کفایة الأصول

اشارة

المؤلف: الشیخ محمد کاظم الخراسانی [ الآخوند ]

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الطبعة: ٧

الموضوع : أصول الفقه

تاریخ النشر : ١٤٣١ ه-.ق

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

ISBN: 978-964-319-023-1

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

حمد و ثنا

بسم الله الرحمن الرحیم

نحمدک اللهم یا من أضاء علی مطالع العقول والالباب ، وأنار علیها بسواطع السنة والکتاب ، فأحکم الفروع بأصولها فی کلّ باب ، ونصلّی علی أفضل من اُوتی الحکمة وفصل الخطاب ، وعلی آله الطاهرین الأطیاب ، سیّما المخصوص بالاخوة سیّد أولی الالباب.

ربّنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول وآل الرسول ، فاغفر لنا ذنوبنا ، وقنا سوء الحساب ، واللعنة علی أعدائهم من الیوم إلی یوم الحساب.

وبعد : فالعلم علی تشعّب شؤونه ، وتفنّن غصونه ، مفتقر إلی علم الأصول افتقار الرعیة إلی السلطان ، ونافذ حکمه علیها بالوجدان ، ولا سیّما العلوم الدینیة ، وخصوصاً الأحکام الشرعیة ، فلولا الأصول لم تقع فی علم الفقه علی محصول.

فیه استقرت قواعد الدین ، وبه صار الفقه کشجرة طیبة تؤتی أکلها کلّ حین ، فلذا بادر علماء الامصار ، وفضلاء الأعصار - فی کلّ دور من الأدوار - إلی تمهید قواعده ، وتقیید شوارده ، وتبیین ضوابطه ، وتوضیح روابطه ، وتهذیب اُصوله ، وإحکام قوانینه ، وترتیب فصوله.

لکنّه لما فیه من محاسن النکت والفقر ، ولطائف معانٍ تدق دونها الفکر ، جل عن أن یکون شرعة لکلّ وارد ، أو أن یطلع علی حقائقه إلّا واحد

ص: 3

بعد واحد ، فنهض به من اُولی البصائر کابر بعد کابر ، فللّه دَرّهم من عصابة تلقّوا وأذعنوا ، وبرعوا فأتقنوا ، وأجادوا فجادوا ، وصنفوا وأفادوا ، أثابهم الله برضوإنّه وبّوأهم بحبوحات جنإنّه.

حتی انتهی الأمر إلی أوحد علماء العصر ، قطب فلک الفقاهة والاجتهاد ، ومرکز دائرة البحث والانتقاد ، الطود الشامخ ، والعلم الراسخ ، محیی الشریعة وحامی الشیعة ، النحریر الأوّاه ، والمجاهد فی سبیل الله ، خاتم الفقهاء والمجتهدین ، وحجّة الاسلام والمسلمین ، الوفی الصفی ، مولانا الآخوند ( ملا محمد کاظم الهروی الطوسی النجفی ) مد الله أطناب ظلاله علی رؤوس الأنام ، وعمر بوجوده دوارس شرع الاسلام ، فقد فاز - دام ظله - منه بالقدح المعلی وجلّ عن قول أین وأنیّ ، وجری بفکر صائب تقف دونه الأفکار ، ونظر ثاقب یکاد سنا برقه یذهب بالابصار ، فلذا أذعن بفضله الفحول ، وتلقوه بأنعم القبول. وأظهر صحفاً هی المنتهی فی التبیان ، ذوات نکت لم یطمثهن قبله إنس ولا جان ، ویغنیک العیان عن البیان ، والوجدان عن البرهان.

فما قدمته لک إحدی مقالاته الشافیة ، ورسائله الکافیة ، فقد أخذت بجزأیها علی شطری الأصول الأصلیة ، من مباحث الألفاظ والادلة العقلیة ، وأغنت بالاشارة عن المطّولات ، فهی النهایة والمحصول ، فحریّ بأن یسمی ب ( کفایة الأصول ) ، فأین من یعرف قدرها ، ولا یرخص مهرها ، وعلی الله قصد السبیل ، وهو حسبی ونعم الوکیل.

قال أدام الله ظله [ بعد التسمیة والتحمید والتصلیة ] (1) :

ص: 4


1- 1. نقلنا هذه المقدمة من « ب ». وهی من إنشاءً المتصدی لطبع النسخة الحجریة.

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین ، والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرین ، ولعنة الله علی أعدائهم أجمعین.

وبعد فقد رتّبته علی مقدّمة ، ومقاصد وخاتمة.

ص: 5

ص: 6

أمّا المقدّمة ففی بیان أمور :

الاول [تعریف علم الاصول و موضوعه]

انّ موضوع کلّ علم ، وهو الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة - أیّ بلا واسطة فی العروض - هو نفس موضوعاًت مسائله عیناً ، وما یتّحد معها خارجاً ، وأنّ کان یغایرها مفهوماً ، تغایر الکّلی ومصادیقه ، والطبیعی وأفراده. والمسائل عبارة عن جملة من قضایا متشّتتة ، جمعها اشتراکها فی الدخل فی الغرض الذی لأجله دُوَّن هذا العلم ، فلذا قد یتداخل بعضٍ العلوم فی بعضٍ المسائل ، مما کان له دخل فی مهمین ، لأجل کلّ منهما دُوّن علم علی حدة ، فیصیر من مسائل العلمین.

لا یقال : علی هذا یمکن تداخل علمین فی تمام مسائلهما ، فیما کان هناک مهمان متلازمان فی الترتّب علی جملة من القضایا ، لا یکاد انفکاکهما.

فإنّه یقال : مضافاً إلی بُعد ذلک ، بل امتناعه عادةً ، لا یکاد یصحّ لذلک تدوین علمین وتسمیتهما باسمین ، بل تدوین علم واحد ، یبحث فیه تارةً لکلا المهمّین ، واخری لأحدهما ، وهذا بخلاف التداخل فی بعضٍ المسائل ، فان حسن تدوین علمین - کانا مشترکین فی مسألة ، أو أزید - فی جملة مسائلهما المختلفة ، لأجل مهمین ، مما لا یخفی.

ص: 7

وقد انقدح بما ذکرنا ، أن تمایَز العلوم إنّما هو باختلاف الاغراض الداعیة إلی التدوین ، لا الموضوعاًت ولا المحمولات ، وإلاّ کان کلّ باب ، بل کلّ مسألة من کلّ علم ، علماً علی حدة ، کما هو واضح لمن کان له أدنی تأمّل ، فلا یکون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدد ، کما لا یکون وحدتهما سبباً لأن یکون من الواحد.

ثم إنّه ربما لا یکون لموضوع العلم - وهو الکلّی المتّحد مع موضوعاًت المسائل - عنوان خاص واسم مخصوص ، فیصحّ أن یعبّر عنه بکل ما دلّ علیه ، بداهة عدم دخل ذلک فی موضوعیته أصلاً.

وقد انقدح بذلک أن موضوع علم الأصول ، هو الکلّی المنطبق علی موضوعاًت مسائله المتشتتة ، لا خصوص الأدلّة الأربعة بما هی أدلّة (1) ، بل ولا بما هی هی (2) ، ضرورة أن البحث فی غیر واحد من مسائله المهمّة لیس من عوارضها ، وهو واضح لو کان المراد بالسّنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقریره ، کما هو المصطلح فیها ، لوضوح عدم البحث فی کثیر من مباحثها المهمّة ، کعمدة مباحث التعادل والترجیح ، بل ومسألة حجیة خبر الواحد ، لا عنها ولا عن سائر الادلّة ، ورجوع البحث فیهما - فی الحقیقة - إلی البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد ، فی مسألة حجّیة الخبر - کما اُفید - (3) وبأی الخبرین فی باب التعارض ، فإنّه أیضاً بحث فی الحقیقة عن حجیة الخبر فی هذا الحال غیر مفید فان البحث عن ثبوت الموضوع ، وما هو مفاد کان التامة ، لیس بحثاً عن عوارضه ، فإنّها مفاد کان الناقصة.

لا یقال : هذا فی الثبوت الواقعی ، وأمّا الثبوت التعبدی - کما هو

ص: 8


1- 1. کما هو المشهور بین الأصولیین.
2- 2. صرح به صاحب الفصول ، الفصول / 4.
3- 3. افاده الشیخ ( قده ) فی فرائد الأصول / 67 ، فی بدایة مبحث حجیة الخبر الواحد.

المهم فی هذه المباحث - فهو فی الحقیقة یکون مفاد کان الناقصة.

فإنّه یقال : نعم ، لکّنه مما لا یعرض السنة ، بل الخبر الحاکی لها ، فإن الثبوت التعبدی یرجع إلی وجوب العمل علی طبق الخبر کالسنة المحکیة به ، وهذا من عوارضه لا عوارضها ، کما لا یخفی.

وبالجملة : الثبوت الواقعی لیس من العوارض ، والتعبدی وأنّ کان منها ، إلّا إنّه لیس للسنة ، بل للخبر ، فتأمل جیداً.

وأما إذا کان المراد (1) من السنة ما یعم حکایتها ، فلان البحث فی تلک المباحث وأنّ کان عن أحوال السنة بهذا المعنی ، إلّا أن البحث فی غیر واحد من مسائلها ، کمباحث الألفاظ ، وجملة من غیرها ، لا یخص الادلة ، بل یعم غیرها ، وأنّ کان المهمّ معرفة أحوال خصوصها ، کما لا یخفی.

ویؤیّد ذلک تعریف الأصول ، بإنّه ( العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحکام الشرعیة ) ، وأنّ کان الأولی تعریفه بإنّه ( صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام ، أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل ) ، بناءً علی أن مسألة حجیة الظنّ علی الحکومة ، ومسائل الأصول العملیة فی الشبهات الحکمیة من الأصول ، کما هو کذلک ، ضرورة إنّه لا وجه لالتزام الاستطراد فی مثل هذه .

الثانی [تعریف الوضع و اقسامه]

الوضع هو نحو اختصاص للّفظ بالمعنی ، وارتباط خاص بینهما ، ناش من تخصیصه به تارةً ، ومن کثرة استعماله فیه أُخری ؛ وبهذا المعنی صحّ تقسیمه إلی التعیینی والتعیّنی ، کما لا یخفی.

ص: 9


1- هذا مراد صاحب الفصول ، الفصول / 12.

ثم إن الملحوظ حال الوضع : امّا یکون معنی عاماً ، فیوضع اللفظ له تارةً ، ولافراده ومصادیقه أُخری ؛ وإما یکون معنی خاصاً ، لا یکاد یصحّ إلّا وضع اللفظ له دون العام ، فتکون الأقسام ثلاثة ، وذلک لأن العام یصلح لأن یکون آلة للحاظ أفراده ومصادیقه بما هو کذلک ، فإنّه من وجوهها ، ومعرفة وجه الشیء معرفته بوجه ، بخلاف الخاص ، فإنّه بما هو خاص ، لا یکون وجهاً للعام ، ولا لسائر الأفراد ، فلا یکون معرفته وتصوره معرفة له ، ولا لها - أصلاً - ولو بوجه.

نعم ربّما یوجب تصوّره تصوّر العام بنفسه ، فیوضع له اللفظ ، فیکون الوضع عاماً ، کما کان الموضوع له عاماً ، وهذا بخلاف ما فی الوضع العام والموضوع له الخاص ، فإن الموضوع له - وهی الأفراد - لا یکون متصوراً إلّا بوجهه وعنوإنّه ، وهو العام ، وفرق واضح بین تصوّر الشیء بوجهه ، وتصوّره بنفسه ، ولو کان بسبب تصوّر أمر آخر.

ولعل خفاء ذلک علی بعضٍ الأعلام (1)، وعدم تمیزه بینهما ، کان موجباً لتوهم امکان ثبوت قسم رابع ، وهو أن یکون الوضع خاصاً ، مع کون الموضوع له عاماً ، مع إنّه واضح لمن کان له أدنی تأمل.

ثم إنّه لا ریب فی ثبوت الوضع (2)الخاص والموضوع له الخاص کوضع الأعلام. وکذا الوضع (3)العام والموضوع له العام ، کوضع أسماء الاجناس وأما الوضع العام والموضوع له الخاص ، فقد توهّم (4) إنّه وضع الحروف ، وما ألحق بها من الأسماء ، کما توهّم (5) أیضاً ان المستعمل فیه فیها (6)

ص: 10


1- الظاهر إنّه صاحب البدائع ، البدائع / 39 ، فی تقسیم الوضع إلی العام والخاص.
2- فی « أ و ب » : وضع.
3- فی « أ و ب » : وضع.
4- صاحب الفصول ، الفصول / 16 ، فی الوضع.
5- الفصول / 16 ، فی الوضع.
6- فی « أ » : أن المستعمل فیها.

خاصٌ (1)مع کون الموضوع له کالوضع عاماً.

والتحقیق - حسبما یؤدّی إلیه النظر الدقیق - أن حال المستعمل فیه والموضوع له فیها حالهما فی الأسماء ، وذلک لأن الخصوصیة المتوهمة ، إن کانت هی الموجبة لکون المعنی المتخصص بها جزئیاً خارجیاً ، فمن الواضح أن کثیراً ما لا یکون المستعمل فیه فیها کذلک بل کلیاً ، ولذا التجأ بعضٍ الفحول (2) إلی جعله جزئیاً إضافیاً ، وهو کما تری. وأنّ کانت هی الموجبة لکونه جزئیاً ذهنیاً ، حیث إنّه لا یکاد یکون المعنی حرفیاً ، إلّا إذا لوحظ حالة لمعنی آخر ، ومن خصوصیاته القائمة به ، ویکون حاله کحال العرض ، فکما لا یکون فی الخارج إلّا فی الموضوع ، کذلک هو لا یکون فی الذهن إلّا فی مفهوم آخر ، ولذا قیل فی تعریفه : بإنّه ما دلّ علی معنی فی غیره ، فالمعنی ، وأنّ کان لا محالة یصیر جزئیا بهذا اللحاظ ، بحیث یباینه إذا لوحظ ثانیاً ، کما لوحظ أولاً ، ولو کان اللاحظ واحداً ، إلّا أن هذا اللحاظ لا یکاد مأخوذاً فی المستعمل فیه ، وإلاّ فلا بدّ من لحاظ آخر ، متعلّق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ ، بداهة أن تصوّر المستعمل فیه مما لا بدّ منه فی استعمال الألفاظ ، وهو کما تری.

مع إنّه یلزم أن لا یصدق علی الخارجیات ، لامتناع صدق الکلّی العقلی علیها ، حیث لا موطن له إلّا الذهن ، فامتنع امتثال مثل ( سر من البصرة ) إلّا بالتجرید وإلغاء (3) الخصوصیة ، هذا.

مع إنّه لیس لحاظ المعنی حالة لغیره فی الحروف إلّا کلحاظه فی نفسه فی الأسماء ، وکما لا یکون هذا اللحاظ معتبراً فی المستعمل فیه فیها ، کذلک ذاک اللحاظ فی الحروف ، کما لا یخفی.

ص: 11


1- فی « أ و ب » : خاصا.
2- المراد من بعضٍ الفحول ، امّا صاحب الفصول ، الفصول / 16 ، وإما المحقق التقی ، هدایة المسترشدین / 30.
3- فی « ب » : إلقاء.

وبالجملة : لیس المعنی فی کلمة ( من ) ولفظ الابتداء - مثلاً - إلّا الابتداء ، فکما لا یعتبر فی معناه لحاظه فی نفسه ومستقلاً ، کذلک لا یعتبر فی معناها لحاظه فی غیرها وآلة ، وکما لا یکون لحاظه فیه موجباً لجزئیته ، فلیکن کذلک فیها.

إن قلت : علی هذا لم یبق فرق بین الاسم والحرف فی المعنی ، ولزم کون مثل کلمة ( من ) ولفظ الابتداء مترادفین ، صحّ استعمال کلّ منهما فی موضع الآخر ، وهکذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانیها ، وهو باطل بالضرورة ، کما هو واضح.

قلت : الفرق بینهما إنّما هو فی اختصاص کلّ منهما بوضع ، حیث [ إنّه ] (1) وضع الاسم لیراد منه معناه بما هو هو وفی نفسه ، والحرف لیراد منه معناه لا کذلک ، بل بما هو حالة لغیره ، کما مرّت الإِشارة إلیه غیر مرّة ، فالاختلاف بین الاسم والحرف فی الوضع ، یکون موجباً لعدم جواز استعمال أحدهما فی موضع الآخر ، وأنّ اتفقا فیما له الوضع ، وقد عرفت - بما لا مزید علیه - أن نحو إرادة المعنی لا یکاد یمکن أن یکون من خصوصیاته ومقوماته.

ثم لا یبعد أن یکون الاختلاف فی الخبر والانشاء أیضاً کذلک ، فیکون الخبر موضوعاً لیستعمل فی حکایة ثبوت معناه فی موطنه ، والانشاء لیستعمل فی قصد تحققه وثبوته ، وأنّ اتفقا فیما استعملا فیه ، فتأمّل.

ثم إنّه قد انقدح مما حققناه ، إنّه یمکن أن یقال : إن المستعمل فیه فی مثل أسماء الإِشارة والضمائر أیضاً عام ، وأنّ تشخّصه إنّما نشأ من قبل طور استعمالها ، حیث انَّ أسماء الإِشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها ، وکذا

ص: 12


1- أثبتناها من « ب ».

بعض الضمائر ، وبعضها لیخاطب به (1)المعنی ، والإِشارة والتخاطب یستدعیان التشخص کما لا یخفی ، فدعوی : أن المستعمل فیه فی مثل ( هذا ) أو ( هو ) أو ( إیّاک ) إنّما هو المفرد المذکر ، وتشخصه إنّما جاء من قبل الإِشارة ، أو التخاطب بهذه الألفاظ إلیه ، فإن الإِشارة أو التخاطب لا یکاد یکون إلّا إلی الشخص أو معه ، غیر مجازفة.

فتلخصّ مما حققناه : ان التشخص الناشیء من قبل الاستعمالات ، لا یوجب تشخص المستعمل فیه ، سواء کان تشخصاً خارجیاً - کما فی مثل أسماء الإِشارة - أو ذهنیاً - کما فی أسماء الأجناس والحروف ونحوهما - من غیر فرق فی ذلک أصلاً بین الحروف وأسماء الأجناس ، ولعمری هذا واضح. ولذا لیس فی کلام القدماء من کون الموضوع له أو المستعمل فیه خاصاً فی الحرف عین ولا أثر ، وإنما ذهب إلیه بعضٍ من تأخّر ، (2) ولعلّه لتوهّم کون قصده بما هو فی غیره ، من خصوصیات الموضوع له ، أو المستعمل فیه ، والغفلة من أن قصد المعنی من لفظه علی أنحائه ، لا یکاد یکون من شؤونه وأطواره ، وإلاّ فلیکن قصده بما هو هو وفی نفسه کذلک ، فتأمّل فی المقام فإنّه دقیق ، وقد زل فیه أقدام غیر واحد من أهل التحقیق والتدقیق.

الثالث [کیفیه استعمال المجازی]

صحّة استعمال اللفظ فیما یناسب ما وضع له ، هل هو بالوضع ، أو بالطبع؟ وجهان ، بل قولان ، أظهرهما إنّه بالطبع بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فیه ولو مع منع الواضع عنه ، وباستهجان الاستعمال فیما لا یناسبه ولو مع ترخیصه ، ولا معنی لصحته إلّا حسنه ، والظاهر أن صحة الاستعمال

ص: 13


1- فی « ب » : بها.
2- صاحب الفصول ، الفصول / 16.

اللفظ فی نوعه أو مثله من قبیله ، کما یأتی الإِشارة إلی تفصیله (1)

الرابع [لا شبهة فی صحة اطلاق اللفظ و اراده نوعه]

لا شبهة فی صحة إطلاق اللفظ ، وإرادة نوعه به ، کما إذا قیل : ضرب - مثلاً - فعل ماض ، أو صنفه کما إذا قیل : ( زید ) فی ( ضرب زید ) فاعل ، إذا لم یقصد به شخص القول أو مثله ک ( ضرب ) فی المثال فیما إذا قصد.

وقد أشرنا(2) إلی أن صحة الإِطلاق کذلک وحسنه ، إنّما کان بالطبع لا بالوضع ، وإلاّ کانت المهملات موضوعة لذلک ، لصحة الإِطلاق کذلک فیها ، والالتزام بوضعها کذلک کما تری.

وأمّا إطلاقه وإرادة شخصه ، کما إذا قیل : ( زید لفظ ) وأرید منه شخص نفسه ، ففی صحته بدون تأویل نظر ، لاستلزامه اتحاد الدالّ والمدلول ، أو ترکب القضیة من جزءین کما فی الفصول (3)

بیان ذلک : إنّه إن اعتبر دلالته علی نفسه - حینئذ - لزم الاتحاد ، وإلاّ لزم ترکبها من جزءین ، لأن القضیة اللفظیة - علی هذا - إنّما تکون حاکیة عن المحمول والنسبة ، لا الموضوع ، فتکون القضیة المحکیة بها مرکبة من جزءین ، مع امتناع الترکب إلّا من الثلاثة ، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبین.

قلت : یمکن أن یقال : إنّه یکفی تعدَّد الدالّ والمدلول اعتباراً ، وأنّ اتَّحَدا ذاتاً ، فمن حیث إنّه لفظ صادر عن لافظه کان د إلّا ، ومن حیث أن

ص: 14


1- فی الأمر الرابع.
2- أشار إلیه فی الأمر الثالث.
3- الفصول / 22 ، عند قوله : فصل قد یطلق اللفظ .. الخ.

نفسه وشخصه مراده کان مدلولاً.

مع أن حدیث ترکب القضیة من جزءین - لولا اعتبارٍ الدلالة فی البین - إنّما یلزم إذا لم یکن الموضوع نفس شخصه ، وإلاّ کان أجزاؤها الثلاثة تامة ، وکان المحمول فیها منتسبا إلی شخص اللفظ ونفسه ، غایة الأمر إنّه نفس الموضوع ، لا الحاکی عنه ، فافهم ، فإنّه لا یخلو عن دقة. وعلی هذا ، لیس من باب استعمال اللفظ بشیء.

بل یمکن أن یقال : إنّه لیس أیضاً من هذا الباب ، ما إذا أطلق اللفظ واُرید به نوعه أو صنفه ، فإنّه فرده ومصداقه حقیقة ، لا لفظه وذاک معناه ، کی یکون مستعملاً فیه استعمال اللفظ فی المعنی ، فیکون اللفظ نفس الموضوع الملقی إلی المخاطب خارجاً ، قد أحضر فی ذهنه بلا وساطة حاک (1) ، وقد حکم علیه ابتداءً ، بدون واسطة أصلاً ، لا لفظه ، کما لا یخفی ، فلا یکون فی البین لفظ قد استعمل فی معنی ، بل فرد قد حکم فی القضیة علیه - بما هو مصداق لکلی (2) اللفظ ، لا بما هو خصوص جزئیّة.

نعم فیما إذا أُرید به فرد آخر مثله ، کان من قبیل استعمال اللفظ فی المعنی.

اللهم إلّا أن یقال : إن لفظ ( ضرب ) وأنّ کان فرداً له ، إلّا إنّه إذا قصد به حکایته ، وجعل عنواناً له ومرآته ، کان لفظه المستعمل فیه ، وکان - حینئذ - کما إذا قصد به فرد مثله.

وبالجملة : فإذا اُطلق واُرید به نوعه ، کما إذا أُرید به فرد مثله ، کان من باب استعمال اللفظ فی المعنی ، وأنّ کان فرداً منه ، وقد حکم فی القضیة بما یعمه ، وأنّ اُطلق لیحکم علیه بما هو فرد کلّیة ومصداقه ، لا بما هو لفظه وبه حکایته ، فلیس من هذا الباب ، لکن الإطلاقاًت المتعارفة ظاهراً

ص: 15


1- 1. فی « أ و ب » : حاکی.
2- 2. فی « أ » : لکلیه.

لیست کذلک ، کما لا یخفی ، وفیها ما لا یکاد یصحّ أن یراد منه ذلک ، مما کان الحکم فی القضیة لا یکاد یعمّ شخص اللفظ ، کما فی مثل : ( ضرب فعل ماض ).

الخامس [وضع الالفاظ للمعانی الواقعیة لا بما هی مرادة

لا ریب فی کون الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی ، لا من حیث هی مرادة للافظها ، لما عرفت بما لا مزید علیه ، من أن قصد المعنی علی أنحائه من مقومات الاستعمال ، فلا یکاد یکون من قیود المستعمل فیه. هذا.

مضافاً إلی ضرورة صحة الحمل والإِسناد فی الجمل ، بلا تصرّف فی ألفاظ الأطراف ، مع إنّه لو کانت موضوعة لها بما هی مرادة ، لما صحّ بدونه ، بداهة أن المحمول علی ( زید ) فی ( زید قائم ) والمسند إلیه فی ( ضرب زید ) - مثلاً - هو نفس القیام والضرب ، لا بما هما مرادان.

مع إنّه یلزم کون وضع عامة الألفاظ عاماً والموضوع له خاصاً ، لمکان اعتبارٍ خصوص إرادة اللافظین فیما وضع له اللفظ ، فإنّه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فیه ، کما لا یخفی ، وهکذا الحال فی طرف الموضوع.

وأما ما حکی (1) عن العلمین ( الشیخ الرئیس (2) ، والمحقق

ص: 16


1- راجع الشفاء ، قسم المنطق فی المقالة الأولی من الفن الأوّل ، الفصل الثامن / 42 ، عند قوله ( وذلک لأن معنی دلالة اللفظ ، هو ان یکون اللفظ اسما لذلک المعنی علی سبیل القصد الأوّل ) انتهی.
2- الشیخ الرئیس أبو علی الحسین بن عبدالله بن سینا الحکیم المشهور ، أحد فلاسفة المسلمین ولد سنة 370 ه بقریة من ضیاع بخاری ، نادرة عصره فی علمه وذکائه وتصانیفه ، لم یستکمل ثمانی عشرة سنة من عمره إلّا وقد فرغ من تحصیل العلوم بأسرها ، صنف کتاب « الشفاء » و « النجاة » و « الإشارات » و « القانون » وغیر ذلک ممّا یقارب مائة مصنّف ، وله شعر ، توفی بهمدان یوم الجمعة من شهر رمضان ٤٢٨ ه ودفن بها. ( وفیات الأعیان ٢ / ١٥٧ رقم ١٩٠ ).

الطوسی (1)) من مصیرهما إلی أن الدلالة تتبع الإرادة ، فلیس ناظراً إلی کون الألفاظ موضوعة للمعانی بما هی مرادة ، کما توهمه بعضٍ الأفاضل (2) ، بل ناظر إلی أن دلالة الألفاظ علی معانیها بالدلالة التصدیقیة ، أیّ دلالتها علی کونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها ، وتتفرع علیها تبعیة مقام الإِثبات للثبوت ، وتفرع الکشف علی الواقع المکشوف ، فإنّه لولا الثبوت فی الواقع ، لما کان للإثبات والکشف والدلالة مجال ، ولذا لا بدّ من إحراز کون المتکلّم بصدد الإِفادة فی إثبات إرادة ما هو ظاهر کلامه ودلالته علی الإرادة ، وإلاّ لما کانت لکلامه هذه الدلالة ، وأنّ کانت له الدلالة التصوریة ، أیّ کون سماعه موجباً لإخطار معناه الموضوع له ، ولو کان من وراء الجدار ، أو من لافظ بلا شعور ولا اختیار.

إن قلت : علی هذا ، یلزم أن لا یکون هناک دلالة عند الخطأ ، والقطع بما لیس بمراد ، أو الاعتقاد بإرادة شیء ، ولم یکن له من اللفظ مراد.

قلت : نعم لا یکون حینئذ دلالة ، بل یکون هناک جهالة وضلالة ، یحسبها الجاهل دلالة ، ولعمری ما أفاده العلمان من التبعیة - علی ما بینّاًه - واضح لا محیص عنه ، ولا یکاد ینقضی تعجبی کیف رضی المتوهم أن یجعل کلامهما ناظراً إلی ما لا ینبغی صدوره عن فاضل ، فضلاً عمن هو عَلَم

ص: 17


1- المحقق خواجه نصیر الدین محمد بن محمد بن الحسن الطوسی الحکیم الفیلسوف ولد فی طوس عام 597 ه. ، درس فی صغره مختلف العلوم وأتقن علوم الریاضیات وکان لا یزال فی مطلع شبابه ، سافر إلی نیشابور وقضی فیها فترة ظهر نبوغه وتفّوقه ، باشر إنشاءً مرشد مراغة وأسس مکتبة مراغة ، حضر درس المحقق الحلّی عندما زار الفیحاء بصحبة هولاکو ، کتب ما یناهز 184 مؤلفاً فی فنون شتیّ ، توفی 682 ه ودفن فی جوار الامام موسی الکاظم علیه السلام . ( أعیان الشیعة 9 / 414 ).
2- صاحب الفصول 17 ، السطر الأخیر

فی التحقیق والتدقیق؟!.

السادس [ وضع المرکبات]

لا وجه لتوهّم وضع للمرکبات ، غیر وضع المفردات ، ضرورة عدم الحاجة إلیه ، بعد وضعها بموادها ، فی مثل ( زید قائم ) و ( ضرب عمرو بکراً ) شخصیاً ، وبهیئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعیا ، ومنها خصوص هیئات المرکبات الموضوعة لخصوصیات النسب والإضافات ، بمزایاها الخاصة من تأکید وحصر وغیرهما نوعیاً ؛ بداهة أن وضعها کذلک وافٍ بتمام المقصود منها ، کما لا یخفی ، من غیر حاجة إلی وضع آخر لها بجملتها ، مع استلزامه الدلالة علی المعنی : تارةً بملاحظة وضع نفسها ، وأخری بملاحظة وضع مفرداتها.

ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلک ، هو وضع الهیئات علی حدة ، غیر وضع المواد ، لا وضعها بجملتها ، علاوة علی وضع کلّ منهما.

السابع [علائم الحقیقة و المجاز]

لا یخفی أن تبادر المعنی من اللفظ ، وانسباقه إلی الذهن من نفسه - وبلا قرینة - علامة کونه حقیقة فیه ؛ بداهة إنّه لولا وضعه له ، لما تبادر.

ولا یقال : کیف یکون علامة؟ مع توقفه علی العلم بإنّه موضوع له ، کما هو واضح ، فلو کان العلم به موقوفاً علیه لدار.

فإنّه یقال : الموقوف علیه غیر الموقوف علیه ، فإن العلم التفصیلی - بکونه موضوعاً له - موقوف علی التبادر ، وهو موقوف علی العلم الإِجمالی الارتکازی به ، لا التفصیلی ، فلا دور. هذا إذا کان المراد به التبادر عند المستعلم ، وأما إذا کان المراد به التبادر عند أهل المحاورة ، فالتغایر أوضح من أن یخفی.

ص: 18

ثم إنّ هذا فیما لو علم استناد الانسباق إلی نفس اللفظ ، وأما فیما احتمل استناده إلی قرینة ، فلا یجدی أصالة عدم القرینة فی إحراز کون الاستناد إلیه ، لا إلیها - کما قیل (1) - لعدم الدلیل علی اعتبارها إلّا فی إحراز المراد ، لا الاستناد.

ثم إن عدم صحة سلب اللفظ - بمعناه المعلوم المرتکز فی الذهن إجمالاً کذلک - عن معنی تکون علامة کونه حقیقة فیه ، کما أن صحة سلبه عنه علامة کونه مجازاً فی الجملة.

والتفصیل : إن عدم صحة السلب عنه ، وصحة الحمل علیه بالحمل الأولی الذاتی ، الذی کان ملاکه الاتحاد مفهوماً ، علامة کونه نفس المعنی ، وبالحمل الشائع الصناعی ، الذی ملاکه الاتحاد وجوداً ، بنحو من أنحاء الاتحاد ، علامة کونه من مصادیقه وأفراده الحقیقیة (2) کما أن صحّة سلبه کذلک علامة إنّه لیس منها ، وأنّ لم نقل بأن إطلاقه علیه من باب المجاز فی الکلمة ، بل من باب الحقیقة ، وأنّ التصرف فیه فی أمر عقلی ، کما صار إلیه السکاکی (3)

واستعلام حال اللفظ ، وإنّه حقیقة أو مجاز فی هذا المعنی بهما ،

ص: 19


1- قوانین الأصول / 13.
2- فیما إذا کان المحمول والمحمول علیه کلیاً وفرداً ، لا فیما إذا کانا کلیین متساویین ، أو غیرهما ، کما لا یخفی. منه قدس سره .
3- مفتاح العلوم / 156 ، الفصل الثالث فی الاستعارة. أبو یعقوب یوسف بن أبی بکر بن محمد السکاکی الخوارزمی ، ولد سنة 555 ه کان علامة بارعاً فی فنون شتّی خصوصا المعانی والبیان ، وله کتاب « مفتاح العلوم » فیه إثنا عشر علما من علوم العربیة ، وله النصیب الوافر فی علم الکلام وسائر الفنون مات بخوارزم سنة 626 ه. ) بغیة الوعاة 2 / 364 رقم 2204 ).

لیس علی وجه دائر ، لما عرفت فی التبادر من التغایر بین الموقوف والموقوف علیه ، بالإِجمال والتفصیل ، أو الاضافة إلی المستعلم والعالم ، فتأمّل جیداً.

ثم إنّه قد ذکر الاطراد وعدمه علامة للحقیقة والمجاز أیضاً ، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذکورة فی المجازات ، حیث لا یطرد صحة استعمال اللفظ معها ، وإلاّ فبملاحظة خصوص ما یصحّ معه الاستعمال ، فالمجاز مطرد کالحقیقة ، وزیادة قید ( من غیر تأویل ) أو ( علی وجه الحقیقة ) (1) ، وأنّ کان موجباً لاختصاص الاطراد کذلک بالحقیقة ، إلّا إنّه - حینئذ - لا یکون علامة لها إلّا علی وجه دائر ، ولا یتأتیّ التفصی عن الدور بما ذکر فی التبادر هنا (2)، ضرورة إنّه مع العلم بکون الاستعمال علی نحو الحقیقة ، لا یبقی مجال لاستعلام (3)حال الاستعمال بالاطراد ، أو بغیره.

الثامن [ احوال اللفظ و تعارضها]

إنّه للّفظ أحوال خمسة ، وهی : التجّوز ، والاشتراک ، والتخصیص ، والنقل ، والاضمار ، لا یکاد یصار إلی أحدها فیما إذا دار الأمر بینه وبین المعنی الحقیقی ، إلّا بقرینة صارفة عنه إلیه.

وأما إذا دار الأمر بینها ، ف الأصولیون ، وأنّ ذکروا لترجیح بعضها علی بعضٍ وجوها ، إلّا إنّها استحسانیة ، لا اعتبارٍ بها ، إلّا إذا کانت موجبة لظهور اللفظ فی المعنی ، لعدم مساعدة دلیل علی اعتبارها بدون ذلک ، کما لا یخفی.

ص: 20


1- الزیادة من صاحب الفصول ، الفصول / 38 ، فصل فی علامة الحقیقة والمجاز.
2- اشتباه من « أ ».
3- فی « ب » : الاستعلام.

التاسع [ الحقیقة الشرعیة]

إنّه اختلفوا فی ثبوت الحقیقة الشرعیة وعدمه علی أقوال ، وقبل الخوض فی تحقیق الحال لا بأس بتمهید مقال ، وهو : أن الوضع التعیینی ، کما یحصل بالتصریح بإنشائه ، کذلک یحصل بإستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له ، کما إذا وضع له ، بأن یقصد الحکایة عنه ، والدلالة علیه بنفسه لا بالقرینة ، وأنّ کان لا بدّ - حینئذ - من نصب قرینة ، إلّا إنّه للدلالة علی ذلک ، لا علی إرادة المعنی ، کما فی المجاز ، فافهم.

وکوُن إستعمال اللفظ فیه کذلک فی غیر ما وضع له ، بلا مراعاة ما اعتبر فی المجاز ، فلا یکون بحقیقة ولا مجاز ، غیر ضائر بعد ما کان مما یقبله الطبع ولا یستنکره ، وقد عرفت سابقاً (1) ، إنّه فی الاستعمالات الشایعة فی المحاورات ما لیس بحقیقة ولا مجاز.

إذا عرفت هذا ، فدعوی الوضع التعیینی فی الألفاظ المتداولة فی لسان الشارع هکذا قریبة جداً ، ومدعی القطع به غیر مجازف قطعاً ، ویدل علیه تبادر المعانی الشرعیة منها فی محاوراته ، ویؤیّد ذلک إنّه ربما لا یکون علاقة معتبرة بین المعانی الشرعیة واللغویة ، فأیّ علاقة بین الصلاة شرعاً والصلاة بمعنی الدعاء ، ومجرد إشتمال الصلاة علی الدعاء لا یوجب ثبوت ما یعتبر من علاقة الجزء والکل بینهما ، کما لا یخفی. هذا کله بناءً علی کون معانیها مستحدثة فی شرعنا.

وأما بناءً علی کونها ثابتة فی الشرائع السابقة ، کما هو قضیة غیر واحد من الآیات ، مثل قوله تعالی ( کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِن

ص: 21


1- راجع صفحة 14 الأمر الرابع.

قَبْلِکُمْ ) (1)وقوله تعالی ( وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ )(2) وقوله تعالی ( وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیًّا ) (3) إلی غیر ذلک ، فألفاظها حقائق لغویة ، لا شرعیة ، واختلاف الشرائع فیها جزءاً وشرطاً ، لا یوجب اختلافها فی الحقیقة والماهیة ؛ إذ لعله کان من قبیل الاختلاف فی المصادیق والمحققات ، کاختلافها بحسب الحالات فی شرعنا ، کما لا یخفی.

ثم لا یذهب علیک إنّه مع هذا الاحتمال ، لا مجال لدعوی الوثوق - فضلاً عن القطع - بکونها حقائق شرعیة ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التی ذکروها علی ثبوتها ، لو سلّم دلالتها علی الثبوت لولاه.

ومنه قد (4)إنقدح حال دعوی الوضع التعیّنی معه ، ومع الغض عنه ، فالانصاف أن منع حصوله فی زمان الشارع فی لسإنّه ولسان تابعیه مکابرة ، نعم حصوله فی خصوص لسإنّه ممنوع ، فتأمل.

وأما الثمرة بین القولین ، فتظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة علی معانیها اللغویة مع عدم الثبوت ، وعلی معانیها الشرعیة علی الثبوت ، فیما إذا علم تأخر الاستعمال ، وفیما إذا جهل التاریخ ، ففیه إشکال ، وأصالة تأخر الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع ، لا دلیل علی اعتبارها تعبداً ، إلّا علی القول بالأصل المثبت ، ولم یثبت بناءً من العقلاء علی التأخر مع الشک ، وأصالة عدم النقل إنّما کانت معتبرة فیما إذا شک فی أصل النقل ، لا فی تأخره ، فتأمل.

ص: 22


1- البقرة / 183.
2- الحج / 27
3- مریم / 31.
4- أثبتناه من « أ ».

العاشر [ الصحیح و الاعم]

اشارة

إنّه وقع الخلاف فی أن الفاظ العبادات ، أساٍم لخصوص الصحیحة أو للأعم منها؟

وقبل الخوض فی ذکر أدلة القولین ، یذکر أمور :

منها : إنّه لا شبهة فی تأتّی الخلاف ، علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة

، وفی جریإنّه علی القول بالعدم إشکال.

وغایة ما یمکن أن یقال فی تصویره : إن النزاع وقع - علی هذا - فی أن الأصل فی هذه الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع ، هو استعمالها فی خصوص الصحیحة أو الأعم ، بمعنی أن أیّهما قد اعتبرت العلاقة بینه وبین المعانی اللغویة ابتداء ، وقد استعمل فی الآخر بتبعه ومناسبته ، کی ینزّل کلامه (1)علیه مع القرینة الصارفة عن المعانی اللغویة ، وعدم قرینة أُخری معینة للآخر.

وأنت خبیر بإنّه لا یکاد یصحّ هذا ، إلّا إذا علم أن العلاقة إنّما اعتبرت کذلک ، وأنّ بناءً الشارع فی محاوراته ، استقر عند عدم نصب قرینة أُخری علی إرادته ، بحیث کان هذا قرینة علیه ، من غیر حاجة إلی قرینة معینة أُخری ، وأنّی لهم بإثبات ذلک.

وقد انقدح بما ذکرنا تصویر النزاع - علی ما نسب (2) إلی الباقلانی (3)

ص: 23


1- فی « أ » : تقدیم ( علیه ) علی ( کلامه ).
2- نسبه ابن الحاجب والعضدی : راجع شرح العضدی علی مختصر الأصول : 1 / 51 - 52.
3- - هو القاضی أبو بکر محمد بن الطیب البصری البغدادی المالکی الأصولی المتکلم کان مشهوراً بالمناظرة وسرعة الجواب توفی سنة 403 ه ببغداد ، ( الکنی والالقاب : 2 / 55 والعِبر فی خبر من غبر : 2 / 207 ).

وذلک بأن یکون النزاع ، فی أن قضیة القرینة المضبوطة التی لا یتعدی عنها إلّا بالاخری - الدالة علی أجزاء المأمور به وشرائطه - هو تمام الإِجزاء والشرائط ، أو هما فی الجملة ، فلا تغفل.

ومنها : أن الظاهر أن الصحة عند الکلّ بمعنی واحد

، وهو التمامیة ، وتفسیرها بإسقاط القضاء - کما عن الفقهاء - أو بموافقة الشریعة - کما عن المتکلمین - أو غیر ذلک ، إنّما هو بالمهم من لوازمها ؛ لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار ، وهذا لا یوجب تعدَّد المعنی ، کما لا یوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر ، والحضر ، والاختیار ، والاضطرار إلی غیر ذلک ، کما لا یخفی.

ومنه ینقدح أن الصحة والفساد أمراًن إضافیان ، فیختلف شیء واحد صحة وفسادا بحسب الحالات ، فیکون تاماً بحسب حالة ، وفاسداً بحسب أُخری ، فتدبرّ جیداً.

ومنها : إنّه لابد علی کلاّ القولین من قدر جامع

فی البین ، کان هو المسمی بلفظ کذا ، ولا إشکال فی وجوده بین الأفراد الصحیحة ، وإمکان الإِشارة إلیه بخواصه وآثاره ، فإن الاشتراک فی الأثر کاشف عن الاشتراک فی جامع واحد ، یؤثر الکلّ فیه بذاک الجامع ، فیصحّ تصویر المسمی بلفظ الصلاة مثلاً : بالناهیة عن الفحشاء ، وما هو معراج المؤمن ، ونحوهما.

والإشکال فیه (1) - بأن الجامع لا یکاد یکون أمراً مرکباً ، إذ کلّ ما فرض جامعاً ، یمکن أن یکون صحیحاً وفاسداً ؛ لما عرفت ، ولا أمراً بسیطاً ، لإنّه لا یخلو : امّا أن یکون هو عنوان المطلوب ، أو ملزوما مساویاً له ، والأول غیر معقول ، لبداهة استحالة أخذ ما لا یتأتّی إلّا من قبل الطلب فی متعلقه ،

ص: 24


1- الإِشکال من صاحب التقریرات ، مطارح الأنظار / 6.

مع لزوم الترادف بین لفظة الصلاة والمطلوب ، وعدم جریان البراءة مع الشک فی أجزاء العبادات وشرائطها ، لعدم الإِجمال - حینئذ - فی المأمور به فیها ، وإنما الإِجمال فیما یتحقق به ، وفی مثله لا مجال لها ، کما حقق فی محله ، مع أن المشهور القائلین بالصحیح ، قائلون بها فی الشک فیها ، وبهذا یشکل لو کان البسیط هو ملزوم المطلوب أیضاً - مدفوع ، بأن الجامع إنّما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المرکبات المختلفة زیادة ونقیصة بحسب إختلاف الحالات ، متحد معها نحو إتحاد ، وفی مثله تجری البراءة ، وإنما لا تجری فیما إذا کان المأمور به أمراً واحداً خارجیاً ، مسبباً عن مرکب مردد بین الأقلّ والأکثر ، کالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فیما إذا شک فی أجزائهما ، هذا علی الصحیح.

وأما علی الأعم ، فتصویر الجامع فی غایة الإِشکال ، فما قیل فی تصویره أو یقال : وجوه (1) :

أحدها (2) : أن یکون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة ، کالأرکان فی الصلاة مثلاً ، وکان الزائد علیها معتبراً فی المأمور به لا فی المسمیّ.

وفیه ما لا یخفی ، فإن التسمیة بها حقیقة لا تدور مدارها ، ضرورة صدق الصلاة مع الإِخلال ببعض الأرکان ، بل وعدم الصدق علیها مع الإِخلال بسائر الإِجزاء والشرائط عند الأعمی ، مع إنّه یلزم أن یکون الاستعمال فیما هو المأمور به - بأجزائه وشرائطه - مجازاً عنده ، وکان من باب إستعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکلّ ، لا من باب إطلاق الکلّی علی الفرد والجزئی ، کما هو واضح ، ولا یلتزم به القائل بالأعم ، فافهم.

ص: 25


1- راجع القوانین / 40 فی الصحیح والأعم ، ومطارح الأنظار / 7 فی الصحیح والأعم ، والفصول / 46.
2- هذا ما یظهر من صاحب القوانین ، القوانین 1 / 44 فی الصحیح والأعم.

ثانیها : أن تکون موضوعة لمعظم الإِجزاء التی تدور مدارها التسمیة عرفاً ، فصدق الاسم کذلک یکشف عن وجود المسمی ، وعدم صدقه عن عدمه.

وفیه - مضافاً إلی ما أورد علی الأوّل أخیراً - إنّه علیه یتبادل ما هو المعتبر فی المسمی ، فکان شیء واحد داخلاً فیه تارةً ، و خارجاً عنه أُخری ، بل مردداً بین أن یکون هو الخارج أو غیره عند إجتماع تمام الإِجزاء ، وهو کما تری ، سیمّا إذا لوحظ هذا مع ما علیه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.

ثالثها : أن یکون وضعها کوضع الأعلام الشخصیة ک ( زید ) فکما لا یضر فی التسمیة فیها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والکبر ، ونقص بعضٍ الإِجزاء وزیادته ، کذلک فیها.

وفیه : أن الأعلام إنّما تکون موضوعة للاشخاص ، والتشخص إنّما یکون بالوجود الخاص ، ویکون الشخص حقیقة باقیاً ما دام وجوده باقیاً ، وأنّ تغیرت عوارضه من الزیادة والنقصان ، وغیرهما من الحالات والکیفیات ، فکما لا یضّر اختلافها فی التشخص ، لا یضّر اختلافها فی التسمیة ، وهذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما کانت موضوعة للمرکبات والمقیدات ، ولا یکاد یکون موضوعاً له ، إلّا ما کان جامعاً لشتاتها وحاویاّ لمتفرقاتها ، کما عرفت فی الصحیح منها.

رابعها : إن ما وضعت له الألفاظ إبتداءً هو الصحیح التام الواجد لتمام الإِجزاء والشرائط ، إلّا أن العرف یتسامحون - کما هو دیدنهم - ویطلقون تلک الألفاظ علی الفاقد للبعض ، تنزیلاً له منزلة الواجد ، فلا یکون مجازاً فی الکلمة - علی ما ذهب إلیه السکاکی (1) فی الاستعارة - بل یمکن دعوی

ص: 26


1- 1. مفتاح العلوم / 156 ، الفصل الثالث فی الاستعارة.

صیرورته حقیقة فیه ، بعد الاستعمال فیه کذلک دفعة أو دفعات ، من دون حاجة إلی الکثرة والشهرة ، للأنس الحاصل من جهة المشابهة فی الصورة ، أو المشارکة فی التأثیر ، کما فی أسامی المعاجین الموضوعة ابتداءً لخصوص مرکبات واجدة لاجزاء خاصة ، حیث یصحّ إطلاقها علی الفاقد لبعض الإِجزاء المشابه له صورة ، والمشارک فی المهمّ أثرا ، تنزیلاً أو حقیقة.

وفیه : إنّه إنّما یتم فی مثل أسامی المعاجین ، وسائر المرکبات الخارجیة مما یکون الموضوع له (1) فیها ابتداءً مرکباً ، خاصاً ، ولا یکاد یتم فی مثل العبادات ، التی عرفت أن الصحیح منها یختلف حسب إختلاف الحالات ، وکون الصحیح بحسب حالة فاسداً (2)بحسب حالة أُخری ، کما لا یخفی ، فتأمل جیداً.

خامسها : أن یکون حالها حال أسامی المقادیر والأوزان ، مثل المثقال ، والحقة ، والوزنة إلی غیر ذلک ، مما لا شبهة فی کونها حقیقة فی الزائد والناقص فی الجملة ، فإن الواضع وأنّ لاحظ مقداراً خاصاً ، إلّا إنّه لم یضع له بخصوصه ، بل للأعم منه ومن الزائد والناقص ، أو إنّه وأنّ خص به أولاً ، إلّا إنّه بالاستعمال کثیراً فیهما بعنایة إنّهما منه ، قد صار حقیقة فی الأعم ثانیاً.

وفیه : إن الصحیح - کما عرفت فی الوجه السابق - یختلف زیادة ونقیصة ، فلا یکون هناک ما یلحظ الزائد والناقص بالقیاس علیه ، کی یوضع اللفظ لما هو الأعم ، فتدبرّ جیداً.

ومنها ان الظاهر أن یکون الوضع والموضوع له فی ألفاظ العبادات عامین

واحتمال کون الموضوع له خاصاً بعید جداً ، لاستلزامه کون

ص: 27


1- فی « ب » : الموضوع فیها.
2- فی « أ و ب » : فاسد.

استعمالها فی الجامع ، فی مثل : ( الصلاة تنهی عن الفحشاء ) و ( الصلاة معراج المؤمن ) و [ ( عمود الدین ) ] (1) و ( الصوم جنة من النار ) مجازاً ، أو منع استعمالها فیه فی مثلها ، وکل منهما بعید إلی الغایة ، کما لا یخفی علی أولی النهایة.

ومنها أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب علی القول الصحیحی

وعدم جواز الرجوع إلی إطلاقه ، فی رفع ما إذا شک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته أصلاً ، لاحتمال دخوله فی المسمی ، کما لا یخفی ، وجواز الرجوع إلیه فی ذلک علی القول الأعمی ، فی غیر ما إحتمل دخوله فیه ، مما شک فی جزئیته أو شرطیته ، نعم لا بدّ فی الرجوع إلیه فیما ذکر من کونه وارداً مورد البیان ، کما لا بدّ منه فی الرجوع إلی سائر المطلقات ، وبدونه لا مرجع أیضاً إلّا البراءة أو الإِشتغال ، علی الخلاف فی مسألة دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین.

وقد إنقدح بذلک : إن الرجوع إلی البراءة أو الإِشتغال فی موارد إجمال الخطاب أو إهماله علی القولین ، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلی البراءة علی الأعم ، والاشتغال علی الصحیح (2) ، ولذا ذهب المشهور إلی البراءة ، مع ذهابهم إلی الصحیح.

وربما قیل (3) بظهور الثمرة فی النذر أیضاً.

قلت : وأنّ کان تظهر فیما لو نذر لمن صلّی إعطاء درهم فی البرء فیما لو أعطاه لمن صلّی ، ولو علم بفساد صلاته ، لاخلاله بما لا یعتبر فی الاسم علی الأعم ، وعدم البرء علی الصحیح ، إلّا إنّه لیس بثمرة لمثل هذه

ص: 28


1- أثبتناها من ( ب ).
2- القوانین 1 / 40 ، مبحث الصحیح والأعم.
3- القوانین 1 / 43 ، مبحث الصحیح والأعم.

المسألة ، لما عرفت من أن ثمرة المسألة الأصولیة ، هی أن تکون نتیجتها واقعة فی طریق استنباط الأحکام الفرعیة ، فافهم. وکیف کان

فقد استدل للصحیحی بوجوده

أحدها التبادر

ودعوی أن المنسبق إلی الأذهان منها هو الصحیح ، ولا منافاة بین دعوی ذلک ، وبین کون الألفاظ علی هذا القول مجملات ، فإن المنافاة إنّما تکون فیما إذا لم تکن معانیها علی هذا مبینة بوجه ، وقد عرفت کونها مبینة بغیر وجه.

ثانیها صحة السلب عن الفاسد

بسبب الإِخلال ببعض أجزائه ، أو شرائطه بالمداقة ، وأنّ صحّ الإِطلاق علیه بالعنایة.

ثالثها الإخبار

الظاهرة فی إثبات بعضٍ الخواص والآثار للمسمّیات مثل ( الصلاة عمود الدین ) (1)أو ( معراج المؤمن ) (2) و ( الصوم جنة من النار ) (3) إلی غیر ذلک ، أو نفی ماهیّتها وطبائعها ، مثل ( لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب ) (4) ونحوه ، مما کان ظاهراً فی نفی الحقیقة ، بمجرد فقد ما یعتبر فی الصحة شطراً أو شرطاً ، وإرادةُ خصوص الصحیح من الطائفة الأولی ، ونفی الصحة من الثانیة ؛ لشیوع إستعمال هذا الترکیب فی نفی مثل الصحة أو الکمال خلاف الظاهر ، لا یصار إلیه مع عدم نصب قرینة علیه ، واستعمال هذا الترکیب فی نفی الصفة ممکن المنع ، حتی فی مثل ( لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد ) (5) مما یعلم أن المراد نفی الکمال ، بدعوی استعماله

ص: 29


1- دعائم الاسلام 1 : 133 ، جامع الإخبار / 85 ، الکافی 3 / 99 باب النفساء الحدیث 4 غوالی اللآلی 1 / 322 الحدیث 55.
2- لم نجده فی کتب الحدیث ، ولکن أورده فی جواهر الکلام 7 / 2.
3- الفقیه 2 / 44 باب فضل الصیام ، الحدیث 1 و 5 ، الکافی 4 / 62 باب ما جاء فی فضل الصوم والصائم الحدیث 1.
4- غوالی اللآلی 1 : 196 ، الحدیث 2 وغوالی اللآلی 2 : 218 الحدیث 13.
5- دعائم الاسلام 1 : 148 ، التهذیب 3 : 261 باب 25 فضل المساجد والصلاة فیها ،

فی نفی الحقیقة ، فی مثله أیضاً بنحو من العنایة ، لا علی الحقیقة ، وإلاّ لما دلّ علی المبالغة ، فافهم (1).

رابعها

دعوی القطع بأن طریقة الواضعین ودیدنهم ، وضع الألفاظ للمرکبات التامة ، کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه ، والحاجة وأنّ دعت أحیاناً إلی إستعمالها فی الناقص أیضاً ، إلّا إنّه لا یقتضی أن یکون بنحو الحقیقة ، بل ولو کان مسامحة ، تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد.

والظاهر أن الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة.

ولا یخفی أن هذه الدعوی وأنّ کانت غیر بعیدة ، إلّا إنّها قابلة للمنع ، فتأمل.

وقد إستدل للأعمّی أیضاً بوجوه

منها : تبادر الأعم.

وفیه : إنّه قد عرفت الإِشکال فی تصویر الجامع الذی لا بدّ منه ، فکیف یصحّ معه دعوی التبادر.

ومنها : عدم صحة السلب عن الفاسد

وفیه منع ، لما عرفت.

ومنها : صحة التقسیم إلی الصحیح والسقیم

وفیه إنّه إنّما یشهد علی إنّها للأعم ، لو لم تکن هناک دلالة علی کونها موضوعة للصحیح ، وقد عرفتها ، فلا بدّ أن یکون التقسیم بملاحظة ما یستعمل فیه اللفظ ، ولو بالعنایة.

ص: 30


1- إشارة إلی أن الإخبار المثبتة للآثار وأنّ کانت ظاهرة فی ذلک - لمکان أصالة الحقیقة ، ولازم ذلک کون الموضوع له للاسماء هو الصحیح ، ضرورة اختصاص تلک الآثار به - إلّا إنّه لا یثبت بأصالتها کما لا یخفی ، لاجرائها العقلاء فی إثبات المراد ، لا فی إنّه علی نحو الحقیقة لا المجاز ، فتأمّل جیداً ، منه قدس سره .
ومنها استعمال الصلاة وغیرها فی غیر واحد من الإخبار فی الفاسدة

کقوله علیه الصلاة والسلام ( بنی الاسلام علی خمس : الصلاة ، والزکاة ، والحج ، والصوم ، والولایة ، ولم یناد أحد بشیء کما نودی بالولایة ، فأخذ الناس بأربع ، وترکوا هذه ، فلو أن أحداً صام نهاره وقام لیله ، ومات بغیر ولایة ، لم یقبل له صوم ولا صلاة ) (1) ، فإن الأخذ بالاربع ، لا یکون بناءً علی بطلان عبادات تارکی الولایة ، إلّا إذا کانت أسامی للاعم. وقوله علیه السلام : ( دعی الصلاة أیام أقرائک ) (2) ضرورة إنّه لو لم یکن المراد منها الفاسدة ، لزم عدم صحة النهی عنها ، لعدم قدرة الحائض علی الصحیحة منها.

وفیه : أن الاستعمال أعم من الحقیقة ،

مع أن المراد فی الروایة الأولی ، هو خصوص الصحیح بقرینة إنّها مما بنی علیها الإسلام ، ولا ینافی ذلک بطلان عبادة منکری الولایة ، إذ لعل أخذهم بها إنّما کان بحسب اعتقادهم لا حقیقة ، وذلک لا یقتضی استعمالها فی الفاسد أو الأعم ، والاستعمال فی قوله : ( فلو أن أحداً صام نهاره ) [ إلی آخره ] (3) ، کان کذلک - أیّ بحسب اعتقادهم - أو للمشابهة والمشاکلة.

وفی الروایة الثانیة ، الإِرشاد (4) إلی عدم القدرة علی الصلاة ، وإلاّ کان الإِتیان بالأرکان ، وسائر ما یعتبر فی الصلاة ، بل بما یسمی فی العرف بها ،

ص: 31


1- 1. الکافی 2 / 15 باب 13 دعائم الاسلام - الخصال / 277 باب الخمسة ، الحدیث 21 غوالی اللآلی 1 / 82 ، الفصل الخامس ، الحدیث 4.
2- 2. التهذیب 1 / 384 باب 19 الحیض والاستحاضة والنفاس ، الحدیث 6 - الکافی 3 / 88 باب جامع فی الحائض والمستحاضة الحدیث 1. غوالی اللآلی 2 / 207 باب الطهارة الحدیث 124.
3- 3. أثبتنا هذه العبارة من « ب ».
4- 4. وفی بعضٍ النسخ المطبوعة ( النهی للإِرشاد ).

ولو أخلّ بما لا یضر الإِخلال به بالتسمیة عرفاً. محرماً علی الحائض ذاتاً ، وأنّ لم تقصد به القربة.

ولا أظن أن یلتزم به المستدل بالروایة ، فتأمل جیداً.

ومنها : إنّه لااشکال فی صحة تعلق النذر وشبهه بترک الصلاة فی مکان تکره فیه

وحصول الحنث بفعلها ، ولو کانت الصلاة المنذور ترکها خصوص الصحیحة ، لا یکاد یحصل به الحنث أصلاً ، لفساد الصلاة المأتیّ بها لحرمتها ، کما لا یخفی ، بل یلزم المحال ، فإن النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحیح منها ، ولا یکاد یکون معه صحیحة ، وما یلزم من فرض وجوده عدمه محال.

قلت : لا یخفی إنّه لو صحّ ذلک ، لا یقتضی إلّا عدم صحة تعلق النذر بالصحیح ، لا عدم وضع اللفظ له شرعاً ، مع أن الفساد من قبل النذر لا ینافی صحة متعلقة ، فلا یلزم من فرض وجودها عدمها.

ومن هنا إنقدح أن حصول الحنث إنّما یکون لأجل الصحة ، لولا تعلقه ، نعم لو فرض تعلقه بترک الصلاة المطلوبة بالفعل (1)، لکان منع حصول الحنث بفعلها بمکان من الأمکان.

بقی اُمور

الأول [إن أسامی المعاملات موضوعة للصحیحة أو للأعم]

إن أسامی المعاملات ، إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم ، لعدم إتصافها بهما ، کما لا یخفی ، بل بالوجود تارةً وبالعدم أُخری ، وأما إن کانت موضوعة للاسباب ،

ص: 32


1- ولو مع النذر ، ولکن صحته کذلک مشکل ، لعدم کون الصلاة معه صحیحة مطلوبة ، فتأمل جیداً. منه [ قدس سره ].

فللنزاع فیه مجال ، لکنه لا یبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة أیضاً ، وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر کذا شرعاً وعرفاً. والاختلاف بین الشرع والعرف فیما یعتبر فی تأثیر العقد ، لا یوجب الاختلاف بینهما فی المعنی ، بل الاختلاف فی المحققات والمصادیق ، وتخطئة الشرع العرف فی تخیّل کون العقد بدون ما اعتبره فی تأثیره ، محققاً لما هو المؤثر ، کما لا یخفی فافهم.

الثانی أن کون ألفاظ المعاملات أسامی للصحیحة لا یوجب إجمالها

کألفاظ العبادات ، کی لا یصحّ التمسک بإطلاقها عند الشک فی اعتبارٍ شیء فی تأثیرها (1) شرعاً ، وذلک لأن إطلاقها - لو کان مسوقاً فی مقام البیان - ینزّل علی أن المؤثر عند الشارع ، هو المؤثر عند أهل العرف ، ولم یعتبر فی تأثیره عنده غیر ما اعتبر فیه عندهم ، کما ینزّل علیه إطلاق کلام غیره ، حیث إنّه منهم ، ولو اعتبر فی تأثیره ما شک فی اعتباره ، کان علیه البیان ونصب القرینة علیه ، وحیث لم ینصب ، بانَ عدم اعتباره عنده أیضاً. ولذا یتمسکون بالإِطلاق فی أبواب المعاملات ، مع ذهابهم إلی کون ألفاظها موضوعة للصحیح.

نعم لو شک فی اعتبارٍ شیء فیها عرفاً ، فلا مجال للتمسک بإطلاقها فی عدم اعتباره ، بل لابد من اعتباره ، لاصالة عدم الأثر بدونه ، فتأمل جیداً.

الثالث[أنّ دخل شیء فی المأمور به]

إنّ دخل شیء وجودی أو عدمی فی المأمور به :

تارة : بأن یکون داخلاً فیما یأتلف منه ومن غیره ، وجعل جملته متعلقاً للأمر ، فیکون جزءا له وداخلاً فی قوامه.

وأخری : بأن یکون خارجاً عنه ، لکنه کان مما لا یحصل الخصوصیة

ص: 33

المأخوذة فیه بدونه ، کما إذا اُخذ شیء مسبوقاً أو ملحوقاً به أو مقارناً له ، متعلقاً للأمر ، فیکون من مقدماته لا مقوماته.

وثالثة : بأن یکون مما یتشخص به المأمور به ، بحیث یصدق علی المتشخص به عنوإنّه ، وربما یحصل له بسببه مزیة أو نقیصة ، ودخل هذا فیه أیضاً ، طوراً بنحو الشطرّیة وآخر بنحو الشرطیّة ، فیکون الإِخلال بما له دخل بأحد النحوین فی حقیقة المأمور به وماهیته ، موجباً لفساده لا محالة ، بخلاف ماله الدخل فی تشخصه وتحققه مطلقاً. شطراً کان أو شرطاً ، حیث لا یکون الإِخلال به إلّا إخلالاً بتلک الخصوصیة ، مع تحقق الماهیة بخصوصیة أُخری ، غیر موجبة لتلک المزیة ، بل کانت موجبة لنقصإنّها ، کما أشرنا إلیه ، کالصلاة فی الحمام.

ثم إنّه ربما یکون الشیء مما یندب إلیه فیه ، بلا دخل له أصلاً - لا شطراً ولا شرطاً - فی حقیقته ، ولا فی خصوصیته وتشخصه ، بل له دخل ظرفاً فی مطلوبیّته ، بحیث لا یکون مطلوباً إلّا إذا وقع فی أثنائه ، فیکون مطلوباً نفسیاً فی واجب أو مستحب ، کما إذا کان مطلوباً کذلک ، قبل أحدهما أو بعده ، فلا یکون الإِخلال به موجباً للاخلال به ماهیة ولا تشخصاً وخصوصیة أصلاً.

إذا عرفت هذا کله ، فلا شبهة فی عدم دخل ما ندب إلیه فی العبادات نفسیاً فی التسمیة بأسامیها ، وکذا فیما له دخل فی تشخصها مطلقاً ، وأما ماله الدخل شرطاً فی أصل ماهیتها ، فیمکن الذهاب أیضاً إلی عدم دخله فی التسمیة بها ، مع الذهاب إلی دخل ما له الدخل جزءاً فیها ، فیکون الإِخلال بالجزء مخلاً بها ، دون الإِخلال بالشرط ، لکنک عرفت أن الصحیح اعتبارهما فیها.

ص: 34

الحادی عشر [ الاشتراک اللفظی]

الحق وقوع الاشتراک ، للنقل والتبادر ، وعدم صحة السلب ، بالنسبة إلی معنیین أو أکثر للفظ واحد. وأنّ أحاله بعضٍ ، لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن ، لمنع الإِخلال أولاً ، لإمکان الاتکال علی القرائن الواضحة ، ومنع کونه مخلاً بالحکمة ثانیاً ، لتعلق الغرض بالإِجمال أحیاناً ، کما أن استعمال المشترک فی القرآن لیس بمحال کما توهّم ، لأجل لزوم التطویل بلا طائل ، مع الاتکال علی القرائن والإِجمال فی المقال ، لو لا الاتکال علیها. وکلاهما غیر لائق بکلامه تعالی جل شإنّه ، کما لا یخفی ، وذلک لعدم لزوم التطویل ، فیما کان الاتکال علی حال أو مقال أتی به لغرض آخر ، ومنع کون الإِجمال غیر لائق بکلامه تعالی ، مع کونه مما یتعلق به الغرض ، وإلاّ لما وقع المشتبه فی کلامه ، وقد أخبر فی کتابه الکریم(1) ، بوقوعه فیه قال الله تعالی ( مِنْهُ آیَاتٌ مُّحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (2)

وربما توهّم وجوب وقوع الاشتراک فی اللغات ، لأجل عدم تناهی المعانی ، وتناهی الألفاظ المرکبات ، فلا بدّ من الاشتراک فیها.

وهو فاسد لوضوح (3) امتناع الاشتراک فی هذه المعانی ، لاستدعائه الأوضاع الغیر المتناهیة ، ولو سلّم لم یکد یجدی إلّا فی مقدار متناه ، مضافاً إلی تناهی المعانی الکلیة ، وجزئیاتها وأنّ کانت غیر متناهیة ، إلّا أن وضع الألفاظ بإزاء کلیاتها ، یغنیً عن وضع لفظ بإزائها ، کما لا یخفی ، مع أن المجاز باب واسع ، فافهم.

ص: 35


1- لا توجد کلمة « الکریم » فی نسخة ( أ ).
2- آل عمران / 7.
3- فی « ب » : بوضوح.

الثانی عشر [استعمال اللفظ فی اکثر من معنی]

اشارة

إنّه قد اختلفو فی جواز استعمال اللفظ ، فی أکثر من معنی علی سبیل الانفراد والاستقلال ، بأن یراد منه کلّ واحد ، کما إذا لم یستعمل إلّا فیه ، علی أقوال (1):

أظهرها عدم جواز الاستعمال فی الأکثر عقلاً.

وبیإنّه : إن حقیقة الاستعمال لیس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنی ، بل جعله وجهاً وعنواناً له ، بل بوجه نفسه کإنّه الملقی ، ولذا یسری إلیه قبحه وحسنه کما لا یخفی ، ولا یکاد یمکن جعل اللفظ کذلک ، إلّا لمعنی واحد ، ضرورة أن لحاظه هکذا فی إرادة معنی ، ینافی لحاظه کذلک فی إرادة الآخر ، حیث أن لحاظه کذلک ، لا یکاد یکون إلّا بتبع لحاظ المعنی فانیاً فیه ، فناء الوجه فی ذی الوجه ، والعنوان فی المعنون ، ومعه کیف یمکن إرادة معنی آخر معه کذلک فی استعمال واحد ، ومع استلزامه للحاظ آخر غیر لحاظه کذلک فی هذا الحال.

وبالجملة (2) : لا یکاد یمکن فی حال استعمال واحد ، لحاظه وجهاً لمعنیین وفانیاً فی الاثنین ، إلّا أن یکون اللاحظ أحول العینین.

فانقدح بذلک امتناع استعمال اللفظ مطلقاً - مفرداً کان أو غیره - فی أکثر من معنی بنحو الحقیقة أو المجاز ، ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه فإن اعتبارٍ الوحدة فی الموضوع له واضح المنع.

وکون (3) الوضع فی حال وحدة المعنی ، وتوقیفیته لا یقتضی عدم

ص: 36


1- القوانین 1 / 67 ، فی بیان الاشتراک ، معالم الدین فی الأصول / 32.
2- فی « أ » : وفی الجملة.
3- هذا ردّ علی المحقق القمی ، القوانین 1 / 67.

الجواز ، بعد ما لم تکن الوحدة قیداً للوضع ، ولا للموضوع له ، کما لا یخفی.

ثم لو تنزلنا عن ذلک ، فلا وجه للتفصیل (1)بالجواز علی نحو الحقیقة فی التثنیة والجمع ، وعلی نحو المجاز فی المفرد ، مستدلا علی کونه بنحو الحقیقة فیهما ، لکونهما بمنزلة تکرار اللفظ وبنحو المجاز فیه ، لکونه موضوعاً للمعنی بقید الوحدة ، فإذا استعمل فی الأکثر لزم إلغاء قید الوحدة ، فیکون مستعملاً فی جزء المعنی ، بعلاقة الکلّ والجزء ، فیکون مجازاً ، وذلک لوضوح أن الألفاظ لا تکون موضوعة إلّا لنفس المعانی ، بلا ملاحظة قید الوحدة ، وإلاّ لما جاز الاستعمال فی الأکثر ؛ لأن الأکثر لیس جزء المقید بالوحدة ، بل یباینه مباینة الشیء بشرط شیء ، والشیء بشرط لا ، کما لا یخفی.

والتثنیة والجمع وأنّ کانا بمنزلة التکرار فی اللفظ ، إلّا أن الظاهر أن اللفظ فیهما کإنّه کررّ واُرید من کلّ لفظ فرد من أفراد معناه ، لا إنّه أُرید منه معنی من معانیه ، فإذا قیل مثلاً : ( جئنی بعینین ) أُرید فردان من العین الجاریة ، لا العین الجاریة والعین الباکیة ، والتثنیة والجمع فی الأعلام ، إنّما هو بتأویل المفرد إلی المسمی بها ، مع إنّه لو قیل بعدم التأویل ، وکفایة الاتحاد فی اللفظ ، فی استعمالهما حقیقة ، بحیث جاز إرادة عین جاریة وعین باکیة من تثنیِة العین حقیقة ، لما کان هذا من باب استعمال اللفظ فی الأکثر ، لأن هیئتهما إنّما تدلّ علی إرادة المتعدد مما یراد من مفردهما ، فیکون استعمالهما وإرادة المتعدد من معانیه ، استعِمالهما فی معنی واحد ، کما إذا استعملا وأرید المتعدد من معنی واحد منهما ، کما لا یخفی.

نعم لو أُرید مثلاً من عینین ، فردان من الجاریة ، وفردان من الباکیة ، کان من استعمال العینین فی المعنیین ، إلّا أن حدیث التکرار لا یکاد یجدی فی ذلک أصلاً ، فإن فیه إلغاء قید الوحدة المعتبرة أیضاً ، ضرورة أن التثنیة

ص: 37


1- المفصَّل هو صاحب المعالم ، معالم الدین / 32.

عنده إنّما یکون لمعنیین ، أو لفردین بقید الوحدة ، والفرق بینهما وبین المفرد إنّما یکون فی إنّه موضوع للطبیعة ، وهی موضوعة لفردین منها أو معنیین ، کما هو أوضح من أن یخفی.

وهم ودفع :

لعلک تتوهم أن الإخبار الدالّة علی أن للقرآن بطوناً - سبعة أو سبعین - تدلّ علی وقوع استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد ، فضلاً عن جوازه ، ولکنک غفلت عن إنّه لا دلالة لها أصلاً علی أن إرادتها کان من باب إرادة المعنی من اللفظ ، فلعله کان بارادتها فی أنفسها حال الاستعمال فی المعنی ، لا من اللفظ ، کما إذا استعمل فیها ، أو کان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فیه اللفظ ، وأنّ کان أفهامنا قاصرة عن إدراکها.

الثالث عشر [المشتق]

اشارة

إنّه اختلفوا فی أن المشتق حقیقة فی خصوص ما تلبس بالمبدأ فی الحال ، أو فیما یعمه وما انقضی عنه علی أقوال ، بعد الاتفاق علی کونه مجازاً فیما یتلبس به فی الاستقبال ، وقبل الخوض فی المسألة ، وتفصیل الأقوال فیها ، وبیان الاستدلال علیها ،

ینبغی تقدیم أمور :

أحدها : إن المراد بالمشتق هاهنا لیس مطلق المشتقات ، بل خصوص ما یجری منها علی الذوات ، مما یکون مفهمومه منتزعا عن الذات ، بملاحظة اتصافها بالمبدأ ، واتحادها معه بنحو من الاتحاد ، کان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور والإیجاد (1) ، کأسماء الفاعلین والمفعولین والصفات المشبهات ، بل وصیغ المبالغة ، وأسماء الازمنة والأمکنة والآلات ، کما هو ظاهر العنوانات ، وصریح بعضٍ المحققین ، مع عدم صلاحیة ما یوجب

ص: 38


1- وفی بعضٍ النسخ المطبوعة : أو الإیجاد.

اختصاص النزاع بالبعض إلّا التمثیل به ، وهو غیر صالح ، کما هو واضح.

فلا وجه لما زعمه بعضٍ الأجلّة (1) ، من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما یلحق بها ، وخروج سائر الصفات ، ولعل منشأه توهّم کون ما ذکره لکلّ منها من المعنی ، مما اتفق علیه الکلّ ، وهو کما تری ، واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادیء المشتقات ، بحسب الفعلیة والشأنیة والصناعة والملکة - حسبما نشیر إلیه (2) - لا یوجب تفاوتاً فی المهمّ من محلّ النزاع ها هنا ، کما لا یخفی.

ثم إنّه لا یبعد أن یراد بالمشتق فی محلّ النزاع ، مطلق ما کان مفهومه ومعناه جاریاً علی الذات ومنتزعاً عنها ، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضی ولو کان جامدا ، کالزوج والزوجة والرق والحّر.

وإن (3) أبیت إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق ، کما هو قضیة الجمود علی ظاهر لفظه ، فهذا القسم من الجوامد أیضاً محلّ النزاع.کما یشهد به ما عن الأیضاًح (4) فی باب الرضاع ، فی مسألة من کانت له زوجتان کبیرتان ، أرضعتا زوجته الصغیرة ، ما هذا لفظه : « تحرم المرضعة الأولی والصغیرة مع الدخول ب [ إحدی ] (5) الکبیرتین [ بالإِجماع ] وأما المرضعة الأخری (6) ففی تحریمها خلاف ، فاختار والدی المصنّف رحمه الله (7) وابن ادریس تحریمها لأن هذه یصدق علیها [ إنّها ] اُم زوجته ، لإنّه لا یشترط فی [ صدق ] المشتق بقاء [ المعنی ] المشتق منه فکذا (8)

ص: 39


1- صاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فی المشتق.
2- إشارة إلی ما سیأتی من تفصیل الکلام فی الأمر الرابع صفحة : 43.
3- فی « ب » : فإن أبیت.
4- أیضاًح الفوائد 3 : 52 ، أحکام الرضاع.
5- وردت الزیارات فی المصدر.
6- فی الأیضاًح ( الأخیرة ) ، وفی النسخ ( الآخرة ).
7- لم یوجد فی الأیضاًح.
8- هکذا فی المصدر وفی النسخ ( هکذا هاهنا ).

هنا )(1) وما عن المسالک (2)فی هذه المسألة ، من ابتناء الحکم فیها علی الخلاف فی مسألة المشتق.

فعلیه کلّ ما کان مفهومه منتزعاً من الذات ، بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتیات - کانت عرضاً أو عرضیا - کالزوجیة والرّقیّة والحریة وغیرها من الاعتبارات والإضافات ، کان محلّ النزاع وأنّ کان جامداً ، وهذا بخلاف ما کان مفهومه منتزعاً عن مقام الذات والذاتیات ، فإنّه لا نزاع فی کونه حقیقة فی خصوص ما إذا کانت الذات باقیة بذاتیاتها.

ثانیها : قد عرفت إنّه لا وجه لتخصیص النزاع ببعض المشتقات الجاریة علی الذوات ، إلّا إنّه ربما یشکل بعدم إمکان جریإنّه فی اسم الزمان ، لأن الذات فیه وهی الزمان بنفسه ینقضی وینصرم ، فکیف یمکن أن یقع النزاع فی أن الوصف الجاری علیه حقیقة فی خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال ، أو فیما یعم المتلبس به فی المضی؟

ویمکن حل الإِشکال بأن انحصار مفهوم عام بفرد - کما فی المقام - لا یوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام ، وإلاّ لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة ، مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام ، مع انحصاره فیه تبارک وتعالی.

ثالثها : إنّه من الواضح خروج الأفعال والمصادر المزید فیها عن حریم النزاع ؛ لکونها غیر جاریة علی الذوات ، ضرورة أن المصادر المزید فیها کالمجردة ، فی الدلالة علی ما یتصف به الذوات ویقوم بها کما لا یخفی وأنّ الأفعال إنّما تدلّ علی قیام للمبادئ بها قیام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو ترکها منها ، علی اختلافها.

إزاحة شبهة :

قد اشتهر فی ألسنة النحاة دلالة الفعل علی الزمان ، حتی أخذوا

ص: 40


1- أیضاًح الفوائد 52:3 ، أحکام الرضاع.
2- المالک 1 / 475، کتاب النکاح.

الاقتران بها فی تعریفه. وهو اشتباه ، ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهی علیه ، بل علی إنشاءً طلب الفعل أو الترک ، غایة الأمر نفس الإِنشاء بهما فی الحال ، کما هو الحال فی الإخبار بالماضی أو المستقبل أو بغیرهما ، کما لا یخفی ، بل یمکن منع دلالة غیرهما من الأفعال علی الزمان إلّا بالإِطلاق والإِسناد إلی الزمانیات ، وإلاّ لزم القول بالمجاز والتجرید ، عند الإِسناد إلی غیرها من نفس الزمان والمجردات.

نعم لا یبعد أن یکون لکلّ من الماضی والمضارع - بحسب المعنی - خصوصیة أُخری موجبة للدلالة علی وقوع النسبة ، فی الزمان الماضی فی الماضی ، وفی الحال أو الاستقبال فی المضارع ، فیما کان الفاعل من الزمانیات ، ویؤیده أن المضارع یکون مشترکا معنویاً بین الحال والاستقبال ، ولا معنی له إلّا أن یکون له خصوص معنی صحّ انطباقه علی کلّ منهما ، إلّا إنّه یدلّ علی مفهوم زمان یعمهما ، کما أن الجملة الاسمیة ک ( زید ضارب ) یکون لها معنی صحّ انطباقه علی کلّ واحد من الأزمنة ، مع عدم دلالتها علی واحد منها أصلاً ، فکانت الجملة الفعلیة مثلها.

وربما یؤید ذلک أن الزمان الماضی فی فعله ، وزمان الحال أو الاستقبال فی المضارع ، لا یکون ماضیاً أو مستقبلاً حقیقة لا محالة ، بل ربما یکون فی الماضی مستقبلاً حقیقة ، وفی المضارع ماضیاً کذلک ، وإنما یکون ماضیاً أو مستقبلاً فی فعلهما بالإضافة ، کما یظهر من مثل قوله : یجیئنی زید بعد عام ، وقد ضرب قبله بأیّام ، وقوله : ( جاء زید فی شهر کذا ، وهو یضرب فی ذلک الوقت ، أو فیما بعده مما مضی ) ، فتأمل جیداً.

ثم لا باس بصرف عنان الکلام إلی بیان ما به یمتاز الحرف عما عداه ، بما یناسب المقام ؛ لأجل الاطراد فی الاستطراد فی تمام الأقسام.

فاعلم إنّه وأنّ اشتهر بین الأعلام ، أن الحرف ما دلّ علی معنی فی

ص: 41

غیره ، وقد بینّاًه فی الفوائد (1) بما لا مزید علیه ، إلّا أنک عرفت فیما تقدم (2) ، عدم الفرق بینه وبین الاسم بحسب المعنی ، وإنّه فیهما ما (3) لم یلحظ فیه الاستقلال بالمفهومیة ، ولا عدم الاستقلال بها ، وإنما الفرق هو إنّه وضع لیستعمل واُرید منه معناه حالة لغیره وبما هو فی الغیر ، ووضع غیره لیستعمل واُرید منه معناه بما هو هو.

وعلیه یکون کلّ من الاستقلال بالمفهومیة ، وعدم الاستقلال بها ، إنّما اعتبر فی جانب الاستعمال ، لا فی المستعمل فیه ، لیکون بینهما تفاوت بحسب المعنی ، فلفظ ( الابتداء ) لو استعمل فی المعنی الآلی ، ولفظة ( من ) فی المعنی الاستقلالی ، لما کان مجازاً واستعمالاً له فی غیر ما وضع له ، وأنّ کان بغیر ما وضع له ، فالمعنی فی کلیهما فی نفسه کلّی طبیعی یصدق علی کثیرین ، ومقیداً باللحاظ الاستقلالی أو الآلی کلّی (4) عقلی ، وأنّ کان بملاحظة أن لحاظه وجوده ذهنا کان جزئیا ذهنیاً ، فإن الشیء ما لم یتشخص لم یوجد ، وأنّ کان بالوجود الذهنی ، فافهم وتأملّ فیما وقع فی المقام من الأعلام ، من الخلط والاشتباه ، وتوهمّ کون الموضوع له أو المستعمل فیه فی الحروف خاصاً ، بخلاف ما عداه فإنّه عام.

ولیت شعری إن کان قصد الآلیة فیها موجباً لکون المعنی جزئیاً ، فلم لا یکون قصد الاستقلالیة فیه موجباً له؟ وهل یکون ذلک إلّا لکون هذا القصد ، لیس مما یعتبر فی الموضوع له ، ولا المستعمل فیه بل فی الاستعمال ، فلم لا یکون فیها کذلک؟ کیف ، وإلاّ لزم أن یکون معانی المتعلقات غیر منطبقة علی الجزئیات الخارجیة ؛ لکونها علی هذا کلیات

ص: 42


1- حاشیة کتاب فرائد الأصول ، کتاب الفوائد / 305.
2- الأمر الثّانی من المقدمة ص 11.
3- لم توجد «ما» فی بعضٍ النسخ المطبوعة
4- فی ( أ ) : الآلی الکلی کلی ...

عقلیة ، والکلّی العقلی لا موطن له إلّا الذهن ، فالسیر والبصرة والکوفة (1) ، فی ( سرت من البصرة إلی الکوفة ) (2) لا یکاد یصدق علی السیر والبصرة والکوفة (3) ، لتقیّدها بما اعتبر فیه القصد فتصیر عقلیة ، فیستحیل انطباقها علی الأمور الخارجیة.

وبما حققناه (4) یوفق بین جزئیة المعنی الحرفی بل الاسمی ، والصدق علی الکثیرین (5) ، وأنّ الجزئیة باعتبار تقیّد المعنی باللحاظ فی موارد الإستعمالات آلیاً أو استقلالیاً ، وکلیته بلحاظ نفس المعنی ، ومنه ظهر عدم اختصاص الإِشکال والدفع بالحرف ، بل یعم غیره ، فتأمل فی المقام فإنّه دقیق ومزالّ الأقدام للأعلام ، وقد سبق فی بعضٍ الأمور بعضٍ الکلام ، والإِعادة مع ذلک لما فیها من الفائدة والإِفادة ، فافهم.

رابعها : إن اختلاف المشتقات فی المبادیء ، وکون المبدأ فی بعضها حرفة وصناعة ، وفی بعضها قوة وملکة ، وفی بعضها فعلّیاً ، لا یوجب اختلافاً فی دلالتها بحسب الهیئة أصلاً ، ولا تفاوتً فی الجهة المبحوث عنها ، کما لا یخفی ، غایة الأمر إنّه یختلف التلبس به فی المضی أو الحال ، فیکون التلبس به فعلاً ، لو أخذ حرفة أو ملکة ، ولو لم یتلبس به إلی الحال ، أو انقضی عنه ، ویکون مما مضی أو یأتی لو أخذ فعلّیاً ، فلا یتفاوت فیها أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات ، کما أشرنا إلیه (6).

خامسها : إن المراد بالحال فی عنوان المسألة ، هو حال التلبس

ص: 43


1- فی ( أ ) : تقدیم الکوفة علی البصرة.
2- فی ( أ ) : تقدیم الکوفة علی البصرة.
3- فی ( أ ) : تقدیم الکوفة علی البصرة.
4- فی هامش ( ب ) : ثم إنّه قد انقدح بما ذکرنا أن المعنی بما هو معنی اسمی ، وملحوظ استقلالی ، أو بما هو معنی حرفی وملحوظ آلی ، کلّی عقلی فی غیر الأعلام الشخصیة ، وفیها جزئی کذلک ، وبما هو هو أیّ بلا أحد اللحاظین ، کلی طبیعی أو جزئی خارجی ، وبه ... ( نسخة بدل ).
5- فی ( أ ) : علی کثیرین.
6- اشار إلیه فی الأمر الأوّل / 39.

لا حال النطق ضرورة أن مثل ( کان زید ضارباً أمس ) أو ( سیکون غداً ضارباً ) حقیقة إذا کان متلبساً بالضرب فی الأمس ، فی المثال الأوّل ، ومتلبساً به فی الغد فی الثّانی ، فجری المشتق حیث کان بلحاط حال التلبس ، وأنّ مضی زمإنّه فی أحدهما ، ولم یأت بعد فی آخر ، کان حقیقة بلا خلاف ، ولا ینافیه الاتفاق علی أن مثل ( زید ضارب غداً ) مجاز ، فإن الظاهر إنّه فیما إذا کان الجری فی الحال ، کما هو قضیة الإِطلاق ، والغد إنّما یکون لبیان زمان التلبس ، فیکون الجری والاتصاف فی الحال ، والتلبس فی الاستقبال.

ومن هنا ظهر الحال فی مثل ( زید ضارب أمس ) وإنّه داخل فی محلّ الخلاف والاشکال. ولو کانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرینة علی تعیین زمان النسبة والجری أیضاً کان المثالان حقیقة.

وبالجملة : لا ینبغی الإِشکال فی کون المشتق حقیقة ، فیما إذا جری علی الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو کان فی المضی أو الاستقبال ، وإنما الخلاف فی کونه حقیقة فی خصوصه ، أو فیما یعم ما إذا جری علیها فی الحال بعد ما انقضی عنه التلبس ، بعد الفراغ عن کونه مجازاً فیما إذا جری علیها فعلاً بلحاظ التلبس فی الاستقبال ، ویؤیّد ذلک اتفاق أهل العربیة علی عدم دلالة الاسم علی الزمان ، ومنه الصفات الجاریة علی الذوات ، ولا ینافیه اشتراط العمل فی بعضها بکونه بمعنی الحال ، أو الاستقبال ؛ ضرورة أن المراد الدلالة علی أحدهما بقرینة ، کیف لا؟ وقد اتفقوا علی کونه مجازاً فی الاستقبال.

لا یقال : یمکن أن یکون المراد بالحال فی العنوان زمإنّه ، کما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعی إنّه الظاهر فی المشتقات ، امّا لدعوی الانسباق من الإِطلاق ، أو بمعونة قرینة الحکمة.

لأنا نقول : هذا الانسباق ، وأنّ کان مما لا ینکر ، إلّا إنّهم فی هذا العنوان بصدد تعیین ما وضع له المشتق ، لا تعیین ما یراد بالقرینة منه.

ص: 44

سادسها : إنّه لا أصل فی نفس هذه المسألة یعوّل علیه عند الشک ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصیة ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دلیل علی اعتبارها فی تعیین الموضوع له.

وأما ترجیح الاشتراک المعنوی علی الحقیقة والمجاز. إذا دار الأمر بینهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولاً ، ومنع نهوض حجة علی الترجیح بها ثانیاً.

وأما الأصل العملی فیختلف فی الموارد ، فأصالة البراءة فی مثل ( أَکرم کلّ عالم ) تقتضی عدم وجوب إکرام ما انقضی (1) عنه المبدأ قبل الإِیجاب ، کما أن قضیة الاستصحاب وجوبه لو کان الإِیجاب قبل الانقضاء.

فإذا عرفت ما تلونا علیک ، فاعلم أن الأقوال فی المسألة وأنّ کثرت ، إلّا إنّها حدثت بین المتأخرین ، بعد ما کانت ذات قولین بین المتقدّمین ، لأجل توهّم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه فی المعنی ، أو بتفاوت ما یعتریه من الأحوال ، وقد مرت الإِشارة (2) إلی إنّه لا یوجب التفاوت فیما نحن بصدده ، ویأتی له مزید بیان فی أثناء الاستدلال علی ما هو المختار ، وهو اعتبارٍ التلبس فی الحال ، وفاقاً لمتأخری الأصحاب والاشاعرة ، وخلافاً لمتقدمیهم والمعتزلة ، ویدل علیه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال ، وصحة السلب مطلقاً عما انقضی عنه ، کالمتلبس به فی الاستقبال ، وذلک لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما یرادفها من سائر اللغات ، لا یصدق علی من لم یکن متلبساً بالمبادیء ، وأنّ کان متلبسا بها قبل الجری والانتساب ، ویصحّ سلبها عنه ، کیف؟ وما یضادها بحسب ما ارتکز من معناها فی الأذهان یصدق علیه ، ضرورة صدق القاعد علیه فی حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقیام ، مع وضوح التضاد بین القاعد والقائم بحسب ما ارتکز لهما من المعنی ، کما لا یخفی.

ص: 45


1- فی« ب» : من انقضی.
2- تقدم فی الأمر الرابع ، صفحة 43.

وقد یقرَّر هذا وجهاً علی حدة ، ویقال (1) : لا ریب فی مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادیء المتضادة ، علی ما ارتکز لها من المعانی ، فلو کان المشتق حقیقة فی الأعم ، لما کان بینها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فیما انقضی عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الآخر.

ولا یرد علی هذا التقریر ما أورده بعضٍ الأجلّة (2) من المعاصرین ، من عدم التضاد علی القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتکازه بینها ، کما فی مبادئها.

إن قلت : لعل ارتکازها لأجل الانسباق من الإِطلاق ، لا الاشتراط.

قلت : لا یکاد یکون لذلک ، لکثرة استعمال المشتق فی موارد الانقضاء ، لو لم یکن بأکثر.

إن قلت : علی هذا یلزم أن یکون فی الغالب أو الأغلب مجازاً ، وهذا بعید ، ربما لا یلائمه حکمة الوضع.

لا یقال : کیف؟ وقد قیل : بأن أکثر المحاورات مجازات. فإن ذلک لو سلّم ، فإنما هو لأجل تعدَّد المعانی المجازیة بالنسبة إلی المعنی الحقیقی الواحد. نعم ربما یتفق ذلک بالنسبة إلی معنی مجازی ، لکثرة الحاجة إلی التعبیر عنه. لکن أین هذا مما إذا کان دائماً کذلک؟ فافهم.

ص: 46


1- البدائع / 181 ، فی المشتق.
2- المراد من بعضٍ الأجلّة ، هو صاحب البدائع ، البدائع / 181. الشیخ المیرزا حبیب الله بن المیرزا محمد علی خان القوجانی الرشتی ، ولد عام 1234 ه ، حضر بحث صاحب الجواهر والشیخ الانصاری ، کان من أکابر علماء عصره ، أعرض عن الرئاسة ولم یرض أن یقلّده أحد لشدّة توّرعه فی الفتوی ، ولم یتصدّ للوجوه ، له تصانیف کثیرة منها « بدائع الأصول » و « شرح الشرائع » و « کاشف الظلام فی علم الکلام » وغیرها ، توفی لیلة الخمیس 14 / ج 2 عام 1312 ه ودفن فی النجف الاشرف. ( طبقات أعلام الشیعة ، نقباء البشر 1 / 357 رقم 719 )

قلت : مضافاً إلی أن مجرد الاستبعاد غیر ضائر بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة علیه ، إن ذلک إنّما یلزم لو لم یکن استعماله فیما انقضی بلحاظ حال التلبس ، مع إنّه بمکان من الإِمکان ، فیراد من ( جاء الضارب أو الشارب ) - وقد انقضی عنه الضرب والشرب - جاء الذی کان ضاربا وشارباً قبل مجیئه حال التلبس بالمبدأ ، لا حینه بعد الانقضاء ، کی یکون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنوناً بهذا العنوان فعلاً بمجرد تلبسه قبل مجیئه ، ضرورة إنّه لو کان للأعم لصحّ استعماله بلحاظ کلاّ الحالین.

وبالجملة : کثرة الاستعمال فی حال الانقضاء تمنع عن دعوی انسباق خصوص حال التلبس من الإِطلاق ، إذ مع عموم المعنی وقابلیة کونه حقیقة فی المورد - ولو بالانطباق - لا وجه لملاحظة حالة أُخری ، کما لا یخفی ، بخلاف ما إذا لم یکن له العموم ، فإن استعماله - حینئذ - مجازاً بلحاظ حال الانقضاء وأنّ کان ممکناً ، إلّا إنّه لما کان بلحاظ حال التلبس علی نحو الحقیقة بمکان من الإِمکان ، فلا وجه لاستعماله وجریه علی الذات مجازاً وبالعنایة وملاحظة العلاقة ، وهذا غیر استعمال اللفظ فیما لا یصحّ استعماله فیه حقیقة ، کما لا یخفی ، فافهم.

ثم إنّه ربما أورد (1)علی الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنّه إن أُرید بصحة السلب صحته مطلقاً ، فغیر سدید ، وأنّ أُرید مقیداً ، فغیر مفید ، لأن علامة المجاز هی صحة السلب المطلق.

وفیه : إنّه إن أُرید بالتقیید ، تقیید المسلوب الذی یکون سلبه أعم من سلب المطلق - کما هو واضح - فصحة سلبه وأنّ لم تکن علامة علی کون المطلق مجازاً فیه ، إلّا أن تقییده ممنوع ؛ وأنّ أُرید تقیید السلب ، فغیر ضائر بکونها علامة ، ضرورة صدق المطلق علی أفراده علی کلّ حال ، مع إمکان

ص: 47


1- البدائع / 180 ، فی المشتق.

منع تقییده أیضاً ، بأن یلحظ حال الانقضاء فی طرف الذات الجاری علیها المشتق ، فیصحّ سلبه مطلقاً بلحاظ هذا الحال ، کما لا یصحّ سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبرّ جیداً.

ثم لا یخفی إنّه لا یتفاوت (1) فی صحة السلب عما انقضی عنه المبدأ ، بین کون المشتق لازماً وکونه متعدیاً ، لصحة سلب الضارب عمن یکون فعلاً غیر متلبس بالضرب ، وکان متلبسا به سابقاً ، وأما إطلاقه علیه فی الحال ، فان کان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشکال کما عرفت ، وأنّ کان بلحاظ الحال ، فهو وأنّ کان صحیحاً إلّا إنّه لا دلالة علی کونه بنحو الحقیقة ، لکون الاستعمال أعم منها کما لا یخفی.

کما لا یتفاوت فی صحة السلب عنه ، بین تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس - أیضاً - وأنّ کان معه أوضح.

ومما ذکرنا ظهر حال کثیر من التفاصیل ، فلا نطیل بذکرها علی التفصیل.

حجة القول بعدم الاشتراط وجوه

الأول : التبادر.

وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.

الثانی : عدم صحة السلب فی مضروب ومقتول ، عمن انقضی عنه المبدأ.

وفیه : إن عدم صحته فی مثلهما ، إنّما هو لأجل إنّه أُرید من المبدأ معنی یکون التلبس به باقیاً فی الحال ، ولو مجازاً. وقد انقدح من بعضٍ المقدّمات إنّه لا یتفاوت الحال فیما هو المهمّ فی محلّ البحث والکلام ومورد النقض والأبرام ، اختلاف ما یراد من المبدأ فی کونه حقیقة أو مجازاً ؛ وأما لو أُرید منه نفس ما وقع علی الذات ، مما صدر

ص: 48


1- التفصیل لصاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فصل حول إطلاق المشتق.

عن الفاعل ، فإنما لا یصحّ السلب فیما لو کان بلحاظ حال التلبس والوقوع - کما عرفت - لا بلحاظ الحال أیضاً ، لوضوح صحة أن یقال : إنّه لیس بمضروب الآن ، بل کان.

الثالث : استدلال الامام _ علیه السلام _ تأسیا بالنبی - صلوات الله علیه وآله - کما عن غیر واحد من الإخبار (1) بقوله تعالی : ( لَا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ) (2) علی عدم لیاقة من عبد صنماً أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعریضاً بمن تصدی لها ممن عبد الصنم مدة مدیدة ، ومن الواضح توقف ذلک علی کون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلاّ لما صحّ التعریض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حین التصدی للخلافة.

والجواب منع التوقف علی ذلک ، بل یتم الاستدلال ولو کان موضوعاً لخصوص المتلبس.

وتوضیح ذلک یتوقف علی تمهید مقدّمة ، وهی : إن الأوصاف العنوانیة التی تؤخذ فی موضوعاًت الأحکام ، تکون علی أقسام :

أحدها : أن یکون أخذ العنوان لمجرد الإِشارة إلی ما هو فی الحقیقة موضوعاً للحکم ، لمعهودیته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به فی الحکم أصلاً.

ثانیها : أن یکون لأجل الإِشارة إلی علیة المبدأ للحکم ، مع کفایة مجرد صحة جری المشتق علیه ، ولو فیما مضی.

ثالثها : أن یکون لذلک مع عدم الکفایة ، بل کان الحکم دائراً مدار صحة الجری علیه ، واتّصافه به حدوثاً وبقاء.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما یتم ، لو کان أخذ العنوان فی الآیة الشریفة علی النحو الأخیر ، ضرورة إنّه لو لم یکن المشتق

ص: 49


1- الکافی 1/175 ، باب طبقات الأنبیاء والرسل والأئمة ، الحدیث 1.
2- البقرة / 124.

للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهراً حین التصدی ، فلا بدّ أن یکون للأعم ، لیکون حین التصدی حقیقة من الظالمین ، ولو انقضی عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا کان علی النحو الثّانی ، فلا ، کما لا یخفی.

ولا قرینة علی إنّه علی النحو الأوّل ، لو لم نقل بنهوضها علی النحو الثّانی ، فإن الآیة الشریفة فی مقام بیان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وأنّ لها خصوصیة من بین المناصب الإلهیة ، ومن المعلوم أن المناسب لذلک ، هو أن لا یکون المتقمص بها متلبساً بالظلم أصلاً ، کما لا یخفی.

إن قلت : نعم ، ولکن الظاهر أن الإمام علیه السلام إنّما استدل بما هو قضیة ظاهر العنوان وضعاً ، لا بقرینة المقام مجازاً ، فلا بدّ أن یکون للأعم ، وإلاّ لما تم.

قلت : لو سلّم ، لم یکن یستلزم جری المشتق علی النحو الثّانی کونه مجازاً ، بل یکون حقیقة لو کان بلحاظ حال التلبس کما عرفت. فیکون معنی الآیة ، والله العالم : من کان ظالماً ولو آناً فی زمان سابق (1) لا ینال عهدی أبداً ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنی لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.

ومنه قد انقدح ما فی الاستدلال علی التفصیل بین المحکوم علیه والمحکوم به ، باختیار عدم الاشتراط فی الأوّل ، بآیة حد السارق والسارقة ، والزانی والزانیة ، وذلک حیث ظهر إنّه لا ینافی إرادة خصوص حال التلبس دلالتها علی ثبوت القطع والجلد مطلقاً ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافاً إلی

ص: 50


1- فی « ب » : السابق.

وضوح بطلان تعدَّد الوضع ، حسب وقوعه محکوماً علیه أو به ، کما لا یخفی.

ومن مطاوی ما ذکرنا - ها هنا وفی المقدّمات - ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذکر لها من الاستدلال ، ولا یسع المجال لتفصیلها ، ومن أراد الاطلاع علیها فعلیه بالمطولات.

بقی اُمور

الأول : إن مفهوم المشتق - علی ما حققه المحقق الشریف (1)فی بعضٍ حواشیه (2) - : بسیط منتزع عن الذات - باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به - غیر مرکب. وقد أفاد فی وجه ذلک : أن مفهوم الشیء لا یعتبر فی مفهوم الناطق مثلاً ، وإلاّ لکان العرض العام داخلا فی الفصل ، ولو اعتبر فیه ما صدق علیه الشیء ، انقلبت مادة الإِمکان الخاص ضرورة ، فإن الشیء الذی له الضحک هو الإانسان ، وثبوت الشیء لنفسه ضروری. هذا ملخص ما أفاده الشریف ، علی ما لخصه بعضٍ الأعاظم (3).

وقد أورد علیه فی الفصول (4) ، بإنّه یمکن أن یختار الشق الأوّل ، ویدفع الإِشکال بأن کون الناطق - مثلاً - فصلاً ، مبنی علی عرفّ المنطقیین ،

ص: 51


1- المیر سید علی بن محمّد بن علی الحسینی الاسترابادی ، ولد المحقق الشریف سنة 740 ه بجرجان وکان متکلماً بارعاً ، باهراً فی الحکمة والعربیة ، روی عن جماعة منهم العلامة قطب الدین الرازی ، واخذ منه العلامة المذکور ، له شرح المطالع وشرح علی مواقف القاضی عضد الایجی فی علم أصول الکلام ،عده القاضی نور الله من حکماء الشیعة وعلمائها. وتوفی فی شیراز سنة 816 ه. ( الکنی والالقاب 2 / 358 ).
2- فی حاشیته علی شرح المطالع عند قول الشارح : إلّا أن معناه شیء له المشتق منه ... الخ ، شرح المطالع / 11.
3- الفصول / 61 ، التنبیهات.
4- الفصول / 61 ، التنبیهات.

حیث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلک لا یوجب وضعه لغةً کذلک.

وفیه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف فی معناه أصلاً ، بل بماله من المعنی ، کما لا یخفی.

والتحقیق أن یقال إن مثل الناطق لیس بفصل حقیقی ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنما یکون فصلاً مشهوریاً منطقیاً یوضع مکإنّه إذا لم یعلم نفسه ، بل لا یکاد یعلم ، کما حقق فی محله ، ولذا ربما یجعل لازمان مکإنّه إذا کانا متساویین النسبة إلیه ، کالحساس والمتحرک بالإِرادة فی الحیوان ، وعلیه فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق ، فإنّه وأنّ کان عرضاً عاماً ، لا فصلاً مقوماً للإنسان ، إلّا إنّه بعد تقییده بالنطق واتّصافه به کان من أظهر خواصه.

وبالجملة لا یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی معنی المشتق ، إلّا دخول العرض فی الخاصة التی هی من العرضی ، لا فی الفصل الحقیقی الذی هو من الذاتی ، فتدبرّ جیداً.

ثم قال : إنّه یمکن أن یختار الوجه الثّانی أیضاً ، ویجاب بأن المحمول لیس مصداق الشیء والذات مطلقاً ، بل مقیداً بالوصف ، ولیس ثبوته للموضوع حینئذٍ بالضرورة ، لجواز أن لا یکون ثبوت القید ضروریاً. انتهی.

ویمکن أن یقال : إن عدم کون ثبوت القید ضروریاً لا یضر بدعوی الانقلاب ، فإن المحمول إن کان ذات المقید وکان القید خارجاً ، وأنّ کان التقییّد داخلاً بما هو معنی حرفی ، فالقضیة لا محالة تکون ضروریة ، ضرورة ضروریة ثبوت الإانسان الذی یکون مقیداً بالنطق للإنسان وأنّ کان المقید به بما هو مقید علی أن یکون القید داخلاً ، فقضیة ( الإانسان ناطق ) تنحل فی الحقیقة إلی قضیتین إحداهما قضیة ( الإانسان إنسان ) وهی

ص: 52

ضروریة ، والأخری قضیة ( الإانسان له النطق ) وهی ممکنة ، وذلک لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار کما أن الإخبار بعد العلم تکون أوصافاً ، فعقد الحمل ینحل إلی القضیة ، کما أن عقد الوضع ینحل إلی قضیة مطلقة عامة عند الشیخ ، وقضیة ممکنة عند الفارابی (1) ، فتأمل.

لکنه قدس سره تنظر فیما أفاده بقوله : وفیه نظر لأن الذات المأخوذة مقیدة بالوصف قوة أو فعلاً ، إن کانت مقیدة به واقعاً صدق الإِیجاب بالضرورة وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلاً : لا یصدق زید کاتب بالضرورة لکن یصدق ( زید الکاتب (2) بالقوة أو بالفعل [ کاتب ] بالضرورة ). انتهی.

ولا یذهب علیک أن صدق الإِیجاب بالضرورة ، بشرط کونه مقیداً به واقعاً لا یصحح دعوی الانقلاب إلی الضروریة ، ضرورة صدق الإِیجاب بالضرورة بشرط المحمول فی کلّ قضیة ولو کانت ممکنة ، کما لا یکاد یضر بها صدق السلب کذلک ، بشرط عدم کونه مقیداً به واقعاً ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلک لوضوح أن المناط فی الجهات ومواد القضایا ، إنّما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلی ذلک الموضوع موجهة بأی جهة منها ، ومع أیة منها فی نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له کذلک ، وإلاّ کانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة صیرورة الإِیجاب أو السلب - بلحاظ الثبوت وعدمه - واقعاً ضروریاً ، ویکون من باب الضرورة

ص: 53


1- 1. أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحکیم المشهور ، صاحب التصانیف فی الفلسفة والمنطق والموسیقی وغیرها من العلوم ، أقام ببغداد برهة ثم ارتحل إلی مدینة حرَّان ثم رجع إلی بغداد ثم سافر إلی دمشق ثم إلی مصر ، ثم عاد إلی دمشق وأقام بها وسلطإنّها یومئذٍٍ سیف الدولة بن حمدان ، ویحکی أن الآلة المسماة « القانون » من وضعه ، وکان منفرداً بنفسه لا یجالس الناس ، أکثر تصانیفه فصول وتعالیق ، توفی عام 339 بدمشق وقد ناهز ثمانین سنة وصلّی علیه سیف الدولة ودفن بظاهر دمشق. ( وفیات الأعیان 5 / 153 رقم 701 ).
2- 2 - أثبتناها من ( ب )

بشرط المحمول.

وبالجملة : الدعوی هو انقلاب مادة الإِمکان بالضرورة ، فیما لیست مادته واقعاً فی نفسه وبلا شرط غیر الأمکان.

وقد انقدح بذلک عدم نهوض ما أفاده رحمه الله بإبطال الوجه الأوّل ، کما زعمه قدس سره ، فإن لحوق مفهوم الشیء والذات لمصادیقهما ، إنّما یکون ضروریاً مع إطلاقهما ، لا مطلقاً ، ولو مع التقید إلّا بشرط تقید المصادیق به أیضاً ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.

ثم إنّه لو جعل التالی فی الشرطیّة الثانیة لزوم أخذ النوع فی الفصل ؛ ضرورة أن مصداق الشیء الذی له النطق هو الإانسان ، کان ألیق بالشرطیة الأولی ، بل کان أولی(1)لفساده مطلقاً ، ولو لم یکن مثل الناطق بفصل حقیقی ، ضرورة بطلان أخذ الشیء فی لازمه وخاصته ، فتأمل جیداً.

ثم إنّه یمکن أن یستدل علی البساطة ، بضرورة عدم تکرار الموصوف فی مثل ( زید الکاتب ) ، ولزومه من الترکب ، وأخذ الشیء مصداقاً أو مفهوماً فی مفهومه.

إرشاد :

لا یخفی أن معنی البساطة - بحسب المفهوم - وحدته إدراکاً وتصوراً ، بحیث لا یتصور عند تصوره إلّا شیء واحد لا شیئاًن ، وأنّ انحل بتعمّل من العقل إلی شیئین ، کانحلال مفهوم الشجر والحجر إلی شیء له الحجریة أو الشجریة ، مع وضوح بساطة مفهومهما.

وبالجملة : لا ینثلم بالانحلال إلی الاثنینیة - بالتعمّل العقلی - وحدة المعنی

ص: 54


1- فی « ب » : الأولی.

وبساطة المفهوم ، کما لا یخفی ، وإلی ذلک یرجع الإِجمال والتفصیل الفارقان (1)بین المحدود والحد ، مع ما هما علیه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمّل یحلل النوع ، ویفصله إلی جنس وفصل ، بعد ما کان أمراً واحداً إدراکاً ، وشیئاً فارداً تصوراً ، فالتحلیل یوجب فتق ما هو علیه من الجمع والرتق.

الثانی : الفرق بین المشتق ومبدئه مفهوماً ، إنّه بمفهومه لا یأبی عن الحمل علی ما تلبس بالمبدأ ، ولا یعصی عن الجری علیه ، لما هما علیه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه یأبی عن ذلک ، بل إذا قیس ونسب إلیه کان غیره ، لا هو هو ، وملاک الحمل والجری إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهویة ، وإلی هذا یرجع ما ذکره أهل المعقول فی الفرق بینهما ، من أن المشتق یکون لا بشرط والمبدأ یکون بشرط لا ، أیّ یکون مفهوم المشتق غیر آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ یکون آبیا عنه ، وصاحب الفصول(2)

رحمه الله - حیث توهّم أن مرادهم إنّما هو بیان التفرقة بهذین الاعتبارین ، بلحاظ الطواریء والعوارض الخارجیة مع حفظ مفهوم واحد - أورد علیهم بعدم استقامة الفرق بذلک ، لأجل امتناع حمل العلم والحرکة علی الذات ، وأنّ اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذکرنا ، کما یظهر منهم من بیان الفرق بین الجنس والفصل ، وبین المادة والصورة ، فراجع.

الثالث : ملاک الحمل - کما أشرنا إلیه - هو الهوهویة والاتحاد من وجه ،

ص: 55


1- فی « أ و ب » : الفارقین.
2- الفصول / 62 ، التنبیه الثّانی من تنبیهات المشتق. هو الشیخ محمد حسین بن محمد رحیم الطهرانی الحائری ، ولد فی « إیوان کیف » ، أخذ مقدمات العلوم فی طهران ، ثم اکتسب من شقیقه الحجة الشیخ محمد تقی الاصفهانی صاحب « هدایة المسترشدین » فی اصفهان ، ثم هاجر إلی العراق فسکن کربلاء ، کان مرجعاً عاماً فی التدریس والتقلید ، وقد تخرّج من معهده جمع من کبار العلماء ، أجاب داعی ربه سنة 1254 ه وله آثار أشهرها « الفصول الغرویة » فی الأصول ( طبقات اعلام الشیعة الکرام البررة 1 / 390 رقم 795 ).

والمغایرة من وجه آخر ، کما یکون بین المشتقات والذوات ، ولا یعتبر معه (1) ملاحظة الترکیب بین المتغایرین ، واعتبار کون مجموعهما - بما هو کذلک - واحداً ، بل یکون لحاظ ذلک مخلا ، لاستلزامه المغایرة بالجزئیة والکلیة.

ومن الواضح أن ملاک الحمل لحاظ نحو اتحاد بین الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلک فی التحدیدات وسائر القضایا فی طرف الموضوعاًت ، بل لا یلحظ فی طرفها إلّا نفس معانیها ، کما هو الحال فی طرف المحمولات ، ولا یکون حملها علیها إلّا بملاحظة ما هما علیه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما علیه من المغایرة ولو بنحو من الاعتبار.

فانقدح بذلک فساد ما جعله فی الفصول تحقیقاً للمقام. وفی کلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.

الرابع : لا ریب فی کفایة مغایرة المبدأ مع ما یجری المشتق علیه مفهوماً ، وأنّ اتحدا عیناً و خارجاً ، فصدق الصفات - مثل : العالم ، والقادر ، والرحیم ، والکریم ، إلی غیر ذلک من صفات الکمال والجلال - علیه تعالی ، علی ما ذهب إلیه أهل الحق من عینیة صفاته ، یکون علی الحقیقة ، فإن المبدأ فیها وأنّ کان عین ذاته تعالی خارجاً ، إلّا إنّه غیر ذاته تعالی مفهوماً.

ومنه قد انقدح ما فی الفصول ، من الالتزام بالنقل (2) أو التجوز فی ألفاظ الصفات الجاریة علیه تعالی ، بناءً علی الحق من العینیة ، لعدم المغایرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلک لما عرفت من کفایة المغایرة مفهوماً ، ولا اتفاق علی اعتبارٍ غیرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق علی عدم اعتباره ، کمالا یخفی ، وقد عرفت ثبوت المغایرة کذلک بین الذات ومبادیء الصفات.

ص: 56


1- اشارة إلی ما افاده صاحب الفصول ، الفصول ، 62 التنبیه الثانی.
2- الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.

الخامس : إنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق علی اعتبارٍ المغایرة - کما عرفت - بین المبدأ وما یجری علیه المشتق ، فی اعتبارٍ قیام المبدأ به ، فی صدقه علی نحو الحقیقة.

وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قیام الضرب والألم بالمضروب والمؤلمَ - بالفتح -.

والتحقیق : إنّه لا ینبغی أن یرتاب من کان من أولی الالباب ، فی إنّه یعتبر فی صدق المشتق علی الذات وجریه علیها ، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص ، علی اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارةً ، واختلاف الهیئات أُخری ، من القیام صدوراً أو حلولا أو وقوعا علیه أو فیه ، أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً ، کما فی صفاته تعالی ، علی ما أشرنا إلیه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ، کما فی الاضافات والاعتبارات التی لا تحقق لها ، ولا یکون بحذائها فی الخارج شیء ، وتکون من الخارج المحمول ، لا المحمول بالضمیمة ، ففی صفاته الجاریة علیه تعالی یکون المبدأ مغایراً له تعالی مفهوماً ،وقائماً به عیناً ، لکنه بنحو من القیام ، لا بأن یکون هناک اثنینیة ، وکان ما بحذائه غیر الذات ، بل بنحو الاتحاد والعینیة ، وکان ما بحذائه عین الذات ، وعدم اطلاع العرف علی مثل هذا التلبس من الأمور الخفیة لا یضر بصدقها علیه تعالی علی نحو الحقیقة ، إذا کان لها مفهوم صادق علیه تعالی حقیقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنّما یکون مرجعاً فی تعیین المفاهیم ، لا فی تطبیقها علی مصادیقها.

وبالجملة : یکون مثل ( العالم ) ، ( والعادل ) ، وغیرهما من الصفات الجاریة علیه تعالی وعلی غیره جاریة علیهما بمفهوم واحد ومعنی فارد ، وأنّ اختلفا فیما یعتبر فی الجری من الاتحاد ، وکیفیة التلبس بالمبدأ ، حیث إنّه بنحو العینیة فیه تعالی ، وبنحو الحلول أو الصدور فی غیره ، فلا وجه لما التزم به فی

ص: 57


1- الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.

الفصول(1) ، من نقل الصفات الجاریة علیه تعالی عما هی علیها من المعنی ، کما لا یخفی ، کیف؟ ولو کانت بغیر معانیها العامة جاریة علیه تعالی کانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنی ، فإن غیر تلک المفاهیم العامة الجاریة علی غیره تعالی غیر مفهوم ولا معلوم إلّا بما یقابلها ، ففی مثل ما إذا قلنا : ( إنّه تعالی عالم ) ، امّا أن نعنی إنّه من ینکشف لدیه الشیء فهو ذاک المعنی العام ، أو إنّه مصداق لما یقابل ذاک المعنی ، فتعالی عن ذلک علواً کبیراً، وإما أن لا نعنی شیئاً ، فتکون کما قلناه من کونها صرف اللقلقة ، وکونها بلا معنی ، کما لا یخفی.

والعجب إنّه جعل ذلک علّة لعدم صدقها فی حق غیره ، وهو کما تری ، وبالتأمل فیما ذکرنا ، ظهر الخلل فیما استدل من الجانبین والمحاکمة بین الطرفین ، فتأمل.

السادس : الظاهر إنّه لا یعتبر فی صدق المشتق وجریه علی الذات حقیقة ، التلبس بالمبدأ حقیقة وبلا واسطة فی العروض ، کما فی الماء الجاری ، بل یکفی التلبس به ولو مجازاً ، ومع هذه الواسطة ، کما فی المیزاب الجاری ، فاسناد الجریان إلی المیزاب ، وأنّ کان إسناداً إلی غیر ما هو له وبالمجاز ، إلّا إنّه فی الإِسناد ، لا فی الکلمة ، فالمشتق فی مثل المثال ، بما هو مشتق قد استعمل فی معناه الحقیقی ، وأنّ کان مبدؤه مسنداً إلی المیزاب بالإِسناد المجازی ، ولا منافاة بینهما أصلاً ، کما لا یخفی.

ولکن ظاهر الفصول (2) بل صریحه ، اعتبارٍ الإِسناد الحقیقی فی صدق المشتق حقیقة ، وکأنه من باب الخلط بین المجاز فی الإِسناد والمجاز فی الکلمة ، وهذا - هاهنا - محلّ الکلام بین الأعلام ، والحمد لله ، وهو خیر ختام.

ص: 58


1- الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.
2- الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.

المقصد الأوّل : فی الاوامر

المقصد الأوّل : فی الأوامر وفیه فصول

اشاره

ص: 59

ص: 60

المقصد الأوّل : فی الاوامر وفیه فصول :

الأول : فیما یتعلق بمادة الأمر

من الجهات ، وهی عدیدة :

الأولی : إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة

منها الطلب ، کما یقال ، أمره بکذا.

ومنها الشأن ، کما یقال : شغله أمر کذا.

ومنها الفعل ، کما فی قوله تعالی : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ ) (1).

ومنها الفعل العجیب ، کما فی قوله تعالی : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (2).

ومنها الشیء ، کما تقول : رأیت الیوم أمراً عجیبا.

ومنها الحادثة

ومنها الغرض ، کما تقول : جاء زید الأمر کذا.

ولا یخفی أن عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ؛ ضرورة أن الأمر فی ( جاء زید الأمر ) ما إستعمل فی معنی الغرض ، بل اللام قد دلّ علی الغرض ، نعم یکون مدخوله مصداقه ، فافهم ، وهکذا الحال فی قوله

ص: 61


1- 1. هود : 97.
2- 2. هود : 66 ، 82.

تعالی ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (1) یکون مصداقاً للتعجب ، لا مستعملاً فی مفهومه ، وکذا فی الحادثة والشأن.

وبذلک ظهر ما فی دعوی الفصول (2) ، من کون لفظ الأمر حقیقة فی المعنیین الأولین.

ولا یبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة والشیء ، هذا بحسب العرف واللغة.

وأما بحسب الاصطلاح ، فقد نقل (3) الاتفاق علی إنّه حقیقة فی القول المخصوص ، ومجاز فی غیره ، ولا یخفی إنّه علیه لا یمکن منه الاشتقاق ، فإن معناه - حینئذ - لا یکون معنی حدثیاً ، مع أن الاشتقاقات منه - ظاهراً - تکون بذلک المعنی المصطلح علیه بینهم ، لا بالمعنی الآخر ، فتدبر.

ویمکن أن یکون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ، تعبیراً عنه بما یدلّ علیه ، نعم القول المخصوص - أیّ صیغة الأمر - إذا أراد العالی بها الطلب یکون من مصادیق الأمر ، لکنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص.

وکیف کان ، فالأمر سهل لو ثبت النقل ، ولا مشاحة فی الاصطلاح ، وإنما المهمّ بیان ما هو معناه عرفاً ولغة ، لیحمل علیه فیما إذا ورد بلا قرینة ، وقد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب والسنة ، ولا حجة علی إنّه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة والمجاز.

وما ذکر فی الترجیح ، عند تعارض هذه الأحوال ، لو سلّم ، ولم یعارض بمثله ، فلا دلیل علی الترجیح به ، فلا بدّ مع التعارض من الرجوع إلی الأصل فی مقام العمل ، نعم لو علم ظهوره فی أحد معانیه ، ولو إحتمل إنّه کان للانسباق من الإِطلاق ، فلیحمل علیه ، وأنّ لم یعلم إنّه حقیقة فیه

ص: 62


1- 1. هود : 66 ، 82.
2- 2. الفصول / 62 ، القول فی الأمر.
3- 3. الفصول / 62 - 63 ، القول فی الأمر.

بالخصوص ، أو فیما یعمه ، کما لا یبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأول.

الجهة الثانیة : الظاهر اعتبارٍ العلو فی معنی الأمر

فلا یکون الطلب من السافل أو المساوی أمراً ، ولو أطلق علیه کان بنحو من العنایة ، کما أن الظاهر عدم اعتبارٍ الاستعلاء ، فیکون الطلب من العالی أمراً ولو کان مستخفضاً لجناحه.

وأما إحتمال اعتبارٍ أحدهما فضعیف. وتقبیح الطالب السافل من العالی المستعلی علیه ، وتوبیخه بمثل : ( إنک لم تأمره ) ، إنّما هو علی استعلائه ، لا علی أمره حقیقة بعد استعلائه ، وإنما یکون إطلاق الأمر علی طلبه بحسب ما هو قضیة استعلائه ، وکیف کان ، ففی صحة سلب الأمر عن طلب السافل ، ولو کان مستعلیاً کفایة.

الجهة الثالثة : لا یبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الوجوب

لأنسباقه عنه عند إطلاقه ، ویؤیّد قوله تعال ( فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) (1) وقوله صلی الله علیه و آله (2) : ( لولا أن أشقِّ علی أمتی لامرتهم بالسواک ) (3) وقوله صلی الله علیه و آله : لبریرة بعد قولها : أتأمرنی یا رسول الله؟ - : ( لا ، بل إنّما أنا شافع ) (4) إلی غیر ذلک ، وصحة الاحتجاج علی العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره ، وتوبیخه علی مجرد مخالفته ، کما فی قوله تعالی ( مَا مَنَعَکَ إلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ ) (5).

وتقسیمه إلی الإِیجاب والاستحباب ، إنّما یکون قرینة علی إرادة المعنی الأعم منه فی مقام تقسیمه. وصحة الاستعمال فی معنی أعم من کونه علی نحو

ص: 63


1- النور : 63.
2- غوالی اللآلی : 2 / 21 الحدیث 43.
3- غوالی اللآلی : 2 / 21 الحدیث 43.
4- الکافی : 5 / 485 ، التهذیب : 7 / 341 ، الخصال : 1 / 190.
5- الأعراف : 12.

الحقیقة ، کما لا یخفی.

وأما ما اُفید (1) من أن الاستعمال فیهما ثابت ، فلو لم یکن موضوعاً للقدر المشترک بینهما لزم الاشتراک أو المجاز ، فهو غیر مفید ، لما مرت الإِشارة إلیه فی الجهة الأولی ، وفی تعارض الأحوال (2)، فراجع.

والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة ، وکل طاعة فهو فعل المأمور به ، فیه ما لا یخفی من منع الکبری ، لو أُرید من المأمور به معناه الحقیقی ، وإلاّ لا یفید المدعی.

الجهة الرابعة [الطلب و الارادة]

الظاهر أن الطلب الذی یکون هو معنی الأمر ، لیس هو الطلب الحقیقی الذی یکون طلباً بالحمل الشائع الصناعی ، بل الطلب الإنشائی الذی لا یکون بهذا الحمل طلباً مطلقاً ، بل طلباً إنشائیاً ، سواء اُنشیء بصیغة إفعل ، أو بمادة الطلب ، أو بمادة الأمر ، أو بغیرها.

ولو أبیت إلّا عن کونه موضوعاً للطلب فلا أقل من کونه منصرفاً إلی الإنشائی منه عند إطلاقه کما هو الحال فی لفظ الطلب أیضاً ، وذلک لکثرة الاستعمال فی الطلب الإنشائی ، کما أن الأمر فی لفظ الإرادة علی عکس لفظ الطلب ، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقیقیة(3)واختلافهما فی ذلک ألجأ بعضٍ أصحابنا إلی المیل إلی ما ذهب إلیه الأشاعرة ، من المغایرة بین الطلب والإرادة ، خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة ، من اتحادهما.

فلا بأس بصرف عنان الکلام إلی بیان ما هو الحق فی المقام ، وأنّ حققناه فی بعضٍ فوائدنا إلّا أن الحوالة لما تکن عن المحذور خالیة ، والإِعادة بلا فائدة ولا إفادة ، کان المناسب هو التعرض ها هنا أیضاً.

فاعلم ، أن الحق کما علیه أهله - وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة - هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنی أن لفظیهما موضوعاًن بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء

ص: 64


1- أفاده العلامة (ره) نهایة الاُصول / 64 مخطوطة.
2- فی الأمر الثامن من المقدمة ص 20.
3- فی « ب » : الحقیقة.

أحدهما فی الخارج یکون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغیره عین الإرادة الإنشائیة ، وبالجملة هما متحدان مفهوماً وإنشاء و خارجاً ، لا أن الطلب الإنشائی الذی هو المنصرف إلیه إطلاقه - کما عرفت - متحد مع الإرادة الحقیقیة (1) التی ینصرف إلیها إطلاقها أیضاً ، ضرورة أن المغایرة بینهما أظهر من الشمس وأبین من الأمس. فإذا عرفت المراد من حدیث العینیة والاتحاد ، ففی مراجعة الوجدان عند طلب شیء والأمر به حقیقة کفایة ، فلا یحتاج إلی مزید بیان وإقامة برهان ، فإن الإانسان لا یجد غیر الإرادة القائمة بالنفس صفة أُخری قائمة بها ، یکون هو الطلب غیرها ، سوی ما هو مقدّمة تحققها ، عند خطور الشیء والمیل وهیجان الرغبة إلیه ، والتصدیق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما یوجب توقفه عن طلبه لاجلها.

وبالجملة : لا یکاد یکون غیر الصفات المعروفة والإرادة هناک صفة أُخری قائمة بها یکون هو الطلب ، فلا محیص (2) عن إتحاد الإرادة والطلب ، وأنّ یکون ذلک الشوق المؤکد المستتبع لتحریک العضلات فی إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع الأمر عبیده به فیما لو أراده لا کذلک ، مسمی بالطلب والإرادة کما یعب به تارةً وبها أُخری ، کما لا یخفی. وکذا الحال فی سائر الصیغ الإنشائیة ، والجمل الخبریة ، فإنّه لا یکون غیر الصفات المعروفة القائمة بالنفس ، من الترجی والتمنی والعلم إلی غیر ذلک ، صفة أُخری کانت قائمة بالنفس ، وقد دلّ اللفظ علیها ، کما قیل :

إن الکلام لفی الفؤاد وإنما

جعل اللسان علی الفؤاد دلیلا

وقد انقدح بما حققناه ، ما فی استدلال الأشاعرة علی المغایرة بالأمر مع عدم الإرادة ، کما فی صورتی الاختبار والاعتذار من الخلل ، فإنّه کما لا إرادة

ص: 65


1- فی « ب » : الحقیقة.
2- فی النسختین فلا محیص إلّا ، والظاهر « إلّا » هنا مقحمة فی السیاق.

حقیقة فی الصورتین ، لا طلب کذلک فیهما ، والذی یکون فیهما إنّما هو الطلب الإنشائی الإِیقاعی ، الذی هو مدلول الصیغة أو المادة ، ولم یکن بینّاً ولا مبینّاً فی الاستدلال مغایرته مع الإرادة الإنشائیة.

وبالجملة : الذی یتکفله الدلیل ، لیس إلّا الانفکاک بین الإرادة الحقیقیة ، والطلب المنشأ بالصیغة الکاشف عن مغایرتهما. وهو مما لا محیص عن الالتزام به ، کما عرفت ، ولکنه لا یضر بدعوی الاتحاد أصلاً ، لمکان هذه المغایرة والانفکاک بین الطلب الحقیقی والإنشائی ، کما لا یخفی.

ثم إنّه یمکن - مما حققناه - أن یقع الصلح بین الطرفین ، ولم یکن نزاع فی البین ، بأن یکون المراد بحدیث الاتحاد ما عرفت من العینیة مفهوماً ووجوداً حقیقیاً وإنشائیاً ، ویکون المراد بالمغایرة والاثنینیة هو اثنینیة الإنشائی من الطلب ، کما هو کثیراً ما یراد من إطلاق لفظه ، والحقیقی من الإرادة ، کما هو المراد غالباً منها حین إطلاقها ، فیرجع النزاع لفظیاً ، فافهم.

دفع ووهم (1) : لا یخفی إنّه لیس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفی غیر الصفات المشهورة ، وإنّه لیس صفة أُخری قائمة بالنفس کانت کلاماً نفسیاً مدلولأ للکلام اللفظی ، کما یقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للکلام.

إن قلت : فماذا یکون مدلولأ علیه عند الأصحاب والمعتزلة؟

قلت : امّا الجمل الخبریة ، فهی دالّة علی ثبوت النسبة بین طرفیها ، أو نفیها فی نفس الأمر من ذهن أو خارج ، کالإنسان نوع أو کاتب.

وأما الصیغ الإنشائیة ، فهی - علی ما حققناه فی بعضٍ فوائدنا (2) - موجدة

ص: 66


1- المتوهم هو القوشجی ، راجع شرح تجرید العقائد للقوشجی / 246 ، عند البحث عن المسموعات.
2- المتوهم هو القوشجی ، راجع شرح تجرید العقائد للقوشجی / 246 ، عند البحث عن المسموعات.

لمعانیها فی نفس الأمر ، أیّ قصد ثبوت معانیها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربما یکون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب علیه شرعاً وعرفاً آثار ، کما هو الحال فی صیغ العقود والایقاعات.

نعم لا مضایقة فی دلالة مثل صیغة الطلب والاستفهام والترجی والتمنی - بالدلالة الالتزامیة - علی ثبوت هذه الصفات حقیقة ، امّا لأجل وضعها لإِیقاعها ، فیما إذا کان الداعی إلیه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلی هذه الصورة ، فلو لم تکن هناک قرینة ، کان إنشاءً الطلب أو الاستفهام أو غیرهما بصیغتها ، لأجل کون الطلب والاستفهام وغیرهما قائمة بالنفس ، وضعاً أو إطلاقاً.

إشکال ودفع : امّا الإِشکال ، فهو إنّه یلزم بناءً علی اتحاد الطلب والإرادة ، فی تکلیف الکفار بالإِیمان ، بل مطلق أهل العصیان فی العمل بالارکان ، امّا أن لا یکون هناک تکلیف جدّی ، إن لم یکن هناک إرادة ، حیث إنّه لا یکون حینئذ طلب حقیقی ، وإعتباره فی الطلب الجدی ربما یکون من البدیهی ، وأنّ کان هناک إرادة ، فکیف تتخلف عن المراد؟ ولا تکاد تتخلف ، إذا أراد الله شیئاً یقول له : کن فیکون.

وأما الدفع ، فهو إن إستحاله التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة وهی العلم بالنظام علی النحو الکامل التام ، دون الإرادة التشریعیة ، وهی العلم بالمصلحة فی فعل المکلف. وما لا محیص عنه فی التکلیف إنّما هو هذه الإرادة التشریعیة لا التکوینیة ، فإذا توافقتا فلابد من الإطاعة والإِیمان ، وإذا تخالفتا ، فلا محیص عن أن یختار الکفر والعصیان.

إن قلت : إذا کان الکفر والعصیان والإطاعة والإِیمان ، بإرادته تعالی التی لا تکاد تتخلف عن المراد ، فلا یصحّ أن یتعلق بها التکلیف ، لکونها خارجة عن الاختیار المعتبر فیه عقلاً.

ص: 67

قلت : إنّما یخرج بذلک عن الاختیار ، لو لم یکن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختیاریة ، وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختیار ، وإلاّ لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالی عن ذلک علواً کبیراً.

إن قلت : إن الکفر والعصیان من الکافر والعاصی ولو کانا مسبوقین بإرادتهما ، إلّا إنّهما منتهیان إلی ما لا بالاختیار ، کیف؟ وقد سبقهما الإرادة الازلیة والمشیة الإلهیة ، ومعه کیف تصحّ المؤاخذة علی ما یکون بالاخرة بلا اختیار؟

قلت : العقاب إنّما بتبعة الکفر والعصیان التابعین للاختیار الناشیء عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتیة اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن ( السعید سعید فی بطن أمه ، والشقی شقی فی بطن أمه ) (1) و ( الناس معادن کمعادن الذهب والفضة ) (2) ، کما فی الخبر ، والذاتی لا یعلل ، فانقطع سؤال : إنّه لم جعل السعید سعیدا والشقی شقیا؟ فإن السعید سعید بنفسه والشقی شقی کذلک ، وإنما أوجدهما الله تعالی ( قلم اینجا رسید سر بشکست ) (3) ، قد إنتهی الکلام فی المقام إلی ما ربما لا یسعه کثیر من الافهام ، ومن الله الرشد والهدایة وبه الاعتصام.

وهم ودفع : لعلک تقول : إذا کانت الإرادة التشریعیة منه تعالی عین علمه بصلاح الفعل ، لزم - بناءً علی أن تکون عین الطلب - کون المنشأ بالصیغة فی الخطابات الإلهیة هو العلم ، وهو بمکان من البطلان.

ص: 68


1- ورد بهذا المضمون فی توحید الصدوق / 356 الباب 58 الحدیث 3.
2- الروضة من الکافی 8 / 177 ، الحدیث 197. مسند أحمد بن حنبل 2 / 539 وفیه تقدیم الفضّة علی الذهب. وقریب منه فی هذا المصدر صفحة 257 ، 260 ، 391 ، 438 ، 485 ، 498 ، 525 والبخاری 4 / 216.
3- یرید المؤلف (ره) : وهنا یقف القلم ، لأن الکلام انتهی إلی ما ربما لا یسعه کثیر من الأفهام ، وما بین القوسین ، تعبیر فارسی ترجمته : لما وصل القلم إلی هنا انکسر رأسه.

لکنک غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح ، إنّما یکون خارجاً لا مفهوماً ، وقد عرفت (1) أن المنشأ لیس إلّا المفهوم ، لا الطلب الخارجی ، ولا غرو أصلاً فی اتحاد الإرادة والعلم عیناً و خارجاً ، بل لا محیص عنه فی جمیع صفاته تعالی ؛ لرجوع الصفات إلی ذاته المقدسة ، قال أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه : ( وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ). (2)

الفصل الثانی: فیما یتعلق بصیغة الأمر

اشاره

وفیه مباحث :

الأول : إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ

قد استعملت فیها ، وقد عد منها : الترجی ، والتمنی ، والتهدید ، والإنذار ، والإِهانة ، والاحتقار ، والتعجیز ، والتسخیر ، إلی غیر ذلک ، وهذا کما تری ، ضرورة أن الصیغة ما استعملت فی واحد منها ، بل لم یستعمل إلّا فی إنشاءً الطلب ، إلّا أن الداعی إلی ذلک ، کما یکون تارةً هو البعث والتحریک نحو المطلوب الواقعی ، یکون أُخری أحد هذه الأمور ، کما لا یخفی.

قصاری ما یمکن أن یَّدعی ، أن تکون الصیغة موضوعة لإِنشاء الطلب ، فیما إذا کان بداعی البعث والتحریک ، لا بداعٍ آخر منها ، فیکون إنشاءً الطلب بها بعثاً حقیقة ، وإنشاؤه بها تهدیداً مجازاً ، وهذا غیر کونها مستعملة فی التهدید وغیره ، فلا تغفل.

إیقاظ : لا یخفی أن ما ذکروه فی صیغة الأمر ، جار فی سائر الصیغ الإنشائیة ، فکما یکون الداعی إلی إنشاءً التمنی أو الترجی أو الاستفهام

ص: 69


1- مر فی صفحة 66 من هذا الکتاب عند قوله : وأما الصیغ الإنشائیة .. الخ.
2- نهج البلاغة / 39 الخطبة الأولی.

بصیغها ، تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقیقة ، یکون الداعی غیرها أُخری ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صیغها عنها ، واستعمالها فی غیرها ، إذا وقعت فی کلامه تعالی ، لاستحالة مثل هذه المعانی فی حقه تبارک وتعالی ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وإنّه لا وجه له ، فإن المستحیل إنّما هو الحقیقی منها لا الإنشائی الإِیقاعی ، الذی یکون بمجرد قصد حصوله بالصیغة ، کما عرفت ، ففی کلامه تعالی قد استعملت فی معانیها الإِیقاعیة الإنشائیة أیضاً ، لا لإِظهار ثبوتها حقیقة ، بل الأمر آخر حسب ما یقتضیه الحال من إظهار المحبة أو الإِنکار أو التقریر إلی غیر ذلک ، ومنه ظهر أن ما ذکر من المعانی الکثیرة لصیغة الاستفهام لیس کما ینبغی أیضاً.

المبحث الثّانی : فی أن الصیغة حقیقة فی الوجوب

أو فی الندب ، أو فیهما ، أو فی المشترک بینهما ، وجوه بل أقوال.

لا یبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرینة ، ویؤیده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالته علیه بحال أو مقال ، وکثرة الاستعمال فیه فی الکتاب والسنة وغیرهما لا یوجب نقله إلیه أو حمله علیه (1)، لکثرة استعماله فی الوجوب أیضاً ، مع أن الاستعمال وأنّ کثر فیه ، إلّا إنّه کان مع القرینة المصحوبة ، وکثرة الاستعمال کذلک فی المعنی المجازی لا توجب صیرورته مشهوراً فیه ، لیرجح أو یتوقف ، علی الخلاف فی المجاز المشهور ، کیف؟ وقد کثر إستعمال العام فی الخاص ، حتی قیل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ولم ینثلم به ظهوره فی العموم ، بل یحمل علیه ما لم تقم قرینة بالخصوص علی إرادة الخصوص.

المبحث الثالث : هل الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب

والبعث - مثل : یغتسل ، ویتوضأ ، ویعید - ظاهرة فی الوجوب أو لا؟ لتعدد

ص: 70


1- هذا تعریض بصاحب المعالم قدس سره ، معالم الدین / 48 ، فصل فی الأوامر : فائدة.

المجازات فیها ، ولیس الوجوب بأقواها ، بعد تعذر حملها علی معناها من الإخبار ، بثبوت النسبة والحکایة عن وقوعها.

الظاهر الأوّل ، بل تکون أظهر من الصیغة ، ولکنه لا یخفی إنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام - أیّ الطلب - مستعملة فی غیر معناها ، بل تکون مستعملة فیه ، إلّا إنّه لیس بداعی الأعلام ، بل بداعی البعث بنحو آکد ، حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه ، إظهارا بإنّه لا یرضی إلّا بوقوعه ، فیکون آکد فی البعث من الصیغة ، کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة ، علی ما عرفت من إنّها أبدا تستعمل فی معانیها الإِیقاعیة لکن بدواعٍ أخر ، کما مر (1).

لا یقال : کیف؟ ویلزم الکذب کثیراً ، لکثرة عدم وقوع المطلوب کذلک فی الخارج ، تعالی الله وأولیاؤه عن ذلک علواً کبیراً.

فإنّه یقال : إنّما یلزم الکذب ، إذا أتی بها بداعی الإخبار والإِعلام ، لا لداعی البعث ، کیف؟ وإلاّ یلزم الکذب فی غالب الکنایات ، فمثل ( زید کثیر الرماد ) أو ( مهزول الفصیل ) لا یکون کذباً ، إذا قیل کنایة عن جوده ، ولو لم یکن له رماد أو فصیل أصلاً ، وإنما یکون کذباً إذا لم یکن بجواد ، فیکون الطلب بالخبر فی مقام التأکید أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضی الحال. هذا مع إنّه إذا أتی بها فی مقام البیان ، فمقدمات الحکمة مقتضیة لحملها علی الوجوب ، فإن تلک النکتة إن لم تکن موجبة لظهورها فیه ، فلا أقل من کونها موجبة لتعینه من بین محتملات ما هو بصدده ، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب ، موجبة لتعین إرادته إذا کان بصدد البیان ، مع عدم نصب قرینة خاصة علی غیره ، فافهم.

ص: 71


1- 1. فی المبحث الأوّل من هذا الفصل ، عند قوله قدس سره : إیقاظ / 69.

المبحث الرابع [فی ظهور صیغة الامر فی الوجوب و عدمه]

إنّه إذا سلّم أن الصیغة لا تکون حقیقة فی الوجوب ، هل لا تکون ظاهرة فیه أیضاً أو تکون؟ قیل بظهورها فیه ، امّا لغلبة الاستعمال فیه ، أو لغلبة وجوده أو أکملیته.

والکل کما تری ، ضرورة أن الاستعمال فی الندب وکذا وجوده ، لیس بأقل لو لم یکن بأکثر. وأما الأکملیة فغیر موجبة للظهور ، إذ الظهور لا یکاد یکون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنی ، بحیث یصیر وجهاً له ، ومجرد الأکملیة لا یوجبه ، کما لا یخفی. نعم فیما کان الآمر بصدد البیان ، فقضیة مقدمات الحکمة هو الحمل علی الوجوب ، فإن الندب کإنّه یحتاج إلی مؤونة بیان التحدید والتقیید بعدم المنع من الترک ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحدید فیه للطلب ولا تقیید ، فإطلاق اللفظ وعدم تقییده مع کون المطلق فی مقام البیان ، کافٍ فی بیإنّه ، فافهم.

المبحث الخامس [التعبدی و التوسلی]

إن إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً ، فیجزئ إتیإنّه مطلقاً ، ولو بدون قصد القربة ، أو لا؟ فلا بدّ من الرجوع فیما شک فی تعبدیته وتوصلیته إلی الأصل.

لابد فی تحقیق ذلک من تمهید مقدمات :

أحدها : الوجوب التوصلی ، هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب ، ویسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدی ، فإن الغرض منه لا یکاد یحصل بذلک ، بل لابد - فی سقوطه وحصول غرضه - من الإِتیان به متقرباً به منه تعالی.

ثانیها : إن التقرب المعتبر فی التعبدی ، إن کان بمعنی قصد الامتثال والإِتیان بالواجب بداعی أمره ، کان مما یعتبر فی الطاعة عقلاً ، لا مما أخذ فی نفس العبادة شرعاً ، وذلک لاستحالة أخذ ما لا یکاد یتأتی إلّا من قبل الأمر بشیء فی متعلق ذاک الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً ، فما لم تکن نفس الصلاة متعلقة للأمر ، لا یکاد یمکن إتیإنّها بقصد امتثال أمرها.

ص: 72

وتوهمّ إمکان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعی الأمر ، وإمکان الإِتیان بها بهذا الداعی ، ضرورة إمکان تصور الأمر بها مقیدة ، والتمکن من إتیإنّها کذلک ، بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً فی صحة الأمر إنّما هو فی حال الامتثال لا حال الأمر ، واضح الفساد ، ضرورة إنّه وأنّ کان تصورها کذلک بمکان من الإِمکان ، إلّا إنّه لا یکاد یمکن الإِتیان بها بداعی أمرها ، لعدم الأمر بها ، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقیدة بداعی الأمر ، ولا یکاد یدعو الأمر إلّا إلی ما تعلق به ، لا إلی غیره.

إن قلت : نعم ، ولکن نفس الصلاة أیضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقیدة.

قلت : کلاّ ، لأن ذات المقید لا یکون مأموراً بها ، فإن الجزء التحلیلی العقلی لا یتصف بالوجوب أصلاً ، فإنّه لیس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسی ، کما ربما یأتی فی باب المقدمة.

إن قلت : نعم ، لکنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطراً ، فلا محالة نفس الفعل الذی تعلق الوجوب به مع هذا القصد ، یکون متعلقاً للوجوب ، إذ المرکب لیس إلّا نفس الإِجزاء بالأسر ، ویکون تعلقه بکل بعین تعلقه بالکل ، ویصحّ أن یؤتی به بداعی ذاک الوجوب ؛ ضرورة صحة الإِتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبه.

قلت : مع امتناع اعتباره کذلک ، فإنّه یوجب تعلق الوجوب بأمر غیر اختیاری ، فإن الفعل وأنّ کان بالإِرادة اختیاریا ، إلّا أن إرادته - حیث لا تکون بإرادة أُخری ، وإلاّ لتسلسلت - لیست باختیاریة ، کما لا یخفی. إنّما یصحّ الإِتیان بجزء الواجب بداعی وجوبه فی ضمن إتیإنّه بهذا الداعی ، ولا یکاد یمکن الإِتیان بالمرکب عن قصد الامتثال ، بداعی امتثال أمره.

ص: 73

إن قلت : نعم (1) ، لکن هذا کله إذا کان إعتباره فی المأمور به بأمر واحد ، وأما إذا کان بأمرین : تعلق أحدهما بذات الفعل ، وثانیهما بإتیإنّه بداعی أمره ، فلا محذور أصلاً ، کما لا یخفی. فللآمر أن یتوسل بذلک فی الوصلة إلی تمام غرضه ومقصده ، بلا منعة.

قلت : - مضافاً إلی القطع بإنّه لیس فی العبادات إلّا أمر واحد ، کغیرها من الواجبات والمستحبات ، غایة الأمر یدور مدار الامتثال وجوداً و عدماً فیها المثوبات والعقوبات ، بخلاف ما عداها ، فیدور فیه خصوص المثوبات ، وأما العقوبة فمترتبة علی ترک الطاعة ومطلق الموافقة - أن الأمر الأوّل إن کان یسقط بمجرد موافقته ، ولو لم یقصد به الامتثال ، کما هو قضیة الأمر الثّانی ، فلا یبقی مجال لموافقة الثّانی مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا یتوسل الأمر إلی غرضه بهذه الحیلة والوسیلة ، وأنّ لم یکد یسقط بذلک ، فلا یکاد یکون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلک من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما کان موجباً لحدوثه ، وعلیه فلا حاجة فی الوصول إلی غرضه إلی وسیلة تعدَّد الأمر ، لاستقلال العقل ، مع عدم حصول غرض الأمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرضه ، فیسقط أمره.

هذا کله إذا کان التقرب المعتبر فی العبادة بمعنی قصد الامتثال.

وأما إذا کان بمعنی الإِتیان بالفعل بداعی حسنه ، أو کونه ذا مصلحة [ أو له تعالی ] (2) ، فاعتباره فی متعلق الأمر وأنّ کان بمکان من الإِمکان ، إلّا إنّه غیر معتبر فیه قطعاً ، لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال ، الذی عرفت

ص: 74


1- 1. إشارة إلی ما أفاده صاحب التقریرات فی مطارح الأنظار / 60 ، السطر الأخیر ، فی التعبدی والتوصلی.
2- 2. سقطت من « أ ».

عدم إمکان أخذه فیه بدیهة.

تأمل فیما ذکرناه فی المقام ، تعرف حقیقة المرام ، کی لا تقع فیما وقع فیه من الاشتباه بعضٍ الأعلام.

ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزید علیه ، عدم إمکان أخذ قصد الامتثال فی المأمور به أصلاً ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه - ولو کان مسوقاً فی مقام البیان - علی عدم اعتباره ، کما هو أوضح من أن یخفی ، فلا یکاد یصحّ التمسک به إلّا فیما یمکن اعتباره فیه.

فانقدح بذلک إنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها ، ولا لاستظهار عدم اعتبارٍ مثل الوجه مما هو ناشیء من قبل الأمر ، من إطلاق المادة فی العبادة لو شک فی اعتباره فیها ، نعم إذا کان الأمر فی مقام بصدد بیان تمام ماله دخل فی حصول غرضه ، وأنّ لم یکن له دخل فی متعلق أمره ، ومعه سکت فی المقام ، ولم ینصب دلالة علی دخل قصد الامتثال فی حصوله ، کان هذا قرینة علی عدم دخله فی غرضه ، وإلاّ لکان سکوته نقضاً له وخلاف الحکمة ، فلا بدّ عند الشک وعدم إحراز هذا المقام ، من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل ویستقل به العقل.

فاعلم : إنّه لا مجال - ها هنا - إلّا لاصالة الإِشتغال ، ولو قیل بأصالة البراءة فیما إذا دار الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین ، وذلک لأن الشک ها هنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا یکون العقاب - مع الشک وعدم إحراز الخروج - عقاباً بلا بیان ، والمؤاخذة علیه بلا برهان ، ضرورة إنّه بالعلم بالتکلیف تصحّ المؤاخذة علی المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهکذا الحال فی کلّ ما شک دخله فی الطاعة ، والخروج به عن العهدة ، مما لا یمکن اعتباره فی المأمور به کالوجه والتمییز.

نعم : یمکن أن یقال : إن کلّ ما ربما یحتمل بدواً دخله فی الامتثال ،

ص: 75

أمراً کان مما یغفل عنه غالباً العامة (1) ، کان علی الأمر بیإنّه ، ونصب قرینة علی دخله واقعاً ، وإلاّ لاخل بما هو همّه وغرضه ، امّا إذا لم ینصب دلالة علی دخله ، کشف عن عدم دخله ، وبذلک یمکن القطع بعدم دخل الوجه والتمییز فی الطاعة بالعبادة ، حیث لیس منهما عین ولا أثر فی الإخبار والآثار ، وکانا مما یغفل عنه العامة ، وأنّ احتمل اعتباره بعضٍ الخاصة ، فتدبرّ جیداً.

ثم إنّه لا أظنک أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعیة مقتضیة لعدم الاعتبار ، وأنّ کان قضیة الإِشتغال عقلاً هو الاعتبار ، لوضوح إنّه لا بدّ فی عمومها من شیء قابل للرفع والوضع شرعاً ، ولیس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها فی الغرض لیس بشرعی ، بل واقعی. ودخل الجزء والشرط فیه وأنّ کان کذلک ، إلّا إنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدلیل الرفع - ولو کان أصلاً - یکشف إنّه لیس هناک أمر فعلّی بما یعتبر فیه المشکوک ، یجب الخروج عن عهدته عقلاً ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلّی ، کما عرفت ، فافهم.

المبحث السادس : قضیة إطلاق الصیغة

کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً ، لکون کلّ واحد مما یقابلها یکون فیه تقیید الوجوب وتضیق دائرته ، فإذا کان فی مقام البیان ، ولم ینصب قرینة علیه ، فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً ، وجب هناک شیء آخر أو لا ، أتی بشیء آخر أو لا ، أتی به آخر أو لا ، کما هو واضح لا یخفی.

المبحث السابع[وقوع الامر عقیب الحظر]

إنّه اختلف القائلون بظهور صیغة الأمر فی الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فیما إذا وقع عقیب الحظر أو فی مقام توهمه علی أقوال :

ص: 76


1- هذا ما أثبتناه من « أ و ب » ، وفی بعضٍ النسخ المطبوعة هکذا ( إن کلّ ما یحتمل بدواً دخله فی الامتثال وکان یغفل عنه غالباً العامة ).

نسب (1)إلی المشهور ظهورها فی الإِباحة. وإلی بعضٍ العامة (2) ظهورها فی الوجوب ، وإلی بعضٍ (3) تبعیته لما قبل النهی ، إن علق الأمر بزوال علّة النهی ، إلی غیر ذلک.

والتحقیق : إنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنّه قلّ مورد منها یکون خالیاً عن قرینة علی الوجوب ، أو الإِباحة ، أو التبعیة ، ومع فرض التجرید عنها ، لم یظهر بعدُ کون عقیب الحظر موجباً لظهورها فی غیر ما تکون ظاهرة فیه. غایة الأمر یکون موجباً لاجمالها ، غیر ظاهرة فی واحد منها إلّا بقرینة أُخری ، کما أشرنا.

المبحث الثامن[المرةو التکرار]

الحق أن صیغة الأمر مطلقاً ، لا دلالة لها علی المرة ولا التکرار ، فإن المنصرف عنها ، لیس إلّا طلب إیجاد الطبیعة المأمور بها ، فلا دلالة لها علی أحدهما ، لا بهیئتها ولا بمادتها ، والاکتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها فی الأمر بالطبیعة ، کما لا یخفی.

ثم لا یذهب علیک : أن الاتفاق علی أن المصدر المجرد عن اللام والتنوین ، لا یدلّ إلّا علی الماهیة - علی ما حکاه السکاکی (4)- لا یوجب کون النزاع ها هنا فی الهیئة - کما فی الفصول (5) - فإنّه غفلة وذهول عن کون المصدر کذلک ، لا یوجب الاتفاق علی أن مادة الصیغة لا تدلّ إلّا علی

ص: 77


1- راجع الفصول / 70 ، وبدائع الأفکار فی النسخة الثانیة من نسختی الأوامر / 294.
2- البصری فی المعتمد / 75 ، باب فی صیغة الأمر الواردة بعد حظر ، والبیضاوی وغیره راجع الإِبهاج فی شرح المنهاج للسبکی : 2 / 43.
3- کالعضدی ، شرح مختصر الأصول / 205 ، فی مسألة وقوع صیغة الأمر بعد الحظر.
4- مفتاح العلوم / 93.
5- الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هیئة ... الخ.

الماهیة ، ضرورة أن المصدر لیست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صیغة مثلها ، کیف؟ وقد عرفت فی باب المشتق مباینة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنی ، فکیف بمعناه یکون مادة لها؟ فعلیه یمکن دعوی اعتبارٍ المرة أو التکرار فی مادتها ، کما لا یخفی.

إن قلت : فما معنی ما اشتهر من کون المصدر أصلاً فی الکلام.

قلت : مع إنّه محلّ الخلاف ، معناه أن الذی وضع أولاً بالوضع الشخصی ، ثم بملاحظته وضع نوعیا أو شخصیاً سائر الصیغ التی تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة فی کلّ منها ومنه ، بصورة ومعنی کذلک ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم.

ثم المراد بالمرة والتکرار ، هل هو الدفعة والدفعات؟ أو الفرد والأفراد؟

والتحقیق : أن یقعا بکلا المعنیین محلّ النزاع ، وأنّ کان لفظهما ظاهراً فی المعنی الأوّل ، وتوهمّ (1)إنّه لو أُرید بالمرة الفرد ، لکان الانسب ، بل اللازم أن یجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتی ، من أن الأمر هل یتعلق بالطبیعة أو بالفرد؟ فیقال عند ذلک وعلی تقدیر تعلقه بالفرد ، هل یقتضی التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ، أو لا یقتضی شیئاً منهما؟ ولم یحتج إلی إفراد کلّ منهما بالبحث کما فعلوه ، وأما لو أُرید بها الدفعة ، فلا علقة بین المسألتین ، کما لا یخفی ، فاسد ، لعدم العلقة بینهما لو أُرید بها الفرد أیضاً ، فإن الطلب علی القول بالطبیعة إنّما یتعلق بها باعتبار وجودها فی الخارج ، ضرورة أن الطبیعة من حیث هی لیست إلّا هی ، لا مطلوبة ولا غیر مطلوبة ، وبهذا الاعتبار کانت مرددة بین المرة والتکرار بکلا المعنیین ، فیصحّ النزاع فی دلالة الصیغة علی المرة والتکرار بالمعنیین وعدمها.

ص: 78


1- المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71.

أمّا بالمعنی الأوّل فواضح ، وأما بالمعنی الثّانی فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لأن وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد ، غایة الأمر خصوصیته وتشخصه علی القول بتعلق الأمر بالطبائع یلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالأفراد ، فإنّه مما یقومه.

تنبیه : لا إشکال بناءً علی القول بالمرة فی الامتثال ، وإنّه لا مجال للاتیان بالمأمور به ثانیاً ، علی أن یکون أیضاً به الامتثال ، فإنّه من الامتثال بعد الامتثال. وأما علی المختار من دلالته علی طلب الطبیعة من دون دلالة علی المرة ولا علی التکرار ، فلا یخلو الحال : امّا أن لا یکون هناک إطلاق الصیغة فی مقام البیان ، بل فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، فالمرجع هو الأصل. وإما أن یکون إطلاقها فی ذلک المقام ، فلا إشکال فی الاکتفاء بالمرة فی الامتثال ، وإنما الإِشکال فی جواز أن لا یقتصر علیها ، فإن لازم إطلاق الطبیعة المأمور بها ، هو الإِتیان بها مرة أو مراراً لا ، لزوم الاقتصار علی المرة ، کما لا یخفی.

والتحقیق : إن قضیة الإِطلاق إنّما هو جواز الإِتیان بها مرة فی ضمن فرد أو أفراد ، فیکون إیجادها فی ضمنها نحواً من الامتثال ، کإیجادها فی ضمن الواحد ، لا جواز الإِتیان بها مرة ومرات ، فإنّه مع الإِتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال ویسقط به الأمر ، فیما إذا کان امتثال الأمر علّة تامة لحصول الغرض الأقصی ، بحیث یحصل بمجرده ، فلا یبقی معه مجال لاتیإنّه ثانیاً بداعی امتثال آخر ، أو بداعی أن یکون الاتیانان امتثالاً واحداً ؛ لما عرفت من حصول الموافقة بإتیإنّها ، وسقوط الغرض معها ، وسقوط الأمر بسقوطه ، فلا یبقی مجال لامتثاله أصلاً ، وأما إذا لم یکن الامتثال علّة تامة لحصول الغرض ، کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به ، ولم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً ، فلا یبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه ، بل

ص: 79

مطلقاً ، کما کان له ذلک قبله ، علی ما یأتی بیإنّه فی الإِجزاء.

المبحث التاسع[الفور و التراخی]

الحق إنّه لا دلالة للصیغة ، لا علی الفور ولا علی التراخی ، نعم قضیة إطلاقها جواز التراخی ، والدلیل علیه تبادر طلب إیجاد الطبیعة منها ، بلا دلالة علی تقییدها بأحدها ، فلا بدّ فی التقیید من دلالة أُخری ، کما ادعی دلالة غیر واحد من الآیات علی الفوریة.

وفیه منع ، ضرورة أن سیاق آیة ( وسارعوا إلی مغفرة من ربکم ) (1)وکذا آیة ( فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ ) (2) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلی المغفرة والاستباق إلی الخیر ، من دون استتباع ترکهما للغضب والشر ، ضرورة أن ترکهما لو کان مستتبعا للغضب والشر ، کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب ، کما لا یخفی ، فافهم.

مع لزوم کثرة تخصیصه فی المستحبات ، وکثیر من الواجبات بل أکثرها ، فلا بدّ من حمل الصیغة فیهما علی خصوص الندب أو مطلق الطلب.

ولا یبعد دعوی استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق ، وکان ما ورد من الآیات والروایات فی مقام البعث نحوه إرشاداً إلی ذلک ، کالآیات والروایات الواردة فی الحثَّ علی أصل الإطاعة ، فیکون الأمر فیها لما یترتب علی المادة بنفسها ، ولو لم یکن هناک أمر بها ، کما هو الشأن فی الأوامر الارشادیة ، فافهم.

تتمة : بناءً علی القول بالفور ، فهل قضیة الأمر الإِتیان فوراً ففوراً بحیث لو عصی لوجب علیه الإِتیان به فوراً أیضاً ، فی الزمان الثّانی ، أو لا؟ وجهان : مبنیان علی أن مفاد الصیغة علی هذا القول ، هو وحدة المطلوب أو تعدده؟ ولا یخفی إنّه لو قیل بدلالتها علی الفوریة ، لما کان لها دلالة علی نحو

ص: 80


1- آل عمران : 133.
2- البقرة : 148 ، المائدة : 48.

المطلوب من وحدته أو تعدده ، فتدبرّ جیداً.

الفصل الثالث : [ فی الإجزاء]

اشارة

الاتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإِجزاء فی الجملة بلا شبهة ،

وقبل الخوض فی تفصیل المقام وبیان النقض والأبرام ،ینبغی تقدیم أمور

أحدها : الظاهر أن المراد من ( وجهه ) - فی العنوان - هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذاک النهج شرعاً وعقلاً ، مثل أن یؤتی به بقصد التقرب فی العبادة ، لا خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأمور به شرعاً ، فإنّه علیه یکون ( علی وجهه ) قیداً توضیحیا ، وهو بعید ، مع إنّه یلزم خروج التعبدیات عن حریم النزاع ، بناءً علی المختار ، کما تقدم من أن قصد القربة من کیفیات الإطاعة عقلاً ، لا من قیود المأمور به شرعاً ، ولا الوجه المعتبر عند بعضٍ الأصحاب (1) ، فإنّه - مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره ، إلّا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذکر علی تقدیر الاعتبار ، فلا بدّ من إرادة ما یندرج فیه من المعنی ، وهو ما ذکرناه ، کما لا یخفی.

ثانیها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء - ها هنا - الاقتضاء بنحو العلّیة والتأثیر ، لا بنحو الکشف والدلالة ، ولذا نسب إلی الإِتیان لا إلی الصیغة.

إن قلت : هذا إنّما یکون کذلک بالنسبة إلی أمره ، وأما بالنسبة إلی أمر آخر ، کالإِتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری أو الظاهری بالنسبة إلی الأمر الواقعی ، فالنزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما علی اعتباره ، بنحو یفید الإِجزاء ، أو بنحو آخر لا یفیده.

ص: 81


1- من المتکلمین ، وأشار إلیه فی مطارح الأنظار / 19.

قلت : نعم ، لکنه لا ینافی کون النزاع فیهما ، کان فی الاقتضاء بالمعنی المتقدم ، غایته أن العمدة فی سبب الاختلاف فیهما ، إنّما هو الخلاف فی دلالة دلیلهما ، هل إنّه علی نحو یستقل العقل بأن الإِتیان به موجب للإِجزاء ویؤثر فیه ، وعدم دلالته؟ ویکون النزاع فیه صغرویاً أیضاً ، بخلافه فی الإِجزاء بالإضافة إلی أمره ، فإنّه لا یکون إلّا کبرویا ، لو کان هناک نزاع ، کما نقل عن بعضٍ (1) فافهم.

ثالثها : الظاهر أن الإِجزاء - ها هنا - بمعناه لغةً ، وهو الکفایة (2) ، وأنّ کان یختلف ما یکفی عنه ، فإن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی یکفی ، فیسقط به التعبد به ثانیاً ، وبالأمر الاضطراری أو الظاهری الجعلی ، فیسقط به القضاء ، لا إنّه یکون - ها هنا - اصطلاحاً ، بمعنی إسقاط التعبد أو القضاء ، فإنّه بعید جداً.

رابعها : الفرق (3) بین هذه المسألة ، ومسألة المرة والتکرار ، لا یکاد یخفی ، فإن البحث - ها هنا - فی أن الإِتیان بما هو المأمور به یجزئ عقلاً ، بخلافه فی تلک المسألة ، فإنّه فی تعیین ما هو المأمور به شرعاً بحسب دلالة الصیغة بنفسها ، أو بدلالة أُخری.

نعم کان التکرار عملاً موافقاً لعدم الإِجزاء لکنه لا بملاکه.

وهکذا الفرق بینها وبین مسألة تبعیة القضاء للاداء ، فإن البحث فی تلک المسألة فی دلالة الصیغة علی التبعیة وعدمها ، بخلاف هذه المسألة ؛ فإنّه - کما عرفت - فی

ص: 82


1- وهو القاضی عبد الجبار ، راجع المعتمد 1 / 90.
2- اجزأ الشیءُ إیای : کفانی. القاموس المحیط 1 / 10 مادة الجزء. أجزأنی الشیء : کفانی. مجمع البحرین 1 / 85 مادة جزأ.
3- راجع مطارح الأنظار / 19.

أن الإِتیان بالمأمور به بجزی عقلاً عن إتیإنّه ثانیاً أداءً أو قضاءً ، أو لا یجزئ ، فلا علقة بین المسألة والمسألتین أصلاً.

إذا عرفت هذه الأمور ، فتحقیق المقام یستدعی البحث والکلام فی موضعین :

[الموضع]الأول [اجزاء الاتیان بالمامور به مطلقا عن امره دون غیره]

إن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی - بل (1) بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً - یجزئ عن التعبد به ثانیاً ؛ لاستقلال العقل بإنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأمور به علی وجهه ، لاقتضائه التعبد به ثانیاً.

نعم لا یبعد أن یقال : بإنّه یکون للعبد تبدیل الامتثال والتعبد به ثانیاً ، بدلاً عن التعبد به أولاً ، لا منضما إلیه ، کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة (2) ، وذلک فیما علم أن مجرد امتثاله لا یکون علّة تامة لحصول الغرض ، وأنّ کان وافیاً به لو اکتفی به ، کما إذا أتی بماء أمر به مولاه لیشربه ، فلم یشربه بعد ، فإن الأمر بحقیقته وملاکه لم یسقط بعد ، ولذا لو أهریق (3)الماء واطلع علیه العبد ، وجب علیه إتیإنّه ثانیاً ، کما إذا لم یأت به أولاً ، ضرورة بقاء طلبه ما لم یحصل غرضه الداعی إلیه ، وإلاّ لما أوجب حدوثه ، فحینئذ یکون له الإِتیان بماء آخر موافق للأمر ، کما کان له قبل إتیإنّه الأوّل بدلاً عنه.

نعم فیما کان الإِتیان علّة تامة لحصول الغرض ، فلا یبقی موضع للتبدیل ، کما إذا أمر بإهراق الماء فی فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم یعلم إنّه من أیّ القبیل ، فله التبدیل باحتمال أن لا یکون علّة ، فله إلیه سبیل ، ویؤیّد ذلک - بل یدلّ علیه - ما ورد من الروایات فی باب إعادة من صلّی فرادی

ص: 83


1- فی نسختی « أ و ب » بل أو ..
2- راجع تنبیه المبحث الثامن من هذا الکتاب / 79.
3- فی « ب » : أهرق.

جماعة (1) ، وأنّ الله تعالی یختار أحبهما إلیه.

الموضع الثّانی

وفیه مقامان :

المقام الأوّل : فی أن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری ، هل یجزئ عن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی ثانیاً ، بعد رفع الاضطرار فی الوقت إعادة ، وفی خارجه قضاءً ، أو لا یجزئ؟

تحقیق الکلام فیه یستدعی التکلم فیه تارةً فی بیان ما یمکن أن یقع علیه الأمر الاضطراری من الأنحاء ، وبیان ما هو قضیة کلّ منها من الإِجزاء وعدمه ، وأخری فی تعیین ما وقع علیه.

فاعلم إنّه یمکن أن یکون التکلیف الاضطراری فی حال الاضطرار ، کالتکلیف الاختیاری فی حال الاختیار ، وافیاً بتمام المصلحة ، وکافیاً فیما هو المهمّ والغرض ، ویمکن أن لا یکون وافیاً به کذلک ، بل یبقی منه شیء أمکن استیقاؤه أو لا یمکن. وما أمکن کان بمقدار یجب تدارکه ، أو یکون بمقدار یستحب ، ولا یخفی إنّه إن کان وافیاً به فیجزئ ، فلا یبقی مجال أصلاً للتدارک ، لا قضاءً ولا إعادة ، وکذا لو لم یکن وافیاً ، ولکن لا یمکن تدارکه ، ولا یکاد یسوغ له البدار فی هذه الصورة إلّا لمصلحة کانت فیه ، لما فیه من نقض الغرض ، وتفویت مقدارٍ من المصلحة ، لو لا مراعاة ما هو فیه من الأهم ، فافهم.

لا یقال : علیه ، فلا مجال لتشریعه ولو بشرط الانتظار ، لا مکان استیفاء الغرض بالقضاء.

ص: 84


1- الکافی : 3 / 379 ، باب الرجل یصلی وحده من کتاب الصلاة. التهذیب : 3 / 269 الحدیث 94 ، وصفحة 270 الحدیث 95 إلی 98 الباب 25. الفقیه : 1 / 251. الحدیث 41 إلی 43 من باب الجماعة وفضلها.

فإنّه یقال : هذا کذلک ، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت.

وأما تسویغ البدار أو إیجاب الانتظار فی الصورة الأولی ، فیدور مدار کون العمل - بمجرد الاضطرار مطلقاً ، أو بشرط الانتظار ، أو مع الیأس عن طروِّ الاختیار - ذا مصلحة ووافیا بالغرض.

وإن لم یکن وافیاً ، وقد أمکن تدارک الباقی (1) فی الوقت ، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلا یجزئ ، بل لابد (2)من إیجاب الإِعادة أو القضاء ، وإلاّ فیجزئ ، ولا مانع عن البدار فی الصورتین ، غایة الأمر یتخیر فی الصورة الأولی بین البدار والإِتیان بعملین : العمل الاضطراری فی هذا الحال ، والعمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتیان ما هو تکلیف المختار ، وفی الصورة الثانیة یجزئ البدار ویستحب الإِعادة بعد طروِّ الاختیار.

هذا کله فیما یمکن أن یقع علیه الاضطراری من الأنحاء ، وأما ما وقعٍ علیه فظاهر إطلاق دلیله ، مثل قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیدًا طَیِّبًا ) (3)وقوله علیه السلام : ( التراب أحد الطهورین ) (4)و : ( یکفیک عشر سنین ) (5)هو الإِجزاء ، وعدم وجوب الإِعادة أو القضاء ، ولا بدّ فی إیجاب الإِتیان به ثانیاً من دلالة دلیل بالخصوص.

وبالجملة : فالمتبع هو الإِطلاق لو کان ، وإلاّ فالأصل ، وهو یقتضی البراءة من إیجاب الإِعادة ، لکونه شکّاً فی أصل التکلیف ، وکذا عن إیجاب

ص: 85


1- فی « ب » : ما بقی منه.
2- فی « أ » : ولا بد.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- التهذیب : 1 / 196 - 197 ، 200 باب التیمم وأحکامه. الکافی : 3 / 64. باب الوقت الذی یوجب التیمم ، مع اختلاف فی الالفاظ.
5- التهذیب : 1 / 194 ، الحدیث 35 ، التیمم وأحکامه ، وصفحة 199 ، الحدیث 52.

القضاء بطریق أولی ، نعم لو دلّ دلیله علی أن سببه فوت الواقع ، ولو لم یکن هو فریضة ، کان القضاء واجباً علیه ، لتحقق سببه ، وأنّ أتی بالفرض لکنه مجرد الفرض.

المقام الثّانی : فی إجزاء الإِتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری وعدمه.

والتحقیق : أن ما کان منه یجری فی تنقیح ما هو موضوع التکلیف وتحقیق متعلقه ، وکان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره ، کقاعدة الطهارة أو الحلیة ، بل واستصحابهما فی وجه قوی ، ونحوها بالنسبة إلی کلّ ما اشترط بالطهارة أو الحلیة یجری ، فإن دلیله یکون حاکماً علی دلیل الاشتراط ، ومبیّناً لدائرة الشرط ، وإنّه أعم من الطهارة الواقعیة والظاهریة ، فانکشاف الخلاف فیه لا یکون موجباً لانکشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إلیه یکون من قبیل ارتفاعه من حین ارتفاع الجهل ، وهذا بخلاف ما کان منها بلسان إنّه ما هو الشرط واقعاً ، کما هو لسان الأمارات ، فلا یجزئ ، فإن دلیل حجیته حیث کان بلسان إنّه واجد لما هو شرطه الواقعی ، فبارتفاع الجهل ینکشف إنّه لم یکن کذلک ، بل کان لشرطه فاقداً (1). هذا علی ما هو الأظهر الأقوی فی الطرق والامارات ، من أن حجیتها لیست بنحو السببیة.

وأما بناءً علیها ، وأنّ العمل بسبب أداءً أمارة إلی وجدان شرطه أو شطره ، یصیر حقیقة صحیحاً کإنّه واجد له ، مع کونه فاقده ، فیجزئ لو کان الفاقد معه - فی هذا الحال - کالواجد فی کونه وافیاً بتمام الغرض ، ولا یجزئ لو لم یکن کذلک ، ویجب الإِتیان بالواجد لاستیفاء الباقی - إن وجب - وإلاّ لاستحب. هذا مع إمکان استیفائه ، وإلاّ فلا مجال لاتیإنّه ، کما عرفت فی الأمر الاضطراری.

ص: 86


1- فی « أ و ب » : فاقد.

ولا یخفی أن قضیة إطلاق دلیل الحجیة - علی هذا - هو الاجتزاء بموافقته أیضاً ، هذا فیما إذا أحرز أن الحجیة بنحو الکشف والطریقیة ، أیّ بنحو الموضوعیة والسببیة.

وأما إذا شک [ فیها ] (1)ولم یحرز إنّها علی أیّ الوجهین ، فأصالة عدم الإِتیان بما یسقط معه التکلیف مقتضیة للاعادة فی الوقت ، واستصحاب عدم کون التکلیف بالواقع فعلّیاً فی الوقت لا یجدی ، ولا یثبت کون ما أتی به مسقطاً ، إلّا علی القول بالأصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما یشک فی فراغها عنه بذلک المأتی.

وهذا بخلاف ما إذا علم إنّه مأمور به واقعاً ، وشک فی إنّه یجزئ عما هو المأمور به الواقعی الأولی ، کما فی الأوامر الاضطراریة أو الظاهریة ، بناءً علی أن یکون الحجیة علی نحو السببیة ، فقضیة الأصل فیها - کما أشرنا إلیه - عدم وجوب الإِعادة ، للاتیان بما اشتغلت به الذمة یقیناً ، وأصالة عدم فعلیة التکلیف الواقعی بعد رفع الاضطرار وکشف الخلاف.

وأما القضاء فلا یجب بناءً علی إنّه فرض جدید ، وکان الفوت المعلّق علیه وجوب لا یثبت بأصالة عدم الإِتیان ، إلّا علی القول بالأصل المثبت ، وإلاّ فهو واجب ، کما لا یخفی علی المتأمل ، فتأمل جیداً.

ثم إن هذا کله فیما یجری فی متعلق التکالیف ، من الأمارات الشرعیة و الأصول العملیة.

وأما ما یجری فی إثبات أصل التکلیف ، کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة یومها فی زمان الغیبة ، فانکشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر فی زمإنّها ، فلا وجه لاجزائها مطلقاً ، غایة الأمر أن تصیر صلاة الجمعة فیها - أیضاً - ذات مصلحة لذلک ، ولا ینافی هذا بقاء صلاة الظهر علی ما هی علیه من المصلحة ، کما لا یخفی ، إلّا أن یقوم دلیل بالخصوص علی عدم وجوب صلاتین فی یوم واحد.

ص: 87


1- أثبتناها من « أ ».

تذنیبان

الأول : لا ینبغی توهّم الإِجزاء فی القطع بالأمر فی صورة الخطأ ، فإنّه لا یکون موافقة للأمر فیها ، وبقی الأمر بلا موافقة أصلاً ، وهو أوضح من أن یخفی ، نعم ربما یکون ما قطع بکونه مأموراً به مشتملاً علی المصلحة فی هذا الحال ، أو علی مقدار منها ، ولو فی غیر الحال ، غیر ممکن مع استیفائه استیفاء الباقی منها ، ومعه لا یبقی مجال لامتثال الأمر الواقعی ، وهکذا الحال فی الطرق ، فالإجزاء لیس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعی أو الطریقی للإِجزاء - بل إنّما هو لخصوصیة اتفاقیة فی متعلقهما ، کما فی الإتمام والقصر ، والإِخفات والجهر.

الثانی : لا یذهب علیک أن الإِجزاء فی بعضٍ موارد الأصول والطرق والامارات ، علی ما عرفت تفصیله ، لا یوجب التصویب المجمع علی بطلإنّه فی تلک الموارد ، فإن الحکم الواقعی بمرتبته محفوظ فیها ، فإن الحکم المشترک بین العالم والجاهل والملتفت والغافل ، لیس إلّا الحکم الإنشائی المدلول علیه بالخطابات المشتملة علی بیان الأحکام للموضوعاًت بعناوینها الأولیة ، بحسب ما یکون فیها من المقتضیات ، وهو ثابت فی تلک الموارد کسائر موارد الأمارات ، وإنما المنفی فیها لیس إلّا الحکم الفعلّی البعثی ، وهو منفی فی غیر موارد الإصابة ، وأنّ لم نقل بالإجزاء ، فلا فرق بین الإِجزاء وعدمه ، إلّا فی سقوط التکلیف بالواقع بموافقة الأمر الظاهری ، وعدم سقوطه بعد انکشاف عدم الإصابة ، وسقوط التکلیف بحصول غرضه ، أو لعدم إمکان تحصیله غیر التصویب المجمع علی بطلإنّه ، وهو خلو الواقعة عن الحکم غیر ما أدت إلیه الامارة ، کیف؟ وکان الجهل بها - بخصوصیتها أو بحکمها - مأخوذاً فی موضوعها ، فلا بد من أن یکون الحکم الواقعی بمرتبته محفوظاً فیها ، کما لا یخفی.

ص: 88

فصل فی مقدّمة الواجب

وقبل الخوض فی المقصود ، ینبغی رسم أمور

الأول : الظاهر أن المهم المبحوث عنه فی هذه المسألة ، البحث عن الملازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدمته ، فتکون مسألة أُصولیة ، لا عن نفس وجوبها ، کما هو المتوهم من بعضٍ العناوین (1) ، کی تکون فرعیة ، وذلک لوضوح أن البحث کذلک لا یناسب الأُصولی ، والاستطراد لا وجه له ، بعد إمکان أن یکون البحث علی وجه تکون عن المسائل الأصولیة.

ثم الظاهر أیضاً أن المسألة عقلیة ، والکلام فی استقلال العقل بالملازمة وعدمه ، لا لفظیة کما ربما یظهر من صاحب المعالم (2)، حیث استدل علی النفی بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافاً إلی إنّه ذکرها فی مباحث الألفاظ ، ضرورة (3) إنّه إذا کان نفس الملازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدمته ثبوتاً محلّ الإِشکال ، فلا مجال لتحریر النزاع فی الإِثبات والدلالة علیها بإحدی الدلالات الثلاث ، کما لا یخفی.

الأمر الثّانی : إنّه ربما تقسم المقدمة إلی تقسیمات :

منها : تقسیمها إلی [ ال ] داخلیة وهی الإِجزاء المأخوذة فی الماهیة المأمور بها ، والخارجیة وهی الأمور الخارجة عن ماهیته مما لا یکاد یوجد بدونه.

ص: 89


1- کما فی حاشیة القزوینی (ره) علی القوانین. وربما یتوهم من عنوان البدائع ، البدائع / 296 عند قوله أحدهما ... فی آخر الصفحة.
2- معالم الدین فی الأصول / 61 ، فی مقدّمة الواجب.
3- اشارة إلی ما اورده صاحب التقریرات علی صاحب المعالم مطارح الأنظار / 37 ، فی مقدّمة الواجب.

وربما یشکل (1) فی کون الإِجزاء مقدّمة له وسابقة علیه ، بأن المرکب لیس إلّا نفس الأجزاء بأسرها.

والحل : إن المقدمة هی نفس الإِجزاء بالأسر ، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع ، فیحصل المغایرة بینهما.

وبذلک ظهر إنّه لابد فی اعتبارٍ الجزئیة أخذ الشیء بلا شرط ، کما لابد فی اعتبارٍ الکلیة من اعتبارٍ اشتراط الاجتماع.

وکون الإِجزاء الخارجیة کالهیولی والصورة ، هی الماهیة المأخوذة بشرط لا ینافی ذلک ، فإنّه إنّما یکون فی مقام الفرق بین نفس الإِجزاء الخارجیة والتحلیلیة ، من الجنس والفصل ، وأنّ الماهیة إذا أخذت بشرط لا تکون هیولی أو صورة ، وإذا أخذت لا بشرط تکون جنساً أو فصلاً ، لا بالإضافة إلی المرکب ، فافهم.

ثم لا یخفی إنّه ینبغی خروج الأجزاء عن محلّ النزاع ، کما صرح به بعضٍ (2) وذلک لما عرفت من کون الإِجزاء بالأسر عین المأمور به ذاتاً ، وإنما کانت المغایرة بینهما اعتباراً ، فتکون واجبة بعین وجوبه ، ومبعوثاً إلیها بنفس الأمر الباعث إلیه ، فلا تکاد تکون واجبة بوجوب آخر ، لامتناع اجتماع المثلین ، ولو قیل بکفایة تعدَّد الجهة ، وجواز اجتماع الأمر والنهی معه ، لعدم تعددها ها هنا ، لأن الواجب بالوجوب الغیری ، لو کان إنّما هو نفس الإِجزاء ، لا عنوان مقدمیتها والتوسل بها إلی المرکب المأمور به ؛ ضرورة أن الواجب بهذا الوجوب ما کان بالحمل الشائع مقدّمة ، لإنّه المتوقف علیه ، لا عنوإنّها ، نعم یکون هذا العنوان علّة لترشح الوجوب علی المعنون.

ص: 90


1- 1. هو المحقق صاحب حاشیة المعالم. هدایة المسترشدین/ 216.
2- 2. وهو سلطان العلماء کما فی بدائع الأفکار / 299.

فانقدح بذلک فساد توهّم اتصاف کلّ جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسی والغیری ، باعتبارین ، فباعتبار کونه فی ضمن الکلّ واجب نفسی ، وباعتبار کونه مما یتوسل به إلی الکلّ واجب غیری ، اللهم إلّا أن یرید أن فیه ملاک الوجوبین ، وأنّ کان واجباً بوجوب واحد نفسی لسبقه ، فتأمل (1). هذا کله فی المقدمة الداخلیة.

وأما المقدمة الخارجیة ، فهی ما کان خارجاً عن المأمور به ، وکان له دخل فی تحققه ، لا یکاد یتحقق بدونه ، وقد ذکر لها أقسام ، وأطیلَ الکلامُ فی تحدیدها بالنقض والأبرام ، إلّا إنّه غیر مهم فی المقام.

ومنها : تقسیمها إلی العقلیة والشرعیة والعادیة :

فالعقلیة هی (2) ما استحیل واقعاً وجود ذی المقدمة بدونه.

والشرعیة علی ما قیل : ما استحیل وجوده بدونه شرعاً ، ولکنه لا یخفی رجوع الشرعیة إلی العقلیة ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون مستحیلاً ذلک شرعاً ، إلّا إذا أخذ فیه شرطاً وقیدا ، واستحالة المشروط والمقید بدون شرطه وقیده ، یکون عقلّیاً.

وأما العادیة ، فإن کانت بمعنی أن یکون التوقف علیها بحسب العادة ، بحیث یمکن تحقق ذیها بدونها ، إلّا أن العادة جرت علی الإِتیان به بواسطتها ، فهی وأنّ کانت غیر راجعة إلی العقلیة ، إلّا إنّه لا ینبغی توهّم دخولها فی محلّ النزاع.

ص: 91


1- وجهه : إنّه لا یکون فیه أیضاً ملاک الوجوب الغیری ، حیث إنّه لا وجود له غیر وجوده فی ضمن الکلّ یتوقف علی وجوده ، وبدونه لا وجه لکونه مقدّمة ، کی یجب بوجوبه أصلاً ، کما لا یخفی. وبالجملة : لا یکاد یجدی تعدَّد الاعتبار الموجب للمغایرة بین الإِجزاء والکل فی هذا الباب ، وحصول ملاک وجوب الغیری المترشح من وجوب ذی المقدمة علیها ، لو قیل بوجوبها ، فافهم ( منه قدس سره ).
2- فی « أ و ب » فهی.

وإن کانت بمعنی أن التوقف علیها وأنّ کان فعلاً واقعیاً ، کنصب السلم ونحوه للصعود علی السطح ، إلّا إنّه لأجل عدم التمکن من الطیران الممکن عقلاً فهی أیضاً راجعة إلی العقلیة ، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلاً لغیر الطائر فعلاً ، وأنّ کان طیرإنّه ممکناً ذاتاً ، فافهم.

ومنها : تقسیمها إلی مقدّمة الوجود ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة الوجوب ، ومقدمة العلم.

لا یخفی رجوع مقدّمة الصحة إلی مقدّمة الوجود ، ولو علی القول بکون الاسامی موضوعة للأعم ، ضرورة أن الکلام فی مقدّمة الواجب ، لا فی مقدّمة المسمی بأحدها ، کما لا یخفی.

ولا إشکال فی خروج مقدّمة الوجوب عن محلّ النزاع ، وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها ، وکذلک المقدمة العلمیة ، وأنّ استقل العقل بوجوبها ، إلّا إنّه من باب وجوب الإطاعة إرشاداً لیؤمن من العقوبة علی مخالفة الواجب المنجز ، لا مولویاً من باب الملازمة ، وترشح الوجوب علیها من قبل وجوب ذی المقدمة.

ومنها : تقسیمها إلی المتقدم ، والمقارن ، والمتأخر ، بحسب الوجود بالإضافة إلی ذی المقدمة.

وحیث إنّها کانت من أجزاء العلة ، ولابدّ من تقدمها بجمیع أجزائها علی المعلول أشکل الأمر فی المقدمة المتأخرة ، کالأغسال اللیلیة المعتبرة فی صحة صوم المستحاضة عند بعضٍ ، والاجازة فی صحة العقد علی الکشف کذلک ، بل فی الشرط أو المقتضی المتقدم علی المشروط زماناً المتصرم حینه ، کالعقد فی الوصیة والصرف والسلم ، بل فی کلّ عقد بالنسبة إلی غالب أجزائه ، لتصرمها حین تأثیره ، مع ضرورة اعتبارٍ مقارنتها معه زماناً ، فلیس إشکال انخرام القاعدة العقلیة مختصاً بالشرط المتأخر فی

ص: 92

الشرعیات - کما اشتهر فی الألسنة - بل یعم الشرط والمقتضی المتقدّمین المتصرَّمین حین الاثر.

والتحقیق فی رفع هذا الإِشکال أن یقال : إن الموارد التی توهّم انخرام القاعدة فیها ، لا تخلو امّا یکون المتقدم أو المتأخر شرطاً للتکلیف ، أو الوضع ، أو المأمور به.

أما الأوّل : فکون أحدهما شرطاً له ، لیس إلّا أن للحاظه دخلاً فی تکلیف الأمر ، کالشرط المقارن بعینه ، فکما أن اشتراطه بما یقارنه لیس إلّا أن لتصوره دخلاً فی أمره ، بحیث لولاه لما کاد یحصل له الداعی إلی الأمر ، کذلک المتقدم أو المتأخر.

وبالجملة : حیث کان الأمر من الأفعال الاختیاریة ، کان من مبادئه بما هو کذلک تصور الشیء بأطرافه ، لیرغب فی طلبه والأمر به ، بحیث لولاه لما رغب فیه ولما أراده واختاره ، فیسمی کلّ واحد من هذه الأطراف التی لتصورها دخل فی حصول الرغبة فیه وإرادته شرطاً ، لأجل دخل لحاظه فی حصوله ، کان مقارناً له أو لم یکن کذلک ، متقدما أو متأخراً ، فکما فی المقارن یکون لحاظه فی الحقیقة شرطاً ، کان فیهما کذلک ، فلا إشکال ، وکذا الحال فی شرائط الوضع مطلقاً ولو کان مقارناً ، فإن دخل شیء فی الحکم به وصحة انتزاعه لدی الحاکم به ، لیس إلّا ما کان بلحاظه یصحّ انتزاعه ، وبدونه لا یکاد یصحّ اختراعه عنده ، فیکون دخل کلّ من المقارن وغیره بتصوره ولحاظه وهو مقارن ، فأین انخرام القاعدة العقلیة فی غیر المقارن؟ فتأمل تعرف.

وأما الثّانی : فکون شیء شرطاً للمأمور به لیس إلّا ما یحصل لذات المأمور به بالإضافة إلیه وجه وعنوان ، به یکون حسناً أو متعلقاً للغرض ، بحیث لولاها لما کان کذلک ، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات ، مما لا شبهة فیه ولا شک یعتریه ، والاضافة کما تکون إلی المقارن تکون إلی المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفی علی المتأمل ، فکما تکون إضافة شیء إلی مقارن له موجباً لکونه

ص: 93

معنونا بعنوان ، یکون بذلک العنوان حسناً و متعلقاً للغرض ، کذلک إضافته إلی متأخَّر أو متقدم ، بداهة أن الاضافة إلی أحدهما ربما توجب ذلک أیضاً ، فلو لا حدوث المتأخر فی محله ، لما کانت للمتقدم تلک الاضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به ، کما هو الحال فی المقارن أیضاً ، ولذلک أطلق علیه الشرط مثله ، بلا انخرام للقاعدة أصلاً ، لأن المتقدم أو المتأخر کالمقارن لیس إلّا طرف الاضافة الموجبة للخصوصیة الموجبة للحسن ، وقد حقق فی محله إنّه بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح إنّها تکون بالإضافات.

فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط علی المتأخر ، وقد عرفت أن إطلاقه علیه فیه ، کإطلاقه علی المقارن ، إنّما یکون لأجل کونه طرفا للاضافة الموجبة للوجه ، الذی یکون بذاک الوجه مرغوباً ومطلوباً ، کما کان فی الحکم لأجل دخل تصوره فیه ، کدخل تصور سائر الأطراف والحدود ، التی لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة فی التکلیف ، أو لما صحّ عنده الوضع.

وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال فی دفع هذا الإِشکال ، فی بعضٍ فوائدنا(1)، ولم یسبقنی إلیه أحد فیما أعلم ، فافهم واغتنم.

ولا یخفی إنّها بجمیع أقسامها داخلة فی محلّ النزاع ، وبناء علی الملازمة یتصف اللاحق بالوجوب کالمقارن والسابق ، إذ بدونه لا تکاد تحصل الموافقة ، ویکون سقوط الأمر بإتیان المشروط به مراعی بإتیإنّه ، فلولا اغتسالها فی اللیل - علی القول بالاشتراط - لما صحّ الصوم فی الیوم.

الأمر الثالث : فی تقسیمات الواجب

منها : تقسیمه إلی المطلق والمشروط.

ص: 94


1- تعلیقة المصنف علی فرائد الأصول ، کتاب الفوائد / 302 ، فائدة فی تقدم الشرط علی المشروط.

وقد ذکر لکلّ منهما تعریفات وحدود ، تختلف بحسب ما أخذ فیها من القیود.

وربما أطیل الکلام بالنقض والأبرام (1) فی النقض علی الطرد والعکس ، مع إنّها - کما لا یخفی - تعریفات لفظیة لشرح الاسم ، ولیست بالحد ولا بالرسم.

والظاهر إنّه لیس لهم اصطلاح جدید فی لفظ المطلق والمشروط ، بل یطلق کلّ منهما بماله من معناه العرفی ، کما أن الظاهر أن وصفی الإِطلاق والاشتراط ، وصفان إضافیان لا حقیقیان ، وإلاّ لم یکد یوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب کلّ واجب ببعض الأمور ، لا أقل من الشرائط العامة ، کالبلوغ والعقل.

فالحری أن یقال : إن الواجب مع کلّ شیء یلاحظ معه ، إن کان وجوبه غیر مشروط به ، فهو مطلق بالإضافة إلیه ، وإلاّ فمشروط کذلک ، وأنّ کانا بالقیاس إلی شیء آخر کانا بالعکس.

ثم الظاهر أن الواجب المشروط کما أشرنا إلیه ، أن نفس الوجوب فیه مشروط بالشرط ، بحیث لا وجوب حقیقة ، ولا طلب واقعاً قبل حصول الشرط ، کما هو ظاهر الخطاب التعلیقی ، ضرورة أن ظاهر خطاب ( إن جاءک زید فأکرمه ) کون الشرط من قیود الهیئة ، وأنّ طلب الإکرام وإیجابه معلق علی المجیء ، لا أن الواجب فیه یکون مقیداً به ، بحیث یکون الطلب والإِیجاب فی الخطاب فعلّیاً ومطلقاً ، وإنما الواجب یکون خاصاً ومقیدا ، وهو الإکرام علی تقدیر المجیء ، فیکون الشرط من قیود المادة لا الهیئة ، کما نسب ذلک إلی شیخنا العلامة (2) أعلی الله مقامه ، مدعیاً لامتناع کون الشرط من قیود الهیئة

ص: 95


1- مطارح الأنظار / 43 ، الفصول / 79 ، هدایة المسترشدین / 192 ، قوانین الأصول 1 / 100 ، البدائع / 304.
2- مطارح الأنظار / 45 - 46 و 52 ، فی مقدّمة الواجب. هو الشیخ مرتضی بن محمد امین الدزفولی الانصاری النجفی ، ولد فی دزفول 1214 ، قرأ أوائل أمره علی عمه الشیخ حسین ثم خرج مع والده إلی زیارة مشاهد العراق وهو فی العشرین من عمره ، بقی فی کربلاء آخذا عن الاستاذین السید محمد مجاهد وشریف العلماء أربع

واقعا ، ولزوم کونه من قیود المادة لبّاً ، مع الاعتراف بأن قضیة القواعد العربیة إنّه من قیود الهیئة ظاهراً.

أما امتناع کونه من قیود الهیئة ، فلإنّه لا إطلاق فی الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهیئة ، حتی یصحّ القول بتقییده بشرط ونحوه ، فکل ما یحتمل رجوعه إلی الطلب الذی یدلّ علیه الهیئة ، فهو عند التحقیق راجع إلی نفس المادة.

وأما لزوم کونه من قیود المادة لبّاً ، فلان العاقل إذا توجه إلی شیء والتفت إلیه ، فإما أن یتعلق طلبه به ، أو لا یتعلق به طلبه أصلاً ، لا کلام علی الثانی.

وعلی الأوّل : فإما أن یکون ذاک الشیء مورداً لطلبه وأمره مطلقاً علی اختلاف طوارئه ، أو علی تقدیر خاص ، وذلک التقدیر ، تارةً یکون من الأمور الاختیاریة ، وأخری لا یکون کذلک ، وما کان من الأمور الاختیاریة ، قد یکون مأخوذاً فیه علی نحو یکون مورداً للتکلیف ، وقد لا یکون کذلک ، علی اختلاف الاغراض الداعیة إلی طلبه والأمر به ، من غیر فرق فی ذلک بین القول بتبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد ، والقول بعدم التبعیة ، کما لا یخفی. هذا موافق لما أفاده بعضٍ الأفاضل (1)المقرر لبحثه بأدنی تفاوت.

ص: 96


1- هو العلامة المیرزا أبو القاسم النوری (ره) ، علی ما فی مطارح الأنظار ، کما تقدم آنفاً.

ولا یخفی ما فیه. امّا حدیث عدم الإِطلاق فی مفاد الهیئة ، فقد حققناه سابقاً (1) ، إن کلّ واحد من الموضوع له والمستعمل فیه فی الحروف یکون عاماً کوضعها ، وإنما الخصوصیة من قبل الاستعمال کالاسماء ، وإنما الفرق بینهما إنّها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنی بما هوهو ، و وضعیت لتستعمل وقصد بما معانیها بما هی آلة وحالة لمعانی المتعلقات ، فلحاظ الآلیة کلحاظ الاستقلالیة لیس من طوارئ المعنی ، بل من مشخصات الاستعمال ، کما لا یخفی علی أولی الدرایة والنهی. فالطلب المفاد من الهیئة المستعملة فیه مطلق ، قابل لأن یقید.

مع إنّه لو سلّم إنّه فرد ، فانما یمنع عن التقید لو اُنشیء أولاً غیر مقید ، لا ما إذا اُنشیء من الأوّل مقیداً ، غایة الأمر قد دلّ علیه بدالین ، وهو غیر إنشائه أولاً ثم تقییده ثانیاً ، فافهم.

فإن قلت : علی ذلک ، یلزم تفکیک الانشاء من المنشأ ، حیث لا طلب قبل حصول الشرط.

قلت : المنشأ إذا کان هو الطلب علی تقدیر حصوله ، فلابد أن لا یکون قبل حصوله طلب وبعث ، وإلاّ لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر علی تقدیر کالإخبار به بمکان من الإِمکان ، کما یشهد به الوجدان ، فتأمل جیداً.

وأما حدیث (2)لزوم رجوع الشرط إلی المادة لبّاً ففیه : إن الشیء إذا توجه إلیه ، وکان موافقاً للغرض بحسب ما فیه من المصلحة أو غیرها ، کما یمکن أن یبعث فعلاً إلیه ویطلبه حالاً ، لعدم مانع عن طلبه کذلک ، یمکن أن یبعث إلیه معلّقاً ، ویطلبه استقبالاً علی تقدیر شرط متوقّع الحصول لأجل مانع عن الطلب

ص: 97


1- راجع صفحة 11 و 12 من هذا الکتاب ، الأمر الثّانی فی تعریف الوضع.
2- هذه هی الدعوی الایجابیة التی ادعاها الشیخ ( قده ) ، من رجوع الشرط إلی المادة لباً. مطارح الأنظار / 52 ، فی مقدّمة الواجب.

والبعث فعلاً قبل حصوله ، فلا یصحّ منه إلّا الطلب والبعث معلّقاً بحصوله ، لا مطلقاً ولو متعلقاً بذاک علی التقدیر ، فیصحّ منه طلب الإکرام بعد مجیء زید ، ولا یصحّ منه الطلب المطلق الحالی للإکرام المقید بالمجیء ، هذا بناءً علی تبعیة الأحکام لمصالح فیها فی غایة الوضوح.

وأما بناءً علی تبعیتها للمصالح والمفاسد فی المأمور به ، والمنهی عنه فکذلک ، ضرورة أن التبعیة کذلک ، إنّما تکون فی الأحکام الواقعیة بما هی واقعیة ، لا بما هی فعلیة ، فإن المنع عن فعلیة تلک الأحکام غیر عزیز ، کما فی موارد الأصول والامارات علی خلافها ، وفی بعضٍ الأحکام فی أول البعثة ، بل إلی یوم قیام القائم عجل الله فرجه ، مع أن حلال محمد صلی الله علیه و آله حلال إلی یوم القیامة ، وحرامه حرام إلی یوم القیامة ، ومع ذلک ربما یکون المانع عن فعلیة بعضٍ الأحکام باقیا مر اللیالی والایام ، إلی أن تطلع شمس الهدایة ویرتفع (1) الظلام ، کما یظهر من الإخبار المرویة(2) عن الأئمة علیهم السلام .

فان قلت : فما فائدة الانشاء؟ إذا لم یکن المنشأ به طلباً فعلّیاً ، وبعثاً حالیا.

قلت : کفی فائدة له إنّه یصیر بعثاً فعلّیاً بعد حصول الشرط ، بلا حاجة إلی خطاب آخر ، بحیث لولاه لما کان فعلاً متمکناً من الخطاب ، هذا مع شمول الخطاب کذلک للإیجاب فعلاً بالنسبة إلی الواجد للشرط ، فیکون بعثاً فعلّیاً بالإضافة إلیه ، وتقدیریّاً بالنسبة إلی الفاقد له ، فافهم وتأملّ جیداً.

ص: 98


1- فی « ب » : ( وارتفع الظلام ).
2- الکافی : 1 ، کتاب فضل العلم ، باب البدع والرأی والمقاییس الحدیث 19. الکافی : 2 کتاب الایمان والکفر ، باب الشرائع ، الحدیث 2 مع اختلاف یسیر.

ثم الظاهر دخول المقدّمات الوجودیة للواجب المشروط ، فی محلّ النزاع (1) أیضاً ، فلا وجه لتخصیصه بمقدمات الواجب المطلق ، غایة الأمر تکون فی الإِطلاق والاشتراط تابعة لذی المقدمة کأصل الوجوب بناءً علی وجوبها من باب الملازمة.

وأما الشرط المعلّق علیه الإِیجاب فی ظاهر الخطاب ، فخروجه مما لا شبهة فیه ، ولا ارتیاب :

أما علی ما هو ظاهر المشهور والمتصور ، لکونه مقدّمة وجوبیة.

وأما علی المختار لشیخنا العلامة (2)- أعلی الله مقامه - فلإنّه وأنّ کان من المقدّمات الوجودیة للواجب ، إلّا إنّه أخذ علی نحو لا یکاد یترشح علیه الوجوب منه ، فإنّه جعل الشیء واجباً علی تقدیر حصول ذاک الشرط ، فمعه کیف یترشح علیه الوجوب ویتعلق به الطلب؟ وهل هو إلّا طلب الحاصل؟ نعم علی مختاره _ قدس سره _ لو کانت له مقدمات وجودیة غیر معلق علیها وجوبه ، لتعلق بها الطلب فی الحال علی تقدیر اتفاق وجود الشرط فی الاستقبال ، وذلک لأن إیجاب ذی المقدمة علی ذلک حالی ، والواجب إنّما هو استقبالی ، کما یأتی فی الواجب المعلّق (3)، فإن الواجب المشروط علی مختاره ، هو بعینه ما اصطلح علیه صاحب الفصول (4) من المعلّق ، فلا تغفل. هذا فی غیر المعرفة والتعلم من المقدمات.

وأما المعرفة ، فلا یبعد القول بوجوبها ، حتی فی الواجب المشروط - بالمعنی المختار - قبل حصول شرطه ، لکنه لا بالملازمة ، بل من باب استقلال

ص: 99


1- کما فی مطارح الأنظار / 44.
2- من رجوع الشرط إلی المادة لبّاً ، مطارح الأنظار / 45 - 46 و 52 ، فی مقدّمة الواجب.
3- سیأتی فی الصفحة 103 من هذا الکتاب ، عند قوله : وربما أشکل ... الخ.
4- - الفصول / 79 فی آخر الصفحة.

العقل بتنجز الأحکام علی الأنام بمجرد قیام احتمالها ، إلّا مع الفحص والیأس عن الظفر بالدلیل علی التکلیف ، فیستقل بعده بالبراءة ، وأنّ العقوبة علی المخالفة بلا حجة وبیان ، والمؤاخذة علیها بلا برهان ، فافهم.

تذنیب : لا یخفی أن إطلاق الواجب علی الواجب المشروط ، بلحاظ حال حصول الشرط علی الحقیقة مطلقاً ، وأما بلحاظ حال قبل حصوله فکذلک علی الحقیقة علی مختاره (1)قدس سره فی الواجب المشروط ، لأن الواجب وأنّ کان أمراً استقبالیّاً علیه ، إلّا أن تلبسه بالوجوب فی الحال ، ومجاز علی المختار ، حیث لا تلبس بالوجوب علیه قبله ، کما عن البهائی (2) رحمه الله تصریحه بأن لفظ الواجب مجاز فی المشروط ، بعلاقة الأوّل أو المشارفة.

وأما الصیغة مع الشرط ، فهی حقیقة علی کلّ حال لاستعمالها علی مختاره (3)مطارح الأنظار / 45 - 46 و 52 فی مقدّمة الواجب. (4) _ 1 _ فی الطلب المطلق ، وعلی المختار فی الطلب المقید ، علی نحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، کما هو الحال فیما إذا أُرید منها المطلق المقابل للمقید ، لا المبهم المقسم ، فافهم.

ومنها : تقسیمه إلی المعلّق والمنجز ، قال فی الفصول (5): إنّه ینقسم

ص: 100


1- مطارح الأنظار / 45 - 46 و 52 فی مقدّمة الواجب.
2- زبدة الأصول / 46 مخطوط. هو بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد الجبعی العاملی ، ولد فی بعلبک عام 953 ه ، انتقل به والده وهو صغیر إلی الدیار العجمیة ، أخذ عن والده وغیره من الجهابذة ، ولی بها شیخ الاسلام ، ثم أخذ فی السیاحة ثلاثین سنة ، واجتمع فی أثناء ذلک بکثیر من أرباب الفضل ، ثم عاد وقطن بأرض العجم ، له کتب کثیرة منها « الحبل المتین » و « الزبدة » فی الأصول و « حاشیة الشرح العضدی علی مختصر الأصول » وغیرها ، له شعر کثیر بالعربیة والفارسیة. قال تلمیذه العلامة المولی محمد تقی المجلسی : ما رأیت بکثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا ، توفی سنة 1031. ( أمل الآمل 1 / 155 رقم 158 )
3- راجع المصدر المتقدم فی هامش رقم
4- .
5- الفصول / 79 آخر الصفحة.

باعتبار آخر إلی ما یتعلق وجوبه بالمکلف ، ولا یتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له ، کالمعرفة ، ولْیُسمَّ منجّزاً ، وإلی ما یتعلق وجوبه به ، ویتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له ، ولْیُسمَّ معلّقاً کالحج ، فإن وجوبه یتعلق بالمکلف من أول زمن الاستطاعة ، أو خروج الرفقة ، ویتوقف فعله علی مجیء وقته ، وهو غیر مقدور له ، والفرق بین هذا النوع وبین الواجب المشروط هو أن التوقف هناک للوجوب ، وهنا للفعل. انتهی کلامه رفع مقامه.

لا یخفی أن شیخنا العلامة - أعلی الله مقامه - حیث اختار فی الواجب المشروط ذاک المعنی ، وجعل الشرط لزوماً من قیود المادة ثبوتاً وإثباتاً ، حیث ادعی امتناع کونه من قیود الهیئة کذلک ، أیّ ثبوتاً وإثباتاً ، علی خلاف القواعد العربیة وظاهر المشهور ، کما یشهد به ما تقدم آنفا عن البهائی ، أنکر (1)علی الفصول هذا التقسیم ، ضرورة أن المعلّق بما فسره ، یکون من المشروط بما اختار له من المعنی علی ذلک ، کما هو واضح ، حیث لا یکون حینئذ هناک معنی آخر معقول ، کان هو المعلّق المقابل للمشروط.

ومن هنا انقدح إنّه فی الحقیقة إنّما أنکر الواجب المشروط ، بالمعنی الذی یکون هو ظاهر المشهور ، والقواعد العربیة ، لا الواجب المعلّق بالتفسیر المذکور.

وحیث قد عرفت - بما لا مزید علیه - امکان رجوع الشرط إلی الهیئة ، کما هو ظاهر المشهور وظاهر القواعد ، فلا یکون مجال لإِنکاره علیه.

نعم یمکن أن یقال : إنّه لا وقع لهذا التقسیم ؛ لأنه بکلا قسمیه من المطلق المقابل للمشروط ، وخصوصیة (2) کونه حالیّاً أو استقبالیّاً لا توجبه ما لم

ص: 101


1- مطارح الأنظار 51 - 52. فی الهدایة 6 من القول فی وجوب مقدّمة الواجب.
2- وفی « ب » : خصوصیته.

توجب الاختلاف فی المهمّ ، وإلاّ لکثر تقسیماته لکثرة الخصوصیات ، ولا اختلاف فیه ، فإن ما رتبه علیه من وجوب المقدمة فعلاً - کما یأتی - إنّما هو من أثر إطلاق وجوبه وحالیّته ، لا من استقبالیة الواجب ، فافهم.

ثم إنّه ربما حکی عن بعضٍ أهل النظر(1) من أهل العصر إشکال فی الواجب المعلّق ، وهو أن الطلب والإِیجاب ، إنّما یکون بإزاء الإرادة المحرکة للعضلات نحو المراد ، فکما لا تکاد تکون الإرادة منفکة عن المراد ، فلیکن الإِیجاب غیر منفک عما یتعلق به ، فکیف یتعلق بأمر استقبالی؟ فلا یکاد یصحّ الطلب والبعث فعلاً نحو أمر متأخر.

قلت : فیه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخَّر استقبالی ، کما تتعلق بأمر حالی ، وهو أوضح من أن یخفی علی عاقل فضلاً عن فاضل ، ضرورة أن تحمّل المشاق فی تحصیل المقدّمات - فیما إذا کان المقصود بعید المسافة وکثیر المؤونة - لیس إلّا لأجل تعلق إرادته به ، وکونه مریداً له قاصداً إیاه ، لا یکاد یحمله علی التحمل إلّا ذلک.

ولعل الذی أوقعه فی الغلط ما قرع سمعه من تعریف الإرادة بالشوق المؤکد المحرّک للعضلات نحو المراد ، وتوهمّ أن تحریکها نحو المتأخر مما لا یکاد ، وقد غفل عن أن کونه (2)محرکاً نحوه یختلف حسب اختلافه ، فی کونه مما لا مؤونة له کحرکة نفس العضلات ، أو مما له مؤونة ومقدمات قلیلة أو کثیرة ، فحرکة العضلات تکون أعم من أن تکون بنفسها مقصودة أو مقدّمة له ، والجامع أن یکون نحو المقصود ، بل مرادهم من هذا الوصف - فی تعریف الإرادة - بیان مرتبة الشوق الذی یکون هو الإرادة ، وأنّ لم یکن هناک فعلاً تحریک ، لکون المراد وما اشتاق إلیه کمال الاشتیاق أمراً استقبالیّاً غیر محتاج إلی تهیئة مؤونة أو تمهید مقدّمة ، ضرورة أن شوقه إلیه ربما یکون أشد من الشوق

ص: 102


1- هو المحقق النهاوندی ، تشریح الأصول.
2- والصحیح « کونها ».

المحرّک فعلاً نحو أمر حالی أو استقبالی ، محتاج إلی ذلک. هذا.

مع إنّه لا یکاد یتعلق البعث إلّا بأمر متأخَّر عن زمان البعث ، ضرورة أن البعث إنّما یکون لاحداث الداعی للمکلف إلی المکلف به ، بأن یتصوره بما یترتب علیه من المثوبة ، وعلی ترکه من العقوبة ، ولا یکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة یکون البعث نحو أمر متأخَّر عنه بالزمان ، ولا یتفاوت طوله وقصره ، فیما هو ملاک الاستحالة والإِمکان فی نظر العقل الحاکم فی هذا الباب ، ولعمری ما ذکرناه واضح لا سترة علیه ، والاطناب إنّما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة فی أذهان بعضٍ الطلاب.

وربما أُشکل علی المعلّق أیضاً ، بعدم القدرة علی المکلف به فی حال البعث ، مع إنّها من الشرائط العامة.

وفیه : إن الشرط إنّما هو القدرة علی الواجب فی زمإنّه ، لا فی زمان الإِیجاب والتکلیف ، غایة الأمر یکون من باب الشرط المتأخر ، وقد عرفت بما لا مزید علیه إنّه کالمقارن ، من غیر انخرام للقاعدة العقلیة أصلاً ، فراجع.

ثم لا وجه لتخصیص المعلّق بما یتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور ، بل ینبغی تعمیمه إلی أمر مقدور متأخَّر ، أُخذ علی نحو یکون مورداً للتکلیف ، ویترشح علیه الوجوب من الواجب ، أو لا ، لعدم تفاوت فیما یهمه من وجوب تحصیل المقدّمات التی لا یکاد یقدّر علیها فی زمان الواجب المعلّق ، دون المشروط ، لثبوت الوجوب الحالی فیه ، فیترشح منه الوجوب علی المقدمة ، بناءً علی الملازمة ، دونه لعدم ثبوته فیه إلّا بعد الشرط.

نعم لو کان الشرط علی نحو الشرط المتأخر ، وفرض وجوده ، کان الوجوب المشروط به حالیّاً أیضاً ، فیکون وجوب سائر المقدّمات الوجودیة للواجب أیضاً حالیّاً ، ولیس الفرق بینه وبین المعلّق حینئذ إلّا کونه مرتبطاً

ص: 103

بالشرط ، بخلافه ، وأنّ ارتبط به الواجب.

تنبیه : قد انقدح - من مطاوی ما ذکرناه - أن المناط فی فعلیة وجوب المقدمة الوجودیة ، وکونه فی الحال بحیث یجب علی المکلف تحصیلها ، هو فعلیة وجوب ذیها ، ولو کان أمراً استقبالیّاً ، کالصوم فی الغد والمناسک فی الموسم ، کان وجوبه مشروطاً بشرط موجود أخذ فیه ولو متأخراً ، أو مطلقاً ، منجّزاً کان أو معلّقاً ، فیما إذا لم تکن مقدّمة للوجوب أیضاً ، أو مأخوذة فی الواجب علی نحو یستحیل أن تکون مورداً للتکلیف ، کما إذا أخذ عنواناً للمکلف ، کالمسافر والحاضر والمستطیع إلی غیر ذلک ، أو جعل الفعل المقید باتفاق حصوله ، وتقدیر وجوده - بلا اختیار أو باختیاره - مورداً للتکلیف ، ضرورة إنّه لو کان مقدّمة الوجوب أیضاً ، لا یکاد یکون هناک وجوب إلّا بعد حصوله ، وبعد الحصول یکون وجوبه طلب الحاصل ، کما إنّه إذا أخذ علی أحد النحوین یکون کذلک ، فلو لم یحصل لما کان الفعل مورداً للتکلیف ، ومع حصوله لا یکاد یصحّ تعلقه به ، فافهم.

إذا عرفت ذلک ، فقد عرفت إنّه لا إشکال أصلاً فی لزوم الإِتیان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، إذا لم یقدّر علیه بعد زمإنّه ، فیما کان وجوبه حالیّاً مطلقاً ، ولو کان مشروطاً بشرط متأخَّر ، کان معلوم الوجود فیما بعد ، کما لا یخفی ، ضرورة فعلیة وجوبه وتنجزه بالقدرة علیه بتمهید مقدمته ، فیترشح منه الوجوب علیها علی الملازمة ، ولا یلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذیها ، وإنما اللازم الإِتیان بها قبل الإِتیان به ، بل لزوم الإِتیان بها عقلاً ، ولو لم نقل بالملازمة ، لا یحتاج إلی مزید بیان ومؤونة برهان ، کالإِتیان بسائر المقدّمات فی زمان الواجب قبل إتیإنّه.

فانقدح بذلک : إنّه لا ینحصر التفصی عن هذه العویصة بالتعلق بالتعلیق ، أو بما یرجع إلیه ، من جعل الشرط من قیود المادة فی المشروط.

ص: 104

فانقدح بذلک : إنّه لا إشکال فی الموارد التی یجب فی الشریعة الإِتیان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، کالغسل فی اللیل فی شهر رمضان وغیره مما وجب علیه الصوم فی الغد ، إذ یکشف به بطریق الإِنّ عن سبق وجوب الواجب ، وإنما المتأخر هو زمان إتیإنّه ، ولا محذور فیه أصلاً ، ولو فرض العلم بعدم سبقه ، لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغیری ، فلو نهض دلیل علی وجوبها ، فلا محالة یکون وجوبها نفسّیاً [ ولو ] (1) تهیؤاً ، لیتهیأ بإتیإنّها ، ویستعد لایجاب ذی المقدمة علیه ، فلا محذور أیضاً.

إن قلت : لو کان وجوب المقدمة فی زمان کاشفاً عن سبق وجوب ذی المقدمة لزم وجوب جمیع مقدماته ولو موسّعاً ، ولیس کذلک بحیث یجب علیه المبادرة لو فرض عدم تمکنه منها لو لم یبادر.

قلت : لا محیص عنه ، إلّا إذا أخذ فی الواجب من قبل سائر المقدّمات قدرة خاصة ، وهی القدرة علیه بعد مجیء زمإنّه ، لا القدرة علیه فی زمإنّه من زمان وجوبه ، فتدبرّ جیداً.

تتمة : قد عرفت اختلاف القیود فی وجوب التحصیل ، وکونه مورداً للتکلیف وعدمه ، فإن علم حال قید فلا إشکال ، وأنّ دار أمره ثبوتاً بین أن یکون راجعاً إلی الهیئة ، نحو الشرط المتأخر أو المقارن ، وأنّ یکون راجعاً إلی المادة علی نهج یجب تحصیله أولاً یجب ، فإن کان فی مقام الإِثبات ما یعین حاله ، وإنّه راجع إلی أیهما من القواعد العربیة فهو ، وإلاّ فالمرجع هو الأصول العملیة.

وربما قیل (2)فی الدوران بین الرجوع إلی الهیئة أو المادة ، بترجیح الإِطلاق فی طرف الهیئة ، وتقیید المادة ، بوجهین :

ص: 105


1- أثبتناها من « أ ».
2- راجع مطارح الأنظار / 49 الهدایة 5 من القول بوجوب المقدمة ، فی الوجه الخامس.

أحدهما : إن إطلاق الهیئة یکون شمولیّاً ، کما فی شمول العام لافراده ، فإن وجوب الإکرام علی تقدیر الإِطلاق ، یشمل جمیع التقادیر التی یمکن أن یکون تقدیرا له ، وإطلاق المادة یکون بدلیاً غیر شامل لفردین فی حالة واحدة.

ثانیهما : إن تقیید الهیئة یوجب بطلان محلّ الإِطلاق فی المادة ویرتفع به مورده ، بخلاف العکس ، وکلما دار الأمر بین تقییدین کذلک کان التقیید الذی لا یوجب بطلان الآخر أولی.

أما الصغری ، فلاجل إنّه لا یبقی مع تقیید الهیئة محلّ حاجة وبیان لإِطلاق المادة ، لإنّها لا محالة لا تنفکّ عن وجود قید الهیئة ، بخلاف تقیید المادة ، فإن محلّ الحاجة إلی إطلاق الهیئة علی حاله ، فیمکن الحکم بالوجوب علی تقدیر وجود القید وعدمه.

وأما الکبری ، فلان التقیید وأنّ لم یکن مجازاً إلّا إنّه خلاف الأصل ، ولا فرق فی الحقیقة بین تقیید الإِطلاق ، وبین أن یعمل عملاً یشترک مع التقیید فی الأثر ، وبطلان العمل به.

وما ذکرناه من الوجهین موافق لما أفاده بعضٍ مقرری بحث الأستاذ العلامة أعلی الله مقامه ، وأنت خبیر بما فیهما :

أما فی الأوّل : فلان مفاد إطلاق الهیئة وأنّ کان شمولیّاً بخلاف المادة ، إلّا إنّه لا یوجب ترجیحه علی إطلاقها ، لإنّه أیضاً کان بالإِطلاق ومقدمات الحکمة ، غایة الأمر إنّه تارةً یقتضی العموم الشمولی ، وأخری البدلی ، کما ربما تقتضی التعیین أحیاناً ، کما لا یخفی.

وترجیح عموم العام علی إطلاق المطلق إنّما هو لأجل کون دلالته بالوضع ، لا لکونه شمولیّاً ، بخلاف المطلق فإنّه بالحکمة ، فیکون العام أظهر منه ، فیقدّم علیه ، فلو فرض إنّهما فی ذلک علی العکس ، فکان عام بالوضع دلّ علی العموم البدلی ، ومطلق بإطلاقه دلّ علی الشمول ، لکان العام

ص: 106

یقدم بلا کلام.

وأما فی الثانی : فلان التقیید وأنّ کان خلاف الأصل ، إلا أن العمل الی یوجب عدم جریان مقدمات الحکمة ، وانتفاء بعضٍ مقدماته ، لا یکون علی خلاف الأصل أصلاً ، إذ معه لا یکون هناک إطلاق ، کی یکون بطلان العمل به فی الحقیقة مثل التقیید الذی یکون علی خلاف الأصل.

وبالجملة لا معنی لکون التقیید خلاف الأصل ، إلّا کونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببرکة مقدمات الحکمة ، ومع انتفاء المقدّمات لا یکاد ینعقد له هناک ظهور ، کان ذاک العمل المشارک مع التقیید فی الأثر ، وبطلان العمل بإطلاق المطلق ، مشارکا معه فی خلاف الأصل أیضاً.

وکأنه توهّم : أن إطلاق المطلق کعموم العام ثابت ، ورفع الید عن العمل به ، تارةً لأجل التقیید ، وأخری بالعمل المبطل للعمل به.

وهو فاسد ، لإنّه لا یکون إطلاق إلّا فیما جرت هناک المقدمات.

نعم إذا کان التقیید بمنفصل ، ودار الأمر بین الرجوع إلی المادة أو الهیئة کان لهذا التوهم مجال ، حیث انعقد للمطلق إطلاق ، وقد استقر له ظهور ولو بقرینة الحکمة ، فتأمل.

ومنها : تقسیمه إلی النفسی والغیری.

وحیث کان طلب شیء وإیجابه لا یکاد یکون بلا داع ، فإن کان الداعی فیه هو التوصل به إلی واجب ، لا یکاد التوصل بدونه إلیه ، لتوقفه علیه ، فالواجب غیریّ ، وإلاّ فهو نفسی ، سواء کان الداعی محبوبیة الواجب بنفسه ، کالمعرفة بالله ، أو محبوبیّته بماله من فائدة مترتبة علیه ، کأکثر الواجبات من العبادات والتوصلیات.

هذا ، لکنه لا یخفی أن الداعی لو کان هو محبوبیّته کذلک - أیّ بماله من الفائدة المترتبة علیه - کان الواجب فی الحقیقة واجباً غیریاً ، فإنّه لو لم یکن وجود هذه الفائدة لازماً ، لما دعا إلی إیجاب ذی الفائدة.

ص: 107

فإن قلت : نعم وأنّ کان وجودها محبوباً لزوماً ، إلّا إنّه حیث کانت من الخواصِّ المترتبة علی الأفعال التی لیست داخلة تحت قدرة المکلف ، لما کاد یتعلق بها الإِیجاب.

قلت : بل هی داخلة تحت القدرة ، لدخول أسبابها تحتها ، والقدرة علی السبب قدرة علی المسبب ، وهو واضح ، وإلاّ لما صحّ وقوع مثل التطهیر والتملیک والتزویج والطلاق والعتاق .. إلی غیر ذلک من المسببات ، مورداً لحکم من الأحکام التکلیفیة.

فالأولی أن یقال : إن الأثر المترتب علیه وأنّ کان لازماً ، إلّا أن ذا الأثر لما کان معنوناً بعنوان حسن یستقل العقل بمدح فاعله ، بل وبذم تارکه ، صار متعلقاً للإیجاب بما هو کذلک ، ولا ینافیه کونه مقدّمة الأمر مطلوب واقعاً ، بخلاف الواجب الغیری ، لتمحض وجوبه فی إنّه لکونه مقدّمة لواجب نفسی. وهذا أیضاً لا ینافی أن یکون معنوناً بعنوان حسن فی نفسه ، إلّا إنّه لا دخل له فی إیجابه الغیری ، ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه ، وما أمر به لأجل غیره ، فلا یتوجه علیه بأنّ جل الواجبات - لولا الکلّ - یلزم أن یکون من الواجبات الغیریة ، فإن المطلوب النفسی قلّما یوجد فی الأوامر ، فإن جلها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها ، فتأمل.

ثم إنّه لا إشکال فیما إذا علم بأحد القسمین ، وأما إذا شک فی واجب إنّه نفسی أو غیری ، فالتحقیق أن الهیئة ، وأنّ کانت موضوعة لما یعمهما ، إلّا أن إطلاقها یقتضی کونه نفسیاً ، فإنّه لو کان شرطاً لغیره لوجب التنبیه علیه علی المتکلم الحکیم.

وأما ما قیل(1) من إنّه لا وجه للاستناد إلی إطلاق الهیئة ، لدفع الشک

ص: 108


1- مطارح الأنظار / 67 فی الهدایة 11 من القول بوجوب المقدمة.

المذکور ، بعد کون مفادها الأفراد التی لا یعقل فیها التقیید ، نعم لو کان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب ، صحّ القول بالإِطلاق ، لکنه بمراحل من الواقع ، إذ لا شک فی اتصاف الفعل بالمطلوبیة بالطلب المستفاد من الأمر ، ولا یعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبیة بواسطة مفهوم الطلب ، فإن الفعل یصیر مراداً بواسطة تعلق واقع الإرادة وحقیقتها ، لا بواسطة مفهومها ، وذلک واضح لا یعتریه ریب.

ففیه : إن مفاد الهیئة - کما مرت الإِشارة إلیه - لیس الأفراد ، بل هو مفهوم الطلب ، کما عرفت تحقیقه فی وضع الحروف (1) ، ولا یکاد یکون فرد الطلب الحقیقی ، والذی یکون بالحمل الشائع طلباً ، وإلاّ لما صحّ إنشاؤه بها ؛ ضرورة إنّه من الصفات الخارجیة الناشئة من الأسباب الخاصة.

نعم ربما یکون هو السبب لإِنشائه ، کما یکون غیره أحیاناً.

واتصاف الفعل بالمطلوبیة الواقعیة والإرادة الحقیقیة - الداعیة إلی إیقاع طلبه ، وإنشاء إرادته بعثاً نحو مطلوبه الحقیقی وتحریکا إلی مراده الواقعی - لا ینافی اتصافه بالطلب الإنشائی أیضاً ، والوجود الإنشائی لکلّ شیء لیس إلّا قصد حصول مفهومه بلفظه ، کان هناک طلب حقیقی أو لم یکن ، بل کان إنشاؤه بسبب آخر.

ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبیر عن مفاد الصیغة بالطلب المطلق ، فتوهم منه أن مفاد الصیغة یکون طلباً حقیقیاً ، یصدق علیه الطلب بالحمل الشائع ، ولعمری إنّه من قبیل اشتباه المفهوم بالمصداق ، فالطلب الحقیقی إذا لم یکن قابلاً للتقیید لا یقتضی أن لا یکون مفاد الهیئة قابلاً له ، وأنّ تعارف تسمیته بالطلب أیضاً ، وعدم تقییده بالإنشائی لوضوح إرادة

ص: 109


1- باعتبار أن الهیئة ملحقة بالحروف ، راجع صفحة 11 من هذا الکتاب.

خصوصه ، وأنّ الطلب الحقیقی لا یکاد ینشأ بها ، کما لا یخفی.

فانقدح بذلک صحة تقیید مفاد الصیغة بالشرط ، کما مرّ هاهنا بعضٍ الکلام ، وقد تقدم (1) فی مسألة اتحاد الطلب والإرادة ما یُجدی [ فی ] المقام.

هذا إذا کان هناک إطلاق ، وأما إذا لم یکن ، فلابد من الإِتیان به فیما إذا کان التکلیف بما احتمل کونه شرطاً له فعلّیاً ، للعلم بوجوبه فعلاً ، وأنّ لم یعلم جهة وجوبه ، وإلاّ فلا ، لصیرورة الشک فیه بدویاً ، کما لا یخفی.

تذنیبان

الأول : لا ریب فی استحقاق الثواب علی امتثال الأمر النفسی وموافقته ، واستحقاق العقاب علی عصیإنّه ومخالفته عقلاً ، وأما استحقاقهما علی امتثال الغیری ومخالفته ، ففیه إشکال ، وأنّ کان التحقیق عدم الاستحقاق علی موافقته ومخالفته ، بما هو موافقة ومخالفة ، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلّا لعقاب واحد ، أو لثواب کذلک ، فیما خالف الواجب ولم یأت بواحدة من مقدماته علی کثرتها ، أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات.

نعم لا بأس باستحقاق العقوبة علی المخالفة عند ترک المقدمة ، وبزیادة المثوبة علی الموافقة فیما لو أتی بالمقدمات بما هی مقدمات له ، من باب إنّه یصیر حینئذ من أفضل الأعمال ، حیث صار أشقّها ، وعلیه ینزّل ما ورد فی الإخبار (2) من الثواب علی المقدّمات ، أو علی التفضل فتأمل جیداً ، وذلک لبداهة أن موافقة الأمر الغیری - بما هو أمر لا بما هو شروع فی إطاعة الأمر النفسی - لا توجب قرباً ، ولا مخالفته - بما هو کذلک - بُعداً ، والمثوبة والعقوبة إنّما تکونان من تبعات القرب والبعد.

ص: 110


1- راجع صفحة 64 من الکتاب ، الجهة الرابعة ( فی بحث الطلب والإرادة ).
2- کامل الزیارات / 133 ، فیما ورد فی زیارة أبی عبدالله ، من إنّه لکلّ قدم ثواب کذا.

إشکال ودفع :

أما الأوّل : فهو إنّه إذا کان الأمر الغیری بما هو لا إطاعة له ، ولا قرب فی موافقته ، ولا مثوبة علی امتثاله ، فکیف حال بعضٍ المقدّمات کالطهارات؟ حیث لا شبهة فی حصول الإطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها ، هذا مضافاً إلی أن الأمر الغیری لا شبهة فی کونه توصلیاً ، وقد اعتبر فی صحتها إتیإنّها بقصد القربة.

وأما الثّانی : فالتحقیق أن یقال : إن المقدمة فیها بنفسها مستحبة وعبادة ، وغایاتها إنّما تکون متوقفة علی إحدی هذه العبادات ، فلا بدّ أن یؤتی بها عبادة ، وإلاّ فلم یؤت بما هو مقدّمة لها ، فقصد القربة فیها إنّما هو لأجل کونها فی نفسها أمورا عبادیة ومستحبات نفیسة ، لا لکونها مطلوبات غیریة والاکتفاء بقصد أمرها الغیری ، فإنما هو لأجل إنّه یدعو إلی ما هو کذلک فی نفسه حیث إنّه لا یدعو إلّا إلی ما هو المقدمة ، فافهم.

وقد تفُصّی عن الإِشکال بوجهین آخرین (1) :

أحدهما ما ملخصه : إن الحرکات الخاصة ربما لا تکون محصلة لما هو المقصود منها ، من العنوان الذی یکون بذاک العنوان مقدّمة وموقوفا علیها ، فلا بدّ فی إتیإنّها بذاک العنوان من قصد أمرها ، لکونه لا یدعو إلّا إلی ما هو الموقوف علیه ، فیکون عنواناً إجمالیاً ومرآة لها ، فإتیان الطهارات عبادة وإطاعة لامرها لیس لأجل أن أمرها المقدمی یقضی بالاتیان کذلک ، بل إنّما کان لأجل إحراز نفس العنوان ، الذی یکون بذاک العنوان موقوفاً علیها.

وفیه : مضافاً إلی أن ذلک لا یقتضی الإِتیان بها کذلک ، لإمکان الإِشارة إلی عناوینها التی تکون بتلک العناوین موقوفاً علیها بنحو آخر ، ولو

ص: 111


1- مطارح الأنظار / 71 فی تنبیهات الهدایة 12 من القول فی وجوب مقدّمة الواجب.

بقصد أمرها وصفاً لا غایة وداعیاً ، بل کان الداعی إلی هذه الحرکات الموصوفة بکونها مأموراً بها شیئاً آخر غیر أمرها ، غیر وافٍ بدفع إشکال ترتب المثوبة علیها ، کما لا یخفی.

ثانیهما : ما مُحَصّله أن لزوم وقوع الطهارات عبادة ، إنّما یکون لأجل أن الغرض من الأمر النفسی بغایاتها ، کما لا یکاد یحصل بدون قصد التقرب بموافقته ، کذلک لا یحصل ما لم یؤت بها کذلک ، لا باقتضاء أمرها الغیری.

وبالجملة وجه لزوم إتیإنّها عبادة ، إنّما هو لأجل أن الغرض فی الغایات ، لا یحصل إلّا بإتیان خصوص الطهارات من بین مقدماتها أیضاً ، بقصد الاطاعة.

وفیه أیضاً : إنّه غیر وافٍ بدفع إشکال ترتب المثوبة علیها.

وأما ما ربما قیل (1) فی تصحیح اعتبارٍ قصد الإطاعة فی العبادات ، من الالتزام بأمرین : أحدهما کان متعلقاً بذات العمل ، والثانی بإتیإنّه بداعی امتثال الأوّل ، لا یکاد یجزئ فی تصحیح اعتبارها فی الطهارات ، إذ لو لم تکن بنفسها مقدّمة لغایاتها ، لا یکاد یتعلق بها أمر من قبل الأمر بالغایات ، فمن أین یجیء طلب آخر من سنخ الطلب الغیری متعلق بذاتها ، لیتمکن به من المقدمة فی الخارج. هذا مع أن فی هذا الالتزام ما فی تصحیح اعتبارٍ قصد الطاعة فی العبادة علی ما عرفته مفصلاً سابقا ً(2) ، فتذکرّ.

الثانی : إنّه قد انقدح مما هو التحقیق ، فی وجه اعتبارٍ قصد القربة فی الطهارات صحتها ولو لم یؤت بها بقصد التوصل بها إلی غایة من غایاتها ، نعم لو کان المصحح لاعتبار قصد القربة فیها امرها الغیری ، لکان قصد الغایة مما لابد منه فی وقوعها صحیحة ، فان الأمر الغیری لا یکاد یمتثل إلّا إذا قصد

ص: 112


1- مطارح الأنظار / 71 ، فی تنبیهات الهدایة 12.
2- راجع ص 72.

التوصل إلی الغیر ، حیث لا یکاد یصیر داعیا إلّا مع هذا القصد ، بل فی الحقیقة یکون هو الملاک لوقوع المقدمة عبادة ، ولو لم یقصد أمرها ، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلاً.

وهذا هو السر فی اعتبارٍ قصد التوصل فی وقوع المقدمة عبادة ، لا ما توهّم (1)من أن المقدمة إنّما تکون مأموراً بها بعنوان المقدمیة ، فلا بدّ عند إرادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان ، وقصدها کذلک لا یکاد یکون بدون قصد التوصل إلی ذی المقدمة بها ، فإنّه فاسد جداً ؛ ضرورة أن عنوان المقدمیة لیس بموقوف علیه الواجب ، ولا بالحمل الشائع مقدّمة له ، وإنما کان المقدمة هو نفس المعنونات بعناوینها الأولیة ، والمقدمیة إنّما تکون علّة لوجوبها.

الأمر الرابع : لا شبهة فی أن وجوب المقدمة بناءً علی الملازمة ، یتبع فی الإِطلاق والاشتراط وجوب ذی المقدمة ، کما أشرنا إلیه فی مطاوی کلماتنا (2) ، ولا یکون مشروطاً بإرادته ، کما یوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم (3)رحمه الله فی بحث الضد ، قال : وأیضاً فحجة القول بوجوب المقدمة علی تقدیر تسلیمها إنّما تنهض دلیلاً علی الوجوب ، فی حال کون المکلف مریداً للفعل المتوقف علیها ، کما لا یخفی علی من أعطاها حق النظر.

وأنت خبیر بأن نهوضها علی التبعیة واضح لا یکاد یخفی ، وأنّ کان نهوضها علی أصل الملازمة لم یکن بهذه المثابة ، کما لا یخفی.

ص: 113


1- مطارح الأنظار / 72.
2- راجع ص 99.
3- معالم الدین / 74 ، فی آخر مبحث الضد. هو الشیخ جمال الدین أبو منصور الحسن بن الشیخ زین الدین ، ولد سنة 959 ه ، کان عالماً فاضلاً عاملاً جامعاً للفنون ، اعرف أهل زمإنّه بالفقه والحدیث والرجال ، یروی عن جماعة من تلامذة أبیه ، منهم الشیخ حسین بن عبد الصمد العاملی ، له کتب ورسائل منها « منتقی الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان » و « معالم الدین وملاذ المجتهدین » توفی سنة 1011 ه. () أمل الآمل 1 / 57 رقم 45 ).

وهل یعتبر فی وقوعها علی صفة الوجوب أن یکون الإِتیان بها بداعی التوصل بها إلی ذی المقدمة؟ کما یظهر مما نسبه إلی شیخنا العلامة - أعلی الله مقامه - بعضٍ أفاضل (1)مقرری بحثه ، أو ترتب ذی المقدمة علیها؟ بحیث لو لم یترتب علیها لکشف (2) عن عدم وقوعها علی صفة الوجوب ، کما زعمه صاحب الفصول (3) قدس سره ؟ أو لا یعتبر فی وقوعها کذلک شیء منهما؟

الظاهر عدم الاعتبار : امّا عدم اعتبارٍ قصد التوصل ، فلاجل أن الوجوب لم یکن بحکم العقل إلّا لأجل المقدمیة والتوقف ، وعدم دخل قصد التوصل فیه واضح ، ولذا اعترف (4)بالاجتزاء بما لم یقصد به ذلک فی غیر المقدّمات العبادیة ، لحصول ذات الواجب ، فیکون تخصیص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص ، فافهم.

نعم إنّما اعتبر ذلک فی الامتثال ، لما عرفت (5) من إنّه لا یکاد یکون الآتی بها بدونه ممتثلا لامرها ، وآخذاً فی امتثال الأمر بذیها ، فُیثاب بثواب أشقِّ الأعمال ، فیقع الفعل المقدمی علی صفة الوجوب ، ولو لم یقصد به التوصل ، کسائر الواجبات التوصلیة ، لا علی حکمه السابق الثابث له ، لو لا عروض صفة توقف الواجب الفعلّی المنجز علیه ، فیقع الدخول فی ملک الغیر واجباً إذا کان مقدّمة لانقاذ غریق أو إطفاء حریق واجب فعلّی لا حراماً ، وأنّ لم یلتفت إلی التوقف والمقدمیة ، غایة الأمر یکون حینئذ متجرِّئاً فیه ، کما إنّه مع الالتفات یتجّرأ بالنسبة إلی ذی المقدمة ، فیما لم یقصد التوصل إلیه أصلاً.

ص: 114


1- مطارح الأنظار / 72.
2- فی « ب » : یکشف.
3- الفصول / 86 ، فی مقدّمة الواجب.
4- مطارح الأنظار / 72.
5- راجع صفحة 112.

وأما إذا قصده ، ولکنه لم یأت بها بهذا الداعی ، بل بداعٍ آخر أکّده بقصد التوصل ، فلا یکون متجرِّئاً أصلاً.

وبالجملة : یکون التوصل بها إلی ذی المقدمة من الفوائد المترتبة علی المقدمة الواجبة ، لا أن یکون قصده قیداً وشرطاً لوقوعها علی صفة الوجوب ، لثبوت ملاک الوجوب فی نفسها بلا دخل له فیه أصلاً ، وإلاّ لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به ، کما لا یخفی.

ولا یقاس علی ما إذا أتی بالفرد المحرم منها ، حیث یسقط به الوجوب ، مع إنّه لیس بواجب ، وذلک لأن الفرد المحرم إنّما یسقط به الوجوب ، لکونه کغیره فی حصول الغرض به ، بلا تفاوت أصلاً ، إلّا إنّه لأجل وقوعه علی صفة الحرمة لا یکاد یقع علی صفة الوجوب ، وهذا بخلاف [ ما ] ها هنا ، فإنّه إن کان کغیره مما یقصد به التوصل فی حصول الغرض ، فلابد أن یقع علی صفة الوجوب مثله ، لثبوت المقتضی فیه بلا مانع ، وإلاّ لما کان یسقط به الوجوب ضرورة ، والتالی باطل بداهة ، فیکشف هذا عن عدم اعتبارٍ قصده فی الوقوع علی صفة الوجوب قطعاً ، وانتظر لذلک تتمة (1)توضیح.

والعجب إنّه شدد النکیر علی القول بالمقدمة الموصلة ، واعتبار ترتب ذی المقدمة علیها فی وقوعها علی صفة الوجوب ، علی ما حرره بعضٍ مقرری (2) بحثه ( قدس سره ) بما یتوجه علی اعتبارٍ قصد التوصل فی وقوعها کذلک ، فراجع تمام کلامه زید فی علو مقامه ، وتأمّل فی نقضه وإبرامه.

وأما عدم اعتبارٍ ترتب ذی المقدمة علیها فی وقوعها علی صفة الوجوب ، فلأنه لا یکاد یعتبر فی الواجب إلّا ما له دخل فی غرضه الداعی إلی إیجابه

ص: 115


1- فی « ب » : جهة.
2- راجع مطارح الأنظار / 74 و 75 فی المقدمة الموصلة.

والباعث علی طلبه ، ولیس الغرض من المقدمة إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدمة ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون الغرض إلّا ما یترتب علیه من فائدته وأثره ، ولا یترتب علی المقدمة إلّا ذلک ، ولا تفاوت فیه بین ما یترتب علیه الواجب ، وما لا یترتب علیه أصلاً ، وإنّه لا محالة یترتب علیهما ، کما لا یخفی.

وأما ترتب الواجب ، فلا یعقل أن یکون الغرض الداعی إلی إیجابها والباعث علی طلبها ، فإنّه لیس بأثر تمام المقدّمات ، فضلاً عن أحدها فی غالب الواجبات ، فإن الواجب إلّا ما قل فی الشرعیات والعرفیات فعل اختیاری ، یختار المکلف تارةً إتیإنّه بعد وجود تمام مقدماته ، وأخری عدم إتیإنّه ، فکیف یکون اختیار إتیإنّه غرضاً من إیجاب کلّ واحدة من مقدماته ، مع عدم ترتبه علی تمامها (1) ، فضلاً عن کلّ واحدة منها؟

نعم فیما کان الواجب من الأفعال التسبیبیة والتولیدیة ، کان مترتباً لا محالة علی تمام مقدماته ، لعدم تخلف المعلول عن علته.

ومن هنا [ قد ] (2) انقدح أن القول بالمقدمة الموصلة ، یستلزم إنکار وجوب المقدمة فی غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلة التامة فی خصوص الواجبات التولیدیة.

فإن قلت : ما من واجب إلّا وله علّة تامة ، ضرورة استحالة وجود الممکن بدونها ، فالتخصیص بالواجبات التولیدیة بلا مخصص.

قلت : نعم وأنّ استحال صدور الممکن بلا علّة ، إلّا أن مبادیء اختیار الفعل الاختیاری من أجزاء علته ، وهی لا تکاد تتصف بالوجوب ، لعدم کونها

ص: 116


1- فی « ب » : عامها.
2- أثبتناها من « ب ».

بالاختیار ، وإلاّ لتسلسل ، کما هو واضح لمن تأمل ، ولأنّه لو کان معتبراً فیه الترتب ، لما کان الطلب یسقط بمجرد الإِتیان بها ، من دون انتظار لترتب الواجب علیها ، بحیث لا یبقی فی البین إلّا طلبه وإیجابه ، کما إذا لم تکن هذه بمقدمته (1) ، أو کانت حاصلة من الأوّل قبل إیجابه ، مع أن الطلب لا یکاد یسقط إلّا بالموافقة ، أو بالعصیان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التکلیف ، کما فی سقوط الأمر بالکفن أو الدفن ، بسبب غرق المیت أحیاناً أو حرقه ، ولا یکون الإِتیان بها بالضرورة من هذه الأمور غیر الموافقة.

إن قلت : کما یسقط الأمر فی تلک الأمور ، کذلک یسقط بما لیس بالمأمور به فیما یحصل به الغرض منه ، کسقوطه فی التوصلیات بفعل الغیر ، أو المحرمات.

قلت : نعم ، ولکن لا محیص عن أن یکون ما یحصل به الغرض ، من الفعل الاختیاری للمکلف متعلقاً للطلب فیما لم یکن فیه مانع ، وهو کونه بالفعل محرماً ، ضرورة إنّه لا یکون بینهما تفاوت أصلاً ، فیکف یکون أحدهما متعلقاً له فعلاً دون الآخر؟

وقد استدل صاحب الفصول (2)علی ما ذهب إلیه بوجوه ، حیث قال بعد بیان أن التوصل بها إلی الواجب ، من قبیل شرط الوجود لها لا من قبیل شرط الوجوب ، ما هذا لفظه :

( والذی یدلّک علی هذا - یعنی الاشتراط بالتوصل - أن وجوب المقدمة لما کان من باب الملازمة العقلیة ، فالعقل لا یدلّ علیه زائداً علی القدر المذکور ، وأیضاً لا یأبی العقل أن یقول الأمر الحکیم : أُرید الحج ، وأرید المسیر الذی

ص: 117


1- فی « ب » : بمقدمة.
2- الفصول / 86. فی التنبیه الأوّل من تنبیهات مقدّمة الواجب.

یتوصل به إلی فعل الواجب ، دون ما لم یتوصل به إلیه ؛ بل الضرورة قاضیة بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک ، کما إنّها قاضیة بقبح التصریح بعدم مطلوبیتها له مطلقاً ، أو علی تقدیر التوصل بها إلیه ، وذلک آیة عدم الملازمة بین وجوبه ووجوب مقدماته علی تقدیر عدم التوصل بها إلیه ، وأیضاً حیث أن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلی الواجب وحصوله ، فلاجرم یکون التوصل بها إلیه وحصوله معتبراً فی مطلوبیتها ، فلا تکون مطلوبة إذا انفکت عنه ، وصریح الوجدان قاضٍ بأن من یرید شیئاً بمجرد حصول شیء آخر ، لا یریده إذا وقع مجردا عنه ، ویلزم منه أن یکون وقوعه علی وجه المطلوب منوطا بحصوله ). انتهی موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.

وقد عرفت بما لا مزید علیه ، أن العقل الحاکم بالملازمة دلّ علی وجوب مطلق المقدمة ، لا خصوص ما إذا ترتب علیها الواجب ، فیما لم یکن هناک مانع عن وجوبه ، کما إذا کان بعضٍ مصادیقه محکوماً فعلاً بالحرمة ، لثبوت مناط الوجوب حینئذ فی مطلقها ، وعدم اختصاصه بالمقید بذلک منها.

وقد انقدح منه ، إنّه لیس للأمر الحکیم الغیر المجازف بالقول ذلک التصریح ، وأنّ دعوی أن الضرورة قاضیة بجوازه (1)مجازفة ، کیف یکون ذا مع ثبوت الملاک فی الصورتین بلا تفاوت أصلا؟ کما عرفت.

نعم إنّما یکون التفاوت بینهما فی حصول المطلوب النفسی فی إحداهما ، وعدم حصوله فی الأخری ، من دون دخل لها فی ذلک أصلاً ، بل کان بحسن اختیار المکلف وسوء اختیاره ، وجاز للأمر أن یصرِّح بحصول هذا المطلوب فی إحداهما ، وعدم حصوله فی الأخری ، [ بل من ] (2)حیث أن الملحوظ بالذات هو

ص: 118


1- ادعاه صاحب الفصول ، حیث قال : ولا یأبی أن یقول الأمر الحکیم .. الخ ... / الفصول / 86.
2- أثبتناها من « أ ».

هذا المطلوب ، وإنما کان الواجب الغیری ملحوظاً إجمالاً بتبعه ، کما یأتی أن وجوب المقدمة علی الملازمة تبعیّ ، جاز فی صورة عدم حصول المطلوب النفسی التصریح بعدم حصول المطلوب أصلاً ، لعدم الالتفات إلی ما حصل من المقدمة ، فضلاً عن کونها مطلوبة ، کما جاز التصریح بحصول الغیری مع عدم فائدته لو التفت إلیها ، کما لا یخفی ، فافهم.

إن قلت : لعل التفاوت بینهما فی صحة اتصاف إحداهما بعنوان الموصلیة دون الأخری ، أوجب التفاوت بینهما فی المطلوبیة وعدمها ، وجواز التصریح بهما ، وأنّ لم یکن بینهما تفاوت فی الأثر ، کما مرّ.

قلت : إنّما یوجب ذلک تفاوتاً فیهما ، لو کان ذلک لأجل تفاوت فی ناحیة المقدمة ، لا فیما إذا لم یکن فی ناحیتها أصلاً - کما هاهنا - ضرورة أن الموصلیة إنّما تنتزع من وجود الواجب ، وترتبه علیها من دون اختلاف فی ناحیتها ، وکونها فی کلاّ الصورتین علی نحو واحد وخصوصیة واحدة ، ضرورة أن الإِتیان بالواجب بعد الإِتیان بها بالاختیار تارةً ، وعدم الإِتیان به کذلک أُخری ، لا یوجب تفاوتاً فیها ، کما لا یخفی.

وأما ما أفاده (1) قدس سره من أن مطلوبیة المقدمة حیث کانت بمجرد التوصل بها ، فلا جرم یکون التوصل بها إلی الواجب معتبراً فیها.

ففیه : إنّه إنّما کانت مطلوبیتها لأجل عدم التمکن من التوصل بدونها ، لا لأجل التوصل بها ، لما عرفت من إنّه لیس من آثارها ، بل مما یترتب علیها أحیاناً بالاختیار بمقدمات أُخری ، وهی مبادیء اختیاره ، ولا یکاد یکون مثل ذا غایة لمطلوبیتها وداعیاً إلی إیجابها ، وصریح الوجدان إنّما یقتضی بأن ما أُرید لأجل غایة ، وتجرد عن الغایة بسبب عدم حصول سائر ماله دخل فی حصولها ،

ص: 119


1- 1. الفصول / 86 ، فی تنبیهات مقدّمة الواجب.

یقع علی ما هو علیه من المطلوبیة الغیریة ، کیف؟ وإلاّ یلزم أن یکون وجودها من قیوده ، ومقدمة لوقوعه علی نحو یکون الملازمة بین وجوبه بذاک النحو ووجوبها.

وهو کما تری ، ضرورة أن الغایة لا تکاد تکون قیداً لذی الغایة ، بحیث کان تخلفها موجباً لعدم وقوع ذی الغایة علی ما هو علیه من المطلوبیة الغیریة ، وإلاّ یلزم أن تکون مطلوبة بطلبه کسائر قیوده ، فلا یکون وقوعه علی هذه الصفة منوطا بحصولها ، کما أفاده.

ولعل منشأ توهمه ، خلطه بین الجهة التقییدیة والتعلیلیة. هذا. مع ما عرفت من عدم التخلف ها هنا ، وأنّ الغایة إنّما هو حصول ما لولاه لما تمکن من التوصل إلی المطلوب النفسی ، فافهم واغتنم.

ثم إنّه لا شهادة علی الاعتبار فی صحة منع المولی عن مقدماته بأنحائها ، إلّا فیما إذا رتب علیه الواجب لو سلّم أصلاً ، ضرورة إنّه وأنّ لم یکن الواجب منها حینئذ غیر الموصلة ، إلّا إنّه لیس لأجل اختصاص الوجوب بها فی باب المقدمة ، بل لأجل المنع عن غیرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا ، کما لا یخفی.

مع أن فی صحة المنع عنه کذلک نظراً ، وجهه إنّه یلزم أن لا یکون ترک الواجب حینئذ مخالفة وعصیاناً ، لعدم التمکن شرعاً منه ، لاختصاص جواز مقدمته بصورة الإِتیان به.

وبالجملة یلزم أن یکون الإِیجاب مختصاً بصورة الإِتیان ، لاختصاص جواز المقدمة بها وهو محال (1) فإنّه یکون من طلب الحاصل المحال ، فتدبرّ جیداً.

ص: 120


1- 1. حیث کان الإِیجاب فعلاً متوقفاً علی جواز المقدمة شرعاً ، وجوازها کذلک کان متوقفاً علی إیصالها المتوقف علی الإِتیان بذی المقدمة بداهة ، فلا محیص إلّا عن کون إیجابه علی تقدیر الإِتیان به ، وهو من طلب الحاصل الباطل « منه قدس سره ».

بقی شیء وهو أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ، هی تصحیح العبادة التی یتوقف علی ترکها فعل الواجب ، بناءً علی کون ترک الضد مما یتوقف علیه فعل ضدّه ، فإن ترکها علی هذا القول لا یکون مطلقاً واجباً ، لیکون فعلها محرماً ، فتکون فاسدة ، بل فیما یترتب علیه الضد الواجب ، ومع الإِتیان بها لا یکاد یکون هناک ترتب ، فلا یکون ترکها مع ذلک واجباً ، فلا یکون فعلها منهیاً عنه ، فلا تکون فاسدة.

وربما أورد (1) علی تفریع هذه الثمرة بما حاصله : بأن فعل الضد ، وأنّ لم یکن نقیضاً للترک الواجب مقدّمة ، بناءً علی المقدمة الموصلة ، إلّا إنّه لازم لما هو من أفراد النقیض ، حیث إنَّ نقیض ذاک الترک الخاص رفعه ، وهو أعم من الفعل والترک الآخر المجرد ، وهذا یکفی فی إثبات الحرمة ، وإلاّ لم یکن الفعل المطلق محرماً فیما إذا کان الترک المطلق واجباً ، لأن الفعل أیضاً لیس نقیضاً للترک ، لأنه أمر وجودی ، ونقیض الترک إنّما هو رفعه ، ورفع الترک إنّما یلازم الفعل مصداقاً ، ولیس عینه ، فکما أن هذه الملازمة تکفی فی إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فکذلک تکفی فی المقام ، غایة الأمر أن ما هو النقیض فی مطلق الترک ، إنّما ینحصر مصداقه فی الفعل فقط ، وأما النقیض للترک الخاص فله فردان ، وذلک لا یوجب فرقاً فیما نحن بصدده ، کما لا یخفی.

قلت : وأنت خبیر بما بینهما من الفرق ، فإن الفعل فی الأوّل لا یکون إلّا مقارناً لما هو النقیض ، من رفع الترک المجامع معه تارةً ، ومع الترک المجرد أُخری ، ولا تکاد تسری حرمة الشیء إلی ما یلازمه ، فضلاً عما یقارنه أحیاناً.

نعم لابد أن لا یکون الملازم محکوماً فعلاً بحکم آخر علی خلاف حکمه ، لا أن یکون محکوماً بحکمه ، وهذا بخلاف الفعل فی الثّانی ، فإنّه

ص: 121


1- مطارح الأنظار / 78.

بنفسه یعاند الترک المطلق وینافیه ، لا ملازم لمعانده ومنافیه ، فلو لم یکن عین ما یناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً ، لکنه متحد معه عیناً و خارجاً ، فإذا کان الترک واجباً ، فلا محالة یکون الفعل منهیاً عنه قطعاً ، فتدبرّ جیداً.

ومنها : تقسیمه إلی الأصلی والتبعی ، والظاهر أن یکون هذا التقسیم بلحاظ الاصالة والتبعیة فی الواقع ومقام الثبوت ، حیث یکون الشیء تارةً متعلقاً للارادة والطلب مستقلاً ، للالتفات إلیه بما هو علیه مما یوجب طلبه فیطلبه ، کان طلبه نفسیاً أو غیریاً ، وأخری متعلقاً للارادة تبعا لارادة غیره ، لأجل کون إرادته لازمة لإِرادته ، من دون التفات إلیه بما یوجب إرادته ، لا بلحاظ الاصالة والتبعیة فی مقام الدلالة والإِثبات (1)، فإنّه یکون فی هذا المقام ، تارةً مقصودا بالإِفادة ، وأخری غیر مقصود بها علی حدة ، إلّا إنّه لازم الخطاب ، کما فی دلالة الإِشارة ونحوها.

وعلی ذلک ، فلا شبهة فی انقسام الواجب الغیری إلیهما ، واتّصافه بالاصالة والتبعیة کلیهما ، حیث یکون متعلقاً للارادة علی حدة عند الالتفات إلیه بما هو مقدّمة ، وأخری لا یکون متعلقاً لها کذلک عند عدم الالتفات إلیه کذلک ، فإنّه یکون لا محالة مراداً تبعا لارادة ذی المقدمة علی الملازمة.

کما لا شبهة فی اتصاف النفسی أیضاً بالاصالة ، ولکنه لا یتصف بالتبعیة ، ضرورة إنّه لا یکاد یتعلق به الطلب النفسی ما لم تکن فیه مصلحة نفسیّة ، ومعها یتعلق الطلب بها مستقلاً ، ولو لم یکن هناک شیء آخر مطلوب أصلاً ، کما لا یخفی.

نعم لو کان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة ، اتصف النفسی بهما أیضاً ،

ص: 122


1- کما هو مذهب صاحبی القوانین والفصول ( قدس سرهما ). القوانین 1 / 101 - 102 ، فی مقدّمة الواجب ، المقدمة السادسة والسابعة. الفصول / 82.

ضرورة إنّه قد یکون غیر مقصودة بالإِفادة ، بل اُفید بتبع غیره المقصود بها ، لکن الظاهر - کما مر - أن الاتصاف بهما إنّما هو فی نفسه ، لا بلحاظ حال الدلالة علیه ، وإلاّ لما اتصف بواحد منهما ، إذا لم یکن بعد مفاد دلیل ، وهو کما تری.

ثم إنّه إذا کان الواجب التبعی ما لم یتعلق به إرادة مستقلة ، فإذا شک فی واجب إنّه أصلی أو تبعیّ ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به یثبت إنّه تبعیّ ، ویترتب علیه آثاره إذا فرض له آثار شرعیة (1) ، کسائر الموضوعاًت المتقومة بأمور عدمیة.

نعم لو کان التبعی أمراً وجودیاً خاصاً غیر متقوّم بعدمی ، وأنّ کان یلزمه ، لما کان یثبت بها إلّا علی القول بالأصل المثبت ، کما هو واضح ، فافهم.

تذنیب[ثمرة النزاع فی وجوب المقدمة و عدمة]

فی بیان الثمرة ، وهی فی المسألة الأصولیة - کما عرفت سابقاً - لیست إلّا أن تکون نتیجتها صالحة للوقوع فی طریق الاجتهاد ، واستنباط حکم فرعیّ ، کما لو قیل بالملازمة فی المسألة ، فإنّه بضمیمة مقدّمة کون شیء مقدّمة لواجب یستنتج إنّه واجب.

ومنه قد انقدح ، إنّه لیس منها مثل برءِ النذر بإتیان مقدّمة واجب ، عند نذر الواجب ، وحصول الفسق بترک الواجب بمقدماته إذا کانت له مقدمات کثیرة ، لصدق الإِصرار علی الحرام بذلک ، وعدم جواز أخذ الاجرة علی المقدمة.

مع أنَّ البرء وعدمه إنّما یتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتیان المقدمة لو قصد الوجوب النفسی ، کما هو المنصرف عند إطلاقه ولو قیل بالملازمة ، وربما

ص: 123


1- فی نسختی « أ و ب » : آثار شرعی.

یحصل البرء به لو قصد ما یعم المقدمة ولو قیل بعدمها ، کما لا یخفی.

ولا یکاد یحصل الإِصرار علی الحرام بترک واجب ، ولو کانت له مقدمات غیر عدیدة ، لحصول العصیان بترک أول مقدّمة لا یتمکن معه من الواجب ، ولا یکون ترک سائر المقدّمات بحرام أصلاً ، لسقوط التکلیف حینئذ ، کما هو واضح لا یخفی.

وأخذ الاجرة علی الواجب لا بأس به ، إذا لم یکن إیجابه علی المکلف مجاناً وبلا عوض ، بل کان وجوده المطلق مطلوباً کالصناعات الواجبة کفائیة التی لا یکاد ینتظم بدونها البلاد ، ویختل لولاها معاش العباد ، بل ربما یجب أخذ الاجرة علیها لذلک ، أیّ لزوم الاختلال وعدم الانتظام لولا أخذها ، هذا فی الواجبات التوصلیة.

وأما الواجبات التعبدیة ، فیمکن أن یقال بجواز أخذ الاجرة علی إتیإنّها بداعی امتثالها ، لا علی نفس الإِتیان ، کی ینافی عبادیتها ، فیکون من قبیل الداعی إلی الداعی ، غایة الأمر یعتبر فیها - کغیرها - أن یکون فیها منفعة عائدة إلی المستاجر ، کی لا تکون المعاملة سفهیة ، وأخذ الاجرة علیها أکلاً بالباطل.

وربما یجعل (1) من الثمرة ، اجتماع الوجوب والحرمة - إذا قیل بالملازمة - فیما کانت المقدمة محرمة ، فیبتنی علی جواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه ، بخلاف ما لو قیل بعدمها ، وفیه :

أولا : إنّه لا یکون من باب الاجتماع ، کی تکون مبتنیة علیه ، لما أشرنا إلیه غیر مرة ، أنَّ الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدّمة ، لا بعنوان المقدمة ، فیکون علی الملازمة من باب النهی فی العبادة والمعاملة.

ص: 124


1- نسب إلی الوحید البهبهانی ، مطارح الأنظار / 81.

وثانیاً : (1) إن الاجتماع وعدمه لا دخل له فی التوصل (2) بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلاً ، فإنّه یمکن التوصل (3) بها إن کانت توصلیة ، ولو لم نقل بجواز الاجتماع ، وعدم جواز التوصل (4) بها إن کانت تعبدیة علی القول بالامتناع ، قیل بوجوب المقدمة أو بعدمه ، وجواز التوصل (5) بها علی القول بالجواز کذلک ، أیّ قیل بالوجوب أو بعدمه.

وبالجملة لا یتفاوت الحال فی جواز التوصل (6)بها ، وعدم جوازه أصلاً ، بین أن یقال بالوجوب ، أو یقال بعدمه ، کما لا یخفی.

فی تأسیس الأصل فی المسألة

إعلم إنّه لا أصل فی محلّ البحث فی المسألة ، فإن الملازمة بین وجوب المقدمة ووجوب ذی المقدمة وعدمها لیست لها حالة سابقة ، بل تکون الملازمة أو عدمها أزلیّة ، نعم نفس وجوب المقدمة یکون مسبوقاً بالعدم ، حیث یکون حادثا بحدوث وجوب ذی المقدمة ، فالأصل عدم وجوبها.

وتوهمّ عدم جریإنّه ، لکون وجوبها علی الملازمة ، من قبیل لوازم الماهیة ، غیر مجعولة ، ولا أثر آخر مجعول مترتب علیه ، ولو کان لم یکن بمهم ها هنا ، مدفوع بإنّه وأنّ کان غیر مجعول بالذات ، لا بالجعل البسیط الذی هو مفاد کان التامة ، ولا بالجعل التألیفی الذی هو مفاد کان الناقصة ، إلّا إنّه

ص: 125


1- قد حذف المصنف قدس سره إشکالاً آخر من نسختی « أ و ب » ، وجعل الثالث مکإنّه ، وهذا یشعر بإضرابه عن الایراد الثّانی وهو قوله : « لا یکاد یلزم الاجتماع أصلاً ، لاختصاص الوجوب بغیر المحرم ، فی غیر صورة الانحصار به ، وفیها امّا لا وجوب للمقدمة ، لعدم وجوب ذی المقدمة لأجل المزاحمة ، واما لاحرمة لها لذلک ، کما لا یخفی ». 2 - فی « أ » : التوسل.
2- فی « أ » : التوسل.
3- فی « أ و ب » : التوسل.
4- فی « أ و ب » : التوسل.
5- فی « أ و ب » : التوسل.
6- فی « أ و ب » : التوسل.

مجعول بالعرض ، ویتبع جعل وجوب ذی المقدمة ، وهو کافٍ فی جریان الأصل.

ولزوم التفکیک بین الوجوبین مع الشک لا محالة ، لاصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذی المقدمة ، لا ینافی الملازمة بین الواقعیین ، وإنما ینافی الملازمة بین الفعلیین ، نعم لو کانت الدعوی هی الملازمة المطلقة حتی فی المرتبة الفعلیة ، لما صحّ التمسک بالأصل ، کما لا یخفی.

إذا عرفت ما ذکرنا ، فقد تصدی غیر واحد من الأفاضل (1) لاقامة البرهان علی الملازمة ، وما أتی منهم بواحد خال عن الخلل ، والأولی إحالة ذلک إلی الوجدان ، حیث إنّه أقوی شاهد علی أن الإانسان إذا أراد شیئاً له مقدمات ، أراد تلک المقدّمات ، لو التفت إلیها بحیث ربما یجعلها فی قالب الطلب مثله ، ویقول مولویاً ( أدخل السوق واشتر اللحم ) مثلاً ، بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب ( أدخل ) مثل المنشأ بخطاب ( إشتر ) فی کونه بعثاً مولویاً ، وإنّه حیث تعلقت إرادته بإیجاد عبده الاشتراء ، ترشحت منها له إرادة أُخری بدخو السوق ، بعد الالتفات إلیه وإنّه یکون مقدّمة له ، کما لا یخفی.

ویؤید الوجدان ، بل یکون من أوضح البرهان ، وجود الأوامر الغیریة فی الشرعیات والعرفیات ، لوضوح إنّه لا یکاد یتعلق بمقدمة أمر غیری ، إلّا إذا کان فیها مناطه ، وإذا کان فیها کان فی مثلها ، فیصحّ تعلقه به أیضاً ، لتحقق ملاکه ومناطه ، والتفصیل بین السبب وغیره والشرط الشرعی وغیره سیأتی بطلإنّه ، وإنّه لا تفاوت فی باب الملازمة بین مقدّمة ومقدمة.

ولا بأس بذکر الاستدلال الذی هو کالأصل لغیره - مما ذکره الأفاضل (2)

ص: 126


1- 1. انظر مطارح الأنظار / 83 ، فی أدلة القائلین بوجوب المقدمة.
2- 2. المصدر السابق / 83 - 84 ، الفصول / 84 ، هدایة المسترشدین / 205 ، نهایة الأصول / 88 ، فی المبحث الأوّل من الفصل الخامس فی أحکام الوجوب.

من الاستدلالات - وهو ما ذکره أبو الحسن [ الحسین ] (1) البصری (2) ، وهو إنّه لو لم یجب المقدمة لجاز ترکها ، وحینئذ ، فإن بقی الواجب علی وجوبه یلزم التکلیف بما لا یطاق ، وإلاّ خرج الواجب المطلق عن وجوبه.

وفیه : - بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعی من التالی فی الشرطیّة الأولی ، لا الإِباحة الشرعیة ، وإلاّ کانت الملازمة واضحة البطلان ، وإرادة الترک عما أضیف إلیه الظرف ، لا نفس الجواز ، وإلاّ فمجرد الجواز بدون الترک ، لا یکاد یتوهم معه (3) صدق القضیة الشرطیّة الثانیة - ما لا یخفی ؛ فان الترک بمجرد عدم المنع شرعاً لا یوجب صدق إحدی الشرطیتین ، ولا یلزم أحد المحذورین ، فإنّه وأنّ لم یبق له وجوب معه ، إلّا إنّه کان ذلک بالعصیان ، لکونه متمکناً من الإطاعة والإِتیان ، وقد اختار ترکه بترک مقدمته بسوء اختیاره ، مع حکم العقل بلزوم إتیإنّها ، إرشاداً إلی ما فی ترکها من العصیان المستتبع للعقاب.

نعم لو کان المراد من الجواز الترک شرعاً وعقلاً ، یلزم أحد المحذورین ، إلّا أن الملازمة علی هذا فی الشرطیّة الأولی ممنوعة ، بداهة إنّه لو لم یجب شرعاً لا یلزم أن یکون جائزاً شرعاً وعقلاً ، لإمکان أن لا یکون محکوماً بحکم شرعاً ، وأنّ کان واجباً عقلاً إرشاداً ، وهذا واضح.

وأما التفصیل بین السبب وغیره ، فقد استدل(4)علی وجوب السبب ،

ص: 127


1- ما أثبتناه هو الصواب ، راجع المعتمد فی أصول الفقه 1 / 94 ، لأبی الحسین البصری.
2- هو أبو الحسن علی بن إسماعیل بن إسحاق الاشعری من نسل أبی موسی الاشعری ولد فی البصرة سنة 260 ه ، تلقی مذهب المعتزلة وتقدم فیهم ، ثم رجع وجاهر بخلافهم ، وأسس مذهب الأشاعرة ، بلغت مصنفاته ثلاثمأة کتاب ، توفی ببغداد سنة 326 ه ( اعلام الزرکلی 4 / 263 ).
3- فی «ب» قضیة.
4- بدائع الأفکار / 353 ، القول الثالث فی وجوب المقدمة.

بأن التکلیف لا یکاد یتعلق إلّا بالمقدور ، والمقدور لا یکون إلّا هو السبب ، وإنما المسبب من آثاره المترتبة علیه قهرا ، ولا یکون من أفعال المکلف وحرکاته أو سکناته ، فلا د من صرف الأمر المتوجه إلیه عنه إلی سببه.

ولا یخفی ما فیه ، من إنّه لیس بدلیل علی التفصیل ، بل علی أن الأمر النفسی إنّما یکون متعلقاً بالسبب دون المسبب ، مع وضوح فساده ، ضرورة أن المسبب مقدور المکلف ، وهو متمکن عنه بواسطة السبب ، ولا یعتبر فی التکلیف أزید من القدرة ، کانت بلا واسطة أو معها ، کما لا یخفی.

وأما التفصیل بین الشرط الشرعی وغیره ، فقد استدل (1) علی الوجوب فی الأوّل بإنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً ، حیث إنّه لیس مما لا بدّ منه عقلاً أو عادة.

وفیه - مضافاً إلی ما عرفت من رجوع الشرط الشرعی إلی العقلی - إنّه لا یکاد یتعلق الأمر الغیری إلّا بما هو مقدّمة الواجب ، فلو کانت مقدمیته متوقفة علی تعلقه بها لدار ، والشرطیة وأنّ کانت منتزعة عن التکلیف ، إلّا إنّه عن التکلیف النفسی المتعلق بما قید بالشرط ، لا عن الغیری ، فافهم.

تتمة [مقدمة المستحب و الحرام و المکروه]

لا شبهة فی أن مقدّمة المستحب کمقدمة الواجب ، فتکون مستحبة - لو قیل بالملازمة - وأما مقدّمة الحرام والمکروه فلا تکاد تتصف بالحرمة أو الکراهة ، إذ منها ما یتمکن معه من ترک الحرام أو المکروه اختیاراً ، کما کان متمکناً قبله ، فلا دخل له أصلاً فی حصول ما هو المطلوب من ترک الحرام أو المکروه ، فلم یترشح من طلبه طلب ترک مقدمتهما ، نعم ما لا یتمکن معه من الترک المطلوب ، لا محالة یکون مطلوب الترک ، ویترشح من طلب ترکهما طلب ترک خصوص هذه المقدمة ، فلو لم یکن للحرام مقدّمة لا یبقی

ص: 128


1- المصدر المتقدم / 354 ، القول الرابع فی وجوب المقدمة.

معها اختیار ترکه لما اتصف بالحرمة مقدّمة من مقدماته.

لا یقال : کیف؟ ولا یکاد یکون فعل إلّا عن مقدّمة لا محالة معها یوجد ، ضرورة أن الشیء ما لم یجب لم یوجد.

فإنّه یقال : نعم لا محالة یکون من جملتها ما یجب معه صدور الحرام ، لکنه لا یلزم أن یکون ذلک من المقدّمات الاختیاریة ، بل من المقدّمات الغیر الاختیاریة ، کمبادیء الاختیار التی لا تکون بالاختیار ، وإلاّ لتسلسل ، فلا تغفل ، وتأمل.

فصل [فی مسالة الضد]

اشارة

الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه ، أو لا؟ فیه أقوال ، وتحقیق الحال یستدعی رسم أمور :

الأول : [الامرادبالاقتضاء و الضد]

الاقتضاء فی العنوان أعم من أن یکون بنحو العینیة ، أو الجزئیة ، أو اللزوم من جهة التلازم بین طلب أحد الضدین ، وطلب ترک الآخر ، أو المقدمیة علی ما سیظهر ، کما أن المراد بالضد هاهنا ، هو مطلق المعاند والمنافی وجودیاً کان أو عدمیاً.

الثانی [دفع التوهم المقدمیة بین الضدین]

إن الجهة المبحوثة عنها فی المسألة ، وأنّ کانت إنّه هل یکون للأمر اقتضاء بنحو من الأنحاء المذکورة ، إلّا إنّه لما کان عمدة القائلین بالاقتضاء فی الضد الخاص ، إنّما ذهبوا إلیه لأجل توهّم مقدمیة ترک الضد ، کان المهمّ صرف عنان الکلام فی المقام إلی بیان الحال وتحقیق المقال ، فی المقدمیة وعدمها ، فنقول وعلی الله الاتکال :

إن توهّم توقف الشیء علی ترک ضدّه ، لیس إلّا من جهة المضادًة والمعاندة بین الوجودین ، وقضیتها الممانعة بینهما ، ومن الواضحات أن عدم

ص: 129

المانع من المقدمات.

وهو توهّم فاسد ، وذلک لأن المعاندة والمنافرة بین الشیئین ، لا تقتضی إلّا عدم اجتماعهما فی التحقّق ، وحیث لا منافاة أصلاً بین أحد العینین وما هو نقیض الآخر وبدیله ، بل بینهما کمال الملاءمة ، کان أحد العینین مع نقیض الآخر وما هو بدیله فی مرتبة واحدة من دون أن یکون فی البین ما یقتضی تقدم أحدهما علی الآخر ، کما لا یخفی.

فکما أن قضیة المنافاة بین المتناقضین لا تقتضی تقدم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخر ، کذلک فی المتضادین ، کیف؟ ولو اقتضی التضاد توقف وجود الشیء علی عدم ضدّه ، توقف الشیء علی عدم مانعه ، لاقتضی توقف عدم الضد علی وجود الشیء توقف عدم الشیء علی مانعه ، بداهیة ثبوت المانعیة فی الطرفین ، وکون المطاردة من الجانبین ، وهو دور (1)واضح.

وما قیل (2) فی التفصی عن هذا الدور بأن التوقف من طرف الوجود فعلّی ، بخلاف التوقف من طرف العدم ، فإنّه بتوقف علی فرض ثبوت المقتضی له ، مع شراشر شرائطه غیر عدم وجود ضدّه ، ولعله کان محالاً ، لأجل انتهاء عدم وجود أحد الضدین مع وجود الآخر إلی عدم تعلق الإرادة الازلیة به ، وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحکمة البالغة ، فیکون العدم دائماً مستنداً إلی عدم المقتضی ، فلا یکاد یکون مستنداً إلی وجود المانع ، کی یلزم الدور.

إن قلت : هذا إذا لوحظا منتهیین إلی إرادة شخص واحد ، وأما إذا کان کلّ منهما متعلقاً لارادة شخص ، فأراد مثلاً أحد الشخصین حرکة شیء ، وأراد الآخر سکونه ، فیکون المقتضی لکلّ منهما حینئذ موجوداً ، فالعدم - لا محالة - یکون فعلاً مستنداً إلی وجود المانع.

ص: 130


1- راجع هدایة المسترشدین / 230 عند قوله : ثانیها.
2- المتفصی هو المحقق الخوانساری ( قدس سره )علی ما فی مطارح الأنظار / 109.

قلت : هاهنا أیضاً مستند إلی عدم قدرة المغلوب منهما فی إرادته ، وهی مما لابد منه فی وجود المراد ، ولا یکاد یکون بمجرد الإرادة بدونها لا إلی وجود الضد ، لکونه مسبوقاً بعدم قدرته - کما لا یخفی - غیر سدید ، فإنّه وأنّ کان قد ارتفع به الدور ، إلّا إنّه غائلة لزوم توقف الشیء علی ما یصلح أن یتوقف علیه علی حالها ، لاستحالة أن یکون الشیء الصالح لأن یکون موقوفاً علیه [ الشیء ] (1) موقوفاً علیه ، ضرورة إنّه لو کان فی مرتبة یصلح لأن یستند إلیه ، لما کاد یصحّ أن یستند فعلاً إلیه.

والمنع عن صلوحه لذلک بدعوی : أن قضیة کون العدم مستنداً إلی وجود الضد ، لو کان مجتمعا مع وجود المقتضی ، وأنّ کانت صادقة ، إلّا أن صدقها لا یقتضی کون الضد صالحا لذلک ، لعدم اقتضاء صدق الشرطیّة صدق طرفیها ، مساوق (2) لمنع مانعیة الضد ، وهو یوجب رفع التوقف رأساً من البین ، ضرورة إنّه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدین علی عدم الآخر ، إلا توهّم مانعیة الضد - کما أشرنا إلیه - وصلوحه لها.

إن قلت : التمانع بین الضدین کالنار علی المنار ، بل کالشمس فی رابعة النهار ، وکذا کون عدم المانع مما یتوقف علیه ، مما لا یقبل الإِنکار ، فلیس ما ذکر إلّا شبهة فی مقابل البدیهة.

ص: 131


1- 1. أثبتناها من « ب ».
2- 2. مع أن حدیث عدم اقتضاء صدق الشرطیّة لصدق طرفیها ، وأنّ کان صحیحاً ، إلّا أن الشرطیّة - هاهنا - غیر صحیحة ، فإن وجود المقتضی لضد ، لا یستلزم بوجه استناد عدمه إلی ضدّه ، ولا یکون الاستناد مترتباً علی وجوده ؛ ضرورة أن المقتضی لا یکاد یقتضی وجود ما یمنع عما یقتضیه أصلاً کما لا یخفی ، فلیکن المقتضی لاستناد عدم الضد إلی وجود ضدّه فعلاً عند ثبوت مقتضی وجوده ، هی الخصوصیة التی فیه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضیه ، کما هو الحال فی کلّ مانع ، ولیست فی الضد تلک الخصوصیة ، کیف؟ وقد عرفت إنّه لا یکاد یکون مانعاً إلّا علی وجه دائر ، نعم إنّما المانع عن الضد هو العلة التامة لضدّه ، لاقتضائها ما یعانده وینافیه ، فیکون عدمه کوجود ضدّه مستنداً إلیها ، فافهم ( منه قدس سره ).

قلت : التمانع بمعنی التنافی والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، إلّا إنّه لا یقتضی إلّا امتناع الاجتماع ، وعدم وجود أحدهما إلّا مع عدم الآخر ، الذی هو بدیل وجوده المعاند له ، فیکون فی مرتبته لا مقدما علیه ولو طبعا ، والمانع الذی یکون موقوفاً علی عدمه (1) الوجود هو ماکان ینافی ویزاحم المقتضی فی تأثیره ، لا ما یعاند الشیء ویزاحمه فی وجوده.

نعم العلة التامة لاحد الضدین ، ربما تکون مانعاً عن الآخر ، ومزاحما لمقتضیه فی تأثیره ، مثلاً تکون شدة الشفقة علی الولد الغریق وکثرة المحبة له ، تمنع عن أن یؤثر ما فی الأخ الغریق من المحبة والشفقة ، لارادة إنقاذه مع المزاحمة فینقذ به الولد دونه ، فتأمل جیداً.

ومما ذکرنا ظهر إنّه لا فرق بین الضد الموجود والمعدوم ، فی أن عدمه الملائم للشیء المناقض لوجوده المعاند لذاک ، لابد أن یجامع معه من غیر مقتض لسبقه ، بل عرفت ما یقتضی عدم سبقه.

فانقدح بذلک ما فی تفصیل بعضٍ الأعلام (2) ، حیث قال بالتوقف علی رفع الضد الموجود ، وعدم التوقف علی عدم الضد المعدوم ، فتأمل فی أطراف ما ذکرناه ، فإنّه دقیق وبذلک حقیق.

فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمیة.

وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمین فی الوجود ، فی الحکم ، فغایته أن لا یکون أحدهما فعلاً محکوماً بغیر ما حکم به الآخر ، لا أن یکون محکوماً بحکمه.

وعدم خلو الواقعة عن الحکم ، فهو إنّما یکون بحسب الحکم الواقعی لا الفعلّی ، فلا حرمة للضد من هذه الجهة أیضاً ، بل علی ما هو علیه ، لولا

ص: 132


1- 1. الصحیح ما اثبتناه و فی « أ » و « ب » موقونا علیه الوجود.
2- 2. هو المحقق الخونساری ، راجع مطارح الأنظار / 109.

الابتلاء بالمضادّة للواجب الفعلّی ، من الحکم الواقعی.

الأمر الثالث [تقریب الاقتضاء التضمنی و فساده]

إنّه قیل (1) بدلالة الأمر بالشیء بالتضمن علی النهی عن الضد العام ، بمعنی الترک ، حیث إنّه یدلّ علی الوجوب المرکب من طلب الفعل والمنع عن الترک. والتحقیق إنّه لا یکون الوجوب إلّا طلباً بسیطاً ، ومرتبة وحیدة أکیدة من الطلب ، لا مرکباً من طلبین ، نعم فی مقام تحدید تلک المرتبة وتعیینها ، ربما یقال : الوجوب یکون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترک ، ویتخیل منه إنّه یذکر له حداً ، فالمنع عن الترک لیس من أجزاء الوجوب ومقوماته ، بل من خواصه ولوازمه ، بمعنی إنّه لو التفت الأمر إلی الترک لما کان راضیا به لا محالة ، وکان یبغضه البتة.

ومن هنا انقدح إنّه لا وجه لدعوی العینیة ، ضرورة أن اللزوم یقتضی الاثنینیة ، لا الاتحاد والعینیة.

نعم لا بأس بها ، بأن یکون المراد بها إنّه یکون هناک طلب واحد ، وهو کما یکون حقیقة منسوباً إلی الوجود وبعثاً إلیه ، کذلک یصحّ أن ینسب إلی الترک بالعرض والمجاز ویکون زجراً وردعاً عنه ، فافهم.

الأمر الرابع[ثمرة المسأله]

تظهر الثمرة فی أن نتیجة المسألة ، وهی النهی عن الضد بناءً علی الاقتضاء ، بضمیمة أن النهی فی العبادات یقتضی الفساد ، یتنج فساده إذا کان عبادة.

وعن البهائی رحمه الله (2) إنّه أنکر الثمرة ، بدعوی إنّه لا یحتاج فی استنتاج الفساد إلی النهی عن الضد ، بل یکفی عدم الأمر به ، لاحتیاج العبادة إلی الأمر.

ص: 133


1- القائل هو صاحب المعالم ، المعالم / 63.
2- زبدة الأصول / 82 ، مخطوط.

وفیه : أنّه یکفی مجرد الرجحان والمحبوبیة للمولی ، کی یصحّ أن یتقرب به منه ، کما لا یخفی ، والضد بناءً علی عدم حرمته یکون کذلک ، فإن المزاحمة علی هذا لا یوجب إلّا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلاً ، مع بقائه علی ما هو علیه من ملاکه من المصلحة ، کما هو مذهب العدلیة ، أو غیرها أیّ شیء کان ، کما هو مذهب الأشاعرة ، وعدم حدوث ما یوجب مبغوضیته وخروجه عن قابلیة التقرب به کما حدث ، بناءً علی الاقتضاء.

[الترتب]

ثم إنّه تصدی جماعة من الأفاضل (1)، لتصحیح الأمر بالضد بنحو الترتب علی العصیان ، وعدم إطاعة الأمر بالشیء بنحو الشرط المتأخر ، أو البناء علی معصیته (2) بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، بدعوی إنّه لا مانع عقلاً عن تعلق الأمر بالضدین کذلک ، أیّ بأن یکون الأمر بالأهم مطلقاً ، والأمر بغیره معلّقاً علی عصیان ذاک الأمر ، أو البناء والعزم علیه ، بل هو واقع کثیراً عرفاً.

قلت : ما هو ملاک استحالة طلب الضدین فی عرض واحد ، آت فی طلبهما کذلک ، فإنّه وأنّ لم یکن فی مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما ، إلّا إنّه کان فی مرتبة الأمر بغیره اجتماعهما ، بداهة فعلیة الأمر بالأهم فی هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصیة فیما بعد ما لم یعص أو العزم علیها ، مع فعلیة الأمر بغیره أیضاً ، لتحقق ما هو شرط فعلیته فرضاً.

لا یقال : نعم لکنه بسوء اختیار المکلف حیق یعصی فیما بعد بالاختیار ، فلولاه لما کان متوجهاً إلیه إلّا الطلب بالأهم ، ولا برهان علی امتناع الاجتماع ، إذا کان بسوء الاختیار.

فإنّه یقال : استحالة طلب الضدین ، لیس إلّا لأجل استحالة طلب المحال ، واستحالة طلبه من الحکیم الملتفت إلی محالیته ، لا تختص بحال دون

ص: 134


1- منهم صاحب کشف الغطاء ، کشف الغطاء / 27 ، البحث الثامن عشر.
2- فی « ب » معصیة ، وفی بعضٍ النسخ المطبوعة « المعصیة ».

حال ، وإلاّ لصحّ فیما علق علی أمر اختیاری فی عرض واحد ، بلا حاجة فی تصحیحه إلی الترتب ، مع إنّه محال بلا ریب ولا إشکال.

إن قلت : فرق بین الاجتماع فی عرض واحد والاجتماع کذلک ، فإن الطلب فی کلّ منهما فی الأوّل یطارد الآخر ، بخلافه فی الثّانی ، فإن الطلب بغیر الأهم لا یطارد طلب الأهم ، فإنّه یکون علی تقدیر عدم الإِتیان بالأهم ، فلا یکاد یرید غیره علی تقدیر إتیإنّه ، وعدم عصیان أمره.

قلت : لیت شعری کیف لا یطارده الأمر بغیر الأهم؟ وهل یکون طرده له إلّا من جهة فعلیته ، ومضادة متعلقه للاهم؟ والمفروض فعلیته ، ومضادة متعلقه له. وعدم إرادة غیر الأهم علی تقدیر الإِتیان به لا یوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه ، علی تقدیر عدم الإِتیان به وعصیان أمره ، فیلزم اجتماعهما علی هذا التقدیر ، مع ما هما علیه من المطاردة ، من جهة المضادًة بین المتعلقین ، مع إنّه یکفی الطرد من طرف الأمر بالأهم ، فإنّه علی هذا الحال یکون طاردا لطلب الضد ، کما کان فی غیر هذا الحال ، فلا یکون له معه أصلاً بمجال.

إن قلت : فما الحیلة فیما وقع کذلک من طلب الضدین فی العرفیات؟

قلت : لا یخلو : امّا أن یکون الأمر بغیر الأهم ، بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقیقة.

وإما أن یکون الأمر به إرشاداً إلی محبوبیّته وبقائه علی ما هو علیه من المصلحة والغرض لولا المزاحمة ، وأنّ الإِتیان به یوجب استحقاق المثوبة فیذهب بها بعضٍ ما استحقه من العقوبة علی مخالفة الأمر بالأهم ، لا إنّه أمر مولوی فعلّی کالأمر به ، فافهم وتأملّ جیداً.

ثم إنّه لا أظن أن یلتزم القائل بالترتب ، بما هو لازمه من الاستحقاق فی

ص: 135

صورة مخالفة الأمرین لعقوبتین ، ضرورة قبح العقاب علی ما لا یقدّر علیه العبد ، ولذا کان سیدنا الأستاذ ( قدس سره ) (1)لا یلتزم به - علی ما هو ببالی - وکنا نورد به علی الترتب ، وکان بصدد تصحیحه.

فقد ظهر إنّه لا وجه لصحة العبادة ، مع مضادتها لما هو أهم منها ، إلّا ملاک الأمر.

نعم فیما إذا کانت موسعة ، وکانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت ، لا فی تمامه ، یمکن أن یقال : إنّه حیث کان الأمر بها علی حاله ، وأنّ صارت مضیقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها ، أمکن أن یؤتی بما زوحم منها بداعی ذاک الأمر ، فإنّه وأنّ کان خارجاً عن تحتها بما هی مأمور بها ، إلّا إنّه لما کان وافیاً بغرضها کالباقی تحتها ، کان عقلاً مثله فی الإِتیان به فی مقام الامتثال ، والإِتیان به بداعی ذاک الأمر ، بلا تفاوت فی نظره بینهما أصلاً.

ودعوی أن الأمر لا یکاد یدعو إلّا إلی ما هو من أفراد الطبیعة المأمور بها ، وما زوحم منها بالأهم ، وأنّ کان من أفراد الطبیعة ، لکنه لیس من أفرادها بما هی مأمور بها ، فاسدة ، فإنّه إنّما یوجب ذلک ، إذا کان خروجه عنها بما هی کذلک تخصیصا لا مزاحمة ، فإنّه معها وأنّ کان لا تعمه الطبیعة المأمور بها ، إلّا إنّه لیس لقصور فیه ، بل لعدم إمکان تعلق الأمر بما تعمه عقلاً ، وعلی کلّ حال ، فالعقل لا یری تفاوتاً فی مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها ، بین هذا الفرد وسائر الأفراد أصلاً.

ص: 136


1- هو آیة الله مجدد المذهب الحاج میرزا محمد حسن بن السید میرزا محمود الحسینی الشیرازی ولد فی 15 ج 1230، حضر درس المحقق السید حسن المدرس والمحقق الکلباسی قصد العراق عام 1259 ، حضر الاندیة العلمیة ، اختصّ فی التلمذة والحضور بأبحاث المحقق الانصاری ، عین مرجعاً بعده ، حج سنة 1288 ، وهاجر إلی سأمراًء شعبان سنة 1291 ثم تبعه تلامیذه ، أخذ منه کثیر من فحول العلماء ، منهم : آقا رضا الهمدانی والشیخ فضل الله النوری والآخوند الخراسانی ، توفی لیلة الاربعاء 24 شعبان 1312 ه. () الکنی والالقاب 3 / 184 )

هذا علی القول بکون الأوامر متعلقة بالطبائع.

وأما بناءً علی تعلقها بالأفراد فکذلک ، وأنّ کان جریإنّه علیه أخفی ، کما لا یخفی ، فتأمل.

ثم لا یخفی إنّه بناءً علی إمکان الترتب وصحته ، لا بد من الالتزام بوقوعه ، من دون انتطار دلیل آخر علیه ، وذلک لوضوح أن المزاحمة علی صحة الترتب لا تقتضی عقلاً إلّا امتنع الاجتماع فی عرض واحد ، لا کذلک ، فلو قیل بلزوم الأمر فی صحة العبادة : ولم یکن فی الملاک کفایة ، کانت العبادة مع ترک الأهم صحیحة لثبوت الأمر بها فی هذا الحال ، کما إذا لم تکن هناک مضادة.

فصل لا یجوز أمر الأمر مع علمه بانتفاء شرطه

خلافاً لما نسب(1)إلی أکثر مخالفینا (2) ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون الشیء مع عدم علته ، کما هو المفروض ها هنا ، فإن الشرط من أجزائها ، وانحلال المرکب بانحلال بعضٍ أجزائه مما لا یخفی ، وکون الجواز فی العنوان بمعنی الإِمکان الذاتی بعید عن محلّ الخلاف بین الأعلام.

نعم لو کان المراد من لفظ الأمر ، الأمر ببعض مراتبه ، ومن الضمیر الراجع إلیه بعضٍ مراتبه الآخر ، بأن یکون النزاع فی أن أمر الأمر یجوز إنشاءً مع علمه بانتفاء شرطه ، بمرتبة فعلیة.

وبعبارة أُخری : کان النزاع فی جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلی المرتبة الفعلیة لعدم شرطه ، لکان جائزاً ، وفی وقوعه فی الشرعیات والعرفیات

ص: 137


1- کما فی معالم الأصول / 85 ، وقوانین الأصول / 125.
2- راجع شرح مختصر الأصول للعضدی / 107 ، وتیسیر التحریر 2 / 240.

غنیً وکفایة ، ولا یحتاج معه إلی مزید بیان أو مؤونة برهان.

وقد عرفت سابقاً (1) أن داعی إنشاءً الطلب ، لا ینحصر بالبعث والتحریک جداً حقیقة ، بل قد یکون صوریا امتحاناً ، وربما یکون غیر ذلک.

ومنع کونه أمراً إذا لم یکن بداعی البعث جداً واقعاً ، وأنّ کان فی محله ، إلّا أن إطلاق الأمر علیه ، إذا کانت هناک قرینة علی إنّه بداعٍ آخر غیر البعث توسعاً ، مما لا بأس به أصلاً ، کما لا یخفی.

وقد ظهر بذلک حال ما ذکره الأعلام فی المقام من النقض والأبرام ، وربما یقع به التصالح بین الجانبین ویرتفع النزاع من البین ، فتأمل جداً.

فصل الحق أن الأوامر والنواهی تکون متعلقة بالطبائع دون الأفراد

ولا یخفی أن المراد أن متعلق الطلب فی الأوامر هو صرف الایجاد ، کما أن متعلقه فی النواهی هو محض الترک ، ومتعلقهما هو نفس الطبیعة المحدودة بحدود والمقیدة بقیود ، تکون بها موافقة للغرض والمقصود ، من دون تعلق غرض بإحدی الخصوصیات اللازمة للوجودات ، بحیث لو کان الانفکاک عنها بأسرها ممکناً ، لما کان ذلک مما یضر بالمقصود أصلاً ، کما هو الحال فی القضیة الطبیعیة فی غیر الأحکام ، بل فی المحصورة ، علی ما حقق فی غیر المقام.

وفی مراجعة الوجدان للانسان غنیً وکفایة عن إقامة البرهان علی ذلک ، حیث یری إذا راجعه إنّه لا غرض له فی مطلوباته إلّا نفس الطبائع ، ولا نظر له إلّا إلیها من دون نظر إلی خصوصیاتها الخارجیة ، وعوارضها العینیة ، وأنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب ، وأنّ کان ذاک الوجود

ص: 138


1- فی المقصد الأوّل ، الفصل الثّانی ، المبحث الأوّل صفحة / 69.

لا یکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة.

فانقدح بذلک أن المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد ، إنّها بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود ، متعلقة للطلب ، لا إنّها بما هی هی کانت متعلقة له ، کما ربما یتوهم ، فإنّها کذلک لیست إلّا هی ، نعم هی کذلک تکون متعلقة للأمر ، فإنّه طلب الوجود ، فافهم.

دفع وهم : لا یخفی أن کون وجود الطبیعة أو الفرد متعلقاً للطلب ، إنّما یکون بمعنی أن الطالب یرید صدور الوجود من العبد ، وجعله بسیطاً الذی هو مفاد کان التامة ، وإفاضته ، لا إنّه یرید ما هو صادر وثابت فی الخارج کی یلزم طلب الحاصل ، کما توهّم ، ولا جعل الطلب متعلقاً بنفس الطبیعة ، وقد جعل وجودها غایة لطلبها.

وقد عرفت أن الطبیعة بما هی هی لیست إلّا هی ، لا یعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک ، وإنّه لابد فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها ، فیلاحظ وجودها فیطلبه ویبعث إلیه ، کی یکون ویصدر منه ، هذا بناءً علی أصالة الوجود.

وأما بناءً علی أصالة الماهیة ، فمتعلق الطلب لیس هو الطبیعة بما هی أیضاً ، بل بما هی بنفسها فی الخارج ، فیطلبها کذلک لکی یجعلها بنفسها من الخارجیات والاعیان الثابتات ، لا بوجودها کما کان الأمر بالعکس علی أصالة الوجود.

وکیف کان فیلحظ الأمر ما هو المقصود من الماهیة الخارجیة أو الوجود ، فیطلبه ویبعث نحوه لیصدر منه ویکون ما لم یکن ، فافهم وتأملّ جیداً.

فصل إذا نسخ الوجوب

فلا دلالة لدلیل الناسخ ولا المنسوخ ، علی بقاء الجواز

ص: 139

بالمعنی الأعم ، ولا بالمعنی الأخص ، کما لا دلالة لهما علی ثبوت غیره من الأحکام ، ضرورة أن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن ، ولا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ والمنسوخ - بإحدی الدلالات - علی تعیین واحد منها ، کما هو أوضح من أن یخفی ، فلا بد للتعیین من دلیل آخر ، ولا مجال لاستصحاب الجواز ، إلّا بناءً علی جریإنّه فی القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی ، وهو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر ، وقد حققنا فی محله (1)، إنّه لا یجری الاستصحاب فیه ، ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع ، بحیث عد عرفاً - لو کان - إنّه باق ، لا إنّه أمر حادث غیره.

ومن المعلوم أن کلّ واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً وعرفاً ، من المباینات والمتضادات ، غیر الوجوب والاستحباب ، فإنّه وأنّ کان بینهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلاً إلّا إنّهما متباینان عرفاً ، فلا مجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر ، فإن حکم العرف ونظره یکون متّبعاً فی هذا الباب.

فصل [الوجوب التخییری]

إذا تعلق الأمر بأحد (2) الشیئین أو الاشیاء ، ففی وجوب کلّ واحد علی التخییر ، بمعنی عدم جواز ترکه إلّا إلی بدل ، أو وجوب الواحد بعینه ، أو وجوب کلّ منهما مع السقوط بفعل أحدهما ، أو وجوب المعینّ عند الله ، أقوال.

والتحقیق أن یقال : إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین ، بملاک إنّه هناک غرض واحد یقوم به کلّ واحد منهما ، بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام

ص: 140


1- فی التنبیه الثالث من تنبیهات الاستصحاب / 406.
2- فی « ب » باحدی.

الغرض ، ولذا یسقط به الأمر ، کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما ، وکان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلّیاً لا شرعیاً ، وذلک لوضوح أن الواحد لا یکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ، ما لم یکن بینهما جامع فی البین ، لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة والمعلول.

وعلیه : فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی ، لبیان أن الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.

وإن کان بملاک إنّه یکون فی کلّ واحد منهما غرض ، لا یکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیإنّه ، کان کلّ واحد واجباً بنحو من الوجوب ، یستکشف عنه تبعاته ، من عدم جواز ترکه إلّا إلی الآخر ، وترتب الثواب علی فعل الواحد منهما ، والعقاب علی ترکهما ، فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو (1) أحدهما لا بعینه مصداقاً ولا مفهوماً ، کما هو واضح ، إلّا أن یرجع إلی ما ذکرنا فیما إذا کان الأمر بأحدهما بالملاک الأوّل ، من أن الواجب هو الواحد الجامع بینهما ؛ ولا أحدهما م عیناً ، مع کون کلّ منهما مثل الآخر فی إنّه وافٍ بالغرض [ ولا کلّ واحد منهما تعیناً مع السقوط بفعل أحدهما ، بداهة عدم السقوط مع إمکان استیفاء ما فی کلّ منهما من الغرض ، وعدم جواز الإِیجاب کذلک مع عدم إمکانه ] (2) فتدبر.

بقی الکلام فی إنّه هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقلّ والأکثر ، أولاً؟

ص: 141


1- 1. فإنّه وأنّ کان مما یصحّ أن یتعلق به بعضٍ الصفات الحقیقیة ذات الاضافة کالعلم ، فضلاً عن الصفات الاعتباریة المحضة کالوجوب والحرمة وغیرهما ، مما کان من خارج المحمول الذی لیس بحذائه فی الخارج شیء غیر ما هو منشأ انتزاعه ، إلّا إنّه لا یکاد یصحّ البعث حقیقة إلیه ، والتحریک نحوه ، کما لا یکاد یتحقق الداعی لإِرادته ، والعزم علیه ، ما لم یکن مائلا إلی إرادة الجامع ، والتحرک نحوه ، فتأمل جیداً ( منه قدس سره ).
2- 2. أثبتناها من « ب ».

ربما یقال ، بإنّه محال ، فإن الأقلّ إذا وجد کان هو الواجب لا محالة ، ولو کان فی ضمن الأکثر ، لحصول الغرض به ، وکان الزائد علیه من أجزاء الأکثر زائداً علی الواجب ، لکنه لیس کذلک ، فإنّه إذا فرض أن المحصل للغرض فیما إذا وجد الأکثر ، هو الأکثر لا الأقلّ الذی فی ضمنه ، بمعنی أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله ، وأنّ کان الأقلّ لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً ، فلا محیص عن التخییر بینهما ، إذ تخصیص الأقلّ بالوجوب حینئذ کان بلا مخصص ، فإن الأکثر بحدَّه یکون مثله علی الفرض ، مثل أن یکون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتباً علی الطویل إذا رسم بماله من الحد ، لا علی القصیر فی ضمنه ، ومعه کیف یجوز تخصیصه بما لا یعمه؟ ومن الواضح کون هذا الفرض بمکان من الأمکان.

إن قلت : هبه فی مثل ما إذا کان للاکثر وجود واحد ، لم یکن للاقل فی ضمنه وجود علی حدة ، کالخط الطویل الذی رسم دفعة بلا تخلل سکون فی البین ، لکنه ممنوع فیما کان له فی ضمنه وجود ، کتسبیحة فی ضمن تسبیحات ثلاث ، أو خط طویل رسم مع تخلل العدم فی رسمه ، فإن الأقلّ قد وجد بحدَّه ، وبه یحصل الغرض علی الفرض ، ومعه لا محالة یکون الزائة علیه مما لا دخل له فی حصوله ، فیکون زائداً علی الواجب ، لا من أجزائه.

قلت : لا یکاد یختلف الحال بذاک ، فإنّه مع الفرض لا یکاد یترتب الغرض علی الأقلّ فی ضمن الأکثر ، وإنما یترتب علیه بشرط عدم الانضمام ، ومعه کان مترتباً علی الأکثر بالتمام.

وبالجملة إذا کان کلّ واحد من الأقلّ والأکثر بحدَّه مما یترتب علیه الغرض ، فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما ، وکان التخییر بینهما عقلّیاً إن کان هناک غرض واحد ، وتخییرا شرعیاً فیما کان هناک غرضان ، علی ما عرفت.

ص: 142

نعم لو کان الغرض مترتباً علی الأقلّ ، من دون دخل للزائد ، لما کان الأکثر مثل الأقلّ وعدلاً له ، بل کان فیه اجتماع الواجب وغیره ، مستحباً کان أو غیره ، حسب اختلاف الموارد ، فتدبرّ جیداً.

فصل فی الوجوب الکفائی

والتحقیق إنّه سنخ من الوجوب ، وله تعلق بکل واحد ، بحیث لو أخلّ بامتثاله الکلّ لعوقبوا علی مخالفته جمیعاً ، وأنّ سقط عنهم لو أتی به بعضهم ، وذلک لإنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد ، حصل بفعل واحد ، صادر عن الکلّ أو البعض.

کما أن الظاهر هو امتثال الجمیع لو أتوا به دفعة ، واستحقاقهم للمثوبة ، وسقوط الغرض بفعل الکلّ ، کما هو قضیة توارد العلل المتعدِّدة علی معلول واحد.

فصل [الواجب الموقت]

لا یخفی إنّه وأنّ کان الزمان مما لا بدّ منه عقلاً فی الواجب ، إلّا إنّه تارةً مما له دخل فیه شرعاً فیکون موقتا ، وأخری لا دخل له فیه أصلاً فهو غیر موقت ، والموقت امّا أن یکون الزمان المأخوذ فیه بقدره فمضّیق ، وإما أن یکون أوسع منه فموسّع.

ولا یذهب علیک أن الموسّع کلی ، کما کان له أفراد دفعیة ، کان له أفراد تدریجیة ، یکون التخییر بینها کالتخییر بین أفرادها الدفعیة عقلّیاً.

ولا وجه لتوهم أن یکون التخییر بینها شرعیاً ، ضرورة أن نسبتها إلی الواجب نسبة أفراد الطبائع إلیها ، کما لا یخفی.

ص: 143

و وقوع الموسّع فضلاً عن إمکانه ، مما لا ریب فیه ، ولا شبهة تعتریه ، ولا اعتناء ببعض التسویلات کما یظهر من المطّولات.

ثم إنّه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه علی الأمر به فی خارج الوقت ، بعد فوته فی الوقت ، لو لم نقل بدلالته علی عدم الأمر به.

نعم لو کان التوقیت بدلیل منفصل ، لم یکن له إطلاق علی التقیید بالوقت ، وکان لدلیل الواجب إطلاق ، لکان قضیة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت ، وکون التقیید به بحسب تمام المطلوب لا أصله.

وبالجملة : التقیید بالوقت کما یکون بنحو وحدة المطلوب ، کذلک ربما یکون بنحو تعدَّد المطلوب ، بحیث کان أصل الفعل ، ولو فی خارج الوقت مطلوباً فی الجملة ، وأنّ لم یکن بتمام المطلوب ، إلّا إنّه لابد فی إثبات إنّه بهذا النحو من دلالة ، ولا یکفی الدلیل علی الوقت إلّا فیما عرفت ، ومع عدم الدلالة فقضیة أصالة البراءة عدم وجوبها فی خارج الوقت ، ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت ، فتدبرّ جیداً.

فصل [الامر بالامر]

الأمر بالأمر بشیء ، أمر به لو کان الغرض حصوله ، ولم یکن له غرض فی توسیط أمر الغیر به إلّا تبلیغ (1) أمره به ، کما هو المتعارف فی أمر الرسل بالأمر أو النهی. وأما لو کان الغرض من ذلک یحصل بأمره بذاک الشیء ، من دون تعلق غرضه به ، أو مع تعلق غرضه به لا مطلقاً ، بل بعد تعلق أمره به ، فلا یکون أمراً بذاک الشیء ، کما لا یخفی.

وقد انقدح بذلک إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر ، علی کونه أمراً به ، ولا بدّ فی الدلالة

ص: 144


1- فی « ب » : بتبلیغ.

علیه من قرینة علیه.

فصل [الامر بعد الامر]

إذا ورد أمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله ، فهل یوجب تکرار ذاک الشیء ، أو تأکید الأمر الأوّل ، والبعث الحاصل به؟ قضیة إطلاق المادة هو التأکید ، فإن الطلب تأسیساً لا یکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین ، من دون أن یجیء تقیید لها فی البین ، ولو کان بمثل ( مرّة أُخری ) کی یکون متعلق کلّ منهما غیر متعلق الآخر ، کما لا یخفی ، والمنساق من إطلاق الهیئة ، وأنّ کان هو تأسیس الطلب لا تأکیده ، إلّا أن الظاهر هو انسباق التأکید عنها ، فیما کانت مسبوقة بمثلها ، ولم یذکر هناک سبب ، أو ذکر سبب واحد.

ص: 145

ص: 146

المقصد الثانی النواهی

اشارة

ص: 147

ص: 148

فصل [فی مادة النهی و صیغتة]

اشارة

الظاهر أن النهی بمادته وصیغته فی الدلالة علی الطلب ، مثل الأمر بمادته وصیغته ، غیر أن متعلق الطلب فی أحدهما الوجود ، وفی الآخر العدم ، فیعتبر فیه ما استظهرنا اعتباره فیه بلا تفاوت أصلاً ، نعم یختص النهی بخلاف ، وهو : إن متعلق الطلب فیه ، هل هو الکف ، أو مجرد الترک وأنّ لا یفعل؟ والظاهر هو الثانی.

وتوهمّ أن الترک ومجرد أن لا یفعل خارج عن تحت الاختیار ، فلا یصحّ أن یتعلق به البعث والطلب ، فاسد ، فإن الترک أیضاً یکون مقدوراً ، وإلاّ لما کان الفعل مقدوراً وصادراً بالإِرادة والاختیار ، وکون العدم الازلی لا بالاختیار ، لا یوجب أن یکون بحسب البقاء والاستمرار الذی یکون بحسبه محلاً للتکلیف.

[عدم الدلالة النهی علی التکرار]

ثم إنّه لا دلالة لصیغته علی الدوام والتکرار ، کما لا دلالة لصیغة الأمر وأنّ کان قضیتهما عقلاً تختلف ولو مع وحدة متعلقهما ، بأن یکون طبیعة واحدة بذاتها وقیدها تعلق بها الأمر مرة والنهی أُخری ، ضرورة أن وجودها یکون بوجود فرد واحد ، وعدمها لا یکاد یکون إلّا بعدم الجمیع ، کما لا یخفی.

ومن ذلک یظهر أن الدوام والاستمرار ، إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعة مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال ، فإنّه حینئذ لا یکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة ، إلّا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة والتدریجیة.

ص: 149

وبالجملة قضیة النهی ، لیس إلّا ترک تلک الطبیعة التی تکون متعلقة له ، کانت مقیدة أو مطلقة ، وقضیة ترکها عقلاً ، إنّما هو ترک جمیع أفرادها.

ثم إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لابد فی تعیین ذلک من دلالة ، ولو کان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ، ولا یکفی إطلاقها من سائر الجهات ، فتدبرّ جیداً.

فصل اختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنهی فی واحد ، وامتناعه

علی أقوال : (1) ثالثها (2) : جوازه عقلاً وامتناعه عرفاً ، وقبل الخوض فی المقصود یقدم أمور :

الأول : المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین ، ومندرجا تحت عنوانین ، بأحدهما کان مورداً للأمر ، وبالآخر للنهی ، وأنّ کان کلیاً مقولاً علی کثیرین ، کالصلاة فی المغصوب ، وإنما ذکر لاخراج ما إذا تعدَّد متعلق الأمر والنهی ولم یجتمعا وجوداً ، ولو جمعهما واحد مفهوماً ، کالسجود لله تعالی ، والسجود للصنم مثلاً ، لا لاخراج الواحد الجنسی أو النوعی کالحرکة والسکون الکلیین المعنونین بالصلاتیة والغصبیة.

الثانی : الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی فی العبادة (3) ، هو أن الجهة المبحوث عنها فیها التی بها تمتاز المسائل ، هی أن تعدَّد الوجه والعنوان فی الواحد یوجب تعدَّد متعلق الأمر والنهی ، بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد ، أو لا یوجبه ، بل یکون حاله حاله ، فالنزاع فی سرایة کلّ

ص: 150


1- 1. راجع مطارح الأنظار / 129. فی اجتماع الأمر والنهی.
2- 2. مجمع الفائدة والبرهان للأردبیلی 2 : 110.
3- 3. فی « ب » العبادات.

من الأمر والنهی إلی متعلق الآخر ، لاتحاد متعلقیهما وجوداً ، وعدم سرایته لتعددهما وجهاً ، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الأخری ، فإن البحث فیها فی أن النهی فی العبادة [ أو المعاملة ] (1) یوجب فسادها ، بعد الفراغ عن التوجه إلیها.

نعم لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع ، یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة.

فانقدح أن الفرق بین المسألتین فی غایة الوضوح.

وأما ما أفاده فی الفصول (2)، من الفرق بما هذه عبارته :

( ثم اعلم أن الفرق بین المقام والمقام المتقدم ، وهو أن الأمر والنهی هل یجتمعان فی شیء واحد أو لا؟ امّا فی المعاملات فظاهر ، وأما فی العبادات ، فهو أن النزاع هناک فیما إذا تعلق الأمر والنهی بطبیعتین متغایرتین بحسب الحقیقة ، وأنّ کان بینهما عموم مطلق ، وهنا فیما إذا اتحدتا حقیقة وتغایرتا بمجرد الإِطلاق والتقیید ، بأن تعلق الأمر بالمطلق ، والنهی بالمقید ) انتهی موضع الحاجة ، فاسد ، فإن مجرد تعدَّد الموضوعاًت وتغایرها بحسب الذوات ، لا یوجب التمایز بین المسائل ، ما لم یکن هناک اختلاف الجهات ، ومعه لا حاجة أصلاً إلی تعددها ، بل لابد من عقد مسألتین ، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها ، وعقد مسألة واحدة فی صورة العکس ، کما لا یخفی.

ومن هنا انقدح أیضاً فساد الفرق ، بأن النزاع هنا فی جواز الاجتماع عقلاً ، وهناک فی دلالة النهی لفظاً. فإن مجرد ذلک لو لم یکن تعدَّد الجهة فی البین ، لا یوجب إلّا تفصیلا فی المسألة الواحدة ، لا عقد مسألتین ، هذا مع

ص: 151


1- أثبتناها من « ب ».
2- الفصول / 140 ، فصل فی دلالة النهی علی فساد المنهی عنه.

عدم اختصاص النزاع فی تلک المسألة بدلالة اللفظ ، کما سیظهر.

الثالث : إنّه حیث کانت نتیجة هذه المسألة مما تقع فی طریق الاستنباط ، کانت المسألة من المسائل الأصولیة ، لا من مبادئها الاحکامیة ، ولا التصدیقیة ، ولا من المسائل الکلامیة ، ولا من المسائل الفرعیة ، وأنّ کانت فیها جهاتها ، کما لا یخفی ، ضرورة أن مجرد ذلک لا یوجب کونها منها إذا کانت فیها جهة أُخری ، یمکن عقدها معها من المسائل ، إذ لا مجال حینئذ لتوهم عقدها من غیرها فی الأصول ، وأنّ عقدت کلامیة فی الکلام ، وصحّ عقدها فرعیة أو غیرها بلا کلام ، وقد عرفت فی أول الکتاب (1) إنّه لا ضیر فی کون مسألة واحدة ، یبحث فیها عن جهة خاصة من مسائل علمین ، لانطباق جهتین عامتین علی تلک الجهة ، کانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالأُخری من آخر ، فتذکرّ.

الرابع : إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه ، أن المسألة عقلیة ، ولا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع والامتناع فیها بما إذا کان الإِیجاب والتحریم باللفظ ، کما ربما یوهمه التعبیر بالأمر والنهی الظاهرین فی الطلب بالقول ، إلّا إنّه لکون الدلالة علیهما غالباً بهما ، کما هو أوضح من أن یخفی. وذهاب البعض (2) إلی الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ، لیس بمعنی دلالة اللفظ ، بل بدعوی أن الواحد بالنظر الدقیق العقلی اثنان ، وإنّه بالنظر المسامحی العرفی واحد ذو وجهین ، وإلاّ فلا یکون معنی محصلا للامتناع العرفی ، غایة الأمر دعوی دلالة اللفظ علی عدم الوقوع بعد اختیار جواز الاجتماع ، فتدبرّ جیداً.

الخامس : لا یخفی أن ملاک النزاع فی جواز الاجتماع والامتناع یعم جمیع أقسام الإِیجاب والتحریم ، کما هو قضیة إطلاق لفظ الأمر والنهی ،

ص: 152


1- فی الأمر الأوّل من مقدّمة الکتاب / 7.
2- الأردبیلی فی شرح الإِرشاد 2 / 110.

ودعوی الانصراف إلی النفسیین التعیینیین العینیین فی مادتهما ، غیر خالیة عن الاعتساف ، وأن سلّم فی صیغتهما ، مع إنّه فیها ممنوع (1).

نعم لا یبعد دعوی الظهور والانسباق من الإِطلاق ، بمقدمات الحکمة الغیر الجاریة فی المقام ، لما عرفت من عموم الملاک لجمیع الأقسام ، وکذا ما وقع فی البین من النقض والأبرام. مثلاً إذا أمر بالصلاة والصوم تخییراً بینهما ، وکذلک نهی عن التصرف فی الدار والمجالسة مع الاغیار ، فصلی فیها مع مجالستهم ، کان حال الصلاة فیها حالها ، کما إذا أمر بها تعییناً (2) ، ونهی عن التصرف فیها کذلک فی جریان النزاع فی الجواز والامتناع ، ومجیء أدلة الطرفین ، وما وقع من النقض والأبرام فی البین ، فتفطن.

السادس : إنّه ربما یؤخذ فی محلّ النزاع قید المندوحة فی مقام الامتثال ، بل ربما قیل : بأن الإِطلاق إنّما هو للاتکال علی الوضوح ، إذ بدونها یلزم التکلیف بالمحال.

ولکن التحقیق مع ذلک عدم اعتبارها فی ما هو المهمّ فی محلّ النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحکمین المتضادین ، وعدم الجدوی فی کون موردهما موجهاً بوجهین فی رفع غائلة اجتماع الضدین ، أو عدم لزومه ، وأنّ تعدَّد الوجه یجدی فی رفعها ، ولا یتفاوت فی ذلک أصلاً وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التکلیف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم لابد من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً ، لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً ومحالاً ، کما ربما لابد من اعتبارٍ أمر آخر فی الحکم به کذلک أیضاً.

وبالجملة لا وجه لاعتبارها ، إلّا لأجل اعتبارٍ القدرة علی الامتثال ، وعدم

ص: 153


1- فی « ب » : ممنوعة.
2- فی « ب » : ت عیناً.

لزوم التکلیف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور فی المقام من التکلیف المحال ، فافهم واغتنم.

السابع : إنّه ربما یتوهم تارةً أن النزاع فی الجواز والامتناع ، یبتنی علی القول بتعلق الأحکام بالطبائع ، وأما الامتناع علی القول بتعلقها بالأفراد فلا یکاد یخفی ، ضرورة لزوم تعلق الحکمین بواحد شخصی ، ولو کان ذا وجهین علی هذا القول.

وأخری أن القول بالجواز مبنی علی القول بالطبائع ، لتعدد متعلق الأمر والنهی ذاتاً علیه ، وأنّ اتحد وجوداً ، والقول بالامتناع علی القول بالأفراد ، لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً ، وکونه فرداً واحداً.

وأنت خبیر بفساد کلاّ التوهمین ، فإن تعدَّد الوجه إن کان یجدی بحیث لا یضر معه الاتحاد بحسب الوجود والایجاد ، لکان یجدی ولو علی القول بالأفراد ، فإن الموجود الخارجی الموجه بوجهین ، یکون فرداً لکلّ من الطبیعتین ، فیکون مجمعاً لفردین موجودین بوجود واحد ، فکما لا یضر وحدة الوجود بتعدد الطبیعتین ، لا یضر بکون المجمع اثنین بما هو مصداق وفرد لکلّ من الطبیعتین ، وإلاّ لما کان یجدی أصلاً ، حتی علی القول بالطبائع ، کما لا یخفی ، لوحدة الطبیعتین وجوداً واتحادهما خارجاً ، فکما أن وحدة الصلاتیة والغصبیة فی الصلاة فی الدار المغصوبة وجوداً غیر ضائر بتعددهما وکونها طبیعتین ، کذلک وحدة ما وقع فی الخارج من خصوصیات الصلاة فیها وجوداً غیر ضائر بکونه فرداً للصلاة ، فیکون مأموراً به ، وفردا للغصب فیکون منهیاً عنه ، فهو علی وحدته وجوداً یکون اثنین ، لکونه مصداقاً للطبیعتین ، فلا تغفل.

الثامن : إنّه لا یکاد یکون من باب الاجتماع ، إلّا إذا کان فی کلّ واحد من متعلقی الإِیجاب والتحریم مناط حکمه مطلقاً ، حتی فی مورد

ص: 154

التصادق والاجتماع ، کی یحکم علی الجواز بکونه فعلاً محکوماً بالحکمین وعلی الامتناع بکونه محکوماً بأقوی المناطین ، أو بحکم آخر غیر الحکمین فیما لم یکن هناک أحدهما أقوی ، کما یأتی تفصیله (1)

وأما إذا لم یکن للمتعلقین مناط کذلک ، فلا یکون من هذا الباب ، ولا یکون مورد الاجتماع محکوماً إلّا بحکم واحد منها ، إذا کان له مناطه ، أو حکم آخر غیرهما ، فیما لم یکن لواحد منهما ، قیل بالجواز أو الامتناع ، هذا بحسب مقام الثبوت.

وأما بحسب مقام الدلالة والإِثبات ، فالروایتان الدالّتان علی الحکمین متعارضتان ، إذا احرز أن المناط من قبیل الثّانی ، فلابد من حمل المعارضة حینئذ بینهما من الترجیح والتخییر ، وإلاّ فلا تعارض فی البین ، بل کان من باب التزاحم بین المقتضیین ، فربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً ، لکونه أقوی مناطا ، فلا مجال حینئذ لملاحظة مرجحات الروایات أصلاً ، بل لا بد من مرجحات المقتضیات المتزاحمات ، کما یأتی الإِشارة(2) إلیها.

نعم لو کان کلّ منها متکفلاً للحکم الفعلّی ، لوقع بینهما التعارض ، فلا بدّ من ملاحظة مرجحات باب المعارضة ، لو لم یوفق بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائی بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، فتفطن.

التاسع : إنّه قد عرفت أن المعتبر فی هذا الباب ، أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها والمنهی عنها ، مشتملة علی مناط الحکم مطلقاً ، حتی فی حال الاجتماع ، فلو کان هناک ما دلّ علی ذلک من اجماع أو غیره فلا إشکال ، ولو لم یکن إلّا اطلاق دلیلی الحکمین ، ففیه تفصیل وهو :

أن الإِطلاق لو کان فی بیان الحکم الاقتضائی ، لکان دلیلاً علی ثبوت

ص: 155


1- راجع التنبیه الثّانی من تنبیهات اجتماع الأمر والنهی ، ص 174.
2- راجع التنبیه الثّانی من تنبیهات اجتماع الأمر والنهی ، ص 174.

المقتضی والمناط فی مورد الاجتماع ، فیکون من هذا الباب ، ولو کان بصدد الحکم الفعلّی ، فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین علی القول بالجواز ، إلّا إذا علم إجمالاً بکذب أحد الدلیلین ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین. وأما علی القول بالامتناع فالإطلاقان متنافیان ، من غیر دلالة علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً ، فإن انتفاء أحد المتنافیین ، کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له ، یمکن أن یکون لأجل انتفائه ، إلّا أن یقال : إن قضیة التوفیق بینهما ، هو حمل کلّ منهما علی الحکم الاقتضائی ، لو لم یکن أحدهما أظهر ، وإلاّ فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص إنّه کلما کانت هناک دلالة علی ثبوت المقتضی فی الحکمین ، کان من مسألة الاجتماع ، وکلما لم تکن هناک دلالة علیه ، فهو من باب التعارض مطلقاً ، إذا کانت هناک دلالة علی انتفائه فی أحدهما بلا تعیین ولو علی الجواز ، وإلاّ فعلی الامتناع.

العاشر (1) : أنّه لا إشکال فی سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر علی الجواز مطلقاً ، ولو فی العبادات ، وأنّ کان معصیة للنهی أیضاً. وکذا الحال علی الامتناع مع ترجیح جانب الأمر ، إلّا إنّه لا معصیة علیه ، وأما علیه وترجیح جانب النهی فیسقط به الأمر به مطلقاً فی غیر العبادات ، لحصول الغرض الموجب له. وأما فیها فلا ، مع الالتفات إلی الحرمة أو بدونه تقصیراً ، فإنّه وأنّ کان متمکناً - مع عدم الالتفات - من قصد القربة ، وقد قصدها ، إلّا أنه مع التقصیر لا یصلح لأن یتقرب به أصلاً ، فلا یقع مقربا ، وبدونه لا یکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة ، کما لا یخفی. وأما إذا لم یلتفت إلیها قصوراً ، وقد قصد القربة بإتیإنّه ، فالأمر

ص: 156


1- من هنا إلی ص 184 عند قوله « ضرورة إنّه لو لا جلعه » سقط من نسخة ( أ ) المعتمدة عندنا.

یسقط ، لقصد التقرب بما یصلح أن یتقرب به ، لاشتماله علی المصلحة ، مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً ، فیحصل به الغرض من الأمر ، فیسقط به قطعاً ، وأنّ لم یکن امتثالاً له بناءً علی تبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح والمفاسد واقعاً ، لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح ، لکونهما تابعین لما علم منهما کما حقق فی محله.

مع إنّه یمکن أن یقال بحصول الامتثال مع ذلک ، فإن العقل لا یری تفاوتاً بینه وبین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض (1)الطبیعة المأمور بها ، وأنّ لم تعمه بما هی مأمور بها ، لکنه لوجود المانع لا لعدم المقتضی.

ومن هنا انقدح إنّه یجزئ ، ولو قیل باعتبار قصد الامتثال فی صحة العبادة ، وعدم کفایة الإِتیان بمجرد المحبوبیة ، کما یکون کذلک فی ضد الواجب ، حیث لا یکون هناک أمر یقصد أصلاً.

وبالجملة مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حکماً ، یکون الإِتیان بالمجمع امتثالاً ، وبداعی الأمر بالطبیعة لا محالة ، غایة الأمر إنّه لا یکون مما تسعه بما هی مأمور بها ، لو قیل بتزاحم الجهات فی مقام تأثیرها للاحکام الواقعیة ، وأما لو قیل بعدم التزاحم إلّا فی مقام فعلیة الأحکام ، لکان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا کلام.

وقد انقدح بذلک الفرق بین ما إذا کان دلیلاً الحرمة والوجوب متعارضین ، وقدم دلیل الحرمة تخییراً أو ترجیحاً ، حیث لا یکون معه مجال للصحة أصلاً ، وبین ما إذا کانا من باب الاجتماع. وقیل بالامتناع ، وتقدیم جانب الحرمة ، حیث یقع صحیحاً فی غیر مورد من موارد الجهل والنسیان ، لموافقته للغرض بل للأمر ، ومن هنا علم أن

ص: 157


1- فی « ب » : لغرض ، وما أثبتناه من النسخ المطبوعة هو الأصحّ.

الثواب علیه من قبیل الثواب علی الإطاعة ، لا الانقیاد ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذکرناه ، وجه حکم الأصحاب بصحة الصلاة فی الدار المغصوبة ، مع النسیان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحکم إذا کان عن قصور ، مع أن الجلّ لو لا الکلّ قائلون بالامتناع وتقدیم الحرمة ، ویحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر ، فلتکن من ذلک علی ذکر.

إذا عرفت هذه الأمور ، فالحق هو القول بالامتناع ، کما ذهب إلیه المشهور ، وتحقیقه علی وجه یتضح به فساد ما قیل ، أو یمکن أن یقال ، من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال ، یتوقف علی تمهید مقدمات :

أحدها : إنّه لاریب فی أن الأحکام الخمسة متضادة فی مقام فعلیتها ، وبلوغها إلی مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بین البعث نحو واحد فی زمان والزجر عنه فی ذاک الزمان ، وأنّ لم یکن بینها مضادة ما لم یبلغ إلی تلک المرتبة ، لعدم المنافاة والمعاندة بین وجوداتها الإنشائیة قبل البلوغ إلیها ، کما لا یخفی ، فاستحالة اجتماع الأمر والنهی فی واحد لا تکون من باب التکلیف بالمحال ، بل من جهة إنّه بنفسه محال ، فلا یجوز عند من یجوز التکلیف بغیر المقدور أیضاً.

ثانیتها : إنّه لا شبهة فی أن متعلق الأحکام ، هو فعل المکلف وما هو فی الخارج یصدر عنه ، وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوإنّه مما قد انتزع عنه ، بحیث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهنا ، لا کان بحذائه شیء خارجاً ویکون خارج المحمول ، کالملکیة والزوجیة والرقیة والحریة والمغصوبیة (1) ، إلی غیر ذلک من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة أن البعث لیس نحوه ، والزجر لا یکون عنه ، وإنما یؤخذ فی متعلق الأحکام آلة للحاظ

ص: 158


1- فی « ب » : الغصبیة.

متعلقاتها ، والإِشارة إلیها ، بمقدار الغرض منها والحاجة إلیها ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلی استقلاله وحیاله.

ثالثتها : إنّه لا یوجب تعدَّد الوجه والعنوان تعدَّد المعنون ، ولا ینثلم به وحدته ، فإن المفاهیم المتعدِّدة والعناوین الکثیرة ربما تنطبق علی الواحد ، وتصدق علی الفارد الذی لا کثرة فیه من جهة ، بل بسیط من جمبع الجهات ، لیس فیه حیث غیر حیث ، وجهة مغایرة لجهة أصلاً ، کالواجب تبارک وتعالی ، فهو علی بساطته ووحدته وأحدیته ، تصدق علیه مفاهیم الصفات الجلالیة والجمالیة ، له الأسماء الحسنی والامثال العلیا ، لکنها بأجمعها حاکیة عن ذاک الواحد الفرد الاحد.

عباراتنا شتی وحسنک واحد

وکل إلی ذاک الجمال یشیر

رابعتها : إنّه لا یکاد یکون للموجود بوجود واحد ، إلّا ماهیة واحدة وحقیقة فاردة ، لا یقع فی جواب السؤال عن حقیقته بما هو إلّا تلک الماهیة ، فال مفهوماً ن المتصادقان علی ذاک لا یکاد یکون کلّ منهما ماهیة وحقیقة ، وکانت عینه فی الخارج کما هو شأن الطبیعی وفرده ، فیکون الواحد وجوداً واحداً ماهیة وذاتا لا محالة ، فالمجمع وأنّ تصادق علیه متعلقاً الأمر والنهی ، إلّا إنّه کما یکون واحداً وجوداً ، یکون واحداً ماهیة وذاتا ، ولا یتفاوت فیه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهیة.

ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع فی المسألة ، علی القولین فی تلک المسألة ، کما توهّم فی الفصول (1)، کما ظهر عدم الابتناء علی تعدَّد وجود الجنس والفصل فی الخارج ، وعدم تعدده ، ضرورة عدم کون العنوانین المتصادقین علیه من قبیل الجنس والفصل له ، وأن مثل الحرکة فی دار من أیّ

ص: 159


1- راجع الفصول / 125.

مقولة کانت ، لا یکاد یختلف حقیقتها وماهیتها ویتخلف ذاتیاتها ، وقعت جزءا للصلاة أو لا ، کانت تلک الدار مغصوبة أو لا (1)

إذا عرفت ما مهدناه ، عرفت أن المجمع حیث کان واحداً وجوداً وذاتا ، کان تعلق الأمر والنهی به محالاً ، ولو کان تعلقهما به بعنوانین ، لما عرفت من کون فعل المکلف بحقیقته وواقعیته الصادرة عنه ، متعلقاً للأحکام لا بعناوینه الطارئة علیه ، وأنّ غائلة اجتماع الضدین فیه لا تکاد ترتفع بکون الأحکام تتعلق بالطبائع لا الأفراد (2)، فإن غایة تقریبه أن یقال : إن الطبائع من حیث هی هی ، وأنّ کانت لیست إلّا هی ، ولا تتعلق بها الأحکام الشرعیة ، کالآثار العادیة والعقلیة ، إلّا إنّها مقیدة بالوجود ، بحیث کان القید خارجاً والتقید داخلا ، صالحة لتعلق الأحکام بها ، ومتعلقاً الأمر والنهی علی هذا لا یکونان متحدین أصلاً ، لا فی مقام تعلق البعث والزجر ، ولا فی مقام عصیان النهی وإطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار.

أما فی المقام الأوّل ، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وأنّ کانا متحدین فیما هو خارج عنهما ، بما هما کذلک.

وأما فی المقام الثّانی ، فلسقوط أحدهما بالاطاعة ، والآخر بالعصیان بمجرد الإِتیان ، ففی أیّ مقام اجتمع الحکمان فی واحد؟

وأنت خبیر بإنّه لا یکاد یجدی بعد ما عرفت ، من أن تعدَّد العنوان لا یوجب تعدَّد المعنون لا وجوداً ولا ماهیة ، ولا تنثلم به وحدته أصلاً ، وأنّ المتعلق للاحکام هو المعنونات لا العنوانات ، وإنّها إنّما تؤخذ فی المتعلقات بما

ص: 160


1- وقد عرفت أن صدق العناوین المتعدِّدة ، لا تکاد تنثلم به وحدة المعنون - لا ذاتاً ولا وجوداً - غایته أن تکون له خصوصیة بها یستحق الاتصاف بها ، ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها علیه ، کما لا یخفی ، وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه أصلاً ، فتدبرّ جیداً ( منه قدس سره ).
2- کما فی قوانین الأصول 1 / 140.

هی حاکیات کالعبارات ، لا بما هی علی حیالها واستقلالها.

کما ظهر مما حققناه : إنّه لا یکاد یجدی أیضاً کون الفرد مقدّمة لوجود الطبیعی المأمور به أو المنهی عنه ، وإنّه لا ضیر فی کون المقدمة محرمة فی صورة عدم الانحصار بسوء الاختیار ، وذلک - مضافاً إلی وضوح فساده ، وأنّ الفرد هو عین الطبیعی فی الخارج ، کیف؟ والمقدمیة تقتضی الاثنینیة بحسب الوجود ، ولا تعدَّد کما هو واضح - إنّه إنّما یجدی لو لم یکن المجمع واحداً ماهیة ، وقد عرفت بما لا مزید علیه إنّه بحسبها أیضاً واحد.

ثم إنّه قد استدل (1) علی الجواز بأمور :

منها (2): إنّه لو لم یجز اجتماع الأمر والنهی ، لما وقع نظیره ، وقد وقع ، کما فی العبادات المکروهة ، کالصلاة فی مواضع التهمة وفی الحمام والصیام فی السفر وفی بعضٍ الایام.

بیان الملازمة : إنّه لو لم یکن تعدَّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماعهما لما جاز اجتماع حکمین آخرین فی مورد مع تعددهما ، لعدم اختصاصهما من بین الأحکام بما یوجب الامتناع من التضاد ، بداهة تضادّها بأسرها ، والتالی باطل ، لوقوع اجتماع الکراهة والإِیجاب أو الاستحباب ، فی مثل الصلاة فی الحمام ، والصیام فی السفر ، وفی عاشوراء ولو فی الحضر ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإِباحة أو الاستحباب ، فی مثل الصلاة فی المسجد أو الدار.

والجواب عنه امّا إجمالاً : فبإنّه لا بدّ من التصرف والتأویل فیما وقع فی الشریعة مما ظاهره الاجتماع ، بعد قیام الدلیل علی الامتناع ، ضرورة أن

ص: 161


1- انظر قوانین الأصول 1 / 140.
2- هذا هو الوجه الثّانی الذی استدل له ، قوانین الأصول 1 / 142.

الظهور لا یصادم البرهان ، مع أن قضیة ظهور تلک الموارد ، اجتماع الحکمین فیها بعنوان واحد ، ولا یقول الخصم بجوازه کذلک ، بل بالامتناع ما لم یکن بعنوانین وبوجهین ، فهو أیضاً لا بد [ له ] من التفصی عن إشکال الاجتماع فیها لا سیما إذا لم یکن هناک مندوحة ، کما فی العبادات المکروهة التی لا بدل لها ، فلا یبقی له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فیها علی جوازه أصلاً ، کما لا یخفی.

وأما تفصیلا : فقد أُجیب عنه بوجوه (1) ، یوجب ذکرها بما فیها من النقض والأبرام طول الکلام بما لا یسعه المقام ، فالأولی الاقتصار علی ما هو التحقیق فی حسم مادة الإِشکال ، فیقال وعلی الله الاتکال : إن العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تعلق به النهی بعنوإنّه وذاته ، ولا بدل له ، کصوم یوم عاشوراء (2) ، والنوافل المبتدأئة فی بعضٍ الأوقات (3)

ثانیها : ما تعلق به النهی کذلک ، ویکون له البدل ، کالنهی عن الصلاة فی الحمام (4)

ثالثها : ما تعلق النهی به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجوداً ،

ص: 162


1- راجع مطارح الأنظار / 130 وما بعده.
2- الکافی 4 / 146 ، باب صوم عرفة وعاشوراء ، الأحادیث 3 إلی 7 - وللمزید راجع وسائل الشیعة ، 7 / 339 الباب 21 من أبواب الصوم المندوب.
3- الکافی 3 / 288 باب التطوع فی وقت الفریضة والساعات التی لا یصلّی فیها - الاستبصار 1 / 277 باب وقت نوافل النهار - وللمزید راجع وسائل الشیعة 3 / 170 ، الباب 38 من أبواب المواقیت.
4- الکافی 3 / 390 الحدیث 12 من باب الصلاة فی الکعبة ... الخ.

أو ملازم له خارجاً ، کالصلاة فی مواضع التهمة (1) ، بناءً علی کون النهی عنها لأجل اتحادها مع الکون فی مواضعها.

أما القسم الأوّل : فالنهی تنزیهًا عنه بعد الاجتماع علی إنّه یقع صحیحاً ، ومع ذلک یکون ترکه أرجح ، کما یظهر من مداومة الأئمة علیهم السلام علی الترک ، امّا لأجل انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک ، فیکون الترک کالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض ، وأنّ کان مصلحة الترک أکثر ، فهما حینئذ یکونان من قبیل المستحبین المتزاحمین ، فیحکم بالتخییر بینهما لو لم یکن أهم فی البین ، وإلاّ فیتعین الأهم وأنّ کان الآخر یقع صحیحاً ، حیث إنّه کان راجحاً وموافقا للغرض ، کما هو الحال فی سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات ، وارجحیة الترک من الفعل لا توجب (2) حزازة ومنقصة فیه أصلاً ، کما یوجبها ما إذا کان فیه مفسدة غالبة علی مصلحته ، ولذا لا یقع صحیحاً علی الامتناع ، فإن الحزازة والمنقصة فیه مانعة عن صلاحیة التقرب به ، بخلاف المقام ، فإنّه علی ما هو علیه من الرجحان وموافقة الغرض ،

ص: 163


1- التهذیب 2 / 219 الحدیث 71 من باب 11 ما یجوز الصلاة فیه من اللباس والمکان ... الخ. وللمزید راجع وسائل الشیعة 3 / 466 الباب 34 من أبواب مکان المصلی
2- ربما یقال : إن أرجحیة الترک ، وأنّ لم توجب منقصة وحزازة فی الفعل أصلاً ، إلّا إنّه توجب المنع منه فعلاً ، والبعث إلی الترک قطعاً ، کما لا یخفی ، ولذا کان ضد الواجب - بناءً علی کونه مقدّمة له - حراماً ، ویفسد لو کان عبادة ، مع إنّه لا حزازة فی فعله ، وإنما کان النهی عنه وطلب ترکه لما فیه من المقدمیة له ، وهو علی ما هو علیه من المصلحة ، فالمنع عنه لذلک کافٍ فی فساده لو کان عبادة. قلت : یمکن أن یقال : إن لنهی التحریمی لذلک وأنّ کان کافیاً فی ذلک بلا إشکال ، إلّا أن التنزیهی غیر کافٍ ، إلّا إذا کان عن حزازة فیه ، وذلک لبداهة عدم قابلیة الفعل للتقرب به منه تعالی مع المنع عنه وعدم ترخیصه فی ارتکابه ، بخلاف التنزیهی عنه إذا کان لا لحزازة فیه ، بل لما فی الترک من المصلحة الراجحة ، حیث إنّه معه مرخوص فیه ، وهو علی ما هو علیه من الرجحان والمحبوبیة له تعالی ، ولذلک لم تفسد العبادة إذا کانت ضد المستحبة أهم اتفاقاً ، فتأمل ( منه قدس سره ).

کما إذا لم یکن ترکه راجحاً بلا حدوث حزازة فیه أصلاً.

وإما لأجل ملازمة الترک لعنوان کذلک ، من دون انطباقه علیه ، فیکون کما إذا انطبق علیه من غیر تفاوت ، إلّا فی أن الطلب المتعلق به حینئذ لیس بحقیقی ، بل بالعرض والمجاز ، فإنما یکون فی الحقیقة متعلقاً بما یلازمه من العنوان ، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقیقة ، کما فی سائر المکروهات من غیر فرق ، إلّا أن منشأه فیها حزازة ومنقصة فی نفس الفعل ، وفیه رجحان فی الترک ، من دون حزازة فی الفعل أصلاً ، غایة الأمر کون الترک أرجح.

نعم یمکن أن یحمل النهی - فی کلاّ القسمین - علی الإِرشاد إلی الترک الذی هو أرجح من الفعل ، أو ملازم لما هو الارجح وأکثر ثواباً لذلک ، وعلیه یکون النهی علی نحو الحقیقة ، لا بالعرض والمجاز ، فلا تغفل.

وأما القسم الثّانی : فالنهی فیه یمکن أن یکون لأجل ما ذکر فی القسم الأوّل ، طابق النعل بالنعل ، کما یمکن أن یکون بسبب حصول منقصة فی الطبیعة المأمور بها ، لأجل تشخصها فی هذا القسم بمشخص غیر ملائم لها ، کما فی الصلاة فی الحمام ، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فیه ، لا یناسب کونها معراجاً ، وأنّ لم یکن نفس الکون فی الحمام بمکروه ولا حزازة فیه أصلاً ، بل کان راجحاً ، کما لا یخفی.

وربما یحصل لها لأجل تخصصها بخصوصیة شدیدة الملاءمة معها مزیة فیها کما فی الصلاة فی المسجد والامکنة الشریفة ، وذلک لأن الطبیعة المأمور بها فی حد نفسها ، إذا کانت مع تشخص لا یکون له شدة الملاءمة ، ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزیة ، کالصلاة فی الدار مثلاً ، وتزداد تلک المزیة فیما کان تشخصها بماله شدة الملاءمة ، وتنقص فیما إذا لم تکن له ملاءمة ، ولذلک ینقص ثوابها تارةً ویزید أُخری ، ویکون النهی فیه لحدوث نقصان فی مزیتها فیه إرشاداً إلی ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد ، ویکون أکثر ثواباً منه ، ولیکن

ص: 164

هذا مراد من قال : إن الکراهة فی العبادة بمعنی إنّها تکون أقل ثواباً ، ولا یرد علیه بلزوم اتصاف العبادة التی تکون أقل ثواباً من الأخری بالکراهة ، ولزوم اتصاف ما لا مزّیة فیه ولا منقصة بالاستحباب ، لإنّه أکثر ثواباً مما فیه المنقصة ، لما عرفت من أن المراد من کونه أقل ثواباً ، إنّما هو بقیاسه إلی نفس الطبیعة المتشخصة بما لا یحدث معه مزیة لها ، ولا منقصة من المشخصات ، وکذا کونه أکثر ثوابا.

ولا یخفی أن النهی فی هذا القسم لا یصحّ إلا للإِرشاد ، بخلاف القسم الأوّل ، فإنّه یکون فیه مولویاً ، وأنّ کان حمله علی الإِرشاد بمکان من الأمکان.

وأما القسم الثالث : فیمکن أن یکون النهی فیه عن العبادة المتحدة مع ذاک العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز ، وکان المنهی عنه به حقیقة ذاک العنوان ، ویمکن أن یکون علی الحقیقة إرشاداً إلی غیرها من سائر الأفراد ، مما لا یکون متحداً معه أو ملازماً له ، إذ المفروض التمکن من استیفاء مزیة العبادة ، بلا ابتلاء بحزازة ذاک العنوان أصلاً ، هذا علی القول بجواز الاجتماع.

وأما علی الامتناع ، فکذلک فی صورة الملازمة ، وأما فی صورة الاتحاد وترجیح جانب الأمر - کما هو المفروض ، حیث إنّه صحة العبادة - فیکون حال النهی فیه حاله فی القسم الثّانی ، فیحمل علی ما حمل علیه فیه ، طابق النعل بالنعل ، حیث إنّه بالدقة یرجع إلیه ، إذا علی الامتناع ، لیس الاتحاد مع العنوان الآخر إلّا من مخصصاته ومشخصاته التی تختلف الطبیعة المأمور بها فی المزیة زیادة ونقیصة بحسب اختلافها فی الملاءمة کما عرفت.

وقد انقدح بما ذکرناه ، إنّه لا مجال أصلاً لتفسیر الکراهة فی العبادة بأقلیة الثواب فی القسم الأوّل مطلقاً ، وفی هذا القسم علی القول بالجواز ، کما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فیها ، وأنّ الأمر الاستحبابی یکون علی نحو

ص: 165

الإِرشاد إلی أفضل الأفراد مطلقاً علی نحو الحقیقة ، ومولویاً اقتضائیاً کذلک ، وفعلیاً بالعرض والمجاز فیما کان ملاکه ملازمتها لما هو مستحب ، أو متحداً(1)معه علی القول بالجواز.

ولا یخفی إنّه لا یکاد یأتی القسم الأوّل هاهنا ، فإن انطباق عنوان راجح علی الفعل الواجب الذی لا بدل له إنّما یؤکد إیجابه ، لا إنّه یوجب استحبابه أصلاً ، ولو بالعرض والمجاز ، إلّا علی القول بالجواز ، وکذا فیما إذا لازم مثل هذا العنوان ، فإنّه لو لم یؤکد الإِیجاب لما یصحح الاستحباب إلّا اقتضائیاً بالعرض والمجاز ، فتفطن.

ومنها : إن أهل العرف یعدون من اتی بالمأمور به فی ضمن الفرد المحرم ، مطیعاً وعاصیاً من وجهین (2)، فإذا أمر المولی عبده بخیاطة ثوب ونهاه عن الکون فی مکان خاص ، کما مثل به الحاجبی (3) والعضدی(4) ، فلو خاطه فی ذاک المکان ، عد مطیعاً الأمر الخیاطة وعاصیاً للنهی عن الکون فی ذلک المکان.

وفیه - مضافاً إلی المناقشة فی المثال ، بإنّه لیس من باب الاجتماع ، ضرورة أن الکون المنهی عنه غیر متحد مع الخیاطة وجوداً أصلاً ، کما لا یخفی -

ص: 166


1- فی « ب » : متحدة.
2- دلیل آخر للمجوزین ، قوانین الأصول 1 / 148.
3- انظر شرح العضدی علی مختصر المنتهی لابن الحاجب / 92 ، 93. مسألة استحالة کون الشیء واجباً حراماً من جهة واحدة. ابن الحاجب ابو عمرو عثمان بن عمر بن ابی بکر المالکی ، تولد سنة 570 ه باسناد کان ابوه جندیاً ، اشتغل ابنه فی صغره بالقاهرة ، وحفظ القرآن المجید ، واخذ بعضٍ القراءات عن الشاطبی وسمع من البوصیری وجماعة ، لزم الإِشتغال حتی برع فی الأصول والعربیة ، ثم قدم دمشق ودرس بجامعها ، کان الاغلب علیه النحو ، وصنف فی عدة علوم ، له کتاب « الکافیة » فی النحو و « الشافیة » فی الصرف و « مختصر الأصول » ثم انتقل إلی الاسکندریة ، مات بها سنة 646 ه. ) الکنی والالقاب 1 / 244 ).
4- انظر شرح العضدی علی مختصر المنتهی لابن الحاجب / 92 ، 93. مسألة استحالة کون الشیء واجباً حراماً من جهة واحدة. ابن الحاجب ابو عمرو عثمان بن عمر بن ابی بکر المالکی ، تولد سنة 570 ه باسناد کان ابوه جندیاً ، اشتغل ابنه فی صغره بالقاهرة ، وحفظ القرآن المجید ، واخذ بعضٍ القراءات عن الشاطبی وسمع من البوصیری وجماعة ، لزم الإِشتغال حتی برع فی الأصول والعربیة ، ثم قدم دمشق ودرس بجامعها ، کان الاغلب علیه النحو ، وصنف فی عدة علوم ، له کتاب « الکافیة » فی النحو و « الشافیة » فی الصرف و « مختصر الأصول » ثم انتقل إلی الاسکندریة ، مات بها سنة 646 ه. ) الکنی والالقاب 1 / 244 ).

المنع إلّا عن صدق أحدهما ، امّا الإطاعة بمعنی الامتثال فیما غلب جانب الأمر ، أو العصیان فیما غلب جانب النهی ، لما عرفت من البرهان علی الامتناع.

نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنی حصول الغرض والعصیان فی التوصلیات ، وأما فی العبادات فلا یکاد یحصل الغرض منها ، إلّا فیما صدر من المکلف فعلاً غیر محرم وغیر مبغوض علیه ، کما تقدم (1).

بقی الکلام فی حال التفصیل من بعضٍ الأعلام (2)، والقول بالجواز عقلاً والامتناع عرفاً.

وفیه : إنّه لا سبیل للعرف فی الحکم بالجواز أو الامتناع ، إلّا طریق العقل ، فلا معنی لهذا التفصیل إلّا ما أشرنا إلیه من النظر المسامحی الغیر المبتنی علی التدقیق والتحقیق ، وأنت خبیر بعدم العبرة به ، بعد الاطلاع علی خلافه بالنظر الدقیق ، وقد عرفت فیما تقدم (3) أن النزاع لیس فی خصوص مدلول صیغة الأمر والنهی ، بل فی الأعم ، فلا مجال لأن یتوهم أن العرف هو المحکم فی تعیین المدالیل ، ولعله کان بین مدلولیهما حسب تعیینه (4) تناف ، لا یجتمعان فی واحد ولو بعنوانین ، وأنّ کان العقل یری جواز اجتماع الوجوب والحرمة فی واحد بوجهین ، فتدبر.

وینبغی التنبیه علی أمور :

الأول : إن الاضطرار إلی ارتکاب الحرام ، وأنّ کان یوجب ارتفاع حرمته ، والعقوبة علیه مع بقاء ملاک وجوبه - لو کان - مؤثراً له ، کما إذا لم یکن

ص: 167


1- فی الأمر العاشر / 156.
2- المحقق الأردبیلی فی شرح الإِرشاد 2 : 110 ، وقد ینسب ذلک إلی صاحب الریاض ( قده ) أیضاً وکأنه مسموع منه شفاهاً ، علی حد تعبیر صاحب مطارح الأنظار / 129.
3- فی الأمر الرابع / 152.
4- فی « ب » تعینه.

بحرام بلا کلام ، إلّا إنّه إذا لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، بأن یختار ما یؤدی إلیه لا محالة ، فإن الخطاب بالزجر عنه حینئذ ، وأنّ کان ساقطاً ، إلّا إنّه حیث یصدر عنه مبغوضاً علیه وعصیاناً لذاک الخطاب ومستحقاً علیه العقاب ، لا یصلح لأن یتعلق بها الإِیجاب ، وهذا فی الجملة مما لا شبهة فیه ولا ارتیاب.

وإنما الإِشکال فیما إذا کان ما اضطر إلیه بسوء اختیاره ، مما ینحصر به التخلص عن محذور الحرام ، کالخروج عن الدار المغصوبة فیما إذا توسطها بالاختیار فی کونه منهیاً عنه ، أو مأموراً به ، مع جریان حکم المعصیة علیه ، أو بدونه ، فیه أقوال ، هذا علی الامتناع.

وأما علی القول بالجواز ، فعن أبی هاشم (1) إنّه مأمور به ومنهی عنه ، واختاره الفاضل القمی (2) ، ناسبا له إلی أکثر المتأخرین وظاهر الفقهاء.

والحق إنّه منهی عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الاضطرار إلیه ، وعصیان له بسوء الاختیار ، ولا یکاد یکون مأموراً به ، کما إذا لم یکن هناک توقف (3) علیه ، أو بلا انحصار به ، وذلک ضرورة إنّه حیث کان قادراً علی ترک

ص: 168


1- راجع شرح مختصر الأصول / 94. هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبّائی ، ولد عام 247 ه من أبناء ابان مولی عثمان ، عالم بالکلام ، من کبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سمیّت « البهشمیة » نسبة إلی کنیته أبی هاشم وله مصنفات منها : « الشامل » فی الفقه و « تذکرة العالم » و « العدة » فی الأصول مات سنة 321 ه. « الأعلام للزرکلی 4 / 7 ».
2- قوانین الأصول 1 / 153 ، فی التنبیه الثّانی ، من قانون دلالة النهی علی الفساد.
3- لا یخفی إنّه لا توقف ها هنا حقیقة ، بداهة أن الخروج إنّما هو مقدّمة للکون فی خارج الدار ، لا مقدّمة لترک الکون فیها الواجب ، لکونه ترک الحرام ، نعم بینهما ملازمة لأجل التضاد بین الکونین ، ووضوح الملازمة بین وجود الشیء وعدم ضدّه ، فیجب الکون فی خارج الدار عرضاً ، لوجوب ملازمه حقیقة ، فیجب مقدمته کذلک ، وهذا هو الوجه فی المماشاة والجری علی أن مثل الخروج یکون مقدّمة لما هو الواجب من ترک الحرام ، فافهم. ( منه قدس سره ).

الحرام رأساً ، لا یکون عقلاً معذوراً فی مخالفته فیما اضطر إلی ارتکابه بسوء اختیاره ، ویکون معاقبا علیه ، کما إذا کان ذلک بلا توقف علیه ، أو مع عدم الانحصار به ، ولا یکاد یجدی توقف انحصار التخلص عن الحرام به ، لکونه بسوء الاختیار.

إن قلت : کیف لا یجدیه ، ومقدمة الواجب واجبة؟

قلت : إنّما تجب المقدمة لو لم تکن محرمة ، ولذا لا یترشح الوجوب من الواجب إلّا علی ما هو المباح من المقدّمات دون المحرمة مع اشتراکهما فی المقدمیة.

وإطلاق الوجوب بحیث ربما یترشح منه الوجوب علیها مع انحصار المقدمة بها ، إنّما هو فیما إذا کان الواجب أهم من ترک المقدمة المحرمة ، والمفروض هاهنا وأنّ کان ذلک إلّا إنّه کان بسوء الاختیار ، ومعه لا یتغیر عما هو علهی من الحرمة والمبغوضیة ، وإلاّ لکانت الحرمة معلقة علی إرادة المکلف واختیاره لغیره ، وعدم حرمته مع اختیاره له ، وهو کما تری ، مع إنّه خلاف الفرض ، وأنّ الاضطرار یکون بسوء الاختیار.

إن قلت (1): إن التصرف فی أرض الغیر بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام ، بلا إشکال ولا کلام ، وأما التصرف بالخروج الذی یترتب علیه رفع الظلم ، ویتوقف علیه التخلص عن التصرف الحرام ، فهو لیس بحرام فی حال من الحالات ، بل حاله حال مثل شرب الخمر ، المتوقف علیه النجاة من الهلاک فی الاتصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات.

ص: 169


1- إشارة إلی مختار الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 155 ، الهدایة 6 من القول فی جواز اجتماع الأمر والنهی.

ومنه ظهر المنع عن کون جمیع انحاء التصرف فی أرض الغیر مثلاً حراماً قبل الدخول ، وإنّه یتمکن من ترک الجمیع حتی الخروج ، وذلک لإنّه لو لم یدخل لما کان متمکناً من الخروج وترکه ، وترک الخروج بترک الدخول رأساً لیس فی الحقیقة إلّا ترک الدخول ، فمن لم یشرب الخمر ، لعدم وقوعه فی المهلکة التی یعالجها به مثلاً ، لم یصدق علیه إلّا إنّه لم یقع فی المهلکة ، لا إنّه ما شرب الخمر فیها ، إلّا علی نحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، کما لا یخفی.

وبالجملة لا یکون الخروج - بملاحظة کونه مصداقاً للتخلص عن الحرام أو سبباً له - إلّا مطلوباً ، ویستحیل أن یتصف بغیر المحبوبیة ، ویحکم علیه بغیر المطلوبیة.

قلت : هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریب الاستدلال علی کون ما انحصر به التخلص مأموراً به ، وهو موافق لما أفاده شیخنا العلامة أعلی الله مقامه ، علی ما فی تقریرات بعضٍ الاجلة (1) ، لکنه لا یخفی أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترک الواجب ، إنّما یکون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً بالفعل ، وأنّ کان قبیحاً ذاتاً إذا لم یتمکن المکلف من التخلص بدونه ، ولم یقع بسوء اختیاره ، امّا فی الاقتحام فی ترک الواجب أو فعل الحرام ، وإما فی الاقدام علی ما هو قبیح وحرام ، لولا [ أن ] (2) به التخلص بلا کلام کما هو المفروض فی المقام ، ضرورة تمکنه منه قبل اقتحامه فیه بسوء اختیاره.

وبالجملة کان قبل ذلک متمکناً من التصرف خروجاً ، کما یتمکن منه دخولاً ، غایة الأمر یتمکن منه بلا واسطة ، ومنه بالواسطة ، ومجرد عدم التمکن منه إلّا بواسطة لا یخرجه عن کونه مقدوراً ، کما هو الحال فی البقاء ، فکما یکون ترکه مطلوباً فی جمیع الأوقات ، فکذلک الخروج ، مع إنّه مثله فی

ص: 170


1- مطارح الأنظار / 155. الهدایة 6 ، من القول فی جواز اجتماع الأمر والنهی.
2- اثبتناها من بعضٍ النسخ المطبوعة.

الفرعیة علی الدخول ، فکما لا تکون الفرعیة مانعة عن مطلوبیّته قبله وبعده ، کذلک لم تکن مانعة عن مطلوبیّته ؛ وأنّ کان العقل یحکم بلزومه إرشاداً إلی اختیار أقل المحذورین وأخف القبیحین.

ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاُ وتخلصاً عن المهلکة ، وإنّه إنّما یکون مطلوباً علی کلّ حال لو لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، وإلاّ فهو علی ما هو علیه من الحرمة ، وأنّ کان العقل یلزمه إرشاداً إلی ما هو أهم وأولی بالرعایة من ترکه ، لکون الغرض فیه أعظم ، [ ف-َ ] (1) من ترک الاقتحام فیما یؤدی إلی هلاک النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا یقع فی أشد المحذورین منهما ، فیصدق إنّه ترکهما ، ولو بترکه ما لو فعله لادی لا محالة إلی أحدهما ، کسائر الأفعال التولیدیة ، حیث یکون العمد إلیها بالعمد إلی اسبابها ، واختیار ترکها بعدم العمد إلی الأسباب. وهذا یکفی فی استحقاق العقاب علی الشرب للعلاج ، وأنّ کان لازماً عقلاً للفرار عما هو أکثر عقوبة.

ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، فهو غیر ضائر بعد تمکنه من الترک ، ولو علی نحو هذه السالبة ، ومن الفعل بواسطة تمکنه مما هو من قبیل الموضوع فی هذه السالبة ، فیوقع نفسه بالاختیار فی المهلکة ، أو یدخل الدار فیعالج بشرب الخمر ویتخلص بالخروج ، أو یختار ترک الدخول والوقوع فیهما (2) ، لئلا یحتاج إلی التخلص والعلاج.

إن قلت : کیف یقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعاً ومعاقباً علیه عقلاً ، مع بقاء ما یتوقف علیه علی وجوبه ، و [ وضوح ] (3) سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ، ولو کان بسوء الاختیار ، والعقل قد استقل بان

ص: 171


1- أثبتناه من بعضٍ النسخ المطبوعة.
2- فی « ب » : فیها.
3- أثبتناها من هامش « ب » المصححة.

الممنوع شرعاً کالممتنع عادةً أو عقلاً.

قلت : أولاً : إنّما کان الممنوع کالممتنع ، إذا لم یحکم العقل بلزومه إرشاداً إلی ما هو أقل المحذورین ، وقد عرفت لزومه بحکمه ، فإنّه مع لزوم الإِتیان بالمقدمة عقلاً ، لا بأس فی بقاء ذی المقدمة علی وجوبه ، فإنّه حینئذ لیس من التکلیف بالممتنع ، کما إذا کانت المقدمة ممتنعة.

وثانیاً : لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإِیجاب لا لزوم إتیإنّه عقلاً ، خروجاً عن عهدة ما تنجز علیه سابقاً ، ضرورة إنّه لو لم یأت به لوقع فی المحذور الاشد ونقض الغرض الأهم ، حیث إنّه الآن کما کان علیه من الملاک والمحبوبیة ، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فیه أصلاً ، وإنما کان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلک إرشاداً کافٍ ، لا حاجة معه إلی بقاء الخطاب بالبعث إلیه والإِیجاب له فعلاً ، فتدبرّ جیداً.

وقد ظهر مما حققناه فساد القول بکونه مأموراً به ، مع إجراء حکم المعصیة علیه نظراً إلی النهی السابق ، مع ما فیه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ، ولا یرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم والإِیجاب ، قبل الدخول وبعده ، کما فی الفصول ((1) مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما ، وإنما المفید اختلاف زمإنّه ولو مع اتحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن یخفی ، کیف؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول ، عصیاناً للنهی السابق ، وإطاعة للأمر اللاحق فعلاً ، ومبغوضاً ومحبوباً کذلک بعنوان واحد ، وهذا مما لا یرضی به القائل بالجواز ، فضلاً عن القائل بالامتناع.

کما لا یجدی فی رفع هذه الغائلة ، کون النهی مطلقاً وعلی کلّ حال ، وکون الأمر مشروطاً بالدخول ، ضرورة منافاة حرمة شیء کذلک ، مع وجوبه

ص: 172


1- الفصول / 138 ، الفصل الرابع من فصول النهی.

فی بعضٍ الأحوال.

وأما القول (1) بکونه مأموراً به ومنهیا عنه ، ففیه - مضافاً إلی ما عرفت من امتناع الاجتماع فیما إذا کان بعنوانین ، فضلاً عما إذا کان بعنوان واحد کما فی المقام ، حیث کان الخروج بعنوإنّه سبباً للتخلص ، وکان بغیر إذن المالک ، ولیس التخلص إلّا منتزعا عن ترک الحرام المسبب (2) عن الخروج ، لا عنواناً له - أن الاجتماع ها هنا لو سلّم إنّه لا یکون بمحال ، لتعدد العنوان ، وکونه مجدیاً فی رفع غائلة التضاد ، کان محالاً لأجل کونه طلب المحال ، حیث لا مندوحة هنا ، وذلک لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقیقة بما هو واجب أو ممتنع ، ولو کان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختیار ، وما قیل أنَّ الامتناع أو الإِیجاب بالاختیار لا ینافی الاختیار ، إنّما هو فی قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غیر اختیاریة ، بقضیة أنَّ الشیء ما لم یجب لم یوجد.

فانقدح بذلک فساد الاستدلال لهذا القول ، بأن الأمر بالتخلص والنهی عن الغصب دلیلان یجب إعمالهما ، ولا موجب للتقیید عقلاً ، لعدم استحالة کون الخروج واجباً وحراماً باعتبارین مختلفین ، إذ منشأ الاستحالة : امّا لزوم اجتماع الضدین وهو غیر لازم ، مع تعدَّد الجهة ، وإما لزوم التکلیف بما لا یطاق وهو لیس بمحال إذا کان مسبباً عن سوء الاختیار ، وذلک لما عرفت من

ص: 173


1- راجع قوانین الأصول 1 / 140 ، قانون اجتماع الأمر والنهی.
2- قد عرفت - مما علقت علی الهامش - أن ترک الحرام غیر مسبب عن الخروج حقیقة ، وإنما المسبب عنه إنّما هو الملازم له ، وهو الکون فی خارج الدار ، نعم یکون مسبباً عنه مسامحة وعرضاً ، وقد انقدح بذلک إنّه لا دلیل فی البین إلّا علی حرمة الغصب المقتضی لاستقلال العقل بلزوم الخروج ، من باب إنّه أقل المحذورین وإنّه لا دلیل علی وجوبه بعنوان آخر ، فحینئذ یجب إعماله أیضاً ، بناءً علی القول بجواز الاجتماع کاحتمال [ کإعمال ] النهی عن الغصب ، لیکون الخروج مأموراً به ومنهیا عنه ، فافهم ( منه قدس سره ).

ثبوت الموجب للتقیید عقلاً ولو کانا بعنوانین ، وأن اجتماع الضدین لازم ولو مع تعدَّد الجهة ، مع عدم تعددها هاهنا ، والتکلیف بما لا یطاق محال علی کلّ حال ، نعم لو کان بسوء الاختیار لا یسقط العقاب بسقوط التکلیف بالتحریم أو الإِیجاب.

ثم لا یخفی إنّه لا إشکال فی صحة الصلاة مطلقاً فی الدار المغصوبة علی القول بالاجتماع ، وأما علی القول بالامتناع ، فکذلک ، مع الاضطرار إلی الغصب ، لا بسوء الاختیار أو معه ولکنها وقعت فی حال الخروج ، علی القول بکونه مأموراً به بدون إجراء حکم المعصیة (1) علیه ، أو مع غلبة ملاک الأمر علی النهی مع ضیق الوقت ، امّا مع السعة فالصحة وعدمها مبنیان علی عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضد واقتضائه ، فإن الصلاة فی الدار المغصوبة ، وأنّ کانت مصلحتها غالبة علی ما فیها من المفسدة ، إلّا إنّه لا شبهة فی أن الصلاة فی غیرها تضادّها ، بناءً علی إنّه لا یبقی مجال مع إحداهما للاخری ، مع کونها أهمّ منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لکنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزید علیه ، فالصلاة فی الغصب اختیاراً فی سعة الوقت صحیحة ، وأنّ لم تکن مأموراً بها.

الأمر الثّانی : قد مرّ(2)- فی بعضٍ المقدّمات - إنّه لا تعارض بین مثل خطاب ( صلّ ) وخطاب ( لا تغصب ) علی الامتناع ، تعارض الدلیلین بما هما دلیلان حاکیان ، کی یقدم الأقوی منهما دلالة أو سنداً ، بل إنّما هو من باب

ص: 174


1- اختاره الشیخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 153 ، وابن الحاجب ، راجع شرح مختصر الأصول 94.
2- فی الأمر التاسع من المقصد الثّانی فی النواهی / 155.

تزاحم المؤثرین والمقتضیین ، فیقدّم الغالب منهما ، وأنّ کان الدلیل علی مقتضی الآخر أقوی من دلیل مقتضاه ، هذا فیما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلاّ کان بین الخطابین تعارض ، فیقدّم الأقوی منهما دلالة أو سنداً ، وبطریق الإنّ یحرز به أن مدلوله أقوی مقتضیاً ، هذا لو کان کلّ من الخطابین متکفلاً لحکم فعلّی ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بالمتکفل لذلک منهما لو کان ، وإلاّ فلا محیص عن الانتهاء إلی ما تقتضیه الأصول العملیة.

ثم لا یخفی (1) أن ترجیح أحد الدلیلین وتخصیص الآخر به فی المسألة لا یوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً ، کما هو قضیة التقیید والتخصیص فی غیرها مما لا یحرز فیه المقتضی لکلا الحکمین ، بل قضیته لیس إلّا خروجه فیما کان الحکم الذی هو مفاد الآخر فعلّیاً ، وذلک لثبوت المقتضی فی کلّ واحد من الحکمین فیها ، فإذا لم یکن المقتضی لحرمة الغصب مؤثراً لها ، لاضطرار أو جهل أو نسیان ، کان المقتضی لصحة الصلاة مؤثراً لها فعلاً ، کما إذا لم یکن دلیل الحرمة أقوی ، أو لم یکن واحد من الدلیلین د إلّا علی الفعلیة أصلاً.

فانقدح بذلک فساد الإِشکال فی صحة الصلاة فی صورة الجهل أو النسیان ونحوهما ، فیما إذا قدم خطاب ( لا تغصب ) کما هو الحال فیما إذا کان الخطابان من أول الأمر متعارضین ، ولم یکونا من باب الاجتماع أصلاً ؛ وذلک لثبوت المقتضی فی هذا الباب کما إذا لم یقع بینهما تعارض ، ولم یکونا متکلفین للحکم الفعلّی ، فیکون وزان التخصیص فی مورد الاجتماع وزان التخصیص العقلی الناشیء من جهة تقدیم أحد المقتضیین وتأثیره فعلاً المختص بما إذا لم یمنع عن

ص: 175


1- هذا ردّ علی الشیخ ( قدس سره ) ، مطارح الأنظار / 152.

تأثیره مانع ، المقتضی لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فیما کان هناک مانع عن تأثیر المقتضی للنهی له ، أو عن فعلیته ، کما مرّ تفصیله.

وکیف کان ، فلا بدّ فی ترجیح أحد الحکمین من مرجح ، وقد ذکروا لترجیح النهی وجوها :

منها : إنّه أقوی دلالة ، لاستلزامه انتفاء جمیع الأفراد ، بخلاف الأمر.

وقد أُورد علیه بأن ذلک فیه من جهة إطلاق متعلقه بقرینة الحکمة ، کدلالة الأمر علی الاجتزاء بأی فرد کان.

وقد أورد علیه بإنّه لو کان العموم المستفاد من النهی بالإِطلاق بمقدمات الحکمة ، وغیر مستند إلی دلالته علیه بالالتزام ، لکان استعمال مثل ( لا تغصب ) فی بعضٍ أفراد الغصب حقیقة ، وهذا واضح الفساد ، فتکون دلالته علی العموم من جهة أن وقوع الطبیعة فی حیز النفی أو النهی ، یقتضی عقلاً سریان الحکم إلی جمیع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلّا بالانتهاء عن الجمیع أو انتفائه.

قلت : دلالتها علی العموم والاستیعاب ظاهراً مما لا ینکر ، لکنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما کذلک ، إنّما هو بحسب ما یراد من متعلقهما ، فیختلف سعة وضیقاً ، فلا یکاد یدلّ علی استیعاب جمیع الأفراد ، إلّا إذا أُرید منه الطبیعة مطلقة وبلا قید ، ولا یکاد یستظهر ذلک مع عدم دلالته (1) علیه بالخصوص ، إلّا بالإِطلاق وقرینة الحکمة ، بحیث لو لم یکن هناک قرینتها بأن یکون الإِطلاق فی غیر مقام البیان ، لم یکد یستفاد استیعاب أفراد الطبیعة ، وذلک لا ینافی دلالتهما علی استیعاب أفراد ما یراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة علی إنّه المقید أو المطلق.

ص: 176


1- الظاهر أن أصل العبارة : عدم دلالة ، ( حقائق الأصول 1 / 412 ).

اللهم إلّا أن یقال : إن فی دلالتهما علی الاستیعاب کفایة ودلالة علی أن المراد من المتعلق هو المطلق ، کما ربما یَّدعی ذلک فی مثل ( کلّ رجل ) ، وأنّ مثل لفظة ( کلّ ) تدلّ علی استیعاب جمیع أفراد الرجل من غیر حاجة إلی ملاحظة إطلاق مدخوله وقرینة الحکمة ، بل یکفی إرادة ما هو معناه من الطبیعة المهملة ولا بشرط فی دلالته علی الاستیعاب وأنّ کان لا یلزم مجاز أصلاً ، لو أُرید منه خاص بالقرینة ، لا فیه لدلالته علی استیعاب أفراد ما یراد من المدخول ، ولا فیه إذا کان بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فیما وضع له ، والخصوصیة مستفادة من دالً آخر ، فتدبر.

ومنها : إنَّ دفع المفسدة أولی من جلب المنفعة.

وقد أورد علیه فی القوانین (1) ، بإنّه مطلقاً ممنوع ، لأن فی ترک الواجب أیضاً مفسدة إذا تعیّن.

ولا یخفی ما فیه ، فإن الواجب ولو کان معیناً ، لیس إلّا لأجل أنَّ فی فعله مصلحة یلزم استیفاؤها من دون أن یکون فی ترکه مفسدة ، کما أنَّ الحرام لیس إلّا لأجل المفسدة فی فعله بلا مصلحة فی ترکه.

ولکن یرد علیه أنَّ الأولویة مطلقاً ممنوعة ، بل ربما یکون العکس أولی ، کما یشهد به مقایسة فعل بعضٍ المحرمات مع ترک بعضٍ الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما یتلو تلوها.

ولو سلّم فهو أجنبی عن المقام (2)، فإنّه فیما إذا دار بین الواجب والحرام.

ص: 177


1- قوانین الأصول 1 / 153 ، فی قانون اجتماع الأمر والنهی.
2- فإن الترجیح به إنّما یناسب ترجیح المکلف واختیاره للفعل أو الترک ، بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحکام ، فإن المرجح هناک لیس إلّا حسنها أو قبحها العقلیان ، لا موافقة الاغراض ومخالفتها ، کما لا یخفی ، تأمل تعرف ( منه قدس سره ).

ولو سلّم فإنما یجدی فیما لو حصل به القطع.

ولو سلّم إنّه یجدی ولو لم یحصل ، فإنما یجری فیما لا یکون هناک مجال لأصالة البراءة أو الإِشتغال ، کما فی دوران الأمر بین الوجوب والحرمة التعیینیین ، لا فیما تجری ، کما فی محلّ الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته فیحکم بصحته ، ولو قیل بقاعدة الإِشتغال فی الشک فی الإِجزاء والشرائط فإنّه لا مانع عقلاً إلّا فعلیة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً.

نعم لو قیل (1) بأن المفسدة الواقعیة الغالبة مؤثرة فی المبغوضیة ولو لم یکن الغلبة بمحرزة ، فأصالة البراءة غیر جاریة ، بل کانت أصالة الإِشتغال بالواجب لو کان عبادة محکمة ، ولو قیل بأصالة البراءة فی الإِجزاء والشرائط ، لعدم تأتی قصد القربة مع الشک فی المبغوضیة ، فتأمل.

ومنها : الاستقراء ، فإنّه یقتضی ترجیح جانب الحرمة علی جانب الوجوب ، کحرمة الصلاة فی أیام الاستظهار ، وعدم جواز الوضوء من الإِناءین المشتبهین.

ص: 178


1- التهذیب 1 / الباب 11 ، باب تطهیر المیاه من النجاسات ، الحدیث 43 - 44 ..

وفیه : إنّه لا دلیل علی اعتبارٍ الاستقراء ، ما لم یفد القطع.

ولو سلّم فهو لا یکاد یثبت بهذا المقدار.

ولو سلّم فلیس حرمة الصلاة فی تلک الأیام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فیها إنّما تکون لقاعدة الإِمکان والاستصحاب المثبتین لکون الدم حیضاً ، فیحکم بجمیع أحکامه ، ومنها حرمة الصلاة علیها لا لأجل تغلیب جانب الحرمة کما هو الُمدَّعی ، هذا لو قیل بحرمتها الذاتیة فی أیام الحیض ، وإلاّ فهو خارج عن محلّ الکلام.

ومن هنا انقدح إنّه لیس منه ترک الوضوء من الإِناءین ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس لیس إلّا تشریعیا ، ولا تشریع فیما لو توضّأ منهما احتیاطاً ، فلا حرمة فی البین غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو کذلک ، بل إراقتهما کما فی النص (1)، لیس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحکم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الاناء الثانیة ، امّا بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولی ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانیة مواضع الملاقاة بالأولی.

نعم لو طهرت علی تقدیر نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلی التعدد وانفصال الغسالة لا یعلم تفصیلا بنجاستها ، وأنّ علم بنجاستها حین ملاقاة الأولی أو الثانیة إجمالاً ، فلا مجال لاستصحابها بل کانت قاعدة الطهارة محکمة.

الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدَّد الإِضافات ، بتعدد العنوانات والجهات ، فی إنّه لو کان تعدَّد الجهة والعنوان کافیاً مع وحدة المعنون وجوداً ، فی جواز الاجتماع ، کان تعدَّد الإِضافات مجدیاً ، ضرورة إنّه یوجب أیضاً

ص: 179


1- التهذیب 1 / الباب 11 ، باب تطهیر المیاه من النجاسات ، الحدیث 43 - 44 ..

اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً ، فیکون مثل ( أَکرم العلماء ) و ( لا تکرم الفساق ) من باب الاجتماع ک ( صلّ ) و ( لا تغصب ) لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم یکن للحکم فی أحد الخطابین فی مورد الاجتماع مقتض ، کما هو الحال أیضاً فی تعدَّد العنوانین ، فما یتراءی منهم من المعاملة مع مثل ( أَکرم العلماء ) و ( لا تکرم الفساق ) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنّما یکون بناءً علی الامتناع ، أو عدم المقتضی لاحد الحکمین فی مورد الاجتماع.

فصل فی أن النهی عن الشیء ، هل یقتضی فساده أم لا؟

ولیقدم أمور :

الأول : إنّه قد عرفت فی المسألة السابقة الفرق بینها وبین هذه المسألة ، وإنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها فی إحداهما ، بما هو جهة البحث فی الأخری ، وأنّ البحث فی هذه المسألة فی دلالة النهی بوجه یأتی تفصیله علی الفساد بخلاف تلک المسألة ، فإن البحث فیها فی أن تعدَّد الجهة یجدی فی رفع غائلة اجتماع الأمر والنهی فی مورد الاجتماع أم لا؟

الثانی : إنّه لا یخفی أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنّما هو لأجل إنّه فی الأقوال قول بدلالته علی الفاسد فی المعاملات ، مع إنکار الملازمة بینه وبین الحرمة التی هی مفاده فیها ، ولا ینافی ذلک أن الملازمة علی تقدیر ثبوتها فی العبادة إنّما تکون بینه وبین الحرمة ولو لم تکن مدلولة بالصیغة ، وعلی تقدیر عدمها تکون منتفیة بینهما ، لإمکان أن یکون البحث معه فی دلالة الصیغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلک المسألة التی لا یکاد یکون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جیداً.

ص: 180

الثالث : ظاهر لفظ النهی وأنّ کان هو النهی التحریمی ، إلّا أن ملاک البحث یعم التنزیهی ، ومعه لا وجه لتخصیص العنوان (1) ، واختصاص عموم ملاکه بالعبادات لا یوجب التخصیص به ، کما لا یخفی.

کما لا وجه لتخصیصه بالنفسی ، فیعم الغیری إذا کان أصلیا ، وأما إذا کان تبعیا ، فهو وأنّ کان خارجاً عن محلّ البحث ، لما عرفت إنّه فی دلالة النهی والتبعی منه من مقولة المعنی ، إلّا إنّه داخل فیما هو ملاکه ، فإن دلالته علی الفساد علی القول به فیما لم یکن للإِرشاد إلیه ، إنّما یکون لدلالته علی الحرمة ، من غیر دخل لاستحقاق العقوبة علی مخالفته فی ذلک ، کما توهمه القمی(2) قدس سره ویؤیّد ذلک إنّه جعل ثمرة النزاع فی أن الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه ، فساده إذا کان عبادة ، فتدبرّ جیداً.

الرابع : ما یتعلق به النهی ، امّا أن یکون عبادة أو غیرها ، والمراد بالعبادة - هاهنا - ما یکون بنفسه وبعنوإنّه عبادة له تعالی ، موجباً بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته ، کالسجود والخضوع والخشوع له وتسبیحه وتقدیسه ، أو ما لو تعلق الأمر به کان أمره أمراً عبادیاً ، لا یکاد یسقط إلّا إذا أُتی به بنحو قربی ، کسائر أمثاله ، نحو صوم العیدین والصلاة فی أیام العادة ، لا ما أمر به

ص: 181


1- ذهب إلیه الشیخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 157.
2- قوانین الأصول 1 / 102. فی المقدمة السادسة. هو ابو القاسم ابن المولی محمد حسن الجیلانی المعروف بالمیرزا القمی. تولد سنة 1151 فی جابلق ، فرغ من تشیید مقدمات الکمال فی قم ، ثم انتقل إلی خونسار فاشتغل علی المحقق الامیر سید حسین ثم توجه إلی العتبات العالیات ، تتلمذ عند العلامة المروج فاجاز له فی الروایة والاجتهاد ، له مؤلفات کثیرة منها « القوانین » و « الغنائم » و « المناهج ». توفی سنة 1231 ( روضات الجنات 5 / 369 رقم 547 ).

لاجل التعبد به(1)، ولا ما یتوقف صحته علی النیة (2)، ولا ما لا یعلم انحصار المصلحة فیها فی شیء (3) ، کما عرفّ بکل منها العبادة ، ضرورة إنّها بواحد منها ، لا یکاد یمکن أن یتعلق بها النهی ، مع ما أورد علیها بالانتقاض طرداً أو عکساً ، أو بغیره ، کما یظهر من مراجعة المطّولات (4) ، وأنّ کان الإِشکال بذلک فیها فی غیر محله ، لأجل کون مثلها من التعریفات ، لیس بحد ولا برسم ، بل من قبیل شرح الاسم ، کما نبهنا علیه غیر مرة ، فلا وجه لإِطالة الکلام بالنقض والإِبرام فی تعریف العبادة ، ولا فی تعریف غیرها کما هو العادة.

الخامس : إنّه لا یدخل فی عنوان النزاع إلّا ما کان قابلاً للاتصاف بالصحة والفساد ، بأن یکون تارةً تاماً یترتب علیه ما یترقب عنه من الأثر ، وأخری لا کذلک ، لاختلال بعضٍ ما یعتبر فی ترتبه ، امّا ما لا أثر له شرعاً ، أو کان أثره مما لا یکاد ینفک عنه ، کبعض أسباب الضمان ، فلا یدخل فی عنوان النزاع ، لعدم طروء الفساد علیه کی ینازع فی أن النهی عنه یقتضیه أو لا ، فالمراد بالشیء فی العنوان هو العبادة بالمعنی الذی تقدم ، والمعاملة بالمعنی الأعم ، مما یتصف بالصحة والفساد ، عقداً کان أو إیقاعاً أو غیرهما ، فافهم.

السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافیان یختلفان بحسب الآثار والانظار ، فربما یکون شیء واحد صحیحاً بحسب أثر أو نظر ، وفاسداً بحسب آخر ، ومن هنا صحّ أن یقال : إن الصحة فی العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فیهما بمعنی واحد وهو التمامیة ، وإنما الاختلاف فیما هو المرغوب منهما من الآثار

ص: 182


1- اختاره الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 158 ، فی الأمر الثالث.
2- مال إلیه المحقق القمی ، قوانین الأصول 1 / 154 ، فی المقدمة الأولی.
3- یزین الرب تلمحقق القمی أیضاً ، المصدر السابق.
4- راجع مطارح الأنظار 158 ، والفصول / 139.

التی بالقیاس علیها تتصف بالتمامیة وعدمها ، وهکذا الاختلاف بین الفقیه والمتکلم فی صحة العبادة ، إنّما یکون لأجل الاختلاف فیما هو المهمّ لکلّ منهما من الأثر ، بعد الاتفاق ظاهراً علی إنّها بمعنی التمامیة ، کما هی معناها لغةً وعرفاً. فلما کان غرض الفقیه ، هو وجوب القضاء ، أو الإِعادة ، أو عدم الوجوب ، فسّر صحة العبادة بسقوطهما ، وکان غرض المتکلم هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما یوافق الأمر تارةً ، وبما یوافق الشریعة أُخری.

وحیث إِنّ الأمر فی الشریعة یکون علی أقسام : من الواقعی الأولی ، والثانوی ؛ والظاهری ، والانظار تختلف فی أن الأخیرین یفیدان الإِجزاء أو لا یفیدان ، کان الإِتیان بعبادة موافقة الأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطاً للقضاء والإِعادة بنظر ، وغیر مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهری ، تکون صحیحة عند المتکلم والفقیه ، بناءً علی أن الأمر فی تفسیر الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهری ، مع اقتضائه للإِجزاء ، وعدم اتصافها بها عند الفقیه بموافقته ، بناءً علی عدم الإِجزاء ، وکونه مراعی بموافقة الأمر الواقعی [ و ] (1)عند المتکلم ، بناءً علی کون الأمر فی تفسیرها خصوص الواقعی.

تنبیه : وهو إنّه لا شبهة فی أن الصحة والفساد عند المتکلم ، وصفان اعتباریان ینتزعان من مطابقة المأتیّ به مع المأمور به وعدمها ، وأما الصحة بمعنی سقوط القضاء والإِعادة عند الفقیه ، فهی من لوازم الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الأولی عقلاً ، حیث لا یکاد یعقل ثبوت الإِعادة أو القضاء معه جزماً ، فالصحة بهذا المعنی فیه ، وأنّ کان لیس بحکم وضعی مجعول بنفسه أو بتبع تکلیف ، إلّا إنّه لیس بأمر اعتباری ینتزع کما توهّم (2)، بل مما یستقل به

ص: 183


1- اثبتنا الزیادة من طبعة المشکینی.
2- انظر مطارح الأنظار / 160 ، فی تذنیب الهدایة الأولی من القول فی اقتضاء النهی للفساد.

العقل ، کما یستقل باستحقاق المثوبة به وفی غیره ، فالسقوط ربما یکون مجعولاً ، وکان الحکم به تخفیفاً ومنةً علی العباد ، مع ثبوت المقتضی لثبوتهما ، کما عرفت فی مسألة الإِجزاء ، کما ربما یحکم بثبوتهما ، فیکون الصحة والفساد فیه حکمین مجعولین لا وصفین انتزاعیین.

نعم ، الصحة والفساد فی الموارد الخاصة ، لا یکاد یکونان مجعولین ، بل إنّما هی تتصف بهما بمجرد الانطباق علی ما هو المأمور به ، هذا فی العبادات.

وأما الصحة فی المعاملات ، فهی تکون مجعولة ، حیث کان ترتب الأثر علی معاملة إنّما هو بجعل الشارع وترتیبه علیها ولو إمضاءً ، ضرورة إنّه لولا جعله ، لما کان یترتب علیه ، لأصالة الفساد.

نعم صحة کلّ معاملة شخصیة وفسادها ، لیس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه ، کما هو الحال فی التکلیفیة من الأحکام ، ضرورة أن اتصاف المأتیّ به بالوجوب أو الحرمة أو غیرهما ، لیس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.

السابع : لا یخفی إنّه لا أصل فی المسألة یعوّل علیه ، لو شک فی دلالة النهی علی الفساد. نعم ، کان الأصل فی المسألة الفرعیة الفساد ، لو لم یکن هناک إطلاق أو عموم یقتضی الصحة فی المعاملة.

وأما العبادة فکذلک ، لعدم الأمر بها مع النهی عنها ، کما لا یخفی.

الثامن : إن متعلق النهی امّا أن یکون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها کالجهر والإِخفات (1) للقراءة ، أو وصفها الغیر الملازم کالغصبیة لاکوان الصلاة المنفکة عنها.

ص: 184


1- فإن کلّ واحد منهما لا یکاد ینفک عن القراءة ، وأنّ کانت هی تنفکّ عن أحدهما ، فالنهی عن أیهما یکون مساوقاً للنهی عنها ، کما لا یخفی. ( منه قدس سره ).

لا ریب فی دخول القسم الأوّل فی محلّ النزاع ، وکذا القسم الثّانی بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلّا أن بطلان الجزء لا یوجب بطلإنّها ، إلّا مع الاقتصار علیه ، لا مع الإِتیان بغیره مما لا نهی عنه ، إلّا أن یستلزم محذوراً آخر.

وأما القسم الثالث ، فلا یکون حرمة الشرط والنهی عنه موجباً لفساد العبادة ، إلّا فیما کان عبادة ، کی تکون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة لا یکاد یکون النهی عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم یکن موجباً لفساده ، کما إذا کانت عبادة.

وأما القسم الرابع ، فالنهی عن الوصف اللازم مساوق للنهی عن موصوفه ، فیکون النهی عن الجهر فی القراءة مثلاً مساوقاً للنهی عنها ، لاستحالة کون القراءة التی یجهر بها مأموراً بها ، مع کون الجهر بها منهیاً عنه (1) فعلاً ، کما لا یخفی.

وهذا بخلاف ما إذا کان مفارقاً ، کما فی القسم الخامس ، فإن النهی عنه لا یسری إلی الموصوف ، إلّا فیما إذا اتحد معه وجوداً ، بناءً علی امتناع الاجتماع ، وأما بناءً علی الجواز فلا یسری إلیه ، کما عرفت فی المسألة السابقة. هذا حال النهی المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

وأما النهی عن العبادة لأجل أحد هذه الأُمور ، فحاله حال النهی عن أحدها إن کان من قبیل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أُخری : کان النهی عنها بالعرض ، وأنّ کان النهی عنها علی نحو الحقیقة ، والوصف بحاله ، وأنّ کان بواسطة أحدها ، إلّا إنّه من قبیل الواسطة فی الثبوت لا العروض ، کان حاله حال النهی فی القسم الأوّل ، فلا تغفل.

ص: 185


1- فی « ب » : عنها.

ومما ذکرنا فی بیان أقسام النهی فی العبادة ، یظهر حال الأقسام فی المعاملة ، فلا یکون بیإنّها علی حدة بمهم ، کما أن تفصیل الأقوال فی الدلالة علی الفساد وعدمها ، التی ربما تزید علی العشرة - علی ما قیل (1) - کذلک ، إنّما المهمّ بیان ما هو الحق فی المسألة ، ولا بدّ فی تحقیقه علی نحو یظهر الحال فی الأقوال ، من بسط المقال فی مقامین :

الأول فی العبادات : فنقول وعلی الله الاتکال : إن النهی المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو کانت جزء عبادة بما هو عبادة - کما عرفت - مقتض (2)لفسادها ، لدلالته علی حرمتها ذاتاً ، ولا یکاد یمکن اجتماع الصحة بمعنی موافقة الأمر أو الشریعة مع الحرمة ، وکذا بمعنی سقوط الإِعادة ، فإنّه مترتب علی إتیإنّها بقصد القربة ، وکانت مما یصلح لأن یتقرب به (3)، ومع الحرمة لا تکاد تصلح لذلک ، ویتأتی قصدها من الملتفت إلی حرمتها ، کما لا یخفی.

لا یقال : هذا لو کان النهی عنها د إلّا علی الحرمة الذاتیة ، ولا یکاد یتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة علیها مع قصد القربة بها إلّا تشریعاً ، ومعه تکون محرمة بالحرمة التشریعیة لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أُخری ، لامتناع اجتماع المثلین کالضدین.

فإنّه یقال : لا ضیر فی اتصاف ما یقع عبادة - لو کان مأموراً به - بالحرمة الذاتیة ، مثلاً صوم العیدین کان عبادة منهیاً عنها ، بمعنی إنّه لو أمر به کان عبادة ، لا یسقط الأمر به إلّا إذا أتی به بقصد القربة ، کصوم سائر الأیام ، هذا فیما إذا لم یکن ذاتاً عبادة ، کالسجود لله تعالی ونحوه ، وإلاّ کان محرماً مع

ص: 186


1- مطارح الأنظار / 162 ، فی الهدایة الثانیة من القول فی اقتضاء النهی للفساد.
2- فی « أ و ب » : مقتضی.
3- هکذا فی « أ و ب » : وفی بعضٍ النسخ المطبوعة « بها ».

کونه فعلاً عبادة ، مثلاً إذا نهی الجنب والحائض عن السجود له تبارک وتعالی ، کان عبادة محرمة ذاتاً حینئذ ، لما فیه من المفسدة والمبغوضیة فی هذا الحال ، مع إنّه لا ضیر فی اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشریعیة ، بناءً علی أن الفعل فیها لا یکون فی الحقیقة متصفاً بالحرمة ، بل إنّما یکون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، کما هو الحال فی التجری والانقیاد ، فافهم.

هذا مع إنّه لو لم یکن النهی فیها د إلّا علی الحرمة ، لکان د إلّا علی الفساد ، لدلالته علی الحرمة التشریعیة ، فإنّه لا أقل من دلالته علی إنّها لیست بمأمور بها ، وأنّ عمها إطلاق دلیل الأمر بها أو عمومه ، نعم لو لم یکن النهی عنها إلّا عرضاً ، کما إذا نهی عنها فیما کانت ضد الواجب مثلاً ، لا یکون مقتضیاً للفساد ، بناءً علی عدم اقتضاء الأمر (1)بالشیء للنهی عن الضد إلّا کذلک أیّ عرضاً ، فیخصص به أو یقید.

المقام الثّانی فی المعاملات : ونخبة القول ، أن النهی الدالّ علی حرمتها لا یقتضی الفساد ، لعدم الملازمة فیها - لغةً ولا عرفاً - بین حرمتها وفسادها أصلاً ، کانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إلیه ، وأنّ لم یکن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام ، وإنما یقتضی الفساد فیما إذا کان د إلّا علی حرمة ما لا یکاد یحرم مع صحتها ، مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی بیع أو بیع شئ.

نعم لا یبعد دعوی ظهور النهی عن المعاملة فی الإِرشاد إلی فسادها ، کما أن الأمر بها یکون ظاهراً فی الإِرشاد إلی صحتها من دون دلالته علی إیجابها أو استحبابها ، کما لا یخفی ، لکنه فی المعاملات بمعنی العقود والإِیقاعات ، لا المعاملات بالمعنی الأعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن فی

ص: 187


1- فی « ب » عدم الاقتضاء للأمر بالشیء .. الخ.

خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محیص عن الأخذ بما هو قضیة صیغة النهی من الحرمة ، وقد عرفت إنّها غیر مستتبعة للفساد ، لا لغةً ولا عرفاً.

نعم ربما یتوهم استتباعها له شرعاً ، من جهة دلالة غیر واحد من الأخبار علیه ، منها ما رواه فی الکافی والفقیه ، عن زرارة ، عن الباقر علیه السلام (1): ( سأله عن مملوک تزوج بغیر إذن سیده ، فقال : ذلک إلی سیده ، إن شاء أجازه وأنّ شاء فرق بینهما ، قلت : أصلحک الله تعالی ، إن الحکم بن عتیبة (2) وإبراهیم النخعی وأصحابهما ، یقولون : إن أصل النکاح فاسد ، ولا یحل إجازة السید له ، فقال أبو جعفر علیه السلام : إنّه لم یعص الله ، إنّما عصی سیده ، فإذا أجاز فهو له جائز ) حیث دلّ بظاهره ان النکاح لو کان مما حرمه الله تعالی علیه کان فاسداً. ولا یخفی أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیة المنفیة هاهنا ، أن النکاح لیس مما لم یمضه الله ولم یشرعه کی یقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصیة بهذا المعنی للفساد کما لا یخفی ، ولا بأس بإطلاق المعصیة علی عمل لم یمضه الله ولم یأذن به ، کما أطلق علیه (3) بمجرد عدم إذن السید فیه إنّه معصیة.

وبالجملة : لو لم یکن ظاهراً فی ذلک ، لما کان ظاهراً فیما توهّم ، وهکذا

ص: 188


1- الکافی / 478 ، الحدیث 3 ، باب المملوک یتزوّج بغیر إذن مولاه ، الفقیه 3 / 350 الحدیث 4 باب طلاق العبد - التهذیب 7 / 351 الحدیث 63 فی العقود علی الإماء.
2- فی « أ و ب » : حکم بن عتبة.
3- وجه ذلک أن العبودیة تقتضی عدم صدور العبد إلّا عن أمر سیده وإذنه ، حیث إنّه کلّ علیه لا یقدّر علی شیء ، فإذا استقل بأمر کان عاصیاً حیث أتی بما ینافیه مقام عبودیته ، لا سیما مثل التزوج الذی کان خطیراً ، وأما وجه إنّه لم یعص الله فیه ، فلاجل کون التزوج بالنسبة إلیه أیضاً کان مشروعاً ماضیاً ، غایته إنّه یعتبر فی تحققه إذن سیده ورضاه ، ولیس کالنکاح فی العدة غیر مشروع من أصله ، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصیإنّه ، فعصیإنّه لسیده. ( منه قدس سره ).

حال سائر الأخبار الواردة فی هذا الباب (1) ، فراجع وتأمل.

تذنیب : حکی عن أبی حنیفة (2) والشیبانی (3) دلالة النهی علی الصحة ، وعن الفخر (4)إنّه وافقهما فی ذلک ، والتحقیق (5) إنّه فی المعاملات کذلک إذا کان عن المسبب أو التسبیب ، لاعتبار القدرة فی متعلق النهی کالأمر ، ولا یکاد یقدّر علیهما إلّا فیما کانت المعاملة مؤثرة صحیحة ، وأما إذا کان عن السبب ، فلا ، لکونه مقدوراً وأنّ لم یکن صحیحاً ، نعم قد عرفت أن النهی عنه لا ینافیها.

وأما العبادات فما کان منها عبادة ذاتیة کالسجود والرکوع والخشوع والخضوع له تبارک وتعالی ، فمع النهی عنه یکون مقدوراً ، کما إذا کان مأموراً به ، وما کان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فیه لو کان مأموراً به ، فلا یکاد یقدّر علیه إلّا إذا قیل باجتماع الأمر والنهی فی شیء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهی فی هذا القسم إنّما یکون نهیاً عن العبادة ، بمعنی إنّه لو کان مأموراً به ، کان الأمر به أمر عبادة لا یسقط إلّا بقصد القربة ، فافهم.

ص: 189


1- راجع وسائل الشیعة 14 ، الباب 23 إلی 25 من أبواب نکاح العبید والإِماء.
2- شرح تنقیح الفصول ، 173.
3- شرح تنقیح الفصول ، 173.
4- أیّ فخر المحققین (ره) نجل العلامة الحلّی (ره). مطارح الانظارءِ 16.
5- ملخصه أن الکبری وهی : ان النهی - حقیقة - إذا تعلق بشیء ذی أثر کان د إلّا علی صحته وترتب أثره علیه ، لاعتبار القدرة فیما تعلق به النهی کذلک وأنّ کانت مسلمة ، إلّا أن النهی کذلک لا یکاد یتعلق بالعبادات ، ضرورة امتناع تعلق النهی کذلک بما تعلق به الأمر کذلک ، وتعلقه بالعبادات بالمعنی الأوّل وأنّ کان ممکناً ، إلّا أن أثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غیر مترتب علیها مطلقاً ، بل علی خصوص ما لیس بحرام منها وهکذا الحال فی المعاملات ، فإن کان الأثر فی معاملة مترتباً علیها ولازماً لوجودها کان النهی عنها د إلّا علی ترتبه علیها ، لما عرفت. ( منه قدس سره ).

ص: 190

المقصد الثالث : فی المفاهیم

اشارة

ص: 191

ص: 192

مقدمة [تعریف المفهوم وانه من صفات المدلول او الدلاله]

وهی : إن المفهوم - کما یظهر من موارد إطلاقه - هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیة المعنی الذی أُرید من اللفظ ، بتلک الخصوصیة ولو بقرینة الحکمة ، وکان یلزمه لذلک ، وافقه فی الإِیجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم ( إن جاءک زید فأکرمه ) مثلاً - لو قیل به - قضیة شرطیة سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضیة الشرطیّة التی تکون معنی القضیة اللفظیة ، وتکون لها خصوصیة ، بتلک الخصوصیة کانت مستلزمة لها ، فصحّ أن یقال : إن المفهوم إنّما هو حکم غیر مذکور ، لا إنّه حکم لغیر مذکور ، کما فسّر (1) به ، وقد وقع فیه النقض والإِبرام بین الأعلام (2) ، مع إنّه لا موقع له کما أشرنا إلیه فی غیر مقام ، لإنّه من قبیل شرح الاسم ، کما فی التفسیر اللغوی.

ومنه قد انقدح حال غیر هذا التفسیر مما ذکر فی المقام ، فلا یهمنا التصدی لذلک ، کما لا یهمنا بیان إنّه من صفات المدلول أو الدلالة وأنّ کان بصفات

ص: 193


1- 1. کما عن العضدی ، راجع شرح العضدی علی مختصر المنتهی لابن الحاجب / 306 ، فی المنطوق والمفهوم.

المدلول أشبه ، وتوصیف الدلالة [ به ] (1) أحیاناً کان من باب التوصیف بحال المتعلق.

وقد انقدح من ذلک أن النزاع فی ثبوت المفهوم وعدمه فی الحقیقة ، إنّما یکون فی أن القضیة الشرطیّة أو الوصفیة أو غیرهما هل تدلّ بالوضع أو بالقرینة العامة علی تلک الخصوصیة المستتبعة لتلک القضیة الأخری ، أم لا؟

فصل الجملة الشرطیّة

هل تدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء ، کما تدلّ علی الثبوت عند الثبوت بلا کلام ، أم لا؟ فیه خلاف بین الأعلام.

لا شبهة فی استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء فی غیر مقام ، إنّما الإِشکال والخلاف فی إنّه بالوضع أو بقرینة عامة ، بحیث لا بد من الحمل علیه لو لم یقم علی خلافه قرینة من حال أو مقال. فلا بدّ للقائل بالدلالة من إقامة الدلیل علی الدلالة ، بأحد الوجهین علی تلک الخصوصیة المستتبعة لترتب الجزاء علی الشرط ، نحو ترتب المعلول علی علته المنحصرة.

وأما القائل بعدم الدلالة ففی فسحة ، فإن له منع دلالتها علی اللزوم ، بل علی مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها علی الترتب ، أو علی نحو الترتب علی العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسلیم اللزوم أو العلیة.

لکن منع دلالتها علی اللزوم ، ودعوی کونها اتفاقیة ، فی غایة السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعاً ، وأما المنع عن إنّه بنحو الترتب علی العلة فضلاً عن کونها منحصرة ، فله مجال واسع.

ودعوی تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب علی العلة المنحصرة - مع کثرة

ص: 194


1- أثبتناه من « أ ».

استعمالها فی الترتب علی نحو الترتب علی الغیر المنحصرة منها بل فی مطلق اللزوم - بعیدة ، عهدتها علی مدعیها ، کیف؟ ولایری فی استعمالها فیهما (1) عنایة ، ورعایة علاقة ، بل إنّما تکون إرادته کإرادة الترتب علی العلة المنحصرة بلا عنایة ، کما یظهر علی من أمعن النظر وأجال البصر (2) فی موارد الاستعمالات ، وفی عدم الإِلزام والأخذ بالمفهوم فی مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بإنّه لم یکن لکلامه مفهوم ، وعدم صحته لو کان له ظهور فیه معلوم.

وأما دعوی الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومیة إلی ما هو أکمل افرادها ، وهو اللزوم بین العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جداً ، لعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الاکمل ، لاسیما مع کثرة الاستعمال فی غیره ، کما لا یکاد یخفی.

هذا مضافاً إلی منع کون اللزوم بینهما أکمل مما إذا لم تکن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا یوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لا بدّ منه فی تأثیر العلة فی معلولها آکد وأقوی.

إن قلت : نعم ، ولکنه قضیة الإِطلاق بمقدمات الحکمة ، کما أن قضیة إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی.

قلت : أولاً : هذا فیما تمت هناک مقدمات الحکمة ، ولا تکاد تتم فیما هو مفاد الحرف کما هاهنا ، وإلاّ لما کان معنی حرفیاً ، کما یظهر وجهه بالتأمل.

وثانیاً : تعینه من بین أنحائه بالإِطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معیّن ، ومقایسته مع تعیّن الوجوب النفسی بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق ، فإن النفسی هو الواجب علی کلّ حال بخلاف الغیری ، فإنّه واجب علی تقدیر دون

ص: 195


1- فی « ب » : فیها.
2- فی « ب » : البصیرة.

تقدیر ، فیحتاج بیإنّه إلی مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر ، فیکون الإِطلاق فی الصیغة مع مقدمات الحکمة محمولاً علیه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب علی العلة المنحصرة ، ضرورة أن کلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج فی تعینه إلی القرینة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفی.

ثم إنّه ربما یتمسک للدلالة علی المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقریب إنّه لو لم یکن بمنحصر یلزم تقییده ، ضرورة إنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضیة إطلاقه إنّه یؤثر کذلک مطلقاً.

وفیه إنّه لا تکاد تنکر الدلالة علی المفهوم مع إطلاقه کذلک ، إلّا إنّه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.

فتلخص بما ذکرناه ، إنّه لم ینهض دلیل علی وضع مثل ( إن ) علی تلک الخصوصیة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم علیها قرینة عامة ، امّا قیامها أحیاناً کانت مقدمات الحکمة أو غیرها ، مما لا یکاد ینکر ، فلا یجدی القائل بالمفهوم ، إنّه قضیة (1) الإِطلاق فی مقام من باب الاتفاق.

وأما توهّم إنّه قضیة (2)إطلاق الشرط ، بتقریب أن مقتضاه تعینه ، کما أن مقتضی إطلاق الأمر تعیّن الوجوب.

ففیه : أن التعین لیس فی الشرط نحواً یغایر نحوه فیما إذا کان متعدداً ، کما کان فی الوجوب کذلک ، وکان الوجوب فی کلّ منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر ، لابد فی التخییری منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً کان أو متعدداً ، کان نحوه واحداً ودخله فی المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فیه ثبوتاً کی تتفاوت عند الإِطلاق إثباتاً ، وکان الإِطلاق مثبتا لنحو لا یکون له عدل لاحتیاج ما له العدل إلی زیادة مؤونة ، وهو ذکره بمثل ( أو کذا )

ص: 196


1- فی « ب » : قضیته.
2- فی « ب » : قضیته.

واحتیاج ما إذا کان الشرط متعدداً إلی ذلک إنّما یکون لبیان التعدد ، لا لبیان نحو الشرطیّة ، فنسبة إطلاق الشرط إلیه لا تختلف ، کان هناک شرط آخر أم لا ، حیث کان مسوقاً لبیان شرطیته بلا إهمال ولا إجمال.

بخلاف إطلاق الأمر ، فإنّه لو لم یکن لبیان خصوص الوجوب التعیینی ، فلا محالة یکون فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، تأمل تعرف. هذا مع إنّه لو سلّم لا یجدی القائل بالمفهوم ، لما عرفت إنّه لا یکاد ینکر فیما إذا کان مفاد الإِطلاق من باب الاتفاق.

ثم إنّه ربما استدل المنکرون للمفهوم بوجوه :

أحدها : ما عُزی إلی السید (1) من أن تأثیر الشرط ، إنّما هو تعلیق الحکم به ، ولیس بممتنع أن یخلفه وینوب منابه شرط آخر یجری مجراه ، ولا یخرج عن کونه شرطاً ، فإن قوله تعالی : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِن رِّجَالِکُمْ ) (2) یمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتی ینضم إلیه شاهد آخر ، فانضمام الثّانی إلی الأوّل شرط فی القبول ، ثم علمنا أن ضم أمراًتین إلی الشاهد الأوّل شرط فی القبول ، ثم علمنا أن ضم الیمین یقوم مقامه أیضاً ، فنیابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ أکثر من أن تحصی ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا یلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قیام النار مقامها ، والأمثلة لذلک کثیرة شرعاً وعقلا.

والجواب : إنّه قدس سره إن کان بصدد إثبات إمکان نیابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ فی مقام الثبوت وفی الواقع ، فهو مما لا یکاد ینکر ، ضرورة أن الخصم یدعی عدم وقوعه فی مقام الإِثبات ، ودلالة القضیة الشرطیّة علیه ، وأنّ کان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا یضره ، ما لم یکن

ص: 197


1- الذریعة : 1 / 406 ، فی جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2- البقرة / 282.

بحسب القواعد اللفظیة راجحاً أو مساویاً ، ولیس فیما أفاده ما یثبت ذلک أصلاً ، کما لا یخفی.

ثانیها : إنّه لو دلّ لکان بإحدی الدلالات ، والملازمة _ کبطلان التالی _ ظاهرة. وقد أُجیب عنه بمنع بطلان التالی ، وأنّ الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزید علیه ما قیل أو یمکن أن یقال فی إثباته أو منعه ، فلا تغفل.

ثالثها : قوله تبارک وتعالی (1) : ( وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیَاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) .

وفیه ما لا یخفی ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطیّة فیما لا مفهوم له أحیاناً وبالقرینة ، لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة وغیرها ، وإنما القائل به إنّما یدعی ظهورها فیما له المفهوم وضعاً أو بقرینة عامة ، کما عرفت.

بقی هاهنا أمور :

الأمر الأوّل : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قیوده ، فلا (2)یتمشی الکلام - فی أن للقضیة الشرطیّة مفهوماً أو لیس لها مفهوم - إلّا فی مقام کان هناک ثبوت سنخ الحکم فی الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممکناً ، وإنما وقع النزاع فی أن النزاع فی أن لها دلالة علی الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا یکون لها دلالة.

ومن هنا انقدح إنّه لیس من المفهوم دلالة القضیة علی الانتفاء عند الانتفاء فی الوصایا والاوقاف والنذور والإِیمان ، کما توهّم (3) ، بل عن الشهید

ص: 198


1- النور / 33.
2- فی « ب » : ولا.
3- مطارح الأنظار / 173 ، الهدایة الثالثة من القول فی المفهوم والمنطوق.

فی تمهید القواعد (1) ، إنّه لا إشکال فی دلالتها علی المفهوم ، وذلک لأن انتفاءها عن غیر ما هو المتعلق لها ، من الأشخاص التی تکون بألقابها أو بوصف شیء أو بشرطه ، مأخوذة فی العقد أو مثل العهد لیس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب علیه ، بل لأجل إنّه إذا صار شیء وقفا علی أحد أو أوصی به أو نذر له ، إلی غیر ذلک ، لا یقبل أن یصیر وقفا علی غیره أو وصیة أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصیة عن غیر مورد المتعلق ، قد عرفت إنّه عقلی مطلقاً ولو قیل بعدم المفهوم فی مورد صالح له.

إشکال ودفع : لعلک تقول : کیف یکون المناط فی المفهوم هو سنخ الحکم ، لا نفس شخص الحکم فی القضیة؟ وکان الشرط فی الشرطیّة إنّما وقع شرطاً بالنسبة إلی الحکم الحاصل بإنشائه دون غیره ، فغایة قضیتها انتفاء ذاک الحکم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهکذا الحال فی سائر القضایا التی تکون مفیدة للمفهوم.

ولکنک غفلت عن أن المعلّق علی الشرط ، إنّما هو نفس الوجوب الذی هو مفاد الصیغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصیة الناشئة من قبل استعمالها فیه ، لا تکاد تکون من خصوصیات معناها المستعملة فیه ، کما لا یخفی ، کما لا تکون الخصوصیة الحاصلة من قبل الإخبار به ، ، من خصوصیات ما أخبر به

ص: 199


1- تمهید القواعد / 14 ، القاعدة 25 ، عند قوله : ذهب جماعة من الأصولیین إلی أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة ... الخ. الشهید الثّانی هو الشیخ الاجل زین الدین بن نور الدین العاملی الجبعی ولد عام 911 ه ، قرأ علی والده جملة من الکتب العربیة والفقه ، ختم القرآن وعمره تسع سنین. ارتحل إلی بلاد عدیدة وقرأ علی کثیر من العلماء منهم الشیخ علی بن عبد العالی المیسی ، ثم انتقل إلی بلده واشتغل بالتدریس والتصنیف ومصنفاته کثیرة مشهورة أولها « الروض » وآخرها « الروضة » ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارک ووالد البهائی وغیرهم ، استشهد سنة 966 ه () الکنی والالقاب 2 / 344 ).

واستعمل فیه إخباراً لا إنشاءً.

وبالجملة : کما لا یکون المخبر به المعلّق علی الشرط خاصاً بالخصوصیات الناشئة من قبل الإخبار به ، کذلک المنشأ بالصیغة المعلّق علیه ، وقد عرفت بما حققناه فی معنی الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فیه الحرف عام کالموضوع له ، وأنّ خصوصیة لحاظه بنحو الآلیة والحالیة لغیره من خصوصیة الاستعمال ، کما أن خصوصیة لحاظ المعنی بنحو الاستقلال فی الاسم کذلک ، فیکون اللحاظ الآلی کالاستقلالی ، من خصوصیات الاستعمال لا المستعمل فیه.

وبذلک قد انقدح فساد ما یظهر من التقریرات (1) فی مقام التفصی عن هذا الإِشکال ، من التفرقة بین الوجوب الإِخباری والإِنشائی ، بإنّه کلی فی الأوّل ، وخاص فی الثّانی ، حیث دفع الإِشکال بإنّه لا یتوجه فی الأوّل ، لکون الوجوب کلیاً ، وعلی الثّانی بأن ارتفاع مطلق الوجوب فیه من فوائد العلّیة المستفادة من الجملة الشرطیّة ، حیث کان ارتفاع شخص الوجوب لیس مستنداً إلی ارتفاع العلة المأخوذة فیها ، فإنّه یرتفع ولو لم یوجد فی حیال أداة الشرط کما فی اللقب والوصف.

وأورد (2) علی ما تفُصّی به عن الإِشکال بما ربما یرجع إلی ما ذکرناه ، بما حاصله : إن التفصی لا یبتنی علی کلیة الوجوب ، لما أفاده ، وکون الموضوع له فی الإِنشاء عاماً لم یقم علیه دلیل ، لو لم نقل بقیام الدلیل علی خلافه ، حیث إن الخصوصیات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.

وذلک لما عرفت من أن الخصوصیات فی الإٍنشاءات والإِخبارات ، إنّما تکون ناشیء ة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بینهما. ولعمری ، لا یکاد ینقضی تعجبی ، کیف تجعل خصوصیات الانشاء من خصوصیات المستعمل

ص: 200


1- 1. مطارح الأنظار / 173 ، فی الهدایة الثالثة من القول فی المنطوق والمفهوم.
2- 2. المصدر المتقدم / 173 فی الهدایة الثالثة من القول فی المفهوم والمنطوق.

فیه. مع إنّها کخصوصیات الإِخبار ، تکون ناشیء ة من الاستعمال ، ولا یکاد یمکن أن یدخل فی المستعمل فیه ما ینشأ من قبل الاستعمال ، کما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثّانی : إنّه إذا تعدَّد الشرط ، مثل ( إذا خفی الأذان فقصر ، وإذا خفی الجدران فقصر ) ، فبناء علی ظهور الجملة الشرطیّة فی المفهوم ، لابد من التصرف ورفع الید عن الظهور.

إما بتخصیص مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر ، فیقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطین.

وإما برفع الید عن المفهوم فیهما ، فلا دلالة لهما علی عدم مدخلیة شیء آخر فی الجزاء ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإن فیهما الدلالة علی ذلک.

وإما بتقیید إطلاق الشرط فی کلّ منهما بالآخر ، فیکون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً ، فإذا خفیا وجب القصر ، ولا یجب عند انتفاء خفائهما ولو خفی أحدهما.

وإما بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما ، بأن یکون تعدَّد الشرط قرینة علی أن الشرط فی کلّ منهما لیس بعنوإنّه الخاص ، بل بما هو مصداق لما یعمهما من العنوان.

ولعل العرف یساعد علی الوجه الثّانی ، کما أن العقل ربما یعین هذا الوجه ، بملاحظة أن الأمور المتعدِّدة بما هی مختلفة ، لا یمکن أن یکون کلّ منها مؤثراً فی واحد ، فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بین العلة والمعلول ، ولا یکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنین بما هما اثنان ، ولذلک أیضاً لا یصدر من الواحد إلّا الواحد ، فلا بدّ من المصیر إلی أن الشرط فی الحقیقة واحد ، وهو المشترک بین الشرطین بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط فی کلّ منهما علی حاله ، وأنّ کان بناءً العرف والاذهان العامیة

ص: 201

علی تعدَّد الشرط وتأثیر کلّ شرط بعنوإنّه الخاص ، فافهم.

الأمر الثالث : إذا تعدَّد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشکال علی الوجه الثالث ، وأما علی سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الإِتیان بالجزاء متعدداً ، حسب تعدَّد الشروط؟ أو یتداخل ، ویکتفی بإتیإنّه دفعة واحدة؟.

فیه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة - منهم المحقق الخوانساری (1) - التداخل ، وعن الحلّی (2)التفصیل بین اتحاد جنس الشروط وتعدده.

والتحقیق : إنّه لما کان ظاهر الجملة الشرطیّة ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بکشفه عن سببه ، وکان قضیته تعدَّد الجزاء عند تعدَّد الشرط ، کان الأخذ بظاهرها إذا تعدَّد الشرط حقیقة أو وجوداً محالاً ، ضرورة أن لازمه أن یکون الحقیقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هی واحدة ، فی مثل ( إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ) ، أو فیما إذا بال مکرراً ، أو (3) نام کذلک ، محکوماً بحکمین متماثلین ، وهو واضح الاستحالة کالمتضادین.

فلابد علی القول بالتداخل من التصرف فیه : امّا بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال علی الحدوث عند الحدوث ، بل علی مجرد الثبوت ، أو الالتزام بکون متعلق الجزاء وأنّ کان واحداً صورة ، إلّا إنّه حقائق متعددة حسب تعدَّد الشرط ، متصادقة علی واحد ، فالذمة وأنّ اشتغلت بتکالیف متعددة ، حسب

ص: 202


1- مشارق الشموس 61 ، کتاب الطهارة فی تداخل الاغسال الواجبة ، قال : لأن تداخل الأسباب لا یوجب تعدَّد المسببات.
2- - السرائر / 55 ، فی باب أحکام السهو والشک فی الصلاة. هو محمد بن احمد بن ادریس الحلّی ، فاضل فقیه ومحقق نبیه ، فخر الاجلة وشیخ فقهاء الحلة صاحب کتاب « السرائر » و « مختصر تبیان الشیخ » توفی سنة 598 وهو ابن خمس وخمسین ( الکنی والالقاب 1 / 201
3- فی « ب » : و.

تعدد الشروط ، إلّا أن الاجتزاء بواحد لکونه مجمعاً لها ، کما فی ( أَکرم هاشمیاً وأضف عالماً ) ، فأکرم العالم الهاشمی بالضیافة ، ضرورة إنّه بضیافته بداعی الأمرین ، یصدق إنّه امتثلهما ، ولا محالة یسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وأنّ کان له امتثال کلّ منهما علی حدة ، کما إذا أَکرم الهاشمی بغیر الضیافة ، وأضاف العالم الغیر الهاشمی.

إن قلت : کیف یمکن ذلک - أیّ الامتثال بما تصادق (1) علیه العنوانان - مع استلزامه محذور اجتماع الحکمین المتماثلین فیه؟

قلت : انطباق عنوانین واجبین علی واحد لا یستلزم اتصافه بوجوبین ، بل غایته أن انطباقهما علیه یکون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع إنّه - علی القول بجواز الاجتماع - لا محذور فی اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا کان بعنوان واحد ، فافهم.

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود کلّ شرط ، إلّا إنّه وجوب الوضوء فی المثال عند الشرط الأوّل ، وتأکد وجوبه عند الآخر.

ولا یخفی إنّه لا وجه لأن یصار إلی واحد منها ، فإنّه رفع الید عن الظاهر بلا وجه ، مع ما فی الأخیرین من الاحتیاج إلی إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق علی واحد ، وأنّ کان صورة واحداً سمی (2) باسم واحد ، کالغسل ، وإلی إثبات أن الحادث بغیر الشرط الأوّل تؤکدّ ما حدث بالأول ، ومجرد الاحتمال لا یجدی ، ما لم یکن فی البین ما یثبته.

إن قلت : وجه ذلک هو لزوم التصرف فی ظهور الجملة الشرطیّة ، لعدم امکان الأخذ بظهورها ، حیث إنَّ قضیته اجتماع الحکمین فی الوضوء فی

ص: 203


1- 1. فی « أ و ب » : تصادقا.
2- 2. فی « أ » مسمی.

المثال ، کما مرت الإِشارة إلیه.

قلت : نعم ، إذا لم یکن المراد بالجملة - فیما إذا تعدَّد الشرط کما فی المثال - هو وجوب وضوء مثلاً بکل شرط غیر ما وجب بالآخر ، ولا ضیر فی کون فرد محکوماً بحکم فرد آخر أصلاً ، کما لا یخفی.

إن قلت : نعم ، لو لم یکن تقدیر تعدَّد الفرد علی خلاف الإِطلاق.

قلت : نعم ، لو لم یکن ظهور الجملة [ الشرطیّة ] (1)فی کون الشرط سبباً أو کاشفاً عن السبب ، مقتضیاً لذلک أیّ لتعدد الفرد ، و (2) بیاناً لما هو المراد من الإِطلاق.

وبالجملة : لا دوران بین ظهور الجملة فی حدوث الجزاء وظهور الإِطلاق ضرورة أن ظهور الإِطلاق یکون معلّقاً علی عدم البیان ، وظهورها فی ذلک صالح لأن یکون بیاناً ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا یلزم علی القول بعدم التداخل تصرف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل کما لا یخفی (3)

فتلخص بذلک ، أن قضیة ظاهر الجملة الشرطیّة ، هو القول بعدم التداخل عند تعدَّد الشرط.

وقد انقدح مما ذکرناه ، أن المجدی للقول بالتداخل هو أحد الوجوه

ص: 204


1- أثبتناها من « ب ».
2- فی « أ » : وإلاّ کان بیانا. ولکن شطب علیه المصنف فی « ب ».
3- - هذا واضح بناءً علی ما یظهر من شیخنا العلامة من کون ظهور الإِطلاق معلّقاً علی عدم البیان مطلقاً ، ولو کان منفصلاً ، وأما بناءً علی ما اخترناه فی غیر مقام ، من إنّه إنّما یکون معلّقاً علی عدم البیان فی مقام التخاطب لا مطلقاً ، فالدوران حقیقة بین الظهورین حینئذ وأنّ کان ، إلّا إنّه لا دوران بینهما حکماً ، لأن العرف لا یکاد یشک بعد الاطلاع علی تعدَّد القضیة الشرطیّة أن قضیته تعدَّد الجزاء ، وإنّه فی کلّ قضیة وجوب فرد غیر ما وجب فی الأخری ، کما إذا اتصلت القضایا وکانت فی کلام واحد ، فافهم ( منه قدس سره ).

التی ذکرناها ، لا مجرد کون الأسباب الشرعیة معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغیره ، من ابتناء المسألة علی إنّها معرفات أو مؤثرات (2)، مع أن الأسباب الشرعیة حالها حال غیرها ، فی کونها معرفات تارةً ومؤثرات أُخری ، ضرورة أن الشرط للحکم الشرعی فی الجمل (3) الشرطیّة ، ربما یکون مما له دخل فی ترتب الحکم ، بحیث لولاه لما وجدت له علّة ، کما إنّه فی الحکم الغیر الشرعی ، قد یکون أمارة علی حدوثه بسببه ، وأنّ کان ظاهر التعلیق أن له الدخل فیهما ، کما لا یخفی.

نعم ، لو کان المراد بالمعرفیة فی الأسباب الشرعیة إنّها لیست بدواعی الأحکام التی هی فی الحقیقة علل لها ، وأنّ کان لها دخل فی تحقق موضوعاًتها ، بخلاف الأسباب الغیر الشرعیة ، فهو وأنّ کان له وجه ، إلّا إنّه مما لا یکاد یتوهم إنّه یجدی فیما همّ وأراد.

ثم إنّه لا وجه للتفصیل (4) بین اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختیار عدم التداخل فی الأوّل ، والتداخل فی الثّانی ، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ فی الثّانی ، لإنّه من أسماء الاجناس ، فمع تعدَّد أفراد شرط واحد لم یوجد إلّا السبب الواحد ، بخلاف الأوّل ، لکون کلّ منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.

ص: 205


1- فخر المحققین ابو طالب محمد بن جمال الدین حسن بن یوسف المطهر الحلّی ، ولد سنة 682 ، فاز بدرجة الاجتهاد فی السنة العاشرة من عمره الشریف کان والده العلامة یعظمه ویثنی علیه ، له کتب منها « غایة السؤل » و « شرح مبادیء الأصول ». توفی سنة 771 ه. () روضات الجنات 6 / 230 رقم 591 ).
2- حکی الشیخ الاعظم (ره) نسبته إلی فخر المحققین (ره) واحتمل تبعة النراقی (ره) له فی العوائد / مطارح الأنظار / 175 فی الهدایة 6 من القول فی المفهوم والمنطوق.
3- فی « ب » : الجملة.
4- المفصل هو ابن إدریس فی السرائر / 55 ، عند قوله ( قده ) : فإن سها المصلی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات کثیرة ... الخ.

فإن قضیة اطلاق الشرط فی مثل ( إذا بلتَ فتوضأ ) هو حدوث الوجوب عند کلّ مرة لو بال مرّات ، وإلاّ فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلی واحد ، فیما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إلیه الإِشارة ، من أن الاشیاء المختلفة بما هی مختلفة لا تکون أسبابا لواحد ، هذا کله فیما إذا کان موضوع الحکم فی الجزاء قابلاً للتعدد.

وأما ما لا یکون قابلاً لذلک ، فلابد من تداخل الأسباب ، فیما لا یتأکد المسبب ، ومن التداخل فیه فیما یتأکد.

فصل الظاهر إنّه لا مفهوم للوصف

وما بحکمه مطلقاً ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغویة بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرینة أُخری ملازمة له ، وعلّیته فیما إذا استفیدت غیر مقتضیة له ، کما لا یخفی ، ومع کونها بنحو الانحصار وأنّ کانت مقتضیة له ، إلّا إنّه لم یکن من مفهوم الوصف ، ضرورة إنّه قضیة العلة الکذائیة المستفادة من القرینة علیها فی خصوص مقام ، وهو مما لا إشکال فیه ولا کلام ، فلا وجه لجعله تفصیلا فی محلّ النزاع ، وموردا للنقض والابرام.

ولا ینافی ذلک ما قیل من أن الأصل فی القید أن یکون احترازیا ، لأن الاحترازیة لا توجب إلّا تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیة ، مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد ، فلا فرق أن یقال : (جئنی بإنسان ) أو ( بحیوان ناطق ) ، کما إنّه لا یلزم فی حمل المطلق علی المقید ، فیما وجد شرائطه إلّا ذلک ، من دون حاجة فیه إلی دلالته علی المفهوم ، فإنّه من المعلوم أن قضیة الحمل لیس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقید ، وکأنه لا یکون فی البین غیره ، بل ربما قیل (1) :

ص: 206


1- مطارح الأنظار / 183.

إنّه لا وجه للحمل لو کان بلحاظ المفهوم ، فإن ظهوره فیه لیس بأقوی من ظهور المطلق فی الإِطلاق ، کی یحمل علیه ، لو لم نقل بإنّه الأقوی ، لکونه بالمنطوق ، کما لا یخفی.

وأما الاستدلال علی ذلک - أیّ عدم الدلالة علی المفهوم - بآیة ( وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُم ) (1) ففیه أن الاستعمال فی غیره أحیاناً مع القرینة مما لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة قطعاً ، مع إنّه یعتبر فی دلالته علیه عند القائل بالدلالة ، أن لا یکون وارداً مورد الغالب کما فی الآیة ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه علی الاختصاص ، وبدونها لا یکاد یتوهم دلالته علی المفهوم ، فافهم.

تذنیب : لا یخفی إنّه لا شبهة فی جریان النزاع ، فیما إذا کان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه ، فی مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما فی غیره ، ففی جریإنّه إشکال أظهره عدم جریإنّه ، وأنّ کان یظهر مما عن بعضٍ الشافعیة (2)، حیث قال : ( قولنا فی الغنم السائمة زکاة ، یدلّ علی عدم الزکاة فی معلوفة الابل ) جریإنّه فیه ، ولعل وجهه استفادة العلّیة المنحصرة منه.

وعلیه فیجری فیما کان الوصف مساویاً أو أعم مطلقاً أیضاً ، فیدل علی انتفاء سنخ الحکم عند انتفائه ، فلا وجه فی التفصیل بینهما وبین ما إذا کان أخص من وجه (3)، فیما إذا کان الافتراق من جانب الوصف ، بإنّه لا وجه للنزاع فیهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جریإنّه من بعضٍ الشافعیة فیه ، کما لا یخفی ، فتأمل جیداً.

ص: 207


1- النساء / 23.
2- راجع المنخول للغزالی / 222 ، فی مسائل المفهوم ، عند قوله : ( کقوله : فی عوامل الابل زکاة ... الخ ).
3- التفصیل للشیخ ، مطارح الأنظار 182 ، عند قوله قده : ثم إن الوصف قد یکون مساویاً ... الخ.

فصل هل الغایة فی القضیة تدلّ علی ارتفاع الحکم عما بعد الغایة

بناءً علی دخول الغایة فی المغّیا ، أو عنها وبعدها ، بناءً علی خروجها ، أو لا؟

فیه خلاف ، وقد نسب (1) إلی المشهور الدلالة علی الارتفاع ، وإلی جماعة منهم السید (2) والشیخ (3)، عدم الدلالة علیه.

والتحقیق : إنّه إذا کانت الغایة بحسب القواعد العربیة قیداً للحکم ، کما فی قوله : ( کلّ شیء حلال حتی تعرف إنّه حرام ) (4)، و ( کلّ شیء طاهر حتی تعلم إنّه قذر ) (5)، کانت دالّة علی ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلک منها ، کما لا یخفی ، وکونه قضیة تقییده بها ، وإلاّ لما کان ما جعل غایة له بغایة ، وهو واضح إلی النهایة.

وأما إذا کانت بحسبها قیداً للموضوع ، مثل ( سر من البصرة إلی

ص: 208


1- کما فی مطارح الأنظار / 186 ، فی مفهوم الغایة ، المقام الثانی.
2- الذریعة 1 / 407 ، فی عدم الفرق بین الوصف والغایة.
3- راجع عدة الأصول 2 / 24 ، تعلیق الحکم بالغایة. هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علی الطوسی ، ولد سنة 385 ، قدم العراق سنة 408 ه ، تتلمذ علی الشیخ المفید والسید المرتضی وابی الحسین علی بن احمد بن محمد بن ابی الجید القمی ، ثم هاجر إلی مشهد امیر المؤمنین (ع) خوفاً من الفتنة التی تجددت ببغداد واحرقت کتبه وکرسی درسه ، بقی فی النجف إلی ان توفی سنة 460 ه له مصنفات کثیرة منها : « التبیان » و « التهذیب » و « الاستبصار » و « المبسوط » و « الخلاف » و « العدة » فی الأصول. ( الکنی والالقاب 2 / 357 )
4- الکافی : 5 / 313. الحدیث 40 من باب النوادر ، کتاب المعیشة. باختلاف یسیر.
5- التهذیب : 1 / 284. الحدیث 119. باختلاف یسیر.

الکوفة ) ، فحالها حال الوصف فی عدم الدلالة ، وأنّ کان تحدیده بها بملاحظة حکمه وتعلق الطلب به ، وقضیته لیس إلّا عدم الحکم فیها إلّا بالمغیّا ، من دون دلالة لها أصلاً علی انتفاء سنخه عن غیره ، لعدم ثبوت وضع لذلک ، وعدم قرینة ملازمة لها ولو غالباً ، دلت علی اختصاص الحکم به ، وفائدة التحدید بها کسائر أنحاء التقیید ، غیر منحصرة بإفادته کما مرّ فی الوصف.

ثم إنّه فی الغایة خلاف آخر ، کما أشرنا إلیه ، وهو إنّها هل هی داخلة فی المغیّا بحسب الحکم ، أو خارجة عنه؟ والاظهر خروجها ، لکونها من حدوده ، فلا تکون محکومة بحکمه ، ودخوله فیه فی بعضٍ الموارد إنّما یکون بالقرینة ، وعلیه تکون کما بعدها بالنسبة إلی الخلاف الأوّل ، کما إنّه علی القول الآخر تکون محکومة بالحکم منطوقاً ، ثم لا یخفی أن هذا الخلاف لا یکاد یعقل جریإنّه فیما إذا کان قیداً للحکم ، فلا تغفل(1)

فصل لا شبهة فی دلالة الاستثناء

علی اختصاص الحکم - سلباً أو إیجاباً - بالمستثنی منه ولا یعم المستثنی ، ولذلک یکون الاستثناء من النفی إثباتاً ، ومن الإِثبات نفیاً ، وذلک للانسباق عند الإِطلاق قطعاً ، فلا یعبأ بما عن أبی حنیفة (2)من عدم الإِفادة ، محتجاً بمثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) ضرورة ضعف احتجاجه :

ص: 209


1- حیث أن المغیّا حینئذ هو نفس الحکم ، لا المحکوم به لیصحّ أن ینازع فی دخول الغایة فی حکم المغیّا ، أو خارج عنه ، کما لا یخفی ، نعم یعقل أن ینازع فی أن الظاهر هل هو انقطاع الحکم المغیّا بحصول غایته [ فی ] الاصطلاح ، أیّ مدخول إلی أو حتی. أو استمراره فی تلک الحال ، ولکن الأظهر هو انقطاعه ، فافهم واستقم ، ( منه قدس سره ).
2- راجع شرح مختصر الأصول للعضدی / 265 ، والتقریر والتحبیر 1 / 313.

أولا : یکون المراد من مثله (1) إنّه لا تکون الصلاة التی کانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فیها صلاة ، إلّا إذا کانت واجدة للطهارة ، وبدونها لا تکون صلاة علی وجه ، وصلاة تامة مأموراً بها علی آخر.

وثانیاً : بأن الاستعمال مع القرینة ، کما فی مثل الترکیب ، مما علم فیه الحال لا دلالة له علی مدعاه أصلاً ، کما لا یخفی.

ومنه قد انقدح (2) إنّه لا موقع للاستدلال علی المدَّعی ، بقبول رسول الله صلی الله علیه و آله إسلام من قال کلمة التوحید ، لإمکان دعوی أن دلالتها علی التوحید کان بقرینة الحال أو المقال.

والاشکال فی دلالتها علیه - بأن خبر ( لا ) امّا یقدّر ( ممکن ) أو ( موجود ) وعلی کلّ تقدیر لا دلالة لها علیه ، امّا علی الأوّل : فإنّه(3) حینئذ لا دلالة لها إلّا علی إثبات إمکان وجوده تبارک وتعالی ، لا وجوده ، وأما علی الثّانی : فلأنها وأنّ دلت علی وجوده تعالی ، إلّا إنّه لا دلالة لها علی عدم إمکان إله آخر - مندفع ، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود ؛ ونفی ثبوته ووجوده فی الخارج ، وإثبات فرد منه فیه - وهو الله - یدلّ بالملازمة البینة علی امتناع تحققه فی ضمن غیره تبارک وتعالی ، ضرورة إنّه لو لم یکن ممتنعا لوجد ، لکونه من أفراد الواجب.

ص: 210


1- بل المراد من مثله فی المستثنی منه نفی الإِمکان ، وإنّه لا یکاد یکون بدون المستثنی ، قضیته لیس إلّا إمکان ثبوته معه لا ثبوته فعلاً ، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضایا العرفیة ، منه ( قدس سره )
2- ردّ علی صاحب الفصول والشیخ قدس سره أنظر الفصول / 195 ، مطارح الأنظار / 187
3- فی « ب » فلإنّه.

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء علی الحکم فی طرف المستثنی بالمفهوم ، وإنّه لازم خصوصیة الحکم فی جانب المستثنی منه التی دلت علیها الجملة الاستثنائیة ، نعم لو کانت الدلالة فی طرفه بنفس الاستثناء لا بتلک الجملة ، کانت بالمنطوق ، کما هو لیس ببعید ، وأنّ کان تعیین ذلک لا یکاد یفید.

ومما یدلّ علی الحصر والاختصاص ( إنّما ) ، وذلک لتصریح أهل اللغة بذلک ، وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.

ودعوی - أن الإِنصاف (1) إنّه لا سبیل لنا إلی ذلک ، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا یعلم بما هو مرادف لها فی عرفنا ، حتی یستکشف منها (2) ما هو المتبادر منها - غیر مسموعة ، فإن السبیل إلی التبادر لا ینحصر بالانسباق إلی أذهاننا ، فإن الانسباق إلی أذهان أهل العرف أیضاً سبیل.

وربما یعد مما دلّ علی الحصر ، کلمة ( بل ) الإِضرابیة.

والتحقیق أن الإِضراب علی أنحاء :

منها : ماکان لأجل أن المضرب عنه ، إنّما أتی به غفلة أو سبقه به لسإنّه ، فیضرب بها عنه إلی ما قصد بیإنّه ، فلا دلالة له علی الحصر أصلاً ، فکإنّه أتی بالمضرب إلیه ابتداء ، کما لا یخفی.

ومنها : ما کان لأجل التأکید ، فیکون ذکر المضرب عنه کالتوطئة والتمهید لذکر المضرب إلیه ، فلا دلالة له علیه أیضاً.

ومنها : ما کان فی مقام الردع ، وإبطال ما أثبت أولاً ، فیدل علیه (3)وهو

ص: 211


1- المدعی هو الشیخ ( قدس ) مطارح الأنظار / 188.
2- فی « ب » : منه.
3- إذا کان بصدد الردع عنه ثبوتاً ، وأما إذا کان بصدده إثباتاً ، کما إذا کان مثلاً بصدد بیان إنّه إنّما أثبته أولاً بوجه لا یصحّ معه الإِثبات اشتباها ، فلا دلالة له علی الحصر أیضاً ، فتأمل جیداً ( منه قدس سره )

واضح.

ومما یفید الحصر - علی ما قیل - تعریف المسند إلیه باللام.

والتحقیق إنّه لا یفیده إلّا فیما اقتضاه المقام ، لأن الأصل فی اللام أن تکون لتعریف الجنس ، کما أن الأصل فی الحمل فی القضایا المتعارفة ، هو الحمل المتعارف الذی ملاکه مجرد الاتحاد فی الوجود ، فإنّه الشائع فیها ، لا الحمل الذاتی الذی ملاکه الاتحاد بحسب المفهوم ، کما لا یخفی ، وحمل شیء علی جنس وماهیة کذلک ، لا یقتضی اختصاص تلک الماهیة به وحصرها علیه ، نعم ، لو قامت قرینة علی أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإِطلاق ، أو علی أن الحمل علیه کان ذاتیا لاُفید حصر مدخوله علی محموله واختصاصه به.

وقد انقدح بذلک الخلل فی کثیر من کلمات الأعلام فی المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام ، ولا نطیل بذکرها فإنّه بلا طائل ، کما یظهر للمتأمل ، فتأمل جیداً.

فصل لا دلالة للقب ولا للعدد علی المفهوم

وانتفاء سنخ الحکم عن غیر موردهما أصلاً ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه لیس بمفهوم ، کما أن قضیة التقیید بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار علی ما دونه ، لإنّه لیس بذاک الخاص والمقید ، وأما الزیادة فکالنقیصة إذا کان التقیید به للتحدید بالإضافة إلی کلاّ طرفیه ، نعم لو کان لمجرد التحدید بالنظر إلی طرفه الأقلّ لما کان فی الزیادة ضیر أصلاً ، بل ربما کان فیها فضیلة وزیادة ، کما لا یخفی.

وکیف کان ، فلیس عدم الاجتزاء بغیره من جهة دلالته علی المفهوم ، بل إنّما یکون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ فی المنطوق ، کما هو معلوم.

ص: 212

المقصد الرابع : فی العام والخاص

فصل

ص: 213

ص: 214

قد عرفّ (1) العام بتعاریف ، وقد وقع من الأعلام فیها النقض بعدم الاطراد تارةً والانعکاس أُخری بما لا یلیق بالمقام ، فإنّها تعاریف لفظیة ، تقع فی جواب السؤال عنه ب ( ما ) (2) الشارحة ، لا واقعة فی جواب السؤال عنه ب ( ما ) (3) الحقیقیة ، کیف؟ وکان المعنی المرکوز منه فی الأذهان أوضح مما عرفّ به مفهوماً و مصداقاً ، ولذا یجعل صدق ذاک المعنی علی فرد وعدم صدقه ، المقیاس فی الإِشکال علیها بعدم الاطراد أو الانعکاس بلا ریب فیه ولا شبهة تعتریه من أحد ، والتعریف لابد أن یکون بالاجلی ، کما هو أوضح من أن یخفی.

فالظاهر أن الغرض من تعریفه ، إنّما هو بیان ما یکون بمفهومه جامعاً بین ما لا شبهة فی إنّها أفراد العام ، لیشار به إلیه فی مقام إثبات ما له من الأحکام ، لا بیان ما هو حقیقته (4) وماهیته ، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محلّ الکلام بحسب الأحکام من أفراده ومصادیقه ، حیث لا یکون بمفهومه العام محلاً لحکم من الأًحکام.

ص: 215


1- 1. راجع معارج الأصول / 81 ، وزبدة الأصول / 95 ، والمستصفی 2 / 32.
2- 2 و2. فی « أ » : بالما ، وفی « ب » : بالماء.
3- 3. فی « ب » حقیقة.
4-

ثم الظاهر أن ما ذکر له من الأقسام : من الاستغراقی (1) والمجموعی والبدلی إنّما هو باختلاف کیفیة تعلق الأحکام به ، وإلاّ فالعموم فی الجمیع بمعنی واحد ، وهو شمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه ، غایة الأمر أن تعلق الحکم به تارةً بنحو یکون کلّ فرد موضوعاً علی حدة للحکم ، وأخری بنحو یکون الجمیع موضوعاً واحداً ، بحیث لو أخلّ بإکرام واحد فی ( أَکرم کلّ فقیه ) مثلاً ، لما امتثل أصلاً ، بخلاف الصورة الأولی ، فإنّه أطاع وعصی ، وثالثة بنحو یکون کلّ واحد موضوعاً علی البدل ، بحیث لو أَکرم واحداً منهم ، لقد أطاع وامتثل ، کما یظهر لمن أمعن النظر وتأمل.

وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغیرها لآحادها المندرجة تحتها لیس من العموم ، لعدم صلاحیتها بمفهومها للانطباق علی کلّ واحد منها ، فافهم.

فصل لا شبهة فی أن للعموم صیغة تخصه

لغةً وشرعا کالخصوص کما یکون ما یشترک بینهما ویعمهما ، ضرورة أن مثل لفظ ( کلّ ) وما یرادفه فی أیّ لغةً کان یخصه ، ولا یخص الخصوص ولا یعمه ، ولا ینافی اختصاصه به استعماله فی الخصوص عنایة ، بادعاء إنّه العموم ، أو بعلاقة العموم والخصوص.

ومعه لا یصغی إلی أن إرادة الخصوص متیقنة ، ولو فی ضمنه بخلافه ، وجعل اللفظ حقیقة فی المتیقن أولی ، ولا إلی أن التخصیص قد اشتهر وشاع ، حتی قیل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ، والظاهر یقتضی کونه حقیقة ، لما هو الغالب تقلیلاً للمجاز ؛ مع أن تیقن إرادته لا یوجب اختصاص الوضع به ، مع

ص: 216


1- إن قلت : کیف ذلک؟ ولکل واحد منها لفظ غیر ما للآخر ، مثل ( أیّ رجل ) للبدلی ، و ( کلّ رجل ) للاستغراقی. قلت : نعم ، ولکنه لا یقتضی أن تکون هذه الأقسام له بملاحظة إختلاف کیفیة تعلق الأحکام ، لعدم إمکان تطرق هذه الأقسام إلّا بهذه الملاحظة ، فتأمل جیداً منه ( قدس سره ).

کون العموم کثیراً ، ما یراد ، واشتهار التخصیص لا یوجب کثرة المجاز ، لعدم الملازمة بین التخصیص والمجازیة ، کما یأتی توضیحه ، ولو سلّم فلا محذور فیه أصلاً إذا کان بالقرینة ، کما لا یخفی.

فصل [فی بیان ما دل علی العموم]

ربما عد من الألفاظ الدالة علی العموم ، النکرة فی سیاق النفی أو النهی ، ودلالتها علیه لا ینبغی أن تنکر عقلاً ، لضرورة إنّه لا یکاد یکون طبیعة معدومة ، إلّا إذا لم یکن فرد منها بموجود ، وإلاّ کانت موجودة ، لکن لا یخفی إنّها تفیده إذا أخذت مرسلة (1)لا مبهمة قابلة للتقید ، وإلاّ فسلبها لا یقتضی إلّا استیعاب السلب ، لما أُرید منها یقیناً ، لا استیعاب ما یصلح انطباقها علیه من أفرادها. وهذا لا ینافی کون دلالتها علیه عقلیة ، فإنّها بالإضافة إلی أفراد ما یراد منها ، لا الأفراد التی یصلح لانطباقها علیها ، کما لا ینافی دلالة مثل لفظ ( کلّ ) علی العموم وضعاً کون عمومه بحسب ما یراد من مدخوله ، ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بقیود کثیرة.

نعم لا یبعد أن یکون ظاهراً عند إطلاقها فی استیعاب جمیع أفرادها ، وهذا هو الحال فی المحلی باللام جمعاً کان أو مفرداً - بناءً علی إفادته للعموم - ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بالوصف وغیره ، وإطلاق التخصیص علی تقییده ، لیس إلّا من قبیل ( ضیّق فم الرکیة ) ، لکن دلالته علی العموم وضعاً محلّ منع ، بل إنّما یفیده فیما إذا اقتضته الحکمة أو قرینة أُخری ، وذلک لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمرکب منهما ، کما لا یخفی ، وربما یأتی فی المطلق والمقید بعضٍ الکلام مما یناسب المقام.

ص: 217


1- وإحراز الإرسال فیما اضیفت [ إلیه ] إنّما هو بمقدمات الحکمة ، فلولاها کانت مهملة ، وهی لیست إلّا بحکم الجزئیة ، فلا تفید إلّا نفی هذه الطبیعة فی الجملة ولو فی ضمن صنف منها ، فافهم فإنّه لا یخلو من دقة منه ( قدس سره ).

فصل [فی تحقیق العام المخصص]

لا شبهة فی أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فیما بقی فیما علم عدم دخوله فی المخصص مطلقاً ولو کان متصلاً ، وما احتمل دخوله فیه أیضاً إذا کان منفصلاً ، کما هو المشهور (1) بین الأصحاب ، بل لا ینسب الخلاف إلّا إلی بعضٍ (2) أهل الخلاف. وربما فصل (3) بین المخصص المتصل فقیل بحجیته فیه ، وبین المنفصل فقیل بعدم حجیته.

واحتج النافی بالإِجمال ، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصیات ، وتعیین (4) الباقی من بینها بلا معیّن ترجیح بلا مرجح.

والتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّه لا یلزم من التخصیص کون العام مجازاً ، امّا فی التخصیص بالمتصل ، فلما عرفت من إنّه لا تخصیص أصلاً ، وأنّ أدوات العموم قد استعملت فیه ، وأنّ کان دائرته سعة وضیقاً تختلف باختلاف ذوی الأدوات ، فلفظة ( کلّ ) فی مثل ( کلّ رجل ) و ( کلّ رجل عالم ) قد استعملت فی العموم ، وأنّ کان أفراد أحدهما بالإضافة إلی الآخر بل فی نفسها فی غایة القلة.

واما فی المنفصل ، فلان إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فیه وکون الخاص قرینة علیه ، بل من الممکن قطعاً استعماله معه فی العموم قاعدة ، وکون الخاص مانعاً عن حجیة ظهوره تحکیما للنص ، أو الأظهر علی الظاهر ، لامصادما لاصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصیر إلی إنّه قد استعمل فیه مجازاً ، کی یلزم الإِجمال.

ص: 218


1- أنظر مطارح الأنظار / 192.
2- کأبی ثور وعیسی بن أبان ، راجع الإِحکام فی أصول الأحکام ، الجزء الثّانی / 443.
3- کالبلخی ، راجع المصدر المتقدم / 444.
4- فی « ب » تعیّن.

لا یقال : هذا مجرد احتمال ، ولا یرتفع به الإِجمال ، لاحتمال الاستعمال فی خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنّه یقال : مجرد احتمال استعماله فیه لا یوجب إجماله بعد استقرار ظهوره فی العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجیة تحکیما لما هو الأقوی ، کما أشرنا إلیه آنفا.

وبالجملة : الفرق بین المتصل والمنفصل ، وأنّ کان بعدم انعقاد الظهور فی الأوّل إلّا فی الخصوص ، وفی الثّانی إلّا فی العموم ، إلّا إنّه لا وجه لتوهم استعماله مجازاً فی واحد منهما أصلاً ، وإنما اللازم الالتزام بحجیة الظهور فی الخصوص فی الأوّل ، وعدم حجیة ظهوره فی خصوص ما کان الخاص حجة فیه فی الثّانی ، فتفطن.

وقد أجیب عن الاحتجاج (1) ، بأن الباقی أقرب المجازات.

وفیه : لا اعتبارٍ فی الاقربیة بحسب المقدار ، وإنما المدار علی الاقربیة بحسب زیادة الانس الناشئة من کثرة الاستعمال.

وفی تقریرات بحث شیخنا الأستاذ (2) قدس سره فی مقام الجواب عن الاحتجاج ، ما هذا لفظه : ( والاُولی أن یجاب بعد تسلیم مجازیة الباقی ، بأن دلالة العام علی کلّ فرد من أفراده غیر منوطة بدلالته علی فرد آخر من أفراده ، ولو کانت دلالة مجازیة ، إذ هی بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غیرها فی مدلوله ، فالمقتضی للحمل علی الباقی موجود والمانع مفقود ، لأن المانع فی مثل المقام إنّما هو ما یوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلی الباقی لاختصاص المخصص بغیره ، فلو شک فالأصل عدمه ) ، انتهی موضع الحاجة.

ص: 219


1- الجواب للمحقق القمی والمحقق الحائری ، القوانین 1 / 266 الفصول / 200
2- مطارح الأنظار / 192 ، فی العموم والخصوص.

قلت : لا یخفی أن دلالته علی کلّ فرد إنّما کانت لأجل دلالته علی العموم والشمول ، فإذا لم یستعمل فیه واستعمل فی الخصوص - کما هو المفروض - مجازاً ، وکان إرادة کلّ واحد من مراتب الخصوصیات مما جاز انتهاء التخصیص إلیه ، واستعمال العام فیه مجازاً ممکناً ، کان تعیّن (1) بعضها بلا معیّن ترجیحاً بلا مرجح ، ولا مقتضی لظهوره فیه ، ضرورة أن الظهور امّا بالوضع وإما بالقرینة ، والمفروض إنّه لیس بموضوع له ، ولم یکن هناک قرینة ، ولیس له موجب آخر ، ودلالته علی کلّ فرد علی حدة حیث کانت فی ضمن دلالته علی العموم ، لا یوجب ظهوره فی تمام الباقی بعد عدم استعماله فی العموم ، إذا لم تکن هناک قرینة علی تعیینه ، فالمانع عنه وأنّ کان مدفوعاً بالأصل ، إلّا إنّه لا مقتضی له بعد رفع الید عن الوضع ، نعم إنّما یجدی إذا لم یکن مستعملاً إلّا فی العموم ، کما فیما حققناه فی الجواب ، فتأمل جیداً.

فصل [فی المخصص المجمل]

إذا کان الخاص بحسب المفهوم مجملاً ، بأن کان دائراً بین الأقلّ والأکثر وکان منفصلاً ، فلا یسری إجماله إلی العام ، لا حقیقة ولا حکماً ، بل کان العام متّبعاً فیما لا یتبع فیه الخاص ، لوضوح إنّه حجة فیه بلا مزاحم أصلاً ، ضرورة أن الخاص إنّما یزاحمه فیما هو حجة علی خلافه ، تحکیما للنص أو الأظهر علی الظاهر ، لا فیما لا یکون کذلک ، کما لا یخفی.

وإن لم یکن کذلک بأن کان دائراً بین المتباینین مطلقاً ، أو بین الأقلّ والأکثر فیما کان متصلاً ، فیسری إجماله إلیه حکماً فی المنفصل المردّد بین المتباینین ، وحقیقة فی غیره :

ص: 220


1- فی « أ » : تعیین.

أما الأوّل : فلان العام - علی ما حققناه (1) - کان ظاهراً فی عمومه ، إلّا إنّه یتبع ظهوره فی واحد من المتباینین اللذین علم تخصیصه بأحدهما.

وأما الثّانی : فلعدم (2)انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف الکلام بما یوجب احتماله لکلّ واحد من الأقل والأکثر ، أو لکلّ واحد من المتباینین ، لکنه حجة فی الأقل ، لإنّه المتیقن فی البین.

فانقدح بذلک الفرق بین المتصل والمنفصل ، وکذا فی المجمل بین المتباینین والأکثر والاقل ، فلا تغفل.

وأما إذا کان مجملاً بحسب المصداق ، بأن اشتبه فرد وتردد بین أن یکون فرداً له أو باقیا تحت العام ، فلا کلام فی عدم جواز التمسک بالعام لو کان متصلاً به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للکلام إلّا فی الخصوص ، کما عرفت.

وأما إذا کان منفصلاً عنه ، ففی جواز التمسک به خلاف ، والتحقیق عدم جوازه ، إذ غایة ما یمکن أن یقال فی وجه جوازه ، أن الخاص إنّما یزاحم العام فیما کان فعلاً حجة ، ولا یکون حجة فیما اشتبه إنّه من أفراده ، فخطاب ( لا تکرم فساق العلماء ) لا یکون دلیلاً علی حرمة إکرام من شک فی فسقه من العلماء ، فلا یزاحم مثل ( أَکرم العلماء ) ولا یعارضه ، فإنّه یکون من قبیل مزاحمة الحجة بغیر الحجة ، وهو فی غایة الفساد ، فإن الخاص وأنّ لم یکن دلیلاً فی الفرد المشتبه فعلاً ، إلّا إنّه یوجب اختصاص حجیة العام فی غیر عنوإنّه من الأفراد ، فیکون ( أَکرم العلماء ) دلیلاً وحجة فی العالم الغیر الفاسق ، فالمصداق المشتبه وأنّ کان مصداقاً للعام بلا کلام ، إلّا إنّه لم یعلم إنّه من مصادیقه بما هو حجة ، لاختصاص حجیته بغیر الفاسق.

وبالجملة العام المخصص بالمنفصل ، وأنّ کان ظهوره فی العموم ، کما إذا

ص: 221


1- فی صفحة 219.
2- فی « ب » : ولعدم.

لم یکن مخصصاً ، بخلاف المخصص بالمتصل کما عرفت ، إلّا إنّه فی عدم الحجیة إلّا فی غیر عنوان الخاص مثله ، فحینئذ یکون الفرد المشتبه غیر معلوم الاندراج تحت إحدی الحجتین ، فلابد من الرجوع إلی ما هو الأصل فی البین ، هذا إذا کان المخصص لفظیاً.

وأما إذا کان لبیّاً ، فإن کان مما یصحّ أن یتّکل علیه المتکلم ، إذا کان بصدد البیان فی مقام التخاطب ، فهو کالمتصل ، حیث لا یکاد ینعقد معه ظهور للعام إلّا فی الخصوص ، وأنّ لم یکن کذلک ، فالظاهر بقاء العام فی المصداق المشتبه علی حجیته کظهوره فیه.

والسّر فی ذلک ، أن الکلام الملقی من السید حجة ، لیس إلّا ما اشتمل علی العام الکاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلابد من اتباعه ما لم یقطع بخلافه ، مثلاً إذا قال المولی : ( أَکرم جیرانی ) وقطع بإنّه لا یرید إکرام من کان عدوّاً له منهم ، کان أصالة العموم باقیة علی الحجیة بالنسبة إلی من لم یعلم بخروجه عن عموم الکلام ، للعلم بعدواته ، لعدم حجة أُخری بدون ذلک علی خلافه ، بخلاف ما إذا کان المخصص لفظیاً ، فإن قضیة تقدیمه علیه ، هو کون الملقی إلیه کإنّه کان من رأس لا یعم الخاص ، کما کان کذلک حقیقة فیما کان الخاص متصلاً ، والقطع بعدم إرادة العدوّ لا یوجب انقطاع حجیته ، إلّا فیما قطع إنّه عدّوه ، لا فیما شک فیه ، کما یظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولی له لو لم یکرم واحداً من جیرإنّه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته علی مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة ، کما لا یخفی علی من راجع الطریقة المعروفة ، والسیرة المستمرة المألوفة بین العقلاء التی هی ملاک حجیة أصالة الظهور.

وبالجملة :کان بناءً العقلاء علی حجیتها بالنسبة إلی المشتبه هاهنا بخلاف هناک ، ولعله لما أشرنا إلیه من التفاوت بینهما ، بإلقاء حجتین هناک ، تکون قضیتهما بعد تحکیم الخاص وتقدیمه علی العام ، کإنّه لم یعمه حکماً من رأس

ص: 222

وکأنه لم یکن بعام ، بخلاف هاهنا ، فإن الحجة الملقاة لیست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إکرام العدوّ فی ( أَکرم جیرانی ) مثلاً ، لا یوجب رفع الید عن عمومه إلّا فیما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه علی الحکیم إلقاء کلامه علی وفق غرضه ومرامه ، فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوی علی خلافه.

بل یمکن أن یقال : إن قضیة عمومه للمشکوک ، إنّه لیس فرداً لما علم بخروجه من حکمه بمفهومه ، فیقال فی مثل ( لعن الله بنی أمیة قاطبة ) (1): إن فلاناً وأنّ شک فی إیمإنّه یجوز لعنه لمکان العموم ، وکل من جاز لعنه لا یکون مؤمناً ، فینتج إنّه لیس بمؤمن ، فتأمل جیداً.

إیقاظ : لا یخفی أن الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل ، لما کان غیر معنون بعنوان خاص ، بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص ، کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد - إلّا ما شذ - ممکناً ، فبذلک یحکم علیه بحکم العام وأنّ لم یجز التمسک به بلا کلام ، ضرورة إنّه قلَّما لا یوجد (2)عنوان یجری فیه أصل ینقح به أنّه مما بقی تحته ، مثلاً إذا شک أن أمراًة تکون قرشیة ، فهی وأنّ کانت وجدت امّا قرشیة أو غیرها ، فلا أصل یحرز إنّها قرشیة أو غیرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بینها وبین قریش (3)تجدی فی تنقیح إنّها ممن لا تحیض إلّا إلی خمسین ، لأن المرأة التی لا یکون بینها وبین قریش (4) انتساب أیضاً باقیة تحت ما دلّ علی أن المرأة إنّما تری الحمرة إلی خمسین ، والخارج عن تحته هی القرشیة ، فتأمل تعرف.

وهم وإزاحة : ربما یظهر عن بعضهم التمسک بالعمومات فیما إذا شک

ص: 223


1- کامل الزیارات / 176 ، الباب 71.
2- فی « ب » : لم یوجد.
3- فی « أ و ب » القریش.
4- فی « أ و ب » القریش.

فی فرد ، لا من جهة احتمال التخصیص ، بل من جهة أُخری ، کما إذا شک فی صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فیستکشف صحته بعموم مثل ( أوفوا بالنذور ) فیما إذا وقع متعلقاً للنذر ، بأن یقال : وجب الإِتیان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم ، وکل ما یجب الوفاء به لا محالة یکون صحیحاً ، للقطع بإنّه لولا صحته لما وجب الوفاء به ، وربما یؤید ذلک بما ورد من صحة الإِحرام والصیام قبل المیقات (1) وفی السفر (2) إذا تعلق بهما النذر کذلک.

والتحقیق أن یقال : إنّه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتکلفة لأَحکام العناوین الثانویة فیما شک من غیر جهة تخصیصها ، إذا أخذ فی موضوعاًتها أحد الأحکام المتعلقة بالافعال بعناوینها الأولیة (3)، کما هو الحال فی وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه فی الأمور المباحة أو الراجحة ، ضرورة إنّه معه لا یکاد یتوهم عاقل إنّه إذا شک فی رجحان شیء أو حلیته جواز التمسک بعموم دلیل وجوب الإطاعة أو الوفاء فی رجحإنّه أو حلیته.

نعم لا بأس بالتمسک به فی جوازه بعد إحراز التمکن منه والقدرة علیه _ فیما لم یؤخذ فی موضوعاًتها حکم أصلاً ، فإذا شک فی جوازه صحّ (4) التمسک بعموم دلیلها فی الحکم بجوازها ، وإذا کانت محکومة بعناوینها الأولیة بغیر حکمها بعناوینها الثانویة ، وقع (5) المزاحمة بین المقتضیین ، ویؤثر الأقوی منهما لو

ص: 224


1- - التهذیب 5 / 53 ، الأحادیث 8 إلی 10 من باب 6 المواقیت. الاستبصار 2 / 161 الأحادیث 8 إلی 10 من باب 93 من أحرم قبل المیقات ، وللمزید راجع وسائل الشیعة 8 / 236 الباب 13 من ابواب المواقیت
2- التهذیب 4 / 235 الحدیث 63 و 64 من باب 57 حکم المسافر والمریض فی الصیام وللمزید راجع وسائل الشیعة 7 / 139 الباب 10 من ابواب من یصحّ منه الصوم الحدیث 1 و 7.
3- فی « أ » : الأولویة.
4- فی « أ » : فصح.
5- فی « أ » : فتقع.

کان فی البین ، وإلاّ لم یؤثر أحدهما ، وإلاّ لزم الترجیح بلا مرجح ، فلیحکم علیه حینئذ بحکم آخر ، کالاباحة إذا کان أحدهما مقتضیاً للوجوب والآخر للحرمة مثلاً.

وأما صحة الصوم فی السفر بنذره فیه - بناءً علی عدم صحته فیه بدونه - وکذا الإِحرام قبل المیقات ، فإنما هو لدلیل خاص ، کاشف عن رجحإنّهما ذاتاً فی السفر وقبل المیقات ، وإنما لم یأمر بهما استحباباً أو وجوباً لمانع یرتفع مع النذر ، وإما لصیرورتهما راجحین بتعلق النذر بهما بعد ما لم یکونا کذلک ، کما ربما یدلّ علیه ما فی الخبر من کون الإِحرام قبل المیقات کالصلاة قبل الوقت (1)

لا یقال : لا یجدی صیرورتهما راجحین بذلک فی عبادیتهما ، ضرورة کون وجوب الوفاء توصلیاً لا یعتبر فی سقوطه إلّا الإِتیان بالمنذور بأی داع کان.

فإنّه یقال : عبادیتهما إنّما تکون لأجل کشف دلیل صحتهما عن عروض عنوان راجح علیهما ، ملازم لتعلق النذر بهما ، هذا لو لم نقل بتخصیص عموم دلیل اعتبارٍ الرجحان فی متعلق النذر بهذا الدلیل ، وإلاّ أمکن أن یقال بکفایة الرجحان الطاریء علیهما من قبل النذر فی عبادیتهما ، بعد تعلق النذر بإتیإنّهما عبادیاً ومتقرباً بهما منه تعالی ، فإنّه وأنّ لم یتمکن من إتیإنّهما کذلک قبله ، إلّا إنّه یتمکن منه بعده ، ولا یعتبر فی حصة النذر إلّا التمکن من الوفاء ولو بسببه ، فتأمل جیداً.

بقی شیء ، وهو إنّه هل یجوز التمسک بأصالة عدم التخصیص؟ فی إحراز عدم کون ما شک فی إنّه من مصادیق العام ، مع العلم بعدم کونه محکوماً

ص: 225


1- لم نعثر علی الخبر المشار إلیه فی المتن ، ولکن ورد إنّه کمن صلّی فی السفر اربعاً وترک الثنتین. راجع الکافی 4 / 321 الحدیث 2 ، 6 من باب من احرم دون الوقت.

بحکمه ، مصداقاً له؟ مثل ما إذا علم أن زیداً یحرم إکرامه ، وشک فی إنّه عالم ، فیحکم علیه بأصالة عدم تخصیص ( أَکرم العلماء ) إنّه لیس بعالم ، بحیث یحکم علیه بسائر ما لغیر العالم من الأًحکام.

فیه إشکال ، لاحتمال اختصاص حجیتها بما إذا شک فی کون فرد العام محکوماً بحکمه ، کما هو قضیة عمومه ، والمثبت من الأصول اللفظیة وأنّ کان حجة ، إلّا إنّه لابد من الاقتصار علی ما یساعد علیه الدلیل ، ولا دلیل هاهنا إلّا السیرة وبناء العقلاء ، ولم یعلم استقرار بنائهم علی ذلک ، فلا تغفل.

فصل هل یجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

فیه خلاف ، وربما نفی (1) الخلاف عن عدم جوازه ، بل ادعی الاجماع (2) علیه ، والذی ینبغی أن یکون محلّ الکلام فی المقام ، إنّه هل یکون أصالة العموم متبعة مطلقاً؟ أو بعد الفحص عن المخصص والیأس عن الظفر به؟ بعد الفراغ عن (3)اعتبارها بالخصوص فی الجملة ، من باب الظن النوعی للمشافه وغیره ، ما لم یعلم بتخصیصه تفصیلا ، ولم یکن من أطراف ما علم تخصیصه إجمالاً ، وعلیه فلا مجال لغیر واحد مما استدل به علی عدم جواز العمل به قبل الفحص والیاس.

فالتحقیق عدم جواز التمسک به قبل الفحص ، فیما إذا کان فی معرض التخصیص کما هو الحال فی عمومات الکتاب والسنة ، وذلک لأجل إنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء علی عدم العمل به قبله ، فلا أقل من الشک ،

ص: 226


1- الغزالی فی المستصفی 2 / 157.
2- مطارح الأنظار / 197 ، قال : « بل ادعی علیه الاجماع کما عن النهایة » ولم نعثر علیه فی مظإنّه من النهایة ، راجع نهایة الأصول / 139. ونقل الاجماع عن الغزالی والامدی ، راجع فواتح الرحموت 1 / 267.
3- فی « ب » : من.

کیف؟ وقد ادعی الاجماع علی عدم جوازه ، فضلاً عن نفی الخلاف عنه ، وهو کافٍ فی عدم الجواز ، کما لا یخفی.

وأما إذا لم یکن العام کذلک ، کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی السنة أهل المحاورات ، فلا شبهة فی أن السیرة علی العمل به بلا فحص عن مخصص ، وقد ظهر لک بذلک أن مقدار الفحص اللازم ما به یخرج عن المعرضیة له ، کما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التی استدل بها من العلم الإِجمالی به (1) أو حصول الظن بما هو التکلیف (2) ، أو غیر ذلک رعایتها ، فیختلف مقداره بحسبها ، کما لا یخفی.

ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل ، باحتمال إنّه کان ولم یصل ، بل حاله حال احتمال قرینة المجاز ، وقد اتفقت کلماتهم علی عدم الاعتناء به مطلقاً ، ولو قبل الفحص عنها ، کما لا یخفی.

إیقاظ : لا یذهب علیک الفرق بین الفحص هاهنا ، وبینه فی الأصول العملیة ، حیث إنه هاهنا عما یزاحم الحجة (3)، بخلافه هناک ، فإنّه بدونه لا حجة ، ضرورة أن العقل بدونه یستقل باستحقاق المؤاخذة علی المخالفة ، فلا یکون العقاب بدونه بلا بیان والمؤاخذة علیها من غیر برهان ، والنقل وأنّ دلّ علی البراءة أو الاستصحاب فی موردهما مطلقاً ، إلّا أن الاجماع بقسمیه علی تقییده به ، فافهم.

فصل هل الخطابات الشفاهیة مثل یا أیها المؤمنون تختص بالحاضر

مجلس التخاطب ، أو تعم غیره من الغائبین ، بل المعدومین؟

ص: 227


1- - استدل بهذا الوجه الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 202 ، رابعها.
2- راجع زبدة الأصول / 97.
3- فی « ب » : الحجیة.

فیه خلاف ، ولابد قبل الخوض فی تحقیق المقام ، من بیان ما یمکن أن یکون محلاً للنقض والأبرام بین الأعلام.

فاعلم إنّه یمکن أن یکون النزاع فی أن التکلیف المتکفل له الخطاب هل یصحّ تعلقه بالمعدومین ، کما صحّ تعلقه بالموجودین ، أم لا؟ أو فی صحة المخاطبة معهم ، بل مع الغائبین عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام إلیهم ، وعدم صحتها ، أو فی عموم الألفاظ الواقعة عقیب أداة الخطاب ، للغائبین بل المعدومین ، وعدم عمومها لهما ، بقرینة تلک الاداة.

ولا یخفی أن النزاع علی الوجهین الأولین یکون عقلّیاً ، وعلی الوجه الأخیر لغویاً.

إذا عرفت هذا ، فلا ریب فی عدم صحة تکلیف المعدوم عقلاً ، بمعنی بعثه أو زجره فعلاً ، ضرورة إنّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقة ، ولا یکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة ، نعم هو بمعنی إنشاءً الطلب بلا بعث ولا زجر ، لا استحالة فیه أصلاً ، فإن الانشاء خفیف المؤونة ، فالحکیم تبارک وتعالی نیشیء علی وفق الحکمة والمصلحة ، طلب شیء قانوناً من الموجود والمعدوم حین الخطاب ، لیصیر فعلّیاً بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلی إنشاءً آخر ، فتدبر.

ونظیره من غیر الطلب إنشاءً التملیک فی الوقف علی البطون ، فإن المعدوم منهم یصیر مالکا للعین الموقوفة ، بعد وجوده بإنشائه ، ویتلقی لها من الواقف بعقده ، فیؤثر فی حق الموجود منهم الملکیة الفعلیة ، ولا یؤثر فی حق المعدوم فعلاً ، إلّا استعدادها لأن تصیر ملکا له بعد وجوده ، هذا إذا اُنشیء الطلب مطلقاً.

وأما إذا اُنشیء مقیداً بوجود المکلف ووجد إنّه الشرائط ، فإمکإنّه بمکان

ص: 228

من الإِمکان.

وکذلک لا ریب فی عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقیقة ، وعدم إمکانه ، ضرورة عدم تحقق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقة إلّا إذا کان موجوداً ، وکان بحیث یتوجه إلی الکلام ، ویلتفت إلیه.

ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب ، مثل أدوات النداء ، لو کان موضوعاً للخطاب الحقیقی ، لأوجب استعماله فیه تخصیص ما یقع فی تلوه بالحاضرین ، کما أن قضیة إرادة العموم منه لغیرهم استعماله فی غیره ، لکن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم یکن موضوعاً لذلک ، بل للخطاب الإِیقاعی الإنشائی ، فالمتکلم ربما یوقع الخطاب بها تحسّراً وتأسفاً وحزناً مثل :

یا کوکباً ما کان أقصر عمره(1)

.................

أو شوقاً ، ونحو ذلک ، کما یوقعه مخاطباً لمن ینادیه حقیقة ، فلا یوجب استعماله فی معناه الحقیقی - حینئذ - التخصیص بمن یصحّ مخاطبته ، نعم لا یبعد دعوی الظهور ، انصرافاً فی الخطاب الحقیقی ، کما هو الحال فی حروف الاستفهام والترجی والتمنی وغیرها ، علی ما حققناه فی بعضٍ المباحث السابقة (2)، من کونها موضوعة للإِیقاعی منها بدواع مختلفة مع ظهورها فی

ص: 229


1- وعجزه .... وکذاک عمر کواکب الاسحار. وهو من رائیة ابو الحسن التهامی فی رثاء ولده الذی مات صغیرا ، وهی فی غایة الحسن والجزالة وفخامة المعنی وجودة السرد وصدرها : حکم المنیة فی البریة جاری ما هذه الدنیا بدار قرار سجن بالقاهرة سنة 416 ثم قتل سرا. رأه بعضٍ اصحابه بعد موته فی المنام وساله عن حاله قال : غفر لی ربی ، فقال : بای الأعمال. قال : بقولی فی مرثیة ولدی الصغیر : جاورت اعدائی وجاور ربه شتان بین جواره وجواری ( شهداء الفضیلة : 24 )
2- فی مبحث الأوامر / 64.

الواقعی منها انصرافاً ، إذا لم یکن هناک ما یمنع عنه ، کما یمکن دعوی وجوده غالباً فی کلام الشارع ، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحکم فی مثل : ( یا أیها الناس اتقوا ) و ( یا أیها المؤمنون ) بمن حضر مجلس الخطاب ، بلا شبهة ولا ارتیاب.

ویشهد لما ذکرنا صحة النداء بالأدوات ، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عنایة ، ولا للتنزیل والعلاقة رعایة.

وتوهمّ کونه ارتکازیاً ، یدفعه عدم العلم به مع الالتفات إلیه ، والتفتیش عن حاله مع حصوله بذلک لو کان مرتکزاً ، وإلاّ فمن أین یعلم بثبوته کذلک؟ کما هو واضح.

وإن أبیت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقیقی ، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهیة بأداة الخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام بدون الاداة کغیرها بالمشافهین ، فیما لم یکن هناک قرینة علی التعمیم.

وتوهمّ صحة التزام التعمیم فی خطاباته تعالی لغیر الموجودین ، فضلاً عن الغائبین ، لإِحاطته بالموجود فی الحال والموجود فی الاستقبال ، فاسد ، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحیة المعدوم بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا یوجب نقصا فی ناحیته تعالی ، کما لا یخفی ، کما أن خطابه اللفظی لکونه تدریجیاً ومتصرم الوجود ، کان قاصراً عن أن یکون موجهاً نحو غیر من کان بمسمع منه ضرورة ، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل یا ( أیها الناس اتقوا ) فی الکتاب حقیقة إلی غیر النبی صلی الله علیه و آله بلسإنّه.

وأما إذا قیل بإنّه المخاطب والموجه إلیه الکلام حقیقة وحیاً أو الهاماً ، فلا محیص إلّا عن کون الاداة فی مثله للخطاب الإِیقاعی ولو مجازاً ، وعلیه لا مجال لتوهم اختصاص الحکم المتکفل له الخطاب بالحاضرین ، بل یعم المعدومین ، فضلاً عن الغائبین.

ص: 230

فصل ربما قیل : إنّه یظهر لعموم الخطابات الشفاهیة للمعدومین ثمرتان :

الأولی (1) : حجیة ظهور خطابات(2)الکتاب لهم کالمشافهین.

وفیه : إنّه مبنی علی اختصاص حجیة الظواهر بالمقصودین بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص بهم. ولو سلّم ، فاختصاص المشافهین بکونهم مقصودین بذلک ممنوع ، بل الظاهر أن الناس کلهم إلی یوم القیامة یکونون کذلک ، وأنّ لم یعمهم الخطاب ، کما یومئ إلیه غیر واحد من الإخبار.

الثانیة (3): صحة التمسک بإطلاقاًت الخطابات القرآنیّة بناءً علی التعمیم ، لثبوت الأحکام لمن وجد وبلغ من المعدومین ، وأنّ لم یکن متحداً مع المشافهین فی الصنف ، وعدم صحته علی عدمه ، لعدم کونها حینئذ متکفلة لأَحکام غیر المشافهین ، فلابد من إثبات اتحاده معهم فی الصنف ، حتی یحکم بالاشتراک مع المشافهین فی الأحکام ، وحیث لا دلیل علیه حینئذ إلّا الاجماع ، ولا إجماع علیه إلّا فیما اتحد الصنف ، کما لا یخفی.

ولا یذهب علیک ، إنّه یمکن إثبات الاتحاد ، وعدم دخل ما کان البالغ الآن فاقداً له مما کان المشافهون واجدین له ، بإطلاق الخطاب إلیهم من دون التقیید به ، وکونهم کذلک لا یوجب صحة الإِطلاق ، مع إرادة المقید معه فیما یمکن أن یتطرق الفقدان ، وأنّ صحّ فیما لا یتطرق إلیه ذلک. ولیس المراد بالاتحاد فی الصنف إلّا الاتحاد فیما اعتبر قیداً فی الأحکام ، لا الاتحاد فیما کثر

ص: 231


1- ذکرها المحقق القمی (ره) فی القوانین 1 / 233 ، فی الخطابات المشافهة.
2- فی « ب » : الخطابات.
3- راجع کلام المحقق الوحید البهبهانی ( قده ) فی کتاب ملاحظات الفرید علی فوائد الوحید / 55.

الاختلاف بحسبه ، والتفاوت بسببه بین الأنام ، بل فی شخص واحد بمرور الدهور والایام ، وإلاّ لما ثبت بقاعدة الاشتراک للغائبین - فضلاً عن المعدومین - حکم من الأًحکام.

ودلیل الاشتراک إنّما یجدی فی عدم اختصاص التکالیف بأشخاص المشافهین ، فیما لم یکونوا مختصین بخصوص عنوان ، لو [ لم ] (1) یکونوا معنونین به لشک فی شمولها لهم أیضاً ، فلولا الإِطلاق وإثبات عدم دخل ذاک العنوان فی الحکم ، لما أفاد دلیل الاشتراک ، ومعه کان الحکم یعم غیر المشافهین ولو قیل باختصاص الخطابات بهم ، فتأمل جیداً.

فتلخص : إنّه لا یکاد تظهر الثمرة إلّا علی القول باختصاص حجیة الظواهر لمن قصد إفهامه ، مع کون غیر المشافهین غیر مقصودین بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص به فی غیر المقام ، وأُشیر (2) إلی منع کونهم غیر مقصودین به فی خطاباته تبارک وتعالی فی المقام.

فصل هل تعقب العام بضمیر یرجع إلی بعضٍ أفراده ، یوجب تخصیصه به أو لا

فیه خلاف بین الأعلام.

ولیکن محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین ، أو فی کلام واحد مع استقلال العام بما حکم علیه فی الکلام ، کما فی قوله تبارک وتعالی : ( والمطلقات یتربصن ) إلی قوله ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (3)وأما ما إذا کان مثل : والمطلقات ازواجهن احق بردهن ، فلا شبهة فی تخصیصه به.

ص: 232


1- اثبتناه من « ب ».
2- فی رده للثمرة الأولی / 231.
3- البقرة : 228.

والتحقیق أن یقال : إنّه حیث دار الأمر بین التصرف فی العام ، بإرادة خصوص ما أُرید من الضمیر الراجع إلیه ، أو التصرف فی ناحیة الضمیر : امّا بإرجاعه إلی بعضٍ ما هو المراد من مرجعه ، أو إلی تمامه مع التوسع فی الإِسناد ، بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقة إلی الکلّ توسعاً وتجوزاً ؛ کانت أصالة الظهور فی طرف العام سالمة عنها فی جانب الضمیر ، وذلک لأن المتیقن من بناءً العقلاء هو اتباع الظهور فی تعیین المراد ، لا فی تعیین کیفیة الاستعمال ، وأنه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإِسناد مع القطع بما یراد ، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر.

وبالجملة : أصالة الظهور إنّما یکون حجة فیما إذا شک فیما أُرید ، لا فیما إذا شک فی إنّه کیف أُرید ، فافهم ، لکنه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم ، بأن لا یعد ما اشتمل علی الضمیر مما یکتنف به عرفاً ، وإلاّ فیحکم علیه بالإِجمال ، ویرجع إلی ما یقتضیه الأصول ، إلّا أن یقال باعتبار اصالة الحقیقة تعبداً ، حتی فیما إذا احتفّ بالکلام ما لا یکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعضٍ الفحول.

فصل قد اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف

مع الاتفاق علی الجواز بالمفهوم الموافق ، علی قولین ، وقد استدل لکلّ منهما بما لا یخلو عن قصور.

وتحقیق المقام : إنّه إذا ورد العام وما له المفهوم فی کلام أو کلامین ، ولکن علی نحو یصلح أن یکون کلّ منهما قرینة متصلة للتصرف فی الآخر ، ودار الأمر بین تخصیص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة علی کلّ منهما إن کانت

ص: 233

بالإِطلاق بمعونة مقدمات الحکمة ، أو بالوضع ، فلا یکون هناک عموم ، ولا مفهوم ، لعدم تمامیة مقدمات الحکمة فی واحد منهما لأجل المزاحمة ، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر کذلک ، فلا بدّ من العمل ب الأصول العملیة فیما دار فیه بین العموم والمفهوم ، إذا لم یکن مع ذلک أحدهما أظهر ، وإلاّ کان مانعاً عن انعقاد الظهور ، أو استقراره فی الآخر.

ومنه قد انقدح الحال فیما إذا لم یکن بین ما دلّ علی العموم وما له المفهوم ، ذاک الارتباط والاتصال ، وإنّه لا بدّ أن یعامل مع کلّ منهما معاملة المجمل ، لو لم یکن فی البین أظهر ، وإلاّ فهو المعول ، والقرینة علی التصرف فی الآخر بما لا یخالفه بحسب العمل.

فصل الاستثناء المتعقب لجمل متعددة

هل الظاهر هو رجوعه إلی الکلّ (1) أو خصوص الأخیرة (2) ، أو لا ظهور له فی واحد منهما (3)، بل لابد فی التعیین من قرینة؟ أقوال.

والظاهر إنّه لا خلاف ولا إشکال فی رجوعه إلی الأخیرة علی أیّ حال ، ضرورة أن رجوعه إلی غیرها بلا قرینة خارج عن طریقة أهل المحاورة ، وکذا فی صحة رجوعه إلی الکلّ ، وأنّ کان المتراءی من کلام صاحب المعالم (4) رحمه الله حیث مهّد مقدّمة لصحة رجوعه إلیه ، إنّه محلّ الإِشکال والتأمل.

ص: 234


1- نسبه السید المرتضی (ره) إلی مذهب الشافعی وأصحابه ، الذریعة إلی أصول الشریعة : 1 / 249 ، راجع المعتمد فی أصول الفقه : 1 / 245 ، وشرح المختصر للعضدی : 1 / 260.
2- فی المصدرین المتقدّمین إنّه مذهب أبی حنیفة وأصحابه
3- الذریعة إلی اصول الشریعة 1 / 249.
4- معالم الدین / 127 ، حیث قال : ولنقدم علی توجیه المختار مقدّمة ... الخ.

وذلک ضرورة أن تعدَّد المستثنی منه ، کتعدد المستثنی ، لا یوجب تفاوتاً أصلاً فی ناحیة الاداة بحسب المعنی ، کان الموضوع له فی الحروف عاماً أو خاصاً ، وکان المستعمل فیه الاداة فیما کان المستثنی منه متعدداً هو المستعمل فیه فیما کان واحداً ، کما هو الحال فی المستثنی بلا ریب ولا إشکال ، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجاً لا یوجب تعدَّد ما استعمل فیه أداة الاخراج مفهوماً.

وبذلک یظهر إنّه لا ظهور لها فی الرجوع إلی الجمیع ، أو خصوص الأخیرة ، وأنّ کان الرجوع إلیها متیقنا علی کلّ تقدیر ، نعم غیر الأخیرة أیضاً من الجمل لا یکون ظاهراً فی العموم لاکتنافه بما لا یکون معه ظاهراً فیه ، فلابد فی مورد الاستثناء فیه من الرجوع إلی الأصول.

اللهم إلّا أن یقال بحجیة أصالة الحقیقة تعبداً ، لا من باب الظهور ، فیکون المرجع (1) علیه أصالة العموم إذا کان وضعیا ، لا ما إذا کان بالإِطلاق ومقدمات الحکمة ، فإنّه لا یکاد یتم تلک المقدّمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلی الجمیع ، فتأمل (2)

فصل الحق جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد

المعتبر بالخصوص کما جاز بالکتاب ، أو بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرینة القطعیة من خبر الواحد ، بلا ارتیاب ، لما هو الواضح من سیرة الأصحاب علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب إلی زمن الأئمة علیهم السلام ، واحتمال أن یکون ذلک

ص: 235


1- فی « ب » : مرجع.
2- إشارة إلی إنّه یکفی فی منع جریان المقدّمات ، صلوح الاستثناء لذلک ، لاحتمال اعتماد المطلق حینئذ فی التقیید علیه ، لاعتقاد إنّه کافٍ فیه ، اللهم إلّا أن یقال : إن مجرد صلوحه لذلک بدون قرینة علیه ، غیر صالح للاعتماد ما لم یکن بحسب متفاهم العرف ظاهراً فی الرجوع إلی الجمیع ، فأصالة الإِطلاق مع عدم القرینة محکمة ، لتمامیة مقدمات الحکمة ، فافهم منه ( قدس سره ).

بواسطة القرینة واضح البطلان.

مع إنّه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحکمه ، ضرورة ندرة خبر لم یکن علی خلافه عموم الکتاب ، لو سلّم وجود ما لم یکن کذلک.

وکون العام الکتابیّ قطعیاً صدوراً ، وخبر الواحد ظنیا سنداً (1) ، لا یمنع عن التصرف فی دلالته الغیر القطعیة قطعاً ، وإلاّ لما جاز تخصیص المتواتر به أیضاً ، مع إنّه جائ جزماً.

والسّر : أن الدوران فی الحقیقة بین أصالة العموم ودلیل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرینیة (2) علی التصرف فیها ، بخلافها ، فإنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتباره ، ولا ینحصر (3) الدلیل علی الخبر بالإِجماع ، کی یقال بإنّه فیما لا یوجد علی خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنیّة (4)یسقط وجوب العمل به. کیف؟ وقد عرفت أن سیرتهم مستمرة علی العمل به فی قبال العمومات الکتابیة.

والإخبار الدالة علی أن الإخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها (5) أو ضربها علی الجدار ، أو إنّها زخرف (6) ، أو إنّها مما لم یقل به الامام علیه السلام (7) ، وأنّ کانت کثیرة جداً ، وصریحة الدلالة علی طرح المخالف ، إلّا

ص: 236


1- انظر معالم الدین / 147 ، فی جواز تخصیص الکتاب بالخبر ..
2- فی « ب » : للقرینة.
3- ردّ علی ما أجاب به المحقق عن استدلال المجّوزین لتخصیص الکتاب بالخبر الواحد ، معارج الأصول / 96.
4- فی « ب » دلالة القرائنة.
5- أصول الکافی : 1 / 69 باب الأخذ بالسنة وشواهد الکتاب. وسائل الشیعة 18 / 78 الباب 9 من أبواب صفات القاضی الحدیث 10.
6- اصول الکافی : 1 / 69 الحدیث 3 ، 4 ، وسائل الشیعة 18 / 78 الحدیث 12 و 14.
7- اصول الکافی 1 / 69 الحدیث 5 ، وسائل الشیعة 18 / 79 الحدیث 15.

إنّه لا محیص عن أن یکون المراد من المخالفة فی هذه الإخبار غیر مخالفة العموم ، إن لم نقل بإنّها لیست من المخالفة عرفاً ، کیف؟ وصدور الأخبار المخالفة للکتاب بهذه المخالفة منهم علیهم السلام کثیرة جداً ، مع قوة احتمال أن یکون المراد إنّهم لا یقولون بغیر ما هو قول الله تبارک وتعالی واقعاً - وأنّ کان هو علی خلافه ظاهراً - شرحاً لمرامه تعالی وبیاناً لمراده من کلامه ، فافهم.

والملازمة بین جواز التخصیص وجواز النسخ به ممنوعة ، وأنّ کان مقتضی القاعدة جوازهما ، لاختصاص النسخ بالإِجماع علی المنع ، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعی إلی ضبطه ، ولذا قل الخلاف فی تعیین موارده ، بخلاف التخصیص.

فصل لا یخفی أن الخاص والعام المتخالفین ، یختلف حالهما ناسخاً ومخصصاً ومنسوخاً

فیکون الخاص : مخصصاً تارةً ، وناسخاً مرة ، ومنسوخاً أُخری.

وذلک لأن الخاص إن کان مقارناً مع العام ، أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به ، فلا محیص عن کونه مخصصاً وبیاناً له.

وإن کان بعد حضوره کان ناسخاً لا مخصصاً ، لئلا یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة فیما إذا کان العام وارداً لبیان الحکم الواقعی ، وإلاّ لکان الخاص أیضاً مخصصاً له ، کما هو الحال فی غالب العمومات والخصوصات فی الآیات والروایات.

وإن کان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فکما یحتمل أن یکون الخاص مخصصاً للعام ، یحتمل أن یکون العام ناسخاً له ، وأنّ کان الأظهر أن یکون الخاص مخصصاً ، کثرة التخصیص ، حتی اشتهر ( ما من عام إلّا وقد خص ) مع قلة النسخ فی الأحکام جداً ، وبذلک یصیر ظهور الخاص فی

ص: 237

الدوام - ولو کان بالإِطلاق - أقوی من ظهور العام ولو کان بالوضع ، کما لا یخفی ، هذا فیما علم تاریخهما.

وأما لو جهل وتردد بین أن یکون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره ، فالوجه هو الرجوع إلی الأصول العملیة.

وکثرة التخصیص وندرة النسخ هاهنا ، وأنّ کانا یوجبان الظن بالتخصیص أیضاً ، وإنّه واجد لشرطه إلحاقاً له بالغالب ، إلّا إنّه لا دلیل علی اعتباره ، وإنما یوجبان الحمل علیه فیما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، لصیرورة الخاص لذلک فی الدوام اظهر من العام ، کما أشیر إلیه ، فتدبرّ جیداً.

ثم إن تعیّن الخاص للتخصیص ، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام ، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به ، إنّما یکون مبنیا علی عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ فلا یتعین له ، بل یدور بین کونه مخصصاً (1) وناسخاً فی الأول ، ومخصصاً ومنسوخاً فی الثّانی ، إلّا أن الأظهر کونه مخصصاً ، وأنّ کان ظهور العام فی عموم الأفراد أقوی من ظهوره وظهور الخاص فی الدوام (2)، لما أشیر إلیه من تعارف التخصیص وشیوعه ، وندرة النسخ جداً فی الأًحکام.

ولا بأس بصرف (3) الکلام إلی ما هو نخبة القول فی النسخ ، فاعلم أن

ص: 238


1- لا یخفی أن کونه مخصصاً بمعنی کونه مبیناًبمقدار المرام عن العام ، وناسخاً بمعنی کون حکم العام غیر ثابت فی نفس الأمر فی مورد الخاص ، مع کونه مراداً ومقصوداً بالإِفهام فی مورده بالعام کسائر الأفراد ، وإلاّ فلا تفاوت بینهما عملاً أصلاً ، کما هو واضح لا یکاد یخفی ( منه قدس سره ).
2- فی « ب » : ولو فیما کان ظهور العام فی عموم الأفراد أقوی من ظهور الخاص فی الخصوص.
3- فی « ب » : لصرف.

النسخ وأنّ کان رفع الحکم الثابت إثباتاً ، إلا إنه فی الحقیقة دفع الحکم ثبوتاً ، وإنما اقتضت الحکمة إظهار دوام الحکم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ، مع إنّه بحسب الواقع لیس له قرار ، أو لیس له دوام واستمرار ، وذلک لأن النبی صلی الله علیه و آله الصادع للشرع ، ربما یلهم أو یوحی إلیه أن یظهر الحکم أو استمراره مع اطلاعه علی حقیقة الحال ، وإنّه ینسخ فی الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه علی ذلک ، لعدم إحاطته بتمام ما جری فی علمه تبارک وتعالی ، ومن هذا القبیل لعله یکون أمر إبراهیم بذبح إسماعیل.

وحیث عرفت أن النسخ بحسب الحقیقة یکون دفعا ، وأنّ کان بحسب الظاهر رفعا ، فلا بأس به مطلقاً ولو کان قبل حضور وقت العلم ، لعدم لزوم البداء المحال فی حقه تبارک وتعالی ، بالمعنی المستلزم لتغیر إرادته تعالی مع اتحاد الفعل ذاتاً وجهة ، ولا لزوم (1) امتناع النسخ أو الحکم المنسوخ ، فإن الفعل إن کان مشتملاً علی مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهی عنه ، وإلاّ امتنع الأمر به ، وذلک لأن الفعل أو دوامه لم یکن متعلقاً لإِرادته ، فلا یستلزم نسخ أمره بالنهی تغییر إرادته ، ولم یکن الأمر بالفعل من جهة کونه مشتملاً علی مصلحة ، وإنما کان إنشاءً الأمر به أو إظهار دوامه عن حکمة ومصلحة.

وأما البداء فی التکوینیات (2)بغی ذاک المعنی ، فهو مما دلّ علیه الروایات المتواترات(3) ، کما لا یخفی. ومجمله أن الله تبارک وتعالی إذا تعلقت مشیته تعالی بإظهار ثبوت ما یمحوه ، لحکمة داعیة إلی إظهاره ، ألهم أو أوحی إلی نبیه أو ولیه أن یخبر به ، مع علمه بإنّه یمحوه ، أو مع عدم علمه به ، لما أشیر إلیه من عدم الاحاطة بتمام ما جری فی علمه ، وإنما یخبر به لأنه حال الوحی أو الالهام لارتقاء نفسه الزکیة ، واتصاله بعالم لوح المحو والإِثبات اطلع علی

ص: 239


1- فی بعضٍ النسخ المطبوعة : وإلاّ لزم.
2- فی « ب » : التکوینات.
3- الوافی : 1 / 112 ، باب البداء.

ثبوته ، ولم یطلع علی کونه معلقاً علی [ أمر ] (1) غیر واقع ، أو عدم الموانع ، قال الله تبارک وتعالی : ( یَمْحُو اللَّهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ ) (2) الآیة ، نعم من شملته العنایة الإلهیة ، واتصلت نفسه الزکیة بعالم اللوح المحفوظ الذی [ هو ] من أعظم العوالم الربوبیة ، وهو أُم الکتاب ، یکشف عنده الواقعیات علی ما هی علیها ، کما ربما یتفق لخاتم الأنبیاء ، ولبعض الاوصیاء ، کان عارفا بالکائنات (3) کما کانت وتکون.

نعم مع ذلک ، ربما یوحی إلیه حکم من الأحکام ، تارةً بما یکون ظاهراً فی الاستمرار والدوام ، معه إنّه فی الواقع له غایة وأمد یعینها (4) بخطاب آخر ، وأخری بما یکون ظاهراً فی الجد ، مع إنّه لا یکون واقعاً بجد ، بل لمجرد الابتلاء والاختبار ، کما إنّه یؤمر وحیاً أو الهاماً بالإخبار بوقوع عذاب أو غیره مما لا یقع ، لأجل حکمة فی هذا الإخبار أو ذاک الإِظهار ، فبدا له تعالی بمعنی إنّه یظهر ما أمر نبیه أو ولیه بعدم إظهاره أولاً ، ویبدی ما خفی ثانیاً.

وإنما نسب إلیه تعالی البداء ، مع إنّه فی الحقیقة الابداء ، لکمال شباهة إبدائه تعالی کذلک بالبداء فی غیره ، وفیما ذکرنا کفایة فیما هو المهمّ فی باب النسخ ، ولا داعی بذکر تمام ما ذکروه فی ذاک الباب کما لا یخفی علی أولی الالباب.

ثم لا یخفی ثبوت الثمرة بین التخصیص والنسخ ، ضرورة إنّه علی التخصیص یبنی علی خروج الخاص عن حکم العام رأساً ، وعلی النسخ ، علی ارتفاع حکمه عنه من حینه ، فیما دار الأمر بینهما فی المخصص ، وأما إذا دار بینهما فی الخاص والعام ، فالخاص علی التخصیص غیر محکوم بحکم العام أصلاً ، وعلی النسخ کان محکوماً به من حین صدور دلیله ، کما لا یخفی.

ص: 240


1- أثبتناها من « ب ».
2- الرعد : 39.
3- فی « ب » : علی الکائنات.
4- فی « ب » : یتعینها.

المقصد الخامس : فی المطلق والمقید والمجمل والمبین

فصل[تعریف المطلق]

ص: 241

ص: 242

عرف (1) المطلق بإنّه : ما دلّ علی شائع فی جنسه ، وقد أشکل علیه بعضٍ الأعلام (2) ، بعدم الاطراد أو الانعکاس ، وأطال الکلام فی النقض والأبرام ، وقد نبهنا فی غیر مقام علی أن مثله شرح الاسم ، وهو مما یجوز أن لا یکون بمطرد ولا بمنعکس ، فالأولی الاعراض عن ذلک ، ببیان ما وضع له بعضٍ الألفاظ التی یطلق علیها المطلق ، أو من غیرها مما یناسب المقام.

فمنها : اسم الجنس ، کإنسان ورجل وفرس وحیوان وسواد وبیاض إلی غیر ذلک من أسماء الکلیات من الجواهر والاعراض بل العرضیات ، ولا ریب إنّها موضوعة لمفاهیمها بما هی هی مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلاً ملحوظٍ معها ، حتی لحاظ إنّها کذلک.

وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنی ، وصرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شیء أصلاً الذی هو المعنی بشرط شیء ، ولو کان ذاک الشیء هو الإرسال والعموم البدلی ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شیء معه الذی هو

ص: 243


1- 1. هذا التعریف لأکثر الأصولیین علی ما ذکره المحقق القمی ، القوانین 1 / 321 ، المطلق والمقید.
2- 2. المستشکل هو صاحب الفصول ، قال فی الفصول / 218 ، فی فصل ( المطلق ) : ویخرج بقولنا شیوعاً حکمیاً ... إلی أن قال : وقد أهملوا هذا القید فیرد ذلک علی طردهم ... الخ.

الماهیة اللابشرط القسمی ، وذلک لوضوح صدقها بما لها من المعنی ، بلا عنایة التجرید عما هو قضیة الاشتراط والتقیید فیها ، کما لا یخفی ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم علی فرد من الأفراد ، وإن کان یعم کلّ واحد منها بدلاً أو استیعاباً ، وکذا المفهوم اللابشرط (1)القسمی ، فإنّه کلّی عقلی لا موطن له إلّا الذهن لا یکاد یمکن صدقه وانطباقه علیها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً ، فکیف یمکن أن یتحد معها ما لا وجود له إلّا ذهناً؟

ومنها : علم الجنس (2) کأُسامة ، والمشهور بین أهل العربیة إنّه موضوع للطبیعة لا بما هی هی ، بل بما هی متعینة بالتعین (3) الذهنی ولذا یعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعریف.

لکن التحقیق إنّه موضوع لصرف المعنی بلا لحاظ شیء معه أصلاً کاسم الجنس ، والتعریف فیه لفظی ، کما هو الحال فی التأنیث اللفظی ، وإلاّ لما صحّ حمله علی الأفراد بلا تصرف وتأویل ، لإنّه علی المشهور کلی عقلی ، وقد عرفت إنّه لا یکاد صدقه علیها مع صحة حمله علیها بدون ذلک ، کما لا یخفی ، ضرورة أن التصرف فی المحمول بإرادة نفس المعنی بدون قیده تعسف ، لا یکاد یکون بناءً القضایا المتعارفة علیه ، مع أن وضعه لخصوص معنی یحتاج إلی تجریده عن خصوصیته عند الاستعمال ، لا یکاد یصدر عن جاهل ، فضلاً عن الواضع الحکیم.

ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور إنّه علی أقسام : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، علی نحو الاشتراک بینها لفظاً أو معنی ، والظاهر أن الخصوصیة فی کلّ واحد من الأقسام من قبل خصوص

ص: 244


1- فی ( أ ) : لا بالشرط.
2- فی « ب » : للجنس.
3- فی « ب » : بالتعیین.

اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدَّد الدالّ والمدلول ، لا باستعمال المدخول لیلزم فیه المجاز أو الاشتراک ، فکان المدخول علی کلّ حال مستعملاً فیما یستعمل فیه الغیر المدخول.

والمعروف أن اللام تکون موضوعة للتعریف ، ومفیدة للتعیین فی غیر العهد الذهنی ، وأنت خبیر بإنّه لا تعیّن فی تعریف الجنس إلّا الإِشارة إلی المعنی المتمیز بنفسه من بین المعانی ذهنا ، ولازمه أن لا یصحّ حمل المعرف باللام بما هو معرف علی الأفراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجرید ، ومعه لا فائدة فی التقیید ، مع أن التأویل والتصرف فی القضایا المتداولة فی العرف غیر خال عن التعسف. هذا.

مضافا إلی أن الوضع لما لا حاجة إلیه ، بل لا بدّ من التجرید عنه وإلغائه فی الاستعمالات المتعارفة المشتملة علی حمل المعرف باللام أو الحمل علیه ، کان لغوا ، کما أشرنا إلیه. فالظاهر أن اللام مطلقاً یکون للتزیین ، کما فی الحسن والحسین ، واستفادة الخصوصیات إنّما تکون بالقرائن التی لابد منها لتعینها علی کلّ حال ، ولو قیل بإفادة اللام للاشارة إلی المعنی ، ومع الدلالة علیه بتلک الخصوصیات لا حاجة إلی تلک الإِشارة ، لو لم تکن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جیداً.

وأما دلالة الجمع (1) المعرف باللام علی العموم مع عدم دلالة المدخول علیه ، فلا دلالة فیها علی إنّها تکون لأجل دلالة اللام علی التعین (2) ، حیث لا تعیّن إلّا للمرتبة المستغرقة لجمیع الأفراد ، وذلک لتعین المرتبة الأخری ، وهی أقل مراتب الجمع ، کما لا یخفی.

فلا بدّ أن یکون دلالته علیه مستندة إلی وضعه کذلک لذلک ، لا إلی دلالة

ص: 245

اللام علی الإِشارة إلی المعین ، لیکون به التعریف ، وأنّ أبیت إلّا عن استناد الدلالة علیه إلیه ، فلا محیص عن دلالته علی الاستغراق بلا توسیط الدلالة علی التعیین ، فلا یکون بسببه تعریف إلّا لفظاً ، فتأمل جیداً.

ومنها : النکرة مثل ( رجل ) فی ( وجاء رجل من أقصی المدینة ) أو فی ( جئنی برجل ) ولا إشکال أن المفهوم منها فی الأوّل ، ولو بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، هو الفرد المعینّ فی الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق علی غیر واحد من أفراد الرجل.

کما إنّه فی الثّانی ، هی الطبیعة المأخوذة مع قید الوحدة ، فیکون حصة من الرجل ، ویکون کلیاً ینطبق علی کثیرین ، لا فرداً مرددا بین الأفراد (1)

وبالجملة : النکرة - أیّ [ ما ] بالحمل الشائع یکون نکرة عندهم - امّا هو فرد معیّن فی الواقع غیر معیّن للمخاطب ، أو حصة کلیة ، لا الفرد المردّد بین الأفراد ، وذلک لبداهة کون لفظ ( رجل ) فی ( جئنی برجل ) نکرة ، مع إنّه یصدق علی کلّ من جیء به من الأفراد ولا یکاد یکون واحد منها هذا أو غیره ، کما هو قضیة الفرد المردّد ، لو کان هو المراد منها ، ضرورة أن کلّ واحد هو هو ، لا هو أو غیره ، فلابد أن تکون النکرة الواقعة فی متعلق الأمر ، هو الطبیعی المقید بمثل مفهوم الوحدة ، فیکون کلیاً قابلاً للانطباق ، فتأمل جیداً.

إذا عرفت ذلک ، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقیقة علی اسم الجنس والنکرة بالمعنی الثّانی ، کما یصحّ لغة. وغیر بعید أن یکون جریهم فی هذا الإِطلاق علی وفق اللغة ، من دون أن یکون لهم فیه اصطلاح علی خلافها ، کما لا یخفی.

نعم لو صحّ ما نسب إلی المشهور ، من کون المطلق عندهم موضوعاً لما

ص: 246


1- قال به صاحب الفصول ، الفصول / 163 ، فی صیغة العموم ، عند قوله : ومدلولها فرد من الجنس لا بعینه ... الخ.

قید بالارسال والشمول البدلی ، لما کان ما أُرید منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق ، إلّا أن الکلام فی صدق النسبة ، ولا یخفی أن المطلق بهذا المعنی لطروء القید غیر قابل ، فإن ماله من الخصوصیة ینافیه ویعانده ، بل (1)وهذا بخلافه بالمعنیین ، فإن کلاّ منهما له قابل ، لعدم انثلامهما بسببه أصلاً ، کما لا یخفی.

وعلیه لا یستلزم التقیید تجوزاً فی المطلق ، لإمکان إرادة معنی لفظه منه ، وإرادة قیده من قرینة حال أو مقال ، وإنما استلزمه لو کان بذاک المعنی ، نعم لو أُرید من لفظه المعنی المقید ، کان مجازاً مطلقاً ، کان التقیید بمتصل أو منفصل.

فصل [فی مقدمات الحکمة]

قد ظهر (2)لک إنّه لا دلالة لمثل ( رجل ) إلّا علی الماهیة المبهمة وضعاً ، وأنّ الشیاع والسریان کسائر الطواریء یکون خارجاً عما وضع له ، فلا بدّ فی الدلالة علیه من قرینة حال أو مقال أو حکمة ، وهی تتوقف علی مقدمات :

أحدها : کون المتکلم فی مقام بیان تمام المراد ، لا الإِهمال أو الإِجمال.

ثانیتها : انتفاء ما یوجب التعیین.

ثالثتها : انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب ، ولو کان المتیقن بملاحظة الخارج عن ذاک المقام فی البین ، فإنّه غیر مؤثر فی رفع الإِخلال بالغرض ، لو کان بصدد البیان ، کما هو الفرض ، فإنّه فیما تحققت لو لم یرد الشیاع لأخلّ بغرضه ، حیث إنّه لم ینبه مع إنّه بصدده ، وبدونها لا یکاد یکون هناک إخلال به ، حیث لم یکن مع انتفاء الأُولی ، إلّا فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، ومع انتفاء الثانیة ، کان البیان بالقرینة ، ومع انتفاء الثالثة ،

ص: 247


1- أثبتناها من « أ ».
2- تقدم فی المقصد الخامس ، الفصل الأوّل / 243.

لا إخلال بالغرض لو کان المتیقن تمام مراده ، فإن الفرض إنّه بصدد بیان تمامه ، وقد بینه ، لا بصدد بیان إنّه تمامه ، کی أخلّ ببیإنّه ، فافهم (1)

ثم لا یخفی علیک أن المراد بکونه فی مقام بیان تمام مراده ، مجرد بیان ذلک وإظهاره وإفهامه ، ولو لم یکن عن جد ، بل قاعدة وقانوناً ، لتکون حجة فیما لم تکن حجة أقوی علی خلافه ، لا البیان فی قاعدة قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، فلا یکون الظفر بالمقید - ولو کان مخالفا - کاشفاً عن عدم کون المتکلم فی مقام البیان ، ولذا لا ینثلم به إطلاقه وصحة التمسک به أصلاً ، فتأمل جیداً.

وقد انقدح بما ذکرنا (2)أن النکرة فی دلالتها علی الشیاع والسریان - أیضاً - تحتاج فیما لا یکون هناک دلالة حال أو مقال إلی (3) من مقدمات الحکمة ، فلا تغفل.

بقی شیء : وهو إنّه لا یبعد أن یکون الأصل فیما إذا شک فی کون المتکلم فی مقام بیان تمام المراد ، هو کونه بصدد بیإنّه ، وذلک لما جرت علیه سیرة أهل المحاورات من التمسک بالإطلاقات فیما إذا لم یکن هناک ما یوجب صرف وجهها إلی جهة خاصة ، ولذا تری أن المشهور لا یزالون یتمسکون بها ، مع عدم إحراز کون مطلقها بصدد البیان ، وبُعد کونه لأجل ذهابهم إلی إنّها موضوعة للشیاع والسریان ، وأنّ کان ربما نسب ذلک إلیهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة إنّه لا وجه للتمسک بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه ، فتأمل جیداً.

ص: 248


1- إشارة إلی إنّه لو کان بصدد بیان إنّه تمامه ما أخلّ ببیإنّه ، بعد عدم نصب قرینة علی إرادة تمام الأفراد ، فإنّه بملاحظته یفهم أن المتیقن تمام المراد ، وإلاّ کان علیه نصب القرینة علی إرادة تمامها ، وإلاّ قد أخلّ بغرضه ، نعم لا یفهم ذلک إذا لم یکن إلّا بصدد بیان أن المتیقن مراد ، لا بصدد بیان أن غیره مراد أو لیس بمراد ، قبالاً للاجمال والاهمال المطلقین ، فافهم فإنّه لا یخلو عن دقة ( منه أعلی الله مقامه ).
2- فی صفحة 247 من هذا الکتاب.
3- فی « أ » و « ب » : من.

ثم إنّه قد انقدح بما عرفت - من توقف حمل المطلق علی الإِطلاق ، فیما لم یکن هناک قرینة حالیة أو مقالیة علی قرینة الحکمة المتوقفة علی المقدّمات المذکورة - إنّه لا إطلاق له فیما کان له الانصراف إلی خصوص بعضٍ الأفراد أو الأصناف ، لظهوره فیه ، أو کونه متیقنا منه ، ولو لم یکن ظاهراً فیه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب الانصراف ، کما إنّه منها ما لا یوجب ذا ولا ذاک ، بل یکون بدویاً زائلاً بالتأمل ، کما إنّه منها ما یوجب الاشتراک أو النقل.

لا یقال : کیف یکون ذلک ، وقد تقدم أن التقیید لا یوجب التجوز فی المطلق أصلاً؟

فإنّه یقال : مضافاً إلی إنّه إنّما قیل لعدم استلزامه له ، لا عدم إمکانه ، فإن استعمال المطلق فی المقید بمکان من الإِمکان ، إن کثرة إرادة المقید لدی إطلاق المطلق ولو بدالّ آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزیة أنس ، کما فی المجاز المشهور ، أو تعیناً (1) واختصاصاً به ، کما فی المنقول بالغلبة ، فافهم.

تنبیه : وهو إنّه یمکن أن یکون للمطلق جهات عدیدة ، کان وارداً فی مقام البیان من جهة منها ، وفی مقام الإِهمال أو الإِجمال من أُخری ، فلابدّ فی حمله علی الإِطلاق بالنسبة إلی جهة من کونه بصدد البیان من تلک الجهة ، ولا یکفی کونه بصدده من جهة أُخری ، إلّا إذا کان بینهما ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادةً ، کما لا یخفی.

فصل إذا ورد مطلق ومقید متنافیین

فإمّا یکونان مختلفین فی الإِثبات والنفی ، وإمّا یکونان متوافقین ، فإن کانا مختلفین مثل ( أَعتق رقبة ) و ( لا

ص: 249


1- فی « ب » : تعییناً.

تعتق رقبة کافرة ) فلا إشکال فی التقیید ، وأنّ کانا متوافقین ، فالمشهور فیهما الحمل والتقیید ، وقد استدل بإنّه جمع بین الدلیلین وهو أولی.

وقد أُورد علیه بإمکان الجمع علی وجه آخر ، مثل حمل الأمر فی المقید علی الاستحباب.

وأورد علیه بأن التقیید لیس تصرفاً فی معنی اللفظ ، وإنما هو تصرف فی وجه من وجوه المعنی ، اقتضاه تجرده عن القید ، مع تخیل وروده فی مقام بیان تمام المراد ، وبعد الاطلاع علی ما یصلح للتقیید نعلم وجوده علی وجه الإِجمال ، فلا إطلاق فیه حتی یستلزم تصرفاً ، فلا یعارض ذلک بالتصرف فی المقید ، بحمل أمره علی الاستحباب.

وأنت (1) خبیر بأن التقیید أیضاً یکون تصرفاً فی المطلق ، لما عرفت من أن الظفر بالمقید لا یکون کاشفاً عن عدم ورود المطلق فی مقام البیان ، بل عن عدم کون الإِطلاق الذی هو ظاهره بمعونة الحکمة ، بمراد جدّی ، غایة الأمر أن التصرف فیه بذلک لا یوجب التجوز فیه ، مع أن حمل الأمر فی المقید علی الاستحباب لا یوجب تجوزاً فیه ، فإنّه فی الحقیقة مستعمل فی الإِیجاب ، فإن المقید إذا کان فیه ملاک الاستحباب ، کان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحباً فعلاً ، ضرورة أن ملاکه لا یقتضی استحبابه إذا اجتمع مع ما یقتضی وجوبه.

نعم ، فیما إذا کان إحراز کون المطلق فی مقام البیان بالأصل ، کان من التوفیق بینهما ، حمله علی إنّه سیق فی مقام الإِهمال علی خلاف مقتضی الأصل ، فافهم. ولعل وجه التقیید کون ظهور إطلاق الصیغة فی الإِیجاب التعیینی أقوی من ظهور المطلق فی الإِطلاق.

ص: 250


1- 1. ردّ علی الشیخ ( قده ) فی انتصاره لدلیل المشهور ، مطارح الأنظار / 220.

وربما یشکل بإنّه یقتضی التقیید فی باب المستحبات ، مع أن بناءً المشهور علی حمل الأمر بالمقید فیها علی تأکدّ الاستحباب ، اللهم إلّا أن یکون الغالب فی هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب (1) المحبوبیة ، فتأمل.

أو إنّه کان بملاحظة التسامح فی أدلة المستحبات ، وکان عدم رفع الید من دلیل استحباب المطلق بعد مجیء دلیل المقید ، وحمله علی تأکدّ استحبابه ، من التسامح (2)فیها.

ثم إن الظاهر إنّه لا یتفاوت فیما ذکرنا بین المثبتین والمنفیین بعد فرض کونهما متنافیین ، کما لا یتفاوتان فی استظهار التنافی بینهما من استظهار اتحاد التکلیف ، من وحدة السبب وغیره (3)، من قرینة حال أو مقال حسبما یقتضیه النظر ، فلیتدبر.

تنبیه : لا فرق فیما ذکر من الحمل فی المتنافیین ، بین کونهما فی بیان الحکم التکلیفی ، وفی بیان الحکم الوضعی ، فإذا ورد مثلاً : إن البیع سبب ، وأنّ البیع الکذائی سبب ، وعلم أن مراده امّا البیع علی إطلاقه ، أو البیع الخاص ، فلابد من التقیید لو کان ظهور دلیله فی دخل القید أقوی من ظهور دلیل الإِطلاق فیه ، کما هو لیس ببعید ، ضرورة تعارف ذکر المطلق وإرادة المقید بخلاف العکس بالغاء القید ، وحمله علی إنّه غالبی ، أو علی وجه آخر ، فإنّه علی خلاف المتعارف.

ص: 251


1- فی « أ و ب » : المراتب ، والصواب ما أثبتناه.
2- - ولا یخفی إنّه لو کان حمل المطلق علی المقید جمعاً عرفیاً ، کان قضیته عدم الاستحباب إلّا للمقید ، وحینئذ إن کان بلوغ الثواب صادقا علی المطلق کان استحبابه تسامحیاً ، وإلاّ فلا استحباب له أصلاً ، کما لا وجه - بناءً علی هذا الحمل وصدق البلوغ - یؤکد الاستحباب فی المقید ، فافهم ( منه قدس سره ).
3- تعریض بصاحب المعالم والمحقق القمی ، حیث اعتبرا وحدة السبب فی عنوان البحث ، معالم الدین / 155 ، القوانین 1 / 322.

تبصرة لا تخلو من تذکرة ، وهی : إن قضیة مقدمات الحکمة فی المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات ، فإنّها تارةً یکون حملها علی العموم البدلی ، وأخری علی العموم الاستیعابی ، وثالثة علی نوع خاص مما ینطبق علیه حسب اقتضاء خصوص المقام ، واختلاف الآثار والاحکام ، کما هو الحال فی سائر القرائن بلا کلام.

فالحکمة فی إطلاق صیغة الأمر تقتضی أن یکون المراد خصوص الوجوب التعیینی العینی النفسی ، فإن إرادة غیره تحتاج إلی مزید بیان ، ولا معنی لارادة الشیاع فیه ، فلا محیص عن الحمل علیه فیما إذا کان بصدد البیان ، کما إنّها قد تقتضی العموم الاستیعابی ، کما فی ( أحل الله البیع ) إذ إرادة البیع مهملاً أو مجملاً ، تنافی ما هو المفروض من کونه بصدد البیان ، وإرادة العموم البدلی لا یناسب المقام ، ولا مجال لاحتمال إرادة بیع اختاره المکلف ، أیّ بیع کان ، مع إنّها تحتاج إلی نصب دلالة علیها ، لا یکاد یفهم بدونها من الإِطلاق ، ولا یصحّ قیاسه علی ما إذا أخذ فی متعلق الأمر ، فإن العموم الاستیعابی لا یکاد یمکن إرادته ، وإرادة غیر العموم البدلی ، وأنّ کانت ممکنة ، إلّا إنّها منافیة للحکمة ، وکون المطلق بصدد البیان.

فصل فی المجمل والمبینّ

والظاهر أن المراد من المبینّ فی موارد إطلاقه ، الکلام الذی له ظاهر ، ویکون بحسب متفاهم العرف قالباً لخصوص معنی ، والمجمل بخلافه ، فما لیس له ظهور مجمل وأنّ علم بقرینة خارجیة ما أُرید منه ، کما أن ماله الظهور مبین وإن علم بالقرینة الخارجیة إنّه ما أُرید ظهوره وإنّه مؤول ، ولکل منهما فی الآیات والروایات ، وإن کان أفراد کثیرة لا تکاد تخفی ، إلّا أن لهما أفراد مشتبهة وقعت محلّ البحث والکلام للأعلام ، فی إنّها من أفراد أیهما؟ کآیة

ص: 252

السرقة (1) ، ومثل ( حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهَاتُکُمْ ) (2) و ( أُحِلَّتْ لَکُم بَهِیمَةُ الْأَنْعَامِ ) (3) مما أُضیف التحلیل إلی الاعیان ومثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) (4).

ولا یذهب علیک أن إثبات الإِجمال أو البیان لا یکاد یکون بالبرهان ، لما عرفت من أن ملاکهما أن یکون للکلام ظهور ، ویکون قالباً لمعنی ، وهو مما یظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمل.

ثم لا یخفی إنّهما وصفان إضافیان ، ربما یکون مجملاً عند واحد ، لعدم معرفته بالوضع ، أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لدیه ، ومبیّناً لدی الآخر ، لمعرفته وعدم التصادم بنظره ، فلا یهمنا التعرض لموارد الخلاف والکلام والنقض والأبرام فی المقام ، وعلی الله التوکل وبه الاعتصام.

ص: 253


1- 1. المائدة : 38.
2- 2. النساء : 23.
3- 3. المائدة : 1.
4- 4. الفقیة : 1 / 35 الباب 14 فی من ترک الوضوء أو بعضه أو شک فیه.

ص: 254

المقصد السادس الأمارات

اشارة

ص: 255

ص: 256

فی بیان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً

وقبل الخوض فی ذلک ، لا بأس بصرف الکلام إلی بیان بعضٍ ما للقطع من الأحکام ، وأنّ کان خارجاً من مسائل الفن ، وکان أشبه بمسائل الکلام ، لشدة مناسبته مع المقام.

فاعلم : أن البالغ الذی وضع علیه القلم ، إذا التفت إلی حکم فعلّی واقعی أو ظاهری ، متعلق به أو بمقلدیه ، فإما أن یحصل له القطع به ، أو لا ، وعلی الثّانی ، لا بد من انتهائه إلی ما استقل به العقل ، من اتباع الظن لو حصل له ، وقد تمت مقدمات الانسداد - علی تقدیر الحکومة وإلاّ فالرجوع إلی الأُصول العقلیة : من البراءة والاشتغال والتخییر ، علی تفصیل یأتی فی محله إن شاء الله تعالی.

وإنما عممنا متعلق القطع ، لعدم اختصاصه أحکامه بما إذا کان متعلقاً بالأحکام الواقعیة ، وخصصنا بالفعلی ؛ لاختصاصها بما إذا کان متعلقاً به - علی ما ستطلع علیه - ولذلک عدلنا عما فی رسالة (1) شیخنا العلامة - أعلی الله مقامه - من تثلیث الاقسام.

وإن أبیت إلّا عن ذلک ، فالأولی أن یقال : إن المکلف امّا أن یحصل له

ص: 257


1- 1. فرائد الأصول / 2.

القطع أولاً ، وعلی الثّانی امّا أن یقوم عنده طریق معتبر أو لا ؛ لئلا تتداخل الأقسام فیما یذکر لها من الأحکام ، ومرجعه علی الأخیر إلی القواعد المقررة عقلاً أو نقلاً لغیر القاطع ، ومن یقوم عنده الطریق ، علی تفصیل یأتی فی محله - إن شاء الله تعالی - حسبما یقتضی دلیلها.

[المقدمة الاولی فی بعض اکام القطع]

وکیف کان فبیان أحکام القطع وأقسامه ، یستدعی رسم أمور :

الأمر الأوّل : لا شبهة فی وجوب العمل علی وفق القطع عقلاً ، ولزوم الحرکة علی طبقه جزماً ، وکونه موجباً لتنجز التکلیف الفعلّی فیما أصاب باستحقاق الذم والعقاب علی مخالفته ، وعذراً فیما أخطأ قصوراً ، وتأثیره فی ذلک لازم ، وصریح الوجدان به شاهد وحاکم ، فلا حاجة إلی مزید بیان وإقامة برهان.

ولا یخفی أن ذلک لا یکون بجعل جاعل ، لعدم جعل تألیفی حقیقة بین الشیء ولوازمه ، بل عرضاً بتبع جعله بسیطاً.

وبذلک انقدح امتناع المنع عن تأثیره أیضاً ، مع إنّه یلزم منه اجتماع الضدین اعتقاداً مطلقاً ، وحقیقة فی صورة الإصابة ، کما لا یخفی.

ثم لا یذهب علیک أن التکلیف ما لم یبلغ مرتبة البعث والزجر لم یصر فعلیاً ، وما لم یصر فعلّیاً لم یکد یبلغ مرتبة التنجز ، واستحقاق العقوبة علی المخالفة ، وأنّ کان ربما یوجب موافقته استحقاق المثوبة ؛ وذلک لأن الحکم ما لم یبلغ تلک المرتبة لم یکن حقیقة بأمر ولا نهی ، ولا مخالفته عن عمد بعصیان ، بل کان مما سکت الله عنه ، کما فی الخبر(1)، فلاحظ وتدبر.

نعم ، فی کونه بهذه المرتبة مورداً للوظائف المقررة شرعاً للجاهل إشکال لزوم اجتماع الضدین أو المثلین ، علی ما یأتی (2)تفصیله إن شاء الله تعالی ، مع ما هو

ص: 258


1- الفقیه 4 / 53 ، باب نوادر الحدود ، الحدیث 15.
2- فی بدایة مبحث الأمارات ص 277.

التحقیق فی دفعه ، فی التوفیق بین الحکم الواقعی والظاهری ، فانتظر.

الأمر الثانی : قد عرفت إنّه لا شبهة فی أن القطع یوجب استحقاق العقوبة علی المخالفة ، والمثوبة علی الموافقة فی صورة الإصابة ، فهل یوجب استحقاقها فی صورة عدم الإصابة علی التجری بمخالفته ، واستحقاق المثوبة علی الانقیاد بموافقته ، أو لا یوجب شیئاً؟

الحق إنّه یوجبه ؛ لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته ، وذمه علی تجریه ، وهتکه لحرمة مولاه (1) وخروجه عن رسوم عبودیته ، وکونه بصدد الطغیان ، وعزمه علی العصیان ، وصحة مثوبته ، ومدحه علی قیامه (2) بما هو قضیة عبودیته ، من العزم علی موافقته والبناء علی إطاعته ، وأنّ قلنا بإنّه لا یستحق مؤاخذة أو مثوبة ، ما لم یعزم علی المخالفة أو الموافقة ، بمجرد سوء سریرته أو حسنها ، وأنّ کان مستحقا للذّم (3)أو المدح بما یستتبعإنّه ، کسائر الصفات والاخلاق الذمیمة أو الحسنة.

وبالجملة : ما دامت فیه صفة کامنة لا یستحق بها إلّا مدحاً أو ذماً (4) ، وإنما یستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة _ مضافاً إلی أحدهما ، إذا صار بصدد الجری علی طبقها والعمل علی وفقها وجزم وعزم ، وذلک لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سریرته من دون ذلک ، وحسنها معه ، کما یشهد به مراجعة الوجدان الحاکم بالاستقلال فی مثل باب الإطاعة والعصیان ، وما یستتبعان من استحقاق النیران أو الجنان.

ولکن ذلک مع بقاء الفعل المتجری [ به ] أو المنقاد به علی ما هو علیه من الحسن

ص: 259


1- فی «أ» : وهتک حرمته لمولاه ، والصحیح ما أثبتناه.
2- فی «أ» و «ب» : إقامته ، والصحیح ما أثبتناه.
3- فی «أ» و «ب» : للّوم :
4- اثبتناها من « ب ».

أو القبح ، والوجوب أو الحرمة واقعاً ، بلا حدوث تفاوت فیه بسبب تعلق القطع بغیر ما هو علیه من الحکم والصفة ، ولا یغیر جهة حسنه أو قبحه بجهته(1) أصلاً ، ضرورة أن القطع بالحسن أو القبح لا یکون من الوجوه والاعتبارات التی بها یکون الحسن والقبح عقلاً ولا ملاکا للمحبوبیة والمبغوضیة شرعاً ، ضرورة عدم تغیر الفعل عما هو علیه من المبغوضیة والمحبوبیة للمولی ، بسبب قطع العبد بکونه محبوبا أو مبغوضاً له. فقتل ابن المولی لا یکاد یخرج عن کونه مبغوضاً له ، ولو اعتقد العبد بإنّه عدّوه ، وکذا قتل عدّوه ، مع القطع بإنّه إبنه ، لا یخرج عن کونه محبوباً أبداً. هذا.

مع أن الفعل المتجرئ به أو المنقاد به _ بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب _ لا یکون اختیاریاً ، فإن القاطع لا یقصده إلّا بما قطع إنّه علیه من عنوإنّه الواقعی الاستقلالی لا بعنوإنّه الطاریء الآلی ، بل لا یکون غالباً بهذا العنوان مما یلتفت إلیه ، فکیف یکون من جهات الحسن أو القبح عقلاً؟ ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعاً؟ ولا یکاد یکون صفة موجبة لذلک إلّا إذا کانت اختیاریة.

إن قلت : إذا لم یکن الفعل کذلک ، فلا وجه لاستحقاق العقوبة علی مخالفة القطع ، وهل کان العقاب علیها إلّا عقاباً علی ما لیس بالاختیار؟

قلت : العقاب إنّما یکون علی قصد العصیان والعزم علی الطغیان ، لا علی الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختیار.

إن قلت : إن القصد والعزم إنّما یکون من مبادیء الاختیار ، وهی لیست باختیاریة ، وإلاّ لتسلسل.

قلت : - مضافاً إلی أن الاختیار وأنّ لم یکن بالاختیار ، إلّا أن بعضٍ مبادیه غالباً یکون وجوده بالاختیار ، للتمکن من عدمه بالتأمل فیما یترتب علی ما عزم علیه

ص: 262


1- فی هامش ( ب ) من نسخة أُخری : بجهة.

معصیة واحدة إلّا عقوبة واحدة ، مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تکشف بنحو الإنّ عن وحدة السبب.

الأمر الثالث : إنّه قد عرفت (1)أن القطع بالتکلیف أخطأ أو أصاب ، یوجب عقلاً استحقاق المدح والثواب ، أو الذم والعقاب ، من دون أن یؤخذ شرعاً فی خطاب ، وقد یؤخذ فی موضوع حکم آخر یخالف متعلقه ، لا یماثله ولا یضاده ، کما إذا ورد مثلاً فی الخطاب إنّه ( إذا قطعت بوجوب شیء یجب علیک التصدق بکذا ) تارةً بنحو یکون تمام الموضوع ، بأن یکون القطع بالوجوب مطلقاً ولو أخطأ موجباً لذلک ، وأخری بنحو یکون جزأه وقیده ، بأن یکون القطع به فی خصوص ما أصاب موجباً له ، وفی کلّ منهما یؤخذ طوراً بما هو کاشف وحاکٍ عن متعلقه ، وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به ؛ وذلک لأن القطع لما کان من الصفات الحقیقیة ذات الاضافة - ولذا کان العلم نوراً لنفسه ونورا لغیره - صحّ أن یؤخذ فیه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة ، بإلغاء جهة کشفه ، أو اعتبارٍ خصوصیة أُخری فیه معها ؛ کما صحّ أن یؤخذ بما هو کاشف عن متعلقه وحاکٍ عنه ، فتکون أقسامه أربعة ، مضافاً إلی ما هو طریق محض عقلاً غیر مأخوذ فی الموضوع شرعاً.

ثم لا ریب فی قیام الطرق والأمارات المعتبرة - بدلیل حجیتها واعتبارها - مقام هذا القسم ، کما لا ریب فی عدم قیامها بمجرد ذلک الدلیل مقام ما أُخذ فی الموضوع علی نحو الصفتیة من تلک الأقسام ، بل لابد من دلیل آخر علی التنزیل ، فإن قضیة الحجیة والاعتبار ترتیب ما للقطع بما هو حجة من الآثار ، لا له بما هو صفة وموضوع ، ضرورة إنّه کذلک یکون کسائر الموضوعاًت والصفات.

ومنه قد انقدح عدم قیامها بذاک الدلیل مقام ما أُخذ فی الموضوع علی نحو

ص: 263


1- فی الأمر الأوّل صفحة 258.

الکشف ، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو فی الموضوع شرعاً ، کسائر مالها (1) دخل فی الموضوعاًت أیضاً ، فلا یقوم مقامه شیء بمجرد حجیته ، وقیام (2) دلیل علی اعتباره ، ما لم یقم دلیل علی تنزیله ، ودخله فی الموضوع کدخله.

وتوهمّ (3) کفایة دلیل الاعتبار الدالّ علی إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع ، من جهة کونه موضوعاً ومن جهة کونه طریقاً فیقوم مقامه طریقاً کان أو موضوعاً ، فاسد جدّاً. فإن الدلیل الدالّ علی إلغاء الاحتمال ، لا یکاد یکفی إلّا بأحد التنزیلین ، حیث لا بدّ فی کلّ تنزیل منهما من لحاظ المنزَّل والمنزّل علیه ، ولحاظهما فی أحدهما آلیّ ، وفی الآخر استقلالی ، بداهة أن النظر فی حجیته وتنزیله منزلة القطع فی طریقیته فی الحقیقة إلی الواقع ومؤدی الطریق ، وفی کونه بمنزلته فی دخله فی الموضوع إلی أنفسهما ، ولا یکاد یمکن الجمع بینهما.

نعم لو کان فی البین ما بمفهومه جامع بینهما ، یمکن أن یکون دلیلاً علی التنزیلین ، والمفروض إنّه لیس ؛ فلا یکون دلیلاً علی التنزیل إلّا بذاک اللحاظ الآلیّ ، فیکون حجة موجبة لتنجز متعلقه ، وصحة العقوبة علی مخالفته فی صورتی إصابته وخطئه بناءً علی استحقاق المتجری ، أو بذلک اللحاظ الآخر الاستقلالی ، فیکون مثله فی دخله فی الموضوع ، وترتیب ما له علیه من الحکم الشرعی.

لا یقال : علی هذا لا یکون دلیلاً علی أحد التنزیلین ، ما لم یکن هناک قرینة فی البین.

فإنّه یقال : لا إشکال فی کونه دلیلاً علی حجیته ، فإن ظهوره فی إنّه بحسب اللحاظ الآلیّ مما لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، وإنما یحتاج تنزیله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالی من نصب دلالة علیه ، فتأمل فی المقام فإنّه دقیق ومزالّ الأقدام

ص: 264


1- 1. فی حقائق الأصول : ماله ، الحقائق 2 : 24.
2- 2. فی « ب » : أو قیام دلیل ... الخ.
3- 3. تعریض بما ذکره الشیخ الانصاری ( قده ) فرائد الأصول / 4.

للاعلام.

ولا یخفی إنّه لو لا ذلک ، لأمکن أن یقوم الطریق بدلیل واحد - دالّ علی إلغاء احتمال خلافه - مقام القطع بتمام أقسامه ، ولو فیما (1) أُخذ فی الموضوع علی نحو الصفتیة ؛ کان تمامه أو قیده وبه قوامه.

فتلخص ممّا ذکرنا : إن الأمارة لا تقوم بدلیل اعتبارها إلّا مقام ما لیس بمأخوذ (2) فی الموضوع أصلاً.

وأما الأصول فلا معنی لقیامها مقامه بأدلتها - أیضاً - غیر الاستصحاب ؛ لوضوح أن المراد من قیام المقام ترتیب ما له من الآثار والأحکام ، من تنجز التکلیف وغیره - کما مرت (3) إلیه الإِشارة - وهی لیست إلّا وظائف مقررة للجاهل فی مقام العمل شرعاً أو عقلاً.

لا یقال : إن الاحتیاط لا بأس بالقول بقیامه مقامه فی تنجز التکلیف لو کان.

فإنّه یقال : امّا الاحتیاط العقلی ، فلیس إلّا لأجل حکم العقل بتنجز التکلیف ، وصحة العقوبة علی مخالفته ، لا شیء یقوم مقامه فی هذا الحکم.

وأما النقلی ، فإلزام الشارع به ، وأنّ کان مما یوجب التنجز وصحة العقوبة علی المخالفة کالقطع ، إلّا إنّه لا نقول به فی الشبهة البدویة ، ولا یکون بنقلی فی المقرونة بالعلم الإِجمالی ، فافهم.

ثم لا یخفی أنَّ دلیل الاستصحاب أیضاً لا یفی بقیامه مقام القطع المأخوذ

ص: 265


1- الظاهر أنّه ردّ علی الشیخ حیث فصّل بین القطع الموضوعی الطریقی وبین القطع الموضوعی الصفتی ، من جهة قیام الأمارة مقامه وعدم قیامها مقامه ، فرائد الأصول / 3.
2- فی « ب » : مأخوذاً.
3- فی ص 264 عند قوله : ( فیکون حجة موجبة لتنجز متعلقه ... ).

فی الموضوع مطلقاً ، وأنّ مثل ( لا تنقض الیقین ) لا بدّ من أن یکون مسوقاً امّا بلحاظ المتیقن ، أو بلحاظ نفس الیقین.

وما ذکرنا فی الحاشیة (1)- فی وجه تصحیح لحاظ واحد فی التنزیل منزلة الواقع والقطع ، وأنّ دلیل الاعتبار إنّما یوجب تنزیل المستصحب والمؤدی منزلة الواقع ، وإنما کان تنزیل القطع فیما له دخل فی الموضوع بالملازمة بین تنزیلهما ، وتنزیل القطع بالواقع تنزیلاً وتعبداً منزلة القطع بالواقع حقیقة - لا یخلو من تکلف بل تعسف. فإنّه لا یکاد یصحّ تنزیل جزء الموضوع أو قیده ، بما هو کذلک بلحاظ أثره ، إلّا فیما کان جزؤه الآخر أو ذاته محرزاً بالوجدان ، أو تنزیله فی عرضه ، فلا یکاد یکون دلیل الأمارة أو الاستصحاب دلیلاً علی تنزیل جزء الموضوع ، ما لم یکن هناک دلیل علی تنزیل جزئه الآخر ، فیما لم یکن محرزاً حقیقة ، وفیما لم یکن دلیل علی تنزیلهما بالمطابقة - کما فی ما نحن فیه ، علی ما عرفت (2) - لم یکن دلیل الأمارة دلیلاً علیه أصلاً ، فإن دلالته علی تنزیل المؤدی تتوقف علی دلالته علی تنزیل القطع بالملازمة ، ولا دلالة له کذلک إلّا بعد دلالته علی تنزیل المؤدی ، فإن الملازمة (3)إنّما تکون بین تنزیل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقیقی ، وتنزیل المؤدی منزلة الواقع کما لا یخفی ، فتأمل جیّداً ، فإنّه لا یخلو عن دقة.

ثم لا یذهب علیک أن (4) هذا لو تم لعم ، ولا اختصاص له بما إذا کان القطع مأخوذاً علی نحو الکشف.

الأمر الرابع : لا یکاد یمکن أن یؤخذ القطع بحکم فی موضوع نفس هذا

ص: 266


1- حاشیة المصنف علی الفرائد / 8 فی کیفیة تنزیل الأمارة مقام القطع.
2- فی عدم إمکان الجمع بین اللحاظین / 264.
3- - فی بعضٍ النسخ المطبوعة زیادة هنا حذفها المصنف من نسختی « أ » و « ب ».
4- فی « أ » و « ب » : إنّه.

الحکم للزوم الدور ، ولا مثله للزوم اجتماع المثلین ، ولاضده للزوم اجتماع الضدین ، نعم یصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحکم فی مرتبة أُخری منه أو مثله أو ضده.

وأما الظن بالحکم ، فهو وأنّ کان کالقطع فی عدم جواز أخذه فی موضوع نفس ذاک الحکم المظنون ، إلّا إنّه لما کان معه مرتبة الحکم الظاهری محفوظة ، کان جعل حکم آخر فی مورده - مثل الحکم المظنون أو ضدّه - بمکان من الامکان.

إن قلت : إن کان الحکم المتعلق به الظن فعلّیاً أیضاً ، بأن یکون الظن متعلقاً بالحکم الفعلّی ، لا یمکن أخذه فی موضوع حکم فعلّی آخر مثله ضدّه ، لاستلزامه الظن باجتماع الضدین أو المثلین ، وإنما یصحّ أخذه فی موضوع حکم آخر ، کما فی القطع ، طابق النعل بالنعل.

قلت : یمکن أن یکون الحکم فعلّیاً ، بمعنی إنّه لو تعلق به القطع - علی ما هو علیه من الحال - لتنجز واستحق علی مخالفته العقوبة ، ومع ذلک لا یجب علی الحاکم رفع عذر المکلف ، برفع جهله لو أمکن ، أو بجعل لزوم الاحتیاط علیه فیما أمکن ، بل یجوز جعل أصل أو أمارة مؤدیة إلیه تارةً ، وإلی ضدّه أُخری ، ولا یکاد یمکن مع القطع به جعل حکم آخر مثله أو ضدّه ، کما لا یخفی ، فافهم.

إن قلت : کیف یمکن ذلک؟ وهل هو إلّا إنّه یکون مستلزماً لاجتماع المثلین أو الضدین؟.

قلت : لا بأس بإجتماع الحکم الواقعی الفعلّی بذاک المعنی - أیّ لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز - مع حکم آخر فعلّی فی مورده بمقتضی الأصل أو الأمارة ، أو دلیل أخذ فی موضوعه الظن بالحکم بالخصوص ، علی ما سیأتی (1) من التحقیق فی التوفیق بین الحکم الظاهری والواقعی.

ص: 267


1- فی بحث الأمارات / 278 ، عند قوله : لأن أحدهما طریقی عن مصلحة فی نفسه ... إلخ.

الأمر الخامس : هل تنجز التکلیف بالقطع - کما یقتضی موافقته عملاً - یقتضی موافقته إلتزاماً ، والتسلیم له اعتقاداً وانقیاداً؟ کما هو اللازم فی الأُصول الدینیة والامور الاعتقادیة ، بحیث کان له امتثالان وطاعتان ، إحداهما بحسب القلب والجنان ، والأخری بحسب العمل بالارکان ، فیستحق العقوبة علی عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملاً ، أو لا یقتضی؟ فلا یستحق العقوبة علیه ، بل إنّما یستحقها علی المخالفة العملیة.

الحق هو الثّانی ، لشهادة الوجدان الحاکم فی باب الإطاعة والعصیان بذلک ، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل الأمر سیده إلّا المثوبة دون العقوبة ، ولو لم یکن متسلماً وملتزما به ومعتقداً ومنقاداً له ، وأنّ کان ذلک یوجب تنقیصه وانحطاط درجته لدی سیده ، لعدم اتصافه بما یلیق أن یتصف العبد به من الاعتقاد بأحکام مولاه والانقیاد لها ، وهذا غیر استحقاق العقوبة علی مخالفته لامره أو نهیه التزاماً مع موافقته عملاً ، کما لا یخفی.

ثم لا یذهب علیک ، إنّه علی تقدیر لزوم الموافقة الالتزامیة ، لو کان المکلف متمکناً منها لوجب ، ولو فیما لا یجب علیه الموافقة القطعیة عملاً ، ولا یحرم المخالفة القطعیة علیه کذلک أیضاً لامتناعهما ، کما إذا علم إجمالاً بوجوب شیء أو حرمته ، للتمکن من الالتزام بما هو الثابت واقعاً ، والانقیاد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت ، وأنّ لم یعلم إنّه الوجوب أو الحرمة.

وإن أبیت إلّا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوإنّه ، لما کانت موافقته القطعیة الالتزامیة حینئذ ممکنة ، ولما وجب علیه الالتزام بواحد قطعاً ، فإن محذور الالتزام بضد التکلیف عقلاً لیس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة ، مع ضرورة أن التکلیف لو قیل باقتضائه للالتزام ، لم یکد یقتضی إلّا الالتزام بنفسه عیناً ، لا الالتزام به أو بضده تخییراً.

ومن هنا قد انقدح إنّه لا یکون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأُصول

ص: 268

الحکمیة أو الموضوعیة فی أطراف العلم لو کانت جاریة ، مع قطع النظر عنه ، کما لا یدفع(1)بها محذور عدم الالتزام به (2). إلّا أن یقال : إن استقلال العقل بالمحذور فیه إنّما یکون فیما إذا لم یکن هناک ترخیص فی الإقدام والاقتحام فی الأطراف ، ومعه لا محذور فیه ؛ بل ولا فی الالتزام بحکم آخر.

إلا أن الشأن حینئذ فی جواز جریان الأُصول فی أطراف العلم الإِجمالی ، مع عدم ترتب أثر علمی علیها ، مع إنّها أحکام عملیة کسائر الأحکام الفرعیة ، مضافاً إلی عدم شمول أدلتها لأطرافه ، للزوم التناقض فی مدلولها علی تقدیر شمولها ، کما ادعاه(3) شیخنا العلامة أعلی الله مقامه ، وأنّ کان محلّ تأمل ونظر ، فتدبرّ جیّداً.

الأمر السادس : لا تفاوت فی نظر العقل أصلاً فیما یترتب علی القطع من الآثار عقلاً ، بین أن یکون حاصلاً بنحو متعارف ، ومن سبب ینبغی حصوله منه ، أو غیر متعارف لا ینبغی حصوله منه ، کما هو الحال غالباً فی القطّاع ، ضرورة أن العقل یری تنجز التکلیف بالقطع الحاصل مما لا ینبغی حصوله ، وصحة مؤاخذة قاطعه علی مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنها بإنّه حصل کذلک ، وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه ، وعدم حسن الاحتجاج علیه بذلک ، ولو مع التفاته إلی کیفیة حصوله.

نعم (4)ربما یتفاوت الحال فی القطع المأخوذ فی الموضوع شرعاً ، والمتبع فی عمومه وخصوصه دلالة دلیله فی کلّ مورد ، فربما یدلّ علی اختصاصه بقسم فی

ص: 269


1- إشارة إلی ما فی فرائد الأصول / 19 ، عند قوله : وأما المخالفة الغیر العملیة ... الخ.
2- هنا زیادة فی بعضٍ النسخ المطبوعة حذفها المصنف من نسختی « أ » و « ب ».
3- فرائد الأصول / 429 ، عند قوله : بل لأن العلم الإِجمالی هنا بانتقاض ... الخ.
4- قد نبه الشیخ فی فرائد الأصول / 3 ، علی هذا الاستدراک.

مورد ، وعدم اختصاصه به فی آخر ، علی اختلاف الأدلة واختلاف المقامات ، بحسب مناسبات الأحکام والموضوعاًت ، وغیرها من الامارات.

وبالجملة القطع فیما کان موضوعاً عقلاً لا یکاد یتفاوت من حیث القاطع ، ولا من حیث المورد ، ولا من حیث السبب ، لا عقلاً - وهو واضح - ولا شرعاً ، لما عرفت (1) من إنّه لا تناله ید الجعل نفیاً ولا إثباتاً ؛ وأنّ نسب إلی بعضٍ الإخباریین إنّه لا اعتبارٍ بما إذا کان بمقدمات عقلیة ، إلّا أن مراجعة کلماتهم لا تساعد علی هذه النسبة ، بل تشهد بکذبها ، وإنّها إنّما تکون امّا فی مقام منع الملازمة بین حکم العقل بوجوب شیء وحکم الشرع بوجوبه ، کما ینادی به بأعلی صوته ما حکی (2) عن السید الصدر (3) فی باب الملازمة ، فراجع.

وإما فی مقام عدم جواز الاعتماد علی المقدّمات العقلیة ، لأنّها لا تفید إلّا الظن ، کما هو صریح الشیخ المحدث الامین الاسترآبادی رحمه الله حیث قال - فی جملة ما استدل به فی فوائده (4)علی انحصار مدرک ما لیس من ضروریات الدین فی السماع عن الصادقین علیهم السلام :

الرابع : أن کلّ مسلک غیر ذلک المسلک - یعنی التمسک بکلامهم ( علیهم الصلاة والسلام ) - إنّما یعتبر من حیث إفادته الظن بحکم الله تعالی ، وقد أثبتنا

ص: 270


1- تقدم فی الأمر الأوّل : 258.
2- راجع ما حکاه الشیخ عن السید الصدر : فرائد الأصول : 11 ، وکلام السید الصدر فی شرح الوافیة.
3- السید صدر الدین بن محمد باقر الرضوی القمی ، أخذ من أفاضل علماء إصفهان ، کالمدقق الشیروانی والاقا جمال الدین الخونساری والشیخ جعفر القاضی ، ثم إرتحل إلی قُم ، فأخذ فی التدریس إلی أن اشتعلت نائرة فتنة الافغان ، فانتقل منها إلی موطن أخیه الفاضل بهمدان ثم منها إلی النجف الاشرف ، فاشتغل فیها علی المولی الشریف أبی الحسن العاملی والشیخ أحمد الجزائری ، تلمذ علیه الأستاذ الاکبر المحقق البهبهانی ، له کتاب « شرح الوافیة » توفی فی عشر الستین بعد المئة والألف وهو ابن خمس وستین سنة ( الکنی والألقاب 2 / 375 ).
4- الفوائد المدنیة : 129.

سابقاً إنّه لا اعتماد علی الظن المتعلق بنفس أحکامه تعالی أو بنفیها ) وقال فی جملتها أیضاً - بعد ذکر ما تفطن بزعمه من الدقیقة - ما هذا لفظه (1) :

« وإذا عرفت ما مهدناه من الدقیقة الشریفة ، فنقول : إن تمسکنا بکلامهم علیهم السلام فقد عصمنا من الخطأ ، وأنّ تمسکنا بغیره لم یعصم عنه ، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فیه شرعاً وعقلاً ، إلّا تری أن الامامیة استدلوا علی وجوب العصمة بإنّه لولا العصمة للزم أمره تعالی عباده باتباع الخطأ ، وذلک الأمر محلّ ، لإنّه قبیح ، وأنت إذا تأملت فی هذا الدلیل علمت أن مقتضاه إنّه لا یجوز الاعتماد علی الدلیل الظنی فی أحکامه تعالی » ، انتهی موضع الحاجة من کلامه.

وما مهده من الدقیقة هو الذی نقله شیخنا العلامة - أعلی الله مقامه - فی الرسالة (2).

وقال فی فهرست فصولها (3) أیضاً :

( الأوّل : فی إبطال جواز التمسک بالاستنباطات الظنیة فی نفس أحکامه تعالی شإنّه ، ووجوب التوقف عند فقد القطع بحکم الله ، أو بحکم ورد عنهم علیهم السلام ) ، انتهی.

وأنت تری أن محلّ کلامه ومورد نقضه وإبرامه ، هو العقلی الغیر المفید للقطع ، وإنما همّه إثبات عدم جواز اتباع غیر النقل فیما لا قطع.

وکیف کان ، فلزوم اتباع القطع مطلقاً ، وصحة المؤاخذة علی مخالفته عند إصابته ، وکذا ترتب سائر آثاره علیه عقلاً ، مما لا یکاد یخفی علی عاقل فضلاً عن

ص: 271


1- 1. المصدر السابق : 130 ، مع اختلاف یسیر.
2- 2. فرائد الأصول / 9 مبحث القطع.
3- 3. الفوائد المدنیة / 90 ، باختلاف غیر قادح فی العبارة.

فاضل ، فلابد فیما یوهم (1) خلاف ذلک فی الشریعة من المنع عن حصول العلم التفصیلی بالحکم الفعلّی (2)لأجل منع بعضٍ مقدماته الموجبة له ، ولو إجمالاً ، فتدبرّ جیّداً.

الأمر السابع : إنّه قد عرفت کون القطع التفصیلی بالتکلیف الفعلّی علّة تامة لتنجزه ، لا تکاد تناله ید الجعل إثباتاً أو نفیاً ، فهل القطع الإِجمالی کذلک؟

فیه إشکال ، ربما یقال : إن التکلیف حیث لم ینکشف به تمام الانکشاف ، وکانت مرتبة الحکم الظاهری معه محفوظة ، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالاً بل قطعاً ، ولیس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالاً [ إلّا ] (3) محذور مناقضة الحکم الظاهری مع الواقعی فی الشبهة الغیر المحصورة ، بل الشبهة البدویة (4)، ضرورة عدم تفاوت فی المناقضة بین التکلیف الواقعی والإذن بالاقتحام فی مخالفته بین الشبهات أصلاً ، فما به التفصی عن المحذور فیهما کان به التفصّی عنه فی القطع به فی الأطراف المحصورة أیضاً ، کما لا یخفی ، [ وقد أشرنا إلیه سابقاً ، ویأتی (5)إن شاء الله مفصلاً ] (6)

نعم کان العلم الإِجمالی کالتفصیلی فی مجرد الاقتضاء ، لا فی العلّیة التامة (7)، فیوجب تنجز التکلیف أیضاً لو لم یمنع عنه مانع عقلاً ، کما کان فی أطراف کثیرة غیر

ص: 272


1- المحاسن / 286 ، الحدیث 430 - الکافی : 2 / 16 ، الحدیث 5. الوسائل : 18 / الباب 6 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 37.
2- فی هامش « ب » عن نسخة أُخری : العقلی.
3- أثبتناه من « ب ».
4- کان هنا اشکال آخر ضرب علیه المصنف فی نسختی « أ » و « ب ».
5- تقدم فی الأمر الرابع / 267 ، عند قوله : قلت : لا بأس باجتماع ... الخ ، ویأتی فی أوائل البحث عن حجیة الامارات.
6- شطب المصنف علی هذه العبارة فی ( ب ).
7- لکنه لا یخفی أن التفصی عن المناقضة - علی ما یأتی - لما کان بعدم المنافاة بین الحکم الواقعی ما لم یصر فعلّیاً والحکم الظاهری الفعلّی ، کان الحکم الواقعی فی موارد الأصول والأمارات المؤدیة إلی خلافه لا محالة غیر فعلّی ، فحینئذ فلا یجوّز العقل مع القطع بالحکم الفعلّی الإذن فی مخالفته ، بل یستقل مع قطعه ببعث المولی أو زجره ولو إجمالاً بلزوم موافقته وإطاعته.

محصورة ، أو شرعاً کما فی ما أذن الشارع فی الاقتحام فیها ، کما هو ظاهر ( کلّ شیء فیه حلال وحرام ، فهو لک حلال ، حتی تعرف الحرام منه بعینه ) (1).

وبالجملة : قضیة صحة المؤاخذة علی مخالفته ، مع القطع به بین أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها ، أو مع الإذن فی الاقتحام فیها ، هو کون القطع الإِجمالی مقتضیاً للتنجز لا علّة تامة.

وأما احتمال (2) إنّه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلی لزوم الموافقة القطعیة ، وبنحو العلّیة بالنسبة إلی الموافقة الاحتمالیة وترک المخالفة القطعیة ، فضعیف جداً. ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضین کالقطع بثبوتهما فی الاستحالة ، فلا یکون عدم القطع بذلک معها موجباً لجواز الاذن فی الاقتحام ، بل لو صحّ الإذن فی المخالفة الاحتمالیة صحّ فی القطعیة أیضاً ، فافهم.

ولا یخفی أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلک ، کما أن المناسب فی باب البراءة والاشتغال - بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثیره فی التنجز بنحو الاقتضاء لا العلّیة - هو البحث عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلاً وعدم ثبوته ، کما لا مجال بعد

ص: 273


1- باختلاف یسیر فی العبارة : الکافی 5 / 313 باب النوادر من کتاب المعیشة ، الحدیث 39. التهذیب 7 / 2. الباب 21 من الزیادات ، الحدیث 8 ، الفقیه 3 / 216 ، الباب 96 الصید والذبایح الحدیث 92.
2- هذه إشارة إلی التفصیل فی حجیة العلم الإِجمالی کما یستفاد من کلمات الشیخ الانصاری فی مبحث العلم الإِجمالی / 21 ، عند قوله : ( وأمّا المخالفة العملیة فإن کانت ... ) ، ومبحث الإِشتغال / 3. عند قوله : ( نعم لو أذن الشارع ... ).

البناء علی إنّه بنحو العلّیة للبحث عنه هناک أصلاً ، کما لا یخفی.

هذا بالنسبة إلی إثبات التکلیف وتنجزه به ، وأما سقوطه به بأن یوافقه إجمالاً ، فلا إشکال فیه فی التوصلیات. وأما [ فی ] (1) العبادیات فکذلک فیما لا یحتاج إلی التکرار ، کما إذا تردد أمر عبادة بین الأقلّ والأکثر ، لعدم الإِخلال بشیء مما یعتبر أو یحتمل اعتباره فی حصول الغرض منها ، مما لا یمکن أن یؤخذ فیها ، فإنّه نشأ من قبل الأمر بها ، کقصد الإطاعة والوجه والتمییز فیما إذا أتی بالاکثر ، ولا یکون إخلال حینئذ إلّا بعدم إتیان ما احتمل جزئیته علی تقدیرها بقصدها ، واحتمال دخل قصدها فی حصول الغرض ضعیف فی الغایة وسخیف إلی النهایة.

وأما فیما احتاج إلی التکرار ، فربما یشکل (2)من جهة الإِخلال بالوجه تارةً ، وبالتمییز أُخری ، وکونه لعباً وعبثاً ثالثة.

وأنت خبیر بعدم الإِخلال بالوجه بوجه فی الإِتیان مثلاً بالصلاتین المشتملتین علی الواجب لوجوبه ، غایة الأمر إنّه لا تعیین له ولا تمییز فالاخلال إنّما یکون به ، واحتمال اعتباره أیضاً فی غایة الضعف ، لعدم عین منه ولا أثر فی الأخبار ، مع إنّه مما یغفل عنه غالباً ، وفی مثله لا بدّ من التنبیه علی اعتباره ودخله فی الغرض ، وإلاّ لأخل بالغرض ، کما نبهنا علیه سابقاً (3)

وأما کون التکرار لعباً وعبثاً ، فمع إنّه ربما یکون لداع عقلاًئی ، إنّما یضر إذا کان لعباً بأمر المولی ، لا فی کیفیة إطاعته بعد حصول الداعی إلیها ، کما لا یخفی ، هذا کله فی قبال ما إذا تمکن من القطع تفصیلاً بالامتثال.

وأما إذا لم یتمکن إلّا من الظن به کذلک ، فلا إشکال فی تقدیمه علی الامتثال الظنی لو لم یقم دلیل علی اعتباره ، إلّا فیما إذا لم یتمکن منه ، وأما لو قام علی اعتباره

ص: 274


1- من هامش ( ب ) عن نسخة أُخری.
2- راجع کلام الشیخ قدس فرائد الأصول / 299 ، فی الخاتمة فی شرائط الأُصول.
3- فی مبحث التعبدی والتوصلی ، 76.

مطلقاً ، فلا إشکال فی الاجتزاء بالظنی ، کما لا إشکال فی الاجتزاء بالامتثال الإِجمالی فی قبال الظنی ، بالظن المطلق المعتبر بدلیل الانسداد ، بناءً علی أن یکون من مقدماته عدم وجوب الاحتیاط ، وأما لو کان من مقدماته بطلإنّه لاستلزامه العسر المخل بالنظام ، أو لأنّه لیس من وجوه الطاعة والعبادة ، بل هو نحو لعب وعبث بأمر المولی فیما إذا کان بالتکرار ، کما توهّم ، فالمتعین هو التنزل عن القطع تفصیلاً إلی الظن کذلک.

وعلیه : فلا مناص عن الذهاب إلی بطلان عبادة تارک طریقی التقلید والاجتهاد ، وأنّ احتاط فیها ، کما لا یخفی.

هذا بعضٍ الکلام فی القطع مما یناسب المقام ، ویأتی بعضه الآخر فی مبحث البراءة والاشتغال.

فیقع المقام فیما هو المهمّ من عقد هذا المقصد ، وهو بیان ما قیل باعتباره من الأمارات ، أو صحّ أن یقال ،

[المقدمة الثانیة فی بعض احکام مطلق الامارات]

وقبل الخوض فی ذلک ینبغی تقدیم أمور :

أحدها : إنّه لا ریب فی أن الامارة الغیر العلمیة ، لیس کالقطع فی کون الحجیة من لوازمها ومقتضیاتها بنحو العلّیة ، بل مطلقاً ، وأنّ ثبوتها لها محتاج إلی جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجیّة عقلاً ، بناءً علی تقریر مقدمات الانسداد بنحو الحکومة ، وذلک لوضوح عدم اقتضاء غیر القطع للحجیة بدون ذلک ثبوتاً بلا خلاف ، ولا سقوطاً وأنّ کان ربما یظهر فیه من بعضٍ المحققین (1) الخلاف والاکتفاء بالظن بالفراغ ، ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل ، فتأمل.

ثانیها : فی بیان إمکان التعبد بالأمارة الغیر العلمیة شرعاً ، وعدم لزوم

ص: 275


1- لعلّه المحقق الخوانساری (ره) کما قد یستظهر من بعضٍ کلماته فی مسألة ما لو تعدَّد الوضوء ولم یعلم محلّ المتروک ( الخلل ) ، راجع مشارق الشموس / 147.

محال منه عقلاً ، فی قبال دعوی استحالته للزومه ، ولیس (1) الإِمکان بهذا المعنی ، بل مطلقاً أصلاً متّبعاً (2)عند العقلاء ، فی مقام احتمال ما یقابله من الامتناع ، لمنع کون سیرتهم علی ترتیب آثار الإِمکان عند الشک فیه ، ومنع حجیتها - لو سلّم ثبوتها - لعدم قیام دلیل قطعی علی اعتبارها ، والظن به لو کان فالکلام الآن فی إمکان التعبد بها وامتناعه ، فما ظنک به؟ لکن دلیل وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمکانه ، حیث یستکشف به عدم ترتب محال من تالٍ باطل فیمتنع مطلقاً ، أو علی الحکیم تعالی ، فلا حاجة معه فی دعوی الوقوع إلی إثبات الإِمکان ، وبدونه لا فائدة فی إثباته ، کما هو واضح.

وقد انقدح بذلک ما فی دعوی شیخنا العلامة (3) - أعلی الله مقامه - من کون الإِمکان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلاً ، والإِمکان فی کلام الشیخ الرئیس(4) : ( کلّ ما قرع سمعک من الغرائب فذره فی بقعة الإِمکان ، ما لم یذدک عنه واضح البرهان ) ، بمعنی الاحتمال المقابل للقطع والإیقان ، ومن الواضح أن لا موطن له إلّا الوجدان ، فهو المرجع فیه بلا بینة وبرهان.

وکیف کان ، فما قیل أو یمکن أن یقال فی بیان ما یلزم التعبد بغیر العلم من المحال ، أو الباطل ولو لم یکن بمحال أُمور :

أحدها : إجتماع المثلین من إیجابین أو تحریمین مثلاً فیما أصاب ، أو ضدین من إیجاب وتحریم ومن إرادة وکراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتین بلا کسر وانکسار فی البین فیما أخطأ ، أو التصویب وأنّ لا یکون هناک غیر مؤدیات الأمارات أحکام.

ص: 276


1- هذا تعریض بالشیخ (ره) حیث اعترض علی المشهور بما لفظه : ( وفی هذا التقریر نظر ... ) ، فرائد الأصول / 24 ، فی إمکان التعبد بالظن.
2- فی « أ » : بأصل متبع.
3- فرائد الأصول / 24 ، فی إمکان التعبّد بالظن.
4- راجع الإشارات والتنبیهات : 3 / 418 ، النمط العاشر فی أسرار الآیات ، نصیحة.

ثانیها : طلب الضدین فیما إذا أخطأ وأدی إلی وجوب ضد الواجب.

ثالثها : تفویت المصلحة أو الإلقاء فی المفسدة فیما أدی إلی عدم وجوب ما هو واجب ، أو عدم حرمة ما هو حرام ، وکونه محکوماً بسائر الأًحکام.

والجواب : إن ما ادعی لزومه ، امّا غیر لازم ، أو غیر باطل ، وذلک لأن التعبد بطریق غیر علمی إنّما هو بجعل حجیته ، والحجیة المجعولة غیر مستتبعة لإِنشاء أحکام تکلیفیة بحسب ما أدی إلیه الطریق ، بل إنّما تکون موجبة لتنجز التکلیف به إذا أصاب ، وصحته الاعتذار به إذا أخطأ ، ولکون مخالفته وموافقته تجریاً وانقیاداً مع عدم إصابته ، کما هو شأن الحجة الغیر المجعولة ، فلا یلزم اجتماع حکمین مثلین أو ضدین ، ولا طلب الضدین ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الکراهة والإرادة ، کما لا یخفی.

وأما تفویت مصلحة الواقع ، أو الإلقاء فی مفسدته فلا محذور فیه أصلاً ، إذا کانت فی التعبد به مصلحة غالبة علی مفسدة التفویت أو الإلقاء.

نعم لو قیل باستتباع جعل الحجیة للأحکام التکلیفیة ، أو بإنّه لا معنی لجعلها إلّا جعل تلک الأحکام ، فاجتماع حکمین وأنّ کان یلزم ، إلّا إنّهما لیسا بمثلین أو ضدین ، لأن احدهما طریقی عن مصلحة فی نفسه موجبة لإِنشائه الموجب للتنجز ، أو لصحة الاعتذار بمجرده من دون إرادة نفسانیة أو کراهة کذلک متعلقة بمتعلقه فیما یمکن هناک انقداحهما ، حیث إنّه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتین فی فعل ، وأنّ لم یحدث بسببها إرادة أو کراهة فی المبدأ الأعلی ، إلّا إنّه إذا أوحی بالحکم الناشیء (1) من قبل تلک المصلحة أو المفسدة إلی النبی ، أو ألهم به الولیّ ، فلا محالة ینقدح فی نفسه الشریفة بسببهما (2) ، الإرادة أو الکراهة الموجبة للإنشاء بعثاً أو زجراً ، بخلاف ما لیس هناک مصلحة أو مفسدة فی المتعلق ، بل إنّما کانت فی نفس

ص: 277


1- فی « ب » : الشانی.
2- أثبتناها من « أ ».

إنشاء الأمر به طریقیاً. والآخر واقعی حقیقی عن مصلحة أو مفسدة فی متعلقه ، موجبة لإِرادته أو کراهته ، الموجبة لإِنشائه بعثاً أو زجراً فی بعضٍ المبادئ العالیة ، وأنّ لم یکن فی المبدأ الأعلی إلّا العلم بالمصلحة أو المفسدة - کما أشرنا - فلا یلزم أیضاً اجتماع إرادة وکراهة ، وإنما لزم إنشاءً حکم واقعی حقیقی بعثاً وزجراً ، وإنشاء حکم آخر طریقی ، ولا مضادة بین الإنشاءین فیما إذا اختلفا ، ولا یکون من اجتماع المثلین فیما اتفقا ، ولا إرادة ولا کراهة أصلاً إلّا بالنسبة إلی متعلق الحکم الواقعی ، فافهم.

نعم یشکل الأمر فی بعضٍ الأُصول العملیة ، کأصالة الإِباحة الشرعیة ، فإن الإذن فی الاقدام والاقتحام ینافی المنع فعلاً ، کما فیما صادف الحرام ، وأنّ کان الاذن فیه لأجل مصلحة فیه ، لا لأجل عدم مصلحة ومفسدة ملزمة فی المأذون فیه ؛ فلا محیص فی مثله إلّا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الکراهة فی بعضٍ المبادئ العالیة أیضاً ، کما فی المبدأ الأعلی ، لکنه لا یوجب الالتزام بعدم کون التکلیف الواقعی بفعلّی ، بمعنی کونه علی صفة ونحو لو علم به المکلف لتنجز علیه ، کسائر التکالیف الفعلیة التی تتنجز بسبب القطع بها ، وکونه فعلّیاً إنّما یوجب البعث أو الزجر فی النفس النبویّة أو الولویّة ، فیما إذا لم ینقدح فیها الإذن لأجل مصلحة فیه.

فانقدح بما ذکرنا إنّه لا یلزم الالتزام بعدم کون الحکم الواقعی فی مورد الأُصول والأمارات فعلّیاً ، کی یشکل تارةً بعدم لزوم الإِتیان حینئذ بما قامت الأمارة علی وجوبه ، ضرورة عدم لزوم امتثال الأحکام الإنشائیة ما لم تصر فعلیة ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإِتیان به مما لا یحتاج إلی مزید بیان أو إقامة برهان.

لا یقال : لا مجال لهذا الإِشکال ، لو قیل بإنّها کانت قبل أداءً الأمارة إلیها إنشائیة ، لإنّها بذلک تصیر فعلیة ، تبلغ تلک المرتبة.

فإنّه یقال : لا یکاد یحرز بسبب قیام الأمارة المعتبرة علی حکم إنشائی لا حقیقة ولا تعبداً ، إلّا حکم إنشائی تعبداً ، لا حکم إنشائی أدّت إلیه الأمارة ؛ امّا

ص: 278

حقیقة فواضح ، وأما تعبداً فلأنّ قصاری ما هو قضیة حجیة الامارة کون مؤدّاها (1) هو الواقع تعبداً ، لا الواقع الذی أدّت إلیه الامارة ، فافهم.

أللهم إلّا أن یقال : إن الدلیل علی تنزیل المؤدّی منزلة الواقع - الذی صار مؤدّی لها - هو دلیل الحجیة بدلالة الاقتضاء ، لکنه لا یکاد یتم إلّا إذا لم یکن للأحکام بمرتبتها الإنشائیة أثر أصلاً ، وإلاّ لم تکن لتلک الدلالة مجال ، کما لا یخفی.

وأخری بإنّه کیف یکون التوفیق بذلک؟ مع احتمال أحکام فعلیة بعثیّة أو زجریة فی موارد الطرق و الأُصول العملیة المتکلفة لأَحکام فعلیة ، ضرورة إنّه کما لا یمکن القطع بثبوت المتنافیین ، کذلک لا یمکن احتماله.

فلا یصحّ التوفیق بین الحکمین ، بالتزام کون الحکم الواقعی الذی یکون مورد الطرق - إنشائیاً غیر فعلّی ، کما لا یصحّ بأن الحکمین لیسا فی مرتبة واحدة بل فی مرتبتین ، ضرورة تأخر الحکم الظاهری عن الواقعی بمرتبتین ؛ وذلک لا یکاد یجدی ، فإن الظاهری وأنّ لم یکن فی تمام مراتب الواقعی ، إلّا إنّه یکون فی مرتبته أیضاً.

وعلی تقدیر المنافاة لزم اجتماع المتنافیین فی هذه المرتبة ؛ فتأمل فیما ذکرنا من التحقیق فی التوفیق ، فإنّه دقیق وبالتأمل حقیق.

ثالثها : إن الأصل فیما لا یعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا یحرز التعبد به واقعاً ، عدم حجیته جزماً ، بمعنی عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة علیه قطعاً ، فإنّها لا تکاد تترتب إلّا علی ما اتصف بالحجیة فعلاً ، ولا یکاد یکون الاتصاف بها ، إلّا إذا أحرز التعبد به وجعله طریقاً متّبعاً ، ضرورة إنّه بدونه لا یصحّ المؤاخذة علی مخالفة التکلیف بمجرد إصابته ، ولا یکون عذراً لدی مخالفته مع عدمها ، ولا یکون

ص: 279


1- فی « أ » : مؤداه.

مخالفته تجریاً ، ولا یکون موافقته بما هی موافقة انقیاداً ، وأنّ کانت بما هی محتملة لموافقة الواقع کذلک إذا وقعت برجاء إصابته ، فمع الشک فی التعبد به یقطع بعدم حجیته وعدم ترتیب شیء من الآثار علیه ، للقطع بانتفاء الموضوع معه ، ولعمری هذا واضح لا یحتاج إلی مزید بیان أو إقامة برهان.

وأما صحة الالتزام (1) بما أدی إلیه من الأحکام ، وصحة نسبته إلیه تعالی ، فلیسا من آثارها ، ضرورة أن حجیة الظن عقلاً - علی تقریر الحکومة فی حال الانسداد - لا توجب صحتهما ، فلو فرض صحتهما شرعاً مع الشک فی التعبد به لما کان یجدی فی الحجیة شیئاً ما لم یترتب علیه ما ذکر من آثارها ، ومعه لما کان یضر عدم صحتهما أصلاً ، کما أشرنا إلیه آنفاً.

فبیان عدم صحة الالتزام مع الشک فی التعبد ، وعدم جواز إسناده (2) إلیه تعالی غیر مرتبط بالمقام ، فلا یکون الاستدلال علیه بمهم ، کما أتعب به شیخنا العلامة (3) - أعلی الله مقامه - نفسه الزکیة ، بما أطنب من النقض والإبرام ، فراجعه بما علقناه (4) علیه ، وتأمل.

وقد انقدح - بما ذکرنا - أن الصواب فیما هو المهمّ فی الباب ما ذکرنا فی تقریر الأصل ، فتدبرّ جیداً.

إذا عرفت ذلک ، فما خرج موضوعاً عن تحت هذا الأصل أو قیل بخروجه یذکر فی ذیل فصول.

ص: 280


1- 1. هذا تعرض بالشیخ ، فرائد الأصول / 30 فی المقام الثانی.
2- 2. فی « ب » : الاستناد.
3- 3. راجع فرائد الأصول / 30.
4- 4. حاشیة فرائد الأصول / 44 ، عند قوله : ولا یخفی أن التعبد ... الخ.

فصل[فی حجیة ظواهر الألفاظ]

لا شبهة فی لزوم اتباع ظاهر کلام الشارع فی تعیین مراده فی الجملة ؛ لاستقرار طریقة العقلاء علی اتباع الظهورات فی تعیین المرادات ، مع القطع بعدم الردع عنها ، لوضوح عدم اختراع طریقة أُخری فی مقام الإِفادة لمرامه من کلامه ، کما هو واضح.

والظاهر (1)أن سیرتهم علی اتباعها ، من غیر تقیید بإفادتها للظن فعلاً ، ولا بعدم الظن کذلک علی خلافها قطعاً ، ضرورة إنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها ، بعدم إفادتها للظن بالوفاق ، ولا بوجود الظن بالخلاف.

کما أن الظاهر عدم اختصاص ذلک بمن قصد إفهامه ؛ ولذا لا یسمع اعتذار من لا یقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر کلام المولی ، من تکلیف یعمه أو یخصه ، ویصحّ به الاحتجاج لدی المخاصمة واللجاج ، کما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من کلّ من سمعه ولو قصد عدم إفهامه ، فضلاً عما إذا لم یکن بصدد إفهامه.

ولا فرق فی ذلک بین الکتاب المبین وأحادیث سید المرسلین والأئمة الطاهرین ، وأنّ ذهب بعضٍ الأصحاب إلی عدم حجیة ظاهر الکتاب.

ص: 281


1- إشارة إلی التفصیلین أشار إلیهما الشیخ فی رسائله. فرائد الأصول / 44.

إما بدعوی اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ، کما یشهد به ما (1)ورد فی ردع أبی حنیفة وقتادة (2) عن الفتوی به.

أو بدعوی (3) إنّه لأجل احتوائه علی مضامین شامخة ومطالب غامضة عالیة ، لا یکاد تصل إلیه أیدی أفکار أولی الأنظار الغیر الراسخین العالمین بتأویله ، کیف؟ ولا یکاد یصل إلی فهم کلمات الاوائل إلّا الأوحدی من الأفاضل ، فما ظنک بکلامه تعالی مع اشتماله علی علم ما کان وما یکون وحکم کلّ شئ.

أو بدعوی (4) شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر ، لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله.

أو بدعوی إنّه وأنّ لم یکن منه ذاتاً ، إلّا إنّه صار منه عرضاً ، للعلم الإِجمالی بطروء التخصیص والتقیید والتجوز فی غیر واحد من ظواهره ، کما هو الظاهر.

أو بدعوی شمول الإخبار الناهیة (5) عن تفسیر القرآن بالرأی ، لحمل الکلام الظاهر فی معنی علی إرادة هذا المعنی.

ولا یخفی أن النزاع یختلف صغرویاً وکبرویاً بحسب الوجوه ، فبحسب غیر الوجه الأخیر والثالث یکون صغرویاً ، وأما بحسبهما فالظاهر إنّه کبروی ، ویکون

ص: 282


1- وسائل الشیعة 18 : 29 ، الباب 6 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 527 ، الکافی 8 : 311 ، الحدیث 485.
2- هو قتادة بن دعامة بن عزیز أبو الخطاب السدوسی البصری ، مفسر حافط ضریر أکمه ، قال أحمد بن حنبل : قتادة أحفظ أهل البصرة ، کان مع علمه بالحدیث رأساً فی العربیة ومفردات اللغة وأیام العرب والنسب ، وکان یری القدر وقد یدلّس فی الحدیث ، مات بواسط فی الطاعون سنة 118 ه ، وهو ابن ست وخمسین سنة. ( تذکرة الحفاظ 1 : 122 الرقم 107 ).
3- حکی عن الإخباریین ، راجع فرائد الأصول / 34.
4- حکاه الشیخ قدس سره عن السید الصدر ، فرائد الأصول / 38 ، شرح الوافیة.
5- تفسیر العیاشی : 1 / 17 - 18 ، عیون أخبار الرضا : 1 / 59 ، الباب 11 ، الحدیث 4 ، أمالی الصدوق : 155 / الحدیث 3 ، التوحید : 905 ، الحدیث 5.

المنع عن الظاهر ، امّا لإنّه من المتشابه قطعاً أو احتمالاً ، أو لکون حمل الظاهر علی ظاهره من التفسیر بالرأی.

وکل هذه الدعاوی فاسدة :

أما الأُولی ، فإنما المراد مما دلّ علی اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحکماته ؛ بداهة أن فیه ما لا یختص به ، کما لا یخفی. وردع أبی حنیفة وقتادة عن الفتوی به إنّما هو لأجل الاستقلال فی الفتوی بالرجوع إلیه من دون مراجعة أهله ، لا عن الاستدلال بظاهره مطلقاً ولو مع الرجوع إلی روایاتهم والفحص عما ینافیه ، والفتوی به مع الیأس عن الظفر به ، کیف؟ وقد وقع فی غیر واحد من الروایات (1) الإرجاع إلی الکتاب والاستدلال بغیر واحد من آیاته (2).

وأما الثانیة ، فلأن احتواءه علی المضامین العالیة الغامضة لا یمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحکام وحجیتها ، کما هو محلّ الکلام.

وأما الثالثة ، فللمنع عن کون الظاهر من المتشابه ، فإن الظاهر کون المتشابه هو خصوص المجمل ، ولیس بمتشابه ومجمل.

وأما الرابعة ، فلان العلم إجمالاً بطروء إرادة خلاف الظاهر ، إنّما یوجب الإِجمال فیما إذا لم ینحل بالظفر فی الروایات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإِجمال.

مع أن دعوی اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما یخالفه لظفر به ، غیر بعیدة ، فتأمل جیداً.

ص: 283


1- 1. مثل روایة الثقلین ، راجع الخصال : 1 / 65 ، الحدیث 98 ، معانی الإخبار / 90 ، التهذیب : 1 / 363 ، الحدیث 27 من باب صفة الوضوء ، الوسائل : 1 / 290 الباب 23 من أبواب الوضوء ، الحدیث 1.
2- 2. فی « ب » : الآیات.

وأما الخامسة ، فیمنع کون حمل الظاهر علی ظاهره من التفسیر ، فإنّه کشف القناع ولا قناع للظاهر ، ولو سلّم ، فلیس من التفسیر بالرأی ، إذ الظاهر أن المراد بالرأی هو الاعتبار الظنی الذی لا اعتبارٍ به ، وإنما کان منه حمل اللفظ علی خلاف ظاهره ، لرجحإنّه بنظره ، أو حمل المجمل علی محتمله بمجرد مساعدته ذاک الاعتبار ، من دون السؤال عن الأوصیاء ، وفی بعضٍ الإخبار (1) ( إنّما هلک الناس فی المتشابه ، لإنّهم لم یقفوا علی معناه ، ولم یعرفوا حقیقته ، فوضعوا له تأویلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء فیعرفونهم ). هذا مع إنّه لا محیص عن حمل هذه الروایات الناهیة عن التفسیر به علی ذلک ، ولو سلّم شمولها لحمل اللفظ علی ظاهره ، ضرورة إنّه قضیة التوفیق بینها وبین مادل علی جواز التمسک بالقرآن ، مثل خبر الثقلین (2) ، وما دلّ علی التمسک به ، والعمل بما فیه (3) ، وعرض الإخبار المتعارضة علیه (4) ، ورد الشروط المخالفة له (5) ، وغیر ذلک (6) ، مما لا محیص عن إرادة الإرجاع إلی ظواهره لا خصوص نصوصه ، ضرورة أن الآیات التی یمکن أن تکون مرجعاً فی باب تعارض الروایات أو الشروط ، أو یمکن أن یتمسک بها ویعمل بما فیها ، لیست إلّا ظاهرة فی معانیها ، لیس فیها ما کان نصاً ، کما لا یخفی.

ودعوی العلم الإِجمالی بوقوع التحریف فیه بنحو : امّا بإسقاط ، أو

ص: 284


1- 1. وسائل الشیعة 18 / 148 ، الباب 13 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 62.
2- 2. الخصال : 1 / 65 الحدیث 98 ، ومعانی الأخبار / 90 ، الحدیث 1.
3- 3. نهج البلاغة : باب الخطب ، الخطبة 176.
4- 4. الوسائل 18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث : 12 ، 15 ، 29.
5- 5. الوسائل 12 ، الباب 6 من أبواب الخیار ، الحدیث : 1.
6- 6. التهذیب : 1 / 363 ، الحدیث 27 من باب صفة الوضوء. الوسائل : 1 / 290 الباب 23 من أبواب الوضوء ، الحدیث : 1. الوسائل : 1 / 327 الباب 39 من أبواب الوضوء ، الحدیث :

تصحیف (1)، وأنّ کانت غیر بعیدة ، کما یشهد به بعضٍ الأخبار (2) ویساعده الاعتبار ، إلّا إنّه لا یمنع عن حجیة ظواهره ، لعدم العلم بوقوع خلل (3) فیها بذلک أصلاً. ولو سلّم ، فلا علم بوقوعه فی آیات الأحکام ، والعلم بوقوعه فیها أو فی غیرها من الآیات غیر ضائر بحجیة آیاتها ، لعدم حجیة ظاهر سائر الآیات ، والعلم الإِجمالی بوقوع الخلل فی الظواهر إنّما یمنع عن حجیتها إذا کانت کلها حجة ، وإلاّ لا یکاد ینفک ظاهر عن ذلک ، کما لا یخفی ، فافهم.

نعم لو کان الخلل المحتمل فیه أو فی غیره بما اتصل به ، لأخل بحجیته ؛ لعدم انعقاد ظهور له حینئذ ، وأنّ انعقد له الظهور لولا اتصاله.

ثم إن التحقیق أن الاختلاف فی القراءة بما یوجب الاختلاف فی الظهور مثل ( یطهرن ) بالتشدید والتخفیف ، یوجب الإِخلال بجواز التمسک والاستدلال ، لعدم إحراز ما هو القرآن ، ولم یثبت تواتر القراءات ، ولا جواز الاستدلال بها ، وأنّ نسب (4) إلی المشهور تواترها ، لکنه مما لا أصل له ، وإنما الثابث جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بینهما ، کما لا یخفی.

ولو فرض جواز الاستدلال بها ، فلا وجه لملاحظة الترجیح بینها بعد کون الأصل فی تعارض الأمارات هو سقوطها عن الحجیة فی خصوص المؤدی ، بناءً علی اعتبارها من باب الطریقیة ، والتخییر بینها بناءً علی السببیة ، مع عدم دلیل علی الترجیح فی غیر الروایات من سائر الأمارات ، فلابد من الرجوع حینئذ إلی الأصل أو العموم ، حسب اختلاف المقامات.

ص: 285


1- فی « ب » : بتصحیف.
2- الاتقان : 1 / 101 ، 121. مسند أحمد : 1 / 47. صحیح مسلم : 4 / 167.
3- فی « ب » : الخلل.
4- نسبة الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول / 40.

فصل [فی احتمال وجود القرینة أو قرینیة الموجود]

قد عرفت حجیة ظهور الکلام فی تعیین المرام : فإن أُحرز بالقطع وأنّ المفهوم منه جزماً - بحسب متفاهم أهل العرف - هو ذا فلا کلام.

وإلّا فإن کان لأجل احتمال وجود قرینة فلا خلاف فی أن الأصل عدمها ، لکن الظاهر إنّه معه یبنی علی المعنی الذی لولاها کان اللفظ ظاهراً فیه ابتداء ، لا إنّه یبنی علیه بعد البناء علی عدمها ، کما لا یخفی ، فافهم.

وإن کان لاحتمال قرینیة الموجود فهو ، وأنّ لم یکن بخال عن الإِشکال - بناءً علی حجیة أصالة الحقیقة من باب التعبد - إلّا أن الظاهر أن یعامل معه معاملة المجمل ، وأنّ کان لأجل الشک فیما هو الموضوع له لغةً أو المفهوم منه عرفاً ، فالأصل یقتضی عدم حجیة الظن فیه ، فإنّه ظن فی إنّه ظاهر ، ولا دلیل إلّا علی حجیة الظواهر.

نعم نسب (1) إلی المشهور حجیة قول اللغوی بالخصوص فی تعیین الأوضاع ، واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء علی ذلک ، حیث لا یزالون یستشهدون بقوله فی مقام الاحتجاج بلا إنکار من أحد ، ولو مع المخاصمة واللجاج ، وعن بعضٍ (2)دعوی الإجماع علی ذلک.

وفیه : أن الاتفاق - لو سلّم اتفاقه - فغیر مفید ، مع أن المتیقّن منه هو الرجوع إلیه مع إجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.

والإجماع المحصل غیر حاصل ، والمنقول منه غیر مقبول ، خصوصاً فی مثل

ص: 286


1- نسبه الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول / 45 ، فی القسم الثّانی من الظنون المستعملة لتشخیص الاوضاع.
2- کالسید المرتضی علی ما نسب إلیه ، الذریعة 1 / 13.

المسألة مما احتمل قریباً أن یکون وجه ذهاب الجل لو لا الکلّ ، هو اعتقاد إنّه مما اتفق علیه العقلاء من الرجوع إلی أهل الخبرة من کلّ صنعة فیما اختصّ بها.

والمتیقن من ذلک إنّما هو فیما إذا کان الرجوع یوجب الوثوق (1)والاطمئنان ، ولا یکاد یحصل من قول اللغوی وثوق بالأوضاع ، بل لا یکون اللغوی من أهل خبرة ذلک ، بل إنّما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أن همّه ضبط موارده ، لا تعیین أن أیّاً منها کان اللفظ فیه حقیقة أو مجازاً ، وإلاّ لوضعوا لذلک علامة ، ولیس ذکره أوّلاً علامة کون اللفظ حقیقة فیه ، للانتقاض بالمشترک.

وکون موارد الحاجة إلی قول اللغوی أکثر من أن یحصی ، لانسداد باب العلم بتفاصیل المعانی غالباً ، بحیث یعلم بدخول الفرد المشکوک أو خروجه ، وأنّ کان المعنی معلوماً فی الجملة لا یوجب اعتبارٍ قوله ، ما دام انفتاح باب العلم بالأحکام ، کما لا یخفی ، ومع الانسداد کان قوله معتبراً إذا أفاد الظن ، من باب حجیة مطلق الظن ، وأنّ فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصیلها فیما عدا المورد.

نعم لو کان هناک دلیل علی اعتباره ، لا یبعد أن یکون انسداد باب العلم بتفاصیل اللغات موجباً له علی نحو الحکمة لا العلة.

لا یقال : علی هذا لا فائدة فی الرجوع إلی اللغة.

فإنّه یقال : مع هذا لا تکاد تخفی الفائدة فی المراجعة إلیها ، فإنّه ربما یوجب القطع بالمعنی ، وربما یوجب القطع بأن اللفظ فی المورد ظاهر فی معنی - بعد الظفر به وبغیره فی اللغة - وأنّ لم یقطع بإنّه حقیقة فیه أو مجاز ، کما اتفق کثیراً ، وهو یکفی فی الفتوی.

ص: 287


1- فی « ب » : موجباً للوثوق.

فصل الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة

عند کثیر ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص ، من جهة إنّه من أفراده ، من دون أن یکون علیه دلیل بالخصوص ، فلابد فی اعتباره من شمول أدلة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها.

وتحقیق القول فیه یستدعی رسم أمور :

الأول : إن وجه اعتبارٍ الاجماع ، هو القطع برأی الامام علیه السلام ، ومستند القطع به لحاکیه - علی ما یظهر من کلماتهم - هو علمه بدخوله علیه السلام فی المجمعین شخصاً ، ولم یعرف عیناً ، أو قطعه باستلزام ما یحکیه لرأیه علیه السلام عقلاً من باب اللطف ، أو عادةً أو اتفاقاً من جهة حدس رأیه ، وأنّ لم تکن ملازمة بینهما عقلاً ولا عادةً ، کما هو طریقة المتأخرین فی دعوی الإجماع ، حیث إنّهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلیة ولا الملازمة العادیة غالباً وعدم العلم بدخول جنابه علیه السلام فی المجمعین عادةً ، یحکون الإجماع کثیراً ، کما إنّه یظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بإنّه معلوم النسب ، إنّه استند فی دعوی الإجماع إلی العلم بدخوله علیه السلام وممن اعتذر عنه بانقراض عصره ، إنّه استند إلی قاعدة اللطف. هذا مضافاً إلی تصریحاتهم بذلک ، علی ما یشهد به مراجعة کلماتهم.

ص: 288

وربما یتفق لبعض الأوحدی وجه آخر من تشرفه برؤیته علیه السلام وأخذه الفتوی من جنابه ، وإنما لم ینقل عنه ، بل یحکی الاجماع لبعض دواعی الاخفاء.

الأمر الثانی : إنّه لا یخفی اختلاف نقل الإجماع ، فتارة ینقل رأیه علیه السلام فی ضمن نقله حدساً کما هو الغالب ، أو حساً وهو نادر جداً ، وأخری لا ینقل إلّا ما هو السبب عند ناقله ، عقلاً أو عادةً أو اتفاقاً ، واختلاف ألفاظ النقل أیضاً صراحة وظهورا وإجمالاً فی ذلک ، أیّ فی إنّه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.

الأمر الثالث : إنّه لا إشکال فی حجیة الاجماع المنقول بأدلة حجیة الخبر ، إذا کان نقله متضمناً لنقل السبب والمسبب عن حس ، لو لم نقل بأن نقله کذلک فی زمان الغیبة موهون جدّاً ، وکذا إذا لم یکن متضمناً له ، بل کان ممحضاً لنقل السبب عن حس ، إلّا إنّه کان سبباً بنظر المنقول إلیه أیضاً عقلاً أو عادةً أو اتفاقاً ، فیعامل حینئذ مع المنقول معاملة المحصل فی الالتزام بمسببه بأحکامه وآثاره.

وأما إذا کان نقله للمسبب لا عن حس ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إلیه ففیه إشکال ، أظهره عدم نهوض تلک الادلة علی حجیته ، إذ المتیقن من بناءً العقلاء غیر ذلک ، کما أن المنصرف من الآیات والروایات ذلک (1) ، علی تقدیر دلالتهما ، خصوصاً فیما إذا رأی المنقول إلیه خطأ الناقل فی اعتقاد الملازمة ، هذا فیما انکشف الحال.

وأما فیما اشتبه ، فلا یبعد أن یقال بالاعتبار ، فإنّ عمدة أدلة حجیة الإخبار هو بناءً العقلاء ، وهم کما یعملون بخبر الثقة إذا علم إنّه عن حس ، یعملون به فیما یحتمل کونه عن حدس ، حیث إنّه لیس بناؤهم إذا أُخبروا بشیء علی التوقف والتفتیش ، عن إنّه عن حدس أو حس ، بل العمل علی (2) طبقه والجری علی

ص: 289


1- فی « ب » : قدم « علی تقدیر دلالتهما » علی « ذلک ».
2- فی « أ » : علی العمل طبقه.

وفقه بدون ذلک ، نعم لا یبعد أن یکون بناؤهم علی ذلک ، فیما لا یکون هناک أمارة علی الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فیما لا یرون هناک ملازمة هذا.

لکن الإجماعات المنقولة فی ألسنة الأصحاب غالباً مبنیة علی حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلاً ، فلا اعتبارٍ لها ما لم ینکشف أن نقل السبب (1) کان مستنداً إلی الحس ، فلابدّ فی الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل ، فیؤخذ بذاک المقدار ویعامل معه کإنّه المحصل ، فإن کان بمقدار تمام السبب ، وإلاّ فلا یجدی ما لم یضم إلیه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ما به (2) تم ، فافهم.

فتلخص بما ذکرنا : أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حکایته رأی الامام علیه السلام بالتضمن أو الالتزام ، کخبر الواحد فی الاعتبار إذا کان من نقل إلیه ممن یری الملازمة بین رأیه علیه السلام وما نقله من الأقوال ، بنحو الجملة والإِجمال ، وتعمّه أدلة اعتباره ، وینقسم بأقسامه ، ویشارکه فی أحکامه ، وإلاّ لم یکن مثله فی الاعتبار من جهة الحکایة.

وأما من جهة نقل السبب ، فهو فی الاعتبار بالنسبة إلی مقدار من الأقوال التی نقلت إلیه علی الإِجمال بألفاظ نقل الاجماع ، مثل ما إذا نقلت علی التفصیل ، فلو ضم إلیه مما حصله أو نقل له(3) - من أقوال السائرین أو سائر الأمارات - مقدار کان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام ، کان المجموع کالمحصل ، ویکون حاله کما إذا کان کله منقولاً ، ولا تفاوت فی اعتبارٍ الخبر بین ما إذا کان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فیه وبه قوامه ، کما یشهد به حجیته بلا ریب فی تعیین حال السائل ، وخصوصیة القضیة الواقعة المسؤول عنها ، وغیر ذلک مما له دخل فی تعیین

ص: 290


1- فی « ب » : المسبّب.
2- فی « ب » : بإنّه.
3- فی « أ » : إلیه ، وصححه المصنف.

مرامه علیه السلام من کلامه.

وینبغی التنبیه علی أمور :

الأول : إنّه قد مرّ أن مبنی دعوی الاجماع غالباً ، هو اعتقاد الملازمة عقلاً ، لقاعدة اللطف ، وهی باطلة ، أو اتفاقاً بحدس رأیه علیه السلام من فتوی جماعة ، وهی غالباً غیر مسلمة ، وأما کون المبنی العلم بدخول الإمام بشخصه فی الجماعة ، أو العلم برأیه للاطلاع بما یلازمه عادةً من الفتاوی ، فقلیل جداً فی الاجماعات المتداولة فی السنة الأصحاب ، کما لا یخفی ، بل لا یکاد یتفق العلم بدخوله علیه السلام علی نحو الإِجمال فی الجماعة فی زمان الغیبة ، وأنّ احتمل تشرف بعضٍ الاوحدی بخدمته ومعرفته أحیاناً ، فلا یکاد یجدی نقل الإجماع إلّا من باب نقل السبب بالمقدار الذی أحرز من لفظه ، بما اکتنف به من حال أو مقال ، ویعامل معه معاملة المحصل.

الثانی : إنّه لا یخفی أن الاجماعات المنقولة ، إذا تعرض إثنان منها أو أکثر ، فلا یکون التعرض إلّا بحسب المسبب ، وأما بحسب السبب فلا تعارض فی البین ، لاحتمال صدق الکلّ ، لکن نقل الفتاوی علی الإِجمال بلفظ الاجماع حینئذ ، لا یصلح لأن یکون سبباً ، ولا جزء سبب ، لثبوت الخلاف فیها ، إلّا إذا کان فی أحد المتعارضین خصوصیة موجبة لقطع المنقول إلیه برأیه علیه السلام لو اطلع علیها ، ولو مع اطّلاعه علی الخلاف ، وهو وأنّ لم یکن مع الاطلاع علی الفتاوی علی اختلافها مفصلاً ببعید ، إلّا إنّه مع عدم الاطلاع علیها کذلک إلّا مجملاً بعید ، فافهم.

الثالث : إنّه ینقدح مما ذکرنا فی نقل الاجماع حال نقل التواتر ، وإنّه من حیث المسبب لا بدّ فی اعبتاره من کون الإخبار به إخباراً علی الإِجمال بمقدار یوجب قطع المنقول إلیه بما أخبر به لو علم به ، ومن حیث السبب یثبت به کلّ مقدار کان اخباره بالتواتر د إلّا علیه ، کما إذا أخبر به علی التفصیل ، فربما لا یکون إلّا دون حد

ص: 291

التواتر ، فلا بدّ فی معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الأخبار ، یبلغ المجموع ذاک الحد.

نعم ، لو کان هناک أثر للخبر المتواتر فی الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتیبه علیه ، ولو لم یدلّ علی ما بحد التواتر من المقدار.

فصل مما قیل باعتباره بالخصوص الشهرة فی الفتوی

ولا یساعده دلیل و توهمّ (1)دلالة أدلة حجیة خبر الواحد علیه بالفحوی ، لکون الظن الذی تفیده أقوی مما یفیده الخبر ، فیه مالا یخفی ، ضرورة عدم دلالتها علی کون مناط اعتباره إفادته الظن ، غایته تنقیح ذلک بالظن ، وهو لا یوجب إلّا الظن بإنّها أولی بالاعتبار ، ولا اعتبارٍ به ، مع أن دعوی القطع بإنّه لیس بمناط غیر مجازفة.

وأضعف منه ، توهّم دلالة المشهورة (2)والمقبولة (3) علیه ، لوضوح أن المراد بالموصول فی قوله فی الأُولی : ( خذ بما اشتهر بین أصحابک ) وفی الثانیة : ( ینظر إلی ما کان من روایتهم عنا فی ذلک الذی حکماً به ، المجمع علیه بین أصحابک ، فیؤخذ به ) هو الروایة ، لا ما یعم الفتوی ، کما هو أوضح من أن یخفی.

نعم بناءً علی حجیة الخبر ببناء العقلاء ، لا یبعد دعوی عدم اختصاص بنائهم علی حجیته ، بل علی حجیة (4) کلّ أمارة مفیدة للظن أو الاطمئنان ، لکن دون إثبات ذلک خرط القتاد.

ص: 292


1- راجع تعلیقة المصنف علی کتاب فرائد الأصول / 57.
2- عوالی اللآلی 4 / 133 ، الحدیث 229.
3- التهذیب 6 / 301 ، الحدیث 52 ، والفقیه 3 / 5 ، الحدیث : 2 ، باختلاف یسیر فی الروایة.
4- فی « ب » : حجیته.

فصل المشهور بین الأصحاب حجیة خبر الواحد فی الجملة

بالخصوص و لا یخفی أن هذه المسألة من أهم المسائل الأُصولیة ، وقد عرفت فی أول الکتاب (1) أن الملاک فی الأصولیة صحة وقوع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط ، ولو لم یکن البحث فیها عن الأدلة الأربعة ، وأنّ اشتهر فی ألسنة الفحول کون الموضوع فی علم الأُصول هی الادلة ، وعلیه لا یکاد یفید فی ذلک - أیّ کون هذه المسألة أصولیة - تجشم دعوی (2) أن البحث عن دلیلیة الدلیل بحث عن أحوال الدلیل ، ضرورة أن البحث فی المسألة لیس عن دلیلیة الادلة ، بل عن حجیة الخبر الحاکی عنها ، کما لا یکاد یفید علیه تجشم دعوی (3) أن مرجع هذه المسألة إلی أن السنّة - وهی قول الحجة أو فعله أو تقریره - هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلّا بما یفید القطع من التواتر أو القرینة؟ فإن التعبد بثبوتها مع الشک فیها لدی الأخبار بها لیس من عوارضها ، بل من عوارض مشکوکها ، کما لا یخفی ، مع إنّه لازم لما یبحث عنه فی المسألة من حجیة الخبر ، والمبحوث عنه فی المسائل إنّما هو الملاک فی إنّها من المباحث أو من غیره ، لا ما هو لازمه ، کما هو واضح.

ص: 293


1- راجع ص 9.
2- انظر دعوی صاحب الفصول ، الفصول / 12.
3- راجع فرائد الأصول / 67 ، فی الخبر الواحد.

وکیف کان ، فالمحکی عن السید (1)والقاضی (2) وابن زهرة (3) والطبرسی (4) وابن إدریس (5) عدم حجیة الخبر ، واستدل (6) لهم بالآیات الناهیة (7)عن اتباع غیر العلم ، والروایات (8)الدالة علی ردّ ما لم یعلم إنّه قولهم ( علیهم

ص: 294


1- لذریعة 2 : 528 ، فی التعبد بخبر الواحد ورسالة السیّد فی إبطال العمل بالخبر الواحد ، المطبوعة فی رسائل السید المرتضی 3 : 309 وأجوبته عن مسائل التبانیات المطبوعة فی ضمن رسائله 1 : 21 ، الفصل الثانی. علم الهدی أبو القاسم علی بن الحسین المشهور بالسید المرتضی ، تولد سنة 355 ، حاز من الفضائل ما تفرد به ، له تصانیف مشهورة منها « الشافی » فی الامامة و « الذخیرة » و « الذریعة » وغیرها ، خلف بعد وفاته ثمانین الف مجلد من مقرواته ومصنفاته ، توفی لخمس بقین من شهر ربیع الأوّل سنة 436 ه. ( الکنی والالقاب 2 / 483 ).
2- الشیخ عبد العزیز بن نحریر بن عبد العزیز بن البراج ، وجه الأصحاب وفقیههم ، لقب بالقاضی لکونه قاضیاً فی طرابلس ، قرأ علی السید والشیخ فترة ویروی عنهما وعن الکراجکی وأبی الصلاح الحلبی. له « المهذب » و « الموجز » و « الکامل » و « الجواهر ». توفی فی 9 شعبان سنة 481 ( الکنی والالقاب 1 / 224 ).
3- الغنیة : 475 ، ( المطبوعة فی الجوامع الفقهیة ). أبو المکارم حمزة بن علی بن زهرة الحسینی الحلبی العالم الفاضل الفقیه ، یروی عن والده وغیره ، له « غنیة النزوع إلی علمی الأصول والفروع » و « قبس الانوار فی نصرة العترة الأطهار » توفی سنة 585 فی سن اربع وسبعین ، قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط. ( الکنی والالقاب 1 / 299 ).
4- کذا یظهر من تفسیره آیة النبأ ، مجمع البیان 5 : 133. أمین الاسلام أبو علی الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی المشهدی مفسر فقیه صاحب کتاب مجمع البیان وجوامع الجامع ، کان معاصراً لصاحب الکشاف ، یروی عنه جماعة من أفاضل العلماء ، منهم ولده الحسن بن الفضل وابن شهر آشوب والقطب الراوندی ، انتقل من المشهد الرضوی إلی سبزوار سنة 523 وانتقل منها إلی دار الخلود سنة 548 وحمل نعشه إلی المشهد المقدس وقبره معروف ( ریاض العلماء 4 / 340 ).
5- السرائر : 5.
6- المعتمد 2 : 124.
7- الاسراء : 36 ، النجم : 28.
8- مستدرک الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 10.

السلام ) ، أو لم یکن علیه شاهد من کتاب الله أو شاهدان (1) ، أو لم یکن موافقاً للقرآن إلیهم (2) ، أو علی بطلان ما لا یصدقه کتاب الله (3) ، أو علی أن ما لا یوافق کتاب الله زخرف (4) ، أو علی النهی عن قبول حدیث إلّا ما وافق الکتاب أو السنة (5) ، إلی غیر ذلک (6). والإجماع المحکی (7) عن السید فی مواضع من کلامه ، بل حکی (8) عنه إنّه جعله بمنزلة القیاس ، فی کون ترکه معروفاً من مذهب الشیعة.

والجواب : امّا عن الآیات ، فبأن الظاهر منها أو المتیقن من إطلاقاًتها هو اتباع غیر العلم فی الأُصول الاعتقادیة ، لا ما یعم الفروع الشرعیة ، ولو سلّم عمومها لها ، فهی مخصصة بالأدلة الآتیة علی اعتبارٍ الأخبار.

وأما عن الروایات ، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد ، فإنّها أخبار آحاد.

لا یقال : إنّها وأنّ لم تکن متواترة لفظاً ولا معنی ، إلّا إنّها متواترة إجمالاً ، للعلم الإِجمالی بصدور بعضها لا محالة.

فإنّه یقال : إنّها وأنّ کانت کذلک ، إلّا إنّها لا تفید إلّا فیما توافقت علیه ، وهو غیر مفید فی إثبات السلب کلیّاً ، کما هو محلّ الکلام ومورد النقض والإبرام ، وإنما تفید عدم حجیة الخبر المخالف للکتاب والسنة ، والالتزام به لیس بضائر ، بل

ص: 295


1- 1. وسائل الشیعة 18 : 80 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 18.
2- 2. مستدرک الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 5.
3- 3. المحاسن 1 : 221.
4- 4. وسائل الشیعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 12.
5- 5. وسائل الشیعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 11.
6- 6. راجع وسائل الشیعة 18 : 75 : أحادیث باب 9 من أبواب صفات القاضی.
7- 7. أجوبة المسائل التبانیات 1 : 24 ، الفصل الثانی.
8- 8. رسائل السید المرتضی 3 : 309 ، رسالة إبطال العمل بالخبر الواحد.

لا محیص عنه فی مقام المعارضة.

وأما عن الإجماع ، فبأن المحصّل منه غیر حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غیر قابل ، خصوصاً فی المسألة ، کما یظهر وجهه للمتأمل ، مع إنّه معارض بمثله ، وموهون بذهاب المشهور إلی خلافه.

وقد استدل للمشهور بالادلّة الأربعة :

فصل

فی الآیات التی استدل بها :

فمنها : آیة النبأ ، قال الله تبارک وتعالی : ( إِن جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا ) (1). ویمکن تقریب الاستدلال بها من وجوه (2) : أظهرها إنّه من جهة مفهوم الشرط ، وأنّ تعلیق الحکم بإیجاب التبین عن النبأ الذی جیء به علی کون الجائی به الفاسق (3)، یقتضی انتفاءه عند انتفائه.

ولا یخفی إنّه علی هذا التقریر لا یرد : أن الشرط فی القضیة لبیان تحقق الموضوع فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع ، فافهم.

نعم لو کان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجیء الفاسق به ، کانت القضیة الشرطیّة مسوقة لبیان تحقق الموضوع ، مع إنّه یمکن أن یقال : إن القفضیة ولو کانت مسوقة لذلک ، إلّا إنّها ظاهرة فی انحصار موضوع وجوب التبین فی النبأ الذی جاء به الفاسق ، فیقتضی انتفاء وجوب التبین عند انتفائه ووجود موضوع آخر ، فتدبر.

ولکنه یشکل (4)بإنّه لیس لها هاهنا ملهوم ، ولو سلّم أن أمثالها ظاهرة فی

ص: 296


1- الحجرات : 6.
2- الحجرات : 6.
3- فی منتهی الدرایة 4 / 441 : فاسقا.
4- وللمزید راجع فرائد الأصول / 72 ، وعدة الأصول / 1 / 44 ، ومعارج الأصول / 145.

المفهوم ، لأن التعلیل بإصابة القوم بالجهالة المشترک بین المفهوم والمنطوق ، یکون قرینة علی إنّه لیس لها مفهوم.

ولا یخفی أن الإِشکال إنّما یبتنی علی کون الجهالة بمعنی عدم العلم ، مع أن دعوی إنّها بمعنی السفاهة وفعل مالا ینبغی صدوره من العاقل غیر بعیدة.

ثم إنّه لو سلّم تمامیة دلالة الآیة علی حجیة خبر العدل ، ربما أشکل شمول مثلها للروایات الحاکیة لقول الإمام علیه السلام بواسطة أو وسائط ، فإنّه کیف یمکن الحکم بوجوب التصدیق الذی لیس إلّا بمعنی وجوب ترتیب ما للمخبر به من الأثر الشرعی بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فیما کان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ؛ لإنّه وأنّ کان أثراً شرعیاً لهما ، إلّا إنّه بنفس الحکم فی مثل الآیة بوجوب تصدیق خبر العدل حسب الفرض.

نعم لو اُنشیء هذا الحکم ثانیاً ، فلا بأس فی أن یکون بلحاظه أیضاً ، حیث إنّه صار أثراً بجعل آخر ، فلا یلزم اتحاد الحکم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم یکن هناک إلّا جعل واحد ، فتدبّر.

ویمکن ذب الإِشکال (1) ، بإنّه إنّما یلزم إذا لم یکن القضیة طبیعیة ، والحکم فیها بلحاظ طبیعة الأثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلاّ فالحکم بوجوب التصدیق یسری إلیه سرایة حکم الطبیعة إلی أفراده ، بلا محذور لزوم اتحاد الحکم والموضوع. هذا مضافاً إلی القطع بتحقق ما هو المناط فی سائر الآثار فی هذا الأثر - أیّ وجوب التصدیق - بعد تحققه بهذا الخطاب ، وأنّ کان لا یمکن أن یکون ملحوظاً (2) لأجل المحذور ، وإلی عدم القول بالفصل بینه وبین سائر الآثار ، فی وجوب الترتیب لدی الإخبار بموضوع ، صار أثره الشرعی وجوب التصدیق ، وهو خبر العدل ، ولو بنفس الحکم فی الآیة به ، فافهم.

ص: 297


1- الصحیح ما أثبتناه وما فی النسخ المطبوعة خطأ ظاهر.
2- الصحیح ما أثبتناه وما فی النسخ المطبوعة خطأ ظاهر.

ولا یخفی إنّه لا مجال بعد اندفاع الإِشکال بذلک للاشکال فی خصوص الوسائط من الأخبار ، کخبر الصفار المحکی بخبر المفید مثلاً ، بإنّه لا یکاد یکون خبراً تعبداً إلّا بنفس الحکم بوجوب تصدیق العادل الشامل للمفید ، فکیف یکون هذا الحکم المحقق لخبر الصفار تعبداً مثلاً حکماً له أیضاً ؛ وذلک لأنّه إذا کان خبر العدل ذا أثر شرعی حقیقة بحکم الآیة وجب ترتیب أثره علیه عند إخبار العدل به ، کسائر ذوات الآثار من الموضوعاًت ، لما عرفت من شمول مثل الآیة للخبر الحاکی للخبر بنحو القضیة الطبیعیة ، أو لشمول الحکم فیها له مناطاً ، وأنّ لم یشمله لفظاً ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمل جیداً.

ومنها : آیة النفر ، قال الله تبارک وتعالی : ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن کلّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ ) (1) الآیة ، وربما یستدل بها من وجوه :

أحدها : إن کلمة ( لعل ) وأنّ کانت مستعملة علی التحقیق فی معناه الحقیقی ، وهو الترجی الإِیقاعی الإنشائی ، إلّا أن الداعی إلیه حیث یستحیل فی حقه تعالی أن یکون هو الترجی الحقیقی ، کان هو محبوبیة التحذر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبیّته ثبت وجوبه شرعاً ، لعدم الفصل ، وعقلاً لوجوبه مع وجود ما یقتضیه ، وعدم حسنه ، بل عدم إمکانه بدونه.

ثانیها : إنّه لما وجب الإنذار لکونه غایة للنفر الواجب ، کما هو قضیة کلمة ( لولا ) التحضیضیة ، وجب التحذر ، وإلاّ لغا وجوبه.

ثالثها : إنّه جعل غایة للإنذار الواجب ، وغایة الواجب واجب.

ویشکل الوجه الأوّل ، بأن التحذر لرجاء إدراک الواقع وعدم الوقوع فی محذور مخالفته ، من فوت المصلحة أو الوقوع فی المفسدة ، حسن ، ولیس بواجب فیما لم یکن هناک حجة علی التکلیف ، ولم یثبت ها هنا عدم الفصل ، غایته عدم

ص: 298


1- التوبة : 122.

القول بالفصل.

والوجه الثّانی والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار ب [ إیجاب ] (1) التحذر تعبداً ، لعدم إطلاق یقتضی وجوبه علی الإِطلاق ، ضرورة أن الآیة مسوقة لبیان وجوب النفر ، لا لبیان غایتیة التحذر ، ولعل وجوبه کان مشروطاً بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بکونه مشروطاً به ، فإن النفر إنّما یکون لأجل التفقه وتعلم معالم الدین ، ومعرفة ما جاء به سید المرسلین صلی الله علیه و آله ، کی ینذروا بها المتخلفین أو النافرین ، علی الوجهین فی تفسیر الآیة ، لکی یحذروا إذا أنذروا بها ، وقضیته إنّما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها ، کما لا یخفی.

ثم إنّه أشکل أیضاً ، بأن الآیة لو سلّم دلالتها علی وجوب الحذر مطلقاً فلا دلالة لها علی حجیة الخبر بما هو خبر ، حیث إنّه لیس شأن الراوی إلّا الإخبار بما تحمله ، لا التخویف والإنذار ، وإنما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلی المسترشد أو المقلد.

قلت : لا یذهب علیک إنّه لیس حال الرواة فی الصدر الأوّل فی نقل ما تحملوا من النبی ( صلّی الله علیه وعلی أهل بیته الکرام ) أو الإمام علیه السلام من الأحکام إلی الأنام ، إلّا کحال نقلة الفتاوی إلی العوام ؛ ولا شبهة فی إنّه یصحّ منهم التخویف فی مقام الإبلاغ والإنذار والتحذیر بالبلاغ ، فکذا من الرواة ، فالآیة لو فرض دلالتها علی حجیة نقل الراوی إذا کان مع التخویف ، کان نقله حجة بدونه أیضاً ، لعدم الفصل بینهما جزماً ، فافهم.

ومنها : آیة الکتمان ، ( إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا ) (2) الآیة.

وتقریب الاستدلال بها : إن حرمة الکتمان تستلزم وجوب (3) القبول عقلاً ،

ص: 299


1- اثبتناها من « ب ».
2- البقرة : 159.
3- أثبتناها من « أ ».

للزوم لغویته بدونه ، ولا یخفی إنّه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال (1) للایراد علی هذه الآیة بما أورد علی آیة النفر ، من دعوی الإِهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم ، فإنّها تنافیهما ، کما لا یخفی ، لکنها ممنوعة ، فإن اللغویة غیر لازمة ، لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبداً ، وإمکان أن تکون حرمة الکتمان لأجل وضوح الحق بسبب کثرة من أفشاه وبینه ، لئلا یکون للناس علی الله حجة ، بل کان له علهیم الحجة البالغة.

ومنها : آیة السؤال عن أهل الذکر ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (2) وتقریب الاستدلال بها ما فی آیة الکتمان.

وفیه : إن الظاهر منها إیجاب السؤال لتحصیل العلم ، لا للتعبد بالجواب.

وقد أورد (3) علیها : بإنّه لو سلّم دلالتها علی التعبد بما أجاب أهل الذکر ، فلا دلالة لها علی التعبد بما یروی الراوی ، فإنّه بما هو راو لا یکون من أهل الذکر والعلم ، فالمناسب إنّما هو الاستدلال بها علی حجیة الفتوی لا الروایة.

وفیه : إن کثیراً من الرواة یصدق علیهم إنّهم أهل الذکر والاطلاع علی رأی الامام علیه السلام کزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ، ویصدق علی السؤال عنهم إنّه السؤال عن [ أهل ] (4) الذکر والعلم ، ولو کان السائل من أضرابهم ، فإذا وجب قبول روایتهم فی مقام الجواب بمقتضی هذه الآیة ، وجب قبول روایتهم وروایة غیرهم من العدول مطلقاً ، لعدم الفصل جزماً فی وجوب القبول بین المبتدأ والمسبوق بالسؤال ، ولا بین أضراب زرارة وغیرهم ممن لا یکون من أهل

ص: 300


1- دفع لما أورده الشیخ - من الاشکالین الأولین فی آیة النفر - علی الاستدلال بهذه الآیة ، فرائد الأصول / 81.
2- النحل : 43 ، الأنبیاء : 7.
3- هذا هو الایراد الثالث للشیخ علی الاستدلال بالآیة ، فرائد الأصول / 82.
4- أثبتناها من « ب ».

الذکر ، وإنما یروی ما سمعه أو رآه ، فافهم.

ومنها : آیة الأذن ( وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَّکُمْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَیُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ ) (1) فإنّه تبارک وتعالی مدح نبیه بإنّه یصدق المؤمنین ، وقرنه بتصدیقه تعالی.

وفیه : أوّلاً : إنّه إنّما مدحه بإنّه أذن ، وهو سریع القطع ، لا الآخذُ بقول الغیر تعبدا.

وثانیاً : إنّه إنّما المراد بتصدیقه للمؤمنین ، هو ترتیب خصوص الآثار التی تنفعهم ولا تضر غیرهم ، لا التصدیق بترتیب جمیع الآثار ، کما هو المطلوب فی باب حجیة الخبر ، ویظهر ذلک من تصدیقه للنمّام بإنّه ما نمّه ، وتصدیقه لله تعالی بإنّه نمّه ، کما هو المراد من التصدیق فی قوله علیه السلام : ( فصدقه وکذبهم ) ، حیث قال - علی ما فی الخبر (2) - : ( یا محمد (3)کذب سمعک وبصرک عن أخیک : فإن شهد عندک خمسون قسامة إنّه قال قولاً ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وکذّبهم ) فیکون مراده تصدیقه بما ینفعه ولا یضرّهم ، وتکذیبهم فیما یضرّه ولا ینفعهم ، وإلاّ فکیف یحکم بتصدیق الواحد وتکذیب خمسین؟ وهکذا المراد بتصدیق المؤمنین فی قصة إسماعیل (4) ، فتأمل جیداً.

فصل

فی الأخبار التی دلت علی اعتبارٍ أخبار الآحاد.

وهی وأنّ کانت طوائف کثیرة ، کما یظهر من مراجعة الوسائل (5) وغیرها ،

ص: 301


1- التوبة : 61.
2- عقاب الأعمال / 295 ، الحدیث 1 ، الکافی 8 / 147 ، الحدیث 125.
3- فی « أ و ب » : یا أبا محمد والصحیح ما أثبتناه ، لإنّه خطاب لمحمد بن فضیل المکنی بأبی جعفر.
4- الکافی 5 / 299 ، باب حفظ المال وکراهة الاضاعة من کتاب المعیشة ، الحدیث 1.
5- الوسائل 18 : 72 الباب 8 من أبواب صفات القاضی والباب 9 ، الحدیث 5 والباب 11 ،

إلا إنّه یشکل الاستدلال بها علی حجیة أخبار الآحاد بإنّها أخبار آحاد ، فإنّها غیر متفقة علی لفظ ولا علی معنی ، فتکون متواترة لفظاً أو معنی.

ولکنه مندفع بإنّها وأنّ کانت کذلک ، إلّا إنّها متواترة إجمالاً ، ضرورة إنّه یعلم إجمالاً بصدور بعضها منهم علیهم السلام ، وقضیته وأنّ کان حجیة خبر دلّ علی حجیته أخصها مضموناً (1) إلّا إنّه یتعدی عنه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیة ، وقد دلّ علی حجیة ما کان أعم ، فافهم.

فصل

فی الاجماع علی حجیة الخبر.

وتقریره من وجوه :

أحدها : دعوی الإجماع من تتبع فتاوی الأصحاب علی الحجیة من زماننا إلی زمان الشیخ ، فیکشف رضاه علیه السلام بذلک ، ویقطع به ، أو من تتبع الإجماعات المنقولة علی الحجیة.

ولا یخفی مجازفة هذه الدعوی ؛ لاختلاف الفتاوی فیما أخذ فی اعتباره من الخصوصیات ، ومعه لا مجال لتحصیل القطع برضاه علیه السلام من تتبعها ، وهکذا حال تتبع الإجماعات المنقولة ، اللهم إلّا أن یَّدعی تواطؤها علی الحجیة فی الجملة ، وإنما الاختلاف فی الخصوصیات المعتبرة فیها ، ولکن دون إثباته خرط القتاد.

ثانیها : دعوی اتفاق العلماء عملاً - بل کافة المسلمین - علی العمل بخبر الواحد فی أُمورهم الشرعیة ، کما یظهر من أخذ فتاوی المجتهدین من الناقلین لها.

ص: 302


1- - فی الحقائق 2 : 132 ، وأنّ کان حجیة خبر أخصها مضموناً ... الخ.

وفیه : مضافاً إلی ما عرفت مما یرد علی الوجه الأوّل ، إنّه لو سلّم اتفاقهم علی ذلک ، لم یحرز أنّهم اتفقوا بما همّ مسلمون ومتدیّنون بهذا الدین ، أو بما همّ عقلاًء ولو لم یلتزموا بدین ، کما هو لا یزالون یعملون بها فی غیر الأمور الدینیة من الأمور العادیة ، فیرجع إلی ثالث الوجوه ، وهو دعوی استقرار سیرة العقلاء من ذوی الادیان وغیرهم علی العمل بخبر الثقة ، واستمرت إلی زماننا ، ولم یردع عنه نبی ولا وصیّ نبی ، ضرورة إنّه لو کان لاشتهر وبان ، ومن الواضح إنّه یکشف عن رضا الشارع به فی الشرعیات أیضاً.

إن قلت : یکفی فی الردع الآیات الناهیة ، والروایات المانعة عن اتباع غیر العلم ، وناهیک قوله تعالی : ( ولا تقف ما لیس لک به علم ) (1)، وقوله تعالی : ( وأنّ الظَّنَّ لَا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شیئاً ) (2)

قلت : لا یکاد یکفی تلک الآیات فی ذلک ، فإنّه - مضافاً إلی إنّها وردت إرشاداً إلی عدم کفایة الظن فی أُصول الدین ، ولو سلّم فإنما المتیقن لو لا إنّه المنصرف إلیه إطلاقها هو خصوص الظن الذی لم یقم علی اعتباره حجة - لا یکاد یکون الردع بها إلّا علی وجه دائر ، وذلک لأن الردع بها یتوقف علی عدم تخصیص عمومها ، أو تقیید إطلاقها بالسیرة علی اعتبارٍ خبر الثقة ، وهو یتوقف علی الردع عنها بها ، وإلاّ لکانت مخصصة أو مقیدة لها ، کما لا یخفی.

لا یقال : علی هذا لا یکون اعتبارٍ خبر الثقة بالسیرة أیضاً ، إلّا علی وجه دائر ، فإنّ اعتباره بها فعلاً یتوقف علی عدم الردع بها عنها ، وهو یتوقف علی تخصیصها بها ، وهو یتوقف علی عدم الردع بها عنها.

فإنّه یقال : إنّما یکفی فی حجیته بها عدم ثبوت الردع عنها ، لعدم نهوض ما یصلح لردعها ، کما یکفی فی تخصیصها لها ذلک ، کما لا یخفی ، ضرورة أن ما

ص: 303


1- الاسراء : 36.
2- النجم : 28.

جرت علیه السیرة المستمرة فی مقام الإطاعة والمعصیة ، وفی استحقاق العقوبة بالمخالفة ، وعدم استحقاقها مع الموافقة ، ولو فی صورة المخالفة عن الواقع (1)، یکون عقلاً فی الشرع متّبعاً ما لم ینهض دلیل علی المنع عن اتباعه فی الشرعیات ، فافهم وتأملّ (2)

فصل

فی الوجوه العقلیة التی أقیمت علی حجیة الخبر الواحد.

أحدها : إنّه یعلم إجمالاً بصدور کثیر مما بأیدینا من الأخبار من الأئمة الأطهار علیهم السلام بمقدار وافٍ بمعظم الفقه ، بحیث لو علم تفصیلاً ذاک المقدار لا نحل علمنا الإِجمالی بثبوت التکالیف بین الروایات وسائر الأمارات إلی

ص: 304


1- لعل الانسب : المخالفة للواقع.
2- ( فافهم وتأملّ ) إشارة إلی کون خبر الثقة متبعاً ، ولو قیل بسقوط کلّ من السیرة والإِطلاق عن الاعتبار ، بسبب دوران الأمر بین ردعها به وتقییده بها ، وذلک لأجل استصحاب حجّیته الثابتة قبل نزول الآیتین. فان قلت : لا مجال لاحتمال التقیید بها ، فإن دلیل اعتبارها مغییّ بعدم الردع به عنها ، ومعه لا تکون صالحة لتقیید الإِطلاق مع صلاحیته للردع عنها ، کما لا یخفی. قلت : الدلیل لیس إلّا إمضاءً الشارع لها ورضاه بها ، المستکشف بعدم الردع عنها فی زمان مع إمکانه ، وهو غیر مغیی ، نعم یمکن أن یکون له واقعاً ، وفی علمه تعالی أمد خاص ، کحکمه الابتدائی ، حیث إنّه ربما یکون له أمر فینسخ ، فالردع فی الحکم الامضائی لیس إلّا کالنسخ فی الابتدائی وذلک غیر کونه بحسب الدلیل مغیاً ، کما لا یخفی. وبالجملة : لیس حال السیرة مع الآیات الناهیة إلّا کحال الخاص المقدّم ، والعام المؤخر ، فی دوران الأمر بین التخصیص بالخاص ، أو النسخ بالعام ، ففیهما یدور الأمر أیضاً بین التخصیص بالسیرة أو الردع بالآیات فافهم منه ( قدس سره ).

العلم التفصیلی بالتکالیف فی مضامین الأخبار الصادرة المعلومة تفصیلاً ، والشک البدوی فی ثبوت التکلیف فی مورد سائر الأمارات الغیر المعتبرة ، ولازم ذلک لزوم العمل علی وفق جمیع الأخبار المثبتة ، وجواز العمل علی طبق النافی منها فیما إذا لم یکن فی المسألة أصل مثبت له ، من قاعدة الإِشتغال أو الاستصحاب ، بناءً علی جریإنّه فی أطراف [ ما ] (1)علم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة فی بعضها ، أو قیام أمارة معتبرة علی انتقاضها فیه ، وإلاّ لاختص عدم جواز العمل علی وفق النافی بما إذا کان علی خلاف قاعدة الاشتغال.

وفیه : إنّه لا یکاد ینهض علی حجیة الخبر ، بحیث یقدم تخصیصاً أو تقییداً أو ترجیحاً علی غیره ، من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم ، وأنّ کان یسلم عما أورد علیه (2) من أن لازمه الاحتیاط فی سائر الأمارات ، لا فی خصوص الروایات ، لما عرفت من انحلال العلم الإِجمالی بینهما بما علم بین الأخبار بالخصوص ولو بالإِجمال فتأمل جیّداً.

ثانیها : ما ذکره فی الوافیة (3)، مستدلّاً علی حجیة الإخبار الموجودة فی الکتب المعتمدة للشیعة ، کالکتب الأربعة ، مع عمل جمع به من غیر ردّ ظاهر ، وهو :

( إنا نقطع ببقاء التکلیف إلی یوم القیامة ، سیما بالأُصول الضروریة ، کالصلاة والزکاة والصوم والحج والمتاجر والأنکحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنّما یثبت بالخبر الغیر القطعی ، بحیث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن کونها هذه الأمور عند ترک العمل بخبر الواحد ، ومن أنکر فإنما ینکره باللسان وقلبه مطمئن بالإِیمان ). انتهی.

وأُورد (4) علیه : أولاً : بأن العلم الإِجمالی حاصل بوجود الإِجزاء والشرائط

ص: 305


1- الزیادة من « ب ».
2- أورده الشیخ علی الوجه الأوّل بتقریره فلیلاحظ ، فرائد الأصول / 103.
3- الوافیة / 57.
4- إشارة إلی ما أورده الشیخ ( قده ) ، فرائد الأُصول / 105 ، فی جوابه عن التقریر الثّانی من

بین جمیع الأخبار ، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذکره ، فاللازم حینئذ : امّا الاحتیاط ، أو العمل بکل ما دلّ علی جزئیة شیء أو شرطیته (1).

قلت : یمکن أن یقال : إن العلم الإِجمالی وأنّ کان حاصلاً بین جمیع الأخبار ، إلّا أن العلم بوجود الإخبار الصادرة عنهم علیهم السلام بقدر الکفایة بین تلک الطائفة ، أو العلم باعتبار طائفة کذلک بینها ، یوجب انحلال ذاک العلم الإِجمالی ، وصیرورة غیره خارجةً عن طرف العلم ، کما مرت إلیه الإِشارة فی تقریب الوجه الأوّل ، اللهم إلّا أن یمنع عن ذلک ، وادعی (2) عدم الکفایة فیما علم بصدوره أو اعتباره ، أو ادعی (3)العلم بصدور أخبار أخر بین غیرها ، فتأمل.

وثانیاً : بأن قضیته إنّما هو العمل بالإخبار المثبتة للجزئیة أو الشرطیّة ، دون الأخبار النافیة لهما.

والأولی أن یورد علیه : بأن قضیته إنّما هو الاحتیاط بالأخبار المثبتة فیما لم تقم حجة معتبرة علی نفیهما ، من عموم دلیل أو إطلاقه ، لا الحجیة بحیث یخصص أو یقید بالمثبت منهما ، أو یعمل بالنافی فی قبال حجة علی الثبوت ولو کان أصلاً ، کما لا یخفی.

ثالثها : ما أفاده بعضٍ المحققین (4) بما ملخصه : إنا نعلم بکوننا مکلفین بالرجوع إلی الکتاب والسنة إلی یوم القیامة ، فإن تمکنا من الرجوع إلیهما علی نحو یحصل العلم بالحکم أو ما بحکمه ، فلابد من الرجوع إلیهما کذلک ، وإلاّ فلا

ص: 306


1- کذا فی النسختین ، والموجود فی الرسائل : ( فاللازم حینئذٍ امّا الاحتیاط ، والعمل بکل خبر دلّ علی جزئیة شیء أو شرطیته ، وإما العمل بکل خبر ظن صدوره مما دلّ علی الجزئیة أو الشرطیّة ) ، راجع فرائد الأصول / 105.
2- الأولی فی الموردین : یدعی
3- الأولی فی الموردین : یدعی.
4- هو العلّامة الشیخ محمد تقی الاصفهانی فی هدایة المسترشدین / 397 ، السادس من وجوه حجیة الخبر.

محیص عن الرجوع علی نحو یحصل الظن به فی الخروج عن عهدة هذا التکلیف ، فلو لم یتمکن من القطع بالصدور أو الاعتبار ، فلابد من التنزل إلی الظن بأحدهما.

وفیه : إن قضیة بقاء التکلیف فعلاً بالرجوع إلی الأخبار الحاکیة للسنة - کما صرح بإنّها المراد منها فی ذیل کلامه ، زید فی علو مقامه - إنّما هی الاقتصار فی الرجوع إلی الأخبار المتیقن الاعتبار ، فإن وفی ، وإلاّ أضیف إلیه الرجوع إلی ما هو المتیقن اعتباره بالإضافة لو کان ، وإلاّ فالاحتیاط بنحو عرفت ، لا الرجوع إلی ما ظن اعتباره ، وذلک للتمکن من الرجوع علماً تفصیلاً أو إجمالاً ، فلا وجه معه من الاکتفاء بالرجوع إلی ما ظن اعتباره.

هذا مع أنّ مجال المنع عن ثبوت التکلیف بالرجوع إلی السنة - بذاک المعنی - فیما لم یعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع.

وأما الإیراد (1) علیه : برجوعه امّا إلی دلیل الانسداد لو کان ملاکه دعوی العلم الإِجمالی بتکالیف واقعیة ، وإما إلی الدلیل الأوّل ، لو کان ملاکه دعوی العلم بصدور أخبار کثیرة بین ما بأیدینا من الأخبار.

ففیه : إن ملاکه إنّما هو دعوی العلم بالتکلیف ، بالرجوع إلی الروایات فی الجملة إلی یوم القیامة ، فراجع تمام کلامه تعرف حقیقة مرامه.

ص: 307


1- 1. المستشکل علیه هو الشیخ ( قده ) ، فرائد الأصول / 106.

فصل فی الوجوه التی اقاموها علی حجیة الظن

فی الوجوه(1) التی أقاموها علی حجیة الظن ، وهی أربعة :

الأول : إن فی مخالفة المجتهد لما ظنه من الحکم الوجوبی أو التحریمی مظنة للضرر ، ودفع الضرر المظنون لازم.

أما الصغری ، فلان الظن بوجوب شیء أو حرمته یلازم الظن بالعقوبة علی مخالفته أو الظن بالمفسدة فیها ، بناءً علی تبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد.

وأما الکبری ، فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ، ولو لم نقل بالتحسین والتقبیح (2)، لوضوح عدم انحصار ملاک حکمه بهما ، بل یکون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو کذلک ولو لم یستقل بالتحسین والتقبیح ، مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه ، إذا قیل باستقلاله ، ولذا أطبق العقلاء علیه ، مع خلافهم فی استقلاله بالتحسین والتقبیح ، فتدبرّ جیداً.

والصواب فی الجواب : هو منع الصغری ، امّا العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بین الظن بالتکلیف والظن بالعقوبة علی مخالفته ، لعدم الملازمة بینه والعقوبة علی مخالفته ، وإنما الملازمة بین خصوص معصیته واستحقاق العقوبة علیها ، لا بین

ص: 308


1- ذکر الشیخ ( قده ) هذه الوجوه أیضاً ، فرائد الأصول / 106.
2- هذا ردّ علی الحاجبی : العضدی فی شرحه ، شرح العضدی علی مختصر الأصول : 1 / 163.

مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ، وبمجرد (1) الظن به بدون دلیل علی اعتباره لا یتنجز به ، کی یکون مخالفته عصیإنّه.

إلا أن یقال : إن العقل وأنّ لم یستقل بتنجزه بمجرده ، بحیث یحکم باستحقاق العقوبة علی مخالفته ، إلّا إنّه لا یستقل أیضاً بعدم استحقاقها معه ، فیحتمل العقوبة حینئذ علی المخالفة ، ودعوی استقلاله بدفع الضرر المشکوک کالمظنون قریبة جداً ، لا سیما إذا کان هو العقوبة الأُخرویة ، کما لا یخفی.

وأما المفسدة فلأنّها وأنّ کان الظن بالتکلیف یوجب الظن بالوقوع فیها لو خالفه ، إلّا إنّها لیست بضرر علی کلّ حال ، ضرورة أن کلّ ما یوجب قبح الفعل من المفاسد لا یلزم أن یکون من الضرر علی فاعله ، بل ربما یوجب حزازة ومنقصة فی الفعل ، بحیث یذم علیه فاعله بلا ضرر علیه أصلاً ، کما لا یخفی.

وأما تفویت المصلحة ، فلا شبهة فی إنّه لیس فیه مضرة ، بل ربما یکون فی استیفائها المضرة ، کما فی الإحسان بالمال. هذا.

مع منع کون الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد فی المأمور به (2) والمنهی عنه (3) ، بل إنّما هی تابعة لمصالح فیها ، کما حققناه فی بعضٍ فوائدنا (4).

وبالجملة : لیست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان فی الأفعال وأنیط بهما الأحکام بمضرة ، ولیس مناط حکم العقل بقبح ما فیه المفسدة أو حسن ما فیه المصلحة من الأفعال علی القول باستقلاله بذلک ، هو کونه ذا ضرر وارد علی فاعله أو نفع عائد إلیه ، ولعمری هذا أوضح من أن یخفی ، فلا مجال لقاعدة رفع

ص: 309


1- 1. فی « ب » : ومجرد.
2- 2 و2. أنث الضمیر فی النسخ ، والصواب ما أثبتناه.
3- 3. الفوائد : 337 ، فائدة فی اقتضاء الأفعال للمدح والذم ، عند قوله : فیمکن أن یکون صوریة ... ویمکن أن یکون حقیقیة. وراجع ما ذکره فی حاشیته علی الرسائل : 3. عند قوله : مع احتمال عدم کون الأحکام تابعة لهما ، بل تابعة لما فی انفسهما من المصلحة ... الخ.
4-

الضرر المظنون ها هنا أصلاً ، ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فیه احتمال المفسدة أو ترک ما فیه احتمال المصلحة ، فافهم.

الثانی : إنّه لو لم یؤخذ بالظن لزم ترجیح المرجوح علی الراجح وهو قبیح.

وفیه : إنّه لا یکاد یلزم منه ذلک إلّا فیما إذا کان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً ، مع عدم إمکان الجمع بینهما عقلاً ، أو عدم وجوبه شرعاً ، لیدور الأمر بین ترجیحه وترجیح طرفه ، ولا یکاد یدور الأمر بینهما إلّا بمقدمات دلیل الانسداد ، وإلاّ کان اللازم هو الرجوع إلی العلم أو العلمی أو الاحتیاط أو البراءة أو غیرهما علی حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال فی اختلاف المقدّمات ، علی ما ستطلع علی حقیقة الحال.

الثالث : ما عن السید الطباطبائی (1) قدس سره ، من :

إنّه لا ریب فی وجود واجبات ومحرمات کثیرة بین المشتبهات ، ومقتضی ذلک وجوب الاحتیاط بالإتیان بکل ما یحتمل الوجوب ولو موهوماً ، وترک ما یحتمل الحرمة کذلک ، ولکن مقتضی قاعدة نفی الحرج عدم وجوب ذلک کله ، لإنّه عسر أکید وحرج شدید ، فمقتضی الجمع بین قاعدتی الاحتیاط وانتفاء الحرج العمل بالاحتیاط فی المظنونات دون المشکوکات والموهومات ، لأن الجمع علی غیر هذا الوجه بإخراج بعضٍ المظنونات وإدخال بعضٍ المشکوکات والموهومات باطل

ص: 310


1- هو السید علی بن السید محمد علی الطباطبائی الحائری ، ولد فی الکاظمیة عام 1161 ه اشتغل علی ولد الأستاذ العلّامة ثم اشتغل عند خاله الأستاذ العلامة « وحید البهبهانی » وبعد مدة قلیلة اشتغل بالتصنیف والتدریس والتألیف ، له شرحان معروفان علی النافع کبیر موسوم ب « ریاض المسائل » وصغیر وغیرهما ، ونقل عنه أیضاً إنّه کان یحضر درس صاحب الحدائق ، وکتب جمیع مجلدات الحدائق بخطه الشریف ، تخرّج علیه صاحب المقابس وصاحب المطالع وصاحب مفتاح الکرامة وشریف العلماء وأمثالهم من الأجلة. توفی سنة 1231 ه ودفن قریبا من قبر خاله العلامة ( روضات الجنات 4 / 399 الرقم 422 ).

إجماعاً (1)

ولا یخفی ما فیه من القدح والفساد ، فإنّه بعضٍ مقدمات دلیل الانسداد ، ولا یکاد ینتج بدون سائر مقدماته ، ومعه لا یکون دلیل آخر ، بل ذاک الدلیل.

الرابع : دلیل الانسداد ، وهو مؤلف من مقدمات ، یستقل العقل مع تحققها بکفایة الإطاعة الظنیة حکومة أو کشفاً علی ما تعرف ، ولا یکاد یستقل بها بدونها ، وهی خمس (2)

أولها : إنّه یعلم إجمالاً بثبوت تکالیف کثیرة فعلیة فی الشریعة.

ثانیها : إنّه قد انسد علینا باب العلم والعلمی إلی کثیر منها.

ثالثها : إنّه لا یجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلاً.

رابعها : إنّه لا یجب علینا الاحتیاط فی أطراف علمنا ، بل لا یجوز فی الجملة ، کما لا یجوز الرجوع إلی الأصل فی المسألة ، من استصحاب وتخییر وبراءة واحتیاط ، ولا إلی فتوی العالم بحکمها.

خامسها : إنّه کان ترجیح المرجوح علی الراجح قبیحاً.

فیستقل العقل حینئذٍ بلزوم الإطاعة الظنیة لتلک التکالیف المعلومة ، و إلّا لزم - بعد انسداد باب العلم والعلمی بها - امّا إهمالها ، وإما لزوم الاحتیاط فی أطرافها ، وإما الرجوع إلی الأصل الجاری فی کلّ مسألة ، مع قطع النظر عن العلم بها ، أو التقلید فیها ، أو الاکتفاء بالاطاعة الشکیة أو الوهمیة مع التمکن من الظنیة.

ص: 311


1- حکی هذا القول الشیخ الانصاری قدس سره فی فرائد الأصول / 111 ، نقلاً عن أستاذه شریف العلماء عن أستاذه السید الاجل الاقا میرزا سید علی الطباطبائی قدس سره « صاحب الریاض » فی مجلس المذاکرة ، کما صرح بذلک العلامة المرحوم المیرزا محمد حسن الاشتیانی قدس سره راجع بحر الفوائد 189.
2- الصواب ما أثبتناه وفی النسخ : خمسة.

والفرض بطلان کلّ واحد منها.

أما المقدمة الأولی : فهی وأنّ کانت بدیهیة إلّا إنّه قد عرفت انحلال العلم الإِجمالی بما فی الإخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرین علیهم السلام التی تکون فیما بأیدینا ، من الروایات فی الکتب المعتبرة ، ومعه لا موجب للاحتیاط إلّا فی خصوص ما فی الروایات ، وهو غیر مستلزم للعسر فضلاً عما یوجب الاختلال ، ولا إجماع علی عدم وجوبه ، ولو سلّم الإجماع علی عدم وجوبه لو لم یکن هناک انحلال.

وأما المقدمة الثانیة : امّا بالنسبة إلی العلم ، فهی بالنسبة إلی أمثال زماننا بیّنة وجدانیة ، یعرف الانسداد کلّ من تعرض للاستنباط والاجتهاد.

وأما بالنسبة إلی العلمی ، فالظاهر إنّها غیر ثابتة ، لما عرفت من نهوض الأدلة علی حجیة خبر یوثق بصدقه ، وهو بحمد الله وافٍ بمعظم الفقه ، لا سیما بضمیمة ما علم تفصیلاً منها ، کما لا یخفی.

وأما الثالثة : فهی قطعیة ، ولو لم نقل بکون العلم الإِجمالی منجّزاً مطلقاً أو فیما جاز ، أو وجب الاقتحام فی بعضٍ أطرافه ، کما فی المقام حسب ما یأتی ، وذلک لأن إهمال معظم الأحکام وعدم الاجتناب کثیراً عن الحرام ، مما یقطع بإنّه مرغوب عنه شرعاً ومما یلزم ترکه إجماعاً.

إن قلت : إذا لم یکن العلم بها منجّزاً لها للزوم الاقتحام فی بعضٍ الأطراف - کما أشیر إلیه - فهل کان العقاب علی المخالفة فی سائر الأطراف - حینئذ - علی تقدیر المصادفة إلّا عقاباً بلا بیان؟ والمؤاخذة علیها إلّا مؤاخذة بلا برهان؟!

قلت : هذا إنّما یلزم ، لو لم یعلم بإیجاب الاحتیاط ، وقد علم به بنحو اللّم ، حیث علم اهتمام الشارع بمراعاة تکالیفه ، بحیث ینافیه عدم إیجابه الاحتیاط الموجب للزوم المراعاة ، ولو کان بالالتزام ببعض المحتملات ، مع صحة دعوی الاجماع علی عدم جواز الإِهمال فی هذا الحال ، وإنّه مرغوب عنه شرعاً قطعاً ، [ وأما

ص: 312

مع استکشافه ] (1)الفصول / 277 ، مع اختلاف فی الالفاظ. (2) فلا یکون المؤاخذة والعقاب حینئذ بلا بیان وبلا برهان ، کما حققناه فی البحث وغیره.

وأما المقدمة الرابعة : فهی بالنسبة إلی عدم وجوب الاحتیاط التام بلا کلام ، فیما یوجب عسره اختلال النظام ، وأما فیما لا یوجب ، فمحل نظر بل منع ، لعدم حکومة قاعدة نفی العسر والحرج علی قاعدة الاحتیاط ، وذلک لما حققناه (3) فی معنی ما دلّ علی نفی الضرر والعسر ، من أن التوفیق بین دلیلهما ودلیل التکلیف أو الوضع المتعلقین بما یعمهما ، هو نفیهما عنهما بلسان نفیهما ، فلا یکون له حکومة علی الاحتیاط العسر إذا کان بحکم العقل ، لعدم العسر فی متعلق التکلیف ، وإنما هو فی الجمع بین محتملاته احتیاطاً.

نعم ، لو کان معناه نفی الحکم الناشیء من قبله العسر - کما قیل (4) - لکانت قاعدة نفیه محکمة علی قاعدة الاحتیاط ، لأن العسر حینئذ یکون من قبل التکالیف المجهولة ، فتکون منفیة بنفیه.

ولا یخفی إنّه علی هذا لا وجه لدعوی استقلال العقل بوجوب الاحتیاط فی بعضٍ الأطراف بعد رفع الید عن الاحتیاط فی تمامها ، بل لابد من دعوی وجوبه شرعاً ، کما أشرنا إلیه فی بیان المقدمة الثالثة ، فافهم وتأمل جیّداً.

وأما الرجوع إلی الأُصول ، فبالنسبة إلی الأُصول المثبتة من احتیاط أو استصحاب مثبت للتکلیف ، فلا مانع عن إجرائها عقلاً مع حکم العقل وعموم النقل. هذا ، ولو قیل بعدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإِجمالی ،

ص: 313


1-
2-
3- تعرض المصنف لقاعدة لا ضرر فی ص 72 ( الکتاب ) فلیراجع عند قوله أن الظاهر أن یکون لا لنفی الحقیقة ادعاءً .. وقوله بعد أسطر ثم الحکم الذی أُرید نفیه بنفی الضرر ... الخ.
4- القائل هو الشیخ الأنصاری قدس سره انظر ، فرائد الأصول / 314 ورسالة قاعدة نفی الضرر فی مکاسبه ، المکاسب / 372.

لاستلزام شمول دلیله لها التناقض فی مدلوله ، بداهة تناقض حرمة النقض فی کلّ منها بمقتضی ( لا تنقض ) لوجوبه فی البعض ، کما هو قضیة ( ولکن تنقضه بیقین آخر ) وذلک لإنّه إنّما یلزم فیما إذا کان الشک فی أطرافه فعلیاً. وأما إذا لم یکن کذلک ، بل لم یکن الشک فعلاً إلّا فی بعضٍ أطرافه ، وکان بعضٍ أطرافه الآخر غیر ملتفت إلیه فعلاً أصلاً ، کما هو حال المجتهد فی مقام استنباط الأحکام ، کما لا یخفی ، فلا یکاد یلزم ذلک ، فإن قضیة ( لا تنقض ) لیس حینئذٍ إلّا حرمة النقض فی خصوص الطرف المشکوک ، ولیس فیه علم بالانتقاض کی یلزم التناقض فی مدلول دلیله من شموله له ، فافهم.

ومنه قد انقدح ثبوت حکم العقل وعموم النقل بالنسبة إلی الأصول النافیة أیضاً ، وإنّه لا یلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدلیل لها لو لم یکن هناک مانع عقلاً أو شرعاً من إجرائها ، ولا مانع کذلک لو کانت موارد الأصول المثبتة بضمیمة ما علم تفصیلا ، أو نهض علیه علمی بمقدار المعلوم إجمالاً ، بل بمقدار لم یکن معه مجال لاستکشاف إیجاب الاحتیاط ، وأنّ لم یکن بذاک المقدار ، ومن الواضح إنّه یختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

وقد ظهر بذلک أن العلم الإِجمالی بالتکالیف ربما ینحل ببرکة جریان الأُصول المثبتة وتلک الضمیمة ، فلا موجب حینئذ للاحتیاط عقلاً ولا شرعاً أصلاً ، کما لا یخفی.

کما ظهر إنّه لو لم ینحل بذلک ، کان خصوص موارد أصول النافیة مطلقاً - ولو من مظنونات [ عدم ] (1) التکلیف - محلاً للاحتیاط فعلاً ، ویرفع الید عنه فیها کلاً أو بعضا ، بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر - علی ما عرفت - لا محتملات التکلیف مطلقاً.

ص: 314


1- 1. أثبتناها من « ب ».

وأما الرجوع إلی فتوی العالم فلا یکاد یجوز ، ضرورة إنّه لا یجوز إلّا للجاهل لا للفاضل الذی یری خطأ من یدعی انفتاح باب العلم أو العلمی ، فهل یکون رجوعه إلیه بنظره إلّا من قبیل رجوع الفاضل إلی الجاهل؟

وأما المقدمة الخامسة : فلاستقلال العقل بها ، وإنّه لا یجوز التنزل - بعد عدم التمکن من الإطاعة العلمیة أو عدم وجوبها - إلّا إلی الإطاعة الظنیة دون الشکیة أو الوهمیة ، لبداهة مرجوحیتها بالإضافة إلیها ، وقبح ترجیح المرجوح علی الراجح.

لکنک عرفت عدم وصول النوبة إلی الإطاعة الاحتمالیة ، مع دوران الأمر بین الظنیة والشکیة أو الوهمیة ، من جهة ما أوردناه علی المقدمة الأولی من انحلال العلم الإِجمالی بما فی أخبار الکتب المعتبرة ، وقضیته الاحتیاط بالالتزام عملاً بما فیها من التکالیف ، ولا بأس به حیث لا یلزم منه عسر فضلاً عما یوجب اختلال النظام ؛ وما أوردنا علی المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلی الأُصول مطلقاً ، ولو کانت نافیة ، لوجود المقتضی وفقد المانع لو کان التکلیف فی موارد الأُصول المثبتة وما علم منه تفصیلاً ، أو نهض علیه دلیل معتبر بمقدار المعلوم بالإِجمال ، و إلّا فإلی الأصول المثبتة وحدها ، وحینئذ کان خصوص موارد الأصول النافیة محلاً لحکومة العقل ، وترجیح مظنونات التکلیف فیها علی غیرها ، ولو بعد استکشاف وجوب الاحتیاط فی الجملة شرعاً ، بعد عدم وجوب الاحتیاط التام شرعاً أو عقلاً - علی ما عرفت تفصیله - هذا هو التحقیق علی ما یساعد علیه النظر الدقیق ، فافهم وتدبر جیداً.

فصل [الظن بالطریق و الظن بالواقع]

هل قضیة المقدّمات علی تقدیر سلامتها هی حجیة الظن بالواقع ، أو بالطریق ، أو بهما؟ أقوال.

والتحقیق أن یقال : إنّه لا شبهة فی أن همّ العقل فی کلّ حال إنّما هو

ص: 315

تحصیل الامن من تبعة التکالیف المعلومة ، من العقوبة علی مخالفتها ، کما لا شبهة فی استقلاله فی تعیین ما هو المؤمّن منها ، وفی أن کلما کان القطع به مؤمّناً فی حال الانفتاح کان الظن به مؤمّناً حال الانسداد جزماً ، وأنّ المؤمّن فی حال الانفتاح هو القطع بإتیان المکلف به الواقعی بما هو کذلک ، لا بما هو معلوم ومؤدی الطریق ومتعلق العلم ، وهو طریق شرعاً وعقلاً ، أو بإتیإنّه الجعلی ؛ وذلک لأن العقل قد استقل بأن الإِتیان بالمکلف به الحقیقی بما هو هو ، لا بما هو مؤدی الطریق مبریء للذمة قطعاً ، کیف؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طریق لا یکاد تناله ید الجعل إحداثاً وإمضاءً ، إثباتاً ونفیاً. ولا یخفی أن قضیة ذلک هو التنزل إلی الظن بکل واحد من الواقع والطریق.

ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلّا توهّم إنّه قضیة اختصاص المقدّمات بالفروع ، لعدم انسداد باب العلم فی الأُصول ، وعدم إلجاء فی التنزل إلی الظن فیها ، والغفلة عن أن جریإنّها فی الفروع موجب لکفایة الظن بالطریق فی مقام یحصل الأمن من عقوبة التکالیف ، وأنّ کان باب العلم فی غالب الأصول مفتوحاً ، وذلک لعدم التفاوت فی نظر العقل فی ذلک بین الظنین.

کما أن منشأ توهّم الاختصاص بالظن بالطریق وجهان :

أحدهما : ما أفاده بعضٍ الفحول(1)وتبعه فی الفصول (2) ، قال فیها :

إنا کما نقطع بأنا مکلفون فی زماننا هذا تکلیفا فعلیاً بأحکام فرعیة کثیرة ، لا سبیل لنا بحکم العیان وشهادة الوجدان إلی تحصیل کثیر منها بالقطع ، ولا بطریق معیّن یقطع من السمع بحکم الشارع بقیامه ، أو قیام طریقه مقام القطع ولو عند تعذره ، کذلک نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلی تلک الأحکام طریقاً مخصوصاً ،

ص: 316


1- هو العلامة المحقق الشیخ اسد الله الشوشتری ، کشف القناع عن وجوه حجیة الإجماع / 460.
2- الفصول / 277 ، مع اختلاف فی الالفاظ.

وکلفنا تکلیفاً فعلّیاً بالعمل بمؤدی طرق مخصوصة ، وحیث إنّه لا سبیل غالباً إلی تعیینها بالقطع ، ولا بطریق یقطع من السمع بقیامه بالخصوص ، أو قیام طریقه کذلک مقام القطع ولو بعد تعذره ، فلا ریب أن الوظیفة فی مثل ذلک بحکم العقل إنّما هو الرجوع فی تعیین ذلک الطریق إلی الظن الفعلّی الذی لا دلیل علی [ عدم ] (1) حجیته ، لإنّه أقرب إلی العلم ، وإلی إصابة الواقع مما عداه.

وفیه : أولاً - بعد تسلیم العلم بنصب طرق خاصة باقیة فیما بأیدینا من الطرق الغیر العلمیة ، وعدم وجود المتیقن بینها أصلاً - أن قضیة ذلک هو الاحتیاط فی أطراف هذه الطرق المعلومة بالإِجمال لا تعیینها بالظن.

لا یقال (2) : الفرض هو عدم وجوب الاحتیاط ، بل عدم جوازه ، لأنّ الفرض إنّما هو عدم وجوب الاحتیاط التام فی أطراف الأحکام ، مما یوجب العسر المخل بالنظام ، لا الاحتیاط فی خصوص ما بأیدینا من الطرق. فإن قضیة هذا الاحتیاط هو جواز رفع الید عنه فی غیر مواردها ، والرجوع إلی الأصل فیها ولو کان نافیاً للتکلیف ، وکذا فیما إذا نهض الکلّ علی نفیه ، وکذا فیما إذا تعارض فردان من بعضٍ الأطراف فیه نفیاً وإثباتاً مع ثبوت المرجح للنافی ، بل مع عدم رجحان المثبت فی خصوص الخبر منها ، ومطلقاً فی غیره بناءً علی عدم ثبوت الترجیح علی تقدیر الاعتبار فی غیر الأخبار ، وکذا لو تعارض إثنان منها فی الوجوب والتحریم ، فإن المرجع فی جمیع ما ذکر من موارد التعارض هو الأصل الجاری فیها ولو کان نافیاً ، لعدم نهوض طریق معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به علی خلافه ، فافهم.

وکذا کلّ مورد لم یجر فیه الأصل المثبت ، للعمل بانتقاض الحالة السابقة فیه

ص: 317


1- أثبتنا الزیادة من الفصول.
2- إیراد ذکره الشیخ قدس سره وأمر بالتأمل فیه ، فرائد الأصول / 132 ، عند قوله : أللهم إلّا أن یقال إنّه یلزم الحرج ... الخ.

إجمالاً بسبب العلم به ، أو بقیام أمارة معتبرة علیه فی بعضٍ أطرافه ، بناءً علی عدم جریإنّه بذلک.

وثانیاً : لو سلّم أن قضیته (1)لزوم التنزّل إلی الظن ، فتوهّم أن الوظیفة حینئذ هو خصوص الظن بالطریق فاسد قطعاً ، وذلک لعدم کونه أقرب إلی العلم وإصابة الواقع من الظن ، بکونه مؤدی طریق معتبر من دون الظن بحجیة طریق أصلاً ، ومن الظن بالواقع ، کما لا یخفی.

لا یقال : إنّما لا یکون أقرب من الظن بالواقع ، إذا لم یصرف التکلیف الفعلّی عنه إلی مؤدیّات الطرق ولو بنحو التقیید ، فإن الالتزام به بعید ، إذ الصرف لو لم یکن تصویبا محالاً ، فلا أقل من کونه مجمعاً علی بطلإنّه ، ضرورة أنّ القطع بالواقع یجدی فی الإِجزاء بما هو واقع ، لا بما هو مؤدی طریق القطع ، کما عرفت.

ومن هنا انقدح أن التقیید أیضاً غیر سدید ، مع أن الالتزام بذلک غیر مفید ، فإن الظن بالواقع فیما ابتلی به من التکالیف لا یکاد ینفکّ عن الظن بإنّه مؤدی طریق معتبر ، والظن بالطریق ما لم یظن بإصابته (2) الواقع غیر مجد بناءً علی التقیید ، لعدم استلزامه الظن بالواقع المقید به بدونه هذا.

مع عدم مساعدة نصب الطریق علی الصرف ولا علی التقیید ، غایته أن العلم الإِجمالی بنصب طرق وافیة یوجب انحلال العلم بالتکالیف الواقعیة إلی العلم بما هو مضامین الطرق المنصوبة من التکالیف الفعلیة ، والانحلال وأنّ کان یوجب عدم تنجز ما لم یؤد إلیه الطریق من التکالیف الواقعیة ، إلّا إنّه إذا کان رعایة العلم بالنصب لازماً ، والفرض عدم اللزوم ، بل عدم الجواز.

وعلیه یکون التکالیف الواقعیة ، کما إذا لم یکن هناک علم بالنصب فی کفایة

ص: 318


1- فی « ب » : قضیة.
2- فی « ب » : بإصابة.

الظن بها حال انسداد باب العلم ، کما لا یخفی ؛ ولابد حینئذ من عنایة أُخری (1)فی لزوم رعایة الواقعیات بنحو من الإطاعة ، وعدم إهمالها رأساً کما أشرنا إلیه (2)، ولا شبهة فی أن الظن بالواقع لو لم یکن أولی حینئذ لکونه أقرب فی التوسل به إلی ما به الاهتمام من فعل الواجب وترک الحرام ، من الظن بالطریق ، فلا أقل من کونه مساویاً فیما یهم العقل من تحصیل الأمن من العقوبة فی کلّ حال ، هذا مع ما عرفت من إنّه عادةً یلازم الظن بإنّه مؤدی طریق ، وهو بلا شبهة یکفی ، ولو لم یکن هناک ظن بالطریق ، فافهم فإنّه دقیق.

ثانیهما : ما اختصّ به بعضٍ المحققین (3) ، قال :

( لا ریب فی کوننا مکلفین بالأحکام الشرعیة ، ولم یسقط عنا التکلیف بالأحکام الشرعیة ، وأنّ الواجب علینا أولاً هو تحصیل العلم بتفریغ الذمة فی حکم المکلف ، بأن یقطع معه بحکمه بتفریغ ذمتنا عما کلفنا به ، وسقوط تکلیفنا عنا ، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا ، حسبما مرّ تفصیل القول فیه.

فحینئذ نقول : إن صحّ لنا تحصیل العلم بتفریغ ذمتنا فی حکم الشارع ، فلا إشکال فی وجوبه وحصول البراءة به ، وأنّ انسد علینا سبیل العلم کان الواجب

ص: 319


1- وهی إیجاب الاحتیاط فی الجملة المستکشف بنحو اللّم ، من عدم الإِهمال فی حال الانسداد قطعاً إجماعا بل ضرورة ، وهو یقتضی التنزل إلی الطن بالواقع حقیقة أو تعبداً ، إذا کان استکشافه فی التکالیف المعلومة إجمالاً ، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بکل ما یجب تحصیل القطع به فی حال الانفتاح إلی الظن به فی هذا الحال ، وإلی الظن بخصوص الواقعیات التی تکون مؤدیات الطرق المعتبرة ، أو بمطلق المؤدیات لو کان استکشافه فی خصوصها أو فی مطلقها ، فلا یکاد أن تصل النوبة إلی الظن بالطریق بما هو کذلک وأنّ کان یکفی ، لکونه مستلزماً للظن بکون مؤداه مؤدی طریق معتبر ، کما یکفی الظن بکونه کذلک ، ولو لم یکن ظن باعتبار طریق أصلاً کما لا یخفی ، وأنت خبیر بإنّه لا وجه لاحتمال ذلک ، وإنما المتیقن هو لزوم رعایة الواقعیات فی کلّ حال ، بعد عدم لزوم رعایة الطرق المعلومة بالإِجمال بین أطراف کثیرة ، فافهم منه ( قدس سره ).
2- راجع صفحة / 312.
3- وهو العلامة المحقق الشیخ محمد تقی الأصفهانی ، هدایة المسترشدین / 391.

علینا تحصیل الظن بالبراءة فی حکمه ، إذ هو الأقرب إلی العلم به ، فیتعین الأخذ به عند التنزل من العلم فی حکم العقل ، بعد انسداد سبیل العلم والقطع ببقاء التکلیف ؛ دون ما یحصل معه الظن بأداء الواقع ، کما یدعیه القائل بأصالة حجیة الظن ). انتهی موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.

وفیه أولاً : إن الحاکم علی الاستقلال فی باب تفریغ الذمة بالإطاعة والامتثال إنّما هو العقل ، ولیس للشاعر فی هذا الباب حکم مولوی یتبعه حکم العقل ، ولو حکم فی هذا الباب کان بتبع حکمه إرشاداً إلیه ، وقد عرفت استقلاله بکون الواقع بما هو هو مفرغاً (1) ، وأنّ القطع به حقیقة أو تعبداً مؤمن جزماً ، وأنّ المؤمّن فی حال الانسداد هو الظن بما کان القطع به مؤمّناً حال الانفتاح ، فیکون الظن بالواقع أیضاً مؤمّناً حال الانسداد.

وثانیاً : سلّمنا ذلک ، لکن حکمه بتفریغ الذمة - فیما إذا أتی المکلف بمؤدی الطریق المنصوب - لیس إلّا بدعوی أن النصب یستلزمه ، مع أن دعوی أن التکلیف بالواقع یستلزم حکمه بالتفریغ فیما إذا أتی به أولی ، کما لا یخفی ، فیکون الظن به ظناً بالحکم بالتفریغ أیضاً.

إن قلت : کیف یستلزمه (2) الظن بالواقع؟ مع إنّه ربما یقطع بعدم حکمه به معه ، کما إذا کان من القیاس ، وهذا بخلاف الظن بالطریق ، فإنّه یستلزمه ولو کان من القیاس.

قلت : الظن بالواقع أیضاً یستلزم (3) الظن بحکمه بالتفریغ (4) ، ولا ینافی

ص: 320


1- 1. فی « أ »و « ب » : مفرغ.
2- 2. فی « ب » : یستلزم.
3- 3. وذلک لضرورة الملازمة بین الإِتیان بما کلف به واقعاً وحکمه بالفراغ ویشهد به عدم جواز الحکم بعدمه ، لو سئل عن أن الإِتیان بالمأمور به علی وجهه ، هل هو مفرغ؟ ولزوم حکمه بإنّه مفرغ ، وإلاّ لزم عدم إجزاء الأمر الواقعی ، وهو واضح البطلان منه ( قدس سره ).
4- 4. کذا فی النسخة المصححة ، وفی « أ » : الظن بهما علی الأقوی یستلزم الحکم بالتفریغ.

القطع بعدم حجیته لدی الشارع ، وعدم کون المکلف معذوراً - إذا عمل به فیهما - فیما أخطأ ، بل کان مستحقاً للعقاب - ولو فیما أصاب - لو بنی علی حجیته والاقتصار علیه لتجریه ، فافهم.

وثالثاً : سلمنا أن الظن بالواقع لا یستلزم الظن به ، لکن قضیته لیس إلّا التنزل إلی الظن بإنّه مؤدی طریق معتبر ، لا خصوص الظن بالطریق ، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا یکاد ینفک عن الظن بإنّه مؤدی الطریق غالبا.

فصل [فی الکشف و الحکومة]

لا یخفی عدم مساعدة مقدمات الانسداد علی الدلالة علی کون الظن طریقاً منصوباً شرعاً ، ضرورة إنّه معها لا یجب عقلاً علی الشارع أن ینصب طریقاً ، لجواز اجتزائه بما استقل به العقل فی هذا الحال ، ولا مجال لاستکشاف نصب الشارع من حکم العقل ، لقاعدة الملازمة ، ضرورة إنّها إنّما تکون فی مورد قابل للحکم الشرعی ، والمورد هاهنا غیر قابل له ، فإن الإطاعة الظنیة التی یستقل العقل بکفایتها فی حال الانسداد إنّما هی بمعنی عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزید منها ، وعدم جواز اقتصار المکلف بدونها ، ومؤاخذة الشارع غیر قابلة لحکمه ، وهو واضح.

واقتصار المکلف بما دونها ، لما کان بنفسه موجباً للعقاب مطلقاً ، أو فیما أصاب الظن ، کما إنّها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلی أمر بها أو نهی عن مخالفتها ، کان حکم الشارع فیه مولویاً بلا ملاک یوجبه ، کما لا یخفی ، ولا بأس به إرشادیاً ، کما هو شإنّه فی حکمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصیة.

وصحة نصبه الطریق وجعله فی کلّ حال بملاک یوجب نصبه وحکمة داعیة إلیه ، لا تنافی استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد ، کما یحکم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح ، من دون استکشاف حکم الشارع بلزومها

ص: 321

مولویاً ، لما عرفت.

فانقدح بذلک عدم صحة تقریر المقدّمات إلّا علی نحو الحکومة دون الکشف ، وعلیها فلا إهمال فی النتیجة أصلاً ، سبباً ومورداً ومرتبة ، لعدم تطرق الإِهمال والإِجمال فی حکم العقل ، کما لا یخفی.

أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فیها.

وأما بحسب الموارد ، فیمکن أن یقال بعدم استقلاله بکفایة الإطاعة الظنیة ، إلّا فیما لیس للشارع مزید اهتمام فیه بفعل الواجب وترک الحرام ، واستقلاله بوجوب الاحتیاط فیما فیه مزید الاهتمام ، کما فی الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا یلزم من الاحتیاط فیها العسر.

وأما بحسب المرتبة ، فکذلک لا یستقل إلّا بلزوم التنزل إلی مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التکلیف (1)، إلّا علی تقدیر عدم کفایتها فی دفع محذور العسر.

وأما علی تقریر الکشف ، فلو قیل بکون النتیجة هو نصب الطریق الواصل بنفسه ، فلا إهمال فیها أیضاً بحسب الأسباب ، بل یستکشف حینئذ أن الکلّ حجة لو لم یکن بینها ما هو المتیق ، و إلّا فلا مجال لاستکشاف حجیة (2)غیره ، ولا بحسب الموارد ، بل یحکم بحجیته فی جمیعها ، وإلاّ لزم عدم وصول الحجة ، ولو لأجل التردد فی مواردها ، کما لا یخفی.

ودعوی الإجماع (3) علی التعمیم بحسبها فی مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدّاً.

ص: 322


1- کذا صححه فی « ب » ، وفی « أ » : فکذلک لا یستقل إلّا بکفایة مرتبة الاطمئنان من الظن إلّا علی ... إلخ.
2- فی « ب » : حجة.
3- ادعاه الشیخ ( قده ) فرائد الأصول / 139.

وأما بحسب المرتبة ، ففیها إهمال ، لأجل احتمال حجیة خصوص الاطمئنانی منه إذا کان وافیاً ، فلابد من الاقتصار علیه.

ولو قیل بأن النتیجة هو نصب الطریق الواصل ولو بطریقه ، فلا إهمال فیها بحسب الأسباب ، لو لم یکن فیها تفاوت أصلاً ، أو لم یکن بینها إلّا واحد ، و إلّا فلابدّ من الاقتصار علی متیقن الاعتبار منها أو مظنونه ، بإجراء مقدمات دلیل الانسداد حینئذٍ مرة أو مرّات فی تعیین الطریق المنصوب ، حتی ینتهی إلی ظن واحد أو إلی ظنون متعددة لا تفاوت بینها ، فیحکم بحجیة کلها ، أو متفاوتة یکون بعضها الوافی متیقن الاعتبار ، فیقتصر علیه.

وأما بحسب الموارد والمرتبة ، فکما إذا کانت النتیجة هی الطریق الواصل بنفسه ، فتدبرّ جیداً.

ولو قیل بأن النتیجة هو الطریق ولو لم یصل أصلاً ، فالإهمال فیها یکون من الجهات ، ولا محیص حینئذ إلّا من الاحتیاط فی الطریق بمراعاة اطراف الاحتمال لو لم یکن بینها متیقن الاعتبار ، لو لم یلزم منه محذور ، وإلاّ لزم التنزل إلی حکومة العقل بالاستقلال ، فتأمل فإن المقام من مزال الأقدام.

وهم ودفع : لعلک تقول : إن القدر المتیقن الوافی لو کان فی البین لما کان مجال لدلیل الانسداد ، ضرورة إنّه من مقدماته انسداد باب العلمی أیضاً.

لکنک غفلت عن أن المراد ما إذا کان الیقین بالاعتبار من قبله ، لأجل الیقین بإنّه لو کان شیء حجة شرعاً کان هذا الشیء حجة قطعاً ، بداهة أن الدلیل علی أحد المتلازمین إنّما هو الدلیل علی الآخر ، لا الدلیل علی الملازمة.

ثم لا یخفی أن الظن باعتبار ظن (1) بالخصوص ، یوجب الیقین باعتباره من باب دلیل الانسداد علی تقریر الکشف بناءً علی کون النتیجة هو الطریق الواصل

ص: 323


1- فی « ب » : الظن.

بنفسه ، فإنّه حینئذ یقطع بکونه حجة ، کان غیره حجة أو لا ، واحتمال عدم حجیته بالخصوص (1) لا ینافی القطع بحجیته بملاحظة الانسداد ، ضرورة إنّه علی الفرض لا یحتمل أن یکون غیره حجة بلا نصب قرینة ، ولکنه من المحتمل أن یکون هو الحجة دون غیره ، لما فیه من خصوصیة الظن بالاعتبار ، وبالجملة الأمر یدور بین حجیة الکلّ وحجیته ، فیکون مقطوع الاعتبار.

ومن هنا ظهر حال القوة ، ولعل نظر من رجح بهما (2) إلی هذا الفرض ، وکان منع شیخنا العلامة - أعلی الله مقامه - عن الترجیح بهما (3)، بناءً علی کون النتیجة هو الطریق الواصل ولو بطریقه ، أو الطریق ولو لم یصل أصلاً ، وبذلک ربما یوفق بین کلمات الأعلام فی المقام ، وعلیک بالتأمل التام.

ثم لا یذهب علیک أن الترجیح بهما إنّما هو علی تقدیر کفایة الراجح ، وإلاّ فلا بدّ من التعدی إلی غیره بمقدار الکفایة ، فیختلف الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال.

وأما تعمیم النتیجة (4)بأن قضیة العلم الإِجمالی بالطریق هو الاحتیاط فی أطرافه ، فهو لا یکاد یتم إلّا علی تقدیر کون النتیجة هو نصب الطریق ولو لم یصل أصلاً ، مع أن التعمیم بذلک لا یوجب العمل إلّا علی وفق المثبتات من الأطراف دون النافیات ، إلّا فیما إذا کان هناک نافٍ من جمیع الأصناف ، ضرورة أن الاحتیاط فیها لا یقتضی رفع الید عن الاحتیاط فی المسألة الفرعیة إذا لزم ، حیث لا ینافیه ، کیف؟ ویجوز الاحتیاط فیها مع قیام الحجة النافیة ، کما لا یخفی ، فما ظنک بما لا یجب الأخذ بموجبه إلّا من باب الاحتیاط؟ فافهم.

ص: 324


1- فی « أ » : بخصوصه.
2- فرائد الأصول / 142 ، وأما المرجح الثانی.
3- فی « ب » : بها.
4- هذا ثالث طرق « تعمیم النتیجة » الذی نقله الشیخ ( قده ) عن شیخه المحقق شریف العلماء ( قده ) ، واستشکل علیه ، فرائد الأصول 150.

فصل [إشکال خروج القیاس عن عموم النتیجة]

قد اشتهر الإِشکال بالقطع بخروج القیاس عن عموم نتیجة دلیل الانسداد بتقریر الحکومة ، وتقریره علی ما فی الرسائل (1) إنّه :

( کیف یجامع حکم العقل بکون الظن کالعلم مناطاً للاطاعة والمعصیة ، ویقبح علی الأمر والمأمور التعدی عنه ، ومع ذلک یحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القیاس ، ولا یجوّز الشارع العمل به؟ فإن المنع عن العمل بما یقتضیه العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممکناً ، جری فی غیر القیاس ، فلا یکون العقل مستقلاً ، إذ لعله نهی عن أمارة مثل ما نهی عن القیاس [ بل وأزید ] (2)واختفی علینا ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلّا قبح ذلک علی الشارع ، إذ احتمال صدور ممکن بالذات عن الحکیم لا یرتفع إلّا بقبحه ، وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدلیل العقلی لا یقبل التخصیص ). انتهی موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.

وأنت خبیر بإنّه لا وقع لهذا الإِشکال ، بعد وضوح کون حکم العقل بذلک معلّقاً علی عدم نصب الشارع طریقاً واصلاً ، وعدم حکمه به فیما کان هناک منصوب ولو کان أصلاً ، بداهة أن من مقدمات حکمه عدم وجود علم ولا علمی ، فلا موضوع لحکمه مع أحدهما ، والنهی عن ظن حاصل من سبب لیس إلّا کنصب شیء ، بل هو یستلزمه فیما کان فی مورده أصل شرعی ، فلا یکون نهیه عنه رفعاً لحکمه عن موضوعه ، بل به یرتفع موضوعه ، ولیس حال النهی عن سبب مفید للظن إلّا کالأمر بما لا یفیده ، وکما لا حکومة معه للعقل لا حکومة له معه ، وکما لا یصحّ بلحاظ حکمه الإِشکال فیه ، لا یصحّ الإِشکال فیه بلحاظه.

ص: 325


1- فرائد الأصول / 156.
2- أثبتناها من فرائد الأُصول.

نعم لا بأس بالإشکال فیه فی نفسه ، کما أشکل فیه برأسه بملاحظة توهّم استلزام النصب لمحاذیر ، تقدم الکلام فی تقریرها وما هو التحقیق فی جوابها فی جعل الطرق. غایة الأمر تلک المحاذیر - التی تکون فیما إذا أخطأ الطریق المنصوب - کانت فی الطریق المنهی عنه فی مورد الإصابة ، ولکن من الواضح إنّه لا دخل لذلک فی الإِشکال علی دلیل الانسداد بخروج القیاس ، ضرورة إنّه بعد الفراغ عن صحة النهی عنه فی الجملة ، قد أشکل فی عموم النهی لحال الانسداد بملاحظة حکم العقل ؛ وقد عرفت إنّه بمکان من الفساد.

واستلزام إمکان المنع عنه ، لاحتمال المنع عن أمارة أُخری وقد اختفی علینا ، وأنّ کان موجباً لعدم استقلال العقل ، إلّا إنّه إنّما یکون بالإضافة إلی تلک الامارة ، لو کان غیرها مما لا یحتمل فیه المنع بمقدار الکفایة ، وإلاّ فلا مجال لاحتمال المنع فیها مع فرض استقلال العقل ، ضرورة عدم استقلاله بحکم مع احتمال وجود مانعه ، علی ما یأتی تحقیقه فی الظن المانع والممنوع (1).

وقیاس حکم العقل (2) بکون الظن مناطاً للإطاعة فی هذا الحال علی حکمه بکون العلم مناطاً لها فی حال الانفتاح ، لا یکاد یخفی علی أحد فساده ، لوضوح إنّه مع الفارق ، ضرورة أن حکمه فی العلم علی نحو التنجز ، وفیه علی نحو التعلیق.

ثم لا یکاد ینقضی تعجبی لم خصصوا الإِشکال بالنهی عن القیاس ، مع جریإنّه فی الأمر بطریق غیر مفید للظن ، بداهة انتفاء حکمه فی مورد الطریق قطعاً ، مع إنّه لا یظن بأحد أن یستشکل بذلک ، ولیس إلّا لأجل أن حکمه به معلق علی عدم النصب ، ومعه لا حکم له ، کما هو کذلک مع النهی عن بعضٍ أفراد الظن ، فتدبر جیّداً.

ص: 326


1- سیأتی تحقیقه فی الفصل الآتی.
2- ذکره الشیخ ( قده ) فی فرائد الأصول / 156.

وقد انقدح بذلک إنّه لا وقع للجواب عن الإِشکال : تارةً (1) بأن المنع عن القیاس لأجل کونه غالب المخالفة ؛ وأُخری (2) بأن العمل به یکون ذا مفسدة غالبة علی مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة ، وذلک لبداهة إنّه إنّما یشکل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه فی نفسه ، بملاحظة حکم العقل بحجیة الظن ، ولا یکاد یجدی صحته کذلک فی ذب الإِشکال فی صحته بهذا اللحاظ ، فافهم فإنّه لا یخلو عن دقة.

وأما ما قیل فی جوابه (3) ، من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد ، أو منع حصول الظن منه بعد انکشاف حاله ، وأنّ ما یفسده أکثر مما یصلحه ، ففی غایة الفساد ، فإنّه مضافاً إلی کون کلّ واحد من المنعین غیر سدید - لدعوی الإجماع علی عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته ، وشهادة الوجدان بحصول الظن منه فی بعضٍ الأحیان - لا یکاد یکون فی دفع الإِشکال بالقطع بخروج الظن الناشیء منه بمفید ، غایة الأمر إنّه لا إشکال مع فرض أحد المنعین ، لکنه غیر فرض الإِشکال ، فتدبرّ جیداً.

فصل [فی الظن المانع و الممنوع]

إذا قام ظن علی عدم حجیة ظن بالخصوص ، فالتحقیق أن یقال بعد تصور المنع عن بعضٍ الظنون فی حال الانسداد : إنّه لا استقلال للعقل بحجیة ظن احتمل المنع عنه ، فضلاً عما إذا ظن ، کما أشرنا إلیه فی الفصل السابق ، فلابد من الاقتصار علی ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص ، فإن کفی ، وإلاّ فبضمیمة ما لم یظن المنع عنه وأنّ احتمل ، مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد ، وأنّ انسد باب هذا الاحتمال معها ، کما لا یخفی ، وذلک ضرورة إنّه لا احتمال مع الاستقلال

ص: 327


1- هذا سابع الوجوه التی ذکرها الشیخ ( قده ) فی الجواب عن الإِشکال ، فرائد الأصول / 161.
2- هو الوجه السادس الذی أفاده الشیخ ( قده ) واستشکل علیه ، فرائد الأصول / 160.
3- راجع الوجهین الأولین من الوجوه السبعة التی ذکره الشیخ ( قده ) فرائد الأصول / 157.

حسب الفرض ومنه قد انقدح إنّه لا تتفاوت الحال لو قیل بکون النتیجة هی حجیة الظن فی الأصول أو فی الفروع أو فیهما ، فافهم.

فصل [فی عدم الفرق بین اقسام الظن بالحکم]

لا فرق فی نتیجة دلیل الانسداد ، بین الظن بالحکم من أمارة علیه ، وبین الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآیة أو الروایة ، کقول اللغوی فیما یورث الظن بمراد الشارع من لفظه ، وهو واضح ، ولا یخفی أن اعتبارٍ ما یورثه لا محیص عنه فیما إذا کان مما ینسد فیه باب العلم ، فقول أهل اللغة حجة فیما یورث الظن بالحکم مع الانسداد ، ولو انفتح باب العلم باللغة فی غیر المورد.

نعم لا یکاد یترتب علیه أثر آخر من تعیین المراد فی وصیة أو إقرار أو غیرهما من الموضوعاًت الخارجیة ، إلّا فیما یثبت فیه حجیة مطلق الظن بالخصوص ، أو ذاک المخصوص ، ومثله الظن الحاصل بحکم شرعی کلی من الظن بموضوع خارجی ، کالظن بأن راوی الخبر هو زرارة بن أعین مثلاً ، لا آخر.

فانقدح أن الظنون الرجالیة مجدیة فی حال الانسداد ، ولو لم یقم دلیل علی اعتبارٍ قول الرجالی ، لا من باب الشهادة ولا من باب الروایة.

تنبیه : لا بیعد استقلال العقل بلزوم تقلیل الاحتمالات المتطرقة إلی مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور ، مهما أمکن فی الروایة ، وعدم الاقتصار علی (1)الظن الحاصل منها بلا سد بابه فیه بالحجة من علم أو علمی ، وذلک لعدم جواز التنزل فی صورة الانسداد إلی الضعیف مع التمکن من القوی أو ما بحکمه عقلاً ، فتأمل جیداً.

فصل [فی الظن بالفراغ ]

إنما الثابت بمقدمات دلیل الانسداد فی الأحکام هو حجیة الظن فیها ، لا

ص: 328


1- فی « أ » : بالظن.

حجیته فی تطبیق المأتیّ به فی الخارج معها ، فیتبع مثلاً فی وجوب صلاة الجمعة یومها ، لا فی إتیإنّها ، بل لابد من علم أو علمی بإتیإنّها ، کما لا یخفی.

نعم ربما یجری نظیر مقدمت الانسداد فی الأحکام فی بعضٍ الموضوعاًت الخارجیة ، من انسداد باب العلم به غالباً ، واهتمام الشارع به بحیث علم بعدم الرضا بمخالفة (1) الواقع بإجراء الأُصول فیه مهما أمکن ، وعدم وجوب الاحتیاط شرعاً أو عدم إمکانه عقلاً ، کما فی موارد الضرر المردّد أمره بین الوجوب والحرمة مثلاً ، فلا محیص عن اتباع الظن حینئذ أیضاً ، فافهم.

خاتمة : یذکر فیها أمراًن استطراداً

الأول : هل الظن کما یتبع عند الانسداد عقلاً فی الفروع العملیة ، المطلوب فیها أولاً العمل بالجوارح ، یتبع فی الأصول الاعتقادیة المطلوب فیها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب علیه وتحمله والانقیاد له ، أو لا؟.

الظاهر لا ، فإن الأمر الاعتقادی وأنّ انسد باب القطع به ، إلّا أن باب الاعتقاد إجمالاً بما هو واقعه والانقیاد له وتحمله غیر منسد ، بخلاف العمل بالجوارح ، فإنّه لا یکاد یعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلّا بالاحتیاط ، والمفروض عدم وجوبه شرعاً ، أو عدم جوازه عقلاً ، ولا أقرب من العمل علی وفق الظن.

وبالجملة : لا موجب مع انسداد باب العلم فی الاعتقادیات لترتیب الأعمال الجوانحیة علی الظن فیها ، مع إمکان ترتیبها علی ما هو الواقع فیها ، فلا یتحمل إلّا لما هو الواقع ، ولا ینقاد إلّا له ، لا لما هو مظنونه ، وهذا بخلاف العملیات ، فإنّه لا محیص عن العمل بالظن فیها مع مقدمات الانسداد.

نعم یجب تحصیل العلم فی بعضٍ الاعتقادات لو أمکن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها ، کمعرفة الواجب تعالی وصفاته أداءً لشکر بعضٍ نعمائه ، ومعرفة

ص: 329


1- فی « ب » : بمخالفته.

أنبیائه ، فإنّهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الامام علیه السلام علی وجه صحیح(1)، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک ، ولاحتمال الضرر فی ترکه ، ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر ، إلّا ما وجب شرعاً معرفته ، کمعرفة الامام علیه السلام علی وجه آخر غیر صحیح ، أو أمر آخر مما دلّ الشرع علی وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل ، کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة (2)

ولا دلالة لمثل قوله تعالی ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ ) (3)الآیة ، ولا لقوله صلی الله علیه و آله : ( وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ) (4) ولا لما دلّ علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم ، ضرورة أن المراد من ( لیعبدون ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوی إنّما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً ؛ ومثل آیة النفر (5)، إنّما هو بصدد بیان الطریق المتوسل به إلی التفقه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته ، کما لا یخفی ، وکذا ما دلّ علی وجوب طلب العلم إنّما هو بصدد الحث علی طلبه ، لا بصدد بیان ما یجب العلم به.

ثم إنّه لا یجوز الاکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً ، حیث إنّه لیس بمعرفة قطعاً ، فلا بدّ من تحصیل العلم لو أمکن ، ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضة(6) المطلب مع قلة الاستعداد ، کما هو المشاهد فی

ص: 330


1- وهو کون الامامة کالنبوة منصباً إلهیاً یحتاج إلی تعیینه - تعالی - ونصبه ، لا إنّها من الفروع المتعلقة بأفعال المکلفین ، وهو الوجه الآخر منه ( قدس سره الشریف ).
2- هذا تعریض بما أفاده الشیخ ( قده ) انتصارا للعلامة ، فرائد الأصول / 170.
3- الذاریات : 56.
4- وقریب منه : الکافی 3 / 264 ، والتهذیب 2 / 236.
5- التوبة : 122.
6- فی « ب » : الغموضیة.

کثیر من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الاجتهاد ، ولو لأجل حب طریقة الآباء والأجداد واتباع سیرة السلف ، فإنّه کالجبلّی للخلف ، وقلما عنه تخلف (1).

والمراد من المجاهدة فی قوله تعالی ( وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (2) هو المجاهدة مع النفس ، بتخلیتها عن الرذائل وتحلیتها بالفضائل ، وهی التی کانت أکبر من الجهاد ، لا النظر والاجتهاد ، وإلأ لادی إلی الهدایة ، مع إنّه یؤدی إلی الجهالة والضلالة ، إلّا إذا کانت هناک منه - تعالی - عنایة ، فإنّه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه علیه هو الحق ، لا بصدد الحق ، فیکون مقصرا مع اجتهاده ، ومؤاخذا إذا أخطأ علی قطعه واعتقاده.

ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصیل الظن مع الیأس عن تحصیل العلم ، فیما یجب تحصیله عقلاً لو أمکن ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه ، بل بعدم جوازه ، لما أشرنا إلیه (3) من أن الأمور الاعتقادیة مع عدم القطع بها أمکن الاعتقاد بما هو واقعها والانقیاد لها ، فلا إلجاء فیها أصلاً إلی التنزل إلی الظن فیما انسد فیه باب العلم ، بخلاف الفروع العملیة ، کما لا یخفی.

وکذلک لا دلالة من النقل علی وجوبه ، فیما یجب معرفته مع الإِمکان شرعاً ، بل الادلة الدالة علی النهی عن اتباع الظن ، دلیل علی عدم جوازه أیضاً.

وقد انقدح من مطاوی ما ذکرنا ، أن القاصر یکون فی الاعتقادیات للغفلة ، أو عدم الاستعداد للاجتهاد فیها ، لعدم وضوح الأمر فیها بمثابة لا یکون الجهل بها إلّا عن تقصیر ، کما لا یخفی ، فیکون (4) معذوراً عقلاً.

ص: 331


1- فی « ب » : یتخلف.
2- العنکبوت / 69.
3- أشار إلیه فی الأمر الأوّل من خاتمة دلیل الانسداد / 329.
4- ولا ینافی ذلک عدم استحقاقه درجة ، بل استحقاقه درکة لنقصإنّه بسبب فقدإنّه للإیمان به تعالی أو برسوله ، أو لعدم معرفة أولیائه ، ضرورة أن نقصان الإنسان لذلک یوجب بعده عن ساحة جلاله تعالی ، وهو یستتبع لا محالة درکة من الدرکات ، وعلیه فلا إشکال فیما هو ظاهر بعضٍ الروایات والآیات ، من خلود الکافر مطلقاً ولو کان قاصراً ، فقصوره إنّما ینفعه فی دفع المؤاخذة عنه بما یتبعها من الدرکات ، لا فیما یستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته ، فإذا انتهی إلی اقتضاء الذات لذلک فلا مجال للسؤال عنه ، ب ( لم ذلک؟ ) فافهم منه ( قدس سره ).

ولا یصغی إلی ما ربما قیل : بعدم وجود القاصر فیها ، لکنه إنّما یکون معذوراً غیر معاقب علی عدم معرفة الحق ، إذا لم یکن یعانده ، بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله.

هذا بعضٍ الکلام مما یناسب المقام ، وأما بیان حکم الجاهل من حیث الکفر والإسلام ، فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة.

الثانی : الظن الذی لم یقم علی حجیته دلیل ، هل یجبر به ضعف السند أو الدلالة بحیث صار حجة ما لولاه لما کان بحجة ، أو یوهن به ما لولاه علی خلافه لکان حجة ، أو یرجح به أحد المتعارضین ، بحیث لولاه علی وفقه لما کان ترجیح لأحدهما ، أو کان للآخر منهما ؛ أم لا؟

ومجمل القول فی ذلک : إن العبرة فی حصول الجبران أو الرجحان بموافقته ، هو الدخول بذلک تحت دلیل الحجیة ، أو المرجحیة الراجعة إلی دلیل الحجیة ، کما أن العبرة فی الوهن إنّما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دلیل الحجیة ، فلا یبعد جبر ضعف السند فی الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه ، ودخوله بذلک تحت ما دلّ علی حجیة ما یوثق به ، فراجع أدلة اعتبارها.

وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دلیل الحجیة بحجیة الظهور فی تعیین المراد ، والظن من أمارة خارجیة به لا یوجب ظهور اللفظ فیه کما هو ظاهر ، إلّا فیما أوجب القطع ولو إجمالاً باحتفافه بما کان موجباً لظهوره فیه لولا عروض انتفائه ، وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره ، وکذا عدم وهن دلالته مع ظهوره ، إلّا فیما کشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل فی سنده ، أو وجود قرینة مانعة

ص: 332

عن انعقاد ظهوره فیما فیه ظاهر لولا تلک القرینة ، لعدم اختصاص دلیل اعتبارٍ خبر الثقة ولا دلیل اعتبارٍ الظهور بما إذا لم یکن ظن بعدم صدوره ، أو ظن بعدم إرادة ظهوره.

وأما الترجیح بالظن ، فهو فرع دلیل علی الترجیح به ، بعد سقوط الأمارتین بالتعارض من البین ، وعدم حجیة واحد منهما بخصوصه وعنوإنّه ، وأنّ بقی أحدهما بلا عنوان علی حجیته ، ولم یقم دلیل بالخصوص علی الترجیح به. وأنّ ادعی شیخنا (1) العلّامة - أعلی الله مقامه - استفادته من الإخبار الدالة علی الترجیح بالمرجحات الخاصة ، علی ما فی (2) تفصیله فی التعادل والترجیح (3)

ومقدمات الانسداد فی الأحکام إنّما توجب حجیة الظن بالحکم أو بالحجة ، لا الترجیح به ما لم یوجب ظن بأحدهما ، ومقدماته فی خصوص الترجیح لو جرت إنّما توجب حجیة الظن فی تعیین المرجح ، لا إنّه مرجح إلّا إذا ظن إنّه - أیضاً - مرجح ، فتأمل جیّداً. هذا فیما لم یقم علی المنع عن العمل به بخصوصه دلیل.

وأما ما قام الدلیل علی المنع عنه کذلک کالقیاس ، فلا یکاد یکون به جبر أو وهن أو ترجیح ، فیما لا یکون لغیره أیضاً ، وکذا فیما یکون به أحدهما ، لوضوح أن الظن القیاسی إذا کان علی خلاف ما لولاه لکان حجة - بعد المنع عنه - لا یوجب خروجه عن تحت دلیل حجیته (4) ، وإذا کان علی وفق ما لولاه لما کان حجة لا یوجب دخوله تحت دلیل الحجیة ، وهکذا لا یوجب ترجیح أحد المتعارضین ، وذلک لدلالة دلیل المنع علی إلغائه الشارع رأساً ، وعدم جواز استعماله فی الشرعیات قطعاً ، ودخله فی واحد منها نحو استعمال له فیها ، کما لا یخفی ، فتأمل جیداً.

ص: 333


1- فرائد الأصول / 187 ، حیث قال الثالث : ما یظهر من بعضٍ الإخبار ... إلخ.
2- فی « ب » : علی ما یأتی تفصیله.
3- فی « أ » : التراجیح.
4- فی « ب » : الحجیة.

ص: 334

المقصد السابع : فی الأصول العملیة

اشارة

ص: 335

ص: 336

وهی التی ینتهی إلیها المجتهد بعد الفحص والیأس عن الظفر بدلیل ، مما دلّ علیه حکم العقل أو عموم النقل ، والمهم منها أربعة ، فإن مثل قاعدة الطهارة فیما اشتبه طهارته بالشبهة الحکمیة (1) ، وأنّ کان مما ینتهی إلیه فیما لا حجة علی طهارته ولا علی نجاسته ، إلّا أن البحث عنها لیس بمهم ، حیث إنّها ثابتة بلا کلام ، من دون حاجة إلی نقض وإبرام ، بخلاف الأربعة ، وهی : البراءة والاحتیاط ، والتخییر والاستصحاب : فإنّها محلّ الخلاف بین الأصحاب ، ویحتاج تنقیح مجاریها وتوضیح ما هو حکم العقل أو مقتضی عموم النقل فیها إلی مزید بحث وبیان ومؤونة حجة وبرهان ، هذا مع جریإنّها فی کلّ الابواب ، واختصاص تلک القاعدة ببعضها ، فافهم.

ص: 337


1- 1. لا یقال : إن قاعدة الطهارة مطلقاً ، تکون قاعدة فی الشبهة الموضوعیة ، فإن الطهارة والنجاسة من الموضوعاًت الخارجیة التی یکشف عنها الشرع.

فصل [فی أصالة البراءة]

لو شک فی وجوب (1)شیء أو حرمته ، ولم تنهض علیه حجة جاز شرعاً وعقلاً ترک الأوّل وفعل الثّانی ، وکان مأموناً من عقوبة مخالفته ، کان عدم نهوض الحجة لأجل فقدان النص أو إجماله ، واحتماله الکراهة أو الاستحباب ، أو تعارضه فیما لم یثبت بینهما ترجیح ، بناءً علی التوقف فی مسألة تعارض النصین فیما لم یکن ترجیح فی البین.

وأما بناءً علی التخییر - کما هو المشهور - فلا مجال لأصالة البراءة وغیرها ، لمکان وجود الحجة المعتبرة ، وهو أحد النصین فیها ، کما لا یخفی ، وقد استدل علی ذلک بالأدلة الأربعة :

ص: 338


1- لا یخفی أن جمع الوجوب والحرمة فی فصل ، وعدم عقد فصل لکلّ منهما علی حدة ، وکذا جمع فقد النص وإجماله فی عنوان عدم الحجة ، إنّما هو لأجل عدم الحاجة إلی ذلک ، بعد الاتحاد فیما هو الملاک ، وما هو العمدة من الدلیل علی المهمّ ، واختصاص بعضٍ شقوق المسألة بدلیل أو بقول ، لا یوجب تخصیصه بعنوان علی حدة. وأما ما تعارض فیه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملیة المقررة للشاک علی التحقیق فیه من الترجیح أو التخییر ، کما إنّه داخل فیما لا حجة فیه - بناءً علی سقوط النصین عن الحجیة - وأما الشبهة الموضوعیة فلا مساس لها بالمسائل الأصولیة ، بل فقهیة ، فلا وجه لبیان حکمها فی الأصول إلّا استطراداً فلا تغفل ، منه ( قدس سره ).

أما الکتاب : فبآیات أظهرها قوله تعالی : ( وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی1648; نَبْعَثَ رَسُولًا ) (1)

وفیه : إن نفی التعذیب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله کان منة منه تعالی علی عباده ، مع استحقاقهم لذلک ، ولو سلّم اعتراف الخصم بالملازمة بین الاستحقاق والفعلیة ، لما صحّ الاستدلال بها إلّا جدلاً ، مع وضوح منعه ، ضرورة أن ما شک فی وجوبه أو حرمته لیس عنده بأعظم مما علم بحکمه ، ولیس حال الوعید بالعذاب فیه إلّا کالوعید به فیه ، فافهم.

وأما السنة : فبروایات (2) منها : حدیث الرفع (3)، حیث عدّ ( ما لا یعلمون ) من التسعة المرفوعة فیه ، فالإلزام المجهول ممّا لا یعلمون ، فهو مرفوع فعلاً وأنّ کان ثابتاً واقعاً ، فلا مؤاخذة علیه قطعاً.

لا یقال : لیست المؤاخذة من الآثار الشرعیة ، کی ترتفع بارتفاع التکلیف المجهول ظاهراً ، فلا دلالة له علی ارتفاعها (4)

فإنّه یقال : إنّها وأنّ لم تکن بنفسها أثراً شرعیاً ، إلّا إنّها مما یترتب علیه بتوسیط ما هو أثره وباقتضائه ، من إیجاب الاحتیاط شرعاً ، فالدلیل علی رفعه دلیل علی عدم إیجابه المستتبع لعدم استحقاقه العقوبة علی مخالفته.

لا یقال : لا یکاد یکون إیجابه مستتبعاً لاستحقاقها علی مخالفة التکلیف

ص: 339


1- الاسراء : 15.
2- فی « ب » : فروایات.
3- الکافی / 2 کتاب الایمان والکفر ، باب ما رفع عن الأمة ، الحدیث 2 ، الفقیه 1 / 36 ، الباب 14 ، الحدیث 4 ، والخصال 2 / 417 ، باب التسعة.
4- مع أن ارتفاعها وعدم استحقاقها بمخالفة التکلیف المجهول هو المهمّ فی المقام ، والتحقیق فی الجواب أن یقال - مضافاً إلی ما قلناه - أن الاستحقاق وأنّ کان أثراً عقلّیاً ، إلّا أن عدم الاستحقاق عقلاً ، مترتب علی عدم التکلیف شرعاً ولو ظاهراً ، تأمل تعرف ، منه ( قدس سره ).

المجهول ، بل علی مخالفة (1)نفسه ، کما هو قضیة إیجاب غیره.

فإنّه یقال : هذا إذا لم یکن إیجابه طریقیاً ، وإلاّ فهو موجب لاستحقاق العقوبة علی المجهول ، کما هو الحال فی غیره من الإِیجاب والتحریم الطریقیین ، ضرورة إنّه کما یصحّ أن یحتج بهما صحّ أن یحتج به ، ویقال لم أقدمت مع إیجابه؟ ویخرج به عن العقاب بلا بیان والمؤاخذة بلا برهان ، کما یخرج بهما.

وقد انقدح بذلک ، أن رفع التکلیف المجهول کان منّة علی الأمة ، حیث کان له تعالی وضعه بما هو قضیته (2) من إیجاب الاحتیاط ، فرفعه ، فافهم.

ثم لا یخفی (3) عدم الحاجة إلی تقدیر المؤاخذة ولا غیرها من الآثار الشرعیة فی ( ما لا یعلمون ) ، فإن ما لا یعلم من التکلیف مطلقاً کان فی الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة بنفسه قابل للرفع والوضع شرعاً ، وأنّ کان فی غیره لابد من تقدیر الآثار أو المجاز فی إسناد الرفع إلیه ، فإنّه لیس ما اضطروا وما استکرهوا ... إلی آخر التسعة بمرفوع حقیقة. نعم لو کان المراد من الموصول فی ( ما لا یعلمون ) ما اشتبه حاله ولم یعلم عنوإنّه ، لکان أحد الأمرین مما لا بدّ منه أیضاً.

ثم لا وجه (4) لتقدیر خصوص المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر فی غیر واحد غیرها ، فلا محیص عن أن یکون المقدر هو الأثر الظاهر فی کلّ منها ، أو تمام آثارها التی تقتضی المنة رفعها ، کما أن ما یکون بلحاظه الإِسناد إلیها مجازاً ، هو هذا ، کما لا یخفی. فالخبر دلّ علی رفع کلّ أثر تکلیفی أو وضعی کان فی

ص: 340


1- فی « ب » : مخالفته.
2- فی « ب » : قضیة.
3- خلافاً لما أفاده الشیخ ، فرائد الأصول / 195.
4- المصدر السابق.

رفعه منة علی الأمة ، کما استشهد الامام علیه السلام بمثل (1)هذا الخبر فی رفع ما استکره علیه من الطلاق والصدقة والعتاق.

ثم لا یذهب علیک أن المرفوع فیما اضطر إلیه وغیره ، مما أخذ بعنوإنّه الثانوی ، إنّما هو الآثار المترتبة علیه بعنوإنّه الأولی ، ضرورة أن الظاهر أن هذه العناوین صارت موجبة للرفع ، والموضوع للاثر مستدعٍ لوضعه ، فکیف یکون موجباً لرفعه؟

لا یقال کیف؟ وإیجاب الاحتیاط فیما لا یعلم وإیجاب التحفظ فی الخطأ والنسیان ، یکون أثراً لهذه العناوین بعینها وباقتضاء نفسها.

فإنّه یقال : بل إنّما تکون باقتضاء الواقع فی موردها ، ضرورة أن الاهتمام به یوجب إیجابهما ، لئلا یفوت علی المکلف ، کما لا یخفی.

ومنها : حدیث الحجب (2) ، وقد انقدح تقریب الاستدلال به مما ذکرنا فی حدیث الرفع ، إلّا إنّه ربما یشکل (3)بمنع ظهوره فی وضع ما لا یعلم من التکلیف ، بدعوی ظهوره فی خصوص ما تعلقت عنایته تعالی بمنع اطلاع العباد علیه ، لعدم أمر رسله بتبلیغه ، حیث إنّه بدونه لما صحّ إسناد الحجب إلیه تعالی.

ومنها : قوله علیه السلام (4) ( کلّ شیء لک حلال حتی تعرف إنّه حرام بعینه ) الحدیث ، حیث دلّ علی حلّیة ما لم یعلم حرمته مطلقاً ، ولو کان من جهة عدم الدلیل علی حرمته ؛ وبعدم الفصل قطعاً بین إباحته وعدم وجوب الاحتیاط فیه وبین عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة الوجوبیة ، یتم المطلوب.

ص: 341


1- المحاسن 2 / 339 ، الحدیث 124.
2- التوحید للصدوق (ره) 413 ، باب التعریف والبیان والحجة ، الحدیث 9. والوسائل 18 / 12 ، باب 12 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 28.
3- أورده الشیخ (ره) علی الاستدلال بهذا الحدیث ، فرائد الأصول / 199.
4- قریب من هذا المضمون روایات ، الوسائل : 12 / 59 ، باب 4 من أبواب ما یکتسب به الحدیثان 1 و 4 والوسائل : 17 / 90 ، باب 61 من الأطعمة المباحة ، الأحادیث ، 1 و 2 و 7.

مع إمکان أن یقال : ترک ما احتمل وجوبه مما لم یعرف حرمته ، فهو حلال ، تأمل.

ومنها : قوله علیه السلام (1)( الناس فی سعة ما لا یعلمون ) فهم فی سعة ما لم یعلم ، أو ما دام لم یعلم وجوبه أو حرمته ، ومن الواضح إنّه لو کان الاحتیاط واجباً لما کانوا فی سعة أصلاً ، فیعارض به ما دلّ علی وجوبه ، کما لا یخفی.

لا یقال : قد علم به وجوب الاحتیاط.

فإنّه یقال : لم یعلم الوجوب أو الحرمة بعد ، فکیف یقع فی ضیق الاحتیاط من أجله؟ نعم لو کان الاحتیاط واجباً نفسیاً کان وقوعهم فی ضیقه بعد العلم بوجوبه ، لکنه عرفت أن وجوبه کان طریقیاً ، لأجل أن لا یقعوا فی مخالفة الواجب أو الحرام أحیاناً ، فافهم.

ومنها : قوله علیه السلام (2) ( کلّ شیء مطلق حتی یرد فیه نهی ) ودلالته یتوقف علی عدم صدق الورود إلّا بعد العلم أو ما بحکمه ، بالنهی عنه وأنّ صدر عن الشارع ووصل إلی غیر واحد ، مع إنّه ممنوع لوضوح صدقه علی صدوره عنه سیما بعد بلوغه إلی غیر واحد ، وقد خفی علی من لم یعلم بصدوره.

لا یقال : نعم ، ولکن بضمیمة أصالة العدم صحّ الاستدلال به وتم.

فإنّه یقال : وأنّ تم الاستدلال به بضمیمتها ، ویحکم بإباحة مجهول الحرمة وإطلاقه ، إلّا إنّه لا بعنوان إنّه مجهول الحرمة شرعاً ، بل بعنوان إنّه مما لم یرد عنه النهی واقعاً.

لا یقال : نعم ، ولکنه لا یتفاوت فیما هو المهمّ من الحکم بالإباحة فی مجهول الحرمة ، کان بهذا العنوان أو بذاک العنوان.

ص: 342


1- الوسائل : 2 / 1073 ، باب 5 من أبواب النجاسات ، الحدیث 11 بتفاوت یسیر فی العبارة.
2- الوسائل : 18 / 127 ، باب 12 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 60.

فإنّه یقال : حیث إنّه بذاک العنوان لاختص بما لم یعلم ورود النهی عنه أصلاً ، ولا یکاد یعم ما إذا ورد النهی عنه فی زمان ، وإباحته (1)فی آخر ، واشتبها من حیث التقدم والتأخر.

لا یقال : هذا لولا عدم الفصل بین أفراد ما اشتبهت حرمته.

فإنّه یقال : وأنّ لم یکن بینها الفصل ، إلّا إنّه إنّما یجدی فیما کان المثبت للحکم بالإباحة فی بعضها الدلیل ، لا الأصل ، فافهم.

وأما الإجماع : فقد نقل (2)علی البراءة ، إلّا إنّه موهون ، ولو قیل باعتبار الإجماع المنقولة فی الجملة ، فإن تحصیله فی مثل هذه المسألة مما للعقل إلیه سبیل ، ومن واضح النقل علیه دلیل ، بعید جدّاً.

وأما العقل : فإنّه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة علی مخالفة التکلیف المجهول ، بعد الفحص والیأس عن الظفر بما کان حجة علیه ، فإنّهما بدونهما عقاب بلا بیان ومؤاخذة بلا برهان ، وهما قبیحان بشهادة الوجدان.

ولا یخفی إنّه مع استقلاله بذلک ، لا احتمال لضرر العقوبة فی مخالفته ، فلا یکون مجال ها هنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، کی یتوهم إنّها تکون بیاناً ، کما إنّه مع احتماله لا حاجة إلی القاعدة ، بل فی صورة المصادفة استحق العقوبة علی المخالفة ولو قیل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل.

وأما ضرر غیر العقوبة ، فهو وأنّ کان محتملاً ، إلّا أن المتیقن منه فضلاً عن محتمله لیس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلاً ، ضرورة عدم القبح فی تحمّل بعضٍ المضار ببعض الدواعی عقلاً وجوازه شرعاً ، مع أن احتمال الحرمة أو الوجوب لا

ص: 343


1- فی « ب » : إباحة.
2- راجع الوجه الثّانی من وجوه التقریر الثّانی للاجماع علی حجیة البراءة فی کلام الشیخ ( قده ) فرائد الأصول / 202.

یلازم احتمال المضرة ، وأنّ کان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترک المصلحة ، لوضوح أن المصالح والمفاسد التی تکون مناطات الأحکام - وقد استقل العقل بحسن الأفعال التی تکون ذات المصالح وقبح ماکان ذات المفاسد - لیست براجعة إلی المنافع والمضار ، وکثیراً ما یکون محتمل التکلیف مأمون الضرر ، نعم ربما تکون المنفعة أو المضرة مناطاً للحکم شرعاً وعقلاً.

إن قلت : نعم ، ولکن العقل یستقل بقبح الإقدام علی ما لا تؤمن مفسدته ، وإنّه کالإقدام علی ما علم مفسدته ، کما استدل به شیخ الطائفة (1)قدس سره ، علی أن الاشیاء علی الحظر أو الوقف.

قلت : استقلاله بذلک ممنوع ، والسند شهادة الوجدان ومراجعة دیدن العقلاء من أهل الملل والادیان ، حیث إنّهم لا یحترزون مما لا تؤمن مفسدته ، ولا یعاملون معه معاملة ما علم مفسدته ، کیف؟ وقد أذن الشارع بالإقدام علیه ، ولا یکاد یأذن بارتکاب القبیح ، فتأمل.

واحتج للقول بوجوب الاحتیاط فیما لم تقم فیه حجة ، بالادلة الثلاثة :

أما الکتاب : فبالآیات الناهیة عن القول بغیر العلم (2) ، وعن الإلقاء فی التهلکة (3) ، والأمرة بالتقوی (4)

والجواب : إن القول بالإباحة شرعاً وبالأمن من العقوبة عقلاً ، لیس قولاً بغیر علم ، لما دلّ علی الإِباحة من النقل وعلی البراءة من حکم العقل ، ومعهما لا مهلکة فی اقتحام الشبهة أصلاً ، ولا فیه مخالفة التقوی ، کما لا یخفی.

ص: 344


1- عدة الأصول 2 / 117 ولکن المتراءی منه غیر هذا.
2- الأعراف : 33 ، الاسراء : 36 ، النور : 15.
3- البقرة : 195.
4- البقرة : 102 ، التغابن : 16.

وأما الأخبار : فبما (1) دلّ علی وجوب التوقف عند الشبهة ، معللاً فی بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی المهلکة ، من الأخبار الکثیرة الدّالة علیه مطابقة أو إلتزاماً ، وبما (2) دلّ علی وجوب الاحتیاط من الأخبار الواردة بألسنة مختلفة.

والجواب : إنّه لا مهلکة فی الشبهة البدویة ، مع دلالة النقل علی [ الإِباحة ] (3) وحکم العقل بالبراءة کما عرفت.

وما دلّ علی وجوب الاحتیاط لو سلّم ، وأنّ کان وارداً علی حکم العقل ، فإنّه کفی بیاناً علی العقوبة علی مخالفة التکلیف المجهول.

ولا یصغی إلی ما قیل (4) : من أن إیجاب الاحتیاط إن کان مقدّمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبیح ، وأنّ کان نفسیاً فالعقاب علی مخالفته لا علی مخالفة الواقع ؛ وذلک لما عرفت من أن إیجابه یکون طریقیّاً ، وهو عقلاً مما یصحّ أن یحتج به علی المؤاخذة فی مخالفة الشبهة ، کما هو الحال فی أوامر الطرق والأمارات و الأصول العملیة.

إلا إنّها تعارض بما هو أخص أو (5) وأظهر ؛ ضرورة أن ما دلّ علی حلّیّة المشتبه أخص ، بل هو فی الدلالة علی الحلّیة نص ، وما دلّ علی الاحتیاط غایته إنّه ظاهر فی وجوب الاحتیاط ، مع أن هناک قرائن دالّة علی إنّه للإِرشاد ، فیختلف إیجاباً واستحباباً حسب اختلاف ما یرشد إلیه.

ص: 345


1- الوسائل : 18 / 75 الباب 9 من أبواب صفات القاضی / الحدیث 1 - الوسائل 14 / 193 ، الباب 157 من أبواب مقدمات النکاح الحدیث 2. الوسائل : 18 / 111 الباب 12 من أبواب صفات القاضی / أحادیث : 3 ، 4 ، 10 ، 31 ، 35.
2- - الوسائل : 18 / 111 الباب 12 من أبواب صفات القاضی / أحادیث : 1 ، 37 ، 41 ، 54.
3- أثبتناها من « ب ».
4- القائل هو الشیخ الاعظم ، فرائد الأصول / 208.
5- فی « أ » : و.

ویؤیده إنّه لو لم یکن للإِرشاد یوجب (1) تخصیصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعاً ، مع إنّه آبٍ عن التخصیص قطعاً ، کیف لا یکون قوله : ( قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة ) للإِرشاد؟ مع أن المهلکة ظاهرة فی العقوبة ، ولا عقوبة فی الشبهة البدویة قبل إیجاب الوقوف والاحتیاط ، فکیف یعلل إیجابه بإنّه خیر من الاقتحام فی الهلکة؟

لا یقال : نعم ، ولکنه یستکشف منه (2) علی نحو الإنّ إیجاب الاحتیاط من قبل ، لیصحّ به العقوبة علی المخالفة.

فإنّه یقال : إن مجرد إیجابه واقعاً ما لم یعلم لا یصحح العقوبة ، ولا یخرجها عن إنّها بلا بیان ولا برهان ، فلا محیص عن اختصاص مثله بما یتنجز فیه المشتبه لو کان کالشبهة قبل الفحص مطلقاً ، أو الشبهة المقرونة بالعلم الإِجمالی ، فتأمل جیداً.

وأما العقل : فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترک ما احتمل حرمته ، حیث علم إجمالاً بوجود واجبات ومحرمات کثیرة فیما اشتبه وجوبه أو حرمته ، مما لم یکن هناک حجة علی حکمه ، تفریغاً للذمة بعد اشتغالها ، ولا خلاف فی لزوم الاحتیاط فی أطراف العلم الإِجمالی إلّا من بعضٍ الأصحّاب.

والجواب : إن العقل وأنّ استقل بذلک ، إلّا إنّه إذا لم ینحل العلم الإِجمالی إلی علم تفصیلی وشکّ بدوی ، وقد انحل هاهنا ، فإنّه کما علم بوجود تکالیف إجمالاً ، کذلک علم إجمالاً بثبوت طرق وأُصول معتبرة مثبتة لتکالیف بمقدار تلک التکالیف المعلومة أو أزید ، وحینئذ لا علم بتکالیف أخر غیر التکالیف الفعلیة فی موارد (3)المثبتة من الطرق و الأصول العملیة.

ص: 346


1- فی « ب » : یوجب.
2- - فی « ب » : عنه.
3- فی « أ » : الموارد.

إن قلت : نعم ، لکنه إذا لم یکن العلم بها مسبوقاً بالعلم بالتکالیف (1).

قلت : إنّما یضر السبق إذا کان المعلوم اللاحق حادثاً ، وأما إذا لم یکن کذلک بل مما ینطبق علیه ما علم أولاً ، فلا محالة قد انحل العلم الإِجمالی إلی التفصیلی والشک البدوی.

إن قلت : إنّما یوجب العلم بقیام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالإِجمال ذلک إذا کان قضیة قیام الطریق علی تکلیف موجباً لثبوته فعلاً ، وأما بناءً علی أن قضیة حجیته واعتباره شرعاً لیس إلّا ترتیب ما للطریق المعتبر عقلاً ، وهو تنجز ما أصابه والعذر عما أخطأ عنه ، فلا انحلال لما علم بالإِجمال أولاً ، کما لا یخفی.

قلت : قضیة الاعتبار شرعاً - علی اختلاف ألسنة أدلته - وأنّ کان ذلک علی ما قوینا فی البحث ، إلّا أن نهوض الحجة علی ما ینطبق علیه المعلوم بالإِجمال فی بعضٍ الأطراف یکون عقلاً بحکم الانحلال ، وصرف تنجزه إلی ما إذا کان فی ذاک الطرف ، والعذر عما إذا کان فی سائر الأطراف ، مثلاً إذا علم إجمالاً بحرمة إناء زید بین الإِناءین وقامت البینة علی أن هذا إناؤه ، فلا ینبغی الشک فی إنّه کما إذا علم إنّه إناؤه فی عدم لزوم الاجتناب إلّا عن خصوصه دون الآخر ، ولولا ذلک لما کان یجدی القول بأن قضیة اعتبارٍ الأمارات هو کون المؤدیات أحکاماً شرعیة فعلیة ، ضرورة إنّها تکون کذلک بسبب حادث ، وهو کونها مؤدیات الأمارات الشرعیة.

هذا إذا لم یعلم بثبوت التکالیف الواقعیة فی موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالإِجمال ، وإلاّ فالانحلال إلی العلم بما فی الموارد وانحصار أطرافه بموارد تلک الطرق بلا إشکال. کما لا یخفی.

وربما استدل بما قیل (2) : من استقلال العقل بالحظر فی الأفعال الغیر الضروریة قبل الشرع ، ولا أقل من الوقف وعدم استقلاله ، لا به ولا بالإباحة ،

ص: 347


1- فی « أ » : بالواجبات.
2- قرر الشیخ ( قده ) هذا الوجه العقلی بقوله : « الوجه الثّانی » ، فرائد الأُصول / 214.

ولم یثبت شرعاً إباحة ما اشتبه حرمته ، فإن ما دلّ علی الإِباحة معارض بما دلّ علی وجوب التوقف أو الاحتیاط.

وفیه أولاً : إنّه لا وجه للاستدلال بما هو محلّ الخلاف والاشکال ، وإلاّ لصحّ الاستدلال علی البراءة بما قیل من کون تلک الأفعال علی الإِباحة.

وثانیاً : إنّه ثبت الإِباحة شرعاً ، لما عرفت من عدم صلاحیة ما دلّ علی التوقف أو الاحتیاط ، للمعارضة لما دلّ علیها.

وثالثاً : إنّه لا یستلزم القول بالوقف فی تلک المسألة ، للقول بالاحتیاط فی هذه المسألة ، لاحتمال أن یقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بیان ، وما قیل (1) - من أن الإقدام علی ما لا یؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما یعلم فیه المفسدة - ممنوع ، ولو قیل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فإن المفسدة المحتملة فی المشتبه لیس بضرر غالباً ، ضرورة أن المصالح والمفاسد التی هی مناطات الأحکام لیست براجعة إلی المنافع والمضار ، بل ربما یکون المصلحة فیما فیه الضرر ، والمفسدة فیما فیه المنفعة ، واحتمال أن یکون فی المشتبه ضرر ضعیف غالباً لا یعتنی به قطعاً مع أن الضرر لیس دائماً مما یجب التحرز عنه عقلاً ، بل یجب ارتکابه أحیاناً فیما کان المترتب علیه أهم فی نظره مما فی الاحتراز عن ضرره ، مع القطع به فضلاً عن احتماله.

بقی أمور مهمة لا بأس بالإشارة إلیها :

الأول : إنّه إنّما تجری أصالة البراءة شرعاً وعقلاً فیما لم یکن هناک أصل موضوعی مطلقاً ولو کان موافقاً لها ، فإنّه معه لا مجال لها أصلاً ، لوروده علیها کما یأتی تحقیقه (2) فلا تجری مثلاً أصالة الإِباحة فی حیوان شک فی حلیته مع الشک فی

ص: 348


1- القائل هو شیخ الطائفة ، عدة الأصول / 117.
2- یأتی تحقیق الورود فی خاتمة الاستصحاب - ص 430.

قبوله التذکیة ، فإنّه إذا ذبح مع سائر الشرائط المعتبرة فی التذکیة ، فأصالة عدم التذکیة تدرجه (1)فیما لم یذک وهو حرام إجماعاً ، کما إذا مات حتف أنفه ، فلا حاجة إلی إثبات أن المیتة تعم غیر المذکی شرعاً ، ضرورة کفایة کونه مثله حکماً ، وذلک بأن التذکیة إنّما هی عبارة عن فری الأوداج [ الأربعة ] (2) مع سائر شرائطها ، عن خصوصیة فی الحیوان التی بها یؤثر فیه الطهارة وحدها أو مع الحلیّة ، ومع الشک فی تلک الخصوصیة فالأصل عدم تحقق التذکیة بمجرد الفری بسائر شرائطها ، کما لا یخفی.

نعم لو علم بقبوله التذکیة وشک فی الحلّیة ، فأصالة الإِباحة فیه محکمة ، فإنّه حینئذ إنّما یشک فی أن هذا الحیوان المذکّی حلال أو حرام ، ولا أصل فیه إلّا أصالة الإِباحة ، کسائر ما شک فی إنّه من الحلال أو الحرام.

هذا إذا لم یکن هناک أصل موضوعی آخر مثبت لقبوله التذکیة ، کما إذا شک - مثلاً - فی أن الجلل فی الحیوان هل یوجب ارتفاع قابلیته لها ، أم لا؟ فأصالة قبوله لها معه محکمة ، ومعها لا مجال لأصالة عدم تحققها ، فهو قبل الجلل کان یطهر ویحل بالفری بسائر شرائطها ، فالأصل إنّه کذلک بعده.

ومما ذکرنا ظهر الحال فیما اشتبهت حلیته وحرمته بالشبهة الموضوعیة من الحیوان ، وأنّ أصالة عدم التذکیة محکمة فیما شک فیها لأجل الشک فی تحقق ما اعتبر فی التذکیة شرعاً ، کما أن أصالة قبول التذکیة محکمة إذا شک فی طروء ما یمنع عنه ، فیحکم بها فیما أحرز الفری بسائر شرائطها عداه ، کما لا یخفی ، فتأمل جیّداً.

الثانی : إنّه لا شبهة فی حسن الاحتیاط شرعاً وعقلاً فی الشبهة الوجوبیة أو (3) التحریمیة فی العبادات وغیرها ، کما لا ینبغی الارتیاب فی استحقاق الثواب فیما

ص: 349


1- فی « أ » : تدرجها.
2- أثبتناها من « ب ».
3- فی « أ » : و.

إذا احتاط وأتی أو ترک بداعی احتمال الأمر أو النهی.

وربما یشکل (1) فی جریان الاحتیاط فی العبادات عند دوران الأمر بین الوجوب وغیر الاستحباب ، من جهة أن العبادة لابد فیها من نیة القربة المتوقفة علی العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً.

وحسن الاحتیاط عقلاً لا یکاد یجدی فی رفع الإِشکال ، ولو قیل بکونه موجباً لتعلق الأمر به شرعاً ، بداهة توقفه علی ثبوته توقف العارض علی معروضه ، فکیف یعقل أن یکون من مبادیء ثبوته؟

وانقدح بذلک إنّه لا یکاد یجدی فی رفعه أیضاً القول بتعلق الأمر به من جهة ترتب الثواب علیه ، ضرورة إنّه فرع إمکانه ، فکیف یکون من مبادیء جریإنّه؟

هذا مع أن حسن الاحتیاط لا یکون بکاشف عن تعلق الأمر به بنحو اللّم ، ولا ترتب الثواب علیه بکاشف عنه بنحو الإنّ ، بل یکون حاله فی ذلک حال الإطاعة ، بإنّه نحو من الانقیاد والطاعة.

وما قیل (2) فی دفعه : من کون المراد بالاحتیاط فی العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جمیع الجهات عدا نیة القربة.

فیه : مضافاً إلی عدم مساعدة دلیل حینئذ علی حسنه بهذا المعنی فیها ، بداهة إنّه لیس باحتیاط حقیقة ، بل هو أمر لو دلّ علیه دلیل کان مطلوباً مولویاً نفسیاً عبادیاً ، والعقل لا یستقل إلّا بحسن الاحتیاط ، والنقل لا یکاد یرشد إلّا إلیه.

نعم ، لو کان هناک دلیل علی الترغیب فی الاحتیاط فی خصوص العبادة ، لما

ص: 350


1- ذکر الشیخ هذا الإِشکال فی التنبیه الثّانی من مسألة دوران الحکم بین الوجوب وغیر الحرمة من جهة عدم النص ، فرائد الأصول / 228.
2- ذکره الشیخ فی التنبیه الثّانی من مسألة دوران الحکم بین الوجوب وغیر الحرمة ، فرائد الأصول / 229.

کان محیص عن دلالته اقتضاءً علی أن المراد به ذاک المعنی ، بناءً علی عدم إمکانه فیها بمعناه حقیقة ، کما لا یخفی إنّه التزام بالاشکال وعدم جریإنّه فیها ، وهو کما تری.

قلت : لا یخفی أن منشأ الإِشکال هو تخیل کون القربة المعتبرة فی العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فیها ، مما یتعلق بها الأمر المتعلق بها ، فیشکل جریإنّه حینئذ ، لعدم التمکن من قصد القربة المعتبر فیها (1) ، وقد عرفت (2) إنّه فاسد (3) ، وإنما اعتبر قصد القربة فیها عقلاً لأجل أن الغرض منها لا یکاد یحصل بدونه.

وعلیه کان جریان الاحتیاط فیه بمکان من الإِمکان ، ضرورة التمکن من الإِتیان بما احتمل وجوبه بتمامه وکماله ، غایة الأمر إنّه لابد أن یؤتی به علی نحو لو کان مأموراً به لکان مقرباً ، بأن یؤتی به بداعی احتمال الأمر أو احتمال کونه محبوباً له تعالی ، فیقع حینئذ علی تقدیر الأمر به امتثالاً لامره تعالی ، وعلی تقدیر عدمه انقیاداً لجنابه تبارک وتعالی ، ویستحق الثواب علی کلّ حال امّا علی الطاعة أو الانقیاد.

وقد انقدح بذلک إنّه لا حاجة فی جریإنّه فی العبادات إلی تعلق أمر بها (4) ،

ص: 351


1- 1. هکذا صححه فی « ب » ، وفی « أ » : لعدم التمکن من إتیان جمیع ما اعتبر فیها ... إلخ.
2- 2. راجع ص 72 فی المقدّمة الثانیة من مبحث التعبدی والتوصلی.
3- 3. هذا مع إنّه لو أغمض عن فساده ، لما کان فی الاحتیاط فی العبادات إشکال غیر الإِشکال فیها ، فکما یلتزم فی دفعه بتعدد الأمر فیها ، لیتعلق أحدهما بنفس الفعل والآخر بإتیإنّه بداعی أمره ، کذلک فیما احتمل وجوبه منها ، کان علی هذا احتمال أمرین کذلک ، أیّ أحدهما کان متعلقاً بنفسه والآخر بإتیإنّه بداعی ذاک الأمر ، فیتمکن من الاحتیاط فیها بإتیان ما احتمل وجوبه بداعی رجاء أمره واحتماله ، فیقع عبادة وإطاعة لو کان واجباً ، وانقیاداً لو لم یکن کذلک.

بل لو فرض تعلقه بها لما کان من الاحتیاط بشیء ، بل کسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها ، کما لا یخفی.

فظهر إنّه لو قیل (1) بدلالة أخبار (2) ( من بلغه ثواب ) علی استحباب العمل الذی بلغ علیه الثواب ولو بخبر ضعیف ، لما کان یجدی فی جریإنّه فی خصوص ما دلّ علی وجوبه أو استحبابه خبر ضعیف ، بل کان علیه مستحباً کسائر ما دلّ الدلیل علی استحبابه.

لا یقال : هذا لو قیل بدلالتها علی استحباب نفس العمل الذی بلغ علیه الثواب بعنوإنّه ، وأما لو دلّ علی استحبابه لا بهذا العنوان ، بل بعنوان إنّه محتمل الثواب ، لکانت دالّة علی استحباب الإِتیان به بعنوان الاحتیاط ، کأوامر الاحتیاط ، لو قیل بإنّها للطلب المولوی لا الارشادی.

فإنّه یقال : إن الأمر بعنوان الاحتیاط ولو کان مولویاً لکان توصلیاً ، مع إنّه لو کان عبادیاً لما کان مصححاً للاحتیاط ، ومجدیاً فی جریإنّه فی العبادات کما أشرنا إلیه آنفا.

ثم إنّه لا یبعد دلالة بعضٍ تلک الأخبار علی استحباب ما بلغ علیه الثواب ، فإن صحیحة (3) هشام بن سالم المحکیة عن المحاسن ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال : ( من بلغه عن النبی صلی الله علیه و آله شیء من الثواب فعمله ، کان أجر ذلک له ، وأنّ کان رسول الله صلی الله علیه و آله لم یقله ) ظاهرة فی أن الاجر کان مترتباً علی نفس العمل الذی بلغه عنه صلی الله علیه و آله ) إنّه ذو ثواب.

ص: 352


1- هذا ردّ للشیخ فی التنبیه الثّانی من مسألة دوران الحکم بین الوجوب وغیره ، فرائد الأصول / 229.
2- الوسائل : 1 / 59 ب 18 من أبواب مقدّمة العبادات ، أحادیث الباب.
3- المحاسن / 25 ، وکتاب ثواب الأعمال الباب 1 ، الحدیث 2.

وکون العمل متفرعاً علی البلوغ ، وکونه الداعی إلی العمل غیر موجب (1) لأن یکون الثواب إنّما یکون مترتباً علیه ، فیما إذا أتی برجاء إنّه مأمور به وبعنوان الاحتیاط ، بداهة أن الداعی إلی العمل لا یوجب له وجهاً وعنواناً یؤتی به بذاک الوجه والعنوان. وإتیان (2)العمل بداعی طلب قول النبی صلی الله علیه و آله کما قید به فی بعض الأخبار - (3)، وأنّ کان انقیاداً ، إلّا أن الثواب فی الصحیحة إنّما رتب علی نفس العمل ، ولا موجب لتقییدها به ، لعدم المنافاة بینهما ، بل لو أتی به کذلک أو إلتماسا للثواب الموعود ، کما قید به فی بعضها الآخر (4)، لاوتی الاجر والثواب علی نفس العمل ، لا بما هو احتیاط وانقیاد ، فیکشف عن کونه بنفسه مطلوباً وإطاعة ، فیکون وزإنّه وزان ( من سرح لحیته ) (5) أو ( من صلّی أو صام فله کذا ) ولعله لذلک أفتی المشهور بالاستحباب ، فافهم وتأمل.

الثالث : إنّه لا یخفی أن النهی عن شیء ، إذا کان بمعنی طلب ترکه فی زمان أو مکان ، بحیث لو وجد فی ذاک الزمان أو المکان ولو دفعة لما امتثل أصلاً ، کان اللازم علی المکلف إحراز إنّه ترکه بالمرة ولو بالأصل ، فلا یجوز الإِتیان بشیء یشک معه فی ترکه ، إلّا إذا کان مسبوقاً به لیستصحب مع الإِتیان به.

نعم ، لو کان بمعنی طلب ترکه کلّ فرد منه علی حدة ، لما وجب إلّا ترک ما علم إنّه فرد ، وحیث لم یعلم تعلق النهی إلّا بما علم إنّه مصداقه ، فأصالة البراءة فی المصادیق المشتبهة محکمة.

فانقدح بذلک أن مجرد العلم بتحریم شیء لا یوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة ، فیما کان المطلوب بالنهی طلب ترک کلّ فرد علی حدة ، أو کان

ص: 353


1- تعریض بالشیخ فی أخبار من بلغ ، فرائد الأصول /
2- تعریض بالشیخ فی أخبار من بلغ ، فرائد الأصول / 230.
3- الوسائل : 1 / 60 ، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات ، الحدیث 4.
4- المصدر السابق ، الحدیث 7.
5- الوسائل : 1 / 429 ، الباب 76 من أبواب آداب الحمام.

الشئ مسبوقاً بالترک ، وإلاّ لوجب الاجتناب عنها عقلاً لتحصیل الفراغ قطعاً. فکما یجب فیما علم وجوب شیء إحراز إتیإنّه إطاعة لأمره ، فکذلک یجب فیما علم حرمته إحراز ترکه وعدم إتیإنّه امتثالاً لنهیه ، غایة الأمر کما یحرز وجود الواجب بالأصل ، کذلک یحرز ترک الحرام به ، والفرد المشتبه وأنّ کان مقتضی أصالة البراءة جواز الاقتحام فیه ، إلّا أن قضیة لزوم إحراز الترک اللازم وجوب التحرز عنه ، ولا یکاد یحرز إلّا بترک المشتبه أیضاً ، فتفطن.

الرابع : إنّه قد عرفت حسن الاحتیاط عقلاً ونقلاً ، ولا یخفی إنّه مطلقاً کذلک ، حتی فیما کان هناک حجة علی عدم الوجوب أو الحرمة ، أو أمارة معتبرة علی إنّه لیس فرداً للواجب أو الحرام ، ما لم یخل بالنظام فعلاً ، فالاحتیاط قبل ذلک مطلقاً یقع حسناً ، کان فی الأمور المهمة کالدماء والفروج أو غیرها ، وکان احتمال التکلیف قویاً أو ضعیفاً ، کانت الحجة علی خلافه أو لا ، کما أن الاحتیاط الموجب لذلک لا یکون حسناً کذلک ، وأنّ کان الراجح لمن التفت إلی ذلک من أول الأمر ترجیح بعضٍ الاحتیاطات احتمالاً أو محتملاً ، فافهم.

ص: 354

فصل [أصالة التخییر]

إذا دار الأمر بین وجوب شیء وحرمته ، لعدم نهوض حجة علی أحدهما تفصیلاً بعد نهوضها علیه إجمالاً ، ففیه وجوه :

الحکم بالبراءة عقلاً ونقلاً لعموم النقل ، وحکم العقل بقبح المؤاخذة علی خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به ، ووجوب الأخذ بأحدهما تعییناً أو تخییراً ، والتخییر بین الترک والفعل عقلاً ، مع التوقف عن الحکم به رأساً ، أو مع الحکم علیه بالإباحة شرعاً.

أوجهها الأخیر ؛ لعدم الترجیح بین الفعل والترک ، وشمول مثل ( کلّ شیء لک حلال حتی تعرف إنّه حرام ) له ، ولا مانع عنه عقلاً ولا نقلاً.

وقد عرفت إنّه لا یجب موافقة الأحکام إلتزاماً ، ولو وجب لکان الالتزام إجمالاً بما هو الواقع معه ممکناً ، والالتزام التفصیلی بأحدهما لو لم یکن تشریعاً محرماً لما نهض علی وجوبه دلیل قطعاً. وقیاسه بتعارض الخبرین - الدالّ أحدهما علی الحرمة والآخر علی الوجوب - باطل ، فإن التخییر بینهما علی تقدیر کون الأخبار حجة من باب السببیة یکون علی القاعدة ، ومن جهة التخییر بین الواجبین المتزاحمین ، وعلی تقدیر إنّها من باب الطریقیة فإنّه وأنّ کان علی خلاف القاعدة ، إلّا أن أحدهما - تعییناً أو تخییراً - حیث کان واجداً لما هو المناط للطریقیة من احتمال الإصابة مع

ص: 355

اجتماع سائر الشرائط ، صار (1)حجة فی هذه الصورة بأدلة الترجیح تعییناً ، أو التخییر تخییراً ، وأین ذلک مما إذا لم یکن المطلوب إلّا الأخذ بخصوص ما صدر واقعاً؟ وهو حاصل ، والأخذ بخصوص أحدهما ربما لا یکون إلیه بموصل.

نعم ، لو کان التخییر بین الخبرین لأجل إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة ، وإحداثهما التردید بینهما ، لکان القیاس فی محله ، لدلالة الدلیل علی التخییر بینهما علی التخییر ها هنا ، فتأمل جیّداً.

ولا مجال - ها هنا - لقاعدة قبح العقاب بلا بیان ، فإنّه لا قصور فیه - ها هنا - وإنما یکون عدم تنجز التکلیف لعدم التمکن من الموافقة القطعیة کمخالفتها ، والموافقة الاحتمالیة حاصلة لا محالة ، کما لا یخفی.

ثم إن مورد هذه الوجوه ، وأنّ کان ما [ إذا ] (2) لم یکن واحدٌ من الوجوب والحرمة علی التعیین تعبدیاً ، إذ لو کانا تعبدیین أو کان أحدهما المعینّ کذلک ، لم یکن إشکال فی عدم جواز طرحهما والرجوع إلی الإِباحة ، لأنّها مخالفة عملیة قطعیة علی ما أفاد شیخنا الأستاذ (3) قدس سره ، إلّا أن الحکم أیضاً فیهما إذا کانا کذلک هو التخییر عقلاً بین إتیإنّه علی وجه قربی ، بأن یؤتی به بداعی احتمال طلبه ، وترکه کذلک ، لعدم الترجیح وقبحه بلا مرجح.

فانقدح إنّه لا وجه لتخصیص المورد بالتوصلیین بالنسبة إلی ما هو المهمّ فی المقام ، وأنّ اختصّ بعضٍ الوجوه بهما ، کما لا یخفی.

ولا یذهب علیک أن استقلال العقل بالتخییر إنّما هو فیما لا یحتمل الترجیح فی أحدهما علی التعیین ، ومع احتماله لا یبعد دعوی استقلاله بتعیّنه کما هو الحال

ص: 356


1- کذا صححه فی « ب » ، وفی « أ » : جعل.
2- أثبتناها من « ب ».
3- راجع فرائد الأصول / 236.

فی دوران الأمر بین التخییر والتعیین فی غیر المقام ، ولکن الترجیح إنّما یکون لشدة الطلب فی أحدهما ، وزیادته علی الطلب فی الآخر بما لا یجوز الإِخلال بها فی صورة المزاحمة ، ووجب الترجیح بها ، وکذا وجب ترجیح احتمال ذی المزیة فی صورة الدوران.

ولا وجه لترجیح احتمال الحرمة مطلقاً ، لأجل أن دفع المفسدة أولی من ترک المصلحة ، ضرورة إنّه رب واجب یکون مقدماً علی الحرام فی صورة المزاحمة بلا کلام ، فکیف یقدم علی احتماله احتماله فی صورة الدوران بین مثلیهما؟ فافهم.

ص: 357

فصل [اصاله الاحتیاط]

لو شک فی المکلف به مع العلم بالتکلیف من الإِیجاب أو التحریم ، فتارة لتردده بین المتابینین ، وأخری بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین ، فیقع الکلام فی مقامین :

المقام الأوّل : فی دوران الأمر بین المتابینین.

لا یخفی أن التکلیف المعلوم بینهما مطلقاً - ولو کانا فعل أمر وترک آخر - إن کان فعلّیاً من جمیع الجهات ، بأن یکون واجداً لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلّی ، مع ما هو [ علیه ] (1) من الإِجمال والتردد والاحتمال ، فلا محیص عن تنجزه وصحة العقوبة علی مخالفته ، وحینئذ لا محالة یکون ما دلّ بعمومه علی الرفع أو الوضع أو السعة أو الإِباحة مما یعم أطراف العلم مخصصاً عقلاً ، لأجل مناقضتها معه.

وإن لم یکن فعلّیاً کذلک - ولو کان بحیث لو علم تفصیلاً لوجب امتثاله وصحّ العقاب علی مخالفته ، لم یکن هناک مانع عقلاً ولا شرعاً عن شمول أدلة البراءة الشرعیة للأطراف.

ومن هنا انقدح إنّه لا فرق بین العلم التفصیلی والإِجمالی ، إلّا إنّه لا مجال

ص: 358


1- زیادة یقتضیها السیاق.

للحکم الظاهری مع التفصیلی ، فإذا کان الحکم الواقعی فعلیاً من سائر الجهات ، لا محالة یصیر فعلیاً معه من جمیع الجهات ، وله مجال مع الإِجمالی ، فیمکن أن لا یصیر فعلّیاً معه ، لإمکان جعل الظاهری فی أطرافه ، وإن کان فعلّیاً من غیر هذه الجهة ، فافهم.

ثم إن الظاهر إنّه لو فرض أن المعلوم بالإِجمال کان فعلیاً من جمیع الجهات لوجب عقلاً موافقته مطلقاً ولو کانت أطرافه غیر محصورة. وإنما التفاوت بین المحصورة وغیرها هو أن عدم الحصر ربما یلازم ما یمنع عن فعلیة المعلوم ، مع کونه فعلّیاً لولاه من سائر الجهات.

وبالجملة لا یکاد یری العقل تفاوتاً بین المحصورة وغیرها ، فی التنجز وعدمه ، فیما کان المعلوم إجمالاً فعلّیاً ، یبعث المولی نحوه فعلاً أو یزجر عنه کذلک مع ما هو علیه من کثرة أطرافه.

والحاصل أن اختلاف الأطراف فی الحصر وعدمه لا یوجب تفاوتاً فی ناحیة العلم. ولو أوجب تفاوتاً فإنما هو فی ناحیة المعلوم فی فعلیة البعث أو الزجر مع الحصر ، وعدمها مع عدمه ، فلا یکاد یختلف العلم الإِجمالی باختلاف الأطراف قلة وکثرة فی التنجیز وعدمه ما لم یختلف المعلوم فی الفعلیة وعدمها بذلک ، وقد عرفت آنفا إنّه لا تفاوت بین التفصیلی والإِجمالی فی ذلک ، ما لم یکن تفاوت فی طرف المعلوم أیضاً ، فتأمل تعرف.

وقد انقدح إنّه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعیة مع حرمة مخالفتها ، ضرروة أن التکلیف المعلوم إجمالاً لو کان فعلیاً لوجب موافقته قطعاً ، وإلاّ لم یحرم مخالفته کذلک أیضاً.

ومنه ظهر إنّه لو لم یعلم فعلیة التکلیف مع العلم به إجمالاً ، امّا من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه ، أو من جهة الاضطرار إلی بعضها معیناً أو مردداً ، أو من جهة تعلقه بموضوع یقطع بتحققه إجمالاً فی هذا الشهر ، کأیام حیض المستحاضة

ص: 359

مثلاً ، لما وجب موافقته بل جاز مخالفته ، وإنّه لو علم فعلیته ولو کان بین أطراف تدریجیة ، لکان منجزاً ووجب موافقته. فإن التدرج لا یمنع عن الفعلیة ، ضرورة إنّه کما یصحّ التکلیف بأمر حالی کذلک یصحّ بأمر استقبالی ، کالحج فی الموسم للمستطیع ، فافهم.

تنبیهات

الأول : إن الاضطرار کما یکون مانعاً عن العلم بفعلیة التکلیف لو کان إلی واحد معیّن ، کذلک یکون مانعاً لو کان إلی غیر معیّن ، ضرورة إنّه مطلقاً موجب لجواز ارتکاب أحد الأطراف أو ترکه ، تعییناً أو تخییراً ، وهو ینافی العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بینها فعلاً. وکذلک لا فرق بین أن یکون الاضطرار کذلک سابقاً علی حدوث العلم أو لاحقا ؛ وذلک لأن (1)التکلیف المعلوم بینها من أول الأمر کان محدوداً بعدم عروض الاضطرار إلی متعلقة ، فلو عرض علی بعضٍ أطرافه لما کان التکلیف به معلوماً ، لاحتمال أن یکون هو المضطر إلیه فیما کان الاضطرار إلی المعینّ ، أو یکون هو المختار فیما کان إلی بعضٍ الأطراف بلا تعیین.

لا یقال : الاضطرار إلی بعضٍ الأطراف لیس إلّا کفقد بعضها ، فکما لا إشکال فی لزوم رعایة الاحتیاط فی الباقی مع الفقدان ، کذلک لا ینبغی الإِشکال فی لزوم رعایته مع الاضطرار ، فیجب الاجتناب عن الباقی أو ارتکابه خروجاً عن

ص: 360


1- لا یخفی أن ذلک إنّما یتم فیما کان الاضطرار إلی أحدهما لا بعینه ، وأما لو کان إلی أحدهما المعینّ ، فلا یکون بمانع عن تأثیر العلم للتنجز ، لعدم منعه عن العلم بفعلیة التکلیف المعلوم إجمالاً ، المردّد بین أن یکون التکلیف المحدود فی ذلک الطرف أو المطلق فی الطرف الآخر ؛ ضرورة عدم ما یوجب عدم فعلیة مثل هذا المعلوم أصلاً ، وعروض الاضطرار إنّما یمنع عن فعلیة التکلیف لو کان فی طرف معروضه بعد عروضه ، لا عن فعلیة المعلوم بالإِجمال المردّد بین التکلیف المحدود فی طرف المعروض ، والمطلق فی الآخر بعد العروض ، وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلی أحدهما لا بعینه ، فإنّه یمنع عن فعلیة التکلیف فی البین مطلقاً ، فافهم وتأملّ منه ( قدس سره ).

عهدة ما تنجز علیه قبل عروضه.

فإنّه یقال : حیث أن فقد المکلف به لیس من حدود التکلیف به وقیوده ، کان التکلیف المتعلق به مطلقاً ، فإذا اشتغلت الذمة به ، کان قضیة الإِشتغال به یقیناً الفراغ عنه کذلک ، وهذا بخلاف الاضطرار إلی ترکه ، فإنّه من حدود التکلیف به وقیوده ، ولا یکون الإِشتغال به من الأوّل إلّا مقیداً بعدم عروضه ، فلا یقین باشتغال الذمة بالتکلیف به إلّا إلی هذا الحد ، فلا یجب رعایته فیما بعده ، ولا یکون إلّا من باب الاحتیاط فی الشبهة البدویة ، فافهم وتأملّ فإنّه دقیق جدّاً.

الثانی : إنّه لما کان النهی عن الشیء (1) إنّما هو لأجل أن یصیر داعیاً للمکلف نحو ترکه ، لو لم یکن له داع آخر - ولا یکاد یکون ذلک إلّا فیما یمکن عادةً ابتلاؤه به ، وأما ما لا ابتلاء به بحسبها ، فلیس للنهی عنه موقع أصلاً ، ضرورة إنّه بلا فائدة ولا طائل ، بل یکون من قبیل طلب الحاصل - کان الابتلاء بجمیع الأطراف مما لابد منه فی تأثیر العلم ، فإنّه بدونه لا علم بتکلیف فعلیّ ، لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.

ومنه قد انقدح أن الملاک فی الابتلاء المصحح لفعلیة الزجر وانقداح طلب ترکه فی نفس المولی فعلاً ، هو ما إذا صحّ انقداح الداعی إلی فعله فی نفس العبد مع اطلاعه علی ما هو علیه من الحال ، ولو شک فی ذلک کان المرجع هو البراءة ، لعدم القطع بالاشتغال ، لا إطلاق الخطاب (2) ، ضرورة إنّه لا مجال للتشبث به إلّا فیما إذا شک فی التقیید بشیء (3) بعد الفراغ عن صحة الإِطلاق بدونه ، لا فیما شک فی اعتباره فی صحته ، تأمل (4) لعلک تعرف إن شاء الله تعالی.

ص: 361


1- کما إنّه إذا کان فعل الشیء الذی کان متعلقاً لغرض المولی مما لا یکاد عادةً أن یترکه العبد ، وأنّ لا یکون له داع إلیه ، لم یکن للأمر به والبعث إلیه موقع أصلاً ، کما لا یخفی ، منه ( قدس سره ).
2- تعریض بما قد یظهر من الشیخ ، فرائد الأصول / 252.
3- هکذا صححه المصنف فی « ب » ، وفی « أ » : به.
4- نعم لو کان الإِطلاق فی مقام یقتضی بیان التقیید بالابتلاء - لو لم یکن هناک ابتلاء مصحح للتکلیف -

الثالث : إنّه قد عرفت إنّه مع فعلیة التکلیف المعلوم ، لا تفاوت بین أن تکون أطرافه محصورة وأنّ تکون غیر محصورة.

نعم ربما تکون کثرة الأطراف فی مورد موجبة لعسر موافقته القطعیة باجتناب کلها أو ارتکابه ، أو ضرر فیها أو غیرهما مما لا یکون معه التکلیف فعلّیاً بعثاً أو زجراً فعلاً ، ولیس بموجبة لذلک فی غیره. کما أن نفسها ربما یکون موجبة لذلک ولو کانت قلیلة فی مورد آخر ، فلابد من ملاحظة ذاک الموجب لرفع فعلیة التکلیف المعلوم بالإِجمال إنّه یکون أو لا یکون فی هذا المورد ، أو یکون مع کثرة أطرافه وملاحظة إنّه مع أیة مرتبة من کثرتها کما لا یخفی.

ولو شک فی عروض الموجب ، فالمتبع هو إطلاق دلیل التکلیف لو کان ، وإلاّ فالبراءة لأجل الشک فی التکلیف الفعلیّ ، هذا هو حق القول فی المقام ، وما قیل (1)فی ضبط المحصور وغیره لا یخلو من الجزاف.

الرابع : إنّه إنّما یجب عقلاً رعایة الاحتیاط فی خصوص الأطراف ، مما یتوقف علی اجتنابه أو ارتکابه حصول العلم بإتیان الواجب أو ترک الحرام المعلومین فی البین دون غیرها ، وأنّ کان حاله حال بعضها فی کونه محکوماً بحکمه واقعاً.

ومنه ینقدح الحال فی المسألة ملاقاة شیء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالإِجمال ، وإنّه تارةً یجب الاجتناب عن الملاقی دون ملاقیه ، فیما کانت الملاقاة بعد العلم إجمالاً بالنجس بینها ، فإنّه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس فی البین قطعاً ، ولو لم یجتنب عما یلاقیه ، فإنّه علی تقدیر نجاسته لنجاسته کان فرداً آخر من النجس ، قد شک فی وجوده ، کشیء آخر شک فی نجاسته بسبب آخر.

ص: 362


1- راجع فرائد الأصول / 260 - 262.

ومنه ظهر إنّه لا مجال لتوهم (1) أن قضیة الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أیضاً ، ضرورة أن العلم به إنّما یوجب تنجز الاجتناب عنه ، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم یعلم حدوثه وأنّ احتمل.

وأُخری یجب الاجتناب عما لاقاه دونه ، فیما لو علم إجمالاً نجاسته أو نجاسة شیء آخر ثم حدث [ العلم ب- ] (2) الملاقاة والعلم بنجاسة الملاقی أو ذاک الشیء أیضاً ، فإن حال (3) الملاقی فی هذه الصورة بعینها حال ما لاقاه فی الصورة السابقة فی عدم کونه طرفاً للعلم الإِجمالی ، وإنّه فرد آخر علی تقدیر نجاسته واقعاً غیر معلوم النجاسة أصلاً ، لا إجمالاً ولا تفصیلاً ، وکذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإِجمالی ، ولکن کان الملاقی خارجاً عن محلّ الابتلاء فی حال حدوثه وصار مبتلی به بعده.

وثالثة یجب الاجتناب عنهما ، فیما لو حصل العلم الإِجمالی بعد العلم بالملاقاة ؛ ضرورة إنّه حینئذ نعلم إجمالاً : امّا بنجاسة الملاقی والملاقی أو بنجاسة الآخر کما لا یخفی ، فیتنجز التکلیف بالاجتناب عن النجس فی البین ، وهو الواحد أو الإثنان (4)

المقام الثّانی : ( فی دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین ).

والحق أن العلم الإِجمالی بثبوت التکلیف بینهما - أیضاً - یوجب الاحتیاط عقلاً بإتیان الأکثر ، لتنجزه به حیث تعلق بثبوته فعلا.

ص: 363


1- جعل الشیخ هذا التوهم أحد الاحتمالین فی المسألة ، مستشهداً له بکلام السید أبی المکارم فی الغنیة ولم نعثر علیه فی الغنیة ، نعم استدل أبو المکارم بایتی تحریم الخبائت وتحریم المیتة ، ولکن یظهر ما ذکره الشیخ من کلام السید المرتضی فی الناصریات ، للمزید راجع فرائد الأصول 252 والغنیة ( الجوامع الفقهیة 489 ) والناصریات ( الجوامع الفقهیة 214 ).
2- أثبتناها من « ب ».
3- وأنّ لم یکن احتمال نجاسة ما لاقاه إلّا من ملاقاته ، منه ( قدس سره ).
4- فی نسختی « أ و ب » الاثنین.

وتوهم (1)انحلاله إلی العلم بوجوب الأقل تفصیلاً والشک فی وجوب الأکثر بدواً - ضرورة لزوم الإِتیان بالاقل لنفسه شرعاً ، أو لغیره کذلک أو عقلاً ، ومعه لا یوجب تنجزه لو کان متعلقاً بالأکثر - فاسد قطعاً ، لاستلزام الانحلال المحال ، بداهة توقف لزوم الأقلّ فعلاً امّا لنفسه أو لغیره علی تنجزه إلّا إذا کان متعلقاً بالاقل کان خلفاً ، مع إنّه یلزم من وجوده عدمه ، لاستلزامه عدم تنجز التکلیف علی کلّ حال المستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً ، المستلزم لعدم الانحلال ، وما یلزم من وجوده عدمه محال.

نعم إنّما ینحل إذا کان الأقل ذا مصلحة ملزمة ، فإن وجوبه حینئذ یکون معلوماً له ، وإنما کان التردید لاحتمال أن یکون الأکثر ذا مصلحتین ، أو مصلحة أقوی من مصلحة الأقلّ ، فالعقل فی مثله وأنّ استقل بالبراءة بلا کلام ، إلّا إنّه خارج عما هو محلّ النقض والأبرام فی المقام. هذا.

مع أن الغرض الداعی إلی الأمر لا یکاد یحرز إلّا بالأکثر ، بناءً علی ما ذهب إلیه المشهور من العدلیة من تبعیة الأوامر والنواهی للمصالح والمفاسد فی المأمور به والمنهی عنه ، وکون الواجبات الشرعیة ألطافاً فی الواجبات العقلیة ، وقد مرّ (2) اعتبارٍ موافقة الغرض وحصوله عقلاً فی إطاعة الأمر وسقوطه ، فلابد من إحرازه فی إحرازها ، کما لا یخفی.

ولا وجه للتفصی عنه (3)فی المبحث الخامس من الفصل الثّانی من المقصد الأوّل فی الأوامر حیث قال : وأنّ لم یکد یسقط بذلک فلا یکاد له وجه إلّا عدم حصول غرضه .. إلخ. (4) : تارةً بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتیاط علی ما ذهب إلیه مشهور العدلیة ، وجریإنّها علی ما ذهب إلیه الأشاعرة المنکرین (5)لذلک ، أو

ص: 364


1- تعریض بالشیخ قدس سره ، راجع فرائد الأصول / 274.
2- فی المبحث الخامس من الفصل الثّانی من المقصد الأوّل فی الأوامر حیث قال : وأنّ لم یکد یسقط بذلک فلا یکاد له وجه إلّا عدم حصول غرضه .. إلخ.
3-
4-
5- فی نسخ « أ » و « ب ». المنکرین ... المکتفین ، والصحیح ما اثبتناه.

بعض العدلیة المکتفین بکون المصلحة فی نفس الأمر دون المأمور به.

وأُخری بأن حصول المصلحة واللطف فی العبادات لا یکاد یکون إلّا بإتیإنّها علی وجه الامتثال ، وحینئذ کان لاحتمال اعتبارٍ معرفة أجزائها تفصیلاً - لیؤتی بها مع قصد الوجه - مجال ، ومعه لا یکاد یقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعیة إلی الأمر ، فلم یبق إلّا التخلص عن تبعة مخالفته بإتیان ما علم تعلقه به ، فإنّه واجب عقلاً وأنّ لم یکن فی المأمور به مصلحة ولطف رأساً ، لتنجزه بالعلم به إجمالا. وأما الزائد علیه لو کان فلا تبعة علی مخالفته من جهته ، فإن العقوبة علیه بلا بیان.

وذلک ضرورة أن حکم العقل بالبراءة - علی مذهب الاشعری - لا یجدی من ذهب إلی ما علیه المشهور من العدلیة ، بل من ذهب إلی ما علیه غیر المشهور ، لاحتمال أن یکون الداعی إلی الأمر ومصلحته - علی هذا المذهب أیضاً - هو ما فی الواجبات من المصلحة وکونها ألطافاً ، فافهم.

وحصول اللطف والمصلحة فی العبادة ، وأنّ کان یتوقف علی الإِتیان بها علی وجه الامتثال ، إلّا إنّه لا مجال لاحتمال اعتبارٍ معرفة الإِجزاء وإتیإنّها علی وجهها ، کیف؟ ولا إشکال فی إمکان الاحتیاط هاهنا کما فی المتباینین ، ولا یکاد یمکن مع اعتباره. هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبارٍ قصد الوجه کذلک ، والمراد بالوجه فی کلام من صرح بوجوب إیقاع الواجب علی وجهه ووجوب اقترإنّه به ، هو وجه نفسه من وجوبه النفسی ، لا وجه أجزائه من وجوبها الغیری أو وجوبها العرضی ، وإتیان الواجب مقترناً بوجهه غایة ووصفا بإتیان الأکثر بمکان من الإِمکان ؛ لانطباق الواجب علیه ولو کان هو الأقلّ ، فیتأتی من المکلف معه قصد الوجه.

واحتمال اشتماله علی ما لیس من أجزائه لیس بضائر ، إذا قصد وجوب المأتیّ علی إجماله ، بلا تمییز ماله دخل فی الواجب من أجزائه ، لاسیما إذا دار الزائد بین کونه جزءاً لماهیته وجزءاً لفرده ، حیث ینطبق الواجب علی المأتیّ

ص: 365

حینئذ بتمامه وکماله ، لأن الطبیعی یصدق علی الفرد بمشخصاته.

نعم ، لو دار بین کونه جزءاً أو مقارناً لما کان منطبقا علیه بتمامه لو لم یکن جزءاً ، لکنه غیر ضائر لانطباقه علیه أیضاً فیما لم یکن ذاک الزائد جزء غایته ، لا بتمامه بل بسائر أجزائه هذا.

مضافاً إلی أن اعتبارٍ قصد الوجه من رأس مما یقطع بخلافه ، مع أن الکلام فی هذه المسألة لا یختص بما لابد أن یؤتی به علی وجه الامتثال من العبادات ، مع إنّه لو قیل باعتبار قصد الوجه فی الامتثال فیها علی وجه ینافیه التردد والاحتمال ، فلا وجه معه للزوم مراعاة الأمر المعلوم أصلاً ، ولو بإتیان الأقلّ لو لم یحصل الغرض ، وللزم الاحتیاط بإتیان الأکثر مع حصوله ، لیحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال ، لاحتمال بقائه مع الأقلّ بسبب بقاء غرضه ، فافهم.

هذا بحسب حکم العقل.

وأما النقل (1) فالظاهر أن عموم مثل حدیث الرفع قاضٍ برفع جزئیة ما شک فی جزئیته ، فبمثله یرتفع الإِجمال والتردد عما تردد أمره بین الأقل والأکثر ، ویعیّنه فی الأول.

لا یقال (2) : إن جزئیة السورة المجهولة (3) - مثلاً - لیست بمجعولة ولیس لها أثر مجعول ، والمرفوع بحدیث رافع إنّما هو المجعول بنفسه أو أثره ، ووجوب الإِعادة

ص: 366


1- لکنه لا یخفی إنّه لا مجال للنقل فیما هو مورد حکم العقل بالاحتیاط ، وهو ما إذا علم إجمالاً بالتکلیف الفعلّی ، ضرورة إنّه ینافیه دفع الجزئیة المجهولة ، وإنما یکون مورده ما إذا لم یعلم به کذلک ، بل علم مجرد ثبوته واقعاً ، وبالجملة الشک فی الجزئیة والشرطیة وأنّ کان جامعاً بین الموردین ، إلّا أن مورد حکم العقل مع القطع بالفعلیة ، ومورد النقل هو مجرد الخطاب بالإِیجاب ، فافهم منه ( قدس سره ).
2- القائل هو الشیخ الانصاری قدس سره ، فرائد الأصول / 278.
3- هکذا صححه فی « ب » وفی « أ » : المنسیة.

إنما هو أثر بقاء الأمر الأوّل بعد العلم(1) مع إنّه عقلی ، ولیس إلّا من باب وجوب الإطاعة عقلاً.

لإنّه یقال : إن الجزئیة وأنّ کانت غیر مجعولة بنفسها ، إلّا إنّها مجعولة بمنشأ انتزاعها ، وهذا کافٍ فی صحة رفعها.

لا یقال : إنّما یکون ارتفاع الأمر الانتزاعی برفع منشأ انتزاعه ، إلّا أن نسبة حدیث الرفع - الناظر إلی الادلة الدالة علی بیان الإِجزاء - إلیها نسبة الاستثناء ، وهو معها یکون دالّة علی جزئیتها إلّا مع الجهل بها (2)، کما لا یخفی ، فتدبر جیّداً.

وینبغی التنبیه علی أمور :

الأول : إنّه ظهر مما مرّ حال دوران الأمر بین المشروط بشیء ومطلقه ، وبین الخاص کالإنسان وعامه کالحیوان ، وإنّه لا مجال ها هنا للبراءة عقلاً ، بل کان الأمر فیهما أظهر ، فإن الانحلال المتوهم فی الأقلّ والأکثر لا یکاد یتوهم هاهنا ، بداهة أن الأجزاء التحلیلیة لا یکاد یتصف باللزوم من باب المقدمة عقلاً ، فالصلاة - مثلاً - فی ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعین وجودها ، وفی ضمن صلاة أُخری فاقدة لشرطها وخصوصیتها تکون متباینة للمأمور بها ، کما لا یخفی.

نعم لا بأس بجریان البراءة النقلیة فی خصوص دوران الأمر بین المشروط وغیره ، دون دوران الأمر (3)بین الخاص وغیره ، لدلالة مثل حدیث الرفع علی عدم شرطیة ما شک فی شرطیته ، ولیس کذلک خصوصیة الخاص ، فإنّها إنّما تکون منتزعة عن نفس الخاص ، فیکون الدوران بینه و [ بین ] (4) غیره من قبیل الدوران بین

ص: 367


1- فی « أ » : التذکر.
2- فی « أ » : مع نسیإنّها.
3- فی « أ » : دون الدوران بین ... إلخ.
4- فی « أ » : دون الدوران بین ... إلخ.

المتباینین ، فتأمل جیّداً.

الثانی : إنّه لا یخفی أن الأصل فیما إذا شک فی جزئیة شیء أو شرطیته فی حال نسیإنّه عقلاً ونقلا ، ما ذکر فی الشک فی أصل الجزئیة أو الشرطیّة ، فلولا مثل حدیث الرفع (1)مطلقاً و ( لا تعاد ) (2) فی الصلاة لحکم (3) عقلاً بلزوم إعادة ما أخلّ بجزئه أو شرطه نسیاناً ، کما هو الحال فیما ثبت شرعاً جزئیته أو شرطیته مطلقاً نصاً أو إجماعاً.

ثم لا یذهب علیک إنّه کما یمکن رفع الجزئیة أو الشرطیّة فی هذا الحال بمثل حدیث الرفع ، کذلک یمکن تخصیصهما (4) بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادیة ، کما إذا وجه الخطاب علی نحو یعم الذاکر والناسی بالخالی عما شک فی دخله مطلقاً ، وقد دلّ دلیل آخر علی دخله فی حق الذاکر ، أو وجّه إلی الناسی خطاب یخصه بوجوب الخالی بعنوان آخر عام أو خاص ، لا بعنوان الناسی کی یلزم استحالة إیجاب ذلک علیه بهذا العنوان ؛ لخروجه عنه بتوجیه الخطاب إلیه لا محالة. کما توهّم (5) لذلک استحالة تخصیص الجزئیة أو الشرطیّة بحال الذکر وإیجاب العمل الخالی عن المنسی علی الناسی ، فلا تغفل.

الثالث : إنّه ظهر - ممّا مرّ - حال زیادة الجزء إذا شک فی اعتبارٍ عدمها شرطاً أو شطراً فی الواجب - مع عدم اعتباره فی جزئیته ، وإلاّ لم یکن من زیادته بل من نقصإنّه - وذلک لاندراجه فی الشک فی دخل شیء فیه جزءاً أو شرطاً ، فیصحّ لو أتی به مع الزیادة عمداً تشریعاً أو جهلاً قصوراً أو تقصیراً أو سهواً ، وأنّ استقل العقل

ص: 368


1- الخصال 2 / 417 ، الحدیث 9 والفقیه 1 / 36 الحدیث 4.
2- الفقیه 1 / 225 ، أحکام السهو الحدیث 8 ، الفقیه 1 / 181 ، فی القبلة / الحدیث 17 ، والتهذیب 2 / 52 ، ب 9 / الحدیث 55.
3- فی « ب » : یحکم.
4- فی « ب » : تخصیصها.
5- المتوهم هو الشیخ قدس سره ، فرائد الأصول / 286.

لولا النقل بلزوم الاحتیاط ، لقاعدة الاشتغال.

نعم لو کان عبادة وأتی به کذلک ، علی نحو لو لم یکن للزائد دخل فیه لما یدعو إلیه وجوبه ، لکان باطلاً مطلقاً أو فی صورة عدم دخله فیه ، لعدم قصد الامتثال فی هذه الصورة ، مع استقلال العقل بلزوم الإِعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

وأما لو أتی به علی نحو یدعوه إلیه علی أیّ حال کان صحیحاً ، ولو کان مشرّعاً فی دخله الزائد فیه بنحو ، مع عدم علمه بدخله ، فإن تشریعه فی تطبیق المأتیّ مع المأمور به ، وهو لا ینافی قصده الامتثال والتقرب به علی کلّ حال.

ثم إنّه ربما تمسک لصحة ما أتی به مع الزیادة باستصحاب الصحة ، وهو لا یخلو من کلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهمّ فی المقام ، ویأتی (1) تحقیقه فی مبحث الاستصحاب ، إن شاء الله تعالی.

الرابع : إنّه لو علم بجزئیة شیء أو شرطیته فی الجملة ، ودار [ الأمر ] (2)بین أن یکون جزءاً أو شرطاً مطلقاً ولو فی حال العجز عنه ، وبین أن یکون جزءا أو شرطاً فی خصوص حال التمکن منه ، فیسقط الأمر بالعجز عنه علی الأوّل ، لعدم القدرة حینئذ علی المأمور به ، لا علی الثّانی فیبقی متعلقاً بالباقی ، ولم یکن هناک ما یعین أحد الأمرین ، من إطلاق دلیل اعتباره جزءاً أو شرطاً ، أو إطلاق دلیل المأمور به مع إجمال دلیل اعتباره أو إهماله ، لاستقل العقل بالبراءة عن الباقی ، فإن العقاب علی ترکه بلا بیان والمؤاخذة علیه بلا برهان.

لا یقال : نعم ولکن قضیة مثل حدیث الرفع عدم الجزئیة أو الشرطیّة إلّا فی حال التمکن منه.

فإنّه یقال : إنّه لا مجال ها هنا لمثله ، بداهة إنّه ورد فی مقام الامتنان ،

ص: 369


1- الظاهر إنّه قدس سره نسی وعده ، وللمزید راجع نهایة الدرایة 2 / 288.
2- اثبتناها من « ب ».

فیختص بما یوجب نفی التکلیف لا إثباته.

نعم ربما یقال (1): بأن قضیة الاستصحاب فی بعضٍ الصور وجوب الباقی فی حال التعذر أیضاً.

ولکنه لا یکاد یصحّ إلّا بناءً علی صحة القسم الثالث من استصحاب الکلیّ ، أو علی المسامحة فی تعیین الموضوع فی الاستصحاب ، وکان ما تعذر مما یسامح به عرفاً ، بحیث یصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قیل بوجوب الباقی ، وارتفاعه لو قیل بعدم وجوبه ، ویأتی تحقیق الکلام فیه فی غیر المقام (2)

کما أن وجوب الباقی فی الجملة ربما قیل (3) بکونه مقتضی ما یستفاد من قوله صلی الله علیه و آله : ( إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم ) (4) وقوله : ( المیسور لا یسقط بالمعسور ) (5) وقوله : ( ما لا یدرک کله لا یترک کله ) (6)ودلالة الأوّل مبنیة علی کون کلمة ( من ) تبعیضیة ، لا بیانیة ، ولا بمعنی الباء ، وظهورها فی التبعیض وأنّ کان مما لا یکاد یخفی ، إلّا أن کونه بحسب الأجزاء غیر واضح ، لاحتمال أن یکون بلحاظ الأفراد ، ولو سلّم فلا محیص عن إنّه - هاهنا - بهذا اللحاظ یراد ، حدیث ورد جواباً عن السؤال عن تکرار الحج بعد أمره به ، فقد روی إنّه خطب رسول الله صلی الله علیه و آله (7)، فقال : ( إن الله کتب

ص: 370


1- راجع فرائد الأصول / 294.
2- سیأتی فی مبحث الاستصحاب / 425.
3- راجع فرائد الأصول / 294.
4- غوالی اللآلی 4 / 58 ، مع اختلاف یسیر.
5- غوالی اللآلی 4 / 58 ، باختلاف یسیر.
6- غوالی اللآلی 4 / 58 ، باختلاف یسیر.
7- راجع مجمع البیان 2 : 250 ، فی ذیل الآیة 101 من سورة المائدة والتفسیر الکبیر للفخر الرازی 12 : 106 وأنوار التنزیل للبیضاوی 1 : 294 ، وفی الأخیر فقام سراقة بن مالک.

علیکم الحج ، فقام عکاشة (1) - ویروی سراقة بن مالک (2) - فقال : فی کلّ عام یا رسول الله؟ فأعرض عنه حتی أعاد مرتین أو ثلاثاً ، فقال : ویحک ، وما یؤمنک أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم ، لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو ترکتم لکفرتم ، فاترکونی ما تُرکتم ، وإنما هلک من کان قبلکم بکثرة سؤالهم ، واختلافهم إلی أنبیائهم ، فإذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهیتکم عن شیء فاجتنبوه ).

ومن ذلک ظهر الإِشکال فی دلالة الثّانی أیضاً ، حیث لم یظهر فی عدم سقوط المیسور من الإِجزاء بمعسورها ، لاحتمال إرادة عدم سقوط المیسور من أفراد العام بالمعسور منها. هذا.

مضافاً إلی عدم دلالته علی عدم السقوط لزوماً ، لعدم اختصاصه بالواجب ، ولا مجال لتوهم دلالته علی إنّه بنحو اللزوم ، إلّا أن یکون المراد عدم سقوطه بماله من الحکم وجوباً کان أو ندباً ، بسبب سقوطه عن المعسور ، بأن یکون قضیة المیسور کنایة عن عدم سقوطه بحکمه ، حیث إن الظاهر من مثله هو ذلک ، کما أن الظاهر من مثل ( لا ضرر ولا ضرار ) (3) هو نفی ماله من تکلیف أو وضع ، لا إنّها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه علی عهدة المکلف کی لا یکون له دلالة

ص: 371


1- 1. عکاشة بن محصن بن حُرثان ، شهد بدراً مع النبی صلی الله علیه و آله ، ثم لم یزل عنده یشهد المشاهد مع رسول الله صلی الله علیه و آله حتی قتل فی قتال أهل الردة ، کان عمره عند وفاة النبی صلی الله علیه و آله اربعاً وأربعین سنة. ( تهذیب الأسماء 1 : 338. رقم 418 )
2- 2. سراقة بن مالک بن جعشم الکنانی المدلجی ، کنیته أبو سفیان ، له صحبة ، کان یسکن قدید ، مات بعد عثمان ، روی عنه سعید بن المسیب وأبو رشدین وعبد الرحمن بن مالک. ( الجرح والتعدیل 4 : 308 رقم 1342 ).
3- 3. الکافی 5 / 293 ، کتاب المعیشة باب الضرار ، الحدیث 6.

علی جریان القاعدة فی المستحبات علی وجه ، أو لا یکون له دلالة علی وجوب المیسور فی الواجبات علی آخر ، فافهم.

وأما الثالث ، فبعد تسلیم ظهور کون الکلّ (1) فی المجموعی لا الأفرادی ، لا دلالة له إلّا علی رجحان الإِتیان بباقی الفعل المأمور به - واجباً کان أو مستحباً - عند تعذر بعضٍ أجزائه ، لظهور الموصول فیما یعمهما ، ولیس ظهور ( لا یترک ) فی الوجوب - لو سلّم - موجباً لتخصیصه بالواجب ، لو لم یکن ظهوره فی الأعم قرینة علی إرادة خصوص الکراهة أو مطلق المرجوحیة من النفی ، وکیف کان فلیس ظاهراً فی اللزوم هاهنا ، ولو قیل بظهوره فیه فی غیر المقام.

ثم إنّه حیث کان الملاک فی قاعدة المیسور هو صدق المیسور علی الباقی عرفاً ، کانت القاعدة جاریة مع تعذر الشرط أیضاً ، لصدقه حقیقة علیه مع تعذره عرفاً ، کصدقه علیه کذلک مع تعذر الجزء فی الجملة ، وأنّ کان فاقد الشرط مبایناً للواجد عقلاً ، ولأجل ذلک ربما لا یکون الباقی - الفاقد لمعظم الإِجزاء أو لرکنها - مورداً لها فیما إذا لم یصدق علیه المیسور عرفاً ، وأنّ کان غیر مباین للواجد عقلاً.

نعم ربما یلحق به شرعاً مالا یعد بمیسور عرفاً بتخطئة للعرف ، وأن عدم العد کان لعدم الاطلاع علی ما هو علیه الفاقد ، من قیامه فی هذا الحال بتمام ما قام علیه الواجد ، أو بمعظمه فی غیر الحال ، وإلاّ عدّ إنّه میسوره ، کما ربما یقوم الدلیل علی سقوط میسور عرفی لذلک - أیّ للتخطئة - وإنّه لا یقوم بشیء من ذلک.

وبالجملة : ما لم یکن دلیل علی الاخراج أو الإلحاق کان المرجع هو الإِطلاق ، ویستکشف منه أن الباقی قائم بما یکون الأمور به قائماً بتمامه ، أو بمقدار یوجب إیجابه فی الواجب واستحبابه فی المستحب ، وإذا قام دلیل علی أحدهما فیخرج أو یدرج تخطئة أو تخصیصاً فی الأوّل ، وتشریکاً فی الحکم ، من دون الاندراج فی

ص: 372


1- فی « ب » : ظهور کون الکل

الموضوع فی الثّانی ، فافهم.

تذنیب : لا یخفی إنّه إذا دار الأمر بین جزئیة شیء أو شرطیته ، وبین مانعیته أو قاطعیته ، لکان من قبیل المتباینین ، ولا یکاد یکون من الدوران بین المحذورین ، لإمکان الاحتیاط بإتیان العمل مرتین ، مع ذاک الشیء مرة وبدونه أُخری ، کما هو أوضح من أن یخفی.

ص: 373

خاتمة : فی شرائط الاصول

أما الاحتیاط : فلا یعتبر فی حسنه شیء أصلاً ، بل یحسن علی کلّ حال ، إلّا إذا کان موجباً لاختلال النظام ، ولا تفاوت فیه بین المعاملات والعبادات مطلقاً ولو کان موجباً للتکرار فیها ، وتوهمّ (1) کون التکرار عبثاً ولعباً بأمر المولی - وهو ینافی قصد الامتثال المعتبر فی العبادة - فاسد ، لوضوح أن التکرار ربما یکون بداع صحیح عقلاًئی ، مع إنّه لو لم یکن بهذا الداعی وکان أصل إتیإنّه بداعی أمر مولاه بلا داعٍ له سواه لما ینافی قصد الامتثال ، وأنّ کان لاغیاً فی کیفیة امتثاله ، فافهم.

بل یحسن أیضاً فیما قامت الحجة علی البراءة عن التکلیف لئلا یقع فیما کان فی مخالفته علی تقدیر ثبوته ، من المفسدة وفوت المصلحة.

وأما البراءة العقلیة : فلا یجوز إجراؤها إلّا بعد الفحص والیأس عن الظفر بالحجة علی التکلیف ، لما مرت (2) الإِشارة إلیه من عدم استقلال العقل بها إلّا بعدهما.

وأما البراءة النقلیة : فقضیة إطلاق أدلتها وأنّ کان هو عدم اعتبارٍ

ص: 374


1- 1. المتوهم هو الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول ، ص 299.

الفحص فی جریإنّها ، کما هو حالها فی الشبهات الموضوعیة ، إلّا إنّه استدل (1)علی اعتباره بالإِجماع وبالعقل ، فإنّه لا مجال لها بدونه ، حیث یعلم إجمالاً بثبوت التکلیف بین موارد الشبهات ، بحیث لو تفحص عنه لظفر به.

ولا یخفی أن الاجماع هاهنا غیر حاصل ، ونقله لوهنه بلا طائل ، فإن تحصیله فی مثل هذه المسألة مما للعقل إلیه سبیل صعب لو لم یکن عادةً بمستحیل ، لقوة احتمال أن یکون المستند للجل - لولا الکلّ - هو ما ذکر من حکم العقل ، وأنّ الکلام فی البراءة فیما لم یکن هناک علم موجب للتنجز ، امّا لانحلال العلم الإِجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإِجمال ، أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا یکون بینها علم بالتکلیف من موارد الشبهات ، ولو لعدم الالتفات إلیها.

فالأولی الاستدلال للوجوب بما دلّ من الآیات (2) والأخبار (3) علی وجوب التفقة والتعلم ، والمؤاخذة علی ترک التعلم فی مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم ، بقوله تعالی کما فی الخبر (4) : ( هلا تعلمت ) فیقید بها أخبار البراءة ، لقوة ظهورها فی أن المؤاخذة والاحتجاج بترک التعلم فیما لم یعلم ، لا بترک العمل فیما علم وجوبه ولو إجمالاً ، فلا مجال للتوفیق بحمل هذه الإخبار علی ما إذا علم إجمالاً ، فافهم.

ولا یخفی اعتبارٍ الفحص فی التخییر العقلی أیضاً بعین ما ذکر فی البراءة ، فلا تغفل.

ولا بأس بصرف الکلام فی بیان بعضٍ ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من

ص: 375


1- راجع فرائد الأصول / 300 و 301
2- التوبة : 122 والنحل : 43.
3- الفقیه 6 / 277 ، الباب 176 ذیل الحدیث 10 - الکافی 1 / کتاب 2 / احادیث الباب 1.
4- الامالی للشیخ / 9 - الصافی / 555.

التبعة والأحکام.

أما التبعة ، فلا شبهة فی استحقاق العقوبة علی المخالفة فیما إذا کان ترک التعلم والفحص مؤدیاً إلیها ، فإنّها وأنّ کانت مغفولة حینها وبلا اختیار ، إلّا إنّها منتهیة إلی الاختیار ، وهو کافٍ فی صحة العقوبة ، بل مجرد ترکهما کافٍ فی صحتها ، وأنّ لم یکن مؤدیاً إلی المخالفة ، مع احتماله ، لأجل التجری وعدم المبالاة بها.

نعم یشکل فی الواجب المشروط والمؤقت ، لو أدی ترکهما قبل الشرط والوقت إلی المخالفة بعدهما ، فضلاً عما إذا لم یؤد إلیها ، حیث لا یکون حینئذ تکلیف فعلّی أصلاً ، لا قبلهما وهو واضح ، ولا بعدهما وهو کذلک ، لعدم (1) التمکن منه بسبب الغفلة ، ولذا التجأ المحقق الأردبیلی (2) وصاحب المدارک (3)( قدس سرهما ) إلی الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسیاً تهیئیاً ، فتکون العقوبة علی ترک التعلم نفسه لا علی ما أدی إلیه من المخالفة. فلا إشکال حینئذ فی المشروط والمؤقت ، ویسهل بذلک الأمر فی غیرهما لو صعب علی أحد ، ولم تصدق کفایة الانتهاء إلی الاختیار فی استحقاق العقوبة علی ما کان فعلاً مغفولاً عنه ولیس بالإختیار ، ولا یخفی إنّه لا یکاد ینحل هذا الإِشکال إلّا بذلک ، أو الالتزام بکون المشروط أو المؤقت مطلقاً معلّقاً ، لکنه قد اعتبر علی نحو لا تتصف مقدماته الوجودیة عقلاً بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غیر التعلم ،

ص: 376


1- إلّا أن یقال بصحة المؤاخذة علی ترک المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمکن منهما فی الجملة ، ولو بأن تعلم وتفحص إذا التفت ، وعدم لزوم التمکن منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقاً ، کما یظهر ذلک من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبید علی ترک الواجبات المشروطة أو المؤقتة ، بترک تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدی إلی ترکها بعد حصوله أو دخوله ، فتأمل منه ( قدس سره ).
2- راجع کلامه قدس سره فی مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان 2 / 110 ، عند قوله : واعلم أیضاً أن سبب بطلان الصلاة ... الخ.
3- راجع مدارک الأحکام / 123 ، فی مسألة إخلال المصلی بإزالة النجاسة عن بدنه أو ثوبه.

فیکون الإِیجاب حالیّاً ، وأنّ کان الواجب استقبالیّاً قد أخذ علی نحو لا یکاد یتصف بالوجوب شرطه ، ولا غیر التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته.

وأما لو قیل بعدم الإِیجاب إلّا بعد الشرط والوقت ، کما هو ظاهر الأدلة وفتاوی المشهور ، فلا محیص عن الالتزام یکون وجوب التعلم نفسیّاً ، لتکون العقوبة - لو قیل بها - علی ترکه لا علی ما أدی إلیه من المخالفة ، ولا بأس به کما لا یخفی ، ولا ینافیه ما یظهر من الإخبار من کون وجوب التعلم إنّما هو لغیره لا لنفسه ، حیث أن وجوبه لغیره لا یوجب کونه واجباً غیریاً یترشح وجوبه من وجوب غیره فیکون مقدّمیاً ، بل للتهیّؤ لایجابه ، فافهم.

وأما الأحکام ، فلا إشکال فی وجوب الإِعادة فی صورة المخالفة ، بل فی صورة الموافقة أیضاً فی العبادة ، فیما لا یتأّتی منه قصد القربة وذلک لعدم الإِتیان بالمأمور به ، مع عدم دلیل علی الصحة والإجزاء ، إلّا فی الإتمام فی موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات فی موضع الآخر ، فورد فی الصحیح (1) - وقد أفتی به المشهور - صحة الصلاة وتمامیتها فی الموضعین مع الجهل مطلقاً ، ولو کان عن تقصیر موجب لاستحقاق العقوبة علی ترک الصلاة المأمور بها ؛ لأن ما أتی بها وأنّ صحت وتمت إلّا إنّها لیست بمأمور بها.

إن قلت : کیف یحکم بصحتها مع عدم الأمر بها؟ وکیف یصحّ الحکم باستحقاق العقوبة علی ترک الصلاة التی أُمر بها ، حتی فیما إذا تمکن مما أمر بها؟ کما هو ظاهر إطلاقاًتهم ، بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام والإِخفات وقد بقی من الوقت مقدار إعادتها قصراً أو جهرا ، ضرورة إنّه لا تقصیر هاهنا یوجب

ص: 377


1- التهذیب 3 / 226 ، الباب 23 الصلاة فی السفر ، الحدیث / 80 ، وسائل الشیعة 5 / 531 الباب : 17 من أبواب صلاة المسافر الحدیث 4. التهذیب 2 / 162 الباب 9 تفصیل ما تقدم ذکره فی الصلاة من المفروض والمسنون ، الحدیث 93. ووسائل الشیعة 4 / 766 الباب 26 من أبواب القراءة فی الصلاة ، الحدیث 1.

استحقاق العقوبة ، وبالجملة کیف یحکم بالصحة بدون الأمر؟ وکیف یحکم باستحقاق العقوبة مع التمکن من الإِعادة؟ لولا الحکم شرعاً بسقوطها وصحة ما أتی بها؟

قلت : إنّما حکم بالصحة لأجل اشتمالها علی مصلحة تامة لازمة الاستیفاء فی نفسها مهمة فی حد ذاتها ، وأنّ کانت دون مصلحة الجهر والقصر ، وإنما لم یؤمر بها لأجل إنّه أمر بما کانت واجدة لتلک المصلحة علی النحو الأکمل والأتم.

وأما الحکم باستحقاق العقوبة مع التمکن من الإِعادة فإنّها بلا فائدة ، إذ مع استیفاء تلک المصلحة لا یبقی مجال لاستیفاء المصلحة التی کانت فی المأمور بها ، ولذا لو أتی بها فی موضع الآخر جهلاً - مع تمکنه من التعلم - فقد قصر ، ولو علم بعده وقد وسع الوقت.

فانقدح إنّه لا یتمکن من صلاة القصر صحیحة بعد فعل صلاة الإتمام ، ولا من الجهر کذلک بعد فعل صلاة الاخفات ، وأنّ کان الوقت باقیاً.

إن قلت : علی هذا یکون کلّ منهما فی موضع الآخر سبباً لتفویت الواجب فعلاً ، وما هو سبب لتفویت الواجب کذلک حرام ، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا کلام.

قلت : لیس سبباً لذلک ، غایته إنّه یکون مضاداً له ، وقد حققنا فی محله (1) أن الضد وعدم ضدّه متلازمان لیس بینهما توقف أصلاً.

لا یقال : علی هذا فلو صلّی تماما أو صلّی إخفاتاً - فی موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما فی موضعهما - لکانت صلاته صحیحة ، وأنّ عوقب علی مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.

فإنّه یقال : لا بأس بالقول به لو دلّ دلیل علی إنّها تکون مشتملة علی المصلحة

ص: 378


1- 1. مبحث الضد ، فی الأمر الثّانی ، عند دفع توهّم المقدمیة بین الضدین ص 130.

ولو مع العلم ، لاحتمال اختصاص أن یکون کذلک فی صورة الجهل ، ولا بعد أصلاً فی اختلاف الحال فیها باختلاف حالتی العلم بوجوب شیء والجهل به ، کما لا یخفی. وقد صار بعضٍ الفحول (1) بصدد بیان إمکان کون المأتیّ به فی غیر موضعه مأموراً به بنحو الترتب ، وقد حققناه فی محبث الضد امتناع الأمر بالضدین مطلقاً ، ولو بنحو الترتب ، بما لا مزید علیه فلا نعید.

ثم إنّه ذکر (2) لأصل البراءة شرطان آخران :

أحدهما : أن لا یکون موجباً لثبوت حکم شرعی من جهة أُخری.

ثانیهما : أن لا یکون موجباً للضرر علی آخر.

ولا یخفی أن أصالة البراءة عقلاً ونقلاً فی الشبهة البدویة بعد الفحص لا محالة تکون جاریة ، وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلیة والإباحة أو رفع التکلیف الثابت بالبراءة النقلیة ، لو کان موضوعاً لحکم شرعی أو ملازماً له فلا محیص عن ترتبه علیه بعد إحرازه ، فإن لم یکن مترتباً علیه بل علی نفی التکلیف واقعاً ، فهی وأنّ کانت جاریة إلّا أن ذاک الحکم لا یترتب ، لعدم ثبوت ما یترتب علیه بها ، وهذا لیس بالاشتراط.

وأما اعتبارٍ أن لا یکون موجباً للضرر ، فکل مقام تعمه قاعدة نفی الضرر وأنّ لم یکن مجال فیه لأصالة البراءة ، کما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادیة ، إلّا إنّه حقیقة لا یبقی لها مورد ، بداهة أن الدلیل الاجتهادی یکون بیاناً وموجباً للعلم بالتکلیف ولو ظاهراً ، فإن کان المراد من الاشتراط ذلک ، فلابد من اشتراط أن لا یکون علی خلافها دلیل اجتهادی ، لا خصوص قاعدة الضرر ، فتدبرّ ، والحمد لله علی کلّ حال.

ص: 379


1- وهو کاشف الغطاء قدس سره کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء / 27 فی البحث الثامن عشر.
2- ذکرهما الفاضل التونی ( قده ) فی الوافیة / 79 ، فی شروط التمسّک بأصالة البراءة.

ثم إنّه لا بأس بصرف الکلام إلی بیان قاعدة الضرر والضرار علی نحو الاقتصار ، وتوضیح مدرکها وشرح مفادها ، وأیضاًح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحکام الثابتة للموضوعاًت بعناوینها الأولیة أو الثانویة ، وأنّ کانت اجنبیة عن مقاصد الرسالة ، إجابة لالتماس بعضٍ الأحبّة ، فأقول وبه أستعین :

إنّه قد استدل علیها بأخبار کثیرة :

منها : موثقة زرارة (1) ، عن أبی جعفر علیه السلام : ( إن سمرة بن جندب کان له عذق فی حائط لرجل من الأنصار ، وکان منزل الانصاری بباب البستان ، وکان سمرة یمرّ إلی نخلته ولا یستأذن ، فکلمه الانصاری أن یستأذن إذا جاء فأبی سمرة ، فجاء الأنصاری إلی النبی صلی الله علیه و آله فشکا إلیه ، فأخبر بالخبر ، فأرسل رسول الله وأخبره بقول الانصاری وما شکاه ، فقال : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبی ، فلما أبی فساومه حتی بلغ من الثمن ما شاء الله ، فأبی أن یبیعه ، فقال : لک بها عذق فی الجنة ، فأبی أن یقبل ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله للأنصاری : اذهب فاقلعها وارم بها إلیه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار ).

وفی روایة الحذّاء (2) عن أبی جعفر علیه السلام مثل ذلک ، إلّا إنّه فیها بعد الاباء ( ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً ، إذهب یا فلان فاقلعها وارم بها وجهه ) إلی غیر ذلک من الروایات الواردة فی قصة سمرة وغیرها (3). وهی کثیرة وقد ادعی (4) تواترها ، مع اختلافها لفظاً ومورداً ، فلیکن المراد به تواترها إجمالاً ، بمعنی

ص: 380


1- التهذیب 7 : 146 ، الحدیث 36 من باب بیع الماء ، مع اختلاف لا یخل بالمقصود. الکافی 5 : 292 ، الحدیث 2 من باب الضرار. الفقیه 3 : 147 الحدیث 18 من باب المضاربة.
2- الفقیه 3 : 59 الحدیث 9 الباب 44 حکم الحریم.
3- الفقیه 3 : 45 الحدیث 2 الباب 36 الشفعة. الکافی 5 : 280 الحدیث 4 باب الشفعة. التهذیب 7 : 164 ، 727.
4- أیضاًح الفوائد : فخر المحققین 2 : 48 کتاب الدین ، فصل التنازع.

القطع بصدور بعضها ، والانصاف إنّه لیس فی دعوی التواتر کذلک جزاف ، وهذا مع استناد المشهور إلیها موجب لکمال الوثوق بها وانجبار ضعفها ، مع أن بعضها موثقة ، فلا مجال للإشکال فیها من جهة سندها ، کما لا یخفی.

وأما دلالتها ، فالظاهر أن الضرر هو ما یقابل النفع ، من النقص فی النفس أو الطرف أو العرض أو المال ، تقابل العدم والملکة ، کما أن الأظهر أن یکون الضرار معنی الضرر جیء به تأکیداً ، کما یشهد به إطلاق المُضارّ علی سمرة ، وحکی عن النهایة (1) لا فعل الاثنین ، وأنّ کان هو الأصل فی باب المفاعلة ، ولا الجزاء علی الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة ، وبالجملة لم یثبت له معنی آخر غیر الضرر.

کما أن الظاهر أن یکون ( لا ) لنفی الحقیقة ، کما هو الأصل فی هذا الترکیب حقیقةً أو ادعاءً ، کنایة عن نفی الآثار ، کما هو الظاهر من مثل : ( لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد ) (2)و ( یا أشباه الرجال ولا رجال ) (3) فإن قضیة البلاغة فی الکلام هو إرادة نفی الحقیقة ادعاء ، لا نفی الحکم أو الصفة ، کما لا یخفی.

ونفی الحقیقة ادعاءً بلحاظ الحکم أو الصفة غیر نفی أحدهما ابتداءً مجازاً فی التقدیر أو فی الکلمة ، مما لا یخفی علی من له معرفة بالبلاغة.

وقد انقدح بذلک بُعد إرادة نفی الحکم الضرری (4) ، أو الضرر الغیر المتدارک (5) ، أو إرادة النهی من النفی جداً (6) ، ضرورة بشاعة استعمال الضرر

ص: 381


1- النهایة لابن الاثیر 3 : 81 مادة ضرر. وفیها « الضرار : فعل الاثنین .... وقیل هما بمعنی ، وتکرارهما للتأکید ».
2- دعائم الإسلام 1 : 148 فی ذکر المساجد.
3- نهج البلاغة ، الخطبة 27.
4- التزم به الشیخ فی فرائد الأُصول / 314 فی الشرط الثّانی المحکی عن الفاضل التونی من شروط اصالة البراءة ، وکذا فی رسالة قاعدة لا ضرر المطبوعة فی المکاسب 373.
5- ذهب إلیه الفاضل التونی (ره) ، الوافیة / 79 ، فی شروط التمسک بأصالة البراءة.
6- اختاره السید میر فتاح ، العناوین / 198 ، العنوان العاشر. ومال إلیه شیخ الشریعة الاصفهانی ،

وإرادة خصوص سبب من أسبابه ، أو خصوص الغیر المتدارک منه ، ومثله لو أُرید ذاک بنحو التقیید ، فإنّه وأنّ لم یکن ببعید ، إلّا إنّه بلا دلالة علیه غیر سدید ، وإرادة النهی من النفی وأنّ کان لیس بعزیز ، إلّا إنّه لم یعهد من مثل هذا الترکیب ، وعدم إمکان إرادة نفی الحقیقة حقیقة لا یکاد یکون قرینة علی إرادة واحد منها ، بعد إمکان حمله علی نفیها إدعاءً ، بل کان هو الغالب فی موارد استعماله.

ثم الحکم الذی أُرید نفیه بنفی الضرر هو الحکم الثابت للأفعال بعناوینها ، أو المتوهّم ثبوته لها کذلک فی حال الضرر لا الثابت له بعنوإنّه ، لوضوح إنّه العلّة للنفی ، ولا یکاد یکون الموضوع یمنع عن حکمه وینفیه بل یثبته ویقتضیه.

ومن هنا لا یلاحظ النسبة بین أدلّة نفیه وأدلّة الأحکام ، وتقدم أدلّته علی أدلّتها - مع إنّها عموم من وجه - حیث إنّه یوفّق بینهما عرفاً ، بأن الثابت للعناوین الأولیّة إقتضائی ، یمنع عنه فعلاً ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلّته ، کما هو الحال فی التوفیق بین سائر الادلة المثبتة أو النافیة لحکم الأفعال بعناوینها الثانویة ، والادلة المتکفّلة لحکمها بعناوینها الأوّلیة.

نعم ربما یعکس الأمر فیما أحرز بوجه معتبر أن الحکم فی المورد لیس بنحو الاقتضاء ، بل بنحو العلّیة التامة.

وبالجملة الحکم الثابت بعنوان أوّلی :

تارة یکون بنحو الفعلیة مطلقاً ، أو بالإضافة إلی عارض دون عارض ، بدلالة لا یجوز الإغماض عنها بسبب دلیل حکم العارض المخالف له ، فیقدّم دلیل ذاک العنوان علی دلیله.

وأُخری یکون علی نحو لو کانت هناک دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفاً ، حیث کان اجتماعهما قرینة علی إنّه بمجرد المقتضی ، وأنّ العارض مانع فعلّی. هذا

ص: 382

ولو لم نقل بحکومة دلیله علی دلیله ، لعدم ثبوت نظره إلی مدلوله ، کما قیل (1)

ثم انقدح بذلک حال توارد دلیلی العارضین ، کدلیل نفی العسر ودلیل نفی الضرر مثلاً ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین لو لم یکن من باب تزاحم المقتضیین ، وإلاّ فیقدّم ما کان مقتضیه أقوی وأنّ کان دلیل الآخر أرجح وأولی ، ولا یبعد أن الغالب فی توارد العارضین أن یکون من ذاک الباب ، بثبوت المقتضی فیهما مع تواردهما ، لا من باب التعارض ، لعدم ثبوته إلّا فی أحدهما ، کما لا یخفی ، هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أولی أو ثانوی آخر.

وأما لو تعارض مع ضرر آخر ، فمجمل القول فیه أن الدوران إن کان بین ضرری شخص واحد أو إثنین ، فلا مسرح إلّا لاختیار أقلهما لو کان ، وإلاّ فهو مختار.

وأما لو کان بین ضرر نفسه وضرر غیره ، فالاظهر عدم لزوم تحمله الضرر ، ولو کان ضرر الآخر أکثر ، فإن نفیه یکون للمنة علی الامة ، ولا منة علی تحمّل الضرر ، لدفعه عن الآخر وأنّ کان أکثر.

نعم لو کان الضرر متوجهاً إلیه ، لیس له دفعه عن نفسه بإیراده علی الآخر ، اللّهم إلّا أن یقال : إن نفی الضرر وأنّ کان للمنة ، إلّا إنّه بلحاظ نوع الأمة ، واختیار الأقلّ بلحاظ النوع منّة ، فتأمل.

ص: 383


1- التزم الشیخ ( قده ) بحکومة دلیل لا ضرر علی أدلة العناوین الأولیة ، فرائد الأُصول 315 ، فی الشرط الثّانی مما ذکره عن الفاضل التونی من شروط البراءة.

فصل فی الاستصحاب

وفی حجیته إثباتاً ونفیاً أقوال للاصحاب.

ولا یخفی أن عباراتهم فی تعریفه وأنّ کانت شتی ، إلّا إنّه تشیر إلی مفهوم واحد ومعنی فارد ، وهو الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شک فی بقائه :

إما من جهة بناءً العقلاء علی ذلک فی أحکامهم العرفیة مطلقاً ، أو فی الجملة تعبداً ، أو للظن به الناشیء عن ملاحظة ثبوته سابقا.

وإما من جهة دلالة النص أو دعوی الإجماع علیه کذلک ، حسبما تأتی الإِشارة إلی ذلک مفصلاً.

ولا یخفی أن هذا المعنی هو القابل لأن یقع فیه النزاع والخلاف فی نفیه وإثباته مطلقاً أو فی الجملة ، وفی وجه ثبوته ، علی أقوال.

ضرورة إنّه لو کان الاستصحاب هو نفس بناءً العقلاء علی البقاء أو الظن به الناشیء مع العلم بثبوته ، لما تقابل فیه الأقوال ، ولما کان النفی والإِثبات واردین علی مورد واحد بل موردین ، وتعریفه بما ینطبق علی بعضها ، وأنّ کان ربما یوهم أن لا یکون هو الحکم بالبقاء بل ذاک الوجه ، إلّا إنّه حیث لم یکن بحد ولا برسم بل من قبیل شرح الاسم ، کما هو الحال فی التعریفات غالباً ، لم یکن له دلالة علی إنّه نفس

ص: 384

الوجه ، بل للاشارة إلیه من هذا الوجه ، ولذا لا وقع للاشکال علی ما ذکر فی تعریفه بعدم الطرد أو العکس ، فإنّه لم یکن به إذا لم یکن بالحد أو الرسم بأس.

فانقدح أن ذکر تعریفات القوم له ، وما ذکر فیها من الإِشکال ، بلا حاصل وطول بلا طائل.

ثم لا یخفی أن البحث فی حجّیته (1) مسألة أصولیة ، حیث یبحث فیها لتمهید قاعدة تقع فی طریق استنباط الأحکام الفرعیة ، ولیس مفادها حکم العقل بلا واسطة ، وأنّ کان ینتهی إلیه ، کیف؟ وربما لا یکون مجری الاستصحاب إلّا حکماً أصولیاً کالحجیة مثلاً ، هذا لو کان الاستصحاب عبارة عما ذکرنا.

وأما لو کان عبارة عن بناءً العقلاء علی بقاء ما علم ثبوته ، أو الظن به الناشیء من ملاحظة ثبوته ، فلا إشکال فی کونه مسألة أُصولیة.

وکیف کان ، فقد ظهر مما ذکرنا فی تعریف اعتبارٍ أمرین فی مورده : القطع بثبوت شیء ، والشک فی بقائه ، ولا یکاد یکون الشک فی البقاء إلّا مع اتحاد القضیة المشکوکة والمتیقنة بحسب الموضوع والمحمول ، وهذا مما لا غبار علیه فی الموضوعاًت الخارجیة فی الجملة.

وأما الأحکام الشرعیة سواء کان مدرکها العقل أم النقل ، فیشکل حصوله فیها ، لإنّه لا یکاد یشک فی بقاء الحکم إلّا من جهة الشک فی بقاء موضوعه ، بسبب تغیر بعضٍ ما هو علیه مما احتمل دخله فیه حدوثاً أو بقاءً ، وإلاّ لما تخلف (2)الحکم عن موضوعه إلّا بنحو البداء بالمعنی المستحیل فی حقه تعالی ، ولذا کان النسخ بحسب الحقیقة دفعاً لا رفعاً.

ص: 385


1- فی « ب » : حجیة.
2- فی « ب » : لا یتخلف.

ویندفع هذا الإِشکال ، بأن الاتحاد فی القضیتین بحسبهما ، وأنّ کان مما لا محیص عنه فی جریإنّه ، إلّا إنّه لما کان الاتحاد بحسب نظر العرف کافیاً فی تحققه وفی صدق الحکم ببقاء ما شک فی بقائه ، وکان بعضٍ ما علیه الموضوع من الخصوصیات التی یقطع معها بثبوت الحکم له ، مما یعد بالنظر العرفی من حالاته - وأنّ کان واقعاً من قیوده ومقوماته - کان جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة الثابتة لموضوعاًتها عند الشک فیها - لأجل طروء انتفاء بعضٍ ما احتمل دخله فیها ، مما عد من حالاتها لا من مقوماتها ، بمکان من الإِمکان ، ضرورة [ صحة ] (1) إمکان دعوی بناءً العقلاء علی البقاء تعبداً ، أو لکونه مظنوناً ولو نوعاً ، أو دعوی دلالة النص أو قیام الإجماع علیه قطعاً ، بلا تفاوت (2)فی ذلک بین کون دلیل الحکم نقلاً أو عقلاً.

أما الأوّل فواضح ، وأما الثّانی ، فلان الحکم الشرعی المستکشف به عند طروء انتفاء ما احتمل دخله فی موضوعه ، مما لا یری مقوماً له ، کان مشکوک البقاء عرفاً ، لاحتمال عدم دخله فیه واقعاً ، وأنّ کان لا حکم للعقل بدونه قطعاً.

إن قلت : کیف هذا؟ مع الملازمة بین الحکمین.

قلت : ذلک لأن الملازمة إنّما تکون فی مقام الإِثبات والاستکشاف لا فی مقام الثبوت ، فعدم استقلال العقل إلّا فی حال غیر ملازم لعدم حکم الشرع فی غیر تلک الحال ، وذلک لاحتمال أن یکون ما هو ملاک حکم الشرع من المصلحة أو المفسدة التی هی ملاک حکم العقل ، کان علی حاله فی کلتا الحالتین ، وأنّ لم یدرکه إلّا فی إحداهما ؛ لاحتمال عدم دخل تلک الحالة فیه ، أو احتمال أن یکون معه ملاک آخر بلا دخل لها فیه أصلاً ، وأنّ کان لها دخل فیما اطلع علیه من الملاک.

وبالجملة : حکم الشرع إنّما یتبع ما هو ملاک حکم العقل واقعاً ، لا ما هو

ص: 386


1- أثبتناها من « ب ».
2- إشارة إلی تضعیف تفصیل الشیخ ( قده ) ، فرائد الأصول / 325.

مناط حکمه فعلاً ، وموضوع حکمه کذلک مما لا یکاد یتطرق إلیه الإِهمال والإِجمال ، مع تطرقه إلی ما هو موضوع حکمه شأناً ، وهو ما قام به ملاک حکمه واقعاً ، فرب خصوصیة لها دخل فی استقلاله مع احتمال عدم دخله ، فبدونها لا استقلال له بشیء قطعاً ، مع احتمال بقاء ملاکه واقعا. ومعه یحتمل بقاء حکم الشرع جداً لدورإنّه معه وجوداً و عدماً ، فافهم وتأملّ جیداً.

ثم إنّه لا یخفی اختلاف آراء الأصحاب فی حجیة الاستصحاب مطلقاً ، وعدم حجیته کذلک ، والتفصیل بین الموضوعاًت والأحکام ، أو بین ما کان الشک فی الرافع وما کان فی المقتضی ، إلی غیر ذلک من التفاصیل الکثیرة ، علی أقوال شتی لا یهمنا نقلها ونقل ما ذکر من الاستدلال علیها. وإنما المهمّ الاستدلال علی ما هو المختار منها ، وهو الحجیة مطلقاً ، علی نحو یظهر بطلان سائرها ، فقد استدل علیه بوجوه :

الوجه الأوّل : استقرار بناءً العقلاء من الإانسان بل ذوی الشعور من کافة أنواع الحیوان علی العمل علی طبق الحالة السابقة ، وحیث لم یردع عنه الشارع کان ماضیاً.

وفیه : أولاً منع استقرار بنائهم علی ذلک تعبداً ، بل امّا رجاءً واحتیاطاً ، أو اطمئناناً بالبقاء ، أو ظنا ولو نوعا ، أو غفلةً کما هو الحال فی سائر الحیوانات دائماً وفی الإانسان أحیاناً.

وثانیاً : سلمنا ذلک ، لکنه لم یعلم أن الشارع به راضٍ وهو عنده ماضٍ ، ویکفی فی الردع عن مثله ما دلّ من الکتاب والسنة علی النهی عن اتباع غیر العلم ، وما دلّ علی البراءة أو الاحتیاط فی الشبهات ، فلا وجه لاتباع هذا البناء فیما لابد فی اتباعه من الدلالة علی إمضائه ، فتأمل جیداً.

ص: 387

الوجه الثّانی (1) : إن الثبوت فی السابق موجب للظن به فی اللاحق.

وفیه : منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلاً ولا نوعاً ، فإنّه لا وجه له أصلاً إلّا کون الغالب فیما ثبت أن یدوم مع إمکان أن لا یدوم ، وهو غیر معلوم ، ولو سلّم ، فلا دلیل علی اعتباره بالخصوص ، مع نهوض الحجة علی عدم اعتباره بالعموم.

الوجه الثالث : دعوی الإجماع علیه ، کما عن المبادیء (2) حیث قال :

( الاستصحاب حجة ، لاجماع الفقهاء علی إنّه متی حصل حکم ، ثم وقع الشک فی إنّه طرأ ما یزیله أم لا؟ وجب الحکم ببقائه علی ما کان أولاً ، ولو لا القول بأن الاستصحاب حجة ، لکان ترجیحاً لاحد طرفی الممکن من غیر ) مرجح ، انتهی. وقد نقل عن غیره (3)أیضاً.

وفیه : إن تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة فی غایة الإِشکال ، ولو مع الاتفاق ، فضلاً عما إذا لم یکن وکان مع الخلاف من المعظم ، حیث ذهبوا إلی عدم حجیته مطلقاً أو فی الجملة ، ونقله موهون جداً لذلک ، ولو قیل بحجیته لولا ذلک.

الوجه الرابع : وهو العمدة فی الباب ، الإخبار المستفیضة.

منها : صحیحة زرارة (4) ( قال : قلت له : الرجل ینام وهو علی وضوء ،

ص: 388


1- راجع شرح مختصر الأصول / 453.
2- مبادیء الأصول / 250 ، ونظیر هذا ما عن النهایة علی ما حکاه الشیخ - قدس سره - فرائد الأصول / 329.
3- راجع معالم الأُصول / 231 ، الدلیل الرابع.
4- التهذیب 1 / 8 الباب 1 ح 11 ، باختلاف یسیر فی اللفظ.

أیوجب الخفقة والخفقتان علیه الوضوء؟ قال : یا زرارة ، قد تنام العین ولا ینام القلب والأُذن ، وإذا نامت العین والاذن والقلب فقد وجب الوضوء ، قلت : فإن حُرّک فی جنبه شیء وهو لا یعلم ، قال : لا ، حتی یستیقن إنّه قد نام ، حتی یجیء من ذلک أمر بین ، وإلاّ فإنّه علی یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین أبداً بالشک ، ولکنه ینقضه بیقین آخر ).

وهذه الروایة وأنّ کانت مضمرة إلّا أن إضمارها لا یضر باعتبارها ، حیث کان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا یکاد یستفتی من غیر الامام - علیه السلام - لا سیما مع هذا الاهتمام.

وتقریب الاستدلال بها إنّه لا ریب فی ظهور قوله علیه السلام : ( وإلاّ فإنّه علی یقین .. إلی آخره ) عرفاً فی النهی عن نقض الیقین بشیء بالشک فیه ، وإنّه علیه السلام بصدد بیان ما هو علّة الجزاء المستفاد من قوله علیه السلام : ( لا ) فی جواب : ( فإن حرک فی جنبه ... إلی آخره ) ، وهو اندراج الیقین والشک فی مورد السؤال فی القضیة الکلیة الارتکازیة الغیر المختصة بباب دون باب ؛ واحتمال أن یکون الجزاء هو قوله : ( فإنّه علی یقین ... إلی آخره ) غیر سدید ، فإنّه لا یصحّ إلّا بارادة لزوم العمل علی طبق یقینه ، وهو إلی الغایة بعید ، وأبعد منه کون الجزاء قوله : ( لا ینقض .. إلی آخره ) وقد ذکر : ( فإنّه علی یقین ) للتمهید.

وقد انقدح بما ذکرنا ضعف احتمال اختصاص قضیة : ( لا تنقض ... إلی آخره ) بالیقین والشک بباب الوضوء جداً ، فإنّه ینافیه ظهور التعلیل فی إنّه بأمر ارتکازی لا تعبدی قطعاً ، ویؤیده تعلیل الحکم بالمضی مع الشک فی غیر الوضوء فی غیر هذه الروایة بهذه القضیة أو ما یرادفها ، فتأمل جیداً. هذا.

مع إنّه لا موجب لاحتماله إلّا احتمال کون اللام فی الیقین للعهد ، إشارة إلی الیقین فی ( فإنّه علی یقین من وضوئه ) مع أن الظاهر إنّه للجنس ، کما هو

ص: 389

الأصل فیه ، وسبق : ( فإنّه علی یقین ... إلی آخره ) لا یکون قرینة علیه ، مع کمال الملاءمة مع الجنس أیضاً ، فافهم.

مع إنّه غیر ظاهر فی الیقین بالوضوء ، لقوة احتمال أن یکون ( من وضوئه ) متعلقاً بالظرف لا ب ( یقین ) ، وکان المعنی : فإنّه کان من طرف وضوئه علی یقین ، وعلیه لا یکون الاوسط (1) إلّا الیقین ، لا الیقین بالوضوء ، کما لا یخفی علی المتأمل.

وبالجملة : لا یکاد یشک فی ظهور القضیة فی عموم الیقین والشک ، خصوصاً بعد ملاحظة تطبیقها فی الإخبار علی غیر الوضوء أیضاً.

ثم لا یخفی حسن اسناد النقض - وهو ضد الإبرام - إلی الیقین ، ولو کان متعلقاً بما لیس فیه اقتضاء للبقاء والاستمرار ، لما یتخیل فیه من الاستحکام بخلاف الظن ، فإنّه یظن إنّه لیس فیه إبرام واستحکام وأنّ کان متعلقاً بما فیه اقتضاء ذلک ، وإلاّ لصحّ أن یسند إلی نفس ما فیه المقتضی له ، مع رکاکة مثل ( نقضت الحجر من مکإنّه ) ولما صحّ أن یقال : ( انتقض الیقین باشتعال السراج ) فیما إذا شک فی بقائه للشک فی استعداده ، مع بداهة صحته وحسنه.

وبالجملة : لا یکاد یشک فی أن الیقین کالبیعة والعهد إنّما یکون حسن إسناد النقض إلیه بملاحظته لا بملاحظة متعلقة ، فلا موجب لارادة ما هو أقرب إلی الأمر المبرم ، أو أشبه بالمتین المستحکم مما فیه اقتضاء البقاء لقاعدة ( إذا تعذرت الحقیقة فأقرب المجازات ) بعد تعذر إرادة مثل ذاک الأمر مما یصحّ إسناد النقض إلیه حقیقة.

فإن قلت : نعم ، ولکنه حیث لا انتقاض للیقین فی باب الاستصحاب حقیقة ، فلو لم یکن هناک اقتضاء البقاء فی المتیقن لما صحّ إسناد الانتقاض إلیه بوجهٍ

ص: 390


1- کذا صححه فی « ب » وفی « أ » : الأصغر.

ولو مجازاً ، بخلاف ما إذا کان هناک ، فإنّه وأنّ لم یکن معه أیضاً انتقاض حقیقة إلّا إنّه صحّ إسناده إلیه مجازاً ، فإن الیقین معه کإنّه تعلق بأمر مستمّر مستحکم قد انحلَّ وانفصم بسبب الشک فیه ، من جهة الشک فی رافعه.

قلت : الظاهر أن وجه الإِسناد هو لحاظ اتحاد متعلقی الیقین والشک ذاتاً ، وعدم ملاحظة تعددهما زماناً ، وهو کافٍ عرفاً فی صحة إسناد النقض إلیه واستعارته له ، بلا تفاوت فی ذلک أصلاً فی نظر أهل العرف ، بین ما کان هناک اقتضاء البقاء وما لم یکن ، وکونه مع المقتضی أقرب بالانتقاض وأشبه لا یقتضی تعیینه لأجل قاعدة ( إذا تعذرت الحقیقة ) ، فإن الاعتبار فی الاقربیة إنّما هو بنظر العرف لا الاعتبار ، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله ، هذا کله فی المادة.

وأما الهیئة ، فلا محالة یکون المراد منها النهی عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقیقة ، لعدم کون الانتقاض بحسبها تحت الاختیار ، سواء کان متعلقاً بالیقین - کما هو ظاهر القضیة - أو بالمتیقن ، أو بآثار الیقین بناءً علی التصرف فیها بالتجوز أو الاضمار ، بداهة إنّه کما لا یتعلق النقض الاختیاری القابل لورود النهی علیه بنفس الیقین ، کذلک لا یتعلق بما کان علی یقین منه أو أحکام الیقین ، فلا یکاد (1)یجدی التصرف بذلک فی بقاء الصیغة علی حقیقتها ، فلا مجوّز له فضلاً عن الملزِم ، کما توهّم.

لا یقال : لا محیص عنه ، فإن النهی عن النقض بحسب العمل لا یکاد یراد بالنسبة إلی الیقین وآثاره ، لمنافاته مع المورد.

فإنّه یقال : إنّما یلزم لو کان الیقین ملحوظاً بنفسه وبالنظر الاستقلالی ،

ص: 391


1- فیه تعریض بالشیخ قدس سره فرائد الأُصول / 336 ، عند قوله : ثم لا یتوهم الاحتیاج ... الخ.

لا ما إذا کان ملحوظاً بنحو المرآتیة بالنظر الآلی ، کما هو الظاهر فی مثل قضیة ( لا تنقض الیقین ) حیث تکون ظاهرة عرفاً فی إنّها کنایة عن لزوم البناء والعمل ، بالتزام حکم مماثل للمتیقن تعبداً إذا کان حکماً ، ولحکمه إذا کان موضوعاً ، لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس الیقین بالالتزام بحکم مماثل لحکمه شرعاً ، وذلک لسرایة الآلیة والمرآتیة من الیقین الخارجی إلی مفهومه الکلّی ، فیؤخذ فی موضوع الحکم فی مقام بیان حکمه ، مع عدم دخله فیه أصلاً ، کما ربما یؤخذ فیما له دخل فیه ، أو تمام الدخل ، فافهم.

ثم إنّه حیث کان کلّ من الحکم الشرعی وموضوعه مع الشک قابلاً للتنزیل بلا تصرف وتأویل ، غایة الأمر تنزیل الموضوع بجعل مماثل حکمه ، وتنزیل الحکم بجعل مثله - کما أشیر إلیه آنفاً - کان قضیة ( لا تنقض ) ظاهرة فی اعتبارٍ الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة والموضوعیة ، واختصاص المورد بالاخیرة لا یوجب تخصیصها بها ، خصوصاً بعد ملاحظة إنّها قضیة کلیّة ارتکازیة ، قد أتی بها فی غیر مورد لأجل الاستدلال بها علی حکم المورد ، فتأمّل.

ومنها : صحیحة أُخری لزرارة (1): ( قال : قلت له : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شیء من المنی ، فعلَّمت أثره إلی أن أصیب له الماء ، فحضرت الصلاة ، ونسیت أن بثوبی شیئاً وصلّیت ، ثم إنی ذکرت بعد ذلک ، قال : تعید الصلاة وتغسله ، قلت : فإن لم أکن رأیت موضعه ، وعلمت إنّه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر علیه ، فلما صلیت وجدته ، قال علیه السلام : تغسله وتعید ، قلت : فإن ظننت إنّه قد أصابه ولم أتیقن ذلک ، فنظرت فلم أر شیئاً فصلیت ، فرأیت فیه ، قال : تغسله ولا تعید الصلاة ، قلت : لم ذلک؟

ص: 392


1- تهذیب الأحکام 1 : 421 الباب 22 ، الحدیث 8.

قال : لانک کنت علی یقین من طهارتک فشککت ، فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً ، قلت : فإنی قد علمت إنّه قد أصابه ، ولم أدر أین هو ، فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبک الناحیة التی تری إنّه قد أصابها ، حتی تکون علی یقین من طهارتک ، قلت : فهل علی إن شککت فی إنّه أصابه شیء أن أنظر فیه؟ قال : لا ولکنک إنّما ترید أن تذهب الشک الذی وقع فی نفسک ، قلت : إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعید ، إذا شککت فی موضع منه ثم رأیته ، وأنّ لم تشک ثم رأیته رطباً ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنیت علی الصلاة ؛ لانک لا تدری لعله شیء أوقع علیک ، فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک.

وقد ظهر مما ذکرنا فی الصحیحة الأولی تقریب الاستدلال بقوله : ( فلیس ینبغی أن تنقض الیقین بالشک ) فی کلاّ الموردین ، ولا نُعید.

نعم دلالته فی المورد الأوّل علی الاستصحاب مبنی علی أن یکون المراد من الیقین فی قوله علیه السلام : ( لانک کنت علی یقین من طهارتک ) الیقین بالطهارة قبل ظن الإصابة کما هو الظاهر ، فإنّه لو کان المراد منه الیقین الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤیة بعد الصلاة ، کان مفاد قاعدة الیقین ، کما لا یخفی.

ثم إنّه أشکل علی الروایة ، بأن الإِعادة بعد انکشاف وقوع الصلاة [ فی النجاسة ] (1) لیست نقضاً للیقین بالطهارة بالشک فیها ، بل بالیقین بارتفاعها ، فکیف یصحّ أن یعلل عدم الإِعادة بإنّها نقض الیقین بالشک؟

نعم إنّما یصحّ أن یعلل به جواز الدخول فی الصلاة ، کما لا یخفی.

ولا یکاد یمکن التفصی عن هذا الإِشکال إلّا بأن یقال : إن الشرط فی الصلاة فعلاً

ص: 393


1- اثبتنا الزیادة من « ب ».

حین الالتفات إلی الطهارة هو إحرازها ، ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها ، فیکون قضیة استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انکشف وقوعها فی النجاسة بعدها ، کما أن إعادتها بعد الکشف یکشف عن جواز النقض وعدم حجیة الاستصحاب حالها ، کما لا یخفی ، فتأمل جیداً.

لا یقال : لا مجال حینئذ لاستصحاب الطهارة فإنّها إذا لم تکن شرطاً لم تکن موضوعة لحکم مع إنّها لیست بحکم (1)، ولا محیص فی الاستصحاب عن کون المستصحب حکماً أو موضوعاً لحکم.

فإنّه یقال : إن الطهارة وأنّ لم تکن شرطاً فعلاً ، إلّا إنّه غیر منعزلة عن الشرطیّة رأساً ، بل هی شرط واقعی اقتضائی ، کما هو قضیة التوفیق بین بعضٍ الإطلاقاًت ومثل هذا الخطاب ، هذا مع کفایة کونها من قیود الشرط ، حیث إنّه کان إحرازها بخصوصها لا غیرها شرطاً.

لا یقال : سلمنا ذلک ، لکن قضیته أن یکون علّة عدم الإِعادة حینئذ ، بعد انکشاف وقوع الصلاة فی النجاسة ، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع أن قضیة التعلیل أن تکون العلة له هی نفسها لا إحرازها ، ضرورة أن نتیجة قوله : ( لأنک کنت علی یقین ... إلی آخره ) ، إنّه علی الطهارة لا إنّه مستصحبها ، کما لا یخفی.

فإنّه یقال : نعم ، ولکن التعلیل إنّما هو بلحاظ حال قبل انکشاف الحال ، لنکتة التنبیه علی حجیة الاستصحاب ، وإنّه کان هناک استصحاب مع وضوح استلزام ذلک لأن یکون المجدی بعد الانکشاف ، هو ذاک الاستصحاب لا الطهارة ، وإلاّ لما کانت الإِعادة نقضاً ، کما عرفت فی الإشکال.

ص: 394


1- هذا ما أثبتاه من « ب » المصححة ، وفی « أ » : الضمائر کلها مذکرة.

ثم إنّه لا یکاد یصحّ التعلیل ، لو قیل باقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء ، کما قیل (1) ، ضرورة أن العلة علیه إنّما هو اقتضاء ذاک الخطاب الظاهری حال الصلاة للإِجزاء وعدم إعادتها ، لا لزوم النقض من الإِعادة کما لا یخفی ، اللهم إلّا أن یقال : إن التعلیل به إنّما هو بملاحظة ضمیمة اقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء ، بتقریب أن الإِعادة لو قیل بوجوبها کانت موجبة لنقض الیقین بالشک فی الطهارة قبل الانکشاف وعدم حرمته شرعاً ، وإلاّ للزم عدم اقتضاء ذاک الأمر له ، کما لا یخفی ، مع اقتضائه شرعاً أو عقلاً ، فتأمل (2)

ولعل ذلک مراد من قال (3) بدلالة الروایة علی إجزاء الأمر الظاهری.

هذا غایة ما یمکن أن یقال فی توجیه التعلیل ، مع إنّه لا یکاد یوجب الإِشکال فیه والعجزُ عن التفصی عنه - إشکالاً فی دلالة الروایة علی الاستصحاب ، فإن لازم علی کلّ حال ، کان مفاده قاعدته أو قاعدة الیقین ، مع بداهة عدم خروجه منهما ، فتأمل جیداً.

ومنها : صحیحة ثالثة لزرارة (4) : ( وإذا لم یدر فی ثلاثٍ هو أو فی أربع ، وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إلیها أُخری ولا شیء علیه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولا یدخل الشک فی الیقین ، ولا یخلط أحدهما بالآخر ، ولکنه ینقض الشک بالیقین ، ویتمّ علی الیقین فیبنی علیه ، ولا یعتدّ بالشک فی حال من الحالات ).

والاستدلال بها علی الاستصحاب مبنیٌّ علی إرادة الیقین بعدم الإِتیان

ص: 395


1- راجع فرائد الأصول / 331.
2- - وجه التأمل أن اقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء لیس بذاک الوضوح ، کی یحسن بملاحظته التعلیل بلزوم النقض من الإِعادة ، کما لا یخفی ، منه ( قدس سره ) ، أثبتنا هذه التعلیقة من « أ و ب ».
3- کما عن بعضٍ مشایخ الشیخ الانصاری.
4- الکافی : 3 / 352 ، الحدیث 3.

بالرکعة الرابعة سابقاً والشک فی إتیإنّها.

وقد أشکل (1)بعدم إمکان إرادة ذلک علی مذهب الخاصة ، ضرورة أنّ قضیته إضافة رکعة أُخری موصولة ، والمذهب قد استقرّ علی إضافة رکعة بعد التسلیم مفصولة ، وعلی هذا یکون المراد بالیقین الیقین بالفراغ ، بما علّمه الإمام علیه السلام من الاحتیاط بالبناء علی الأکثر ، والإِتیان بالمشکوک بعد التسلیم مفصولة.

ویمکن ذبه (2) بأنَّ الاحتیاط کذلک لا یأبی عن إرادة الیقین بعدم الرکعة المشکوکة ، بل کان أصل الإِتیان بها باقتضائه ، غایة الأمر إتیإنّها مفصولة ینافی إطلاق النقض ، وقد قام الدلیل علی التقیید فی الشک فی الرابعة وغیره ، وأنّ المشکوکة لا بدّ أن یؤتی بها مفصولةً ، فافهم.

وربّما أُشکل أیضاً ، بإنّه لو سلّم دلالتها علی الاستصحاب کانت من الأخبار الخاصة الدالة علیه فی خصوص المورد ، لا العامة لغیر مورد ، ضرورة ظهور الفقرات فی کونها مبنیّة للفاعل ، ومرجع الضمیر فیها هو المصلّی الشاک.

وإلغاء خصوصیة المورد لیس بذاک الوضوح ، وأنّ کان یؤیّده تطبیق قضیّة ( لا تنقض الیقین ) وما یقاربها علی غیر مورد.

بل دعوی أن الظاهر من نفس القضیة هو أنّ مناط حرمة النقض إنّما یکون لأجل ما فی الیقین والشک ، لا لما فی المورد من الخصوصیّة ، وأنّ مثل الیقین لا ینقض بمثل الشک ، غیر بعیدة.

ومنها قوله (3): ( من کان علی یقین فأصابه شک فلیمض علی

ص: 396


1- المستشکل هو الشیخ الانصاری قدس سره فرائد الأصول 331.
2- الصحیح ما أثبتناه خلافاً لما فی النسخ.
3- الخصال ، 619.

یقینه ، فإن الشک لا ینقض الیقین ) أو ( فإن الیقین لا یدفع بالشک ) (1)

وهو وأنّ کان یحتمل قاعدة الیقین لظهوره فی اختلاف زمان الوصفین ، وإنما یکون ذلک فی القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمکان اتّحاد زمانهما ، إلّا أن المتداول فی التعبیر عن مورده هو مثل هذه العبارة ، ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفین وسرایته إلی الوصفین ، لما بین الیقین والمتیقن من نحوٍ من الاتّحاد ، فافهم.

هذا مع وضوح أن قوله : ( فإن الشک لا ینقض ... إلی آخره ). هی القضیة المرتکزة الواردة مورد الاستصحاب فی غیر واحدٍ من أخبار الباب (2)

ومنها : خبر الصفار (3) ، عن علی بن محمد القاسانی ، ( قال : کتبت إلیه - وأنا بالمدینة - عن الیوم الذی یشک فیه من رمضان ، هل یصام أم لا؟ فکتب : الیقین لا یدخل فیه الشک ، صم للرؤیة وأفطر للرؤیة ) حیث دلّ علی أن الیقین ب ( شعبان ) (4) لا یکون مدخولاً بالشک فی بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ، ویتفرع [ علیه ] (5) عدم وجوب الصوم إلّا بدخول شهر رمضان.

وربما یقال : إن مراجعة الأخبار الواردة فی یوم الشک یشرف القطع بأن المراد بالیقین هو الیقین بدخول شهر رمضان ، وإنّه لابد فی وجوب الصوم ووجوب الافطار من الیقین بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأین هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد فی الوسائل (6) لذلک من الباب تجده شاهداً

ص: 397


1- الإِرشاد ، 159.
2- جامع أحادیث الشیعة 2 / 384 ، الباب 12 من أبواب ما ینقض الوضوء وما لا ینقض.
3- تهذیب الأحکام 4 / 159 ، الباب 41 علامة اول شهر رمضان وآخره.
4- فی نسختی « أ » و « ب » بالشعبان.
5- زیادة تقتضیها العبارة.
6- وسائل الشیعة 7 / 182 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان.

علیه.

ومنها : قوله علیه السلام : ( کلّ شیء طاهر حتی تعلم إنّه قذر ) (1) وقوله علیه السلام : ( الماء کله طاهر حتی تعلم إنّه نجس ) (2) وقوله علیه السلام : ( کلّ شیء حلال حتی تعرف إنّه حرام ) (3)

وتقریب دلالة مثل هذه الأخبار علی الاستصحاب أن یقال : إنّ الغایة فیها إنّما هو لبیان استمرار ما حکم علی الموضوع واقعاً من الطهارة والحلیة ظاهراً ، ما لم یعلم بطروء ضدّه أو نقیضه ، لا لتحدید الموضوع ، کی یکون الحکم بهما قاعدة مضروبة لما شک فی طهارته أو حلّیته ، وذلک لظهور المغیّا فیها فی بیان الحکم للأشیاء بعناوینها ، لا بما هی مشکوکة الحکم ، کما لا یخفی ؛ فهو وأنّ لم یکن له بنفسه مساسٌ بذیل القاعدة ولا الاستصحاب إلّا إنّه بغایته دلّ علی الاستصحاب ، حیث إنّها ظاهرة فی استمرار ذاک الحکم الواقعی ظاهراً ما لم یعلم (4)بطروء ضدّه أو نقیضه ، کما إنّه لو صار مغیّاً لغایة ، مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما یوجب الحرمة ، لدلّ علی استمرار ذاک الحکم واقعاً ، ولم یکن له حینئذ بنفسه ولا بغایته دلالة علی الاستصحاب.

ولا یخفی إنّه لا یلزم علی ذلک استعمال اللفظ فی معنیین أصلاً ، وإنما یلزم لو جعلت الغایة مع کونها من حدود الموضوع وقیوده غایة لاستمرار حکمه ، لیدل علی القاعدة والاستصحاب من غیر تعرض لبیان الحکم الواقعی للاشیاء أصلاً ، مع وضوح ظهور مثل ( کلّ شیء حلال ، أو طاهرٌ ) فی إنّه لبیان حکم الأشیاء بعناوینها الأولّیة ، وهکذا ( الماء کله طاهر ) ، وظهور الغایة فی کونها حداً للحکم لا لموضوعه ، کما لا یخفی ، فتأمل جیّداً.

ص: 398


1- المقنع / 5 ، الهدایة ، 13 ، الباب 11 ، مع اختلاف فی الالفاظ.
2- الکافی 3 / ص 1 وفیه الماء کله طاهر حتی یعلم إنّه قذر.
3- الکافی : 5 / 313 الحدیث 40 باب النوادر من کتاب المعیشة مع اختلاف یسیر.
4- فی « أ » : ما لم یعلم بارتفاعه لطروء ضده.

ولا یذهب علیک أنّه بضمیمة عدم القول بالفصل قطعاً بین الحلّیة والطهارة وبین سائر الأحکام ، لعم الدلیل وتمّ.

ثم لا یخفی أن ذیل موثقة عمار (1) : ( فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فلیس علیک ) یؤید ما استظهرنا منها ، من کون الحکم المغیّا واقعیاً ثابتاً للشیء بعنوإنّه ، لا ظاهریاً ثابتاً له بما هو مشتبه ، لظهوره فی إنّه متفرع علی الغایة وحدها ، وإنّه بیان لها وحدها ، منطوقها ومفهومها ، لا لها مع المغیّا ، کما لا یخفی علی المتأمل.

ثم إنک إذا حقّقت ما تلونا علیک مما هو مفاد الأخبار ، فلا حاجة فی إطالة الکلام فی بیان سائر الأقوال ، والنقض والإبرام فیما ذکر لها من الاستدلال.

ولا بأس بصرفه إلی تحقیق حال الوضع ، وإنّه حکم مستقل بالجعل کالتکلیف ، أو منتزع عنه وتابع له فی الجعل ، أو فیه تفصیل ، حتی یظهر حال ما ذکر ها هنا بین التکلیف والوضع من التفصیل.

فنقول وبالله الاستعانة :

لا خلاف کما لا إشکال فی اختلاف التکلیف والوضع مفهوماً ، واختلافهما فی الجملة مورداً ، لبداهة ما بین مفهوم السببیة أو الشرطیّة ومفهوم مثل الإِیجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباینة.

کما لا ینبغی النزاع فی صحة تقسیم الحکم الشرعی إلی التکلیفی والوضعی ، بداهة أن الحکم وأنّ لم یصحّ تقسیمه إلیهما ببعض معانیه ولم یکد یصحّ إطلاقه علی الوضع ، إلّا أن صحة تقسیمه بالبعض الآخر إلیهما وصحة إطلاقه علیه بهذا المعنی ، مما (2) لا یکاد ینکر ، کما لا یخفی ، ویشهد به کثرة

ص: 399


1- التهذیب 1 / 285 : الباب 12 ، الحدیث 119.
2- فی « أ » : کان مما لا یکاد ینکر.

إطلاق الحکم علیه فی کلماتهم ، والالتزام بالتجوز فیه ، کما تری.

وکذا لا وقع للنزاع فی إنّه محصور فی أُمور مخصوصة ، کالشرطیة والسببیة والمانعیة - کما هو المحکی عن العلامة - أو مع زیادة العلّیة والعلامیة ، أو مع زیادة الصحة والبطلان ، والعزیمة والرخصة ، أو زیادة غیر ذلک - کما هو المحکی عن غیره (1)- أو لیس بمحصور ، بل کلما لیس بتکلیف مما له دخل فیه أو فی متعلقه وموضوعه ، أو لم یکن له دخل مما أطلق علیه الحکم فی کلماتهم ؛ ضرورة إنّه لا وجه للتخصیص بها بعد کثرة إطلاق الحکم فی الکلمات علی غیرها ، مع إنّه لا تکاد تظهر ثمرة مهمة علمیة أو عملیة للنزاع فی ذلک ، وإنما المهمّ فی النزاع هو أن الوضع کالتکلیف فی إنّه مجعول تشریعاً بحیث یصحّ انتزاعه بمجرد إنشائه ، أو غیر مجعول کذلک ، بل إنّما هو منتزع عن التکلیف ومجعول بتبعه وبجعله.

والتحقیق أن ما عُدّ من الوضع علی أنحاء.

منها : ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً ، لا استقلالاً ولا تبعاً ، وأنّ کان مجعولاً تکویناً عرضاً بعین جعل موضوعه کذلک.

ومنها : ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف.

ومنها : ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه ، وتبعاً للتکلیف بکونه منشأً لانتزاعه ، وأنّ کان الصحیح انتزاعه من إنشائه وجعله ، وکون التکلیف من آثاره وأحکامه ، علی ما یأتی الإِشارة إلیه.

أما النحو الأوّل : فهو کالسببیّة والشرطیّة والمانعیّة والرافعیة لما هو

ص: 400


1- الآمدی ، الأحکام فی أُصول الأحکام / 85 ، فی حقیقة الحکم الشرعی وأقسامه.

سبب التکلیف وشرطه ومانعه ورافعه ، حیث إنّه لا یکاد یعقل انتزاع هذه العناوین لها من التکلیف المتأخّر عنها ذاتاً ، حدوثاً أو ارتفاعاً ، کما أنّ اتصافها بها لیس إلّا لأجل ما علیها من الخصوصیة المستدعیة لذلک تکویناً ، للزوم أن یکون فی العلّة بأجزائها من ربط (1) خاص ، به کانت مؤثرة (2) فی معلولها ، لا فی غیره ، ولا غیرها فیه ، وإلاّ لزم أن یکون کلّ شیء مؤثراً فی کلّ شیء ، وتلک الخصوصیة لا یکاد یوجد فیها بمجرد إنشاءً مفاهیم العناوین ، ومثل قول : دلوک الشّمس سبب لوجوب الصلاة إنشاءً لا إخباراً ، ضرورة بقاء الدلوک علی ما هو علیه قبل إنشاءً السببیّة له ، من کونه واجداً لخصوصیةٍ مقتضیة لوجوبها أو فاقداً لها ، وأنّ الصلاة لا تکاد تکون واجبةً عند الدلوک ما لم یکن هناک ما یدعو إلی وجوبها ، ومعه تکون واجبة لا محالة وأنّ لم ینشأ السببیة للدُّلوک أصلاً.

ومنه انقدح أیضاً ، عدم صحة انتزاع السببیّة له حقیقة من إیجاب الصلاة عنده ، لعدم اتصافه بها بذلک ضرورة.

نعم لا بأس باتّصافه بها عنایة ، واطلاق السبب علیه مجازاً ، کما لا بأس بأن یُعَبِّر عن إنشاءً وجوب الصّلاة عند الدلوک - مثلاً - بإنَّه سبب لوجوبها فکنّی به عن الوجوب عنده.

فظهر بذلک إنّه لا منشأ لانتزاع السببیة وسائر ما لأجزاء العلة للتکلیف ، إلّا ما هی علیها من الخصوصیة الموجبة لدخل کلّ فیه علی نحو غیر دخل الآخر ، فتدبرّ جیداً.

وأما النحو الثّانی : فهو کالجزئیة والشرطیة والمانعیة والقاطعیة ، لما هو جزء المکلف به وشرطه ومانعه وقاطعه ، حیث إنَّ اتصاف شیء بجزئیة المأمور به أو شرطیته أو غیرهما لا یکاد یکون إلّا بالأمر بجملة أمور مقیدة بأمر وجودی أو عدمی ، ولا یکاد یتصف شیء بذلک - أیّ کونه جزءاً أو شرطاً

ص: 401


1- فی « أ » : من ربط.
2- فی « أ » : کان مؤثراً ، وفی « ب » : کانت مؤثراً.

للمأمور به - إلّا بتبع ملاحظة الأمر بما یشتمل علیه مقیداً بأمر آخر ، وما لم یتعلق بها الأمر کذلک لما کاد اتصف بالجزئیة أو الشرطیّة ، وأنّ أنشأ الشارع له الجزئیة أو الشرطیّة ، وجعل الماهیة واختراعها لیس إلّا تصویر ما فیه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها ، فتصورها بأجزائها وقیودها لا یوجب اتصاف شیء منها بجزئیة المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها. فالجزئیة للمأمور به أو الشرطیّة له إنّما ینتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به ، بلا حاجة إلی جعلها له ، وبدون الأمر به لا اتصاف بها أصلاً ، وأنّ اتصف بالجزئیة أو الشرطیّة للمتصور أو لذی المصلحة ، کما لا یخفی.

وأما النحو الثالث : فهو کالحجیة والقضاوة والولایة والنیابة والحریة والرقیّة والزوجیة والملکیة إلی غیر ذلک ، حیث إنّها وأنّ کان من الممکن انتزاعها من الأحکام التکلیفیة التی تکون فی مواردها - کما قیل - ومن جعلها بإنشاء أنفسها ، إلّا إنّه لا یکاد یشک فی صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالی ، أو من بیده الأمر من قبله - جل وعلا - لها بإنشائها ، بحیث یترتب علیها آثارها ، کما یشهد به ضرورة صحة انتزاع الملکیة والزوجیة والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الایقاع ممن بیده الاختیار بلا ملاحظة التکالیف والآثار ، ولو کانت منتزعة عنها لما کاد یصحّ إعتبارها إلّا بملاحظتها ، وللزم أن لا یقع ما قصد ، ووقع ما لم یقصد.

کما لا ینبغی أن یشک فی عدم صحة انتزاعها عن مجرد التکلیف فی موردها ، فلا ینتزع الملکیّة عن إباحة التصرفات ، ولا الزوجیة من جواز الوطئ ، وهکذا سائر الاعتبارات فی أبواب العقود والإیقاعات.

فانقدح بذلک أن مثل هذه الاعتبارات إنّما تکون مجعولة بنفسها ، یصحّ انتزاعها بمجرد إنشائها کالتکلیف ، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه.

وهم ودفع : امّا الوهم (1): فهو أن الملکیة کیف جعلت من الاعتبارات

ص: 402


1- انظر شرح التجرید 216 ، المسألة الثامنة فی الملک.

الحاصلة بمجرد الجعل والإنشاء التی تکون من خارج المحمول ، حیث لیس بحذائها فی الخارج شیء ، وهی إحدی المقولات المحمولات بالضمیمة التی لا تکاد تکون بهذا السبب ، بل بأسباب أخر کالتَّعَمُّم والتَّقَمُّص والتَّنَعُّل ، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملک ، وأین هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟

وأما الدفع : فهو أن الملک یقال بالاشتراک علی ذلک ، ویسمی بالجدة أیضاً ، واختصاص شیء بشیء خاص ، وهو ناشیء امّا من جهة إسناد وجوده إلیه ، ککون العالم ملکاً للباری جل ذکره ، أو من جهة الاستعمال والتصرف فیه ، ککون الفرس لزید برکوبه له وسائر تصرفاته فیه ، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختیاره بیده ، کملک الأراضی والعقار البعیدة للمشتری بمجرد عقد البیع شرعاً وعرفاً.

فالملک الذی یسمی بالجدة أیضاً ، غیر الملک الذی هو اختصاص خاص ناشیء من سبب اختیاریّ کالعقد ، أو غیر اختیاری کالإرث ، ونحوهما من الأسباب الاختیاریّة وغیرها - فالتوهّم إنّما نشأ من إطلاق الملک علی مقولة الجدة أیضاً ، والغفلة عن أنّه بالاشتراک بینه وبین الاختصاص الخاص والإضافة الخاصة الإشراقیّة کملکه تعالی للعالم ، أو المقولیة کملک غیره لشیء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غیرها (1)من الأعمال ، فیکون شیء ملکاً لاحد بمعنی ، ولآخر بالمعنی الآخر ، فتدبر.

إذا عرفت اختلاف الوضع فی الجعل ، فقد عرفت إنّه لا مجال لاستصحاب دخل ماله الدخل فی التکلیف إذا شک فی بقائه علی ما کان علیه من الدخل ، لعدم کونه حکماً شرعیاً ، ولا یترتب علیه أثر شرعیّ ، والتکلیف وأنّ کان مترتباً علیه إلّا إنّه لیس بترتب شرعی ، فافهم.

ص: 403


1- فی « أ » : غیرهما.

وأنّه لا إشکال فی جریان الاستصحاب فی الوضع المستقلّ بالجعل ، حیث إنّه کالتکلیف ، وکذا ما کان مجعولاً بالتبع ، فإن أمر وضعه ورفعه بید الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه ، وعدم تسمیته حکماً شرعیاً لو سلّم غیر ضائر بعد کونه مما تناله ید التصرف شرعاً ، نعم لا مجال لاستصحابه ، لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه ، فافهم.

ثم إن هاهنا تنبیهات :

الأول : إنّه یعتبر فی الاستصحاب فعلیّة الشک والیقین ، فلا استصحاب مع الغفلة ، لعدم الشک فعلاً ولو فرض إنّه یشک لو التفت ؛ ضرورة أن الاستصحاب وظیفة الشاک ، ولا شک مع الغفلة أصلاً ، فیحکم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلّی ثم شک فی إنّه تطهّر قبل الصلاة ، لقاعدة الفراغ ، بخلاف من ألتفت قبلها وشک ثم غفل وصلّی ، فیحکم بفساد صلاته فیما إذا قطع بعدم تطهیره بعد الشک ، لکونه محدثاً قبلها بحکم الاستصحاب ، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابی.

لا یقال : نعمٍ ، ولکن استصحاب الحدث فی حال الصلاة بعد ما ألتفت بعدها یقتضی أیضاً فسادها.

فإنّه یقال : نعم ، لولا قاعدة الفراغ المقتضیة لصحتها المقدمة علی أصالة فسادها.

الثانی : إنّه هل یکفی فی صحّة الاستصحاب الشک فی بقاء شیء علی تقدیر ثبوته ، وأنّ لم یحرز ثبوته فیما رتب علیه أثر شرعاً أو عقلاً؟ إشکال ، من عدم إحراز الثبوت فلا یقین ، ولابدّ منه ، بل ولا شک ، فإنّه علی تقدیرٍ لم یثبت ، ومن أن اعتبارٍ الیقین إنّما هو لأجل أن التعبّد والتنزیل شرعاً إنّما هو فی

ص: 404

البقاء لا فی الحدوث ، فیکفی الشک فیه علی تقدیر الثبوت ، فیتعبّد به علی هذا التقدیر ، فیترتب علیه الأثر فعلاً فیما کان هناک أثر ، وهذا هو الأظهر ، وبه یمکن أن یذبّ عمّا فی استصحاب الأحکام التی قامت الأمارات المعتبرة علی مجرد ثبوتها ، وقد شک فی بقائها علی تقدیر ثبوتها ، من الإِشکال بإنّه لا یقین بالحکم الواقعی ، ولا یکون هناک حکم آخر فعلّی ، بناءً علی ما هو التحقیق (1)، من أن قضیّة حجیة الامارة لیست إلّا تنجّز التکالیف مع الإصابة والعذر مع المخالفة ، کما هو قضیّة الحجة المعتبرة عقلاً ، کالقطع والظن فی حال الانسداد علی الحکومة ، لا إنشاءً أحکام فعلیة شرعیة ظاهریة ، کما هو ظاهر الأصحاب.

ووجه الذبّ بذلک ، أنّ الحکم الواقعی الذی هو مؤدّی الطریق حینئذ محکوم بالبقاء ، فتکون الحجة علی ثبوت حجة علی بقائه تعبّداً ؛ للملازمة بینه وبین ثبوته واقعاً.

إن قلت : کیف؟ وقد أخذ الیقین بالشیء فی التعبّد ببقائه فی الأخبار ، ولا یقین فی فرض تقدیر الثبوت.

قلت : نعم ، ولکن الظاهر إنّه أُخذ کشفا عنه ومرآةً لثبوته لیکون التعبّد فی بقائه ، والتعبد مع فرض ثبوته إنّما یکون فی بقائه ، فافهم.

الثالث : إنّه لا فرق فی المتیقّن السابق بین أن یکون خصوص أحد

ص: 405


1- وأمّا بناءً علی ما هو المشهور من کون مؤدیات الأمارات أحکاماً ظاهریة شرعیة ، کما اشتهر أن ظنیّة الطریق لا ینافی قطعیة الحکم ، فالاستصحاب جار ، لأن الحکم الذی أدّت إلیه الامارة محتمل البقاء لإمکان إصابتها الواقع ، وکان مما یبقی ، والقطع بعدم فعلیته - حینئذ - مع احتمال بقائه لکونها بسبب دلالة الامارة ، والمفروض عدم دلالتها إلّا علی ثبوته ، لا علی بقائه ، غیر ضائر بفعلیته الناشئة باستصحابه ، فلا تغفل ( منه قدس سره ).

الأحکام ، أو ما یشترک بین الاثنین منها ، أو الأزید من أمر عام.

فإن کان الشک فی بقاء ذاک العام من جهة الشک فی بقاء الخاص الذی کان فی ضمنه وارتفاعه ، کان استصحابه کاستصحابه بلا کلام.

وإن کان الشکُّ فیه من جهة تردد الخاص الذی فی ضمنه ، بین ما هو باق أو مرتفع قطعاً ، فکذا لا إشکال فی استصحابه ، فیترتّب علیه کافة ما یترتب علیه عقلاً أو شرعاً من أحکامه ولوازمه ، وتردد ذاک الخاص - الذی یکون الکلیّ موجوداً فی ضمنه ویکون وجوده بعین وجوده - بین متیقّن الارتفاع ومشکوک الحدوث المحکوم بعدم حدوثه ، غیر ضائرٍ باستصحاب الکلی المتحقق فی ضمنه ، مع عدم إخلاله بالیقین والشک فی حدوثه وبقائه ؛ وإنما کان التردد بین الفردین ضائراً باستصحاب أحد الخاصین اللذین کان أمره مردداً بینهما ، لإخلاله بالیقین الذی هو أحد رکنی الاستصحاب ، کما لا یخفی. نعم ، یجب رعایة التکالیف المعلومة إجمالاً المترتبة علی الخاصین ، فیما علم تکلیف فی البین.

وتوهمّ کون الشک فی بقاء الکلی الذی فی ضمن ذاک المردّد مسبباً عن الشک فی حدوث الخاص المشکوک حدوثه المحکوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه ؛ فاسد قطعاً ، لعدم کون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه ، بل من لوازم کون الحادث المتیقن ذاک المتیقن الارتفاع أو البقاء ، مع أن بقاء القدر المشترک إنّما هو بعین بقاء الخاص الذی فی ضمنه لا إنّه من لوازمه ، علی إنّه لو سلّم إنّه من لوازم حدوث المشکوک فلا شبهة فی کون اللزوم عقلّیاً ، ولا یکاد یترتب بأصالة عدم الحدوث إلّا ما هو من لوازمه وأحکامه شرعاً.

وأما إذا کان الشک فی بقائه ، من جهة الشک فی قیام خاص آخر فی مقام ذاک الخاص الذی کان فی ضمنه بعد القطع بارتفاعه ، ففی استصحابه إشکال ، أظهره عدم جریإنّه ، فإن وجود الطبیعی وأنّ کان بوجود فرده ، إلّا

ص: 406

أن وجوده فی ضمن المتعدد من أفراده لیس من نحو وجود واحد له ، بل متعدد حسب تعددها ، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها ، لقطع بارتفاع وجوده ، وأنّ شک فی وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاک الفرد ، أو لارتفاعه بنفسه أو بملاکه ، کما إذا شک فی الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإِیجاب بملاک مقارن أو حادث.

لا یقال : الأمر وأنّ کان کما ذکر ، إلّا إنّه حیث کان التفاوت بین الإِیجاب والاستحباب وهکذا بین الکراهة والحرمة ، لیس إلّا بشدة الطلب بینهما وضعفه ، کان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غیر موجب لتعدد وجود الطبیعی بینهما ، لمساوقة الاتصال مع الوحدة ، فالشک فی التبدل حقیقة شک فی بقاء الطلب وارتفاعه ، لا فی حدوث وجود آخر.

فإنّه یقال : الأمر وأنّ کان کذلک ، إلّا أن العرف حیث یری الإِیجاب والاستحباب المتبادلین فردین متباینین ، لا واحداً مختلف الوصف فی زمانین ، لم یکن مجال للاستصحاب ، لما مرت (1) الإِشارة إلیه وتأتی (2) ، من أن قضیة إطلاق أخبار الباب ، أن العبرة فیه بما یکون رفع الید عنه مع الشک بنظر العرف نقضاً ، وأنّ لم یکن بنقض بحسب الدقة ، ولذا لو انعکس الأمر ولم یکن نقض عرفاً ، لم یکن الاستصحاب جاریاً وأنّ کان هناک نقض عقلاً.

ومما ذکرنا فی المقام ، یظهر - أیضاً - حال الاستصحاب فی متعلقات الأحکام فی الشبهات الحکمیة والموضوعیة ، فلا تغفل.

الرابع : إنّه لا فرق فی المتیقن بین أن یکون من الأمور القارّة أو التدریجیة الغیر القارة ، فإن الأمور الغیر القارة وأنّ کان وجودها ینصرم ولا یتحقق

ص: 407


1- ص 386.
2- ص 427.

منه جزء إلّا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم ، إلّا إنّه ما لم یتخلل فی البین العدم ، بل وأنّ تخلل بما لا یخل بالاتصال عرفاً وأنّ انفصل حقیقة ، کانت باقیة مطلقاً أو عرفاً ، ویکون رفع الید عنها - مع الشک فی استمرارها وانقطاعها - نقضاً. ولا یعتبر فی الاستصحاب - بحسب تعریفه وأخبار الباب وغیرها من أدلته - غیر صدق النقض والبقاء کذلک قطعاً هذا. مع أن الانصرام والتدرج فی الوجود فی الحرکة - فی الأین وغیره - إنّما هو فی الحرکة القطعیة ، وهی کون الشیء فی کلّ آن فی حدّ أو مکان ، لا التوسطیة وهی کونه بین المبدأ والمنتهی ، فإنّه بهذا المعنی یکون قارّاً مستمراً.

فانقدح بذلک إنّه لا مجال للإشکال فی استصحاب مثل اللیل أو النهار وترتیب مالهما من الآثار. وکذا کلما إذا کان الشک فی الأمر التدریجی من جهة الشک فی انتهاء حرکته ووصوله إلی المنتهی ، أو إنّه بعد فی البین. وأما إذا کان من جهة الشک فی کمیته ومقداره ، کما فی نبع الماء وجریإنّه ، وخروج الدم وسیلإنّه ، فیما کان سبب الشک فی الجریان والسیلان الشک فی إنّه بقی فی المنبع والرحم فعلاً شیء من الماء والدم غیر ما سال وجری منهما ، فربما یشکل فی استصحابهما حینئذ ، فإن الشک لیس فی بقاء جریان شخص ما کان جاریاً ، بل فی حدوث جریان جزء آخر شک فی جریإنّه من جهة الشک فی حدوثه ، ولکنه یتخیل بإنّه لا یختل به ما هو الملاک فی الاستصحاب ، بحسب تعریفه ودلیله حسبما عرفت.

ثم إنّه لا یخفی أن استصحاب بقاء الأمر التدریجی ، امّا یکون من قبیل استصحاب الشخص ، أو من قبیل استصحاب الکلی بأقسامه ، فإذا شک فی أن السورة المعلومة التی شرع فیها تمت أو بقی شیء منها ، صحّ فیه استصحاب الشخص والکلی ، وإذا شک فیه من جهة ترددها بین القصیرة والطویلة ، کان

ص: 408

من القسم الثّانی ، وإذا شک فی إنّه شرع فی أُخری مع القطع بإنّه قد تمت الأولی کان من القسم الثالث ، کما لا یخفی.

هذا فی الزمان ونحوه من سائر التدریجیات.

وأما الفعل المقید بالزمان ، فتارةً یکون الشک فی حکمه من جهة الشک فی بقاء قیده ، وطوراً مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أُخری ، کما إذا احتمل أن یکون التقیید (1)به إنّما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله.

فإن کان من جهة الشک فی بقاء القید ، فلا بأس باستصحاب قیده من الزمان ، کالنهار الذی قید به الصوم مثلاً ، فیترتب علیه وجوب الإمساک وعدم جواز الإفطار ما لم یقطع بزواله ، کما لا بأس باستصحاب نفس المقید ، فیقال : إن الامساک کان قبل هذا الآن فی النهار ، والآن کما کان فیجب ، فتأمل.

وإن کان من الجهة الأخری ، فلا مجال إلّا لاستصحاب الحکم فی خصوص ما لم یؤخذ الزمان فیه إلّا ظرفاً لثبوته لا قیداً مقوماً لموضوعه ، وإلاّ فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه فیما بعد ذاک الزمان ، فإنّه غیر ما علم ثبوته له ، فیکون الشک فی ثبوته له - أیضاً - شکّاً فی أصل ثبوته بعد القطع بعدمه ، لا فی بقائه.

لا یقال : إن الزمان لا محالة یکون من قیود الموضوع وإن أُخذ ظرفاً لثبوت الحکم فی دلیله ، ضرورة دخل مثل الزمان فیما هو المناط لثبوته ، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه.

فإنّه یقال : نعم ، لو کانت العبرة فی تعیین الموضوع بالدقة ونظر العقل ، وأما إذا کانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة فی أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد فی الزمانین ، قطع بثبوت الحکم له فی الزمان الأوّل ، وشک فی بقاء هذا الحکم له وارتفاعه فی الزمان الثّانی ، فلا یکون مجال إلّا لاستصحاب ثبوته.

ص: 409


1- فی « ب » التعبد.

لا یقال : فاستصحاب کلّ واحد من الثبوت والعدم یجری لثبوت کلاّ النظرین ، ویقع التعارض بین الاستصحابین ، کما قیل.

فإنّه یقال : إنّما یکون ذلک لو کان فی الدلیل ما بمفهومه یعم النظرین ، وإلاّ فلا یکاد یصحّ إلّا إذا سبق بأحدهما ، لعدم إمکان الجمع بینهما لکمال المنافاة بینهما ، ولا یکون فی أخبار الباب ما بمفهومه یعمهما ، فلا یکون هناک إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فیما إذا أخذ الزمان ظرفا ، واستصحاب العدم فیما إذا أُخذ قیداً ؛ لما عرفت من أن العبرة فی هذا الباب بالنظر العرفی ، ولا شبهة فی أن الفعل فیما بعد ذاک الوقت مع ما قبله متحد فی الأوّل ومتعدد فی الثّانی بحسبه ؛ ضرورة أن الفعل المقید بزمان خاص غیر الفعل فی زمان آخر ، ولو بالنظر المسامحی العرفی.

نعم ، لا یبعد أن یکون بحسبه - أیضاً - متحداً فیما إذا کان الشک فی بقاء حکمه ، من جهة الشک فی إنّه بنحو التعدد المطلوبی ، وأنّ حکمه بتلک المرتبة التی کان مع ذاک الوقت وأنّ لم یکن باقیاً بعده قطعاً ، إلّا إنّه یحتمل بقاؤه بما دون تلک المرتبة من مراتبه فیستصحب ، فتأمل جیّداً.

إزاحة وهم : لا یخفی أن الطهارة الحدثیة والخبثیة وما یقابلها یکون مما إذا وجدت بأسبابها ، لا یکاد یشک فی بقائها إلّا من قبل الشک فی الرافع لها ، لا من قبل الشک فی مقدار تأثیر أسبابها ، ضرورة إنّها إذا وجدت بها کانت تبقی ما لم یحدث رافع لها ، کانت من الأُمور الخارجیة أو الأُمور الاعتباریة التی کانت لها آثار شرعیة ، فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذی ، وأصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرّة ، کما حکی عن بعضٍ الأفاضل (1) ، ولا یکون ها هنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو

ص: 410


1- هو الفاضل النراقی فی مناهج الأحکام و الأصول / 242 ، فی الفائدة الأولی من فوائد ذکرها ذیل

النجاسة.

الخامس : إنّه کما لا إشکال فیما إذا کان المتیقن حکماً فعلّیاً مطلقاً ، لا ینبغی الإِشکال فیما إذا کان مشروطاً معلّقاً ، فلو شک فی مورد لأجل طروء بعضٍ الحالات علیه فی بقاء أحکامه ، ففیما صحّ استصحاب أحکامه المطلقة صحّ استصحاب أحکامه المعلقة ، لعدم الاختلال بذلک فیما اعتبر فی قوام الاستصحاب من الیقین ثبوتاً والشک بقاء.

وتوهمّ (1) إنّه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق علیه فاختل أحد رکنیه فاسد ، فإن المعلّق قبله إنّما لا یکون موجوداً فعلاً ، لا إنّه لا یکون موجوداً أصلاً ، ولو بنحو التعلیق ، کیف؟ والمفروض إنّه مورد فعلاً للخطاب بالتحریم - مثلاً - أو الإِیجاب ، فکان علی یقین منه قبل طروء الحالة فیشک فیه بعده ، ولا یعتبر فی الاستصحاب إلّا الشک فی بقاء شیء کان علی یقین من ثبوته ، واختلاف نحو ثبوته لا یکاد یوجب تفاوتاً فی ذلک.

وبالجملة : یکون الاستصحاب متمّماً لدلالة الدلیل علی الحکم فیما أهمل أو أجمل ، کان الحکم مطلقاً أو معلّقاً ، فببرکته یعم الحکم للحالة الطارئة اللاحقة کالحالة السابقة ، فیحکم - مثلاً - بأنّ العصیر الزبیبی یکون علی ما کان علیه سابقاً فی حال عنبیّته ، من أحکامه المطلقة والمعلقة لو شک فیها ، فکما یحکم ببقاء ملکیته یحکم بحرمته علی تقدیر غلیإنّه.

إن قلت : نعم ، ولکنه لا مجال لاستصحاب المعلّق لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق ، فیعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصیر

ص: 411


1- راجع المناهل للسید المجاهد / 652.

باستصحاب حلّیّته المطلقة.

قلت : لا یکاد یضر استصحابه علی نحو کان قبل عروض الحالة التی شک فی بقاء حکم المعلّق بعده ؛ ضرورة إنّه کان مغیّاً بعدم ما علق علیه المعلّق ، وما کان کذلک لا یکاد یضر ثبوته بعده بالقطع فضلاً عن الاستصحاب ؛ لعدم المضادّة بینهما ، فیکونان بعد عروضها بالاستصحاب کما کانا معاً بالقطع قبل بلا منافاة أصلاً ، وقضیة ذلک انتفاء الحکم (1)المطلق بمجرد ثبوت ما علّق علیه المعلّق ، فالغلیان فی المثال کما کان شرطاً للحرمة کان غایة للحلیة ، فإذا شک فی حرمته المعلّقة بعد عروض حالة علیه ، شک فی حلّیّته المغیّاة لا محالة أیضاً ، فیکون الشک فی حلّیته أو حرمته فعلاً بعد عروضها متّحداً خارجاً مع الشک فی بقائه علی ما کان علیه من الحلّیة والحرمة بنحو کانتا علیه ، فقضیّة استصحاب حرمته المعلّقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حلّیته المغیّاة حرمته فعلاً بعد غلیإنّه وانتفاء حلیته ، فإنّه قضیة نحو ثبوتهما کان بدلیلهما أو بدلیل الاستصحاب ، کما لا یخفی بأدنی التفات علی ذوی الألباب ، فالتفت ولا تغفل (2)

السادس : لا فرق أیضاً بین أن یکون المتیقّن من أحکام هذه الشریعة أو الشریعة السابقة ، إذا شک فی بقائه وارتفاعه بنسخه فی هذه الشریعة ، لعموم أدلّة الاستصحاب ، وفساد توهّم اختلال أرکإنّه فیما کان

ص: 412


1- فی « ب » حکم المطلق.
2- کی لا تقول فی مقام التفصی عن إشکال المعارضة : إن الشک فی الحلیّة فعلاً بعد الغلیان یکون مسبّباً عن الشک فی الحرمة المعلَّقة ، فیشک بإنّه لا ترتّب بینهما عقلاً ولا شرعاً ، بل بینهما ملازمة عقلاً ، لما عرفت من أن الشک فی الحلیّة أو الحرمة الفعلیین بعده متحد مع الشک فی بقاء حرمته وحلیته المعلقة ، وأنّ قضیة الاستصحاب حرمته فعلاً ، وانتفاء حلّیته بعد غلیإنّه ، فإن حرمته کذلک وأنّ کان لازماً عقلاً لحرمته المعلقة المستصحبة ، إلّا إنّه لازم لها ، کان ثبوتها بخصوص خطاب ، أو عموم دلیل الاستصحاب ، فافهم منه ( قدس سره ).

المتیقّن من أحکام الشریعة السابقة لا محالة ، إمّا لعدم الیقین بثبوتها فی حقّهم ، وأنّ علم بثبوتها سابقاً فی حق آخرین ، فلا شک فی بقائها أیضاً ، بل فی ثبوت مثلها ، کما لا یخفی ، وإمّا للیقین بارتفاعها بنسخ الشریعة السابقة بهذه الشریعة ، فلا شک فی بقائها حینئذ ، ولو سلّم الیقین بثبوتها فی حقّهم ؛ وذلک لأنّ الحکم الثابت فی الشریعة السابقة حیث کان ثابتاً لافراد المکلف ، کانت محقّقة وجوداً أو مقدّرة ، کما هو قضیة القضایا المتعارفة المتداولة ، وهی قضایا حقیقیة ، لا خصوص الأفراد الخارجیة ، کما هو قضیة القضایا الخارجیة ، وإلاّ لما صحّ الاستصحاب فی الأحکام الثابتة فی هذه الشریعة ، ولا النسخ بالنسبة إلی غیر الموجود فی زمان ثبوتها ، کان الحکم فی الشریعة السابقة ثابتاً لعامة أفراد المکلف ممّن وجد أو یوجد ، وکان (1) الشک فیه کالشک فی بقاء الحکم الثابت فی هذه الشریعة لغیر من وجد فی زمان ثبوته ، والشریعة السابقة وأنّ کانت منسوخة بهذه الشریعة یقیناً ، إلّا إنّه لا یوجب الیقین بارتفاع أحکامها بتمامها ، ضرورة أن قضیة نسخ الشریعة لیس ارتفاعها کذلک ، بل عدم بقائها بتمامها ، والعلم إجمالاً بارتفاع بعضها إنّما یمنع عن استصحاب ما شک فی بقائه منها ، فیما إذا کان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالاً ، لا فیما إذا لم یکن من أطرافه ، کما إذا علم بمقداره تفصیلا ، أو فی موارد لیس المشکوک منها ، وقد علم بارتفاع ما فی موارد الأحکام الثابتة فی هذه الشریعة.

ثم لا یخفی إنّه یمکن إرجاع ما أفاده شیخنا العلامة (2) - أعلی الله فی الجنان

ص: 413


1- فی کفایة الیقین بثبوته ، بحیث لو کان باقیا ولم ینسخ لعمه ، ضرورة صدق إنّه علی یقین منه ، فشک فیه بذلک ، ولزوم الیقین بثبوته فی حقه سابقاً بلا ملزم. وبالجملة : قضیة دلیل الاستصحاب جریإنّه لاثبات حکم السابق للاحق وإسرائه إلیه فیما کان یعمه ویشمله ، لولا طروء حالة معها یحتمل نسخه ورفعه ، وکان دلیله قاصراً عن شمولها ، من دون لزوم کونه ثابتا له قبل طروئها أصلاً ، کما لا یخفی ( منه قدس سره ).
2- فرائد الأصول / 381 ، عند قوله : وثانیاً ان اختلاف الأشخاص .. الخ.

مقامه - فی ذب إشکال (1) تغایر الموضوع فی هذا الاستصحاب من الوجه الثّانی إلی ما ذکرنا ، لا ما یوهمه ظاهر کلامه ، من أن الحکم ثابت للکلیّ ، کما أن الملکیة له فی مثل باب الزکاة والوقف العام ، حیث لا مدخل للأشخاص فیها ؛ ضرورة أن التکلیف والبعث أو الزجر لا یکاد یتعلّق به کذلک ، بل لا بدّ من تعلقه بالأشخاص ، وکذلک الثواب أو العقاب المترتّب علی الطاعة أو المعصیة ، وکأنّ غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم أشخاص خاصة ، فافهم.

وأما ما أفاده من الوجه الأوّل (2)، فهو وأنّ کان وجیها بالنسبة إلی جریان الاستصحاب فی حقّ خصوص المدرک للشریعتین ، إلّا إنّه غیر مجد فی حق غیره من المعدومین ، ولا یکاد یتمّ الحکم فیهم ، بضرورة اشتراک أهل الشریعة الواحدة أیضاً ، ضرورة أن قضیة الاشتراک لیس إلّا أن الاستصحاب حکم کلّ من کان علی یقین فشک ، لا إنّه حکم الکلّ ولو من لم یکن کذلک بلا شک ، وهذا واضح.

السابع : لا شبهة فی أن قضیة أخبار الباب هو إنشاءً حکم مماثل للمستصحب فی إستصحاب الأحکام ، ولأحکامه فی استصحاب الموضوعاًت ، کما لا شبهة فی ترتیب ما للحکم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعیة والعقلیة ، وإنما الإِشکال فی ترتیب الآثار الشرعیة المترتبة علی المستصحب بواسطة غیر شرعیة عادیة کانت أو عقلیة ، ومنشؤه أن مفاد الأخبار : هل هو تنزیل المستصحب والتعبد به وحده؟ بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة ، أو تنزیله بلوازمه العقلیة أو العادیة؟ کما هو الحال فی تنزیل مؤدیات الطرق والأمارات ، أو بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطة؟ بناءً علی

ص: 414


1- الصحیح ما أثبتناه خلافاً لما فی النسخ.
2- فرائد الأصول / 381 ، عند قوله : وفیه أوّلاً .. الخ.

صحة التنزیل (1) بلحاظ أثر الواسطة أیضاً لأجل أن أثر الأثر أثر.

وذلک لأن مفادها لو کان هو تنزیل الشیء وحده بلحاظ أثر نفسه ، لم یترتب علیه ما کان مترتباً علیها ، لعدم إحرازها حقیقة ولا تعبداً ، ولا یکون تنزیله بلحاظه ، بخلاف ما لو کان تنزیله بلوازمه ، أو بلحاظ ما یعم آثارها ، فإنّه یترتب باستصحابه ما کان بوساطتها.

والتحقیق : أن الأخبار إنّما تدلّ علی التعبد بما کان علی یقین منه فشک ، بلحاظ ما لنفسه من آثاره وأحکامه ، ولا دلالة لها بوجه علی تنزیله بلوازمه التی لا یکون کذلک ، کما هی محلّ ثمرة الخلاف ، ولا علی تنزیله بلحاظ ماله مطلقاً ولو بالواسطة ، فإن المتیقن إنّما هو لحاظ آثار نفسه ، وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناک علی لحاظها أصلاً ، وما لم یثبت لحاظها بوجه أیضاً لما کان وجه لترتیبها علیه باستصحابه ، کما لا یخفی.

نعم لا یبعد ترتیب خصوص ما کان محسوباً بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته ، بدعوی أن مفاد الأخبار عرفاً ما یعمه أیضاً حقیقة ، فافهم.

کما لا یبعد ترتیب ما کان بوساطة ما لا یمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً ، کما لا تفکیک بینهما واقعاً ، أو بوساطة ما لأجل وضوح

ص: 415


1- ولکن الوجه عدم صحة التنزیل بهذا اللحاظ ، ضرورة إنّه ما یکون شرعاً لشیء من الأثر لا دخل له بما یستلزمه عقلاً أو عادةً ، وحدیث أثر الأثر أثر وأنّ کان صادقاً إلّا إنّه إذا لم یکن الترتب بین الشیء وأثره وبینه وبین مؤثره مختلفاً ، وذلک ضرورة إنّه لا یکاد یعد الأثر الشرعی لشیء أثراً شرعیاً لما یستلزمه عقلاً أو عادةً أصلاً ، لا بالنظر الدقیق العقلی ولا النظر المسامحی العرفی ، إلّا فیما عد أثر الواسطة أثرا لذیها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بینهما ، بحیث عدا شیئاً واحداً ذا وجهین ، وأثر أحدهما أثر الاثنین ، کما یأتی الإِشارة إلیه ، فافهم منه ( قدس سره ). ص: 415

لزومه له ، أو ملازمته معه بمثابة عد أثره أثراً لهما ، فإن عدم ترتیب مثل هذا الأثر علیه یکون نقضاً لیقینه بالشک أیضاً ، بحسب ما یفهم من النهی عن نقضه عرفاً ، فافهم.

ثم لا یخفی وضوح الفرق بین الاستصحاب وسائر الأُصول التعبدیة وبین الطرق والأمارات ، فإن الطریق أو الامارة حیث إنّه کما یحکی عن المؤدّی ویشیر إلیه ، کذا یحکی عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ویشیر إلیها ، کان مقتضی إطلاق دلیل اعتبارها لزوم تصدیقها فی حکایتها ، وقضیته حجیة المثبت منها کما لا یخفی ، بخلاف مثل دلیل الاستصحاب ، فإنّه لا بدّ من الاقتصار مما فیه من الدلالة علی التعبد بثبوته ، ولا دلالة له إلّا علی التعبد بثبوت المشکوک بلحاظ أثره ، حسبما عرفت فلا دلالة له علی اعتبارٍ المثبت منه ، کسائر الأصول التعبدیة ، إلّا فیما عدّ أثر الواسطة أثراً له لخفائها ، أو لشدة وضوحها وجلائها ، حسبما حققناه.

الثامن : إنّه لا تفاوت فی الأثر المترتب علی المستصحب ، بین أن یکون مترتباً علیه بلا وساطة شیء ، أو بوساطة عنوان کلی ینطبق ویحمل علیه بالحمل الشائع ویتحد معه وجوداً ، کان منتزعاً عن مرتبة ذاته ، أو بملاحظة بعضٍ عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضمیمة ، فإن الأثر فی الصورتین إنّما یکون له حقیقة ، حیث لا یکون بحذاء ذلک الکلی فی الخارج سواه ، لغیره مما کان مبایناً معه ، أو من أعراضه مما کان محمولاً علیه بالضمیمة کسواده مثلاً أو بیاضه ، وذلک لأن الطبیعی إنّما یوجد بعین وجود فرده ، کما أن العرضی کالملکیة والغصبیة ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنی وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد أو منشأ الانتزاع فی الخارج هو عین ما رتب علیه الأثر ، لا شیء آخر ، فاستصحابه لترتیبه لا یکون بمثبت کما توهّم (1)

ص: 416


1- المتوهم هو الشیخ (ره) فی الأمر السادس من تنبیهات الاستصحاب عند قوله لا فرق فی الأمر العادی … الخ فرائد الأصول / 384.

وکذا لا تفاوت فی الأثر المستصحب أو المترتب علیه ، بین أن یکون مجعولاً شرعاً بنفسه کالتکلیف وبعض أنحاء الوضع ، أو بمنشأ انتزاعه کبعض أنحائه کالجزئیة والشرطیة والمانعیة ، فإنّه أیضاً مما تناله ید الجعل شرعاً ویکون أمره بید الشارع وضعاً ورفعاً ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه.

ولا وجه لاعتبار أن یکون المترتب أو المستصحب مجعولاً مستقلاً کما لا یخفی ، فلیس استصحاب الشرط أو المانع لترتیب الشرطیّة أو المانعیة بمثبت ، کما ربما توهّم (1) بتخیل أن الشرطیّة أو المانعیة لیست من الآثار الشرعیة ، بل من الأمور الانتزاعیة ، فافهم.

وکذا لا تفاوت فی المستصحب أو المترتب بین أن یکون ثبوت الأثر ووجوده ، أو نفیه وعدمه ، ضرورة أن أمر نفیه بید الشارع کثبوته. وعدم إطلاق الحکم علی عدمه غیر ضائر ، إذ لیس هناک ما دلّ علی اعتباره بعد صدق نقض الیقین بالشک برفع الید عنه کصدقه برفعها من طرف ثبوته کما هو واضح ؛ فلا وجه للإشکال فی الاستدلال علی البراءة باستصحاب البراءة من التکلیف ، وعدم المنع عن الفعل بما فی الرسالة (2) ، من أن عدم استحقاق العقاب فی الآخرة لیس من اللوازم المجعولة الشرعیة ، فإن عدم استحقاق العقوبة وأنّ کان غیر مجعول ، إلّا إنّه لا حاجة إلی ترتیب أثر مجعول فی استصحاب عدم المنع ، وترتب عدم الاستحقاق مع کونه عقلّیاً علی استصحابه ، إنّما هو لکونه لازم مطلق عدم المنع ولو فی الظاهر ، فتأمل.

التاسع : إنّه لا یذهب علیک أن عدم ترتب الأثر الغیر الشرعی ولا

ص: 417


1- المتوهم هو الشیخ (ره) فی القول السابع فی الاستصحاب ، عند قوله أن الثّانی مفهوم منتزع الخ فرائد الأُصول / 351.
2- هذا مفاد کلام الشیخ فی التمسک باستصحاب البراءة فی ادلة اصل البراءة ، فرائد الأصول / 204.

الشرعی بوساطة غیره من العادی أو العقلی بالاستصحاب ، إنّما هو بالنسبة إلی ما للمستصحب واقعاً ، فلا یکاد یثبت به من آثاره إلّا أثره الشرعی الذی کان له بلا واسطة ، أو بوساطة أثر شرعی آخر ، حسبما عرفت فیما مرّ (1) ، لا بالنسبة إلی ما کان للأثر الشرعی مطلقاً ، کان بخطاب الاستصحاب أو بغیره من أنحاء الخطاب ، فإن آثاره الشرعیة کانت أو غیرها یترتب علیه إذا ثبت ولو بأن یستصحب ، أو کان من آثار المستصحب ، وذلک لتحقق موضوعها حینئذ حقیقة ، فما للوجوب عقلاً یترتب علی الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه ، من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلی غیر ذلک ، کما یترتب علی الثابت بغیر الاستصحاب ، بلا شبهة ولا ارتیاب ، فلا تغفل.

العاشر : إنّه قد ظهر مما مرّ (2) لزوم أن یکون المستصحب حکماً شرعیاً أو ذا حکم کذلک ، لکنه لا یخفی إنّه لابد أن یکون کذلک بقاء ولو لم یکن کذلک ثبوتاً فلو لم یکن المستصحب فی زمان ثبوته حکماً ولا له أثر شرعاً وکان فی زمان استصحابه کذلک - أی حکماً أو ذا حکم - یصحّ استصحابه کما فی استصحاب عدم التکلیف ، فإنّه وأنّ لم یکن بحکم مجعول فی الأزل ولا ذا حکم ، إلّا إنّه حکم مجعول فیما لا یزال ، لما عرفت من أن نفیه کثبوته فی الحال مجعول شرعاً ، وکذا استصحاب موضوع لم یکن له حکم ثبوتاً ، أو کان ولم یکن حکمه فعلیاً وله حکم کذلک بقاءً ، وذلک لصدق نقض الیقین بالشک علی رفع الید عنه والعمل ، کما إذا قطع بارتفاعه یقیناً ، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتاً فیه وفی تنزیلها بقاء ، فتوهم اعتبارٍ الأثر سابقاً - کما ربما یتوهمه الغافل من اعتبارٍ کون المستصحب حکماً أو ذا حکم - فاسد قطعاً ، فتدبرّ جیداً.

ص: 418


1- راجع التنبیه السابع ، ص 413.
2- المصدر المتقدم.

الحادی عشر : لا إشکال فی الاستصحاب فیما کان الشک فی أصل تحقق حکم أو موضوع.

وأما إذا کان الشک فی تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه فی زمان :

فإن لو حظ بالإضافة إلی أجزاء الزمان ، فکذا لا إشکال فی استصحاب عدم تحققه فی الزمان الأوّل ، وترتیب آثاره ؛ لا آثار تأخره عنه ، لکونه بالنسبة إلیه مثبتاً إلّا بدعوی خفاء الواسطة ، أو عدم التفکیک فی التنزیل بین عدم تحققه إلی زمان وتأخره عنه عرفاً ، کما لا تفکیک بینهما واقعاً ، ولا آثار حدوثه فی الزمان الثّانی ، فإنّه نحو وجود خاص ، نعم لا بأس بترتیبها بذا ک الاستصحاب ، بناءً علی إنّه عبارة عن أمر مرکب من الوجود فی الزمان اللاحق وعدم الوجود فی السابق.

وإن لو حظ بالإضافة إلی حادث آخر علم بحدوثه أیضاً ، وشک فی تقدم ذاک علیه وتأخره عنه ، کما إذا علم بعروض حکمین أو موت متوارثین ، وشک فی المتقدم والمتأخر منهما ، فإن کانا مجهولی التاریخ :

فتارة کان الأثر الشرعی لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ، لا للآخر ولا له بنحو آخر ، فاستصحاب عدمه صار بلا معارض ، بخلاف ما إذا کان الأثر لوجود کلّ منهما کذلک ، أو لکلّ من أنحاء وجوده ، فإنّه حینئذ یعارض ، فلا مجال لاستصحاب العدم فی واحد ، للمعارضة باستصحاب العدم فی آخر ، لتحقق أرکإنّه فی کلّ منهما. هذا إذا کان الأثر المهمّ مترتباً علی وجوده الخاص الذی کان مفاد کان التامة.

وأما إن کان مترتباً علی ما إذا کان متصفاً بالتقدم ، أو بأحد ضدیه الذی کان مفاد کان الناقصة ، فلا مورد ها هنا للاستصحاب ، لعدم الیقین السابق فیه ، بلا ارتیاب.

وأخری کان الأثر لعدم أحدهما فی زمان الآخر ، فالتحقیق إنّه أیضاً لیس

ص: 419

بمورد للاستصحاب ، فیما کان الأثر المهمّ مترتباً علی ثبوته [ للحادث ، بأن یکون الأثر الحادث ] (1) المتصف بالعدم فی زمان حدوث الآخر لعدم الیقین بحدوثه کذلک فی زمان ، [ بل قضیة الاستصحاب عدم حدوثه کذلک ، کما لا یخفی ] (2). وکذا فیما کان مترتباً علی نفس عدمه فی زمان الآخر واقعاً ، وأنّ کان علی یقین منه فی آن قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما ، لعدم إحراز اتصال زمان شکه وهو زمان حدوث الآخر بزمان یقینه ، لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به.

وبالجملة (3) کان بعد ذاک الآن الذی قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما زمانان : أحدهما زمان حدوثه ، والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذی یکون ظرفا للشک فی إنّه فیه أو قبله ، وحیث شک فی أن أیّهما مقدم وأیّهما مؤخر لم یحرز اتصال زمان الشک بزمان الیقین ، ومعه لا مجال للاستصحاب حیث لم یحرز معه کون رفع الید عن الیقین بعدم حدوثه بهذا الشک من نقض الیقین بالشک.

لا یقال : لا شبهة فی اتصال مجموع الزمانین بذاک الآن ، وهو بتمامه زمان الشک فی حدوثه لاحتمال تأخره علی الآخر ، مثلاً إذا کان علی یقین من عدم حدوث واحد منهما فی ساعة ، وصار علی یقین من حدوث أحدهما بلا تعیین فی ساعة أُخری بعدها ، وحدوث الآخر فی ساعة ثالثة ، کان زمان الشک فی حدوث کلّ منهما تمام الساعتین لا خصوص أحدهما ، کما لا یخفی.

ص: 420


1- 1. جاءت العبارة فی نسخة « أ » وحذفت من « ب ».
2- 2. أثبتنا الزیادة من « ب ».
3- 3. وأنّ شئت قلت : إن عدمه الأزلی المعلوم قبل الساعتین ، وأنّ کان فی الساعة الأولی منهما مشکوکاً ، إلّا إنّه حسب الفرض لیس موضوعاً للحکم والأثر ، وإنما الموضوع هو عدمه الخاص ، وهو عدمه فی زمان حدوث الآخر المحتمل کونه الساعة الأُولی المتصلة بزمان یقینه ، أو الثانیة المنفصلة عنه ، فلم یحرز اتصال زمان شکه بزمان یقینه ، ولابد منه فی صدق : لا تنقض الیقین بالشک ، فاستصحاب عدمه إلی الساعة الثانیة لا یثبت عدمه فی زمان حدوث الآخر إلّا علی الأصل المثبت فیما دار الأمر بین التقدم والتأخر ، فتدبرّ ، منه ( قدس سره ).

فإنّه یقال : نعم ، ولکنه إذا کان بلحاظ إضافته إلی أجزاء الزمان ، والمفروض إنّه لحاظ إضافته إلی الآخر ، وإنّه حدث فی زمان حدوثه وثبوته أو قبله ، ولا شبهة أن زمان شکه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتین.

فانقدح إنّه لا مورد ها هنا للاستصحاب لاختلال أرکإنّه لا إنّه مورده ، وعدم جریإنّه إنّما هو بالمعارضة ، کی یختص بما کان الأثر لعدم کلّ فی زمان الآخر ، وإلاّ کان الاستصحاب فیما له الأثر جاریاً.

وأما لو علم بتاریخ أحدهما ، فلا یخلو أیضاً امّا یکون الأثر المهمّ مترتباً علی الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن ، فلا إشکال فی استصحاب عدمه ، لو لا المعارضة باستصحاب العدم فی طرف الآخر أو طرفه ، کما تقدم.

وإما یکون مترتباً علی ما إذا کان متصفاً بکذا ، فلا مورد للاستصحاب أصلاً ، لا فی مجهول التاریخ ولا فی معلومه کما لا یخفی ، لعدم الیقین بالاتصاف به سابقاً فیهما.

وإما یکون مترتباً علی عدمه الذی هو مفاد لیس التامة فی زمان الآخر ، فاستصحاب العدم فی مجهول التاریخ منهما کان جاریاً ، لاتصال زمان شکه بزمان یقینه ، دون معلومه لانتفاء الشک فیه فی زمان ، وإنما الشک فیه بإضافة زمإنّه إلی الآخر ، وقد عرفت جریإنّه فیهما تارةً وعدم جریإنّه کذلک أُخری.

فانقدح إنّه لا فرق بینهما ، کان الحادثان مجهولی التاریخ أو کانا مختلفین ، ولا بین مجهوله ومعلومه فی المختلفین ، فیما اعتبر فی الموضوع خصوصیة ناشیء ة من إضافة أحدهما إلی الآخر بحسب الزمان من التقدم ، أو أحد ضدیه وشک فیها ، کما لا یخفی.

کما انقدح إنّه لا مورد للاستصحاب أیضاً فیما تعاقب حالتان متضادتان

ص: 421

کالطهارة والنجاسة ، وشک فی ثبوتهما وانتفائهما ، للشک فی المقدم والمؤخر منهما ، وذلک لعدم إحراز الحالة السابقة المتیقنة المتصلة بزمان الشک فی ثبوتهما ، وترددها بین الحالتین ، وإنّه لیس من تعارض الاستصحابین ، فافهم وتأملّ فی المقام فإنّه دقیق.

الثانی عشر : إنّه قد عرفت (1) أن مورد الاستصحاب لابد أن یکون حکماً شرعیاً أو موضوعاً لحکم کذلک ، فلا إشکال فیما کان المستصحب من الأحکام الفرعیة ، أو الموضوعاًت الصرفة الخارجیة ، أو اللغویة إذا کانت ذات احکام شرعیة.

وأما الأمور الاعتقادیة التی کان المهمّ فیها شرعاً هو الانقیاد والتسلیم والاعتقاد بمعنی عقد القلب علیها من الأعمال القلبیة الاختیاریة ، فکذا لا إشکال فی الاستصحاب فیها حکماً وکذا موضوعاً ، فیما کان هناک یقین سابق وشک لاحق ، لصحة التنزیل وعموم الدلیل ، وکونه أصلاً عملیا إنّما هو بمعنی إنّه وظیفة الشک تعبّداً ، قبالاً للأمارات الحاکیة عن الواقعیات ، فیعم العمل بالجوانح کالجوارح ، وأما التی کان المهمّ فیها شرعاً وعقلاً هو القطع بها ومعرفتها ، فلا مجال له موضوعاً ویجری حکماً ، فلو کان متیقنا بوجوب تحصیل القطع بشیء - کتفاصیل القیامة - فی زمان وشک فی بقاء وجوبه ، یستصحب.

وأما لو شک فی حیاة إمام زمانٍ مثلاً فلا یستصحب ، لأجل ترتیب لزوم معرفة إمام زمإنّه ، بل یجب تحصیل الیقین بموته أو حیاته مع إمکانه ، ولا یکاد یجدی فی مثل وجوب المعرفة عقلاً أو شرعاً ، إلّا إذا کان حجة من باب إفادته الظن وکان المورد مما یکتفی به أیضاً ، فالاعتقادیات کسائر الموضوعاًت لابد فی جریإنّه فیها من أن یکون فی المورد أثر شرعی ، یتمکن من موافقته مع بقاء الشک فیه ، کان ذاک متعلقاً بعمل الجوارح أو الجوانح.

ص: 422


1- فی التنبیه السابع / ص 413.

وقد انقدح بذلک إنّه لا مجال له فی نفس النبوّة ، إذا کانت ناشیء ة من کمال النفس بمثابة یوحی إلیها ، وکانت لازمة لبعض مراتب کمالها ، امّا لعدم الشک فیها بعد اتصاف النفس بها ، أو لعدم کونها مجعولة بل من الصفات الخارجیة التکوینیة ، ولو فرض الشک فی بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلک المرتبة وعدم بقائها بتلک المثابة ، کما هو الشأن فی سائر الصفات والملکات الحسنة الحاصلة بالریاضات والمجاهدات ، وعدم أثر شرعی مهم لها یترتب علیها باستصحابها.

نعم لو کانت النبوّة من المناصب المجعولة وکانت کالولایة ، وأنّ کان لابد فی إعطائها من أهلیّة وخصوصیّة یستحق بها لها ، لکانت مورداً للاستصحاب بنفسها ، فیترتب علیها آثارها ولو کانت عقلیة بعد استصحابها ، لکنه یحتاج إلی دلیل کان هناک غیر منوط بها ، وإلاّ لدار ، کما لا یخفی.

وأما استصحابها بمعنی استصحاب بعضٍ أحکام شریعة من اتّصف بها ، فلا إشکال فیها کما مرّ (1).

ثم لا یخفی أن الاستصحاب لا یکاد یلزم به الخصم ، إلّا إذا اعترف بإنّه علی یقین فشک ، فیما صحّ هناک التعبّد والتنزیل ودل علیه الدلیل ، کما لا یصحّ أن یقنع به إلّا مع الیقین والشک والدلیل علی التنزیل.

ومنه انقدح إنّه لا موقع لتشبّث الکتابی باستصحاب نبوّة موسی أصلاً ، لا إلزاماً للمسلم ، لعدم الشک فی بقائها قائمة بنفسه المقدسة ، والیقین بنسخ شریعته ، وإلاّ لم یکن بمسلم ، مع إنّه لا یکاد یلزم به ما لم یعترف بإنّه علی یقین وشک ؛ ولا اقناعاً مع الشک ، للزوم معرفة النبی بالنظر إلی حالاته ومعجزاته عقلاً ، وعدم الدلیل علی التعبد بشریعته لا عقلاً ولا شرعاً ، والاتکال علی قیامه فی شریعتنا لا یکاد یجدیه إلّا علی نحو محال ؛ ووجوب العمل بالاحتیاط عقلاً فی حال

ص: 423


1- فی التنبیه السادس / ص 411.

عدم المعرفة بمراعاة الشریعتین ما لم یلزم منه الاختلال ، للعلم بثبوت إحداهما علی الإِجمال ، إلّا إذا علم بلزوم البناء علی الشریعة السابقة ما لم یعلم الحال.

الثالث عشر : إنّه لا شبهة فی عدم جریان الاستصحاب فی مقام مع دلالة مثل العام ، لکنه ربما یقع الإِشکال والکلام فیما إذا خصّص فی زمان فی أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسک بالعام.

والتحقیق أن یقال : إن مفاد العام ، تارةً یکون - بملاحظة الزمان - ثبوت حکمه لموضوعه علی نحو الاستمرار والدوام ، وأخری علی نحو جعل کلّ یوم من الأیام فرداً لموضوع ذاک العام. وکذلک مفاد مخصصه ، تارةً یکون علی نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حکمه ودوامه ، وأُخری علی نحو یکون مفرداً ومأخوذاً فی موضوعه.

فإن کان مفاد کلّ من العام والخاص علی النحو الأوّل ، فلا محیص عن استصحاب حکم الخاص فی غیر مورد دلالته ، لعدم دلالة للعام علی حکمه ، لعدم دخوله علی حدة فی موضوعه ، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدالّ علی ثبوت الحکم له فی الزمان السابق ، من دون دلالته علی ثبوته فی الزمان اللاحق ، فلا مجال إلّا لاستصحابه.

نعم لو کان الخاص غیر قاطع لحکمه ، کما إذا کان مخصصاً له من الأوّل ، لما ضرَّ به فی غیر مورد دلالته ، فیکون أول زمان استمراد حکمه بعد زمان دلالته ، فیصحّ التمسک ب ( أَوْفُوا بِالْعُقُود ِ ) (1) ولو خصّص بخیار المجلس ونحوه ، ولا یصحّ التمسک به فیما إذا خصص بخیار لا فی أولّه ، فافهم.

وإن کان مفادهما علی النحو الثّانی ، فلا بدّ من التمسک بالعام بلا کلام ،

ص: 424


1- سورة المائدة : الآیة 1.

لکون موضوع الحکم بلحاظ هذا الزمان من أفراده ، فله الدلالة علی حکمه ، والمفروض عدم دلالة الخاص علی خلافه.

وإن کان مفاد العام علی النحو الأوّل والخاص علی النحو الثّانی ، فلا مورد للاستصحاب ، فإنّه وأنّ لم یکن هناک دلالة أصلاً ، إلّا أن انسحاب الحکم الخاص إلی غیر مورد دلالته من إسراء حکم موضوع إلی آخر ، لا استصحاب حکم الموضوع ، ولا مجال أیضاً للتمسک بالعام لما مرّ آنفاً ، فلا بدّ من الرجوع إلی سائر الأصول.

وإن کان مفادهما علی العکس کان المرجع هو العام ، للاقتصار فی تخصیصه بمقدار دلالة الخاص ، ولکنه لولا دلالته لکان الاستصحاب مرجعاً ، لما عرفت من أن الحکم فی طرف الخاص قد أخذ علی نحو صحّ استصحابه ؛ فتأمل تعرف أن إطلاق کلام (1) شیخنا العلامة ( أعلی الله مقامه ) فی المقام نفیاً وإثباتاً فی غیر محله.

الرابع عشر : الظاهر أن الشک فی أخبار الباب وکلمات الأصحاب هو خلاف الیقین ، فمع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن بالوفاق یجری الاستصحاب. ویدل علیه - مضافاً إلی إنّه کذلک لغةً کما فی الصحاح ، وتعارف استعماله فیه فی الإخبار فی غیر باب - قوله علیه السلام فی أخبار الباب : ( ولکن تنقصه بیقین آخر ) حیث إنّ ظاهره إنّه فی بیان تحدید ما ینقض به الیقین وإنّه لیس إلّا الیقین ، وقوله أیضاً : ( لا حتی یستیقن إنّه قد نام ) بعد السؤال عنه علیه السلام عمّا ( إذا حرک فی جنبه شیء وهو لا یعلم ) حیث دلّ بإطلاقه مع ترک الاستفصال بین ما إذا أفادت هذه الامارة الظن ، وما إذا لم تفد ، بداهة إنّها لو لم تکن مفیدة له دائماً لکانت مفیدة له أحیاناً ، علی عموم النفی لصورة الإِفادة ، وقوله علیه السلام بعده : ( ولا تنقض الیقین بالشک ) أن الحکم فی المغیّا مطلقاً هو عدم نقض الیقین بالشک ، کما لا

ص: 425


1- راجع الأمر العاشر من تنبیهات الاستصحاب ، فرائد الأصول / 395.

یخفی.

وقد استدل علیه أیضاً بوجهین آخرین :

الأول (1) : الإجماع القطعی علی اعتبارٍ الاستصحاب مع الظن بالخلاف علی تقدیر اعتباره من باب الإخبار.

وفیه : إنّه لا وجه لدعواه ولو سلّم اتفاق الأصحاب علی الاعتبار ، لاحتمال أن یکون ذلک من جهة ظهور دلالة الإخبار علیه.

الثانی (2) : إن الظن الغیر المعتبر ، إن علم بعدم اعتباره بالدلیل ، فمعناه أن وجوده کعدمه عند الشارع ، وأنّ کلما یترتب شرعاً علی تقدیر عدمه فهو المترتب علی تقدیر وجوده ، وأنّ کان مما شک فی اعتباره ، فمرجع رفع الید عن الیقین بالحکم الفعلّی السابق بسببه إلی نقض الیقین بالشک ، فتأمل جیداً.

وفیه : إن قضیة عدم اعتباره لإلغائه أو لعدم الدلیل علی اعتباره لا یکاد یکون إلّا عدم إثبات مظنونه به تعبداً ، لیترتب علیه آثاره شرعاً ، لا ترتیب آثار الشک مع عدمه ، بل لابد حینئذ فی تعیین أن الوظیفة أیّ أصل من الأُصول العملیة من الدلیل ، فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه علی اعتبارٍ الاستصحاب فلابد من الانتهاء إلی سائر الأُصول بلا شبهة ولا ارتیاب ، ولعله أُشیر إلیه بالأمر بالتأمل (3) ، فتأمل جیداً.

تتمة : لا یذهب علیک إنّه لا بدّ فی الاستصحاب من بقاء الموضوع ، وعدم

ص: 426


1- هذا هو الوجه الأوّل فی استدلال الشیخ (ره) علی تعمیم الشک ، فی الأمر الثانی عشر من تنبیهات الاستصحاب ، فرائد الأصول / 389.
2- هذا هو الوجه الثالث فی استدلال الشیخ (ره) علی تعمیم الشک ، فی الأمر الثانی عشر من تنبیهات الاستصحاب ، فرائد الأصول / 398.
3- راجع فرائد الأصول ، الأمر الثّانی عشر من تنبیهات الاستصحاب / 389.

أمارة معتبرة هناک ولو علی وفاقه ، فها هنا مقامان :

المقام الأوّل : إنّه لا إشکال فی اعتبارٍ بقاء الموضوع بمعنی اتحاد القضیة المشکوکة مع المتیقنة موضوعاً ، کاتحادهما حکماً ، ضرورة إنّه بدونه لا یکون الشک فی البقاء بل فی الحدوث ، ولارفع الید عن الیقین فی محلّ الشک نقض الیقین بالشک ، فاعتبار البقاء بهذا المعنی لا یحتاج إلی زیادة بیان وإقامة برهان ، والاستدلال (1) علیه باستحالة انتقال العرض إلی موضوع آخر لتقوّمه بالموضوع وتشخصه به غریب ، بداهة أن استحالته حقیقة غیر مستلزم لاستحالته تعبداً ، والالتزام بآثاره شرعا.

وأما بمعنی إحراز وجود الموضوع خارجاً ، فلا یعتبر قطعاً فی جریإنّه لتحقق أرکإنّه بدونه ، نعم ربما یکون مما لابد منه فی ترتیب بعضٍ الآثار ، ففی استصحاب عدالة زید لا یحتاج إلی إحراز حیاته لجواز تقلیده ، وأنّ کان محتاجاً إلیه فی جواز الاقتداء به أو وجوب إکرامه أو الانفاق علیه.

وإنما الإِشکال کله فی أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف؟ أو بحسب دلیل الحکم؟ أو بنظر العقل؟ فلو کان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب فی الأحکام ، لقیام احتمال تغیّر الموضوع فی کلّ مقام شک فی الحکم بزوال بعضٍ خصوصیات موضوعه ، لاحتمال دخله فیه ، ویختص بالموضوعاًت ، بداهة إنّه إذا شک فی حیاة زید شک فی نفس ما کان علی یقین منه حقیقة ؛ بخلاف ما لو کان بنظر العرف أو بحسب لسان الدلیل ، ضرورة أن انتفاء بعضٍ الخصوصیات وإن کان موجباً للشک فی بقاء الحکم لاحتمال دخله فی موضوعه ، إلّا إنّه ربما لا یکون بنظر العرف ولا فی لسان الدلیل من مقوماته.

کما إنّه ربما لا یکون موضوع الدلیل بنظر العرف بخصوصه موضوعاً ، مثلاً

ص: 427


1- استدل به الشیخ (ره) فی خاتمة الاستصحاب ، فی شروط جریان الاستصحاب ، فرائد الأصول / 400.

إذا ورد ( العنب إذا غلی یحرم ) کان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفاً هو خصوص العنب ، ولکن العرف بحسب ما یرتکز فی أذهإنّهم ویتخیلونه من المناسبات بین الحکم وموضوعه ، یجعلون الموضوع للحرمة ما یعم الزبیب ویرون العنبیة والزبیبیة من حالاته المتبادلة ، بحیث لو لم یکن الزبیب محکوماً بما حکم به العنب ، کان عندهم من ارتفاع الحکم عن موضوعه ، ولو کان محکوماً به کان من بقائه ، ولا ضیر فی أن یکون الدلیل بحسب فهمهم علی خلاف ما ارتکز فی أذهإنّهم بسبب ما تخیلوه من الجهات والمناسبات فیما إذا لم تکن بمثابة تصلح قرینة علی صرفه عما هو ظاهر فیه.

ولا یخفی أن النقض وعدمه حقیقة یختلف بحسب الملحوظ من الموضوع ، فیکون نقضاً بلحاظ موضوع ، ولا یکون بلحاظ موضوع آخر ، فلابد فی تعیین أن المناط فی الاتحاد هو الموضوع العرفی أو غیره ، من بیان أن خطاب ( لا تنقض ) قد سیق بأی لحاظ؟.

فالتحقیق أن یقال : إن قضیة إطلاق خطاب ( لا تنقض ) هو أن یکون بلحاظ الموضوع العرفی ، لإنّه المنساق من الإِطلاق فی المحاورات العرفیة ومنها الخطابات الشرعیة ، فما لم یکن هناک دلالة علی أن النهی فیه بنظر آخر غیر ما هو الملحوظ فی محاوراتهم ، لا محیص عن الحمل علی إنّه بذاک اللحاظ ، فیکون المناط فی بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف ، وأنّ لم یحرز بحسب العقل أو لم یساعده النقل ، فیستصحب مثلاً ما ثبت بالدلیل للعنب إذا صار زبیباً ، لبقاء الموضوع واتحاد القضیتین عرفاً ، ولا یستصحب فیما لا اتحاد کذلک وأنّ کان هناک اتحاد عقلاً ، کما مرت الإِشارة إلیه فی القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی (1)، فراجع.

المقام الثّانی : إنّه لا شبهة فی عدم جریان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة

ص: 428


1- فی نهایة التنبیه الثالث / ص 406.

فی مورد ، وإنما الکلام فی إنّه للورود أو الحکومة أو التوفیق بین دلیل اعتبارها وخطابه.

والتحقیق إنّه للورود ، فإن رفع الید عن الیقین السابق بسبب أمارة معتبرة علی خلافه لیس من نقض الیقین بالشک بل بالیقین ، وعدم رفع الید عنه مع الأمارة علی وفقه لیس لأجل أن لا یلزم نقضه به ، بل من جهة لزوم العمل بالحجة.

لا یقال : نعم ، هذا لو أُخذ بدلیل الامارة فی مورده ، ولکنه لِمَ لا یؤخذ بدلیله ویلزم الأخذ بدلیلها؟

فإنّه یقال : ذلک إنّما هو لأجل إنّه لا محذور فی الأخذ بدلیلها بخلاف الأخذ بدلیله ، فإنّه یستلزم تخصیص دلیلها بلا مخصص إلّا علی وجه دائر ، إذ التخصیص به یتوقف علی اعتباره معها ، واعتباره کذلک یتوقف علی التخصیص به ، إذ لولاه لا مورد له معها ، کما عرفت آنفاً.

وأما حدیث الحکومة (1) فلا أصل له أصلاً ، فإنّه لا نظر لدلیلها إلی مدلول دلیله إثباتاً وبما هو مدلول الدلیل ، وأنّ کان د إلّا علی إلغائه معها ثبوتاً وواقعاً ، لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو کان علی خلافها ، کما أن قضیة دلیله إلغائها کذلک ، فإن کلاً من الدلیلین بصدد بیان ما هو الوظیفة للجاهل ، فیطرد کلّ منهما الآخر مع المخالفة ، هذا مع لزوم اعتباره معها فی صورة الموافقة ، ولا أظن أن یلتزم به القائل بالحکومة ، فافهم فإن المقام لا یخلو من دقة.

وأما التوفیق ، فإن کان بما ذکرنا فنعم الاتفاق ، وأنّ کان بتخصیص دلیله بدلیلها فلا وجه له ، لما عرفت من إنّه لا یکون مع الأخذ به نقض یقین بشک ، لا إنّه غیر منهی عنه مع کونه من نقض الیقین بالشک.

ص: 429


1- القائل بها هو الشیخ الاعظم (ره) ، راجع فرائد الأُصول ، فی خاتمة الاستصحاب ، الشرط الثالث فی جریان الاستصحاب / 407.

خاتمة

لا بأس ببیان النسبة بین الاستصحاب وسائر الأُصول العملیة ، وبیان التعارض بین الاستصحابین.

أما الأوّل : فالنسبة بینه وبینها هی بعینها النسبة بین الأمارة وبینه ، فیقدّم علیها ولا مورد معه لها ، للزوم محذور التخصیص إلّا بوجه دائر فی العکس وعدم محذور فیه أصلاً ، هذا فی النقلیة منها.

وأما العقلیة فلا یکاد یشتبه وجه تقدیمه علیها ، بداهة عدم الموضوع معه لها ، ضرورة إنّه إتمام حجّة وبیان ومؤمّن من العقوبة وبه الأمان ، ولا شبهة فی أن الترجیح به عقلاً صحیح.

وأما الثّانی : فالتعارض بین الاستصحابین ، إن إن لعدم إمکان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة فی أحدهما ، کاستصحاب وجوب أمرین حدث بینهما التضاد فی زمان الاستصحاب ، فهو من باب تزاحم (1) الواجبین.

ص: 430


1- فیتخیر بینهما إن لم یکن أحد المستصحبین أهم ، وإلاّ فیتعین الأخذ بالأهم ، ولا مجال لتوهم إنّه لا یکاد یکون هناک أهم ، لأجل أن إیجابهما إنّما یکون من باب واحد وهو استصحابهما من دون مزیة فی أحدهما أصلاً ، کما لا یخفی ، وذلک لأن الاستصحاب إنّما یثبت المستصحب ، فکما یثبت به الوجوب والاستحباب ، یثبت به کلّ مرتبة منهما ، فیستصحب ، فلا تغفل منه ( قدس سره ).

وإن کان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة فی أحدهما ، فتارة یکون المستصحب فی أحدهما من الآثار الشرعیة لمستصحب الآخر ، فیکون الشک فیه مسبباً عن الشک فیه ، کالشک فی نجاسة الثوب المغسول بماء مشکوک الطهارة وقد کان طاهراً ، وأُخری لا یکون کذلک.

فإن کان أحدهما أثراً للآخر ، فلا مورد إلّا للاستصحاب فی طرف السبب ، فإن الاستصحاب فی طرف المسبب موجب لتخصیص الخطاب ، وجواز نقض الیقین بالشک فی طرف السبب بعدم ترتیب أثره الشرعی ، فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته ، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض للیقین بطهارته ، بخلاف استصحاب طهارته ، إذ لا یلزم منه نقض یقین بنجاسة الثوب بالشک ، بل بالیقین بما هو رافع لنجاسته ، وهو غسله بالماء المحکوم شرعاً بطهارته.

وبالجملة فکل من السبب والمسبب وأنّ کان مورداً للاستصحاب ، إلّا أن الاستصحاب فی الأوّل بلا محذور (1) ، بخلافه فی الثّانی ففیه محذور التخصیص بلا وجه إلّا بنحو محال ، فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببی ، نعم لو لم یجر هذا

ص: 431


1- وسرّ ذلک أن رفع الید عن الیقین فی مورد السبب یکون فرداً لخطاب : لا تنقض الیقین ، ونقضاً للیقین بالشک مطلقاً بلا شک ، بخلاف رفع الید عن الیقین فی مورد المسبب ، فإنّه إنّما یکون فرداً له إذا لم یکن حکم حرمة النقض یعمّ النقض فی مورد السبب ، وإلاّ لم یکن بفرد له ، إذ حینئذ یکون من نقض الیقین بالیقین ، ضرورة إنّه یکون رفع الید عن نجاسة الثوب المغسول بماء محکوم بالطهارة شرعاً ، باستصحاب طهارته للیقین بأن کلّ ثوب نجس یغسل بماء کذلک یصیر طاهراً شرعاً. وبالجملة من الواضح لمن له أدنی تأمل ، أن اللازم - فی کلّ مقام کان للعام فرد مطلق ، وفرد کان فردیته له معلقة علی عدم شمول حکمه لذلک الفرد المطلق کما فی المقام ، أو کان هناک عاماًن کان لاحدهما فرد مطلق وللآخر فرد کانت فردیته معلقة علی عدم شمول حکم ذاک العام لفرده المطلق ، کما هو الحال فی الطرق فی مورد الاستصحاب - هو الالتزام بشمول حکم العام لفرده المطلق حیث لا مخصص له ، ومعه لا یکون فرد آخر یعمّه أو لا یعمّه ، ولا مجال لأن یلتزم بعدم شمول حکم العام للفرد المطلق لیشمل حکمه لهذا الفرد ، فإنّه یستلزم التخصیص بلا وجه ، أو بوجه دائر کما لا یخفی علی ذوی البصائر منه ( قدس سره ).

الاستصحاب بوجه لکان الاستصحاب المسببی جاریاً ، فإنّه لا محذور فیه حینئذ مع وجود أرکإنّه وعموم خطابه (1).

وإن لم یکن المستصحب فی أحدهما من الآثار للآخر ، فالاظهر جریإنّهما فیما لم یلزم منه محذور المخالفة القطعیة للتکلیف الفعلّی المعلوم إجمالاً ، لوجود المقتضی إثباتاً وفقد المانع عقلاً.

أما وجود المقتضی ، فلاطلاق الخطاب وشموله للاستصحاب فی أطراف المعلوم بالإِجمال ، فإن قوله علیه السلام فی ذیل بعضٍ أخبار الباب : ( ولکن تنقض الیقین بالیقین ) (2) لو سلّم إنّه یمنع (3)عن شمول قوله علیه السلام فی صدره : ( لا تنقض الیقین بالشک ) للیقین والشک فی أطرافه ، للزوم المناقضة فی مدلوله ، ضرورة المناقضة بین السلب الکلّی والإِیجاب الجزئی ، إلّا إنّه لا یمنع عن عموم النهی فی سائر الإخبار مما لیس فیه الذیل ، وشموله لما فی أطرافه ، فإن إجمال ذاک الخطاب لذلک لا یکاد یسری إلی غیره مما لیس فیه ذلک.

وأما فقد المانع ، فلأجل أن جریان الاستصحاب فی الأطراف لا یوجب إلّا المخالفة الالتزامیة ، وهو لیس بمحذور لا شرعاً ولا عقلاً.

ومنه قد انقدح عدم جریإنّه فی أطراف العلم بالتکلیف فعلاً أصلاً ولو فی بعضها ، لوجوب الموافقة القطعیة له عقلاً ، ففی جریإنّه لا محالة یکون محذور المخالفة القطعیة أو الاحتمالیة ، کما لا یخفی.

تذنیب

لا یخفی أن مثل قاعدة التجاوز فی حال الإِشتغال بالعمل ، وقاعدة الفراغ

ص: 432


1- فی نسخة « أ » سقط من هنا إلی بدایة المقصد الثامن.
2- التهذیب 1 / 8 الحدیث 11.
3- هذا ردّ لوجه منع الشیخ عن جریان الاستصحابین ، راجع فرائد الأصول 429 ، خاتمة الاستصحاب ، القسم الثّانی من تعارض الاستصحابین عند قوله : بل لأن العلم الإِجمالی هنا .. الخ.

بعد الفراغ عنه ، وأصالة صحة عمل الغیر إلی غیر ذلک من القواعد المقررة فی الشبهات الموضوعیة إلّا القرعة تکون مقدّمة علی استصحاباتها المقتضیة لفساد ما شک فیه من الموضوعاًت ، لتخصیص دلیلها بأدلتها ، وکون النسبة بینه وبین بعضها عموماً من وجه لا یمنع عن تخصیصه بها بعد الإجماع علی عدم التفصیل بین مواردها ، مع لزوم قلة المورد لها جداً لو قیل بتخصیصها بدلیلها ، إذ قلّ مورد منها لم یکن هناک استصحاب علی خلافها ، کما لا یخفی.

وأما القرعة فالاستصحاب فی موردها یقدم علیها ، لأخصیّة دلیله من دلیلها ، لاعتبار سبق الحالة السابقة فیه دونها ، واختصاصها بغیر الأحکام إجماعاً لا یوجب الخصوصیة فی دلیلها بعد عموم لفظها لها ، هذا مضافاً إلی وهن دلیلها بکثرة تخصیصه ، حتی صار العمل به فی مورد محتاجاً إلی الجبر بعمل المعظم ، کما قیل ، وقوّة دلیله بقلة تخصیصه بخصوص دلیل.

لا یقال : کیف یجور تخصیص دلیلها بدلیله؟ وقد کان دلیلها رافعاً لموضوع دلیله لا لحکمه ، وموجباً لکون نقض الیقین بالیقین بالحجة علی خلافه ، کما هو الحال بینه وبین أدلة سائر الأمارات ، فیکون - هاهنا أیضاً - من دوران الأمر بین التخصیص بلا وجه غیر دائر والتخصّص.

فإنّه یقال : لیس الأمر کذلک ، فإن المشکوک مما کانت له حالة سابقة وأنّ کان من المشکل والمجهول والمشتبه بعنوإنّه الواقعی ، إلّا إنّه لیس منها بعنوان ما طرأ علیه من نقض الیقین بالشک ، والظاهر من دلیل القرعة أن یکون منها بقول مطلق لا فی الجملة ، فدلیل الاستصحاب الدالّ علی حرمة النقض الصادق علیه حقیقة ، رافع لموضوعه أیضاً ، فافهم.

فلا بأس برفع الید عن دلیلها عند دوران الأمر بینه وبین رفع الید عن دلیله ، لوهن عمومها وقوة عمومه ، کما أشرنا إلیه آنفاً ، والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلی الله علی محمد وآله باطناً وظاهراً.

ص: 433

ص: 434

المقصد الثامن فی تعارض الادلة والامارات

فصل [فی معنی التعارض]

ص: 435

ص: 436

التعارض هو تنافی الدلیلین أو الادلة بحسب الدلالة ومقام الإِثبات علی وجه التناقض أو التضاد حقیقة أو عرضاً ، بأن علم بکذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً. وعلیه فلا تعارض بینهما بمجرد تنافی مدلولهما ، إذا کان بینهما حکومة رافعة للتعارض والخصومة ، بأن یکون أحدهما قد سیق ناظراً إلی بیان کمیة ما أُرید من الآخر ، مقدماً (1) کان أو مؤخراً. أو کانا علی نحو إذا عرضنا علی العرف وفق بینهما بالتصرف فی خصوص أحدهما ، کما هو مطرد فی مثل الأدلة المتکفلة لبیان أحکام الموضوعاًت بعناوینها الأولیة ، مع مثل الادلة النافیة للعسر والحرج والضرر والإکراه والاضطرار ، مما یتکفل لأحکامها بعناوینها الثانویة ، حیث یقدم فی مثلهما الادلة النافیة ، ولا تلاحظ النسبة بینهما أصلاً ویتفق فی غیرهما ، کما لا یخفی.

ص: 437


1- 1. خلافاً لما یظهر فی عبارة الشیخ من اعتبارٍ تقدم المحکوم ، راجع فرائد الأصول 432 ، التعادل والترجیح ، عند قوله وضابط الحکومة .. الخ.

أو بالتصرف فیهما ، فیکون مجموعهما قرینة علی التصرف فیهما ، أو فی أحدهما المعینّ ولو کان الآخر أظهر. ولذلک تقدم الأمارات المعتبرة علی الأُصول الشرعیة ، فإنّه لا یکاد یتحیر أهل العرف فی تقدیمها علیه بعد ملاحظتهما ، حیث لا یلزم منه محذور تخصیص أصلاً ، بخلاف العکس فإنّه یلزم منه محذور التخصیص بلا وجه أو بوجه دائر ، کما أشرنا إلیه (1) فی أواخر الاستصحاب.

ولیس (2) وجه تقدیمها حکومتها علی أدلتها بعدم کونها ناظرة إلی أدلتها بوجه ؛ وتعرضها لبیان حکم موردها لا یوجب کونها ناظرة إلی أدلتها وشارحة لها ، وإلاّ کانت أدلتها أیضاً دالّة - ولو بالالتزام - علی أن حکم مورد الاجتماع فعلاً هو مقتضی الأصل لا الأمارة ، وهو مستلزم عقلاً نفی ما هو قضیة الأمارة ، بل لیس مقتضی حجیتها إلّا نفی ما قضیته عقلاً من دون دلالة علیه لفظاً ، ضرورة أن نفس الامارة لا دلالة له إلّا علی الحکم الواقعی ، وقضیة حجیتها لیست إلّا لزوم العمل علی وفقها شرعاً المنافی عقلاً للزوم العمل علی خلافه وهو قضیة الأصل ، هذا مع احتمال أن یقال : إنّه لیس قضیة الحجیة شرعاً إلّا لزوم العمل علی وفق الحجة عقلاً وتنجز الواقع مع المصادفة ، وعدم تنجزه فی صورة المخالفة.

وکیف کان لیس مفاد دلیل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبداً ، کی یختلف الحال ویکون مفاده فی الأمارة نفی حکم الأصل ، حیث إنّه حکم الاحتمال بخلاف مفاده فیه ، لأجل أن الحکم الواقعی لیس حکم احتمال خلافه ، کیف؟ وهو حکم الشک فیه واحتماله ، فافهم وتأملّ جیداً.

فانقدح بذلک إنّه لا تکاد ترتفع غائلة المطاردة والمعارضة بین الأصل والأمارة ، إلّا بما أشرنا سابقاً وآنفاً ، فلا تغفل ، هذا ولا تعارض أیضاً إذا کان أحدهما قرینة علی التصرف فی الآخر ، کما فی الظاهر مع النص أو الأظهر ، مثل

ص: 438


1- فی خاتمة الاستصحاب / ص 430.
2- القائل بالحکومة هو الشیخ فی فرائد الأصول 432 ، أول مبحث التعادل والترجیح.

العام والخاص والمطلق والمقید ، أو مثلهما مما کان أحدهما نصاً أو أظهر ، حیث إنّ بناءً العرف علی کون النص أو الأظهر قرینة علی التصرف فی الآخر.

وبالجملة : الأدلة فی هذه الصور وأنّ کانت متنافیة بحسب مدلولاتها ، إلّا إنّها غیر متعارضة ، لعدم تنافیها فی الدلالة وفی مقام الإِثبات ، بحیث تبقی أبناء المحاورة متحیرة ، بل بملاحظة المجموع أو خصوص بعضها یتصرف فی الجمیع أو فی البعض عرفاً ، بما ترتفع به المنافاة التی تکون فی البین ؛ ولا فرق فیها بین أن یکون السند فیها قطعیاً أو ظنیاً أو مختلفاً ، فیقدّم النص أو الأظهر - وأنّ کان بحسب السند ظنیاً - علی الظاهر ولو کان بحسبه قطعیاً.

وإنما یکون التعارض فی غیر هذه الصور مما کان التنافی فیه بین الأدلة بحسب الدلالة ومرحلة الإِثبات ، وإنما یکون التعارض بحسب السند فیما إذا کان کلّ واحد منها قطعیاً دلالة وجهة ، أو ظنیاً فیما إذا لم یکن التوفیق بینها بالتصرف فی البعض أو الکلّ ؛ فإنّه حینئذ لا معنی للتعبد بالسند فی الکلّ ، امّا للعمل بکذب أحدهما ، أو لأجل إنّه لا معنی للتعبد بصدورها مع إجمالها ، فیقع التعارض بین أدلة السند حینئذ ، کما لا یخفی.

فصل [اصاله التساقط]

التعارض وأنّ کان لا یوجب إلّا سقوط أحد المتعارضین عن الحجیة رأساً ، حیث لا یوجب إلّا العلم بکذب أحدهما ، فلا یکون هناک مانع عن حجیة الآخر ، إلّا إنّه حیث کان بلا تعیین ولا عنوان واقعاً - فإنّه لم یعلم کذبه إلّا کذلک ، واحتمال کون کلّ منهما کاذباً - لم یکن واحد منهما بحجة فی خصوص مؤدّاه ، لعدم التعیّن فی الحجة أصلاً ، کما لا یخفی.

نعم یکون نفی الثالث بأحدهما لبقائه علی الحجیة ، وصلاحیته علی ما هو علیه من عدم التعین لذلک لا بهما ، هذا بناءً علی حجیة الأمارات من باب

ص: 439

الطریقیة ، کما هو کذلک حیث لا یکاد یکون حجة طریقاً إلّا ما احتمل إصابته ، فلا محالة کان العلم بکذب أحدهما مانعاً عن حجیته ،

وأما بناءً علی حجیتها من باب السببیة فکذلک لو کان الحجة هو خصوص ما لم یعلم کذبه ، بأن لا یکون المقتضی للسببیة فیها إلّا فیه ، کما هو المتیقن من دلیل اعتبارٍ غیر السند منها ، وهو بناءً العقلاء علی أصالتی الظهور والصدور ، لا للتقیة ونحوها ، وکذا السند لو کان دلیل اعتباره هو بناؤهم أیضاً ، وظهوره فیه لو کان هو الآیات والأخبار ، ضرورة ظهورها فیه ، لو لم نقل بظهورها فی خصوص ما إذا حصل الظن منه أو الاطمئنان.

وأما لو کان المقتضی للحجیة فی کلّ واحد من المتعارضین لکان التعارض بینهما من تزاحم الواجبین ، فیما إذا کانا مؤدیین إلی وجوب الضدین أو لزوم المتناقضین ، لا فیما إذا کان مؤدی أحدهما حکماً غیر إلزامی ، فإنّه حینئذ لا یزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحیة ما لا اقتضاء فیه أن یزاحم به ما فیه الاقتضاء ، إلّا أن یقال بأن قضیة اعتبارٍ دلیل الغیر الالزامی أن یکون عن اقتضاء ، فیزاحم به حینئذ ما یقتضی الإلزامی ، ویحکم فعلاً بغیر الإلزامی ، ولا یزاحم بمقتضاه ما یقتضی الغیر الإلزامی ، لکفایة عدم تمامیة علّة الإلزامی فی الحکم بغیره.

نعم یکون باب التعارض من باب التزاحم مطلقاً لو کان قضیة الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما یؤدی إلیه من الأحکام ، لا مجرد العمل علی وفقه بلا لزوم الالتزام به. وکونهما من تزاحم الواجبین حینئذ وأنّ کان واضحاً ، ضرورة عدم إمکان الالتزام بحکمین فی موضوع واحد من الأحکام ، إلّا إنّه لا دلیل نقلاً ولا عقلاً علی الموافقة الالتزامیة للأحکام الواقعیة فضلاً عن الظاهریة ، کما مرّ تحقیقه (1).

وحکم التعارض بناءً علی السببیة فیما کان من باب التزاحم هو التخییر لو لم

ص: 440


1- فی مبحث القطع ، الأمر الخامس ، ص 268.

یکن أحدهما معلوم الاهمیة أو محتملها فی الجملة ، حسبما فصلناه (1) فی مسألة الضد ، وإلاّ فالتعیین ، وفیما لم یکن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دلّ علی الحکم الالزامی ، لو لم یکن فی الآخر مقتضیاً لغیر الالزامی ، وإلاّ فلا بأس بأخذه والعمل علیه ، لما أشرنا إلیه من وجهه آنفاً ، فافهم.

هذا هو قضیة القاعدة فی تعارض الأمارات ، لا الجمع بینها بالتصرف فی أحد المتعارضین أو فی کلیهما ، کما هو قضیة ما یتراءی مما قیل من أن الجمع مهما أمکن أولی من الطرح ، إذ لا دلیل علیه فیما لا یساعد علیه العرف مما کان المجموع أو أحدهما قرینة عرفیة علی التصرف فی أحدهما بعینه أو فیهما ، کما عرفته فی الصور السابقة ، مع أن فی الجمع کذلک أیضاً طرحا للأمارة أو الأمارتین ، ضرورة سقوط أصالة الظهور فی أحدهما أو کلیهما معه ، وقد عرفت أن التعارض بین الظهورین فیما کان سنداهما قطعیین ، وفی السندین إذا کانا ظنیین ، وقد عرفت أن قضیة التعارض إنّما هو سقوط المتعارضین فی خصوص کلّ ما یؤدیان إلیه من الحکمین ، لا بقاؤهما علی الحجیة بما یتصرّف فیهما أو فی أحدهما ، أو بقاء سندیهما علیها کذلک بلا دلیلٍ یساعد علیه من عقل أو نقل. فلا یبعد أن یکون المراد من إمکان الجمع هو إمکانه عرفاً ، ولا ینافیه الحکم بإنّه أولی مع لزومه حینئذ وتعینه ، فإن أولویته من قبیل الأولویّة فی أُولی الأرحام ، وعلیه لا إشکال فیه ولا کلام.

فصل [القاعدة الثانویة فی باب تعارض الاخبار]

لا یخفی أن ما ذکر من قضیة التعارض بین الأمارات ، إنّما هو بملاحظة القاعدة فی تعارضها ، وإلاّ فربما یَّدعی الإجماع علی عدم سقوط کلاّ المتعارضین فی الأخبار ، کما اتفقت علیه کلمة غیر واحد من الأخبار. ولا یخفی أن اللازم فیما إذا لم

ص: 441


1- لم یتقدم منه - قدس سره - فی مسألة الضد تفصیل ولا إجمال من هذه الحیثیة ، نعم له تفصیل فی تعلیقته علی الرسالة ، راجع حاشیة فرائد الأصول / 269 ، عند قوله : اعلم أنّ منشأ الاهمیة تارةً ... الخ.

تنهض حجة علی التعیین أو التخییر بینهما هو الاقتصار علی الراجح منهما ، للقطع بحجیته تخییراً أو تعییناً ، بخلاف الآخر لعدم القطع بحجیته ، والأصل عدم حجیة ما لم یقطع بحجیته ، بل ربما ادعی الاجماع (1) أیضاً علی حجیة خصوص الراجح ، واستدل علیه بوجوه أُخر أحسنها الأخبار ، وهی علی طوائف :

منها : ما دلّ علی التخییر علی الإِطلاق ، کخبر (2)الحسن بن الجهم ، عن الرضا علیه السلام : ( قلت : یجیئنا الرجلان وکلاهما ثقة بحدیثین مختلفین ولا یعلم أیهما الحق ، قال : فإذا لم یعلم فموسّع علیک بأیهما أخذت ). وخبر (3) الحارث بن المغیرة ، عن أبی عبدالله علیه السلام : ( إذا سمعت من أصحابک الحدیث وکلهم ثقة ، فموسّع علیک حتی تری القائم فترد علیه ). ومکاتبة (4)عبدالله بن محمد إلی أبی الحسن علیه السلام ( اختلف أصحابنا فی روایاتهم عن أبی عبدالله علیه السلام ، فی رکعتی الفجر ، فروی بعضهم : صلِّ فی المحمل ، وروی بعضهم : لا تصلها إلّا فی الأرض ، فوقع علیه السلام : موسع علیک بأیة عملت ) ومکاتبة الحمیری (5) إلی الحجّة علیه السلام - إلی أن قال فی الجواب عن ذلک حدیثان ... إلی أن قال علیه السلام - ( وبأیهما أخذت من باب التسلیم کان صواباً ) إلی غیر ذلک من الإطلاقاًت.

ومنها : ما (6) دلّ علی التوقف مطلقاً.

ومنها : ما (7) دلّ علی ما هو الحائط منها.

ص: 442


1- ادعاه الشیخ فی فرائد الأصول 441 ، المقام الثّانی فی التراجیح من مبحث التعادل والتراجیح.
2- الاحتجاج 357 ، فی احتجاجات الامام الصادق علیه السلام .
3- المصدر السابق.
4- التهذیب 3 ، الباب 23 ، الصلاة فی السفر ، الحدیث 92 ، مع اختلاف یسیر.
5- الاحتجاج 483 ، فی توقیعات الناحیة المقدسة.
6- الأصول من الکافی 1 / 66 ، باب اختلاف الحدیث ، الحدیث 7. عوالی اللآلی 4 / 133 ، الحدیث 230.
7- وسائل الشیعة 18 / 111 ، الباب 12 من ابواب صفات القاضی.

ومنها : ما دلّ (1) علی الترجیح بمزایا مخصوصة ومرجحات منصوصة ، من مخالفة القوم وموافقة الکتاب والسنة ، والأعدلیة ، والأصدقیة ، والأفقهیة والأورعیة ، والاوثقیة ، والشهرة علی اختلافها فی الاقتصار علی بعضها وفی الترتیب بینها.

ولأجل اختلاف الإخبار اختلفت الانظار.

فمنهم من أوجب الترجیح بها ، مقیدین بأخباره إطلاقاًت التخییر ، وهم بین من اقتصر علی الترجیح بها ، ومن تعدی منها إلی سائر المزایا الموجبة لأقوائیة ذی المزیة وأقربیته ، کما صار إلیه شیخنا العلامة أعلی الله مقامه (2)، أو المفیدة للظن ، کما ربما یظهر من غیره (3).

فالتحقیق أن یقال : إنّ أجمع خبر للمزایا المنصوصة فی الإخبار هو المقبولة (4) والمرفوعة (5)، مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جداً ، والاحتجاج بهما علی وجوب الترجیح فی مقام الفتوی لا یخلو عن إشکال ، لقوة احتمال اختصاص الترجیح بها بمورد الحکومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة کما هو موردهما ، ولا وجه معه للتعدی منه إلی غیره ، کما لا یخفی.

ولا وجه لدعوی تنقیح المناط ، مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحکومة فی صورة تعارض الحکمین ، وتعارض ما استندا إلیه من الروایتین لا یکاد یکون إلّا بالترجیح ولذا أمر علیه السلام بإرجاء الواقعة إلی لقائه علیه السلام فی صورة

ص: 443


1- وسائل الشیعة 18 / 75 الباب 9 من ابواب صفات القاضی.
2- فرائد الأصول 450 ، فی المقام الثالث من مقام التراجیح.
3- مفاتیح الأصول / 688 ، التنبیه الثّانی من تنبیهات تعارض الدلیلین.
4- التهذیب 6 / 301 ، الباب 92 ، الحدیث 52. الکافی 1 / 67 ، باب اختلاف الحدیث ، الحدیث 15 الفقیه 3 / 5 ، الباب 9 ، الحدیث 2.
5- عوالی اللآلی 4 / 133 الحدیث 229.

تساویهما فیما ذکر من المزایا ، بخلاف مقام الفتوی ؛ ومجرد مناسبة الترجیح لمقامها أیضاً لا یوجب ظهور الروایة فی وجوبه مطلقاً ولو فی غیر مورد الحکومة ، کما لا یخفی.

وإن أبیت إلّا عن ظهورهما فی الترجیح فی کلاّ المقامین ، فلا مجال لتقیید إطلاقاًت التخییر فی مثل زماننا مما لا یتمکن من لقاء الإمام علیه السلام بهما ، لقصور المرفوعة سنداً وقصور المقبولة دلالة ، لاختصاصها بزمان التمکن من لقائه علیه السلام ، ولذا ما أرجع إلی التخییر بعد فقد الترجیح ، مع أن تقیید الإطلاقاًت الواردة فی مقام الجواب عن سؤال حکم المتعارضین - بلا استفصال عن کونهما متعادلین أو متفاضلین ، مع ندرة کونهما متساویین جداً - بعید قطعاً ، بحیث لو لم یکن ظهور المقبولة فی ذاک الاختصاص لوجب حملها علیه أو علی ما لا ینافیها من الحمل علی الاستحباب ، کما فعله بعضٍ الأصحاب (1) ، ویشهد به الاختلاف الکثیر بین ما دلّ علی الترجیح من الأخبار.

ومنه قد انقدح حال سائر أخباره ، مع أن فی کون أخبار موافقة الکتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظراً ، وجهه قوة احتمال أن یکون الخبر المخالف للکتاب فی نفسه غیر حجة ، بشهادة ما (2) ورد فی إنّه زخرف ، وباطل ، ولیس بشیء ، أو إنّه لم نقله ، أو أمر بطرحه علی الجدار ، وکذا الخبر الموافق للقوم ، ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقیة - بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به - غیر جاریة ، للوثوق حینئذ بصدوره کذلک ، وکذا الصدور أو

ص: 444


1- الظاهر هو السید الصدر شارح الوافیة ، لکنه رحمه الله حمل جمیع أخبار الترجیح علی الاستحباب ، شرح الوافیة ، ص مخطوط.
2- الوسائل 18 / 78 ، الباب 9 من ابواب صفات القاضی ، الأحادیث : 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 15 ، 29 ، 35 ، 37 ، 40 ، 47 ، 48. والمحاسن : 1 / 220 ، الباب 11 ، الأحادیث 128 إلی 131 وص 225 ، الباب 12 ، الحدیث 145 وص 226 ، الباب 14 ، الحدیث 150.

الظهور فی الخبر المخالف للکتاب یکون موهوناً بحیث لا یعمه أدلة اعتبارٍ السند ولا الظهور ، کما لا یخفی ، فتکون هذه الإخبار فی مقام تمیز الحجة عن اللاحجة لا ترجیح الحجة علی الحجة ، فافهم.

وإن أبیت عن ذلک ، فلا محیص عن حملها توفیقاً بینها وبین الإطلاقاًت ، امّا علی ذلک أو علی الاستحباب کما أشرنا إلیه آنفا ، هذا ثم إنّه لولا التوفیق بذلک للزم التقیید أیضاً فی أخبار المرجحات ، وهی آبیة عنه ، کیف یمکن تقیید مثل : ( ما خالف قول ربنا لم أقله ، أو زخرف ، أو باطل )؟ کما لا یخفی.

فتلخص - مما ذکرنا - أن إطلاقاًت التخییر محکمة ، ولیس فی الإخبار ما یصلح لتقییدها.

نعم قد استدل علی تقییدها ، ووجوب الترجیح فی المتفاضلین بوجوه أخر :

منها : دعوی (1) الاجماع علی الأخذ بأقوی الدلیلین.

وفیه أن دعوی الاجماع - مع مصیر مثل الکلینی إلی التخییر ، وهو فی عهد الغیبة الصغری ویخالط النواب والسفراء ، قال فی دیباجة الکافی : ولا نجد شیئاً أوسع ولا أحوط من التخییر - مجازفة.

ومنها (2) : إنّه لو لم یجب ترجیح ذی المزیة ، لزم ترجیح المرجوح علی الراجح وهو قبیح عقلاً ، بل ممتنع قطعاً.

وفیه إنّه إنّما یجب الترجیح لو کانت المزیة موجبة لتأکد ملاک الحجیة فی نظر الشارع ، ضرورة إمکان أن تکون تلک المزیة بالإضافة إلی ملاکها من قبیل الحجر فی جنب الإنسان ، وکان الترجیح بها بلا مرجح ، وهو قبیح کما هو واضح ، هذا.

مضافاً إلی ما هو فی الإِضراب من الحکم بالقبح إلی الامتناع ، من أن

ص: 445


1- حکاه الشیخ (ره) عن کلام جماعة / فرائد الأصول 469 ، المرجحات الخارجیة ، من الخاتمة فی التعادل والتراجیح.
2- - استدل به المحقق القمی (ره) قوانین الأصول 2 / 278 ، فی قانون الترجیح من الخاتمة.

الترجیح بلا مرجح فی الأفعال الاختیاریة ومنها الأحکام الشرعیة ، لا یکون إلا قبیحاً ، ولا یستحیل وقوعه إلّا علی الحکیم تعالی ، وإلاّ فهو بمکان من الإِمکان ، لکفایة إرادة المختار علّة لفعله ، وإنما الممتنع هو وجود الممکن بلا علّة ، فلا استحالة فی ترجیحه تعالی للمرجوح ، إلّا من باب امتناع صدوره منه تعالی ، وأما غیره فلا استحالة فی ترجیحه لما هو المرجوح مما باختیاره.

وبالجملة : الترجیح بلا مرجح بمعنی بلا علّة محال ، وبمعنی بلا داعٍ عقلاًئی قبیح لیس بمحال ، فلا تشتبه.

ومنها : غیر ذلک(1)مما لا یکاد یفید الظن ، فالصفح عنه أولی وأحسن.

ثم إنّه لا إشکال فی الإفتاء بما اختاره من الخبرین ، فی عمل نفسه وعمل مقلدیه ، ولا وجه للافتاء بالتخییر فی المسألة الفرعیة ، لعدم الدلیل علیه فیها.

نعم له الافتاء به فی المسألة الأُصولیة ، فلا بأس حینئذ باختیار المقلد غیر ما اختاره المفتی ، فیعمل بما یفهم منه بصریحه أو بظهوره الذی لا شبهة فیه.

وهل التخییر بدوی أم استمراری؟ قضیة الاستصحاب لو لم نقل بإنّه قضیة الإطلاقاًت أیضاً کونه استمراریاً.

وتوهمّ (2) أن المتحیّر کان محکوماً بالتخییر ، ولا تحیر له بعد الاختیار ، فلا یکون الإِطلاق ولا الاستصحاب مقتضیاً للاستمرار ، لاختلاف الموضوع فیهما ، فاسد ، فإن التحیر بمعنی تعارض الخبرین باق علی حاله ، وبمعنی آخر لم یقع فی خطاب موضوعاً للتخییر أصلاً ، کما لا یخفی.

فصل [التعدی عن المرجحات المنصوصة]

هل علی القول بالترجیح ، یقتصر فیه علی المرجحات المخصوصة المنصوصة ، أو یتعدی إلی غیرها؟ قیل (3) بالتعدی ، لما فی الترجیح بمثل الاصدقیة

ص: 446


1- راجع فرائد الأصول 442 - 444 ، المقام الثّانی من مقام التراجیح.
2- یظهر ذلک من الشیخ (ره) فی فرائد الأصول 440 ، المقام الأوّل فی المتکافئین.
3- القائل هو الشیخ ( قده ) ونسبه إلی جمهور المجتهدین ، فرائد الأصول / 450.

والأوثقیة ونحوهما ، مما فیه من الدلالة علی أن المناط فی الترجیح بها هو کونها موجبة للأقربیة إلی الواقع ، ولما فی التعلیل بأن المشهور مما لا ریب فیه ، من استظهار أن العلة هو عدم الریب فیه بالإضافة إلی الخبر الآخر ولو کان فیه ألف ریب ، ولما فی التعلیل بأن الرشد فی خلافهم.

ولا یخفی ما فی الاستدلال بها :

أما الأوّل : فإن جعل خصوص شیء فیه جهة الإراءة والطریقیة حجة أو مرجحاً لا دلالة فیه علی أن الملاک فیه بتمامه جهة إراءته ، بل لا إشعار فیه کما لا یخفی ، لاحتمال دخل خصوصیته فی مرجحیته أو حجیته ، لا سیما قد ذکر فیها ما لا یحتمل الترجیح به إلّا تعبداً ، فافهم.

وأما الثّانی : فلتوقفه علی عدم کون الروایة المشهورة فی نفسها مما لا ریب فیها ، مع أن الشهرة فی الصدر الأوّل بین الرواة وأصحاب الأئمة - علیهم السلام - موجبة لکون الروایة مما یطمأن بصدورها ، بحیث یصحّ أن یقال عرفاً : إنّها مما لا ریب فیها ، کما لا یخفی. ولا بأس بالتعدی منه إلی مثله مما یوجب الوثوق والاطمئنان بالصدور ، لا إلی کلّ مزیة ولو لم یوجب إلّا أقربیة ذی المزیة إلی الواقع ، من المعارض الفاقد لها.

وأما الثالث : فلاحتمال أن یکون الرشد فی نفس المخالفة ، لحسنها ، ولو سلّم إنّه لغلبة الحق فی طرف الخبر المخالف ، فلا شبهة فی حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا یخلو من الخلل صدوراً أو جهة ، ولا بأس بالتعدی منه إلی مثله ، کما مرّ آنفاً.

ومنه انقدح حال ما إذا کان التعلیل لأجل انفتاح باب التقیة فیه ، ضرورة کمال الوثوق بصدوره کذلک ، مع الوثوق بصدورهما ، لولا القطع به فی الصدر الأوّل ، لقلة الوسائط ومعرفتها ، هذا.

مع ما فی عدم بیان الامام - علیه السلام - للکلیة کی لا یحتاج السائل إلی

ص: 447

إعادة السؤال مراراً ، وما فی أمره - علیه السلام - بالإرجاء بعد فرض التساوی فیما ذکره من المزایا المنصوصة ، من الظهور فی أن المدار فی الترجیح علی المزایا المخصوصة ، کما لا یخفی.

ثم إنّه بناءً علی التعدی حیث کان فی المزایا المنصوصة مالا یوجب الظن بذی المزیة ولا أقربیته ، کبعض صفات الراوی مثل الأورعیة أو الأفقهیة ، إذا کان موجبهما مما لا یوجب الظن أو الأقربیة ، کالتورع من الشبهات ، والجهد فی العبادات ، وکثرة التتبع فی المسائل الفقهیة أو المهارة فی القواعد الأصولیة ، فلا وجه للاقتصار علی التعدی إلی خصوص ما یوجب الظن أو الأقربیة ، بل إلی کلّ مزیة ، ولو لم تکن بموجبة لأحدهما ، کما لا یخفی.

وتوهمّ أن ما یوجب الظن بصدق أحد الخبرین لا یکون بمرجح ، بل موجب لسقوط الآخر عن الحجیة للظن بکذبه حینئذ ، فاسد. فإن الظن بالکذب لا یضر بحجیة ما اعتبر من باب الظن نوعاً ، وإنما یضر فیما أُخذ فی اعتباره عدم الظن بخلافه ، ولم یؤخذ فی اعتبارٍ الأخبار صدوراً ولا ظهوراً ولا جهةً ذلک ، هذا مضافاً إلی اختصاص حصول الظن بالکذب بما إذا علم بکذب أحدهما صدوراً ، وإلاّ فلا یوجبه الظن بصدور أحدهما لإمکان صدورهما مع عدم إرادة الظهور فی أحدهما أو فیهما ، أو إرادته تقیة ، کما لا یخفی.

نعم لو کان وجه التعدی اندراج ذی المزیة فی أقوی الدلیلین لوجب الاقتصار علی ما یوجب القوة فی دلیلیته وفی جهة إثباته وطریقیته ، من دون التعدی إلی ما لا یوجب ذلک ، وأنّ کان موجباً لقوة مضمون ذیه ثبوتاً ، کالشهرة الفتوائیة أو الأولویة الظنیة ونحوهما ، فإن المنساق من قاعدة أقوی الدلیلین أو المتیقن منها ، إنّما هو الأقوی دلالة ، کما لا یخفی ، فافهم.

ص: 448

[اختصاص قواعد التعادل و التراجیح بغیر موارد الجمع العرفی]

قد عرفت سابقاً إنّه لا تعارض فی موارد الجمع والتوفیق العرفی ، ولا یعمها ما یقتضیه الأصل فی المتعارضین ، من سقوط أحدهما رأساً وسقوط کلّ منهما فی خصوص مضمونه ، کما إذا لم یکونا فی البین ، فهل التخییر أو الترجیح یختص أیضاً بغیر مواردها أو یعمها؟ قولان : أولهما المشهور ، وقصاری ما یقال فی وجهه : إن الظاهر من الأخبار العلاجیة - سؤالاً وجواباً - هو التخییر أو الترجیح فی موارد التحیّر ، مما لا یکاد یستفاد المراد هناک عرفاً ، لا فیما یستفاد ولو بالتوفیق ، فإنّه من أنحاء طرق الاستفادة عند أبناء المحاورة.

ویشکل بأن مساعدة العرف علی الجمع والتوفیق وارتکازه فی أذهإنّهم علی وجه وثیق ، لا یوجب اختصاص السؤالات بغیر موارد الجمع ، لصحّة السؤال بملاحظة التحیّر فی الحال لأجل ما یتراءی من المعارضة وأنّ کان یزول عرفاً بحسب المآل ، أو للتحیر فی الحکم واقعاً وأنّ لم یتحیر فیه ظاهراً ، وهو کافٍ فی صحته قطعاً ، مع إمکان أن یکون لاحتمال الردع شرعاً عن هذه الطریقة المتعارفة بین أبناء المحاورة ، وجل العناوین المأخوذة فی الاسئلة لولا کلها یعمها ، کما لا یخفی.

ودعوی أن المتیقن منها غیرها مجازفة ، غایته إنّه کان کذلک خارجاً لا بحسب مقام التخاطب ، وبذلک ینقدح وجه القول الثانی.

اللهم إلّا أن یقال : إن التوفیق فی مثل الخاص والعام والمقید والمطلق ، کان علیه السیرة القطعیة من لدن زمان الأئمة علیهم السلام ، وهی کاشفة إجمالاً عما یوجب تخصیص أخبار العلاج بغیر موارد التوفیق العرفی ، لولا دعوی اختصاصها به ، وإنّها سؤالاً وجواباً بصدد الاستعلاج والعلاج فی موارد التحیر والاحتیاج ، أو دعوی الإِجمال وتساوی احتمال العموم مع احتمال الاختصاص ، ولا ینافیها مجرد صحة السؤال لما لا ینافی العموم ما لم یکن هناک ظهور إنّه لذلک ، فلم یثبت بأخبار العلاج ردع عما هو

ص: 449

علیه بناءً العقلاء وسیرة العلماء ، من التوفیق وحمل الظاهر علی الأظهر ، والتصرف فیما یکون صدورهما قرینة علیه ، فتأمل.

فصل [ذکر بعض المرجحات التی ذکروها لتقدیم احد الظاهرین علی الاخر]

قد عرفت حکم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأوّل علی الآخر ، فلا إشکال فیما إذا ظهر أن أیهما ظاهر وأیّهما أظهر ، وقد ذکر فیما أشتبه الحال لتمییز ذلک ما لا عبرة به أصلاً ، فلا بأس بالإشارة إلی جملة منها وبیان ضعفها :

منها : ما قیل(1)فی ترجیح ظهور العموم علی الإِطلاق ، وتقدیم التقیید علی التخصیص فیما دار الأمر بینهما ، من کون ظهور العام فی العموم تنجیزیاً ، بخلاف ظهور المطلق فی الإِطلاق ، فإنّه معلق علی عدم البیان ، والعام یصلح بیاناً ، فتقدیم العام حینئذ لعدم تمامیة مقتضی الإِطلاق معه ، بخلاف العکس ، فإنّه موجب لتخصیصه بلا وجه إلّا علی نحو دائر. ومن أن التقیید أغلب من التخصیص.

وفیه : إن عدم البیان الذی هو جزء المقتضی فی مقدمات الحکمة ، إنّما هو عدم البیان فی مقام التخاطب لا إلی الابد ، وأغلبیة التقیید مع کثرة التخصیص بمثابة قد قیل : ما من عام إلّا وقد خص ، غیر مفید ، فلابد (2) فی کلّ قضیة من ملاحظة خصوصیاتها الموجبة لاظهریة أحدهما من الآخر ، فتدبر.

ومنها : ما قیل فیما إذا دار بین التخصیص والنسخ - کما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، حیث یدور بین أن یکون الخاص مخصصاً أو یکون العام ناسخاً ، أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ، حیث یدور بین أن یکون الخاص مخصصاً للعام ، أو ناسخاً له ورافعاً لاستمراره ودوامه - فی وجه تقدیم التخصیص علی النسخ ، من غلبة التخصیص وندرة النسخ.

ص: 450


1- راجع فرائد الأصول 457 ، المقام الرابع من مقام التراجیح.
2- فی « ب » : ولا بد.

ولا یخفی أن دلالة الخاص أو العام علی الاستمرار والدوام إنّما هو بالإِطلاق لا بالوضع ، فعلی الوجه العقلی فی تقدیم التقیید علی التخصیص کان اللازم فی هذا الدوران تقدیم النسخ علی التخصیص أیضاً ، وأنّ غلبة التخصیص إنّما توجب أقوائیة ظهور الکلام فی الاستمرار والدوام من ظهور العام فی العموم إذا کانت مرتکزة فی أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المکتنفة بالکلام ، وإلاّ فهی وأنّ کانت مفیدة للظن بالتخصیص ، إلّا إنّها غیر موجبة لها ، کما لا یخفی.

ثم إنّه بناءً علی اعتبارٍ عدم حضور وقت العمل فی التخصیص ، لئلا یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، یشکل الأمر فی تخصیص الکتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة علیهم السلام ، فإنّها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتهما ، والتزام نسخهما بها ولو قیل بجواز نسخهما بالروایة عنهم علیهم السلام کما تری. فلا محیص فی حلّه من أن یقال : إن اعتبارٍ ذلک حیث کان لأجل قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وکان من الواضح أن ذلک فیما إذا لم یکن هناک مصلحة فی إخفاء الخصوصات أو مفسدة فی إبدائها ، کإخفاء غیر واحد من التکالیف فی الصدر الأوّل ، لم یکن باس بتخصیص عموماتهما بها ، واستکشاف أن موردها کان خارجاً عن حکم العام واقعاً وأنّ کان داخلاً فیه ظاهراً ، ولاجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنی رفع الید بها عن ظهور تلک العمومات بإطلاقها فی الاستمرار والدوام أیضاً ، فتفطن.

فصل لا إشکال فی تعیین الأظهر

لو کان فی البین إذا کان التعارض بین الإثنین ، وأما إذا کان بین الزائد علیهما فتعینه ربما لا یخلو عن خفاء ، ولذا وقع بعضٍ ((1) الأعلام فی اشتباه وخطأ ، حیث توهّم إنّه إذا کان هناک عام وخصوصات وقد خصص ببعضها ، کان اللازم ملاحظة النسبة بینه وبین سائر الخصوصات بعد

ص: 451


1- هو المولی النراقی (ره) العوائد / 119 - 120 ، العائدة 40.

تخصیصه به ، فربما تنقلب النسبة إلی عموم وخصوص من وجه ، فلابد من رعایة هذه النسبة وتقدیم الراجح منه ومنها ، أو التخییر بینه وبینها لو لم یکن هناک راجح ، لا تقدیمها علیه ، إلّا إذا کانت النسبة بعده علی حالها.

وفیه : إن النسبة إنّما هی بملاحظة الظهورات ، وتخصیص العام بمخصص منفصل ولو کان قطعیاً لا ینثلم به ظهوره ، وأنّ انثلم به حجیته ، ولذلک یکون بعد التخصیص حجة فی الباقی ، لأصالة عمومه بالنسبة إلیه.

لا یقال : إن العام بعد تخصیصه بالقطعی لا یکون مستعملاً فی العموم قطعاً ، فکیف یکون ظاهراً فیه؟

فإنّه یقال : إن المعلوم عدم إرادة العموم ، لا عدم استعماله فیه لإفادة القاعدة الکلیة ، فیعمل بعمومها ما لم یعلم بتخصیصها ، وإلاّ لم یکن وجه فی حجیته فی تمام الباقی ، لجواز استعماله حینئذ فیه وفی غیره من المراتب التی یجوز أن ینتهی إلیها التخصیص ، وأصالة عدم مخصص آخر لا یوجب إنعقاد ظهور له ، لا فیه ولا فی غیره من المراتب ، لعدم الوضع ولا القرینة المعینة لمرتبة منها ، کما لا یخفی ، لجواز إرادتها وعدم نصب قرینة علیها.

نعم ربما یکون عدم نصب قرینة مع کون العام فی مقام البیان قرینة علی إرادة التمام ، وهو غیر ظهور العام فیه فی کلّ مقام.

فانقدح بذلک إنّه لا بدّ من تخصیص العام بکل واحد من الخصوصات مطلقاً ، ولو کان بعضها مقدماً أو قطعیاً ، ما لم یلزم منه محذور انتهائه إلی ما لا یجوز الانتهاء إلیه عرفاً ، ولو لم یکن مستوعبة لافراده ، فضلاً عما إذا کانت مستوعبة لها ، فلا بدّ حینئذ من معاملة التباین بینه وبین مجموعها ومن ملاحظة الترجیح بینهما وعدمه ، فلو رجح جانبها أو اختیر فیما لم یکن هناک ترجیح فلا مجال للعمل به أصلاً ، بخلاف ما لو رجح طرفه أو قدم تخییراً ، فلا یطرح منها إلّا خصوص ما لا یلزم مع طرحة المحذور من التخصیص بغیره ، فإن التباین إنّما کان بینه وبین

ص: 452

مجموعها لا جمیعها ، وحینئذ فربما یقع التعارض بین الخصوصات فیخصص ببعضها ترجیحاً أو تخییراً ، فلا تغفل.

هذا فیما کانت النسبة بین المتعارضات متحدة ، وقد ظهر منه حالها فیما کانت النسبة بینها متعددة ، کما إذا ورد هناک عامّان من وجه مع ما هو أخص مطلقاً من أحدهما ، وإنّه لابد من تقدیم الخاص علی العام ومعاملة العموم من وجه بین العامین من الترجیح والتخییر بینهما ، وأنّ انقلبت النسبة بینهما إلی العموم المطلق بعد تخصیص أحدهما ، لما عرفت من إنّه لا وجه إلّا لملاحظة النسبة قبل العلاج.

نعم لو لم یکن الباقی تحته بعد تخصیصه إلّا ما لا یجوز أن یجوز عنه التخصیص أو کان بعیداً جداً ، لقدم علی العام الآخر ، لا لانقلاب النسبة بینهما ، بل لکونه کالنص فیه ، فیقدّم علی الآخر الظاهر فیه بعمومه ، کما لا یخفی.

فصل [فی بیان المرجحات توجب ترجیح احد السندین فعلا]

لا یخفی أن المزایا المرجحة لأحد المتعارضین الموجبة للاخذ به وطرح الآخر - بناءً علی وجوب الترجیح - وأنّ کانت علی أنحاء مختلفة ومواردها متعددة ، من راوی الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه مثل : الوثاقة والفقاهة والشهرة ومخالفة العامة والفصاحة وموافقة الکتاب والموافقة لفتوی الأصحاب ، إلی غیر ذلک مما یوجب مزیة فی طرف من أطرافه ، خصوصاً لو قیل بالتعدی من المزایا المنصوصة ، إلّا إنّها موجبة لتقدیم أحد السندین وترجیحه وطرح الآخر ، فإن أخبار العلاج دلّت علی تقدیم روایة ذات مزیة فی أحد أطرافها ونواحیها فجمیع هذه من مرجحات السند حتی موافقة الخبر للتقیة ، فإنّها أیضاً مما یوجب ترجیح أحد السندین وحجیته فعلاً وطرح الآخر رأساً ؛ وکونها فی مقطوعی الصدور متمحضة فی ترجیح الجهة لا یوجب کونها کذلک فی غیرهما ، ضرورة إنّه لا معنی للتعبد بسند ما یتعین حمله علی التقیة ، فکیف یقاس علی ما لا تعبد فیه للقطع بصدوره؟.

ثم إنّه لا وجه لمراعاة الترتیب بین المرجحات لو قیل بالتعدی وإناطة الترجیح

ص453

بالظن أو بالأقربیة إلی الواقع ، ضرورة أن قضیة ذلک تقدیم الخبر الذی ظن صدقه أو کان أقرب إلی الواقع منهما ، والتخییر بینهما إذا تساویا ، فلا وجه لإتعاب النفس فی بیان أن أیها یقدم أو یؤخر إلّا تعیین أن أیها یکون فیه المناط فی صورة مزاحمة بعضها مع الآخر.

وأما لو قیل بالاقتصار علی المزایا المنصوصة فله وجه لما یتراءی من ذکرها مرتباً فی المقبولة (1) والمرفوعة (2)، مع إمکان أن یقال : إن الظاهر کونهما کسائر أخبار الترجیح بصدد بیان أن هذا مرجح وذاک مرجح ، ولذا إقتصر فی غیر واحد منها علی ذکر مرجح واحد ، وإلاّ لزم تقیید جمیعها علی کثرتها بما فی المقبولة ، وهو بعید جداً ، وعلیه فمتی وجد فی أحدهما مرجح وفی الآخر آخر منها ، کان المرجع هو إطلاقاًت التخییر ، ولا کذلک علی الأوّل بل لابد من ملاحظة الترتیب ، إلّا إذا کانا فی عرض واحد.

وانقدح بذلک أن حال المرجح الجهتی حال سائر المرجحات ، فی إنّه لابد فی صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أیهما فعلاً موجب للظن بصدق ذیه بمضمونه ، أو الأقربیة کذلک إلی الواقع ، فیوجب ترجیحه وطرح الآخر ، أو إنّه لا مزیة لأحدهما علی الآخر ، کما إذا کان الخبر الموافق للتقیة بماله من المزیة مساویاً للخبر المخالف لها بحسب المناطین ، فلا بدّ حینئذ من التخییر بین الخبرین. فلا وجه لتقدیمه علی غیره ، کما عن الوحید البهبهانی (3) -(4) قدس سره - وبالغ فیه

ص: 454


1- التهذیب 6 / 301 ، الباب 92 ، الحدیث 52.
2- - مستدرک وسائل الشیعة 17 : 302 الباب 9 من أبواب صفات القاضی.
3- راجع ملاحظات الفرید علی فوائد الوحید (ره) / 120 فی الفائدة 21.
4- المولی محمد باقر بن محمد أکمل البهبهانی مروج المذهب رأس الماة الثالثة تولد سنة 1118 فی اصفهان وقطن برهة فی بهبهان ، ثم انتقل إلی کربلا ونشر العلم هناک ، صنف ما یقرب من ستین کتابا. منها شرحه علی المفاتیح وحواشیه علی المدارک وعلی المعالم وغیر ذلک توفی فی الحائر الشریف سنة 1208 ه ( الکنی والالقاب 2 / 97 ).

بعض (1) أعاظم المعاصرین - أعلی الله درجته ؛ ولا لتقدیم غیره علیه ، کما یظهر من شیخنا العلامة (2) - أعلی الله مقامه - قال :

( امّا لو زاحم الترجیح بالصدور الترجیح من حیث جهة الصدور ، بأن کان الارجح صدوراً موافقاً للعامة ، فالظاهر تقدیمه علی غیره وأنّ کان مخالفاً للعامة ، بناءً علی تعلیل الترجیح بخالفة العامة بإحتمال التقیة فی الموافق ، لأن هذا الترجیح ملحوظ فی الخبرین بعد فرض صدورهما قطعاً کما فی المتواترین ، أو تعبداً کما فی الخبرین بعد عدم إمکان التعبد بصدور أحدهما وترک التعبد بصدور الآخر ، وفیما نحن فیه یمکن ذلک بمقتضی أدلة الترجیح من حیث الصدور.

إن قلت : إن الأصل فی الخبرین الصدور ، فإذا تعبدنا بصدورهما إقتضی ذلک الحکم بصدور الموافق تقیة ، کما یقتضی ذلک الحکم بإرادة خلاف الظاهر فی أضعفهما ، فیکون هذا المرجح نظیر الترجیح بحسب الدلالة مقدماً علی الترجیح بحسب الصدور.

قلت : لا معنی للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعینّ علی التقیة ، لإنّه إلغاء لأحدهما فی الحقیقة ).

وقال بعد جملة من الکلام :

( فمورد هذا الترجیح تساوی الخبرین من حیث الصدور ، امّا علماً کما فی المتواترین ، أو تعبداً کما فی المتکافئین من الأخبار ، وأما ما وجب فیه التعبد بصدور أحدهما المعینّ دون الآخر فلا وجه لإعمال هذا المرجح فیه ، لأن جهة الصدور متفرع علی أصل الصدور ) إنتهی موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.

وفیه - مضافاً إلی ما عرفت - أن حدیث فرعیة جهة الصدور علی أصله إنّما یفید

ص: 455


1- هو صاحب البدائع فی البدائع / 455 و 457 ، المقام الرابع فی ترتیب المرجحات.
2- فرائد الأصول / 468.

إذا لم یکن المرجح الجهتی من مرجحات أصل الصدور بل من مرجحاتها ، وأما إذا کان من مرجحاته بأحد المناطین ، فأی فرق بینه وبین سائر المرجحات؟ ولم یقم دلیل بعد فی الخبرین المتعارضین علی وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حیث غیر الجهة ، مع کون الآخر راجحاً بحسبها ، بل هو أول الکلام ، کما لا یخفی ، فلا محیص من ملاحظة الراجح من المرجحین بحسب أحد المناطین ، أو من دلالة أخبار العلاج ، علی الترجیح بینهما مع المزاحمة ، ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحکم هو إطلاق التخییر ، فلا تغفل.

وقد أورد بعضٍ أعاظم تلامیذه (1) علیه بإنتقاضه بالمتکافئین من حیث الصدور ، فإنّه لو لم یعقل التعبد بصدور المتخالفین من حیث الصدور ، مع حمل أحدهما علی التقیة ، لم یعقل التعبد بصدورهما مع حمل أحدهما علیها ، لإنّه إلغاء لاحدهما أیضاً فی الحقیقة.

وفیه ما لا یخفی من الغفلة ، وحسبان إنّه التزم قدس سره فی مورد الترجیح بحسب الجهة باعتبار تساویهما من حیث الصدور ، امّا للعلم بصدورهما ، وإما للتعبد به فعلاً ، مع بداهة أن غرضه من التساوی من حیث الصدور تعبداً تساویهما بحسب دلیل التعبد بالصدور قطعاً ، ضرورة أن دلیل حجیة الخبر لا یقتضی التعبد فعلاً بالمتعارضین ، بل ولا بأحدهما ، وقضیة دلیل العلاج لیس إلّا التعبد بأحدهما تخییراً أو ترجیحاً.

والعجب کلّ العجب إنّه رحمه الله لم یکتف بما أورده من النقض ، حتی ادعی استحالة تقدیم الترجیح بغیر هذا المرجح علی الترجیح به ، وبرهن علیه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق ، لدوران أمره بین عدم صدوره من أصله ، وبین صدوره تقیة ، ولا یعقل التعبد به علی التقدیرین بداهةً ، کما إنّه لا یعقل التعبد بالقطعی الصدور الموافق ، بل الأمر فی الظنی الصدور أهون ، لاحتمال عدم

ص: 456


1- وهو الشیخ المحقق الحاج میرزا حبیب الله الرشتی ( طاب ثراه ). راجع بدائع الأفکار / 457.

صدوره ، بخلافه.

ثم قال : فاحتمال تقدیم المرجحات السندیة علی مخالفة العامة ، مع نص الإمام علیه السلام علی طرح موافقهم ، من العجائب والغرائب التی لم یعهد صدورها من ذی مسکة ، فضلاً عمن هو تالی العصمة علماً وعملاً.

ثم قال : ولیت شعری ، إن هذه الغفلة الواضحة کیف صدرت منه؟ مع إنّه فی جودة النظر یأتی بما یقرب من شق القمر.

وأنت خبیر بوضوح فساد برهإنّه ، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بین الصدور تقیة وعدم الصدور رأساً ، لاحتمال صدوره لبیان حکم الله واقعاً ، وعدم صدور المخالف المعارض له أصلاً ، ولا یکاد یحتاچ فی التعبد إلی أزید من احتمال صدور الخبر لبیان ذلک بداهة ، وإنما دار احتمال الموافق بین الاثنین إذا کان المخالف قطعیاً صدوراً وجهةً ودلالةً ، ضرورة دوران معارضه حینئذ بین عدم صدوره وصدوره تقیة ، وفی غیر هذه الصورة کان دوران أمره بین الثلاثة لا محالة ، لاحتمال صدوره لبیان الحکم الواقعی حینئذ أیضاً.

ومنه قد إنقدح إمکان التعبد بصدور الموافق القطعی لبیان الحکم الواقعی أیضاً ، وإنما لم یکن التعبد بصدوره لذلک إذا کان معارضه المخالف قطعیاً بحسب السند والدلالة ، لتعیّن حمله علی التقیة حینئذ لا محالة ؛ ولعمری إن ما ذکرنا أوضح من أن یخفی علی مثله ، إلّا أن الخطأ والنسیان کالطبیعة الثانیة للإنسان ، عصمنا الله من زلل الاقدام والأقلام فی کلّ ورطة ومقام.

ثم إن هذا کله إنّما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حیث الجهة ، وأما بما هو موجب لأقوائیة دلالة ذیه من معارضه ، لاحتمال التوریة فی المعارض المحتمل فیه التقیة دونه ، فهو مقدم علی جمیع مرجحات الصدور ، بناءً علی ما هو المشهور من تقدم التوفیق - بحمل الظاهر علی الأظهر - علی الترجیح بها ، اللهم إلّا إنّ یقال : أن باب احتمال التوریة وأنّ کان مفتوحاً فیما احتمل فیه التقیة ، إلّا إنّه

ص: 457

حیث کان بالتأمل والنظر لم یوجب أن یکون معارضه أظهر ، بحیث یکون قرینة علی التصرف عرفاً فی الآخر ، فتدبر.

فصل [المراجحات الخارجیة]

موافقة الخبر لما یوجب الظن بمضمونه ولو نوعاً من المرجحات فی الجملة - بناءً علی لزوم الترجیح - لو قیل بالتعدی من المرجحات المنصوصة ، أو قیل بدخوله فی القاعدة المجمع علیها کما ادعی (1) ، وهی لزوم العمل بأقوی الدلیلین ، وقد عرفت أن التعدی محلّ نظر بل منع ، وأنّ الظاهر من القاعدة هو ما کان الأقوائیة من حیث الدلیلیة والکشفیة ، ومضمون أحدهما مظنوناً ، لأجل مساعدة أمارة ظنیة علیه ، لا یوجب قوة فیه من هذه الحیثیة ، بل هو علی ما هو علیه من القوة لو لا مساعدتها ، کما لا یخفی ، ومطابقة أحد الخبرین لها لا یکون لازمه الطن بوجود خلل فی الآخر ، امّا من حیث الصدور ، أو من حیث جهته ، کیف؟ وقد اجتمع مع القطع بوجود جمیع ما اعتبر فی حجیة المخالف لولا معارضة الموافق ؛ والصدق واقعاً لا یکاد یعتبر فی الحجیّة ، کما لا یکاد یضر بها الکذب کذلک ، فافهم. هذا حال الامارة الغیر المعتبرة لعدم الدلیل علی اعتبارها.

أما ما لیس بمعتبر بالخصوص لأجل الدلیل علی عدم اعتباره بالخصوص کالقیاس ، فهو وأنّ کان کالغیر المعتبر لعدم الدلیل ، بحسب ما یقتضی الترجیح به من الإخبار بناءً علی التعدی ، والقاعدة بناءً علی دخول مظنون المضمون فی أقوی الدلیلین ، إلّا أن الأخبار الناهیة عن القیاس (2) وأنّ السنّة إذا قیست محق الدین (3) ، مانعة عن الترجیح به ، ضرورة أن استعماله فی ترجیح أحد الخبرین

ص: 458


1- 1. راجع فرائد الأصول / 469.
2- 2. الکافی 1 : 46 باب البدع والرأی والمقاییس. الأحادیث 13 و 16.
3- 3. المصدر المتقدم ، الحدیث 15 والکافی 7 : 299 ، کتاب الدیات ، باب الرجل یقتل المرأة و ... الخ ، الحدیث 6.

استعمال له فی المسألة الشرعیة الأصولیة ، وخطره لیس بأقل من استعماله فی المسألة الفرعیة.

وتوهمّ أن حال القیاس ها هنا لیس فی تحقق الأقوائیة به إلّا کحاله فیما ینقح به موضوع آخر ذو حکم ، من دون اعتماد علیه فی مسألة لا أصولیة ولا فرعیة ، قیاس مع الفارق ، لوضوح الفرق بین المقام والقیاس فی الموضوعاًت الخارجیة الصرفة ، فإن القیاس المعمول فیها لیس فی الدین ، فیکون إفساده أکثر من إصلاحه ، وهذا بخلاف المعمول فی المقام ، فإنّه نحو إعمال له فی الدین ؛ ضرورة أنّه لولاه لما تعیّن الخبر الموافق له للحجیة بعد سقوطه عن الحجیّة بمقتضی أدلة الاعتبار ، والتخییر بینه وبین معارضه بمقتضی أدلّة العلاج ، فتأمّل جیداً.

وأمّا ما إذا اعتضد بما کان دلیلاً مستقلاً فی نفسه ، کالکتاب والسنة القطعیة ، فالمعارض المخالف لأحدهما : إن کانت مخالفته بالمباینة الکلیة ، فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجیح ، لعدم حجیة الخبر المخالف کذلک من أصله ، ولو مع عدم المعارض ، فإنّه المتیقن من الإخبار الدالة علی إنّه زخرف أو باطل ، أو أنّه : لم نقله ، أو غیر ذلک(1)

وإن کانت مخالفته بالعموم والخصوص المطلق ، فقضیة القاعدة فیها ، وأنّ کانت ملاحظة المرجحات بینه وبین الموافق وتخصیص الکتاب به تعییناً أو تخییراً ، لو لم یکن الترجیح فی الموافق ، بناءً علی جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد ، إلّا أن الإخبار الدالة علی أخذ الموافق من المتعارضین غیر قاصرة عن العموم لهذه الصورة ، لو قیل بإنّها فی مقام ترجیح أحدهما لا تعیین الحجة عن اللاحجة ، کما نزلناها علیه ، ویؤیده أخبار (2) العرض علی الکتاب الدالة علی عدم حجیة المخالف من

ص: 459


1- راجع ص 444 ، هامش 2.
2- وسائل الشیعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی / الأحادیث 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 15 ، 18.

أصله ، فإنّهما تفرغان عن لسان واحد ، فلا وجه لحمل المخالفة فی إحدهما (1) علی خلاف المخالفة فی الأخری ، کما لا یخفی.

اللهمّ إلّا أن یقال : نعم ، إلّا أن دعوی اختصاص هذه الطائفة بما إذا کانت المخالفة بالمباینة - بقرینة القطع بصدور المخالف الغیر المباین عنهم علیهم السلام کثیراً ، وإباءِ مثل : ( ما خالف قول ربنا لم أقله ، أو زخرف أو باطل ) عن التخصیص - غیر بعیدة ، وأنّ کانت المخالفة بالعموم والخصوص من وجه ، فالظاهر إنّها کالمخالفة فی الصورة الأُولی کما لا یخفی.

وأما الترجیح بمثل الاستصحاب ، کما وقع فی کلام غیر واحد من الأصحاب ، فالظاهر إنّه لأجل اعتباره من باب الظنّ والطریقیة عندهم ، وأما بناءً علی اعتباره تعبداً من باب الإخبار وظیفةً للشاک ، کما هو المختار ، کسائر الأصول العملیة التی یکون کذلک عقلاً أو نقلاً ، فلا وجه للترجیح به أصلاً ، لعدم تقویة مضمون الخبر بموافقته ، ولو بملاحظة دلیل اعتباره کما لا یخفی.

هذا آخر ما أردنا إیراده ، والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً.

ص: 460


1- فی « ب » : احدهما.

الخاتمة الاجتهاد والتقلید

فصل الاجتهاد لغه تحمل المشقه

ص: 461

ص: 462

واصطلاحاً کما عن الحاجبی (1) والعلامة (2) : استفراغ الوسع فی تحصیل الظن بالحکم الشرعی ، وعن غیرهما (3) : ملکة یقتدر بها علی استنباط الحکم الشرعی الفرعی من الأصل فعلاً أو قوة قریبة.

ولا یخفی أن اختلاف عباراتهم فی بیان معناه اصطلاحاً ، لیس من جهة الاختلاف فی حقیقته وماهیته ، لوضوح إنّهم لیسوا فی مقام بیان حدّه أو رسمه ، بل إنّما کانوا فی مقام شرح اسمه والإِشارة إلیه بلفظ آخر وأنّ لم یکن مساویاً له بحسب مفهومه ، کاللغوی فی بیان معانی الألفاظ بتبدیل لفظ بلفظ آخر ، ولو کان أخصّ منه مفهوماً أو أعمّ.

ومن هنا انقدح إنّه لا وقع للإیراد علی تعریفاته بعدم الانعکاس أو الاطراد ، کما هو الحال فی تعریف جل الأشیاء لولا الکلّ ، ضرورة عدم الإحاطة بها بکنهها ، أو بخواصها الموجبة لامتیازها عما عداها ، لغیر علام الغیوب ، فافهم.

ص: 463


1- 1. راجع شرح مختصر الأصول / 460 ، عند الکلام عن الاجتهاد.
2- 2. التهذیب - مخطوط -.
3- 3. زبدة الأصول للشیخ البهائی (ره) / 115 المنهج الرابع فی الاجتهاد والتقلید.

وکیف کان ، فالأولی تبدیل الظن بالحکم بالحجة علیه ، فإن المناط فیه هو تحصیلها قوة أو فعلاً لا الظن حتی عند العامة القائلین بحجیته مطلقاً ، أو بعضٍ الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحکام ، فإنّه مطلقاً عندهم ، أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجة ، ولذا لا شبهة فی کون استفراغ الوسع فی تحصیل غیره من أفرادها - من العلم بالحکم أو غیره مما اعتبر من الطرق التعبدیة الغیر المفیدة للظن ولو نوعاً - اجتهاداً أیضاً.

ومنه قد انقدح إنّه لا وجه لتأبّی الأخباری عن الاجتهاد بهذا المعنی ، فإنّه لا محیص عنه کما لا یخفی ، غایة الأمر له أن ینازع فی حجیة بعضٍ ما یقول الأُصولی باعتباره ویمنع عنها ، وهو غیر ضائر بالاتفاق علی صحة الاجتهاد بذاک المعنی ؛ ضرورة إنّه ربما یقع بین الإخباریین ، کما وقع بینهم وبین الأُصولیین.

فصل ینقسم الاجتهاد إلی مطلق وتجز

فالاجتهاد المطلق هو ما یقتدر به علی استنباط الأحکام الفعلیة من أمارة معتبرة ، أو أصل معتبر عقلاً أو نقلاً فی الموارد التی لم یظفر فیها بها ، والتجزی هو ما یقتدر به علی استنباط بعض الأًحکام.

ثم إنّه لا إشکال فی إمکان المطلق وحصوله للأعلام ، وعدم التمکن من الترجیح فی المسألة وتعیین حکمها والتردد منهم فی بعضٍ المسائل إنّما هو بالنسبة إلی حکمها الواقعی ، لأجل عدم دلیل مساعد فی کلّ مسألة علیه ، أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم ، لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع. وأما بالنسبة إلی حکمها الفعلّی ، فلا تردد لهم أصلاً.

کما لا إشکال فی جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به ، وأما لغیره فکذا لا إشکال فیه ، إذا کان المجتهد ممن کان باب العلم أو العلمی بالأحکام مفتوحاً له - علی ما یأتی من الادلة علی جواز التقلید - بخلاف ما إذا انسد علیه بابهما ، فجواز تقلید الغیر عنه فی غایة الإِشکال ، فإن رجوعه إلیه لیس من رجوع الجاهل إلی العالم بل إلی الجاهل ،

ص: 464

وأدلة جواز التقلید إنّما دلّت علی جواز رجوع غیر العالم إلی العالم کما لا یخفی ، وقضیة مقدمات الانسداد لیست إلّا حجیة الظن علیه لا علی غیره ، فلا بدّ فی حجیة اجتهاد مثله علی غیره من التماس دلیل آخر غیر دلیل التقلید وغیر دلیل الانسداد الجاری فی حق المجتهد ، من إجماع أو جریان مقدمات دلیل الانسداد فی حقه ، بحیث تکون منتجة لحجیة الظن الثابت حجیته بمقدماته له أیضاً ، ولا مجال لدعوی الاجماع ، ومقدماته کذلک غیر جاریة فی حقه ، لعدم انحصار المجتهد به ، أو عدم لزوم محذور عقلی من عمله بالاحتیاط وأنّ لزم منه العسر ، إذا لم یکن له سبیل إلی إثبات عدم وجوبه مع عسره.

نعم ، لو جرت المقدّمات کذلک ، بأن انحصر المجتهد ، ولزم من الاحتیاط المحذور ، أو لزم منه العسر مع التمکن من إبطال وجوبه حینئذٍ ، کانت منتجة لحجیته فی حقه أیضاً ، لکن دونه خرط القتاد ، هذا علی تقدیر الحکومة.

وأما علی تقدیر الکشف وصحته ، فجواز الرجوع إلیه فی غایة الإِشکال لعدم مساعدة أدلة التقلید علی جواز الرجوع إلی من اختصّ حجیة ظنه به ، وقضیة مقدمات الانسداد اختصاص حجیة الظن بمن جرت فی حقه دون غیره ، ولو سلّم أن قضیتها کون الظن المطلق معتبراً شرعاً ، کالظنون الخاصة التی دلّ الدلیل علی اعتبارها بالخصوص ، فتأمل.

إن قلت : حجیة الشیء شرعاً مطلقاً لا یوجب القطع بما أدی إلیه من الحکم ولو ظاهراً ، کما مرّ تحقیقه (1) ، وإنّه لیس أثره إلّا تنجز الواقع مع الإصابة ، والعذر مع عدمها ، فیکون رجوعه إلیه مع انفتاح باب العلمی علیه أیضاً رجوعاً إلی الجاهل ، فضلاً عما إذا انسد علیه.

قلت : نعم ، إلّا إنّه عالم بموارد قیام الحجة الشرعیة علی الأحکام ، فیکون من رجوع الجاهل إلی العالم.

ص: 465


1- فی بیان الأمارات الغیر القطعیة ، ص 277.

إن قلت : رجوعه إلیه فی موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التی یکون المرجع فیها الأصول العقلیة ، لیس إلّا الرجوع إلی الجاهل.

قلت : رجوعه إلیه فیها إنّما هو لأجل اطلاعه علی عدم الامارة الشرعیة فیها ، وهو عاجز عن الاطلاع علی ذلک ، وأما تعیین ما هو حکم العقل وإنّه مع عدمها هو البراءة أو الاحتیاط ، فهو إنّما یرجع إلیه ، فالمتبع ما استقل به عقله ولو علی خلاف ما ذهب إلیه مجتهده ، فافهم.

وکذلک لا خلاف ولا إشکال فی نفوذ حکم المجتهد المطلق إذا کان باب العلم أو العلمی له مفتوحاً ، وأما إذا انسد علیه بابهما ففیه إشکال علی الصحیح من تقریر المقدّمات علی نحو الحکومة ، فإن مثله - کما أشرت آنفاً - لیس ممن یعرف الأحکام ، مع أن معرفتها معتبرة فی الحاکم ، کما فی المقبولة ، إلّا أن یَّدعی عدم القول بالفصل ، وهو وأنّ کان غیر بعید ، إلّا إنّه لیس بمثابة یکون حجة علی عدم الفصل ، إلّا أن یقال بکفایة انفتاح باب العلم فی موارد الإجماعات والضروریات من الدین أو المذهب ، والمتواترات إذا کانت جملة یعتدّ بها ، وأنّ انسد باب العلم بمعظم الفقه ، فإنّه یصدق علیه حینئذٍ إنّه ممن روی حدیثهم علیهم السلام ونظر فی حلالهم علیهم السلام وحرامهم علیهم السلام : وعرف أحکامهم عرفاً حقیقة. وأما قوله علیه السلام فی المقبولة ( فإذا حکم بحکمنا ) فالمراد أن مثله إذا حکم کان بحکمهم حکم ، حیث کان منصوباً منهم ، کیف وحکمه غالباً یکون فی الموضوعاًت الخارجیة ، ولیس مثل ملکیة دار لزید أو زوجیة أمراًة له من أحکامهم علیهم السلام فصحة إسناد حکمه إلیهم علیهم السلام إنّما هو لأجل کونه من المنصوب من قبلهم.

وأما التجزی فی الاجتهاد ففیه مواضع من الکلام :

ص: 466

وصعوبة ، عقلیة ونقلیة ، مع اختلاف الأشخاص فی الاطلاع علیها ، وفی طول الباع وقصوره بالنسبة إلیها ، فرب شخص کثیر الاطلاع وطویل الباع فی مدرک باب بمهارته فی النقلیات أو العقلیات ، ولیس کذلک فی آخر لعدم مهارته فیها وابتنائه علیها ، وهذا بالضرورة ربما یوجب حصول القدرة علی الاستنباط فی بعضها لسهولة مدرکه أو لمهارة الشخص فیه مع صعوبته ، مع عدم القدرة علی ما لیس کذلک ، بل یستحیل حصول اجتهاد مطلق عادةً غیر مسبوق بالتجزی ؛ للزوم الطفرة. وبساطة الملکة وعدم قبولها التجزئة ، لا تمنع من حصولها بالنسبة إلی بعضٍ الأبواب ، بحیث یتمکن بها من الإحاطة بمدارکه ، کما إذا کانت هناک ملکة الاستنباط فی جمیعها ، ویقطع بعدم دخل ما فی سائرها به أصلاً ، أو لا یعتنی باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله ، کما فی الملکة المطلقة ، بداهة إنّه لا یعتبر فی استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلاً علی مدارک جمیع المسائل ، کما لا یخفی.

الثانی : فی حجیة ما یؤدی إلیه علی المتصف به ، وهو أیضاً محلّ الخلاف ، إلّا أن قضیة أدلة المدارک حجیته ، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، ضرورة أن بناءً العقلاء علی حجیة الظواهر مطلقاً ، وکذا ما دلّ علی حجیة خبر الواحد ، غایته تقییده بما إذا تمکن من دفع معارضاته کما هو المفروض.

الثالث : فی جواز رجوع غیر المتصف به إلیه فی کلّ مسألة اجتهد فیها ، وهو أیضاً محلّ الإِشکال ، من إنّه من رجوع الجاهل إلی العالم ، فتعمّه أدلة جواز التقلید ، ومن دعوی عدم إطلاق فیها ، وعدم إحراز أن بناءً العقلاء أو سیرة المتشرعة علی الرجوع إلی مثله أیضاً. وستعرف إن شاء الله تعالی ما هو قضیة الادلة.

وأما جواز حکومته ونفوذ فصل خصومته فأشکل ، نعم لا یبعد نفوذه فیما إذا عرفّ جملة معتدة بها واجتهد فیها ، بحیث یصحّ أن یقال فی حقه عرفاً إنّه ممن عرفّ

ص: 467

أحکامهم ، کما مرّ فی المجتهد المطلق المنسد علیه باب العلم والعلمی فی معظم الأًحکام.

فصل [فی بیان ما یتوقف علیه الاجتهاد]

لا یخفی احتیاج الاجتهاد إلی معرفة العلوم العربیة فی الجملة ولو بأن یقدّر علی معرفة ما یبتنی علیه الاجتهاد فی المسألة ، بالرجوع إلی ما دوّن فیه ، ومعرفة التفسیر کذلک.

وعمدة ما یحتاج إلیه هو علم الأُصول ، ضرورة إنّه ما من مسألة إلّا ویحتاج فی استنباط حکمها إلی قاعدة أو قواعد برهن علیها فی الأُصول ، أو برهن علیها مقدّمة فی نفس المسألة الفرعیة ، کما هو طریقة الأخباری ، وتدوین تلک القواعد المحتاج إلیها علی حدة لا یوجب کونها بدعة ، وعدم تدوینها فی زمانهم علیهم السلام لا یوجب ذلک ، وإلاّ کان تدوین الفقه والنحو والصرف بدعة.

وبالجملة : لا محیص لاحد فی استنباط الأحکام الفرعیة من أدلتها إلّا الرجوع إلی ما بنی علیه فی المسائل الأُصولیة ، وبدونه لا یکاد یتمکن من استنباط واجتهاد ، مجتهداً کان أو أخباریاً. نعم یختلف الاحتیاج إلیها بحسب اختلاف المسائل والازمنة والأشخاص ، ضرورة خفة مؤونة الاجتهاد فی الصدر الأوّل ، وعدم حاجته إلی کثیر مما یحتاج إلیه فی الازمنة اللاحقة ، مما لا یکاد یحقق ویختار عادةً إلّا بالرجوع إلی ما دوّن فیه من الکتب الأصولیة.

فصل [التخطئه و التصویب]

اتفقت الکلمة علی التخطئة فی العقلیات ، واختلفت فی الشرعیات ، فقال أصحابنا بالتخطئة فیها أیضاً ، وأنّ له تبارک وتعالی فی کلّ مسألة حکماً یؤدی إلیه الاجتهاد تارةً وإلی غیره أُخری.

وقال مخالفونا بالتصویب ، وأنّ له تعالی أحکاماً بعدد آراء المجتهدین ، فما

ص: 468

یؤدی إلیه الاجتهاد هو حکمه تبارک وتعالی ، ولا یخفی إنّه لا یکاد یعقل الاجتهاد فی حکم المسألة إلّا إذا کان لها حکم واقعاً ، حتی صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلته ، وتعیینه بحسبها ظاهراً. فلو کان غرضهم من التصویب هو الالتزام بإنشاء أحکام فی الواقع بعدد الآراء - بأن تکون الأحکام المؤدی إلیها الاجتهادات أحکاماً واقعیة کما هی ظاهریة - فهو وأنّ کان خطأ من جهة تواتر الأخبار ، وإجماع أصحابنا الأخیار علی أن له تبارک وتعالی فی کلّ واقعة حکماً یشترک فیه الکلّ ، إلّا إنّه غیر محال. ولو کان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحکام علی وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد ، فهو مما لا یکاد یعقل ، فکیف یتفحص عما لا یکون له عین ولا أثر ، أو یستظهر من الآیة أو الخبر ، إلّا أن یراد التصویب بالنسبة إلی الحکم الفعلّی ، وأنّ المجتهد وأنّ کان یتفحص عما هو الحکم واقعاً وإنشاءً ، إلّا أن ما أدّی إلیه اجتهاده یکون هو حکمه الفعلّی حقیقة ، وهو مما یختلف باختلاف الآراء ضرورة ، ولا یشترک فیه الجاهل والعالم بداهة ، وما یشترکان فیه لیس بحکم حقیقةً بل إنشاءً ، فلا استحالة فی التصویب بهذا المعنی ، بل لا محیص عنه فی الجملة بناءً علی اعتبارٍ الإخبار من باب السببیة والموضوعیة کما لا یخفی ، وربما یشیر إلیه ما اشتهرت بیننا أن ظنیة الطریق لا ینافی قطعیة الحکم.

نعم بناءً علی اعتبارها من باب الطریقیة ، کما هو کذلک ، فمؤدیات الطرق والامارات المعتبرة لیست بأحکام حقیقیة نفسیّة ، ولو قیل بکونها أحکاما طریقیة ، وقد مرّ(1)غیر مرة إمکان منع کونها أحکاما کذلک أیضاً ، وأنّ قضیة حجیتها لیس إلّا تنجز مؤدیاتها عند إصابتها ، والعذر عند خطئها ، فلا یکون حکم أصلاً إلّا الحکم الواقعی ، فیصیر منجّزاً فیما قام علیه حجة من علم أو طریق معتبر ، ویکون غیر منجز بل غیر فعلّی فیما لم تکن هناک حجة مصیبة ، فتأمل جیداً.

ص: 469


1- فی دفع الایراد عن إمکان التعبد بالامارة غیر القطعیة / ص 277 وفی التنبیة الثّانی من تنبیهات الاستصحاب / ص 405.

فصل إذا اضمحل الاجتهاد السابق

بتبدل الرأی الأوّل بالآخر أو بزواله بدونه ، فلا شبهة فی عدم العبرة به فی الأعمال اللاحقة ، ولزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقاً أو الاحتیاط فیها ؛ وأما الأعمال السابقة الواقعة علی وفقه المختل فیها ما اعتبر فی صحتها بحسب هذا الاجتهاد ، فلا بدّ من معاملة البطلان معها فیما لم ینهض دلیل علی صحة العمل فیما إذا اختل فیه لعذر ، کما نهض فی الصلاة وغیرها ، مثل : لا تعاد (1) ، وحدیث الرفع (2)، بل الاجماع علی الإِجزاء فی العبادات علی ما ادّعی.

وذلک فیما کان بحسب الاجتهاد الأوّل قد حصل القطع بالحکم وقد اضمحل واضح ، بداهة إنّه لا حکم معه شرعاً ، غایته المعذوریة فی المخالفة عقلاً ، وکذلک فیما کان هناک طریق معتبر شرعاً علیه بحسبه ، وقد ظهر خلافه بالظفر بالمقید أو المخصص أو قرینة المجاز أو المعارض ، بناءً علی ما هو التحقیق من اعتبارٍ الأمارات من باب الطریقیة ، قیل بأن قضیة اعتبارها إنشاءً أحکام طریقیة ، أم لا علی ما مرّ منّا غیر مرة ، من غیر فرق بین تعلقه بالأحکام أو بمتعلقاتها ، ضرورة أن کیفیة اعتبارها فیهما علی نهج واحد ، ولم یعلم وجه للتفصیل بینهما ، کما فی الفصول (3)، وأنّ المتعلقات لا تتحمل اجتهادین بخلاف الأحکام ، إلّا حسبان أن الأحکام قابلة للتغیر والتبدل ، بخلاف المتعلقات والموضوعاًت ، وأنت خبیر بأن الواقع واحد فیهما ، وقد عین أولاً بما ظهر خطؤه ثانیاً ؛ ولزوم العسر والحرج والهرج والمرج المخلّ بالنظام والموجب للمخاصمة بین الأنام ، لو قیل بعدم صحة العقود والإِیقاعات والعبادات الواقعة علی طبق الاجتهاد الأوّل الفاسدة بحسب الاجتهاد الثانی ،

ص: 470


1- الفقیه : 1 / 225 ، الباب 49. الحدیث 8 والباب 42 ، الحدیث 17 والتهذیب 2 / 152 ، الباب 9 ، الحدیث 55.
2- راجع ص 339 ، فی الاستدلال علی البراءة بالسنة.
3- الفصول : 409 ، فی فصل رجوع المجتهد عن الفتوی.

ووجوب العمل علی طبق الثّانی ، من عدم ترتیب الأثر علی المعاملة وإعادة العبادة ، لا یکون إلّا أحیاناً ، وأدلة نفی العسر لا ینفی إلّا خصوص ما لزم منه العسر فعلاً ، مع عدم اختصاص ذلک بالمتعلقات ، ولزوم العسر فی الأحکام کذلک أیضاً لو قیل بلزوم ترتیب الأثر علی طبق الاجتهاد الثّانی فی الأعمال السابقة ، وباب الهرج والمرج ینسد بالحکومة وفصل الخصومة.

وبالجملة : لا یکون التفاوت بین الأحکام ومتعلقاتها ، بتحمل الاجتهادین وعدم التحمل بینّاً ولا مبینّاً، بما یرجع إلی محصل فی کلامه - زید فی علو مقامه - فراجع وتأمل.

وأما بناءً علی اعتبارها من باب السببیة والموضوعیة ، فلا محیص عن القول بصحة العمل علی طبق الاجتهاد الأوّل ، عبادةً کان أو معاملةً ، وکون مؤداه - ما لم یضمحل - حکماً حقیقة ، وکذلک الحال إذا کان بحسب الاجتهاد الأوّل مجری الاستصحاب أو البراءة النقلیة ، وقد ظفر فی الاجتهاد الثّانی بدلیل علی الخلاف ، فإنّه عمل بما هو وظیفته علی تلک الحال ، وقد مرّ فی مبحث الإِجزاء تحقیق المقال ، فراجع هناک.

ص: 471

فصل فی التقلید

وهو أخذ قول الغیر ورأیه للعمل به فی الفرعیات ، أو للالتزام به فی الاعتقادیات تعبداً ، بلا مطالبة دلیل علی رأیه ، ولا یخفی إنّه لا وجه لتفسیره بنفس العمل ، ضرورة سبقه علیه ، وإلاّ کان بلا تقلید ، فافهم.

ثم إنّه لا یذهب علیک أن جواز التقلید ورجوع الجاهل إلی العالم فی الجملة ، یکون بدیهیا جبلیّاً فطریاً لا یحتاج إلی دلیل ، وإلاّ لزم سدّ باب العلم به علی العامی مطلقاً غالباً ، لعجزه عن معرفة ما دلّ علیه کتاباً وسنّةً ، ولا یجوز التقلید فیه أیضاً ، وإلاّ لدار أو تسلسل ، بل هذه هی العمدة فی أدلته ، وأغلب ما عداه قابل للمناقشة ، لبُعد تحصیل الاجماع فی مثل هذه المسألة ، مما یمکن أن یکون القول فیه لأجل کونه من الأمور الفطریة الارتکازیة ، والمنقول منه غیر حجة فی مثلها ، ولو قیل بحجیتها فی غیرها ، لوهنه بذلک.

ومنه قد انقدح إمکان القدح فی دعوی کونه من ضروریات الدین ، لاحتمال أن یکون من ضروریات العقل وفطریاته لا من ضروریاته ، وکذا القدح فی دعوی (1)سیرة المتدینین.

ص: 472


1- الفصول : 411 فی فصل جواز التقلید.

وأما الآیات ، فلعدم دلالة آیة النفر (1)

والسؤال (2) علی جوازه ، لقوة احتمال أن یکون الارجاع لتحصیل العلم لا للاخذ تعبداً ، مع أن المسؤول فی آیة السؤال همّ أهل الکتاب کما هو ظاهرها ، أو أهل بیت العصمة الاطهار کما فسّر به فی الإخبار(3)

نعم لا بأس بدلالة الإخبار علیه بالمطابقة أو الملازمة ، حیث دلّ بعضها (4) علی وجوب اتباع قول العلماء ، وبعضها (5) علی أن للعوام تقلید العلماء ، وبعضها (6) علی جواز الافتاء مفهوماً مثل ما دلّ علی المنع عن الفتوی بغیر علم ، أو منطوقاً مثل (7)مادلّ علی إظهاره علیه السلام المحبة لأن یری فی أصحابه من یفتی الناس بالحلال والحرام.

لا یقال : إن مجرد إظهار الفتوی للغیر لا یدلّ علی جواز أخذه واتباعه.

فإنّه یقال : إن الملازمة العرفیة بین جواز الافتاء وجواز اتباعه واضحة ، وهذا غیر وجوب إظهار الحق والواقع ، حیث لا ملازمة بینه وبین وجوب أخذه تعبداً ، فافهم وتأمّل.

وهذه الأخبار علی اختلاف مضامینها وتعدد أسانیدها ، لا یبعد دعوی القطع بصدور بعضها ، فیکون دلیلاً قاطعاً علی جواز التقلید ، وأنّ لم یکن کلّ واحد منها

ص: 473


1- التوبة : 122.
2- النحل : 43.
3- الکافی : 1 / 163 ، کتاب الحجّة الباب 20 ، الأحادیث.
4- الوسائل : 18 / 98 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی ، الأحادیث : 4 و 5 و 9 و 15 و 23 و 27 و 33 و 42 و 45 والباب 12 ، الحدیث 54.
5- الاحتجاج : 2 / 457 فی احتجاجات أبی محمد العسکری وجاء فی الوسائل : 18 / 94 الباب 10 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 20.
6- الوسائل : 18 / 9 ، الباب 4 من أبواب صفات القاضی ، الأحادیث : 1 و 2 و 3 و 31 و 33 والباب 6 ، الحدیث 48. والباب 9 ، الحدیث 23 والباب 11 ، الحدیث 12.
7- الوسائل : 18 / 108 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 36.

بحجة ، فیکون مخصصاً لما دلّ علی عدم جواز اتباع غیر العلم والذم علی التقلید ، من الآیات والروایات. قال الله تبارک وتعالی : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) وقوله تعالی : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَی1648; أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَی1648; آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) (2) مع احتمال أن الذم إنّما کان علی تقلیدهم للجاهل ، أو فی الأصول الاعتقادیة التی لابدّ فیها من الیقین ، وأما قیاس المسائل الفرعیة علی الأصول الاعتقادیة ، فی إنّه کما لا یجوز التقلید فیها مع الغموض فیها کذلک لا یجوز فیها بالطریق الأولی لسهولتها ، فباطل ، مع إنّه مع الفارق ، ضرورة أن الأصول الاعتقادیة مسائل معدودة ، بخلافها فإنّها مما لا تعدّ ولا تحصی ، ولا یکاد یتیسر من الاجتهاد فیها فعلاً طول العمر إلّا للاوحدی فی کلیاتها ، کما لا یخفی.

فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحیاء فی الفتوی

مع اختلافهم فی العلم والفقاهة ، فلابد من الرجوع إلی الافضل إذا احتمل تعینه ، للقطع بحجیته والشک فی حجیة غیره ، ولا وجه لرجوعه إلی الغیر فی تقلیده ، إلّا علی نحو دائر.

نعم لا بأس برجوعه إلیه إذا استقل عقله بالتساوی ، وجواز الرجوع إلیه أیضاً ، أو جوّز له الأفضل بعد رجوعه إلیه ، هذا حال العاجر عن الاجتهاد فی تعیین ما هو قضیة الادلة فی هذه المسألة.

وأمّا غیره ، فقد اختلفوا فی جواز تقلید (3)المفضول وعدم جوازه ، ذهب بعضهم إلی الجواز ، والمعروف بین الأصحاب - علی ما قیل - عدمه وهو الأقوی ،

ص: 474


1- الاسراء : 36.
2- الزخرف : 23.
3- فی « ب » : تقدیم.

للأصل ، وعدم دلیل علی خلافه ، ولا إطلاق فی أدلة التقلید بعد الغضّ عن نهوضها علی مشروعیة أصله ، لوضوح إنّها إنّما تکون بصدد بیان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا فی کلّ حال ، من غیر تعرض أصلاً لصورة معارضته بقول الفاضل ، کما هو شأن سائر الطرق والأمارات علی ما لا یخفی.

ودعوی (1) السیرة علی الأخذ بفتوی أحد المخالفین فی الفتوی من دون فحص عن أعلمیته مع العلم بأعلمیة أحدهما ، ممنوعة.

ولا عسر فی تقلید الاعلم ، لا علیه لاخذ فتاواه من رسائله وکتبه ، ولا لمقلدیه لذلک أیضاً ، ولیس تشخیص الأعلمیة بأشکل من تشخیص أصل الاجتهاد ، مع أن قضیة نفی العسر الاقتصار علی موضع العسر ، فیجب فیما لا یلزم منه عسر ، فتأمل جیداً.

وقد استدلّ للمنع أیضاً بوجوه :

أحدها (2) : نقل الإجماع علی تعیّن تقلید الافضل.

ثانیها(3) : الإخبار الدالّة علی ترجیحه مع المعارضة ، کما فی المقبولة (4)وغیرها (5) ، أو علی اختیاره للحکم بین الناس ، کما دلّ علیه المنقول (6) عن أمیر المؤمنین علیه السلام : ( اختر للحکم بین الناس أفضل رعیتک ).

ثالثها (7) : إن قول الأفضل أقرب من غیره جزماً ، فیجب الأخذ به عند

ص: 475


1- راجع شرح مختصر الأصول / 484.
2- مطارح الأنظار / 303 ، فی التنبیه السادس ، عند استدلاله علی القول بوجوب تقلید الأفضل.
3- مفاتیح الأصول / 627.
4- التهذیب 6 : 301 ، الباب 92 ، الحدیث 6 - الکافی 1 : 54. باب اختلاف الحدیث من کتاب فضل العلم ، الحدیث 10.
5- التهذیب 6 / 301 ، الباب 92 ، الحدیث 50 و 51 - الفقیه 3 : 5 الباب 9 الحدیث 1 و 2.
6- نهج البلاغة الجزء الثالث : 104 فی کتابه علیه السلام للاشتر النخعی.
7- الذریعة 2 : 801 ، فی باب الاجتهاد ، فصل صفة المفتی والمستفتی.

المعارضة عقلاً.

ولا یخفی ضعفها :

أمّا الأوّل : فلقوة احتمال أن یکون وجه القول بالتعیین للکلّ أو الجل هو الأصل ، فلا مجال لتحصیل الإجماع مع الظفر بالاتفاق ، فیکون نقله موهوناً ، مع عدم حجیة نقله ولو مع عدم وهنه.

وأمّا الثانی : فلان الترجیح مع المعارضة فی مقام الحکومة ، لأجل رفع الخصومة التی لا تکاد ترتفع إلّا به ، لا یستلزم الترجیح فی مقام الفتوی ، کما لا یخفی.

وأما الثالث : فممنوع صغری وکبری.

أما الصغری فلاجل أن فتوی غیر الأفضل ربما یکون أقرب من فتواه ، لموافقته لفتوی من هو أفضل منه ممن مات ، ولا یصغی إلی أن فتوی الأفضل أقرب فی نفسه ، فإنّه لو سلّم إنّه کذلک إلّا إنّه لیس بصغری لما ادعی عقلاً من الکبری ، بداهة أن العقل لا یری تفاوتاً بین أن تکون الأقربیة فی الأمارة لنفسها ، أو لأجل موافقتها لامارة أُخری ، کما لا یخفی.

وأما الکبری فلأن ملاک حجیة قول الغیر تعبداً ولو علی نحو الطریقیة ، لم یعلم إنّه القرب من الواقع ، فلعله یکون ما هو فی الأفضل وغیره سیان ، ولم یکن لزیادة القرب فی أحدهما دخل أصلاً. نعم لو کان تمام الملاک هو القرب ، کما إذا کان حجة بنظر العقل ، لتعین الاقرب قطعاً ، فافهم.

فصل اختلفوا فی اشتراط الحیاة فی المفتی

، والمعروف بین الأصحاب(1)الاشتراط

ص: 476


1- المعالم / 241. فی « أصل : یعتبر فی المفتی .. الخ » من المطلب التاسع. ( ا ) راجع مسالک الافهام 1 : 127 ، فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. وقواعد الأحکام 119 کتاب الجهاد ، فی المقصد الخامس.

وبین العامة (1)عدمه ، وهو خیرة الأخباریین (2)، وبعض المجتهدین (3) من أصحابنا ، وربما نقل تفاصیل :

منها (4) : التفصیل بین البدوی فیشترط ، والاستمراری فلا یشترط ، والمختار ما هو المعروف بین الأصحاب ، للشک فی جواز تقلید المیت ، والأصل عدم جوازه ، ولا مخرج عن هذا الأصل ، إلّا ما استدل به المجوّز علی الجواز من وجوه ضعیفة.

منها (5) : استصحاب جواز تقلیده فی حال حیاته ، ولا یذهب علیک إنّه لا مجال له ، لعدم بقاء موضوعه عرفاً ، لعدم بقاء الرأی معه ، فإنّه متقوّم بالحیاة بنظر العرف ، وأنّ لم یکن کذلک واقعاً ، حیث إنّ الموت عند أهله موجب لانعدام المیت ورأیه ؛ ولا ینافی ذلک صحة استصحاب بعضٍ أحکام حال حیاته ، کطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إلیه ، فإن ذلک إنّما یکون فیما لا یتقوم بحیاته عرفاً بحسبان بقائه ببدنه الباقی بعد موته ، وأنّ احتمل أن یکون للحیاة دخل فی عروضه واقعاً ؛ وبقاء الرأی لابد منه فی جواز التقلید قطعاً ، ولذا لا یجوز التقلید فیما إذا تبدّل الرأی أو ارتفع ، لمرض أو هرم إجماعا.

وبالجملة : یکون انتفاء الرأی بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه ، ویکون حشره فی القیامة إنّما هو من باب إعادة المعدوم ، وأنّ لم یکن کذلک حقیقة ، لبقاء موضوعه ، وهو النفس الناطقة الباقیة حال الموت لتجرده ، وقد عرفت فی باب الاستصحاب أن المدار فی بقاء الموضوع وعدمه هو العرف ، فلا یجدی بقاء النفس

ص: 477


1- شرح البدخشی 3 : 287 والابهاج فی شرح المنهاج 3 : 268 وفواتح الرحموت 2 : 407.
2- الفوائد المدنیة 149.
3- راجع مطارح الأنظار : صفحة 280.
4- راجع مفاتیح الأصول / 624.
5- راجع مفاتیح الأصول / 624 ، فی التنبیه الأوّل من تقلید المیت.

عقلاً فی صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف علیه ، وحسبان أهله إنّها غیر باقیة وإنما تعاد یوم القیامة بعد انعدامها ، فتأمل جیداً.

لا یقال : نعم ، الاعتقاد والرأی وأنّ کان یزول بالموت لانعدام موضوعه ، إلّا أن حدوثه فی حال حیاته کافٍ فی جواز تقلیده فی حال موته ، کما هو الحال فی الروایة.

فإنّه یقال : لا شبهة فی إنّه لا بدّ فی جوازه من بقاء الرأی والاعتقاد ، ولذا لو زال بجنون أو تبدل ونحوهما لما جاز قطعاً ، کما أُشیر إلیه آنفاً. هذا بالنسبة إلی التقلید الابتدائی.

وأما الاستمراری ، فربما یقال بإنّه قضیة استصحاب الأحکام التی قلده فیها ، فإن رأیه وأنّ کان مناطاً لعروضها وحدوثها ، إلّا إنّه عرفاً من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع والمعروض.

ولکنه لا یخفی إنّه لا یقین بالحکم شرعاً سابقاً ، فإن جواز التقلید إن کان بحکم العقل وقضیة الفطرة کما عرفت فواضح ، فإنّه لا یقتضی أزید من تنجز ما أصابه من التکلیف والعذر فیما أخطأ ، وهو واضح. وأنّ کان بالنقل فکذلک ، علی ما هو التحقیق من أن قضیة الحجیة شرعاً لیس إلّا ذلک ، لإِنشاء أحکام شرعیة علی طبق مؤداها ، فلا مجال لاستصحاب ما قلده ، لعدم القطع به سابقاً ، إلّا علی ما تکلفنا فی بعضٍ تنبیهات الاستصحاب (1) ، فراجع ؛ ولا دلیل علی حجیة رأیه السابق فی اللاحق.

وأما بناءً علی ما هو المعروف بینهم ، من کون قضیة الحجیة الشرعیة جعل مثل ما أدت إلیه من الأحکام الواقعیة التکلیفیة أو الوضعیة شرعاً فی الظاهر ، فلاستصحاب ما قلده من الأحکام وأنّ کان مجال ، بدعوی بقاء الموضوع عرفاً ، لأجل کون الرأی عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض. إلّا أن الإِنصاف عدم کون الدعوی خالیة عن الجزاف ، فإنّه من المحتمل - لولا

ص: 479


1- التنبیه الثّانی / ص 405.

علیهم السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقلیدا بعد موت المفتی.

وفیه منع السیرة فیما هو محلّ الکلام ، وأصحابهم علیهم السلام إنّما لم یرجعوا عما أخذوه من الأحکام لأجل إنّهم غالباً إنّما کانوا یأخذونها ممن ینقلها عنهم علیهم السلام بلا واسطة أحد ، أو معها من دون دخل رأی الناقل فیه أصلاً ، وهو لیس بتقلید کما لا یخفی ، ولم یعلم إلی الآن حال من تعبّد بقول غیره ورأیه ، إنّه کان قد رجع أو لم یرجع بعد موته.

[ ومنها (1) : غیر ذلک مما لا یلیق بأن یسطر أو یذکر ] (2).

هذا آخر ما اردنا ایراده و الحمدلله اولا و آخرا و باطنا و ظاهرا.

ص: 480


1- 1. راجع مفاتیح الأصول للسید المجاهد : 622 فی مفتاح : اختلفوا فی جواز تقلید المجتهد المیت عند ذکره أدلة المجوزین.
2- 2. أثبتناها فی « ب » وشطب علیها المصنف فی « أ ».

الفهارس العامة

اشارة

1 - فهرس الآیات 2 - فهرس الروایات 3 - فهرس الأعلام 4 - فهرس الکتب 5 - مصادر التحقیق 6 - فهرس الموضاعات

ص: 481

ص: 482

1 - فهرس الآیات

أحل الله البیع 252

احلت لکم بهیمة الأنعام 253

اذن فی الناس بالحج 22

أن جاءکم فاسق بنبأٍ 296

ان الظن لا یغنی من الحق 303

ان الذین یکتمون ما انزلنا 298

انا وجدنا آباءنا علی أمةٍ وإنا علی اثارهم مقتدون 474

أوفوا بالعقود 424

حرمت علیکم أمهاتکم 253

الصلاة تنهی عن الفحشاء 28

فاسألوا اهل الذکر 300

فاستشهدوا شهیدین من رجالکم 197

فلما جاء أمرنا 62 - 61

فلولا نفر من کلّ فرقة 298

ص: 483

فلیخذر الذین یخالفون 63

فیه آیات محکمات 35

کتب علیکم الصیام 21

لا ینال عهدی الظالمین 49

ما منک إلّا تسجد اذ امرتک 63

واستبقوا الخیرات 80

والذین جاهدوا فینا 331

وأوصانی بالصلاة والزکاة 22

وبعولتهن أحقّ بردهنّ 232

وجاء رجل من اقصی المدینة 246

وذکّر فان الذکری 262

وربائبکم اللاتی فی حجورکم 207

وساعوا الی مغفرة 80

ولا تفق ما لیس لک به علم 303 - 474

ولا تکرهوا فتیاتکم علی البغاء 198

ولم تجدوا ماءً فتیمموا 85

وما أمر فرعون برشید 61

وما خلقت الجن والإنس إلّا لیعبدون 330

وما کنا معذبین حتی نبعث رسولاً 339

والمطلقات یتربصن 232

ومنهم یؤذون النبی 301

یمحوالله ما یشاء ویثبت 240

ص: 484

2 - فهرس الروایات

اختر للحکم بین الناس افضل رعیتک 475

اختلف اصحابنا فی روایاتهم عن أبی عبدالله 442

اذا أمرتکم بشیء فأتوا منه 370

اذا سعمت من أصحابک الحدیث وکلهم ثقة 442

ان الله کتب علیکم الحج 370

ان سمرة بن جندب کان له عذق 380

انما هلک الناس فی المتشابه 284

بایهما اخذت من باب التسلیم کان صواباً 442

بنی الاسلام علی خمس 31

التراب أحد الطهورین 85

خذ بما اشتهر بین أصحابک 292

دعی الصلاة أیام اقرائک 31

رفع عن امتی .... ما لا یعلمون 339

سأله عن مملوک تزوج بغیر إذن سیّده 188

ص: 485

السعید سعید فی بطن أُمه 68

السنة اذا قیست محقت 458

الصلاة عمود الدین 28 - 29

الصلاة معراج المؤمن 28 - 29

الصوم جنة من النار 28 - 29

فاذا حکم بحکمنا 464

فاذا علمت فقد قذر 399

فان الشک لا ینقض الیقین 397

فان الیقین لا یدفع بالشک 397

فلو أن أحدا صام نهاره 31

فلیس ینبغی لک ان تنقض الیقین بالشک 393

قال : قلت له أصاب ثوبی دم رعاف 392

قف عند الشبهة 346

قلت یجیئنا الرجلان وکلاهما ثقة 442

کتب الیه وانا بالمدینة عن الیوم الذی یشک فیه 397

کل شیء حلال حتی تعرف إنّه حرام 208 - 340 - 355 - 398

کل شیء طاهر حتی تعلم إنّه قذر 208 - 398

کل شیء فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه 273

کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی 341

لا بل إنّما أنا شافع 63

لا تعاد الصلاة 368

لاتنقض الیقین بالشک 396 - 425 - 428 - 431 - 432

لا، حتی یستیقن إنّه قد نام 425

لا صلاة إلّا بطهور 209 - 253

ص: 486

لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب 29

لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد 29

لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد 381

لا ضرر ولا ضرار 371 - 380

لانک کنت علی یقین من طهارتک 393 - 394

لا ینقض الیقین بالشک 389

لو لا أن أشقِّ علی أمتی لامرتهم بالسواک 63

الماء کله طاهر حتی تعلم إنّه نجس 398

ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً 380

ما أعلم شیئاً بعد المعرفة افضل من هذه الصلوات 330

ما خالف قول ربنا باطل 445 - 460

ما خالف قول ربنا زخرف 445 - 460

ما خالف قول ربنا لم أقله 445 - 460

ما لا یدرک کله لا یترک کله 370

من بلغه عن النبی شیء من الثواب 352

من سرح لحیته 353

المیسور لا یسقط بالمعسور 370

الناس فی سعة ما لا یعلمون 340

الناس معادن کمعادن الذهب والفضة 68

هلا تعلمت 375

واذا لم یدر فی ثلاث هو أوفی أربع 395

وکمال توحیده الإخلاص له 69

ولکن تنقض الیقین بالیقین 432

ولکن تنقضه بیقین آخر 425

ص: 487

یا أشباه الرجال 381

یا محمد کذب سمعک وبصرک عن أخیک 301

یکفیک عشر سنین 85

ینظر الی ما کان من روایتهم 292

ص: 488

3-فهرس الأعلام

الاسم

الصفحة

الآخوند الخراسانی = محمد کاظم بن حسین

الآمدی = علی بن أبی علی

الأئمة الأطهار علیهم السلام 306 ، 312 ، 447 ، 449 ، 451 ، 479

أبان (مولی عثمان) 168

ابراهیم علیه السلام 239

ابراهیم النخعی 188

ابن ادریس = محمد بن احمد

ابن البراج = عبدالعزیز بن نحریر

ابن الحاجب = عثمان بن عمرو

ابن زهرة 294

أبو ثور 218

أبو جعفر الباقر علیه السلام 188 ، 380

أبو الحسن علیه السلام 442

ص: 489

أبو الحسن التهامی 229

أبو الحسن العاملی 270

أبو الحسین البصری (أبوالحسن) 127

أبو حنیفة = النعمان بن ثابت

أبو رشیدین 371

أبو عبدالله الصادق علیه السلام 352 ، 442

أبو القاسم الکلانتری 24 ، 74 ، 89 ، 167

أبو القاسم النوری 96

أبو القاسم بن محمد حسن الجیلانی القمی 25 ، 36 ، 122 ، 168 ، 181 ، 219 ، 231 ، 243 ، 251 ، 445 ، 477 ، 479

أبو المکارم بن زهرة 363

أبو موسی الأشعری 127

أبو هاشم 82 ، 168

أحمد الجزائری 270

أحمد بن ادریس 202

أحمد بن حنبل 282

أحمد بن محمد الأردبیلی النجفی 150 ، 152 ، 167

أحمد بن محمد مهدی الکاشانی النراقی 96 ، 205 ، 410 ، 451

أسد الله الشوشتری 316

أسد الله بن اسماعیل الدزفولی الکاظمی 310

إسماعیل علیه السلام 239

إسماعیل بن اسحاق الأشعری 127

ص: 490

إسماعیل بن جعفر 301

الأشتر النخعی 475

الأشعری 365

امام العصر (عجل الله فرجه) = القائم (عجل الله فرجه)

أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام 208 ، 475

الأمین الاستر آبادی = محمد أمین بن محمد شریف

الأنصاری = مرتضی بن محمد أمین

الباقلانی = محمد بن الطیب

البصری = محمد بن علی بن الطیب

البلخی 218

البهائی = محمد بن الحسین

البوصیری = محمد بن سعید

البیضاوی = عبدالله بن عمر

ثابت بن زوطی 210

جعفر القاضی 270

جعفر بن الحسن بن یحیی الحلی 17 ، 236

جعفر بن خضر الجناحی النجفی 134 ، 379

جمال الدین الخوانساری 270 ، 275

الحاجبی = عثمان بن عمرو

الحارث بن المغیرة 442

حبیب الله بن محمد علی الجیلانی الرشتی 10 ، 46 ، 96 ، 455 ، 456

الحذاء 380

حسن المدرس 136

الحسن بن الجهم 442

ص: 491

حسن بن زین الدین العاملی الجبعی 37 ، 70 ، 89 ، 89 ، 113 ، 113 ، 199 ، 234 ، 251

الحسن بن یوسف بن علی الحلی 16 ، 39 ، 64 ، 330 ، 400 ، 463

الأمیر سید حسین 181

الحسین بن عبدالصمد الجبعی العاملی 100 ، 113

الحسین بن عبدالله بن سینا البخاری 16 ، 16 ، 276

حسین بن محمد بن حسین الخوانساری 130 ، 132 ، 202

الحسین بن محمد بن محمود الآملی الاصبهانی 90

حسین بن محمد امین الدزفولی

(عم الشیخ الانصاری) 95

الحکم بن عتیبة 188

الحمیری = عبدالله بن جعفر

خیرالدین الزرکلی 127

دعامة بن عزیز 282

الرضا علیه السلام 442

رضا الهمدانی 136

زرارة 188 ، 300 ، 328 ، 380 ، 392 ، 395

الزرکلی = خیرالدین

زین الدین (الشهید الثانی) 113 ، 198 ، 199

السبکی = علی بن عبدالکافی

سراقة بن مالک 370 ، 371

سعید بن المسیب 371

ص: 492

السکاکی = یوسف بن ابی بکر

سلطان العلماء = الحسین بن محمد بن محمود

سمرة بن جندب 380 ، 381

سیف الدولة = علی بن عبدالله

الشافعی = محمد بن ادریس

شریف العلماء = محمد شریف بن حسن علی

الشهید الثّانی = زین الدین

الشیبانی 189

الشیخ الاعظم = مرتضی بن محمد أمین

الشیخ الرئیس = الحسین بن عبدالله

شیخ الشریعة الاصفهانی = فتح الله النمازی

صاحب البدائع = حبیب الله بن محمد علی

صاحب التقریرات = أبو القاسم الکلانتری

صاحب الجواهر = محمد حسن بن باقر

صاحب الحدائق = یوسف بن أحمد

صاحب الریاض = علی بن محمد علی

صاحب الفصول = محمد حسین بن محمد رحیم

صاحب القوانین = أبو القاسم بن محمد حسن

صاحب کشف الغطاء = جعفر بن خضر

صاحب المدارک = محمد بن علی

صاحب المطالع = محمود بن ابی بکر

صاحب المعالم = حسن بن زین الدین

صاحب مفتاح الکرامة = محمد جواد بن محمد

صاحب المقابس = اسدالله بن اسماعیل

ص: 493

صاحب هدایة المسترشدین = محمد تقی الاصفهانی

السید الصدر (صدر الدین) 270 ، 282 ، 444

الصفار = محمد بن الحسن

الطبرسی 294

الطوسی = محمد بن الحسن

عبدالجبار 82 ، 82

عبدالرحمن بن احمد بن عبدالغفار الفارسی العضدی 23 ، 77 ، 193 ، 209 ، 308

عبدالرحمن بن مالک 371

عبدالصمد الجبعی العاملی 100

عبدالعزیز بن نحریر بن عبدالعزیز البراج 294

عبدالفتاح بن علی الحسینی المراغی 381

عبدالله بن جعفر بن الحسین الحمیری 442

عبدالله بن عمر البیضاوی 77 ، 370

عبدالله بن محمد 442

عبدالله بن محمد التونی 379 ، 381 ، 383

عثمان بن عفان 371

عثمان بن عمرو بن ابی بکر المالکی الحاجبی 23 ، 166 ، 193 ، 308 ، 463

العضدی = عبدالرحمن بن احمد

عکاشة بن محصن 371

العلّامة الحلّی = الحسن بن یوسف

العلامة المروّج = محمد جعفر الجزائری

السید علی الطباطبائی 310 ، 311

علی بن أبی علی بن محمد الآمدی 226 ، 400

علی بن أحمد بن ابی الجید القمی 208

ص: 494

الشیخ علی بن جعفر 96

علی بن الحسین بن موسی الموسوی 197 ، 208 ، 208 ، 234 ، 286 ، 294 ، 295 ، 363

علی بن عبدالعالی المیسی 199

علی بن عبدالکافی بن علی السبکی 77

علی بن عبدالله بن حمدان الحمدانی 53

علی بن فتح الله النهاوندی 102

علی بن محمد القاسانی 397

علی بن محمد القوشچی 66

علی بن محمد بن علی الحسینی الاسترآبادی 51 ، 51

علی بن محمد علی الطباطبائی 167

عمر بن ابی بکر المالکی 166

عیسی بن أبان 218

الغزالی = محمد بن محمد

الفارابی = محمد بن طرخان

الفاضل التونی = عبدالله بن محمد

فتح الله النمازی الشیرازی 381

الفخر؟ 189 ، 205

الفخر الرازی = محمد بن عمر

فخر المحققین = محمد بن الحسن

الفرید الگلپایگانی 231

فضل الله النوری 136

القائم (عجل الله فرجه) 98 ، 288 ، 289 ، 290 ، 442

القاضی عبدالجبار = عبدالجبار

القاضی نورالله = نورالله

قتادة 282 ، 283

ص: 495

القزوینی = محمد بن جعفر

قطب الدین الرازی 51

القوشچی = علی بن محمد

الکلینی = محمد بن یعقوب

مالک بن جشم 371

محصن بن حرثان 371

المحقق الأردبیلی 376

المحقق البهبهانی 270 ، 310 ، 454

المحقق التقی = محمد تقی الاصفهانی

المحقق الحلّی = جعفر بن الحسن

المحقق الخوانساری = حسین بن محمد

المحقق السبزواری = محمد باقر بن محمد مؤمن

المحقق الشریف = علی بن محمد

المحقق الطوسی = محمد بن محمد

المحقق القمی = ابو القاسم بن محمد حسن

المحقق الکلباسی = محمد ابراهیم بن محمد حسن

المحقق النهاوندی = علی بن فتح الله

محمد صلی الله علیه و آله 5 ، 49 ، 98 ، 210 ، 230

281 ، 299 ، 301 ، 333 ، 352 ، 353 ، 370 ، 371 ، 380 ، 433

السید محمد الطباطبائی 480

محمد بن أحمد بن ادریس الحلی 39 ، 202 ، 205 ، 294

محمد بن ادریس بن العباس الشافعی 234

محمد بن جعفر القزوینی 89

محمد بن الحسن الشیروانی 270

محمد بن الحسن الطوسی 208 ، 302 ، 344 ، 348

ص: 496

محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفار 397

محمد بن الحسن بن المطهر الحلی 39

محمد بن الحسن بن یوسف بن المطهر الحلی 380

محمد بن الحسین بن عبدالصمد الجبعی العاملی 100 ، 100 ، 101 ، 133 ، 463

محمد بن سعید البوصیری الدلاصی 166

محمد بن طرخان الفارابی 53 ، 53

محمد بن الطیب بن محمد البصری

البغدادی الباقلانی 23 ، 23

محمد بن عبدالوهاب الجبائی 168

محمد بن علی بن الحسین بن ابی الحسن

الموسوی العاملی 199 ، 376

محمد بن علی بن الطیب البصری 77

محمد بن عمر بن الحسین الرازی 370

محمد بن فضیل 301

محمد بن محمد بن الحسن الطوسی 16 ، 16 ، 17

محمد بن محمد بن محمد بن احمد الغزالی 207 ، 226

محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی 208

محمد بن مسلم 300

محمد بن یعقوب الکلینی 445

محمد ابراهیم بن محمد حسن الاصفهانی الکلباسی 136

محمد أمین الدزفولی (والد الشیخ الأنصاری) 95

محمد أمین بن محمد شریف الاسترآبادی 270

محمد باقر الرضوی 270

ص: 497

محمد باقر بن محمد اکمل البهبهانی 124 ، 231

محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواری الخراسانی 262

محمد تقی الاصفهانی 11 ، 55 ، 90 ، 306 ، 319

محمد تقی المجلسی 100

محمد جعفر الجزائری المروج 181

محمد جواد بن محمد الحسینی العاملی النجفی 310

محمد حسن الاشتیانی 311

محمد حسن الجیلانی 181

محمد حسن بن باقر بن عبدالرحیم النجفی 46

محمد حسن بن محمود بن اسماعیل الحسینی الشیرازی 96 ، 136

محمد حسین بن محمد رحیم الطهرانی الحائری 8 ، 9 ، 10 ، 11 ، 13 ، 17 ، 20 ، 39 ، 48 ، 55 ، 56 ، 78 ، 99 ، 114 ، 117 ، 118 ، 122 ، 210 ، 219 ، 233 ، 243 ، 245 ، 246 ، 293

محمد شریف بن حسن علی المازندرانی الحائری 95 ، 310 ، 311 ، 324

محمد علی الطباطبائی 310

محمد کاظم بن حسین الهروی النجفی الخراسانی 136

محمد مجاهد 95

محمود الحسینی الشیرازی 136

محمود بن ابی بکر الارموی 310

المدقق الشیروانی = محمد بن الحسن

ص: 498

السید المرتضی = علی بن الحسین

مرتضی بن محمد أمین التستری الدزفولی 8 ، 46 ، 53 ، 94 ، 95 ، 97 ، 99 ، 101 ، 106 ، 114 ، 136 ، 169 ، 170 ، 174 ، 175 ، 181 ، 193 ، 205 ، 207 ، 209 ، 227 ، 250 ، 257 ، 265 ، 269 ، 270 ، 271 ، 273 ، 274 ، 276 ، 280 ، 281 ، 282 ، 285 ، 286 ، 300 ، 305 ، 307 ، 308 ، 311 ، 313 ، 317 ، 322 ، 324 ، 326 ، 327 ، 330 ، 333 ، 340 ، 341 ، 343 ، 344 ، 345 ، 347 ، 350 ، 351 ، 353 ، 356 ، 361 ، 363 ، 364 ، 366 ، 368 ، 374 ، 381 ، 383 ، 386 ، 388 ، 389 ، 395 ، 396 ، 413 ، 416 ، 417 ، 425 ، 426 ، 427 ، 429 ، 436 ، 437 ، 442 ، 443 ، 445 ، 446 ، 455

المفید = محمد بن محمد

المقدس الأردبیلی = احمد بن محمد

موسی بن عمران علیه السلام 423

موسی الکاظم علیه السلام 17

موسی الجعفری 96

میر فتاح = عبدالفتاح بن علی

المیرزا الشیرازی = محمد حسن بن محمود

ص: 499

النبی (رسول الله صلی الله علیه و آله ) = محمد

النراقی = احمد بن محمد مهدی

النعمان بن ثابت بن زوطی الکوفی 189 ، 209 ، 210 ، 234 ، 282 ، 283

نورالدین العاملی الجبعی 198

نورالله

هشام بن سالم 352

والد صاحب الأیضاًح = الحسن بن المطهر

الوحید البهبهانی = محمد باقر بن محمد أکمل

یوسف بن أبی بکر بن محمد الخوارزمی السکاکی 19 ، 19 ، 26 ، 77

یوسف بن أحمد بن ابراهیم البحرانی 310

ص: 500

4-فهرس الکتب

الابهاج فی شرح المنهاج 77 ، 477

الاتقان 285

اجوبة السید عن مسائل التبانیّات 294 ، 295

الاحتجاج 442 ، 473

الاحکام فی اصول الاحکام 218 ، 400

ارشاد الأذهان 376

ارشاد المفید 397

الاستبصار 162 ، 208 ، 218

الاشارات 16

الاشارات والتنبیهات 276

اعلام الزرکلی 127 ، 168

اعیان الشیعة 17 ، 96

اکمال الدین واتمام النعمة 479

الامالی 375

امالی الصدوق 282

ص: 501

امل الآمل 100 ، 113

انوار التنزیل 370

الأیضاًح (أیضاًح الفوائد) 39 ، 39 ، 380

بحر الفوائد 311

بدائع الافکار 10 ، 46 ، 46 ، 46 ، 46 ، 47 ، 77 ، 89 ، 89 ، 90 ، 95 ، 127 ، 455 ، 456

بغیة الوعاة 19

التبیان 202 ، 208

تذکرة الحفاظ 282

تذکرة العالم 168

تشریح الأصول 102

تفسیر الصافی 375

تفسیر العیاشی 282

التفسیر الکبیر للفخر 370

التقریر والتحبیر 209

تمهید القواعد 199

التهذیب 29 ، 31 ، 84 ، 85 ، 85 ، 163 ، 179 ، 188 208 ، 224 ، 273 ، 283 ، 284 ، 292 ، 330 ، 368 ، 371 ، 377 ، 380 ، 389 ، 392 ، 397 ، 399 ، 432 ، 442 ، 443 ، 454 ، 463 ، 470 ، 475

تهذیب الاسماء 371

توحید الصدوق 282 ، 340

تیسیر التحریر 137

ص: 502

جامع احادیث الشیعة 397 ، 458

جامع الإخبار 29

الجرح والتعدیل 371

الجوامع الفقهیة 294 ، 363

جواهر الکلام 29

الجوهر النضید فی شرح التجرید 16

حاشیة الشرح - العضدی - 100

حاشیة الشریف علی شرح المطالع 51

حاشیة القزوینی علی القوانین 89

حاشیة المصنف علی فرائد الأصول 266 ، 280 ، 309

الحبل المتین 100

الحدائق الناضرة 310

حقائق الأصول 176 ، 264 ، 302

الخصال 31 ، 283 ، 284 ، 339 ، 368

الخلاف 396 ، 208

دعائم الاسلام 29 ، 29 ، 381

ذخیرة المعاد 262

الذریعة 294 ، 475

الذریعة الی اصول الشریعة 197 ، 208 ، 234

رسائل السید المرتضی 294

رسالة فی ابطال العمل بالخبر

الواحد للسید المرتضی 294 ، 295

رسالة قاعدة نفی الضرر 313 ، 381

الروض - الشهید - 199

روضات الجنات 181 ، 205 ، 310

ص: 503

الروضة 199

الریاض 167

ریاض المسائل 310

زبدة الأصول 100 ، 100 ، 133 ، 215 ، 227 ، 463

السرائر 202 ، 205 ، 294

الشافیة 166

الشامل 168

شرح الإِرشاد للاردبیلی 152 ، 167

شرح البدخشی 477

شرح التجرید 402

شرح تجرید العقائد للقوشجی 66

شرح تنقیح الفصول 189

شرح الشرائع 46

شرح العضدی علی مختصر الأصول 23 ، 77 ، 137 ، 166 ، 168 ، 174 ، 193 ، 209 ، 234 ، 308 ، 388 ، 463 ، 475

شرح علی موقف القاضی عضد الایجی 51

شرح مبادیء الأصول 205

شرح المطالع 51

شرح الوافیة 270 ، 282 ، 444

الشفاء 16

شهداء الفضیلة 229

صحیح مسلم 285

طبقات اعلام الشیعة 46 ، 55

العبر فی خبر من غبر 23

ص: 504

العدة لأبی هاشم 168

عدة الأصول 208 ، 296 ، 344 ، 348

عقاب الأعمال 301

العناوین 381

العوائد 451

العوائد - النراقی - 205

عوالی اللآلی

29 ، 29 ، 29 ، 31 ، 31 ، 292 ، 370 ، 442 ، 443

عیون اخبار الرضا علیه السلام 282

غایة السؤول 205

الغنائم للقمی 181

الغنیة 294 ، 363

فرائد الأصول 8 ، 42 ، 96 ، 257 ، 264

265 ، 269 ، 270 ، 271 ، 274 ، 276 ، 280 ، 281 ، 282 ، 285 ، 286 ، 292 ، 293 ، 296 ، 300 ، 305 ، 306 ، 307 ، 308 ، 311 ، 313 ، 317 ، 322 ، 324 ، 325 ، 326 ، 327 ، 330 ، 333 ، 343 ، 345 ، 347 ، 350 ، 351 ، 353 ، 356 ، 361 ، 362 ، 363 ، 364 ، 366 366 ، 368 ، 370 ، 374 ، 375 ، 381 ، 383 ، 386 ، 388 ، 389 ، 395 ، 396 ، 413 ، 414 ، 417 ، 425 ، 426 ، 427 ، 429 ، 432

ص: 505

436 ، 437 ، 441 ، 442 ، 443 ، 445 ، 446 ، 450 ، 455

الفصول 8 ، 9 ، 10 ، 11 ، 13 ، 14 ، 14 ، 17 ، 20 ، 25 ، 39 ، 39 ، 48 ، 48 ، 51 ، 51 ، 51 ، 55 ، 55 ، 55 ، 56 ، 56 ، 56 ، 56 ، 56 ، 56 ، 57 ، 58 ، 58 ، 58 ، 58 ، 62 ، 62 ، 62 ، 77 ، 77 ، 77 ، 78 ، 78 ، 95 ، 99 ، 99 ، 100 ، 100 ، 101 ، 114 ، 117 ، 118 ، 119 ، 122 ، 126 ، 151 ، 159 ، 172 ، 182 ، 193 ، 210 ، 219 ، 243 ، 245 ، 246 ، 262 ، 293 ، 316 ، 317 ، 470 ، 472

الفوائد المدنیة 42 ، 66 ، 94

فوائد المصنف 270 ، 271 ، 309 ، 477

فوائد الوحید 454

الفوائد للوحید البهبهانی 231

فواتح الرحموت 226 ، 477

قاعدة لا ضرر ولا ضرار لشیخ الشریعة الاصفهانی 382

القاموس المحیط 82

القانون 16

قواعد الاحکام 476

قوانین الأصول 19 ، 25 ، 25 ، 25 ، 28 ، 28 ، 36 ، 36 ، 95 ، 122 ، 137 ، 160 ، 161 ، 166 ، 168 ، 173 ، 177

ص: 506

181 ، 193 ، 219 ، 231 ، 243 ، 251 ، 445 ، 477 ، 479

کاشف الظلام فی علم الکلام 46

الکافی 29 ، 29 ، 31 ، 31 ، 84 ، 85 ، 98 ، 98 ، 162 ، 188 ، 208 ، 225 ، 236 ، 262 ، 272 ، 273 ، 282 ، 301 ، 330 ، 339 ، 371 ، 375 ، 380 ، 395 ، 398 ، 442 ، 443 ، 454 ، 458 ، 473

الکافیة 166

کامل الزیارات 110

الکتب الاربعة 305

کشف الغطاء 134 ، 379

کشف القناع 316

الکنة والالقاب 23 ، 51 ، 136 ، 166 ، 199 ، 202 ، 208 ، 210 ، 370

مبادئ الأصول 388

المبسوط 208

مجمع البحرین 82

مجمع البیان 294 ، 370

مجمع الفائدة والبرهان 150 ، 376

المحاسن 166 ، 168 ، 193 ، 209 ، 272 ، 295 ، 342 ، 444 ، 460 ، 308

مختصر الأصول 463

مختصر تبیان الشیخ 202

مدارک الاحکام 376

ص: 507

مسالک الافهام 39 ، 39 ، 475

مستدرک الوسائل 294 ، 295

المستصفی 215 ، 226

مسند احمد 285

مشارق الشموس 202 ، 275

مطارح الأنظار - التقریرات - 24 ، 25 ، 72 ، 81 ، 82 ، 89 ، 95 ، 96 ، 97 ، 99 ، 99 ، 100 ، 101 ، 105 ، 108 ، 111 ، 113 ، 114 ، 115 ، 121 ، 124 ، 127 ، 130 ، 132 ، 150 ، 162 ، 167 ، 169 ، 170 ، 174 ، 175 ، 181 ، 182 ، 183 ، 186 ، 193 ، 198 ، 200 ، 205 ، 206 ، 207 ، 208 ، 210 ، 211 ، 218 ، 219 ، 226 ، 227 ، 250 ، 475 ، 479

المطالع 310

معارج الأصول 215 ، 236 ، 296

معالم الدین فی الأصول 36 ، 37 ، 70 ، 89 ، 90 ، 113 ، 133 ، 137 ، 234 ، 236 ، 251 ، 388 ، 476

معانی الإخبار 283 ، 284

المعتمد فی شرح العمد 77 ، 82 ، 127 ، 234 ، 294

مفاتیح الأصول 443 ، 475 ، 477 ، 480

ص: 508

مفتاح الأصول 475

مفتاح العلوم 19 ، 19 ، 26 ، 77

مفتاح الکرامة 310

المقابس 310

المقنع 398

المکاسب 96 ، 313 ، 381

ملاحظات الفرید علی فوائد الوحید 231 ، 454

المناهج للقمی 181

المناهج الأحکام و الأصول 410

المناهل 411

منتقی الجمان 113

منتهی الدرایة 296 ، 304

المنخول - الغزالی - 207

من لا یحضره الفقیه 29 ، 84 ، 188 ، 253 ، 258 ، 292 ، 339 ، 340 ، 341 ، 368 ، 375 ، 380 ، 443 ، 470

ناصریات السید المرتضی 363

النافع 310

النجاة 16

النهایة - لابن الاثیر - 381

نهایة الأصول 64 ، 126 ، 226 ، 388

نهایة الدرایة 369

نهج البلاغة 69 ، 284 ، 381 ، 475

هدایة المسترشدین 11 ، 55 ، 90 ، 95 ، 127 ، 130 ، 306 ، 319

الوافی 23

ص: 509

الوافیة 305 ، 379 ، 381 ، 444

وسائل الشیعة 29 ، 162 ، 163 ، 189 ، 222 ، 236 ، 262 ، 272 ، 282 ، 283 ، 284 ، 295 ، 301 ، 340 ، 341 ، 345 ، 353 ، 377 ، 397 ، 442 ، 443 ، 444 ، 459 ، 473 ، 479

وفیات الاعیان 17 ، 53

ص: 510

5-مصادر التحقیق

1 - الإِبهاج فی شرح المنهاج : تألیف علی بن عبد الکافی السبکی - نشر دار الکتب العلمیة - الطبعة الأولی - بیروت ، لبنان.

2 - الاتقان فی علوم القرآن : تألیف عبدالرحمن بن أبی بکر السیوطی - تحقیق محمد أبوالفضل ابراهیم - منشورات الرضی - قم ، إیران.

3 - أجوبة السید عن مسائل التباینات ( رسائل الشریف المرتضی ) : تألیف السیّد المرتضی - المجموعة الأولی - نشر دار القرآن الکریم - قم ، إیران.

4 - الاحتجاج : تألیف الشیخ أحمد بن علی الطبرسی - تحقیق محمد باقر الموسوی الخرسان - مشهد ، إیران.

5 - الأحکام فی أًصول الأحکام : تألیف علی بن ابی علی بن محمد الآمدی - نشر دار الکتب العلمیة - الطبعة الأولی - بیروت ، لبنان.

6 - ارشاد الأذهان : تألیف العلّامة الحسن بن یوسف بن علی الحلّی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

7 - ارشاد المفید : تألیف الشیخ محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادی - نشر مکتبة بصیرتی

ص: 511

قم ، إیران.

8 - الاستبصار : تألیف الشیخ محمد بن الحسن الطوسی - تحقیق حسن الموسوی الخرسان - نشر دار الکتب الإسلامیة - طهران ، إیران.

9 - الإشارات والتنبیهات : تألیف الحسین بن عبدالله بن سینا - مصر.

10 - اعلام الزرکلی : تألیف خیر الدین الزرکلی - نشر دار العلم للملایین - الطبعة السادسة - بیروت ، لبنان.

11 - اعیان الشیعة : تألیف السید محسن الأمین - نشر دار التعارف للمطبوعات - بیروت ، لبنان.

12 - اکمال الدین واتمام النعمة : تألیف الشیخ محمد بن علی بن الحسین القمی - تحقیق علی أکبر الغفاری - نشر مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم - قم ، إیران.

13 - امالی الصدوق : تألیف الشیخ محمد بن الحسن العاملی - تحقیق أحمد الحسینی - نشر دار الکتاب الإسلامی - قم ، إیران.

14 - امل الآمل : تألیف الشیخ محمد بن الحسن العاملی - تحقیق أحمد الحسینی - نشر دار الکتاب الإسلامی - قم ، إیران.

15 - أنوار التنزیل : تألیف عبدالله بن عمر البیضاوی - نشر محمد محمود الحلبی وشرکاؤه - مصر.

16 - الأیضاًح ( أیضاًح الفوائد ) : تألیف الشیخ محمد بن الحسین بن یوسف بن المطهر الحلّی - الطبعة الأولی - قم ، إیران.

17 - بحر الفوائد فی شرح الفوائد : تألیف میرزا حسن الآشتیانی - نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم ، إیران.

18 - بدائع الأفکار : تألیف الشیخ حبیب الله الرشتی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

19 - بغیة الوعاة : تألیف عبدالرحمن بن أبی بکر السیوطی - نشر دار الفکر.

ص: 512

20 - التبیان : تألیف الشیخ محمد بن الحسین الطوسی - تحقیق أحمد القصیر - نشر دار أحیاء التراث العربی - بیروت ، لبنان.

21 - تذکرة الحفاظ : تألیف محمد الذهبی - نشر دار أحیاء التراث العربی - بیروت ، لبنان.

22 - تشریح الأصول : تألیف علی بن فتح الله النهاوندی - طبع سنة 1320 ه-.

23 - تفسیر الصافی : تألیف الشیخ محمد محسن بن مرتضی ( الفیض ) الکاشانی - نشر مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت ، لبنان.

24 - تفسیر العیاشی : تألیف محمّد بن مسعود العیاشی السمرقندی. نشر المکتبة العلمیة الإسلامیة - طهران ، إیران.

25 - التفسیر الکبیر : تألیف الفخر الرازی.

26 - التقریر والتحبیر : تألیف ابن أمیر الحاج - نشر دار الکتب العلمیة - الطبعة الأولی - بولاق ، مصر.

27 - تمهید القواعد : تألیف زین الدین بن علی العاملی - طبع سنة 1274 ه-.

28 - التهذیب : تألیف الشیخ محمد بن الحسن الطوسی - تحقیق حسن الموسوی الخرسان - نشر دار الکتب الإسلامیة - طهران ، إیران.

29 - تهذیب الأسماء واللغات : تألیف محیی الدین بن شرف النووی - نشر دار الکتب العلمیة - بیروت ، لبنان.

30 - توحید الصدوق : تألیف الشیخ محمد بن علی بن الحسین القمی - تحقیق هاشم الحسینی الطهرانی - نشر مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسی بقم - قم ، إیران.

31 - تیسیر التحریر : تألیف محمد أمین ( أمیر بادشاه ) - نشر دار الفکر - بیروت ، لبنان.

32 - جامع أحادیث الشیعة : تألیف آیة الله السید البروجردی - قم ، إیران.

33 - جامع الإخبار : تألیف محمّد بن محمّد الشعیری - منشورات الرضی - قم ، إیران.

34 - الجرح والتعدیل : تألیف عبد الرحمن بن أبی حاتم الرازی - نشر دار أحیاء التراث العربی أفست علی الطبعة الأولی - بیروت ، لبنان.

35 - الجوامع الفقهیة : تألیف جماعة من العلماء - نشر مکتبة آیة الله السید المرعشی - قم ، إیران.

ص: 513

36 - جواهر الکلام : تألیف الشیخ محمد حسن بن باقر النجفی - نشر دار أحیاء التراث العربی - بیروت ، لبنان.

37 - الجوهر النضید فی شرح التجرید : تألیف الحسن بن یوسف الحلّی - نشر منشورات بیدار - قم ، إیران.

38 - حاشیة العضدی : تألیف عبد الرحمن بن أحمد العضدی - طبعة حسن حلمی سنة 1307 ه-.

39 - حاشیة الشریف علی شرح المطالع : تألیف محمّد شریف بن حسن علی - انتشارات کتبی نجفی.

40 - حاشیة القزوینی علی القوانین : تألیف محمّد بن جعفر القزوینی.

41 - حاشیة المصنف علی فرائد الأصول : تألیف الشیخ محمد کاظم الآخوند الخراسانی - نشر منشورات بصیرتی - قم ، إیران.

42 - حاشیة المعالم : نشر المکتبة العلمیة الإسلامیة - طبع سنة 1363 ه-.

43 - الحبل المتین : تألیف بهاد الدین العاملی : منشورات بصیرتی - قم ، إیران.

44 - الحدائق الناضرة : تألیف الشیخ یوسف البحرانی - نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم ، إیران.

45 - حقائق الأصول : تألیف آیة الله السید محسن الحکیم - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

46 - الخصال : تألیف الشیخ محمد بن علی بن الحسین القمی - تحقیق علی أکبر الغفاری - نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم ، إیران.

47 - الخلاف : تألیف محمّد بن الحسن الطوسی - تحقیق مؤسسة آل البیت (ع).

48 - دعائم الإسلام : تألیف الشیخ النعمان بن محمد بن منصور التمیمی المغربی - تحقیق آصف بن علی آصغر فیضی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

49 - ذخیرة المعاد : تألیف محمد باقر السبزواری - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

50 - الذریعة إلی أصول الشریعة : تألیف السید علی بن الحسین الموسوی ( المرتضی ) - تحقیق

ص: 514

ابوالقاسم الکرجی - نشر جامعة طهران - طهران ، إیران.

51 - رسائل السید المرتضی : تألیف السید علی بن الحسین الموسوی - نشر دار القرآن الکریم - قم ، إیران.

52 - رسالة فی إبطال العمل بالخبر الواحد ( رسائل الشریف المرتضی ) - المجموعة الثالثة - نشر دار القرآن الکریم - قم ، إیران.

53 - رسالة قاعدة لا ضرر : تألیف شیخ الشریعة الإصفهانی - تحقیق ونشر مؤسسة آل البیت - قم ، إیران.

54 - روض الجنان : تألیف الشیخ زین الدین الجبعی العاملی الشهید الثّانی - نشر مؤسسة آل البیت (ع ) - قم ، إیران.

55 - روضات الجنات : تألیف السید محمد باقر الموسوی الخوانساری - نشر مکتبة اسماعیلیان - قم ، إیران.

56 - الروضة البهیة : تألیف زین الدین بن علی العاملی - تصحیح محمّد کلانتر.

57 - ریاض المسائل : تألیف علی الطباطبائی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم - إیران.

58 - زبدة الأصول : تألیف بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد الجبعی العاملی ، مخطوط.

59 - السرائر : تألیف الشیخ محمد بن ادریس العجلی الحلّی - نشر انتشارات المعارف الإسلامیة - طهران ، إیران.

60 - شرح الإِرشاد وللأردبیلی ( مجمع الفائدة والبرهان ) - نشرم جماعة المدرسین - قم ، إیران.

61 - شرح البدخشی : تألیف محمد بن الحسن البدخشی - نشر دار الکتب العلمیة - الطبعة الأولی - بیروت ، لبنان.

62 - شرح تجرید العقائد للقوشجی : تألیف علی بن محمد القوشجی - نشر مکتبة الرضی ، بیدار ، عزیزی - قم ، إیران.

63 - شرح تنقیح الفصول :

64 - شرح الشرائع = مدارک الأحکام.

ص: 515

65 - شرح العضدی علی مختصر المنتهی : تألیف عبدالرحمن بن أحمد العضدی - طبعة حسن حلمی - طبع سنة 1307 ه-.

66 - الشرح علی مواقف القاضی عضد الایجی : المیر سید علی بن محمد بن علی الخسینی الاسترابادی ( المحقق الشریف ).

67 - شرح مبادیء الأصول : تألیف فخر المحققین أبو طالب محمد بن جمال الدین حسن بن یوسف المطهر الحلّی.

68 - شرح المطالع : تالیف محمّد بن محمّد الرازی البویهی : انتشارات کتبی نجفی.

69 - شرخ الوافیة : تألیف صدر الدنی الرضوی القمی.

70 - الشفاء : تألیف الحسین بن عبدالله بن سینا - نشر مکتبة آیة المرعشی النجفی - قم ، إیران.

71 - شهداء الفضیلة : تألیف عبدالحسین الأمینی - نشر دار الشهاب - قم ، إیران.

72 - صحیح مسلم : تألیف مسلم بن الحجاج النیشابوری - نشر دار الفکر - بیروت ، لبنان.

73 - طبقات اعلام الشیعة : تألیف آغا بزرک الطهرانی - نشر دار الکتاب العربی - بیروت ، لبنان.

74 - العبر فی خبر من غبر : تألیف محمّد بن أحمد الذهبی - نشر دار الکتب العلمیة - بیروت ، لبنان.

75 - عدة الأصول : تألیف الشیخ محمد بن الحسن الطوسی - تحقیق محمد مهدی نجف - نشر مؤسسة آل البیت (ع) الطبعة المحققة الأولی - قم ، إیران.

76 - العناوین : تألیف میر فتاح - طبعة حجریة.

77 - العوائد - النراقی - : تألیف الشیخ أحمد بن محمد مهدی النراقی - نشر منشورات بصیرتی - قم ، إیران.

78 - عوالی اللآلی : تألیف محمد بن علی بن إبراهیم الأحسائی - تحقیق مجتبی العراقی - الطبعة الأولی - قم ، إیران.

79 - عیون أخبار الرضا علیه السلام : تألیف محمد بن علی بن الحسین القمی - تحقیق مهدی الحسینی اللاجوردی - نشر رضا مشهدی ( کتاب فروشی طوس ) - قم ، إیران.

80 - غایة المسؤول فی علم الأصول : تألیف محمّد حسین الشهرستانی - نشر مؤسسة

ص: 516

آل البیت (ع) - قم ، إیران.

81 - الغنائم : تألیف أبوالقاسم القمی - طهران ، إیران.

82 - الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : تألیف ابن زهرة الحلبی - نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم ، إیران.

83 - فرائد الأصول : تألیف مرتضی بن محمد أمین الأنصاری. طبعة رحمة الله.

84 - الفصول الغرویة : تألیف محمّد بن حسین بن محمد رحیم الطهرانی - طهران ، إیران.

85 - الفوائد المدنیة : تألیف محمد أمین الأستر آبادی - نشر دار النشر لأهل البیت (ع) - إیران.

86 - فوائد المصنف : تألیف الأخوند الشیخ محمد کاظم الخراسانی.

87 - الفوائد للوحید البهبهانی : الوحید البهبهانی.

88 - فواتح الرحموت : تألیف عبدالعلی محمّد بن نظام الدین الأنصاری - منشورات الرضی - قم ، إیران.

89 - القاموس المحیط : تألیف محمد بن یعقوب الفیروزآبادی - نشر دار الفکر - بیروت ، لبنان.

90 - القانون فی الطب : تألیف الحسین بن عبدالله بن سینا - مصر.

91 - قواعد الأحکام : تألیف الحسین بن یوسف الحلّی - منشورات الرضی - قم ، إیران.

92 - قوانین الأصول : تألیف أبوالقاسم القمی - نشر دار الطباعة - طبع سنة 1303 ه-.

93 - کاشف الظلام فی علم الکلام : تألیف میرزا حبیب الله الرشتی.

94 - الکافی : تألیف محمد بن یعقوب الکلینی - تحقیق علی أکبر الغفاری - نشر دار الکتب الإسلامیة - طهران ، إیران.

95 - کامل الزیارات : تألیف جعفر بن محمد بن قولویه - افست علی طبعة النجف - إیران.

96 - کشف الغطاء تألیف جعفر بن خضر الجناجی النجفی - الطبعة الحجریة.

ص: 517

97 - کشف القناع : تألیف أسدالله التستری - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

98 - الکنی والألقاب : تألیف عباس القمی - انتشارات بیدار - قم ، إیران.

99 - مبادیء الأصول : تألیف الحسن بن یوسف الحلی.

100 - المبسوط : تألیف محمّد بن الحسن الطوسی - نشر المکتبة المرتضویة - طبع سنة 1351 ش.

101 - مجمع البحرین : تألیف فخر الدین الطریحی - نشر المکتبة المرتضویة - طهران ، إیران.

102 - مجمع البیان :تألیف الفضل بن الحسن الطبرسی - نشر مکتبة آیة الله السید المرعشی - قم ، إیران.

103 - مجمع الفائدة والبرهان : تألیف أحمد الأردبیلی - تحقیق مجتبی العراقی وعلی بناه الاشتهاردی وحسین الیزدی الاصفهانی - نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم ، إیران.

104 - المحاسن : تألیف أحمد بن محمد خالد البرقی - تحقیق جلال الدین الحسینی - نشر دار الکتب الإسلامیة - قم ، إیران.

105 - مختصر الأصول : تألیف ابن الحاجب - طبعة حسن حلمی - طبع سنة 1307 ه-.

106 - مختصر التبیان : تألیف ابن أدریس الحلّی - مخطوط.

107 - مختصر المنتهی : تألیف ابن الحاجب - طبعة حسن حلمی - طبع سنة 1307 ه-.

108 - مدارک الأحکام : تألیف محمّد بن علی الطباطبائی : طهران ، إیران.

109 - مسالک الافهام : تألیف زین الدین بن علی العاملی - نشر دار الهدی - قم ، إیران.

110 - مستدرک الوسائل : تألیف الشیخ حسین النوری الطبرسی الطبعة الحجریة ، إیران.

111 - المستصفی : تألیف محمّد بن محمّد الغزالی - الطبعة الأولی - بولاق ، مصر.

112 - مسند أحمد : تألیف أحمد بن حنبل - نشر دار الفکر - بیروت ، لبنان.

113 - مشارق الشموس : تألیف حسین بن محمّد الخوانساری - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

114 - مطارح الأنظار - التقریرات - : تألیف أبوالقاسم الکلانتری - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

115 - المطالع : تألیف محمود بن أبی بکر الأرموی - انتشارات کتبی نجفی.

ص: 518

116 - معارج الأصول : تألیف جعفر بن الحسن بن سعید الهذلی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - الطبعة الأولی - قم ، إیران.

117 - معالم الأصول : تألیف الحسن بن زین الدین العاملی - نشر المکتبة العلمیة - طهران ، إیران.

118 - معالم الدین فی الأصول : تألیف حسن بن زین الدین العاملی - نشر المکتبة العلمیة الإسلامیة - الطبعة الأولی - طهران ، إیران.

119 - معانی الإخبار : تألیف محمد بن علی بن الحسین القمی - تحقیق علی أکبر الغفاری - نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم ، إیران.

120 - المعتمد : تألیف محمد بن علی بن الطیب البصری - نشر دار الکتب العلمیة - الطبعة الأولی - بیروت ، لبنان.

121 - مفاتیح الأصول : تألیف السید محمد الطباطبائی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

122 - مفتاح العلوم : تألیف یوسف السکاکی - نشر دار الکتب العلمیة.

123 - مفتاح الکرامة : تألیف محمد جواد الحسین العاملی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

124 - المقنع ( الجوامع الفقهیة ) : تألیف محمّد بن علی بن بابویه اقمی - نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم ، إیران.

125 - المکاسب : تألیف مرتضی الانصاری - تبریز ، إیران.

126 - ملاحظات الفرید : تألیف الفرید الگلپایگانی.

127 - مناهج الأحکام : تألیف أحمد بن مهدی النراقی - طهران ، إیران.

128 - المناهل : تألیف محمّد الطباطبائی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

129 - منتقی الجمان : تألیف الحسن بن زین الدین بن علی العاملی - نشر مؤسسة النشر الإسلامی - قم ، إیران.

130 - منتهی الدرایة : تألیف محمد جعفر الجزائری المروج - أفست علی الطبعة الأولی المطبوعة فی

ص: 519

النجف الأشرف.

131 - المنخول : تألیف محمّد بن محمّد الغزالی.

132 - من لا یحضره الفقیه : تألیف محمّد بن علی بن الحسین القمی - نشر دار الکتب الإسلامیة - طهران ، إیران.

133 - الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : تألیف علی بن الحسین الموسوی - نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم ، إیران.

134 - النافع یوم الحشر : تألیف المقداد السیوری.

135 - النجاة : تألیف الحسین بن عبدالله بن سینا - طهران ، إیران.

136 - النهایة : تألیف المبارک بن محمد الجزری - نشر المکتبة الإسلامیة.

137 - نهایة الأصول = نهایة الوصول : تألیف الحسن بن یوسف الحلّی - مخطوط.

138 - نهایة الدرایة : تألیف محمد حسین الاصفهانی - تحقیق ونشر مؤسسة آل البیت (ع) - الطبعة الأولی - قم ، إیران.

139 - نهایة السؤول : تألیف جمال الدّین الأسنوی - نشر دار الکتب العلمیة.

140 - نهج البلاغة : شرح محمد عبدة - مطبعة الإستقامة.

141 - هدایة المسترشدین : تألیف محمد تقی الاصفهانی - نشر مؤسسة آل البیت (ع) - قم ، إیران.

142 - الوافی : تألیف محمد محسن بن مرتضی الکاشانی - نشر مکتبة آیة الله السید المرعشی - قم ، إیران.

143 - الوافیة : تألیف الفاضل التونی - طبعة بمبی - طبع سنة 1301 ه-.

144 - وسائل الشیعة : تألیف محمد بن الحسن الحر العاملی - تحقیق عبدالرحیم الشیرازی الربانی - نشر دار أحیاء الترث العربی - بیروت ، لبنان.

145 - وفیات الأعیان : تألیف أحمد بن محمد بن أبی بکر بن خلکان - نشر دار صادر - بیروت ، لبنان.

ص: 520

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.