الفقه المقارن (العبادات والاحوال الشخصیة)

اشارة

سرشناسه:مصطفوی، سیدمحمدکاظم، 1331 -

عنوان و نام پدیدآور:الفقه المقارن (العبادات والاحوال الشخصیة)/ السیدکاظم المصطفوی.

مشخصات نشر:قم: مرکز بین المللی ترجمه و نشرالمصطفی (ص)، 1390.

مشخصات ظاهری:536ص.

فروست:مرکز دراسات المصطفی صلی اله و علیه و آله الدولی؛134.

شابک:82000 ریال:978-964-195-462-0

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:چاپ دوم: 1393(فیپا).

یادداشت:کتابنامه: ص. [519]- 525؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:فقه تطبیقی

موضوع:عبادات

موضوع:حقوق خانواده (فقه)

موضوع:زناشویی (فقه)

موضوع:طلاق (فقه)

موضوع:اشخاص (حقوق)

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

رده بندی کنگره:BP169/7/م56ف73 1390

رده بندی دیویی:297/324

شماره کتابشناسی ملی:2387211

ص :1

اشارة

ص :2

الفقه المقارن (العبادات والاحوال الشخصیة)

السیدکاظم المصطفوی

ص :3

ص :4

کلمة مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للدراسات و التحقیق

وضعت الحوزات العلمیة عبر سعیها الدؤوب طیلة تاریخها المجید،مهمّة التربیة و التعلیم علی رأس رسالاتها الأصیلة،الأمر الذی ضمّن إیصال معارف الإسلام السامیة وعلوم أهل البیت علیهم السلام الینا عبر الأجیال المتعاقبة،وفی هذا الإطار جاء اهتمام تلک الحوزة العلمیة بالمناهج الدراسیة التعلیمیة.

ممّا لا شکّ فیه،أنّ النهضة التکنولوجیة التی شهدها عصرنا أفرزت تحوّلاً هائلاً فی حقل العلم،حتی أصبح بمقدور البشریة فی عالم الیوم أن تحصل علی المعلومات و المعارف اللازمة فی جمیع الفروع آنیاً وبسهولة ویسر.فقد حلّت الأسالیب التعلیمیة الحدیثة و المتطورة محلّ الأسالیب القدیمة و الموروثة فی الحفظ الکمّی و التخرین،وتحثّ هذه التطّورات الخطی المسرعة نحو تحقیق الأهداف التعلیمیة المنشودة.

وتبرر جامعة المصطفی العالمیة فی هذا الخضم کمؤسسة حوزویة تأخذ علی عاتقها مسؤولیة إعداد الکوادر العلمیة و التعلیمیة الأجنبیة فی مجال العلوم الإسلامیة،حیث تعکف أعداد غفیرة من الطلبة الأجانب الذین ینتمون إلی جنسیات مختلفة علی مواصلة الدراسة فی مختلف المستویات التعلیمیة وضمن العدید من فروع

ص:5

العلوم الإنسانیة و الإسلامیة التابعة لهذه الجامعة.وبطبیعة الحال،إنّ العلوم و المعارف الإسلامیة التی یتوافر علیها الطلبة الأجانب تتمایز بتمایز البلدان و الأصقاع التی ینتمون إلیها،ما یلحّ علی جامعة المصطفی العالمیة بضرورة تدوین مناهج حدیثة تستجیب لطبیعة التمایز الذی یفرضه تنوّع البلدان.

لطالما أکّد رجال الحوزة ومفکّریها ولا سیما الإمام الخمینی وسماحة قائد الثورة الإسلامیة(دام ظله الوارف)علی ضرورة أن یستند التعلیم الحوزوی للأسالیب الحدیثة المستلهمة من مناهج الاستنباط فی الفقه الجواهری،وأن یتمّ سوقه نحو مسارات التألّق والازدهار.وفی هذا السیاق،نشیر إلی مقاطع من الکلمة المهمّة التی ألقاها سماحة قائد الثورة السید الخامنئی(دام ظله الوارف)فی عام 2007 مخاطباً فیها رجال الدین الأفاضل.

بالطبع،إنّ حرکة العلم فی العقدین القادمین ستشهد تعجیلاً متسارعاً فی حقول العلم و التکنولوجیا مقارنة بما مرّ علینا فی العقدین المنصرمین...وفیما یتعلّق بالمناهج الدراسیة یجب علینا توضیح العبارات و الأفکار التی تتضمّنها تلک المناهج إلی الدرجة التی تنزاح معها کلّ العقبات التی تقف فی طریق من ینشد فهم تلک الأفکار،طبعاً دون أن نُهبط بمستوی الفکرة.

فی الحقیقة،لقد استطاعت الثورة الإسلامیة المبارکة فی إیران،ولله الحمد،أن ترفد المحافل العلمیة بطاقات وإمکانات جیدة.ومن هذا المنطلق،واستلهاماً من نمیر علوم أهل البیت علیهم السلام وبفضل الأجواء التی أتاحتها هذه الثورة العظیمة لإحداث طفرة فی النظام التعلیمی،أناطت جامعة المصطفی العالمیة بمرکز دراسات المصطفی الدولی مهمّة تدوین المناهج الدراسیة التی تنسجم مع النظام المذکور وذلک باستعانة اللجان العلمیة و التربویة و البحثیة،وکذلک تنظیم هذه المناهج بالترکیز علی الأصوبیة الإقلیمیة و الدولیة الخاصة بها.

ولا بدّ من القول بأنّ مرکز دراسات المصطفی الدولی یملک خبرة قیمة فی

ص:6

مجال تدوین المناهج الدراسیة و البحث عنه حیث حقّق تحوّلاً جدیداً فی میدان انتاج العلم وذلک من خلال تجربته فی تدوین مجموعة المناهج الخاصّة بالمؤسّستین السابقتین التی انبثق عنهما وهما:«المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة»و«جمعیة الحوزات و المدارس العلمیة فی الخارج».

وکانت من حصیلة الفعالیات العلمیة لهذا المرکز فی مجال تدوین المناهج إصدار حوالی 200 منهجاً دراسیاً فی الداخل و الخارج،وإعداد أکثر من 200 منهج وکرّاسة علمیة،والتی نأمل بفضل العنایة الإلهیة وفی ظلّ الرعایة المستمرّة لإمام العصر المهدی المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف أن تکون قد ساهمت بقسط ولو ضئیل فی نشر الثقافة و المعارف الإسلامیة المحمدیة الأصیلة.

وبدوره یشدّ مرکز دراسات المصطفی الدّولی علی أیدی الروّاد ویثمّن جهودهم المخلصة،کما یعلن فی ظلّ الإرشادات و الإشراف المباشر من لدن مدیر التخطیط التربوی،وکذلک التعاون البنّاء للّجان العلمیة التابعة للمعاهد،مواصلة هذه الانطلاقة المیمونة فی تلبیة المتطلبات التربویة و التعلیمیة من خلال توفیر المناهج الدراسیة المستوفیة للمعاییر المتطوّرة.

الکتاب الذی بین یدیک عزیزی القارئ الذی یحمل عنوان«الفقه المقارن»معدّ خصّیصاً لطلبة المرحلة بکلارئوس«فرع الفقه و الأصول»و هو ثمرة جهود الأستاذ السید کاظم المصطفوی،حیث نودّ هنا أن نتوجّه إلیه ولباقی الزملاء الذین ساهموا فی تدوین هذا العمل القیم بالشکر و الجزیل والامتنان الوافر.

کما لا یفوتنا أن نشکر القرّاء الأعزّاء الذین بعثوا لنا باقتراحاتهم العلمیة السدیدة و التی سنأخذ بها فی الطبعات القادمة إن شاء الله.والله من وراء القصد.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر

ص:7

ص:8

الفهرس الاجمالی

المقدمة 11

1.الطهارة 13

2.فرائض الوضوء(1)21

3.فرائض الوضوء(2)35

4.شروط الوضوء 49

5.نواقض الوضوء 63

6.الغسل 77

7.التیمم 85

8.أوقات الصلاة(1)91

9.أوقات الصلاة(2)99

10.الأذان و الإقامة 109

11.أفعال الصلاة 129

12.مباحث القبلة ولباس المصلّی 145

13.حکم السهو فی الصلاة 159

14.صلاة الجماعة(1)175

15.صلاة الجمعة(2)193

16.صلاة المسافر 209

ص:9

17.صلاة المیت 223

18.کتاب الصوم 235

19.المفطرات 249

20.حول رؤیة الهلال 263

21.الزکاة 275

22.أصناف المستحقین 289

23.الخمس 299

24.الحجّ 315

25.أقسام الحجّ 329

26.الإحرام 341

27.الوقوفات 357

28.الطواف 371

29.النکاح 389

30.حوار حول المتعة 403

31.أسباب تحریم المصاهرة 411

32.الطلاق(1)427

33.الطلاق(2)441

34.الطلاق الثلاث فی فقه السنة 455

35.الطلاق الثلاث فی فقه أهل البیت علیهم السلام 463

36.طلاق البدعة 471

37.المیراث 477

38.حوار حول التعصیب 493

39.الوصیة 505

المصادر 519

الفهرس التفصیلی 527

ص:10

المقدمة

الحمدلله ونستعینه ونؤمن به ونتوکل علیه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسیئات أعمالنا،وأفضل الصلاة و السّلام علی أفضل الأنبیاء و المرسلین سیدنا ونبینا محمد وآله الطاهرین المعصومین علیهم السلام،بهم نتولی ومن أعدائهم نتبرأ فی الدّنیا و الآخرة.

وبعد فإن مادة البحث هو الفقه المقارن،و هو بحث فقهی استدلالی بصورة مقارنة بین الفریقین:الشیعة و السنة.

والبحث الفقهی بهذه الشاکلة تکون من مستجدات الناتجة من تطورات الهائلة التی تتعلق بالحوزة العلمیة.

ومن البین لکل من له وعی دینی وانتباه إسلامی،أنّ الحوزة العلمیة الغرّاء فی قم المقدسة أصبحت مرکزاً علمیاً لم یشهد التاریخ مثیله،ولا شک أنّ تلک الحوزة المبارکة التی تکون عریقة فی التاریخ،تجلّت بمساندة ولایت أهل البیت علیهم السلام،بأرفع المستویات علی الصعید الفقهی،نشاهد بکل وضوح أنّ الحوزة المتلوة علی ضوء تطوراتها تتسم نموذجاً لم یکن لها مثیل فی العالم.

فالحوزة بهذه المکانة البارزة تسیطرت بحمدالله تعالی علی کافة أرجاء العالم

ص:11

واجتذبت طلاب العلوم الدینیة بکمیة کبیرة من مختلف البلدان الشرقیة و الغربیة،واستطاعت أن تعلّمهم وترشدهم برعایة بالغة.

وانطلاقاً من ذلک یجدر أن یدرس الفقه بشکل مقارن بین المذاهب الإسلامیة کخطوة واسعة علی الصعید الفقهی،لکی یکون درس الفقه شاملاً لکافة المسلمین فعلی هذا الأساس بادرت وحدة تالیف الکتب الدراسیة،التابعة لجامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی قم المقدسة،إلی إعداد کتاب دراسی فی هذا الحقل،فمست الحاحة إلی تعامل المؤمنین فی الحوزة،وکنت جاهزاً للتعامل فبذلت الجهد کله فی سبیل التالیف علی ما یرام،فوفقنی الله تعالی بفضله ورحمته الواسعة أن أدوّن هذا الکتاب-الفقه المقارن-بالمنهج الدراسی الحدیث،و هو یحتوی قسم العبادات و الأحوال الشخصیة فی عدّة دراسات،وکل درس بحسب تقنیة التعلیم مذیل بالخلاصة و الأسئلة،وقارنت الآراء الفقهیة من المذاهب الخمسة الإسلامیة مسندة إلی أدلتها القطعیة عندهم،علی ما فی کتبهم المعتبرة لدیهم نقلاً بنفس العبارة, فمن یدرس ذلک الکتاب بعین الاعتبار یصل إلی المعرفة الفقهیة الواسعة،والمقارنة بهذه الشاکلة توجب التلاحم بین الفقهاء وبالتالی بین المسلمین وتثمر معرفة ما هو أجود الآراء وأوثقها دلیلاً وحجة.

اللّهم اهدنا من عندک وأفض علینا من فضلک

إنّک ذوالفضل العظیم

السید کاظم المصطفوی

ص:12

1- الطهارة

طهوریة الماء المضاف

اشارة

اختلف آراء الفقهاء بالنسبة إلی طهوریة الماء المضاف وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:الماء إما مطلق أو مضاف کالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغیره مما یخرجه عن صدق إسم الماء المطلق. (1)

وقال السید الخوئی:الصحیح أن یستدل علی عدم طهوریة المضاف بقوله تعالی: وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً (2)حیث حصرسبحانه الطهور فی الماء و التراب فلاطهور غیرهما.وما ورد فی الروایات الدالة علی تعیین الوضوء و الغسل بالماء ووجوب التیمم علی تقدیر فقدانه،ففی روایة أبی بصیر عن الامام الصادق علیه السلام عن الرجل یکون معه اللبن،أیتوضأ منه للصلاة؟قال:«لا إنّما

ص:13


1- (1) .العروة الوثقی،ج1،ص8.
2- (2) .المائدة:6.

هوالماء و الصعید». (1)ونظیرها ما نقله،فإنّ اللبن و إن لایطلق علیها الماء المضاف إلاّ أنّ تعلیله بقوله إنّما هو الماء و الصعید،یقتضی انحصار الطهور فیهما. (2)

المذهب الحنفی

قال الجزیری الحنفیة قالوا:یجوز استعمال الماء الطاهر-المضاف-فی إزالة الخبث فللشخص أن یزیل النجاسة من ثوبه أو بدنه أو مکانه بالماء الطاهر وغیره من سائر المائعات الطاهرة کماء الورد و الریحان ونحوهما. (3)

قال إبن نجیم المصری الحنفی:یطهر البدن و الثوب بالماء وبمائع مزیل کالخل وماء الورد قیاساً علی إزالتها بالماء بناءً علی أنّ الطهارة بالماء معلولة بعلة کونه قالعاً لتلک النجاسة و المائع قالع فهو محصل ذلک المقصود (4)وقال الحنفیة:یجوز رفع نجاسة حقیقیة بکلّ مائع حتّی الریق فتطهر إصبع وثدی تنجس. (5)

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامه:إنّ الطهارة من النجاسة لاتحصل إلاّ بما یحصل به طهارة الحدث-الماء المطلق-لدخوله فی عموم الطهارة وبهذا قال مالک و الشافعی ومحمدبن الحسن وزفر وقال أبوحنیفة:یجوز إزالة النجاسة بکلّ مائع طاهر. (6)

ص:14


1- (1) .الوسائل،ج1،ص146،باب 2 من ابواب الماء المضاف،ح1.
2- (2) .موسوعة الامام الخوئی،ج2،ص17.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص44.
4- (4) .البحر الرائق،ج1،ص385.
5- (5) .الدر المختار،ج1،ص334.
6- (6) .المغنی،ج1،ص9.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:أما حکم الماء الطاهر-المضاف-فإنّه لایصح استعماله فی العبادات فهو لایرفع حدثاً ولایزیل خبثاً (1)وقال النووی:وما سوی الماءالمطلق من المایعات کالخل وماءالورد...لایجوز رفع الحدث ولا إزالة النجس به لقوله تعالی: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا فأوجب التیمم علی من لم یجد الماء (2)و هذا هو الحکم علی المذهب المالکی.

الماء الراکد الکثیر

اشارة

قال الإمام الخمینی:الراکد إذا بلغ کرّاً لاینجس بالملاقات إلاّ بالتغییر،و إذا تغیر بعضه فإن کان الباقی بمقدار کرّ یبقی غیر المتغیر علی طهارته, ویطهر المتغیر إذا زال تغیره بالامتزاج بالکرّ الباقی.

للکرّ تقدیران:أحدهما بحسب الوزن و هو ألف ومأتا رطل عراقی وبحسب الکیلو المتعارف(383/906).وثانیهما بحسب المساحة و هو ما بلغ ثلاثة واربعین شبراً إلا ثمن شبر. (3)

قال السید الخوئی:لاخلاف بین أصحابنا فی أنّ الماء البالغ قدرکرّ لایتنجّس بملاقات شیء من النجاسات و المتنجسات ما دام لم یطرأ علیه التغیر. (4)و قد وردت هناک نصوص کثیرة مستفیضة،منها صحیحة محمدبن مسلم عن الإمام الصادق علیه السلام:«إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجسه شیء». (5)

ص:15


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص44.
2- (2) .المجموع،ج1،ص92.
3- (3) .تحریر الوسیلة،ج1،ص12.
4- (4) .موسوعة الامام الخوئی،ج2،ص151.
5- (5) .الوسائل،ج1،ص117،باب 9 من ابواب الماء المفلق،ح1.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:الحنفیة قالوا:إنّ الماء ینقسم إلی قسمین:کثیر وقلیل،فالأوّل کماء البحر و الأنهار ومنه الماء الراکد فی الأحواض المربعة البالغة مساحتها عشرة أذرع فی عشرة بذراع العامة. (1)

قال ابن رشد:بأنّ الماء الراکد الکثیر:هو کون الماء بحیث إذا حرک أحد طرفیه لایتحرک الآخر. (2)

وقال الکاشانی:فاتفقت الروایات عن أصحابنا أنّه یعتبر الخلوص(الإطلاق فی الماء)بالتحریک و هو أنّه إن کان بحال لو حرک طرف منه یتحرک الطرف الآخر فهو مما یخلص. (3)

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:و إذا کان الماء قلتین فوقعت فیه نجاسة فلم یوجد(التغییر)فهو طاهر،وهما-قلتان-خمس قرب،کلّ قربة مأئة رطل بالعراق فتکون القلتان خمس مائة رطل بالعراقی،ولا أعلم بینهم فی ذلک خلاف. (4)

وقال النووی:إن کان الماء قلتین فصاعداً فهو طاهر؛لقوله صلی الله علیه و آله:إذا کان الماء قلتین فإنّه لایحمل الخبث هذا الحدیث حسن ثابت.

وقال:بان هناک آراءثلاثة:1.إن کان قلتین فأکثر لم ینجس،هذا مذهبنا(الشافعی)ومذهب ابن جبیر وأحمد؛2.إذا بلغ أربعین قلّة لم ینجسه شیء حکوه عن عبدالله بن عمر؛3.إن کان کرّاً لم ینجسه شیء روی عن مسروق وابن سیرین. (5)

ص:16


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1 ص28.
2- (2) .بدایة المجتهد،ج1،ص24.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج1،ص72.
4- (4) .المغنی،ج1،ص23.
5- (5) .المجموع،ج1،ص112.

المذهب المالکی

لاینجس کثیر الماء وقلیله إلا بالتغیر. (1)

الماء الّذی ولغ فیه الکلب

اشارة

هناک اختلاف بین المذهب المالکی و المذاهب الأخری.

قال الجزیری:المالکیة قالوا:من مکروهات المیاه،الماء الّذی ولغ فیه کلب ولو مراراً فإنّه یکره استصحابه. (2)

قال مالک:فی الإناء یکون فیه الماء یلغ فیه الکلب،إن توضأبه وصلی أجزأه.

وقال:إن ولغ الکلب فی إناء فیه لبن فلا بأس بأن یؤکل ذلک اللبن.

وقال:بأنّ حدیث الغسل سبع مرّات ما أدری ما حقیقته،وکأنّه یری أنّ الکلب کأنّه من الأهل و العائلة ولیس کغیره من السباع. (3)

قال السید الطباطبائی الیزدی:سؤر نجس العین کالکلب و الخنزیر نجس. (4)

قال الإمام الخمینی:و أمّا الآنیة فإن تنجّست بولوغ الکلب فیما فیها من ماء أو غیره ممایتحقق معه إسم الولوغ غسلت ثلاثاً اولاهن بالتراب أی التعفیر به. (5)ذلک للنصوص الصحیحة و الإجماع وما عثرنا علی خلاف إلا عن المالکی.

التطهیر بالدبغ

هناک اختلاف بین المذهب الحنفی و المذاهب الأخری.

ص:17


1- (1) .المصدر السابق،ص113.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص31.
3- (3) .المدونة الکبر،ج1،ص5.
4- (4) .العروة الوثقی،ص15.
5- (5) .تحریرالوسیلة،ج1،ص23.

قال الحنفیة:وما دبغ ولو بشمس طهر فیصلی به ویتوضأ منه خلا خنزیر.

واعلم أنّه لیس الکلب بنجس العین عند الإمام أبوحنیفة فیباع ویؤجر ویضمن ولا خلاف فی نجاسة لحمه وطهارة شعره. (1)قال ابن قدامة:قال أبوحنیفة:یطهر کل جلد بالدبغ إلاّ جلد الخنزیر؛لأن النبی صلی الله علیه و آله قال:إذا دبغ الإهاب فقد طهر.

ولنا ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله بأنّه قال:«فلا تنتفعوا من المیتة بإهاب ولاعصب».

وقال أحمد:إسناد جید،ولأنّه جزء من المیتة فلم یطهر بالدبغ کاللحم؛ولأنّه حرم بالموت فکان نجساً کما قبل الدبغ (2)وما عثرنا علی خلاف فیه هناک إلاّ عن الحنفی.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد وعن تفرّد الحنفی و المالکی بالنسبة إلی طهوریة الدبغ وطهارة ولوغ الکلب علی أساس الاجتهاد الخاص.

ص:18


1- (1) .الدرالمختار،ج1،ص219.
2- (2) .المغنی،ج1،ص56.

الخلاصة

الماء المضاف لایرفع الحدث و الخبث علی المذاهب إلاّ علی الحنفیة.

الماءالراکد الکثیر عبارة عن مقدار الکرّ علی المذهب الجعفری و هو قدر القلتین عند معظم الفقهاء السنیة.

الدبغ من المطهرات علی المذهب الحنفی فحسب.

ولوغ الکلب لاینجّس شیئاً علی المذهب المالکی.

ص:19

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی عدم طهوریة الماء المضاف؟

2.ما هو قدر الکر و قدر القلتین؟

3.ما هو الدلیل علی عدم حصول الطهارة بالدبغ؟

4.ما هو حکم سؤر الکلب علی أکثر المذاهب؟

5.ما هو المقصود من التعفیر فی التطهیر؟

ص:20

2- فرائض الوضوء (1)

عدد الفرائض

اشارة

إنّ فرائض الوضوء هی أجزاؤه الّتی بها تتکوّن حقیقة الوضوء الشرعیة و قد اختلفت الآراء بالنسبة إلی عدد تلک الفرائض زیادةً ونقیصةً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطاطبائی الیزدی:أفعال الوضوء-اجزاؤه-أربعة:

الأول:غسل الوجه.

الثانی:غسل الیدین.

الثالث:مسح الرأس.

الرابع:مسح الرجلین. (1)

وهی ما صرّح بها القرآن الکریم،قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی

ص:21


1- (1) .العروة الوثقی،ص 55-57.

اَلْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ . (1)وهی تدلّ علی أنّ أجزاء الوضوء أربعة،و أمّا النیة و الموالاة و الترتیب وما شاکلها فهی من شرائط الوضوء الّتی لها صلة وثیقة بتلک العبادة،ثبت وجوبها بأدلّة الشروط الخاصّة.

قال الجزیری:اتّفق الأئمّة-الأربعة-علی الفرائض الأربع المذکورة فی القرآن الکریم،وهی:غسل الوجه،وغسل الیدین إلی المرفقین،ومسح الرأس کلاً أو بعضاً،وغسل الرجلین إلی الکعبین،ولم تزد الحنفیة علیها شیئاً،خلافاً للأئمّة الثلاثة. (2)وعلیه فالمذهب الحنفی وافق المذهب الجعفری فی عدد الفرائض.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:قالت الحنابلة:فرائض الوضوء ست-الأربع المنصوصة،والفرض الخامس الترتیب و الفرض السادس الموالاة-. (3)

المذهب الشافعی

قال الجزیری:قالت الشافعیة«فرائض الوضوء ستّة:الفرض الأوّل:النیة-وأربعة منها الأربعة المنصوصة-والفرض السادس الترتیب بین الأعضاء الأربعة المذکورة فی القرآن الکریم». (4)

المذهب المالکی

قال الجزیری:قالت المالکیة:«فرائض الوضوء سبع:الفرض الأوّل:النیة،أربعة منها

ص:22


1- (1) .المائدة:6.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص62؛بدائع الصنائع،ج1،ص3.
3- (3) .المصدر السابق،ص61 و62؛کشاف القناع،ج1،ص96.
4- (4) .المصدر السابق،ص60،59 و61؛المغنی المحتاج،ج1،ص47.

الأربعة المنصوصة،الفرض السادس:الموالاة و الفرض السابع:دلک الأعضاء و هو إمرار الید علی العضو. (1)

منشأ الاختلاف

قال الجزیری:اتّفقت المالکیة و الحنفیة علی أنّ الترتیب بین أعضاء الوضوء لیس بفرض بل هو سنّة, وخالفهما الشافعیة, و الحنابلة فقالوا:إنّ الترتیب فرض.واتّفقت المالکیة و الشافعیة علی أنّ النیة فرض،واختلفت الحنابلة و الحنفیة أیضاً،فقالت الحنابلة:إنّ النیة شرط،لافرض.وقالت الحنفیة إنّها سنّة. (2)فتبین لنا أنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد.

والتحقیق أنّ العامل الرئیسی الّذی أوجب الاختلاف هناک هو عدم تبیین معنی الجزء و الشرط وسنوضّحه فی بحث الشروط إن شاء الله.والّذی یسهّل الخطب أنّ الفرائض و الشروط کلّها ممّا اتّفقت المذاهب کلّها علی مطلوبیتها وعلیه لایوجد هناک اختلاف من الناحیة العملیة،و أمّا الاختلاف فی السمات-فرضاً وسنّةً،جزئاً وشرطاً-کلّ ذلک لامشاحة فیه.

کیفیة الفرائض

توجد هناک عدة اختلافات تتعلق بکیفیة الفرائض،أبرزها،الموارد التالیة.

حدّ الوجه

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی تحدید الوجه فی الغسل طولاً وعرضاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:23


1- (1) .المصدر السابق،ص59،58،57؛الشرح الکبیر،ج1،ص85.
2- (2) .المصدر السابق،ص63.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وحدّه-الوجه-من قصاص الشعر إلی الذقن طولاً،وما اشتمل علیه الإبهام و الوسطی عرضاًَ،والأنزع و الأغم ومن خرج وجهه أو یده عن المتعارف یرجع کلّ منهم إلی المتعارف. (1)ذلک؛لصحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال له:أخبرنی عن حدّ الوجه الّذی ینبغی أن یوضّأ،الّذی قال الله عزّ وجلّ،فقال:«الوجه الّذی قال الله وأمر الله عزّ وجلّ بغسله،الّذی لاینبغی لأحد أن یزید علیه ولاینقص منه،إن زاد علیه لم یؤجر،و إن نقص منه أثم:مادارت علیه الوسطی و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلی الذقن وما جرت علیه الإصبعان من الوجه مستدیراً-عرضاً-فهومن الوجه،وما سوی ذلک فلیس من الوجه».فقال له الصدغ-الشعر المتدلّی جنب الأذن-من الوجه؟فقال:«لا». (2)

وقال السید الخوئی:إنّ هذه الصحیحة وغیرها ممّا وردت فی هذا المقام إنّما هی بصدد توضیح المفهوم المستفاد من الوجه لدی العرف-فثبت تحدید الوجه شرعاً علی ماهو معناه المرتکز لدی العرف. (3)فالتحقیق أنّه لاشکّ فی صدق الوجه عُرفاً علی المقدار المحدّد شرعاً وها هو معناه لغة،قال الفیومی:الوجه:مستقبل کلّ شیء. (4)فیصدق الاستقبال و المواجهة علی المعنی المحدّد فی الوجه شرعاً وعرفاً.وقال المحقّق صاحب الجواهر نقلاً عن الفقهاء:أنّه-أی التحدید-مذهب آل البیت علیهم السلام (5)وها هو الحدّ علی المذهب المالکی،قال الجزیری:وحدّ الوجه طولاً-علی المذهب

ص:24


1- (1) .العروة الوثقی،ص55.
2- (2) .الوسائل،ج6،ص1،باب 17 من أبواب الوضوء،ح1.
3- (3) .التنقیح،ج4،ص47.
4- (4) .المصباح المنیر،ج2،ص893.
5- (5) .الجواهر،ج2،ص138.

المالکی من منابت شعر الرأس المعتاد إلی منتهی الذقن.وقال فی تحدید الوجه عرضاً:إنّ البیاض الّذی فوق وتدی الاُذن المتّصل بالرأس من أعلی،لایجب غسله،بل مسحه،لأنّه من الرأس لامن الوجه،ومثله شعر الصدغین فإنّه من الرأس لامن الوجه. (1)وقال ابن قدامه:قال مالک:مابین اللحیة والاُذن لیس من الوجه ولایجب غسله؛لأنّ الوجه ماتحصل به المواجهة و هذا لایواجه به. (2)

فلا اختلاف بین المذهبین هناک إلا أنّ المالکیة قالوا بغسل اللحیة،قال ابوالبرکات:الأولی غسل جمیع الوجه طولاً من منابت شعر الرأس المعتاد إلی آخر الذقن أو اللحیة. (3)

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة متّفقون فی حدّه-طولاً وعرضاً مع المالکیة،فقد قالوا:إنّ شعر الصدغین،والبیاض الّذی فوق وتدی الاُذنین من الرأس لامن الوجه. (4)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:أمّا حدّ الوجه طولاً-علی المذهب الحنفی-فهو یبتدئ من منابت شعر الرأس المعتاد،إلی منتهی الذقن؛أمّا حدّ الوجه عرضاً،فإنّه یبتدئ من أصل الاُذن إلی أصل الاُذن الأخری،ویعبّر عنه بعضهم بوتد الاُذن،فالبیاض الموجود بین الذقن وبین الاُذن داخل فی الوجه طبعاً فیجب غسله. (5)

ص:25


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص57.
2- (2) .المغنی،ج1،ص115.
3- (3) .الشرح الکبیر،ج1،ص85.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص61.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص54 و55.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:وحدّ الوجه طولاًَ وعرضاً-عند الشافعیة-هو ماتقدّم عند الحنفیة،إلا أنّ الشافعیة قالوا:إنّ ماهو تحت الذقن یجب غسله،و هذا ممّا انفرد به الشافعیة،علی أنّ الشافعیة وافقوا المالکیة و الحنابلة علی أنّ اللحیة الطویلة تتبع الوجه فیفترض غسلها إلی آخرها خلافاً للحنفیة. (1)قال أبوبکر الکاشانی:ولایجب غسل ما استرسل من اللحیة عندنا. (2)

وقال ابن قدامة:ویجب غسل ما استرسل من اللحیة،و قد روی أنّ النبی صلی الله علیه و آله رأی رجلاً غطّی لحیته فی الصلاة فقال:اکشف وجهک،فإنّ اللحیة من الوجه،ولأنّه نابت فی محلّ الفرض یدخل فی اسمه ظاهراً،فأشبه الید الزائدة،ولأنّه یواجه به فیدخل فی اسم الوجه (3)وخالف فیه الحنفی.قال ابن قدامة:وقال أبوحنیفة و الشافعی فی أحد قولیه:لایجب غسل مانزل منها-اللحیة-عن حدّ الوجه طولاً وعرضاً،لأنّه شعر خارج عن محلّ الفرض،فأشبه مانزل من شعر الرأس عنه.وروی عن أبی حنیفة:أنّه لایجب غسل اللحیة الکثیفة؛لأنّ الله تعالی إنّما أمر بغسل الوجه و هو إسم للبشرة الّتی تحصل بها المواجهة و الشعر لیس بشرة،وما تحته لاتحصل به المواجهة. (4)

و أمّا المذهب الجعفری،قال السیدالطباطبائی الیزدی:الشعر الخارج عن الحدّ کمسترسل اللحیة فی الطول،وما هو خارج عن ما بین الإبهام و الوسطی فی العرض لایجب غسله (5)ذلک لانتفاء الحکم بانتفاء الموضوع ولعلّه واضح.

قال المحقّق صاحب الجواهر:الظاهر أنّ الإجماع منعقد علی عدم وجوب غسل ما

ص:26


1- (1) .المصدر السابق،ج1،ص60.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج1،ص4.
3- (3) .المغنی،ج1،ص117 و118.
4- (4) .المغنی،ج1،ص117.
5- (5) .العروة الوثقی،ص55.

استرسل من اللحیة-کما نصّ علیه الفقهاء-؛لعدم دخوله فی مسمّی الوجه،أو لخروجه عن التحدید کما هو المفروض. (1)ومهما یکن فلا دلیل علی وجوب غسل اللحیة الطویلة شرعاً وعقلاً.

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف فی حدّ الوجه ناشئ عن الاختلاف فی مفهوم الوجه سعةً وضیقاً بحسب الاجتهاد،ولم یکن هناک نصّ شارح للمعنی،إلاّ النصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام و قد مرّ بنا بیانه.

کیفیة غسل الیدین

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی کیفیة الغسل هناک من حیث المبدأ و المنتهی وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:غسل الیدین من المرفقین إلی أطراف الأصابع مقدّماً للیمنی علی الیسری ویجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه إلی الأسفل عرفاً فلا یجزئ النکس. (2)والحکم متسالم علیه.

قال السید الخوئی:ویدلّنا علی ذلک-الحکم-التسالم و الإجماع القطعیان و الروایات البیانیة الحاکیة عن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله أضف إلی ذلک صحیحة زرارة وبکیر عن الإمام الباقر علیه السلام عند حکایة فعل رسول الله صلی الله علیه و آله:ثمّ غمس کفّه الیسری فغرف بها

ص:27


1- (1) .الجواهر،ج2،ص154.
2- (2) .العروة الوثقی،ص55.

غرفة فأفرغ علی ذراعه الیمنی فغسل بها ذراعه من المرفق إلی الکفّ لایردّها إلی المرفق،ثمّ غمس کفّه الیمنی فأفرغ بها علی ذراعه الیسری من المرفق،وصنع بها مثل ما صنع بالیمنی،ثمّ مسح رأسه و قدمیه ببلل کفّه لم یحدث لهما ماءً جدیداً. (1)فإنّ اهتمامهما-زرارة وبکیر-بحکایة عدم ردّ الإمام الباقر علیه السلام یده إلی المرفق أقوی دلیل علی أنّ ذلک من الخصوصیات المعتبرة فی الوضوء،ثمّ إنّه لا تنافی بین ما ذکرنا وبین الآیة المبارکة: فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ، (2)لأنّ الآیة المبارکة إمّا ظاهرة فی أنّ کلمة(إلی)غایة للمغسول،وبیان لما یجب غسله من الید،فإنّ للید،إطلاقات کثیرة،فقد تطلق علی خصوص الأصابع و الأشاجع کما فی آیة السَرِقة،و قد تطلق علی الزند کما فی آیة التیمّم،وثالثة تطلق علی المرفق کما فی آیة الوضوء.ورابعة تطلق علی المنکب کما هو الحال فی کثیر من الاستعمالات العرفیة.

فأراد عزّ من قائل أن یحدّدها ویبین أنّ ما لابدّ من غسله فی الید إنّما هو بهذا المقدار.إذاً فلا تعرّض للآیة إلی کیفیة غسلها،و إنّما أوْکَلَت بیان ذلک إلی السنّة،وسنّة النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام قد دلّتا علی أنّها-الید-لابدّ من أن تغسل من المرفق إلی الأصابع،فالسّنة قد بینت مالم یکن مبیناً فی الآیة المبارکة.و إمّا أنّ الآیة لم تکن ظاهرة فی کون الغایة غایة للمغسول, فعلی الأقلّ لیست فی کون الغایة غایة للغسل فلا تعرّض للآیة إلی ذلک. (3)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفق الأئمة علی غسل الیدین إلی المرفقین. (4)ولم یتعرّض إلی دلیل تجاه

ص:28


1- (1) .الوسائل،ج1،ص273،باب 15 من ابواب الوضوء،ح3.
2- (2) .المائدة:6.
3- (3) .التنقیح،ج4،ص95 و96.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص62.

الکیفیة،فالنقل کإرسال المسلّم.قال الفخر الرازی:السنّة أن یصبّ الماء علی الکفّ بحیث یسیل الماء من الکفّ إلی المرافق،فإن صبّ الماء علی المرفق حتّی سال الماء إلی الکفّ،فقال بعضهم:لایجوز؛لأنّه تعالی قال: وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ فجعل المرافق غایة الغسل،فجعْلهُ مبدأ الغسل خلاف الآیة،فوجب أن لایجوز.وقال جمهور الفقهاء:أنّه لایخلّ بصحّة الوضوء،إلا أنّه یکون ترکاً للسنّة (1)وعلیه لایجب غسل الیدین منکوساً علی مذهب جمهور الفقهاء.و إنّما هو المستحبّ کما قال الدمشقی الشافعی:إن صبّ لنفسه الماء فیستحبّ الابتداء من الأصابع و إن صبّ غیره،فالابتداء من المرافق. (2)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من آیة الوضوء.ورکیزة الاختلاف هی کلمة(إلی)المذکورة فی الآیة وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ .

والحکم علی مطلوبیة الابتداء من الأصابع فی غسل الیدین إنّما یستند إلی کلمة(إلی)من حیث کونها تدلّ علی الانتهاء دلالة تامّة،وعلیه یجب أن یکون منتهی الغسل هو المرافق ویبتدئ من الأصابع طبعاً،والعکس یصبح خلاف ظاهر الآیة.

ویستدلّ علی وجوب الابتداء من المرافق فی غسل الید،أوّلاً:بأنّ آیة الوضوء حدّدت المغسول-مقدار الید-ولاتعرّض لها لکیفیة الغسل،وعلیه فإنّ کلمة(إلی)غایة للمغسول ولم تکن غایة للغسل،کما قال الفخر الرازی:ایجاب الغسل-بمقتضی الآیة-محدود بهذا الحدّ،فبقی الواجب هو هذا القدر فقط،أمّا نفس الغسل فغیر محدود بهذا الحد. (3)إذاً:التحدید فی الآیة الکریمة یرتبط بکمّیة العمل ولایتعلّق

ص:29


1- (1) .التفسیر الکبیر،ج11،ص160.
2- (2) .کفایة الأخبار،ج1،ص17.
3- (3) .التفسیر الکبیر،ج11،ص160.

بکیفیة العمل؛وذلک کما لو أمر المولی عبده قائلاً:بیض الجدار إلی النصف،یدلّ الأمر علی أنّ المقدار الّذی لابدّ من تبییضه هو هذا الحدّ-النصف-ولا دلالة له علی کیفیة التبییض قطعاً.

وثانیاً:یقال إنّ کلمة(إلی)قد تکون بمعنی(مع)فلا تدلّ علی الانتهاء مطلقاً قال ابن قدامة:فإنّ(إلی تستعمل بمعنی(مع)قال الله تعالی: ...وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلی قُوَّتِکُمْ... . (1)-أی مع قوّتکم-، ...وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلی أَمْوالِکُمْ... : (2)...مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللّهِ... . (3)فکان فعله(النبی)مبیناً.وقولهم:إنّ(إلی)للغایة،قلنا:و قد تکون بمعنی(مع). (4)ویؤکّده ما یمکن أن یقال:إنّ کلمة(إلی)إنّما تدلّ علی الانتهاء إذا کان فی بدایة الکلام کلمة(من)کقولنا:صرت من النجف إلی قم،وإلاّ فلا دلالة لها علیه،کما أنّ فی تلک الآیات ذُکِرَت کلمة(إلی)بدون کلمة(من)فتکون بمعنی(مع)ولاتدلّ علی الانتهاء.ومن حسن الحظّ أنّ فی آیة الوضوء أیضاً ذکرت الکلمة وحدها فتکون بمعنی(مع)وتدلّ علی أنّه یجب غسل الید مع المرفق و هو المطلوب.وکذلک کلمة(إلی)المذکورة فی تحدید الرجل(إلی الکعبین)لاتدلّ علی کیفیة الغسل وعلیه لم یلتزم أحد من القائلین بغسل الرجلین أنّ الغسل هناک یبتدئ من الأصابع وینتهی إلی الکعبین؛لأنّ الآیة إنّما تکون فی جهة بیان کمّیة العمل ولم تکن فی جهة بیان کیفیته،ومن الطبیعی أنّ الکیفیة تتّخذ مناهجها من النصوص.

وثالثاً:قد مرّ بنا ورود النصّ الصحیح من طریق آل البیت علیهم السلام الدالّ علی کیفیة الغسل؛فصرّح النّص أنّ غسل الید یبتدئ من الأصابع وینتهی إلی المرافق،مضافاً إلی

ص:30


1- (1) .هود:52.
2- (2) .النساء:2.
3- (3) .آل عمران:52.
4- (4) .المغنی،ج1،ص122.

أنّ صورة الغسل علی هذا المنهج صورة طبیعیة تنطبق علی ما هو المتعارف بین الناس،و أمّا الغسل منکوسا فهو علی خلاف الاُسلوب الطبیعی وخلاف المتعارف فلا یمکن المساعدة علیه.والّذی یسهّل الخطب،أنّ جمهور الفقهاء من أبناء السنّة یقولون:إنّ تلک الکیفیة لم تکن واجبة-و قد مرّ بنا بیان قولهم-،وعلیه لامانع من الحکم بصحّة الوضوء علی کافّة المذاهب،بما وافق المذهب الجعفری-غسل الیدین من المرافق إلی الأصابع-و هو أوثق المناهج وأحوطها.

ص:31

الخلاصة

أجزاء الوضوء-فرائضه-أربعة:الغسلتان و المسحتان علی المذهب الجعفری و المذهب الحنفی.وستّة:علی المذهب الحنبلی و المذهب الشافعی.وسبعة:علی المذهب المالکی.

حدّ الوجه فی الغسل هو من قصاص الشعر إلی الذقن طولاً وما اشتمل علیه الإبهام و الوسطی عرضاً،علی المذهب الجعفری و المذهب المالکی و المذهب الحنبلی.

وحدّ الوجه علی المذهب الحنفی و الشافعی،طولاً هو ما عند المذاهب الاُخری و أمّا عرضاً فهو البیاض الموجود بین الذقن وبین الاُذن من الوجه إلا أنّ الشافعی انفرد بوجوب غسل ما تحت الذقن.

لایجب غسل ما استرسل من اللحیة علی المذهب الجعفری و الحنفی ویجب علی المذاهب الاُخری.

یجب غسل الیدین من المرفقین إلی الأصابع علی المذهب الجعفری علی عکس المذاهب الأربعة.

ص:32

الأسئلة

1.ما هو حدّ الوجه علی المذهب الجعفری و المذهب المالکی؟

2.ما هو منشأ الاختلاف فی حدّ الوجه هناک؟

3.ما هو الدلیل علی وجوب غسل الیدین من الأصابع إلی المرفقین؟

4.ما هو منشأ الاختلاف فی کیفیة غسل الیدین؟

5.هل یجب غسل الیدین منکوساً علی المذاهب الأربعة؟

6.هل تکون کلمة(إلی)بمعنی کلمة(مع)فی القرآن الکریم؟

ص:33

ص:34

3- فرائض الوضوء (2)

تحدید المسح بالرأس

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی مسح الرأس من حیث المقدار المطلوب من المسح وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:مسح الرأس بما بقی من البلّة فی الید،ویجب أن یکون-بکفّ الید-علی الربع المقدّم من الرأس ویکفی المسمّی. (1)وقال المحقّق الحلّی:والواجب منه-المسح-مایسمّی به مسحاً ویختصّ المسح مقدّم الرأس ویجب أن یکون بنداوة الوضوء. (2)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:أنّ الحکم یکون کذلک إجماعاً کما عن مجمع البیان،و هو الّذی یقتضیه إطلاق-النصّ. (3)

ص:35


1- (1) .العروة الوثقی،ص57.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص21.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی،ج2،ص364.

ویمکننا أن نقول:أنّ مسمّی المسح فی مقدّم الرأس بنداوة الوضوء هو القدر المتیقّن من الأدلّة،والأزید من ذلک مشکوک فیه.

قال المحقّق صاحب الجواهر:فلاریب فی أنّ ما ذکره-المحقّق الحلّی:بأنّ الواجب من مسح الرأس ما یسمّی مسحاً-هو الأقوی للأصل-أصالة عدم الزائد-ولإطلاق قوله تعالی: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... . (1)مع تفسیرها بالصحیح أنّ المراد بها بعض الرأس لمکان الباء.

ومثلها إطلاق کثیر من الأخبار الآمرة بالمسح علی مقدّم الرأس. (2)ومن النصوص الواردة هناک،صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام،قال:«المرأة یجزئها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاثة أصابع ولاتلقی عنها خمارها». (3)وهی تدلّ علی تعیین محلّ المسح من الرأس ومقداره،دلالة تامّة.

ومنها:صحیحة زرارة الاُخری عن الإمام الباقر علیه السلام قال:قال أبوجعفر علیه السلام:«إنّ الله وتر،یحبّ الوتر،فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات:واحدة للوجه،واثنتان للذراعین،وتمسح ببلّة یمناک ناصیتک،وما بقی من بلّة یمینک ظهر قدمک الیمنی،وتمسح ببلّة یسارک ظهر قدمک الیسری». (4)والدلالة تامّة وها هو الرأی علی المذهب الشافعی کما قال ابن قدامة:قال الشافعی:یجزئ مسح ما یقع علیه الإسم. (5)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفقت الحنابلة و المالکیة علی أنّ مسح جمیع الرأس فرض-إلاّ أنّ

ص:36


1- (1) .المائدة:6.
2- (2) .الجواهر،ج2،ص171.
3- (3) .الوسائل،ج1،ص293،باب 24 من ابواب الوضوء،ح3.
4- (4) .المصدر السابق،ص273.
5- (5) .المغنی،ج1،ص126.

الحنابلة قالوا:الاُذنان من الرأس فیفترض مسح هما-واتّفقت الحنفیة و الشافعیة علی أنّ المفروض مسح بعض الرأس،ولکنّ الشافعیة قالوا:المفروض مسح بعض الرأس ولو یسیراً،قال الشافعی:ومسح بعض رأسه أجزأه وإحتج بأن النبی صلی الله علیه و آله مسح بناصیته. (1)و أمّا الحنفیة فقالوا:المفروض مسح ربع الرأس،و هو مقدار کفّ الید. (2)

وقال ابن قدامة:واحتجّ من أجاز مسح البعض بأنّ عثمان مسح مقدّم رأسه بیده مرّة واحدة.ولم یستأنف له ماءً جدیداً،حین حکی وضوء النبی صلی الله علیه و آله،رواه السعید؛ولأنّ من مسح بعض رأسه یقال:مسح برأسه،کما یقال:مسح برأس الیتیم وقبّل رأسه.

وزعم بعض من ینصر ذلک أنّ الباء للتبعیض فکأنّه قال:وامسحوا بعض رؤوسکم ولنا-علی وجوب مسح الجمیع-قول الله تعالی: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... ،والباء للإلصاق فکأنّه قال:وامسحوا رؤوسکم،فیتناول الجمیع.

ولأنّ النبی صلی الله علیه و آله-فی روایة مرسلة-لمّا توضّأ مسح رأسه کلّه. (3)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی حدّ المسح ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من قوله تعالی: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... .ورکیزة الاختلاف هی تطبیق المفهوم(ما یفهم من الرأس)علی المصداق(مایصدق علیه الرأس)فاختلف التطبیق فی ذاک الحقل بحسب الاختلاف فی الاجتهاد،وعلیه فالأفضل أن نستنبط الحکم من الآیة.

قال الفخر الرازی:حجّة الشافعی أنّه لو قال:مسحت المندیل،فهذا لایصدق إلاّ عند مسحه بالکلّیة،أمّا لو قال:مسحت یدی بالمندیل فهذا یکفی فی صدقه

ص:37


1- (1) .المجموع،ج1،ص474.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص63.
3- (3) .المغنی،ج2،ص125 و126.

علی مسح الیدین بجزء من أجزاء ذلک المندیل.

إذا ثبت هذا فنقول:قوله تعالی: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... یکفی فی العمل به مسح الید بجزء من أجزاء الرأس،ثمّ ذلک الجزء غیر مقدّر فی الآیة،فإن أوجبنا تقدیره بمقدار معین لم یمکن تعیین ذلک المقدار إلاّ بدلیل مغایر لهذه الآیة فیلزم صیرورة الآیة مجملة و هو خلاف الأصل.و إن قلنا:أنّه یکفی فیه إیقاع المسح علی أی جزء کان من أجزاء الرأس کانت الآیة مبینة مفیدة؛ومعلوم أنّ حمل الآیة علی محمل تبقی الآیة معه مفیدة،أولی من حملها علی محمل تبقی الآیة معه مجملة.فکان المصیر إلی ما قلناه أولی.و هذا استنباط حسن من الآیة. (1)و هذا هو الاستنباط الأجود.

وقال السید الخوئی:بیان ذلک-معنی الآیة-أنّ المسح و الغسل ممّا یتعدّی إلی المفعول بنفسه من دون حاجة إلی الاستعانة ب-(الباء)فیصحّ أن یقال:فاغسلوا وجوهکم وأیدیکم-کما فی الآیة-وامسحوا رؤوسَکم وأرجلَکم من دون الإتیان(بالباء)فالإتیان بها-مع عدم الحاجة إلی إتیانها-وتغییر اسلوب الکلام یدلّنا علی أنّ المراد فی الأمر بمسح الرأس إنّما هو مسح البعض،بخلاف الأمر بالغسل فی الوجه و الیدین فإنّ المراد منه غسل الجمیع دون البعض. (2)

ویؤکّده ما یقال:بأنّ معنی الإلصاق(للباء)یدلّنا علی اللصق فحسب،وعلیه یکفی مسمّی اللصق و هذا ینسحب علی مسمّی المسح.

مسح الرجلین وغسلهما

اشارة

إختلف الآراء بالنسبة إلی الفرض الّذی یتعلّق بالرجلین مسحاً وغسلاً وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ص:38


1- (1) .التفسیر الکبیر،ج11،ص160.
2- (2) .التنقیح،ج4،ص141 و142.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:مسح الرجلین من رؤوس الأصابع إلی الکعبین وهما قبّتا القدمین،والمفصل بین الساق و القدم و هو الأحوط،ویکفی المسمی عرضاً،والأفضل أن یکون بمقدار عرض ثلاثة أصابع،وأفضل من ذلک مسح تمام ظهر القدم،ویجزئ الابتداء بالأصابع وبالکعبین و الأحوط الأوّل.کما أنّ الأحوط تقدیم الرجل الیمنی علی الیسری. (1)

قال السید الخوئی:یجب مسح الرجلین؛للآیة المبارکة و الأخبار المتضافرة بل لایبعد دعوی تواترها،أمّا الآیة المبارکة فهوقوله عزّ من قائل: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ... ،بالجرّ أو النصب علی اختلاف القراءتین فإنّ«أرجلِکم»بالجرّ تکون معطوفة علی رؤوسکم،ومعناه فامسحوا برؤوسکم،وامسحوا بأرجلکم،و إذا قرأنا بالنصب کما هو قرائة عاصم فی روایة حفص و هو الّذی کتب القرآن علی قراءته،فتکون معطوفة علی محلّ ...بِرُؤُسِکُمْ... والمعنی حینئذ:وامسحوا برؤوسکم وامسحوا أرجلکم.

وعلی کلا التقدیرین تدلّنا الآیة المبارکة علی وجوب مسح الرجلین،واحتمال أن تکون ...وَ أَرْجُلَکُمْ... ،علی قرائة النصب معطوفة علی ...وَ أَیْدِیَکُمْ... و ...وُجُوهَکُمْ... لیکون معنی الآیة المبارکة فاغسلوا وجوهکم وامسحوا برؤوسکم واغسلوا أرجلکم،فهو ممّا لایناسب الأدیب؛لعدم جواز الفصل بین المعطوف و المعطوف علیه،بالجملة الأجنبیة،فضلاً عن کلام الخالق الّذی هو فی أرقی درجات البلاغة و الإعجاز.

و أمّا الأخبار فقد ورد الأمر بالمسح علی الرجلین فی جملة من الأخبار الکثیرة. (2)

ص:39


1- (1) .العروة الوثقی،ص57.
2- (2) .التنقیح،ج4،ص166 و167.

منها:صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:أبوجعفر الباقر علیه السلام:«فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات:واحدة للوجه.واثنان للذارعین،وتمسح ببلّة یمناک ناصیتک،وما بقی من بلّة یمینک،ظهر قدمک الیمنی،وتمسح ببلّة یسارک ظهر قدمک الیسری» (1)والدلالة تامّة کاملة.

قال المحقّق صاحب الجواهر:من فروض الوضوء مسح الرجلین؛إجماعاً عند الإمامیة محصّلاً ومنقولاً،بل هو من ضروریات مذهبهم،وأخبارهم به متواترة،بل فی الانتصار-عن السید علم الهدی-أنّها أکثر من عدد الرمل و الحصی،بل رَووه مخالفوهم-أبناء السنّة-أیضاً.

لنا قوله تعالی: ...فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ... بالجرّ،فی قرائة ابن کثیر وأبی عمرو،وحمزة،وفی روایة أبی بکر عن عاصم،بل قیل أنّها مجمع علیها،وأنّها هی القرائة،المنزلة،بخلاف قرائة النصب فإنّها مختلف فیها.

ویؤیده خبرغالب بن الهذیل (2)من طریق الأصحاب قال:سألت أباجعفر الإمام الباقر علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ... علی الخفض هی أم علی النصب؟قال:«بل هی علی الخفض».علی أنّه لو سلمنا قرائة النصب کما نقلت عن نافع وابن عامر و الکسائی،وفی روایة حفص عن عاصم،فهی غیر منافیة لها لحمل-القرائة-الأولی علی العطف علی اللفظ-والقرائة الثانیة علی المحلّ-؛لأنّ کلّ مجرور منصوب محلاً ودعوی أنّه-العطف علی(برؤوسکم)لفظاً أومحلاً-لیس أولی من جعلها-أرجلکم-فی النصب معطوفة علی لفظ الأیدی.یدفعه أنّ العطف علی

ص:40


1- (1) .الوسائل،ج1،ص272،باب 15 من ابواب الوضوء،ح2.
2- (2) .المستدرک،ج2،باب 23 من أبواب الوضوء.

المحلّ أولی للقرب-وعدم صحّة العطف علی الأیدی للفصل؛وللإخلال بالفصاحة من الانتقال عن جملة إلی اخری أجنبیة قبل إتمام الفرض،بل فیه إغراء بالجهل،ومنافاة للفرض (1)وعلیه یقال:أنّ المسح یتّسق مع الصیاغة الأدبیة،وترکیب الکلمات فی الآیة،فإذا تبدّلت هذه الآیة-بنفس الاُسلوب إلی لغة اخری،یستفاد من تلک الصیاغة:الغسلتان و المسحتان،بکلّ وضوح وبدون أیة شبهة.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفق الأئمّة الأربعة-علی غسل الرجلین إلی الکعبین. (2)

قال ابن قدامة:غسل الرجلین واجب فی قول أکثر أهل العلم،وقال عبدالرحمن ابن أبی لیلی:أجمع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله علی غسل القدمین.وروی عن علی علیه السلام:أنّه مسح علی نعلیه و قدمیه ثمّ دخل المسجد فخلع نعلیه،ثمّ صلّی،وحکی عن ابن عبّاس أنّه قال:ما أجد فی کتاب الله إلاّ غسلتین ومسحتین،وروی عن أنس بن مالک:أنّه ذکر له قول الحجّاج:اغسلوا القدمین،فقال أنس:صدق الله وکذب الحجّاج،وتلا هذه الآیة ...فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ... وحکی عن الشعبی أنّه قال:الوضوء مغسولان وممسوحان،فالممسوحان یسقطان فی التیمم.

ولم یعلم من فقهاء المسلمین من یقول بالمسح علی الرجلین غیر ماذکرنا،إلاّ ما حکی عن ابن جریر أنّه قال:هو مخیر بین المسح و الغسل واحتجّ بظاهر الآیة،وبما روی ابن عبّاس،وقال أیضاً:حدّثنا هیثم أخبرنا یعلی بن عطاء عن أبیه قال:أخبرنی أوس بن أبی أوس الثقفی أنّه رأی النبی صلی الله علیه و آله أتی کظامة قوم بالطائف،فتوضّأ ومسح

ص:41


1- (1) .الجواهر،ج2،ص206 و207.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص62.

علی قدمیه.قال هیثم کان هذا فی أوّل الإسلام.ولنا أنّ عبدالله بن زید وعثمان حکیا وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله قالا:فغسل قدمیه وفی حدیث عثمان:ثمّ غسل کلتا رجلیه ثلاثاً،متّفق علیه.

و أمّا الآیة فقد روی عکرمة عن ابن عبّاس أنّه کان یقرأ ...وَ أَرْجُلَکُمْ... قال عاد إلی الغسل،وهی قرائة جماعة من القرّاء منهم ابن عامر فتکون معطوفة علی الیدین فی الغسل،ومن قرأها بالجرّ فللمجاورة.

وقوله تعالی: ...إِلَی الْکَعْبَیْنِ... حجّة لنا فإنّه أراد أنّ کلّ رجل تغسل إلی الکعبین؛إذ لو أراد کعاب جمیع الأرجل لقال:الکعاب،کما قال:وأیدیکم إلی المرافق،ویلزمه إدخال الکعبین فی الغسل کقولنا فی المرافق. (1)

وقال أبوبکر الکاشانی:فکانت کلّ واحدة من القرائتین-الجر و النصب-محتملة فی الدلالة فوقع التعارض فیطلب الترجیح. (2)

منشأ الاختلاف

قد تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من آیة الوضوء المذکورة،نتیجة لتعدّد القرائة.

قال الفخر الرازی:اختلف الناس فی مسح الرجلین وفی غسلهما،فنقل القفال فی تفسیره عن ابن عبّاس وأنس بن مالک وعکرمه و الشعبی وأبی جعفر محمّدبن علی الباقر علیه السلام:أنّ الواجب فیهما المسح و هو مذهب الإمامیة من الشیعة.

وقال جمهور الفقهاء و المفسّرین:فرضهما الغسل.

وقال داود الإصفهانی:یجب الجمع بینهما و هو قول ناصر الحق من أئمّة الزیدیة.

ص:42


1- (1) .المغنی،ج1،ص131-135.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج1،ص6.

وقال الحسن البصری ومحمّدبن جریر الطبری:المکلّف مخیر بین المسح و الغسل.حجّة من قال بوجوب المسح مبنی علی القراءتین المشهورتین فی قوله ...وَ أَرْجُلَکُمْ... فقرأ ابن کثیر وحمزة وأبوعمرو وعاصم فی روایة أبی بکر عنه،بالجرّ.

وقرأ نافع،وابن عامر،وعاصم فی روایة حفص عنه،بالنصب.

فنقول:أمّا القرائة بالجرّ فهی تقتضی کون الأرجل معطوفة علی الرؤوس فکما وجب المسح فی الرأس فکذلک فی الأرجل.

فإن قیل:لِمَ لایجوز أن یقال:هذا کسر علی الجوار کما فی قوله:جحر ضبّ خرب-کان جرّ خرب علی المجاورة-.

قلنا:هذا باطل من وجوه:الأوّل:أنّ الکسر علی الجوار معدود فی اللحن الّذی قد یتحمّل لأجل الضرورة فی الشعر،وکلام الله یجب تنزیهه عنه.وثانیها:أنّ الکسر إنّما یصار الیه حیث یحصل الأمن من الالتباس کما فی قوله:جحر ضب خرب،فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الخرب لایکون نعتاً للضب بل للجحر،وفی هذه الآیة الأمن من الالتباس غیر حاصل.

وثالثها:أنّ الکسر بالجوار إنّما یکون بدون حرف العطف،و أمّا مع حرف العطف فلا تتکلّم به العرب.

و أمّا القرائة بالنصب فقالوا أیضاً:أنّهاتوجب المسح،وذلک لقوله: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... فرؤوسکم فی محلّ النصب،ولکنّها مجرورة بالباء،فإذا عطفت الأرجل علی الرؤوس جاز فی الأرجل النصب عطفاً علی محلّ الرؤوس،والجرّ عطفاً علی الظاهر و هذا مذهب مشهور النحاة.

إذا ثبت هذا فنقول:ظهر أنّه یجوز أن یکون عامل النصب فی قوله ...وَ أَرْجُلَکُمْ... هو قوله ...وَ امْسَحُوا... ویجوز أن یکون هو قوله ...فَاغْسِلُوا... لکن العاملان إذا اجتمعا علی معمول واحد کان إعمال الأقرب أولی فوجب أن یکون

ص:43

عامل النصب فی قوله ...وَ أَرْجُلَکُمْ... هو قوله ...وَ امْسَحُوا... فثبت أنّ قرائة ...وَ أَرْجُلَکُمْ... بنصب اللام توجب المسح أیضاً،فهذا وجه الاستدلال بهذه الآیة علی وجوب المسح.ثمّ قالوا:ولایجوز دفع ذلک بالأخبار؛لأنّها بأسرها من باب الآحاد ونسخ القرآن بخبر الواحد لایجوز.

واعلم أنّه لایمکن الجواب عن هذا إلاّ من وجهین:الأوّل:أنّ الأخبار الکثیرة وردت بإیجاب الغسل،والغسل مشتمل علی المسح ولا ینعکس،فکان الغسل أقرب إلی الاحتیاط،فوجب المصیر إلیه،وعلی هذا الوجه یجب القطع بأنّ غسل الرجل یقوم مقام مسحها.

والثانی:أنّ فرض الرجلین محدود إلی الکعبین،والتحدید إنّما جاء فی الغسل لا فی المسح،والقوم أجابوا عنه بوجهین:

الأوّل:أنّ الکعب عبارة عن العظم الّذی تحت مفصل القدم«الکعب کلّ مفصل للعظام،العظم الناشز فوق القدم» (1)وعلی هذا التقدیر فیجب المسح علی ظهر القدمین.

والثانی:أنّهم سلّموا أنّ الکعبین عبارة عن العظمین النابتین من جانبی الساق إلاّ أنّهم التزموا أنّه یجب أن یمسح ظهر القدمین إلی هذین الموضعین،وحینئذ لایبقی هذا السؤال. (2)

المسح علی الخفین

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:قد ثبت المسح علی الخفّین بأحادیث کثیرة صحیحة تقرب من حدّ التواتر، (3)إلی أن قال:و قد ثبت ورودها بعد نزول«آیة الوضوء»وهی تفید أنّ الله تعالی

ص:44


1- (1) .المنجد،ص688.
2- (2) .التفسیر الکبیر،ج11،ص161 و162.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص136.

قد فرض غسل الرجلین إذا لم یکن علیهما خف أما إذا کان علیهما خف فإنّه لا یفترض غسلهما بل یفترض المسح علی الخفین بدل الغسل (1)ولا خلاف فیه بین المذاهب الأربعة.

ومن شروط صحة المسح أن لا یکون بالخف خروق یظهر منها بعض القدم هذا علی المذهب الحنبلی و المالکی واما الخروق القلیلة بمقدار ثلاث أصابع علی المذهب الحنفی وبمقدار أقل من ثلث القدم علی المذهب المالکی فلا یضر بصحة المسح (2)والقدر المفروض مسحه هو ظاهر القدم علی اختلاف فی أنّه بمقدار ثلاثة أصابع أو اکثر ظاهر القدم أو تمام ظاهره و هو اختلاف یسیر بینهم (3)ومن مبطلات المسح نزع الخفین وحدوث خرق فی الخف علی اختلاف بالنسیة إلی کمیة الخرق بینهم. (4)المسح علی العمامة

قال ابن قدامة:ویجوز المسح علی العمامة،قال ابن المنذر:وممن مسح علی العمامة أبوبکر إلی أن قال:وقال عروة و النخعی و الشعبی و القاسم ومالک وشافعی وأصحاب الرأی لایمسح علیها لقوله تعالی ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ... ولأنّه لا تلحقه المشقة فی نزعها فلم یجز المسح علیها،ولنا ما روی المغیرة بن شعبة قال:توضّاً رسول الله صلی الله علیه و آله ومسح علی الخفین و العمامة،قال الترمذی:هذا حدیث حسن صحیح. (5)المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لا یجوز المسح علی الحائل من العمامة أو القناع أو

ص:45


1- (1) .المصدر السابق،ص120.
2- (2) .المصدر السابق،ص121 و122.
3- (3) .المصدر السابق،ص125.
4- (4) .المصدر السابق،ص128.
5- (5) .المغنی،ج1،ص307 و308.

غیرهما و إن کان شیئاً دقیقاً لم یمنع عن وصول الرطوبة إلی البثرة.

وقال فی مسح الرجلین:ویجب إزالة الموانع و الحواجب و الیقین بوصول الرطوبة إلی البشرة. (1)کل ذلک کان عملاً بظاهر الکتاب فإنّ ظاهر المسح الّذی أمر الله تعالی به هو إمرار الید علی الرأس و الرجلین مع الماء ولا مصداقیة للمسح مع الحائل،فالمسح علی العمامة کان المسح علی العمامة لا المسح علی الرأس بحسب العرف و اللغة و الواقع.

کما قال الفیومی:مسحت الشیء بالماء مسحاً،أمررت الید علیه (2)و أمّا المسح فی حال الضرورة،فهو موضوع آخر لحکم آخر.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد ومن الاختلاط بین حالة الاختیار وحالة الضرورة.

ص:46


1- (1) .العروة الوثقی،ص57.
2- (2) .المصباح المنیر،ج2،ص784.

الخلاصة

یجب مسح الرأس بنداوة الوضوء فی مقدّم الرأس ویکفی المسمّی ولاخلاف فیه علی المذهب الجعفری،والمذهب الشافعی.

یجب المسح فی مقدّم الرأس بمقدار کفّ الید علی المذهب الحنفی.

ویفترض مسح جمیع الرأس علی المذهب الحنبلی و المالکی و أمّا الاُذنان فهما من الرأس علی المذهب الحنبلی فیجب مسحهما علی هذا المذهب.

یجب مسح الرجلین من الأصابع إلی الکعبین علی المذهب الجعفری.

یجب غسل الرجلین علی المذاهب الأربعة.

یجوز المسح علی الخفّین حال الاختیار علی المذاهب الأربعة بلاخلاف ولا یجوز علی المذهب الجعفری.

ص:47

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی کفایة مسمّی المسح فی مسح الرأس؟

2.ما هو منشأ الاختلاف فی تحدید المسح؟

3.ما هو الدلیل علی وجوب مسح الرجلین؟

4.ما هو منشأ الاختلاف فی وجوب مسح الرجلین وغسلهما؟

5.اشرح التنازع الموجود بین العاملین فی آیة الوضوء.

6.ما هی القاعدة فی باب تنازع العاملین؟

ص:48

4- شروط الوضوء

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی الشروط الّتی تلعب دوراً فی صحّة الوضوء وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:فأمّا شروط صحّة الوضوء فقط-فهی أربعة:

الأوّل:أن یکون الماء طهوراً.

الثانی:أن یکون المتوضّئ ممیزاً،فلا یصحّ وضوء صبی غیرممیز.

الثالث:أن لایوجد حائل یمنع وصول الماء إلی العضو.

الرابع:أن لایوجد من المتوضئ ما ینافی الوضوء،مثل أن یصدر منه ناقض للوضوء فی اثناء الوضوء. (1)ولاخلاف حول هذه الشروط الأربعة عند فقهاء المذاهب الأربعة،إلاّ أنّ الاختلاف بینهم بالنسبة إلی الزائد عن الشروط المذکورة،و هو علی التفصیل التالی:

ص:49


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص51.

قال الجزیری:الشافعیة زادوا علی ما ذکر فی شرائط الصحّة ثلاثة أمور:

الأوّل:أنّ یکون عالماً بکیفیة الوضوء بمعنی أن یعرف أنّ الوضوء هو غسل الوجه و....-ذلک لوجوب تعلّم الأحکام ومعرفة التکلیف-.

الثانی:أن یمیز الفرض من غیره-ذلک لعدم تحقّق القصد بدون التمییز-.

الثالث:أن ینوی فی أوّل الوضوء ویستمرّ ناویاً حتّی یفرغ من الوضوء.

وقال:الحنابلة زادوا فی شروط الصحّة فقط, ثلاثة أمور:

أحدها:أن یکون الماء مباحاً،فإذا توضّأ بماء مغصوب فإنّ وضوئه لایصحّ-بلاخلاف-.

ثانیها:أن ینوی الوضوء فإن لم ینو لم یصحّ وضوئه،فالنیة عندهم شرط لصحّة الوضوء.

ثالثها:أن یتقدّم الاستجمار أو الاستنجاء علی الوضوء. (1)

قال ابن قدامة:والنیة من شرائط الطهارة للأحداث کلّها،لایصحّ وضوء إلاّ بها،وروی ذلک عن علی علیه السلام وبه قال مالک و الشافعی،وقال الثوری وأصحاب الرأی:لاتشترط النیة فی طهارة الماء-؛لعدم الدلیل علی الإشتراط-فلم تفتقر إلی النیة کغسل النجاسة.

ولنا-الحنابلة-:ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله قال:إنّما الأعمال بالنیات ولکلّ امرئ مانوی متّفق علیه.ولأنّها طهارة عن حدث فلم تصحّ بغیر نیة-وأنّها عبادة و العبادة لاتکون إلاّ منویة. (2)

قال الفخر الرازی:قال الشافعی:النیة شرط لصحّة الوضوء-ذلک لأنّ-الوضوء مأمور به وکلّ مأمور به یجب أن یکون منویاً؛لقوله تعالی: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ

ص:50


1- (1) .المصدر السابق،ص 52 و 53.
2- (2) .المغنی،ج1،ص 110 و 111.

مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ... . (1)والإخلاص عبارة عن النیة الخالصة.و أمّا أبوحنیفة فإنّه احتجّ بهذه الآیة-آیة الوضوء-علی أنّ النیة لیست شرطاً لصحّة الوضوء فقال:إنّه تعالی أوجب غسل الأعضاء الأربعة فی هذه الآیة ولم یوجب النیة فیها فإیجاب النیة زیادة علی النصّ،والزیادة علی النصّ نسخ،ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقیاس لایجوز.

وجوابنا:أنّا بینّا أنّه إنّما أوجبنا النیة فی الوضوء بدلالة القرآن. (2)

و أمّا تقدّم الاستنجاء علی الوضوء فهو من شروط الصحّة للوضوء علی المذهب الحنبلی-ولم یکن من الشروط علی المذهب الشافعی-علی أساس اجتهاده الخاصّ.

قال ابن قدامة:ظاهر کلام الخرقی:اشتراط الاستنجاء لصحّة الوضوء فلو توضّأ قبل الاستنجاء لم یصحّ کالتیمّم.وعلی الروایة الثانیة یصحّ الوضوء قبل الاستنجاء ویستجمر بعد ذلک بالأحجار أو یغسل فرجه،و هذه الروایة أصحّ وهی مذهب الشافعی؛لأنّها إزالة نجاسة فلم تشرط لصحّة الطهارة. (3)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:شرائط الوضوء-بمایلی-:الأوّل:إطلاق الماء وطهارته وإباحته-ولا خلاف فیه ولاإشکال علیه نصّأ وفتوی-.

الثانی:قال-من الشروط-:النیة وهی القصد إلی الفعل مع کون الداعی أمر الله تعالی. (4)

قال السید الطباطبائی الحکیم-أنّ الأمر یکون کذلک-:لأنّ الوضوء عبادة اتّفاقاً بمعنی أنّه لایترتّب علیه الأثر إلاّ إذا جاء به العبد بعنوان العبادة،ولاینبغی التأمّل فی أنّه

ص:51


1- (1) .البینة:5.
2- (2) .التفسیر الکبیر،ج11،ص153.
3- (3) .المغنی،ج1،ص109 و110.
4- (4) .العروة الوثقی،ص60 و64.

یعتبر فی تحقّق العنوان المذکور کون الإتیان بالفعل عن داعی أمر المولی. (1)

الثالث:قال-من الشروط-:الترتیب بتقدیم الوجه ثمّ الید الیمنی ثمّ الید الیسری ثمّ مسح الرأس ثمّ الرجلین،ولو أخلّ بالترتیب ولو جهلاً أو نسیاناً بطل. (2)

الرابع:قال-من الشروط-:الموالاة بمعنی عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع فی اللاحقة من جهة الفصل بین الأعضاء،و أمّا إذا تابع فی الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة الهواء أو غیر ذلک فلا بطلان،فالشرط فی الحقیقة أحد الأمرین من التتابع العرفی وعدم الجفاف. (3)

وقال السید الطباطبائی الحکیم-أنّ الترتیب و الموالاة کانا من الشروط للوضوء إجماعاً ویدلّ علیه مصحّح زرارة. (4)و هو مانقله زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال:تابع بین الوضوء کما قال الله عزّوجلّ،ابدأ بالوجه ثمّ بالیدین ثمّ امسح الرجلین،ولا تقدّمنّ شیئاً بین یدی شیء،تخالف ما امرت به. (5)دلّت علی التتابع و الترتیب دلالة تامّة وبه غنی.

ویمکننا أن نقول:أنّ آیة الوضوء بصیاغتها الخاصّة تدلّنا علی اشتراط الترتیب و الموالاة فی الوضوء،کما قال المحقّق صاحب الجواهر-الترتیب واجب فی الوضوء-:إجماعاً محصّلاً بل قیل یدلّ علیه فی الجملة أیضاً الکتاب؛قضائاً للفاء فی قوله تعالی: ...فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ... ،ویتمّ بضمّ عدم القول بالفصل.

وقال-الموالاة واجبة-:وجوباً شرطیاً،إجماعاً محصّلاً. (6)

ص:52


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج2،ص461.
2- (2) .العروة الوثقی،ص64.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج2،ص450 و453.
5- (5) .الوسائل،ج1،ص316،باب 34 من أبواب الوضوء،ح1.
6- (6) .الجواهر،ج2،ص249 و252.

وقال الفخر الرازی:قال الشافعی:الترتیب شرط لصحّة الوضوء،وقال مالک وأبوحنیفة:لیس کذلک.احتجّ الشافعی بهذه الآیة-آیة الوضوء-علی قوله بوجوه:الأوّل:أنّ قوله تعالی: ...إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ... یقتضی وجوب الإبتداء بغسل الوجه،لأنّ الفاء للتعقیب،و إذا وجب الترتیب فی هذا العضو وجب فی غیره،لأنّه لاقائل بالفرق.

والوجه الثانی:أن نقول:وقعت البدائة فی الذکر بالوجه،فوجب أن تقع البدائة به فی العمل لقوله تعالی: ...فَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ... ، (1)ولقوله علیه الصلاة و السلام ابدؤوا بما بدأ الله به،و هذا الخبر و إن ورد فی قصّة الصفا و المروة إلاّ أنّ العبرة بعموم اللفظ.

واحتجّ أبوحنیفة بهذه الآیة علی قوله فقال:الواو لاتوجب الترتیب فکانت الآیة خالیة عن إیجاب الترتیب.

وقال:موالاة أفعال الوضوء لیست شرطاً لصحّة الوضوء فی القول الجدید للشافعی و هو قول أبی حنیفة،وقال مالک أنّه شرط لنا:أنّ الوضوء بدون الموالاة یفید حصول الطهارة فوجب أن نقول بجواز الصلاة بها لقوله علیه الصلاة و السلام مفتاح الصلاة الطهارة. (2)

الخامس:قال السید الطباطبائی الیزدی-من الشروط-أن لایکون علی المحلّ حائل یمنع وصول الماء إلی البشرة. (3)ذلک؛لعدم تحقّق غسل العضو مع الحائل.

السادس:قال-من الشروط-:مباشرة أفعال الوضوء حال الاختیار فلو باشرها الغیر أو أعانه فی الغسل أو المسح بطل. (4)ذلک؛لأنّ الأصل فی امتثال الأمر أن یکون مباشرة

ص:53


1- (1) .هود:112.
2- (2) .التفسیر الکبیر،ج11،ص155-153.
3- (3) .العروة الوثقی،ص60.
4- (4) .المصدر السابق،ص63.

والنیابة تحتاج إلی الدلیل الخاصّ.وقال السید الطباطبائی الحکیم-إنّ الأمر یکون کذلک-:للإجماع علی عدم جواز التولیة فی الوضوء. (1)

السابع:قال السید الطباطبائی الیزدی-من الشروط:أن لایکون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش أو غیرذلک. (2)ذلک؛لعدم مشروعیة الوضوء مع المانع-الضرر-علی أساس قاعدة نفی الضرر.

الثامن:قال-من الشروط هناک-:أن یکون الوقت واسعاً للوضوء و الصلاة،وإلاّ وجب التیمّم. (3)ذلک؛لعدم المبرّر الشرعی للوضوء فی الوقت المضیق فإذا أتی به إنّ ذاک یصبح باطلاً.

التاسع:قال-من الشروط-:أن یکون ظرف الماء ومکان الوضوء ومصبّ مائه مباحاً فلایصحّ لو کان واحداً منها غصباً-ذلک-؛للتصّرف فی مال الغیر فیکون الوضوء-باطلاً. (4)

العاشر:قال-من الشروط-:أن لا یکون ظرف ماء الوضوء من أوانی الذهب و الفضّة وإلاّ بطل. (5)لحرمة استعمال تلک الأوانی بلاخلاف.

والتحقیق:أنّ التصرّف فی الظروف المغصوبة وأوانی الذهب و الفضّة منهی عنه بلا خلاف بین المسلمین فإذا کان التصرّف فیها بالتوضّی یصبح الوضوء منهیاً عنه،والنهی فی العبادة یوجب الفساد؛لأنّ المنهی شرعاً غیرصالح لأن یقع مطلوباً للشارع.

قال السید الخوئی:الصحیح أن یفصل فیها بین صورتی الإنحصار وعدمه.فإذا

ص:54


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج2،ص446.
2- (2) .العروة الوثقی،ص63.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .المصدر السابق،ص60.
5- (5) .المصدر السابق،ص62.

فرضنا أنّ الماء منحصر بالماء الموجود فی الإناء المغصوب.أو کان المکان أو المصبّ منحصر بالمغصوب منهما،یحکم ببطلان الوضوء؛لأنّه تصرّف فی مال الغیر من دون إذنه-و هو-محرّم مبغوض فلا یتعلّق به الأمر وینتقل فرضه إلی التیمّم.وکذلک الحال فی أوانی الذهب و الفضّة-کلّ ذلک تصرّف حرام.

و أمّا إذا فرضنا عدم الانحصار،فالصحیح صحّة الوضوء حینئذ کما مرّ البحث عن أوانی الذهب و الفضّة،والوجه فیه أنّ المحرّم إنّما هو مقدّمة الوضوء أعنی الاغتراف من إناء ممنوع التصرّف-و أمّا الماء فالتصرّف فیه علی الفرض،ومن هنا لو أفطر فی نهار شهر رمضان بذلک الماء لم یکن إفطاراً بالحرام.والمفروض أنّه مکلّف بالوضوء،لعدم انحصار الماء بما یستلزم الوضوء منه تصرّفاً حراماً وحرمة المقدّمة لاتسری إلی ذی المقدّمة.

وعلیه فالوضوء و إن کان مستلزماً للتصرّف الحرام،إلاّ أنّه لایتّصف بالحرمة ومعه لامانع من الامتثال به ووقوعه مصداقاً للواجب و إن کان الأحوط هو الاجتناب لوجود القائل بالحرمة و البطلان. (1)والأمر کما أفاده.

وقال ابن قدامة:فإن توضّأ منها-أوانی الذهب و الفضّة-فعلی وجهین:أحدهما:تصحّ طهارته و هو قول الشافعی وإسحق وابن المنذر وأصحاب الرأی؛لأنّ فعل الطهارة وماءها لایتعلّق بشیء من ذلک.

والثانی:لایصحّ،لأنّه استعمل المحرّم فی العبادة فلم یصحّ کالصلاة فی الدار المغصوبة و الأوّل أصحّ،ویفارق هذا،الصلاة فی الدار المغصوبة؛لأنّ أفعال الصلاة من القیام و العقود فی الدار المغصوبة محرّم لکونه تصرّفاً فی ملک غیره بغیر إذنه وشغلاً له.وأفعال الوضوء من الغسل و المسح لیس بمحرّم إذ لیس هو استعمالا للإناء ولاتصرّفاً فیه و إنّما یقع ذلک بعد رفع الماء من الإناء وفصله عنه. (2)

ص:55


1- (1) .التنقیح،ج4،ص364 و365.
2- (2) .المغنی،ج1،ص76.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف حول الشروط ناشئ عن الاختلاف فی المبانی الاجتهادیة،والتحقیق أنّ أکثر الاختلاف وأهمّه ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من الشرط وتطبیق المفهوم علی المصداق فمن الجدیر أن ندرس أوّلاً معنی الشرط،ثمّ نتحدّث عمّا یصدق علیه الشرط.

ما هو الشرط

اشارة

قال الجزیری-نقلاً عن فقهاء السنّة بلاخلاف-:الفرض أو الرکن-الجزء-ما کان من حقیقة الشیء،والشرط ما توقّف علیه وجود الشیء،ولم یکن من حقیقته،مثلاً الصلاة من فرائضها التکبیرة و الرکوع و السجود...الخ،ومن شروط صحّتها دخول الوقت. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:الجزء هو بنفسه دخیل فی حقیقة المأموربه،ومقوّم لواقعه الموضوعی-کالقرائة-الّتی بنفسها دخیلة فی حقیقة الصلاة و الشرائط تکون خارجة عن المأموربه قیداً-ذاتاً-وداخلة فیه تقیداً-إضافةً وعلاقةً-کشرائط المأموربه مثل طهارة البدن للصلاة. (2)

فلا خلاف فی أنّ الشرط بحسب مفهومه الأصلی،خارج عن حقیقة المشروط وعلیه یحتاج فی إیجابه-کشرط واجب-إلی الدلیل الخاص ویسمّی بدلیل الشرط وبعد ما تبین لنا معنی الشرط ومکانته الشرعیة،نبدأ بملاحظة معنی الشرط الّذی تسالم علیه الفقهاء،وما یصدق علیه الشرط فی باب الوضوء حتّی یتبین لنا منشأ

ص:56


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص53.
2- (2) .محاضرات،ج2،ص296.

الاختلاف وتفصیل ذلک علی النحو التالی:

قد مرّ بنا أنّ الشرط الأوّل-فی الوضوء-علی المذاهب الأربعة طهوریة الماء و هو من الشروط علی وفق المذهب الجعفری،وینطبق مع معنی الشرط بحسب الواقع،وکذلک الأمر بالنسبة إلی الشرط الثانی-عدم المانع من وصول الماء إلی البشرة-بلاخلاف فیه ولا إشکال علیه،و أمّا الشرط الثالث-أی کون المتوضّی ممیزاً-فلایمکن المساعدة علیه؛ذلک لأنّ التمییز شرط لصحّة الوضوء المستحب،لعدم کون الوضوء واجباً علی الصبی وعلیه فإنّ الحدیث عن هذا الشرط خارج عن نطاق البحث؛لأنّ البحث هنا فی إطار الوضوء الواجب.و أمّا الشرط الرابع-أی عدم تحقّق الناقض فی الأثناء-أیضاً خارج عن حدود البحث؛ذلک لأنّ الحدیث عن تحقّق الناقض،وثیق الصلة بالبحث عن نواقض الوضوء،ولا علاقة له بالبحث عن شروط الوضوء،والمفروض أن یبحث فی باب النواقض حیث أنّ الناقض کما یبطل الوضوء بعد إتمام العمل کذلک یبطل الوضوء فی الأثناء.

فتبین لنا بکلّ وضوح أنّ منشأ الاختلاف بالنسبة إلی هذین الشرطین-التمییز،وعدم تحقّق الناقض-ناشئ عن الخلط بین شرط الواجب وشرط المستحب،وعن الخلط بین بحثی شروط الوضوء ونواقض الوضوء و أمّا السبعة الباقیة-من شرائط الوضوء-علی المذهب الجعفری فمنشأ الاختلاف فیها علی مایلی:

1.اثنان منها-وهما:مباشرة المتوضّی،وسعة الوقت،للوضوء،ولإقامة الصلاة-یعدّان من شروط الصحّة،ویتطابقان مع حقیقة الشرط،ومن حسن الحظّ أنّ هذین الشرطین-من ناحیة عملیة-محلّ وفاق بین المذاهب أجمع،ولعلّ عدم ذکرهما کشروط الوضوء علی المذاهب الأربعة کان علی أساس وضوحهما.

2.وثلاثة منها وهی:النیة و الترتیب و الموالاة،فالاختلاف فیها ناشئ عن الاختلاف فی انطباق المعنی-معنی الشرط-علیها،حیث أنّها من الشرائط الواجبة للوضوء

ص:57

ولیست من أجزاء الوضوء وفرائضه-علی المذهب الجعفری-ذلک لأنّها خارجة عن حقیقة الوضوء وهی-الغسلتان و المسحتان-ودلیل وجوب هذه الشروط غیر دلیل وجوب الوضوء-الأمر بالغسل و المسح-وفی ضوء هذا المعیار یصدق علیها معنی الشرط بحسب الواقع.

المذاهب الاربعة

قد ذکر الجزیری آراء الفقهاء الأربعة حول تلک الموارد الثلاثة ببیان مبسوط ملخّصه بمایلی:

المذهب الحنفی:النیة و الموالاة و الترتیب من سنن الوضوء.

المذهب الحنبلی:النیة شرط الوضوء و الموالاة و الترتیب من فرائض الوضوء.

المذهب الشافعی:النیة و الترتیب من فرائض الوضوء و الموالاة من سنن الوضوء.

المذهب المالکی:النیة و الموالاة من فرائض الوضوء،والترتیب سنّة. (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی تلک الموارد-شرطاً وسنّةً وفرضاً-بین المذاهب الأربعة ناشئ عن الاختلاف فی التطبیق،فکلّ واحد من الفقهاء یطبّق هذه الموارد-بحسب اجتهاده-علی معیار من المعاییر للشرط و السنّة و الفرض،وبما أنّ المعیار محلّ الوفاق حینئذ فإنّ الاختلاف ینحصر فی التطبیق.

والّذی یسهّل الخطب أنّ الفقهاءکلّهم-من المذاهب الخمسة-اتّفقوا علی مطلوبیة تلک الموارد إلزاماً وعدم جواز ترکها،و إنّما اختلفوا فی التعبیر عن المطلوب،شرطاً وسنّةً وفرضاً،ولامشاحة فی التعبیر والاصطلاح.

ص:58


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص62 و63.

و أمّا الاثنان الأخیران من تلک الشروط وهما:إباحة المکان و الماء وإنائه ومصبّه،وعدم کون الإناء من الذهب أو الفضّة،فالخلاف فیهما ناشئ عن الخلاف الأصولی حول اجتماع الأمر و النهی فالرأی الذاهب إلی جواز الاجتماع ینتج صحّة الوضوء فی الإناء الممنوع من التصرّف و الرأی الذاهب إلی امتناع الاجتماع ینتج بطلان الوضوء فی الإناء المذکور.

غایات الوضوء

اشارة

إنّ الآراء حول مایستهدفه الوضوء،متقاربة و الخلاف فیها نادر،یمکن تلخیصه بمایلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:الشارع قد رتّب علی الوضوء رفع الحدث فتؤدّی به الفرائض و المندوبات من صلاة وسجود وتلاوة،وطواف بالبیت ومسّ المصحف،فلایحلّ لغیرالمتوضّی أن یفعلها. (1)بلاخلاف.

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:الواجب من الوضوء:ماکان لصلاة واجبة،أو طواف واجب أو لمس کتابة القرآن إن وجب-لضرورة-والمندوب ماعداه. (2)بلاخلاف واختلفت الآراء فی وصف الوضوء لصلاة الجنازة ولسجدتی التلاوة و الشکر ولکتابة القرآن،وجوباً وندباً ولااختلاف هناک نفیاً وإثباتاً،وعلیه فالأمر سهل،لعدم الاختلاف من ناحیة عملیة.

ص:59


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص47.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص11.

قال السید الطباطبائی الیزدی:لایحرم علی المحدث مسّ غیرالخطّ من ورق القرآن و الجلد و الغلاف. (1)

وقال ابن قدامة:یجوز حمله بعلاقته و هذا قول أبی حنیفة ومنع منه مالک و الشافعی،قال مالک:لایحمل المصحف بعلاقته إلاّ و هو طاهر،تعظیماً للقرآن،والصحیح جوازه؛لأنّ النهی إنّما یتناول مسّه و الحمل لیس بمسّ. (2)والاختلاف هناک ناشئ عن الاجتهاد الخاصّ.

ص:60


1- (1) .العروة الوثقی،ص52.
2- (2) .المغنی،ج1،ص147 و148.

الخلاصة

شرائط الوضوء-الّتی تسالم علیها المذاهب الأربعة-أربعة:وهی:طهارة الماء،تمیز المتوضّی،عدم الحائل فی العضو،وعدم تحقّق الناقض فی الأثناء وزاد الحنبلی علیها ثلاثة أمور:1.إباحة الماء،2.النیة،3.تقدّم الاستنجاء علی الوضوء.وزاد الشافعی علی الشروط الأربعة،ثلاثة شروط اخری:1.العلم بکیفیة الوضوء،2.تمیز الفرض من غیره 3.النیة.وزاد المالکی علی الشروط الأربعة شرطاً آخر و هو الموالاة.

وشرائط الوضوء علی المذهب الجعفری عشرة کاملة وهی:1.إطلاق الماء مع طهارته وإباحته،2.النیة،3.الترتیب،4.الموالاة،5.عدم الحائل فی العضو،6.مباشرة المتوضّی للوضوء،7.عدم المانع من استعمال الماء،8.سعة الوقت للوضوء و الصلاة،9.إباحة مکان الوضوء،10.عدم کون ظرف الماء من الذهب و الفضّة.

قال ابن قدامة:قال مالک و الشافعی:النیة من شرائط الوضوء،وقال الجزیری:قال مالک و الشافعی:أنّ النیة من فرائض الوضوء.

قال الفخر الرازی:قال الشافعی:الترتیب شرط لصحّة الوضوء،وقال الجزیری:قال الشافعی:إنّ الترتیب من فرائض الوضوء.

وقال الفخر الرازی:قال مالک:إنّ الموالاة شرط لصحّة الوضوء،وقال الجزیری:قال مالک:الموالاة من فرائض الوضوء.

ورفع الخبث-الاستنجاء-شرط لصحّة الوضوء علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الشافعی.

ص:61

الأسئلة

1.ماهو الفرق بین الشرط و الجزء؟

2.هل المقصود من الشرط هنا،هو شرط الوجوب أو شرط الصحّة؟

3.هل النیة من شروط الوضوء أو من أجزائه؟

4.ماهو منشأ الاختلاف حول کمّیة الشروط؟

5.هل یصحّ الوضوء فی المکان المغصوب؟

6.ماهو الدلیل علی جواز حمل القرآن بدون الوضوء؟

7.هل یصحّ أن یطلق لفظ الفرض ویراد منه الشرط،أو أنّه یختصّ بإرادة الجزء و الرکن؟

ص:62

5- نواقض الوضوء

اشارة

ثمّة اختلافات هامّة بالنسبة إلی ناقضیة بعض الأحداث،وهی عبارة عن الأمور التالیة:

1.ناقضیة المذی و الودی للوضوء

اشارة

اختلف الرأی فی هذا المورد بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:المذی و الودی-کالبول-ینقض الوضوء إجماعاً. (1)فالحکم مستند إلی الإجماع.ولانصّ فیه.

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:لاینتقض الوضوء بخروج المذی أو الودی أو الوذی،والأوّل:مایخرج بعد الملاعبة،والثانی:مایخرج بعد خروج البول،والثالث:

ص:63


1- (1) .المغنی،ج1،ص168.

مایخرج بعد خروج المنی. (1)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إن سال من ذکرک شیء من مذی أو ودی وأنت فی الصلاة فلا تغسله ولاتقطع له الصلاة ولاتنقض له الوضوء،فإنّما ذلک بمنزلة النخامة». (2)

2.ناقضیة الحدث الخارج من المَخْرَجَین

اشارة

اختلفت الآراء حول ناقضیة ما یخرج من القبل أو الدبر-غیر البول و الغائط-کالدم و الدود و الحصی و القیح وما شاکلها وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی-الأحداث الأخر-:الخارجة من المخرَجَین-کالقیح و الدم وکذا الدود أو نوی التمر ونحوهما إذا لم یکن متلطّخاً-لیست ناقضة للوضوء. (3)ذلک؛للنصوص الدالّة علی حصر الناقض الخارج من المخرجَین بالبول و الغائط،منها:صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لایوجب الوضوء إلاّ من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ریحها». (4)دلّت علی الحصر دلالة کاملة.

المذهب المالکی

یذهب المالکیة إلی ناقضیة الخارج المعتاد من المخرجین فحسب.

ص:64


1- (1) .منهاج الصالحین،ج1،ص42.
2- (2) .الوسائل،ج1،ص196،باب 12 من أبواب نواقض الوضوء،ح2.
3- (3) .العروة الوثقی،ص50.
4- (4) .الوسائل،ج1،ص175،باب من أبواب نواقض الوضوء،ح2.

المذاهب الثلاثة الاُخری

قال ابن قدامة:إنّ الخارج من السبیلین-نادراً وغیر معتاد-کالدم و الدود و الحصی و الشعر،فینقض الوضوء أیضاً.

وبهذا قال الشافعی وأصحاب الرأی-وأبوحنیفة-ولم یوجب مالک الوضوء من هذا الضرب؛لأنّه نادر أشبه الخارج من غیر سبیل ولنا:أنّه خارج من السبیل أشبه المذی ولأنّه لایخلو من بلّة تتعلّق به فینتقض الوضوء بها و قد أمر النبی صلی الله علیه و آله المستحاضة بالوضوء لکلّ صلاة ودمها غیرمعتاد (1)فالحکم علی القیاس.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف فی ناقضیة المذی ونحوه بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة ناشئ عن الاختلاف فی مستند الحکم فإنّ المستند علی المذهب الجعفری هو النصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام،والمستند علی المذاهب الأربعة هو،الإجماع عندهم.کذلک فإنّ الاختلاف فی ناقضیة مایخرج من السبیلین ناشئ من الاختلاف فی مستند الحکم نصّاً وقیاساً.

3.ناقضیة النوم حدّاً

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ناقضیة النوم للوضوء إطلاقاً وتقییداً.

وتفصیل ذلک بمایلی:

المذهب الجعفری

قال السیدالطباطبائی الیزدی:النوم-ینقض الوضوء-مطلقاً و إن کان فی حال المشی،

ص:65


1- (1) .المغنی،ج1،ص169.

إذا غلب علی القلب و السمع و البصر فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلی الحدّ المذکور. (1)ذلک للنصوص الواردة فی الباب منها:روایة عبدالحمید عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«من نام و هو راکع أو ساجد أو ماش علی أی الحالات فعلیه الوضوء». (2)وها هو الرأی علی المذهب الحنبلی و المالکی کما قال الجزیری:قال الحنابلة:إنّ النوم ینقض الوضوء فی جمیع أحواله إلاّ إذا کان یسیراً فی العرف وقال:قال المالکیة:إنّ النوم ینقض الوضوء إذا کان ثقیلاً،قصیراً کان أو طویلاً،سواء کان النائم مضطجعاً أو جالساً أوساجداً ولاینقض بالنوم الخفیف. (3)ذلک؛لما روی عن علی علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله:«فمن نام فلیتوضّأ». (4)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:قال الحنفیة:النوم لاینقض بنفسه علی الصحیح،و إنّما ینقض فی ثلاثة أحوال:الأوّل:أن ینام مضطجعاً علی جنبه،الثانی:أن ینام مستلقیاً علی قفاه،الثالث:أن ینام علی أحد ورکیه؛لأنّه فی هذه الأحوال لایکون ظابطاً لنفسه،لاسترخاء مفاصله أمّا إذا نام و هو جالس ومقعدته متمکّنة من الأرض أو غیرها فإنّه لاوضوء علیه علی الأصحّ.والدلیل علی أنّ النوم لاینقض إلاّ فی حالة النوم مضطجعاً-والدلیل علیه-قوله صلی الله علیه و آله:«إنّما الوضوء علی من نام مضطجعاً». (5)فإنّه إذا اضطجع استرخت مفاصله.رواه أبوداود-وغیره-و قد قاس الحنفیة علی النوم مضطجعاً حالتین.أن ینام مستلقیاً

ص:66


1- (1) .العروة الوثقی،ص50.
2- (2) .الوسائل،ج1،ص180،باب 3 من أبواب نواقض الوضوء،ح3.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص81.
4- (4) .المغنی،ج1،ص173.
5- (5) .سنن البیهقی،ج1،ص123.

علی قفاه،أو ینام علی أحد ورکیه؛لأنّ العلّة فی النقض وهی استرخاء المفاصل موجودة فیهما. (1)

المذهب الشافعی

قال الجزیری:قال الشافعیة:إنّ النوم ینقض الوضوء إذا لم یکن النائم متمکّناً مقعده بمقرّه (2)فالنوم بنفسه لم یکن من النواقض علی هذین المذهبین و إنّما یکون ناقضاً إذا أوجب الظنّ بصدور الریح عن النائم.فالناقض عندئذ هو الریح المظنون.

منشأ الاختلاف

اتّضح بأنّ الاختلاف فی ناقضیة النوم مطلقاً ومقیداً ناشئ عن الاختلاف فی أنّ النوم بنفسه ناقض أو بواسطة صدور الریح؟

فالنوم ینقض الوضوء فی مطلق الأحوال علی المذهب الجعفری و الحنبلی و المالکی؛لأنّه کان بنفسه من النواقض نصّاً نظیر الاغماء الّذی یغلب العقل.

وعلیه،یمکننا أن نقول:أنّ المناط هو زوال العقل لاصدور الریح.

والنوم لاینقض الوضوء إلاّ إذا أوجب الظنّ بصدور الریح،علی المذهب الحنفی و الشافعی إذاً:النوم الناقض للوضوء لیس هو مطلق النوم بل النوم الموجب لاسترخاء المفاصل.

4.ناقضیة الرعاف و القیءوخروج الدم من البدن

اشارة

اختلفت الآراء حول ناقضیة تلک الأحداث وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ص:67


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص80 و81.
2- (2) .المصدر السابق.

المذهب الجعفری

القیء و الرعاف و الحجامة کلّ ذلک لم یکن من النواقض ذلک للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة علی بن یقطین قال:سألت أبا الحسن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام عن الرعاف و الحجامة و القیء فقال:«لاینقض هذا شیئاً من الوضوء». (1)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

و هذا هو الحکم علی المذهب الشافعی و المالکی:

قال ابن قدامة:کان مالک و الشافعی-وغیره-لایوجبون منه-الخارج من غیر السبیل-وضوءاً.وقال مکحول:لاوضوء إلاّ فیما خرج من قبل أو دبر؛لأنّه خارج من غیر المخرج مع بقاء المخرج فلم یتعلّق به نقض الطهارة کالبصاق،ولأنّه لانصّ فیه ولایمکن قیاسه علی محلّ النص و هو الخارج من السبیلین. (2)

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:أنّ الخارج من البدن-إذا کان نجساً-ینقض الوضوء فی الجملة،روایة واحدة عن ابن عبّاس.

وقال أبوحنیفة:إذا سال الدم ففیه الوضوء؛لعموم قوله علیه السلام من قاء أو رعف فی صلاته فلیتوضّأ. (3)قالوا:کلّ خارج نجس ینقض الوضوء هذه مقدمة کبری مسلمة عندنا. (4)فان الرعاف و القیء و الدم السائل من نواقض الوضوء علی المذهب الحنفی. (5)

ص:68


1- (1) .الوسائل،ج1،ص186،باب 6 من ابواب نواقص الوضوء،ح7.
2- (2) .المغنی،ج1،ص184 و185.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .الدر المختار،ج7،ص320.
5- (5) .الموطأ،ج1،ص47.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص فإنّ الروایات کانت متعارضة-بشکل متضارب بین النفی و الإثبات-علی المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة.کما أنّ الاختلاف بین المذاهب الأربعة ذاتها،ناشئ عن الاختلاف فی وجود النصّ وعدمه،وذلک بسبب الاختلاف فی صحّة النصّ وعدم صحّته سنداً.

5.بالنسبة إلی ناقضیة لمس المرأة

اشارة

اختلفت الآراء حول ناقضیة اللمس بالنسبة إلی المرأة،وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:ذکر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقیب المذی و الودی و القیء و الرعاف و التقبیل بشهوة ومسّ الفرج ولو فرج نفسه،ومسّ باطن الدبر،والإحلیل،والضحک فی الصلاة،لکنّ الاستحباب فی هذه الموارد غیر معلوم، (1)لعدم الدلیل هناک وعلیه لاینتقض الوضوء بواسطة لمس المرأة،ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب.

منها:صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«لیس فی القُبلة ولاالمباشرة ولامسّ الفرج وضوء». (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

و أمّا الملامسة الّتی تنقض الطهارة علی أساس قوله: ...أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... (3)فهی عبارة عن المواقعة،کما روی فی روایة أخری عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال:«وما

ص:69


1- (1) .العروة الوثقی،ص50.
2- (2) .الوسائل،ج1،ص192،باب 9 من ابواب نواقص الوضوء،ح3.
3- (3) .المائدة:6.

یعنی بهذا ...أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... إلاّ المواقعة فی الفرج». (1)

و أمّا رأی المذهب الحنفی،فهو:کما قال ابن قدامة:وعن أحمد روایة:لاینقض اللمس بحال.وروی ذلک عن علی وابن عبّاس،وبه قال أبوحنیفة؛لما روی أنّ النبی صلی الله علیه و آله قبّل امرأة من نسائه وخرج إلی الصلاة ولم یتوضّأ.رواه أبوداود و هو حدیث مشهور،ولأنّ الوجوب من الشرع ولم یرد بهذا شرع ولا هو فی معنی ماورد الشرع به.وقوله تعالی: ...أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... أراد به الجماع بدلیل أنّ المسّ ارید به الجماع-فی آیات الطلاق-فکذلک اللمس ولأنّه ذکره بلفظ المفاعلة لاتکون أقلّ من اثنین (2)فلا خلاف بین هذین المذهبین بالنسبة إلی الحکم المستفاد من الآیة إلاّ أنّ معنی المواقعة علی المذهب الحنفی أوسع،فإنّ تلاصق الفرجین مع انتشار القضیب من المواقعة-علی هذا المذهب-وینقض الوضوء. (3)

المذاهب الثلاثة الاُخری

قال ابن قدامة:وعن أحمد روایة ثالثة:أنّ اللمس ینقض بکلّ حال،و هو مذهب الشافعی؛لعموم قوله تعالی ...أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... وحقیقة اللمس ملاقاة البشرتین. (4)واختلف آراء المذاهب الثلاثة بالنسبة إلی مصداق اللمس الناقض للوضوء فالمقصود من اللمس الناقض علی المذهب المالکی هواللمس مع قصد اللذّة،و أمّا علی المذهب الشافعی و الحنبلی فیشترط فی اللمس الناقض أن یکون الملموس عاریاً أو مستوراً بستر خفیف. (5)

ص:70


1- (1) .الوسائل،ج1،ص192،باب 9 من ابواب نواقص الوضوء،ح4.
2- (2) .المغنی،ج1،ص192 و193.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص83.
4- (4) .المغنی،ج1،ص193.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص84.

وقال المالکی:بأنّ الناقض هو:لمس من بالغ لا من صغیر ولو راهق ووطؤه من جملة لمسه فلا ینقض،وان استحب الغسل. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف ناشئ عن الأسباب التالیة:

1.النصوص الواردة عن طریق آل البیت علیهم السلام و الصحابة.

2.النصوص الواردة عن طریق الصحابة بشکل متضارب.

3.فهم المعنی من آیة ...لامَسْتُمُ النِّساءَ... بتفصیل مرّ بنا بیانه.

6.ناقضیة المسّ

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی ناقضیة مسّ الفرج للوضوء،إیجاباً وسلباً وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الحنفی

قال الجزیری:قال الحنفیة:إنّ مسّ الذکر لاینقض الوضوء ولو کان بشهوة؛لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال-جواباً عن السؤال من ناقضیة ذاک المسّ-:هل هو إلاّ بضعة منک فکان کسائره. (2)أمّا وجهة نظر المذهب الجعفری فقد مرّت بنا روایة صحیحة عن الإمام الباقر علیه السلام فی تصریحها بعدم انتقاض الوضوء بواسطة المسّ.

المذاهب الثلاثة الاُخری

قال ابن قدامة:عن أحمد فیه-مسّ الفرج-روایتان:إحداهما:ینقض الوضوء و هو مذهب الشافعی و هو المشهور عن مالک؛-ذلک علی-ماروت بسرة بنت صفوان أنّ

ص:71


1- (1) .الشرح الکبیر،ج1،ص119.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص85.

النبی صلی الله علیه و آله قال:«من مسّ ذکره فلیتوضّأ»،وفی روایة أخری عنه صلی الله علیه و آله قال:«من مسّ فرجه فلیتوضّأ». (1)فالمسّ بلاحائل ینقض الوضوء.وعن أبی هریرة قال صلی الله علیه و آله:إذا افضی احدکم بیده إلی ذکره فقد وجب علیه الوضوء. (2)

7.ناقضیة الضحک للوضوء

اشارة

قال الجزیری:قال الحنفیة:القهقهة فی الصلاة تنقض الوضوء؛و قد وردت فی ذلک أحادیث منها:ما رواه الطبرانی عن أبی موسی-أنّه-أمر رسول الله صلی الله علیه و آله-تجاه ضحک المصلّین-من ضحک أن یعید الصلاة. (3)

المذاهب الثلاثة الأخری

قال ابن قدامة:ولیس فی القهقهة وضوء،روی ذلک عن عروة ومالک و الشافعی،وقال أصحاب الرأی-أی الحنفیة-یجب الوضوء داخل الصلاة دون خارجها.

ولنا أنّه معنی لایبطل الوضوء خارج الصلاة فلم یبطله داخلها کالکلام. (4)

8.نقض الوضوء بأکل لحم الجزور

اشارة

قال ابن قدامة:إنّ أکل لحم الإبل ینقض الوضوء علی کلّ حال؛-ذلک لما-روی البراءبن عازب قال:سئل رسول الله صلی الله علیه و آله عن لحوم الإبل؟فقال:«توضّأوا منها»،رواه مسلم،وأبوداود. (5)

ص:72


1- (1) .المغنی،ج1،ص178.
2- (2) .کشاف القناع،ج1،ص149.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص87.
4- (4) .المغنی،ج1،ص177.
5- (5) .المصدر السابق،ص187.

فتبین لنا أنّ الحکم بناقضیة القهقهة للوضوء ممّا تفرّد به الحنفی و الحکم بناقضیة أکل لحم الجروز للوضوء ممّا تفرّد به الحنبلی.

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح،أنّ الاختلاف فی ناقضیة المسّ ناشئ عن الاختلاف فی النصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام و الصحابة بشکل متضارب،فإنّ النصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام صرّح بعدم النقض جزماً.

و أمّا النصوص الواردة من طریق الصحابة فهی بذاتها متعارضة،فمنها:ما یدلّ علی أنّ مسّ الفرج ینقض الوضوء ومنها ما یدلّ علی عدم النقض وعلیه نشأ الاختلاف فی الحکم بین فقهاء المذاهب الأربعة علی أساس اجتهادهم بترجیح بعض النصوص علی بعض آخر.

الشکّ فی الحدث

قال الجزیری:قال المالکیة:ینتقض الوضوء بالشکّ فی الحدث،أو سببه،کأن یشکّ بعد تحقّق الوضوء هل خرج منه ریح أو مسّ ذکره مثلاً أو لا؟فکلّ ذلک ینقض الوضوء؛لأنّ الذمّة لاتبرأ إلاّ بالیقین و الشاکّ لایقین له.

وقال الجزیری علی الرغم من ذلک:لاینتقض الوضوء بالشکّ فی الحدث-فإنّ المکلّف،إذا یعلم أنّه-یتوضّأ بیقین،ثمّ یشک هل أحدث بعد ذلک الوضوء أو لا؟و هذا الشکّ لاینقض وضوئه؛لأنّه شکّ فی حصول الحدث بعد الوضوء و الشکّ لایزیل یقین الطهارة.هذا کلّه إذا شکّ فی الوضوء بعد تمامه،أمّا إذا شکّ أثناء الوضوء فی عضو فإنّ علیه أن یعید تطهیر العضو الّذی شکّ فیه. (1)

ص:73


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص87 و88.

و أمّا حکم الشکّ فی الحدث،علی المذهب الجعفری،فهو بمایلی:

قال السید الخوئی:من تیقّن الحدث وشکّ فی الطهارة تطهّر.

ولوتیقّن الطهارة وشکّ فی الحدث بنی علی الطهارة (1)ذلک؛علی أساس قاعدة لاستصحاب الثابتة بالنصّ و الإجماع.

وقال:لو شکّ فی فعل من أفعال قبل الفراغ منه أتی به-لقاعدة الاستصحاب-أمّا لو شکّ بعد الفراغ لم یلتفت. (2)ذلک؛لقاعدة الفراغ الثابتة بالنصّ و الإجماع.

المذاهب الثلاثة الأخری

قال ابن قدامة:قال الخرقی:من تیقّن الطهارة،وشکّ فی الحدث،أو تیقّن الحدث،وشکّ فی الطهارة،فهو علی ما تیقّن بهما. (3)

وقال النووی:والمختلف فیه نزع الخف وفیه خلاف و الأصحّ أنّ مسح الخف یرفع الحدث فإذا نزعه عاد الحدث. (4)

وقال السمرقندی:جعلنا القهقهة حدثاً شرعاً لورود الحدیث فیها قال النبی صلی الله علیه و آله:«ألا من ضحک منکم قهقهة فلیعد الوضوء و الصلاة جمیعاً». (5)

منشأ الاختلاف

فی حکم الشک ناشئ عن الاختلاف فی النص والاجتهاد.

ص:74


1- (1) .منهاج الصالحین،ج1،ص39 و40.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .المغنی،ج1،ص196.
4- (4) .المجموع،ج2،ص5.
5- (5) .تحفة الفقهاء،ج1،ص25.

الخلاصة

لاینتقض الوضوء بالمذی و الودی علی المذهب الجعفری وینتقض علی المذاهب الأربعة.

الحادث الخارج من السبیلین،الناقض للوضوء هو:البول و الغائط فحسب،علی مذهبی الجعفری و المالکی،والخارج منهما-غیرالبول و الغائط-کالدم و الدود ونحوهما ینقض الوضوء،علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

النوم بذاته،من نواقض الوضوء علی المذهب الجعفری و الحنبلی و المالکی،ویکون ناقضاً بشرط أن یصبح مظنة لصدور الریح،علی المذهب الحنفی و الشافعی.

القیء و الرعاف و الحجامة وخروج الدم و القیح من الجروح و القروح،کلّ ذلک لم یکن ناقضاً للوضوء علی المذهب الجعفری و الشافعی و المالکی،ویکون من النواقض،علی مذهبی الحنبلی و الحنفی.

لاینتقض الوضوء بواسطة لمس المرأة ومسّ الذکر علی المذهب الجعفری،إلاّ أنّ الحکم فیها متفاوت بالنسبة إلی المذاهب الأربعة.

ص:75

الأسئلة

1.ماهو معنی النوم،فی باب نواقض الوضوء؟

2.هل الدم الخارج من الجروح و القروح،ینقض الوضوء؟

3.ماهو معنی اللمس الناقض للوضوء فی الآیة الکریمة؟

4.هل القیء،والرعاف ینقضان الوضوء؟

5.ماهو حکم الشکّ فی فعل من الأفعال أثناء الوضوء؟

ص:76

6- الغسل

واجبات الغسل

اشارة

یوجد هناک عدة اختلافات بالنسبة إلی واجبات الغسل،بین المذاهب و التفصیل بما یلی.

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:واجبات الغسل أمور:الأول:النیة ویعتبر فیها الإخلاص.الثانی:غسل ظاهر البشرة فیجب تخلیل ما لا یصل الماء إلیه إلاّ بتخلیله،ولایجب غسل باطن العین و الأنف والاُذن وغیرها. (1)ذلک للنصوص الدالة علی غسل الجسد بتمامه وکماله, منها صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام سؤالاً عن غسل الجنابة،فأمر الإمام علیه السلام بغسل الکفین وتطهیر البدن من الخبث إلی أن قال:«ثم تمضمض واستنشق،ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک» (2)دلت علی الترتیب وعلی أنّ الغسل هو تغسیل ظاهر الجسد کله و هو معناه العرفی ولا صلة له بغسل باطن البدن،ولا دلیل علی غسل الباطن.

ص:77


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص38.
2- (2) .الوسائل،ج1،ص503.

قال الإمام الخمینی:یجب غسل ما تحت الشعر من البشرة وکذا الشعر الدقیق الذی یعد من توابع الجسد،والأحوط وجوب غسل الشعر مطلقاً (1)وبما أنه لم یکن هناک دلیل علی وجوب غسل الشعر،کان غسله احتیاطاً فی الدین.

وقال:الثالث:الترتیب فی الغسل الترتیبی و هو أفضل من الإرتماسی الّذی هو عبارة عن تغطیة البدن فی الماء مقارنة للنیة (2)قد ورد فی ذیل الصحیحة المتلوة:ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک (3)دلت علی کفایة الإرتماس فی الماء تجاه الغسل.

الرابع:إطلاق الماء وطهارتها وإباحته(و قد مرّ بنا أدلة اعتبار هذه الأمور فی شروط الوضوء)ولایجب الموالات فی الترتیبی. (4)ذلک لعدم الدلیل علی اعتبار ذلک و الذی یسهل الخطب أنّ الموالاة من ناحیة عملیة من مستلزمات الغسل،فلا أثر لهذا البحث بحسب الواقع.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:الحنفیة قالوا:فرائض الغسل ثلاثة:أحدها:المضمضة ثانیها:الاستنشاق ثالثها:غسل جمیع البدن بالماء.

الحنابله قالوا:فرض الغسل شیء واحد و هو تعمیم الجسد بالماء ویدخل فی الجسد الفم و الأنف فإنّه یجب غسلهما من الداخل.

الشافعیة قالوا:فرائض الغسل إثنان فقط وهما:النیة وتعمیم ظاهر الجسد

ص:78


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص38.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .الوسائل،ج1،ص503،باب 26 من ابواب الجنابة،ح5.
4- (4) .تحریر الوسیلة،ج1،ص39.

بالماء (1)بما أن تلک الاختلافات کلها نظریة،لا تشکل اختلافاً بحسب الواقع،وبالتالی فلا یکون اختلاف عملی بالنسبة إلی الغسل بین المذاهب الإسلامیة.

قال الجزیری:واختلفوا جمیعاً فی الشعر المضفور(المفتول)فالحنفیة قالوا:إنّه و إنّما الواجب هو أن یصل الماء إلی جذور الشعر،فإن کان الشعر غیر مضغور،فإنّه یجب تحریکه حتّی یدخل الماء فی باطنه،ولن یرخص للمرأة التی علی رأسها الطیب المانع من وصول الماء إلی جذور الشعر بل قالوا:یجب علیها إزالة الطیب ولو کانت عروساً،و هذا الحکم اتفق علیه الحنفیة و الحنابلة و الشافعیة وخالف فیه المالکیة فقط،فهم الذین رخصوا للعروس بترک الطیب(عدم إزالته)والزینة وعدم غسل الرأس و هذه رخصة جمیلة (2)فیقال إنّ تلک الرخصة الجمیلة تکون کهدیة متواضعة لجمال العروس.

قال ابن قدامة المقدسی:لایجب علی المرأة نقض شعرها لغسلها من الجنابة روایة واحدً ولا نعلم فی هذا خلافاً إلاّ أنّه روی عن ابن عمر:أنّه کان یأمر النساء بذلک.

واما غسل الحیض فنص أحمد علی أنّها تنقض شعرها فیه،لما روی عن عایشة أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال لها إذا کانت حائضاً:انقضی رأسک وامتشطی،ولأنّ الأصل وجوب نقض الشعر لیتیقن وصول الماء إلی ما تحته فعفی عنه فی غسل الجنابة لأنّه کثیر فیشق ذلک بخلاف الحیض. (3)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی:یجب تخلیل الشعر إذا شک فی وصول الماء إلی البشرة التی

ص:79


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص100-102.
2- (2) .المصدر السابق،ص103.
3- (3) .الشرح الکبیر،ج1،ص219.

تحته ولا فرق بین غسل الجنابة وغیره من الأغسال الواجبة (1)ذلک لوجوب إیصال الماء إلی جمیع أجزاء البدن المستفاد من النصوص وبه یتحقق معنی الغسل عرفاً ومع عدم وصول الماء تحت الشعر نشکّ فی تحقق الغسل فیستصحب العدم.

منشأ الاختلاف

الاختلاف فی بعض المسائل الجزئیة بالنسبة إلی الغسل هناک ناشئ عن الاختلاف فی النص والاجتهاد.

غسل المیت

اشارة

توجد هنا اختلاف یسیر بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی غسل المیت وتفصیله بما یلی.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی:یجب تغسیله-المیت-ثلاثة أغسال:الأول:بماء السدر،الثانی:بماء الکافور،الثالث:بماء القراح. (2)و هذا هو المشهور عند الفقها،وتدلنا علیه صحیحة ابن مسکان عن الإمام الصادق علیه السلام سألته عن غسل المیت فقال علیه السلام:«اغسله بماء وسدرثم اغسله علی إثر ذلک غسلة أخری بماء وکافور،واغسله الثلاثة بماء قراح» (3)دلت علی المطلوب دلالة کاملة.

وقال السید الطباطبائی:إذا تعذر-الغسل بالسدر و الکافور-غسل بالقراح ثلاثة

ص:80


1- (1) .العروة الوثقی،ص50.
2- (2) .المصدر السابق،ص108.
3- (3) .الوسائل،ج2،ص680،باب 2 من أبواب غسل المیت،ح1.

اغسال (1)و هذا علی المشهور عند الفقهاء ولقاعدة المیسور وقاعدة الاستصحاب وإطلاق أدلة الغسل.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:تندب فی غسل المیت أشیاء:أحدها:تکرار الغسلات إلی ثلاث،بحیث تعم کل غسلة منها جمیع البدن.وقال:بأنّ إحدی الغسلات الثلاث فرض و الغسلتان اللتان بعدها مندوبتان.

ثانی:المندوبات أن یجعل فی ماء الغسلة الأخیرة کافور ونحوه من الطیب إلاّ أنّ الکافور أفضل. (2)وقال ابن قدامة:ویغسل الثلاثة بماء فیه کافور وسدر (3)واستبان لنا أنّه لاخلاف هناک من ناحیة عملیة.

منشأ الاختلاف

ولعل الاختلاف فی السمات ناشئ عن عدم تحقق المقارنة السلمیة بین الفقهاء المسلمین.

ص:81


1- (1) .العروة الوثقی،ص109.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص430 و431.
3- (3) .المغنی،ج1،ص323.

الخلاصة

یجب غسل داخل الفم و الأنف فی الغسل علی مذهب الحنبلی و الحنفی ولا یجب ذلک علی المذاهب الاُخری.

لایجب علی العروس غسل رأسها فی الغسل،رعایة لحفظ الزینة،علی المذهب المالکیة فقط.

یختلف حکم الغسل بالنسبة إلی نقض الشعر المفتول فی الجنابة و الحیض علی المذاهب الأربعة ولا یختلف علی المذهب الجعفری.

ص:82

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی الفرق بین حکم غسل الجنابة و الحیض؟

2.ما هو معنی الغسل شرعاً وعرفاً؟

3.ما هو تفصیل الغسلات الثلاث فی غسل المیت؟

ص:83

ص:84

7- التیمم

کیفیة التیمم

اشارة

اختلف آراء الفقهاء بالنسبة إلی کیفیة التیمم،والتفصیل بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب فی التیمم أمور:

الأول:ضرب باطن الیدین معاً دفعة علی الأرض.

الثانی:مسح الجبهة بتمامها و الجبینین بهما من قصاص الشعر إلی طرف الأنف الأعلی وإلی الحاجبین،والأحوط مسحهما أیضاً ویعتبر کون المسح بمجموع الکفین علی المجموع.

الثالث:مسح تمام ظاهر الکف الیمنی بباطن کف الیسری ثم مسح ظاهر الیسری بباطن الیمنی من الزند إلی أطراف الأصابع (1)ویدلّنا علی ذلک عدة نصوص،منها:موثقة زرارة قال سألت أبا جعفر الإمام الباقر علیه السلام عن التیمم فضرب بیده علی الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبینه وکفیه مرة واحدة. (2)

ص:85


1- (1) .العروة الوثقی،ص150-149.
2- (2) .الوسائل،ج2،ص976،باب 11 من ابواب التیمم،ح3.

ومن المعلوم أن الوجه یصدق علی الجبهة و الجبینین،فإذا وقع شخص بناصیته علی الأرض یقال له:وقع بوجهه علی الأرض.أضف إلی ذلک أن التعفیر خضوعاً لله هو التتریب الجبهة و الجبینین،والتیمم نوع من التتریب فیجدر أن یکون کذلک و قد حدّرت الروایاتّ التیمم بالتحدید الصحیح وتم المطلوب.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:قال المالکیة و الحنبلیة:إنّ الفرض مسح الیدین إلی الکوعین و أما المرفقین فهو سنة. (1)قال علماء الحنابلة:الفرض الأول:مسح جمیع وجهه ولحیته لقوله تعالی: ...فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَ أَیْدِیکُمْ مِنْهُ... (2)واللحیة من الوجه لمشارکتها له.

والفرض الثانی:مسح یدیه إلی کوعیه؛لقوله تعالی:وأیدیکُم،و إذا علق حکم بمطلق الیدین لم یدخل فیه الزراع لقطع السارق ومسّ الفرج،ولحدیث عمارقال بعثنی النبی صلی الله علیه و آله فی حاجة فاجنبت فلم أجد ماء فتمرغت فی الصعید کما تتمرغ الدابة ثمّ أتیت النبی صلی الله علیه و آله فذکرت ذلک له فقال:إنّما یکفیک أن تقول بیدیک هکذا،ثمّ ضرب بیدیه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال علی الیمین وظاهر کفیه ووجهه متفق علیه.وفی لفظ أن النبی صلی الله علیه و آله أمر بالتیمم للوجه و الکفین صحّحه الترمذی. (3)

ومن حسن الحظ أن الروایة المتلوة رویت عن طریق آل البیت علیهم السلام بالنص التالی،عن زرارة-بسند موثق-عن أبی جعفر الإمام الباقر علیه السلام قال:أتی عماربن یاسر رسول الله صلی الله علیه و آله فقال:یا رسول الله صلی الله علیه و آله إنّی أجنبت اللیلة...إلی أن قال:فضرب بیدیه علی الأرض ثم ضرب إحداهما علی الأخری ثم مسح بجبینیه،ثم مسح کفیه کل واحدة علی الأخری (4)ونعم الوفاق.

ص:86


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص161.
2- (2) .المائدة:6.
3- (3) .المغنی،ج1،ص254؛کشاف القناع،ج1،ص205.
4- (4) .الوسائل،ج3،ص360.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:قال الحنیفة:لایجب مسح ما طال من اللحیة،ویجب مسح الیدین ومسح المرفقین. (1)قال السمرقندی:قال علمائنا بأن التیمم ضربتان:ضربة للوجه وضربة للیدین إلی المرفقین.

والصحیح مذهبنا(الحنفی)لما روی جابر عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:التیمم ضربتان:ضربة للوجه،وضربة للذراعین إلی المرفقین وأنّه بدل الوضوء. (2)

قال الشافعی:ومعقول إذا کان التیمم بدلاً عن الوضوء علی الوجه و الیدین أن یؤتی بالتیمم علی ما یؤتی بالوضوء علیه،وعن ابن عمر أنه قال:ضربة للوجه وضربة للیدین إلی المرفقین؛وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه تیمّم فمسح وجهه وزراعیه. (3)

معنی الصعید

اشارة

اختلف المذهب المالکی و المذاهب الأخری بالنسبة إلی معنی الصعید بما یلی.

المذهب المالکی

المراد بالصعید ما صعد أی ظهر من أجزاء الأرض فیشمل التراب و هو أفضل من غیره و الرمل و الحجر،وکذا الثلج؛لأنه و إن کان ماء منجمداً إلاّ أنّه أشبه بالحجر الّذی هو من أجزاء الأرض. (4)

ص:87


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص161.
2- (2) .تحفة الفقهاء،ج1،ص36.
3- (3) .مختصر المزنی،ص6.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص160.

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:لایصح التیمم بالثلج. (1)ذلک لعدم کون الثلج من أجزاء الأرض فلا یصدق علیه إسم الصعید قطعاً وما عثرنا علی اختلاف فیه إلاّ عن المالکیة.

رفع الساتر

اشارة

اختلف الآراء بین الحنیفة و المذاهب الأخری بالنسبة إلی رفع الساتر عن موضع التیمم و التفصیل بما یلی:

المذهب الحنفی

قال الجزیری:ویجب أن ینزع ما ستر شیئاً منها-الید-کالخاتم و الأساور ویجب أن یمسح ما تحته،فلا یکفی تحریکه فی التیمم،بخلاف الوضوء.

الحنیفة قالوا:إنّ تحریک الخاتم الضیق و السواریکفی فی التیمم أیضاً؛لأنّ التحریک مسح لما تحته و الفرض هو المسح لاوصول الغبار. (2)

أمّا المذهب الجعفری فقال السید الطباطبائی الیزدی:الخاتم حائل فیجب نزعه. (3)وقال السید الخوئی:و هو-نزع الخاتم-من الظهور بمکان و إنّما تعرض السید الیزدی تنبیهاً للعوام. (4)

منشأ الاختلاف

الاختلاف بالنسبة إلی المسائل الجزئیة التی تتصل بالتیمم ناشئ عن الاختلاف فی النص والاجتهاد.

ص:88


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص106.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص162.
3- (3) .العروة الوثقی،ص150.
4- (4) .موسوعة الامام الخوئی،ج10،ص300.

الخلاصة

التیمم ضربتان:ضربة للوجه وضربة للکفین علی المذهب الجعفری و الحنبلی و المالکی،ویجب مسح الیدین مع المرفقین علی المذهب الحنفی و الشافعی.

مسح الوجه عبارة عن مسح الجبهة و الجبینین علی المذهب الجعفری و هو مسح جمیع الوجه علی المذاهب الأربعة مع اختلاف فی اللحیة المسترسلة.

یجب نزع الخاتم حال التیمم علی المذاهب إلا الحنفیة فإنّهم قالوا بکفایة تحریک الخاتم.

ص:89

الأسئلة

1.ما هو معنی الوجه بحسب الاستعمال الصحیح؟

2.ما هو الدلیل علی عدم وجوب مسح الیدین إلی المرفقین؟

3.ما هو معنی الصعید فی قوله تعالی: ...صَعِیداً طَیِّباً... ؟

ص:90

8- أوقات الصلاة (1)

وقت الظهرین

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وقت صلاة الظهر و العصر اختصاصاً واشتراکاً،وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وقت الظهرین مابین الزوال و المغرب،ویختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حال،ویختصّ العصر بآخره کذلک. (1)ذلک للنصوص الواردة فی الباب:

منها:معتبرة عبیدبن زرارة،عن الإمام الصادق علیه السلام سئل عن وقت الظهر و العصر،فقال:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جمیعاً،إلاّ أنّ هذه قبل هذه،ثمّ أنت فی وقت منهما جمیعاً حتّی تغیب الشمس». (2)دلّت علی المطلوب بتمامه وکماله.

ص:91


1- (1) .العروة الوثقی،ص158.
2- (2) .الوسائل،ج3،ص92،باب 4 من أبواب المواقیت،ح5.

وقال السید الطباطبائی الیزدی:وقت فضیلة الظهر من الزوال إلی بلوغ الظلّ الحادث بعد الانعدام،أو بعد الانتهاء،مثل الشاخص،ووقت فضیلة العصر،من المثل إلی المثلین. (1)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب:

منها:صحیحة البزنطی قال سألته-الإمام-عن وقت صلاة الظهر و العصر،فکتب:«قامة للظهر وقامة للعصر». (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

وعلیه فالّذی یزید علی الوقت الخاصّ،ووقت الفضیلة،هو الوقت المشترک بین الظهرین،ولم یکن هناک أی مانع من الجمع بین الصلاتین فی الوقت المشترک فی السفر و الحضر.

و قد ألّف الشیخ أحمد الصدیق الغماری من کبار علماء السنّة کتاباً فی جواز الجمع بین الصلاتین،سمّاه:إزالة الخطر عمّن جمع بین الصلاتین فی الحضر.

و أمّا جواز الجمع بین الصلاتین فی السفر فهو مفتی به علی المذاهب الأربعة. (3)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:یدخل وقت الظهر عقب زوال الشمس مباشرةً،فمتی انحرفت الشمس عن وسط السماء فإنّ وقت الظهر یبتدئ ویستمرّ إلی أن یبلغ ظلّ کلّ شیء مثله.

وأضاف المالکی بأنّ-:هذا وقت الظهر الاختیاری.أمّا وقته الضروری فهو من دخول وقت العصر الاختیاری ویستمرّ إلی وقت الغروب؛لقاعدة-من أدرک-ویبتدئ وقت العصر من زیادة ظلّ الشیء عن مثله بدون أن یحتسب الظلّ الّذی کان موجوداً عند الزوال،وینتهی إلی غروب الشمس.

ص:92


1- (1) .العروة الوثقی،ص159.
2- (2) .الوسائل،ج3،ص105،باب 8 من أبواب المواقیت،ح12.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص483.

وأضاف الحنبلی و المالکی بأنّ:للعصر وقتان:ضروری واختیاری.أمّا وقته الضروری فیبدأ باصفرار الشمس فی الأرض علی المذهب المالکی،وبعد أن یبلغ ظلّ کلّ شیء مثلیه علی المذهب الحنبلی،ویستمرّ إلی الغروب،علی المذهبین،و أمّا وقته الاختیاری فهو من زیادة الظلّ عن مثله علی المذهبین،ویستمرّ إلی اصفرار الشمس،علی المذهب المالکی وینتهی إذا بلغ ظلّ کلّ شیء مثلیه علی المذهب الحنبلی. (1)

أمّا التحدید بالاصفرار فهو،لحدیث عبدالله بن عمر أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«وقت العصر مالم تصفر الشمس رواه مسلم».

و أمّا التحدید ببلوغ المثلین فهو،لحدیث جابر:الوقت مابین هذین من المثل إلی المثلین. (2)قال الجزیری:المشهور أنّ بین الظهر و العصر اشتراکاً فی الوقت بقدر أربع رکعات فی الحضر واثنتین فی السفر،وهل اشتراکهما فی آخر وقت الظهر،أو فی أوّل وقت العصر؟قولان مشهوران. (3)

قال إسحاق:آخر وقت الظهر،وأوّل وقت العصر،یشترکان فی قدر الصلاة،وحکی ذلک عن ابن المبارک؛لقول النبی صلی الله علیه و آله فی حدیث ابن عبّاس:«صلّی جبرئیل بین الظهر لوقت العصر بالأمس». (4)

وقال مالک:وقت الاختیار إلی أن یصیر ظلّ کلّ شیء مثله،ووقت الأداء إلی أن یبقی من غروب الشمس قدر مایؤدّی فیه العصر؛ذلک لأنّ النبی صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر و العصر فی الحضر. (5)

ص:93


1- (1) .المصدر السابق،ص183.
2- (2) .المغنی،ج1،ص376.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص183.
4- (4) .المغنی،ج1،ص375 و376.
5- (5) .المصدر السابق،ص374.

والتحقیق،أنّه لاخلاف بین المذاهب الخمسة بالنسبة إلی تحقّق الوقت المشترک بین الصلاتین،وعلیه یمکننا أن نقول أنّ وقت الظهر الخاصّ أوّل الزوال بقدر ما یتّسع فیه أربع رکعات،ووقت العصر الخاصّ آخر النهار بقدر مایتّسع أربع رکعات،فلایستباح فی الوقت الخاصّ إلاّ الواجب المخصوص إجماعاً عند المذاهب کلّها،فیصبح الزائد عن الوقتین الخاصّین،وقتاً مشترکاً بین الصلاتین.و هو المستفاد من الروایات؛ذلک لأنّ الوقت المشترک المستفاد من الروایات یتحقّق فی الفترة الحاصلة بین الوقتین الخاصّین واختصاصه بقدر أربع رکعات یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه.

أضف إلی ذلک وجود النصوص الواردة عن طریق رواة آل البیت علیهم السلام الّتی ترشدنا إلی المطلوب،منها:صحیحة زراة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر و العصر بأذان وإقامتین،وجمع بین المغرب و العشاء بأذان واحد وإقامتین».ومنها:ما رواه ابن عبّاس أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر و العصر و المغرب و العشاء فی السفر و الحضر. (1)

دلّت هاتان الروایتان،أنّ للجمع بین الصلاتین مجالاً واسعاً،والّذی یمنع من الجمع هو الوقت الخاصّ،بقدر أربع رکعات فی مبدأ الزوال ومنتهاه.وما بین الوقتین الخاصّین وقت مشترک یسمح للجمع بین الصلاتین،ذلک لإطلاق أدّلة الاشتراک وعدم المانع.

الجمع بین الصلاتین

اشارة

قال مالک:إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضی بقدر مایصلّی فیه أربع رکعات دخل وقت العصر فکان الوقت مشترکاً بین الظهر و العصر إلی أن یصیر الظلّ قامتین؛لظاهر حدیث إمامة جبرئیل؛فإنّه ذکر أنّه صلّی الظهر فی الیوم الثانی فی

ص:94


1- (1) .الوسائل،ج3،ص161 و162،باب 32 من ابواب المواقیت،ح 5 و11.

الوقت الّذی صلّی العصر فی الیوم الأوّل و هذا فاسد عندنا.فإنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«لایدخل وقت صلاة حتّی یخرج وقت صلاة أخری». (1)

قال السرخسی:قال أحمدبن حنبل:یجوز الجمع بینهما(الصلاتین)فی الحضر من غیر عذر السفر،واحتجوا بحدیث معاذ أنّ النبی صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر و العصر فی سفره(قاصداً السفر)إلی تبوک،وعن عایشة قالت:کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجمع بین الصلاتین إذا جدّ به السفر،وعن ابن عبّاس قال:صلّینا مع رسول الله صلی الله علیه و آله سبعاً جمعاً وثمانیاً جمعاً فالمراد بالسبع المغرب و العشاء وبالثمان الظهر و العصر،وعن ابن عبّاس أیضاً قال:جمع رسول الله صلی الله علیه و آله بین الظهر و العصر وبین المغرب و العشاء بالمدینة من غیر عذر.

وقال السرخسی:ولنا-علی عدم جواز الجمع-قوله تعالی: حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطی... (2)أی فی مواقیتها وقال تعالی: ...إِنَّ الصَّلاةَ کانَتْ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ کِتاباً مَوْقُوتاً... ، (3)أی فرضاً موقتاً.

وقال عمر:إنّ من أکبر الکبائر الجمع بین الصلاتین وتأویل الاخبار-الدلالة علی الجمع-أن الجمع بینهما کان فعلاً لا وقتاً.وتأویل حدیث إمامة جبرئیل إنّه أراد بیان وقت استحباب الأداء.

وعن علی علیه السلام أنّه فعل مثل ذلک(الجمع،عملاً بما صنعه الرسول،فکان)عنده بین وقت الظهر و العصر تداخلاً.وعندنا(الحنفیة)لاتداخل بل کلّ واحدة منهما مختص بوقته،ودلیلنا ماروینا-لایدخل وقت الصلاة حتّی یخرج وقت صلاة أخری. (4)

ص:95


1- (1) .المبسوط،ج1،ص143.
2- (2) .البقرة:238.
3- (3) .النساء:103.
4- (4) .المبسوط،ج1،ص149 و150.

والتحقیق أن ما ادعاه السرخسی من عدم جوازالجمع بین الصلاتین لایمکن الالتزام به،ذلک أوّلاً:مااستدل به من القرآن-الصلاة الوسطی،وکتاباً موقوتاً-یدلّنا علی توقیت الصلاة بوقت-مختص أو مشترک-ولا یدل علی عدم جواز الجمع.

ثانیاً:ما استدل به من الحدیث(لایدخل وقت الصلاة...)یدلنا علی أنّه لایدخل وقت صلاة الخاص حتّی یخرج وقت الصلاة الأخری و هذا هو المفتی به عند الفقهاء،أضف إلی ذلک أن هذا الحدیث خبر واحد یعارضه اخبار کثیرة فلا اعتبار له من حیث الاعتبار.

ثالثاً:الروایات بالنسبة إلی جواز الجمع کثیرة معتبرة.

وما بادر الیه السرخسی من تأویل حدیث جبرئیل،لایمکن المساعدة علیه؛ذلک لأنّ إمامة جبرئیل بحسب مناسبة الحکم و الموضوع،لم تکن فی مقام بیان استحباب الأداء.

رابعاً:أنّ انکار الجمع علی خلاف عمل أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام وعمل ابن عبّاس وعمل ابن عمر حسب ما اعترفه،إجتراء علی أوثق الطرق وأجودها،ذلک لأنّه لم یأمر ولم یعمل علی علیه السلام إلاّ بما أمر وعمل به الرسول صلی الله علیه و آله.

خامساً:أنّ السرخسی صرّح بأنّ الجمع بین الصلاتین کان فعلاً،أی واقعاً فتحقق الجمع بحسب الواقع،وبالتالی فما حاول الیه لاینتهی إلی نتیجة ایجابیة.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن اجتهاد الحنفیة الخاص, وعدم التقریب بین المذاهب وعدم التفاهم بین الفقهاء.

ص:96

الخلاصة

لاخلاف بین المذاهب الخمسة بالنسبة إلی الوقت المشترک بین الظهرین.

توجد هناک عدة روایات من طریق أبناء السنّة تدلنا علی جواز الجمع بین الصلاتین منها روایة إمامة جبرئیل المشهورة.

لادلالة من الکتاب علی عدم جواز الجمع بین الصلاتین.

ثبت أنّه جمع رسول الله صلی الله علیه و آله بین الصلاتین فی المدینة.

لادلیل علی عدم جواز الجمع إلاّ ما نقل عن عمربن الخطاب:الجمع بین الصلاتین من أکبر الکبائر.

ص:97

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی جواز الجمع بین الظهرین؟

2.ما هو دور الوقت المشترک بین الصلاتین؟

3.هل یجوز الجمع بین الصلاتین فی الحضر علی المذهب الحنبلی؟

4.ما هو المقصود من القول بأن الجمع بین الصلاتین کان فعلاً؟

5.ما هو مدی دلالة الکتاب علی التوقیت؟

ص:98

9- أوقات الصلاة (2)

وقت المغرب

اشارة

اتّفقت المذاهب کلّها علی أنّ وقت المغرب یبتدئ من غروب الشمس و هو عبارة عن غیابها الظاهر واختلفت الآراء بالنسبة إلی تطبیق معنی الغیبوبة, وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الاربعة

یتحقّق غیبة الشمس وغروبها, باختفائها عن البصر،ذلک؛لصدق الغیبة عندئذ بحسب فهم العرف.

المذهب الجعفری

یتحقّق غروب الشمس تماماً بزوال الحمرة المشرقیة, ولایتحقّق بمجرّد مواراة القرص عن العیان و هذا ما أثبتته العلوم التجربیة.و هو الأوفق بالقواعد العلمیة و الفقهیة.

المشهور عند الفقهاء السنیة أنّ وقت المغرب ینتهی بمغیب الشفق.

قال ابن قدامة:أمّا دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم لانعلم

ص:99

بینهم خلافاً فیه, و الأحادیث دالّة علیه وآخره مغیب الشفق. (1)

وقال السید الطباطبائی الیزدی:ووقت فضیلة المغرب من المغرب إلی ذهاب الشفق أی الحمرة المشرقیة. (2)

وقال ابن قدامة:إنّ الشفق الّذی یخرج به وقت المغرب ویدخل به وقت العشاء هو الحمرة،و هذا قول ابن عبّاس ومالک و الشافعی. (3)

وعن أنس:الشفق،البیاض،وبه قال إبوحنیفة،وروی عن ابن مسعود قال:رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی هذه الصلاة-العشاء-حین یسوَدّ الأفق. (4)

وقال ابن منظور:قال الخلیل:الشفق،الحمرة من غروب الشمس إلی وقت العشاء الأخیرة.

وکان بعض-الحنفی-یقول:الشفق،البیاض؛لأنّ الحمرة تذهب إذا أظلمت. (5)

والتحقیق:أنّ الشفق بحسب اللغة والاصطلاح هو الحمرة الحاصلة بعد غروب الشمس،و أمّا البیاض علی رأی الحنفی فهو أثر الشفق الوجودی وعلیه لابدّ أن یذهب البیاض حتّی یتحقّق مغیب الشفق.

والّذی یسهّل الأمر أنّ فترة البیاض بعد مغیب الشفق قلیلة جداً،ولا بأس بها.قال الجزیری:قال المالکیة:لا امتداد لوقت المغرب الاختیاری،بل هو مضیق،ویقدّر بزمن یسع فعلها،وتحصیل شروطها،أمّا وقتها الضروری،فهو عن عقب الاختیاری،ویستمرّ إلی طلوع الفجر. (6)

ص:100


1- (1) .المغنی،ج1،ص381.
2- (2) .العروة الوثقی،ص159.
3- (3) .الموطأ،ج1،ص12.
4- (4) .المغنی،ج1،ص383 و384.
5- (5) .لسان العرب،ج10،ص180.
6- (6) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص184.

وقال ابن قدامة:قال مالک و الشافعی:لیس لها-للمغرب-إلاّ وقت واحد:عند مغیب الشمس؛لأنّ جبرئیل صلاّها بالنّبی صلی الله علیه و آله،فی الیومین لوقت واحد فی بیان مواقیت الصلاة. (1)

التحقیق:إنّ توقیت المغرب من أوّل الغروب بقدر ما یتّسع لإقامة الصلاة مع شروطها ومقدّماتها لاینافی التوقیت من الغروب إلی مغیب الشفق،ذلک لأنّ الشفق لایدوم أکثر من ذلک-أی إقامة الصلاة مع شروطها ومقدّماتها-وعلیه فلا اختلاف إلاّ لفظیاً.

جواز تأخیر المغرب عن الوقت الخاص

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز تأخیر المغرب عن أوّل وقتها إلی وقت العشاء الآخرة وعدم جوازه،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السّید الطباطبائی الیزدی:وقت فضیلة المغرب من المغرب إلی ذهاب الشفق ووقت فضیلة العشاء من ذهاب الشفق إلی ثلث اللیل،ویکون لهما وقتا إجزاء قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث إلی النصف. (2)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب.

قال السید الخوئی:مقتضی مانطقت به النصوص المتعدّدة جواز تأخیرها-المغرب-عن سقوط الشفق مطلقاً،ولو فی غیر حال السفر و المرض،ومعه لا مجال للقول بأنّ وقت صلاة المغرب مطلقاً ینتهی بذهاب الشفق؛هذا مضافاً إلی أنّ ذلک-التوقیت-خلاف ظاهر الآیة المبارکة: ...أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ... . (3)لأنّ

ص:101


1- (1) .المغنی،ج1،ص381.
2- (2) .العروة الوثقی،ص159.
3- (3) .أسراء:78.

إطلاقها یقتضی جواز تأخیر المغرب عن سقوط الشفق حتّی مع الاختیار؛لأنّ الغسق بمعنی نصف اللیل،إذاً بمقتضی تلک الروایات وإطلاق الآیة المبارکة لابدّ من حمل قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وفُضیل-وقت فوتها سقوط الشفق-علی أنّ الأفضل أن یوتی بها إلی زمان السقوط،وأن لایؤخّر عنه.

نعم تأخیر الصلاة عن أوّل وقتها لابدّ أن یکون لشیء من المرجّحات؛لأنّ الأفضل أن یؤتی بها أوّل الوقت. (1)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:قال مالک و الشافعی:لیس لها-صلاة المغرب-إلاّ وقت واحد:عند مغیب الشمس؛-ذلک لما-قال النبی صلی الله علیه و آله لاتزال امّتی بخیر ما لم یؤخّروا المغرب إلی أن یشتبک النجم،ولأنّ المسلمین مجمعون علی فعلها فی وقت واحد فی أوّل الوقت ولنا-الحنابلة-حدیث بریدة:أنّ النبی صلی الله علیه و آله صلّی المغرب فی الیوم الثانی حین غاب الشفق،وفی لفظ رواه الترمذی،فأخّر المغرب إلی أن یغیب الشفق-والنصوص کثیرة-و هذه النصوص صحیحة لایجوز مخالفتها بشیء محتمل،ولانّها إحدی الصلوات فکان لها وقت متّسع کسائر الصلوات ولأنّها إحدی صلاتی جمع فکان وقتها متّصلاً بوقت الّتی تجمع إلیها کالظهر و العصر.وأحادیثهم محمولة علی الاستحباب والاختیار،وکراهة التأخیر. (2)

الجمع بین العشائین

قال السید الخوئی:وقت العشائین للمختار،من المغرب إلی نصف اللیل،وتختصّ

ص:102


1- (1) .التفقیج،ج10،ص164 و167.
2- (2) .المغنی،ج1،ص383.

المغرب من أوّله بمقدار أدائها و العشاء من آخره کذلک،وما بینهما مشترک بینهما-ومجال للجمع-و أمّا للمضطرّ فیمتدّ وقتهما له إلی الفجر الصادق. (1)

ویوافقه ما مرّ بنا عن ابن قدامة بأنّ المغرب:إحدی صلاتی جمع فکان وقتها متّصلاً بوقت الّتی تجمع إلیها کالظهر و العصر.

وقال طاووس:لاتفوت المغرب و العشاء حتّی الفجر،ونحوه قال عطاء،لما ذکرناه فی الظهر و العصر. (2)وعلیه فإنّ ما قلناه بالنسبة إلی وقت الجمع بین الظهرین،نقوله أیضاً،بالنسبة إلی الجمع بین العشائین،بالنحو الّذی أوضحناه.أضف إلی ذلک أنّ وقت المغرب مضیق علی المذاهب الأربعة،فإنّ الوقت إمّا یکون بقدر یسع إقامة الصلاة مع شرائطها أو یکون محدّداً بسقوط الشفق حیث لایسع أکثر من إقامة الصلاة.

وعلیه فبطبیعة الحال یتّصل وقت المغرب بوقت العشاء ویتحقّق الجمع بین الصلاتین طبعاً.

وقت العشاء

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تحدید وقت العشاء سعةً وضیقاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:ووقت العشاء یبتدئ من مغیب الشفق إلی طلوع الفجر الصادق.وقال الحنبلی و المالکی:إنّ للعشاء وقتین،کالعصر:وقت اختیاری،و هو من مغیب الشفق إلی مضی ثلث اللیل،ووقت ضرورة،و هو من أوّل ثلث الثانی من اللیل إلی طلوع الفجر الصادق. (3)قال زکریا الأنصاری الشافعی:ووقت العشاء من مغیب

ص:103


1- (1) .منهاج الصالحین،ج1،ص131.
2- (2) .المغنی،ج1،ص381 و382.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص184.

الشفق إلی طلوع فجر الصادق لخبر جبرئیل مع خبر مسلم. (1)

قال ابن قدامة:اختلفت الروایة فی آخر وقت الاختیاری،فروی عن أحمد أنّه ثلث اللیل؛لأنّ فی حدیث جبرئیل علیه السلام أنّه صلّی بالنبی صلی الله علیه و آله،فی المرّة الثانیة ثلث اللیل وقال:الوقت ما بین هذین.

الروایة الثانیة:أنّ آخره نصف اللیل و هو أحد قولی الشافعی لما روی أنس بن مالک قال:أخّر رسول الله صلی الله علیه و آله صلاة العشاء إلی نصف اللیل رواه البخاری.

والأولی-إن شاء الله تعالی-أن لایؤخّرها عن ثلث اللیل و إن أخّرها إلی نصف اللیل جاز،وما بعد النصف وقت ضرورة،الحکم فیه حکم وقت الضرورة فی صلاة العصر. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وقت فضیلة العشاء،من ذهاب الشفق إلی ثلث اللیل ووقت الإجزاء-الأداء-بعد الثلث إلی النصف،هذا للمختار،و أمّا المضطرّ فیمتدّ وقتهما-المغرب و العشاء-إلی طلوع الفجر (3)ذلک؛جمعاً بین النصوص.

قال السید الخوئی:المعروف بین الأصحاب رحمهم الله،أنّ العشاء الآخرة یمتدّ وقتها إلی نصف اللیل،وذلک؛لقوله تعالی عزّ من قائل: ...أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ... . (4)بضمیمة ماوردت فی تفسیرها کصحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام فی حدیث:(وغسق اللیل هو انتصافه) (5)وتدلّ علیه أیضاً عدّة روایات،منها:

ص:104


1- (1) .فتح الوهاب،ج1،ص55.
2- (2) .المغنی،ج1،ص384.
3- (3) .العروة الوثقی،ص158 و159.
4- (4) .أسراء:78.
5- (5) .الوسائل،ج3،ص5،باب 2 من أبواب أعداد الفرائض،ح1.

صحیحة بکربن محمّد عن الإمام الصادق علیه السلام فی حدیث قال:وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلی غسق اللیل،یعنی نصف اللیل. (1)ومقتضی تلک الروایات أنّ وقت العشاء ینتهی إلی نصف اللیل. (2)

والتحقیق:أنّه ثمّة روایات أخری ترشدنا إلی أنّ منتهی وقت العشاء هو ثلث اللیل.

منها:صحیحة معاویة بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام:«أنّ وقت العشاء الآخرة إلی ثلث اللیل». (3)دلّت علی أنّ منتهی الأمد للعشاء هو ثلث اللیل،وبه أفتی الشیخ المفید.

وبما أنّ النصوص متکافئة سنداً ومتضاربة دلالة،حینئذ لابدّ من الجمع بینها لعدم إمکان الطرح بعد صحّة السند.فالتحقیق الّذی یعزّزه فقه الحدیث وفقه الاستنباط،هو مطابقة الوقتین لوقت الفضیلة ووقت الأداء،وعلیه یمکننا أن نقول:أنّ المقصود من التحدید إلی ثلث اللیل هو وقت الفضیلة،والمقصود من التحدید إلی انتصاف اللیل هو وقت الأداء کما قال السید الخوئی:ومقتضی الجمع-هناک-أنّ الأفضل فی صلاة العشاء أن یؤتی بها إلی ثلث اللیل. (4)والحکم مفتی به.وهی الطریقة الّتی سلکها ابن قدامة تجاه الجمع بین الروایات المختلفة.و أمّا امتداد وقت العشاء الآخرة بعد نصف اللیل إلی طلوع الفجر فیحتاج إلی الدلیل.

قال ابن قدامة:ثمّ لا یزال الوقت ممتدّاً حتّی یطلع الفجر الثانی.وقال فی الهامش:بأی دلیل؟و الأحادیث السابقة حدّدت آخر وقت العشاء بنصف اللیل.

ومن حسن الحظّ أنّه وردت من طریق آل البیت علیهم السلام روایة تدلّ علی أنّ وقت الاضطرار یمتدّ إلی طلوع الفجر.

ص:105


1- (1) .المصدر السابق،ص127،باب 16 من أبواب المواقیت،ح6.
2- (2) .المغنی،ج1،ص385.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،ج10،ص125 و129؛الوسائل،ج3،ص146،باب 21 من أبواب المواقیت،ح4.
4- (4) .المصدر السابق،ج11،ص178.

قال السید الخوئی:أمّا المعذور فی التأخیر فلا ینبغی الإشکال فی امتداد وقتی الصلاتین فی حقّه إلی طلوع الفجر؛وذلک لصحیحة أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إن نام رجل ولم یصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسی فإن استیقظ قبل الفجر قدر ما یصلّیهما کلتیهما فلیصلّیهما،و إن خشی أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء الآخرة». (1)وهی صریحة الدلالة علی امتداد وقتی العشائین بالنسبة إلی النائم و الناسی ونحوهما إلی طلوع الفجر،وقوله علیه السلام فلیبدأ بالعشاء الآخرة فیما إذا خشی فوات إحداهما ناظر إلی أنّ آخر الوقت یختصّ بصلاة العشاء. (2)فتمّ الدلیل علی امتداد وقت العشاء إلی طلوع الفجربالنسبة إلی المضطرّین.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف فی توقیت الفرائض الیومیة بین أئمّة المذاهب وبین فقهاء المذهب الواحد،بشتّی أنحائه ناشئ عن الاختلاف فی النصوص،فإنّ الروایات الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام و الصحابة،متکثّرة ومتعارضة إلی حدّ یتعذر فیه الجمع بین الروایات،وعلیه استنبطکلّ فقیه بحسب اجتهاده حکماً أفضی فی النهایة إلی الاختلاف فی الأحکام،وممّا ضاعف من الاختلاف هنا،هو عدم المقارنة بین الآراء فاتّفقوا علی أن لایتّفقوا.و إذا تحقّقت المقارنة بین الآراء مباشرة هناک یمکن التفاهم البنّاء بین الفقهاء حیث یضع حلاً لمشکلة الاختلاف.

ص:106


1- (1) .الوسائل،ج3،ص209،باب 62 من أبواب المواقیت،ح3.
2- (2) .التنقیح،ج1،ص186.

الخلاصة

لکلّ واحدة من الصلوات الخمس وقت محدّد خاصّ،وللظهرین و العشائین،وقت مشترک أیضاً.

لاخلاف بین المذاهب بالنسبة إلی مبدأ الأوقات إلاّ الیسیر و هو الاختلاف بالنسبة إلی معنی غروب الشمس.

أکثر الاختلافات وثیقة الصلة بمنتهی الأوقات الخمسة.

الأفضل أن یؤتی کلّ صلاة فی أوّل وقتها،و أنّ أول الوقت الرضوان وآخر الوقت الغفران.

منشأ الاختلاف،هو اختلاف الروایات الواردة فی المصادر الروائیة بصفة عامّة.

ص:107

الأسئلة

1.ما هو معنی الوقت الاختیاری و الوقت الاضطراری؟

2.ما هو معنی الشفق بحسب اللغة؟

3.هل یتحقّق غروب الشمس بمواراة القرص؟

4.ما هی الآیة الّتی تدلّ علی توقیت الفریضة؟

5.هل الأفضل الجمع بین الصلاتین أو التفریق،أو إقامة الصلاة فی أوّل وقتها؟

ص:108

10- الأذان و الإقامة

حکم الأذان و الإقامة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حکم الأذان و الإقامة فرضاً وسنّةً.وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لا إشکال فی تأکّد رجحانهما فی الفرائض الیومیة،وذهب بعض العلماء إلی وجوبهما. (1)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفق الأئمّة علی أنّ الأذان سنّة مؤکّدة ماعدا الحنابلة،فإنّهم قالوا:إنّه فرض کفایة. (2)

وبما أنّه اتّفقت المذاهب کلّها علی مطلوبیة الأذان و الإقامة،وعدم جواز ترکهما

ص:109


1- (1) .العروة الوثقی،ص187.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص312.

حال الاختیار،لم یتحقّق الاختلاف من ناحیة عملیة،فیمکننا أن نقول:أنّه لیس ثمّة اختلاف بحسب الواقع.

صیغ الأذان و الإقامة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی عدد فصول الأذان و الإقامة،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:ألفاظ الأذان هی التکبیر أربع مرّات و الشهادتین مرّتین وحی علی الصلاة وحی علی الفلاح مرّتین و التکبیر و التهلیل مرّة واحدة-و هذه الصیغة متّفق علیها بین ثلاثة من الأئمّة وخالف المالکیة:قالوا:یکبّر مرّتین لا أربعاً. (1)

وقال ابن قدامة-أنّ تلک الصیغة-:من الأذان أذان بلال،وجاء فی خبر عبدالله ابن زید و هو خمس عشرة کلمة،إلاّ أنّ مالکاًً قال:التکبیر فی أوّله مرّتان حسب.واحتجّ مالک بأنّ ابن محیرز قال:کان الأذان الّذی یؤذّن به أبومحذورة-کان التکبیر فیه مرّتین-متّفق علیه.

ولنا حدیث عبدالله بن زید و الأخذ به أولی؛لأنّ بلالاً کان یؤذّن به مع رسول الله صلی الله علیه و آله دائماً سفراً وحضراً وأقرّه النبی صلی الله علیه و آله بعد أذان أبی محذورة. (2)

وقال الجزیری:ویزاد فی أذان الصبح بعد حی علی الفلاح-الصلاة خیر من النوم-مرّتین ندباً ویکره ترک هذه الزیادة،باتّفاق. (3)

وقال ابن قدامة:یسنّ أن یقول فی أذان الصبح:الصلاة خیر من النوم مرّتین بعد

ص:110


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المغنی،ج1،ص404 و405.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص312.

قوله:حی علی الفلاح ویسمّی التثویب،روی النسائی بإسناده عن ابن محذورة،قال:قال:رسول الله صلی الله علیه و آله-فی حدیث-:فإن کان فی صلاة الصبح قلت:الصلاة خیر من النوم مرّتین.

قال إسحاق:هذا شیء أحدثه الناس.وقال أبوعیسی:هذا التثویب الّذی کره أهل العلم.و هو الّذی خرج منه ابن عمر من المسجد لمّا سمعه.

وقال أبوحنیفة:التثویب بین الأذان و الإقامة فی الفجر أن یقول:حی علی الصلاة مرّتین حی علی الفلاح مرّتین. (1)قال الشافعی فی قوله الجدید:أنّه لاتثویب فیه(فی الفجر). (2)

التثویب المحدث

اشارة

قال أبوبکر الکاشانی:و أمّا التثویب المحدث،إنّما سمّاه محدثاً؛لأنّه أحدث فی زمن التابعین،ووصفه بالحسن؛لأنّهم استحسنواه و قد قال النبی صلی الله علیه و آله مارآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن ومارآه المؤمنون قبیحاً فهو عند الله قبیح.

أمّا محل التثویب قبل صلاة الفجر عند عامة العلماء. (3)

والتحقیق:أنّه لاشک فی أنّ التثویب لم یکن من الأذان فی النصوص ولم یکن له عین ولا أثر فی زمن الرسول وصرّح أبوبکر الکاشانی أنّه أحدث فی زمن التابعین،ولا شک أیضاًً أن کلّ شیء حدث فی العبادات من قبل الناس فهو بدعة فی الشرع،وعلیه کان التثویب بدعة بمعنی الکلمة.

و أمّا حدیث مارآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن،فلا یمکن الاعتماد به،ذلک،أوّلاً:لم یثبت اعتبار ذلک الحدیث من حیث السند.

ص:111


1- (1) .المغنی،ج1،ص407 و408.
2- (2) .تحفة الفقهاء،ج1،ص110.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج1،ص148.

ثانیاً:یعارض ذاک الحدیث أحادیث أخری الواردة من طریق أبناء السنّة،منها قوله علیه السلام دین الله لایصاب بالعقول، (1)وعلیه یقول الأشاعرة:کما أمر الشرع به فهو حسن،وکلما نهی عنه فهو قبیح. (2)

ثالثاً:یرد الحدیث بقوله تعالی: ...أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ (3)وقوله تعالی: ...أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ . (4)

رابعاً:لو ثبت صدور الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله کان معناه تحسین مارآه المؤمنون حسناً من الأمور الأخلاقیة و المدنیة وکلّ ما یتصل بمعیشة الناس.

خامساً:یوجد هناک إختلاف بالنسبة إلی التثویب کما ألمحنا إلیه فمن الناس من یحسنه ومنهم من یکرهه فلم یتحقّق تحسین المؤمنین کافة تجاه ذلک،فلا أساس للمسألة.

و أمّا ألفاظ الإقامة فهی بالصیغة الآتیة:قال ابن قدامة:قال الخرقی شیخ الحنبلی:الإقامة:التکبیر مرّة و الشهادتین مرّة وحی علی الصلاة،حی علی الفلاح مرّة،و قد قامت الصلاة مرّتین ثمّ التکبیر و التهلیل مرّة وبهذا قال الشافعی،وقال أبوحنیفة: (5)الإقامة مثل الأذان ویزید فی الإقامة،قد قامت الصلاة مرّتین،لحدیث عبدالله بن زید:إنّ الّذی علّمه الأذان أمهل ثمّ قام فقال مثلها،رواه أبوداود.

وقال مالک:الإقامة:عشر کلمات،تقول:قد قامت الصلاة مرّة واحدة لما روی أنس قال:اُمر بلال أن یشفع الأذان ویوتر الإقامة متّفق علیه.

ص:112


1- (1) .مستدر الوسائل،ج9،ص262.
2- (2) .کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد،ص234.
3- (3) .حجرات:4.
4- (4) .الاعراف:131.
5- (5) .بدائع الصنائع،ج1،ص148.

ولنا-الحنابلة-ما روی عبدالله بن عمر أنّه قال:إنّما کان الأذان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله مرّتین مرّتین و الإقامة مرّة مرّة،إلاّ أنّه یقول:قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة،أخرجه النسائی. (1)قال السمرقندی:قال عامة العلماء الإقامة مثنی مثنی کالأذان. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:فصول الأذان ثمانیة عشر،الله أکبر أربع مرّات،ثمّ أشهد أن لاإله إلاّ الله،ثمّ أشهد أنّ محمّداًً رسول الله،ثمّ حی علی الصلاة،ثمّ حی علی الفلاح،ثمّ حی علی خیر العمل،ثمّ الله أکبر،ثمّ لا إله إلاّ الله،کلّ فصل مرّتان،وکذلک الإقامة،إلاّ أنّ فصولها أجمع مثنی مثنی إلاّ التهلیل فی آخرها فمرّة،ویزاد فیها بعد الحیعلات قبل التکبیر،قد قامت الصلاة مرّتین،فتکون فصولها سبعة عشر،وتستحبّ الصلاة علی محمّد وآل محمّد عند ذکر اسمه الشریف،وإکمال الشهادتین بالشهادة لعلی علیه السلام بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره. (3)

وقال السید الطباطبائی الحکیم-فصول الأذان ثمانیة عشر بالمنهج المذکور:إجماعاً وعلیه عمل الأصحاب،ویدلّ علیه من النصوص خبر الحضرمی وکلیب الأسدی جمیعاً عن الإمام الصادق علیه السلام:أنّه حکی لهما الأذان فقال علیه السلام:الله أکبر-بالصیاغة الّتی تسالم علیها الأصحاب إلی-لا إله إلاّ الله. (4)والإقامة کذلک،وفی صحیح زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام:یا زرارة،تفتح الأذان بأربع تکبیرات وتختمه بتکبیرتین

ص:113


1- (1) .المغنی،ج1،ص406.
2- (2) .تحفة الفقهاء،ج1،ص110
3- (3) .منهاج الصالحین،ج1،ص150.
4- (4) .الوسائل،ج1،ص،باب 19 من أبواب الأذان و الإقامة،ح9.

وتهلیلتین. (1)و أمّا لفظ الإقامة فهو أیضاً مذهب العلماء وأنّه لایختلف فیه الأصحاب و أنّ علیه عمل الأصحاب و أمّا لفظ الشهادة بالولایة لابأس بالإتیان به بقصد الاستحباب المطلق؛لما فی خبر الاحتجاج،إذا قال أحدکم:لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله.فلیقل علی أمیرالمؤمنین (2)بل ذلک فی هذه الأعصار معدود من شعائر الإیمان،فیکون من هذه الجهة راجحاً شرعاً،بل قد یکون واجباً لکن لا بعنوان الجزئیة من الأذان،ومن ذلک یظهر وجه ما فی البحار من أنّه لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان؛لشهادة الشیخ و العلامة و الشهید وغیرهم،بورود الأخبار بها،وأید ذلک بخبر القاسم بن معاویة المروی عن احتجاج الطبرسی عن الإمام الصادق علیه السلام. (3)

وقال المحقّق صاحب الجواهر:لابأس بذکرذلک-الشهادة بالولایة-لا علی سبیل الجزئیة؛عملاً بالخبر المزبور-خبر القاسم مع الاعتماد بقاعدة التسامح فی أدلّة السنن-ولا یقدح مثله فی الموالاة و الترتیب،بل هی کالصلاة علی محمّد وآله وسلّم عند سماع اسمه. (4)

ویؤیده ما ذکره العلامة التفتازانی-من أجلّة علماء السنّة-أنّ النبی صلی الله علیه و آله رأی فی المعراج علی العرش کتابة بهذه الألفاظ:

1.لا إله إلاّ الله،محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله،أیدته بعلی ولی الله. (5)

ونقل العلامة المجلسی ذلک الخبر-مسنداً-قال:نصّ أبوالمفضّل الشیبانی،عن جعفربن محمّدبن جعفر العلوی،عن إسحاق بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر عن

ص:114


1- (1) .المصدر السابق،ص،ح 6.
2- (2) .الإحتجاج،ص78.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی،ج5،ص540إلی 545.
4- (4) .الجواهر،ج9،ص87.
5- (5) .شرح العقائد للتفتازانی،باب فضائل علی*.

الأجلح الکندی عن أبی أمامة قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:لمّا عرج بی إلی السماء رأیت مکتوباً علی ساق العرش بالنور:لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله أیدته بعلی علیه السلام (1)ورواه أنس بن مالک عن رسول الله صلی الله علیه و آله إنّه قال:لمّا عرج بی إلی السماء رأیت علی ساق العرش مکتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أیدته بعلی. (2)فالخبر مع وروده عن الطریقین یفسح مجالاً للشهادة بالولایة.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ منشأ الخلاف هو إختلاف النصوص الواردة عن الطریقین،والاجتهاد.

تکبیرة الإحرام

اشارة

اختلفت الآراءفی لفظ تکبیرة الإحرام وصورتها الترکیبیة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفق ثلاثة من الأئمّة أنّ تکبیرة الإحرام هی أن یقول المصلی فی افتتاح صلاته:الله أکبر بشرائط خاصّة.

وخالف الحنفیة،فقالوا:إنّ تکبیرة الإحرام لایشترط أن تکون بهذا اللفظ،قالوا:لایشترط افتتاح الصلاة بلفظة الله أکبر،إنّما الافتتاح بهذا اللفظ واجب،لا یترتّب علی ترکه بطلان الصلاة فی ذاتها،بل یترتّب علیه إثم تارک الواجب،والواجب أقلّ من الفرض،و أنّ تارکه یأثم إثماً لایوجب العذاب بالنار،و إنّما یوجب الحرمان من شفاعة النبی صلی الله علیه و آله یوم القیامة،وکفی بذلک زجراً للمؤمنین.قالوا:لاتبطل الصلاة بترکه.أمّا الصیغة الّتی تتوقّف علیها صحّته-عندهم-فهی الصیغة الّتی تدلّ علی تعظیم الله

ص:115


1- (1) .بحارالأنوار،ج36،ص331،ح 174.
2- (2) .کفایة الأثر،ص10.

عزّوجلّ وحده،فکلّ صیغة تدلّ علی ذلک یصحّ افتتاح الصلاة بها،کأن یقول:سبحان الله أو یقول:الله رحیم أو الله کریم.

أمّا الأدلّة-من الکتاب و السنّة-فإنّها لاتدلّ إلاّ علی ذلک-التعظیم-فقوله تعالی: وَ رَبَّکَ فَکَبِّرْ ، (1)لیس معناه الإتیان بخصوص التکبیر بل معناه عظّم ربّک بکلّ ما یفید تعظیمه وکذلک التکبیر الواردفی الحدیث،تحریمها التکبیر وتحلیلها التسلیم،رواه أبوداود وغیره و إنّما قلنا:أنّ الإتیان بخصوص التکبیر واجب،لأنّ النبی صلی الله علیه و آله واظب علی الإتیان به.

هذا هو رأی الحنفیة،و قد عرفت أنّ الأئمّة الثلاثة اتّفقوا علی أن تکون بلفظ الله أکبر،کما هو الظاهر من هذه الأدلّة و قد أیده النبی صلی الله علیه و آله،بعمله. (2)

قال ابن قدامة:إنّ الصلاة لاتنعقد إلاّ بقول:الله أکبر عند إمامنا ومالک و الشافعی،وقال أبوحنیفة:تنعقد بکلّ اسم لله تعالی علی وجه التعظیم،کقوله الله عظیم أو کبیر-ونحوه-لأنّه ذکر الله تعالی علی وجه التعظیم،أشبه قوله الله أکبر.

ولنا:أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:تحریمها التکبیر،رواه أبوداود.وقال للمسی فی صلاته إذا قمت إلی الصلاة فکبّر-متّفق علیه-وکان النبی صلی الله علیه و آله یفتتح الصلاة بقول:الله أکبر،لم ینقل عنه عدول عن ذلک حتّی فارق الدنیا.

وما قاله أبوحنیفة یخالف دلالة الأخبار،فلایصار إلیه فإطلاق لفظ التکبیر ینصرف إلیها-الله أکبر-دون غیرها. (3)قال السمرقندی:إذا قال بالفارسیة أو فعلی قول أبی حنیفة یصیر شارعاً کیفما کان. (4)

ص:116


1- (1) .مدثر:3.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص219 و220.
3- (3) .المغنی،ج1،ص460 و461.
4- (4) .تحفة الفقهاء،ج1،ص124.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:تکبیرة الإحرام أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة،وصورتها-الله أکبر-من غیر تغییر ولا تبدیل ولا یجزی مرادفها ولا ترجمتها بالعجمیة أو غیرها. (1)

وقال المحقّق صاحب الجواهر:أنّ صورة التکبیر هی الله أکبر عند علمائنا؛لأنّه المتعارف من التکبیر،والمعهود من صاحب الشرع وأتباعه.ففی المرسل: (2)کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا دخل فی صلاته قال:بسم الله الرحمن الرحیم الله أکبر،فیجب التأسی به هنا؛لقوله صلی الله علیه و آله: (3)صلّوا کما رأیتمونی أصلّی.لاأقلّ من أن یکون ذلک کلّه سبباً للشکّ فی الامتثال بغیر هذه الصورة. (4)وها هو الأوفق بالقواعد و الأحوط فی الدین.وقال السید الطباطبائی الحکیم:العمدة فی ذلک-الحکم-الإجماع؛وأصالة الاحتیاط،لو شکّ فی جواز تبدیل إحدی الکلمتین بمرادفها من اللغة العربیة أو غیرها،بناءً علی المشهور من أنّ المرجع فی الدوران بین التعیین و التخییر هو الاحتیاط. (5)

القرائة

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی خصائص القرائة فی الصلاة وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:اتّفق ثلاثة من الأئمّة،علی أنّ قرائة الفاتحة فی جمیع رکعات الصلاة فرض،بحیث لو ترکها المصلی عامداً فی رکعة من الرکعات بطلت الصلاة،لا فرق

ص:117


1- (1) .العروة الوثقی،ص197.
2- (2) .الوسائل،ج8،ص715،باب 1 من أبواب تکبیرة الإحرام،ح11.
3- (3) .صحیح البخاری،ج1،ص124.
4- (4) .الجواهر،ج9،ص205 و206.
5- (5) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص58.

فی ذلک بین أن تکون الصلاة مفروضة أو غیر مفروضة؛أمّا دلیل ذلک-فهو ما روی فی الصحیحین،من أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:لاصلاة لمن لم یقرأ بفاتحة الکتاب.وخالف الحنفیة فی ذلک فقالوا:إنّ قرائة الفاتحة فی الصلاة-فی الرکعتین الأولیین-لیست فرضاً،و إنّما هی سنّة مؤکّدة بحیث لو ترکها عمداً فإنّ صلاته لاتبطل،قالوا:المفروض مطلق القرائة لاقرائة الفاتحة بخصوصها؛لقوله تعالی: ...فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... . (1)فإنّ المراد القرائة فی الصلاة،لأنّها هی المکلّف بها،ولما روی فی الصحیحین من قوله صلی الله علیه و آله:إذا قمت إلی الصلاة،فأسبغ الوضوء،ثمّ استقبل القبلة ثمّ اقرأ ما تیسّر من القرآن،ولقوله صلی الله علیه و آله:لاصلاة إلاّ بقرائة.

قال الجزیری:أمّا باقی رکعات الفرض فإنّ قرائة الفاتحة فیه سنّة و أمّا النفل فإنّ قرائة الفاتحة واجبة فی جمیع رکعاته. (2)

وقال الحنفی فی مصدر آخر:أمّا فی ثالثة المغرب و الأخیرتین من الظهر و العصر و العشاء،فإن شاء المصلی قرأ،و إن شاء سبّح و إن شاء سکت، (3)وقال الخرقی:ثمّ بعد قرائة الفاتحة،سورة فی ابتدائها بسم الله الرحمن الرحیم،وقال ابن قدامة:لا نعلم بین أهل العلم خلافاً فی أنّه یسنّ قرائة سورة مع الفاتحة فی الرکعتین الأولیین من کلّ صلاة؛والأصل فی هذا فعل النبی صلی الله علیه و آله و (4)کان الحکم ممّا اتّفق علیه ثلاثة من أئمّة المذاهب الأربعة.

أمّا الحنفی فقد مرّ بنا أنّ قرائة شیء من القرآن یکفی علی المذهب الحنفی-ولا دلیل علی قرائة الفاتحة-فی الأولیین-فضلاًعن قرائة سورة بعد الفاتحة قال

ص:118


1- (1) .المزمل:20.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص229.
3- (3) .شرح المهذب،ج3،ص361.
4- (4) .المغنی،ج1،ص490.

الجزیری:و قدّروا-الحنفیة-:القرائة المفروضة بثلاث آیات قصار أو آیة طویلة تعدلها،و هذا هو الأحوط. (1)

جواز القراءت بغیر العربیة

اشارة

قال أبوبکر الکاشانی:الجواز کما یثبت بالقرائة العربیة،یثبت بالقرائة الفارسیة،عند أبی حنیفة،سواء کان یحسن العربیة أم لم یحسن. (2)وقال ابن قدامة:قال أبو حنیفة:یجور ذلک(القرائة بغیر العربیة)وقال بعض أصحابه:إنّما یجوز لو لم یحسن العربیة،واحتجّ بقوله تعالی وَ أُوحِیَ إِلَیَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَکُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ ولا ینذر کل قوم إلاّ بلسانهم. (3)المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب فی صلاة الصبح و الرکعتین الأولیین من سائر الفرائض قرائة سورة الحمد وسورة کاملة غیرها بعدها،أمّا فی الرکعة الثالثة من المغرب و الأخیرتین من الظهرین و العشاء یتخیر بین قرائة الحمد و التسبیحات الأربعة وهی:سُبحان الله،والحمدُلله ولا إله إلاّ الله و الله أکبر. (4)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ قرائة الفاتحة واجبة إجماعاً واستفادة الوجوب من النصوص المتفرّقة فی أبواب القرائة قطعیة،کصحیح محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام قال:سألته عن الّذی لایقرأ بفاتحة الکتاب فی صلاته قال:لاصلاة له إلاّ أن یقرأ بها فی جهر أو إخفات (5)-و-وضوح الحکم یمنع من التوقّف فیه و أمّا

ص:119


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص229.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج1،ص297.
3- (3) .المغنی،ج1،ص526.
4- (4) .العروة الوثقی،ص203 و209.
5- (5) .الوسائل،ج4،ص732،باب 1 من أبواب القرائة،ح1.

الدلیل علی وجوب قرائة السورة بعد الفاتحة فهو أیضاً إجماعی،واستدلّ له بجملة من النصوص منها:صحیح منصور قال الإمام الصادق علیه السلام:لا تقرأ فی المکتوبة بأقلّ من سورة ولا بأکثر (1)و الاحتیاط طریق النجاة. (2)

وقال المحقّق صاحب الجواهر:بأنّه-أی قرائة السورة بعد الحمد-المتعارف المعهود من صلاتهم علیهم السلام الّتی أمرنا بالتأسّی بها؛کما دلّت علیه جملة من النصوص (3)المتضمّنة لفعل أمیرالمؤمنین علیه السلام وفعل الإمام الرضا علیه السلام وغیرهما،بل فی المنتهی:أنّه قد تواتر النقل (4)عن النبی صلی الله علیه و آله،أنّه صلّی بالسورة بعد الحمد وداوم علیها و هو بنفسه مشعر بالوجوب،فضلاً عن قوله صلی الله علیه و آله (5)صلّوا کما رأیتمونی أصلّی. (6)

و أمّا الدلیل علی التخییر بین القرائة و التسبیح فی الرکعات الأخیرة فهو أیضاً،النصوص الواردة فی الباب مضافاً إلی تسالم الأصحاب علیه.

قال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الوظیفة هناک التخییر بلا خلاف ویشهد له جملة من النصوص منها موثّقة علی بن حنظلة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:سألته عن الرکعتین الأخیرتین ما أصنع فیهما؟فقال:إن شئت فاقرأ فاتحة الکتاب و إن شئت فاذکر الله فهو سواء. (7)ونحوه غیره. (8)

ص:120


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص147 و148 و154.
3- (3) .الوسائل،ج4،ص740،باب 7 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح 4؛ص742،باب 8 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح 10.
4- (4) .المصدر السابق،ص740،ص762،باب 8 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح3 و6.
5- (5) .صحیح البخار،ج1،ص124.
6- (6) .الجواهر،ج9،ص333 و334.
7- (7) .الوسائل،ج4،ص781،باب 42 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح3.
8- (8) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص252 و253.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی تکبیرة الإحرام وفی قرائة الفاتحة وقرائة سورة بعدها،ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد.ومن الجدیر بالذکر أنّ ذلک الاختلاف کان بین المذهب الحنفی و المذاهب الأخری،فإنّ تفرد الحنفی تجاه المسائل المذکورة أوجب الخلاف هناک وإلاّ لم یکن فی تلک المسائل اختلاف بین المذاهب.

و أمّا الاختلاف بالنسبة إلی القرائة فی الرکعات الأخیرة فهو أیضاً ناشئ من الاختلاف فی الاجتهاد إلاّ أنّه یسیر جداً وأمره سهل.

الجهر و الإخفات

اشارة

اختلفت الآراء فی الجهر و الإسرار،وجوباً واستحباباً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:الجهر فی مواضع الجهر-الأولیین من العشائین و الصبح-والإسرار فی مواضع الإسرار-الظهرین-لاخلاف فی استحبابه و الأصل فیه فعل النبی صلی الله علیه و آله و قد ثبت ذلک بنقل الخلف عن السلف،فإن جهر فی موضع الإسرار أو أسرّ فی موضع الجهر ترک السنّة وصحّت صلاته. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب علی الرجال الجهر بالقرائة فی الصبح،والرکعتین الأولیین من المغرب و العشاء ویجب الإخفات،فی الظهر و العصر فی غیر یوم الجمعة،و أمّا فیه فیستحب الجهر فی صلاة الجمعة و إذا جهر فی موضع الإخفات وأخفت فی

ص:121


1- (1) .المغنی،ج1،ص569.

موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة،و إن کان ناسیاً أو جاهلاً صحّت. (1)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:هو-أی الوجوب-المشهور،بل عن الخلاف الإجماع علیه؛ویشهد له صحیح زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام فی رجل جهر فیما لاینبغی الإجهار فیه وأخفی فیما لاینبغی الإخفاء فیه فقال علیه السلام:«أی ذلک فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة،فإن فعل ذلک ناسیاً أوساهیاً أو لایدری،فلا شیء علیه،و قد تمّت صلاته». (2)ومفهوم صحیحة الأخری عن الإمام الباقر علیه السلام،و هذان الصحیحان هما العمدة فی إثبات الوجوب-ویؤیده-مداومة النبی صلی الله علیه و آله علی الجهر وقال-ویستحب الجهر فی الجمعة-إجماعاً ویقتضیه صحیح زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام فی حدیث:والقرائة فیها الجهر. (3)وقریب منها غیرها المحمولة علی الاستحباب. (4)ولا خلاف هناک من ناحیة عملیة.

حکم البسملة فی القرائة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب قرائة البسملة فی أوّل السورة وعدم وجوبه وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:البسملة جزء من کلّ سورة فیجب قراءتها عدا سورة برائة. (5)والجهر بها واجب فی الجهریة ویستحبّ فی الاخفاتیة.

ص:122


1- (1) .العروة الوثقی،ص205.
2- (2) .الوسائل،ج4،ص766،باب 26 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح1 و2.
3- (3) .المصدر السابق،ص819،ح 2.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص198 و199.
5- (5) .العروة الوثقی،ص204.

وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الحکم کان کذلک اجماعاً؛ویشهد له جملة من النصوص کصحیح محمّدبن مسلم قال:سألت الإمام الصادق علیه السلام عن السبع المثانی و القرآن العظیم أهی الفاتحة؟قال علیه السلام:«نعم»،قلت:بسم الله الرحمن الرحیم من السبع؟قال علیه السلام:«نعم هی أفضلهن». (1)ولا مجال-للتردید-بعد حکایة الإجماعات القطعیة. (2)

المذهب الشافعی

قال الشافعی:البسملة الآیة السابعة فإن ترکها أو بعضها لم تجزه الرکعة الّتی ترکهافیها. (3)

وقال ابن الشربینی:البسملة آیة،لما روی أنّه صلی الله علیه و آله عدّ الفاتحة سبع آیات وعدّ البسلمة آیة منها کما قال الدار قطنی أنّه صلی الله علیه و آله کان یجهر بالبسملة. (4)

قال المزنی:عن أبی هریرة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:أتانی جبرئیل فعلّمنی الصلاة فقام النبی صلی الله علیه و آله فکبّر بنا فقرأ بنا بسملة فجهر بها فی کل رکعة. (5)

قال ابن قدامة:روی عن ام سلمة:أنّ النبی صلی الله علیه و آله قرأ فی الصلاة بسم الله الرحمن الرحیم وعدّها آیة و الحمدلله ربّ العالمین اثنین،و هو مذهب الشافعی؛لحدیث أبی هریرة أنّه قرأها فی الصلاة،و قد صحّ أنّه قال ما أسمعنا رسول الله صلی الله علیه و آله أسمعناکم وما أخفی علینا أخفینا علیکم،متّفق علیه. (6)والحکم علی القاعدة.

ص:123


1- (1) .الوسائل،ج4،ص745،باب 11 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح2.
2- (2) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص174 و175.
3- (3) .الام،ج1،ص129.
4- (4) .مغنی المحتاج،ج1،ص157.
5- (5) .مختصر المزنی،ص15.
6- (6) .المغنی،ج1،ص477 و479.

وقال الجزیری:الشافعیة،قالوا:البسملة آیة من الفاتحة فالإتیان بها فرض لاسنّة،فحکمها حکم الفاتحة فی الصلاة السرّیة أو الجهریة فعلی المصلّی أن یأتی بالتسمیة جهراً فی الصلاة الجهریة.کما یأتی بالفاتحة جهراً و إن لم یأت بها بطلت صلاته. (1)

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة قالوا:التسمیة سنّة،والمصلّی یأتی بها فی کلّ رکعة سرّاً،ولیست آیة من الفاتحة.و هو الحکم علی المذهب الحنفی.

کما قال الجزیری:الحنفیة قالوا:یسمّی الإمام و المنفرد سرّاً فی أوّل کلّ رکعة سواء کانت الصلاة سرّیة أو جهریة. (2)والحکم مستند إلی النصوص.

قال ابن قدامة:إنّ قرائة،بسم الله الرحمن الرحیم،مشروعة فی الصلاة فی أوّل الفاتحة،وأوّل کلّ سورة فی قول أکثر أهل العلم-لحدیث-أنس بن مالک قال:صلّیت خلف النبی صلی الله علیه و آله-والأصحاب-فلم أسمع أحداً یجهر ببسم الله الرحمن الرحیم،وفی لفظ،کلّهم یخفی بسم الله الرحمن الرحیم،وفی لفظ،أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یسرّ بسم الله الرحمن الرحیم. (3)

المذهب المالکی

قال الجزیری:المالکیة قالوا:یکره الإتیان بالتسمیة فی الصلاة المفروضة سواء کانت سرّیة أو جهریة. (4)والحکم مستفاد من النصوص.

ص:124


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص257.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .المغنی،ج1،ص477.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص257.

قال ابن قدامة:قال مالک:لا یقرأها-البسملة-فی أوّل الفاتحة،لحدیث أنس وغیره-أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یفتتح الصلاة بالتکبیرة و القرائة بالحمدلله ربِّ العالمین،متّفق علیه.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف حول البسملة ناشئ عن الاختلاف بین النصوص الواردة عن الطریقین فاختلفت الآراء بین المجتهدین بحسب إجتهادهم فی فهم المقصود من الروایة،المعتمد علیها.إلاّ أنّ الأحوط هو قرائة البسملة تابعة للسورة جهراً وسرّاًً.

ص:125

الخلاصة

لاخلاف فی أکثر فصول الأذان و الإقامة إلاّ فی کمّیتها عدداً وتختلف الآراء فی ثلاثة فصول:

1.الشهادة بالولایة،فإنّها یستحب علی المذهب الجعفری ولا یستحبّ علی المذاهب الاُخری.

2.التثویب فإنّه یندب فی أذان الصبح علی المذاهب الأربعة ولیس کذلک علی المذهب الجعفری.

3.زیادة حی علی خیر العمل فی الأذان و الإقامة علی المذهب الجعفری ولیس کذلک علی المذاهب الاُخری.

تکبیرة الإحرام هی:لفظة الله أکبر علی المذاهب کلّها إلاّ الحنفی قائلاً:لاینحصر افتتاح الصلاة بلفظة الله أکبر،ویمکن الافتتاح بلفظ الله کریم مثلاً.

یجب قرائة الفاتحة فی جمیع الصلوات علی المذاهب کلّها،إلاّ الحنفی قائلاً:المفروض مطلق القرائة لاقرائة الفاتحة خاصّة وتکفی هناک ثلاث آیات فحسب ویجوز القرائة باللغة الفارسیة ویستحبّ قرائة السورة بعد الفاتحة علی ثلاثة مذاهب وتجب علی المذهب الجعفری.و أمّا فی الرکعتین الأخیرتین فإنّ قرائة الفاتحة فرض علی ثلاثة مذاهب ویتخیر بین قرائة الفاتحة و التسبیح علی المذهب الجعفری وعلی الحنفی للمصلی أن یقرأ أو یسبّح أو یسکت.ویستحبّ الجهر و الإخفات فی موضعهما علی المذاهب الأربعة.ویجبان علی المذهب الجعفری.

البسملة:جزء من السورة ویجب قراءتها و الجهر بها فی الجهریة علی المذهب الجعفری و المذهب الشافعی.البسلمة لیست آیة من السورة وقراءتها سنّة سرّاً علی المذهب الحنبلی و الحنفی،ویکره قرائة البسملة علی المذهب المالکی.

ص:126

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی استحباب الشهادة بالولایة فی الأذان؟

2.هل یجوز التثویب فی الأذان؟

3.هل تفتتح الصلاة بغیر لفظة الله أکبر؟

4.ما هو الدلیل علی وجوب قرائة الفاتحة فی الصلاة؟

5.هل یجب الإجهار فی الصلوات الجهریة أو یستحب؟

6.ما هو الدلیل علی أنّ البسملة جزء من السورة؟

ص:127

ص:128

11- أفعال الصلاة

التکتّف والاسترسال

اشارة

اختلفت الآراء حول جواز التکتّف حال القیام وعدم جوازه وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی-من مبطلات الصلاة-:التکفیر بمعنی وضع إحدی الیدین علی الاُخری. (1)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الحکم کان کذلک علی المشهور بل عن غیر واحد دعوی الإجماع علیه؛والعمدة فیه من النصوص صحیح محمّدبن مسلم عن أحدهما-الصادقین-.قلت:الرجل یضع یده فی الصلاة وحکی:الیمنی علی الیسری،فقال علیه السلام:«ذلک التکفیر،لاتفعل». (2)

وفی صحیح زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام:«ولا تکفّر فإنّما یصنع ذلک المجوس».

ص:129


1- (1) .العروة الوثقی،ص332.
2- (2) .الوسائل،ج4،ص1264،باب 15 من ابواب قواطع الصلاة،ح1 و2.

ولا یبعد البناء علی الکراهة الذاتیة لظاهر تعلیل النهی،بأنّ فیه تشبیهاً بالمجوس. (1)أضف إلی ذلک أنّ التکتّف خلاف الأصل وخلاف الحالة الطبیعیة،یحتاج إلی الدلیل الخاص.وقصد التذلّل منه استحسان بدوی،لایمکن المساعدة علیه وبما أنّ العبادات توقیفیة کان التکتّف علی خلاف الاحتیاط.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:یسنّ وضع الید الیمنی علی الیسری و هو سنّة باتّفاق ثلاثة من الأئمّة وقال المالکیة:إن قصد به التسنّن کان مندوباً و أمّا إن قصد الاعتماد فإنّه یکره. (2)

قال ابن قدامة:أمّا وضع الیمنی علی الیسری فی الصلاة فمن سنّتها-الصلاة-فی قول أکثر أهل العلم،یروی ذلک عن أبی هریرة،وظاهر مذهب مالک الّذی علیه أصحابه إرسال الیدین،وروی ذلک عن ابن الزبیر،فنقل النصوص و الأقوال حول موضع وضع الیدین إلی أن قال:الجمیع مروی و الأمر فی ذلک واسع. (3)

منشأ الاختلاف

تبین ممّا تقدّم أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص والاجتهاد ولکن ممّا یسهّل الخطب أنّ التکتّف علی قول ثلاثة من الأئمّة الأربعة لیس بواجب،وعلیه یمکننا أن نقول أنّه لامضادّة بین الآراء فی التکتّف.

حول کلمة آمین فی الصلاة

اشارة

اختلفت الآراء فی قول آمین بعد سورة الفاتحة إثباتاًً ونفیاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:130


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص530-53.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص251.
3- (3) .المغنی،ج1،ص472.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:من سنن الصلاة أن یقول المصلّی عقب الفراغ من قرائة الفاتحة:آمین،و هذا القدر متّفق علیه بین ثلاثة من الأئمّة،وقال المالکیة:إنّه مندوب لاسنّة. (1)وقال ابن قدامة:إنّ التأمین عند فراغ الفاتحة سنّة للإمام و المأموم وقال أصحاب مالک:لایحسن التأمین للإمام؛لما روی مالک عن أبی هریرة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:إذا قال الإمام:ولا الضالین،فقولوا:آمین.

ولنا ما روی أبوهریرة قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أمّن الإمام فأمّنوا. (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:من مبطلات الصلاة تعمّد قول آمین بعد تمام الفاتحة. (3)وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الحکم کان ذلک علی المشهور-وحکی-الإجماع علی البطلان.

واستدلّ له بجملة من النصوص،کمصحّح جمیل عن الإمام الصادق علیه السلام:إذا کنت خلف إمام،فقرأ الحمد،وفرغ من قراءتها،فقل أنت:الحمدلله رب العالمین،ولا تقل آمین. (4)ونحوه-مصحّح زرارة-فی النهی. (5)قال المحقّق صاحب الجواهر:لو سلّمنا إرادة الحرمة خاصّة من النهی هنا،أمکن القول بالبطلان أیضاً من حیث اندارجه بسببها

ص:131


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص250.
2- (2) .المغنی،ج1،ص489.
3- (3) .العروة الوثقی،ص237.
4- (4) .الوسائل،ج4،ص752،باب 17 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح1.
5- (5) .مستمسک العروة الوثقی،ج6،ص590.

فی کلام الآدمیین.لو قلنا إنّها من الدعاء؛ضرورة ظهور أدلّة الرخصة المستفادة من الأمر به فی المحلّل منه،مع إمکان إنکار أصل الدعائیة فیها. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف حول کلمة آمین ناشئ عن الاختلاف بین النصوص الواردة من الطریقین فإنّ النصوص متعارضة نفیاً وإثباتاً،والأوفق بالقواعد والاُصول بعد تعارض النصوص وتساقطها،ترک ذلک القول-آمین-لعدم إثبات مشروعیته.

القنوت

اشارة

اختلفت الآراء حول القنوت کمّاً وکیفاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:القنوت مستحبّ فی جمیع الفرائض الیومیة ونوافلها بل جمیع النوافل،و هو فی کلّ صلاة مرّة قبل الرکوع من الرکعة الثانیة وقبل الرکوع فی صلاة الوتر. (2)

قال المحقّق صاحب الجواهر:لاخلاف بین المسلمین فی مشروعیته فی الصلاة وفی صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام:«القنوت فی کلّ الصلوات». (3)وفی خبر الأعمش عن الإمام الصادق علیه السلام:«والقنوت فی جمیع الصلوات سنّة واجبة-مؤکّدة-فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع وبعد القرائة». (4)

ص:132


1- (1) .الجواهر،ج10،ص5.
2- (2) .العروة الوثقی،ص227.
3- (3) .الوسائل،ج4،ص899،باب 2 من ابواب القنوت،ح 4 وباب 1 ص 896،ح6.
4- (4) .المصدر السابق.

ومن هنا-لأجل کثرة الأخبار-قال الشهید فی الذکری:إنّ أخبار الاستحباب کادت تبلغ التواتر وأفتی أولئک-الفقهاء-بأنّه فی الجهریة آکد. (1)ویمکننا أن نستند الحکم-أی مشروعیة القنوت-إلی قوله تعالی: ...وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِینَ (2)بناءً علی ما فی مجمع البیان عن الإمام الصادق علیه السلام فی تفسیرها:أی داعین فی الصلاة حال القیام (3)و هو تفسیر یناسب المعنی الشرعی المتعارف عند المتشرّعة.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة قالوا:یکره القنوت فی غیر الوتر إلاّ إذا نزل بالمسلمین نازلة فیسنّ للسلطان ونائبه أن یقنت فی جمیع الصلوات. (4)

المذهب الحنفی

قال الکاشانی:القنوت واجب عند أبی حنیفة فی الوتر فی جمیع السنة. (5)

قال الجزیری:الحنفیة قالوا:ولا یقنت فی غیر الوتر إلاّ فی النوازل،أی شدائد الدهر،فیسنّ له أن یقنت فی الصبح. (6)

المذهب الشافعی

قال النووی:بأن القنوت مستحبّ بعد الرفع من الرکوع فی الرکعة الثانیة من

ص:133


1- (1) .الجواهر،ج10،ص352 و356.
2- (2) .البقرة:238.
3- (3) .مجمع البیان،ج1،ص343.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص235.
5- (5) .بدائع الصنائع،ج1،ص272.
6- (6) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص239-235.

الصبح وکذلک فی الرکعة الأخیرة من الوتر. (1)

قال الجزیری:الشافعیة قالوا:یسنّ القنوت فی الرکعة الأخیرة من الوتر،کما یسنّ القنوت بعد الرفع من رکوع الثانیة فی صبح کلّ یوم ویسنّ أن یقنت للشدائد فی جمیع أوقات الصلاة. (2)

المذهب المالکی

قال الجزیری:المالکیة قالوا:لاقنوت فی الوتر و إنّما هو مندوب فی صلاة الصبح فقط. (3)وکلّ یستند إلی مستند نشیر إلیه بالنصّ التالی:

قال ابن قدامة:إنّ القنوت مسنون فی الوتر؛ووجهه ما روی أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یوتر فیقنت قبل الرکوع.

ویستحبّ أن یقول فی قنوت الوتر:ما روی الحسن بن علی علیه السلام قال:علّمنی رسول الله صلی الله علیه و آله کلمات أقولهنّ فی الوتر:

«اللّهمّ اهدنی فیمن هدیت وعافنی فیمن عافیت وتولّنی فیمن تولّیت».أخرجه أبوداود و الترمذی وقال:هذا حدیث حسن ولا نعرف عن النبی صلی الله علیه و آله فی القنوت شیئاً أحسن من هذا.

ولا یسنّ القنوت فی الصبح،ولا غیره سوی الوتر،وبه قال أبوحنیفة وروی ذلک عن ابن عبّاس وابن عمر وابن مسعود.

فإن نزل بالمسلمین نازلة فللإمام أن یقنت فی صلاة الصبح؛نصّ علیه أحمد قال الأثرم:سمعت أبا عبدالله،سئل عن القنوت فی الفجر؟فقال:«إذا نزل بالمسلمین نازلة قنت الإمام وأمّن مَن خلفه».

ص:134


1- (1) .روضة الطالبین،ج1،ص359.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص239-235.
3- (3) .المصدر السابق.

وقال مالک و الشافعی:یسنّ القنوت فی صلاة الصبح فی جمیع الزمان لأنّ أنساً قال:مازال رسول الله صلی الله علیه و آله یقنت فی الفجر حتّی فارق الدنیا. (1)

منشأ الاختلاف

اتّضح بأنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة عن الطریقین،وبما أنّ الفقهاء کلّهم اتّفقوا:علی أنّ القنوت لم یکن من الفرائض وعلیه فالأمر سهل.

خصائص الرکوع و السجود و التشهّد

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی الأعمال الّتی تتعلّق بالرکوع و السجود و التشهّد کخصائص لها،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:واجبات الرکوع أمور:

أحدها:الانحناء علی الوجه المتعارف،بمقدار تصل یداه إلی رکبتیه.

الثانی:الذکر،والأحوط اختیار التسبیح من أفراده،مخیراًَ بین الثلاث من الصغری وهی:سبحان الله،وبین التسبیحة الکبری وهی:سبحان ربّی العظیم وبحمده،و إن کان الأقوی کفایة مطلق الذکر من التسبیح و التحمید و التهلیل.

الثالث:الطمأنینة فیه بمقدار الذکر الواجب.

الرابع:رفع الرأس منه حتّی ینتصب قائماً فلو سجد قبل ذلک عامداً بطلت الصلاة.

الخامس:الطمأنینة حال القیام بعد الرفع،فترکها عمداً مبطل للصلاة.

وقال:واجبات السجود أمور:

ص:135


1- (1) .المغنی،ج2،ص151 و153 و154 و155.

أحدها:وضع المساجد السبعة علی الأرض.

الثانی:الذکر،والأقوی کفایة مطلقه و الأحوط اختیار التسبیح علی نحو ما مرّ فی الرکوع إلاّ أنّ التسبیحة الکبری یبدّل العظیم بالأعلی-سبحان ربّی الأعلی وبحمده-.

الثالث:الطمأنینة فیه بمقدار الذکر الواجب.

الرابع:رفع الرأس و الجلوس مطمئنّاً ثمّ الانحناء للسجدة الثانیة.

وقال:واجبات التشهّد-أمور-:

الأوّل:الشهادتان.

الثانی:الصلاة علی محمّد وآل محمّد فیقول:أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له وأشهد أنّ محمّد عبده ورسوله أللهمّ صلّ علی محمّد وآل محمّد.

الثالث:الجلوس بمقدار الذکر المذکور و الطمأنینة فیه.

وقال:التسلیم واجب علی الأقوی وجزء من الصلاة،ومخرج منها ومحلّل للمنافیات المحرّمة بتکبیرة الإحرام وله صیغتان هما:السلام علینا وعلی عبادالله الصالحین،والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته،والواجب إحداهما فإن قدّم الأولی کانت الثانیة مستحبّة،و إن قدّم الثانیة اقتصر علیها،و أمّا السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته،فلیس من صیغ السلام بل هو من توابع التشهّد بل هو مستحبّ و إن کان الأحوط عدم ترکه. (1)وهناک مستحبّات کثیرة لامجال لذکرها.والدلیل علی ذلک کلّه-مضافاً إلی إجماع الفقهاء وتسالم الأصحاب-النصوص الکثیرة الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام المبینة لفرائض الصلاة ومستحبّاتها،وکثرة النصوص کادت أن تبلغ حدّ التواتر.

منها:صحیحة حمّادبن عیسی عن الإمام الصادق علیه السلام-فی حدیث طویل یتضمّن تعلیم الصلاة بتمامها وکمالها-قال:فقام الإمام علیه السلام مستقبل القبلة منتصباً فأرسل یدیه

ص:136


1- (1) .العروة الوثقی،ص211-225.

جمیعاً علی فخذیه فقال:الله أکبرثمّ قرأ الحمد بترتیل وقل هو الله أحد فعلّمه القیام و الرکوع و السجود و الطمأنینة و الذکر و التشهّد و التسلیم،تامّة کاملة إلی أن قال حمّاد:فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال:«یاحمّاد هکذا صلّ ولم یزد علی ذلک شیئاً». (1)فتنطلق منهجیة الصلاة فی الفتوی،من منطلق روائی صحّ صدوره عن الإمام الصادق علیه السلام کما قال المحقّق صاحب الجواهر:الإمام الصادق علیه الصلاة و السلام،بین افعال الصلاة کاملة،فی تعلیم حمّاد،کی یعلم حصول الامتثال. (2)و هذا هو الاُسلوب الراشد الّذی صدر من أهله ووقع فی محلّه.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة قالوا:إنّ المجزئ فی الرکوع بالنسبة للقائم انحناؤه بحیث یمکنه مسّ رکبتیه وها هو الرأی علی المذهب الشافعی و المالکی باختلاف یسیر.

وقال الجزیری:الحنفیة قالوا:یحصل الرکوع بطأطأة الرأس،بأن ینحنی إنحناء یکون إلی حال الرکوع أقرب فلو فعل ذلک صحّت صلاته.وقال:اتّفق الأئمّة الثلاثة علی فرضیة الرفع من الرکوع ومن السجود والاعتدال،والطمأنینة وخالف الحنفیة فی فرضیتها،قالوا:لو ترکها المصلّی لاتبطل صلاته ولکنّه یأثم.

واتّفق ثلاثة من الأئمّة علی أنّه یفترض علی المصلّی أن یجلس بین کلّ سجدتین من صلاته فلو سجد مرّة ثمّ رفع رأسه،ولم یجلس،وسجد ثانیاً،فإنّ صلاته لاتصحّ،وخالف الحنفیة فی ذلک فقالوا:إنّ الجلوس بین السجدتین لیس فرضاً فی الصلاة.

واستدلّ القائلون بفرضیة الجلوس وغیره من الفرائض المتقدّمة بما رواه البخاری،ومسلم من أنّ النبی صلی الله علیه و آله رأی رجلاً یصلّی صلاة ناقصة فعلّمه کیف یصلّی فقال له:

ص:137


1- (1) .الوسائل،ج4،ص674 و675،باب 1 من أبواب افعال الصلاة،ح1.
2- (2) .الجواهر،ج10،ص140.

«إذا قمت إلی الصلاة فکبّر ثمّ اقرأ...وقال ثمّ ارکع حتّی تطمئنّ راکعاً،ثمّ ارفع حتّی تعتدل قائماً،ثمّ اسجد حتّی تطمئنّ ساجداً،ثمّ ارفع حتّی تستوی قائماً،ثمّ افعل ذلک فی صلاتک کلّها».

و قد عرفت أنّ الحنفیة لم یوافقوا وقالوا:إنّ الحدیث المذکور لایدلّ علی الفرضیة،و إنّمایدلّ علی أنّ النبی صلی الله علیه و آله یرید تعلیم الرجل الصلاة الکاملة الشاملة علی الفرائض و السنن. (1)

قال السمرقندی:والقرار فی الرکوع و السجود فلیس بفرض عند أبی حنیفة،وعلی هذا،القومة الّتی بعد الرکوع و القعدة الّتی بین السجدتین،لقوله تعالی: ...اِرْکَعُوا وَ اسْجُدُوا... .والرکوع هو الإنحناء و السجود هو الوضع فلا تجوز الزیادة علیه بخبر الواحد. (2)

وقال ابن قدامة:قال أبوحنیفة:لایجب-إتیان تلک الأعمال؛لأنّ الله تعالی لم یأمربه-أی الأعمال-و إنّما أمر بالرکوع و السجود و القیام فلایجب غیره،ولنا أنّ النبی صلی الله علیه و آله أمر به المسیء فی صلاته،فی حدیث تعلیم الصلاة بتمامها وکمالها وداوم علی فعله. (3)

وقال الجزیری:الاحتیاط إنّما هو فی اتّباع رأی الأئمّة الثلاثة،خصوصاً أنّ الحنفیة قالوا:إنّ الصلاة تصحّ بدونها-أی الأعمال-مع الإثم. (4)

وقال:اتّفق ثلاثة من الأئمّة علی أنّ الخروج من الصلاة بعد تمامها لابدّ أن یکون بلفظ السلام،وإلاّ بطلت صلاته،وخالف الحنفیة فی ذلک فقالوا:إنّ الخروج من

ص:138


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص231 و234 و238.
2- (2) .تحفة الفقهاء،ج1،ص133.
3- (3) .المغنی،ج1،ص508.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص239.

الصلاة یکون بأی عمل مناف لها ولو بنقض الوضوء فلو خرج من الصلاة بغیر السلام،ولو بالحدث صحّت صلاته. (1)

منشأ الاختلاف

إلی هنا ظهر أنّ الاختلاف فی ممارسة الأعمال المذکورة ناشئ عن الرأی المخالف الّذی صدر عن الحنفی علی أساس الاجتهاد الخاص،ولولا هذا الرأی لم یکن هناک بین الفقهاء خلاف أصلاً.

اختلف الفقهاء الأربعة بالنسبة إلی التشهّد وجوباً وندباً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

قال ابن قدامة:الجلوس و التشهّد فیه-بعد الرکعتین فی المغرب و الرباعیات-واجبان علی إحدی الروایتین وعلی الأخری:لیسا بواجبین و هو قول أبی حنیفة ومالک و الشافعی؛لأنّهما یسقطان بالسهو فأشبها السنن.ولنا:أنّ النبی صلی الله علیه و آله فعله وداوم علی فعله وأمر به فی حدیث ابن عبّاس وقال:و هذا التشهّد-الأخیر-والجلوس له من أرکان الصلاة وممّن قال بوجوبه ابن عمر وابن مسعود و الشافعی،ولم یوجبه مالک ولا أبوحنیفة،تعلّقاً بأنّ النبی صلی الله علیه و آله لم یعلّمه الأعرابی فدلّ علی أنّه غیر واجب.ولنا:أنّ النبی صلی الله علیه و آله أمر به فقال:قولوا التحیات...وأمره یقتضی الوجوب،وفعله وداوم علیه. (2)

اختلف فقهاء المذاهب

اشارة

الأربعة بالنسبة إلی ذکر الرکوع و السجود،وجوباً وندباً والاختلاف بما یلی:

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة قالوا:إنّ الإتیان بصیغة التسبیح المذکورة واجب.

ص:139


1- (1) .المصدر السابق،ص237.
2- (2) .المغنی،ج1،ص533 و540.

المذاهب الثلاثة الأخری

قال الجزیری:التسبیح فی الرکوع و السجود سنّة-علی المذاهب الثلاثة الأخری-. (1)

وقال ابن قدامة:ولنا-علی الوجوب-:ما روی عقبة بن عامر قال:لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّکَ الْعَظِیمِ ،قال النبی صلی الله علیه و آله اجعلوها فی رکوعکم وعن ابن مسعود أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:إذا رکع أحدکم فلیقل ثلاث مرّات سبحان ربّی العظیم،وروی حذیفة أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یقول فی رکوعه:سبحان ربّی العظیم وبحمده،وفی سجوده سبحان ربّی الأعلی وبحمده،وعن أحمد-فی روایة أخری-:أنّه-أی الذکر وما شاکله-غیر واجب و هو قول أکثر الفقهاء؛لأنّ النبی صلی الله علیه و آله لم یعلّمه المسیء فی صلاته،ولا یجوز تأخیر البیان عن وقت الحاجة ولأنّه لو کان واجباً لم یسقط بالسهوکالأرکان. (2)

اختلف فقهاء المذاهب الأربعة بالنسبة إلی کیفیة السجود والاختلاف بما یلی:

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:والسجود علی جمیع هذه الأعضاء-السبعة-واجب إلاّ الأنف وقال مالک وأبوحنیفة و الشافعی؛أنّه لایجب،والسجود علی الجبهة؛لقول النبی صلی الله علیه و آله سجد وجهی.

ولنا:ما روی ابن عبّاس قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«أمرت بالسجود علی سبعة أعظم...»متّفق علیه. (3)

منشأ الاختلاف

ظهر ممّا تقدّم أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص وعن الاختلاف فی

ص:140


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص260.
2- (2) .المغنی،ج1،ص501 و502.
3- (3) .المصدر السابق،ص515.

الاجتهاد من حیث المبانی الاستنباطیة.وثمّة اختلافات یسیرة بالنسبة إلی المستحبّات کالاختلاف فی صیغ الذکر وفی ابتداء التشهّد.فإنّ الذکر هنا:التحیات لله...علی المذاهب الأربعة مع اختلاف یسیر بینهم،والذکر هو:بسم الله وبالله وخیر الأسماء لله،علی المذهب الجعفری.

قال ابن قدامة:وعن ابن عمر أنّه کان یسمّی-باسم الله...-فی أوّله-أی التشهّد. (1)وبما أنّ باب المستحبّات واسع،فالاختلاف فیها لایشکّل خطراً تجاه الوحدة العبادیة.

کیفیة صلاة العاجز

اشارة

ثمّة اختلاف یسیر حول کیفیة صلاة العاجز،و هو بما یلی:

أکثر المذاهب

إذا عجز المکلّف عن القیام و القعود یصلّی مضطجعاً علی الجانب الأیمن.

المذهب الحنفی

قال الحنفی:الأفضل أن یصلّی مستلقیاً-فی هذه الحالة.-و إذا عجز عن الاضطجاع یصلّی مستلقیاً علی ظهره ویستقبل القبلة بالرجلین بلا خلاف.

و أمّا إذا عجزعن الإیماء بالرأس-حال الاستلقاء-أومأ بالطرف علی أکثر المذاهب،وتسقط الصلاة فی هذه الحالة الأخیرة علی المذهب الحنفی. (2)

قال ابن قدامة:و إن لم یقدر علی الإیماء برأسه أومأ بطرفه ونوی بقلبه ولا تسقط الصلاة عنه مادام عقله ثابتاً وحکی عن أبی حنیفة أنّ الصلاة تسقط عنه. (3)

ص:141


1- (1) .المغنی،ج1،ص537.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص498.
3- (3) .المغنی،ج2،ص149.

منشأ الاختلاف

الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد بالنسبة إلی صدق الصلاة مع الاتّفاق علی أنّ الصلاة لاتسقط بحال.

فعلی المذهب الحنفی،هناک لم یکن بعد العجز عن الإیماء بالرأس،عمل یصدق علیه الصلاة وعلی المذاهب الأربعة الأخری،أنّه،ثمّة بعد العجز عن الإیماء بالرأس-حال من الأحوال وهی الإیماء بالطرف،فلیأت بها علی هذا الحال،والصلاة لاتسقط بحال من الأحوال.

ص:142

الخلاصة

یجب إرسال الیدین حال القیام فی الصلاة علی المذهب الجعفری،ویجوز ذلک علی المذهب المالکی،ویسنّ التکتّف علی المذاهب الثلاثة الاُخری.وقول آمین بعد الفاتحة یسنّ ویندب علی المذاهب الأربعة،ولایجوز علی المذهب الجعفری.

القنوت یستحبّ فی جمیع الفرائض و النوافل علی المذهب الجعفری،ویستحبّ فی الصبح فقط علی المذهب المالکی،وفی الوترعلی المذهب الحنبلی و الشافعی وفی الصبح کذلک علی المذهب الحنفی،ویستحبّ فی الوتر و الصبح علی المذهب الشافعی.

لایجب الانحناء التام،والرفع من الرکوع و السجود والاعتدال و الطمأنینة علی المذهب الحنفی،ویجب ذلک کلّه علی المذاهب الاُخری.

لاینحصر الخروج من الصلاة بلفظ السلام بل یمکن الخروج بواسطة نقض الوضوء مثلاً،علی المذهب الحنفی،وینحصر بذلک اللفظ علی المذاهب الاُخری.

التشهّد الأوّل،واجب علی المذهب الجعفری و الحنبلی،ولیس بواجب علی المذاهب الاُخری،ولایجب التشهّد الأخیر علی المذهب الحنفی و المالکی ویجب علی المذاهب الاُخری.

والذکر فی الرکوع و السجود،واجب علی المذهب الجعفری و الحنبلی وسنّة علی المذاهب الاُخری.

تسقط الصلاة بعد العجز عن الإیماء بالرأس،علی المذهب الحنفی،ولا تسقط علی المذاهب الاُخری.

ص:143

الأسئلة

1.مقتضی الأصل هو التکتّف أو الاسترسال؟

2.ما هو الدلیل علی عدم جواز قول آمین بعد الفاتحة؟

3.هل یستحبّ القنوت فی جمیع الصلوات؟

4.ما هو الدلیل علی وجوب الطمأنینة فی الرکوع و السجود؟

5.هل یمکن الخروج من الصلاة بغیر السلام؟

6.ما هو الدلیل علی وجوب الذکر فی الرکوع و السجود؟

7.هل تسقط الصلاة عمّن عجز من القیام و القعود،والإیماء بالرأس؟

ص:144

12- مباحث القبلة ولباس المصلّی

حکم الانحراف عن القبلة اشتباهاً

اشارة

اختلفت الآراء فی الحکم بالنسبة إلی الاشتباه فی تعیین القبلة،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:من صلّی إلی جهة اعتقد أنّها القبلة ثمّ تبین الخطأ-بعد إتمام الصلاة-فإن کان منحرفاً إلی مابین الیمین و الشمال،صحّت صلاته.إذا التفت فی الأثناء مضی ماسبق واستقبل فی الباقی.و أمّا إذا تجاوز انحرافه عمّا بین الیمین و الشمال-وتحقّق الاستدبار-أعاد الصلاة فی الوقت سواء کان فی أثناء الصلاة أو بعدها،ولایجب القضاء إذا التفت خارج الوقت. (1)

ذلک،کلّه للنصوص،الواردة فی الباب.منها:صحیحة معاویة بن عمّار أنّه سأل الإمام الصادق علیه السلام عن الرجل یقوم فی الصلاة ثمّ ینظر بعد ما فرغ فیری أنّه قد انحرف عن القبلة یمینا أو شمالاً،فقال له:قد مضت صلاته وما بین المشرق

ص:145


1- (1) .التقیح،ج1،ص136.

والمغرب قبلة. (1)دلّت علی أنّ کشف الخطأ-مادون الاستدبار-بعد الصلاة لایضرّ بصحّة الصلاة؛ذلک لأنّ القبلة واسعة وحدّها بُعد المشرقین.ومنها موثّقة عمّار،عن الإمام الصادق علیه السلام فی رجل صلّی علی غیر القبلة فیعلم-الانحراف-و هو فی الصلاة قبل أن یفرغ من صلاته قال:«إن کان متوجّهاً فیما بین المشرق و المغرب فلیجعل وجهه إلی القبلة ساعة یعلم،و إن کان متوجّهاً إلی دبر القبلة فلیقطع الصلاة ثمّ یحوّل وجهه إلی القبلة ثمّ یفتتح الصلاة». (2)دلّت علی أنّ کشف الخطأ أثناء الصلاة یوجب التحوّل إلی القبلة إن کان الخطأ مادون الاستدبار،و إذا بلغ الانحراف إلی مستوی الاستدبار بطلت الصلاة.

ومنها صحیحة عبدالرحمن بن عبدالله البصری عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إذا صلّیت وأنت علی غیر القبلة واستبان لک أنّک علی غیر القبلة،وأنت فی وقت فأعد،و إن فاتک الوقت فلا تعد». (3)دلّت علی أنّ کشف الخطأ،التام یوجب الإعادة ولا یوجب القضاء فالأحکام المتقدّمة جمیعاً،علی ما أفاده السید الخوئی-تنطلق من منطلق روائی معتبر کما هو واضح.

المذهب الحنبلی

قال الخرقی:إذا صلّی بالاجتهاد إلی جهة ثمّ علم أنّه قد أخطأ القبلة لم یکن علیه الإعادة.

وقال ابن قدامة:وبه قال مالک وأبوحنیفة و الشافعی فی أحد قولیه ولنا:ما روی عامر ابن ربیعة عن أبیه قال کنّا مع النبی صلی الله علیه و آله،فی سفر،فی لیلة مظلمة فلم ندر أین القبلة،فصلّی کلّ رجل حیاله فلمّا أصبحنا ذکرنا ذلک للنبی صلی الله علیه و آله فنزل ...فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ... . (4)ورواه

ص:146


1- (1) .الوسائل،ج3،ص228،باب 10 من أبواب القبلة،ح1.
2- (2) .المصدر السابق،ص229،باب 10 من أبواب القبلة،ح4.
3- (3) .المصدر السابق،ص230،باب 11،ح 1.
4- (4) .البقرة:115.

ابن ماجه و الترمذی وقال حدیث حسن. (1)دلّت علی أنّ کشف الخطأ فی تطبیق القبلة-بعد إتمام الصلاة-لایوجب الإعادة و القضاء،و هذا الرأی یوافق المذهب الجعفری بالنسبة إلی عدم وجوب القضاء ویخالفه بالنسبة إلی عدم وجوب الإعادة.

وقال ابن قدامة:و إن بان له یقین الخطأ و هو فی الصلاة استدار إلی جهة الکعبة وبنی علی ما مضی من الصلاة؛لأنّ ما مضی منها کان صحیحاً فجاز البناء علیه. (2)و هذا ما یتوافق بدوره مع المذهب الجعفری.

وظیفة الجاهل بالقبلة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حکم من لایعرف جهة القبلة بعد الفحص والاجتهاد وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:إذا اجتهد فی معرفة القبلة فلم یرجّح جهة علی أخری،فإنّه فی هذه الحالة یصلّی إلی أی جهة شاء-علی المذاهب الأربعة-إلا أنّه تجب علیه الإعادة فی تلک الصلاة علی المذهب الشافعی-خلافاً لهم. (3)ذلک للإجماع.

المذهب الجعفری

المشهور:أنّ الوظیفة عند الجهل هی الصلاة علی جهات أربع عملاً بالاحتیاط.

وقال السید الخوئی:ومع الجهل بها صلّی إلی أی جهة شاء. (4)

ص:147


1- (1) .المغنی،ج1،ص450،449.
2- (2) .المصدر السابق،ص450.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص200.
4- (4) .التنقیح،ج2،ص135.

منشأ الاختلاف

واضح،أنّ الاختلاف المذکور ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد و قد مرّ بنا من طریق آل البیت علیهم السلام فی مشتبه القبلة،النصّ الشامل بالنسبة إلی هذه الحالة،وعلیه ینسحب علی الفروع أیضاً.بینما لم یکن النص الوارد من طریق الصحابة شاملاً وعلیه یفسح مجال الاجتهاد لفقهاء المذاهب الأربعة.

حول لباس المصلّی

عفو النجاسة فی اللباس

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ما له صلة،بالعفو عن النجاسة،فی لباس المصلّی وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الحنابلة قالوا:یعفی الیسیر من طین الشارع الّذی تحقّقت نجاسته بما خالطه من النجاسة (1)لقاعدة نفی الحرج.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:یعفی رشاش البول-علی المذهب الحنفی-إذا کان رقیقاً کرؤوس الإبر بحیث لایری،ولو ملأ الثوب و البدن فإنّه یعتبر کالعدم للضرورة (2)وجه الضرورة غیر واضح.

ص:148


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص21،19،18،16.
2- (2) .المصدر السابق.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:الشعر من الکلب،والخنزیر فغیر معفو عنه إلاّ بالنسبة إلی القصّاص و الراکب-علی المذهب الشافعی-لمشقّة الاحتراز (1)لقاعدة الحرج.

المذهب المالکی

قال الجزیری:یعفی-علی المذهب المالکی-ما یصیب ثوب أو بدن الجزّار ونازح المراحیض و الطبیب الّذی یعالج الجروح ویندب لهم إعداد الثوب. (2)

قال الجزیری:ما عفی عنه-کان-دفعاً للحرج و المشقّة.قال تعالی: ...وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ... . (3)

المذهب الجعفری

التحقیق:أنّه لا عفو بالنسبة إلی الموارد المذکورة الّتی صدر العفو عنها من أئمّة المذاهب الأربعة؛ذلک لعدم الدلیل علی العفو،ولم تکن تلک الموارد من المشقّات الرافعة للتکلیف،و أنّ-عدم العفو-هو الأوفق بالقواعد و الأحوط فی الدین.

و أمّا الدم المعفوّ فهو الدم الأقل من الدرهم و هو الّذی دلّت النصوص علی العفو عنها ولا خلاف فیه إلاّ عن الشافعی قائلاً:المعفو،الدم الّذی لا یدرکه البصر أمّا دم الفصد و الحجامة فیعفی عن الکثیر. (4)والحکم علی أساس الاجتهاد الخاصّ.

ص:149


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .الحج:78.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص20.

العفو عن الدماء الثلاثة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی شمول العفو للدماء الثلاثة:الحیض،النفاس،الاستحاضة وعدم شموله لها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:الدم الأقل من الدرهم معفوّ عنه عدا الدماء الثلاثة. (1)ذلک؛لروایة أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال:لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره-القلیل-غیر دم الحیض،فإنّ قلیله وکثیره فی الثوب،إن رآه أو لم یره سواء. (2)والّذی یشکل الأمر هو ضعف السند.

وقال السید الطباطبائی الحکیم:العمدة فیه-أی عدم العفو-الإجماع المحکّی عن جماعة. (3)

المذاهب الاربعة

یدخل فی العفو بالنسبة إلی الدم الیسیر،دم الحیض.قال ابن قدامة:ویعفی عن یسیر دم الحیض؛لما روی عن عائشة قالت:ما کان لإحدانا إلاّ ثوب فیه تحیض فإن أصابه شیء من دمها بلّته بریقها ثمّ قطعته بظفرها،رواه أبوداود.و هذا یدلّ علی العفو عنه؛لأنّ الریق لایطهر به ویتنجس به ظفرها،و هو إخبار عن دوام الفعل،ومثل هذا لایخفی علی النبی صلی الله علیه و آله ولا یصدر إلا عن أمره.

وقال فی الهامش:دم الحیض-قلیله-نجس بالحسّ ونقلوا الإجماع علیه. (4)

ص:150


1- (1) .العروة الوثقی،ص28.
2- (2) .الوسائل،ج2،ص1028،باب 21 من أبواب النجاسات.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی،ج1،ص566.
4- (4) .المغنی،ج2،ص78 و80 و81.

التحقیق:أنّ الاجتناب هناک أحوط و هوالّذی انعقد علیه الإجماع المنقول عن الفریقین.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی العفو عن بعض النجاسات کالعفو عن نجاسة لباس الجزّار وماشاکله ناشئ عن الاختلاف فی تحدید معنی الحرج فمن رأی مثل المورد حرجاً،یقول بالعفو عنه لقاعدة الحرج،ومن لم یره حرجاً یقول:بعدم العفو قال السید الخوئی:إذا لم یلزم ذلک فلا عفو. (1)و أمّا تفرّد الشافعی فی العفو عن الدم الّذی لایدرکه البصر فهو اجتهاده الخاصّ.

صحّة الصلاة فی اللباس المغصوب

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صحّة الصلاة فی اللباس المغصوب وبطلانها بعد الاتّفاق علی حرمة التصرّف فیه وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:الإباحة شرط فی جمیع لباس المصلّی من غیر فرق بین الساتر وغیره،فلو صلّی فی المغصوب ولو کان خیطاً منه،عالماً بالحرمة عامداً بطلت الصلاة (2)ذلک؛لأنّ ما هو منهی عنه-أی التصرّف فی المغصوب-لم یکن صالحاً للتقرّب وبما أنّ التصرّف لاینفکّ عن الصلاة وحرکاتها-رکوعاً وسجوداً-،یتعلّق النهی بالصلاة طبعاً فتصبح الصلاة عندئذ باطلة.أضف إلی ذلک أنّ الحکم متسالم علیه عند فقهاء الجعفریة.

ص:151


1- (1) .التنقیح،ج1،ص116.
2- (2) .العروة الوثقی،ص176.

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:ممّا یعمّ تحریمه-للرجال و النساء-المغصوب،وهل تصحّ الصلاة فیه؟علی روایتین إحداهما:لاتصحّ و الثانیة:تصحّ،و هو قول أبی حنیفة و الشافعی؛لأنّ التحریم لایختصّ الصلاة ولا النهی یعود إلیها،فلم یمنع،کما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب،ووجه الروایة الأولی:أنّه استعمل فی شرط العبادة ما یحرم علیه استعماله،فلم تصحّ،کما لو صلّی فی ثوب نجس،ولأنّ الصلاة قربة وطاعة و هو منهی عنها علی هذا الوجه،فکیف یتقرّب بما هو عاص به أو یؤمر بما هو منهی عنه؟و إن صلّی فی دار مغصوبة فالخلاف فیها کالخلاف فی الثوب المغصوب. (1)

و أمّا الاختلاف فی صحّة الصلاة فی لباس الحریر بعد الاتّفاق علی حرمة لبسه علی الرجال فینسحب علی نفس الاختلاف بالنسبة إلی اللباس المغصوب.

منشأ الاختلاف

منشأ الاختلاف عائد إلی الاختلاف بالنسبة إلی وحدة متعلّقی الأمر و النهی وتعدّدهما فالحکم بالبطلان علی المذهب الجعفری و الحنبلی-ینبثق عن وحدة المتعلّق و الحکم بصحّة الصلاة-کما عن الحنفی و الشافعی-یترتّب علی تعدّد المتعلّق.

صحّة صلاة المضطرّ فی الساتر المتنجّس

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صحّة صلاة من لیس له إلاّثوب متنجّس وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:إذا انحصر الساتر بالنجس فإن إضطرّ إلی لبسه صحّت صلاته فیه-لأنّ

ص:152


1- (1) .المغنی،ج1،ص587 و588.

الاضطرار یسقط الإشتراط؛علی أساس قاعدة نفی الحرج-و إن لم یضطرّ فالأحوط الجمع بین الصلاة فیه و الصلاة عاریاً و إن کان الأظهر الاجتزاء بالصلاة فیه. (1)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:فإن لم یجد إلاّ ثوباً نجساً قال أحمد:یصلّی فیه ولا یصلّی عریاناً و هو قول مالک،وقال الشافعی:یصلّی عریاناً ولا یعید،لأنّها سترة نجسة فلم تجز الصلاة فیها،وقال أبوحنیفة:إن کان جمیعه نجساً فهو مخیر فی الفعلین؛لأنّه لابدّ من ترک واجب فی کلا الفعلین ولنا-أی الحنبلی-أنّ الستر آکد من إزالة النجاسة فکان أولی،ولأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:غطّ فخذک،و هذا عامّ ولأنّ السترة متّفق علی اشتراطها،والطهارة من النجاسة مختلف فیها فکان المتّفق علیه أولی.فالمنصوص عن أحمد أنّه لایعید؛لأنّ الطهارة من النجاسة شرط و قد فاتت. (2)

تحدید الطهارة بالنسبة إلی مکان المصلّی

اشارة

اختلفت الآراء فی تحدید طهارة المکان الّذی یصلّی فیه بعد الاتّفاق علی اشتراط الطهارة فی مکان المصلّی،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی موضع الجبهة طهارة المکان. (3)وعلیه فنجاسة المکان إذا لم تتعدّ إلی لباس المصلّی أو بدنه لا تبطل الصلاة؛لعدم اشتراط الطهارة للمکان بحسب الذات إلاّ موضع الجبهة لدخله فی الصلاة ویساعده علی ذلک الحکم-

ص:153


1- (1) .التنقیح،ج1،ص140.
2- (2) .المغنی،ج1،ص594 و595.
3- (3) .العروة الوثقی،ص83.

اشتراط طهارة موضع الجبهة-المذهب الحنفی قائلاً:أنّ المکان لم یکن مشترطاً بالطهارة وأنّه یکفی فی طهارة المکان طهارة موضع القدمین وموضع الجبهة؛لعدم الدلیل علی اشتراط طهارة المکان کلّه.

المذاهب الأخری

قال ابن قدامة:وطهارة موضع الصلاة شرط أیضاً-وقال فی الهامش:التحقیق أنّ الآیة و الروایة الّتی ذکرها لیس فیها ما یدلّ علی الشرطیة،ولکنّا نلتزمها احتیاطاً ولأنّها أکمل. (1)والّذی یسهّل الخطب أنّ المصلّی من مختلف المذاهب یجتنب عن المکان المتنجّس فلا خلاف هناک من ناحیة عملیة.

ما یصحّ السجود علیه

اشارة

اختلف المذهب الجعفری مع المذاهب الأربعة بالنسبة إلی ما یصحّ السجود علیه و هو من الاختلافات المهمّة بین الفریقین وتفصیله بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فیه-أی مسجد الجبهة-مضافاً إلی الطهارة أن یکون من الأرض أو ما أنبتته الأرض،فلا یصحّ السجودعلی ما خرج عن اسم الأرض. (2)وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الأمر یکون کذلک:إجماعاً؛والنصوص الدالّة علیه وافرة،منها:صحیحة هشام بن الحکم عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لا یجوز السجود إلاّ علی الأرض أو علی ما أنبتت الأرض». (3)وقریب منها غیرها. (4)ویشهد علیه عمل

ص:154


1- (1) .المغنی،ج1،ص64.
2- (2) .العروة الوثقی،ص182.
3- (3) .الوسائل،ج3،ص591،باب 1 من أبواب ما یسجد علیه،ح1.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج5،ص488.

السلف:1.نافع:إن عبدالله عمر کان إذا سجد وعلیه العمامة یرفعها حتّی یضع جبهته بالأرض. (1)2.ابوعبیدة:إن ابن مسعود کان لایسجد إلاّ علی الأرض. (2)3.ابوبکر ابن أبی شیبه:إن مسروقاً کان إذاسافر حمل معه فی السفینة لبنة یسجد علیها (3)ومسروق بن الاجدع فقیه تابعی موثق.ویؤکده ما روی البرّا-عن طریق الصحابة-قال کان رسول الله صلی الله علیه و آله نراه-بعد قول سمع الله لمن حمده-قد وضع جبهته علی الأرض. (4)ویؤیده ما روی عن خباب-عن طریق الصحابة-قال شکونا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله حرّ الرمضاء فی جباهنا وأکفّنا فلم یشکنا. (5)فلو کان السجود علی اللباس و الفراش جائزاً لم یکن المجال للشکوی،قال مالک:فیمن سجد علی کور العمامة قال:أحب إلی أن یرفعها عن بعض جبهته حتّی یمس بعض جبهته الأرض. (6)أضف إلی ذلک أنّ معنی السجود هو وضع الجبهة علی الأرض وبدونه یحصل الشکّ فی تحقّق المعنی.

المذاهب الاربعة

یجوز السجود علی کلّ شیء فی الأرض و إن کان وجه الأرض مختفیاً لصدق الخضوع المتحقق فی الهبوط إلی الأرض.

قال ابن قدامة:لنا ما روی أنس:کنّا مع النبی صلی الله علیه و آله فیضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحرّ فی مکان السجود،رواه البخاری (7)وعلیه یجوز السجود علی کلّ شیء من الأشیاء الموجودة علی الأرض.

ص:155


1- (1) .السنن الکبری،ج2،ص440.
2- (2) .المعجم الکبیر للطبران،ج9،ص355.
3- (3) .المصنف،ج2،باب حمل شیء یسجد فیه.
4- (4) .المغنی،ج1،ص525.
5- (5) .المصدر السابق،ص517.
6- (6) .المدونة الکبری،ج1،ص210.
7- (7) .المغنی،ج1،ص517.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من السجود والاختلاف الحاصل فی النصوص،والّذی یمکن المساعدة علیه هو الأخذ بما هو المتیقّن،و هو وضع الجبهة علی الأرض.وعلیه فالأوفق بالقواعد و الأحوط فی الدین هو السجدة علی الأرض نفسها،وها هو المعنی اللغوی للسجدة کما قال الفیومی:سجد الرجل،وضع جبهته بالأرض و السجدة لله تعالی فی الشرع عبارة عن هیئته مخصوصة. (1)

ص:156


1- (1) .المصباح المنیر،ج1،ص363.

الخلاصة

إذا انکشف الخطأ فی التوجه إلی القبلة بعد التحرّی و الفحص وکان ذلک أثناء الصلاة فالحکم هو التحوّل إلی جهة القبلة وصحّت الصلاة،إلاّ علی المذهب الشافعی،و أمّا إذا کان کشف الخطأ بعد إتمام الصلاة فالحکم هو الصحّة علی المذاهب الأربعة،و أمّا الحکم علی المذهب الجعفری،فهو:إذا لم یتجاوز الخطأ عمّا بین الیمین و الشمال فلا إعادة.و إذا تجاوز ذلک الحدّ وتحقّق الاستدبار وکان ذلک داخل الوقت فالحکم هو الإعادة بلا فرق بین إتمام الصلاة وخلالها،ولا یجب القضاء إذا کان الانکشاف خارج الوقت.

مع الجهل بالقبلة تجوز الصلاة بأی جهة شاء.

الاختلاف فی صحّة الصلاة فی اللباس المغصوب و المکان المغصوب ولباس الحریر،هو الاختلاف فی اجتماع الأمر و النهی وامتناعه.

لایجوز السجود إلاّ علی وجه الأرض علی المذهب الجعفری.ویجوز السجود علی کلّ شیء ممّا فی الأرض علی المذاهب الأربعة.

ص:157

الأسئلة

1.ما هو منشأ الاختلاف بالنسبة إلی صحّة الصلاة وبطلانها بعد کشف الخطأ فی التوجه إلی القبلة؟

2.هل الدم الأقلّ من الدرهم معفوّ مطلقاً؟

3.ما هو الدلیل علی اشتراط طهارة موضع الجبهة فی الصلاة؟

4.هل یجوز للمضطرّ الصلاة فی الثوب المتنجّس؟

5.ما هو الدلیل علی عدم جواز السجود إلاّ علی الأرض؟

ص:158

13- حکم السهو فی الصلاة

اشارة

لاخلاف فی أنّ الإخلال بشیء من أجزاء الصلاة عمداً مبطل.والإخلال سهواً یجبر بالسجدتین للسهو،وهما کسجدتی الصلاة صورةً یبتدئان بالسجدة وینتهان بالتشهّد و التسلیم.و إنّما الخلاف فی موجبات سجدة السهو ومحلّها ووصفها.

الموجبات

اشارة

المذهب

الجعفری

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب سجود السهو لأمور ستّة:

الأوّل:الکلام سهواً-بغیر قرآن ودعاء وذکر-ویتحقّق بحرفین أو حرف واحد مفهم لمعنی-فی أی لغة کان.

الثانی:السلام-أی التسلیم-فی غیر موقعه ساهیاً،سواء کان بقصد الخروج أولا.

الثالث:نسیان السجدة الواحدة إذا فات محلّ تدارکها.

الرابع:نسیان التشهّد مع فوت محلّ تدارکه ونسیان بعض أجزائه.

الخامس:الشکّ بین الأربع و الخمس-فی الرکعات-بعد إکمال السجدتین.

ص:159

السادس:القیام فی موضع القعود وبالعکس بل لکلّ زیادة-واجبة أو مستحبّة ونقیصة-واجبة-لم یذکرها فی محلّ التدارک. (1)ذلک؛کلّه علی أساس النصوص الواردة فی الباب من طریق آل البیت علیهم السلام و قد ورد لکلّ مورد من الموارد الستّة نصّ یخصّه،ویستنبط من تلک النصوص المعیار الأصلی بصفة عامّة و هو:أنّ لکلّ زیادة ونقیصة-عن سهو-فی الصلاة،سجود السهو.ویؤیده مارواه ابن أبی عمیر عن الإمام الصادق علیه السلام،قال:تسجد سجدتی السهو فی کلّ زیادة تدخل علیک أو نقصان. (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة،وبما أنّ مضمون الحدیث مروی فی النصوص المعتبرة فلاحاجة إلی البحث عن صحّة السند هناک.

حدیث لاتعاد

إنّ لأرکان الصلاة أهمیة خاصّة بلا خلاف وعلیه فإنّ الإخلال فیها-زیادةً ونقیصةً-یستلزم بطلان الصلاة فی مطلق الأحوال.کما قال السید الخوئی:لاریب فی البطلان فیما إذا تعلّق ذلک-أی الإخلال-بالأرکان جزءاًَ أو شرطاً،و أمّا فیما عدا الأرکان فلا ریب فی عدم البطلان فیما إذا کان الإخلال سهویاً،فإنّه القدر المتیقّن من حدیث لاتعاد. (3)ومن الجدیر بالذکر أنّ حدیث لاتعاد أصبح قاعدة فقهیة،لها دور مهمّ فی البحث عن الخلل الواقع فی الصلاة. (4)

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:أسباب السهو-علی المذهب الحنبلی-ثلاثة وهی:الزیادة و النقص

ص:160


1- (1) .العروة الوثقی،ص282 و283.
2- (2) .الوسائل،ج3،ص247،باب 32 أبواب الخلل،ح3.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،ج6،ص17.
4- (4) .القواعد،ص232.

والشکّ فی بعض صوره إذا وقع بشیء من ذلک سهواً.

و أمّا النقص فی الصلاة،فمثاله أن یترک الرکوع أو السجود أو قرائة الفاتحة أو نحو ذلک سهواً،فیجب علیه إذا تذکّر ما ترکه قبل الشروع فی قرائة الرکعة الّتی تلیها،أن یأتی به ولغت الرکعة-الناقصة-وقامت الرکعة مقامها ویسجد للسهو وجوباً فإنّ زیادة رکعة ناقصة فی الصلاة لایخلّ.و أمّا الشکّ الّذی یقتضی سجود السهو،فمثاله إن شکّ فی ترک رکن من أرکانها أو فی عددالرکعات،فإنّه فی هذه الحالة بنی علی المتیقّن ویأتی بما شکّ فی فعله ویتمّ صلاته ویسجد وجوباً وها هی القاعدة-فی الشکّ-بالنسبة إلی عدد الرکعات،وهی قاعدة البناء علی الأقلّ المتیقّن استصحاباً ثمّ یتمّ الصلاة ویسجد للسهو احتیاطاً؛لاحتمال الزیادة و النقیصة فی الرکعات.أمّا إذا شکّ فی ترک واجب من واجبات الصلاة،کأن شکّ فی ترک تسبیحة من تسبیحات الرکوع أو السجود فإنّه لایسجد للسهو؛لأنّ سجود السهو لایکون للشکّ فی ترک الواجب،بل یکون لترک الواجب سهواً. (1)

قال الخرقی:ومن ترک تکبیرة الإحرام أو قرائة الفاتحة،و هو إمام أو منفرد،أو الرکوع أو الاعتدال بعد الرکوع،أو السجود أو الاعتدال بعد السجود أو التشهّد الأخیر أو السلام،بطلت صلاته عامداً کان أو ساهیاً.وقال ابن قدامة:فهذه تسمّی أرکاناً للصلاة لاتسقط فی عمد ولا سهو.وفی وجوب بعض ذلک اختلاف.و قد دلّ علی وجوبها حدیث أبی هریرة عن المسیء الأعرابی-فی صلاته-فإنّ النبی صلی الله علیه و آله قال له-أی للمسیء عندما ترک بعض الأرکان-:لم تصلّ.وأمره بإعادة الصلاة،وبعد ذلک-سأل المسیء عن النبی صلی الله علیه و آله أن یعلّمه الصلاة،علّمه النبی صلی الله علیه و آله هذه الأفعال-الأرکان-والحدیث متّفق علیه (2)و هو کأصل متسالم علیه عندهم فهو المدرک الوحید لصیاغة

ص:161


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص459.
2- (2) .المغنی،ج2،ص3.

الصلاة الأصیلة وصورتها الترکیبیة.فدلّ علی أنّه لایکون مصلّیاً بدونها.ودلّ الحدیث علی أنّها لاتسقط بالسهو.فإنّها لو سقطت بالسهو لسقطت عن الأعرابی-المسیء-لکونه جاهلاً بها-أی الأرکان-والجاهل کالناسی.

وقال الخرقی:ومن ترک شیئاً من التکبیر غیر تکبیرة الإحرام أوالتسبیح فی الرکوع أوالسجودأو قول سمع الله لمن حمده أو قول ربّنا ولک الحمد أو ربّ اغفرلی،أو التشهّد الأوّل أو الصلاة علی النبی فی التشهّد الأخیر عامداً بطلت صلاته،ومن ترک شیئاً منه ساهیاً أتی بسجدتی السهو. (1)

وقال ابن قدامة:وحکم هذه الواجبات لو قلنا بوجوبها-وفیها اختلاف بالنسبة إلی وجوبها واستحبابها-أنّه إن ترکها عمداً بطلت صلاته و إن ترکها سهواً وجب علیه السجود للسهو.

والأصل فیه حدیث النبی صلی الله علیه و آله حین قام إلی ثالثة وترک التشهّد الأوّل فسبّحوا به فلم یرجع،حتّی إذا جلس للتسلیم سجد سجدتین و هو جالس ولو لا أنّ التشهّد سقط بالسهو لرجع إلیه،ولولا أنّه واجب لما سجد جبراً لنسیانه وغیر التشهّد من الواجبات مقیس علیه ومشبّه به. (2)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:أسباب سجود السهو أمور-خمسة علی المذهب الحنفی-

السبب الأوّل:أن یزید أو ینقص فی صلاته رکعة أو أکثر أو نحو ذلک،فإذا تیقّن أنّه زاد رکعة فی الصلاة مثلاً-إذاً-الأولی أن یجلس ثمّ یسلّم ویسجد للسهو.ومثل ذلک ما إذا تیقّن أنّه نقص رکعة-إذاً-علیه أن یقوم لأداء الرکعة-المنسیة-ثمّ یسجد

ص:162


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المصدر السابق،ص4 و6.

للسهو.أمّا إذا شکّ فی صلاته فلم یدرِ،کم صلّی؟فإن کان الشکّ نادراً بطرئه،یجب علیه فی هذه الحالة أن یقطع الصلاة بفعل مناف لها،ویأتی بصلاة جدیدة،و إن کان الشکّ عادة علیه یبنی علی ما یغلب علی ظنّه.

السبب الثانی:من أسباب سجود السهو:أن یسهو عن القعود الأخیر-ینسی التشهّد الأخیر-ویقوم.وحکم هذه الحالة أنّه یعود ویجلس بقدر التشهّد ثمّ یسلّم ویسجد للسهو-و أمّا-إذا مضی فی الصلاة وسجد-فی الرکعة الخامسة-انقلبت صلاته نفلاً بمجرّد رفع رأسه من السجدة ویضمّ إلیها رکعة سادسة،ولا یسجد للسهو فی هذه الحالة علی الأصحّ. (1)

السبب الثالث:من أسباب سجود السهو:أن یسهو عن القعود الأوّل-أن ینسی التشهّد الأوّل-إن تذکّر بعد أن یستوی قائماً فإنّه لایعود للتشهّد-علی ما هو التحقیق وعلیه سجود السهو.

السبب الرابع:أن یقدّم رکناً علی رکن کتقدّم السجود علی الرکوع،إن لم یذکر-حتّی یسجد-فإنّه یسجد للسهو بعد السلام.

السبب الخامس:من أسباب سجود السهو:أن یترک واجباً من الواجبات. (2)وسجود السهو لترک الواجب(سهواً)ممّا تسالم علیه الفقهاء.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:تنحصر أسباب سجود السهو فی ستّة أمور-علی المذهب الشافعی.

الأوّل:أن یترک سنّة مؤکّدة وذلک کالتشهّد الأوّل.

السبب الثانی:الشکّ فی الزیادة:فلو شکّ فی عدد ما أتی به من الرکعات بنی علی

ص:163


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص33.
2- (2) .المصدر السابق،ج1،ص454،453 و455.

الیقین،وتمّم الصلاة وجوباً وسجد لاحتمال الزیادة.

السبب الثالث:فعل شیء سهواً-مثل-الکلام القلیل سهواً.

السبب الرابع:إتیان الواجب و المستحبّ فی غیر محلّها کقرائة الفاتحة-الواجب-فی الجلوس سهواً،وقرائة السورة-المستحب-فی الرکوع سهواً.

السبب الخامس:الشکّ فی ترک بعض معین أی الشکّ فی أفعال الصلاة.

السبب السادس:الاقتداء بمن فی صلاته خلل ولو فی اعتقاد المأموم.کالاقتداء بمن یترک الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله فی التشهّد الأوّل-و هذه الصلاة واجبة علی المذهب الشافعی-فإنّه یسجد (1)لترک الواجب.

قال الشافعی:ومن شکّ فی صلاته فلم یدر أثلاثاً صلّی أم أربعاً فعلیه أن یبنی علی ماستیقن وکذلک...قال رسول الله صلی الله علیه و آله فإذا فرغ من التشهّد سجد سجدتی السهو قبل التسلیم،والحکم کذلک فی زیادة رکعة سهواً وفی نسیان سجدة واحدة وتشهّد. (2)

المذهب المالکی

قال الجزیری:أسباب سجود السهو-علی المذهب المالکی-تنحصر فی ثلاثة أشیاء:

السبب الأوّل:أن ینقص من صلاته سنّة-مؤکّدة کترک السورة-سواء کان ذلک الترک محقّقاً أو مشکوکاً فإنّه یعتبره نقصاً ویسجد قبل السلام.-والحاصل-أنّ ترک السنّة المؤکّدة أو السنّتین الحقیقیتین-کترک التکبیر بعد الرکوع و السجود-یجبر بسجود السهو.

السبب الثانی:الزیادة وهی زیادة فعل لیس من جنس أفعال الصلاة کأکل خفیف سهواً أوکلام خفیف کذلک،أو زیادة رکن فعلی من أرکان الصلاة کالرکوع

ص:164


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص460 و461.
2- (2) .مختصر المزنی،ص17.

والسجود أو زیادة بعض من الصلاة کرکعة أو رکعتین.و أمّا إذا کانت الزیادة من أقوال الصلاة فإن لم یکن القول المزید فریضة،کإن زاد سورة فی الرکعتین الأخیرتین من الرباعیة سهواً،لایلزم سجود السهو.و إن کان القول المزید فریضة کالفاتحة إذا کرّرها سهواً فإنّه یسجد لذلک.

السبب الثالث:من أسباب السجود نقص وزیادة معاً،کما إذا ترک الجهر بالسورة وزاد رکعة فی الصلاة سهواً فقد اجتمع له نقص وزیادة،فیسجد لذلک قبل السلام ترجیحاً لجانب النقص علی الزیادة. (1)

محل سجود السهو

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی محلّ السجدة للسهو فعلی بعض الآراء کان محلّ تلک السجدة قبل التسلیم وعلی بعض آخر هو بعد التسلیم.

المذهب الجعفری و الحنفی

محلّ سجدة السهو بعد السلام؛ذلک للنصوص الواردة فی الباب منها:ما رواه ابن مسعود قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«لکلّ سهو سجدتان بعد التسلیم». (2)دلّ علی أنّ محلّ السجدة بعد التسلیم.ومنها:معتبرة معاویة بن عمّار:عن الرجل یسهو فیقوم فی حال قعود،أو یقعد فی حال قیام،قال الإمام علیه السلام:«یسجد سجدتین بعد التسلیم». (3)قال الکاشانی:فمحله المسنون بعد السلام عندنا سواء کان السهو بإدخال زیادة فی الصلاة أو نقصان فیها. (4)

ص:165


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص457 و458.
2- (2) .المغنی،ج2،ص23.
3- (3) .الوسائل،ج5،ص346،باب 32 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،ح1.
4- (4) .بدائع الصنائع،ج1،ص173.

المذهب الشافعی

قال ابن قدامة:قال الزهری:السجود قبل السلام-منصوص-؛ولأنّه تمام الصلاة وجبر لنقصانها فکان قبل سلامها کسائر أفعالها. (1)

واحتج الشافعی فی ذلک بحدیث أبی سعید الخدری وبحدیث أبی بحینة عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه سجد قبل التسلیم. (2)

المذهب المالکی

إن کان سجود السهو لأجل النقص الوارد فی الصلاة کان محلّه قبل التسلیم و إن کان لأجل زیادة فیها کان محل السجود بعد التسلیم؛ذلک لما روی عن ابن مسعود أنّه قال:کلّ شیء شککت من صلاتک،من نقصان،من رکوع أو سجود أو غیر ذلک فاستقبل أکثر ظنّه،واجعل سجدتی السهو من هذا النحو قبل التسلیم،فأمّا غیر ذلک من السهو فاجعله بعد التسلیم. (3)

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:قدثبت عن النبی صلی الله علیه و آله السجود قبل السلام وبعده فی أحادیث صحیحة متّفق علیها.وقال أحمد:أنّ السجود کلّه قبل السلام إلاّ فی الموضعین الّذین ورد النص بسجودهما بعد السلام وهما:إذا سلّم من نقص-أی السلام فی غیر محلّه-وتحرّی الإمام فبنی علی غالب ظنّه-وذلک-؛عمل بالأحادیث کلّها،وجمع بینها من غیر ترک شیء منها وذلک-أی الجمع-واجب مهما أمکن. (4)

ص:166


1- (1) .المغنی،ج2،ص23.
2- (2) .مختصر المزنی،ص17.
3- (3) .مختصر المزنی،ص23؛بدائع الصنائع،ج1،ص173.
4- (4) .المغنی،ج2،ص22 و23.

تداخل الأسباب فی سجود السهو

اشارة

اختلفت الآراء حول تداخل أسباب السجود،قال بعض الفقهاء بکفایة السجدتین فی صلاة واحدة و إن تحقّق السهو مراراً.وقال بعض آخر منهم إنّ لکلّ سهو سجدتین،والاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب تکرّره بتکرّر الموجب سواء کان من نوع واحد أو أنواع،وقال السید الطباطبائی الحکیم-ذلک-:لأصالة عدم التداخل من دون فرق بین اتّحاد نوع السبب وتعدّده. (1)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:إذا سها سهوین أو أکثر...کفاه سجدتان للجمیع.لانعلم أحداً خالف فیه. (2)ویبدو أنّ الحکم متسالم علیه عند أئمّة المذاهب الأربعة إلاّ أنّ هناک رأیاً-من أبناء السنّة-یوافق المذهب الجعفری و هو-أی الرأی-بالتفصیل الآتی:قال الأوزاعی،وابن أبی حازم،وعبدالعزیزبن أبی سلمة:إذا کان علیه سجودان أحدهما قبل السلام و الآخر بعده سجدهما فی محلّیهما،لقول النبی صلی الله علیه و آله لکلّ سهو سجدتان-رواه أبوداود وابن ماجه-و هذان سهوان،فلکلّ واحد منهما سجدتان،ولأنّ کلّ سهو یقتضی سجوداً. (3)

وصف السجود

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وصف سجود السهو وجوباً وندباً وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ص:167


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج7،ص548.
2- (2) .المغنی،ج2،ص39.
3- (3) .المصدر السابق،ص39 و40.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وجب علیه-عند السهو-سجدتا السهو. (1)للأمر به،وأنّه کجزء من الصلاة.وعلیه الحنفی قائلاً:سجود السهو واجب علی الصحیح. (2)

المذهب الشافعی و الحنبلی

سجود السهو قد یکون واجباً و قد یکون مستحبّاً،وذلک بحسب تفاوت الأسباب،وأضاف المذهب الحنبلی الإباحة هناک،قائلاً بأنّ سجود السهو قد یکون:مباحاً وذلک لاختلاف سببه.

المذهب المالکی

سجود السهو سنّة للإمام و المنفرد. (3)

الشکّ و السهو

اشارة

هناک اختلاف مهمّ بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی تفریق بابی الشکّ و السهو وتلفیقهما فصرّح المذهب الجعفری بالتفریق وتسالمت المذاهب الأربعة بالتلفیق.والاختلاف یکون بالتفصیل التالی:

المذاهب الاربعة

الشکّ فی عدد الرکعات من أسباب السجود للسهو.و قد مرّ بنا أنّ حکم الشکّ فی الرکعات هو البناء علی الأقلّ المتیقّن وإتمام الصلاة وإتیان سجود السهو،وأضاف

ص:168


1- (1) .العروة الوثقی،ص271.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص461.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص461-463؛المجموع،ج4،ص111.

المذهب الحنفی أنّ هناک-عند الشکّ فی عدد الرکعات-یؤخذ بما هو-أی العدد-مورد الظنّ الغالب و إن لم یتحقّق ذلک الظنّ واستقرّ الشکّ،صحّ فإنّ الحکم هو البناء علی الأقلّ المتیقّن؛ (1)ذلک للنصوص الواردة فی الباب.

المذهب الجعفری

لکلّ من السهو و الشکّ نطاق مخصوص.فکما أنّهمایختلفان موضوعاًکذلک یختلفان حکماً،أمّا السهو فقد مرّ بنا البحث عنه وعن موجباته وعمّا له صلة به و أمّا الشکّ فالبحث فیه یکون بالتفصیل الآتی:

حول الشکّیات

إنّ الشکّ باعتبار المتعلّق ینقسم إلی قسمین:

1.الشکّ فی الرکعات.

2.الشکّ فی أفعال الصلاة.

أمّا القسم الأوّل-أی الشکّ فیعدد الرکعات-فهو من المسائل المهمّة عند الفقهاء وله فروع کثیرة مدوّنة فی الکتب الفتوائیة ونکتفی هنا بالموجز.

قال السید الطباطبائی الیزدی:الشکوک الصحیحة عدّة موارد أهمّها:الشکّ بین الاثنتین و الثلاث،والشکّ بین الثلاث و الأربع-إذاً-یبنی علی الأکثر ویتمّ صلاته ثمّ یحتاط برکعة من قیام أو رکعتین من جلوس؛ (2)ذلک علی أساس قاعدة البناء علی الأکثر الّتی لها مدرک روائی معتبر. (3)

ص:169


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص453-461.
2- (2) .العروة الوثقی،ص274.
3- (3) .القواعد،ص77.

و أمّا فی الشکّ بین الأربع و الخمس:فالحکم فیه هو البناء علی الأربع-أی الأقلّ-وسجود السهو،ذلک لنصّ یخصّه،والأمر متسالم علیه عند الفقهاء.

الشکّ الصحیح

إنّ مدی الشکّ الّذی لایبطل الصلاة ینحصر فی الصلوات الرباعیة.وعلیه فالشکّ المتحقّق فی الصلاة الثنائیة و الثلاثیة یبطل الصلاة.

قال السید الطباطبائی الیزدی:الشکوک الموجبة لبطلان الصلاة-عدّة موارد أهمّها-الشکّ فی الصلوات الثنائیة،کالصبح وصلاة السفر و الشکّ فی الثلاثیة کالمغرب،والشکّ بین الواحدة و الأزید-فی مطلق الصلوات-والشکّ بین الرباعیات بحیث لم یدر کم صلّی؟. (1)أضف إلی ما تقدّم،أنّ تلک الشکوک توجب إخلالاً فی الصلاة-بحسب الذات-وهناک؛عدّة نصوص صرّحت علی ما هو المطلوب،منها:صحیحة علاءبن رزین عن الإمام الصادق علیه السلام قال:سألته عن الرجل یشکّ فی الفجر قال:یعید،قلت:المغرب،قال:یعید و الوتر و الجمعة،من غیر أن أسأله. (2)والدلالة تامّة.

حجیة الظنّ فی الصلاة

اشارة

قال السیدالطباطبائی الیزدی:المراد بالشکّ فی الرکعات تساوی الطرفین،ما لایشمل الظنّ،فإنّه-أی الظنّ-فی الرکعات-مطلقاً بحکم الیقین، (3)ذلک علی أساس قاعدة حجّیة الظنّ فی الصلاة،وهی قاعدة فقهیة ثبتت من خلال الأدلّة المعتبرة. (4)

القسم الثانی-الشکّ فی أفعال الصلاة و هو یتعلّق بأجزاء الصلاة.

ص:170


1- (1) .العروة الوثقی،ص274.
2- (2) .الوسائل،ج5،ص110،باب 3 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،ج1.
3- (3) .العروة الوثقی،ص275.
4- (4) .القواعد،ص115.

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا شکّ فی شیء من أفعال الصلاة فإن کان قبل الدخول فی الغیر المترتّب علیه کالشکّ فی قرائة الفاتحة قبل الدخول فی السورة إذاً وجب الإتیان بالمشکوک-ذلک لقاعدتی الاستصحاب والاشتغال-و إن کان الشکّ بعد الدخول فی الجزء الآخر لم یلتفت وبنی علی أنّه أتی به. (1)ذلک؛لقاعدة التجاوز الفقهیة الثابتة من الادلّة المعتبرة. (2)

ومن الجدیربالذکر أنّه لا اعتباربالشکّ فی الرکعات بعد إتمام الصلاة و الفراغ عنها؛ذلک لقاعدة الفراغ الفقهیة (3)وکذلک لا اعتبار بالشکّ الّذی یتجاوزحدّه الطبیعی،استناداً لقاعدة:لاشکّ لکثیر الشکّ،الفقهیة. (4)

قال السید الطباطبائی الیزدی:شکّ کثیر الشکّ-لا اعتبار له-و إن لم یصل حدّ الوسواس سواء کان فی الرکعات أو الأفعال أو الشرائط فیبنی علی وقوع ما شکّ و إن کان فی محلّه. (5)

منشأ الاختلاف

إنّ أکثر الاختلافات ناشئ عن الاختلاف فی الروایات کما أنّ ثمّة مناشئ جزئیة نشیر إلیها بالتفصیل الآتی:

أمّا السهو و الشکّ:فإنّ الروایات الواردة من طریق الصحابة دلّت علی أنّ سجود السهو،یجبر السهو و الشکّ فی الأفعال و الرکعات.والروایات الواردة من

ص:171


1- (1) .العروة الوثقی،ص273.
2- (2) .القواعد،ص85.
3- (3) .المصدر السابق،ص187.
4- (4) .المصدر السابق،ص241.
5- (5) .العروة الوثقی،ص385.

طریق آل البیت علیهم السلام دلّت علی تغایر السهو و الشکّ حکماً کما أنّهما متغایران بحسب الواقع وصرّحت تلک الروایات بأنّ للأرکان أهمیة خاصّة،وعلیه فإنّ الاختلال بها مبطل للصلاة مطلقاً،و هذا ما اعترف به ابن قدامة قائلاً:لا تسقط-أرکان الصلاة-فی عمد وسهو،أمّا الشکّ فی الأفعال فهو یوجب سجود السهو علی أساس الاجتهاد عند المذاهب الأربعة،ولا یوجب شیئاً علی المذهب الجعفری،لقاعدة التجاوز.والقاعدة الکلّیة فی الشکّ فی الرکعات علی المذاهب الأربعة هی البناء علی الأقلّ؛للاشتغال والاستصحاب.

و أمّا القاعدة علی المذهب الجعفری فهی البناء علی الأکثر الثابت بالنص الخاص من طریق آل البیت علیهم السلام،والاختلاف فی عدد الأسباب لسجود السهو ناشئ عن الاختلاف فی الفهم والاجتهاد.

والاختلاف بالنسبة إلی محلّ السجود ناشئ عن اختلاف الروایات.وتعدّد السجود بتعدّد الأسباب وعدم تعدّد السجود عندئذ ناشئ عن تداخل الأسباب وعدم تداخلها فی الأحکام.والاختلاف فی وصف سجود السهو وجوباً وندباً ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد.

و أمّا ما تفرّد به المذهب الحنبلی من أنّ المصلّی إذا التفت إلی نقص فی الرکعة الأولی بعد التجاوز عن محلّ التدارک،تلغی الأولی وتقوم الثانیة مقامها فهو علی خلاف القواعد الفقهیة ناشئ عن الاجتهاد الخاصّ،وکذا ماقال به المذهب الحنفی من أنّ زیادة الرکعة الخامسة سهواً تنقلب-بعد الالتفات إلیها-بالنافلة فلیضمّ بها رکعة سادسة حتّی تستکمل النافلة،کان ذلک علی خلاف القواعد وناشئ عن الاجتهاد الخاص.

ص:172

الخلاصة

سجود السهو وثیق الصلة بالصلاة فیجب علی کلّ مکلّف تعلّمه کتعلّم الصلاة نفسها و هو-أی السجود-واجب عند أکثر الفقهاء وأغلب المذاهب.

المتیقّن من الأدلّة و الفتاوی فی هذا الحقل هو أنّ سجود السهو لترک الواجب سهواً فشرّع لجبران الخلل الواقع فی الصلاة.

الشکّ بین الأربع و الخمس-فی الرکعات بعد إکمال السجدتین-یوجب سجود السهو بلاخلاف،ومع حصول هذا الشکّ بأشکال اخری فتختلف فیه الآراء.

لاخلاف فی أنّ أرکان الصلاة بحسب الحقیقة صیاغة الصلاة الأصلیة،وعلیه أفتی جمع من الفقهاء-من الفریقین-بأنّ الخلل بالأرکان سهواً لاینجبر بسجود السهو لأنّ النقص الوارد بالأرکان یهدّم کیان الصلاة الأصلی.

ص:173

الأسئلة

1.ما هو المقصود من محلّ التدارک فی باب السهو؟

2.ما هو دور قاعدة لاتعاد بالنسبة إلی الأجزاء المنسیة فی الصلاة؟

3.ما هو المعیار الأصلی فی باب الشکّ فی عدد الرکعات؟

4.ما هو الدلیل علی عدم اعتبار الشکّ بعد الاجتیاز عن المحلّ؟

5.بین تداخل الأسباب وعدم تداخلها فی السهویات.

6.بین الآراء حول الاختلاف بالنسبة إلی وصف سجود السهو.

ص:174

14- صلاة الجماعة (1)

اشارة

لاریب فی مطلوبیة الجماعة وفضیلتها فی الصلوات الواجبة وأنّها من شعائر الدین المهمّة.قال السید الطباطبائی الیزدی:وهی-الجماعة-من المستحبّات الأکیدة فی جمیع الفرائض خصوصاً الیومیة منها؛و قد ورد فی فضلها وذمّ تارکها من ضروب التأکیدات،ماکاد یلحقها بالواجبات ففی الصحیح-أی النصّ-الصلاة فی جماعة،تفضل علی صلاة الفذ أی الفرد بأربع وعشرین درجة. (1)

الحکم

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صلاة الجماعة وجوباً وندباً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الحنبلی

الجماعة واجبة فی الصلوات الخمس المفروضة.

المذاهب الاربعة الأخری

الجماعة من المستحبّات المؤکّدة.قال السید السابق:صلاة الجماعة سنّة مؤکّدة،ورد

ص:175


1- (1) .المصدر السابق،ص251.

فی فضلها أحادیث کثیرة. (1)لکلّ منهما دلیل نشیر إلیه.

قال ابن قدامة شیخ الحنابلة:الجماعة واجبة للصلوات الخمس ولو لم یوجبها مالک وأبوحنیفة و الشافعی،لقول النبی صلی الله علیه و آله:«تفضل صلاة الجماعة علی صلاة الفرد بخمس وعشرین درجه»،متّفق علیه،ولأنّ النبی صلی الله علیه و آله لم ینکر علی الّذین قالا:صلّینا فی رحالنا ولو کانت واجبة لأنکر علیهما،ولأنّها لو کانت واجبة فی الصلاة لکانت شرطاً کالجمعة.

ولنا-علی الوجوب-:قوله تعالی: وَ إِذا کُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ... . (2)ولو لم تکن واجبة لرخّص فیها حالة الخوف،ولم یجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها؛وروی أبوهریرة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:«والّذی نفسی بیده لقد هممت أن آمر بحطب لیحتطب ثمّ آمر بالصلاة فیؤذن لها،ثمّ آمر رجلاً فیؤمّ الناس،ثمّ أخالف إلی رجال لایشهدون الصلاة فأحرق علیهم بیوتهم»،متّفق علیه. (3)

اشتراط العدالة للإمام

اشارة

اختلفت الآراء حول اشتراط العدالة بالنسبة إلی إمام الجماعة.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الحکیم نقلاً عن الحدائق:لاخلاف بین الأصحاب فی اشتراط عدالة إمام الجماعة-ووافق أبوعبدالله البصری ذلک الإشتراط-محتجّاً بإجماع أهل البیت علیهم السلام.ویدلّ علیه موثّق سماعة فی حدیث قال الإمام علیه السلام:«إن کان إماماً عدلاً

ص:176


1- (1) .فقه السنة،ج1،ص228.
2- (2) .النساء:102.
3- (3) .المغنی،ج2،ص176.

فلیصلّ و إن لم یکن إمام عدل فلیبن علی صلاته». (1)دلّت علی اشتراط العدالة للإمام فی صلاة الجماعة.و هذا هو الحکم علی المذهب الحنبلی کما قال ابن قدامة:ولنا:ما روی جابر قال سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله علی منبره یقول:«لاتؤمّ إمرأة رجلاً ولا فاجراً مؤمناً»ونقل عدّة من النصوص الواردة فی موارد شتّی فقال:و هذه النصوص:تدلّ علی أنّه لایصلّی خلف فاسق. (2)وقال ابن القاسم رأیت مالکاً إذا قیل له فی إعادة صلاة من صلّی خلف اهل البدع یقف ولایجیب. (3)

المذهب الحنفی و الشافعی

لایشترط العدالة لإمام الجماعة:قال ابن قدامة:و هذا-عدم الإشتراط-مذهب الشافعی؛لقول النبی صلی الله علیه و آله:«صلّوا خلف من قالوا:لاإله إلاّ الله». (4)قال الشافعی:ومن صلّی خلف واحد منهم-ولد الزنا،الفاسق ومظهر البدع-أجزأته صلاته ولم تکن علیه إعادة. (5)

إلی هنا فإنّ الاختلاف،هو حول اشتراط العدالة بالنسبة إلی الصلوات الیومیة و

[اشتراط العدالة لإمام الجمعة و الأعیاد]

اشارة

أمّا الاختلاف بالنسبة إلی اشتراط العدالة لإمام الجمعة و الأعیاد فهو الخلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة،بالنفی و الإثبات.

المذهب الجعفری

یشترط العدالة فی الإمام مطلقاً فی جمیع الصلوات الواجبة ولا خلاف فی الحکم بین الفقهاء و الأمر متسالم علیه عندهم.

ص:177


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج7،ص318.
2- (2) .المغنی،ج2،ص186 و187.
3- (3) .المدونة الکبری،ج1،ص84.
4- (4) .المغنی،ج2،ص187.
5- (5) .الام،ج1،ص193.

المذاهب الاربعة

لایشترط العدالة فی غیر الصلوات المفروضة قال ابن قدامة:فأمّا الجمعة و الأعیاد فإنّها تصلّی خلف کلّ برّ وفاجر. (1)

منشأ الاختلاف

تقدّم بأنّ الاختلاف فی وجوب الجماعة ناشئ عن رأی الحنبلی بالوجوب،علی أساس الاجتهاد الخاص.و أمّا الاختلاف فی اشتراط العدالة فهو ناشئ عن الاختلاف فی النصوص،أضف إلی ذلک ما قد یقال:أنّ هناک وجهتی نظر متضادّتین حول تحدید الأهمّیة العبادیة لصلاة الجماعة.

فالاتّجاه الأوّل:یری أنّ الإمامة فی الصلاة کقیادة عبادیة لها خطورتها،وعلیه یجب أن یکون الإمام عدلاً،ذلک لعدم أهلیة الفاسق لهذا المقام العبادی الرفیع و هذا الاتّجاه یذهب إلیه المذهب الجعفری.

و أمّا الاتّجاه الثانی:فیری أنّ الجماعة ذات أهمّیة کبیرة،ومن اللازم السعی فی تحقّقها وعلیه لابأس بالاقتداء بالإمام الفاسق؛ذلک حفظاً لکیان الجماعة کما قال ابن قدامة:فترکها-أی الصلاة خلف الفساق-یفضی إلی ترکها بالکلّیة. (2)

طهارة المولد

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط طهارة المولد لإمام الجماعة بأن لایکون إبن زنا.وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:178


1- (1) .المغنی،ج2،ص189.
2- (2) .المصدر السابق.

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:لاتکره إمامة ولد الزنا إذا سلّم دینه وقال أصحاب الرأی:لاتجزئ الصلاة خلفه،وکره مالک أن یتّخذه إماماً راتبا،وکره الشافعی إمامته؛لأنّ الإمامة موضع فضیلة،فکره تقدیمه فیها کالعبد. (1)وما وجدنا نصّاً فی هذا الحقل.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فیه(إمام الجمعة)البلوغ و الإیمان و العدالة وأن لایکون إبن زنا. (2)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:إنّ الحکم یکون کذلک:إجماعاً حکاه جماعة منهم الشهید؛لعدّه فیمن لایؤمّ الناس فی جملة من النصوص. (3)منها:صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:قال أمیرالمؤمنین علیه السلام«لایصلینّ أحدکم خلف المجنون وولدالزنا». (4)دلّت علی عدم جواز الاقتداء خلف ولد الزنا وها هو الأقرب للتقوی.

اشتراط البلوغ

اشارة

لاخلاف بین الفقهاء بالنسبة إلی اشتراط البلوغ للإمام،وعلیه لایجوز الإمامة للصبی الممیز،ذلک لعدم أهلیته،کما هو ثابت بالنصّ و الإجماع وخالف فیه الشافعی قائلاً:یجوز إقتداء البالغ بالصبی الممیز فی الفرض إلاّ فی الجمعة. (5)و هو اجتهاده الخاص.

ص:179


1- (1) .المصدر السابق،ص230.
2- (2) .العروة الوثقی،ص164.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی،ج7،ص317.
4- (4) .الوسائل،ج5،ص397،باب 14 من أبواب صلاة الجماعة،ح2.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص409.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی اشتراط طهارة المولد للإمام،واشتراط البلوغ،ناشئ عن الاختلاف فی النصوص وعن الاجتهاد،و قد مرّت الإشارة إلیها.

والتحقیق أن یقال:أنّ الإشتراط بطهارة المولد وبالبلوغ هو الأخذ بالمتیقّن،وها هو الأوثق.

الجماعة فی النوافل

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حکم الجماعة فی النوافل وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب المالکی

قال الجزیری:والجماعة فی صلاة الکسوف والاستسقاء و العیدین شرط لتحقّق سنّتیتها،فلایحصل ثواب السنّة إلاّ إذا صلّاها جماعة،أمّا باقی النوافل فإنّ صلاتها جماعة مکروهة-علی المذهب المالکی-إلاّ إذاکانت بجماعة قلیلة ووقعت فی المنزل. (1)وعلیه لاتکون الجماعة فی النوافل مکروهة بحسب الذات،و إنّما تکره إذا کانت بعدد کبیر خارج البیت،فالکراهة تتعلّق بکثرة العدد المجتمعة فی المسجد وغیره من الأمکنة المعدّة للصلاة جماعة.قال السید السابق:أمّا الجماعة فی النفل فهی مباحة قد ثبت أن النبی صلی الله علیه و آله صلّی رکعتین تطوعاً وصلّی معه أنس عن یمینه. (2)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:تشترط الجماعة لصحّة الجمعة و العیدین،وتکون سنّة کفایة فی صلاة التراویح و الجنازة،وتکون مکروهة-علی المذهب الحنفی-فی صلاة النوافل مطلقاً. (3)

ص:180


1- (1) .المصدر السابق،ص407.
2- (2) .فقه السنة،ج1،ص228.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص407 و408.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:أمّا النوافل فمنها ما تُسنّ فیه الجماعة وذلک کصلاة الاستسقاء و التراویح و العیدین ومنها ما تباح فیه الجماعة کصلاة التهجّد ورواتب الصلوات المفروضة. (1)

المذهب الشافعی

قال الجزیری:أمّا الجماعة فی صلاة العیدین والاستسقاء و الکسوف و التراویح ووتر رمضان فهی مندوبة عند الشافعیة،و أمّا فی باقی النوافل تباح الجماعة إذا تتّحد الصلاة-وتکره-الجماعة-فی وتر خلف تراویح وعکسه. (2)

ومن الواضح،أنّ کلّ هذه الفتاوی المختلفة تنبثق عن الاختلاف الحاصل فی النصوص الروائیة أو النظرات الاجتهادیة.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لاتشرّع الجماعة فی شیء من النوافل الأصلیة، (3)ذلک لروایة معتبرة عن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا علیه السلام فی کتاب إلی المأمون:لایجوز أن یصلّی تطوّعاً فی جماعة؛لأنّ ذلک بدعة. (4)ویجوز الجماعة فی صلاة الاستسقاء وصلاة العیدین و الصلاة المعادة جماعة. (5)

منشأ الاختلاف

أشرنا إلی أنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی النصوص،کما اتّضح أنّ جواز

ص:181


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .العروة الوثقی،ص253.
4- (4) .الوسائل،ج3،ص407،باب 20 من أبواب صلاة الجماعة،ح6.
5- (5) .العروة الوثقی،ص253.

الجماعة فی صلاة الاستسقاء و العیدین و المعادة محلّ إجماع الفقهاء وما عداها یحتاج إلی الدلیل.

اتحاد الصلاة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الاتّحاد فی صلاة الجماعة وعدم اشتراطه وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

یجوز الاقتداء فی کلّ من الصلوات الیومیة بمن یصلّی الأخری أیاً منها کانت و إن اختلفا فی الجهر والاخفات و القضاء و الأداء و القصر و التمام؛ (1)ذلک للنصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام.منها صحیحة حماد عن الإمام الصادق علیه السلام عن رجل امام قوم فصلّی العصر وهی-أی العصر-لهم الظهر فقال علیه السلام:«أجزأت عنه وأجزأت عنهم». (2)

أضف إلی ذلک أنّه لادلیل علی اشتراط الاتّحاد.

ولا خلاف فی الحکم بین الفقهاء الإمامیین.

آراء المذاهب الاربعة

قال الجزیری:ومنها-أی شرائط الجماعة-اتّحاد فرض الإمام و المأموم.فلا تصحّ صلاة ظهر مثلاً خلف عصر،ولا ظهر أداء خلف ظهر قضاء ولا عکسه،ولا ظهر یوم السبت خلف ظهر یوم الأحد و إن کان کلّ منهما قضاء،هذا متّفق علیه بین المالکیة و الحنفیة و الشافعیة.

ص:182


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .الوسائل،ج3،ص453،باب 53 من أبواب صلاة الجماعة،ح1.

و أمّا الحنابلة قالوا:یصحّ الاقتداء فی کلّ ما ذکر. (1)

قال ابن قدامة-هناک-:روایتان،إحداهما:لاتصحّ،و هذا قول الزهری ومالک وأصحاب الرأی؛لقول النبی صلی الله علیه و آله:«إنّما جعل الإمام لیؤتمّ به فلا تختلفوا علیه»،متّفق علیه.

والثانیة:یجوز،وهی أصحّ؛لما روی جابربن عبدالله-صحّة صلاة المفترض و المتنفّل إعادة-ولأنّهما صلاتان اتّفقتا فی الأفعال فجاز ائتمام المصلّی فی إحداهما بالمصلّی فی الأخری-ولا یجوز الائتمام عندالاختلاف فی الأفعال-فإن کانت إحدی الصلاتین تخالف الأخری فی الأفعال لم تصحّ؛لأنّه یفضی إلی مخالفة إمامه فی الأفعال و هو منهی عنه. (2)

منشأ الاختلاف

اتّضح ممّا سبق أنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد والاختلاف فی النصوص الواردة عن الطریقین،کما اتّضح لنا أنّ أقوی النصوص علی الجواز.

اتّصال الصفوف

اشارة

اختلفت الآراء حول تشکّل الصفوف فی الجماعة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:إنّ معنی اتّصال الصفوف أن لایکون بینهما بُعد لم تجر العادة به،ولا یمنع إمکان الاقتداء وحکی عن الشافعی:أنّه حدّ الاتّصال بما دون ثلاث مائة ذراع و التحدیدات بابها التوقیف؛والمرجع فیها إلی النصوص و الإجماع،ولا نعلم فی هذا

ص:183


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص426.
2- (2) .المغنی،ج2،ص327.

نصّاً نرجع إلیه ولا إجماعاً نعتمد علیه،فوجب الرجوع فیه إلی العرف کالتفرّق.

وقال:فإن کان بین الإمام و المأموم حائل یمنع رؤیة الإمام،فیه روایتان:إحداهما لایصحّ الائتمام به،اختاره القاضی.

والثانیة یصحّ:قال أحمد فی رجل یصلّی خارج المسجد یوم الجمعة،ولنا أنّ المعنی المجوّز أو المانع قد استویا،ولابدّ لمن لایشاهد أن یسمع التکبیر لیمکنه الاقتداء فإن لم یسمع لم یصحّ ائتمامه به بحال؛لأنّه لایمکنه الاقتداء به. (1)

قال الشافعی:لوأمّ إمام بمکة وهم یصلون بها صفوفاً مستدیرة یستقبل کلهم إلی الکعبة من جهته کان علیهم-والله أعلم-أن یجتهدوا حتّی یتأخروا من کلّ جهة عن البیت تأخراً یکون فیه الإمام أقرب إلی البیت. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی الجماعة أن لایکون بین الإمام و المأموم-وبین المأمومین-حائل یمنع عن مشاهدته.وأن لایتباعد المأموم عن الإمام بما یکون کثیراً فی العادة. (3)ذلک؛لأنّ الجماعة بحسب صیاغتها الأصلیة تتقوّم بالاتّصال و التجمّع ولا تتکوّن تلک الصیاغة مع التباعد الفاحش و الحائل الفاصل بین الصفوف.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف بالنسبة إلی فهم المعنی من الاتّصال،والّذی یسهّل الخطب أنّ المعیار هو تشخیص العرف،و هو المتسالم علیه عند الفقهاء.

ص:184


1- (1) .المصدر السابق،ص207.
2- (2) .الام،ج1،ص194.
3- (3) .العروة الوثقی،ص257.

المتابعة

اشارة

لاخلاف فی وجوب متابعة المأموم للإمام فی أفعال الصلاة وعلیه لایصحّ الاقتداء إذا لایتقدّم فیها علیه ولا یتأخّر عنه تأخّراً فاحشاً،و أمّا فی الأقوال فالأقوی عدم وجوبها عدا تکبیرة الإحرام. (1)ذلک؛لعدم الدلیل علی تلک المتابعة من نص أو إجماع ومع الشکّ یتمسّک بأصالة البرائة.

و أمّا بالنسبة إلی القرائة،قال الإمام الخمینی:الأقوی وجوب ترک المأموم القرائة فی الرکعتین الأولیین من الإخفاتیة وکذا فی الأولیین من الجهریة لو سمع صوت الإمام ولو همهمته،و إن لم یسمع جاز بل استحبّ له القرائة. (2)

ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة ابن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام:إذا کنت خلف الإمام فی صلاة لایجهر فیها بالقرائة حتّی تفرغ وکان الرجل مأموناً علی القرآن فلا تقرأ خلفه فی الأولیین. (3)

ومنها صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال و إن کنت خلف إمام فلا تقرأنّ شیئاً فی الأولیین وانصت لقراءته. (4)

المذهب الحنبلی

قال الخرقی:والمأموم إذا سمع قرائة الإمام فلا یقرأ بالحمد. (5)لقوله تعالی: ...وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ... . (6)

ص:185


1- (1) .تحریر الوسیلة:ج1،ص256.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .الوسائل،ج4،باب 31 من أبواب صلاة الجماعة،ح9.
4- (4) .المصدر السابق،ح 3.
5- (5) .المغنی،ج1،ص567.
6- (6) .اعراف:204.

وقال ابن قدامة:إنّ القرائة غیر واجبة علی المأموم فیما جهر به الإمام ولا فیما أسرّ به.نص علیه فی روایة جماعة.وبذلک قال مالک وأبوحنیفة وقال الشافعی:یجب-قرائة الفاتحة-؛لعموم قوله علیه السلام:لاصلاة لمن لایقرأ بفاتحة الکتاب،غیر أنّه خص فی حال الجهر بالإنصات ففیما عداه یبقی علی العموم.

ولنا ما روی الإمام أحمد-بسنده-عن عبدالله بن شدّاد قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«من کان له إمام فإنّ قرائة الإمام له قرائة». (1)

قال بعض المحقّقین:اتّفقت المذاهب-علی أنّه یتعین-علی المأموم أن یتابع الإمام فی قرائة الأذکار کسبحان ربّی العظیم،وسبحان:ربّی الأعلی وسمع الله لمن حمده. (2)

وما وجدنا علیه دلیلاً من نصّ أو إجماع.أضف إلی ذلک أنّه إذا لم یسمع المأموم ما یقرأه الإمام لایمکن المتابعة.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة عن طریق آل البیت علیهم السلام ومن طریق الصحابة.

حکم المتأخّر عن الجماعة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی مطابقة الرکعات فی صورة تأخّر المأموم عن الإمام برکعة أو أکثر وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری و الشافعی

إنّ مایدرکه المأموم مع الإمام-کالرکعة الثالثة من صلاة المغرب-کانت الرکعة

ص:186


1- (1) .المغنی،ج1،ص567.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص135.

الأولی من المأموم علی ما هو الواقع فیبادر إلی إتمامها کما هی علیها،بعد تسلیم الإمام،ذلک لجواز الإقتداء وعدم الدلیل علی تغییر صیاغة الصلاة الأصلیة بواسطة الجماعة.

المذاهب الثلاثة الأخری

إنّ مایدرکه المأموم من الرکعات مع الإمام یتطابق مع ما علیه الإمام وحینئذ لاتکون هذه الرکعة هی الأولی للمأموم وعلیه لو اقتدی المأموم فی الرکعة الثالثة من صلاة المغرب یحسب الرکعة الثالثة للمأموم تبعاً للإمام،فیبادر إلی إتیان الأولیین بعد تسلیم الإمام فتصبح الثالثة مقدّمة علی الأولیین،علی خلاف الصیاغة الأصلیة لدلیل المتابعة. (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف بالنسبة إلی تقدیم المتابعة علی صیاغة الصلاة-أی ترجیح الفرع علی الأصل-وتقدیم صیاغة الصلاة علی المتابعة ترجیحاً للأصل علی الفرع وعلیه لاتنقلب ماهیة صلاة المأموم بواسطة المتابعة.

نیة الإمامة

اشارة

لاخلاف بین الفقهاء بالنسبة إلی وجوب نیة الاقتداء بالإمام المتعین،واختلفت بالنسبة إلی نیة الإمام الإمامة فی الجماعة،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:من شرط صحّة الجماعة أن ینوی الإمام و المأموم حالهما فینوی الإمام

ص:187


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص438 و443.

أنّه إمام و المأموم أنّه مأموم. (1)ذلک؛لوجوب الجماعة فی جمیع الصلوات الواجبة فیجب نیة ما هو الواجب.

قال الجزیری:یشترط فی صحّة الاقتداء نیة الإمام الإمامة فی کلّ صلاة فلا تصحّ صلاة المأموم إذا لم ینو الإمام الإمامة. (2)

المذهب الحنفی

لایشترط نیة الإمامة إلاّ إذا کان إماماً للنساء فتفسد صلاة النساء إذا لم ینو إمامهنّ الإمامة،و أمّا صلاته فصحیحة. (3)ذلک؛علی أساس الاجتهاد،ولا نصّ هناک.

المذهب الشافعی و المالکی

یشترط فی صحّة الاقتداء أن ینوی الإمام نیة الجماعة فی الصلوات الّتی تتوقّف صحّتها علی الجماعة کالجمعة وما شاکلها. (4)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لایشترط فی انعقاد الجماعة،فی غیر الجمعة و العیدین نیة الإمام الجماعة و الإمامة،و أمّا المأموم فلابدّ له من نیة الائتمام فلو لم ینو لم یتحقّق الجماعة فی حقّه و إن تابعه فی الأقوال و الأفعال. (5)

ذلک؛لوجوب الجماعة فی الجمعة فلابدّ من نیة ما هو واجب فی الصلاة؛مضافاً

ص:188


1- (1) .المغنی،ج2،ص231.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص417.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .المصدر السابق.
5- (5) .العروة الوثقی،ص253.

إلی أنّ الأمر متسالم علیه عند الفقهاءأجمع.هذا ما یتطابق مع المذهب الشافعی و المالکی کما مرّ بنا بیانه.و هذا الرأی هو أقوی الآراء أتباعاً وأوثقها احتیاطاً.

من هو الأحقّ بالإمامة

اشارة

اختلفت الآراءفی تشخیص الأحقّ بالإمامة عند تعدّد الأئمّة وتفصیل الاختلاف بمایلی:

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا تعدّد الأئمّة:فالأولی تقدیم الأجود قرائة ثمّ الأفقه فی أحکام الصلاة ومع التساوی فیهما فالأفقه فی سائر الأحکام،ثمّ الأسنّ فی الإسلام. (1)ذلک؛للنصوص وقال المحقق الحلی:والهاشمی أولی من غیره. (2)

وقال الخرقی:ویؤمّ القوم أقرؤهم لکتاب الله تعالی فإن استووا فأفقههم،فإن استووا فأسنّهم. (3)فلا خلاف بالنسبة إلی تلک الترجیحات إلاّ عن المالکی قائلاً بتقدیم السلطان أو نائبه. (4)وقال الکاشانی:إذا استوا بالورع و السنّ فأحسنهم خلقاً فإن کانوا فیه سواء فأحسنهم وجهاً. (5)وقال الشافعی بأن فی الحج تقدّم رجل من آل أبی سائب أعجمی اللسان فاخّره المسوربن مخرمة و قدّم غیره فبلغ عمربن الخطاب فقال قد أحبت فقال:وأحب ما صنع المسور وأقرّه العمر إذا کان الإمام أعجمیاً. (6)ولا یوجد هناک نصّ أو إجماع کمدرک للحکم و إنّما هو الرأی الاجتهادی الخاص ولعلّه نشأ عن العربیة و العجمیة.

ص:189


1- (1) .المصدر السابق،ص266.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص125.
3- (3) .المغنی،ج2،ص181-183.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص137.
5- (5) .بدائع الصنائع،ج1،ص158.
6- (6) .الام،ج1،ص193.

منشأ الاختلاف

أمّا الاختلاف بالنسبة إلی نیة الإمام-الإمامة-فهو ناشئ عن الاجتهاد مع العلم أنّ الاختلاف هناک یسیر و هو ممّا لابأس به.و أمّا الاختلاف بالنسبة إلی من هو أولی وأحقّ بالإمامة مع تعدّد الأئمّة فهو ناشئ عن الاجتهاد الخاص بالنسبة إلی تقدیم السلطان و هوعلی خلاف النص و التسالم.ومن حسن الحظّ أنّه هناک نص من-الطریقین-صرّح بتقدیم من له الفضائل من الأجودیة فی القرائة و الأفقهیة فی الأحکام و الأسنیة فی الإسلام.

ص:190

الخلاصة

الجماعة فی الصلاة واجبة علی المذهب الحنبلی ومستحبّة أکیدة علی المذاهب الأربعة الاُخری.

یشترط العدالة لإمام الجماعة علی المذهب الجعفری و المالکی و الحنبلی،ولایتشرط العدالة للإمام علی المذهب الحنفی و الشافعی.

یشترط فی إمام الجماعة طهارة المولد علی المذهب الجعفری ولا یشترط ذلک علی المذاهب الأربعة.

لامجال للجماعة فی النوافل علی المذهب الجعفری ولها مجال علی المذاهب الأربعة.

یشترط اتّحاد الصلاة فی الجماعة بین الإمام و المأموم ظهراً وعصراً وغیرهما علی المذاهب الأربعة،ولا یشترط ذلک علی المذهب الجعفری.

تحقّق الاتّصال فی صفوف الجماعة وتحقّق المتابعة بحسب تشخیص العرف.

إذا تحقّق الاقتداء فی الرکعة الأخیرة للإمام ووقعت رکعة اولی للمأموم یوجب انقلاباً لماهیة الصلاة.

ولا دلیل علی نیة الإمامة للإمام فی الجماعة.

والأولی بالإمامة-عند التشاحّ-أفضلهم بحسب النصّ.

ص:191

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی اشتراط العدالة لإمام الجماعة؟

2.هل یشترط لإمام الجماعة طهارة المولد؟

3.ما هو المعیار بالنسبة إلی اتّصال الصفوف فی الجماعة؟

4.هل یجوز الاقتداء إذا اختلفت الصلاتان فی الأرکان؟

5.هل تجب نیة الاقتداء علی المذاهب کلّها أو تختلف فیه الآراء؟

6.من هو الأحقّ بالإمامة عند تعدّد الأئمّة؟

ص:192

15- صلاة الجمعة (2)

اشارة

لاریب فی وجوب صلاة الجمعة کتاباً وسنّة وإجماعاً بین المسلمین کافّة،ولاخلاف فی کیفیتها إلاّ الیسیر وعلیه نشیر إلی أهمّ الفتاوی فی هذا الحقل حتّی یتبین لنا موارد الخلاف ومناشئه و التفصیل بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:صلاة الجمعة رکعتان کصلاة الصبح وتمتاز عنها بخطبتین قبلها،ففی الأولی منهما:یقوم الإمام ویحمد الله ویثنی علیه ویوصی بتقوی الله ویقرأ سورة من الکتاب العزیز،ثمّ یجلس قلیلاً،وفی الثانیة یقوم ویحمد الله ویثنی علیه ویصلّی علی محمّد صلی الله علیه و آله وعلی أئمّة المسلمین علیهم السلام ویستغفر للمؤمنین و المؤمنات ویعتبر فی وجوب صلاة الجمعة أمور:1.دخول الوقت و هو زوال الشمس؛2.اجتماع سبعة أشخاص أحدهم الإمام؛3.وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة وغیرها.

إذا اقیمت الجمعة فی بلد واجدة لشرائط الوجوب و الصحّة وجب الحضور-علی الرجال-علی الأحوط. (1)

ص:193


1- (1) .منهاج الصالحین،ج1،ص185 و186.

المذاهب الاربعة

قالابن قدامة:یشترط للجمعة خطبتان-علی المذهب الحنبلی-و هذا مذهب الشافعی.

وقال مالک:یجزیه خطبة واحدة-لما روی أنّ النبی صلی الله علیه و آله خطب خطبة تامّة-وقال أبوحنیفة:لو أتی بتسبیحة واحدة أجزأه،لأنّ الله تعالی قال: ...فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللّهِ... (1)ولم یعین ذکراً فأجزأ ما یقع علیه إسم الذکر ویقع إسم الخطبة.

فأمّا القرائة،ظاهر کلام الخرقی-أنّه یشترط القرائة فی کلّ واحدة من الخطبتین،لأنّ الخطبتین اقیمتا مقام رکعتین فکانت القرائة شرطاً فیها کالرکعتین-و أمّا مقدار القرائة فهو ممّا اختلفت فیه الآراء،والأحوط قرائة السورة-لما روی الشعبی قال:کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صعد المنبر یوم الجمعة استقبل الناس فقال:السلام علیکم،ویحمد الله ویثنی علیه ویقرأ سورة ثمّ یجلس ثمّ یقوم فیخطب. (2)

یظهر ممّا تقدّم:أنّ تفرّد المذهب المالکی بالنسبة إلی اجتزاء خطبة واحدة،وکذلک تفرّد المذهب الحنفی بالنسبة إلی اجتزاء تسبیحة واحدة فی الخطبة هو علی خلاف الاحتیاط.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة من الطریقین وعن الاختلاف فی الاجتهاد.والحکم بوجوب الجلوس بین الخطبتین علی المذهب الجعفری و الشافعی لایخالف الحکم باستحبابه علی المذاهب الثلاثة الأخری،من ناحیة عملیة فلا خلاف بحسب الواقع.

إذا لم یکن المصلّون أهل اللغة العربیة،الأولی هو الجمع بین اللغتین بلا خلاف فیه.

ص:194


1- (1) .جمعه:9.
2- (2) .المغنی،ج2،ص304 و305.

کما قال السید الخوئی:الأحوط هو الجمع بین اللغة العربیة ولغة الحاضرین. (1)

العدد المشترط فی الجمعة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی عدد الأفراد الّذین تنعقد بهم صلاة الجمعة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:یعتبر فی وجوب صلاة الجمعة أمور-منها-:اجتماع سبعة أشخاص أحدهم الإمام. (2)وقال المحقّق صاحب الجواهر-أنّ العدد هو السبعة-:لأنّه هو الّذی تجتمع به نصوص المقام مفهوماً ومنطوقاً. (3)

ومن النصوص الواردة حول تعیین العدد.صحیحة زرارة قال قلت لأبی جعفر الإمام الباقر علیه السلام:علی من تجب الجمعة؟قال:سبعة نفر من المسلمین. (4)ومنها:صحیحة عمربن زید عن الإمام الصادق علیه السلام قال إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلّوا فی جماعة-إلی أن قال-ولیقعد قعدة بین الخطبتین. (5)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:یشترط فی الجماعة الّتی تصحّ بها الجمعة أن تکون بثلاثة غیر الإمام-علی المذهب الحنفی-. (6)

ص:195


1- (1) .منهاج الصالحین،ج1،ص185.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .الجواهر،ج11،ص198.
4- (4) .الوسائل،ج5،ص8 و9،باب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها،ح4 و10.
5- (5) .المصدر السابق.
6- (6) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص388.

وقال ابن قدامة:قال أبوحنیفة:تنعقد-الجمعة بأربعة مع الإمام-لأنّه عدد یزید علی أقلّ الجمع المطلق؛ولأنّ الله تعالی قال: ...نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللّهِ... و هذه صیغة الجمع فیدخل فیه الثلاثة. (1)

المذهب الحنبلی و الشافعی

قال الجزیری:یشترط فی جماعة الجمعة شروط أحدها:أن یکونوا أربعین ولو بالإمام.فلا تنعقد بأقلّ من ذلک. (2)

وقال ابن قدامة:فأمّا الأربعون فالمشهور فی المذهب،أنّه شرط لوجوب الجمعة وصحّتها،و هو مذهب مالک و الشافعی وروی عن جابربن عبدالله قال مضت السنّة أنّ فی کلّ أربعین فما فوقها جمعة. (3)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة من الطریقین وعن الاختلاف فی الاجتهاد.

صلاة الآیات

لاخلاف بین المسلمین فی مشروعیة صلاة الآیات و إنّما الخلاف کلّه بالنسبة إلی وصفها وکیفیتها وموجباتها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

حکم صلاة الآیات

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب صلاة الآیات أو استحبابها،والیک الآراء حیالها:

ص:196


1- (1) .المغنی،ج2،ص328.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص388.
3- (3) .المغنی،ج2،ص328 و329.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وهی-صلاة الآیات-واجبة. (1)

ذلک؛للنصوص منها:صحیحة جمیل عن الإمام الصادق علیه السلام قال فی حدیث:وهی فریضة. (2)وأضاف السید الطباطبائی:و أمّا وقتها فی الکسوفین هو من حین الأخذ إلی تمام الانجلاء فتجب المبادرة إلیها بمعنی عدم التأخیر إلی تمام الانجلاء،والأحوط عدم نیة الأداء و القضاء علی فرض التأخیر.و أمّا الزلزلة وسائر الآیات المخوفة فلا وقت لها بل یجب المبادرة إلی الإتیان بها بمجرّد حصولها،و إن عصی فبعده إلی آخر العمر. (3)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:صلاة کسوف الشمس سنّة مؤکّدة؛و قد ثبت لقوله صلی الله علیه و آله:«إنّ الشمس و القمرآیتان من آیات الله لاینکسفان لموت أحد ولالحیاته،فإذا رأیتم ذلک فصلّوا وادعوا،حتّی ینکشف ما بکم». (4)والحدیث متّفق علیه.وقال ابن قدامة:صلاة الکسوف ثابتة بسنّة رسول الله صلی الله علیه و آله ولا نعلم بین أهل العلم فی مشروعیتها خلافاً. (5)

والتحقیق أنّه لاریب فی أنّ صلاة الآیات ممّا أسّسها رسول الله صلی الله علیه و آله وأمر بإقامتها،حیث أنّ قوله صلی الله علیه و آله-فصلّوا-فی الحدیث الصحیح-متّفق علیه-وظاهر الأمر للوجوب وعلیه فالقول باستحبابها ممّا لایمکن المساعدة علیه دلیلاً وحجّة.قال السمرقندی:قال

ص:197


1- (1) .العروة الوثقی،ص239.
2- (2) .الوسائل،ج5،ص146،باب 1 من أبواب صلاة الکسوف،ح1.
3- (3) .العروة الوثقی،ص239.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص263.
5- (5) .المغنی،ج2،ص420.

بعض مشایخنا:إن صلاة الآیات واجبة؛لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«إذا رأیتم من هذه الافزاع فافزعوا إلی الصلاة»وظاهر الأمر للوجوب. (1)

الکیفیة

اشارة

اختلفت الآراء حول الکیفیة بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:و أمّا کیفیتها،فهی رکعتان،فی کلّ منهما،خمس رکوعات وسجدتان بعد الخامس من کلّ منهما فیکون المجموع:عشر رکوعات وسجدتان بعد الخامس وسجدتان بعد العاشر.وتفصیل ذلک:أن یکبّر للإحرام مقارناً للنیة ثمّ یقرأ الحمد وسورة،ثمّ یرکع،ثمّ یرفع رأسه ویقرأ الحمد وسورة،ثمّ یرکع وهکذا حتّی یتمّ خمساً فیسجد بعد الخامس سجدتین،ثمّ یقوم للرکعة الثانیة فیقرأ الحمد وسورة ثمّ یرکع وهکذا إلی العاشر فیسجد بعده ویشهّد ویسلّم، (2)ذلک للنصّ الوارد فی الباب.

المذاهب الاربعة

قال الشافعی بأنّه إذا خسفت الشمس یتوجه الإمام إلی المصلّی فیأمر بالصلاة جامعة،وهی رکعتان کلّ رکعة ذات رکوعین ویقرأ فیها نحو 1086،آیة. (3)

قال الجزیری:اتّفق ثلاثة من الأئمّة علی أنّها(صلاة الآیات)رکعتان ویزید فی کلّ رکعة منها قیاماً ورکوعاً فتکون کلّ رکعة مشتملة علی رکوعین وقیامین.وخالف

ص:198


1- (1) .تحفة الفقهاء،ج1،ص181.
2- (2) .العروة الوثقی،ص239.
3- (3) .مختصر المزنی،ص32.

الحنفیة فی ذلک،قالوا:صلاة الکسوف لاتصحّ برکوعین وقیامین بل لابدّ من قیام واحد ورکوع واحد کهیئة النفل بلا فرق وقالوا:أقلّها رکعتان وله أن یصلّی أربعاً أو أکثر و الأفضل أن یصلّی أربعاً بتسلیمة واحدة أو بتسلیمتین.

وقالوا:یسنّ تطویل القرائة فی الرکعة الأولی بنحو سورة البقرة وفی الثانیة بنحو سورة آل عمران. (1)

قال ابن قدامة:وجاء التقدیر فی حدیث ابن عبّاس أنّ النبی صلی الله علیه و آله قام قیاماً طویلاً نحواً من سورة البقرة متّفق علیه.وفی حدیث آخر أنّه صلی الله علیه و آله قرأ فی الرکعة الأولی:سورة البقرة وفی الثانیة سورة آل عمران وبهذا قال مالک و الشافعی. (2)فاتّفقت المذاهب علی استحباب قرائة هاتین السورتین کما اتّفقت علی تطویل الرکوع و السجود.

الأسباب و الموجبات

اشارة

اتّفقت الآراء فی سببیة الکسوفین بالنسبة إلی صلاة الآیات واختلفت فی سائر الموجبات،والاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:یندب أن یصلّی رکعتین عند الفزع من الزلزال أو الصواعق،أو الظلمة و الریح الشدیدین أو نحو ذلک من الأهوال؛لأنّها آیات من الله تعالی یخوّف بها عباده لیترکوا المعاصی ویرجعوا إلی طاعته،وهی کالنوافل المطلقة.و هذا متّفق علیه عند المالکیة و الحنفیة.

و أمّا الحنابلة فقالوا:لاتندب الصلاة لشیء من الأشیاء المذکورة إلاّ للزلازل،أمّا

ص:199


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص364.
2- (2) .المغنی،ج2،ص422.

الشافعیة:فلم یذکروا أنّ الصلاة مندوبة لشیء من هذا الأمور. (1)

قال ابن قدامة:قال أصحاب الرأی:الصلاة لسائر الآیات حسنة؛لأنّ النبی صلی الله علیه و آله علّل الکسوف بأنّه آیة من آیات الله تعالی یخوّف بها عباده،وصلّی ابن عبّاس للزلزلة بالبصرة،رواه أبوسعید وقال مالک و الشافعی:لایصلّی لشیء من الآیات سوی الکسوف؛لأنّ النبی صلی الله علیه و آله لم یصلّ لغیره.ووجه الصلاة للزلزلة أنّ ابن عبّاس صلّی لها. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:وسببها أمور:الأوّل و الثانی:کسوف الشمس وخسوف القمر،الثالث:الزلزلة،الرابع:کلّ مخوف سماوی أو أرضی کالریح الأسود أو الأحمر أو الأصفر و الظلمة الشدیدة و الصاعقة و الصیحة،وغیر ذلک من الآیات المخوفة عند غالب الناس ولا عبرة بغیر المخوف من هذه المذکورات. (3)

ذلک کلّه للنصوص الواردة فی الباب.

منها:خبر علی بن عبدالله قال:سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول:إنّه لما قبض إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله جرت ثلاث سنن أمّا واحدة:فإنّه لمّا انکسفت الشمس فقال الناس:انکسفت الشمس لفقد ابن رسول الله صلی الله علیه و آله فصعد رسول الله صلی الله علیه و آله المنبر؛فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال:یا أیها الناس إنّ الشمس و القمرآیتان من آیات الله یجریان بأمره مطیعان له لاینکسفان لموت أحد ولا لحیاته،فإذا انکسفتا أو واحدة منهما فصلّوا،ثمّ نزل فصلّی بالناس صلاة الکسوف. (4)وروی هذا الحدیث عن طریق الصحابة بسند متّفق علیه. (5)

ص:200


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص367.
2- (2) .المغنی،ج2،ص429.
3- (3) .العروة الوثقی،ص239.
4- (4) .المغنی،ج2،ص420.
5- (5) .الوسائل،ج5،ص144،باب 1 من أبواب صلاة الکسوف،ح10.

ومنها:صحیحة زرارة ومحمّدبن مسلم قالا:قلنا لأبی جعفر-الإمام الباقر علیه السلام-هذه الریاح و الظلم...هل یصلّی لها؟قال:«کلّ أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصلّ له صلاة الکسوف». (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی کیفیة صلاة الآیات ناشئ من الاختلاف فی النصوص،والاختلاف فی الاجتهاد إلاّ أنّ الاختلاف بین المذاهب الأربعة وبین المذهب الجعفری بالنسبة إلی وجوب تلک الصلوات واستحبابها ناشئ عن الإجماع المحقّق عند أهل السنّة فحسب؛ذلک لأنّه وردت نصوص صحیحة من طریق الصحابة،الدالّة علی الأمر بإتیان تلک الصلوات وثبت من هذا الطریق أنّ النبی صلی الله علیه و آله بادر إلی إتیان صلاة الآیات،فإنّها صلاة أسّسها النبی صلی الله علیه و آله ومع ذلک اتّفقت المذاهب الأربعة علی استحباب تلک الصلاة فتبین أنّ هذا الحکم هو علی أساس إجماع أهل السنّة.

مبطلات الصلاة

اتّفقت المذاهب بالنسبة إلی مبطلات الصلاة المشهورة کالتکلّم بکلام أجنبی أثناء الصلاة،والأکل و الشرب و القهقهة و التحوّل عن القبلة،وتحقّق ناقض الطهارة وما شاکلها،ولاخلاف إلاّ فی موارد قلیلة جدّاً متمثّلة فی الموارد التالیة:

مبطلیة الکلام السهوی

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی مبطلیة التکلّم بکلام أجنبی سهواً وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ص:201


1- (1) .المصدر السابق،باب 2 من أبواب صلاة الکسوف،ح1.

المذهب الجعفری

التکلّم إذا کان عن سهو لایبطل الصلاة-وعلی الساهی عند ذلک سجودالسهو و هو الرأی-أیضاً علی المذهب الشافعی و المالکی. (1)ذلک لتقدیم أدلّة السهو علی أدلّة العمد-بنحو الحکومة-فی شتّی الموارد.

المذهب الحنبلی و الحنفی

قال الجزیری:الکلام الأجنبی فی الصلاة مبطل لها علی المذهبین-ولو کان المتکلّم ساهیاً. (2)ذلک أخذاً بإطلاق أدلّة المبطلات ترجیحاً علی أدلّة السهو.

ردّ السلام

اشارة

قال الجزیری:إذا سلّم علیه رجل و هو یصلّی،فردّ علیه السلام بلسانه بطلت صلاته،أمّا إذا ردّ علیه بالإشارة فإنّها،لاتبطل باتّفاق. (3)ذلک؛لتحقّق التکلّم بکلام أجنبی مبطل.

المذهب الجعفری

قال الطباطبائی الیزدی:یجوز ردّ سلام التحیة فی أثناء الصلاة بل یجب ذلک لعموم قوله تعالی: إِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها... . (4)

قال المحقّق صاحب الجواهر:-إنّ الحکم کذلک-:بلا خلاف أجده فی عدم مانعیة الصلاة من ردّ السلام،بل الإجماع بقسمیه علیه و النصوص مستفیضة فیه إن لم تکن متواترة.

ص:202


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص298.
2- (2) .المصدر السابق،ص297.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص305.
4- (4) .العروة الوثقی،ص234؛نساء/86.

منها:موثّق سماعة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«یردّ بقوله:سلام علیکم ولا یقول علیکم السلام فإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان-یردّ السلام-هکذا».مؤیداً بأنّها صیغة قرآنیة-ثبت-عدم منافاتها الصلاة؛لأنّها قرآن لاینافیه إرادة الردّ منه. (1)

التکلّم حال النوم

قال الجزیری:إذا تکلّم فی صلاته و هونائم علی هذه الحالة فإنّها لاتبطل علی المذهب الحنبلی،فقال:والظاهر یؤید من قال ببطلان الصلاة-الأئمّة الثلاثة-لأنّ الّذی ینام فی صلاته ویتکلّم بکلام أجنبی یکون غافلاً عن ربّه تمام الغفلة فما قیمة صلاة من یفعل هذا؟ (2)والملاحظة فی محلّها،والصلاة حال النوم باطلة من الأساس علی المذهب الجعفری؛لعدم تحقّق الأرضیة للصلاة آنذاک.

بطلان الصلاة بمرور الکلب

قال الخرقی:ولا یقطع الصلاة إلاّ الکلب الأسود البهیم.وقال ابن قدامة:إذا مرّ بین یدیه،هذا المشهور عن أحمد نقله الجماعة عنه،و هذا قول عائشة وحکی عن طاوس وروی عن معاذ ومجاهد أنّهما قالا:الکلب الأسود البهیم شیطان.و هو یقطع الصلاة،وعن أحمد روایة أخری أنّه یقطعها الکلب الأسود و المرأة،إذا مرّت و الحمار إلی أن قال-:ثمّ هذه الأحادیث کلّها فی المرأة و الحمار یعارض حدیث أبی هریرة وأبی ذر فیهما،فیبقی الکلب الأسود خالیاً عن معارض فیجب القول به؛لثبوته وخلوّه عن معارض (3)وبهذا یتبین أنّ الحکم المذکور محلّ وفاق بین

ص:203


1- (1) .الجواهر،ج11،ص102.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص298.
3- (3) .المغنی،ج2،ص249-251.

المذاهب الأربعة.و أمّا المذهب الجعفری فیخالف فیه-أی الحکم ببطلان الصلاة بواسطة مرور الکلب الأسود بین یدی المصلّی-أشدّ المخالفة،قائلاً بعدم الدلیل علی ذلک وأنّه أشبه بالمو هومات.

الناقض غیر المبطل

اتّفقت المذاهب کلّها علی أنّ نواقض الطهارة-الحدث و البول ونحوهما-مبطلات الصلاة فی مطلق الأحوال وخالف فیه المذهب الحنفی قائلا:إنّما یبطل طروّ ناقض لهذه الأمور إذا کان قبل القعود الأخیر بقدر التشهّد.أمّا إذا طرأ بعده فلا تبطل به الصلاة علی الراجح. (1)ذلک لما مرّ بنا فی بحث الصلاة من أنّ التسلیم لایکون المخرج الوحید عن الصلاة علی المذهب الحنفی،بل یمکن الخروج من الصلاة بواسطة النواقض.

المرور بین یدی المصلی

اشارة

قال الجزیری:یحرم المرور بین یدی المصلّی علی المذاهب الأربعة إلاّ أنّ للشافعی هناک ملاحظة قائلاً:یحرم المرور بین یدی المصلّی إلاّ إذا اتّخذ سترة-أی ما یجعله المصلّی أمامه کحاجز-وإلاّ فلا حرمة ولا کراهة.

المذهب الحنفی و المالکی

یحرم علی المصلّی أن یتعرّض بصلاته لمرور الناس بین یدیه،بأن یصلّی بدون سترة بمکان یکثر فیه المرور، (2)ویکره ذلک علی المذهب الشافعی و الحنبلی.

ص:204


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص307.
2- (2) .المصدر السابق،ص272.

المذهب الجعفری

لایحرم المرور بین یدی المصلّی لعدم الدلیل علیه،و إن کان للاجتناب عن المرور أهمیته إحتراماً للصلاة.

الریاء فی الصلاة

اشارة

وممّا أعدّه المذهب الجعفری مبطلاً للصلاة الریاء،فإنّ المصلّی إذا کان مرائیاً أثناء الصلاة تبطل صلاته.

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی نیة الصلاة ومطلق العبادات الخلوص من الریاءفلونوی بها الریاء بطلت الصلاة،بل هو من المعاصی الکبیرة؛لأنّه شرک بالله تعالی. (1)والحکم مستفاد من الأدلّة القطعیة،منها:قوله تعالی وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ... . (2)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی مبطلات الصلاة ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد علی الأغلب إلاّ أنّ ذلک فی بعض الموارد-کمبطلیة مرور الکلب الأسود-ناشئ عن وجود النصّ وعدمه،حیث هناک نصّ من طریق الصحابة الدالّ علی الحکم المذکور،ولم یکن هناک نصّ من طریق آل البیت علیهم السلام.

ص:205


1- (1) .العروة الوثقی،ص194.
2- (2) .البیّنة:5.

الخلاصة

اتّفق أکثر المذاهب علی اشتراط الخطبتین فی صلاة الجمعة وخالف فیه قلیل منهم قائلاً بکفایة خطبة واحد.

لاخلاف فی اشتراط الجماعة فی الجمعة و إنّما الخلاف بالنسبة إلی أقلّ عدد ینعقد به الجماعة هناک.

اتّفقت المذاهب کلّها بالنسبة إلی مشروعیة صلاة الآیات،واختلفت بالنسبة إلی وجوبها واستحبابها.

لاخلاف فی أنّ الکسوفین و الزلزال من الآیات الموجبة للصلاة و إنّما الخلاف بالنسبة إلی غیرها من الآیات المخوفة.

لاخلاف بین المذاهب بالنسبة إلی المبطلات المشهورة للصلاة،و إنّما الخلاف بالنسبة إلی الفروع الیسیرة کالاختلاف فی مبطلیة التکلّم بکلام أجنبی-أثناء الصلاة-إذا کان عن سهو.

ص:206

الأسئلة

1.هل یشترط قرائة القرآن فی خطبة الجمعة،أو یکتفی بالذکر و التسبیح؟

2.هل یشترط العربیة فی الخطبة إذا لم یکن المصلّون عرباً؟

3.صلاة الآیات واجبة أو مندوبة؟

4.ما هو المقصود من الآیات فی صلاة الآیات؟

5.ردّ السلام أثناء الصلاة واجب أو حرام أو مبطل؟

6.ما هو المقصود من الناقض غیر المبطل علی المذهب الحنفی؟

ص:207

ص:208

16- صلاة المسافر

اشارة

اتّفقت المذاهب کلّها بالنسبة إلی قصر الصلوات الرباعیة فی السفر؛ذلک للأدلّة القطعیة التالیة:

1.الکتاب قوله تعالی: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا... . (1)وأجود تفسیر لهذا النصّ،هوما روی زرارة ومحمّدبن مسلم-بسند صحیح-عن الإمام الباقر علیه السلام قالا قلنا له:إنّما قال الله-عزّوجلّ-ولیس علیکم جناح،ولم یقل:افعلوا،فکیف وجب ذلک فقال علیه السلام:أولیس قدقال الله عزّوجلّ فی الصفاوالمروة: ...فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما... . (2)ألا تری أنّ الطواف بهما واجب مفروض،لأنّ الله عزّوجلّ ذکره فی کتابه وصنعه نبیه صلی الله علیه و آله وکذلک التقصیر. (3)

وقال ابن قدامة:ظاهر القرآن إباحة القصرلمن ضرب فی الأرض؛لقوله تعالی:

ص:209


1- (1) .النساء:101.
2- (2) .البقره:158.
3- (3) .الوسائل،ج5،ص538،باب 22 من أبواب صلاة المسافر،ح2.

وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ... .و قد سقط شرط الخوف-إن خفتم-بالخبر،فبقیت الآیة متناولة کلّ ضرب فی الأرض. (1)

2.السنّة:وهی متواترة،قال ابن قدامة:أمّا السنّة فقد تواترت الأخبار،أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله،کان یقصر فی أسفاره حاجّاً ومعتمراً وغازیاً.وقال ابن عمر:صحبتُ رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی قبض-یعنی فی السفر-وکان لایزید علی رکعتین.

وأجمع أهل العلم علی أنّ من سافر سفراً تقصر فی مثله الصلاة،له أن یقصر الرباعیة فیصلّیها رکعتین. (2)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:ادّعی غیر واحد علیه-أی القصر فی السفر-الإجماع،بل الضرورة من الإمامیة.ویدلّ علیه النصوص الکثیرة. (3)

منها:صحیحة زرارة ومحمّدبن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«فصار التقصیر فی السفر واجباً کوجوب التمام فی الحضر». (4)

کمّیة السفر

اشارة

ثمّة اختلاف ملحوظ بین الفقهاء بالنسبة إلی المسافة فرسخاً ومیلاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لا إشکال فی وجوب القصر علی المسافر مع اجتماع

ص:210


1- (1) .المغنی،ج2،ص257.
2- (2) .المغنی،ج2،ص255.
3- (3) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص3.
4- (4) .الوسائل،ج5،ص538،باب 22 من أبواب صلاة المسافر،ح2.

الشرائط بإسقاط الرکعتین الأخیرتین من الرباعیات-وأوّل شرط فی القصر-:هو المسافة وهی ثمانیة فراسخ امتدادیة ذهاباً وإیاباً أو ملفّقة من الذهاب و الإیاب. (1)وقال السید الطباطبائی الحکیم:فلا یعتبر الزائد علیها إجماعاً وتدلّ علیه النصوص المستفیضة. (2)منها:موثّقة سماعة عن الإمام الصادق علیه السلام قال سألته عن المسافر فی کم یقصر الصلاة؟فقال علیه السلام:«فی مسیرة یوم،وذلک بریدان وهی:ثمانیة فراسخ». (3)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:یشترط لصحّة قصر الصلاة شروط منها:أن یکون السفر مسافة تبلغ ستّة عشر فرسخاً،ذهاباً فقط-و هذه المسافة تساوی ثمانین کیلو ونصف کیلو ومائة وأربعین متراً-وتقدیر المسافة بهذا متّفق علیه بین الأئمّة الثلاثة ماعدا الحنفیة فإنّهم-قالوا:المسافة مقدّرة بالزمن و هو:ثلاثة أیام من أقصر أیام السنة،ویکفی أن یسافر فی کلّ یوم من الصباح إلی الزوال،والمعتبر السیر الوسط-أی-سیر الإبل.

وبعض الحنفیة یقدّرها بالفرسخ،ولکنّه یقول:إنّها أربعة وعشرون فرسخاً. (4)

قال مالک:إذا رجع الرجل من سفره فإن کان علی میل یقصر الصلاة. (5)

اختلاف النصوص

قال ابن قدامة:قیل لأبی عبدالله:فی کم تقصر الصلاة؟قال:فی أربعة برد-وهی ستّة عشر فرسخاً،ومسیرة یومین.وإلیه ذهب مالک و الشافعی وروی عن ابن عبّاس

ص:211


1- (1) .العروة الوثقی،ص304 و305.
2- (2) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص4.
3- (3) .الوسائل،ج5،ص492،باب 1 من أبواب صلاة المسافر،ح8.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص472 و473.
5- (5) .المدونة الکبری،ج1،ص118.

بأنّه قال:یقصر فی الیوم ولا یقصر فیما دونه.

ویروی عن ابن مسعود:أنّه یقصر فی مسیرة ثلاثة أیام،وبه قال أبوحنیفة؛لقول النبی صلی الله علیه و آله:«یمسح المسافر ثلاثة أیام ولیالیهنّ»،و هذا یقتضی أنّ کلّ مسافر له ذلک؛ولأنّ الثلاثة متّفق علیها،ولیس فی أقلّ من ذلک توفیق ولا اتّفاق.وروی عن جماعة من السلف ما یدلّ علی جواز القصر فی أقلّ من یوم،فقال الأوزاعی:کان أنس یقصر فیما بینه وبین خمسة فراسخ.

وروی عن علی علیه السلام:أنّه خرج من قصره بالکوفة،حتّی أتی النخلة فصلّی بها الظهر و العصر رکعتین،ثمّ رجع من یومه فقال:أردت أن أعلّمکم سنّتکم.

وقال المصنّف-الخرقی-ولا أری لما صار إلیه الأئمّة حجّة؛لأنّ أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجّة فیها مع الاختلاف. (1)

منشأ الاختلاف

ممّا تقدم،ظهر بأنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص.

التعیین و التخییر

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب القصرتعییناً وتخییراً وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:یجب القصر علی المسافر فی الصلوات الرباعیة. (2)ذلک؛لما مرّ بنا من النصّ الدالّ علی الوجوب صریحاً وبه یتمّ المطلوب-أی التعیین-؛مضافاً إلی أنّ مقتضی الإطلاق هو التعیین،و أمّا التخییر فیحتاج إلی دلیل خاصّ یدلّ

ص:212


1- (1) .المغنی،ج2،ص255-257.
2- (2) .تحریر الوسیلة،ج1،ص232.

علیه،وعلیه فمقتضی دلیل القصر-بحسب القاعدة-هو التعیین.و هذا هو رأی-المذهب الحنفی-أیضاً.

المذاهب الثلاثة الأخری

قال ابن قدامة:المشهور عن أحمد:أنّ المسافر إن شاء صلّی رکعتین و إن شاء أتمّ،وبه قال الشافعی ومالک-وعلیه إذا یقتدی المسافر بالمقیم یتعین علیه الإتمام تبعاً للإمام-وقال حمّادبن أبی سلیمان:لیس له الإتمام فی السفر و هو قول أبی حنیفة ولنا:قول الله تعالی.و هذا یدلّ علی أنّ القصر رخصة مخیر بین فعله وترکه،کسائر الرخص. (1)

قال الشافعی:والکتاب-إذا ضربتم فی الأرض-یدلّ علی أن القصر فی السفر بلا خوف رخصة من الله تعالی. (2)

قال السمرقندی:أمّا قصر الصلاة فهو عزیمة و الإکمال مکروه ومخالفته للسنة ولکن سمّی رخصة مجازاً.

قال الشافعی:لا تثبت-الرخصة-بسفر هو معصیة؛لأنّ الجانی لایستحق التخفیف لکنا نقول:أنّ النصوص الّتی وردت فی قصر الصلاة فی حق المسافر لاتفصل بین سفر وسفر،وأصله ما روی عن عمر قال:صلاة المسافر رکعتان تمام غیر قصر علی لسان نبیکم. (3)

منشأ الاختلاف

إنّ المنشأ الوحید للاختلاف بالنسبة إلی التعیین و التخییر هو الاختلاف فی فهم المعنی من الآیة المذکورة فالحکم بالتخییر ناشئ عن القول بأنّ ظاهر قوله تعالی: لا جُناحَ

ص:213


1- (1) .المغنی،ج2،ص 267 و 268.
2- (2) .الام،ج1،ص 208.
3- (3) .تحفة الفقهاء،ص 149.

عَلَیْکُمْ أَنْ تَنْکِحُوهُنَّ ،هو الترخیص ولم یکن هناک بیان جازم علی وجوب القصروعلیه کان القصر من الرخص الشرعیة الّتی نتیجتها التخییر.

و أمّا الحکم بالتعیین فهو ناشئ عن القول بأنّ معنی الآیة- ...فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا... -رفع التکلیف السابق ومفادها إعلام التقصیر فی الصلاة امتناناً علی العباد.کما هو القاعدة-أی رفع تکلیف السابق وإتمامه من جانب وبیان حکم واجب من جانب آخر-فی قوله تعالی: ...فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما... .و هذا ما صرّح به النصّ الصحیح الوارد عن الإمام الباقر علیه السلام و قد مرّ بنا فی مطلع البحث.

ما هو مصداق السفر؟

اشارة

لاخلاف هناک بالنسبة إلی جواز القصر بعد تحقّق السفر الشرعی و إنّما الاختلاف فی ما یصدق علیه السفر وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

یتحقّق السفر بعد مفارقة بنیان البلد فیجوز القصر عند ذلک. (1)

ذلک؛لصدق السفر الشرعی بعد المفارقة،کما قال ابن قدامة:قال ابن المنذر:أجمع کلّ من نحفظ عنه من أهل العلم:أنّ للّذی یرید السفر:أن یقصر الصلاة إذا خرج من بیوت القریة الّتی یخرج منها. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:ومن شرائط القصر:الوصول إلی حدّ الترخّص و هو:

ص:214


1- (1) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص140.
2- (2) .المغنی،ج2،ص260.

المکان الّذی یتواری عنه جدران بیوت البلد ویخفی عنه أذانه، (1)فلا یتحقّق السفر الشرعی إلاّ بعد اختفاء الجدران،وعدم سماع الأذان.ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة محمّدبن مسلم،قال:قلت لأبی عبدالله علیه السلام:الرجل یرید السفر فیخرج متی یقصر؟قال علیه السلام:«إذا تواری من البیوت». (2)

ومنها:صحیحة ابن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام،سؤالاً عن التقصیر قال علیه السلام:«إذا کنت فی الموضع الّذی لاتسمع فیه الأذان فقصّر». (3)دلّت علی تحدید الترخّص.

منشأ الاختلاف

لا شکّ،أنّ الخلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصّ والاجتهاد فالقول بتحدید الترخیص باختفاء الجدران و الأذان یکون علی أساس النصّ الخاصّ و القول بتحقّق السفر الشرعی بواسطة مفارقة البیوت یکون علی أساس الاجتهاد.

إباحة السفر

قال ابن قدامة:ولا تباح هذه الرخص فی سفر المعصیة کالإباق وقطع الطریق و التجارة فی الخمر و المحرّمات وقال أبوحنیفة:له ذلک-أی القصر-احتجاجاً بما ذکرنا من النصوص-الدالّة علی القصر-ولأنّه مسافر فأبیح له الترخیص کالمطیع،ولنا:قوله تعالی: ...فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ... . (4)أباح الأکل-فی قصر الصوم-لمن لم یکن عادیاً ولا باغیاً فلا یباح لباغ ولاعاد. (5)

ص:215


1- (1) .العروة الوثقی،ص312.
2- (2) .الوسائل،ج5،ص505،باب 6 من أبواب صلاة المسافر،ح1.
3- (3) .المصدر السابق،ص506،ح 3.
4- (4) .البقره:173.
5- (5) .المغنی،ج2،ص262.

وقال السید الطباطبائی الیزدی:من الشروط أن لا یکون السفر حراماً وإلاّ لم یقصر،سواء کان نفسه حراماً کالفرار من الزحف أو کان غایته أمراً محرّماً کما إذا سافر لقتل نفس محترمة أو للسرقة أو لإعانة ظالم؛ذلک للنصوص الواردة عن المعصومین علیهم السلام.منها:صحیحة عمّاربن مروان عن الإمام الصادق علیه السلام إن سافر قصّر وأفطر،إلاّ أن یکون رجلاً سفره إلی صید أو معصیة الله تعالی،أو رسولاً لمن یعصی الله تعالی،أو فی طلب عدوّ،أو شحناء أو سعایة،أو ضرر علی قوم من المسلمین.إذاً قد اتّفقت المذاهب کلّها بالنسبة إلی ذاک الإشتراط إلاّ الحنفی ومنشأ تخلّفه-کما مرّ بنا-هو الأخذ بإطلاق النصوص الدالّة علی جواز القصر فی السفر.

نیة القصر

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی نیة القصر فی الصلاة،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب-فی النیة-تعیین العمل،ولا یجب قصد الأداء و القضاء ولا القصر ولا التمام؛ (1)لکفایة قصد العبادة ذاتها ولا دلیل علی اعتبار قصد الوجوه و العناوین الّتی تلحق الصلاة بحسب الإضافات و الحالات.و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی فیما روی عنه:متی نوی السفر کان فرضه رکعتین،و قد علمت أنّه لایلزمه فی النیة تعیین عدد الرکعات. (2)ذلک؛لعدم الدلیل علی اعتبار نیة الوجه.

ص:216


1- (1) .العروة الوثقی،ص193.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص478.

المذهب الحنبلی و الشافعی

یشترط أن ینوی القصر عندکلّ صلاة ولو لم یتحقّق النیة یتعین الإتمام،ذلک؛لعدم تحقّق القصر بدون القصد.کما قال ابن قدامة:إنّ الإتمام هو الأصل-وللمسافر أن یقصر وله أن یتمّ-وإطلاق النیة ینصرف إلی الأصل ولا ینصرف عنه إلاّبتعیین ما یصرفه إلیه-أی إلی نیة القصر-. (1)و هو نفس الرأی علی المذهب المالکی مع اختلاف یسیر فی کیفیة النیة،حیث روی عنه:بکفایة نیة القصر فی أوّل صلاة یقصرها فی السفر ولا یلزم تجدیدها فیما بعدها من الصلوات. (2)

نیة الإقامة

اشارة

لاخلاف بین المذاهب کلّها فی أنّ أحد قواطع السفر هو العزم علی الإقامة فی مکان ما،وحینئذ یتعین الإتمام إلاّ أنّ الاختلاف هو فی تحدید مدّة الإقامة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:من قواطع السفر العزم علی إقامة عشرة أیام متوالیات فی مکان واحد من بلد أو قریة أو فلاة من الأرض أو العلم بذلک و إن کان لا عن اختیار. (3)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:أنّ الحکم هناک ممّا لا إشکال فیه بل لعلّه من الضروریات،والنصوص الدالّة علیه مستفیضة لو لم تکن متواترة (4)ومن الروایات،

ص:217


1- (1) .المغنی،ج2،ص266.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص478.
3- (3) .العروة الثقی،ص315.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص106.

صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال قلت له:أرأیت من قدم بلدة إلی متی ینبغی له أن یکون مقصّراً؟ومتی ینبغی له أن یتمّ؟فقال علیه السلام:إذا دخلت أرضاً فأیقنت أنّ لک بها مقام عشرة أیام فأتمّ الصلاة.دلّت علی المطلوب بوضوح کامل.

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:المشهور عن أحمد:أنّ المدّة الّتی تلزم المسافر الإتمام بنیة الإقامة فیها،هی ما کان أکثر من إحدی وعشرین صلاة وعنه-أحمد-:إذا نوی إقامة أربعة أیام أتمّ و إن نوی دونها قصّر و هذا قول مالک و الشافعی،ذلک؛لأنّ الثلاث حدّ القلّة بدلیل قول النبی صلی الله علیه و آله:«یقیم المهاجر بعد قضاء منسکه ثلاثاً»فدلّ علی أنّ الثلاث فی حکم السفر ومازاد فی حکم الإقامة. (1)

المذهب الحنفی

یمتنع القصر إذا نوی الإقامة خمسة عشر یوماً متوالیة کاملة. (2)

ذلک؛لما روی عن ابن عمر وابن عبّاس،أنّهما قالا:إذا قدمت وفی نفسک أن تقیم بها خمس عشرة لیلة فأکمل الصلاة. (3)

التردّد فی البقاء

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:من القواطع التردّد فی البقاء وعدمه،ثلاثین یوماً إذا کان بعد بلوغ المسافة. (4)وقال السید الطباطبائی الحکیم:أنّ الحکم یکون

ص:218


1- (1) .المغنی،ج2،ص288.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص478.
3- (3) .المغنی،ج2،ص288.
4- (4) .العروة الوثقی،ص320.

کذلک إجماعاً،وتدلّ علیه النصوص المستفیضة. (1)

منها:صحیحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«و إن لم تدر ما مقامک بها،تقول غداً أخرج أو بعد غد،فقصّر ما بینک وبین أن یمضی شهر،فإذا تمّ لک شهر فأتمّ الصلاة،و إن أردت أن تخرج من ساعتک». (2)

وقال ابن قدامة:وروی عن علی علیه السلام قال:یتمّ الصلاة الّذی یقیم عشراً،ویقصر الصلاة الّذی یقول أخرج الیوم،أخرج غداً،شهراً. (3)فالحکم مروی عن الطریقین.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصّ والاجتهاد فإنّ مدّة الإقامة عشرة کاملة وردت فی النصوص عن طریق آل البیت علیهم السلام وعن طریق الصحابة وعلیه فإنّ هذا التحدید-عشرة أیام-أوثق من التحدیدات الأخری.

استمرار السفر

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:من اتّخذ السفر عملاً وشغلاً له،کالمکاری و الجمّال و الملّاح و الساعی و الراعی ونحوهم،فإنّ هؤلاء یتمّون الصلاة و الصوم فی سفرهم. (4)ذلک؛للإجماع و النصوص الواردة فی المقام منها:صحیحة زراة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«أربعة قدیجب علیهم التمام فی السفر کانوا أو فی الحضر:المکاری،والکری و الراعی والاشتقان». (5)دلّت علی أنّ من یستمر سفره لم یکن له قصر و هذا ما یذهب

ص:219


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص138.
2- (2) .الوسائل،ج5،ص526،باب 15 من أبواب صلاة المسافر،ح9.
3- (3) .المغنی،ج2،ص288.
4- (4) .العروة الوثقی،ص311.
5- (5) .الوسائل،ج5،ص515،باب 11 من أبواب صلاة المسافر،ح2.

إلیه المذهب الحنبلی بالنسبة إلی الملّاح فحسب،کما قال ابن قدامة:والملّاح الّذی یسیر فی سفینته ولیس له بیت سوی سفینته فیها أهله وتنوّره وحاجته لایباح له الترخیص.و أمّا الجمّال و المکاری فلهم الترخّص.وقال الشافعی:یقصر ویفطر الملّاح وغیره؛لعموم النصوص وقول النبی صلی الله علیه و آله:«إنّ الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة»رواه أبوداود. (1)و هذا أیضاً،وجهة نظر المذهب المالکی و الحنفی. (2)

منشأ الاختلاف

قد تبین ممّا مرّ أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی ورود النصّ وعدم وروده،حیث ورد النصّ-عن طریق آل البیت علیهم السلام-الدالّ علی عدم القصر لمن یستمرّ فی السفر کعمل له.بینما لم یرد نصّ عن طریق الصحابة یدلّ علی ذلک فیبقی عموم أدلّة القصر شاملاً للمسافرین أجمع.

ص:220


1- (1) .المغنی،ج2،ص265.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص141.

الخلاصة

لاخلاف فی قصر الصلوات الرباعیة فی السفر و إنّما الخلاف فی حدّ المسافة فرسخاً ومیلاً.

الروایات الواردة عن طریق الصحابة بالنسبة إلی تحدید المسافة مختلفة ومتعارضة.

الأصل فی القصر التعیین و أمّا التخییر بینه وبین الإتمام یحتاج إلی الدلیل.

حدّ الترخّص هو خفاء الأذان و الجدران علی المذهب الجعفری و هو-الحدّ-مفارقة بنیان البلد علی المذاهب الأربعة.

اختلفت الآراء بالنسبة إلی مدّة الإقامة،أوثقها مدرکاً العشرة.

من یستمرّ فی السفر یتمّ صلاته علی المذهب الجعفری و الحنبلی.

ص:221

الأسئلة

1.هل یستفاد التخییر بین القصر و الإتمام من الآیة الشریفة؟

2.ما هو المقصود من السفر المحرّم الّذی لایوجب القصر فی الصلاة؟

3.ما هو حکم المتردّد فی الإقامة؟

ص:222

17- صلاة المیت

الصلاة علی المیت

یوجد هناک اختلافات تتصل باقامة الصلاة وماله صلة بها وهی بما بلی:

إقامة الصلاة علی الشهید

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب الصلاة علی کل مسلم من غیر فرق بین العادل و الفاسق و الشهید وغیرهم (1).وقال السید الطباطبائی الحکیم بأنّ ذلک الحکم مما یقتضیه اطلاق النصوص مضافاً إلی خبر السکونی قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«لا تدعوا أحداً من أمتی بلاصلاة» (2)وإلی ما ورد فی نصوص الشهید (3)مما یظهر منه وجوب الصلاة علیه (4)و هذا هو

ص:223


1- (1) .العروة الوثقی،ص119.
2- (2) .الوسائل،ج2،ص814،باب 37 من أبواب صلاة الجنازة،ح 3.
3- (3) .المصدر السابق،ص698،باب 14 من أبواب غسل المیت،ح 1 و 2 و 3.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج4،ص211.

رأی الحنفی،لعموم الدلیل وروی عن ابن عباس أن النبی صلی الله علیه و آله صلّی علی قتلی احد. (1)المذاهب الثلاثة الأخری

قال الجزیری:ومنها-شروط صلاة الجنازة-أن لا یکون شهیداً فتحرم الصلاة علیه لحرمة غسله باتفاق ثلاثة،وقال الحنفیة:أنّ الشهید لا یغسل ولکن تجب الصلاة علیه. (2)

قال ابن قدامة:ولنا ما روی جابر أنّ النبی صلی الله علیه و آله أمر بدفن شهداء احد فی دمائهم ولم یغسلهم ولم یصل علیهم. (3)

کیفیة الصلاة

قال السید الطباطبائی الیزدی:وهی-الکیفیة-أن یأتی بخمس تکبیرات یأتی بالشهادتین بعدالتکبیرة الأولی و الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله بعد ثانیة و الدعاء للمؤمنین و المؤمنات بعد الثالثة و الدعاء للمیت بعد الرابعة ثم یکبر الخامسة وینصرف،فیجزی بعد نیة القربة وتعیین المیت ولو اجمالاً (4)ذلک کله للنصوص الواردة فی الباب منها صحیحة ابن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام:«التکبیر علی المیت خمس تکبیرات»ومنها مصحح الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام:«الجمع بین الشهادتین و الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله و الدعاء المؤمنین وللمیت بعد کل تکبیرة من التکبیرات». (5)والدلالة تامة کاملة وقال السید الطباطبائی الحکیم:ولعله-خمس تکبیرات-من ضروریات المذهب. (6)

ص:224


1- (1) .المغنی،ج2،ص398.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص442 و443.
3- (3) .المغنی،ج2،ص398.
4- (4) .العروة الوثقی،ص140.
5- (5) .الوسائل،ج2،ص773،باب 5 من أبواب صلاة الجنازة،ح 6 وص 764،باب 2 من أبواب صلاة الجنازة،ح 3.
6- (6) .مستمسک العروة الوثقی،ج4،ص234.

اختلاف النصوص فی عدد التکبیرات

اشارة

توجد هناک اختلاف فی النصوص الواردة عن طریق أبناء السنة بالنسبة إلی عدد التکبیرات من أربع إلی سبع.

قال ابن قدامة:لا یختلف المذاهب أنّه لایجوز الزیادة علی سبع تکبیرات ولا أنقص من أربع،والأولی أربع لایزاد علیها واختلف الروایة فیما بین ذلک،فظاهر کلام الخرقی أنّ الإمام إذا کبّر خمساً تابعه المأموم،ولا یتابعه فی زیادة علیها وقال:وممن لم یر متابعة الإمام فی زیادة علی أربع،الثوری ومالک وأبو حنفیة و الشافعی واختارها ابن عقیل؛لأنّها زیادة غیر مسنونة للإمام فلا یتابعه المأموم فیها کالقنوت فی الرکعة الأولی.

ولناماروی عن زیدبن أرقم أنّه کبّر علی جنازة خمساً وقال:کان النبی صلی الله علیه و آله یکبّرها،أخرجه مسلم وسعیدبن منصور وغیرهما،وفی روایة سعید فسئل عن ذلک فقال:سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وقال سعید:حدثنا خالدبن عبدالله عن یحیی الجابری عن عیسی مولی لحذیفة أنّه کبّر علی جنازة خمساً فقیل له:فقال:مولای وولی نعمتی صلّی علی جنازة وکبّر علیها خمساً،وذکر حذیفة أنّ النبی صلی الله علیه و آله فعل ذلک وروی بإسناده أن علیاً صلی علی سهل بن حنیف فکبّر علیه خمساً وکان أصحاب معاذ یکبّرون علی الجنائز خمساً،وروی الخلال بإسناده عن عمربن الخطاب قال:کل ذلک قد کان أربعاً وخمساً وأمر الناس بأربع.قال أحمد فی أسناد زیدبن أرقم أسناد جید. (1)

أربع تکبیرات رأی عمربن الخطاب

قال ابن قدامة:بعد ذکر النصوص المختلفة:وروی أنّ عمر جمع الناس فاستشارهم،فقال بعضهم کبّر النبی صلی الله علیه و آله سبعاً وقال بعضهم خمساً وقال بعضهم أربعاً فجمع عمر

ص:225


1- (1) .المغنی،ج2،ص387.

الناس علی أربع تکبیرات وقال:هو أطول الصلاة إلی أن قال:والأفضل أن لایزید علی أربع لأنّ فیه خروجاً من الخلاف فقال:وجمع عمر الناس علی أربع (1)فتبین لنا أن التزام المذاهب الأربعة علی أربع تکبیرات هناک کان علی أساس رأی عمربن الخطاب فأصبح رأی الحاکم مع مشاورة الناس شرعاً فی الدین.

طریقة آل البیت علیهم السلام

لاخلاف بین الفقهاء من أتباع آل البیت علیهم السلام فی أنّ العبادات من الماهیات المخترعة الشرعیة التی لا تخضع لرأی الناس،فلابد أن تنطلق من منطلق الکتاب و السنّة،وعلیه فالصلاة من العبادات الشرعیة التی تثبت بأمر من الله تعالی ماهیة وصیاغة وعلی هذا الأساس لامجال لأحد من الناس ولو کان کحاکم علی المسلمین أن یشرّع صلاة أو یعلن بحسب رأیه شاکلة للصلاة ذلک لعدم الأهلیة لتشریع الأحکام الدینیة الالیهیة إلاّ لله العظیم.

فالصحیح أن عدد التکبیرات حسب ما ورد من طریق الصحابة ومن طریق آل البیت علیهم السلام بسند صحیح هو خمس وها هو الأوثق حجة و الأوفق بالقواعد الشرعیة الفقهیة.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری بأنّ أول أرکان صلاة الجنازة،النیة،وثانیها التکبیرات وهی:أربعة بتکبیرة الإحرام (2)واما القرائة فهی الثناء لله و الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله و الدعاء للمیت وللمسلمین علی المذهب الحنفی و المالکی وزاد الشافعی و الحنبلی قرائة الفاتحة بعد التکبیرة الأولی وینتهی الأمر إلی التسلیم.

ص:226


1- (1) .المصدر السابق،ص388 و389.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص440.

والذی یسهل الخطب أنّ المذاهب الأربعة کلهم قالوا:لو زاد الإمام عن أربع تکبیرات صحت صلاة الجمیع (1)وعلیه فتصح الصلاة بخمس تکبیرات فی کافة المذاهب.

من أحق بالإمامة

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی صحة الصلاة أن یکون المصلی مؤمناً وأن یکون مأذوناً من الولی. (2)ذلک لبطلان عبادة غیر المؤمن ولأنّ الصلاة علی المیت ترتبط بولایة ولی المیت فلا یجوز الصلاة بدون إذن من الولی.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:الحنفیة قالوا:یقدم فی الصلاة علیه-المیت-السلطان إن حضر ثم نائبه و هو أمیر المصر ثم القاضی ثم صاحب الشرطة ثم إمامة الحی إذا کان أفضل من ولی المیت ثم ولی المیت علی ترتیب العصبة. (3)کل ذلک علی اساس الولایة لاُولی الأمر من السلطان إلی صاحب الشرطة،وأن ولایة السلطة تتقدم علی ولایة ولی المیت الشرعیة و هذا هو الاجتهاد الخاص للحنفی وخالف فیه الحنبلی قائلاً:الأولی بالصلاة علیه إماماً:الوصی العدل ثمّ السلطان ثمّ نائبه ثمّ أب المیت و هذا هو الرأی علی المالکی مع اختلاف یسیر.

وقال الشافعیة:الأولی بإمامتها أب المیت و إن علا ثمّ إبنه و إن سفل وهکذا علی ترتیب المیراث ثمّ الإمام الأعظم. (4)فاستبان لنا أن ولایة الشرعیة تتقدم علی ولایة

ص:227


1- (1) .المصدر السابق،ص445.
2- (2) .العروة الوثقی،ص119.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص444.
4- (4) .المصدر السابق،ص444.

السلطة الحاکمة قال ابن قدامة:ولنا-علی تقدم الوصی العدل-إجماع الصحابة وروی أن أبابکر أوصی أن یصلی علیه عمر وعایشة أوصت أن یصلّی علیها أبو هریرة. (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاجتهاد و الرأی الشخصی ومتابعة السلطة.

وضع الجرید تین فی القبر

اشارة

یوجد هناک اختلاف هام بین الفریقین بالنسبة إلی وضع الجریدة فی القبر،فإنّ هذا العمل و إن کان من المستحباب،والخلاف فی الأمر المستحب سهل بسیط،إلاّ أنّ فی خصوص ذلک العمل إختلاف حاد یستتبع الأحکام الالزامیة کإنتهاک الحرمة وغیره،وربما یستهزأ بعض الجهال ویستنکر بعض آخر منهم،وعلیه فیجدر بنا أن نتحدث فی ما یتصل بأحکام الموتی عن وضع الجریدة فی القبر بالتفصیل التالی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:بأنّ الجریدة من المستحبات الأکیدأ عند الشیعة...ففی الخبر أنّ الجریدة تنفع(الموتی)ومادامت رطبة یرفع عن المیت عذاب القبر.

وفی خبر آخر أنّ النبی صلی الله علیه و آله مرّ علی قبر یعذب صاحبه،فطلب جریدة فشقها نصفین فوضع أحدهما فوق رأسه و الأخری عند رجله وقال یخفف عنه العذاب ماداماً رطبین وفی بعض الأخبار أن آدم علیه السلام أوصی بوضع جریدتین فی کفنه،لأنسه وکان هذا معمولاً بین الأنبیاء علیهم السلام وترک فی زمان الجاهلیة فأحیاه النبی صلی الله علیه و آله.وقال:الأولی أن تکونا(الجریدتین)من النخل. (2)

ص:228


1- (1) .المغنی،ج2،ص362.
2- (2) .العروة الوثقی،ص117.

المذاهب الاربعة

وضع الجرید علی القبر

اشارة

قال الشیخ السید السابق:لا یشرع وضع الجرید ولا الزهور فوق القبر،واما ما رواه البخاری وغیره عن ابن عباس أنّ النبی صلی الله علیه و آله مرّ علی قبرین فقال:«إنّهما یعذبان،وما یعذبان فی کبیر،أمّا هذا فکان لا یستنزه من البول،و أما هذا فکان یمشی بالنمیمة،ثمّ دعا بعسیب رطب فشقّه باثنین،ثمّ غرس علی هذا واحداً،وعلی هذا واحداً،وقال:لعلّه یخفّف عنهما ما لم ییبسا»فقد أجاب عنه الخطابی بقوله:و أما غرسه شقّ العسیب علی القبر،وقوله:لعلّه یخفّف عنهما ما لم ییبسا.فإنّه من ناحیة التبرّک بأثر النبی صلی الله علیه و آله ودعائه بالتخفیف عنهما وکأنّه صلی الله علیه و آله جعل مدة بقاء النداوة فیهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفیف العذاب عنهما،ولیس ذلک من أجل أن فی الجرید الرّطب معنی لیس فی الیابس.والعامّة فی کثیر من البلدان تفرش الخوص فی قبور موتاهم،وأراهم ذهبوا إلی هذا ولیس لما تعاطوه وجه.

وما قاله الخطابی صحیح،و هذا هو الذی فهمه أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله،إذ لم ینقل عن أحد منهم أنّه وضع جریداً ولا أزهاراً علی قبر سوی بریدة الأسلمی،فإنّه أوصی أن یجعل فی قبره جریدتان،رواه البخاری.ویبعد أن یکون وضع الجرید مشروعاً ویخفی علی جمیع الصّحابة ما عدا بریدة.قال الحافظ فی الفتح:وکأنّ بریدة حمل الحدیث علی عمومه،ولم یره خاصّاً بذینک الرجلین.قال ابن رشید:ویظهر من تصرّف البخاری أنّ ذلک خاص بهما،فلذلک عقّبه بقول ابن عمر حین رأی فسطاطاً علی قبرعبدالرحمن:انزعه یا غلام فإنّما یظله عمله.

وفی کلام ابن عمر ما یشعر بأنّه لا تأثیر لما یوضع علی القبر،بل التأثیر للعمل الصالح.

ص:229

المرأة تموت وفی بطنها جنین حی:إذا ماتت المرأة وفی بطنها جنین حی وجب شقّ بطنها لإخراج الجنین إذا کانت حیاته مرجوة،ویعرف ذلک بواسطة الأطباء الثقات.المرأة الکتابیة تموت وهی حامل من مسلم تدفن وحدها.روی البیهقی عن واثلة بن الأسقع.أنّه دفن امرأة نصرانیة فی بطنها ولد مسلم فی مقبرة لیست بمقبرة النّصاری ولا المسلمین،واختار هذا الإمام أحمد لأنّها کافرة لا تدفن فی مقبرة المسلمین،فیتأذوا بعذابها،ولا فی مقبرة الکفار لأن ولدها مسلم فیتأذی بعذابهم. (1)

والتحقیق أنّ الشیخ السید السابق فی بدایة البحث یعلن عدم المشروعیة بقوله:لایشرع وضع الجرید ولاالزهور فوق القبر،ثم یوإلیه بما یدل علی المشروعیة بکل وضوح،فیقول:ما رواه البخاری وغیره عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله،بأنّه صلی الله علیه و آله أمر بوضع الجرید وبما أن سند الروایة معتبر ودلالتها واضحة تصلح أن تکون مدرکاً تاماً للحکم هناک.

ثم بادر السید السابق إلی ردّ هذا الدلیل قائلاً:فقد أجاب عند(عن قول النبی صلی الله علیه و آله)الخطّابی بقوله...الذی حاصله تأویل الروایة وردّها بالاستحسان العقلی بحسب ذوقه الخاص.

وقال السید السابق:فما قاله الخطّابی صحیح.

والتحقیق أن ما یستحسنه العقل علی خلاف النقل المعتبر باطل قطعاً.

فقال:و هذا هو الذی فهمه أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله،إذ لم ینقل عن أحد منهم أنّه وضع جریداً علی قبر سوی بریدة الأسلمی،فإنّه أوصی أن یجعل فی قبره جریدتان،رواه البخاری.

والتحقیق أن عدم نقل العمل المستحب

ص:230


1- (1) .فقه السنة،ج1،ص408 و409.

عن أکثرالأصحاب لایدل علی عدم مشروعیته عندهم.

وقال:ویبعد أن یکون وضع الجرید مشروعاً ویخفی علی جمیع الصحابة ماعدا بریدة.

والتحقیق أنّه لا یبعد عدم نقل العمل المستحب من الصحابة بل یبعد کل البعید أن یکون عمل بریدة الأسلمی الذی هو من کبار الأصحاب،علی خلاف الشرع؛لأنّ الحکم بعدم مشروعیة وضع الجرید یستلزم عدم مشروعیة عمل بریدة الأسلمی،کما یستلزم ردّ الحدیث المعتبر المنقول عن النبی صلی الله علیه و آله.

فقال:قال الحافظ فی الفتح:وکأنّ بریدة حمل الحدیث علی عمومه.

و هذا یؤکد علی صحة الحدیث ومشروعیة العمل.

وقال:قال ابن رشد:ویظهر من تصرف البخاری أنّ ذلک خاص بهما.هذا هو الذی یعلنه ابن رشد بحسب فهمه الخاص.

والتحقیق أنّ رأی البخاری غیر ظاهر بالاختصاص فی مورد خاص مع أنّ التخصیص بحاجة إلی الدلیل ولا یخضع لفهم الاشخاص جزماً.

وبالتالی:فإن وضع الجریدة فی القبر وارد فی النص المعتبر بحسب نقل البخاری وعمل به الصحابی المعروف بریدة الأسلمی،وعمل بمقتضی هذا النص کثیر من المسلمین کما قال الخطّابی:والعامة فی کثیر من البلدان تفرش الخوص(جریدة من النخل)فی قبور موتاهم،وأراهم ذهبوا إلی هذا أی إلی الحدیث.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ من الإجتهاد فی مقابل النص،فإنّ وضع الجریدتین فی القبر،ورد فی النص عن الطریقین فعمل به أتباع آل البیت علیهم السلام وترکه أبناء السنة،إعتماداً علی الاستحسان العقلی.

ص:231

الخلاصة

تصح صلاة المیت بخمس تکبیرات علی المذاهب الإسلامیة کلها.

أربع تکبیرات فی صلاة المیت رأی عمر ابن الخطاب.

وضع الجریدة فی القبر غیر مشروع عند فقهاء السنة علی أساس اجتهادهم.

و هو یستحب عند فقهاء الشیعة،إعتماد علی النص الوارد هناک.

ص:232

الأسئلة

1.من هو الأحق بالإمامة فی صلاة المیت؟

2.هل یجب الصلاة علی الشهید؟

3.ما هو حکم وضع الجریدة فی القبر؟

4.هل یکون وضع الجرید منصوصاً هناک؟

ص:233

ص:234

18- کتاب الصوم

اشارة

إنّ الصوم من ضرورات الدین وأرکانه ولا خلاف فی معظم المسائل بین المذاهب کلّها إلاّ بالنسبة إلی بعض الخصائص و هو بالتفصیل التالی:

الإشتراط بالعقل

اشارة

اتّفقت الآراءبالنسبة إلی کون العقل شرطاً لصحّة الصوم ووجوبه وأنّه لامجال لصحّة الصوم مع فقدان العقل فی الوقت کلّه و إنّما الخلاف فیما إذا توفّر العقل فی بعض الوقت وزال فی بعضه،وتفصیل الاختلاف بالنسبة إلی ذاک الحقل بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:من شرائط صحّة الصوم:العقل فلا یصحّ من المجنون ولو أدواراً،و إن کان جنونه فی جزء من النهار،ولا من السکران ولا من المغمی علیه ولو فی بعض النهار و إن سبقت منه النیة علی الأصحّ. (1)

ص:235


1- (1) .العروة الوثقی،ص341.(1).

ذلک؛لاشتراط التکلیف بالعقل و أنّ المجنون مرفوع القلم بلا خلاف و المجنون و السکران و المغمی علیه کلّهم من سنخ واحد فیصدق علی کلّ واحد من هؤلاء أنّه لا عقل له،وعلیه لا یتوجّه الخطاب إلیهم فلم یکونوا مکلّفین بالصوم أداءً وقضاءً لرفع القلم عنهم،وبما أنّ الصوم محددّ بزمان خاص-أی تمام النهار-حینئذ إذا زال العقل خلال ذلک أوبعضه-بالجنون أو السکر،أو الإغماء-ینقطع الصوم بانقطاع شرط الصحّة-أی العقل-ویتحقّق الموضوع لرفع القلم ولا أثر للنیة فی المبدأ إذا لم تستمرّ إلی المنتهی؛لأنّ العبادة لا تنفک عن القصد،ولا فرق فی ذلک کلّه بین أن یکون زوال العقل بسبب إختیاری-کشرب المسکرات-أوبسبب خارج عن الاختیارکالمرض ونحوه،ذلک؛لتحقّق الموضوع-أی زوال العقل-لرفع القلم وعدم توجّه الخطاب.کما أنّ الموت موضوع لرفع التکلیف و إن کان بسبب اختیاری.

و قد وردت هناک عدّة نصوص معتبرة،منها:صحیحة علی بن مهزیار عن أبی الحسن الثالث علیه السلام-فی جواب السؤال عن المغمی علیه-قال:لایقضی الصوم ولاالصلاة،وکلّما غلب الله علیه فالله أولی بالعذر. (1)دلّت علی عدم وجوب الصوم علی المغمی علیه أداءً وقضاءً و أمّا مافات بواسطة السکر فیجب قضاؤه؛لعموم قضاء الفائت ولأنّ السکر یستند إلی الإرادة واستعمال المسکرات-ولا یکون کالجنون و الإغماء-مستنداً إلی قضاء الله فلا تشمله قاعدة:کلّما غلب الله علیه فالله أولی بالعذر.و أمّا الإسکار قهراً فهو کالإفطار بالعنف.

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:ومن الشروط،العقل.فلا یجب الصوم علی مجنون ولا یصحّ منه،لکن لو جنّ فی أثناء یوم من رمضان أو کان مجنوناً وأفاق أثناء یوم رمضان،وجب علیه

ص:236


1- (1) .الوسائل،ج7،ص162.باب 24 من أبواب ما یصح منه الصوم،ح6.

قضاء ذلک الیوم،و أمّا إذا جنّ یوماً کاملاً،أو أکثر فلا یجب علیه قضاؤه،بخلاف المغمی علیه،فیجب علیه إذا طال زمن الإغماء،والسکران کالمغمی علیه.ولا فرق بین أن یکون السکران معتدیاً بسکره أو لا. (1)ذلک؛لأنّ الخطاب یتوجّة إلی المغمی علیه و السکران؛لعدم اشتراط التکلیف بعدم الإغماء وعدم السکر کاشتراطه بالعقل.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:من شروط الصوم العقل؛فلا یجب علی المجنون حال جنونه،و إذا أفاق بعد فراغ الشهر فلا یجب علیه قضاؤه.ومثل المجنون،المغمی علیه.ولو جنّ نصف الشهر ثمّ أفاق وجب علیه صیام مابقی وقضاء مافات. (2)ذلک؛لعدم توجّه الخطاب إلی المجنون و المغمی علیه لزوال العقل ویشترط فیه-أی زوال العقل-أن یکون مستوعباً تمام الشهر ولو لم یکن کذلک لم یمنع عن توجّه الخطاب.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:من شروط الصوم،العقل،فلا یجب علی المجنون إلاّ إذا کان زوال عقله بتعدّیه،فإنّه یلزمه قضاؤه بعد الإفاقة ومثله السکران إن کان متعدّیاً بسکره فیلزمه قضاؤه،و إن کان غیر متعدّ کما إذا شرب-المسکر عن جهل-فإنّه لا یطالب بقضاء زمن السکر.

أمّا المغمی علیه فیجب علیه القضاء مطلقاً-أی-سواء کان متعدیاً بسب الإغماء أم لا. (3)ذلک لعدم توجّه الخطاب إلی المجنون و السکران لزوال العقل.

ص:237


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص548.
2- (2) .المصدر السابق،ص545.
3- (3) .المصدر السابق،ص544.

ویشترط فیه-أی زوال العقل-أن لا یکون بسوء اختیار المکلف وإلاّ فیتوجّه الخطاب إلیه؛لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

المذهب المالکی

قال الجزیری:من شروط الصوم،العقل؛فلا یجب علی المجنون و المغمی علیه ولا یصحّ منهما،و أمّا وجوب القضاء ففیه تفصیل حاصله:-إذا کان زوال العقل مستوعباً تمام وقت الصوم أو مستوعباً وقت النیة-فعلیه القضاء بعد الإفاقة و أمّا إذا کان مضیقاً وقت النیة-ونوی قبل زوال العقل یصحّ الصوم.فلا یجب علیه القضاء و السکران کالمغمی علیه. (1)ذلک؛لأنّ العبادة وثیقة الصلة بالنیة نفیاً وإثباتاً بلا خلاف فیه.

إلی هنا کان الاستدلال بصورة موجزة و أمّا تفصیل الاستدلال فهو بما یلی:

قال ابن قدامة:وجملة ذلک أنّه متی اغمی علیه جمیع النهار فلم یفق فی شیء منه لم یصحّ صومه فی قول إمامنا-أحمد-ومالک-والشافعی.وقال أبوحنیفة:یصحّ؛لأنّ النیة قد صحّت-باللیل-وزوال الاستعشار بعد ذلک لایمنع صحّة الصوم کالنوم.ولنا:أنّ الصوم هو الإمساک مع النیة،فإذا کان مغمی علیه فلا یضاف الإمساک إلیه-ولا یصحّ استناد العمل إلیه-فلم یجزئه.أمّا النوم فإنّه عادة ولا یزیل الإحساس بالکلّیة-فلا یصحّ القیاس-والإغماء عارض یزیل العقل فأشبه الجنون ومتی فسد الصوم به فعلی المغمی علیه القضاء بغیر خلاف علمناه؛لأنّ مدّته لاتتطاول غالباً ولا تثبت الولایة علی صاحبه-کالولایة علی المجنون-فلم یزل التکلیف به وقضاء العبادات کالنوم،ومتی أفاق المغمی علیه فی جزء من النهار صحّ صومه سواء کان فی أوّله أو آخره.

وقال الشافعی فی أحد قولیه:تعتبر الإفاقة فی أوّل النهار لیحصل حکم النیة فی

ص:238


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص546.

أوّله.وقال:الجنون حکمه حکم الإغماء إلاّ أنّه إذا وجد فی جمیع النهار لم یجب قضاؤه؛ذلک لرفع التکلیف وثبوت الولایة علیه-وقال أبوحنیفة:متی أفاق المجنون فی جزء من رمضان لزمه قضاء ما مضی منه؛لأنّه أدرک جزءاً من رمضان و هو ما عقل فلزمه صیامه،کما لو أفاق فی جزء من الیوم.وقال الشافعی:إذا وجد الجنون فی جزء من النهار أفسد الصوم؛لأنّه معنی یمنع وجوب الصوم فأفسده وجوده فی بعضه کالحیض.

ولنا:أنّه معنی یمنع الوجوب إذا وجد فی جمیع الشهر-و إن لم یکن مستوعباً لایمنع-ولنا علی الشافعی أنّه زوال عقل فی بعض النهار فلم یمنع صحّة الصوم کالإغماء و النوم.ویفارق الحیض،فإنّ الحیض لایمنع الوجوب و إنّما یجوّز تأخیر الصوم ویحرم فعله،فلا یصحّ قیاس الجنون علیه. (1)

ممّا تقدم،تبین لنا أنّ المقصود من الجنون الّذی یرفع التکلیف هو ما یستوعب تمام الشهر-أی رمضان المبارک-علی المذهب الحنفی فقط وعلیه إذا أفاق فی بعض أیام الشهر-أی رمضان المبارک-لم یتحقّق الجنون الرافع للتکلیف.

التحقیق:أنّ الجنون بهذا المستوی ممّا لایمکن المساعدة علیه نصّاً وفتوی.ذلک؛لأنّ کلّ یوم من أیام شهر رمضان المبارک،مستقلّ إطاعة وعصیاناً و هو واضح فیحتاج کلّ یوم إلی نیة خاصّة و إذا زال العقل فی یوم لایضرّ بیوم آخر ولا ینفعه.وعلیه فالإفاقة فی الیوم اللاحق لایؤثّر فی الیوم السابق الّذی صحبه الجنون.

منشأ الاختلاف

تبین لنا ممّا تقدّم أن الاختلاف ناشئ عن الاختلاف بالنسبة إلی العقل-شرطاً للتکلیف-ودوره الإیجابی و السلبی وبما أنّه یوجد نصّ متّفق علیه-حدیث رفع القلم-دالّ علی

ص:239


1- (1) .المغنی،ج3،ص98 و99.

رفع القلم عن المجنون،وبما أنّ الجنون و الإغماء و السکر،کلّها من سنخ واحد-أی زوال العقل-فعندئذکان مقتضی إطلاق النصّ هو:رفع التکلیف أداءً وقضاءً إلاّ أنّ السکر بسوء اختیار المکلف یوجب القضاء.

سلامة البدن من المرض

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی کون السلامة هناک شرطاً لصحّة الصوم وعدم کونها کذلک،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:من شروط الصوم:عدم المرض أو الرمد الّذی یضرّه الصوم لإیجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلک-ویکفی فی تحقّق الضرر-الاحتمال الموجب للخوف. (1)

وقال السید الخوئی:إنّ الأمر یکون کذلک بلا خلاف فیه،بل هو فی الجملة من الضروریات و قد نطق به قبل النصوص المسفیضة الکتاب العزیز،قال تعالی: ...فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ... (2)بناء علی ظهور الأمر-فصوموا عدّة-فی الوجوب التعیینی، (3)دلّت الآیة علی أنّ فرض المریض و المسافر هو أیام اخر بعد حصول البرء من المرض وبعد الرجوع من السفر ولا یصحّ الصوم حال المرض و السفر لدلالة الأمر فی قوله تعالی فعدّة من أیام-أی فصوموا عدّة أیام اخر-علی أنّ الواجب هو صیام عدّة أیام-بقدر مافات-علی التعیین،والدلالة ظاهرة تامّة وبها غنی

ص:240


1- (1) .العروة الوثقی،ص341.
2- (2) .البقرة:184.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،ج1،ص454 و455.

وکفایةً فلا حاجة إلی الاستدلال بالنصوص المستفیضة الواردة فی الباب کما أنّه لا حاجة إلی الاستدلال بقاعدة الضرر.

ومن المعلوم أنّ المقصود من المرض هو الّذی یضرّ بحال الصائم ذلک؛للانصراف أوّلاً ولاستفادته من الروایات الکثیرة ثانیاً.منها:قوله علیه السلام فی صحیحة عمربن أذنیة فی جواب السؤال عن حدّ المریض:«الإنسان علی نفسه بصیرة ذاک إلیه،هو أعلم بنفسه». (1)دلّت علی أنّ المانع هو خصوص المرض المضرّ ولذا احیل تشخیصه إلی المکلّف نفسه الّذی هو علی نفسه بصیرة،ولا فرق فی الضرر بین أقسامه من کونه موجباً لشدّة المرض أو طول البرء أو شدّة الألم أو نحو ذلک؛للإطلاق.

و أمّا تحقّق الضرر فیکفی فیه الخوف المتحقّق نتیجة لاحتمال الضرر العقلائی،کما قال السید الخوئی:الصحیح هو-ذلک-لأنّه؛مضافاً إلی أنّ الغالب عدم إمکان الإحراز،والخوف طریق عقلائی-کما فی السفر الّذی فیه خطر-تکفینا صحیحة حریز عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«الصائم إذا خاف علی عینه من الرمد أفطر». (2)

فإذا ثبت الاکتفاء بالخوف فی الرمد و هو عضو واحد من الجسد ففی المرض المستوعب لتمام البدن الّذی هو أشدّ وأقوی-یکتفی-بطریق أولی کما لایخفی.وعلی الجملة فالمستفاد من الأدلّة أنّ العبرة بمجرّد الخوف ولا یلزم الظنّ أو الاطمئنان فضلاً عن العلم،بل لایبعد أن یکون هذا طریقاً عقلائیاً فی باب الضرر مطلقاً،لما یفصح عند ما ورد فی مقامات أخر.مثل ماورد فی باب الغسل من أنّه إذا خاف علی نفسه من البرد تیمّم. (3)

ص:241


1- (1) .الوسائل،ج7،ص157،باب 20 من أبواب من یصح منه الصوم،ح5.
2- (2) .المصدر السابق،ص155،باب 19 من أبواب من یصح منه الصوم،ح1.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،ج1،ص456.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:فإذا مرض الصائم-و-غلب علی ظنّه الهلاک أو الضرر الشدید بسبب الصوم،کما إذا خاف تعطیل حاسّة من حواسّه فإنّه یجب علیه الإفطار ویحرم علیه الصوم باتّفاق-و أمّا إذا-خاف زیادة المرض أو تأخّر البرء من المرض فإنّه یجوز له الإفطار. (1)ونتیجة جواز الإفطار هو التخییر بین الإمساک و الإفطار.ذلک؛للإجماع.

قال ابن قدامة:أجمع أهل العلم علی إباحة الفطر للمریض،والأصل فیه قوله تعالی: ...فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ... ،والمرض المبیح للفطر هو الشدید الّذی یزید بالصوم أو یخشی تباطؤ برئه فإذا ثبت هذا فإنّ تحمّل المریض وصام مع هذا فقد فعل مکروهاً؛للإضرار بالنفس،ولترکه تخفیف الله تعالی وقبول رخصته ویصحّ صومه؛لأنّه عزیمة ترکها رخصة. (2)وبعد ماثبت التخییر بالإجماع یقال إنّ المقصود من قوله تعالی: ...فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ... ،هو وجوب القضاء فی صورة اختیار الإفطار،فإذاً لابدّ من الالتزام بالتقدیر فی الآیة،من کان منکم مریضاً أو علی سفر-فأفطر-فعدّة أیام أخر،علی أساس القرینة-أی النصوص-الواردة.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی المستند-نصّاً وإجماعاً-و قد مرّ بنا أنّه توجد نصوص معتبرة من طریق آل البیت علیهم السلام دالّة علی أنّ الإفطار فی السفر عزیمة

ص:242


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص572.
2- (2) .المغنی،ج3،ص147 و148.

وکما مرّ بنا أنّه تحقّق الإجماع عند أهل العلم من أبناء السنّة علی أنّ الإفطار للمرض رخصة،فتختلف المبانی الاستنباطیة.

والتحقیق أنّ مقتضی القاعدة فی باب التعارض هو الأخذ بالجانب الّذی وافق الکتاب،وعلیه تتقدّم النصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام؛لکونها موافقة لظاهر الکتاب فإنّ الآیة المذکورة بظاهرها-فعدّة من أیام أخر-دلّت علی تعیین الإفطار فی السفر و أمّا التخییر-مؤدّی الإجماع علی المذاهب الأربعة-فهو خلاف ظاهر الآیة ویحتاج إلی التقدیر؛أضف إلی ذلک أنّ الإجماع غیر صالح للمعارض مع النصّ.

السفر الّذی یوجب الإفطار

اشارة

تحقّق الاختلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی الإفطار فی السفر الشرعی بنفس الاختلاف الّذی تحقّق بین الجانبین بالنسبة إلی المرض الموجب للإفطار.

المذهب الجعفری

لایجوز الصوم فی السفر إلاّ ما ثبت صحّته بدلیل خاصّ کالصوم بدل الهدی و الصوم بدل البدنة و الصوم المنذور؛ذلک لقوله تعالی: ...فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ... .والدلالة تامّة کاملة؛مضافاً إلی النصوص الواردة فی الباب منها:قوله علیه السلام فی روایة یحیی بن أبی العلا:«الصائم فی السفر فی شهر رمضان کالمفطر فیه فی الحضر». (1)دلّت هذه الروایة علی وجوب الإفطار فی السفر تعییناً.

ص:243


1- (1) .الوسائل،ج7،ص124،باب 1 من أبواب ما یصحّ منه الصوم،ح 1؛المغنی،ج3،ص149.

المذاهب الاربعة

یجوز الإفطار فی السفر الشرعی و الجواز هو التخییر بین الإفطار و الصوم فی السفر؛ذلک للنصوص الکثیرة منها:ما روی عن أنس قال-کنّا-أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله نسافر فیتمّ بعضنا ویقصر بعضنا،ویصوم بعضنا ویفطر بعضنا فلایعیب أحد علی أحد،وذلک إجماع الصحابة (1)دلّت هذه الروایة علی أنّ المسافر مخیر بین الإفطار و الصوم.وقضیة تعارض النصوص والاختلاف تجاه الآیة المذکورة أخذاً بالظاهر و التزاماً بالتقدیر،کلّ ذلک ینسحب علی ما مرّ بنا حول البحث عن المرض المانع عن الصوم.

شرط السفر

قال الجزیری:یباح الفطر للمسافر علی المذاهب الأربعة بشرط أن یشرع فیه قبل طلوع الفجربحیث یصل إلی المکان الّذی یبدأ فیه قصر الصلاة قبل طلوع الفجر. (2)ذلک؛للإجماع.

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا کان حاضراً فخرج إلی السفر فإن کان قبل الزوال وجب علیه الإفطار و إن کان بعده وجب علیه البقاء علی صومه (3)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة الحلبی عن الرجل یخرج من بیته-سفراً-و هو صائم قال فقال:«إن خرج من قبل أن ینتصف النهار فلیفطر.ولیقض ذلک الیوم». (4)دلّت علی المطلب بوضوح کامل.

ص:244


1- (1) .المغنی،ج2،ص268.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص574.
3- (3) .العروة الوثقی،ص342.
4- (4) .الوسائل،ج7،ص131،باب 5 من أبواب من یصحّ منه الصوم،ح2.

استمرار السفر

قد مرّ بنا فی قصر الصلاة أنّ من یستمرّ فی السفر یتمّ صلاته ویجب علیه الصوم علی المذهب الجعفری و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی فی خصوص الصوم کما قال الجزیری:یشترط فی جواز الإفطار فی السفرعلی المذهب الشافعی أن لایکون الشخص مدیماً للسفر،فإن کان مدیماً له حرم علیه الفطر. (1)

ص:245


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص575.

الخلاصة

لا یصحّ الصوم مع زوال العقل و إن کان ذلک فی جزء من النهار بعد تحقّق النیة ولا فرق فی ذلک بین الجنون و الإغماء و السکر ولا یجب القضاء إلاّ علی السکران و هو نفس الحکم علی فتوی السید الطباطبائی الیزدی.

لا یجب علی المجنون قضاء مافات منه من صیام شهر رمضان المبارک-علی المذهب الحنفی-إذا کان الجنون مستغرقاً تمام الوقت و أمّا لو تحقّق الإفاقة أثناء الیوم یجب قضاء ذلک الیوم ویجب القضاء علی المغمی علیه و السکران مطلقاً.

ولا یجب القضاء علی المجنون و المغمی علیه-علی المذهب الحنفی-إذا استوعب الجنون أو الإغماء تمام الشهر-أی رمضان-ولو لم یستوعب یجب القضاء.ویجب القضاء علی المجنون و السکران-علی المذهب الشافعی-إذا کان زوال العقل بسوء اختیار المکلّف و أمّا المغمی علیه فیجب علیه القضاء مطلقاً ویجب القضاء-علی المذهب المالکی-إذا کان زوال العقل-بالجنون أو الإغماء أو السکر-مستوعباً وقت نیة الصوم،و أمّا إذا نوی ثمّ زال عقله یصحّ الصوم.

یشترط فی السفر المسوّغ للإفطار،أن یبدأ قبل طلوع الفجر علی المذاهب الأربعة ویشترط أن یبدأ قبل الزوال علی المذهب الجعفری.

ص:246

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی وحدة المجنون و المغمی علیه و السکران حکماً؟

2.هل یجب قضاء مافات من الصیام علی المجنون بالاتّفاق بین المذاهب؟

3.هل یکتفی بخوف الضرر بالنسبة إلی صوم المریض،أو یعتبر الظنّ به؟

4.ما هو المقصود من التعیین و التخییر فی الإفطار؟

5.هل یوجد هناک دلیل-من الکتاب العزیز-علی وجوب الإفطار فی السفر الشرعی؟

ص:247

ص:248

19- المفطرات

اشارة

ثمّة خلاف بین المذاهب بالنسبة إلی المفطرات وما له صلة بها،وتفصیل ذلک بمایلی:

الإفطار عن سهو

قال السید الطباطبائی الیزدی:إنّما توجب المفطرات بطلان الصوم إذا وقعت علی وجه العمد والاختیار و أمّامع السهو وعدم القصد فلا توجبه من غیر فرق بین أقسام الصوم. (1)ذلک؛للنصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام ومن طریق الصحابة ولا خلاف فیه إلاّ عن المذهب المالکی؛حیث ذهب إلی أنّه:یفطر الصائم بالمفطر مطلقاً-لأنّ ما لایصحّ الصوم مع شیء من جنسه عمداً لایجوز مع سهوه کالجماع و النیة. (2)و هذا اجتهاد خاصّ فی المسألة.

تعمّد القیء

إنّ القیء إذا کان عن عمد یبطل الصوم قلیلاً کان أو کثیراً ولا خلاف فیه إلاّ عن المذهب الحنفی حیث یقرّر:من تعمّد القیء لا یفطر إلاّ إذا کان القیء ملء

ص:249


1- (1) .العروة الوثقی،ص335.
2- (2) .المغنی،ج3،ص116.

الفم. (1)ذلک؛لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:ولیکن-أی القیء المفطر-دسعة-أی قیئة-تملأ الفم (2)وقال ابن قدامة:لا نعرف له-أی لهذا الحدیث-أصلاً. (3)

الغبار الغلیظ

قال السید الطباطبائی الیزدی-من المفطرات:إیصال الغبار الغلیظ-کغبار الدقیق-إلی حلقه ولو بإثارة الهواء مع التمکین منه وعدم تحفّظه،ولابأس بما یدخل فی الحلق غفلة أو نسیاناً أو قهراً أو مع ترک التحفّظ بظنّ عدم الوصول. (4)

وقال ابن قدامة:إنّ المفسد للصوم من هذا-أی المفطر-کلّه ما کان عن عمد وقصد فأمّا ما حصل منه عن غیر قصد کالغبار الّذی یدخل حلقه من الطریق وما أشبه هذا فلا یفسد صومه.لا نعلم فیه خلافاً. (5)

التحقیق أنّه بعد المقارنة بین هذین القولین نصل إلی هذه النتیجة:وهی أنّ إیصال الغبار إلی الحلق عن عمد یبطل الصوم،ذلک؛لصدق الأکلّ بکلّ وضوح.

و أمّا وصول الغبار من غیر عمد فلا یبطل الصوم.بلاخلاف بین المذاهب کلّها وبهذا یتّضح أنّ إیصال الغبار الغلیظ فی الحلق یکون من مصادیق الأکلّ-أی المفطر-وتفرّد بذکره المذهب الجعفری.

الاکتحال

قال ابن قدامة:ما یدخل من العین إلی الحلق کالکحل یفطر؛لأنّه واصل إلی جوفه

ص:250


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص565.
2- (2) .المغنی،ج3،ص118.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .العروة الوثقی،ص330.
5- (5) .المغنی،ج3،ص114 و115.

فأشبه الأکل،وبهذا قال الشافعی،وقال مالک لایفطر إلاّ أن ینزل إلی حلقه. (1)وعلیه،فإنّ الاکتحال من المفطرات علی المذهب الحنبلی و الشافعی و المالکی خلافاً للمذهب الجعفری و الحنفی و قد اتّضح بأنّ القول بکون الاکتحال من المفطرات یبتنی علی وصوله إلی الحلق،وصدق الأکل.والقول بعدم کونه مفطراً یبتنی علی عدم تحقّق الأکل عرفاً.

الحجامة

قال ابن قدامة:إنّ الحجامة یفطربها الحاجم و المحجوم ذلک؛لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:أفطر الحاجم و المحجوم.وقال مالک وأبوحنیفة و الشافعی:یجوز للصائم أن یحتجم؛لما روی أنّ النبی صلی الله علیه و آله احتجم و هو صائم. (2)فالاختلاف روائی.

وقال السید الطباطبائی الیزدی:یکره للصائم أمور.منها الاکتحال بما یصل طعمه أو رائحته إلی الحلق،ومنها:إخراج الدم المضعف. (3)ذلک جمعاً بین النصوص،وعدم صدق الأکل.

قطع نیة الصوم

قال السید الطباطبائی الیزدی:لونوی القطع أو القاطع-أی لو قصد الانصراف أو قصد الإفطار-فی الصوم الواجب المعین بطل صومه. (4)

وقال السید الطباطبائی الحکیم:إذا تمّ الدلیل علی اعتبار النیة من طلوع الفجر إلی

ص:251


1- (1) .المغنی،ج3،ص105.
2- (2) .المصدر السابق،ص103.
3- (3) .العروة الوثقی،ص336.
4- (4) .المصدر السابق،ص327.

الغروب،فی صحّة الصوم،کانت نیة القطع أو القاطع منافیة لها،فیبطل الصوم لفوات شرطه. (1)وقال الخرقی:ومن نوی الإفطار فقد أفطر.

وقال ابن قدامة هذا الظاهر من المذهب-الحنبلی-و هو قول الشافعی،ولنا:أنّها عبادة من شرطها النیة،ففسدت بنیة الخروج منها کالصلاة،ولأنّ الأصل اعتبار النیة فی جمیع أجزاء العبادة إلاّ أنّ أصحاب الرأی-أی الحنفیة-قالوا:إن عاد فنوی قبل أن ینتصف النهار أجزأه بناء علی أصلهم أنّ الصوم یجزئ بنیة من النهار-و هو نفس الرأی المالکی علی ماحکی، (2)وحکی عن ابن حامد أنّ الصوم لایفسد بذلک؛لأنّها عبادة یلزم المضی فی فاسدها کالحجّ فلم تفسد بنیة الخروج. (3)

الارتماس بالماء

قال السید الطباطبائی الیزدی:من المفطرات:الارتماس فی الماء ویکفی فیه رمس الرأس فیه. (4)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة حریز عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لایرتمس الصائم ولا المحرم رأسه فی الماء» (5)والدلالة تامّة.

البقاء علی الجنابة

قال السید الطباطبائی الیزدی-من المفطرات-:البقاء علی الجنابة عمداً إلی الفجر الصادق فی صوم شهر رمضان. (6)ذلک؛للنصوص الواردة فی المقام منها صحیحة

ص:252


1- (1) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص208.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص156.
3- (3) .المغنی،ج3،ص119.
4- (4) .العروة الوثقی،ص330.
5- (5) .الوسائل،ج7،ص24،باب 3 من أبواب مایمسک عنه الصائم،ح7.
6- (6) .العروة الوثقی،ص329 و331.

أبی بصیر فی رجل أجنب فی شهر رمضان باللیل ثمّ ترک الغسل متعمّداً حتّی أصبح قال علیه السلام:«یعتق رقبة أو یصوم شهرین متتابعین أو یطعم ستّین مسکیناً» (1)دلّت علی أنّ البقاء علی الجنابة عن عمد مفطر.

تعمد الکذب علی الله

ومن المفطرات:تعمّد الکذب علی الله أو رسوله أو الأئمّة صلوات الله علیهم (2)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها موثّقة أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إنّ الکذب علی الله وعلی رسوله وعلی الأئمّة علیهم السلام یفطر الصائم». (3)دلّت علی المطلوب دلالة کاملة،وتلک الموارد الثلاثة-أی الارتماس فی الماء،البقاء علی الجنابة و الکذب علی الله-من الموارد الّتی تفرّد بها المذهب الجعفری ذلک؛للنصوص الواردة هناک عن طریق آل البیت علیهم السلام وعدم ورود النصّ بالنسبة إلی تلک الموارد عن طریق الصحابة.

الکفارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:کفّارة رمضان المبارک مخیرة بین العتق وصیام شهرین متتابعین وإطعام ستّین مسکین علی الأقوی و إن کان الأحوط الترتیب فیختار العتق ومع العجز عنه فالصیام ومع العجز عنه فالإطعام. (4)

قال الخرقی:والکفّارة عتق رقبة،فإن لم یمکنه فصیام شهرین متتابعین فإن لم یستطع فإطعام ستّین مسکین-علی الترتیب-.

ص:253


1- (1) .الوسائل،ج7،ص43،باب 16 من أبواب مایمسک عنه الصائم،ح2.
2- (2) .العروة الوثقی،ص331 و339.
3- (3) .الوسائل،ج7،ص21،باب 2 من أبواب ما یسمک عنه الصائم،ح4.
4- (4) .العروة الوثقی،ص336.

وقال ابن قدامة:و هذا-الترتیب-قول جمهور العلماء،وبه یقول الشافعی،وعن أحمد روایة أخری:أنّها علی التخییر بین العتق و الصیام و الإطعام وبأیها کفّر أجزأه و هو روایة عن مالک. (1)والأحوط الترتیب.

موجبات الکفّارة

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی تحقّق الکفّارة فی موارد،منها:الاختلاف فی تحقّقها بواسطة إنزال المنی و هو بالتفصیل التالی.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:إنزال المنی متعمّداً بملامسة أو قبلة مبطل للصوم-ویوجب القضاء و الکفّارة-. (2)

قال ابن قدامة:وعن أحمد-إمام الحنابلة-أنّ الکفّارة تجب علی من أنزل بلمس أو قُبلة؛لأنّه إنزال،أشبه الجماع. (3)و أمّا إذا خرج المنی من غیر جماع فإنّه یوجب القضاء (4)و هو نفس الرأی عند المالکی.

و أمّا المذی قال ابن قدامة:إن یمذی فیفطر عند إمامنا ومالک؛لأنّه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع وقال أبوحنیفة و الشافعی:لایفطر؛لأنّه خارج لایوجب الغسل أشبه البول. (5)ولا یکون المذی مفطراً للصوم علی المذهب الجعفری. (6)

ص:254


1- (1) .المغنی،ج3،ص127.
2- (2) .العروة الوثقی،ص328.
3- (3) .المغنی،ج3،ص112 و115.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص562.
5- (5) .المغنی،ج3،ص112 و115.
6- (6) .تحریر الوسیلة،ج1،ص268.

قال السمرقندی:ولو جامع البهیمة فأنزل یفسد صومه ولا یلزمه الکفارة؛لأنّه وجد الجماع من حیث الصورة وعلی وجه القصور لسعة المحل،فلا یکون نظیراً للجماع فی قبل المرأة.ولو اولج فی البهیمة ولم ینزل لا یفسد (1).

المذهب الحنفی و الشافعی

قال الجزیری:إذا أنزل فعلیه القضاء-علی المذهبین-.

و منها الاختلاف فی تحقّق الکفّارة نتیجة لتأخیر قضاء صوم رمضان و التفصیل بما یلی:

المذهب الحنفی

إذا ترک المکلّف قضاء صوم رمضان متهاوناً إلی أن دخل رمضان الثانی یجب علیه القضاء فحسب (2)ذلک علی أساس الإجتهاد الخاص.

المذاهب الأخری

یجب علی التارک المتمکّن من القضاء هناک القضاء و الکفّارة بمُدّ عن کلّ یوم.إجماعاً. (3)

العجز عن القضاء

إذا عجز المکلّف عن القضاء بواسطة استمرار العذر تجب علیه عن کلّ یوم فدیة طعام مسکین ولا یجب علیه القضاء.ذلک؛لعدم القدرة وعدم التکلیف علیه،ویستحبّ الفدیة علی المذهب المالکی (4)؛ذلک علی أساس الاجتهاد الخاصّ

ص:255


1- (1) .تحفة الفقهاء،ج1،ص358.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص560 و561.
3- (3) .المصدر السابق،ص112،579.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص576.

و أمّا وجوب الفدیة فهو علی أساس عموم قوله تعالی: ...وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ... . (1)

إفطار قضاء رمضان

قال ابن قدامة:ومن دخل فی واجب کقضاء رمضان لم یجز له الخروج منه فصار بمنزلة الفرض المتعین ولیس فی هذا خلاف (2)وما عثرنا علی تعیین کفّارة هناک فی صورة التخلّف و أمّا علی المذهب الجعفری فیجوز الخروج عن قضاء صوم رمضان قبل الزوال ولایجوز بعد الزوال،و إذا تحقّق الخروج بعد الزوال یجب الکفّارة حیال ذلک کما قال السید الطباطبائی الیزدی:کفّارة-الإفطار هناک بعد الزوال-إطعام عشرة مساکین فإن لم یتمکّن فصوم ثلاثة أیام، (3)ذلک؛للنصوص الواردة فی المقام منها صحیحة هشام بن سالم عن الإمام الصادق علیه السلام فی رجل وقع علی أهله و هو یقضی شهر رمضان:«إن کان وقع علیها قبل صلاة العصر فلا شیء علیه یصوم یوماً بدله،و إن فعل بعد العصر صام ذلک الیوم وأطعم عشرة مساکین فإن لم یمکنه صام ثلاثة أیام کفّارة لذلک» (4)والمراد من بعد العصر فی الروایة هو بعد الزوال بمناسبة الحکم و الموضوع.

التارک لقضاء رمضان

اشارة

من مات ولم یقض صومه-لعذر-یجب علی ولده الأکبر.ذلک؛للنصوص الواردة فی المقام منها:صحیحة حفص ابن البختری عن الأمام الصادق علیه السلام فی الرجل یموت

ص:256


1- (1) .البقره:184.
2- (2) .المغنی،ج3،ص153.
3- (3) .العروة الوثقی،ص337.
4- (4) .الوسائل،ج7،ص254،باب 29 من أبواب أحکام شهر رمضان،ح2.

وعلیه صلاة وصیام قال علیه السلام:«یقضی عنه أولی الناس بمیراثه» (1)و إنّ أولی الناس بالمیراث هنا الولد الأکبر،فالدلالة تامّة.

المذاهب الاربعة

من مات وعلیه قضاء رمضان یتصدّق عنه عن کلّ یوم بمُدّ ذلک؛للإجماع وأضاف المالکی هناک شرط الإیصاء،فیتصدّق إذا أوصی بالصدقة وإلاّ فلا یجب.

تعدّد الکفّارة بتعدّد الجماع

اشارة

قال الخرقی:إن کفّر ثمّ جامع ثانیة فکفّارة ثانیة.

وقال ابن قدامة:و إن کان فی یوم واحد کفّارة ثانیة،نصّ علیه أحمد،وقال أبوحنیفة ومالک و الشافعی:لاشیء علیه بذلک الجماع-المکرّر-لأنّه لم یصادف الصوم ولم یمنع صحّته فلم یوجب شیئاً. (2)

المذهب الجعفری

وقال السید الطباطبائی الیزدی:إذا جامع فی یوم واحد مرّات وجب علیه کفّارات بعددها. (3)وقال السید الطباطبائی الحکیم:وحینئذیکون مقتضی أصالة عدم التداخل وجوب التکرار. (4)ویدلّ علیه روایة فتح ابن یزید الجرجانی عن الإمام الرضا علیه السلام فی تکرّر الجماع یوم رمضان:لکلّ مرّة کفّارة. (5)

دلّت علی المطلوب دلالة کاملة و الحکم متسالم علیه عند الفقهاء الإمامیین.

ص:257


1- (1) .المصدر السابق،ص241،باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان،ح4.
2- (2) .المغنی،ج3،ص133.
3- (3) .العروة الوثقی،ص337.
4- (4) .مستمسک العروة الوثقی،ج8،ص313.
5- (5) .الوسائل،ج7،ص37،باب 11،من أبواب ما یمسک عنه الصائم،ح1.

العجز عن الکفّارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:من عجز عن الخصال الثلاث فی کفّارة مثل شهر رمضان تخیر بین أن یصوم ثمانیة عشر یوماً أو یتصدّق بما یطیق-بحسب النصّ-ولو عجز بالممکن منهما،-علی أساس قاعدة المیسور،بناء علی تعدّد المطلوب-و إن لم یقدر علی شیء منهما استغفرالله. (1)جمعاً بین النصوص و القواعد الفقهیة.

وقال ابن قدامة:و إن عجز عن العتق و الصیام و الإطعام سقطت الکفّارة،بدلیل أنّ الأعرابی لمّا دفع إلیه النبی صلی الله علیه و آله التمر وأخبره بحاجته إلیه،قال:أطعمه أهلک.ولم یأمره بکفّارة أخری،و هذا قول الأوزاعی-وهناک قول بعدم السقوط-لأنّها کفّارة واجبة فلم تسقط کسائر الکفّارات و هذه روایة ثانیة عن أحمد و هو قیاس أبی حنیفة و الثوری وعن الشافعی کالمذهبین،ولنا الحدیث المذکور ولا یصحّ القیاس علی سائر الکفّارات؛لأنّه إطراح النصّ بالقیاس. (2)

تتابع الشهرین

اشارة

المقصود من التتابع هناک هو صیام الشهرالأوّل بتمامه مع صیام یوم واحد من الشهر الثانی،وبذلک یتحقّق التتابع علی المذهب الجعفری.

و أمّا التتابع علی المذاهب الأربعة فهو عبارة عن صیام شهرین کاملین بلا انقطاع.

أمّا الإفطار-خلال الشهرین-بواسطة عذر شرعی فلا یقطع التتابع علی المذهب الجعفری و الحنبلی،ویقطعه علی المذاهب الثلاثة الأخری. (3)

ومنشأ الاخلاف هو الاختلاف فی فهم المعنی من کلمة التتابع.

ص:258


1- (1) .العروة الوثقی،ص338.
2- (2) .المغنی،ج3،ص132.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص579.

منشأ الاختلاف

تبین ممّا تقدّم أنّ الاختلاف بالنسبة إلی المفطرات وما یرتبط بها ناشئ عن الاختلاف فی النصّ والاجتهاد فإنّ الاختلاف فی مبطلیة الإفطار عن سهو ناشئ عن الاجتهاد الخاصّ للمذهب المالکی کما أنّ الاختلاف فی مبطلیة تعمّد القیء ناشئ عن تفردّ المذهب الحنفی علی أساس النصّ المعتبر عندهم والاختلاف فی مبطلیة الغبار الغلیظ ناشئ عن الاجتهاد.وتفرّد المذهب الجعفری فی المسألة.

والاختلاف فی مفطریة الاکتحال و الحجامة ناشئ عن الاختلاف فی النصّ الوارد هناک.

والاختلاف فی مفطریة قطع النیة ناشئ عن الاجتهاد.

والاختلاف فی مفطریة الارتماس بالماء و البقاء علی الجنابة و الکذب علی الله ناشئ عن ورود النصّ عن طریق آل البیت علیهم السلام وعدم وروده عن طریق الصحابة.

والاختلاف فی تحقّق الکفّارة فی موارد:إنزال المنی،تأخیر القضاء وإفطار قضاء رمضان ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد و النصّ.

والاختلاف فی سقوط الکفّارة مع العجز وتبدّلها بکفّارة أخری ناشئ عن الاختلاف فی النصّ الوارد هناک من طریق اهل البیت علیهم السلام و الصحابة.

ص:259

الخلاصة

الإفطار عن سهو لایبطل الصوم إلاّ علی المذهب المالکی.

تعمّد القی یبطل الصوم إلاّ علی المذهب الحنفی قائلاً:بالإبطال بشرط أن یملأ الفم.

وصول الغبار الغلیظ فی الحلق یبطل الصوم بشرط أن یکون عن عمد أو ما یشبه بالعمد.

الاکتحال یبطل الصوم علی المذهب الحنبلی و الشافعی و المالکی ولا یبطل علی المذهب الجعفری و الحنفی.والحجامة تبطل الصوم علی المذهب الحنبلی فحسب.

قطع النیة فی الصوم یبطل علی المذهب الجعفری و الحنبلی و الشافعی ولا یبطل علی المذهب الحنفی و المالکی.

الإرتماس بالماء و البقاء علی الجنابة وتعمّد الکذب علی الله من المفطرات الّتی تفرّد بها المذهب الجعفری،للنصوص الواردة هناک.

إنزال المنی یوجب الکفّارة علی المذهب الجعفری و الحنبلی،ویوجب القضاء علی المذاهب الاُخری وتأخیر قضاء رمضان یوجب القضاء فحسب علی المذهب الحنفی ویوجب القضاء و الکفّارة بمدّ عن کلّ یوم علی المذاهب الاُخری.

العجز عن القضاء یوجب الکفّارة بمدّ عن کلّ یوم استحباباً علی المذهب المالکی،ووجوباً،علی المذاهب الأربعة الاُخری.وکذلک إفطار قضاء رمضان بعد الزوال یوجب الکفّارة بإطعام عشرة مساکین ومع العجز،صیام ثلاثة أیام علی المذهب الجعفری ولا یوجب شیئاً علی المذاهب الأربعة.

من مات وعلیه قضاء رمضان یجب علی ولدالمیت الأکبر،قضاؤه علی المذهب الجعفری وحکمه التصدّق بمدّ عن کل یوم علی المذاهب الأربعة.

ص:260

تتکررّ الکفّارة بتکرّر الموجب فی یوم واحد إلاّ علی المذهب الجعفری و المذهب الحنبلی وتسقط الکفّارة مع العجز،علی المذهب الحنبلی ولا تسقط بل یتبدل بصوم ثمانیة عشر یوم أو التصدّق بما یطیق علی المذهب الجعفری ومع العجز یکفی الاستغفار علی هذا المذهب.ویجب علی العاجز،الکفّارة بعد الیسر علی المذاهب الأربعة.وتتابع الشهرین هو صیام شهرین کاملین علی المذاهب الأربعة و هو صیام شهر کامل مع یوم واحد أو أکثر من الشهر الثانی علی المذهب الجعفری.

ص:261

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی أنّ إیصال الغبار الغلیظ إلی الحلق یبطل الصوم؟

2.ما هو المقصود من قطع النیة فی الصوم؟

3.هل تجب الکفّارات الثلاث علی الترتیب أو علی التخییر؟

4.ما هو الدلیل بوجوب الکفّارة علی العاجز عن قضاء رمضان؟

5.هل تتعدّد الکفّارة بتعدّد الموجبات أم لا؟

6.ما هو معنی التتابع فی عبارة شهرین متتابعین؟

ص:262

20- حول رؤیة الهلال

ثبوت الهلال

اشارة

لا خلاف بین أهل العلم فی ثبوت هلال رمضان بواسطة رؤیة المکلّف الهلال نفسه وبواسطة التواتر و الشیاع المفید للعلم.و إنّما الخلاف فی ثبوته بخبر واحد أو بخبر عدلین وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی-یثبت هلال رمضان بواسطة-البینة الشرعیة وهی خبر عدلین (1)سواء-کانت الشهادة-عند الحاکم-أو لم تکن عنده؛ذلک لعموم حجّیة البینة.ولایثبت بخبر عدل واحد؛للنصوص-البالغة حدّ التواتر-الناطقة بعدم ثبوت الهلال-کالطلاق-بخبر العدل الواحد.و هذا ما یتوافق مع المذهب المالکی أیضاً.کما قال ابن قدامة:-یقال:إنّ هناک-:لا یقبل إلاّ شهادة اثنین و هو قول مالک:لما روی أنّ

ص:263


1- (1) .العروة الوثقی،ص344.

رسول الله صلی الله علیه و آله قال-فی حدیث-:و إن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا.رواه النسائی (1)و هذا هو الأحوط.

المذهب الثلاثة الأخری

قال السید السابق:یثبت شهر رمضان برؤیة الهلال ولو من واحد عدل-لما روی ابن عمر أنّه قال-أخبرت رسول الله صلی الله علیه و آله إنّی رأیته فصام وأمر الناس بصیامه،و أمّا هلال شوال لا تقبل فیه شهادة الواحد عند عامة الفقهاء. (2)

قال ابن قدامة:المشهور عن أحمد:أنّه یقبل فی هلال رمضان قول واحد عدل و هو قول الشافعی-فی هلال رمضان وشوّال-و أمّا ما ورد من ثبوت الهلال بشهادة عدلین فهو یختصّ-بهلال شوّال-ولا یقبل فی هلال شوّال إلاّ شهادة اثنین عدلین.وقال أبوحنیفة فی الغیم کقولنا وفی الصحو لایقبل إلاّ الاستفاضة؛لأنّه لایجوز أن تنظر الجماعة فیراه واحد دون الباقین. (3)

اختلاف الآفاق

اشارة

قال الإمام لخمینی:لو ثبت الهلال فی بلد آخر دون بلده فان کان متقاربین أو علم توافق أفقهما کفی وإلا فلا. (4)

قال السید الخوئی:الأظهر کفایة الرؤیة فی بلد مّا،لثبوت الهلال فی بلد آخر،مع اشتراکهما فی کون لیلة واحدة لیلة لهما معاً ولو مع اختلاف افقهما. (5)وقال-استدلالاً

ص:264


1- (1) .المغنی،ج3،ص107.
2- (2) .فقه السنة،ج1،ص435.
3- (3) .المغنی،ج3،ص107 و109.
4- (4) .تحریر الوسیلة،ج1،ص282.
5- (5) .منهاج الصالحین،ج1،ص280.

علی ذلک-:إذا کان الهلال قابلاً للرؤیة فی أحد النصفین-أی النصف من الکرة الأرضیة-حکم بأنّ هذه اللیلة أوّل شهر بالإضافة إلی سکنة هذا النصف المشترکین فی اللیلة-لأنّ-الهلال یتولّد-أی:یخرج القمر من تحت الشعاع-مرّة واحدة.إذاً فبالنسبة إلی الحالة الکونیة-فإنّ الأمر-فی غایة الوضوح.

و أمّا بالنظر إلی الروایات فیستفاد منها أیضاً أنّ الأمر کذلک وتدلّنا علیه أوّلاً إطلاقات النصوص الواردة فی رؤیة الهلال وثانیاً:النصوص الخاصّة،وأوضح من الجمیع صحیحة أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام،أنّه سئل عن الیوم الّذی یقضی من شهر رمضان فقال:«لاتقضه إلاّ أن یثبت شاهدان عدلان من جمیع أهل الصلاة متی کان رأس الشهر». (1)

فإنّ فی قوله علیه السلام-جمیع أهل الصلاة-دلالة واضحة علی عدم اختصاص رأس الشهر القمری ببلد دون بلد،و إنّما هو حکم واحد عام لجمیع المسلمین کافّة علی اختلاف بلادهم-بلا فرق-من حیث اختلاف الآفاق،واتّحادها،فمتی قامت البینة علی الرؤیة من أی قطر من أقطار هذا المجموع المرکّب،وهم کافّة أهل الصلاة،کفی.إذاً فما ذهب إلیه جملة من الأعاظم من عدم الاعتبار بوحدة الأفق هو الأوفق بالاعتبار. (2)

قال الجزیری:إذا ثبت رؤیة الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم علی سائر الأقطار،لا فرق بین القریب من جهة الثبوت و البعید،إذا بلغهم من طریق-موثّق-موجب للصوم.ولاعبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً عند ثلاثة من الأئمّة وخالف الشافعیة-فی ذلک-قالوا:إذا ثبتت رؤیة الهلال فی جهة وجب علی أهل الجهة القریبة

ص:265


1- (1) .الوسائل،ج7،ص212،باب 12 من أبواب احکام شهر رمضان،ح1.
2- (2) .مستند العروة الوثقی،ج2،ص119-122.

منها من کلّ ناحیة أن یصوموا،بناءً علی هذا الثبوت،والقرب یحصل-باتّحاد المطلع-بأن یکون بینهما أقلّ من أربعة وعشرین فرسخاً تحدیداً،أمّا أهل الجهة البعیدة،فلا یجب علیهم الصوم بهذه الرؤیة لاختلاف المطلع. (1)

قال السید السابق:ذهب الجمهور إلی أنّه لاعبرة باختلاف المطالع فمتی رأی الهلال أهل بلد وجب الصوم علی جمیع البلاد،والصحیح عند الاحناف و المختار عند الشافعیة انّه یعتبر لأهل کلّ بلد رؤیتهم.لما رواه کریب-بأنّ ابن عباس فی المدینة ما اکتفی برؤیة معاویة وصیامه فی الشام-فقال:لاهکذا-أمر الرسول صلی الله علیه و آله. (2)

منشأ الاختلاف

والتحقیق أنّ رؤیة الهلال فی بلد واحد یکفی فی ثبوت الهلال فی کافّة البلاد مع عدم الاختلاف فی الآفاق و هو الأوفق بالأصل والاختلاف اجتهادی.فتبین لنا أنّ منشأ الاختلاف فی مسألة اختلاف الآفاق،هو اجتهاد الفقهاء.

یوم الشکّ

اشارة

هو الیوم الّذی شکّ فی کونه من شعبان أو من رمضان لاخلاف فی عدم وجوب الصیام فی ذلک الیوم و الخلاف کلّه فی أنّه إذا صام المکلّف مع الشکّ ثمّ تبین کونه-یوم الشکّ-من رمضان هل یجزیه أو لا؟وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یوم الشکّ فی أنّه من شعبان أو رمضان یبنی علی أنّه من شعبان فلایجب صومه و إن صام ینویه ندباً أوقضاءً أو غیرهما،ولو بان بعد ذلک

ص:266


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص550.
2- (2) .فقه السنة،ج1،ص436.

أنّه من رمضان أجزأ عنه،ووجب علیه تجدید النیة ولو کان بعد الزوال ولو صامه بنیة أنّه من رمضان لم یصحّ و إن صادف الواقع. (1)ذلک؛للنصوص الواردة منها موثّقة سماعة عن الإمام الصادق علیه السلام قال-فی صوم یوم الشکّ-:و إنّما ینوی من اللیلة أنّه یصوم من شعبان فإن کان من شهر رمضان أجزأ عنه (2)وقال السید الخوئی:فالحکم مطابق للقاعدة-الاستصحاب و الإجزاء-و إن لم ترد روایة أصلاً (3)والإجزاءهناک مفتی به علی المذهب الحنفی.

قال الجزیری:إذا ثبت أنّ یوم الشکّ من رمضان أجزأه صیامه-علی المذهب الحنفی بأی نحو نوی (4)ذلک؛لعدم مخالفة عملیة هناک.

المذاهب الثلاثة الأخری

لایجزئ الصوم فی هذه الحالة ویجب القضاء قال ابن قدامة:و إذا صام تطوّعاً فوافق شهر رمضان لم یجزئه،نصّ علیه أحمد وبه قال الشافعی-ومالک-و هذا یبتنی علی تعیین النیة لرمضان. (5)فلا صوم إلاّ بالنیة.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف بالنسبة إلی ثبوت الهلال بعدل واحد أو عدلین،ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة فی الباب،فإنّ النصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام تؤکّد علی عدم کفایة عدل واحد و النصوص الواردة من طریق الصحابة تتفاوت فیما بینها ولم

ص:267


1- (1) .العروة الوثقی،ص326.
2- (2) .الوسائل،ج7،ص13،باب 5 من أبواب وجوب الصوم،ح2 و4.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،ج1،ص67.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص553.
5- (5) .المغنی،ج3،ص163.

یکن لها مدلول واحد،و هذا ما استتبع تفاوت النظر لدی المذاهب الأربعة.و أمّا الاختلاف فی اشتراط الاتّحادفی الآفاق-تجاه ثبوت الهلال-وعدم الإشتراط فهو اختلاف یسیر ناشئ عن اجتهاد الشافعی علی خلاف المذاهب الأخری.

ترخیص الإفطار

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:وردت الرخصة فی إفطار شهر رمضان لعدّة أشخاص:الأوّل و الثانی الشیخ و الشیخة إذا تعذّر علیهما الصوم،أو کان حرجاً،فیجوز لهما الإفطار،ویجب فی صورة الحرج-وعلیهما الکفّارة-بدل کلّ یوم بمدّ من الطعام،والأقوی وجوب القضاء علیهما لو تمکّنا بعد ذلک.

الثالث:مَن به داء العطش-المحرج-ویجب علیه الکفّارة بمدّ و الأقوی وجوب القضاء علیه إذا تمکّن بعد ذلک.

الرابع:الحامل المقرب الّتی یضرّها الصوم أو یضرّ حملها فتفطر وتتصدّق من مالها بالمدّ-کفّارة-وتقضی بعد ذلک.

الخامس:المرضعة القلیلة اللبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد ویجب علیها الکفّارة بالمدّ من مالها و القضاء بعد ذلک. (1)قال السید الخوئی:ویدلّ علیه-الترخیص-بعد عموم دلیل نفی الحرج-الکتاب العزیز المعتضد بالروایات الخاصّة الواردة فی المقام قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ* أَیّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ... . (2)تضمّنت الآیة المبارکة تقسیم المکلّفین إلی أقسام ثلاثة:

ص:268


1- (1) .العروة الوثقی،ص343.
2- (2) .البقرة:183 و184.

الأوّل:من یتعین علیهم الصیام أداءً وهم الأفراد المکلّفون من الحاضرین الأصحّاء،حیث أن التعبیرب(کتب)وکذا التعبیر ب(فلیصمه)فی ذیل الآیة اللّاحقة ظاهر فی الوجوب التعیینی،الثانی:من یتعین علیه القضاء و هو المریض و المسافر،الثالث:من لا یجب علیه الصوم رأساً لا أداءً ولاقضاءً،بل یتعین فی حقّه الفداء،وهم الّذین یقعون من أجل الصوم فی الإطاقة أی فی کلفة ومشقّة کالشیخ و الشیخة،وذوالعطاش.

وظاهر الآیة الکریمة أنّ الوجوب فی کلّ من الأقسام الثلاثة تعیینی.

ثمّ أکّد سبحانه ما بینه من الصوم فی القسمین الأوّلین بقوله تعالی ...وَ أَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ... أی:إنّ خیره ونفعه عائد الیکم لا إلی الله سبحانه الّذی هو غنی علی الإطلاق.

وقال:الکلام-بالنسبة إلی من به داء العطش-هو الکلام فی الشیخ و الشیخة بعینه لوحدة المستند:-کتاباً وسنّةً-والّذی یرشدک إلی ذلک ماورد فی صحیحة محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام فی قول الله عزّوجلّ، ...وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ... ،قال:الشیخ الکبیر و الّذی یأخذه العطاش. (1)حیث جعل ذوالعطاش مرادفاً للشیخ. (2)

والنصوص الواردة فی الباب کثیرة جدّاً،منها:صحیحة محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام قال:سمعت أباجعفر علیه السلام یقول:«الشیخ الکبیر و الّذی به العطاش لا حرج علیهما أن یفطرا فی شهر رمضان،ویتصدّق کلّ واحد منهما فی کلّ یوم بمدّ من طعام لاقضاء علیهما». (3)دلّت علی تعیین الفدیة وعدم وجوب الصوم أداءً وقضاءً.

ص:269


1- (1) .الوسائل،ج7،ص150،باب 15 من أبواب من یصحّ منه الصوم،ح3.
2- (2) .مستند العروة الوثقی،ج2،ص39 و40 و50.
3- (3) .الوسائل،ج7،ص150،باب 15 من أبواب من یصحّ منه الصوم،ح1.

و أمّا الحکم بوجوب القضاء إنّما هو لعموم قضاء الفائت ولقاعدة الاحتیاط،و أمّا جواز الإفطار بالنسبة إلی الحامل المقرب و المرضعة فهو ممّا تسالم علیه الفقهاء ویشمله عموم قاعدتی الضرر و الحرج.ویدلّ علیه-دلالة خاصّة-ماورد فی صحیحة محمّدبن مسلم قال:سمعت الإمام الباقر علیه السلام یقول:«الحامل المقرب،والمرضعة القلیلة اللبن،لاحرج علیهما أن تفطرا فی شهر رمضان؛لأنّهما لاتطیقان وعلیهما أن تتصدّقاً کلّ واحدة منهما فی کلّ یوم تفطران فیه بمدّ من طعام.وعلیهما قضاء کلّ یوم أفطرتا فیه تقضیانه بعد». (1)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

قال السید الخوئی:ثمّ إنّ الترخیص فی هذه الموارد لیس بمعنی تخییر المکلّف بین الصیام و الإفطار بل بمعنی عدم وجوب الصیام،و إن کان اللازم علیهم الإفطار. (2)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:الشیخ الکبیر و العجوز إذا کان یجهدهما الصوم ویشقّ علیهما مشقّة شدیدة فلهما أن یفطرا.ویطعما لکلّ یوم مسکیناً.ولنا-علیه-قوله تعالی: ...وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ... ،وقول ابن عبّاس-نصّ-فی تفسیرها:نزلت رخصة للشیخ الکبیر،ولأنّ الأداء صوم واجب،فجاز أن یسقط إلی الکفّارة کالقضاء و هذا قول أبی حنیفة و الشافعی،وقال مالک:لایجب علیه شیء؛لأنّه ترک الصوم؛لعجزه فلم تجب فدیة کما لو ترکه لمرض اتّصل به الموت. (3)و أمّا الحامل و المرضع:قال ابن قدامة:إذا خافتا علی أنفسهما فلهما الفطر وعلیهما القضاء فحسب،لانعلم فیه بین أهل العلم اختلافاً؛لأنهما بمنزلة المریض الخائف علی نفسه و إن خافتا علی ولدیهما

ص:270


1- (1) .المصدر السابق،ص153،باب 17 من أبواب من یصحّ منه الصوم،ح1.
2- (2) .منهاج الصالحین،ج1،ص278.
3- (3) .المغنی،ج3،ص141.

أفطرتا وعلیهما القضاء وإطعام مسکین عن کلّ یوم و هذا یروی عن ابن عمر،قال:الحبلی و المرضع إذا خافتا علی أولادهما أفطرتا وأطعمتا.وهما داخلتان فی عموم الآیة-وعلی الّذین یطیقونه فدیة طعام مسکین-والآیة أوجبت الإطعام ولم تتعرّض للقضاء فأخذناه-أی القضاء-من دلیل آخر و هو المشهور من مذهب الشافعی.

وقال مالک-علی إحدی الروایتین-:الکفّارة علی المرضع دون الحامل؛لأنّ المرضع یمکنها أنّ تسترضع لولدها بخلاف الحامل،ولأنّ الحمل متّصل بالحامل.فالخوف علیه کالخوف علی بعض أعضائها.

وقال أبوحنیفة:لا کفّارة علیهما؛لما روی أنس بن مالک عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل و المرضع الصوم،ولم یأمره بکفّارة ولأنّه فطر أبیح لعذر فلم یجب به کفّارة کالفطر للمریض». (1)و أمّا العطش المحرج فدوره دور المرض علی المذاهب الأربعة قال الجزیری:فأمّا الجوع و العطش الشدیدان اللّذان لایقدر معهما علی الصوم،فیجوز لمن حصل له شیء من ذلک الفطر،وعلیه القضاء. (2)

التحقیق:أنّ العطش و الجوع إذا أوجبا الحرج الشدید علی الصائم یرتفع وجوب الصوم عند ذلک،علی أساس قاعدة نفی الحرج ویجب القضاء بعد رفع الحرج و أمّا مَنْ به داء العطش یجوز له الإفطار مع الفدیة للنصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام.

زوال العذر

اشارة

إذا زال السبب المسوّغ للإفطار،أثناء الیوم کما لو برئ المریض،أو قدم المسافر،أو طهرت الحائض،وما شاکلها بعد الإفطار أو بعد الزوال یستحبّ الإمساک تأدّباً علی

ص:271


1- (1) .المغنی،ج3،ص139 و140.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص576.

المذهب الجعفری و الشافعی ویجب الإمساک علی المذهب الحنفی و الحنبلی ذلک؛لشمول أدلّة التکلیف،ولا حکم له علی المذهب المالکی؛لعدم الدلیل علیه.

منشأ الاختلاف

الاختلاف بالنسبة إلی وجوب الإفطار تعییناً،وجوازه تخییراً ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من قوله تعالی: ...وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ... .فالحکم بوجوب الإفطار یستفاد من ظاهر الآیة؛لأنّ تعیین الفدیة هی بحسب الحقیقة تعیین الإفطار.

والحکم بجواز الإفطار یستفاد من رفع العزیمة،فیقال:إنّ فی تلک الآیة رفعت العزیمة-أی الصوم-ورفع العزیمة عبارة عن الرخصة و أمّا الاختلافات الأخری حول الأعذار المسوّغة للإفطار-کوجوب القضاء وعدمه ووجوب الفدیة وعدمها-فهی ناشئة عن الاختلاف فی النصوص والاختلاف فی الاجتهاد.

ص:272

الخلاصة

یثبت هلال شهر رمضان المبارک بشهادة عدل واحد علی المذهب الحنبلی و الحنفی و الشافعی ولا یثبت إلاّ بشهادة عدلین علی المذهب الجعفری و المالکی.

یجوز الإفطار للهرم مع الفدیة،ولا خلاف فیه إلاّ عن المذهب المالکی حیث ذهب إلی عدم وجوب الفدیة.وتجب الفدیة علی الحامل و المرضع عن کلّ یوم بمدّ من الطعام مع القضاء علی المذهب الجعفری:و هو نفس الحکم علی المذهب الحنبلی و الشافعی إذا کان الإفطار لاحتمال الضرر بالنسبة إلی الولد و أمّا إذا کان الإفطاربسبب الضررعلی النفس-أی نفس الحامل و المرضع-یجب القضاء فحسب.ولا فدیة علی الحامل و المرضع،علی المذهب الحنفی ویجب الفدیة علی المرضع دون الحامل،علی المذهب المالکی.

الإفطار بسبب المسوّغات المذکورة عزیمة علی المذهب الجعفری،ورخصة علی المذاهب الأربعة.

یستحب الإمساک بعد زوال العذر أثناء الیوم علی المذهب الجعفری و الشافعی ویجب علی المذهب الحنبلی و الحنفی ولا حکم لذلک الیوم علی المذهب المالکی.

ص:273

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی اشتراط الاتّحاد فی الآفاق بالنسبة إلی رؤیة الهلال؟

2.ما هو صوم یوم الشکّ وما هو حکمه؟

3.ما هو الدلیل علی أنّ ترخیص الإفطار للهرم عزیمة؟

4.ما هو المقصود من العطش المسوّغ للإفطار؟

5.هل یجب الإمساک أو یستحب،بعد زوال العذر أثناء النهار؟

ص:274

21- الزکاة

اشارة

إنّ الزکاة من الفرائض الّتی لاخلاف فیها بین علماء الإسلام أجمع ولا ریب فی أنّها من ضرورات الدین ولها دور بنّاء فی إقامة القسط وإزالة الفقر.

ویوجد هناک خلاف بین المذاهب من حیث الفروع التی لها صلة بالزکاة،نشیر إلیها بالتفصیل التالی:

الشروط

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط البلوغ و العقل فی وجوب الزکاة إثباتاً ونفیاً و هو بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی وجوبها-الزکاة-أمور:

الأوّل:البلوغ فلا تجب علی غیر البالغ فی تمام الحول-فیما یعتبر فیه الحول-ولا علی مَن کان غیر بالغ فی بعضه،و أمّا ما لا یعتبر فیه الحول من الغلاة الأربع،فالمناط البلوغ قبل وقت التعلّق و هو انعقاد الحب.

ص:275

الثانی:العقل،فلا زکاة فی مال المجنون،فی تمام الحول وفی بعضه (1)ذلک-مضافاً إلی عموم حدیث الرفع-للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة یونس بن یعقوب قال:أرسلت إلی الإمام الصادق علیه السلام أنّ لی إخوة صغاراً،فمتی تجب علی أموالهم الزکاة؟قال علیه السلام:«إذا وجب علیهم الصلاة وجبت علیهم الزکاة». (2)ومع عدم الفرق بین الصبی و المجنون-فی الفقة-یتمّ المطلوب.

وها هو الرأی علی المذهب الحنفی فی ذهابه إلی أنّه:لا تجب الزکاة فی أموالهما-ذلک لحدیث-رفع القلم عن ثلاثة:1.عن الصبی حتّی یبلغ 2.وعن المجنون حتّی یفیق،3.وبأنّها-الزکاة-عبادة محضة،فلا تجب علیهما کالصلاة و الحجّ. (3)

المذاهب الثلاثة الأخری

قال ابن قدامة:إنّ الزکاة تجب فی مال الصبی و المجنون-یخرج عنهما ولیهما-وبه قال مالک و الشافعی؛لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:من ولی یتیماً له مال،فلیتجرّ له ولا یترکه حتّی تأکله الصدقة-والمجنون کالصبی-والزکاة حقّ یتعلّق بالمال.فأشبه نفقة الأقارب و الزوجات وأروش الجنایات. (4)

منشأ الاختلاف

تبین ممّا تقدّم أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص.

ص:276


1- (1) .العروة الوثقی،ص360.
2- (2) .الوسائل،ج6،ص55،باب 1 من أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب،ح5.
3- (3) .المغنی،ج2،ص622.
4- (4) .المصدر السابق.

نصاب الإبل

اشارة

لاخلاف فی هذا النصاب إلاّ بالنسبة إلی عدد خمس وعشرین فاتّفقت المذاهب أنّ فی هذا النصاب-25-الصدقة الواجبة بنت مخاض،ذلک؛لقول النبی صلی الله علیه و آله فی کلّ خمس شاة فإذا بلغت خمساً وعشرین إلی خمس وثلاثین ففیها بنت مخاض. (1)

قال السمرقندی:اتّفقت الاحادیث-فی زکاة الإبل ونصابها-إلی مأة وعشرین وعلیه الإجماع،وأن لازکاة فی الإبل ما لم تبلغ خمساً...فإذا کانت خمساً وعشرین ففیها بنت مخاض. (2)

وخالف فیه المذهب الجعفری قائلاً:یجب هناک خمس شیاة،ذلک؛للنصّ الصحیح عن الإمام الصادق علیه السلام قال:فی زکاة الإبل:«فإذا کانت خمساً ففیهاشاة إلی عشرة،فإذا کانت عشراً ففیها شاتان،فإذا بلغت خمس عشرة ففیهاثلاث من الغنم،فإذا بلغت عشرین ففیها أربع من الغنم فإذا بلغت خمساًوعشرین ففیها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففیها إبنة مخاض. (3)والحکم مفتی به». (4)

منشأ الاختلاف

من المعلوم أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص و الّذی یسهّل الخطب هو أنّ الاختلاف یسیر جدّاً.

ص:277


1- (1) .المغنی،ج2،ص575.
2- (2) .تحفة الفقهاء،ج1،ص282.
3- (3) .الوسائل،ج6،ص72،باب 2 من أبواب زکاة الأنعام،ح1.
4- (4) .العروة الوثقی،ص363.

نصاب الغنم

اشارة

لاخلاف بالنسبة إلی هذا النصاب إلاّ فی مورد واحد و هو عدد ثلاثمائة وواحدة و هو بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:فإذا بلغت-الغنم-مائتین وواحدة ففیها ثلاث شیاة وفی أربعمائة شاة أربع شیاة. (1)ذلک؛للنصوص منها:ماروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«فإذا زادت علی ثلاثمائة وواحدة فلیس فیها شیء حتّی تبلغ أربعمائة شاة ففیها أربع شیاة»-وقال ابن قدامة-و هذا نصّ لایجوز خلافه. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:الرابع-من النصب فی الغنم-ثلاثمائة وواحدة وفیها أربع شیاة. (3)قال ابن رشد:فإذا زادت علی ثلاثمائة ففی کلّ مأة شاة وذلک عند الجمهور إلاّ الحسن بن صالح فإنّه قال:إذا کانت ثلاثمائة شاة وشاة واحدة،أنّ فیها أربع شیاة وروی قوله عن منصور عن ابراهیم. (4)

ذلک؛للنصّ الصحیح عن الصادقین:«فی کلّ أربعین شاة،شاة فإذا زادت واحدة-علی ثلاثمائة-ففیها أربع شیاة حتّی تبلغ أربعمائة». (5)

ص:278


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص601.
2- (2) .المغنی،ج2،ص598.
3- (3) .العروة الوثقی،ص364.
4- (4) .بدایة المجتهد،ج1،ص215.
5- (5) .الوسائل،ج6،ص78.

قال ابن قدامة:وعن أحمد روایة أخری:أنّها إذا زادت علی ثلاثمائة وواحدة ففیها أربع شیاة. (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص کما هو واضح.

شروط زکاة الأنعام

تواترت النصوص الواردة عن الطریقین علی أنّه یشترط فی تحقّق الزکاة بالنسبة إلی الأنعام لو کانت سائمة وغیر عاملة-معدّة للعمل کالحمل و الحرث-ولا خلاف فیه إلاّ عن المالکی قائلاً:

لایشترط فی وجوب زکاة النعم السوم فتجب فیها متی بلغت نصاباً سواء کانت سائمة أو معلوفة ولو فی جمیع السنة وسواء کانت عاملة أو غیر عاملة (2)قال أبوالبرکات:تجب زکاة النعم،بملک وحول کملا،و إن کانت معلوفة ولو فی کلّ الحول وعاملة فی حرث أو حمل أو سقی. (3)والتخلّف هنا ناشئ عن الاجتهاد الخاص کما هو واضح.

زکاة النقدین

اشارة

اختلفت الآراء حول مقدار زکاة النقدین و التفصیل بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی وجوب الزکاة فیهما-النقدین-أن یکونا

ص:279


1- (1) .المغنی،ج2،ص598.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص597.
3- (3) .الشرح الکبیر،ج1،ص432.

مسکوکین بسکّة معاملة. (1)ذلک؛لما روی علی بن یقطین عن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام بسند صحیح أنّه قال جواباً عن السؤال من متعلّق الزکاة فی النقود:الصامت المنقوش-أی المسکوک-ثمّ قال علیه السلام:«لیس فی سبائک الذهب ونقار الفضّة زکاة». (2)والدلالة تامّة.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:تجب الزکاة فی الذهب و الفضّة،ولافرق بین أن یکون الذهب و الفضّة مضروبین أو غیر مضروبین و هذا فی غیر الحُلی،أمّا الحُلی ففی زکاته تفصیل المذاهب. (3)ذلک عملاً بإطلاق النصوص منها ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله قال:«ما من صاحب ذهب ولا فضّة لایؤدّی منها حقّها إلاّ إذا کان یوم القیامة صفحت له صفائح من نار فأحمی علیها فی نار جهنّم». (4)قال ذکریا الأنصاری:بأن من الزکاة زکاة النقدین ولو غیر مضروب و الأصل فیها آیة: ...وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ... ،فسرت بذلک. (5)

التحقیق أنّه لامجال للتمسّک بالإطلاق بعد ورود تحدید صریح بسند صحیح عن طریق آل البیت علیهم السلام.وعلیه فالمتیقّن ممّا یستفاد من الادلّة هو وجوب الزکاة علی النقدین المسکوکین.والّذی یسهّل الخطب أنّه لاجدوی فی التاریخ المعاصر لهذا البحث؛لعدم وجود أثر عملی فی الواقع.

ص:280


1- (1) .العروة الوثقی،ص367.
2- (2) .الوسائل،ج6،ص105،باب 8 من أبواب زکاة الذهب و الفضّة،ح2.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص601.
4- (4) .المغنی،ج3،ص3.
5- (5) .فتح الوهاب،ج1،ص189.

نصاب زکاة الغلاة

وردت النصوص عن الطریقین الدالّة علی أنّ نصاب الزکاة فی الغلات خمسة أوسق.

منها:ما روی عن الإمام الباقر علیه السلام:بسند صحیح أنّه قال:«ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب ما بلغ خمسة أوسق ففیه العشر». (1)والحکم مفتی به.ومنها:ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«لیس فیما دون خمسة أوسق صدقة».متّفق علیه. (2)ولا خلاف فی الحکم بین المذاهب إلاّ عن الحنفی قائلاً:تجب الزکاة فی قلیل ذلک وکثیره؛لعموم قوله علیه السلام:«فیما سقت السماء العشر». (3)وقال ابن قدامة:النصّ الدالّ علی تعیین النصاب خاصّ،یجب تقدیمه،وتخصیص عموم ما رووه به (4)فمنشأ الخلاف هو فتوی الحنفی.

فیما یتعلّق به الزکاة،من الغلاّت

اشارة

اختلف الآراء بالنسبة إلی متعلّق زکاة الغلات و التفصیل بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الخرقی:وکلّ ما أخرج الله عزّوجلّ من الأرض ممّایبس ویبقی ممّا یکال ویبلغ خمسة أوسق ففیه العشر. (5)وقال ابن قدامة:ووجه قول الخرقی أنّ عموم قوله صلی الله علیه و آله(فیما سقت السماء العشر)وقوله صلی الله علیه و آله لمعاذ:«خذ الحبّ من الحبّ»،یقتضی وجوب الزکاة

ص:281


1- (1) .الوسائل،ج6،ص120،باب 1 من أبواب زکاة الفلات،ح5.
2- (2) .المغنی،ج3،ص695.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .المصدر السابق.
5- (5) .المصدر السابق،ص960.

فی جمیع ما تناوله. (1)و هو نفس الرأی علی المذاهب الأربعة ولاخلاف بینهم فی هذا الحکم إلاّ بشکل یسیر جدّاً،حیث نستطیع أن نقول أنّ کلّ ماینبت من الأرض ویدّخر للمؤونة ففیه الزکاة علی المذاهب الأربعة.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:تجب الزکاة فی الغلات الأربعة وهی:الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب (2)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:قول الباقر علیه السلام الأنیف بالذکر«ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب ففیه العشر». (3)ومن حسن الحظّ أنّ هذا التحدید فی المتعلّق-الغلات الأربعة-مروی عن طریق الصحابة فی روایات کثیرة.قال ابن قدامة قال عبدالله بن عمر:إنّما سنّ رسول الله صلی الله علیه و آله الزکاة فی الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب وفی روایة أخری عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«والعشر فی التمر و الزبیب و الحنطة و الشعیر»وعن موسی بن طلحة:إنّما سنّ رسول الله:الزکاة فی هذه الأربعة:الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب،وعن أبی بردة عن أبی موسی ومعاذ أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله بعثهما إلی الیمن یعلّمان الناس أمر دینهم فأمرهم أن لا یأخذوا الصدقة إلاّ من هذه الأربعة الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب،ولأنّ غیر هذه الأربعة لانصّ فیها ولا إجماع،ولا هو فی معناها-فی-کثرة نفعها ووجودها،فلم یصحّ قیاسه-أی الغیر-علیها. (4)

ص:282


1- (1) .المغنی،ج2،ص692.
2- (2) .العروة الوثقی،ص363.
3- (3) .الوسائل،ج6،ص120،باب 1 من أبواب زکاة الغلاة،ح5.
4- (4) .المغنی،ج2،ص691 و692.

منشأ الاختلاف

إنّ الحکم بوجوب زکاة الأزید من الغلات الأربع ناشئ عن الاجتهاد؛إذ اتّضح أنّ المتیقّن ممّا یستفاد من الروایات الواردة عن الطریقین،هو تحدید المتعلّق هناک فی الغلات الأربعة وعلیه فلا دلیل علی الحکم بوجوب الزکاة علی الأزید من الأربعة نصّاً وإجماعاً.

و أمّا الحکم باستحباب الزکاة فی غیرها.ممّا لابأس به عملاً بالعمومات وقاعدتی التسامح والاحتیاط،و هو الفتوی علی المذهب الجعفری.

زکاة مال التجارة

اشارة

اختلف الآراء فی نوعیة الحکم-وجوباً واستحباباً-بالنسبة إلی زکاة مال التجارة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:تجب الزکاة فی قیمة عروض التجارة فی قول أکثر أهل العلم،قال ابن منذر:أجمع أهل العلم علی أنّ فی العروض الّتی یراد بها التجارة:الزکاة وحکی عن مالک:أنّه لازکاة فیها-التجارة-لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«عفوت لکم عن صدقة الخیل و الرقیق».

ولنا:ما روی أبوداود بإسناده عن الصحابة قال کان رسول الله صلی الله علیه و آله یأمرنا أن نخرج الزکاة ممّا نعدّه للبیع (1)والحکم بوجوب الزکاة فی مال التجارة مفتی به عندهم أجمع. (2)

قال مالک:لاتجب الزکاة فی أموال التجارة مادامت أعیاناً فإذا نضت وصارت دراهم ودنانیر تجب فیها-کنقدین-الزکاة. (3)

ص:283


1- (1) .المصدر السابق،ج3،ص30.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص606-610.
3- (3) .تحفة الفقهاء،ج1،ص271.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:ما یستحبّ فیه الزکاة،مال التجارة و هو الّذی تملّکه الشخص وأعدّه للتجارة والاکتساب به. (1)ذلک؛لعدم الدلیل علی الوجوب من جانب؛ولقاعدة التسامح فی أدلّة السنن من جانب آخر ومنشأ الاختلاف واضح.

نصاب المال المشترک

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب الزکاة فی المال المشترک بین اثنین مثلاً إذا بلغ السهمان حدّ النصاب وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا کانت الأعیان الزکویة مشترکة بین اثنین أو أزید یعتبر بلوغ النصاب فی حصّة کلّ واحد فلا تجب فی النصاب الواحد إذا کان مشترکاً (2).ذلک؛لعدم تحقّق الموضوع-الملک البالغ حدّ النصاب-ولما روی-عن-الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال جواباً عن السؤال من وجوب الزکاة فی مائتی درهم مشترک بین عدّة أناس،«لیس علیهم شیء حتّی یتمّ لکلّ إنسان منهم مائتا درهم». (3)والدلالة تامّة.هذا نفس الرأی علی المذهب الحنفی و المالکی و الحکم علی القاعدة.

المذهب الشافعی

تجب الزکاة فی المال المشترک إذا بلغ النصاب و إن نقص کلّ سهم عنه.و هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی. (4)

ص:284


1- (1) .العروة الوثقی،ص374.
2- (2) .المصدر السابق،ص361.
3- (3) .الوسائل،ج6،ص102،باب 5 من أبواب زکاة الذهب و الفضّة،ح2.
4- (4) .المجموع،ج5،ص533؛الفقه علی المذاهب الخمسة،ص173.

منشأ الاختلاف

إنّ تخلّف الشافعی ناشئ عن الاجتهاد الخاصّ ولم نعثر فیه علی نصّ أو إجماع.

مانعیة الدین عن الزکاة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی انکسار الدین عن المال الزکوی-نفیاً وإثباتاً-وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

الدین لایمنع من الزکاة وبه أفتی السید الطباطبائی الیزدی قال:إنّ زکاة القرض علی المقترض بعد قبضه، (1)ذلک لتحقّق الموضوع-الملک البالغ حدّ النصاب-مضافاً إلی النصوص المستفیضة الواردة فی الباب منها:ما روی یعقوب بن شعیب عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال-جواباً عن السؤال من أنّ زکاة القرض علی المقرض أو علی المستقرض؟-:«علی المستقرض لأنّ له نفعه وعلیه زکاته». (2)

والدلالة تامّة،و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی حیث قال:بعدم اشتراط فراغ المال من الدین فمن کان علیه دین وجبت علیه الزکاة ولو کان ذلک الدین یستغرق النصاب. (3)والحکم علی القاعدة.

المذاهب الثلاثة الأخری

قال الجزیری:یشترط فراغ المال من الدین فمن کان علیه دین یستغرق النصاب أو ینقصه

ص:285


1- (1) .العروة الوثقی،ص362.
2- (2) .الوسائل،ج6،ص67،باب 7 من أبواب من تجب علیه الزکاة،ح1.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص594.

فلا تجب علیه الزکاة. (1)وقال ابن قدامة:إنّ الدین یمنع وجوب الزکاة فی أموال-ذلک؛لروایة مقبولة عند الأصحاب-:فمن کان علیه دین فلیقض دینه ولیزکّ بقیة ماله.

وقال الشافعی-إنّ الدین-:لایمنع الزکاة؛لأنّه حرّ مسلم ملک نصاباً حولاً فوجبت علیه الزکاة کمن لا دین له. (2)وقال الشافعی:بأنّ الدین لایمنع الزکاة،وبأنّه لایمنع نفقة الزوجة و القریب فلا یمنع إیجاب الفطرة. (3)

منشأ الاختلاف

ظهر ممّا تقدّم أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة عن الطریقین،والأوفق بالقواعد و الأحوط فی الدین هو عدم اشتراط الزکاة بعدم الدین و القرض.

ص:286


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المغنی،ج3،ص41.
3- (3) .مغنی المحتاج،ج1،ص403.

الخلاصة

یشترط فی وجوب الزکاة،العقل و البلوغ علی المذهب الجعفری و الحنفی ولا یشترطان علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

اختلف المذهب الجعفری مع المذاهب الأربعة بالنسبة إلی نصاب الإبل فی مورد واحد-و هو ما إذا بلغت خمساً وعشرین-وبالنسبة إلی نصاب الغنم فی مورد واحد و هو ما إذا بلغت-ثلاثمائة وواحدة-یشترط السوم فی زکاة الأنعام علی المذاهب الإسلامیة إلاّ علی المذهب المالکی،یشترط فی زکاة النقدین کونهما مسکوکین ولایشترط علی المذاهب الأربعة،یشترط النصاب فی زکاة الغلات علی المذاهب الإسلامیة إلاّ علی المذهب الحنفی.تجب الزکاة علی الغلات الأربعة المنصوصة علی المذهب الجعفری وتجب علی کلّ ماتنبت الأرض وتدّخر للمؤونة،علی المذاهب الأربعة یستحبّ زکاة مال التجارة علی المذهب الجعفری وتجب علی المذاهب الأربعة،یکفی فی وجوب الزکاة تحقّق النصاب الواحد فی المال الزکوی المشترک بین الشرکاء علی المذهب الشافعی و الحنبلی ولایکفی ذلک علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

الدین لایمنع من الزکاة علی المذهب الجعفری و الشافعی ویمنع علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

ص:287

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی اشتراط العقل و البلوغ بالنسبة إلی وجوب الزکاة؟

2.بین منشأ الاختلاف بالنسبة إلی زکاة الغلات.

3.ما هو الاختلاف بالنسبة إلی نصاب المال المشترک؟

4.هل الدین یمنع من الزکاة؟

5.ما هی الزکاة المستحبّة؟

ص:288

22- أصناف المستحقین

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی سمات المستحقّین،بعد الاتّفاق علی کمّیتها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

مصداق الفقیر

المذهب الجعفری

الفقیر الشرعی من لا یملک مؤنة السنة له ولعیاله(ولم یکن له)صنعة أو کسب،یحصل منهما مقدار مؤنته (1)وها هو الرأی علی المذهب الشافعی حیث یقول:الفقیر من لا مال له ولا کسب من حلال. (2)

المذهب الحنبلی:

الفقیر من لم یجد شیئاً أو لم یجد نصف کفایته. (3)

ص:289


1- (1) .العروة الوثقی،ص376.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص343-341.
3- (3) .المصدر السابق.

المذهب الحنفی:

الفقیر من لایملک حدّ النصاب،أو یملک نصاب غیرتام یستغرق حاجته. (1)

المذهب المالکی:

الفقیر من یملک أقل من کفایة العام ولو یملک نصاباً. (2)

التحقیق:أنّ الفقر علی الأغلب یطلق علی تملک شیء قلیل من المال؛لأنّ المقصود من الفقر هوالفقر المالی وعلیه لا یصدق الفقیر علی المالک للنصاب بکلّ وضوح و الّذی یسهّل الخطب أنّه لاخلاف جوهریاً بالنسبة إلی أنّ الزکاة شرّعت لسدّ الحاجة مسکناً وملبساً ومأکلاً وما إلی ذلک.

وقال أبوالبرکات:ومصرفها فقیر و الّذی لایملک قوت عامه،ومسکین و هو لایملک شیئاً بالکلّیة،بشرط تحرر وعدم کفایة بقلیل أو انفاق أو صنعة وعدا بنوة لهاشم. (3)

الأقرب یمنع الأبعد

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز نقل الزکاة من بلد إلی بلد.

والتحقیق أنّه لاخلاف مبدئیاً عند الجمیع بالنسبة إلی أنّ أهل البلد أولی وأفضل.

کما أنّ الأقرب نسباً-غیر واجب النفقة-أولی من غیره ذلک کلّه علی أساس قاعدة أنّ الأقرب یمنع الأبعد. (4)

ص:290


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص343-341.
3- (3) .الشرح الکبیر،ج1،ص492.
4- (4) .القواعد،ص57.

معنی فی سبیل الله

اشارة

ثمّة اختلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی معنی فی سبیل الله وتفصیل الاختلاف علی ما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:وفی السبیل...هو الغازی-علی المذاهب الأربعة-،فیعطی له ما یحتاج إلیه من سلاح-وغیره-بقدر ما یفی بعودته. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:سبیل الله هو جمیع سبل الخیر کبناءالقناطر و المدارس و المساجد وتعمیر وتخلیص المؤمنین من ید الظالمین ونحو ذلک من المصالح (2)ذلک؛لصدق المعنی بالنسبة إلی الموارد المذکورة جمیعاً.

حول إعطاء الزکاة لمستحقّ واحد

قال الجزیری:یجب فی-إعطاء-الزکاة تعمیم الأصناف الثمانیة إن وجدوا-علی المذهب الشافعی-ووجب إعطاء ثلاثة أشخاص من کلّ صنف،و إن فقد بعض الأصناف اعطیت للموجود واختار جماعة جواز دفع الزکاة لواحد. (3)

و هذا رأی المذهب الشافعی فحسب.أمّا المذاهب الأخری فقد اتّفقت علی جواز دفع الزکاة لمستحقّ واحد،أخذاً بإطلاق الأدلّة،ومهما یکن فلا خلاف جوهریاً بین

ص:291


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص624.
2- (2) .العروة الوثقی،ص380.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص626.

المذاهب کلّها فی أنّ التوزیع لجمیع الأصناف-فی صورة(حالة)وجودهم-أولی وأفضل کما قال السید الطباطبائی الیزدی:یستحبّ البسط علی الأصناف مع سعتها ووجودهم بل یستحبّ مراعاة الجماعة الّتی أقلّها ثلاثة من کلّ صنف (1)و هذا هو المتیقّن من مدلول الآیة الّتی بینت أصناف المستحقّین وهی قوله تعالی: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ... . (2)

شروط زکاة الفطرة

اشارة

انفرد المذهب الجعفری عن المذاهب الأربعة بالنسبة إلی اشتراط البلوغ و العقل فی وجوب زکاة الفطرة،وإلیک رأی المذاهب الأربعة:

قال الجزیری:صدقة الفطر واجبة علی کلّ حرّ مسلم قادر-علی المذاهب کلّها-فقد أخرج عبدالرزّاق بسند صحیح عن عبدبن ثعلبة قال:خطب رسول الله صلی الله علیه و آله قبل یوم الفطر بیوم أو یومین،فقال:أدّوا صاعاً من برّ أو قمح،أو صاعاً من تمر أو شعیر عن کلّ حرّ أو عبد صغیر أو کبیر. (3)واستفادوا من هذه الروایة عدم الإشتراط بالبلوغ و العقل فأفتوا:أنّه یجب علی الولی إخراج الزکاة من مال الطفل و المجنون ودفعها للفقراء.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:شرائط وجوبها-زکاة الفطرة-أمور الأوّل التکلیف فلا تجب علی الصبی و المجنون ولا علی ولیهما أن یؤدّی عنهما من مالهما. (4)ذلک؛للنصّ

ص:292


1- (1) .العروة الوثقی،ص385.
2- (2) .التوبة:60.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص627.
4- (4) .العروة الوثقی،ص395.

الوارد عن الطریقین المسمّی بحدیث الرفع و هو قوله صلی الله علیه و آله«رفع القلم عن ثلاثة:عن الصبی حتّی یحتلم وعن المجنون حتّی یفیق وعن النائم حتّی یستیقظ». (1)دلّت علی رفع المسؤولیة عن الطفل و المجنون.

منشأ الاختلاف

واضح أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص وبما أنّ حدیث الرفع متّفق علیه عند الفریقین فالعمل بمقتضاه أوثق.

نطاق وجوب الفطرة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی نطاق العائلة الّتی تجب فطرتها علی من یعولها،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب إخراجها عن نفسه وعن کلّ من یعوله حین دخول لیلة الفطر من غیر فرق بین واجب النفقة وغیره و الصغیر و الکبیر و الأرحام وغیرهم وعن الضیف بشرط صدق کونه عیالاً له. (2)ذلک؛لما روی عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال لو کیله:«اذهب فاعط من عیالنا الفطرة أجمعهم ولا تدع منهم أحداً». (3)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:یجب أن یخرجها-الفطرة-عنه وعمّن تلزمه نفقته. (4)

ص:293


1- (1) .الخصال،باب الخصال الثلاث،ص58.
2- (2) .العروة الوثقی،ص396.
3- (3) .المصدر السابق،ص395.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص628.

و هو نفس الرأی علی المذاهب الأربعة کلّها مع اختلاف یسیر بالنسبة إلی تطابق المفهوم-أی واجب النفقة-مع المصداق-أی الأولاد الکبار و الزوجة-سعة وضیقاً والاختلاف هنا بسبب الاختلاف فی الاجتهاد.فمحط الزکاة علی الفقه الشیعی،العائلة وعلی الفقه السنّی واجب النفقة.

والّذی یسهّل الخطب أنّ مفهوم واجب النفقة و العائلة-بحسب دلیله الشرعی ومصداقه العرفی-واضح لا خفاء فیه إلاّ فی موارد قلیلة جدّاً.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النص والاجتهاد.ومهمایکن لاخلاف جوهریاً یلعب دوراً سلبیاً بین المذاهب ومن المعلوم أنّ الأوسع نطاقاً هو الأوثق عماداً،عملاً بالنص الصریح عن طریقة آل البیت علیهم السلام و هو الأحوط من ناحیة عملیة.

وقت الوجوب

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی زمان وجوب الفطرة وتحقّقها،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

یتحقّق الوجوب:حین دخول لیلة الفطر (1)هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی و الشافعی و المالکی مع اختلاف فی التعبیر.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:وقت وجوبها-علی المذهب الحنفی من طلوع فجر عید الفطر،ویصحّ أداؤها مقدّماً ومؤخّراً،کسائر الواجبات الموسّعة،إلاّ أنّها تستحبّ قبل الخروج إلی

ص:294


1- (1) .العروة الوثقی،ص396.

المصلّی. (1)فلا خلاف بین المذاهب کلّها بالنسبة إلی وقت الوجوب-لیلة الفطر-إلاّ ما عن الحنفی و هو الرأی المنبثق من الاجتهاد الخاص.

قال الشافعی:تجب زکاة الفطرة بأوّل لیلة العید فی الأظهر؛لأنّها مضافة إلی الفطر من رمضان فی(الحدیث)-ویقال-تجب بطلوع الفجر یوم العید؛لأنّها قربة متعلقة بالعید فلا یتقدّم وقتها علیه کالأضحیة. (2)

وقت الأداء

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وقت الأداء وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید طباطبائی الیزدی:وقت وجوبها-الفطرة-دخول لیلة العید ویستمرّ إلی الزوال لمن لم یصلّ صلاة العید و الأحوط عدم تأخیرها عن الصلاة إذا صلّاها فیقدّمها علیها،و إن صلّی فی أوَّل وقتها،و إن خرج وقتها ولم یخرجها،فإن کان قد عزلها دفعها إلی المستحقّ بعنوان الزکاة،و إن لم یعزلها فالأحوط الأقوی عدم سقوطها بل یؤدّیها بقصد القربة من غیر تعرّض للأداء و القضاء. (3)

المذهب الحنبلی

الأفضل إخراجها فی یوم العید قبل الصلاة ویکره إخراجها بعدها،ویحرم تأخیرها عن یوم العید إذا کان قادراً،ویجب قضاؤها،وتجزئ قبل العید بیومین ولا تجزئ قبلهما. (4)ذلک؛لما مرّ بنا أنّ النبی صلی الله علیه و آله أعلن وجوب الفطرة قبل یومین من العید.

ص:295


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص627.
2- (2) .مغنی المحتاج،ج1،ص402.
3- (3) .العروة الوثقی،ص400.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص627-628.

المذهب الحنفی

لو أخرجها فی أی وقت شاء کان مؤدّیاً لا قاضیاً. (1)

المذهب الشافعی

یسنّ إخراجها أوّل یوم من أیام عید الفطر بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العید،ویکره إخراجها بعد صلاة العید ویجب إخراجها بعد غروب الیوم الأوّل إلاّ لعذر ویجوز إخراجها من أوّل شهر رمضان فی أی یوم شاء. (2)

المذهب المالکی

یندب إخراجها بعد فجر یوم العید وقبل الذهاب لصلاة العید،ویجوز إخراجها قبل یوم العید بیوم أو یومین-علی أساس النصّ-ولا یجوز أکثر من یومین. (3)

منشأ الاختلاف

تبین لنا ممّا تقدّم أنّ الاختلاف یسیر جدّاً وناشئ عن الاجتهاد الفقهی و الّذی یسهّل الخطب أنّ الأولی عند الجمیع هو دفع الزکاة قبل صلاة العید و هو الأوثق-من ناحیة الأدلّة-والأوفق بالقواعد الفقهیة،والأصحّ المتسالم علیه عند المذاهب أجمع،وبالأخذ بهذا الرأی یتحقّق التسالم بین المذاهب.

ص:296


1- (1) .المصدر السابق،ص628.
2- (2) .المصدر السابق،ص628-630.
3- (3) .المصدر السابق.

الخلاصة

لاخلاف فی عدد المستحقّین الثمانیة و إنّما الاختلاف فی سمات المستحقّین کالاختلاف فی مصداق الفقیر مثلاً.

معنی سبیل الله هو الغازی فحسب علی المذاهب الأربعة و أمّا علی المذهب الجعفری،فیصدق سبیل الله علی جمیع سبل الخیر.

لا یشترط البلوغ فی وجوب زکاة الفطرة،علی المذاهب الأربعة،ویشترط ذلک علی المذهب الجعفری.

یجب إعطاء زکاة الفطرة علی المکلّف عن نفسه وعن ما یجب علیه نفقته و إنّما الاختلاف فی المصداق.

الأولی عند جمیع المذاهب إعطاء الزکاة قبل صلاة العید.

ص:297

الأسئلة

1.بین معنی الفقر والاستطاعة.

2.ما هو مورد قاعدة:الأقرب یمنع الأبعد،فی الزکاة؟

3.هل یجوز إعطاء الزکاة لمستحقّ واحد؟

4.ما هو الدلیل علی اشتراط البلوغ فی وجوب الفطرة؟

5.بین وقت وجوب الفطرة علی المذاهب کافّة.

6.هل یجوز تأخیر إعطاء الفطرة عن الوقت المقرّر؟

ص:298

23- الخمس

اشارة

لاخلاف بین المذاهب الإسلامیة أجمع فی أنّ الخمس من الواجبات المالیة الّتی شرّعت کتاباً وسنّة و إنّما الخلاف فی نطاقه-سعة وضیقاً-وتفصیل الاختلاف بما یلی:

خمس مال التجارة

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یجب الخمس فی ما ینفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عیاله من أرباح التجارات ومن سائر التکسّبات بل الأحوط ثبوته فی مطلق الفائدة. (1)ذلک عملاً بإطلاق قوله تعالی: ...وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... . (2)ویؤکّده قوله تعالی: وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (3)؛مضافاً إلی النصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام،منها:ما روی عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:«إنّ الله لا

ص:299


1- (1) .العروة الوثقی،ص407.
2- (2) .الأنفال:41.
3- (3) .الذاریات:19.

إله إلاّ هو حیث حرّم علینا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علینا حرام و الخمس لنا فریضة و الکرامة لنا حلال».ومنها ما عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال:«لایحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتّی یصل الینا حقّنا». (1)

المذاهب الاربعة

یجب فی أرباح التجارة ربع العشر-إثنان ونصف بالمائة-ولا یجب الخمس-عشرین بالمائة-ذلک للنصوص الواردة من طریق الصحابة منها ما روی سمرة بن جندب عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه کان یأمرنا أن نخرج الزکاة ممّا نعدّه للبیع،وفی خبر آخر قال:«أدّ زکاة مالک». (2)ویشمله قوله تعالی: وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ .

وقال السمرقندی:سبب وجوب الزکاة هو المال النامی الفاضل عن الحاجة. (3)

خمس المعادن و الرکاز

المذاهب الاربعة

یجب الخمس فی الرکاز-المال المدفون تحت الأرض-ولا یعتبر فیه النصاب،فقلیله وکثیره سواء فی وجوب الخمس.

قال الخرقی:ما کان من الرکاز،قلّ أو کثر ففیه الخمس.

وقال ابن قدامة:والأصل فی صدقة الرکاز ما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال:وفی الرکاز الخمس:-متّفق علیه-و هو أیضاً مجمع علیه،قال ابن المنذر لانعلم أحداً خالف هذا الحدیث. (4)و هو نفس الحکم بالنسبة إلی المعادن-وجوب الخمس بدون الإشتراط بالنصاب

ص:300


1- (1) .العروة الوثقی،ص401.
2- (2) .المغنی،ج3،ص28.
3- (3) .تحفة الفقهاء،ج1،ص271.
4- (4) .المغنی،ج3،ص17.

-علی المذهب الحنفی؛لأنّ المعدن کالرکاز،لعموم الأحادیث،وعدم اعتبار الحول. (1)قال الکاشانی کإرسال المسلّم بأنّه یجب:خمس الغنائم و المعادن و الرکاز. (2)

أمّا المعادن علی المذاهب الأخری:فیعتبرفیها النصاب و هوما یبلغ من الذهب عشرین مثقالاً ومن الفضّة مائتی درهم أو قیمة ذلک من غیرهما-فإذا بلغ النصاب فی المعدن-ففیه الزکاة ربع العشر؛ذلک-کما قال ابن قدامة-لعموم قوله صلی الله علیه و آله:«لیس فی تسعین ومائة شیء»وقوله صلی الله علیه و آله«لیس علیکم فی الذهب شیء حتّی یبلغ عشرین مثقالاً»،و قد بینّا أنّ المعدن لیس برکاز فأشبه الزرع و الثمار. (3)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فی وجوب الخمس فی المعدن بلوغ ما استخرجه عشرین دیناراً بعد استثناء مؤونة الإخراج و التصفیة. (4)

وقال المحقّق المیرزا النائینی فی الهامش:والأحوط رعایة کلّ من نصابی الذهب و الفضّة فی المُخرج من المعدن ورعایة الأقلّ قیمةً فیما أخرج من سائر المعادن. (5)

ذلک جمعاً بین الأدلّة والاُصول وقال السید الطباطبائی الیزدی:الکنز-و هو المال المذخور فی الأرض سواء کان من الذهب و الفضّة أو غیرهما من الجواهر،وسواء کان فی بلاد الکفر أوفی بلاد الإسلام وسواء کان فی الأرض الموات أو فی غیرها سواء کان علیه أثر الإسلام أم لا ففی جمیع هذه الصور کان ملکاً لواجده وعلیه

ص:301


1- (1) .المصدر السابق،ص24.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج1،ص69.
3- (3) .المغنی،ج3،ص24.
4- (4) .العروة الوثقی،ص402.
5- (5) .المصدر السابق،ج2،ص65.

الخمس ویشترط فی وجوب الخمس فیه،النصاب و هو عشرون دیناراً. (1)ذلک؛لأنّ المعدن و الکنز من الغنیمة عرفاً ولغة وعلیه یجب الخمس فیهما بنصّ الکتاب- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... -ویؤکّده النصوص الواردة من الطریقین منها:ما روی عن طریق الصحابة أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«ما لم یکن فی طریق مأتی،ولا فی قریة عامرة ففیه وفی الرکاز الخمس».-وعلیه قال أبوحنیفة-الواجب فیه-المعدن-الخمس و هو-المعدن-فی. (2)

ومنها:ما روی عن طریق آل البیت علیهم السلام بسند صحیح عن الإمام الرضا علیه السلام أنّه قال:«لیس فیه-المعدن-شیء حتّی یبلغ ما یکون فی مثله الزکاة عشرین دیناراً». (3)دلّت علی اعتبار النصاب فی وجوب الخمس علی المعدن.ومنها:ما روی البزنطی عن الإمام الرضا علیه السلام-بسند صحیح-قال سألته عمّا یجب فیه الخمس من الکنز؟فقال:«ما یجب الزکاة فی مثله ففیه الخمس». (4)

الجواهر المعدنیة

قال ابن قدامة:قال مالک و الشافعی:لا تتعلّق الزکاة-فی المعدن-إلاّ بالذهب و الفضّة لقول النبی صلی الله علیه و آله:«لا زکاة فی حجر»،ولأنّه-المعدن-مال یقوم بالذهب و الفضّة مستفاد من الأرض.أشبه الطین الأحمر.ولنا:-الحنابلة-عموم قوله تعالی: ...وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ... . (5)ولأنّه معدن فتعلّقت الزکاة بالخارج منه کالأثمار،ولأنّه

ص:302


1- (1) .المصدر السابق،ص403 و404.
2- (2) .المغنی،ج3،ص22.
3- (3) .الوسائل،ج6،ص344،باب 4 من أبواب ما یجب فیه الخمس،ح1.
4- (4) .المصدر السابق،باب 5،ح2.
5- (5) .البقرة:267.

مال لو غنمه وجب علیه خمسه،فإذا أخرج من معدن وجبت فیه الزکاة کالذهب،و أمّا الطین فلیس بمعدن؛لأنّه تراب،والمعدن ما کان فی الأرض من غیر جنسها. (1)

و هذا هو التعریف الصحیح للمعدن علی المذهب الجعفری کما مرّ بنا بیانه.

خمس ما یخرج من البحر

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب الخمس فی المال المستخرج بالغوص وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السیدالطباطبائی الیزدی:من الأموال الّتی یجب فیها الخمس،الجواهر المستخرجة من البحر مثل اللؤلؤ و المرجان وغیرهما معدنیاً کان أو نباتیاً لامثل المسک ونحوه من الحیوانات،فیجب فیه-مایخرج-الخمس بشرط أن یبلغ قیمته دیناراً فصاعداً فلا خمس فیما ینقص من ذلک. (2)ویدلّ علیه-مضافاً إلی عموم الآیة و الروایات الواردة فی باب الغنائم و المعادن و الرکاز-ما روی البزنطی عن أبی الحسن علیه السلام قال:سألته عمّا یخرج من البحر من اللّؤلؤ و الیاقوت و الزبرجد...هل فیها الزکاة؟فقال:«إذا بلغ قیمته دیناراً ففیه الخمس» (3)دلّت هذه الروایة علی اشتراط النصاب.

قال السید الخوئی:المشهور اعتبار النصاب-دیناراً،وعن الشیخ المفید-تحدیده بما بلغت قیمته عشرین دیناراً،ولم یعلم له مستند ولا قائل له. (4)

ص:303


1- (1) .المغنی،ج3،ص24.
2- (2) .العروة الوثقی،ص404.
3- (3) .الوسائل،ج6،ص343 باب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس،ح5.
4- (4) .مستند العروة،کتاب الخمس،ص114.

والتحقیق أن یقال:أنّ مستند الحکم یمکن أن یکون إطلاق النصوص الواردة فی المعادن و الرکاز.

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:لا زکاة فی المستخرج من البحر کاللؤلؤ و المرجان و العنبر ونحوه،علی ظاهر قول الخرقی وبه قال مالک و الشافعی وأبوحنیفة-وعدّة من الفقهاء الکبار-وعن أحمد روایة أخری:أنّ فیه-أی ما یخرج من البحر-الزکاة؛لأنّه خارج من معدن فأشبه معدن البرّ ویحکی عن عمربن عبدالعزیز أنّه أخذ من العنبر الخمس. (1)

منشأ الاختلاف

اشارة

اتّضح ممّا تقدّم أنّ هناک،اختلافاً مهمّاً بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی نطاق الخمس-سعة وضیقاً-والعامل الرئیسی فی ذلک الاختلاف هو فهم المعنی من الآیة الّتی تدلّ علی وجوب الخمس و هو قوله تعالی: ...وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... . (2)

و تفصیل الاختلاف فی الفهم بما یلی:
المذاهب الاربعة

إنّ لتلک الآیة-آیة الخمس-معنی خاصّ فی إطار مخصوص،ذلک؛لأنّها قد نزلت فی مورد الحرب فلاصلة لها بغیرها من الموارد وها هو المعنی الّذی أجمع علیه الفقهاء؛أضف إلی ذلک أنّ معنی الغنیمة بحسب اللغة عبارة عن الفائدة المالیة تتحقّق نتیجة للحرب مع الکفّار.قال أبوعبید:الغنیمة مانیل من أهل الشرک عنوة و الحرب

ص:304


1- (1) .المغنی،ج3،ص28.
2- (2) .الانفال:41.

قائمة.والفیء مانیل منهم بعد أن تضع الحرب أوزارها. (1)

التحقیق:أنّ ذلک المعنی هو المعنی المصطلح فی الحروب لاالمعنی اللغوی،ذلک؛لما ورد فی الدعاء:اللّهمّ إنّی أسألک موجبات رحمتک وعزائم مغفرتک و الغنیمة من کلّ برّ و السلامة من کلّ إثمّ. (2)فلا تختصّ الغنیمة بما یؤخذ من دار الحرب.جاء فی اللغة:الغنیمة:المکسب عموماً یقال:غنیمة بادة أی طیبة. (3)

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:یدلّنا علی الحکم-بوجوب الخمس فی أرباح المکاسب وکلّ مایفضل عن مؤونة السنة-بعد الإجماع و السیرة العملیة القطعیة.المتّصلة بزمن أئمّة آل البیت علیهم السلام.

أوّلاً:الکتاب العزیز،قال تعالی: ...فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ... (4)فإنّ الغنیمة،بهذه الهیئة،و إن أمکن أن یقال:بل قیل:باختصاصها بغنائم دار الحرب إمّا لغة أو اصطلاحاً-و إن لم یظهر له أی وجه-إلاّ أنّ کلمة-غنم-بالصیغة الواردة فی الآیة المبارکة ترادف ربح واستفادة وما شاکل ذلک فتعمّ مطلق الفائدة،ولم یتوهّم أحد اختصاصها بدار الحرب،ولعلّ فی التعبیر بالشیء-الّذی فیه من السعة و الشمول ما تری-إشعاراً إلی هذا التعمیم،و أنّ الخمس ثابت فی مطلق ما صدق علیه الشیء من الربح و إن کان یسیراً جدّاً کالدرهم غیر المناسب لغنائم دار الحرب کما لایخفی ویعضده إطلاق الخطاب فی بعض الآیات السابقة-علی تلک

ص:305


1- (1) .المصباح المنیر،ج2،ص623.
2- (2) .مفاتیح الجنان،ص36.
3- (3) .المنجد،ص561.
4- (4) .الأنفال:41.

الآیة-وهی قوله تعالی: ...وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ... ، (1)وقوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً... . (2)فإنّه عامّ لجمیع المؤمنین لالخصوص المقاتلین.

ولا ینافیه ذکر القتال فی الآیات السابقة علیها و اللاحقة لها،لما هو المعلوم من عدم کون المورد مخصّصاً للحکم الوارد علیه ومن ثمّ اعترف القرطبی فی تفسیره،وکذا غیره بشمول لفظ الآیة؛لعموم الفائدة و الأرباح غیر أنّه خصّصها بغنائم دار الحرب من أجل الإجماع الّذی ادّعی قیامه علی ذلک فإذا کانت هیئة-غنم-عامّة فلا جرم کانت هیئة-غنیمة-أیضاً کذلک،إذ لا دلالة فی هیئة فعلیة علی الاختصاص.وکیفما کان فلا ینبغی التأمّل فی إطلاق الآیة المبارکة فی حدّ ذاتها،وشمولها لعامّة الأرباح و الغنائم.

وتشهد لذلک أخبار کثیرة دلّت علی أنّها-أی الغنیمة-هی الإفادة یوماً فیوماً-والأخبار بهذا الشأن بلغت حدّ التواتر،فالحکم ممّا لاینبغی الإشکال فیه نعم هاهنا إشکال معروف قد تداول علی الألسن ولاسیما فی الأونة الأخیرة وحاصله أنّ الآیة لو کانت مطلقة وکان هذا النوع من الخمس ثابتاً فی الشریعة المقدّسة فلماذا لم یعهد أخذه من صاحب الشرع حیث لم ینقل لا فی کتب الحدیث ولا التاریخ أنّ النبی الأعظم صلی الله علیه و آله أو أحداً من المتصدّین بعده حتّی وصیه المعظّم فی زمن خلافته الظاهریة تصدّی لأخذ الأخماس من الأرباح و التجارات کما کانوا یبعثون العمّال لجبایة الزکاة بل قد جعل سهم خاصّ للعاملین علیها فإنّه لو کان ذلک متداولاً کالزکاة لنقل الینا بطبیعة الحال و إن تعجب فعجب أنّه لم یوجد لهذا القسم من

ص:306


1- (1) .الأنفال:28.
2- (2) .الأنفال:29.

الخمس عین ولا أثر فی صدر الإسلام إلی عهد الصادقین حیث أنّ الروایات القلیلة الواردة فی المقام کلّها برزت وصدرت منذ هذا العصر،أمّا قبله فلم یکن منه اسم ولا رسم بتاتاً حسبما عرفت.

الجواب

أمّا بناءً علی ما سلکناه من تدریجیة الأحکام وجواز تأخیر التبلیغ عن عصر التشریع بإیداع بیانه من النبی صلی الله علیه و آله إلی الإمام علیه السلام لیظهره فی ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتیة الباعثة علی ذلک،بل قد یظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحکام لم تنشر لحدّ الآن وأنّها مودعة عند ولی العصر عجّل الله تعالی فرجه و هو المأمور بتبلیغها متی ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلاً فالأمر علی هذا المبنی-الحاسم لمادّة الإشکال-ظاهر لاسترة علیه.

و أمّا مع الغض عن ذلک-فیردّ الإشکال-بإبداء الفرق بین الزکاة و الخمس نظراً إلی أنّ الأوّل ملک للفقراء وحقّ یصرف فی مصالح المسلمین و هو صلی الله علیه و آله مأمور بالأخذ قال تعالی: ...خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً... . (1)فمقدّمة للأخذ الواجب علیه لا محیص له صلی الله علیه و آله من بعث العمّال لجبایة الزکاة.وبالجملة فعلی تقدیر تسلیم عدم بعث العمّال لأخذ الأخماس فهذا-أی عدم الأخذ-لایکشف عن عدم الوجوب بوجه.

کیف؟ووجوب الخمس فی الرکاز ممّا أطبقت علیه أبناء السنّة ورووا فیه روایات کثیرة (2)ومع ذلک لم ینقل ولو فی مورد واحد أنّ النبی صلی الله علیه و آله أو من بعده بعث أحداً لجبایته فعدم البعث و الحثّ للأخذ لازم أعمّ لعدم الوجوب فلا یکشف عنه أبداً.علی

ص:307


1- (1) .التوبة:103.
2- (2) .عمدة القار.2.المبسوط،أبوب،ج9،ص99،باب ما یجب فیه الخمس.

أنّ العامّة-أبناء السنّة-قد رووا هذا الخمس عن النبی صلی الله علیه و آله فقد ورد فی صحیح البخاری و الترمذی أنّ رجلاً من بنی عبد قیس جاء إلی النبی صلی الله علیه و آله فلمّا أراد الانصراف أمره صلی الله علیه و آله بالصلاة و الصیام و الزکاة وإعطاء الخمس ممّا غنم،فإنّ من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب؛لعدم فرض قتال أو غزو،بل المراد خمس الأرباح و المتاجر کما لایخفی(ویؤیده ما مرّ بنا أنّ عمربن عبدالعزیز أخذ من العنبر الخمس) (1)والانصاف أنّه لم یتّضح لدینا بعدُ ماذا کانت الحالة علیه فی عصره صلی الله علیه و آله بالإضافة إلی أخذ هذا النوع من الخمس وعدمه؟-فلم یثبت عدم الأخذ-کیف و العهد بعید و الفصل طویل و قد تخللّ بیننا عصر الاُمویین الّذین بدّلوا الحکومة الإسلامیة حکومة جاهلیة،ومحقوا أحکام الدین حتّی أنّ کثیراً من الناس لم یعرفوا وجوب الزکاة الثابت بنص القرآن کما یحکیه لنا التاریخ و الحدیث بل فی صحیح أبی داوود وسنن النسائی أنّ أکثر أهل الشام لم یکونوا یعرفون أعداد الفرائض،وعن ابن سعد فی الطبقات أنّ کثیراً من الناس لم یعرفوا من مناسک حجّهم.

وروی ابن حزم عن ابن عبّاس أنّه خطب فی خطب فی البصرة وذکر زکاة الفطرة وصدقة الصیام فلم یعرفوها حتّی أمر من معه أن یعلّم الناس فإذا کان الحال هذه بالإضافة إلی مثل هذه الأحکام الّتی من ضروریات الإسلام ومتعلّقة بجمیع الأنام فما ظنّک بمثل الخمس الّذی هو حقّ خاص له ولقرابته ولم یکن من الحقوق العامّة کما فی الزکاة بل لخصوص بنی هاشم زادهم الله عزّاً وشرفاً فلا غرابة إذاً،فی جهلنا بما کان علیه أمر الخمس فی عصره صلی الله علیه و آله أخذاً وصرفاً.

إلاّ أنّ هذا کلّه لایکشف عن عدم الوجوب-و إنّ-عدم الوصول لا یلازم عدم التشریع بعد أن نطق به الکتاب العزیز و السنّة المتواترة.وممّا یؤکّد ذلک أنّه لا خلاف

ص:308


1- (1) .المغنی،ج3،ص28.

بیننا وبین العامّة-أبناء السنّة-فی عدم جواز دفع الزکاة لبنی هاشم،و أنّ الصدقة علیهم حرام حتّی أنّه لایجوز استعمالهم-استخدامهم-علیها-الزکاة-والدفع من سهم العاملین.

قال ابن قدامة:لا نعلم خلافاً فی أنّ بنی هاشم لاتحلّ لهم الصدقة المفروضة.و قد قال النبی صلی الله علیه و آله:أنّ الصدقة لا تبتغی لآل محمّد صلی الله علیه و آله إنّما هی أوساخ الناس أخرجه مسلم). (1)و قد رووا-أبناء السنة-فی ذلک روایات متواترة کما وردت من طرقنا أیضاً حسبما تقدّم فی کتاب الزکاة،وفی بعضها أنّ الله تعالی قد عوّض عنها الخمس إکراماً لهم وتنزیهاً عن أوساخ ما فی أیدی الناس،وفی صحیح مسلم وغیره أنّ الفضل بن العبّاس وشخصاً آخر من بنی هاشم کانا محتاجین إلی الزواج ولم یکن لدیهما مهر فاشتکیا ذلک إلی رسول الله صلی الله علیه و آله،وطلبا منه أن یستعملهما-أی یستخدمهما-علی الزکاة لیحصلا علی المهر من سهم العاملین فلم یرتض صلی الله علیه و آله بذلک بل أمر شخصین أن یزوّجاهما ابنتیهما منهما وجعل مهرهما من الخمس بدلاً عن الزکاة،والروایات بذلک متظافرة بل متواترة من الطرفین کما عرفت.

ومن الواضح الضروری أنّ الحرب لیست قائمة بین المسلمین و الکفّار مدی الدهر،لیتحقّق بذلک موضوع الخمس من غنائم دار الحرب فتدفع إلیهم وعلیه فلو کان الخمس مقصوراً علی غنائم دارالحرب ولم یکن متعلّقاً بما له دوام واستمرار من الأرباح و التجارات فکیف یعیش الفقراء من بنی هاشم فی عصر الهدنة الّذی هو عصر طویل الأمد،بعید الأجل،والمفروض تسالم الفریقین علی منعهم عن الزکاة أیضاً کما مرّ،إذاً فما هو الخمس المجعول عوضاً عنها فی هذه الظروف؟فلا مناص من الالتزام بتعلّقه کالزکاة بما له دوام واستمرار فی جمیع الأعصار؛لتستقیم البدلیة الأبدیة،ولا

ص:309


1- (1) .المصدر السابق،ج2،ص655-656.

یکون الهاشمی أقلّ نصیباً من غیره ولیس ما هو کذلک إلاّ عامّة الأرباح و المکاسب حسبما عرفت.فتحصّل أنّ الاستشکال فی وجوب الخمس فی هذا القسم ساقط بتاتاً،ویدلّنا علی الحکم ثانیاً جملة وافرة من النصوص الّتی عرفت أنّها بالغة حدّ التواتر.

فمنها موثّقة سماعة قال سألت أباالحسن علیه السلام عن الخمس فقال:«فی کلّ ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر». (1)ومنها:صحیحة علی بن مهزیار سأل عن الخمس فیما أوجب علی أصحاب الضیاع فکتب وقرأه علی بن مهزیار«علیه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عیاله» (2)فإنّها صریحة فی المطلوب. (3)وفی ضوء هذا البیان الشامل نصل إلی هذه النتجة وهی:أنّ الخمس لایختصّ بغنائم دار الحرب بل له نطاق واسع بحسب ما ینطق الکتاب به و السنّة.

مصرف الخمس

اشارة

اختلفت الآراء حول مصرف الخمس وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یقسّم الخمس ستّة أسهم علی الأصحّ،سهم لله سبحانه وسهم للنبی صلی الله علیه و آله وسهم للإمام علیه السلام و هذه الثلاثة فی عصرنا للإمام المهدی-صاحب الزمان عجّل الله فرجه وثلاثة أخری للأیتام و المساکین وأبناء السبیل-من بنی هاشم-ومستحقّ الخمس من انتسب إلی هاشم بالاُبوّة وینبغی تقدیم الأتمّ علقة بالنبی صلی الله علیه و آله علی غیره-العبّاسی-کالفاطمیین. (4)

ص:310


1- (1) .الوسائل،ج6،ص350،باب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس،ح6.
2- (2) .المصدر السابق،ص349،ح 4.
3- (3) .مستند العروة،کتاب الخمس،ص194-208.
4- (4) .العروة الوثقی،ص412.

وقال السید الخوئی:وتدلّ علیه طائفة من الروایات قد ادّعی أنّها متواترة إجمالاً فإن تمّت الدعوی فهی وإلاّ تکفینا الآیة المبارکة- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ... -المصرّحة بالأسهم ستّة. (1)

المذهب الحنبلی

قال الخرقی:هو-الخمس-لأهل الصدقات،و هذا قول الشافعی،لأنّ علی بن أبی طالب علیه السلام:أمر صاحب الکنز أن یتصدّق به علی المساکین. (2)

المذهب الحنفی

قال أبوحنیفة:مصرفه-أی الخمس-مصرف الفیء لما أنّ عمربن الخطاب قسّم الخمس بین من حضره من المسلمین. (3)

المذهب المالکی

ویکون الخمس کالغنائم یصرف فی المصالح العامّة. (4)

منشأ الاختلاف

الخلاف ناشئ عن فهم المعنی من الآیة-آیة الخمس-وعن الاختلاف فی النصوص الواردة عن الطریقین.

ومهما یکن فإنّ الأوفق بظاهر الکتاب و الأحوط فی الدین هو اختصاص الأسهم

ص:311


1- (1) .مستند العروة،کتاب الخمس،ص306.
2- (2) .المغنی،ج3،ص22.
3- (3) .المغنی،ج3،ص22 وتحفة الفقهاء،ج1،ص328.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص614.

الثلاثة الأولی للإمام علیه السلام حیث یأخذه نائبه-الفقیه الجامع للشرائط-یضعها فی مصالح الإسلام و الأسهم الثلاثة الأخری تعطی لفقراء بنی هاشم هذا ما ینسجم مع منهجیة التقسیم فی شتّی المذاهب؛ذلک لما لهم-بنی هاشم-حیثیة إضافیة إلی النبی صلی الله علیه و آله فیکون تکریمهم بحسب الحقیقة إکراماً للنبی صلی الله علیه و آله وعلیه تکون مساعدة بنی هاشم من المصالح العامّة للمسلمین کافّة.

ص:312

الخلاصة

لاشکّ فی وجوب الخمس کتاباً وسنّة وإجماعاً ولا خلاف إلاّ فی بعض ما یتعلّق به الخمس کأرباح التجارة وما شاکلها.

لا یختصّ الخمس علی غنائم دار الحرب علی المذاهب کلّها.

العامل الرئیسی للاختلاف فی متعلّق الخمس سعةً وضیقاً هو الاختلاف فی فهم المعنی من آیة الخمس.

لا خلاف بین فقهاء الإسلام فی حرمة الزکاة لبنی هاشم.

مصرف الخمس نصف للإمام أو نائبه ونصف لفقراء بنی هاشم أوفق بالقواعد وأحوط للدین.

ص:313

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی وجوب الخمس من الکتاب و السنّة؟

2.ما هو معنی کلمة«الغنیمة»وکلمة«غنم»؟

3.ما هو الدلیل علی أنّ آیة الخمس تختصّ بغنائم دار الحرب؟

4.ما هو الفرق بین الزکاة و الخمس جبایة وتبلیغاً؟

5.هل الجهل بالنسبة إلی شؤون الخمس یکشف عن عدم وجوبه؟

6.ما هو عامل الاختلاف فی مصرف الخمس؟

ص:314

24- الحجّ

فوریة وجوب الحجّ

اشارة

ثمّة اختلاف یسیر بین المذاهب بالنسبة إلی فوریة وجوب الحج،تمکن ملاحظته وفق التفصیل التالی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:الحجّ فرض علی الفور فکلّ من توفرّت فیه شروط وجوبه ثمّ أخّره عن أوّل عام استطاع فیه یکون آثما بالتأخیر عند ثلاثة من الأئمّة،وخالف الشافعی قائلاً-:هوفرض علی التراخی فإن أخّره عن أوّل عام قدرفیه إلی عام آخر لایکون عاصیاً بالتأخیر (1)ویقال:وجهاً للتأخیر أنّه لا دلالة للأمر علی الفوریة.

قال میلباری:بأنّه یجب الحج مرّة بتراخ. (2)

ص:315


1- (1) .المصدر السابق،ص621 و622.
2- (2) .فتح المبین،ج1،ص322.

قالالشافعی:فوقت الحج مابین أن یجب علیه إلی أن یموت-ذلک؛لأنّ الرسول صلی الله علیه و آله-لم یحج بعد فرض الحج إلاّ حجة الإسلام وهی حجة الوداع. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لا خلاف فی أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوری،بمعنی أنّه تجب المبادرة إلیه فی العام الأوّل من الاستطاعة فلا یجوز تأخیره عنه،فلو خالف وأخّر بلاعذر یکون عاصیاً-ذلک کما قال السید الخوئی؛لأنّ المکلّف إذا کان واجداً للشرائط وتنجّز التکلیف علیه فلابدّ له من تفریغ ذمّته فوراً ولا عذر له فی التأخیر مع احتمال الفوت،وبالجملة یکفینا حکم العقل بوجوب المبادرة وبعدم جواز تأخیره عن عام الاستطاعة.

هذا مضافاً إلی دلالة النصوص علی الفوریة ولزوم المبادرة.منها:معتبرة أبی بصیر،قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول:«من مات و هو صحیح موسر لم یحج فهو ممّن قال الله عزّوجلّ ونحشره یوم القیامة أعمی»قال:قلت:سبحان الله أعمی؟قال:«نعم إن الله عزّوجلّ أعماه عن طریق الحقّ» (2)وهی واضحة الدلالة علی وجوب المبادرة وعدم جواز التأخیر ولو کان التأخیر جائزاً لم یکن وجه لعذابه وعقابه. (3)و هو-الفور-الأحوط فی الدین.

شرائط وجوب الحجّ

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:شرائط وجوب حجّة الإسلام أمور:أحدها الکمال بالبلوغ و العقل،فلا یجب علی الصبی و إن کان مراهقاً ولا علی المجنون و إن کان أدواریاً إذا لم یف دور إفاقته بإتیان تمام الأعمال،ولو حجّ الصبی لم یجز عن حجّة الإسلام و إن

ص:316


1- (1) .مختصر المزنی،ص62.
2- (2) .الوسائل،ج8،ص18،باب 6 من أبواب وجوب الحجّ،ح7.
3- (3) .مستند العروة الوثقی،کتاب الحجّ،ص16 و17.

قلنا بصحّة عباداته وشرعیتها،کما هو الأقوی،ففی خبر عن الصادق علیه السلام:لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم کان علیه فریضة الإسلام. (1)

و هو نفس الرأی علی المذاهب الأربعة مع اختلاف فی التعبیر.

الاستطاعة

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط فیه-أی الحجّ-الاستطاعة الشرعیة وهی کما فی جملة من الأخبار الزاد و الراحلة فمع عدمهما لایجب و إن کان قادراً علیه عقلاً. (2)

ولا خلاف فیه و إنّما الخلاف فی إجزاء الحجّ من غیر المستطیع و هو بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السیدالطباطبائی الیزدی:و إن حجّ مع عدم الاستطاعة المالیة-تجشّماً أو تسکّعاً-فالظاهر،التسالم علی-عدم الإجزاء ولا دلیل علیه إلاّ الإجماع-وقال السید الخوئی:ذلک؛لأنّ إطلاق مادلّ علی وجوب الحجّ علی تقدیر حصول الاستطاعة یقتضی وجوبه متی حصلت الاستطاعة سواء حجّ قبل ذلک أم لا.والأمر فی عام الاستطاعة غیر الأمر الندبی المتقدّم علی عام الاستطاعة. (3)

المذهب الحنفی

إذا بادرغیر المستطیع إلی الحجّ بالمشقّة تجشّماً یجزئ عن الواجب،وعلیه إذا حصل الاستطاعة بعد إتمام الحجّ بذاک المنهج لایجب علیه الحجّ مرّة أخری. (4)و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی. (5)

ص:317


1- (1) .العروة الوثقی،ص425.
2- (2) .المصدر السابق،ص429.
3- (3) .مستند العروة،کتاب الحج،ج1،ص227.
4- (4) .بدائع الصنائع،ج2،ص122.
5- (5) .مغنی المحتاج،ج1،ص462.
المذهب المالکی

من قدر علی الوصول-بمکّة المکرّمة-مع المشقّة الفادحة،فلا یکون مستطیعاً،ولا یجب علیه الحجّ ولکن لو تکلّفه،وتجشّم المشقّة أجزأه ووقع فرضاً. (1)

وقال المواق المالکی:ووجب بإستطاعة،ولو بلازاد وراحلة لذی صنعة تقوم به و قدر علی المشی أو عطیة أو سؤال مطلق. (2)وقال ابن قدامة:وعن مالک:إن کان یمکنه المشی وعادته سؤال الناس لزمه الحجّ؛لأنّ هذه،الاستطاعة فی حقّه،فهو کواجد الزاد و الراحلة. (3)

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:منها:-أی الشرائط-ما هو شرط الوجوب فقط و هو الاستطاعة.فلو تجشّم غیر المستطیع المشقّة وسار بغیر زاد وراحلة فحجّ کان حجّه صحیحاً مجزئاً کما لو تکلّف فی الصلاة و الصیام من یسقط عنه أجزأه.

وقال:ومن تکلّف الحجّ ممّن لایلزمه فإن أمکنه ذلک من غیر ضرر یلحق بغیره مثل أن یمشی ویکسب،ولایسأل الناس استحبّ له الحجّ؛لقوله تعالی: ...یَأْتُوکَ رِجالاً وَ عَلی کُلِّ ضامِرٍ... . (4)فقدّم ذکر الرجال ولأنّ فی ذلک مبالغة فی طاعة الله عزّوجلّ وخروجاً من الخلاف و إن کان یسأل الناس کره له الحجّ؛لأنّه یضیق علی الناس ویحصل کلاًّعلیهم فی التزام ما لایلزمه،وسئل أحمد عمّن یدخل البادیة بلا زاد ولا راحلة فقال:لا أحبّ له ذلک هذا یتوکّل علی أزواد الناس. (5)

ص:318


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص634.
2- (2) .مختصر خلیل،ص60.
3- (3) .المغنی،ج3،ص218 و221.
4- (4) .الحج:27.
5- (5) .المغنی،ج3،ص221.

ما له صلة بالاستطاعة

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا کان عنده مقدار ما یکفیه للحجّ وکان علیه دین.الأقوی کونه مانعاً إلاّ مع التأجیل و الوثوق بالتمکّن من أداء الدین إذا صرف ما عنده فی الحجّ؛وذلک لعدم صدق الاستطاعة فی غیر هذه الصورة،وهی المناط فی الوجوب لامجرّد کونه مالکاً للمال وجواز التصرّف فیه.

وقال:إذا کان عنده مقدار مایکفیه للحجّ ونازعته نفسه إلی النکاح.الأقوی:وفاقاً لجماعة،عدم وجوبه-أی الحجّ-مع کون ترک التزویج حرجاً علیه أو موجباً لحدوث مرض أو للوقوع فی الزنا ونحوه-ذلک-؛لقاعدتی الحرج و الضرر.

وقال:الأقوی وفاقاً لأکثر القدماء اعتبار الرجوع إلی کفایة من تجارة أو صناعة أو منفعة ملک له ونحو ذلک بحیث لایحتاج إلی التکلّف ولا یقع فی الشدّة و الحرج. (1)ذلک کلّه؛لقاعدة نفی الحرج.

وقال ابن قدامة:ویعتبر أن یکون هذا-الاستطاعة-فاضلاً عمّا یحتاج إلیه لنفقة عیاله الّذین تلزمه مؤونتهم فی مضیه ورجوعه؛لأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدمیین وهم أحوج وحقّهم آکد.و قد روی عبدالله بن عمرو عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«کفی بالمرء إثماً أن یضیع من یفوت»،رواه أبوداود.وأن یکون فاضلاً عمّا یحتاج هو وأهله إلیه من مسکن وما لابدّ منه،وأن یکون فاضلاً عن قضاء دینه؛لأنّ قضاء الدین من حوائجه الأصلیة و إن احتاج إلی النکاح وخاف علی نفسه العنت-أی الزنا-قدّم التزویج؛لأنّه واجب علیه،ولا غنی به عنه فهو کنفقته،و إن لم یخف قدّم الحجّ؛لأنّ النکاح تطوّع فلا یقدّم علی الحجّ (2)وها هو الرأی علی المذهب الشافعی (3)وقال أبوحنیفة:أنّه یقدّم التزویج. (4)

ص:319


1- (1) .العروة الوثقی،ص432 و433 و439.
2- (2) .المغنی،ج3،ص222.
3- (3) .کفایة الأخبار،ج1،ص135.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص194.

تحقّق الاستطاعة بالبذل

اشارة

اختلفت الآراءحول تحقّق الاستطاعة بواسطة الهبة وعدم تحقّقها،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:إذا وهبه مایکفیه للحجّ لأن یحج وجب علیه القبول علی الأقوی،بل وکذا لو وهبه وخیره بین أن یحج به أو لا،و أمّا لو وهبه ولم یذکر الحجّ لا تعییناً ولا تخییراً فالظاهر عدم وجوب القبول کما عن المشهور. (1)ذلک؛لتحقّق الاستطاعة فی صورة ذکر الحجّ غرضاً للبذل،وعدم الدلیل علی وجوب القبول تجاه الهبة.

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:ولا یلزمه الحجّ ببذل غیره له ولا یصیر مستطیعاً بذلک،سواء کان الباذل قریباً أو أجنبیاً؛لأنّه لیس بمالک فلم یلزمه الحجّ.

وقال ابن قدامة:وعن الشافعی:أنّه إذا بذل له ولده ما یتمکّن به الحجّ لزمه؛لأنّه أمکنه الحجّ من غیر منّة تلزمه وضرر یلحقه فلزمه الحجّ. (2)وقال المالکی:بأنّه یجب الحجّ بإستطاعة مالیة أو عطیة. (3)

ملکیة الزاد

اشارة

قال الکاشانی:قال عامّة العلماء:إنّه(ملک الزاد)شرط فلا یجب الحجّ بإباحة الزاد

ص:320


1- (1) .العروة الوثقی،ص437.
2- (2) .المغنی،ج3،ص220.
3- (3) .مختصر خلیل،ص60.

والراحلة مطلقاً،ولو وهبه إنسان مالاً یحج به لایجب علی المو هوب له القبول عندنا (1)لإشتراط ملکیة الزاد إجماعاً.

وقال النووی:فیمن عادته السؤال أو المشی،مذهبنا أنه لایلزمه الحجّ وبه قال أبوحنیفة وأحمد(لعدم ملکیة الزاد الّتی هو شرط الوجوب ومعنی الإستطاعة).

وقال مالک:یلزمه الحجّ،وبه قال داوود(لتحقق الإستطاعة). (2)

وقال الإمام الخمینی:لو حصلت الإستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحجّ.لووهبه ما یکفیه للحجّ وجب علیه القبول علی الأقوی(ذلک لتحقّق الإستطاعة المشروعة بلا إشکال). (3)

قال النووی:إذا حجّ بمال حرام أو راکباً دابّة مغصوبة أثم وصحّ حجّه وأجزأه عندنا وبه قال أبوحنیفة ومالک وبه قال أکثر الفقهاء وقال أحمد لایجزئه(لسرایة النهی هناک فی العبادة)ودلیلنا أنّ الحجّ أفعال مخصوصة و التحریم لمعنی خارج عنها. (4)

وقال الإمام الخمینی:فلو حجّ-المستطیع-متسکعاً أو من مال غیره ولو غصباً صحّ وأجزأه نعم الأحوط عدم صحّة صلاة الطواف مع غصبیة ثوبه. (5)

ذلک لتعدد المطلوب وعدم إجتماع الأمر و النهی فی متعلق واحد.

و أمّا عدم صحّة الصلاة فهو علی أساس إشتراط لباس المصلی بالطهارة و الإباحة.

ص:321


1- (1) .بدائع الصنائع،ج2،ص122.
2- (2) .المجموع،ج7،ص76.
3- (3) .تحریر الوسیلة،ج1،ص360-359.
4- (4) .المجموع،ج7،ص76.
5- (5) .تحریر الوسیلة،ج1،ص362.
منشأ الاختلاف

قد تبین لنا أنّ الاختلاف حول الاستطاعة وما له صلة بها،ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد عند الفقهاء و الأمر سهل.

الاستنابة عن العاجز فی الحجّ

قال ابن قدامة:قال الخرقی:فإن کان مریضاً لایرجی برؤه أو شیخاً لایتمسّک،أقام من یحج عنه ویعتمر-نیابة-و قد أجزأه عنه و إن عوفی.فقال:وبهذه قال أبوحنیفة و الشافعی،وقال مالک لاحجّ علیه إلاّ أن یستطیع بنفسه؛لقوله تعالی ...وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً... (1)و هذا غیر مستطیع.

ونقل عن مالک فی کتاب الموطأ،ما یخالفه فذکر هناک:باب الحج عمّن یحج عنه،وذیله بروایة ابن عبّاس التالیة الّتی تدل علی صحّة الحجّ عن العاجز. (2)

قال ابن قدامة:ولنا حدیث ابن عبّاس أنّ امرأة قالت:یا رسول الله صلی الله علیه و آله إنّ فریضة الله علی عباده فی الحجّ أدرکت أبی شیخاً کبیراً لا یستطیع أن یثبت علی الراحلة أفأحجّ عنه؟قال نعم،وذلک فی حجّة الوداع متّفق علیه. (3)و هو نفس الحکم علی المذهب الجعفری کما قال السید الطباطبائی الیزدی:إن اتّفق ارتفاع العذر-المانع عن المباشرة-بعد ذلک-أی بعد النیابة-الأقوی عدم الوجوب-مرّة ثانیة-لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذی کان واجباً علی المنوب عنه،فإذا أتی به فقد حصل ما کان واجباً علیه،ولا دلیل علی وجوبه مرّة أخری. (4)فتبین لنا أنّه لا خلاف هناک إلاّ عن المالکی و هو الخلاف الیسیر الّذی نشأ من الاجتهاد الخاص.

ص:322


1- (1) .آل عمران:97.
2- (2) .الموطأ،ج1،ص359.
3- (3) .المغنی،ج3،ص228.
4- (4) .العروة الوثقی،ص443.

مکان الاستنابة عن المیت المستطیع

اشارة

اختلفت الآراءحول مبدأ الحجّ مکاناً فی الاستنابة،بأنّه من بلد المیت أو من المیقات،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:هل الواجب الاستیجار عن المیت من المیقات أو البلد؟المشهور وجوبه من أقرب المواقیت،وذهب جماعة إلی وجوبه من البلد مع سعة المال،والأقوی هو القول الأوّل؛لعدم الدلیل علی الوجوب أزید من ذلک،ولأصالة البرائة عن التکلیف المشکوک و إن کان الأحوط القول الثانی. (1)و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی قائلاً:یستأجر من یحج عنه من المیقات؛لأنّ الإحرام لایجب من دونه. (2)

وقال الشافعی:ولا یجوز أن یستأجر الرجل من یحج عنه إلاّ بأن یقول یحرم عنه من موضع کذا وکذا. (3)

وقال الشربینی:بأنّ المیقات فی الاستنابة:یحمل عند الإطلاق علی المیقات الشرعی. (4)

قال النووی:هل یشترط تعیین المیقات الّذی یحرم منه الأجیر؟نص الشافعی فی الام ومختصر المزنی انّه یشترط ونص فی الاملاء انّه لا یشترط(دلیل الإشتراط أن)الغرض یختلف بذلک(ودلیل عدم الإشتراط أن)الحجّ له میقات معقود شرعاً. (5)

ص:323


1- (1) .المصدر السابق،ص448.
2- (2) .المغنی،ج3،ص243.
3- (3) .مختصر المزنی،ص71.
4- (4) .مغنی المحتاج،ج1،ص471.
5- (5) .المجموع،ج7،ص121.

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:لنا أنّ الحجّ واجب من بلده فوجب أن ینوب عنه منه؛لأنّ القضاء یکون علی وفق الأداء کقضاء الصلاة و الصیام. (1)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی و المالکی.ولا خلاف إلاّ یسیراً.

حکم فی العمرة المفردة

اشارة

اختلف الآراء بالنسبة إلی حکم العمرة المفردة وجوباً وندباً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:تجب-العمرة-بأصل الشرع علی کلّ مکلّف بالشرائط المعتبرة فی الحجّ فی العمر مرّةً بالکتاب و السنّة و الإجماع ففی صحیحة زرارة:العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحجّ فإنّ الله تعالی یقول: ...وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... . (2)وفی صحیحة فضیل فی قول الله تعالی: ...وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... قال علیه السلام:همامفروضان،ووجوبها بعد تحقّق الشرائط فوری کالحجّ،ولا یشترط فی وجوبها استطاعة الحجّ،بل یکفی استطاعتها فی وجوبها،و إن لم تتحقّق استطاعة الحجّ. (3)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی قال ابن قدامة:ولنا-علی الوجوب-قوله تعالی: ...وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... ،ومقتضی الأمر الوجوب،ثمّ عطفها علی الحجّ و الأصل التساوی بین المعطوف و المعطوف علیه،قال ابن عبّاس:إنّها لقرینة الحجّ فی کتاب الله. (4)

ص:324


1- (1) .المغنی،ج3،ص243.
2- (2) .البقرة:196.
3- (3) .العروة الوثقی،ص475.
4- (4) .المغنی،ج3،ص223؛مختصر المزنی،ص63.

المذهب الحنفی و المالکی

العمرة سنّة مؤکّدة فی العمر مرّة لا فرض (1)وقال المالکی:فرض الحجّ وسنّت العمرة مرّة. (2)ذلک؛لما روی جابر أنّ النبی صلی الله علیه و آله سئل عن العمرة أواجبة هی؟قال:«لا.و إن تعتمروا فهو أفضل».أخرجه الترمذی وقال هذإحدیث حسن صحیح. (3)قال السمرقندی:أما العمرة فعندنا لیست بفریضة. (4)وقال الشافعی:العمرة سنة ولیس فیها شیء ثابت بأنّهاواجبة. (5)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف فی حکم العمرة ناشئ عن الاختلاف فی النصوص،وبما أنّ هناک نصّاًمن الکتاب،یصبح هو المدرک الوحید للحکم-أی الوجوب بعد تعارض النصوص و تساقطها.

استحباب العمرة زماناً

اشارة

اختلفت الآراء حول تکرار العمرة استحباباً و التفصیل بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:ویندب الإکثار من العمرة وتتأکّد فی شهر رمضان؛لما روی عن ابن عبّاس:عمرة فی رمضان تعدل حجّةً-ولا خلاف إلاّ عن المالکی قائلاً:یکره تکرار

ص:325


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص684.
2- (2) .مختصر خلیل،ص60.
3- (3) .المغنی،ج3،ص223.
4- (4) .تحفة الفقهاء،ص391.
5- (5) .المجموع،ج7،ص5.

العمرة فی السنة مرّتین إلاّ لمن کان داخلاً مکّة قبل أشهر الحرم؛لأنّها-أی العمرة-سنّة کفایة کلّ عام بالنسبة لعموم الناس،ولا تتأکّد فی رمضان المبارک. (1)

قال زحیلی:لا یکره عند الجمهور تکرار العمرة فی السنة،فلا بأس أن یعتمر فی السنة مراراً. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:ویستحبّ تکرارها کالحجّ-وأفضل أوقاتها شهر رجب-واختلفوا فی مقدار الفصل بین العمرتین،والأقوی:عدم اعتبار الفصل فیجوز إتیانها کلّ یوم. (3)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص والاختلاف فی الاجتهاد.والّذی یسهّل الخطب أنّ الحکم استحبابی فلا إلزام تجاه الحکم من الأساس.

ص:326


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص687.
2- (2) .الفقه الإسلامی وأدلته،ج3،ص2124.
3- (3) .العروة الوثقی،ص475.

الخلاصة

لا خلاف فی فوریة وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط إلاّ عن الشافعی.

من حجّ بدون الاستطاعة-مع التجشّم بشتّی أنواعه-لا یجزئ عن الحجّ الواجب،إلاّ علی المذهب الحنبلی و المالکی.

إذا وهب شخص مالاً-بقدر الاستطاعة-لشخص آخر یجب علی المتّهب الحجّ علی المذهب الجعفری؛لتحقّق الاستطاعة،ولا یجب علی المذاهب الأربعة.

یجب علی النائب-فی الاستنابة عن الحجّ-أن یبادر إلی الحجّ من المیقات علی المذهب الجعفری و الشافعی ویجب من البلد علی المذاهب الاُخری.

العمرة المفردة واجبة علی المذهب الجعفری و الحنبلی وسنّة مؤکّدة علی المذهب الحنفی و المالکی و الشافعی.

ص:327

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی فوریة وجوب الحجّ؟

2.هل یجزئ حجّ الصبی عن حجّة الإسلام؟

3.ما هو المقصود من الاستطاعة؟بحسب التعبیر الروائی؟

4.ما هو معنی الرجوع إلی الکفایة؟

5.هل یقدّم النکاح علی الحجّ؟

6.هل یجوز الاستنابة عن المریض الّذی لا یرجی برؤه؟

7.بین أفضل الأوقات بالنسبة إلی العمرة المفردة.

ص:328

25- أقسام الحجّ

اشارة

لاخلاف بین المذاهب أجمع بالنسبة إلی أقسام الحجّ الثلاثة وهی:التمتّع،والإفراد،والقِران.و إنّما الخلاف فی کیفیة القران وتفصیله بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:القران هو الجمع بین الحجّ و العمرة فی إحرام واحد.والقارن یلزمه عمل واحد فقط و هوعمل الحجّ،فیکفیه طواف واحد وسعی واحد للحجّ و العمرة؛لقوله صلی الله علیه و آله:من أحرم بالحجّ و العمرة أجزأه طواف واحد وسعی واحد عنهما حتّی یحلّ منهما جمیعاً.صحّحه الترمذی. (1)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:وأفعال القارن وشروطه کالمفرد غیرأنّه یتمیز عنه بسیاق الهدی عند إحرامه.وقال المحقّق صاحب الجواهر:إنّ ذلک الحکم کان وفاقاً للمشهور،وفی

ص:329


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص688-689.

صحیح الحلبی: (1)عن الإمام الصادق علیه السلام:«إنّما نسک الّذی یقرن مثل نسک المفرد ولیس بأفضل منه إلاّ بسیاق الهدی». (2)

ترتیب الأقسام

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ترتیب أقسام الحجّ وترجیح بعضها علی بعض وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:أقسام الحجّ ثلاثة بالإجماع و الأخبار-وهی-تمتّع وقران وإفراد.والأوّل فرض من کان بعیداً عن مکّة و الآخران فرض من کان حاضراً أی غیر بعید،وحدّ البعد الموجب للتمتّع ثمانیة وأربعون میلاً من کلّ جانب علی المشهور-و هو-الأقوی؛لصحیحة زراة عن الإمام الباقر علیه السلام قلت له-ما المقصود من-قول الله عزّوجلّ فی کتابه: ...ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... ،فقال:«یعنی أهل مکّة لیس علیهم متعة،کلّ من کان أهله دون ثمانیة وأربعون میلاً ذات عرق،وعسقان کما یدور حول مکّة،فهو ممّن دخل فی هذه الآیة.وکلّ من کان أهله وراء ذلک فعلیه المتعة».

وفی خبر آخر عنه علیه السلام قال:«حدّ البعید ثمانیة وأربعون میلاً من جمیع نواحی مکّة ولا یجزئ للبعید إلاّ التمتّع ولا للحاضر إلاّ الإفراد و القران». (3)

وقال السید الطباطبائی الیزدی:لایجوز لمن وظیفته التمتّع أن یعدل إلی غیره من

ص:330


1- (1) .الوسائل،ج9،ص154،باب 2 من أبواب أقسام الحجّ،ح6.
2- (2) .الجواهر،ج18،ص50.
3- (3) .العروة الوثقی،ص475 و476.

القسمین الآخرین اختیاراً،نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وأدرک الحجّ جاز له نقل النیة إلی الإفراد وأن یأتی بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف. (1)

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:من أراد الحجّ و العمرة جاز له فی الإحرام ثلاث کیفیات:

الأولی:الإفراد،و هو أن یحرم بالحجّ وحده فإذا فرغ من أعماله أحرم بالعمرة وطاف وسعی.

الثانیة:القران،و هو الجمع بین الحجّ و العمرة فی إحرام واحد.

الثالثة:التمتّع،و هو أن یعتمر أوّلاً ثمّ یحجّ من عامه. (2)فالحکم هو التخییر بین الأقسام الثلاثة بلاخلاف بین المذاهب الأربعة و إنّما الخلاف فی أفضلیة بعضها من حیث الاستحباب الثلاثة-لا ضرورة لصرف الوقت حول أفضلیة الاستحباب حیث لا ملزم لها من الأساس.

وقال بعض المحقّقین علی فتوی المذاهب الأربعة:لأی کائن مکّیاً أو غیر مکّی أن یختار أی نوع شاء من أنواع الحجّ الثلاثة:التمتّع و القران و الإفراد،دون کراهة إلاّ أنّ أباحنیفة قال:یکره للمکّی حجّ التمتّع و القران. (3)

منشأ الاختلاف

اشارة

إنّ العامل الرئیسی الّذی أوجب الاختلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة هو الاختلاف فی فهم المعنی من قوله تعالی: ...فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ

ص:331


1- (1) .المصدر السابق،ص 482.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص 688.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الخامسة،ص 206.

فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... . (1)

و الاختلاف فی الفهم بما یلی:
المذهب الجعفری

إنّ المقصود بالإشارة من کلمة:ذلک،فی قوله تعالی: ...ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... :هو التمتّع الّذی هو المقصود الأصلی للبیان،وعلیه فیصبح المعنی:أنّ ذلک التمتّع مع ماله صلة به-أی الهدی-یکون فرض النائی:الّذی لم یکن أهلاً لبلد مکّة المکرّمة.وطبعاً کان فرض الحاضر الّذی یکون أهلاً للبلد،هو غیر التمتّع،من الإفراد و القران،و هو نفس المعنی الّذی ورد فی النصّ الصحیح-الآنف بالذکر-عن الإمام الباقر علیه السلام وبه یتمّ المطلوب.

المذاهب الاربعة

إنّ المقصود من کلمة ذلک فی الآیة هو الهدی،وعلیه کان المعنی:أنّ ذلک الهدی یکون فرض النائی البعید عن البلد-مکّة المکّرمة-ولا یجب الهدی علی من کان حاضراً-أی أهلاً-فی البلدأعمّ من أن یکون الحجّ حجّ التمتّع،أو الإفراد أو القران فعلیه یجوز أن یکون حجّ الحاضر حجّ التمتّع فیبتدئ من أدنی الحل-مسجد التنعیم-ویستمرّ علی ما هو المنهج فی التمتّع إلی التحلیل.

التحقیق:أنّ الّذی یسدّ الاختلاف هو وحدة العمل-أی النسک-بحسب الواقع العملی،ذلک؛لأنّ الحجّاج الواردین فی مکّة المکّرمة لابدّ لهم من المرور عن أحد المواقیت المقرّرة للنائی ولا یجوز المرور من المیقات بدون الإحرام و هذا هو

ص:332


1- (1) .البقرة:196.

-واقع النسک فی التمتّع،وعلیه یمکننا أن نقول:أنّ التمتّع بحسب الواقع هو فرض البعید فحسب.

وبالتالی:إنّ ماذهب إلیه الرأی الجعفری هو الّذی یتطابق مع الواقع الموضوعی.

الإحرام من المواقیت

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز الإحرام قبل المیقات وعدم الجواز وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:لاخلاف فی أنّ من أحرم قبل المیقات یصیر محرماً،ولکنّ الأفضل،الإحرام من المیقات ویکره قبله وبه قال مالک و الشافعی وقال أبوحنیفة:الأفضل الإحرام من بلده ولنا:أنّ النبی صلی الله علیه و آله وأصحابه أحرموا من المیقات ولایفعلون إلاّ الأفضل-وفی روایة-أنّ سنّة النبی صلی الله علیه و آله الإحرام من المیقات،بین ذلک بفعله وقوله. (1)قال الکاشانی الحنفی:کلّما قدّم الإحرام علی المواقیت هو أفضل وروی عن أبی حنیفة أن ذلک أفضل إذا کان یملک نفسه(عن المحظورات)وقال الشافعی:إنّ الإحرام من المیقات أفضل وقال الکاشانی:وتقدیم الإحرام علی المیقات جائز بالإجماع إذا کان فی أشهر الحرم. (2)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لایجوز الإحرام قبل المواقیت-ذلک؛عملاً بمقتضی التوقیت وللنصوص الواردة فی الباب،منها صحیحة معاویة بن عمّار قال:سمعت

ص:333


1- (1) .المغنی،ج3،ص265.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج3،ص247 و293.

أباعبدالله الإمام الصادق علیه السلام یقول:«لیس ینبغی أن یحرم دون الوقت الّذی وقّت رسول الله صلی الله علیه و آله»ویستثنی من ذلک-أی عدم الجواز-موضعان:أحدهما:إذا نذر قبل المیقات فإنّه یجوز ویصحّ للنصوص،منها:خبر أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام:«لو أنّ عبداً أنعم تعالی علیه نعمة وابتلاه ببلیة فعافاه من تلک البلیة فجعل علی نفسه أن یحرم من خراسان کان علیه أن یتمّ»-دلّت علی صحّة النذر-ثانیهما:إذا أراد-المکلّف-إدراک عمرة رجب وخشی تقفیه إن أخّر الإحرام إلی المیقات فإنّه یجوز له الإحرام قبل المیقات وتجب له عمرة،و إن أتی ببقیة الأعمال فی شعبان؛لصحیحة إسحق بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام:عن رجل یجیئ معتمراً ینوی عمرة رجب فیدخل علیه الهلال قبل أن یبلغ العقیق،أیحرم قبل الوقت ویجعلها لرجب؟أو یؤخّر الإحرام إلی العقیق ویجعلها لشعبان؟قال علیه السلام:«یحرم قبل الوقت لرجب فإنّ لرجب فضلاً». (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الدلیل علی جواز الإحرام قبل المیقات علی المذاهب الأربعة،هو:الإجماع الّذی ذکره ابن قدامة،و أمّا النصوص الواردة عن الطریقین دلّت علی لزوم الإحرام من المیقات کما هو مقتضی أدلّة المواقیت،وإلاّ فلا معنی للتوقیت کما قال الجزیری:المیقات معناه:فی اللغة موضع الإحرام للحاجّ و هوموافق للمعنی الشرعی فللإحرام میقات مکانی. (2)

التحقیق:إنّ الأحوط فی الدین هو الإحرام من المیقات عملاً بمقتضی الأدلّة و النصوص و الفتاوی،ولا خلاف هناک من ناحیة عملیة إلاّ عن الحنفی فإنّ أبناء

ص:334


1- (1) .العروة الوثقی،ص488 و489.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص639.

الحنفی یحرمون من بلدهم علی أساس أنّ الأفضل هو الإحرام من البلد علی الرأی الحنفی،و هذا الحکم ناشئ من الاجتهاد الخاص.

حکم المرور عن المیقات بدون الإحرام

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حکم من جاوز المیقات بدون أن یحرم،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لو أخّر الإحرام من المیقات عالماً عامداً،ولم یتمکّن من العود إلیها-لضیق الوقت أو لعذر آخر-ولم یکن أمامه میقات آخر،بطل إحرامه وحجّه.وقال السید الطباطبائی الحکیم:ذلک؛لأنّه مقتضی إطلاق دلیل التوقیت،الموجب لبطلان الإحرام من غیر الوقت.-وببطلانه یبطل الحجّ-،لفوات الکلّ بانتفاء جزئه أو المشروط بانتفاء شرطه. (1)و هو نفس الرأی علی مسلک بعض من أبناء العامّة کما قال ابن قدامة:وعن سعیدبن جبیر:لا حجّ لمن ترک المیقات. (2)

المذاهب الاربعة

قال الخرقی:ومن أراد الإحرام فجاوز المیقات غیر محرم رجع فأحرم من المیقات فإن أحرم من مکانه فعلیه دم-علی المذاهب کلّها-ذلک لما روی ابن عبّاس عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«من ترک نسکاً فعلیه الدم». (3)وقال الکاشانی:من جاوز المیقات بغیر إحرام ثمّ أحرم یلزمه دم. (4)

ص:335


1- (1) .مستمک العروة الوثقی،ج11،ص310.
2- (2) .المغنی،ج3،ص268.
3- (3) .المصدر السابق،ص267 و268.
4- (4) .بدائع الصنائع.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف فی الحکم ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد.

صحّة الإحرام قبل أشهر الحجّ

اختلفت الآراء حول صحّة الإحرام للحجّ،قبل أشهر الحجّ وعدم صحّته،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

أشهر الحجّ

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:بأنه یشترط أن یکون مجموع العمرة و الحجّ فی أشهرالحجّ فلو أتی-المکلّف-بعمرته أو بعضها فی غیرها-أی الأشهر-لم یجز له أن یتمتّع بها،وأشهر الحجّ شوّال وذوالقعدة وذوالحجّة بتمامه علی الأصحّ،لظاهرالآیة- اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ... -وجملة من الأخبارکصحیحة معاویة بن عمّار (1)-عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إنّ الله تعالی یقول: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ... وهی:شوّال وذوالقعدة وذوالحجّة»-وموثّقة سماعة (2)-عن الإمام الصادق علیه السلام قال فی حدیث:«فمن اعتمر فیهنّ-أی الأشهر-وأقام إلی الحجّ فهی متعة،ومن رجع إلی بلاده ولم یقم إلی الحجّ فهی عمرة،و إن اعتمر فی شهر رمضان أو قبله وأقام إلی الحجّ فلیس بمتمتّع»- (3)و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی. (4)

ص:336


1- (1) .الوسائل،ج8،ص196،باب 11 من أبواب أقسام الحجّ،ح2.
2- (2) .المصدر السابق،ص248،باب 10 من أبواب أقسام الحج،ح2.
3- (3) .العروة الوثقی،ص479.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص638.

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:لاینبغی أن یحرم بالحجّ قبل أشهره و هذا هو الأولی،فإنّ الإحرام بالحجّ قبل أشهره مکروه؛لکونه إحراماً به قبل وقته فأشبه الإحرام به قبل میقاته؛ولأنّ فی صحّته اختلافاً فإن أحرم به قبل أشهره صحّ مع کراهة و هو قول مالک وأبی حنیفة.

وقال الشافعی:یجعله عمرة؛لقول الله تعالی: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ... .ومتی ثبت أنّه وقته لم یجز تقدیم إحرامه علیه کأوقات الصلوات.ولنا قول الله تعالی: یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِیَ مَواقِیتُ لِلنّاسِ... . (1)فدلّ علی أنّ جمیع الأشهر میقات،والآیة- أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ... -محمولة علی أنّ الإحرام به-أی الحجّ-إنّما یستحبّ فیها. (2)

وقال المحشّی تعلیقاً علیه:هذا ضعیف جدّاً ولو صحّ لجاز صیام رمضان فی شهر آخر فإنّ قوله تعالی- اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ... -لا یختلف عن تعیین شهر رمضان باسمه،فإنّ قوله-معلومات-کتسمیتها سواء. (3)قال النووی:إن قیل ما الفرق بین میقات الزمان و المکان حیث جازتقدیم الإحرام علی میقات المکان دون الزمان،فالجواب ما أجاب به الجرجانی فی المعایات أن میقات المکان یختلف باختلاف البلاد بخلاف میقات الزمان. (4)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف فی الحکم هنا ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من الآیة الّتی دلّت علی توقیت الحجّ بزمن خاصّ-أشهر معلومات-والّذی یسهّل الخطب أنّ الأوفق بالقواعد و الأحوط فی الدین هو الإحرام بالحجّ فی أشهره و هوالأفضل علی المذاهب أجمع،ویمکننا أن نقول أنّه لم یوجد-هناک-اختلاف بحسب الواقع العملی.

ص:337


1- (1) .البقرة:189.
2- (2) .المغنی،ج3،ص271.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .المجموع،ج7،ص282.

الخلاصة

لاخلاف فی أقسام الحجّ بین المذاهب و إنّما الخلاف بینهم فی أفضلیة بعضها علی بعض و هو سهل یسیر.وثمّة خلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی کیفیة حجّ القران.

التمتّع یختصّ للنائی،والإفراد و القران لأهل البلد علی المذهب الجعفری ولم یکن الحکم کذلک علی المذاهب الأربعة بل یجوز لأهل البلد التمتّع أیضاً.

لایجوز الإحرام قبل المیقات إلاّ علی المذهب الحنفی.

المرور من المیقات بدون الإحرام مبطل للحجّ علی المذهب الجعفری ولا یبطل بل یوجب الهدی علی المذاهب الأربعة.

لایصحّ الإحرام بالحجّ قبل أشهر الحرم علی المذهب الجعفری و الشافعی ویجوز ذلک مع کراهة علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

ص:338

الأسئلة

1.ما هی کیفیة حجّ القران علی المذاهب الأربعة وعلی المذهب الجعفری؟

2.بین دلالة الآیة- ...ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... -علی اختصاص حجّ التمتّع للنائی.

3.ما هو الدلیل علی عدم جواز الإحرام قبل المیقات؟

4.هل المرور عن المیقات بدون الإحرام مبطل للحجّ؟

5.ما هو الدلیل علی عدم صحّة الإحرام بالحجّ قبل أشهر الحجّ؟

ص:339

ص:340

26- الإحرام

حول مستحبّات الإحرام

ثمّة اختلافات جزئیة یسیرة کالاختلاف بالنسبة إلی جواز التیمّم بدلاً عن الغسل عند فقدان الماء مقدّمة للإحرام وعدم جوازه و الأمر سهل.بل لا یتحقّق الموضوع-أی فقدان الماء-للتیمّم فی الحیاة المعاصرة.ومن تلک الاختلافات هو استحباب توفیر شعر الرأس من ذی القعدة علی المذهب الجعفری؛ذلک للنصوص ومقدّمة للتحلیل،من الحلق و التقصیر،ویستحبّ الحلق علی المذهب الشافعی و الحنبلی و الحنفی عملاً بإطلاق أدلّة الحلق،واختلفت آراء المذاهب الأربعة بالنسبة إلی تطییب البدن و الثوب استحباباً ومکروهاً،کلّ ذلک سهلٌ یسیر؛لعدم الضرر علی ترکها وعدم الخطر علی فعلها.

حول واجبات الإحرام

اشارة

لاخلاف بین المذاهب فی واجبات الإحرام الثلاثة:النیة،والتلبیة ولبس الثوبین.و إنّما الخلاف فی خصائصها الجزئیة و التفصیل بما یلی:

ص:341

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:الإحرام معناه فی الشرع نیة الدخول فی الحجّ و العمرة،ویسنّ اقترانه بالتلبیة،إلاّ علی المذهب الحنفی قائلاً:الإحرام،یتحقّق بأمرین،الأول:النیة،(نیة الإحرام)والثانی:اقترانها بالتلبیة. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:واجباته-أی الإحرام-ثلاثة،الأوّل:النیة،بمعنی قصد القربة و الخلوص کما فی سائر العبادات.

الثانی:من واجبات الإحرام التلبیة-وهی الأذکار التالیة-:لبّیک اللّهُمَّ لبّیک،لبّیک لا شریک لک لبّیک،إنّ الحمد و النعمة لک و المُلک،لا شریک لک لبّیک.والواجب من التلبیة مرّة واحدة،ویستحبّ الإکثار.

الثالث:من واجبات الإحرام لبس الثوبین-غیر المخیط-یتّزر بأحدهما ویرتدی بالآخر. (2)ومهمایکن فکلّ مایکون مجزیاً-فیما له صلة بالإحرام-علی المذهب الجعفری-کان مجزئاً علی المذاهب الأربعة.

والاختلاف الّذی ألمحنا إلیه بالنسبة إلی حکم اقتران التلبیة بالنیة وجوباً-علی المذهب الحنفی وندباً علی المذاهب الثلاثة الأخری.یوجب اختلافاً نظریاً محضاً ذلک؛لعدم الاختلاف من ناحیة عملیة قطعاً ذلک؛لأنّ التلبیة واجبة علی المذاهب أجمع ولا یتسامح الحجّاج فی العمل بها قطعاً بحسب السیرة الجاریة عند المسلمین،وعلیه فلا أرضیة للمنازعة.

ص:342


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص639.
2- (2) .العروة الوثقی،ص391-495.

حول محظورات الإحرام

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ما له صلة بمحرّمات الإحرام وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:ما لا یجوز للمحرم فعله بعد الدخول فی الإحرام،الجماع،الصید،الطیب.

وقال:یحرم علی المحرم عقد النکاح ویقع باطلاً عند الثلاثة،وخالف الحنفی قائلاً:یجوز للمحرم عقد النکاح؛لأنّ الإحرام لا یمنع صلاحیة المرأة للعقد علیها،و إنّما یمنع الجماع،فهو کالحیض و النفاس و الظهار قبل تکفیره،-فإنّ-کلّ منها یمنع الجماع فقط لا صحّة العقد. (1)ذلک؛لما روی ابن عبّاس أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوّج میمونة و هو محرم متّفق علیه. (2)

وقال ابن قدامة:لنا-علی عدم الجواز:ما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال:«لاینکح المحرم ولا ینکح ولا یخطب».رواه مسلم. (3)

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:ولو عقد-المکلّف امرأةً-لنفسه مع علمه بالحکم،حرمت علیه دائماً. (4)ذلک؛لصحیحة عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لیس للمحرم أن یتزوّج ولا یزوّج،و إن تزوّج أو زوّج محلاًّ فتزویجه باطل».وفی روایة أخری عن إبراهیم بن الحسن عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بینهما ثمّ لا یتعاودان أبداً». (5)

ص:343


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص645.
2- (2) .المغنی،ج3،ص232؛نیل الأوطار،ج2،ص136.
3- (3) .المغنی،ج3،ص332.
4- (4) .تحریر الوسیلة،ج1،ص402.
5- (5) .الوسائل،ج9،ص89 و91،باب 14 و15،من أبواب تروک الاحرام،ح1.

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ منشأ الاختلاف هنا هو الاختلاف فی الروایات الواردة فی الباب سنداً ودلالةً،والأحوط علی أساس أنّ الاجتناب من الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة،هو الاجتناب،کما علیه أکثر المذاهب.

والّذی یسهّل الخطب أنّ ذلک العمل ممّا یجتنب عنه الحجّاج قطعاً وعلیه لا یوجد خلاف عملی بحسب الواقع.

حول التقبیل و النظر

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تبعات التقبیل و النظر إلی الزوجة حال الإحرام بعد ما اتّفقت الآراء أجمع علی عدم جوازهما عن شهوة وتفصیل الاختلاف علی ما یلی:

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:لو قبّل امرأة بشهوة فکفّارته بدنة،و إن کان بغیر شهوة فشاة،و إن کان الأحوط بدنة.ولو نظر إلی أهله بشهوة فأمنی فکفّارته بدنة علی المشهور. (1)ذلک؛لروایة حسنة رواها أبوسیار عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:«یا أباسیار إنّ حال المحرم ضیقة،إن قبّل إمرأته علی غیر شهوة و هو محرم فعلیه دم شاة،إن قبّل إمرأته علی شهوة فأمنی فعلیه جزور ویستغفر الله،ومن مسّ إمرأة و هو محرم علی شهوة فعلیه دم شاة،ومن نظر إلی أمرأته نظر شهوة فأمنی فعلیه جزور،و إن مسّ إمرأته أو لازمها من غیر شهوة فلیس علیه شیء». (2)

ص:344


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص402.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص277،باب 18 من أبواب کفّارات الاستمتاع،ح3.

المذهب الحنبلی

قال الخرقی:فإن قبّل فلم ینزل فعلیه دم،و إن أنزل فعلیه بدنة.و إن نظر فصرف بصره فأمنی فعلیه دم،و إن کرّر النظر حتّی أمنی فعلیه بدنة.

وقال ابن قدامة:وجملة ذلک:أنّ حکم القبلة وحکم المباشرة دون الفرج سواء-علی أساس حرمة الاستمتاع الثابتة بالنصّ و الإجماع فی الجماع-فلم یفسد به الحج؛لأنّ مراتب الأحکام علی وفق ما یحصل به من اللذّة،فالوط ء فی الفرج أبلغ الاستمتاع فأفسد الحجّ مع الإنزال وعدمه،والوط ء دون الفرج دونه فأوجب البدنة،فأفسد الحجّ مع الإنزال و الدم عند عدمه،والقبلة دونهما فتکون دونهما فیما یجب بها فیجب بها بدنة عند الإنزال من غیر إفساد،وتکرار النظر دون الجمیع فیجب به الدم عند الإنزال ولا یجب عند عدمه شیء،و أمّا إن نظر ولم یکرّرفعلیه شاة و إن کرّره فأنزل علیه بدنة،روی ذلک عن ابن عبّاس أمّا مجرّد النظر فلا شیء فیه فقد کان النبی صلی الله علیه و آله ینظر إلی نسائه و هو محرم. (1)

قال ابن قدامة:إنّ الحجّ لا یفسد بتکرار النظر أنزل أو لم ینزل،روی ذلک عن ابن عبّاس و هو قول أبی حنیفة و الشافعی،وروی عن مالک فیمن ورد النظر حتّی أمنی،علیه حجّ من قابل؛لأنّه أنزل بفعل محظور،أشبه الإنزال بالمباشرة.ولنا:أنّه إنزال عن غیر مباشرة فأشبه الإنزال بالفکر والاحتلام،والأصل الّذی قاسوا علیه ممنوع.

المذهب الحنفی

قال ابن قدامة:قال أبوثور:لا شیء علیه-أی المکلّف الحاجّ تجاه الإنزال بالنظر-وحکی ذلک عن أبی حنیفة؛لأنّه لیس بمباشرة،أشبه الفکر،ولنا أنّه إنزال بفعل

ص:345


1- (1) .المغنی،ج3،ص338 و339.

محظور،فأوجب الفدیة کاللمس. (1)

وقال الجزیری قال الحنفی:فإذا تعدّد الجماع فإن کان فی مجلس واحد اکتفی بشاة واحدة. (2)و هذا الحکم علی خلاف المذاهب الأخری،أخذاً بإطلاق أدلّة الشاة،بینما المذاهب کلّها،یقولون:بأنّ الفدیة هناک بدنة؛للنصوص الواردة من طریقی آل البیت علیهم السلام و الصحابة.

قال ابن قدامة:وحکی أبوثور عن أبی حنیفة أنّ اللواط و الوط ء فی الدبر لایفسد الحجّ؛لأنّه لایثبت به الإحصان فلم یفسد الحجّ. (3)قال السرخسی:والمس و التقبیل و الجماع فیما دون الفرج أنزل أو لم ینزل لا یفسد الإحرام وللشافعی قول أنه إذا إتّصل به الإنزال یفسد به الإحرام علی قیاس الصوم(وعلیه دم)ولکنّا نقول:فساد الإحرام حکم متعلق بعین الجماع. (4)وقال الکاشانی:والمحرم غیر ممنوع عمّا یزرع الشهوة. (5)

و أمّا المذهب الجعفری فیخالف ذلک الحکم(عدم فساد الإحرام)أشدّ المخالفة.قال الإمام الخمینی:بان من المحرمّات فی الإحرام،الاستمتاع من النساء:وط ءً وتقبیلاً ولمساً ونظراً بشهوة بل کلّ لذّة وتمتع منها.

لو جامع فی إحرام عمرة التمتع قبلاً أو دبراً،علیه الکفّارة(بدنة).

الأحوط اتمام العمل واستئنافه،لو وقع ذلک قبل السعی،وأحوط من ذلک إعادة الحجّ من قابل،ولو ارتکبه بعد السعی فعلیه الکفّارة فقط وهی علی الأحوط بدنة.

لو إرتکب ذلک(الجماع)فی إحرام الحجّ عامداً عالماً بطل حجّه،إن کان قبل

ص:346


1- (1) .المغنی،ج3،ص338 و339.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص673.
3- (3) .المغنی،ج3،ص336.
4- (4) .المبسوط،ج4،ص118.
5- (5) .بدائع الصنائع،ج2،ص293.

وقوف عرفات بلا إشکال،و إن کان بعده وقبل الوقوف بالمشعر فکذلک علی الأقوی،فیجب علیه فی الصورتین إتمام العمل و الحجّ من قابل،وعلیه الکفّارة وهی بدنة.

ولو کان ذلک بعد الوقوف بالمشعر فإن کان قبل تجاوز النصف من طواف النساء صحّ حجّه،وعلیه الکفّارة،و إن کان بعد تجاوزه عنه صحّ ولاکفّارة علی الأصح. (1)ذلک کلّه؛لأنّ حال المحرم ضیقة کما فی الروایة الأنیف ذکرها.

ولا شک أن الإحرام عبادة مهمّة و المحرم ینقطع إلی الله ویقتلع عن قلبه کلّ العلاقات الشهویة،فهل یمکن أن یقال:أن الجماع فیما دون الفرج مع الإنزال لا یضر بالإحرام علی قول أبی حنیفة؟

المذهب الشافعی

تحرم مقدماته-أی الجماع-کالقبلة و المباشرة بشهوة سواء أنزل أم لم ینزل،وتجب علیه فی هذه الحالة الفدیة،وذلک؛لأنّ شرط الحرمة-ودلیلها-الاستمتاع و هو حاصل بالنظر و اللمس.وشرط الفدیة-ودلیلها-المباشرة بشهوة. (2)

المذهب المالکی

یشترط فی فساد الحجّ بالإنزال بسبب النظر أو الفکر أن یطیلهما-أی یکرّرهما-أمّا الإمناء بمجرّد النظر أو الفکر فإنّه لایفسد-ویجب علیه الهدی،أمّا إذا أمنی بسبب قبلة فإنّ حجّه یفسد. (3)

ص:347


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص403.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص674.
3- (3) .المصدر السابق،ص672 و673.

منشأ الاختلاف

قد تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی مستند الحکم روائیاً واجتهادیاً وقیاسیاً،فإنّ المستند علی المذهب الجعفری هو النص التامّ سنداً ودلالةً،والمستند علی المذاهب الأربعة-حسب ما تبین-الاجتهاد و القیاس.

الیسیرة

هناک عدّة اختلافات یسیرة نکتفی بالإشارة إلیها،ذلک لانتفاء الموضوع بالنسبة إلی بعضها وقلّة الوقوع للبعض الآخر.

منها:الاختلاف فی ما له صلة بحرمة الصید،وبما أنّه لا أرضیة للصید فلا مسوّغ للبحث عنه.

ومنها:الاختلاف فی جواز نقل هوامّ الجسد بعد الاتّفاق علی عدم جواز قتلها،وبما أنّه لا واقع لنقل الهوام إلاّ قلیلاً من جانب،والحاجّ یحتاط نفسیاً من جانب آخر فالأمر سهل.

ومنها:الاختلاف فی جواز قطع الشجر الّذی أنبته الحاجّ بنفسه بعد الاتّفاق علی عدم جواز قطع الأشجار الّتی أنبتها الله وبما أنّ الحاجّ المتدین یجتنب عن قطع الأشجار قطعاً بلافرق بین ما أنبته الآدمی وما أنبته الله-بحسب فهم العرف-فلا اختلاف هناک من ناحیة عملیة أصلاً.

حول الاستظلال

اشارة

هناک اختلافات یسیرة بین المذاهب بعد الاتّفاق علی حرمة الاستظلال إجمالاً،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:348

ثلاثة من المذاهب

قال الجزیری:ویجوز له-أی المحرم-أن یستظلّ بالشجرة و الخیمة و البیت و المحمل و الشمسیة بشرط أن لایمسّ شیء من ذلک رأسه ووجهه،فإنّ کشفهما واجب باتّفاق المالکیة و الحنیفیة.والشافعی أیضاً من مجوّزی الاستظلال إلاّ أنّ نطاق الجواز علی رأی الشافعی أوسع قائلاً:یجوز الاستظلال-بکلّ ماذکر-ولو لاصق رأسه أو وجهه.لکن لو وضع علی رأسه ما یقصد به الستر عرفاً حرم علیه ذلک. (1)

وتبین لنا أنّ الاستظلال بالذات لایضرّ بالإحرام فلایکون من المحظورات و أمّا إذا أصبح الاستظلال ملاصقاً بالرأس و الوجه کان ذلک محظوراً علی أساس دلیل عدم جواز الستر بالنسبة إلی الرأس و الوجه علی الرجال.

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی-من محرّمات الإحرام-:تظلیل المحرم علیه-أی علی الرأس للرجال-ساتراً-حال السیر-ولو اضطرّ لم یحرم. (2)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق قال:سألته عن المحرم یرکب القبّة؟فقال:«لا».قلت:فالمرأة المحرمة؟قال:«نعم». (3)والدلالة تامّة.

ومنها:صحیحة سعدبن سعد الأشعری:عن الإمام الرضا علیه السلام قال:سألته عن المحرم یظلّل علی نفسه.فقال:«أ من علّة؟»فقلت:یؤذیه حرّ الشمس و هو محرم.فقال:«هی علّة یظلّل ویفدی». (4)فالحکم بعدم جواز التظلیل علی الرجال یستند إلی النصوص

ص:349


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص651.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص251.
3- (3) .الوسائل،ج9،ص146،باب 64 من أبواب تروک الإحرام،ح1.
4- (4) .المصدر السابق،ص287،باب 6 من أبواب بقیّة کفّارات الإحرام،ح4.

الخاصّة.و هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی.

قال ابن قدامة:قال الخرقی:ولا یظلّل علی رأسه فی المحمل فإن فعل فعلیه دم،واحتجّ أحمد بقول ابن عمر،روی عطاء قال:رأی ابن عمر علی رحلِ عمربن عبدالله بن أبی ربیعة عوداً یستره من الشمس فنهاه. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی مستند الحکم،فإنّ عدم جواز الاستظلال علی المذهب الجعفری یستندإلی النصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام وجواز الاستظلال علی المذهب الحنفی و الشافعی و المالکی یستند إلی الاجتهاد،والحنبلی وافق الجعفری فی هذا الحکم،ذلک للنصّ الوارد عن طریق الصحابة الدالّ علی عدم جواز التظلّل.

الارتماس

اشارة

اختلفت آراء الفقهاء بالنسبة إلی جواز الإرتماس بالماء وعدمه،وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی-من محرّمات الإحرام-:تغطیة الرأس وفی معناه الإرتماس. (2)ذلک لأنّ رمس الرأس فی الماء تماماً هو تغطیة الرأس وستره بالماء بکلّ وضوح،فلا یجوز الإرتماس علی أساس عدم جواز الاستتار.

ص:350


1- (1) .المغنی،ج3،ص307.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص251.

ومن حسن الحظّ أنّه توجد نصوص صحاح تصرّح بعدم جواز الإرتماس.

منها:صحیحة عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام قال سمعته یقول:لاتمسّ الریحان وأنت محرم-إلی أن قال:ولا ترتمس فی ماء تدخل فیه رأسک. (1)والدلالة تامّة کاملة،وها هو الرأی علی المذهب المالکی وأضاف المالکی أنّه:لایجوز إزالة الوسخ بالغسل (2)ذلک لاحتمال قطع الشعر.

المذاهب الثلاثة الأخری

قال ابن قدامة:لابأس بذلک الإرتماس ولعلّه-المالکی-ذهب إلی أنّ ذلک ستر له،والصحیح أنّه لیس ذلک ستر و قد روی عن ابن عبّاس قال:ربّما قال لی عمر ونحن محرمون بالجحفة تعال أباقیک-أی أغالبک-أینا أطول نفساً فی الماء وقال ربّما قایست عمربن الخطّاب بالجحفة ونحن محرمون.ولأنّه لیس بستر معتاد. (3)وقال مالک:لا أحب للمحرم أن یغمس رأسه فی الماء خشیة أن یقتل الدواب. (4)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی انطباق معنی التغطیة علی الارتماس،ومن الاختلاف فی النصوص الواردة من الطریقین،فیکون الاختلاف نصّاً واجتهاداً.والّذی یسهّل الخطب أنّه لاخلاف هنا بحسب الواقع الموضوعی ذلک؛لأنّ الاستحمام فی حیاتنا المعاصرة یتمّ بإفاضة الماء من الأجهزة المعدّة فی الحمّام،فلا خلاف من ناحیة عملیة.

ص:351


1- (1) .الوسائل،ج9،ص140،باب 58 من أبواب تروک الإحرام،ح1.
2- (2) .المغنی،ج3،ص299.
3- (3) .المصدر السابق.
4- (4) .المدونة الکبری،ج1،ص363.

حول الاکتحال والاختضاب

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز الاکتحال والاختضاب وعدم جوازهما حال الإحرام وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:لا یجوز للمحرم أن یکتحل بما فیه طیب باتّفاق ثلاثة،وخالفا لمالکیة،قالوا:یحرم علی المحرم الاکتحال مطلقاً.وقال:لا یجوز للمحرم أن یختضب بالحناء لأنّه طیب،والمحرم ممنوع من التطیب.عند المالکیة و الحنفیة،أمّا الشافعیة،قالوا:یکره الخضاب.والحنابلة قالوا:لا یحرم علی المحرم الاختضاب. (1)

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی-من محرّمات الإحرام-:الاکتحال بالسواد إن کان فیه الزینة،ولا یترک الاحتیاط بالاجتناب عن مطلق الکحل الّذی فیه الزینة،ولو کان فیه الطیب فالأقوی حرمته. (2)وقال:-من المحرّمات-لبس الخاتم و الساعة-للزینة فلو کان للاستحباب أو لخاصیة فیه،لا للزینة لا إشکال فیه،والأحوط ترک استعمال الحناء للزینة،بل الحرمة لا تخلو من وجه-ویحرم-:لبس المرأة الحلی للزینة. (3)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی انطباق المفهوم-أی مفهوم الزینة و الطیب-علی المصداق.

ص:352


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص646 و647.
2- (2) .تحریر الوسیلة،ج1،ص404 و405.
3- (3) .المصدر السابق،ص406 و407.

التحقیق:أنّ العامل الرئیسی بالنسبة إلی حرمة الاکتحال والاختضاب هو:تحقّق الزینة و التطییب علی أساس النصوص و الفتاوی،ومن النصوص:ما رواه حریز بسند صحیح عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:لاتکتحل المرأة المحرمة بالسواد،إنّ السواد زینة. (1)صرّحت علی المطلوب بعموم التعلیل وقال المحقّق الحلّی:ویحرم لبس الخاتم للزینة ولبس الحلّی للزینة. (2)

وقال المحقّق صاحب الجواهر:القول بالحرمة-بالنسبة إلی الاختضاب-هو:لمفهوم تعلیل المنع عن الکحل بالسواد و النظر فی المرآة بأنّه زینة. (3)

وقال ابن قدامة:وروی عن أحمد أنّه قال:یکتحل المحرم ما لم یرد به الزینة،وقال:قال القاضی:یکره-الاختضاب-لکونه من الزینة. (4)فتبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی انطباق المفهوم علی المصداق و هذا هو الاختلاف فی الاجتهاد.

ص:353


1- (1) .الوسائل،ج9،ص112،باب 33 من أبواب تروک الإحرام،ح4.
2- (2) .الشرائع،ج1،ص250.
3- (3) .الجواهر،ج8،ص429.
4- (4) .المغنی،ج3،ص327 و331.

الخلاصة

الاختلاف فی مستحبّات الإحرام سهل.

کلّ ما کان مجزئاً-بالنسبة إلی واجبات الإحرام-علی المذهب الجعفری مجزءٌ علی المذاهب الأربعة فلا خلاف عملیاً.

لا یجوز عقد النکاح للمحرم،إلاّ علی المذهب الحنفی.

لا یجوز التقبیل و النظر إلی الزوجة عن شهوة واختلفت الآراء فی الکفّارة،والأحوط:بدنة.

لا یجوز الاستظلال للمحرم حال السیر علی مذهبی الجعفری و الحنبلی ویجوز ذلک علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

لا یجوز الارتماس بالماء للمحرم علی مذهبی الجعفری و المالکی ویجوز علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

اختلفت الآراء حول الاکتحال والاختضاب حرمة وکراهة ولا اختلاف من ناحیة عملیة.

ص:354

الأسئلة

1.هل یجب اقتران النیة بالتلبیة؟

2.ما هو الدلیل علی عدم جواز عقد النکاح حال الإحرام؟

3.ما هی کفّارة التقبیل عن شهوة وکفّارته بدون الشهوة؟

4.هل تتحقّق الکفّارة تجاه النظر إلی إمرأة بدون الشهوة؟

5.ما هو الدلیل علی عدم جواز التظلیل حال الإحرام؟

6.هل یجوز الارتماس بالماء حال الإحرام؟

7.ما هو العامل الرئیسی لعدم جواز الاکتحال والاختضاب ولبس الحلی وما شاکلها؟

ص:355

ص:356

27- الوقوفات

وقت الوقوف فی عرفة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ابتداء الوقوف وانتهائه فی عرفة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ثلاثة من المذاهب

قال الجزیری:وقته-أی الوقوف فی عرفة علی المذهب الحنفی-هو من بعد زوال شمس الیوم التاسع من شهر ذی الحجّة إلی فجر یوم النحر.

ووقته-علی المذهب الشافعی أیضاً-من زوال شمس یوم التاسع من ذی الحجّة إلی فجر یوم النحر. (1)قال أبوبکر الکاشانی:و أمّا قدر الواجب من الوقوف فمن حین تزول الشمس إلی أن تغرب،فهذا القدر من الوقوف واجب عندنا.وعند الشافعی لیس بواجب بل هو سنة.

والأصل فیه(الوقوف)ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله انّه قال من وقف بعرفة فقد تمّ حجّه.

ص:357


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص662-664.

(والقدر المفروض هو حصوله کائناً بها)والمشی و السیر لا یخلو عن وقفة،وسواء نوی أو لم ینو بخلاف الطواف. (1)

وقال الأنصاری الشافعی:وواجب الوقوف بعرفة حضوره بعرفة أی بجزء منها بین زوال وفجر یوم النحر،للإتباع رواه مسلم. (2)

وقال الجزیری:یجب الوقوف-علی المذهب المالکی-فی نهار التاسع بعد الزوال إلی الغروب. (3)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:وقت الاختیار لعرفة من زوال الشمس إلی الغروب من ترکه عامداً فسد حجّه،ووقت الاضطرار إلی طلوع الفجر من یوم النحر. (4)

ولم نجد خلافاً یعتدّ به إلاّ عن الحنبلی و هو کما یلی:

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:الوقت المعتبر له-أی للوقوف علی المذهب الحنبلی-هو من فجر الیوم التاسع من شهر ذی الحجّة إلی فجر الیوم العاشر (5)وقال ابن قدامة:وقت الوقوف من طلوع الفجر یوم عرفة إلی طلوع الفجر من یوم النحر،لا نعلم خلافاً بین أهل العلم فی آن آخر لوقت طلوع فجر یوم النحر. (6)ولم یرد نصّ أو إجماع دالّ علی أنّ مبدأ

ص:358


1- (1) .بدائع الصنائع،ج2،ص127.
2- (2) .فتح الوهاب،ج1،ص251.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص662-664.
4- (4) .شرائع الإسلام،ج1،ص254.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص663.
6- (6) .المغنی،ج3،ص415.

الوقوف فی عرفة هو فجر الیوم التاسع،عدا ما یقول ابن قدامة:ولأنّه-الوقت من الفجر إلی الزوال-من یوم عرفة فکان وقتاً للوقوف کبعد الزوال. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف فی هذا الحقل ناشئ عن تفرّد الحنبلی واجتهاده الخاصّ معلناً:أنّ وقت الوقوف فی عرفة من الفجر إلی الفجر،و قد مرّ بنا أنّه لایمکن المساعدة علی هذا التحدید؛لعدم الدلیل علیه من نصّ أو إجماع.أضف إلی ذلک أنّ فتوی من بعض شیوخ الحنابلة یخالف التحدید المذکور.کما قال الخرقی:ثمّ-بعد إقامة الصلاتین-یصیر إلی موقف عرفة فیکبّر ویهلّل ویجتهد فی الدعاء إلی غروب الشمس. (2)

و أمّا الاختلاف بالنسبة إلی التعبیر عن الوقت المتیقّن-من الزوال إلی الغروب-بالوقت الاختیاری علی المذهب الجعفری وبوقت الفضیلة علی المذاهب الأخری فهو ناشئ عن عدم التقریب بین المذاهب و الآراء.ذلک؛لأنّ وقت الفضیلة بحسب الحقیقة-کما یؤیده عمل الحجّاج-هو الوقت الاختیاری فلا یترکه الحاجّ عن اختیار إلاّ أنّ التعبیر بالوقت الاختیاری آکد و هو الأحوط فی الدین و الأقرب للتقوی.

حکم الخروج عن عرفة قبل الغروب

قال ابن قدامة:فإن دفع-أی خرج-قبل الغروب فحجّه صحیح فی قول جماعة الفقهاء إلاّ مالکاً قال:لا حجّ له،قال ابن عبدالبرّ:لانعلم من فقهاء الأمصار من قال بقول مالک، (3)وقال الجزیری قال المالکیة:من أرکان الحجّ الحضور بعرفة بأی جزء منها،

ص:359


1- (1) .المصدر السابق.
2- (2) .المصدر السابق،ص409 و411.
3- (3) .المغنی،ج3،ص414.

فالحضور بعرفة نوعان:رکن یفسدالحجّ بترکه وواجب یلزم فی ترکه دم،فالأوّل:لحظة من غروب الشمس یوم عرفة إلی طلوع فجر یوم النحر،والثانی:لحظة من زوال الشمس یوم عرفة إلی غروب الشمس من ذلک الیوم. (1)

وقال مالک بأنّ من دفع من عرفات قبل مغیب الشمس(فعلیه أن یرجع قبل طلوع الفجر ویقف فیها)و إن لم یعد إلی عرفات،فعلیه الحجّ قابلا و الهدی ینحره فی حجّ قابل و هو کمن فاته الحجّ. (2)ویتطابق رأی المالکی مع فتوی الفقهاء أجمع ولا خلاف إلاّ فی النقل.والّذی یسهّل الخطب هو الوحدة العملیة،فإنّ الحجّاج المسلمین من کافّة المذاهب یلتزمون بالوقوف من زوال الشمس إلی غروب الشمس یوم التاسع فلم یکن هناک اختلاف من ناحیة عملیة،و أمّا الاختلاف فی التعبیر فهو ناشئ عن عدم المقارنه بین الآراء و المذاهب وفق المنهج المطلوب.

ومهما یکن فالإخلال بالرکن اختیاراً یوجب بطلان الحجّ و الإخلال بالواجب-من واجبات الحجّ-یوجب الکفّارة.و أمّا من اضطرّ إلی ترک الوقوف بعرفة فهو معذور علی أساس قاعدة رفع التکلیف عن المضطرّ و هو نفس الحکم علی المذهب الجعفری،و قد نقل عن الشافعی:أنّ الحکم هو تبدیل الحجّ بالعمرة،لبطلان الحجّ بواسطة النقص فی الرکن. (3)

حول الوقوف بالمزدلفة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وقت الوقوف هناک وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:360


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص664.
2- (2) .المدونة الکبری،ج1،ص413.
3- (3) .الفقه المصور،ص252.

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:وقت الوقوف بالمشعر-للمختار-ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس وللمضطرّ إلی زوال الشمس؛ (1)ذلک لصحیحة معاویة بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«أصبح علی طهر بعدما تصلّی الفجرفقف-بالمشعر-إن شئت قریباًعن الجبل»-إلی أن قال-:«ثمّ أفض حین یشرف لک ثبیر-جبل بمکّة» (2)والدلالة تامّة والحکم متسالم علیه عند الفقهاء الإمامیین.

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:الحضور بالمزدلفة قبل طلوع الفجر-واجب علی المذهب الحنفی و الشافعی و المالکی ویجب المبیت بالمزدلفة لیلة-النحر-علی المذهب الحنبلی ولیکن المبیت فی-النصف الثانی-من اللیل. (3)قال الکاشانی:و أمّا زمان الوقوف بمزدلفة فما بین طلوع الفجر وطلوع الشمس هذا عندنا،وقال الشافعی:یجوز فی النصف الاخیر من لیلة النحر. (4)قال مالک:من مرّ بمزدلفة،و إن کان دفعة فی وسط اللیل أو أوّله أو آخره وترک الوقوف مع الإمام أجزأه ولا دم علیه. (5).ولا یجب الوقوف بعد الفجر(علی المذهب الحنبلی)إلاّ أنّه یستحبّ الوقوف و الدعاء بالمأثور بعد صلاة الفجر حتّی یتحقّق الضوء من المشرق اقتداءً بالنبی صلی الله علیه و آله کما قال ابن قدامة:والمستحبّ الاقتداء برسول الله صلی الله علیه و آله فی المبیت

ص:361


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص256.
2- (2) .الوسائل،ج10،ص45،باب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر،ح1.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص665-667.
4- (4) .بدائع الصنائع،ج2،ص136.
5- (5) .المدونة الکبری،ج1،ص317.

إلی أن یصبح ثمّ یقف حتّی یسفر،وعن نافع أنّ ابن زبیر أخّر فی الوقت حتّی کادت تطلع الشمس. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی مدرک الحکم،فإنّ مدرک الوقوف باللیل فی المزدلفة-علی المذاهب الأربعة-هو عمل النبی صلی الله علیه و آله حسب ما نقل عن طریق الصحابة کما قال ابن قدامة:ولنا:أنّ النبی صلی الله علیه و آله بات بها-المزدلفة-وقال:خذوا عنّی مناسککم،و إنّما أبیح الدفع بعد نصف اللیل بما ورد من الرخصة فیه. (2)ولم یکن هناک نصّ خاصّ وقال السید السابق:هذه هی السنّة الثابتة فی المبیت بالمزدلفة. (3)

و أمّا مدرک الوقوف بین الطلوعین فی المشعر الحرام-علی المذهب الجعفری-فهو النصّ الوارد عن الإمام الصادق علیه السلام الّذی دلّ علی وجوب الوقوف من طلوع الفجر إلی طلوع الفجر.

أضف إلی ذلک أنّه یقال:أنّ المشعرالّذی هو وعاء الذکر فی قوله تعالی: ...فَاذْکُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ... ، (4)هو بعد طلوع الفجر بلا خلاف وهناک عدّة أدعیة مأثورة عن الطریقین فی ذلک الوقت.

فتبین أنّ ذلک الوقت هو المنسک و أمّا الوقوف فی المزدلفة لیلاً لیس إلاّ مقدّمة للوقوف الأصلی وعلیه یستحبّ الوقوف لیلاً.ویؤکّده ماقال به الحنبلی من وجوب المبیت فی المزدلفة وعدم کفایة الوقوف قطعة من اللیل،ولا یجوز الخروج قبل طلوع الفجر.

ص:362


1- (1) .المغنی،ج3،ص423.
2- (2) .المصدر السابق،ص422.
3- (3) .فقه السنة،ج1،ص724.
4- (4) .البقره:198.

والّذی یسهّل الخطب أنّ فقهاء السنّة یقولون بمطلوبیة الدعاء بعد صلاة الفجر و الوقوف بعد الفجر حتّی الإسفار و هو یقرب طلوع الشمس فإذا ارتحل الحاج بعد ذلک الوقت ودخل فی وادی محسر یواجه طلوع الفجر؛لعدم الفصل بین الإسفار و الطلوع إلاّ القلیل و هو نفس الرأی علی المذهب الجعفری:کما قال المحقّق الحلّی:یستحبّ الإفاضة-من المشعر-قبل طلوع الشمس بقلیل،ولکن لا یتجاوز وادی محسر إلاّ بعد طلوعها. (1)وعلیه لیس ثمّة اختلاف من ناحیة عملیة.

جواز التفریق بین العشائین لیلة المزدلفة

اشارة

قال ابن قدامة:فإن صلّی المغرب قبل أن یأتی مزدلفة ولم یجمع-بین الصلاتین-خالف السنّة وصحّت صلاته،وبه قال مالک و الشافعی:وقال أبوحینفة:لایجزئه؛لأنّ النبی صلی الله علیه و آله جمع بین الصلاتین،فکان نسکاً و قد قال:«خذوا عنّی مناسککم».

ولنا:أنّ کلّ صلاتین جاز الجمع بینهما جاز التفریق بینهما کالظهر و العصر بعرفة وفعل النبی صلی الله علیه و آله محمول علی الأولی و الأفضل (2)و هو نفس الرأی علی المذهب الجعفری القائل بجواز الجمع فی مطلق الأحول.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی التعیین و التخییر،حیث أنّ المذهب الحنبلی استنبط الحکم تعییناً،بأنّ الجمع هناک هو الحکم علی التعیین کمنسک معین و أمّا علی المذاهب الأخری کان الجمع أولی،فیجوز التفریق بین العشائین کما هو منهجیة الجمع بین الصلاتین المشترکتین فی الوقت.

ص:363


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص258.
2- (2) .المغنی،ج3،ص420.

أعمال منی

خصوصیة الترتیب بالنسبة إلی أعمال منی

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وجوب الترتیب بین الرمی و الحلق و الهدی وعدم وجوبه،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:وترتیب هذه المناسک واجب یوم النحر:الرمی،ثمّ الذبح،ثمّ الحلق،فلو قدّم بعضها علی بعض أثم ولا إعادة. (1)وقال المحقّق صاحب الجواهر:إنّ الحکم منسوب إلی أکثر المتأخّرین؛لقوله تعالی: ...وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ... . (2)وللتأسّی مع قول النبی صلی الله علیه و آله (3)وقول الإمام الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار (4)إذا رمیت الجمرة فاشتر هدیک. (5)

المذاهب الاربعة

قال السید السابق:إنّ الترتیب هناک:سنّة عند أکثر أهل العلم؛لحدیث عبدالله بن عمر-أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله خطاباً لمن تخلّف الترتیب-:«افعل ولاحرج».وقال أبوحنیفة:إن لم یراع الترتیب فقدّم منسکاً علی منسک فعلیه دم،وتأوّل قوله صلی الله علیه و آله:

ص:364


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص265.
2- (2) .البقرة:196.
3- (3) .تیسیر الاُصول،ج1،ص312.
4- (4) .الوسائل،ج10،ص139،باب 39 من أبواب الذبح،ح1.
5- (5) .الجواهر،ج19،ص248.

«لا حرج»علی رفع الإثم دون الفدیة. (1)وقال الکاشانی الحنفی:بأنّه روی أنّه صلی الله علیه و آله رمی ثمّ ذبح ثمّ دعا بالحلاق. (2)

منشأ الاختلاف

من البین أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی فهم المعنی من قوله صلی الله علیه و آله:«لاحرج»،الوارد من الطریقین.قال الحنفی:إنّ المقصود من نفی الحرج هنا هو نفی الإثم وقالت المذاهب الأخری:إنّ المقصود من نفی الحرج-فی الکتاب و السنّة-هو نفی الحکم المحرج کما هو ظاهر قوله تعالی: ...وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ... . (3)فتبین لنا أنّ الترتیب بین الرمی و الهدی و الحلق واجب علی المذهب الجعفری و المذهب الحنفی،ومندوب علی المذاهب الثلاثة الأخری؛لذلک نری أنّ الحجّاج کلّهم یبادرون إلی أعمال یوم النحر وفق الترتیب،ولا یوجد هناک تخلّف إلاّ لعذر،والعذر رافع للتکلیف علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الحنفی بحسب فهمه الخاصّ.

وقت الرمی

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی وقت رمی الجمار للمختار وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:وقت الرمی من طلوع الشمس من یوم العید إلی غروبه. (4)ذلک؛لأنّ الرمی من مناسک یوم العید و الیوم من الطلوع إلی الغروب،ویدلّنا علی ذلک

ص:365


1- (1) .فقه السنة،ج1،ص726.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج2،ص141.
3- (3) .الحج:78.
4- (4) .تحریر الوسیلة،ج1،ص426.

الحدیث المشهور الوارد من الطریقین قال الإمام الصادق علیه السلام:«لمّا أقبل رسول الله صلی الله علیه و آله من المزدلفة مرّ علی جمرة العقبة یوم النحر فرماها بسبع حصیات ثمّ أتی منی وکذلک السنّة،و قد قال رسول الله صلی الله علیه و آله:خذوا عنّی مناسککم». (1)

المذهب الحنبلی

ووقته-أی الرمی-من نصف لیلة النحر لمن وقف قبله بعرفة،ولا یصحّ الرمی فی أیام التشریق إلاّ بعد الزوال.

المذهب الحنفی

وقت أداء رمی جمرة العقبة فجر یوم النحر إلی فجر الیوم الثانی منه،فإن قدّمه عن ذلک لایجزئه،و إن أخّره عن ذلک لزمه دم.ووقت الرمی فی الیوم الثانی و الثالث هو من بعد الزوال إلی الغروب،ویکره فی اللیل إلی الفجر،وقبل الزوال لایجزئ وبعد فجر الیوم الثانی یلزمه دم بالتأخیر.

المذهب الشافعی

یدخل وقت الرمی بانتصاف لیلة النحر ویمتدّ وقته إلی آخر أیام التشریق.

المذهب المالکی

وقت الرمی فی کلّ یوم منها من زوال الشمس إلی الغروب،فلو قدّم الرمی علی الزوال لا یکفی وعلیه دم إن لم یعده بعد الزوال،و إن أخّره إلی اللیل أو إلی الیوم الثانی فعلیه دم. (2)ویستدلّ علی تعیین الوقت للرمی بالروایات الواردة من طریق

ص:366


1- (1) .المستدرک،باب 1 من أبواب رما جمرة العقبة،ح2.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص666-668.

الصحابة،منها:ما روی عن جابر قال:رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله یرمی الجمرة ضحی یوم النحر وحده ورمی بعد ذلک-الیوم فی الیوم الثانی و الثالث-بعد زوال الشمس أخرجه مسلم. (1)ومنها:ما روی ابن عبّاس قال:کان رسول الله صلی الله علیه و آله یسأل یوم النحر بمنی قال:رجل رمیت بعد ما أمسیت فقال:لا حرج. (2)

قال الکاشانی الحنفی:أوّل وقت الرمی من یوم النحر ما بعد طلوع الفجر الثانی،فلا یجوز قبل طلوعه،وأوّل وقته المستحبّ ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال هذا عندنا وقال الشافعی:إذا انتصف لیلة النحر دخل وقت الجمار.

وبه نقول أنّ المستحبّ ذلک و أمّا آخره فآخر النهار.

و أمّا وقت الرمی من الیوم الثانی و الثالث من أیام الرمی فبعد الزوال حتّی لا یجوز الرمی فیهما قبل الزوال فی الروایة المشهورة عن أبی حنیفة وروی أبوحنیفة أن الأفضل أن یرمی فی الیوم الثانی و الثالث بعدالزوال فإن رمی قبله جاز،وجه هذه الروایة-القیاس علی رمی یوم النحر-.

وجه الروایة المشهورة ما روی عن جابر أنّ رسول صلی الله علیه و آله رمی الجمرة یوم النحر ضحی ورمی فی بقیة الأیام بعد الزوال،و هذا باب لا یعرف بالقیاس. (3)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الحکم علی المذهب الجعفری یستند إلی النصّ و الظاهر.و أمّا علی المذاهب الأربعة فیستند الحکم إلی النصوص،واختلف أصحاب هذه المذاهب بینهم،فمنهم من یقول-أی الشافعی-بصحّة الرمی فترة الأیام الثلاثة صباحاً ومساءً؛لقول

ص:367


1- (1) .المغنی،ج3،ص428 و429.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج2،ص138.

النبی صلی الله علیه و آله:«إرم ولا حرج». (1)وأکثرهم-أی الثلاثة الأخری-یذهب إلی وقت الرمی یوم النحر قبل الزوال ووقته فی الیوم الثانی و الثالث بعد الزوال،استناداً إلی الحدیث الأوّل-أی ما رواه جابر-وعملاً بسیرة الرسول صلی الله علیه و آله مؤکّداً بقوله:«خذوا عنّی مناسککم».وعلیه فالوقت محدّد و التقدیم لایجزئ،والتأخیر لایجوز.ولکن هناک نصّ بالنسبة إلی من أخّر الرمی إلی اللیل،روی عبدالله بن عمر:من فاته الرمی حتّی تغیب الشمس فلا یرم حتّی تزول الشمس من الغد.-وبه أفتی الحنبلی و الحنفی-وقال مالک:یرمی لیلاً وعلیه دم. (2)والاختلاف فی صحّة الرمی بعد منتصف اللیل أو بعد الفجر ناشئ عن الاختلاف فی مبدأ الیوم بأنّه بعد نصف اللیل أو بعد طلوع الفجر.

ص:368


1- (1) .المغنی،ج3،ص429.
2- (2) .المصدر السابق.

الخلاصة

وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس إلی الغروب علی المذاهب کلّها إلاّ علی الحنبلی قائلاً:إنّه من فجر الیوم التاسع إلی فجر الیوم العاشر.

وقت الوقوف فی المزدلفة قبل الفجر علی المذاهب الأربعة ووقته بعد الفجر علی المذهب الجعفری.

الترتیب بین أعمال منی واجب علی المذهب الجعفری و الحنفی وسنّة عند المذاهب الثلاثة الاُخری.

وقت الرمی علی المذهب الجعفری و الشافعی من طلوع الشمس إلی الغروب،ووقته علی المذاهب الثلاثة الاُخری قبل الزوال یوم النحر وبعد الزوال فی الیوم الثانی و الثالث.

ص:369

الأسئلة

1.ما هو الوقت الاختیاری و الوقت الاضطراری فی عرفة؟

2.ما هو الدلیل علی وجوب الوقوف بالمزدلفة بین الطلوعین؟

3.هل یجوز التفریق بین العشائین لیلة المزدلفة؟

4.ما هو الدلیل علی وجوب الترتیب بین أعمال منی؟

5.من تأخّر الرمی عن الوقت المحدّد فهل علیه دم؟

ص:370

28- الطواف

طواف الوداع وطواف النساء

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی خصوصیة الطواف النهائی فی ختام المناسک وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الاربعة

قال الجزیری:النوع الثانی الطواف الواجب و هوطواف الوداع ویسمّی طواف الصدر. (1)ولم یتعرّض إلی خلاف فیه وقال ابن قدامة:فأمّا الخارج من مکّة فلیس له أن یخرج حتّی یودّع البیت بطواف سبع و هو واجب،من ترکه لزمه الدم.وبذلک قال-عدّة من الفقهاء-وقال الشافعی فی قول له:لایجب بترکه شیء؛لأنّه یسقط عن الحائض فلم یکن واجباً کطواف القدوم.ولنا ما روی ابن عبّاس:اُمر الناس أن یکون آخر عهدهم بالبیت إلاّ أنّه خففت عن المرأة الحائض،متّفق علیه.-ولما روی أنه-قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«لاینفرنّ أحد حتّی یکون آخر عهده بالبیت».و إذا ثبت وجوبه فإنّه لیس

ص:371


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص602.

برکن ویسمّی طواف الوداع؛لأنّه لتودیع البیت،وطواف الصدر؛لأنّه عند صدور الناس من مکّة. (1)

قال مالک فی قول عمربن الخطاب:فإنّ آخر النسک الطواف بالبیت،إنّ ذلک فیما نری-والله أعلم-؛لقوله تعالی: ...وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ... وقوله تعالی: ...ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ ،فمحل الشعائر کلّها وانقضائها إلی البیت العتیق.

وعن مالک عن یحیی بن سعید أن عمربن الخطاب ردّ رجلاً مرّ الظهران(وادی قریب مکّة)لم یکن ودّع البیت،حتّی ودّع البیت. (2)

فتبین لنا أنّ الأصل فی طواف الوداع هو رأی عمربن الخطاب قال الکاشانی:و أمّا طواف الصدر(الوداع)واجب عندنا.وقال الشافعی:سنّة(لسقوطه عن الحائض و النفساء بالإجماع)ودلیل الوجوب ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«من حجّ هذا البیت فلیکن اخر عهده به الطواف،ومطلق الأمر لوجوب العمل». (3)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:طواف-آخر الحجّ و هو الّذی یسمّی بطواف-النساء واجب فی الحجّ و العمرة المفردة،دون المتمتّع بها و هو لازم للرجال و النساء و الصبیان و الخناثی. (4)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة معاویة بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«علی المتمتّع بالعمرة إلی الحجّ ثلاثة أطواف بالبیت وسعیان بین الصفا و المروة،فعلیه إذا قدم مکّة طواف بالبیت-مع الصلاة و السعی-هذا للعمرة،وعلیه للحجّ طوافان».

ص:372


1- (1) .المغنی،ج3،ص458.
2- (2) .الموطأ،ج1،ص370.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج2،ص142.
4- (4) .شرائع الإسلام،ج1،ص271.

ومنها:صحیحة الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام:قال فی حدیث:وعلیه طواف بالبیت-مع الصلاة و السعی ویسمّی طواف الزیارة-وطواف بالبیت بعد الحجّ (1)دلّت علی وجوب طواف فی ختام الحجّ-و إنّما سمّی هذا الطواف بطواف النساء-لأنّ حلّیة النساء-بعد الإحرام-ترتبط بهذا الطواف.کما قال المحقّق الحلّی:إذا قصّر أو حلق حلّ له کلّ شیءإلاّ النساء فإذا أتی بطواف النساء حلّ له النساء (2)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لاتحلّ له النساء حتّی یزورالبیت». (3)

و أمّا علی المذاهب الأربعة،فلا یرتبط التحلیل بطواف الوداع.ذلک؛لأنّ التحلیل قدتمّ بعد طواف الزیارة فلا یلعب طواف الوداع دوراً فی هذا الحقل و إنّما هو وداع البیت عند الخروج من مکّة المکرّمة.

قال ابن قدامة:إذا طاف للزیارة بعد الرمی و النحر و الحلق حلّ له کلّ شیء حرّمه الإحرام،و قد ذکرنا أنّه لم یکن بقی علیه من المحظورات سوی النساء،فهذا الطواف حلّل له النساء،قال عبدالله بن عمر:لم یحلّ النبی صلی الله علیه و آله من شیء حرّم منه حتّی قضی حجّه ونحر هدیه یوم النحر،فأفاض بالبیت ثمّ حلّ من کلّ شیء حرّمه،متّفق علیه،ولا نعلم خلافاً فی حصول الحلّ بطواف الزیارة. (4)فتبین لنا أنّ تحلیل النساء یرتبط بطواف الزیارة وعلیه یترتّب تحلیل النساء.

ومن حسن الحظّ أنّه لا خلاف فی أنّ تحریم النساء أصعب المحظورات ولا یرفع إلاّ بالطواف،و إنّما الخلاف فی أنّ الطواف الّذی یوجب التحلیل هنا هو طواف الزیارة أو طواف النساء؟وجهان علی الفریقین.

ص:373


1- (1) .الوسائل،ج8،ص154،باب 2 من أبواب اقسام الحجّ،ح6.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج1،ص304.
3- (3) .الوسائل،ج8،ص467،باب 58 من أبواب الطواف،ح1.
4- (4) .المغنی،ج3،ص442.

منشأ الاختلاف

قد تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة من طریقی آل البیت علیهم السلام و الصحابة،وبما أنّه لم یکن هناک اختلاف مهمّ-کالتضادّ-یمکننا الجمع بین تلک النصوص المختلفة إلاّ أنّه لا یمکننا الجمع بین الاختلاف الناشئ عن فهم النصوص.والّذی یسهّل الخطب أنّ الطواف المتنازع فیه لایترک قطعاً ویؤتی قربة إلی الله ولایضرّنا الاختلاف فی التسمیة و هو الاختلاف فی التعبیر،فیکفینا الإیتاء بقصد القربة.وعلیه فلا اختلاف هناک من ناحیة عملیة.

وجوب الطهارة فی الطواف

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الطهارة من الحدث و الخبث فی الطواف وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی-من واجبات الطواف-:الطهارة وإزالة النجاسة عن الثوب و البدن. (1)أمّا الطهارة عن الحدث،قال المحقّق صاحب الجواهر-یشترط الطهارة-:عن الحدث الأصغر و الأکبر فی الطواف الواجب بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسمیه علیه (2)ویدلّنا علی ذلک النصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة معاویة بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لا بأس أن تقضی المناسک کلّها علی غیر وضوء إلاّ الطواف بالبیت،والوضوء أفضل». (3)ومنها:صحیحة محمّدبن مسلم قال سألت أحدهما-أی

ص:374


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص236.
2- (2) .الجواهر،ج19،ص269.
3- (3) .الوسائل،ج8،ص444،باب 38 من أبواب الطواف،ح1.

الصادقین-عن رجل طاف طواف الفریضة و هو علی غیر طهر قال:«یتوضّأ ویعید طوافه». (1)و أمّا طهارة البدن و الثوب فهی أیضاً ممّا لاخلاف فیها کما قال المحقّق صاحب الجواهر:یشترط إزالة النجاسة عن الثوب و البدن-کما علیه أکثر الفقهاء-بل عن الغنیة الإجماع علیه للنبوی:الطواف بالبیت صلاة،وخبر یونس بن یعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام فی رجل یری فی ثوبه الدم و هو فی الطواف قال:«ینظر الموضع الّذی رأی فیه الدم فیعرفه ثمّ یخرج فیغسله ثمّ یعود فیتمّ طوافه». (2)بل لا إشکال فی الإشتراط بناءً علی تحریم إدخال النجاسة و إن لم تسر. (3)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:إنّ الطهارة من الحدث و النجاسة و الستارة شرائط لصحّة الطواف فی المشهور عن أحمد و هو قول مالک و الشافعی،وقال أبوحنیفة:لیس شیء من ذلک شرطاً؛لأنّ الطواف رکن للحجّ فلم یشترط له الطهارة کالوقوف.

ولنا ماروی ابن عبّاس أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«الطواف بالبیت صلاة،إلاّ أنّکم تتکلّمون فیه»رواه الترمذی؛ولأنّها عبادة متعلّقة بالبیت فکانت الطهارة فیها شرطاً کالصلاة. (4)وقال الجزیری:قال الحنفیة:أمّا طهارة الثوب و البدن و المکان من الخبث فسنّة مؤکّدة حتّی لو طاف وعلیه ثوب کلّه نجس،فلا جزاء علیه و إنّما ترک السنّة علی الصحیح (5).قال أبوبکر الکاشانی:فأمّا الطهارة عن الحدث و الجنابة و الحیض و النفاس

ص:375


1- (1) .المصدر السابق،باب 28 من أبواب الطواف،ح3.
2- (2) .المصدر السابق،ص462،باب 52 من أبواب الطواف،ح2.
3- (3) .الجواهر،ج19،ص271-272.
4- (4) .المغنی،ج3،ص377.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص657.

فلیست بشرط،لجواز الطواف ولیست بفرض عندنا،حتّی یجوز الطواف بدونها وعند الشافعی فرض لا یصحّ الطواف بدونها.

واحتج-الشافعی-بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«الطواف صلاة»فالصلاة لا جواز لها بدون الطهارة-کذلک الطواف لایصحّ بدون الطهارة-.

ولنا قوله تعالی ...وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ (1)أمر بالطواف مطلقاً،ولا یجوز تقیید مطلق الکتاب بالخبر الواحد فیحمل-الحدیث المتلو-علی التشبیه بالثواب. (2)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّه یشترط فی الطواف،الطهارة من الحدث و الخبث ولا خلاف فیه إلاّ عن الحنفی فی ذهابه إلی عدم الإشتراط قیاساً بالوقوف.فالإشتراط یستند إلی النصّ وعدم الإشتراط یستند إلی إطلاق الطواف.

حکم الشکّ فی عدد الأشواط

المذاهب الاربعة

القاعدة عند الشکّ فی عدد الأشواط هی البناء علی الأقلّ أخذاً بالقدر المتیقّن (3)قال الجزیری:و إن شکّ فی النقص بنی علی الیقین،وتمّم الأشواط السبعة. (4)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:من شکّ فی عدد الشوط بعد انصرافه لم یلتفت؛لقاعدة الفراغ،

ص:376


1- (1) .الحج:29.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج2،ص129.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص228.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص654.

و إن کان فی أثنائه وکان شاکّاً فی الزیادة قطع ولا شیء علیه،و إن کان فی النقصان،استأنف فی الفریضة وبنی علی الأقلّ فی النافلة. (1)أمّا عدم اعتبار الشکّ فی الزیادة أثناء الطواف فهو علی أساس النصّ الوارد فی المقام و هو صحیحة الحلبی قال:سألت الإمام الصادق علیه السلام عن رجل طاف بالبیت طواف الفریضة فلم یدر أسبعة طاف أو ثمانیة؟فقال:«أمّا السبعة فقد استیقن،و إنّما وهمه علی الثامن فلیصلّ رکعتین». (2)والدلالة تامّة.هذا؛مضافاً إلی أصالة البرائة عن الإعادة.

و أمّا الحکم بالإعادة فی فرض النقصان فهو أیضاً مستند إلی النصّ و هو صحیحة منصوربن حازم قال سألت الإمام الصادق علیه السلام عن رجل طاف الفریضة فلم یدرستّة طاف أم سبعة قال:«فلیعد طوافه». (3)و أمّا البناء علی الأقلّ فی الشکّ فی النافلة فهو ممّا تسالم علیه الفقهاء وتدلّ علیه موثّقة حنّان بن سدیر عن الإمام الصادق علیه السلام فی حدیث قال:و إن کان طواف نافلة فاستیقن ثلاثة و هو فی شکّ من الرابع أنّه طاف،فلیبن علی الثلاثة. (4)

الموالاة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الموالاة فی الطواف وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ثلاثة من المذاهب

قال الجزیری:ومن شرائط صحّة الطواف-علی المذهب الحنبلی-الموالاة بین الأشواط. (5)و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی و المالکی وقال ابن قدامة:ولنا:أنّ

ص:377


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص270.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص440،باب 35 من أبواب الطواف،ح1.
3- (3) .المصدر السابق،ص435،باب 33 من أبواب الطواف،ح8.
4- (4) .المصدر السابق،ص434،باب 33 من أبواب الطواف،ح7.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص654-656.

النبی صلی الله علیه و آله وإلی بین طوافه وقال:«خذوا عنّی مناسککم».ولأنّه صلاة فیشترط له الموالاة کسائرالصلوات-ولا بأس بالفصل القصیر-ویرجع فی طول الفصل وقصره إلی العرف من غیر تحدید. (1)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:أمّا طواف الزیارة المفروض فأکثر أشواطه رکن-علی المذهب الحنفی-بحیث لوترک الأکثربطل،وباقیها واجب،ولا یصدق ترک الواجب إلاّ بالخروج من مکّة،أمّا مادام فیها فهو مطالب به،والأفضل أن یوالی بین الطواف. (2)

المذهب الجعفری

قال المحقّق صاحب الجواهر:ظاهر الأصحاب هنا و النصوص وجوب الموالاة فی الطواف الواجب فی غیر المواضع الّتی عرفت. (3)من حلول وقت الصلاة و المرض،والحدث.

وقال المحقّق الحلّی:من نقص من طوافه-لمرض أو حدث-فإن جاوز النصف رجع بعدالقطع فأتمّ،و إن کان دون ذلک-أی أقلّ من النصف-استأنف. (4)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة أبان بن تغلب،عن الإمام الصادق علیه السلام فی رجل طاف شوطاً أو شوطین ثمّ خرج مع رجل فی حاجة قال:«إن کان طواف نافلة بنی علیه و إن کان طواف فریضة لم یبن». (5)

ص:378


1- (1) .المغنی،ج1،ص396.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص658.
3- (3) .الجواهر،ج19،ص339.
4- (4) .شرائع الإسلام،ج1،ص628.
5- (5) .الوسائل،ج9،ص448،باب 41 من أبواب الطواف،ح5.

ومنها:خبر إسحق بن عمّار عن الإمام الکاظم علیه السلام المروی فی الکافی فی رجل طاف طواف الفریضة ثمّ اعتلّ علّة لایقدر معها علی إتمام الطواف قال:«إن کان طاف أربعة أشواط أمر من یطوف عنه ثلاثة أشواط و قد تمّ طوافه،و إن کان قد طاف ثلاثة أشواط ولا یقدر علی الطواف فإنّ هذا ممّا غلب الله تعالی علیه فلا بأس أن یؤخّر الطواف یوماً أو یومین،فإن خلّته العلة عاد فطاف اسبوعاً،و إن طالت علّته أمر من یطوف علیه اسبوعاً». (1)دلّت هاتان الروایتان علی وجوب الموالاة فی طواف الفریضة و أمّا إذا قطع الطواف لعذر ولم تتحقق الموالاة،إذاً یدور الحکم مدار اجتیاز النصف وعدمه إتماماً واستئنافاً.

کما قال المحقّق صاحب الجواهر:فقد ظهر لک ممّا ذکرناه أنّ المدار فی إتمام الطواف واستئنافه مع القطع لعذر،مجاوزة النصف وعدمه. (2)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی حکم الشکّ بالنسبة إلی عدد الأشواط ناشئ من ورود النصّ وعدمه،و قد مرّ بنا أنّه ورد النصّ من طریق آل البیت علیهم السلام بالنسبة إلی تعیین الوظیفة تجاه الشکّ فی عدد الأشواط و هو المدرک الوحید للحکم علی المذهب الجعفری.ومع عدم وجود نصّ من طریق الصحابة یفسح المجال للاجتهاد،وعلیه یقال:أنّ الوظیفة عند الشکّ فی عدد الأشواط هو الأخذ بالأقلّ أخذاً بالقدر المتیقّن وعملاً بالاحتیاط علی المذاهب الأربعة.

و أمّا بالنسبة إلی الموالاة فقد مرّ بنا أنّها ثابتة بالنصّ و الإجماع.ولا خلاف فیها إلاّ عن الحنفی فی ذهابه إلی أنّ الأفضل أن یوالی بین الطواف.ومن المعلوم أنّ التفرّد فی

ص:379


1- (1) .المصدر السابق،ص453،باب 45 من أبواب الطواف،ح2.
2- (2) .الجواهر،ج19،ص336.

الحکم-أی عدم وجوب الموالاة-ناشئ عن الاجتهاد الخاصّ الحنفی.

والّذی یسهّل الخطب أنّ الحجّاج الحنفیین لایترکون ما هو الأفضل و هو الموالاة؛أضف إلی ذلک أنّه لامجال للقطع و الفصل بین الإشواط فی زماننا المعاصر بسبب شدّة الزحام وعلیه فلا إختلاف بالنسبة إلی الموالاة من ناحیة عملیة.

السعی

رکنیة السعی

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی کون السعی رکناً للحجّ وعدمه،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:السعی رکن من ترکه عامداً بطل حجّه.ولو کان ناسیاً وجب علیه الاتیان به. (1)وقال المحقّق صاحب الجواهر:أنّ السعی رکن للحجّ بلا خلاف أجده فیه بیننا،بل الإجماع بقسمیه علیه-والنصوص مستفیضة-منها:صحیحة:معاویة بن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام«من ترک السعی متعمّداً فعلیه الحجّ من قابل»؛ (2)مضافاً إلی قاعدة عدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه. (3)

وها هو الرأی علی المذهب الحنبلی و الشافعی و المالکی و قد ورد النصّ الدالّ علی ذلک من طریق الصحابة منها:ما رواه مسلم أنّه ما أتمّ الله حجّ من لم یطف بین الصفا و المروة. (4)

ص:380


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص273.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص523،باب 7 من أبواب السعی،ح1.
3- (3) .الجواهر،ج19،ص429.
4- (4) .المغنی،ج3،ص389.

واحتج الشافعی بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:کتب علیکم السعی بین الصفاوالمروة أی فرض علیکم،کما فی قوله تعالی: ...کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ... . (1)

المذهب الحنفی

هو-أی السعی-واجب ولیس برکن إذا ترکه وجب علیه دم. (2)قال الکاشانی:أمّاالسعی فقد قال أصحابنا:إنّه واجب(ولیس برکن ذلک)لقوله تعالی ...وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ... وحجّ البیت هو طواف الزیارة و هو الرکن لاغیر إلاّ انّه زید علیه الوقوف بعرفة بدلیل. (3)وقال:رکن الحجّ شیئان:1.الوقوف بعرفة؛2.طواف الزیارة. (4)

حکم الشکّ فی عدد السعی بین الصفا و المروة

اشارة

إنّ الاختلاف هنا هو نفس الاختلاف الّذی مرّ بنا فی حکم الشکّ فی عدد الأشواط فنکتفی بالإشارة إلیه بما یلی:

المذاهب الاربعة

إذا حدث الشکّ فی عدد السعی یبنی علی الأقلّ أخذاً بالقدر المتیقّن،کما قال الجزیری:فلو شکّ فی العدد بنی علی الأقلّ لأنّه هو المتیقّن. (5)

ص:381


1- (1) .بقره:183.
2- (2) .المغنی،ج3،ص389.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج2،ص142.
4- (4) .المصدر السابق،ص125.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص661.

المذهب الجعفری

إذا حدث الشکّ فی عدد السعی فإن کان بعد الإتمام یبنی علی الصحّة علی أساس قاعدة الفراغ،و أمّا إذا کان الشکّ فی الأثناء فإن کان الشکّ فی الزیادة،یقطع الزیادة المتوهّمة ویبنی علی الصحّة،کما قال المحقّق صاحب الجواهر:لوتیقّن أنّه أتمّ سبعة ولکن شکّ فی الزائد-قبل الفراغ-یحکم بالصحّة،لأصالة عدم الزیادة وعدم إفسادها سهواً. (1)

وقال:بخلاف ما إذا کان الشکّ فی الأثناء-ولم یتیقّن علی عدد-فإنّه لاخلاف ولا إشکال فی البطلان؛لتردّده بین محذوری الزیادة و النقیصة اللّتین کلّ منهما مبطل،وأصالة الشغل المحتاجة إلی یقین الفراغ الّذی لا دلیل علی حصوله بالاعتماد علی أصالة الأقلّ،بل الدلیل علی خلافه-و هو ما ورد فی صحیحة سعیدبن یسارعن الإمام الصادق علیه السلام فی رجل اشتبه فی عدد الأشواط،قال-:«إن لم یکن حفظ أنّه سعی ستّة أشواط فلیعد فلیبتدئ السعی حتّی یکمل سبعة أشواط». (2)فإنّ ذیله کالصریح فی ذلک. (3)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی رکنیة السعی ناشئ عن الاختلاف فی الاستنباط من النصوص،فبما أنّه ورد نصّ عن طریق آل البیت علیهم السلام و الصحابة دالّ علی عدم تحقّق الحجّ بدون السعی،ثبت أنّ السعی ممّا لا یتمّ الحجّ إلاّ به و هو معنی الرکنیة علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الحنفی:فی ذهابه إلی عدم رکنیة السعی مکتفیاً بوجوبه،ذلک؛لعدم الدلیل-أی النصّ-إلاّ علی وجوبه.و أمّا الاختلاف فی حکم

ص:382


1- (1) .الجواهر،ج19،ص439.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص529،باب 14 من أبواب السعی،ح1.
3- (3) .الجواهر،ج19،ص439.

الشکّ فی عدد السعی فهو نفس الاختلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة،ناشئاً ومنشئاً.

حول التخییر بین الحلق و التقصیر فی العمرة المتمتّع بها

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تعیین التقصیر بعدعمرة التمتع وعدمه وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:ویلزم فیها-أی عمرة التمتّع-التقصیر،ولا یجوز حلق الرأس ولو حلقه لزمه دم. (1)ذلک؛للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة معاویة ابن عمّار عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«لیس فی المتعة إلاّ التقصیر». (2)والحکم متسالم علیه.

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:المتمتّع الّذی أحرم بالعمرة من المیقات فإذا فرغ من أفعالها وهی:الطواف و السعی قصّر أو حلق،لما روی عبدالله بن عمر أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«للناس من لم یکن معه هدی فلیطف بالبیت وبالصفا و المروة ولیقصّر ولیحلل»متفق علیه ولا نعلم فیه خلافاً. (3)وعلیه فالّذی یساعده الدلیل هو التقصیر فحسب.

حدّ التقصیر و الحلق

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حدّ التقصیر و الحلق،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

ص:383


1- (1) .شرائع الإسلام،ج1،ص302.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص542،باب 4 من أبواب التقصیر،ح2.
3- (3) .المغنی،ج3،ص390-393.

المذهب الجعفری

قال الإمام الخمینی:یکفی فی التقصیر قصّ شیء من الشعر أو الظفر بکلّ آلة شاء،والأحوط لمن علیه الحلق أن یحلق جمیع رأسه،ولو لم یکن له شعر یکفی له إمرار الموسی علی رأسه. (1)قال المحقّق صاحب الجواهر:إطلاق الأکثر-هو-الاجتزاء بتحقّق مسمّی التقصیر بالإزالة للشعر أو الظفر-ذلک للنصوص منها:صحیحة جمیل بن درّاج-عن الإمام الصادق علیه السلام:فی محرم یقصر من بعض ولا یقصر من بعض،قال:«یجزیه». (2)إلی غیر ذلک من النصوص الدالّة علی الاکتفاء بمسمّاه. (3)و أمّا بالنسبة إلی الحلق یقال:إنّ المنصرف من الحلق فی الأدلّة هو حلق الرأس تماماً،کماقال المحقّق صاحب الجواهر:لا یتحقّق بحلق البعض مسمّی حلق الرأس للأصل. (4)وعلیه یکفی فی التقصیر المسمّی،وفی الحلق حلق الرأس بتمامه ذلک کلّه بحسب الأدلّة.

قال الکاشانی:و أمّا مقدار الحلق فالأفضل حلق جمیع الرأس لقوله تعالی: ...مُحَلِّقِینَ رُؤُسَکُمْ... ، (5)والرأس إسم للجمیع وکذا روی أن النبی صلی الله علیه و آله حلق جمیع رأسه.وعلیه فلا خلاف بین المذهب الجعفری و الحنفی علی ما نقله الکاشانی. (6)

المذاهب الاربعة

قال ابن قدامة:یلزم التقصیر أو الحلق من جمیع شعره.وبه قال مالک،وقال الشافعی:یجزئه التقصیر من ثلاث شعرات واختار ابن المنذر أنّه یجزئه ما یقع علیه اسم التقصیر

ص:384


1- (1) .تحریر الوسیلة،ج1،ص432.
2- (2) .الوسائل،ج9،ص540،باب 3 من أبواب التقصیر،ح1.
3- (3) .الجواهر،ج20،ص450-451.
4- (4) .المصدر السابق،ص455.
5- (5) .الفتح:27.
6- (6) .بدائع الصنائع،ج2،ص141.

لتناول اللفظ له.-وقال أبوحنیفة:یکفی الربع-مبنیاً علی المسح فی الطهارة.

ولنا:قوله: ...مُحَلِّقِینَ رُؤُسَکُمْ... .و هذا عامّ فی جمیعه؛ولأنّ النبی صلی الله علیه و آله حلق جمیع رأسه تفسیراً لمطلق الأمر به فیجب الرجوع إلیه،ولأنّه نسک تعلّق بالرأس فوجب استیعابه به. (1)فتبین لنا أنّ حدّالتقصیر و الحلق علی مذهبی الحنبلی و المالکی هو الاستیعاب فیجب تقصیر جمیع شعر الرأس أو حلق جمیعه،ویکتفی بربع الرأس تقصیراً أو حلقاً علی المذهب الحنفی ویکتفی علی المذهب الشافعی بالمسمّی ثلاث شعرات فی التقصیر-موافقاً للمذهب الجعفری.قال الکاشانی:بأنّ الحلق أو التقصیر:عند الشافعی لیس بواجب ویتحلل من الحجّ بالرمی ومن العمرة بالسعی،احتجّ بما روی عن ابن عمر بأن عمر قال:فمن رمی الجمرة فقد حلّ له ما حرّم علی الحاجّ إلاّ النساء و الطیب،ولنا-علی الوجوب-قوله تعالی ثُمَّ لْیقْضُوا تَفَثَهُم،روی عن ابن عمر أن التفث حلاق الرأس. (2)

ص:385


1- (1) .المغنی،ج3،ص393.
2- (2) .بدائع الصنائع،ج2،ص141.

الخلاصة

تحقّق الاختلاف بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة بالنسبة إلی طواف الوداع وطواف النساء عنواناً وتسمیة ولا خلاف بحسب العمل،وعلیه تحدّثنا عن مقولة الجمع بین النظرین بشریطة التقریب بین أرباب الرأی.

یشترط الطهارة من الحدث و الخبث فی الطواف،علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الحنفی فی ذهابه إلی عدم اشتراط الطهارة فی الطواف.

حکم الشکّ فی عدد الأشواط هو الأخذ بالأقل علی المذاهب الأربعة،و أمّا علی المذهب الجعفری إذا کان الشکّ بعد إتمام الطواف لا اعتبار به؛لقاعدة الفراغ،و أمّا إذا کان الشکّ فی الأثناء حینئذ إذا کان الشکّ فی الزیادة یقطع الزیادة المتوهّمة ویحکم بالصحّة،و أمّا إذا کان الشکّ فی النقیصة یستأنف الطواف.

یشترط فی طواف الواجب الموالاة وجوباً علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الحنفی ذاهباً إلی عدم وجوبها فی الطواف و إنّما هی أفضل.

السعی رکن من أرکان الحجّ علی المذاهب کلّها إلاّ علی المذهب الحنفی.

حکم الشکّ فی عدد السعی هو الحکم فی الشکّ بالنسبة إلی الأشواط.

التحلیل من عمرة التمتّع یتحقّق بالتقصیر فحسب علی المذهب الجعفری،والتحلیل بالحلق و التقصیر تخییراً،علی المذاهب الأربعة.

حدّ التقصیر هو الاستیعاب علی المذهب الحنبلی و المالکی،و هو ربع الرأس،علی المذهب الحنفی.و هو فی الحلق الاستیعاب و المسمّی فی التقصیر،علی المذهب الجعفری و الشافعی.3

ص:386

الأسئلة

1.ما هو وقت طواف الوداع وطواف النساء؟

2.ما هو الدلیل علی اشتراط الطهارة فی الطواف؟

3.ما هو الدلیل علی عدم اعتبار الشکّ فی الزیادة أثناء الطواف؟

4.ما هو حکم النقص فی الطواف لعذر؟

5.هل تشترط الموالاة فی الطواف؟

6.ما هو حکم الشکّ فی عدد السعی بین الصفا و المروة؟

7.هل یکفی مسمّی الحلق فی التحلیل؟

ص:387

ص:388

29- النکاح

اشتراط القصد

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط قصد المدلول فی صیغة العقد وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:اتّفقوا علی أنّ النکاح ینعقد ولو کان هزلاً؛لحدیث:ثلاث جدّهن جدّ وهزلهن جدّ،الزواج و الطلاق و العتق. (1)

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:یشترط قصد الإنشاء فی الصیغة،ذلک لأنّ صیغ العقود من الإنشاءات الّتی تتقوّم بالقصد فلا یتحقّق الإنشاء بدون القصد وعلیه فلا عقد مع الهزل و الإکراه؛لعدم تحقّق القصد هناک. (2)والّذی یسهّل الخطب أنّ عقد النکاح من

ص:389


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص24.
2- (2) .العروة الوثقی،ص616.

الاُمور المهمّة بین المسلمین أجمع فلا یوجد عقد عن هزلٍ وبدون القصد،وعلیه فلا اختلاف من ناحیة عملیة،بالنسبة إلی خصائص عقد النکاح.

منشأ الاختلاف

الاختلاف ناشئ عن عدم التقریب و المقارنة بین المذاهب؛لعدم وجود الاختلاف الجوهری هناک.

اشتراط الفسخ

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الخیار فی فسخ العقد،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:لایجوز فی النکاح اشتراط الخیار فی نفس العقد فلو شرطه بطل-أی الشرط-وفی بطلان العقد به قولان:المشهور علی أنّه باطل-أی العقد-وعن ابن إدریس أنّه لا یبطل ببطلان الشرط ولا یخلو قوله من قوّة،إذ لا فرق بینه وبین سائر الشروط الفاسدة فی العقد،والمشهور علی عدم کونها مُفسدة للعقد. (1)ذلک؛لتعدّد المطلوب فإنّ مدلول الشرط غیر مدلول العقد،وعلیه فبطلان مدلوله لایوجب فساد العقد.

المذهب الحنبلی

الشروط الفاسدة لاتفسد العقد کما إذا شرط له الخیار أو اشترطت هی الخیار،کلّ هذه الشروط ملغاة لا قیمة لها و العقد صحیح لاتؤثّر علیه بشیء. (2)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی.

ص:390


1- (1) .المصدر السابق،ص618.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص88.

المذهب الشافعی

الشروط الفاسدة تفسد العقد (1)وقال المالکی:اشتراط الخیار للزوج و الزوجة أو لهما معاً-کان مفسداً له-فإذا وقع ذلک یفسخ العقد قبل الدخول،أمّا إذا دخل بها فلا یفسخ ویکون لها الصداق المسمّی (2)وعلیه یصبح للدخول دور بنّاء فی صحّة العقد،حیث یصحّ العقد علی المذهب المالکی.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف بین الفقهاء بالنسبة إلی مفسدیة الشرط الفاسد وعدمها،و قد مرّ بنا أنّ ما هو الأقوی مدرکاً هو المشهور:أنّ الشرط الفاسد لیس بمفسد.

الإشهاد علی العقد

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ضرورة الشهود ووجوبها عند العقد،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:اتّفق الثلاثة علی ضرورة وجود الشهود عند العقد،فإذا لم یشهد شاهدان عند الإیجاب و القبول بطل-العقد-وخالف المالکیة فقالوا:إنّ وجود الشاهدین ضروری ولکن لایلزم أن یحضرا العقد بل یحضران الدخول،(هل یمکن حضورالشاهدین للدخول؟)أمّا حضورهما عند العقد فهو مندوب. (3)

ص:391


1- (1) .المصدر السابق،ص89.
2- (2) .المصدر السابق،ص88.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص25.

قال الکاشانی:ولنا ما روی عن رسول صلی الله علیه و آله أنّه قال:«لانکاح إلاّ بشهود»وروی:«لا نکاح إلاّ بشاهدین»؛ولأنّ الحاجة مست إلی رفع تهمة الزنا عندنا ولا تندفع إلا بالشهود.

وقال مالک:لیست-الشهادة-بشرط و إنّما الشرط هو الاعلان،وجه قول مالک ان النکاح یمتاز عن السفاح بالاعلان فإن الزنا یکون سرّاً فیجب أن یکون النکاح علانیة وروی أنّه صلی الله علیه و آله«نهی عن نکاح السرّ». (1)

قال ابن قدامة:إنّ النکاح لا ینعقد إلاّ بشاهدین،هذا المشهور عن أحمد،وروی ذلک عن عمر و هو قول ابن عبّاس.وقال ابن عبدالبرّ:قد روی عن النبی صلی الله علیه و آله:لا نکاح إلاّ بولی وشاهدین عدلین،من حدیث ابن عبّاس،إلاّ أنّ فی نقله ذلک ضعیفاً فلم أذکره.

وعن أحمد-فی أحد قولیه-أنّه یصحّ بغیر شهود،وفعله ابن عمر و الحسن بن علی.وقال المنذر:لایثبت فی الشاهدین فی النکاح خبر. (2)وهناک قول لإبن أبی لیلا وأبی ثور وأبی بکر الأصم:لاتشرط الشهادة فی الزواج ولا تلزم؛لأنّ الآیات الواردة فی شأن الزواج-فانکحوا،وانکحوا-لا تشرط بالإشهاد،فیعمل علی إطلاقها و الأحادیث الواردة لاتصلح مقیدة. (3)

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:لایشترط الشهود فی صحّة النکاح (4)ذلک؛لإطلاق أدلّة النکاح،وعدم الدلیل علی الاستشهاد.

ص:392


1- (1) .البدائع الصنائع،ج2،ص252.
2- (2) .المغنی،ج6،ص450-451.
3- (3) .الفقه الإسلامی وأدلته،ج9،ص6560.
4- (4) .المنهاج الصالحین.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد،حیث لم یکن هناک نصّ صحیح کمدرک تامّ للحکم.

أولیاء العقد

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الولایة فی صحّة العقد وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:الولی فی النکاح هو الّذی یتوقّف علیه صحّة العقد فلا یصحّ بدونه،و هو الأب أو وصیه و القریب العاصب و السلطان،وترتیب الأولیاء فی أحقّیة الولایة مفصّل فی المذاهب.

ینقسم الولی إلی قسمین

اشارة

ولی مجبر له حقّ تزویج بعض من له علیه الولایة،بدون إذنه ورضاه-الصغیر و الصغیرة،المجنون و المجنونة-وولی غیر مجبر لیس له ذلک بل لابدّ منه،ولکن لایصحّ له أن یزوّج بدون إذن من له علیه الولایة ورضاه.

ویختصّ الولی المجبر بتزویج الصغیر و الصغیرة و المجنون و المجنونة ویختصّ الولی غیرالمجبر بتزویج الکبیرة العاقلة البالغة بإذنها ورضاها سواء کانت بکراً أو ثیباً،إلاّ أنّه لایشترط فی إذن البکر أن تصرّح برضاها فلو سکتت کان ذلک إذناً،أمّا الثیب فإنّه لابدّ فی إذنها من التصریح بالرضا لفظاً،فلا یصحّ العقد بدون أن یباشره الولی،کما لا یصحّ للولی-غیر المجبر-أن یعقد بدون إذن المعقود علیها ورضاها. (1)

ص:393


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص19 و20.

قال ابن قدامة:إنّ النکاح لایصحّ إلاّ بولی ولا تملک المرأة تزویج نفسها ولا غیرها ولا توکیل غیر ولیها فی تزویجها فإن فعلت،لم یصحّ النکاح؛روی ذلک عن عمر وأبی هریرة-وروی-عن النبی صلی الله علیه و آله قال:«لا نکاح إلاّ بولی»،قال المروزی:سألت أحمد عن هذا الحدیث قال:صحیح،وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:أیما امرأة نکحت نفسها بغیر إذن ولیها فنکاحها باطل باطل باطل. (1)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:قال أبوحنیفة:کلّ هؤلاء-أی الأولیاء-لهم ولایة الإجبار علی البنت و الذکر فی حال الصغر،أمّا فی حال الکبر فلیس لهم ولایة إلاّ علی من کان مجنوناً من ذکر أو أنثی (2)قال ابن قدامة:قال أبوحنیفة:لها-أی المرأة-أن تزوّج نفسها وغیرهاوتوکّل فی النکاح؛لأنّ الله تعالی قال: ...فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ... (3)أضاف النکاح إلیهنّ ونهی عن منعهنّ منه؛ولأنّه خالص حقّها وهی من أهل المباشرة کبیع أمتها. (4)وقال الحنفیة:لیس الرشد شرطاً لصحّة الزواج ولا لنفاذه فإنّ تزوج السفیه امرأة جاز زواجه؛لأنّه من حوائجه الأصلیة وتصرفاته الشخصیة،والحجر إنّما هو علی التصرفات المالیة المحضة و القاعدة عندهم:أن کلّ مالا یؤثر فیه الهزل کالعتق و النکاح،لایؤثر فیه الحجر. (5)

قال الکاشانی:لاتثبت ولایة الاستبداد-الاجبار-علی البالغ العاقل ولا علی البالغة العاقلة. (6)

ص:394


1- (1) .المغنی،ج6،ص449.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص27.
3- (3) .البقره:232.
4- (4) .المغنی،ج6،ص449.
5- (5) .الکتاب مع اللباب،ج2،ص70.
6- (6) .بدائع الصنائع،ج2،ص241.

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:تثبت ولایة الأب و الجدّ-والوصی لأحدهما مع فقد الآخر-علی الصغیر و المجنون ولا ولایة لهما علی البالغ الرشید ولا علی البالغة الرشیدة إذا کانت ثیبة،واختلفوا فی ثبوتها علی البکر الرشیدة علی أقوال،والمسألة مشکلة فلا یترک مراعاة الاحتیاط بالاستئذان منها،نعم لوعضلها الولی-أی-منعها من التزویج للکفو مع میلها سقط اعتبار إذنه،وکذا یسقط اعتبار إذنه إذاکان غائباً لا یمکن الاستئذان منه مع حاجتها إلی التزویج. (1)

ذلک جمعاً بین الأدلّة و النصوص،وقال المحقّق الحلّی:لایشترط فی نکاح الرشیدة حضور الولی. (2)ذلک،لإطلاق أدلّة النکاح وعموم السلطنة؛أضف إلی ذلک أنّه قد ورد هناک نصّ معتبر یدلّنا علی المطلوب،و هو:ما نقله زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال:«المرأة الّتی قد ملکت نفسها غیر السفیهة ولا المولّی علیها،تزویجها بغیر ولی جائز» (3)والدلالة تامّة.

هناک بعض الروایات الدالّة علی الاستئذان وهی تحمل علی الاستحباب،وعلیه یمکننا أن نقول:أنّه یستحبّ فی النکاح إذن الولی.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الواردة عن طریقی آل البیت علیهم السلام و الصحابة وربّما کان الحکم بعدم صحّة نکاح المرأة بدون إذن الولی ناشئاً عن المضایقات الّتی کانت تلحقهنّ فی العصر الجاهلی،ولا زالت مستمرّة فی بعض البلدان.

ص:395


1- (1) .العروة الوثقی،ص622.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج2،ص274.
3- (3) .الوسائل،ج14،ص201،باب 3،من ابواب عقد النکاح واولیاء العقد،ح1.

ومن الجدیر بالذکر أنّ استئذان الرشیدة الباکرة من أبیها فی عقد النکاح عمل صالح وسنّة حسنة له آثار إیجابیة کثیرة وعلیه الفتوی.

قال السید الخوئی:الأحوط لزوماً فی تزویج البالغة الرشیدة الباکرة،اعتبار إذن الولی-الأب أو الجد-وإذنها معاً،ویکفی فی إثبات إذنها سکوتها. (1)

حول النکاح الموقّت-المتعة-

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صحّة-المتعة-وبطلانها و هذه المسألة من المسائل الخلافیة المهمّة بین المذاهب الأربعة و المذهب الجعفری وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:نکاح المتعة أو النکاح الموقّت باطل باتّفاق المسلمین،وما نقل من إباحته فی صدر الإسلام فقد کان لضرورة اقتضتها حالة الحرب و القتال،یدلّ علی ذلک:ما رواه مسلم عن سبرة قال:«أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله بالمتعة عام الفتح حین دخلنا مکّة،ثمّ لم نخرج حتّی نهانا عنها»فهذا حکم صریح فی أنّه حکم موقّت اقتضته ضرورة القتال.وروی ابن ماجه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال:«یا أیها الناس إنّی کنت أذنت فی الاستمتاع،ألا و إنّ الله حرّمها إلی یوم القیامة».و إذا وقع من أحدٍ استحقّ علیه التعزیر لا الحدّ؛وذلک لأنّه نقل عن ابن عبّاس:أنّه جائز،وذلک شبهة توجب سقوط الحدّ.

و أمّا ما روی من أنّ ابن عبّاس قال:أنّه جائز فالصحیح أنّه قال ذلک قبل أن یبلغه نسخه،و قد وقعت بینه وبین ابن الزبیر مشادّة فی ذلک فقد روی أنّ ابن الزبیر قال:ما بال أناس أعمی الله بصائرهم،کما أعمی أبصارهم یقولون بحلّ نکاح المتعة فقال ابن

ص:396


1- (1) .منهاج الصالحین،ج2،ص261.

عبّاس:إنّک جلف جاف لقد رأیت إمام المتّقین رسول الله صلی الله علیه و آله یجیزه،فظاهر هذا أنّ ابن عبّاس لم یبلغه النسخ. (1)

وقال الخرقی:ولا یجوز نکاح المتعة.

وقال ابن قدامة:فهذا-أی نکاح المتعة-نکاح باطل نصّ علیه أحمد فقال:نکاح المتعة حرام.وقال أبوبکر-من أبناء الحنابلة-فیها روایة اخری أنّها مکروهة غیر حرام؛لأنّ ابن منصور سأل أحمد عنها؟فقال:یجتنبها أحبّ إلی قال:فظاهر هذا الکراهة دون التحریم.وحکی عن ابن عبّاس أنّها جائزة وعلیه أکثر أصحابه،عطاء،وطاوس،وبه قال ابن جریح وحکی ذلک عن أبی سعید الخدری وجابر وإلیه ذهب الشیعة؛لأنّه قد ثبت أنّ النبی صلی الله علیه و آله أذن فیها،وروی أنّ عمر قال:متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أنهی عنهما وأعاقب علیهما:متعة النساء ومتعة الحجّ؛ولأنّه عقد علی منفعة فیکون موقّتاً کالإجارة. (2)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:و هو-أی النکاح الموقت-سائغ فی دین الإسلام؛لتحقّق شرعیته وعدم ما یدلّ علی رفعه. (3)ویمکن الاستدلال علی جواز المتعة بالکتاب و السنّة،منها ما رواه أبوبصیر فی الصحیح قال:سألت أباجعفر علیه السلام عن المتعة،فقال:نزلت فی القرآن: ...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ... . (4)و هذا هو المدرک التامّ کتاباً وسنّةً.

ص:397


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص60 و61.
2- (2) .المغنی،ج6،ص644-645.
3- (3) .شرائع الإسلام،ج2،ص303.
4- (4) .النساء:24؛الوسائل،ج14،ص436،باب 1 من أبواب المتعة،ح1.

ومنها:صحیحة زرارة،قال:جاء عبدالله بن عمر-عمیر-اللیثی إلی أبی جعفر علیه السلام فقال:ما تقول فی متعة النساء؟فقال:«أحلّها فی کتابه وعلی سنّة نبیه،فهی حلال إلی یوم القیامة». (1)ویؤکّد ذلک ما نقله العلامة الأمینی عن صحیحی البخاری ومسلم وتفسیر الثعلبی عن عمران بن حصین قال:نزلت آیة المتعة فی کتاب الله عزوجلّ ولم تنزل آیة بعدها تنسخها،فأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه و آله،ولم ینهانا عنها. (2)والدلالة تامّة.وعن صحیح الترمذی أنّه سأل رجل من أهل الشام،ابن عمر عن متعة النساء،قال:حلال،فقال:إنّ أباک قد نهی عنها فقال:أرأیت إن کان أبی قد نهی عنها وسنّها رسول الله صلی الله علیه و آله،نترک السنّة ونتّبع أبی. (3)قال المحقّق صاحب الجواهر:قد ثبت شرعیة المتعة فی دین الإسلام باتّفاق المسلمین،و إنّ المسلمین کانوا یفعلونه من غیر نکیر،وکذا کان فی خلافة أبی بکر ومدّة من خلافة عمر،نعم هو حرّمه فی المدّة الاُخری من تلقاء نفسه بعد أن روی شرعیته عن صاحب الشرع،فإنّه فیما اشتهر عنه بین الفریقین،صعد المنبر وقال:أیها الناس متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أنا أنهی عنهما واُحرّمهما واُعاقب علیهما وهی:متعة الحجّ ومتعة النساء (4)وفی لفظ آخر:ثلاث کنّ علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أنا أنهی عنهنّ واُحرّمهن واُعاقب علیهنّ وهی:متعة النساء ومتعة الحجّ،وحی علی خیر العمل،و هو صریح فی تحریمه ما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله شرعیته،وجعل تحریمه أولی بالاتّباع و القبول،حیث توعّد من خالفه بالعقوبة و الزجر بل فی متعة النساء بالحدّ و الرجم،فعن صحیح مسلم عن قتادة عن أبی نضرة قال:کان ابن عبّاس یأمر بالمتعة وکان ابن الزبیر ینهی عنها فذکرت ذلک

ص:398


1- (1) .الوسائل،ج14،ص437،باب 1 من أبواب المتعة،ح4.
2- (2) .الغدیر،ج6،ص198.
3- (3) .المصدر السابق،ص201 و202.
4- (4) .سنن البیهقی،ج7،ص206؛الغدیر،ج6،ص211.

لجابربن عبدالله فقال:تمتّعنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فلمّا قام عمر قال:إنّ الله کان یحلّ لرسول الله صلی الله علیه و آله ماشاء بما شاء و أنّ القرآن قد نزل منازله،فأتمّوا الحجّ و العمرة لله کما أمرکم الله عزّوجلّ وأبتّوا نکاح هذه النساء،فلن اوتی برجل نکح امرأة إلی أجل إلاّ رجمته بالحجارة. (1)

وهل یجوز الردّ علی النبی صلی الله علیه و آله؟

قد اختلف أتباعه فی الجواب عنه فمنهم:من بنی رفعه-أی رفع الحکم-علی کون النبی صلی الله علیه و آله مجتهداً فی الأحکام الشرعیة ویجوز لمجتهد آخر مخالفته و هو من السخافة کما تری.أمّا علی الاُصول الإمامیة فظاهر؛لقولهم بعصمة النبی صلی الله علیه و آله أنّ ما یحکم به عن وحی إلهی لایتطرّق إلیه السهو و الخطأ کما قال عزّ من قائل: وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی (2)-وقال تعالی- قُلْ ما کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِکُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما یُوحی إِلَیَّ... . (3)وحینئذٍ فلا یسوغ لأحدٍ مخالفته ولا اجتهاد فی مقابلة قضائه وحکمه أصلاً.و أمّا علی رأی الجمهور-أی السنّة-النافین عصمة الأنبیاء فلأنّهم إنّما نفوا عصمتهم فیما لیس له علاقة بتبلیغ الأحکام الشرعیة،و أمّا ما یتعلّق بالأحکام الشرعیة وتبلیغها فقد أوجبوا العصمة فیها؛لأنّ الخطأ فیها مناف لما تقتضیه المعجزة من وجوب تصدیق النبی صلی الله علیه و آله فیما یبلّغه عن الله تعالی.وأیضاً فالکتاب العزیز دالّ علی وجوب طاعة النبی صلی الله علیه و آله قال تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ... و (4)قال تعالی: وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

ص:399


1- (1) .الغدیر،ج6،ص 213 و 210.
2- (2) .النجم:3 و 4.
3- (3) .الاحقاف:9.
4- (4) .النساء:64.

وَ مَنْ یَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِیناً . (1)

کلّ ذلک مضافاً إلی ما یعلم من تتبّع السیر وتصفّح آثار السلف اتّفاق الصحابة و التابعین علی نفی الاجتهاد و الرأی مع ورود النصّ عن النبی صلی الله علیه و آله وظهور حکمه فی شیء من الوقائع و الأحکام. (2)

أضف إلی ذلک أنّه یمکن أن یکون للنکاح الموقّت آثار إیجابیة کثیرة کما روی شعبة-من رواة العامّة-عن أمیرالمؤمنین علی علیه السلام أنّه قال علیه السلام:لولا أنّ عمر نهی عن المتعة لما زنی إلاّ شقی، (3)ولعلّه علی أساس تلک الاختلافات لم یکن لنکاح المتعة واقع عملی فی مجتمعاتنا الإسلامیة کافةً،حیث لم تؤلف فی مظانّ التزویج بین الشیعة و السنّة،إلاّ أنّ الاختلاف حول المتعة هو نظری فحسب ولا خلاف فی عدم کونها مألوفة بین المسلمین فلا منازعة من ناحیة عملیة.

زواج المسیار

قال الشیخ القرضاوی انما هی-المسیار-کلمة عامیة دارجة فی بعض البلاد الخلیج یقصدون منها المرور وعدم المکث الطویل:وقال:لیس فیه-عقد المسیار-حق النفقة و التسویة فی القسم والارث باشتراط عدم مطالبتها بهذه الحقوق. (4)والذی اعلنه القرضاوی ووافقه المفتی بن باز،هو الزواج الموقت بحسب الواقع.

ص:400


1- (1) .الأحزاب:36.
2- (2) .الجواهر،ج30،ص142-139.
3- (3) .الغدیر،ج6،ص206.
4- (4) .زواج المسیار حقیقته وحکمه،ص11-9.

الخلاصة

یصحّ النکاح بلفظ التملیک وما شاکله علی المذهب الحنفی ولایصحّ علی المذاهب الاُخری.

یشترط القصد فی العقد علی المذهب الجعفری ولا یشترط ذلک علی المذاهب الأربعة.

الشرط الفاسد-کاشتراط الفسخ فی النکاح-لایفسد العقد من أصله،علی المذهب الجعفری و الحنبلی و الحنفی ویفسد العقد علی مذهبی الشافعی و المالکی.

لایجب الإشهاد علی العقد علی المذهب الجعفری ویجب علی المذاهب الأربعة.

لایصحّ العقد بدون أن یباشره الولی علی المذاهب الأربعة ولا ولایة علی البالغ الرشید و الرشیدة و الأحوط علی الباکرة الرشیدة الاستئذان من الولی علی المذهب الجعفری.

یجوز النکاح الموقت-أی المتعة-علی المذهب الجعفری ولایجوز علی المذاهب الأربعة.

لاخلاف فی المتعة-من ناحیة عملیة-بین المذاهب أجمع؛لعدم الواقع العملی للمتعة فی التاریخ المعاصر.

ص:401

الأسئلة

1.هل یصحّ عقد النکاح بلفظ التملیک و الهبة و الصدقة؟

2.هل یشترط القصد فی صحّة العقد؟

3.هل یجب الإشهاد علی العقد؟لماذا؟

4.ما هو الدلیل علی أنّ الشرط الفاسد لیس بمفسد؟

5.هل یصحّ العقد بدون إذن الولی؟

6.ما هو الدلیل علی عدم جواز المتعة؟

ص:402

30- حوار حول المتعة

اشارة

تحدّث بعض المحققین من أبناء السنّة عن مسئلة المتعة فاستعرض أدلّة جوازها وبادر إلی الرّد علیها،وأعلن عدم جواز المتعة،ولابأس بذکر ذلک الحدیث الفقهی و الملاحظة علیه،قال بأنّ للشیعة الإمامیة أدلّة علی جواز المتعة وهی بما یلی:

1.قوله تعالی: ...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً... (1)الاستمتاع دون النکاح،والاُجور دون المهور،ایتاء الأجر بعد الاستمتاع یکون فی عقد الإجارة،والمتعة هو عقد الإجارة علی البضع،أمّا المهر فإنّه یجب بنفس عقد النکاح.

2.ثبت فی السنّة جواز المتعة فی بعض الغزوات،منها عام اوطاس،وفی عمرة القضاء وفی خیبر وعام الفتح وفی تبوک. (2)

3.-الرویات-قال ابن مسعود:کنّا نغزوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله رخص لنا أن ننکح المرأة بالثوب إلی أجل،ثمّ قرأ ابن مسعود آیة ...لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ... (3)

ص:403


1- (1) .النساء:24.
2- (2) .نیل الأوطار،ج2،ص36 و37.
3- (3) .المائدة:87.

وقال تعالی: اَلْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ... ، (1)-إلی أن قال تعالی: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... (2)رواه البخاری ومسلم. (3)

وفی صحیح مسلم عن جابر:کنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقیق علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وأبی بکر حتّی نهی عمر فی شأن عمروبن حریث. (4)

4.-الأصحاب و التابعین-وکان یقول بجواز المتعة ابن عبّاس وجماعة من السلف منهم بعض الصحابة-أسماء بنت أبی بکر وجابر وابن مسعود ومعاویة وعمروبن حریث وأبوسعید وسلمة،-ومنهم بعض التابعین-طاوس وعطاء وسعیدبن جبیر وسائر فقهاء مکة منهم ابن جریح-. (5)

الجواب:المراد من الاستمتاع النکاح،حیث بدأت بقوله تعالی وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ... والمراد بالأجر المهر(کما قال تعالی: ...وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... (6)أی مهورهنَّ وقوله تعالی: ...آتَیْتَ أُجُورَهُنَّ... (7)أی المهور)

و أما الأجر،تقدیم وتأخیر،والتقدیر،فآتوهنَّ اجورهنَّ إذا استمتعم مثل إذا طلقتم النساء أی إذا أردتم الاستمتاع. (8)

و أما تجویز المتعة فی الغزوات فقالوا:إنّه کان لضرورت اقتضت الجواز.

ص:404


1- (1) .المائدة:5.
2- (2) .المصدر السابق.
3- (3) .نیل الأوطار،ج6،ص133.
4- (4) .نصب الروایة،ج3،ص181.
5- (5) .الفقه الإسلامی،ج9،ص6554.
6- (6) .النساء:25.
7- (7) .الأحزاب:50.
8- (8) .الفقه الإسلامی،ج9،ص6555.

الملاحظة علیه

لاشک أنّ کلمة المتعة بینة المعنی الّتی لا تقبل النقاش بحسب الوضع اللغوی و المصطلح الفقهی،قال الفیومی:المتعة إسم للتمتع (1)وقال ابن منظور:المتعة:العمرة إلی الحج...روی عن ابن عمر قال:من اعتمر فی أشهر الحج فقد استمتع.

والمتعة:استمتع بالمرأة لاترید ادامتها لنفسک،ومتعة التزویج بمکة منه.

قال الازهری:فإن احتجّ محتجّ من-الشیعة-بما یروی عن ابن عباس أنّه کان یراها-المتعة-وانّه کان یقرؤها:فماستمتعتم به منهن إلی أجل مسمی،فالثابت عندنا أنّ ابن عباس کان یراها حلالاً،ثم لما وقف علی نهی النبی صلی الله علیه و آله رجع عن إحلالها،قال عطا:سمعت ابن عباس یقول:ما کانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها امّة محمد صلی الله علیه و آله فلو لا نهیه عنها ما احتاج إلی الزنا إلاّ شقی و الله،قال عطا:فهی الّتی فی سورة النساء فما استمتعتم به منهن إلی کذا وکذا من الاجل علی کذا وکذا مسمی،فإن بدا لهما أن یتراضیا بعد الأجل و إن تفرقا فهم،ولیس بنکاح. (2)فتبین لنا بکلّ وضوح أن الاستمتاع بحسب الوضع هو الزواج الموقت،و أما النکاح فهو ما قال تعالی: ...فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ... (3)وقال: ...وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً... (4)فذکر فی تلک السورة،الزواج بقسمیه،الزواج الدائم بلفظ صریح فی النکاح مع خصائص اخری و الزواج الموقت بلفظ صریح فی المتعة مع الخصائص،و أما قوله تعالی: وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ... فهو مع ما بعده من الآیات تدلنا علی عدم جواز نکاح المحارم

ص:405


1- (1) .المصباح المنیر،ج2،ص771.
2- (2) .لسان العرب،ج8،ص330-329.
3- (3) .النساء:3.
4- (4) .النساء:4.

الشرعیة ولا صلة له بالنکاح و الإستمتاع فلا یکون قرینة علی إرادة النکاح من الإستمتاع کما توهمه الکاتب المعاصر.وعلیه فالآیة ...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ... تصرّح علی الاستمتاع من النساء،وصریح القرآن حجة قطعیة لاریب فیها،وها هو المعنی الّذی فهمه الأصحاب الکبار کإبن عباس وغیره.

وکان ابی بن کعب وابن عباس وسعیدبن جبیر وابن مسعود،یقرأونها فما استمتعتم به منهنَّ إلی أجل مسمّی،اخرج الطبری ذلک عنهم فی تفسیر الآیة من تفسیره الکبیر،وأرسل الزمخشری فی الکشاف هذه القرائة،ارسال المسلمات،وکذلک الرازی فی تفسیره وشرح صحیح مسلم للنووی فی أول باب نکاح المتعة.وایده الإمام أحمد حنبل فی مسنده،وقال أبوبکر الجصاص فی أحکام القرآن وأبوبکر البیهقی فی السنن الکبری و القاضی البیضاوی فی تفسیره وابن کثیر فی تفسیره وجلال الدین السیوطی فی الدرالمنثور و القاضی الشوکانی فی تفسیره وشهاب الدین الآلوسی فی تفسیره نزول هذه الآیة فی موضوع المتعة،بأسناد معتبرة.وفی ضوء ذلک لایمکن الإلتزام بأنَّ المراد من الإستمتاع هو النکاح الدائم.

القول بالنسخ

بعد ما ثبت نزول الآیة فی المتعة حسب فهم الأصحاب و التابعین و المفسرین،لجأ جمع من أتباع مدرسة الخلفاء حمایة عن خلیفة الثانی،إلی أنّ آیة المتعة منسوخة بقوله تعالی: إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ (1)ومن حسن الحظ أن هذه الآیة مکیة وآیة المتعة مدنیة ولا یمکن أن یکون الناسخ قبل المنسوخ للخلف،أضف إلی ذلک أن القول بالنسخ ینافی مع قول الخلیفة الثانی المعروف.

ص:406


1- (1) .المؤمنون:6.

(متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أنهی عنهما وأعاقب علیهما:متعة النساء ومتعة الحج) (1)فلو کان النسخ ثابتاً هناک بآیة اخری أو بسنة نبویة لم یکن مجال لتحریم الخلیفة قطعاً.

النصوص علی عدم النسخ

توجد هناک عدة نصوص تدلنا علی عدم ورود النسخ بالنسبة إلی آیة المتعة:

1.عن ابن عباس:إنَّ آیة المتعة محکمة لیست بمنسوخة. (2)

2.عن عمران بن حصین قال:نزلت آیة المتعة فی کتاب الله تعالی،لم تنزل آیة بعدها تنسخها،فأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه و آله،وتمتعنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله ومات ولم ینهانا عنها ثمّ قال رجل برأیه ما شاء. (3)

3.فی صحیح البخاری عن جابر قال:نزلت آیة المتعة فی کتاب الله ففعلنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله ولم ینزل قرآن یحرمها ولم ینه عنها حتّی مات،قال رجل برأیه ما شاء. (4)

ص:407


1- (1) .شرح معانی الآثار،ج2،ص146،الازدی.
2- (2) .صحیح مسلم،ج4،ص131.
3- (3) .صحیح البخار1،ج2،ص168 وج 6،ص33؛صحیح مسلم،ج4،ص48.
4- (4) .صحیح البخار4،ج5،ص185.

الخلاصة

لا شک فی شرعیة الزواج الموقت وتحققه فی الإسلام فی مدّة من الزمن.

قوله تعالی ...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ... سمّیت فی مصطلح الأصحاب بآیة المتعة.

ذکر فی سورة النساء،الزواج بقسمیه کل بلفظ صریح فی معناه.

إنّ تحریم المتعة حکم حکومی صدر من قبل خلیفة الثانی.

ص:408

الأسئلة

1.هل الإستمتاع هو النکاح؟

2.ما هو الدلیل علی جواز المتعة؟

3.ما هو الدلیل علی تحریم المتعة؟

4.هل یمکن صدور الحکم علی خلاف القرآن و السنة؟

5.هل تکون آیة المتعة من الآیات المنسوخة؟

ص:409

ص:410

31- أسباب تحریم المصاهرة

أسباب تحریم الزواج

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حرمة المصاهرة بواسطة الزنا وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:الزنا الطارئ علی التزویج لا یوجب الحرمة،و أمّا إن کان سابقاً علی التزویج فالتحریم لایخلو من قوّة. (1)ذلک علی أساس النصوص الواردة فی المقام.

قال السید الخوئی:إنّ الزنا بعد التزویج لایوجب الحرمة إجماعاً ولما ورد فی جملة من النصوص من أنّ الحرام لایفسد الحلال أو إنّ الحرام لایحرّم الحلال. (2)ومن تلک النصوص صحیحة سعیدبن یسار قال سألت الإمام الصادق علیه السلام عن رجل فجر بامرأة یتزوّج ابنتها قال:نعم یا سعید،إنّ الحرام لایفسد الحلال. (3)و أمّا إذا کان الزنا قبل التزویج

ص:411


1- (1) .العروة الوثقی،ص605.
2- (2) .مستند العروة الوثقی،ج1،ص376.
3- (3) .الوسائل،ج14،ص323،باب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة،ح6.

فهو یوجب الحرمة علی أساس النصوص منها:صحیحة محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق علیه السلام أنّه سئل عن الرجل یفجر بامرأة أیتزوّج بابنتها؟قال:لا. (1)

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:لاخلاف فی أنّ الوط ء الحلال تثبت به حرمة المصاهرة،أمّا وط ء الشبهة و الزنا فإنّه تثبت به حرمة المصاهرة علی الصحیح من المذهب. (2)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی.

المذهب الشافعی

قال الجزیری:أمّا الزنا فإنّه لایوجب حرمة المصاهرة علی أی حال؛لأنّها نعمة من الله لایصحّ زوالها بذلک الفعل المحرّم. (3)قال الدمیری:یدلّ لمذهب الشافعی إنّ الزنا لایثبت حرمة المصاهرة قوله صلی الله علیه و آله:لایحرّم الحرام الحلال وقوله تعالی: ...وَ أُحِلَّ لَکُمْ ما وَراءَ ذلِکُمْ... (4)یفید صراحة حلّ ماعدا المذکورات قبلها ولیس المزنی بها منهن فتدخل فی عموم الحلّ. (5)قال ابن قدامة:وروی عن ابن عبّاس أنّ الوط ء المحرّم لایحرّم.وبه قال مالک و الشافعی؛لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:لایحرّم الحرام الحلال؛ولأنّه وط ء لاتصیر به الموطوئة فراشاً فلا یحرم.ولنا قوله تعالی: وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ... والوط ء یسمّی نکاحاً. (6)

ص:412


1- (1) .المصدر السابق،ح 1.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص68-65.
3- (3) .المصدر السابق،ص68-65.
4- (4) .النساء:24.
5- (5) .الشرح الصغیر،ج2،ص347؛مغنی المحتاج،ج3،ص175.
6- (6) .المغنی،ج6،ص576.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص والاختلاف فی الاجتهاد.

حکم اللمس و النظر بشهوة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تحریم المصاهرة بواسطة اللمس و النظر عن شهوة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:وما لا یسوغ لغیر المالک،کنظر الفرج و القبلة ولمس باطن الجسد بشهوة،فیه تردّد أظهره أنّه یثمر کراهیة. (1)ذلک جمعاً بین النصوص-المجوّزة و المانعة-والفتاوی وعملاً بأصالة الحلّ.

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:قال الجوزجانی:سألت أحمد عن رجل نظر إلی امّ امرأته فی شهوة أو قبّلها أو باشرها فقال:أنا أقول لایحرّمه شیء إلاّ الجماع؛لقوله تعالی: ...فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ... . (2)و هذا لیس بدخول فلا یجوز ترک النصّ الصریح، (3)و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی و المالکی.

المذهب الحنفی

قال الجزیری:لا فرق بین اللمس و النظر بشهوة بین عمد ونسیان وإکراه فالکلّ تثبت به

ص:413


1- (1) .شرائع الإسلام،ج2،ص289.
2- (2) .النساء:23.
3- (3) .المغنی،ج6،ص580.

حرمة المصاهرة. (1)ذلک لما روی عبدالله بن مسعود عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«من نظر إلی فرج امرأة لم تحلّ له امّها وابنتها» (2)واللمس أولی.

قال الحنفیة یثبت حرمة المصاهرة بالزنا و اللمس و النظر بدون النکاح؛لأنّ المس و النظر سبب داع إلی الوط ء فیقام مقامه احتیاطاً (3).

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد ولم یکن فی المسألة نصّ معتبر من طریق الصحابة،و أمّا النصوص الواردة من طریق آل البیت علیهم السلام فهی کثیرة معتبرة إلاّ أنّها متعارضة و قد مرّ بنا أنّ الجمع بینها-رفعاً للتضادّ-ینتج کراهة المصاهرة هناک.

حرمة المصاهرة مع ولد الزنا

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی حرمة المصاهرة مع ولد الزنا وعدمها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:فلو زنی فإن خلق من مائه ولد،علی الجزم لم ینتسب إلیه شرعاً وهل یحرم علی الزانی و الزانیة؟الوجه أنّه یحرم؛لأنّه مخلوق من مائه فهو یسمّی ولداً لغة. (4)فیشمله-أی المورد-عموم قوله تعالی: حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ

ص:414


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص 65.
2- (2) .المغنی،ج6،ص 580.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج2،ص 260.
4- (4) .شرائع الإسلام،ج2،ص 281.

وَ بَناتُکُمْ... و هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی و الحنفی،کما قال ابن قدامة:ویحرم علی الرجل نکاح بنته من الزنا واُخته وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخیه واُخته من الزنا و هو قول عامّة الفقهاء لقوله تعالی: حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ... .و هذه بنته فإنّها مخلوقة من مائه هذه حقیقة لاتختلف بالحلّ و الحرمة،ویدلّ علی ذلک،قول النبی صلی الله علیه و آله فی امرأة هلال بن امیة:انظروه یعنی ولدها فإن جاءت به علی صفة کذا فهو لشریک بن سمحاء،یعنی الزانی لأنّها مخلوقة من مائه،فلم تحلّ له کبنته من النکاح وتخلُّف بعض الأحکام-کالإرث-لاینفی کونها بنتاً کما لو تخلّف لرق أو اختلاف دین. (1)

وقال الجزیری:فإذا زنی بامرأة فحملت سفاحاً وولدت ثمّ أرضعت صبیة بلبنهافإنّه لایحلّ لهذا الزانی أنّ یتزوّجها-علی المذهب الحنفی-لأنّهما بنته من الرضاع. (2)

المذهب الشافعی

ویجوز للرجل أن یتزوّج بنته المخلوقة من مائه زناً،فإذا زنی بامرأة وحملت منه سفاحاً وجاءت بنت فإنّها لاتحرم علیه؛لأنّ ماء الزنا لا حرمة له (3)و هو نفس الرأی علی المذهب المالکی وقال ابن قدامة:وقال مالک و الشافعی یجوز ذلک-أی التزویج-کلّه لأنّها اجنبیة منه ولا تنسب إلیه شرعاً ولا یجری التوارث بینهما ولا تلزمه نفقتها فلم تحرم علیه کسائر الأجانب. (4)

ص:415


1- (1) .المغنی،ج6،ص579.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص65.
3- (3) .المصدر السابق،ص66.
4- (4) .المغنی،ج4،ص578.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد ولم یرد فی المسألة نصّ معتبر نعتمد علیه،والأحوط فی الدین هو الاجتناب،نتیجة للتحریم.

مناکحة الزانی و الزانیة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز مناکحة الزانی مع من زنی بها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذاهب الأربعة

قال بعض المحقّقین:لایوجب الزنا تحریم الزانیة علی الزانی بها خلیة أو غیر خلیة علی المذاهب الأربعة. (1)

وقال ابن قدامة:و إذا وجد الشرطان-أی انقضاء العدّة و التوبة من الزنا-حلّ نکاحها للزانی وغیره فی قول أکثر أهل العلم منهم أبوبکر وعمر وابنه وابن عبّاس وجابربن زید وروی عن ابن مسعود و البرّاءبن عازب وعائشة أنّها لاتحلّ للزانی بحال. (2)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لو زنی بذات بعل أو فی عدّة رجعّیة حرّمت علیه أبداً فی قول مشهور. (3)ذلک للنصوص الواردة فی المقام منها:صحیحة الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«إذا تزوّج الرجل المرأة فی عدّتها ودخل بها لم تحلّ له أبداً عالماً کان أو جاهلاً،و إن لم یدخل بها حلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر». (4)والدلالة تامّة.

ص:416


1- (1) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص311.
2- (2) .المغنی،ج6،ص603.
3- (3) .شرائع الإسلام،ص292.
4- (4) .الوسائل،ج14،ص345،باب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة،ح3.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی الاستنباط نصّاًواجتهاداً فبما أنّه وردالنصّ المعتبر من طریق آل البیت علیهم السلام دالّاً علی أنّ الزنا یوجب التحریم المؤبّد أصبح الحکم کذلک علی المذهب الجعفری بلا خلاف.

وبما أنّه لم یرد نصّ معتبر موحّد من طریق الصحابة اختلفت الأقوال تجاه الحکم علی المذاهب الأربعة.وعلی الرغم من ذلک لا تختلف الفتوی عندهم هناک.

التحقیق

إنّ ما یقول به المذهب الجعفری هو المتیقّن و هو الأحوط.

الرضاع

کمّیة الرضاع

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تحدید الرضاع ومقداره وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:انتشار الحرمة بالرضاع یتوقّف علی شروط:الأوّل:أن یکون اللبن عن نکاح.

الشرط الثانی:الکمّیة،و هو ما أنبت اللحم وشدّ العظم،وینشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة،أو رضع یوماً ولیلة. (1)وقال المحقّق صاحب الجواهر-إنّ الحکم یکون کذلک-:إذ لا یکتفی فی التحریم مسمّی الرضاع إجماعاً بقسمیه ونصوصاً مستفیضة أو متواترة،والأصل فیه بعد الإجماع النبوی المروی فی کتب أصحابنا:الرضاع ما أنبت

ص:417


1- (1) .شرائع الإسلام،ج2،ص282.

اللحم وشدّ العظم،وما استفاض عن الإمام الصادق علیه السلام من التحدید بذلک ففی الصحیح-سئل أنه-:ما یحرم من الرضاع؟قال:ما أنبت اللحم وشدّ العظم.

وکیف کان فالمراد بإنبات اللحم وشدّ العظم ما کان مسبّباً عن الرضاع التامّ بحیث یستقلّ فی حصول الأمرین لدی أهل الخبرة فلا یتحقّق بالمسمّی؛لوقوع التصریح فی النصوص-بالنسبة إلی التحدید-و هذا التحدید الوارد فی النصوص المستفیضة المعتبرة من أقوی الحجج-منها-موثّق زیادبن سوقة (1)قلت لأبی جعفر الإمام الباقر علیه السلام:هل للرضاع حدّ یؤخذ به؟قال:«لایحرم الرضاع أقلّ من رضاع یوم ولیلة أو خمس عشرة رضعة متوالیات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد».

ومنها:ما فی المقنع:ولا یحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم وسئل الإمام الصادق علیه السلام: (2)هل لذلک حدّ؟فقال:«لایحرم من الرضاع إلاّ رضاع یوم ولیلة،أو خمس عشرة رضعة متوالیات لایفصل بینهنّ».المؤیدة بالأصل وعمومات النکاح. (3)

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:إنّ الشافعیة و الحنابلة یقولون:إنّ الرضاع لایحرم إلاّ إذا کان خمس مرّات،والمالکیة و الحنفیة یقولون:الرضاع یحرم مطلقاً قلیلاً کان أو کثیراً ولو قطرة-ذلک للصدق وتحقّق الموضوع للحرمة ولا دلیل علی التحدید بحدّ خاصّ-.و قد استدلّ الشافعیة و الحنابلة بما رواه مسلم،عن عائشة قالت:کان فیما أنزل الله فی القرآن-عشر رضعات معلومات یحرمن-فنسخن-بخمس معلومات-فتوفّی رسول الله صلی الله علیه و آله وهنّ فیما یقرأ من القرآن وأیضاً روی مسلم:لاتحرم الرضعة ولاالرضعتان.ویردّ علی هذا أن

ص:418


1- (1) .الوسائل،ج14،ص282،باب 2 من أبواب ما یحرم من الرضاع،ح1.
2- (2) .المصدر السابق،ح 14.
3- (3) .الجواهر،ج29،ص269 إلی 279.

المسلمین قد أجمعوا علی أنّ القرآن هو ما تواتر نقله عن رسول الله صلی الله علیه و آله عن ربّ العزّة وعلی هذا فمن المشکل الواضح ما یذکره المحدّثون من روایات الآحاد المشتملة علی أنّ آیة کذا کانت قرآناً ونسخت،فمن ذلک ما روی عن ابن مسعود من أنّ المعوذتین لیستا من کتاب الله،فإنّ معنی هذا،التشکیک فی الکتاب المتواتر کلمة کلمة وحرفاً حرفاً،ولهذا جزم الفخر الرازی بکذب هذه الروایة،ومن ذلک ما قیل من أنّ آیة القنوت کانت موجودة فی مصحف ابی ثمّ سقطت.

فهذا وأمثاله من الروایات الّتی فیها الحکم علی القرآن المتواتر بأخبار الآحاد فضلاً عن کونه ضارّاً بالدین،فیه تناقض. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی الحکم هنا ناشئ عن ورود النصّ وعدمه و قد ورد من طریق آل البیت علیهم السلام نصّ معتبر أصبح مدرکاً للحکم،ولم یرد من طریق الصحابة نصّ معتبر عدا ما نقل عن عائشة و هو خالف أصل القرآن.

جواز نکاح الکافرة للمسلم

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صحّة تزویج المسلم من الکافرة وعدم صحّته،وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذاهب الأربعة

قال الخرقی:ولا یزوّج کافر،مسلمة بحال ولا مسلم الکافرة إلاّ أن یکون المسلم سلطاناً أو سید أمة وقال ابن قدامة:أمّا الکافر فلا ولایة له علی مسلمة بحال بإجماع أهل العلم.

ص:419


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص257.

و أمّا المسلم فلاولایة له علی الکافرة فی غیر السید و السلطان. (1)قال الکاشانی:لایجوز للمسلم أن ینکح المشرکة؛لقوله تعالی: وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ... (2)ویجوز أن ینکح الکتابیة؛لقوله تعالی: ...وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ... (3)وقال:بأنّ الأصل هناک عدم حصول السکن و المودة مع قیام العداوة الدینیة،إلا أنّه جوّز نکاح الکتابیة لرجاء إسلامها؛لأنّها آمنت بکتب الأنبیاء و الرسل فی الجملة.وقال الشافعی:لایجوز نکاح الأمة الکتابیة ویحل وطؤها بملک الیمین،واحتج بقوله تعالی: وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ... والکتابیة مشرکة علی الحقیقة؛لأنّ الشرک من یشرک بالله تعالی فی الألوهیة وأهل الکتاب کذلک قال تعالی: وَ قالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللّهِ... (4)فعموم النصّ یقتضی حرمة جمیع المشرکات إلاّ أنّه خصّ منه الحرائر من الکتابیات بقوله تعالی: ...وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ... فبقیت الإماء. (5)

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لایجوز للمسلم نکاح غیر الکتابیة إجماعاً وفی تحریم الکتابیة من الیهود و النصاری روایتان،أشهرهما المنع فی النکاح الدائم،والجواز فی المؤجّل. (6)و هو مقتضی الجمع بین روایتی المنع و الجواز.

ص:420


1- (1) .المغنی،ج6،ص472.
2- (2) .البقرة:221.
3- (3) .المائدة:5.
4- (4) .التوبة:30.
5- (5) .بدائع الصنائع،ج2،ص270.
6- (6) .شرائع الإسلام،ج2،ص294.

وقال السید الخوئی:لایجوز للمسلم أن ینکح غیرالکتابیة إجماعاً،لادواماً ولا انقطاعاً،وفی الکتابیة قولان أظهرهما الجواز فی المنقطع بل فی الدائم أیضاً و إن کان الاحتیاط لاینبغی ترکه. (1)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف بین الفریقین بالنسبة إلی النکاح الموقّت ومن الاختلاف فی الاجتهاد و هو خلاف جزئی.

معنی الکفائة فی التزویج

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی معنی الکفائة المعتبرة فی النکاح وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:الکفائة شرط فی النکاح،وهی التساوی فی الإسلام،وهل یشترط التساوی فی الإیمان؟فیه روایتان أظهرهما الاکتفاء بالإسلام،و إن تأکّد استحباب الإیمان (2)وقال الشهید الثانی:الکفائة المعتبرة فی النکاح هی الإسلام أو الإیمان-ذلک-لعموم الأدلّة الدالّة علی تکافؤ المؤمنین بعضهم ببعض،وخالف ابن الجنید منّا فاعتبر فیمن تحرم علیهم الصدقة-بنی هاشم-أن لا یتزوّج فیهم إلاّ منهم،لئلّا یستحلّ بذلک الصدقة من حرمت علیه. (3)

وقال السید علی الطباطبائی:یجوز نکاح الحرّة بالعبد...اتّفاقاً إلاّمن الإسکافی فاعتبر فیمن یحرم علیهم الصدقة ألاّیتزوج فیهم إلاّمنهم؛والروایة قاصرة السند

ص:421


1- (1) .منهاج الصالحین،ج2،ص270.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج2،ص299.
3- (3) .مسالک الأفهام،ج1،ص398.

وضعیفة الدلالة. (1)ولعلّ المقصود من الروایة هنا هو ما روی عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:لا تخالطنّ أحداً من العلویین فإنّک إن خالطتهم مقت الجمیع ولکن أحبّهم بقلبک ولتکن محبّتک من بعید. (2)

المذهب الحنبلی

الکفائة هی المساواة فی خمسة امور:

1.الدیانة:فلا یکون الفاجر الفاسق کفوؤاً للصالحة العدل العفیفة؛لأنّه مردود الشهادة.

2.الصناعة:فلا یکون صاحب الصناعة الدنیئة کفؤاً لبنت صاحب الصناعة الشریفة.

3.الیسار بالمال:فلا یکون المعسر کفؤاً للموسرة.

4.الحرّیة.

5.النسب:فلا یکون العجمی کفؤاً للعربیة. (3)

المذهب الحنفی

إنّ الکفائة هی مساواة الرجل للمرأة فی امور مخصوصة وهی ستّ:النسب و الإسلام و الحرفة و الحرّیة و الدیانة و المال.ومن هذا نعلم أنّ العجمی لیس کفوؤاً للقرشیة ولا للعربیة علی أی حال و أنّ العربی من غیر قریش لیس کفؤاً للقریشیة علی أی حال.

المذهب الشافعی

الکفائة أمر یوجب عدمه عاراً،وتعتبر الکفائة فی أنواع أربعة:النسب،والدین و الحرّیة و الحرفة،فأمّا النسب فالناس صنفان:عربی وغیر عربی و العربی قسمان:قریشی وغیر

ص:422


1- (1) .ریاض المسائل،ج2،ص110.
2- (2) .جامع الأخبار،ص164.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص61.

قریشی فالقریشیون أفضلهم،علی أنّ بینهما تفاوتاً أیضاً و هو أنّ بنی هاشم و المطّلب أفضل من الباقین،والعبرة فی النسب للآباء لا للاُمّهات إلاّفی بنات فاطمة رضی الله عنها-وعلیها الصلاة و السلام-فإنّهن منسوبات إلی النبی صلی الله علیه و آله وهنّ أرقی الأنواع من عرب وعجم. (1)

المذهب المالکی

الکفائة فی النکاح المماثلة فی أمرین:أحدهما:التدّین،ثانیهما:السلامة من العیوب،أمّا الکفائة فی المال و الحرّیة و النسب و الحرفة فهی معتبرة. (2)

قال ابن قدامة:والدلیل علی اعتبار النسب فی الکفائة قول عمر:لأمنعنّ فروج ذوات الأحساب إلاّ من الأکفاء،ولأنّ العرب یعدّون الکفائة فی النسب،ولأنّ فی فقد ذلک عاراً ونقصاً.

واختلفت الروایة عن أحمد فروی عنه أنّ بنی هاشم لایکافئهم،و هذا قول بعض أصحاب الشافعی؛لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:«إنّ الله اصطفی کنانة من ولد إسماعیل واصطفی من کنانة قریشاً واصطفی من قریش بنی هاشم واصطفانی من بنی هاشم». (3)

قال الکاشانی:من الکفائة النسب،والأصل فیه قول النبی صلی الله علیه و آله:قریش بعضهم أکفاء بعض وقریش تشتمل علی بنی هاشم ولا تکون العرب-والقریشی الّذی لیس بهاشمی کالیتمی والاُموی و العدوی-کفؤاً لقریش.لفضیلة قریش علی سائر العرب ولذلک اختصّت الإمامة بهم قال النبی صلی الله علیه و آله:الأئمّة من قریش.(علی هاشمی عمر

ص:423


1- (1) .المصدر السابق،ص58 و59.
2- (2) .المصدر السابق،ص58.
3- (3) .المغنی،ج6،ص483.

عدوی عثمان اموی)وقال:ثمّ مفاخرة العجم بالإسلام لابالنسب.

وبالتالی قال:وعندنا الأفضل-فی الکفائة-اعتبار الدین و الإقتصار علیه. (1)

اتّفق المذاهب الأربعة علی أنّ الکفائة شرط لزوم ولیست شرط فی صحّة النکاح فإذا تزوّجت المرأة غیر کفؤ کان العقد صحیحاً وکان لأولیائها حق الإعتراض علیه وطلب فسخه؛دفعاً لضرر العار علی أنفسهم. (2)

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی المبانی الاجتهادیة إلاّ أنّ نظریة التکافوء فی النسب-وترجیح العرب علی العجم مثلاً-تنطبق علی العصبیة الجاهلیة الّتی یستنکرها الکتاب و السنّة و العقل الضروری و أمّا الرأی علی عدم اشتراط التکافؤ بالنسب فی التزویج فهو مقتضی عموم أدلّة النکاح وینطبق علی ما هو ظاهر الکتاب.

ص:424


1- (1) .البدائع،ج2،ص319-317.
2- (2) .البدائع،ج2،ص317؛الدسوقی،ج2،ص249؛مغنی المحتاج،ج3،ص164؛المغنی،ج6،ص480.

الخلاصة

الزنا،یوجب حرمة المصاهرة علی مذهبی الحنبلی و الحنفی ولا یوجب الحرمة علی مذهبی الشفعی و المالکی و أمّا علی المذهب الجعفری فإن کان الزنا بعد التزویج لایوجب تحریم المصاهرة و إن کان قبل التزویج یوجب التحریم.

اللمس و النظر عن شهوة لایوجبان تحریم المصاهرة علی المذهب الجعفری و الحنبلی و الشافعی،ویوجبان الحرمة علی مذهبی الحنفی و المالکی.

یحرم تزویج ما یتولّد من الزنا علی الزانی و الزانیة علی المذهب الجعفری و الحنبلی و الحنفی ولا یحرم ذلک علی مذهبی الشافعی و المالکی.

لایوجب الزنا تحریم الزانیة علی الزانی مؤبّداً علی المذاهب الأربعة ویوجب التحریم المؤبّد-إذا کان مع ذات البعل-علی المذهب الجعفری.

یشترط فی الرضاع الموجب للنسبة،تحدید خاص هو-یوم ولیلة عُدّةً أو خمس عشرة رضعة عدّة-علی المذهب الجعفری وخمس رضعات علی مذهبی الشافعی و الحنبلی ویکفی مسمّی الرضاع علی مذهبی الحنفی و المالکی.

تشترط فی النکاح الکفائة فی الإسلام علی المذهب الجعفری ویشترط التکافؤ فی النسب أیضاً علی المذاهب الأربعة ویجوز نکاح الکافرة للمسلم متعة علی المذهب الجعفری ولا یجوز ذلک علی المذاهب الأربعة.

ص:425

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی أنّ الزنا یوجب حرمة المصاهرة؟

2.هل اللمس عن شهوة وکذا النظر یوجب حرمة المصاهرة؟

3.هل یجوز للزانی مناکحة بنته من الزنا؟

4.هل یوجب الزنا تحریم الزانیة علی الزانی مؤبّداً؟

5.هل یکفی فی تحقّق الرضاع مسمّی الارتضاع؟

6.ما هو الدلیل علی عدم جواز تزویج المسلم مع الکافرة؟

7.ما هو معنی الکفائة فی التزویج؟

ص:426

32- الطلاق (1)

صیغة الطلاق

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی ألفاظ الطلاق صیغة ومادّة وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:الصیغة الّتی یقع بها الطلاق أن یقول:أنت طالق وهی طالق أو فلانة طالق،وفی وقوعه بمثل طلّقت فلانة أو طلّقتک أو أنت مطلّقة أو فلانة مطلّقة،إشکال،الأظهر البطلان ولا یقع الطلاق بالکتابة ولا بالإشارة للقادر علی النطق ویقع بهما للعاجز عنه،ولو خیر زوجته وقصد تفویض الطلاق إلیها فاختارت نفسها بقصد الطلاق،لایقع علی الأقوی ولو قیل له:هل طلّقت زوجتک فلانة؟فقال:نعم بقصد إنشاء الطلاق لا یقع علی الأقوی. (1)ذلک لأنّ النکاح هو المیثاق الغلیظ کما قال تعالی: ...وَ قَدْ أَفْضی بَعْضُکُمْ إِلی بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً . (2)

ص:427


1- (1) .منهاج الصالحین،ج2،ص294.
2- (2) .النساء:21.

فلا یتحقّق نقض ذلک المیثاق الشدید-أی الطلاق-بکلّ سهولة ورخاء ویدلّنا علی ذلک کلّه النصوص الواردة فی المقام منها:صحیحة محمّدبن مسلم عن الإمام الباقر علیه السلام سأله عن رجل قال لامرأته:أنت علی حرام أو بائنة أو بتة أو بریة أو خلیة قال:«هذا کلّه لیس بشیء إنّما الطلاق أن یقول لها:فی قبل العدّة بعدما تطهر من محیضها قبل أن یجامعها:أنت طالق،یرید بذلک الطلاق،ویشهدعلی ذلک رجلین عدلین». (1)والدلالة تامّة.ومنها:صحیحة الحلبی عن الإمام الصادق علیه السلام قال:سألته عن رجل قال لإمرأته:أنت منّی خلیة أو بریة أو بتة أو بائن أو حرام قال:«لیس بشیء». (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

وقال المحقّق صاحب الجواهر:وفی الکافی عن الحسن بن سماعة:لیس الطلاق إلاّ کما روی بکیربن أعین أن یقول لها وهی طاهر من غیر جماع:أنت طالق ویشهد شاهدی عدل وکلّ ماسوی ذلک فهی ملغی. (3)وفی الانتصار إجماع الإمامیة علی ذلک. (4)

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:صیغة الطلاق هی اللفظ الدالّ علی حلّ عقدة النکاح صریحاً کان أو کنایة. (5)إجماعاً وقال المالکیة:الإشارة المفهمة الدالّة علی الطلاق تقوم مقام اللفظ من الأخرس ومن السلیم القادر علی النطق علی المعتمد. (6)

ص:428


1- (1) .الوسائل،ج15،ص295،باب 16،ح3.
2- (2) .المصدر السابق،ص292،باب 15،ح1.
3- (3) .المصدر السابق،ص295،باب 16،ح1.
4- (4) .الجواهر،ج32،ص57.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص281.
6- (6) .المصدر السابق،ص290.

وقال ابن قدامة:صریح الطلاق-علی ما یقول به الخرقی-ثلاثة ألفاظ،الطلاق و الفراق و السراح وما تصرّف منهنّ و هذا مذهب الشافعی وذهب أبو عبد الله بن حامد إلی أنّ صریح الطلاق لفظ الطلاق وحده وما تصرّف منه لاغیر و هو مذهب أبی حنیفة ومالک.فعلی کلا القولین إذا قال طلّقتک أو أنت طالق أو مطلّقة وقع الطلاق من غیر نیة،و إن قال فارقتک أو قال أنت مفارقة أو سرّحتک أو أنت مسرّحة فمن یراه صریحاً أوقع به الطلاق من غیر نیة ومن لم یره صریحاً لم یوقعه به إلاّ أن ینویه. (1)قال ذحیلی:ویقع الطلاق الصریح ولو بالالفاظ المصحفة نحو تلاغ وتلاک أو بأحرف الهجاء ط،ل،ا،ق،یقع الطلاق الصریح بدون حاجة إلی نیة ودالّة. (2)والتحقیق أنّه لایمکن الالتزام بأنّ الحروف الّتی لایفهم منها معنی،تکون صریحة فی الطلاق علی خلاف المعائیر الادبیة و البلاغیة.وقال ابن قدامة:والکنایة ثلاثة أقسام ظاهرة وهی ستّة بألفاظ خلیة وبریة وبائن وبتة وبتلة وأمرُک بیدک.

ومختلف فیها:نحو اخرجی واذهبی وسائر مایدلّ علی الفرقة.و إن قال:أنت واحدة فهی کنایة خفیة-و هو القسم الثالث-لکنّها لاتقع بها إلاّ واحدة. (3)

یتّضح ممّا تقدّم أنّ الطلاق یتحقّق بالکنایات بشتّی أنواعها،وعلیه إذا قال الزوج لزوجته أنتِ واحدة،یقع الطلاق،ویتحقّق الافتراق بین الزوجین،وبما أنّ الکنایة تکفی فی إنشاء الطلاق وصیغته،لم تکن الصیغة بحاجة إلی الدلالة علی المعنی،ومن ثمّ إذا لم یتبین المعنی من لفظ الطلاق الکنائی ولم یخطر ببال أحد معنی الافتراق عند سماع ذلک اللفظ-أنت واحدة-لایضرّ بتحقّق الطلاق؛ذلک لکفایة الکنایة الخفیة فی إنشاء الطلاق ولا دلالة ظاهرة لتلک الکنایة علی المعنی بحسب صیاغتها الکنائیة.

ص:429


1- (1) .المغنی،ج7،ص122.
2- (2) .الفقه الإسلامی وادلته،ج9،ص6991.
3- (3) .المغنی،ج7،ص130-132.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی مستند الحکم فإنّ الحکم بکفایة الکنایة فی إنشاء الطلاق علی المذاهب الأربعة هو الإجماع المتحقّق عندهم.والحکم بعدم کفایة الإنشاء الکنائی علی المذهب الجعفری هو النصّ الوارد هناک.

الشروط

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط القصد والاختیار و العربیة و التنجیز فی الطلاق،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

القصد

المذهب الجعفری

الشرط الرابع القصد،و هو شرط فی الصحّة مع اشتراط النطق بالصریح،فلو لم ینو الطلاق لم یقع کالساهی و النائم و الغالط (1)وقال المحقّق صاحب الجواهر:إنّ الحکم یکون-کذلک-بلاخلاف أجده فیه بیننا،بل الإجماع بقسمیه علیه مضافاً إلی الخبرالمستفیض عن الصادقین-«لاطلاق إلاّ لمن أراد الطلاق».وقول الإمام الباقر علیه السلام:«لا طلاق علی سنّة وعلی طهر بغیر جماع إلاّ بنیة»-وتحقّقت-استفاضة النصوص فی خصوص المقام. (2)أضف إلی ذلک أنّ الطلاق من الإنشاءات الّتی تتقوّم بالقصد بحسب الذات.

المذاهب الأربعة

قال ابن قدامة:إنّ صریح الطلاق لایحتاج إلی نیة بل یقع من غیر قصد ولا خلاف فی ذلک؛

ص:430


1- (1) .شرائع الإسلام،ج3،ص13.
2- (2) .الجواهر،ج32،ص17.

ولأنّ ما یعتبر له القول یکتفی فیه به من غیر نیة إذا کانت صریحاً فیه،وسواء قصدالمزح أوالجد؛لقول النبی صلی الله علیه و آله ثلاث جدّهنّ وهزلهنّ جدّ:النکاح و الطلاق و الرجعة.رواه أبوداود و الترمذی وقال:حدیث حسن قال ابن المنذر:أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم علی أنّ جدّ الطلاق وهزله سواء و أمّا غیر الصریح فلا یقع الطلاق به إلاّ بنیة أو دلالة حال. (1)

الاختیار

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی-یشترط فی الطلاق-:الاختیار فلا یصحّ طلاق المکره، (2)وقال المحقّق صاحب الجواهر:إنّ الحکم یکون کذلک-:بلا خلاف أجده فیه عندنا بل الإجماع بقسمیه علیه؛مضافاً إلی النصوص العامّة مثل:«رفع عن أمّتی ما استکرهوا علیه» (3)والخاصّة کحسن زرارة (4)عن الإمام الباقر علیه السلام سألته عن طلاق المکره وعتقه فقال:«لیس طلاقه بطلاق». (5)

المذهب الحنفی

قال الجزیری:قال الحنفیة:طلاق المکره یقع خلافاً للأئمّة الثلاثة،فلو أکره شخص آخر علی تطلیق زوجته بالضرب،أو السجن،أو أخذ المال وقع طلاقه (6)و هذا الحکم علی أساس الاجتهاد الخاص.

ص:431


1- (1) .المغنی،ج7،ص134 و138.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج3،ص12.
3- (3) .الوسائل،ج11،ص295،باب 56 من أبواب جهاد النفس،ح1.
4- (4) .الوسائل،ج15،ص331.
5- (5) .الجواهر،ج32،ص10.
6- (6) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص284.

العربیة

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:ولا یقع الطلاق بالکنایة ولا بغیر العربیة مع القدرة علی التلفّظ باللفظة المخصوصة ولا بالإشارة إلاّ مع العجز عن النطق،ویقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالّة (1)وقال الشهید الثانی:ذلک لأنّ اللفظ العربی،هو الوارد فی القرآن،والمتکرّر فی لسان الشرع. (2)أضف إلی ذلک أنّ الطلاق بالعربی هو المتیقّن من الأدلّة و هو الأحوط.

المذاهب الأربعة

قال ابن قدامة:وصریح الطلاق بالعجمیة:بهشتم-هشتم-فإذا أتی بها العجمی وقع الطلاق منه بغیر نیة (3)وقال-فی القسم البائن-:إذا قال العجمی:بهشتم بسیار.طلّقت امرأته ثلاثاً نصّ علیه أحمد؛لأنّ معناه:أنت طالق کثیراً و إن قال(بهشتم)فحسبت(بالفارسیة)طلّقت واحدة إلاّ أن ینوی ثلاثاً فتکون ثلاثاً. (4)یتبین لنابکلّ وضوح أنّ الطلاق لم یشترط بالعربیة علی المذاهب الأربعة وأقوی شاهد علی ذلک-أی عدم الإشتراط بالعربیة-هو الحکم بصحّة الطلاق باللغة الفارسیة بدون تقییده بالعجز عن التلفّظ باللغة العربیة ولم نعثر علی خلاف فی ذلک بین فقهاء المذاهب الأربعة وعلیه،یمکننا أن نقول أنّ الحکم هنا ممّا تسالم علیه هؤلاء الفقهاء و هو کإرسال المسلّمات عندهم،ویمکن الاستدلال علیه بعدم الدلیل علی الإشتراط من جانب وبعموم أدلّة الطلاق من جانب آخر،أضف إلی ذلک ما یقال:إنّ لکلّ رهط نکاحاً وطلاقاً.

ص:432


1- (1) .شرائع الإسلام،ج3،ص19.
2- (2) .مسالک الأفهام،ج3،ص9.
3- (3) .المغنی،ج7،ص124.
4- (4) .المصدر السابق،ص238.

اشتراط التنجیز

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:یشترط فی صحّة الطلاق عدم تعلیقه علی الشرط المحتمل الحصول أو الصفة المعلومة الحصول متأخّراً فلو قال:إذا جاء زید فأنت طالق،أو إذا طلعت الشمس فأنت طالق بطل. (1)وقال المحقّق صاحب الجواهر:اشتراط تجرّد الصیغة عن التعلیق ممّا تحقّق الإجماع علیه،و هو الحجّة بعد ظهور نصوص الحصر-إنّما الطلاق أن یقول لها(فی طهر):أنت طالق- (2)ومنافاته التعلیق-لقاعدة عدم تأخّر المعلول عن علّته-إذ السبب الشرعی کالسبب العقلّی بالنسبة إلی ذلک إلاّ ما خرج بالدلیل بل هو-أی التعلیق-فی الحقیقة من الشرائط المخالفة للکتاب و السنّة و المحلّلة حراماً؛ضرورة أنّه بعد ظهور الأدلّة فی ترتّب الأثر علی السبب الّذی هو الصیغة-شرعاً-فاشتراط تأخّره إلی حصول المعلّق علیه شرع جدید،مؤیداً ذلک کلّه باستصحاب بقاء النکاح. (3)

المذاهب الأربعة

قال ابن قدامة:إذا أوقع الطلاق فی زمن أو علّقه بصفة تعلّق بها،لم یقع حتّی تأتی الصفة و الزمن،و هذا قول ابن عبّاس-وروی-أنّ ابن عبّاس کان یقول فی الرجل یقول لامرأته:أنت طالق إلی رأس السنة قال:یطأ فیما بینه وبین رأس السنة،ولأنّه إزالة ملک یصحّ تعلیقه بالصفات فمتی علّقه بصفة لم یقع قبلها،کما لو قال:أنت طالق إذا قدم الحاجّ و الطلاق یجوز فیه التعلیق (4)وما عثرنا علی خلاف فیه بین أبناء السنّة.

ص:433


1- (1) .منهاج الصالحین،ج2،ص294.
2- (2) .الوسائل،ج15،ص295.
3- (3) .الجواهر،ج32،ص78 و79.
4- (4) .المغنی،ج7،ص165-166.

الحلف بالطلاق

قال ابن قدامة:أنّه-أی الحلف-تعلیق الطلاق علی شرط یمکن فعله وترکه کما لو قال:إن دخلت الدار فأنت طالق. (1)وفرّعوا علیه-أی الحلف بالطلاق-فروعاً کثیرة،منها:فإن قال:لامرأته إن خرجت إلی غیر الحمّام فأنت طالق فخرجت إلی غیر الحمّام طلّقت.و إن خرجت إلی الحمّام ثمّ عدلت إلی غیره فقیاس المذهب أنّه یحنث؛لأنّ ظاهر الیمین المنع من غیر الحمّام.ومنها:لو قال:إمرأتی طالق إن کنت أملک إلاّ مائة وکان یملک أکثر من مائة أو أقلّ،حنث. (2)

الإشهاد فی الطلاق

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی اشتراط الطلاق بحضور الشهود وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:ولابدّ من حضور شاهدین یسمعان الإنشاء،وسماعهما التلفّظ شرط فی صحّة الطلاق،ولا یقع بشاهد واحد ولو کان عدلاً،ولا بشهادة فاسقین،بل لابدّ من حضور شاهدین ظاهرهما العدالة.

ولا تقبل شهادة النساءفی الطلاق لا منفردات ولا منضمّات إلی الرجال (3)؛ذلک لقوله تعالی: ...فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ... . (4)إنّ التنسیق القائم بین الموضوع(الطلاق)والحکم(ما یتصل بالطلاق)،

ص:434


1- (1) .المصدر السابق،ص179.
2- (2) .المصدر السابق،ص226 و227.
3- (3) .شرائع الإسلام،ج3،ص213.
4- (4) .الطلاق:2.

یرشدنا بکلّ وضوح إلی أن الإشهاد کاُمور اخری-العدة،الخروج من البیت،انتظار الاصلاح،الامساک،الفرقة-الّتی تتعلق بالطلاق کلّها وثیقة الصلة بالطلاق،علی الاُسلوب البلاغی،واحتمال تعلق الإشهاد علی الرجعة خلاف الظاهر وخلاف البلاغة.قال الشیخ الطوسی:فإن قالوا:ذلک-الاشهاد-یرجع إلی-الامساک-الرجعة،(علی اساس تقارب الإشهاد مع الامساک)قلنا لایصح؛لأنّ الفراق أقرب إلیه لأنّه قال تعال: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ... (یعنی الرجعة) ...أَوْ فارِقُوهُنَّ... یعنی الطلاق. (1)وعلیه فلا أرضیة لما یستدل به-التقارب-علی تعلق الإشهاد بالرجعة،ومن حسن الحظ أنّه صرّح جمع من المحققین من أبناء السنة علی أنّ الإشهاد یتعلق بالطلاق.

1.قال الفخر الرازی:وقوله تعالی: ...وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ... أی أمر الله أن یشهدوا عند الطلاق. (2)

2.قال القرطبی: ...وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ... أمر بالإشهاد علی الطلاق. (3)

3.قال ابن حزم:إنّ الإشهاد واجب بنصّ الآیة المذکورة ومن طلق ولم یشهد فهو متعدّ لحدود الله عزوجل. (4)

وبالتالی فالإشهاد علی الطلاق واجب علی أساس کتاب الله.

أضف إلی ذلک کلّه أنّ الإشهاد لایمکن أن یکون متصلاً بالرجعة من ناحیة عملیة؛ذلک لأنّ الرجعة هی الوطی (5)والتقبیل و اللمس و النظر إلی فرج الزوجة المطلقة،

ص:435


1- (1) .الخلاف،ج4،ص454.
2- (2) .التفسیر الکبیر،ج3،ص34.
3- (3) .الجامع لأحکام القرآن،ج18،ص157.
4- (4) .موسوعة الفقه الإسلامی،ج12،ص235 و236.
5- (5) .المغنی،ج8،ص493.

والخلوة (1)فهل یمکن أن یشهد شاهدان عدلان وط ء الزوج زوجته المطلقة أو نظره إلی فرجها؟وعلیه فلا یمکن الإشهاد علی الرجعة.وللنصوص الواردة فی الباب الّتی بلغت حدّ التواتر منها:صحیحة زرارة ومحمّدبن مسلم عن الإمام الباقر و الإمام الصادق فی حدیث قال:«و إن طلّقها فی استقبال عدّتها طاهراً من غیر جماع ولم یشهدعلی ذلک رجلین عدلین فلیس طلاقه إیاها بطلاق». (2)والدلالة تامّة.

وقال المحقّق صاحب الجواهر:إنّ الحکم یکون کذلک کتاباً وسنّة وإجماعاً بقسمیه. (3)

المذاهب الأربعة

لایعتبر الإشهاد فی الطلاق بلا خلاف بینهم قال الشیخ جواد مغنیة:و قد أحسنت الحکومة المصریة بأخذها فی کثیر من شؤون الطلاق بالمذهب الإمامی-أی الجعفری-هذا و أنّ المذاهب الأربعة لم تشترط الإشهاد لصحّة الطلاق بخلاف الإمامیة (4)قال الشیخ أبوزهرة:قال فقهاء الشیعة الإمامیة الاثناعشریة:إنّ الطلاق لایقع من غیر إشهاد عدلین،لقوله تعالی: ...وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ وَ أَقِیمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِکُمْ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کانَ یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ... (5)فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذکرإنشاء الطلاق وجواز الرجعة فکان المناسب أن یکون راجعاً إلیه،و إنّ تعلیل الإشهاد بأنّه یوعظ به من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر،یرشّح ذلک ویقوّیه؛لأنّ حضور الشهود العدول

ص:436


1- (1) .البدائع،ج3،ص267.
2- (2) .الوسائل،ج15،ص282،باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق،ح3.
3- (3) .الجواهر،ج32،ص102.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص415.
5- (5) .الطلاق:2 و3.

لایخلو من موعظة حسنة یرجونها إلی الزوجین،فیکون لهما مخرج من الطلاق الّذی هو أبغض الحلال إلی الله سبحانه وتعالی وأنّه لو کان لنا أن نختار المعمول به فی مصر لاخترنا هذا الرأی. (1)

منشأ الاختلاف فی الشروط

إنّ الاختلاف المهمّ حول الشروط بین المذهب الجعفری و المذاهب الأربعة ناشئ عن الاختلاف فی النصّ الوارد من الطریقین فإنّ أوّل شرط اختلفت فیه الآراء إثباتاً ونفیاً هو القصد فی صیغة الطلاق و قد ورد من طریق الصحابة نصّ یدلّنا علی عدم اشتراط القصد و هو الحدیث الّذی مرّ بنا بیانه:ثلاث جدّهن جدّ،وهزلهنّ جدّ:النکاح و الطلاق و الرجعة.دلّ علی عدم اشتراط القصد فی إنشاء الطلاق و هذا-أی الحدیث-هو الّذی أوجب التساهل تجاه الشروط وعلیه یفسح المجال للحکم بعدم الإشتراط فیتحقّق الطلاق بما هو مسمّی الطلاق بلا حاجة إلی القصد و العربیة و التنجیز وما شاکلها،وعلی عکس من ذلک کلّه ورد النصّ الصحیح من طریق آل البیت علیهم السلام الّذی یدلّ علی اشتراط الطلاق بالشروط المذکورة کلّها،وأقوی النصّ هناک کما مرّ بنا ما روی عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال:«إنّما الطلاق أن یقول لها-فی طهر-أنت طالق،یرید بذلک الطلاق ویشهد علی ذلک رجلین عدلین».فإنّ هذه الروایة تدلّنا علی أنّ الطلاق میثاق غلیظ-حسب ما ورد فی الکتاب الکریم-فلامجال للتساهل هنا ولیکن الطلاق واجداً للشروط المذکورة حتّی یصبح مؤثّراً ولو لم تتحقّق الشروط لا یتمّ الطلاق؛للشکّ فی وقوع الطلاق وعند فقد الشروط یستصحب النکاح؛لعدم العلم بالنقض و هو الأحوط فی الدین و الأوثق فی العهود،والأوفق بالقواعد.

ص:437


1- (1) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص415.

أضف إلی ذلک أنّ الإشهاد فی الطلاق ورد فی الکتاب الکریم قال تعالی: ...وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ... .و قد مرّ بنا بیانه آنفاً وعلیه قال بعض الأفاضل من أتباع العامّة الشیخ أبوزهرة:إنّ الصحیح هو إشهاد عدلین فی الطلاق-کما أفتی به فقهاء الإمامیة-و هو ما یستفاد من ظاهر الکتاب،ولو کان لنا المجال لاخترنا هذا الرأی.

و أمّا بالنسبة إلی اشتراط الاختیار وعدم صحّة طلاق المکره فلاخلاف إلاّ عن الحنفی قائلاً بصحّة طلاق المکره.وتفرّده ناشئ عن اجتهاده الخاصّ.

ص:438

الخلاصة

الطلاق بحاجة ماسّة إلی اللفظ الصریح-أنت طالق-علی المذهب الجعفری،و أمّا علی المذاهب الأربعة لاحاجة إلیه بل یقع الطلاق بالکنایة.

یشترط فی الطلاق قصده ولا یقع هزلاً علی المذهب الجعفری ولا یشترط القصد فی الطلاق بل یقع هزلاً علی المذاهب الأربعة.

یشترط العربیة فی الطلاق علی المذهب الجعفری ولایشترط ذلک علی المذاهب الأربعة.

یشترط التنجیز فی إنشاء الطلاق علی المذهب الجعفری ولا یشترط ذلک بل یقع معلّقاً علی أمر مستقبل علی المذاهب الأربعة.

یشترط الإشهاد فی الطلاق علی المذهب الجعفری ولا یشترط الإشهاد علی المذاهب الأربعة بلا خلاف بینهم.

لا یصحّ طلاق المکره إلاّ علی المذهب الحنفی.

ص:439

الأسئلة

1.ما هو صریح الطلاق وما هی الکنایة عن ذلک؟

2.هل یشترط القصد فی إنشاء الطلاق؟

3.ما هو المقصود من التنجیز فی الطلاق؟

4.ما هو الدلیل علی عدم صحّة طلاق المکره؟

5.هل یستفاد وجوب الإشهاد فی الطلاق من الکتاب الکریم؟

ص:440

33- الطلاق (2)

کیفیة الرجعة

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی تحقّق الرجوع فی الطلاق الرجعی وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:تصحّ المراجعة نطقاً کقوله:راجعتک.وفعلاً کالوط ء ولو قبّل أو لامس بشهوة کان ذلک رجعة،ولم یفتقر استباحته-أی الرجوع العملی-إلی تقدم الرجعة-قولاً-،لأنّها-فی العدّة الرجعیة-زوجته. (1)

ذلک للنصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة محمّدبن القاسم عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«و إن غشیها قبل انقضاء العدّة،غشیانه إیاها رجعة». (2)ولا خلاف

ص:441


1- (1) .شرائع الإسلام،ج3،ص30.
2- (2) .الوسائل،ج 18،ص 400،باب 29 من أبواب الحدود 1.

فیه قال المحقّق صاحب الجواهر:أنّه تحقّق الإجماع بقسمیه علیه بل عن بعض العامّة موافقتنا علیه (1)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی تماماً. (2)

المذهب الحنبلی

قال الجزیری:أمّا الصیغة-فی الرجعة علی الحنبلی-فلفظ وفعل.فأمّا اللفظ هو رجعتک ورجعت زوجتی،و أمّا الفعل فهو الوط ء فیحلّ للمطلّق رجعیاً أن یطأ زوجته،و إذا فعل فقد رجعت بذلک ولو لم ینو به الرجعة،أمّا غیر الوط ء فلا تحصل به الرجعة فلو قبّلها أو لمسها أو باشرها،فإنّ ذلک لایکون رجعة. (3)و هو نفس الرأی علی المذهب المالکی.قال ابن قدامة:قال مالک وإسحاق:تکون-المواقعة-رجعة إذا أراد به الرجعة؛لأنّ هذه مدّة تفضی إلی بینونة فترتفع بالوط ء کمدّة الإیلاء،ولأنّ الطلاق سبب لزوال الملک ومعه خیار فتصرّف المالک بالوط ء یمنع عمله،کوط ء البائع الأمة المبیعة فی مدّة الخیار.و أمّا إن قبّلها أو لمسها لشهوة،فالمنصوص عن أحمد أنّه لیس برجعة.

وقال ابن حامد فیه-الاستمتاع-وجهان:أحدهما:هو رجعة و هذا قول الثوری وأصحاب الرأی-الحنفی-لأنّه استمتاع بالزوجة فحصلت الرجعة به کالوط ء. (4)

المذهب الشافعی

قال ابن قدامة:إنّ الرجعة لاتحصل إلاّ بالقول و هذا مذهب الشافعی؛لأنّها استباحة بضع مقصود امر بالإشهاد فیه فلم یحصل من القادر بغیر قول کالنکاح،فلم تحصل به الرجعة کالإشارة من الناطق. (5)قال الزحیلی:و أمّا الفعل کوط ء وغیره فلا تحصل به

ص:442


1- (1) .الجواهر،ج32،ص180.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص431.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص442.
4- (4) .المغنی،ج7،ص283.
5- (5) .المصدر السابق.

الرجعة عند الشافعیة؛لأنّه حرام و الحرام لا تصح الرجعة به وتحصل الرجعة عند الجمهور بالقول أو بالفعل ومنه الخلوة. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الرأی الّذی یخالف الآراء تمام المخالفة هو الرأی الشافعی،فإنّ الرجعة علی رأیه عهد جدید نتیجتها استباحة البضع کعقد النکاح تماماً،فکما أنّ النکاح لایقع إلاّ بلفظ خاصّ کذلک الرجعة لاتقع إلاّ باللفظ فلا أثرللفعل-فی استباحة البضع-بشتّی مصادیقه،و قد مرّ بنا أنّ المذاهب الأربعة الاُخری اتّفقت علی أنّ الرجعة تتحقّق بالفعل أیضاً،إلاّ أنّهم اختلفوا فی سببیة التقبیل و اللمس للرجعة اختلافاً من حیث المصداق،الناشئ عن اجتهادهم فالحکم علی المذهب الجعفری و الحنفی هو تحقّق الرجعة بواسطة التقبیل وما یشاکله.

ذلک لأنّ الزوجیة باقیة فترة العدّة وعلیه لاحاجة إلی عقد النکاح،فتتحقّق الرجعة بکلّ مایصدق علیه الرجوع.أضف إلی ذلک أنّه ورد نصّ من طریق آل البیت علیهم السلام یدلّنا علی المطلوب،و أمّا حصر الفعل بالوط ء ناشئ عن الاجتهاد.

تجزئة الطلاق

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی صحّة الطلاق مع التجزئة وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لو قال:أنتِ طالق،نصف طلقة،لم یقع؛لأنّه لم یقصد الطلقة-التامّة-ولو قال:یدکِ طالق لم یقع. (2)وقال المحقّق صاحب الجواهر-أنّ الحکم یکون

ص:443


1- (1) .الفقه الإسلامی وأدلته،ج9،ص6991.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج3،ص19.

کذلک-:للأصل وظهور الأدلّة فی أنّ محلّ الطلاق ذات الزوجة المدلول علیها بقول أنت وما شاکل ذلک. (1)

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:و إذا جزّأ الطلاق کأن قال لها:أنتِ طالق بعض طلقة أو نصف طلقة-تکون طلقة-کاملة لأنّ الطلاق لا یتجزّأ فذکر بعضه ذکر لجمیعه. (2)

وقال ابن قدامة:إذا طلّق جزءاً منها-کقولک:طالق یدک-من أجزائها الثابتة طلّقت کلّها سواء کان جزءاً شائعاً کنصفها،أو جزءاً من ألف جزء منها؛لأنّها جملة لاتتبعّض فی الحلّ و الحرمة فغلب فیها حکم التحریم. (3)

دور الوصف فی الطلاق

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی إنشاء الطلاق متّصفاً بوصف خاصّ وتفصیل الاختلاف بمایلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لو قال:أنتِ طالق أعدل طلاق أو أکمله،أو ملء الدنیا،صحّ ولم تضرّ الضمائم. (4)لتعدّد الدالّ و المدلول،فالصیغة-أنتِ طالق دلّت علی مدلولها-أی الطلاق-دلالة تامّة وضمّ الوصف-ملء الدنیا-بها لا یضرّ بها.ومن المعلوم أنّ هذا الطلاق لم یکن إلاّ رجعیاً؛لکون الصیغة رجعیة.

ص:444


1- (1) .الجواهر،ج39،ص94.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص255.
3- (3) .المغنی،ج7،ص242.
4- (4) .شرائع الإسلام،ج3،ص19.

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:إذا قال لها:أنت طالق طلاقاً کعظم الجبل وقع بائناً باتّفاق. (1)

و إذا قال لها أنت طالق طلاق الشیطان طلّقت منه بائنة-علی المذهب الحنفی. (2)

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف فی تجزئة الطلاق وتوصیفه ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد کما مرّ بنا بیان أدلّة الطرفین المتخالفین،والّذی أصبح العامل الرئیسی هناک هو اختلاف النظر تجاه الطلاق بین الفریقین فإنّ الطلاق علی المذهب الجعفری أمر خطیر وعلی المذاهب الأربعة سهل یسیر.

تحقّق العدّة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تحقّق العدّة فی موارد وتفصیل الاختلاف بما یلی:

عدّة الصغیرة

المذهب الحنفی

العدّة تجب علی الصغیرة ولو طفلة. (3)ذلک لإطلاق دلیل العدّة وتحقّق الموضوع.

المذاهب الاُخری

لاعدّة علی الصغیرة،والمقصود من الصغیرة الّتی لاعدّة علیها هی الّتی لم تبلغ تسع سنین.علی المذهب الجعفری و الحنبلی،ذلک؛لأنّها قبل إکمال التسع تکون مرفوعة

ص:445


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص365.
2- (2) .المصدر السابق،ص366.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص549.

القلم؛لحدیث الرفع المشهور بین الفریقین،والمقصود من الصغیرة علی المذهب الشافعی و المالکی هی الّتی لاتطیق و إن طاقت الوط ء تجب علیها العدّة و إن کانت دون التسع. (1)

منشأ الاختلاف

لاخلاف هنا إلاّ عن الحنفی،وتفرّده فی الحکم بوجوب العدّة علی الصغیرة ناشئ عن اجتهاده الخاصّ.

عدّة الزانیة

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:لاعدّة علی المزنی بها من الزنا لکنّ الأحوط لزوماً-أی الواجب-أن لا یتزوج بها إلاّ بعد استبرائها بحیضة. (2)

أمّا نفی العدّة فهو؛لعدم الحرمة للماء الزانی؛ولعدم تحقّق الموضوع شرعاً و هذا-نفی العدّة-نفس الرأی علی مذهبی الحنفی و الشافعی. (3)و أمّا وجوب الاستبراء فهو علی ما قال المحقّق صاحب الجواهر لإطلاق ما دلّ علی العدّة بالدخول و الماء و إنّ الحکمة فیها اختلاط الأنساب. (4)ویؤیده خبر إسحاق بن جریر عن الإمام الصادق علیه السلام قال قلت له:الرجل یفجر بالمرأة ثمّ یبدو له فی تزویجها هل یحلّ له ذلک؟قال:«نعم إذا هو اجتنبها حتّی تنقضی عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور». (5)

ص:446


1- (1) .المصدر السابق وشرائع الإسلام،ج35،ص3.
2- (2) .منهاج الصالحین،ج2،ص302.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص521 و523.
4- (4) .الجواهر،ج32،ص264.
5- (5) .الوسائل،ج15،ص476.

وقال ابن قدامة:وروی عن أبی بکر وعمر:لا عدّة علیها و هو قول الشافعی؛لأنّ العدّة لحفظ النسب ولایلحقه نسب،وعن أحمد-فی روایة-أنّها تستبرأ بحیضة؛ذکرها ابن أبی موسی و هذا قول مالک.ولنا:أنّه وط ء یقتضی شغل الرحم فوجبت العدّة کعدّة المطلّقة (1)وعلیه فلا خلاف إلاّ عن ابن قدامة الناشئ من اجتهاده القیاسی.

تحقّق العدّة بواسطة الخلوة

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لایجب العدّة بالخلوة منفردة عن الوط ء؛ (2)ذلک لعدم تحقّق الموضوع للعدّة ویؤکّده صحیحة محمّدبن مسلم عن أحدهما.

الإمام الباقر أو الإمام الصادق قال:«العدّة من الماء». (3)

وأقوی الحجج علیه قوله تعالی: ...إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَکُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها... . (4)و هذا نصّ علی المطلوب و هو نفس الرأی علی المذهب الشافعی فی رأیه الجدید.ولا خلاف فی الحکم عند فقهاء الإمامیة.

المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:فأمّا إن خَلی بها ولم یصبها ثمّ طلّقها فإنّ مذهب أحمد وجوب العدّة علیها وقال الشافعی فی الجدید:لاعدّة علیها؛لقوله تعالی-أی الآیة المذکورة؛ولأنّها مطلّقة لم تمسّ.

ولنا:إجماع الصحابة،روی الإمام أحمد عن زرارة بن أوفی قال:قضی

ص:447


1- (1) .المغنی،ج7،ص450.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج3،ص34.
3- (3) .الوسائل،ج2،ص403.
4- (4) .الأحزاب:49.

الخلفاءالراشدون أنّ من أرخی ستراً أو أغلق باباً فقد وجب المهر ووجبت العدّة؛ولأنّه عقد علی المنافع.فالتمکین فیه یجری مجری الاستیفاء فی الأحکام المتعلّقة،کعقد الإجارة و الآیة مخصوصة بما ذکرناه. (1)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنفی و المالکی.

عدّة زوجة المفقود

اشارة

اختلفت الآراءبالنسبة إلی أحکام الزوجة الّتی غاب عنها زوجها وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الخوئی:الغائب إن جهل خبره ولم یکن للغائب مال ولم ینفق الولی،إن لم تصبر-أی الزوجة-فالمشهور أنّها ترفع أمرها إلی الحاکم الشرعی فیؤجّلها أربع سنین ثمّ یفحص عنه،و إن جهل حاله وانقضت الأربع سنین أمر الحاکم ولیه بأن یطلّقها،ثمّ اعتدّت عدّة الوفاة،فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبیة وجاز لها أن تتزوّج،و إذا جاء زوجها فلیس له علیها سبیل. (2)

قال الشهید الثانی:بأنّ الحکم یکون کذلک؛إجماعاً،للحکم شرعاً ببینونتها شرعاً منه. (3)والأصل فی الحکم هو النصوص الواردة فی الباب منها:صحیحة بریدبن معاویة قال:سألت أباعبدالله-الإمام الصادق علیه السلام-عن المفقود کیف تصنع امرأته؟فقال:«ما سکتت عنه وصبرت فخلّ عنها،و إن هی رفعت أمرها إلی الوالی أجّلها أربع سنین،ثمّ یکتب

ص:448


1- (1) .المغنی،ج7،ص450.
2- (2) .منهاج الصالحین،ج2،ص300.
3- (3) .مسالک الأفهام،ج3،ص37.

إلی الصقع الّذی فقد فیه،فلیسأل عنه فإن خبّر عنه بحیاة صبرت و إن لم یخبر عنه بحیاة حتّی تمضی الأربع سنین،دعا ولی الزوج المفقود فقیل له:هل للمفقود مال؟فإن کان للمفقود مال أنفق علیها حتّی یعلم حیاته من موته،و إن لم یکن له مال قیل للولی أنفق علیها،فإن فعل فلا سبیل لها إلی أن تتزوّج ما أنفق علیها،و إن أبی أن ینفق علیها أجبره الوالی علی أن یطلّق تطلیقة فی استقبال العدّة وهی طاهر،فیصیرطلاق الولی طلاق الزوج فإن جاء زوجها قبل أن تنقضی عدّتها من یوم طلّقها الولی فبدا له أن یراجعها فهی امرأته وهی عنده علی تطلیقتین،و إن انقضت العدّة قبل أن یجیء ویراجع فقد حلّت للأزواج ولاسبیل للأوّل علیها». (1)و هونفس الرأی علی المذهب الشافعی و المالکی.قال ابن قدامة:قال مالک و الشافعی فی القدیم تتربّص-أی زوجة المفقود-أربع سنین وتعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحلّ للأزواج-ذلک لما روی الجوزجانی وغیره بإسنادهم عن علی علیه السلام فی امرأة مفقود-زوجها-:«تعتدّ أربع سنین ثم یطلّقها ولی زوجها وتعتدّ بعد ذلک أربعة أشهر وعشراً». (2)المذهب الحنبلی

قال ابن قدامة:إن یفقد-الزوج-وینقطع خبره فلا تزول الزوجیة ما لم یثبت موته،وإلیه ذهب أبوحنیفة-والشافعی فی الجدید-ذلک لما روی-أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:«امرأة المفقود امرأته حتّی یأتی زوجها؛ولأنّه شکّ فی زوال الزوجیة فلم تثبت به الفرقة». (3)

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصوص الوارد عن الطریقین،إلاّ أنّ النصّ الوارد من طریق الصحابة صرّح بأنّ زوجة المفقود زوجته بعد

ص:449


1- (1) .الوسائل،ج15،ص389،باب 23 من أبواب أقسام الطلاق،ح1.
2- (2) .المغنی،ج7،ص488 و491.
3- (3) .المصدر السابق،ص490.

الفقد ولم یصرّح علی التأبید وعلیه یمکن حمله علی بقاء الزوجیة إلی أربع سنین و قد صرّح النصّ الوارد من طریق آل البیت علیهم السلام إنّ عدّة المفقود عنها زوجها أربع سنین وساعده ما روی الجوزجانی عن طریق الصحابة بنفس المضمون؛أضف إلی ذلک أنّ البقاء إلی ثبوت الموت ربما ینتهی إلی الحرج.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هنا ناشئ من المناشئ التالیة:

1.الاختلاف فی الإجماع حیث یوجد من الفریقن ادّعاء الإجماع کما ألمحنا إلیه أنّ الإجماع من الإمامیة تامّ ومن غیر الإمامیة لم یکن تامّاً،ذلک لمخالفة الشافعی.

2.الاختلاف فی النصّ:حیث أنّ النصّ الوارد من الطریقین کان متضارباً تجاه الحکم هناک فإذا تمّ النصّان سنداً ودلالة ینتهی إلی التعارض الّذی نتیجته التساقط.

3.الاختلاف فی فهم المعنی من الآیة الکریمة سعةً وضیقاً:فبما أنّ الآیة صرّحت علی عدم العدّة عند عدم المساس قال ابن قدامة أنّ قوله تعالی: ...إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَکُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها... ،خصّصت فی غیر مورد الخلوة فإنّ ذلک المورد مخصّص بالنسبة إلی مدلول الآیة.و أمّا علی المذهب الجعفری لم یکن هناک تخصیص و الآیه بظاهرها دلّت علی المطلوب دلالة تامّة،والحکم الّذی وافق الکتاب هوالأوثق.

أطول عدّة

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی کمّیة عدّة من تحیض مرّة ثمّ انقطع عنها الحیض وتفصیل الاختلاف بمایلی:

ص:450

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لو رأت-مرّة-حیضاً وتأخّرت الثانیة أو الثالثة صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ثمّ اعتدّت بعد ذلک بثلاثة أشهر،وهی أطول عدّة وفی روایة عمّار:تصیر سنة. (1)و هو نفس الرأی علی المذهب الحنبلی و المالکی.

قال ابن قدامة:الرجل إذا طلّق امرأته وهی من ذوات الأقراء فلم تر الحیض فی عادتها،فإنّها تعتدّ سنة؛تسعة أشهر منها تتربّص فیها لتعلم برائة رحمها؛لأنّ هذه المدّة هی غالب مدّة الحمل،فتعتدّ بعد ذلک ثلاثة أشهر،وبه قال مالک و قد قال ابن عبّاس:لاتطوّلوا علیها الشقّة کفاها تسعة أشهر. (2)

المذهب الحنفی و الشافعی

قال الجزیری:من حاضت ولو فی عمرها مرّة ثمّ انقطع حیضها بسبب معروف من رضاع أو مرض،فإنّ عدّتها لاتنقضی حتّی یعود الحیض،فإن لم یأتها الحیض فلا تنقضی عدّتها حتّی تبلغ من الیأس-والحکم-موافق للشافعیة و الحنفیة،و قد استدلّوا علی ذلک بما رواه الشافعی عن سعیدبن سالم-بإسناده عن عثمان أنّه أفتی أنّ المرأة المنقطعة حیضها تصبر-هی علی عدّة حیضها ما کان من قلیل أو کثیر. (3)وعلیه یمکن أن یکون أطول عدّة أربعین سنة.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ الاختلاف هنا ناشئ عن الاختلاف فی النصّ والاجتهاد،إلاّ أنّ الأوفق بالقواعد-قاعدتی لا ضرر ولا حرج،واطلاقات الأدلّة-هو الاعتداد بسنة کاملة و هذا ما أفتی به أکثر المذاهب الإسلامیة.

ص:451


1- (1) .شرائع الإسلام،ج3،ص36.
2- (2) .المغنی،ج6،ص463 و464.
3- (3) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص545.

الخلاصة

یتحقّق الرجوع فی الطلاق الرجعی بالقول فحسب علی المذهب الشافعی ویتحقّق بالقول و الفعل علی المذاهب الاُخری إلاّ أنّ المقصود من الفعل هو الوط ء فقط علی المذهب الحنبلی و المالکی،والمقصود من الفعل فی الرجوع أعمّ من الوط ء ومن اللمس و التقبیل علی المذهب الجعفری و الحنفی.

إذا تعلّق الطلاق بجزء من أجزاء المطلّقة-کقولک طلّقت یدک-لا یقع الطلاق علی المذهب الجعفری ویقع الطلاق صحیحاً مع تجزئة علی المذاهب الأربعة.

لا أثر للوصف فی الطلاق-کقولک طلاق بعظم الجبل-علی المذهب الجعفری وللوصف هناک أثر مهمّ علی المذاهب الأربعة.

لا عدّة علی الصغیرة إلاّ علی المذهب الحنفی.

لا عدّة علی الزانیة وعلیها الاستبراء بحیضة وخالف فی الحکم ابن قدامة قائلاً بوجوب العدّة.

لا تتحقّق العدّة بواسطة الخلوة علی المذهب الجعفری و الشافعی وتتحقّق العدّة نتیجة للخلوة علی المذاهب الثلاثة الاُخری.

زوجة المفقود تعتدّ أربع سنین علی المذهب الجعفری و الشافعی و المالکی وتبقی الزوجیة إلی أن یثبت موت المفقود،علی المذهب الحنبلی و الحنفی.

أطول عدّة-للمرأة الّتی ینقطع حیضها-سنة کاملة علی المذهب الجعفری و الحنبلی و المالکی و هو علی مذهبی الحنفی و الشافعی،قد یکون أربعین سنة.

ص:452

الأسئلة

1.هل یتحقّق الرجوع فی الطلاق الرجعی باللمس؟

2.ما هو معنی التجزئة فی الطلاق؟

3.هل للوصف أثر فی نوعیة الطلاق؟

4.ما هو الدلیل علی عدم وجوب العدّة علی الصغیرة؟

5.هل یجب العدّة علی الزانیة؟

6.ما هو الدلیل علی عدم وجوب العدّة بواسطة الخلوة؟

ص:453

ص:454

34- الطلاق الثلاث فی فقه السنة

اشارة

قال الجزیری:فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً لزمه ما نطق به من العدد فی المذاهب الأربعة،و هو رأی الجمهور. (1)

قال ابن قدامة:و إن طلق ثلاثاً بکلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت علیه حتّی تنکح زوجاً غیره،ولا فرق بین قبل الدخول وبعده.

روی ذلک عن ابن عبّاس وأبی هریرة وعبدالله بن عمر وابن مسعود وأنس.و هو قول أکثر أهل العلم من التابعین و الأئمّة بعدهم.

وروی الدارقطنی بإسناده عن عبادة بن الصامت قال:طلّق بعض آبائی امرأته ألفاً،فانطلق بنوه إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا:یا رسول الله إنّ أبانا طلّق امّنا ألفاً فهل له مخرج؟فقال:«إنّ أباکم لم یتّق الله فیجعل له من أمره مخرجاً،بانت منه بثلاث علی غیر السنّة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم فی عنقه».ولأن النکاح ملک یصحّ إزالته متفرقاً فصحّ مجتمعاً کسائر الأملاک. (2)

ص:455


1- (1) .المصدر السابق،ص341.
2- (2) .المغنی،ج8،ص243.

وقال النووی:و إن جمع الثلاث فی طهر واحد جاز؛لما روی أن عویمر العجلانی قال عند رسول الله صلی الله علیه و آله حین لاعَنَ امرأته:کذبت علیها إن امسکتها فهی طالق ثلاثاً،فقال النبی صلی الله علیه و آله:«لاسبیل لک علیها،ولو کان جمع الثلاث محرّماً لأنکر علیه». (1)

وقال الماوردی:ودلیلنا علی-صحة الجمع-قول الله تعالی: ...لا جُناحَ عَلَیْکُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ... (2)فکان رفع الجناح عنه من غیر تمییز لعدد یوجب التسویة بین الأعداد.

وروی أن رکانة بن عبدالعزیز طلق امرأته البتة،فأخبر رسول الله صلی الله علیه و آله فقال:ما أردت بألبتة؟قال:واحدة،فأحلفه أنه ما أراد أکثر منها فدلّ علی وقوع الثلاث لو أرادها.

ومن القیاس أنّه طلاق وقع فی طهر لم یجامعها فیه فوجب أن یکون کالطلقة الاُولی،ولأن کلّ طلاق جاز تفریقه جاز جمعه،أصله طلاق الزوجات یجوز أن یجمعهنّ فی الطلاق وأن یفرقهنّ.

ولأنّ کلّ طلاق جاز تفریقه فی الأطهار جاز إیقاعه فی طهر،أصله إذا طلّق فی طهر ثم راجع...ولأنّ الثلاث لفظ یقطع الرجعة فجاز إیقاعه فی طهر لا جماع فیه کالواحدة بعد اثنتین أو کالخلع. (3)

ومن النصوص هناک ما روی ابن عباس عن عمربن الخطاب أنّه لمّا شاهد طلاق الثلاث بإنشاء واحد،قال:قد استعجلتم فی أمر کان لکم فیه أناة،وجعله ثلاثاً (4)أی جعل عمر ذاک الطلاق برأیه طلاقاً ثلاثاً.

ص:456


1- (1) .المجموع،ج17،ص84.
2- (2) .البقرة:236.
3- (3) .الحاول الکبیر،ج10،ص120-121.
4- (4) .صحیح مسلم،ج2،ص1099.

ویلاحظ علیه:

أوّلاً:أنّ النصوص الّتی استند الحکم إلیها هناک مع الشک فی صحّة سندها،تکون معارضة مع النصوص الاُخری،وتکون مخالفة للکتاب،کما قال القرطبی:وسبب الخلاف معارضته-الحدیث العجلانی-لمفهوم الکتاب فی حکم الطلقة الثالثة. (1)

وثانیاً:إنّ قیاس الطلاق ببیع الأموال مما لا یمکن الالتزام به؛لأنّ البیع من المعاملات المالیة العقلائیة،والطلاق من الأحوال الشخصیة الشرعیة وتملک المال یمتاز عن تملک البضع بکل وضوح،وعلیه یجوز لمالک المال أن یهب ماله.ولا یجوز للزوج أن یهب بضع زوجته لغیره بضرورة من الفقه...أضف إلی ذلک أنّ القیاس-الحکم الظنّی علی أساس رأی الشخص-من الأساس لا أساس له.

وثالثاً:إنّ استناد الحکم إلی إطلاق دلیل التشریع و هو قوله تعالی: ...لا جُناحَ عَلَیْکُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ... ممّا لا یمکن المساعدة علیه؛ذلک لأن الآیة المتلوة إنّما تبین شرعیة الطلاق ولا صلة لها بنوعیة الطلاق.

تصریحات الفقهاء

1.قال الماوردی:فإذا أراد أن یطلّق ثلاثاً فالأولی و المستحب أن یفرقها فی ثلاثة أطهار،فیطلّق فی کلّ طهر واحدة،ولایجمعهن فی طهر لیخرج بذلک عن الخلاف ولیأمن به ما یخافه من ندمه.واستدلّ من منع من وقوع الطلاق الثلاث بأن الله تعالی فرّق طلاق الثلاث بقوله: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... (2)فلم یجزأن یجمع ما أمر بتفریقه؛لأنّه ارتکاب ما نهی عنه.وما حرّم من الطلاق لا یقع کالمراجعة.

ص:457


1- (1) .بدایة المجتهد،ج2،ص64.
2- (2) .البقرة:229.

وبما رواه عبدالله بن عباس قال:کان الطلاق الثلاث علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وأیام أبی بکر،وصدر من أیام عمر واحدة،فقال عمر:قد استعجلتم فی أمر کان لکم فیه أناةٌ وجعله ثلاثاً. (1)

فلایجوز لعمر أن یخالف شرعاً،ما ثبت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله،و قد ارتفع النسخ-حکم عمر علی خلاف الشرع-بموته.

وبما رووه عن معاویة بن عمار عن أبی الزبیر عن إبن عمر أنّه طلّق امرأته ثلاثاً فی الحیض فاستفتی رسول الله صلی الله علیه و آله فأمره أن یراجعها،فإذا طهرت فلتسقبل بها العدّة إن شاء طلّق و إن شاء أمسک.و هذا نصّ. (2)

فقال:ولأنّه إجماع الصحابة.روی أن عمربن الخطاب کان إذا اتی برجل طلّق امرأته ثلاثاً أوجع ظهره.

و أنّ رجلاً أتی عبدالله بن عبّاس فقال:إنّ عمی طلّق امرأته ثلاثاً فقال ابن عباس:إنّ عمّک عصی الله فأندمه،وأطاع الشیطان فلم یجعل له مخرجاً.

و أنّ علیاً وابن عباس أنکراه فکان إجماعاً،لعدم المخالف فیه.

ولأنّه عدد یتعلّق به البینونة فوجب أن یتکرّر کاللعان. (3)

2.وقال ابن مسعود الکاشانی:و أمّا الحسن فی الحرّة الّتی هی ذات القرء،أن یطلقها ثلاثاً فی ثلاثة أطهار لا جماع فیها...

ولنا-الدلیل علیه-قوله تعالی: ...فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... (4)أی ثلاثاً فی ثلاثة أطهار،کذا فسّره رسول الله صلی الله علیه و آله فإنّه روی أن عبدالله بن عمر طلّق امرأته حالة الحیض فسأل

ص:458


1- (1) .صحیح مسلم،ج2،ص1099 وج 15،ص1472.
2- (2) .الحاوم الکبیر،ج10،ص118.
3- (3) .المصدر السابق،ج10،ص119.
4- (4) .الطلاق:1.

عن ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله،فقال النبی صلی الله علیه و آله:«اخطأت السنّة ما هکذا أمرک ربّک إنّ من السنّة أن تستقبل الطهر استقبالاً فتطلّقها لکل طهر تطلیقة،فتلک العدّة التی أمر الله تعالی أن یطلّق لها النساء،فسّر رسول الله صلی الله علیه و آله الطلاق للعدّة بالثلاث فی ثلاثة أطهار». (1)

3.قال الجزیری:وخالفهم فی ذلک(الطلاق الثلاث)بعض المجتهدین،کطاووس،وعکرمة وابن إسحق،وعلی رأسهم ابن عباس رضی الله عنهم،فقالوا:إنّه یقع به واحدة لاثلاثاً،دلیل ذلک ما رواه مسلم عن ابن عباس قال:کان الطلاق علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله،وأبی بکر،وسنتین من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة،فقال عمر:الناس قد استعجلوا فی أمر کان لهم فیه أناة فلو أمضیناه علیهم،فأمضاه علیهم.

و هذا الحدیث صریح فی أنّ المسألة لیست اجماعیة.

وبالجملة فإنّ الذین قالوا:إنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد یقع به واحدة لا ثلاث،لهم وجه سدید و هو أنّ ذلک هو الواقع فی عهد الرسول،وعهد أبی بکر.وسنتین من خلافة عمر واجتهاد عمر بعد ذلک خالفه فیه غیره،فیصحّ تقلید المخالف،کما یصحّ تقلید عمر،والله تعالی لم یکلّفنا البحث عن الیقین فی أعمال الفرعیة؛لأنّه یکاد یکون مستحیلاً. (2)

ص:459


1- (1) .بدائع الصنائع،ج3،ص130.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص341 و342.

الخلاصة

إنّ تلک التصریحات السامیة الّتی سطّرت فی الکتب القیمة عند أبناء السنّة ترشدنا إلی أنّ طلاق الثلاث علی أساس الکتاب و السنّة و الإجماع و العقل،هو فی ثلاثة أطهار-وفقاً للمذهب الجعفری-وکان ذلک الاستنباط جیداً جداً.

و أمّا الحکم عن الجمهور علی صحّة طلاق الثلاث بلفظ واحد فهو علی أساس رأی عمربن الخطاب الّذی صدر منه علی خلاف الکتاب و السنّة،وبما أنّه خالف هذا الرأی جمع من الفقهاء لم یکن الحکم مجمعاً علیه،فما بقی مستند للحکم هناک إلاّ التقلید من عمر،فالحکم عمری تام!

ص:460

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی صحّة طلاق الثلاث مرّة واحدة؟

2.هل یصح إنشاء الطلاق الثلاث بالإشارة؟

3.هل یکون الطلاق الثلاث بإنشاء واحد متسالم علیه عند فقهاء السنة؟

4.هل یکون الطلاق الثلاث بإنشاء واحد موافقاً للکتاب؟

5.ما هو کیفیة الطلاق الثلاث فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله؟

ص:461

ص:462

35- الطلاق الثلاث فی فقه أهل البیت علیهم السلام

اشارة

قال شیخ الطائفة الشیخ الطوسی:

الطلقة الثالثة هی المذکورة بعد قوله تعالی: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... (1)إلی آخر،وبعدها قوله تعالی: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ... . (2)دون قوله تعالی: فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... . (3)وبه قال جماعة من التابعین،وحکی ذلک عن الشافعی. (4)

وروی عن ابن عباس أنّه قال: ...أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... الطلقة الثالثة،و هو الّذی اختاره الشافعی وأصحابه. (5)

دلیلنا:أنّه لیس فی قوله تعالی: ...أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... تصریح بالطلاق.ونحن

ص:463


1- (1) .البقرة:229.
2- (2) .البقرة:230.
3- (3) .البقرة:229.
4- (4) .المجموع،ج17،ص69 و70؛المبسوط،ج6،ص9.
5- (5) .کفایة الأخیار،ج2،ص55؛المبسوط،ج6،ص9،تنویر المقیاس المطبوع بهامش،الدر المنثور،ج1،ص115.

لانقول بالکنایات،وقوله تعالی بعد ذلک فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ... صریح فی الطلاق،فوجب حمله علیه.

وأیضاً:متی حملنا قوله: ...أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... علی الطلقة الثالثة کان قوله: فَإِنْ طَلَّقَها... بعد ذلک،تکراراً لا فائدة فیه.

و أمّا قوله تعالی: ...أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ... فمعناه:إذا طلّقها طلقتین فالتسریح بالإحسان الترک حتّی تنقضی عدّتها،وقوله: فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ... یعنی:الرجعة،بلا خلاف. (1)

وقال المحقّق الحلّی فی تبیین الطلاق الثلاث:أن یطلّق علی الشرائط ثمّ یراجعها قبل خروجها من عدّتها ویواقعها،ثم یطلّقها فی طهر المواقعة،ثمّ یراجعها ویواقعها ثمّ یطلّقها فی طهر آخر-طلاقاً ثالثاً-فإنّها تحرم علیه حتّی تنکح زوجاً غیره. (2)

ویدلّنا علی ذلک النصوص الواردة فی الباب،منها صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:«و أمّا طلاق الرجعة فإن یدعها حتّی تحیض وتطهر،ثمّ یطلّقها بشهادة شاهدین ثمّ یراجعها ویواقعها،ثم ینتظر بها الطهر،فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدین علی تطلیقة اخری،ثمّ یراجعها ویواقعها،ثمّ ینتظر بها الطهر،فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدین علی التطلیقة الثالثة ثمّ لاتحلّ له ابداًحتی تَنکح زوجاًغیره» (3).دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

فاستبان لنا بکلّ وضوح أنّ الطلاق الثلاث هو إیقاع الطلاق ثلاث مرّات علی أساس الکتاب و السنّة.

ص:464


1- (1) .الخلاف،ج1،ص115.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج3،ص14.
3- (3) .الوسائل،ج15،ص349،باب 2 من أبواب اقسام الطلاق واحکامه،ح1.

وها هو المنهج الّذی لاخلاف فی صحّته بین علماءالمسلمین،وفی أنّه أجود المناهج وأحسنها.

و أمّا مایدّعی من کونه طلاقاً ثلاثاً علی خلاف المنهج المتلو،فهو علی خلاف الکتاب و السنّة،وعلیه قد یقال:إنّ علماء السنّة أفتوا علی خلاف ذلک فهو من البدعة فی الدین.

ومن المؤسف أن ذلک الحکم لیس علی خلاف الکتاب و السنّة فحسب،بل هو علی خلاف الواقع أیضاً.

قال شیخ الطائفة الشیخ الطوسی:

إذا طلّقها ثلاثاً بلفظ واحد،کان مُبدعاً،ووقعت واحدة عند تکامل الشروط عند أکثر أصحابنا، (1)وفیهم من قال:لا یقع شیء.

دلیلنا-علی عدم صحّة ذلک-اجماع الفرقة،و أنّ الأصل بقاء العقد.

وقال تعالی: ...طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ... . (2)

فأمر بإحصاء العدّة،ثبت أنّه أراد فی کلّ قرء تطلیقة؛لأنّه لو أمکن الجمع بین الثلاث لما احتاج إلی إحصاء العدّة فی غیر المدخول بها،وذلک خلاف الظاهر.

وقال تعالی: ...اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... (3)یعنی:دفعتان،ثمّ قال بعد ذلک: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ... (4)ومن جمع بین الثلاث ما طلّق مرّتین ولا الثالثة،وذلک خلاف الظاهر.

ص:465


1- (1) .الانتصار،ص134،وحکی العلامة الحلّی ذلک فی المختلف(کتاب الطلاق):35 عن ابن زهرة وابن ادریس أیضاً.
2- (2) .الطلاق:1.
3- (3) .البقرة:229.
4- (4) .البقرة:230.

فإن قیل:العدد إذا ذکر عقیب الاسم لم یقتض التفریق.مثاله إذا قال له:علی مائة درهم مرّتان.و إذا ذکر عقیب فعل اقتضی التفریق.مثاله:ادخل الدار مرّتین،أو ضربت مرّتین،والعدد فی الآیة عقیب الاسم لا الفعل.

قلنا:قوله تعالی: ...اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... معناه:طلّقوا مرّتین؛لأنّه لو کان خبراً لکان کذباً فالعدد مذکور عقب فعل لا إسم. (1)

والتحقیق:أنّ الطلاق الثلاث دفعة واحدة،مثلما یقول الزوج لزوجته:أنتِ طالق ثلاثاً،لایکون بحسب الواقع وبحسب فهم العرف وبحسب الصیاغة الأدبیة إلاّ واحداً.

وعلیه لو یقال:إنّه-اللفظ الواحد-إنشاء ثلاث طلقات،لایمکن المساعدة علیه؛لأنّه إنشاء واحد بلفظ واحد،وضمّ عدد الثلاث إلیه لا یغیر واقعه.

و أمّا لو یقال:إنّه اخبار عن وقوع ثلاث طلقات فهو اخبارکاذب؛لأنّه علی خلاف الواقع.

وأوهن من ذلک صحّة الطلاق الثلاث بالمناهج التّالیة:قال الجزیری:بأنّه لو یقول الزوج لزوجته:أنت طالق ویشیر لها بثلاثة أصابع فانّه یقع ثلاثاً. (2)

وقال ابن مسعود الکاشانی الحنفی:ولو قال:إن کانت هذه الجملة إلاّ حنطة فامرأته طالق ثلاثاً،فکانت تمراً وحنطة یحنث فی قول أبی یوسف. (3)

وقال فی البحث عن طلاق البدعة،بأنّ الزوج لو یقول لزوجته:أنتِ طالق طلاق الشیطان فإن نوی ثلاثاً فهو ثلاث (4)کلّ ذلک بحسب الصیاغة یعلن بالبطلان.

و قد یستشکل فیقال:إنّ مثل تلک الفروع ربما یوجب وهناً فی الفقه الإسلامی

ص:466


1- (1) .الخلاف،ج4،ص450 و451.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص317.
3- (3) .بدائع الصنائع،ج3،ص127.
4- (4) .بدائع الصنائع،ج3،ص140.

واستهزاءً فی الدین الحنیف.

فیقال:لاینتهی الأمر إلی ذلک عند المحقّقین البارزین؛لأنّ هناک مذهب أهل البیت علیهم السلام و هو یستنکر مثل تلک المقولات الّتی لا أساس لها فی الکتاب و السنّة ویراها بدعة منکرة،فإنّ تلک الفروع المتلوّة کلّها باطلة،وتکون خارجة عن حدود الفقه،وتشبه أن تکون کملاعبة الأطفال بالخیالات.

ص:467

الخلاصة

إنّ الطلاق الثلاث هو ثلاث طلقات کما هو واقعه وها هو الّذی یساعده الشرع و العرف و هو متسالم علیه عند الفریقین.

وما یقول به جمهور فقهاء السنة من صحّة الطلاق الثلاث بإنشاء واحد لا أساس له فی الشرع وخالف الجمهور عدة من فقهاء السنّة.

ص:468

الأسئلة

1.ما هوکیفیة الطلاق الثلاث عند فقهاء أهل البیت علیهم السلام؟

2.ما هو الدلیل علی عدم صحّة الطلقة الثالثة بإنشاء واحد؟

3.ما هو المستفاد من الآیات الواردة حول الطلاق تجاه الطلاق الثلاث؟

4.هل یوجد هناک قول بصحّة الطلاق الثلاث بعد الإنشاء؟

5.هل یکون الطلاق الثلاث فی ثلاثة أطهار متسالم علیه عند الفریقین؟

ص:469

ص:470

36- طلاق البدعة

ما هو طلاق البدعة ؟

إنّ البدعة بحسب الاصطلاح الفقهی خلاف السنّة،وعلیه فالطلاق المنبثق عن البدعة هو الطلاق المتحقّق علی خلاف ما هو المشروع سنّةً،فبطلانه یستبین من مضادته للحق،فهناک طلاق مشروع وفقاً للسنّة یسمّی بطلاق السنّة وطلاق باطل و هو طلاق البدعة.

ومن طلاق البدعة:طلاق الحائض وبعد الدخول،وکذا النفساء أو فی طهر قربها فیه،وطلاق الثلاث من غیر رجعة.

ونأخذ بالتمثیل طلاق الحائض الّذی هو أبرز مصادیق البدعة و هو باطل کتاباً وسنّةً وإجماعاً.

صحّة البدعة فی فقه السنّة

قال ابن مسعود الکاشانی الحنفی:والطلاق فی حالة الحیض بدعة.

وقال:و أمّا حکم طلاق البدعة:فهو أنّه واقع عند عامة العلماء وقال بعض الناس أنّه

ص:471

لا یقع،و هو مذهب الشیعة أیضاً،وجه قولهم:إنّ هذا الطلاق منهی عنه-لما ذکرناه من الدلائل-فلا یکون عقد النکاح فی وقت تحریمه باطلاً.وجب أن یکون الطلاق بمثابة إذا وقع فی وقت تحریمه.

ولأنّه لو وکّل وکیلاً فی طلاق زوجته فی الطهر وطلّقها فی الحیض لم تطلّق؛لأجل مخالفته وإیقاع الطلاق فی غیر وقته مخالفة الله تعالی فی وقت الطلاق أولی أن لاتقع بها طلاق،و هذا خطأ.

ودلیلنا ما رواه الشافعی عن مالک عن نافع عن ابن عمر أنّه طلّق امرأته وهی حائض فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فسأل عمربن الخطاب رسول الله صلی الله علیه و آله عن ذلک فقال:«مُرْهُ فلیراجعها ثمّ یمسکها حتّی تطهر ثمّ تحیض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسک بعد و إن شاء طلّق قبل أن یمس.فتلک العدّة الّتی أمر الله تعالی أن یطلّق لها النساء».

فموضع الدلیل منه أنّه أمره بالرجعة موجب لوقوع الطلاق؛لأنّ الرجعة لا تکون إلاّ بعد الطلاق. (1)

بطلان البدعة فی فقه السنّة

قال الجزیری:معنی الحدیث أنّه:نهی عن الطلاق فی حالتین:

أحدهما:أن تکون المرأة حائض.

ثانیهما:أن تکون طاهرة من الحیض ولکن زوجها أتاها فی هذا الطهر؛لأنّه علیه الصلاة و السلام خیره بین إمساکها وبین طلاقها فی الطهر قبل أن یمسّها،و قد جاء فی بعض الروایات أنّه علیه الصلاة و السلام قد غضب من تطلیق عبدالله زوجته حال حیضها،وسبب غضبه فیما یظهر أن الطلاق حال الحیض قد نهی الله عنه بقوله: ...یا

ص:472


1- (1) .الحاود الکبیر،ج10،ص116.

أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... ،وما کان لعمر وابنه أن یخفی علیهما ذلک الحکم مع ما لهما من المنزلة العلمیة الرفعیة فی الدین،أمّا کون عبدالله قد فعل ذلک عمداً لعدم استطاعته ضبط نفسه و هو عالم بالحکم فهو بعید.

وقال:وکیف کان،فإنّ الکلّ متّفقون علی أنّه لا یجوز للرجل أن یطلّق زوجته وهی حائض،أو نفساء،کما لا یجوز له أن یطلّقها وهی طاهرة من الحیض و النفاس إذا جامعها فی هذا الطهر،و هذا صریح حدیث ابن عمر الّذی بین به النبی صلی الله علیه و آله ...یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... وکذلک قد اصطلحوا علی تسمیة الطلاق فی هذه الحالة بدعیاً،وتسمیة ما یقابله،و هو ما إذا طلّقها فی طهر لا وط ء فیه،ولافی حیض قبله سنّیاً. (1)

فاستبان لنا بکلّ وضوح أن طلاق البدعة-طلاق الحائض وطلاق المرأة فی طهر جامعها فیه-بدعة محرّمة باتفاق من الفقهاء و البدعة باطلة بالضرورة وعلی المبدع عقوبة وتمّ المطلوب.

البدعة منکرة فی فقه أهل البیت علیهم السلام

قال شیخ الفقهاء الشیخ الصدوق:إذا دخل الرجل بالمرأة...ثمّ أراد طلاقها لم یجز له حتّی یستبرأها بحیضة،فإذا طهرت من دمها طلّقها بلفظ الطلاق. (2)

قال الشهید الثانی:اتّفق علماء الأصحاب وغیرهم علی تحریم طلاق الحائض وفی معناها النفساء.

واتّفق أصحابنا علی بطلان الطلاق علی تقدیر وقوعه. (3)

ص:473


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج4،ص310.
2- (2) .المقنعة،ص525.
3- (3) .المسالک،ج2،ص5.

وقال المحقّق صاحب الجواهر بأنّ الحکم یکون کذلک:بلا خلاف أجده فیه نصاً وفتوی،بل الإجماع بقسمیه علیه،بل النصوص فیه مستفیضة إن لم تکن متواترة. (1)

مضافاً إلی عدم کونه طلاقاً للعدّة المأمور بها فی الکتاب العزیز- ...فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... -الّذی استفاضت النصوص فی کون المراد به الطلاق فی مستقبل العدّة.

وتدلّنا علی اشتراط الطهارة فی الطلاق النصوص الواردة فی الباب الّتی تکاد أن تبلغ حدّ التواتر لکثرتها.

منها صحیحة الحلبی،قال:قلت لأبی عبدالله الإمام الصادق علیه السلام:رجل طلّق امرأته وهی حائض قال:«الطلاق لغیر السنّة باطل». (2)دلّت علی المطلوب دلالة تامّة.

ومنها ما رواه علی بن إبراهیم فی تفسیره عن أبی الجارود عن الإمام الباقر علیه السلام فی قوله تعالی: ...فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... «والعدّة الطهر من الحیض» (3)...وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ... . (4)

ص:474


1- (1) .الجواهر،ج32،ص29.
2- (2) .الوسائل،ج15،ص227،باب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه،ح2.
3- (3) .المصدر السابق،ص281،باب 9 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه،ح7.
4- (4) .الطلاق:1.

الخلاصة

أنّ للطهارة عن الدمین دور موضوعی فی صحّة الطلاق وطلاق الحائض باطل من الأساس،لأنّه غیر مشروع.وترتیب الأثر علیه بدعة فی الدین.

فإنّ رأی جمهور الفقهاء من أبناء السنّة علی صحّة طلاق البدعة لا یوجب الإشکال فی الفقه.

ذلک لأنّ مذهب أهل البیت علیهم السلام یستنکر البدعة من الأساس.

ص:475

الأسئلة

1.ما هو معنی طلاق البدعة؟

2.ما هو الدلیل علی صحّة طلاق البدعة؟

3.ما هو الدلیل علی عدم صحّة طلاق البدعة؟

4.ما هو المقصود من قوله تعالی ...فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... ؟

5.ما هو مکانة طلاق البدعة فی فقه السنّة؟

ص:476

37- المیراث

المیراث بالتعصیب

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی تحقّق الإرث بواسطة التعصیب و المقصود من التعصیب هنا توریث العصبة مع ذوی الفروض کما قال الشهید الثانی:التعصیب هو توریث العصبة مع ذوی الفروض القریب،إذا لم یحط الفرض مجموع الترکة،کما لو خلّف واحدة أو بنتین فصاعداً مع أخ أو خلّف اختاً أو اختین فصاعداً مع عمّ. (1)وقال ابن قدامة:العصبة هو الوارث بغیر تقدیر و إذا کان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قلّ أو کثر و إن انفرد أخذ الکلّ و إن استغرقت الفروض المال سقط. (2)وهناک اختلاف جوهری بین الفریقین حول الإرث بالتعصیب إثباتاً ونفیاً وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:لایثبت المیراث عندنا بالتعصیب و إذا أبقت الفریضة فإذا کان

ص:477


1- (1) .مسالک الأفهام،ج2،ص259.
2- (2) .المغنی،ج6،ص168.

هناک مساوٍ لافرض له،فالفاضل له بالقرابة مثل:أبوین وزوج أو زوجة،للاُمّ ثلث الأصل وللزوج أو الزوجة نصیبهما وللأب الباقی.ولو کان إخوة کان للاُمّ السدس وللزوج النصف وللأب الباقی وکذا أبوان وابن زوج.وکذا زوج إخوان من امّ،وأخ أو إخوة من أب واُمّ،أو من أب و إن کان بعیداً لم یرث.وردّ الفاضل علی ذوی الفروض عدا الزوج و الزوجة،مثل أبوین أو إحداهما وبنت وأخ أو عمّ. (1)

وقال الشهیدان:ولا میراث عندنا للعصبة علی تقدیر زیادة الفریضة عن السهام،إلاّ مع عدم القریب أی الأقرب منهم؛لعموم آیة:أولی الأرحام-قال تعالی: ...أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ... . (2)-وإجماع أهل البیت علیهم السلام،تواترأخبارهم بذلک. (3)منها:ما رواه حسین الرزّاز قال:أمرت من یسأل أبا عبدالله علیه السلام:المال لمن هو؟للأقرب؟أو العصبة؟فقال:«المال للأقرب و العصبة فی فیه التراب». (4)والدلالة تامّة.والروایات مستفیضة قال الشهید الثانی:أمّا أصحابنا الإمامیة فاحتجّوا علی بطلان التعصیب بوجوه.الأوّل:قوله تعالی: لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ کَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً . (5)

وجه الاستدلال أنّه إن وجب توریث جمیع النساء و الأقربین بطل القول بالتعصیب،بیان المطلوب أنّه تعالی حکم فی الآیة بالنصیب للنساء کما حکم به للرجال فلو جاز حرمان النساء لجاز حرمان الرجال؛لأنّ المقتضی لتوریثهم واحد و هو ظاهر الآیة.والآیة عامّة؛للأصل وعدم ثبوت التخصیص،و إذا کان الأصل فیها العموم لم یکف

ص:478


1- (1) .شرائع الإسلام،ج4،ص21.
2- (2) .الأنفال:75.
3- (3) .اللمعة الدمشقیّة،ج8،ص80.
4- (4) .الوسائل،ج17،ص431،باب 8 من ابواب موجبات الارث،ح1.
5- (5) .النساء:7.

الحکم بتوریث بعض النساء وإلاّ لجاز مثله فی الرجال،ویؤید عمومها فی توریث النساء أنّها نزلت ردّاً علی الجاهلیة،حیث کانوا لایورّثون النساء شیئاً کما رواه حکیم بن جابر عن زیدبن ثابت-أنّه قال-:من قضاء الجاهلیة أن یورّث الرجال دون النساء وبدونها لا یتمّ الردّ. (1)

الثانی:قوله تعالی: ...أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ... . (2)والاستدلال بها،أنّه تعالی حکم بأولویة بعض الأرحام ببعض وأراد به الأقرب فالأقرب،قطعاً بموافقة الخصم؛لأنّهم یقولون:إنّ العصبة،الأقرب یمنع الأبعد ویقولون فی الوارث بآیة أولی الأرحام إنّ الأقرب یمنع الأبعد،ولاشبهة فی أنّ البنت أقرب إلی المیت من الأخ-مثلاً-لأنّ البنت تتقرّب إلی المیت بنفسها و الأخ إنّما یتقرّب إلیه بالأب-وعموم الآیة مطابق للأصل-والأصل عدم التخصیص و أمّا قوله تعالی: ...فِی کِتابِ اللّهِ... ،فالمراد منه،فی حکم کتاب الله،ولا یخصّص بما-یتوهّم-لعدم المقتضی. (3)

المذاهب الأربعة

قال ابن قدامة:العصبة وهم الذکور من ولد المیت وآبائه وأولادهم ولیس میراثهم مقدّراً بل یأخذون المال کلّه إذا لم یکن معهم ذوفرض فإن کان معهم ذو فروض لایسقط بهم،أخذوا الفاضل عن میراثه کلّه،وأولادهم بالمیراث أقربهم،ویسقط به من بعد؛لقول النبی صلی الله علیه و آله:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقی فهو لأولی رجل ذکراً».وأقربهم البنون ثمّ بنوهم

ص:479


1- (1) .الوسائل،ج17،ص431.
2- (2) .الأنفال:75.
3- (3) .مسالک الأفهام،ج2،ص259.

و إن سفلوا،یسقط قریبهم ببعیدهم،ثمّ الأب ثمّ آبائه و إن علوا الأقرب منهم فالأقرب ثمّ بنو الأب وهم الإخوة للابوین،أو للأب،ثمّ بنوهم و إن سفلوا الآقرب منهم فالأقرب،ویسقط البعید بالقریب سواء کان القریب من ولد الأبوین أو من ولد الأب وجدّه فإن اجتمعوا فی درجة واحدة فولد الأبوین أولی لقوّة قرابته بالاُمّ،فلهذا قال الخرقی-:ابن الأخ للأب والاُمّ أولی من ابن الأخ للأب؛لأنّها فی درجة واحدة،وابن الأخ للأب أولی من ابن ابن الأخ للأب والاُمّ،وعیل هذا أبداً ومهما بقی من بنی الأخ أحد و إن سفل فهو أولی من العمّ؛لأنّه من ولد الأب و العمّ من ولد الجدّ،فإذا انقرض الإخوة وبنوهم فالمیراث للأعمام ثمّ بنیهم علی هذا النسق،و إن استوت درجتهم قدّم من هو لأبوین،فإن اختلفت قدّم الأعلی و إن کان لأب،منهما بقی منهم أحد و إن سفل فهو أولی من عمّ الأب؛لأنّ الأعمام من ولد الجدّ،وأعمام الأب من ولد أب الجدّ،فإذا انقرضوا فالمیراث لأعمام الأب علی هذا النسق،ثمّ لأعمام الجدّ ثمّ بنیهم،وعلی هذا أبداً،لایرث بنو أب أعلی مع بنی أب أقرب منه و إن نزلت درجتهم لما مرّ فی الحدیث،و هذا کلّه مجمع علیه بحمد الله ومنّه. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا:أنّ الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فی النصوص کما قال الشهید الثانی:وفی الحقیقة مرجع الجمعهور-أی العامّة-فی ذلک-أی التعصیب-إلی خبر واحد و هو أنّهم رووا عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:ما أبقت الفرائض فلأولی عصبة ذکراً،ومرجع الإمامیة إلی خبر واحد و هو أنّهم رووا عن أئمّتهم عن الإمام الباقر و الإمام الصادق إنکار ذلک و التصریح بردّ الباقی علی ذوی الفروض (2)وعلیه کان الاختلاف ناشئاً عن الاختلاف فی النصّ،إلاّ أن الالتزام بالتعصیب ینطبق علی عادة التوریث فی الجاهلیة،واستنکار التعصیب یتوافق مع ظاهر کتاب الله.

ص:480


1- (1) .المغنی،ج6،ص179.
2- (2) .مسالک الأفهام،ج2،ص259.

العول

اشارة

اختلفت الآراء بالنسبة إلی جواز العول وبطلانه إثباتاً ونفیاً و المقصود من العول هو قلّة المیراث وکثرة السهام کما قال الشهید الثانی:المراد بالعول أن تزاد الفریضة لقصورها عن سهام الورثة علی وجه یحصل النقص علی الجمیع بالنسبة،سمّی عولاً من الزیادة،أو من عال إذا کثر عیاله؛لکثرة السهام فیها. (1)هناک اختلاف جوهری بین الفریقین،وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال المحقّق الحلّی:العول عندنا-معاشر الإمامیة-باطل؛لاستحالة أن یفرض الله سبحانه فی مال ما لایقوم به ولا یکون العول إلاّ بمزاحمة الزوج أو الزوجة،فیکون النقص داخلاً علی الأب أو البنت أو البنتین،أو من یتقرّب الأب والاُمّ أو بالأب من الاُخت أو الأخوات،دون من یتقرّب بالاُمّ مثل زوج وأبوین وبنت أو زوج وأحد الأبوین وبنتین فصاعداً أو زوجة وأبوین وبنتین أو زوج مع کلالة الاُمّ واُخت أو أخوات لأب واُمّ،أو لأب. (2)

وقالالمحقّق صاحب الجواهر:والأصل فیه-أی بطلان العول-ما ذکره أمیرالمؤمنین علیه السلام (3)کما حکاه عنه الإمام الصادق علیه السلام قال:قال:«الحمد لله الّذی لامقدّم لما أخّر ولا مؤخّر لما قدّم ثمّ ضرب إحدی یدیه علی الاُخری ثمّ قال:یا أیتها الاُمّة المتحیرة بعد نبیها لو کنتم قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله وجعلتم الولایة و الوراثة لمن جعلها الله ما عال ولی الله ولاطاش سهم عن فرائض

ص:481


1- (1) .المصدر السابق،ص260.
2- (2) .شرائع الإسلام،ج4،ص21.
3- (3) .الوسائل،ج17،ص426،باب 7 من ابواب موجبات الارث،ح5.

الله ولا اختلف اثنان فی حکم الله ولا تنازعت الاُمّة فی شیء من أمرالله إلاّ وعند علی علمه من کتاب الله فذوقوا وبال أمرکم وما فرّطتم فیما قدّمت أیدیکم وما الله بظلاّم للعبید».إلی غیر ذلک من الروایات المتواترة عن الأئمّة الهداة علیهم السلام فی بطلان العول و الإنکار علیهم فیه و التشنیع به علیهم،فإنّه مستلزم لجعل الله تعالی المال نصفین وثلثاً وثلثین ونصفاً ونحو ذلک ممّا لا یصدر من جاهل فضلاً عن ربّ العزّة المتعال عن الجهل و العبث وعمّا یقول الظالمون علوّاً کبیراً،ضرورة ذهاب النصفین بالمال،فأین موضع الثلث؟بل-العول-مستلزم لکون الفرائض علی غیر ما فرضها الله تعالی.فإنّه لو فرض الوارث أبوین وبنتین وزوجاً وکانت الفریضة اثنی عشر،وأعلناها إلی خمسة عشر فأعطینا الأبوین منها أربعة أسهم من خمسة عشر فلیست سدسین،بل خمس،وأعطینا الزوج ثلاثاً فلیست ربعاً بل خمس،وأعطینا البنتین ثمانیة فلیست ثلث بل ثلث وخمس. (1)

وهناک نصوص کثیرة،منها ما نقله عبیدالله بن عبدالله بن عتبة قال:جالست ابن عبّاس فعرض ذکر الفرائض فی المواریث فقال ابن عبّاس:سبحان الله العظیم أترون أنّ الّذی أحصی رمل عالج عدداً جعل فی مال نصفاً ونصفاً وثلثاً،فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأین موضع الثلث؟فقال له زفربن أوس البصری:فمن أوّل من أعال الفرائض؟فقال:عمربن الخطّاب،لمّا التفّت الفرائض عنده ودفع بعضها بعضاً،فقال:والله ما أدری أیکم قدّم الله وأیکم أخّر،وما أجد شیئاً هو أوسع من أن أقسّم علیکم هذا المال بالحصص،فأدخل علی ذی سهم ما دخل علیه من عول الفرائض.وأیم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فریضة،فقال زفر:وأیها قدّم وأیها أخّر؟فقال:کلّ فریضة لم یهبطها الله عن فریضة إلاّ إلی فریضة فهذا ما قدّم الله

ص:482


1- (1) .الجواهر،ج39،ص107-109.

و أمّا ما أخّر فلکلّ فریضة إذا زالت عن فرضها لم یبق لها إلاّ ما بقی،فتلک الّتی أخّر،فأمّا الّذی قدّم فالزوج له النصف فإذا دخل علیه ما یزیله عنه رجع إلی الربع،لا یزیله عنه شیء.والزوجة لها الربع فإذا دخل علیها ما یزیلها عنه صارت إلی الثمن لایزیلها عنه شیء،والاُمّ لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلی السدس ولا یزیدها عنه شیء فهذه الفرائض الّتی قدّم الله.

و أمّا الّتی أخّر ففریضة البنات و الأخوات لها النصف و الثلثان فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلک لم یکن لهنّ إلاّ ما بقی،فتلک الّتی أخّر،فإذا اجتمع ما قدّم الله وما أخّر بدئ بما قدّم الله فأعطی حقّه کاملاً،فإن بقی شیء کان لمن أخّر و إن لم یبق شیء فلا شیء له. (1)

ومنها:صحیحة أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال:«أربعة لا یدخل علیهم ضرر فی المیراث:الوالدان،والزوج و المرأة». (2)بهذا یتمّ المطلوب.

المذاهب الأربعة

قال ابن قدامة:ومعنی العول أن تزدحم فروض لا یتّسع المال لهاکهذه المسألة-أی توریث الزوج والاُخت والاُمّ-فیدخل النقص علیهم کلّهم،ویقسّم المال بینهم علی قدر فروضهم کمایقسّم مال المفلس بین غرمائه بالحصص لضیق ماله عن وفائهم ومال المیت بین أرباب الدیون إذا لم یفها،والثلث بین أرباب الوصایا إذا عجز عنها،و هذا-العول-قول عامّة الصحابة ومن تبعهم من العلماء،یروی ذلک عن عمر و العبّاس وابن مسعود وبه قال مالک و الشافعی،وإسحق وسائرأهل العلم إلاّ ابن عبّاس وطائفة شذّت یقلّ عددها،نقل ذلک عن محمّدبن الحنفیة،ومحمّدبن علی بن الحسین-الإمام الباقر علیهم السلام-وعطاء وداود،فإنّهم قالوا لا تعول المسائل.روی عن ابن عبّاس أنّه قال:فی

ص:483


1- (1) .الوسائل،ج17،ص426 و427،باب 7 من ابواب موجبات الارث،ح6.
2- (2) .المصدر السابق،ص425،ح3.

زوج واُخت واُمّ:من شاء باهلته أنّ المسائل لا تعول؛إنّ الّذی أحصی رمل عالج عدداً أعدل من أن یجعل فی مال نصفاً ونصفاً وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال،فأین موضع الثلث؟فسمّیت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلک،وهی أوّل مسألة عائلة حدثت فی زمن عمربن الخطّاب،فجمع الصحابة للمشورة فیها فقال العبّاس أری أن تقسّم المال بینهم علی قدر سهامهم فأخذ به عمر،واتّبعه الناس علی ذلک حتّی خالفهم ابن عبّاس فروی الزهری عن عبیدالله ابن عبدالله بن عتبة قال:لقیت زفربن أوس البصری فقال:نمضی إلی عبدالله بن عبّاس نتحدّث عنده،فأتیناه فتحدّثنا عنده فکان من حدیثه أنّه قال:سبحان الّذی أحصی رمل عالج عدداً ثمّ یجعل فی مال نصفاً ونصفاً وثلثاً ذهب النصفان بالمال فأین موضع الثلث؟وأیم الله لو قدّموا من قدّم الله وأخّروا من أخّر الله ما عالت فریضة أبداً.فقال زفر فمن الّذی قدّمه الله ومن الّذی أخّره الله؟فقال الّذی أهبطه من فرض إلی فرض فذلک الّذی قدّمه و الّذی أهبطه من فرض إلی ما بقی فذلک الّذی أخّره الله،فقال زفر:فمن أوّل من أعال الفرائض؟قال:عمربن الخطّاب،فکان مذهبه أنّ الفروض إذا ازدحمت النقص علی البنات و الأخوات.

ولنا:أنّ کلّ واحد من هؤلاء لو انفردت أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن یقتسموا علی قدر الحقوق کأصحاب الدیون و الوصایا؛ولأنّ الله تعالی:فرض للاُخت النصف کما فرض للزوج النصف وفرض للاُختین الثلثین کما فرض الثلث للاُختین من الاُمّ،فلا یجوز إسقاط فرض بعضهم من نصّ تعالی بالرأی و التحکّم و-بما أنّه-لم یمکن الوفاء بها فوجب أن یتساووا،فی النقص علی قدر الحقوق کالوصایا و الدیون،ولا نعلم الیوم قائلاً بمذهب ابن عبّاس ولا نعلم خلافاً بین فقهاء الأمصار فی القول بالعول بحمد الله ومنّه. (1)

ص:484


1- (1) .المغنی،ج6،ص184 و185.

منشأ الاختلاف

تبین لنا أنّ القول بالعول ناشئ عن رأی عمربن الخطّاب علی أساس الشوری بینهم.والقول ببطلان العول ناشئ عن کلام أمیرالمؤمنین علی علیه السلام موافقاً لما هو الثابت-فریضة-فی کتاب الله وسنّة نبیه.

الأحکام

اشارة

بعد ما تحدّثنا عن شأن الاختلاف بالنسبة إلی مسألة التعصیب ومسألة العول وتبین لنا أنّ الاختلاف هنا مبدأی بین الفریقین نشیر إلی الاختلاف بالنسبة إلی أحکام المیراث بینهما بشکل متمایز،نتیجة لذلک الافتراق المهمّ فی مأخذ الأحکام أساساً،وجدول الاختلاف فی الأحکام علی مادوّنه الشیخ جواد مغنیة علی ما یلی:قال:ویتّضح ذلک-أی الاختلاف-من الأمثلة التالیة:

1.ترک بنتاً وأخاً لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:البنت و الأخ

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت ولا شیء للأخ.

2.ترک بنتاً واُمّاً،لاُمّ:

المذاهب الأربعة:الاُمّ،البنت یبقی سهمان یأخذهما الجدّ لأب إن کان،وإلاّ فالإخوة لأبوین،وإلاّ فالإخوة لأب علی ترتیب العصبات.

المذهب الجعفری:الاُمّ البنت ولا شیء للعصبات.

3.ترک أباً واُمّا وأولاد بنت:

المذاهب الأربعة:الاُمّ مع عدم الحاجب الأب ولا شیء لأولاد البنت.

ص:485

المذهب الجعفری:الاُمّ الأب أولاد البنت

4.ترکت امّاً وأباً وزوجاً:

المذاهب الأربعة:الزوج الاُمّ الأب

المذهب الجعفری:الزوج الاُمّ الأب

5.ترک أباً واُمّاً وزوجة:

المذاهب الأربعة:الزوجة الاُمّ الأب

المذهب الجعفری:الزوجة الاُمّ الأب

6.ترک أباً وبنتاً:

المذاهب الأربعة:الأب البنت

المذهب الجعفری:الأب البنت

7.ترک بنتاً وجدّاً لأب:

المذاهب الأربعة:البنت الجدّ

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت ولا شیء للجدّ.

8.ترک زوجة واُمّاً وجدّاً لأب:

المذاهب الأربعة:الزوجة الاُمّ الجدّ

المذهب الجعفری:الزوجة الاُمّ ولا شیء للجدّ.

9.ترک جدّاً لأب وجدّاً لاُمّ:

المذاهب الأربعة:المال کلّه لأب الأب ولا شیء لأب الاُمّ.

ص:486

المذهب الجعفری:الجدّ لأب الجدّ الاُمّ

10.ترک جدّة لاُمّ وجدّاً لاُمّ:

المذاهب الأربعة:المال کلّه لاُمّ الاُمّ ولا شیء لأب الاُمّ.

المذهب الجعفری:اُمّ الاُمّ أب الاُمّ

11.ترک جدّة لاُمّ وجدّة لأب:

المذاهب الأربعة:لهما معاً السدس یقسّمونه بالسویة،والفاضل لأولی عصبة ذکر،فإن لم یکن،ردّ علی الجدّتین عند الحنفیة و الحنابلة وأعطی لبیت المال عند المالکیة و الشافعیة.

المذهب الجعفری:اُمّ الاُمّ امّ الأب

12.ترک بنت ابن،وبنت بنت:

المذاهب الأربعة:لبنت الابن النصف،والفاضل یعطی لذی عصبته،ولا شیء لبنت البنت.

المذهب الجعفری:تأخذ کلّ واحدة نصیب من تقرّبت به،بنت الابن بنت البنت

13.ترک ابن بنت وبنت ابن:

المذاهب الأربعة:النصف لبنت الابن،والفاضل لذی عصبته ولا شیء لابن البنت.

المذهب الجعفری:ابن البنت بنت الابن

14.ترک بنتاً وبنت ابن:

المذاهب الأربعة:البنت بنت الابن و الباقی لذی عصبته.

ص:487

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت ولا شیء لبنت الابن.

15.ترک بنتین وبنت ابن:

المذاهب الأربعة:للبنتین فأکثر الثلثان،والفاضل لذی عصبة،ولا شیء لبنت ابن.

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنتین.

16.ترک بنتین وبنات ابن وابن ابن:

المذاهب الأربعة:للبنتین الثلثان،والثلث الباقی لبنات الابن،ابن الابن یقتسمونه للذکر مثل حظّ الاُنثیین.

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنتین ولا شیء لأولاد الابن.

17.ترک بنتاً واُختاً لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:البنت الاُخت

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت ولا شیء للاُخت.

18.ترک عشر بنات واُختاً لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:الاُخت البنات العشر

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنات ولا شیء للاُخت.

19.ترک بنتاً وأخاً لاُمّ:

المذاهب الأربعة:النصف للبنت بالفرض و الفاضل یعطی للعصبة،ولا شیء للأخ لاُمّ.

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت.

20.ترک بنتاً واُختاً لأبوین أو لأب،وعمّاً کذلک:

المذاهب الأربعة:البنت الاُخت

ص:488

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت.

21.ترک بنتاً وعمّاً لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:البنت العمّ

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت.

22.ترک عمّاً لأبوین أو لأب وعمّة کذلک:

المذاهب الأربعة:المال کلّه للعمّ ولا شیء للعمّة.

المذهب الجعفری:العمّ العمّة

23.ترک بنتاً وابن عمّ لأبوین أو لأب وعمّاً لاُمّ:

المذاهب الأربعة:البنت ابن العمّ ولاشیء للعمّ من الاُمّ.

المذهب الجعفری:المال کلّه للبنت.

24.ترک أخوالاً وخالات وابن عمّ لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:-المال کلّه لابن العمّ،ولا شیء للأخوال و الخالات.

المذهب الجعفری:المال کلّه للأخوال و الخالات،ولا شیء لابن العمّ،یقسّم بینهم علی منهج توریثهم.

25.ترک بنت عمّ وابن عمّ لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:المال کلّه لابن العمّ،ولا شیء لبنت العمّ،حتّی ولو کانت اختاً لابن العمّ من امّه وأبیه.

المذهب الجعفری:بنت العمّ ابن العمّ

26.ترک جدّاً لاُمّ وعمّاً لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:المال کلّه للعمّ،ولا شیء للجدّ.

ص:489

المذهب الجعفری:المال کلّه للجدّ ولا شیء للعمّ.

27.ترک ابن أخ لأبوین أو لأب،وخمسة أبناء أخ آخر لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:یقسّم المال علی عدد رؤوسهم،لا علی عدد آبائهم وتکون الفریضة من ستّة،لکلّ واحد سهم.

المذهب الجعفری:یقسّم المال علی عدد آبائهم لا علی عدد رؤوسهم ویأخذ کلّ نصیب من یتقرّب به،فلابن الأخ الواحد خمسة من عشرة وللخمسة الآخرین خمسة أسهم لکلّ واحد منهم سهم من عشرة.

28.ترک ابن أخ وبنت أخ لأبوین أو لأب:

المذاهب الأربعة:یرث الذکر دون الاُنثی مع أنّها اخته لاُمّه وأبیه.

المذهب الجعفری:یرثان معاً للذکر مثل حظّ الاُنثیین.

نکتفی بهذا القدر من الأمثلة وهی کافیة وافیة لتقدیم صورة کاملة عن أنّ المیراث عند الإمامیة یختلف اختلافاً جوهریاً عنه عند مذاهب السنّة. (1)

منشأ الاختلاف

تبین لنا بکلّ وضوح أنّ الاختلاف فی التوریث بین الفریقین ناشئ عن الاختلاف بینهما فی مسألتی التعصیب و العول و قد أشبعنا الکلام فی هاتین المسألتین بحمد الله وحسن منّه.

ص:490


1- (1) .الفقه علی المذاهب الخمسة،ص573-581.

الخلاصة

التعصیب عبارة عن توریث العصبة مع ذوی الفروض القریب إذا لم یحط الفرض مجموع الترکة،فیأخذ الفاضل علی أساس الإرث بالتعصیب.

التعصیب باطل علی المذهب الجعفری،کتاباً وسنّة وإجماعاً.

للتوریث صلة وثیقة بالتعصیب علی المذاهب الأربعة إجماعاً.

العول عبارة عن تقسیم الترکة للورّاث بأقلّ ما هو المقرّر فرضاً،لأجل کثرة السهام وقلّة المال.

لا یصحّ العول فی التوریث،علی المذهب الجعفری کتاباً وسنّة وإجماعاً.

یصحّ العول علی المذاهب الأربعة عملاً بما شرّعه عمربن الخطّاب.

تختلف أحکام الإرث بین الفریقین اختلافاًکبعد المشرقین علی أساس الاختلاف المبدأی بینهما فی مأخذ الأحکام.

ص:491

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی بطلان التعصیب؟

2.هل التعصیب یوافق الکتاب؟

3.ما هو الدلیل علی بطلان العول؟

4.هل العول یمکن أو یستحیل؟

5.هل تختلف الآراء حول العول علی المذاهب الأربعة أم لا؟

6.ما هی نتیجة اختلاف الفریقین بالنسبة إلی التعصیب و العول؟

ص:492

38- حوار حول التعصیب

الاستدلال علی اثبات التعصیب

ما یستدل به فی الفقه السنّی علی استحقاق العصبة ما بقی من المال هو خبران:

الأوّل:ما رووه عن طاوس مرسلاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله وعن ابن عبّاس مسنداً بألفاظ مختلفة.

ویناقش فیه أوّلاً بضعفه؛لإرساله فی بعض طرقه کما فی الترمذی،واختلاف الطرق فی لفظ الحدیث ففی بعضها:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقی فهو لاُولی رجل ذکر»وفی بعضها«أقسموا المال بین اهل الفرائض علی کتاب الله فما ترکت الفرائض فلاُولی رجل ذکر»یدل ذلک علی عدم ضبط الخبر سنداًومتناً وعلی وقوع الإشتباه أمّا فی الطریق المرسل بوقوع النقص فیه أو الزیادة فی الطریق المسند،ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر ولا یرجح الطریق المسند علی المرسل؛لتقدم أصالة عدم الزیادة علی أصالة عدم النقیصة لعدم تقدم الأصل الاُولی علی الثانی مطلقاً سیما إذا کان الطریق الّذی یجری فیه أصالة عدم النقیصة أضبط وأحفظ وتمام الکلام فی ذلک یطلب من کتب اصول الفقه.

ص:493

وثانیاً:بضعفه من حیث السند؛لأنّ راویة عبدالله بن طاوس و هو ضعیف مجروح؛بأنّه کان علی خاتم سلیمان بن عبدالملک الاموی المروانی قاتل أبی هاشم عبدالله بن محمّدبن علی(ابن الحنفیة)بالسم ظلماً وخداعاً وکان ابن طاوس کما هو شأن کل من یوالی بنی امیة کثیر الحمل علی أهل البیت علیه السلام. (1)

وثالثاً:روی عن ابن عبّاس وطاوس و الد عبدالله تکذیبه وتبرّیهما من هذا الخبر،روی ذلک أبوطالب الأنباری قال:حدثنا محمّدبن أحمد البربری قال:حدثنا بشربن هارون قال:حدثنا الحمیدی قال:حدثنی سفیان عن أبی إسحاق عن قاریة بن مضرب قال:جلست عند ابن عبّاس و هو بمکّة فقلت:یا ابن عبّاس حدیث یرویه أهل العراق عنک وطاوس مولاک یرویه:أنّ ما أبقت الفرائض فلاُولی عصبة ذکر؟قال:أمن أهل العراق أنت؟قلت:نعم قال:أبلغ من وراءک أنّی أقول:إنّ قول الله عزّوجلّ: ...آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً فَرِیضَةً مِنَ اللّهِ... (2)وقوله ...أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ... وهل هذه إلاّ فریضتان وهل أبقتا شیئاً،ما قلت هذا ولا طاوس یرویه علیّ،قال قاریة بن مضرب فلقیت طاوس فقال:لاوالله ما رویت هذا علی ابن عبّاس قط،و إنّما الشیطان ألقاه علی ألسنتهم،قال سفیان أراه من إبنه عبدالله بن طاوس فإنّه کان علی خاتم سلیمان بن عبدالملک وکان یحمل علی هولاء القوم حملاً شدیداً یعنی بنی هاشم. (3)

ورابعاً:لایتمّ الاعتماد علی الخبر المتلو من جهة دلالته،وأنّه لا یثبت به ضابطة عامّة ونظاماً جامعاً کلیاً ولم یثبت إرادة العموم من لفظی(المال)و(الفرائض)

ص:494


1- (1) .العتب الجمیل علی أهل الجرح و التعدیل،ص103-104؛الکامل،ج5،ص44؛تهذیب التهذیب،ج5،ص268.
2- (2) .النساء:11.
3- (3) .تهذیب التهذیب،ج5،ص268؛تهذیب الأحکام،ج9،ص262؛الخلاف،ج2،ص67.

فلعله صلی الله علیه و آله أمر بذلک فی مورد خاص وواقعة خاصة،وأراد بالمال ماکان معهوداً بین المتکلم و المخاطب أی مال میت خاص،وبالفرائض أیضاً فرائض أهلها فی مورد خاص خفی علینا وطرء علیه الإجمال؛لتقطیع الخبر وحذف السبب الّذی اقتضی صدور هذا الکلام،وکم لذلک من نظیر فی الأحادیث،ویؤید ذلک إجماعهم علی ترک الأخذ بظاهره فی موارد کثیرة. (1)

هذا ومن تأمل فی ما ذکرمن العلل یعرف أنّ ترک مثل هذا الخبر،لیس من الخروج علی السنّة بشیء وإلاّ فلیعد کلّ من ترک خبراً لعلة من العلل خارجاً علی السنّة وسواء إعترف القائل بالتعصیب سقوط هذا الخبر عن الإعتبارأم لم یعترف فهو معارض بالأخبار الصحیحة المخرجة فی الصحیحن وغیرها وبالنصوص القرآنیة کما سنبینه انشاء الله تعالی.

الخبر الثانی:خبر جابربن عبدالله الأنصاری.

ففی الترمذی فی باب ما جاء فی میراث البنات:حدثنا عبدبن حمید حدثنی زکریابن عدی أخبرنا عبیدالله بن عمرو عن عبدالله بن محمّدبن عقیل عن جابربن عبدالله قال:جاءت امرأة سعدبن الربیع بإبنتیها من سعد إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالت:یا رسول الله هاتان ابنتا سعدبن الربیع قتل أبوهما معک یوم احد شهیداً و إنّ عمّهما أخذ مالهما فلم یدع لهما مالاً ولا تنکحان إلاّ ولهما مال قال:یقضی الله فی ذلک فنزلت آیة المیراث فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله إلی عمّهما فقال:أعط ابنتی سعد الثلثین وأعط امّهما الثمن وما بقی فهو لک.

وأخرجه أحمد فی مسنده،وأخرج نحوه ابن ماجه فی باب فرائض الصلب قال:حدثنا محمّدبن أبی عمرو العدنی ثنا سفیان بن عیینه عن عبدالله بن محمدبن عقیل عن جابر.

ص:495


1- (1) .راجع فی ذلک:تهذیب الأحکام،ج9،ص263-264 وکتب فقه المذاهب السنیّة.

وأخرجه أبوداود بسنده عن عبدالله فی باب ما جاءفی الصلب وساق نحوه،والإحتجاج به ضعیف لاُمور.

الأوّل:أنّه معارض بغیره من الأخبار الواردة فی سبب نزول الآیة أیضاً عن جابر.

قال السیوطی:أخرج عبدبن حمید و البخاری ومسلم وأبوداود و الترمذی و النسائی وابن ماجه،وابن جریر وابن المنذروابن أبی حاتم و البیهقی فی سننه من طرق عن جابربن عبدالله قال:عادنی رسول الله صلی الله علیه و آله وأبوبکر فی بنی سلمة ماشیین فوجدنی النبی صلی الله علیه و آله لا أعقل شیئاً فدعا بماء فتوضأ منه ثمّ رشّ علیّ فأفقت فقلتُ ما تأمرنی أن أصنع فی مالی یارسول الله فنزلت: یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ... وأخرج عبدبن حمید و الحاکم عن جابر قال:کان رسول الله صلی الله علیه و آله یعودنی وأنا مریض فقلت کیف أقسم مالی بین ولدی؟فلم یرد علی شیئاً ونزلت یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ... . (1)

الثانی:لایعتمد علی الخبر المتلو لضعف سنده؛لأنّ راویه عبدالله بن محمدبن عقیل و هو و إن وصفه ابن حبان بأنّه من سادات المسلمین وفقهاء أهل البیت علیهم السلام وقرّائهم إلاّ أنّهم لا یحتجون بروایته،وضعّفوه وقالوا:بوجوب مجانبة أخباره ورموه برادئة الحفظ (2)والراوی عنه و هو زکریابن عدی ضعیف مردود،قال أبونعیم فیه:ماله وللحدیث هو بالتوراة أعلم وکان أبوه یهودیاً فأسلم. (3)

ومحمدبن أبی عمرو الواقع فی سند ابن ماجه هو محمدبن یحیی بن أبی عمرو

ص:496


1- (1) .الدر المنثور،ص124-125.
2- (2) .المجروحین من المحدثین،ج2،ص41؛الجرح و التعدیل،ج2،ص154؛تهذیب التهذیب،ج6،ص13-15؛تذکرة الحفاظ،ج1،ص241.
3- (3) .تهذیب التهذیب،ج3،ص331؛تذکرة الحفاظ،ج1،ص396.

العدنی المکی قال أبوحاتم کان به غفلة ورأیت عنده حدیثاً موضوعاً حدّث به عن ابن عیینه. (1)

الثالث:من الإشکال هناک وجود الاختلاف فی ألفاظ الحدیث،قد أخرج أبوداود الحدیث بلفظ آخر قال:حدثنا مسدد ثنا بشربن المفضل ثنا عبدالله بن محمدبن عقیل بن جابر عن عبدالله قال:خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی جئنا امرأة من الأنصار فی الأسواق فجائت المرأة باثنتین فقالت:یا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قیس،قتل معک یوم احد و قد استفاء عمهما مالهما ومیراثهما کله فلم یدع لهما مالاً إلاّ أخذه،فما تری یا رسول الله؟فوالله لا تنکحان أبداً إلاّ ولهما مال.فقال رسول الله صلی الله علیه و آله یقضی الله فی ذلک،قال ونزلت سورة النساء یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ... الآیة فقال رسول الله صلی الله علیه و آله:ادعوا إلی المرأة وصاحبها فقال لعمهما:أعطهما الثلثین،وأعط امهما الثمن وما بقی فلک،فقال أبوداود:أخطأ فیه،هما بنتا سعدبن الربیع،وثابت بن قیس قتل یوم الیمامة.

و هذا الخبر کما تری مخالف لفظاً ومدلولاً لما رواه الترمذی وابن ماجه وأبوداود فی طریقه الاُخر،وعلیه فلایکون ذلک الخبر صالحاً للإستناد.

تبین لنا أنّه لیس هنا نصّ القرآن الکریم یدلّ علی حرمان أرباب الفرائض عما بقی منها وحصر نصیبهم فی السهام المقدرة فضلاً من أن یدلّ علی استحقاق العصبة له.

و أمّا السنة الشریفة فما استدلوا به هو خبر ابن طاوس وجابربن عبدالله و قد تبین لنا أنّهما لا یصلحان للإستناد.

التعصیب یوجب آثار السلبیة الفاسدة

منها:أنّه یستلزم التعصیب أن یکون الولد الذکر للصلب أضعف سبباً من ابن ابن ابن عمّ مثاله:نفرض أنّ رجلاً مات وخلف ثمانیة وعشرین بنتاً وابناً کیف یقسم المال؟

ص:497


1- (1) .الجرح و التعدیل،ج4،ق 560/1،ص124-125.

لاخلاف فی أنّ لِلابنِ سهمین من ثلاثین سهماً ولکلّ واحدة من البنات جزء من الثلاثین.فلو نتسائل بأنّه لوکان بدل الابن،ابن ابن ابن العمّ ما هو الحکم؟یقال علی القول بالتعصیب،أنّه:لابن ابن ابن العم عشرة أسهم من ثلاثین سهماً وعشرین سهماً بین الثمانیة و العشرین بنتاً،و هذا علی ما نری تفضیل للبعید علی الولد الصلب وفی ذلک خروج عن العرف و الشریعة.

و هو ینا فی قوله تعالی: ...أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ... .

ثمّ نتسائل أنّه لو ترک هذا المیت هؤلاء البنات ومعهم بنت ابن،ما هو الحکم؟یقال علی التعصیب للبنات ثلثان وما بقی فللعصبة ولیس لبنت الابن شیء؛لأنّ البنات قد استکملن الثلثین فإذا استکملن فلا شیء لهن.والمسألة علی حالها إلاّ أنّه کان مع بنت الابن ابن ابن یقال علی الفقه السنی:للبنات ثلثان وما بقی فبین ابن الابن وإبنة الابن للذکر مثل حظ الانثیین.هذا هو الرد علی التعصیب،ومخالفة الحدیث المتلو ولا دلیل من الکتاب و السنة علی أنّ بنات الابن إذا لم یکن معهن أخوهن لایرثن شیئاً و إذا کان أخوهن ورثن بسبب أخیهن المیراث. (1)

النصوص القرآنیة وبطلان التعصیب

یستدل علی بطلان القول بالتعصیب بالنصوص القرآنیة المبینة لأنظمة المواریث الشاملة.

منها قوله تعالی: لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ کَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً . (2)

صرحت هذه الآیة بالرد علی المنهج الجاهلی،و هو توریث الرجال دون النساء مثل توریث الابن دون البنت،وتوریث الأخ دون الاُخت،وتوریث العم دون

ص:498


1- (1) .تهذیب الأحکام،ج9،ص265-266.
2- (2) .النساء:7.

العمّة وابن العمّ دون بنته فأعلنت مشارکة النساء مع الرجال فی الإرث إذا کانوا فی القرابة فی مرتبة واحدة کالابن و البنت و الأخ والاُخت،وابن الابن وبنته و العم و العمّة وغیرهم فلا یوجد فی الشرع مورد تکون المرأة مع المرأ فی درجة واحدة إلاّ وهی ترث من المیت بحکم هذه الآیة الکریمة،وها هو النظام الشرعی المنبثق عن العدل الالهی.

ومثل هذا النظام الّذی تجلی فیه اعتناء الإسلام بشأن المرأة وترفیع مستواها فی الحقوق المالیة کسایر حقوقها کان کقانون عام لایقبل التخصیص و الإستثناء إلاّ إذا کان وجهه ظاهراً بنظر العرف کحرمان الوارث الکافر و الوارث القاتل،ومن النصوص القرآنیة الّتی تدلّ علی بطلان التعصیب،قوله تعالی: ...أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ... . (1)

هذه الآیة تشکّل قاعدة فقهیة فی المواریث وهی:قاعدة الأقرب یمنع الأبعد،و مفادها أنّ الإرث علی ترتیب الطبقات،الأقرب فالأقرب،والأقرب ذکراًکان أو انثی یمنع الأبعد،ومن کان منهما فی الطبقة المتقدمة یمنع من کان فی الطبقة المتأخرة،ولا ریب أنّ البنت أقرب من ابن ابن أخ ومن ابن العم ومن العم؛لأنّها تتقرب إلی المیت بنفسها وهؤلاء یتقربون إلیه بالواسطة،فالحکم بتقدیم کلّ واحد من هولاء علیها-علی القول بالتعصیب-تقدیم للأبعد علی الأقرب،ولاریب أنّ هذا ردّ علی هذا النص القرآنی الّذی صرّح بأنّ الأقرب من اولی الأرحام أولی من الأبعد.

أضف إلی ذلک أنّ الآیتین المتلوتین تثمران أنّ الأقربیة إلی المیت هی تمام المناط لإرث الوارث فکلّما تحقق لشخص هذا المناط فإنّه یرث المیت ولا ترجیح لأقرب علی أقرب إذا کان الأقرب أکثر من واحد سواء کان الجمیع ذکوراً أم إناثاً أو بعضهم

ص:499


1- (1) .الأنفال:75 و الأحزاب:6.

من الذکور وبعضهم من الإناث،وسواء کان ما یرثونه جمیع ترکة المیت أو بعضها مما بقی من الفرائض،فالقول-علی التعصیب-بأنّ ما بقی من الفروض لاُولی رجل ذکر دون من کان فی درجته من الإناث ردّ علی ما تنص علیه الآیتان من أنّ تمام المناط فی إرث المال الأقربیة إلی المیت.

ومن المعلوم أنّ المقصود من اولی الأرحام هو الأقرب إلی المیت قرابة ولا خلاف فیه لغة وشرعاً کما أنّ ذلک المعنی هو المتفاهم عند العرف بلا شک.

ومن النصوص القرآنیة هناک هو قوله تعالی: ...إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَکَ وَ هُوَ یَرِثُها إِنْ لَمْ یَکُنْ لَها وَلَدٌ... (1)صرحت هذه الآیة بأنّ إرث الأخ من الاُخت مشروط بانتفاء الولد،ولا ریب فی أنّ البنت ولد کما یدلنا علیه قوله تعالی: یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ... فلا یکون الأخ وارثاً مع الولدمطلقاً بنتاً کان الولد أو ابناً؛لان المشروط ینتفی بانتفاء شرطه،فتوریث الأخ النصف مع البنت ردّ علی الکتاب العزیز.

أضف إلی ذلک أن القول بالتعصیب یخالف الکتاب فی توریث اخت المیت لأبیه واُمّه النصف مع بنت المیت،فإن ذلک أیضاً ردّ علی قوله تعالی: ...إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ... لصدق الولد علی البنت.و قد أخرج الحاکم فی المستدرک أنّه سئل ابن عبّاس عن رجل توفی وترک بنته واُخته لأبیه واُمّه فقال:لیس لاُخته شیء و البنت تأخذ النصف فرضاً و الباقی تأخذه رداً.

السنة الشریفة وبطلان التعصیب

منها ما أخرجه البخاری فی مواضع من صحیحه وکذا مسلم وغیرهما ومن جملة طرقه ما رواه البخاری فی باب میراث البنات قال:حدثنا الحمیدی حدثنا سفیان

ص:500


1- (1) .النساء:176.

حدثنا الزهری أخبرنی عامربن سعدبن أبی وقاص عن أبیه قال:مرضت بمکّة مرضاً فأشرفت منه علی الموت فأتانی النبی صلی الله علیه و آله یعودنی فقلت:یا رسول الله إنّ لی مالاً کثیراً،ولیس یرثنی إلاّ ابنتی أفَأتصدق بثلثی مالی؟قال:لا،قلت:فالشطر؟قال:لا،قلت:الثلث؟قال:الثلث کبیر،إنّک إن ترکت ولدک أغنیاء خیر من أن تترکهم عالة یتکففون الناس.وفی صحیح مسلم فی باب الوصیة بالثلث ذکر«ولا یرثنی إلاّ ابنة لی واحدة»وفی سنن الترمذی فی باب ما جاء فی الوصیة بالثلث قال:و هذا حدیث حسن صحیح و قد روی هذا الحدیث من غیر وجه عن سعدبن أبی وقاص.وأخرجه کما فی الدر المنثور مالک و الطیالسی وابن أبی شیبة وأبوداود و النسائی وابن خزیمة وابن الجارود وابن حبان.

و هذا الحدیث نص علی بطلان القول بالتعصیب؛لأنّه قال:«ولیس یرثنی إلا ابنتی»ولم ینکر علیه رسول الله صلی الله علیه و آله.

ص:501

الخلاصة

القول بالتعصیب یخالف کتاب الله.

النصوص الّتی یستدل بها علی إثبات التعصیب غیر صالحة للاستناد للإشکال فی السند و الدلالة.

هناک یوجد نصوص تدلّنا علی بطلان التعصیب.

التعصیب وثیق الصلة بالعصبیة الجاهلیة.

التعصیب یوجب آثاراً سلبیة کثیرة.

ص:502

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی صحّة التعصیب وشرعیته؟

2.ما هو الإشکال علی الخبر الّذی یستدل به علی التعصیب؟

3.ما هی الآیة الّتی تدلّنا علی بطلان التعصیب؟

4.ما هو الروایة الّتی تدلّنا علی بطلان التعصیب؟

5.ما هو الأثر السلبی البارز للقول بالتعصیب؟

ص:503

ص:504

39- الوصیة

اشتراط القبول فی الوصیة

اشارة

قال السید الطباطبائی الیزدی:الوصیة العهدیة لاتحتاج إلی القبول واما التملیکیة فالمشهور علی أنّه یعتبر فیها القبول جزءاً وعلیه تکون من العقود،أو شرط علی وجه الکشف أو النقل،فیکون من الإیقاعات ویحتمل قویاً عدم اعتبار القبول فیها بل یکون الرد مانعاً وعلیه تکون من الإیقاع الصریح.

ودعوی أنّه یستلزم الملک القهری و هو باطل فی غیر مثل الإرث.مدفوعة بأنّه لا مانع منه عقلاً ومقتضی عمومات الوصیة ذلک مع أنّ الملک القهری موجود فی الوقف.

فقال بأنّه بناء علی اعتبار القبول یصح قبل وفاته علی الأقوی،ولاوجه لما عن جماعة من عدم صحته حال الحیاة؛لأنّها تملیک بعد الموت فالقبول قبله کالقبول قبل الوصیة،فلا محل له،ولأنه کاشف أو ناقل وهما معاً منتفیان حال الحیاة،إذن نمنع عدم المحل له،إنّ الإنشاء المعلق علی الموت قد حصل فیمکن القبول المطابق له،والکشف و النقل إنّما یکونان بعد تحقق المعلق علیه فهما فی القبول بعد الموت لا مطلق. (1)

ص:505


1- (1) .العروة الوثقی،ص628.

المذاهب الأربعة

قال الجزیری:الحنفیة قالوا:الوصیة تملک مضاف إلی ما بعد الموت،المالکیة قالوا:الوصیة فی عرف الفقهاء عقد.

الشافعیة قالوا:الوصیة تبرع بحق مضاف إلی بعد الموت.

الحنابلة قالوا:الوصیة هی الأمر بالتصرف بعد الموت ومن الواضح أن تلک المصطحات تندرج تحت القسمین، (1)التمکیلیة و العهدیة،کما ألمح الیهما السید الطباطبائی الیزدی فی مبدأ البحث ویشترط فی الوصیة القبول ویشترط فی القبول أن یکون بعد الموت علی المذاهب الأربعة قالوا:وذلک-الإشتراط-لأنّ الوصیة تملیک بعد الموت فهی معلقة علی الموت.

وبعضهم یقول:إنّ القبول لیس بشرط لأنّ الوصیة من باب المیراث. (2)منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی الاجتهاد وبما أنّ الاختلاف یسیر فالأمر سهل.

ما یتصل بأحوال المیت الشخصیة

توجد هناک عدة مستحبات ومکروهات تتصل بدفن المیت فیما أنّها غیر الزامیه لا ملزم للبحث عنها،إلا أن بعض المعاصرین من أتباع الحنابلة یشدّدون علی أتباع آل البیت علیهم السلام بالنسبة إلی بناء القبور و البقاء علی المیت وزیارت القبور للنساء.فیجدر بنا أن نتحدث عنها من مصادر معتبرة عند الحنابلة حتّی یبتین لنا أحکام تلک الاُمور الفقهیة.

ص:506


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص226.
2- (2) .المصدر السابق،ص225-231.

البناء علی القبور

قال الجزیری:یکره أن یبنی علی القبر بیت أو قبة أو مدرسة-إذا کانت الأرض غیر مسبلة وإلاّ فتحرم علی المذاهب الثلاثة-إلا أنّ الحنابلة قالوا:إنّ البناء مکروه مطلقاً سواء کانت الأرض مسبلة أولا. (1)قال ابن قدامة:ویکره البناء علی القبر وتجصیصه و الکتابة علیه لما روی مسلم فی صحیحه،وقال الترمذی:هذا حدیث حسن صحیح ولأنّ ذلک من زینة الدنیا فلا حاجة بالمیت إلیه وفی هذا الحدیث دلیل علی الرخصة فی طن القبر لتخصیصه التجصیص بالنهی (2)وعلیه فلایحرم البناءعلی القبور قالالسید الطباطبائی الیزدی بأن من المکروهات هناک:البناء علیة القبر-عدا قبور الانبیاء والاوصیاء و الصلحاء و العلماء (3)أما الکراهة؛للروایات الضعیفة سنداً (4)و أما جواز البناء بالنسبة إلی قبور الأنبیاء فهو تعظیم لشعائر الله ...وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ (5)ولسیرة المتدینین وأقوی الشاهد علیه بناء قبر رسول الأعظم صلی الله علیه و آله وأوصیائه الطاهرین وقبر الشافعی وأبوحنیفة و البخاری.

البکاء علی المیت

قال الخرقی:والبکاء غیر مکروه إذا لم یکن معه ندب ولا نیاحة.

قال ابن قدامة:أما البکاء بمجرده فلایکره فی حال-ثم استدل علیه بروایات متعددة،منها-:ما روی جابر أنّ النبی صلی الله علیه و آله أخذ إبنه فوضعه علی حجره فبکی

ص:507


1- (1) .المصدر السابق،ص454.
2- (2) .المغنی،ج2،ص382.
3- (3) .العروة الوثقی،ص131.
4- (4) .الوسائل،ج3،ص209،باب 43 من أبواب الدفن.
5- (5) .حج:32.

فقال له عبد الرحمن بن عوف:أتبکی أولم تکن نهیت عن البکاء؟قال:لا ولکن نهیت عن صوتین احمقین فاجرین:صوت عند مصیبة،وخمش وجوه وشق جیوب،ورنة شیطان.

قال الترمذی هذا حدیث حسن و هذا یدل علی أنّه لم ینه عن مطلق البکاء و إنّما نهی عنه موصوفاً بهذه الصفات. (1)

وقال أحمد:إذا ذکرت المرأة مثل ما حکی عن فاطمة فی مثل الدعاء لا یکون مثل النوح،یعنی لا بأس به،وروی عن فاطمة علیها السلام إنّها قالت:یا أبتاه من ربه ما أدناه،یا أبتاه إلی جبریل انعاه،یا أبتاه أجاب رباً دعاه.وروی عن علی علیه السلام:إن فاطمة علیها السلام أخذت قبضة من تراب قبر النبی صلی الله علیه و آله فوضعتها علی عینها وقالت:

ماذا علی مشتم تربت أحمد

أن لا یثم مد الزمان غوالیا صبت علی مصیبة لو أنّها صبت علی الایام عدن لیالیا (2)قال السید الطباطبائی الیزدی:یجوز البکاء علی المیت ولو کان مع الصوت بل قد یکون راجحاً کما إذا کان مسکناً للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا یکون منافیاً للرضا بقضاء الله. (3)

وقال:و أما البکاء المشتمل علی الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم یکن مقروناً بعدم الرضا بقضاء الله،نعم یوجب حبط الأجر ولایبعد کراهته. (4)

قال الجزیری:الشافعیة و الحنابلة قالوا:أنّه-البکاءعلی المیت برفع الصوت و الصیاح-مباح. (5)

ص:508


1- (1) .المغنی،ج2،ص410.
2- (2) .المصدر السابق،ص411.
3- (3) .العروة الوثقی،ص132.
4- (4) .المصدر السابق.
5- (5) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص454.

النوح و النیاحة

قال سید الطباطبائی الیزدی:یجوز النوح علی المیت بالنظم و النثرما لم یتضمن الکذب (1)للاصل وللسیرة وللروایات،ولعدم الدلیل علی الحرمة قال ابن قدامة:وظاهر الأخبار تدل علی تحریم النوح،لأنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی عنه فی حدیث جابر لقوله تعالی: وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ (2)قال أحمد:هو النوح إلی أن قال:و قد صحح عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال:إنّ المیت یعذب فی قبره بما یناح علیه وفی لفظ:إنّ المیت لیعذب ببکاء أهله.وروی ذلک عن عمر وإبنه و المغیرة.وهی أحادیث متفق علیها. (3)

قال ابن عباس ذکر ذلک(الحدیث)لعائشة فقالت:یرحم...عمر ما حدث رسول الله صلی الله علیه و آله:إنّ الله لیعذب المؤمن ببکاء أهله علیه ولکن رسول الله صلی الله علیه و آله قال:إنّ الله لیزید الکافر عذاباً ببکاء أهله علیه،حسبکم القرآن: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری . (4)

قال ابن عباس:عند ذلک و الله اضحک وابکی وذکر ابن عباس لابن عمر حین روی حدیثه فما قال شیئاً رواه مسلم. (5)

قال السید الخوئی:وهی-الروایة المتلوة-مضافاً إلی ضعف سندها لیست قابلة للتصدیق،لمخالفتها لصریح الکتاب،قال تعالی: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری فإنّه بعیدعن العدل الإلهی أن یعذب المیت ببکاء شخص آخر وفعل غیر المیت(النوح)و إن ارتکب أعظم الکبائر-فلا یمکن الاعتماد علیه-وقال:روی: (6)عن الإمام

ص:509


1- (1) .العروة الوثقی،ص132.
2- (2) .الممتحنة:12.
3- (3) .المغنی،ج2،ص411.
4- (4) .الأسراء:15.
5- (5) .المغنی،ج2،ص412.
6- (6) .المستدرک،ج2،ص405.

الصادق علیه السلام فی قول الله عزوجل: وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ ،المعروف أن لایشقق جیباً ولایلطمن وجهاً ولا یدعون ویلاً. (1)

وقال السید الطباطبائی الیزدی:یجوز النوح ما لم یشتمل علی الویل و الثبور. (2)

فتبین لنا أن النوح بما هو شعر أو نثر بمجرده أمر سائغ لا دلیل علی حرمته کتاباً وسُنّةً و أما شق الجیب ولطم الخد وجز الشعر کل ذلک لایجوز علی الفریقین.

قال السید الطباطبائی الیزدی:لایجوز اللطم و الخدش وجزالشعر بل و الصراخ الخارج عن حد الاعتدال. (3)

التوسل إلی قبور الصلحاء

قال ابن قدامه:ویستحب الدفن فی المقبرة التی یکثر فیها الصالحون و الشهداء لتناوله برکتهم وکذلک فی البقاع الشریفة و قد روی البخاری ومسلم باستنادهما أن موسی علیه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالی أن یدنیه إلی الأرض المقدسة رمیة بحجر،قال النبی صلی الله علیه و آله:لو کنت ثم،لأریتکم قبره عند الکثیب الأحمر. (4)فتبین لنا بکل وضوح أنّه بالتوسل إلی بقعة شریفة یصل إلی لطف الله وبرکاته.

تلقین المیت

قال الجزیری:روی مسلم عن أبی هریرة لقنوا موتاکم شهادة أن لا إله إلاّ الله. (5)

فقال:ویستحب تلقین المیت بعد الفراغ من دفنه وتسویة التراب علیه و التلقین هنا

ص:510


1- (1) .التنقیح،ج9،ص343 و345.
2- (2) .العروة الوثقی،ص132.
3- (3) .العروة الوثقی،ص132.
4- (4) .المغنی،ج2،ص383 و384.
5- (5) .صحیح مسلم،ج11،ص917،کتاب الجنائز باب 1،ح2.

هو أن یقول الملقن مخاطباً للمیت:یا فلان ابن فلانة اذکر العهد الذی خرجت علیه من الدنیا،شهادة أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمداً رسول الله و أنّ الجنة حق و النار حق و أنّ البعث حق...و هذا التلقین مستحب عند الشافعیة و الحنبلیة (1)والتلقین کذلک لفظاً وحکماً مع اختلاف یسیر علی المذهب الجعفری. (2)

قال ابن قدامه:قال القاضی وابو الخطاب:یستحب ذلک(التلقین)ورویا فیه عن أبی أمامة الباهلی أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:إذا مات أحدکم فسویتم علیه التراب فلیقف أحدکم عند رأس قبره ثم لیقل:یا فلان ابن فلانة(إلی أخر التلقین)فإنّه یسمعه ولایجیب. (3)إنّ استماع المیت الذی ورد فی الروایات یتصل بروح الإنسان ولا زال الروح حتّی یبعث و هو یسمع ویرتبط مع الأحیاء،کما یویده علم إحضار الروح وغره من العلوم النفسیة المعاصرة.

والقول بأنّ من مات خلص وانتهی کلام غیرعلمی ینطلق من منطلق الجهالة ویستنکره القرآن الکریم حیث یقول:قد یئس الکنار من أصحاب القبور.

زیارت القبور

قال الجزیری:زیارة القبور مندوب للاتعاظ وتذکر الآخرة.

فقال:وینبغی للزائر الاشتغال بالدعاء و التضرع و الاعتبار بالموتی وقرائة القرآن للمیت فإن ذلک ینفع للمیت علی الأصح.إلی أن قال:یندب السفر لزیارة الموتی خصوصاً مقابر الصالحین.اما زیارة قبر النبی صلی الله علیه و آله فهو من أعظم القرب.کما تندب زیارة القبور للرجال تندب أیضاً للنساء العجائز اللاتی لا یخشی منهنّ الفتنة. (4)وعلیه

ص:511


1- (1) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص425.
2- (2) .العروة الوثقی،ص137.
3- (3) .المغنی،ج2،ص381.
4- (4) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص458.

فإذا کانت النساء مأمونة من الفتنة،وکانت محجبات بالحجاب الإسلامی فلا مانع من زیارتهنّ للقبور بحسب الفقه.

قال ابن قدامه:قال الخرقی:ویستحب للرجال زیارة القبور وهل یکره للنساءعلی روایتین.

أحداهما الکراهة لما روت ام عطیة قالت:نهینا عن زیارت القبور ولم یغرم علینا متفق علیه.

والروایة الثانیة:لایکره؛لعموم قوله علیه السلام:کنت نهیتکم عن زیارت القبور فزوروها،و هو یدل علی سبق النهی ونسخه فیدخل فیها الرجال و النساء،وروی ابن أبی ملیکة عن عائشة أنها زارت قبر أخیها،فقال لها:قد نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن زیارت القبور،قالت:نعم قد نهی ثم أمر بها. (1)

تعزیة المصاب

قال الجزیری:التعزیة لصاحب المصیبة مندوبة،ووقتها من حین الموت إلی ثلاثة أیام،والأولی:إن تکون التعزیة بعد الدفن. (2)

قال السید الطباطبائی الیزدی:یستحب تعزیة المصاب وتسلیته قبل الدفن وبعده و الثانی أفضل (3)ذلک للسیرة وللروایات الأخلاقیة منها ما عن الإمام الحسین علیه السلام:«من نفّس کربة مؤمن نفس الله کربه فی الدنیا و الأخرة».

قال الخرقی:ویستحب تعزیة أهل المیت قال ابن قدامه:لا نعلم (4)فیه خلافاً وسواء

ص:512


1- (1) .المغنی،ج2،ص425.
2- (2) .الفقه علی المذاهب الأربعة،ج1،ص456.
3- (3) .العروة الوثقی،ص130.
4- (4) .بحار الأنوار،ج17،ص208.

فی ذلک قبل الدفن وبعده لقوله علیه السلام:من عزی مصاباً فله مثل أجره وروی ابن ماجه باسناده عن النبی صلی الله علیه و آله إنّه قال:ما من مؤمن یعزی أخاه بمصیبة إلاّ کساه الله حلل الکرامة یوم القیامة: (1)والمقصود من التعزیة تسلیة أهل المصیبة.

کم الجنین فی بطن امّه المیت

اشارة

اختلف الآراء بالنسبة إلی کیفیة إخراج الجنین الحی من بطن امّه المیت وتفصیل الاختلاف بما یلی:

المذهب الجعفری

قال السید الطباطبائی الیزدی:ولو ماتت الحامل وکان الجنین حیاً وجب إخراجه(بکل ما یجوز ویمکن)ولو بشق بطنها. (2)

قال السید الخوئی:وذلک لوجوب حفظ النفس المحترمة عن التلف ولا یحتاج فیه إلی النص،ومع ذلک قد وردت جملة من الروایات منها:مرسلة ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن الإمام الصادق علیه السلام فی المرأة تموت ویتحرک الولد فی بطنها أیشق بطنها ویخرج الولد؟قال فقال:«نعم ویخاط بطنها». (3)

ومنها:ما عن علی بن یقطین عن الإمام الکاظم علیه السلام قال سألته عن المرأة تموت وولدها فی بطنها؟قال:«شق(یشق)بطنها ویخرج ولدها». (4)

ومنها:روایة وهب بن وهب حیث ورد فی صدرها،«إذا ماتت المرأة وفی بطنها

ص:513


1- (1) .المغنی،ج2،ص426.
2- (2) .العروة الوثقی،ص126.
3- (3) .الوسائل،ج2،ص470،باب 46 من ابواب الاحتضار،ح3.
4- (4) .المصدر السابق،ح 2.

ولد یتحرک یشق بطنها ویخرج الولد». (1)وغیر ذلک من الروایات (2)ومن حسن الحظ أنّ هذا الحکم الذی اعلنه فقهاء آل البیت علیهم السلام علی أساس الأدلة الشرعیة القطعیة،هو الحکم القطعی العلمی فی تعامل الاطباء بالمستشفیات مع الاُمهات اللاتی یمتن وفی أرحامهنّ أولاد أحیاء.و هذا من المؤشرات إلی مکانة فقه آل البیت علیهم السلام البارزة.

المذاهب الأربعة

قال الخرقی:والمرأة إذا ماتت وفی بطنها ولد یتحرک فلا یشق بطنها ویسطو علیها القوابل،وقال ابن قدامه:معنی یسطو القوابل أن یدخلن أیدهنّ فی فرجها فیخرجن الولد من مخرجه،والمذهب(الحنبلی)إنّه لایشق بطن المیتة لإخراج ولدها مسلمة کانت أو ذمیة،وتخرجه القوابل إن علمت حیاته بحرکة،و إن لم یوجد نساء لم یسط الرجال علیه وتنزک أمّه حتّی یتیقن موته ثم تدفن.

ومذهب مالک واسحاق قریب من هذا،ویحتمل أن شق بطن الاُم إن غلب علی الظن أنّ الجنین حی و هو مذهب الشافعی،لأنّه إتلاف جزء من المیت لإبقاء حی فجاز. (3)

ولنا:أن هذا الولد لا یعیش عادة ولا یتحقق أنّه یحیا،فلا یجوز هتک حرمة متیقنة لأمر مو هوم و قد قال علیه السلام:کسر عظم المیت ککسر عظم الحی،رواه ابو داود،وفیه مثلة و قد نهی النبی صلی الله علیه و آله عن المثلة وفارق الأصل فإنّ حیاته متیقنة وبقائه مظنون. (4)

قال فی الهامش:العمدة فی ترجیح حیاة الجنین وعدمها قول ثقات الأطباء بل ثبت ذلک بالفصل فلیس أمراً مو هوماً. (5)

ص:514


1- (1) .المصدر السابق،ح 5.
2- (2) .التنقیح،ج9،ص315-316.
3- (3) .و هو فی مستوی الاحتمال لا الرأی القطعی.
4- (4) .المغنی،ج2،ص413-414.
5- (5) .المصدر السابق.

والتحقیق:أنّ موضوع البحث هناک هو العلم بحیاة الولد،و أما فی صورة الشک فی الحیاة فهو بحث آخر وهناک عند الشک یجب الاختبار حتّی یتبین الواقع،ومن الواضح أن حصول العلم بالحیاة بواسطة الأجهزة العلمیة عند الأطباء سهل جیداً،أضف إلی ذلک أن حرکت الولد هی علامة الحیاة القطعیة،وعلیه فلا أرضیة لما یقال:بأنّه لایجوز شق البطن بواسطة أمر مو هوم،والقول بلا مستند فقهی وعلمی أمر مو هوم.

منشأ الاختلاف

إنّ الاختلاف هناک ناشئ عن الاختلاف فی المنابع الفقهیة الأصلیة قوة وضعفاً،سعة وضیعاً.

والاختلاف بالنسبة إلی زیارة القبور ومایماثلها ناشئ عن الاختلاف المذهبیة و الرهطیة وعدم وجود علاقة سلمیة.

ص:515

الخلاصة

الوصیة من الإیقاعات علی المذهب الجعفری ویکفی فی صحتها عدم الرد ولا یحتاج إلی القبول وهی من العقود علی المذاهب الأربعة ویشترط فی صحتها القبول من الوصی یکره البناء علی القبور ولا یحرم علی المذاهب کلها وکذلک زیارة النساء ویستحب زیارة القبور وتعزیة المصاب علی المذاهب کلها.

ویجب إخراج الجنین من بطن امّها المیت ولو بشق بطنها علی المذهب الجعفری ولا یجوز شق البطن هناک علی مذاهب الأربعة،لکن احتمل الشافعی الجواز.

ص:516

الأسئلة

1.هل یشترط فی قبول الوصیة أن یکون بعد موت الموصی؟لماذا؟

2.ما هو الدلیل علی کراهة البناء علی القبور؟

3.هل یکره زیارة النساء للقبور؟لماذا؟

4.ما هو الدلیل علی استحباب التلقین؟

5.ما هو الدلیل علی إخراج الجنین عن بطن امّه ولو بشق البطن؟

ص:517

ص:518

المصادر

1.القرآن الکریم.

2.الأحوال الشخصیة،السید کاظم المصطفوی،طبعة المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة،قم،1384.

3.الإنتصار،السیدمرتضی علم الهدی،ضمن الجوامع الفقهیة مؤسسة آل البیت،قم،1355.

4.الإستبصار،شیخ الطائفة أبوجعفر محمدبن الحسن الطوسی،دارالتعارف،بیروت،1401.

5.بدائع الصنانع،علاءالدین أبوبکر الکاشانی،دارالفکر،بیروت،1417 ه.

6.بدایة المجتهد،محمدبن أحمدبن محمدبن رشد القرطبی،دارالفکر،بیروت،1408.

7.تذکرة الحفاظ،شمس الدین أبوعبدالله الذهبی،طبعة القاهرة،1400.

8.تذکرة الفقهاء،جمال الدّین الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر العلامة الحلی،المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة،قم،1388 ه.

9.تحریر الوسیلة،الإمام روح الله الموسوی الخمینی،طبع مؤسسة إسماعیلیان،قم،1360.

10.التهذیب(تهذیب الأحکام)،أبوجعفر محمدبن الحسن الطوسی،دارالتعارف،بیروت،1401.

11.تهذیب التهذیب،أبوالفضل أحمدبن علی بن جعفر العسقلانی،دار الکتب العلمیة،بیروت،1415.

12.تفسیر القمی،ابوالحسن علی بن إبراهیم القمی،مؤسسة دارالکتاب،قم،1404.

13.التفسیر الکبیر،محمدبن عمر الفخر الرازی،دارالکتب العلمیة،بیروت،1408.

ص:519

14.تنویر المقیاس فی تفسیر ابن عباس،عبدالله بن عباس،دارالفکر،بیروت،1415 ه.

15.الجامع لأحکام القرآن،محمدبن أحمد القرطبی،دارالإحیاء للتراث العربی،بیروت،1417ه.

16.جامع الأخبار،الشیخ تاج الدین محمدبن محمدالشعیری،مؤسسة الأعلمی للمطبوعات،بیروت،الطبعة الاولی،1406ه.،1986م.

17.الجرح و التعدیل،محمدبن إدریس الرازی طبعة حیدرآباد الهند،1371.

18.جواهر الکلام،فی شرح شرائع الإسلام،للشیخ محمدحسن النجفی،دارالکتب الإسلامیة،طهران،طبعة الثالثة،1368 ه.ش.

19.الحاوی الکبیر،علی بن محمد الماوردی،دارالکتب العلمیة،بیروت،1419ق.

20.الخلاف،شیخ الطائفة أبوجعفر محمدبن الحسن الطوسی،طبعة مؤسسة النشر الإسلامی،قم،الطبعة الاولی،1417ق.

21.الدر المنثور فی التفسیر المأثور،جلال الدین عبدالرحمن بن أبی بکرمحمد السیوطی،مطبعة الإسلامیة بالافست،1377 ه.ش.

22.ریاض المسائل،السیدعلی الطباطبائی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام،قم،1404ه،الطبعة الحجریة.

23.السرائر،محمدبن منصور أحمدبن إدریس الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،التابعة لجماعة المدرسین-قم 1365 ه.

24.السنن الصغری،أحمدبن الحسین بن علی البیهقی،مکتبة الدار المدینة المنورة1410ه.

25.شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام،نجم الدین جعفربن الحسن،المحقق الحلّی،إنتشارات استقلال،طهران،الطبعة الرابعة1415 ه.

26.شرح الدسوقی،علی الشرح الکبیر محمدبن عرفة الدسوقی،دارالکتب العلمیة،بیروت 1424.

27.الشرح الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر،جلال الدین عبدالرحمن السیوطی دارالفکر للطباعة و النشر بیروت،1415.

28.شرح معانی الآثار،أبوجعفر أحمدبن محمدبن سلامة،الأزدی المصری،طبعة مصر،1416 ه.

29.صحیح البخاری،محمدبن إسماعیل بن إبراهیم بن مغیرة الجعفی البخاری،دار ابن کثیر،بیروت الطبعة الرابعة،1410 ه.ومطبعة المصطفائی 1307 ه.

30.صحیح مسلم،مسلم بن الحجاج القشیری النیسابوری،مؤسسة عزالدین،بیروت الطبعة الاولی،1407 ه.1987 م.

ص:520

31.العتب الجمیل علی أهل الجرح و التعدیل،محمدبن عقیل(معاصر)طبعة مجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام،قم 1385 ه.ش.

32.العروة الوثقی،کاظم الطباطبائی الیزدی،مؤسسة الأعلمی للمطبوعات،بیروت،الطبعة الأولی،1410 ه.1990 م.

33.الغدیر،عبدالحسین العلامة الأمینی،دارالکتب العربی،لبنان بیروت،1350.

34.غنیة النزوع،السید حمزة بن علی بن زهرة الحلبی،مؤسسه إمام صادق،قم،1417 ه.ق.

35.الفقه الاسلامی وأدلته،وهبه زحیلی،دارالفکر،دمشق 1418.

36.الفقه علی المذاهب الأربعة،عبدالرحمن الجزیری،الطبعة الأولی،دارالکفر،بیروت 1417 ه.ق.

37.الکافی،محمدبن یعقوب الکلینی،طبع آخوندی،طهران 1365.

38.کتاب اللباب فی شرح الکتاب،أحمدبن محمد القدوری البغدادی،دارإحیاء التراث العربی،بیروت 1412.

39.کفایة الاخیار فی حل غایة الاختصار،أبوبکر تقی الدین الدمشقی الشافعی،دارالمعرفة،بیروت،1415.

40.لسان العرب،أبو الفضل محمدبن منظور الإفریقی المصری،نشر أدب الحوزة،قم 1405 ه.1363 ق.

41.اللمعة الدمشقیة،محمدبن جمال الدین مکی العاملی،انتشارات مطبعة علمیة،قم،الطبعة الثانیة،1396 ه.

42.المبسوط،أبوبکر شمس الدین السرخسی،دارالکتب العلمیة،بیروت 1414 ه.

43.المجروحین من المحدثین،ابن حیان البسقی،دارالوعی،حلب،سوریة 1415 ه.

44.المجموع فی شرح المهذب،یحی بن شرف النووی،الطبعة الحجریة 676 ه.القاهرة.

45.منتخب الشیعة فی أحکام الشریعة،ج 7،الطبعة الأولی،مؤسسه النشر الإسلامی،قم 1418 ه.ق.

46.مسالک الافهام إلی تنقیع شرائع الاسلام،زین الدین بن علی العاملی،مؤسسة المعارف الإسلامیة،الطبعة الاولی،1414ه.

47.مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل،میرزا حسین النوری الطبرسی،الطبعة الاولی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام،قم،1407 ه.ق.

ص:521

48.مستند العروة الوثقی،محاضرات السید أبی القاسم الخوئی،بقلم مرتضی البروجردی،مطبعة لطفی.

49.المصباح المنیر،أحمدبن محمد الفیومی،دارالکتب المعلمیة،قم 1389 ق.

50.المغنی و الشرح الکبیر،عبدالله بن قدامة،دارالکتب،بیروت،1408 ق.

51.مغنی المحتاج إلی معرفة معانی ألفاظ المنهاج،محمد الشربینی،ج 3،دارالفکر،بیروت،1421 ه.ق.

52.المقنعة،محمدبن نعمان الشیخ المفید،مؤسسة النشر الإسلامی،الطبعة الثانیة،1410.

53.منهاج الصالحین،السید أبوالقاسم الخوئی،مهر،قم،1410.

54.من لا یحضره الفقیه،الشیخ أبوجعفر الصدوق،دارصعب ودار التعارف،بیروت،1401 ه.1981م.

55.نصب الرایة،لأحادیث الهدایة،جمال الدین زیعلی،طبعة دارالحدیث،قاهرة 1415.

56.نیل الاوطار،محمد شوکانی،دارإحیاء التراث العربی،بیروت 1419 ه.ق.

57.وسائل الشیعة،الشیخ المحدث الحرّ العاملی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام،لإحیاء التراث،قم،1412.

58.الوسیلة تنیل الفضیلة،أبو جعفر محمدبن علی الطوسی المعروف بابن حمزة،مطبعة الخیام،قم من منشورات مکتبة المرعشی النجفی،1370 ه.

59.وسیلة النجاة،السید أبوالحسن الاصفهانی،طبعة مکتبة الصدر،1364 ق.

60.الوافی،محمد محسن الفیض الکاشانی،طبعة مکتبة أمیرالمؤمنین علی علیه السلام،اصفهان،1406.

61.معجم مفردات الفاظ القرآن الکریم،راغب الاصفهانی،دار الکتاب العربی،392 ق.

62.نهایة الدرایة فی شرح الکفایة،محمد حسین الاصفهانی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث،قم،1408 هجری.

63.الأحکام فی اصول الأحکام،علی بن أبی علی بن محمد الامدی،دارالکتب العلمیة،بیروت،413.

64.المکاسب و البیع،تقریرات لأبحات میرزاء النائینی محمد تقی الاملی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1413.

65.المکاسب،لجنة إحیاء تراث الشیخ الأنصاری،مرتضی الأنصاری،قم،1420.

ص:522

66.حاشیة کتاب المکاسب،المیرزا علی الإیروانی،دار ذوی القربی،قم،1421.

67.منتهی الاُصول،السید میرزا حسن البجنوردی،مؤسسة العروج،قم،1421.

68.المحاسن،أحمدبن محمدبن خالد البرقی،دارالکتب الإسلامیة،1326.

69.تحریر الأحکام،حسن بن یوسف المطهر الحلی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام،1388.

70.قواعد الأحکام،حسن بن یوسف الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،1417.

71.مبانی تکلمة المنهاج،أبو القاسم الخوئی،مؤسسة إحیاءآثار الإمام الخوئی،قم1422.

72.جامع المدارک،فی شرح مختصر النافع السید أحمد الخونساری،مؤسسه إسماعیلیان،قم،1405.

73.منیة الطالب فی شرح المکاسب،تقریراً لبحث المیرزاء النائینی،موسی بن محمد النجفی الخونساری،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1421.

74.تهذیب الاُصول،عبد الأعلی السبزواری،دارالإسلامیة،بیروت،1406.

75.کفایة الأحکام،محمد باقربن محمد المؤمنی السبزواری،سوق مدرسة الصدر المهدوی،الإصفهان،1261.

76.نضد القواعد الفقهیة علی المذهب الإمامیة،مقدادبن عبد الله الیسری الحلی،نشر مکتبة آیة الله المرعشی،قم،1403.

77.النهایة ونکتها،محمدبن الحسن الطوسی وجعفربن الحسن الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1417.

78.اختیار معرفة الرجال،محمد حسن الطوسی،کلیة الإلهیات و المعارف الإسلامیة،فی مشهد المقدسة،1404.

79.العدة فی اصول الفقه،محمدبن الحسن الطوسی،قم،1417.

80.تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة،محمدبن الحسن الطوسی،دارالصعب ودارالتعارف،بیروت،1401.

81.نهایة المراح،السید محمد العاملی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1413.

82.الروض،البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة،زین الدین بن علی العاملی،منشورات إسماعیلیان،قم.

83.مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة،محمد جواد العاملی،مؤسسة آل البیت علیهم السلام،1419.

84.إرشاد الأذهان إلی أحکام الإیمان،الحسن بن یوسف العلامة الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1410.

ص:523

85.مختلف الشیعة،الحسن بن یوسف العلامة الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1418.

86.تفسیر القمی،علی بن إبراهیم القمی،بیروت،1387.

87.کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء،مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی،قم،1422.

88.المصنف،ابن أبی شیبة الکوفی،دارالفکر،بیروت،1409.

89.المعتبر فی شرح المختصر،مؤسسة السید الشهداء،قم،1410.

90.کنز الدقائق وبحر الغرائب،المیرزا محمد المشهدی،دارالغدیر،قم،1424.

91.الاختصاص،محمدبن النعمان المفید،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1417.

92.المقنعة،محمد النعمان المفید،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1417.

93.رجال النجاشی،أحمدبن علی بن أحمد النجاشی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1424.

94.سنن النسائی،أحمدبن شعیب النسائی،دارالفکر،بیروت،1348.

95.کتاب التعارض،السید محمد کاظم الطباطبائی الیزدی،انتشارات مدین،قم،1426.

96.جامع الروات،محمد علی الاردبیلی مکتبة المحمدی،قم،1411.

97.نهج البلاغة،خطب وکتب امیرالمؤمنین،تحقیق الدکتور صبحی صالح،دارالکتب اللبنانی،بیروت،1980.

98.مسند حنبل،أحمدبن حنبل،دارالکتب العلمیة،قم،1400.

99.الشرح الکبیر،عبد الرحمن بن قدامة،دارالکتاب العربی،بیروت،1980.

100.فقه المعاملات،السید محمد کاظم المصطفوی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1385.

101.شواهد التنزیل،أبو القاسم عبید الله النیشابوری المعروف بالحاکم الحسکانی،مؤسسة الطبع و النشر،طهران،1411.

102.غنیه النزوع إلی علمی الاُصول و الفروع،السید حمزة بن علی بن زهرة الحلبی،مطبعة اعتماد،قم،1417.

103.الفهرست،أبو جعفر محمدبن الحسن الطوسی،شیخ الطائفة،بیروت،1412.

104.رجال العلامة،جمال الدین أبو منصور الحسن بن یوسف العلامة الحلی،منشورات الشریف الرضی،قم،1381.

105.رجال الطوسی،أبو جعفر محمدبن الحسن الطوسی شیخ الطائفة،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1415.

ص:524

106.التفسیر الکبیر،محمدبن عمر الفخر الرازی،دارالکتب العلمیة،بیروت،1408.

107.المهذب البارع فی شرح المختصر النافع،جمال الدین أبو العباس أحمدبن محمدبن فهد الحلی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1407.

108.معانی الأخبار،محمدبن علی بن الحسین بن بابویه الشیخ الصدوق،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،1361.

109.جامع الأخبار،تحقیق السید حسن المصطفوی،طهران،1380.

110.کشف المراد فی شرح تجدید الاعتقاد،الحسن بن یوسف العلامة الحلی،مکتبة المصطفوی،قم،1340

ص:525

ص:526

الفهرس التفصیلی

المقدمة 11

1.الطهارة 13

طهوریة الماء المضاف 13

الماء الراکد الکثیر 15

الماء الّذی یلغ فیه الکلب 17

التطهیر بالدبغ 17

2.فرائض الوضوء(1)21

عدد الفرائض 21

منشأ الاختلاف 23

کیفیة الفرائض 23

حدّ الوجه 23

کیفیة غسل الیدین 27

3.فرائض الوضوء(2)35

تحدید المسح بالرأس 35

مسح الرجلین وغسلهما 38

المسح علی الخفین 44

4.شروط الوضوء 49

ما هو الشرط 56

غایات الوضوء 59

ص:527

5.نواقض الوضوء 63

1.ناقضیة المذی و الودی للوضوء 63

2.ناقضیة الحدث الخارج من المَخْرَجَین 64

3.ناقضیة النوم حدّاً 65

4.ناقضیة الرعاف و القیءوخروج الدم من البدن 67

5.بالنسبة إلی ناقضیة لمس المرأة 69

6.ناقضیة المسّ 71

7.ناقضیة الضحک للوضوء 72

8.نقض الوضوء بأکل لحم الجزور 72

الشکّ فی الحدث 73

6.الغسل 77

واجبات الغسل 77

منشأ الاختلاف 80

غسل المیت 80

7.التیمم 85

کیفیة التیمم 85

معنی الصعید 87

رفع الساتر 88

8.أوقات الصلاة(1)91

وقت الظهرین 91

الجمع بین الصلاتین 94

9.أوقات الصلاة(2)99

وقت المغرب 99

جواز تأخیر المغرب عن الوقت الخاص 101

الجمع بین العشائین 102

وقت العشاء 103

10.الأذان و الإقامة 109

حکم الأذان و الإقامة 109

صیغ الأذان و الإقامة 110

التثویب المحدث 111

تکبیرة الإحرام 115

ص:528

القرائة 117

جواز القراءت بغیر العربیة 119

الجهر و الإخفات 121

حکم البسملة فی القرائة 122

11.أفعال الصلاة 129

التکتّف والاسترسال 129

حول کلمة آمین فی الصلاة 130

القنوت 132

خصائص الرکوع و السجود و التشهّد 135

کیفیة صلاة العاجز 141

12.مباحث القبلة ولباس المصلّی 145

حکم الانحراف عن القبلة اشتباهاً 145

وظیفة الجاهل بالقبلة 147

حول لباس المصلّی 148

عفو النجاسة فی اللباس 148

العفو عن الدماء الثلاثة 150

صحّة الصلاة فی اللباس المغصوب 151

صحّة صلاة المضطرّ فی الساتر المتنجّس 152

تحدید الطهارة بالنسبة إلی مکان المصلّی 153

ما یصحّ السجود علیه 154

13.حکم السهو فی الصلاة 159

الموجبات 159

حدیث لاتعاد 160

محل سجود السهو 165

تداخل الأسباب فی سجود السهو 167

وصف السجود 167

الشکّ و السهو 168

حول الشکّیات 169

الشکّ الصحیح 170

حجیة الظنّ فی الصلاة 170

14.صلاة الجماعة(1)175

ص:529

الحکم 175

اشتراط العدالة للإمام 176

طهارة المولد 178

اشتراط البلوغ 179

الجماعة فی النوافل 180

اتحاد الصلاة 182

اتّصال الصفوف 183

المتابعة 185

حکم المتأخّر عن الجماعة 186

نیة الإمامة 187

من هو الأحقّ بالإمامة 189

15.صلاة الجمعة(2)193

العدد المشترط فی الجمعة 195

صلاة الآیات 196

حکم صلاة الآیات 196

الکیفیة 198

الأسباب و الموجبات 199

مبطلات الصلاة 201

مبطلیة الکلام السهوی 201

ردّ السلام 202

التکلّم حال النوم 203

بطلان الصلاة بمرور الکلب 203

الناقض غیر المبطل 204

المرور بین یدی المصلی 204

الریاء فی الصلاة 205

16.صلاة المسافر 209

کمّیة السفر 210

اختلاف النصوص 211

التعیین و التخییر 212

ما هو مصداق السفر؟214

إباحة السفر 215

نیة القصر 216

ص:530

نیة الإقامة 217

التردّد فی البقاء 218

استمرار السفر 219

17.صلاة المیت 223

الصلاة علی المیت 223

إقامة الصلاة علی الشهید 223

کیفیة الصلاة 224

اختلاف النصوص فی عدد التکبیرات 225

أربع تکبیرات رأی عمربن الخطاب 225

طریقة آل البیت علیهم السلام 226

من أحق بالإمامة 227

وضع الجرید تین فی القبر 228

18.کتاب الصوم 235

الإشتراط بالعقل 235

سلامة البدن من المرض 240

السفر الّذی یوجب الإفطار 243

شرط السفر 244

استمرار السفر 245

19.المفطرات 249

الإفطار عن سهو 249

تعمّد القیء 249

الغبار الغلیظ 250

الاکتحال 250

الحجامة 251

قطع نیة الصوم 251

الارتماس بالماء 252

البقاء علی الجنابة 252

تعمد الکذب علی الله 253

الکفارة 253

موجبات الکفّارة 254

العجز عن القضاء 255

إفطار قضاء رمضان 256

ص:531

التارک لقضاء رمضان 256

تعدّد الکفّارة بتعدّد الجماع 257

العجز عن الکفّارة 258

تتابع الشهرین 258

20.حول رؤیة الهلال 263

ثبوت الهلال 263

اختلاف الآفاق 264

یوم الشکّ 266

ترخیص الإفطار 268

زوال العذر 271

21.الزکاة 275

الشروط 275

نصاب الإبل 277

نصاب الغنم 278

شروط زکاة الأنعام 279

زکاة النقدین 279

نصاب زکاة الغلاة 281

فیما یتعلّق به الزکاة،من الغلاّت 281

زکاة مال التجارة 283

نصاب المال المشترک 284

مانعیة الدین عن الزکاة 285

22.أصناف المستحقین 289

مصداق الفقیر 289

الأقرب یمنع الأبعد 290

معنی فی سبیل الله 291

حول إعطاء الزکاة لمستحقّ واحد 291

شروط زکاة الفطرة 292

نطاق وجوب الفطرة 293

وقت الوجوب 294

وقت الأداء 295

23.الخمس 299

ص:532

خمس مال التجارة 299

خمس المعادن و الرکاز 300

الجواهر المعدنیة 302

خمس ما یخرج من البحر 303

مصرف الخمس 310

24.الحجّ 315

فوریة وجوب الحجّ 315

شرائط وجوب الحجّ 316

الاستطاعة 317

ما له صلة بالاستطاعة 319

تحقّق الاستطاعة بالبذل 320

ملکیة الزاد 320

الاستنابة عن العاجز فی الحجّ 322

مکان الاستنابة عن المیت المستطیع 323

حکم فی العمرة المفردة 324

استحباب العمرة زماناً 325

25.أقسام الحجّ 329

ترتیب الأقسام 330

الإحرام من المواقیت 333

حکم المرور عن المیقات بدون الإحرام 335

صحّة الإحرام قبل أشهر الحجّ 336

أشهر الحجّ 336

26.الإحرام 341

حول مستحبّات الإحرام 341

حول واجبات الإحرام 341

حول محظورات الإحرام 343

حول التقبیل و النظر 344

الیسیرة 348

حول الاستظلال 348

الارتماس 350

حول الاکتحال والاختضاب 352

ص:533

27.الوقوفات 357

وقت الوقوف فی عرفة 357

حکم الخروج عن عرفة قبل الغروب 359

حول الوقوف بالمزدلفة 360

جواز التفریق بین العشائین لیلة المزدلفة 363

أعمال منی 364

وقت الرمی 365

28.الطواف 371

طواف الوداع وطواف النساء 371

وجوب الطهارة فی الطواف 374

حکم الشکّ فی عدد الأشواط 376

الموالاة 377

السعی 380

حکم الشکّ فی عدد السعی بین الصفا و المروة 381

حول التخییر بین الحلق و التقصیر فی العمرة المتمتّع بها 383

حدّ التقصیر و الحلق 383

29.النکاح 389

اشتراط القصد 389

اشتراط الفسخ 390

الإشهاد علی العقد 391

أولیاء العقد 393

ینقسم الولی إلی قسمین 393

حول النکاح الموقّت-المتعة-396

زواج المسیار 400

30.حوار حول المتعة 403

الملاحظة علیه 405

القول بالنسخ 406

النصوص علی عدم النسخ 407

31.أسباب تحریم المصاهرة 411

أسباب تحریم الزواج 411

حکم اللمس و النظر بشهوة 413

ص:534

حرمة المصاهرة مع ولد الزنا 414

مناکحة الزانی و الزانیة 416

الرضاع 417

جواز نکاح الکافرة للمسلم 419

معنی الکفائة فی التزویج 421

32.الطلاق(1)427

صیغة الطلاق 427

الشروط 430

القصد 430

الاختیار 431

العربیة 432

اشتراط التنجیز 433

الحلف بالطلاق 434

الإشهاد فی الطلاق 434

33.الطلاق(2)441

کیفیة الرجعة 441

تجزئة الطلاق 443

دور الوصف فی الطلاق 444

تحقّق العدّة 445

عدّة الصغیرة 445

عدّة الزانیة 446

تحقّق العدّة بواسطة الخلوة 447

عدّة زوجة المفقود 448

أطول عدّة 450

34.الطلاق الثلاث فی فقه السنة 455

تصریحات الفقهاء 457

35.الطلاق الثلاث فی فقه أهل البیت علیهم السلام 463

36.طلاق البدعة 471

ما هو طلاق البدعة؟471

صحّة البدعة فی فقه السنّة 471

بطلان البدعة فی فقه السنّة 472

ص:535

البدعة منکرة فی فقه أهل البیت علیهم السلام 473

37.المیراث 477

المیراث بالتعصیب 477

العول 481

الأحکام 485

38.حوار حول التعصیب 493

الاستدلال علی اثبات التعصیب 493

التعصیب یوجب آثار السلبیة الفاسدة 497

النصوص القرآنیة وبطلان التعصیب 498

السنة الشریفة وبطلان التعصیب 500

39.الوصیة 505

اشتراط القبول فی الوصیة 505

ما یتصل بأحوال المیت الشخصیة 506

البناء علی القبور 507

البکاء علی المیت 507

النوح و النیاحة 509

التوسل إلی قبور الصلحاء 510

تلقین المیت 510

زیارت القبور 511

تعزیة المصاب 512

حکم الجنین فی بطن امّه المیت 513

المصادر 519

ص:536

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.