عن اجتهادات الأصحاب الأوائل وأن یتمّ دراستها وتحلیلها. غالباً ما ذکرت هذه الموارد فی کتب الحدیث کالصحاح السّتة ومسانید السّنة، وفی الکتب التّأریخیة مثل تأریخ الطّبری؛ وبعض هذه الأحادیث ذکرت أیضاً فی الکتب الرّوائیة الشّیعیة نظیر أُصول الکافی. للحصول علی المصادر الأساسیة للأمثلة موضوع البحث، راجع الکتب التّألیة: «أبحاث حول أُصول الفقه، تأریخه وتطوره»: مصطفی سعید الخن: 11-33، وکتاب «أصول الفقه، تأریخه ورجاله»: د. شعبان محمد إسماعیل: 25- 27، وکتاب «أدوار الإجتهاد»: إبراهیم جناتی: 44- 46.

الأصحاب والمجتهدین إلی المزید من البحث والتّدبر فی القرآن الکریم والنصوص الشّریفة للإجابة علی المسائل الجدیدة.

ومع مضی أکثر من مائة عام علی زمان النبیّ صلی الله علیه و آله ، شعر الفقهاء، الّذین کانوا یستخرجون الأحکام الفقهیة من المتون الدّینیة، بالحاجة إلی ضرورة تدوین قواعد کلیة وعناصر مشترکة، لأنّهم أصبحوا أکثر بعداً عن عصر التّشریع وفقدان القرائن الحالیة وأحیاناً القرائن المقالیّة لکلام الشّارع، لیتمکنوا بواسطتها من استنباط أحکام المسائل الجدیدة. ومن الواضح أنّه فی المراحل الأُولی کان الصحابة وعلماء المسلمین یستنبطون الأحکام الفقهیة بیسر وسهولة واضحة، وکان یلزمهم فقط مجموعة من القواعد البسیطة. لکن مع مرور الزّمن ومع تشعب المسائل المستجدة أکثر فأکثر احتاج الفقهاء إلی تأسیس المزید من القواعد المتشعبة.

یمکن القول، إنّ العلماء ومنذ بدایة اشتغالهم بالبحث عن الأحکام الفقهیة، استفادوا من عناصر وقواعد کلیّة، حیث کانت بسیطة ومتواضعة لسهولة العمل الفقهی بدایة الأمر، وعلی أثر ازدیاد التّعقید فی العمل الاستنباطی وتطور الفقه، أصبحت تلک القواعد أکثر نضجاً، واتخذت منحیً أکثر عمقاً واتساعاً. وهذه النقطة تشیر بوضوح إلی تقارن مسار تطوّر علمی الفقه والأُصول معاً. (1)

وینبغی القول: أنّه لابدّ لأُصول الفقه- باعتباره مقدّمة للفقه- من أنّ یتکامل فی ظلّ تنامی علم الفقه أیضاً. (2) وما قیل- حول ظروف وکیفیة نشأة علم الأُصول- یصدق علی أُصول الفقه السّنی والشّیعی علی السّواء، ولیس صحیحاً أنّ الشّیعة لم یکونوا محتاجین إلی الإجتهاد لوجود الأئمة المعصومین علیهم السلام (3) بینهم وإن کانت حاجتهم إلیه أقل ممّا هی علیه عند أهل السّنة؛ بل اضطروا إلی الأخذ بالإجتهاد للکشف عن الأحکام الشّرعیة والاستناد إلی القواعد العامة لوجود مجموعة ظروف وعوامل مختلفة؛ منها:

ص:66


1- (1) . هناک رأی متقدم للسّید محمّدباقر الصدر، حیث یقول إنّ علم الأُصول نشأ فی أحضان علم الفقه. کما أنّ علم الفقه نشأ بدایة فی أحضان علم الشّریعة المتقدم الأوّل. راجع: المعالم الجدیدة: 52. (المترجم)
2- (2) . أبوزهرة: أُصول الفقه: 8 - 10.
3- (3) . فلا تصح من هذه الجهة نظریة تشارلز آدمز ومحمود الشّهابی اللذان اعتقدا أنّ الشّیعة لم یکونوا بحاجة إلی الإجتهاد - لحضور الأئمة بینهم - ، وبالتّالی یکون اهتمامهم بقواعد الإجتهاد متأخر عن السّنة. راجع: تشارلز آدمز: ألفیة الشّیخ الطّوسی: 2 /27. ومحمود الشّهابی: تقریرات الأُصول: 38 - 47.

أوّلاً: لم یکن أصحاب الأئمة علیهم السلام فی جمیع الأحوال علی إتّصال دائم بالأئمة، خاصة الأصحاب الّذین عاشوا فی مدن نائیة کشیعة خراسان والیمن وغیرهم، فقد تعذّر علیهم الحضور عند أئمتهم وطرح ما یعترضهم من أسئلة؛ و بالرغم من أنّهم کانوا یکتبون رسائلهم فی موارد کثیرة ویرسلونها مع الحجّاج، وتأتیهم الأجوبة، لکن لم یکن أمامهم بدّ فی مجالات أُخری سوی العمل بالإجتهاد بإتّباع الأُصول الکلیّة الّتی تعلموها من الأئمة علیهم السلام حتّی أنّه کان علی بعض الأصحاب الّذین رافقوا الإمام علیه السلام أنّ یجتهدوا فی بعض الموارد نظرا للاقامة الجبریّة الّتی فرضت علی الإمام علیه السلام من قبل السّلطات الحاکمة.

ثانیاً: الأئمة علیهم السلام أنفسهم شجعوا أصحابهم من ذوی الکفاءة والنباهة علی الإجتهاد فی الأحکام والإفتاء؛ کأمر الإمام الصادق علیه السلام أبان بن تغلب أنّ یجلس فی المجلس ویفتی الناس حتی قال علیه السلام :

«اجلس فی مسجد المدینة و أفت الناس فإنّی أُحبّ أن یری فی شیعتی مثلک»؛ (1)

وفی موضع آخر یسأل الإمام علیه السلام معاذ بن مسلم، حیث جاء فی الرّوایة:

قال:

«بلغنی أنّک تقعد فی الجامع فتفتی النّاس» قلت: نعم وقد أردت أنّ أسألک عن ذلک قبل أنّ أخرج إلی أنّ قال الإمام:

«اصنع کذا فإنّی کذا أصنع.» (2)

من جهة أُخری، کان الأئمة علیهم السلام یوصّون أتباعهم بأخذ أحکامهم من هؤلاء الأشخاص، کروایة عبدالعزیز بن المهتدی عن الإمام الرّضا علیه السلام ، حیث یقول للإمام علیه السلام :

قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا علیه السلام فَقُلْتُ إِنِّی لَا أَلْقَاکَ فِی کلّ وَقْتٍ فَعَمَّنْ آخُذُ مَعَالِمَ دِینِی، فَقَالَ:

«خُذْ عَنْ یُونُسَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ.» (3)

ثالثاً: أجاز الأئمة علیهم السلام الإجتهاد الصّحیح لأصحابهم: یقول الإمام الصّادق علیه السلام :

«إِنَّمَا عَلَیْنَا أنّ نُلْقِیَ إِلَیْکُمُ الأُصول وَعَلَیْکُمْ أنّ تُفَرِّعُوا.» (4)ویروی عن الإمام الرّضا علیه السلام مثل هذاالمضمون. (5)

ص:67


1- (1) . جامع الرّواة: 9/1.
2- (2) . الحرّ العاملی: وسائل الشّیعة: 27 /148، ح36.
3- (3) . رجال النجاشی: 311. و وسائل الشّیعة: 27 /148، باب وجوب الرجوع فی القضاء الی... .
4- (4) . سفینة البحار: 1 /22. وسائل الشّیعة: 27 /6، باب عدم جواز القضاء والحکم بالرجوع إلی... .
5- (5) . أعیان الشّیعة: 1 /387، وسائل الشّیعة: 2 /62، الباب 6.

رابعاً: الرّوایات المنقولة عن الأئمة علیهم السلام فیما یتعلق ب-: علاج الأخبار المتعارضة، وحجیة خبر الثّقة، وأصالة البراءة، وبطلان القیاس والإجتهاد بالرأی، وحجیة الاستصحاب ومسائل أُصولیّة أُخری، الّتی جمعت ودونت فیما بعد علی ید ثلّة من العلماء؛ (1) وفی کلّ ذلک دلالة واضحة علی جواز الإجتهاد مطلقاً.

مع أنّ حرکة التّدوین فی الأُصول لدی علماء الفریقین قد سارت بشکل متواز- بل الشّیعة سبقوا أهل السّنة فی ذلک - لکن علماء السّنة کانوا أسبق من غیرهم من حیث المتابعة والاستمرار، والإهتمام بتطویر هذا العلم، بغیة الاستفادة منه فی الإستنباط؛ لأسباب منها:

أوّلاً: فقدوا بوفاة النّبی الأکرم أحد أهمّ مصادر الأحکام الّتی هی السّنة النّبویة بینما کانت الشّیعة ما تزال تعیش عصر النّص.

وثانیاً: أنّ ما وصل إلیهم بطریق صحیح عن النّبی لم یکن کافیاً لرفع کلّ حاجاتهم الدّینیة. (2)

دلیل الحاجة إلی أُصول الفقه

إنّ البعد عن عصر النّص وزوال الکثیر من القرائن الحالیة وقسم من القرائن المقالیة من جهة وتزاید حاجات المجتمع الإسلامی مع مرور الوقت وظهور مسائل لا عهد له بها من جهة آخری أجبر الفقهاء علی التّعمق فی البحث، وبذل المزید من الجهد لفهم الکتاب وسنة المعصومین علیهم السلام ، وأن یسلکوا طریقاً لفهم الدّین والکشف عن الأحکام من زاویة نظر جدیدة بالاستفادة من عناصر مشترکة ومحددة. وهذا العمل کان ضروریاً لجهة منع الانحراف فی فهم الدّین والحد من استخدام قواعد غیر صحیحة فی الکشف عن الحکم من الکتاب والسُّنة، وبصورة عامة لمواجهة المناهج الخاطئة والطّرق الباطلة فی هذا السبیل.

وقد اهتمّ الأئمة علیهم السلام قبل غیرهم بهذه المسألة وراحوا یملون علی أصحابهم القواعد الکلیة والعناصر المشترکة فی الاستنباط لتمییز الغث من السمین فی مسالک الإجتهاد. (3)

ص:68


1- (1) . مثل: «الفصول المهمة فی أُصول الأئمة» تألیف الشّیخ الحرّ العاملی، و«أصول آل الرسول الأصلیة» تألیف السّید هشام بن زین العابدین الخوانساری؛ و«الأصول الأصیلة والقواعد الشّرعیة» تألیف السّید عبدالله شبر.
2- (2) . أبوالقاسم کرجی: تأریخ فقه وفقها (تأریخ الفقه والفقهاء: 311).
3- (3) . سوف یأتی فی سیاق البحث أنّ الأئمة علیهم السلام کانوا اوّل من علّم وأملی القواعد الأُصولیّة علی

تدوین أُصول الفقه

اشارة

متی دوّنت أُصول الفقه ومن هو اوّل مدوّن لها؟ هذا السّؤال یطرح دوماً فی بحث تأریخ الأُصول، وظهرت حوله آراء مختلفة. منها:

الأول: ذهب إلی أنّ أبا حنیفة هو اوّل من دوّن أُصول الفقه. (1)

الثّانی: نسب تدوین أُصول الفقه إلی أبی یوسف (م: 182ه) من أتباع أبی حنیفة. (2)

الثّالث: جنح إلی أنّ الشّیبانی (م:182 أو 189) من تلامذة أبی حنیفة، هو اوّل من دوّن الأُصول. (3)

الرابع: وهو الرأی المشهور عند الإمامیّة؛ ومفاده أنّ هشام بن الحکم- من أصحاب الإمام الصّادق علیه السلام - هو اوّل من کتب أُصول الفقه. (4)

الخامس: وهو السّائد بین أهل السّنة، حیث زعم إنّ الشّافعی (م:204ه) اوّل من دوّن الأُصول. (5)

وعلیه، یوجد تضارب شدید فی المسألة، لذلک ینبغی دراسة هذه الآراء وتقییمها. وفی البدایة لا ینبغی الخلط بین مسالّتی تأسیس العلم، وتدوین العلم، کما وقع فیه بعض الباحثین، وسنشیر إلی ذلک لاحقاً.

مناقشة الرأی الأوّل

الرأی الاوّل مردود باتفاق الفریقین، لأن أبا حنیفة لم یکتب فی أی علم؛ (6) لا فی علم الأُصول ولا فی علم الفقه کما توهم البعض. (7) نعم، أبا حنیفة کان اوّل من استخدم

ص:69


1- (1) . یظهر أنّ جماعة من الأحناف علی هذا الرأی، بناء لما ذکره الشّیخ جناتی. لکن لم أعثر علی مؤیّد له. (انظر: أدوار الإجتهاد: 223).
2- (2) . ابن خلکان: وفیات الأعیان: 6 /382.
3- (3) . ابن الندیم: الفهرست: 257 و258.
4- (4) . تأسیس الشّیعة:310 و311.
5- (5) . مقدّمة ابن خلدون: 452 -457؛ والسّیوطی: الوسائل فی مسامرة الأوائل:103، برقم 756.
6- (6) . نقلاً عن أدوار الإجتهاد: 223.
7- (7) . نظیر السیوطی فی کتاب الوسائل فی مسامرة الأوائل: 102، برقم 746.

القیاس والعمل بالرأی فی اجتهاده. وقد نقل أنّه خالف رأی الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله فی 400 مسألة، (1) واعتبر إمام اهل القیاس. (2)

مناقشة الرأیین الثّانی والثّالث

لیس لهذین الرأیین أنصار یعول علیهم؛ یقول الدّکتور شعبان إسماعیل وبعض المحققین الآخرین: (3) لنفرض أنّ هؤلاء الأشخاص وضعوا رسائل فی الأُصول، لکن هذا لا یثبت شیئا، لأن المراد من تدوین علم، وضع کتاب کامل فیه، وهذان (أبو یوسف والشیبانی) لم یکتبا شیئاً فی ذلک. وهذا الرد لا یخلو من الضعف حیث سنشیر إلیه فی السیاق.

ونحن لا نسلم - فی الوقت ذاته - بهاتین الرؤیتین، لأنّه لو قبلنا أنّهما دوّنا رسائل فی أُصول الفقه، لکن هناک من سبقهما وله کتب ورسائل أیضاً، کهشام بن الحکم أحد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام الّذی دوّن رسالة فی الألفاظ ورسالة أُخری فی الأخبار. (4)

مناقشة الرأیین الرابع والخامس

یقول الباحث الکبیر السّید حسن الصّدر فی هذا الباب:

«واوّل من أفرد بعض مباحثه بالتصنیف هشام بن الحکم، شیخ المتکلمین، تلمیذ أبی عبدالله الصادق علیه السلام صنّف کتاب الألفاظ ومباحثها، هو أهمّ مباحث هذا العلم... .» 5

وقد ذکر ابن الندیم کتابَ الألفاظ فی فهرسته عند ترجمة هشام بن الحکم، وکذلک فعل النجاشی فی رجاله، 6 من هنا یحصل لدینا اطمئنان أنّ لهشام رسالة فی بحث الألفاظ یحتمل قوّیاً ارتباطها بأُصول الفقه؛ ویتضح أیضاً أنّ هشام متقدم علی الشّافعی وغیره زماناً؛ وبناءً علیه یمکن اعتباره اوّل من کتب فی علم الأُصول.

ردّ الأُستاذ أبوزهرة- من علماء أهل السّنة- نظریّة السّید الصّدر وانتقدها؛ ولکنّه للأسف، وقع هو

ص:70


1- (1) . الزمخشری: ربیع الأبرار نقلاً عن مرآة العقول.
2- (2) . ابن خلکان: وفیات الأعیان: 5 /409، برقم 765.
3- (3) . أُصول الفقه تأریخه ورجاله: 32 و33؛ و ابحاث حول أُصول الفقه: 88 - 98.
4- (4) . سنثبت هذا المدعی فی سیاق الکلام.

وآخرون فی خلط کبیر کالدّکتور سعید الخن وشعبان إسماعیل حیث تبعاه علی هذا الرأی، دوّن دقة وتمحیص فقد خلطوا بین نظریّة السّید حسن الصّدر حول تأسیس علم الأُصول، ونظریته فیما یرجع إلی تدوین العلم نفسه؛ فمن الواضح أنّ موضوع «تأسیس العلم» یختلف عن مسألة «التدوین فیه.»

یقول أبوزهرة: «یعتقد السّید حسن الصّدر والإمامیة أنّ الإمام الباقر والإمام الصّادق هما اوّل من دوّنا فی علم الأُصول.» (1) ثمّ یأتی علی نقد هذه النّظریة، ویقوم بمناقشة مقتضبة لما ادّعاه عن المرحوم السّید الصّدر.

لکن کما ذکرنا آنفاً، أنّ ما نسبه أبوزهرة إلی السّید حسن الصّدر غیر مطابق للواقع؛ لأنّ الأخیر لم یذکر أنّ الإمامین هما اوّل من دوّن علم الأُصول؛ بل صرّح أنّهما اوّل من أسّس هذا العلم، بل قال ما نصه:

«اعلم أنّ اوّل من فتح بابه وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبوجعفر محمد بن علی الباقر، وبعده ابنه أبوعبدالله الصّادق، وقد أملیا فیه علی جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله... .» (2)

وقال- فی سیاق هذا الموضوع- رداً علی جلال الدّین السّیوطی القائل بأنّ الشّافعی اوّل مصنّف فی الأُصول:

«هذا القول غیر صحیح، لأنّه أنّ أراد من التصنیف التّأسیسَ والإبتکار، فکلامه باطل؛ لأنّ الباقرین هما مؤسسا علم الأُصول؛ وإن کان مراده أنّ الشّافعی أوّل من وضع مصنّفاً فی أُصول الفقه، فکلامه أیضاً غیر مستقیم، لأنّ أوّل من دوّن وألّف فی أُصول الفقه هو هشام بن الحکم المتکلّم المعروف.» (3)

بهذا البیان یتضّح من نظریة السّید حسن الصّدر ما یلی:

أولاً: هناک فرق بین تأسیس العلم وبین تدوینه.

ثانیاً: أنّ الإمامین الباقرین مؤسساً علم الأُصول، وهشام بن الحکم- من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام - أوّل من کتب فیه.

أمّا کیف غفل أبوزهرة وأتباعه عن هذه المسألة المهمّة والواضحة؛ فهذا الأمر محل تأمل!. (4)

ص:71


1- (1) . أبوزهرة: أُصول الفقه: 12و13.
2- (2) . تأسیس الشّیعة: 310.
3- (3) . المصدر السّابق.
4- (4) . المثیر للعجب هنا أنّ أحداً من باحثینا وعلمائنا لم یتفطن إلی هذه النکتة فی المناقشة والرّد علیهم.

مع ذلک، وبصرف النّظر عن هذا الخلط الّذی أوقعوا أنفسهم فیه؛ إلاّ أنّه یسجل لهم إیرادان علی کلام السّید حسن الصدر:

أوّلاً: یقولون أنّ الإمامین الباقرین لیس لهما مصنّفات فی أُصول الفقه، وإنّما أملیا فقط القواعد الأُصولیّة علی أصحابهما.

ثانیاً: ما دوّن فی الأُصول قبل الشّافعی رسائل، کلّ واحدة منها تشتمل علی بحث أُصولی أو مجموعة أبحاث محدودة؛ فی حین أنّ الشّافعی نفسه کتب دورة کاملة فی أُصول الفقه، رتّبها ونظمها وهو اوّل من قام بهذا العمل. (1)

وعلیه، یتضح أنّ أغلب علماء أهل السّنة یعتبرون الشّافعی اوّل من وضع کتاباً کاملاً فی أُصول الفقه، بعنوان الرسالة. وقد اعتمدوا علی نقطة مهمّة فی دعوأهمّ وهی تمامیة الکتاب، وطرحه لجمیع المباحث الأُصولیّة، بالإضافة إلی ادعائهم الإجماع علیه. (2) وتواجه هذه النظریة عدة إشکالات:

أوّلاً: أنّ ادّعاء الإجماع علی هذا الأمر ضعیف جداً ولا أساس له؛ لأنّ الکثیر من علماء الأحناف وجمیع علماء الإمامیة لا یقبلون هذه النظریة، ولیس من الإنصاف عدم أخذ سائر النظریات بنظر الاعتبار.

ثانیاً: من غیر المعلوم أنّ کتابالرسالة کان من تألیف الشّافعی نفسه. ومطالعة الکتاب تقوی هذا الاحتمال، لأنّ جمیع المواضیع المطروحة فیه، تبدأ ب- قال الشّافعی، ویؤید هذا الأمر، أنّ الکتاب کان من أمالی الشّافعی، وقام الربیع- أحد تلامذته- بتدوینه. (3)

ثالثاً: ما جاء فی کتاب الرّسالة مواضیع مختلفة أعمّ من کونها أُصولیّة أو غیر ذلک، فقد جاء هذا الکتاب فی سیاق البحث عن طریقة للإطلاع علی مختلف التّعالیم والأحکام، بالعودة إلی المصادر الإسلامیة. فمن هذه الجهة لیست مسائل علم الأُصول غالبة علی غیرها من المسائل حتی یمکننا- بحکم التغلیب- اعتباره من الکتب والمؤلّفات الأُصولیّة. وببیان آخر، لیست جمیع أو أکثر مواضیع الکتاب حول علم الأُصول ولا الکتاب شامل لجمیع أو أکثر مسائل هذا العلم؛ وعلیه، فلا یکون إطلاق أُصول الفقه المصطلح علی هذا الکتاب إطلاقاً حقیقیاً. (4)

ص:72


1- (1) . أبوزهرة: اصول الفقه.
2- (2) . جلال الدّین السّیوطی، ابن خلدون، أبوزهرة، د. سعید الخن، وآخرون.
3- (3) . انظر: مقدّمة کتاب الرّسالة: بقلم أحمد محمّد شاکر: 12.
4- (4) . انظر: السّید محمّدجواد شبیری: نشأة أُصول الفقه وأدواره الأُولی: 8 - 9؛ ود. أبوالقاسم کرجی: المصدر

ومع هذه الانتقادات، ینبغی التسلیم بأنّ الشّافعی تمکن بذهنه الوقاد من إملاء أو تدوین کتاب یضم بعض مسائل علم الأُصول. وعلی أیّة حال، نسلّم بأنّ کتاب الرّسالة للشّافعی من المصادر الأساسیّة لعلم أُصول الفقه، وقد أدّی دوراً مهمّاً فی تدوین هذا العلم.

استنتاجات البحث الختامیّة

لتکوین نظریة مکتملة وواضحة حول هذا البحث، نحتاج إلی توضیح المراد من تدوین العلم، إذ توجد فی هذا الشأن فرضیتان، ولکلٍّ منها مؤیدون وأنصار:

الأُولی: التّدوین بمعنی جمع تألیف وترتیب نسبی لمواضیع علم حدیث النشأة فی مجموعة تحتوی علی کلّ أو أغلب مباحث ذلک العلم. (1)

الثّانیة: التّدوین بمعنی تألیف رسائل ومجموعات تشتمل علی قسم- أو حتّی مسألة واحدة- من مسائل العلم تشکّل أرضیة مناسبة لتصنیفات واسعة فی المستقبل. (2)

فلو أخذنا تدوین أُصول الفقه بالمعنی الأوّل، فحینئذ لن تکون أیّ من الرسائل والأمالی المکتوبة من قبل أعلام الشّیعة وأصحاب الأئمة، وأیضاً علماء أهل السّنة داخلة تحت عنوان تدوین علم الأُصول، وحتّی أنّ نتاج شخصیة کالشّافعی مثلاً، لا یعتبر داخلاً ضمن دائرة تدوین العلم؛ لأنّ نشاطه لا یشتمل علی کلّ المسائل الأُصولیّة، والجنبة الغالبة علی کتابه لا ترتبط بأُصول الفقه. وفی هذه الحالة ینبغی التّقدم خطوة إلی الأمام والبحث عن تدوین علم الأُصول فی المراحل والعصور الّتی تلت.

من المؤکد- بناء علی هذه الفرضیة- أنّ لعلماء أهل السّنة الأسبقیة علی علماء الشّیعة فی التّدوین والتّألیف فی علم الأُصول ولا شکّ فی ذلک، وهناک شواهد تأریخیة تثبت صدق هذه الفرضیة.

أمّا لو کان المراد من التّدوین المعنی الثّانی، ویبدو أنّ هذا المعنی هو الصحیح و المطلوب هنا؛ (3) عندها، تعتبر المجموعات الّتی تتضمن علی الأقل قسماً من مسائل هذا العلم

ص:73


1- (1) . اختار أبوزهرة وأنصاره هذه النظریة.
2- (2) . جنح السّید حسن الصّدر وجماعة من المحققین الی هذه النظریة.
3- (3) . المراد عرفاً- علی ما یظهر- من اوّل تدوین هو الرّسائل والمؤلّفات الّتی تدون فیها مسائل العلم لاوّل مرة، وتشکّل مجالاً وأرضیّة مناسبة لتألیفات واسعة ومفصّلة لاحقاً.

أو موضوعاً واحداً منها، من التّألیفات الأُولی فی العلم والمدونون الأوائل هم فی الواقع کتّاب هذه المجموعات.

بناءً علی هذه الفرضیة، تشهد الأسناد التّأریخیة وکل ما جاء فی الفهارس والتّراجم علی أنّ هشام بن الحکم هو اوّل من دوّن فی أُصول الفقه؛ حیث وضع رسالتین، الأُولی: کتاب الألفاظ ومباحثها والأُخری کتاب الأخبار وکیف تصح، حیث جاء فیها علی ما یظهر أبحاث تتعلق بخبر الواحد، والخبر المتواتر، وشرائط صحة الرّوایات... وورد اسم هذا الکتاب أیضاً فی فهرست ابن النّدیم ورجال النّجاشی وفهرست الشّیخ الطّوسی ومعالم العلماء لإبن شهر آشوب. (1)

ویعتبر کلّ من: القاضی أبویوسف، ومحمّد بن الحسن الشیبانی صاحب کتابی الاستحسان والإجتهاد والرأی، والشّافعی صاحب کتاب الرسالة، ویوسف بن عبدالرحمن (م: 208ه) صاحب کتاب الخصوص والعموم من أوائل الّذین کتبوا ودوّنوا فی علم أُصول الفقه.

فی الختام ینبغی التّسلیم بأنّ ما کتب فی بدایات هذا الفن تحت عنوان مسائل الأُصول کانت رسائل متواضعة اقتصرت علی مسألة أو عدّة مسائل بسیطة.

وعلیه یمکن اعتبار هذه المرحلة مرحلة التّدوینات الأولیّة البدائیة الّتی هیأت الأرضیّة لظهور وتدوین أُصول الفقه بتمامه فیما بعد، ومن المؤکّد أنّ لأهل السّنة- للأدلّة السّابقة- الأسبقیة علی علماء الشّیعة فی تدوین دورات مکتملة فی أُصول الفقه. (2)

ص:74


1- (1) . فهرست ابن الندیم: 222 و223؛ رجال النجاشی: 433؛ فهرست الشّیخ الطّوسی: 259؛ معالم العلماء: 128.
2- (2) . لا بدّ من الإشارة إلی جملة أمور، أوّلها: یستفاد من الرّوایات الصادرة عن الأئمة الّتی نهت عن العمل بالقیاس والاستحسان والإجتهاد بالرأی، أنّ علماء أهل السّنة کانوا یعملون طبق قواعد اجتهادیة وإن کانت مخالفة لما علیه الشّیعة، وهذا الأمر یرجّح أنّ أهل السّنة لم یتأخروا کثیراً عن الشّیعة وربما یمکننا القول أنّ العمل بالقواعد الأُصولیّة، وبالتّالی تدوینها کان متزامنا لدی کلا الفریقین. ثانیها: الغرض من هذا البحث لا یتعدی الإثبات التّأریخی ولیس له ثمرات علمیّة. فحتّی لو ثبت لدینا أنّهم- أی أهل السّنة- استخدموا قواعد أُصولیّة قبل الشّیعة، فما یضیر الأمر، طالما أنّ الأئمة علیهم السلام - بالنسبة للشیعة- هم من وضعوا القواعد الأُصولیّة الصحیحة وأسسوا لتدوینها فیما بعد. ثالثها: أصبع معلوماً کم کان البحث الأُصولی الشّیعی فی بدایاته متأثراً بطریقة أهل السّنة ومنهجیتهم، حتّی أنّ بعض العلماء کابن الجنید کان یعمل بالقیاس، حسب ما یظهر من الرّسالة الّتی وضعها تلمیذه الشّیخ المفید رداً علیه، والعلاّمة الحلّی استخدم مصطلحاتهم فی بعض الموارد کما فی تعریف الإجتهاد. وهناک من یقول أنّ المسائل الأُصولیّة عند الشّیعة نمت وتطورت بالاستفادة من الطرق السّنیّة فی البحث. ویعلّلون ذلک نتیجة اضطرار علماء الشّیعة إلی الرّد علی الأسالیب الّتی استخدموها فی الإجتهاد، فاتبعوا نفس المنهجیّة فی البحث لکن فی إطارها النقدی. (راجع: المعالم الجدیدة للسّید الشّهید محمّدباقر الصّدر).(المترجم)

خلاصة الدّرس

1. مع مضی أکثر من مائة عام علی عصر النبیّ محمد صلی الله علیه و آله أحسّ الفقهاء والعلماء الّذین کانوا یستخرجون الأحکام الفقهیة من المتون الدّینیة، بأنّهم أصبحوا أکثر بعداً عن عصر التّشریع، ومع فقدان القرائن الحالیة والمقالیة أحیاناً لکلام الشّارع، لمسوا ضرورة تأسیس وتدوین قواعد عامة وعناصر مشترکة، لیتمکنوا بواسطتها من استنباط أحکام المسائل الجدیدة وتبیینها للمسلمین.

2. کان ظهور أُصول الفقه عند أهل السّنة متقارب جداً لظهوره عند الشّیعة.

3. تلقی الشّیعة القواعد الأُصولیّة الأُولی من الأئمة المعصومین علیهم السلام ، فکانوا یجتهدون لاستنباط الأحکام الشّرعیة فی مجموعة من الموارد- بتشجیع من أئمتهم علیهم السلام - عن طریق القواعد الصّحیحة.

4. اجتهد أصحاب الأئمة علیهم السلام فی مجموعة من المسائل موضع الحاجة، إلاّ أنّها لم تکن کثیرة لحضور المعصومین علیهم السلام بینهم.

فی المقابل فإنّ أهل السّنة، لبعدهم عن زمان النبیّ صلی الله علیه و آله وأصحابه، کانت أیادیهم قاصرة عن النصوص، فاشتدت حاجتهم الی الإجتهاد للتوصل إلی الأحکام الشّرعیة.

5. هناک تضارب فی الآراء حول اوّل من دوّن فی علم الأُصول، فقد ذهب بعض إلی أنّ الشّافعی اوّل من کتب فیه، ومالت إلیه غالبیة علماء السّنة. واختار بعض آخر أبا حنیفة، والقاضی أبا یوسف الشّیبانی، وغالبیة الحنفیة علی هذا الرأی. وجماعة ثالثة تعتقد أنّ هشام بن الحکم اوّل من کتب فیه وجنحت إلیه أغلب علماء الإمامیة.

6. یوجد معنیان للتّدوین:

أ) الجمع والتّألیف النسبی لمواضیع علم حدیث النشأة، فی مجموعة تکون شاملة لجمیع مسائل العلم أو ما یقرب منها.

ب) التّدوین بمعنی تألیف رسائل ومجموعات تحتوی علی قسم من مسائل العلم، وتشکل أرضیة لکتابات واسعة فی المستقبل.

وهنا لو أخذنا التّدوین بمعناه الأوّل، عندئذ لن تکون أیّ من الرسائل والأمالی المدوّنة من قبل علماء الشّیعة والسّنة، وحتّی الرّسالة للشّافعی داخلة تحت عنوان تدوین علم الأُصول، وعلیه ینبغی التّقدم إلی الأمام والبحث عن علم الأُصول فی العصور الّتی تلت.

ص:75

بینما لو أخذنا التّدوین بمعناه الثّانی، عندئذ- وبناء للأدلّة والشّواهد التّأریخیة ولمّا جاء فی کتب الفهارس والتّراجم- یکون هشام بن الحکم اوّل من وضع مدونات فی أُصول الفقه.

أسئلة للتفکیر والمناقشة

1. ناقش مع زملائک المواضیع المتعلقة بعوامل وظروف نشأة علم الأُصول، وهل فی ذهنک أسباب أُخری لهذا الأمر؟

2. هل کان علماء الشّیعة فی زمن الأئمة علیهم السلام بحاجة إلی الإجتهاد؟ ولماذا؟

3. لماذا کان علماء السّنة أسرع إلی الإجتهاد من علماء الشّیعة وأشد حاجة إلیه؟

4. اذکر النظریات المختلفة بشأن اوّل مدوِّن لعلم الأُصول؟

5. ما هو رأی العلاّمة السّید حسن الصّدر فی هذا الأمر؟ وهل صحیح ما فهمه الأُستاذ أبوزهرة من کلامه؟ ولماذا؟

للبحث والتّوسع

1. قم بأبحاث إضافیة حول عصر ظهور علم الأُصول وکیفیة ذلک.

2. ناقش بالتفصیل قضیة اوّل من کتب فی علم الأُصول والنظریات الموجودة فی هذا الصّدد، مع بیان الشّواهد التّأریخیة. وعیّن الصحیح منها.

مصادر و مراجع

1. تأسیس الشّیعة لعلوم الإسلام، السّید حسن الصّدر.

2. مقدّمة ابن خلدون.

3. الفهرست، لابن الندیم.

4. أُصول الفقه، أبوزهرة.

5. تأریخ الفقه والفقهاء، د. أبوالقاسم کرجی.

6. نشأة أُصول الفقه وأدواره الأُولی، السّید محمّدجواد شبیری.

ص:76

الدّرس الثّالث:المرحلة الأُولی - عصر التّأسیس

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

تعریف المرحلة، والبحث فی معاییر تصنیف المراحل التّأریخیّة.

دراسة مرحلة التّأسیس، والظّروف الّتی نشأ فیها أُصول الفقه عند الشّیعة.

التّعرف علی الشّخصیات البارزة فی المرحلة الأُولی.

الآراء الأُصولیّة فی هذه الحقبة.

الخصائص المهمة لهذه المرحلة.

ص:77

ص:78

مراحل وأدوار علم أُصول الفقه

ما المراد من المرحلة ؟

(1)

هی البرهة أو الحقبة الممتدة زمانیّاً الّتی تتصف بممیزات خاصة، بمعنی أنّ تکون کاشفة عن تحوّل العلم وتطوره وما استجد علیه من نظریات حدیثة، أو علی العکس من ذلک، تکون حاکیة عن رکود العلم وجموده.

ما هو معیار تصنیف مراحل العلم ؟

توجد معاییر مختلفة لدراسة مراحل العلم، وهذا ما یستدعی البحث فیها لتحدیدها وتصنیفها. وهذه مجموعة منها:

1. من جملة العناصر المهمّة الّتی تدخل فی تحدید المعاییر:

- التّحولات الّتی یتعرض لها العلم.

- ظهور مواضیع وأبحاث جدیدة وإبداعیة.

- تکامل الاستدلالات.

- ظهور طرق وأسالیب جدیدة فی تحلیل المسائل وإثباتها.

- طرح نظریات جدیدة فی فروع العلم، تؤدی إلی تغییرات فیه، وما یترتب علی ذلک من نتائج.

ص:79


1- (1) . أطلق بعض الباحثین والعلماء مصطلح دورة أو دور علی الحقبة الزمنیة الّتی کثیراً ما تستخدم فی اللغة الفارسیة، وقلیلاً فی العربیة، ولذلک رأینا استخدام کلمة مرحلة علی الحقبة الزمنیة، لأنّها الأکثر انسجاماً مع المعنی المطلوب هنا. (المترجم).

- ظهور تغییرات فی تبویب العلم وتنظیمه، وهذا العنصر أساسی ومفید کثیراًَ فی التّعرف علی مراحل العلم.

2. الملاک الثّانی فی التّصنیف، ملاحظة فترة أوج العلم وازدهاره، وکذا حقبة ضعفه ورکوده. ومن الطبیعی أنّ مرحلة ضعف العلم مؤثرة أیضاً فی تشخیص المراحل ودراسة مساره التّأریخی.

3. إحدی النکات المهمة فی تصنیف المراحل، الالتفات إلی السّاحات المختلفة لتطور العلم، وتمییز بعضها عن بعض. فعلی سبیل المثال: نما علم أُصول الفقه وتطوّر فی السّاحتین الشّیعیة والسُّنیة علی السّواء. وعلیه، ینبغی فی البدایة بحث هذه المجالات بشکل مستقل، أی البحث فی مراحل أُصول السّنة علی نحو مستقل عن أُصول الشّیعة، ثمّ العمل علی التّطبیق والمقارنة ومعرفة التّأثیر المتبادل الّذی ترکه کلّ منهما علی الآخر. (1)

مراحل أُصول الفقه فی نظر الباحثین

قسّم العلماء والباحثون المسیرة التّأریخیة لأَصول الفقه الشّیعی إلی مراحل عدیدة، وطبقاً لمعاییر مختلفة، وقد اختلفوا فی تصنیف المراحل تبعاً لاختلافهم فی تحدید المعاییر، فبعضهم اعتبرالمراحل ثلاثة، (2) والبعض الآخر اعتبرها ثمانیة، (3) وجماعة أُخری قسمتها إلی أربعة مراحل أو أربعة مدارس، (4) یمکن الاطلاع علی تفاصیل هذه النظریات فی المصادر المذکورة فی الهامش.

ونحن فی هذا الکتاب قسّمنا مراحل أُصول الفقه عند الشّیعة- وفقاً للمعاییر السّابقة- إلی ستة، سنبحثها بالتفصیل، حسب التّرتیب الآتی: (5)

ص:80


1- (1) . اکتفینا فی هذا الکتاب ببحث تأریخ أُصول الفقه الشّیعی ومراحله، واکتفینا بإطلالة إجمالیة إلی تأریخ الأُصول السّنی، لأنّ البحث فیه یحتاج إلی دراسة مستقلة.
2- (2) . نظیر: الشّهید الصّدر فی المعالم الجدیدة:110-112؛ والمحقق السّیستانی فی الرافد: 15-30. نلفت النظر إلی أنّ التّقسیم الثّلاثی للشّهید الصّدر یختلف عن التّقسیم الثّلاثی للمحقق السّیستانی.
3- (3) . نظیر: الدّکتور کرجی والشّیخ جناتی مع الاختلاف فی کیفیة تقسیم المراحل الثّمانیة.
4- (4) . راجع: القائینی: علم الأُصول تأریخاً وتطوراً: 69-72.
5- (5) . هناک من اتّبع التّقسیم السّداسی أیضاً مع اختلاف فی تحدید المراحل لجهة البدایة والنهایة، فعلی سبیل المثال هناک من اعتبر المرحلة الأولی(دور التّأسیس والتّدوین) من نهایة الغیبة الصغری(تبدأ بالصّدوق الاوّل علی بن الحسین القمی م329 ه)، وتنتهی بسلاّر الدیلمی أو فترة انتقال الشّیخ الطّوسی إلی النجف

1. مرحلة التّأسیس (امتدت إلی أُواخر الغیبة الصغری).

2. مرحلة التّوسع (من أوائل الغیبة الکبری إلی زمن ابن إدریس الحلی).

3. مرحلة التّکامل (من ابن إدریس إلی أوائل القرن الحادی عشر).

4. مرحلة صعودالإخباریّة ومراجهتها(من أوائل القرن الحادی عشر إلی زمان الوحیدالبهبهانی).

5. مرحلة الانتعاش (من الوحید البهبهانی 1206م إلی الشّیخ الأنصاری 1281م).

6. مرحلة التعمق فی النظریات والتّوسع فی طرح الآراء. (1)

وسنعرج فی نهایة الکتاب علی واقع علم الأُصول فی العصر الحاضر. (2)

مرحلة التّأسیس

کان البحث فی الدّرس السّابق حول نشأة علم أُصول الفقه، وقد بینّا بالتفصیل کیف أنّ الفقهاء والمجتهدین استقدموا القواعد الأُصولیّة إلی البحث فأصبحت تدریجیاً ومع توسع علم الفقه أکثر عمقاً وشمولیّةً، وکان هناک شعور بضرورة تدوینها. ولم یمض الوقت الکثیر بعد القرن الاوّل الهجری حتّی انکبوا علی جمع القواعد العامّة للاستنباط وتدوینها. وعلیه، شکلت هذه المرحلة- فی الواقع- نقطة البدایة فی عملیة تدوین الرسائل الأُصولیّة المفردة والتّی کانت علی الأغلب من أمالی الأئمة علیهم السلام .

لم یظهر أُصول الفقه فی هذه الحقبة بمعناه الواقعی والاصطلاحی، وإنّما مسائل متفرقة مستقلة ساهمت لاحقاً فی إیجاد نظام تبویب منطقی فی أُصول الفقه، وصارت موضوعاً مستقلاً للبحث أو بحثت ضمن مسائل أُخری، کالمسائل الکلامیة والفقهیة والتّفسیریة.

ص:81


1- (1) . بدات زمن الشّیخ الأنصاری وما زالت مستمرة الی عصرنا الحاضر، کما یری أغلب العلماء والاُصولیین.(المترجم)
2- (2) . بالطّبع یوجد تقسیم أکثر دقة، یجعل تأریخ أُصول الفقه الشّیعی تسعة مراحل، آمل أن أُوفق فی المستقبل القریب فی تدوین دورة متکاملة حوله بناء لهذا التقسیم مع تحلیلات أکثر عمقاً بالتزامن مع البحث فی مراحل أُصول الفقه السّنی لتکون مرجعا أکثر اکتمالاً ودقةً فی تأریخ الأُصول وأدواره.

بدأ هذا العصر بالظهور عند الشّیعة فی زمن الإمامین الصادقین، ومن الطّبیعی أنّ یکون له بعض الجذور قبل ذلک العصر بقلیل، ولکنّها کانت ضعیفة للغایة. وفی هذا الوقت علّم الأئمة علیهم السلام أصحابهم الکثیر من المعارف والأحکام، ابتداءً من المسائل الفقهیة محل الإبتلاء إلی المباحث الکلامیّة والأخلاقیة، والطبیعیات والقواعد الأُصولیّة وقام الأصحاب من جهتهم بتدوین هذه التّعالیم القیمة فکان من ثمارها الطّیبة الأُصول الأربعمائة.

أمّا عند أهل السّنة، فقد دونت بموازاة هذا العصر- بل بعده بقلیل- مجموعة من القواعد الأُصولیّة الّتی کانت لفترات سابقة مورد عمل أصحاب العامة.

یمکن القول أنّ علماء السّنة لم یفکروا بتدوین القواعد الأُصولیّة إلاّ عندما رأوا أنّ علماء الشّیعة قد انصرفوا- من جهة- إلی تدوین هذه القواعد بوحی وتوجیه من أئمتهم، وعملوا من جهة أُخری علی ممارسة عملیة النقد والإبرام لمناهج أهل السّنة فی الإستنباط، حیث دوّنوا رسائل فی ردّ القیاس والإجتهاد بالرّأی والإستحسان. لذلک، فالرسائل الأُصولیّة الأُولی عند أهل السّنة متأخرة زماناً عن نظائرها لدی الشّیعة، حیث اجتهدوا فی رسائلهم للدّفاع عن طرقهم فی الإستنباط والإستدلال.

دور الأئمة علیهم السلام فی تأسیس أُصول الفقه

کان للأئمة علیهم السلام کما سبق وذکرنا دور أساسی فی ظهور هذا العلم، وهذا یصحّ أیضاً حینما ننظر إلی هذه المرحلة، علی أنّها مرحلة تأسیس القواعد الأُصولیّة وتدوینها. حیث قام الأئمة علیهم السلام ، وخاصة الإمامین الصادقین بتعلیم أصحابهم طرق الإستنباط من الکتاب والسنة، وکیفیة إرجاع الفروع إلی الأُصول، بمعنی آخر، علموا طریقة الإجتهاد الصحیح بأسلوبین:

الأسلوب الأوّل: أملوا قواعد الاستنباط العامة علی أصحابهم وهم بدورهم قاموا بتدوینها، فالأُصول الأربعمائة- الّتی هی حصیلة هذه التدوینات بمثابة المصادر الأولیة للأُصول الأربعة عند الشّیعة- کانت فی الواقع أمالی الأئمة علیهم السلام نفسها، ویرتبط قسماً منها بالقواعد العامة للاستنباط. (1)

ص:82


1- (1) . قام عدد من المحققین لاحقاً بجمع هذه الرّوایات ووضعها فی تصانیف مستقلة؛ «کالفصول المهمّة فی أُصول الأئمة علیهم السلام » تألیف شیخ حرّ العاملی و «اصول آل الرسول الأصلیّة» تألیف سید هشام بن زین العابدین الخوانساری.

الأسلوب الثّانی: تعلیم أصحابهم البارزین من خلال الممارسة والتّطبیق العملی لأسالیب الإجتهاد الصّحیح، وکشاهد علی ذلک نذکر روایتین:

1. سؤال عبدالأعلی الإمام الصادق علیه السلام :

قلت لأبی عبدالله علیه السلام عثرت فانقطع ظفری فجعلت علی أصبعی مرارة، فکیف أصنع بالوضوء؟ قال:

«یعرف هذا وأشباهه من کتاب الله عز وجل، قال الله تعالی: (ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ)

امسح علیه.» (1)

2. زرارة یسأل الإمام الصّادق علیه السلام :

قلت لأبی جعفر علیه السلام : ألا تخبرنی من أین علمت وقلت: أنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلین؟ فضحک فقال:

«یا زرارة قاله رسول الله صلی الله علیه و آله ، ونزل به الکتاب من الله عزوجل، لأنّ الله عزّوجلّ قال... (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ)

فعرفنا حین قال: (بِرُؤُسِکُمْ)

أنّ المسح ببعض الرأس لمکان الباء، ثمّ وصل الرجلین بالرأس کما وصل الیدین بالوجه فقال: (وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ)

فعرفنا حین وصلهما بالرأس أنّ المسح علی بعضهما ثمّ فسر ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله للناس فضیعوه.» (2)

ویفهم بوضوح من هاتین الرّوایتین أنّ الإمام الصّادق علیه السلام فی مقام تعلیم أصحابه استخدام القواعد العامّة، کقاعدة لا حرج وحجیة الظّهور، وطریقة الاستفادة من ظواهر الکتاب، وأنّ الإمام علیه السلام بهذا الأسلوب دفعهم للإجتهاد فی الأحکام الإلهیة. (3)

بهذا البیان اتّضح أنّ للأئمة علیهم السلام الدّور الأساسی فی بلورة هذه المرحلة، حیث مهّدوا الأرضیّة المناسبة لظهور وتدوین علم الأُصول کضرورة، کانت بمثابة هدیة للمسلمین وللعلماء. (4)

ص:83


1- (1) . وسائل الشّیعة: 1 /464 ، الباب39 من أبواب الوضوء، ح5.
2- (2) . وسائل الشّیعة: 1 /412 و413، الباب 23 من ابواب الوضوء، ح1.
3- (3) . توجد روایات عدیدة متعلقة بهذه المسألة وقد أورد الشّیخ الأنصاری بعضها فی کتاب فرائد الأُصول، بحث حجیّة ظواهر الکتاب.
4- (4) . قام بعض العلماء بجمع الأبحاث والقواعد الأُصولیّة إنطلاقاً من النّظر فی الرّوایات الّتی أملاها الأئمة علی أصحابهم ومن نماذجها: أسلوب التقعید، لزوم تحصیل العلم بالحکم الشّرعی، حجیّة الظِّواهر، الخبر وأقسامه، الأُصول العملیّة (البراءة، الاستصحاب، الاحتیاط،...)، عدم حجیة القیاس، الناسخ والمنسوخ، العام والخاص، الواجب والمستحب، الإجتهاد والتّقلید، معاییر حجیة الإجماع، لفظ أو، دوران الأمر بین الحلال والحرام، ثبوت الأحکام الشّرعیة فی کلّ الأزمنة، ثبوت الحکم الشّرعی علی الجمیع، مصادر الفقه. راجع: محمّدرضا ضمیری، دانشنامه أُصولیان شیعه، ج1، (مرحلة التّأسیس).(المترجم)

الشّخصیّات البارزة فی هذه الحقبة

اشارة

تتضمن کتب التّراجم والفهارس العدید من أسماء أصحاب الأئمة علیهم السلام الّذین کتبوا رسائل أُصولیّة، وأبرزهم: (1)

1. هشام بن الحکم

هو أبومحمد هشام بن الحکم مولی بنی شیبان (2) من أهالی الکوفة کان من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ، ومن أبرز المتکلمین الّذین أسسوا علم الکلام عند الإمامیة. یروی عنه الکثیر من الأصحاب. وثّقه النجاشی واعتبره من کبار الرّواة.

وضع کتب عدیدة، وردت فی فهرست ابن الندیم ورجال النجاشی، وأغلبها فی الکلام وأُصول العقائد، فلا شکّ فی موقعه کمتکلم من هذه الجهة. وفی نفس الوقت کانت لدیه میول أُصولیّة، وهذا الأمر واضح من خلال رسالتین دوّنهما فی هذا المجال، وهما: الألفاظ ومباحثها وکتاب الأخبار حیث تناوّل فیهما موضوعین مهمین: بحث الألفاظ وخبر الواحد وحجیته. لکنّه مع الأسف لم تصلنا هاتین الرّسالتین لذا لا یمکننا التنبؤ بالنظریات والآراء الّتی قال بها. (3)

ص:84


1- (1) . اقتصر المصنّف المحترم علی ذکر خمسة من الأصحاب، وربما یمکن إضافة مجموعة أُخری منهم اشتهروا کثیراً فی تدوین الرّسائل الأُصولیّة والحدیثیة منهم: محمد بن أبی عمیر والفضل بن شاذان وأحمد بن محمد بن عیسی وعلی بن أحمد الکوفی وحسن بن موسی النوبختی وأبو یوسف بن إسحاق السکیت وابن أبی عقیل العمانی، وأبو جعفر محمد بن بابویه القمی وغیرهم. ولا بدّ التنویه إلی أنّ المصنّف ذکر فی بدایة المرحلة التّألیة أن ابن الجنید وابن أبی عقیل العمانی یعتبران من مؤسسی المرحلة الثّانیة، فکان بالأولی أن یعدّ ابن أبی عقیل من ضمن شخصیات المرحلة،- وهذا لم یحدث -، فهو من فقهاء الشّیعة ومتکلمیهم وقد انتقلت إلیه زعامة الشّیعة بعد آخر السّفراء الأربعة علی الأرجح، وهو اوّل من أدخل الإجتهاد بشکله المعروف إلی الأبحاث العلمیّة، ألف کتاب المتمسک بحبل آل الرسول، أثنی علیه علماء الرّجال فی کتبهم. راجع: مقدّمة جامع المقاصد: 1 /13، ورجال النجاشی: 48. (المترجم)
2- (2) . هذا ما جاء فی فهرست ابن الندیم. أمّا النجاشی فاعتبر هشام مولی کندة الّتی یلحق فی الکوفة ببنی شیبان.
3- (3) . مصادر التّرجمة: الفهرست: 223و224؛ رجال النجاشی: 433و434؛ فهرست الشّیخ الطّوسی: 258و259؛ معالم العلماء: 128.

2. یونس بن عبدالرحمن:

یونس بن عبدالرحمن (208ه) من موالی علی بن یقطین، کان من أصحاب الإمامین الکاظم والرّضا وقد عاصر الإمام الصّادق علیه السلام لکنّه لم یروِ عنه.

یقول النجاشی فی حقه: ...کان وجهاً فی أصحابنا، متقدماً، عظیم المنزلة، ...، ورأی جعفر بن محمد بین الصفا والمروة ولم یرو عنه. وروی عن أبی الحسن موسی والرضا وکان الرضا علیه السلام یشیر إلیه فی العلم والفتیا. (1)

له تصانیف کثیرة مذکورة فی کتب التراجم. وضع رسالة فی اختلاف الحدیث، وهی من الأبحاث المهمّة فی أُصول الفقه، (2) ومن الکتب الأُولی الّتی عالجت اختلاف الأحادیث وکیفیة رفع التّعارض بینها. (3)

3. دارِم بن قَبِیصة

دارم بن قبیصة من أصحاب الإمام الرّضا علیه السلام ، وروی عنه. له عدة کتب، من بینها: الوجوه والنظائر والناسخ والمنسوخ، (4) والکتاب الأخیر- علی ما یبدو- روایة عن الإمام الرّضا علیه السلام .

4. أبوسهل النوبختی

هو إسماعیل بن علی بن إسحاق بن أبی سهل بن نوبخت. من أکابر علماء الشّیعة، وشیخ المتکلمین فی زمانه وکبیرهم، کان مجلس درسه مشهوراً، أدرک عصر الغیبة الصّغری. (5) و ألّف کتباً کثیرة، ذکرتها کتب الفهارس والمعاجم، وتنسب له مجموعة رسائل أصولیة، هی:

1. کتاب الخصوص والعموم والأسماء والأحکام.

2. النقض علی عیسی بن أبان فی الإجتهاد.

3. إبطال القیاس. (6)

ص:85


1- (1) . رجال النجاشی: 447.
2- (2) . فهرست الطوسی: 266.
3- (3) . مصادر الترجمة: رجال النجاشی: 446 - 448؛ وفهرست الشّیخ الطوسی: 266.
4- (4) . رجال النجاشی: 162.
5- (5) . معجم رجال الحدیث: 3 /165.
6- (6) . ذکر ابن الندیم اسم ذلک الکتاب، لکن النجاشی لم یذکره.

4. نقض رسالة الشّافعی. (1)

5. نقض الإجتهاد بالرأی لعلی بن الراوندی. (2)

من خلال التّأمل فی العناوین الّتی وضعها لکتبه، نستنتج أمرین:

الأول: أولی الکثیر من الاهتمام لمسألة القیاس والإجتهاد بالرأی؛ حیث دوّن ثلاثة کتب من بین کتبه الأُصولیّة الخمسة - الّتی تقدم ذکرها - فی نقد الإجتهاد بالرأی والقیاس.

الثّانی: النوبختی اوّل من ناقش کتاب الرّسالة للشّافعی من علماء الشّیعة، وعلیه، فعمله هذا جدیر بالثناء؛ لکننا لا نستطیع- وللأسف بسبب فقدان کتاباته- التنبؤ بما توصل إلیه من آراء ونظریات فی أبحاثه الأُصولیّة، وخاصة بحث العموم والخصوص، ونقد نظریات الشّافعی فی الأُصول. (3)

5. محمّد بن أحمد بن الجنید

یقول النجاشی فی شأنه:وجه فی أصحابنا، ثقة، جلیل القدر... (4)، واعتبره الشّیخ الطّوسی صاحب تصانیف قیّمة. (5) صنف ابن الجنید رسائل وکتب عدیدة فی الفقه والکلام والأُصول. احتوی کتابه الفقهی المعروف تهذیب الشّیعة لأحکام الشریعة جمیع أبواب الفقه، ویقع بما یقرب من عشرین مجلداً. (6)

یعتبر ابن الجنید مع ابن أبی عقیل العمانی من أوائل علماء الشّیعة الّذین اشتغلوا علی وضع فقه متکامل، ویقال لهمابالقدیمین کان الشّیخ المفید من تلامذة ابن الجنید؛ وضع ابن الجنید کتباً ورسائل أُصولیّة متعددة، لکنها لم تصلنا، منها:

1. الإفهام لأُصول الأحکام، یحتمل أنّ یکون دورة کاملة فی أُصول الفقه. (7)

ص:86


1- (1) . ابن الندیم والشّیخ وابن شهر آشوب، ذکروا هذا الکتاب فی مصنّفاتهم، مع اختلاف بأن الشّیخ وابن شهر آشوب ذکروا نقض مسألة الشافعی، وهو اشتباه منهم.
2- (2) . جاء اسم هذا الکتاب فی فهرست ابن الندیم وفهرست الشّیخ.
3- (3) . مصادر ترجمة النوبختی: فهرست ابن الندیم: 225؛ رجال النجاشی: 31 و32؛ فهرست الشّیخ: 49 و50؛ معالم العلماء: 8 و9؛معجم رجال الحدیث: 154- 156.
4- (4) . رجال النجاشی: 385.
5- (5) . فهرست الشّیخ: 209.
6- (6) . المصدر نفسه.
7- (7) . معالم العلماء: 98.

2. استخراج المراد من مختلف الخطاب. (1)

3. الفسخ علی من أجاز النسخ. (2)

4. کشف التنبیه والإلباس علی أغمار الشّیعة فی أمر القیاس. (3)

المعروف أنّ ابن الجنید عمل بالقیاس، وقد کتب الشّیخ المفید رسالة فی نقد أُستاذه. ویظهر أنّ ابن الجنید لا یقبل النسخ فی أحکام الشّریعة وهذا الأمر واضح من اسم الکتاب الّذی وضعه فی هذا الصّدد.

دوّن الکثیر من العلماء الآخرین رسائل أُصولیّة فی تلک الحقبة، سنأتی علی ذکرها تباعا. (4) وأهمّ الموضوعات الّتی تناولتها:

1. مباحث الألفاظ.

2. الناسخ والمنسوخ.

3. إبطال القیاس.

4. الاستحسان والإجتهاد بالرأی والرّد علیها.

5. بحث تعارض الأخبار.

6. بحث الأخبار.

باقة من الآراء الأُصولیّة فی هذه الحقبة

عند البحث حول الآراء والأفکار الأُصولیّة الّتی راجت فی المراحل الأولی تعترضنا مشکلة جدیة، وهی فقدان جمیع الکتب والرسائل والأمالی الّتی کُتبت فیها الأُصول، وعدم وصولها إلینا، وعلیه فتحلیل آراء هؤلاء العلماء والتّدقیق فیها دوّن الوصول إلی کتبهم أمر غیر ممکن، وعلی الأقل سیکون العمل صعب جداً، ولن تکون النتیجة إلاّ الظنّ المحض. مع ذلک یمکننا بالإجمال استکشاف هذه الآراء من طرق عدّة، نشیر إلی بعضها:

ص:87


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . رجال النّجاشی: 388؛ وفهرست الشّیخ: 210.
3- (3) . رجال النّجاشی: 387.
4- (4) . للاطّلاع أکثر علی الکتب المدونة فی هذه المرحلة والتّعرف علی أصحابها، راجع: مقالة تحت عنوان نشأة أُصول الفقه وأدواره الأولی، إصدار المؤتمر الدّولی للشّیخ الأنصاری، تدوین سید محمّدجواد شبیری.

1. هناک مجموعة من النظریات والآراء لمجموعة من العلماء، علی قدر من الشّهرة والرّواج، أُشیر إلیها فی الکتب الأُصولیّة المتأخرة، کاستحالة التعبد بخبر الواحد المنسوب إلی ابن قبه؛ أو بطلان القیاس والإجتهاد بالرأی الّذی أجمع علیه کلّ علماء الشّیعة.

2. الطّریق الآخر، مراجعة الکتب الأُصولیّة والفقهیة للمراحل الّتی تلت، إلی زمان صاحب المعالم وخاصة الکتب الّتی بقیت من القرنین الرّابع والخامس الهجری، وهذا العمل واسع ومتشعب یحتاج إلی مشروع تحقیقی جامع فی المصادر المذکورة.

3. یمکن أیضاً إستکشاف الاهتمامات الأُصولیّة الرّائجة فی هذه المرحلة إلی حدّ ما، عبر التّأمل والتّحقیق فی أسماء تلک الکتب والرسائل الأُصولیّة نفسها.

صحیح أنّ المدونات الّتی وضعت آنذاک قد انقرضت ولا یمکن معرفة الآراء والنظریات الّتی توصّل إلیها العلماء المذکورین فی المسائل المطروحة بدقة، وکیف فهموها واستدلوا علیها، وعلی الرّغم من وجود إجمال فی بعض عناوین الکتب وتعدد الاحتمالات بشأنها، إلاّ أنّه فی نفس الوقت وفی کثیر من الحالات نستطیع التوصّل ولو بالإجمال إلی الموضوع الّذی شغل اهتمام هؤلاء العلماء- من خلال دراسة العناوین، والأوضاع الّتی طرحت فیها هذه الأبحاث - ، حتّی أنّه یمکننا معرفة رؤیتهم العامّة فی المسألة. وکمثال علی ذلک: کتاب النقض علی الراوندی فی الإجتهاد بالرأی لمؤلّفه أبوسهل النوبختی وأمثاله، حیث نفهم بالدّقة من اسمه، أنّه فی الرّد علی الإجتهاد بالرأی وإبطال القیاس والاستحسان، حیث کان لأصحاب الکتب المذکورة آراء سلبیّة تجاه هذه المواضیع، ویعتبرون أنّ الإجتهاد الصحیح أمر آخر، تعلموه من الأئمة علیهم السلام . ومن جانب آخر نستنتج بوضوح أنّ فکرة القیاس والإجتهاد بالرأی کانت مطروحة بشکل جدی فی ذلک المقطع الزمانی، وأن جماعة من العلماء- وخاصة فقهاء العامة- اعتقدوا بذلک وعملوا به. وفی المقابل لم یأخذ أتباع الإمامیة به، بناء لتوجیهات أئمتهم علیهم السلام .

بناءً لما سبق نشیر ولو بالإجمال إلی باقة من هذه الأبحاث:

1. القیاس والإجتهاد بالرأی: وهذا الموضوع من أهمّ الأبحاث الّتی اهتمّوا بها، وهو واضح من خلال عدد الرسائل الّتی کتبت فی هذا المجال، أعم من کونها تؤیده أو تبطله. فقد رفض أصحاب الأئمة علیهم السلام القیاس والإجتهاد بالرأی بالإجماع، وابن الجنید الوحید الّذی نقل أنّه عمل به، لذلک تعرض للانتقاد وطعن علیه کثیر من الأصحاب.

ص:88

2. الأخبار: البحث عن حجیة الخبر، ومعرفة المتواتر منه والواحد، وکذا البحث فی تعارض الأخبار وکیفیة علاجها، من الأبحاث المهمّة فی هذه المرحلة. واعتبر أصحاب الإمامیة أنّ الأخبار المنقولة عن الرّسول الأکرم وعن الأئمة المعصومین علیهم السلام حجة، وکتبوا رسائل فی إثبات ذلک، وسعوا إلی حلّ التّعارض بینها، ومشکلة کیفیة تمییز الحدیث الصّحیح من غیره.

3. الناسخ والمنسوخ: طرح هذا البحث بین الأصحاب، وکتبوا حوله رسائل کثیرة؛ فجماعة رفضته، وجماعة أُخری قبلته واعتبرته جائزاً.

ویحتمل أنّ ابن الجنید - کما یظهر من رسالته الفسخ علی من أجاز النسخ- کان فی زمرة الّذین أنکروا نسخ الأحکام الإلهیة.

4 و5. بحث الألفاظ، والعام والخاص، ونجد هذین الموضوعین ضمن الآراء الأُصولیّة فی تلک المرحلة، وکتبت حولهما رسائل متعددة.

الخصائص البارزة لهذه المرحلة

اشارة

لما کانت هذه المرحلة تعتبر اوّل مرحلة أُصولیّة عند الشّیعة، فقد تمیزت بخصائص هامّة لا نراها فی المراحل اللاحقة، منها:

1. بساطة المسائل وسهولتها

لما کان أُصول الفقه فی طور طی مراحله الأُولی، ولأنّه لم تطرح إلی ذلک الوقت مسائل فقهیة معقدة، فقد تمیزت الأبحاث الأُصولیّة ببساطة وسهولة خاصة، ولم تعرض بقالب فنی تفصیلی متشعّب. (1)

2. الرسائل المفردة

ارتبطت الرسائل المکتوبة فی هذه الفترة بموضوع خاص بالعموم، أی أنّ کلّ واحدة منها لم تتعرض لأکثر من مسألة. وسعی أصحابها لمعالجة کلّ مسألة علی حدة؛ وأغلب الرسائل الّتی لم تصلنا هی من هذا السّنخ.

ص:89


1- (1) . تأریخ الفقه والفقهاء: 312.

3. مرحلة الأمالی (الاتصال بالأئمة علیهم السلام )

کانت أغلب الرسائل الّتی وضعها علماء الشّیعة من أمالی الأئمة علیهم السلام ، خاصة الرسائل الّتی کتبت فی موضوع الأخبار المتعارضة واختلاف الأحادیث وإبطال القیاس والإجتهاد بالرأی. وعلی جمیع الأحوال یمکن القول، أنّ الکثیر من الرسائل إمّا هی من أمالی الأئمة علیهم السلام ، أو أنّها کتبت علی أیدی علماء لامعین من أصحابهم تحت نظرهم، وبأمر منهم علیهم السلام .

4. تدوین رسائل أُصولیّة فی إتجاهین

الأوّل: تلک الّتی لها جنبة إثباتیة، وکتبت لأجل تعلیم قواعد الاستنباط، وقد حرص الأئمة علیهم السلام علی تعلیمها أصحابهم؛ کالرسائل الّتی کتبت حول الأخبار وتعارض الأخبار، ومباحث الألفاظ والعام والخاص.

الثّانی: الرسائل الّتی لها بعد سلبی (رد ونقد)، ودونت لإبطال ما هو غیر صحیح من القواعد العامّة الّتی راجت بین أهل السُّنة، کالّتی کتبت ردّاً علی القیاس، والإجتهاد بالرأی والإستحسان.

5. ظهور مسائل أُصولیّة جدیدة

مع نمو المجتمع الإسلامی واتساع نطاقه، ومع ظهور مسائل فقهیة جدیدة، طرحت فی أواخر هذه المرحلة، مواضیع أُصولیّة حدیثة، شکّلت فی المراحل اللاحقة أرضیة مناسبة لتطوّر علم الأُصول وتوسعه. ومن جملة الّذین ساهموا فی إیجاد هذه الأرضیة بطرحهم مسائل جدیدة: ابن الجنید وابن أبی عقیل العمانی.

خلاصة الدّرس

1. الحقبة أو المرحلة مقطع زمانی له ممیزات خاصة بالمعنی الّذی یشیر إلی تحوّل علم وتطوره أو یشیر إلی عکس ذلک بأن یحکی عن رکود العلم وجموده.

2. لدراسة مراحل أی علم، ینبغی البحث فی أمور، من قبیل: التّحولات الّتی مرّ بها، وطرح المباحث الجدیدة والإبداعیة، وتکامل الاستدلالات فی إثبات المسائل، وعرض نظریات جدیدة، وتقدم العلم وانحطاطه، والمراحل الأولی للتدوین فیه، والمجالات أو المستویات المختلفة لمسیرة تکامله وتمایزها عن بعضها البعض.

ص:90

3. قسّم علماء تأریخ الأُصول مراحل أُصول الفقه بطرق مختلفة، فمنهم من قسّمه إلی ثمانی مراحل، ومنهم من قسّمه إلی أربع، ومنهم من قسّمه إلی ثلاث مراحل. أمّا فی هذا الکتاب فقد اعتمدنا تقسیماً سداسیاً.

4. مرحلة التّأسیس هی أُولی مراحله، بدأت فی حیاة الأئمة علیهم السلام وبتشجیع منهم واستمرت إلی أواخر الغیبة الصغری.

5. کان للأئمة المعصومین علیهم السلام دور أساسی فی تأسیس علم الأُصول؛ فأغلب المدوّنات الأولی الّتی وضعها الأصحاب وعلماء الشّیعة فی الأُصول، کانت من أمالی الأئمة علیهم السلام .

6. من أهمّ شخصیات المرحلة، یمکن الإشارة إلی هشام بن الحکم، یونس بن عبدالرحمن، دارم بن قبیصة، أبوسهل النوبختی ومحمد بن أحمد بن جنید.

7. کانت قضایا متعددة، ک- "الإجتهاد بالرأی"، "الأخبار"، "الناسخ والمنسوخ"، "الألفاظ"، "العام والخاص"، محلّ اهتمام أُصولیی هذه المرحلة.

8. من أهمّ ممیزات هذه المرحلة: بساطة المسائل وسهولتها، وانفرادها فی مواضیع محددة، و"الاتصال بالأئمة علیهم السلام ".

أسئلة للمناقشة والبحث

1. ما هی المعاییر اللازمة لتصنیف مراحل أی علم من العلوم؟

2. هل کان تقسیم تأریخ الأُصول إلی ستة مراحل مناسباً؟ (ابحث فی هذه المسألة).

3. قم بمناقشة مرحلة التّأسیس وابحث فی عوامل ظهورها.

4. کیف تقیّم دور الأئمة علیهم السلام فی تأسیس هذا العلم ونشوئه؟

5. هل توجد ممیزات أُخری تخصّ هذه الحقبة من تأریخ العلم؟

للتحقیق والتّوسع

1. مع فقدان جمیع الکتب والرسائل الأُصولیّة لهذه الحقبة، کیف لنا الاطمئنان إلی أنّها اشتملت علی مسائل أُصولیّة؟

2. ابحث حول شخصیات أُصولیّة من أهل السّنة عاشت هذه المرحلة.

3. طالع کتاب "الرّسالة"للشافعی وقیّم مدی أُصولیّة المواضیع الّتی تعرض لها؟

ص:91

المصادر لِلتحقیق

1. کتب الرّجال والتّراجم، أمثال:

الفهرست لابن الندیم،

فهرست الشّیخ الطّوسی،

رجال النّجاشی، وغیرها.

2. پیدایش أُصول فقه وأدوار نخستین آن (نشأة أُصول الفقه ومراحله الأولی)، السّیدمحمّدجواد شبیری.

ص:92

الدّرس الرّابع: المرحلة الثّانیة: عصر التّوسع والتّدوین الشّامل فی الأصول (1)

اشارة

(من أوائل الغیبة الکبری إلی ابن إدریس الحلّی 598ه)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

إطلالة إجمالیة علی المرحلة الثّانیة.

التّعرف علی الشّخصیات الأساسیّة فیها.

ص:93

ص:94

إطلالة عامّة علی هذه الحقبة

بدأت هذه المرحلة، أوائل الغیبة الکبری، بناءً لرؤیة تأریخیة، وأُخذ عنصر الزّمان هنا فقط للتمییز بین هذه الحقبة وما سبقها. وبمنظار آخر، بدأت المرحلة الثّانیة عندما شعر العلماء بضرورة تألیف دورات أُصولیّة أکثر شمولیة، بمعنی طی مرحلة الأمالی والرسائل المفردة، وأن یخرج الإجتهاد من بساطته السّابقة، ولزوم بحث المسائل الأُصولیّة ودراستها بعمق أکثر.

ظهرت الحقبة الثّانیة للأُصول الشّیعی عقب مرحلتین (الثّانیة والثّالثة) من مراحل الأُصول السّنی. (1) وتشیر هذه النکتة إلی اهتمام الشّیعة، بضرورة تدوین دورات أُصولیّة کاملة، والتّعمق فی بحث المسائل والقواعد، فی وقت برز طیفان من علماء أهل السّنة، أی الفقهاء والمتکلمون، الّذین تعمقوا فی أُصول الفقه واستطردوا فی مسائله بشکل واسع؛ حیث وضعوا مؤلّفات مفصّلة ومتینة، وتمیزت أبحاثهم الأُصولیّة بتحلیلات واستدلالات دقیقة محکمة؛ (2) والشّاهد علی ذلک- إضافة إلی

ص:95


1- (1) . أردنا من المرحلتین الثّانیة والثّالثة اصطلاحاً خاصاً، ففی تصنیفنا لأُصول الفقه عند أهل السُّنة، کانت المرحلة الثّانیة مرحلة الرّسائل المفردة، ویمکن أن نسمیها مرحلة التّصنیفات الإبتدائیة. أما المرحلة الثّالثة فهی مرحلة التّألیف الأکثر اکتمالاً وعمقاً.
2- (2) . لیعلم الطّلاب والقراء الأعزاء، أنّ المرحلة الأُصولیّة الثّالثة عند أهل السّنة شهدت فئتین من علمائهم اهتمت بالأُصول وانکبت علی البحث والتّحقیق فیه: الفئة الأولی: الفقهاء، حیث اقتضت طبیعة أعمالهم التّحقیق والتّمحیص الأُصولی. والثّانیة: المتکلمون، ومتکلمو المعتزلة علی وجه الخصوص، الّذین توجّهوا إلی أُصول الفقه بروحیة الجدل والبحث العلمی التّجریدی المحض، حیث أدّت إلی إخراج أُصول الفقه من غرضه، وأن تأتی أبحاثهم علی هیئة علوم عقلیة معقّدة لأنّهم أدخلوا فیها الکثیر من الأبحاث الکلامیة والمنطق والتّدقیقات اللغویة.

المصادر التّأریخیة- الکتب الأُصولیّة لعلماء الشّیعة فی ذلک الزّمان، الّتی کانت ناظرة إلی الأبحاث الأُصولیّة الّتی جاءت فی کتب السّنة، وکانت محل نقد ومناقشة من جانب علماء الشّیعة.

کما سبق وذکرنا، فإنّ ابن أبی عقیل العمانی وابن الجنید الإسکافی کانا من مؤسسی الحقبة الأُصولیّة الثّانیة عند الشّیعة ومن روادها، لکننا لا نستطیع الإدعاء أنّ بدایة هذه المرحلة کانت فی زمن هذین العلمین، لأنّه بناءً للضّوابط والمعاییر الّتی وضعت فی تصنیف المراحل، فإنّ المرحلة الثّانیة تبدأ رسمیاً بالشّیخ المفید، وتصل أوجها مع الشّیخ الطّوسی، وتنتهی مع مجیء ابن إدریس الحلی، أی أنّها تمتّد لأکثر من قرنین بقلیل.

عاش أغلب علماء هذه المرحلة فی بغداد، لکن الشّیخ الطّوسی فی أواخرها هاجر بمفرده إلی النجف الأشرف، وانتقل المذهب الأُصولی الشّیعی معه.

الشّخصیّات البارزة، خلاصة أفکارهم ومصنّفاتهم:

اشارة

(1)

1. الشّیخ المفید (336- 413ه)

اشارة

الشّیخ محمد بن محمد بن یعرب بن قحطان المعروف ب- ابن المعلم من کبار علماء الشّیعة. ولد سنة 336 هجریة، وتوفی عام 413ه ، بعد 77 عاماً من العمر مخلّفاً وراءه مصنّفات عدیدة تزخر بالخیر والعطاء، صلی علیه السّید المرتضی ووری الثری فی جوار الضّریح المقدس للإمام الجواد علیه السلام بجانب قبر شیخه وأستاذه أبی القاسم جعفر بن قولویه.

الشّیخ المفید من أعاظم علماء الشّیعة، تمتع بمکانة اجتماعیة مرموقة، وکان محل ثقة جمیع علماء الشّیعة وغیرهم، اشتهر بدقّة نظره وبداهته وحافظته القویّة. کان فقیهاً، متکلماً، محدثاً وأُصولیاً، له قرابة 200 مصنّف ورسالة بأحجام متفاوتة. ضبط النجاشی جمیع مؤلّفاته.

ص:96


1- (1) . ذکر المصنّف ستّة من أُصولیی هذه المرحلة من الشّیخ المفید إلی ابن زهرة، ویمکن أن نضیف عدداً آخر منهم، ولکنهم غیرمشهورین علی الأرجح: أحمد بن علی السیرافی(420 ه )، أحمد بن عبدالواحد بن أحمد البزاز(423ه)، أبوالفتح الکراجکی(449ه)، وأبو الصلاح الحلبی، والأخیران کانا من تلامذة الشّیخ المفید نفسه. (المترجم).

من أساتذته البارزین: محمد بن أحمد بن الجنید الإسکافی، وأبو القاسم جعفر بن قولویه. درس الشّیخ المفید الأُصول والفقه علی ابن الجنید، وأخذ الرّوایة عن ابن قولویه، الّذی یعتبر من هذه الجهة من أهمّ مشایخه فی الرّوایة.

تلامذته

تخرج علی یدیه الکثیر من العلماء، وصل بعضهم إلی مراتب علمیّة رفیعة، کالسّید المرتضی والشّیخ الطّوسی، من أبرز تلامذته:

1. الشّریف الرّضی، جامع نهج البلاغة وشارح "الشّافیة" و"الکافیة" لابن الحاجب وهو أخو السّید المرتضی.

2. السّید المرتضی، الأُصولی والفقیه والمتکلم الشّیعی المشهور، صاحب کتابی: الذّریعة فی الأُصول، والانتصار فی الفقه.

3. أبوالصلاح الحلبی، الأُصولی والفقیه الماهر.

4. الشّیخ الطّوسی، الّذی اشتهر بشیخ الطّائفة، وصاحب کتاب المبسوط فی الفقه.

5. أبوالعباس النجاشی، صاحب کتاب "رجال النجاشی.

6. أبوالفتح الکراجکی، صاحب کتاب "کنز الفوائد" الّذی أدرج فیه "مختصر التذکرة بأصول الفقه" للشّیخ المفید.

7. أبویعلی حمزة بن عبدالعزیز الدّیلمی المعروف ب- سلّار.

الشّیخ المفید، مصنّفاته الأُصولیّة

لما کان مجیء الشّیخ المفید أواخر المرحلة السّابقة ومع بدایة المرحلة الجدیدة، فقد کتب فی بدایة نشاطه العلمی رسائل أُصولیّة مفردة نظیر: رسالة فی القیاس والنقض علی ابن الجنید فی الإجتهاد بالرأی ومسألة فی الإجماع ومسألة فی القیاس. (1)

أمّا الکتاب الأُصولی المهم الّذی وضعه الشّیخ مع بدایة المرحلة الثّانیة فهو التذکرة بأصول الفقه. واختُصر هذا الکتاب علی ما یظهر (2) تحت عنوان مختصر التذکرة بأصول

ص:97


1- (1) . ذکرت أسماء هذه الرّسائل، فی رجال النجاشی فقط، ولم یذکرها الشّیخ الطّوسی فی فهرسته.
2- (2) . لم یعرف من قام باختصاره هل الشّیخ المفید نفسه! أم الکراجکی الّذی لخصه وأدرجه فی کتابه.

الفقه وأدرج فی کتاب کنز الفوائد لأبی الفتح الکراجکی.

توجد نسخة من هذه الرّسالة، تقع بحدود ثمانی صفحات من القطع الوزیری (1) وهی مطابقة لطبعة مکتبة المصطفوی، أمّا النسخة الموجودة فی الحضرة الرضویة والتّی کتبت سنة 677ه فهی بحدود 14 صفحة من القطع الوزیری. (2)

کتاب التّذکرة بأصول الفقه کتاب کامل بحد ذاته. ونشاهد فیه الأبحاث التّالیة:

- أُصول الأحکام (کتاب الله، سُنّة النبیّ الأکرم صلی الله علیه و آله ، وأقوال الأئمة علیهم السلام ) وسبل الوصول إلیها: (العقل، اللسان والاخبار).

- أقسام الخبر المفید للعلم.

- معانی القرآن، الظاهر والباطن.

- الأمر والنهی وکیفیة دلالتهما.

- العام والخاص والألفاظ الدّالة علی العموم.

- الاشتراک اللفظی والمعنوی.

- الحقیقة والمجاز.

- النسخ.

- الإجماع.

- القیاس.

- الحظر والإباحة.

- الخبر الواحد والخبر المتواتر.

الشّیخ المفید، خلاصة آرائه الأُصولیّة

1. یعتبر الشّیخ المفید أنّ أُصول الأحکام الشّرعیة ثلاثة: القرآن والسُّنة النبویة وأحادیث الأئمة علیهم السلام . (3) ویری أنّ طرق تحصیل العلم من هذه الأُصول هی: العقل، واللسان، والإخبار. ولا یعتبر الإجماع من مصادر الحکم؛ ودلیله علی ذلک أنّ لا حجیة ذاتیة للإجماع، وهو حجة فقط

ص:98


1- (1) . صفحة 186 إلی اوّل صفحة 194 من کتاب کنزالفوائد.
2- (2) . نسخة مکتبة آستان قدس طبعت بکاملها فی سلسلة مؤلّفات الشّیخ المفید: 9 /11- 24.
3- (3) . یعتبر الشّیخ المفید- علی ما یبدو- أن السّنة منحصرة بالأخبار النبویة لذلک یعطف أقوال المعصومین علیها.

عند دخول المعصوم علیه السلام بین المجمعین، وعلیه فتکون حجیته من باب قول المعصوم علیه السلام . (1)

2. یعتبر الشّیخ المفید أنّ خبر الواحد حجة فی حالة اقترانه بقرینة لفظیة أو عقلیة، أو وجود شاهد من العرف علی صدقه أو وجود إجماع علیه. وفی غیرها، لیس بحجة، ولیس موجباً للعلم والعمل به. (2)

3. یعتبر الشّیخ المفید أنّ ظواهر الکتاب حجة، ویردّ قول منکری حجیتها. (3)

4. یقول أنّ الأمر بالشیء لا یستلزم النهی عن ضده بالدّلالة الوضعیة للفظ، بل یستلزم ذلک بحکم العقل. (4)

5. فی موضوع النسخ، یعتقد الشّیخ المفید أنّ نسخ الکتاب بالکتاب جائز، أمّا نسخ الکتاب بالسّنة غیر جائز. (5)

6. ردّ القیاس والإجتهاد بالرأی، والشّاهد علی ذلک أنّه کتب ثلاث رسائل فی هذه المسألة، وکتب رسالة ردّاً علی نظریة ابن الجنید فی القیاس، علی الرغم من تتلمذه علی یدیه. (6)

2. السّید المرتضی (355 - 436ه)

اشارة

علی بن حسین بن موسی بن محمد بن موسی بن جعفر علیه السلام الملقب بأبی القاسم المرتضی ولد سنة (355ه) ینتسب من جهة الأب والأم إلی سلالة أهل بیت العصمة والطهارة.

کان للسّید المرتضی الّذی اشتهر فیما بعد ب- "علم الهدی" منزلة علمیة شامخة. انتقلت إلیه زعامة المذهب الشّیعی بعد الشّیخ المفید. کان صاحب رأی ونظر فی مختلف الفروع العلمیّة، فی الکلام

ص:99


1- (1) . انظر: کنزالفوائد: 186، سلسلة مؤلّفات الشّیخ المفید: 23- 45.
2- (2) . انظر: کنزالفوائد: 193، سلسلة مؤلّفات الشّیخ المفید: 23-44.
3- (3) . انظر: کنز الفوائد: 187، سلسلة مؤلّفات الشّیخ المفید: 12و29.
4- (4) . المصدر السّابق: 187، والسّابق: 12 و29.
5- (5) . السّابق: 193، والسّابق: 22 و 43.
6- (6) . مصادر ترجمة الشّیخ المفید هی: 1. رجال النجاشی: 399- 403. 2. فهرست الشّیخ الطّوسی: 238و239. 3.معالم العلماء: 112- 114. 4.خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: 179. 5.ریاض العلماء: 5 /176- 179.

والفقه والأُصول والأدب (نحو، شعر، لغة) وغیر ذلک. له دیوان شعر فی أکثر من (1000) بیت.

بالإضافة إلی مهاراته العلمیّة، وتربیة الطّلاب؛ اشتغل أیضاً فی المسائل الاجتماعیة والسّیاسیة، وکان موضع احترام خلفاء بغداد؛ حیث کانت منزلته الاجتماعیة والسّیاسیة إلی جانب مقامه العلمی محل تعظیم الحکّام وعامة الناس من السّنة والشّیعة.

مصنّفاته العلمیّة

مؤلّفاته کثیرة، کتَبَ فی الفروع العلمیّة المختلفة، وکلّ واحد منها له موقعه وقیمته المثیرة للإهتمام؛ فکتابه الانتصار من الکتب الّتی تفرّد به فقه الإمامیة، وکتاب الأُصول الإعتقادیة فی الکلام، ورسالة فی تفسیر الحمد، وله تفسیر مقاطع من سورة البقرة، ودیوان شعر وغیر ذلک. (1)

فی نهایة المطاف، ودّع السّید المرتضی الدّار الفانیة عام (436ه) بعد (80) عاماً من الجهد والعطاء الجاری لخدمة علوم الدّین، وقام ثلاثة من تلامذته، النجاشی وسلاّر وأبو یعلی محمد بن الحسن الجعفری بتغسیله وتکفینه وواروه الثّری فی منزله.

أساتذته

حضر السّید المرتضی دروس العدید من الأساتذة، من أبرزهم:

1. الشّیخ المفید، ودرس علیه الکثیر من العلوم، حیث لازمه منذ صغره مع أخیه الشّریف الرّضی.

2. محمّد بن عمران الکاتب المرزبانی (المتوفّی 384ه) أکثر روایات السّید المرتضی فی الأمالی هی من المرزبانی.

3. حسین بن علی بن حسین، الوزیر المغربی (370- 418).

4. حسین بن علی بن حسین بن بابویه القمی، شقیق الشّیخ الصّدوق.

تلامذته

ربیّ السّید المرتضی خلال عمره المدید الکثیر من التّلامذة، لمع الکثیر منهم و وصلوا إلی مقامات علمیة رفیعة. من أبرزهم:

ص:100


1- (1) . توجد لائحة کاملة بمؤلّفات السّید المرتضی فی فهرست الشّیخ الطّوسی ورجال النجاشی.

1. الشّیخ الطّوسی بناء علی قول الشّیخ نفسه فی الفهرست؛ ویظهر أنّه تتلمذ علی یدیه لسنوات عدیدة ودرس علیه أغلب کتبه. (1)

2. حمزة بن عبدالعزیز الدیلمی المعروف ب- "سلار"، الفقیه والأُصولی المشهور.

3. القاضی عبدالعزیز بن براج الطرابلسی، صاحب کتابی المهذب والجواهر.

4. أبوالفتح الکراجکی، صاحب کتاب کنز الفوائد وکتاب النوادر.

5. الشّیخ أبوالعباس النجاشی، صاحب کتاب الرجال المعروف.

6. أبوصلاح الحلبی (374 - 447) صاحب کتاب الکافی فی الفقه.

وغیرهم الکثیر یطول ذکرهم هنا. (2)

السّید المرتضی، مصنّفاته الأُصولیّة

1. المسائل الموصلیات ویحتوی علی أکثر من ثلاث رسائل، (3) إحداها فی إبطال القیاس.

2. مسألة فی دلیل الخطاب.

3. مسائل منفردات فی أُصول الفقه.

4. الخلاف فی أُصول الفقه، یقول الشّیخ (الطّوسی) إنّ السّید المرتضی لم یتمکن من إکماله. (4)

5. الذّخیرة، ذکره السّید نفسه فی الذّریعة، یقول صاحب کتاب أدب المرتضی أنّ قسماً من کتاب الذّخیرة یشاهد ضمن رسالة بعنوان "مجموعة من کلام المرتضی فی الفنون" ویظهر من هذا القسم أنّ الکتاب فی أُصول عقائد الإمامیّة، (5) ومفاد هذا الکلام أنّه لیس کتاباً أصولیاً؛ لکن یظهر من کتاب الذّریعة، أنّه بحث فیه بعض المسائل الأُصولیّة، مثل الإجماع وصفة العلم الحاصل من الخبر. إضافة إلی أنّه اعتُبر فی عداد الکتب الأُصولیّة، کما جاء فی

ص:101


1- (1) . فهرست: 165.
2- (2) . من مصادر ترجمة السّید المرتضی: رجال النجاشی: 270و271؛ فهرست الشّیخ الطّوسی: 164و165؛معالم العلماء: 69- 71؛ریاض العلماء: 4 /14- 64؛ ریحانة الأدب: 3 /183- 190؛ الذّریعة إلی أُصول الشّیعة:1/ 23.
3- (3) . جمعت أغلب هذه الرسائل فی مجموعة تحت عنوان رسائل الشّریف المرتضی، تحقیق السّید أحمد الحسینی والسّید مهدی رجائی، 4 مجلدات، مطبعة سید الشّهداء، دار القرآن الکریم، قم، 1405 ه.
4- (4) . الفهرست: 164.
5- (5) . أدب المرتضی: د. عبدالرّزاق محی الدّین: 152.

ریاض العلماء (1) وریحانة الأدب. (2) وحتّی أنّ صاحب ریاض العلماء ادّعی أنّه کانت لدیه نسخة من الکتاب، ولکنّها فقدت للأسف. (3)

6. الذّریعة إلی أُصول الشّریعة، هذا الکتاب من أهمّ الکتب الأُصولیّة الشّیعیّة، ویعتبر مع کتاب عدّة الأُصول للشّیخ الطوسی، من أهمّ مصنّفات المرحلة الثّانیة. کتب فیه السّید المرتضی دورة أُصولیّة استدلالیّة، ناظراً فیها إلی آراء الأُصولیین السّابقین، سنّة وشیعة. وهذا الکتاب تام ومستقل، وغیر مختلط مع غیره من العلوم، خلافاً لمؤلّفاته الأُخری. فالسّید المرتضی بتألیفه لهذا الکتاب، اعتبر من روّاد أُصول الفقه الاستدلالی عند الشّیعة؛ وإن لم نقل أنّه سبق الشّیخ الطّوسی فی هذا الطّریق، فلا أقل یوازیه فی نفس المستوی، ویتصدرا الرّیادة معاً.

یمکن اعتبار کتاب الذّریعة- غیر المشوب بالمباحث الکلامیّة والمنطقیّة من جهة، والمحرر بطریقة تحلیلیّة استدلالیّة من جهة أُخری- اوّل کتاب أُصولی شیعی شامل وعمیق؛ أو أنّ نعتبره إلی جانب کتاب العدّة للشّیخ الطّوسی، بمثابة شمس ثانیة شعّت علی ما أعتمّ من أُصول الفقه الشّیعی.

ویظهر من المقدّمة الّتی کتبها السّید المرتضی نفسه، أنّه لا نظیر لهذا الکتاب فی عصره، وقد کتبه لاستقصاء تمام المسائل الأُصولیّة، وتبیین جمیع الآراء والأقوال المختلف فیها عند السّنة والشّیعة، والحکم فیها وإبداء رأیه، علی الرّغم من وجود مؤلّفات عدیدة له فی أُصول الفقه. (4)

من أعماله المهمة فی الکتاب، تنقیته من المباحث الکلامیة والمنطقیة، وقد أشار إلی هذا الأمر فی مقدّمة الکتاب، وأعلن عدم رضاه عن الکتب والأبحاث الأُصولیّة الّتی اختلطت بالکلام آنذاک، وکان هدفه من کتاب الذّریعة تنقیة أُصول الفقه من هذه النقیصة الأساسیّة. (5)

ص:102


1- (1) . ریاض العلماء: 4 /36.
2- (2) . ریحانة الأدب: 3 /186.
3- (3) . وما طبع بإسم الذخیرة للسّید المرتضی- سنة (1411ه) فی قم المقدسة بتحقیق السّید أحمد الحسینی- کان فی علم الکلام.
4- (4) . الذّریعة إلی أُصول الشّیعة: 1 /5 - 7.
5- (5) . المصدر السّابق: 2- 4.

یحتوی الکتاب علی (14) باباً، فی کلّ باب عدّة فصول، ومباحثه مرتبة کما یلی:

الخطاب، الأمر والنهی، العموم والخصوص، المجمل والمبین، النسخ، الأخبار، الأفعال، الإجماع، القیاس، الإجتهاد، الحظر والإباحة، النافی والمستصحب الحال.

السّید المرتضی، خلاصة أفکاره الأُصولیّة

للتّعرف علی آراء السّید المرتضی ونظریاته الأُصولیّة، وکیفیّة استدلاله علیها، ینبغی الرّجوع إلی کتبه الأُصولیّة وخاصة الذّریعة، وهنا نستعرض مجموعة منها:

1. یقول بجواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی. (1)

2. فی بحث "علامات الحقیقة"؛ هو من القائلین بأنّ مجرد الاستعمال من علامات تشخیص المعنی الحقیقی عن المجازی؛ وعلیه، فالظّاهر أنّ استعمال اللفظ فی معنی یدلّ علی المعنی الحقیقی عندما لا یقوم دلیل علی المجاز. (2)

3. یعتبر أنّ الکفّار مکلّفون بالفروع کما بالأصول. (3)

4. لا مفهوم عنده للجمل الشّرطیة والغائیة، والوصفیة واللقب. (4)

5. یری أنّ التّعبد بخبر الواحد جائز عقلاً، أمّا شرعاً فلا تعبّد به. ویری أنّ أدلّة حجیة الخبر مخدوشة، ویستند فی ذلک علی الأصل القائل بأنّ الشّک فی الحجیّة مساوق للقطع بعدمها. ویعتبره باق علی قوته. (5)

6. یعتقد أنّه لا مشکلة فی القیاس عقلاً، لکن لا حجیّة له تعبّداً؛ لأنّ إجماع الشّیعة قائم علی عدم حجیّته. (6)

7. یقول فی موضوع الحظر والإباحة الّذی کان من الأبحاث الأساسیة فی ذلک الوقت: أنّه عند دوران الأمر بین الحظر والإباحة، یحکم بالإباحة بداهةً، ولزوم هذه المسألة واضحٌ أیضاً، کحکم العقل بحسن الإحسان وقبح الظلم.

ص:103


1- (1) . الذّریعة: 17.
2- (2) . المصدر السّابق:10.
3- (3) . المصدر السّابق: 75 -81.
4- (4) . المصدرالسّابق: 392- 413.
5- (5) . المصدر السّابق: 519- 554.
6- (6) . المصدرالسّابق: 675.

3. سلاّر الدیلمی (م: 448 أو 463ه)

اشارة

الشّیخ أبویعلی حمزة بن عبدالعزیز الدیلمی الطبرستانی المعروف ب- "سلاّر" أو سالار، من أهل دیلم طبرستان، توفی عام (448 (1) أو 463 (2)ه)، ودفن فی قریة خسروشاه من توابع تبریز، وقبره ما زال معروفاً إلی الآن.

کان سلاّر محققاً قدیراً، ومتبحراً فی الفقه والأُصول والأدب والکلام. یعتبر من تلامذة السّید المرتضی، وأحیاناً کان یقوم مقامه فی تدریس الفقه ببغداد. وعندما کتب أبوالحسن البصری کتاباً ینتقد فیه کتاب الشّافی للسّید المرتضی، قام سلاّر بأمر من أستاذه بالرّد علی النقد، ودوّن کتاباً فی نقض نقض الشّافی.

أساتذته

أبرزهم الشّیخ المفید والسّید المرتضی، وخاصة السّید المرتضی الّذی تتلمذ علی یدیه لسنوات عدیدة، وکان من أخصّ خواص طلاّبه. وکثیراً ما کان یمتدحه ویثنی علی مهارته الفقهیة وشأنه العلمی.

تلامذته

1. أبوفتح عثمان بن جنّی النحوی.

2. أبوالصّلاح علی بن تقی الحلبی، یحتمل أنّ فترة تتلمذه علی سلاّر لیست طویلة.

3. أبوالفتح الکراجکی.

4. الحسن بن الحسین بن بابویه.

5. الشّیخ أبوعلی الطّوسی ابن الشّیخ الطّوسی.

6. وآخرین ابن فاخر النّحوی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع سلاّر مؤلّفات عدیدة فی مختلف الفروع العلمیّة، منها:

ص:104


1- (1) . بغیة الوعاة: 1 /594.
2- (2) . أعیان الشّیعة: 7 /170.

1. المراسم العلویّة فی الأحکام النبویّة فی الفقه، وحققه السّید محسن الحسینی الأمینی، طبع فی بیروت وعرف فیما بعد باسم "الرّسالة". (1)

2. المقنع فی المذهب.

3. کتاب الرّد علی أبی الحسن البصری فی نقض الشّافی. وهو الکتاب الّذی دونه بطلب من السّید المرتضی للدّفاع عن کتاب الشّافی.

4. التّذکرة فی حقیقة الجوهر والعرض.

5. المسائل السّلاریّة.

6. التّقریب فی أُصول الفقه.

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة

لسلاّر الدّیلمی - کما یذکر أصحاب التّراجم والفهارس- کتاب أُصولی باسم التقریب أو التهذیب (2)، والحصول علیه متعذّر. لذلک لا یمکننا الإطّلاع علی ما جاء فیه من تفاصیل، ولا معرفة أسباب وظروف تألیفه. ومن المحتمل أنّ یکون الکتاب علی شکل دورة کاملة فی أُصول الفقه، وکُتب بتبع السّید المرتضی وکتاب الذّریعة.

ولتعذر الحصول علی کتابه الأُصولی، فلن یکون من السّهولة بمکان الحدیث عن أفکاره وآرائه الأُصولیّة، إلاّ إذا رجعنا إلی کتبه الفقهیة الموجودة والمطبوعة ک-"المراسم العلویّة حیث یتطلب هذا العمل جهوداً واسعة، فلا یسعنا إلاّ استکشاف بعض أفکاره بالإجمال من خلال هذه الکتب. وربّما یقال فی الوقت نفسه، أنّه لمّا کان من خواص تلامذة السّید المرتضی وکان متأثّراً جداً بأفکاره، لذا قد تکون أفکاره الأُصولیّة قریبة جداً من آراء السّید فی الذّریعة؛ وهذا الأمر یساعد کثیراً فی الوقوف علی أفکاره. (3)

4. الشّیخ الطّوسی

اشارة

هو الشّیخ محمّد بن حسن بن علی الطّوسی المشهور بأبی جعفر، ولد عام (385ه) بعد (4)

ص:105


1- (1) . والمراسم هو الکتاب الوحید المطبوع لسلّار الدّیلمی.
2- (2) . المراسم العلویّة: 19.
3- (3) . مصادر ترجمة سلاّر: روضات الجنات: 2 /370؛ معالم العلماء: 135؛ خلاصة الأقوال: 86؛ أعیان الشّیعة: 170/7؛ المراسم العلویّة: 11- 21.

سنوات من وفاة الشّیخ الصّدوق، نزل بغداد عام (408ه) وتتلمذ علی الشّیخ المفید، الثابت أنّه أدرک من أواخر حیاة الشّیخ المفید خمس سنوات فقط. درس أیضاً لثلاث سنوات علی ابن الغضائری المحدّث والمتکلّم المشهور؛ لکنّه تتلمذ علی السّید المرتضی أکثر من غیره، ومن هنا کان شدید الاحترام لآرائه ولنظریاته وکثیراً ما کان یمتدحه ویعظّمه.

بقی الشّیخ الطّوسی فی بغداد إلی سنة (447ه) وعُدّ فی ذلک الوقت من أنبه علماء عصره. تخصّص فی علوم کثیرة، کالکلام والفقه والأُصول والتّفسیر والحدیث، والرّجال. وکانت له مؤلّفات ونتاجات قیّمة فی أیّ اختصاص اشتغل فیه. یقول النجاشی عنه- وهو معاصر له - :

"أبو جعفر من أصحابنا، جلیل القدر، ثقة، ومن تلامذة شیخنا، الشّیخ المفید."

وهذا التّوصیف یعکس مدی القدرة العلمیّة الّتی تمتع بها الشّیخ، حتّی فی الوقت الّذی کان فیه السّید المرتضی والشّیخ المفید علی قید الحیاة. اختیر الشّیخ الطّوسی بعد وفاة السّید المرتضی لزعامة الشّیعة، وکان الخلیفة یحترمه ویقدّره، وعهد إلیه کرسی تدریس علم الکلام فی بغداد.

هجم السّلاجقة علی بغداد عام (447ه)وأحرقوا مکتبة سابور، وقلّبوا الأوضاع فی المدینة رأساً علی عقب، وبعد سنة، أی فی العام (448ه) اشتعلت أوار الفتنة بین السّنة والشّیعة، إلی حد تسببت بإحراق مکتبة الشّیخ الخاصّة به، فلم یکن أمامه إلاّ ترک بغداد والهجرة إلی النجف الأشرف، الّتی لم تکن آنذاک أکثر من قریة. وبذلک بدأ فصل جدید من حیاته، وأسّس هناک حوزة النجف المشهورة، الّتی مضی علی قیامها إلی الآن قرابة ألف سنة. عاش الشّیخ الطّوسی فی النجف (12 ) عاماً، انکبّ خلالها علی تربیة الطّلاب وتدوین الکتب.

توفی الشّیخ فی النجف عام (460ه) وقام تلامذته بتغسیله وتجهیزه وشیّع تشییعاً عظیماً، و وری الثّری فی بیته الّذی حوِّل فیما بعد- بناءً لوصیته- إلی مسجد ما زال معروفاً باسمه إلی الآن.

مشایخه فی نقل الحدیث کثیرون، منهم الشّیخ المفید، وأحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، وأبو حسین بن أبی جید، وأحمد بن محمد بن عیسی، و... حیث ذکرهم جمیعاً فی مشیخة التّهذیب. وکان الشّیخ المفید والسّید المرتضی من أبرز أساتذته فی علوم متعددة. والشّیخ الطّوسی نفسه کان یولی الکثیر من الإحترام للسّید المرتضی.

ص:106

تلامذته

تربّی علی یدیه الکثیر من العلماء، یمکن تصنیفهم إلی فئتین:

الأُولی: الفئة الّتی تتلمذت علی یدیه فی بغداد وأصبحوا فیما بعد من علماء الشّیعة.

والثّانیة: الفئة الّتی اشترکت فی دروس الشّیخ فی النجف بعد هجرته من بغداد، وأغلبهم کان فی مقتبل العمر، ولم یشتهروا، ولم یعرفوا فیما بعد بأکثر من مقلّدین له.

بعض تلامذته من الفئة الأُولی:

1. عبدالعزیز بن نحریر بن عبدالعزیز البّراج (م:481ه)، صاحب المهذب والجواهر.

2. أبوالصلاح الحلبی (م: 447ه) الّذی تتلمذ علی یدیه بناء لقول الشّیخ. ولمّا کان متقدّمًا علیه زماناً، فمن المحتمل أنّ تکون فترة تتلمذه قصیرة جداً.

3. آدم بن یونس بن أبی المهاجر النّسَفی.

4. إسماعیل بن محمد بن حسن بن بابویه القمی (م: 500ه).

5. حسن بن محمد بن حسن الطّوسی (م: 511ه).

6. أبوعلی، ابن الشّیخ الطّوسی نفسه.

ومن الفئة الثّانیة:

1. حسن بن مهدی السلیقی العلوی، من الّذین غسّلوا الشّیخ عند وفاته.

2. أبوالحسن اللؤلؤی، اشترک أیضاً فی تغسیله.

3. ابن شهرآشوب المازندرانی، صاحب کتاب معالم العلماء.

4. أبومحمد بن حسن بن عبدالواحد الزربی الّذی شارک أیضاً فی تغسیل الشّیخ وتجهیزه.

6. محمد بن علی بن حمزة الطّوسی المشهدی. (1)

إطلالة علی مؤلّفاته ومنزلته العلمیّة

یعتبر الشّیخ الطّوسی- وبحق- شیخ الطائفة الإمامیة، وهذا الأمر أصبح معروفاً. ولا نحتاج إلی دلیل لبیان تفوقه وأسبقیته فی نشر العقائد والأُصول الشّیعیة بشکل واسع وبالأدلة والبراهین.

ص:107


1- (1) . مصادر ترجمة الشّیخ الطوسی: فهرست الشّیخ:240؛ رجال النجاشی: 403؛ معالم العلماء: 114و115؛ طبقات أعلام الشّیعة (المجلد الثّانی من القرن الخامس): 161و162؛ مقدّمة الرّسائل العشر للشّیخ الطّوسی: بقلم محمّد واعظ زادة الخراسانی: 7- 59؛ مقدّمة عدّة الأُصول بقلم محمّدرضا الأنصاری القمی: 5 -82.

فی الواقع، کان الشّیخ الطّوسی علی رأس هذه الحقبة وفی أوجها، وضع فی الفنون والعلوم المختلفة آثاراً قیمة.

ففی الحدیث، ألّف اثنین من المصادر والجوامع الشّیعیة الأربعة، التهذیب والاستبصار. وفی الفقه، وضع کتاب المبسوط، الکتاب المفخرة الّذی عرض الفقه الشّیعی بکل تفاصیله، بعمق واستدلال محکم.

فی الکلام؛ وضع کتاباً قیما أسماه التمهید؛ وفی التفسیر ألف کتاب التبیان وهو من أفضل التفاسیر لدی الفریقین. وفی الرجال والفهرست والتّراجم، ألف کتابین قیمین: الرجال والفهرست ولخص کتاب معرفة الرجال للکشی. وأغلب آثار الشّیخ ما زالت إلی الآن من أهمّ مصادر البحث والتّحقیق عند العلماء والباحثین.

قام الشّیخ إضافة إلی الجهود والإبداعات العلمیّة، بأعمال اجتماعیة عظیمة جداً، فبعد السّید المرتضی أصبحت رئاسة المذهب الشّیعی فی عهدته، وأوکلت إلیه مهمة تدریس علم الکلام فی بغداد من قبل خلیفة عصره.

بذل جهده فی تأسیس المراکز العلمیّة، وکان من أبرزها وأهمّها تشیید الحوزة العلمیّة فی النّجف الأشرف. ولو لم یقدّم الشّیخ الطّوسی لعالم التّشیع إلاّ هذا العمل، لکان کافیاً لأن یستحق التعظیم والثّناء الکبیر.

مصنّفاته الأُصولیّة

یظهر من کلام الشّیخ نفسه فی کتاب الفهرست وکتبه الأُخری، أنّه وضع ثلاثة کتب فی الأُصول:

1. مسألة فی العمل بخبر الواحد، یتعرّض فیه لإحدی مسائل علم الأُصول.

2. شرح الشّرح، لا نعرف عنه شیء، لأنّه لیس فی المتناول.

3. العدّة فی أُصول الفقه، وهو دوره کاملة فی الأُصول.

دور کتاب عدّة الأُصول فی تکامل الأُصول الشّیعی

یظهر الشّیخ الطّوسی، بتألیفه لهذا الکتاب، کمجتهد قدیر وصاحب رأی فی أُصول الفقه، أوجد تحولاً فی أُصول الفقه الشّیعی، کما الفقه نفسه، وأخرجه من بساطته الأولی وأوصله إلی مرحلة متقدّمة من النمو والکمال. وتجدر الإشارة إلی أنّ الشّیخ تلقی العون والتّشجیع من

ص:108

أساتذة وأصحاب حاذقین، أفادوه کثیراً فی تشکُّل هذه المرحلة؛ کابن الجنید، والشّیخ المفید، والسّید مرتضی، وسلاّر وآخرین؛ واکتملت هذه الحرکة الجدیّة وأثمرت علی یدیه.

کتاب عدّة الأُصول، کتاب عمیق ومتقدم کثیراً، وتشیر اجتهاداته الدّقیقة والمتشعبة، ونقله الأقوال المختلفة للفریقین، وتحلیله الدّقیق لها وانتقاداته البناءة، إلی مدی اطّلاعه وقوّة حسّه النقدی وقدرته علی التّحلیل. فعدّة الأُصول وإن کان اوّل کتاب شامل ومتین فی أُصول الفقه الشّیعی، وإن کتب بعد الذّریعة (1)، إلاّ أنّه یعتبر بحق،- مع کتاب الذّریعة للسّید المرتضی- من المفاخر الّتی ظهرت فی عالم التّشیع؛ وإنّ تحولاً بهذه العظمة وبهذه السّرعة لهو من الأعاجیب. (2)

وکما قلنا، یعتبر عدّة الأُصول کتاباً شاملاً فی أُصول الفقه، استفاد الشّیخ فی تدوینه من الکتابات الأُصولیّة للسّید المرتضی، وکثیراً ما استفاد عند تدوینه وفی لب مباحثه من کتاب الذّریعة؛ حیث نقل بعض مسائله، کما وردت فی الذّریعة دوّن زیادة أو نقیصة کبحث القیاس. (3)

یقع عدّة الأُصول فی إثنی عشر باباً، فی کلّ باب مجموعة فصول منسجمة مع بعضها. والفهرس الإجمالی لمواضیع الکتاب جاء علی الشّکل التّألی:

1) ماهیة أُصول الفقه، الخطاب وأقسامه، حقیقة العلم، بحث الدّلالة و...؛ 2) بحث الخبر وأقسامه؛ 3) الأوامر؛ 4) النواهی؛ 5) العام والخاص، ویقع فی (22) فصلاً، وهو من أکثر الأبواب تفصیلاً عند التّأمل فی کیفیّة تناوله للمسائل؛ ویظهر لنا مدی قدرته ومهارته؛ 6) المجمل والمبین؛ 7) النّاسخ والمنسوخ؛ 8) الأفعال؛ 9) الإجماع؛ 10) القیاس، وهو بحث السّید المرتضی نفسه فی الذّریعة؛ 11) الإجتهاد؛ 12) الحظر والإباحة، ویعالج فیه أیضاً بحث إستصحاب الحال.

بحث الشّیخ مواضیع الکتاب بشکل مفصل، وخرجت أحیاناً عن الحدّ الطّبیعی، حیث أکثر من الإسهاب فیها، کبحث العام والخاص؛ ف- "عدة الأُصول" من هذه الجهة أکثر تفصیلاً من "الذّریعة".

ص:109


1- (1) . هناک اختلاف فی الرأی حول اوّل کتاب شامل فی الأُصول عند الشّیعة. فذهبت ثلّة کالشّهید الصّدر إلی أنّه کتاب عدّة الأُصول، ومالت أُخری کالدکتور گرجی الی أنّه الذّریعة.
2- (2) . خاصة لو قارنا انجازات هذین العلمین مع الأعمال الّتی قام بها علماء أهل السّنة علی مدی سنین متمادیة إلی ذلک الوقت، سیتضح لنا أکثر مدی براعة الشّیخ وعظمته.
3- (3) . انظر: العدّة فی أُصول الفقه: 2 /647- 719.

یبیّن الشّیخ فی کلّ بحث آراء علماء الشّیعة، خاصة آراء الشّیخ المفید والسّید المرتضی، وکذا آراء علماء أهل السّنة، خاصة الأُصولیین المتکلمین منهم، وغالباً ما کان ینتقدهم. کان یمیل کثیراً إلی رأی السّید المرتضی، وفی کثیر من المواضع یتبنی نفس الرأی، ویعتبره الأفضل والأرجح.

من الممیزات المهمة لکتاب "عدّة الأُصول"، أنّه مصفّی من المباحث الکلامیة والمنطقیة، والشّیخ هنا اقتفی أثر أُستاذه فی ذلک وعمل علی تکمیله.

خلاصة آرائه وأفکاره الأُصولیّة

غالباً ما کانت آراؤه الأُصولیّة وطریقة تحلیله والأدّلة الّتی أقامها، محل اهتمام العلماء من بعده، وسنشیر هنا إلی مجموعة منها دوّن عرض الأدلّة:

1. ینقل الشّیخ ثلاث نظریات فی الخبر المتواتر وکیفیة حصول العلم به، وهی:

أ) إنّ حصول العلم بالخبر المتواتر اکتسابی.

ب) إنّ العلم فی الخبر المتواتر یحصل ضرورة من فعل الله تعالی، ولا صنع للعباد فیها.

ج) إنّ الخبر المتواتر لو کان متعلّقاً بأخبار البلدان ووقائع الحیاة، فعلمه یمکن أنّ یکون اکتسابیاً، ویجوز أنّ یکون ضرورة من فعل الباری، أمّا الخبر المتواتر فی إثبات المعجزة والأحکام الشّرعیة وأمثال ذلک، فتحصیل العلم به اکتسابی وعن طریق الاستدلال.

والرأی الثّالث هو للسّید المرتضی، والشّیخ الطّوسی هنا یتبنی نظریة أستاذه نفسها. (1)

2. یقول الشّیخ إنّ خبر الواحد لا یفید العلم، لکن یجوز الّتعبد به جائز عقلاً وشرعاً، ولکن جواز العمل به شرعاً مقید بشروط خاصة یشیر إلیها. من هنا فإنّ رأیه فی خبر الواحد وجواز العمل به شرعاً، مخالف لرأی السّید المرتضی القائل بأنّ لا دلیل فی الشّرع علی العمل به. (2)

3. یری الشّیخ أنّ الأمر وُضِع لبیان القول، وغیر مشترک بین القول والفعل، وأنّ الأمر لغة وشرعاً یدلّ علی الوجوب، خلافاً للسّید المرتضی القائل بأنّه فقط یدلّ علی الوجوب شرعاً، ویتوقف بلحاظ دلالته اللغویة. (3)

ص:110


1- (1) . عدّة الأُصول: 1 /70 و71.
2- (2) . عدّة الأُصول: 100- 126.
3- (3) . عدّة الأُصول: 159- 172.

4. یری أنّ لأدوات العموم دلالة وضعیّة علی معناها. (1)

5. فی موضوع الإجماع، یقبل الشّیخ نظریة مشهور الإمامیة نفسها، لکنّه عندما یناقشها یتمسک بقاعدة اللطف (2)، (3).

6. فی بطلان القیاس یتبنی الشّیخ نظریة السّید المرتضی، أی أنّه من النّاحیة العقلیة یقول بعدم المانع من حجیتها، ولکن العمل بها ممنوع باللحاظ الشّرعی. (4)

7. نظریة الشّیخ فی الإجتهاد، هی النّظریة المتفق علیها بین المتکلّمین والأُصولیین الشّیعة، الّتی یقبلها الشّیخ المفید وکذلک السّید المرتضی، والمبنیّة علی أنّ الحکم الإلهی واحد، لو توصّل المجتهد إلیه فهو مصیب، وإلاّ فهو مخطئ فی اجتهاده. (5)

خلاصة الدّرس

1. یمکن تسمیة المرحلة الثّانیة بمرحلة التّوسع وازدهار المؤلّفات الشّاملة والمکتملة. بدأت أوائل الغیبة الکبری واستمرت إلی زمان ابن إدریس، أی إلی أواخر القرن السّادس الهجری.

2. کان ابن الجنید الإسکافی وابن أبی عقیل العمانی من الأعلام الّذین أسسوا لها ومهّدوا لإنطلاقتها.

3. بدأت المرحلة الثّانیة رسمیاً بالشّیخ المفید ووصلت إلی أوجهاً مع الشّیخ الطّوسی.

4. من الشّخصیات الأُصولیّة فیها: الشّیخ المفید مؤلّف مختصر التذکرة، السّید المرتضی صاحب الذّریعة إلی أُصول الشّریعة، سلاّر الدّیلمی مؤلّف کتاب التّقریب، والشّیخ الطّوسی صاحب العدّة فی أُصول الفقه.

5. لا شکّ أنّ الشّیخ الطّوسی والسّید المرتضی کانا من أبرع أُصولیی المرحلة، والعلماء الّذین تلوهما وطوّروا أُصول الفقه وتوسّعوا فیه هم فی الحقیقة مدینون لهذین العلمین الکبیرین.

ص:111


1- (1) . المصدر السّابق: 278- 279.
2- (2) . قاعدة اللطف من مختصات الشّیخ الطّوسی فی تحلیل حجیة الإجماع الّتی یدرسها الطّلاب فی الکتب الأُصولیة. ومن المناسب أن یشرحها الأستاذ خلال الدّرس.
3- (3) . المصدر السّابق: 2 /602.
4- (4) . المصدر السّابق: 652.
5- (5) . المصدر السّابق: 725 و726.

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. ما هی عوامل نشوء هذه المرحلة.

2. ما مدی التّأثیر الّذی ترکه الشّیخ المفید علی تلمیذیه المبرزین السّید المرتضی والشّیخ الطّوسی.

3. أبحث فی النّظریات الأُصولیّة المذکورة فی الدّرس المنسوبة إلی السّید المرتضی، وقارنها مع آراء الشّیخ المفید والشّیخ الطّوسی.

4. کیف أحدث الشّیخ الطّوسی تأثیراً عظیماً علی الحوزات العلمیّة الشّیعیة، وعلی العلماء من بعده؟ (لتوضیح هذا الأمر خذ بعین الاعتبار، الأبعاد المختلفة لشخصیة الشّیخ وإنجازاته المتعددة).

للتّحقیق والبحث

قارن أُصول أهل السّنة فی هذه المرحلة مع أُصول الشّیعة، وبیّن إلی أی حدّ کان الأُصول الشّیعی تحت تأثیر أُصول العامة.

بعض المصادر

قارن کتاب الذّریعة وعدّة الأُصول، مع کتب أهل السّنة فی ذلک الوقت، کأصول الجصاص والمعتمد، تألیف أبوالحسین المعتزلی وغیرهم.

ص:112

الدّرس الخامس: المرحلة الثّانیة: عصر التّوسع والتّدوین الشّامل فی الأصول(2)

اشارة

(من أوائل الغیبة الکبری إلی ابن إدریس الحلّی 598ه )

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

نظرة إجمالیّة علی مرحلة ما بعد الشّیخ الطّوسی (ضمن الحقبة الثّانیة من تأریخ الأُصول).

الشّخصیات الأُصولیّة الّتی اعقبت الشّیخ.

الآثار والمصنّفات المهمّة فی المرحلة الثّانیة.

إطلالة علی الآراء والنّظریات الأُصولیّة الشّائعة الرّائجة.

إطلالة علی التّبویب الرّائج.

نظرة إجمالیة علی أُصول أهل السّنة خلال هذه الحقبة.

الخصائص المهمّة الّتی تمیزت بها هذه المرحلة.

ص:113

ص:114

إطلالة إجمالیة علی مرحلة ما بعد الشّیخ

اشارة

بعد رحیل الشّیخ الطّوسی، لم یستطع تلامذته الشّباب ولأسباب سنذکرها فی بدایة المرحلة التّالیة، إکمال مسیرة الإبداع والتّطویر الّتی شقّها، بعد أنّ وصلت علی یدیه إلی أوجها. حیث تخلفوا عن الحرکة العلمیّة الّذی سلکها الشّیخ؛ بمعنی أنهّم أغلقوا باب الإجتهاد والنقد الّذی شرّعه الشّیخ الطّوسی والسّید المرتضی، حیث لم یکن- باب الإجتهاد- قد وصل إلی نضجه فی ذلک الحین. ولم یحل دوّن هذه المشکلة وجود علماء کالشّیخ سدیدالدّین الحمصی وأبو صلاح الحلبی وابن زهرة؛ لأنّ أغلبهم کان مقلداً للشّیخ، واعتبروا توجیه النقد والرّد علیه مساویاً للحطّ من مقامه العلمی.

لکن حقبة الرکود والفتور انتهت فی ختام المطاف، علی ید ابن إدریس الحلی- بعد أنّ مهّد لها علماء مؤسسون کابن زهرة والحمصی - وبدأت مرحلة جدیدة من نمو الأُصول الشّیعی. وسنقوم بشرح عوامل وأسباب هذه الحالة فی سیاق دراسة عوامل نشوء المرحلة التّالیة لأُصول الفقه الشّیعی. أمّا الآن، وللاقتراب أکثر من أوضاع الحقبة الثّالثة، نتناوّل بالبحث أعمال اثنین من الّذین ساهموا فی التّمهید لها علی الشّکل التّألی: (1)

ص:115


1- (1) . یمکن إدراج مجموعة من العلماء الّذین اهتموا بالبحث الأُصولی خلال هذه المرحلة، وذُکروا فی کتب التراجم والسیر منهم: 1) أحمد بن أحمد الخزاعی النیشابوری (م: 465ه) له کتاب المفتاح فی الأُصول. 2) أبوعلی حسن بن الشّیخ الطّوسی(515ه)، ابن الشّیخ الطّوسی والمشهور بالمفید الثّانی، له کتاب فی الأُصول: المرشد إلی سبیل المتعبد. 3) أبوالمحاسن البیهقی(المتوفی نحو 544ه) له کتب أُصولیة: صیقل الألباب، التّوابع واللوامع والتّنقیح فی أُصول الفقه. 4) أبوالحسن البیهقی علی بن أبی القاسم بن فندق

5. سدیدالدّین الحمصی الرّازی

اشارة

الشّیخ سدیدالدّین محمود بن علی الحمصی (1) من علماء القرن السّادس، من أهل حمص فی بلاد الشّام أو من قریة فی بلاد الری. نزل مدینة الحلّة بدعوة من أهلها لمدة من الزّمن. سافر أواخر عمره- عام (600ه)- إلی همدان، وهناک بنی له حاکمها حاجب جمال الدّین مدرسة. عاش إلی بدایة القرن السّابع بناء لما نقل عن ابن طاووس فی البهجة. (2)

عمّر ما یقرب من مائة عام، وفی الخمسین من عمره شرع بتحصیل العلوم، (3) ینظر إلیه أغلب الّذین ترجموا حیاته باحترام. فالشّیخ منتجب الدّین صاحب کتاب الفهرست الّذی کان من تلامذة الحمصی، یقول عنه:

«الشّیخ سدید الدّین... علاّمة العصر فی الأُصول والفقه.» (4)

أثنی علیه ابن إدریس الحلّی صاحب کتاب السّرائر، وکان معاصراً له وأصغر منه، ویتحدث عن إنصافه وأخلاقه العالیة ویقول عنه: یندر وجود مثیلاً له فی الانقیاد للحق والإذعان له. (5)

فرغ الحمصی من کتابه المنقذ من التّقلید سنة (581ه) منح السّید أبومظفر محمد بن علی سنة (583ه) إجازة فی الرّوایة، وفی نفس العام درس علیه الشّیخ منتجب الدّین کتاب المنقذ.

أساتذته

1. الشّیخ أبوعلی الطّوسی، درس علیه الفقه.

2. الإمام موفق الدّین حسین بن فتح الله واعظ بکرآبادی جرجانی.

ص:116


1- (1) . هناک من یقول أنّ وفاته کانت أواخر القرن السّادس، أی بحدود 580 أو 581 ه، راجع: تعلیقة أمل الآمل: 312، وفهرس التراث: 91، 595. (المترجم)
2- (2) . طبقات أعلام الشّیعة .295 /2:
3- (3) . لسان المیزان: 2 /407و408.
4- (4) . منتجب الدّین : الفهرست : 164 ، برقم 389.
5- (5) . إبن إدریس الحلی : السّرائر : 2 /191 - 198.
تلامذته

أبرز من تتلمذ علی یدیه:

1. منتجب الدّین بن بابویه الرّازی، صاحب الفهرست المشهور.

2. الشّیخ أبوالحسین ورام بن أبی فراس الحلّی صاحب مجموعة ورام الّتی اسمها: تنبیه الخواطر ونزهة الناظر.

3. فخرالدّین الرازی؛ وقد ذکره العلاّمة آغا بزرگ الطّهرانی فی الذّریعة وطبقات الأعلام، والمحقق الدّزفولی فی المقابس، لکن الفخر الرّازی نفسه لم یشر إلی هذا الأمر.

4. السّید علاءالدّین أبومظفر محمد بن علی الخجندی.

مصنّفاته العلمیّة

للشّیخ سدیدالدّین مؤلّفات کثیرة، أهمها:

1. بدایة الهدایة.

2. التّبیین والتّنقیح فی التّحسین والتّقبیح، فی الکلام.

3. المنقذ من التّقلید والمرشد إلی التّوحید. (1)

4. التّعلیق الکبیر.

5. التّعلیق الصّغیر.

6. المصادر. (2)

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة

لم یترک الشّیخ الحمصی فی أُصول الفقه سوی کتاب المصادر، والحصول علیه صعب کمعظم مؤلّفاته الأُخری الّتی لا خبر عنها؛ فالزرکشی ینقل الآراء الأُصولیّة للشّیعة فی کتابه البحرالمحیط من کتاب الذّریعة للسّید المرتضی ومن کتاب المصادر للحمصی، وهذه إشارة مهمّة إلی أنّ لهذا الکتاب شهرة وقیمة علمیة متقدّمة فی ذلک الوقت، وتدلّ علی أنّ المصادر

ص:117


1- (1) . طبع هذا الکتاب فی مجلدین فی مدینة قم، (عام1412ه)من قبل المنشورات الإسلامیّة، وهو الکتاب الوحید الموجود والمطبوع من کتب الحمصی.
2- (2) . مصادر ترجمة الحمصی: فهرست منتجبُ ُ الدّین: 164.مقابس الأنوار: 11؛ریاض العلماء: 2 /202 و203؛طبقات أعلام الشّیعة: 295؛ریحانة الأدب: 2 /74 و75؛ مقدّمة کتاب المنقذ: بقلم أحمد هادی الیوسفی: 5-12.

کان من الکتب المکتملة فی أُصول الفقه. وکان ابن إدریس الحلّی ینقل أحیاناً فی السّرائر آراء الحمصی الأُصولیّة من کتابه المصادر. (1)

علی جمیع الأحوال، فلا کتاب المصادر بین أیدینا، ولا أی کتاب فقهی آخر له نستطیع بمطالعتها والغوص فی مباحثها استکشاف آرائه الأُصولیّة. والطّریق الوحید المتبقی هو اللجوء إلی التّنقیب فی کتب العلماء الآخرین (الأُصولیّة والفقهیة) من الّذین نقلوا آراءه، کالبحر المحیط للزرکشی، والسّرائر لابن إدریس؛ وبهذه الطّریقة یمکننا ولو إجمالاً معرفة بعض آرائه الأُصولیّة. ولحسن الحظ قام بهذا الاستقصاء بعض العلماء والباحثین فی کتب مختلفة (2) ونشیر هنا إلی بعض منها:

1. یعتقد الشّیخ الحمصی بإباحة الأعیان قبل الشّرع، وهذا أیضاً رأی السّید المرتضی. (3)

2. بالنسبة للفظ المجمل الّذی له موضوع شرعی ولغوی أیضاً، یقول بحمل اللفظ علی المعنی المتعارف له، ولا یعتبره مجازاً، بل یُسمّی بنظره الحقیقة العرفیة؛ مثل لفظ الغائط وحمله علی المعنی المتعارف. (4)

3. فی بحث دلالة الأمر علی المرة أو التکرار، هو علی رأی السّید المرتضی الّذی یقول بدلالته علی المرة. (5)

4. فی بحث الإجماع، یعتقد صاحب المصادر أنّ دلیل أهل السّنة علی حجیة الإجماع مخدوش؛ لأنّ إجماع الکلّ علی الخطأ غیر محال، وإن کان عقلاً بعیداً؛ لکنّه فی الإجماع السّکوتی یقبل بنظریة السّید المرتضی، الّتی تقول أنّ الإجماع السّکوتی لیس بإجماع أوّلاً، وثانیاً لیس بحجّة. (6)

یفضی التّأمل فی آراء الحمصی إلی أنّه کان فی الواقع صاحب رأی، ولم یقع تحت تأثیر الشّیخ الطّوسی، لکنّه فی الوقت عینه کان موافقاً لآراء السّید المرتضی فی الکثیر من الموارد.

ص:118


1- (1) . نظیر بحث خبر الواحد ومخالفة الحمصی لرأی الشّیخ. انظر: السّرائر: 3 /290 - 291.
2- (2) . انظر: المتبقی من کتاب المصادر مجلة فقه أهل البیت (بالفارسیة)، العدد 25، ربیع1380 ه.ش، ص119.
3- (3) . الزرکشی: البحر المحیط: 1 /203؛ ونقلاً عن مقالة المتبقی من کتاب المصادر: 122.
4- (4) . نقلاً عن مقالة المتبقی من کتاب المصادر: 125.
5- (5) . المصدر السّابق: 127.
6- (6) . المصدر السّابق: 134.

6. إبن زهرَة (511 - 585ه)

اشارة

السّید حمزة بن علی بن زهرة الحلبی (أبو المکارم)، من أحفاد الإمام الصادق علیه السلام ، ولد فی رمضان من العام(511ه)، أبوه علی بن زهرة من علماء حلب الکبار، وإخوته جمیعاً من العلماء الکبار أیضاً. وأسرته- کما یقول الزّبیدی فی تاج العروس- من السّادة جلیلی القدر، علماء، وفقهاء ومحدثین. (1)

کان ابن زهرة عالماً متبحراً، ومتکلّماً بارعاً، وفقیهاً وأُصولیاً عظیماً، وقد خطف کأس الرّیادة بقدرته وتبحره العلمی. روی عن أبیه، وعن أبی علی ابن الشّیخ الطّوسی مع واسطة. ویروی عنه أخوه وابن إدریس.توفی عام (588ه)

أساتذته

1. والده، السّید علی بن زهرة.

2. جده، السّید أبوالمحاسن زهرة الحلبی.

3. أبومنصور محمد بن حسن بن منصور النقاش الموصلی، الّذی کان تلمیذ أبوعلی ابن الشّیخ الطّوسی.

4. أبوعبدالله حسین بن طاهر بن حسین، الّذی یروی عن أبی الفتوح الرّازی.

تلامذته

1. الشّیخ معین الدّین المصری.

2. شاذان بن جبرائیل القمی، الّذی کان حیاً عام (584ه).

3. محمد بن جعفر المشهدی، صاحب المزار المشهور.

4. السّید محی الدّین محمد، ابن أخیه.

5. ابن إدریس الحلّی، ویظهر أنّه لم یکن من تلامذته، وأن ابن زهرة کان من مشایخ روایته.

مصنّفاته العلمیّة

مؤلّفات ابن زهرة کثیرة، طبع عدد منها مع تحقیق وتصحیح، ومن أهمّها غنیة النزوع إلی

ص:119


1- (1) . الزّبیدی: تاج العروس: 3 /248، آخر مادة زهرة.

علمی الأُصول والفروع؛ وهذه مجموعة منها:

1. الاعتراض علی الکلام الوارد من حمص.

2. قبس الأنوار فی نصرة العترة الأخیار.

3. نقض شُبَه الفلاسفة.

4. مسألة فی الرّد علی من ذهب إلی أنّ الحسن والقبح لا یعلمان إلاّ سمعاً.

5. غنیة النّزوع إلی علمی الأُصول والفروع.

6. مسألة فی تحریم الفقاع.

7. مسألة فی إباحة نکاح المتعة. (1)

مصنّفاته وآراؤه الأُصولیّة

لم یدوّن ابن زهره کتاباً مستقلاًّ فی الأُصول. لکن أبحاثه الأُصولیّة جاءت فی کتاب مؤلّف من ثلاثة أقسام: قسم فی الکلام وآخر فی الأُصول وثالث فی الفقه، وأسماه غنیة النّزوع إلی علمی الأُصول والفروع؛ ویعتبر کتاب الغنیة تحفة جدیرة بالتّقدیر فی مرحلة ساد فیها رکود أُصول الفقه بشکل واضح.

مع أنّ ابن زهرة لم یتمکن من تأسیس تیاراً جدیداً فی الأُصول، وأن یکون علی رأس حقبة أُصولیّة، لکنّه فی الوقت نفسه مهّد- بانتقاداته ومخالفاته الواضحة لآراء الشّیخ الطّوسی- السّبیل لإبداء النّظر فی آراء القدماء وخاصة الشّیخ. من هنا، یمکن اعتباره نقطة تحوّل مفصلیة فی نهایة مرحلة الرّکود وبدایة عصر جدید.

یعتبر ابن زهرة وسدیدالدّین الحمصی من مؤسسی المرحلة الثّالثة؛ وقد کتب ابن زهرة القسم الأُصولی من کتاب الغنیة بنفس أسلوب التّبویب والتّنظیم الّتی تمیزت به المؤلّفات السّابقة. والرّوح العامّة الحاکمة علی الکتاب مقتبسة من أُصول المرحلة الثّانیة وخاصة أُصول السّید المرتضی والشّیخ الطّوسی. لکنّه یحوی فی طیاته مجموعة من المسائل فی نقد آراء العلماء السّابقین وخاصة آراء الشّیخ. وهذا الأمر یظهر أیضاً إلی حدٍّ ما فی مؤلّفات الشّیخ

ص:120


1- (1) . المصدر السّابق: 478. (*) مصادر ترجمة ابن زهرة: معالم العلماء: 46؛ریاض العلماء: 2 /202- 209؛روضات الجنّات: 2 /274- 277؛أعیان الشّیعة: 6 /249؛ریحانة الأدب: 7 /550؛ طبقات الأعلام: 2 /87.

سدیدالدّین. وأسلوب البحث الّتی اعتمده ابن زهرة فی الغنیة یُظهر سعة اطّلاعه وإحاطته بأصول العامة والخاصة ودقة نظره. وقد جاء الفهرس الإجمالی للمواضیع المطروحة فی الجزء المتعلّق بأُصول الفقه من کتاب الغنیة علی الشّکل التّألی (1): کلیات، الأمر، الضّد، النهی، دلالة النهی علی الفساد، الخصوص والعموم، المفاهیم، النسخ، الأخبار، الأفعال، الإجماع، القیاس، الاستصحاب.

بقی أنّ نستعرض فی الختام مجموعة من آرائه الأُصولیّة:

1. یری ابن زهرة أنّ مطلق الأمر باللحاظ اللغوی لا یقتضی الوجوب ولا الاستحباب، أمّا باللحاظ الشّرعی فهو یدلّ علی الوجوب. ویقول إنّ الأمر یدلّ شرعاً علی الفور، لکنّه بالوضع لا یدلّ علی الفور ولا علی التّراخی، خلافاً لرأی الشّیخ الطّوسی. (2)

2. یری أنّ النّهی یدلّ علی الحرمة شرعاً، لکنّ النهی عن شیء لا یدلّ علی فساد المنهی عنه، خلافاً لرأی الشّیخ أیضاً. (3)

3. یری أنّ أدوات العموم لم توضع لإفادة معنی العموم، لأنّها کما تستخدم لإفادة معنی العموم، تستخدم أیضاً لإفادة معنیً خاص. وبذلک یخالف رأی الشّیخ فی هذا الباب. (4)

4. لاحجیة عنده لمفهوم الوصف. (5)

5. یشترط لحجیة الخبر المتواتر ثلاثة أمور:

أوّلاً: کثرة عدد الرّواة إلی حدّ یکون معه اتفاقهم علی الکذب من المحال.

ثانیاً: أنّ یعلم أنّه لیس للمخبرین دوافع مشترکة بینهم للتّواطؤ علی الکذب.

ثالثاً: أنّ لا یکون لدی المخبرین شبهة أو شکّ بالنسبة لما یخبرون عنه. (6)

6. یری ابن زهرة أنّ خبر الواحد لا یفید العلم إلاّ فی حالة کون المخبر عادلاً، وعندها

ص:121


1- (1) . طبع القسم المتعلق بأصول الفقه والفقه من کتاب الغنیة فی مجموعة سمیت ب- الجوامع الفقهیة- من قبل دار النشر فی مکتبة آیة الله المرعشی النجفی عام 1404 ه فی مدینة قم. وحالیاً تم تحقیق کلّ أقسام الکتاب بواسطة إبراهیم البهادری و نشر من قبل مؤسسة الامام الصادق*.
2- (2) . الجوامع الفقهیّة: 463.
3- (3) . المصدر السّابق: 463 - 468.
4- (4) . المصدر السّابق: 468.
5- (5) . المصدر السّابق: 472.
6- (6) . المصدر السّابق: 475.

یفید الظنّ. ویری أنّ التّعبد بخبر الواحد جائز عقلاً، أمّا شرعاً فلا دلیل علیه. وبذلک یکون قد وافق السّید المرتضی وخالف الشّیخ الطّوسی. (1)

7. فی مسألة القیاس والإجماع، هو علی مشهور الإمامیة فی ذلک الوقت. (2)

أبرز مصنّفات هذه المرحلة

یعدّ کتابی الذّریعة إلی أُصول الشّریعة للسّید المرتضی، والعدّة فی أُصول الفقه للشّیخ الطّوسی، ولا شکّ، من أهمّ مصنّفات هذه المرحلة علی الإطلاق. بمعنی آخر سأهم هذان الکتابان فی الواقع فی ظهور الحقبة الثّانیة والتّحولات الأُصولیّة الّتی جرت فیها. وعلماء الشّیعة فی القرون الّتی تلت مدینون لمؤلّفیهما بشکل واضح؛ فالتّطور الّذی حصل فی أُصول الفقه الشّیعی بوضع هذین الکتابین، علی قدر من الوضوح لا یحتاج إلی مزید بیان واستدلال. فعندما ننظر إلی عصر راجت فیه الرّسائل المفردة، والأبحاث الأُصولیّة البسیطة والمحدودة لعلماء سابقین منهم الشّیخ المفید، ثمّ نری فی حقبة أُخری العمق ودقّة النظر فی تنقیبات السّید المرتضی، والتّحلیلات الدّقیقة للشّیخ الطّوسی، نشعر عندها بعمق هذا التّحول والعبور من حقبة البساطة إلی مرحلة التّعمق والتّوسع.

یمکن القول وبحق، أنّه لو لم یدوّن هذان الکتابان فی الأُصول الشّیعی، لما وجد أی کتاب آخر بهذه المتانة والشّمول إلی أواخر القرن الخامس وإلی قرنین بعده، یمکن عرضه مقابل أُصول الفقه السّنی المتقدم فی ذلک الوقت. خاصة أنّ کثیراً من العلماء بعد الشّیخ الطّوسی انطووا علی أنفسهم وقلّدوه. فمن المتیقن أنّه لولا أفراد معدودین کسدیدالدّین الحمصی وابن زهرة، لما کتب أی أثر جدید یعتمد علیه آنذاک فی الأُصول؛ وعلیه یمکننا الحدیث عن کتابین آخرین مهمین - غیر الکتابین السّابقین - هما:المصادر للحمصی، وقسم الأُصول من کتاب غنیة النزوع لابن زهرة، والکتاب الثّانی أکثر أهمیة وشهرة، خاصة أنّ کتاب المصادر غیر موجود حتّی یمکننا الحکم بشأنه. وفی الواقع شکل هذان الکتابان الأرضیة الّتی أسست لظهور المرحلة الثّالثة من الأُصول الشّیعی علی ید علماء بارعین.

ص:122


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . المصدر السّابق: 478.

الأفکار والآراء الأُصولیّة الشّائعة فی هذه المرحلة

یمکن الإشارة إلی الأبحاث الواسعة الّتی راجت- بالنظر إلی ما تبقی من مصنّفات تلک المرحلة- علی الشّکل التّالی:

1. لما کانت هذه المرحلة مقارنة لمرحلتین من مراحل الأُصول السّنی (الثّالثة والرّابعة)، ولما کان علماؤهم قد أدخلوا المسائل الکلامیّة واشتغلوا بها فی علم الأُصول، ولأنّ الأُصول الشّیعی کان ناظراً بشکل جدّی فی ذلک الوقت إلی الأُصول السّنی، لذلک کانت المواضیع الکلامیّة من أهمّ ما شغل بآل العلماء فی السّنین الأُولی من هذه الحقبة. (1) ومن هذه الأبحاث:

أ). هل الکفّار مخاطبون بالشّرائع والفروع مثلما هم مخاطبون بالأصول؟ (2)

ب) حقیقة العلم وأقسامه. (3)

ج) الحسن والقبح. (4)

د) فی ذکر ما یجب معرفته من صفات الله والنبی والأئمة علیهم السلام . (5)

ه) هل أنّ نبی الإسلام متعبّد بشرائع الأنبیاء السّابقین؟ (6)

و) هل من الجائز أنّ یفوّض الله تعالی الأحکام الشّرعیة إلی النبی صلی الله علیه و آله أو العلماء؟ ولو علم أنّهم علی الدّوام یحکمون بالصواب؟ (7)

2. کان الخبر الواحد من أبرز وأهمّ القضایا الّتی أولاها الأُصولیّون اهتماماً کبیراً فی هذه المرحلة، حیث تناوله الجمیع بالتّفصیل. فالشّیخ المفید لا یعتبره حجة عند عدم وجود دلیل قطعی علی صدق راویه، وبالتّالی فهو لا یوجب العلم والعمل به، والخبر الحجة القاطع للعذر برأیه فقط هو الخبر المحفوف بالقرائن القطعیة من العقل أو العرف أو الإجماع. (8)

ص:123


1- (1) . من المؤکّد أنّ السّید المرتضی والشّیخ الطّوسی بذلا جهوداً لحذف هذه الأبحاث من الأُصول، إلاّ أنّهمّا لم یوفّقا بشکل تام، فهما أیضاً طرحا العدید من المسائل الکلامیة فی مصنّفاتهما.
2- (2) . الذّریعة: 75 - 81.
3- (3) . الذّریعة: 20- 22؛ والعدّة: 12- 24.
4- (4) . العدّة: 25 و26.
5- (5) . العدّة: 17.
6- (6) . الذّریعة: 595؛ والعدّة: 227.
7- (7) . الذّریعة: 658.
8- (8) . مختصر التّذکرة: 33 - 34.

ویذهب السّید المرتضی إلی جواز التّعبد بخبر الواحد عقلاً أمّا شرعاً فغیر جائز. (1) ویقول الشّیخ الطّوسی: إنّ خبر الواحد غیر مفید للعلم، لکن التعبد به جائز عقلاً وشرعاً عند توفر الشّرائط اللازمة. (2) أمّا ابن زهرة فیتبنی نظریة السّید المرتضی ویخالف الشّیخ المفید. (3)

3. دخل بحث الإجماع إلی الأُصول الشّیعی فی هذه الحقبة، فهو وإن کان مأخوذاً من أُصول أهل السّنة فی الظّاهر، إلاّ أنّ علماء الشّیعة سلکوا فی بحث حجیته طریقاً مختلفاً تماماً عن طریقة أهل السّنة، بمعنی أنّ الإجماع الحجة عند الشّیعة هو قول المعصوم علیه السلام ولیس الإجماع بالمصطلح السّنی.

4. کان بحث القیاس وإثبات بطلانه فی هذه المرحلة، کما فی المرحلة السّابقة، محل اهتمام جدّی من قبل علماء الأُصول. فالحجم الکبیر لبحث القیاس فی العدّة والذّریعة یشیر بوضوح إلی مستوی الاهتمام الّذی لقیه فی هذه الحقبة. ولعلّ من أسباب ذلک أنّ ابن الجنید کان من القائلین به، ما دفع الشّیخ المفید إلی وضع رسالة ردّاً علیه، وتبعه تلامذته فی ذلک.

5. طُرحت فی هذه المرحلة أبحاث من قبیل الألفاظ، العام والخاص، الناسخ والمنسوخ والأفعال، بشکل واسع فی الکتب الأُصولیّة.

6. بحث الحظر والإباحة، کان من أهمّ المواضیع الّتی طرحت حینها، وکانت لا تزال مطروحة فی الکتب الأُصولیّة ما بعد هذه المرحلة. لکنّه لم یعد مطروحاً الیوم بتلک الصورة.

بالإجمال یراد من هذا الموضوع: البحث فی ماهیة حکم الأشیاء، الأعیان والحوادث قبل الشّرع، وهل الأصل فی الأشیاء الحظر أم الإباحة؟ وهذا البحث یشبه إلی حدّ ما بحث البراءة والاحتیاط العقلی، المطروح الیوم فی علم الأُصول. لکنّه فی الحقیقة مختلف کثیراً عن ما نحن بصدده. (4)

ص:124


1- (1) . الذّریعة: 519 - 554
2- (2) . العدّة:100- 126.
3- (3) . غنیة النّزوع: 475.
4- (4) . بین المحقق الأصفهانی فی نهایة الدّرایة أنّ مسالّتی الحظر والإباحة والبراءة والاحتیاط مختلفتان بعضهما البعض موضوعاً وملاکاً وأثراً، انظر: نهایة الدّرایة: 2 /294 -297.

التّبویب الرّائج فی الحقبة الثّانیة

اشتهر خلال هذه المرحلة التّبویب المقتبس بکلیّته من تبویب الأُصول السّنی. وقد أضیفت بعض المواضیع أحیاناً، وکان هناک سعی لحذف المباحث الکلامیة والمنطقیة من الأُصول.

یمکن إلقاء نظرة علی التّبویب الرّائج فی تلک المرحلة- استناداً إلی الکتب الأُصولیّة الموجودة الّتی وصلت إلینا- ونستعرض نموذجاً منها بهذا الشّکل. (1)

الخطاب وأحکامه، مسائل العلم والظنّ، الأمر، مقدّمة الواجب، النهی، النهی عن الضّد، الإجزاء، العام والخاص، المفاهیم، المجمل والمبین، الناسخ والمنسوخ، الخبر ونقل الخبر، الأفعال، الإجماع، القیاس، الإجتهاد، الحظر والإباحة، استصحاب الحال.

خصائص المرحلة الثّانیة

1. امتازت هذه المرحلة بتألیف دورات مکتملة فی أُصول الفقه- مفصلة أو مختصرة- کمختصر التّذکرة للشّیخ المفید، والذّریعة للسّید المرتضی، والعدّة للشّیخ الطّوسی.

2. محاولة فصل علم الأُصول عن المواضیع الکلامیة الّتی دخلت إلیه عن طریق المتکلمین المعتزلة وکتبهم، والسعی لاستقلال علم الأُصول نسبیاً عن الفقه والمنطق. (2)

3. صیرورة التّحلیلات والاستدلالات أکثر دقة، وإحاطة العلماء بالآراء المختلفة لعلماء العامة والخاصة، ونقلها ومناقشتها.

4. من أهمّ خصائص هذه المرحلة، الّتی میزت أصولیی الشّیعة عن نظرائهم السّنة، أنّهم کانوا فقهاء ماهرین، ساهموا فی تطویر أُصول الفقه الشّیعی بالتّزامن مع التّوسع فی الأبحاث الفقهیة. فالسّید المرتضی کتب الانتصار والناصریات فی الفقه إلی جانب الذّریعة فی الأُصول، حیث شکلت تحولاً علی مستوی الفقه الشّیعی، والشّیخ الطّوسی إلی جانب العدّة فی الأُصول ألّف کتاب المبسوط فی الفقه الّذی یعد عملاً لا نظیر له فی الفقه، فی حین

ص:125


1- (1) . هذا التّبویب هو خلاصة تبویبات الکتب الأُصولیّة الشّیعیة، نظیر مختصرالتّذکرة للشّیخ المفید، والذّریعة للسّید المرتضی، العدّة للشّیخ الطّوسی، وغنیة النزوع لابن زهرة.
2- (2) . وهناک من یری أنّ الأبحاث الأُصولیّة فی تلک الحقبة انفصلت بشکل واضح عن الأبحاث الفقهیة، وکذلک فصل أُصول الفقه عن أُصول العقاید بواسطة السّید المرتضی. راجع: علم الأُصول تأریخاً وتطوراً: 116.(المترجم)

انحرف أُصول العامّة عن هدفه الأساسی، واختلط بالأبحاث الکلامیة والمنطقیة، واعتبروا حینها أنّ التّطور المطلوب فی علم الأُصول هو انتزاعی وعلمی صرف دوّن أنّ تؤدی هذه الأبحاث إلی أی تحول علی مستوی الفقه، وأهمّ دلیل علی ذلک أنّ أغلب أصولییهم کانوا من المتکلمین لا الفقهاء!.

5. شهد أُصول فقه الشّیعی- فی أواسط هذه المرحلة وبعد الشّیخ الطّوسی- فترة طویلة من الرّکود، وندُرت إبداعات العلماء، ولم یحدثوا أی تطویر فی الأُصول. وکانوا مقلّدین للشّیخ فی الأُصول والفقه. وبمعنی آخر، لم یکونوا من أهل النقد والتّمحیص. (1)

6. اعتُبر استصحاب الحال، الّذی طرح فی أُصول الفقه الشّیعی بتبع أبحاث علماء أهل السّنة، دلیلاً عقلیاً ظنّیاً ولیس أصلاً عملیّاً، وکذلک بحث الحظر والإباحة الّذی کان ناظراً إلی حکم العقل فی الأعیان قبل ورود الشّرع.

من الواضح تماماً أنّ بحث «الأُصول العملیة»، لم یکن إلی ذلک الوقت قد خطر علی بال علماء هذه الحقبة.

إطلالة عامة علی أُصول أهل السّنة إلی هذه الحقبة

کان قد مضی زمنٌ طویلٌ علی مرحلتی الأُصول السّنی: الثّانیة والثّالثة حتی ظهرت المرحلة الأُصولیّة الثّانیة عند الشّیعة. فقد مهّد أصولیو العامة فی المرحلة الثّانیة- الّتی عبروها بسرعة واضعین مؤلّفات غیر مکتملة، نظیر کتاب الرّسالة للشّافعی- لتأسیس المرحلة التّألیة الّتی کانت مرحلة کمال واستقلال علم الأُصول السّنی.

بدأت المرحلة الثّالثة عندهم، قبل بدایة المرحلة الثّانیة للأُصول الشّیعی، ووُضعت فیها کتب أُصولیّة متقدّمة وتوسّع البحث الأُصولی وکان غنیاً بالتّحلیل والاستدلال المتشعّب. وخلال هذه المرحلة برزت عندهم فئتان من العلماء، اهتمت بأُصول الفقه والبحث فیه:

الفئة الأولی: الفقهاء حیث اقتضت طبیعة أعمالهم الاشتغال بالبحث الأُصولی.

الفئة الثّانیة: المتکلمون، وبالأخص المعتزلة منهم، الّذین أقبلوا علی أُصول الفقه بروحیة الجدل والبحث التّجریدی المحض. وعملوا علی حرف أُصول الفقه عن هدفه الأساسی

ص:126


1- (1) . من هنا یمکن اعتبار الفترة الزّمنیة بین الشّیخ وابن إدریس حقبة جدیدة، وتسمیتها بمرحلة الرّکود، وهذا ما قام به بعض علماء تأریخ الأُصول.

وعرضوه کعلم عقلی معقدّ ومتشعّب. وعملوا علی إدخال الکثیر من الأبحاث الکلامیّة والمنطقیّة والتّدقیقات اللغویة إلی الأُصول.

من هذه الزّاویة، تعتبر هذه المرحلة، مرحلة اختلاط علم الأُصول بالکلام والمنطق، وإلی حدّ ما الفلسفة الّتی بقیت فیما بعد ضمن الأبحاث الأُصولیّة.

استمرت المرحلة الثّالثة- من أُصول أهل السّنة- إلی نهایة القرن السّادس، وأفضت إلی تقدم الأُصول السّنی وإیصاله إلی أوجه. ومنذ ذلک الوقت، نزع الأُصول عندهم إلی الضّعف والتّقلید والتّجمیع الصّرف، وتوقّف عن الحیویة والنشاط. وسنتطرق مرة أُخری إلی هذه المسألة فی الأبحاث اللاحقة.

أهمّ الکتب الأُصولیّة الّتی ظهرت عندهم خلال هذه الحقبة:

1. الآراء الأُصولیّة لأبی علی محمّد بن عبدالوهاب بن سلام الجبائی (م:303ه).

2. أُصول أبوالحسن عبیدالله بن حسن الکرخی (م:340ه).

3. أُصول الفقه، لأبی بکر أحمد بن علی الرازی الجصاص (م:370ه).

4. العمد، والمغنی، تصنیف القاضی عبدالجبار بن أحمد المعتزلی (م:415ه).

5. الإحکام فی أُصول الأحکام، لأبی محمدعلی بن أحمد بن حزم الأندلسی الظاهری (م: 456ه).

6. البرهان، تصنیف عبدالملک بن أبی محمد عبدالله بن یوسف الجوینی (م: 478ه).

7. أصول السّرخسی، محمد بن أحمد بن أبی بکر، شمس الأئمة الحنفی (م: 482ه أو490ه).

8. المستصفی، للإمام محمد الغزالی (م: 505ه).

9. المحصول، للفخر الرّازی (م: 606ه). (1)

خلاصة الدّرس

1. مع رحیل الشّیخ الطّوسی توقف أُصول الفقه عن النمو، وتحوّل أکثر تلامذته إلی مقلّدین له، متبنین لآرائه.

ص:127


1- (1) . لمزید من الاطّلاع حول الأُصول السّنی خلال هذه الحقبة، انظر: مقدّمة ابن خلدون: 452 -457. أبوزهرة: أُصول الفقه: 13- 22، أبحاث حول أُصول الفقه: 110- 114. تأریخ الفقه والفقهاء: 312.315.

2. ظهر اثنین أو ثلاثة من العلماء، خلال مرحلة ما بعد الشّیخ وإلی المرحلة الثّالثة- أی حوالی قرن ونصف- منهم الحمصی وابن زهره، تکلّموا فی الأُصول وتجرؤوا إلی حدود معینة علی مخالفة آراء الشّیخ العلمیّة.

3. کتب الشّیخ سدیدالدّین کتاباً فی الأُصول اسماه المصادر، وهذا الکتاب لم یصل إلینا.

4. کتب السّید حمزة بن زهرة الحلبی کتاب غنیة النزوع إلی علمی الأُصول والفروع، احتوی علی ثلاثة أقسام؛ الاوّل منه مختص بالکلام، والثّانی فی أُصول الفقه، والثّالث متعلق بالمسائل الفقهیة.

5. یعتبر کتاب الذّریعة للسّید المرتضی والعدّة للشّیخ الطّوسی أهمّ ما کتب فی هذه المرحلة، وقد تأثرت المراحل اللاحقة بهذین الکتابین بشکل کبیر.

6. من أهمّ الأبحاث الّتی راجت فی الأُصول آنذاک: بحث الحسن والقبح، حقیقة العلم، خبر الواحد، الإجماع، القیاس، بحوث الألفاظ، الحظر والإباحة وغیرها.

7. من أهمّ خصائص هذه المرحلة: تألیف دورات مکتملة فی أُصول الفقه، محاولة فصل المسائل الکلامیة والمنطقیة عن علم الأُصول، التّدقیق والتّعمق فی التّحلیلات والاستدلالات.

8. کان أُصول الفقه السّنی فی ذلک الوقت قد قطع مرحلته الثّالثة، الّتی شهدت فئتین من العلماء کان لهم اهتمام خاص بأُصول الفقه:

الفئة الأولی: الفقهاء، وکان البحث الأُصولی من مقتضیات عملهم الفقهی.

الفئة الثّانیة: المتکلمون، وخاصة المعتزلة منهم، الّذین أقبلوا علی أُصول الفقه وترکوا أبحاثاً تفصیلیّة فیه.

9. وصل أُصول الفقه السّنی فی هذه المرحلة إلی أوج ازدهاره وتقدمه، ووضعت فیه الکثیر من الکتب العمیقة والمتشعّبة.

ینبغی الإشارة هنا إلی أنّ الأُصول الشّیعی کان فی هذه المرحلة واقعاً تحت تأثیر الأُصول السّنی.

10. إن کتباً من قبیل: أُصول الجصاص، والعمد للقاضی عبدالجبار المعتزلی، والإحکام فی أُصول الأحکام لابن حزم الظاهری؛ والبرهان لإمام الحرمین الجوینی، والمستصفی للغزالی والمحصول للفخر الرازی؛ تعدّ من الکتب الأُصولیّة السّنیة فی هذه المرحلة، بل من أبرزها وأهمّها فی تأریخ الأُصول عندهم.

ص:128

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. لماذا قلِّد الجمیع الشّیخ الطّوسی بعد وفاته لمدة قرن ونصف؟

2. برأیک، هی یمکن اعتبار العلمین سدیدالدّین الحمصی وابن زهرة الحلبی من الّذین أسّسوا لظهور المرحلة الثّالثة وبأی صورة کان ذلک؟ (حلّل هذا الأمر بالشّرح والتّفصیل).

3. اذکر أهمّ الآثار الأُصولیّة فی هذه المرحلة.

4. ما هی الأفکار والآراء الأُصولیّة الّتی سادت فی هذه المرحلة.

5. قارن بین تبویبات بعض الکتب الأُصولیّة، بمعنی آخر: قارن بین مختصر التّذکرة والذّریعة والعدّة والغنیة لجهة التّبویب الّذی تمیزت به.

6. هل هناک خصائص أُخری تمیزت بها هذه المرحلة؟

7. کیف تحلّل وتقیِّم التّحول الّذی طرأ علی أُصول الفقه السّنی؟ بالنظر إلی ما ورد فی الدّروس السّابقة.

للتّحقیق والبحث

1. قم بمقارنة تفصیلیة بین کتابی العدّة والذّریعة، وبیِّن التّمایز والتّشابه بینهما من الناحیة البنیویّة.

2. برأیک لماذا تغلغلت المسائل الکلامیة داخل أُصول الفقه الشّیعی؟ وهل یمکننا القول أنّ ورود هذه المباحث کان تحت تأثیر الأُصول السّنی وخاصة أُصول المعتزلة؟ إلی أیّ حدّ کان وجود المتکلم الأُصولی مؤثّراً فی ذلک؟

3. ابحث بالتفصیل حول العوامل والأسباب الّتی ساهمت فی تطوّر الأُصول عند أهل السّنة.

بعض المصادر

1. لإکمال البحث الأوّل، راجع کتاب مختصر التّذکرة للشّیخ المفید.

2. لإکمال البحث الثّانی، راجع: مقدّمة السّید المرتضی علی کتاب الذّریعة ومقدّمة الشّیخ الطّوسی فی العدّة، وکتاب المعالم الجدیدة للشّهید الصّدر.

3. ولإکمال البحث الثّالث، راجع کتب تأریخ الأُصول الّتی کتبها علماء أهل السّنة، ومقدّمة ابن خلدون وکتاب أُصول الفقه لأبی زهرة وأمثالهما.

ص:129

ص:130

الدّرس السّادس: المرحلة الثّالثة - مرحلة التّکامل(1)

اشارة

(من إبن إدریس الحلّی إلی أوائل القرن الحادی عشر)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

إطلالة إجمالیة علی المرحلة الثّالثة.

أسباب وعوامل ظهور هذه المرحلة.

التّعرف علی أبرز الشّخصیات فیها.

ص:131

ص:132

إطلالة إجمالیة علی الحقبة الثّالثة

شکّلت الجهود العلمیّة لابن زهرة والشّیخ سدیدالدّین الحمصی الأرضیّة الّتی قامت علیها هذه المرحلة، والتّی شیّد بنیانها محمد بن إدریس الحلّی (598ه). وأثمرت هذه الجهود نبوغ علماء کبار أمثال: المحقق الحلی، العلاّمة الحلّی، فخر المحققین، الفاضل المقداد، الشّهید الثّانی، الشّیخ حسن (صاحب المعالم) والشّیخ البهائی. وقد امتدت هذه المرحلة إلی أوائل القرن الحادی عشر الّذی شهد بدایة صعود الاتجاه الأخباری، وطالت لأکثر من (450) عاماً (1)

تحرر أُصول الفقه من عقال التّقلید مرة أُخری، وتطّور بشکل واسع جداً، وطرح علماء هذه الحقبة الأبحاث الأُصولیّة بطریقة محکمة وقویّة. وکثرت التّحلیلات والاستدلالات المعقّدة فی الأبحاث والمصنّفات، وکانت المواضیع الأُصولیّة تعالج بالنظر إلی الأبحاث الأُصولیّة السّنیة. (2) وهذه الحالة ظاهرة بوضوح فی مصنّفات العلاّمة الحلّی الأُصولیّة أکثر من غیره. ثمّ إنّ طرح الآراء الأُصولیّة العامة والخاصة عند کلّ بحث لإشارة قویة علی سعة اطّلاع العلماء وإحاطتهم بالآراء الأُصولیّة المختلفة.

کان علماء هذه المرحلة ینظرون- بجدٍّ- إلی الأُصول کمقدّمة للفقه ولیس کعلم تجریدی محض. والدلیل علی ذلک، ما قام به ابن إدریس فی السّرائر فی بدایة کلّ بحث فقهی حیث استعرض مقدماته وقواعده الأُصولیّة، أو ما قام به الشّیخ حسن- ابن الشّهید الثّانی-

ص:133


1- (1) . وخلال هذه الحقبة اشتهرت مدرستی الحلّة وجبل عامل.
2- (2) . أی ناظرة إلی الأُصول السّنی وتمارس نوعاً من الرّقابة والنقد علی أبحاثهم.

حیث کتب المعالم کمقدّمة لکتابه الفقهی المفصّل، وابن زهرة الّذی سبقهم جمیعاً حیث ضمّن کتابه غنیة النزوع الأبحاث الأُصولیّة کمقدّمة للأبحاث الفقهیة.

عوامل ظهور هذه المرحلة

اشارة

أشرنا فی الدّرس السّابق إلی أنّ تلامذة الشّیخ الطّوسی لم یستمروا فی العمل الّذی بدأه الشّیخ- لجهة التّوسع فی البحث وبسط المسائل والسیر فیها إلی مزید من التطّور والاکتمال- وغدوا مقلّدین لآرائه فی الأُصول والفقه، ویمکن تقصی أسباب هذا الرّکود من خلال العوامل التّالیة:

1. هجرة الشّیخ الطّوسی من بغداد إلی النّجف

علی أثر اشتداد الخلاف السّنی- الشّیعی وحملة المغول علی بغداد، هاجر الشّیخ الطّوسی إلی النجف الأشرف، بعد (12) عاماً من تزعمه الحوزة الشّیعیة فی بغداد. وأسّس هناک حوزة النجف، وطبقاً لما ذکره المؤرخون فقد هاجر لوحده ولم یرافقه أحد من تلامذته اللامعین فی بغداد.

اشتغل الشّیخ فراغ البال الّذی توفر له فی النجف ووضع أبحاثاً عمیقة ومتقدّمة ودوّن کتاب المبسوط الّذی یعدّ من مفاخر الفقه الشّیعی، حیث طرح نظریات معمّقة وأوصل الأُصول والفقه الشّیعی إلی مراحل متقدّمة جداً.

وفی النّجف، لم یکن لتلامذته الجدد، الّذین وردوا بحثه العلمی حدیثاً، الاستعداد الکافی لمتابعة عمل الشّیخ والاستمرار فی حرکته العلمیّة العظیمة لإیصالها إلی أهدافها. وهذا الأمر کان أحد عوامل الرّکود النّسبی الّذی طغی علی البحث الفقهی والأُصولی بعد وفاته. (1)

2. هیبة الشّیخ وعظمته العلمیّة

کانت عظمة الشّیخ العلمیّة وهیبته، مع ما له من سوابق مضیئة وإبداعات علمیة، من أهمّ الأسباب الّتی أثّرت فی تسلل الضّعف والرّکود إلی الإجتهاد، حیث ألقت بظلالها علی تلامذته الشّباب، إلی حدٍّ جعلتهم لا یحسبون أنفسهم شیئاً أمام هذه العظمة، ولیس لهم الحق والجرأة علی مخالفة آرائه الفقهیة والأُصولیّة. وبمعنی آخر، کانوا محقین فی أنّ یقعوا تحت هذا النوع من التّأثیر، ولعلّه إلی ذلک الزّمان، لم یرَ شخص کالشّیخ الطّوسی وضع بمفرده کلّ

ص:134


1- (1) . المعالم الجدیدة:83 - 86.

هذه المصنّفات فی الفروع العلمیّة المختلفة، بحیث تعدّ کلّ واحدة منها تحفة فریدة من نوعها. وساهمت شهرته عند العامّة أیضاً فی هیبته وسطوته العلمیّة.

علی أیّ حال، وصل الأمر علی ما ینقل صاحب المعالم عن أبیه، أنّ أکثر الفقهاء لحسن ظنهم وثقتهم الکبیرة بالشّیخ أضحوا مقلّدین له بالرّأی والفتوی بعد وفاته، إلی حدٍّ أنّ المتأخرین وجدوا الکثیر من الآراء الّتی اشتهرت لدی العلماء حینها، ترجع إلی الشّیخ وأتباعه المقلّدین لآرائه. (1)

کذلک کتب السّید ابن طاووس فی کتاب البهجة لثمرة المهجة نقلاً عن جدّه ورّام بن أبی فرّاس الّذی ینقل عن الشّیخ سدیدالدّین الحمصی أنّه لم یبق للشّیعة بعد الشّیخ الطّوسی مجتهدٌ واقعیٌ، والآخرون لم یکونوا سوی مقلّدین له ناقلین لآرائه (2)

3. رکود البحث الفقهی- الأُصولی عند أهل السّنة

توقف الأُصول والفقه السّنی عن نشاطه وحیویته، وخبت جذوته الّتی تمیّز بها ابتداءً من أواسط القرن السّادس، بعد أنّ وصل إلی أوجه، ولأنّ الأُصول الشّیعی کان ناظراً إلی أُصول أهلِ السّنة، لذا کان لهذا الرّکود الانعکاس القوی علی الأخیر وأسّهم فی تباطؤه وتوقفه. کما حدث علی العکس من ذلک فی المرحلة الّتی سبقت، حیث وصل الأُصول الشّیعی إلی مراحل متقدّمة جداً من التّطور والنمو، لرقابته علی أُصول أهل السّنة ومواجهته له. (3) یصف ابن إدریس هذه المرحلة من الرّکود ویقول:

إنّی لما رأیت زهد أهل هذا العصر فی علم الشّریعة المحمدیّة والأحکام الإسلامیة وتثاقلهم فی طلبها، وعداوتهم لما یجهلون، وتضییعهم لما یعلمون، ورأیت ذا السّن من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة علیه، وملکة الجهل لقیاده، مضیّعاً لما استودعته الأیام، مقصّراً فی البحث عمّا یجب علیه علمه، حتّی کأنّه ابن یومه ونتیج ساعته، ورأیت الناشئ المستقبل ذا الکفایة والجدّة مؤثراً للشّهوات، صادفاً عن سبل الخیرات، ورأیت العلم عنانه فی یدّ الامتهان، ومیدانه قد عطّل من الرّهان، تدارکت منه الذّماء الباقی، وتلافیت نفساً بلغت التّراقی،

ص:135


1- (1) . معالم الدّین وملاذ المجتهدین: 176.
2- (2) . المصدر السّابق: 177.
3- (3) . المعالم الجدیدة: 88 - 89.

وحبوت أهله مع معرفتی بفضل إذاعته إلیهم، وفرط بصیرتی بما فی إظهاره لدیهم، من الثّواب الجزیل، والذّکر الجمیل، والأحدوثة الباقیة علی مرّ الدّهور، فلم یصان العلم بمثل بذله، ولن تستبقی النعمة فیه بمثل نشره... . (1)

لمّا رأی ابن إدریس الخمود یملأ السّاحات، وخوفاً من أنّ یصاب الأُصول والفقه الشّیعی- لا سمح الله- بذلک البلاء المؤلم الّذی أصاب الفقه والأُصول عند أهل السّنة- أی انسداد باب الإجتهاد- ولکی ینهض بالأُصول والفقه، بالتّزامن مع التّحولات العلمیّة الأُخری، وللإجابة علی المسائل المستحدثة والحوادث الجدیدة، شمّر عن ساعد الهمّة وأطلق هذه الحرکة العظیمة وحرّر الإجتهاد الشّیعی من الطّریق المسدود، مستفیداً فی حرکته هذه من الإبداعات العلمیّة لسدید لدین الحمصی وابن زهرة الحلبی؛ وتأییداً لأفکاره ومنهجه فی نقد آراء الشّیخ الطّوسی، عمل علی استحضار آرائهما فی المسائل الّتی خالفاً الشّیخ فیها.

إلی هنا، اتضحت أسباب ظهور هذه المرحلة وعوامل ذلک، وفی ما یلی سنتعرف علی أبرز الشّخصیات فی هذه المرحلة وعلی أفکارهم ومصنّفاتهم الأُصولیّة.

أبرز شخصیّات المرحلة، مصنّفاتهم وخلاصة أفکارهم (القسم الأوّل)

1. ابن إدریس الحلّی (543- 598ه)

اشارة

ولد محمد بن منصور بن أحمد بن إدریس العجلی الحلّی عام (543ه) فی الحلّة، له قرابة نسب مع الشّیخ الطّوسی من جهة أُمه. عمّر (55) سنة، وتوفی عام (598ه) ودفن فی الحلّة، وقبره ما زال معروفاً إلی الآن. کتب ابن حجر العسقلانی فی حقه:

«محمد ابن إدریس العجلی الحلّی فقیه الشّیعة وعالمهم له تصانیف فی فقه الإمامیّة ولم یکن للشّیعة فی وقته مثله... .» (2)

ص:136


1- (1) . ابن إدریس الحلی: السّرائر الحاوی لتحریر الفتاوی: 1 /41 و42.
2- (2) . ابن حجر العسقلانی: لسان المیزان: 5 /693؛ السّید محمد جلالی: فهرس التراث: 1 /611. اکتفی المصنّف بذکر ستة من أشهر روّاد هذه الحقبة (ابن إدریس الحلّی والعلاّمة والمحقق الحلّیین والشّهید الثّانی والشّیخ حسن والشّیخ البهائی) ویمکن ذکر أسماء بعض العلماء الآخرین، ذکرتهم کتب التّراجم والسّیر، منهم: 1) السّید جمال الدّین أبوالفضائل المعروف بابن طاووس(673ه). 2) أبوزکریا نجیب الدّین المشهور بیحی بن سعید الحلی(690ه)،له کتاب المدخل فی أُصول الفقه. 3) محمد بن علی رکن الدّین الجرجانی(کان حیاً سنة720ه)،کتب حوالی (30) مصنّفاً فی علوم مختلفة، له فی الأُصول: غایة البادی وهو

کان ابن إدریس من الوجوه اللاّمعة ومن مفاخر علماء الشّیعة فی أواخر القرن السّادس الهجری. کان فقهیاً وأصولیّاً، محققاً ومدققاً، تمیز بأفکار عمیقة وآراء بدیعة، وقد أجمع أغلب کتّاب السّیر والتّراجم علی عظمة شأنه العلمی الّذی لا نظیر له، ولم یستدلوا علی ضعفه العلمی بندرة آرائه، وإن ضعفه البعض وطعن علیه، (1) لکن من الواضح أنّ السّبب الرئیسی

ص:137


1- (1) . راجع فی هذا الصّدد: الشّیخ منتجب الدّین: الفهرست: 173؛ رجال ابن داود: 269، برقم (426) من القسم الثّانی للکتاب؛ والمحقق الکرکی: هدایة الأبرار إلی طریق الأئمة الأطهار: 94.

لذلک، هو مخالفته للشّیخ الطّوسی ومواقفه الإفراطیّة منه. وعلی جمیع الأحوال، هذه التضعیفات غیر صحیحة، ولیس لنا أنّ نذکر هذه الشخصیة اللاّمعة إلاّ بمزید من التّقدیر والثناء، حیث سأهم مساهمة فعالة فی تنامی وتیرة الإجتهاد الشّیعی وتطوره.

أساتذته

تتلمذ ابن إدریس علی الکثیر من الأساتذة، نذکر منهم:

1. الشّیخ أبوعلی الطّوسی ابن الشّیخ الطّوسی، ونقل ابن إدریس أبحاث الشّیخ بواسطته.

2. السّید أبوالمکارم حمزة بن علی بن زهرة، صاحب کتاب غنیة النزوع (الّذی مرّ الکلام عنه). یحتمل أنّه لم یدرس عنده وأن یکون من مشایخ روایته.

3. الشّیخ هبة الله السّوراوی.

4. الشّریف أبوالحسن علی بن إبراهیم العلوی العریضی.

تلامذته

ربّی الکثیر من التّلامذة وکان مجلس درسه ملیئاً بالحضور، نذکر فیما یلی مجموعة منهم:

1. السّید محمد بن عبدالله بن زهرة الحسینی الحلبی.

2. الشّیخ نجم الدّین أبوإبراهیم محمد بن نما الحلبی.

3. أحمد بن مسعود الأسدی الحلی.

4. الشّیخ أبوالحسن علی بن یحیی بن علی الخیاط.

5. أبوعلی فخار بن معد بن فخار الموسوی الحائری.

6. حسن بن یحیی بن سعید الحلی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع مصنّفات کثیرة نکتفی بذکر باقة منها:

1. السّرائر الحاوی لتحریر الفتاوی، وهو کتاب فی الفقه وغالباً ما یقارن مع المبسوط للشّیخ الطّوسی ویضعونه فی موازاته.

2. التعلیقات، حواشی ابن إدریس وانتقاداته علی کتاب التّبیان للشّیخ.

3. منتخب کتاب تبیان الشّیخ.

ص:138

4. مسائل ابن إدریس.

5. رسالة فی معنی الناصب.

6. کتاب المناسک.

7. خلاصة الإستدلال. (1)

مصنّفاته الأُصولیّة

لم یکتب ابن إدریس- علی ما یبدو- کتاباً مستقلاً فی الأُصول، ویمکن التعرف علی آرائه الأُصولیّة فی طیات صفحات کتابه الفقهی السّرائر؛ فمن هذه الجهة، لا یعتبر السرائر کتاباً فقهیاً وحسب، فهو عند معالجته للکثیر من المسائل الفقهیة یبحث المقدمات والقواعد الأُصولیّة للمسألة، وبعد اتضاح رأیه الأُصولی فیها یأتی دور الأبحاث الفقهیة، وهکذا.

یمکن القول إن اغلب المسائل الّتی بحثها ابن إدریس، کان یتعرض فیها لرأی الشّیخ الطّوسی، یناقشه ویرد علیه، وأحیاناً کان یخرج عن الحد الطبیعی فی توجیه النقد إلیه، ویسهب فی ذلک مخصصاً العدید من الصفحات لمناقشة رأیه من وجوه مختلفة ثمّ یقوم بالرد علیه.

بحث ابن إدریس المسائل الفقهیة فی السرائر وأحیاناً الأُصولیّة بمهارة عالیة، وکان یجهد فی شرحها ومعالجتها من جهات مختلفة. ویحشد لإثبات رؤیته العدید من الأدلة کالکتاب والسنة المتواترة والإجماع والدلیل العقلی، وکان یستفید فی بعض الأحیان من البراءة والاحتیاط ضمن دائرة الدلیل العقلی. وکانت استدلالاته واسعة جداً وأحیاناً أکثر تعقیداً مما هو موجود فی کتب السابقین، بما فیها کتاب المبسوط للشّیخ الطّوسی.

آراؤه الأُصولیّة

للاطّلاع علی آرائه الأُصولیّة، ینبغی مراجعة کتاب السّرائر بدقة، واستخراجها منه، ونشیر هنا إلی نماذج منها:

1. یعتبر أنّ طرق الکشف عن الحکم الشّرعی منحصرة بالکتاب القرآن الکریم، وسنة النّبیّ المتواترة والإجماع ودلیل العقل. (2)

ص:139


1- (1) . مصادر ترجمة ابن إدریس: رجال منتجب الدّین: 173؛ رجال ابن داود: 269؛ ریاض العلماء: 5 /32 و33، روضات الجّنات: 6 /274 -290؛ ریحانة الأدب: 7 /377- 379.
2- (2) . السّرائر: 1 /46.

2. یعتبر الدلیل العقلی من الأدلة العمدة، وبواسطته یمکن معرفة الأحکام الشّرعیة والمسائل الفقهیة. وینبغی علی العلماء الاستناد إلیه، ومن أنکر حجیته فقد سلک طریقاً مجهولاً، ویکون قد نطق بما هو خارج الحدود الدّینیة. (1)

والخلاصة، فإنّ ابن إدریس من المصرّحین بإمکانیة الاستدلال بالدّلیل العقلی وعلی نطاق واسع؛ فی الوقت الّذی قلّ استخدامه فی المراحل السّابقة. بالطّبع، کان مراده فی موارد عدیدة من دلیل العقل البراءة العقلیّة.

3. الألفاظ الدّالّة علی الجنس، عندما تکون نکرة لا تفید العموم ولا الاستغراق، ونَسَبَ هذا القول أیضاً إلی جماعة من العلماء. (2)

4. من أهمّ آرائه الأُصولیّة الّتی تعکس الاختلاف الکبیر بینه وبین غیره من العلماء، فی الفتوی وفی الرّأی الفقهی القول بعدم حجیة خبر الواحد؛ ولعلّه لهذا السّبب ینفرد بآراء فقهیة نادرة، لا یقول بها غیره من الفقهاء. (3)

والقول بعدم حجیة خبر الواحد لا یختص بابن إدریس، لأنّ غیره ممّن سبقه یقول به أیضاً، کالسّید المرتضی وابن زهرة، وابن البراج وآخرین؛ فابن إدریس یأتی بمؤیّد من کلام السّید المرتضی علی عدم حجیة هذا الخبر.

وأبرز تحلیل لعدم حجیته عندهم، أنّ ناقل الخبر حتی لو کان ثقة فهو لا یوجب العلم، وغایة ما یحصّله الظنّ، ولیس لنا شرعاً حق التّعبد بالظنّون فی الأحکام الشّرعیة، لأنّه لا دلیل من الشّرع علی جواز التّعبد به. والطّریق الوحید للکشف عن الأحکام الشّرعیة هو التّوصل إلیها عن طریق تحصیل العلم وإحراز القطع به؛ وعلیه لا حجیة للّطرق الظنّیة کالقیاس وأخبار الآحاد. (4)

من الطّبیعی، أنّه لا ینبغی إنکار أنّ هؤلاء ومنهم ابن إدریس کانوا یعتمدون علی الأخبار المتواترة والأخبار الأحادیة المحفوفة بقرائن قطعیّة علی صدقها، وکانوا یعملون بها؛ واختلافهم الوحید مع ابن إدریس الّذی یمکن افتراضه هنا، هو اختلاف صغروی

ص:140


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . المصدر السّابق: 1 /74.
3- (3) . المصدر السّابق: 1 /51.
4- (4) . راجع ما قاله السّید المرتضی فی جواب المسائل الموصلیات الثّانیة. نقلاً عن ابن إدریس فی السّرائر: 46 -50.

ومصداقی مبنی علی اعتقادهم بأنّ أغلب الأحادیث المرویة عن الأئمة المعصومین علیهم السلام محفوفة بقرائن قطعیة، وبالتّالی هم عملوا بها؛ لکن ابن إدریس لا یعتبر أنّ أغلبها کذلک، وعلیه لا یعتمد علیها کثیراً فی کتاب السّرائر؛ ویقول أنّ بعضها قطعی فقط ویقبل الاعتماد علیه، (1) لا غیر.

بالنظر إلی ما ذکر، یمکن اعتبار ابن إدریس صاحب اتجاه جدید فی طریقة الإجتهاد؛ وعلیه، ینبغی تعظیمه والثناء علیه لوقوفه فی وجه انسداد هذا الباب.

2. المحقق الحلّی (602- 676ه)

اشارة

ولد أبوالقاسم نجم الدّین جعفر بن حسن بن... سعید الهذلی الحلّی المشهور بالمحقق الحلّی، عام (602ه). وتوفی سنة (676ه) بعد (74) عاماً من الجهاد والعطاء، ودفن فی النجف. اشتهر بالمحقق بین جمیع علماء الشّیعة علی الإطلاق، کان وحید عصره، انتقلت إلیه زعامة المذهب الشّیعی. تتلمذ علی ابن إدریس الحلّی بالواسطة. (2) وأخذ بأساس أفکاره فی توسیع حرکة الإجتهاد وترویجه.

فالعلاّمة الحلّی- الّذی هو تلمیذه وابن أخته- یثنی علیه عندما یصف شخصیته العلمیّة، ویعتبره أفضل علماء زمانه فی الفقه والأُصول. (3) ویعلّق صاحب المعالم فی حاشیته علی کلام العلاّمة بأنّه یرید القول: الأفضل التقیید "بأهل زمانه" وإن کان أفضل فقهاء الزمان، ولا نظیر له بین فقهاء الشّیعة. (4)

حاز المحقق الحلّی علی درجات عالیة جداً فی مختلف العلوم، فی الفقه والأُصول والکلام والشّعر والأدب، وترک فیها إبداعات قیّمة.

ص:141


1- (1) . یتضح ممّا سبق أنّ طعن ابن داود والسّید محمد الأسترآبادی علی ابن إدریس فی غیر محلّه، وقولهم أنّه لا یعمل بأحبار أهل البیت غیر صحیح؛ فابن إدریس یعتبر أنّ أخبار الآحاد الّتی لیست بحجة هی الّتی لا تکون محفوفة بقرائن قطعیة علی صدقها، وقبله کان السّید المرتضی وابن زهرة وحتی الشّیخ المفید یأخذون بهذه النظرة؛ ثمّ إنّ دفاع الشّیخ جناتی عن ابن إدریس حیث قال أنّه یأخذ بخبر الواحد الثّقة، أیضاً غیر صحیح وخلاف ما صرّح به ابن إدریس نفسه.
2- (2) . المقصود ب- «الواسطة»، التتلمذ علی من درس مباشرة علی ابن إدریس وکان من تلامذته. (المترجم)
3- (3) . نقلاً عن أعیان الشّیعة: 4 /89.
4- (4) . المصدر السّابق.
أساتذته

درس علی کثیرین، وروی عن کثیرین، ومن أبرز أساتذته ومشایخه:

1. نجیب الدّین محمد بن جعفر بن أبی البقا هبة الله بن نما الحلّی الرّبعی الّذی تتلمذ علی ابن إدریس.

2. السّید فخار بن معدّ الموسوی، من تلامذة بن إدریس أیضا.

3. والده، حسن بن یحی بن سعید الحلّی.

تلامذته

1. حسن بن یوسف بن مطهر الحلّی، المعروف بالعلاّمة الحلّی، وسیأتی الحدیث عنه.

2. حسن بن داود الحلّی، صاحب الرّجال.

3. السّید جلال الدّین محمد بن علی بن طاووس، ابن السّید ابن طاووس المشهور.

4. الشّیخ عزالدّین حسن بن أبی طالب الیوسفی، صاحب کشف الرّموز.

5. شرف الدّین أبوالقاسم علی بن الوزیر مؤیدالدّین محمد بن العلقمی.

6. صفی الدّین محمد بن نجیب الدّین یحیی بن أحمد بن یحیی بن حسن، ابن عمّ المحقق.

7. جمال الدّین أبوجعفر محمد بن علی القاشی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع المحقق الحلّی مؤلّفات کثیرة، نشیر هنا إلی مجموعة منها:

1. رسالة التیاسر فی القبلة، وهی رسالة مختصرة فی تعیین القبلة.

2. شرائع الإسلام فی الفقه، أصبح من الکتب الدّراسیة الحوزویّة فی المراحل اللاحقة، وکتبوا علیه شروحاً وتعلیقات کثیرة، کشرح الشّهید الثّانی الّذی سمّاه مسالک الأفهام فی شرح شرایع الإسلام. طبع مرات عدیدة فی إیران والنجف ولبنان ولندن.

3. کنز المنطق أو الکهنة فی المنطق.

4. مختصر المراسم فی الفقه، وهو خلاصة کتاب المراسم تصنیف سلاّر الدّیلمی.

5. فهرس المصنّفین.

6. رسالة فی الکلام.

ص:142

7. المسائل البغدادیة، کتبها جواباً علی سؤال أحد تلامذته، فی الفقه. یوجد منها نسخ خطیة مختلفة، کالموجود فی المکتبة الرّضویة، وفی خزانة السّید حسن الصّدر فی الکاظمیة.

8. المسائل العزیة، وهی جواب علی (10) مسائل کتبها لأحد تلامذته (عزالدّین بن عبدالعزیز).

9. المسائل المصریات.

10. المسلک فی أُصول الدین.

11. معارج الأُصول، طبع فی إیران عدة مرات.

12. المختصر النافع، وهو تلخیص لشرائع الإسلام.

13. المعتبر فی شرح المختصر (شرح للمختصر النافع).

14. نکت النهایة، تعلیقات علی کتاب النهایة للشّیخ الطّوسی، طبع ضمن مجموعة الجوامع الفقهیة فی مدینة قم، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی (1276ه).

15. نهج الوصول إلی معرفة علم الأُصول الّذی کتب علیه الشّیخ فتح الله بن علوان الکعبی شرحاً بعنوان نظام الفصول فی شرح نهج الوصول فی علم الأُصول مع التنویه بأن ترتیب الکتاب یشبه تنظیم کتاب المعارج، فهو فی عشرة أبواب، بدایته کبدایة معارج الأُصول. واحتمل بعضهم أنّه قد یکون نفسه کتاب المعارج. (1)

مصنّفاته الأُصولیّة

یظهر من کتب التّراجم والفهارس الّتی عددت مصنّفات المحقق، أنّه وضع کتابین مکتملین فی الأُصول:

1. معارج الأُصول

2. نهج- الوصول إلی معرفة علم الأُصول.

لمّا کان الکتاب الأخیر لم یصلنا بشکل مستقل وتام، فهناک أجزاء من متنه موجودة ضمن الشّرح الّذی وضعه علیه الشّیخ فتح الله الکعبی، وتبویبه من جهة أُخری یشبه کثیراً تبویب کتاب المعارج وبدایته کبدایة المعارج. وعلیه، یحتمل أیضاً أنّ یکون الکتاب الثّانی

ص:143


1- (1) . انظر مقدّمة کتاب معارج الأُصول: 21. (*)- مصادر ترجمة المحقق الحلی: رجال ابن داود: 83؛ طبقات أعلام الشّیعة: 3 /30؛ ریاض العلماء: 1 /103- 107؛ الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: ج13، 16، 20،18؛أعیان الشّیعة: 4 /89 -92.

نفسه کتاب المعارج؛ وعلی أیّ حال فالموجود من کتب المحقق الأُصولیّة، لیس إلاّ کتاب معارج الأُصول. وقد طبع هذا الکتاب مرة فی طهران سنة (1310ه)، ومرة أُخری فی قم، محققاً قبل من محمدحسین الرّضوی وطبعته مؤسسة آل البیت للنشر عام 1403ه. نظم کتاب المعارج فی عشرة أبواب، وکلّ باب فی عدّة فصول:

الباب الأوّل: فی المقدّمات (یطرح فیه 3 مقدمات، تتضمن المقدّمة الأُولی: المبادئ التّصوریة، والثّانیة: الخطاب وأقسامه، والثّالثة فی الحقیقة والمجاز).

الباب الثّانی: فی الأوامر والنّواهی.

الباب الثّالث: فی العموم والخصوص.

الباب الرّابع: فی المجمل والمبین.

الباب الخامس: فی الأفعال، وفیه فصلان: الاوّل فی أفعال النبی والثّانی فی الوجوه الّتی من الممکن أنّ تقع علیها أفعال النّبی.

الباب السّادس: فی الإجماع.

الباب السّابع: فی الأخبار (یبحث فیه الخبر المتواتر، والخبر الواحد والتّعارض بین الخبرین).

الباب الثّامن: فی النّاسخ والمنسوخ.

الباب التّاسع: فی الإجتهاد (وفیه فصلان، الأوّل: فی حقیقة الإجتهاد، الثّانی: فی القیاس).

الباب العاشر: فی فصول مختلفة، الأوّل: فی المفتی والمستفتی، الفصل الثّانی: فی مسائل مختلفة، کالتّصرفات غیر معلومة الحکم (الحظر والإباحة)، الاستصحاب، ونافی الحکم؛ والفصل الثّالث: فیما یلحق بأدّلة الأُصول وما لا یلحق بها.

معارج الأُصول کتاب مکتمل ومختصر فی نفس الوقت، واختصاره لم یؤثّر علی قیمته العلمیّة. طرحت فی هذا الکتاب مواضیع فی غایة الدّقة، فیها من التّحلیلات والاستدلالات ما یکفی. ولسعة اطّلاع المحقق علی أُصول الفقه الشّیعی والسّنی معا، کان ینقل آراء الفریقین المختلفة فی کلّ بحث، ثمّ یشرع بتحلیلها ونقدها. وقلیلةٌ هی الأبحاث الّتی لم یطرح خلالها آراء السّید المرتضی والشّیخ الطّوسی وأبو حسین وأبو هشام المعتزلی، وآخرین؛ لکن منهجه علی الدّوام کان الإنصاف فی الحکم والفصل بین المسائل والآراء، فأحیاناً کان یقبل البعض منها ویرفض الباقی، وأحیاناً أُخری کان یرفض الجمیع، ویتبنی رأیاً جدیداً فی المسألة. وفی الکثیر من المسائل الّتی لم یطرح فیها رأیاً جدیداً، کان یحلّلها بطریقة جدیدة متقدّمة عمّا

ص:144

هی علیه، وهذا الأمر بحدّ نفسه، لا یقل أهمیّة عن تقدیم نظریة جدیدة وإبداعیة. وللکتاب المذکور میزتین:

الأُولی: سعی المحقق لإخراج المسائل الکلامیّة والمنطقیّة من الأُصول ما استطاع إلی ذلک سبیلا، حیث لا نری فی کتاب المعارج أیّ بحث کلامی مستقل، بإستثناء البحث الّذی طرحه فی الفصل الخامس حول الأفعال.

الثّانیة: یمتاز کتاب المعارج مقارنةً بالکتب الّتی سبقته بتبویب وتنظیمٍ متقدمٍ جداً، سعی المحقق فیه إلی عرض أغلب الأبحاث الأُصولیّة بطریقة جدیدة وأن یقلّل من التّشتت والتّشوش الّذی لف مسائلها، وطرحها فی مواضعها المناسبة، وقد نجح فی هذا الهدف إلی حدّ کبیر. وتتضح هذه النقطة بشکل جلی عند مقارنة تبویب معارج الأُصول مع تبویب العدّة والذّریعة.

خلاصّة آرائه الأُصولیّة

نظریّات المحقق الحلّی وإبداعاته الأُصولیّة کثیرة، نشیر هنا إلی مجموعة منها:

1. یعتبر أنّ صیغة الأمر حقیقة فی الوجوب، وعلیه، لا یقبل نظریة أبی هشام المبنیّة علی أنّ صیغة "افعل" حقیقة فی الندب، ونظریة السّید المرتضی المبنیّة علی أنّها مشترکة بین الوجوب والندب. (1)

2. یری أنّ الأمر لایدلّ علی الفور ولا علی التّراخی، لأنّه أحیاناً یستعمل للفوریّة وأُخری للتّراخی، وعلیه فهو موضوع للحقیقة فی القدر المشترک بین الفور والتّراخی، ویخالف فی هذا الرأی الشّیخ الطّوسی والسّید المرتضی. (2)

3. النهی فی العبادات یدلّ علی فساد المنهی عنه، أمّا فی المعاملات فلا یدلّ علی ذلک. (3)

4. فی بحث ألفاظ العموم، یقبل المحقق نظریة الشّیخ الطّوسی، ویقول أنّه لا توجد ألفاظ موضوعة للعموم، بخلاف السّید المرتضی الّذی یقول أنّها مشترکة بین العموم والخصوص. (4)

ص:145


1- (1) . معارج الأُصول: 64.
2- (2) . المصدر السّابق: 65.
3- (3) . المصدر السّابق: 77.
4- (4) . المصدر السّابق: 81 و82.

5. بسط المحقق الحلّی البحثَ فی خبر الواحد تفصیلاً وتنقیحاً، وعلیه فهو یری أنّ العمل به جائز عقلاً، کما هو رأی السّید المرتضی والشّیخ. أمّا رأیه فی وقوع التّعبد به شرعاً أم لاغیر خالیةٍ عن الابهام، لأنّه، مع أنّه یقبل خبر الواحد الّذی نقل عن أصحاب الإمامیة وجُمع فی الکتب الرّوائیة مع توفر شروط خاصة کالعدالة والإیمان وغیرها والعمل طبقه جائز؛ أمّا فی نفس الوقت ینتقد الأدلّة العقلیة والنقلیة للقائلین بوقوع التّعبد الشّرعی به ویعتبرها مخدوشة. (1) ویدّعی أیضاً أنّ الشّیخ الطّوسی یقول بجواز العمل بخبر الواحد العادل فقط الّذی رواه أصحاب الإمامیة وجمع فی المجامع الرّوائیة، وهذا یعنی أنّ الشّیخ لا یقول بجواز العمل مطلقاً بخبر الواحد. (2)

6. یعتبر أنّ المجتهد لا یصیب دائماً فی الکشف عن الحکم الشّرعی، بل کما هو معتقد الإمامیة، المجتهد یخطئ أحیاناً فی اجتهاده ولا یصل إلی الحکم، وهو معذور فی ذلک. (3)

7. أدخل المحقق إلی أُصول الفقه ولأوّل مرة اصطلاحاً جدیداً لمفهوم الإجتهاد؛ وسنشیر لاحقاً إلی هذه المسألة عند الحدیث عن العلاّمة الحلّی وآرائه الأُصولیّة.

3. العلاّمة الحلّی (648- 726ه)

اشارة

ولد أبومنصور جمال الدّین حسن بن یوسف بن علی بن مطهر الحلّی عام (648ه) فی بلدة الحلّة، وتوفی عام (726ه) بعد 78 عاماً من العطاء؛ وشیعت جنازته فی النجف الأشرف ودفن هناک. اشتهر بالعلاّمة الحلّی، ینتسب إلی عائلة مشهورة جلیلة القدر، قدمت الکثیر من العلماء من أبرزهم خاله المحقق الحلّی، (مرّ الحدیث عنه)؛ فأبوه الشّیخ سدیدالدّین یوسف بن مطهر وابنه فخر المحققین. تذکره أغلب الترجمات بکثیر من التبجیل والتّعظیم، ومطالعة آثاره العلمیّة تثبّت هذا الأمر.

کان العلاّمة الحلّی من المحققین والمدققین المبدعین، وقدم الکثیر من الأفکار الجدیدة فی المسائل الفقهیة، والأُصولیّة والکلامیة. وإبداعاته الأُصولیّة علی قدر من الأهمیة یستحق بنتیجتها أنّ یکون علی رأس هذه المرحلة، ومن الّذین مهدوا للتّحولات الأُصولیّة اللاحقة.

ص:146


1- (1) . معارج الأُصول:140- 147.
2- (2) . معارج الأُصول: 147.
3- (3) . المصدر السّابق: 181.

وإنّ نقل غیره من الفقهاء الکثیر من آرائه، لإشارة قویة علی ألمعیته ونفوذه الفقهی. وإنجازاته الکلامیة شهادة علی اضطلاعه بعلم الکلام وتسلّطه علیه. ولا شکّ أنّ العلاّمة الحلّی حاز علی مکانة مرموقة فی مختلف العلوم کالکلام والحکمة والفقه الشّیعی، والفقه المقارن وأُصول الفقه، والحدیث والرّجال وترک فیها مصنّفات قیّمة.

یعتبره ابن حجر العسقلانی من النابغین الأذکیاء، وعالم شیعی ومن أکابر المصنّفین، (1) ویقول عنه ابن داود الحلّی أنّه شیخ الطّائفة، وعلاّمة العصر، وصاحب التّحقیق والتّدقیق وکثیر التّألیف، ویقول أنّ رئاسة الشّیعة انتقلت إلیه فی المعقول والمنقول. (2)

أساتذته

درس علی أساتذة کبار، أبرزهم:

جدّه، الشّیخ سدیدالدّین یوسف بن مطهر الحلی الّذی عدّه ابن داود فقیهاً ومحققاً.

المحقق الحلی، خاله، وقد مرّ الکلام حوله.

الخواجة نصیرالدّین الطّوسی، الفیلسوف والمتکلم المعروف، درس علیه الکلام والفلسفة، وشرح کتابه تجرید الاعتقاد.

الشّیخ کمال الدّین میثم البحرانی.

الشّیخ نجم الدّین علی بن عمر الکاتب القزوینی الشّافعی، المعروف ب- دبیران.

تلامذته

ابنه، فخر المحققین الحلی، صاحب کتاب إیضاح الفوائد فی شرح القواعد وغایة السؤول فی شرح تهذیب الأُصول.

السّید عمیدالدّین، ابن أخته، صاحب کنزالفوائد فی حل مشکلات القواعد.

السّید ضیاءالدّین، ابن أخته أیضاً، صاحب شرح تهذیب الأُصول.

محمّد بن علی الجرجانی.

الشّیخ قطب الدّین محمّد بن الرّازی.

ص:147


1- (1) . لسان المیزان: 2 /587.
2- (2) . ابن داود: المصدر السّابق: 78.

الشّیخ تقی الدّین إبراهیم بن محمد المصری، الّذی کتب العلاّمة الحلّی بناء لطلبه کتاب مبادئ الوصول إلی علم الأُصول.

مصنّفاته العلمیّة

وضع العلاّمة الحلّی مصنّفات کثیرة، وفی مختلف الفروع العلمیّة، وتعدادها یطول هنا. (1) أهمّها وأبرزها:

الجوهر النضید وهو شرح منطق تجرید الاعتقاد للخواجة نصیرالدّین الطّوسی.

کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد، وهو کتاب کلامی، فی شرح تجرید الاعتقاد للخواجة نصیرالدّین.

کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام .

نهایة المرام فی علم الکلام.

نهج الحق وکشف الصدق.

الأدعیة الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة علیهم السلام .

خلاصة الأقوال فی علم الرّجال.

قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام.

مختلف الشّیعة فی الفقه.

تذکرة الفقهاء.

مبادئ الوصول إلی علم الأُصول.

مصنّفاته الأُصولیّة

للعلامة الحلّی مصنّفات أُصولیّة عدیدة منها ما هو مختصر ومنها ما هو مبسوط ومفصّل؛ ویمکن القول أنّه لم یُر شخص بین الأُصولیین الشّیعة فی ذلک العصر وإلی قرون تلت، کالعلاّمة الحلّی لدیه هذا الکم من المؤلّفات.

ساهمت أعماله الدّقیقة وإبداعاته الواسعة فی تطوّر أُصول الفقه الشّیعی. وفی الواقع، تعتبر إنجازاته فی أُصول الفقه قمة التکامل والتّطور فی أُصول المرحلة الثّالثة. وقد أدی

ص:148


1- (1) . انظر: خلاصة الأقوال: 109- 113؛ الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: مجلدات متعددة.

اطّلاعه الواسع علی الفقه والأُصول السّنی إلی الإکثار من طرح آرائهم فی کتبه حیث کان یحلّلها ویناقشها. ویمکن القول أنّ مرحلة العلاّمة الحلّی کانت من بین المراحل الّتی اشتدّ فیها النظر إلی أُصول أهل السّنة، حتّی أنّ العلاّمة نفسه کان متأثراً فی بعض آرائه ونظریاته الأُصولیّة بالأُصول عندهم فی بعض الموارد. (1) ومصنّفاته الأُصولیّة علی الشّکل التّألی:

غایة الوصول وإیضاح السّبل فی شرح مختصر منتهی السّؤول والأمل فی علمی الأُصول والجدل لابن حاجب. ذکر العلاّمة اسم هذا الکتاب فی خلاصة الرّجال، وکذلک ابن حجر العسقلانی فی لسان المیزان. (2) الّذی اعتبره ممتازاً جدّاً فی حلّ مشاکل کتاب المختصر وتقریر معانیه ومحتویاته. توجد منه (9) نسخ خطیة، کما یظهر، ولم تتم طباعته طباعة حدیثة إلی الآن.

النکت البدیعة فی تحریر الذّریعة للسّید المرتضی، أشار إلیه العلاّمة فی الخلاصة، (3) وهذا الکتاب غیر مطبوع أیضاً.

منتهی الوصول إلی علمی الکلام والأُصول، ذکره العلاّمة نفسه فی الخلاصة. (4)

نهج الوصول إلی علم الأُصول، ذکره العلاّمة فی الخلاصة، وقال أنّه فی عشرة أبواب. (5) توجد منه نسخة خطیة واحدة، وهو غیر محقق وغیر مطبوع أیضاً.

شرح غایة الوصول فی الأُصول؛ ومتن الکتاب للإمام محمد الغزالی، والشّرح للعلامة الحلّی. وهو أیضاً غیر مطبوع. (6)

نهایة الوصول إلی علم الأُصول، ذکره العلاّمة فی الخلاصة واعتبره کتاباً جامعاً لا نظیر له فی أُصول الفقه. وما قاله المتقدّمون والمتأخرون فی أُصول الفقه یرجع إلیه. (7) کتبه العلاّمة بطلب من ابنه فخر المحققین، وجاء فی (4) مجلدات، انتهی منه فی رمضان من العام (704ه.) توجد منه (9) نسخ خطیّة، وحالیّاً تعمل مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التّراث علی تحقیقه وطبعه.

ص:149


1- (1) . کمثال علی ذلک: راجع تعریف الإجتهاد للعلاّمة المأخوذ من تعریف العامّة ورؤیتهم فیه. وسنشیر إلی هذا الأمر عندما نصل إلی الحدیث عن آراء العلاّمة الأُصولیة
2- (2) . ابن حجر العسقلانی، المصدر نفسه؛ خلاصة الأقوال، المصدر السّابق.
3- (3) . خلاصة الأقوال: 109- 113.
4- (4) . المصدر السّابق.
5- (5) . المصدر السّابق
6- (6) .کشف الظنّون: 2 /1194.
7- (7) . خلاصة الأقوال: المصدر السّابق.

مبادئ الوصول إلی علم الأُصول، ذکره العلاّمة أیضاً فی الخلاصة. (1) کتبه بناء لطلب تلمیذه تقی الدّین إبراهیم بن محمد البصری. طبع مرة فی طهران عام (1310ه) طباعة حجریة مرفقاً مع کتاب المعارج للمحقق الحلّی. وطبع مرة أُخری بعد أنّ حققه الشّیخ محمّدعلی البقال فی النّجف عام (1390ه) وضعت علیه شروح عدیدة، أهمّها غایة البادی فی شرح المبادی تصنیف رکن الدّین الجرجانی تلمیذ العلاّمة. یحتوی مبادیء الأُصول علی (12) فصلاً. وقد وزّعت أبحاثه علی الفصول بالتّناسب حیث اشتمل کلّ فصل علی مباحث متعددة. وقد جاء تبویب الکتاب علی الشّکل التّالی:

الفصل الأوّل: فی الألفاظ (أحکام کلیّة، تقسیم الألفاظ، المشترک، الحقیقة والمجاز، الحروف وغیرها).

الفصل الثّانی: فی الأحکام (الفعل، الحکم، الإجزاء، الحسن والقبح، شکر المنعم، الإباحة الأصلیة).

الفصل الثّالث: فی الأوامر والنّواهی.

الفصل الرّابع: فی العموم والخصوص.

الفصل الخامس: فی المجمل والمبین.

الفصل السّادس: فی الأفعال.

الفصل السّابع: فی النّسخ والنّاسخ والمنسوخ.

الفصل الثّامن: فی الإجماع.

الفصل التّاسع: فی الأخبار (تعریف الخبر، الخبر المتواتر، الخبر الواحد، الجرح والتّعدیل).

الفصل العاشر: فی القیاس.

الفصل الحادی عشر: فی التّرجیح عند تعارض الدّلیلین.

الفصل الثّانی عشر: فی الإجتهاد (تعریف الإجتهاد وشروطه، الاستصحاب و...).

تهذیب الوصول إلی علم الأُصول، وللاختصار یسمی أحیاناً تهذیب الوصول، وهو کتاب آخر ذکره العلاّمة فی الخلاصة أیضاً. (2) وحسب ما یذکر فی مقدّمة الکتاب نفسه، فإنّه

ص:150


1- (1) . خلاصة الأقوال: المصدر السّابق.
2- (2) . الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 4 /511.

کتبه بناء لطلب ابنه فخر المحققین. ولأنّه کان آخر کتاب أُصولی للعلاّمة، بمعنی أنّه شکّل لب لباب نهایة الوصول، فهو یتمتع بأهمیّة خاصة، ویمکن القول أنّ آخر أفکاره وإبداعاته الأُصولیّة توجد فی هذا الکتاب، ولهذا السّبب فإنّ أغلب الباحثین والعلماء الّذین جاؤوا بعده أخذوا آراءه الأُصولیّة من هذا الکتاب، إلاّ فی موارد قلیلة رجعوا فیها إلی کتابیه نهایة الأُصول ومبادئ الوصول، ولم یرجعوا إلی کتاب آخر؛ ولأهمیّة هذا الکتاب فقد جُعل کتاباً دراسیّاً فی الحوزات العلمیّة، وکتبوا علیه الکثیر من الشّروح والتّعلیقات، ذکر العلاّمة آغا بزرک الطهرانی عدداً منها فی الذّریعة یقرب من (29) شرحاً وتعلیقة، (1) أهمّها:

غایة السّؤول فی شرح تهذیب الأُصول، لفخر المحققین.

شرح تهذیب الأُصول، تدوین السّید جمال الدّین بن عبدالله بن محمد بن حسن الجرجانی، وکتبه سنة (929ه). طبع فی طهران طباعة حجریة عام (1308ه)، ثمّ حقّقه السّیدمحمدحسین الرّضوی الکشمیری وتمّ نشره من قبل مؤسسة الإمام علی علیه السلام فی لندن سنة (1421ه). وتبویب تهذیب الوصول وتنظیمه العام یشبه تبویب مبادئ الوصول، عبارة عن (12) مقصد، فی کلّ مقصد عدّة فصول؛ إلاّ فی موارد محدودة، حیث نری بین طیاته تبدیل فی مواقع بعض الأبحاث، وفی موارد أُخری نری زیادة علی المواضیع الموجودة فی المبادئ. ومواضع الاختلاف بینهما هی علی الشّکل التّألی:

الفصل الاوّل والثّانی فی کتاب التّهذیب مختلف عمّا هو علیه فی المبادئ، ففی التّهذیب جاء بحث الأحکام أوّلاً وهو بحثٌ فی المقدمات، ثمّ جاء بعده بحث الألفاظ.

فی کتاب التهذیب، أضیف بحث الخطاب إلی الفصل الثّانی (الّذی هو بحث الألفاظ) وهذا الموضوع غیر موجود فی کتاب المبادئ.

توجد فی آخر التهذیب عدة مواضیع من قبیل: نفی حجیة الاستحسان، نفی حجیة مذهب الصّحابی، البحث فی کیفیة الاستدلال، البحث فی التّعارض، هذه المواضع وغیرها موجودة فی مبادئ الوصول، أمّا فی ما تبقی من مسائل فالکتابان متشابهان فی طرح المواضیع وفی ترتیبها. (2)

ص:151


1- (1) . المصدر السّابق: 4 /512 - 514.
2- (2) . مصادر ترجمة العلاّمة الحلّی: لسان المیزان: 2 /587؛ رجال ابن داود: 78؛ ریاض العلماء: 1 /359- 388؛ خلاصة الأقوال: 109- 113؛ روضات الجنات: 2 /369 - 386؛ الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 4 /511.
آراؤه الأُصولیّة

یعدّ التّنقیب عن أفکار العلاّمة الحلّی الأُصولیّة عملاً صعباً؛ لوجود کتب أُصولیّة متعددة له، إضافة إلی أنّ أغلبها لم یتمّ طباعته، ولحسن الحظ یوجد کتاب تهذیب الوصول وهو من الکتب الأخیرة الّتی دونها فی الأُصول، ویشکل خلاصة وعصارة أهمّ کتبه؛ أی نهایة الوصول. کما أنّ کتاب مبادئ الوصول وجد طریقه إلی الطّباعة. وعلیه یمکن استخراج آرائه الأُصولیّة من هذین الکتابین.

قبل الحدیث عن آرائه الأُصولیّة، ینبغی الالتفات إلی نقطة مهمّة وهی أنّ العلاّمة کان فی أبحاثه کثیر النظر إلی أبحاث أهل السّنة. ومن هنا تأثر بأصولهم، وأدخل إلی الأُصول الشّیعی- مستلهماً من بعض الأبحاث الأُصولیّة السّنیّة- مسائل أُصولیّة جدیدة، وسنشیر إلی هذه المسألة بتفصیل أکثر فی سیاق الکلام. وفیما یلی باقة من أرائه الأُصولیّة:

1. یعتبر العلاّمة أنّ الأصل فی الأشیاء الإباحة (قبل مجیء الشّرع) لأنّه یوجد فی هذا الحکم منفعة عاریة عن المفسدة، ثمّ الحکم بالإباحة حسن. (1) ویتفق فی هذا الرأی مع نظریة السّید المرتضی. (2)وأبو الحسن البصری، ویخالف فیه الشّیخ المفید والشّیخ الطّوسی القائلین بالتوقف (لا الحظر ولا الإباحة). (3)

2. یقول بالحقیقة الشّرعیة؛ لأنّ الألفاظ المنقولة فی الشّرع لها خواص الحقیقة. لکنّها فی الوقت نفسه مجازات لغویة ومع هذا القول لا یلزم إخراج قسم من ألفاظ القرآن من العربیة. (4)

3. یری أنّ الأمر لا دلالة له علی المرة ولا علی التّکرار، بل علی الحقیقة بالقدر المشترک؛ یعنی طلب الماهیة. کذلک النهی، لا یفید الفوریّة ولا التّراخی وإنّما یفید الحقیقة بالقدر المشترک بین الاثنین. (5)

4. یری أنّ النهی لا یقتضی فساد المنهی عنه فی المعاملات مثل رأی ابن زهرة والمحقق الحلی. (6)

ص:152


1- (1) . تهذیب الوصول: 55؛ مبادئ الوصول: 87.
2- (2) . الذّریعة: 809.
3- (3) . العدّة: 742.
4- (4) . تهذیب الوصول: 76؛ مبادئ الوصول: 71.
5- (5) . المصدر السّابق: 98- 100؛السّابق: 94- 98.
6- (6) . المصدر السّابق: 121؛ السّابق: 117.

5. یقول بأنّ ألفاظ العموم، وضعت للوصول إلی المعنی العام، بخلاف السّید المرتضی القائل بأنّها مشترکة بین العام والخاص. (1)

6. یقبل العلاّمة نظریة جواز التّعبد بخبر الواحد عقلاً وشرعاً؛ یقول فی مبادئ الوصول:خبر الواحد یفید الظنّ، ولو تعدد المخبرون فهو حجة فی الشرع. ویتمسک لإثبات هذا الأمر بآیة النفر وآیة النبأ، وإجماع الأصحاب. ویعتبر أنّ من شروط قبول خبر الواحد الظنّی کون الراوی بالغاً عاقلاً مسلماً عادلاً وضابطاً. (2) ونظریة العلاّمة هذه، مخالفة لرأی الشّیخ المفید والسّید المرتضی وابن البراج وابن زهرة وابن إدریس.

7. استخدم المحقق والعلاّمة لاوّل مرة فی أُصول الفقه الشّیعی اصطلاحاً جدیداً لمفهوم الإجتهاد، وهو نفسه المعنی الّذی راج لاحقاً، وهذا الاصطلاح مأخوذ فی الواقع من الأُصول السّنی. ومفهوم الإجتهاد، المستخدم کثیراً فی الکتب الأُصولیّة السّنیّة، له معنیان:

الحکم، أو الکشف عن الحکم الشّرعی علی أساس الرأی والسّلیقة والمصلحة الشّخصیة، وهو المشهور بالإجتهاد بالرأی. فعندما لا یعثر الفقیه علی أی نص من القرآن والسّنة للکشف عن الحکم یمکنه الإجتهاد برأیه وسلیقته الشّخصیة، ویکشف عنه بنحو ظنی؛ واوّل استخدام للإجتهاد بهذا المعنی کان فی فقه أهل السّنة.

الإجتهاد بمعنی بذل الجهد العلمی لاستخراج الحکم الشّرعی من الأدلّة الشّرعیة المعتبرة.

والاختلاف واضح بین الاصطلاحین، فعلی الأول، الإجتهاد نفسه دلیلٌ ومصدرٌ یستفاد منه للکشف عن الحکم عند فقدان النص. أما المعنی الثّانی: فمفاده أنّ الإجتهاد لیس إلاّ أداة وطریقة للکشف عن الحکم الشّرعی من مصادره المعتبرة، ولا یُعدُّ من مصادر الکشف. وما نقل من کلمات الأئمة علیهم السلام حول ذم الإجتهاد ورفضه، ناظرٌ إلی المعنی الاوّل منه، أی الإجتهاد بالرأی. وبناءً علیه، کتب أصحاب الأئمة علیهم السلام والأصولیون المتقدّمون رسائل متعددة فی نقد وإبطال الإجتهاد بالرأی، حتی أنّ الشّیخ المفید دوّن رسالة فی إبطال القیاس منتقداً أستاذه إبن الجنید. وقد أشرنا فی الدّروس السّابقة إلی بعض ما جاء فی هذه الرسائل. ومنذ ذلک الحین، أنکر أصولیون الشّیعة المعنی المذموم من الإجتهاد ولم یقبلوا به، فی وقت کان مقبولاً

ص:153


1- (1) . المصدر السّابق: 127- 129.
2- (2) . المصدر السّابق: 228-230.

فی الأبحاث الأُصولیّة السّنیة؛ ومن الطبیعی أنّ یمضی أُصولیو الشّیعة الإجتهاد بالمعنی الثّانی من الناحیة العملیة ویستخدموه کعملیة استنباط للکشف عن الحکم الشّرعی؛ لکنهم لم یصرحوا به إلی أنّ جاء المحقق الحلّی واستخدم هذا المفهوم لاوّل مرة، حیث قال فی تعریفه:

«الإجتهاد فی عرف الفقهاء واصطلاحهم بذل الجُهد فی کشف الأحکام الشّرعیة من أدلتها ومصادرها الشّرعیة. (1) ثمّ أضاف: وبهذا الاعتبار یکون استخراج الأحکام من أدلّة الشّرع اجتهاداً، لأنّها تبتنی علی اعتبارات نظریّة لیست مستفادة من ظواهر النّصوص فی الأکثر، وسواء کان ذلک الدلیل قیاساً أو غیره، فیکون القیاس علی هذا التّقریر أحد أقسام الإجتهاد. (2)

بمعنی أنّ القیاس والإجتهاد بالرأی بناء لهذا العرض لیس إلاّ واحداً من المصادر، لا الإجتهاد نفسه، وعلیه، فنحن الإمامیّة أهل الإجتهاد، لکن مع حذف القیاس والإجتهاد بالرأی وهذه المسألة لا تسبب أی مشکلة. (3)

جاء العلاّمة بعد المحقق الحلی، واستخدم هذا الاصطلاح فی کتبه الأُصولیّة أیضاً؛ حیث یقول فی تعریف الإجتهاد: الإجتهاد استفراغ الوسع وجهد الفقیه لتحصیل الظنّ بالحکم الشّرعی (من الأدلة المعتبرة)؛ (4) وصرح أیضاً أنّ الإمامیة یقبلون أصل الإجتهاد مستثنی منه القیاس والاستحسان ونظائرهما. فالعلاّمة ذکر عبارة تحصیل الظنّ بالحکم الشّرعی فی تعریف الإجتهاد والمحقق لم یصرّح بها؛ وأغلب علماء أهل السّنة یقولون بهذا التّعریف.

راج هذا الاصطلاح بعد العلاّمة، أما الاصطلاح الاوّل الّذی هو الإجتهاد بالرأی فأصبح هو والقیاس شیئاً واحداً؛ ولم یعد یطلق علیه فیما بعد مصطلح الإجتهاد؛ ثمّ إنّ علماء الأُصول اعتبروا أنّ معنی الإجتهاد لیس سوی طریقة وأسلوب لاستنباط الحکم الشّرعی من أدلّته المعتبرة.

بعد عصر العلاّمة، أخذ بعض العلماء بتعریفه کما هو، وذکروا فی التّعریف نفس عبارته تحصیل الظنّ بالحکم الشّرعی. (5) وبعضهم الآخر لم یقبلوا بهذا الجزء من التّعریف واستعاضوا

ص:154


1- (1) . معارج الأُُصول: 180.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . المصدر السّابق. (یقول المحقق فی المعارج: فإن قیل: یلزم علی هذا أن یکون الإمامیة من أهل الإجتهاد. قلنا: الأمر کذلک، لکن فیه إیهام من حیث أن القیاس من جملة الإجتهاد، فإذا استثنی القیاس کنا من أهل الإجتهاد فی تحصیل الأحکام بالطّرق النّظریة الّتی لیس أحدها القیاس).(المترجم)
4- (4) . تهذیب الوصول: 283.
5- (5) . نظیر صاحب المعالم وأغلب علماء تلک المرحلة.

عنه ب- الکشف عن الحکم الشّرعی من المصادر والأدلّة الشّرعیة المعتبرة. (1)

ثمّ أطلّ الأخباریون برؤوسهم فی القرن الحادی عشر، وعارضوا الإجتهاد وطرق الأُصولیین فی الکشف عن الحکم الشّرعی. فتارة، استندوا فی إبطال طرق الإجتهاد إلی أدلّة منقولة عن الأئمة المعصومین علیهم السلام تنفی الإجتهاد، والتّی سبق وذکرنا أنّها کانت ردّاً علی الإجتهاد بالرأی والقیاس؛ وتارة أُخری، ذکروا أنّ الإجتهاد طریق ظنّی للکشف عن الحکم، وشاهدهم علی ذلک التّعریف الّذی قدمه علماء أهل السّنة حول الإجتهاد وتبعهم علیه العلاّمة وأتباعه. وکانوا یقولون أنّ لا حجیة للکشف الظنّی للحکم؛ وهو غیر موجب للعمل والامتثال، وینبغی تحصیل الأحکام عن طریق العلم، لیکون العمل به حجة، وإلاّ فالعمل بالأحکام الظنّیة حرام. (2)

ثمّ بعد ذلک أخرج علماء الأُصول فی دفاعهم عن أسلوب الإجتهاد، عبارة تحصیل الظنّ بالحکم الشّرعی من التّعریف، ووضعوا مکانها تحصیل الحجة علی الحکم الشّرعی.

مع هذا التغییر الّذی طرأ علی مفهوم الإجتهاد، لم یعدّ فی نظر الشّیعة کما هو علیه عند أهل السّنة علی کلا المعنیین السّابقین، وبذلک ینتفی إشکال الأخباریین.

خلاصة الدّرس

تمّ التّأسیس للمرحلة الثّالثة من الأُصول الشّیعی علی ید علماء مثل الشّیخ سدیدالدّین الحمصی وابن زهرة، وتحققت بالجهود الواسعة لابن إدریس الحلّی.

استمرت هذه المرحلة إلی أوائل القرن الحادی عشر وکان من روّادها المدافعین عنها علماء أعلام أمثال: المحقق الحلّی، والعلاّمة الحلّی، الشّهید الثّانی،صاحب المعالم، الشّیخ البهائی، وآخرین.

خرج الأُصول فی هذه الحقبة من حالة التّقلید والرکود الّتی أصیب بها، وبدأ مرحلة جدیدة من الازدهار. لکنّه لجهة التّألیف والتّحقیق کان لا یزال ناظراً إلی الأبحاث الأُصولیّة عند أهل السّنة.

من أسباب رکود الأُصول فی المرحلة السّابقة: هجرة الشّیخ الطّوسی من بغداد إلی

ص:155


1- (1) . نظیر الفاضل التّونی وآخرون.
2- (2) . محمد أمین الأسترآبادی: الفوائد المدنیة: 90- 127.

النجف، هیبة الشّیخ وسطوته العلمیّة، رکود البحث الفقهی- الأُصولی عند أهل السّنة أواخر هذه المرحلة.

جاء ابن إدریس الحلّی أواخر القرن السّادس وشاهد وضعاً عجیباً من الرّکود خیم علی الأروقة العلمیّة، وخوفاً من الوقوع فی معضلة انسداد باب الإجتهاد، قام بحرکة عظیمة، وأنقذ الإجتهاد الشّیعی من الطّریق المسدود الّذی وصل إلیه.

کان المحقق الحلّی من مجتهدی العصر النابغین؛ ألّف کتابین قیّمین هما: معارج الأُصول ونهج الوصول إلی معرفة علم الأُصول.

کان العلاّمة الحلّی من أبرز وأمهر شخصیات هذه المرحلة: ربّی الکثیر من التّلامذة، له مصنّفات قیّمة وأساسیّة فی مختلف العلوم. ترک فی الأُصول مجموعة کتب أهمّها: نهایة الوصول إلی علم الأُصول فی أربعة مجلدات و تهذیب الوصول إلی علم الأُصول.

اوّل من استخدم الإجتهاد فی الأُصول الشّیعی بمعنی بذل الجهد العلمی لإستخراج الأحکام الشّرعیة الظنّیة من الأدلّة المعتبرة کان العلاّمة الحلّی والمحقق الحلّی، وقد أخذا هذا الاصطلاح من أُصول أهل السّنة، وفیما بعد أدخلت علیه تعدیلات لینسجم مع مذاق الإمامیّة ونهجهم فی الکشف عن أحکام الشّرع.

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

من هم مؤسس و المرحلة الثّالثة؟ وکیف ساهموا فی إیجاد ظروف تحقیقها؟

تناوّل بالشّرح انجازات ابن إدریس الحلی، کمؤسّس لهذه المرحلة. برأیک لماذا لم یؤلّف کتاباً فی الأُصول مع ما لدیه من آراء ونظریات أُصولیّة دقیقة وفریدة (ناقش هذا الأمر مع زملائک فی الصّف).

ما هی أسباب رکود الأُصول الشّیعی؟ وهل خطر ببالک عوامل أُخری؟

تحدّث عن دور المحقق والعلاّمة الحلّی فی تطوّر علم الأُصول، علی مستوی التّأسیس- البنّاء، والمضمون.

ص:156

للبحث والتّوسع

بیّن کیف استفاد ابن إدریس الحلّی من العوامل والظّروف المؤاتیة فی التّمهید لظهور المرحلة الثّالثة والتّأسیس لها.

ما مدی تأثر العلاّمة الحلّی بأصول أهل السّنة.

مصادر للبحث

فی البحث الأول:

1. راجع تراجم حیاة ابن إدریس، ومقدّمة کتاب السّرائر، والمعالم الجدیدة للسّید الشّهید الصّدر، وأدوار الإجتهاد للشّیخ جناتی.

فی البحث الثّانی:

2. قارن بین کتابی العلاّمة مبادئ الوصول وتهذیب الوصول مع بعض کتب أهل السّنة فی تلک الحقبة، کالمستصفی للغزالی، والمحصول للفخر الرازی، وأصول الفقه للشّاطبی.

ص:157

ص:158

الدّرس السّابع: المرحلة الثّالثة - مرحلة التّکامل (2)

اشارة

(من ابن إدریس الحلّی إلی أوائل القرن الحادی عشر)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

شخصیّات المرحلة (القسم الثّانی).

أهمّ المصنّفات الّتی ظهرت خلال هذه الحقبة.

إطلالة علی الأفکار والآراء الأُصولیّة الرائجة.

إطلالة علی التّبویب الشّائع فی ذلک الوقت.

أُصول أهل السّنة فی هذه المرحلة.

ص:159

ص:160

الشّخصیات البارزة فی المرحلة الثّالثة (القسم الثّانی)

4. الشهید الثّانی (911 - 956ه)

اشارة

ولد زین الدّین بن نورالدّین علی بن أحمد بن جمال الدّین بن تقی الدّین صالح بن مشرف العاملی، المعروف بالشّهید الثّانی عام (911ه) فی قریة جباع من قری جبل عامل فی جنوب لبنان. کان والده من کبار علماء تلک البلاد. درس المقدمات والأدب وکتابی المختصر النافع واللمعة الدمشقیة فی الفقه علی والده. طاف بعد ذلک طلباً للعلم حتی نال درجة الإجتهاد وبلغ مقاماً علمیّاً شامخاً؛ قضی حیاته مشتغلاً بالتّدریس والتّألیف.

کان ضلیعاً ومتخصصاً فی علوم کثیرة کالنّحو والصّرف، والبیان، والمنطق، اللغة، والأدب، وأُصول الفقه، والفقه، والتّفسیر، وعلوم الحدیث، وأُصول العقائد، والحکمة، والهیئة، والهندسة، والحساب، وخلَّف فیها کتباً وتصنیفات کثیرة. اشتهر فی الفقه والأُصول أکثر من بقیة العلوم، کان معروفاً بین العلماء کفقیه وأصولی، ومن الطّبیعی لم یکن اشتهاره بلا سبب، مع الحجم الکبیر من الأعمال والإنجازات الفقهیة الّتی ترکها. ذکره المترجمون بالکثیر من المدح والتّعظیم؛ حیث یقول تلمیذه ابن العودی فی وصفه:

بدیع زمانه ونادرة أوانه، وفرید عصره وعزة دهره، الشّیخ الإمام الفاضل والحبر العالم العامل، والنحریر المحقق الکامل، خلاصة الفضلاء المحقّقین، وزبدة العلماء المدققین... برز له من المصنّفات والأبحاث والکتابات والتّحقیقات والتّعلیقات ما هو ناش عن فکر صاف و غارف من بحار علم واف. (1)

ص:161


1- (1) . إبن عودی: الدّر المنثور: 2 /154 و155.

ویقول العلاّمة التّفریشی صاحب الرجال فی مدحه:

«وجه من وجوه هذه الطّائفة وثقاتها، کثیر الحفظ، نقیّ الکلام، له تلامیذ أجلّاء، و له کتب نفیسة جیدة.» (1)

ویقول فیه الشّیخ الحرّ العاملی أیضاً:

«أمره فی الثّقة والعلم والفضل والزهد و العبادة والورع والتّحقیق والتّبحر وجلالة القدر وعظم الشّأن وجمع الفضائل والکمالات أشهر من أنّ یذکر، ومحاسنه وأوصافه الحمیدة أکثر من أنّ تحصی وتحصر، ومصنّفاته کثیرة مشهورة... .» (2)

استشهد بعد عمر ملیء بالعطاء عام (965ه) بحکم قاضی صیدا علی ید رجال حاکم القسطنطینیة. (3)

أساتذته

تتلمذ علی کثیرین، کما ورد فی ترجمته، وأشهرهم:

والده، العلاّمة نورالدّین علی بن أحمد، حیث درس علیه المقدّمات واللمعة والمختصر النافع.

الشّیخ علی بن عبدالعالی، درس علیه الفقه.

السّید حسن بن السّید جعفر الحسینی العاملی الکرکی، ودرس علیه الکلام وأُصول الفقه.

شمس الدّین محمد بن مکی العاملی، الّذی یقول عنه الشّهید الثّانی أنّه محقق وفیلسوف درس علیه الفلسفة والهیئة والطّب.

الشّیخ أبوالحسن البکری، من علماء مصر؛ ودرس علیه الفقه والتّفسیر والحدیث.

تلامذته

السّید نورالدّین علی بن حسین الموسوی، والد صاحب المدارک.

الشّیخ حسین بن عبدالصمد العاملی، والد الشّیخ البهائی.

ص:162


1- (1) . العلاّمة التّفریشی: نقد الرجال: 2 /292.
2- (2) . الشّیخ الحرّ العاملی: أمل الآمل: 1 /85.
3- (3) . مصادر ترجمة الشّهید الثّانی: الدّر المنثور: 2 /154و155؛ نقد الرّجال: 2 /292؛ أمل الآمل: 1 /85 -91؛ طبقات أعلام الشّیعة: 4 /90- 92؛ ریاض العلماء: 2 /365 - 386.

الشّیخ البهائی.

السّید علی بن حسین الحسینی، صاحب شرح الإرشاد وشرح الشرائع.

محمد بن علی العودی، الّذی کان من خواص تلامذته.

الشّیخ محمد بن حسین الحرّ العاملی، جد صاحب وسائل الشّیعة لأبیه.

مصنّفاته

مؤلّفات الشّهید الثّانی کثیرة، کتب فی مختلف العلوم، ومصنّفاته تربو علی الثمانین، منها:

روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان فی الفقه، وهو شرح علی اللمعة للشهید الاوّل محمد بن مکی العاملی (786ه). وأحد الکتب الدراسیة فی الحوزات العلمیّة؛ وکتبت علیه شروحاً کثیرة بلغت 70 شرحاً وتعلیقة. شرح کتباً أُخری للشهید الاوّل کالذکری والدروس.

مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، وهو عرض استدلالی لکتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلی. وهو أهمّ کتبه الفقهیة. طبع مرة واحدة طبعة حجریة، ثمّ طبع محققاً من قبل مؤسسة المعارف الإسلامیة.

الدّرایة، وکتبه سابقاً تحت عنوان بدایة الدّرایة. طبع عدة مرات.

حقائق الإیمان، فی الکلام.

المنظومة، فی النحو وشرحها.

کتاب الرجال والنسب.

رسالة فی الولایة وأن الصلاة لا تقبل إلا بها.

رسالة فی تحقیق الإجماع.

تمهید القواعد الأُصولیّة والعربیة لتفریع الأحکام الشّرعیة.

مصنّفاته الأُصولیّة

یُعتبر کتاب تمهید القواعد من أهمّ مصنّفاته الأُصولیّة، فهو لم ینظمه علی الطّریقة المعهودة، بل رتبه ضمن بابین اثنین، جعل الباب الأوّل فی تخریج الفروع علی الأُصول، والثّانی فی تخریج الفروع علی القواعد العربیة. عالج فی القسم الأوّل من الکتاب القواعد الأُصولیّة، وبحث فی القسم الثّانی قواعد اللغة العربیة التی یحتاجها الفقیه فی الاجتهاد؛ واستعرض فی کلّ باب مائة قاعدة. وسنشیر فی هذا البحث إلی القسم الأوّل منه.

ص:163

وذکر فی ختام کلّ بحث أُصولی مجموعة فروع فقهیة ترتبط بالقاعدة الأُصولیّة، فیکون بهذا العمل التّطبیقی قد نظر إلی الأُصول بمثابة مقدّمة منتجة للفقه، وتجنب الخوض فی الأبحاث والتّفصیلات الجانبیة والقواعد عدیمة الفائدة. وعلیه، لم یقع الشّهید الثّانی فی أبحاثه الأُصولیّة تحت تأثیر الإنحراف الّذی أصیب به علم الأُصول علی ید المتکلمین المعتزلة وبعض أتباعهم، وبقی مصوناً من هذا الانحراف الخطیر.

إضافة إلی القواعد الأُصولیّة، أشار الشّهید فی الکتاب إلی رزمة من القواعد الفقهیة وبعض المسائل النادرة، الّتی لم یتعرض لها غیره، وکذلک إلی بعض الوقائع التّأریخیّة المؤثرة.

کان الشّهید الثّانی، لسعّة إطّلاعه علی الکتب والآراء الأُصولیّة المختلفة، یشیر دائماً وفی کلّ بحث إلی الآراء المختلفة للعامة والخاصة، یحللها وینتقدها. ولذلک، استحوذ وضع کتاب بهذا الأسلوب علی قیمة فائقة الأهمیّة، ما یستحق عنایة علماء الأُصول واهتمامهم به.

فالمواضیع الّتی طرحت فی القسم الأُصولی منه موزّعة علی سبعة مقاصد، فی کلّ مقصد عدّة أبواب ویتضمن کلّ باب مجموعة قواعد أصولیّة، عقد فی ختام کلّ منها بحثاً فی بعض التّفریعات الفقهیة المختصة بها. وجاءت هذه المقاصد والأبواب علی الشّکل التّألی:

- المقصد الأوّل: فی الحکم، ویقع فی بابین.

الباب الاوّل فی مسألة الحکم الشّرعی وأقسامه، وتبحث فیه (13) قاعدة.

الباب الثّانی، فی أرکان الحکم، ویذکر فیه (4) قواعد.

- المقصد الثّانی: فی الکتاب والسّنة، وفیه (8) أبواب.

الباب الأوّل: فی الألفاظ.

الباب الثّانی: فی الحقیقة و المجاز.

الباب الثّالث: فی الأوامر والنّواهی.

الباب الرّابع: فی العموم و الخصوص.

الباب الخامس: فی الإطلاق و التّقیید.

الباب السّادس: فی المجمل و المبین.

الباب السّابع: فی الأفعال.

الباب الثّامن: فی الأخبار.

ص:164

- المقصد الثّالث: فی الإجماع- المقصد الرابع: فی القیاس

- المقصد الخامس: فی الاستصحاب وقول الصّحابی

- المقصد السّادس: فی التّعادل و التّراجیح.

- المقصد السابع: فی الإجتهاد و الإفتاء.

حُقق الکتاب وطُبع من قبل مکتب الإعلام الإسلامی فی مدینة قم، عام (1416) هجریة. للشّهید الثّانی أیضاً، رسالة فی الإجماع وأخری فی ردّ الإجماع المنقول.

آراؤه وأفکاره الأُصولیّة

یعتبر الشّهید الثّانی، بالنّظر إلی ما أنجزه فی کتاب التّمهید، صاحب أعمال جدیدة وإبداعیة، لأنّه:

أوّلاً: وضع یده علی تنظیم المسائل الأُصولیّة و تبویبها، وعرضها بأسلوب حدیث، وتتضح هذه النقطة جیداً عند مقارنة التّبویب الّذی جاءت به الأبحاث الأُصولیّة فی کتاب التّمهید مع ما سبقه.

ثانیاً: أفرد باباً مستقلاً لموضوع الإطلاق والتّقیید إلی جانب المسائل الأُصولیّة الأخری، حیث کان هذا البحث سابقاً، إمّا غیر مطروح أصلاً فی الکتب الأُصولیّة، أو أنّه لم یبحث بشکل مستقل، وکان یشار إلیه بالإجمال ضمن بحث العام و الخاص.

ثالثاً: نالت المواضیع الأُخری، مثل قول الصّحابی والبحث التّفصیلی فی تعارض الأخبار، اهتمام الشّهید الثّانی، فی حین کانت العنایة بها فی السّابق قلیلة.

رابعاً: تناوّل الشّهید الثّانی المسائل الأُصولیّة بأسلوب جدیدٍ، فبعد کلّ قاعدة وبحثٍ أصولیٍ یتعرض لتفریعات القاعدة الفقهیة، حتی یقدم الأُصول بواقعه التطبیقی أکثر فأکثر.

بناء لما سبق، یمتاز البحث فی آراء الشّهید الأُصولیّة بأهمیة خاصة. ونشیر هنا إلی باقة من هذه الآراء والنظریات علی الشّکل التّالی:

1. یعتبر أنّ إطلاق المشتق، کاسم الفاعل واسم المفعول، حقیقیاً باعتبار الحال والماضی، ومجازیاً باعتبار المستقبل. (1)

2. یری أنّ النهی موجب لفساد المنهی عنه فی العبادات والمعاملات معاً، إلاّ أنّه فی

ص:165


1- (1) . الشّهید الثّانی: تمهید القواعد: 84.

العبادات موجب للفساد مطلقاً، وفی المعاملات موجب لفساد المعاملة بشرط أنّ یرجع النهی إلی أمر لازم غیر منفک فی العقد. (1)

3. یری أنّ الاستثناء الّذی یأتی بعد عدّة جمل معطوفة علی بعضها، یرجع إلیها جمیعاً إلاّ عند ورود قرینة علی إخراج بعضها. (2)

4. بحث الشّهید الثّانی البراءة والإباحة الشّرعیة، وقال إنّ الأصل فی المنافع الإباحة والأصل فی المضار التحریم بمقتضی الأدلة الشّرعیّة. (3)

5. فی بحث استصحاب الحال، یقول إن أکثر العلماء یقولون بحجیته، وهذا إشعار منه علی موافقتهم الرأی فی ذلک. (4)

5. الشّیخ حسن بن زین الدّین صاحب المعالم (959 - 1011ه)

اشارة

الشّیخ جمال الدّین أبومنصور حسن بن زین الدّین بن علی بن أحمد العاملی الجبعی، المشهور بصاحب المعالم، ابن الشّهید الثّانی، ولد عام 959ه فی قریة جباع من نواحی جبل عامل فی لبنان. لم یکن عمره عند استشهاد والده أکثر من سبع سنوات. درس المقدّمات فی مسقط رأسه، ثمّ انتقل إلی النجف الأشرف، ودرس الفقه والأُصول وعلوم أُخری عند أساتذة فطاحل، کالمقدس الأردبیلی والمولی عبدالله الیزدی.

کان الشّیخ حسن طوال مدة تحصیله برفقة ابن أخته السّید محمد العاملی صاحب «مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام» الّذی یکبره سناً. مدحه المترجمون وعظموه، ووصفوه بالفقیه الکبیر والمحدث الأُصولی، وصاحب النفس الطّاهرة، وجامع الفضائل، والعلاّمة. (5) یقول الحرّ العاملی فیه:

«کان عالماً فاضلاً، عاملاً، کاملاً، متبحّراً، محققاً، ثقةً فقیهاً وجیهاً نبیهاً، محدثاً جامعاً للفنون، أدیباً شاعرا، زاهداً عابداً ورعاً، جلیل القدر، عظیم الشّأن، کثیر المحاسن،

ص:166


1- (1) . المصدر السّابق: 140.
2- (2) . المصدر السّابق: 205.
3- (3) . المصدر السّابق: 269.
4- (4) . المصدر السّابق: 271.
5- (5) . ریاض العلماء: 1 /225.

وحید دهره، أعرف أهل زمانه بالفقه والحدیث والرّجال، له کتب ورسائل... .» (1)

رحل صاحب المعالم عام (1011ه) بعد عمر قضاه فی خدمة الإسلام وإعلاء کلمته.

أساتذته

1. المقدّس الأردبیلی، صاحب کتاب «مجمع الفائدة والبرهان» الذّی یعدّ من فقهاء الإمامیة الکبار.

2. الشّیخ عبدالله الیزدی.

3. السّید علی بن أبی حسن، صهر الشّهید الثّانی، والد صاحب المدارک.

4. الشّیخ عزالدّین حسین بن عبدالصمد، والد الشّیخ البهائی الّذی کان تلمیذ الشّهید الثّانی.

5. السّید علی بن حسین الحسینی العاملی الجزینی.

تلامذته

أبرز من تتلمذ علی یدیه:

1. الشّیخ نجیب الدّین علی بن محمد بن مکی العاملی.

2. ابنه، الشّیخ أبوجعفر محمد بن حسن بن زین الدّین العاملی.

3. ابنه الثّانی، الشّیخ أبوحسن علی بن حسن بن زین الدّین العاملی.

4. الشّیخ حسین بن حسن الظّهیری.

5. السّید نجم الدّین بن السّید محمد الحسینی.

6. الشّیخ عبدالسّلام بن محمد الحر، عم صاحب وسائل الشّیعة.

مصنّفاته العلمیّة

للشّیخ حسن مصنّفات عدیدة، بقی أکثرها ناقصاً، لم یتمکن من إکماله. کان علی ما یظهر یدوّن عدّة کتب فی نفس الوقت، وهذا هو أحد الأسباب المحتملة لعدم اکتمالها. من مصنّفاته:

1. منتقی الجمان فی الأحادیث الصّحاح والحسان، ولم یکتب فیه إلاّ باب العبادات.

2. التّحریر الطّاووسی، وهو تهذیب کتاب «حل الإشکال فی معرفة الرّجال» للسّید ابن طاووس.

3. مناسک الحج.

ص:167


1- (1) . أمل الآمل: 57.

4. رسالة فی عدم جواز تقلید المیت.

5. دیوان شعر.

6. معالم الدّین وملاذ المجتهدین، فی الأُصول والفقه؛ قسم الفقه غیر تام، واقتصر علی باب الطّهارة.

مصنّفاته الأُصولیّة

لم یترک صاحب المعالم فی الأُصول إلاّ کتاب واحد هو معالم الدّین وملاذ المجتهدین، وکتبه فی وقت، شهد أُصول الفقه الشّیعی تطوّراً مذهلاً علی أیدی علماء کبار، منهم المحقق الحلّی، والعلاّمة الحلّی، والشّهید الثّانی، وغیرهم، وقد أشرنا إلی هذا التّطور فی الأبحاث الّتی سبقت.

أُلّف هذا الکتاب فی وقت، کانت هناک کتب أُصولیّة مهمة جداً، (للعلاّمة والمحقق)، ومع ذلک أصبح محل اهتمام جدّی من العلماء والفقهاء الشّیعة، وجُعِل فیما بعد متناً دراسیاً فی الحوزات العلمیّة، حتّی أنّه صار موضع تقدیر واهتمام کبیر منهم. ولعلّ أهمّ أسباب اعتماده کمتنٍ دراسی فی الحوزات، أنّه کان بمستوی السّطوح العلیا، وتمیز بعذوبة بیانه وسلاسة عباراته، وکانت المسائل الأُصولیّة فیه مبوبة تبویباً جدیداً، وامتاز بدقة ومتانة التّعبیر والاستدلال. (1)

یقع کتاب المعالم فی مقدّمة وأربعة أقسام، والأبحاث الأُصولیّة مدرجة بتمامها فی المقدمة، أمّا الأقسام الأُخری فهی متعلقة بأبواب فقهیة مختلفة، وکتاب الطّهارة هو القسم الوحید المدون فیها، وبقیة الأبواب الفقهیة غیر محررة، فالکتاب ناقص من هذه الجهة، أمّا المقدّمة فتشتمل علی مقصدین:

- الأوّل: فی فضل العلم والعالم، وجوب تحصیل العلم وغیر ذلک.

- الثّانی: فی أُصول الفقه، وقد نظّمه فی تسعة أبواب وخاتمة علی الشّکل التّالی:

الباب الأوّل: فی مجموعة مسائل حول الألفاظ (اللفظ والمعنی، الحقیقة الشّرعیة، الحقیقة والمجاز وغیر ذلک).

الباب الثّانی: فی الأوامر والنواهی.

الباب الثّالث: فی العموم والخصوص.

الباب الرّابع: فی المطلق والمقید والمجمل والمبین.

ص:168


1- (1) . المعالم الجدیدة: 97 - 98.

الباب الخامس: فی الإجماع.

الباب السّادس: فی الأخبار.

الباب السّابع: فی النسخ.

الباب الثّامن: فی القیاس والاستصحاب.

الباب التّاسع: فی الإجتهاد والتّقلید.

الخاتمة: فی التّعادل والتّراجیح.

وکما نلاحظ، فإنّ صاحب المعالم بسط یده فی تبویب الکتاب وتنظیمه، فطرح بحث التّعادل والتّراجیح فی الخاتمة، وجعل بحث القیاس والاستصحاب فی باب واحد، وبحثهما باختصار، وجعل المطلق والمقید والمجمل والمبین فی باب واحد. أمّا بحث المفاهیم، فقد بحثه فی قسم الأوامر کغیره من العلماء السّابقین، وحذف باب الأحکام والأفعال من فهرسه کلیّاً.

و قد کُتبت علیه الکثیر من الشّروح والتّعلیقات، منها: حاشیة المولی صالح المازندرانی، وحاشیة سلطان العلماء، وحاشیة الملا المیرزا الشّیروانی، وحاشیة الشّیخ محمّدتقی الأصفهانی تحت عنوان هدایة المسترشدین. وقد طُبع هذا الکتاب عدة مرات وبأشکال مختلفة. (1)

آراؤه الأُصولیّة

1. یقول بجواز استعمال اللفظ بأکثر من معنی مطلقاً، مع اختلاف فی اللفظ المفرد فیکون مجازیاً لوتم ذلک، أما استعمال اللفظ غیر المفرد (المثنی والجمع) فی أکثر من معنی فهو حقیقی. (2)

2. یقول أنّ الأمر بالشیء لا یقتضی النهی عن ضده الخاص، لفظاً ومعنیً. (3)

3. عند تخصیص العام، تکون الإرادة الباقیة تحت العام مجازیة، ویوافق فی هذا الرأی الشّیخ الطّوسی والمحقق والعلاّمة الحلی. (4)

4. یقول بحجیة خبر الواحد العاری عن القرائن القطعیّة، عقلاً وشرعاً، بخلاف السّید

ص:169


1- (1) . مصادر ترجمة صاحب المعالم: آمل الآمل: 57 - 65؛ ریاض العلماء: 225/1 - 536؛ طبقات آعلام الشّیعة: 5 /146و147.
2- (2) . معالم الدّین: 39.
3- (3) . معالم الدّین: 63.
4- (4) . معالم الدّین: 113.

المرتضی وابن زهره و ابن إدریس، ویوافق بذلک رأی الشّیخ والمحقق والعلاّمة. (1)

5. یتفق صاحب المعالم فی تعریف الإجتهاد مع العلاّمة الحلّی، ویعتبر أنّ الإجتهاد بذل الفقیه الجهد الواسع لتحصیل الظنّ بالحکم الشّرعی. ولا یقول بامتناع التّجزی فی الإجتهاد والقدرة علی استنباط بعض المسائل والاقتصار علیها فقط، لکنه لا یقبل بجواز التّمسک باستنباط المجتهد المتجزی، بالمقارنة مع استنباط المجتهد المطلق. (2)

6. الشّیخ البهائی (953 -1030ه)

اشارة

ولد محمد بن حسن بن عبدالصمد العاملی، المشهور بالشّیخ البّهائی فی شهر ذی الحجة من العام(953ه) فی بعلبک إحدی مدن لبنان. والده الشّیخ حسین بن عبدالصّمد من العلماء الکبار وتلمیذ الشّهید الثّانی. عائلته من أهل العلم والمعنویّات.

الشّیخ البهائی من أعظم نوابغ تأریخ الإسلام، کان فقیهاً، وأُصولیّاً، مفسّراً وشاعراً، ریاضیّاً، متکلّماً، وأُستاذاً فی الهیئة والسّیاسة. قدّم خدمات کثیرة إلی الشّعب الإیرانی والشّیعة عندما کان فی منصب شیخ الإسلام وصاحب نفوذ فی البلاط الصّفوی.

وبعد عمر ملیء بالعطاء وفی تحصیل العلوم وتعلیمها وخدمة الناس ودّع الشّیخ البهائی الدار الفانیة عام (1029 أو 1030ه) ودفن فی الرّوضة الرضویة بمدینة مشهد المقدسة.

أساتذته

1. الشّهید الثّانی.

2. المولی عبدالله الیزدی.

3. والده الشّیخ حسین بن عبدالصّمد.

تلامذته

1. السّید حسن بن السّید حیدر الکرکی.

2. صدر المتألّهین الشّیرازی، صاحب الأسفار الأربعة.

3. الملا محسن الفیض الکاشانی، صاحب الوافی وتهذیب الإحیاء.

ص:170


1- (1) . معالم الدّین: 189- 194.
2- (2) . معالم الدّین: 238 - 239

4. المولی محمد صالح بن أحمد المازندرانی.

5. محمّد تقی المجلسی، المعروف بالمجلسی الأوّل.

6. الشّیخ فاضل جواد البغدادی شارح زبدة الأُصول.

مصنّفاته العلمیّة

وضع الشّیخ البهائی مؤلّفات کثیرة، وحقق فی العلوم المختلفة، وترک فیها تصنیفات قیمة، منها:

1. الجامع العباسی، کتابٌ فقهیٌ، باللغة الفارسیة، کتبه بطلب من الشّاه عباس الصفوی.

2. الحاشیة علی کتاب مختلف الشّیعة للعلاّمة الحلّی فی الفقه.

3. مفتاح الفلاح، فی الأدعیة و الأعمال النهاریة واللیلیة.

4. خلاصة الحساب.

5. الجبر والمقابلة.

6. زبدة الأُصول.

7. حاشیة علی شرح تهذیب الأُصول للعمیدی.

8. تشریح الأفلاک.

9. حلیب وسکر، فی الأدب القصصی.

10. الفوائد الصمدیة فی النحو.

11. رسالة فی الوجود الذهنی.

12. خبز وحلوی، فی الأدب القصصی.

13. دیوان شعر.

14. الوجیز، فی علم الدّرایة. وغیرها من المصنّفات.

مصنّفاته الأُصولیّة

للشّیخ البهائی خمس کتب مختصرة فی أُصول الفقه:

1. زبدة الأُصول، وهو أهمّ ما کتبه فی الأُصول، وکُتبت علیه الکثیر من الحواشی والشروح بلغت أکثر من (35) شرحاً وحاشیةً، أبرزها شرح المولی محمد صالح المازندرانی شرح السّید أمیر محمّدباقر الأسدآبادی.

2. الحواشی علی زبدة الأُصول.

ص:171

3. الحواشی علی شرح العضدی علی مختصر الأُصول.

4. حواشی شرح تهذیب الأُصول للعمیدی.

5. مختصر أُصول الفقه، بالفارسیة، وطبع قبل أکثر من 50 سنة تقریباً. (1)

إطلالة علی بعض آرائه الأُصولیّة

یقول بجواز التّعبد بخبر الواحد ثبوتاً، عقلاً وبإجماع الإمامیة؛ أمّا إثباتاً فما یتعبدنا به الشّارع من خبر الواحد، هو الخبر الّذی یکون راویه عاقلاً بالغاً عادلاً، ضابطاً ومؤمناً. (2)

یقول الشّیخ البهائی بحجیة الإجماع المنقول بخبر الواحد، وهذا الرأی خلاف ما علیه مشهور المتأخرین من الأُصولیین. (3)

یقول بحجیة الاستصحاب الّذی هو: إثبات الحکم فی الزّمان الثانی (اللاحق) استناداً إلی ثبوته فی الزّمان الاوّل (السّابق)، وهو دلیل عقلی ظنی. (4)

یقول فی تعریفه للإجتهاد: الإجتهاد ملکة یقتدر بها علی استنباط الحکم الشّرعی الفرعی من الأصل فعلاً أو قوة قریبة. ویختلف عن تعریف صاحب المعالم والعلاّمة. (5)

المصنّفات الأُصولیّة البارزة فی هذه المرحلة

لعلّه یمکن القول أنّ کتاب نهایة الوصول إلی علم الأُصول للعلاّمة الحلّی أهمّ وأفضل کتاب أصولی فی هذه المرحلة؛ لأنّ الکتاب- کما ذکر العلاّمة نفسه- جامع ومکتمل، وشامل لجمیع الآراء والنظریات الأُصولیّة المتقدّمة والمتأخرة عند الشّیعة والعامّة، ومصحوبة بتحلیلات وشروح وتدقیقات من العلاّمة، والکثیر من الرّدود والانتقادات.

إضافة إلی نهایة الوصول، یحظی کتاب معارج الأُصول للمحقق الحلّی بأهمیة خاصة أیضاً، لسلاسته واختصاره، ولاحتوائه فی نفس الوقت علی الآراء المختلفة فی کلّ مسألة.

ص:172


1- (1) . مصادر ترجمة الشّیخ البهائی: جامع الرّواة: 2 /100؛ ریحانة الأدب: 3 /308؛ الغدیر: 11 /281- 284؛ ریاض العلماء 5 /88 - 97.
2- (2) . الشّیخ البهائی: زبدة الأُصول (طباعة حجریة): 56 - 58.
3- (3) . المصدر السّابق: 71.
4- (4) . المصدر السّابق: 73.
5- (5) . المصدر السّابق: 115؛مفاتیح الأُصول: 569؛ مقدّمة القول فی تعریف الإجتهاد.

کذلک فإنّ لکتاب التّهذیب للعلاّمة أهمیّة واضحة أیضاً بالنّظر إلی أنّه یمثل خلاصة کتاب نهایة الوصول وعصارة أفکاره، وأصبح محل اهتمام واسع من العلماء، وکتب علیه أکثر من ثلاثین شرحاً وتعلیقاً، وجُعل لسهولة متنه بمثابة کتاب دراسی فی الحوزات؛ ولطالما کانت الأفکار الأُصولیّة الّتی تضمنها الکتاب تلقی بظلالها علی آراء العلماء من بعده، وتؤثر علی کتاباتهم أیضاً.

أما کتاب تمهید القواعد للشّهید الثّانی، الّذی یعدّ من هذه الجهة، عملاً ابتکاریاً جدیداً فی أُصول الفقه الشّیعی، فهو یحظی بأهمیّة جدیرة أیضاً؛ فتبویبه وتنظیمه مختلفان عن التّصنیفات السّابقة، وجاء البحث الأُصولی فیه بأسلوب تطبیقی، أی تطبیق الفروع الفقهیة المختلفة عند دراسة أی قاعدة أُصولیّة؛ لکن العلماء المتأخّرین بعده، لم یتبعوا هذا الأُسلوب فی مصنّفاتهم الأُصولیّة وللأسف. (1)

وقبل ختام هذه المرحلة، جاء کتاب معالم الدّین للشّیخ حسن ابن الشّهید الثّانی الّذی اکتسب أهمیّة بالغة؛ حیث احتلّ مواقع العدید من الکتب المهمة السّابقة للعلامة والمحقق وآخرین، وأضحی من الکتب الّتی تدرس رسمیاً فی الحوزات الدّینیّة، وقد تمیّز هذا الکتاب بترتیب وتبویب جدیدین. أمّا لجهة المحتوی، فقد أوجد تحوّلاً فی بعض المسائل، مثل بحث مقدّمة الواجب، وبحث الضّد، الّتی عالجها مصنّفه بالتفصیل وبحثها من زاویة جدیدة. ولما لهذا الکتاب من أهمیّة، فقد وضع العلماء علیه الکثیر من التعلیقات والشّروح، وقد أشرنا إلی ذلک فیما سبق.

یمکن القول وبجرأة أنّ کتاب معالم الدّین هو الوحید من بین الکتب الّتی کان لها التّأثیر الواضح علی أُصول الفقه فی مرحلة نهوض الأخباریّة وما بعدها؛ إلی أنّ جاء المیرزا القمی ودون کتاب قوانین الأُصول وجاء الشّیخ الأنصاری ووضع کتاب الرسائل. وهذه المسألة لوحدها تشیر بوضوح إلی أهمیّة الکتاب وموقعیته فی تلک المرحلة.

ص:173


1- (1) . ومن المناسب بل من الضّروری تقدیر أهمیّة هذا الکتاب وموقعه، فتقوم جماعة من العلماء والباحثین- علی الأقل- وتتبع هذا المنهج فی تصنیف المواضیع الأُصولیّة وترتیبها.

خلاصة الآراء والإبتکارات الأُصولیّة فی المرحلة الثّالثة

1. أهمّ نظریّة أُصولیّة طرحت بدایة هذه الحقبة مسألة خبر الواحد والقول بعدم حجیته، حیث اشتهرت کثیراً عبارة لا یوجب خبر الواحد علماً ولا عملاً. وقد حمل ابن زهرة وابن إدریس الحلّی- وهما من القائلین بها فی هذه المرحلة- علی الشّیخ الطّوسی فی هذه المسألة، ودافعاً عن نظریة السّید المرتضی. لکن هذه النّظریة نسخت فی أواسط هذه الحقبة مع مجیء المحقق والعلاّمة الحلّی ثمّ الشّهیدین وصاحب المعالم وآخرین؛ حیث قالوا بحجیة الخبر الواحد الظنّی مع توفر شروط وقرائن ضروریّة. وهذه النّظریة نفسها الّتی راجت وأصبحت من المشهورات.

2. کان الرأی السّائد فی مسألة هل یقتضی النهی عن الشّیء فساد المنهی عنه؟ أنّه فی العبادات، یقتضی النّهی فساد المنهی عنه، أمّا فی المعاملات فهو غیر موجب لذلک.

فی الواقع وقف علماء المرحلة مقابل الشّیخ الطّوسی بالنّسبة لهذه النّظریة، وکان ابن زهرة اوّل من صدع بهذا الأمر، ثمّ تلاه المحقق والعلاّمة الحلّی والشّهید الثّانی وصاحب المعالم حیث قبلوها مع اختلاف طفیف.

3. کان موضوع الإجتهاد، تعریفه وشروطه، من أهمّ الأبحاث المطروحة آنذاک، وفی أواسط هذه الحقبة اشتَدّ إهتمام العلماء به، وطرح العلاّمة والمحقق الحلّیین آراءاً أکثر حداثة أدّت إلی إیجاد تطوّر فی عملیّة الإجتهاد من جهة، وإلی أنّ تصبح من جهة أُخری فی المراحل التّألیة، موضع تأیید البعض ورفض آخرین لها. (1)

4. انصب الإهتمام فی هذه الحقبة أیضاً، علی بحث المفاهیم وکان مطروحاً بشکل تفصیلی، وکان السائد القول بوجود مفهوم للجمل الشّرطیة، أمّا الجمل الوصفیة فلا مفهوم لها. وکذلک لاقی البحث حول مفهوم العدد والّلقب والغایة المزید من النقاش والأخذ والرّد.

5. بحث المطلق والمقید من المواضیع الّتی دار النقاش حولها، وتمت دراستها بشکل مستقل، وقد طرحه الشّهید الثّانی فی أبحاثه الأُصولیّة لاوّل مرة، ثمّ تبعه علی ذلک صاحب المعالم؛ فیما کان هذا الموضوع فی السّابق، إمّا غیر مطروحٍ أصلاً أو تتم الإشارة إلیه بإجمال فی سیاق البحث حول "العام والخاص."

ص:174


1- (1) . راجع الدّرس السّابق؛ فیما یتعلق بآراء العلاّمة والمحقق الأُصولیّة.

6. أصبح بحث "التعادل والتّراجیح" أیضاً محل إهتمام العلماء کبحث مستقل، وغالباً ما کانوا یبحثونه فی باب مستقل، أو فی خاتمة أبحاثهم الأُصولیّة.

7. طُرح بحث استصحاب الحال کما کان فی السّابق، لکنّهم تعاملوا معه أیضاً کدلیل عقلی ظنّی ولیس کأصل عملی، حیث لم تکن الأدلة الفقاهتیة قد طرقت أذهان العلماء بعد. وانصب البحث أیضاً إلی جانب هذا الدّلیل الظنّی ومسألة القیاس، حول الأمارات الظنّیة الأُخری کالإستحسان وقول الصّحابی. (1)

8. لم یکن لموضوع الحظر والإباحة تلک الأهمیّة فی هذه الحقبة، وغالباً ما جعلوه فی حواشی أبحاثهم، أو ضمن مسائل الأحکام. (2)

إطلالة علی التّبویب الرّائج فی المرحلة الثّالثة

تأسیساً علی ما سبق، حول کیفیة توزّع الأبحاث الأُصولیّة فی مطاوی مصنّفات هذه المرحلة، سنشیر بشکل مختصر وإجمالی إلی التّبویب الّذی اشتهر آنذاک:

بحث الحکم (کان مطروحاً فی باب مستقل أو بعنوان مقدّمة).

بحث الألفاظ.

بحث المفاهیم (طرح ضمن مسائل الألفاظ).

بحث الأوامر والنّواهی.

بحث العموم والخصوص.

بحث المطلق والمقید (وحاز علی اهتمامهم أواخر هذه المرحلة).

بحث المجمل والمبین.

بحث الأفعال.

بحث النسخ.

بحث القیاس.

بحث الأخبار.

ص:175


1- (1) . انظر: تهذیب الوصول: 294 و295؛ تمهید القواعد: 278.
2- (2) . لم یطرح صاحب المعالم هذا البحث فی الأصل؛ وأورده العلاّمة الحلّی فی آخر کتاب التّهذیب ضمن مسائل متعددة.

بحث الاستصحاب والأدلّة الظنّیة الأُخری کالاستحسان وقول الصّحابی.

بحث الإجتهاد والتّقلید.

بحث التّعادل والتّراجیح.

أصول أهل السّنة فی هذه المرحلة

علی الرّغم من وجود مصنّفات لأُصولیی السّنة فی هذه الحقبة، إلاّ أنّها لم ترقَ إلی المستوی المتقدم الّذی کانوا علیه فیما مضی. وتوقف البحث الأُصولی إلی حدٍّ ما، وجاءت نظریّة انسداد باب الإجتهاد لتزید حالة الرّکود السّائد، والتّوقف الکامل.

وقد نهضت جماعة من أُصولییهم. (1) بوجه قضیة انسداد باب الإجتهاد، وسعت إلی إعادة إحیاء وتکمیل مسیرة البحث الأُصولی، إلاّ أنّها لم توفق فی هذا الطّریق. ومع ذلک، وضع بعض علمائهم عدّة مصنّفات أُصولیّة، من أبرزها:

1. المحصول للإمام الفخر الرّازی (606ه).

2. الإحکام فی أُصول الأحکام، تصنیف علی بن محمد بن سالم الآمدی (621ه).

3. منتهی السّؤول والأمل، لابن حاجب (626ه).

4. الحاصل، من تصنیف أبوالبرکات، عبدالله بن أحمد بن محمود، المعروف بحافظ الدّین النسفی (710ه).

5. مجمع الجوامع، تألیف عبدالوهاب بن علی بن عبدالکافی السّبکی (771ه).

6. الموافقات، لأبی إسحاق الشّاطبی (790ه).

7. شرح مجمع الجوامع للسبکی، تصنیف أحمد بن أمین الدّین الرملی (844ه).

ینبغی الإلتفات هنا إلی أنّ أغلب المؤلّفات الّتی وضعوها فی هذه الحقبة هی فی الحقیقة عبارة عن تلخیصات أو تعلیقات وشروح علی الکتب الموجودة من المراحل السّالفة. (2)

ص:176


1- (1) . کالشّهرستانی(548ه)، والعلاّمة الشّاطبی(790ه)، وجلال الدّین السّیوطی(911ه)، وهؤلاء من المتقدّمین. ومن المتأخرین کالسّید محمد عبده، ورشید رضا. (راجع: أدوار الإجتهاد: 212- 214).
2- (2) . أبوزهرة: مصدر سابق: 17و 18.

خصائص المرحلة الثّالثة

أهمّ الخصائص الّتی امتازت بها هذه المرحلة:

1. عودة روح الإجتهاد من جدید إلی الحوزات الشّیعیة- بعد أنّ غطّت فی سبات عمیق بعد عصر الشّیخ الطّوسی- ونمت تدریجیاً ونزعت نحو التّکامل والازدهار.

2. مع إعادة فتح باب الإجتهاد، أظهر علماء الأُصول اندفاعاً قویاً بإتّجاه تدوین الکتب الأُصولیّة، بحیث کتب بعضهم عدّة کتب أُصولیّة مختصرة ومفصلة؛ ولهذا السّبب ازدادت المصنّفات الأُصولیّة بشکل ملفت.

3. إنّ کثرة الکتب الأُصولیّة شاهدة بنفسها علی تطوّر علم الأُصول وازدهاره بین علماء الشّیعة؛ ومن هنا کان الإهتمام بالآراء والنّظریات الأُصولیّة الجدیدة والمسائل المستجدة وغیر المسبوقة، (کالإطلاق والتّقیید، والمعانی الحرفیّة، وغیرها)؛ وطرحت الکثیر من المسائل بکثرة من الشّرح والتّفصیل لا سابق له.

4. کان الاستصحاب بمثابة دلیلٍ عقلیٍ ظنیٍ، ومسألة الحظر والإباحة ترجع إلی حکم ما قبل ورود الشّرع؛ وعلیه لم تکن حینها فکرة الأُصول العملیّة والأدلّة الفقاهتیة حاضرة فی أذهان العلماء.

5. ظهرت الکتب الأُصولیّة منذ أواسط هذه المرحلة وتحدیداً بعد العلاّمة الحلّی، وکانت تغلب علیها سمة الشّرح والتّعلیق واختصار مؤلّفات العلماء الماضین؛ وقد حذوا بذلک حذو علماء أهل السّنة.

6. کان علماء هذه الحقبة وخاصة العلاّمة الحلّی، ناظرین إلی الأُصول السّنی، حیث وضعوا دراسات مقارنة معه. هذا الأمر أدّی إلی ظهور مسائل خاصة وغیر معهودة فی الأُصول الشّیعی، وکمثال علی ذلک: علی رغم سعی الکثیر من العلماء السّابقین فی الماضی إلی تنقیة الأُصول من المسائل الکلامیّة فی کتبهم، لکن عندما جاء علماء هذه الحقبة أدخلوا فی مصنّفاتهم- إضافة إلی المواضیع الکلامیة- المسائل المنطقیّة، تبعاّ لعلماء السّنة؛ کما فعل العلاّمة الحلّی حیث أدخل الأبحاث المنطقیّة فی نهایة کتابه تهذیب الوصول. وأدّی هذا الأمر إلی أنّ یقع علم الأُصول تحت تأثیر مسائل المنطق إضافة إلی وقوعه تحت تأثیر علم الکلام.

ص:177

إضافة إلی النماذج السّابقة، یمکن الإشارة أیضاً إلی التّحول الّذی طرأ علی مفهوم الإجتهاد؛ وتوضیحه: أنّ کلمة الإجتهاد کانت تستخدم بمعناها المذموم حتّی أوائل هذه المرحلة، وهو الإجتهاد بالرّأی والسّلیقة والنّظر الشّخصی فی الکشّف عن الحکم؛ وکان ینظر إلیه کدلیل آخر للفقیه یستند إلیه عند فقدان أی نص من الکتاب أو السّنة، وقد رفض الأئمة علیهم السلام هذا النّوع من الإجتهاد. لکن مع بدایة القرن السابع استُخدم الإجتهاد من قبل المحقق والعلاّمة الحلّی بمعنیً جدیداً وهو الإجتهاد القائم علی بذل الجهد واستفراغ الوسع العلمی لاستخراج الأحکام الشّرعیة من الأدلّة المعتبرة. وقد راج الإجتهاد بهذا المعنی ولم یکن مذموماً ولم یرفضه المعصومون علیهم السلام ، لأنّه یعتبر وفقاً لهذا الاصطلاح، أسلوباً لعملیّة استنباط الأحکام الشّرعیّة من مصادرها المعتبرة ولیس مصدراً أو دلیلاً شرعیاً. (1)

7. أصبح أُصول الفقه أکثر استخداماً فی النّواحی التّطبیقیّة، وجعلت المواضیع الأُصولیّة فی مقدّمة الکتب الفقهیة أو أُلحقت بها تفریعات فقهیة. (2)

خلاصة الدّرس

1. یعتبر الشّهید الثّانی من الأعلام الشّامخة الّتی ظهرت فی المرحلة الثّالثة. فهو بتدوینه لکتاب تمهید القواعد یکون قد وضع یده علی أُصول الفقه تبویباً وتنظیما وعرضه بأُسلوب جدید، لا بل أدخل علیه أبحاثاً جدیدة، نظیر: قول الصّحابی، والبحث التّفصیلی فی تعارض الأدلّة، والإطلاق والتّقیید.

2. أکمل الشّیخ حسن إبن الشّهید الثّانی مسیرة أبیه فی هذا المجال، وکان من الأُصولیین البارعین، وضع کتاب معالم الدّین وملاذ المجتهدین فی الأُصول، حیث بقی هذا الکتاب یدّرس فی الحوزات العلمیّة لعصور مدیدة، ودوّن علیه العلماء شروحاً وتعلیقات کثیرة.

3. الشّیخ البهائی أیضاً، من الشّخصیات البارزة فی المرحلة الثّالثة، کتب زبدة الأُصول وهو أهمّ ما کتبه فی الأُصول، إضافة إلی کتابیه الحواشی علی شرح العضدی علی مختصر الأُصول والحواشی علی شرح تهذیب الأُصول للعمیدی.

ص:178


1- (1) . انظر: المعالم الجدیدة: 38 - 44؛ وکذلک التّوضیحات الّتی سبقت فی الدّروس الماضیة حول هذه الکلمة.
2- (2) . مثل کتاب المعالم للشّیخ حسن؛ وتمهید القواعد للشّهید الثّانی.

4. یمکن القول أنّ کتاب نهایة الوصول إلی علم الأُصول للعلاّمة الحلّی أهمّ کتاب أصولی فی المرحلة الثّالثة، إذ یتمیز بالتّفصیل والعمق. ثمّ یأتی بعده کتاب معارج الأُصول للمحقق الحلّی و تهذیب الوصول للعلاّمة وتمهید القواعد للشّهید الثّانی، ومعالم الدّین للشّیخ حسن.

5. أبرز المسائل الّتی أهتمّ بها العلماء وتناولوها بالبحث والتّدقیق، کانت مسائل من قبیل: الخبر الواحد، النهی عن الشّیء وفساد المنهی عنه، الإجتهاد والتّقلید، المفاهیم، المطلق والمقیّد، التّعادل والتّراجیح، استصحاب الحال (العقل والشّرع).

6. لم یتمتع أُصول الفقه السّنی فی هذه المرحلة بالحیویة الّتی کانت له فی السّابق، مع أنّ علماء السّنة وضعوا فی بدایة هذه المرحلة بعض الکتب الأُصولیّة المعتبرة، من قبیل: المحصول للفخر الرّازی، و التّحصیل لسراج الدّین الأرموی، و الموافقات للشّاطبی. ونحا أُصولهم فی أواسط المرحلة وما بعدها، منحی الانطواء ونزع إلی الضّعف والرّکود الشّدید.

7. کان من ممیّزات هذه المرحلة:

- عودة روح الإجتهاد من جدید إلی السّاحة العلمیّة وداخل الحوزات الشّیعیة.

- وضع الکثیر من المصنّفات فی الأُصول.

- التّعمق والتّدقیق فی الأبحاث الأُصولیّة.

- وضع أبحاث مقارنة ما بین الأُصول الشّیعی والأُصول السّنی.

- استخدام الأُصول فی المجالات التّطبیقیّة.

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. بیّن إنجازات الشّهید الثّانی فی أُصول الفقه.

2. ما هی الملامح الّتی میزت کتاب المعالم لیصبح متناً دراسیّاً فی الحوزات لعصور مدیدة.

3. ما هی ممیّزات کتاب زبدة الأُصول؟ عددها.

4. هل توجد مصنّفات أُخری ذات أهمیّة غیر الّتی ذکرناها فی الدّرس؟

5. هل هناک ممیّزات أُخری لأصول الفقه فی هذه المرحلة؟

6. أی من الکتابین یمتاز عن الآخر بتبویب أفضل،تمهید القواعد أم زبدة الأُصول؟ ولماذا؟

ص:179

للبحث والتّوسع

قم بدراسة عوامل رکود الإجتهاد وضعف الأُصول عند أهل السّنة أواسط هذه المرحلة.

مصادر البحث

1. أُصول الفقه، تأریخه ورجاله، د. شعبان إسماعیل.

2. أدوار الإجتهاد، محمد إبراهیم جناتی.

3. أُصول الفقه، أبوزهرة.

ص:180

الدّرس الثّامن: المرحلة الرّابعة: قیام الحرکة الأخباریّة و ضعف الأُصول(1)

اشارة

(أوائل القرن 11 إلی أواخر القرن 12ه)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

دراسة عوامل وأسباب ظهور التّیار الأخباری.

التّعرف علی مبادئ التّفکیر الأخباری.

إطلالة علی مواضع الإفتراق بین الأخباریین والأُصولیین.

الشّخصیات البارزة فی التّیار الأخباری.

دراسة أهمّ مصنّفات الأخباریین.

إطلالة علی الآثار الإیجابیّة والسّلبیّة لحرکة الأخباریین.

ص:181

ص:182

ظهور التّیار الأخباری، العوامل والأسباب

اتّضح من الدّروس السّابقة، أنّه بمجیء ابن إدریس الحلّی، وإنقاذ الإجتهاد من الضّعف والرّکود الّذی أصابه، إستمر المنهج الإجتهادی بالنموّ والتّطوّر، ووصل إلی ذروته فی عصر العلاّمة والمحقق، والشّهیدین الاوّل والثّانی، ثمّ من بعدهم فی زمان صاحب المعالم والشّیخ البهائی؛ إلی أنّ ظهر فجأةً أوائل القرن الحادی عشر تیار جدید بات یعرف باسم "الأخباریین"، اکتسح الحوزات وتغلغل داخل الأبحاث الفقهیة والأُصولیّة، وکانت نتیجته التّشکیک فی مبادئ الإجتهاد وأُصول الفقه، ووضعهما تحت مطرقة نقده القاسیّة.

مؤسس هذا الإتجاه هو العلاّمة محمّد أمین الأسترآبادی (م: 1036ه)، حیث ادّعی- طبقاً لما صرّح به فی کتبه- أنّ علماء الشّیعة فی المرحلة المتأخرة خاصة فی زمن العلاّمة الحلّی وما بعده، انحرفوا فی الکشف عن الأحکام الشّرعیة، واتبعوا مناهج خاطئة کان علماء أهل السّنة قد وضعوها فی الأصل.

یری الأسترآبادی أنّ المنهج المعروف بالإجتهاد لا ینسجم مع طریقة أصحاب الأئمة علیهم السلام والعلماء المتقدّمین الّذین کانوا جمیعهم محدِّثین، وهذا الأمر دلیل علی بطلان هذا المنهج. من هنا اعتبروا أنفسهم تابعین لأصحاب الأئمة علیهم السلام والمحدثین عنهم. وعلیه، تُعتبر الأخباریّة أسلوباً جدیداً فی الکشف عن الحکم الشّرعی. (1) واخترقت السّاحة العلمیّة والحوزویّة من خلال تصنیف الأسترآبادی لکتاب أسماه الفوائد المدنیّة.

ص:183


1- (1) . یمکن أن نری جذور هذا التّفکیر عند أهل النّص والمذهب الظّاهری من أهل السّنة.

بعدما أعلنت الأخباریّة عن أفکارها، لاقت إستقطاباً واسعاً بین العلماء والتّحق بها کثیرون، والّذین کانوا معترضین علی أسلوب الإجتهاد قبل ذلک، نهضوا أیضاً، والتّحقوا بها مدافعین عن آرائهم.

تفاوت الأخباریون فیما بینهم، وتراوحت اتجاهاتهم شدة وضعفاً ضمن الإطار العام للتّیار الأخباری، فبعضهم کان إفراطیاً کالمرحوم الأسترآبادی، والمیرزا محمد الأخباری، والبعض الآخر کان معتدلاً کالشّیخ الحرّ العاملی والشّیخ یوسف البحرانی. وفی جمیع الأحوال، التحق بهذه الحرکة جمع غفیر من العلماء، ودوّنوا الکثیر من الکتب دفاعاً عنها. ومن أبرزهم الفیض الکاشانی، العلاّمة محمّدتقی المجلسی، الشّیخ الحرّ العاملی، العلاّمة محمّدباقر المجلسی صاحب البحار، السّید نعمة الله الجزائری، الملا خلیل القزوینی. (1)

سیطرت الأخباریّة علی الحوزات الشّیعیّة حوالی قرنین من الزّمن. واستمرت إلی أواخر القرن الثّانی عشر، وحملت معها الکثیر من النّتائج الایجابیّة والسّلبیّة. وإنّ البحث فی عوامل ظهور هذه الحرکة مسألة حسّاسة تنطوی علی أهمّیّة کبیرة وفیها الکثیر من العِبَر، حقیق بالعلماء المتأخرین الإهتمام بها. وهنا یجدر بنا الإشارة إلی مجموعة من الأسباب الرئیسة الّتی ساهمت فی ظهور المسلک الأخباری وهی علی الشّکل التّالی:

أ) من العوامل المهمّة جداً فی ظهور التّیار الأخباری، اعتقادهم بأنّ استخدام القواعد العامة المشترکة، والعناصر المبتدعة للإجتهاد أدّی إلی نسیان العناصر الخاصّة والرّوایات الصّادرة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام .

فالأخباریون لم یلتفتوا جدّیّاً إلی أنّ الهدف المهمّ من القواعد العامة والعناصر المشترکة فی الإستنباط، تمکین الفقیه- بمساعدة هذه العناصر- من العبور إلی العناصر الخاصّة والتّحکم فی استنباط الأحکام الشّرعیة بطریقة أفضل. (2)

ب) إعتقادهم بأنّ الإجتهاد لا أصالة له عند الشّیعة، وهو من الموضوعات المستوردة من أهل السّنة، ولعلّ هذا أهمّ دافع لمعارضتهم الأسلوب الإجتهادی. ویعلّلون ذلک بأنّ أهل السّنة احتاجوا إلی هذه الأدلّة فی الوقت الّذی لم یَر الشّیعة وأصحاب الأئمة علیهم السلام فی أنفسهم

ص:184


1- (1) . لدی القزوینی أیضاُ میول أُصولیة، وقد وضع کتباً فی الأُصول؛ وسنتحدث عن آرائه وأفکاره الأُصولیّة من هذه الجهة فی القسم المتعلق بأصولیی المرحلة الّتی نحن بصددها.
2- (2) . المعالم الجدیدة: 98.

الحاجة إلیه لاعتقادهم بحجیة کلامهم علیهم السلام ، فمن هذه الجهة رأی الأخباریون أنّ أصحاب الأئمة علیهم السلام والعلماء المتقدّمین کانوا جمیعهم فقهاء ولم یستفیدوا من هذا الأسلوب الخاطئ، وفهموا کلام الأئمة علیهم السلام وعملوا علی الکشف عن الأحکام دوّن اللجوء إلیه؛ إلی أنّ دخل هذا الأسلوب إلی السّاحة الشّیعیة بواسطة بعض الّذین وقعوا تحت تأثیر أهل السّنة کابن الجنید الّذی یعتقد بحجیة القیاس. بعد ذلک، أصبح هذا الأسلوب- وإلی حد ما- مورد قبول وتأیید علماء الشّیعة إلی القرن السّابع فصار حینها مقبولاً ومستخدماً علی نطاق واسع علی ید العلاّمة الحلّی وأتباعه.

وهکذا أضحی الفقه الشّیعی رازحاً تحت تأثیر الأُصول والإجتهاد المنحرف لأهل السّنة؛ فی الوقت الّذی لم یکن الشّیعة بحاجة إلی هذا النّوع من الأدوات الخاطئة فی الکشف عن أحکام الشّرع؛ مثلما لم یشعر أصحاب الأئمة والعلماء المتقدّمین إلی ما قبل الغیبة الصغری بهکذا حاجة؛ وعلیه ینبغی التّخلی عن الأسلوب الإجتهادی المشحون بالمصطلحات الّتی ابتدعها علماء أهل السّنة وترکه جانباً، وإحیاء طریقة الأصحاب والسّلف الصّالح؛ وعلیه قدّم الأخباریّون أنفسهم علی أنّهم أتباع المحدثین المتقدّمین. (1)

مناقشة هذا الرّأی: علی فرض صحة کلام الأخباریین بأنّ نموّ أُصول الفقه وازدهاره، کان بادئ الأمر داخل البیئة السّنیة، لکن کلامهم بأنّ تأسیس هذا العلم کان علی أیدی علمائهم غیر صحیح، وقد أثبتنا فی الدّروس السّابقة أنّ أصحاب الأئمة علیهم السلام وضعوا فی البدایة مجموعة من القواعد الأُصولیّة بإرشاد من الأئمة أنفسهم علیهم السلام - وعملوا بها ضمن شروط وظروف محددة.

نعم، مع وجود الأئمة علیهم السلام نادراً ما احتاج الأصحاب إلی الإجتهاد وإستخدام القواعد الأُصولیّة، ولذلک کان أهل السّنة أسرع بکثیر من غیرهم فی استخدام هذه القواعد والاستفادة من الأُسلوب الإجتهادی. ولهذا السّبب، ومن هذه الجهة دخل إلی أُصول الفقه الشّیعی الکثیر من مصطلحات الأُصول الّتی وضعها علماء أهل السّنة.

لکن صرف دخول هذه المصطلحات إلی الأُصول الشّیعی لا یجعله تابعاً للأُصول السّنی، وإن کان علماء الشّیعة قد اخذوا ظاهر القواعد منهم، لکنّهم أدخلوا علیها الکثیر من

ص:185


1- (1) . الأسترآبادی: الفوائد المدنیة: 44 .4.

التغییرات فی التّعریف والمفهوم وکیفیة الاستخدام، بحیث غدت مختلفة تماماً عن القواعد الأُصولیّة الموجودة فی أُصول أهل السّنة؛ والمثال الواضح علی ذلک: مسألة "الإجماع" الّتی جاءت من أُصولهم. فلو رجعنا إلی ما ورد فی الدّروس السّابقة یتضح أنّ بحث الإجماع ودلیله وشروط حجیته مختلفة تماماً عمّا هم علیه أهل السّنة. وعلیه لا یمکن، اتّهام أُصول فقه الشّیعة بذلک لصرف الشّبه أو الاشتراک فی اللفظ وحسب.

فی النّهایة، شعر العلماء بعد الغیبة الصّغری بالحاجة إلی الإجتهاد وإعمال القواعد العامّة أکثر من أیّ زمن آخر، لمضی الزّمان ولبعدهم عن عصر النصوص والتّشریع، لأنّ مرور الزّمن وذهاب قرائن الکلام الحالیة والمقالیة أحیاناً، اضطرهم أکثر إلی استخدام القواعد العامّة فی فهم النصوص، فی حین کان الکثیر من هذه القرائن فی زمن الأئمة علیهم السلام والعصور القریبة من عصر حضورهم لا یزال موجوداً، وکان الکشف عن الحکم الشّرعی سهلاً للغایة، ولم یکونوا بحاجة إلی اجتهادات معمقة وواسعة. وعلیه، فمن غیر الإنصاف عدم اعتبار التّفاوت فی الظّروف بین العلماء المتقدّمین والمتأخرین فیما یرجع إلی أحوال النّصوص؛ وهذه المسألة مهمة جداً، وقد التفت إلیها بعض العلماء الکبار. (1)

ت) العامل الثّالث، المؤثّر أیضاً فی الخلاف الأُصولی الأخباری، استفادة الأُصولیین من الأدلّة العقلیّة فی الکشف عن الأحکام الشّرعیة؛ فالأخباریون یعتبرون العقل قاصراً عن الکشف القطعی عن الأحکام، والکشف الظنّی لیس بحجة، وعلیه لا یدخل العقل ضمن الأدلة الکاشفة عن الأحکام، وأشکلوا علی الأُصولیین فی ذلک.

قسّم المحقق الأسترآبادی فی کتابه الفوائد المدنیة العلوم البشریة إلی فئتین: علوم حسیّة وأُخری غیر قابلة للإثبات بالإدراکات الحسیّة؛ وعدَّ القواعد الأساسیة للریاضیات من الفئة الأولی؛ والتّعالیم ما وراء الطّبیعة کتجرد الرّوح، وبقاء النفس بعد البدن وحدوث العالم، من سنخ القسم الثّانی؛ ورأی الأسترآبادی أنّ العلوم الّتی یُطمئن بها ویُعتمد علیها هی الّتی تستند إلی الحس أو ما یقرب منه، وغیرها من العلوم لا اعتبار لها ولا حجیة. (2)

یتضح ممّا سبق، أنّ الأخباریین وعلی رأسهم الأسترآبادی یعتبرون الحسَّ معیارَ حجة

ص:186


1- (1) . السّید محسن الأعرجی: وسائل الشّیعة فی أحکام الشّریعة: 22.
2- (2) . الفوائد المدنیة: 129-130.

العلوم ولا اعتبار للعقل، (1) لذلک نهضوا لمخالفة العقل ومن استند إلیه من العلماء. یقول المحدث الجزائری فی هذا الشأن:

«إن أکثر أصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفین من أهل الرأی والقیاس، ومن أهل الطّبیعة والفلاسفة وغیرهم من الّذین اعتمدوا علی العقول واستدلالاتها، وطرحوا ما جاءت به الأنبیاء علیهم السلام حیث لم یأت علی وفق عقولهم،.. والحاصل أنهم ما اعتمدوا فی شیء من أمورهم إلاّ علی العقل، فتابعهم بعض أصحابنا وإن لم یعترفوا بالمتابعة، فقالوا: أنّه إذا تعارض الدّلیل العقلی والنقلی طرحنا النّقلی أو تأوّلناه بما یرجع إلی العقل.» (2)

مناقشة هذا الرأی: بدایةً، ینبغی الالتفات إلی أنّ الأخباریین لیسوا علی رأیٍ واحدٍ بالنّسبة للعقل، وإن إشترکوا إلی حدٍّ ما فی الإعتقاد بضعفه وقصوره، لکنّهم اختلفوا فی حدود هذا القصور ومدی عدم حجیته. فما جاء فی العامل الثّالث ناظر فی الأغلب إلی رأی الأسترآبادی وتیاره الإفراطی کالسّید نعمة الله الجزائری والمیرزا محمد الأخباری. ویمکن مناقشة هذا الکلام- بشکل عام- کما یلی:

أوّلاً: إنّ خطأ الحس لیس بأقل من خطأ العقل، بل أکثر منه نوعاً ما، وعلیه إستناداً للقاعدة الّتی افترضوها، لا ینبغی أیضاً الاعتماد علی العلوم الآتیة من الحس فهی غیر معتبرة!!.

ثانیاً: لا یمکن سلب الاعتبار عن العقل بالمطلق؛ فعندما لا یکون للکتاب والسّنة والإجماع حکم فی مسألة ما، فلا مناص عندئذ من التّمسک بدلیل العقل.إضافةً إلی أنّ للعقل فی الآیات والرّوایات دوراً کبیراً وموقعاً ممیّزاً، فهو المعروف بالحجة والرّسول الباطنی (3) للنّاس؛ فمن هذه النّاحیة رأت جماعة من معتدلی الأخباریّة کالعلاّمة البحرانی، أنّ حکم العقل الفطری مطابق للحکم الشّرعی. (4)

نعم، لا شکّ بوجود أبحاث مهمة وکلام کثیر حول مدی حجیة الأحکام العقلیّة ودور العقل وحدوده، ینبغی الالتفات إلیها؛ لکنّ لا ینبغی التّشکیک بأصل حجیة هذا الدّلیل فی الأساس وجعله محل أخذ وردّ.

ص:187


1- (1) . أراد بعض العلماء کآیة الله البروجردی إلحاق فکر الأسترآبادی بالاتّجاه الحسی فی أوروبا. لکن لادلیل محکم علی إثبات هکذا علاقة. (الشّهید مرتضی مطهری: مجموعة آثار (بالفارسیّة): 20 /169.
2- (2) . المحدّث الجزائری: الأنوار النعمانیة: 129- 131؛ نقلاً عن الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطّاهرة: 1 /127.
3- (3) . الکلینی: أُصول الکافی: 1 /60- 68، الحدیث12.
4- (4) . المحدث البحرانی: الحدائق الناضرة: 1 / 126- 133.

أصول الفکر الأخباری ومبادؤه

اشارة

(1)

1. رفض الإجتهاد والقول بعدم حجیته

یعتقد الأخباریون أنّ الإجتهاد لیس بحجة مطلقاً لأنّه ظنی؛ ولا یجوز التّوسل بالإستنباطات الظنّیة فی الکشف عن الأحکام الشّرعیة؛ لأنّه یجب تحصیل العلم بالأحکام. ویقدم العلاّمة الأسترآبادی (12) دلیلاً علی إبطال الإجتهادات الظنّیة. (2) فالأخباریون یقولون بأنّ الإجتهاد لیس إلاّ طریقة للکشف الظنّی عن الأحکام، وهذا المعنی هو المقصود من الإجتهاد عند أهل السّنة. وقد أشار الأسترآبادی فی مقدّمة کتابه الفوائد المدنیة إلی هذه النقطة مستنداً بذلک إلی مجموعة شواهد أتی بها من أُصول أهل السّنة. ویضیف، أنّ علماء الشّیعة فی القرن السّابع بالتّحدید أخذوا فکرة الإجتهاد نفسها من أهل السّنة، واعتبروها کشفاً ظنیاً عن الحکم؛ واستخرج شواهد علی ذلک من کلمات المحقق والعلاّمة. (3)

بمعنی آخر، وجه الأسترآبادی عنایته إلی أمر هام، وهو أنّه من غیر المسموح استسهال جماعة من علماء القرن السّابع طرح نظریة الإجتهاد والأخذ بها نتیجة تأثرهم بإجتهاد العامّة الّذین اهتموا بصرف الکشف الظنّی عن الحکم، مستندین فی ذلک إلی مصادر ظنّیة غیر معتبرة باللحاظ الشّرعی، کالقیاس والإستحسان والمصالح المرسلة. وقد استمرت هذه النظّرة إلی الإجتهاد- کما یری الأخباریون (4)- إلی زمان صاحب المعالم المقارن لصعود الاتّجاه الأخباری؛ ومهدت- هذه الرؤیة- الأسباب المؤاتیة لکی توجه الأخباریّة انتقادات لاذعة إلی الأُصولیین والمجتهدین. وللمسألة فی حقیقة الأمر وجه آخر، وهو أنّ الأخباریین وللأسف لم یلتفتوا إلی ذلک، ویتضح هذا الأمر بعد التّأمل فی المراحل المتقدّمة علی القرن السّابع وبعد الإطلالة علی أُصول الشّیخ المفید واجتهاده وکذا السّید المرتضی والشّیخ الطّوسی

ص:188


1- (1) . استفدت کثیراً فی هذه المسألة من کتاب الفوائد المدنیة الّذی یعتبر فی الواقع المصدر الأساسی لآراء الأخباریین وأفکارهم. ینبغی فی نفس الوقت الالتفات أنّه من الممکن أن لا یکون جمیع الأخباریین متّفقین مع المبادئ الّتی نهض بها المحقق الأسترآبادی، لکنّ المسلم به أنّ أکثر المبادئ المذکورة الواردة فی هذا الکتاب هی محل اتفاق جمیع الأخباریین.
2- (2) . الفوائد المدنیة: 90- 127.
3- (3) . الفوائد المدنیة: 4 - 8.
4- (4) . معالم الدّین: بحث الإجتهاد والتّقلید.

وأمثالهم. وتوضیحه: أنّه کان للإجتهاد معنیً عامّاً فی أُصول علماء المراحل الأُولی کأسلوب للکشف عن الحکم حیث عرّفوه ب- «أنّه الکشف عن الحکم الشّرعی من المصادر الشّرعیة المعتبرة.» وهو المعنی الّذی صرّح به المتأخرون بعد أنّ طرح الأخباریون شبهاتهم. إضافة إلی أنّ علماء القرن السّابع أنفسهم ومن جاء بعدهم کالمحقق والعلاّمة والشّهیدین، وصاحب المعالم وآخرین، لم یعتبروا الکشف الظنّی- مع هذه الرؤیة للإجتهاد- حجة بالمطلق. وترجع رؤیتهم فی الحقیقة إلی النّظریة الصّحیحة فی الإجتهاد نفسها الّتی قال بها علماء الشّیعة.

یتضح أنّ الإجتهاد- بناءً علی نظریة أصولیی الشّیعة- سعی الفقیه وجهده العلمی لاستخراج الحکم الشّرعی من أدلته ومصادره الشّرعیة المعتبرة؛ وهذه المصادر إمّا مفیدة للعلم الّذی یکون کشف الحکم من خلاله حجة فی نفسه، وإمّا ظنّیة وفی هذه الحالة، یکون الأصل عدم حجیتها، إلاّ إذا توفرت لنا أدلّة قطعیة علی حجیتها وعلمنا أنّ الشّارع أعطاها الحجیة؛ وعلیه فلا حجیة مطلقة للظّن. (1)

لکنّ الأخباریین لم یلتفتوا إلی أنّ الإجتهاد الّذی أنکره الأئمة علیهم السلام هو الإجتهاد الموجود لدی أهل السّنة کالإجتهاد بالرأی، والکشف الظنّی غیر المعتبر بواسطة القیاس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذّرائع وفتح الذّرائع وما إلی ذلک، فمن هذه الجهة أصبح الإجتهاد الظنّی المعتبر والشّرعی محل إشکال أیضاً (من قبل الأخباریین علی أقل تقدیر).

2. سنة الأئمة المعصومین علیهم السلام عند الأخباریین هی المصدر الوحید لمعرفة الأحکام الشّرعیة

وهذا الأمر یثبته المحدث أمین الأسترآبادی فی الفصل الثّانی من کتابه الفوائد المدنیة، ویقول أنّ مدرک الأحکام والمسائل الشّرعیة أعمّ من کونها أُصولاً أو فروعاً، طالما لیست من ضروریات الدّین والمذهب، منحصرة فی السّماع عن الأئمة علیهم السلام ؛ حتی أنّ سُنة النّبی لا تعدّ من مصادر الکشف.

3. العقل والإجماع والکتاب خارج دائرة مصادر الکشف عن الحکم

وهذه نتیجة واضحة للرؤیة السّابقة، فالإجماع عند الأخباریین من وضع أهل السّنة الّذین

ص:189


1- (1) . وهذا صریح عبارات کتب المتأخرین الأُُصولیة، وما یفهم من مطاوی أبحاث الأُصولیین المتقدّمین.

تمسّکوا به لأسباب سیاسیة من أجل محاصرة الأئمة علیهم السلام . (1) والعقل أیضاً- للأسباب السّابقة- لا حجیة له. أمّا ظواهر الکتاب وسُنة النّبی لیست بحجة کذلک لأنّ فهمها یجب أنّ یکون بواسطة الأئمة علیهم السلام ؛ لأنّهم مخاطبون بهذه الکلمات ولیس نحن. وعلیه فکشف الحکم عن طریق ظواهر الکتاب غیر مقدورٍ لنا، وینبغی الرجوع إلی الأئمة علیهم السلام فی ذلک. (2)

4. لا حجیة عند الأخباریین للقطع الحاصل من المقدمات العقلیة ومن الإجماع.

یوجد اختلاف بین العلماء فی تفسیر مرادهم من هذا الکلام، لأنّه من البعید احتمال أنّ یکون مقصودهم عدم حجیة القطع بعد حصوله للقاطع. وعلی أیة حال لیس لهذا الکلام أی معنیً عند ذلک؛ والأصولیون تطرّقوا من جانبهم إلی هذه المسألة فی بحث القطع.

ولعلّ ما أراده الأخباریون، أنّه لما کانت أخطاء العقل کثیرة فلا ینبغی الاستناد إلی المقدمات العقلیة فی الکشف عن الحکم، ولو خالف أحد وحصل له القطع عن طریق العقل، فلا یکون صاحبه معذوراً لو خالف قطعه الواقع، لأنّه مقصر فی مقدمات تحصیل الحکم. (3)

فإذا کان هذا المعنی هو المقصود من القول بعدم حجیة القطع فی هذه المواضع، فهو إلی حدّ ما وجیه؛ لکنّه یحتمل ردوداً وإشکالات أُخری بحثوها فی علم الأُصول.

5. لا حجیة عند الأخباریین لخبر الواحد الظنّی

لما کانوا یقولون بالعلم فی الکشف عن الحکم الشّرعی، فأخبار الآحاد الظنّیة لیست حجة من هذه الجهة؛ کما هو أیضاً رأی السّید المرتضی، وابن زهرة، وابن إدریس؛ إلاّ أنّهم- الأخباریین- یعتقدون بقطعیة جمیع الأخبار الموجودة فی الکتب الحدیثة الشّیعیة وإفادتها للعلم لاحتفافها بقرائن قطعیة. (4)

ص:190


1- (1) . الفوائد المدنیة: 90- 112.
2- (2) . ذکر الأخباریون الکثیر من الرّوایات لإثبات هذا المدّعی، وخاصة الرّوایات الدّالة علی عدم جواز التفسیر بالرأی. انظر: الفوائد المدنیة: 94- 126. وقد نقل الشّیخ الأنصاری الکثیر من هذه الرّوایات فی الرّسائل فی بحث حجیة الظّواهر، حیث ناقشها وأبدی رأیه فیها.
3- (3) . وهو الاحتمال الّذی بیّنه الشّیخ الأنصاری فی الرّسائل؛ انظر فرائد الأُصول: 1 /51 و52.
4- (4) . الفوائد المدنیة: 61- 63.

6. روایات الکتب الأربعة قطعیة بنظر الأخباریین

کما جاء فی المورد السّابق، وبحث الأسترآبادی هذا الموضوع فی الفصل التّاسع من کتاب الفوائد المدنیة، وحشد الکثیر من الأدلّة لإثبات قطعیة صدورها من جهة السّند، وقال بأنّ هذه الرّوایات محفوفة بقرائن توجب العلم والقطع بمضمون الحدیث وبصحته أیضا. (1)

فی المقابل، وقف الأُصولیون والمجتهدون- وهم علی الأعم الأغلب- یقولون بأنّ أحادیث الکتب الأربعة لیست قطعیة الصدور بتمامها؛ لأنّه نجد فیها الکثیر من الرّوایات ضعیفة السّند، دوّن أدنی شکّ، علی رغم الجهود الّتی بذلها مؤلّفوها لجمع وتثبیت الرّوایات الموثقة والقطعیّة الصّدور.

إضافة إلی ذلک، فقد جاءت فی الکتب أخبارٌ کثیرة لا تحوّز علی أسانید تامة أی مرسلة بالاصطلاح، وسقوط لبعض الوسائط فی السّند؛ إضافة إلی أنّ الکثیر من الأحادیث فی هذه الکتب لیست تامة من ناحیة الدّلالة- المضمون- لأنّها تفتقد إلی قرائن کافیة فی الدّلالة القطعیة علی مضمونها. وتعتبر فی الواقع من الظواهر الظنّیة أو المعتبرة.

وعلیه، فنظریة الأخباریّة فی أحادیث الکتب الأربعة وغیرها من الکتب الحدیثیة غیر مقبولة.

لما کانوا قد اعتبروا جمیع أخبار الکتب الأربعة قطعیة الصّدور فلا حاجة عندئذٍ لعلم الرّجال ویصبح عدیم الفائدة.

لا یجری الأخباریون البراءة فی الشّبهات الحکمیة التّحریمیة، ویحکمون بوجوب الاحتیاط. (2)

إطلالة علی نقاط الخلاف ما بین الأُصولیین والأخباریین

وُضعت کتبٌ کثیرة فی سیاق التّعرف علی مدی الاختلاف (3)بین الأُصولیین والأخباریین، وعدّدوا الکثیر من هذه الاختلافات وقال بعضهم أنّها تربو علی الثمانین، (4) وقد تعرضنا لبعضها فی البحث السّابق، وهذه مجموعة أُخری منها:

ص:191


1- (1) . الفوائد المدنیة: 30، 40، 41، 181- 191.
2- (2) . المصدر السّابق: 40، 47 - 48.
3- (3) . منها کتاب منبع الحیاة للمحدث الجزائری؛ لسان الخواص: للملا خلیل القزوینی؛ الحق المبین لکاشف الغطاء؛ والطهر الفاصل للمیرزا محمد الأخباری.
4- (4) . السّید محمد الدزفولی فی کتاب فاروق الحق حیث یذکر 86 فرقاً بینهما.

1. لا یعتبر الأخباریون العقل والکتاب والإجماع من مصادر معرفة الحکم الشّرعی، بخلاف الأُصولیین الّذین اعتبروها من المصادر إلی جانب السّنة؛ ویأتی العقل بطبیعة الحال فی طول المصادر الثّلاثة.

2. الرّوایات الواردة فی الکتب الأربعة قطعیة الصّدور عند الأخباریین، لکنّ الأُصولیین لا یرون صحة هذا الرأی.

3. عند الأخباریین، الإجتهاد حرام، لکنّه عند الأُصولیین واجبٌ عینی أو کفائی.

4. یقولون بعدم حجیة خبر الواحد لإفادته الظنّ ولعدم أفادته العلم، بخلاف الأُصولیین.

5. یجری الأُصولیون أصل البراءة فی الشبهات التّحریمیة والشبهات الموضوعیة، أمّا الأخباریون فلا یقبلون ذلک ویقولون بلزوم الاحتیاط فی الشّبهات التّحریمیة.

6. یقول الأخباریون بتعذر تحقق الإجتهاد المطلق، بینما یقول الأُصولیون بإمکانه. (1)

7. یقول الأُصولیون بحجیة ظواهر القرآن الکریم، أمّا الأخباریون فلا یجیزون التّمسک بظواهر الکتاب علی نحو الاستقلال. (2)

أبرز الشّخصیات فی الحرکة الأخباریّة

1. محمد أمین الأسترآبادی

اشارة

هو مؤسس التّیار الأخباری، جاور مکة والمدینة مدةً من الزّمن. توفی فی مکة عام (1036ه) یصفه الشّیخ الحرّ العاملی فیقول: «کان مولانا محمد أمین الأسترآبادی، فاضلاً محققاً ماهراً، متکلماً، محدثاً، موثّقاً وجلیل القدر.» (3) وکتب عنه الفقیه الکبیر الشّیخ یوسف البحرانی: «کان المحقق الأسترآبادی، فاضلاً، محققاً، مدققاً، ماهراً فی الکلام والأُصول والحدیث.» (4)

تتلمذ علی ید أساتذة کبار، منهم:

1. المیرزا محمّدعلی الأسترآبادی، صاحب کتاب الرّجال، وهو الّذی- کما قیل- زرع جذور التّفکیر الأخباری فی ذهن المحدّث الأسترآبادی.

ص:192


1- (1) . الفوائد المدنیة: 132.
2- (2) . المصدر السّابق: 47.
3- (3) . الشّیخ الحرّ العاملی: آمل الآمل: 2 /246.
4- (4) . الشّیخ یوسف البحرانی: لؤلؤة البحرین: 117.

2. السّید السّند محمد بن حسن العاملی، صاحب المدارک. وقد مدح الأسترآبادی وأثنی علی علمه وفضله فی سیاق الإجازة الّتی کتبها له. (1)

3. الشّیخ حسن صاحب المعالم، وقد منح الأسترآبادی إجازة فی الإجتهاد والرّوایة.

4. السّید محمد بن علی بن أبی الحسن الموسوی العاملی.

مصنّفاته

للأسترابادی مصنّفات کثیرة، منها:

1. الفوائد المکیّة (وهی شرح لکتاب الاستبصار للشّیخ الطّوسی).

2. شرح أُصول الکافی.

3. شرح التّهذیب.

4. رسالة فی البداء.

5. حواشی الشّرح الجدید علی التّجرید.

6. رسالة فی الرّد علی الملاصدرا صاحب الأسفار الأربعة فی الفلسفة.

7. رسالة باللغة الفارسیة فی مسائل مختلفة بعنوان دانشنامه شاهی، وغیر ذلک من المصنّفات.

لکن کتاب الفوائد المدنیة یعدّ من أهمّ مؤلّفاته، وقال أنّه کتبه فی المدینة رداً علی القائلین بالإجتهاد (2)، (3). یشتمل الکتاب علی مقدّمة و (12) فصلاً وخاتمة. یتعرض فی المقدّمة لطریقة الأُصولیین فی الکشف عن الأحکام الشّرعیة وخاصّة ما طرحه العلاّمة الحلّی، حیث یقوم بمناقشته وانتقاده. ثمّ یبحث الإجتهاد الظنّی ومصادره علی رأی أُصولیی الفریقین من العامّة والخاصّة.

ص:193


1- (1) . انظر: أمل الآمل: 2 /246؛روضات الجنات: 7 /43 و44؛ریاض العلماء: 5 /35 - 37.
2- (2) . الفوائد المدینة: 1.
3- (3) . قال فی دانشنامه شاهی حول الکتاب: «فالفقیر» وبعد أن أخذت جمیع العلوم المتعارفة من أعظم علمائها، وکنت فی المدینة المنورة أعوام علی حالة التّأمل و التفکّر، وبعد تضرّعی لوجه الله وتوسلی بأرواح أهل العصمة وجددت النظر فی الأحادیث وکتب العامة وکتب الخاصة بنظرة دقیقة متعمقة متأملة حتی وفقنی الله- عز وجل- ببرکات سید المرسلین والأئمة الطاهرین- صلوات الله علیه وعلیهم أجمعین- فأجبته مؤتمراً طائعاً فألفت الفوائد المدنیة ولما عرضته علیه(المقصود أستاذه المیرزا محمد الأسترآبادی) أجابنی مستحسنا لما جاء فیه وأثنی علیّ بالجمیل دانش نامه شاهی، نقلاً عن مقدّمة الفوائد المدنیة: 13.

- فی الفصل الأوّل: یشکک فی جواز التّمسک بالاستنباطات الظنّیة فی الأحکام الإلهیة.

- فی الفصل الثّانی: یعمل علی إثبات انحصار مدرک الأحکام الشّرعیة- ما لم تکن من ضروریات الدّین والمذهب- فی السّماع عن الأئمة علیهم السلام .

- فی الفصل الثّالث: یقول بتعذر وجود مجتهد مطلق ویثبّت ذلک.

- فی الفصل الرّابع: یشکک فی انحصار الرّعیة وطوائف الناس فی اثنین، مجتهد أو مقلّد.

- فی الفصل الخامس: یبیّن أنّ الظنّ حاصلٌ فی کثیر من الموارد طبقاً لمذهب أهل السّنة، أمّا بناءً لنظریة الإمامیّة فلا حصول لهذا الظنّ.

- فی الفصل السّادس: یتعرض لإبطال ما فتحه العامة من أبواب للإجتهادات الظنّیة.

- فی الفصل السّابع: یقوم بتشریح مسألة "إلی من ترجع الناس فی القضاء والإفتاء".

- فی الفصل الثّامن: یتعرض للشّبهات والأسئلة الّتی أثیرت حول الأخباریین ویجیب عنها.

- فی الفصل التّاسع: یصحح أحادیث الکتب الأربعة؛ بمعنی أنّه یقوم بإثبات صحة الأحادیث الواردة فی هذه الکتب.

- فی الفصل العاشر: یوضّح جملة مصطلحات أُصولیّة ذکرها الشّهید الثّانی فی تمهید القواعد.

- فی الفصل الحادی عشر: یشیر إلی أخطاء المتکلمین المعتزلة والأشاعرة، ومن وافقهم.

- فی الفصل الثّانی عشر: یذکر مجموعة من أخطاء الفلاسفة.

- فی الخاتمة: یشیر إلی رزمة من الأُصول والقواعد الأساسیة عند الأخباریین.

یتبین لنا من فهرس الکتاب أنّ الفصول: الاوّل والثّانی والثّالث والرّابع، تتمیز بأهمیة فائقة نسبیاً، فهی تبین نظرة الأخباریین العامّة للإجتهاد وانتقاداتهم الأساسیة علی هذا المنهج.

کما یجدر الاهتمام بمقدّمة الکتاب، لأنّها تبین مدی اطّلاع الأمین الأسترآبادی ودقته فی نقل الآراء الأُصولیّة. وقد سبق أنّ تعرضنا لآرائه فی الأبحاث السّابقة.

2. الفیض الکاشانی (1007- 1091ه)

اشارة

ولد محمد بن مرتضی بن محمود المعروف بالمولی محسن فیض الکاشانی فی کاشان عام (1007ه) وبعد عمر من العطاء والبرکة وافته المنیة سنة (1091ه) فی "قمصر" من نواحی کاشان. ینتسب إلی عائلة جمیع أفرادها من کبار علماء الأدب والأخلاق والحکمة والفقه والأُصول. جده العلاّمة تاج الدّین الشّاه محمود بن علی الکاشانی الحکیم والمتألّه العارف.

ص:194

والده العلاّمة رضی الدّین الشّاه مرتضی، کان فقیهاً وأُصولیاً ومتکلّماً وشاعراً ومفسراً وأدیبا.

وصل الفیض الکاشانی إلی مراتب عالیة فی مختلف العلوم، کالحکمة والکلام والأخلاق والعرفان والتّفسیر والحدیث والفقه والأدب والشعر. (1)

أساتذته

درس علی الکثیر من الأساتذة، (2) منهم:

والده، العلاّمة رضی الدّین الشّاه مرتضی (1091ه).

صدرالدّین الشّیرازی، الفیلسوف المشهور وصاحب کتاب الحکمة المتعالیة.

السّید میر محمّدباقر الدّاماد.

الشّیخ البهائی.

المولی محمد صالح المازندرانی. والسّید ماجد البحرانی، الّذی درس علیه الحدیث.

تلامذته

تتلمذ علی یدیه طائفة، منهم:

ابنه، علم الهدی.

المولی محمّدباقر المجلسی صاحب بحار الأنوار.

السّید نعمة الله الجزائری، المحدّث المعروف.

القاضی سعید القمی، المتکلم المشهور،صاحب شرح توحید الصدوق.

المولی محمّدصادق الکاشانی القمصری.

مصنّفاته

وضع الفیض الکاشانی مصنّفاتٍ کثیرة، (3) یعدُّ بعضها من المصادر الأساسیة عند الشّیعة، منها:

1. الأصفی، الصّافی، المصفی، ثلاث کتب فی التّفسیر، الاوّل مختصر والثّانی مفصل والثّالث متوسط. وهی تفاسیر روائیة للقرآن الکریم.

ص:195


1- (1) . ریاض العلماء: 5 /180و181.
2- (2) . لؤلؤة البحرین: 121 و122.
3- (3) . لؤلؤة البحرین: 122- 131؛ أمل الآمل: 2 /305 - 306.

2. الإمکان والوجوب، رسالة فی الفلسفة باللغة الفارسیة.

3. جواب مسألة الوجود، وهو بحث فلسفی کلامی فی الاشتراک اللفظی والمعنوی للوجود.

4. سفینة النّجاة إلی طریق الحق وسبیل الهداة، ویعتبر فیه أنّ "الکتاب والسنة" مصدر للأحکام الشّرعیة، وأنّ التّمسک بغیرهما بدعة.

5. عین الیقین وعلم الیقین، (1) وهما کتابان فی الکلام.

6. الأُصول الأصیلة، کتاب فی نقد مبانی المجتهدین.

7. المحجّة البیضاء فی إحیاء الإحیاء للإمام الغزالی، والقسم الأکبر منه فی الأخلاق.

8. معتصم الشّیعة فی أحکام الشّریعة، کتاب غیر مکتمل فی الفقه.

9. الوافی، وقد صنّف فیه الرّوایات الّتی وردت فی الکتب الأربعة والرّوایات الأُخری، بشکلٍ منظمٍ، فی مقدّمة و (14) باباً وخاتمة.

بدأ الفیض الکاشانی حیاته، کغیره من العلماء والمجتهدین، فی تحصیل علوم الفقه والأُصول وتعلیمها، وکانت له أبحاث واسعة جداً فی الکلام والفلسفة، الّتی درسها علی ید الفیلسوف الکبیر الملا صدرا الشیرازی. لا شکّ أنّه درس هذه العلوم جیداً، وتبحر فیها، ویظهر ذلک من خلال المصنّفات الّتی وضعها فی العلوم نفسها.

ألّف فی شبابه کتاباً فی الأُصول فیه خلاصة المسائل الأُصولیّة (2) لکن روحه العطشی ما ارتوت بهذا المقدار، فذهب إلی التّفسیر والحدیث، وبذل جهوداً فی تحصیل العلوم وتألیف الکتب الحدیثیة والتّفسیریة. ثمّ جاء بعد ذلک دور العرفان والأخلاق حیث أولاهما عنایة بالغة؛ وما زال یشعر أنّ شیئاً ما لم یتمکن منه ولم یسکن قلبه بعد، وکان حذراً فی إبراز ما یجول فی خاطره. ویقول معبّراً عن ذلک:

«إنّها کانت برهة من الدّهر تطوف حوالی خاطری تطوافاً وتجول فی میدان قلبی تجوالاً، وإنّی کنت أصبر علی إبرازها هوناً لأنّی لم أجد علیها عوناً، فلم أقدر لها إلاّ حفظاً وصوناً حتی استشممت من کلام جماعة من متأخری أصحابنا الإیمان بها والإذعان لها (3)ثمّ

ص:196


1- (1) . له أیضاً کتاب آخر فی هذا المجال واسمه حق الیقین ویظهر أنّه غیر مطبوع.
2- (2) . نسب إلیه مؤلّف کتاب الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة، کتاباً أصولیاً باسم نقد أُصول الفقه کتبه فی مرحلة شبابه. الذّریعة: 24 /273، برقم 1409.
3- (3) . ویقصد هنا المحدّث الأسترآبادی.

ألفیت بعض فضلائهم مصرّحاً بأکثرها فی جملة خیالات مخترعة وآراء مبتدعة، عالیاً صوته فیه بالنداء بل غالیاً بکلامه فی الأداء حتّی کاد أنّ یخطئ الحق بالاعتداء ویفرط عن وسط الحق إلی جانب الرّدی فتجاسرت لإظهار وتمییز القشر من اللباب، إذ حان لی أنّ انطق نطق الحر، وأفصح عن الحق المر، ولا أخاف فی الله لومة لائم... .» (1)

وعلیه، شرع فی تألیف کتاب سماه الأُصول الأصیلة بیَّن فیه الأُصول والقواعد الّتی استفادها من القرآن الکریم وأخبار أهل البیت علیهم السلام ومن الشّواهد العقلیة؛ إلاّ أنّ الفقهاء المتأخرین لم یلتزموا بهذه الأُصول وطووا عنها کشحاً، ولو عملوا بها لسهلوا التّفقه فی الدّین ولرفعوا الکثیر من الشّبهات. أمّا عمل الأصحاب المتقدمین وأئمة الحدیث، کالصّدوقین والکلینی وأصحابهم فقد کان مطابقاً لأسس هذه القواعد، وهذا الأمر واضح عند مراجعة مصنّفاتهم. (2)

شرح الفیض الکاشانی فی کتابه الأُصول الأصیلة أصولاً وقواعد، کان المحدث الأسترآبادی بدوره قد بیَّن الکثیر منها. وقد بحث فیه حدود دائرة العقل، وأثبت قطعیة روایات الکتب الأربعة؛ وانتقد الإجتهاد المصطلح المأخوذ من اجتهاد العامة.

فالاطّلاع علی کتاب الأُصول الأصیلة وکتاب سفینة النجاة إلی طریق الحق وسبیل الهداة یُظهر أنّ الفیض الکاشانی کان آنذاک أخباریاً صلباً ومخالفاً للإجتهاد. (3) ویعتبره صاحب لؤلؤة البحرین أخباریاً صلباً انتقد المجتهدین کثیراً وطعن علیهم، خاصة فی کتابه سفینة النجاة حیث بالغ فی هذا الأمر إلی حدّ الغلو. (4) وقد طرح فی کتابه الأخیر مسائل مختلفة حول الإجتهاد والمبادئ الّتی اعتمد علیها الأُصولیون، فنّدها ورد علیها. وفی المقابل شرح مبانی الأخباریین واستعرض آراءهم.

ص:197


1- (1) . انظر: الفیض الکاشانی: الأُصول الأصیلة: 1 و2.(للتّنویه، لم یورد المؤلّف هذا النص بحرفیته فی المتن، وبعد المراجعة رأینا من الأنسب ذکر النص الأصلی). (المترجم)
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . من هنا یحتمل أن تکون ادعاءات بعض العلماء بأنّه کان أخباریاً معتدلاً ناشئةً من عدم اطّلاعهم علی آرائه، ولعلهم واجهوا الأمر من خلفیة عاطفیة (جناتی: أدوار الإجتهاد:340).
4- (4) . لؤلؤة البحرین: 121. (وهناک رأی یقول أنّ مسیرته العلمیّة لم تکن علی نهج واحد فیما یتعلق بمیوله الأخباریّة، ویظهر أنّه بدا إفراطیاً ثمّ نحا منحی الاعتدال أواخر حیاته وهذا بالتّالی انعکس أیضاً علی مؤلّفاته وآرائه بشکل عام). (المترجم)

3. الشّیخ الحرّ العاملی (1033- 1104ه)

اشارة

ولد أبوجعفر محمد بن حسن الحرّ العاملی عام (1033ه) فی إحدی قری جبل عامل. کان والده من علماء العصر، وأفراد عائلته أیضاً کانوا من العلماء والفقهاء والأدباء. توفی عام (1104ه) بعد عمر من الأعمال والجهود الواسعة لنشر أحادیث أهل البیت علیهم السلام والعلوم الدّینیة، ودفن فی مشهد الإمام الرّضا علیه السلام .

درس علی العدید من الأساتذة، منهم: (1)

جدّه، الشّیخ حسن الحر.

العلاّمة الشّیخ زین الدّین بن محمد بن حسن بن زین الدین.

العلاّمة محمّدباقر المجلسی، صاحب بحارالأنوار.

العلاّمة السّید هاشم البحرانی، صاحب تفسیر البرهان.

العلاّمة المحقق آغا حسین الخوانساری.

تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، (2) منهم:

العلاّمة الشّیخ محمدرضا، ابن الشّیخ الحر.

العلاّمة السّید محمد ابن أحمد الحسینی الکَیلانی، صاحب رسالة فی حکم صلاة الجمعة، أجازه الشّیخ فی الرّوایة.

العلاّمة المحدث المولی محمد صالح الهروی، أجازه الشّیخ فی الرّوایة.

العلاّمة میر محمد إبراهیم الحسینی القزوینی، الفقیه والمحدّث والرّجالی المشهور.

مصنّفاته

للحرّ العاملی مصنّفات عدیدة، (3) من أبرزها:

1. وسائل الشّیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، جمع فیه الرّوایات الفقهیة. ویعد هذا المصنّف من أهمّ المصادر الرّوائیة عند الفقهاء والمجتهدین.

2. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، طبع فی سبعة مجلدات، یعتبر هذا الکتاب دورة فی أُصول الاعتقاد بالاستناد إلی النصوص والرّوایات.

ص:198


1- (1) . انظر: مقدّمة إثبات الهداة: بقلم آیة الله المرعشی النجفی: ج1، ص (ح- ط).
2- (2) . انظر: المصدر السّابق.
3- (3) . انظر: أمل الآمل: 1 /142- 145؛لؤلؤة البحرین: 77- 79.

3. کتاب الفوائد الطّوسیة، وفیه مسائل مختلفة. بین فیه جانباً من میوله الأخباریّة.

4. أمل الآمل فی علماء جبل عامل.

5. الفصول المهمة فی أُصول الأئمة.

6. کتاب فی إثبات الوجوب العینی لصلاة الجمعة.

7. کتاب فی إثبات تواتر القرآن.

وضع الحرّ العاملی منظومات فی الفقه والکلام وأُصول الفقه وغیرها من العلوم؛ وشهد المترجمون دوّن استثناء علی جلالة قدره ومنزلته العلمیّة واعتبروه عالماً فاضلاً، محققاً، مدققاً، صالحا، موثقا، محدثاً فقیهاً، شاعراً وأدیبا. (1) فالمحقق البحرانی فی لؤلؤة البحرین قال عنه بأنّه عالم وفاضل، محدث وإخباری؛ (2) وعلیه، فالشّیخ الحرّ العاملی وإن اعتُبر فی زمرة الأخباریین، وکان کثیر الاهتمام بتدوین الأحادیث وتنظیمها، لکنّه کان أخباریاً معتدلاً؛ وآراؤه فی کتاب الفوائد الطّوسیة تظهر أنّه لم تکن لدیه النزعة الإفراطیّة الّتی تمیز بها بعض الأخباریین.

إضافة إلی الفوائد الطّوسیة، وضع کتاباً آخر باسم الفصول المهمة فی المبانی والأُصول، جمع فیه مختلف القواعد المنصوصة من قبل الأئمة المعصومین علیهم السلام فی أُصول الدّین، وأصول الفقه، والفروع الفقهیة. ونری فی قسم أُصول الفقه هذه الأبحاث: وجوب اتباع الأئمة، القیاس والرأی، الظنّ، الجمع بین الأحادیث، الإجماع، خبر الثّقة، تأخیر البیان عن وقت الحاجة، أخبار من بلغ، عدم جواز العمل بالمنامات فی أحکام الشّرع.

والشّیخ الحر- کبقیة الأخباریین- لا یجوِّز العمل بالإجتهادات الظنّیة، (3) ولا یقول بامتناع تأخیر البیان عن وقت الحاجة، ویقول أنّه ینبغی العمل بالاحتیاط خلال هذه المدة حتّی وصول حکم الشّرع. (4)

یقول بعدم جواز العمل بظاهر الکتاب للکشف عن الأحکام من دوّن تفسیر الأئمة علیهم السلام ، ونفس هذا الأمر یجری أیضاً بالنسبة لظواهر الأحادیث النبویة. وکذلک

ص:199


1- (1) . انظر: خاتمة مستدرک الوسائل: 1 /9؛ الفوائد الرضویة: 2 /473؛ ریحانة الأدب: 2 /31.
2- (2) . لؤلؤة البحرین: 76.
3- (3) . الفصول المهمة: 306 / الباب 18.
4- (4) . المصدر السّابق: 226- 229 / الباب 31.

العمل بالاستصحاب فی نفس الأحکام الشّرعیة، غیر جائز أیضاً من وجهة نظره. (1)

ینقل الشّیخ الحر روایات متناسبة مع مختلف الآراء الّتی یذکرها فی کتاب الفصول المهمة؛ ونحن هنا لن نذکرها رعایة للاختصار.

4. المیرزا محمد الأخباری (1178- 1232ه)

اشارة

هو محمد بن عبدالنبی النیشابوری، المعروف بالمیرزا محمد الأخباری، ولد عام (1178ه) فی الهند؛ سافر فی سنی شبابه إلی العتبات المقدّسة واشتغل هناک بتحصیل العلوم، ووصل إلی درجات علمیة متقدمة. کان عالماً، فاضلاً، جامعاً للمعقول والمنقول وکان ماهراً فی الفقه والأصول. مال إلی طریقة الأخباریین، وعمل علی مواجهة الأُصولیین وأهل الإجتهاد.

درس علی العدید من العلماء، منهم السّید السّند العلاّمة المیرزا محمّدمهدی الموسوی الشهرستانی، والمولی آغا محمّدباقر بن محمّدعلی، والشّیخ موسی بن علی البحرانی ونال منهم إجازة فی الرّوایة. کانت نهایة حیاته فی بغداد عام1232ه ، بتحریض داود باشا علی قتله.

مصنّفاته

وضع مصنّفات کثیرة، تربو علی الثّمانین، منها:

1. السّفینة، فی عشرة أجزاء.

2. المبین فی إثبات إمامة الطّاهرین.

3. الطّهر الفاصل بین الحق والباطل، فی بیان الفرق بین الأُصولیین والأخباریین.

4. قلع الأساس فی نقض أساس الأُصول و...

5. کلیات الرجال.

6. مصادر الأنوار فی الإجتهاد والأخبار.

کان المیرزا محمد الأخباری أخباریاً متعصباً ومفرطاً. له کتاب فی علم الرّجال، وفی قسم المیم منه، فی ترجمة ال- محمدیین، یضع نفسه سابعهم، وواجه الإجتهاد، وانتقد المتأخرین لانحرافهم عن طریق الصّواب. (2)

ص:200


1- (1) . المصدر السّابق: 234 / الباب 33، و236 / الباب 34، و267 و 268 / الباب69.
2- (2) . انظر: روضات الجنات: 7 /127.

شرح فی کتابه مصادر الأنوار بعضاً من أُصول ومبانی الأخباریین وانتقد آراء الأُصولیین فی موضوع الإجتهاد والظنّون و...

5. الشّیخ یوسف البحرانی (1107- 1186ه)

اشارة

ولد العلاّمة الشّیخ یوسف بن أحمد بن إبراهیم بن أحمد بن صالح البحرانی عام (1107ه) فی قریة ماحوز (فی البحرین). والده الشّیخ أحمد بن إبراهیم بن أحمد البحرانی من علماء عصره؛ تتلمذ علی الشّیخ سلیمان الماحوزی العالم والمحقق المشهور. درس المقدمات والفقه والأُصول علی أبیه، ثمّ سافر بعد مدة إلی إیران لمزید من التّحصیل والتّحقیق، وبدأ هناک تدوین کتابه الحدائق الناضرة. ولعدم ملائمة الظّروف فی ذلک الوقت عاد وهاجر إلی العراق واستقر فی کربلاء، واشتهرت حلقة درسه کثیراً وکانت مفعمة بالحیویة. وانتسب الکثیر من التلامذة إلی درسه ونهلوا منه العلم الکثیر.

توفی الشّیخ البحرانی عام (1186) فی کربلاء، بعد سنین من الجهد والعطاء لرفعة الدّین ونشر العلوم الإسلامیة. (1)

أساتذته

تتلمذ علی العدید من الأساتذة، ذکرهم فی کتابه لؤلؤة البحرین (2) علی الشکل التّالی:

والده، العلاّمة الشّیخ أحمد بن إبراهیم البحرانی.

العلاّمة الشّیخ أحمد بن عبدالله بن حسن بن جمال بلادی البحرانی (1137ه).

المحقق العلاّمة الشّیخ حسین بن الشّیخ محمد جعفر الماحوزی (1171ه). وکان من أبرز أساتذته فی الفقه والحدیث.

الشّیخ عبدالله بن علی بن أحمد بلادی البحرانی (1148ه).

تلامذته

تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، أبرزهم:

أبو علی محمّد بن إسماعیل الحائری مؤلّف الکتاب الرّجالی منتهی المقال.

ص:201


1- (1) . انظر: مقدّمة الحدائق الناضرة: تألیف السّید عبدالعزیز الطباطبائی: ص (ج- ی).
2- (2) . انظر: لؤلؤة البحرین: 443 - 444.

المحقق المشهور المیرزا أبوالقاسم الکیلانی القمی، صاحب القوانین فی أُصول الفقه.

السّید أحمد عطار البغدادی.

العلاّمة السّید علی الحائری، صاحب الرّیاض فی الفقه.

العلاّمة السّید مهدی بحرالعلوم.

المولی محمّدمهدی النراقی، صاحب مستند الشّیعة.

مصنّفاته

وضع الشّیخ البحرانی مصنّفات کثیرة، (1) من أهمها وأبرزها:

1. لؤلؤة البحرین، فی ترجمة علماء الإمامیة.

2. الحدائق الناضرة فی الفقه، یعتبر من أهمّ الکتب الفقهیة للشّیعة الإمامیة.

3. معراج النبیه فی شرح من لا یحضره الفقیه.

4. النفحات الملکوتیة فی الرّد علی الصوفیة.

5. رسالة فی تحقیق معنی الإسلام والإیمان.

6. الدرر النجفیة، وقد کتبها خلال فترة إقامته القصیرة فی النجف.

الشّیخ یوسف البحرانی عالمٌ، نحریرٌ، وفقیهٌ ماهرٌ، ومحدثٌ کبیر؛ أثنی علیه جمیع العلماء وشهدوا علی مقامه العلمی الشّامخ. ذکره تلمیذه أبوعلی الحائری فی رجاله بأنّه عالمٌ، فاضلٌ، ماهرٌ، متتبعٌ، محدث، ورع، عابد، صدوق، متدین، من کبار مشایخ الإمامیة وعلمائهم. (2) وقال عنه المحقق الخوانساری صاحب روضات الجنات: شیخٌ، فقیهٌ، ضابط لا مثیل له، وکتاباته لا نظیر لها. (3)

تمیز الشّیخ بمیوله الأخباریّة، وخالف الأُصولیین والمجتهدین فی کثیر من المسائل وخاصة فی بیان دائرة حجیة العقل. لکنّه بالطبع کان أخباریاً معتدلاً ومنصفاً، بمعنی أنّه جمع بین الرؤیتین الأُصولیّة والأخباریّة؛ وجرت بینه وبین المجدد الأُصولی الوحید البهبهانی فی القرن الثّالث عشر مباحثات ومناظرات کثیرة کانت أحیاناً تمتد لساعات طویلة، والکثیر من

ص:202


1- (1) . لؤلؤة البحرین: 445 - 450؛ مقدّمة الحدائق الناضرة، ص (ق- ذ).
2- (2) . أبوعلی الحائری: منتهی المقال: 7 / 75.
3- (3) . روضات الجنات: 8 /203.

تلامذة الوحید البهبهانی، درسوا وتتلمذوا علی ید البحرانی؛ وقد أوصی صاحب الحدائق الشّیخ الوحید البهبهانی بالصّلاة علی جنازته.

علی أی حال، شرح صاحب الحدائق أکثرَ آرائه الجدیدة،- فیما یتعلق بالإجتهاد والعقل والرّوایات والسّنة- فی مقدّمة مبسوطة ومفصلة وضعها علی کتاب الحدائق؛ وکذلک فی کتابه الدرر النجفیة. وصنّف أیضاً کتاباً تحت عنوان المسائل الشّیرازیة، وفیه دافع عن أسس الاتجاه الأخباری، وبین الفوارق بینه وبین الأُصولیین مدعماً ذلک بشواهد ومؤیدات روائیة. (1)

بالطبع، أصبح الشّیخ یوسف فیما بعد أکثر اعتدالاً، وأعاد النظر فی کثیر من آرائه. وفیما یلی مجموعة منها:

1. لأنّه کان أکثر اعتدالاً من الأخباریین السّابقین، فقد قال بحجیة العقل الفطری وحکم بمطابقته للشّرع.

2. عند تعارض الدّلیل العقلی الفطری مع دلیل عقلی آخر، یرجّح الدّلیلَ المؤیّد بدلیل نقلی. وکلّما تعارض دلیلٌ عقلی مع دلیل نقلی، یرجّح الدّلیل العقلی المؤیّد بدلیل نقلی وفی غیر هذه المسألة یرجّح الدّلیل النقلی. (2)

3. یصرّح فی المقدّمة الثّانیة عشرة من الحدائق الناضرة أنّ الکثیر من الاختلافات الّتی ذکرت بین الأخباریین والأُصولیین غیر صحیحة، ویقول أنّ بعض آراء الأخباریین الإفراطیّة أیضاً غیر مقبولة. (3)

4. یقول- کغیره من الأخباریین- بصحة وقطعیة أحادیث الکتب الأربعة، وهی مأخوذة من أُصول قطعیة سابقة، ویقیم علی ذلک الکثیر من الأدلّة والشّواهد. (4)

أبرز مصنّفات الأخباریین

وضع الأخباریون خلال فترة هیمنتهم علی الحوزات الشَیعیة کتباً کثیرة، جاء بعضها فی

ص:203


1- (1) . انظر: الحدائق الناضرة: 167، المقدّمة الثّانیة عشرة.
2- (2) . المصدر السّابق: 126- 133؛ والدرر النجفیة: 147 و148.
3- (3) . الحدائق الناضرة: 167 - 170.
4- (4) . المصدر السّابق: 14- 26، المقدّمة الثّانیة.

نقد الأسس الّتی استند إلیها المجتهدون من جهة، وفی إثبات آرائهم ونظریاتهم من جهة أُخری؛ وقسم آخر من الکتب، وضع لبیان الاختلافات بین الأخباریین والأُصولیین.

إضافة إلی ذلک، تناوّل بعضهم عدداً من المواضیع والنظریات الأخباریّة فی سیاق أبحاثهم وضمن مقدمات کتبهم الفقهیة وغیر الفقهیة. وفی ما یلی أسماء أهمّ الکتب الأخباریّة فی هذا المجال:

1. الفوائد المدنیة، وقد تقدم ذکره، فهذا الکتاب اوّل وأهمّ کتاب وضعه مؤسس التیار الأخباری محمد أمین الأسترآبادی لتثبیت الاتّجاه الأخباری، وکان له الأثر الکبیر علی أوضاع الحوزات والعلماء فی ذلک الوقت.

2. الأُصول الأصیلة، من تألیف الفیض الکاشانی وتمّت الإشارة إلیه سابقاً.

3. سفینة النجاة إلی طریق الحق وسبیل الهداة، کتاب آخر للفیض الکاشانی یعتبر فیه طریقة الأخباریین بدعة، ویحصر مصادر الکشف بالکتاب والسّنة.

4. الفوائد الطّوسیة للحرّ العاملی، هذا الکتاب وإن کُتب أساساً وبشکل مستقل لبیان نظریة الأخباریین، واحتوی أیضاً علی مسائل أخری، لکنه یعد من الکتب المهمة والواضحة فی معرفة الأخباریین.

5. الفصول المهمة، للشّیخ الحرّ العاملی، وقد مرّ توصیفه، وهو من الأعمال الإبتکاریة لهذه المرحلة؛ لأنّه جمعت فیه وللمرة الأولی روایات أئمة أهل البیت علیهم السلام حول الأُصول الکلیة للإجتهاد والکشف عن الحکم الشّرعی. ثمّ قام بعض العلماء بعد ذلک، ووضعوا کتباً علی هذا الطّراز مقلّدین الحرّ العاملی بذلک.

6. مقدّمة الحدائق الناضرة، للشّیخ یوسف البحرانی، وقد اشتمل فی الواقع علی رؤی وأفکار إخباریّة أکثر اعتدالاً مقارنة بالأخباریین السّابقین.

7. الطهر الفاصل، من تألیف المیرزا محمد الأخباری، وفیه یُبین الاختلاف بین مبانی الأُصولیین والأخباریین.

8. منبع الحیاة، للمحدّث الجزائری. (1)

ص:204


1- (1) . الکتابان الأخیران وأیضاً «سفینة النّجاة» من إضافات المؤلّف فی تصحیح الکتاب.

النّتائج والآثار الإیجابیّة والسّلبیّة للنزعة الأخباریّة

اشارة

علی الرّغم من أنّ هذه الحرکة أدّت إلی رکود الإجتهاد وألحقت الکثیر من الأضرار بالحوزات الشّیعیة؛ إلاّ أنّ الإنصاف، أنّها حملت معها ثماراً إیجابیّة أیضاً، بعضها علی مستویً کبیرٍ من الأهمیة. وهنا سنقوم بسرد بعض النّتائج الإیجابیّة لهذه النزعة ثمّ نعطف علیها جملة من آثارها السلبیّة:

الآثار الإیجابیّة للإتّجاه الأخباری

1. تألیف الجوامع الرّوائیة

مع ظهور النزعة الأخباریّة والتّأثیر الّذی ترکته لجهة الاهتمام الشّدید بالرّوایات والمتون الرّوائیة؛ انصرفت جماعة من علمائهم إلی جمع الرّوایات وتبویبها من جدید، حیث تمیزت بدقة عالیة فی التّبویب والتّنظیم، وبسعة وشمولیة مقارنةً بالجوامع السّابقة (الکتب الأربعة)؛ (1) وکان من أبرزها:

أ) بحار الأنوار، من تصنیف المحدث الکبیر والفقیه القدیر الملا محمّدباقر المجلسی (1037- 1110ه)، وهو مصنّف ضخم ومبسوط، طبع فی (110) مجلدات من الحجم الوزیری. سعی العلاّمة المجلسی إلی جمع مختلف الأحادیث بتصنیف موضوعی دقیق وأورد عقب کلّ حدیث ما یحتاجه من توضیح وشرح مناسب.

ب) الوافی، تألیف العلاّمة محسن الفیض الکاشانی، جمع فیه الرّوایات ضمن مجالات متعددة، فی الأُصول والفروع والسُّنن والأحکام، شارحاً بعضها.

ج) وسائل الشّیعة إلی تحصیل الشّریعة، من تصنیف المحدث الکبیر الشّیخ محمد بن حسن بن علی المعروف بالحرّ العاملی، وقد احتوی علی جمیع الأحادیث الفقهیة الموجودة ضمن الکتب الأربعة وسبعین کتاباً آخر.

ص:205


1- (1) . بعض العلماء- کالشهید الصّدر فی کتاب المعالم- لا یقبلون هذا السّبب علی أنّ الأخباریّة وراء تألیف الجوامع الرّوائیة؛ وهذه الرّؤیة غیر منصفة بحق الأخباریین إلی حد ما، لأنّ اهتمامهم الکبیر بجمع الرّوایات وضبطها، مهد الأرضیة المناسبة لذلک، بل کان العامل الأساسی وراء تألیف هذه الکتب. إضافة إلی أن المصنّفین أنفسهم هم من الأخباریین، حتی أنّ بعضهم کالسّید البحرانی والفیض الکاشانی کانا من متشددی الأخباریین.

د) تفسیر البرهان، من تألیف المحدّث الکبیر السّید هاشم البحرانی (1107ه) وقد فسر آیات الکتاب الحکیم علی ضوء روایات أهل البیت علیهم السلام ، وجمع فی نهایة کلّ آیة ما قاله الأئمة علیهم السلام فی تفسیرها.

ه)إثبات الهداة، للحرّ العاملی، تناوّل فیه المسائل العقائدیة وشرحها عبر جمع ونقل الرّوایات الواردة عن أئمة أهل البیت علیهم السلام . طبع هذا الکتاب فی سبعة مجلدات من الحجم الوزیری.

إضافة إلی الآثار الرّوائیة الّتی وضعوها، فقد مهد الأخباریون الأرضیة المؤاتیة للأصولیین والفلاسفة- کصدر المتألهین والمولی صالح المازندرانی- وأوجدوا لدیهم الحوافز للقیام بشرح الجوامع الرّوائیة وتفسیرها- إلی جانب أعمالهم الأُصولیّة والفلسفیة - ، وسعوا إلی تثبیت نوع من الانسجام والتّوافق بین منظومتهم الفلسفیة وکلام المعصومین علیهم السلام .

2. الحدّ من بعض التّفسیرات الإفراطیّة للإجتهاد

کان من جملة الفوائد غیر المباشرة للإتّجاه الأخباری، إلتفات الأُصولیین الشّیعة إلی بعض الانحرافات غیر المحمودة الّتی وردت إلی الإجتهاد الشّیعی ووقفوا بوجهها؛ فمنذ القرن السّابع الهجری وما بعد، دخلت إلی الأُصول الشّیعی حفنة من المصطلحات والمفاهیم السّنیّة؛ بمعنی أنها شکّلت انحرافاً علی مستوی البحث الأُصولی الشّیعی، وساعدت فیما بعد علی انحرافات لاحقة.

وکان من نماذج هذه المفاهیم، التّعریف الاصطلاحی للإجتهاد بالکشف الظنّی عن الأحکام، الّذی أدخله العلاّمة الحلّی علی أُصول الفقه الشّیعی. فالانتقادات الّتی وجهها الأخباریون لهذا النمط من المسائل دفع بالأُصولیین إلی التّدقیق أکثر فی المسألة والوقوف أمام الانحرافات المحتملة بشأنها.

فعلی سبیل المثال، تفطن الفاضل التّونی، الّذی عاش فی عصر ذروة صعود الأخباریّة، إلی هذه النقطة، وقدّم تعریفاً آخر للإجتهاد کی یتجنب انتقادات الأخباریین (1)، ثمّ بعد ذلک جاء الوحید البهبهانی الّذی عالج المسألة بدقة عالیة، وبیّن أنّ الأُصولیین لا یقولون بحجیة الکشف الظنّی المطلق، بل یقولون بالظنّون الخاصّة الّتی لها مدارک وأدلّة شرعیة وقطعیة؛ وعلیه یؤول حال هذه الأحکام الظنّیة- من هذه الجهة- إلی العلم مع الواسطة. (2)

ص:206


1- (1) . الفاضل التّونی: الوافیة: 244.
2- (2) . الوحید البهبهانی: الرسائل الأُصولیة: 23- 66.
3. دفع الأُصولیین إلی المزید من توضیح القواعد والأُصول وتنقیحها

کانت إشکالات الأخباریین فی کثیر من المواضع تشیر إلی عدم فهمهم الصّحیح للمسألة الأُصولیّة الّتی کانت محل نقاش ورد منهم؛ وهذه النقطة تشیر أیضاً إلی أنّ المسائل الأُصولیّة لم تکن تتمتع بالشّفافیة والوضوح الکافی؛ ما دفع الأُصولیین لإیلاء هذه المسائل وکذلک المصطلحات الأُصولیّة المزید من الاهتمام تدقیقاً وتنقیحاً وشرحاً.

وما قدّمه الأُصولیون من توضیحات وشروح، فی موضوع الأمارات والظنّون الشّرعیة المعتبرة، وکذلک اهتمامهم الکبیر بمسائل الأُصول العملیة هی من هذا القبیل؛ ولعلّ ابتکار الأبحاث المتعلقة بالدّلیل الفقاهتی نشأت من هذه الجهة.

4. جمع وتألیف الکتب الرّوائیة فی باب القواعد والأُصول المقبولة للکشف عن الحکم.

من الجهود الّتی بذلها الأخباریون اهتمامهم بالرّوایات الّتی تبین الأُصول العامة لفهم وکشف الأحکام. وقد سعوا لجمع هذه الرّوایات وبیانها بشکل منسجم؛ ک "الفصول المهمة فی أُصول الأئمة" للشّیخ الحرّ العاملی، وأصول آل الرسول الأصلیة للسّید هشام الخوانساری.

النّتائج السّلبیّة والهدّامة للإتّجاه الأخباری

1. کان سد باب الإجتهاد ورکوده المطبق الّذی ساد لقرنین من الزّمن من الضّربات القاسیة الّتی ألحقها الأخباریون بالحوزات العلمیّة للشّیعة، وقد أضروا کثیراً بالإجتهاد الصحیح المقبول لدی الأئمة علیهم السلام ، أدی إلی توقفه عن النمو؛ ولفداحة هذه الضّربة ما زلنا إلی الآن نشاهد بعض آثارها السلبیّة.

2. سیطر الجمود والفکر المتحجر علی الاتّجاه الأخباری، إلی حدّ أنّه لو صدقت بعض الحوادث المنقولة عنهم فی هذا المجال لبعثت علی الاشمئزاز؛ وقد اقتصروا فی أبحاثهم ومناقشاتهم علی ظواهر الرّوایات، و لم یکونوا علی استعداد للبحث والتّأمل فیها.

3. منع التّیار الأخباری من الرّجوع إلی ظواهر الکتاب استقلالا، وأقفلوا أمامهم هذا الطّریق، وأضاعوا حجیة الفهم من القرآن. فأی ضربة أکثر فظاعة من تلک الّتی ألحقوها بهیبة القرآن الکریم؛ فهم لم یخدموا القرآن فی هذا العمل وحسب، وإنّما أعدوا الأرضیة للعزوف عنه وهجره بحجة الاهتمام بالرّوایات والأحادیث.

ص:207

4. سأهم الأخباریون بقبولهم جمیع روایات الکتب الأربعة، فی دخول الکثیر من الانحرافات إلی الدّین الإسلامی ومذهب التّشیع، عن طریق الرّوایات الضّعیفة والموضوعة الّتی کتبت ودست من قبل الوضّاعین.

5. تسبب الأخباریون فی إظلال بعض الناس العادیین بحیث بتنا نشاهد الیوم بعضهم یرجع من تلقاء نفسه- بحجة عدم جواز الإجتهاد أو الرجوع إلی المجتهد- إلی الکتب الرّوائیة مباشرة لتحصیل المسائل الشّرعیة! فهل من الممکن لإنسان غیر متخصص، أنّ یستخرج وبمفرده ما یحتاجه من أحکام من بین کلّ تلک الرّوایات المسبوکة والمختصرة، وأحیاناً المتعارضة والمتشعبة.

خلاصة الدّرس

1. ظهر تیار فکری باسم "الأخباریّة" أوائل القرن الحادی عشر بزعامة محمد أمین الأسترآبادی، سیطر علی الحوزات العلمیّة الشّیعیة بسرعة واستمر قرابة قرنین من الزمن؛ وهؤلاء لم یروا حجیة للإجتهاد المصطلح والکشف الظنّی عن الأحکام، وقالوا أنّ أصحاب الأئمة لم یعهد أنّ عملوا بهذا الأسلوب فی معرفة الأحکام.

2. فی عقیدة الأخباریین، الإجماع والکتاب والعقل خارج مصادر الحکم الشّرعی؛ وسُنّة الأئمة المعصومین علیهم السلام هی المصدر الوحید للکشف عن الحکم، ویعتبرون أنّ روایات الکتب الأربعة قطعیة.

3. أشهر علمائهم: الفیض الکاشانی، عبدالله السماهیجی، المیرزا محمد الأخباری، الشّیخ الحرّ العاملی، السّید نعمة الله الجزائری، والمحدّث البحرانی، وعلی رأسهم الأسترآبادی.

4. وضع الأخباریون کتباً کثیرة لشرح وتثبیت آرائهم، وأیضاً فی نقد أُصول وقواعد الأُصولیین ومن أبرز هذه المصنّفات: الفوائد المدنیة، الأُصول الأصیلة، سفینة النجاة، الفصول المهمّة، الفوائد الطّوسیة، ومقدّمة الحدائق الناضرة.

5. کان تألیف جوامع روائیة جدیدة من الآثار والنتاجات الإیجابیّة لهذه المرحلة، وکان الأخباریون العامل الممهد لظهور هذه الجوامع.

6. من أبرز النقاط السّلبیّة لهذه المرحلة: رکود الإجتهاد وعدم تطوّره لقرنین من الزمن، وضع القرآن جانباً، والاستخفاف بدور العقل فی فهم المسائل والکشف عن الأحکام الشّرعیة.

ص:208

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. ما هی العوامل الأُخری الّتی لعبت دوراً فی نشوء التّیار الأخباری (الّتی لم تذکر فی الدرس)؟

2. هل یمکن توجیه مبانی الاتّجاه الأخباری أو تصحیحه؟ وکیف لو کان ممکنا وإلاّ فبأی دلیل؟

3. ما هو الأُسلوب الأفضل لتحلیل الاتّجاه الأخباری ونقده؟

4. هل هناک فوائد أو سلبیات أُخری لحرکة الأخباریین؟ غیر مذکورة فی الدّرس.

بحث و تحقیق

1. یدّعی بعض العلماء أنّ التّفکیر الحسی لدی الأخباریین مأخوذ من أصالة الحس عند الأوروبیین. هل توافق هذه الرؤیة؟ للإجابة قم بدراسة مستندة إلی أدلة. واذکر شواهد کافیة علی رؤیتک لهذا الأمر.

2. قم بدراسة حول عدد من الأخباریین المذکورین فی الدّرس، سیرتهم، أحوالهم، آثارهم وأفکارهم؟ مستعیناً بتوجیه الأستاذ المحترم.

ص:209

ص:210

الدّرس التّاسع: المرحلة الرّابعة: قیام الحرکة الأخباریّة و ضعف الأُصول(2)

اشارة

(أوائل القرن 11 إلی أواخر القرن 12ه)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

التّعرف علی الشّخصیات الأُصولیّة لهذه المرحلة.

دراسة وتقییم تصنیفات المرحلة.

إطلالة علی أُصول أهل السُنة.

خصائص هذه المرحلة.

ص:211

ص:212

الشّخصیات الأُصولیّة

اشارة

علی الرّغم من سیطرة الأخباریین المطلقة علی الحوزات العلمیّة الشّیعیة وعلی مناهج العلوم الدّینیة طوال القرنین الحادی عشر والثّانی عشر، ومن خالفهم فی هذا المسلک کان عرضة لهجومهم ونقدهم اللاّذع، وأجازوا بحقه التّعنیف والجفاء؛ مع هذا کلّه،کانت جماعة من العلماء ما تزال تحث الخطی سائرة وفق المنهج الإجتهادی، تدافع عنه بلا هوادة؛ وکان لعملهم هذا الأثر الکبیر فی بقاء علم الأُصول محافظاً علی وجوده أثناء مرحلة الرّکود والتّوقف؛ وعلیه یستحق هؤلاء التّقدیر والثّناء علی ما قاموا به من أعمال. فیما یلی نتابع الحدیث حول مجموعة من هؤلاء العلماء الکبار، مصنّفاتهم وأفکارهم:

1. سلطان العلماء (1001- 1064ه)

اشارة

ولد السّید حسن بن المیرزا رفیع الدّین محمد المرعشی فی أصفهان عام1001ه، اشتهر بسلطان العلماء وب- "خلیفة السلطان"؛ هو صهر الشّاه العباس الصّفوی، وصل إلی منصب الوزارة وبقی لسنوات وزیراً فی الحکومة الصّفویة. (1)

کان سلطان العلماء عالماً نحریراً، عرّفه صاحب الرّیاض بأنّه فاضل، عالم، محقق، مدقق، جامع فی أکثر الفنون وشاعر. (2) توفی سنة (1064ه) فی مازندران، أثناء عودته برفقة الشاه عباس الثّانی (الصفوی) من فتح قندهار. (3)

ص:213


1- (1) . ریحانة الأدب: 3 /56 - 57.
2- (2) . ریاض العلماء: 2 /52.
3- (3) . المصدر السّابق.
أساتذته ومصنّفاته

أخذ علومه عن أبیه، ودرس أیضاً عند علماء آخرین، منهم الشّیخ البهائی، والعلاّمة السّلطان حسین الیزدی الندوشنی؛ وتتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، من أبرزهم العلاّمة حسین الخوانساری. وضع مصنّفات کثیرة، ذُکِرت فی کتب التّراجم. (1) منها:

آداب الحج.

توضیح الأخلاق، وهو تلخیص لکتاب أخلاق الناصری لِخواجه نصیرالدّین الطّوسی.

حاشیة علی حاشیة الخفری علی شرح تجرید القوشجی.

حاشیة علی شرح اللمعة للشّهید الثّانی.

حاشیة علی من لا یحضره الفقیه.

حاشیة علی شرح مختصر الأُصول للعضدی فی أُصول الفقه.

حاشیة علی معالم الدّین فی أُصول الفقه.

کتب حاشیتین فی أُصول الفقه، حسب قول کتَّاب الترجمة:

الأولی: حاشیة شرح المختصر للعضدی وقد کتبه لابنه.

الثّانیة: حاشیة معالم الدّین، وقد طبعت مرات عدة مع کتاب المعالم مضافاً إلیها حواشی المولی صالح.

له أیضاً کتاب فی شرح زبدة الأُصول للشّیخ البهائی، وقد أشار إلیه صاحب الروضات. (2)

2. الفاضل التّونی (1071ه)

اشارة

ولد المولی عبدالله بن محمد التّونی البشروی المشهور ب- "الفاضل التّونی" فی إحدی بلدات قهستان من نواحی خراسان. بدأ تحصیله العلمی فی أصفهان، ثمّ سافر بعد مدة إلی مشهد الإمام الرّضا علیه السلام واشتغل هناک بالتّعلیم و التّألیف. سافر أواخر عمره قاصداً العتبات المقدسة للزیارة، وخلال سفره التقی فی قزوین بالمولی خلیل القزوینی وتحاور معه. توفی فی کرمانشاه قبل وصوله إلی العتبات المقدسة فی سنة (1071ه) ودفن هناک. 3 وکان زاهداً تقیاً؛

ص:214


1- (1) . روضات الجنات: 2 /348.
2- (2) . ریاض العلماء: 54 و55؛أمل الآمل: 2 /92.

ومن العلماء الکبار فی الفقه والأصول، یقول عنه الشّیخ الحرّ العاملی: صالح زاهد، عالم، عابد فاضل، ماهر وفقیه. (1)

مصنّفاته العلمیّة

(2)

- شرح الإرشاد فی الفقه (کتاب إرشاد الأذهان للعلاّمة الحلّی).

- رسالة فی الجمعة، ویقول فیها بعدم جواز صلاة الجمعة فی عصر الغیبة. (3)

- تعلیقات علی مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام.

- حاشیة علی إرشاد العلاّمة الحلّی.

- فهرس تهذیب الأحکام للشّیخ الطّوسی.

- حاشیة علی معالم الأُصول.

- الوافیة فی أُصول الفقه، وهو الکتاب الوحید الموجود بین أیدینا.

مصنّفاته الأُصولیّة

وضع الفاضل التّونی- کما جاء فی کتب التّراجم- کتابین فی الأُصول:

الأوّل: حاشیة علی معالم الدّین، یصعب الحصول علیه، لکن صاحب الرّوضات یصف هذا الکتاب بأنّه جید جداً. (4)

والثّانی: کتاب الوافیة، وقد صنّفه خلال مرحلة الرّکود الّتی أصابت علم الأُصول، وهو الکتاب الوحید المتداوّل بین الأیدی. لهذا الکتاب فضل کبیر علی الأُصولیین فی بقاء هذا العلم؛ فقد بحث فیه بدقة متناهیة انتقادات الأخباریین للأُصول، ورد علیها بأُسلوب منطقی، وبذل جهوداً کبیرة لرفع الشّبهات الّتی ظهرت - من خلال شرح المبانی والاصطلاحات الأُصولیّة وتنقیحها- وأحیاناً کان یدعمها بأدلّة جدیدة. ویمکن التّعرف علی نماذج من جهوده وابتکاراته عند مراجعة أبحاث من قبیل الإجتهاد والتّقلید والظنّون والخبر الواحد وحجیة الظواهر.

ص:215


1- (1) . أمل الآمل: 163.
2- (2) . انظر أمل الآمل: ریاض العلماء: 3 /237و238،روضات الجنات: 4 /244- 246.
3- (3) . ریاض العلماء: 2 /237
4- (4) . روضات الجنات: 4 /245.

جاء کتاب الوافیة فی مرحلة رواج التّعلیقات وازدهار الشّروح علی مؤلّفات العلماء الماضین؛ ومع ذلک فهو کتاب مستقل فی علم أُصول الفقه أوجد تحوّلاً وتجدیداً فی هذا العلم علی مستوی الشّکل والمضمون. من هنا یمکن عدّه- وبحق- من أهمّ الکتب الأُصولیّة فی تأریخ هذا العلم. والمثیر فیه، أنّه وضع فی مرحلة کان الجمیع یتجنبون الأُصول وینعتونه بالسّوء.

کما أشرنا، عرض الفاضل التّونی المسائل الأُصولیّة فیه بتبویبٍ وتنظیم حدیثین. ولم یکن لهذه التّحولات الّتی أوجدها مثیلاً ولا سابقة علی الإطلاق حتّی ذلک الوقت، ولا یقارن بأعمال من سبقه فی التّنظیم والتّبویب. وقد سعی الفاضل التّونی من خلال هذا التّبویب إلی:

أوّلاً: الحفاظ علی التّرابط المنطقی بین المسائل.

ثانیاً: التّفکیک والفصل بین المسائل المرتبطة بأدلّة مختلفة شرعیة وعقلیة.

ثالثاً: عدم خلط المسائل اللفظیة والعقلیة مع بعضها.

رابعاً: حذَف المسائل الغریبة عن الأُصول إلی حدّ الإمکان وبحثها فی مقدّمة الکتاب.

نُظّم الکتاب فی مقدّمة وستة أبواب، جاءت علی الشّکل التّالی:

- المقدمة: طرح فیها أبحاثاً مرتبطة بتعریف علم الأُصول، والحقیقة والمجاز، ودوران اللفظ بین الحقیقة والمجاز والنقل والتّخصیص والاشتراک والإضمار والمشتق.

- فی الباب الأوّل: تناول فیه مسائل الأمر والنهی، مع حذف الأبحاث العقلیة الّتی اعتاد العلماء السّابقون طرحها داخل هذا القسم.

- فی الباب الثّانی: بحث فیه العام والخاص.

- فی الباب الثّالث: الأدلة الشّرعیة (الکتاب، الإجماع والسُّنة).

- فی الباب الرّابع: تناوّل الأدلة العقلیة، وقسمها إلی سبعة أقسام:

القسم الأول: المستقلاّت العقلیة.

القسم الثّانی: استصحاب حال العقل.

القسم الثّالث: أصالة النفی أو البراءة الأصلیة.

القسم الرّابع: الأخذ بالقدر المتیقن.

القسم الخامس: التّمسک بعدم الدّلیل.

القسم السّادس: استصحاب حال الشّرع.

ص:216

القسم السّابع: التلازم بین الحکمین، فی خمس مسائل: مقدّمة الواجب، اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضده، المنطوق غیر الصریح، المفاهیم، القیاس.

- فی الباب الخامس: بحث الإجتهاد و التّقلید.

- فی الباب السّادس: بحث التّعادل والتّراجیح.

لو قارنا بین تبویب کتاب الوافیة وکتاب معالم الدّین الّذی ألّف قبله بعشرات السّنین، لتبین بوضوح کم یتمیز عنه فی التّبویب المنطقی والتّنظیم الدّقیق والتّرقیم؛ فکیف إذا قارناه بکتب الماضین، فسیبدو کتاباً جدیداً ومختلفاً عنها اختلافاً تاماً. فمن إبداعات المصنّف المهمّة فی الوافیة، أنّه فصل أدلّة الحکم عن مصادر الحکم وبحث کلاً منها بشکل ترتیبی؛ (1) بحیث فصل الأدلة الشّرعیة عن الأدلّة العقلیة؛ وجمع الکثیر من الأبحاث العقلیة المتفرقة الّتی تناولها العلماء السّابقین بشکل متداخل مع غیرها، وأفردها فی بحث مستقل؛ وهذا عمل سدید جدیر بالثّناء والتّقدیر.

لما کان کتاب الوافیة قد أوجد تحولاً فی أُصول الفقه من نواحٍ عدة، لجهة المحتوی والمنهج والأسلوب، فقد أصبح محل اهتمام کبیر من المجتهدین والأصولیین، فکتبوا علیه شروحاً وتعلیقات کثیرة، من أبرزها:

ص:217


1- (1) . یقول محقق کتاب الوافیة محمّدحسین الرّضوی الکشمیری فی مقدّمة الکتاب: والمؤشر الآخر علی عقلیته الإبتکاریة هی المنهجیة الجدیدة الّتی مشی علیها فی کتابه الوافیة حیث وضع للمباحث الأُصولیّة تبویبا لم نعهده عند المتقدمین علیه. وانفرد بعدّة آراء لم یسبقه إلیها أحد... إن کانت الذّریعة معبّرة عن قمّة ما وصل إلیه هذا العلم فی عصر السّید المرتضی، والعدّة فی عصر شیخ الطائفة الطوسی، والمعارج فی عصر المحقق الحلّی، والنهایة والتّهذیب والمبادئ فی عصر العلاّمة الحلّی، ومقدّمة المعالم فی عصر المحقق الشّیخ حسن، فإن الوافیة تمثّل القمة فی التطور الأُصولی الّذی ارتقی إلیه فی القرن الحادی عشر الهجری لدی الأُصولیین من الإمامیة.. فإنّ مقارنة سریعة بینها وبین ما تقدمها لیکشف عن ذلک بوضوح. فمن ینتقل من مراجعة المعالم إلی الوافیة یشعر بتحوّل وتطور، ویلاحظ نقلة فی المستوی والأفق الّذی یدفع بالقلم لرسم تلک السطور، ولیس مجرّد تبدّل فی الرّأی، أو تغییر فی المبنی. وبکلمة مختصرة: یلاحظ المقارن بین الکتابین اختلافاً فی المنهجیة، وفی نمط التفکیر، وصیاغة المطالب، والدخول إلی البحث من مسلک لم یعهد من قبل، واعتماداً علی معاییر لم یلتفت إلیها من سلف. وتری المصنّف فی الوافیة قویّ الحجّة، بعید النّظر، یختار الرّأی الصائب فی المسألة، دوّن أن یتقیّد بما ذکروه دلیلاً علیه بل قد لا یکتفی بما أورده الأُصولیون علی المدّعی من الأدلة إن رآها سلیمة بل یبتکر دلیلاً خاصا، کما فعل فی حجیة خبر الواحد، وقد یوافق الآخرین فی الرّأی ولکن لا یرتضی ما أقاموه حجة علیه، فیردها، ویسوق لذلک الرّأی برهانا آخر. وبهذا یخرج عن طور التّبعیّة والتّقلید، ویسلک مسلک التّحقیق والتّأسیس. (المترجم).

شرح الوافیة، تألیف العلاّمة السّید جواد العاملی، صاحب مفتاح الکرامة فی الفقه. (1)

شرح الوافیة، تألیف السّید بحرالعلوم، وهو کتاب غیر مکتمل. (2)

شرح الوافیة، تصنیف السّید محسن بن حسن الأعرجی الکاظمی وهو شرح مفصل، وله أیضاً شرح مختصر علی الوافیة بعنوان المحصول فی شرح وافیة الأُصول. (3)

خلاصة أفکاره وابتکاراته الأُصولیّة

1. فی بحث دلالة صیغة الأمر: یقول بدلالة الأمر علی القدر المشترک بین الوجوب والندب الّذی هو: الطلب، ولکن صیغة الأمر فی الشّرع تدل علی الوجوب عند فقدان القرائن الدالة علی الندب. (4)

2. فی بحث اقتضاء النهی فساد المنهی عنه: یقول باقتضاء النهی عن الشّیء فساد المنهی عنه مطلقاً؛ سواء فی العبادات أو المعاملات. (5)

3. فی خبر الواحد: یدّعی الفاضل التّونی أنّه لم یصرح أحد قبل العلاّمة الحلّی بحجیة خبر الواحد، حتّی أنّنا لا نجد للشّیخ الطّوسی نفسه کلاماً شفافاً حول هذا الموضوع. لکن العلاّمة الحلّی، کما علیه جمهور العامّة، قال بحجیة خبر الواحد ثمّ جاء متأخر و علماء الإمامیة بعده وأخذوا هذا الرّأی. والفاضل التّونی نفسه أخذ به أیضاً، وأضاف دلیلاً عقلیاً إلی الأدلّة المذکورة علیه، وهذا الدّلیل مبنی علی أنّنا نقطع ببقاء التّکالیف إلی یوم القیامة؛ کالصّلاة والزّکاة والحج، وغیرها؛ مع أنّ أکثر شروط هذه التکالیف، وأجزائها وموانعها ثابتة عن طریق الأخبار غیر القطعیة. ولو لم تکن هذه الأخبار حجة، لخرجت هذه التّکالیف عن حقیقتها ولا یعلم أجزاؤها وشروطها، ومن ینکر هذه الأخبار، فهو ینکرها باللسان، وقلبه مطمئن بحجیتها. (6)

ص:218


1- (1) . الذّریعة: 14 /166.
2- (2) . المصدر السّابق: 14 /167.
3- (3) . المصدر السّابق.
4- (4) . الوافیة: 68.
5- (5) . المصدر السّابق: 101.
6- (6) . المصدر السّابق: 159. (سیرة الأصحاب من الأدلّة الّتی یذکرها أیضاً فیقول: أنّا نقطع بعمل أصحاب الأئمة علیهم السلام وغیرهم ممّن عاصرهم- بأخبار الآحاد، بحیث لم یبق للمتتبّع شکّ فی ذلک، ونقطع بعلم

4. بحث الاستصحاب: أشار الفاضل التّونی لاوّل مرّة إلی صحیحة زرارة الثّالثة الواردة فی مسألة الشکّ بعدد الرکعات فی الصّلاة، الّتی من الممکن استخدامها لإثبات حجیة الاستصحاب، وناقش هذه الرّوایة. وذکر أیضاً صحیحتی زرارة الأخریین وغیرها من الرّوایات فی باب الاستصحاب؛ وبحث فی دلالتها. 1

5. بحث الإجتهاد: عنِیَ به وبین أسسه ومبانیه، وقدّم تعریفاً إبداعیاً له جدیر بالاهتمام. حیث یقول فی تعریف الإجتهاد: أنّه صَرف العالم بالمدارک وأحکامها نظره فی ترجیح الأحکام الشّرعیة الفرعیة. 2 وبمقارنة هذا التّعریف مع تعریف العلاّمة الحلّی، یظهر مدی التّفاوت بینها وامتیاز الأخیر عنه.

3. المولی محمد صالح المازندرانی (1081ه)

اشارة

هو مولانا حسام الدّین محمد صالح بن أحمد المازندرانی صهر العلاّمة محمّدتقی المجلسی. أتمّ تحصیله العلمی فی أصفهان، ووصل إلی درجات علمیة متقدمة. یعتبره صاحب ریاض العلماء: عالماً فاضلاً ومحققاً، 3 وهذا التّوصیف نفسه یذکره صاحب کتاب أمل الآمل. 4

یعتبره المحقق الأردبیلی علاّمة مدقق، ذکی، جلیل القدر، ذو فراسة، فاضل، کامل، متبحر فی العلوم العقلیة والنقلیة، موثق، تمیز بأخلاقه الحسنة وخصاله الفاضلة. 5 أساتذته جمیعهم من کبار الأساتذة؛ کالمولی عبدالله التّستری، والمولی حسن علی، والمولی محمّدتقی المجلسی العالم والمحدّث المشهور. 6 خرَّج العدید من التّلامذة، منهم المولی أکمل البهبهانی، والآغا حسین الخوانساری، والملا خلیل القزوینی. وکان

ص:219

المیرزا عبدالله أفندی (صاحب کتاب ریاض العلماء) أیضاً من تلامذته. (1)

والمولی محمد صالح جد الوحید البهبهانی لأُمّه، الّذی یقول عنه: جدّی العالم الربانی والفاضل الصّمدانی مولانا محمد صالح المازندرانی؛ ویعتبره من أهل الاحتیاط وکثیر التّدین. (2) توفی المازندرانی فی أصفهان عام(1081ه) ودفن هناک. (3)

مصنّفاته العلمیّة

- شرح أُصول الکافی فی خمسة مجلدات، قال عنه المحقق الأردبیلی وصاحب الروضات والمیرزا عبدالله أفندی أنّه فی غایة الرّوعة والدّقة. وفی هذا الکتاب انتقد آراء الملا صدرا فی شرح أُصول الکافی فی کثیر من المواضع.

- حاشیة شرح اللمعة.

- حاشیة معالم الأُصول، کتبه فی مرحلة شبابه.

- شرح زبدة الأُصول للشّیخ البهائی.

حسبما یظهر من کتب التّراجم أنّ له شرحاً علی زبدة الأُصول، وهو شرح مزجی. وله أیضاً حاشیة علی معالم الدّین؛ طبع مرات عدة مع کتاب المعالم نفسه.

نسب إلیه بعض العلماء، کصاحب الریاض وصاحب الرّوضات والشّیخ الحرّ فی أمل الآمل، کتاباً فی شرح معالم الدّین، لکن هذا الکتاب لم یأخذ اسمه من حاشیته، حتّی أنّ صاحب الرّوضات یعتبره شرحاً مزجیاً علی المعالم، ویقول من ینظر إلی هذا الشّرح یطلع علی مهارة مؤلّفه منذ سن شبابه بقواعد الإجتهاد. (4) علی أیّ حال، یحتمل أنّ یکون له الإثنان معاً، الحاشیة والشّرح المزجی، لکن ما هو موجود بین أیدینا لیس إلاّ الحواشی.

4. الملا خلیل القزوینی (1001- 1089ه)

هو العلاّمة مولانا خلیل بن غازی القزوینی، ولد فی قزوین عام (1001ه) درس علومه فی أصفهان، وصار من کبار علماء عصره. یقول فیه صاحب الریاض:

ص:220


1- (1) . انظر: ریاض العلماء: 5 /110.
2- (2) . الوحید البهبهانی: الأُِصول الأصلیة: 28.
3- (3) . روضات الجنات: 4 /119.
4- (4) . المصدر السّابق.

مولانا خلیل بن غازی القزوینی عالم فاضل، متکلم أُصولی جامع دقیق النظر، قوی الفکر، من أعظم علماء العصر؛ (1)

ویصفه المحقق الأردبیلی ب- برهان العلماء، جلیل القدر، عظیم الشأن.. موثق أخباری، عالم بالعلوم العقلیة والنقلیة. (2) توفی فی قزوین عام (1089ه). (3)

تتلمذ علی الشّیخ البهائی والمیرداماد والحاج محمود زمانی، وحاجی حسین یزدی. (4) وتربّی علی یدیه العدید من الأساتذة منهم: المولی الحاج بابا بن محمد صالح القزوینی والمولی محمّدباقر القزوینی، والسّید رضا القزوینی، والمولی صالح القزوینی المعروف بالسّمان وکان أخباریاًً، وغیرهم. کتب فی الفروع العلمیّة المختلفة، وله مؤلّفات عدیدة، (5)منها:

1. الشّرح الفارسی علی أُصول الکافی باسم الصّافی فی شرح الکافی.

2. الشّرح العربی علی أُصول الکافی باسم الشّافی.

3. شرح عدّة الأُصول للشّیخ الطّوسی، لم یکمله.

4. رسالة فی صلاة الجمعة، وحکم فیها بحرمة صلاة الجمعة فی عصر الغیبة.

5. تعلیقات علی توحید الصّدوق.

تمیز بمیوله الأخباریّة مع أنّه کان متخصصاً فی المسائل الإجتهادیة والأُصول والفقه. لم یکن مع الإجتهاد المصطلح فی ذلک الوقت؛ فصاحب ریاض العلماء یدّعی أنّه کان مفرطاً ومبالغاً فی ردّ الإجتهاد، (6) وقیل أیضاً أنّه کان من المخالفین لطریقة التّصوف والحکمة. (7)

عنده آراء خاصة فی الأُصول والفقه والکلام، فهو کالمعتزلة من القائلین بثبوت المعدومات، (8)وهو من المعتقدین بالعمل بجمیع أخبار کتاب الکافی ویری أنّ لا یوجد أی خبر

ص:221


1- (1) . ریاض العلماء: 2 /261.
2- (2) . جامع الرّواة: 1 /298.
3- (3) . ریاض العلماء: 2 /262.
4- (4) . المصدر السّابق.
5- (5) . ریاض العلماء: 2 /262؛جامع الرّواة: 1 /299.
6- (6) . ریاض العلماء: 261.
7- (7) . المصدر السّابق.
8- (8) . روضات الجنات: 275.

فی التّقیة یمنع من ذلک، وأنّ صاحب الأمر علیه السلام قد أطّلع علی تمام الکتاب واعتبره حسناً. (1)

علی الرّغم من مخالفته لأُسلوب الإجتهاد، فقد شرح کتاب عدّة الأُصول للشّیخ الطّوسی، وهذا یدلّ علی اهتمامه بأصول الفقه، وإن عدّ شرحه هذا بمعنی آخر شرحاً نقدیاً علی العدّة.

5. الآغا حسین الخوانساری (1016- 1101ه)

ولد العلاّمة حسین بن جمال الدّین محمد الخوانساری فی مدینة خوانسار عام 1016ه ، ذهب فی أوان شبابه وقبل بلوغه إلی أصفهان لتحصیل العلوم الدّینیة.کان صاحب نظر فی مختلف العلوم، واشتغل فیها کتابةً وتدریساً.

یقول فیه الشّیخ الحرّ العاملی: فاضل، عالم حکیم متکلم محقق، مدقق ثقة جلیل القدر، عظیم الشّأن، علاّمة وفرید عصره. (2) ویقول عنه صاحب الرّوضات أیضاً أستاذ الکلّ فی الکلّ وکنز الحکمة. (3) درس علی أساتذة کبار (4)، أمثال:

1. السّید حسین خلیفة السّلطان، المشهور بسلطان العلماء صاحب الحاشیة علی المعالم.

2. المولی حیدر الخوانساری، من حکماء القرن الحادی عشر.

3. المیرزا رفیع النائینی، الحکیم والمتألّه.

4. الحکیم السّید أبوالقاسم میر فندرسکی، من کبار فلاسفة المسلمین.

5. محمّدباقر السّبزواری، صاحب ذخیرة المعاد فی شرح إرشادالأذهان للعلاّمة الحلّی.

6. محمّدباقر المیرداماد، الفیلسوف الإسلامی المشهور، والملقب بأستاذ البشر.

أبرز من تتلمذ علی یدیه. (5)

1. آغا جمال الخوانساری.

2. المیر أبوطالب فندرسکی.

3. الشّیخ الحرّ العاملی.

4. آغا رضی الخوانساری.

ص:222


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . أمل الآمل: 2 /151.
3- (3) . روضات الجنات: 2 /449.
4- (4) . انظر: شرح حال المحقق الخوانساری: تألیف محمّدحسن فاضلی الخوانساری: 128- 268.
5- (5) . المصدر السّابق: 521 -583.

توفی المحقق الخوانساری سنة (1101ه)، وعلی قول آخر فی سنة (1098ه) ودفن فی أصفهان. ألّف الکثیر من الکتب فی العلوم المختلفة، هذه باقة منها:

1. حاشیة علی ذخیرة المعاد فی شرح الإرشاد، فی الفقه.

2. مشارق الشّموس فی شرح الدّروس وهو من الکتب الفقهیة المهمّة لهذه المرحلة.

3. حاشیة علی شرح مختصر الأُصول للعضدی، فی أُصول الفقه.

4. حاشیة علی معالم الأُصول، فی أُصول الفقه.

5. رسالة فی مقدّمة الواجب.

6. رسالة فی الحسن والقبح.

7. رسالة فی الجبر والاختیار.

8. حاشیة علی شرح الإشارات.

9. شرح الشفاء لابن سینا.

10. رسالة فی الکلی، فی المنطق.

11. ترجمة الصحیفة السّجادیة للإمام زین العابدین علی بن الحسین.

کتب رسالة وحاشیتین فی أُصول الفقه حسبما ذکرت کتب التراجم؛ فتنسب إلیه حاشیة علی شرح مختصر الأُصول للعضدی، یوجد شک فی نسبة الحاشیة الثّانیة إلیه، وبعضهم ینسبها إلی ابنه وسنشیر إلی ذلک خلال الکلام.

فی الماضی، طبعت رسالته فی مقدّمة الواجب مضمومة إلی رسالة اجتماع الأمر والنهی للسّید کاظم الیزدی رحمه الله ورسالة أُخری فی الإجماع، وهی لیست مستقلة إنّما قسم من کتاب مشارق الشّموس. (1) وطبعت رسالتیه مقدّمة الواجب، والإجماع من قبل مؤتمر تکریم المحقق الخوانساری، مع مجموعة أُخری من رسائله. (2)

6. الآغا جمال الخوانساری (1125ه)

ولد العلاّمة محمد بن آغا حسین الخوانساری، المشهور بآغا جمال فی أصفهان. والده

ص:223


1- (1) . راجع آثار المحقق الخوانساری فی: روضات الجنات: 35 - 354؛ شرح حال المحقق الخوانساری: 59-.
2- (2) . المحقق الخوانساری: الرسائل: إعداد رضا أستادی.

المحقق الخوانساری من أعاظم علماء عصره. کان العلاّمة جمال الخوانساری عالماً وحکیماً کبیراً. توفی فی سنة (1125ه) (1) یقول المحقق الأردبیلی، فی شأنه:

«کان جمال الدّین الخوانساری جلیل القدر، عظیم المنزلة... موثقاً، عارفاً بالأخبار، فقیهاً أصولیاً متکلماً، حکیماً.» (2)

تتلمذ آغا جمال الخوانساری علی أبیه وعلی علماء آخرین منهم المولی میرزا الشّیروانی والمحقق السّبزواری والمجلسی، (3) وربّی الکثیر من التّلامذة؛ کالسّید أبوالقاسم الخوانساری المعروف ب- "میرکبیر"، والسّید صدرالدّین القمی، والمیرزا عبدالله الأفندی، ومحمد خاتون آبادی، ومیر محمد إبراهیم القزوینی صاحب تتمیم أمل الآمل، وأکمل البهبهانی (والد الوحید البهبهانی) وغیرهم. (4)

کتب العدید من المؤلّفات، وما یلی مجموعة منها:

1. أُصول الدّین فی الإمامة، فی الکلام.

2. حاشیة علی الشّرائع، فی الفقه.

3. حاشیة شرح اللمعة، فی الفقه.

4. حاشیة الشّفاء وحاشیة الإشارات، فی الفلسفة.

5. الشرح الفارسی لمفتاح الفلاح.

6. حاشیة علی شرح مختصر الأُصول للعضدی.

کان صاحب نظر فی الأُصول، وله علی شرح مختصر الأُصول للعضدی حاشیة قیمة. إضافة إلی ذلک، تنسب إلیه حاشیة علی معالم الدّین لکن الأمر لیس علی سبیل الجزم.

المصنّفات البارزة فی هذه المرحلة

بالنّظر إلی أنّ الحوزات العلمیّة کانت تحت سیطرة الأخباریین حوالی قرنین من الزّمن،

ص:224


1- (1) . ریحانه الأدب: 1 /54.
2- (2) . جامع الرّواة: 1 /164.
3- (3) . علماء خوانسار: إعداد السّید محمّدعلی الحسینی الیزدی وغیره، قم، مؤتمر تکریم العلاّمة حسین الخوانساری، ص232.
4- (4) . المصدر السّابق: 233- 257.

وکانت أبحاث الإجتهاد تتلقی ضربات قاسیة، وکان الرّکود العارم یلف الإجتهاد وعلم الأُصول، وکانت فرص التّألیف والتّصنیف الأُصولی نادرة؛ لذلک، توجه أغلب علماء الأُصول فی هذه المرحلة إلی کتابة الحواشی والتّعلیقات والشّروح علی ما سلف من کتب أُصولیّة، ولم تکن لدیهم الرّغبة فی وضع کتب مستقلة؛ ولهذا السّبب أصبحت کتب أُصولیّة کمعالم الدّین، وزبدة الأُصول وشرح مختصر الأُصول للعضدی، محل اهتمامهم، ووضعوا علیها الکثیر من الحواشی والشّروح، فکتبوا ما یقرب من ثلاثین شرحاً وتسع حواشٍ علی زبدة الأُصول، (1) ومثل هذا العدد علی کتاب معالم الدّین، (2) وأهمّها ما ذُکر فی تراجم وسیر علماء أُصول هذه الحقبة. والکتاب الوحید الّذی کتب فی هذه المرحلة کان الوافیة للفاضل التّونی، وقد مررنا علی توصیفه.

کان لهذا الکتاب قیمته الخاصة، لأنّه ترک تأثیراً کبیراً علی أُصول المراحل الّتی تلت من حیث التّنظیم والبناء، فالحواشی والشّروح الکثیرة الّتی کتبت علیه من جهة، واهتمام علماء أُصول المراحل اللاحقة بآراء الفاضل التّونی، کالوحید البهبهانی والشّیخ الأنصاری وغیرهم من جهة أخری، حاکٍ عن الأهمیّة الّتی حظی بها هذا الکتاب. وعلی هذا الأساس یمکن اعتباره الکتاب الوحید الّذی لقی اهتماماً خلال الحقبة الأخباریّة.

أصول أهل السّنة فی هذه المرحلة

سبق وذکرنا، أنّ الأُصول السّنی واجه رکوداً عارماً، ابتداءً من القرن الخامس والسّبب فی ذلک إقفال باب الإجتهاد والاقتداء بالأئمة الأربعة.

وعلیه فقد استمر علماؤهم بعد ذلک فی وضع الشّروح والحواشی علی کتب السّابقین، وکانت أغلب کتبهم الأُصولیّة: إمّا شروحاً لکتب الماضین أو تلخیصاً وتهذیباً لها، وإمّا حواشٍ علیها؛ لذلک لا یُر خلال هذه الفترة تحولٌ جدیٌّ مهمٌ علی مستوی الأبحاث الأُصولیّة عندهم. وفی ما یلی بعض الشّروح الّتی کتبت فی هذه المرحلة:

1. شرح علی مختصر الأُصول لابن حاجب، من وضع أبوالعباس الدّلائی (1051ه).

2. شرح الفصول فی أُصول الفقه، تدوین جلال الیمنی (1084ه).

ص:225


1- (1) . الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 13 /298 - 352.
2- (2) . المصدر السّابق: 14 /72- 75.

3. شرح علی جمع الجوامع للسّبکی، من وضع أحمد بن مبارک السلجماسی (1155ه).

وکما فی المرحلة السّابقة، من الطّبیعی أنّ ینهض عددٌ قلیلٌ من علمائهم لم یتجاوز عدد أصابع الید ویقفوا فی وجه سد باب الإجتهاد ویدوّنوا کتباً مستقلة فی الإجتهاد والأُصول، کما فعل جلال الدّین السّیوطی (911ه) ومحمد بن عبدالله الخطیب التمرتاشی (939-1006ه) فالسّیوطی وضع کتاباً ردّ فیه علی القائلین بعدم إمکان الإجتهاد تحت عنوان "الرّد علی من أخلد إلی الأرض وجهل أنّ الإجتهاد فی کلّ عصر فرض"، یحمل فیه علی الأشخاص الّذین استعظموا أمر الإجتهاد وأنکروا وجوده بین العلماء، ویخاطبهم بالجاهلین. (1)کذلک وضع الخطیب کتاباً بعنوان الوصول إلی قواعد الأُصول سعی فیه إلی تطویر الأبحاث الأُصولیّة فی المضمون وفی التّنظیم، وأن یرتقی بها إلی مستوی من التّکامل. (2)

میزات هذه المرحلة

تعتبر هذه المرحلة من أکثر المراحل حساسیّة بالنّسبة للإجتهاد والأُصول الشّیعی، وقد اتّسمت بمیزات خاصة، أشرنا إلیها بالتفصیل فی الدّروس المتعلقة بالأخباریین وحقبة الرّکود الأُصولی. وأهمّ هذه الخصائص:

1. المواجهة بین الفکر الأُصولی والأخباری:

أهمّ ما تمیزت به هذه المرحلة، المواجهة الشّدیدة الّتی ظهرت بین تیارین، خاضاً معترک البحث فی المسائل الدّینیة واستخراج الأحکام. فالأصولین من جهة کانوا یؤکّدون علی الإجتهاد فی الدّین للکشف عن الأحکام الشّرعیة، وکان الأخباریون بزعامة أمین الأسترآبادی من جهة أُخری یقفون فی وجه أی لون من ألوان الإجتهاد فی الدّین، واعتبروا أنّ الطّریق الوحید للوصول إلی الأحکام هو الرّوایات المنقولة عن الأئمة علیهم السلام والتّی جمعت فی الکتب الأربعة.

2. انطلاقاً من النهج الّذی اتبعه الأخباریون فی الکشف عن الأحکام وفهم الدّین، فقد رفضوا طریقة الأُصولیین، وعملوا فی کتبهم علی نقد مبانیهم وتضعیفها.

3. لما کانوا قد اعتبروا أحادیث الأئمة المعصومین علیهم السلام المصدرَ الوحید للکشف عن

ص:226


1- (1) . ادوار الإجتهاد: 212.
2- (2) . انظر: مقدّمة الوصول إلی قواعد الأُصول بقلم الدکتور أحمد بن محمد العنقری: 1 /38 - 67.

الحکم، لذلک شعروا بضرورة تألیف مجامع روائیة جدیدة حتّی تصبح کلّ أخبار أهل البیت علیهم السلام مجموعة بطریقة متناسبة مع رؤیتهم.

4. بسبب نفوذ التفکیر الأخباری وقلة الاهتمام بالمجتهدین وعدم توفر الظّروف والمجالات المناسبة لظهور أبحاث أُصولیّة مستقلة؛ راجت خلال هذه الحقبة، کتابة الشّروح والحواشی علی کتب السّابقین. وعلیه فقد کان من النادر خلال هذه الفترة تدوین کتاب أُصولی مستقل.

5. راجت الأفکار الأخباریّة فی الحوزات العلمیّة، من قبیل:

- لا حجیة لظواهر الکتاب الکریم والسّنة النبویة بدون تفسیر الأئمة علیهم السلام .

- إنکار حجیة العقل فی استنباط الأحکام الشّرعیة.

- إنکار حجیة القطع حالة کونه ناشئاً من مقدّمات عقلیة وغیر حسیّة.

- إنکار جریان البراءة فی الشّبهات الحکمیة التّحریمیة ولزوم الاحتیاط.

- ادعاء حجیة الرّوایات الموجودة فی الکتب الأربعة وقطعیتها.

6. تمّ إضعاف مبانی الأُصولیین بشدة مقابل رواج واسع للتّفکیر الأخباری؛ لذلک نهض الأُصولیون للدّفاع عن مبادئهم مقابل حملات الأخباریین وانتقاداتهم، بأسالیب مختلفة، کتقدیم أجوبة مباشرة والعمل علی تغییر وتبدیل بعض المسائل الأُصولیّة، وتنقیح وتطویر المبانی السّابقة، والعمل علی شرح وتوضیح المصطلحات والمفاهیم المفتاحیّة. ویمکن الاطّلاع علی أبرز الأعمال الدّفاعیة والتّعدیلات والاصلاحات الّتی قاموا بها من خلال مراجعة کتاب الوافیة للفاضل التّونی.

7. أصبحت النّظرة الإنتقادیّة الّتی حملها الأخباریون عن مبادئ الأُصول، ودعوی أقتباسها من أهل السّنة، عاملاً ساعد فی إبعاد الأُصول الشّیعی عن الأُصول السّنی وتوقف النظر إلیه، خاصة فی المراحل اللاحقة. فلکی یبرهن الأُصولیون علی إستقلالیة الأُصول الشّیعی وعدم تأثره بأُصول العامّة، أبدوا قلة اهتمام به، ولم یبالوا بإبداء النّظر ومناقشة ما یطرحه علماء أهل السّنة؛ وهذا الأمر أدّی فیما بعد إلی أنّ یصبح علماء الشّیعة أجانب تماماً عن الأُصول السّنی.

ص:227

خلاصة الدّرس

1. نزع الأُصول فی الحقبة الأخباریّة إلی الضّعف والرّکود الجدی، ولم یشتغل به إلاّ عدداً قلیلاً من العلماء.

2. انعدمت فی المرحلة الرّابعة المقارنة لظهور الحرکة الأخباریّة، حوافز تدوین الکتب الأُصولیّة المبسوطة والمستقلة، ویعتبر کتاب الوافیة الّذی ألّفه الفاضل التّونی، الکتاب الوحید الّذی دوّن آنذاک، وکان محل اهتمام العلماء الّذین اعتمدوا علیه بشکل واسع. ونحا أغلب الأُصولیین فی هذه المرحلة منحی کتابة الحواشی والشروح والتّعلیق علی الکتب الموجودة.

3. أبرز الأُصولیین الّذین ظهروا فی هذه الحقبة: سلطان العلماء، الفاضل التّونی، المحقق الخوانساری، المولی صالح المازندرانی والآغا جمال الخوانساری.

4. أهمّ ممیزات هذه الحقبة: المواجهة الفکریة بین التّیارین الأخباری والأُصولی، ورواج الأفکار الأخباریّة، وحالة الاضطراب والتّردد الّتی أصابت الأُصولیین.

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. ما هو تقییمک لعمل الفاضل التّونی فی کتاب الوافیة، مع الأخذ بعین الاعتبار التّوضیح المقدم حوله فی متن الدّرس؟

2. هل کان ازدهار أسلوب کتابة الحواشی والتّعلیقات علی الکتب فی مرحلة من المراحل دلیلاً علی ضعف العلم فیها؟ لماذا؟

3. کیف سأهم وجود الأخباریّة فی تهیئة الأرضیة المؤاتیة لغیاب رقابة الأُصول الشّیعی ونظره علی أُصول أهل السّنة.

للبحث والتّوسع

1. یعتبر الأخباریون والمحقق الأسترآبادی أنّهم أحیوا النهج الّذی کان الأئمة علیهم السلام وأصحابهم المتقدمین یعملون به. وعلیه فهم ینسبون أنفسهم إلی هذا التّیار. ابحث فی هذا الادعاء، وقیم مسألة صحته أو عدمها.

2. قم بدراسة حول بعض أصولیی هذه المرحلة الّذین لم یشر إلیهم فی الدّرس، مستعیناً بتوجیهات أستاذ المادة، وقم بإحصاء مؤلّفاتهم وآرائهم الأُصولیّة.

ص:228

الدّرس العاشر: المرحلة الخامسة: مرحلة الانتعاش والتّحولات العمیقة (1)

اشارة

من الوحید البهبهانی (1206ه) إلی الشّیخ الأنصاری (1281ه)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

بحث إجمالی حول المرحلة الخامسة.

عوامل نشوء هذه المرحلة وأسباب انحطاط حرکة الأخباریین.

البحث حول الشّخصیات العمدة فی هذه المرحلة، آرائهم ونظریاتهم الأُصولیّة.

ص:229

ص:230

إطلالة عامة علی المرحلة الخامسة

تزامنت بدایة "المرحلة الخامسة" من أُصول الفقه مع إطلالة العلاّمة الوحید البهبهانی الّذی انبری بمؤهلاته العلمیّة، ودرایته وحذاقته الإجتماعیّة، لمواجهة جدیّة مع الأخباریین. فبعد مناظرات عدیدة مع زعمائهم، کالّتی حدثت مع المحدث البحرانی علی سبیل المثال، وبعد أنّ وضعوا رسائل وکتباً تنتقد القواعد الّتی قام علیها التفکیر الأخباری من جهة، وتثبّت القواعد الأُصولیّة وتقوّیها من جهة أُخری؛ وُفّق الوحید البهبهانی فی نهایة الأمر وبعد جهود مضنیة فی استأصال جذور الأخباریّة، وبث روح الإجتهاد من جدید فی الحوزات الأُصولیّة المثخنة بالجراح والتّی ما زال فیها نبض من الحیاة.

فمع ضعف الأخباریین وانحسار نفوذهم داخل الحوزات العلمیّة من جهة، والأبحاث العلمیّة القیمة الّتی وضعها الوحید البهبهانی فی باب الإجتهاد والأُصول من جهة ثانیة، وتالیاً مع تربیة تلامذة وعلماء فطاحل داخل التیار الأُصولی الّذی نهض به البهبهانی، هذه العوامل هیّأت الأرضیة المناسبة لظهور الأبحاث الأُصولیّة مجدداً داخل الحوزات العلمیّة الشّیعیة، وأدّت فی خاتمة المطاف إلی تحوّلات جذریة وأساسیة فی الأُصول.

لما کانت کربلاء مرکز المواجهة العلمیّة الّتی انطلق منها المحقق البهبهانی، حیث تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، فکان سطوع التّحول والتّکامل الأُصولی هناک بادئ الأمر، أی فی حوزة کربلاء، ثمّ بعد ذلک تفرّق تلامذة البهبهانی فی البقاع واستقروا فی حوزات مختلفة، وعلی هذا المنوال انبعثت حرکة إحیاء أُصول الفقه فی الحوزات الأُخری من جدید؛ وقویت هذه الحرکة فی النجف الّتی تقبلت الفکر الأُصولی دوّن تردد، مع علماء

ص:231

کبار، کالشّیخ جعفر کاشف الغطاء، وراج الفکر الأُصولی فی الکاظمیة أیضاً مع مجیء عالم کبیر کالسّید محسن الأعرجی والّذی کان من تلامذة الوحید البهبهانی.

فی نهایة المطاف، انعکس هذا التّحول علی إیران أیضاً فانتشرت الأبحاث الأُصولیّة واستحکمت بالجهود الکبیرة الّتی بذلها علماء أمثال المیرزا القمی تلمیذ المحقق البهبهانی المبرز، وتلمیذه الآخر الآغا محمّدعلی ابن البهبهانی. ولا بدّ من الإشارة أیضاً إلی الدّور المهم لعلماء المرحلة السّابقة فی ظهور هذه الحقبة، کالمحقق الکبیر آغا حسین الخوانساری، والآغا جمال الخوانساری، والسّید صدرالدّین القمی أستاذ الوحید البهبهانی وصاحب شرح الوافیة؛ فهؤلاء الأعلام منعوا:

أولاً: من طمس الأسلوب الإجتهادی وتهمیش البحث الأُصولی. وثانیاً: مهدوا الظروف المطلوبة للمحقق البهبهانی للقیام بمواجهة عظیمة والانتصار فیها. علی أیّة حال، بلغت هذه المرحلة مستوی لا سابق له من الکمال والرّشد، بحیث تمّ خلالها وضع العدید من الکتب الأُصولیّة الفریدة من نوعها؛ وبموازاة ذلک توسّع البحث الفقهی وبلغ مرحلة متقدّمة من التّفریع والعمق.

یمکن القول أنّ هذه الحقبة الّتی بدأت أواخر القرن الثّانی عشر، امتدت إلی زمان الشّیخ الأنصاری واتصلت بالشّیخ البهبهانی بواسطتین، أی إنّها استمرت إلی أواخر القرن الثّالث عشر. وسنکمل فی هذا السّیاق، البحث فی الأسباب والعوامل الّتی ساهمت فی ظهور هذه المرحلة، وکذا دور العلماء والأفکار الأُصولیّة الّتی شاعت خلالها.

عوامل ظهور هذه المرحلة

اشارة

من الضروری البحث فی الأسباب والظّروف الّتی أدّت إلی تراجع الاتّجاه الفکری الأخباری وانهیاره؛ فدراسة هذه العوامل ستبین لنا بوضوح کیفیة نشوء المرحلة الخامسة من تأریخ الأُصول والأسباب الّتی ساعدت علی ذلک. وهنا یمکن الإشارة إلی هذه العوامل، کما یلی:

1. الإفراط الزائد عند الأخباریین

بعد أن بسط الأخباریون نفوذهم علی الحوزات العلمیّة وراج أسلوبهم الفکری بین العلماء والطّلاب وعامة الناس، قاموا بتشدید حملاتهم أکثر من ذی قبل علی المجتهدین والمنهج الإجتهادی، بحیث انتقلوا من حالة النقد والهُجوم الفکری إلی حالة امتزج فیها النقد بالأغراض الشّخصیة والأحقاد.

ص:232

وصلت هذه الحالة إلی حدٍ أوجع قلوب العدید من العلماء حتی ذوی المیول الأخباریّة، وکلام المحدّث البحرانی الّذی انتقد طریقة العلاّمة الأسترآبادی وغیره من الأخباریین شاهد علی امتعاضهم وعدم رضأهمّ عن هذه الطریقة؛ (1) وینبغی الإعتراف أیضاً بأنّ کلّ إفراطٍ کان مصاحباً بتفریط وکان العکس صحیحاً أیضاً، فلعلّ إفراط الأُصولیین فی استخدام الطّرق العقلیّة غیر القطعیّة والطّرق الظنّیّة کان سبباً فی ظهور التّیار الأخباری، من جهة؛ وکذلک فإنّ إفراط الأخباریین أیضاً فی إستفادتهم غیر الصّحیحة- والتّی لا تقوم علی أساس- لظواهر الرّوایات والجمود علی الظاهر وکذلک حملاتهم المغرضة وأحیاناً المضحکة علی المنهج الإجتهادی والمجتهدین من جهة أخری، أدّی إلی انکسارهم وانتعاش منهج الإجتهاد فی الکشف عن الأحکام الشّرعیة.

2. تنبه المجتهدین إلی لزوم إعادة بناء أسس الإجتهاد بصورة شاملة

فقد شعر الأُصولیون أکثر من أی وقت مضی بضرورة إعادة تصحیح مبانی الإجتهاد وتنقیحها بشکل کلّی، وأصبحت هذه المسؤولیة أکثر إلحاحاً بعد أنّ شاهدوا أمامهم جوامع حدیثیة جدیدة، وضعها الأخباریون؛ فوجهوا اهتمامهم- مستلهمین من الرّوایات الّتی تطرح قواعد عامة وعناصر مشترکة مرتبطة ببعض الأبحاث الکلیة المطروحة فی أُصول الفقه، کأخبار الاستصحاب أو الرّوایات المتعلقة بخبر الواحد الثّقة وروایات البراءة، والاحتیاط الشّرعی وغیر ذلک- إلی ضرورة التّنقیب والتّعمق من جدید فی هذا النوع من المواضیع الأُصولیّة وإخراجها من الإطار العقلی الصّرف؛ وهذا الأمر شکل حافزا للعلماء لإعادة إحیاء الأبحاث الأُصولیّة، وسأهم فی إیجاد الظروف المناسبة لضعضعة الاتّجاه الأخباری وإضعافه.

بالإضافة إلی عامل الرّوایات، یمکن الإشارة إلی دخول جملة من المبانی الفلسفیة إلی أُصول الفقه علی ید المحقق الخوانساری ووصلت إلی المحقق البهبهانی بالواسطة، وانتقلت إلیه معها آراؤه ونظریاته الأُصولیّة. وعلی هذا المنوال تصدی لمجموعة من مغالطات الأخباریین فی نقد المبانی العقلیة والفلسفیة الموجودة فی الأُصول. (2)

ص:233


1- (1) . الحدائق الناضرة: 1 /170.
2- (2) . أشیر إلی هذا العامل(رواج الفلسفة) فی کتاب المعالم الجدیدة: 108.

3. جهود الوحید البهبهانی فی مواجهة الأخباریین

قام الوحید البهبهانی بأعمال علی أکثر من صعید، منها:

أ) تأسیس حوزة کربلاء: بعد الإفراط المتمادی للأخباریین الّذی تخطی الحدود؛ شعر المحقق البهبهانی بوجود خطر کبیر یدأهم الحوزات العلمیّة، مع أنّه کان بادئ الأمر ینظر باحترام إلی زعماء الأخباریّة، ومنهم المولی محمد الأسترآبادی والمولی محمد أمین الأسترآبادی والفیض الکاشانی، وسبق أنّ وضع حواشٍ علی بعض کتبهم؛ (1) قرر الرحیل إلی النجف تارکاً بهبهان، ثمّ بعد ذلک، انتقل من هناک إلی کربلاء. وقد وصف الوحید البهبهانی نفسه الوضع المؤسف لحوزة کربلاء الّتی کانت بأیدی الأخباریین فی کتاب الإجتهاد والأخبار قائلا:

«فإنّ العجائب الّتی أنا مبتلی بها ومشغول بمشاهدتها من کثیر من صلحاء بلادنا وعلمائنا الّذین یدّعون معرفة الفقه والحدیث والمهارة فیهما، وصرفوا طویلاً من عمرهم فیها، وربّما یدّعی جمع منهم درجة الإجتهاد بل وبعض منهم أقصی درجاته لیست بأدون من الحکایات لو لم تکن فوقها، ولا بأس بالإشارة إلی بعضها، لیکون تنبیها وعبرة.» (2)

ثم یذکر بعض المواقف من نزاعه مع الأخباریین فیقول: «اعلم أنّهم نفوا حجیة غیرالکتاب والحدیث رأساً، ولا یجوزون التّمسک به أصلاً، فإذا أورد علیهم أنّ بدیهی الدّین والإجماع مع کشفه عن قول المعصوم علیه السلام لم لا یکون حجة؟ قالوا: أی حدیث یدلّ علی حجیته؟.» (3)

وقف البهبهانی فی وجه الجمود والتّصلب غیر المقبول بالنّسبة للرّوایات. یقول فی أحد المواضع: «وببالی أنّ بعضاً من أمثال هؤلاء متی ما رأی فی حدیث من مداواة المرضی بالماء البارد وأمثال ذلک حکم بالمداواة بها لکلّ مرض.» (4)

وانتقد فی العدید من المواقف نمط تفکیرهم الخشن والسّاذج وإفراطهم فی ذلک،

ص:234


1- (1) . کحاشیته علی منهج المقال (الرّجال الکبیر) للعلاّمة المیرزامحمد الأسترآبادی أُستاذ أمین الأسترآبادی، وتعلیقته علی رجال المیرزا محمد الأخباری.
2- (2) . الرسائل الأُصولیّة (رسالة الإجتهاد والأخبار): 57.
3- (3) . المصدر السّابق: 57.
4- (4) . المصدر السّابق: 61.

وشبّهه بتفکیر عجزة النساء. (1) علی أیة حال، قدِم الوحید البهبهانی حوزة کربلاء فی وضع کان رواج الفکر الأخباری یحاصر الفکرالإجتهادی، وأسّس هناک حوزة جدیدة، وقام بتدریس مبادئ الفقه والأُصول؛ ولم تمض مدة طویلة حتی برز الکثیر من العلماء الّذین تربوا علی یدیه؛ فی ذلک الوقت کانت حوزة کربلاء ما تزال بأیدی الأخباریین وکان زعیمهم آنذاک العالم والفقیه الجلیل المحدّث یوسف البحرانی.

کان درس البحرانی مزدحماً بالطّلاب؛ لکن مع تأسیس حوزة جدیدة علی ید الوحید البهبهانی، وطرحه للإجتهاد بأسلوب جدید، ترک الکثیر من التّلامذة دروس البحرانی والتّحقوا بدرس البهبهانی. إضافة إلی ذلک جرت مناظرات علمیة جادة بین هذین العالمین الجلیلین، وهذا الأمر أوجد ظروفاً ملائمة للحکم بحریة علی الآراء والأفکار دوّن تعصب وغوغائیة.

ب) تخریج تلامذة ماهرین: بعد سنوات من الجهود العلمیّة وتدریس الأبحاث الأُصولیّة، استطاع البهبهانی تخریج تلامذة متبحرین ذوی کفاءات علمیة متقدّمة؛ کالشّیخ کاشف الغطاء والسّید علی الطباطبائی والمیرزا القمی وآخرین، وقد حمل هؤلاء الأعلام رایة الشّیخ البهبهانی بعد وفاته، وأصبحوا من روّاد نهضته العلمیّة فی الحوزات المختلفة؛ وطرحوا المسائل الإجتهادیة بأُسلوب علمی حدیث.

ج) تألیف الکتب الأُصولیّة القیّمة: من الأعمال المهمة الّتی قام بها العلاّمة البهبهانی لإحیاء المنهج الإجتهادی، تألیف الکتب القیّمة المشحونة بالکثیر من الأبحاث الأُصولیّة الدّقیقة والمفصّلة؛ وکمثال علی ذلک یمکن الإشارة إلی: رسالة الإجتهاد والأخبار، وبحث الأُصول العملیة والفوائد الحائریة.

د) إیجاد صلات بین حوزة کربلاء وحوزة النجف: مع تأسیس حوزة کربلاء، قامت بین هذه الحوزة الحدیثة النشأة والحوزة التّأریخیة فی النجف الّتی خبا صوتها فی ذلک الحین، روابط ومبادلات علمیة، سأهم فی انبعاث الرّوح فیها من جدید. وقد بذل تلامذة البهبهانی جهوداً کبیرة لتوطید هذه العلاقة؛ (2) حصل ذلک مع تعرض المنهج الأخباری لانتقادات عنیفة وشیئاً فشیئاً اتّجه نحو الضّعف والرّکود، وبعد وفاة العالمین الجلیلین المحدّث البحرانی

ص:235


1- (1) . المصدر السّابق: 26و27.
2- (2) . أشیر إلی بعض هذه العوامل فی کتاب المعالم الجدیدة للشّهید الصّدر: 108.

والعلاّمة البهبهانی وصلت الحرکة الأخباریّة إلی أدنی مستویاتها من الضّعف ویمکن القول أنّها زالت من الأذهان أیضاً.

بهذا الشّکل أُعید إحیاء المنهج الأُصولی، وحظیت قضیة "الإجتهاد" بأهمیّة کبیرة، وفی نهایة المطاف آل الوضع إلی تحوّل واسع فی أُصول الفقه.

الشّخصیات البارزة لهذه المرحلة

1. العلاّمة محمّدباقر وحید البهبهانی (1118- 1205ه)

اشارة

ولد العلاّمة محمّدباقر بن محمّد أکمل المشهور بالوحید البهبهانی سنة (1118ه) فی أصفهان. والده محمد أکمل من علماء عصره، یرجع نسبه إلی الشّیخ المفید. وأُمّه ابنة العالم الجلیل نورالدّین بن المولی محمد صالح المازندرانی. وبالتّالی فهو ینتسب إلی المولی صالح المازندرانی والعلاّمة محمّدتقی المجلسی من جهة الأُم.

بدأ تحصیل علومه علی ید والده، ثمّ بعد مدة قصد النّجف الأشرف حیث تتلمذ هناک علی أساتذة کبار؛ عاد إلی بهبهان بعد أنّ وصل إلی درجة عالیة من الإجتهاد، وأقام فیها حوالی ثلاثین سنة، ثمّ انتقل بعد ذلک إلی کربلاء وبقی هناک إلی آخر عمره.

توفی سنة (1205ه) فی کربلاء ودفن فی الحرم الحسینی الشّریف (1) أثنی علیه جمیع أصحاب التّراجم وذکروا فضله ومقامه، فالسّید محمّدمهدی بحرالعلوم یقول بحقه:..شیخنا العالم، العامل، العلاّمة وأُستاذنا الحبر الفاضل الفّهامة، المحقق النحریر، والفقیه العدیم النّظیر...، (2) والمحدّث النوری یعتبره الأستاذ الأکبر ومروج الدّین فی أوائل القرن الثّالث عشر...، (3) وکذلک الأستاذ عمر رضا کحالة یقول فی معجم المؤلّفین بأنه: فقیه، أُصولی، متکلم. (4) والزرکلی فی الأعلام یعرفه بأنّه فاضل إمامی. (5)

ص:236


1- (1) . آغا بزرک الطهرانی: الکرام البررة (القسم الاوّل من الجزء الثّانی): 171و172.
2- (2) . أعیان الشّیعة: 9 /182.
3- (3) . المحدّث النّوری: خاتمة مستدرک الوسائل: 2 /47.
4- (4) . عمر رضا کحالة: معجم المؤلّفین: 3 /153.
5- (5) . الزرکلی: الأعلام: 6 /49.
أساتذته

درس الوحید البهبهانی علی أساتذة کبار، (1) نذکر منهم:

1. والده، محمّد أکمل بن محمد صالح، وقد درس علیه القواعد العربیة والعلوم العقلیّة والنقلیة.

2. السّید محمد الطباطبائی البروجردی، ودرس علیه الفلسفة.

3. السّید صدرالدّین الرّضوی القمی، شارح الوافیة للفاضل التّونی، وأُستاذ البهبهانی فی الفقه والأُصول.

عاصر العلاّمة البهبهانی الکثیر من العلماء نذکر منهم:

الشّیخ یوسف البحرانی، آغا محمّدباقر هزار جریبی المازندرانی(1205ه)، السّیدحسین القزوینی(1218ه)، الشّیخ عبدالنّبی القزوینی(1208ه)، والمیر عبدالباقی خاتون آبادی الاصفهانی. (2)

تلامذته

تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، (3)أبرزهم:

- السّید محمّدمهدی بحرالعلوم، المعروف بالعلاّمة بحرالعلوم.

- المولی مهدی النراقی (1209ه)، صاحب جامع السّعادات.

- الشّیخ أبوعلی الحائری، صاحب منتهی المقال فی علم الرّجال.

- السّید علی الطباطبائی، صاحب الریاض.

- الشّیخ جعفر کاشف الغطاء.

- المیرزا أبوالقاسم الکیلانی (القمی)، صاحب قوانین الأُصول.

- السّید محسن الأعرجی الکاظمی.

- المیرزا محمّدهادی الشّهرستانی (1216ه).

- السّید میرزا یوسف التّبریزی (1242ه).

- المولی أحمد النراقی، مؤلّف مستند الشّیعة فی الفقه.

- السّید جواد العاملی، صاحب مفتاح الکرامة.

ص:237


1- (1) . الکرام البررة؛ الوحید البهبهانی، لعلی الدّوانی: 149.
2- (2) . الوحید البهبهانی: الدّوانی: 153- 168.
3- (3) . المصدر السّابق: 152- 169.

- الشّیخ أسدالله التّستری الدزفولی الکاظمی، مصنّف مقابس الأنوار.

- الشّیخ محمدتقی الأصفهانی، صاحب هدایة المسترشدین.

مصنّفاته

وضع المحقق البهبهانی مؤلّفات کثیرة فی الفروع المختلفة، نشیر إلی بعضها:

1. تعلیقة علی منهج المقال (الرّجال الکبیر) للمیرزا محمد الأسترآبادی.

2. الحاشیة علی تهذیب الأحکام للشّیخ الطّوسی.

3. الحاشیة علی الوافی للفیض الکاشانی.

4. الإمامة، بحث مبسوط فی الکلام.

5. رسالة فی الجبر والاختیار.

6. إثبات التّحسین والتّقبیح العقلیین فی الکلام.

7. رسائل فقهیة متعددة، منها: رسالة فی الصلاة والطهارة، رسالة فی الکرّ ومقداره، رسالة فی النکاح، رسالة فی المعاملات وغیر ذلک.

8. حاشیة علی مسالک الأفهام للشّهید الثّانی، فی الفقه.

9. حاشیة علی الذّخیرة للسّبزواری، فی الفقه.

10. شرح مفاتیح الفیض الکاشانی فی ثمانیة مجلدات؛ یصفه الشّیخ أبوعلی بأنه کتاب جید جداً، ویقول هو فی مستوی کتاب المدارک بل أعلی منه. (1)

11. الحواشی علی المعالم (معالم الدّین).

12. الإجتهاد والأخبار.

13. رسائل أُصولیّة متعددة؛ من قبیل: رسالة فی حجیة الإجماع، رسالة فی حجیة الاستصحاب، رسالة فی الأدلّة الأربعة، رسالة فی حجیة ظواهر الکتاب، رسالة فی ردّ شبهات الأخباریین وغیر ذلک.

14. الفوائد الحائریة فی أُصول الفقه.

15. حاشیة علی حاشیة المیرزا جان علی مختصر العضدی.

16. حاشیة علی حاشیة المیرزا جان علی مختصر الحاجبی.

ص:238


1- (1) . روضات الجنات: 2 /97؛الکرام البررة: 173 و174؛ الدّوانی: 146- 148.
مصنّفاته الأُصولیّة وباقة من آرائه

أ) مصنّفاته الأُصولیّة

1. الحواشی علی کتاب معالم الدین، حیث یوجد له أکثر من حاشیة علی هذا الکتاب، وطبقاً لنقل العالم الجلیل محمّدحسین کرهرودی، بأنّ العلاّمة البهبهانی درّس کتاب المعالم حوالی (20) مرة، وفی کلّ مرة کان یدون علیه حاشیة. شوهدت له فی مدینة بروجرد وحدها (19) حاشیة علی هذا الکتاب. (1)

2. حاشیة علی حاشیة میرزا جان علی مختصر العضدی. (2)

3. حاشیة علی حاشیة میرزا جان علی مختصر الأُصول للحاجبی. (3)

4. حاشیة علی قوانین الأُصول (4) للمیرزا القمی، وهو أحد تلامذة الوحید البهبهانی. ویعتبر قوانین الأُصول، من أکثر الکتب عمقاً وتفصیلاً، وسنشیر إلیه لاحقا.

5. حاشیة علی دیباجة کتاب مفاتیح الإسلام للفیض الکاشانی، وهو فی إثبات مبانی الأخباریین. وقد کتب العلاّمة البهبهانی حاشیة نقدیة علی هذه المقدّمات.

6. الرسائل الأُصولیّة، وهی رسائل متعددة علی الشّکل التّألی:

1) رسالة فی بطلان القیاس؛ 2) رسالة فی الإجتهاد والأخبار؛ 3) رسالة فی اجتماع الأمر والنهی؛ 4) رسالة فی أخبار الآحاد؛ 5) رسالة فی أصالة البراءة؛ 6) رسالة فی الاستصحاب؛ 7) رسالة فی الجمع بین الأخبار؛ 8) رسالة فی الإجماع؛ (5) 9) رسالة فی آیة النّفر؛ 10) رسالة فی إثبات الحسن والقبح العقلیین؛ 11) رسالة فی الإجماع الضّروری والنّظری وحجیّة الشّهرة؛ 12) رسالة فی حجیّة الأدلّة الأربعة؛ 13) رسالة فی حجیة الشّهرة؛ 14) رسالة فی حجیّة الظّن؛ 15) رسالة فی حجیّة مفهوم الأولویّة؛ 16) رسالة فی الحقیقة الشّرعیة؛ 17) رسالة فی حجیة ظواهر الکتاب؛ 18) رسالة فی الحکم الشّرعی وتحدیده؛ 19) رسالة فی الخطاب المشافهی؛ 20) رسالة فی الصّحیح والأعم؛ 21) رسالة فی عدم توقیفیة الموضوعات؛ 22) رسالة فی باب توقیفیة

ص:239


1- (1) . الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 6 /205.
2- (2) . روضات الجنات: 2 /97.
3- (3) . مقدّمة الفوائد الحائریة: 23.
4- (4) . الوحید البهبهانی: 148.
5- (5) . الرسائل الثمانیة الأولی تمت طباعتها- مع تحقیق- من قبل مؤسسة العلاّمة البهبهانی فی قم.

الأحکام الشّرعیّة؛ 23) رسالة فی النّسخ؛ 24) رسالة فی الوجوب النّفسی والغیری فی الطّهارة؛ 25) رسالة فی عدم الواسطة بین المجتهد والمقلد؛ 26) رسالة فی رد شبهات الأخباریین.

7. الفوائد الأُصولیّة، وفیه قسم من المواضیع الأُصولیّة ضمن مجموعة فوائد.

8. الفوائد الحائریة العتیقة، ویضم (36) فائدة وخاتمة فی مسائل أُصولیّة مختلفة.

9. الفوائد الحائریة الجدیدة، وفیه (35) فائدة فی مسائل أُصولیّة وهی مختلفة فی الغالب عن ما ورد فی الکتاب السّابق. تمّ مؤخراً تحقیق کلا القسمین من الفوائد الحائریة، وطبعهما مجمع الفکر الإسلامی فی مدینة قم. (1)

إن حجم الأعمال الأُصولیّة الّتی قام بها العلاّمة البهبهانی، وطرحه مسائل مختلفة علی شکل رسائل مستقلة، یشیر إلی جدیة هذا العالم الکبیر فی مواجهة الأخباریین وفی نشر منهج الإجتهاد؛ ویفهم من عناوین الکثیر من هذه الرسائل وکذلک من المطالعة الإجمالیّة لرسائله الأُخری أنّ الجزء المهم والأساسی من أبحاثه الأُصولیّة جاء فی إطار مواجهة الأخباریین والرّد علیهم وإبطال القواعد الّتی بنوا علیها.

عمل البهبهانی فی جانب آخر من أبحاثه الأُصولیّة علی شرح دقیق وعمیق لمبانی الأُصولیین وقواعدهم مرفقاً باستدلالات کثیرة، وقد أتم هذا العمل علی أکمل وجه.

علی أی حال، إنّ مطالعة رسائله الأُصولیّة بدقة مفید جداً، وبالنسبة للأُصولیین یمکن کثیراً الاستفادة منها؛ ولهذا السبب بالتّحدید، بقیت أبحاثه وآراؤه الأُصولیّة مورد اهتمام علماء الأُصول لسنین مدیدة وحتی یومنا هذا.

ب) العلاّمة البهبهانی، آراؤه الأُصولیّة

قام العلاّمة البهبهانی بإنجازات أساسیّة فی الأُصول منها:

أولاً: أخرج أُصول الفقه من خشونته الّتی اتّسمت به مسائله وأبحاثه سابقاً، وقدمه بأسلوبٍ عصریٍّ؛ فأبحاثه الأُصولیّة کانت ناظرة آنذاک إلی الشّبهات والمسائل الّتی کانت مرتبطة بأصول الفقه؛ وبذل جهوداً موفقة فی الرّد علی الأخباریین ونقد شبهاتهم.

ثانیاً: قام بشرح جملة من المواضیع الأُصولیّة وتنقیحها، حیث تناولها من زاویة جدیدة، کبحث الإجتهاد والتّقلید والاستصحاب وغیرها.

ص:240


1- (1) . یمکن العثور علی الفهرس الکامل لمؤلّفات العلاّمة البهبهانی فی مقدّمة الرسائل الأُصولیة: 20- 26؛ الوحید البهبهانی: 146- 148.

ثالثاً: أدخل طائفة جدیدة من المواضیع إلی الأُصول، وغیَّر تعریفات مجموعة من الاصطلاحات الأُصولیّة. وفیما یلی، نشیر إلی باقة من آرائه وابتکاراته:

1. من ابتکاراته الّتی ظهرت فی علم الأُصول وعلی یدیه لأوّل مرة، تقسیم الأدلة إلی قسمین: أدّلة إجتهادیة وأخری فقاهتیة؛ (1) والثّانی یقع فی طول الأول، بمعنی أنّه کلمّا افتقد الفقیه الدّلیل الإجتهادی للکشف عن الحکم الشّرعی أتی دور الدلیل الفقاهتی، ویمکن بواسطته- أی الدلیل الفقاهتی- تشخیص الموقف العملی المرتبط بالواقعة.

وقام تلامذته من بعده بأبحاثٍ موسعةٍ حول هذا التقسیم والاختلافات الموجودة بینهما؛ وأبرز هذه الأبحاث کان لتلمیذه بالواسطة الشّیخ الأنصاری.

2. وضع بحثاً موسعاً حول الأدلة الفقاهتیة أو الأُصول العملیة الّتی موضوعها الشّک فی الحکم الشّرعی، وهو بحث فرید من نوعه لم یسبقه أحد إلیه؛ حیث قسم شکّ المکلّف لجهة المتعلق إلی قسمین: الشّک فی التکلیف والشّک فی المکلّف به، (2) وبحث کلاًً منهما من جهة عقلیة وشرعیة. ورأی أنّ العقل والشّرع یحکمان بالبراءة عند الشّک بالتّکلیف سواء کان فی الموضوعات أم فی الأحکام؛ ومستند العقل فی هذا الحکم قاعدة قبح العقاب بلا بیان، ومستند الشّرع الآیات والرّوایات الکثیرة الدالّة علی ذلک. (3)

لکنّه یقول بالاحتیاط الشّرعی والعقلی عند الشّک فی المکلف به، ومستند حکم العقل بالاحتیاط قاعدة الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی، والأدلة الشّرعیة علی الاحتیاط الرّوایات الّتی تحکم بالتّوقف عند الشّبهات. (4) وهذا الفهم للأُصول العملیّة العقلیّة والنقلیّة حصل لاوّل مرّة وبهذا النّظم الدّقیق مع الوحید البهبهانی.

صحیح أنّ الفاضل التّونی طَرح بحث البراءة العقلیّة والشّرعیة لکن الإنصاف أنّه لم یقدم تقسیماً بهذا التّفصیل والوضوح؛ وعلماء المراحل السّابقة أیضاً لم یطرحوا هذا البحث؛ وغالباً ما کانوا یبحثون مسألة الحظر والإباحة وحکم العقل لجهة الانتفاع من الأعیان غیر معلومة الحکم، وقد أشرنا إلیها فی الدّروس السّابقة. وما طرحوه یختلف عمّا بینه الوحید البهبهانی حیث قدّم بحثاً

ص:241


1- (1) . الشّیخ الأنصاری: فرائد الأُصول: 2 /10.
2- (2) . الفوائد الحائریة: 467 و468، الفائدة 28.
3- (3) . الفوائد الحائریة: 240و241؛ والرّسائل الأُصولیة: 350- 358.
4- (4) . المصدر السّابق: 468- 472.

جدیداً، کما أنّ ما بحثوه فی مسألة البراءة الأصلیة یختلف بشکل کبیر عمّا طرحه البهبهانی.

من الجدیر بالذکر الإشارة إلی نقطة أُخری وهی أنّ الوحید البهبهانی لعلّه اوّل من تمسک بقاعدة قبح العقاب بلا بیان لإثبات البراءة العقلیة؛ وعلی ما یظهر کانوا یستفیدون قبل ذلک من قواعد التّکلیف بما لا یطاق واستصحاب حال العقل. (1)

3. فی مبحث العلم الإجمالی: التفت العلاّمة البهبهانی جیداً إلی أطراف العلم الإجمالی وتناولها فی حالتین:

الأولی: عندما تکون أطراف العلم الإجمالی محصورة.

الثّانیة: عندما تکون أطرافه غیر محصورة.

فی الحالة الأولی قال بمنجزیة العلم الإجمالی؛ وفی الحالة الثّانیة قال بعدمها. (2)

4. بحث المفاهیم: رأی أنّ مفاهیم الشّرط والحصر والغایة والعدد حجة؛ لأنّ مفهومها مقبول فی اللغة والعرف أیضاً،أمّا مفهوم اللقب والوصف فلیس بحجة. (3)

5. بحث الاستصحاب: عرض البهبهانی فیه تقسیماً جدیداً؛ فالاستصحاب قد یکون لمتعلق الحکم الشّرعی أو لنفس الحکم الشّرعی، و هذا التفطن من العلاّمة البهبهانی لم یسبقه إلیه أحد. (4)

6. فی بحث الإجتهاد والتّقلید: سعی إلی إثبات ضرورة الإجتهاد، وضرورة تقلید المجتهد عند عدم الإجتهاد. وهو ناظر فی هذا البحث المفصل إلی شبهات الأخباریین، ولذلک سبر غوره بدقة عالیة. بمعنی، أنّ أبحاثه فی الإجتهاد جاءت مکملة لما طرحه الفاضل التّونی فی هذا المجال. (5)

2. العلاّمة بحرالعلوم (1155- 1212ه)

اشارة

ولد العلاّمة السّید محمّدمهدی المشهور ب- "بحرالعلوم" ابن العالم الکبیر السّید مرتضی البروجردی الطباطبائی فی شوال من العام1155ه فی النجف الأشرف، عائلته جمیعهم من ذوی الشّأن ومن السّادة جلیلی القدر. کان جامعاً للفنون المختلفة، أشاد به جمیع من عاصره من

ص:242


1- (1) . السّید کاظم الحائری: مباحث الأُصول (الجزء الثّالث من القسم الثّانی): 65- 68.
2- (2) . الفوائد الحائریّة: 246و247.
3- (3) . المصدر السّابق: 183- 185.
4- (4) . الرسائل الأُصولیة: 423.
5- (5) . راجع رسالة الإجتهاد والتّقلید فی مجموعة الرّسائل الأُصولیّة.

الأساتذة والطّلاب والفضلاء، وأثنوا علی علمه وفضله. یقول عنه الوحید البهبهانی فی رسالته الّتی أجازه فیها: «... المؤیّد الموفّق المسدّد، والفطن الأرشد والمحقق الأسعد، ولدی الروحانی العالم الزکی، والفاضل الذکی، والمنبع المطلع الإلهی، السّید السّند، النجیب الأید.» (1)

وأستاذه الآخر المحدث البحرانی یعرِّفه بأنّه صاحب فضل وتقوی وزهد. ویمتدحه الشّیخ أبوعلی - الّذی عاصره وحضر معه درس الوحید البهبهانی - ویصفه بکلمات جمیلة جداً. (2) ویعتبره المیرزا محمد الأخباری فقیهاً، مدققاً، موثقا، ورعاً، فرید عصره، وصلت إلیه زعامة الشّیعة أواخر حیاته واتفق علماء الطّائفة علی فقاهته وعدالته. (3) ویقول صاحب مقابس الأنوار، کان العلاّمة بحر العلوم فقیهاً متکلماً، وفیلسوفاً عارفاً ومفسرا. (4)

أساتذته

درس عند علماء کبار، من أبرزهم (5) :

المحقق البهبهانی.

المحقق البحرانی.

المیر عبدالباقی الأصفهانی خاتون آبادی، کان معاصراً للبهبهانی ومن أحفاد العلاّمة المجلسی. وکان من مشایخ بحرالعلوم.

الآغا السّید حسین القزوینی من الفقهاء الکبار ومن المعاصرین للبهبهانی وکان من مشایخ رواة العلاّمة بحرالعلوم.

تلامذته

(6)

السّید محمّدجواد العاملی، صاحب مفتاح الکرامة فی الفقه.

الشّیخ أحمد النراقی، صاحب مستند الشّیعة.

ص:243


1- (1) . الدوانی المصدر السّابق: 173.
2- (2) . منتهی المقال: 6 /359 و360.
3- (3) . المیرزا محمد الأخباری نقلاً عن روضات الجنات: 2 /205.
4- (4) . مقابس الأنوار: 18.
5- (5) . روضات الجنات:204و205؛ مقابس الأنوار: 18.
6- (6) . المصدر السّابق: 206 و207؛ المقابس: 18.

الشّیخ محمد إبراهیم الکلباسی الأصفهانی، صاحب الإشارات فی الأُصول.

الشّیخ محمدتقی الأصفهانی، صاحب الحاشیة الکبری علی معالم الدّین.

السّید محمدمجاهد، صاحب مفاتیح الأُصول ومناهل الأُصول.

مصنّفاته العلمیّة

مصنّفاته کثیرة، (1) منها:

1. الدّرة النّجفیّة فی الفقه، وجاء بشکل منظومة شعریة وصل فیها إلی باب صلاة الطّواف.

2. المصابیح فی الفقه ویشمل العبادات والمعاملات.

3. الفوائد الرجالیّة، معروف برجال بحرالعلوم، طبع فی أربعة مجلدت من قبل مکتبة الصّادق فی طهران.

4. رسالة فی مناظرة السّید مع الیهود

5. شرح جملة من أحادیث کتاب التهذیب للشّیخ الطّوسی.

6. الدرة البهیة وفیه مجموعة من المسائل فی أُصول الفقه جاءت بشکل منظومة شعریة.

7. الفوائد الأُصولیّة وفیه (45) فائدة.

8. شرح باب الحقیقة والمجاز من کتاب الوافیة للفاضل التّونی.

9. دیوان شعر فی مدح ورثاء أهل البیت علیهم السلام .

مصنّفاته الأُصولیّة

کتب السّید بحرالعلوم رسائل أُصولیّة مختلفة. سعی کأستاذه الوحید البهبهانی إلی عرض المسائل الأُصولیّة ببیان فیه الکثیر من الدّقة والوضوح، وان یجیب علی شبهات الأخباریین. وهنا مجموعة من هذه المصنّفات:

1. الدّرة البهیّة: هذا الکتاب عبارة عن منظومة فی أُصول الفقه، نظم فیها أغلب المسائل الأُصولیّة؛ فیه العناوین التّالیة:

أُصول ومصادر الإجتهاد، الوضع وعلائمه، الحقیقة والمجاز، الاشتراک، الحقیقة الشّرعیة، المشتق، الأوامر والنّواهی، العام والخاص، المطلق والمقید، المجمل والمبین،

ص:244


1- (1) . انظر مقدّمة رجال بحرالعلوم بقلم السّید محمّدصادق العلوم: 1 /92.

الإجماع، الأخبار، القیاس، الأصل والاستصحاب، الإجتهاد والتّقلید، التّعادل والتّراجیح.

والکتاب مختصر جداً، طبع طباعة حجریة عام (1304ه) مرفقاً بکتاب الدّرة النّجفیّة وهو أیضاً منظومة غیر تامة فی أُصول الفقه.

2. فوائد بحرالعلوم: جمع هذا الکتاب بعد وفاة السّید بحرالعلوم من قبل ابنه ویحتوی علی (45) فائدة، قسم منها متعلق بمسائل أُصولیّة؛ موجود حالیاً بطبعته الحجریة فی (150) صفحة.

3. شرح باب الحقیقة والمجاز من کتاب الوافیة للفاضل التّونی وهو غیر متوفر. (1)

4 و5. إضافة إلی الکتب أعلاه ینسب إلیه رسالتین: واحدة فی حجیة الاستصحاب، وأُخری فی الإجماع. (2)

باقة من آرائه الأُصولیّة

1. یری العلاّمة بحرالعلوم، أنّ مفاهیم الشّرط والغایة والتّعلیل والعدد والحصر حجة للتّبادر العرفی. ویمیل أیضاً إلی القول بحجیة مفهوم الوصف، وقد بیّن رأیه فی باب المفاهیم فی ثلاثة أبیات من الشعر:

والمفهوم إن تبادرا فحجة وصار ذا منحصرا

فی الشّرط والغایة والتّعلیل والعدّ والحصر عن قلیل

حجیة الوصف ولیس یبعد لکنّه مرجَّح یؤید (3)

ج2. القیاس: غیر حجة برأیه، ولو کان قیاس الأولویّة، والقیاس الحجة هو المنصوص العلّة فقط أو الّذی یکون "بتنقیح المناط القطعی" أو الّذی یرجع إلی فهم فحوی الخطاب اللفظی ویبین ذلک ضمن هذین البیتین من الشّعر:

ولا تقس ولو بأولویة إلاّ إذا نص علی العلیّة

أو نقح المناط قطعا أو فهم فحوی من الخطاب لفظا فافهم. (4)

ص:245


1- (1) . جاءت أسماء الکتب الثّلاثة هذه فی مقدّمة التّحقیق الّتی کتبها السّید صادق بحرالعلوم علی رجال بحرالعلوم.
2- (2) . نسب السّنوسی فی ریاض الجنة هذین الکتابین إلی السّید بحرالعلوم؛ نقلاً عن الدّوانی، مصدر سابق، ص185.
3- (3) . الدرة البهیة (طباعة حجریة): والصفحات غیر مرقمة.
4- (4) . المصدر السّابق.

3. یعتبر أنّ تحصیل الأحکام عن طریق الإجتهاد واجب کفائی. ولا یقبل القول بالتّجزی فی الإجتهاد. یقول:

وأخذه الأحکام بالإجتهاد فرض کفائی علی العباد

ولا أری وجهاً لبحث التّجزئة وعندنا الصّواب قول التخطئة (1)

3. الشّیخ جعفر کاشف الغطاء (1156- 1228ه)

اشارة

الشّیخ جعفر بن خضر النجفی المعروف ب- "الشّیخ جعفر الکبیر و کاشف الغطاء نسبة إلی کتابه کشف الغطاء، ولد فی النجف الأشرف عام (1156ه). أخذ علومه عن أساتذة وعلماء منهم: الشّیخ محمّدمهدی الفتونی العاملی، والسّید صادق فخام، والشّیخ محمّدتقی الدّروقی، وجمیعهم من فقهاء النجف، توج رحلته العلمیّة بالذّهاب إلی کربلاء ودرس هناک علی العلاّمة البهبهانی.

تتلمذ علی یدیه علماء کبار، أمثال: حجة الإسلام الشّفتی صاحب مطالع الأنوار، والحاج محمد إبراهیم الکلباسی مؤلّف إشارات الأُصول، والشّیخ محمّدحسن صاحب الجواهر، والشّیخ محمّدتقی الأصفهانی، والسّید صدرالدّین الموسوی العاملی وغیرهم. (2)

الشّیخ جعفر عالم نحریر، جامع، تمیّز بتواضعه الکبیر، وبشجاعته العالیة، وکان شدید الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

انتقلت إلیه زعامة المذهب الشّیعی بعد رحیل السّید بحرالعلوم، ووصل إلی مقام المرجعیة العامّة. (3) یقول عنه المحقق الکاظمی فی المقابس: «...الأجل، الأکمل،..التّقی، النقی، الرّضی، الزّکی، الذّکی، الصّفی... .» (4)

مصنّفاته العلمیّة

وضع الشّیخ جعفر العدید من المؤلّفات، منها: (5)

1. کشف الغطاء (الأوّل)، وهو کتاب فی الفقه، بحث فی مقدمته أُصول العقائد

ص:246


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . روضات الجنّات: 2 /201.
3- (3) . المصدر السّابق: 200.
4- (4) . مقابس الأنوار: 19.
5- (5) . روضات الجنات: 2 /202؛مقابس الأنوار: 19.

وأصول الفقه، وهو کتاب مشهور جداً بین علماء الشّیعة، وله أهمیّة کبیرة.

2. کشف الغطاء، وهو غیر الأوّل، وکتبه ردّاً علی المیرزا محمد الأخباری.

3. الحق المبین، یبیّن فیه موارد الاختلاف بین الأُصولیین والأخباریین، وینتقد فیه أیضاً آراء الأخباریین.

4. غایة المأمول فی الأُصول.

5. مناسک الحج.

6. منهج الرّشاد، فی الرّد علی فرقة الوهابیة.

مصنّفاته الأُصولیّة

لم یکتب الشّیخ جعفر فی الأُصول کتباً مفصلة، لکن ما کتبه فی هذا المجال حظی باهتمام العلماء.

1. أهمّ کتبه الأُصولیّة، مقدّمة کشف الغطاء حیث أفرد فیها بحثاً أُصولیاً بعد الأبحاث العقائدیّة الّتی استهل بها المقدمة. وقد نقل عن الشّیخ الأنصاری أنّ من یفهم ویدرک ما کتبه کاشف الغطاء فی مقدّمة کشف الغطاء فهو مجتهد ولا ریب. (1) وهذا الکلام یدلّ علی تفوُّق أبحاثه الأُصولیّة فی القوّة والمتانة. وما یلی فهرس الأبحاث الأُصولیّة الواردة فی مقدّمة کشف الغطاء:

اللغة والوضع- الأوامر- الإجزاء- مقدّمة الواجب- الضّد- العام والخاص- المطلق- المفاهیم- ظواهر القرآن- الخبر- الإجماع- أصالة الإباحة- أصل البراءة- أصل الصّحة- الأدلّة الظّنیة وباب التّعادل والتّراجیح- الإجتهاد- السّنن- رجحان الاحتیاط.

2. کتاب الحق المبین، وغرضه الأساسی من الکتاب بیان موارد الاختلاف ما بین الأخباریین والأصولیین، وفی جانب منه انتقد الأخباریین. بعض محتویات الکتاب:

العقل- الکتاب- الأحادیث النبویّة- الأخبار والإجماع- القیاس- الإجتهاد والتّقلید.

3. غایة المأمول، وهذا الکتاب مفقود والحصول علیه متعذر.

آراؤه الأُصولیّة

1. بحث المفاهیم: أشار الشّیخ إلی جوانب أُخری فی هذا المبحث، حیث عمل علی استکشاف مفاهیم جدیدة للجملة، ما کان الآخرون یتعرضون لها عادة. فعلی سبیل المثال:

ص:247


1- (1) . أدوار الإجتهاد: 296.

أشار إلی: مفهوم الأولویة، ومفهوم العلّة، والتّلازم، والاقتضاء، ومفهوم ترتیب الذکر فی القرآن، وغیر ذلک. واعتبر أنّ معیار حجیة المفاهیم عموما هو حصول الفهم المعتبر لدی أهل الفکر والنظر، ویستثنی مفهوم اللقب من الحجیة، أمّا باقی المفاهیم فحجیتها ثابتة مطلقاً أو مع بعض القیود عند العرف المعتبر. (1)

2. یقول أنّ أصالتی الإباحة والطهارة ترجعان إلی أصالة البراءة وحجیة هذا الأصل ثابتة لا نقاش فیها. ولم یفصل أو یتوسع فی بحث البراءة وبالتّالی لم یقسمها إلی براءة شرعیّة وأخری عقلیّة، وکذلک لم یذکر الأدلّة الرّوائیة علیها. (2) ومن الواضح أنّ النظریّة المفصلة والمعمقة المتعلّقة بالأُصول العملیّة، لم تکن قد ظهرت بعد.

3. یقول أنّ لا تواتر، لا لفظی ولا معنوی، للأخبار المدونة فی الکتب والجوامع الرّوائیة کالکتب الأربعة، لأنّ عدد ناقلی الأخبار أقل من حدّ التواتر. کذلک فإنّ أغلب هذه الرّوایات، حسب رأیه، غیر محفوفة بقرائن قطعیة، ومن المقطوع به أنّ الکذب والوضع قد وجد طریقه إلیها، وعلیه فتحصیل العلم بها مشکوکٌ- من هذه الجهة- ؛ وکلام الأخباریین فی هذا المجال غیر مقبول.

4. السّید علی الطّباطبائی (1161- 1231ه)

اشارة

هو العلاّمة السّید علی بن محمد بن علی الطّباطبائی، ولد عام (1161ه) فی الکاظمیة بالعراق. وهو ابن أخت وصهر العلاّمة البهبهانی. تمیّز بذکائه المتوقد واستعداده العجیب، ویعتبر من تلامذة البهبهانی البارزین علی الرّغم من صغر سنه. (3)

طوی بسرعة ملحوظة مراحل علمیة متقدّمة ووصل إلی مرتبة الإجتهاد والفقاهة. یقول عنه المحقق الکاظمی فی مقابس الأنوار: «الأستاذ الوحید سید المحققین وسند المدققین العلاّمة النحریر مالک مجامع الفضل بالتقریر والتّحریر.. محیی شریعة الدّرایة والرّوایة محیی شریعة أجداده المنتجبین مبین معاضل الدّین المبین بأوضح البراهین وأوضح التّبیین نادرة الزّمان خلاصة الأفاضل الأعیان الحاوی شتات الفضائل»، (4) السّیدعلی، إنسان موثق، فقیه، حسن الخلق، کثیرالتّواضع.

ص:248


1- (1) . کشف الغطاء (طبعة حجریة): 31؛ کشف الغطاء (طباعة حدیثة): 1 /185- 187.
2- (2) . المصدر السّابق: 35؛ والمصدر السّابق:199.
3- (3) . منتهی المقال: 5 /63 و64.
4- (4) . مقابس الأنوار: 19.

من أساتذته ومشایخه: العلاّمة البهبهانی، والعلاّمة محمدعلی البهبهانی (ابن الوحید البهبهانی) والشّیخ یوسف البحرانی. (1)

تلامذته

أبرز من تتلمذ علی یدیه:

1. أبوعلی محمّد بن إسماعیل المازندرانی الحائری صاحب منتهی المقال.

2. الشّیخ أسدالله الدزفولی الکاظمی، مؤلّف مقابس الأنوار.

3. السّید محمّدباقر الشفتی، المعروف بحجة الإسلام الشّفتی.

4. الشّیخ محمد إبراهیم الکلباسی صاحب إشارات الأُصول.

5. السّید جواد العاملی مؤلّف مفتاح الکرامة.

6. ابنه السّید محمد المجاهد.

7. وشریف العلماء المازندرانی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع کتباً عدیدة (2) منها:

1. شرح علی مفاتیح الشّرائح، اقتصر فیه علی کتاب الصّلاة فقط.

2. شرح علی المختصر النافع للعلاّمة، تحت عنوان ریاض المسائل فی بیان أحکام الشّرع بالدلائل وهو کتاب قیم.

یقول صاحب الجواهر فی کتابه، لو أردت وضع کتاب فی الفقه لوضعت کتاباً بمتانة ریاض المسائل للسّید علی الطّباطبائی. (3) وقال صاحب الجواهر فی وصایاه لطّلابه، ادرسوا کتاب ریاض المسائل، فسیکون عوناً لکم علی الإجتهاد. (4)

3. رسالة فی أُصول العقائد.

ص:249


1- (1) . منتهی المقال: 65؛ روضات الجنات: 4 /402.
2- (2) . منتهی المقال: 5 /64 و65؛مقدّمة ریاض المسائل: 1 /113و114.
3- (3) . نقلاً عن جناتی فی أدوار الإجتهاد: 300.
4- (4) . المصدر السّابق.

4. حواشٍ متفرقة علی الحدائق الناضرة للمحدث البحرانی.

5. حواشٍ متفرقة علی مدارک الأحکام.

6. رسالة فی الإجماع والاستصحاب.

7. رسالة فی حجیة مفهوم الموافقة.

8. رسالة فی باب اختصاص الخطاب بالمشافهین فی مجلس الخطاب.

9. رسالة فی باب تکلیف الکفار بالفروع.

10. رسالة فی حجیة الشهرة.

11. حاشیة علی معالم الدین، وقد کتبه فی بدایة شبابه.

12. شرح مبادئ الوصول إلی علم الأُصول للعلاّمة الحلی، وهو شرح متفرق وغیر مکتمل.

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة

کتَبَ صاحب ریاض المسائل (السّید علی الطباطبائی) رسائل عدیدة فی الأُصول، لکنّه لم یضع کتاباً مستقلاً ومکتملاً. والرسائل السّبعة الأخیرة الّتی عرضناها آنفاً تعتبر من ضمن رسائله الأُصولیّة، إلاّ أنّ أیّاً منها لا تشکل دورة کاملة فی الأُصول.

حذا صاحب الرّیاض فی الأُصول حذو أستاذه البهبهانی؛ فانصرف إلی تنقیح المسائل ونقد مبانی الأخباریین؛ ونورد هنا جملة من آرائه:

1. یقول صاحب الرّیاض أنّه کلّما کانت أطراف العلم الإجمالی غیر محصورة فلا یجب اجتنابها ولا الاحتیاط فیها، وقد ادّعی الإجماع علی ذلک. (1)

2. یری أنّ الاستصحاب فی الأعدام معتبرٌ، وعلیه إجماع العلماء، وسیرتهم علی التّمسک بالأُصول العدمیة؛ کأصل عدم القرینة وأصل عدم النقل وأصل عدم الاشتراک وغیر ذلک. (2)

3. یقول أنّ قاعدة الفراغ والتّجاوز لا تجری فی أفعال الطّهارات الثّلاث، فعلی سبیل المثال، الشّاک فی بعض أفعال الوضوء قبل الإتمام، علیه إعادة الفعل لو شکّ فیه ولودخل فی فعل آخر؛ وهذه المسألة جاریة أیضاً فی أفعال الغسل والتّیمم ویعتبرها من المسلمات. (3)

ص:250


1- (1) . ریاض المسائل (طبعة حجریة): 2 /297، نقلاً عن رسائل الشّیخ: 2 /257.
2- (2) . نقلاً عن شریف العلماء، انظر: ضوابط الأُصول: 351.
3- (3) . الریاض: 1 /227،نقلاً عن الرسائل: 3 /336.

خلاصة الدّرس

1. بدأت المرحلة الخامسة مع ظهور الوحید البهبهانی (1206ه) وجهوده الواسعة فی الرّد علی الأخباریین واستمرت إلی زمان الشّیخ الأنصاری (1281ه). تقلص نفوذ الأخباریین خلال هذه المرحلة تماماً، وقویت الأُسس والمبانی الأُصولیّة أکثر فأکثر.

2. نهض العلاّمة البهبهانی، الّذی کان وجهاً من أعلام المسلمین البارزین، بکل قواه لمواجهة الأخباریین؛ ولتحقیق أهدافه قام بثلاثة أعمال:

1. أسس حوزة اجتهادیة فی کربلاء.

2. خرّج الکثیر من التّلامذة الماهرین.

3. ألّف کتب ورسائل أُصولیّة قیّمة.

3. أبرز العلماء الّذین تربوا علی یدیه وساهموا فی تشیید نهضة أُصول الفقه وهزیمة الحرکة الأخباریّة: الشّیخ کاشف الغطاء، العلاّمة السّید بحرالعلوم، العلاّمة السّید علی الطباطبائی، المیرزا القمی، الشّیخ محمّدتقی الأصفهانی، صاحب الفصول، شریف العلماء، العلاّمة المجاهد السّید محمد الطباطبائی وغیرهم. (1)

4. عمدة اهتمامات الأُصولیین فی هذه الحقبة انصبّت علی المواضیع الخلافیة بینهم وبین الأخباریین، کبحث الإجتهاد والتّقلید، حجیة الظّنون، خبر الواحد، الأدلّة العقلیة والأُصول العملیة (براءة- اشتغال- استصحاب).

5. کانت الأُصول العملیة من أکثر المواضیع الّتی راج البحث حولها خلال هذه المرحلة، وقد استفاد العلماء للاستدلال علیها، من الأدلة الشّرعیة التّعبدیة- إضافة إلی الأدلة العقلیة- حیث أُوجدت هذه الابحاث فیما بعد، الأرضیة المناسبة لتفکیک الأُصول العملیة العقلیة وفصلها عن الأُصول الشّرعیة.

وکذلک فإنّ الاطّلاع علی المؤلّفات الأُصولیّة لعلماء هذه المرحلة یظهر مدی التّفاتهم- ولو بالإجمال- إلی الفرق بین الأدلّة والأُصول، أو بالأحری إلی الاختلاف الواقع ما بین الأدلّة والأُصول العملیة.

ص:251


1- (1) . سیکون البحث حول بقیة الأعلام فی الدّرس القادم، من المیرزا القمی إلی السّید محمدالطباطبائی.(المترجم).

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. هل هناک عوامل أُخری لم تذکر فی الدّرس ساهمت فی انحسار نفوذ الأخباریین؟ سمّ بعضاً منها لو وجد.

2. ابحث فی عوامل ظهور المرحلة الخامسة، ودور الأخباریین فی ذلک، وناقشها مع زملائک فی الصّف.

3. کیف تقیّم عمل الوحید البهبهانی وتلامذته من الصّف الأوّل، فی مواجهتهم للأخباریین، ومساهمتهم فی تحوّل علم الأُصول إلی وضعٍ جدید.

للتّحقیق والبحث

توجد شخصیات أُخری، إضافة إلی الأعلام المذکورین فی هذا الدّرس والدّرس اللاّحق، کان لها حضورٌ ودور فی تطوّر علم الأُصول خلال هذه المرحلة، کالعلاّمة الشّیخ أسدالله الشّوشتری صاحب کشف القناع والمولی أحمد النّراقی، والمحقق الکلباسی صاحب إشارات الأُصول، والسّید عبدالله شبر، وصاحب الجواهر وغیرهم.

قم بدراسة حول هؤلاء الأعلام ودورهم المؤثّر فی تطوّر علم الأُصول وتکامله.

ص:252

الدّرس الحادی عشر: المرحلة الخامسة: مرحلة الانتعاش والتّحولات العمیقة (2)

اشارة

من الوحید البهبهانی (1206ه) إلی الشّیخ الأنصاری (1281ه)

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

متابعة البحث حول شخصیات المرحلة، آراؤهم وإنجازاتهم الأُصولیّة.

إطلالة علی أهمّ الأفکار الأُصولیّة.

إطلالة إجمالیة علی أُصول أهل السُّنة فی هذه المرحلة.

أهمّ الممیزات الّتی اتّسمت بها المرحلة الخامسة.

ص:253

ص:254

الشّخصیات الأُصولیّة لهذه المرحلة (2)

اشارة

تعرفنا فی الدّرس السّابق علی مجموعة من أعلام المرحلة الأُصولیّة الخامسة، وفی هذا الدّرس سنتعرف علی مجموعة أُخری، وسنطلع علی مصنّفاتهم وآرائهم الأُصولیّة.

5. المیرزا القمی (1150- 1231ه)

اشارة

العلاّمة الکبیر والأصولی اللاّمع المیرزا أبوالقاسم بن المولی محمّدحسن الکیلانی، المعروف بالمیرزا القمی وصاحب القوانین، ولد سنة (1150ه) فی قریة دره باغ. اشتغل منذ صغره بتحصیل العلوم الدّینیة؛ درس المقدّمات علی ید والده ثمّ سافر إلی خوانسار وتتلمذ هناک علی ید العلاّمة السّید حسین الخوانساری (جد صاحب روضات الجنات) حیث درس علی یدیه فی الفقه والأُصول، وحصل منه علی إجازة فی الإجتهاد والرّوایة. هاجر بعد ذلک إلی النجف الأشرف وکربلاء، وتتلمذ هناک علی ید العلاّمة البهبهانی ووصل إلی مرتبة عالیة من الإجتهاد، عاد إلی إیران بعد أنّ طوی مراحل مختلفة من التّکامل العلمی؛ وبعد مدة، استقر فی مدینة قم واشتغل فیها بالتّألیف والتّدریس. توفی عام (1231ه) فی مدینة قم ودفن فیها. (1)

أساتذته

درس المیرزا القمی عند الکثیر من العلماء والمشایخ، منهم: (2)

1. الملاّ محمّدحسن الکیلانی الشّفتی.

ص:255


1- (1) . روضات الجنّات: 5 /369 - 379.
2- (2) . المصدر السّابق: 370.

2. السّید حسین الخوانساری.

3. المحقق العلاّمة وحید البهبهانی.

4. العلاّمة الشّیخ محمّدمهدی الفتونی.

5. آغا محمّدباقر هزارجریبی.

تلامذته

تتلمذ علی یدیه العدید من العلماء، أبرزهم. (1)

1. الشّیخ المیرزا أبوطالب بن أبی محسن القمی، صهر المیرزا القمی.

2. الشّیخ أبوالقاسم الکاشانی.

3. المولی أحمد النراقی.

4. المولی أسدالله البروجردی، وکان من أساتذة الشّیخ الأنصاری.

5. الشّیخ أسدالله الدّزفولی الکاظمی، صاحب مقابس الأنوار.

6. السّید عبدالله شبر.

7. السّید محسن الأعرجی الکاظمی.

8. حجة الإسلام الشّفتی.

9. الشّیخ محمّدإبراهیم الکلباسی.

10. السّید محمّدجواد العاملی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع الکثیر من الرسائل والکتب، (2) منها:

1. غنائم الأیام، کتاب فی الفقه.

2. مناهج الأحکام، فی الفقه.

3. جامع الشّتات فی الفقه، وجاء بصورة أسئلة وأجوبة شامل لجمیع أبواب الفقه.

4. رسالة فی الأُصول الاعتقادیة.

ص:256


1- (1) . المصدر السّابق.
2- (2) . روضات الجنات: 5 /371 - 373؛ مقدّمة غنائم الأیام: 1 /49 و50.

5. رسالة مفصلة فی القضاء والشّهادات.

6. رسالة فی رد الصّوفیة والغلاة.

7. دیوان شعر.

8. القوانین المحکمة فی أُصول الفقه؛ وغیرها من الکتب.

مصنّفاته الأُصولیّة

أهمّ کتاب أُصولی وضعه المیرزا القمی هو القوانین المحکمة، وقد أصبح هذا الکتاب من المتون الدّراسیة فی الحوزات العلمیّة لفترات زمنیة طویلة، وما زال یدّرس إلی الآن علی مستوی بعض المجموعات فی حوزات مختلفة؛ والکتاب مطبوع طباعة حجریة فی مجلدین (من الحجم الکبیر)، ولم یتم تحقیقه بعد.

لا شکّ بأنّ کتاب القوانین من أهمّ الکتب الأُصولیّة الشّیعیة؛ ومع هذا الکتاب طرأ تحوّل کبیر علی مسار الأُصول عند الشّیعة؛ لأنّه منذ زمن بعید لم یظهر کتابٌ أصولیٌ متکامل بمستوی کتاب قوانین الأُصول، ولم یر أیُّ تحول شامل بهذا الحجم فی أسلوب عرض المواضیع الأُصولیّة. فی ظلّ الأوضاع السّائدة آنذاک، (1) قام المیرزا القمی بوضع هذا الکتاب الّذی تمیّز بهاتین الخاصیتین. (2) فالتّبویب الّذی نراه فی الکتاب، نمط إبداعی جدید من نوعه، والمواضیع الّتی طرحت فیه عمیقة وجدیرة بالبحث. ویمکن القول أنّ المیرزا القمی کان من أبرز تلامذة العلاّمة البهبهانی وأبرعهم فی الأُصول، إلی حدّ أنّ الوحید البهبهانی نفسه وضع حواش علی کتابه، ویدلّ هذا الأمر علی عظمة المیرزا ومتانة کتابه.

نظم المیرزا کتاب القوانین فی مقدّمة وسبعة أبواب وخاتمة. طرح فی المقدّمة تعریف علم الأُصول، وموضوعه وجملة من مباحث الألفاظ (الحقیقة والمجاز، الألفاظ، تعارض الأحوال، المشتق وغیرها).وجاءت الأبواب علی الشّکل التّالی:

الباب الأول: فی الأمر والنهی.

الباب الثّانی: فی المفهوم والمنطوق.

الباب الثّالث: فی العام والخاص.

ص:257


1- (1) . الرّکود والضّعف الذی أصاب البحث الأصولی.(المترجم).
2- (2) . أی کتاب أصولی متکامل- دورة تامة فی علم الأُصول، وقدّم فیه عرضاً جدیداً للمسائل الأُصولیة.(المترجم).

الباب الرّابع: فی المطلق والمقید.

الباب الخامس: فی المجمل والمبین.

الباب السّادس: فی الأدلّة الشّرعیة (الکتاب، السّنة، الإجماع، المستقلات العقلیة، وغیر المستقلات العقلیة، الأُصول العملیة: البراءة، الاشتغال والاستصحاب، قاعدة لا ضرر، القیاس، النسخ).

الباب السّابع: فی الإجتهاد والتّقلید

الخاتمة: فی تعارض الأدلّة (باب التّعادل والتّراجیح).

کتاب القوانین، کتاب مفصل ومتین من حیث الاستدلال، وغالباً ما استفاد مؤلّفه من أدلّة مختلفة ومتعددة للاستدلال علی مسألة واحدة. کتبت علیه شروح وحواشٍ کثیرة؛ والمیرزا نفسه وضع حاشیة علیه، (1) وکذلک المیرزا محمد الأخباری الّذی کتب علیه شرحاً وعلی الأغلب کان شرحاً نقدیّاً. (2) والمرحوم البهبهانی نفسه وضع حاشیة علیه.

للمیرزا القمی، إضافة إلی کتاب القوانین، شرح علی تهذیب الوصول للعلاّمة وشرح علی شرح مختصر الحاجبی للعلاّمة أیضاً، ورسالة فی قاعدة التّسامح فی أدلّة السّنن، وجمیع هذه الکتب غیر مطبوعة.

إطلالة عامة علی آرائه الأُصولیّة

یعتبر المیرزا القمی وبحق، من فطاحل الأُصولیین، ومن تلامذة العلاّمة البهبهانی البارعین؛ حازت آراؤه الأُصولیّة علی اهتمام العلماء من بعده. وقد کتبت أبحاث ودراسات موسّعة حولها أو ذات صلة بها؛ وهذه المسألة تشاهد بوضوح فی کتاب الرسائل للشّیخ الأنصاری حیث تشیر إلی مدی تقدم آرائه وقوتها أیضاً. وخلاصة الأمر أنّه قدم نظریات جدیدة، شکل بعضها تحوّلاً مفصلیّاً فی أُصول الفقه، وفیما یلی سنتعرض لمجموعة منها:

1. المیرزا القمی من الّذین یحکمون بحجیة الظّنون مطلقاً من بین علماء الإمامیة، وأهمّ دلیل عنده لإنکار انحصار حجیة الظّنون بالظّن الخاص الّذی یوجد دلیل شرعی قطعی علی

ص:258


1- (1) . الذّریعة: 17 /203.
2- (2) . المصدر السّابق: 14 /24.

حجیته هو دلیل انسداد باب العلم بعد الغیبة الکبری؛ (1) وهناک أدلّة أُخری فی هذا الباب. وللشّیخ الأنصاری بحث تفصیلی حول هذه المسألة فی کتابه الرّسائل. (2)

2. فی مسألة خطاب المشافهین، المیرزا- کما علیه جمیع علماء أهل السّنة وبعض علماء الإمامیة- من القائلین بأنّ الخطاب مختص بالمشافهین ولا یشمل المتأخرین عن زمان الخطاب.

3. یقول: إنّ الأدلّة الفقهیة تشکّل موضوع علم الأُصول، وهی أربعة: الکتاب والسّنة والإجماع والعقل، أمّا بالنسبة للاستصحاب، فیقول: إنّ کان مدرکه الأخبار والرّوایات یدخل حینئذ ضمن دلیل السُّنة، وإن کان مدرکه العقل الظنّی فهو داخل ضمن دلیل العقل. (3)

4. یفصّل فی البحث حول الإجتهاد وتعریفه، ویذکر التّعریفین المشهورین، (4) لکنه یعتبرهما غیر تامین؛ ویقول الإجتهاد استفراغ الوسع فی تحصیل الحکم الشّرعی الفرعی من الأدلّة المعتبرة بواسطة شخص مطلع علی الأدلة عالم بأحوالها ولدیه قوة قدسیة یمکن له بواسطتها رد الفروع إلی الأُصول. وهنا یُخرج قید الظّن من التّعریف، إذ ما یحصل عن طریق الإجتهاد فهو أحیاناً قطعی وأحیاناً أُخری ظنی، وکلاهما حجة بالنسبة للمجتهد ولمقلده. (5)

6. المولی مهدی النّراقی (1128- 1209ه)

اشارة

ولد عالم الأخلاق العلاّمة المولی مهدی النراقی عام 1128ه ، فی قریة نراق من توابع کاشان، وتوفی فی النجف الأشرف عام (1209ه). کان اوّل من اشتهر من العلماء الکبار بعد رحیل العلاّمة البهبهانی. کان عالماً کبیراً تخصص فی علوم مختلفة، فی الفلسفة والکلام والأخلاق والفقه والأُصول والریاضیات؛ أشهر أساتذته: المحقق البهبهانی والشّیخ یوسف البحرانی.

ص:259


1- (1) . المیرزا القمی: القوانین المحکمة: 1 /439 - 452.
2- (2) . فرائد الأُصول: 1 /367 وما بعد.
3- (3) . المصدر السّابق: 9.
4- (4) . وهما: تعریف العلاّمة المأخوذ فی الأصل عن الحاجبی کما یذکر صاحب منتهی الدرایة: استفراغ الوسع فی تحصیل الظّن بالحکم الشّرعی. والتّعریف الثّانی: الإجتهاد ملکة یقتدر بها علی استنباط الحکم الشّرعی الفرعی من الأصل فعلاً أو قوة قریبة.(المترجم)
5- (5) . المصدر السّابق: 2 /100- 102.

ربّی الکثیر من التّلامذة أشهرهم: ابنه الشّیخ أحمد النراقی وصاحب مستند الشّیعة فی الفقه. (1) صنّف کتباً کثیرة، (2) هذه باقة منها:

لوامع الکلام فی فقه شریعة الإسلام؛ وهو کتاب استدلالی مبسوط.

تجرید الأُصول.

رسالة فی الإجماع.

اللمعات العرشیة فی حکمة الإشراق.

جامع الأفکار فی الإلهیات.

رسالة فی الحساب.

جامع السعادات فی الأخلاق، مطبوع فی ثلاثة مجلدات.

الشهاب الثاقب فی الإمامة، کتب ردّاً علی رسالة الفاضل البخاری.

مصنّفاته الأُصولیّة

عاش الفاضل النراقی- کغیره من العلماء المعاصرین له- فی زمن کان الإجتهاد فیه عرضة للنقد والإبطال من قبل الأخباریین؛ وقد بذل جهوداً علمیة کبیرة وقام بأبحاث واسعة- مستفیداً من آراء أساتذته کالعلاّمة البهبهانی- لتبیین أُصول الإجتهاد وقواعده، ونقد آراء الأخباریین. وصنّف فی هذا المجال عدة کتب أُصولیّة. وأهمّ ما کتبه فی الأُصول جاء فی کتاب بعنوان تجرید الأُصول حیث قام ابنه الفاضل بشرحه؛ ومواضیع الکتاب جاءت علی الشّکل التّالی:

الأحکام، اجتماع الأمر والنهی، الصّحیح والأعم، الکتاب، السّنة، الإجماع، الاستصحاب، البراءة، الاحتیاط، الاستحسان، القیاس، تنقیح المناط، طرق الاستنباط، الأمر و النّهی، الضدّ، الإجزاء، اقتضاء النّهی للفساد، العام والخاص، المجمل والمبین، المفاهیم، النسخ، الإجتهاد والتّقلید، التّجرّی، التّرجیح والتّعدیل.

عند التّأمّل فی فهرس الکتاب، یظهر أنّه لا یتمتع بتبویب جید، وهو غیر منظم إلی حدّ ما، بل یشبه فی الأغلب مجموعة رسائل مختلفة مضمومة إلی بعضها بعضاً.

ص:260


1- (1) . روضات الجنّات: 7 /201 و202.
2- (2) . المصدر السّابق: 200؛ریحانة الأدب: 6 /165.

ألّف النراقی إضافة إلی هذا الکتاب عدّة کتب أُصولیّة من قبیل: أنیس المجتهدین، جامعة الأُصول، (1) ورسالة فی الإجماع.

آراؤه الأُصولیّة

الفاضل النراقی من القائلین بحجیة مفهوم الوصف خلافاً لمشهور الأُصولیین. ویعتبر مفهوم الغایة من أقوی المفاهیم، أمّا مفهوم اللقب فلا حجیة له. (2)

یری أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة کحجیّة خبر الواحد نفسه، لأنّ أدلّة الأخیر شاملة للإجماع المنقول أیضاً. (3)

7. السّید محسن الأعرجی الکاظمی (م: 1242ه)

اشارة

العلاّمة السّید محسن بن السّید حسن الأعرجی الکاظمی المشهور بالمقدس الکاظمی من أکابر الشّیعة ومفاخرها فی أواسط القرن الثّالث عشر. کان فقیهاً وأُصولیاً، محققاً ومدققاً، وزاهداً کثیر العبادة. درس عند أساتذة کبار کالسّید صدرالدّین القمّی و العلاّمة البهبهانی، والمیرزا القمی؛ وتتلمذ علی یدیه علماء أمثال حجة الإسلام السّید محمّدباقر الشّفتی والسّید عبدالله شبر والسّید صدرالدّین العاملی. (4)

وضع کتباً مختلفة (5) منها:

أرجوزة فی الفقه.

حاشیة علی الوافی للملا محسن الفیض الکاشانی.

المحصول فی شرح وافیة الأُصول للفاضل التّونی.

وسائل الشّیعة فی أحکام الشّریعة فی الفقه، وهو أهمّ وأشهر کتاب له.

عدّة الرّجال.

ص:261


1- (1) . طبعت حدیثاً.
2- (2) . الفاضل النراقی: تجرید الأُصول: 213 - 219.
3- (3) . المصدر السّابق: 77.
4- (4) . روضات الجنات: 6 /104؛ریحانة الأدب: 5 /236
5- (5) . المصدر السّابق: 104و 105؛المصدر السّابق: 237.
آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة

ترک المحقق الکاظمی فی الأُصول أعمالاً قیمة، وحذا حذو أساتذته فی الدفاع عنه وشرح قواعده ومبانیه. أهمّ کتبه الأُصولیّة کتاب المحصول وهو شرح قیّم ومتین علی کتاب الوافیة للفاضل التّونی؛ (1) وله کتب أُصولیّة أُخری منها:

- الوافی، وهو شرح آخر علی الوافیة.

- حاشیة علی الوافیة.

- سلالة الإجتهاد.

- شرح مقدّمات الحدائق الناضرة.

- وأصالة البراءة. (2)

بَحثَ المحقق الکاظمی فی مقدّمة کتابه الفقهی وسائل الشّیعة جملة من المواضیع الأُصولیّة المهمّة، واستعرض بعض الاختلافات بین الأُصولیین والأخباریین. (3) من آرائه الأُصولیّة:

1. فی بحث وقوع التّعبد بالظّن، یعتبر المحقق الکاظمی أنّ الأصل الأوّلی إباحة العمل بالظّن، لأنّ الأصل فی الأشیاء الإباحة، (4) وهذا الرّأی هو فی الواقع مخالف للنظریة المشهورة عند الإمامیّة، الّتی تقول بأنّ الأصل الأوّلی عدم حجیة الظّن وحرمة العمل به قبل ورود دلیل من الشّرع علی التّعبد.

2. یری أُصولیو الإمامیّة أنّ الإجماع حجة لکاشفیته عن قول المعصوم؛ لذلک طرح العلماء بحثاً فی الأُصول حول مستند هذا الکشف عن قول الإمام المعصوم علیه السلام ، وعرضوا طرقاً مختلفة فی تفسیره، مثل: طریق الحسّ، وقاعدة اللطف، وطریق الحدس. والمحقق الکاظمی الّذی یقبل الإجماع المنقول، یقدّم توجیها لذلک وهو کونه (حاصلاً) عن طریق الحدس المستند إلی الحسّ أو المستلزم له. (5)

ص:262


1- (1) . روضات الجنّات: المصدر السّابق.
2- (2) . ریحانة الأدب.
3- (3) . وسائل الشّیعة فی أحکام الشّریعة: 70 .1.
4- (4) . الکاظمی: الوافی (مخطوط): 29.
5- (5) . المصدر السّابق:50؛ وسائل الشّیعة فی أحکام الشریعة: 55.

3. فی الشّبهات المحصورة، یری وجوب الاجتناب عن جمیع الأطراف، ویدّعی الإجماع علیه. (1)

4. یری أنّ الحکم الوضعی هو عین الحکم التّکلیفی. (2)

8. السّید محمّد المجاهد (م1242ه)

اشارة

العلاّمة السّید محمّد بن السّید علی الطباطبائی المشهور ب- المجاهد، من العلماء الکبار فی عصره، وهو ابن السّید علی صاحب ریاض المسائل وصهر السّید مهدی بحرالعلوم. کان فقیهاً وأُصولیّاً، وأدیباً ورجالیاً. ترک کربلاء وقفل عائداً إلی إیران بعد أنّ طوی مراحل علمیة علی ید علماء مشهورین، کالسّید علی الطّباطبائی (والده) والعلاّمة بحرالعلوم. استقر فی أصفهان، ثمّ عاد بعد وفاة والده إلی کربلاء واشتغل هناک بالتّدریس إلی أنّ رجع مرة أُخری إلی إیران. توفی فی قزوین عام (1242ه) ونقلت جنازته إلی کربلاء ودفنت هناک. (3) بعض مصنّفاته (4):

1. الاستصحاب فی أُصول الفقه.

2. إصلاح العمل فی العبادات.

3. الوسائل إلی النجاة فی أصول.

4. المصابیح فی الفقه.

5. المناهل فی الفقه.

آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة

برز العلاّمة السّید محمد المجاهد فی أُصول الفقه کأبیه، ولعلّه کان أشدّ منه، فقد وضع مصنّفات قیّمة. وله فی الأُصول الکتب التّالیة:

1. مفاتیح الأُصول، وهذا الکتاب ما زال علی طبعته الحجریة، یقع فی (720) صفحة من القطع الرّحلی. وهو من أوسع الکتب الأُصولیّة الّتی دوّنت حتّی ذلک الوقت؛ فهرسة محتویاته الإجمالیة علی الشّکل التّالی: الوضع- حجیة الظّاهر- المشتق- الصّحیح والأعم- الحقیقة

ص:263


1- (1) . الوافی:210.
2- (2) . نقلاً عن رسائل الشّیخ الأنصاری: 3 /127.
3- (3) . انظر ریحانة الأدب: 3 /401.
4- (4) . المصدر السّابق: 3 /401 - 402.

والمجاز- تعارض أُصول اللغة- الأوامر- النواهی- العموم والخصوص- المطلق والمقید- المفاهیم- المجمل والمبین- النسخ- التّأسی بالأفعال- التّقریر- أحکام الشّرع- خبر الواحد- التّسامح فی أدلّة السّنن- الخبر المتواتر- العلم والظّن- الإجماع- الشّهرة- أصالة البراءة- الإجتهاد والتّقلید- الاستصحاب- القیاس- التّعادل والتّراجیح.

یعتبر مفاتیح الأُصول من الکتب المتینة جداً من حیث الاستدلال، وفیه أبحاث دقیقة وذات فوائد عمیقة، وهذه إشارة قویة علی العمق والدّقة الأُصولیّة الّتی تمتع بها مصنّفه؛ لکنّه وللأسف، لم یتم تحقیقه حتّی الآن أو طباعته مرة أُخری، فلا شکّ بأنّ أبحاثه الأُصولیّة مورد حاجة علماء الأُصول فی العصر الحاضر.

2. الوسائل إلی النّجاة، کتبه فی مقتبل شبابه.

3. حاشیة علی معالم الدّین.

4. رسالة فی حجیة الشّهرة.

5. رسالة فی حجیة الظنّون.

6. رسالة فی حجیة الاستصحاب.

وما زالت هذه الرّسائل علی حالتها الأُولی، لم تطبع ولم تحقق. ومتابعة لآرائه الأُصولیّة، نذکر فیما یلی بعضاً منها:

1. یعتقد العلاّمة المجاهد فیما یتعلق بألفاظ العبادات والمعاملات، بأنّها موضوعة للأعمّ من الصّحیح، خلافاً للکثیرین من علماء هذه المرحلة کالعلاّمة البهبهانی والعلاّمة بحرالعلوم. (1)

2. کتب الکثیر من الأبحاث فی الرّد علی الأخباریین کما فعل کثیرون ممن عاصروه، ودلیل الانسداد من جملة الأدلّة الّتی بحثها بشکل واسع، واستعان بها لإثبات حجیة الظّن؛ لکنّه وخلافاً للمیرزا القمی لا یقول بحجیة مطلق الظّن. (2)

3. یری أنّ الاستصحاب دلیل شرعی، کالکتاب والسُّنة، ولیس دلیل عقلی ظنی صرف، والعلاّمة المجاهد من القائلین بأنّ إطلاق أدلّة حجیة الاستصحاب یدلّ أیضاً علی أنّ الاستصحاب فی الأحکام حجة مطلقاً. (3)

ص:264


1- (1) . مفاتیح الأُُصول: 45 - 49.
2- (2) . المصدر السّابق: 453 و 459 - 465.
3- (3) . المصدر السّابق:634- 637 و647- 653.

9. شریف العلماء المازندرانی (م: 1245ه)

اشارة

العلاّمة المعروف محمّد شریف بن ملا حسن علی الآملی المازندرانی الملقب بشریف الدّین والمشهور بشریف العلماء، من العلماء الکبار والفقهاء الأجلاّء فی هذه الحقبة. لا نظیر له فی الفقه والأُصول، کان مجلس درسه یعجُّ بالحضور دائماً. تتلمذ علی أساتذة أفذاذ کالسّید علی الطباطبائی صاحب الرّیاض والسّید محمّد المجاهد صاحب مفاتیح الأُصول. ربّی تلامذة بارعین، کان لهم تأثیرٌ کبیر علی السّاحة العلمیّة، کالشّیخ مرتضی الأنصاری، وسعید العلماء بار فروشی (البابلی)، والملا آغا الدربندی، والسّید إبراهیم القزوینی صاحب ضوابط الأُصول؛ والسّید محمّد شفیع الجابلقی، والملا إسماعیل الیزدی وغیرهم. (1)

علی الرّغم من تبحره العمیق فی أُصول الفقه، إلاّ أنّه لم یترک مصنّفات تذکر فی هذا المجال، والرّسالة الوحیدة الّتی ترکها هی رسالة مبسوطة جداً، تحت عنوان جواز أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشّرط. (2) لم تطبع إلی الآن، وتوجد نسخة خطیة منها فی إحدی المکتبات بالعراق.

دوره فی أُصول الفقه

بالرّغم من عدم وجود کتاب أُصولی لشریف العلماء بین أیدینا؛ إلاّ أنّه مشهود له تأثیره الکبیر ودوره العظیم فی تکامل علم الأُصول وتطوره من خلال تربیته لعلماء لامعین کالشّیخ الأنصاری وسعید العلماء والسّید إبراهیم القزوینی (صاحب الضّوابط)؛ فمکانة هؤلاء العلماء فی أُصول الفقه، والکتب القیمة الّتی وضعوها فی هذا المجال، حاکیةٌ أیضاً عن براعة أستاذهم ومهارته. فکتاب ضوابط الأُصول اشتهر أیضاً بأنّه تقریرٌ لدرس شریف العلماء، وقد کتبه السّید إبراهیم القزوینی (3)، وقال شریف العلماء نفسه: إنّ کلّ ما عند السّید إبراهیم القزوینی، فهو منی. (4)

ص:265


1- (1) . ریحانة الأدب: 3 /219.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . ریحانة الأدب: 3 /377، (وسنشیر إلی آراء شریف العلماء فی سیاق استعراض آراء صاحب الضّوابط).
4- (4) . المیرزا محمد التنکابنی: قصص العلماء: 113.

10. الشّیخ محمّدتقی بن عبدالرحیم الأصفهانی (1185- 1248ه)

اشارة

العلاّمة الکبیر محمّدتقی بن عبدالرحیم المشهور بصاحب الحاشیة، ولد سنة (1185 أو1187ه) فی قریة من توابع مدینة دماوند اسمها إیوان کیف. غادر فی ریعان شبابه إلی العتبات المقدسة واشتغل هناک بتحصیل العلوم الإسلامیة، إلی أنّ وصل بعد مدة وجیزة إلی مراتب عالیة من العلم والإجتهاد. یعتبره صاحب الروضات من أفضل علماء عصره فی الفقه والأُصول، وأعلمهم فی المعقول والمنقول. (1) والعلاّمة آغا بزرگ الطهرانی یعتبره أحد أعمدة الطائفة الإمامیة فی القرن الثّالث عشر، حیث بلغ مرتبة عالیة من العلم والعمل. (2)

تتلمذ علی أساتذة وعلماء کبار أمثال: العلاّمة البهبهانی، والسّید بحرالعلوم، والشّیخ جعفر کاشف الغطاء والسّید علی الطباطبائی والسّید محسن الأعرجی الکاظمی؛ وتخرج علی یدیه العدید من العلماء منهم: المیرزا محمّدباقر الخوانساری صاحب روضات الجنات، والمیرزا محمّدحسن المجدد الشیرازی والشّیخ محمدحسین الأصفهانی أخوه وصاحب الفصول، والمولی هادی السّبزواری مؤلّف شرح المنظومة فی الفلسفة وغیرهم. (3) عاد إلی إیران عام (1216ه)، وسکن فی أصفهان واشتغل هناک بالتّدریس والتّألیف، إلی أنّ وافته المنیة فی المدینة نفسها عام (1248ه) ودفن فی محله تخت فولاذ. (4)

وضع مصنّفات قیّمة (5)منها:

أحکام الصلاة، رسالة فی أحکام الصّلاة باللغة الفارسیة، توجد نسخة خطیة منها فی مکتبة آیة الله المرعشی النجفی.

تبصرة الفقهاء وهو کتاب استدلالی فی الفقه، کتب فیه باب الطهارة، وأوقات الصلاة، وباب الزّکاة، وجزءاً من البیع.

هدایة المسترشدین فی أُصول الفقه، وهو حاشیة علی معالم الدّین.

شرح الأسماء الحسنی.

ص:266


1- (1) . روضات الجنّات: 2 /123.
2- (2) . الکرام البررة: 215و216.
3- (3) . مقدّمة هدایة المسترشدین: نقلاً عن کتاب المفضل فی تراجم الأعلام للسید أحمد الحسینی: 1 /35-40.
4- (4) . ریحانة الأدب: 3 /404.
5- (5) . الکرام البررة: 216 و217.
مصنّفاته الأُصولیّة

1. حاشیة علی معالم الدّین، المعروف ب- هدایة المسترشدین، وهو من أهمّ ما کتبه فی الأُصول، یقع فی ثلاثة مجلدات وهو کتاب مفصّل جداً. یعتبره الکثیر من العلماء أفضل شرح علی المعالم، وک- "فصل الرّبیع بین الفصول" (1)، ولشهرة هذا الکتاب اشتهر صاحبه بصاحب الحاشیة أو صاحب الهدایة؛ طبع طباعة حجریة عدة مرات، وقامت مؤخراً مؤسسة النّشر الإسلامی فی قم بتحقیقه وطباعته من جدید.

2. حجیة المظنة، وقد طبع مرة واحدة بضمیمة کتاب معالم الدین.

3. مسألة الظنّون، وهذا الاسم من وضع صاحب الرّوضات (2) ویحتمل أنّ تکون الرسالة السّابقة نفسها.

آراؤه الأُصولیّة

العلاّمة الأصفهانی أُصولی کبیر، ینظر إلیه العلماء بکثیر من التّقدیر والاحترام؛ طرح آراءاً ونظریات أصیلة فی أُصول الفقه، وهذه إشارة مهمة علی طول باعه وعظمته العلمیّة. ویشهد علی هذا المدّعی أیضاً، اهتمام العلماء من بعده بآرائه الأُصولیّة، کالشّیخ الأنصاری والآخوند الخراسانی وغیرهما. من آرائه الأُصولیّة:

1. فی بحث حجیة الظنّون، یقول إنّ کلا الفریقین- سواء القائلین بحجیة الظّن المطلق أو القائلین بحجیة الظّن الخاص- یستفیدون من دلیل الانسداد کلّ بحسبه؛ وقد ذکر الأصفهانی هذا الدّلیل أیضاً لإثبات حجیة الظّن الناشئ عن الخبر، لکن ببیان مختلف وعرض جدید (3). فهو یری أنّ دلیل الانسداد یثبت فقط حجیة الظنّون الّتی لم یقم دلیل قطعی علی عدم حجیتها؛ لذلک لا یثبت القیاس والاستحسان بدلیل الانسداد لقیام دلیل قطعی علی عدم حجیتهما، وقد خرجا تخصصاً من دائرة الحجیة. (4)

2. فی مسألة دوران الأمر بین الأقل والأکثر، یقول صاحب الهدایة- کما المحقق

ص:267


1- (1) . مقدّمة هدایة المسترشدین: 43، نقلاً عن صاحب المستدرک.
2- (2) . روضات الجنّات: 124.
3- (3) . هدایة المسترشدین: 3 /373 و374.
4- (4) . المصدر السّابق: 365 - 368.

السبزواری وشریف العلماء- بوجوب الاحتیاط کلّما کان الشّک فی الجزئیة الخارجیة لفقدان النصّ، فی حین یجری مشهور الأُصولیین من الخاصة والعامة أصالة البراءة فی هذا المورد. (1)

3. یری صاحب الحاشیة أنّ الحکم الوضعی، حکم مستقل ومجعول بالّذات وغیر منتزع من الحکم التّکلیفی، بینما نظریة المشهور تقول بأنّ الخطاب والحکم الوضعی یرجع إلی الخطاب الشّرعی التّکلیفی. (2)

والعلاّمة الأصفهانی لیس وحیداً فی هذا الرأی، فهناک علماء یقبلون بهذه النظریة- غیر المشهورة فی مسألة الأحکام الوضعیة - کالعلاّمة الحلّی والشّهید الثّانی، والعلاّمة البهبهانی، والمیرزا القمی وصاحب الفصول. (3)

11. الشّیخ محمدحسین الأصفهانی (م 1261ه)

اشارة

ولد المحقق القدیر الشّیخ محمّدحسین بن عبدالرحیم، المشهور بصاحب الفصول، فی قریة إیوان کیف من نواحی دماوند فی طهران، هو الأخ الأصغر لصاحب هدایة المسترشدین، وتتلمذ علی یدیه. کان ذکیاً عمیق النظر، أصبح بعد مدة متبحراً فی الفقه والأُصول، والمعقول والمنقول. (4) وضع مؤلّفات عدیدة أهمّها الفصول الغرویة فی الأُصول الفقهیة، وله رسالة أُخری وهی رسالة عملیة کتبها باللغة الفارسیة. (5) هاجر إلی کربلاء بعد أنّ بلغ مرتبة علمیة متمیزة، واستقر فیها إلی أنّ وافته المنیة عام (1254ه) أو (1261ه). (6)

ص:268


1- (1) . الشّیخ محمّدتقی الرّازی: هدایة المسترشدین: 3 /563 و564. یقول فی الهدایة: ومن هنا وقع النزاع المعروف بین المتأخرین فی إجراء الأصل فی أجزاء العبادات المجملة وشرائطها المشکوکة. فذهب جماعة منهم إلی جریان الأصل فی ذلک وجعلوا إجراءه فیها کإجرائه فی التّکالیف المستقلة من غیر فرق. ومنعه آخرون حیث أوجبوا مراعاة الاحتیاط فی ذلک وحکموا بأنّ ما شکّ فی جزئیته أو شرطیّته فهو جزء وشرط...(المترجم)
2- (2) . المصدر السّابق: 58/1 و59.
3- (3) . انظر: فرائد الأُُُصول: 3 /125.
4- (4) . روضات الجنّات: 2 /126؛ ریحانة الأدب: 3 /380.
5- (5) . الکرام البررة: 391.
6- (6) . المصدر السّابق.
آراؤه ومصنّفاته الأُصولیّة

المصنّف الوحید الّذی ترکه فی الأُصول کتاب الفصول الغرویة، وهو کتاب عمیق من حیث قوة الاستدلال، وأبحاثه متشعبة وواسعة، ویعتبر من الکتب المبسوطة. یقول صاحب ریحانة الأدب بشأنه: «هذا الکتاب من أجمع وأکمل الکتب الأُصولیّة فی تحقیقاته الأنیقة وتدقیقاته الرشیقة، وهو محل استفادة الأکابر والفحول، وما یبعث علی افتخار الأفاضل فهم المطالب والتّفطن إلی النکات، وهو أفضل معرف لدرجات مؤلّفه العلمیّة. (1)

وأغلب العلماء اعتبروا الفصول من حیث القوة والمتانة، فی مستوی کتابی القوانین للمیرزا القمی وهدایة المسترشدین للمحقق محمّدتقی الأصفهانی، فالشّیخ الأنصاری نفسه اعتمد علیه ونقل الکثیر من أبحاثه فی رسائله. کتبت علیه حواشٍ عدیدة ک- "حاشیة الفصول" للعلامة أحمد الشّیرازی وخلاصة الفصول لصدرالدّین الصّدر. (2) وخلاصة المواضیع المطروحة فیه جاءت علی هذا الشّکل:

- المقدّمات (تعریف علم الأُصول وموضوعه، جملة مقدمات لغویة کالوضع والاستعمال والصّحیح والأعم، واستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد، والمشتق).

- المقالة الأولی: فی بحث الدّلالة (الأوامر، مقدّمة الواجب، الضد، الإجزاء، النّواهی، اجتماع الأمر والنّهی، اقتضاء النّهی للفساد، المفاهیم، العام والخاص، النسخ).

- المقالة الثّانیة: فی الأدلة السّمعیة (الإجماع، الأخبار، خبر الواحد، التّسامح فی أدلّة السُّنن، الفعل والتّقریر).

- المقالة الثّالثة: فی موضوع الأدلّة العقلیة (الحسن والقبح العقلیان، أصالة البراءة، الاستصحاب، القیاس).

الخاتمة: فی الإجتهاد والتّقلید، والتّعادل والتّراجیح.

نشیر فیما یلی إلی بعض آرائه الأُصولیّة:

1. یعتقد صاحب الفصول أنّ موضوع علم الأُصول "ذات الأدلّة بما هی هی" بصرف النظر عن حجیتها وعدمها، خلافاً لجمهور العلماء، الّذین یرون أنّ الأدلّة الأربعة، (3) هی موضوع علم الأُصول.

ص:269


1- (1) . ریحانة الأدب: المصدر السّابق.
2- (2) . مهدی المهریزی: کتاب شناسی أُصول الفقه (فهرس الکتب الأُصولیّة): 94.
3- (3) . الفصول الغرویة (طباعة حجریة): 4.

2. یقول فی شرح کلمة الظّن- الّتی ترد فی تعریف الإجتهاد، حیث استخدمها الکثیر من العلماء وهو من جملتهم -:«فاعلم أنّ المراد به الظّن المعتبر فی معرفة الحکم، وهو یختلف باختلاف آراء المجتهدین، فمن یری أنّ المعتبر منه ظنوناً خاصّة فالإجتهاد فی حقه تحصیل تلک الظنّون، ومن یری أنّ المعتبر منه مطلق الظّن فالإجتهاد فی حقه تحصیل مطلق الظّن، وصاحب الفصول یقول بصحّة القول الأوّل وبطلان القول بحجیّة مطلق الظّن.» (1)

3. یری أنّ لا حجیة لاستصحاب أحکام الأدیان السّابقة، لأنّه لا وجود فی هذا الاستصحاب لموضوع واحد، لأنّ الحکم الّذی یراد إثباته فی الدّین اللاحق شبیه الحکم فی الدّین السّابق ولیس عینه. إضافة إلی أنّ الدّین اللاحق ناسخ لجمیع الأدیان السّابقة، فیکون استصحاب بقاء حکم الشّریعة السّابقة غیر جائز من هذه الجهة. (2)

12. السّید إبراهیم القزوینی (1266- 1214ه)

اشارة

ولد العلاّمة الکبیر المحقق السّید إبراهیم بن محمّدباقر الموسوی القزوینی المشهور بصاحب الضّوابط عام (1214ه) فی قزوین. سافر إلی العتبات المقدسة لتحصیل العلوم الدّینیة منذ نعومة أظفاره، وتتلمذ علی علماء وأساتذة، منهم: شریف العلماء، الشّیخ موسی والشّیخ علی (أبناء کاشف الغطاء)، صاحب الرّیاض والسّید محمد المجاهد؛ وبعد مدة وصل إلی مراتب علمیة متقدّمة.

بدأ بالتّدریس فی زمن أستاذه شریف العلماء وخرّج الکثیر من التّلامذة کالسّید حسین کوه کمری، والشّیخ زین العابدین المازندرانی، والشّیخ محمد کریم اللاهیجی، وصاحب قصص العلماء المیرزا التنکابنی وغیرهم. (3) توفّی فی کربلاء عام (1266ه). وترک مصنّفات عدیدة، منها: (4)

- القواعد الفقهیة وفیه (500) قاعدة فقهیة.

- دلائل الأحکام فی شرح شرائع الإسلام.

- رسالة فی صلاة الجمعة.

- وکتاب ضوابط الأُصول.

ص:270


1- (1) . المصدر السّابق: 389.
2- (2) . الفصول الغرویة لطباعة حجریة: 315.
3- (3) . الکرام البررة: المصدر السّابق: 10؛ ریحانة الأدب: 3 /176.
4- (4) . المصدر السّابق:11؛ المصدر السّابق: 377.
مصنّفاته الأُصولیّة

1. کتاب "ضوابط الأُصول" أهمّ أثر أُصولی ترکه العلاّمة القزوینی، وهو من الکتب المهمّة جداً فی تلک الحقبة؛ وضع بعض تلامذته شروحاً وحواشٍ علیه. (1) یری بعض العلماء أنّ هذا الکتاب هو تقریرات درس شریف العلماء بقلم السّید القزوینی، (2) وعلیه فالکتاب نفسه یظهر لنا عظمة شریف العلماء وقوته الأُصولیّة، وکذلک قدرة السّید القزوینی الکبیرة علی الفهم والاستیعاب الّتی تمیّز بها خلال تدوینه للکتاب. وما یلی عرض إجمالی لمحتویاته:

کلّیات (فی تعریف أُصول الفقه، موضوعه ومبادؤه اللغویة کالوضع والحقیقة الشّرعیة، الصّحیح والأعم،..)- الأمر- مقدّمة الواجب- الضّد- المفاهیم- اجتماع الأمر والنّهی- النّواهی- اقتضاء النّهی للفساد- العموم والخصوص- المطلق والمقید- المجمل والمبین- الإجماع- السّنة (الخبر المتواتر والخبر الواحد)- الملازمات العقلیّة- الأُصول- الاستصحاب- الإجتهاد والتّقلید- التّعادل والتّراجیح.

2. نتائج الأفکار، وهو خلاصة للکتاب الأوّل.

3. حجیة الظّن، وهو رسالة فی إثبات حجیة الظنّون الخاصة.

آراؤه الأُصولیّة

یمکن القول أنّ أفکار السّید القزوینی الأُصولیّة تکتسب أهمیّتها من زاویة کونها تعکس آراء أستاذه شریف العلماء.

1. یری صاحب الضّوابط، کما شریف العلماء، أنّ دلیل الانسداد یثبت حجیة الظّن فی نفس الأحکام الفرعیّة، إلاّ أنّه لا یمکن من نفس الدّلیل إثبات حجیة الطّریق الظنّی المبرئ للذّمة؛ لأنّ هذا الظّن هو الظّن فی المسألة الأُصولیّة. (3) أمّا صاحب هدایة المسترشدین وأخیه فیقولان عکس ذلک.

2. یقول صاحب الضّوابط فی تعریف الاستصحاب تبعاً لأُستاذه: الاستصحاب إبقاء ما کان؛ (4) واعتبره الشّیخ الأنصاری تعریفاً محکماً ومختصراً جداً. (5)

ص:271


1- (1) . انظر: الکرام البررة: 11.
2- (2) . ریحانة الأدب: 377.
3- (3) . ضوابط الأُصول: 266.
4- (4) . المصدر السّابق: 346
5- (5) . انظر: رسائل الشّیخ الأنصاری: 3 /9.

3. یری شریف العلماء وصاحب الضّوابط أنّ إجراء الاستصحاب فی وجوب باقی أجزاء المرکّب فی حالة تعذر بعض أجزائه غیر صحیح، لأنّ الثابت فی السّابق قبل تعذر بعض الأجزاء هو وجوب الأجزاء الباقیة بتبعیة وجوب الکل والمرکب (من باب المقدمة) أمّا الآن فمن المقطوع به أنّ هذا الوجوب مرتفع. وبعد تعذّر بعض الأجزاء، فالّذی ینبغی ثبوته هو الوجوب النفسی الاستقلالی للأجزاء الباقیة، لکن هذا الوجوب فی السّابق منتفٍ قطعاً. (1)

المصنّفات الأُصولیّة المهمة لهذه الحقبة

دبت الحیاة فی بنیة أُصول الفقه من جدید، ووصلت إلی أوج ازدهارها بعد نهضة العلاّمة البهبهانی وأفول الحرکة الأخباریّة؛ بمعنی أنّه کان للمصنّفات الأُصولیّة الّتی ظهرت خلال هذه الحقبة أهمیّة فائقة، وکانت متقدّمة جداً عمّا سبقها. والحق یقال، إنّ الفرق بین أُصول المرحلة الّتی أعقبت هزیمة الأخباریین وبین ما سبقها إلی ما قبل تألق الاتجاه الأخباری، کان ملفتاً للنظر ومثیراً للإعجاب. وعلی الرّغم من صعوبة إحصاء المصنّفات الأُصولیّة لهذه المرحلة علی ما یبدو، ومع ذلک، سنتعرض لعدد من المصنّفات المهمة مع توضیحات مختصرة:

1. الفوائد الحائریة، هو مجموعة رسائل أُصولیّة من تدوین العلاّمة وحید البهبهانی، وهذه الرسائل تحظی بأهمیّة لأنّها تتمتع بمتانة علمیّة مستحکمة، وکونها حاویة لانتقادات محکمة وواسعة، کانت العامل الأساسی فی دحض مزاعم الأخباریین حول المسائل الأُصولیّة ومساعیهم لإبطالها. فقد فتحت أبحاث البهبهانی الأُصولیّة آفاقاً جدیدة أمام علماء الأُصول، من بینها التّفاتهم إلی أبحاث الظنّون وحجیتها، وبحث الأُصول العملیّة، والتّدقیق والتّفصیل الواسع فیها؛ وعلی وجه التّحدید تنبههم إلی الجوانب الرّوائیة والتّعبدیة فی الأُصول العملیّة.

2. القوانین المحکمة للمیرزا القمی: یعتبر من المصنّفات العمدة فی هذه المرحلة، لتمیّزه بعدة خصائص؛ منها:

أوّلاً: بسبب هجوم الأخباریین الکاسح علی الحوزات العلمیّة، لم یظهر کتاب مستقل فی الأُصول ولفترات زمنیة طویلة وکان الغالب رواج کتابة الحواشی والشروح، فکان هذا الکتاب اوّل مصنّف أصولیٍ مستقل، فیه أبحاث مستفیضة.

ص:272


1- (1) . ضوابط الأُصول: 374.

ثانیاً: تمیزه بتبویب وتنظیم جدید، وأسلوب متقدّم فی عرض الأبحاث.

ثالثاً: إنّ ما طرحه المیرزا القمّی من نظریاتٍ وآراءٍ جدیدة فی العدید من المباحث- کإثبات حجیة مطلق الظنّون فی الاستنباط والأثر الّذی ترکه علی الأُصول- شکّل حافزاً قویاً لعلماء الأُصول للنظر بجدیة إلی هذا الکتاب، وأدّی ذلک إلی ظهور أبحاث مستفیضة وموسعة، ضمن هذه المباحث. وعلی هذا المنوال، نمت هذه المباحث علی مستوی الأُصول الشّیعی وتطورت بسرعة.

3. مفاتیح الأُصول للسّید محمد المجاهد: یعتبر هذا الکتاب من أکثر الکتب الأُصولیّة تفصیلاً منذ زمن بعید وإلی ذلک الحین، وهو یقع فی (720) صفحة من القطع الرّحلی ومطبوع طباعة حجریة، فالکتاب المذکور متین جداً لقوة الاستدلالات الّتی تضمنها، ولاحتوائه علی أبحاث معمقة ومسائل ذات معان ودلالات مفیدة، ترکت تأثیرها البالغ علی أُصول الفقه الشّیعی، وخاصة الاتّجاه الّذی مثله الشّیخ الأنصاری. (1)

4. هدایة المسترشدین للشّیخ محمدتقی عبدالرحیم الأصفهانی: بالرّغم من إنّ هذا الکتاب شرحٌ علی معالم الدّین، ولیس فیه ذلک التنظیم والتّبویب الجدید، لکنّه لاقی اهتماماً کبیراً من العلماء، کالشّیخ الأنصاری والمحقق الخراسانی وغیرهم، وهذا یشیر إلی مستوی التّأثیر الّذی ترکه بما فیه من آراء ونظریات علی أُصول المرحلة الّتی تلت.

5. الفصول الغرویة، للشّیخ محمدحسین عبدالرحیم الأصفهانی، تمیّز هذا الکتاب بتبویبه الجدید، وبأنّ أغلب النظریات المطروحة فیه من مختصات کاتبه، ولذلک صار محل اهتمام علماء الأُصول فی المراحل اللاحقة.

6. ضوابط الأُصول للسّید إبراهیم القزوینی وهو- کما یظهر- تقریر لدروس شریف العلماء؛ وأهمیّة الکتاب نابعة من تضمنه لآراء شریف العلماء أُستاذ الشّیخ الأنصاری، الّذی کان له تأثیر واضح علی الشّیخ، وکانت آراؤه الأُصولیّة موضع تقدیر خاص منه.

توجد مصنّفات أُخری، إضافة إلی الکتب السّابقة، مثل: المقدّمة الأُصولیّة لکشف الغطاء والوافی والمحصول للشّیخ محسن الأعرجی، وتجرید الأُصول للنراقی، وغیرهم، تعتبر من الکتب المهمّة والجدیرة بالاهتمام والدّرس.

ص:273


1- (1) . بمعنی أن اهتمام الشّیخ الأنصاری وتلامذته بآراء العلاّمة محمد المجاهد هو من نتائج هذا التّأثیر.

الآراء الأُصولیّة الرّائجة و باقة من إبداعات المرحلة

1. بحث الأُصول العملیة، من أهمّ المسائل الّتی لاقت رواجاً واسعاً خلال هذه المرحلة. وفی الواقع یمکن القول أنّ علماء الأُصول استندوا إجمالاً- مع تفاوتهم فی ذلک- إلی نوعین من الأدلّة، قسموها إلی: أدلّة اجتهادیة، وأُخری فقاهتیة، وإن کان هذا الأمر غیر ظاهر بشکل صریح فی مطاوی أبحاثهم لکن یمکن اقتناص ذلک بملاحظة مجمل آثارهم ومصنّفاتهم، لذلک یمکن اعتبار العلاّمة البهبهانی وتلامذته الأوائل اوّل من ابتکر هذا البحث الأُصولی القیّم، ذلک البحث الّذی نما واشتدّ ووصل إلی أوجه فی ظل الاتّجاه الأُصولی الّذی شکّله الشّیخ الأنصاری. وسنشیر إلیه لاحقاً عند دراسة المرحلة التّالیة.

2. نال بحث البراءة العقلیة مع أدلّتها الشّرعیة، حظا من الاهتمام، ویجدر الالتفات إلی أنّ العلاّمة البهبهانی استخدم لاوّل مرة برهاناً جدیداً فی إثبات البراءة العقلیة، ثمّ أخذ تلامذته هذا البرهان وتوسّعوا فی بحثه. وما زال هذا الدّلیل مستخدماً من قبل القائلین بالبراءة العقلیة وأطلقوا علیه فیما بعد اسم قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

3. کانت قضایا المستقلات العقلیة وغیر المستقلات العقلیة، من الأبحاث المهمّة فی هذه المرحلة، وخاصة بحث الحسن والقبح الّذی حاز علی أهمیّة بالغة؛ وبُحث بشکل واسع ومفصل.

4. بحث الظنّون وإثبات حجیتها، أیضاً کانت من الأبحاث المهمّة جداً المطروحة آنذاک وأدّت إلی نشوء نزاعات واسعة، فبعض العلماء لم یقبلوا إلاّ بحجیّة الظّن الخاص، وبعضهم فی الجهة المقابلة کالمیرزا القمّی أثبتوا حجیة مطلق الظّن واستفادوا فی إثبات ذلک من دلیل الانسداد وأدلّة أُخری. بناء علیه، یُعدّ هذا البحث من أهمّ القضایا الأُصولیّة وأکثرها رواجاً، وقد کتبت حوله العدید من الرّسائل المفردة.

5. نمت أیضاً الأبحاث المرتبطة بمبادئ الأحکام والقواعد اللغویّة، وراجت بتبعها مسائل الألفاظ فی الأُصول، ومواضیع أُخری موازیة لها.

6. طرحت إلی جانب هذه الأبحاث، مواضیع من قبیل القیاس، الإجتهاد بالرّأی، النسخ ونظائرها، لکن لم تحظ بمستوی الأهمیّة الّتی حظیت به الأبحاث السّابقة.

ص:274

7. اهتمّ العلماء أیضاً بمسألتین:

الأُولی: "التّسامح فی أدلّة السّنن" فی بحث الأخبار وبحث الاشتغال والعلم الإجمالی وما یتفرع عنه. والثّانیة: "قاعدة لاضرر". (1) ومازالت مطروحة فی الأُُصول إلی عصرنا الحالی.

إطلالة علی التّبویب الرّائج فی هذه المرحلة

المسألة المهمّة هنا، أنّه لا نلاحظ فی مصنّفات هذه الحقبة التّبویب الواحد الّذی یعتمد علی التّفریع؛ لأنّ أکثر المدوّنات الأُصولیّة جاءت فی بدایة المرحلة بشکل رسائل مستقلّة، فکتاب الفوائد الحائریة مثلاً هو مجموعة فوائد أُصولیّة مستقلة موضوعة إلی جانب بعضها بعضاً. ومجموعة الرّسائل الأُصولیّة للعلاّمة البهبهانی وعددها لیس بقلیل، تشیر إلی هذه النقطة أیضاً. ومن هذا القبیل أیضاً، رسائل الأُصول للسّید بحرالعلوم والعلاّمة کاشف الغطاء والسّید علی الطباطبائی وآخرین. یضاف إلی ذلک، أنّ قسماً من المصنّفات لا تتعدی کونها شروحاً لکتب المراحل السّابقة، مثل هدایة المسترشدین الّذی هو شرح لکتاب معالم الدّین، والمحصول والوافی شرح للوافیة.

أمّا بقیة الکتب الّتی شکل کلّ منها دورة أُصولیّة مستقلة فهی متفاوتة فیما بینها لجهة التّبویب وطبیعة الأبحاث الّتی تعرضت لها، فبعضها لم یتمیز بتبویب منظم، کما فی کتاب تجرید الأُصول للفاضل النراقی، فأغلبه عبارة عن مجموعة رسائل مختلفة جمعت مع بعضها؛ وقسم آخر- من المصنّفات- وإن کان متشابهاً بالإجمال، إلاّ أنّه توجد اختلافات کثیرة فیما بینها، کتبویب المیرزا القمّی فی القوانین، وتبویب السّید محمّد المجاهد فی المفاتیح، وتبویب صاحب الفصول، وتبویب صاحب الضّوابط؛ وعند مراجعة هذه الکتب سنلاحظ الفوارق فیما بینها بشکل جید.

إطلالة عامة علی أُصول أهل السُّنة

سبق وذکرنا أنّ الأُصول السُّنی تراجع سریعاً وخبت جذوته بشکل غیر منتظر، بسبب طرح نظریة انسداد باب الإجتهاد، ومهما سعی بعض علمائهم الّذین نهضوا لإبطال هذه النّظریة

ص:275


1- (1) . وأغلب علماء هذه المرحلة بحثوا هذه المسائل: کالعلاّمة المجاهد والمیرزا القمی: وصاحب الهدایة، وصاحب الفصول.

کالشّهرستانی والسّیوطی وغیرهما، إلاّ أنّهم لم یوفقوا فی ذلک، ولم یتمکنوا من إعادة أُصولهم إلی سابق عهده. ویمکن القول أنّه حتی لو نظرنا بإنصاف ودون تحیّز إلی الأُصول السّنی، وحتی لو سلّمنا أنّ أُصول الفقه عندهم لم یُصَب برکود تام، إلاّ أنّه من المتیقن أنّ الأُصول الشّیعی منذ ذلک الحین وما بعد کان أقوی وأکثر (1) حیویة ورشداً منه؛ وبمعنی آخر: لا مجال فی الأساس لمقارنته بالأُصول الشّیعی.

ومع هذا کله، نهض بعض علمائهم ودوّنوا کتباً مختصرة فی الأُصول، لا تتجاوز عدد أصابع الید، ومنها:

1. إرشاد الفحول إلی تحقیق الحق من علم الأُصول.

2. القول المفید فی أدلّة الإجتهاد والتّقلید، وهذان الکتابان لمحمد بن علی الشّوکانی (1173-1250). (2)

3. رسالة فی دلالة العام علی بعض أفراده، تألیف البلیدی (1096- 1176). (3)

4. أُصول الفقه، للشّیخ محمد الخضری (1213- 1287). (4)

ممیّزات وخصائص المرحلة الخامسة

اشارة

لهذه الحقبة من الأُصول ممیزات وخصائص کثیرة، بعضها علی قدر کبیر من الأهمیّة وأکثر شمولیّة، والبعض الآخر لا یعدو کونه جزئیاً؛ سنکتفی هنا بعرض مجموعة منها:

1. تکامل الأُصول وازدهاره من جدید

خرج الأُصول فی هذه الحقبة من الرّکود القصری الّذی أصیب به- بجهود العلماء وخاصة العلاّمة البهبهانی وتلامذته- وبدأ مرحلة جدیدة من التّجدد والازدهار، وکان التّحول فی علم الأُصول هذه المرة عظیماً جداً- کماً وکیفاً- لم یکن بمقدور أحد

ص:276


1- (1) . یعترف علماء أهل السّنة أنّ أُصول الفقه عندهم توقف عن النموّ، وفقد حیویته ابتداء من القرن السّادس والسّابع، ولم یصب أیّ شکل من أشکال النموّ والتّطوّر، وتحوّل إلی محض تعلیقات وشروح علی کلام السّابقین. انظر أُصول الفقه للشّیخ محمّد الخضری: 11؛ وأبو زهرة: أُصول الفقه: 17و18.
2- (2) . د. شعبان إسماعیل: مصدر سابق: 578 - 581.
3- (3) . المصدر السّابق: 552.
4- (4) . المصدر السّابق: 594.

إنکاره أو مواجهته؛ وتمّ فی هذه المرحلة تثبیت أرکان الأُصول، ودوّنت الکثیر من المسائل بطریقة جدیدة. وبمعنی آخر، یمکن القول إنّ الأُصول الحالی هو الوریث الفعلی للأُصول الّذی شُیّدت أرکانه خلال تلک المرحلة، ثمّ نما وتکامل فی المراحل اللاحقة.

2. التحدیث و ضرورة تدوین الرسائل المستقلة

کان بمقتضی التّقدم الزّمنی أنّ تخرج الأبحاث الأُصولیّة من حالتها الجافّة والمعهودة، وأحیاناً غیر المفیدة، وأن تلبس حلّة جدیدة لمواجهة الاتجاهات الفکریّة الموجودة آنذاک، وعلی رأسهم الاتجاه الأخباری، وأن یُنظر إلی المسائل الأُصولیّة من زوایا أکثر تطوّراً. لذلک انصبَّ اهتمام العلماء أکثر من أیّ وقت مضی علی بحث المسائل الّتی کانت محل جدل ونقاش داخل الحوزات العلمیّة، وخاصة تلک الّتی کانت عرضة لانتقادات واسعة من قبل الاتجاهات الفکریة السّائدة، کبحث الإجتهاد وخبر الواحد، والأُصول العملیة (الاستصحاب والبراءة)، والظّواهر والإجماع.

وعلیه، فمع بدایة هذه المرحلة، قلّما خطر فی بال الأُصولیین، أهمیّة تدوین دورات أُصولیّة مکتملة، ولذلک راجت بکثرة الطّریقة الّتی تعتمد علی تناوّل المسألة الأُصولیّة بعمق وتفصیل، وتدوینها بشکل رسالة مستقلة، کتلک الرسائل والفوائد (1) الّتی کتبها العلاّمة البهبهانی وبعض تلامذته؛ ومن المؤکّد أنّ ذلک أفاد علم الأُصول إجمالاً، لأنّه أصبح من عوامل تطوّر العلم وتوسّعه فی جهات مفیدة وضروریّة.

3. التّوسع فی تناوّل المسائل الخلافیة بین الأُصولیین والأخباریین

یمکن اکتشاف هذه الخاصیة من خلال المزایا السّابقة، ومفادها أنّه کان بحکم الضّرورة أنّ تطرح المسائل الّتی هی محل نزاع بین الأُصولیین والإخباریین بشکل واسع، ومن مصادیق هذه المسائل: حجیة الظنّون (حجیّة خبر الواحد الظنّی، حجیّة ظواهر الکتاب، بحث الظّن المطلق والظّن الخاص)، الدّلیل العقلی وحجیّة القطع، الإجماع، إجراء أصل البراءة فی الشّبهات الحکمیة التّحریمیة، وکانت مسألة الإجتهاد عمدة القضایا الّتی نالت قسطاً وافراً من

ص:277


1- (1) . انظر عنوان: الشّخصیات الأُصولیّة لهذه المرحلة، المصنّفات والتّألیفات.

البحث والنقاش (ما المراد منه، وما هی شروطه، إمکان الإجتهاد المطلق والمتجزئ) وغیر ذلک من المسائل الّتی أضحت محل بحث وتدقیق.

4. طرح مجموعة من المسائل الجدیدة والمبتکرة فی علم الأُصول

طرحت مسائل أُصولیّة لم تکن معهودة، أو أنّه لم یکن لها ذلک البریق وکانت ضعیفة، کالأُصول العملیّة، والفرق بین الأدلّة الإجتهادیّة والأُخری الفقاهتیة- الّتی کان الالتفات إلیها إجمالیاً وعاماً- وبحث حجیّة الظّن المطلق مقابل الظّن الخاص، واستخدم قاعدة قبح العقاب بلا بیان فی إثبات البراءة العقلیة، وبحث الاشتغال، والعلم الإجمالی وفروعه، وجملة من أبحاث الاستصحاب وما یتفرع عنها، وبحث التّسامح فی أدلّة السُّنن، والاهتمام التّفصیلی بقاعدة لا ضرر وغیر ذلک.

5. دخول جملة مسائل فلسفیة إلی الأُصول

مهما سعی الأُصولیون إلی تنقیة أُصول الفقه من المسائل الکلامیّة والمنطقیّة والفلسفیّة، لکن من جانب آخر کانت طائفة أُخری من علمائهم لا تری بدّاً من استخدام هذه القواعد لإثبات مسائل أُصولیّة؛ إذ تری دخول جملة من المسائل الفلسفیة- إضافة إلی المسائل الکلامیّة، المنطقیّة والفلسفیّة السّابقة- إلی الأُصول حیث ترجع بجذورها إلی المراحل السّابقة وإلی العلاّمة الخوانساری بالذّات. (1) فعلی سبیل المثال، کانت مسائل نظیر: الطّلب والإرادة، الجبر والاختیار مطروحة سابقاً، ثمّ طرحت خلال هذه الفترة مسائل أُخری من قبیل: الاعتباری والانتزاعی، (2) عدم صدور الواحد من الکثیر، (3) أصالة الوجود والماهیة، (4) استحالة تأخر أجزاء العلة عن المعلول، (5) الحیثیة التعلیلیة والحیثیة التقییدیة، (6) وغیرها.

ص:278


1- (1) . المعالم الجدیدة: 100 - 106؛ تأریخ الفقه والفقهاء: 334.
2- (2) . فی بحث الحکم الوضعی.
3- (3) . فی بحث الواجب التّخییری.
4- (4) . فی تعلق الأمر بالطّبیعة أو الفرد فی بحث اجتماع الأمر والنّهی.
5- (5) . فی الشّرط المتأخر.
6- (6) . فی بحث اجتماع الأمر والنّهی ومقدّمة الواجب.

6. بدایة منحی الانفصال وتوقف نظر الأُصول الشّیعی إلی الأُصول السُّنی

رأی الأُصولیون خلال هذه المرحلة أنّه لم یعد من الضّروری النظر إلی الأُصول السُّنی لسببین:

الأوّل: اهتمامهم الکبیر بالمسائل الّتی أثارها الأخباریون؛

الثّانی: اتّهام الأخباریین لهم بأنّ الإجتهاد والمسائل الأُصولیّة من البدع الّتی دخلت إلی السّاحة الشّیعیة، لأنّ جذورها موجودة فی الأصل عند أهل السُّنة. یضاف إلی ذلک سبب ثالث، وهو افتقاد أهل السُّنة آنذاک إلی علم أُصول متین جدیر بالإهتمام والبحث.

إنّ ضعف الأبحاث الأُصولیّة عند أهل السّنة الّذی کان فی الغالب نتاج ما ورثوه من تقلید أُصول الماضین، دعا بأصولیی الشّیعة- الّذین تبحروا فی المسائل الأُصولیّة ونقبوا عن دقائقها بین ثنایا الکتب- إلی أنّ لا یروا حافزاً لاستمرار الرّقابة والنظر إلی أُصول أهل السُّنة، وهذا الأمر نفسه، شکل أرضیة الانفصال التّام بین الأُصولَیْن منذ ذلک الوقت وإلی الیوم، وشیئاً فشیئاً أصبحت المسائل المطروحة فی أُصول السُّنة والتّی دخلت الأُصول الشّیعی فی مطاوی النسیان تماماً، وهذه النّقطة جدیرة بالتّأمل.

7. تألیف کتب أُصولیّة موسعة

منذ أواسط هذه المرحلة، وُضعت مؤلّفات أُصولیّة جد مبسوطة ومفصّلة، إلی حدّ أنّ حجم الأبحاث الّتی تضمنتها، کانت مساویة- أو ببیان أصح- کانت أکثر من مجموع ما سبقها من أبحاث خلال المراحل الماضیة جمیعها؛ ویکفی لإثبات هذا المدّعی مراجعة کتب: القوانین، ومفاتیح الأُصول، وهدایة المسترشدین وغیرها.

خلاصة الدّرس

1. کان المیرزا القمّی من أبرز تلامذة الوحید البهبهانی،، وکتابه قوانین الأُصول من أهمّ الکتب الأُصولیّة الّتی ظهرت خلال هذه المرحلة؛ وقد طرح آراءاً جدیدة فی الأُصول، من بینها قوله بحجیة الظّن المطلق.

2. صنف علماء المرحلة الخامسة الکثیر من الکتب الأُصولیّة منها: تجرید الأُصول للفاضل النراقی، شرحی المحصول والوافی علی الوافیة للسّید محسن الأعرجی؛ ووضع العلاّمة محمد المجاهد کتاباً مفصلاً باسم مفاتیح الأُصول، والشّیخ محمّدتقی الأصفهانی کتاب هدایة المسترشدین، والشّیخ محمّدحسین الأصفهانی الفصول الغرویة. وکتب السّید

ص:279

إبراهیم القزوینی تقریرات درس شریف العلماء تحت عنوان ضوابط الأُصول.

3. اتسمت هذه المرحلة بتبویب جدید للمسائل الأُصولیّة، وهذا ما نشاهده فی مطاوی الأبحاث الأُصولیّة فی کتب: القوانین والفصول ومفاتیح الأُصول.

4. لم یُصِب أُصول السُّنة أی شیء من النّمو والتّقدم خلال هذه المرحلة، ولم یتجاوز حدود تقریر الأبحاث السّابقة وشرحها.

5. أهمّ ما تمیزت به هذه المرحلة: نموّ الأُصول وازدهاره من جدید، التّحدیث وعصرنة المباحث، التّوسع فی تناوّل المسائل الخلافیة بین الأُصولیین والأخباریین، طرح وابتکار مجموعة من المسائل الجدیدة، دخول رزمة مسائل فلسفیة إلی الأُصول، بدایة منحی الانفصال وتوقف نظر الأُصول الشّیعی إلی الأُصول السّنی، تألیف کتب أُصولیّة مبسوطة وتدوین الکثیر من الرّسائل المستقلة.

أسئلة للتفکیر والمناقشة

ابحث فی جذور نظریة المیرزا القمّی الّتی تقول بحجیة الظّن المطلق، بین ذلک واشرحه فی الصّف.

بیّن کیف أنّ وجود الأخباریین کان مؤثراً فی ظهور الأبحاث الأُصولیّة الجدیدة.

ما هی أسباب الرّکود المتمادی الّذی أصاب أُصول أهل السّنة؟

بحث وتحقیق

تعتقد جماعة من العلماء أنّ أحد عوامل تطوّر أُصول الفقه فی هذه المرحلة، کان الاستخدام الصّحیح للقواعد المنطقیة والاستفادة من المبانی الفلسفیة. دقّق فی صحة هذا القول.

ص:280

الدّرس الثّانی عشر: المرحلة السّادسة: مرحلة التعمق فی علم الأُصول (1)

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

إطلالة عامة علی المرحلة السّادسة.

التّعرف علی شخصیّة الشّیخ الأنصاری، مؤسس المدرسة الأُصولیّة الجدیدة.

إطلالة علی مصنّفات الشّیخ الأُصولیّة و علی منهجه فی الأُصول.

دراسة أفکار الشّیخ وإبداعاته فی الأُصول.

ص:281

ص:282

إطلالة عامة علی المرحلة السّادسة

تبدأ المرحلة السّادسة من زمن الشّیخ الأنصاری، ویمکن القول إنّها ما زالت مستمرة إلی وقتنا الحاضر. وتعتبر بمثابة العصر الذّهبی فی تأریخ أُصول الفقه الشّیعی فی وقتٍ لم یشهد أُصول أهل السّنة أی تطوّر یرقی إلی هذا المستوی من التّقدم والازدهار الّذی أصابه الأُصول الشّیعی. ویمکن القول أیضاً إنّها بدأت فی الوقت الّذی شرع الشّیخ الأنصاری فیه بعملیة إصلاح وتجدید واسعة فی الأُصول، مع الأخذ بعین الاعتبار وجود ظروف مساعدة، وقابلیة البیئة الأُصولیّة لتلقف هذا التّعمق، الّذی وضع رکائزه الأولی- فی الأصل- علماء المرحلة السّابقة، حیث کانت المسائل الأُصولیّة حینها، تنمو بشکل مقبول؛ لکنه کانت تحتاج إلی المزید من التّعمق فی بعض الموارد أو إضافة تفریعات وتکمیل بعض الفروع والأغصان، وکانت فی موارد أُخری تحتاج إلی إصلاحات بنیویة متناسبة ومتزامنة مع طرح مسائل جدیدة وعمیقة.

لا شکّ بأنّ الشّیخ الأنصاری مؤسّس مدرسة جدیدة فی الأُصول، تختلف عن أُصول المراحل السّابقة فی مواضع أساسیة، لکنّها لیست منفصلة عنها؛ لأنّ عمل الشّیخ کان مثال النموذج الصّحیح فی الاستفادة من سیرة العلماء الماضین ومن آرائهم ونظریاتهم، وتنقیتها من الزّوائد والأخطاء، وأحیاناً إضافة قواعد وأساسات جدیدة لجعلها أکثر قوة ومتانة.

وفی الواقع نهض الشّیخ بحمل الماضین، واستمر فی إکمال وتثبیت بنیان علم الأُصول، فهو لم یهدم البناء السّابق حتی یعید تشییده من جدید، لأنّه لم یر فیه عیباً مهمّاً یستدعی ذلک، بل رأی أنّه بحاجة إلی ترمیم وتکمیل لیس إلاّ، لیصل إلی ذروة تطوّره، ولکی لا یتوقف مرّة أُخری عن حرکته نحو النموّ والازدهار. فمن هذه الجهة أوجد الشّیخ، تحوّلاً فی بنیة المسائل الأُصولیّة، وخاصة فی مباحث الحجج وکیفیة ترتیبها باستخدام معیار جدید من قبیل حالات

ص:283

المکلف بالنسبة للحکم الشّرعی؛ کذلک أدخل هذا القسم ضمن مباحث الدّلیل القطعی وأقسامه، وحصر أبحاث الأُصول العملیة عقلیاً بأربعة، وقسم کلاًّ منها إلی أصل عقلی وآخر شرعی، الأمر الّذی جعل من هذا القسم فی وضع مختلف تماماً وأکثر حیویة عمّا هو موجود.

وقد حذا جمیع طلبة العلوم حذوه- من تلامذة الشّیخ وغیرهم ممّن تتلمذوا علیه بالواسطة- وأحسّوا بضرورة هذه التّحولات فی الأُصول، وسعوا إلی تثبیت مبان وأفکار جدیدة، وهؤلاء کانوا یفتخرون بأنّهم من ورثة هذه المدرسة الغنیّة والمتعمّقة فی الأُصول. (1)

الشّخصیات الأُصولیّة، آثارهم وآراؤهم

1. الشّیخ مرتضی الأنصاری (1214- 1281ه)

اشارة

هو العالم القدیر الشّیخ مرتضی الأنصاری المشهور ب- "الشّیخ الأعظم"، ولد فی (18) ذی الحجة من العام (1214ه) فی عائلة مشهورة بالفضل والأدب والتّقوی، فی مدینة دزفول. (2) یرجع نسبه إلی الشّیخ جابر بن عبدالله الأنصاری من أصحاب النبیّ؛ والده الشّیخ محمد أمین توفی بمرض الطاعون سنة (1248ه).

بدأ تحصیله العلمی فی مسقط رأسه علی ید ابن عمه العالم الجلیل الشّیخ حسین الأنصاری ووصل إلی مراتب علمیة متقدّمة، سافر مع والده إلی العتبات المقدّسة فی العراق وکان فی العشرین من عمره، وبقی فی کربلاء وأصبح فی ظلّ رعایة العلاّمة محمد المجاهد، الّذی طلب من والده استبقاءه فیها.

حضر دروس العلاّمة المجاهد وشریف العلماء لمدة أربع سنوات، ونهل من علومهما الکثیر، عاد إلی إیران بعد حملة والی بغداد علی کربلاء (3). ثمّ رجع بعد سنة واحدة إلی کربلاء، وحضر درس شریف العلماء ما یقرب من سنتین. ثمّ ذهب إلی النجف، واشترک فی درس الشّیخ موسی کاشف الغطاء لمدّة سنة ثمّ عاد ثانیة إلی إیران. وهناک انتقل إلی کاشان وحضر لمدة (3 أو 4) سنوات دروس العالم الکبیر المولی أحمد النراقی، ثمّ سافر إلی أصفهان وحضر لمدة قصیرة دروس العلاّمة حجة الإسلام الشفتی. سافر مجدداً سنة (1249ه)

ص:284


1- (1) . نقل عن العلاّمة النائینی أنّه قال: ...أفتخر بأننی من تلامذة مدرسة الشّیخ، نقلاً عن کتاب أدوار الإجتهاد.
2- (2) . أعیان الشّیعة: 10 /455؛ والشّیخ عباس القمّی: هدایة الأحباب: 189.
3- (3) . انظر الشّیخ مرتضی الأنصاری: حیاة الشّیخ الأنصاری: 84 - 86.

إلی النجف وتتلمذ لعدّة سنوات علی ید الشّیخ علی کاشف الغطاء، ووصل إلی مراحل علمیّة متقدّمة. (1) انتقلت إلیه المرجعیة الشّیعیة عام (1266ه) بعد وفاة أُستاذه الشّیخ کاشف الغطاء والشّیخ حسن صاحب الجواهر، واستمر فی حمل أعبائها مدّة (15) عاماً، وافته المنیة عام (1281ه) بعد عمر ملیء بالعطاء والعزة. (2)

وصل الشّیخ الأنصاری إلی مراتب علمیّة شامخة، خاصة فی الفقه والأُصول، وکان- إضافة إلی ذلک- متقدماً فی الفروع العلمیّة الأُخری، وکان أیضاً علی مستوی رفیع فی الأخلاق والعرفان والتّقوی الدّینیة، وکان فی حالة متقدّمة جداً من التّواضع والاحتیاط، بحیث أنّه لما عرّفه صاحب الجواهر لخلافته فی الزّعامة الدّینیة، وکان موضع ترحیب الجمیع الّذین قبلوا مرجعیته، امتنع هو عن ذلک وقال: یوجد حالیاً سعید العلماء فی مازندران، وهو أعلم منّی. وکتب إلیه رسالة أخبره فیها أنّه لما ذهبنا وحضرنا معاً درس شریف العلماء وجدت أنکم أکثر فهماً واطّلاعاً منّی؛ وعلیه فمن اللازم أنّ تستلموا هذا المنصب. فکتب سعید العلماء فی رسالته الجوابیة حتی ولو کنتُ فی ذلک الزّمان أقوی فهماً، لکن مرّت أزمان کنت فیها بعیداً عن المحاورات العلمیّة، بینما کنتم أنتم علی العکس من ذلک، فی خضمّ البحث العلمی، لذلک أنت مرجّح علیّ. عند ذلک، قبل الشّیخ تحمّل هذا المنصب. (3) أمّا الحدیث عن زهده وعبادته فهو طویل لا یسعه المجال هنا؛ (4) أمّا مقامه العلمی، فقد اتفق الجمیع علی تفوّقه وعظمته، وذکروه بالتّبجیل والاحترام، فالشّیخ المحدّث النوری- الّذی أجازه الشّیخ الأنصاری- یقول فی شأنه: ".. ما أخبرنی به إجازة خاتم الفقهاء والمجتهدین، وأکمل الرّبانیین من العلماء الرّاسخین، المنجلی من أنوار درر أفکاره مدلهمات غیاهب الظّلم من لیالی الجهالة، والمستضیء من ضیاء شموس أنظاره خفایا زوایا طرق الرّشد والدّلالة، المنتهی إلیه رئاسة الإمامیة فی العلم والورع والتّقی. (5)

ص:285


1- (1) . أعیان الشّیعة: 455و456.
2- (2) . حیاة وشخصیة الشّیخ: 149؛ هدایة الأحباب.
3- (3) . هذه القصة مشهورة کثیراً إلی حدّ أنّ أغلب الّذین ینقلونها لا یذکرون سندها.
4- (4) . للتّعرف علی شخصیة الشّیخ الأنصاری راجع: أبعاد شخصیة الشّیخ الأنصاری، حوار مع آیة الله السّید موسی شبیری زنجانی، قم، مؤتمر الشّیخ الأنصاری، خریف 1373 ه.ش. مرتضی الانصاری حیاة وشخصیة الشّیخ الأنصاری.
5- (5) . الشّیخ النوری: خاتمة المستدرک: 2 /43.

وکتب فیه المیرزا التنکابنی صاحب قصص العلماء: کان کثیر الزّهد والورع، عابداً، دقیقاً،... انتهت إلیه الزّعامة الدّینیة بعد وفاة الشّیخ محمّدحسن الجواهری. (1)

أساتذته

أدرک الشّیخ الأنصاری فی مسیرته العلمیّة الکثیر من الأساتذة، نذکر بالإجمال مجموعة منهم: (2)

1. الشّیخ حسن الأنصاری، وینتسب إلی عائلة الشّیخ واوّل من تتلمذ الشّیخ علی یدیه، کان له دور مهم فی صقل شخصیته العلمیّة، وحضر مع السّید محمد المجاهد درس صاحب الریاض.

2. السّید محمد المجاهد، حضر درسه فی کربلاء لأربع سنوات.

3. شریف العلماء المازندرانی، وهو- فی الواقع- من أهمّ أساتذته فی الفقه والأصول، وکان الشّیخ نفسه یهتمّ بآرائه ویولیها عنایة خاصة. حضر درسه قرابة الست سنوات.

4. المولی أحمد النراقی، (صاحب مستند الشّیعة)، درس الشّیخ علی هذا الأستاذ الکبیر ثلاث أو أربع سنوات، ودوَّن حواشٍ علی بعض کتبه.

5. الشّیخ موسی کاشف الغطاء، وهو آخر الأساتذة الّذین نهل الشّیخ من علومهم.

تلامذته

وُفّق الشّیخ الأنصاری فی تربیة جیل کبیر من العلماء، وأهدی الحوزات العلمیّة نخبة من الفطاحل. من أبرزهم:

1. السّید علی الشّوشتری، العالم والعارف الشّیعی الکبیر، الّذی انتقلت إلیه المرجعیة العامة للشّیعة بناء لتوصیة الشّیخ. استفاد من الشّیخ الأنصاری فی الفقه والأصول، والشّیخ بدوره کان یحضر درس الأخلاق. (3)

2. المیرزا الشّیرازی المعروف ب-"المجدد الشیرازی"، من أهمّ تلامذة الشّیخ، حظی بمکانة خاصة لدیه. رجع الکثیر من تلامذة الشّیخ المبتدئین بعد وفاته إلیه وحضروا دروسه. وبعد وفاة العلاّمة الشّوشتری انتقلت المرجعیة العامة إلیه. (4)

ص:286


1- (1) . قصص العلماء:10.
2- (2) . انظر: خاتمة المستدرک: 43- 113؛ أعیان الشّیعة: 455و456.
3- (3) . آیة الله السّید موسی شبیری: مقابلة حول أبعاد شخصیة الشّیخ الأنصاری: 17- 19.
4- (4) . آیة الله السّید موسی شبیری: مقابلة حول أبعاد شخصیة الشّیخ الأنصاری: 9- 26؛ والآغا بزرک الطّهرانی:

3. المیرزا حبیب الله الرّشتی، وکان من تلامذة الشّیخ المبرّزین، وکان الشّیخ دائم الاهتمام به. (1)

4. الآغا حسن نجم آبادی الطّهرانی. وهو واحد من ثلاثة أشخاص یقول الشّیخ فیهم، أنا أعقد الدّرس لهم. والآخران هما: المیرزا الشّیرازی، والمیرزا الرّشتی. (2)

5. الآغا حسن کوه کمره ای، وکان من تلامذة الشّیخ المتفوقین.

6. الحاج میرزا محمّدحسن الآشتیانی، صاحب کتاب بحر الفوائد وهو شرح مفصل علی کتاب الرسائل للشّیخ الأنصاری.

7. المیرزا أبوالقاسم الکلانتری، صاحب مطارح الأنظار وهو تقریر دروس الشّیخ فی الأُصول فی مباحث الألفاظ والدّلیل العقلی.

8. المیرزا موسی التّبریزی، صاحب أوثق الوسائل، وهو شرح وحاشیة علی الرسائل.

9. الشّیخ هادی الطّهرانی، صاحب محجة العلماء.

10. المولی حسین قلی الهمدانی، العارف والمتخلص المشهور.

11. السّید محمد طاهر بن السّید إسماعیل الموسوی الدّزفولی، صهر الشّیخ.

12. الشّیخ منصور بن المولی محمد أمین (شقیق الشّیخ).

13. الحاج آغا رضا الهمدانی.

14. العلاّمة المامقانی، صاحب الرّجال.

15. السّید حسین التّرک.

16. الشّیخ محمّدباقر کوهرودی.

17. المولی محمد کاظم الخراسانی (الآخوند) صاحب الکفایة.

18. السّید جمال الدّین الأسدآبادی. (3)

ص:287


1- (1) . آیة الله السّید موسی شبیری: المصدر السّابق: 26.
2- (2) . المیرزا الشیرازی: 36.
3- (3) . للاطلاع علی اسماء تلامذة الشّیخ کافة، راجع کتاب حیاة وشخصیة الشّیخ الأنصاری تألیف الشّیخ مرتضی الأنصاری: 201 - 424.
مصنّفاته العلمیّة

وضع الشّیخ الأنصاری الکثیر من الکتب، هذه باقة منها: (1)

1. کتاب الطّهارة.

2. کتاب الصّلاة.

3. کتاب الخلل فی الصّلاة.

4. کتاب الخمس.

5. کتاب المکاسب، وهو أهمّ کتبه، وفیه تظهر قوته العلمیّة، الفقهیة والاستدلالیّة.

6. حاشیة علی عوائد الأیام للمولی أحمد النراقی.

7. فرائد الأُصول- المشهور بالرّسائل.

8. رسالة فی حجیة ظواهر الکتاب.

9. رسالة فی المشتق.

10. رسالة فی قاعدة نفی الضّرر.

11. کتاب فی الرّجال.

12. أُصول الدّین وجملة من فروعه.

بالإضافة إلی المصنّفات الّتی کتبها الشّیخ، قام العدید من تلامذته أیضاً بتدوین تقریرات دروسه. (2)

مصنّفات الأُصولیّة

علی الرّغم من تبحر الشّیخ الأعظم فی الفقه والأُصول والکلام والرّجال، إلاّ أنّ أعماله وآراءه الأُصولیّة هی الّتی أبرزته، وساهمت أکثر من غیرها فی اشتهاره وجعلته علی رأس هذه المرحلة من مراحل الإجتهاد.

استطاع الشّیخ الأنصاری بهمته العالیة تأسیس مدرسة أُصولیّة جدیدة، تختلف تماماً عمّا سبقها وتتفوّق علیه؛ وعمّت الحوزات العلمیّة جمیعها وما زالت، وطبقاً لمبانی هذه المدرسة دوّنت الکتب ووضعت الأبحاث ونوقشت الآراء والنّظریات الأُصولیّة. من هنا،

ص:288


1- (1) . کامل فهرس آثار الشّیخ موجود فی مقدّمة کتاب الطّهارة من مجموعة آثار الشّیخ، طباعة مؤتمر الشّیخ الأنصاری 1415 ه، ج1 /13- 32.
2- (2) . المصدر السّابق.

کانت أعمال الشّیخ ومصنّفاته الأُصولیّة تحظی بأهمیة فائقة، وتوقف عندها الجمیع منوّهین بها. وقد ذکرت کتب التّراجم والفهارس کتب الشّیخ الأُصولیّة ونحن هنا سنذکرها علی الشّکل التّالی:

1. فرائد الأُصول المشهور ب- "الرّسائل": یتمتع هذا الکتاب بأهمیة خاصة فی الحوزات العلمیّة منذ زمن تألیفه وحتّی الآن کمتن دراسی فی أکثر الحوزات. وقد أثنی علیه المؤرخ والمحقق الکبیر السّید محسن الأمین، وقال أنّه لا مثیل له، وفیه أبحاث عمیقة ومحکمة. (1) کما أنّ العلاّمة آغا بزرک الطّهرانی عدّه من الکتب الّتی لا نظیر لها بین کتب المتأخرین والمتقدمین علی السّواء، وقال أنّ الشّیخ قد أسس بهذا الکتاب مدرسة جدیدة فی الأُصول. (2)

یقتصر کتاب الرسائل علی مباحث القسم الثّانی المطروحة الیوم فی الکتب الأُصولیّة. أمّا ترتیب الکتاب، فقد نظمه الشّیخ وفق ملاک جدید فی تبویب الأبحاث الأُصولیّة؛ ففی البدایة تناوّل وضعیة الحکم بالنسبة إلی حالات المکلف، حیث یقول: "أن المکلف إذا التفت إلی حکم شرعی، فإمّا أنّ یحصل له الشّک أو القطع أو الظن، (3) وعلیه سیکون بین أیدینا ثلاثة أنواع من الأحکام: حکم مقطوع، ومظنون، ومشکوک. بناءً علیه، قُسمت مباحث الحجج فی الأُصول إلی ثلاثة أقسام رئیسیة، الأول: القطع وأحکامه، الثّانی: الظنون والأمارات، الثّالث: الشکّ والأُصول العملیة.

بالإضافة إلی أنّ کتاب الرّسائل مشحون بالمسائل الإبتکاریة القیّمة، فهو أیضاً حاوٍ لأبحاث تأریخیة جدیرة، وکذلک لشروح وبیانات جدیدة تستحق التّوقف عندها والاهتمام بها. وعلیه أصبح هذا الکتاب- من حیث التّنظیم، ومن حیث المبانی والمضمون أیضاً- معتمداً لدی أغلب علماء المراحل اللاحقة. وقد وضع الکثیر من تلامذته وکذلک من العلماء الّذین أُتوا بعده، شروحاً وحواشٍ عدیدة علیه، واعتبروا أنّ من شروط الإجتهاد القدرة علی فهم هذا الکتاب والإحاطة بمسائله.

وعلیه، تمّ تدریسه رسمیاً فی الحوزات، ویمکن القول أنّه لم یظهر کتاب آخر یضاهیه ویکون بدیلاً عنه. ولا شکّ أنّه من أکثر الکتّب الأُصولیّة الّتی یندر وجود نظیر لها، والتّی

ص:289


1- (1) . أعیان الشّیعة: 456.
2- (2) . الذّریعة: 16 /132.
3- (3) . انظر: الرسائل: الشّیخ الأنصاری: 1 /25 و26.

لاقت اهتماماً ورواجاً، وکتبت علیه الشّروح والحواشی (1) وینبغی الالتفات إلی أنّ بعضها لم یستوعب مسائل الکتاب بتمامها، بل جاء علی أجزاء منه، والبعض الآخر غطی کلّ مسائله. ومن أبرزها:

1- 1: بحرالفوائد: شرح بحر الفوائد للمیرزا محمّدحسن الأشتیانی (1248- 1319ه) وهو من تلامذة الشّیخ البارزین؛ فیه أبحاث قیمة جداً، وکان موفقاً إلی حدّ کبیر فی تفسیر کلام الشّیخ. فالعلاّمة آغابزرک الطهرانی یعتبره أفضل شرح للرسائل. (2) وقد لاقی اهتماماً کبیراً وممیّزاً من العلماء والأساتذة. (3) فمن ممیزاته أنّه مفصل جداً. طبع لاوّل مرة فی إیران عام (1315ه) (4) ثمّ طبع بعد ذلک عدة مرات.

1- 2: الشّرح الکبیر أو شرح الشّیخ الکبیر: هذا الکتاب شرح وحاشیة علی الرّسائل، من تألیف الشّیخ محمدحسن بن صفر علی بار فروشی المازندرانی المعروف بالشّیخ الکبیر (م: 1345ه). وهو من کبار علماء الإمامیة، یقول عنه صاحب ریحانة الأدب: «العالم العاقل، الفاضل الکامل، المتبحر المحقق، المدقق، جامع المعقول والمنقول، حاوی الفروع والأصول.» (5)

تتمیز هذه الحاشیة بأنّها مبسوطة ومفصلة جداً، طبعت فی مجلدین (من النوع الرّحلی) فی طهران عام (1332ه). (6) وتضمنت: شرحاً لکلام الشّیخ، ولآرائه، والإشکالات والرّدود علیها، وأبحاثاً وتدقیقات أُصولیّة کثیرة. وقد اتّفق أغلب العلماء ومدرسو الرّسائل، علی متانتها وعمقها وتضمنها للکثیر من الفوائد. (7)

1- 3: أوثق الوسائل: هو شرحٌ وحاشیةٌ توضیحیة علی الرّسائل، وهو مفصلٌ نسبیاً. کتبه المیرزا موسی بن جعفر آغا التّبریزی(م:1340ه)؛ وبمعنی آخر هو تقریر درس أُستاذه العلاّمة

ص:290


1- (1) . یعدد العلاّمة الطّهرانی فی الذّریعة أکثر من (80) شرحاً وحاشیة علی الرسائل، انظر: الذّریعة: 6 /152-162. بینما یذکر الآغا ناصر باقری البیدهندی أکثر من (150) شرحاً وحاشیة علیه. انظر مجلة نور علم العدد (27)، سنة (1367)، ص 28- 91. والعدد 28، ص 139- 152.
2- (2) . نقباء البشر فی القرن الرّابع عشر: 1 /390.
3- (3) . یمکن الاطّلاع علی رأی بعض الأساتذة حول هذا الشرح فی مجلة نور علم، العدد28، ص152- 154.
4- (4) . الذّریعة: 3 /44 و 6 /155.
5- (5) . ریحانة الأدب: 3 /331.
6- (6) . مجلة الکتب الدراسیة الحوزویة کتاب شناسی کتب درسی حوزة، العدد 27، ص 83؛ الذّریعة: 6 /156.
7- (7) . انظر المصدر السّابق، العدد 28، ص 152- 154.

حسین آغا کوه کمری. طبع هذا الشّرح لاوّل مرة فی تبریز عام (1307ه). (1) وقد وفق صاحبها فی بیان آراء الشّیخ وحلّ المشاکل الواردة فی الرّسائل (2)؛ وللمرحوم آغا التّبریزی إضافة إلی حاشیة الرّسائل، حاشیة علی القوانین. (3)

1- 4: درر الفوائد فی شرح الفرائد: تألیف المولی محمد کاظم الخراسانی، وهی حاشیة نقدیة إضافة إلی کونها توضیحیة، ومفیدة لأصحاب الرّأی والنظر فی الأُصول. وهی علی قسمین: الحاشیة القدیمة، والحاشیة الجدیدة، وقد طبعتا معاً عدّة مرات. وهی محل اهتمام خاص من علماء الأُصول والباحثین.

1- 5: الفوائد الرّضویة علی الفرائد المرتضویة، تألیف الحاج آغا رضا الهمدانی بن المولی هادی (م:1322ه) مؤلّف کتاب مصباح الفقیه، ومن تلامذة المیرزا الشّیرازی الممیزین؛ فرغ من کتابة الحاشیة فی سنة (1306ه). وطبعت فی طهران طباعة حجریة سنة 1318ه فی 141 صفحة. وهی تتضمن شروحاً وانتقادات مفیدة. (4)

1- 6: حاشیة الرّسائل: تألیف السّید محمد کاظم الیزدی (م:1337ه) صاحب العروة الوثقی. وکان العلاّمة الیزدی من تلامذة المیرزا الشّیرازی الکبیر (5). وکتابه العروة الوثقی مشهور جداً بین الفقهاء، وغالباً ما کتبوا علیه حواشٍ وتعلیقات. والعلاّمة الیزدی کتب من جانبه حاشیة علی الرسائل، إلاّ أنّه لم یطبع منها إلاّ الجزء الیسیر، المتعلق برد المقدّمة الثّالثة من دلیل الانسداد. (6) إضافة إلی هذه الحاشیة، له رسالة فی التّعادل والتّراجیح طبعت فی طهران عام 1316ه.

2. الفوائد الأُصولیّة: یتناوّل هذا الکتاب، بناءً لقول العلاّمة بزرک الطّهرانی، مسائل محکمة، ومعقدة فی أُصول الفقه، من قبیل: الواجب المشروط، مقدّمة الواجب، الضّد، اجتماع الأمر والنهی، بعض المفاهیم، المطلق والمقید، العموم والخصوص، الحسن والقبح،

ص:291


1- (1) . مجلة الکتب الدّراسیة الحوزویة کتاب شناسی کتب درسی حوزة، العدد 27، ص81؛ الذّریعة: 2 /273.
2- (2) . المصدر السّابق: العدد 28 /152- 154.
3- (3) . الذّریعة: 2 /473.
4- (4) . کتاب شناسی کتب درسی حوزة (مجلة الکتب الحوزویة الدّراسیة): العدد 27، ص84و85.
5- (5) . آغا بزرک الطهرانی: شرح حیاة المیرزا الشیرازی: 157.
6- (6) . الذّریعة: 6 /160.

قاعدة الملازمة، الإجتهاد والتّقلید. (1) کانت هناک نسخة من الکتاب فی مکتبة المیرزا الشّیرازی فی سامراء ولکن حالیاًَ یصعب الوصول إلیها.

3. أُصول الفقه: یقول العلاّمة الطّهرانی: أُصول الفقه للعلاّمة الأنصاری الشّیخ المرتضی بن المولی محمد أمین الدّزفولی التّستری النجفی المتوفی سنة 1281ه؛ فی مجلد ضخم مِحتوٍ علی اثنین وستین مبحثاً من الأُصول الفقهیة فی مباحث الألفاظ والأدلّة العقلیة جمیعاً. رأیت النسخة المنتسخة عن خط المصنّف فی خزانة آیة الله المجدد الشّیرازی. (2) ویعدّ دورة کاملة فی أُصول الفقه.

4. حجیة ظواهر الکتاب: أورد العلاّمة الطّهرانی اسم هذه الرّسالة (3) ولم یذکر هل هی رسالة مستقلة أو أنّها جزءٌ من کتاب الرسائل.

5. حجیة المظنة: وهی جزء من کتاب الرّسائل، إلاّ أنّها طبعت بشکل مستقل. (4)

6. حاشیة علی قوانین الأُصول: بناء لقول العلاّمة الطّهرانی نقلاً عن العلاّمة السّید حسن الصّدر تتضمن هذه الحاشیة رسائل أُصولیّة من اوّل حجیة الخبر إلی آخر الأدلّة العقلیة الّتی فی القوانین. وعلی ما یبدوا استفاد الشّیخ فی کتابة الرسائل من هذه الحواشی. (5)

7. حاشیة علی استصحاب القوانین: هذه الحاشیة موجودة بشکل نسخة مخطوطة؛ کما أنّها حققت وطبعت من قبل مؤتمر الشّیخ الأعظم.

8. رسالة فی المشتق. (6)

9. رسالة فی قاعدة التّسامح فی أدلة السّننطبعت مرات عدة. (7)

10. رسالة فی التّقلید، وهی مشهورة- خطأًً- بالإجتهاد والتّقلید. (8)

ص:292


1- (1) . الذّریعة: 6 /323.
2- (2) . المصدر السّابق: 2 /210.
3- (3) . المصدر السّابق: 6 /179.
4- (4) . الذّریعة: 6 /275.
5- (5) . المصدر السّابق: 279.
6- (6) . الذّریعة: 21 /42
7- (7) . المصدر السّابق: 1 /87؛ و4 /174.
8- (8) . المصدر السّابق: 1 /272.

11. رسالة فی قاعدة نفی الضّرر، وهذه الرّسالة غیر بحث "لا ضرر" المطروح فی الرّسائل، وطبعت عدة مرات مضمومة إلی کتاب المکاسب.

12. رسالة فی باب حجیة الأخبار، ومستندها غیر معروف. (1)

13. رسالة فی الرّد علی القائلین بقطعیة صدور الأخبار، ومستندها أیضاً غیر معروف. (2)

باقة من تقریرات دروس الشّیخ الأنصاری

1. مطارح الأنظار، وهو أشهر تقریر لدروس الشّیخ موجود فی أیدینا. کتبه المیرزا أبوالقاسم الکلانتری، ویشمل مباحث الألفاظ والأدلة العقلیة. وقد طبع عدة مرات.

2. تقریرات أُصول الشّیخ الأنصاری، بقلم المیرزا حبیب الله الرّشتی.

3. تقریر وتلخیص أُصول الشّیخ بقلم المیرزا الشّیرازی.

4. تقریر درس أُصول الشّیخ، بقلم المولی حسین قلی الهمدانی

5. تقریر درس أُصول الشّیخ، بقلم السّید محمد طاهر بن السّید إسماعیل الموسوی الدّزفولی. (3)

إطلالة علی آراء الشّیخ وباقة من إبداعاته فی الأُصول

أ) قبل الخوض فی الحدیث عن آراء الشّیخ ونظریاته الأُصولیّة، لا بدّ من الإشارة إلی مجموعة من الخصائص الّتی تمیز بها أسلوبه فی البحث: أولاً: الشّیخ الأنصاری عالمٌ أصولیٌ، ومع أنّه تمتع بذهنیة عالیة وقدرة کبیرة علی البحث والتّدقیق العمیق، لکن روح الفقاهة وقوّة الإبداع لم تکن أیضاً بعیدة عن خاصیة التّتبع الّتی امتاز بها؛ وهو أمرٌ کان أغلب العلماء یظنّون أنّ العالمَ صاحبَ النظر والفکر الدّقیق لا یحتاجها؛ فعلی العکس من ذلک، یُعتبر الشّیخ متتبعاً قدیراً، ومفکراً حاذقاً ومنتقداً جریئاً. من هنا نجد فی أبحاثه الأُصولیّة بعض السّرد التّأریخی، وتبیین لنظریات وآراء علماء المراحل السّابقة، وأحیاناً شرح متعدد لنظریة واحدة من زوایا مختلفة. (4)

ص:293


1- (1) . مجموعة آثار الشّیخ الأنصاری: 30/1.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . المصدر السّابق: 377 و378.
4- (4) . یمکن ملاحظة نماذج من هذه الأعمال فی کتاب الرّسائل فی مباحث عدّة، کبحث القطع الحاصل من المقدمات العقلیة، وکیفیة التّعبد بالأمارات غیر العلمیّة، والإجماع المنقول، وحجیّة مطلق الظّن ودلیل الانسداد، والأقوال فی حجیة الاستصحاب وغیرها.

ثانیاً: المیزة الثّانیة الّتی اتصف بها الشّیخ سعیه الدّؤوب لنقل الآراء والنظریات من المصدر الّذی یعتمد علیه، وکان ینفض یدیه من المسائل الّتی لم یجد لها مصدراً، وکان مراعیاً للأمانة وحریصاً علی ذلک، وهذا واضح من خلال استخدام کلمات من قبیل: حکی ونقل عندما ینقل من مصدر ما. ولکی یصبح علی بیّنة واطمئنان من رأی عالمٍ ما ودقیقاً فی عرضه، کان یلجأ فی بعض الأحیان، إلی التّقصی عنها فی مواضع متعددة من مصنّفه، وإن کان للعالم المذکور کتب أُخری عمد إلی التّفتیش فیها، کلّ ذلک مراعاة للإنصاف فی نسبة الأقوال وتفسیرها، ثمّ بعد طی هذه المراحل، یبدی رأیه فیها.

ثالثاً: من ممیزات بحثه الأُصولی، أنّه کان یتدرج فی تناوّل المباحث واحدة بعد أُخری، ویضمها إلی جانب بعضها بعضاً کسلّمٍ یعبر منها إلی غیرها. وهذه النقطة کما تصدق علی کیفیة عرضه للمسائل، تصدق أیضاً علی انتقاداته لآراء غیره، وکیفیة طرح آرائه الخاصة، وهذه إشارة واضحة الی مدی قوّة نظره وألمعیته.

یمکن القول أنّ أسلوب الشّیخ، یعتمد علی تصنیف الأبحاث إلی مستویات وتبیین النظریات فی طول بعضها، وتکمیل الواحدة بأُخری، وهذا الأسلوب مفید جداً فی فهم المسائل بدّقة والوصول إلی النظریة المطلوبة. (1)

ب) باقة من أفکار الشّیخ، وإبداعاته الأُصولیّة: 1. قام الشّیخ بعمل مهم وأساسی جداً فی علم الأُصول تمثل فی تطویر أساس التّبویب فی قسم الحجج. (2) وکما سبق وذکرنا، فقد قسَّم مباحث الحجج بالنظر إلی حالات المکلف الملتفت فی قبال الحکم الشّرعی، حیث یتصوّر فیه ثلاث حالات: القطع، والظنّ، والشک فیه؛ ورتّب هذه الأبحاث فی ثلاثة أقسام:

1. مباحث القطع ومتفرعاته.

2. الأمارات الظنّیة.

3. مباحث الشّک والأُصول العملیة.

فکانت نتیجة هذا العمل تغییر بنیة ترتیب القسم الثّانی من الأُصول (الحجج) بشکل تامّ،

ص:294


1- (1) . یمکن مشاهدة نماذج من هذه المسألة، فی أغلب الأبحاث الّتی طرحها فی کتاب الرسائل.
2- (2) . أمّا القسم الاوّل من مباحث الأُصول وهو المتعلق بصغریات قیاس الاستنباط والمعروف ب- "مبحث الألفاظ" فإن الشّیخ لم یحدث فیها أیَّ تغییرٍ خاص.

وحلّ مکانها البناء الّذی نحن بصدده. (1) وبناء علیه، خرج هذا القسم من حالة التّشتت الّتی کان علیها وأصبح فی حال من الانتظام المنطقی. ولا یبعد أنّ یکون الشّیخ قد استلهم هذا العمل من أُستاذه شریف العلماء، حیث تشاهد له جذور ضعیفة فی کتاب ضوابط الأُصول (تقریر درس شریف العلماء)، (2) لکن الثّابت أنّ هکذا عمل عظیم قد صدر بهذه الدّقة واللباقة علی ید الشّیخ الأعظم.

علی أی حال، أدی الترتیب الجدید للأبحاث إلی طرح جمیع مباحث الحجج بتمامها فی هذا القسم- الحجّیّات الذاتیة والمجعولة، والحجیّات المفیدة للحکم الشّرعی أو المعیّنة للوظیفة العملیة أو العقلیة- إضافة إلی أنّه تمّ الحفاظ علی النظم المنطقی والتّرتیب الطّولی. بمعنی أنّ القطع- الّذی هو الکاشفیة القطعیة بنسبة 100%- مقدّم علی أی حجیّة أُخری، ولا یزاحمه شیء.

ثمّ فی المرحلة الثّانیة، عند فقدان القطع وبالتّالی عدم الانکشاف القطعی للحکم، یصل الدّور إلی الأمارات والظنّون الشّرعیة المجعولة. وفی المرحلة الأخیرة، عند فقدان الکاشفیة القطعیة والظنّیة کلتیهما، یصل الدّور عندها إلی تعیین الوظیفة العملیة عن طریق إجراء الأُصول العملیة.

2. من إبداعات الشّیخ تناوله لمباحث القطع بشکل مستقل ومستفیض، ففی السّابق لم یکن للقطع وجود فی الکتب الأُصولیّة بالشّکل الّذی طرح فی الرسائل، وکان یشار إلیه فقط ضمن المباحث الأُخری، کمباحث الدلیل العقلی، بینما حتمت الأهمیة الخاصّة الّتی حظی بها هذا البحث ولمقدمیته وکونه من العناصر الموضوعیة المشترکة الّتی تستند إلیها حجیة الأمارات والأُصول العملیة، أنّ یطرح فی بدایة مباحث الحجج؛ فالتفصیلات الّتی تناولها الشّیخ فی بحث القطع، ومعالجة تمام مسائله فی مکان واحد؛ کتحدید معنی القطع، وتبیین الحجیة الذاتیة فیه واللوازم المترتبة علی هذه الحجیة، وتقسیم القطع إلی طریقی وموضوعی وتقسیم القطع إلی تفصیلی وإجمالی، کلّ ذلک تفریع لم یسبقه إلیه أحد.

ص:295


1- (1) . لذلک انصّبت أکثر التّغییرات المتعلقة بالتّبویب فی المراحل المتأخرة علی القسم الاوّل من مباحث الأُُصول، أی مباحث الألفاظ باستثناء بعض الموارد الّتی أصبحت متغیرة بفعل التّغیر الّذی طرأ علی البناء العام للأصول.
2- (2) . راجع تبویب کتاب ضوابط الأُصول.

3. فی بحث الإمکان الوقوعی للتّعبد بالظّن، یتمسک القائلون باستحالة إمکان وقوع هذا التّعبد من الشارع بمحذورین: ملاکی وخطابی. ویجیب الشّیخ عن المحذور الملاکی المبنی علی تفویت المصلحة الواقعیة والإبقاء فی المفسدة فی صورة خطأ الدّلیل الظنّی بطرح بحث کیفیة التّعبد بالأمارات. فینتقد جمیع المبانی- خلال تفسیره للنظریات المتعددة فی هذا الشأن، ومنها: مسلک السّببیة ومسلک الطّریقیة- ویقول أنّه لا یمکن الإجابة عن المحذور الملاکی بها؛ لذلک عرض مسلکاً جدیداً تحت عنوان "المصلحة السّلوکیة" فی التّعبد بالأمارات الّتی هی من نوع السّببیة المجازة أو المباحة، ولا یوجد فیها محذور السّببیة المطلقة (الأشعری أو المعتزلی) والطّریقیة المحضة. وفی نفس الوقت یرفع إشکال المحذور الملاکی. (1) وقد فسِّرت هذه النظریة- فیما بعد- بوجوه وأشکال مختلفة.

وفی الجواب علی المحذور الخطابی، حل الشّیخ المشکلة بطرح نظریة "الحکم الواقعی والظاهری" واختلاف رتبتیهما. وأوضح أنّ الحکم الظّاهری متأخر عن الحکم الواقعی برتبتین اثنتین:

1. الشّک فی الحکم الواقعی هو موضوع الحکم الظّاهری.

2. الشّک فی الحکم الواقعی متأخر رتبةً عن وجود الحکم الواقعی؛ وعلیه فالحکم الواقعی متقدّم علیه برتبتین، فلا تعارض خارجی بینهما. (2)

ونهایة الأمر، یعتبر الشّیخ فی بحث الوقوع الخارجی للتّعبد بالظّن، أنّ الأصل الأولی حرمة العمل بالظّن إلاّ یَتَعَبّد ظنٌّ خاص بالأدلّة القطعیّة. (3)

4. یعدُّ أُسلوب الشّیخ فی بحث الشّک والأُصول العلمیّة أسلوباً فریداً من نوعه ومن مبتکراته الخاصة به. فقد أوجد من جهةٍ، تحوّلاً کان بمثابة تعبیداً لطریق البحث فی الأدلّة الإجتهادیة والفقاهتیة؛ بمعنی أنّه فصلهما الواحد عن الآخر. ففی البدایة بحث الأدلّة من الکتاب والسّنة والعقل والإجماع، أی الأدلّة القطعیة والظنّیة المرتبطة بها بعنوان الأدلّة الإجتهادیة، ثمّ عرّج علی الأدلة الفقاهتیة وطرح مباحث الأُصول العملیة. ومن جانب آخر، رأی أنّ الأدلّة الإجتهادیة هی طرق للکشف عن الحکم، ولها لسان کاشفیة، بعکس الأدلّة

ص:296


1- (1) . راجع: الرسائل: 1 /112- 121.
2- (2) . المصدر السّابق: 121- 124.
3- (3) . المصدر السّابق: 10/2.

الفقاهتیة الّتی لیس لها لسان کشف عن الحکم الشّرعی، إنّما تبحث فقط لتعیین الوظیفة العملیة عند الشک فی الحکم؛ وعلیه، یتحقق من هذه الجهة موضوع الأُصول العملیة عندما نشک فی الحکم الواقعی. (1)

إضافة إلی ما سبق، فإنّ أسلوب الشّیخ فی تنظیم الأُصول العملیة وحصرها علمیاً بأربعة، هو عمل إبداعی لا شکّ فیه. (2) کما أنّه یری أنّ من هذه الأُصول ما هو عقلی وشرعی معاً، کالتّخییر والبراءة والاحتیاط؛ أمّا الاستصحاب، فهو- بنظره- دلیل شرعی لا غیر، خلافاً لرأی الماضین من العلماء وأصولیی السّنة، الّذین رأوا أنّه دلیل عقلی ظنی. وفی الحقیقة، فإنّ عمل الشّیخ فی الأُصول العملیة والتّفریعات الّتی أدخلها محل تقدیر ومثیر للإعجاب.

5. من إبداعات الشّیخ المهمّة، بحث الحکومة والورود، فقد طرحه بغیة حل مجموعة من المعارضات البدویة بین دلیلین وکیفیة تقدیم دلیل علی آخر.

وإن رغب البعض فی نسبة هذا الإنجاز إلی من سبقه من العلماء کصاحب الجواهر أو صاحب هدایة المسترشدین، لکن هذا غیر صحیح أبداً. ومن المقطوع به أنّ تأسیس هذه النظریة بکل مفرداتها کانت علی ید الشّیخ الأنصاری نفسه.

وهناک اختلاف کبیر بین العلماء فی تفسیر هذه النظریة (ماهیة وحقیقة الحکومة والورود). لکن المسلَّم به أنّ وجه تقدیم دلیل شرعی فی بعض الموارد علی دلیل آخر، لیس هو التّخصیص ولا التّخصص، وینبغی تلمّس حلّ هذه المعضلة بوجوه أُخری من التّرجیح، وهذه الوجوه هی الّتی عبّر عنها الشّیخ بالحکومة والورود.

وأفضل نموذج علی ذلک، ما نشاهده فی وجه تقدیم الأدلة والأمارات علی الأُصول العملیة، وهذا التقدیم لیس عن طریق تخصیص الأُصول بالأدلة بل هو، إمّا علی نحو الورود، بمعنی أنّ موضوع الأصل یرتفع واقعا مع وجود الدّلیل، لکن خروجه أو ارتفاعه لیس تکوینیاً، بل یحتاج إلی عنایة من الشّارع؛ ومثاله تقدیم الأدلّة علی الأُصول العملیة العقلیة؛ وإمّا علی نحو الحکومة، بمعنی أنّ وجود الدّلیل لایبعث علی الرفع الحقیقی والواقعی لموضوع الأصل بل ینفیه تعبّدا، کتقدیم الأدلّة الظنّیة علی الأُصول العملیة الشّرعیة. وتتصور الحکومة علی نوعین:

ص:297


1- (1) . المصدر السّابق: 10/2.
2- (2) . انظر: المصدر السّابق: 14.

أ) عندما یضِّیق الدّلیل الحاکم موضوع الدلیل المحکوم.

ب) عندما یوسَّع موضوعه. (1)

6. بحث الأصل المثبت فی الاستصحاب، وقد تناوله الشّیخ بالتّفصیل، ورأی أنّه لیس بحجة إلاّ إذا کان بمثابة الواسطة الخفیة لأثر شرعی، (2) کما بحث الشّیخ الأصل السّببی والأصل المسببی، واعتبر الاستصحاب السّببی حاکماً علی الاستصحاب المسببی. (3)

7. من الأعمال المهمّة الّتی قام بها الشّیخ أیضاً، تناوله لنظریة انسداد باب العلم، الّتی وضعها المیرزا القمی، بالبحث والتّفصیل والنقد والإبرام من جمیع الجهات. لکنّها فقدت بریقها وأهمیتها بعد انتقادات الشّیخ لها، بحیث لم یعد طرحها جدیاً فی الأُصول، والیوم لا یتبناها أحد من العلماء. (4)

8. نظریة الشّیخ فی الاستصحاب: الاستصحاب حجة عند الشّک فی الرافع، وغیر حجة عند الشّک فی المقتضی، ویتطابق هذا القول مع رأی المحقق الحلی. (5)

9. یظهر أنّ الشّیخ- کما جاء فی مطارح الأنظار (تقریر درسه)- لا یعتبر الواجب المشروط والواجب المطلق وجوبین مختلفین؛ وعلیه، یری أنّ التّعلیق فی الواجب المشروط لا یرجع إلی نفس الوجوب والإلزام بل إلی متعلق الوجوب أو بالاصطلاح إلی الواجب، لذلک فاختلاف الواجب المشروط والواجب المطلق هو فی اختلاف الواجب أو متعلق الإلزام، فالواجب فی واحد مطلق ولا قید له، وفی آ خر مقید ومقدر بتقدیر خاص، والدّلیل علی

ص:298


1- (1) . نلفت نظر أُستاذ المادة إلی لزوم التّوسع بقدر الحاجة فیما یتعلق بالحکومة والورود وثمراتها فی الأُُصول. راجع هذا البحث فی الرسائل فی أوائل مبحث التّعارض. وراجع ایضاً مقالة: الحکومة والورود، للشّیخ محسن القمی، من إصدار مؤتمر الشّیخ الأنصاری.
2- (2) . جاء فی التقریرات: وأمّا علی المختار: من اعتباره من باب الأخبار، فلا یثبت به ما عدا الآثار الشّرعیة المترتبة علی نفس المستصحب. نعم هنا شیء: وهو أنّ بعض الموضوعات الخارجیة المتوسطة بین المستصحب وبین الحکم الشّرعی، من الوسائط الخفیّة، بحیث یعدّ فی العرف الأحکام الشّرعیة المترتبة علیها أحکاما لنفس المستصحب، وهذا المعنی یختلف وضوحاً وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف... وکیف کان، فالمعیار خفاء توسط الأمر العادی والعقلی بحیث یعد آثاره آثاراً لنفس المستصحب. فرائد الأُصول: 3 /233- 245. (المترجم)
3- (3) . السّابق: 294.
4- (4) . إنّ حذف هذا البحث وتفریعاته من علم الأُصول أمر غیر صائب.
5- (5) . الرسائل: 3 /51.

ذلک أنّ الوجوب المستفاد من هیئة الأمر جزئی فی کلا الواجبین المطلق والمشروط، لذا فالوضع فی هیئة الأمر العام والموضوع له خاص (جزئی)، ولما کان الأمر کذلک، فلا معنی عندئذ للإطلاق والتّقیید فیه.

بناءً لما سبق، یتضح أنّ القید أو الشرط فی الواجب المشروط مفید فی المادة ولیس فی الهیئة؛ لأنّ الهیئة معنی حرفی، والموضوع له خاص لا یقبل التّقیید. (1)

خلاصة الدّرس

1. بدأت المرحلة السّادسة من الأُصول من زمن الشّیخ الأنصاری (م: 1381ه) وما زالت مستمرة إلی الآن تقریباً، تعرّض أُصول الفقه خلالها لتحولات أساسیة علی المستوی البنیوی وعلی مستوی المضمون، وأصابت الأبحاث الأُصولیّة تعمّقاً لا مثیل له. وفی نفس الوقت تمّ الحفاظ علی أساس البنیان السّابق ولم یتم رفضه.

2. الشّیخ الأنصاری مؤسس المدرسة الجدیدة فی الأُصول، درس علی ید أساتذة کبار منهم العلاّمة محمد المجاهد، وشریف العلماء، واستطاع بعد سنین طویلة من البحث والتّدقیق والتّدریس إیجاد تحوّل لا سابق له فی هذا العلم، وأنّ یؤسس لاتجاه أُصولی لاقی استقطاباً واسعاً من العلماء.

3. أهمّ کتاب أُصولی دوّنه الشّیخ هو فرائد الأُصول، وقد وضعت علیه الکثیر من الحواشی والشّروح، تجاوزت المائة والخمسین.

4. أوجد الشّیخ تحوّلاً فی الأُصول علی مستوی الشّکل والمضمون. وأدخل ابتکارات کثیرة، من جملتها نظریاته فی بحث الحکومة والورود، والمصلحة السّلوکیة.

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. قارن بین المذهب الأُصولی الّذی مثله الشّیخ الأنصاری والاتّجاه الّذی نهض به العلاّمة البهبهانی وأنصاره، وبین الاختلافات الموجودة، والتّی لم تذکر فی الدّرس.

ص:299


1- (1) . مطارح الأنظار(طبعة حجریة): 44 و45 و 48 - 52 ینبغی التنویه هنا إلی أن بعض تلامذة الشّیخ المباشرین أو بالواسطة(*)، یترددون ویشکون فی صحة فهم هذه النّظریة من قبل صاحب التقریرات (المیرزا أبوالقاسم الکلانتری)، ونسبتها إلی الشّیخ. وهذه المسألة تدعو إلی التّأمل. یمکن هنا الرجوع إلی کتاب الواجب المشروط للأستاذ لاریجانی: 38 .11. * المقصود بالواسطة هنا تلامذة تلامذة الشّیخ الأنصاری. (المترجم)

2. ما هو تقییمک لدور أساتذة الشّیخ الّذین أثروا علیه فی إیجاد هذا التّحول؟ وأیّهُم کان أکثر تأثیراً فی هذا المجال؟ ولماذا؟

3. بالالتفات إلی أُصول الشّیخ وخاصة کتاب الفرائد، أذکر مجموعة أُخری من المزایا والإبتکارات الّتی اختصّ بها.

تحقیق وبحث

قارن بین کتاب الرسائل للشّیخ الأنصاری، وضوابط الأُصول للسّید إبراهیم القزوینی الّذی هو تقریر لدرس شریف العلماء، وبیّن الاختلافات والمشترکات الموجودة بینهما، مع شیءٍ من التّحلیل.

ص:300

الدّرس الثّالث عشر: المرحلة السّادسة: مرحلة التّعمق فی الأُصول (2)

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

المیرزا الشّیرازی ودوره فی تکامل أُصول الفقه.

المیرزا الرّشتی، ودوره فی نفوذ الاتجاه الأُصولی للشّیخ.

الشّیخ هادی الطّهرانی، أُصولی بارع ونقّاد.

الآخوند الخراسانی، وإنجازاته الأُصولیّة.

ص:301

ص:302

أبرز شخصیّات المرحلة (القسم الثّانی)

2. المیرزا الشیرازی (1230-1312ه)

اشارة

العلاّمة المیرزا محمّدحسن بن المیرزا محمود، المعروف بالمیرزا الکبیر والمجدد الشّیرازی، ولد فی شیراز عام (1230ه).

درس المقدّمات فی مسقط رأسه، هاجر إلی أصفهان عام (1248ه)، وتتلمذ هناک علی الشّیخ محمدتقی الأصفهانی والسّید حسن البیدآبادی إلی أنّ وصل إلی درجة الإجتهاد.

ترک أصفهان عام (1259ه) وغادر إلی النّجف الأشرف، وهناک نهل من علوم کبار العلماء کصاحب الجواهر والشّیخ الأنصاری لیصل إلی درجة علمیة متقدّمة.

بعد رحیل الشّیخ الأنصاری أصبح مرجعاً عاماً للشّیعة. (1) حظی بعنایة خاصة من الشّیخ الأعظم، فکان علی سبیل المثال یدعو بقیة الطلاب إلی الاستماع إلی إشکاله ونقده أثناء الدّرس. (2) یقول عنه السّید حسن الصّدر:

«أفضل المتقدّمین والمتأخرین من الفقهاء والمحدثین، والحکماء والأصولیین.» (3)

کان المجدد الشّیرازی مرجعاً دقیق النظر، حاذقاً، وکان متفاعلاً مع الحوادث السّیاسیة، اتّخذ مواقف مهمة ومؤثرة جداً، والنموذج البارز علی ذلک حادثة تحریم التنباک ودفع فتنة سامراء. (4)

ص:303


1- (1) . آغا بزرک الطهرانی: المیرزا الشّیرازی: 29 -43.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . آغا بزرک الطهرانی: نقباء البشر: 440/1، نقلاً عن النسخة الخطیة من تکملة أمل الآمل للسّید حسن الصّدر.
4- (4) . المیرزا الشیرازی: 219- 274.
أساتذته

تتلمذ علی یدی أساطین العلماء (1)، من أبرزهم:

الشّیخ محمدتقی الأصفهانی، صاحب هدایة المسترشدین، وقد تتلمذ علی یدیه فی أصفهان.

السّید حسن البیدآبادی، حضر دروسه فی أصفهان أیضاً.

الشّیخ محمدحسن النجفی (صاحب الجواهر).

الشّیخ الأنصاری، کان المیرزا بالغاً مرحلة الإجتهاد حینما أخذ بالحضور عنده، لکن الشّیخ بدوره، فتح أمامه منافذ جدیدة فی مسائل الأُصول والفقه.

الشّیخ حسن آل کاشف الغطاء.

السّید إبراهیم القزوینی (صاحب ضوابط الأُصول).

تلامذته

کان درس المیرزا مزدحماً بالحضور، خاصة مرحلة ما بعد رحیل الشّیخ الأعظم. وقد أحصی المحقق الطهرانی أسماء (372) تلمیذاً حضروا درسه. (2) وبعد رحیل الشّیخ الأعظم التجأ إلیه الکثیر من تلامذة الشّیخ وخاصة الشّباب وحضروا درسه، منهم:

السّید إبراهیم الدامغانی الخراسانی (م:1291ه)، کان من طلابه الأُول، قرر درسه فی مجلدین.

السّید حسن الصّدر (م:1354ه)؛ من تلامذته المتفوقین وله مصنّفات قیّمة فی مختلف العلوم.

السّید إسماعیل بن السّید صدرالدّین (1263ه)، من تلامذته البارزین، هاجر مع أُستاذه إلی سامراء، واستقر بعد ذلک فی کربلاء، حیث أصبح من مراجع التّقلید هناک.

المحدث الشّهیر حسین النوری، صاحب مستدرک الوسائل.

الحاج آغا رضا الهمدانی، صاحب مصباح الفقیه، انتهت أیضاً إلیه المرجعیة بعد رحیل المیرزا.

الشّیخ علی الروزدری (1290ه)، من قدامی تلامذته، وکان محل عنایة أستاذه. دوّن تقریرات دروسه فی الأُصول.

الشّیخ فضل الله النوری.

الملا محمد کاظم الخراسانی صاحب الکفایة المعروف بالآخوند الخراسانی.

ص:304


1- (1) . المصدر السّابق: 30- 36.
2- (2) . المصدر السّابق: 93- 213.

السّید محمد کاظم الیزدی، صاحب العروة الوثقی.

السّید محمد الفشارکی، من خواص تلامذة المیرزا.

الشّیخ محمدتقی آغا النجفی، صاحب سیاحة الشّرق والغرب.

المیرزا محمدتقی الشّیرازی، المعروف بالمیرزا الشّیرازی الثّانی.

المیرزا محمدحسین بن عبدالرّحیم النائینی المشهور بالمیرزا النائینی وهو من خواص تلامذة المجدد الشیرازی.

الشّیخ حسن بن محمدمهدی الشّاه عبدالعظیمی، صاحب ذخائر الأُصول وهو تقریر درس المجدد الشّیرازی.

مصنّفاته العلمیّة

معروف أنّ المیرزا الشّیرازی لم یضع کتاباً بنفسه، لکن المحقق القدیر السّید محسن الأمین عدد أسماء مجموعة من مصنّفاته (1) وهی:

1. کتاب فی الطهارة، إلی بحث الوضوء.

2. رسالة فی الرّضاع.

3. کتاب المکاسب، إلی آخر المعاملات.

4. رسالة فی اجتماع الأمر والنهی.

5. تلخیص مباحث الشّیخ الأنصاری الأُصولیّة.

6. رسالة فی المشتق.

7. حاشیة علی نجاة العباد (رسالة عملیة).

8. تعلیقة علی معاملات المرحوم البهبهانی (رسالة عملیة).

تقریرات دروسه

علی الرّغم من أنّه لم یعرف عن المیرزا تصنیفه کتاباً محدداً بنفسه، إلاّ أنّ هناک مجموعة من

ص:305


1- (1) . السّید محسن الأمین: أعیان الشّیعة: 5 /308. ینبغی التنویه إلی أنّ السّید محسن الأمین هو الوحید الّذی ذکر مؤلّفاته، فی حین أنّ العلاّمة الطّهرانی لم یذکر أیاً منها فی الذّریعة، وکذلک فی کتابه حیاة المجدد الشّیرازی، باستثناء رسالة المشتق الّتی هی تقریر درسه کما قال، وطبعت فی إیران سنة 1305 ه.

تلامذته کتبوا خلاصات دروسه ونظریاته، ویعبر عنها اصطلاحاً بالتّقریرات. (1) ومن هذه التقریرات: (2)

1. تقریر درس الفقه، تدوین السّید إبراهیم الدّامغانی.

2. تقریر درس الأُصول، تدوین السّید إبراهیم الدّامغانی أیضاً.

3. تقریر درس الأُصول، تدوین المرحوم السّید محمد الفشارکی الأصفهانی.

4. تقریر درس الفقه، من اوّل البیع إلی آخر الخیارات، بقلم الحاج آغا رضا الهمدانی.

5. تقریر درس أُصول الفقه، بقلم الشّیخ علی الرّوزدری.

6. تقریر درس الأُصول، تحت عنوان ذخائر الأُصول بقلم الشّیخ حسن الشّاه عبدالعظیمی. (3)

لم یطبع من تقریرات دروسه سوی تقریر الأُصول للشّیخ الرّوزدری، وکتاب آخر فیه مجموعة من فتاواه جمعها الشّیخ فضل الله النوری. وعلیه، فالمصدر الوحید الّذی یمکن من خلاله التقاط آرائه الأُصولیّة هو تقریرات الشّیخ علی الرّوزدری نفسه، الّذی طبع فی ثلاثة مجلدات. (4) وهذا التقریر لایعتبر دورة أُصولیّة مکتملة، ففی القسم الاوّل (مباحث الألفاظ) لا وجود لأبحاث العام والخاص والمطلق والمقید، والمجمل والمبین، وفی القسم الثّانی لایوجد سوی بحث القطع وجزء یسیر من مباحث الظن، أمّا بقیة الأبحاث المتعلقة بالظنّون والأُصول العملیة فهی إمّا غیر مدوّنة أصلاً، أو لم تصلنا.

آراؤه الأُصولیّة

المجدد الشّیرازی من الّذین لازموا درس الشّیخ الأعظم، واتبعوا مدرسته الأُصولیّة، فقد سار علی نهجه فی تطویر علم الأُصول، وبذل جهوداً کبیرة فی شرح وتنقیح مبانی أُستاذه

ص:306


1- (1) . کتابة التّقریرات أسلوب جدید ظهر مع هذه المرحلة، ویمکن الإشارة إلی أنّ اوّل من قرر دروس أساتذته کان المرحوم السّید جواد العاملی، صاحب مفتاح الکرامة والمرحوم السّید إبراهیم القزوینی، فالاوّل کتب أبحاث العلاّمة بحرالعلوم فی علم الحدیث؛ والثّانی دوّن مباحث الأُصول لشریف العلماء.
2- (2) . انظر: مقدّمة تقریرات درس الأُصول للمجدد الشّیرازی (تقریر الملا علی الروزدری) بقلم السّید محمد بحرالعلوم:50 - 54.
3- (3) . یقول العلاّمة الطهرانی أنّ هذا الکتاب هو تقریر لدروس الشّیخ الأنصاری وفیه مباحث الألفاظ والأدلّة العقلیة. انظر: الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 10/5.
4- (4) . من تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث فی قم المقدّسة سنة 1409 ه.

ونظریاته الأُصولیّة، وقام بتشذیب ابتکاراته وتمتینها، وسأهم فی تعریف عدد کبیر من العلماء بتراث الشّیخ الأعظم ومدرسته الأُصولیّة، وأصبح کلّ واحد منهم من أساطین علم الأُصول وأرکانه، کالمحقق الخراسانی والسّید محمد الفشارکی، والمیرزا النائینی وغیرهم؛ من هنا کان لدوره أهمیة خاصة فی تکامل أُصول الفقه الشّیعی، وهذا ما لا ینبغی غض الطرف عنه. لکن للأسف لا یمکننا وضع الید علی کامل نظریاته وآرائه، بسبب عدم وصول کتاباته إلینا، وکون المطبوع من تقریرات دروسه غیر تام. لکنّنا مع ذلک، نقتصر علی بیان إجمالی لبعض منها:

1. نظریته فیما یتعلق بإطلاق الواجب علی الواجب المطلق والواجب المشروط، یعتبر أنّ الإطلاق فی الحالتین هو علی نحو الحقیقة. ویؤکّد أنّ الواجب المشروط لا یتبدل إلی واجب مطلق مع تحقق شروطه؛ لأنّه مع حصول الشرط لا یزول الاعتبار المتعلق بهذا الواجب الحاصل فی نفس الأمر، لذا فالصّحیح أنّه ما زال یصدق علیه القول: وجوب هذا الواجب معلق علی حصول الشّرط الفلانی الخاص. (1)

2. یقول فی بحث المشتق إنّ إطلاق المشتق فی خصوص المتلبس بالمبدأ حقیقی، وإطلاقه بالنسبة لما انقضی عنه التّلبس مجازی. (2)

3. شرح أبحاث القطع والظنّ ودرّسها فی کتاب فرائد الأُصول للشّیخ الأعظم. لأنّه- کما جاء فی التقریرات- کان غالباً ما ینقل رأی الشّیخ ویشرحه. وقیل أیضاً أنّ الشّیخ أعطی فرائد الأُصول للمیرزا وطلب منه النظر فیه ووضع التّوضیحات والاصلاحات اللازمة.

وعلی کلّ الأحوال، بذل المیرزا جهوداً واسعة لشرح نظریات الشّیخ حول القطع والمراد من حجیة القطع، وکذلک فی مباحث الظنّون ومن بینها التّعبد بالظنّ وشرح نظریة المصلحة

ص:307


1- (1) . تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی بقلم المولی علی الروزدری: 2 /243. یقول: فمن هنا ظهر فساد ما قد قیل: من أن الواجب المشروط یصیر مطلقاً عند حصول شرطه، إذ بحصوله لا یزول ذلک الاعتبار الّذی حصل للطلب فی نفس الآمر، فهو الآن یصدق علیه أنّه ما علق وجوبه علی أمر، ولیس المشروط إلاّ هذا. تقریرات الروزدری: 2 /243.
2- (2) . المصدر السّابق: 1 /260-263. جاء فی المصدر المذکور: وکیف کان، فالّذی ینبغی اختیاره ویساعد علیه الدّلیل إنّما هو القول الثّانی من الأولین- أعنی اشتراط بقاء المبدأ ومجازیة المشتق- فیما انقضی عنه المبدأ مطلقاً.(المترجم).

السلوکیة والتّدقیق فیها، وکیفیة حل معضلة الجمع بین الحکم الواقعی والحکم الظّاهری بناء لنظریة الشّیخ، وأنّ أعماله هذه مفیدة جداً لفهم مبانی الشّیخ وآرائه. (1)

3. المیرزا الرشتی (1234-1312ه)

اشارة

المیرزا حبیب الله ابن المیرزا علی خان الرّشتی أبصر النّور عام (1234ه) فی إحدی قری رشت. کان والده من الملاّک فی تلک الدیار.

بدأ تحصیله العلمی فی قزوین وحصل علی إجازة فی الإجتهاد من المولی عبدالکریم الإیروانی. قبل رحیل صاحب الجواهر بثلاث سنوات، غادر إلی النجف وکان فی الخامسة والعشرین من عمره، وحضر درس صاحب الجواهر. یحکی أنّه فی إحدی المرات عرضت له شبهة، حول وجه تقدیم دلیل علی آخر، فقام بطرحها بین التلامذة، إلاّ أنّه لم یلق جواباً. قیل له: اذهب واعرضها علی الشّیخ الأنصاری؛ فذهب إلی الشّیخ، عندها طرح الشّیخ بحث الحکومة والورود جواباً علی مسألته، فطلب من الشّیخ أنّ یشرح هذا البحث الجدید وغیر المسبوق، فأجابه الشّیخ: لفهم هذه المسألة ومعرفة الاختلافات الموجودة فیها علیک حضور الدّرس لمدة شهرین. بهذه الطریقة تعرف المیرزا الرّشتی علی الشّیخ الأنصاری، وبدأ التتلمذ علی یدیه. وبعد مدة من الزّمن أصبح من أبرع تلامذته ومن خواصهم بحیث أصبح واحداً من ثلاثة، کان یقول الشیخ فیهم أنا درساً لهم خاصّةً. (2)

بعد وفاة الشّیخ الأنصاری، جلس العلاّمة الرّشتی علی کرسی تدریس العلوم آنذاک وربّی الکثیر من الطلبة وحصلت له شهرة علمیة واسعة. فی نفس الوقت نزه نفسه عن المرجعیّة العامّة، وأوکلها إلی رفیقه فی الدّرس المیرزا الشیرازی. کان المیرزا الرشتی عابداً، زاهداً، کثیر التّقوی، وکثیر الاحتیاط فی شأن الفتیا. رحل عام (1312ه)، ودفن فی النّجف. (3)

أساتذته

(4)

1. العلاّمة المولی عبدالکریم الإیروانی، أستاذه فی قزوین، حصل منه علی إجازة الإجتهاد.

ص:308


1- (1) . انظر: التقریرات: 3 /221 وما بعد.
2- (2) . آغا بزرک الطهرانی: نقباء البشر: 357و 358.
3- (3) . المصدر السّابق: 359.
4- (4) . المصدر السّابق: 358.

2. صاحب الجواهر، کانت فترة تتلمذه علیه قصیرة نسبیاً.

3. الشّیخ الأنصاری، أهمّ أساتذة المیرزا، لازمه لسنوات طویلة واستفاد منه کثیراً.

کان درس العلاّمة الرّشتی یعج بالحضور، تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء وتدرج فی درسه العدید من المجتهدین، کالشّیخ عبدالله المازندرانی، والشّیخ أبوالمجد محمدرضا الأصفهانی، والسّید محمّدباقر الدّرشائی، وغیرهم.

مصنّفاته

دون الرّشتی کتباً قیمة، ولکلّ منها قیمته العلمیّة الفائقة. فیما یلی لائحة بأهمها: (1)

1. کتاب الإجارة، هذا الکتاب حاوٍ لجمیع الفروع النادرة والمهمة فی بحث الإجارة وأحکام البیع الفضولی وبیع المعاطاة.

2. رسالة تقلید الأعلم.

3. کتاب فی الغصب، (مطبوع).

4. کاشف الظلام، فی علم الکلام باللغة الفارسیّة.

5. رسالة فی اجتماع الأمر والنهی.

6. الإمامة فی الکلام.

7. التّعادل والتّراجیح، (مطبوع).

8. القضاء والشهادات.

9. شرح الشرائع فی عدّة مجلدات (وفیه کتب: الطهارة، الخلل فی الصّلاة، صلاة المسافر، والزّکاة).

10. الحواشی علی تفسیر الجلالین.

11. حاشیة علی المکاسب.

12. کتاب التّجارة فی الفقه.

13. تقریرات درس الشّیخ الأنصاری (فی الفقه والأُصول).

14. بدائع الأفکار فی أُصول الفقه، (مطبوع).

ص:309


1- (1) . انظر: ریحانة الأدب: 2 /307 و 308؛نقباء البشر:360.
مصنّفاته الأُصولیّة

ترک المیرزا الرّشتی کتابات أُصولیّة قیمة، أهمها کتاب بدائع الأفکار، وهو کتاب مفصل، تمیز بالکثیر من العمق والدقة، وفیه أبحاث أُصولیّة متینة. إلاّ أنّه لا یعتبر دورة أُصولیّة کاملة، اقتصر فیه علی مجموعة من الأبحاث، جاءت ضمن الفهرس التّالی:

- مقدمات (فی تعریف علم الأُصول، الموضوع، الغرض والفائدة منه).

- مبادئ أحکامیة.

- بحث الوضع، أقسامه وأوضاعه.

- بحث الحقیقة والمجاز.

- الاشتراک والنّقل، وغیرها...

- الحقیقة الشّرعیة.

- الصّحیح والأعم.

- المشتق وأحکامه.

- استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد.

- الأوامر.

- مقدّمة الواجب.

- الضّد.

- التّعادل والتّراجیح.

إضافة إلی کتاب بدائع الأفکار، له رسالة فی اجتماع الأمر والنهی، وکتب أیضاً تقریرات درس الأُصول للشّیخ الأنصاری.

إطلالة علی بعض آرائه الأُصولیّة

1. فی بحث أقسام الوضع، یعتبر العلاّمة الرّشتی أنّ الصّورة الرابعة من أقسام الوضع ممکنة عقلاً- الوضع خاص والموضوع له عام- والمراد من هذا القسم أنّ الواضع حین الوضع أراد المعنی الخاص الّذی یمتنع فرض صدقه علی کثیرین، لکن فی نفس الوقت یضع اللفظ بإزاء المعنی الکلی (العام). وهذه النظریة للمحقق الرّشتی هی خلاف نظریة المشهور

ص:310

المقبولة عند الأُصولیین. (1)

2. یری المیرزا الرّشتی أنّ الأُصول اللفظیة الّتی یستفاد منها للکشف عن مراد الشّارع، کأصالة الحقیقة وأصل عدم القرینة وغیرها، جمیعها تعود إلی أصل حجیة ظواهر الألفاظ فی فهم أهل اللسان. (2)

3. فی الأحکام الشّرعیة والوضعیة، یناقش المیرزا فی أنّه هل الأحکام الشّرعیة المجعولة منحصرة فی الأحکام التکلیفیة الخمسة أو تشمل أیضاً الأحکام الوضعیة؟ فلو أخذنا الحکم بمعنی الخطاب الشّرعی، عندها یشمل کلا الحالتین التکلیفیة والوضعیة؛ وفی هذه الحالة سیکون الحکم الوضعی حکماً شرعیاً مجعولاً مقابل الحکم التّکلیفی، ویکون حکماً مستقلاً. أما إذا قلنا أنّ الحکم عبارة عن مدلول الخطاب ففی هذه الحالة، ستکون مدالیل الخطابات الشّرعیة منحصرة فی الأحکام التّکلیفیة الخمسة ولا تدخل الأحکام الوضعیة ضمنها. لکن العلاّمة الرّشتی فی خاتمة المطاف یقبل الصورة الأُولی. (3)

4. الشّیخ هادی الطّهرانی (1253- 1321ه)

اشارة

ولد العلاّمة الشّیخ هادی الطهرانی ابن محمد أمین فی طهران عام (1253ه) درس المقدمات فی مسقط رأسه، سافر إلی أصفهان ودرس الفقه علی ید أساتذة کالسّید حسن المدرس، والسّید محمد الشهشهانی، والفلسفة علی الملا علی النوری.

انتقل إلی حوزة العراق لیکمل تحصیله العلمی، وحضر لفترة محددة درس الشّیخ الأنصاری فی النجف. بعد وفاة الشّیخ انتقل إلی کربلاء وحضر درس الشّیخ عبدالحسین المعروف ب- "شیخ العراقیین"، رجع عام (1286ه) إلی النجف وتتلمذ مدة من الزّمن علی ید المیرزا الکبیر؛ ومنذ ذلک الحین أسس حوزة خاصة به. (4)تمیز بفصاحة بیانه وکان موفقاً فی التّدریس، دقیقاً متعمقاً، وخاصة فی الأبحاث الأُصولیّة الّتی تبحر فیها کثیراً. یصفه الآغا بزرک الطّهرانی:

«الشّیخ العلاّمة، الفقیه الأُصولی، المحقق المؤسس، والناقد البصیر والخبیر، جامع

ص:311


1- (1) . المیرزا حبیب الله الرّشتی: بدائع الأفکار: 4.
2- (2) . المصدر السّابق: 89.
3- (3) . المصدر السّابق: 194 و195.
4- (4) . أعیان الشّیعة: 5 /143و144

المعقول والمنقول ولا نظیر له فی ذکائه ودقته.» (1)

والسّید محسن الأمین یقول عنه:

«الأستاذ والمحقق صاحب الآثار المشهورة، من المؤسسین فی المتون والعلوم الدّینیة، وخاصة علم الأُصول.» (2)

قیل أنّه کان ذا لسانٍ حاد وسلیط. (3) ومع تسلیمنا بصحة هذه المقولة إلی حد ما، لکن یبدو أنّ فی الأمر مبالغة، وهذا ناشئ من أُمور أُخری أهمّها قوّته الأُصولیّة وعظمته العلمیّة وکذلک انتقاداته الکثیرة لآراء الشّیخ الأعظم، فی الوقت الّذی کانت آراء الشّیخ تحظی بقدسیة وأهمیة خاصة.

توفی الشّیخ هادی فی النجف الأشرف عام (1321ه).

أساتذته

(4)

1. السّید حسن مدرس مطلق.

2. السّید محمد الشّاهشهانی.

3. السّید محمدباقر الخوانساری.

4. السّید محمدهاشم الخوانساری مؤلّف مبانی الأُصول.

5. الملا علی النوری، أستاذ الفلسفة المشهور فی أصفهان.

6. الشّیخ عبدالحسین المعروف بشیخ العراقیین.

7. المیرزا الشّیرازی.

8. الشّیخ مرتضی الأنصاری.

تلامذته

تتلمذ علی یدیه جمع من الطلاب، أبرزهم: (5)

ص:312


1- (1) . نقباء البشر، النسخة المصورة للسّید أحمد الأشکوری: 137، نقلاً عن مقالة رسالة الحق والحکم و.. تدوین نعمة الله الصفری، مجلة المفید، السّنة الأولی العدد4، شتاء1374 هش، ص138.
2- (2) . أعیان الشّیعة: 15 /143.
3- (3) . المصدر السّابق: 144.
4- (4) . انظر: مقالة رسالة الحق والحکم: 144و145.
5- (5) . المصدر السّابق: 125.

1. الحاج المیرزا أحمد آغا التّبریزی.

2. الآغا میرزا صادق آغا مجتهد التّبریزی.

3. الشّیخ عبدالکریم الحائری الیزدی (مؤسس الحوزة العلمیّة فی قم).

4. الشّیخ علی بن الشّیخ محمدرضا آل کاشف الغطاء.

5. الشّیخ شریف بن الشّیخ عبدالحسین بن الشّیخ محمّدحسن صاحب الجواهر.

6. الشّیخ مصطفی الخوئی المرتضوی.

مصنّفاته العلمیّة

کان العلاّمة الشّیخ هادی الطهرانی عالماً کثیر الأعمال، ترک کتباً عدیدة، نذکر باقة منها: (1)

1. الحق المبین فی الکلام.

2. کتاب التّوحید فی رد وحدة الوجود (باللغة الفارسیّة).

3. تحقیق الماهیة والوجود فی الفلسفة، أثبت فی هذا الکتاب إتّحاد الماهیة والوجود، ونفی الوجود الذّهنی.

4. تفسیر آیة النور، طبعت بالعربیة، ثمّ بعد ذلک ترجمت إلی الفارسیة.

5. رسالة فی حکم المسافر فی القصر والتّمام.

6. رسالة فی الوقف.

7. کتاب الصلاة، (مطبوع).

8. شرح کتاب البیع من کتاب شرائع الإسلام، (مطبوع).

9. محجة العلماء فی أُصول الفقه، (مطبوع).

10. الإتقان فی أُصول الفقه.

11. رسالة فی علم الرجال.

12. رسالة فی الرّد علی الشّیخیة.

13. رسالة فی النحو.

14. رسالة فی الحق والحکم.

ص:313


1- (1) . انظر: أعیان الشّیعة: 144؛ ومقالة رسالة الحق والحکم: 146- 151.
مصنّفاته الأُصولیّة

مع أنّ العلاّمة الشّیخ الطهرانی کان محیطاً بمختلف العلوم، إلاّ أنّه کان لامعاً فی أُصول الفقه وکانت له آراء ونظریات جدیدة؛ وکتبه الأُصولیّة الّتی بین أیدینا هی علی الشّکل التّألی: (1)

1. محجة العلماء، فی مجلدین، حاوٍ لمباحث القطع، والظّن، والشّکّ (البراءة والاشتغال والاستصحاب)، والتّعادل والتّراجیح.

هذا الکتاب وإن کان ناظراً فی کلّ مسائله إلی آراء الشّیخ الأنصاری ونظریاته، إلاّ أنّه لا یمکن اعتباره- بأی وجه من الوجوه- فی مستوی الشّروح والحواشی، لأنّ مطالعة الکتاب تبیّن لنا بوضوح أنّه من المصنّفات المستقلة، مع خاصیة أساسیة تمیز بها، أنّه کان دائم النقل والنقد لآراء الشّیخ الأعظم حیث کان رائجاً کثیراً فی ذلک العصر، ومحل اهتمام کبیر من العلماء.

یعتبر کتاب محجة العلماء وبحق من المصنّفات الأُصولیّة المهمّة فی عصر ما بعد الشّیخ الأعظم؛ والعلماء فیما بعد، استفادوا منه کثیراً فی الأُصول، کالعلاّمة الشّهیر الشّیخ محمّدحسین الأصفهانی، وآیة الله علی الموسوی البهبهانی مؤلّف الفوائد العلیة. طبع هذا الکتاب فی حیاة مؤلّفه فی مجلدین، لکن وللأسف، لم تعد طباعته وتحقیقه إلی الآن.

2. الإتقان، وطرح فیه مسائل من بدایة الأُصول إلی بحث المشتق، (وغیر مطبوع حتی الآن).

3. أُصول الفقه، یشتمل علی مقدمات الأُصول إلی بحث الأوامر، ومن غیر المعلوم إن کان تقریراً لدرسه أم من تصنیف العلاّمة نفسه.

4. تعادل الأدلة، أو التّعادل والتّراجیح ویحتمل أنّ یکون نفس قسم التّعادل والتّراجیح من کتاب المحجة.

5. کتاب الإجتهاد والتّقلید، فی (700) صفحة، دوّن سنة (1303ه)، ویحتمل أنّ یکون تقریراً لدرسه.

6. رسالة فی تحریف الکتاب، یظهر أنّ هذا الکتاب نفس عنوان البحث الّذی طرحه فی المجلد الاوّل من کتاب محجة العلماء فی مبحث حجیّة الظّن.

آراؤه الأُصولیّة

مع أنّ الشّیخ هادی کان نقاداً حاذقاً لآراء الشّیخ الأعظم، وسأهم أیضاً فی إدخال تغییرات

ص:314


1- (1) . انظر: مقالة رسالة الحق والحکم المصدر السّابق.

متعددة فی الشّکل والمضمون، إلاّ أنّه یعتبر واحداً من رواد مدرسة الشّیخ نفسها. وبالرغم من أنّه استمر فی إحداث تغییرات بنیویّة، بمعنی أنّه أکمل عمل الشّیخ الأعظم، وبأسلوب نقدی، إلاّ أنّه ینبغی اعتبار آرائه الأُصولیّة ضمن النقد الدّاخلی لهذه المدرسة.

الشّیخ هادی من أُصولیی المتأخرین القلة الّذین برعوا فی الفلسفة والکلام والأدب- إضافة إلی الفقه والأُصول- وله آراء ونظریات خاصة به. فهو من القائلین بوحدة الوجود والماهیة فی الفلسفة ومن المنکرین للوجود الذهنی، (1) وقد ألقت نظریاته الفلسفیة بظلالها علی الأبحاث الأُصولیّة وخاصة المتعلقة بالوجود الذهنی؛ ویمکن القول أنّ أُصول الشّیخ هادی قد تأثر من هذه الجهة وإلی حدّ ما بالفلسفة وتلونت أبحاثه بلونها. والیک بعض نظریاته الأُصولیّة:

1. أدخل ملاکاً جدیداً علی تنظیم القسم الثّانی من الأُصول. فبدایةً، انتقد ملاک الشّیخ الأعظم المقسم بالنظر إلی حالات المکلف إلی قطع وظن وشک؛ ثمّ عرض هذه الأقسام بمعیار جدید علی الشّکل التّالی:

- القسم الأوّل: العلم الفعلی التّفصیلی بالحکم الشّرعی، فإنّ العلم التّفصیلی هو الأصل فی الاستنباط والکشف عن الحکم وتنجزه.

- القسم الثّانی: العلم الإجمالی الّذی هو فی طول العلم التفصیلی، وطرح فیه بحث الاشتغال.

- القسم الثّالث: العلم الاقتضائی بالحکم، بمعنی العلم بالمقتضی مع احتمال وجود المانع حیث یطرح هنا بحث استصحاب حال العقل (وهو أصل البراءة العقلیة) واستصحاب حال الشّرع (التّعویل علی الحالة السّابقة) وکذلک مجموعة من أبحاث القسم الثّانی.

یفهم من هذا التقسیم أنّ الشّیخ هادی لم یجعل للظن والشک باباً مستقلاً فی طول العلم؛ لأنّ الظن غیر معتبر فی نفسه وعلی فرض اعتباره وجعله علی نحو شرعی أو عقلی، فهم فی الواقع ینزلونه منزلة العلم، وعلیه، فبحث الظنّون لیس فی طول بحث العلم بل من فروعه.

أما الشّک، فلیس موضوع القسم الثّالث فی الأُصول؛ لأنّ موضوع الأُصول العملیة لا هو الشّک- بمعناه الوجودی- ولا الجهل- بمعناه العدمی- بل موضوعها فی الواقع هو العلم. لأنّ الموضوع ومجری وجوب الاحتیاط هو عند العلم بالتکلیف مع تردد المکلف به أو إجماله. فمن هذه الجهة، یصبح أصل الاحتیاط عبارة أُخری عن تنجز الواقع المعلوم بالعلم الإجمالی.

أمّا أصل التّخییر، فمرجعه أیضاً إلی کفایة الموافقة الاحتمالیة- الّتی هی مرتبة من مراتب

ص:315


1- (1) . بحث هذه النظریة فی کتابه: حق الیّقین وتحقیق الماهیة والوجود.

الطاعة- علی تقدیر عدم التمکن من الموافقة القطعیة، وهذا الأصل- هو فی الواقع- من آثار العلم الإجمالی أیضاً.

أمّا أصل الاستصحاب، فهو فی الحقیقة الأخذ بالیقین، بمعنی إلغاء الشّک اللاحق والأخذ بالیقین السّابق بالاستصحاب، وعلیه یبقی الحکم الثابت للیّقین السّابق علی ما هو علیه، رغم عروض الشک المنافی للمقتضی؛ فموضوع الحکم فی الاستصحاب هو الیّقین.

وما یتعلق بأصل البراءة، فعلی هذا المنوال أیضا؛ فالبراءة هی نفس استصحاب حالة العقل والأخذ بالیقین بعدم الحکم السّابق الّذی له اقتضاء البقاء، ومع احتمال وجود المانع، یبقی کما علیه. (1)

2. من نظریاته العمدة فی الأُصول أیضاً، تبنیه لقاعدة المقتضی والمانع، إذ یری أنّ بقیة الأُصول العملیة وکلّ الأُصول اللفظیة ترجع إلی هذه القاعدة. بمعنی أنّها تعتبر بنظره ونظر مؤیدیه، قاعدة أساسیة. ویصرّح فی بدایة بحث الاستصحاب: أنّ ما قبله المتأخرون من الاستصحاب الّذی هو الأخذ بالحالة السّابقة، ویعبر عنه باستصحاب حال الشّرع، هو فقط أحد الأُصول الّتی وضعوا لها اسم الاستصحاب، وهو برأیه- أدنی أقسام الأُصول، ولا یقول به أحد من علماء الفریقین علی السّواء، باستثناء مجموعة بعدد أصابع الید من أصولیی العامة لا شهرة ولا اعتبار لهم. حتی أنّ علماء السُّنة القائلین بالقیاس والاستحسان لا یعتبرون الاستصحاب حجة بهذا المعنی. وضمن حدیثه حول قاعدة المقتضی والمانع یقول: والأُصول الأُخری الّتی یطلق علیها الاستصحاب بالاصطلاح:

أ) استصحاب حال العقل، وهو نفسه البراءة العقلیة.

ب). الاستصحاب بمعنی عدم الدلیل دلیل العدم.

ج) الاستصحاب بمعنی التعویل علی الاقتضاء فی صورة الشّک فی الرّافع، یعنی قاعدة المقتضی والمانع وهی الّتی عبروا عنها باستصحاب حکم النص واستصحاب العموم، واستصحاب الإطلاق.

وکما ذکرنا، یتضح أنّ الشّیخ هادی الطهرانی یری الاستصحاب الّذی هو بمعنی المقتضی والمانع، أنّه الأصل الأساس، وجمیع الأُصول اللفظیة والعملیة ترجع إلیه. (2)

3. یری الشّیخ هادی أنّ باب العلم للکشف عن الحکم مفتوح فی کلّ الأزمنة، وهو لا

ص:316


1- (1) . الشّیخ هادی الطّهرانی: محجة العلماء: 1 /6- 9.
2- (2) . المصدر السّابق: 2 /62. وراجع السّید علی البهبهانی: الفوائد العلیة: 6- 28.

یمیل إلی إثبات حجیة الظنّون الخاصة. وعلیه فلا حجیة عنده للکثیر من الظنّون- الّتی سعی العلماء من زمان الشّیخ البهبهانی إلی حینه لإخراجها عن الأصل الأولی الّذی هو حرمة العمل بالظنّون- ویری أنّها باقیة تحت ذلک الأصل. وبناء علیه، فلا یری حجیة للإجماع المنقول، ولا الشّهرة وخبر الواحد وظواهر الکتاب (للمحذور الإثباتی للتّحریف). (1)

4. یری أنّ أحادیث الکتب الأربعة معلومة الصّدور، وحجیتها قطعیة، ویتفق مع الأخباریین فی ذلک. (2)

5. فی بحث مراتب الحکم، یقول أنّها علی ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولی، مرحلة ثبوت الحکم لواقعة خاصة جعل لها.

- المرحلة الثّانیة، تعلق الحکم بشخص أو مکلّف.

- المرحلة الثّالثة، المرحلة الّتی یصبح فیها الحکم الشّرعی منجزٌ علی المکلف، وهنا یصل الحکم إلی مرحلة لو حصلت المخالفة یطلق علیها العصیان، ویستحق المکلف العقاب علیه. (3)

5. الشّیخ محمدکاظم الخراسانی (الآخوند) (1255- 1329ه)

اشارة

ولد العالم الکبیر، الشّیخ محمدکاظم الخراسانی المشهور ب- "الآخوند" والمحقق الخراسانی سنة (1255ه) فی خراسان زمن القاجاریة، والده المولی حسین کان من تجّار الحریر، وکان محبّاً للعلم والعلماء. درس الآخوند المقدمات فی مشهد ثمّ غادر إلی النجف لیکمل دراسة المراحل العلیا، وأثناء رحلته إلی النجف أمضی مدة فی سبزوار وتتلمذ هناک علی ید الفیلسوف المشهور المولی هادی السبزواری، ثمّ عاد إلی طهران وأقام فیها (13) شهراً، واتّخذ له حجرة فی مدرسة صدر طهران وحضر درس الحکیم المتأله المیرزا أبوالحسن جلوه والمولی حسن الخوئی فی الفلسفة والحکمة.

وأخیراً وبعد تحصیل المزید من المقدّمات الحوزویّة أکمل رحلته إلی النّجف ووصلها عام (1279ه)، أواخر حیاة زعیم الحوزة ومرجع الشّیعة الشّیخ الأنصاری. ولم یدرک إلاّ سنتین من دروسه، ومع ذلک لفت انتباه الشّیخ الأعظم خلال هذه المدة القصیرة، واغتبط تلامذته بقوته وفطانته العلمیّة. بعد مدة وصل الآخوند إلی رتبة الأستاذیة بعد أنّ کان أغلب تتلمذه علی

ص:317


1- (1) . محجة العلماء: 75/1.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . المصدر السّابق: 5.

المیرزا الشیرازی؛ تبحر فی الفقه والأُصول وکان درسه فی النجف غاصاً بالحضور؛ ینقل بعض العلماء أنّ عدد الطّلاب الّذین حضروا درسه اللیلی وصل إلی أکثر من 1500 شخص.

آلت الرئاسة إلیه بعد رحیل المیرزا الشیرازی وعدد آخر من العلماء الکبار، وأصبح مرجعاً للحوزة العلمیّة. (1) توفی فجأة قبل طلوع شمس أحد الأیام من ذی الحجة عام (1329ه)، بعد عمر ملیء بالجهد والعطاء، وکان فی اللیلة السّابقة جالساً مع مجموعة من العلماء، قرروا حینها التّوجه إلی إیران للدّفاع عن الدّین والأحکام الإسلامیة. (2)

أساتذته

1. الشّیخ الأنصاری، وأدرکه لسنتین.

2. المیرزا الشّیرازی، عمدة أساتذته، تتلمذ علی یدیه ما یقارب العشر سنوات.

3. المولی هادی السبزواری.

4. المیرزا أبوالحسن جلوه.

5. المولی حسین الخوئی. وقد درس الفلسفة علی الأساتذة الثلاثة الأخیرین.

تلامذته

کان درس الآخوند غاصاً بالحضور، ولا یمکننا من هذه الجهة إحصاء جمیع تلامذته، لکن لنا أنّ نذکر البارزین منهم علی الشّکل التّالی: (3)

1. السّید أبوالحسن الأصفهانی، مرجع الشّیعة بعد الآخوند.

2. المیرزا أبوالحسن المشکینی، صاحب الحاشیة علی الکفایة.

3. السّید أبوالقاسم الکاشانی.

4. العلاّمة محمدباقر الکلبایکانی، وکان من تلامذته البارزین.

5. السّید محمدتقی الخوانساری.

6. السّید حسین البروجردی (وهو البروجردی المشّهور الّذی أصبح مرجع الشّیعة الکبیر

ص:318


1- (1) . عبدالحسین مجید کفائی، موت فی النّور، (حیاة الآخوند الخراسانی): 29 - 72.
2- (2) . المصدر السّابق: 278 - 294.
3- (3) . المصدر السّابق: 29 - 72.

بعد رحیل السّید أبوالحسن الأصفهانی).

7. الشّیخ عبدالکریم الحائری، مؤسس الحوزة العلمیّة فی قم.

8. الشّیخ صالح الحائری المعروف بالعلاّمة المازندرانی.

9. الحاج آغا حسن القمی.

10. الآغا ضیاءالدّین العراقی، المدقق والأصولی المشهور.

11. الشّیخ محمدحسین الأصفهانی، صاحب نهایة الدّرایة.

12. المیرزا النائینی، وکانت فترة تتلمذه علی الآخوند قصیرة.

13. السّید محمود الشاهرودی.

14. السّید محسن الحکیم.

15. السّید عبدالهادی الشیرازی.

مصنّفاته العلمیّة

1. حاشیة علی مکاسب الشّیخ الأنصاری، وهی من الحواشی المتینة علی المکاسب.

2. رسالة فی الوقف.

3. رسالة فی الدّماء الثلاثة.

4. رسالة فی الرّضاع (مطبوعة).

5. کتاب فی القضاء والشّهادات (مطبوع).

6. حاشیة علی رسائل الشّیخ الأنصاری.

7. فوائد الأُصول.

8. کفایة الأُصول.

9. حاشیة علی أسفار صدرالمتألهین الشّیرازی.

10. حاشیة علی منظومة السّبزواری.

11. رسالة عملیة. (1)

ص:319


1- (1) . راجع: مقدّمة کفایة الأُصول: 11- 13.
مصنّفاته الأُصولیّة

1. کفایة الأُصول: وهو دورة أُصول کاملة، یحظی بإهتمام کبیر من العلماء وطلبة العلوم الدینیة منذ تألیفه وحتی الآن، وهو من الکتب الدّراسیة الأساسیة فی الحوزات العلمیّة لأکثر من نصف قرن، ویشکل حلقة وسطی ما بین السطوح والبحث الخارج فی الأُصول. فهذا الکتاب علی الرّغم من أنّه أقلّ حجماً من الکتب الأُخری الّتی ظهرت آنذاک، إلاّ أنّه یتمیز- لجهة المضمون- بعمق ومتانة تحقیقیة عالیة؛ وهذا یدلّ أیضاً علی براعة مؤلّفه وقوة آرائه الأُصولیّة؛ فالآخوند الخراسانی- بالإضافة إلی دقته فی شرح الآراء الأُصولیّة کان یحللها وینتقدها، ثمّ یعرض آراءه بعیداً عن الزوائد والإضافات. وعندما ینقل آراء أستاذه الشّیخ الأعظم کان یعرضها بلیاقة واحترام مقدراً فضل صاحبها، ویعمد إلی شرحها ونقدها فی نفس الوقت. وقد نظّم کتاب الکفایة ورتب أبحاثه علی الشّکل التّالی:

- المقدّمة (تعریف الأُصول، موضوعه، تمایز العلوم، الوضع، الاستعمال المجازی، إطلاق اللفظ وإرادة النوع أو الصنف أو المثل أو الشّخص، عدم تبعیة الدلالة للإرادة، وضع المرکبات، أمارات الوضع، أحوال اللفظ، الحقیقة الشّرعیة، الصحیح والأعم، الاشتراک اللفظی والمعنوی، استعمال اللفظ فی أکثر من معنی، والمشتق).

- المقصد الأول: الأوامر (مادة الأمر، صیغة الأمر، الإجزاء، مقدّمة الواجب، الضد، حکم أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه، تعلق الأوامر والنواهی بالطبائع، نسخ الوجوب، الوجوب التخییری، الوجوب الکفائی، الواجب المؤقت، الأمر بالأمر، الأمر بعد الأمر).

- المقصد الثّانی:النواهی (مادة وصیغة النهی، اجتماع الأمر والنهی، هل النهی عن شیء یقتضی الفساد؟).

- المقصد الثّالث: المفاهیم (تعریف، مفاهیم: الشرط، الوصف، الغایة، الاستثناء، الحصر، اللقب والعدد).

- المقصد الرّابع: العام والخاص (تعریف العام، صیغة العموم، ألفاظ العموم، العام المخصص، العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص وغیر ذلک).

- المقصد الخامس: المطلق والمقید، والمجمل والمبین.

- المقصد السّادس: الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً:1) بحث القطع وأحکامه. 2) وبحث الظنّ وأحکامه.

ص:320

- المقصد السّابع: الأُصول العملیة (البراءة، الاحتیاط، التخییر والاستصحاب).

- المقصد الثامن: تعارض الأدلّة والأمارات.

- الخاتمة: فی الإجتهاد والتّقلید.

حواشی الکفایة

وضع العلماء علی الکفایة أکثر من (150) شرحاً وحاشیة (1) منها:

- حاشیة المشکینی، للمیرزا أبوالحسن المشکینی.

- حاشیة الفیروزآبادی، وهی فی معظمها شرح للکفایة.

- شرح منتهی الدّرایة، للسّید محمد الجزائری المروج وهو شرح توضیحی.

- نهایة الدّرایة، للشّیخ محمّدحسین الأصفهانی، ویتعرض فی أغلبه لآراء الآخوند وینتقدها.

- حقائق الأُصول، للسّید محسن الحکیم وهو شرح ونقد علی الکفایة.

- تعلیقة علی الکفایة، للسّید محمّدحسین الطباطبائی، وهو نقد هادئ لآراء الآخوند.

- أنوار الهدایة للإمام الخمینی قدس سره وهو شرح ونقد علیها أیضاً.

2. الحاشیة علی الرسائل: کتب الآخوند حاشیتین علی الرسائل اشتهرتا بالحاشیة القدیمة والحاشیة الجدیدة، وقد حققهما السّید مهدی شمس الدّین وطبعتا معاً فی مجلد واحد ممتاز. تمیزت الحاشیة المذکورة بدقة عالیة، وکانت أکثر مسائلها انتقادات لآراء الشّیخ الأعظم. وقد تحدثنا عنها سابقاً، عند استعراض الحواشی والشروح علی الرسائل.

3. فوائد الأُصول: وهو عبارة عن (16) فائدة، 14 منها حول مسائل أُصولیّة مختلفة، مثل: صیغ الأمر والنهی، واتحاد الطّلب والإرادة، واستعمال اللفظ فی أکثر من معنی، وتقدم الشرط علی المشروط، والمشتق، والشبهة المحصورة، ومعنی المتعارضین، ومعنی المتزاحمین، ووجوب اتباع الظهور، والتّمسک بالمطلقات، والمدح والذم فی الأفعال، والملازمة بین العقل والشّرع، واجتماع الأمر والنهی، والعلم الإجمالی فی أطراف الشّبهة غیر المحصورة. (2)

ص:321


1- (1) . المصدر السّابق: 8.
2- (2) 1. طبع هذا الکتاب بعد أن حققه السّید مهدی شمس الدین، من قبل وزارة الإرشاد الإسلامی فی إیران.

4. رسالة فی المشتق.

5. رسالة فی باب الظنّ.

6. رسالة فی باب القطع.

7. رسالة فی باب الاستصحاب.

آراؤه الأُصولیّة

المحقق الخراسانی من أبرز تلامذة مدرسة الشّیخ الأنصاری. فقد بذل جهوداً کبیرة لشرح المبانی والنظریات الأُصولیّة الّتی انبثقت عن هذه المدرسة. وترکت تدقیقاته الکثیرة وأحیاناً انتقاداته المحکمة آثاراً إیجابیّة علی مسار تطوّر علم الأُصول. ومن هنا، یمکن اعتباره أحد الأعمدة الرئیسیة فی هذه المدرسة؛ وما یلی مجموعة من أعماله وآرائه الأُصولیّة:

1. رتب مباحث الکفایة ونظمها بطریقة جدیدة، ما یثیر الاهتمام. أمّا جذور هیکلیة الکتاب- تبویباً وترتیباً- فهی ترجع فی الأصل إلی الشّیخ الأعظم، لکن الآخوند هذبه وحسنه فصار أکثر تناسقاً وتنظیماً. وما زال هذا التّبویب مقبولاً بل ومتّبعاً من قبل أکثر المؤلّفین والمدرسین، ویشیر هذا الأمر إلی موقعیّته الهّامة لدی جمع غفیر من علماء الحوزة فی وقت طرحت فیه أنماط جدیدة فی التبّویب والتّنظیم. (1)

2. یری الآخوند الخراسانی، أنّ الموضوع له فی الحروف هو تماماً کالموضوع له فی الأسماء المسانخة لها فی المعنی، بمعنی أنّ الموضوع له فی حرف من هو معنی الإبتدائیة وهو عین معنی کلمة الإبتداء بدون أدنی تفاوت، والاختلاف الوحید هو أنّ الحروف موضوعة عندما یرید المستعمل لحاظ المعنی باعتباره آلة للغیر، والأسماء موضوعة عندما یرید المستعمل لحاظ المعنی مستقلاً وفی نفسه؛ وبناءً علی ذلک، فإنّ لمفهوم الإبتداء معنیً واحداً، وضع له لفظان:

ص:322


1- (1) . لهذا السبب فإنّ أغلب الکتب الّتی دوّنت فی الأُُصول وکذلک أغلب دروس البحث الخارج المعتمدة فی الحوزات قد اتبعت تبویب الکفایة، الّذی اشتهر فی الأوساط الحوزویة؛ حتّی أنّ عالماً کبیراً کالشّهید الصّدر وضع فی الأُصول شکلین من التّبویب؛ لکنّه اتبع فی درس البحث الخارج- أُصول تبویب الکفایة نفسه.

الأوّل: لفظ الإبتداء.

والثّانی: لفظ من.

والاختلاف بینهما هو فقط لجهة الغرض والغایة من استعمالهما. لذلک یری المحقق الخراسانی، أنّ الوضع والموضوع له فی الحروف عام، کما فی أسماء الجنس. (1)

3. فی بحث الظّهور، یری أنّ أصالة الظّهور أصلٌ عقلائیٌّ مستقلٌ، ترجع إلیه أصالة عدم القرینة؛ مخالفاً بذلک رأی الشّیخ الأنصاری الّذی یقول العکس، أی رجوع أصالة الظّهور إلی أصالة عدم القرینة. (2)

4. یری أنّ للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأولی: مرحلة الاقتضاء، وفی هذه المرحلة لا وجود لأیّ تشریع أو إنشاء، والموجود هو صرف اقتضاء وشأن ثبوت الحکم.

الثّانیة: مرحلة الإنشاء، وفیها یتمّ إنشاء الحکم دوّن أنّ یکون له بعثٌ أو زجر فعلی، کالکثیر من الأحکام الّتی أنشئت فی صدر الإسلام ولم یأمر النبیّ بتبلیغها.

الثّالثة: مرحلة فعلیة الحکم، ویصل الحکم فیها إلی الفعلیة بعد إنشائه، لکن لا حجیّة له؛ وعلیه لا استحقاق عقلاً للذّمّ علی مخالفته، ولا استحقاق للعقاب من المولی علیه.

الرابعة: مرحلة التّنجیز، یصبح الحکم الفعلی منجزاً علی المکلف. ویستحق العقاب علی المخالفة. (3) وقد استخدم الآخوند هذا التقسیم لحل مشکلة الجمع بین الحکم الواقعی والحکم الظّاهری. (4)

5. یری أنّ الحسن والقبح العقلیین هما بمعنی الملائمة والمنافرة مع القوة العاقلة. وهذا الأمر وجدانی لا یحتاج إلی دلیل وبرهان.

وتوضیحه: أنّ للقوّة العاقلة ملاءمة ومنافرة، بمعنی أنّها ترضی عن إدراک بعض الأمور

ص:323


1- (1) . کفایة الأُُصول: 11 و12.
2- (2) . کفایة الأُصول: 286؛فرائدالأُصول: 135/1؛ أمّا الشّهید الصّدر فهو مخالف للقولین؛ إذ یری أنّ کلا الأصلین لاعلاقة له بالآخر، وکلٌ منهما أصل عقلی مستقل لایرجع إلی الآخر. راجع: دروس فی علم الأُصول (الحلقة الثّالثة): 204 و205.
3- (3) . انظر: درر الفوائد فی الحاشیة علی الفرائد:70 و71؛ و فوائد الأُصول: 81.
4- (4) . المصدر السّابق: 70 - 76،المصدر السّابق: 82 - 94.

الملائمة، وتشمئز من إدراک بعض الأمور المنفرة.

طبیعی أنّ مناط الملاءمة والمنافرة عند القوّة العاقلة هو السّعة والضّیق الوجودی الّتی ترجع إلی منشأ الخیر والشّر. بمعنی أنّ المدرک الّذی له سعة وجودیة یکون مسانخاً للقوّة العاقلة، والمدرک الّذی له ضیق وجودی یکون مبایناً للقوّة العاقلة.

وعلیه، فإنّ اختلاف الأفعال بحسب السّعة والضّیق الوجودی یوجب ملاءمة ومنافرة القوّة العاقلة؛ والمراد من الحسن والقبح العقلی لیس إلاّ ملاءمة ومنافرة الفعل مع القوّة العاقلة الّذی یوجب الاشمئزاز أو السّرور والاغتباط. (1)

6. یقول الآخوند أنّ أصل الاستصحاب حجة مطلقاً، خلافاً لنظریة الشّیخ الأنصاری. (2)

خلاصة الدّرس

1. المیرزا الشّیرازی المعروف بالمجدد الشّیرازی، أحد أبرز تلامذة الشّیخ الأنصاری، سار علی نهج أُستاذه، وتبنی نظریاته ومبانیه وعمل علی تکمیلها.

لم یضع کتاباً فی الأُصول، ولکن بعض تلامذته دوّنوا تقریرات دروسه، طبعت واحدة منها والتّی کتبها المحقق الروزدری بعنوان تقریرات المجدد الشیرازی.

2. الشّیخ حبیب الله الرشتی أحد تلامذة الشّیخ البارزین، بعد وفاة الشّیخ اعتلی کرسی التّدریس فی النجف. عمل علی تنقیح وتمحیص آراء أستاذه الأُصولیّة. وضع کتاباً مهمّاً فی الأُصول أسماه بدائع الأفکار.

3. الشّیخ هادی الطّهرانی من تلامذة الشّیخ الافذاذ، کان شارحاً لمبانی أُستاذه ومنتقداً لها فی الوقت نفسه، وقدم آراء ومبانٍ جدیدة خاصة به. وأغلب أبحاثه الّتی جاءت فی کتاب محجة العلماء ناظرة إلی کتاب الرّسائل ومنتقدة لآراء أُستاذه. یؤمن بقاعدة المقتضی والمانع، ویقول بأنّ تمام الأُصول العملیة والأُصول اللفظیة ترجع إلی هذه القاعدة.

4. الآخوند الخراسانی، من أساطین مدرسة الشّیخ الأنصاری، لکنّه لم یتتلمذ علیه إلاّ سنتین، وأکثر تتلمذه کان علی ید المیرزا الشّیرازی. أحاط بأغلب مبانی الشّیخ، ووفّق کثیراً فی شرحها وفی انتقادها أحیاناً، فکتابه درر الفوائد المؤلّف من حاشیتین علی رسائل الشّیخ،

ص:324


1- (1) . فوائد الأُصول: 123- 125.
2- (2) . کفایة الأُصول: 387.

یدلّ بوضوح علی مدی مهارته وقوته العلمیّة. أما کتابه کفایة الأُصول فهو من الکتب الدراسیة المعتمدة فی الحوزات العلمیّة علی مستوی السّطوح العلیا.

أسئلة للتفکیر والمناقشة

1. اذکر أهمّ العلماء الّذین لعبوا دوراً مؤثراً فی ترویج آراء الشّیخ الأعظم ونشرها؟

بین أسلوب کلّ منهم ومدی مساهمته فی تطوّر أُصول الفقه فی مدرسة الشّیخ.

2. الشّیخ هادی الطّهرانی أحد أبرع علماء الأُصول، ورغم أنّ له نظریات بدیعة فی الأُصول إلاّ أنّه ظلّ مجهولاً لماذا؟

3. أُکتب ما تعرفه من ممیزات أُخری للشّخصیات الواردة فی الدّرس، وخاصة نظریاتهم الأُصولیّة، وناقشها مع زملائک فی الصّف.

بحث وتحقیق

طالع مقدّمة کتاب محجة العلماء وبدایة بحث الاستصحاب فیه، وقارنها مع بدایة کتاب الرّسائل للشّیخ. وقم بدراسة موارد الافتراق بینهما لجهة تنظیم وبناء الأُصول.

ص:325

ص:326

الدّرس الرّابع عشر: المرحلة السّادسة- مرحلة التّعمق فی الأُصول (3)

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

التّعرف علی الشّخصیات الثّلاث: النائینی، العراقی، الأصفهانی، ودورهم فی تطّور علم الأُصول.

نظرة علی الأبحاث الشّائعة فی هذه المرحلة.

إبداعات المرحلة السّادسة.

إطلالة علی التّبویب الشّائع آنذاک.

خصائص المرحلة السّادسة وممیزاتها.

إطلالة علی أُصول أهل السّنة.

ص:327

ص:328

المقدّمة

اتّضح ممّا سبق، أنّ رواج مدرسة الشّیخ الأنصاری کان علی ید تلامذته المشهورین، کالمحقق الرّشتی، والمیرزا الشّیرازی، والآخوند الخراسانی وغیرهم؛ إلاّ أنّها لم تصل فی ذلک الحین إلی أوج کمالها، وکانت ماتزال الکثیر من المسائل والموارد الّتی تحتاج إلی تبیین وإلی مزید من التّنقیح والتّدقیق. وهذا الأمر تحقق بعد الآخوند الخراسانی علی ید ثلّة من تلامذة الشّیخ بالواسطة، وکان السهم الأکبر علی عاتق ثلاثة منهم؛ فمنتهی الکمال الّذی وصل إلیه الأُصول فی هذه المدرسة کان فی الحقیقة نتیجة الجهود الکبیرة والأبحاث القیّمة لهؤلاء الثلاثة، أی: المیرزا النائینی، والمحقق العراقی، والمحقق الأصفهانی، حیث سنقوم بدراسة نظریاتهم وأبحاثهم الأُصولیّة فی طیات هذا الدّرس:

الشّخصیات البارزة فی هذه الحقبة (القسم الثّالث)

اشارة

(1)

6. المیرزا النّائینی (1277- 1355ه)

اشارة

ولد العلاّمة المیرزا محمدحسین النائینی سنة (1277ه) فی بلدة نائین من توابع مدینة

ص:329


1- (1) . یمکن إن نضیف علی ما ذکره المؤلّف من شخصیّات أُصولیّة لهذه المرحلة، بعض العلماء أیضاً، الّذین کان لهم دوراً فی تطوّر البحث الأُُصولی. منهم: 1) الشّیخ عبدالکریم الحائری(1355ه) مؤسس الحوزة العلمیّة فی مدینة قم، وهو من تلامذة المیرزا الشیرازی والشّیخ النّوری والآخوند، اتبع العلاّمة الحائری طریقة الشّیخ الأنصاری فی البحث والتّدقیق فی الأبحاث الإجتهادیة وتحکیم القواعد الاستدلالیة، ترک کتباً فقهیة وأُصولیّة مهمّة، منها درر الفوائد، وهو دورة أُصولیّة کاملة. وخرّج تلامذة لامعین کان لهم دور فی النّهوض بالمرجعیّة وشؤون المجتمع، منهم: الإمام الخمینی والشّیخ الأراکی والسّید الکلبایکانی. 2) السّید محسن الحکیم(1390ه)، مرجع الشّیعة الکبیر، کانت له مواقف جهادیة مشهودة ضد الاحتلال البریطانی، ترک کتباً فقهیة وأُصولیّة منها: حقائق الأُصول وهو تعلیقة وشرح مزجی علی الکفایة.(المترجم).

أصفهان، کان أبوه عالماً ومن مشایخ الإسلام فی ذلک الوقت. شرع بدراسة المقدمات فی مسقط رأسه، ثمّ ذهب إلی مدینة أصفهان وأکمل هناک تحصیل المقدمات. اشترک فی دروس الشّیخ محمدباقر الأصفهانی والمیرزا أبوالمعالی الکلباسی فی الفقه والأُصول. ودرس الفلسفة علی الشّیخ جهانکَیر خان القشقائی ووصل إلی مراتب علمیة متقدمة.

هاجر عام (1303ه) إلی العراق وحضر هناک دروس المیرزا الشّیرازی والسّید محمدالفشارکی، والسّید إسماعیل الصّدر. وبعد وفاة المیرزا الشیرازی انتقل إلی النّجف، وحضر لمدة قصیرة دروس الآخوند الخراسانی، واشتغل منذ ذلک الحین بالتّدریس والتّألیف. (1)

ولامتیازه بحسن البیان والتّنظیم والدّقة العالیة فی طرح المسائل الأُصولیّة، أقبل علیه الکثیر من التّلامذة، ووصل بعضهم إلی مراحل متقدّمة فی الإجتهاد.

إضافة إلی نشاطه العلمی، کان له مواقف فی الأحداث السّیاسیة، وخاصة موقفه فی نهضة المشروطة، ووضع فی هذا السّیاق کتاب تنزیه الملّة وتنبیه الأُمة. التحق المیرزا النّائینی بالرّفیق الأعلی فی النّجف عام (1355ه).

أساتذته

تتلمذ المیرزا النائینی علی الکثیر من العلماء، من أبرزهم:

1. المیرزا الشّیرازی الکبیر، وهو أهمّ أساتذته، لازم دروسه فی سامراء لسنوات عدیدة، وبعد وفاته قفل عائداً إلی النّجف.

2. الشّیخ محمدباقر الأصفهانی، أستاذه فی الفقه فی أصفهان.

3. المیرزا أبوالمعالی الکلباسی، أُستاذه فی الأُصول، فی أصفهان أیضاً.

4. الشّیخ محمدتقی المعروف بالآغا النجفی.

5. الشّیخ محمدحسن هزار جریبی النجفی.

6. المیرزا جهانکَیر خان القشقائی، ودرس علیه الفلسفة.

7. السّید إسماعیل الصّدر.

8. السّید محمّد الفشارکی؛ وتتلمذ المیرزا علیه وعلی السّید الصّدر فی سامراء وکربلاء. (2)

ص:330


1- (1) . نقباء البشر (القسم الثّانی من الجزء الأول): 593.
2- (2) . للاطّلاع أکثر علی أساتذة النائینی، انظر: المصدر السّابق: 593.
تلامذته

کان مجلس درسه ملیئاً بالحضور خرج منه علماء أفذاذ، وأبرز من تتلمذ علی یدیه: (1)

1. السّید أبوالقاسم الخوئی، وکان من مراجع الشّیعة الکبار فی العصر الحاضر؛ امتاز بقوّته العلمیّة والاجتماعیة الّتی قلّ نظیرها فی حوزة النجف مؤخراً.

2. الشّیخ حسین الحلّی.

3. السّید حسن البجنوردی، صاحب کتاب القواعد الفقهیة المشهور.

4. المیرزا باقر الزّنجانی.

5. الشّیخ محمدعلی الکاظمی، وهو مقرر درس الأُصول للمیرزا النائینی، الّذی طبع بعنوان فوائد الأُصول.

6. الشّیخ موسی الخوانساری، مقرر درس المیرزا فی المکاسب، وطبع هذا التقریر بعنوان منیة الطالب فی شرح المکاسب.

7. السّید علی النقی النقوی.

8. الشّیخ محمدرضا المظفر.

9. السّید مهدی الأعرجی.

10. الشّیخ محمدعلی الیعقوبی.

11. الشّیخ عبدالحسین البغدادی.

12. المیرزا مهدی الأصفهانی، من مؤسسی المدرسة التفکیکیة. (2)

ص:331


1- (1) . نقباء البشر (القسم الثّانی من الجزء الأول): 595؛ ومقدّمة أجود التقریرات: 1 /36 و37.
2- (2) . المدرسة التفکیکیة مصطلح نحته الأُستاذ الشّیخ محمدرضا حکیمی للتعبیر عن منهج معرفی بدأ تبلور فی الحوزة العلمیّة فی خراسان مشهد، فی القرن الرابع عشر الهجری. أسهم فی إرساء أسسه وإشادة هیکله طائفة من الأعلام، فی طلیعتهم السّید موسی زرآبادی القزوینی (1294- 1353ه) والمیرزا مهدی الأصفهانی (1303- 1365ه) والشّیخ مجتبی القزوینی (1318- 1386ه). لا یکاد یخفی علی القارئ أنّ هذه المدرسة تختلف عن المدرسة التفکیکیة الغربیة ولا تمت إلیها بصلة. ومدرسة التفکیک تؤکد علی ضرورة التفکیک بین مسالک معرفیة ثلاثة وهی(المسلک القرآنی - المسلک العرفانی - المسلک الفلسفی) راجع: الرّفاعی، عبدالجبار، المدرسة التفکیکیة. (المترجم).
مصنّفاته العلمیّة

دوّن المیرزا النائینی العدید من الکتب، منها: (1)

1. الحاشیة علی العروة الوثقی.

2. بحث الخیارات، بیع المعاطاة وبیع الفضولی وهو مطبوع.

3. رسالة فی اللباس المشکوک، مطبوع.

4. رسالة فی الشّرط المتأخر.

5. رسالة فی التّعبدیة والتّوصلیة.

6. رسالة مبسوطة فی المعنی الحرفی.

7. رسالة فی قاعدة لا ضرر.

8. تنبیه الأُمة وتنزیه الملّة، طبع مرات عدیدة.

مصنّفاته الأُصولیّة

لم یکتب المیرزا النائینی دورة أُصولیّة کاملة علی الرّغم من السّنین الطّویلة الّتی قضاها فی تدریس الأُصول للسّطوح العلیا، وکذلک تدریس الأُصول بطریقة اجتهادیة (البحث الخارج) لعدة دورات، لکنّه ترک عدة رسائل فی الأُصول، منها: (2)

1. رسالة فی المعانی الحرفیة، وهی رسالة موسّعة جداً وغیر مطبوعة.

2. رسالة فی التّزاحم والتّرتب.

3. رسالة فی التّعبدیة والتّوصلیة.

4. رسالة فی الشّرط المتأخر.

علی الرّغم من أنّ المیرزا لم یکتب بنفسه دورة أُصولیّة کاملة، إلاّ أنّ بعض تلامذته حرّروا دروسه ودونوّها فی دورات مکتملة، بعضها وجد طریقه إلی الطّبع، من أهمها وأشهرها:

1. فوائد الأُصول، تقریر الشّیخ محمدعلی الکاظمی (1365ه)، أحد تلامذته البارزین، وهذا التّقریر هو الدّورة الأُصولیّة الثّانیة من دروس المیرزا. (3) طبع فی 4 مجلدات من قبل

ص:332


1- (1) . المصدر السّابق: 596؛ المصدر السّابق: 37 - 39.
2- (2) . المصدر السّابق.
3- (3) . الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة: 380/4.

مؤسسة النشر الإسلامی فی إیران، ویعتمد علیه أغلب العلماء والأساتذة فی نقل آراء المیرزا والاستشهاد بها.

2. أجود التقریرات، تحریر السّید أبوالقاسم الخوئی (1)، وهذا التقریر- علی ما یبدو- آخر دورات الأُصول الّتی درّسها النائینی فی حیاته، حیث شرع فیها سنة (1345ه) وانتهی سنة (1352ه). (2) طبع هذا الکتاب بادئ الأمر فی مجلدین، ثمّ حقق مؤخّراً وطبع فی ثلاثة مجلدات من قبل مؤسسة صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشریف . وقد وضع السّید الخوئی تعلیقة علیه تتضمن الکثیر من التّوضیحات والانتقادات لآراء أُستاذه، وهذه إشارة واضحة علی طول باعه فی الأُصول.

3. تقریر درس الأُصول، للمیرزا محمدباقر الزّنجانی أحد تلامذته الممیزین والمعروفین، وهذا التّقریر لم یطبع حتی الآن. (3)

إطلالة علی آرائه الأُصولیّة

کان للمیرزا النائینی تأثیره البالغ علی مدرسة الشّیخ الأنصاری رحمه الله - من خلال أبحاثه القیّمة الّتی وضعها فی سبیل تحکیم أُصول الفقه- وذلک من عدة جهات:

أوّلاً: دوره الکبیر فی شرح موضوعات المسائل الأُصولیّة وتنقیحها، وتحریر مواضع النزاع فیها.

ثانیاً: بذل جهوداً واسعة لشرح وتقریر المبانی الجدیدة الّتی انبثقت عن مدرسة الشّیخ الأعظم، وقیامه فی بعض الأحیان بترمیم وإصلاح تلک المبانی بدّقة وإحکام.

ثالثاً: ساهم- بانتقاداته لجملة من الآراء والنظریات داخل مدرسة الشّیخ- فی تنامی علم الأُصول وتطوّره أکثر فأکثر. وفیما یلی باقة من نظریاته الأُصولیّة:

1. یقول ب- متمم الجعل فی ما یتعلق بکیفیة تعلق الجعل والأمر المولوی باعتبار قصد الامتثال علی وجه لا یأتی معه محذور؛ بمعنی أنّه یلزم علی المولی؛ لتحصیل الغرض- الّذی لایؤتی بدون قصد الامتثال، وبالتالی لا یستوفی هذا الغرض بأمر واحد- أنّ یجعل أمرین مولویین، یکون الثّانی فی الواقع متمماً للجعل الأول، وبدونه لا یستوفی تمام غرض المولی.

ص:333


1- (1) . المصدر السّابق: 278/1.
2- (2) . مقدّمة أجود التّقریرات: 49.
3- (3) . المصدر السّابق: 371/4.

ولکن ینبغی التّنبه إلی أنّ لهذین الأمرین ملاکاً واحداً. وبالتّالی لهما امتثال واحد وعقاب واحد.

طبقاً لنظریة المحقق النائینی هذه، یمکن الإجابة علی جمیع المحاذیر الّتی تظهر فی کیفیة اعتبار قصد الامتثال فی العمل. (1)

2. فی بحث جعل الحجیة للأمارات، یطرح القائلون بعدم إمکان التّعبد بالأمارات محذورین، الأول: ملاکی، والثّانی: خطابی. وکثیراً ما جهد الأُصولیون أنفسهم لحل هاتین الشبهتین. وأشرنا سابقاً إلی جواب الشّیخ الأنصاری، ونحن هنا فی صدد بیان جواب المیرزا النائینی. یقول المیرزا فی مسألة المحذور الملاکی: أوّلاً: لا نسلّم بأنّ الخطأ فی الأمارات والطّرق العقلائیة أکثر منه فی الطّرق العلمیّة.

ثانیاً: مع التّسلیم بأنّ المصالح الشّخصیة أکثر ما تفوَّت علی إثر العمل بالأمارات، لکن لا إشکال فی إمضاء الشّارع الطّرق والأمارات العقلائیّة، لوجود مصالح التّسهیل النوعیّة الّتی تعدّ مراعاتها أهمّ من المصالح الشّخصیة، بل إمضاؤها من الشّارع لازم؛ وعلیه، لا یستلزم التّعبد بالأمارات وإمضائها من الشّارع محذور تفویت الملاک، حتّی مع فرض انفتاح باب العلم لوجود مصلحة التّسهیل. لذلک لا حاجة للالتزام بالمصلحة التّدارکیة.

ویقول فی الختام، أنّه لو لم نقبل الجوابین أعلاه، فالطّریق الوحید للجواب علی المحذور الملاکی هو الالتزام بالسببیة المجازة فی جعل الحجیة للأمارات الّتی سماها الشّیخ (الأعظم) ب- المصلحة السّلوکیة أی علی وجهٍ تتدارک المصلحة الفائتة علی أُصول المخطئة من دوّن أنّ یلزم التّصویب الباطل، وبناءً علی هذه النظریّة فإن فوت أی مقدار من المصلحة بسبب العمل بالأمارات یتدارک بالسّلوک طبق الأمارة. ویقبل

ص:334


1- (1) . محمدعلی الکاظمی، فوائد الأُصول: 161/1و162؛ وأجود التّقریرات: 173/1- 175. وهنا من المناسب نقل ما جاء فی فوائد الأُصول کما هو: حینئذ یبقی الکلام فی کیفیّة تعلّق الجعل و الأمر المولویّ باعتبار قصد الامتثال علی وجه یسلم عن کلّ محذور. والتّحقیق فی المقام: أنّه ینحصر کیفیّة الاعتبار بمتمّم الجعل ولا علاج له سوی ذلک، فلا بدّ للمولی الّذی لا یحصل غرضه إلاّ بقصد الامتثال من تعدد الأمر بعد ما لا یمکن أن یستوفی غرضه بأمر واحد، فیحتال فی الوصول إلی غرضه. ولیس هذان الأمران عن ملاک یخصّ بکلّ واحد منهما حتّی یکون من قبیل الواجب فی واجب، بل هناک ملاک واحد لا یمکن أن یستوفی بأمر واحد. ومن هنا اصطلحنا علیه بمتمّم الجعل، فانّ معناه هو تتمیم الجعل الأولی الّذی لم یستوف تمام غرض المولی، فلیس للأمرین إلاّ امتثال واحد وعقاب واحد. وبذلک یندفع ما فی بعض الکلمات: من الأشکال علی من یقول بتعدّد الأمر.(المترجم)

المیرزا بهذا الحل- عند تشریحه لهذا المبنی- کآخر طریقٍ لدفع المحذور الملاکی. (1)

أما المحذور الخطابی فیجیب عنه أیضاً بطرح نظریة جعل الطّریقیة فی حجیة الأمارات، إذ یقول: أمّا فی باب الطّرق والأمارات فلیس المجعول فیها حکماً تکلیفیاً ظاهریاً حتی یتوهم التضاد بینها وبین الحکم الواقعی- فی حال تخلف الحکم الواقعی عن الحکم الظاهری- بل المراد من ذلک الجعل العلمیّة والکاشفیة التّأمة للأمارة. وعلیه لا وجود لحکم تکلیفی ظاهری إضافة إلی الحکم الواقعی لیکون الأمر موجباً لاجتماع حکمین تکلیفیین متضادین. والدلیل علی ذلک: أنّ الغرض من جعل الحجیة للأمارة- کخبر الواحد مثلا- هو جعل المنجزیة للخبر الحاکی عن الأحکام الشّرعیة، ویحصل هذا الغرض بجعل العلمیّة والبیان التّأم للخبر. لأنّ العلم منجز، سواء کان العلم حقیقیاً أو علما تنزیلیاً اعتباریا. (2)

3. فی بحث العلم الإجمالی، المیرزا النّائینی من القائلین- کغیره من العلماء- بوجوب الموافقة القطعیّة، لکن علی نحو الاقتضاء لا العلیّة؛ بمعنی أنّ العلم الإجمالی یستدعی الموافقة القطعیة علی نحو الاقتضاء؛ لأنّه لا شکّ بأنّ تأثیر العلم الإجمالی لیس بأشدّ من تأثیر العلم التّفصیلی، فی نفس الوقت یعقل فی العلم التفصیلی أحیاناً الترخیص فی المخالفة الاحتمالیة بالنسبة للمعلوم، وهذا یعنی أنّ العلم التّفصیلی لیس علّة وجوب الموافقة القطعیة، بل مقتضٍ لها. ولمّا کان الوضع علی هذا النحو فی العلم التّفصیلی، فبطریق أولی هو کذلک فی العلم الإجمالی. (3)

4. یری أنّ لا أساس ولا حجیة للاستصحاب التعلیقی، الّذی هو استصحاب الحکم الثّابت علی الموضوع بشرط تحقق مجموعة قیود فی الموضوع. (4)

7. آغا ضیاءالدّین العراقی (1278-1361ه)

اشارة

(5)

هو المحقق الشّیخ آغا ضیاءالدّین ابن المولی محمد الاراکی ولد سنة (1278ه) فی قریة سلطان آباد القریبة من اراک. درس المقدمات علی أبیه الّذی کان من علماء تلک المنطقة، ثمّ انتقل إلی

ص:335


1- (1) . فوائد الأُصول: 91/3- 97؛ أجود التقریرات: 11/3- 14.
2- (2) . المصدر السّابق: 105/3- 108؛ أجود التقریرات: 129- 131.
3- (3) . المصدر السّابق: 24/4 و25، 32 و35.
4- (4) . المصدر السّابق: 466 و467.
5- (5) . اشتهر ب- "العراقی" نسبة إلی عراق العجم فی إیران والتّی سمیت فیما بعد ب- "اراک".

أصفهان ودرس علی أساتذة، منهم: السّید المیرزا محمد هاشم جهارسوقی والآخوند الکاشی.

ترک أصفهان ورحل إلی النجف بعد أنّ طوی مراحل علمیة متقدمة، ودرس هناک علی أساتذة، منهم: العلاّمة الفشارکی والآخوند الخراسانی وشیخ الشّریعة الأصفهانی، ووصل إلی درجات متقدّمة فی الإجتهاد. (1) یُعرف المحقق العراقی- مع المیرزا النائینی والمحقق الأصفهانی- بأنّهم کانوا من أفضل مدرسی الفقه والأُصول فی النجف وخرّجوا الکثیر من العلماء.

کان مفعماً بالحیویة والنشاط، ذکیّاً ومن أهل الفکر والنظر، ویذکره تلامذته بأنّه کان دائم التّفکیر فی المسائل الأُصولیّة، ولهذا السّبب کانت آراؤه الأُصولیّة إبداعیة، عمیقة وقویّة.

فی نهایة المطاف، ودع المحقق العراقی الدّار الفانیة بعد عمر ملیء بالعطاء والبرکة، عام (1361ه) قبل أسبوع واحد من وفاة المحقق الأصفهانی. (2)

أساتذته

(3)

1. السّید محمد الفشارکی.

2. شیخ الشّریعة الأصفهانی.

3. الآخوند الخراسانی، وکان المحقق العراقی من أفضل تلامذته.

4. السّید محمدکاظم الیزدی، أستاذه فی الفقه.

5. المیرزا حسین خلیل الطّهرانی وکان أستاذه فی الفقه أیضاً.

تلامذته

اشتغل المحقق العراقی لسنوات طویلة فی التّدریس والتّعلیم. وربّی الکثیر من التّلامذة، من أبرزهم: (4)

1. السّید محمدتقی الخوانساری، وهو من مراجع التّقلید قبل المرحوم البروجردی.

2. السّید محمدتقی البروجردی، مقرر درس المحقق العراقی فی الأُصول.

3. الشّیخ محمدتقی الآملی.

ص:336


1- (1) . مقدّمة مقالات الأُصول، بقلم محمّدمهدی الآصفی: 15/1 و16.
2- (2) . المصدر السّابق: 25.
3- (3) . مقدّمة مقالات الأُصول: 15و16.
4- (4) . المصدر السّابق: 20-23.

4. الشّیخ محمدرضا المظفر.

5. آیة الله المیرزا هاشم الآملی.

6. السّید أحمد المستنبط.

7. السّید حسین الشّاهرودی.

8. الشّیخ آغا رضا مدنی الکاشانی.

مصنّفاته العلمیّة

وضع المحقق العراقی مصنّفات کثیرة (1)، وهذه مجموعة من أبرز آثاره:

1. مقالات الأُصول.

2. الحاشیة علی المکاسب.

3. رسالة فی اللباس المشکوک.

4. رسالة فی قاعدة لا ضرر.

5. الحاشیة علی جواهر الکلام.

6. الحاشیة علی العروة الوثقی، طبعت فی إیران مع حواشی مجموعة من المراجع الآخرین.

7. شرح التبصرة، طبع فی ستة مجلدات حققها وراجعها الشّیخ محمّدهادی معرفة.

مصنّفاته الأُصولیّة

1. مقالات الأُصول، وهی دورة أُصولیّة کاملة، کتبها المحقق العراقی بنفسه، مطبوع حالیاً فی مجلدین من قبل مجمع الفکر الإسلامی فی قم، وحققه الشّیخ محسن الآراکی والسّید منذرالحکیم.

مقالات الأُصول کتاب دقیق ومفصل جداً، ومن یرید فهم مطالبه ینبغی أنّ یکون متبحراً فی المسائل الأُصولیّة. ومن یطالع الکتاب یکتشف بوضوح مدی دقة نظر صاحبه، وعمق فکره وإبداعه. جاء تبویب الکتاب مطابقاً لنمط تبویب الکفایة.

2. استصحاب العدم الأزلی، کتبه سنة (1348ه)، وطبع مضموماً إلی کتاب آخر من مصنّفاته اسمه روائع اللآلی.

3. تعلیقة علی رسائل الشّیخ الأنصاری.

ص:337


1- (1) . المصدر السّابق: 23 و24.

4. تعلیقة علی فوائد الأُصول، وهو تقریر درس الأُصول للمیرزا النائینی بقلم الشّیخ محمّدعلی الکاظمی، طبع مع کتاب فوائد الأُصول.

5. حاشیة علی کفایة الأُصول، مطبوع.

6. رسالة فی حجیة القطع، مطبوع.

7. رسالة فی الشرط المتأخر. (1)

8. روائع اللآلی فی فروع العلم الإجمالی، طبع فی النجف.

إضافة إلی ما دوّنه المحقق العراقی بیده الشّریفة، قرّر بعض تلامذته دروسه الأُصولیّة. وأهمّ هذه التقریرات:

1. نهایة الأفکار، تقریر الشّیخ محمدتقی البروجردی وهی دورة أُصولیّة کاملة، تمتاز بدقة عالیة، وتفید کثیراً فی التّعرف علی آراء المحقق الأُصولیّة. طبعت فی (4) مجلدات من قبل مؤسسة النشر الإسلامی فی إیران.

2. بدائع الأفکار بقلم آیة الله المیرزا هاشم الآملی، وقد وصل فی الکتابة إلی بحث المشتق، طبع منه مجلد واحد.

آراؤه الأُصولیّة

المحقق العراقی من تلامذة الشّیخ الأعظم بالواسطة، ومن أتباع مدرسته الأُصولیّة، بذل جهوداً کبیرة فی تنقیح وتمحیص مبانی الأُصول. کان موفّقاً فی أبحاثه العلمیّة بفضل نظره الثّاقب والذهنیة النقادة الّتی تمیز بها فی معالجة معضلات الأُصول. وکان أحیاناً یعالج المشکلة بطرح احتمالات عدیدة، وهذا ما أدهش العلماء والمطالعین لأبحاثه، بحیث لا یکادون یصدقون ما یرونه. فکما المیرزا النائینی، ساهم المحقق العراقی فی تطویر الأبحاث الأُصولیّة وتکامل الأُصول ضمن الجهات الثّلاث نفسها المذکورة سابقاً. وعلیه فإنّ مراجعة أعماله الأُصولیّة والتّأمّل فیها سیکون مفیداً جداً فی التّعرف علی مدرسة الشّیخ الأعظم، بصعودها وهبوطها.

فیما یلی سنتعرض لباقة من أرائه الأُصولیّة ضمن البیان التّالی:

1. فیما یخص المعنی الحرفی، یعتقد- کغیره من العلماء الّذین جاؤوا بعد الآخوند الخراسانی- بأنّ المعنی الحرفی والمعنی الاسمی متباینان ذاتاً؛ لأنّ المعانی الحرفیة عبارة عن

ص:338


1- (1) . مقدّمة مقالات الأُصول.

روابط ونسب تتحقق بین مفهومین، وهی من سنخ الإضافات المتقومة بطرفین، فعلی سبیل المثال: وضع لفظ فی فی جملة الماء فی الکوز لبیان الرّبط والنسبة الخاصة الموجودة بین مفهوم الماء ومفهوم الکوز.

وطبقاً لهذا المبنی، فإنّ جمیع الحروف والهیئات موضوعة للرّوابط الخاصة الذّهنیة بین مفهومین، ولکن لا مفهوم الرّبط والنسبة الّذی هو معنی اسمیّاً، بل واقع الرّبط الذّهنی ومصداقه بالحمل الشّائع.

یعتبر المحقق العراقی أنّ مدالیل الحروف الّتی هی معانٍ ربطیّة کمدالیل الأسماء إخطاریة وإنبائیة؛ ومن هذه الجهة انتقد نظریة جماعة من العلماء کالمیرزا النائینی الّتی تقول أنّ مدالیل الحروف إیجادیة. (1)

2. نظریة المحقق العراقی فی بحث المتجری تقول: بأنّ التّجری مقتضٍ للقبح واستحقاق العقاب، بدلیل انطباق عنوان الطّغیان علی فعل المتجری، فهو مصداق هتک للمولی وهو قبیح. وإضافة إلی الفعل الخارجی، یصدق فی بعض الأوقات عنوان الهتک علی القصد والنّیة (نیة العمل)، وفی هذه الحالة فإنّ کلا الأمرین النّیة والعمل قبیح. لکن المحقق العراقی یعتقد کغیره من العلماء بأنّ عنوان التّجری فی الحکم المولوی لا یستتبع حرمة شرعیة. (2)

3. یعتبر أنّ العلم الإجمالی یستدعی وجوب الموافقة القطعیّة بنحو عِلِّیّ، لأنّه لا شکّ فی أنّ العلم التّفصیلی هو علّة منجزّیة المعلوم، کمشخص للواقع. وهذا الأمر یجری أیضاً فی العلم الإجمالی بمعنی أنّ المعلوم بالعلم الإجمالی مبین للواقع، ولا شکّ فی تنجز الواقع بنحو علِّی؛ نعم، من اعتبر أنّ المعلوم بالعلم الإجمالی هو الجامع فلا یقتضی العلم الإجمالی فی هذه الصّورة فی الأصل وجوب الموافقة القطعیّة حتّی نبحث فیما بعد عن کیفیة ذلک. ونظریة المحقق العراقی هذه مخالفة لنظریة المیرزا النائینی فی المسألة. (3)

ص:339


1- (1) . محمدتقی البروجردی، نهایة الأفکار: 43/1 -44، و4-47، مقالات الأُُصول: 91/1 - 94.
2- (2) . نهایة الأفکار: 3 /30 ومنها، اقتضاؤه لکون الفعل المتجری به قبیحاً ومعاقباً علیه من جهة انطباق عنوان الطّغیان علیه مع بقاء ذات العمل علی ما هو علیه فی الواقع، بلا استتباعه لحرمته شرعاً بهذا العنوان الطاری.(المترجم).
3- (3) . نهایة الأفکار: 307؛ ومقالات الأُُصول: 2 /234- 238. جاء فی مقالات الأُُصول: وبهذه الجهة نقول: إنّ حکم العقل بوجوب الامتثال فی المعلومات التفصیلیة تنجیزیّ غیر قابل للترخیص علی الخلاف، فلا جرم یجری مناطه فی العلوم الإجمالیّة أیضا، لما عرفت من جریان مناط حکمه- بوجوب الامتثال فی العلوم التفصیلیة-

8. الشّیخ محمّدحسین الأصفهانی (1296- 1361ه)

اشارة

ولد العلاّمة الکبیر الشّیخ محمدحسین الغروی الأصفهانی سنة (1296ه) فی مدینة الکاظمیة المقدسة. والده الحاج محمدحسن من التّجار المشهورین فی العراق، من هنا تمیزت مرحلة طفولته بالراحة ورفاه العیش. غادر فی أواسط العقد الثّانی من عمره إلی النجف وطوی بسرعة مرحلة المقدمات والسّطوح حیث درسها علی ید الشّیخ حسن التویسرکانی.

عبر إلی مرحلة البحث الخارج وحضر عند أساتذة النجف الکبار ونهل من علومهم، أمثال السّید محمد الفشارکی والمیرزا حبیب الله الرّشتی والآخوند الخراسانی وآخرین، وبعد مدة قضاها بالبحث الفقهی والأصولی والأبحاث الفلسفیة، انصرف إلی التّدریس وتربیة الطّلاب. کان مجلس درسه عامراً، وانجذب إلیه صفوة الطّلاب وأذکیاء النجف، (1) تدرّج فیه علماء کبار سنتعرض لهم فی سیاق البحث.

لا شکّ بأنّه کان من أبرع الأُصولیین وأکثرهم تبحراً ومن فقهاء وفلاسفة عصره. ومؤلّفاته بهرت أکابر العلماء وترکتهم حیاری. وفی نهایة المطاف، ودّع المحقق الأصفهانی الحیاة الدّنیا عام (1361ه) ودفن تحت الإیوان الذهبی للحرم العلوی فی مقبرة صغیرة إلی جانب ضریح العلاّمة الحلی. (2)

أساتذته

تتلمذ العلاّمة الأصفهانی علی العدید من العلماء، منهم:

1. الشّیخ حسن التویسرکانی، ودرس علیه مرحلة السّطوح.

2. السّید محمد الفشارکی، وحضر الأصفهانی دروسه برفقة علماء کبار کالشّیخ عبدالکریم الحائری والمحقق العراقی، والشّیخ أبوالمجد الأصفهانی.

ص:340


1- (1) . انظر: محمد صحتی السّردرودی: الغروی الأصفهانی (نابغة النجف): 19- 46.
2- (2) . المصدر السّابق: 142- 144.

3. الحاج آغا رضا الهمدانی وکان أستاذه فی الفقه.

4. الآخوند الخراسانی، وهو عمدة أساتذته، حضر دروسه لمدة ثلاث عشرة سنة.

5. الحکیم محمدباقر الأصطهباناتی الشّیرازی (م: 1326ه)، أستاذه فی الفلسفة.

6. الشّیخ أحمد الشّیرازی (م:1332ه)، أستاذه فی الفلسفة أیضاً. (1)

تلامذته

تتلمذ علی یدیه الکثیر من العلماء، أشهرهم: (2)

1. آیة الله السّید محمدهادی المیلانی (1313- 1395ه) وکان من تلامذته المبرّزین، أدرک دورتین من دروس أُستاذه فی الأُصول، وإضافة علی أنّه حضر دروسه فی الفقه والفلسفة.

2. آیة الله السّید الخوئی (1317- 1413ه)، کان من تلامذته اللامعین وحضر دروسه لسنوات عدیدة.

3. آیة الله السّید عبدالأعلی السّبزواری (1328- 1414ه).

4. آیة الله الشّیخ محمدرضا الأصفهانی الحائری (1395 .1305ه).

5. آیة الله الشّیخ محمدتقی بهجت، من مراجع التّقلید الکبار ومن عرفاء العصر الحاضر، ولا یزال علی قید الحیاة.

6. آیة الله السّید هادی خسروشاهی.

7. العلاّمة السّید محمدحسین الطّباطبائی صاحب تفسیر المیزان.

8. آیة الله السّید محمدباقر الطّباطبائی السّلطانی البروجردی.

9. آیة الله السّید علی البهشتی البابلی، من فقهاء النجف الکبار، توفی عام (1424ه).

10. آیة الله الشّیخ محمدرضا المظفر.

مصنّفاته العلمیّة

کتاباته جمیعها زاخرة بالفوائد، وتمتاز بالعمق والإبداع؛ ولیس لأیّ أصولی- دوّن أدنی

ص:341


1- (1) . انظر المصدر السّابق: 33 - 42.
2- (2) . انظر: المصدر السّابق: 85 - 109.

شکّ- أنّ یدعی إنجاز بحث کامل حول مسألة أُصولیّة دوّن الاطّلاع علی آراء المحقق الأصفهانی. من مصنّفاته: (1)

1. تعلیقة علی کفایة الأُصول، طبعت تحت عنوان نهایة الدّرایة.

2. حاشیة علی مکاسب الشّیخ الأنصاری، تعتبر هذه الحاشیة برأی الکثیر من العلماء من أکثر الحواشی دقة علی المکاسب.

3. رسالة فی المشتق.

4. رسالة فی الصّحیح والأعم.

5. صلاة المسافر.

6. صلاة الجماعة.

7. رسالة فی أربع قواعد فقهیة (قاعدة التجاوز، قاعدة الفراغ، قاعدة الید، قاعدة أصالة الصّحة).

8. رسالة فی تحقیق الحق والحکم، طبعت مع حاشیة المکاسب.

9. تحفة الحکیم، وهی منظومة فلسفیة فی شرح الحکمة المتعالیة.

10. رسالة فی إثبات المعاد الجسمانی.

11. حاشیة علی أسفار الملاّصدرا

11. دیوان أشعار، مطبوع.

مصنّفاته الأُصولیّة

1. نهایة الدّرایة فی شرح الکفایة: مع أنّ عنوان الکتاب شرح علی الکفایة إلاّ أنّه فی الواقع لیس کذلک. بلا شکّ، بأنّ هذا الکتاب من أعمق الکتب الأُصولیّة الشّیعیة وأدقها علی مرّ التّأریخ؛ ولأنّ فهمه صعب جداً، فهو یحتاج إلی قدرة ذهنیة وعلمیة عالیة. شرح فیه المحقق الأصفهانی المسائل الأُصولیّة وبیّن آراء العلماء السّابقین وبعض المعاصرین، وانتقدها بقوّة وعرض مقابلها نظریات جدیدة، وعلی وجه التّقریب، لا توجد مسألة لم یطرح فیها نظریة دقیقة أو رأیاً مختلفاً عمّا قاله الآخرون. وإن مطالعة هذا الکتاب تظهر مدی قوّة رأیه ودقته العالیة ونظمه المسبوک. وقد تبلورت فیه خلاصة أفکاره الأُصولیّة وأعمقها، وکذلک التغییرات الّتی أوجدها علی مستوی مضمون المسائل. وعلی الرّغم من طغیان اللون الفلسفی

ص:342


1- (1) . انظر المصدر السّابق: 53 - 65؛ نقباء البشر (القسم الثّانی من الجزء الأول): 561 و562.

علی أُصول المحقق الأصفهانی، لکنّه غیر بعید أبداً عن أغراض هذا العلم ولا یخلو من فوائد فی جمیع الأبحاث. دوّن الأصفهانی القسم الأکبر من الکتاب فی حیاة أستاذه الآخوند الخراسانی، وهذه إشارة واضحة أیضاً علی مدی إحاطته بعلم الأُصول فی مرحلة شبابه.

2. الأُصول علی النّهج الحدیث: وهو أیضاً کتابٌ مستقل فی الأُصول، تضمن تغییرات بنیویة وتحدیثات أساسیة فی الشّکل والتّنظیم، إضافة إلی التّغییرات فی المضمون. کان الأصفهانی یأمل من خلال التبویب الجدید الّذی قدّمه فی علم الأُصول، وخاصة فی القسم الاوّل منه، أنّ یوفّق لتدوین دورة أُصولیّة کاملة بناءً لهذا التبویب. لکنّه لم یوفق فی إتمامه، حیث وصل فیه إلی آخر بحث الإمکان أو امتناع اجتماع الأمر والنهی وتوقف عنده، ولو تمّ له ذلک لأوجد طفرة نوعیة فی الأُصول المعاصر.

طبع هذا الکتاب مع بعض رسائله الأُخری تحت عنوان بحوث فی الأُصول، من قبل مؤسسة النشر الإسلامی فی قم. وجاء تبویبه علی الشّکل التّالی:

* المقدّمة، وتضمنت المباحث التّالیة:

1. مبادئ تصوریة- لغویة (الوضع، المعانی الحرفیة، الإنشاء والإخبار، علامات الحقیقة والمجاز).

2. مبادئ تصوریة- للأحکام (أقسام الحکم وماهیته).

3. مبادئ تصدیقیّة- لغویة (الحقیقة الشّرعیة، الصّحیح والأعم، الاشتراک واستعمال اللفظ فی أکثر من معنی).

4. مبادئ تصدیقیّة- للأحکام (إمکان أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر، الضّد، تعلق الأمر بالطبیعة وعدمه، وغیر ذلک).

* الباب الأوّل: مسائل الأُصول العقلیة (الإجزاء، مقدّمة الواجب، اجتماع الأمر والنهی).

* الباب الثّانی: المسائل اللفظیة (الأوامر والنواهی، المفاهیم، العام والخاص، المطلق والمقید، المجمل والمبین).

* الباب الثّالث: الحجج (حجیة الظّهور، حجیّة خبر الواحد، حجیّة نقل الإجماع، حجیة الاستصحاب).

* الباب الرابع: تعارض الأدلّة.

* الخاتمة: البراءة، الاشتغال، الإجتهاد والتّقلید.

ص:343

ینبغی التنبیه هنا إلی أنّ المحقق الأصفهانی لا یری البراءة والاشتغال من أُصول الفقه، ولذلک بحثها فی الخاتمة.

إضافة إلی الکتابین السّابقین، له رسائل أُخری فی الأُصول، وهی:

1. رسالة فی المشتق.

2. رسالة فی الصّحیح والأعم، موضوع العلم، الطّلب والإرادة.

3. رسالة فی إطلاق اللفظ وإرادة النوع أو الصنف أو الشّخص.

4. رسالة فی الإجتهاد والتّقلید والعدالة.

6. رسالة فی المشترک.

7. رسالة فی الحروف.

8. رسالة فی إطلاق الأمر واقتضاء التّعبدیة أو التّوصلیة فیه.

9. رسالة فی الوضع.

10. رسالة فی الشّرط المتأخر.

11. رسالة فی الحقیقة والمجاز وعلائمه، والحقیقة الشّرعیة.

12. حاشیة علی بحث القطع فی رسائل الشّیخ الأنصاری.

13. رسالة أُخری فی المشتق. (1)

آراؤه ونظریاته الأُصولیّة

لا شکّ أنّ المحقق الأصفهانی من نوابغ العصر ونوادره؛ فهو من أقوی الأُصولیین ذو الاتّجاه العقلی، الّذی أخذت أبحاثه الأُصولیّة لوناً فلسفیاً ووردت إلیها الکثیر من المصطلحات الفلسفیة.

تحکی أبحاثه التّفصیلیّة المتینة عن عمق فکره وقوة رأیه. یعتبر علی سبیل الجزم من أعاظم أُصولیی الفریقین، حیث عالج مباحث هذا العلم بتفکیر منتظم ضمن ترتیب منطقی مراعیاً المبادئ التّصوریّة والتّصدیقیّة اللازمة ووضعها ضمن إطار خاص وشفاف من التّشریح والنقد.

اختار فی أبحاثه بناءً واضحاً ومعروفاً، ولم یکن الموضوع هو المحور، بمعنی أنّه کانت لدیه نظرة شمولیة وإحاطة واسعة بجمیع أبحاث العلم، لذلک قلّما نری تعارضاً أو تهافتاً فی مطاوی أبحاثه ونظریاته؛ وتنبثق مناشئ احتمالاته دائماً من مبنیً فلسفیٍ وعقلیٍ دقیق، ولم

ص:344


1- (1) . یمکن مراجعة: نابغة النجف: 53 و54.

یکن یتخطی حدود القوانین القطعیّة المسلم بها فی مذهب الحکمة المتعالیّة فی الفلسفة وعلیه ینبغی دراسة أفکاره طبق هذا المبنی. وإن الالتفات إلی هذه النقطة مهمّ جداً فی التّعرف علی البناء الأُصولی الّذی شیّده. مع العلم بأنّه تأثر بأفکار الشّیخ هادی الطّهرانی، وإن انتقد آراءه فی کثیر من الموارد وقدّم فی مقابلها آراءاً ونظریات أکثر إحکاماً وشفافیّة.

وعلی الرّغم من أنّه أحدث تغییرات أساسیة فی علم الأُصول، فی المضمون والبناء، إلاّ أنّه یأتی فی آخر سلسلة رواد المدرسة الأُصولیّة الّتی أرسی دعائمها الشّیخ الأنصاری. وفی هذا المجال سنشیر إلی بعض آرائه ونظریاته:

1. أوجد المحقق الأصفهانی تغییرات أساسیة فی بنیة الأُصول وهیکله العام، فقدّم تبویباً جدیداً لعرض الأبحاث الأُصولیّة؛ وأخضع القسم الاوّل من الأُصول لعملیة تغییر أساسیة، إضافة إلی القسم الثّانی منه. وعمدة هذا التّحول البارز التفاته إلی أقسام المبادئ التّصوریة والتّصدیقیة لعلم الأُصول والحفاظ علی التّرتیب المنطقی لأبحاثه ومسائله. (1)

2. برأیه لیس للعقل ما ینبغی وما لا ینبغی، أی لا حکم له، فهو یدرک صرف الحسن والقبح. لذلک ترجع جمیع ال- "ینبغی و ما لا ینبغی إلی إدراک حسن العدل وقبح الظلم. ویعتبر أیضاً أنّ سنخ قضایا الحسن والقبح من المشهورات الّتی لا واقعیة لها وراء تطابق آراء العقلاء، وهذه الرؤیة خلاف من یری أنّ هذه القضایا بدیهیة وضروریة؛ فمعنی الحسن والقبح عند المحقق الأصفهانی أیضاً عبارة عن صحة مدح وذم العقلاء علی القیام بعمل أو الترک له من الفاعل لمصلحة نوعیة حفظ النظام. (2)

3. یری المحقق الأصفهانی- کأغلب الأُصولیین المتأخرین- أنّ الأصل العملی العقلی عند الشکّ فی التکلیف هو البراءة العقلیة وقبح العقاب بلا بیان. ولتوضیح هذه القاعدة یورد استدلالین لإثبات ذلک: الاستدلال الأوّل، عن طریق رجوع کلّ أحکام العقل العملی إلی قبح الظّلم وحسن العدل. وتوضیحه: أنّ مخالفة ما قامت علیه الحجة، والبیان علیه موجود، خارج

ص:345


1- (1) . إضافة إلی هذه الخصائص، هناک مزایا أُخری فی طریقة تبویبه للمباحث الأُُُصولیة، تعرّض لها الکاتب فی مصنّف آخر، بعنوان: تطوّر المسار التّأریخی للتّبویب فی علم الأُُصول: 19- 21.
2- (2) . نهایة الدّرایة: 41/2 و43، 311- 314؛ وصادق لاریجانی، الحسن والقبح العقلی وقاعدة الملازمة، مجلة نقد ونظر بالفارسیة، رقم 13و14؛ ص129-140؛ ومهدی علیبور، سنخ قضایا الحسن والقبح فی رأی علماء المسلمین، مجلة الکلام الإسلامی بالفارسیة أیضاً، العدد27، ص89- 96.

عن زی العبودیة وظلم للمولی قطعا؛ لذلک یستحق العبد الذم والعقاب علیه. أما مخالفة ما لم تقم الحجة والبیان علیه، فلیس هو من مصادیق الظّلم وغیر موجب للخروج عن نهج العبودیّة؛ لأنّه لیس من مراتب العبودیة ومرامها، أنّ لا یخالف العبد مولاه فی الواقع ونفس الأمر، وعلیه فمن هذه الجهة لا دلیل علی استحقاق العقاب بل یقبح العقاب علیه وبهذا الشکل تثبت قاعدة قبح العقاب بلا بیان. (1)

الاستدلال الثّانی، یمضی المحقق الأصفهانی لتعمیق هذه القاعدة وتثبیتها علی أساس المبنی الّذی اتخذه فی حقیقة التّکلیف، ویخلص إلی القول أنّ: التکلیف إمّا إنشائی أو حقیقی وفعلی، والتّکلیف الإنشائی هو ما أوجد بالجعل والإنشاء ولا یتوقف علی وصوله للمکلف، والتّکلیف الحقیقی ما تمّ إنشاؤه بداعی البعث والتّحریک ومتقوم بالوصول، فلا معنی للعقاب بدون الوصول؛ لأنّه مساوق لفقدان التّکلیف الحقیقی ومن هنا تأتی قاعدة قبح العقاب بلا بیان. (2)

أبرز مصنّفات هذه الحقبة

وضعت مصنّفات قیمة خلال هذه المرحلة، وکلّ واحد منها بحد ذاته أهمیة خاصة، سنکتفی هنا، بعرض مجموعة من أبرزها مستعینین بالأبحاث السّابقة:

1. فرائد الأُصول (أو الرسائل) للشّیخ الأنصاری؛ وفی الواقع رسم هذا الکتاب معالم مدرسة أُصولیّة جدیدة وبشکل رسمی. وترک تأثیراً قویاً ومباشراً علی علماء المراحل اللاحقة وعلی مؤلّفاتهم وآرائهم سواء لجهة بنیته التّنظیمیة من خلال التّبویب الجدید الّذی تمیز به، أو لجهة محتواه من خلال الأبحاث الجدیدة والعمیقة الّتی طرحها. وعلیه یمکن

ص:346


1- (1) . نهایة الدّرایة: 461/2 و462. یقول: توضیح المقام: إنّ هذا الحکم العقلی حکم عقلی عملی بملاک التّحسین والتّقبیح العقلیین.. ومن الواضح أنّ حکم العقل بقبح البیان بلا بیان لیس حکماً عقلیاً عملیاً منفرداً عن سائر الأحکام العقلیة العملیة بل هو من أفراد حکم العقل بقبح الظلم عند العقلاء نظراً إلی أنّ مخالفة ما قامت علیه الحجة خروج عن رسم العبودیة وهو الظّلم من العبد إلی مولاه فیستحق منه الذّم والعقاب کما أنّ مخالفة ما لم تقم الحجة لیست من أفراد الظّلم...(المترجم)
2- (2) . نهایة الدّرایة: 461. یقول: مدار الإطاعة والعصیان هو علی الحکم الحقیقی، والحکم الحقیقی متقوّم بنحو من أنحاء الوصول... وحینئذ فلا تکلیف حقیقی مع عدم الوصول، فلا مخالفة للتّکلیف الحقیقی، فلا عقاب... إلاّ أنّ عدم العقاب لعدم التکلیف أمر وعدم العقاب لعدم وصوله أمر آخر وما هو مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بیان هو الثّانی دوّن الأول. (المترجم)

اعتباره من هذه الجهة أهمّ مصنّف أُصولی وضع فی الحقبة السّادسة من تأریخ الأُصول.

2. محجّة العلماء للشّیخ هادی الطهرانی، وفیه ابتکارات جدیدة علی مستوی الشّکل والمضمون. کان لهذا الکتاب فیما بعد تأثیره الواضح علی مجموعة من العلماء منهم المحقق الأصفهانی.

3. کفایة الأُصول للآخوند الخراسانی، حظی هذا الکتاب باهتمام شدید من العلماء کونه مختصراً ومسبوکاً، وفی نفس الوقت حاویاً لاستدلالات کثیرة. وما زال له الدّور الکبیر فی التّعرف علی مدرسة الشّیخ الأُصولیّة.

4. فوائد الأُصول وأجود التقریرات، وهما تقریران لدروس المیرزا النائینی، وکان لهما دور مهم فی شرح وتبیین معالم مدرسة الأُصول الجدیدة.

5. نهایة الأفکار، تقریر درس المحقق العراقی؛ ومقالات الأُصول بقلم المحقق العراقی نفسه؛ وکان لهذین الکتابین خلال هذه الحقبة، أیضاً الأثر الکبیر فی تکامل الأُصول والتّعمق فیه.

6. نهایة الدّرایة، والأُصول علی النهج الحدیث، من تألیف الشّیخ محمدحسین الأصفهانی، ولهذین الکتابین دور کبیر فی تنظیم أسس المبانی الأُصولیّة وتعمیقها فی المدرسة الجدیدة، وتمتع الکتاب الثّانی بقیمة خاصة لاحتوائه علی تبویب جدید فی الأُصول.

7. درر الفوائد للشّیخ عبدالکریم الحائری، مؤسس الحوزة العلمیّة فی قم.

8. وقایة الأذهان للشّیخ محمدرضا نجفی الأصفهانی المعروف ب- "أبو المجد".

الآراء و الأبحاث الّتی راجت خلال المرحلة

راجت خلال هذه الحقبة من تأریخ الأُصول أبحاث لم یکن لها سابق عهد فی البحث أصلاً، أو أنّها لم تکن بذلک العمق والتّفصیل. سنتعرض لأبرزها ضمن البیان التّالی:

1. الوضع وأقسامه، وخاصة التّوسع الطارئ علی بحث "المعنی الحرفی".

2. تقسیم الواجب إلی واجب مطلق و واجب مشروط وإلی تعبدی وتوصلی وإلی نفسی وغیری. وقد حظی هذا البحث باهتمام جدی من قبل العلماء؛ علی الرّغم من أنّ جذوره ممتدة إلی مراحل سابقة، إلاّ أنّه کان للتّوسع فیها خلال هذه المرحلة أهمیّة خاصة.

3. بحث القطع ومتفرعاته، ینبغی الاعتراف وبحق، أنّ الشّیخ الأنصاری اوّل من طرحه فی الأُصول بهذه الخصوصیات، وقد نما بجهود أتباع مدرسته الجدیدة وتفرعت أغصانه

ص:347

وأورق وأصبح أکثرعمقاً؛ وعلی أیّ حال یشکّل بحث القطع قسماً مهمّاً من مباحث الأُصول وأصبح له حیزاً خاصاًبه.

4. إعادة النظر فی بحث الأمارات من زاویة أکثر عمقاً وتفصیلاً، حیث اشتهر البحث حول التّعبد بالأمارات وإمکانیة ذلک وکیفیته، وقدّم أکثر العلماء نظریات مختلفة متینة وعمیقة لحلّ الإشکالات الموجودة فی البحث.

5. بحث الأُصول العملیة، وکان موضع اهتمامٍ کبیرٍ، بحیث شکّلت أبحاثه فی أواسط هذه الفترة نصف الأبحاث الأُصولیّة فی حین لم یکن فی السّابق بهذا المستوی من الأهمیة.

إبداعات هذه المرحلة

استناداً إلی ما سبق من أبحاث تفصیلیة، تصبح التجدیدات والإبداعات الّتی ظهرت خلال هذه المرحلة أکثر وضوحاً، وسنکتفی هنا بذکرها ضمن الفهرس التّالی:

1. التّجدید فی بناء علم الأُصول لجهة التّبویب والهیکلیة، وهو من الإبداعات المهمة لهذه المرحلة، حیث طرحت نظریات عدیدة لتنظیم هذا العلم وتشکیل بنائه من جدید؛ وکان الشّیخ الأنصاری اوّل من طوّر بنیة القسم الثّانی منه، وقام بعده تلمیذه الشّیخ هادی الطهرانی بإحداث تغییرات أساسیة فیه، ثمّ جاء المحقق الأصفهانی (أواخر هذه المرحلة) وقدم بناءً جدیداً مختلفاً تماماً عمّا عرضه الشّیخ الأعظم.

2. تعتبر أبحاث القطع بمعظمها وآراء الشّیخ وتلامذته فی هذا الشّأن، من ابتکارات المرحلة، والحدیث حولها یحتاج إلی مجال أوسع، نترکه إلی فرصة أُخری.

3. نظریة الشّیخ وبعض من تتلمذ علی یدیه فی کیفیة التّعبد بالأمارات، بمعنی أنّ نظریتی المصلحة السّلوکیة للشّیخ الأعظم ومصلحة التّسهیل للمیرزا النائینی، أیضاً من ابتکارات المرحلة.

4. ومن إبداعات الشّیخ الأعظم، تقسیم الأُصول العملیّة بالحصر العقلی إلی أربعة أُصول، وتقسیم کلّ منها إلی عقلی وشرعی، وشرح مبانی هذه الأُصول. ومن الإبتکارات الّتی تمیزت بها هذه المرحلة، تشریح نظریة الأدلّة الإجتهادیّة والأدلة الفقاهتیّة والاختلاف بینها، ومسألة تشریع الحکم الواقعی والحکم الظّاهری والتّدقیق الکبیر حولهما، علی الرّغم من أنّ الشّیخ الأعظم نسب أصل تقسیم الأدلة إلی فقاهتیة واجتهادیة إلی العلاّمة الوحید البهبهانی.

ص:348

5. نظریة الآخوند الخراسانی فی تقسیم مراتب الحکم، وسبق أنّ بحثناها بشیء من التّفصیل، وهی من النظریات الجدیدة.

6. نظریة المقتضی والمانع، ورجوع الأُصول اللفظیة والعملیة جمیعها إلی هذا الأصل، هی من ابتکارات الشّیخ هادی الطّهرانی، ومن الإبداعات المهمّة فی هذه المرحلة.

7. بحث الحکومة والورود، من إبداعات الشّیخ العمدة الّتی حظیت باهتمام کبیر من تلامذته، حیث عمدوا إلی شرحها وتقدیم المزید من التّوضیحات والتّدقیقات بشأنها.

التّبویب الرّائج خلال المرحلة

بقی تبویب الکفایة للآخوند الخراسانی التّبویب الرّائج والمشهور فی الأُصول، واستقرت علیه الکتب والدّروس الحوزویّة خلال هذه الحقبة علی الرّغم من وجود تبویبات الشّیخ والمحقق الأصفهانی والشّیخ هادی الطهرانی، وهذا التّبویب فی القسم الاوّل من الأُصول نفس التّبویب الّذی سبق واشتهر فی المرحلة السّابقة، أمّا القسم الثّانی منه فقد وضع له تبویباً مطابقاً لنظریّة الشّیخ الأنصاری فی الأُصول، ولایزال هو التّبویب المشهور داخل الحوزات العلمیّة، ولم یتمّ نسخه علی الرّغم من ظهور أنماط أُخری أکثر تطوّراً ودقة.

أُصول أهل السّنة خلال هذه الفترة

وقع أُصول أهل السّنة- وکما أشرنا فی الدّروس السّابقة- ضحیّة رکود عارم سیطر علیه لعدّة قرون، وکان علماؤهم خلالها ناقلین وشارحین لکتب أسلافهم. ولم یصب هذا العلم فی دیارهم أیّ تقدم، ولم تجد المسائل الجدیدة طریقاً إلیه. مع أنّ بعض علمائهم نهضوا فی سبیل تجدید حیاة هذا العلم لکنّهم لم یوفّقوا فی ذلک، منهم: (1) محمد أمین الدّمشقی (1355ه)، الأُستاذ محمد أبوزهرة (1395ه)، محمد فرغلی (1415ه)، ولا بدّ من القول إنّ أکثر ما اهتموا به هو البحث والتّحقیق التّأریخی فی الأُصول ومصادر الإجتهاد. (2)

ص:349


1- (1) . انظر: أُصول الفقه تأریخه ورجاله: 622و647و664.
2- (2) . من هؤلاء الکتّاب: الأستاذ أبوزهرة، و د. سعید الخن، و د. شعبان إسماعیل، حیث دوّنوا کتباً فی هذا المجال.

ممیّزات هذه المرحلة

تشکّل المرحلة السّادسة، العصر الذّهبی لعلم أُصول الفقه (قمة الإبداع والبحث والتّحقیق فی الأُصول)، فقد اتّخذ الأُصول الشّیعی شکله الأکمل خلال هذه المرحلة، فلو ألقینا نظرة إجمالیة علی تأریخ هذا العلم نری أنّه بلغ فیها مستویً لا نظیر له سواء لجهة الإبتکار والتّجدید أو لجهة التّعمق و التّدقیق، ووصل إلی قمة ازدهاره کمّا وکیفاً.

تحدیث بناء الأُصول وتقدیم تبویبات جدیدة، تمّ خلال هذه المرحلة عرض الأُصول ضمن تبویب وتنظیم جدیدین، حیث أدخل الشّیخ الأعظم تغییرات بنیویّة جذریة علی القسم الثّانی منه، ثمّ جاء المحقق الأصفهانی وطرح بناءً جدیداً لکلّ الأُصول.

الإبداع فی المضمون، وجّه الأُصولیون عنایتهم إلی أبحاث جدیدة أنتجت ظهور ابتکارات جدیدة، کبحث الحکومة والورود، والمصلحة السلوکیة، وبحث الأصل المثبت، والاستصحاب السببی والمسببی، وطرح قاعدة المقتضی والمانع وإرجاع کلّ الأُصول العملیة واللفظیة إلی هذه القاعدة، وغیر ذلک.

التّوسع فی الأُصول العملیة دقة وعمقا، مع أنّ هذا البحث کان مطروحاً فی الأُصول بشکل متفرق، إلاّ أنّه وإلی ما قبل الوحید البهبهانی، کان العلماء یتناولون هذه الأُصول والقواعد- من قبیل البراءة العقلیة والاستصحاب- علی أنّها أمارات وأدلّة ظنیّة، ولم تطرح نظریة الأُصول العملیة والاختلاف بینها وبین الأمارات إلاّ فی الحقبة الخامسة وما تلاها؛ ومع ذلک اعتری البحث فیها بعض الإبهام إلی حد ما ولم یتم معالجته بالتّفصیل والبیان المطلوب، إلی أنّ جاء الشّیخ الأنصاری ورواد مدرسته من بعده، وتناولوها بدقة، فبحثوا بدایة الأمر الأدلة بأشکالها، وقدموا شروحاً حول الفوارق الموجودة بین الأدلّة الإجتهادیة والأدلة الفقاهتیة، وبیّنوا أنّ الأمارات ناظرة إلی الواقع، والأُصول مأخوذة کأدوات لرفع الحیرة العملیة للمجتهد فی مقام الشکّ. وتعرّضوا بالتّفصیل لبحث حالة الشک کبحث- الّتی هی مجری الأُصول العملیة- أساسی، وهکذا إلی أنّ وصل الأمر بالأُصول العملیة فی عصرنا الحالی لتشکل أکثر من نصف مباحث الکتب الأُصولیّة.

البحث التفصیلی فی القطعوالعلم الإجمالی؛ کان بحث القطع وتفرعاته التّفصیلیة وخاصة العلم الإجمالی والتّشعب الّذی طرأ علیه، من الأبحاث الرئیسیة الّتی طرحت خلال هذه الحقبة ومیزتها عن المراحل السّابقة؛ ففی السابق لم تکن لهذه الأبحاث تلک الأهمیة أو أنّها لم تطرح أصلا، أو کان یتم تناولها بالإجمال ضمن مواضیع أُصولیّة أخری.

ص:350

رواج أسلوب التقریر؛ راج نوع خاص وجدید من الکتابة والتألیف، سمی- اصطلاحاً- ب- "التّقریر"، وکان فی الماضی نادر الحصول. فالتقریر عبارة عن تدوین درس الأستاذ بقلم أحد تلامذته مع المحافظة علی نفس خصوصیات الدّرس الّتی أُلقی فیها؛ ومع أنّ کتابة التقریر غیر مختصة بأصول الفقه، لکن میزتها الجدیدة أنّها أصبحت شاملة لدروس الأُصول أیضاً. (1)

خلاصة الدّرس

1. أشهر روّاد مدرسة الشّیخ الأُصولیّة، الّذین ساهموا فی إیصالها إلی مستوی متقدم، ثلاثة من فطاحل العلماء: المیرزا النائینی، المحقق العراقی والمحقق الأصفهانی، شکّلوا فی المراحل التّالیة عمدة أساتذة حوزة النجف وتتلمذ علیهم أُصولیو المراحل اللاحقة.

2. ساهم المیرزا النائینی من خلال تدریسه عدة دورات فی الأُصول، فی شرح أکثر المبانی الأُصولیّة وتنقیحها. وخرّج الکثیر من العلماء. أشهر دورتین درسهما فی الأُصول دونتا ضمن کتابین، طبعت الأُولی تحت عنوان أجود التقریرات والثّانیة باسم فوائد الأُصول.

3. المحقق العراقی من الأُصولیین اللامعین، حضر درس المحقق الخراسانی لسنوات عدیدة، قام بأعمال مهمة فی سبیل تکمیل علم الأُصول والتوسع فیه. من أهمّ مؤلّفاته الأُصولیّة مقالات الأُصول وقد کتبه بخط یده.

4. المحقق الأصفهانی من أبرع أصولیی المرحلة، سعی حثیثاً لتعمیق وتنظیم بنیة المباحث الأُصولیّة. فإضافة إلی أبحاثه القیّمة فی الأُصول، أوجد تحولاً مهماً فی بناء هذا العلم من خلال التّبویب الجدید الّذی طرحه لتنظیم الأبحاث الأُصولیّة.

5. دونت کتب کثیرة خلال هذه المرحلة أهمها: فرائد الأُصول (أو الرسائل) -کفایة الأُصول- نهایة الدّرایة- فوائد الأُصول- أجود التقریرات- مقالات الأُصول- درر الفوائد...

6. کثیراً ما انصب اهتمام العلماء علی أبحاث أُصولیّة کالقطع والعلم الإجمالی، والشّک وتفصیل حالات الشّک لدی المکلف، وباقة من المسائل اللفظیة.

7. التّبویب الّذی راج خلال هذه المرحلة هو المعروف ب-"تبویب الکفایة" القائم علی أساس الترتیب الّذی وضعه الآخوند الخراسانی لکتابه کفایة الأُصول.

8. المرحلة السّادسة هی بمثابة العصر الذّهبی لعلم الأُصول، وصل فیها إلی أوج تکامله.

ص:351


1- (1) . انظر: تأریخ الفقه والفقهاء: 333.

أسئلة للتفکیر والمناقشة

کیف تقیم أعمال الأساطین الثّلاثة- المیرزا النائینی والمحقق العراقی و الأصفهانی- فی تطوّر علم الأُصول؟

لماذا توقّف أُصول الفقه عن نموّه السّریع بعد هؤلاء الثلاثة؟

هل خطرت فی بالک إبداعات أُخری فی هذه المرحلة؟

لماذا بقی أُصول أهل السّنة فی سباته العمیق خلال هذه المرحلة؟ ولم یشهد المرحلة الذّهبیة الّتی شهدها الأُصول الشّیعی؟

بحث وتحقیق

إضافة إلی الأُصولیین المذکورین فی الدّروس الثّلاثة السّابقة، هناک علماء آخرین لکلّ منهم دور مهم فی تقدم الأُصول فی هذه المرحلة، أبرزهم: العلاّمة السّید محمد الفشارکی، الشّیخ عبدالکریم الحائری، أبوالمجد الشّیخ محمدرضا الأصفهانی المعروف ب- خسروشاهی، والمرحوم البروجردی، قم بالبحث حولهم مستعیناً بتوجیهات الأستاذ المحترم.

ص:352

الدّرس الخامس عشر: أُصول الفقه فی العصر الحاضر

اشارة

أهمّ أبحاث هذا الدّرس

مقدمة.

الشّخصیات الأساسیّة فی أُصول العصر الحالی.

دراسة نقاط ضعف أُصول الفقه الیوم.

الخصائص والعناصر الضروریّة للأُصول فی العصر الحاضر.

إطلالة علی أُصول الفقه عند أهل السُّنة.

ص:353

ص:354

المقدّمة

إنّ أُصول الفقه فی الحوزات العلمیّة فی العصر الحاضر، هو نفسه أُصول مدرسة الشّیخ الأنصاری. وما نراه فی البحث الأُصولی، استمرار للطّریق الّذی شقه الأعلام الثّلاثة: الأصفهانی، والعراقی، والنائینی. وعلی الرّغم من أنّ علماء عصرنا الحاضر بذلوا جهوداً کبیرة فی سبیل شرح المبانی والأبحاث الأُصولیّة وتمتینها، حیث کان لهم فی بعض الأحیان إبداعات مهمّة علی مستوی المضمون والأسلوب والبناء، لکنّهم فی نفس الوقت استفادوا من أُصول السّلف الماضی، ولیس لنا بالتّالی دراسة أعمالهم بمعزل عن مدرسة الشّیخ الأنصاری الأُصولیّة، الّتی خرجوا من رحمها.

وانطلاقاً من هذه النقطة، فمعاصرتنا لهذه المرحلة وإحساسنا بضرورة ترمیم الأُصول علی مستوی البناء والمضمون، لیتناسب مع العصر هو السّبب الحقیقی الّذی دعانا إلی وضع دراسة مستقلة لهذه العقود من السّنین، (أی مرحلة ما بعد الأعلام الثّلاثة). وبالتّالی، یمکننا من خلال دراسة أعمال أُصولیی العصر الحاضر التّعرف علی مشاکل الأُصول وضعفه، وکذلک علی مکامن القوّة لدیهم. وبوضع الید علی الهفوات الواحدة بعد الأخری یمکننا عرض الأُصول بأُسلوب راقٍ متناسب مع هذا العصر. وعلیه، فی الدّرس الختامی هنا، ینبغی فی البدایةِ، التعرف علی جهود ثلّة من ألمع علماء هذا العصر کالإمام الخمینی والشّهید الصّدر الّذین بذلوا جهوداً کبیرة لتطویر علم الأُصول من خلال الأبحاث القیّمة الّتی قدموها، ثمّ ننصرف إلی تحلیل آرائهم وإبداعاتهم. وسیتم ذلک من خلال دراسة العقبات ونقاط الضّعف الّتی واجهتهم والنقد الدّقیق لها، بالإشارة إلی حاجات السّاحة العلمیّة کدواعی وضرورات للتّطویر والتحوّل، بغیة إیجاد مدرسة حدیثة متناسبة مع العصر.

ص:355

وببیان آخر، سنکمل فی هذا الدّرس استعراض جهود علماء مدرسة الشّیخ الأعظم المعاصرین والتّعرف علی إبداعاتهم وآرائهم ومستوی مساهمتهم فی نموّ الأُصول وتطوره. وفی قسم آخر من الدّرس سنبحث فکرة وجود مدرسة أُصولیّة جدیدة بمعزل عن مدرسة الشّیخ، وفی هذا القسم سنتناوّل بالبحث أعمال بعض الأُصولیین أمثال: السّید الخوئی والسّید الشّهید الصّدر والإمام الخمینی الّذین شکّلوا طلائع هذا الإصلاح والتّحدیث فی البناء الأُصولی، ونتناوّل أعمالهم بالنقد، ونتعرض لمواقع الضّعف الّتی واجهتهم، لنشقّ بذلک، الطریق بوجهة صحیحة الّذی لا یحتمل سوی القلیل من الأخطاء، لتأسیس مذهب أو مدرسة أُصولیّة جدیدة. وبناءً علیه، ستکون محاور البحث ضمن العناوین التّالیة:

1. دراسة الآراء الأُصولیّة والإبداعیّة لعدد من الشّخصیات المعاصرة.

2. إطلالة علی أُصول الفقه الحالی، کامتداد لمدرسة الشّیخ، والإشارة إلی بعض مواقع الضّعف والقصور فیها.

3. إطلالة أُخری علی أعمال أُصولیی العصر الحاضر ودراسة العقبات والموانع الّتی واجهتهم للوصول إلی أُصول متقدم.

4. ضرورة وجود علم أُصول متقدم متناسب مع الزّمان وطرق تحقیق ذلک.

ثلة من علماء الأُصول، آراؤهم ومصنّفاتهم

1. آیة الله السّید أبوالقاسم الخوئی (1317-1413ه)

اشارة

ولد آیة الله السّید أبوالقاسم الخوئی ابن السّید علی أکبر سنة (1317ه) فی مدینة خوی من توابع آذربیجان. سافر عام (1330ه) مع عائلته إلی النجف الأشرف وبدأ تحصیله العلمی فیها، درس المقدمات- فی النحو والمنطق ومقدمات الفقه والأصول- علی مجموعة من الأساتذة، أوّلهم والده. عبر إلی البحث الخارج بعد أنّ أکمل السّطوح المتوسطة فی الفقه والأصول، ودرس علی أساتذة کبار، منهم: المحقق الأصفهانی والمیرزا النائینی، وبعد سنوات من البحث العلمی وصل إلی مراتب متقدّمة وبلغ مرحلة الإجتهاد. وشیئاً فشیئاً ذاع صیته العلمی، وامتاز درسه بالحیویّة والنشاط وکان مزدحماً بالطّلاب. حیث تقاطر إلیه فی ذلک الوقت الکثیر من الطّلاب الشّباب من ذوی القابلیة والاستعداد. ومن أهمّ الأمور الّتی ساهمت فی الإقبال علیه

ص:356

إضافة إلی قوته العلمیّة، سلاسة بیانه ومتانته، وقوّته فی نظم الأبحاث وسبکها... . (1)

فی النهایة، أصبح السّید الخوئی أستاذ الحوزة الأوحد بعد رحیل أساتذة النجف الکبار وبعد وفاة السّید الحکیم، ووصل إلی مقام المرجعیّة وأدار الحوزة العلمیّة لسنوات مدیدة. توفی فی الثّامن من صفر 1413 فی مدینة الکوفة ودفن فی الصّحن العلوی فی غرفة ما بین الصّحن و مسجد الخضراء. (2)

أساتذته

حصّل السّید الخوئی علومه علی ید أساتذة کبار، أبرزهم: (3)

شیخ الشّریعة العلاّمة الأصفهانی، أستاذه فی الفقه.

آیة الله الشّیخ مهدی المازندرانی، وکان من الأساتذة المشهورین فی تلک المرحلة.

آیة الله المیرزا النائینی، وهو عمّدة أساتذته فی الفقه والأصول، وحضر له دورة أُصولیّة کاملة.

العلاّمة المحقق الشّیخ محمدحسین الأصفهانی، وهو أیضاً من أبرز أساتذته، حضر له دورة أُصولیّة کاملة.

الآغا ضیاءالدّین العراقی، وکان من أساتذة النجف البارعین، ونهل السّید الخوئی منه الکثیر.

تلامذته

تتلمذ علی یدیه جمع غفیر من العلماء یصعب إحصاؤهم، فالخصائص الّتی میزت درسه جذبت إلیه الکثیرین، وهناک جمع کبیر من علماء النجف الحالیین هم خریجو مدرسته الّذین تدرجوا فی حلقات دروسه، سنکتفی هنا بذکر مجموعة منهم: (4)

العلاّمة الشّهید آیة الله السّید محمدباقر الصدر.

آیة الله الشّیخ محمدتقی بهجت، بعد رحیل أستاذه الأصفهانی، حضر درس السّید الخوئی عدة سنوات، وما زال علی قید الحیاة.

ص:357


1- (1) . رسالة السّید الخوئی: 32 و33.
2- (2) . المصدر السّابق: 50.
3- (3) . المصدر السّابق: 33 و34، 58 و59.
4- (4) . یمکن العثور علی لائحة بجمیع تلامذته فی رسالة حیاة السّید الخوئی... : 71- 74.

العلاّمة محمدتقی الجعفری، العالم الکبیر والفیلسوف المعاصر.

آیة الله الشّیخ کاظم التّبریزی، الفقیه والمحقق المتتبع، ترک مؤلّفات کثیرة، ما زالت غیر مطبوعة.

آیة الله الشّیخ مرتضی النجفی البروجردی، قرر درس أستاذه السّید الخوئی فی الفقه تحت عنوان مستند العروة الوثقی.

آیة الله الشّیخ حسن صافی الأصفهانی، قرّر درس أُستاذه فی الأُصول تحت عنوان الهدایة فی الأُصول؛ وغیرهم من العلماء.

مصنّفاته العلمیّة

ترک السّید الخوئی مؤلّفات کثیرة، نقتصر علی ذکر بعضها: (1)

البیان فی تفسیر القرآن، ولم یکتب فیه سوی مجلدٍ واحدٍ.

أجود التقریرات، وهو تقریر درس الأُصول للمیرزا النائینی.

تعلیقته علی العروة الوثقی.

رسالة فی اللباس المشکوک.

تکملة منهاج الصالحین.

معجم رجال الحدیث، موسوعة ضخمة فی علم الرجال طبعت فی 24 مجلداً.

إضافة إلی مصنّفاته الّتی دونها بیده، عمل بعض تلامذته علی تقریر دروسه فی الفقه والأصول، بعضها تمت طباعته کالتنقیح للمیرزا علی الغروی التبریزی ویشمل أبحاث الإجتهاد والتّقلید والطهارة والصلاة. کمستند العروة الوثقی للشّیخ مرتضی البروجردی ومصباح الفقاهة للشّیخ محمّدعلی التوحیدی. (2)

مصنّفاته الأُصولیّة

یمکن القول أنّ تعلیقاته علی أجود التقریرات هو الکتاب الوحید الّذی ترکه وفیه نظریاته وآراؤه الأُصولیّة. (3) إضافة إلی هذهالتعلیقات الّتی دونها بیده، قام عدد من

ص:358


1- (1) . انظر: رسالة السّید الخوئی: 79 - 87.
2- (2) . المصدر السّابق: 75 - 77.
3- (3) . معروف أنّ السّید الخوئی کتب دروس المحقق الأصفهانی، بالإضافة إلی تقریر درس النّائینی. ویبدو أنّه

تلامذته بتدوین دروسه الأُصولیّة، وطبع العدید منها، وسنشیر هنا إلی عدد منها:

محاضرات فی أُصول الفقه للشّیخ محمد إسحاق الفیاض، طبع فی خمسة مجلدات، تقتصر أبحاثها علی قسم الألفاظ.

مصباح الأُصول، للسّید سرور البهسودی، طبع فی ثلاثة مجلدات.

مبانی الاستنباط، للسّید أبوالقاسم الکوکبی التّبریزی، فی أربعة مجلدات.

مصابیح الأُصول للسّید علاءالدّین بحرالعلوم، فی مجلد واحد، وفیه نصف مباحث الألفاظ.

دراسات فی الأُصول، للسّید علی الشّاهرودی، وهو دورة أُصولیّة کاملة، طبع فی أربعة مجلدات.

الهدایة فی الأُصول تدوین الشّیخ حسن الصافی، وهو دورة أُصولیّة تامة، طبع فی أربعة مجلدات.

آراؤه الأُصولیّة

وفق السّید الخوئی کثیراً فی عرض المبانی الأُصولیّة وشرحها، حیث صنّف الأبحاث ونقحها بشکل کامل، ولهذا الأمر دلالة قویة علی مدی إحاطته بهذا العلم. نکتفی هنا بالإشارة إلی جملة من آرائه ونظریاته فی هذا المجال:

1. السّید الخوئی من القائلین ب- نظریة التعهد فی بحث دلالة الألفاظ وإفادة المعنی. فهذه النظریة وإن کانت علی خلاف المشهور، إلاّ أنّها کانت مطروحة فیما مضی- قبل السّید الخوئی- من بعض الأُصولیین کالملا علی النهاوندی (1) وبعض تلامذته مثل أبوالمجد الأصفهانی، (2) والعلاّمة الحائری الیزدی. (3) ثمّ جاء السّید الخوئی بعد ذلک واقتفی أثرهم فیها.

والمراد من النظریة إجمالاً، بیان التلازم بین اللفظ ومعناه علی نحو القضیة الشّرطیة، حیث تعهد العقلاء فی غابر الزّمان علی ذلک. وتقوم هذه القضیة (الشّرطیة) علی جهتین:

ص:359


1- (1) . الملا علی النهاوندی: تشریح الأُُصول (طباعة حجریة): 30.
2- (2) . أبوالمجد الأصفهانی: وقایة الأذهان: 62- 65.
3- (3) . الشّیخ عبدالکریم الحائری الیزدی: درر الفوائد: 35/1.

الأولی: الإتیان باللفظ علی اللسان.

والثانیة: قصد تفهیم المعنی بهذا اللفظ. وبناء علیه، لا یبقی فی البین أی دافع للکلام سوی تفهیم المعنی. ویستخلص من هذه النظریة:

أوّلاً: أنّ الدلالة الّتی تأتی دائماً من هکذا وضع هی الدلالة التّصدیقیة، أمّا الدّلالة التّصوریة بین اللفظ ومعناه فلا تأتی من الوضع بالمعنی المذکور.

ثانیاً: سیکون کلّ واحد من المستعملین للألفاظ بحق، واضعین لها. (1)

2. یری المشهور أنّ الشّهرة الفتوائیة المعتبرة الّتی تجبر ضعف السّند أو تسقط الرّوایة الصحیحة عن الاعتبار هی الشهرة الفتوائیة بین الفقهاء المتقدمین القریبین من عصر أصحاب الأئمة علیهم السلام والرّواة الأوائل لیس إلاّ، أمّا المتأخرون من الفقهاء فلا قیمة للشهرة الفتوائیة بینهم.

یرفض السّید الخوئی هذه النظریّة، ویقول أنّ لا حجیة للشّهرة علی أیّ فرض کانت، حتّی الشّهرة عند القدماء؛ لأمرین:

الأوّل: لا یوجد لدینا أیّ طریق لنعرف منه أنّ الفقهاء السابقین وضعوا جانباً روایة معتبرة فی مسألة فقهیة، أو أنّهم استندوا إلی روایة ضعیفة. والأمر الوحید الّذی نراه هو مطابقة فتوأهمّ لخبر ضعیف. ولا نستطیع بصرف المطابقة المذکورة الاستنتاج بأنّ مستند فتوأهمّ هذا الخبر الضّعیف، لأنّه من المحتمل أنّ یکون لدیهم مستند آخر اعتمدوا علیه فی هذه الفتوی أو هذا الحکم.

الثّانی: المفروض أنّ فتوی المشهور لا حجیة لها من تلقاء نفسها، وکذلک المفروض ثبوت عدم حجیة الخبر الضّعیف، وعلیه یتّضح أنّ انضمام غیر الحجة إلی غیر الحجة لا یفید الحجیّة کذلک. إضافة إلی أنّ عمل المشهور بالرّوایة الضعیفة لیس دلیل توثیقٍ عملیٍ لراویها، لأنّه یمکن أن یکون عمل المشهور بها لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب نظرهم واجتهادهم، لا لکون المخبر ثقة عندهم، فالعمل بخبر ضعیف لا یدلّ علی توثیق المخبر به، ولا سیما أنّهم لم یعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر. (2)

ص:360


1- (1) . جاء فی المحاضرات: فبالنتیجة: أنّ مذهبنا هذا ینحل إلی نقطتین: النقطة الأولی: أنّ کلّ متکلّم واضع حقیقة، وتلک نتیجة ضروریة لمسلکنا: أنّ حقیقة الوضع: (التعهد والالتزام النفسانی). النقطة الثّانیة: أنّ العلقة الوضعیة مختصة بصورة خاصة، وهی: ما إذا قصد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ، وهی أیضاً نتیجة حتمیة للقول بالتّعهد، بل وفی الحقیقة هذه هی النقطة الرئیسیة لمسلکنا هذا، فإن علیها تترتب نتائج ستأتی فیما بعد إن شاءالله تعالی. راجع: محمد إسحاق الفیاض: محاضرات فی أُصول الفقه: 49/1 - 55.(المترجم)
2- (2) . السّید محمد البهسودی: مصباح الأُُصول: 201/2 و202 والنص الحرفی الّذی جاء فی تقریر البهسودی: وإن

3. فی بحث الاستصحاب، یقول السّید الخوئی: إنّ هذه القاعدة أمارة ولیست أصلاً عملیّاً، حتّی ولو تمّ إثباتها عن طریق الرّوایات. وأماریة الاستصحاب هی فی طول الأمارات الأُخری ولیست فی عرضها، ولذلک فهی- أی باقی الأمارات- مقدّمة علی الاستصحاب. وتستند نظریة السّید الخوئی إلی نکتة دقیقة، وهی أنّ مفاد أدلّة حجیة الاستصحاب التّعبد ببقاء الیقین السّابق فی حالة الشّک، ولیس التّعبد بالعمل بالیقین فی زمن الشّک، وبین هذین التعبیرین اختلاف کبیر، فالأوّل یعتبر موقع الاستصحاب نفس الأمارة، أمّا الثّانی فیثبت کونه أصلاً عملیاً. لکن الاستصحاب أضعف الأمارات لأنّ التّعبد بتثبیت الیقین فی زمن الشّک تعبّد عملی وإجرائی، ولا یوجد فیه أی تقریر وحکایة عن الواقع. 1

4. یقول السّید الخوئی وخلافاً لمشهور أُصولیی المتأخرین- : إنّ الاستصحاب یجری فقط فی الشّبهات الموضوعیة وهو حجة. أمّا فی الشّبهات الحکمیة فهو یتواجه دائماً مع استصحاب عدم الجعل وتکون نتیجة هذا التّعارض عدم حجیة الاستصحاب فی الشّبهات الحکمیة. 2

ص:361

2. الإمام الخمینی (1320 -1410ه)

اشارة

هو روح الله الموسوی الخمینی ابن السّید مصطفی، مؤسس الجمهوریّة الإسلامیّة فی إیران، ولد سنة (1420ه) فی بلدة خمین من نواحی المحافظة المرکزیة. عاد والده الّذی کان من تلامذة المیرزا الشّیرازی، إلی إیران بعد نیله درجة الإجتهاد، وشرع فی تعلیم النّاس الأحکام الدّینیة وحلّ مشاکلهم، واستشهد بعد خمسة أشهر فقط بعد ولادة ابنه الإمام، علی ید قطاع الطّرق فی تلک الدیار.

درس الإمام المقدّمات علی ید ثلّة من الأساتذة، منهم: المیرزا محمود افتخار العلماء، وآیة الله السّید مرتضی بسندیدة (أخوه الأکبر). قدم عام (1298ه ش). إلی الحوزة العلمیّة فی أراک وتتلمذ علی المرحوم العالم الکبیر الشّیخ عبدالکریم الحائری الیزدی، ومع انتقال الحوزة إلی قم التحق الإمام بها ولزم أستاذه آیة الله الحائری الّذی انتقل إلیها أیضاً.

درس السّطوح عند أساتذة، منهم: السّید محمّدتقی الخوانساری وآیة الله السّید علی الیثربی الکاشانی. وحضر سنوات عدیدة دروس بحث الخارج فی الفقه والأُصول للشّیخ الحائری ونهل من علومهم، ووصل إلی مرحلة متقدّمة من الإجتهاد. اشتغل الإمام إضافة إلی الفقه والأصول بالفلسفة والعرفان والهیئة تحصیلاً وتحقیقاً، ودرس الفلسفة والهیئة علی علماء کبار، کالشّیخ الرفیعی القزوینی والآغا المیرزا علی أکبر حکمی الیزدی، ودرس العرفان عند آیة الله الشاه آبادی، ووصل بعد مدة إلی أعلی المراتب العلمیّة وأصبح من المدرسین الکبار. وفی مرحلة شبابه کان کثیر الاشتغال فی تدریس الفلسفة والبحث فی العرفان، ولم یتصدّ تدریس الفقه والاُصول إلاّ عندما شعر بأنّها تعانی من فراغ وتحتاج إلی من یتصدی، وکان فی منتصف عمره الشّریف عندما شرع بتدریس البحث الخارج فی الفقه والأُصول وربّی الکثیر من التّلامذة، وألّف کتباً عدیدة فی هذا المجال. (1)

الإمام الخمینی عالم فقیه، ذو فطنة عالیة، کان سیاسیّاً محنکاً من الطّراز الأول، وقف علی الدّوام فی وجه انحرافات النظام السّابق، وفضح مخططاته وسیاساته، ما حدا بالنظام إلی

ص:362


1- (1) . بعض العلماء الّذین تتلمذوا علی یدیه، أصبحوا من رواد الحوزات العلمیّة والمیادین السّیاسیة والجهادیّة، منهم: الشّهید مطهری والشّهید بهشتی، وابنه الشّهید السّید مصطفی، والشّیخ علی المشکینی والشّیخ هادی معرفة، والشّیخ جوادی الآملی والشّیخ فاضل اللنکرانی، والشّیخ جعفر السّبحانی، والشّیخ صانعی، والشّیخ المصباح الیزدی، والشّیخ هاشمی رفسنجانی، والإمام السّید علی الخامنئی قائد الثّورة الإسلامیة الحالی وغیرهم.(المترجم)

اعتقاله وحبسه عدّة مرات. لکنّهم لم یتمکنوا من إسکات هذا العالم الشّجاع الّذی لم یعرف الملل والتّعب، فأبعدوه إلی ترکیا فی نهایة المطاف وبقی هناک سنة ونیف، ثمّ بعد ذلک أبعد إلی النجف وبقی هناک قرابة (15)سنة. واشتغل هناک بالتّدریس والتّحقیق، وکانت دروسه ملیئة بالحیویة. لم ینس المواجهة السّیاسیة خلال هذه المدة، ولم یتوان عن القیام بمسؤولیاته، وفی النهایة وبعد شهادة ابنه السّید مصطفی عام (1356ه ش) وبعد الضّغط المتفاقم الّذی مورس علیه من قبل النظام الخائن فی العراق، أُجبر علی السّفر إلی فرنسا، وبعد أشهر من الإقامة هناک، تمکّن بقیادته الحکیمة من إیصال ثورة کبیرة فی إیران إلی شاطئ النصر. عاد إلی إیران بعد (15) عاماً من الإبعاد، وانتصرت الثّورة بعد عشرة أیام من عودته. وأدار دفّة الدّولة لمدة عشر سنوات بحنکة وحکمة عالیة علی الرّغم من العقبات الکثیرة. رحل عن الدّنیا الفانیة فی الثّالث عشر من خرداد من السّنة الإیرانیة (1368ه . ش).

لا شکّ بأنّ الإمام کان عالماً استثنائیاً عظیماً فی تأریخ الإسلام، فکثیرة وکبیرة هی الإعمال الّتی قام بها فی مختلف المجالات علی المستوی العالمی، السّیاسیة منها، والاجتماعیّة والعلمیّة والثّقافیّة، إلی حدّ أنّها غیر قابلة للوصف، بحیث تکفی کلّ واحدة منها لشهرة فرد وتعظیمه فی العالم أجمع. وعلیه، فهناک مجال واسع للبحث فی الأبعاد المختلفة لحیاة هذا الإنسان العظیم ودراسة أفکاره ونظریاته بشکل جدّی والتّعرف علیه أکثر، وتقدیمه للعالم والمسلمین خاصة بصورته الحقیقیّة. (1)

امتاز الإمام بقوته العلمیّة أیضاً إلی جانب الأبعاد المتقدّمة السّیاسیة، الاجتماعیة..؛ وعلیه ینبغی النظر إلیه کفیلسوف کبیر وعارف متعمق، وفقیه لامع وأُصولی مجدد وصاحب نظر. وکان صاحب ذوق متحسس وعطوف، ونظم الشّعر، وکتب العدید من الوصایا العرفانیة والسّلوکیة لأفراد عائلته، أشهرها ما کتبه لابنه السّید أحمد. ربّی الکثیر من العلماء، منهم: الشّهید مطهری، والشّهید بهشتی وغیرهم، وهناک مجموعة من تلامذته أصبحوا من کبار العلماء والمحققین فی الحوزة.

ص:363


1- (1) . توجد عشرات الکتب الّتی تناولت حیاة الإمام، ومدرسته الفکریة، ومحطات بارزة من جهاده العلمی والسّیاسی، یمکن مراجعة: محمّدحسن رجبی، الحیاة السّیاسیة للإمام الخمینی؛ بیروت، دارالروضة، ترجمة فاضل عباس بهزادیان، ط 1، 1993م. وکذلک، عباس نورالدّین، الإمام مدرسة، بیروت، بیت الکاتب للدّراسات، (2006م). (المترجم)
مصنّفاته العلمیّة

ترک الإمام الخمینی قدس سره مصنّفات کثیرة ومتنوّعة، تعدّ فی أغلبها عناوین أساسیة وذات قیمة عالیة، (1) منها هذه المجموعة:

1. شرح دعاء السّحر، طبع لاوّل مرة سنة 1347ه وفیه مطالب عرفانیة عمیقة.

2. مصباح الهدایة إلی الخلافة والولایة، وقد أتمّه الإمام وکان فی الثامنة والعشرین من عمره؛ وهو کتاب مهم وأساسی فی العرفان الإسلامی.

3. الأربعون حدیثاً، کتاب مشهور طبع مرات عدة، وهو شرح أخلاقی عرفانی مفصّل لأربعین حدیثاً من أحادیث المعصومین علیهم السلام .

4. سر الصّلاة، شرح عمیق لأسرار الصلاة المعنویة والعرفانیة، کتبه الإمام سنة (1358ه).

5. حاشیة علی الأسفار، غیر مطبوع.

6. انوار الهدایة، تعلیقة علی کفایة الأُصول الآخوند الخراسانی.

7. کتاب الطهارة فی الفقه، مطبوع فی (4) مجلدات.

8. المکاسب المحرّمة، مطبوع فی مجلدین.

9. کتاب البیع فی (5) مجلدات.

10. تحریرالوسیلة فی مجلدین، الرّسالة العملیة باللغة العربیة.

11. الرسائل، ومنهاج الوصول، وهما فی الأُصول.

12. الحکومة الإسلامیة أو ولایة الفقیه. (2)

13. دیوان أشعار.

مصنّفاته الأُصولیّة

أحاط الإمام بالأُصول وکان متبحّراً فی مختلف فروعه ومباحثه، حیث درّسه علی المنهج الإجتهادی أکثر من مرة، وصنّف خلال هذه المدة أکثر من کتاب أُصولی منها:

ص:364


1- (1) . حمید أنصاری: حدیث الانطلاق: 216- 244.
2- (2) . مجموعة محاضرات فی الفقه السیاسی والنظریة السیاسیّة للإسلام فی الحکم، والإمام الخمینی اوّل فقیه معاصر بعد المحقق النراقی بحث هذه المسألة. ویتضمن خلاصة الأدلة والمبانی النظریة الّتی استند إلیها فی الدعوة إلی تشکیل الحکومة الإسلامیّة، طبع فی بعض الدول قبل انتصار الثورة فی إیران، وطبع فی بیروت ثلاث مرات علی الأقل. (المترجم)

1. أنوار الهدایة فی التعلیقة علی الکفایة، وهی حاشیة نقدیة علی القسم الثّانی من الکفایة للآخوند الخراسانی، طبعت سنة (1372ه ش). فی مجلدین.

2. مناهج الوصول، متعلق بمباحث القسم الاوّل من الأُصول، طبع فی مجلدین (عام1372ش).

3. الرسائل، مجموعة من المباحث شاملة ل- "الاستصحاب" قاعدة التجاوز والفراغ التعادل والتّراجیح والإجتهاد والتّقلید، کتبها سنة(1370ه ق). طبعت مؤخراً بصورة رسائل مستقلة من قبل مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی.

4. رسالة فی فروع العلم الإجمالی، لم یطبع إلی الآن. (1)

5. رسالة فی موضوع علم الأُصول أیضاً لم یطبع. (2)

6. تقریرات دروس آیة الله البروجردی فی الأُصول، طبع مؤخراً بعنوان: لمحات الأُصول.

تقریرات دروسه

بالإضافة إلی ما کتبه الإمام بنفسه، قام عدد من تلامذته بتقریر دروسه فی الأُصول، من هذه التقریرات:

1. تهذیب الأُصول، تقریر آیة الله الشّیخ جعفر سبحانی، طبع فی حیاة الإمام، فی مجلدین.

2. جواهرالأُصول، تقریر آیة الله السّید محمدحسن مرتضوی اللنکرودی، طبع منه بعض المجلدات من قبل مؤسسة نشر آثار الإمام الخمینی قدس سره .

3. معتمدالأُصول، تقریر آیة الله الشّیخ فاضل اللنکرانی، طبع فی مجلدین من قبل مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، ویتضمن مباحث الأُصول من مقدّمة الواجب إلی آخر الأُصول.

4. تنقیح الأُصول، تقریر الشّیخ حسین التقوی الاشتهاردی، طبع فی أربعة مجلدات من قبل مؤسسة نشر آثار الإمام. وهی دورة أُصولیّة کاملة.

إطلالة علی آرائه ونظریاته الأُصولیّة

بذل الإمام الخمینی جهوداً کبیرة فی سبیل تطویر أُصول الفقه والوصول به إلی مستوی أفضل. وقد أثمرت بعض هذه الجهود فی إحداث تحوّلات فی الشّکل والبناء؛ وبعض

ص:365


1- (1) . مجموعة محاضرات فی الفقه السیاسی والنظریة السیاسیة للإسلام فی الحکم: 229.
2- (2) . مجموعة محاضرات فی الفقه السیاسی والنظریة السیاسیة للإسلام فی الحکم.

جهوده أیضاً انتهت بتحوّلات علی مستوی المضمون وحل مجموعة من المعضلات الأُصولیّة. سنشیر هنا إلی طائفة من هذه الأعمال: (1)

1. جهوده الکبیرة لتنقیة هذا العلم من الأبحاث الزائدة الّتی لا فائدة منها، والتّی فی أغلبها تتضمن احتمالات عقلیة صرفة قد تساعد فی تقویة الذهن لیس أکثر. وبرز اهتمام الإمام بهذا الأمر إلی حدّ أنّه أشار إلیه فی مناسبات عدیدة. (2) والإمام نفسه قام بهذا العمل، وصفّی بعض الأبحاث الأُصولیّة من الإضافات، وغالباً ما تبعه تلامذته فی ذلک علی محورین: حذف المطالب الزائدة، وتلخیص الأبحاث قلیلة الفائدة، ومن هذه الأبحاث:

التعریفات فی مسائل الأُصول، الحقیقة الشّرعیة، مقدّمة الواجب، الضّد، دوران الأمر بین التّخصیص والنسخ، انسداد باب العلم وغیر ذلک. فبعض هذه الأبحاث حذفوه بالکامل، والبعض الآخر عملوا علی تلخیصه واختصاره. وفی المحصلة، یمکن القول إنّ هذا العمل ساعد فی تخفیف الشّحوم الزائدة الّتی لحقت بالبحث الأُصولی، والتّی برأیهم أخذت حجماً کبیراً لکنّها فی الحقیقة لا تعدو کونها انتفاخا عدیم الفائدة.

2. إحدی الأفکار الأساسیّة الّتی شغلت بال الإمام وخاصة بعد تشکیل الحکومة الإسلامیة، وحجم الضّرورات المتعلقة بها، إحساسه بعدم کفایة طریقة الإجتهاد المصطلح

ص:366


1- (1) . یمکن أیضاً التّعرف علی إبداعات الإمام الخمینی علی المستوی الأُُصولی، فی دراسة کتبها الشّیخ أحمد مبلغی فی مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام ، ولأهمیّة البحث المذکور، رأینا من المناسب إیرادها بشکل مختصر فی ختام الحدیث عن إبداعات الإمام، وجاءت عناصرها الأساسیّة علی الشّکل التّالی: العنصر الأول: استناد الإمام إلی النظر العرفی فی أکثر من مسألة أصولیّة، منها: - النظر العرفی إلی الأمارات: مقابل نظریة التّنزیل المشهورة الّتی نظر أصحابها إلی العرف بمنظار عقلی، بینما تعامل معه الإمام بتحلیل عرفی، أی أنّ العرف یری الإمارة طریق، ولا یعتبرها حجة من باب التّنزیل. - المرجع فی تشخیص المصداق: لا بدّ من الرجوع إلی العرف والأخذ بنظرهم فی تشخیص المصداق فی حین یعتقد الکثیرون أنّ المرجع فی تشخیص وتعیین مصداق الموضوع هو الدّقة العقلیة. - الترتب: من نتائج النهج العرفی للمدرسة الأُصولیّة للإمام الخمینی، رأیه فی (بحث الضّد والأمر التّرتبی). ویشکّل هذا الرأی نظریة جدیدة لم یسبقه إلیها أحد. ویعتقد السّید مصطفی الخمینی أنّ هذا الرأی هو بارقة ملکوتیة یمکن أن تحلّ کثیر من المعضلات الفقهیة والأُصولیة. العنصر الثّانی: الاستفادة من الأسالیب المختلفة فی کلام العرف لفهم القرآن الکریم. العنصر الثّالث: الاستفادة من السّیاق فی فهم القرآن الکریم.(المترجم)
2- (2) . الإمام الخمینی: الرسائل: 78/2- 98.

فی الحوزة (1). وصرّح مراراً وفی موارد متعددة أنّ هذا الأسلوب لا ینفع فی حلّ مشکلات المجتمع ومشکلة الاستنباطات الفقهیّة فی المجالات المختلفة الحکومیة والاجتماعیة. (2) وأشار الإمام نفسه فی بعض الموارد إلی جملة من الحلول؛ من قبیل دخالة عنصری الزّمان والمکان فی الإجتهاد، (3) لکن لم تسنح له الفرصة لتحقیق هذا التّحول العمیق.

علی أی حال، من المؤکد أنّه لإیجاد تحول جذری وأساسی فی الأُصول، والوصول إلی الأسلوب الإجتهادی المطلوب- إلی جانب کل التّحولات الأساسیة والتّغیرات البنیویّة الّتی ینبغی أن تحصل أیضاً فی مختلف الفروع العلمیّة مورد الحاجة- کذلک لا بدّ من هذه التّحولات فی أُصول الفقه أیضاً کأهمّ وسیلة للإجتهاد، حیث وفق الإمام فی عرض نماذج منها زمن التّدریس والتّحقیق، والتّی هی عبارة عن تحوّل فی الکم وتصفیة الأُصول من الإضافات والمباحث قلیلة الفائدة.

3. من نظریات الإمام الأساسیّة فی الأُصول والتّی استخدمها فی مواضع عدیدة لحلّ جملة معضلات، هی نظریة الخطابات القانونیة. لاشکّ بأنّ طرح هذه النظریة بشکل واسع کان من مختصات الإمام، حیث عبّر عنها البعض بالأصل الأصیل. (4) ولتوضیح هذه المسألة نقول:

الخطابات علی نحوین خطابات جزئیة- شخصیة وخطابات کلیة- عامة. یری مشهور العلماء أنّ الخطابات الکلیة تنحل فی المحصلة إلی خطابات شخصیة متعددة، لکن الإمام الخمینی لا یری ذلک، فهی لا تنحل إلی خطابات شخصیة کثیرة بعدد أفراد المکلّفین، حتّی نبحث عن شروط وکیفیة هذا الانحلال، وکیفیة رعایة شروط الخطاب الشّخصی فیه، حیث یواجه القائلون بالانحلال ظهور بعض المشاکل الجدیة فی عدة أبحاث أُصولیّة مرتبطة. بینما علی رأی الإمام، الّذی یجعل الأحکام الکلیة علی نحو الخطابات القانونیة، وبالتّالی تصبح هذه المشاکل قابلة للحل بسهولة.

یوجد فی الخطابات الشّخصیة خطاب مستقل بعدد کلّ واحد من المخاطبین أمّا فی الخطابات القانونیة فهناک خطاب واحد والمخاطب به کثیر. یقول الإمام فی شرح الخطابات

ص:367


1- (1) . صحیفة النور: 47/21.
2- (2) . المصدر السّابق: 34 - 61.
3- (3) . المصدر السّابق: 61.
4- (4) . کآیة الله مصطفی الخمینی، انظر: تحریرات فی الأُُصول: 3 /42.

القانونیة: ثمّ إنّ البحث قد یقع فی الأوامر الشّخصیة، کأمره تعالی للخلیل علیه السلام وقد یقع فی الأوامر الکلیة القانونیة، فعلی الاوّل فلا إشکال فی امتناع توجه البعث لغرض الانبعاث إلی من عَلِمَ الآمر فقدان شرط التکلیف فیه،..، ضرورة أنّ البعث لغرض الانبعاث إنّما یمکن فیما یحتمل أو یعلم تأثیره فیه، ومع العلم بعدم التّأثیر لا یمکن البعث لغرض الانبعاث، وکذا الحال فی الزجر والنهی. وأما الإرادة التّشریعیة القانونیة فغایتها لیست انبعاث کلّ واحد واحد، بل الغایة فیها- بحیث تصیر مبدأ لها- هی أنّ هذا التّشریع لما کان تشریعاٌ قانونیاٌ لا یکون بلا اثر، فإذا علم أو احتمل تأثیره..تتحقق الإرادة التشریعیة علی نعت التقنین، ولا یلزم فیها التّأثیر علی کلّ واحد؛ لأن التّشریع القانونی لیس تشریعات مستقلة بالنسبة إلی کلّ مکلف. (1)

فهذا الإمکان موجود فی الخطابات القانونیة بحیث یجعل تمام المکلفین تحت خطاب واحد فی جمیع الحالات والخصائص، وهذا النوع من الخطاب لیس بغیر مستحسن، لأنّه لا ینبغی أنّ یکون القانون عدیم الأثر عند تقنین المشرّع، وإن کان یظهر أثره فی طول الزّمان، أو أنّ یوجد احتمال ذلک الأثر، فالإرادة التّشریعیة والقانونیة قد أنجزت ولا إشکال فی ذلک.

وقیمة نظریة الخطابات القانونیة أنها بمثابة مفتاح بید الإمام استخدمها فی حلّ معضلات کثیرة فی مباحث الأُصول، کبحث الضّد، (2) وعموم الخطابات القرآنیة، (3) وفی تفسیر حدیث الرّفع فی البراءة، (4) وفی جملة من مباحث العلم الإجمالی، (5) وغیر ذلک. (6)

3. العلاّمة الشّهید السّید محمدباقر الصّدر (1353-1400ه)

اشارة

ولد الأستاذ السّید محمدباقر الصّدر عام (1353ه) فی الکاظمیة. والده السّید حیدر الصّدر ابن السّید إسماعیل الصّدر الّذی کان من ألمع تلامذة المیرزا الشّیرازی الّذی أوکل إلیه کرسی

ص:368


1- (1) . انظر: الإمام الخمینی: مناهج الوصول: 67/2. (المترجم)
2- (2) . مناهج الوصول: 2 /25- 28. [وسیأتی الحدیث عنها ضمن مسألة الترتب الّتی جاءت کمصداق من مصادیق النظر العرفی عند الإمام.(المترجم)]
3- (3) . المصدر السّابق.
4- (4) . أنوار الهدایة: 23/2-40.
5- (5) . المصدر السّابق: 215- 218.
6- (6) . راجع فی هذا البحث أیضاً، مقالة الخطابات القانونیة فی الفکر الأُُصولی عند الإمام الخمینی، تدوین أبوالقاسم الیعقوبی، مجلة الفقه، العدد 21 و22، ص 209- 232.

التّدریس فی الفترة الأخیرة من مرجعیته. کان مجلس درسه فی سامراء مزدحماً وأکثر حیویة من دروس السّید محمد الفشارکی والسّید محمدتقی الشّیرازی، وتتلمذ علیه علماء کالمیرزا النائینی. کان جد السّید الصّدر من مراجع التّقلید الکبار، درس علی یدیه علماء کبار کالشّیخ الأنصاری والمیرزا الشّیرازی، أمّا والد الشّهید الصّدر فکان عالماً مجتهداً أیضاً، وصاحب تقوی وزهد، توفی أواسط عمره، وکان السّید الشّهید فی السّادسة من عمره. (1) بدأ السّید الشّهید دراسته الحوزویة منذ نعومة أظافره؛ وبلغ مرحلة البحث الخارج أوائل شبابه. کان ذکیاً فطنا، لم یقلد قبل بلوغه سوی خاله الشّیخ محمّدرضا آل یاسین، فکان قد بلغ مرحلة الإجتهاد عند بلوغه الشّرعی ولم یقلد أحداً بعد ذلک. کان أکثر درسه علی الشّیخ آل یاسین والسّید الخوئی رحمه الله ، وطوی بسرعة مراحل علمیة متقدّمة ووصل إلی الإجتهاد. کان فی السّادسة والعشرین من عمره عندما شرع فی تدریس بحث الخارج فی الأُصول، وفی التّاسعة والعشرین بدأ تدریس بحوث الخارج فی الفقه، درّس دورة أُصولیّة کاملة وکان فی منتصف الدورة الثّانیة عندما استشهد. (2)

لا شکّ بأنّه من نوابغ العالم الإسلامی، اجتهد وکان فی أوج شبابه؛ وفی الثلاثینیات من عمره کان الفقیه الکبیر المحیط بالمبانی الفقهیة بشکل تام. وبرزت أیضاً مهارته واقتداره العلمی فی العلوم الأخری کالفلسفة والکلام والمنطق وکان لدیه اطلاع علی فلسفة الغرب أیضاً. وکتب بحوثاً تأریخیة تحلیلیة عدیدة، وبعد انتصار الثّورة الإسلامیة فی إیران وضع کتاباً بعنوان الإسلام یقود الحیاة بیّن فیه شؤوناً إسلامیة مختلفة.

تمیز الشّهید الصّدر- إلی جانب قوته العلمیّة بروحیة عالیة وأخلاق رفیعة، وکان محبوباً رؤوفاً بتلامذته وأصحابه، وقف کاللیث الهصور فی مقابل الظالمین والطغاة. (3)

تتمیز مؤلّفات الشّهید الصدر وآراؤه العلمیّة بعمق ودقّة عالیة قلّ نظیرها، وکان یسعی دائماً فی کلّ علم یلجه إلی فتح آفاق جدیدة للعلماء، ومعالجة المشکلات الأساسیة فیه بطرح نظریات جدیدة؛ وللإنصاف فقد نجح إلی حدّ کبیر فی ذلک. سأهم فی تطویر علم المنطق بطرح نظریة جدیدة فی الاستقراء وحلّ مشکلة انتاجیة المعرفة عن طریق حساب الاحتمالات، وقد استخدم هذا المبنی فی الکثیر من الأبحاث الأُصولیّة. وقدّم أیضاً مبانٍ

ص:369


1- (1) . انظر: السّید کاظم الحائری: مقدّمة مباحث الأُصول (الجزء الاوّل من القسم الثّانی): 16- 30.
2- (2) . المصدر السّابق: 42- 44.
3- (3) . المصدر السّابق: 45 - 55.

جدیدة فی الفلسفة والاقتصاد الإسلامی؛ وأکثر من ذلک کله إبداعاته الجدیدة فی الأُصول.

تخرج علی یدیه الکثیر من العلماء، بعضهم وصل إلی درجات علمیة متقدّمة وساروا علی نهج أستاذهم، ودأبوا علی شرح وتبیین آرائه ونظریاته. (1)

کان السّید الشّهید عالماً وثوریاً شجاعا، استلهم من أفکار الإمام الخمینی فی قیامه ضد الحکومة الظالمة فی العراق، انتهی الأمر إلی اعتقاله من قبل طاغیة العراق وخضع لشتّی أنواع التّعذیب إلی أنّ استشهد علی أیدی هؤلاء الظّلمة فی جمادی الأولی من العام (1400ه). (2)

مصنّفاته العلمیّة

امتازت مصنّفات الشّهید الصّدر بتنوع استثنائی، وهی تحکی عن إحاطته بمختلف الفروع العلمیّة خاص، (3) هذه باقة منها:

1. فدک فی التّأریخ، طُبع ونُشر عام (1374ه).

2. فلسفتنا، نشر سنة (1379ه).

3. اقتصادنا، نشر سنة (1381ه).

4. البنک اللاربوی فی الإسلام.

5. الأسس المنطقیة للاستقراء، طبع سنة (1391ه).

6. المعالم الجدیدة فی أُصول الفقه.

7. بحوث فی شرح العروة الوثقی، طبع منه عدّة مجلدات.

8. بحث حول المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف .

9. بحث حول الولایة.

10. الفتاوی الواضحة، وهو رسالة عملیة.

11. الإسلام یقود الحیاة، طبع فی سنة (1399ه)، مؤلّف من ست حلقات.

12. تعلیقة علی صلاة الجمعة من کتاب شرائع الإسلام، غیر مطبوع.

ص:370


1- (1) . من تلامذته المعروفین: السّید کاظم الحائری، السّید محمود الشاهرودی، والسّید حسین الشاهرودی، والسّید محمد الغروی، والشّیخ حسن عبدالساتر، والسّید محمدباقر الحکیم، والشّیخ الآصفی. وغیرهم الکثیر، ومؤخراً صدر کتاب فی هذا الشأن أحصی جمیع الّذین تتلمذوا علی یدیه بعنوان تلامذة الشّهید الصدر.(المترجم).
2- (2) . انظر: المصدر السّابق: 87 -167.
3- (3) . المصدر السّابق: 67 - 69.
مصنّفاته الأُصولیّة

1. غایة الفکر، هذا الکتاب لم یطبع منه سوی مجلدٍ واحدٍ، وهو متعلق بالعلم الإجمالی، ویفهم من مقدّمة الکتاب أنّ الشّهید الصّدر کان فی صدد تألیف دورة استدلالیة کاملة فی الأُصول، حیث جعل بحث العلم الإجمالی الجزء الخامس من السّلسلة، ویظهر أنّه قدّمه علی الأبحاث الأُخری، (1) لکنّه لم یوفّق- وللأسف- فی إکمال هذه الدورة.

2. المعالم الجدیدة للأصول، کتبه سنة (1385ه) لمعهد أُصول الدّین فی بغداد. وهو علی قسمین؛ الأوّل: حول تأریخ الأُصول ودوره فی الاستنباط. والثّانی: فیه دورة أبحاث ابتدائیة مبسطة. ولهذا الکتاب أهمیة کبیرة من عدة جهات:

الأولی: یُظهر البحث التّأریخی فی بدایة الکتاب، أنّ الشّهید الصّدر اوّل من کتب فی تأریخ أُصول الشّیعة بهذا التفصیل، دوّن أدنی شک، وجمیع الکتب والأبحاث الّتی جاءت فیما بعد اعتمدت علی هذا الکتاب کمصدر أساسی. (2)

الثّانیة: لجهة الهیکلیة الجدیدة الّتی استخدمها فی تبویب الأبحاث. (3)

الثّالثة: لکونه کتاباً دراسیاً- تعلیمیّاً، مع الأخذ بعین الاعتبار أنّ کتباً مثل القوانین والرسائل والمعالم لیست کتباً دراسیة، ویواجه الطّلاب المبتدؤون صعوبات جدّیة فی فهم هذه الکتب، فکان من الضروری وجود کتب متینة تتمتع بخصائص تدریسیة تحلّ مکانها، وعمل الشّهید الصّدر فی تألیف المعالم الجدیدة ودروس فی علم الأُصول فی ثلاث حلقات عمل تأسیسی وخطوة بعیدة المدی لحلّ هذه المشکلة والاستعاضة عن هذه العناوین.

3. دروس فی علم الأُصول، اشتهر هذا الکتاب بالحلقات لأنّه جاء فی حلقات ثلاث؛ وکتبه السّید الصّدر بأسلوب صالحٍ للتّدریس؛ له ممیزات کثیرة من هذه الجهة. مع الإقرار بوجود بعض النقائص لکنّها لیست بالمستوی الّذی یوجب وضعه جانبا. بل یمکن لأصحاب النظر العمل علی رفع نقاط ضعفه، لیصبح فی مستوی الکتب التعلیمیة بیسر وسهولة. وبذلک

ص:371


1- (1) . طبع هذا الکتاب للمرة الأولی سنة 1374 ه.ق. وحقق وطبع مؤخراً مضموماً إلی کتاب المعالم الجدیدة بعنوان أثار الشّهید الصّدر رقم(8)، من قبل المؤتمر العالمی للشهید الصدر.
2- (2) . کالدکتور کرجی فی کتابه تحوّل الأُُصول، والقائینی فی علم الأُُصول تأریخا وتطورا وغیرهم.
3- (3) . یمکن مشاهدة هذا البناء فی کتاب المعالم الجدیدة وکذلک فی بحوث فی علم الأُصول السّید محمود الهاشمی: 57/1 - 59.

تحلّ مشکلة عدم وجود دورة دراسیة کاملة فی السّطوح (ما قبل البحث الخارج).

یتفوق هذا الکتاب عن الکتب السّابقة الّتی وضعها الشّهید الصّدر، فهو منظم بطریقة متناسبة مع المستوی التعلیمی فی السّطح الدّراسی الحوزوی علی ثلاث حلقات- متدرّجة من الأسهل فالأصعب- ولهذا الکتاب مزایا تعلیمیة کثیرة، فهو کالکتاب السابق، جمیل وسلس وعباراته مسبوکة، ولغته عصریة متناسبة مع الذّوق الحدیث لفهم اللغة العربیة.

مع أنّ السّید قصد منه الکتاب الدّرسی، وکان آخر کتاب أُصولی فی حیاته، لذلک نشاهد فی کثیر من مباحثه آخر نظریاته وما استقرت علیه آراؤه الأُصولیّة. وهذه المسألة وإن عدت فی نفسها نقصاً بالنسبة لکتاب دراسی، إلاّ أنّها تعتبر مغنماً مهمّاً للباحثین والمحققین.

والنقطة الأخیرة، فیما یرتبط بالکتاب، أنّ تبویبه جدید وإبداعی، ومختلف عن التّبویب الّذی جاء فی کتاب المعالم الجدیدة. وخلاصته علی الشّکل التّالی:

* مقدمات (تعریف علم الأُصول، الموضوع والغرض منه، الحکم الشّرعی وتقسیماته).

* بحث القطع کمستند وأساس لجمیع الأبحاث الأُصولیّة.

* الأدلة المحرزة: 1) الدلیل الشّرعی؛ 2) الدلیل العقلی.

1. الدلیل الشّرعی، جاءت فیه الأبحاث التّالیة:

البحث الأول: تحدید دلالات الدّلیل الشّرعی:

أ) الدلیل الشّرعی اللفظی (یشمل أبحاث الوضع، المعانی الحرفیة، الحقیقة والمجاز، هیئة الجمل، الأوامر، النواهی، الإطلاق والتّقیید، العام والخاص، المفاهیم).

ب) الدّلیل الشّرعی غیر اللفظی (دلالة الفعل ودلالة التقریر).

البحث الثّانی: إثبات صغری الدلیل الشّرعی:

- القسم الأول: وسائل الإثبات الوجدانی: 1) التّواتر؛ 2) الإجماع؛ 3) الشّهرة.

- القسم الثّانی: وسائل الإثبات التّعبدی (بحث حجیة الخبر الواحد ودائرة حجیته).

البحث الثّالث: حجیة الظّهور.

2. الدلیل العقلی، وجاءت فیه الأبحاث التّالیة:

أ) المستقلات العقلیة وغیرها. ب) حجیة الدلیل العقلی.

* الأُصول العملیة.

1. خصائص الأُصول العملیة، وتقسیماتها، عقلیة وشرعیة وتنزیلیة ومحرزة، وموارد جریانها.

ص:372

2. الوظیفة العملیة- فی حالة الشک- القسم الأوّل.

الوظیفة الأولیة فی حالة الشّک: مسلک قبح العقاب بلا بیان ومسلک حق الطاعة.

الوظیفة الثّانویة فی حالة الشّک: البراءة الشّرعیة وأدلتها والوظیفة العملیة فی حالة العلم الإجمالی.

3. الوظیفة العملیة فی حالة الشّک- القسم الثّانی.

قاعدة منجزیة العلم الإجمالی، والمباحث ذات الصلة به.

4. الاستصحاب مباحثه.

* خاتمة فی تعارض الأُصول.

بالإضافة إلی ما کتبه الشّهید الصّدر بخط یده، (1) قام بعض تلامذته بتقریر دروسه الأُصولیّة، وأهمّ هذه التقریرات:

1. بحوث فی علم الأُصول: لآیة الله السّید محمود الهاشمی، طبع فی سبعة مجلدات.

2. مباحث الأُصول: لآیة الله السّید کاظم الحائری، وهی دورة کاملة لکن لم یطبع منها حتی الآن سوی القسم الثّانی أی (القطع والظن والأُصول العملیة) فی خمسة مجلدات.

3. بحوث فی علم الأُصول، تقریر الشّیخ حسن عبدالساتر، طبع منه حتی الآن(12) مجلداً. (2)

آراؤه و نظریاته الأُصولیّة

الشهید الصّدر عالم أصولی بارع، أوجد تغییرات جذریة فی تبویب الأُصول وبنائه، کما أنّه أدخل تحدیثات علی المضمون وصلب الأبحاث؛ وطرح جملة مباحث غیر مسبوقة، وله آراء

ص:373


1- (1) . نلفت النظر إلی أنّ کتاب الحلقات ما زال محل اهتمام کبیر من أهل العلم والباحثین، ویلقی رواجاً متزایداً فی الحوزات تدریساً وشرحاً، حیث کتبت علیه العدید من الشروح أهمها: شرح الحلقة الثّالثة فی أربعة مجلدات، للشّیخ باقر الأیروانی، وهو شرح موسع ومبسط.کما أنّه کتبت علی الحلقة الثّانیة شروح عدیدة. (المترجم)
2- (2) . طبع من قبل الدار الإسلامیة فی بیروت؛ حیث صدر المجلد الثانی عشر منه صیف عام (2006م) وتوجد مجموعة أُخری من تقریرات دروس السّید الشهید منها: جواهر الأُُصول (بحث القطع)؛ للشّیخ محمدابراهیم الأنصاری وتقریر قاعدة لاضرر للسّید کمال الحیدری وهناک تقریرات مکتملة لکنّها غیر مطبوعة مثل تقریر السّید محمد الصّدر، وتقریر محمدهاشم الصّالحی، وتقریر السّید عبدالغنی الاردبیلی، (یراجع: الشّیخ أحمد أبوزید العاملی، السّید محمدباقر الصّدر، السّیرة والمسیرة حقائق ووثائق: 360/4 و361). (المترجم)

جدیدة فی العدید من المباحث الأُصولیّة، کلّ ذلک جعل منه أصولیّاً عظیماً وممتازاً. وهنا سنکتفی بعرض نماذج من أفکاره الإبداعیّة:

1. ابتکر الشّهید الصّدر، فی إطار معالجته لبنیة الأُصول ودراسة المشاکل الفنیّة الّتی لحقت ببناءات الأُصول وتنظیماته السّابقة، نوعین من التّبویب، الأول (1) علی أساس أقسام الدلیل والآخر (2) طبق نوع الدلیلیة.

2. إحدی التّحولات الّتی أدخلها علی قالب هذا العلم، کان تألیفه لکتاب تدریسی فی أُصول الفقه اشتهر ب-"الحلقات".

3. الشّهید الصّدر اوّل من فصّل فی بحث السّیرة- سیرة العقلاء وسیرة المتشرّعة- وشرح طرق کشفها. وإبداعاته فی هذا البحث ممتازة جداً ولا مثیل لها. (3)

4. نظریة حق الطاعة، إحدی نظریاته الأساسیة فی الأُصول، طرحها فی مقابل نظریة القائلین ب- "قبح العقاب بلا بیان" بمعنی البراءة العقلیة. فالشّهید الصّدر الّذی یری أنّ مولویة المولی الحقیقی غیر مولویة المولی العرفی؛ یقول بوجود تمایز أساسی بینهما، ولأنّ المولویة الأولی ذاتیة، فهو یعتقد بأنّ دائرة حق الطاعة فی المولی الحقیقی أوسع منها فی المولی العرفی، وعلیه فالمولی الحقیقی لیس له فقط حق الطاعة فی التّکالیف المقطوعة بل فی التّکالیف المشکوکة والموهومة أیضا. وعلیه، فاحتمال التّکلیف منجز وحکم العقل البدیهی

ص:374


1- (1) . وهو علی الشّکل التّالی: أ) الأدلة: 1) الأدلّة الشّرعیة، وفیها مباحث الدّلالات والصّدور والحجیة.2) الأدلة العقلیة وفیها: القضایا العقلیة وتحدیدها صغرویاً، حجیة الدلیل العقلی کبرویاً. ب) الأُُصول العملیة وفیها (الأبحاث العامة فی الأُصول- الأبحاث المتعلقة بالشّبهة البدویة کالبراءة والاستصحاب- الأبحاث المتعلقة بالشّبهات المقرونة بالعلم). ج) خاتمة فی مباحث التّعارض. وهذه الصیغة أقرب إلی المنهج القدیم المعروف، وهو ما علیه کتاب الحلقات والمعالم الجدیدة. (المترجم)
2- (2) . وهو التّقسیم الخماسی الّذی اعتمده فی بعض أبحاث الخارج والدّراسات العلیا: 1) مباحث الألفاظ(وما یرتبط بالظهورات)؛ 2) مباحث الاستلزام العقلی(المستقلات وغیر المستقلات)؛3) مباحث الدّلیل الاستقرائی(من إجماع وشهرة وتواتر وسیرة)؛ 4) مباحث الحجج(أمارات وأصول)؛ 5) مباحث الأُصول العقلیة العملیة؛ 6) خاتمة فی التعارض. للاطّلاع أکثر علی مناقشة وبیان هذین التقسیمین، راجع: الشّیخ حیدر حب الله، معالم الإبداع الأُصولی عند الشّهید الصّدر، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامی،العدد 20، السّنة الخامسة (1421ه). ص240-250..(المترجم)
3- (3) . انظر: المصدر السّابق: 233/44 - 248؛ والسّید کاظم الحائری: مباحث الأُصول: 93/2- 135.

العملی لزوم الاحتیاط فی التّکالیف المحتملة أیضاً، ولا وجه لقاعدة قبح العقاب بلا بیان وهی باطلة من الأساس. (1)

5. من ابتکارات الشّهید الصّدر، (2)حل مشکلة إنتاجیة المعرفة ویقینیة الاستقراء عن طریق حساب الاحتمالات. وجاءت هذه النظریة فی کتابه الأسس المنطقیة للاستقراء. واستخدمها فی الأُصول أیضاً؛ فأثبت کیفیة تحصیل العلم بالخبر المتواتر والإجماع المحصل والشّهرة عن طریق حساب الاحتمالات، بینما لم یلج أی من الأُصولیین طریق الاستقراء لإثبات المعرفة بواسطته. (3) إضافة إلی ما سبق، کان للشّهید الصّدر فی کثیر من المسائل الأُخری آراء ونظریات خاصة به لحلّ المشاکل العلمیّة، لا یسع المجال لذکرها هنا. (4)

ص:375


1- (1) . السّید کاظم الحائری، المصدر السّابق؛ الجزء الثّالث من القسم الثّانی: 59 - 77؛ والشّهید الصّدر، دروس فی علم الأُُصول(الحلقة الثّالثة): 333- 336. یقول السّید الشّهید فی الحلقة الثّالثة ما حرفیته: المسلک الثّانی، وهو مسلک حق الطاعة المختار، ونحن نؤمن فی هذا المسلک بأنّ المولویة الذّاتیّة الثّابتة للَّه سبحانه وتعالی لا تختص بالتّکالیف المقطوعة بل تشمل مطلق التّکالیف الواصلة ولو احتمالاً، وهذا من مدرکات العقل العملی وهی غیر مبرهنة، فکما أنّ أصل حق الطاعة للمنعم والخالق مدرک أولی للعقل العملی غیر مبرهن کذلک حدوده سعة وضیقاً، وعلیه فالقاعدة العملیة الأولیة هی أصالة الاشتغال بحکم العقل ما لم یثبت الترخیص الجاد فی ترک التحفظ علی ما تقدم فی مباحث القطع.(المترجم)
2- (2) . یمکن أیضاً التّعرف علی مزید من نظریات السّید الشّهید الأُصولیّة من خلال مراجعة الدّراسة السّابقة بعنوان معالم الإبداع الأُُصولی عند الشّهید الصّدر، حیث تناوّل الکاتب بالتفصیل الإبداعات المنهجیة ضمن خمسة محاور:1) اللغة الأُصولیة، حیث تمیزت: بالوضوح والشفافیة وتحدیث المصطلحات والنظم والتّرتیب، والجمع بین اللغة البیانیة والعلمیّة، والتّعلیمیة، 2) تقسیم علم الأُصول: حیث عرض صیغتین من التّبویب، 3) الخوض فی علم تأریخ الأُُصول لاوّل مرة علی المستوی الشّیعی، إذ تناوله السّید الشّهید بأسلوب تأریخی مترابط، فی مجموعة عناصر تأریخیة،شکلت نقاط مفصلیة، منها حرکة التصنیف والتّدوین الأُصولی، وتطوّر علم النظریة والتّطبیق، وحالات الصّراع بین الحرکة الأخباریّة والأُصولیین وردات الفعل المقابلة وغیرها من العناصر، 4) المحور الرابع: العقل الأُُصولی، وتعرض بالتفصیل للدّلیل الاستقرائی المباشر وغیر المباشر، واستنتج ثلاث نظریات له: نظریة المنهج الاستقرائی المباشر فی الاستنباط، ونظریة الرّوح القرآنیة والتّشریعیة العامة، والثّالثة فقه النظریة. راجع: مجلة فقه أهل البیت، العدد 20، 2001م.(المترجم)
3- (3) . انظر: المصدر السّابق، الجزء الثّانی من القسم الثّانی: 301 - 332؛ والمصدر السّابق: 151- 166.
4- (4) . للإطّلاع علی آراء الشّهید الصّدر فی الأُصول ینبغی مراجعة کتبه وتقریرات دروسه الأُصولیة؛ إضافة إلی ذلک راجع مباحث الأُصول، الجزء الاوّل من القسم الثّانی: 58 -61.

أُصول الفقه الیوم، والإخفاقات

سبق وذکرنا أنّ الأُصول المعاصر هو نفسه الأُصول الّذی ظهر ونما فی مدرسة الشّیخ الأنصاری. وعلیه، فإنّ المباحث الرّائجة الیوم فی الأُصول، ولب وخلاصة آراء روّاد هذا العلم، والتّبویب والبناء الّذی دونت علی أساسه أغلب الکتب الأُصولیّة المتخصصة، والمسار الغالب الّذی درجت علیه دروس البحث الخارج فی الأُصول هی تماماً نفسها الّتی راجت مع ظهور مدرسة الشّیخ الأُصولیّة. وما یدعو إلی التّأمل، أنّه علی الرّغم من ظهور نماذج متعددة من التّبویبات خلال العقود الأخیرة، (1) لکن أغلب الکتب والدروس التّخصصیة فی الأُصول کتبت علی نمط تبویب الکفایة، حتی کتب ودروس البحث الخارج لأصحاب التّبویبات الجدیدة أنفسهم.

لا مجال للشّک بأنّ العلم الّذی لم یکن نموّه متناسباً مع عصره واجه مشکلة التّأخر والقدم. وأصول الفقه لا یشذّ عن هذه القاعدة، من هنا کانت الحاجة إلی تحوّل جذری متناسب مع ضرورات الإجتهاد فی العصر الحالی. لکن الأُصول الیوم لم یبلغ هذا التّحول لأسباب مختلفة؛ وهنا یمکن البحث فی جملة عوامل، ساهمت فی ضعف الأُصول، علی الشّکل التّالی:

1. عدم طرح أبحاث جدیدة متناسبة مع الضرورات الاستنباطیة المستجدة.

2. عرض الأبحاث بطریقة غیر سلیمة؛ وعدم رعایة المستویات فی تدوین الکتب والأبحاث الأُصولیّة.

3. عدم الشّمولیة، وقصر النظر فی تناوّل أُصول الفقه، واقتصاره علی الاستنباطات الفقهیة.

4. فقدان التّبویب الرّاقی للمباحث الأُصولیّة، وعدم الاهتمام الجدی بالمبادئ المختلفة، التّصوریة والتّصدیقیة، العامّة والخاصة فی التّبویبات المختلفة.

5. صیرورة علم الأُصول علماً مهجوراً، وعدم اطّلاع من هم خارج الحوزات علی المواضیع المفیدة فیه، کما فی بحث الوضع وجملة من المباحث العقلیة، وأبحاث الظّهورات وغیرها؛ فهذه الأبحاث مفیدة للعلماء خارج الحوزة، کالفلاسفة التّحلیلیین، وفلاسفة اللغة، والمنظرین فی الهرمنوطیقا.

6. عدم وجود دراسات مقارنة ما بین الأبحاث الأُصولیّة وبعض العلوم المتجانسة؛ کفلسفة

ص:376


1- (1) . انظر: إطلالة علی المسار التّأریخی للتبویب فی علم الأُصول: 19-37 و43 -47.

اللغة وبعض مباحث علم اللغة والهرمنوطیقا، وفی النتیجة غیاب علماء الأُصول عن بعض النظریات الجدیدة المطروحة فی هذه العلوم والتّی یمکن الاستفادة منها فی مباحث علم الأُصول.

إطلالة علی جهود العلماء المعاصرین، نقاط الضّعف والمشاکل

اشارة

کما أشرنا سابقاً، بذل علماؤنا المعاصرون جهوداً واسعة للنهوض بأُصول الفقه إلی المستوی المطلوب، لکنّهم لم یوفقوا فی کلّ مرامیهم. وسنطل فی هذا القسم- بالإجمال- علی هذه الجهود والإبتکارات، وکذلک علی الموانع الّتی واجهتهم. وعلی أی حال یمکن القول أنّه ظهرت فی السّنوات الأخیرة تحولات فی الکم (البناء والشکل) وأیضاً فی الکیف (المحتوی والمضمون).

أ) إبداعات التّحول، علی مستوی الشّکل والبناء، فی محاور ثلاثة:

اشارة

1. تقدیم تبویبات حدیثة؛ حیث وُضعت خلال العقود الماضیة تبویبات مختلفة فی کیفیة ترتیب وتنظیم مباحث الأُصول مع الحفاظ علی الانسجام المنطقی بینها، کان من أبرزها تبویب الشّهید الصّدر والمحقق الأصفهانی.

2. تألیف کتب دراسیة تعلیمیّة؛ ازداد خلال هذه الفترة شعور العلماء بضرورة تألیف کتب دراسیة أکثر انسجاماً وتناسباً من ذی قبل؛ وبدا لهم أنّ کتباً من قبیل المعالم والقوانین والرسائل- مع ما لها من قیمة علمیة کبیرة- غیر قابلة لأن تصبح کتباً دراسیّة؛ لذا دأبوا علی تدوین الکتب المناسبة، وکان أبرز ما کُتب فی هذا المجال کتابی: أُصول الفقه للعلاّمة الشّیخ المظفر، ودروس فی علم الأُصول المعروف بالحلقات للشّهید الصّدر.

3. التّحولات علی مستوی الکم وتنقیة الأُصول؛ ازداد الاهتمام بالأُصول التطبیقیة لضرورات اجتماعیة خاصة خلال العقود الماضیة، ولذلک وجه علماء الأُصول کآیة الله البروجردی، والإمام الخمینی ومن وافقهما الرأی اهتمامهم إلی ضرورة حذف المباحث الزائدة ذات الفوائد القلیلة، وحصر الأبحاث الأُصولیّة بالمباحث المفیدة المستخدمة علی مستوی الفقه.

نقد المحاور الثّلاثة

علی الرّغم من أنّ طی المراحل الثّلاث السّابقة هو أمر مطلوب وضروری للوصول إلی مستویً أکمل وراقٍ للأُصول، إلاّ أنّ ذلک لم یکن کافیاً، وهناک شروط أُخری مؤثرة فی

ص:377

الوصول إلی الهدف المذکور؛ إضافة إلی أنّه لم یتم وضع إنجازات مکتملة خلال هذه الفترة ضمن المستویات الثّلاثة أعلاه، وعلیه لم تقترن هذه الأعمال بالتّوفیق للأسباب التّالیة:

أوّلاً: علی الرّغم من طرح تبویبات حدیثة فی الأُصول، إلاّ أنّه لم یتم تدوین کتب تتناولها بحثاً وتحلیلاً، حتّی تصبح فی مستوی من النضج فی أوساط علماء الأُصول بشکلٍ تأخذ عندها مکان الکفایة فی التّبویب.

ثانیاً: مع محاولة تدوین کتب دراسیّة، إلاّ أنّه لم یتم حلّ المشکلة جذریاً، وبقیت مشکلة عدم وجود هذا النوع من الکتب قائمة، ولو أنّها أصبحت ضعیفة وأکثر انحصاراً؛ لأنّ الکتب الجدیدة لم تکن متطابقة أیضاً مع المعاییر المطلوبة فی أسلوب تدوین الکتب الدراسیّة، وکان ضعف هذه الکتب فی بعض الأحیان واضحاً، إلی حدٍّ دفع الأساتذة والطّلاب لیطووا عنها کشحاً ویلجؤوا إلی الکتب القدیمة.

ثالثاً: حتی لو کانت التّحولات فی الکم وتنقیة المباحث أمراً ضروریاً فی بعض الموارد؛ إلاّ أنّ ذلک لیس مفیداً دائما، فالنظرة محض التّطبیقیة إلی أی علم تفقده رونقه فی بعض الموارد، وتحول دوّن المزید من نموه الکیفی. لذلک، ینبغی عند تنقیة الأُصول من الشوائب والزوائد أنّ لا تذبح المباحث الّتی تسأهم ولو بطریقة غیر مباشرة فی تطوّر العلم.

علی أی حال، یبدو أنّ التّحولات الکمیة- بمعنی تنحیف العلم أو تسمینه- لیست مطلوبة فی نفسها، إنّما ینبغی الاهتمام بها عندما تدخل ضمن مسار تطوّر العلم الکیفی.

ب) التّحول الکیفی ومشاکله.

بذل العلماء المعاصرون قصاری جهودهم لتطویر الأُصول علی المستوی الکیفی ولتغییر مجموعة من المبانی السّابقة ولتقدیم أعمال أکثر حداثة من ذی قبل، وقد أشرنا إلی بعضها خلال دراستنا لآراء الإمام الخمینی والسّید الخوئی والشّهید الصّدر خاصة؛ إلاّ أنّ هذا المقدار لیس کافیاً لتأسیس مذهب أو اتّجاه أُصولی جدید متناسب مع الحاجات الاستنباطیة للعصر الحاضر، والوصول إلی المستوی المطلوب فی علم الأُصول. وینبغی أنّ تکون حرکة البناء والتّأسیس هذه أقوی وأشدّ؛ ولا شکّ أنّ هذا الأمر لا یتم بجهود شخص واحد ویحتاج إلی جهود متواصلة وواسعة النطاق من کبار العلماء ومجددی العصر.

ص:378

ضرورة الوصول إلی المستوی المطلوب؛ وعناصر تشکله

اشارة

لا مجال للشّک بضرورة وجود أُصول متناسب مع الظّروف والحاجات العصریة. وإن مناقشة هذا الأمر لهو من توضیح الواضحات؛ فمن خلال معرفة عناصر العلم الأساسیة والتّخطیط العملی لتحقیق ذلک سیتضح تلقائیاً سبیل إحراز ذلک. وعلیه، یلزم هنا التّعرف علی ممیزات الأُصول المطلوب وعناصر تشکله.

الخصائص الّتی ینبغی توفّرها فی أُصول الیوم

یمکن بسهولة فی هذا البحث، الاستفادة من کلّ ما تمّ الحدیث عنه، من مشاکل وقصور الأُصول الحاضر تحت عنوان نقائص الأُصول. فکلّ نقطة هناک یمکن الحدیث عمّا یقابلها هنا کعنصر من عناصر الأُصول المطلوب. فبناءً للبحث السّابق، سنتعرض لمجموعة من الشّواخص والعناصر والأرکان الأساسیّة لأُصول العصر الحاضر علی النحو التّالی:

1. ینبغی أنّ یکون أُصول الیوم مهیأ لدخول أبحاث أساسیة جدیدة من أجل استنباطات فقهیة وغیر فقهیة، وخاصة فی مباحث الفقه الحکومی والنظام التّربوی والأخلاقی الّذی یعدّ ضروریاً. ومن جملة الأبحاث الّتی ینبغی طرحها بشکل موسّع: بحث السّیرة، والعرف، ومذاق الشّریعة، ومناسبة الحکم والموضوع، وأثر دخالة عنصری الزّمان والمکان فی الاستنباط، وطریق الاستظهار وتأثیره فی فهم المتن، ولغة الدّین، وغیرها.

2. تنقیح جذری لمجموعة من المبانی الضّعیفة وإعادة النظر فیها، کالأبحاث المتعلقة بالحکم والتّدقیق فی ماهیته، والعلاقة بین مفاد الأحکام التّکلیفیة الخمسة مع مفاد الأصل العملی کالبراءة والاحتیاط؛ والحکم الواقعی والحکم الظّاهری والعلاقة بینهما، والبحث بعمق أکثر فی الوظائف الأولیة والعقلیة فی حالة الشّک فی التّکلیف وغیر ذلک.

3. التّعمق فی المبادئ التّصوریة والتّصدیقیة، العامة والخاصة، أعمّ من المبادئ اللغویة، والمنطقیة والفلسفیة والکلامیة وغیر ذلک، وتمحیصها والتّفصیل فیها لجهة طرحها فی بدایة علم الأُصول. (1)

4. الوصول إلی تبویبٍ راقٍ، دقیق ومنطقی بغیة تنظیم مرتب وفنی لأبحاث الأُصول مع الأخذ بالاعتبار طرح الأبحاث الجدیدة، والتّدقیق التّام فی عدد المبادئ التّصوریة والتّصدیقیة لهذا العلم.

ص:379


1- (1) . یلزم تقدیم توضیحات ولو مختصرة حول موارد المبادئ التّصوریة والتّصدیقیّة.

5. إخراج الأُصول من العلم الجدلی من خلال حذف المسائل الّتی لا أساس لها ولا دلیل، وإیصاله إلی علم استدلالی.

6. الالتفات إلی العلوم المتجانسة فی تکامل الأُصول؛ کعلم الفلسفة التّحلیلیة، وفلسفة اللغة، وعلم اللغة والهرمنوطیقا، فکلّ من هذه العلوم یمکن أنّ تؤثر فی جانب أو جوانب من علم الأُصول. (1)

7. تقدیم الأُصول بحلّة قشیبة من خلال:

- إصدار مجلات تخصصیة فی الأُصول، ونشر المقالات المدونّة فی موضوعات مستحدثة.

- تألیف کتب أُصولیّة باللغة الفارسیة والإنکلیزیة وغیرهما، إضافة إلی العربیة، لتقدیم علم الأُصول إلی المجامع العلمیّة فی العالم، لإتاحة المجال أمام علماء العلوم المماثلة للاستفادة من الأبحاث الأُصولیّة القیّمة.

- إنشاء دائرة معارف أُصولیّة.

- تألیف موسوعة أُصولیّة مبسوطة.

- إنشاء معجم مفهرس للکتب الأُصولیّة.

- إنشاء بنک معلومات الکترونی لعلم الأُصول.

8. تألیف کتب للمستویات التّعلیمیّة مع الحفاظ علی النماذج التّدریسیّة المقبولة من قبل اللجان أو المجموعات المتخصصة والخبیرة.

9. الإهتمام بعلم الأُصول وإشکالیاته التّأریخیة، وکیفیة ظهور کلّ مسألة، ومسار تحولها.

أصول أهل السّنة والرّکود الواسع الّذی أصابه

لو أعدنا تجمیع کلّ ما قیل حول أُصول أهل السّنة خلال المراحل المختلفة والتّی فی الواقع هی مقولات علماء أهل السُّنة أنفسهم، نستنتج أنّ هذا العلم لم ینمُ ولم یتقدم إلاّ فی القرون الخمسة أو السّتة الأولی، ووصل إلی مستوی نسبی من الرّشد، لکنّه مع إقفال باب الإجتهاد عندهم أُصیب بنکسة وآل إلی الرّکود، وکان أکثر اشتغال علمائهم وتلامذتهم فی نقل کلمات الماضین وشرح نظریاتهم، حتّی ولو اشتغلوا فیه بحدود معینة من خلال البحث

ص:380


1- (1) . ینبغی أن یقدم أستاذ المادة توضیحات للطّلاب حول کلّ واحد من الفروع العلمیّة الجدیدة، لیطّلعوا علی مدی ارتباط الأُصول بکلّ واحدة من هذه العلوم.

والتّدوین والشّرح، إلاّ أنّ عمل کبارهم لم یکن سوی شرح الکتب الأولی وتلخیصها، أو إعادة شرح هذه التّلخیصات من جدید. ولم یبق أیٌ منهم فی وارد تطویر أو تأسیس اتجاهات أُصولیّة جدیدة، باستثناء عدد قلیل من علمائهم کالشّهرستانی والسیوطی والشاطبی، وهؤلاء القلة لم یتمکنوا من إنجاز عمل کبیر. وعلیه، بقی أصولهم کما کان أسیر حکایته السّابقة؛ والیوم، لم یضف علیه أی عمل أساسی، لذلک لا یمکن اعتباره- من هذه الجهة العلمیّة قد تطوّر أو لاقی تحولاً متناسباً مع الحاجات العصریّة، وغیر قابل للعرض فی المجامع العلمیّة. وفی واقع الأمر، وقف الأُصول السّنی فی الجهة المقابلة للأُصول الشّیعی، الّذی کان علی الدّوام- وخاصة بعد مجیء المحقق البهبهانی- وإلی العقود العشرة الأخیرة فی حالة نموّ وتطوّر مطّرد.

خلاصة الدّرس

1. أُصول الفقه المعاصر، هو الأُصول نفسه الّذی ظهر فی مدرسة الشّیخ الأعظم، وعلماء الیوم هم فی الواقع ضیوف ینهلون من تلک المائدة الفیّاضة الّتی أعدّها الأُصولیون المتقدمون.

2. أشهر وأهمّ علماء عصرنا الحاضر فی الأُصول: السّید الخوئی، الإمام الخمینی، والسّید الشّهید محمدباقر الصّدر، وقد بذلوا جهوداً کبیرة وقاموا بأعمال مهمة فی سبیل تطویر علم الأُصول وتکامله.

3. یحتاج أُصول الیوم إلی تحول أساسی متناسب مع الاحتیاجات الاستنباطیة للزّمان الحاضر، وبغیر هذه الحالة، ستکون إجابته عن المسائل الجدیدة عقیمة وغیر ذات أثر.

4. من جملة نقاط ضعف الأُصول: عدم طرح أبحاث جدیدة وضروریة، العرض غیر السّلیم لهذا العلم، وعدم وجود تبویبات مناسبة ولازمة.

5. مهما کبرت جهود العلماء فی العقود الأخیرة لرفع القصور اللاحق بالأصول، وکانت محل تقدیر، إلاّ أنّها لم تکن کافیة وهی بحاجة لجهود علمیة أکبر.

6. لا شکّ أنّ الأُصول المطلوب الیوم هو الأُصول الّذی یخوض فی الأبحاث الجدیدة والضروریة، ویشرّح مبانی الأقدمین بروحیة النقد والمناقشة الدّقیقة، ویظهر الاهتمام الشّدید بالمبادئ التصدیقیة والتّصوریة فیه، ولا یُهمل التّبویب الفنی المناسب فی تنظیم مباحث الأُصول، ویولی اهتماماً بالعلوم المماثلة کالفلسفة التحلیلیة وفلسفة اللغة والهرمنوطیقا وأمثالها، وأن یستفاد من أبحاثها القیمة.

ص:381

أسئلة للتّفکیر والمناقشة

1. بالنظر لما قرأته فی هذا الدّرس، ما هو تحلیلک لأعمال الأُصولیین فی العصر الحاضر ومدی نجاحهم؟ حلّل ذلک بالتّفصیل.

2. هل هناک علماء أُصول غیر مذکورین، کان لهم دور فی علم الأُصول خلال العقود الأخیرة؟

3. برأیک، هل هناک عوامل أُخری مؤثّرة فی قصور علم الأُصول؟ عددها وتحدث عنها.

4. ما هی العناصر الأخری الّتی من الممکن أنّ تشکّل الأُصول المطلوبة؟

5. ما هی الأعمال الّتی ینبغی القیام بها لنیل المستوی المطلوب من الأُصول؟

بحث وتحقیق

1. ابحث وحقق حول المبانی الأُصولیّة لبعض الشّخصیات المعاصرة، بالتّشاور مع أُستاذ المادة.

2. ابحث بالتّفصیل العوامل والأُسباب المؤثّرة فی تضرر أیّ علم وعدم إنتاجیة، کعلم الأُصول علی سبیل المثال، وکیفیة معالجة ذلک.

ص:382

الملاحق

خاتمة وتوصیات- التحقیق

یمکن تقدیم خلاصة البحث ونتائجه من زاویتین: الأُولی نظریة، والثّانیة عملیة. فمن الجهة الأولی، یمکن القول: إنّ البحث فی تأریخ علم الأُصول هو من المناهج العلمیّة الّتی راجت حدیثاً، وما زالت تتشکل کعلمٍ قائم بذاته، وغرضها الأساسی المقاربة من زاویة تأریخیة، أی النظر إلی العلم بمنظار کلّی شمولی، والإضاءة علی مختلف محطاته وأحواله بغیة الإصلاح والإبداع والتّجدید. وقد برزت أهمیة هذا النمط من الدّراسات (فی تأریخ العلوم)، لأسباب کثیرة منها:

1. حاجة العلوم بالأساس- ومنها علم الأُصول- إلی التّقییم والتّطویر من عدة جهات (منهجیة البحث والتّنظیر، والتّعلیم، والتصنیف) بسبب ما تواجهه من عقبات، وخوفاً من انحراف مساراتها عن أغراضها، وقد أثبتت التّجارب والدّراسات أنّ هذا النمط، عامل مساعد جداً فی تطوّر العلوم، لأنّه یقوم علی نفس المبادئ الّتی تشکلت علی أساسها. ونتائج ذلک- علی مستوی علم الأُصول- ستکون فی خدمة علم الفقه والإجتهاد الّذی قام من أجله الأُصول. ولما کان علم الأُصول قد واجه الکثیر من العقبات استدعت الاستعانة بغیره فی کثیر من الموارد من جهة، ولعبت عوامل أُخری کثیرة لها علاقة بالبیئة الّتی نما فیها (علی سبیل المثال: الأُصول السّنی، هالة العلماء، الاتجاهات الکلامیة والفلسفیة وغیرها)، استدعت أیضاً بذل جهود کثیرة للحفاظ علی هویته ومسیره العام لتحقیق الأهداف الّتی نشأ لأجلها.

2. حاجة المجامع العلمیّة الأکادیمیة والدّینیة علی السواء، إلی التّعرف علی الأُصول، کونه قد

ص:383

نهض إلی جانب الکثیر من العلوم لها أغراضها فی میادین المعرفة الإنسانیة والدّینیة. وهذه مسألة بدیهیة، وعلیه فکیف ینبغی تقدیم الأُصول وبأی أسلوب، وهذا ما یقوم به علم تأریخ الأُصول!

تفید التجربة والبرهان أنّ لمنهج البحث التّأریخی فی العلوم، فوائد جمة، علی مستویات کثیرة. وخاصة إذا ما قام به أصحاب العلم أنفسهم، فهم الأولی والأقدر علیه. وقد بتنا نشاهد محاولات عدیدة فی هذا المجال، (1) وإن لم تکن فی الحد المطلوب، سواء فی تألیف کتب مستقلة، أو من خلال أبواب وفصول ضمن أبحاث ودراسات حول الإجتهاد والفقه، (2) وازدیاد الدراسات والمقالات، وما جاء فی مقدمات تقریرات وکتب بعض العلماء المعاصرین. (3) ومن هنا من المفترض أن یشکّل هذا الکتاب- کما قدم له الکاتب- خطوة متقدّمة علی هذا الطّریق، وأکثر شمولیّة وموضوعیة ممّا هو موجود، کونها نظرت إلی الأُصول کعلم قائم بذاته، وجعلته محور البحث.

وبشیء من التّفصیل، نقول إنّ موضوع البحث فی تأریخ علم الأُصول، هو علم الأُصول نفسه بکل عناصره، وظروفه وأحواله. وهی الخلفیة العامة الّتی بُنی علیها البحث.

ما هی إمکانیة البحث فی هذا المجال، وهل وفق المؤلّف المحترم فی ذلک، وما هی الأغراض الّتی حققها، وهنا یأتی الحدیث من الجهة التطبیقیة العملیة. ولا بدّ من التذکیر بأنّه قد یقال أنّ عمدة البحث هنا من المفترض أن تتجه أکثر إلی التّعرف علی النظریات والآراء الأُصولیّة؛ لکن هذا الأمر لا یکفی إذ من المفترض أیضاً دراسة الظروف العامة والخاصّة الّتی أحاطت بها وساهمت فی تشکّلها. والتی منها الأحوال والهموم الّتی أحاطت بعلماء الشّیعة

ص:384


1- (1) . نلفت إلی أنّنا وضعنا ملحقاً فی خاتمة الکتاب، وهو بمثابة مسرد لأهمّ الکتب والدّراسات المستقلة وغیر المستقلة، وتعتبر مصادر- ولو جزئیة- للبحث فی تأریخ الأُصول بصورة مباشرة وغیر ذلک. أعدّها المؤلّف نفسه ضمن مقالة فی مجلة فقه أهل البیت باللغة الفارسیة، قم 33.
2- (2) . نذکر منها: المعالم الجدیدة للشّهید الصّدر، وأدوار الإجتهاد للشّیخ جناتی، الإجتهاد أُصوله وأحکامه للعلاّمة بحرالعلوم، حرکة الإجتهاد عند الشّیعة للشّیخ عدنان فرحان. الإجتهاد والتّجدید فی الفقه للشّیخ شمس الدّین، تأریخ الفقه والفقهاء للدّکتور کرجی، ملاک أُصول الاستنباط للشّیخ محسن شفائی ثلاثی، تأریخ الفقه الإسلامی وأدواره للشّیخ جعفر سبحانی، مقالة حول مراحل تطوّر الإجتهاد للسید منذر الحکیم، مقالة حول دور الوحید البهبهانی فی تجدید علم الأُصول للشّیخ الآصفی. معالم الفکر الأُُصولی الجدید للشّیخ محسن الآراکی.
3- (3) . مثل: مقدّمة أجود التقریرات، ونشأة أُصول الفقه وأدواره الأولی للسّید شبیری، ومقدّمة تحریر الرّسائل للکیلانی، مقدّمة الشّیخ جعفر سبحانی علی کتاب لمحات الأُصول للإمام،و نشأة علم الأُصول لمحمود شهابی.

نتیجة المسالک الخاطئة الّتی انتهجها علماء السّنة فی الاستنباط الفقهی من جهة، والتّصدی لحلّ مشاکل الاستنباط علی المستوی الشّیعی من جهة أُخری. ومنها أیضاً، طریقة البحث السّنی الّتی فرضت نفسها علی الأُصول الشّیعی لأسباب ذُکرت فی محلها. والأوضاع الّتی عاشها علماء الفقه والأُصول أنفسهم، ومنهجیة البحث الّتی اتبعوها مع تلامذتهم وغیر ذلک، سبق الحدیث عنها.

أما من الجهة العملیة: کیف سار البحث بناءً للمقدمات النظریة، وما هی الأسالیب والمعطیات الّتی استفاد منها المؤلّف، ما هی العقبات والحلول. وهل هناک طرق أفضل. هذا ما سنقدمه ضمن التّسلسل الآتی:

أوّلاً: تعتبر المقدمات النظریة الّتی مهّد فیها للبحث کافیة، ضمن المستوی البحثی المحدد، فهو لیس بحثاً تخصصیاً ولا ینحو منحی التفصیل والتّعمق فی الآراء والنظریات، بقدر ما یهدف إلی الوقوف علیها والنظر إلیها مجتمعة، وتقییم مساهمتها بشکل کلّی فی تحقیق الأغراض العامة.

ثانیاً: انطلق مصنّف الکتاب من فرضیات واضحة ومسلّمة، ولها حیثیة واقعیة إلی حدّ کبیر، منها: تثبیت أهمیة البحث التّأریخی فی الأُصول، أهدافه ونتائجه، وحاجة علم الأُصول إلی هذا النمط، المشاکل الّتی یواجهها علم الأُصول. وأهمّ محددات البحث کان تشخیص المعاییر والعناصر، والمنهج المختار عند تعدد أشکال البحث. وقد برع فی الحدیث عنها وتشخیصها، وحدد نمط البحث- وهو الشّکل الاوّل من بین أربعة- وذکر الکثیر من المعاییر ولم یؤکّد علی مجموعة محددة منها، ولکن الواضح أنّه التزم مجموعة منها خلال البحث من قبیل: العامل الزّمنی، تأثیر الأُصول السّنی، رواج الأبحاث الکلامیة والفلسفیة ودخولها إلی البحث، الاتّجاهات الکلامیة الأخباریّة والعقلیة فی مراحل مختلفة، وضعیة البحث الفقهی والتّطوّر الّذی طرأ علیه، الشّخصیات الأُصولیّة العمدة، دورها وما فرضته من أوضاع فکریة خلال حقب زمنیة ممتدّة، الأوضاع الاجتماعیة والسّیاسیة المترافقة (وان کانت الإشارة إلیها مقتضبة خلال البحث).

ثالثاً: استفاد المصنّف من کمّ کبیر من المصادر المباشرة (الکتب الّتی تضمنت أبحاثاً تأریخیة کلیّة) وغیر المباشرة (المراجع والمصادر العامة من تراجم وکتب سیر). وهذه إشارة قویة علی جهوده لإتمام البحث، لجهة توفیر المعطیات اللازمة والمقدور علیها. وعند

ص:385

مراجعتنا للکثیر من المصادر تبین لنا أیضاً الدّقة فی نقل الأقوال واستخلاص الآراء والنظریات، باستثناء بعض الموارد، حیث عملنا علی تصحیحها.

رابعاً: خلال سیر البحث، یمکن الحدیث عن جهتین: الشّکل، والمضمون.

فی الشّکل: اتبع الأُسلوب السردی التّوضیحی، وهو قریب جداً من المنهجیة العلمیّة فی التّحقیق. حیث وضع مقدّمة لکلّ درس، رسم فیها المخطط العام فی البحث والتّحقیق من جهة، وعرض فیها إطلالة عامة علی المرحلة أو الموضوع محل الدّراسة. أمّا لجهة تقسیم الفصول والمواضیع فکان محکوماً لتقسیم المراحل الأُصولیّة، لکنّه مع ذلک قسمّها إلی عدّة فصول، نظراً لضخامة الأبحاث فیها. فقسّم المراحل الأُصولیّة إلی ستّة، وهو بذلک تفرد فی تقسیم خاص به، حیث السائد التقسیم الثلاثی للسّید الشّهید، وتقسیم آخر لبعض المنظّرین یعتمد التّقسیم الثمانی. وقد أفرد فی ختام البحث فصلاً مستقلاً حول الأُصول المعاصر، النجاحات والعقبات وجملة من التّوصیات.

أمّا فی المضمون: وهنا الحدیث یطول، ونُرجِع المهتمین إلی مقدمات البحث وخلاصات الفصول. لکن باختصار نقول: یکتسب هذا البحث قیمته العلمیّة المتقدمة، نظراً لقلة تطرق الباحثین إلیه ولکونه جدیداً، ولشّمولیته أیضاً. وعنصر الشمولیة فیه ظاهرٌ من خلال أمرین: الأول، التّقصی حول أهمّ الأُصولیین الشّیعة، وآرائهم وما ترکوه، وتأثرهم بمن سبقهم وتأثیرهم فیمن لحقهم. والثّانی: الإطلالة العامة علی علم الأُصول السّنی وتأثیره علی البحث والتّبویب الأُصولی، والتّحول الّذی طرأ علی التّبویب والتّنظیم العام للمباحث بعد الرّکود العارم الّذی حلّ به (الأُصول السّنی) وما زال.

کان من المفترض أنّ یتم التّوسع أکثر عند بعض المحطات الأساسیة فی تأریخ الأُصول، خاصة عند أربعة أو خمسة منها، عند الشّیخ الطّوسی، والعلاّمة البهبهانی، والشّیخ الأنصاری، والإمام الخمینی والشّهید الصّدر، لأسباب کثیرة تراجع فی محلها، لکن أبرز دواعی ذلک، أنّ کلّ واحد من هؤلاء الأساطین قد أسس لتحولات عمیقة فی الأُصول، وشکل مدرسة أصولیة، بمعنی آخر أسس لنظریات جدیدة،کانت لها آثار عظیمة علی المسار العام، وبالتّالی علی الإجتهاد والاستنباط الفقهی.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلی أنّ أهمّ التّحولات الّتی شهدها البحث الأُصولی بشکل عام، کانت بعد محطات قاسیة أحیاناً، أو بعد نبوغ واحد أو أکثر من الأساطین الشّیعة أحیاناً أخری.

ص:386

خامساً، الأهداف: هل حققت هذه الدّراسة أهدافها؟ باختصار، وبعد مطالعة الکتاب والتّدقیق فی مطاوی أبحاثه، یمکن القول بوضوح أنّه قد أوفی بما افترضه، وبیّن الکثیر من مکامن القوّة ومواطن الضّعف والعقبات الّتی واجهها ویواجهها علم الأُصول، وأعتقد أنّ هذا البحث وما توصل إلیه من نتائج یصلح لأن یکون مادة تعلیمیة مکثفة ومبسطة لطلاب المراحل الإبتدائیة والمتوسطة فی العلوم الحوزویة، والجامعیة أیضاً. ویمکن أنّ یتطوّر أکثر، ویتم التّدقیق والتّوسع فی أبحاثه لیصبح مادة دراسیة للسطوح العلیا وما فوق الماجستیر.

عناوین بارزة، ومحطات مفصلیة فی تأریخ الأُصول

تتمیماً للفائدة رأینا من المناسب أنّ نذکر هنا، وبمزید من الاختصار بعض القضایا الّتی تشکل عناصر مهمة أو محطات مفصلیة، تستدعی المزید من التأمّل وربّما البحث والنقاش:

أُصول الفقه منظومة أدوات علمیة (آلة) لخدمة علم الفقه، والغرض منه تطبیقی فی الأغلب.

نشأ بتوجیه الأئمة علیهم السلام لأصحابهم، عندما احتاجوا إلی حلّ مشاکلهم الدّینیة والفقهیة خاصة، فقد أملوا علیهم قواعده من جهة، وعلموهم کیفیة التّطبیق العملی لها من جهة أُخری.

أفاد الأُصول الشّیعی کثیراً- لجهة أسلوب البحث والتّبویب- من الانطلاقة القویّة لعلم الأُصول السّنی فی مراحله الأولی.

الشّیخ المفید اوّل من جمع الأبحاث والقواعد الأُصولیّة ضمن کتاب واحد، (1) ویمکن اعتباره دورة أُصولیّة مکتملة، بعد أنّ کانت مبثوثة فی رسائل متفرقة، وبهذا العمل وضع اللبنات الأولی لظهور بناء أُصول الفقه الشّیعی، فی الشّکل والمضمون.

الشّیخ الطّوسی هو من أعطی للبحث والتّفریع فی الأُصول بعداً شیعیاً، من خلال إخراجه من بساطته الأُولی إلی مرحلة متقدّمة من التّشعب والتّدقیق، وجمع الآراء ومناقشتها. وأبحاثه هی الأکثر تنظیماً ودقةً ممّا سبقه. وبذلک یمکن القول أنّه مهّد للمدرسة الأُصولیّة الشّیعیة فی ذلک الوقت.

کانت هجرة الشّیخ الطّوسی لوحده إلی النجف حادثة غریبة، کان لها تأثیر سلبی علی تأریخ الأُصول، بسبب الظّروف الّتی أنتجتها فیما بعد.

ص:387


1- (1) . التّذکرة بأصول الفقه، الّذی اختصر ووضع فی کتاب کنزالفوائد للکراجکی.

دخل الإجماع الشّیعی إلی الأُصول خلال حقبة الشّیخ المفید والسّید المرتضی والشّیخ الطّوسی، وتطور مفهومه واخذ بعده الشّیعی المختلف تماماً عن الإجماع السّنی

ابن إدریس الحلّی هو اوّل من تجرأ وواجه حالة الرّکود بعد عصر الشّیخ الطّوسی.

العلاّمة الحلّی، هو اوّل من أدخل إلی الأُصول الشّیعی معنیً جدیداً لمصطلح الإجتهاد.

الشّهید الثّانی هو اوّل من صنف کتاباً یجمع بین البحث النظری والتّطبیق العملی حیث أدرج الأبحاث والقواعد الأُصولیّة فی مقدّمة کتابه تمهید القواعد الأُصولیّة والعربیة..، وذکر فی ختام کلّ بحث أُصولی جملة من الفروع الفقهیة ذات صلة بالبحث.

توقف النظر کُلیّاً إلی الآراء الأُصولیّة السّنیة بعد الحقبة الأخباریّة.

شکل الأمین الأسترآبادی(1036ه) تیاراً قویاً استطاع القضاء علی الحوزة الأُصولیّة، وسیطر علی السّاحة الشّیعیة حوالی قرنین من الزّمن.

من إیجابیات النزعة الأخباریّة الّتی لا نقاش فیها، تألیف الجوامع الحدیثیة المشهورة، وإیجاد حوافز مهمة، لتنقیة الأُصول الشّیعی أکثر من أی زمن مضی، من التّرسبات السّنیة الّتی لحقت به.

جاء الوحید البهبهانی (1206)، وحطم الهیکل الأخباری، وأنقذ الأُصول من الرّکود الّذی أصابه طوال قرنین من الزمن.

وضع الشّیخ حسن اوّل کتاب تدریسی (المعالم)، حیث امتاز بتبویب وتنظیم جدید مختلف عمّا سبقه.

مرّ خبر الواحد بعدة مراحل؛ الرّفض عند الشّیخ المفید والسّید المرتضی، والقبول لدی الشّیخ الطّوسی، ثمّ إنکار حجیته عند ابن إدریس وابن زهرة، ثمّ القبول به بشروط عند المحقق والعلاّمة، والشّهیدین وصاحب المعالم، ثمّ الرفض من قبل الأخباریین.

مرحلة ما بعد العلاّمة، کانت مرحلة التّصنیف الأُصولی والتّعمق الواسع فیه کتابة وتعلیقاً وتحشیةً.

اشتهرت الحوزات الشّیعیة خلال العصور المختلفة: الحلّة، جبل عامل، النجف، سامراء، کربلاء، أصفهان وقم.

دخل علم الأُصول مرحلة انعطافیة أُخری، تصنیفاً وتنظیماً وتبویباً، بعد الوحید البهبهانی علی ید صاحب القوانین وصاحب الفصول، واکتملت معالم المدرسة الجدیدة علی ید الشّیخ الأنصاری.

ص:388

الیوم، ما زلنا فی مرحلة الشّیخ الأنصاری ومدرسته الأُصولیّة، علی الرّغم من ظهور تجدیدات وتحوّلات مهمّة فی المضمون والبناء علی ید الآخوند (فی تبویب الکفایة)، والسّید الخوئی، والشّهید الصّدر (فی الحلقات الدراسیة ونظریاته حول وسائل الإثبات)، والإمام الخمینی (فی الخطابات القانونیة، ونظریة العرف، وتحدیث مبانی الإجتهاد بإدخال عناصر جدیدة).

البحث التّأریخی هو من المناهج الأساسیة الّتی تساعد علی الإحاطة بالنّظریات والمبانی الأُصولیّة من جهة، وإبداء الرأی والتّخلص من الهالات المتوهمة الّتی أحاطت بالکثیر من مسائل الأُصول ردحاً طویلاً، بسبب الخوف من التوهین وغیر ذلک.

البحث التّأریخی خطوة مهمّة علی طریق تنقیة العلم من الرّواسب والإضافات غیر المفیدة.

قضایا تستحق البحث

خلفیات ودوافع الإیغال فی الأبحاث الإضافیّة، والانتفاخ الوهمی للأُصول فی بعض محطاته نتیجة دخول الأبحاث، الکلامیّة والفلسفیّة واللغویة وغیرها.

الحرکة الأخباریّة، والتّحول والاختلاف الّذی طرأ علی رموزها مع مرور الوقت.

مجموعة من المسائل الأُصولیّة المهمة، من قبیل:

بحث خبر الواحد، والتّحولات الّتی طرأت علیه.

تطور بحث الإجماع عبر المراحل المختلفة.

نظریة الخطابات القانونیة، عند الإمام الخمینی.

نظریة العرف النظر العرفی فی بحث المفاهیم والمصادیق، والتّی تبرز أکثر عند الإمام الخمینی.

نظریة الإحتمال والدّلیل الاستقرائی عند السّید الشّهید، وتأثیرها علی المسائل الأُصولیّة.

توصیات عامة

التأکید علی توصیات المؤلّف فی الفصل الأخیر، وأهمّها: تطویر الأُصول لیصبح علی استعداد لدخول استنباطات جدیدة، والتّوسع فی أبحاث أُصولیّة ذات فوائد کثیرة، کبحث السّیرة والعرف ومذاق الشّریعة (وربّما مقاصد الشّریعة)، ومناسبات الحکم والموضوع، ودخالة عنصری الزّمان والمکان فی الاستنباط، والاهتمام بالمبادئ التّصدیقیة والتصوریة، وتنقیح المبانی الضعیفة، وطرد المباحث الدخیلة، والحفاظ علی الهویة العامة للأصول بما

ص:389

هو آلة لخدمة العلوم الشّرعیة من الفقه والحدیث. والوصول إلی تبویب راق، وإخراج الأُصول- فی الکثیر من الموارد- من علم جدلی إلی علم استدلالی.

تألیف کتب للمستویات التّعلیمیة المختلفة، والعمل علی تطویر التّبویب المتداول للأبحاث الأُصولیّة مع ما لها من فوائد. وهذا مفید جداً فی عملیة التّدریس والتّعلیم. وهذا یتطلب المزید من الأعمال البحثیة لعرض الأُصول بطریقة مبسطة خالیة من التعقید.

تقدیم الأُصول باسلوب حدیث من خلال إنشاء مراکز دراسات وموسوعات ومعاجم متخصصة فی علم الأُصول والفقه، وتألیف الکتب بلغات مختلفة وطبق المنهجیة العلمیّة الحدیثة.

التّوسع أکثر فی تدوین الکتب والدّراسات التّطبیقیّة (علی قاعدة إرجاع الفروع إلی الأُصول)، لأنّ هذا الأمر یساعد کثیراً فی تثبیت علم الأُصول علی أهدافه وإخراجه من الحالة النظریة البحتة. والتّخفیف عن الطّلاب عناء البحث والجهد فی مساحة واسعة جداً من المباحث والمسائل. وبالتّالی تسریع عملیة الإجتهاد وتوفیر المزید من الوقت علی الباحثین والدارسین. وهذا الأمر عنصر أساسی فی تطوّر العلم نفسه، ودلیل علی ترقی نظر أهل العلم أیضاً.

تکمیل البحث التّأریخی، وخاصة البحث علی مستوی المسائل، بعد أنّ أنجز المؤلّف دراسته هذه علی مستوی المراحل العامة لعلم الأُصول.

ص:390

ملاحق وجداول

اشارة

جداول بیانیة.

مسرد مختصر لأهمّ المصادر والأبحاث ذات الصلة.

رسم بیانی لتطوّر علم الأُصول بمراحله المختلفة.

مصادر ومراجع.

ص:391

ص:392

جداوّل بیانیة

ص:393

ص:394

ص:395

ص:396

ص:397

ص:398

مسردکتب وأبحاث فی تأریخ الأُصول

(1)

فی هذا المسرد، مجموعة من أهمّ العناوین الّتی تضمنت أبحاثاً مهمة، فی الإجتهاد والفقه وأصول الفقه من زوایا مختلفة. ذکرها المؤلّف ضمن مقالة کتبها فی مجلة فقه أهل البیت (النسخة الفارسیة)- العدد (33)، وقد أضفتُ علیها بعض العناوین غیر المذکورة فی المسرد. ولأنّ الجامع المشترک بینها النظر الکلّی والزاویة التّأریخیة، فبالتّالی یمکن أنّ تشکل مصادر مهمة للبحث فی تأریخ علم الأُصول. ومن المناسب هنا التّنویه إلی أنّ منها ما هو کتب مستقلة فی البحث، ومنها ما تضمن أبحاثاً نحت منحی البحث الکلّی التّأریخی، وعلیه ولمزید من الفائدة والإطلاع رأینا من المناسب ذکر باقة منها، مع ذکر خلاصة محتویاتها:

أ) الکتب المستقلة، أو الّتی تضمّنت أبحاثاً مستقلة:

1. المعالم الجدیدة للسّید الشّهید محمّدباقر الصّدر، وتضمن تعریفات وتمهیدات حول أُصول الفقه، الحاجات والدوافع، الأهداف والأغراض، تأریخ علم الأُصول،

ص:399


1- (1) . راجع: الأستاذ مهدی علیپور، مصادر تأریخ أصول الفقه، ماخدشناسی تأریخ أُصول فقه، مجلة فقه أهل بیت، قم، العدد 33، سنة 1382 هش.

والتّصنیفات الأولی فیه، تطوّر علم الأُصول والمراحل الّتی مرّ فیها.

2. أدوار الإجتهاد من وجهة نظر المذاهب الإسلامیة، للشّیخ محمد إبراهیم جناتی، وفیه بحثاً مستقلاً حول تأریخ الأُصول، حیث صنّف المراحل الأُصولیّة فی ثمانیة.

3. الفوائد المدنیة، للأمین الأسترآبادی، وفیه نکات مهمة حول ردود الأخباریین علی المبانی الأُصولیّة، وعوامل ظهور المسائل الأُصولیّة.

4. تأریخ الأُصول بنظر الشّهید الصّدر، للسّید محمد کاظم روحانی، من دروس مهدوی هادوی الطهرانی.

5. حرکة الإجتهاد عند الشّیعة، للشّیخ عدنان فرحان، ومحوره البحث فی الإجتهاد بکلّ عوامله ومراحله الّتی صنفها فی ثمانیة مراحل، وحول علماء الفقه والأُصول إلی زمن الآخوند الخراسانی.

6. ملاک أُصول الاستنباط، للشّیخ محسن شفائی، وفیه فصل حول تأریخ أُصول الفقه، عوامله والمصنّفات الأولی، اختلاط علم الأُصول بالکلام، ظهور المذهب الأخباری، تأثر الأُصول الشّیعی بالسّنی. (فارسی).

7. تجدیدات النائینی فی أُصول الفقه، لأبی القاسم الیعقوبی.

8. الإجتهاد أُصوله وأحکامه، للسّید محمد بحرالعلوم.

9. موسوعة أُصولیی الشّیعة- المجلد الأول، للشّیخ محمدرضا ضمیری، وبحث فیها حول علماء الأُصول وتطوّر آرائهم وأفکارهم إلی مرحلة قیام الحرکة الأخباریّة.

10. نظرة فی تطوّر علم الأُصول، د. أبوالقاسم کرجی، ترجمة محمدعلی آذرشب. وهذه الدّراسة هی الفصل الأخیر من کتاب (فقه وفقهاء) للمؤلّف باللغة الفارسیة.

11. علم الأُصول تأریخاً وتطوراً للقائینی. وفیه یبحث فی تأریخ أُصول الفقه، والمدارس الأُصولیّة الّتی ظهرت فی طول التّأریخ (وقد مرّ الحدیث عنه فی المقدمة).

12. مبانی استنباط الحقوق أو أُصول الفقه، لأبی الحسن محمدی، وفیه تعریفات بالأُصول وکیف ظهر، واوّل المصنّفین والمدارس الأُصولیّة و... .

13. مصادر الاستنباط بین الأخباریین والأُصولیین، محسن الغراوی.

14. مصادر التّشریع عند الإمامیة، السّید محمد البجنوردی، مؤسسة ودار نشر عروج التّأبعة لمؤسسة حفظ ونشر آثار الإمام الخمینی، 1378ش.

15. کشف القناع عن وجوه حجیة الإجماع، الشّیخ أسدالله التّستری المعروف بالمحقق

ص:400

الکاظمی، طبعة حجریة. یتعرض هذا الکتاب إلی بحث الإجماع وأدلّة الموافقین والمخالفین فی طول التّأریخ.

ب) مقالات ودراسات مستقلة:

1. نظرة سریعة علی مراحل نشوء وتطوّر الفکر الأُصولی، للسّید منذر الحکیم، مؤتمر الشّیخ الأنصاری، من 24 صفحة.

2. الإجتهاد وتاریخه، علی رضا فیض، العدد 42 و41. (فارسی).

3. الإبداع الأُصولی فی مدرسة الشّهید الصّدر، للشّیخ حیدر حب الله، مجلة فقه أهل البیت، العدد20، 1412ه .

4. لمحات حول المدرسة الأُصولیّة للإمام الخمینی، للشّیخ أحمد مبلغی، مجلة فقه أهل البیت، العدد42، 1427ه

5. تحقیق فی نظریة الإجتهاد، سلسلة مقالات فی جریدة کیهان، علی عابدی الشّاهرودی.

6. نظرة علی التّطوّر التّأریخی للتّبویب فی علم الأُصول، مهدی علیبور، وفی هذه المقالة یتعرض إلی مختلف التّبویبات الّتی بدأت منذ نشأة علم الأُصول، وقد طرح نماذج متعددة منها من العدة والذّریعة إلی تبویب الأصفهانی والشّیخ المظفر والشّهید الصّدر. (فارسی).

7. الأرضیة لتجدید حیاة الإجتهاد الأُصولی فی القرن الثّالث عشر الهجری،علیرضا ذکاوتی، مجموعة مقالات حول الإجتهاد والزّمان والمکان، مؤتمر دراسة المبانی الفقهیة للإمام الخمینی، «دور الزّمان والمکان فی الإجتهاد.» (فارسی).

8. سیر تأریخی حول قاعدة الإجماع، مقالات فی مجلة فقه أهل البیت، لمحمّدحسن ربانی.

9. کتابشناسی أُصول فقه شیعة، مهدی مهریزی، المؤتمر العالمی للشّیخ الأنصاری، وجاء فی هذه الدّراسة أسماء الأُصولیین الشّیعة وأهمّ مؤلّفاتهم.

10. دور الوحید البهبهانی فی تجدید علم الأُصول، محمّدمهدی الآصفی، مجلة فقه أهل البیت، وقد ترجم ووضع فی مقدّمة کتاب الفوائد الحائریة. (النسخة الفارسیة).

11. الأسس الفکریة للشّیخ الأنصاری، عباس مخلصی، مجلة فقه أهل البیت، العدد 1. ویتعرض فی هذه المقالة إلی المدارس الأُصولیّة وخاصة مدرسة الشّیخ الأنصاری. (النسخة الفارسیة).

ص:401

12. سیر تأریخی حول قاعدة الإجماع، محمّدحسن ربانی، فقه أهل البیت، 28 و27. (النسخة الفارسیة).

13. دراسة تأریخیة حول العقل فی نظام الفقه الشّیعی،محمدتقی المیبدی، مجلة کیهان الثقافیة، الدّورة السّادسة، العدد6.

14. إبداعات النائینی فی علم الأُصول، أبوالقاسم الیعقوبی، مجلة الحوزة، العدد 77 و76. (باللغة الفارسیة).

ج) مقدمات مجموعة من الکتب الفقهیة والأصولیة:

1. مقدّمة الشّیخ جعفر سبحانی علی کتاب لمحات الأُصول للإمام الخمینی.

2. مدخل إلی أُصول الفقه الجعفری، لکتاب کلمات فی تأریخ الأُصول، للسّید محمد الصّدر.

3. مقدّمة الإجتهاد والتّجدید فی الفقه الإسلامی للشّیخ محمّدمهدی شمس الدّین.

4. مقدّمة مؤسسة صاحب الأمر علی کتاب أجود التقریرات للشّیخ النائینی، وفی هذه المقدّمة بحث فی تأسیس علم الأُصول، وأهمّ الأُصولیین فی کلّ قرن، آثارهم ومصنّفاتهم.

5. مقدّمة أنوار الأُصول، تقریر درس آیة الله ناصر مکارم الشّیرازی، وعنوان البحث فیه علم الأُصول کما ینبغی، من إعداد أحمد القدسی.

6. مقدّمة محمّدجواد علوی طباطبائی علی کتاب الحاشیة علی الکفایة.

7. الرّافد فی علم الأُصول، (تقریر درس آیة الله السّید السّیستانی)، وفیه یتناوّل علم الأُصول عند المدرسة الإمامیة، وأدوار الفکر الأُصولی، ومنهج علم الأُصول والارتباط بین المنهج الأُصولی والفلسفی.

8. مقدّمة السّید علی رضا الرضوی علی کتاب عمدة الأُصول، للسّید محسن خرازی.

9. نشأة علم الأُصول، سیره وارتقاؤه، محمود شهابی، مقدّمة علی تقریرات فوائد الأُصول للنائینی.

10. مقدّمة الشّیخ جعفر السّبحانی علی کتاب لمحات الأُصول للإمام الخمینی.

ص:402

المصادر والمراجع

1. ابن حجر العسقلانی، لسان المیزان، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، 1416ه.ق.

2. ابن حمزة الدّیلمی، المراسم العلویة، تحقیق السّید محسن الحسینی الأمینی، بیروت مؤسسة دارالحق، 1414ه .ق.

3. ابن خلدون، مقدّمة ابن خلدون، ترجمة محمد کَنابادی، طهران، مؤسسة الترجمة والنشر. ط الرابعة 1359ه . ش.

4. -------------- ، مقدّمة ابن خلدون، بیروت، دار إحیاء التراث العربی.

5. ابن خلکان، وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، تحقیق د. إحسان عباس، دار صادر، بیروت.

6. ابن زهرة، السّید حمزة، غنیة النّزوع، تحقیق إبراهیم البهادری، قم، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام ، ط الأولی، 1417ه . ق.

7. ابن شهر آشوب، معالم العلماء، النجف الأشرف، المطبعة الحیدریة،1380ه . ق.

8. ابن عودی، الدّر المنثور.

9. ابن الندیم، الفهرست، تصحیح وتحقیق رضا تجدد، طهران، ط الثّانیة، 1393ه . ق.

10. أبو زهرة، محمد، أُصول الفقه، مصر، نشر دار الفکر العربی.

11. أحمد الأمینی النجفی (العلاّمة الأمینی)، عبدالحسین، الغدیر، بیروت، دارالکتاب العربی، ط الرابعة، 1397ه ق.

12. الأردبیلی، محمد بن علی، جامع الرّواة، قم، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، 1403ه .

13. الأصفهانی (مسجدشاهی) أبی المجد محمدرضا، وقایة الأذهان، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، ط الأولی،1413ه .

14. أعرجی کاظمی، السّید محسن، وسائل الشّیعة فی أحکام الشّریعة، طهران، مکتبة مصطفوی، ط الأولی، 1364 ش.

15. الأمین، السّید محسن، أعیان الشّیعة، بیروت، دارالتّعارف للمطبوعات، ط الخامسة، 1418ه .

16. الأمین الأسترآبادی، المولی محمد، الفوائد المدنیة، قم، دار النشر لأهل البیت علیهم السلام .

17. أنصاری، حمید، حدیث الانطلاق، قم، مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی قدس سره ، ط 1373،15ش.

18. الأنصاری، مرتضی، حیاة وشخصیة الشّیخ الأنصاری، قم، مؤتمر الشّیخ الأنصاری، 1373 ش.

19. باقری بیدهندی، ناصر، فهرس الکتب الدّراسیة الحوزویة، مجلة نور العدد 28- 27.

20. البحرانی، الشّیخ یوسف، الدّرر النجفیة، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام .

21. بحرالعلوم، السّید محمّدمهدی، رجال بحرالعلوم، تحقیق السّید محمّدصادق بحرالعلوم، طهران، مکتبة الصّادق علیه السلام ، ط الأولی،1363.

22. البروجردی، محمّدتقی، نهایة الأفکار (تقریر درس المحقق العراقی)، قم، دار النشر الإسلامی، 1405ه. ق.

ص:403

23. بهاءالدّین العاملی، محمد (الشّیخ البهائی)، زبدة الأُصول، (طباعة حجریة)، الناشر: الأخوة النجفی.

24. البهبهانی، السّید علی، الفوائد العلیة، الأهواز، مکتبة دار العلم، ط الثانیة، 1405ه ق.

25. البهسودی، السّید محمد، مصباح الأُصول، قم، مکتبة الدّاوری، 1412ه ق.

26. التّبریزی، المیرزا محمّدعلی، ریحانة الأدب، طهران، دار خیام، ط الرابعة، 1374ه ش.

27. التّفریشی، السّید مصطفی، نقد الرّجال، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، 1418ه .

28. التّنکابنی، المیرزا محمد، قصص العلماء، طهران، الدّار العلمیّة الإسلامیة، ط الثّانیة، 1364ه ش.

29. الجزائری، نعمة الله، الأنوار النعمانیة، تبریز، مطبعة شرکة الطبع.

30. جماعة من العلماء، الجوامع الفقهیة، قم دار مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، 1404ه .

31. جناتی، محمد إبراهیم، أدوار الإجتهاد، طهران، دار کیهان، ط الأولی، 1372 ش.

32. جناتی، محمد إبراهیم، مصادر الإجتهاد من وجهة نظر المذاهب الإسلامیة (بالفارسیة)، طهران، دار کیهان، 1370 ش.

33. حسنی، سید حمیدرضا، وعلیبور، مهدی، موقعیة علم الأُصول، خطوة نحو التّحول، قم، مدیریة الدّراسات والبحوث فی الحوزة العلمیّة فی قم، 1385ه .ش.

34. حاجی خلیفة، کشف الظنّون عن أسامی الکتب والفنون، بیروت، دار الفکر، 1419ه .

35. الحائری، أبوعلی، منتهی المقال، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، ط الأولی، 1416ه .

36. الحائری، السّید کاظم، مباحث الأُصول (تقریر دروس الشّهید الصدر) قم، مکتب الإعلام الإسلامی، ط الأولی، 1407ه .

37. الحائری الیزدی، الشّیخ عبدالکریم، درر الفوائد، قم، مؤسسة النشر الإسلامی، ط الخامسة، 1408ه .

38. حب الله، الشّیخ حیدر، معالم الإبداع الأُصولی عند الشّهید الصّدر، مجلة فقه أهل البیت، قم، العدد20، السّنة الخامسة، 1421ه .

39. الحسینی الیزدی، السّید محمدعلی و...، علماء خوانسار، قم مؤتمر تکریم الآغا حسین الخوانساری، ط أولی، 1378ش.

40. الحلّی، ابن ادریس، السّرائر، قم، الدّار الإسلامی، 1422ه .

41. الحلّی، تقی الدّین حسن، کتاب الرّجال، النجف الأشرف، الطبعة الحیدریة، 1392ه .

42. الحمصی الرّازی، سدیدالدّین محمود، المنقذ من التّقلید، تحقیق محمّدهادی الیوسف، قم، الدّار الإسلامی.1412ه .

43. الخراسانی، المولی محمد کاظم، درر الفوائد فی الحاشیة علی الفرائد، تحقیق السّید مهدی شمس الدّین، طهران، دار وزارة الإرشاد، ط الأولی 1410ه .

44. ------------------------------------------ ، کفایة الأُصول، قم، دار آل البیت علیهم السلام ، 1417ه ق.

45. الخضری، الشّیخ محمد، أُصول الفقه، مصر، دار الحدیث، 1417ه .

46. الخطیب التمرتاشی الغزی، الوصول إلی قواعد الأُصول، تحقیق وتقدیم د.أحمد بن محمد العنقری، الرّیاض، مکتبة الرّشد، ط أولی، 1419ه .

47. الخمینی، السّید روح الله، الرّسائل، قم مؤسسة اسماعیلیان، 1368ش.

48. ---------------------------- ، مناهج الوصول، قم مؤسسة نشر وتنظیم آثار الإمام الخمینی، ط الأولی، 1373ش.

49. الخمینی، السّید مصطفی، تحریرات فی الأُصول، تحقیق السّید محمد سجادی و...، طهران، دار وزارة الإرشاد، ط الأولی، 1414ه .

ص:404

50. الخوانساری، آغا حسین، الرّسائل، إعداد رضا أستادی، قم، مؤتمر تکریم الآغا حسین الخوانساری، 1378ش.

51. الخوانساری، المیرزا محمّدباقر، روضات الجنات، قم، دار مؤسسة اسماعیلیان.

52. الخوئی، السّید أبوالقاسم، أجود التّقریرات (تقریر درس المیرزا النائینی)، قم، تحقیق ونشر مؤسسة صاحب الأمر، ط الأولی، 1419ه .

53. -------------------------- ، معجم رجال الحدیث، قم، مرکز نشر آثار الشّیعة، مطبعة الصّدر، ط الرّابعة، 1410ه .

54. الدّزفولی، الشّیخ أسدالله، مقابس الأنوار، قم، مؤسسة آل البیت.

55. الدّشتی، المیرزا حبیب الله، بدائع الأفکار، قم، مؤسسة آل البیت.

56. الدّوانی، علی، الوحید البهبهانی، طهران، أمیر کبیر،1362ش.

57. رحمان دوست، مجتبی، التنوع فی آثار الشّیخ البهبهانی، مجلة المجتمع التعلیمی العالی، قم، العدد5، ربیع1379ش.

58. روزدری، الملا علی، تقریرات أُصول الشّیرازی، تحقیق وتقدیم السّید محمدباقر العلوم، قم، مؤسسة آل البیت، 1413ه .

59. الزّبیدی، تاج العروس، تحقیق عبدالسّاتر أحمد فراج، الکویت، دار الهدایة للطباعة والنشر والتّوزیع.

60. الزرکشی، بدرالدّین، البحر المحیط، مصر، دار الکتبی،1414ه .

61. الزرکلی، الأعلام، بیروت، دار العلم للملایین، ط 7، 1986م.

62. سعید الخن، مصطفی، أبحاث حول أُصول الفقه، تأریخه وتطوره، دمشق- بیروت، دارالکلم الطّیب، ط الأولی، 1420ه .

63. السّید مرتضی، علم الهدی، الذّریعة إلی أُصول الشّیعة، تصحیح دکتورکرجی، طهران، دارنشر جامعة طهران، 1376ش.

64. ---------------------------------- ، رسائل الشّریف، المرتضی، تحقیق السّید أحمد الحسینی و...، قم، مؤسسة سید الشّهداء للنشر، دار القرآن الکریم، 1405ه .

65. السّیوطی، جلال الدّین، الرّد علی من أخلد إلی الأرض وجهل أنّ الإجتهاد فرض فی کلّ عصر، تحقیق خلیل المیس، دار الکتب العلمیّة، بیروت، 1406ه .

66. ----------------------------- ، الوسائل فی مسامرة الأوائل، دار الکتب العلمیّة بیروت،1406ه .

67. الشّافعی، ابن إدریس، الرّسالة، تصحیح وتحقیق أحمد محمد شاکر بیروت، نشر المکتبة العلمیّة.

68. شبیری، السّید محمّدجواد، ظهور أُصول الفقه وأدواره الأُولی (بالفارسیة)، قم، نشر مؤتمر تکریم الشّیخ الأنصاری، 1273ش.

69. شبیری، زنجانی، السّید موسی، أبعاد شخصیة الشّیخ الأنصاری (مقابلة) قم، مؤتمر الشّیخ الأنصاری، 1373ش.

70. الشّهید الثّانی، زین الدّین بن علی، تمهید القواعد، قم مؤسسة الإعلام الإسلامی للنشر، 1416ه .

71. الشّیخ حسن بن زین، معالم الدّین وملاذ المجتهدین، قم، الدّار الإسلامیة، 1365ش.

72. الشّیخ منتجب الدّین، علی بن عبدالله بن بابویه الرّازی، الفهرست، تصحیح السّید عبدالعزیز الطباطبائی، طهران، مکتبة مرتضوی،1404ه .

73. الصدر، السّید حسن، تأسیس الشّیعة للعلوم الإسلامیة، طهران، منشورات الأعلمی.

74. الصدر، السّید محمدباقر الصّدر، دروس فی علم الأُصول (الحلقات)، قم مؤتمر الشّهید الصّدر، مجموعة آثار رقم 6 و7، 1421ه (1379ش).

75. ------------------------------------- ، المعالم الجدیدة، قم مؤتمر تکریم الشّهید الصّدر، مجموعة آثار رقم 8، 1421ه (1379ش).

ص:405

76. الصّحتی السّردرودی، محمد الغروی الأصفهانی (نابغة النجف) (بالفارسیة)، قم، معهد باقرالعلوم، ط الأولی 1377ش.

77. ضمیری، الشّیخ محمدرضا، (دانشنامه أُصولیان شیعه) موسوعة أُصولیی الشّیعة، المجلد الأول، قم، مؤسسة بستان الکتاب، ط الأولی،1384ش.

78. الطّباطبائی، السّید علی، ریاض المسائل، تحقیق وتقدیم محمّدهادی الیوسفی القروی، قم، مؤسسة النشر الإسلامی، 1416ه .

79. الطّهرانی، آغا بزرک، الذّریعة إلی تصانیف الشّیعة، النجف الأشرف، مطبعة القضاء، 1378ه .

80. --------------------------- ، طبقات أعلام الشّیعة، تحقیق علی تقی المنزوی، قم، دار مؤسسة إسماعیلیان.

81. --------------------------- ، الکرام البررة، مشهد، دار المرتضی للنشر، ط ثانیة، 1404ه ق.

82. --------------------------- ، المیرزا الشّیرازی، ترجمة دائرة البحث والتّحقیق، طهران، شرکة الطّباعة المساهمة، 1362 ش.

83. ا------------------------- ، نقباء البشر، مشهد، دار المرتضی للنشر، ط الثّانیة، 1404ه .

84. الطّهرانی، الشّیخ هادی، محجة العلماء، طهران، مکتبة الأئمة الأطهار علیهم السلام ، 1320ه .

85. ------------------------- ، رسالة الحق والحکم، تحقیق وتقدیم نعمة الله الصّفری، مجلة المفید، السّنة الأولی، العدد 4، 1374ه ش.

86. الطنطاوی، محمود محمد، أُصول الفقه الإسلامی، القاهرة، مکتبة وهبة،1422ه .

87. الطّوسی، أبی جعفر محمد بن حسن (الشّیخ الطّوسی)، الرسائل العشر مقدّمة وتحقیق محمد واعظ زاده الخراسانی، قم، مؤسسة النشر الإسلامی.

88. --------------------- ، العدّة فی أُصول الفقه، تحقیق محمّدرضا أنصاری القمی، قم، مؤسسة ستاره للنشر، 1326ش.

89. -------------------------------- ، الفهرست، تحقیق جواد قیومی، قم، نشر الفقاهة،1417ه .

90. العاملی، الشّیخ الحرّ، إثبات الهداة، مع مقدّمة لآیة الله المرعشی النجفی، طهران، دارالکتب الإسلامیة، ط الثّالثة، 1364 ش.

91. ------------------------- ،أمل الآمل، تحقیق السّید أحمد الحسینی، بغداد، مکتبة الأندلس، ط الأولی، 1385ش.

92. ------------------------- ، الفصول المهمة فی أُصول الأئمة، مکتبة بصیرتی.

93. ------------------------- ، وسائل الشّیعة، قم، مؤسسة آل البیت، 1412ه .

94. عبد الرحیم الأصفهانی، الشّیخ محمدحسین، الفصول الغرویة فی الأُصول الفقهیة، طباعة حجریة، 1404ه .

95. عبدالرحیم الأصفهانی، الشّیخ محمدتقی، هدایة المسترشدین، تحقیق وتقدیم سید أحمد الحسینی، قم، مؤسسة النشر الإسلامی، ط الأولی،1421ه .

96. العراقی، آغا ضیاءالدّین، مقالات الأُصول، تحقیق الشّیخ محسن الأراکی والسّید منذر الحکیم، تقدیم محمّدمهدی الآصفی، قم،مجمع الفکر الإسلامی، ط الأولی، 1414ه .

97. العلاّمة الحلّی، حسن بن یوسف بن مطهر،خلاصة الأقوال فی معرفة الرّجال، تحقیق جواد قیومی، قم، نشر دار الفقاهة، 1417ه .

98. علی پور، مهدی، مصادر تأریخ أُصول الفقه، مجله فقه اهل البیت (بالفارسیّة) قم، عدد 33، 1382ش.

99. -------------------- ، نظرة علی المسار التّأریخی للتبویت فی علم الأُصول (بالفارسیة)، قم، المؤتمر العالمی للشّهید الصّدر، 1379ش.

100. الغروی الأصفهانی الشّیخ محمدحسین، نهایة الدّرایة، قم، دار سید الشهداء للنشر، ط الأولی، 1374ش.

101. الفاضل التّونی، الوافیة، تحقیق السّید محمدحسین الرضوی، قم مجمع الفکر الإسلامی، ط الثّانیة، 1415ه .

ص:406

102. فاضلی خوانساری، محمّدحسن، شرح حال المحقق الخوانساری، قم، نشر المؤسسة العلمیّة الثّقافیة لآیة الله الفاضل الخوانساری، 1378ش.

103. فرحان، الشّیخ عدنان، حرکة الإجتهاد عند الشّیعة، بیروت، دارالهادی للطباعة والنشر والتّوزیع، ط الأولی، 1425ه .

104. الفیاض، محمدإسحاق، محاضرات فی أُصول الفقه، قم، دارالهادی للطباعة والنشر والتّوزیع، ط الثّانیة،1410ه .

105. الفیض الکاشانی، المولی محسن، الأُصول الأصیلة، تصحیح وتعلیق میر جلال الدّین الحسینی الآرموی، طهران، 1349ش.

106. ------------------------- ، علم الیقین فی أُصول الدین، تحقیق وتعلیق محسن بیدارفر، قم، منشورات بیدار، 1377ه ش.

107. القائینی، علی، علم الأُصول تأریخا وتطویراً، قم نشر مکتب الإعلام الإسلامی، ط الثّانیة،1376ش.

108. القزوینی، السّید إبراهیم، ضوابط الأُصول، طباعة حجریة.

109. القمی، الشّیخ عباس، سفینة البحار، طباعة حجریة بدون فهرس،وطبعة جدیدة، طهران دار الأسوة للطّباعة و النشر، ط الثّانیة، 1416ه .

110. -------------------------- ، الفوائد الرضویة، طهران، طباعة مکتبة ودار النشر المرکزی.

111. -------------------------- ، هدایة الأحباب،طهران، أمیر کبیر، 1363ش.

112. القمی، محسن، الحکومة و الورود، قم، طباعة مؤتمر الشّیخ الأنصاری،1373ش.

113. القمی، المیرزا أبوالقاسم، غنائم الأیام، تحقیق وتقدیم عباس تبریزیان قم، نشر مکتب الإعلام الإسلامی- فرع خراسان، 1417ه .

114. -------------------------------- ، قوانین الأُصول، طباعة حجریة 1315ش.

115. کاشف الغطاء، الشّیخ جعفر، کشف الغطاء، أصفهان، مکتبة مهدوی للنشر، (طباعة حجریة). أیضاً: کشف الغطاء، مشهد، تحقیق ونشر مکتب الإعلام الاسلامی- فرع خراسان، ط الأولی، 1422ه .

116. الکاظمی، محمّدعلی، فوائدالأُصول (تقریرات درس المیرزا النائینی)، قم، مؤسسة النشرالإسلامی،1406ه .

117. الکاظمی الأعرجی، السّید محسن، الواقی (مخطوط).

118. کحالة، عمر رضا، معجم المؤلّفین، بیروت، مؤسسة الرسالة.

119. کفائی، عبدالحسن، موت فی النور (حیاة الآخوند الخراسانی)، قم، شرکة طباعة الأوفست (کلشن)، طهران، 1359ه ش.

120. کلانتری، أبوالقاسم، مطارح الأنظار، قم، مؤسسة آل البیت.

121. الکلینی، محمد بن یعقوب، أُصول الکافی،تحقیق محمّدجواد فقهیة، بیروت، دارالأضواء.

122. کرجی، أبوالقاسم، تأریخ الفقه والفقهاء (بالفارسیة)،طهران مؤسسة سمت، ط الثّانیة، 1377ش.

123. جماعة من المؤلّفین،حیاة السّید الخوئی، قم، مؤسسة السّید الخوئی الخیریة،1372ش.

124. لاریجانی، صادق، الواجب المشروط، قم، مؤسسة المرصاد للنشر،1379ش.

125. مبلغی، الشّیخ أحمد، لمحات حول المدرسة الأُصولیّة للإمام الخمینی، مجلة فقه أهل البیت، قم، العدد42، 1427ه .

126. المجاهد الطباطبائی، السّید محمد، مفاتیح الأُصول، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام .

127. المحدث البحرانی، الشّیخ یوسف، الحدائق الناظرة، قم،النشر الإسلامی، 1408ه .

128. ----------------------- ، لؤلؤة البحرین، تحقیق محمّدصادق بحرالعلوم، قم، مؤسسة آل البیت، وأیضاً بیروت، دار الأضواء، ط الثّانیة، 1406ه .

ص:407

129. المحقق الحلّی، الشّیخ نجم الدّین، معارج الأُصول، تحقیق محمّدحسین الرضوی، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، 1403ه .

130. المحقق الکرکی، هدایة الأبرار إلی طریق الأئمة الأطهار، تحقیق رؤوف جمال الدین، النجف الأشرف، ط الأولی، 1396ه .

131. محمدإسماعیل، شعبان، أُصول الفقه تأریخه ورجاله، مکة المکرمة، طبع دارالسلام، ط الثّانیة،1419ه .

132. مطهری مرتضی، مجموعة آثار (20)، طهران، نشر صدرا، 1380ه ش.

133. محی الدین، د. عبدالرزاق، أدب المرتضی، بغداد، مطبعة المعارف، 1957م.

134. المفید، محمد بمحمد بن النعمان، مجموعة مصنّفات الشّیخ المفید، بیروت، نشر دارالمفید، مجلد9، ط الثّانیة،1414ه .

135. مهریزی، مهدی، مسرد أُصول الفقه (بالفارسیة)، قم، المؤتمرالعالمی للشّیخ الأنصاری، ط الأولی، 1373ه ش.

136. النجاشی، أبوالعباس، رجال النجاشی، تصحیح آیة الله الزنجانی، قم، مؤسسة النشرالإسلامی، ط الأولی،1418ه .

137. النّراقی، المولی مهدی، تجرید الأُصول، ط حجریة.

138. النوری، المیرزا حسین، خاتمة مستدرک الوسائل، قم، مؤسسة آل البیت علیهم السلام ، ط الأُولی، 1415ه .

139. النهاوندی، الملا علی، تشریح الأُصول (طبعة حجریة)، طهران 1316ه .

140. الواثقی، حسین، المتبقی من کتاب المصادر مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام (النسخة الفارسیة)، ربیع1380ش؛ العدد25.

141. الوحید البهبهانی، محمّدباقر، الأُصول الأصلیة، قم، مؤسسة الوحید البهبهانی.

142. ---------------------------------- ، الفوائد الحائریة، قم، مجمع الفکر الإسلامی، ط الأُولی، 1415ه .

143. ----------------------------------- ، الرّسائل الأُصولیّة، تحقیق ونشر مؤسسة الوحید البهبهانی،قم، ط الأولی،1416ه .

144. الهاشمی الشّاهرودی، السّیدمحمود، بحوث فی علم الأُصول (تقریر درس الشّهید الصّدر)، قم، المجمع العالمی للشّهید الصّدر، ط الثّانیة، 1405ه .

145. الیعقوبی، أبوالقاسم، الخطابات القانونیة فی الفکر الأُصولی عند الإمام الخمینی قدس سره ، مجلة الفقه (باللغة الفارسیة)، العدد21 و22.

دراسات أخری

1. أبوزید العاملی، أحمد؛ السّید محمدباقر الصّدر، السّیرة والمسیرة حقائق ووثائق؛ بیروت، دارالتعارف، 2007م.

2. دارالولایة للثّقافة والإعلام، الحوزة وعلماء الدّین، فی ضوء إرشادات سماحة السّید القائد، قم، دارالولایة، ترجمة معروف عبدالحمید، 1424ه .

والحمدلله أولاً وآخراً

ص:408

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.