آرشیو دروس خارج فقه آیت الله شیخ هادی آل راضی34-33

اشارة

سرشناسه:آل راضی، هادی

عنوان و نام پدیدآور:آرشیو دروس خارج فقه آیت الله شیخ هادی آل راضی34-33 /هادی آل راضی.

به همراه صوت دروس

منبع الکترونیکی : سایت مدرسه فقاهت

مشخصات نشر دیجیتالی:اصفهان:مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان، 1396.

مشخصات ظاهری:نرم افزار تلفن همراه و رایانه

موضوع: خارج فقه

المسألة السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / الأقوال فی ثبوت القضاء بشاهد ویمین ، وهی ثلاثة / استعراض روایات المسألة وهی علی طوائف ثلاث / کتاب القضاء للسید الخوئی(قده) بحث الفقه

(بحث یوم السبت 20 شوال 1433 ه_ 159)

الموضوع :- المسألة السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / الأقوال فی ثبوت القضاء بشاهد ویمین ، وهی ثلاثة / استعراض روایات المسألة وهی علی طوائف ثلاث / کتاب القضاء للسید الخوئی(قده).

قال (قده) فی المسألة (37) وما بعدها (1) :

" تثبت الدعوی فی الأموال بشهادة عدل واحد ویمین المدعی والمشهور علی أنه یعتبر فی ذلک تقدیم الشهادة علی الیمین فلو عکس لم تثبت وفیه إشکال وإن کان لا یخلو من وجه ، هذا کله فی الدعوی علی غیر المیت ، وأما الدعوی علیه فقد تقدم الکلام فیها ، [و] الظاهر ثبوت المال المُدّعی به بهما مطلقاً عیناً کان أو دیناً، وأما ثبوت غیر المال من الحقوق الأُخَر بهما ففیه إشکال والثبوت أقرب " .

صدّر السید الماتن (قده) هذه المسألة المهمة التی تترتب علیها ثمرات عملیة فی باب القضاء تحت عنوان : (حکم الیمین مع الشاهد الواحد) ، ویقع البحث فیها فی أنه متی یجوز القضاء بالشاهد الواحد والیمین (2) فأقول :

ص: 1


1- (1) وهی المسألة الثامنة والثلاثون وقد دمج الأستاذ (دامت برکاته) هاتین المسألتین فی هذا الشرح وجعلهما بمنزلة مسألة واحدة لتعلّق إحداهما بالأخری ، ومتابعة له (دامت برکاته) سنتعامل معهما فی هذا التقریر علی أنهما مسألة واحدة .
2- (2) بعد الفراغ عن جواز القضاء بالبیّنة التی تعنی شاهدین عادلین (منه دامت برکاته) .

ثبوت الدعوی فی الجملة بشاهد واحد ویمین مما لا إشکال فیه عندنا فی مقابل بعض العامة الذین أنکروا کونه من طرق الإثبات القضائی حتی فی مستوی القضیة الجزئیة وسیأتی استعراض بعض الأخبار التی تشیر إلی اعتراض بعض فقهائهم علی الأئمة (علیهم السلام) فی قضائهم بالشاهد الواحد والیمین ، وقد دلّت النصوص المستفیضة المعتبرة علی ذلک وبعضها دلّ علی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) قد قضیا بهما .

نعم .. وقع الکلام فی أن القضاء بهما هل یختص بالدیون فقط أم یشمل مطلق الأموال سواء کانت دیناً أو عیناً وسواء کانت) مالاً بنحو مباشر کالدین والقرض أو ما قُصد به المال کمطلق المعاوضات من البیع والإجارة والهبة وغیرها أم یشمل مطلق حقوق الناس التی هی أعمّ من الدیون والأعیان من قبیل حقّ القصاص وحقّ الوکالة وحقّ النسب وحقّ الطلاق وغیرها ، وأما شموله لما هو أعمّ من ذلک من الحقوق سواء کانت حقوقاً للناس أو حقوقاً لله تعالی من قبیل الحدود والتعزیرات فالظاهر أنه لم یُفرَد له قول ولم یتضمّنه نصّ کما سیأتی ، ولا بد أولاً من بیان الأقوال واستعراض النصوص :

أما بالنسبة إلی الأقوال فهی ثلاثة :

القول الأول : الاختصاص بالدیون فلا یشمل الأعیان وإن کانت معدودة من الأموال ، وهذا القول منسوب إلی الشیخ الطوسی فی النهایة - کما حُکی عنه - وفی الاستبصار ، وهو محکی أیضاً عن الغنیة والمراسم والکافی للحلبی بل فی الغنیة الإجماع علیه .

القول الثانی : التعمیم للأموال فیشمل ما کان دیناً أو عیناً وما کان مالاً مباشرة أو کان مقصوداً به المالیة ، وهذا القول هو اختیار المشهور ، وقد ادّعی الإجماع علیه الشیخ فی الخلاف وابن إدریس فی السرائر والعلامة فی المختلف .

ص: 2

القول الثالث : التعمیم لمطلق حقوق الناس فیشمل ما کان مالاً دیناً أو عیناً وما کان حقّاً محضاً کحقّ القصاص ، وهذا القول اختیار جمع قلیل منهم من المتأخرین السید الماتن (قده) ومال إلیه المحقق السبزواری فی الکفایة .

وأما بالنسبة إلی النصوص فهی کثیرة ویمکن تقسیمها إلی طوائف ثلاث :

الطائفة الأولی : ما دل علی جواز القضاء بشاهد ویمین فی الجملة وبنحو القضیة المهملة فتصلح لمقابلة بعض العامة القائلین بالمنع الکلی ، وهی روایات ثلاث :

الأولی : معتبرة حماد بن عیسی :

" قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : حدّثنی أبی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قضی بشاهد ویمین " (1) .

والمفهوم من هذه الروایة حکایة فعل خارجی ولا یُفهم منها الإطلاق وإنما هی قضیة مهملة یُستفاد منها کما قلنا إثبات الموجبة الجزئیة فی قبال السلب الکلی الذی یقول به بعض العامة کأبی حنیفة .

وهذه الروایة کسابقتها لا یُفهم منها أیضاً أکثر من الموجبة الجزئیة .

الثانیة : روایة البزنطی :

" قال : وسمعت الرضا (علیه السلام) یقول : قال أبو حنیفة لأبی عبد الله (علیه السلام) : تجتزئون بشاهد واحد ویمین ؟ قال : نعم قضی به رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقضی به علی (علیه السلام) بین أظهرکم بشاهد ویمین فتعجّب أبو حنیفة ، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): أعجب من هذا أنکم تقضون بشاهد واحد فی مئة شاهد وتجتزئون بشهادتهم بقوله ، فقال له : لا نفعل ، فقال : بلی .. تبعثون رجلاً واحداً فیسأل عن مئة شاهد فتجیزون شهاداتهم بقوله وإنما هو رجل واحد " (2) .

ص: 3


1- (3) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الرابع مج27 ص265 .
2- (4) قرب الإسناد ص359، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث السابع عشر مج27 ص269.

وهذه الروایة یرویها الشیخ صاحب الوسائل عن کتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، وطریق الشیخ إلی کتاب قرب الإسناد - الذی هو من مصادره - تام ظاهراً فإنه یعدّه من الطائفة الأولی من الکتب التی ینقل عنها والتی ذکر قرائن کثیرة فی إثبات صحة نسبتها إلی مؤلفیها من قبیل خطوط العلماء علیها وذکر أن هذه قضیة مقطوع بها فهو عندما ینقل مباشرة عن مثل کتاب قرب الإسناد فلأنه قد ثبت عنده انتسابه إلی مصنّفه بقرائن قطعیة .. وعلی هذا فیمکن تصحیح سند هذه الروایة .

الثالثة : روایة العباس بن هلال عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) وهی کالروایة السابقة بل هی فی الحقیقة نفسها ولکن بطریق آخر (1) .

الطائفة الثانیة : ما دل علی جواز القضاء بهما فی الدیون ، وهی خمس روایات :

الروایة الأولی : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

ص: 4


1- (5) عن العباس بن هلال عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) : " قال : إن جعفر بن محمد (علیهما السلام) قال له أبو حنیفة : کیف تقضون بالیمین مع الشاهد الواحد ؟ فقال جعفر (علیه السلام) : قضی به رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقضی به علی (علیه السلام) عندکم ، فضحک أبو حنیفة فقال جعفر (علیه السلام) : أنتم تقضون بشهادة واحد شهادةَ مئة ، فقال : ما نفعل ، فقال : بلی تشهد مئة فترسلون واحداً یسأل عنهم ثم تجیزون شهادتهم بقوله " التهذیب مج6 ص296 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثالث عشر مج27 ص268 .

" قال : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یجیز فی الدین شهادة رجل واحد ویمین صاحب الدین ولم یکن یجیز فی الهلال إلا شاهدی عدل " (1) .

وهذه الروایة صریحة فی جواز القضاء بهما فی الدیون .

الروایة الثانیة : معتبرة أبی بصیر :

" قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یکون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقضی بشاهد واحد ویمین صاحب الحق وذلک فی الدین " (2) .

وهذه الروایة کسابقتها فی التصریح بجواز القضاء بهما فی الدین .

الروایة الثالثة : معتبرة حماد بن عثمان بطریق الوشّاء :

" قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : کان علی (علیه السلام) یجیز فی الدین شهادة رجل ویمین المدعی " (3) .

وهذه الروایة صریحة أیضاً فی المطلوب .

الروایة الرابعة : روایة القاسم بن سلیمان :

" قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشهادة رجل مع یمین الطالب (4) فی الدین وحده " (5) .

ص: 5


1- (6) الکافی مج7 ص386 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الأول مج27 ص264 .
2- (7) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الخامس مج27 ص265 .
3- (8) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثالث مج27 ص265 .
4- (9) أی المدّعی .
5- (10) التهذیب مج6 ص237 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث العاشر مج27 ص268 .

والمفهوم من هذه الروایة اختصاص القضاء بهما فی الدین فضلاً عن أصل جواز ذلک فیه .

الروایة الخامسة : روایة حماد بن عثمان المتقدّمة ولکن بطریق صفوان (1) .

هذه هی روایات الطائفة الثانیة وهی وإن کان فی بعضها مجال للمناقشة فی أسانیدها إلا أنه لا إشکال فی أن هذه الطائفة تشتمل علی روایات معتبرة ومهمة وسیأتی التعرّض لها مفصّلاً والقدر المتیقّن من دلالتها هو جواز القضاء بشاهد ویمین فی الدیون .

الطائفة الثالثة : ما یظهر منه التعمیم لمطلق حقوق الناس وإن لم تکن من الدیون أو الأموال فی قبال حقوق الله سبحانه وتعالی فتشمل مثل حقّ القصاص وحقّ الطلاق .

وعمدتها روایة واحدة وهی صحیحة محمد بن مسلم أبی جعفر (علیه السلام) :

" قال : لو کان الأمر إلینا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خیر مع یمین الخصم فی حقوق الناس فأما ما کان من حقوق الله عز وجل أو رؤیة الهلال فلا " (2) .

وهذه الروایة تامة سنداً بلا إشکال وهی صریحة فی التعمیم لمطلق حقوق الناس فی قبال حقوق الله تعالی .

ثم إن هناک روایات اشتملت علی لفظ الحقّ کمعتبرة منصور بن حازم عن أبی عبد الله (علیه السلام): " قال: کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقضی بشاهد واحد مع یمین صاحب الحق" (3) ، وروایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله عن أبی عبد الله (علیه السلام) : " قال : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقضی بشاهد واحد مع یمین صاحب الحق " (4) ، وروایة أبی مریم عن أبی جعفر (علیه السلام) : " قال : أجاز رسول الله (صلی الله علیه وآله) شهادة شاهد مع یمین طالب الحق إذا حلف أنه الحق " (5) ، ومرسلة الصدوق : " قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشهادة شاهد ویمین المدعی ، وقال (صلی الله علیه وآله) : نزل علیّ جبرئیل (علیه السلام) بالحکم بشهادة شاهد ویمین صاحب الحق ، وحکم به أمیر المؤمنین (علیه السلام) بالعراق " (6) .

ص: 6


1- (11) التهذیب مج6 ص275 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الحادی عشر مج27 ص268 .
2- (12) التهذیب مج6 ص273 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثانی عشر مج27 ص268 .
3- (13) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثانی مج27 ص264 .
4- (14) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثامن مج27 ص267 .
5- (15) التهذیب مج6 ص273 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث التاسع مج27 ص267 .
6- (16) الفقیه مج3 ص54 ، الوسائل مج18 ص196 (الإسلامیة) .

وهذه الروایات إذا فُسّر الحقّ فیها بالدین فتکون داخلة فی الطائفة الثانیة وإذا فُسّر بمطلق الحقّ الأعم من الحقوق المالیة فتصلح أن تکون من روایات الطائفة الثالثة التی تعمّم جواز القضاء بالشاهد والیمین لمطلق حقوق الناس .

وللکلام تتمة ستأتی إن شاء الله تعالی .

المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / محاولة إثبات القول الثانی وهو قول المشهور من التعمیم للأموال مطلقاً ونفی ثبوت الحکم لمطلق حقوق الناس / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأحد 21 شوال 1433 ه_ 160)

الموضوع :- المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / محاولة إثبات القول الثانی وهو قول المشهور من التعمیم للأموال مطلقاً ونفی ثبوت الحکم لمطلق حقوق الناس / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الأقوال فی المسألة وقلنا إنها ثلاثة :

القول الأول : الاختصاص بالدیون فلا یشمل الأعیان وإن کانت معدودة من الأموال وهو المحکی عن الشیخ الطوسی (قده) .

القول الثانی : التعمیم للأموال فیشمل ما کان دیناً أو عیناً وما کان مالاً بنحو مباشر أو کان مقصوداً به المالیة ، وهذا القول هو اختیار المشهور .

القول الثالث : التعمیم لمطلق حقوق الناس فیشمل ما کان مالاً دیناً أو عیناً وما کان حقّاً محضاً کحقّ القصاص ، وهذا القول اختیار جمع قلیل منهم من المتأخرین السید الماتن (قده) .

وقد تقدّم استعراض الروایات الواردة فی هذه المسألة وقد قسّمناها إلی طوائف ثلاث :

الطائفة الأولی : ما دل علی جواز القضاء بالشاهد والیمین فی الجملة وبنحو القضیة المهملة ، وروایاتها ثلاث .

ص: 7

الطائفة الثانیة : ما دل علی جواز القضاء بهما فی الدیون ، وروایاتها خمس .

الطائفة الثالثة : ما یظهر منه التعمیم لمطلق حقوق الناس وإن لم تکن من الدیون أو الأموال فی قبال حقوق الله سبحانه وتعالی فتشمل مثل حقّ القصاص وحقّ الطلاق ، وهی روایة واحدة .

ومن هنا یتبین أنه لا یوجد فی ضمن هذه الطوائف ما یدل علی القول الذی ذهب إلیه المشهور من التعمیم لمطلق الأموال فی مقابل الاختصاص بالدیون (الذی هو القول الأول) والتخصیص بالأموال فی مقابل التعمیم لمطلق حقوق الناس (الذی هو القول الثالث) فإن الطائفة الأولی تدل علی جواز القضاء بنحو القضیة المهملة من دونما إشارة إلی الموارد من الدین أو العین مطلقاً ، والطائفة الثانیة موردها الدین ولم تتعرّض إلی التعمیم للأموال وعدم التعمیم لحقوق الناس - علی کلام سیأتی فی أن لها دلالة علی الاختصاص بالدیون أو لا ، والطائفة الثالثة دالة علی التعمیم لحقوق الناس فی حین أن المشهور یری الاختصاص بالحقوق المالیة فقط لا مطلق حقوق الناس .

ومن هنا قد یقال بأن إثبات قول المشهور بالأدلة والروایات فی غایة الإشکال کما قیل بذلک وأشار إلیه جملة من فقهائنا (رض) منهم صاحب المستند وصاحب الجواهر والسید الماتن (قدهم) وقالوا بأن مقتضی الروایات هو إما الالتزام برأی الشیخ الطوسی (قده) من الاختصاص بالدیون - وهو القول الأول - ، أو الالتزام بالتعمیم إلی مطلق حقوق الناس وهو القول الثالث - ، وأما الالتزام بالتعمیم إلی الأموال فی قبال الدیون والتخصیص بالأموال فی قبال حقوق الناس فهو مما لا یوجد علیه شاهد من هذه الأخبار حتی أن الشهید الثانی فی المسالک لمّا لم یر روایة من طرقنا تدل علی قول المشهور ذکر روایة عامیة دلیلاً علی قول المشهور وهی ما رواه ابن عباس عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال : " قال : استشرت جبرئیل (علیه السلام) فی القضاء بالیمین مع الشاهد فأشار علیَّ بذلک فی الأموال [وقال:] لا تعدو ذلک " (1) .

ص: 8


1- (1) المسالک مج13 ص510 .

هذا .. ولکن بالرغم من ذلک فقد استُدلّ للقول المشهور بصحیحة لعبد الرحمن بن الحجاج وهی روایة طویلة - قالوا إن فیها دلالة علی ذلک :

" قال : دخل الحکم بن عتیبة وسلمة بن کهیل علی أبی جعفر (علیه السلام) فسألاه عن شاهد ویمین ، فقال : قضی به رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقضی به علی (علیه السلام) عندکم بالکوفة ، فقالا : هذا خلاف القرآن ، فقال : وأین وجدتموه خلاف القرآن ؟ قالا : إن الله یقول : (وأشهدوا ذوی عدل منکم) ، فقال : قول الله : (وأشهدوا ذوی عدل منکم) هو لا تقبلوا شهادة واحد ویمیناً ، ثم قال : إن علیاً (علیه السلام) کان قاعداً فی مسجد الکوفة فمرّ به عبد الله بن قفل التمیمی ومعه درع طلحة ، فقال له علی (علیه السلام) : هذه درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة ، فقال له عبد الله بن قفل : اجعل بینی وبینک قاضیک الذی رضیته للمسلمین فجعل بینه وبینه شریحاً ، فقال علی (علیه السلام) : هذه درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة ، فقال له شریح : هاتِ علی ما تقول بیّنة ، فأتاه بالحسن [علیه السلام] فشهد أنها درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة ، فقال شریح : هذا شاهد واحد ولا أقضی بشهادة شاهد حتی یکون معه آخر فدعا قنبر فشهد أنها درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة ، فقال شریح : هذا مملوک ولا أقضی بشهادة مملوک ، قال : فغضب علی (علیه السلام) وقال : خُذها فإن هذا قضی بجور ثلاث مرات ، قال : فتحوّل شریح وقال : لا أقضی بین اثنین حتی تخبرنی من أین قضیتُ بجور ثلاث مرات ؟ فقال له : ویلک - أو ویحک - إنی لما أخبرتک أنها درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة فقلت : هاتِ علی ما تقول بینة ، وقد قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : حیث ما وُجد غلول أُخِذ بغیر بینة (1) ، فقلتُ : رجل لم یسمع الحدیث فهذه واحدة (2) ، ثم أتیتک بالحسن [علیه السلام] فشهد فقلت : هذا واحد ولا أقضی بشهادة واحد حتی یکون معه آخر وقد قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشهادة واحد ویمین (3) ، فهذه ثنتان ، ثم أتیتک بقنبر فشهد أنها درع طلحة أُخذت غلولاً یوم البصرة ، فقلت : هذا مملوک ولا أقضی بشهادة مملوک ، وما بأس بشهادة المملوک إذا کان عدلاً ، ثم قال : ویلک - أو ویحک - إن إمام المسلمین یُؤمَن من أمورهم علی ما هو أعظم من هذا " (4) .

ص: 9


1- (2) یعنی جاز لمن وجد الغلول أن یأخذه بغیر بینة ، وهنا قد یرد إشکال وهو أن الموضوع غیر منقّح یعنی لیس من المعلوم کونه غلولاً أو لا ، وأجیب أن المقصود بذلک أن الواجد الذی علم بکونه غلولاً یجوز له أخذها بلا بیّنة (منه دامت برکاته).
2- (3) یعنی من الموارد الثلاث التی قضی بها شریح بالجور .
3- (4) هذا هو محلّ الشاهد لأن معنی قول شریح : (لا أقضی بشهادة واحد حتی یکون معه آخر) أنه لا یقضی بشهادة واحد حتی لو انضمّ إلیه یمین المدّعی .
4- (5) الکافی مج7 ص386 ، الفقیه مج3 ص109 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الخامس مج27 ص265 .

وتقریب الاستدلال بهذه الصحیحة علی قول المشهور من جهة وضوح دلالتها فی جواز القضاء بشاهد ویمین فی غیر الدین من الأموال لأن موردها درع طلحة وهو عین ولیس دیناً حیث إن الإمام (علیه السلام) أنکر علی شریح توقّفه فی القضاء اعتماداً علی الشاهد الواحد ولو انضم إلیه یمین قائلاً : (لا أقضی بشهادة واحد حتی یکون معه آخر) فاستشهد الإمام (علیه السلام) فی محلّ النزاع بفعل رسول الله (صلی الله علیه وآله) من اعتماده علی شاهد واحد ویمین ، ومن الواضح أن محل النزاع وهو درع طلحة - لیس من الدیون وإنما هو من الأعیان فالروایة تکون دالة علی جواز القضاء بشاهد ویمین فی غیر الدیون من الأموال وهذا ما یرومه المشهور .

ولکن أورد علی هذا الاستدلال بأن اعتراض الإمام (علیه السلام) علی شریح لیس من جهة عدم قضائه بشاهد ویمین فی خصوص مورد النزاع حتی تدل علی قول المشهور (1) وإنما هو من جهة أن شریحاً أطلق قوله : " لا أقضی بشاهد واحد حتی یکون معه آخر " فأجابه الإمام (علیه السلام) معترضاً علی إطلاقه أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قضی بشهادة واحد ویمین فالروایة إذاً لیس فیها دلالة علی قول المشهور فإنه من الممکن فرض أن الإمام (علیه السلام) کان یوافق شریحاً فی أنه لا یُقضی بشاهد ویمین فی مثل مورد النزاع (2) لأنه لیس من الدیون .

هذا ما أُورد .. لکن الإنصاف أن هذه الروایة لا تخلو من دلالة علی قول المشهور لاسیما قوله (علیه السلام) : " وقد أتیتک بالحسن فشهد فقلت هذا واحد ولا أقضی بشاهد واحد حتی یکون معه آخر وقد قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشهادة واحد ویمین " إذ الظاهر أن غرض الإمام (علیه السلام) تطبیق ما ذکره من کفایة شهادة الواحد والیمین علی مورد النزاع بحیث إن عدم اکتفاء شریح بهما فیه (3) عدّه الإمام (علیه السلام) من القضاء بالجور وهذا معناه أن الشاهد والیمین یُقضی بهما فی غیر الدیون من الأموال وهو ما ذهب إلیه المشهور .

ص: 10


1- (6) وهو جواز القضاء بهما فی غیر الدیون من الأموال .
2- (7) وهو درع طلحة .
3- (8) أی بالشاهد ویمین فی مورد النزاع .

نعم .. یمکن أن یُلاحظ علی الاستدلال المذکور من جهة أخری وهی أنه قد تقدّم أن قول المشهور یتضمن أمرین لولاهما لا یکون قولاً ثالثاً فی مقابل القولین الآخرین ولا بد فی مقام الاستدلال من إثباتهما معاً :

أحدهما : التعمیم للأموال وعدم الاختصاص بالدیون .

الآخر : التخصیص بالأموال فی مقابل التعمیم لمطلق حقوق الناس .

والروایة المذکورة إنما تصلح لإثبات الأمر الأول لکونها تنفی اختصاص الحکم بالدیون وتعمّمه لغیر الدیون من الأموال لأن موردها وهو درع طلحة من الأعیان ولکنها لا تصلح لإثبات الأمر الثانی وهو التخصیص بالأموال بمعنی نفی تعمیم الحکم لمطلق حقوق الناس ذلک أن غایة ما یُستفاد منها جواز القضاء بالشاهد والیمین فی درع طلحة الذی هو من الأموال غیر الدیون ولا دلالة فیها علی عدم جواز القضاء بهما فی مطلق حقوق الناس من غیر الأموال .

وبعبارة أخری : إن قول المشهور فی قبال القولین الآخرین یحتاج إلی دلیل یدل علی جواز القضاء بالشاهد والیمین فی الأموال ویدل علی الاختصاص بذلک ، ومن الواضح أن الصحیحة وإن دلّت علی جواز القضاء بهما فی غیر الدیون من الأموال إلا أنها لا تدل علی الاختصاص المذکور .

هذا .. ولکن یمکن أن یُوجّه الاستدلال بالصحیحة وإثبات دلالتها علی کلا الأمرین اللذین یتضمّنهما قول المشهور وذلک بأحد تقریبین :

الأول : إلغاء خصوصیة الدین فی روایات الطائفة الثانیة فیُراد حینئذ الدین بما هو مال فیکون الحکم بالجواز الثابت للدین ثابت للمال بعد إلغاء الخصوصیة ، ودلیل هذا التصرف صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة لأنها تدل علی جواز القضاء بهما فی غیر الدیون من الأموال فی حین أن روایات الطائفة الثانیة تدل علی جواز القضاء بهما فی الدیون فتُجعل الصحیحة قرینة علی أن الدین فی روایات هذه الطائفة لا یراد به الدین بما هو دین فی قبال سائر الأموال وإنما یراد به الدین بما هو مال فکأن الموضوع فی روایات هذه الطائفة هو عبارة عن المال ولا خصوصیة للدین المذکور فیها وعلی ذلک فیکون فی روایات الطائفة الثانیة ما یدل علی الاختصاص بالمال لأن المفهوم من لسان بعضها حصر القضاء بالشاهد والیمین فی الدین کقوله (علیه السلام) فی معتبرة أبی بصیر : (وذلک فی الدین) فإذا حملنا الدین علی أن المراد به المال انتقل الحصر إلیه فیثبت الأمر الثانی من الأمرین اللذین تضمّنهما قول المشهور وقد ثبت الأمر الأول من قبل فیثبت علی ذلک قول المشهور بعد الاستعانة بصحیحة عبد الرحمن بالبیان المزبور .

ص: 11

التقریب الثانی : أن یُحتفظ بخصوصیة الدین فی روایات الطائفة الثانیة ولکن یقال بالتعدّی منه إلی العین إما لعدم القائل بالفرق بینهما کما ذکره المقدّس الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان ، وإما للجزم بعدم الفرق بینهما عرفاً فإذا ثبت هذا التعدّی یکون مورد تلک الروایات حینئذ هو المال مطلقاً فإذا فُرض أن فی تلک الروایات ما یدل علی الاختصاص والحصر تکون دالة حینئذ علی اختصاص الحکم بجواز القضاء بشاهد ویمین فی الأموال دون غیرها من حقوق الناس فیثبت وفق هذا التقریب الأمر الثانی من الأمرین المتقدّمین وقد ثبت الأمر الأول من قبل فیثبت بذلک قول المشهور .

والحاصل أنه یُدّعی فی المقام أنه یمکن إثبات قول المشهور إما بالاستعانة بصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وجعلها قرینة علی إلغاء خصوصیة الدین فی روایات الطائفة الثانیة لیکون المقصود بالدین فیها الدین بما هو مال مع فرض دلالة بعض أخبار هذه الطائفة علی الاختصاص ، وإما عن طریق التعدّی باعتبار الجزم بعدم الفرق عرفاً أو باعتبار عدم القول بالفرق بین الدین وغیره من الأموال مع فرض دلالة بعض أخبار هذه الطائفة علی الاختصاص أیضاً فیثبت بذلک قول المشهور .

ولکن هل هذا الکلام تام أم لا ؟

هذا ما سیأتی الحدیث عنه إن شاء الله تعالی .

المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / المناقشة فی ما یتوقف علیه قول المشهور من دعوی دلالة أخبار الطائفة الثانیة علی الاختصاص ومن دعوی عدم الخصوصیة للدین فیها/ طرح ما یمکن أن یُفهم منه أو یُتوهّم دلالته علی الاختصاص وهما روایتان والمناقشة فیهما / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

ص: 12

(بحث یوم الاثنین 22 شوال 1433 ه_ 161)

الموضوع :- المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / المناقشة فی ما یتوقف علیه قول المشهور من دعوی دلالة أخبار الطائفة الثانیة علی الاختصاص ومن دعوی عدم الخصوصیة للدین فیها/ طرح ما یمکن أن یُفهم منه أو یُتوهّم دلالته علی الاختصاص وهما روایتان والمناقشة فیهما / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی توجیه قول المشهور وقد ذکرنا له تقریبین یعتمدان علی افتراض أن أخبار الطائفة الثانیة فیها دلالة علی الاختصاص وکان أوّلهما یبتنی علی إلغاء خصوصیة الدین فی روایات الطائفة الثانیة فیُراد منه فیها الدین بما هو مال فیکون الحکم بجواز القضاء بشاهد ویمین الثابت للدین ثابتاً للمال بعد إلغاء الخصوصیة ، وذکرنا أن دلیل هذا التصرف جعل صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج التی تدل علی جواز القضاء بشاهد ویمین فی غیر الدیون من الأموال قرینة علی أن المراد من الدین فی روایات هذه الطائفة (1) الدین بما هو مال ، وکان التقریب الثانی یبتنی علی التعدّی من مورد أخبار الطائفة الثانیة - الذی هو الدین - إلی العین إما لعدم القائل بالفرق وإما للجزم عرفاً بعدم الفرق .

وهذا التوجیه بتقریبیه یتوقف علی إثبات أمرین :

الأول : أن أخبار الطائفة الثانیة - کلّاً أو بعضاً فیها دلالة علی الاختصاص .

الثانی : أنه لا خصوصیة للدین فی تلک الأخبار وإنما المراد منه مطلق المال .

ولو تمّ هذان الأمران یکون هذا التوجیه بأیّ من تقریبیه - وجیهاً وصالحاً للدلالة علی قول المشهور أو للالتزام به علی الأقلّ بقطع النظر عن أن المشهور استند إلیه أو لا .

ص: 13


1- (1) حیث تدل علی جواز القضاء بالشاهد والیمین فی الدیون .

أما الأمر الأول : - وهو قضیة الاختصاص - فقد یقال هنا إن من الواضح أن بعض أخبار هذه الطائفة لیس فیه دلالة علی الاختصاص وإنما غایة ما یُستفاد منه ثبوت القضاء فی الدین بشاهد واحد ویمین فلیس فیها مفهوم ینفی ثبوته بهما فی غیر الدین کما فی صحیحة محمد بن مسلم (1) وصحیحة حماد بن عثمان (2) المذکورتین فی بحث سابق .

نعم .. ما یمکن أن یُفهم منه أو یُتوهّم دلالته علی الاختصاص من أخبار هذه الطائفة روایتان :

الأولی : صحیحة أبی بصیر :

" قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یکون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقضی بشاهد واحد ویمین صاحب الحق وذلک فی الدین " (3) .

ص: 14


1- (2) " قال : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یجیز فی الدین شهادة رجل واحد ویمین صاحب الدین ولم یکن یجیز فی الهلال إلا شاهدی عدل " الکافی مج7 ص386 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الأول مج27 ص264 .
2- (3) " قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : کان علی (علیه السلام) یجیز فی الدین شهادة رجل ویمین المدعی " الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الثالث مج27 ص265 ، وهذه الروایة معتبرة بطریق الوشّاء ، وأما بطریق صفوان فلیست کذلک لوجود مشکلة سندیة فیها .
3- (4) الکافی مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث الخامس مج27 ص265 .

والثانیة : روایة القاسم بن سلیمان :

" قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشهادة رجل مع یمین الطالب فی الدین (1) وحده " (2) .

والثانیة غیر تامة سنداً لعدم ثبوت وثاقة القاسم بن سلیمان إلا علی بعض المسالک غیر التامة فهذه الروایة ساقطة عن الاعتبار ، وأما الروایة الأولی فهی وإن کانت تامة سنداً لکنها غیر تامة دلالة لأن الذی یُتوهٌّم کونه دالاً علی الاختصاص هو قول الإمام (علیه السلام) فی ذیل الروایة : (وذلک فی الدین) وهذا یُحتمل فیه أن یکون إشارة إلی ما وقع منه خارجاً (صلی الله علیه وآله) وأن قضاءه فی الدین کان من باب الاتفاق بمعنی أن القضیة التی رُفعت إلیه کانت أساساً فی الدین فقضی فیها بشاهد ویمین ولیس فیها دلالة علی الاختصاص بذلک وعلی هذا فلا یثبت الاختصاص لعدم إمکان استفادته من أخبار هذه الطائفة فإن بعضها لا دلالة فیه أصلاً وبعضها الآخر مما یُتخیّل فیه الدلالة علیه غیر تام سنداً .

ویؤید ذلک أن التعبیر الوارد فی صحیحة أبی بصیر هو : (عن الرجل یکون له عند الرجل الحقّ) ولو کان السؤال عن الدین لقیل - مثلاً - : (عن الرجل یکون له علی الرجل الحقّ) الذی هو التعبیر المتعارف عن الدین فالتعبیر الوارد فی هذه الصحیحة ظاهر فی ما یکون قابلاً لأن یکون عند أحد وأوضح مصادیقه المال فی ما إذا کان عیناً خارجیة ومقتضی مطابقة الجواب للسؤال أن لا یکون ما ورد فی ذیل الروایة من قوله (علیه السلام) : (وذلک فی الدین) دالاً علی الاختصاص بالدین وإلا لم یکن هناک تطابق بین السؤال والجواب بخلاف ما إذا قیل إنه إشارة إلی الواقع الخارجی من فعل الرسول (صلی الله علیه وآله) وأن الحکم الصادر منه لا یختص بالدین فإن هذا یناسب السؤال لأنه کان عن مطلق المال ولیس عن الدین بخصوصه .

ص: 15


1- (5) أی المدّعی .
2- (6) التهذیب مج6 ص237 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب کیفیة الحکم الحدیث العاشر مج27 ص268 .

هکذا قد یقال .. ولکن یلاحظ علیه :

أولاً : بالمنع من دعوی وضوح کون أخبار الطائفة الثانیة - غیر صحیحة أبی بصیر وروایة القاسم بن سلیمان - لیس فیها دلالة علی الاختصاص بل من المحتمل قویاً أن یکون لها دلالة علی ذلک فإنها قد وردت بعنوان : " کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقضی بشاهد ویمین فی الدین " أو : " کان علی (علیه السلام) یجیز شهادة الواحد مع یمین المدعی فی الدین " ومثل هذا لا یخلو من دلالة علی الاختصاص ، نعم .. لو کان التعبیر قد ورد بمثل : (قضی رسول الله بشهادة واحد مع یمین المدّعی فی الدین) فربما یقال بعدم دلالته علی الاختصاص ولکن التعبیر الوارد هو ب_ (کان) مع الفعل المضارع الدال علی استمرار الفعل وتکرّره ومثل هذا التعبیر لا یخلو من دلالة علی اختصاص الحکم بموضوعه وهو الدین فی تلک الروایات .

وثانیاً : إنه لا مانع من أن یکون السؤال عاماً والجواب خاصّاً فالسؤال فی صحیحة أبی بصیر وإن کان عن مطلق الأموال (1) إلا أن هذا لا ینافی الاختصاص فیمکن أن یکون مقصود الإمام (علیه السلام) هو التفریق فی الأموال - الذی هو عنوان عام یشمل الدین والعین بأن کان یرید (علیه السلام) أن یقول للسائل بأن هذه الأموال التی تسأل عنها إن کانت من الدین فیجوز القضاء فیها بشاهد ویمین وإن کانت من العین فلا یجوز القضاء فیها بشاهد ویمین فعبّر (علیه السلام) عن ذلک بقوله : (وذلک فی الدین) ولا محذور فی هذا .

ص: 16


1- (7) وذلک لأنه لم یقل : (عن الرجل یکون له علی الرجل الدین) وإنما قال : (عن الرجل یکون له علی الرجل الحقّ) وهذا ظاهر فی مطلق الاموال .

بل یمکن أن یقال إنه حتی لو فُرض کون السؤال عن غیر الدین من الأموال - کما لا یبعد ذلک لمناسبة التعبیر الوارد فی الروایة له إلا أنه لا محذور فی افتراض کون الجواب خاصّاً بالدین فالسائل وإن کان قد سأل عن غیر الدین والإمام (علیه السلام) أجابه بأن شهادة واحد ویمین أمر مختص بالدین ولا یشمل محلّ السؤال إلا أنه (علیه السلام) کأنه أجابه ضمناً بأن مورد السؤال - الذی هو غیر الدین من الأموال - لا یثبت بشاهد واحد ویمین .

فإذاً مهما فُرِض فی السؤال فهو لا ینافی افتراض الاختصاص فی جواب الإمام (علیه السلام) .

وثالثاً : إن هناک روایة معتبرة سنداً وظاهرة دلالة فی الاختصاص بالدین من دون أن یرد فیها الاحتمال السابق الذی ذُکر فی صحیحة أبی بصیر من تعلّق الروایة بواقعة خارجیة - وهی روایة داود بن الحصین :

" قال : سألته عن شهادة النساء فی النکاح بلا رجل معهنّ إذا کانت المرأة منکرة فقال : لا بأس به ، ثم قال لی : ما یقول فی ذلک فقهاؤکم ؟ قلت : یقولون لا یجوز إلا شهادة رجلین عدلین ، فقال : کذبوا لعنهم الله هوّنوا واستخفّوا بعزائم الله وفرائضه ، وشدّدوا وعظّموا ما هوّن الله ، إن الله أمر فی الطلاق بشهادة رجلین عدلین فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد والنکاح لم یجئ عن الله فی تحریمه (1) ، فسنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی ذلک الشاهدین تأدیباً ونظراً لئلاّ یُنکر الولد والمیراث وقد ثبت عقد النکاح ویستحلّ الفرج ولا أن یشهد (2) ، وکان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یجیز شهادة امرأتین فی النکاح عند الانکار ولا یجیز فی الطلاق إلا شاهدین عدلین ، قلت : فأنّی ذَکَر الله تعالی وقوله : (رجل وامرأتان) ؟ فقال : ذلک فی الدین إذا لم یکن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ویمین المدّعی إذا لم تکن امرأتان ، قضی بذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) بعده عندکم " (3) .

ص: 17


1- (8) یعنی أن النکاح لم یجئ عن الله سبحانه وتعالی احترامه بإلزام الطرفین بشهادة عادلین أی لم یجئ عنه تعالی الإلزام بالإشهاد علیه بشاهدین عدلین (منه دامت برکاته) .
2- (9) جملة حالیة بمعنی : مع عدم الإشهاد .
3- (10) التهذیب مج6 ص282 ، الوسائل الباب الرابع والعشرون من أبواب الشهادات الحدیث الخامس والثلاثون مج27 ص361 .

وهذه الروایة ینبغی أنت یُعبّر عنها بالموثّقة لأن داود بن الحصین واقفی ثقة والروایة تامة سنداً وإن کان فیها محمد بن حدید الذی فیه کلام إلا أنه یشترک مع محمد بن خالد فی الروایة عن علی بن نعمان فالمعتبر هو طریق محمد بن خالد الذی هو البرقی الثقة عن علی بن نعمان الثقة فلا یضرّ حال محمد بن حدید حینئذ .

وهذه الروایة واضحة الدلالة فی اختصاص قبول شهادة الشاهد الواحد والیمین فی الدین کما هو ظاهر ولا یأتی فیها الاحتمال الذی ذُکر فی صحیحة أبی بصیر من أنه إشارة إلی قضیة خارجیة کما تقدّم ذکره - لأن الإمام (علیه السلام) کان فی مقام تفسیر قوله تعالی : (فرجل وامرأتان) فقال : (ذلک فی الدین) وهذه إشارة إلی حکم شرعی واختصاص هذا الحکم بالدین حیث قال (علیه السلام) : (ورجل واحد ویمین المدّعی إذا لم تکن امرأتان) .

ومن هنا یظهر أن هناک ما یمکن عدّه من أخبار الطائفة الثانیة مما یدلّ علی الاختصاص وهو الأمر الأول الذی یتوقف علیه توجیه قول المشهور - من أن شهادة واحد ویمین تثبت فی مطلق الأموال - .

أما الأمر الثانی : وهو إلغاء خصوصیة الدین فی هذه الأخبار وافتراض أن المراد به فیها الدین بما هو مال لا بما هو دین ذو خصوصیة یتمیّز بها عن العین فقد تقدّم أن له تقریبین أحدهما دعوی عدم القائل بالفرق بین الدین والعین والآخر دعوی عدم الفرق بینهما عرفاً ، وفی کلا الدعویین مجال للنظر :

أما الدعوی الأولی : فممنوعة من جهة أن أصحاب القول الأول کالشیخ الطوسی (قده) وأتباعه یقولون باختصاص هذا الحکم بخصوص الدین دون العین بل صرّح الشیخ بذلک فکیف یُدّعی عدم وجود قائل بالفرق بین الدین وغیر الدین من الأموال .

ص: 18

وأما الدعوی الثانیة : فلیست بذلک الوضوح فإن الاعتماد علی عدم تفرقة العرف بین أمرین إن لم تصل إلی حدّ الجزم - ولو کان جزماً عرفیاً - فلا عبرة بها والمدّعی فی المقام وجود احتمال أن للدین خصوصیة أوجبت من الشارع المقدّس جواز إثباته بشهادة واحد ویمین وذلک من جهة أن إثباته یکون عادة أصعب من إثبات العین فلذا اقتضی من الشارع المقدّس أن یجعل نوعاً من التنازل والتخلّی عن اشتراط العدلین فاکتُفی فیه بعدل واحد ویمین المدّعی بخلاف العین فإن إثباتها لمّا کان سهلاً لم یکن ثمة مانع من أن یُشترط فیه شهادة رجلین عدلین ، وهذا وإن کان بمستوی الاحتمال إلا أنه لا دافع له ومثله کاف فی المنع من التعدی عن مورد الروایة إلی غیرها .

نعم یمکن تقریب هذا الأمر (1) وذلک بالاستعانة بصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج بأن یقال إن دلالتها تامة علی جواز القضاء بشاهد واحد ویمین فی موردها وهو درع طلحة الذی هو لیس دیناً والروایة ظاهرة ظهوراً واضحاً فی جواز القضاء بشاهد واحد ویمین فیها (2) وهذا یُشکّل قرینة علی أن المراد بالدین فی أخبار الطائفة الثانیة الدین بما هو مال إذ لو قیل بالجمود علی مورد النصّ هاهنا وهو العین وتُحفّظ فی المقابل علی خصوصیة الدین فی تلک الأخبار لحصل التعارض فی البین بضمیمة ما ثبت من دلالة أخبار الطائفة الثانیة علی الاختصاص الذی ینعقد له مفهوم بعدم ثبوت الحکم فی غیر موردها فدفعاً لإشکال التعارض بین الدلالتین تُحمل الصحیحة علی کونها قرینة علی أن المراد بالدین فی تلک الروایات الدین بما هو مال فلا تنافی حینئذ ویثبت بذلک قول المشهور .

ص: 19


1- (11) أی إلغاء خصوصیة الدین فی هذه الأخبار وافتراض أن المراد به فیها الدین بما هو مال .
2- (12) أی فی درع طلحة التی هی عین من الأعیان ولیست دیناً .

وللکلام تتمة ستأتی إن شاء الله تعالی .

المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / ذکر التعارض بین صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وروایات الطائفة الثانیة وذکر اتّجاهات من الأجوبة لرفع غائلة هذا التعارض / الأمر الثانی : اشتراط تقدّم شهادة الشاهد علی یمین المدّعی فی جواز القضاء بشاهد ویمین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الثلاثاء 23 شوال 1433 ه_ 162)

الموضوع :- المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / ذکر التعارض بین صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وروایات الطائفة الثانیة وذکر اتّجاهات من الأجوبة لرفع غائلة هذا التعارض / الأمر الثانی : اشتراط تقدّم شهادة الشاهد علی یمین المدّعی فی جواز القضاء بشاهد ویمین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الاستدلال علی قول المشهور من کفایة شاهد ویمین فی مطلق المال وکنّا قد ذکرنا له تقریبین یعتمدان علی افتراض أن أخبار الطائفة الثانیة فیها دلالة علی الاختصاص وکان أوّلهما یبتنی علی إلغاء خصوصیة الدین فی روایات هذه الطائفة فیُراد منه فیها الدین بما هو مال ، وکان ثانیهما یبتنی علی التعدّی من مورد أخبار هذه الطائفة - الذی هو الدین - إلی العین إما لعدم القائل بالفرق وإما للجزم عرفاً بعدم الفرق .. وقد تقدّم الکلام فی کلا هذین الأمرین وذکرنا بأن التقریب الأول منهما یُستعان فی توجیهه بصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج بأن یقال إن دلالتها تامة علی جواز القضاء بشاهد واحد ویمین فی موردها (1) الذی لیس هو بدین والروایة ظاهرة ظهوراً واضحاً فی جواز القضاء بشاهد واحد ویمین فیها (2) وهذا یُشکّل قرینة علی أن المراد بالدین فی أخبار الطائفة الثانیة الدین بما هو مال فیثبت الحکم للمال مطلقاً وهو ما یرومه المشهور .

ص: 20


1- (1) وهو درع طلحة .
2- (2) أی فی درع طلحة التی هی عین من الأعیان ولیست دیناً .

ولکن قد یقال (1) : الظاهر أن صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج معارَضة بروایات الطائفة الثانیة لدلالتها (2) علی الاختصاص بالدین وقد سلّمنا هذه الدلالة - فی حین أن صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج دالة بوضوح علی جواز القضاء بشاهد ویمین فی العین إذ أن موردها درع طلحة التی هی عین ولیست بدین کما هو واضح ، واختصاص الجواز بالدین فی روایات تلک الطائفة وثبوته فی غیر الدین بمقتضی الصحیحة أمران متنافیان کالتنافی الحاصل بین روایات الطائفة الثانیة التی تدل علی اختصاص الحکم بالجواز بالدین وروایات الطائفة الثالثة التی تُثبته فی مطلق حقوق الناس - کما سیأتی الکلام حوله .

والحاصل أن روایات الطائفة الثانیة التی تدل بحسب الفرض علی الاختصاص بالدین ینافیها کل دلیل یُثبت الجواز فی غیر الدین سواء أثبته فی العین کما فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج أم أثبته فی مطلق حقوق الناس کروایات الطائفة الثالثة الآتیة فالنتیجة أننا نمنع من أن تکون صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قرینة علی ما ذُکر من الاختصاص بالدین .

فإنه یقال : بأن هناک ما یصلح أن یکون منبّهاً أو شاهداً علی صحة جعل الصحیحة قرینة وهو أن الإمام (علیه السلام) کان قد ذکر فی مقام تخطئة شریح القاضی أنه أتاه بالحسن (علیه السلام) فشهد فقال شریح لا اقضی بشهادة واحد ما لم ینضم إلیه آخر فقال له الإمام (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قد قضی بشهادة واحد ویمین ، ومن الواضح أن الإمام (علیه السلام) فی مقام تطبیق قضاء رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی مورد النزاع (3) الذی امتنع شریح من القضاء فیه وقد تظافرت الروایات مصرّحةً علی أن قضاءه (صلی الله علیه وآله) إنما هو فی الدین فما فعله الإمام (علیه السلام) من هذا التطبیق لیس له تفسیر إلا أن یکون المراد بالدین الدین بما هو مال علی نحو ینطبق فی محلّ النزاع الذی هو وإن کان لیس بدین إلا أنه لا ریب فی کونه من الأموال .. مضافاً إلی أن نقل الإمام (علیه السلام) قضاء الرسول (صلی الله علیه وآله) لو کان مختصاً بالدین بما هو دین فلا یکون فیه تخطئة لشریح بل کان لشریح أن یعترض علی الإمام (علیه السلام) بأن لا علاقة له بمحلّ النزاع فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قضی بشاهد ویمین فی الدین فی حین أن محلّ النزاع لیس من الدین بل هو عین ثم یقول بأن امتناعی عن الحکم بشاهد ویمین فی محلّ النزاع واشتراطی أن یکون هناک شاهدان عادلان لیس مخالفاً لقضاء الرسول (صلی الله علیه وآله) بشاهد ویمین فی الدین لاختلاف الحال بین الموردین .

ص: 21


1- (3) کما أشیر إلیه فی البحث السابق .
2- (4) أی روایات الطائفة الثانیة .
3- (5) وهو درع طلحة .

فالنتیجة أن التخطئة فی المقام لا تصح إلا بافتراض أن المراد من الدین الذی قضی فیه رسول الله (صلی الله علیه وآله) بشاهد ویمین هو الدین بما هو مال فتکون هذه قرینة داخلیة تدعم هذا التقریب وتُثبت تمامیته فینهض دلیلاً علی قول المشهور بقطع النظر عن اعتماد المشهور علیه وعدمه .

وقد أُشیر إلی هذا الجواب فی کلمات علمائنا (رض) کما عن العلامة فی المختلف حیث ذکر أنه : (لا خلاف فی ما ذهب إلیه المشهور) مع أن الشیخ الطوسی (قده) وأتباعه یصرّون علی اختصاصه بالدین ولا توجیه لما ذکره (قده) إلا بحمل ما ذکره الشیخ (قده) من الاختصاص بالدین علی أن المراد به مطلق المال لا خصوص الدین بما هو دین ، وهذا ما سلکه جماعة ممن تأخر عن العلامة أیضاً فی رفع التعارض البدوی بین صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وروایات الطائفة الثانیة .

وبهذا یکون قد ثبت الأمر الأول مما تضمّنه قول المشهور وهو تعمیم جواز القضاء بشاهد ویمین إلی غیر الدین من الاموال ویبقی الأمر الثانی وهو تخصیص ذلک بالمال والحکم بعدم جواز القضاء بهما فی غیر الأموال من حقوق الناس وهذا لا یتم إلا إذا تمّ رفع التعارض بین أخبار الطائفة الثانیة وأخبار الطائفة الثالثة فإن الطائفة الثانیة تدل علی الاختصاص بالمال کما تقدّم تقریب دلالتها علی ذلک دون ما هو أعمّ منه من حقوق الناس ، وأما الطائفة الثالثة التی عمدتها صحیحة محمد بن مسلم فإنها تفرّق بین حقوق الناس وحقوق الله تعالی فتُثبت جواز القضاء بشاهد ویمین فی الأول دون الثانی ، ومن الواضح أن حقوق الناس أعمّ من الحقوق المالیة فالقصاص والوکالة والوصایة هی من حقوق الناس وإن لم تکن من الأموال .. لاسیما بعد المقابلة بین حقوق الناس وحقوق الله سبحانه وتعالی فإن مقتضاها أن یکون المراد بحقوق الناس ما لا یکون من قبیل حقوق الله کالحدود والتعزیرات فتکون حقوق الناس حینئذ شاملة للحقوق المالیة وغیر المالیة کحقّ القصاص والوکالة وسواهما .

ص: 22

وفی المقام اتّجاهات لرفع غائلة هذا التعارض :

الأول : ما عن الشیخ الطوسی (قده) فی الاستبصار من حمل روایات الطائفة الثالثة التی تفرّق بین حقوق الناس وحقوق الله تعالی علی ما حمل علیه المطلقات وهو الدین فقال تعلیقاً علی صحیحة محمد بن مسلم - التی هی عمدة روایات الطائفة الثالثة - : (فهذا الخبر أیضاً نحمله علی أن یُحکم بذلک فی حقوق الناس الذی هو الدین دون ما عداه من الحقوق لما بُیّن فی الأخبار المتقدّمة) ویعنی بها أخبار الطائفة الثانیة التی موردها الدین فجمع بین الطائفتین بحمل حقوق الناس علی الدین ، وهذا الجمع وإن رفع غائلة التعارض فی البین إلا أنه لا یکون دلیلاً علی قول المشهور بل علی القول الأول وهو الاختصاص بالدین .

الثانی : دعوی أن المتبادر من حقوق الناس عند الإطلاق هو الحق المالی .

الثالث : الجمع بین الطائفتین بحمل المطلق علی المقیّد وذلک بتقیید ما دلّ علی جواز القضاء بشاهد ویمین فی مطلق حقوق الناس (تقییده) إما بالدین کما هو مسلک الشیخ الطوسی (قده) وأتباعه أو بالحق المالی کما هو مسلک المشهور .

وهذه الاتجاهات الثلاثة تشترک جمیعاً فی تقدیم الطائفة الثانیة علی الطائفة الثالثة أی أنها تقدّم أخبار الدین علی صحیحة محمد بن مسلم فتحمل هذه الصحیحة علیها إما بالجمود علی مورد تلک الطائفة (1) وهو الدین أو بعد تعمیمه لمطلق المال .

وفی مقابل هذا ذهب جماعة إلی العکس من ذلک فتصرّفوا فی أخبار الطائفة الثانیة (2) وحملوها علی مورد الصحیحة فالتزموا فی ضوء ذلک بجواز القضاء بشاهد ویمین فی مطلق حقوق الناس لا فی خصوص الدین أو الحقوق المالیة وهو ما ذهب إلیه السید الماتن (قده) ویُفهم من کلماته الاستدلال له بأن صحیحة محمد بن مسلم صریحة فی التعمیم لمطلق حقوق الناس فی حین أن أخبار الطائفة الثانیة الواردة فی الدین لیست بتلک الصراحة من جهة ما طُرح فیها من احتمال کونها إشارة إلی واقعة خارجیة أی أن قضاءه (صلی الله علیه وآله) کان مورده الدین اتّفاقاً لا أن الحکم یختص بالدین وعلی هذا فلا تکون تلک الروایات صریحة فی الاختصاص بالدین حتی تکون منافیة للصحیحة فحینئذ یُتصرَّف فی أخبار الدین بحملها علی الإشارة إلی القضیة الخارجیة وان القضاء وقع فی الدین من باب الاتفاق ویُعمل بصحیحة محمد بن مسلم فیُلتزم بتعمیم الحکم بجواز القضاء بشاهد ویمین لمطلق حقوق الناس .

ص: 23


1- (6) أی الثانیة .
2- (7) وهی أخبار الدین .

وفی مقابل هذین المذهبین القول باستقرار التعارض بین الطائفتین وحینئذ یکون العمل بمقتضی القاعدة وهی تقتضی الاقتصار علی القدر المتیقَّن والقدر المتیقن الذی یجوز القضاء فیه بشاهد ویمین هو الدین أو المال - بناءً علی التوسّع - فتثبت بذلک نتیجة قول المشهور أو نتیجة قول الشیخ الطوسی (قده) .

هذا .. ولکن یمکن أن یقال إن صحیحة محمد بن مسلم تارة یُفترض کونها ظاهرة فی التعمیم ظهوراً غیر إطلاقی أی لیس مستنداً إلی عدم ذکر القید وإنما هو ظهور مستند إلی قرینة خاصة فی المورد تقتضی التعمیم لمطلق حقوق الناس وهی المقابلة بین حقوق الله وحقوق الناس فی الروایة نفسها - ، وأخری یُفترض أن الظهور فیها ظهور إطلاقی - أی مستند إلی عدم ذکر القید - :

أما علی الفرض الثانی فیتعیّن الالتزام بالتقیید إذ هما دلیلان أحدهما مطلق وهو ظاهر ظهوراً إطلاقیاً فی التعمیم والآخر أخصّ منه مطلقاً ومقتضی الصناعة أن یُقیّد الأول بالثانی والنتیجة حمل حقوق الناس التی حکمت الروایة بجواز القضاء فیها بشاهد ویمین علی خصوص الدین أو مطلق المال .

وأما علی الفرض الأول فیتعیّن الالتزام بثبوت الحکم لمطلق حقوق الناس سواء کانت من الحقوق المالیة أو من غیرها کحقّ القصاص والوکالة وسواهما لا خصوص الحق المالی أو الدین وذلک بقرینة المقابلة بین حقوق الناس وحقوق الله تعالی فإن مقتضی هذه المقابلة أن یکون المراد من أحد الشقّین ما لا یکون داخلاً فی مقابله ولا ریب أن مطلق حقوق الناس سواء کانت من الحقوق المالیة أو من غیرها لیس داخلاً فی حقوق الله تعالی فما لا یصدق علیه أنه من حقوق الله تعالی یکون مشمولاً لحقوق الناس فیثبت التعمیم داخل حقوق الناس لمطلق الحق المالی دیناً کان أو عیناً کما یثبت لغیر الحق المالی أیضاً کحقّ القصاص والوکالة وسواهما .

ص: 24

هکذا یمکن أن یقال وعلیه فإن سُلّم بهذه القرینة ومقتضاها ثبت تعمیم الحکم لمطلق حقوق الناس واتّجه ما بنی علیه السید الماتن (قده) فی المقام من أن صحیحة محمد بن مسلم صریحة أو لا أقلّ من کونها أظهر فی التعمیم من ظهور تلک الروایات فی الاختصاص فیُلتزم بالتعمیم وتُحمل تلک الروایات علی أنها تشیر إلی الواقعة الخارجیة .

ولکن یمکن أن یقال إن ظهور أخبار الطائفة الثانیة فی الاختصاص بالدین لا یقل عن ظهور صحیحة محمد بن مسلم فی التعمیم لمطلق حقوق الناس لا أن الصحیحة صریحة أو أظهر لاسیما مع کثرة الروایات وإطباقها کلها علی الإشارة إلی الدین بعد استبعاد أن تکون مشیرة إلی القضیة الخارجیة کما تقدّم بل ذُکر سابقاً عند التعرّض لمعتبرة داود بن الحصین أن هذه الروایة لا یرد فیها هذا الاحتمال أصلاً (1) لما ذُکر من أن الإمام (علیه السلام) کان فیها بصدد تفسیر الآیة الشریفة والإشارة إلی الحکم الشرعی ومثل هذا لا یمکن حمله علی القضیة الخارجیة فضلاً عن دعوی ذلک فی سائر الروایات فلیس فی البین ما هو أصرح دلالة حتی یتأتی التصرف فی هذه الروایات تقدیماً للأصرح أو الأظهر علی الظاهر فالصحیح أن کلاً منهما ظاهر فی معناه ومدلوله .

هذا إذا سلّمنا أن صحیحة محمد بن مسلم فیها ظهور غیر مستند إلی عدم ذکر القید ، وأما إذا قیل بأن ظهورها ظهور إطلاقی فالمسألة تکون أوضح فی تقییدها بروایات الطائفة الثانیة .

والحاصل أنه علی کلا التقدیرین : من القول بأن الظهور فی الصحیحة ظهور إطلاقی فیُقیّد بروایات الطائفة الثانیة فیکون المصیر حینئذ إلی نتیجة قول المشهور من التمسّک بالتعمیم لمطلق الحقّ المالی والحکم بثبوت جواز القضاء فیه بشاهد ویمین ، أو القول بأن الظهور فی الصحیحة ظهور لیس إطلاقیاً فیکون معارَضاً بروایات الطائفة الثانیة وبعد التعارض والتساقط یُلتزم بالقدر المتیقّن والقدر المتیقّن هو الحق المالی .

ص: 25


1- (8) أی الإشارة إلی القضیة الخارجیة .

فالنتیجة أنه علی کل تقدیر نصل إلی نتیجة ما ذهب إلیه المشهور ، وأما الالتزام بالقول الثالث أی تعمیم الجواز إلی مطلق حقوق الناس فإثباته بحسب الصناعة مشکل .

هذا تمام الکلام فی الأمر الأول الذی تعرّضت له المسألتان .

الأمر الثانی : أنه یظهر من کلمات الفقهاء قاطبة والمتون الفقهیة الواصلة إلینا أنه یُشترط فی جواز القضاء بشاهد ویمین وإثبات الحق المالی بناءً علی ثبوته بهما تقدّم شهادة الشاهد علی یمین المدّعی بحیث إذا انعکس الأمر وتقدم یمین المدّعی فلا یکون له أثر بل یکون لاغیاً بل ذُکر فی الشرایع وغیرها أنه یُشترط أیضاً تقدّم تزکیة الشاهد وتعدیله علی یمین المدّعی ، نعم .. لا ترتب بین الشهادة والتعدیل وإنما الترتب بین الیمین وکلّ من الشهادة والتعدیل فالیمین یجب أن یتأخّر عن کل منهما بحیث لو شهد الشاهد وحلف المدّعی ثم زُکّی الشاهد أو تقدّم الیمین علی شهادة الشاهد لا یکون کافیاً ولا یثبت به الحق .

وهذا المعنی موضع اتّفاق بینهم وصرّح بعدم الخلاف فیه صاحب الجواهر (قده) ونسبه (1) فی کشف اللثام إلی قطع الأصحاب .

وهذا الأمر لا یخلو من حیرة إذ کیف یمکن أن یصل إلی هذه الدرجة من الوضوح عندهم مع أنه لا دلیل علیه واضحاً إلا ما ذُکر - من باب ضیق الخناق - من بعض الوجوه التی لا تخرج عن کونها وجوهاً استحسانیة لیست ناهضة لإثبات هذا کحکم شرعی .

وسیأتی التعرّض إلی هذه الوجوه ومناقشتها إن شاء الله تعالی .

المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / ذکر بعض الوجوه التی سیقت کأدلة علی لزوم تقدّم الشاهد علی الیمین وبیان اعتراض صاحب المستند (قده) علیها والردّ علیه / الشروع فی المسألة التاسعة والثلاثین ولها فرعان / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

ص: 26


1- (9) أی الترتیب المتقدّم .

(بحث یوم السبت 27 شوال 1433 ه_ 163)

الموضوع :- المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / ذکر بعض الوجوه التی سیقت کأدلة علی لزوم تقدّم الشاهد علی الیمین وبیان اعتراض صاحب المستند (قده) علیها والردّ علیه / الشروع فی المسألة التاسعة والثلاثین ولها فرعان / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الأمر الثانی الذی أشار إلیه السید الماتن (قده) فی هاتین المسألتین وهو أن المشهور اعتبر تقدیم شهادة الشاهد علی یمین المدّعی فلو عکس لا یترتب حینئذ أثر بل الظاهر من عباراتهم أن تزکیة الشاهد لا بد أن تکون قبل یمین المدّعی أیضاً ، نعم .. لا ترتب بین الشهادة والتزکیة .

وذکرنا أن هذا الأمر مما لا دلیل علیه واضحاً إلا ما ذُکر من بعض الوجوه التی لا تخرج عن کونها وجوهاً استحسانیة لیست ناهضة لإثبات ذلک الترتیب :

منها : ما ذکره الشهید فی المسالک من أن وظیفة المدّعی بالأصالة هی البیّنة لا الیمین وإنما تصدر منه الیمین فی حالات خاصة کما فی رَدّ الیمین علیه فإذا أقام المدّعی شاهداً صارت البیّنة التی هی وظیفته ناقصة فیتمّمها الیمین للنصّ بخلاف ما لو عکس الترتیب فقدّم الیمین فإنه ابتدأ بما لیس من وظیفته ولم یتقدّمه ما یکون متمّماً له .

هذا ما ذُکر .. ولکن یرد علیه أن کون وظیفة المدّعی ابتداء هی البیّنة وإن کان أمراً مسلّماً إلا أنه قد دلّ الدلیل علی أنه مع عدم البیّنة فوظیفته الشاهد والیمین ولم یدل دلیل علی لزوم الترتیب بینهما بتقدیم الشاهد علی الیمین والمفروض أن العطف ب_(الواو) أو ب_(مع) لا یفید الترتیب کما هو واضح فی اللغة فلذا لو قدّم أیّاً منهما علی الآخر فقد عمل بوظیفته ، نعم .. لو دلّ الدلیل علی اعتبار الترتیب فیکون هو المستند ولا داعی للوجه المزبور .

ص: 27

ومنها : ما أشار إلیه فی ملحقات العروة من احتمال أن یکون المستند فی لزوم تقدیم الشاهد علی الیمین هو تقدّم ذکر الشاهد علی الیمین فی الأخبار فیکون هذا الترتیب فی الذکر دلیلاً علی اعتبار الترتیب بینهما فی الخارج .

وهذا الوجه مخدوش أیضاً فإن المذکور فی الأخبار هو العطف بینهما ب_(الواو) أو ب_(مع) ولیس فی کل منهما دلالة علی اعتبار الترتیب کما تقدّم - علی أن بعض الأخبار قد عکست فذکرت الیمین قبل شهادة الشاهد .

وحاول السید الماتن (قده) تبعاً لصاحب العروة إصلاح هذا الوجه بدعوی أن الترتیب الذکری الذی لا إشکال فی وجوده فی معظم الروایات وإن لم یکن دلیلاً فی المقام إلا أنه لا إطلاق فی تلک الروایات حتی یُتمسّک به لإثبات جواز تقدّم کل منهما علی الآخر فلا بد من الاقتصار علی القدر المتیقَّن وهو ما إذا تقدّمت شهادة الشاهد علی یمین المدّعی علی حدّ تقدّم ذکره فی الأخبار ، وإنما لم یکن فیها إطلاق لکونها لیست فی مقام البیان من هذه الجهة (1) وإنما هی فی مقام بیان أنه عند تعذّر البیّنة یصار إلی شهادة رجل وامرأتین وإلا فإلی شاهد واحد ویمین المدّعی .

ولکن اعتُرض - کما عن صاحب المستند - علی هذا البیان بأن أکثر الروایات وإن کان لا ینعقد لها الإطلاق من جهة أنها تُخبر عن واقعة خارجیة إلا أن هناک ما یمکن أن یُدّعی وجود الإطلاق له فیُتمسّک به لإثبات عدم اعتبار الترتیب بین الشاهد والیمین ، وهی روایات ثلاث :

الأولی : صحیحة محمد بن مسلم المتقدّمة فی أخبار الطائفة الثالثة :

ص: 28


1- (1) یعنی جهة تقدّم الشاهد علی الیمین .

" قال : لو کان الأمر إلینا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا عُلم منه خیر مع یمین الخصم فی حقوق الناس فأما ما کان من حقوق الله عزّ وجل أو رؤیة الهلال فلا " (1) .

الثانیة : معتبرة داود بن الحصین عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال :

" قلت : فأنّی ذَکَر الله تعالی وقوله : (رجل وامرأتان) ؟ فقال : ذلک فی الدین إذا لم یکن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ویمین المدّعی إذا لم تکن امرأتان ، قضی بذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) بعده عندکم " (2) .

الثالثة : صحیحة منصور بن حازم عن أبی الحسن (علیه السلام) :

" قال إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ویمینه فهو جائز " (3) .

والاستدلال بهذه الروایة من جهة کون شهادة المرأتین تقومان مقام شهادة الرجل الواحد ، والمدّعی فی هذه الروایات الثلاث أن فیها إطلاقاً والمفروض عدم دلالة (الواو) أو (مع) علی الترتیب ولا فی التقدّم الذکری دلیل علی اعتباره أیضاً فحینئذ یُتمسّک بإطلاقها لإثبات جواز تقدّم کل منهما علی الآخر .

وأقول : یمکن دفع الاعتراض المذکور بأن هذه الروایات وإن لم تکن إخباراً عن واقعة إلا أنه لیس فیها إطلاق أیضاً لأنها لیست واردة فی مقام البیان من الجهة التی یراد التمسّک بالإطلاق لأجلها (4) وإنما هی فی مقام اعتبار الشاهد والیمین عند تعذر البیّنة فی مطلق الأموال کما تقدّم سابقاً .

ص: 29


1- (2) الاستبصار مج3 ص37 .
2- (3) التهذیب مج6 ص282 ، الوسائل الباب الرابع والعشرون من أبواب الشهادات الحدیث الخامس والثلاثون مج27 ص361 .
3- (4) الکافی مج7 ص386 .
4- (5) وهی اعتبار الترتیب فی تقدّم الشاهد علی الیمین .

نعم .. بناءً علی مسلک صاحب المستند (قده) من أن عدم کون المتکلم فی مقام البیان من الجهة التی یراد التمسّک بالإطلاق لأجلها لا یضرّ بانعقاد الإطلاق لا ینهض ما ذُکر دافعاً لاعتراضه ولکن الکلام فی هذا المبنی فإن الصحیح أنه یکفی فی المنع من انعقاد الإطلاق أن لا یکون المتکلم فی مقام البیان من الجهة التی یُراد التمسّک بالإطلاق من أجلها .

ومن هنا یتبیّن أن الاعتراض المذکور لیس وارداً فیظهر أنه وإن لم یکن علی اعتبار الترتیب فی تقدّم الشاهد علی الیمین دلیل فی النصوص إلا أن ما ذکره السید الماتن (قده) من اعتباره من باب الأخذ بالقدر المتیقّن لا یخلو عن وجه کما صرّح (قده) بذلک فی المتن .

وبهذا یمکن تصحیح فتوی المشهور باشتراط الترتیب ولکن بهذا اللحاظ لا بلحاظ قیام الدلیل علیه .

وأما اشتراط تقدّم تزکیة الشاهد الذی قال به بعضهم ففضلاً عن عدم الدلیل علیه لیس له ذکر فی النصوص حتی یقال باعتباره أخذاً بالقدر المتیقّن أیضاً .

اللّهم إلا أن یُدّعی أن الأخذ بالقدر المتیقَّن هاهنا هو بلحاظ فتاوی الفقهاء فی الجملة وکون تقدّم تزکیة الشاهد علی یمین المدّعی أمراً مشهوراً فی کلماتهم فلیتأمل !

هذا تمام الکلام فی هذه المسألة .

ثم قال (قده) فی المسألة التاسعة والثلاثین :

" إذا ادّعی جماعة مالاً لمورثهم وأقاموا شاهداً واحداً فإن حلفوا جمیعاً قُسّم المال بینهم بالنسبة وإن حلف بعضهم وامتنع الآخرون ثبت حقّ الحالف دون الممتنع فإن کان المُدّعی به دیناً أخذ الحالف حصته ولا یشارکه فیها غیره وإن کان عیناً شارکه فیها غیره وکذلک الحال فی دعوی الوصیة بالمال لجماعة فإنهم إذا أقاموا شاهداً واحداً ثبت حق الحالف منهم دون الممتنع " (1)

ص: 30


1- (6) هکذا طرح السید الماتن (قده) هذه المسألة ، وقد طُرحت فی بعض المتون الفقهیة بصورة مشابهة فعن الشرایع (مج4 ص881) قال : (ولا تثبت دعوی لجماعة مع الشاهد إلا مع حلف کل واحد منهم) ، ونظیره ما عن العروة العروة الوثقی (مج6 ص547) حیث قال : (لا تثبت دعوی الجماعة مالاً مشترکاً بینهم بسبب واحد من إرث أو غیره مع شاهد واحد إلا بحلف الجمیع فلو حلف البعض دون البعض ثبت حصة الحالف دون غیره) .

(1) .

هاهنا فرعان :

الفرع الأول : استحقاق جمیع المُدّعین لما ادّعوه من المال لمورّثهم وتقسیمه بینهم بالنسبة فی ما إذا أقاموا شاهداً واحداً وحلفوا جمیعاً ، وثبوت الحق للحالف دون الممتنع فی ما إذا حلف بعضهم وامتنع الآخرون .

الفرع الثانی : انفراد الحالف بحصته فی ما إذا کان المُدّعی به دیناً ، ومشارکة غیره له فی ما إذا کان المُدّعی به عیناً .

أما فی الفرع الأول فالظاهر أنه لا خلاف بینهم فی ما ذُکر فی المتن من اشتراط أن یحلف الجمیع حتی تثبت الدعوی لهم جمیعاً وأنه إذا حلف واحد ثبتت حصته فقط دون الباقین إذا امتنعوا من الیمین ، وعُلّل هذا الحکم فی کلماتهم بأن الدعوی وإن کانت فی الصورة دعوی واحدة (2) لکنها فی الواقع تنحلّ إلی دعاوی متعددة بعدد المدّعین لأن معنی ادّعاء جماعة لمال مشترک هو أن کل واحد منهم یدّعی حصة له من هذا المال المشترک وقد تتفق الحصص کما إذا کان السبب هو الوصیة مع عدم تمایزٍ بین الموصی لهم وقد تختلف کما إذا کان السبب هو الإرث مع اختلاف عناوین الورثة ، ومقتضی انحلال الدعوی إلی دعاوی متعددة هو تعدد الیمین لأن الیمین المعتبرة شرعاً والتی یترتب علیها الأثر هی عبارة عن یمین المطالب بالحقّ - وهو المدّعی - وبعد انحلال الدعوی إلی دعاوی متعددة یتعدد المطالِب بالحق ویمینُ کل مطالب لا یثبت إلا حقه هو ولا یثبت حقّاً لغیره وعلی هذا یتم الکلام المتقدّم من أنهم إذا حلفوا جمیعاً ثبت المال لهم بالنسبة وإذا حلف بعض وامتنع آخرون ثبتت حصة الحالف دون الممتنع .

ص: 31


1- (7) (منه دامت برکاته)
2- (8) وهی أن هذا المال لمورّثهم .

هذا .. ولکن بالرغم من وجود اتفاق بینهم علی ما ذُکر إلا أنه نُقل الخلاف عن المقدّس البغدادی فحکی عنه أنه کان یری ثبوت حقّ الجمیع بحلف البعض ولعل ذلک من جهة التمسّک بإطلاق أدلة تصدیق الحالف ودعوی أن هذه الأدلة تشمل محل الکلام والمفروض فیه وحدة السبب کالإرث أو الوصیة فحِلْفُ بعض المدّعین علی ثبوت السبب وإن کانت دعواه فی خصوص حصته یقتضی بموجب کبری تصدیق الحالف ثبوته لکل المدّعین وإن لم یحلفوا .

ولکن هذا الکلام مردود فإن السبب وإن کان واحداً بحسب الفرض إلا أن قضیة انحلال الدعوی إلی دعاوی متعددة بعدد المطالبین بالحق تقتضی اختصاص ما یثبت بالیمین من المال المشترک بخصوص الحالف ولا مجال لأن یثبت بیمینه حصة غیره أیضاً .

هذا مع احتمال أن ینحلّ السبب کالدعوی إلی أسباب متعددة فیکون کل مطالب بالحقّ مدّعیاً للسبب المضاف إلیه فلا یلازم ثبوته بحلفه - ظاهراً (1) - ثبوته لغیره الممتنع عن الحلف أی أن ما یثبت بیمینه هو السبب المدّعی بالإضافة إلیه لا أصل السبب بالإضافة إلی الجمیع فلا ملازمة فی البین ، والتفریق بین مقامی الظاهر والواقع أو قل بین مقام الإثبات ومقام الثبوت أمر لا شائبة فیه ولا شبهة تعتریه .

وللکلام تتمة ستأتی إن شاء الله تعالی .

المسألة التاسعة والثلاثون/ إعادة للفرع الأول وتحریر الکلام فی المقام بالوجه الصحیح/ الفرع الثانی : الکلام فی الحصة التی یدّعیها الحالف : تارة بعد فرض ثبوتها وقبل استلامها ، وأخری بعد استلامها وذکر الأقوال فی الحالة الثانیة وهی ثلاثة / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

ص: 32


1- (9) أی بحسب الأدلة ومقام الإثبات وإلا فإن الواقع بما هو لا یخلو من أن یکون السبب ثابتاً للجمیع أو غیر ثابت لهم وإن کان الحالف هو البعض دون الجمیع .

(بحث یوم الأحد 28 شوال 1433 ه_ 164)

الموضوع :- المسألة التاسعة والثلاثون/ إعادة للفرع الأول وتحریر الکلام فی المقام بالوجه الصحیح/ الفرع الثانی : الکلام فی الحصة التی یدّعیها الحالف : تارة بعد فرض ثبوتها وقبل استلامها ، وأخری بعد استلامها وذکر الأقوال فی الحالة الثانیة وهی ثلاثة / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الفرع الأول وهو فی ما إذا ادّعی جماعة مالاً مشترکاً لمورّثهم وأقاموا شاهداً واحداً وقد تقدّم أن المشهور - ومنهم السید الماتن (قده) - ذهبوا إلی اشتراط أن یحلف الجمیع حتی تثبت الدعوی لهم جمیعاً وأنه إذا حلف بعضهم ثبتت حصته فقط دون الباقین إذا امتنعوا من الیمین وذکرنا أنه فی مقابل ذلک من ذهب إلی کفایة حلف البعض فی ثبوت الحقّ للجمیع وقلنا إنه یمکن أن یکون الوجه فی ذلک هو التمسّک بإطلاق دلیل تصدیق الحالف فإنه وإن کان غرضه من یمینه تحصیل حصته من المال المشترک إلا أنه إنما یحلف علی السبب الموجب لذلک من إرث أو وصیة أو غیر ذلک ومقتضی تصدیقه فی حلفه ثبوت ذلک السبب فی أصله فیثبت حینئذ فی حقّ الجمیع بلا حاجة الی تکرار الیمین من بقیة المدّعین ، وهذا نظیر ما لو أقام أحد الشرکاء بیّنة فإنه یُغنی غیره من الشرکاء عن إقامتها .

وعلی ذلک یمکن أن یُساق ما ذُکر نقضاً علی الرأی المشهور الذی لا یکتفی بیمین الواحد لإثبات الحقّ للجمیع .

وأجیب عنه بأن الیمین وإن کان واحداً ولکن المفروض انحلال الدعوی إلی دعاوی متعددة بعدد الشرکاء المطالبین بالحقّ وکل واحد منهم إنما یدّعی حصته لا حصته وحصص الآخرین وما یثبت بالیمین إنما هو حصة الحالف لا حصته وحصص الممتنعین ، وثبوت السبب وإن کان هو لازم تصدیق الحالف ولکن هذا لا یلازم ظاهراً ثبوته بالنسبة إلی الجمیع إذ یمکن التفکیک فی مقام الإثبات بین أمور وإن کانت لا تنفکّ فی مقام الواقع کما تقدّمت الإشارة إلیه ، وأما التنظیر بالبیّنة فهو غیر تام للفارق بینها وبین الیمین فإن الدلیل قد قام فی البیّنة علی أنها إذا ثبتت - ولو بإقامة أحد المدّعین لها أثبتت الحقّ لجمیع المدّعین ولم یکن لازماً علیهم إقامتها أیضاً وهذا بخلاف الیمین فإنه لم یدل دلیل علی أن صدوره من واحد یُغنی عن صدوره من بقیة المدّعین .

ص: 33

هذا .. مضافاً إلی أن البیّنة إنما تشهد علی أصل دعوی المال المشترک فهی تُثبت السبب بالنسبة إلی جمیع المدّعین وإن کانت مُقامة من قِبَل بعضهم وحینئذ تَثبت جمیع الحصص المدّعاة ، وأما الیمین فإنه یشهد لصاحبه بحصته وبالسبب المضاف إلیه لا بأصل السبب وبالإضافة إلی الجمیع فلا معنی لأن یَثبت به دعوی غیر من أصدره .

هذا ما ذُکر من قول المشهور وما یمکن أن یُساق علیه من النقض وردّه .. ولکن الصحیح أن یقال إن هاهنا امرین :

الأول : إنه قد تقدّم أن ما یثبت بالشاهد والیمین هو خصوص الدین أو مطلق الحقوق المالیة - کما هو المختار دون ما هو غیر ذلک مما لیس بحق مالی کالنکاح أو الطلاق أو الوصیة وغیرها حتی إنهم ذکروا أن الدعوی إذا کانت سرقة - مثلاً - فإنما یثبت بالشاهد والیمین خصوص المال المُدّعی ولا یثبت بهما أصل الدعوی أی السرقة - ولذا لا یترتب الحدّ علی المحکوم علیه بالمال .

الأمر الثانی : ما تقدّم أیضاً مما تمسّک به المشهور کقاعدة مسلّمة عندهم بل أدعی علیه الإجماع من أن ما یثبت بیمین الحالف هو دعواه فقط دون دعوی غیره وإن اشترک معه فی ادّعاء السبب الموجب للحقّ ، ولعل الوجه فیه استظهارهم ذلک من أدلة تصدیق الحالف فی أنه إنما یُصدّق فی ما یدعیه لنفسه فحسب ولا یثبت بیمینه غیر دعواه .

إذا تبیّن ذلک فأقول :

إن المطالب بالحق تارة یُفترض أنه یدّعی إثبات حصته من المال فیقیم الشاهد ویحلف سواء کان هذا بتوسّط إثبات السبب من نسب أو إرث أو وصیة أو غیر ذلک - طریقاً لإثبات دعواه - أو لا .

ص: 34

وتارة یُفترض أنه یدّعی إثبات السبب مباشرة بأن کان مقصوده ذلک ابتداء .

أما علی الفرض الأول : فالدعوی فیه مسموعة ، وبإقامته الشاهد منضماً إلی یمینه تثبت دعواه فی حصته من المال لِما ذُکر فی الأمرین المتقدّمین فإن الدعوی المفروضة دعوی مالیة وأنه بالشاهد والیمین تثبت دعوی الحالف فی حصته من المال التی یدّعیها من غیر أن یستلزم ذلک ثبوت حصص غیره من الشرکاء .

وأما علی الفرض الثانی : فالدعوی فیه غیر مسموعة لما ذُکر فی الأمر الأول من عدم ثبوت غیر الحقّ المالی بالشاهد والیمین .

وعلی ذلک یتبیّن أن حصة غیر الحالف لا تثبت مباشرة ولا بتوسّط ثبوت السبب حتی لو فُرض أن الحالف الذی أقام مع یمینه شاهداً قد ادّعاها لغیره مع دعواه حصته لنفسه لما ذُکر من أن المستظهر من الأدلة إنما هو تصدیق الحالف فی خصوص ما یدّعیه لنفسه .

وبهذا یثبت الفرق الواضح بین البینة والیمین .

فتحصّل أن دعوی المال تثبت بالشاهد والیمین ، وأما دعوی السبب فلا تثبت بهما لیقال بعد ذلک بأنه یثبت بها الحقّ للجمیع .

هذا تمام الکلام فی الفرع الأول .

أما الفرع الثانی - وهو ما ذکره فی المتن من انفراد الحالف بحصته فی ما إذا کان المُدّعی به دیناً، ومشارکة غیره له فی ما إذا کان المُدّعی به عیناً - : فهذا الفرع کما هو ظاهر مترتّب علی الفرع الأول الذی أُثبت فیه أنه یثبت بالشاهد والیمین حقّ الحالف دون الممتنع فیقع الکلام فی هذه الحصة من المال المشترک التی یدّعیها الحالف : تارة بعد فرض ثبوتها (1) وقبل استلامها من قبل الحالف نفسه ، وأخری بعد استلامها من قبله .

ص: 35


1- (1) أی بحکم الحاکم استناداً إلی الشاهد والیمین .

أما علی الأول فلا کلام فی جواز تصرّفاته فی حصته بشتّی أنواع التصرّفات کالبیع والوصیة وغیرهما ، وأما علی الثانی فهل یختصّ بما استلمه من الحقّ الذی ثبت له أم یشترک معه فیه غیرُه من المطالبین بالحقّ ؟

هنا أقوال ثلاثة :

القول الأول : عدم الاشتراک مطلقاً فیختص الحالف بما استلمه ، وهو مختار جماعة منهم الشیخ صاحب الجواهر (قده) .

القول الثانی : الاشتراک مطلقاً فیثبت لکل شریک نصیبه بالنسبة فی الحصة المستلمة وتوزّع کما توزّع الفرائض .

القول الثالث : التفصیل بین العین والدین فیثبت الاشتراک فی الأول دون الثانی ، وهو اختیار المشهور والسید الماتن (قده) .

والکلام یقع فی ما استُدلّ به لکل واحد من هذه الأقوال :

أما القول الأول وهو عدم الاشتراک مطلقاً - : فقد استُدلّ له بوجهین :

الوجه الأول : إنه مقتضی إطلاق أدلة الشاهد والیمین فإنها تقتضی ثبوت المال واختصاصه بالمدّعی الذی أقام شاهداً وضم إلیه یمینه .

الوجه الثانی : أن الممتنع عن الیمین قد أبطل حجته بامتناعه وأسقط بذلک دعواه فلا یکون له حق فی ما أخذه الحالف .

وأما القول الثانی وهو الاشتراک مطلقاً - : فقد استُدلّ له بأن المفروض أن الحالف یعترف بأن المال مشترک بینه وبین جمیع المدّعین ومقتضی ذلک کون الحصة المستلمة من قبله مشترکة بینه وبینهم فیثبت فیها نصیبه ونصیب کل واحد من المدّعین علی نحو الإشاعة بالنسبة .

وأما القول الثالث وهو التفصیل بین العین والدین - : فقد استُدلّ له بأن العین تتمیز بخصوصیة تقتضی أن یشترک فیها مع الحالف غیرُه من المدّعین وهی أن الحالف یعترف بأن العین مشترکة بینه وبین جمیع المدّعین وأنه کغیره یملک حصة مشاعة فیها فإذا أثبت حصته بالشاهد والیمین وقام باستلامها من المال المشترک یکون بذلک قد أخذها بلا قسمة معهم ومن المعلوم أن القسمة فی الأعیان لا تصحّ إلا برضا جمیع الشرکاء والمفروض هاهنا عدمه فلذا تکون هذه الحصة المستلمة مملوکة لجمیع الشرکاء علی نحو الإشاعة بالنسبة .

ص: 36

هذا ما یتعلّق بالعین فی هذا التفصیل ، وأما الدین فسیأتی الکلام فیه إن شاء الله تعالی .

المسألة التاسعة والثلاثون / الفرع الثانی : الکلام فی الحصة التی یدّعیها الحالف بعد استلامها / القول الثالث : التفصیل بین الدین والعین والاستدلال علیه وذکر الروایات الواردة فی المقام / الشروع فی المسألة الأربعین وبیان قول المشهور من أن الولی لا یحلف بدل الصبی وتعلیل ذلک بأمرین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الاثنین 29 شوال 1433 ه_ 165)

الموضوع :- المسألة التاسعة والثلاثون / الفرع الثانی : الکلام فی الحصة التی یدّعیها الحالف بعد استلامها / القول الثالث : التفصیل بین الدین والعین والاستدلال علیه وذکر الروایات الواردة فی المقام / الشروع فی المسألة الأربعین وبیان قول المشهور من أن الولی لا یحلف بدل الصبی وتعلیل ذلک بأمرین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

تقدّم أن الأقوال فی هذه المسألة ثلاثة وانتهی الکلام إلی القول الثالث وهو التفصیل بین الدین والعین بالاشتراک فی الثانی دون الأول فیختصّ الحالف بما یُدفع إلیه من قبل المُدّعی علیه .

واستُدلّ علی ذلک :

أما الاشتراک فی ما إذا کانت الدعوی علی العین فقد بیّنا فی البحث السابق الوجه فی التزامهم فیها بالاشتراک وحاصله أن المفروض فی محلّ الکلام أن الحالف یقر بالشرکة مع بقیة المدّعین فی هذه العین فإذا حلف وأخذ حصته منها فهو فی الحقیقة أخذ ما هو مشترک بینه وبین باقی الشرکاء ، والحصة التی ثبتت له بالشاهد والیمین هی حصة مشاعة کأصل العین ، والسرّ فی ذلک هو عدم تحقق القسمة شرعاً فإن ما یأخذه أحد الشرکاء بشاهده ویمینه لا یعیّن حصته المشاعة فی العین المشترک فیها بما أخذه وإنما تتعین الحصة المشاعة وتکون ملکاً خاصّاً لمن اخذها فی ما لو حصل رضا جمیع الشرکاء باقتسام العین فی ما بینهم وحصول القسمة منهم فعلاً ولم یُفترض فی محلّ الکلام حصول رضا الآخرین بل غایة ما حصل هو اتفاق بین الحالف والمُدّعی علیه الذی هو خارج دائرة الشرکاء ولیس له حقّ التعیین والقسمة فما یدفعه لهذا الحالف إنما جزء مشاع والحالف یملک من هذا الجزء المأخوذ من المُدّعی علیه نسبة مشاعة أیضاً کالنسبة التی یملکها فی أصل العین .

ص: 37

هذا بالنسبة إلی العین .

وأما بالنسبة إلی الدین کما لو ادّعی جماعة مالاً مشترکاً دیناً فی ذمة شخص وأقام أحدهم شاهداً وحلف وأخذ حصته منه فهل یشترک معه باقی الورثة أم لا ؟

الذین ذهبوا إلی التفصیل وهم الأکثر قالوا بأن ما یأخذه الحالف هنا یختصّ به ولا یشترک معه غیره من باقی الشرکاء وذلک لأن الدین یختلف عن العین فی أن تعیین ما فی الذمة منه بعین خارجیة یکون من حقّ صاحب الذمة وهو المدین فإذا دفع المُدّعی علیه حصة بعنوان أداء الدین تفریغاً لذمته مما اشتغلت به والحالف قبض بهذا العنوان أیضاً فالمأخوذ یکون حینئذ لهذا الحالف بخصوصه ولا یشترک معه سائر الشرکاء وإنما تبقی حصص باقی الشرکاء فی ذمة المُدّعی علیه فالنکتة إذاً ن قسمة العین لا تکون إلا برضا الشرکاء فی حین أن تشخیص ما فی الذمة بعین خارجیة یکون من حقّ المدین والمفروض فی محلّ الکلام أن المدین هو الذی دفع هذه الحصة إلی هذا الحالف بعنوان أداء الدین فیتشخّص ما فی الذمة فی ما دفعه ویکون حصة خالصة للحالف وحینئذ لا موجب لاشتراک سائر الشرکاء معه .

واستُدل أیضاً للاختصاص فی ما إذا کان المُدّعی به دیناً مضافاً إلی ما تقدّم بأنه لو قیل بالاشتراک فی هذا المأخوذ یلزم القول بإثبات الیمین مالاً لغیر الحالف واللازم باطل لأن الیمین لا یثبت به إلا حقّ الحالف فالملزوم وهو الاشتراک مثله فی البطلان .

بیان الملازمة : إنه لا إشکال فی أن الذی یأخذه الحالف فی باب الدین هو مال المُدّعی علیه قبل دفعه إلیه (1) غایة الأمر أنه (2) یدفعه من ماله لیُبرئ ذمته مما اشتغلت به فإذا أقام أحد الورثة شاهداً وحلف وأخذ ما دُفع إلیه فلا یخلو هذا المأخوذ من أن یکون مختصاً بالآخذ أو یکون مشترکاً بینه وبین الشرکاء الآخرین : أما علی الأول فهو یُثبت المطلوب ، وأما علی الثانی فلنا أن نتساءل کیف أصبح هذا المال المملوک للمدّعی علیه قبل الدفع ملکاً لغیر الحالف بعد الدفع ولا جواب هنا إلا بأن یقال إن الیمین کما أثبتت حقّاً للحالف فی هذا المال کذلک أثبتت حقّاً لغیره فیلزم کون الیمین مُثبتة حقّاً لغیر الحالف وهو باطل کما تقدّم .

ص: 38


1- (1) وهذا بخلاف العین فإنها قبل الأخذ ملک المدّعین علی تقدیر صدق الدعوی .
2- (2) أی المُدّعی علیه .

وهذا التفصیل الذی ذُکر (1) هو الذی التزم به المشهور وهو الأقرب بلحاظ القواعد لکن هناک بعض الروایات التی قد یقال بل قیل والتزم به بعضهم بأن مضمونها یمنع من الالتزام بمقتضی القاعدة وتُثبت أمراً آخر وهو القول بالاشتراک مطلقاً (2) ومفاد هذه الروایات أنه إذا کان جماعة شرکاء فی مال عیناً کان أو دیناً ووصل إلی أحد الشرکاء مقدار منه فهو للجمیع یشترکون فیه ولا یختص بالقابض ، وهذه الروایات فیها ما معتبر سنداً فإذا تمت دلالتها علی الاشتراک مطلقاً فلا بد أن نرفع الید عن مقتضی القاعدة ونلتزم بمضمون هذه الروایات ویثبت بذلک القول الثانی وهو الاشتراک مطلقاً وهو ما ذهب إلیه الشیخ صاحب الجواهر (قده) إلا أنه لم یستدل بالروایات بل استدل بدلیل آخر حیث قال إن الدین هو عین أیضاً لکنه عین کلیة فأجری الکلام الذی یقال فی الدین [أجراه] فی العین أیضاً أو ما یُفهم منه ذلک ، کما أن فتوی المشهور فی باب الشرکة علی ذلک فذکروا أنه لو قبض أحد الشریکین حصة من الدین المشترک شارکه الآخر فی ما قبضه ، وفی محلّ الکلام أحد الشرکاء قبض حصة من الدین فیشارکه الآخر فی ما قبضه فکیف یقال إنه مختص بالحالف ؟!

وهذا إشکال لا بد من علاجه بلحاظ الروایات ، والروایات تشترک فی المضمون وإن کانت مبثوثة فی أبواب متفرقة ففی کتاب الشرکة من الوسائل هناک روایتان :

إحداهما : صحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

ص: 39


1- (3) أی القول الثالث .
2- (4) أی فی العین والدین وهو القول الثانی .

" قال : سألته عن رجلین بینهما مال منه دین ومنه عین فاقتسما العین والدین فتوی (1) الذی کان لأحدهما من الدین أو بعضه وخرج الذی للآخر أیرُدّ علی صاحبه ؟ قال : نعم ، ما یذهب بماله " (2) .

والأخری : مرسلة علی بن الحکم عن أبی حمزة :

" قال : سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجلین بینهما مال منه بأیدیهما ومنه غائب عنهما فاقتسما الذی بأیدیهما وأحال کل واحد منهما من نصیبه الغائب (3) فاقتضی أحدهما ولم یقتض الآخر (4) ، قال : ما اقتضی أحدهما فهو بینهما ما یذهب بماله (5) " (6) .

هاتان روایتان وهناک روایتان أخریان ذُکرتا فی کتاب أبواب الدین والقرض :

الأولی : صحیحة سلیمان بن خالد :

ص: 40


1- (5) أی تلف وهلک .
2- (6) الوسائل الباب السادس باب عدم جواز قسمة الدین المشترک قبل قبضه الحدیث الثانی مج19 ص13 ، التهذیب مج7 ص186 .
3- (7) أی - کما فی روایات أخری - أحال کل منهما نصیبه علی الآخر یعنی قال له إن الدین الذی صفته کذا الذی هو مشترک بیننا هو لک والدین الذی صفته کذا هو لی (منه دامت برکاته) .
4- (8) یعنی أن أحدهما وصل إلیه دینه دون الآخر .
5- (9) أی أن مال الشریک الآخر لا یذهب بل یشترک مع هذا فی ما وصل إلیه .
6- (10) الوسائل الباب السادس باب عدم جواز قسمة الدین المشترک قبل قبضه الحدیث الأول مج19 ص12 .

" قال : " سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلین کان لهما مال ، منه بأیدیهما ومنه متفرق عنهما فاقتسما بالسویة ما کان فی أیدیهما وما کان غائباً فهلک نصیب أحدهما مما کان عنه غائباً واستوفی الآخر أیَرُدّ علی صاحبه ؟ قال : نعم ما یذهب بماله " (1) .

الثانیة : معتبرة غیاث بن إبراهیم : " فی رجلین بینهما مال ، منه بأیدیهما ومنه غائب عنهما فاقتسما الذی بأیدیهما وأحال کل واحد منهما بنصیبه فقبض أحدهما ولم یقبض الاخر ، فقال : ما قبض أحدهما فهو بینهما وما ذهب فهو بینهما " (2) .

هذا وقد أفتی فقهاؤنا کصاحب المستند وفق مضمون هذه الروایات ورفعوا الید عن مقتضی القاعدة المتقدّمة والتزموا بالاشتراک مطلقاً ولکن بعض المحققین کالسید صاحب العروة (قده) فی ملحقاتها والمحقق العراقی (قده) فی کتاب قضائه أجابوا عن ذلک بما حاصله أن الروایات لیست ناظرة إلی محلّ الکلام فلا یصح الاستدلال بها حینئذ وذلک لأنها ظاهرة فی قسمة الدین قبل الأخذ فإنه لا معنی لاقتسام المال الغائب إلا بأن یکون المراد به أحد فرضین :

الأول : کون المدین واحداً ویکون التقسیم بلحاظ التعیین کما لو تبانیا قبل الأخذ - أی قبل أن یصل إلی أیدیهما شیء من الدین - علی أن القسط الأول الذی یدفعه المدین هو لأحدهما تعییناً والقسط الثانی للآخر .

ص: 41


1- (11) الفقیه مج3 ص36 ، التهذیب مج6 ص207 ، الوسائل الباب 29 الحدیث الأول مج18 ص371 .
2- (12) الفقیه مج3 ص98 ، التهذیب مج6 ص195 ، الوسائل کتاب الضمان الباب الثالث عشر الحدیث الأول مج18 ص435 .

الثانی : کون المدین متعدداً أی أن المال الذی یملکانه هو فی ذمة شخصین فیقتسمان الدین بأن یقول أحدهما للآخر بأن ما نملکه فی ذمة المدین الأول هو لک وما نملکه فی ذمة المدین الثانی هو لی .

وهذه القسمة بکلا نحویها باطلة لأنها قسمة قبل الأخذ والاستلام فلا أثر لها والروایة حکمت وفقاً لذلک بأنها قسمة لاغیة فما یستلمه أحدهما یکون مشترکاً بینهما وهذا خارج عمّا هو محلّ الکلام حیث یُفترض فی ما نحن فیه الاشتراک فی الدین فی ذمة شخص واحد وأن هذا المدین الذی له حقّ تشخیص ما فی ذمته بمال خارجی قد دفع إلی الحالف حصته وشخّصها بالمقدار الذی دفعه فأیّ معنی للقول بأن الشریک الآخر یشترک معه فیه فإن هذا دین قد تعیّن بتعیین من له حقّ التعیین ولیس هو مالاً مشترکاً ، وقد علمت أن موضوع الروایات هو قسمة وتبانٍ قبل الأخذ والاستلام وقبل أن یُعیّن الدافع بل قبل علمه بالقسمة أصلاً ولذلک حکم الإمام (علیه السلام) بأنه إذا تلف جزء منه یشترکان فی الباقی وبهذا یظهر أن الروایات أجنبیة عن محلّ الکلام فلا مانع حینئذ من الالتزام بمقتضی القاعدة من التفصیل بین الدین والعین کما علیه المشهور .

هذا تمام الکلام فی هذه المسألة .

ثم قال (قده) فی المسألة الأربعین :

" لو کان بین الجماعة المدعین مالاً لمورثهم صغیر فالمشهور أنه لیس لولیّه الحلف لإثبات حقه بل تبقی حصته إلی أن یبلغ وفیه اشکال ، والأقرب أن لولیّه الحلف فإن لم یحلف ومات الصبی قبل بلوغه قام وارثه مقامه فإن حلف فهو وإلا فلا حقّ له " .

ص: 42

ظاهر کلامه (قده) أن هناک اتّفاقاً وشهرة علی أن الولی لا یحلف بدل الصبی ، وقد عُلّل هذا الحکم فی کلماتهم بأمرین :

الأول : أن الأدلة التی تدل علی تصدیق الحالف واعتبار الیمین مختصة بیمین صاحب الحقّ أو الدین وانطباقه علی الولی مشکل لأن صاحب الحقّ والدین هو الصغیر .

الثانی : إن حلف الحالف لا یُثبت إلا حقّه ولا یُثبت حقّ غیره فقیل هنا إن حلف الولی لا یَثبت به حقّ الصبی بل یُنتظر بالصبی إلی أن یبلغ فیحلف ویأخذ حصته .

لکن السید الماتن (قده) خالف فی ذلک وأفتی بجواز حلف الولی وأَخْذِ حصة الصغیر .. وسیأتی تعقیب ذلک إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الأربعین / استدلال المشهور لعدم إجزاء حلف الولی عن الصبی بأمرین / الکلام فی المسألة الواحدة والأربعین والثانیة والأربعین والثالثة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الثلاثاء 1 ذو القعدة 1433 ه_ 166)

الموضوع :- الکلام فی المسألة الأربعین / استدلال المشهور لعدم إجزاء حلف الولی عن الصبی بأمرین / الکلام فی المسألة الواحدة والأربعین والثانیة والأربعین والثالثة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

تقدّم أن المشهور ذهب الی عدم إجزاء حلف الولی عن الصغیر بل تبقی حصته إلی أن یبلغ فإذا بلغ وحلف أخذها وذکرنا أن السید الماتن (قده) خالف فی ذلک .

وقد استُدلّ للمشهور بأمرین :

الأول : اختصاص الیمین بصاحب الدعوی والحقّ .

الثانی : منافاة ثبوت حقّ الصبی بحلف الولیّ لما تقدم من أن الیمین لا یثبت بها إلا حقّ المدّعی لنفسه دون حقّ الغیر فإنه لا یثبت بیمین شخص آخر .

ص: 43

واعترض السید الماتن (قده) علی ذلک بما حاصله أن بعض الروایات وإن کان الوارد فیها عنوان صاحب الحق وصاحب الدین فیستشکل فی شموله للولی من جهة أن الولی لیس بصاحب الدین او الحق إلا أن هناک روایات قد ورد فیها عنوان المدّعی وهذا صادق علی الولی لکونه هو الذی یدّعی علی الطرف الآخر أن مال الصبی عنده .

نعم .. لو کانت الروایات التی ورد فیها عنوان صاحب الحق او الدین لها مفهوم فحینئذ تکون مانعة من التمسک بإطلاق الروایات التی وردت بعنوان المدعی فتکون مقیدة لها فیکون المراد من المدعی حینئذ خصوص ما اذا کان صاحب حق او صاحب مال فهذا الذی یکون یمینه موجباً لثبوت الحق دون غیره ، وأما اذا لم یکن لها مفهوم کما هو کذلک حیث إن العنوان المأخوذ فیها من قبیل اللقب فهی تُثبت أن یمین صاحب الحق یکون مثبتاً للحق وهو لا ینافی أن یمین المدّعی وإن لم یکن صاحب حق یثبت الحق أیضاً / ومن المعلوم أن اللقب لا مفهوم له علی الصحیح فلا مانع حینئذ من التمسّک بإطلاق الروایات التی ورد فیها عنوان المدعی لإثبات أن یمین الولی تکون مثبتة لحقّ الصبی .

هذا ما اعترض به (قده) .. وأقول :

ما ذکره یمکن أن یکون ردّاً علی الدلیل الأول الذی ذکره المشهور الذی مفاده التمسّک بأن الوارد فی الروایات هو عنوان صاحب الحق وصاحب الدین وهذا لا ینطبق علی الولی فیُمکن أن یُرَدّ بأن فی البین روایات أخری ورد فیها عنوان مطلق یشمل حتی الولی ولا موجب لتقییده فیُتمسّک بالإطلاق لإثبات نتیجة مخالفة لرأی المشهور ولکن ما ذکره (قده) لا یصلح رداً علی الدلیل الثانی الذی لا تعلّق له بعنوان صاحب الحق وصاحب الدین لأن مفاده أن المستظهر من روایات الیمین أن حلف الإنسان لا یثبت به إلا ما یدّعیه لنفسه وحینئذ یقال إن عنوان المدعی لنفسه لا یصدق علی الولی لأنه إنما یدّعی لغیره لا لنفسه .

ص: 44

اللهم إلا أن یُنزّل حلف الولی منزلة حلف الصبی - بنحو من العنایة والمجاز - فما یصدر منه فکأنه صادر من الصبی فإذا حلف فکأن الصبی حلف .. ولکن هذا مما یصعب الالتزام به فی المقام لعدم الدلیل علیه ، نعم .. دل الدلیل فی بعض الأبواب الفقهیة کباب الوکالة علی أن ما یصدر من الوکیل یُنسب الی الموکل لأنه صدر منه بإذنه ولکن لم یدل دلیل علی مثل ذلک فی محل الکلام .

فالصحیح أن ما ذکره السید الماتن (قده) یصلح أن یکون رداً علی الدلیل الأول المذکور فی کلمات المشهور ولکنه لا یصلح أن یکون رداً علی الدلیل الثانی المذکور فی کلماتهم أیضاً فالدلیل الثانی تام لأن الظاهر من أدلة الیمین اختصاصها بالمدّعی لنفسه لا المدّعی لغیره وبهذا نصل الی النتیجة الموافقة لما ذهب إلیه المشهور .

ثم قال (قده) فی المسألة الواحدة والأربعین :

" إذا ادّعی بعض الورثة أن المیت قد أوقف علیهم داره مثلاً نسلاً بعد نسل وأنکره الآخرون فإن أقام المدّعون البینة ثبتت الوقفیة ، وکذلک إذا کان لهم شاهد واحد وحلفوا جمیعا ، وإن امتنع الجمیع لم تثبت الوقفیة وقُسّم المدعی به بین الورثة بعد إخراج الدیون والوصایا إن کان علی المیت دین أو کانت له وصیة ، وبعد ذلک یحکم بوقفیة حصة المدّعی للوقفیة أخذاً بإقراره ، ولو حلف بعض المدعین دون بعض ثبتت الوقفیة فی حصة الحالف فلو کانت للمیت وصیة أو کان علیه دین أخرج من الباقی ثم قُسّم بین سائر الورثة .

قوله : (فإن أقام المدّعون البینة ثبتت الوقفیة) وذلک من جهة أن البینة من الطرق المثبتة لمؤدّاها .

ص: 45

قوله : (وکذلک إذا کان لهم شاهد واحد وحلفوا جمیعاً) هذا بناءً علی أن الدعاوی المالیة تثبت بشاهد ویمین وقد تقدمَ القول بکفایتهما لإثبات الحقوق المالیة وإن لم تکن دیناً .

قوله : (وإن امتنع الجمیع لم تثبت الوقفیة) وذلک لعدم وجود مثبت للحق من بینة أو شاهد ویمین .

قوله : (وقُسّم المدعی به) وهو الدار بحسب فرض المسألة .

قوله : (أخذاً بإقراره) من جهة أن إقرار العقلاء علی أنفسهم حجة فیحکم بوقفیة حصته .

قوله : (ثبتت الوقفیة فی حصة الحالف) وذلک باعتبار أن الشاهد والیمین یُثبت ما یدّعیه من أن الدار وقف ذُرّی .

قوله : (فلو کانت للمیت وصیة أو کان علیه دین أخرج من الباقی) أی مما عدا الحصة التی ثبت بموجب الیمین أنها وقف .

قوله : (ثم قُسّم بین سائر الورثة) أی قُسّم الباقی الذی هو کل الترکة ما عدا الحصة التی ثبت بموجب الیمین أنها وقف - بین سائر الورثة حسب طبقات الإرث بعد إخراج الدین وتنفیذ الوصایا .

ثم قال (قده) فی المسألة الثانیة والأربعین :

" إذا امتنع بعض الورثة عن الحلف ثم مات قبل حکم الحاکم قام وارثه مقامه فإن حلف ثبت الوقف فی حصته وإلا فلا " .

تطرّق (قده) فی هذه المسألة إلی حکم ما لو مات بعض الورثة قبل حکم الحاکم وبعد أن امتنع عن الحلف فحکم (قده) بقیام وارثه مقامه فهذا إن حلف ثبت کون حصته الموروثة من مورّثة الممتنع عن الحلف وقفاً وإن لم یحلف لم یُحکم بکونها کذلک (1) .

ص: 46


1- (1) أی وقفاً .

ثم قال (قده) فی المسألة الثالثة والأربعین :

" تجری القسمة فی الأعیان المشترکة المتساویة الأجزاء ، وللشریک أن یطالب شریکه بقسمة العین فإن امتنع أجبر علیها " .

هذا فصل فی القسمة .

والبحث فیه قد طُرح فی عدة أبواب فقهیة - فضلاً عن کتاب الشرکة الذی هو موضعه الطبیعی - منها باب الفیء والغنائم ومنها باب المیراث کما قد بُحث أیضاً فی باب القضاء مثلما صنعه السید الماتن (قده) باعتبار وجود مناسبة تستدعی ذلک وهی أن القسمة تکون دائماً مورداً للنزاع وخصوصاً فی مورد التعدیل کما سیأتی بل إنهم ذکروا أن من وظائف القاضی أن یعیّن قسّاماً یقوم بعزل مال بعض الشرکاء عن مال الشرکاء الآخرین وقد ذُکر کلام طویل فی صفات القسّام وشروطه مما هو موکول إلی محلّه من کتاب الشرکة .

هذا .. وعُرّفت القسمة بتعریفین :

الأول : تمییز حقّ أحد الشریکین - أو الشرکاء - عن حقّ الشریک الآخر .

الثانی : تعیین حقّ أحد الشریکین - أو الشرکاء - فی المال المشترک .

والفرق بین التعریفین أن الأول منهما تکون القسمة فیه کاشفة عمّا هو معیّن واقعاً وممیّزة له عمّا سواه بخلاف التعریف الثانی فإن القسمة فیه تکون هی المعینة ولا تعیین واقعاً قبلها .

ومن هنا عدل بعض المحققین عن التعریف الاول إلی الثانی لأن التمییز یشعر أن هناک تعیّناً فی الواقع وخفاء فی الظاهر مع أنه لا تعیین قبل القسمة فی الواقع لأن کلّ جزء من هذه الأموال هو مشترک بین الشرکاء فلا یصحّ أن یقال إن هذه القسمة قد کشفت عما هو معیّن واقعاً ، ومن هذا القبیل ما سیأتی الکلام عنه فی القرعة من أنها معیّنة أو کاشفة .

ص: 47

هذا ولا خلاف بین فقهائنا (رض) فی أن القسمة لیست بیعاً کما أنها لیست معاوضة وإن اشتملت علی الردّ وکانت قسمة تعدیل - کما سیأتی - ولذا لا تترتب علیها أحکامهما ولذلک اتفقوا علی أنه لا یدخلها الربا بناءً علی اختصاصه بالبیع أو تعمیمه للمعاوضات - لأن البیع والمعاوضة متقوّم بالقصد وأما فی باب القسمة فلا یوجد قصد بیع أو معاوضة وإنما هناک قصد للاقتسام أی فرز ما یملکه الشریک عن حصة غیره أو ازلة الشیوع بینهما .

هذه مقدمة لتوضیح القسمة .

قوله : (المتساویة الأجزاء) هذا تقسیم للقسمة نفسها التی تکون فی الأعیان المشترکة إلی متساویة الأجزاء أی إنّ أیّ جزء منها فُرض فهو یساوی أی جزء آخر والی غیر متساویة الأجزاء .

قوله : (فإن امتنع أُجبر علیها) أی من قبل الحاکم لأن هذا یدخل فی صلاحیاته فإن استطاع أن یُجبره علی الاقتسام فهو وإلا تولّی ذلک باعتبار کونه ولیّاً للممتنع .

الکلام فی المسألة الثالثة والأربعین / ذکر استدلال صاحب الجواهر واستدلال المحقق علی لزوم إجبار الممتنع والردّ علیهما / الشروع فی المسألتین الرابعة والأربعین والخامسة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأربعاء 2 ذو القعدة 1433 ه_ 167)

الموضوع : الکلام فی المسألة الثالثة والأربعین / ذکر استدلال صاحب الجواهر واستدلال المحقق علی لزوم إجبار الممتنع والردّ علیهما / الشروع فی المسألتین الرابعة والأربعین والخامسة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی المسألة الثالثة والأربعین حول القسمة وقد تبیّن أنها تجری فی الأعیان المتساویة الأجزاء کما تجری فی الأعیان غیر المتساویة الأجزاء وتقدّم الکلام حول القسم الأول وذکرنا أن للشریک أن یطالب بقسمة العین وأنه إذا امتنع أُجبر علیها وقضیة الإجبار مسلّمة فقهیاً والظاهر أن عمدة الأدلة علیه هی السیرة العقلائیة القطعیة فی هذه الحالة (1) بحیث لا یلزم من إیقاع القسمة إلحاق الضرر بباقی الشرکاء فحینئذ یُجبر الشریک الممتنع عن القسمة حتی یؤدّی الحقّ إلی صاحبه الذی من حقّه أن یأخذ حصته باقتسام المال .

ص: 48


1- (1) أی حالة ما إذا کانت الأجزاء متساویة .

ولقد حاول بعضهم کالشیخ صاحب الجواهر (قده) الاستدلال علی الإجبار فی حالة الامتناع فی هذه الصورة بقاعدة وجوب إیصال الحقّ إلی مستحقه مع عدم الضرر من الإیصال ذاکراً أنه بالإمکان إجبار الطرف الآخر علی قبول القسمة إما من قبل الشریک المطالب نفسه إن أمکنه ذلک أو من قبل الحاکم إن لم یمکنه .

ولکن هذا الکلام لا یخلو من مصادرة لأن ما یستحقه الشریک المطالب بالقسمة إنما هو الحصة المشاعة من المال وهذا لا یعنی بوجه الالتزام بوجوب إیصال هذه الحصة مزالاً عنها الإشاعة لأن هذه الحصة مجردة عن الإشاعة والاشتراک مما لا یستحقّه الشریک المطالب حتی یقال إن إیصاله إلیه یتوقف علی القسمة فیُجبر الطرف الممتنع علیها لوجوب إیصال الحق إلی مستحقه بل ما یستحقه إنما هو الحصة المشاعة لا الحصة المُفْرَزة فالاستدلال بهذا الدلیل علی إجبار الممتنع لیس واضحاً .

کما حاول بعض آخر کالمحقق فی الشرایع الاستدلال علی ذلک بأن الإنسان له ولایة الانتفاع بماله ولا ریب أن الانفراد (1) أکمل نفعاً له فلذا لا بد من استجابة الشریک للقسمة فی حالة طلبها من قبل شریکه ولیس له أن یمتنع عنها وإذا امتنع أُجبر علیها .

ولکن هذا الذی ذکره لیس واضحاً أیضاً وذلک من جهة أن الإنسان وإن کان له الولایة علی الانتفاع بماله ولکن هذا المقدار لا یُبرّر إجبار الشریک علی القبول بالقسمة .. مضافاً إلی أن المقصود بالمال هاهنا کما مرّ فی مناقشة الاستدلال السابق هو الحصة المشاعة ومن الممکن الانتفاع بها وهی کذلک (2) بالصلح أو الهبة أو البیع أو الإجارة فلا یصح القول بأن زوال الإشاعة عمّا یملکه الشخص أنفع له لیکون ذریعة إلی إجبار شریکه علی القسمة فهذا الوجه کسابقه لا ینهض بإثبات المطلوب .

ص: 49


1- (2) أی فرز الحصة عن غیرها من الحصص .
2- (3) أی مشاعة .

فالنتیجة أن العمدة فی الاستدلال علی إجبار الممتنع علی القسمة منحصرة فی السیرة المذکورة .

هذا فی ما إذا کانت الأجزاء متساویة ، وأما إذا کانت غیر متساویة وافتُرض أن القسمة فیها إلحاق ضرر بالطرف الآخر فیُمکن أن یُناقش فی وجود سیرة عقلائیة تُجیز إجبار الممتنع عن القسمة کما سیأتی .

ثم قال (قده) فی المسألة الرابعة والأربعین :

" تتصور القسمة فی الأعیان المشترکة غیر المتساویة الأجزاء علی صور : (الأولی) أن یتضرر الکلّ بها ، (الثانیة) أن یتضرر البعض دون بعض (الثالثة) أن لا یتضرر الکل ، فعلی الأولی لا تجوز القسمة بالإجبار وتجوز بالتراضی ، وعلی الثانیة فإن رضی المتضرر بالقسمة فهو وإلا فلا یجوز اجباره علیها ، وعلی الثالثة یجوز اجبار الممتنع علیها " .

استدل السید الماتن (قده) علی الصورتین الأولی والثانیة بقاعدة نفی الضرر ویمکن أن یُلاحظ علی هذا الاستدلال بملاحظتین :

الأولی : أنه لا حاجة إلی التمسّک بهذه القاعدة لإثبات عدم جواز الإجبار فإنه یکفی لذلک الأدلة العامة الدالة علی عدم حلیة مال المرء إلا بطیب نفسه وأن مال المسلم کدمه وعرضه مصون محترم لا یجوز أخذه بالإکراه کما أنه لیس لدینا سیرة عقلائیة منعقدة علی جواز الإجبار فی هذه الصورة (1) فإن التصرف بإجبار الشخص علی القسمة لإزالة الشیوع عن الحصة وفضّ الاشتراک عنها بلحاظ الأدلة والقواعد الأولیة غیر جائز ما لم یدل دلیل خاص علی جوازه شرعاً ولیس هاهنا دلیل خاص علی ذلک فإذاً فی الأدلة العامة الدالة علی عدم جواز الإجبار علی القسمة غنی وکفایة فإنه لا ریب أن القسمة تستبطن التصرف فی مال الغیر من دون رضاه لفرض کونه ممتنعاً عنها ومثل هذا التصرف غیر جائز شرعاً ، نعم .. قام الدلیل - وهو السیرة العقلائیة - علی جواز الإجبار فی صورة واحدة وهی ما إذا لم یترتب ضرر علی القسمة وأما فی غیر هذه الصورة فالمرجع هو الأدلة العامة الدالة علی عدم جواز الإجبار .

ص: 50


1- (4) أی فی صورة ترتب الضرر من القسمة علی الشرکاء .

الثانیة : إن من المعلوم أن قاعدة نفی الضرر حاکمة دائماً علی الأدلة الأخری ومورد جریانها إنما هو فی ما إذا کان هناک دلیل یُثبت الحکم بشکل مطلق (1) ویلزم منه الضرر فیرتفع مثل هذا الحکم بهذه القاعدة لأن لسانها هو رفع الحکم الضرری ولذا فإن الحکومة فی واقعها هی تقیید وتخصیص للدلیل کما فی نفی تشریع وجوب الوضوء فی مورد الضرر منه ومن هنا تکون هذه القاعدة حاکمة علی دلیل وجوب الوضوء وبالتالی یختص وجوبه فی غیر موارد لزوم الضرر ولأجل أن یُطبّق هذا الأمر فی ما نحن فیه فلا بد من افتراض وجود دلیل یدل علی جواز الإجبار علی القسمة مطلقاً وهو مفقود فی محلّ الکلام بل تقدّم أن القواعد الأولیة تدل علی عدم جواز الإجبار فتکون مطابقة بالنتیجة لقاعدة نفی الضرر وأما السیرة المزبورة فقد ذکرنا أنها مختصة بصورة عدم وجود الضرر .

قوله (قده) : (وعلی الثانیة (2) فإن رضی المتضرر بالقسمة فهو وإلا فلا یجوز اجباره علیها) هذه الصورة تشترک مع الصورة الأولی فی استدلال السید الماتن (قده) علیهما بقاعدة نفی الضرر وقد تقدّم ما لوحظ علیه .

قوله (قده) : (وعلی الثالثة (3) یجوز اجبار الممتنع علیها) والدلیل علی جواز اجبار الممتنع علی القسمة فی هذه الصورة هو السیرة التی مرّ ذکرها .

ثم قال (قده) فی المسألة الخامسة والأربعین :

" إذا طلب أحد الشریکین القسمة لزمت إجابته سواء أکانت القسمة إفراز أم کانت قسمة تعدیل ، والأول کما إذا کانت العین المشترکة متساویة الأجزاء من حیث القیمة کالحبوب والأدهان والنقود وما شاکل ذلک ، والثانی کما إذا کانت العین المشترکة غیر متساویة الأجزاء من جهة القیمة : کالثیاب والدور والدکاکین والبساتین والحیوانات وما شاکلها ، ففی مثل ذلک لا بد أولاً من تعدیل السهام من حیث القیمة کأن کان ثوبٌ یسوی دیناراً وثوبان یسوی کل واحد نصف دینار فیجعل الأول سهماً والآخران سهماً ثم تقسّم بین الشریکین ، وأما إذا لم یمکن القسمة إلا بالردّ کما إذا کان المال المشترک بینهما سیارتین تسوی إحداهما ألف دینار مثلاً والأخری ألفاً وخمسمائة دینار ففی مثل ذلک لا یمکن التقسیم إلا بالردّ بأن یرد من یأخذ الأغلی منهما إلی الآخر مائتین وخمسین دیناراً فإن تراضیا بذلک فهو وإلا بأن طلب کل منهما الأغلی منهما مثلاً عُیّنت حصة کل منهما بالقرعة " .

ص: 51


1- (5) أی سواء کان وجوباً أو جوازاً .
2- (6) أی صورة تضرر البعض دون البعض .
3- (7) أی صورة عدم تضرر الکل .

قوله (قده) : (إذا طلب أحد الشریکین القسمة لزمت إجابته) وذلک تطبیقاً لما تقدّم من أنه إن لم یُجبه إلی طلبه یُجبر علیه وذلک فی صورة عدم ترتب الضرر من القسمة .

وللکلام تکملة ستأتی إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : فی مدی اعتبار القرعة فی القسمة ومدی کفایة التراضی بالقسمة فی لزومها والأقوال فی ذلک / استدلال القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی بوجوه / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم السبت 5 ذو القعدة 1433 ه_ 168)

الموضوع : الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : فی مدی اعتبار القرعة فی القسمة ومدی کفایة التراضی بالقسمة فی لزومها والأقوال فی ذلک / استدلال القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی بوجوه / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین وقد طرح السید الماتن (قده) فیها قضیة القرعة والکلام هنا یقع فی مدی اعتبارها وعدمه والذی یُفهم من کلماتهم - کما فی الجواهر وغیرها - أن القسمة تارة یقوم بها القاسم المنصوب من قبل الإمام (علیه السلام) بالنصب الخاص أو بالنصب العام [وهو الحاکم الشرعی الذی له الولایة علی القسمة] وحینئذ فلا خلاف ولا إشکال عندهم فی أنه لا یُشترط تراضی الشریکین بعد القسمة بل تکون هذه القسمة لازمة علیهما .

وأخری یُفترض أن القسمة تصدر من نفس الشریکین بعد اتفاقهما علی ذلک أو من قبل من یُعیّنانه للقیام بذلک وحینئذ فهل یتوقف لزوم هذا التقسیم الذی تراضیا به واتّفقا علیه علی الرضا بعده أم لا ؟

ص: 52

أقوال ثلاثة :

الأول : ما فی التحریر والریاض ومحکی المبسوط من توقف اللزوم علی الرضا بعد القسمة .

الثانی : ما هو ظاهر المحقق فی الشرایع من عدم التوقف بل یکفی فی اللزوم الرضا المقارن للتقسیم ولا یُشترط الرضا بعده .

الثالث : ما عن الشهیدین وصاحب الحدائق واختاره صاحب العروة من المتأخرین من کفایة تراضیهما واتفاقهما السابق علی القسمة وتخصیص کل واحد من الشریکین بحصة وإن لم تحصل القرعة ولا یُشترط الرضا بعد القسمة ولا الرضا المقارن لها .

هذا .. والذی یظهر کما عن الجواهر أن هناک خلافاً بینهم فی أمرین :

الأول : فی اعتبار القرعة فی القسمة بمعنی أن القسمة هل تتحقق بمجرد التراضی فتکون لازمة أم لا بد فی لزومها من القرعة .

والمشهور فی هذا الأمر أن القسمة یُعتبر فیها القرعة ولا یکفی فیها مجرد التراضی ولکن خالف فی ذلک کما أشرنا - الشهیدان الأول والثانی وکذلک صاحب الحدائق حیث دافع عن رأیه فی عدم اعتبار القرعة وتعجّب من الأصحاب کیف أقحموها فی محلّ الکلام مع أنه لیس لها ذکر فی الأدلة فذهب إلی أن القسمة تتحقق بمجرد التراضی والتوافق بین الشریکین بلا حاجة إلی القرعة وکذلک وافقه فی هذا الرأی من المتأخرین السید صاحب العروة (قده) فی ملحقاتها ویظهر من السید الماتن (قده) اختیاره أیضاً وإن لم تُصرّح عبارته بذلک .

الأمر الثانی : أن المشهور الذی اعتبر القرعة فی القسمة اختلفوا فی ما بینهم فی أنه هل یکفی التراضی المقارن للقسمة حتی تکون لازمة کما ذهب إلی ذلک المحقق فی الشرایع أم لا بد من التراضی بعد ذلک أیضاً کما فی محکی المبسوط والتحریر والریاض .

ص: 53

أما الخلاف فی الأمر الأول فالقائلون بعدم اعتبار القرعة فی القسمة وکفایة التراضی بین الشریکین استثنوا حالة واحدة ذکروا أن القرعة فیها تکون لازمة وهی ما إذا حصل التنازع بین الشریکین فی تعیین حصة کل منهما بعد التقسیم .

وقد استدلّ القائلون بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی بوجوه :

الوجه الأول : دعوی کفایة نفس التراضی من الشریکین بعد التعدیل بأن یکون أحد السهمین لأحدهما والسهم الآخر للآخر وحصول القسمة بینهما من دون حاجة إلی القرعة بل قالوا إنه لا معنی للقرعة مع التراضی بالقسمة بل هی لغو صرف وذکروا أنه یدل علی ذلک (1) عمومات الأدلة التی یُستفاد منها کفایة التراضی کعمومات السلطنة حیث قالوا إنها تقتضی ذلک فالشریکان إذا حصل منهما التراضی فی اقتسام العین المشترکة فلا معنی للقول بعدم کفایة ذلک ووجوب القرعة ، ومن الواضح أن عمومات السلطنة تجیز للشرکاء أن یفعلوا بأموالهم ما یشاءون بعد الفراغ عن عدم ثبوت حقّ لطرف ثالث فی المال المشترک بینهما فلا بد من الالتزام حینئذ بکفایة التراضی عملاً بأدلة السلطنة والقول بعدم الاکتفاء به مخالف لما دل علیه الدلیل من تسلّط الإنسان علی ماله .

ولکن الاستدلال المذکور بعموم السلطنة فی المقام وغیره یواجه إشکالاً معروفاً وحاصله :

أن دلیل (الناس مسلّطون علی أموالهم) لیس فیه إطلاق بالنسبة إلی أسباب التصرّف وکیفیّاته وإنما إطلاقه بالنسبة إلی أنواع التصرّفات وهذا الإطلاق یعتبر أن أیّ حظر علی أیّ تصرف من أنواع التصرفات فی مال الإنسان یُعدّ مخالفاً لقاعدة السلطنة لأن مفادها أن الإنسان مسلّط علی ماله بکل أنواع التصرّفات من بیع أو هبة أو معاوضة أو غیر ذلک فإذا ما شُکّ فی تصرّف معیّن أنه مسلّط علیه أو لا فیُمکن نفی هذا الشک وإثبات جواز ذلک التصرّف المشکوک بالتمسّک بإطلاق أدلة السلطنة وأما إذا ثبت تسلّطه علی تصرف من التصرّفات ولکن شُکّ فی نفس ذلک التصرف کالهبة - مثلاً أنه هل یُعتبر فیه القبض أو لا أو کالبیع فی أنه هل یُعتبر فیه العربیة أو لا فمثل هذا الشک لا یمکن نفیه بإطلاق أدلة السلطنة لأنها لیست ناظرة إلی کیفیة تحقق التصرف وما هی الأمور المعتبرة فیه وإنما هی ناظرة إلی تعمیم سلطنة الإنسان إلی کل التصرفات المتصوّرة فی ملکه وماله وأنه لیس محجوراً من أحدٍ مّا من هذه التصرّفات فإذا کان أصل التصرف مسلطاً علیه الإنسان فلا ینافی ذلک اشتراط بعض الشروط من قبل الشرع لصحته ، وما یُشکّ فی اعتباره شرطاً فی التصرّف المسلّط علیه الإنسان لا یمکن نفیه بالتمسک بإطلاق أدلة السلطنة .

ص: 54


1- (1) أی علی کفایة التراضی من الشریکین وعدم الحاجة إلی القرعة .

وما نحن فیه من هذا القبیل وذلک لأن إلزام الشریکین بإجراء القرعة فی القسمة لا یُعدّ منعاً لهما من التصرّف فی مالهما فإنه بعد أن ثبت لهما جواز القسمة بتراضیهما فاشتراط القرعة للزوم القسمة لیس فیه مساس بما ثبت لهما من التسلّط علی القسمة بتراضیهما فاعتبار القرعة بعد القسمة شرط شرعی للزومها ولا ینافی ما ثبت من التسلّط علیها .. وهذا بحث سیّال یجری فی کل ما یُتمسّک فیه بقاعدة السلطنة .

ومن ذلک یظهر أن الاستدلال بقاعدة السلطنة فی محلّ الکلام لإثبات کفایة التراضی ونفی اعتبار القرعة فی التقسیم غیر صحیح لأنه لیس فیها إطلاق بلحاظ أسباب التصرف وما یتحقق به التصرف وإنما إطلاقها بلحاظ أنواع التصرّفات .

الوجه الثانی : التمسّک بالنبوی المعروف من أنه (لا یحلّ مال امرئ إلا بطیب نفسه) بتقریب أن الحصة بعد القسمة المسبوقة بالتراضی تکون حلالاً لأحد الشریکین ما دامت بطیب نفس الشریک الآخر ولا حاجة فی ذلک إلی القرعة فیکفی فی جواز التقسیم وترتب الأثر علیه من الصحة واللزوم التراضی الحاصل من الشریکین قبل القسمة استناداً إلی النبوی الشریف .

ونوقش فی هذا الاستدلال بأن غایة ما یُستفاد من التعبیر الوارد فی الحدیث أن طیب النفس دخیل فی الحلیة لا أنه سبب تام لثبوت الحلیة وما یترتب علیها من الصحة واللزوم وهذا من قبیل : (لا صلاة إلا بطهور) فإن المستفاد منه أن الطهور دخیل فی الصلاة وکونه کذلک لا ینفی دخالة غیره فیها أیضاً ولا یُستفاد منه أن الطهور سبب تام لتحقق الصلاة بحیث لا اعتبار بغیره ، وکذلک فی المقام فإن دخالة طیب النفس فی الحلیة لا یمکن أن یُنفی بموجبها اعتبار شیء آخر لأن هذا الحدیث لا یدل إلا علی دخالة طیب النفس والتراضی فی حلیة القسمة وجوازها وأما أن جواز القسمة لیس مشروطاً بالقرعة بحیث ننفی اعتبار القرعة ونکتفی بطیب النفس والتراضی کما هو المدّعی استناداً إلی هذا الحدیث الشریف هذا لیس واضحاً .

ص: 55

وهذه المناقشة صحیحة .

الوجه الثالث : ما ذُکر من أن الأخبار الکثیرة الواردة فی قسمة الدین وغیره کصحیحة غیاث بن إبراهیم المتقدّمة ظاهرة فی صحة قسمة ما بأیدی الشریکین مع عدم القرعة إذ لیس فیها أیّ إشارة إلی القرعة فیظهر أن التقسیم یکون صحیحاً من دون حاجة إلی القرعة وسیأتی فی البحوث اللاحقة ذکر هذه الأخبار .

الوجه الرابع : ما تکرر فی کلماتهم من أن ما فی أدلة القرعة من العموم موهون فهو لا یثبت فی جمیع الموارد فإنه وإن ورد أن القرعة لکل أمر مشکل ولکن قد أوهن هذا العموم کثرة التخصیص الوارد علیه ولذلک التزموا بأنه لا یمکن التمسّک بأدلة القرعة إلا فی موضع یکون هناک جابر لهذا الوهن واعتبروا أن الجابر له هو عمل الأصحاب فیکون المیزان فی التمسّک بأدلة القرعة وتطبیقها فی موردٍ مّا هو عمل الأصحاب فإذا ثبت عمل الأصحاب فی مورد أمکن حینئذ التمسّک بعموم أدلة القرعة لإثبات جوازها فی ذلک المورد ، وقد یُدّعی أنه لم یثبت فی المقام عمل الأصحاب بالقرعة فلا دلیل حینئذ علی اعتبارها فی القسمة بل یکفی خصوص التراضی .

هذا .. وهناک أدلة سنستعرضها فی البحث اللاحق إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأحد 6 ذو القعدة 1433 ه_ 169)

الموضوع : الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

ص: 56

کان الکلام فی اعتبار القرعة فی القسمة بمعنی ان القسمة إذا کانت حاصلة بمجرد التراضی بین الشریکین من غیر أن تتضمن القرعة فهل تترتب علیها الآثار وتکون صحیحة ولازمة أم أنها تفتقر فی ذلک الی القرعة ، وقد تقدّم ذکر وجوه أربعة استدل بها القائلون بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی ویمکن اعتبارها جمیعاً دلیلاً واحداً فیکون هو الدلیل الأول بأن یقال :

إن مجرّد التراضی یکفی فی تحقق القسمة ویدل علیه أمور أربعة :

أوّلها : قاعدة أن (الناس مسلّطون علی أموالهم) المعبّر عنها بقاعدة السلطنة .

ثانیها : النبوی المعروف : (لا یحلّ مال امرئ إلا بطیب نفسه) .

ثالثها : الأخبار الواردة فی قسمة الدین وغیره کصحیحة غیاث بن إبراهیم .

رابعها : ما تکرر فی کلماتهم من أن عموم أدلة القرعة موهون بکثرة التخصیص .

ویمکن أن یُضاف إلی ذلک وجه خامس وهو التمسّک بالآیة الشریفة : (إلا أن تکون تجارة عن تراض منکم) (1) فإن کلاً من الطرفین راض بالتراضی بینه وبین الطرف الآخر فتدل الآیة الکریمة علی کفایة التراضی فی المقام .

ولکن هذا الوجه مخدوش کالوجهین الأوّلین - بعدم صدق التجارة فی المقام وإنما الموجود هو عبارة عن ازالة الشیوع عن الحصص .

وأما الوجه الثالث فالروایات الواردة فی قسمة الدین هی أربع روایات بمضمون واحد ولذا نکتفی بقراءة واحدة منها وبها یتضح الحال فی باقی الروایات وهی صحیحة غیاث بن ابراهیم عن جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه عن علی (علیهم السلام) :

ص: 57


1- (1) النساء / 29 .

" فی رجلین بینهما مال منه ما بأیدیهما ، ومنه غائب عنهما فاقتسما الذی بأیدیهما ، واحتال کل واحد منهما بنصیبه ، فقبض أحدهما ولم یقبض الآخر ، فقال : ما قبض أحدهما فهو بینهما وما ذهب فهو بینهما " (1) .

وقوله (علیه السلام) : (فی رجلین بینهما مال) فهم منه الفقهاء الاشتراک والشرکة بلا خلاف بینهم فی ذلک ، وقوله : (ومنه غائب عنهما) یعنی أن بعضاً من المال هو دین عند الناس .

ومحلّ الاستدلال قوله : (فاقتسما الذی بأیدیهما) حیث یظهر من هذه الروایة أن هذه القسمة صحیحة ویترتب علیها الأثر من دون أن تکون هناک قرعة حیث لم یرد ذکر لها فی الروایة وهذا یدل علی کفایة التراضی بالقسمة ولو من دون اجراء القرعة ، ومثل الکلام یقال فی بقیة الروایات إذ لا فرق بینها فی المضمون .

وهذا الوجه اعتُرض علیه باعتراضین :

الأول : ما احتمله الشیخ صاحب الجواهر (قده) من کون القرعة مأخوذة فی مفهوم القسمة فلا تصدق القسمة مفهوماً من دون افتراض القرعة فإذا کان الأمر کذلک فالروایات تکون قد أشارت ضمناً الی القرعة فصحیحة غیاث بن إبراهیم عندما تقول اقتسما بأیدیهما فإنه یعنی أنهما اقتسماه بالقرعة أی اقترعا علی ما بأیدیهما لفرض أن القرعة مأخوذة فی مفهوم القسمة وعلی ذلک فلا یصح الاستدلال بهذه الروایات علی عدم اعتبار القرعة .

الاعتراض الثانی : أن الأخبار لیست ناظرة الی کیفیة التقسیم وأنه هل یکون بالتراضی أو بالقرعة وإنما هی ناظرة الی مجرّد اقتسام ما بأیدیهما وإلی ما هو دین عند الناس فلا یمکن علی هذا أن یُستفاد من عدم ذکر القرعة فیها عدم اعتبارها (2) فلا تکون هذه الروایة ونظائرها دلیلاً علی عدم اعتبار القرعة فی القسمة ، نعم .. لو کانت الروایات بصدد بیان کیفیة التقسیم وبماذا یتحقق وسکتت عن القرعة فیمکن أن یقال حینئذ انها تدل علی عدم اعتبار القسمة فی القرعة ولکن الروایات کما مرّ لیست بهذا الصدد .

ص: 58


1- (2) الفقیه مج3 ص97 ، التهذیب مج6 ص212 ، الوسائل الباب الثالث عشر من احکام الضمان الحدیث الأول مج18 ص435 .
2- (3) أی عدم اعتبار القرعة .

أما الاعتراض الأول (1) الذی یُستفاد من کلام صاحب الجواهر فقد علّله بما نصّه - تقریباً - : (أن القسمة تمییز الحق عن الآخر (2) ولا ممیّز له فی الشرع غیر القرعة التی هی لکل أمر مشکل .

ولکن هذا الکلام لا یخلو من مصادرة فإن دعوی أن لا ممیّز للحقّ فی الشرع غیر القرعة أول الکلام فإن محلّ البحث هو عن أن الحقوق هل تحتاج لیتمیّز بعضها عن بعض وتخرج عن حالة الاشاعة إلی القرعة او لا تحتاج إلیها بل یکفی فی ذلک التراضی .. علی ان غایة ما یثبت به - لو تمّ - هو اعتبار القرعة شرعاً فی القسمة ولا یثبت أنها مأخوذة فی مفهومها فهذا الاعتراض یظهر أنه غیر تام.

وأما بالنسبة إلی الاعتراض الثانی (3) فالظاهر أنه تام فإن المتکلم بمضمون تلک الأخبار حتی لو کان یری اعتبار القرعة فی القسمة فإنه لا یری ضرورة لذکر القرعة لأنه لیس فی مقام بیان کیفیة تحقّق القسمة وإنما هو فی مقام بیان مجرد الاقتسام فلا ضرورة تقتضی منه فی أن یذکر کل ما هو معتبر فی القسمة ، وهذا نظیر ما لو أخبر الشخص بقیامه ببیع داره - مثلاً فإنه لا یری ضرورة فی أن یذکر فی ضمن ذلک کل ما هو معتبر فی البیع فلا یُستفاد من عدم ذکره لأمرٍ مّا أن هذا الأمر لیس دخیلاً ومعتبراً فی البیع فإنه لیس فی مقام البیان من هذه الجهة .

ص: 59


1- (4) أی اخذ القرعة فی مفهوم القسمة .
2- (5) أی عن الحقّ الآخر .
3- (6) وهو أن الأخبار لیست ناظرة الی کیفیة التقسیم وأنه هل یکون بالتراضی أو بالقرعة وإنما هی ناظرة الی مجرّد الاقتسام .

وطبعاً لیس المراد القول بأن مرجع ذلک الی اعتبار القرعة فی مفهوم القسمة ولکن المتکلم لا یری حاجة لذکرها لأنّا قد فرغنا من بیان بطلان هذا الأمر فی ردّ الاعتراض الأول وانتهینا إلی أن القرعة لیست مأخوذة قطعاً فی مفهوم القسمة وإنما الکلام فی شیء آخر وهو فی أن القرعة هل هی معتبرة شرعاً فی القسمة أم لا فالذی یقول باعتبارها شرعاً لا یری ضرورة لذکر القرعة التی تتحقق بها القسمة عند الحدیث عن التقسیم کما جاء فی الروایة فعدم ذکره لها لیس فیه دلالة علی عدم اعتبارها فیها کما لا یعنی أیضاً عدم دخالة القرعة فی مفهوم القسمة بمعنی أنه لا یصلح دلیلاً علی أیّ من هذین الأمرین .

ومن هنا یظهر ان هذا الدلیل لیس تاماً لإثبات القول الأول .

الدلیل الثانی (1) : ما یُستفاد من کلام جماعة من انه لو فُرض وجود دلیل فیه اطلاق أو عموم یدل علی اعتبار القرعة فهذا الإطلاق أو العموم موهون بکثرة ما خرج عنه - علی ما أشرنا إلیه فی الدرس السابق إجمالاً - لأن من الواضح أن الاحکام الشرعیة قاطبة لا تجری فیها القرعة حتی إذا اشتبهت أو کانت مجهولة کما أن أغلب الموضوعات لا تثبت بالقرعة أیضاً فلا یجوز تعیین الهلال بالقرعة حتی اذا اشتبه ومثله سائر الموضوعات التی تترتب علیها الاحکام الشرعیة حتی اذا تطرّق إلیها الاشتباه والإجمال .

فالخارج إذاً من عمومات أدلة القرعة أو إطلاقاتها هو الأکثر والباقی هو القلیل وهذا مما یوجب الوهن فیها فلا یجوز التمسک بها فی محل الکلام ومن المحتمل أن یکون هذا المورد من جملة الکثیر الذی خرج عنها .

ص: 60


1- (7) أی فی إثبات القول بکفایة التراضی فی تحقق القسمة وعدم اعتبار القرعة فی ذلک .

وأجیب عنه بأن خروج الاکثر وإن کان سبباً فی وهن العام أو المطلق إلا أنه لا یصیر سبباً فی سقوطه عن الاعتبار وحینئذ یُلتزم بأنه لا یجوز التمسک به إلا فی المورد الذی تمسک به الأصحاب فکأن عملهم بالقرعة فی موردٍ مّا جابر للوهن المذکور ولمّا کان أکثر فقهائنا (رض) یعتبرون القرعة فی باب التقسیم ویرون لزوم ان تکون القسمة بالقرعة لا بالتراضی فهذا المقدار یکفی فی التمسّک بعمومات أدلة القرعة وإطلاقاتها فی محل الکلام بل یمکن القول بأنه یظهر من المتأخرین أنهم لا یرون أن خروج الأکثر عن عمومات أدلة القرعة ومطلقاتها مُلزماً بعدم جواز التمسّک به إلا فی المورد الذی تمسّک به الأصحاب وهذا معناه بحسب الصناعة أن خروج الأکثر لا یسقط العموم والإطلاق عن الاعتبار .

هذا إذا سُلّم بأن خروج الأکثر هو خروج من باب التخصیص وإلا فیُحتمل أن یکون من باب التخصّص لا التخصیص بمعنی أن الأحکام الشرعیة خارجة تخصّصاً من ادلة القرعة فهی غیر مشمولة لها أصلاً وعلی هذا تکون القضیة أوضح (1) .

والحاصل أن خروج الاکثر لا یمنع من العمل بأدلة القرعة اذا تمت شرائطها فلا یمکن أن یقال بالاکتفاء بالتراضی وعدم اعتبار القرعة فی القسمة من جهة أن ادلة القرعة لا یمکن جریانها فی محل الکلام بل یقال بإمکان التمسک بها وإجرائها فی محل الکلام وإن خرج منها الاکثر .

ومن هنا یظهر ان هذا الدلیل لیس تاماً أیضاً .

الدلیل الثالث : ما ذکره الشیخ البحرانی فی الحدائق من دعوی اختصاص أدلة القرعة بصورة التنازع والتشاح ، وأما فی صورة التراضی - کما هو المفروض فی محل الکلام (2) فلا دلیل علی اعتبار القرعة فیها .

ص: 61


1- (8) أی فی أن خروج الأکثر لا یسقط العموم والإطلاق عن الاعتبار .
2- (9) حیث إنّنا نفترض فی محلّ الکلام انهما تراضیا بالقسمة فیقال هل یکفی هذا فی القسمة أم لا بد من القرعة .

وأجیب عنه بأن بعض روایات القرعة أو أکثرها (1) وإن کانت واردة فی صورة التنازع والتشاح - کما ذکره - بلا اشکال :

منها : روایة الحلبی ومحمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

" إذا وقع الحر والعبد والمشرک بامرأة فی طهر واحد وادعوا الولد أقرع بینهم وکان الولد للذی یخرج سهمه " (2) .

ومنها : قوله (صلی الله علیه وآله) فی ذیل روایة أبی بصیر عن أبی جعفر (علیه السلام) :

" إنه لیس من قوم تنازعوا ثم فوّضوا أمرهم إلی الله عز وجل إلا خرج سهم المُحِقّ " (3) .

ومنها : روایة معاویة بن عمار عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال :

" إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جاریة فی طهر واحد فولدت فادعوه جمیعا أقرع الوالی بینهم .. " (4) .

ولا ریب فی أن صورة النزاع والتشاح فی هذه الروایات واضحة إلا أن هناک فی ادلة القرعة ما لیس وارداً فی هذه الصورة بل یظهر منه التعمیم أو الإطلاق بمعنی أن القرعة کما تجری فی صورة التشاح والتنازع تجری فی صورة التراضی أیضاً ویشهد لذلک بعض الروایات :

ص: 62


1- (10) والتحقّق من هذا یحتاج الی سبر لروایات القرعة (منه دامت برکاته) .
2- (11) الکافی مج5 ص490 ، الوسائل مج21 ص171 .
3- (12) الکافی مج5 ص491 ، الوسائل مج21 ص172 .
4- (13) الفقیه مج3 ص92 ، الوسائل مج21 ص171 .

منها : روایة سیابة وإبراهیم بن عمر عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) :

" فی رجل قال : أول مملوک أملکه فهو حر فورث ثلاثة قال : یقرع بینهم فمن اصابته القرعة أعتق قال : والقرعة سنة " (1) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

" فی الرجل یکون له المملوکون فیوصی بعتق ثلثهم ، قال: کان علی (علیه السلام) یسهم بینهم " (2) .

فالموصی هنا لم یعین الثلث والسائل أراد أن یعرف أیّ ثلث یُعتق فی حکم الشرع فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنه یُعیَّن بالقرعة .

ومنها : صحیحة الحسین بن المختار :

" قال : دخل أبو حنیفة علی أبی عبد الله (علیه السلام) : فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) : ما تقول فی بیت سقط علی قوم فبقی منهم صبیان أحدهما حر والأخر مملوک لصاحبه فلم یعرف الحر من العبد ؟ فقال أبو حنیفة : یعتق نصف هذا ونصف هذا ، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : لیس کذلک ولکنه یُقرع بینهما فمن أصابته القرعة فهو الحر ، ویعتق هذا فیجعل مولی لهذا " (3) .

ومن الواضح أنه لم یُفترض النزاع والتشاح فی هذه الروایات .. ولکن یمکن أن یقال إنه لا یبعد اشتمال هذه الروایات علی النزاع والتشاح ولو بالمستوی الشأنی بمعنی أن هذه الموارد لا تأبی عن افتراض النزاع والتشاح فیها .

ص: 63


1- (14) التهذیب مج6 ص239 ، الوسائل مج27 ص257 .
2- (15) الفقیه مج3 ص94 ، الوسائل مج23 ص103 .
3- (16) الکافی مج7 ص138 ، الوسائل مج26 ص312 .

والأحسن فی الجواب عن هذا الدلیل أن یقال إن هذه الروایات وان وردت فی التنازع فعلاً کما أورده المستدل أو شأناً کما أورده المجیب إلا أن التنازع فیها هو مورد لها ولیس فیها ما یدل علی اختصاص دلیل القرعة بهذا المورد بمعنی أنه لیس لها مفهوم ینفی جریان القرعة فی غیر هذا المورد نعم .. لا یمکن فی المقابل الاستدلال بهذه الروایات علی اعتبار القرعة فی غیر موردها من التنازع والتشاح لأنها ناظرة إلی موردها وتطبّق القرعة فی هذا المورد لکن اذا تمّت لدینا مطلقات تدل علی اعتبار القرعة مطلقاً فیمکن التمسک بها ولا تکون تلک الروایات مانعاً عن التمسّک بالإطلاق لما ذکرناه من عدم دلالتها علی الاختصاص من جهة عدم اشتمالها علی المفهوم .

وهل هناک مثل هذه الروایات المطلقة ؟

هذا ما سیأتی التنبیه علیه فی الدرس القادم إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / تکملة الکلام فی الدلیل الثالث / الدلیلان الرابع والخامس / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الاثنین 7 ذو القعدة 1433 ه_ 170)

الموضوع : الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / تکملة الکلام فی الدلیل الثالث / الدلیلان الرابع والخامس / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الدلیل الثالث وهو ما ذکره الشیخ البحرانی فی الحدائق من دعوی اختصاص أدلة القرعة بصورة التنازع والتشاح ، وأما فی صورة التراضی - کما هو المفروض فی محل الکلام فلا دلیل علی اعتبار القرعة فیها .

ص: 64

وذکرنا أنه أجیب عنه بأن بعض روایات القرعة أو أکثرها وإن کانت واردة فی صورة التنازع والتشاح - کما ذکره - بلا اشکال إلا أن هناک فی أدلة القرعة ما لیس وارداً فی هذه الصورة بل یظهر منه التعمیم أو الإطلاق ولکن یمکن أن یقال إنه لا یبعد اشتمال هذه الروایات علی النزاع والتشاح ولو بالمستوی الشأنی بمعنی أن هذه الموارد لا تأبی عن افتراض النزاع والتشاح فیها .

وقد ذکرنا أیضاً أن الأحسن فی الجواب عن هذا الدلیل أن یقال إن هذه الروایات وان وردت فی التنازع فعلاً کما أورده المستدل أو شأناً کما أورده المجیب إلا أن التنازع فیها هو مورد لها ولیس فیها ما یدل علی اختصاص دلیل القرعة بهذا المورد إذ لا مفهوم لها لتدل علی ذلک فلا یُنافیه ورود القرعة فی صورة التراضی فإذا تمّت لدینا مطلقات تدل علی اعتبار القرعة مطلقاً (1) فیمکن الاستناد إلیها ولا تکون تلک الروایات مانعاً عن التمسّک بالإطلاق لما ذکرناه من عدم دلالتها علی الاختصاص من جهة عدم اشتمالها علی المفهوم .

هذا ما تقدّم .. وأقول :

یمکن تحصیل روایات مطلقة تدل علی اعتبار القرعة مطلقاً :

الأولی : ما ورد فی الفقیه بسند صحیح من قوله (صلی الله علیه وآله) : " لیس من قوم تقارعوا وفوّضوا أمرهم إلی الله إلا خرج سهم المُحِقّ " (2) .

ص: 65


1- (1) أی فی صورتی التنازع والتراضی .
2- (2) الفقیه مج3 ص95 ، الوسائل الباب الثالث عشر من ابواب کیفیة الحکم الحدیث السادس مج27 ص258 ، وقد ورد فی الکافی بلفظة : (تنازعوا) بسند صحیح وهو عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی نجران عن عاصم بن حمید عن أبی بصیر عن أبی جعفر (علیه السلام) الکافی مج5 ص491 ، الوسائل مج21 ص172 ، وأقول : لا ریب أن الروایة واحدة وقد مرّ أنه استُدلّ بها بنقل الکافی علی ورود القرعة فی صورة التنازع والتشاح وهاهنا استُدلّ بها بنقل الفقیه علی اعتبار القرعة مطلقاً فإن لم یمکن ترجیح أحد النقلین فلا یمکن الاستدلال به علی أیّ من المطلوبین .

وهذه الروایة ینقلها الشیخ صاحب الوسائل بلفظ (تنازعوا) عن الشیخ الطوسی (قده) عن عاصم بن حمید عن بعض أصحابنا عن أبی جعفر (علیه السلام) وهذا السند فیه إرسال کما هو واضح کما أنه باللفظ المذکور (1) لا ینفع فی الاستدلال علی المطلوب من الإطلاق کما لا یخفی .

وأما بنقل الفقیه فقد رواه الصدوق عن عاصم بن حمید عن أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) وسند الشیخ الصدوق الی عاصم بن حمید صحیح کما فی المشیخة وأبو بصیر ثقة فالروایة صحیحة ویُستدل بها علی المطلوب .

الروایة الثانیة : ما ورد فی التهذیب مرویاً عن محمد بن أحمد بن یحیی عن موسی بن عمر عن علی بن عثمان عن محمد بن حکیم :

" قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن شیء ، فقال لی : کل مجهول ففیه القرعة ، قلت له : إن القرعة تخطئ وتصیب ، قال : کل ما حکم الله به فلیس بمخطئ " (2) .

وهذه الروایة رواها فی الفقیه بسنده عن محمد بن حکیم أیضاً .

أما بالنسبة إلی سند التهذیب فمحمد بن أحمد بن یحیی هو صاحب نوادر الحکمة ثقة ، وأما موسی بن عمر فالظاهر قویاً کما مرّ غیر مرّة أن المقصود به موسی بن عمر بن یزید الصیقل وذلک بقرینة روایة صاحب نوادر الحکمة عنه فی غیر هذه الروایة وهو ممن لم یستثنه ابن الولید فعلی هذا الأساس یمکن إثبات وثاقته کما هو غیر بعید ، وأما علی بن عثمان فهو مجهول ولا مجال لإثبات وثاقته والاعتماد علیه ، وأما محمد بن حکیم فالظاهر کونه ممدوحاً فقد روی الکشی بطریق صحیح روایة فیها مدح له (3) فهذا السند إذاً لا یخلو من إشکال .

ص: 66


1- (3) أی : (تنازعوا) .
2- (4) التهذیب مج6 ص240 ، الفقیه مج3 ص92 ، الوسائل مج27 ص260 .
3- (5) وهی عن حمدویه قال : حدثنی محمد بن عیسی قال : حدثنی یونس بن عبد الرحمن عن حماد : " قال : کان أبو الحسن (علیه السلام) یأمر محمد بن حکیم أن یجالس أهل المدینة فی مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله) وأن یکلّمهم ویخاصمهم حتی کلّمهم فی صاحب القبر [یعنی رسول الله (صلی الله علیه وآله)] فکان إذا انصرف إلیه قال له [أی الإمام أبو الحسن (علیه السلام)] : قلت لهم وما قالوا لک ؟ ویرضی بذلک منه " اختیار معرفة الرجال ص746 .

وأما بالنسبة إلی سند الفقیه فطریق الشیخ الصدوق الی محمد بن حکیم صحیح کما فی المشیخة (1) ، وأما محمد بن حکیم فقد مر کونه ممدوحاً فالروایة بهذا السند تکون معتبرة والاستدلال بها علی المطلوب من جهة قوله : (کل مجهول ففیه القرعة) حیث استُعمل فیه الأداة : (کل) التی تفید العموم فیثبت کون القرعة ترد فی صورة التنازع وفی صورة التراضی التی هی محلّ الکلام .

الروایة الثالثة : ما نقله صاحب الوسائل عن المحاسن للبرقی مرویاً عن منصور بن حازم بسند معتبر :

" قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) عن مسألة فقال : هذه تخرج فی القرعة ثم قال : فأیّ قضیة أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلی الله عزّ وجل ألیس الله یقول : (فساهم فکان من المدحضین) " (2) .

قوله (علیه السلام) : " إذا فوّضوا أمرهم إلی الله عزّ وجل " قید لکون القرعة أعدل قضیة فإن الله کما فی الدعاء لا یغش من استنصحه .

ص: 67


1- (6) قال فی مشیخة الفقیه : (وما کان فیه عن محمد بن حکیم فقد رویته عن أبی رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه عن حماد بن عیسی عن حریز عن محمد بن حکیم ، ورویته عن محمد بن الحسن رحمه الله عن محمد بن الحسن الصفار عن یعقوب بن یزید عن محمد بن أبی عمیر عن محمد بن حکیم) الفقیه مج4 ص489 .
2- (7) المحاسن ص603 ، الفقیه مج3 ص92 ، الوسائل مج27 ص262 .

وقوله (علیه السلام) : " ألیس الله تعالی یقول : (فساهم فکان من المدحضین) " هو اشارة الی قضیة یونس (علی نبینا وآله وعلیه السلام) .

وهذه الروایة نفسها یرویها السید ابن طاووس فی أمالی الأخبار نقلاً عن کتاب المشیخة للحسن بن محبوب الذی وقع فی سند الروایة السابقة والذی ینقل عنه البرقی ویظهر أن السید بن طاووس کان عنده کتاب المشیخة فهو ینقل عنه مباشرة وهذا الکتاب هو کتاب فقهی یتضمّن ذکر الروایات ولیس کتاباً رجالیاً کما قد یوحی به اسمه .

هذه روایات ثلاث مطلقة یمکن التمسک بها بعد فرض أن الروایات فی صورة التشاح والتنازع لیس فیها مفهوم ولیس فیها دلالة علی الاختصاص .

هذا ما یمکن أن یُجاب به علی الدلیل الثالث .

الدلیل الرابع : ما نُقل عن الشیخ الاعظم (قده) والتزم به بعض المحققین من الاستدلال بقوله (صلی الله علیه وآله) : " المؤمنون عند شروطهم " .

حیث یفهم منه بناءً علی أن المراد بالشرط فی هذا الحدیث الشریف هو مطلق الالتزام سواء کان فی ضمن عقد أو لم یکن فی ضمن عقد وهو ما یُسمی بالشروط الابتدائیة او الالتزامات الابتدائیة أنه یجب الوفاء بمطلق الالتزام وحینئذ یقال إن هذا متحقق فی محل الکلام لأن التراضی فی الحقیقة هو فی واقعه التزام من قبل کلّ من الشریکین بأن تکون إحدی الحصتین له وتکون الحصة الأخری للشخص الآخر ویتعهّد کل منهما بأن لا حقّ له فی حصة الآخر فی حین أن کلاً منهما کان له قبل التقسیم حقّ فی الحصة الأخری فی أیّ نصف یُفرض بعد تعدیل السهام فهذا الالتزام یکون واجب الوفاء حتی وإن لم یُجریا القرعة بل بمجرد التراضی الذی یستبطن الالتزام الذی یکون بموجب هذا الحدیث الشریف نافذاً ویجب الوفاء به .

ص: 68

وأجیب عنه بنحو ما تقدّم فی القرعة من أن الخارج من حدیث : (المؤمنون عند شروطهم) کثیر جداً بتقریب أن المراد بالشرط فی هذا الحدیث هو مطلق الالتزام الاعم من کونه التزاماً فی مطلق العقد او التزاماً لا فی ضمن عقد وهو ما یُسمی بالشرط الابتدائی وهذا أیضاً عام یشمل کل التزام ولو کان من قبیل الوعد ولمّا لم یمکن الالتزام بلزوم الوفاء بمطلق التعهد الذی لیس فی ضمن عقد (وموارده لیست بالقلیلة) فیلزم خروجه من تحت الحدیث وحینئذ یکون الاستدلال به - لإثبات لزوم الوفاء - موقوفاً علی ثبوت عمل الاصحاب به فی المورد لأن الاطلاق والعموم فی هذا الحدیث موهون بکثرة الخارج منه فیُجبر هذا الوهن بعمل الاصحاب کما قیل بمثل ذلک فی القرعة ، ومن المعلوم أنه لم یعمل به أحد من الأصحاب فی محل الکلام .

نعم .. ذهب جماعة سوی من تقدّم النقل عنهم الی نتیجة موافقة للعمل بهذا الحدیث الشریف وهی أن القسمة تتحقق بدون قرعة بلا منهم الشهیدان وصاحب الحدائق والعلامة فی القواعد وقد نُقل عنه مستفیضاً أنه ذهب الی الاکتفاء بالتراضی وعدم اشتراط القرعة ولکن ذهاب هؤلاء الی نتیجة موافقة للعمل بالحدیث الشریف لا یعنی تمسّکهم به وعملهم به وإنما کان منهم لوجوه أخری ومثله لا یجبر الوهن الموجود فی الحدیث .

وأجیب عن هذا بنحو ما تقدّم من الجواب عند ذکر نظیره فی أدلة القرعة حیث قلنا بأنّا لا نؤمن بأن هذا الوهن من شأنه أن یمنع من الاستدلال بالحدیث مع توفر الشروط الأخری وذکرنا أن الصناعة أیضاً لا تقتضی ذلک فإنها لا تمنع من العمل بالإطلاق بمجرد خروج الاکثر منه بل یبقی الاطلاق والعموم علی حالهما ویبقیان حجة بالرغم من خروج الاکثر .

ص: 69

هذا من جهة .. ومن جهة أخری أن اصل لزوم خروج الاکثر هاهنا غیر واضح - وإن کان فی القرعة قد یکون واضحاً باعتبار أن جمیع الاحکام وأکثر الموضوعات لا تجری فیها القرعة وذلک لأن المقصود فی الحقیقة بالالتزام المستوجب للزوم الوفاء حتی بعد تعمیمه للالتزام الابتدائی والالتزام فی ضمن عقد - کما هو مبنی الاستدلال لیس بهذه السعة التی تشمل حتی مثل الوعد بل المقصود به (علی ما یُذکر فی محله فی الفقه من بحث الشرط) إنما هو الالتزام الذی یرتّب الملتَزم له أثراً علیه أو یصیبه الضرر عند تخلّفه وحینئذ لا یکون افتراض خروج الاکثر واضحاً .

ومن هنا یبدو أن الاستدلال بهذا الدلیل (1) لا باس به فی الجملة لکن بشرط تعمیم الشرط فی الحدیث الشریف الی مطلق الالتزام ولو لم یکن فی ضمن عقد کما هو مبنی الاستدلال - وهذا محلّ کلام طویل فی ما بینهم ولا یبعد أن یکون الاقرب هو ذاک (2) بشروط تُذکر فی محلّها .

الدلیل الخامس : وهو المهم فی المقام ویتوقف علی مقدمتین :

الأولی : دعوی أن اللغة والعرف هما المرجع فی تحدید معنی القسمة وما هو المراد بها وماذا یُعتبر فیها وتعیین موارد صدقها مع القرعة وموارد صدقها بدونها .

الثانیة : دعوی أن الظاهر من العرف واللغة أن القسمة تصدق علی مجرد فرز الحصص ولا یتوقف صدقها علی إجراء القرعة فیها .

استُدلّ علی الأولی : بأن القسمة کسائر الموضوعات الأخری الواقعة فی أدلة الاحکام الشرعیة ولا ریب أن تحدید الموضوع موکول الی المعنی العرفی واللغوی فی ما إذا لم یتدخّل الشارع المقدّس فی تحدیده وإن کان له ذاک باعتبار کونه هو الحاکم والحاکم حینما یرید أن یحکم علی موضوع مّا فإن له أن یضیف قیداً أو أکثر لمدلول الموضوع فی اللغة والعرف أو یُلحق به شرطاً أو یحذف منه قیداً أو شرطاً .

ص: 70


1- (8) أی الرابع .
2- (9) أی تعمیمه لمطلق الالتزام .

وبالجملة للحاکم أن یتصرف فی موضوع حکمه وهذا لا کلام فیه وإنما الکلام فی ما لم یتدخل الشارع ویبیّن اختلاف نظره فی تحدید الموضوع عن نظر اهل العرف واللغة وسکت عن ذلک فإن المتفاهم منه حینئذ هو إحالة تحدید معناه وبیان المراد منه الی ما یفهمه العرف والی النظر العرفی وهذا أمر متعارف فی الأدلة الشرعیة فإنه إذا لم یکن یرضی بالمعنی اللغوی والفهم العرفی لموضوع حکمه وهو فی المقابل لم یتکفّل ببیان المراد منه عنده یکون مُخلّاً بغرضه ، وفی المقام فإن الشارع المقدّس لم یُبیّن أن مراده من القسمة أمراً یختلف عما یراه العرف واللغة ویشهد لذلک خلوّ الاخبار الکثیرة الواردة فی باب القسمة عن بیان کیفیة القسمة وأنها هل تکون بالتراضی أم بالقرعة فیتحصّل أن مراده منها لا یختلف عما یفهمه العرف واللغة کما تقدّم فی الأحادیث التی مرّ ذکرها فی قوم تقاسموا فی ما بینهم حیث لم یسأل الامام (علیه السلام) کیف تقاسموا وأن تقاسمهم هل کان بالتراضی أم کان بالقرعة .

والحاصل أن الشارع وإن کان من حقّه أن یرید بموضوع حکمه غیر ما یریده العرف واللغة ولکن حیث لم یُنبّه علی اختلاف مراده عنهما (کما نبّه علی موارد کثیرة اختلف فیها مع النظر العرفی والمعنی اللغوی لاسیّما فی باب المعاملات) فیُحمل علی أن معناه عنده هو المعنی العرفی واللغوی حیث نراه کثیراً ما یضیف قیوداً إلی موضوع حکمه أو یحذف منه قیوداً علی خلاف ما هو معتبر عند العرف .. وعلی ذلک نقول إن الشارع المقدّس لو کان یعتبر القرعة فی القسمة والحال أن العرف بحسب الدعوی الثانیة لا یعتبرها فیها لکان علیه أن یُنبّه علی ذلک وإلا کان مُخلّاً بغرضه وحیث لم یُنبّه علی ذلک دلّ علی أن مراده منها لا یختلف عن المنظور بها فی العرف واللغة .

ص: 71

هذا بالنسبة إلی الاستدلال علی الدعوی الأولی .

وأما بالنسبة إلی الاستدلال علی الدعوی الثانیة وهی أن العرف واللغة یریان أن تحقق القسمة وانطباقها من غیر توقف علی القرعة فسیأتی الکلام فیه إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / تکملة الکلام فی الدلیل الخامس : الاستدلال علی الدعوی الثانیة / الرأی الثانی من الخلاف الأول / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الثلاثاء 8 ذو القعدة 1433 ه_ 171)

الموضوع : الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر أدلة القائلین بعدم اشتراط القرعة فی القسمة والاکتفاء بالتراضی / تکملة الکلام فی الدلیل الخامس : الاستدلال علی الدعوی الثانیة / الرأی الثانی من الخلاف الأول / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الدلیل الخامس وقلنا إنه یتضمن دعویین وقد تقدم الکلام فی الاستدلال علی الدعوی الأولی منهما .

أما بالنسبة إلی الاستدلال علی الدعوی الثانیة (1) :

فیقال فی مقام إثباتها بأن هذه الدعوی تتّضح من خلال معاینة طریقة العرف فی باب التقسیم فإن المشاهد أن الناس عندما یقسّمون المیراث فی ما بینهم فی حالة التراضی ویفرزون حصة الزوجة عن باقی الحصص أو یعطون للصغیر القاصر حصته من الترکة أو یُخرجون الثلث من الترکة تنفیذاً لما أوصی به المیت فإن الملاحظ فی هذه الموارد وغیرها مما یتحقق فیه التقسیم أنهم یبنون علی تحقق القسمة اسماً ومعنی من دون توقف علی القرعة بل قد یستنکفون عن الامتناع عن التقسیم إلا بالقرعة ولا یعدّونه أمراً مناسباً (2) بل قد ینکرون علی من یُصرّ علی استخدام القرعة فی القسمة ، نعم .. قد یختلف الأمر فی صورة التنازع فیصار إلی إجراء القرعة فی القسمة ولکن هذا غیر محلّ الکلام فإن ما نحن هو صورة التراضی بین الورثة وکون القسمة مفهوماً وآثاراً وشرائط لا تتحقق بالقرعة وقد عرفت أنها غیر متوقفة علیها مطلقاً .

ص: 72


1- (1) وهی دعوی أن اللغة والعرف هما المرجع فی تحدید معنی القسمة وما هو المراد بها وماذا یُعتبر فیها وتعیین موارد صدقها مع القرعة وموارد صدقها بدونها .
2- (2) والکلام فی صورة التراضی .

هذا بالنسبة إلی العرف ، وأما بالنسبة إلی اللغة فلعل الأمر فیها أوضح حیث لم یذکر أحد من اللغویین فی بیان معنی القسمة - بمقدار ما راجعته - اعتبار القرعة فی ذلک ، نعم .. تقدم سابقاً أن الشیخ صاحب الجواهر (قده) هو الذی طرح احتمال أن تکون القرعة معتبرة فی حقیقة القسمة ومفهومها ولکن هذا مما لا نوافق علیه بل کل من تعرّض الی هذا الکلام لم یکن عنده بموضع الرضا ولم یَحْضَ منه بالقبول .

هذا هو الدلیل الخامس (1) وهو مما لا بأس بالاستناد إلیه فی حال عدم وجود معارض له .

وما تقدّم کله کان فی الرأی الأول من الخلاف الأول وهو فی کون القرعة معتبرة فی القسمة أو غیر معتبرة فیها وذکرنا أن المعروف وإن کان هو اعتبار القرعة فی القسمة ولکن ذهب الی خلاف ذلک بعض الفقهاء (رض) منهم الشهیدان والعلامة وصاحب الحدائق ومعظم المتأخرین فقالوا بعدم اعتبار القرعة فی القسمة وکان هذا هو الرأی الأول فی هذا الخلاف .

الرأی الثانی : وهو اعتبار القرعة فی القسمة وعدم تحققها بدونها وهو الرأی المعروف کما ذکرنا - ، والمنقولُ عن المحقق صاحب الکفایة والمحقق السبزواری نسبته الی الاکثر ، واستُدلّ علیه بعمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها بدعوی شمولها لمحل الکلام فلا تصحّ القسمة من دون إجراء القرعة .

واعتُرض علیه :

أولاً : بمنع شمول أدلة اعتبار القرعة للمقام إما بدعوی اختصاصها بصورة التنازع والمفروض فی محلّ الکلام هو صورة التراضی ، أو اختصاصها بما اذا کان الحق معیّناً فی الواقع مجهولاً عندنا کما مُثّل له بالشاة الموطوءة فی ضمن قطیع من الغنم فإن هذه الشاة وإن کانت مردَّدة ظاهراً إلا أن لها تعیّناً فی الواقع فیُستعان بالقرعة لرفع هذا التردّد والحکم بکون ما خرجت علیه القرعة هو الفرد المجهول عندنا ، وأما إذا کان الشیء مردّداً ظاهراً وواقعاً أی لیس له تعیّن فی الواقع فلا یکون مورداً لجریان القرعة ، والمقام من هذا القبیل کما لو ورث اثنان داراً من أبیهما علی نحو الاشاعة والاشتراک فحصة کل منهما لا تعیّن لها حتی فی الواقع لأن سبب الملکیة وهو الإرث فی المثال - لا یعیّن حصة أیّ من الورثة بل تکون حصة کل منهم مشاعة فی المجموع ، وکما لو کان صداق الزوجة عیناً خارجیة وطلّقها قبل الدخول فإنه یکون شریکاً معها فی تلک العین علی نحو الاشاعة أیضاً ولیس لحصته أو حصتها تعیّن وامتیاز فی الواقع فلا یکون ثمة محلّ لإجراء القرعة .

ص: 73


1- (3) وهو آخر الأدلة فی المقام .

وثانیاً : بما تقدم سابقاً من أن عمومات القرعة موهونة بکثرة الخارج منها فلا یصح التمسک بها فی مورد إلا بعد إحراز عمل الأصحاب به .

وأجیب عن الوجهین :

أما عن الثانی : فبما تقدم ذکره فی بحث سابق من أن ما ذُکر ممّا لا تساعد علیه الصناعة .. فراجع تفصیله .

وأما عن الأول : فبما تقدم أیضاً من أن أدلة القرعة لیست کلّها علی هذا النحو من کونها واردة فی صورة التنازع فإن هذا لا یعدو عن کونه مورداً لها وهو لا یوجب اختصاص جریان القرعة به وقد تقدّم ذکر الروایات التی یمکن أن یستفاد منها الاطلاق أو التعمیم وإن کان قد تقدّمت منّا المناقشة فی هذا أیضاً .

وأما دعوی أن القرعة تختصّ بما له تعیّن فی الواقع وتردّد فی مقام الظاهر فقد منع منها جماعة قائلین بأن روایات القرعة بعد استقرائها یتبیّن أن لها موردین :

الأول : ما کان له واقع معیّن فی نفسه ولکنه کان مجهولاً عندنا من قبیل الشاة الموطوءة - کما تقدّم التمثیل به - ، وهذا المورد مما لا إشکال فی جریان القرعة فیه .

المورد الثانی : ما لیس له تعیّن فی الواقع أو قل ما کان واقعه فی حدّ ذاته مجهولاً کما فی صداق الزوجة المطلّقة قبل الدخول إذا کان من الأعیان الخارجیة - کما تقدّم التمثیل به أیضاً - .

فالقرعة بحسب الروایات تجری فی هذا المورد أیضاً ولا تختصّ بالمورد الأول والسید الماتن (قده) ذکر ثلاث روایات واضحة فی جریان القرعة فی مثل هذا المورد - أی فی ما لیس له تعیّن فی الواقع - :

ص: 74

الأولی : معتبرة إبراهیم بن عمر عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

" فی رجل قال : أول مملوک أملکه فهو حرّ فورث ثلاثة ، قال : یُقرع بینهم فمن أصابته القرعة أعتق ، قال : والقرعة سنة " (1) .

والملاحظ هاهنا أنه لا یوجد تعیّن واقعی لمن تخرج علیه القرعة فلا امتیاز لأیّ مملوک عن الآخر فی الواقع قبل إجراء القرعة .

الثانیة : صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

" فی رجل قال : أول مملوک أملکه فهو حرّ فورث سبعة جمیعاً قال : یقرع بینهم ، ویعتق الذی خرج سهمه " (2) .

والحال فی الاستدلال بهذه الروایة کالحال فی سابقتها .

الثالثة : صحیحة منصور بن حازم :

" قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) عن مسألة ، فقال له : هذه تخرج فی القرعة ، ثم قال : وأیّ قضیة أعدل من القرعة إذا فُوّض الأمر إلی الله عز وجل ؟! ألیس الله یقول تبارک وتعالی : (فساهم فکان من المدحضین) " (3) .

ومورد الاستدلال هو استشهاد الامام (علیه السلام) بقضیة نبی الله یونس (علیه السلام) من جهة أن الحوت کان یطلب واحداً غیر معیّن واقعاً ممّن فی السفینة وأُجریت القرعة لتحدید هذا الواحد غیر المعیّن فتکون هذه الروایة دلیلاً علی أن القرعة تجری حتی فی ما لا تعیّن له فی الواقع .

ص: 75


1- (4) التهذیب مج6 ص240 .
2- (5) الفقیه مج3 ص94 .
3- (6) المحاسن للبرقی مج2 ص603 .

وما یمکن أن یقال تعلیقاً علی هذا الاستدلال أن هناک بعض الأخبار التی تدل علی أن قضیة یونس (علیه السلام) لیس من مورد ما لا تعیّن له واقعاً بل من مورد ما له تعیّن فی الواقع وإن کان فی الظاهر مجهولاً ففی تفسیر القمی فی روایة صحیحة عن جمیل عن أبی عبد الله (علیه السلام) : (أن أهل السفینة لما توسّطوا البحر بعث الله حوتاً عظیماً فحبس علیهم السفینة من قُدّامها فنظر إلیه یونس ففزع منه وصار إلی مؤخّر السفینة فدار إلیه الحوت وفتح فاه فخرج أهل السفینة فقالوا فینا عاصٍ فتساهموا فخرج سهم یونس وهو قول الله عز وجل : " فساهم فکان من المدحضین " فأخرجوه فالقوه فی البحر فالتقمه الحوت ومرّ به فی الماء) (1) .

فبحسب هذه الروایة کان بینهم عاصٍ یطلبه الحوت باعتقادهم فله إذاً تعیّن فی الواقع فأجروا القرعة لتعیینه من بینهم فتساهموا فخرج سهم یونس .

وعلی ذلک فلا مجال للاستدلال بصحیحة منصور بن حازم من جهة استشهاد الامام (علیه السلام) بقضیة یونس لوجود هذه الروایة المعارضة لها .

أما الصحیحتان الأولی والثانیة فیمکن محاسبتهما کروایة واحدة وموردهما وإن کان مما لا تعیّن له واقعاً لأن الوارد فیهما قوله : (أول مملوک أملکه فهو حرّ) ومن الواضح أنه مما لا تعیّن له فی الواقع بعد أن کان ما ورثه أکثر من مملوک واحد ولکن موردهما هو صورة التنازع ولو کان هو التنازع الشأنی فإنه وإن لم یُصرَّح فیهما أن العبید تنازعوا فی ما بینهم فی أیّ منهم یکون هو الحرّ إلا أنه لا یمکن إنکار أن هذا الوضع یستدعی التنازع ولو فی نوع هذه القضیة ومن هنا ذهب الشیخ الانصاری (قده) إلی أن روایات القرعة الواردة فی ما لیس له تعیّن واقعی مختصة بصورة التشاحّ والتنازع ولذا منع من إجراء القرعة فی محلّ الکلام أعنی صورة التراضی - .

ص: 76


1- (7) تفسیر القمی مج1 ص318 ، وفی الکشّاف : (أنه حین رکب فی السفینة وقفت فقالوا : ههنا عبد أبِقَ من سیّده، وفی ما یزعم البحّارون أن السفینة إذا کان فیها آبق لم تجرِ فاقترعوا فخرجت القرعة علی یونس فقال : أنا الآبق [أی حیث لم یبقَ فی قومه وینتظر أمر ربّه] وزجّ بنفسه فی الماء " فالتقمه الحوت " ) الکشاف للزمخشری مج3 ص353 .

وعلی ذلک فهل یمکن ردّ الاستدلال بهاتین الروایتین بما ذُکر من کون موردهما هو التنازع ولو الشأنی ؟

هذا ما یأتی الکلام عنه إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر ما یُلاحظ علی الجواب عن الروایتین الأُوْلَیْین - معتبرة إبراهیم بن عمر وصحیحة الحلبی - / الدلیل الثانی : التمسّک بالأصل العملی / الخلاف الثانی / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأربعاء 9 ذو القعدة 1433 ه_ 171)

الموضوع : الکلام فی المسألة الخامسة والأربعین : ذکر ما یُلاحظ علی الجواب عن الروایتین الأُوْلَیْین - معتبرة إبراهیم بن عمر وصحیحة الحلبی - / الدلیل الثانی : التمسّک بالأصل العملی / الخلاف الثانی / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی الرأی الثانی من الخلاف الأول وهو اعتبار القرعة فی القسمة وعدم الاکتفاء بالتراضی فی تحققها (1) وذکرنا أنه قد استُدلّ علیه بعمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها بدعوی شمولها لمحلّ الکلام فلا تصحّ القسمة من دون إجراء القرعة وقلنا إنه اعترض علیه باعتراضین تقدّم الجواب عن الثانی منهما ووصل الکلام الی الجواب عن الاعتراض الأول وکان حاصله أن دعوی اختصاص القرعة بما له تعیّن فی الواقع وتردّد فی مقام الظاهر ممنوعة فإن للقرعة بحسب الاستقراء موردین : ما له تعیّن واقعاً وما لیس له تعیّن فی الواقع وهی تجری فی کلا الموردین من دون اختصاص بأحدهما ونقلنا روایات ثلاثاً ساقها السید الماتن (قده) شواهد لجریان القرعة فی ما لا تعین له واقعاً وأجبنا عن الروایة الثالثة منهما وقلنا إن الروایتین الأُوْلَیْین یمکن أن یُجاب عنهما بأن موردهما وإن کان یدخل فی ما لا تعیّن له فی الواقع إلا أنه جارٍ فی صورة التنازع ولو کان شأنیّاً وحینئذ تخرج عن محلّ الکلام الذی هو صورة التراضی ومن هنا خصّ الشیخ الانصاری (قده) جریان القرعة فی ما لا تعیّن له فی الواقع بصورة التنازع وقد مَثّل لذلک بالتزاحم الواقع بین إمامین علی إقامة الجماعة أو الجمعة لغرض تحصیل الثواب فیتشاحّان فی ذلک فیُقرَع بینهما .

ص: 77


1- (1) أی القسمة .

ولکن یمکن أن یلاحظ علی ما تقدّم :

أولاً : إن التنازع إذا کان شأنیّاً فهو مما لا یخلو عنه مورد فیجری حتی فی محلّ الکلام فإن طبیعة الاشتراک والإشاعة مدعاة للتنازع ولو شأناً فیلغو حینئذ اشتراط تحقق التنازع لجریان القرعة کما تقدّم عن الشیخ الأعظم (قده) .

وثانیاً : إن دعوی اختصاص أدلة القرعة بصورة التنازع ناشئة من الخلط بین دلالة الأدلة علی الاختصاص وکون التنازع مورداً لها والذی یُفهم من الروایات المتقدّمة هو الثانی .

وثالثاً : إن ما ذُکر من قضیة تزاحم الإمامین علی صلاة الجمعة أو الجماعة ونظائرها الظاهر أنها أجنبیة عن محلّ الکلام فإنها فی الحقیقة راجعة الی أن من لم تخرج القرعة له یرفع الید عن حقّه إلی من خرجت القرعة له فمردّ إجراء القرعة فی باب التشاحّ الی التراضی بأن یرفع أحدهما یده عن حقّه ویقول لیأخذ هذا إمامة الجماعة أو الجمعة ولذا لا إشکال فی عدم توقف هذا علی إجراء القرعة فی ما إذا حصل التراضی بینهما وتنازل أحدهما للآخر ، وأما ما نحن فیه فشیء آخر (1) فإنّا لا نقول هنا بأن أحدهما یرفع یده عن حقه وإنما نقول إن کل واحد منهما یشخّص تمام الحقّ الثابت له فی سهم معیّن قبل تقسیم المال المشترک فالتراضی فی المقام غیر التراضی فی مسألة التشاحّ علی إمامة الجماعة والاکتفاءُ بالتراضی فیها لا یستلزم التراضی فی محل الکلام .

ومن هنا یتبیّن أن الصحیح فی المقام ما ذکره السید الماتن (قده) من أن القرعة تجری فی ما لا تعیّن له واقعاً کما تجری فی ما له تعیّن فی الواقع والتردّد بحسب الظاهر والصحیح أیضاً أن الأدلة فی جریان القرعة فی ما لا تعیّن له واقعاً لیست مختصة بصورة التنازع والتشاحّ بل تجری حتی فی صورة التراضی .

ص: 78


1- (2) وهذا الکلام مع الشیخ الأنصاری الذی یکتفی بالتراضی .

والنتیجة هی تمامیة ما استُدلّ به من عمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها (1) لاعتبارها فی القسمة وعدم الاکتفاء بالتراضی فی تحقّقها .. ولکن هل یکفی هذا لإثبات هذا القول فی مقابل القول الأول وهو کفایة التراضی فی القسمة ؟

الظاهر أنه لا یکفی وذلک لوجود فرق بین محلّ الکلام والموارد الأخری التی تشترک معه فی عدم التعیّن الواقعی کمورد الروایات المتقدمة فإن أدلة القرعة وإن جرت فی مورد الروایات ودلّت علی عدم کفایة التراضی فیه ولزوم إجراء القرعة إلا أنها فی محلّ الکلام لا تجری ، والسرّ فی ذلک أن القضیة فی مورد الروایات لیست مُتمحِّضة بالمتنازعین وإنما هناک جهة أخری لها ارتباط وهی حقّ الله تعالی حیث إنه لا یکفی تراضی العبید فی ما بینهم فی اختیار واحد من بینهم لیکون هو المُعتق فإن هذا کما لو کان تعیین الشاة الموطوءة فی ضمن قطیع بالتراضی مع المالک ومن المعلوم عدم صحة هذا، وبعبارة أخری إن التراضی لیس هو الطریق الشرعی فی هذه القضیة لتحدید من یُعتَق من هؤلاء العبید بل لا بد من مراجعة الشرع لمعرفة الطریق الذی عیّنه فی المقام (2) ، وأما فی محل الکلام (3) فلیس هناک جهة لها ارتباط بالقضیة غیر الشریکین نفسیهما فإن الأدلة العامة دلّت علی أن الانسان له حقّ التصرّف فی أمواله کیفما شاء فیهبها کلاً أو بعضها مجاناً أو بالتعویض فلا مانع لدی الشرع فی ما لو اتّفق الشریکان وتراضیا علی أن یقتسما العین المشترکة فی ما بینهما بحسب نسبة کل منهما فالتراضی هاهنا یکفی من غیر حاجة إلی القرعة بخلافه فی مورد الروایات فإن معنی قسمة العین بین الشریکین وإزالة الشیوع فیها هو أن یتنازل أحدهما للآخر عن حقّه الموجود فی هذه الحصة مقابل أن یتنازل الآخر للأول عن حقّه الموجود فی الحصة الأخری ومثل هذا الأمر مما لا تمنع منه الأدلة بل تُبیحه ولا مقتضی لإجراء القرعة فیه .

ص: 79


1- (3) وهو الدلیل الأول .
2- (4) وذلک الطریق هو القرعة .
3- (5) وهو القسمة بین الشرکاء .

وبعبارة أَوضح إن هناک قصوراً فی أدلة القرعة فی الشمول لمحلّ الکلام بالرغم من أننا قلنا بأنها تشمل ما له تعیّن واقعاً فتجری فیه القرعة کما أنها تشمل صورة التراضی فتجری فیه أیضاً (1) ، ومنشأ هذا القصور (2) هو أنه بعد تراضی الطرفین فی تحدید حصة کل منهما وعدم منع الأدلة من ذلک فلا یکون ثمة موضوع للقرعة حینئذ .

هذا بالنسبة الی الدلیل الأول (3) وقد تبیّن أنه غیر تام .

الدلیل الثانی : وهو التمسّک بالأصل العملی فإنه عندما تکون الأدلة اللفظیة غیر واضحة ویستحکم الشکّ فی المقام فی أنه هل یکفی التراضی أو لا یکفی وهل تجب القرعة أو لا تجب تصل النوبة إلی التمسّک بالأصل العملی ولا ریب أنّا إذا شککنا فی ترتّب الأثر بعد التقاسم بالتراضی فمقتضی الاستصحاب بقاء الشرکة وعدم ترتب الأثر فیبقی حق کل واحد منهما فی تمام المال علی حاله ولا یوجد موجب لارتفاعه فإذا أُرید فضّ الشرکة ورفع حالة الإشاعة فلا بد من إجراء القرعة فیثبت بذلک القول الثانی وهو عدم صحة القسمة من دون إجراء القرعة .

ولکن هذا الدلیل مخدوش فإن النوبة لا تصل الی التمسّک بالأصل العملی وذلک لقیام الدلیل علی کفایة التراضی وعدم اعتبار القرعة فی باب التقسیم وهو ما أشرنا إلیه من أن مقتضی الادلة العامة کقاعدة السلطنة الدالة علی أن الانسان حرّ فی التصرّف بما یملک بشتی أنواع التصرفات ومنها التنازل المشروط وغیر المشروط عن ملکه فإذا تراضی الشریکان علی القسمة بأن یتنازل کل منهما عن حصته فی السهم الذی وصل للآخر بعد التقسیم کفی ذلک من غیر حاجة إلی أن یقترعا بعد ذلک .

ص: 80


1- (6) کما تقدّم فی مورد الروایات حیث لا یکفی تراضی العبید علی اختیار واحد منهم بالتحدید لأن یُعتق .
2- (7) أی الذی یمنع أدلة القرعة من أن تجری فی المقام .
3- (8) وهو التمسّک بعمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها بدعوی شمولها لمحلّ الکلام .

هذا وقد تبیّن من خلال هذا البحث أن الأقرب فی الخلاف الأول (1) بحسب ما یُفهم من الادلة هو کفایة التراضی وعدم اعتبار القرعة فی تحقق القسمة .

الخلاف الثانی : فی أنه هل یُکتفی بالتراضی المقارن للقسمة أو لا بد من التراضی بعدها ؟

وهذا خلاف أشرنا الی المخالفین فیه سابقاً ، والظاهر أن هذا الخلاف الثانی لیس متفرعاً علی أحد القولین فی الخلاف الأول بل یجری علی کل تقدیر لأن القسمة سواء اکتفینا فیها بالتراضی - کما هو الصحیح أو اشترطنا فیها القرعة یمکن تصوّر جریان هذا النزاع فیها وهو أنه بناء علی الاکتفاء بالتراضی هل یُحتاج الی تراضٍ آخر أم یُکتفی بالتراضی الأول ، وبناء علی الحاجة إلی القرعة وعدم الاکتفاء بالتراضی فهل یُحتاج الی تراضٍ متأخر عن القرعة او لا یُحتاج ؟

هذا ما سیأتی الکلام عنه فی البحث اللاحق إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة السابعة والأربعین / حکم سماع دعوی أحد الشریکین وقوع الغلط فی القسمة بعد حصولها / الشروع فی المسألة الثامنة والأربعین وبعدها فی المسألة التاسعة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم السبت 19 ذو القعدة 1433 ه_ 177)

الموضوع :- الکلام فی المسألة السابعة والأربعین / حکم سماع دعوی أحد الشریکین وقوع الغلط فی القسمة بعد حصولها / الشروع فی المسألة الثامنة والأربعین وبعدها فی المسألة التاسعة والأربعین / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

ص: 81


1- (9) وهو فی أن القرعة معتبرة فی مفهوم القسمة أو غیر معتبرة .

کان الکلام حول مدی سماع دعوی أحد الشریکین وقوع الغلط فی القسمة بعد حصولها ؟

والمقصود بالغلط المدّعی من قبل أحد الشریکین فی المقام هو حصول الزیادة والنقیصة فی القسمة أو وبعبارة أخری أن القسمة غیر عادلة وقلنا إن هذا المعنی أعم من أن یکون عن عمد أو خطأ ، ومن هنا قلنا بأن الدعوی تنسجم مع افتراض کل منهما .

إذا تبیّن هذا فنقول إن الخصم فی هذه الدعوی هو الشریک الآخر دائماً لأنه طرف القضیة فأحد الشریکین عندما یدّعی أن القسمة التی حصلت فیها زیادة ونقصان هو فی الحقیقة یوجّه الخطأ فیها إلی الشریک الآخر الذی هو المدّعی علیه فکأنه یطالبه بإلغاء هذه القسمة لأن فیها جوراً علیه .

ولا فرق فی هذا بین أن یکون من مارس عملیة التقسیم هو الشریک الآخر نفسه أو یکون شخصاً آخر وحینئذ یقع الکلام فی هذه الدعوی (1) فهل تُسمع بدون بیّنة أو لا تُسمع أو قل هل للمدّعی إحلاف المُدّعی علیه أم لیس له ذلک ؟ بعد الفراغ عن سماع هذه الدعوی مع البیّنة فإنه لا إشکال فی أنه حینئذ یُحکم علی طبق البیّنة ببطلان هذه القسمة وعود المال مشترکاً بینهما فالکلام إذاً فی إذا لم تکن له بینة فی البین .

والجواب فی المقام هو أن الشریک المُدّعی علیه تارة یُجیب بنفی العلم بدعوی الغلط أی الزیادة والنقصان - فی هذه القسمة وتارة یجیب بنفی الغلط واقعاً :

أما فی الحالة الأولی فالظاهر عدم سماع الدعوی بمعنی أنها مع عدم البیّنة لا یترتب علیها أثر فلا تقتضی یمیناً علی المُدّعی علیه وذلک باعتبار أن أصالة الصحة فی جانبه لأن قول المدّعی علی خلاف الأصل فعلیه إثبات دعواه فإن لم تکن له بینة فلیس له هنا إحلاف المُدّعی علیه لأنه یجیب بنفی العلم بوقوع الغلط فی القسمة والمدّعی لا یُکذّبه فی ما یقول - إذ لیس المفروض هاهنا دعوی کون المدّعی یدّعی علم المُدّعی علیه بالغلط فإن هذا فرع آخر سیأتی الحدیث عنه - وعلی ذلک فلیس من حقّ المدّعی مطالبة المُدّعی علیه بالیمین بعد أن لم تکن له بیّنة علی دعواه لأن الحلف فی محلّ الکلام یجب أن یتطابق مع الدعوی فإذا کانت الدعوی هی وقوع الغلط فی القسمة فالیمین لو طُلب من المُدّعی علیه فلا بد أن یقع علی نفی الغلط فی القسمة أیضاً ومع افتراض أنه جاهل والمدّعی لا یُکذّبه فی دعواه بعدم العلم فلا معنی لأن یُطلب منه الیمین علی نفی الغلط (2) .

ص: 82


1- (1) أی دعوی الغلط من قبل أحد الشریکین بعد القسمة .
2- (2) أی نفی ما یدّعیه المدّعی .

والحاصل أنه فی هذه الحالة إذا لم تکن للمدّعی بینة فلا تُسمع دعواه .

ولکن هل هذا یعنی سقوط الدعوی أصلاً من جهة عدم تمکن المُدّعی علیه من الحلف علی نفی ما یدّعیه المدّعی باعتباره جاهلاً وغیرُ العالم لا یُطلب منه الیمین علی نفی الواقع .

هذا الکلام طرحناه فی ذیل المسألة العاشرة وقلنا هناک بأنه لا موجب لسقوط الدعوی فعندما یتعذر الیمین علی المُدّعی علیه لعدم علمه فلا موجب لسقوط الدعوی أصلاً إذ بإمکانه أن یردّ الیمین علی المدّعی فإنه حقّ ثابت للمدّعی علیه سواء تمکن من الیمین أم لم یتمکن کما أقمنا الشواهد علیه من الروایات فی البحث المزبور ، نعم .. إذا لم یردّ الیمین تصدّی الحاکم لردّها علی المدّعی فإذا حلف المدّعی کسب الدعوی وهذا معناه أن الدعوی لا ینحصر طریق إثباتها بالبیّنة بل یمکن إثباتها بهذا الطریق أی بالیمین المردودة علی المدّعی إما من قبل المُدّعی علیه أو من قبل الحاکم .

وأما فی الحالة الثانیة - وهی ما إذا أجاب الشریک الثانی بنفی الغلط فی القسمة (1) - فالظاهر سماع الدعوی فإنها کأیّ دعوی أخری یکون فیها طرفان : مدّع ومنکر فإذا لم تکن للمدّعی هاهنا بینة علی وقوع الغلط الذی یدّعیه فی القسمة توجّهت الیمین للمدّعی علیه فإذا حلف علی نفی وقوع الغلط ثبتت صحة القسمة وإن لم یحلف وردّ الیمین - هو أو الحاکم علی الخلاف المذکور فی تلک المسألة (2) علی المدّعی وحلف هذا الأخیر ثبت وقوع الغلط فی هذه القسمة وحُکم ببطلانها حینئذ .

ص: 83


1- (3) أی أنکر الغلط الذی یدّعیه المدّعی فی القسمة .
2- (4) أی العاشرة .

هذا کله فی دعوی الغلط المجردة أی وقوع الزیادة والنقیصة فی القسمة وتبیّن أن الدعوی تکون مسموعة فی جمیع صور هذا الفرض من کون القاسم هو الشریک أو شخصاً آخر وغیر ذلک .

نعم .. لهم کلام فی ما إذا کان القاسم هو الحاکم أو المعیّن من قبله وأما فی غیر هذه الحالة فالدعوی تکون مسموعة غایة الأمر أن المُدّعی علیه إن أجاب بعدم العلم لم یُطلب منه الیمین ولیس من حقّ المدّعی إحلافه علی نفی الواقع لکن من حقّه ردّ الیمین علی المدّعی کما ذکرنا - ، وأما إذا أجاب (1) بنفی وقوع الغلط فی القسمة فیُطلب منه الیمین حینئذ .

وأما إذا ادّعی المدّعی علم الشریک بالغلط ففی هذه الحالة هل تُسمع الدعوی أم لا ؟

الظاهر أن المشهور بینهم سماع الدعوی وللمدّعی إحلاف الشریک وهو المُدّعی علیه - علی نفی العلم بوقوع الغلط فی هذه القسمة وهنا فرضان :

الأول : أن تکون دعوی العلم (2) دعوی مجردة (3) .

الثانی : أن تکون دعوی العلم مُستبطَنَة فی دعوی الغلط فکأن المدّعی هنا یدّعی أمرین : وقوع الغلط بالقسمة وعلم المُدّعی علیه بذلک فدعواه فی الحقیقة عبارة عن دعویین .

أما علی الفرض الأول فالملاحظ علیه أنه لا توجد فائدة وثمرة عملیة من هذه الدعوی فإنه علی تقدیر أن یثبت علم المُدّعی علیه بالغلط لا یترتب علی ذلک ثبوت الغلط واقعاً وبالتالی بطلان القسمة لعدم الملازمة بین الأمرین حتی لو کان طریق إثبات المُدّعی علیه بالغلط هو البیّنة .

ص: 84


1- (5) أی المدّعی علیه .
2- (6) أی دعوی المدّعی علم الشریک بالغلط .
3- (7) أی التی مضمونها مجرد دعوی المدّعی علم المُدّعی علیه بوقوع الغلط فی القسمة .

ومن هنا یکون سماع هذه الدعوی المجردة محل تأمل .

ولکن الظاهر أن الأصحاب اتّفقوا علی سماع هذه الدعوی وأن المدّعی له إحلاف المُدّعی علیه بنفی العلم وظاهرهم أنه تترتب علیها الآثار بمعنی أنه إذا حلف علی نفی العلم سقطت الدعوی وصحّت القسمة وإن لم یحلف وردّ الیمین علی المدّعی وحلف هذا الأخیر علی علم المُدّعی علیه فیظهر أنه یثبت الغلط فی القسمة ویُحکم ببطلانها ولکن فی ما ذکروه تأمل کما أشرنا .

وأما علی الفرض الثانی فلا مانع من سماع هذه الدعوی ویکون حالها کحال أیّ دعوی أخری فإذا اعترف المُدّعی علیه ثبتت الدعوی وإذا أنکر کان للمدّعی إحلافه فإذا حلف سقطت الدعوی وصحّت القسمة وإذا امتنع کان له ردّ الیمین علی المدّعی فإذا حلف ثبتت دعواه وبطلت القسمة .

الشریک ذلک فلا محذور فی قبول سماع هذه الدعوی وإذا لم تکن بینة فللمدّعی إحلاف المُدّعی علیه علی نفی الغلط لأنه أنکر الغلط وأنکر علمه به فی هذه القسمة .

هذا ما یمکن أن یقال فی هذا المقام وبه یتم الکلام فی هذه المسألة .

ثم قال (قده) فی المسألة الثامنة والأربعین :

" القسمة عقد لازم فلا یجوز لأحد الشریکین فسخه ، ولو ادّعی وقوع الغلط والاشتباه فیها فإن أثبت ذلک بالبینة فهو وإلا فلا تسمع دعواه ، نعم .. لو ادّعی علم شریکه بوقوع الغلط فله إحلافه علی عدم العلم " .

خصّص (قده) عدم جواز فسخ عقد القسمة بما إذا أراد ذلک أحد الشریکین وأما لو أراده کلا الشریکین بالتراضی أو بالتقایل بتعبیر آخر فالذی قرّبناه هو الجواز وأن القسمة تقبل الإقالة لإطلاق أدلة الإقالة .

ص: 85

ویلاحظ علی ما ذکره (قده) من أنه إذا لم یأت ببینة علی دعواه وقوع الغلط والاشتباه فی القسمة فلا تکون دعواه مسموعة أنه إن أجاب المدّعی بنفی الغلط فتُسمع الدعوی کأیّ دعوی أخری یکون فیها مدّع ومنکر فإذا لم یأت المدّعی ببینة یُطلب من المنکر الیمین علی نفی الغلط ، وأما إذا أجاب بنفی العلم فهنا مجال لدعوی أنه لا یُطلب منه الیمین علی نفی وقوع الغلط واقعاً لکونه جاهلاً به ولکن لیس معنی ذلک انسداد باب الدعوی وأنها لا یکون لها أثر بل لها أثر وهو إمکان ردّ الیمین علی المدّعی من قبل المُدّعی علیه .

وأما ذکره (قده) بقوله : " لو ادّعی علم شریکه بوقوع الغلط فله إحلافه علی عدم العلم " فلا یخلو من تأمل .

ثم قال (قده) فی المسألة التاسعة والأربعین :

" إذا ظهر بعض المال مستحقاً للغیر بعد القسمة فإن کان فی حصة أحدهما دون الآخر بطلت القسمة ، وإن کان فی حصتهما معاً فإن کانت النسبة متساویة صحت القسمة ، ووجب علی کل منهما ردّ ما أخذه من مال الغیر إلی صاحبه ، وإن لم تکن النسبة متساویة ، کما إذا کان ثلثان منه فی حصة أحدهما وثلث منه فی حصة الآخر بطلت القسمة أیضاً " .

خلاصة کلامه (قده) أن هذا البعض من المال الذی ظهر مستحقاً للغیر تارة یکون بعضاً معیّناً وأخری یکون بعضاً مشاعاً (1) .

ثم إن البعض المعیّن المستحق للغیر تارة یکون معیّناً فی حصة أحد الشریکین وأخری یکون فی حصة کل منهما وهذا الشق الأخیر تارة یکون بالتساوی وتارة یکون مع التفاوت .

ص: 86


1- (8) والسید الماتن (قده) لم یُشر إلی هذا الفرض ولکن الفقهاء (رض) أشاروا إلیه (منه دامت برکاته) .

وأما إذا کان البعض المستحق للغیر مشاعاً فتارة یکون مشاعاً فی حصة أحدهما وأخری یکون مشاعاً فی کلتا الحصتین علی نحو التساوی .

ومثال القسم الأول من المشاع ما لو ترک المیت ولداً وزوجة فجرت قسمة المیراث ثم ظهرت له زوجة أخری فهذه الزوجة الأخری تشترک علی نحو الإشاعة مع الزوجة الأولی فی حصتها من المیراث وهی الثمن .

وسیأتی الکلام فی هذه الصور إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : فی مدی جواز استقلال المدّعی بانتزاع ماله أو التقاصّ من مال آخر فی صورة ما إذا کان المال عیناً / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) . بحث الفقه

(بحث یوم الأحد 19 ذو الحجة 1433 ه_ 188)

الموضوع : الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : فی مدی جواز استقلال المدّعی بانتزاع ماله أو التقاصّ من مال آخر فی صورة ما إذا کان المال عیناً / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین ولا بد من إعادة شرحها استدراکاً علی ما تقدّم فی البحث السابق فأقول :

موضوع هذه المسألة ما إذا کان الحقّ - الذی یرید صاحبه التوصّل إلیه والموجود بید شخص آخر مالاً (1) فالکلام یقع فی أن من یدّعی کون المال الموجود بید شخص آخر هو له فهل یجوز له الاستقلال بانتزاعه أو التقاصّ من مال آخر لذلک الشخص أم أن هذا التصرف بحاجة إلی مراجعة الحاکم الشرعی ، وقلنا إن الکلام تارة یقع فی ما إذا کان المال عیناً وأخری فی ما إذا کان دیناً :

ص: 87


1- (1) وأما إذا کان الحقّ من قبیل العقوبة فقد تقدّم بیانه سابقاً فلا نعید (منه دامت برکاته) .

أما إذا کان المال عیناً فالکلام یقع فی أنه هل یجوز لمن یدّعی ملکیة عین أن ینتزعها ممن هی بیده أو یُقاصّه من مال آخر لو وقع بیده ؟

هاهنا صور :

الصورة الأولی : ما إذا تمکّن من انتزاع العین ولم یلزم من ذلک محذور شرعی أو أیّ تصرف محرّم فی أموال الشخص الذی بیده العین .. وهنا لا إشکال فی جواز الانتزاع .

الصورة الثانیة : ما إذا تمکّن من انتزاع العین ولکن لزم من ذلک وقوع فتنة عظیمة تراق فیها الدماء وتُهتک فیها الأعراض ونحو ذلک .. وهنا لا إشکال فی عدم جواز الانتزاع .

الصورة الثالثة : ما إذا تمکّن من انتزاع العین ولزم من ذلک تصرّف محرّم بإلحاق الضرر بمن فی یده العین کتمزیق ثیابه أو کسر بابه ونحو ذلک فهنا هل یکون الانتزاع حینئذ جائزاً أو قل هل لهذا الشخص أن یستقل بانتزاع العین وإن لزم من ذلک التصرف المحرم أم لیس له ذلک ؟

وفی هذه الصورة فرضان :

الأول : أن یکون المدّعی متمکناً من الوصول إلی حقّه عن طریق الترافع إلی الحاکم الشرعی وإثبات حقّه عنده .

وهنا تارة یُفترض أنه لا یلزم من ذلک لحوق ضرر به والظاهر أنه فی هذه الحالة لا یجوز له الاستقلال بالانتزاع بل المتعیّن له الترافع إلی الحاکم الشرعی وذلک لعدم کونه مضطراً إلی ارتکاب الحرام ولأجله لا ترتفع حرمة التصرف الذی یلزم من الانتزاع بحسب الفرض .

وأخری یُفترض أنه یلزم من ذلک لحوق ضرر به ولو من جهة التأخیر فی استحصال حقّه ممن هو بیده ، وفی هذا الفرض هل یجوز له الانتزاع المستلزم للتصرف المحرّم أم لا ؟

ص: 88

قد یقال بالجواز بناءً علی عدم وجوب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغیر لأن المفروض أنه یتضرر من الترافع إلی الحاکم فلا یجب علیه الن یتحمل هذا الضرر لدفع الضرر المفروض لحوقه للغیر ککسر بابه أو تمزیق ثیابه .

وإن نوقش فی الجواز فلا أقل من تعارض الضرران وتساقطهما فیُرجع إلی عمومات السلطنة التی تقتضی جواز الانتزاع .. ولکنه لا یخلو من إشکال وإن لزم من الترافع کما هو المفروض لحوق الضرر علی الشخص الذی یدّعی الحقّ وذلک باعتبار أن المفروض فی محلّ الکلام أن المسألة داخلة فی باب الدعوی والمرافعة وأن من بیده العین یُنکر أن تکون للمدّعی ولا بد فی باب الدعوی لأجل الوصول إلی الحقّ المدّعی به من حکم الحاکم ومجرد اعتقاد الشخص أن العین له لا یسوّغ ارتکاب الحرام شرعاً .

وأما مسألة إدخال المقام فی کبری عدم وجوب تحمّل الضرر لدفع الضرر عن الغیر فالظاهر أنه لیس صحیحاً فإن المقام لا یدخل تحت هذه الکبری وإنما یدخل تحت کبری عدم جواز دفع الضرر عن النفس بإلحاق الضرر بالغیر وفرق شاسع بین الکبریین فإن الأولی إنما تُتصوّر فی ما لو توجّه الضرر ابتداء إلی الغیر فیقال إنه لا یجب علی الشخص أن یتحمل الضرر لکی یندفع الضرر عن الغیر ، وأما الکبری الثانیة فمفادها أنه لا یجوز أن یدفع الشخص الضرر عن نفسه بتوجیهه إلی الغیر وهذا إنما یُتصور کما قلنا عندما یکون الضرر متوجهاً ابتداء إلی الإنسان نفسه فیدفع هذا الضرر عنه بإلحاقه بالغیر وهذا غیر جائز ، والمقام یدخل فی هذه الکبری الثانیة وذلک لأن الضرر فی محلّ الکلام الحاصل من الترافع ولو باعتبار التأخیر متوجه ابتداء إلی هذا الشخص المدّعی فهو یرید أن یدفع هذا الضرر عن نفسه بأن لا یترافع بل ینتزع العین من ید المُدّعی علیه ویُلحق به الضرر وهذا غیر جائز .

ص: 89

وعلی کل حال فالأحوط فی هذا الفرض إن لم یکن أقوی عدم الاستقلال بالانتزاع بل لا بد من الترافع إلی الحاکم الشرعی وإن لزم الضرر من جرّاء ذلک کالتأخیر ، والسرّ فیه أن المسألة تدخل فی باب الترافع والدعوی وفی هذا الباب لا یمکن التوصّل إلی الحق إلا عن طریق حکم الحاکم الشرعی وإلا فإن کل مدّع هو یعتقد أن المال له فلو أُجیز لکل مدّع أن ینتزع المال ممن هو بیده مع کونه منکراً لاستحقاق المدّعی له لاعمّت الفوضی واختلّ النظام فلا بد إذاً من الترافع وإن لزم منه الضرر علی المدّعی کالتأخیر فی استحصال حقّه .

الفرض الثانی : ما إذا کان غیر متمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی سواء لم یتمکن من ذلک أصلاً أو تمکن منه لکنه کان عاجزاً عن إثبات حقّه عنده ففی هذه الحالة هل یجوز الانتزاع أم لا ؟

قد یقال هنا بالجواز باعتبار انحصار الوصول إلی حقّه بالانتزاع فالمحکّم حینئذ التمسّک بعمومات السلطنة القاضیة بالجواز .

ولکن یسری هنا الإشکال السابق وهو أن کلامنا فی ما إذا کان من بیده العین یُنکر ما یدّعیه علیه المدّعی وهذا غیر ما لو کان الغاصب معترفاً بأن العین للشخص الذی یدّعیها ولکنه یمتنع عن إرجاعها له فإن لهذه الصورة حکمها الخاص وهو أنه یدخل فی باب الدفاع عن الأموال فیجوز له انتزاع ماله بأیّة کیفیة کانت کما تقدّمت الإشارة إلیه فی البحث السابق وتدل علی ذلک نفس روایات الدفاع عن الأموال بعد تعمیمها لاسترداد المال بعد أخذه حیث إن هذه الروایات لا تختص بالدفاع عن الأموال قبل أخذها ومنع الغیر من الاستیلاء علیها وإنما تشمل بتنقیح المناط والاستظهار العرفی أخذ المال ولو بالقوة ممن غصبه ، وأما إذا کان من بیده المال یُنکر لاسیما إذا کان إنکاره عن حقّ فحینئذ تدخل المسألة فی باب الدعوی والمرافعة وأما کون المدّعی لا یتمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی فلا یُبرر بحدّ ذاته الانتزاع المستلزم للتصرف المحرّم بالإضرار بالغیر والأدلة لا یظهر منها الجواز فالقول به لا یخلو من إشکال .. مضافاً إلی ما یلزم من الجواز من انتشار الفوضی واختلال النظام إذ أن کل من یدّعی شیئاً یری أن الحقّ له فإذا فُرض أنه لیس له بیّنة لیتمکن من إثبات حقّه عند الحاکم الشرعی أو کانت عنده بیّنة ولکنه لم یکن متمکناً من الوصول إلیه وأجیز له مع ذلک أن ینتزع المال ممن کان بیده مع کون هذا منکراً لما یدّعیه علیه لزم من ذلک المحذور المشار إلیه من اختلال النظام فالظاهر أن القول بالجواز لیس بمنأی عن الإشکال .

ص: 90

وقد یقال فی مقابل ذلک بجواز التقاصّ لا الانتزاع فیجوز للمدّعی إذا ما وقع عنده مال الشخص الآخر أن یأخذ منه بمقدار حقّه من العین وهذا یستند فی المقام إلی إطلاق بعض الروایات کصحیحة البقباق وصحیحة داود بن رزین أو زربی علی ما تقدّم - :

أما الأولی فهی عن أبی العباس البقباق : " أن شهاباً ماراه فی رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلک ألف درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مکان الألف الذی أخذ منک فأبی شهاب ، قال : فدخل شهاب علی أبی عبد الله (علیه السلام) فذکر له ذلک فقال : أما أنا فأحبّ إلی أن تأخذ وتحلف " (1) أی تأخذ بمقدار العین وتحلف علی أن لک الحقّ .

والاستدلال بهذه الصحیحة مبنی علی افتراض إطلاقها وشمولها لمحلّ الکلام وهو ما إذا کان المال عیناً .

وأما الثانیة فهی عن داود بن رزین : " قال : قلت لأبی الحسن (علیه السلام) : إنی أخالط السلطان فیکون عندی الجاریة فیأخذونها أو الدابة الفارهة فیبعثون فیأخذونها ثم یقع لهم عندی المال فلی أن آخذه ؟ قال : خذ مثل ذلک ولا تزد علیه " (2) .

وهذه الروایة صریحة فی أن المال عین لأجل ذکر الجاریة والدابة فیها ویُستدلّ بها علی جواز التقاصّ بمقتضی إطلاقها سواء تمکن من الترافع أم لم یتمکن منه ولا أقل من أن القدر المتیقَّن منها هو عدم التمکن الذی هو محلّ الکلام فعلاً .

ص: 91


1- (2) الاستبصار مج3 ص53 ، الوسائل مج17 ص272 .
2- (3) التهذیب مج6 ص338 ، الوسائل مج17 ص214 .

والاستدلال بهاتین الروایتین ناقشنا فیه فی البحث السابق :

أما بالنسبة إلی صحیحة داود فالظاهر أنها ناظرة فی تجویزها للمقاصة إلی صورة عدم التمکن من الانتزاع بقرینة أن الآخذ للجاریة والدابة الفارهة هو السلطان ولذا انتقل الراوی إلی ما یقدر علیه من الأخذ من أموالهم التی تقع بیده فی حین أن محلّ الکلام إنما هو التمکن من الانتزاع مع عدم التمکن من الوصول إلی حقّه بالترافع إلی الحاکم الشرعی .

ومع الغضّ عن ذلک فالروایة لیس فیها إطلاق یشمل صورة التمکن من الانتزاع فلعله فی هذه الصورة لا یجوز التقاصّ ولذلک لا یصح الاستدلال بهذه الروایات علی جواز التقاصّ لأن المتیقن منها هو صورة عدم التمکن من الانتزاع ولعل جواز التقاصّ مختص بهذه الصورة دون غیرها .

وأما بالنسبة إلی صحیحة البقباق فقد شکّکنا - فی البحث السابق - فی إطلاقها لمحل الکلام حیث قلنا إن الظاهر أنها لا تشمل العین لأن المأخوذ فیها عبارة عن نقد وهو ألف درهم وهو عادة لا یبقی متمیزاً حیث یتصرّف فیه الآخذ إما بالتبدیل أو الاختلاط بأمواله وهذا بحکم التلف للعین المأخوذة فحینئذ تنتقل الألف درهم إلی الذمة فتصبح دیناً فلیس ثمة عین فی البین حتی تُنتزع ممن هی بیده مع أن محلّ الکلام فی ما إذا کانت العین متمیزة فیقع الکلام حینئذ فی أنه هل له أن ینتزعها بدون مراجعة الحاکم الشرعی أم لا یجوز له ذلک .. إذاً فالروایة لیس فیها إطلاق لیشمل العین والدین بل هی ناظرة إلی خصوص الدین حتی مع افتراض أن المأخوذ هو الدراهم .

ویمکن أن یقال إن هذه الروایة لعلها ناظرة أیضاً إلی صورة عدم إمکان الانتزاع ولکن باعتبار عدم بقاء المأخوذ متمیزاً بنفسه ، وجواز التقاصّ مع عدم إمکان الانتزاع لا یستلزم جواز التقاصّ مع إمکان الانتزاع الذی هو محلّ الکلام فالالتزام بجواز التقاصّ استناداً إلی إطلاق هذه الروایات لیس واضحاً .

ص: 92

هذا کلّه فی ما إذا کان المال عیناً ، وأما إذا کان دیناً فسیأتی الکلام فیه إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : فی مدی جواز استقلال المدّعی بانتزاع ماله أو التقاصّ من مال آخر فی صورة ما إذا کان المال دیناً / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الاثنین 20 ذو الحجة 1433 ه_ 189)

الموضوع : الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : فی مدی جواز استقلال المدّعی بانتزاع ماله أو التقاصّ من مال آخر فی صورة ما إذا کان المال دیناً / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

تقدّم الکلام فی ما إذا کان المال عیناً ویقع الکلام فی هذا البحث فی ما لو کان المال دیناً فالسؤال هنا أیضاً حول مدی جواز المقاصة من مال الخصم فهل یجوز للدائن أن یقتص من مال المدین بمقدار دینه فی ما لو وقع مالٌ للمدین فی یده أم لا ؟

والکلام هنا تارة یکون بلحاظ مقتضی القاعدة وأخری یکون بلحاظ مقتضی الروایات :

أما بلحاظ مقتضی القاعدة فالظاهر عدم الجواز وذلک باعتبار أن الدائن وإن کان یملک المقدار المعیّن لکنه یملکه فی ذمة المدین ومن الواضح أن انطباق ما فی الذمة علی ما فی الخارج لیس انطباقاً قهریاً بل یحتاج إلی قصد من الدافع وقبض من المدفوع له فالدافع إذا قصد بالمال الخارجی الذی یدفعه للدائن أن یکون أداء عما فی الذمة فحینئذ یتعیّن أن یکون أداء عما فی الذمة وبدلاً عنها وأما إذا لم یقصد (1) ذلک فحینئذ لا یتحقق انطباق ما فی الذمة علی ما فی الخارج بل تبقی الذمة مشغولة وما یأخذه الدائن لا یصدق علیه أنه أداء للدین .

ص: 93


1- (1) أی الدافع الذی هو المدین فی محلّ الکلام .

وبعبارة أخری : أن أداء الدین من العناوین القصدیة التی لا بد من قصدها حتی تتحقق فإذا أُدّی المدین الدین قاصداً أداء ما فی ذمته بهذا المال الذی دفعه فحینئذ یقال إن ما فی الذمة ینطبق علی الذی دفعه فیحصل الأداء ویسقط ما فی الذمة وأما من دون هذا القصد فلا یتحقق الانطباق المزبور ولا تفرغ الذمة المشغولة کما لو وقع اتفاقاً مال للمدین فی ید الدائن من غیر أن یکون المدین قد قصد به أداء ما فی ذمته ولکن الدائن اعتبره کذلک فمثل هذا لا یتحقق به الانطباق ولا یسقط ما فی ذمة المدین له بل یبقی المال المأخوذ من قبل الدائن مملوکاً للمدین .

ومن هنا فإن مقتضی القاعدة أن الانطباق لا یتحقق بالتقاصّ من دون علم المدین ورضاه وقصده وبالتالی فإن المال الذی وقع تحت ید الدائن لا یکون بدلاً عمّا یملکه فی ذمة المدین .

وأما بلحاظ الروایات فلا إشکال فی أنها تدل علی جواز التقاصّ فی الجملة وبنحو القضیة المهملة فی محلّ الکلام - وهو ما إذا کان المال دیناً - وبهذه الروایات نخرج عن مقتضی القاعدة المتقدّم وهذا لیس محلاً للإشکال وإنما الکلام یقع فی مقدار ما تدل علیه هذه الروایات فهل تفید جواز التقاصّ فی جمیع الصور المتصوّرة التی سیأتی استعراضها أم أنها تدل علی الجواز فی بعض هذه الصور ولذا لا بد أولاً من ذکر الصور المتصوّرة فی المقام ثم عرضها علی الروایات لنری أنها هل تدل علی جواز التقاصّ فی کل صورة من هذه الصور أم أنه لیس لها دلالة علی ذلک :

الصورة الأولی : ما إذا فُرض أن الخصم وهو المدین مقرّ بالدین وباذل له فیقع الکلام فی أنه هل یجوز للدائن فی هذه الحالة التقاصّ منه أم لا .

ص: 94

الصورة الثانیة : ما إذا فُرض أن الخصم جاحد للدین أو مماطل به (1) ولیس للمدّعی بیّنة تُثبت دینه أو کانت له بینة ولکنه کان یتعذّر علیه الوصول إلی الحاکم لإثبات حقّه ، وبعبارة أخری : أن المدّعی للدین لیس له طریق لکی یُثبت حقه عند الحاکم إما لتعذّر الوصول إلیه أو لعدم توفّر البیّنة وإن تیسّر الوصول إلیه فیقع الکلام هنا فی أنه هل یجوز للدائن التقاصّ أم لا .

الصورة الثالثة : ما إذا فُرض أن الخصم جاحد للدین أو مماطل به وکان للمدّعی بینة وأمکنه الوصول إلی الحاکم وإثبات حقّه عنده وفی هذه الصورة یقع الکلام أیضاً فی أنه هل یجوز للدائن التقاصّ أم لا یجوز له ذلک .

الصورة الرابعة : ما إذا فُرض أن الخصم مقرّ بالدین ولکنه کان ممتنعاً من الأداء فهل یجوز للدائن فی هذه الحالة التقاصّ أم لا یجوز له .

وهذه الصورة قد دخلت ضمناً فی الصورتین الثانیة والثالثة ولذا لا داعی للخوض فیها بهذا الطرح لأننا ألحقنا الممتنع المماطل بالجاحد فی تَیْنِکَ الصورتین .. ولکن یمکن طرحها بشکل لا تکون داخلة فی الصورتین المذکورتین وهو ما إذا کان الخصم ممتنعاً بحقّ بأن کان لا یعلم بثبوت المال بذمته لهذا الدائن - کما لو کان ناسیاً أو کان یعتقد الأداء - فی مقابل الممتنع بغیر حقّ وهو المماطل .

هذه هی الصور المتصوّرة فی المقام وأقول :

ص: 95


1- (2) - بمعنی أنه مقرّ بالدین غیر باذل له بل هو ممتنع من أدائه فهو بحکم الجاحد کما صرّح بذلک الشهید فی المسالک (منه دامت برکاته) .

أما الصورة الأولی وهی ما إذا کان الخصم مقرّاً بالدین باذلاً له فهنا لا خلاف ولا إشکال فی عدم جواز التقاصّ وذلک لأن اختیار کیفیة قضاء الدین وتعیین ما فی الذمة فی المال الخارجی إنما یکون بید المدین فلا یحق للدائن حینئذ التقاصّ مما یقع بیده من ماله کما لا یجوز إجباره (1) علی کیفیة قضائه للدین بل قالوا بأنه لا إشکال فی عدم الجواز حتی فی ما لو کان المدین غائباً أو محبوساً ما دام مقرّاً بالدین وباذلاً له فیلزم الدائن حینئذ انتظار عوده من غیبته أو إطلاق سراحه من حبسه ، نعم .. استُثنی من ذلک ما لو کان یتضرر الدائن بالانتظار فهنا یجوز التقاصّ ولکن بعد مراجعة الحاکم الذی یحقّ له تعیین ما فی ذمة المدین بالمال الخارجی فی هذه الحالة فیأخذ الدائن الإذن منه فی التقاصّ لأن التعیین - کما ذکرنا - حقّ للمدین .

وأما بالنسبة إلی الصورة الثانیة - وهی ما إذا کان الخصم جاحداً أو مماطلاً مع عدم قدرة الدائن علی إثبات حقّه عند الحاکم إما لعدم وجود بینة أو کان لا یتمکن من الوصول إلی الحاکم فالظاهر عندهم أیضاً عدم الخلاف فی أنه یجوز له التقاصّ بمقدار حقّه بل ادّعی قیام الإجماع بقسمیه (2) علی ذلک بل یمکن أن یقال إن هذه الصورة هی القدر المتیقَّن من مفاد النصوص ، ولو کان ثمة شک فإنما هو فی شمول النصوص للصورة الثالثة الآتیة وهی صورة تمکن المدین من انتزاع حقّه عن طریق الترافع فیقال إنه إذا کان متمکناً فلماذا یُجوَّز له التقاصّ - .

ص: 96


1- (3) أی المدین .
2- (4) أی المحصّل والمنقول .

واستُدل علی ذلک بإطلاق النصوص وشمولها لهذه الصورة الثانیة أو لکون هذه الصورة هی القدر المتیقَّن من موردها وعلی کلا التقدیرین یصح الاستدلال بها وعمدتها من حیث السند معتبرة أبی بکر الحضرمی عن أبی عبد الله (علیه السلام) :

" رجل کان له علی رجل مال فجحده إیّاه وذهب به ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله أیأخذه منه مکان ماله الذی ذهب به منه ذلک الرجل ؟ قال : نعم .. ولکن لهذا کلام یقول : (اللّهم إنی آخذ هذا المال مکان مالی الذی أخذه منی وإنی لم آخذ ما أخذت منه خیانة ولا ظلماً) " (1) .

والتعبیر ب_(رجل کان له علی رجل مال) یُفهم منه الدین فتتعلق هذه الروایة بمحل الکلام .

أما سند هذه الروایة فمعتبر کما وصفنا وإن کان هناک کلام فی أبی بکر الحضرمی ولکننا نبنی علی وثاقته باعتبار روایة بعض المشایخ عنه بأسانید صحیحة فقد روی عنه ابن أبی عمیر فی الوسائل الباب 17 من أبواب النکاح المحرّم الحدیث الأول وروی عنه صفوان فی الباب 17 من أبواب حدّ القذف الحدیث السابع وهذا بنظرنا یکفی لإثبات توثیق الرجل .. مضافاً إلی أن هناک روایات موجودة فی الکشی یظهر منها حسن الرجل وهی إن نوقش فی صحة سندها فلا أقلّ من صلاحیتها للتأیید حینئذ والمقدار المذکور من روایة بعض المشایخ عنه بأسانید صحیحة کافٍ فی القول بوثاقته ولا داعی للخوض فی کلام خاضوا فیه کثیراً حول هذا الرجل .

نعم .. هناک شیء وهو أن أبا بکر الحضرمی بهذا العنوان مشترک بین شخصین أحدهما عبد الله بن محمد الحضرمی والآخر محمد بن شریح الحضرمی وهذا الثانی کنّاه الشیخ (قده) بأبی بکر فیثبت له عنوان أبی بکر الحضرمی أیضاً والأول مکنّی أیضاً بأبی بکر فیشترک هذا العنوان بین هذین الشخصین إلا أنه مع ذلک لا مشکلة فی البین لأن محمد بن شریح قد نصّ النجاشی علی وثاقته مضافاً إلی أن المعروف بهذه الکنیة والذی تنصرف هذه الکنیة إلیه عند الإطلاق هو عبد الله بن محمد الذی روی عنه ابن ابی عمیر وصفوان فالنتیجة أن أبا بکر الحضرمی ثقة سواء کان هو عبد الله بن محمد أو کان هو محمد بن شریح .

ص: 97


1- (5) الکافی مج5 ص98 ، الوسائل مج17 ص274 .

هذا بالنسبة إلی سند هذه الروایة ، وأما بالنسبة إلی دلالتها فهی إما مطلقة فتشمل الصورة الثانیة أو أن القدر المتیقَّن من مفادها هو ذلک لأنّا قلنا إن المصیر إلی التقاصّ عندما یکون هناک طریق آخر للوصول إلی الحقّ وتحصیل الدین عن طریق الترافع فهذا یکون أصعب إثباتاً مما إذا کان لا یمکنه الترافع وبالتالی لا یمکنه من الوصول إلی حقّه بالوصول إلی الحاکم وحیث إن محلّ الکلام هو صورة عدم التمکن من الترافع فمن هنا تکون هذه الصورة هی القدر المتیقَّن من مفاد هذه الروایات فتدل هذه الروایات علی جواز التقاصّ فیها .

هذه هی الروایة العمدة فی المقام وهناک روایات أخری غیرها إلا أن أسانیدها لیست بذلک الوضوح :

منها : روایة جمیل بن درّاج :

" قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون له علی الرجل الدین فیجحده فیظفر من ماله بقدر الذی جحده أیأخذه وإن لم یعلم الجاحد بذلک ؟ قال : نعم " (1) .

وهذه الروایة یرویها الشیخ الطوسی (قده) بإسناده عن أحمد بن محمد بن عیسی (الذی هو ثقة بلا إشکال وطریقه إلیه لا بأس به) عن علی بن حدید عن جمیل بن درّاج عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، والمشکلة فی علی بن حدید فإنه لم یُوثّق ولیس هناک شیء واضح یدل علی وثاقته .

ومقتضی إطلاق هذه الروایة الشمول لما إذا کان متمکناً من الترافع أو کان غیر متمکن منه فتکون الصورة الثانیة مشمولة لها إما بالإطلاق أو لکونها هی القدر المتیقَّن من مفادها .

ص: 98


1- (6) التهذیب مج6 ص249 ، الوسائل مج17 ص275 .

ومنها : روایة علی بن جعفر :

قال : " سألته عن الرجل الجحود أیحل له أن یجحده مثل ما جحده ؟ قال : " نعم ، ولا یزداد " (1) .

وهذه الروایة مرویة فی الوسائل فی الباب 48 من کتاب الأیمان الحدیث الرابع وهو شبیه بما نقله (قده) فی هذا الباب أیضاً فی الروایة الأخیرة وهی الحدیث الثالث عشر وقد نقلها عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدّه علی بن جعفر عن أخیه موسی (علیه السلام) فی حین أنه فی باب الأیمان نقلها مباشرة عن کتاب علی بن جعفر فمن یبنی علی أن طریق الشیخ صاحب الوسائل (قده) إلی کتاب مسائل علی بن جعفر هو طریق صحیح بأمارات مذکورة فی محلّها فالروایة تکون معتبرة عنده سنداً بذاک الطریق وأما بهذا الطریق الثانی ففیه محمد بن الحسن ولم تثبت وثاقته ظاهراً ونحن نستشکل فی وجود طریق صحیح لصاحب الوسائل إلی کتاب علی بن جعفر وهو بحث ذکرناه سابقاً وقلنا فیه إن صاحب الوسائل عندما ینقل حدیثاً عن کتاب علی بن جعفر فهناک نحوان من النقل فتارة ینقله بتوسط التهذیب أو الاستبصار أو غیرهما من الکتب المعروفة الأخری ، وأخری ینقل عنه مباشرة وکلامنا فی هذا فما ینقله بتوسط أحد الکتب المعروفة کالتهذیب فلا إشکال فیه لأن الشیخ الطوسی (قده) حینما یوردها فی التهذیب فهو یملک طریقاً صحیحاً إلی علی بن جعفر وإنما الکلام فی طریق صاحب الوسائل مباشرة إلی الکتاب فإنه غیر واضح فما ینقله مباشرة عن الکتاب هناک تشکیک فی صحة السند فیه وإن کان هذا خلاف ما هو المعروف من البناء علی تصحیح روایات صاحب الوسائل عن کتاب علی بن جعفر حتی إذا نقلها مباشرة لا بتوسّط الشیخ الطوسی (قده) أو غیره کما ذهب إلی ذلک السید الخوئی (رض) وتلامذته .

ص: 99


1- (7) مسائل علی بن جعفر ص302 ، الوسائل مج17 ص276 .

ومنها : روایة عبد الله بن وضّاح :

" قال : کانت بینی وبین رجل من الیهود معاملة فخاننی بألف درهم فقدمته إلی الوالی فأحلفته فحلف وقد علمت أنه حلف یمینا فاجرة فوقع له بعد ذلک عندی أرباح ودراهم کثیرة فأردت أن اقتص الألف درهم التی کانت لی عنده وحلف علیها فکتبت إلی أبی الحسن علیه السلام وأخبرته أنی قد أحلفته فحلف وقد وقع له عندی مال فإن أمرتنی أن آخذ منه الألف درهم التی حلف علیها فعلت ؟ فکتب علیه السلام : لا تأخذ منه شیئاً إن کان قد ظلمک فلا تظلمه ولولا أنک رضیت بیمینه فحلّفته لأمرتک أن تأخذها من تحت یدک ولکنک رضیت بیمینه فقد مضت الیمین بما فیها فلم آخذ منه شیئاً وانتهیت إلی کتاب أبی الحسن علیه السلام " (1) .

وهذه الروایة ضعیفة سنداً بأبی عبد الله الجامورانی الذی هو ممن استثناه ابن الولید من کتاب نوادر الحکمة لمحمد بن أحمد بن یحیی ، وکذلک بالحسن بن علی بن أبی حمزة فإن فیه کلاماً .

وهذه الروایة صریحة فی أنه إذا حلّفه عند الحاکم فقد ذهبت الدعوی بالحقّ ولکن إذا لم یُحلّفه فبإمکانه أن یأخذ من ماله مقاصة ، ومقتضی إطلاقها أنه یجوز له ذلک (2) حتی إذا لم یتمکن من الترافع إلی الحاکم .

وهناک روایات أخری غیرها لا حاجة إلی ذکرها .. ومن هنا فلا إشکال فی الحکم بالجواز فی هذه الصورة .

ص: 100


1- (8) الکافی مج7 ص431 ، الوسائل الباب العاشر من ابواب کیفیة الحکم باب القضاء الحدیث الثانی مج27 ص246 .
2- (9) أی التقاصّ .

وأما الصورة الثالثة فسیأتی الکلام فیها إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : الصورة الثالثة وهی ما إذا کان الخصم جاحداً أو مماطلاً وفیها قولان الجواز وهو المشهور وعدم الجواز وهو قول المحقق فی النافع ومن وافقه / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الثلاثاء 21 ذو الحجة 1433 ه_ 190)

الموضوع : الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین : الصورة الثالثة وهی ما إذا کان الخصم جاحداً أو مماطلاً وفیها قولان الجواز وهو المشهور وعدم الجواز وهو قول المحقق فی النافع ومن وافقه / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

انتهی الکلام إلی الصورة الثالثة وهی ما إذا کان الخصم جاحداً أو مماطلاً (1) وکان للمدّعی بینة تثبت عند الحاکم وکان بإمکانه الوصول إلیه فهل یجوز له التقاصّ أو لا ؟

ذهب أکثر علمائنا (رض) إلی الجواز فی هذه الصورة حتی مع التمکن من الوصول إلی الحاکم (2) ، نعم .. خالف المحقق فی النافع لا فی الشرایع وذهب إلی عدم الجواز وحکم بلزوم الرجوع إلی الحاکم وأخذ الحقّ عن طریقه وهو المحکی عن جماعة آخرین منهم تلمیذه الفاضل الآبی صاحب کشف الرموز وکذلک فخر المحققین نجل العلامة .

واستدل للأول (3) بإطلاق بعض النصوص الواردة فی الباب وأن مقتضی إطلاقها جواز المقاصة حتی مع إمکان الترافع إلی الحاکم الشرعی فضلاً عن صورة عدم إمکان الترافع :

ص: 101


1- (1) بعد ما تقدّم من إلحاق المماطل بالجاحد .
2- (2) فضلاً عن الصورة الثانیة التی أُخذ فی مضمونها عدم تمکن المدّعی من الوصول إلی الحاکم .
3- (3) أی القول بالجواز .

منها : معتبرة أبی بکر الحضرمی المتقدّمة :

" قال : قلت : رجل کان له علی رجل مال فجحده إیّاه وذهب به ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله أیأخذه منه مکان ماله الذی ذهب به منه ذلک الرجل ؟ قال : نعم " (1) .

فإن مقتضی إطلاقها جواز التقاصّ فی صورة الجحود مطلقاً سواء کان قادراً علی الوصول إلی حقه عن طریق الترافع إلی الحاکم الشرعی أو لم یکن قادراً علی ذلک وإن کان هذا الإطلاق من جهة ترک الاستفصال فی مقام الجواب (2) .

ومنها : روایة جمیل بن درّاج المتقدمة التی قلنا إن فیها ضعفاً سندیاً فتکون مؤیدة لأنها بالمضمون نفسه ، وبترک الاستفصال أیضاً یمکن تعمیم الحکم - وهو جواز المقاصة - لصورتی التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی وعدم التمکن .

ولعل المتتبع یجد غیر ما تقدّم ذکره من الروایات من هذا القبیل .

هذه هی عمدة أدلة القول الأول .

ولکن استُشکل فی هذا الدلیل :

أولاً : بالمنع من إطلاقها (3) لمحل الکلام باعتبار أنها واردة مورد الغالب والغالب عدم التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی من جهة أن الزمان کان زمان تقیة وفی مثله یصعب جداً أن یترافع شخص إلی الحاکم الشرعی الواجد للشرائط واستنقاذ الحقّ عن طریقه (4) لاسیما وأن الدولة کانت هی المستقلة بتنصیب القضاة من أتباعها .. إذاً فالغالب هو عدم التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی والروایات منزّلة علی هذا الغالب ولذا یُشکّک فی وجود إطلاق فیها یشمل صورة التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی الذی هو محلّ الکلام (5) فتختص بالصورة الثانیة .

ص: 102


1- (4) الکافی مج5 ص98 ، الوسائل مج17 ص274 .
2- (5) فإن کثیراً من الإطلاقات تثبت فی الأدلة بهذا الطریق والمقام منها أی عندما یکون السؤال محتملاً لأمرین والإمام (علیه السلام) لا یُفصّل بینهما فی مقام الجواب وإنما یُجیب بالإطلاق بلا تفصیل فترک الاستفصال فی مقام الجواب من قبل الإمام (علیه السلام) یکون دلیلاً علی العموم والإطلاق بمعنی أن الجواب یشمل کلا الاحتمالین الموجودین فی السؤال (منه دامت برکاته) .
3- (6) یعنی معتبرة الحضرمی .
4- (7) وإلا فإن مجرد التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی لا یکفی وحده بل لا بد من استنقاذ الحقّ عن طریقه وهو غیر متیسّر للحاکم الشرعی لأنه لم یکن مبسوط الید فی ذلک الزمان (منه دامت برکاته) .
5- (8) التی هی الصورة الثالثة .

ولکن یمکن دفع هذا الاستشکال من جهة أن الثابت فی محلّه من علم الأصول أن الغلبة الخارجیة لا تمنع من انعقاد الإطلاق إذا تمّت مقدماته ، والإطلاق هاهنا کما أشرنا ناشئ من ترک الاستفصال ولیس هو إطلاقاً لفظیاً لیُتمسّک بانعقاده ولذا یبقی احتمال التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی موجوداً ولو لأجل الاستئذان منه فی المقاصة باعتبار أن الطرف الآخر جاحد وممتنع والحاکم ولیّ الممتنع وهذا الأمر بهذا المقدار محتمل .

ویؤید هذا الجواب روایة إسحاق بن إبراهیم :

" أن موسی بن عبد الملک کتب إلی أبی جعفر (علیه السلام) یسأله عن رجل دفع إله رجل مالاً لیصرفه فی بعض وجوه البر فلم یمکنه صرف المال فی الوجه الذی أمره به ، وقد کان له علیه مال بقدر هذا المال ، فسأل : هل یجوز لی أن أقبض مالی أو أردّه علیه ؟ فکتب : اقبض مالک مما فی یدک " (1) ، والمفهوم من قوله : (فلم یمکنه صرف المال فی الوجه الذی أمره به) أنه أخذ المال بعد أن لم یمکنه صرفه فی وجهه المأمور به .

وقوله : (أن أقبض مالی أو أردّه علیه ؟) هذا حسب نقل الشیخ صاحب الوسائل (قده) ولکن فی المصدر وهو التهذیب - وغیره ممن ینقل عنه عُبّر بقوله : (أن أقبض مالی أو أردّه علیه وأقتضیه؟) ، والاقتضاء ظاهر فی إمکان الوصول إلی المال عن طریق الحاکم الشرعی فکأن الروایة تفترض التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی وبالرغم من هذا قال له الإمام (علیه السلام) نعم - أی یجوز لک المقاصة - .

ص: 103


1- (9) التهذیب مج6 ص349 ، الوسائل مج17 ص275 .

وإنما سیقت هذه الروایة علی حدّ التأیید لا الاستدلال باعتبار عدم تمامیة سندها من جهة عدم ثبوت وثاقة عبد الله بن محمد بن عیسی المعروف ببنان - وهو أخو أحمد بن محمد بن عیسی ، وکذلک من جهة إسحاق بن إبراهیم فإنه ضعیف أو مجهول .

وثانیاً : ما یُطرح فی نصوص هذا الباب من أنه من الممکن أن یکون جواب السؤال (علیه السلام) ب_(نعم) لیس من باب بیان الحکم الشرعی للمسألة وإنما من باب کونه إذناً خاصاً من قبل الإمام (علیه السلام) فی جواز التقاصّ ولا إشکال فی جواز التقاصّ مع الإذن الخاص منه (علیه السلام) وإنما الکلام فی جوازه شرعاً لا باعتبار مثل هذا الإذن فإذا حُملت الروایات علی الإذن الخاص فهی لا تنفع فی مقام إثبات الجواز مع عدم الإذن الخاص کما هو المفروض فی محلّ الکلام .

وهذا الاستشکال یمکن دفعه أیضاً بأنه خلاف الظاهر فإن الظاهر من السؤال أنه سؤال عن حکم المسألة شرعاً حیث یقول السائل : رجل کان له علی رجل مال فجحده إیّاه وذهب به ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله أیأخذه منه مکان ماله .. ؟ قال : نعم) فالجواب یکون أیضاً عن حکم المسألة شرعاً لا أنه إذن خاص یصدر من الإمام (علیه السلام) لخصوص هذا السائل ولذا لم یفهم أحد من الفقهاء اختصاص الجواز فی هذه الروایة بالسائل فقط حتی لو أمکن التعدّی إلی غیره بإلغاء الخصوصیة وأمثالها فإن الجواب بالنتیجة یختصّ بالسائل ویکون إذناً خاصاً به ولمن یشبهه فی الظروف التی هو علیها بل فهموا منها الجواز شرعاً لأن السؤال عن حکم شرعی والجواب لا بد أن یکون کذلک .

ص: 104

هذه هی أدلة القول الأول الذی هو المعروف - وتبیّن أنه لا بأس بالتمسک بإطلاق بعض النصوص لإثبات جواز المقاصّة فی الصورة الثالثة .

القول الآخر وهو النادر والذی أشرنا إلی کونه مختار المحقق فی النافع استُدل له :

أولاً : بالأصل وهو عدم جواز التقاصّ .

وثانیاً : بأن الحاکم یقوم مقام المالک فمع عدم التمکن من أخذ الإذن من المالک فلا بد من أخذه من الحاکم لأنه یقوم مقامه ویُنزّل منزلته وبالنتیجة أنه لا یجوز التقاصّ علی نحو الاستقلال فی ما هو محلّ الکلام .

وهذان الدلیلان من الواضح أنهما لا یتمّان ولا تصل النوبة إلیهما مع وجود الدلیل الاجتهادی الصحیح الظاهر فی جواز التقاصّ ، وبعبارة أخری : أنه مع وجود الدلیل علی جواز التقاصّ یکون ذلک إذناً من قبل الشارع المقدّس بالتقاصّ ومعه لا نحتاج إلی أخذ الإذن من غیره .

وأما بالنسبة إلی الصورة الرابعة علی الطرح الأول لها وهی صورة المماطلة فقد تبیّن حکمها مما تقدّم فمع عدم التمکن من الترافع إلی الحاکم الشرعی لا ینبغی الإشکال فی جواز التقاصّ لما ذُکر فی الصورة الثانیة ومع التمکن من الوصول إلی الحاکم الشرعی فالظاهر أن الحکم أیضاً کذلک (1) باعتبار أحد أمور ثلاثة :

الأول : استفادة ذلک من نفس الروایات بأن یُدّعی أن بعضها مشتمل علی الإطلاق الذی یعمّ الجاحد والمماطل ومشتمل أیضاً علی الإطلاق الذی یعمّ حالتی عدم إمکان الترافع إلی الحاکم الشرعی وإمکان ذلک فحینئذ یُستدلّ بهذه الأدلة علی المطلوب .

الثانی : من جهة أن معظم الروایات عبّرت بالجحود فیمکن التمسّک بإطلاقه .

ص: 105


1- (10) أی جواز التقاصّ .

الثالث : أن یقال بإمکان التعدی إلی المماطل لما أشرنا إلیه من أن الفقهاء التزموا بأنهما (1) یتساویان فی الحکم فإذا ثبت فی الجاحد أنه یجوز التقاصّ منه فیثبت فی المماطل أیضاً ، وسرّ هذا التعدی علی فرض اختصاص الأدلة بالجاحد ولم یمکن العثور علی إطلاق فی إحدی الروایات یشمل المماطل - هو إلغاء الخصوصیة والجزم بعدم الفرق لأن المسألة هی وصول صاحب المال إلی حقّه فأیّ فرق بین الشخص الذی أخذ المال وجحده أو أخذ المال وأقرّ به لکنه امتنع من أدائه فعلی کل حال لا بد للمأخوذ منه من أن یصل إلی حقه فإذا دلّ دلیل علی جواز المقاصّة بالنسبة إلی الجاحد - کما هو کذلک - فیمکن التعدی منه إلی المماطل باعتبار عدم الخصوصیة وعدم احتمال الفرق إذ کلاهما فی الحقیقة ممتنع من أداء الحقّ فإذا جاز لصاحبّ الحقّ أن یقتصّ من الجاحد جاز له ذلک من المماطل أیضاً .

وأما علی الطرح الآخر لهذه الصورة وهو ما إذا کان الامتناع عن الأداء بحقّ من جهة نسیانه أو اعتقاده أداء الدین فهل تجوز المقاصة هاهنا أم لا ؟

قد یقال بجواز التقاصّ فی هذه الصورة وذلک لإطلاق بعض الروایات وهی صحیحة البقباق المتقدمة: " أن شهاباً ماراه فی رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلک ألف درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مکان الألف الذی أخذ منک فأبی شهاب ، قال : فدخل شهاب علی أبی عبد الله (علیه السلام) فذکر له ذلک فقال : أما أنا فأحبّ إلی أن تأخذ وتحلف " (2) أی تأخذ بمقدار العین وتحلف علی أن لک الحقّ .

ص: 106


1- (11) أی الجاحد والمماطل .
2- (12) الاستبصار مج3 ص53 ، الوسائل مج17 ص272 .

فالإطلاق الذی یُتمسک به بحیث یُستدلّ بهذه الروایة علی جواز التقاصّ هاهنا هو من جهة قوله : (ذهب له بألف درهم) بدعوی أن الذهاب لا یختص بالجحود والامتناع بل یشمل حتی الامتناع بحقّ إذ بالنتیجة یصدق أن ذاک ذهب له بألف درهم ولا یمنع افتراض أن امتناعه بحقّ من صدق هذا التعبیر : (ذهب له بألف درهم) فیُدعی بأن هذه الروایة مطلقة ومقتضی اطلاقها إمکان التمسّک بها فی المقام (1) فتکون دلیلاً علی جواز التقاصّ فی محلّ الکلام .

وقد یُؤید هذا ما عُبّر فی هذه الروایة بالاستیداع حیث ورد فیها : (واستودعه بعد ذلک ألف درهم) فإن هذا التعبیر لا یناسب الجحود والامتناع من دون حقّ لأن الجاحد للمال - أو المقر الممتنع من الأداء - لا یستودع الشخص المجحود مالُه خصوصَ مقدار مساوٍ للمال عادة .. فقد تُجعل هذه قرینة علی أن المقصود فی المقام لیس هو الامتناع لا بحقّ .

لکن الظاهر أن هذه القرینة غیر تامة وذلک لأن هناک من الروایات ما یجمع بین الجحود وبین الودیعة کما فی صحیحة معاویة بن عمار :

" قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الرجل یکون لی علیه الحق فیجحدنیه ثم یستودعنی مالاً .. إلی آخر الروایة " (2) .

وأما أصل الدعوی وهی شمول صحیحة البقباق لمحلّ الکلام بدعوی أن قوله : (ذهب له بألف درهم) لا یختصّ بالجحود والمماطلة بل یشمل ما إذا امتنع بحقّ .. فلیس واضحاً لأن المتفاهم العرفی من قوله : (ذهب له بألف درهم) هو الاعتداء والأخذ لا بحقّ وهو إنما یناسب الامتناع لا بحقّ فافتراض شموله للامتناع بحقّ لیس محرزاً وإن کان الجمود علی النصّ قد یُساعد علی الشمول إلا أنه عرفاً غیر مقبول .. وحینئذ فالاستدلال بهذه الروایة علی جواز التقاصّ - لاسیما مع إمکان الترافع إلی الحاکم الشرعی والوصول إلی الحقّ عن طریقه - مشکل جداً .

ص: 107


1- (13) وهو صورة الامتناع بحقّ .
2- (14) التهذیب مج 6 ص197 ، الوسائل مج17 ص276 .

نعم .. فی صورة عدم إمکان الترافع إلی الحاکم الشرعی یتعیّن الرجوع إلیه لأخذ الإذن منه فی التقاصّ ولا یجوز لصاحب الحقّ الانفراد مستقلاً به (1) فإنه لیس علیه دلیل واضح .

تکملة الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین / الشروع فی المسألة الخامسة والخمسین حول جواز المقاصة من غیر جنس المال / الشروع فی المسألة السادسة والخمسین حول المقاصة من الودیعة / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأربعاء 22 ذ ح 1433 ه_ 191)

الموضوع : تکملة الکلام فی المسألة الرابعة والخمسین / الشروع فی المسألة الخامسة والخمسین حول جواز المقاصة من غیر جنس المال / الشروع فی المسألة السادسة والخمسین حول المقاصة من الودیعة / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

تقدّم بعض الکلام فی مسألة (54) وفی ما یلی تکملة المسألة :

قال (قده) : " والظاهر أنه لا یتوقف علی إذن الحاکم الشرعی أو وکیله " .

هذا الحکم واضح لأنه بعد الفراغ عن جواز التقاصّ فی موارد جوازه بدلالة الأدلة الشرعیة علی ذلک فلا یحتاج معه حینئذ إلی إذن الحاکم ، نعم .. لا مانع من افتراض اشتراط إذنه بالإضافة إلی الجواز الشرعی ولکن ذلک رهن دلالة الدلیل علیه وبدونه لا وجه لاشتراطه بعد الفراغ عن الجواز الشرعی ومع الشک فی اشتراط إذن الحاکم یمکن التمسّک بإطلاق الأدلة لدفع هذا الاحتمال .

ثم قال : (وإن کان تحصیل الإذن أحوط) .

وذلک باعتبار أن فی ذلک خروجاً عن مخالفة من ذهب إلی اشتراط الإذن بدلیل تقدّمت الإشارة إلیه وهو أن الحاکم یقوم مقام المالک فإذا تعذّر أخذ الإذن من المالک لامتناعه فلا بد من أخذ الإذن من ولیّه وهو الحاکم الشرعی لأنه ولیّ الممتنع .. لکنه تقدّم سابقاً أنه احتمال ینفیه إطلاق الأدلة .

ص: 108


1- (15) أی بالتقاصّ .

ثم قال (قده) : (وأحوط منه التوصّل فی أخذ حقّه إلی حکم الحاکم بالترافع عنده) .

هذه الأحوطیة باعتبار ما سبق من الملاک المتقدّم أعنی الخروج عن مخالفة من ذهب إلی منع إطلاق الأدلة علی نحو تشمل صورة التمکن من الترافع ودعوی اختصاصها بصورة عدم التمکن منه، وأما مع التمکن من الترافع فذهب بعضهم إلی تعیّن الترافع إلی الحاکم الشرعی .. ولأجل الخروج عن مخالفة مثل هؤلاء فلا بأس بالالتزام بالاحتیاط بالترافع إلی الحاکم الشرعی فی ما إذا کان متمکناً من ذلک فیأخذ حقه حینئذ عن طریقه .

ثم قال (قده) : (وکذا تجوز المقاصة من أمواله (1) عوضاً عن ماله الشخصی (2) إن لم یتمکّن من أخذه منه (3) ) .

هذه العبارة ترتبط بصدر المسألة حیث تعرض فیه إلی المال الشخصی - أی فی ما إذا کان عیناً - ثم دخل بعد ذلک فی مسألة الدین فهناک تکلم عن المال الشخصی بلحاظ جواز الانتزاع وحکم بأنه لا إشکال فی جواز انتزاع العین التی یملکها الإنسان والموجودة عند شخص آخر وفی ذیل هذه العبارة یتحدث عن جواز المقاصة علی تقدیر عدم التمکن من انتزاع عین ماله الموجودة عند ذلک الشخص.

وهذا الأمر یمکن الاستدلال علیه ببعض النصوص السابقة من قبیل صحیحة داود بن رزین أو زربی - باعتبار أن الظاهر منها علی ما تقدّم هو عدم التمکن من الانتزاع لأن الآخذ للجاریة أو الدابة الفارهة اللتین هما عین من الأعیان والأموال الشخصیة هو السلطان وأعوانه وواضح أن هذا الشخص لا یتمکن من انتزاعها منهم ولذا سأل مباشرة عن جواز الأخذ من أموالهم التی تصیر تحت یده ولیس عن جواز الانتزاع ولیس فی هذه الروایة إطلاق لیشمل صورة التمکن من الانتزاع وإنما هی واردة فی مورد عدم التمکن من انتزاع العین فتدل علی جواز التقاصّ فی هذا المورد بالذات .

ص: 109


1- (1) أی من أموال ذلک الشخص الممتنع عن إعطاء الحقّ إلی صاحبه .
2- (2) فالکلام هاهنا معقود فی العین الشخصیة لا فی الدین .
3- (3) وإلا إذا تمکن من أخذها فیتعیّن علیه الانتزاع ولا تجوز له المقاصة حینئذ (منه دامت برکاته) .

ویمکن الاستدلال أیضاً بروایة أخری لإثبات جواز التقاصّ فی ما إذا کان المال عیناً ومالاً شخصیاً فی صورة عدم التمکن من الانتزاع وهی روایة علی بن سلیمان التی رواها عنه محمد بن عیسی وفی بعض النسخ محمد بن یحیی :

" قال : کتب إلیه رجل غصب رجلاً مالاً أو جاریة ثم وقع عنده مال بسبب ودیعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أیحلّ له حبسه علیه أم لا ؟ فکتب (علیه السلام) : نعم یحل له ذلک إن کان بقدر حقّه ، وإن کان أکثر فیأخذ منه ما کان علیه ویسلّم الباقی إلیه إن شاء الله " (1) .

وهذه الروایة قد یقال أیضاً بأنها صریحة فی جواز التقاصّ فی ما إذا کان المال شخصیاً وظاهرة فی عدم التمکن من الأخذ أو لا أقل من أن القدر المتیقَّن فی تجویز المقاصة فیها هو صورة عدم التمکن من الأخذ وإلا لو کان أخذ العین المغصوبة ممکناً له ولیس فیه أیّ محذور فلا معنی لأن یُجوّز له أن یأخذ من أمواله الأخری (2) .

هذا من حیث الدلالة ، وأما من حیث السند فإن الراوی عن علی بن سلیمان والذی یروی عنه الصفّار هو فی بعض النسخ محمد بن عیسی وفی بعضها الآخر هو محمد بن یحیی فعلی التقدیر الثانی فهو محمد بن یحیی العطّار الثقة فلا کلام من ناحیته وأما علی التقدیر الأول ففیه کلام لأنه مردد بین محمد بن عیسی بن یقطین العبیدی وبین محمد بن عیسی الذی هو أبو أحمد بن محمد بن عیسی ولکن ذکرنا فی بعض الأبحاث أنه لا ضرر فی هذا التردد لأنه إن کان المراد به محمد بن عیسی بن یقطین العبیدی فهو ثقة وإن کان المراد به محمد بن عیسی الذی هو أبو أحمد بن محمد بن عیسی فهو إن لم یکن ثقة فهو علی الأقل قد ثبت حسنه وإمکان الاعتماد علیه من عبارات قیلت فی حقه یُستفاد منها ذلک نحو قولهم : (کان أوجه القمیین) ونحوها ونحن نکتفی بها المقدار فی إمکان الاعتماد علی روایة من قیلت فی حقه مثل هذه العبارات فالظاهر أنه لا ینبغی التوقف من جهة محمد بن عیسی الراوی عن علی بن سلیمان وإنما المهم هو الکلام فی علی بن سلیمان نفسه الذی یروی المکاتبة فإن هذا الرجل مشترک بین جماعة کلهم مجاهیل ما عدا واحد وهو علی بن سلیمان الملقّب بالزراری وهو من ذریة بکیر بن أعین وتعیین أن علی بن سلیمان فی هذه الروایة هو الزراری قد لا یخلو من صعوبة وإن کان الشیخ المجلسی الثانی (قده) ینقل عن والده المجلسی الأول أنه صحّح الروایة واستظهر بأن علی بن سلیمان فیها هو علی بن سلیمان الزراری الثقة ولذا حکم باعتبار الروایة - کما فی کتابه ملاذ الأخیار فی شرح التهذیب - .

ص: 110


1- (4) التهذیب مج6 ص349 ، الوسائل مج17 ص275 .
2- (5) أی الأموال الأخری للممتنع من إعطاء الحقّ .

وأقول : لعل القرینة علی تشخیص أنه الزراری هو أن النجاشی قد نصّ علی وثاقة الزراری وذکر بأن له اتّصالاً بصاحب الأمر (أرواحنا فداه) وکانت له معه مکاتبات وقد خرجت منه (عجّل الله فرجه الشریف) له توقیعات ، والملاحظ بأن هذه الروایة هی مکاتبة ولم یُصرّح فیها باسم المکاتب إلیه فلعلّ المجلسی الأول جعل هذا قرینة علی أن المقصود به علی بن سلیمان الزراری .

وعلی کل حال ففی الروایة الأولی - وهی روایة داود بن رزین أو زربی - غنی وکفایة لإثبات ما ذکره السید الماتن (قده) من جواز المقاصة فی الأعیان فی حالة عدم التمکن من الانتزاع فإنها روایة واضحة الدلالة علی هذا المطلوب .

ثم قال (قده) فی المسألة (55) :

" تجوز المقاصة من غیر جنس المال الثابت فی ذمته ولکن مع تعدیل القیمة فلا یجوز أخذ الزائد ".

یعنی إذا کان المال الثابت فی ذمة الشخص ذهباً - مثلاً - فیمکنه أن یُقاصّه من النقد ولیس اتحاد الجنس شرطاً فی التقاصّ ، والمقصود بتعدیل القیمة هو حساب ما یساوی الحقّ المأخوذ من المال المراد التقاصّ منه ، ومن الواضح أنه مع اختلاف المقدار لا یجوز أخذ الزائد .

والظاهر أنه لا ینبغی الإشکال فی جواز المقاصة من جنس الحق ومن غیره بعد دلالة النصوص علی ذلک کصحیحة داود وروایة علی بن سلیمان وإطلاق معتبرة الحضرمی :

أما صحیحة داود (1) ففیها أن المأخوذ هو الجاریة والدابة الفارهة والمراد من قوله : (ثم یقع لهم عندی المال) النقد من دراهم أو دنانیر ولیس المقصود به الجاریة والدابة أیضاً ، وکذلک الحال فی روایة علی بن سلیمان فإن المصرّح به فیها أن المأخوذ هو الجاریة أیضاً وظاهر الروایة أنه یرید أن یأخذ من غیر جنس الحق الذی غُصب منه مع الالتفات إلی أن هاتین الروایتین واردتان فی ما إذا کان المال المغصوب عیناً ، وأما روایة الحضرمی فهی واردة فی الدین حیث قال :

ص: 111


1- (6) عن داود بن رزین : " قال : قلت لأبی الحسن (علیه السلام) : إنی أخالط السلطان فیکون عندی الجاریة فیأخذونها أو الدابة الفارهة فیبعثون فیأخذونها ثم یقع لهم عندی المال فلی أن آخذه ؟ قال : خذ مثل ذلک ولا تزد علیه " التهذیب مج6 ص338 ، الوسائل مج17 ص214 .

" قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : رجل کان له علی رجل مال فجحده إیاه وذهب به ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله أیأخذه منه مکان ماله الذی ذهب به منه ذلک الرجل؟ قال: نعم ولکن لهذا کلام یقول : (اللهم إنی آخذ هذا المال مکان مالی الذی أخذه منی وإنی لم آخذ ما أخذت منه خیانة ولا ظلماً) " (1) .

فإن قوله : (ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله) مطلق فیمکن الاستدلال علی جواز التقاصّ من غیر جنس الحق بإطلاقه فإن المال أعمّ من أن یکون من جنس الحقّ الذی له علیه أو من غیر جنسه .

هذا .. وظاهر عبارة السید الماتن (قده) : (تجوز المقاصة من غیر جنس المال الثابت فی ذمته) هو الاختصاص بالدین وقد حکم فیها بجواز المقاصة من غیر جنس المال الثابت فی ذمته ومن المعلوم أن المال الثابت فی الذمة لا یکون إلا دیناً فکأنه غیر ناظر إلی ما لو کان المال الثابت عیناً من الأعیان ولکن کلام الفقهاء الآخرین (رض) مطلق یشمل ما إذا کان المال دیناً وما إذا کان عیناً فمن یری هذا الرأی یُفتی بجواز التقاصّ من المال مطلقاً سواء کان من جنس الحق أو من غیر جنسه استناداً إلی هذه الروایات التی ذکرناها ولکن مع تعدیل القیمة وعدم جواز أخذ الزائد .

والحاصل أن جواز التقاصّ من غیر جنس الحق فی حالة عدم التمکن من التقاصّ من جنسه واضح ومسلّم عند الجمیع .

ص: 112


1- (7) الکافی مج5 ص98 ، الوسائل مج17 ص274 .

هذا کله فی ما إذا لم یُمکن الأخذ من جنس الحق ، وأما مع التمکن من التقاصّ من جنس الحق المأخوذ منه فهل یجوز له أن یقاصّه من غیر الجنس أم لا یجوز له ذلک ؟

ظاهر عبارة السید الماتن (قده) هو الجواز مطلقاً لأنه لم یُقیّده بالتمکن (1) ، وهذا القول هو المعروف بینهم وهو قول الأکثر منهم المحقق فی الشرایع والعلامة فی بعض کتبه وغیرهم من المتأخرین واستدلوا علیه بعمومات الأدلة - وهی نصوص الباب - وإطلاقاتها وعدم الدلیل علی تعیّن الجنس عند إمکانه .

وفی مقابله ذهب الشهیدان - فی الدروس والمسالک - إلی عدم الجواز (2) وتبعهما فیه بعض من تأخر عنهما ، واستدل الشهید الثانی لعدم الجواز فی حالة التمکّن من الجنس بالاقتصار فی التصرف فی مال الغیر علی أقل ما تندفع به الضرورة أی علی المتیقن وهو فی المقام تجویز التقاصّ من غیر جنس الحقّ عند عدم التمکن من التقاصّ من جنس الحقّ وما زاد علی ذلک لا یمکن إثباته لأن التقاصّ حکم علی خلاف الأصل فلا بد أن یُقتصر فیه علی القدر المتیقَّن .

وأقول : لا إشکال فی کون القول الأول هو الأحوط لأنه - کما أشار صاحب المسالک - حکم علی خلاف الأصل والقدر المتیقَّن فیه هو تجویز التقاصّ من غیر الجنس عند عدم التمکن من التقاصّ من نفس جنس الحقّ .. ولکن یبدو أن إطلاق الأدلة تام ومحکّم ویمکن الاستناد إلیه لإثبات ما ذهب إلیه السید الماتن (قده) من الجواز مطلقاً لأن الوارد فی نصوص الباب التعبیر بمثل : (ثم یقع لهم عندی المال) وهذا التعبیر یمکن التمسّک بإطلاقه ولو من جهة ترک الاستفصال فإن المال الذی وقع عنده والذی یسأل عن جواز التقاصّ منه هو أعم من أن یکون من جنس الحقّ او یکون من غیر الجنس ولا قرینة علی افتراض أنه من جنس الحق وأن الإمام (علیه السلام) أجابه عن خصوص هذه الصورة .

ص: 113


1- (8) فیجوز علی هذا القول التقاصّ من غیر الجنس حتی مع التمکن من التقاصّ من نفس جنس الحقّ .
2- (9) أی أنه لا یجوز التقاصّ من غیر الجنس عند التمکن من التقاصّ من نفس جنس الحقّ .

فالصحیح ما ذهب إلیه السید الماتن (قده) فی هذه المسألة من جواز التقاصّ مطلقاً .

ثم قال (قده) فی المسألة (56) : " الأظهر جواز المقاصة من الودیعة علی کراهة " .

تقدّم أن الأکثر ذهبوا إلی أن التقاصّ یجوز من کل مال سواء کان من جنس الحقّ أو من غیر جنسه ولکن استُثنی من ذلک ما لو کان المال المراد التقاصّ منه ودیعة فذهب بعضهم إلی حرمة التقاصّ منه کالصدوق فی أکثر کتبه والحلبی فی الکافی والطبرسی فی مجمع البیان وابن زهرة فی الغنیة بل ادّعی هذا الأخیر علیه الإجماع ، وذهب آخرون إلی جواز ذلک علی کراهة منهم الشیخ فی التهذیبین وابن إدریس فی السرائر والمحقق فی الشرایع والنافع والعلامة فی المختلف والإرشاد والصیمری فی شرح الشرایع والشهید فی المسالک وغیرهم .

استُدل علی الجواز بروایات :

منها : صحیحة البقباق حیث یُصرّح فیها بأن المال ودیعة :

فروی : " أن شهابا ماراه فی رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلک ألف درهم قال أبو العباس فقلت له خذها مکان الألف الذی أخذ منک فأبی شهاب قال فدخل شهاب علی أبی عبد الله علیه السلام فذکر له ذلک فقال أما أنا فأحبّ إلیّ أن تأخذ وتحلف " (1) أی وتحلف علی أن لیس فی ذمتک شیء له حیث إنه بعد التقاصّ لا یکون لدیه شیء له فعلاً فی ما إذا کانت الودیعة بمقدار الحقّ .

وهذه الروایة صریحة فی الجواز بل قد یقال بالاستحباب لمکان قوله (علیه السلام) : (أحبّ إلیّ أن تأخذ وتحلف) .

ص: 114


1- (10) الاستبصار مج3 ص53 .

ومنها : روایة علی بن سلیمان :

" قال : کتب إلیه رجل غصب رجلا مالاً أو جاریة ثم وقع عنده مال بسبب ودیعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أیحل له حبسه علیه أم لا ؟ فکتب (علیه السلام) : نعم یحل له ذلک إن کان بقدر حقه وإن کان أکثر فیأخذ منه ما کان علیه ویسلم الباقی إلیه إن شاء الله " (1) .

ومقتضی هذه الروایة أیضاً جواز التقاصّ من الودیعة .

کما یمکن الاستدلال بإطلاق سائر النصوص الأخری فإن مقتضی إطلاقها ولو من جهة عدم الاستفصال هو عدم الفرق بین أن یکون المال الذی هو موضع التقاصّ ودیعة أو لا یکون کذلک حیث إن الإمام (علیه السلام) لم یسأل عن کون المال الذی وقع عند السائل ودیعة أو لا فتَرْکُ الاستفصال فی مقام الجواب کما ذُکر فی محلّه دلیل العموم .

هذه هی الأدلة علی جواز التقاصّ من الودیعة .

واستُدل علی الحرمة بروایتین :

الأولی : روایة معاویة بن عمار :

" قال : قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : الرجل یکون لی علیه الحق فیجحدنیه ثم یستودعنی مالاً إلی أن آخذ ما لی عنده ؟ قال : لا هذه خیانة " (2) .

وهذه الروایة تامة سنداً فإن طریق الشیخ إلی معاویة بن عمار تام کما فی المشیخة .

الثانیة : روایة ابن أخی الفضیل :

ص: 115


1- (11) التهذیب مج6 ص349 .
2- (12) الکافی مج5 ص98 ، الوسائل مج17 ص276 .

" قال : کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام) ودخلت امرأة وکنت أقرب القوم إلیها فقالت لی : أسأله فقلت : عمّاذا ؟ فقالت : ان ابنی مات وترک مالاً کان فی ید أخی فأتلفه ثم أفاد مالاً فأودعنیه فلی أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شیء ؟ فأخبرته بذلک فقال: لا ، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): أدِّ الأمانة إلی من ائتمنک ولا تخن من خانک " (1) .

وهذه الروایة تامة سنداً أیضاً لأنه یکفی فی وثاقة الراوی عن الإمام (علیه السلام) - وهو ابن أخی الفضیل کون من یروی عنه هو ابن ابی عمیر .

هذا ما استُدلّ به لکل من القولین فیقع التعارض بین مفاد الروایات المستدل بها علی کل من القولین، وهل هو تعارض مستقر أم یمکن الجمع بین هذه النصوص ؟

هذا ما سیأتی البحث عنه إن شاء الله تعالی .

الکلام فی المسألة السادسة والخمسین : فی مدی جواز التقاصّ من مال الودیعة / علاج التعارض بین الروایات المانعة والمجوّزة / الشروع فی المسألة السابعة والخمسین / ذکر ما لم یذکره السید الماتن (قده) من أمور مهمة متعلقة بالمقام / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم السبت 25 ذ ح 1433 ه_ 192)

الموضوع : الکلام فی المسألة السادسة والخمسین : فی مدی جواز التقاصّ من مال الودیعة / علاج التعارض بین الروایات المانعة والمجوّزة / الشروع فی المسألة السابعة والخمسین / ذکر ما لم یذکره السید الماتن (قده) من أمور مهمة متعلقة بالمقام / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

ص: 116


1- (13) التهذیب مج6 ص348 ، الوسائل مج17 ص273 .

کان الکلام فی المسألة (56) وبعد الفراغ عن جواز التقاصّ فی الموارد التی دلّ الدلیل علی جوازه فیها یقع البحث فی مدی جواز التقاصّ من المال الذی هو ودیعة عند المدّعی الفقهاء (رض) ذکرنا أن آراء الفقهاء (رض) مختلفة فمنهم من ذهب إلی الجواز ومنهم من ذهب إلی عدم الجواز إلا أن القائلین بالجواز لم یقولوا بالجواز مطلقاً وإنما قیّدوه بالکراهة فیلتزمون بالجواز علی کراهة ، وذکرنا أن الأدلة فی المقام متعددة ویبدو أنها متعارضة لأن هناک روایات صحیحة مفادها الجواز وأهمها صحیحة البقباق المتقدمة وفی مقابل ذلک هناک بعض الأدلة الخاصة التی تدل علی التحریم کصحیحة معاویة بن عمّار وغیرها مضافاً إلی الأدلة العامة القاضیة بوجوب ردّ الودیعة وحرمة الخیانة ویمکن تطبیقها فی المقام لإثبات وجوب ردّ هذه الودیعة وعدم جواز التقاصّ منها .

هاهنا وجوه لعلاج هذا التعارض الموجود بین الأدلة :

الوجه الأول : ما ذهب إلیه أکثر القائلین بالجواز من حمل الأخبار المانعة من التقاصّ من الودیعة علی الکراهة .

وهذا الجمع من ناحیة کبرویة جمع دلالی صحیح ولا إشکال فیه ولکن قد یُناقش فی تطبیقه فی محلّ الکلام من جهة أنه یُشترط فی مثل هذا الجمع العرفی بین الأدلة أن تکون هناک روایات صریحة فی الجواز ونصّ فیه وفی مقابلها روایات ظاهرة فی النهی والمنع وحینئذ یقال بأنه یمکن التصرف فی ما هو ظاهر لصالح ما هو نصّ فیُتصرّف فی ظهور الدلیل الدال علی المنع بحمله علی الکراهة لصالح الدلیل الذی هو نصّ فی الجواز وهذا جمع عرفی لا غبار علیه .. ولکن هذا الأمر مما یشکل تطبیقه فی المقام من جهة أن بعض الروایات المجوّزة هی صریحة فی الرجحان (1) کما فی قوله (علیه السلام) فی صحیحة البقباق : (أما أنا فأحبّ لک أن تأخذ) ، وأما الأدلة الناهیة مثل صحیحة معاویة بن عمّار فهی وإن کانت ظاهرة فی التحریم إلا أنها صریحة فی المرجوحیة (2) ولا جمع عرفیاً بین ما یدل علی الرجحان وما یدل علی المرجوحیة لأن المرجوحیة تعنی عدم الرجحان فتکون النسبة بین الدلیلین هی التباین فالتعارض یکون مستقراً فلا طریق للجمع بینهما بحمل دلیل المنع علی الکراهة لأنه لیس ظاهراً فی المرجوحیة وإنما هو صریح فیها فلا سبیل إلی التصرف بینهما بالجمع العرفی حینئذ لأن کلاً منهما صریح فی مدلوله .

ص: 117


1- (1) أی فی أن التقاصّ أرجح .
2- (2) أی فی أن التقاصّ أمر مرجوح حتی لو بُنی علی عدم کونه حراماً .

وأجیب عن هذا الإشکال لتأکید ما ذهب إلیه المشهور من حمل الأدلة المانعة علی الکراهة بما حاصله أن الروایات المانعة هی مانعة بلسان النهی عن الخیانة - کما مر - والخیانة تعنی التصرف بمال الغیر من دون إذن ولا ولایة ، ومن الواضح أنه مع جریان أدلة جواز التقاصّ فی المقام وتمامیتها - لولا المعارض - لا یکون تصرف الودعی فی ما تحت یده من الودیعة بالتقاصّ خیانة لأنه تصرف باستحقاق وتحت سقف الإذن الشرعی ولذلک یُحمَل التعبیر بالخیانة المذکور فی الروایات المانعة علی الخیانة الصوریة لا الواقعیة - التی دلّت الأدلة علی حرمتها وذلک من جهة إرادة تنفیر الشخص الذی تحت یده الودیعة من التصرف فیها وتنزیهه عن ذلک حتی ولو کان تصرّفه جائزاً شرعاً من جهة استنقاذ حقّه من أموال ذلک الشخص المفروض کونه جاحداً أو ممتنعاً عن الأداء .. وهذا (1) هو معنی الکراهة التی حُملت الروایات المانعة علیها فی المقام (2) .

الوجه الثانی : حمل الأخبار المانعة علی صورة الحلف والأخبار المجوزة علی صورة عدم الحلف ، والمقصود بالحلف فی المقام کما أشیر إلیه فی بعض الروایات هو الحلف أمام الحاکم فإذا طلب الحاکم من المدّعی البیّنة ولم تکن عنده ووصلت النوبة إلی یمین المدّعی علیه فإذا حلف المدّعی علیه ذهبت الدعوی وسقط الحقّ کما دلّت علی ذلک الروایات التی مرت سابقاً ومنها صحیحة عبد الله بن أبی یعفور فیکون التقاصّ بعد یمین الخصم أمام الحاکم غیر جائز بلا إشکال وحینئذ یمکن الجمع بینهما بحمل الأخبار المانعة علی التقاصّ بعد یمین المدّعی علیه وحمل الروایات المجوّزة علی التقاصّ قبل یمین المدّعی علیه والنتیجة الالتزام بالجواز فی محل الکلام الذی هو التقاصّ قبل حلف المدّعی علیه ، وهذا الجمع هو مختار الشیخ الطوسی فی التهذیب ، وتؤیده الروایات التی تقدّمت کروایتی عبد الله بن یعفور وعبد الله بن وضّاح وهی مذکورة فی أبواب کیفیة القضاء من الوسائل .

ص: 118


1- (3) أی التنفیر والتنزیه عن التصرّف حتی مع جوازه شرعاً .
2- (4) أقول : هذه المحاولة لا تحل المشکلة إذ یبقی التعارض قائماً بین ما دلّ علی الرجحان المستفاد من قوله (علیه السلام) : (أحبّ لک) وبین المرجوحیة التی هی مفاد الکراهة التی حُمل النهی علیها .

هذا ولکن الصحیح هو الجمع الأول کما فهمه المشهور من علمائنا .

ثم قال (قده) فی المسألة (57) :

" لا یختص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق فیجوز له أن یوکّل غیره فیها بل یجوز ذلک للولی أیضاً فلو کان للصغیر أو المجنون مال عند آخر فجحده جاز لولیّهما المقاصة منه وعلی ذلک یجوز للحاکم الشرعی أن یقتصّ من أموال من یمتنع عن أداء الحقوق الشرعیة من خمس أو زکاة " .

السرّ فی ما ذکره (قده) من جواز التوکیل فی المقاصة هو أن التقاصّ عمل یقبل التوکیل کسائر الأعمال الأخری (1) فیکون العمل الصادر من الوکیل بمثابة العمل الصادر من الموکّل ، نعم .. لا بد من الالتفات هنا إلی أنه یلزم علی الوکیل أن یُحرز قبل التقاصّ استحقاق الموکِّل لذلک المال بمعنی أنه لا بد أن یُحرز ثبوت الحق للموکل أولاً حتی یجوز له التقاصّ وإلا لم یجز له هذا العمل لأن التقاصّ تصرف فی مال الغیر والأصل فیه عدم الجواز ما لم یُحرز المجوّز الشرعی أو الولایة الشرعیة علی التصرف فمع الشک فی ذلک فضلاً عن العلم بعدم الاستحقاق فلا یجوز التصرف .

ثم إن جواز التقاصّ عن الغیر لا ینحصر بالوکیل بل یشمل الولی أیضاً عن الصبی أو المجنون إذا کان هو صاحب الحق وهذا ما أشار إلیه السید الماتن (قده) بقوله : (بل یجوز ذلک للولی أیضاً) کما أشار (قده) إلی ما یترتب علیه من الأثر بقوله : (وعلی ذلک یجوز للحاکم الشرعی أن یقتصّ من أموال من یمتنع عن أداء الحقوق الشرعیة من خمس أو زکاة) وذلک باعتبار أن الحاکم الشرعی ولیّ علی المستحق للزکاة والخمس وهما دین فی ذمة من تعلّقا به فبإمکان الحاکم أن یقتصّ من المدین بهما بمقدارهما فی ما إذا وقعت فی یده أموال له بعد عدم إمکان إجباره علی الأداء - وإلا فلا تصل النوبة إلی المقاصة حینئذ - .

ص: 119


1- (5) لأن المرجع بعد أن لم یقم دلیل علی بطلان الوکالة فیه - هو الأصل المقتضی للصحة .

وحینئذ یمکن أن یقال إنه هل یُفهم منه أن آحاد الفقراء یجوز لهم أیضاً المقاصة باعتبار أن ما ثبت للحاکم الشرعی من الولایة علی الفقراء جوّز له المقاصة عنهم وهذا یقتضی افتراض أنه جائز للمُولّی علیه فی رتبة سابقة والمُولّی علیه فی محل الکلام هو آحاد الفقراء لأن جوازه له فرع جوازه لهم أولاً ؟

الظاهر هو الجواز ولکن مقیّداً بإذن الحاکم الشرعی ، ولعل السرّ فی هذا التقیید أن الفقیر والمسکین فی بابی الزکاة والخمس هما مصرف للزکاة والخمس ولیسا مالکین لهما لیستقلّا بالتصرّف من دونه ، وإن أُصِرّ علی الملکیة فی المقام فالمالک لیس هو آحاد الفقراء بل هو الجهة والعنوان حیث إنه فی باب الزکاة تُقسّم الزکاة علی ثمانیة عناوین لا بمعنی أن کل قسم منهم یختص بثُمْن من کل زکاة بل بمعنی أن الجهة المعیّنة کعنوان الفقیر تملک هذا الثمن وأما آحاد الفقراء فهم مصرف له یصرفه الحاکم الشرعی علیهم ولذا لو تعذّر المصداق لإحدی تلک الجهات والعناوین - کعنوان الرقاب فی هذا الزمان فلا یعزل الحاکم له سهمه ، ومن هنا یُحتاج إلی إجازة الحاکم الشرعی فإنه هو الذی له الولایة علی هذه العناوین ویترتب علی ذلک عدم جواز التقاصّ بالنسبة إلی آحاد الفقراء من أموال من یمتنع من الخمس والزکاة أو غیرهما من الحقوق الشرعیة .

هذا .. والسید الماتن (قده) لم یتعرض إلی هذا الفرض بل تعرض إلی جواز التقاصّ بالنسبة إلی الحاکم الشرعی نفسه .

إلی هنا یتم الکلام علی بحث المقاصة وهناک فروع کثیرة لها ذُکرت فی الکتب الاستدلالیة المطوّلة والسید الماتن (قده) اختصر المطلب جداً وذکر بعضها ونحن نشیر إلی بعض ما لم یُذکر من تلک الأمور التی نعتقد أنها مهمة جداً :

ص: 120

الأول : تقدّم أن التقاصّ إنما یجوز قبل یمین المدّعی علیه وإلا فمع حلفه أمام الحاکم الشرعی بإنکار الدعوی یسقط الحق ولا یجوز للمدّعی بعد الحلف أن یأخذ من أمواله مقاصة ولکن ورد فی روایة واحدة ما یدل علی جواز التقاصّ بعد الحلف ومن هنا حاولوا علاج هذه الروایة لرفع هذا التعارض وهی معتبرة الحضرمی :

" قال : قلت له : رجل لی علیه دراهم فجحدنی وحلف علیها أیجوز لی إن وقع له قبلی دراهم أن آخذ منه بقدر حقی ؟ قال : فقال : نعم ولکن لهذا کلام .. إلی آخر الروایة " (1) .

ففی هذه الروایة وقع السؤال من قبل الراوی عن التقاصّ بعد فرض الجحود والحلف فأجابه الإمام (علیه السلام) ب_ :(نعم) - أی هو جائز - وهذا مخالف بظاهره لما صرنا إلیه من عدم الجواز بعد الحلف .

ولکن قد أجیب عنه بأن المقصود من الحلف الذی لا یجوز التقاصّ بعده هو الحلف الذی یُطلب من المدّعی علیه بعد عدم وجود بیّنة للمدّعی فتُحمل روایة الحضرمی علی غیر هذا المورد أی تُحمل علی الحلف من غیر استحلاف وهو الحلف تبرّعاً .

الأمر الثانی : ما ورد فی ذیل معتبرة الحضرمی من الدعاء وهو قوله (علیه السلام) : (ولکن لهذا کلام ، قلت : وما هو؟ قال : تقول : اللهم إنی لا آخذه ظلماً ولا خیانة وإنما أخذته مکان مالی الذی أخذ منی لم أزدد علیه شیئاً) ، وفی نقل آخر : (یقول : اللهم إنی آخذ هذا المال مکان مالی الذی أخذه منی وانی لم آخذ الذی أخذته خیانة ولا ظلماً) (2) فهل یُلتزم بظاهر هذه الروایة من وجوب قراءة هذا الدعاء أم لا ؟

ص: 121


1- (6) التهذیب مج6 ص348 ، الوسائل الباب 83 أبواب ما یُکتسب به الحدیث 4 مج17 ص273 .
2- (7) الکافی مج5 ص98 ، الوسائل الباب 83 أبواب ما یُکتسب به الحدیث 5 مج17 ص274 .

المشهور عدم الوجوب .. وللکلام تتمة سیأتی التعرّض لها فی البحث اللاحق إن شاء الله تعالی .

استدراک علی المسألة السادسة والخمسین / تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر الثالث من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الأحد 26 ذ ح 1433 ه_ 193)

الموضوع : استدراک علی المسألة السادسة والخمسین / تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر الثالث من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

استدراک علی المسألة (56) :

تقدّم أن هذه المسألة تعرّضت لحکم المقاصة من الودیعة وقد قلنا إن هناک خلافاً کبیراً فیه فمن الفقهاء من ذهب إلی الجواز علی کراهة ومنهم من ذهب إلی عدم الجواز والجامع بینهم هو الاتفاق علی مرجوحیة التقاصّ .

وتقدم أن هناک روایات تدل علی الجواز وأخری تدل علی المنع وعدم الجواز والروایات المانعة واردة بلسان النهی عن الخیانة ، وفی مقام الاعتراض علی القول الأول من الجواز علی کراهة قد یقال إن صحیحة البقباق صریحة فی الرجحان وهذا لا یناسب الذهاب إلی الکراهة والمرجوحیة إذ لا ریب أنه لا یمکن الجمع بین الأمرین : مفاد هذه الصحیحة الصریحة فی الرجحان والقول بالمرجوحیة الذی هو القدر الجامع بین القولین ؟

وأجیب عن ذلک بأن المرجوحیة بالمعنی الأعم أی المتحققة فی ضمن الکراهة والحرمة لما کانت أمراً متّفقاً علیه بین الفقهاء (رض) ولا یمکن رفع الید عنه فهی تُشکّل خدشة فی صحیحة البقباق من جهة دلالتها علی الرجحان إذ لا أحد یقول برجحان التقاصّ من الودیعة وعلی ذلک قالوا - کما فی الریاض وغیره بأن الأمر لا یخلو : إما طرح هذه الروایة وإخراجها عن أدلة الحجیة من جهة الاتفاق علی عدم العمل بها ، وإما حملها علی محامل تنسجم مع ذهاب الکل إلی المرجوحیة ومنها أن من المحتمل أن تکون هناک خصوصیة فی تلک الواقعة الخاصة التی جرت بین الراوی وشهاب بن عبد الملک أوجبت الرجحان وحبّ الإمام (علیه السلام) للتقاصّ من الودیعة وإن لم نکن نعرف ما هی تلک الخصوصیة بالتحدید ، ومن الواضح أن الرجحان مع وجود خصوصیة لا ینافی الالتزام بالمرجوحیة مع عدم تلک الخصوصیة کما هو محل الکلام ، وحیث إن طرح الروایة عن الحجیة بعد فرض شمولها لها (1) لا موجب للمصیر إلیه فیتعیّن الأخذ بالثانی وهو حمل الروایة علی خصوصیة کانت موجودة فی تلک الواقعة الخاصة اقتضت الرجحان وهذا لا ینافی مرجوحیة التقاصّ من الودیعة مع فرض عدم تلک الخصوصیة .

ص: 122


1- (1) أی شمول الحجیة للروایة .

وهذا البیان لو تم فلا یکون ثمة مانع حینئذ من الالتزام بمرجوحیة التقاصّ من الودیعة التی یُفسّرها أصحاب القول الأول بالکراهة ویُفسّرها أصحاب القول الثانی بکونها واقعة فی ضمن التحریم .

ویمکن أن یُصاغ هذا الإشکال وجوابه ببیان آخر وهو أن یقال :

إن التعارض بین صحیحة البقباق والروایات المانعة بلسان النهی عن الخیانة تعارض مستقر بنحو التباین لأن صحیحة البقباق تدل علی رجحان التقاصّ من الودیعة فی حین أن هذه الروایات تدل علی مرجوحیته وکل منهما صریح فی مدلوله ولیس ثمة نصّ وظاهر أو أظهر وظاهر حتی یتأتی الجمع العرفی بحمل الظاهر علی النصّ أو الأظهر وحینئذ لا مجال لأصحاب القول الأول بالجمع بین الأدلة والالتزام بالکراهة لأن هذا فرع أن تکون الروایات المانعة ظاهرة فی التحریم لیُحمل ظهورها علی الکراهة فی حین أنها صریحة فی المرجوحیة فیقع التعارض بینهما وهو تعارض مستقر ولا مجال معه للجمع العرفی بحمل الروایات المانعة علی الکراهة .

والجواب عنه هو بأن یقال إن صحیحة البقباق لا تخلو من أحد احتمالین :

أحدهما : أن تکون ساقطة عن الحجیة من جهة إعراض المشهور بل الکل عنها فتبقی حینئذ الأدلة المجوّزة صریحة فی الجواز والأدلة المانعة ظاهرة فی المنع فتُحمل علی الکراهة حملاً للظاهر علی الصریح .. وهذا ما ذهب إلیه المشهور أصحاب القول الاول .

والآخر : أن تکون صحیحة البقباق غیر ساقطة عن الحجیة بالإعراض فحینئذ یتعارض الدلیلان ویتساقطان والمرجع بعد التساقط إلی عمومات الأدلة الدالة علی جواز التقاصّ فإنها تشمل بإطلاقها محل الکلام فإن أصحاب القول الأول لم یستدلوا فقط بالروایات الصریحة فی جواز التقاصّ من الودیعة بل استدلوا أیضاً بعمومات وإطلاقات شاملة للتقاص من الودیعة - ولو باعتبار ترک الاستفصال فی مقام الجواب کما فی قوله : (وقع فی یدی مال له) فإن هذا أعم من أن یکون ودیعة أو لا .. إذاً فمقتضی الإطلاق هو جواز التقاصّ من الودیعة وبالتالی نخرج بنفس النتیجة وهی الجواز فی مقابل القول الثانی وهو عدم الجواز .

ص: 123

وأما أصل الحمل علی الکراهة الذی صار إلیه أصحاب القول الأول وهو القول الصحیح فیستند إلی أحد أمرین :

الأول : تسلیم کون الأدلة المانعة ظاهرة فی التحریم فتُحمل حینئذ علی الکراهة بمقتضی الجمع العرفی بینها وبین الأدلة المجوّزة .

الثانی : إنکار کون الأدلة المانعة ظاهرة فی التحریم أصلاً حتی نحتاج إلی الجمع بینها وبین الأدلة المجوّزة بحمل الأدلة المانعة علی الکراهة بل هی من الأول ظاهرة فی الکراهة فلا تعارض حینئذ بینها وبین الأدلة المجوّزة وهذا بالطبع مع قطع النظر عن مسألة رجحان التقاصّ الذی دلّت علیه صحیحة البقباق التی أجبنا علیها فی صدر هذا البحث - .

أما دلالة الأدلة المانعة علی الکراهة وکونها من الأول ظاهرة فی ذلک فهنا یأتی ما تقدّم فی البحث السابق وحاصله :

أن یقال بأن أخذ المال مقاصة لیس خیانة حقیقیة بل هو محض صورة للخیانة لأنه فی الحقیقة استرداد لحق وأما الخیانة الحقیقیة فهی التصرف فی مال الغیر من دون ولایة أو وجه حقّ بخلاف ما إذا کان التصرف فیه بحقّ أو ولایة فإنه لا یکون حینئذ خیانة أصلاً ، وقد أشارت الروایات إلی هذا المعنی کمعتبرة الحضرمی حیث ورد فی ذیلها دعاء ذکره الإمام (علیه السلام) ورد فیه قوله : (اللهم إنی لم آخذه ظلماً ولا خیانة وإنما أخذته مکان مالی) وهذه العبارة واضحة فی أن الشیء الذی یؤخذ بحقّ فی مقابل المال لیس ظلماً ولا خیانة فلیس کل أخذٍ لمال للغیر یکون ظلماً وخیانة بل کونه کذلک مقیّد بأن لا یکون فی مقابل حقّ (1) .. إذاً فالروایات حینما تُعبّر بالخیانة لا یُراد بها الخیانة التی دلّت الأدلة علی حرمتها لأن معنی الخیانة المحرّم لا ینطبق فی محلّ الکلام وإنما المراد بها کما ذکرنا الخیانة الصوریة أی ما کانت صورتها صورة خیانة وأما واقعها فهو لیس کذلک وإنما هو استنقاذ لحقّ فهذا هو المراد من الخیانة فی الروایات المانعة بلسان النهی عنها والإمام (علیه السلام) بهذا التعبیر إنما یرید أن یُنزّه الشخص الذی یرید التقاصّ حتی عن مطلق الخیانة ولو کانت صوریة فهو (علیه السلام) فی مقام بیان التشدّد فی أمر الأمانة وعدم الخیانة ، ومن الواضح أنه بعد حمل الخیانة علی الخیانة الصوریة فهی تناسب الکراهة فتکون تلک الروایات ظاهرة فی الکراهة وحینئذ فلا داعی لارتکاب الجمع الأول لأنه مبنی علی افتراض أن الروایات المانعة ظاهرة فی التحریم حتی یقال بالجمع بینها وبین الروایات المجوّزة بحملها علی الکراهة وأما إذا قیل إنها من الأول ظاهرة فی الکراهة بالنکتة المتقدّمة فلا تعارض حینئذ أصلاً بینها وبین الروایات المجوّزة فیمکن الالتزام بکل منهما ونتیجة ذلک هو القول الأول وهو قول المشهور وهو الجواز علی کراهة بل ذکر بعض الفقهاء (رض) أنه کیف یکون الأخذ مقاصّة خیانة (2) والحال أنه فی قوة أداء الأمانة لأنه (3) قد وفّی بها (4) دین الآخذ للمال ووفاءُ الدین ولو من قِبَل غیر من ثبت الدین فی ذمته لا یکون خیانة ولذا لا بد من حمل التعبیر بالخیانة الوارد فی لسان الروایات علی الخیانة الصوریة .

ص: 124


1- (2) أی بأن لا یکون تقاصّ .
2- (3) أی حقیقیة .
3- (4) أی القائم بالتقاصّ .
4- (5) أی بالمقاصّة .

وأما الجمع الآخر الذی تطرّقنا إلیه فی البحث السابق وهو حمل الروایات المانعة علی صورة حلف المُدّعی علیه لیُحکم بعدم جواز التقاصّ بعده بلا إشکال وحمل الروایات المجوّزة علی ما إذا کان التقاصّ قبل حلف المُدّعی علیه أمام الحاکم فهذا الجمع وإن کان یرفع التعارض بین الروایات وتشهد له روایة عبد الله بن وضّاح المتقدّمة إلا أنه لا یخرج عن کونه جمعاً تبرّعیاً صرفاً والروایة المذکورة لا تصلح أن تکون شاهداً لأنها ضعیفة السند جداً فالأصحّ هو ما تقدّم من استفادة الکراهة من تلک الروایات أو حملها علیها والالتزام بالجواز علی کراهة .

هذا استدراک یرتبط بالمسألة السادسة والخمسین ولنرجع الآن إلی ما انتهینا إلیه من المسألة السابعة والخمسین وهو ما ذکرناه من أن هناک أموراً ینبغی بیانها بعد أن ختمنا الکلام علی المسائل التی ذکرها السید الماتن (قده) فی المقاصة وقد انتهی الکلام إلی الأمر الثانی وهو أن معتبرة الحضرمی تضمّنت الدعاء عند إرادة التقاصّ والمشهور لم یلتزموا بوجوب ذلک واستندوا فی عدم الوجوب إلی إطلاق الأخبار الأخری وحملوا هذه الروایة علی الاستحباب ، نعم .. نُقل عن الفاضل الآبی وفخر المحقّقین القول بالوجوب بل فی کلمات بعضهم نسبته إلی المحقق فی النافع أیضاً إلا أنی لم أجده فیه وبعضهم احتمل أن لا یکون المقصود هو التلفظ بهذه الألفاظ قبل التقاصّ وإنما المراد هو القصد أی أن یقصد عندما یرید التقاصّ أن هذا عوض ماله فی مقابل أن یقصد الخیانة والظلم .

وکیف کان فالظاهر أن الحکم فی المسألة هو عدم الوجوب بلا خلاف فی ذلک - إلا من تقدّم نقل القول عنهم بالوجوب - ، وهذا (1) هو الأقرب فإن الروایة لیس فیها ظهور صریح فی وجوب التلفظ بهذا الدعاء فیُحتمل أن لا یکون التلفظ به واجباً بل القصد - کما ذُکر - .

ص: 125


1- (6) أی القول بعدم الوجوب .

الأمر الثالث : هل یجوز التقاصّ لو کان ثبوت الحقّ مستنداً إلی أصل عملی لا علم واقعی ، وبعبارة أخری : هل أن جواز التقاصّ منوط بعلم المدّعی بثبوت الحقّ له بعلم واقعی أم یکفی فی جوازه الاستناد فی ثبوت الحقّ ولو إلی أصل عملی کالاستصحاب کما لو فرضنا أنه طالبه بالدین فادّعی الوفاء وفُرض هاهنا أن المدّعی لیس لدیه یقین بدعوی هذا الطرف الوفاء وإنما کان عنده شک به فیستصحب عدم الوفاء فیثبت له الحق (1) ولکن تمسّکاً بالأصل .

ذهب صاحب المستند (2) إلی جواز التقاصّ فی هذه الصورة باعتبار قیام الأصول الشرعیة مقام الواقع أی أن ما یثبت بالأصل الشرعی یُنزّل منزلة الواقع فیترتب علیه جمیع ما یترتب علی الواقع فإذا کان الواقع یترتب علیه جواز التقاصّ فما یثبت بالأصل العملی الشرعی یُنزّل منزلته فیترتب علیه جواز التقاصّ أیضاً فلا فرق فی جواز التقاصّ بین الثبوت الواقعی للدین والثبوت بالأصل العملی له (3) .

ولکن فی مقابله ذهب السید صاحب العروة (قده) فی ملحقاتها إلی عدم الجواز بنکتة أن الأدلة الواردة فی المقاصة هی ظاهرة أو منصرفة إلی صورة العلم بالحقّ بأن یکون الشخص الذی جُوِّز له التقاصّ عالماً بالحقّ وحینئذ فمن غیر الممکن جعل الأصول العملیة قائمة مقامه لأنها لا تقوم مقام العلم ، نعم .. یمکن ذلک فی الإمارات بمقتضی دلیل اعتبارها فتقوم مقام القطع الموضوعی لأن العلم بالواقع وقع موضوعاً لهذا الحکم الشرعی وهو جواز التقاصّ .

ص: 126


1- (7) وهو الدین فی المثال - .
2- (8) وهو المحقق النراقی (قده) صاحب کتاب مستند الشیعة فی أحکام الشریعة .
3- (9) أی للدین .

وبعبارة أخری : إن جواز التقاصّ ثابت للشخص العالم بالحقّ وأما من قام عنده الأصل العملی أو الإمارة علی ثبوت الحقّ فهو غیر عالم حقیقة غایة الأمر أن الفرق بین الأصل والإمارة أن الإمارة منزّلة شرعاً منزلة العلم ولذا فهی تقوم مقام القطع الموضوعی وحینئذ یمکن الالتزام بجواز التقاصّ عندما یثبت الحقّ بإمارة (1) دون ما إذا ثبت بأصل عملی .

إذاً فالفرق بین ما طرحه صاحب المستند وصاحب العروة (قدهما) أن الأول قال بأن الأصول العملیة تقوم مقام الواقع لا العلم بالواقع فتجعل المشکوک منزّلاً منزلة المعلوم لا منزّلاً منزلة العلم فالحقّ المشکوک الثابت بالأصل العملی یُنزّل منزلة الحق المعلوم ، وهذا یمکن استفادته من أدلة بعض الأصول العملیة کالاستصحاب والبراءة فإذا کان الأصل یقوم مقام الواقع فیترتب علی الحق الثابت به (2) ما یترتب علی الحق الثابت واقعاً وهو جواز التقاصّ فی المقام ، وتنزیل المشکوک منزلة الواقع أمر قد ادّعی فی الأصول العملیة فقیل بأن مفاد الأصول العملیة تنزیل الواقع المشکوک منزلة الواقع المعلوم فإذا کان الواقع المعلوم له أثر فالواقع المشکوک بعد دلالة الأصل العملی علیه یُنزل منزلته فیثبت له ذلک الأثر ، وأما السید صاحب العروة (قده) فقال بأن المستفاد من أدلة التقاصّ اختصاصه (3) بصورة العلم بالحقّ فیکون العلم بالحق موضوعاً لجواز التقاصّ وحینئذ فما یکون مُنزّلاً منزلة العلم لیس إلا الإمارات - بناءً علی مسلک خاص - وأما الأصول العملیة فهی لا تقوم مقام العلم الواقع موضوعاً للحکم الشرعی .

ص: 127


1- (10) أی بیّنة .
2- (11) أی بالأصل العملی .
3- (12) أی اختصاص التقاصّ .

والصحیح ما ذهب إلیه السید صاحب العروة (قده) ولذلک فلا بد من التفریق بین ما إذا قامت البیّنة علی الحقّ وبین ما إذا ثبت الحق بالأصل العملی فلا مانع من الالتزام بجواز التقاصّ علی الأول دون الثانی .

تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر الرابع والخامس والسادس من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الاثنین 27 ذ ح 1433 ه_ 194)

الموضوع : تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر الرابع والخامس والسادس من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

کان الکلام فی ذکر أمور قلنا إنه ینبغی التنبیه علیها وقد تقدّم منها ثلاثة :

الأمر الرابع : فی مدی جواز التقاصّ فی ما إذا کان ثبوت الحقّ خلافیاً بین المجتهدین ؟

لا ریب فی الحکم بجواز التقاصّ فی ما إذا کان ثبوت الحق مورد اتفاق بین المجتهدین ، وأما إذا فُرض کونه خلافیاً بینهم فهاهنا صور :

الأولی : أن یکون المدّعی مقلّداً لمن یقول بعدم ثبوت الحق بغضّ النظر عن مقتضی تقلید الغریم .

الثانیة : أن یکون المدّعی مقلّداً لمن یقول بثبوت الحق والغریم مقلّداً لمن یقول بعدم ثبوته .

الثالثة : أن یکون المدّعی مقلّداً لمن یقول بثبوت الحق ولکن لم یُعلم ما هو مقتضی تقلید الغریم أو کان یُحتمل أن مقتضاه عدم ثبوته .

والحکم فی هذه الصور الثلاث هو عدم جواز التقاصّ .

ص: 128

الرابعة : أن یکون المدّعی مقلّداً لمن یقول بثبوت الحق والغریم مقلّداً لمن یقول بثبوته أیضاً .

والحکم فی هذه الصورة هو جواز التقاصّ بلا إشکال .

الأمر الخامس : فی مدی جواز التقاصّ مع عدم مطالبة المدّعی بالدین .

أی هل یجوز للمدّعی المقاصة فی حال عدم مطالبته الغریم بالدین لیتعرّف منه هل یعترف به أم یجحده ومع اعترافه هل هو مستعد لأداء الدین أم هو ممتنع عنه کما لو فُرض وجود مانع یمنع المدّعی من المطالبة کالخوف أو الحیاء أو غیرهما ؟

هاهنا صورتان :

الأولی : ما إذا احتمل المدّعی إقرار الغریم بالدین وبذله له لو فُرض مطالبته به .

والصحیح هنا هو عدم جواز التقاصّ لأنه قد یتحقق بعد المطالبة ما یحتمله المدّعی من إقرار الغریم بالدین وبذله له فلا وجه للمقاصّة قبل ذلک فإن المقاصّة إنما تجوز عندما یُفترض أن الغریم جاحد أو مماطل (1) ، ومن هنا فلا بد من إحراز أحد هذین الأمرین لیُحکم بجواز التقاصّ ، ومن الواضح أن إحراز أیّ منهما لا یکون إلا بعد المطالبة .

الثانیة : ما إذا کان المدّعی قاطعاً بعدم إقرار الغریم بالدین وبذله له لو فُرض مطالبته به .

یمکن أن یقال هنا بالجواز فإنه وإن کان الجحود أو الامتناع لا یصدق شیء منهما قبل المطالبة من جهة أن کون المدّعی قاطعاً بأن الغریم إما جاحد أو ممتنع لا یُحقق صدق شیء منهما إلا أنه مع ذلک للحکم بالجواز وجه وهو البناء علی أن الجحود أو الامتناع مأخوذین فی لسان الأدلة کطریق لنفی احتمال إقرار الغریم وبذله أو لإحراز عدمهما (2) فیکون هذا الإحراز محض طریق لذاک ولا موضوعیة له فی حدّ نفسه فإذا فُرض أنه فی موردٍ مّا انتفی احتمال الإقرار والبذل کما فی حال قطع المدّعی بذلک کفی ذلک للحکم بالجواز (3) ولعل ما نُسب إلی صاحب المستند من القول بالجواز فی المقام ناظر إلی هذه الصورة ومبنی علی هذا الفرض (4) .

ص: 129


1- (1) أی مقرّ ممتنع .
2- (2) أی عدم إقرار الغریم وبذله .
3- (3) ومن هنا یُعلم بأن الجحود أو الامتناع علی هذا المبنی - وإن کانا قد أُخذا موضوعاً للحکم بجواز التقاصّ ولکن لا من حیث خصوصیة عنوانهما بل من حیث کونهما طریقاً لتحقق عدم الإقرار والبذل فإذا تحقق هذا ولو من غیر جهة تحقق نفس الجحود أو الامتناع کفی ذلک فی تحقق موضوع الحکم بالجواز فموضوعه الحکم بالجواز إذاً إنما هو عدم الإقرار والبذل بأیّ وجه ثبت .
4- (4) یعنی فرض قطع المدّعی بعدم إقرار الغریم وبذله .

فإذا الصحیح هو التفصیل بین الصورتین : صورة ما إذا احتمل المدّعی أن الغریم باذل ومقرّ فلا یجوز له التقاصّ قبل المطالبة وصورة ما إذا لم یحتمل ذلک بل کان قاطعاً بعدم کونه مقراً باذلاً ففی هذه الحالة یمکن الالتزام بجواز التقاصّ بناءً علی ما تقدّم من أخذ الجحود أو الامتناع فی لسان الأدلة علی نحو الطریقیة .

الأمر السادس : فی مدی جواز المقاصّة من أموال الغریم فی حال کنه ناسیاً للدین أو جاهلاً به من غیر إعلامه به (1) .

قالوا هنا إنه إذا احتمل المدّعی تذکّر الغریم (2) عند تنبیهه وإعلامه أو علمه به (3) فلا یجوز التقاصّ قبل الإعلام وذلک للتعلیل المتقدّم وهو عدم صدق الجحود أو الامتناع من دون الإعلام ولو کانا علی نحو الطریقیة لإحراز عدم احتمال الإقرار والبذل .

بل یمکن أن یقال بعدم الجواز حتی إذا لم یحتمل تذکّره بالإعلام أو ارتفاع جهله به وکان قاطعاً بعدم حصول ذاک (4) وذلک لأن غایة ما یُبرّره هذا القطع هو سقوط وجوب الإعلام علی المدّعی لفرض عدم ترتب الأثر علیه (5) ولا یحقق موضوع جواز التقاصّ الذی هو الجحود أو الامتناع (6) بل قد تقدّم سابقاً (7) أن الأدلة لا تشمل هذه الحالة لأنها إنما تدل علی جواز التقاصّ فی صورة الجحود أو الامتناع فمع افتراض عدم تحقق شیء منهما فجواز التقاصّ فی هذه الحالة یکون مشکلاً فالمقام فی الحقیقة هو تطبیق للصورة الخامسة المتقدّمة (8) .

ص: 130


1- (5) أی من غیر إعلام الغریم بالدین الذی علیه .
2- (6) فی حال کونه ناسیاً .
3- (7) فی حال کونه جاهلاً .
4- (8) أی قاطعاً بعدم تذکّر الغریم أو حصول العلم له بالإعلام .
5- (9) من حصول التذکّر أو العلم .
6- (10) فإنهما لا یتحققان مع فرض النسیان أو الجهل .
7- (11) وذلک فی الصورة الخامسة المتقدّمة فی بحث سابق .
8- (12) وهی ما إذا کان امتناع الغریم أو جحوده بحقّ کما إذا کان جاهلاً للدین أو ناسیاً له .

فإذاً عدم الجواز هو باعتبار عدم صدق الجحود والامتناع قبل الإعلام سواء کان المدّعی یحتمل أن الغریم بالإعلام یرتفع جهله أو نسیانه أو کان قاطعاً بعدم ارتفاعهما وبقائه علی حالة النسیان أو الجهل حتی مع الإعلام فعلی کلا التقدیرین لا یصدق الجحود والامتناع قبل الإعلام فإذا قلنا بأن جواز التقاصّ منوط بصدق أحد هذین العناوین ولو علی نحو الطریقیة فمقتضی القاعدة فی المقام (1) عدم الجواز .

نعم .. ذهب صاحب المستند فی هذه الصورة إلی الجواز قبل الإعلام (2) واستدل علی ذلک بالعمومات ومقصوده هنا المطلقات - ، ویمکن توضیح مرامه بأن یقال :

إن النصوص وإن دلّت علی جواز التقاصّ فی صورة الجحود والامتناع إلا انه لا یُفهم منها التقیید بهما واعتبار صدق عنوانیهما فی جواز التقاصّ بحیث یدور مدار صدقهما وذلک من جهة أن هذین اللفظین وردا فی کلام السائل ولم یردا فی کلام الإمام (علیه السلام) فی شیء من الروایات .

نعم .. ینبغی أن یعترف صاحب المستند بأنه لا یمکن أن یُستدل بهذه النصوص علی جواز التقاصّ فی غیر مورد الجحود والامتناع لأنها واردة فیهما فهی تدل علی جواز التقاصّ فی هاتین الصورتین فحسب ولیس فیها إطلاق یشمل غیر هذین الموردین ولکن یمکن أن یقال - علی لسان صاحب المستند - بأن هناک روایات أخری مطلقة لم تُقیّد بصورتی الجحود والامتناع لا فی کلام السائل ولا فی کلام الإمام (علیه السلام) یمکن التمسّک بإطلاقها لإثبات جواز التقاصّ حتی مع عدم صدق الجحود والامتناع .

ص: 131


1- (13) أی فی مدی جواز التقاصّ قبل الإعلام .
2- (14) أی فی ما إذا کان الغریم ناسیاً للدین أو جاهلاً به .

هذا ما یمکن أن یُبیّن به کلام صاحب المستند (قده) .

ولکن هذا الوجه یتوقف علی افتراض وجود مطلقات فی هذا الباب لیس الجحود والامتناع مورداً لها إلا أنه بعد التأمل فی نصوص الباب لم نعثر علی روایة من هذا القبیل سوی روایة واحدة قد یقال بأنها هی المنظور لصاحب المستند فی کونها مطلقة فیصح الاستدلال بها فی المقام وهی روایة إسحاق بن إبراهیم :

" أن موسی بن عبد الملک کتب إلی أبی جعفر (علیه السلام) یسأله عن رجل دفع إلیه رجل مالاً لیصرفه فی بعض وجوه البرّ فلم یمکنه صرف ذلک المال فی الوجه الذی أمره به (1) وقد کان له (2) علیه (3) مال بقدر هذا المال فسأل هل یجوز لی أن أقبض مالی أو أردّه علیه وأقتضیه (4) ؟ فکتب (علیه السلام) إلیه : اقبض مالک ممّا فی یدیک " (5) .

یعنی سأل الدافع أن فی ذمتی دیناً لذاک الذی دفعت له المال لیصرفه فی بعض وجوه البرّ فأخذه ولم یُرجعه إلیّ فهل یجوز لی أن أقبض مالی الذی أخذه بالتقاصّ من ماله الذی هو دین فی ذمتی له أم یجب علیّ أن أردّ هذا الدین وأبقی أطالبه بذاک المال الذی دفعته له فأخذه ولم یُرجعه وأصل إلی قبض حقّی عن طریق القضاء .

ص: 132


1- (15) المفهوم منها أنه لم یُرجع المال إلی الدافع بل أخذه .
2- (16) أی للقابض .
3- (17) ای فی ذمة الدافع .
4- (18) هذه اللفظة موجودة فی المصدر وهو التهذیب - ولکنها لم ترد فی الوسائل .
5- (19) التهذیب مج6 ص349 ، الوسائل مج17 ص275 .

وهذه الروایة علی تقدیر عدم وجود لفظة : (أقتضیه) (1) التی تعنی أخذ الحقّ عن طریق القضاء أو علی تقدیر وتفسیرها بالمطالبة الشخصیة لا المطالبة عند الحاکم وجودها فتصلح أن تکون شاهداً لمدّعی صاحب المستند لأنه لم یُفرض فیها الجحود ولا الامتناع فیمکن أن یقال إنها مطلقة فتشمل صورتی الجحود والامتناع وغیر هاتین الصورتین أیضاً .

وأما مع الإذعان بوجود هذه اللفظة (2) وتفسیرها کما هو صریح بعضهم بالمطالبة بالحقّ عن طریق القضاء فلا تصلح حینئذ أن تکون شاهداً للمدّعی (3) .

هذه هی الروایة الوحیدة التی یُدّعی إطلاقها ولکنها غیر تامة سنداً - کما تقدّم - من جهة عبد الله بن محمد بن عیسی الواقع فی الطریق إلیها فإنه لم تثبت وثاقته ومن جهة إسحاق بن إبراهیم أیضاً فالاستدلال بها لإثبات الإطلاق وبالتالی إثبات جواز التقاصّ فی محلّ الکلام (4) مشکل فالصحیح هو القول بعدم الجواز فی المقام .

تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر السابع والثامن والتاسع من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) بحث الفقه

(بحث یوم الثلاثاء 28 ذ ح 1433 ه_ 195)

ص: 133


1- (20) کما هو کذلک فی نسخة الوسائل .
2- (21) کما هو کذلک فی المصدر - وهو التهذیب - .
3- (22) وذلک لأنه بعد الترافع إلی الحاکم کما هو المفروض یتحقق إعلام الغریم فیخرج عن محلّ الکلام من البحث عن جواز التقاصّ قبل الإعلام .
4- (23) وهو صورة عدم صدق الجحود والامتناع قبل الإعلام .

الموضوع : تکملة الکلام فی المسألة السابعة والخمسین : الأمر السابع والثامن والتاسع من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم یذکره السید الماتن / کتاب القضاء للسید الخوئی (قده) .

ذکرنا فی آخر الأمر السادس من الأمور التی قلنا إنه ینبغی التنبیه علیها روایة إسحاق بن إبراهیم وینبغی أن یُعلم أنه لا یفرق فی الاستشهاد بها کیفیة تفسیرها فسواء فُسّرت بأن هذا الشخص دفع لذاک الآخر مالاً لیصرفه فی وجوه البرّ فتعذّر علیه صرفه فیه فبقی المال لدیه وهذا القابض له دین فی ذمة الدافع بمقدار المال المدفوع له فیسأل الدافع أنه هل یجوز لی أن اقتصّ فاحتسب ما عندی له بما له عندی أم یجب علیّ أردّ له ماله الذی فی ذمتی له وأقتضیه ، أو فُسّرت بالعکس بأن یقال بأن القابض هو الذی یسأل أن لی عند هذا الدافع مقداراً من المال فهذا المال المدفوع من قبله لی والذی هو عندی هل یجب علیّ أن أردّه له وأقتضیه دینی أم یجوز لی أن أحتسب هذا المال المدفوع فی مقابل مالی الذی فی ذمته لی ، والاستشهاد بهذه الروایة علی أیّ من التفسیرین من جهة أنها إذا کانت خالیة من عبارة : (فأقتضیه) أو کانت متضمّنة لهذه العبارة وفُسّرت بالمطالبة الشخصیة فحینئذ یتم الإطلاق فیها لأنها تدل علی جواز التقاصّ من دون إشارة إلی مسألة الجحود والامتناع لا فی کلام السائل ولا فی جواب الإمام (علیه السلام) ، وأما إذا کانت متضمّنة لهذه العبارة ولکن فُسّرت بمراجعة القاضی والوصول إلی الحقّ عن طریقه فالروایة حینئذ یشکل الاستدلال بها علی الإطلاق باعتبار أنه إشارة إلی أن الوصول إلی الحق إنما یکون عن طریق التقاضی وهو لا یخلو من إشعار بامتناع الطرف الآخر إن لم یکن مشعراً بجحوده (1) ، هذا .. مضافاً إلی ضعفها السندی فالعثور علی روایة مطلقة تدلّ علی جواز التقاصّ فی غیر صورتی الجحود والامتناع مشکل .

ص: 134


1- (1) وجه الإشعار أن صاحب الحقّ لو لم یر أن الغریم سیمتنع او یجحد الحقّ لما سعی إلی مقاضاته عند الحاکم بل کان طالبه شخصیاً .

الأمر السابع : إذا کان للغریم الجاحد أو المماطل دین علی صاحب الحقّ فهل یجوز لصاحب الحقّ المقاصّة من دینه (1) ؟

الظاهر أنه یجوز له ذلک فیحتسب عمّا علیه مقاصة سواء کان بقدره أو کان أزید منه غایة الأمر أنه فی فرض الزیادة یُرجع الزائد إلی الغریم وعلی ذلک فإذا فُرض أن هذا الغریم رفعه إلی الحاکم باعتبار أن له دیناً علیه - وقد جاز شرعاً لصاحب الحقّ أن یقتصّ من دین الغریم باعتبار ما له من الحق علیه - فحینئذ هل یجوز للمدین الذی هو صاحب الحقّ أن یجحد دین الغریم مع أنه واقعاً موجود غایة الأمر أنه احتسبه فی مقابل ما له علیه (2) أو لا ؟

الظاهر أنه یجوز له ذلک فیجحد ویحلف علی أن لیس فی ذمته لهذا الطرف شیء (3) وهذا ما تدل علیه بعض الروایات المتقدمة (4) ، والسرّ فیه أنه واقعاً قد برئت ذمته من الدین لأنه احتسب ما له علیه من الحقّ فی مقابل ما لذاک من الدین علیه فإن لازم التقاصّ هو براءة الذمة بمقدار المال المقتصّ المساوی للحقّ .

الأمر الثامن : فی أن المقاصّة هل هی من باب المعاوضة بحیث تتحقق بها المبادلة بین ما أخذه مقاصّة وبین حقّه الموجود عند ذاک الذی یمتنع من أدائه بحیث یکون ما یأخذه عوضاً عن حقّه الثابت عند ذاک والمراد بالحقّ هنا أعم من أن یکون دیناً أو یکون عیناً فإن کان دیناً وثبتت المعاوضة تبرأ ذمة الغریم من هذا الدین لأن صاحب الحق قد أخذ من امواله ما یکون عوضاً عمّا فی ذمته له (5) ، وأما إذا کان المال عیناً کما لو غصب منه کتاباً فأخذ من أمواله ما یساوی الکتاب المغصوب فی القیمة فمقتضی المعاوضة هنا هو أن الغریم یملک ذلک الکتاب فالسؤال هنا : هل الأمر کذلک بمعنی کون المقاصّة من باب المعاوضة أم أنها بمعنی آخر ؟

ص: 135


1- (2) لا یبعد أن تکون روایة إسحاق بن إبراهیم المتقدّمة هی من هذا القبیل (منه دامت برکاته) .
2- (3) أی علی الغریم .
3- (4) طبعاً هذا فی فرض مساواة دین الغریم لحقّه وأما فی فرض زیادته علیه فیحلف علی أن لیس فی ذمته إلا المقدار الزائد .
4- (5) کما فی قوله (علیه السلام) : (أحبّ إلیّ أن تأخذ وتحلف) .
5- (6) أی عمّا فی ذمة الغریم لصاحب الحق .

قد یقال بالأول ویُستدلّ له بأمرین :

الأول : أن هذا هو ظاهر النصوص أی أن المقاصّة هی من باب المعاوضة .

الثانی : ما ذُکر من أن المفروض فی محلّ الکلام أن ما یأخذه المقاصّ (1) هو عوضٌ عن ماله وحقه الموجود عند الطرف الآخر ولازم ذلک أن لا یبقی المعوّض فی ملکه وإلا لزم الجمع بین العوض والمعوّض عند المقاصّ وهو غیر جائز .

وقد یقال بالثانی (2) ویُستدلّ له بما ادّعی من أن الأدلة لا یُستفاد منها أن ما یأخذه المقاصّ هو من باب المعاوضة وإنما هو أمر جوّزه الشارع من باب العقوبة فلا مانع معه من أن یبقی حقّه علی ملکه وما أخذه إنما اخذه من باب العقوبة بحکم الشارع ولا موجب لخروج حقّه عن ملکه بمجرد التقاصّ بعد منع کون المقام من باب المعاوضة لیقال بلزوم الجمع بین العوض والمعوّض .

وأقول : الظاهر أن تملّک المقاصّ لما یأخذه مما لا خلاف فیه بین القولین وهذا هو ظاهر النصوص

وإنما الخلاف بینهم فی أن هذا هل هو من باب المعاوضة أم هو من باب العقوبة کما عن صاحب المستند فإذا التُزمنا بأن ما یأخذه ویتملکه هو من باب المعاوضة فلا إشکال حینئذ فی أنه لا بد من الالتزام بخروج ما یقابل العوض عن ملکه وإلا یلزم الجمع بین العوض والمعوّض وهذه قضیة لا یمکن إنکارها (3) فإنه لا یُعقل أن یکون من باب المعاوضة وأن لا یخرج ما یقابل العوض عن ملکه فإن هذا لازم لذاک ولا یمکن التفکیک بین المتلازمین وإلا خرجت المعاوضة عن حقیقتها فإن حقیقة المعاوضة متقوّمة بأن یدخل فی ملکه العوض ویخرج عن ملکه ما یقابل العوض أعنی المعوض فإذا افترضنا أن هذا الذی یأخذه ویملکه هو من باب المعاوضة فلازمه أن نقول إن ما یقابل العوض وهو المعوَّض - یخرج عن ملکه ویدخل فی ملک من خرج العوض عن کیسه وهو الغریم فإذا کان ما یقابل العوض دیناً فحینئذ تبرأ ذمة الغریم منه وإذا کان عیناً فهو یملکها حینئذ فلیس ثمة مناص إذا أُذعن أن التقاصّ هو من باب المعاوضة من القول بأن ما یقابل العوض یدخل فی ملک الطرف الآخر حتی لا یلزم الجمع بین العوض والمعوّض .

ص: 136


1- (7) أی صاحب الحق وهو المدّعی .
2- (8) أی أن المقاصّة لیست من باب المعاوضة .
3- (9) وإن ورد هذا الإنکار فی کلمات صاحب المستند (منه دامت برکاته) .

وأما إذا التزمنا أنه من باب العقوبة فحینئذ یتعیّن الالتزام بعدم خروج ما یقابل ما یأخذه عن ملکه إذ لم یحصل ما یوجب خروجه عن ملکه ودخوله فی ملک الغریم .

هذان إذاً فرضان فی المقاصّة والکلام هنا فی أیّ الفرضین هو الصحیح ؟

الذی یبدو من النصوص أن المقاصّة هی من قبیل الأول أی من باب المعاوضة وفاقاً للمشهور والمعروف ویمکن الاستدلال علی ذلک بما تقدّم ذکره والاستئناس له بما ورد فی روایات کثیرة من أنه یأخذه مکان ماله الذی ذهب به وهو معنی المعاوضة إذ لا یُراد منها أکثر من ذاک وبما ورد فی ذیل معتبرة الحضرمی من قوله (علیه السلام) فی مقام تعلیم المقاصّ ما یقوله قبل التقاصّ : (اللهم إنی آخذ هذا المال مکان مالی الذی أخذه منی ولا آخذه ظلماً ولا خیانة ..) فظهور کون المقاصّة من باب المعاوضة فی مثل هذه النصوص واضح .

هذا .. مضافاً إلی ما هو المشاهد خارجاً من عمل المتشرّعة إذا أرادوا التقاصّ فإنهم لا یأخذون ما یأخذونه بعنوان العقوبة وإنما یأخذونه من باب المعاوضة فالمعاوضة أمر مرکوز فی أذهانهم وتساعد علیه الأدلة کما عرفت .

علی أن القول الثانی (1) تلزم منه أمور یُستبعد الالتزام بها :

منها : بقاء ذمة الغریم مشغولة لصاحب الحقّ بعد التقاصّ مع أن المفروض أن صاحب الحقّ قد أخذ ما یساوی حقّه .

ومنها : أنه حتی بعد استیفاء صاحب الحقّ لما یساوی حقّه فله مع ذلک کامل التصرّف بما عند الغریم من عین أو فی ذمته من دین فله أن یبیعه أو یهبه أو یؤاجره علی الغیر کما لو کان داراً أو عبداً خارجاً أو فی الذمة لأن المفروض علی هذا الوجه أنها باقیة علی ملکه یتصرّف فیها تصرّف المُلاّک فی أملاکهم ویُستبعد أن یثبت له ذلک وقد استوفی ما بإزاء حقّه من أموال الغریم .

ص: 137


1- (10) أی کون المقاصّة من باب العقوبة .

الأمر التاسع : لا إشکال فی جواز التقاصّ فی ما إذا لم یکن یتوقف علی تصرف أکثر من نفس التقاصّ کما لو وقع تحت یده مال للغریم ولم یکن یستلزم التقاصّ أکثر من أخذ الحقّ منه فإذا کان مال الغریم (1) مساویاً للحق فهو وإذا کان أزید منه فلا إشکال فی أنه یجب علی صاحب الحق إیصال الزائد إلی مالکه کما ورد ذلک فی بعض الروایات وقد عُبّر فیها أنه یُسلّم الباقی إلیه ولکن لو فُرض أن استیفاء الحق من مال الغریم کان یتوقف علی نحو من أنحاء التصرّف کبیع داره - مثلاً - فهل یجوز لصاحب الحقّ مثل هذا التصرف مقدمة لاستیفاء الحق منه أم لا ؟

الظاهر أنه لا إشکال اتّفاقاً فی جواز ذلک فله أن یبیع دار الغریم التی وقعت تحت یده ویستوفی ماله من ثمنها فإذا کان الثمن مساویاً لحقّه فهو وإن کان أزید أرجع الباقی ، ویمکن استفادة هذا المعنی من إطلاق بعض الروایات کصحیحة داود المتقدّمة حیث ورد فیها قوله : (خُذ مثل ذلک) حیث جوّز له الإمام (علیه السلام) أخذ المثل فی ما لو کان قد وقع فی یده متاع یختلف عمّا أُخذ منه فإن تجویز أخذ المثل مع أن ما وقع بیده من أموال الغریم لیس مِثلاً لما أخذه الغریم منه یدل بدلالة الاقتضاء علی أنه یجوز له بیعه والأخذ من ثمنه لأن الثمن یصح أن یقال إنه مثل المأخوذ من جهة تساویهما فی القیمة فضلاً عمّا إذا کان ما وقع بیده مثل ما اُخذ منه فعلاً کما لو کان المأخوذ منه جاریة وما وقع بیده من أموال الغریم جاریة أیضاً مثلها فیأخذها بلا حاجة إلی تصرّف زائد أصلاً فکل ذلک مشمول للإطلاق .

ص: 138


1- (11) أی الذی وقع تحت ید صاحب الحق .

هذا تمام الکلام فی مسألة المقاصّة وقد أعرضنا - اختصاراً - عن فروع کثیرة ذکرها الأصحاب فی کتبهم .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأحد 8 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی الادلة التی قیل بدلالتها علی عدم اعتبار الحس فی قبول الشهادة ، وتبین عدم تمامیتها ، یقع الکلام فعلاً فی الادلة التی یدعی دلالتها علی أعتبار الحس فی قبول الشهادة وهی ثلاثة :

الاول: ________ وهو العمدة فی هذه الادلة _______ وهی دعوی ان الشهادة لغةً مأخوذة من الحضور، فیکون الحضور مستبطنٌ فی معنی الشهادة ،ویترتب علیه أختصاص الادلة الدالة علی قبول الشهادة حیث ورد فیها لفظ الشهادة بما اذا کان هناک حضور وبعبارة اخری ان ادلة القبول لاتشمل غیر الشهادة الحسیة لان الشهادة مأخوذة فی ادلة القبول، واذا کانت کذلک فیکون الحضور شرطا فیها لانه مأخوذ فی مفهوم الشهادة ، وعلیه فغیر الشهادة الحسیة لاتشمله ادلة القبول، فیختص القبول فی ادلة القبول بخصوص الشهادة الحسیة .

هذا هوالدلیل الاول ،وهناک جوابان عنه :

الاول: ویستفاد هذا الجواب بشکل او باخر من کلمات الفقهاء ، وحاصله:

بعد تسلیم ان الشهادة مأخوذة من الحضور لغة ، ولکن یمکن دعوی خروج الشهادة عن المعنی اللغوی الی معنی اخر اصطلاحی لم یؤخذ فیه الحضور، وهو مطلق الاخبار الجازم سواء نشأ عن الحضور او عن غیره، ولذا عُرّفت الشهادة فی کلمات الفقهاء، بانها عبارة عن الاخبار الجازم لاغیر وهذا غیر المعنی اللغوی الذی یستبطن الحضور والاحساس ، ویشهد الی ان الشهادة فی کلمات الفقهاء لایراد بها المعنی اللغوی هو ان الشهادة المقبولة عندهم لاتختص بالرؤیا والسماع بل تشمل کل الحواس الاخری کالشم والذوق ونحوها ومن الواضح ان الحضور والمشاهدة لیست موجودة فی کل هذه الموارد.

ص: 139

وعلیه ،فالشهادة عندهم لیست الا الاخبار الجازم سواء وجد الحضور او لم یوجد .

هذا هو الجواب الاول

وأقول:لو سلم هذا الکلام ، فإنه لم یتضح أنّ مستند الفقهاء فیه دعوی نقل الشهادة الی معنی لایستبطن الحضور ، بل ربما کان مستندهم بعض الادلة السبعة التی قیل بدلالتها علی عدم اعتبار الحس فی الشهادة .

ومن هنا یظهر لو بقینا وادلة قبول الشهادة لتعین علینا الالتزام باشتراط الحضور لاننا اعترفنا بحسب الفرض ان معنی الشهادة یستبطن الحضور وانما الغینا الحضور للادلة الخاصة ومن هنا یکون التعویل علی الادلة الخاصة لا علی مفهوم الشهادة .

الثانی : وهو الجواب الصحیح وهو یفترض ان للشهادة معنی واحد وهذا ماتقدم منا لتوجیه کلام صاحب الجواهر عندما ذکر ان الشهادة فی قول المؤذن اشهد ان لا اله الا الله تستعمل فی معنی لیس فیه حضور ولا احساس وکذا فی الشهادة بان النبی (ص) قد نصب الامیر (ع) کما هو واضح من دون حضور لانها تعتمد علی التواتر فقد قلنا ان صاحب الجواهر لعله کان یعتقد ان للشهادة معنی واحد وقد استعملت الشهادة بما لها من المعنی الواحد فی هذه الموارد من دون تجوز بغیر افتراض الحضور والاحساس وهذا معناه ان الشهادة لغة لایشترط فیها الحضور.

والظاهر حصول خلط فی ذلک فانه یبدو من مراجعة کلمات اللغوین والفقهاءان للشهادة معنیین :

الاول : وهو الحضور .

الثانی: وهو الاخبار بما یعلمه الانسان واظهار مایعتقده .

وهذان المعنیان یظهران من کلمات اللغوین .

اما المعنی الاول ففی قوله تعالی (فمن شهد منکم الشهر فلیصمه ) والمقصود من الشهود هنا الحضور أی من کان حاضرا عند حلول الشهر ویقال شهدت العید، وشهدت المجلس أی ادرکته وحضرته ،والشاهد یری ما لایراه الغائب وهو واضح فی ان المقصود بالشاهد الحاضر فی مقابل الغائب، وهذا المعنی قد نص علیه اللغویون للشهادة .

ص: 140

واما المعنی الثانی _ الاخبار عما یجزم به واظهار ما یعتقده_ فقد ورد فی لسان العرب قوله الشهادة خبر قاطع تقول فیه شهد الرجل علی کذا أی عندما یخبر الشاهد خبرا قاطعا بشیء فتقول انت ان هذا شهد بکذا وهذا لیس له علاقة بالحضور ،ثم نقل عن ابن الانباری فی قول المؤذن اشهد ان لا اله الا الله ان معناها اعلم ان لا اله الا الله وابین ذلک ومنه قوله تعالی (شهد الله ان لا الا هو والملائکة واولی العلم ) أی کان معلوما لدیه ذلک .

ومن الواضح ان الشهادة فی باب القضاء یراد بها الشهادة بالمعنی الثانی ای الاخبار عن جزم ویقین ولایراد بها الحضور.

وبناء علی هذا الکلام فالشهادة الواردة فی ادلة القبول حیث انها ناظرة الی باب القضاء یکون المقصود بالشهادة فیها الشهادة بالمعنی الثانی لا بالمعنی الاول ، فلا یکون الحضور معتبرا فی الشهادة المقبولة ، وانما الشهادة فیه بمعنی الاخبار بما یعتقد ویعلم، فلو اخبر الانسان بما یعتقد ویعلم یکون شهادة مشمولة لادلة القبول من دون اخذ مفهوم المشاهدة والحس فیها حتی یکون قبول الشهادة مشروطا بالحضور والاحساس .

نعم قد یعترض علی ماذکرنا ______ وربما یستفاد هذا من کلمات السید الماتن فی هذا المجال ________ بان یقال انه بناء علی ان یکون هناک معنیان لکلمة الشهادة _______ الحضور،والاخبار عن جزم ویقین _______ ولکن لم یعلم ان الشهادة فی محل الکلام یراد منها المعنی الثانی، ولعله یراد بها المعنی الاول .

ویترتب علیه ، اجمال دلیل القبول لعدم العلم بالمراد من الشهادة فیه هل الشهادة بالمعنی الاول او الشهادة بالمعنی الثانی، وحینئذ یقتصر فیه علی القدر المتقین، والقدر المتیقن منه هو قبول الشهادة الحسیة، لان الشهادة الحسیة مقبولة علی کلا التقدیرین واما ما زاد علیه فیرجع فیه الی اصالة عدم النفوذ واصالة عدم القبول ، وبالنتیجة سوف نلتزم باشتراط الحضور والحس فی قبول الشهادة ولو من باب الاقتصار علی القدر المتیقن .

ص: 141

ویرده:

اولا: ان حمل الشهادة علی المعنی الاول واشتراط الحضور خلاف الظاهر جدا مع ان من الواضح ان معنی قبول الشهادة فی باب القضاء هو قبول ما اظهره الشاهد عن جزم ویقین لتأیید دعوی المدعی ولاینبغی التشکیک فی ان المقصود بها هذا المعنی لا المعنی الاول .

وثانیا :ان ادلة القبول بشکل عام لم تستعمل فیها مفردة الشهادة کما فی البینة علی المدعی والیمین علی من انکر ، وانما اقضی بینکم بالبینات وبالایمان فهذه الادلة ورد فیها مفردة البینة والبینة لم یؤخذ فیها الحضور وانما ادعی هذا فی مفردة الشهادة لانه احد معنییها او معناها کما یدعی.

نعم فی بعض الادلة کما سیأتی فی باب الرجم ذکرت کلمة الشهادة والظاهر ان المقصود بها هناک کما ذکرنا هو عبارة عن الشهادة بالمعنی الثانی لا الشهادة بالمعنی الاول

اذن هذا الاعتراض غیر وارد، والجواب الثانی هو الصحیح عن الوجه الاول وهو ان الشهادة فی باب القضاء والمرافعة لایراد بها المعنی الاول وانما یراد بها المعنی الثانی .

وبناءا علی هذا الکلام فالدلیل الاول لاشتراط الحس فی قبول الشهادة غیر تام .

الدلیل الثانی : هو الادلة الخاصة حیث دل جملة منها علی ماقیل باشتراط الحضور والمشاهدة والاحساس بالشیء المشهود به ولاتقبل الشهادة من دون ذلک وهذه الادلة مرویة فی الباب 20 من ابواب الشهادات فی الوسائل وهی:

الاول : روایة علی بن غیاث او غراب لان الکلینی یرویها عن علی بن غیاث والصدوق یرویها عن علی بن غراب والظاهر انه الاخیر لان الاول نکرة وغیر معروف لا فی کتب الرجال ولا فی الروایات (یقول :عن ابی عبد الله (ع) قال: لاتشهدن شهادة حتی تعرفها کما تعرف کفک ) .

ص: 142

فان ظاهرها اعتبار الشهادة عن حس .

الثانی: مرسلة الصدوق (قال: روی انه لاتکون الشهادة الا بعلم من شاء کتب کتابا او نقش خاتما ) فیستفاد من ذیلها ان الشهادة انما تقبل فیما اذا کان هناک کتابة وکان هناک نقش وهذه عبارة عن شهادة حسیة .

الثالث: مرسلة المحقق فی الشرائع (عن النبی (ص) وقد سئل عن الشهادة قال: هل تری الشمس علی مثلها فاشهد او دع ) .

ولکن لایمکن التعویل علی هذه الادلة ، لضعفها سنداً

الربع: روایات مذکورة فی حد الزنا فی الباب 12 ،ح1 ،ح3 ،ح5 ، ومفهومها انه لایجوز اقامة حد الزنا حتی یشهد اربع علی انه کان یدخل ویخرج ومن الواضح ان المقصود بها اشتراط الرؤیة حتی تقبل مثل هذه الشهادة ویبدو ان دلالتها تامة وکذلک اسنادها ولکن المشکلة فیها ان احتمال الخصوصیة فیها وارد أی انها مختصة بالرجم بما یمثله من قتل وازهاق للروح والنفس المحترمة فلعله اعتبر الاحساس لزیادة التأکد والاحتیاط فی باب الدماء وهذا لایمکن اسراؤه الی جمیع الشهادات کما هو محل الکلام .

ومن هنا یظهر ان التعدی من هذه الروایات لاثبات اشتراط الحضور والاحساس فی کل شهادة لیس صحیحاً.

اذن هذا الدلیل وهو الاعتماد علی الروایات الخاصة لاثبات اشتراط الحضور والاحساس فی قبول الشهادة ایضا لایمکن التعویل علیه .

الدلیل الثالث : هو ان یقال ان ادلة اقامة الشهادة ظاهرة فی الشهادة التی ورد الامر بتحملها اما ارشادا کما فی باب الوصیة لان الشهادة غیر معتبر فی باب الوصیة لکن الروایات امرت بتحمل الشهادة من باب الارشاد ، او استحبابا کما فی باب النکاح فانه یستحب الاشهاد علی النکاح ، او وجوبا کما فی الطلاق فانه یشترط فی صحته الاشهاد ،فهذه الشهادة التی امر المکلف بتحملها هی التی امر المکلف باقامتها واذا اقامها تکون مقبولة ومن الواضح ان الشهادة التی یتحملها المکلف لابد فیها من حضوره فی محل اقامة الشهادة ، ومعنی ذلک ان المراد بالشهادة فی ادلة اقامة الشهادة هی الشهادة التی یشهد بها عن حس ، فأدلة قبول الشهادة مختصة بهذه الشهادة ولاتکون شاملة لغیر الشهادة الحسیة .

ص: 143

وهذا الدلیل وان ذکره بعض المحققین ولکن یمکن التأمل فیه من جهتین :

الاولی: ان الامر بتحمل الشهادة وارد فی موارد معینة ولا یوجد اطلاق یأمر بتحمل الشهادة وعلیه، فهذا الدلیل اذا تم فهو مختص بهذه الموارد فنقول بقبول الشهادة فیها اذا کانت عن حس اما تعمیمها لکل شهادة وان لم یأمر المکلف بتحملها وبالاشهاد علیها هذا غیر تام فی نفسه .

الثانیة: لو سلمنا بوجود امر لتحمل الشهادة فی جمیع الموارد ولکن هذا لایعنی انحصار الشهادة المقبولة بما اذا کانت مقدمتها الاشهاد والحضور لعدم الملازمة فیها لان الشارع قد یکون امر بتحمل الشهادة فی جمیع الموارد من باب الاحتیاط لضمان اقامة الشهادة بعد الالتفات الی ان الشهادة یجب اقامتها علی من تحملها وهذا لایعنی ان قبول الشهادة منحصر بما اذا کانت مقدمتها هو الاحساس والحضور .

اذن هذا الدلیل لایکون تاما ،ومن هنا یظهر انه لم یتم شیء من أدلة اشتراط الحضور والحس فی قبول الشهادة .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الإثنین 9 رجب بحث الفقه

تبین مما تقدم عدم تمامیة شیء مما أستدل به لأعتبار الحس فی قبول الشهادة لا من الأدلة العامة وهی أدلة قبول الشهادة ولا من الأدلة الخاصة ، کما تبین مما تقدم عدم تمامیة مااستدل به لعدم اعتبار الحضور الا الدلیل الرابع وهو مکاتبة الصفار فقد قلنا أنها لاتخلو من دلالة إذا التزمنا بمدلولها المطابقی وهو قبول الشهادة المستندة إلی الإستفاضة ، وحینئذ یمکن الالتزام بقبول الشهادة المستندة الی التواتر بالاولویة کما قلنا ، ولکن هذا غیر واضح

ومن هنا نستطیع ان نقول إلی الان لم یتم شیء لا من الادلة المستدل بها علی اعتبار الحضور فی قبول الشهادة ولا من الادلة التی استدل بها علی عدم اعتبار الحضور فی قبول الشهادة .

ص: 144

ولکن ، قد یقال إننا فرغنا فیما سبق عن عدم إعتبار الحضور فی مفهوم الشهادة لان الشهادة فی باب القضاء یراد بها الاخبار بما یعلم ویعتقد عن جزم ویقین وحینئذ لامانع من التمسک باطلاقات ادلة قبول الشهادة لاثبات حجیة ونفوذ الشهادة المستندة الی التواتر إذ أدلة القبول موضوعها الشهادة وقد قلنا ان الحضور غیر مأخوذ فی مفهومها فتدل علی قبول کل ما تصدق علیه الشهادة وهذا یشمل محل الکلام أی الشهادة المستندة الی التواتر لانها شهادة ویترتب علیه القبول بالشهادة المستندة إلی التواتر ویکون حالها حال الشهادة المستندة الی الحس .

ویرده أن الاطلاق المدعی هو نفس الدلیل الاول من أدلة عدم اعتبار الحضور فی الشهادة وقد تقدمت المناقشة فیه بان هذه الادلة لیست فی مقام البیان من جهة مستند الشهادة وانها ان استندت إلی الحس تکون مقبولة والا لم تقبل حتی یتمسک باطلاقها اللفظی لقبول مطلق الشهادة بل قلنا بعدم تمامیة الاطلاق المقامی الذی هو الدلیل الثانی المتقدم لانه ایضا لا ینعقد الا إذا کان المتکلم فی مقام البیان من هذه الناحیة والمفروض انه لیس فی مقام البیان من هذه الناحیة فلا یکون سکوته عن عدم ذکر القید دلیلا علی عدم إرادته لذلک القید وبالتالی اثبات اطلاق کلامه .

إذن ، هذا الذی یذکر لایخرج عن کونه أما اطلاقا لفظیا أومقامیا وقد تبین عدم تمامیتهما .

ومن هنا تصل النوبة إلی الشک فی ان الحس والحضور هل هو معتبر فی قبول الشهادة (واما فی مفهومها فقد قلنا انه غیر معتبر ولکن لامانع من ان یعتبره الشارع فی القبول ) أو لیس معتبرا ؟ فلا بد من الرجوع إلی الاصل وهو یقتضی عدم النفوذ إلا بالمقدار المتیقن من أدلة قبول الشهادة وهی الشهادة المستندة الی الحس والحضور أی الشهادة الحسیة وأما ما عدا ذلک فنلتزم فیه بعدم القبول .

ص: 145

والنتیجة التی نخلص لها هی ان الشهادة المستندة الی التواتر لیست نافذة ولامقبولة وان الشهادة المقبولة هی الشهادة الحسیة فقط لا من باب دلالة الادلة علی حصر القبول بها وانما لانها القدر المتیقن من هذه الادلة بعد انتهاء النوبة إلی الشک .

وهذا لاینافی ما تقدم منا إذ نحن لانملک دلیلا علی اعتبار الحضور ولکن بالطرف المقابل لانملک دلیلا علی عدم اعتبار الحضور فی قبول الشهادة وهذا هو الذی ولد لدینا حالة الشک نعم لو کان لدینا اطلاق واضح فی الادلة فلا مانع من التمسک به لنفی اعتبار الحضور فی قبول الشهادة ولکنک عرفت بانه لایوجد مثل هذا الاطلاق فتصل النوبة الی الشک وحینئذ مقتضی القاعدة هو الاقتصار فی القبول علی القدر المتیقن الذی هو عبارة عن الشهادة الحسیة .

وهذه النتیجة التی وصلنا الیها لاکلام فی انها تعنی وتستلزم عدم نفوذ الشهادة المستندة الی الحدس لان الشهادة التی ثبت بهذا البیان اعتبارها هی الشهادة الحسیة فقط فالشهادة المستندة الی الحدس خارجة عن القدر المتیقن ولانملک دلیل علی قبولها والاصل یقتضی فی هکذا حالة عدم النفوذ وعدم الحجیة .

ولکن هل تعنی هذه النتیجة بالاضافة الی عدم قبول الشهادة الحدسیة عدم قبول الشهادة المستندة الی التواتر او لا؟

قد یقال انها لاتعنی ذلک بالضرورة ومرجع هذا الکلام الی محاولة لادراج الشهادة المستندة الی التواتر فی القدر المتیقن أی أنها داخلة فی الشهادة الحسیة وان کانت بحسب الدقة والتحلیل شهادة بامر غیر محسوس لان المفروض ان المکلف لم یحس بالواقعة نفسها باحدی حواسه وانما شهد بها اعتمادا علی التواتر، ولکن قد یقال ان التواتر واخبار جماعات کثیرین لا یحصل الا اذا کانت الواقعة حاصلة بل لایمکن افتراض حصول تواتر بهذا الشکل مع عدم وقوع هذه الحادثة ، بل التواتر هو من اثار وقوع الواقعة، وتحقق القضیة المشهود بها ولیس امرا منفصلا عنه .

ص: 146

وعلیه فالاحساس بالاثر کأنه احساس بالواقعة عرفا، فالذی احس باخبار جماعة کثیرین یمتنع تواطؤهم علی الکذب یجزم لامحالة بوقوع الحادثة، وهو معدود عند العرف کمن احس بالحادثة او حصل له ما هو قریب من الاحساس .

وحینئذ یقال : انه یکفی فی تحقق الاحساس والحضور هذا المقدارمن اخبار جماعة کثیرین یمتنع تواطئهم علی الکذب ولیس شرطا فی الشهادة الحسیة ان یحس بنفس ما یشهد به بل اذا احس بامر ملازم ولاینفک عن المشهود به فهذا یکفی فی قبول تلک الشهادة ودخول هذا الفرد فی القدر المتیقن من الادلة.

وهذا المطلب اذا شککنا به ولم نستوضحه یمکن دعمه وتاییده ببعض الادلة المتقدمة التی لم تتم مثلا یمکن تاییده بروایة الحسین بن زید وقد قلنا ان دلالتها واضحة جدا علی هذا المطلب (ما قائها حتی شربها ) تشیر الی الملازمة بین قیء الخمر وبین شربه فإذا احس الانسان بقیء الخمر هذا یکفی فی ثبوت انه شرب الخمر وقلنا لافرق بین ان یشهد بالقیء المثبت لشرب الخمر وتترتب الاثار علیه وبین ان یشهد بشرب الخمر مباشرة مستندا الی قیئه لان شرب الخمر انما ثبت باعتبار ثبوت القیء فإذا ثبت القیء واحس به بامکانه ان یشهد بشرب الخمر للملازمة بینهما ، وهذا یطبق فی محل الکلام بشکل واضح فأن هناک ملازمة عقلیة بین التواتر وبین ثبوت المشهود به وتحققه علی نحو یمتنع التخلف ، فإذا احس بالاثر الذی هو التواتر مع وجود الملازمة الحقیقیة بینه وبین ثبوت الواقعة فحینئذ یمکنه ان یشهد اما بالتواتر فیثبت اثره وهو حصول الواقعة او یشهد بالواقعة مباشرة استنادا الی التواتر ، فهذه الروایة لولا ضعفها السندی لکانت دلیلا واضحا علی قبول الشهادة المستندة الی التواتر فهی اذن تصلح للتایید ، کما ان مکاتبة الصفار تامة من حیث الدلالة فهی ظاهرة ظهورا واضحا فی قبول الشهادة المستندة الی اخبار جماعة عدول من اهل القریة بحدود قطاع الارض علی ما تقدم سابقا وتکون دلیلا واضحا علی قبول الشهادة المستندة الی التواتر بالاولویة.

ص: 147

فالظاهر وا.. العالم ان النتیجة التی انتهینا الیها وهی الاقتصار علی القدر المتیقن انما تعنی اخراج الشهادة الحدسیة وعدم قبولها واما الشهادة المستندة الی التواتر فلا یبعد دخولها فی القدر المتیقن من الادلة .

إلی هنا فرغنا عن الشهادة المستندة الی الحس والشهادة المستندة الی التواتر والشهادة المستندة الی الحدس وتبین ان الشهادة المستندة الی الحس هی المعتبرة وهی القدر المتیقن وان الشهادة المستندة الی التواتر یمکن الحاقها وادخالها فی المتیقن وان الشهادة الحدسیة لاتشملها ادلة الاعتبار .

الموردالاخیر: الشهادة المستندة الی الامارات والاصول

وبطبیعة الحال لایفترض فی الامارت والاصول انها موجبة لحصول العلم والیقین عادة فمثلا هذه الدار کانت ملکا لزید سابقا والان شککنا انها ملک لزید فیجری استصحاب ملکیته لها ویشهد استنادا الی ذلک بملکیة فعلیة بالنسبة الی هذه الدار لزید اویشهد استنادا الی امارة کید المسلم فمثل هذه الشهادة هل تکون مقبولة او لاتکون مقبولة ؟

القاعدة الاولیة بقطع النظر عن الروایات عدم قبول هذه الشهادة أی لیست حجة لانها لیست شهادة مستندة الی الحس ولا الی مایقرب من الحس بل لیست مستندة الی العلم بالواقع لانه لم یفترض وجود علم بالواقع .

نعم ..إذا ثبت فی علم الاصول ان الامارة والاستصحاب یقومان مقام القطع الموضوعی استناداً الی نفس دلیل اعتبارهما کما انهما یقومان مقام القطع الطریقی کذلک ، وقلنا ان الشهادة المستندة الی العلم الحدسی حجة ونافذة کما لو اتفق من باب الصدفة حصول العلم من قرائن حدسیة ،فحینئذ تکون الشهادة المستندة الی الامارة او الاستصحاب مقبولة .

ولکن کلا الامرین محل کلام .

أما الامر الثانی فقد تقدم ان العلم المستند الی الحدس لادلیل علی اعتبار الشهادة المستندة الیه ،وانما العلم الذی یؤخذ موضوعا لقبول الشهادة هوالحسی او القریب منه .

ص: 148

واما الامر الاول فقد ذکر فی الاصول ان دلیل اعتبار الامارة والاستصحاب لایفی بقیامهما مقام القطع الموضوعی وان وفی بقیامهما مقام القطع الطریقی .

اذن مقتضی القاعدة فی محل الکلام هو عدم الاعتبار والنفوذ ، نعم قد یستدل علی حجیة ونفوذ الشهادة المستندة الی الامارة او الاستصحاب ببعض الروایات الخاصة التی ادعی انها تدل علی قبول الشهادة المستندة الیهما وهی :

الاولی: صحیحة معاویة بن وهب فی الباب 17 من ابواب الشهادات ،ح3 یرویها ((الشیخ الطوسی بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن احمد بن الحسن وغیره عن معاویة بن وهب ،قال : قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : الرجل یکون له العبد والأمة قد عرف ذلک فیقول : أبق غلامی أو أمتی ، فیکلفونه القضاة شاهدین بأن هذا غلامه أو أمته لم یبع ولم یهب أنشهد علی هذا إذا کلفناه ؟ قال : نعم )) فانه یشهد بان هذا غلامه فعلا استنادا الی انه کان یعلم انه غلامه ثم ابق وجیء به والامام (ع) قال له اشهد فالاستدلال بها مبنی علی انه یشهد استنادا الی الاستصحاب ،وهی تامة سنداً.

السید الماتن (قده) تعرض لهذه الروایة ویبدو من کلامه انه مقتنع بتمامیة دلالتها علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب لکنه ردها بانها معارضة بروایة اخری لنفس الراوی ظاهرة فی عدم قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب وهی المذکورة فی ذیل الحدیث الثانی فی نفس الباب ((یرویها الکلینی عن علی بن ابراهیم عن ابیه عن إسماعیل بن مرار ، عن یونس ، عن معاویة بن وهب قال : قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : الرجل یکون فی داره ، ثم یغیب عنها ثلاثین سنة ویدع فیها عیاله ، ثم یأتینا هلاکه ونحن لا ندری ما احدث فی داره ولا ندری ( ما احدث ) له من الولد ، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث فی داره شیئا ولا حدث له ولد ، ولا تقسم هذه الدار علی ورثته الذین ترک فی الدار حتی یشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات وترکها میراثا بین فلان وفلان ، أو نشهد علی هذا ؟ قال : نعم ، قلت : الرجل یکون له العبد والأمة فیقول : أبق غلامی أو أبقت أمتی ، ( فیؤخذ بالبلد ) فیکلفه القاضی البینة أن هذا غلام فلان لم یبعه ولم یهبه ، أفنشهد علی هذا إذا کلفناه ، ونحن لم نعلم أنه أحدث شیئا ؟ فقال : کلما غاب من ید المرء المسلم غلامه أو أمته ، أو غاب عنک لم تشهد به )) فانه واضح من الروایة ان الامام نهی عن الشهادة المستندة الی الاستصحاب وهذا یعنی انها معارضة للروای السابقة فتسقط السابقة عن الاستدلال بها فی قبول الروایة المستندة الی الاستصحاب وللکلام تتمة تأتی إنشاء ا.. تعالی .

ص: 149

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الثلاثاء 10 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی ما استدل به علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب ، وذکرنا صحیحة معاویة بن وهب وکیفیة الاستدلال بها ، وقلنا ان السید الماتن (قده) کأنّه اقر بظهور الروایة فی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب ولکنّه ردّها لانّها معارضة بروایة اخری لمعاویة بن وهب تتحث عن نفس الموضوع وظاهرها ان مثل هذه الشهادة لیست مقبولة ، فتسقط الروایة التی استدل بها لنفوذ الشهادة عن الاعتبار، فلا یصح الاستدلال بها ، وحینئذٍ لا یبقی لنا دلیلٌ علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب .

هذا ولکن الروایة التی ادعی معارضتها ، فیها کلام من جهة السند ،لان الکلینی یرویها عن علی بن ابراهیم عن ابیه عن اسماعیل بن مرار عن یونس عن معاویة بن وهب ،وهذا السند (عن اسماعیل بن مرار عن یونس عن معاویة بن وهب ) کثیرٌ ما یتکرر والمشکلة هی من جهة اسماعیل بن مرار ، فأنّه لم یوثّق ، والسید الماتن بنی علی وثاقته لوقوعه فی اسانید تفسیر علی ابن ابراهیم القمی ، ولذا اعتبر الروایة تامة سندا ، ومعارضةً للروایة الاولی .

ولکنّنا لانبنی علی وثاقة کل من وقع فی اسانید تفسیر علی ابن ابراهیم القمی ، والمستظهر من عبارته وثاقة مشایخه المباشرین ، واسماعیل بن مرار لیس کذلک ،لانّ علی بن ابراهیم یروی عنه مع الواسطة .

هذا ، ولکنّ الظاهر انّ الرجل ثقةٌ استنادا الی شیء اخر ،وهو ان الشیخ فی الفهرس قال: ((وقال أبو جعفر بن بابویه : سمعت ابن الولید رحمه الله یقول : کتب یونس بن عبد الرحمان التی هی بالروایات کلها صحیحة یعتمد علیها ، الا ما ینفرد به محمد بن عیسی بن عبید عن یونس ولم یروه غیره ، فإنه لا یعتمد علیه ولا یفتی به )). وهذا القول نسبته الی بن الولید صحیحة ،لانّ الشیخ الطوسی هو الذی ینقل عن الصدوق ان استاذه ابن الولید قال هذا ، وهذا النقل من قبل الشیخ الطوسی بهذا العنوان انه قال الصدوق سمعت شیخی محمد بن الحسن ابن الولید یقول کذا وکذا معتبر لان الشیخ لاینقل ذلک الا اذا کان قد وصله هذا القول من الصدوق بطریق معتبر والظاهر ان رأی بن الولید هذا معروف ٌوثابت،لان الشیخ نقله فی الفهرست .ولا اشکال ان اسماعیل بن مرار احد رواة کتب یونس بن عبد الرحمن ،وذلک بطریقین :

ص: 150

الاول :وهو العمدة ،الاعتماد علی ماذکره الشیخ الطوسی فی الفهرست عندما ذکر طرقه الی کتب یونس ، ولدیه اکثر من طریق ، واکثر من واحد من هذه الطرق ینتهی الی اسماعیل بن مرار عن یونس ، وهذا یعتبر دلیل واضح علی ان اسماعیل بن مرار احد رواة کتب یونس .

الثانی :وقد ذکره السید الماتن (قده) من ان کثرة روایات اسماعیل بن مرار عن یونس وقد بلغت اکثر من مائتی روایة فی الکتب الاربعة یعتبر فی حد نفسه قرینة واضحة علی ان اسماعیل ابن مرار احد رواة کتب یونس .

طبعا لعله کان یقصد مع ضم ضمیمة وهی استبعاد ان تکون جمیع هذه الروایات الکثیرة التی یرویها ابن مرار عن یونس کلها مرویة شفاهاً ، بل نحتمل ان بعضها علی الاقل منقول من کتب یونس ،فیکون هو احد رواة کتب یونس .

نعم السید الماتن اعترض علی استفادة الوثاقة من هذه العبارة ، بان تصحیح القدماء للروایة لایدل علی الوثاقة اذ قد یکون مبتنیا علی اصالة العدالة .

ولکن هذا الکلام (أی کون القدماء یبنون فی التوثیق علی اصالة العدالة بمعنی انهم یکتفون فی توثیق الشخص بمجرد عدم ثبوت ضعفه وان لم تثبت وثاقته) ، لیس کما ینبغی ، لان الظاهر _ بقطع النظر عن بعض الجزئیات _ انهم کانوا یهتمون بنقل التوثیقات التی وصلت الینا عن طرقهم والاستدلال بهذه التوثیقات کما هو ظاهر لمن یراجع کتب الرجال القدیمة لاینسجم مع افتراض انهم یبنون فی التوثیق علی اصالة العدالة ولا اقل من ان یکون هذا قرینة علی خلاف ذلک ، مضافا الی ان البناء علی اصالة العدالة یقتضی من الباحث ان یکون ترکیزه علی الجرح والتضعیف لا علی التوثیق کما هو واضح .

ص: 151

بل نستطیع ان نقول انهم اتفقوا علی عدم حجیة مجهول الحال ، ولذا قسموا الاخبار الی المجهول والمهمل والمنصوص والمعنون ..الخ ، فمجهول الحال وان کان امامیا لایعتبرون قوله حجة ، وهذا معناه ان بناءهم لم یکن علی اصالة العدالة ، کما انه توجد عبارات مستفادة من کلام النجاشی والطوسی من البناء فی التوثیق علی احراز وثبوت الوثاقة ولیس علی مجرد عدم ثبوت الضعف .

اذن البناء من قبل القدماء فی تصحیح الروایة علی اصالة العدالة مستبعد جداً ، نعم هناک مسالة اخری یتم طرحها لعلها هی المقصود الحقیقی للسید الماتن (قده) وهی مسالة ان تصحیح القدماء للروایة قد یکون مبتنیاً علی قرائن اخری غیر الوثاقة ، فان الصحة عند المتاخرین تعنی الوثاقة بینما الصحة عند القدماء اعم من الوثاقة ،اذ قد تنشأ عندهم من وجود قرائن علی الحکم بصحة الروایة وقد ذکروا نماذجا من هذه القرائن فی کلماتهم ، من قبیل وجود الروایة فی اصل من الاصول او من قبیل وجود الروایة فی اصل عرض علی الامام (ع) وغیر ذلک من القرائن التی ذکروا بانها توجب الحکم بصحة الروایة وان لم یکن الراوی ثقةً ، ولعل هذا هو مقصود السید الماتن أی حکم تصحیح القدماء للروایة لایدل علی توثیق الراوی لان الصحة عندهم اعم من الوثاقة ، وفی محل الکلام تصحیح ابن الولید لکتب یونس لیس فیه دلالة علی توثیق اسماعیل بن مرار .

هذا الاعتراض یکون له وجاهة بهذا الشکل ، ولکن بالرغم من ذلک فان هذا الکلام قد یصح فی روایة او روایتین، واما ان یبنی علی ذلک فی روایات کثیرة فلایمکن قبول ذلک فان یونس بن عبد الرحمن له اکثر من ثلاثین کتاب لان النجاشی یقول هی علی غرار کتب الحسین بن سعید ثم یضیف کتب اخری له ،هذه الکتب یاتی ابن الولید ویقول کلها صحیحة یعتمد علیها ، فمن المستبعد جداً ان یکون منشأ تصحیح هذه الکتب القرائن لان معنی هذا ان ابن الولید لاحظ کل روایة من هذه الروایات علی حدة ومن باب الصدفة لاحظ ان هناک قرائن غیر وثاقة الراوی تدل علی صحة الروایة وهو احتمال بعید بحسب الظاهر بخلاف ما لو کان مبنی التصیحیح هو وثاقة الراوی فانه لایحتاج الی ماذکر، بل یکتفی بملاحظة رواة کتب یونس وهم معدودین کاسماعیل بن مرار ومحمد بن عیسی بن عبید وامثالهما فان وجدهم ثقات یستطیع الحکم بان روایات یونس کلها صحیحة ومعتبرة .

ص: 152

هذا مضافا الی قرینة اخری فی نفس عبارة ابن الولید تؤید ما ذکرناه من ان مبنی التصحیح فی کلام بن الولید هو الوثاقة لا القرائن وهو استثناء ما رواه محمد بن عیسی بن عبید عن یونس ،فان هذا الاستثناء واضح فیه ان النظر فی التوثیق الی الوثاقة وعدمها لاننا نعلم ان رأی بن الولید فی محمد بن عیسی بن عبید انه لیس ثقة ،

فاذن المسألة فی الاعتماد علی الراوی ، لا ان المسألة ان الروایة موجودة فی اصل من الاصول ونحوه من القرائن .

وعلیه نستفید من العبارة المذکورة آنفاً ان اسماعیل بن مرار ثقة ویمکن التعویل علیه .

ومن هنا تتعارض الروایتان ویبنی علی تساقطهما فلا یسلم لنا دلیل علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب وهذا هو الذی رامه السید الماتن (قده) .

لکن هذا الکلام کله مبنی علی افتراض ان الروایة الاولی _التی هی صحیحة السند بلا اشکال _دالة علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب بالتقریب المذکور ، لکنه قد یعترض علی دلالة الروایة الاولی علی ذلک ،وذلک باعتبار ان الاستدلال بها مبنی علی ان ظاهر الروایة هو ان شهادة الشاهدین علی ان الغلام ملکاً له لانهما کانا یعلمان بذلک وهذا هو معنی الاستصحاب ،ولکن یمکن ان یقال ان الروایة لیست ناظرة الی ذلک اذ الظاهر انها ناظرة الی باب التداعی والمرافعة عند القاضی ولذا ذکرت فیها کلمة القضاة ، والمرافعة عند القاضی تحتاج الی طرف فی الخصومة ، وطرف الخصومة لهذا الرجل امام القاضی هو العبد نفسه اذ الامر منحصر به ، والخصومة بین الرجل الذی یدعی ملکیة العبد وبین العبد یمکن تصورها بنحوین فتارةً العبد یعترض علی انه ملکا للرجل مع انه یعترف بانه کان مملوکاً للرجل، بمعنی انه یدعی العتق ونحوه ، وهذه الخصومة بهذا النحو یجب استبعادها لانها تقتضی ان یطلب القاضی البینة من العبد لانه هو المدعی والرجل منکرا لذلک ، بینما الروایة تفترض طلب البینة من الرجل ، وتارة تکون الخصومة فی اصل الملکیة أی العبد ینکر اصل الملکیة وفی هذه الحالة ان الذی یدعی الملکیة هو الرجل والعبد ینکر ذلک فالبینة علی هذا تطلب من الرجل وهذا هو الذی تفترضه الروایة فیأتی الشاهدان ویشهدان علی مایدعیه الرجل وهو اصل الملکیة ، وعلیه فشهادتهما باصل الملکیة لیست مستندة الی الاستصحاب حتی نفهم من الروایة قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب ، بل هما یشهدان بالملکیة السابقة استنادا الی مایحسّان به .

ص: 153

والامام (ع) بحسب ظاهر الروایة ما اجازه لهما هو ان یشهدا بما طلبه القاضی منهما ، والقاضی طلب منهما الشهادة علی عدم البیع وعدم الهبة ونحوهما أی الملکیة الفعلیة لا انه طلب منهما الشهادة علی الملکیة السابقة .

وربما یعترض علی ذلک بان هذا لعله من باب استنقاذ الحق والموافقة الظاهریة للقاضی الذی الذی یصر علی ان تکون الشهادة بهذ الشکل _لان مقتضی الموازین ان تکون الشهادة علی الملکیة السابقة _الامام سمح لهما من باب استنقاذ الحق لامن باب ان الشهادة المستندة الی الاستصحاب معتبرة بنظره حتی یستدل به علی نفوذ هکذا شهادة .وسیأتی مزید کلام فی ذلک

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأربعاء 11 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی الشهادة المستندة الی الاستصحاب وذکرنا بعض الروایات التی قد یستدل بها علی ذلک ومنها روایة معاویة بن وهب ، وقد قلنا بتمامیتها سنداً ، ولکن هناک اشکال فی دلالتها

وحاصله: ان الروایة تفترض وجود تداعی بین الرجل المصرح به فی الروایة وبین العبد او الامة ،وهذا التداعی بهذا النحو لاینسجم مع ظهور الروایة الا اذا کان المقصود به هو التداعی والنزاع فی الملکیة السابقة ،لان الرجل یدّعی ملکیة العبد او الأمة والعبد ینکر ذلک ، وحینئذٍ من المعقول جداً الاخذ بظاهر الروایة فی توجیه طلب البینة من الرجل ، وبناءً علی هذا یکون مورد الروایة التداعی علی الملکیة السابقة والشهادة المطلوبة من القاضی علیها ، ولکنّها شهادةٌ لیس مستندة الی الاستصحاب ، بل مستندة الی الحس ونحوه ، وعلیه فالروایة لیست فیها دلالة علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب .

ص: 154

هذا خلاصة الاشکال علی الروایة .

ولکن قد یقال : بعدم توجه هذا الاشکال علی الروایة ، باعتبار ان موردها لیس باب التداعی والخصومة ، حتی نحتاج الی افتراض طرف للخصومة ، وانه العبد او الامة، وانما موردها عبد آبق من مولاه وجیء به الی القاضی کما فی روایة اخری ، والقاضی لیس مستعداً لتسلیم العبد الی کل من یدعی انه ملکه ، بل یرید التأکد من ذلک ، فطلب من الرجل الذی یدعی الملکیة الشهود، وحدد کیفیة الشهادة بان هذا العبد ملک للرجل ولم یبع ولم یهب ، ومن الواضح ان القاضی یرید شهود یشهدون بالملکیة الفعلیة ، لاجل تسلیم العبد الی هذا المدعی ، ولایکتفی بشهادة الشهود علی الملکیة السابقة ، ولذا قید الشهادة بانه لم یبع ولم یهب ، ومن الواضح ان شهادة الشهود اللذین لیس لهم اطلاع علی الملکیة السابقة ، شهادتهم بالملکیة الفعلیة لا تکون مستندة الا الی الاستصحاب .

والنتیجة ان الشهادة التی یطلبها القاضی شهادة بالملکیة الفعلیة ، والشهادة بالملکیة الفعلیة من شهود یصرحون بانهم لایوجد عندهم الا یقین سابق بالملکیة لاتکون الا اذا استندوا فی شهادتهم الی الاستصحاب ، والامام (ع) سمح لهم بذلک .

ولکن هذه الشهادة التی اجازها الامام (ع) عندما نفترض عدم المرافعة وعدم الخصومة کما احتملنا لیست هی الشهادة التی نبحث عنها ، لاننا نتکلم عن شهادة مستندة الی الاستصحاب کی تکون مدرکاً للقاضی فی فصل الخصومة ، والروایة _ وان دلت علی جواز الشهادة المستندة الی الاستصحاب_ ولکن موردها لیس باب القضاء وفصل الخصومة ، وانما موردها قضیة خارجیة یراد فیها تعیین الوظیفة العملیة وهی تقتضی اجراء الاستصحاب ولذا لو فرض ان القاضی نفسه کان یعلم بالملکیة لجاز له ان یسلم العبد الی الرجل استنادا الی الاستصحاب لانه حجة بلا اشکال ، وانما طلب الشهود لافتراض ان لیس له علم بالملکیة السابقة او کان ولکنه لم یلتفت الی ذلک ، والشهود یشهدون بشهادة هی عبارة عن اخبار بمقتضی الاستصحاب .

ص: 155

أذن فالروایة اجنبیة عن باب التداعی ، وحینئذٍ یمکن حمل الصحیحة الاولی علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب لکن فی غیر باب القضاء ولکنه لاینفع فی اثبات امکان الرجوع الی الشهادة غیر الحسیة من قبل الحاکم لفض الخصومة والنزاع کما هو الحال فی الشهادة الحسیة .

الروایة الثانیة : وهی صدر روایة معاویة بن وهب الثانیة التی جعلها السید الماتن (قده) معارضة الی الروایة الاولی (( قلت لابی عبد الله (ع) :الرجل یکون فی داره ثم یغیب عنها ثلاثین سنة ویدع فیها عیاله ثم یأتینا هلاکه ونحن لاندری ما أحدث فی داره ولاندری ماحدث له من الولد الا انا لانعلم انه احدث فی داره شیئاً ولاحدث له ولد ولاتقسم هذه الدار علی ورثته الذین ترک فی الدار حتی یشهد شاهدا عدلٍ ان هذه الدار دارفلان بن فلان مات وترکها میراثاً بین فلان وفلان أونشهد علی هذا ؟ قال: نعم ))، فانها ظاهرة فی ان الشهادة المذکورة فی الروایة لاتکون الا اذا استندت الی الاستصحاب ، والا کیف یشهدون انه مات وترکها میراثاً بین فلان وفلان ؟ من دون ان یستندوا فی ذلک الی الیقین السابق .

هذا ولکن مااحتملناه فی الروایة الاولی یأتی فی هذه الروایة بشکل أوضح، أی انها غیر ناظرة الی باب الترافع والتداعی ، لانه لایوجد فیه طرف للدعوی أصلاً، بخلاف الروایة الاولی لاحتمال وجود المنازع للمدعی (الرجل) الذی هو العبد او الامة ، وانما الموجود فیها هم ورثة یریدون قسمة الدار ولاتقسم الا بوجود شهود یشهدون علی عدم البیع ونحوه وعدم الوارث غیر هؤلاء ، والامام (ع) اجاز للسائل الشهادة المستندة الی الیقین السابق علی ماذکر ، ولکن هذه الشهادة غیر الشهادة التی هی محل الکلام .

ص: 156

هذا ولکن هذه الروایة مشتملة علی ذیل ظاهره المنع من التعویل علی مثل هذه الشهادة (( قلت الرجل یکون له العبد والامة فیقول آبق غلامی او آبق تامتی فیؤخذ بالبلد فیکلفه القاضی البینة ان هذا غلام فلان لم یبعه ولم یهبه أفنشهد علی هذا اذا کلفناه ونحن لم نعلم انه احدث شیئاً ، فقال : کلما غاب من ید المرء المسلم غلامه او امته او غاب عنک لم تشهد به )) .

وعلیه، فهل یخلق هذا تدافعا بین صدر الروایة وذیلها ؟

بناءً علی مأحتملناه من ان هذه الروایة والتی قبلها غیر ناظرة الی باب التداعی فلماذا فی الذیل یمنع الامام (ع) من هذه الشهادة التی هی مجرد اخبار بمقتضی الیقین السابق ولیس هی شهادة فی باب التخاصم مع انه اجازه فی الصدر وفی الروایة الاولی؟ ولعل هذا یخلق حالة من التنافی فی الروایة وان کان مورد صدرها الدار ومورد ذیلها العبد أو الامة لان الظاهر انها مسوقة لبیان حکم الشهادة فی غیر باب التداعی .

السید الماتن (قده) حمل صدر الروایة علی عدم النظر الی المرافعة ، وحمل ذیل الروایة علی المرافعة، ولعله لاختلاف الموضوع بین الصدر والذیل اذ موضوع الصدر هو الدار الذی لم یوجد منازع فیه یدعی الملکیة وموضوع الذیل هو العبد او الامة الذی یمکن ان یکون منازعاً للرجل المدعی للملکیة . فرفع به التنافی لتعدد الموضوع ، نعم ذیل الروایة یتعارض مع الروایة الاولی المحمولة علی الترافع ایضاً ویتساقطان فلا یتم دلیل علی جواز الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی باب الترافع عنده ، وجعل صدر هذه الروایة دلیلاً علی جواز الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی حال الدعوی بلا منازع . واما بناءً علی مااخترناه _من وضوح عدم نظر صدر الروایة الی باب الترافع ، واحتمال عدم نظر ذیلها وکذا الروایة الاولی الی باب المرافعة _ یبقی اشکال التنافی علی حاله .

ص: 157

هذا ، وقد احتمل بعضهم ان العبارة التی فی ذیل الروایة الثانیة ((لم تشهد به )) أستفهام استنکاری ، فیکون دلیلاً علی جواز الشهادة بهذا النحو ویتوافق مضمونه مع صدر الروایة ومع الروایة الاولی .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الإثنین 16 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب حیث استدل علی ذلک بروایة لمعاویة بن وهب وموردها العبد او الامة وصدر روایة أخری لنفس الراوی وموردها الدار التی ترکها صاحبها وغاب ، وفی مقابل هاتین الروایتین هناک ذیل للروایة الثانیة ، الذی مورده العبد او الامة ، وهو ظاهر بدواً فی منعه من الشهادة المستندة الی الاستصحاب ، ومن هنا أدعی وجود تنافی ، بین ذیل الروایة الثانیة الدال علی عدم نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب ، وبین الروایة الاولی وصدر الروایة الثانیة من جهة اخری ، وقد ذکرنا ان السید الماتن حل هذا التنافی بین الصدر والذیل بواسطة تعدد الموضوع حیث ذکر ان صدر الروایة الثانیة موردها الدار وهی ظاهرة فی عدم وجود منازع ، واما ذیلها فموردها العبد او الامة الظاهرة فی تنازعهما مع المدعی للملکیة وهو الرجل فی الروایة .

ونحن ذکرنا ان ذیل الروایة لیس ظاهراً فی التنازع،إذ لیس فیه مایشیر الی ان العبد او الامة یتنازعان مع المدعی للملکیة لانه لو کان الامر کذلک کما لو ادعی العبد العتق او البیع او الهبة والرجل ینکر ذلک لتوجه طلب البینة من العبد والامة بینما الروایة تصرح بان المطالب بالبینة نفس الرجل ، فعلی تقدیر ان یکون العبد هو المنازع لابد ان تکون الدعوی فی الملکیة السابقة بان یدعی الرجل ملکیة العبد والعبد ینکر أصل الملکیة وحینئذٍ من المعقول ان یطالب الرجل بالبینة ولکن بناءً علی هذا الفرض تخرج الروایة عن محل الکلام إذ الشهود سوف یشهدون علی الملکیة السابقة وهی شهادةٌ لاتستند الی الاستصحاب حتی یستدل بها علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب وهذا ما یبعّد احتمال ان مورد الذیل وکذا الروایة الاولی وجود المنازع ، کما لیس فیها اشارة الی وجود طرف اخر یدعی ملکیة العبد او الامة حتی یقال بتنازعه مع الرجل الذی یدعی الملکیة اولاً .

ص: 158

وعلیه ، فمورد ذیل هذه الروایة وکذا الروایة الاولی لیس هو التنازع ، بل هو عبد ابق من مولاه وعثر علیه فجیء به الی القاضی ، والقاضی غیر مستعد لتسلیمه الی کل من یدّعی ملکیته من دون برهان وبینة ، فطلب ممن یدعی الملکیة ان یأتی بشهود یشهدون بالملکیة الفعلیة لان هذا هو الذی ینفع القاضی لابالملکیة السابقة، ومن الواضح ان الشهادة بالملکیة الفعلیة من قبل شخصٍ لم یطلع الا علی الملکیة السابقة لاتکون مستندةً الا الی الاستصحاب .

فنحن نسلم ان الشهادة المطلوبة من الشهود هی شهادة مستندة الی الاستصحاب، لکن هذا غیر محل الکلام إذ محل الکلام المرافعة والنزاع بین شخصین والحاکم یحکم لاحدهما ضد الاخر استناداً الی شهادة تستند الی الاستصحاب .

والحاصل ان الشهادة الموجودة فی الروایة لیس الا اخبار بالملکیة الفعلیة استناداً الی الاستصحاب ، وهو امر جائز بلا اشکال کما لو اخبر عن طهارة الثوب استناداً الی الاستصحاب ، بل قلنا ان الحاکم یمکنه ان یحکم بذلک من باب اعمال الوظیفة الظاهریة لو توفر لدیه یقین سابق بالملکیة السابقة .

وعلیه فالروایتان اجنبیتان عن محل الکلام ، ولکن یبقی علینا حل التدافع والتنافی الموجود بین صدر الروایة الثانیة وکذا الروایة الاولی الدال علی قبول الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی غیر باب القضاء وبین ذیل الروایة الثانیة الدال علی عدم قبول هذه الشهادة .

وقد ذکرنا ان بعض المحققین وهو المجلسی فی مرأة العقول حمل ذیل الروایة الثانیة علی الاستفهام الاستنکاری ، ولعل الوجه فی ذلک هو ان ذیل الروایة الثانیة ((کلما غاب من ید المرء المسلم غلامه أو أمته ، أو غاب عنک لم تشهد به )) منقول بنحوٍ اخر فی نسخ اخری فی الکافی ((فکلما ... )) والظاهر ان أغلب النُسخ علی هذا فالذی یذکر فی الطبعة هامش الطبعة المنقحة الاخیرة من الکافی ان هناک ست نُسخ من الکافی الوارد فیها هو ((فکلما ...)) نعم الموجود فی الوسائل وکذا فی الوافی ((کلما...)) .

ص: 159

وعلیه فوجود نسخ من الکافی بلفظ (فکلما) یقوی احتمال الاستفهام الاستنکاری ، فکأنّه هناک همزة استفهام مقدرة وتکون العبارة هکذا (( أفکلما غاب من ید المرء المسلم غلامه او غاب عنک لم تشهد به ؟ ))

وبناءً علی هذا یتحد مفاد صدر الروایة مع ذیلها ومع مفاد الروایة الاولی ، فأن تم هذا فهو ، والا فالتنافی باقٍ علی حاله وبالتالی لاتسلم لنا روایة تدل علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی باب القضاء .

هذا تمام الکلام فی الروایة الثانیة .

الروایة الثالثة:معتبرة حمران بن اعین المرویة فی الباب الثانی عشر من ابواب کیفیة الحکم ،ح 9 ،((یرویها الکلینی عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، وعن علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن حمران بن أعین قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) عن جاریة لم تدرک بنت سبع سنین مع رجل وامرأة ادعی الرجل أنها مملوکة له ، وادعت المرأة أنها ابنتها فقال : قد قضی فی هذا علی ( علیه السلام ) قلت : وما قضی فی هذا ؟ قال : کان یقول : الناس کلهم أحرار ، إلا من أقر علی نفسه بالرق ، وهو مدرک ، ومن أقام بینة علی من ادعی من عبد أو أمة فإنه یدفع إلیه ، ویکون له رقا ، قلت : فما تری أنت ؟ قال : أری أن أسأل الذی ادعی أنها مملوکة له بینة علی ما ادعی ، فان احضر شهودا یشهدون أنها مملوکة لا یعلمونه باع ولا وهب ، دفعت الجاریة إلیه ، حتی تقیم المرأة من یشهد لها أن الجاریة ابنتها حرة مثلها ، فلتدفع إلیها ، وتخرج من ید الرجل ، قلت :فإن لم یقم الرجل شهودا أنها مملوکة له ؟ قال : تخرج من یده ، فان أقامت المرأة البینة علی أنها ابنتها دفعت إلیها ، فإن لم یقم الرجل البینة علی ما ادعی ، ولم تقم المرأة البینة علی ما ادعت خلی سبیل الجاریة ، تذهب حیث شاءت )) .ورواه الشیخ باسناده عن سهل بن زیاد ، عن ابن محبوب مثله .

ص: 160

ومحل الاستدلال هو قول الامام (ع) (( لایعلمونه باع ولا وهب )) ، فإنّه کیف یشهد الشهود انها مملوکة له مع انهم لایعلمون انه باع او وهب ما لم یستندوا فی ذلک الی الاستصحاب .

ورد هذا الاستدلال بان الروایة ظاهرة فی ان طرفی النزاع هما الرجل والمرأة ، فالرجل یدعی انها مملوکة له والمرأة تدعی انها ابنتها وانها حرة مثلها ، ومرجع هذا الی النزاع فی اصل الملکیة أی الرجل یدعی أصل الملکیة والمرأة تنکر ذلک ، ومن الواضح انه یکفی فی مقام دفع الجاریة الی الرجل ان یقیم الرجل الشهود الذین یشهدون بالملکیة السابقة عن حسٍ ویقین مع عدم العلم بالبیع او الهبة وهی شهادة لیس مستندة الی الاستصحاب .

الروایة الرابعة : روایة حفص بن غیاث المرویة فی الباب الخامس والعشرین من ابواب کیفیة الحکم ، ح 2 ((محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه وعلی ابن محمد القاسانی جمیعا ، عن ( القاسم بن یحیی ) ، عن سلیمان بن داود ، عن حفص بن غیاث ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قال له رجل : إذا رأیت شیئا فی یدی رجل یجوز لی أن أشهد أنه له ؟ قال :نعم ، قال الرجل : أشهد أنه فی یده ولا أشهد أنه له فلعله لغیره فقال أبو عبد الله ( علیه السلام ) : أفیحل الشراء منه ؟ قال : نعم ، فقال أبو عبد الله ( علیه السلام ) : فلعله لغیره فمن أین جاز لک أن تشتریه ویصیر ملکا لک ؟ ثم تقول بعد الملک : هو لی وتحلف علیه ولا یجوز أن تنسبه إلی من صار ملکه من قبله إلیک ؟ ثم قال أبو عبد الله ( علیه السلام ) : لو لم یجز هذا لم یقم للمسلمین سوق)) .ورواه الصدوق باسناده عن سلیمان بن داود .ورواه الشیخ باسناده عن علی بن إبراهیم مثله .

ص: 161

وهذه الروایة فیها کلام فی السند وفی الدلالة .

اما الکلام فی السند ، فقد قلنا ان المشایخ الثلاثة رووها فی کتبهم بطرق مختلفة لکنها لیست نقیة اما الشیخ فی التهذیب فقد رواها ج 6 ص 261 بسنده عن علی بن ابراهیم عن علی بن محمد القاسانی وعن ابیه جمیعاً عن القاسم بن محمد عن سلیمان بن داود المنقری عن حفص بن غیاث ، فمن یروی عن سلیمان بن داود القاسم بن محمد ، والشیخ الصدوق فی الفقیه ج 3 ص 31 باسناده عن سلیمان بن داود المنقری عن حفص بن غیاث ، فبدأ السند بسلیمان بن داود وذکر طریقه الی سلیمان بن داود فی المشیخة فقال (( رویته عن ابی عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصفهانی المعروف بابن الشاذکونی عن سلیمان بن داود )) ، فمن یروی عن سلیمان بن داود عن حفص هو القاسم بن محمد الاصفهانی بینما الشیخ الطوسی لم یصرح بالاصفهانی ، واما الکلینی فقد رواها فی ج7 ص387 بالسند المتقدم وفیه ان الذی یروی عن سلیمان عن حفص هو القاسم بن یحیی .

والظاهر انه لااشکال فی هذه الطرق الا من جهة القاسم بن محمد او بن یحیی واما الباقین فهم محل اعتماد بما فیهم حفص بن غیاث فانه ثقة لامرین ،

الاول: ان الشیخ لما ذکره فی المشیخة قال ان له کتاب معتمد ، أی معتمد عند الاصحاب ، والاعتماد علی الکتاب یلازم کما هو واضح الاعتماد علی صاحب الکتاب .

الثانی : ان الشیخ فی العدة ذکره من جملة الرجال الذین اجمعت علی العمل باخبارهم الطائفة من غیر الامامیة اذا لم یرد مایعرضه من طریق الامامیة الموثوق بهم .

ص: 162

اذاً المشکلة فی من یروی عن سلیمان بن داود .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الثلاثاء 17 رجب بحث الفقه

ذکرنا فیما سبق معتبرة حمران بن أعین ، وقلنا فی الجواب علی الاستدلال بها لنفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب أن من الواضح کون النزاع بین الرجل والمرأة حول الجاریة التی وجدت بینهما فی اصل الملکیة، أی الرجل یدعی انها مملوکة والمرأة تدعی انها لیست مملوکة ، ومن الطبیعی ان الرجل حینما یدعی انها مملوکة فی مقابل دعوی المرأة انها حرة یدعی استمرار هذه الملکیة الی حین الترافع لدی القاضی ، ولیس هناک نزاع فی شیءٍ اخر حتی فی الملکیة الفعلیة لان الرجل وان ادعی استمرار الملکیة الی حین الترافع ، ولکن لایوجد له منازع فی هذه الدعوی ، لا المراة لانها لم تنازع فی ذلک ، بل لعلها تسلم الملکیة الفعلیة علی تقدیر التسلیم بإصل الملکیة، ولا شخصٍ اخر لعدم افتراض وجود شخصٍ اخر فی الروایة ، وقلنا ان هذا النزاع ینحل بوجود شهود یشهدون علی الملکیة السابقة لهذه الجاریة ، ولکن هذا لاینفعنا فی محل الکلام ، لان هذه الشهادة هی شهادة أستندت الی الاحساس بسبب الملکیة من بیع ونحوه ، ولیست مستندة الی الاستصحاب ، ونفوذ هذه الشهادة لایعنی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب ، نعم الرجل لایکتفی بدعوی ان الجاریة کانت مملوکة له لانها لاتنفعه فی تسلیم الجاریة الیه ، وانما یدعی بالاضافة الی هذا انها فعلاً ملکه لم یبع ولم یهب ، وهذه الدعوی بلا منازع ، ولامانع من قبولها اذا اقیمت الشهادة علیها لانها فی الحقیقة أخباربالملکیة الفعلیة بمقتضی الاستصحاب لان الشاهدعلی یقین من اصل الملکیة ، ولکن هذا کما قلنا سابقاً لایثبت المطلوب وهو نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی مقام الترافع ، ولهذه النکتة ذکر فی الروایة ان الشهود یشهدون انها مملوکة ولایعلمونه باع ولا وهب ، فقول الامام (ع) لایعلمونه باع ولا وهب أشارة الی ان الرجل لایکتفی بأثبات أصل الملکیة ، وانما یرید اثبات اصل الملکیة فی مقابل المرأة التی تدعی الحریة ، وأثبات الملکیة الفعلیة حتی یعطیه الحاکم الجاریة ، ولذا یصعب الاستدلال بالروایة علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستصحاب فی باب القضاء ، هذا ما أردنا أضافته من التعلیق علی الروایة السابقة .

ص: 163

وأما الحدیث عن الروایة الرابعة وهی روایة حفص بن غیاث فقد قلنا ان المشایخ الثلاثة رووها بعدة طرق ، والاشکال فی هذه الطرق هو فی من یروی عن سلیمان بن داود المنقری عن حفص بن غیاث لاختلاف الطرق فی تشخیصه ، فذکر الشیخ فی التهذیب انه القاسم بن محمد ، والصدوق فی الفقیه ذکر انه القاسم بن محمد الاصفهانی ، وفی بعض نسخ الکافی هو القاسم بن یحیی کما فی نسخة صاحب الوسائل ونسخة الوافی ونسخ خطیة معتبرة من قبل الطبعة الاخیرة المنقحة ، وفی نسخٍ اخری منه ولعله معظمها هو القاسم بن محمد .

وحینئذٍ یقال :ان الراوی عن سلیمان بن داود المنقری ان کان هو القاسم بن محمد الاصفهانی کما ذکر الصدوق وهو المعروف بکاسولی _ وان ذکر النجاشی فی ترجمة القاسم بن محمد القمی انه المعروف بکاسولی وهذا یعنی انه غیر القاسم بن محمد الاصفهانی _ الا انه لامانع من نسبته الی محل ولادته بنفس الوقت الذی ینسب الی محل سکناه ، والظاهر انه مجهول ، فلم تثبت وثاقته ، وأن کان هو القاسم بن محمد کما فی التهذیب فأن قصد به الاصفهانی فهو مجهول ، وان أراد به شخصاً اخر فهو مردد بین جماعة لاحظ لهم من التوثیق ، او مردد بین الثقة وغیره لاحتمالٍ ضعیفٍ بان یراد به القاسم بن محمد الجوهری علی تقدیر وثاقته، وهذا لایکون نافعاً ایضاً، وأما إذا قصد به القاسم بن یحیی کما فی بعض نسخ الکافی ، فقد یدعی وثاقته لانه القاسم بن یحیی بن الحسن بن راشد الذی کثیراً مایروی عن جده الحسن بن راشد الثقة المعروف وهو من أصحاب الرضا (ع) ، وهناک وجه لتوثیق القاسم بن یحیی بل لعله اکثر من وجه وهو ثقة عندنا ، ولکن لا داعی للتعرض لها لان الکلام فی أصل تشخیص من یروی عن سلیمان بن داود فی هذه الروایة باعتبار أختلاف نسخ الکافی وأن معظمها علی ان الراوی عن سلیمان هو القاسم بن محمد ، ولعل مما یؤید کونه القاسم بن محمد هو ان النجاشی فی ترجمة سلیمان بن داود ذکر ان له کتابا وذکر فی طریقه الی هذا الکتاب ان الراوی له هو القاسم بن محمد .

ص: 164

والحاصل ، انه یکفی فی عدم الاعتماد علی الروایة تردد الراوی عن سلیمان بن داود بین القاسم بن محمد والقاسم بن یحیی ، ومن هنا یظهر الخدش فی سند هذه الروایة فی جمیع طرقها .

ولکن قد یقال :بأمکان الاعتماد علی الروایة لعدة أمورٍ :

منها: روایة المشایخ الثلاثة لها بطرقٍ متعددة کما قلنا .

ومنها:أشتهار الروایة بین الاصحاب الحاصل من تعدد طرقها .

ومنها: عمل الاصحاب المتقدمین بها کما یظهر بالمراجعة .

ومنها: وهو الاهم قوة احتمال اخذ الروایة من کتاب حفص بن غیاث ، أی ان المشایخ الثلاثة قد وصل الیهم الکتاب واخذوا هذه الروایة منه ، وانما ذکروا الطرق لمجرد اخراج الروایة عن حد الارسال الی حد الاسناد حتی لایعیّر الشیعة بان روایتهم مراسیل ، باعتبار ما ذکره الشیخ من حفص بن غیاث له کتاب معتمد ، فأن معنی الاعتماد علی الکتاب هو أعتماد الاصحاب علیه ، وتداوله فیما بینهم فانه یظهر من النجاشی والشیخ ان کلٍ منهما له طرق متعددة الی الکتاب ، فلیس من البعید ان المشایخ الثلاثة او واحد منهم علی الاقل اخذ الروایة من کتاب حفص بن غیاث ، وبناءً علی هذا لایضر ضعف الطریق الی الروایة ، بل قد یفهم من عبارة الشیخ ان لحفص بن غیاث کتاب معتمد ، انه معتمد بالطرق الواصلة الیهم، لا انه بحد نفسه کتاب معتمد أی ان راویه یعتمد علیه ، وحینئذٍ یترقی ویقال ان معنی هذا امکان الاعتماد علی القاسم بن محمد حتی لو کان کاسولی أو الاصفهانی لانه غایة ماقیل فیه انه مجهول ، والاعتماد علی طرق الکتاب یرفع هذه الجهالة ، ویوجب الاعتماد علی رواة الکتاب الواقعین فی الطرق .

ص: 165

هذا ما یمکن من القول فی تصحیح الروایة ، فإن اعتمدنا علیه فالروایة تامة سنداً والا تبقی الخدشة التی ذکرناها فی الروایة

هذا کله من حیث السند .

وأما من حیث الدلالة ، فالظاهر منها نفوذ الشهادة بملکیة الشخص لمالٍ استناداً الی الید فی باب القضاء ، فیستکشف منها نفوذ الشهادة المستندة الی الامارة تعبداً ، لعدم العلم هنا فضلاً عن العلم الحسی .

وقد یناقش فی هذا الاستدلال _ ولعل السید الماتن ناظر الی ما سنبینه وان کانت عبارته لیس بذلک الوضوح_ بان الروایة تدل علی جواز الشهادة بالملکیة مستندةً الی الید ، ولکن هذه الملکیة التی یشهد بها الشاهد مستنداً الی الید هی ملکیة ظاهریة أی الشارع حکم بالملکیة ظاهراً لان العین فی ید الشخص و لیس ملکیة واقعیة ، وهذا لاینفع فی محل الکلام ، لاننا نتکلم عن نزاع بین طرفین وهو یقع فی الملکیة الواقعیة لهذا المال فان احد الطرفین یدعی ملکیة هذا المال واقعاً والاخر ینکرها ، ومن الواضح ان الحاکم فی مقام فض هذه الخصومة لایجوز له ان یستند الی الشهادة بالملکیة الظاهریة المستندة الی الید ،

وبعبارة اکثر وضوحاً ان الشهادة بالملکیة الظاهریة المستندة الی الید هی لاتزید عما اذا احس نفس الحاکم بالید وبان العین تحت تصرف هذا المدعی ، فانه لایمکنه الحکم بفصل القضیة والحکم لصالح المدعی لانه رأی العین فی یده أذ هی ملکیة ظاهریة لاتنفع فی مقام فض الخصومة لان الشهادة والبینة لابد ان تکون علی مایدعیه المدعی وینکره المنکر ، وما یدعیه المدعی وینکره المنکر لیس هو الملکیة الظاهریة وانما هو الملکیة الواقعیة ، والروایة لیس فیها مایدل علی ذلک ، وانما الموجود فیها جواز الشهادة بالملکیة الظاهریة بالاستناد الی الید وهی لاتنفع فی باب القضاء ، نعم هی تنفع فی ان تصیّر المدعی صاحب الید منکراً ، لان قوله یکون موافقاً للقاعدة وهی الامارة فی محل کلامنا ، وتقدم ان المیزان فی المنکر هو من یوافق قوله الحجة ،فشاهدة هؤلاء بان فلان صاحب ید یصیّره منکراً ومدعی علیه ، والطرف الاخر علیه اقامة البینة .

ص: 166

ولو تنزلنا وقلنا ان بالامکان ان یحکم الحاکم بالاستناد الی الشهادة بالملکیة الظاهریة ، الا انها لاتنفع ایضاً هنا لانها شهادة عن حس وهو لاینفع فی اثبات الاعتماد علی الشهادة المستندة الی غیر الحس الذی هومحل الکلام .

اذاً فالصحیح هو عدم قبول هذه الشهادة فی باب القضاء .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأربعاء 18 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی روایة حفص بن غیاث وقد ذکرنا فی الدرس السابق ان الروایة ناظرة الی الشهادة القائمة علی اساس الید وهی شهادة فی الملکیة الظاهریة وهذه الشهادة شهادة حسیة وقبولها علی تقدیره فی الروایة لاینفعنا فی مقام اثبات نفوذ الشهادة المستندة الی ما هو حجة من دون الاحساس والمشاهدة او السماع هذا من جهة ومن جهة اخری ان الشهادة بالملکیة الظاهریة لایکون مقبولاً فی باب القضاء لما قلناه من ان الشهادة بالملکیة الظاهریة لیست هی الشهادة التی تکون داعمة لدعوی المدعی لان دعوی المتنازعین انما هی فی الملکیة الواقعیة أی فی الملکیة الثابتة بقطع النظر عن الید وامثالها والذی یؤید ذلک هو ذیل الروایة وهو قول الامام (ع) :(لو لم یجز هذا لما قام للمسلمین سوق ) فإنه واضح ان هذا الکلام انما یصح اذا لم نقبل الملکیة الظاهریة لان سوق المسلمین قائم علی الملکیة الظاهریة فإذا لم نقبل شهادة احد بالملکیة الظاهریة استناداً الی الید لایکون للمسلمین سوق وأما اذا لم نقبل شهادة من یشهد بالملکیة الواقعیة استناداً الی الید فإنه لایصح ان یعلّل بان لایقوم للمسلمین سوق جریان الحیاة الاعتیادیة موقوف علی جریان الاحکام الظاهریة واما اذا ثبتنا الملکیة الظاهریة ومنعنا ثبوت الملکیة الواقعیة بقاعدة الید فإنه لایزاحم جریان الحیاة الاعتیادیة وقیام سوق للمسلمین .

ص: 167

والحاصل ان الروایة ظاهرة فی نظرها الی الملکیة الظاهریة المستندة الی الید ، ومنه یظهر ان الشهادة بالملکیة الظاهریة لایکون نافذاً فی باب القضاء وحل الخصومة ، نعم له اثر فی صیرورة من تشهد البینة انه صاحب ید منکراً لایطالب بالبینة لان قوله موافق للحجة ومن یوافق قوله الحجة یکون منکراً والطرف الاخر یکون مدعیاً .

ویمکن تأیید هذا الکلام ( الشهادة بالملکیة الظاهریة لیس لها اثر ) بالروایات الواردة فی تعارض البینات المذکورة فی الباب 12 من ابواب کیفیة الحکم وتقدم الحدیث عنها ، فالذی یظهر من مجموع هذه الروایات انها فارغة عن قضیة هی انه لو کانت البینة مختصة باحد المتنازعین ولو کان هو غیر صاحب الید لقدم قوله بلا کلام وانما الروایات تعالج حالة تعارض البینتین ولکن البینة التی یقیمها احد المتنازعین والتی تکون مقبولة لابد ان لا تکون بینة بالملکیة الظاهریة المستندة الی الید لانها بینة معلومة الکذب لان المفروض فی الروایات ان صاحب الید معلوم من هو فإذا اتت بینة تشهد ان غیر صاحب الید مالکاً استناداً الی الید لامحالة تکون هذه البینة کاذبة ، فلابد ان تکون شهادتهم شهادة بالملکیة الواقعیة أی غیر المستندة الی الید وعندئذٍ تکون مقبولة ویقدم قول غیر صاحب الید إذا أختص بالبینة .

هذا حال الروایة الرابعة .

الروایة الخامسة : هی صحیحة عمر بن یزید المرویة فی الباب 8 من ابواب الشهادات ،ح 1 :

((محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن النعمان ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر ابن یزید قال : قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : الرجل یشهدنی علی شهادة فأعرف خطی وخاتمی ، ولا أذکر من الباقی قلیلا ولا کثیرا ، قال :فقال لی : إذا کان صاحبک ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له )) .

ص: 168

والاستدلال بالروایة علی محل الکلام مبنی ان الروایة یستفاد منها جواز ونفوذ الشهادة المستندة الی قول ثقتین ، فتدل علی نفوذ الشهادة المستندة الی الامارة ، وفی الروایة کلام سیأتی التعرض له قریباً .

ولکن السید الماتن (قده) رد الروایة لانه لایمکن قبولها بهذا الشکل لاحتمال ان مضمونها اعتبار شهادة المدعی لنفسه وهی لااثر لها ،إذ احد الثقتین الذی یراد الاستناد فی الشهادة الی قولهما هو المدعی ، ولابد من حملها علی ان یکون اخبار الثقتین موجب لتذکره للواقعة وبتحمله للشهادة وحینئذٍ یشهد ، ولکنها شهادة عن حسٍ ، فلیس فیها دلالة علی نفوذ الشهادة المستندة الی إخبار ثقتین.

وإلی هنا ینتهی الکلام فی حکم الشهادة فی الاقسام الاربعة التی هی عبارة عن الشهادة المستندة الی الحس ، والشهادة المستندة الی التواتر وما بمعنی التواتر ، والشهادة المستندة الی العلم الحدسی ، والشهادة المستندة الی الحجة التعبدیة ، وتبین ان الشهادة فی القسمین الاول والثانی نافذة وعدم اعتبار الشهادة فی القسمین الاخرین .

هذا تمام الکلام فی هذه المسألة .

قال (قده): المسألة 97 : لاتجوز الشهادة بمضمون ورقة لایذکره بمجرد رؤیة خطه فیها إذا احتمل التزویر فی الخط او احتمل التزویر فی الروقة او ان خطه لم یکن لاجل الشهادة بل کان بداعی اخر ، واما إذا علم ان خطه کان بداعی الشهادة ولم یحتمل التزویر جازت له الشهادة وان کان لایذکر مضمون الورقة فعلاً .

................

المستفاد من عبارة السید الماتن (قده) ومن عبائر غیره ایضاً لان هذه المسألة مبحوثة حتی من قبل الفقهاء المتقدمین انه لااشکال فی قبول الشهادة فی حالة التذکر لتحمل الشهادة والعلم بها والامن من التزویر ،وهی شهادة حسیة ، کما انه لااشکال فی عدم جواز الشهادة اذا انتفی کلٍ منهما ، وانما الکلام فیما اذا امن التزویر وعلم ان هذا خطه ولاجل الشهادة ولکنه لایتذکر الواقعة فهل یجوز له الشهادة فی مثل هذه الحالة او لا ؟

ص: 169

السید الماتن یقول یجوز له ان یشهد وان لم یتذکر الواقعة ومضمون الورقة فعلاً .

وهذه المسألة عادةً ما تذکر فی بحث اشتراط العلم فی الشهادة باعتبار ان مجرد رؤیة الخط لایورث العلم عادةً ، والکلام کما ذکرنا فی ان التذکر هل هو شرط فی قبول هذه الشهادة او لا ؟ فیه خلاف ، فان مقتضی اطلاق عبائر جماعة من المتقدمین والمتأخرین اشتراط التذکر فی الشهادة المستندة الی الخط ، وجماعة اخرون ومنهم السید الماتن لم یشترطوا التذکر مع حصول العلم بالواقعة .

والمهم مراجعة الروایات المرتبطة فی المقام وهی ثلاث روایات مذکورة فی الباب 8 من ابواب الشهادات .

الروایة الاولی : معتبرة الحسین ابن سعید ویرویها الکلینی ((عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید قال : کتب إلیه جعفر بن عیسی : جعلت فداک جاءنی جیران لنا بکتاب زعموا أنهم أشهدونی علی ما فیه ، وفی الکتاب اسمی بخطی قد عرفته ، ولست أذکر الشهادة ، وقد دعونی إلیها ، فأشهد لهم علی معرفتی أن اسمی فی الکتاب ولست أذکر الشهادة ؟ أو لا تجب الشهادة علی حتی أذکرها ، کان اسمی فی الکتاب أو لم یکن ؟ فکتب : لا تشهد)) ویرویها الشیخ باسناده عن الحسین بن سعید ایضاً

وظاهرها اعتبار التذکر حتی یمکنه الشهادة استناداً الی خطه فان لم یکن متذکراً لایمکنه الشهادة اعتماداً علی خطه واسمه وان علم انه خطه واسمه ، وبعبارة اخری ان مقتضی اطلاق اعتبار التذکر فی الروایة هو لابدیة التذکر وان علم ان الخط خطه .

الروایة الثانیة : یرویها الکلینی ((عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) : لا تشهد بشهادة لا تذکرها ، فإنه من شاء کتب کتابا ونقش خاتما )).

ص: 170

ورواه الشیخ باسناده عن علی بن إبراهیم .

وهی معتبرة سنداً ، وفیها دلالة علی اعتبار التذکر فی جواز الشهادة مطلقاً،واما قول الامام (ع) فی ذیلها حکایةً عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) (من شاء کتب کتابا ونقش خاتما ) فهو لایبعد ان یکون المقصود بها أرشاد الی فعل ما یوجب التذکر بحسب العادة .

ولکن قد یقال : بعدم امکان التمسک بأطلاق هذه الروایات لاثبات عدم قبول الشهادة فی حالة العلم وعدم التذکر ویستدل علی ذلک بما ذکره السید الماتن (قده) من انه فی حالة العلم بان الخط خطه وانه وضعه لاجل الشهادة والعلم بعدم التزویر لایحتاج معه الی شیء لقبول الشهادة حتی اذا لم یتذکر الواقعة لانها شهادة عن حس .

أقول: یمکن تأیید ما یقوله السید الماتن والالتزام بقبول الشهادة فی هذه الحالة بان مفردة التذکر فی هذه الروایات والتی ظاهرها اعتبار التذکر یبدو انها مأخوذة علی نحو الطریقیة لاحراز مضمون الورقة وحینئذٍ یمکنه الشهادة .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - السبت 21 رجب بحث الفقه

بمقتضی اطلاقها علی إعتبار التذکر فی جواز الشهادة ، حتی فی حالة حصول العلم بان الخط خطه ، والعلم بعدم التزویر ، وذکرنا القول الاخر وهو عدم اعتبار التذکر فی جواز الشهادة والدلیل علیه ، وقد ذکرنا روایتین فیما سبق .

الروایة الثالثة : وقد تقدمت الاشارة الیها فی البحث السابق وهی معتبرة عمر بن یزید المرویة فی الباب 8 من ابواب الشهادات ،ح 1:((محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن النعمان ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر ابن یزید قال : قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : الرجل یشهدنی علی شهادة فأعرف خطی وخاتمی ، ولا أذکر من الباقی قلیلا ولا کثیرا ، قال :فقال لی : إذا کان صاحبک ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له )) .والروایة ظاهرةٌ فی عدم اعتبار العلم فی الشهادة ، وامکان الشهادة استناداً الی خبر ثقتین ولو لم یحصل العلم ، وهذا معناه عدم اعتبار العلم فی الشهادة هذا من جهة ، ومن جهة اخری ان الصحیحة فیها دلالة علی اعتبار شهادة المدعی فی الجملة ، ولذا بضمیمة شهادة المدعی الی شهادة الثقة الاخر جوّز الامام (ع) الشهادة استناداً الیهما ، وبهذا تکون الروایة مخالفة للمشهور من الجهتین ، اما الجهة الاولی فقد تقدم اعتبار العلم الحسی فی جواز الشهادة لاغیر بینما هذه الروایة ظاهرة فی عدم اعتبار العلم ، واما الجهة الثانیة فلأنه یعتبر فی الشاهدین ان یکونا غیر المتخاصمین ،وعلی تقدیر امکان الالتزام بمضمون هذه الروایة ، فحینئذٍ یمکن الاستدلال بها فی محل الکلام ، أی الاستدلال بها علی قبول الشهادة فی صورة العلم بعدم التزویر، والعلم بخطه وکتابته ، وان لم یکن متذکراً ، لانها تدل علی جواز الشهادة استناداً الی اخبار ثقتین ولو بغیر تذکرٍ ، فجوازها فی محل الکلام بشکل اولی .

ص: 171

هذا ولکن السید الماتن ذکر ان هذه الروایة اما ان تحمل علی کون شهادة الثقتین مذکرة له ، أی انها طریق لحصول حالة التذکر وارتفاع النسیان ، فالشاهدان یذکّرانه بالواقعة فهو حینما یشهد یشهد متذکراً ، لامجرد ان یشهد اعتماداً علی شهادتهما ، وان لم یمکن حملها علی ذلک فلابد من رد علمها الی اهلها ، ولایمکن العمل بها .

هذا ماذکره السید الماتن (قده).

ولکن یبدو ان المسألة لیس هکذا ، لان هناک من علمائنا المتقدمین من عمل بهذه الروایة ، والتزم بجواز الشهادة المستندة الی اخبار عدلین فقد ذکر الفاضل الهندی فی کشف الّلثام عن الشیخین وسلاّر والصدوقین وابنی الجنید والبراج العمل بهذه الروایة، مما یعنی :

اولاً: انهم لایوافقون علی ان شهادة المدعی لا اعتبار بها بالمرة .

وثانیاً: انهم لایرون اشتراط جواز الشهادة بالعلم .

ویؤکد هذا النقل ان الصدوق عندما ذکر هذه الروایة فی الفقیه عقبها بقوله ( وروی انه لاتکون الشهادة الا بعلم ) وهذا یعنی انه فهم من هذه الروایة عدم اشتراط العلم فی الشهادة ، وفی الدروس نسبه الی الاکثر وان نوقش فی صحة هذه النسبة من قبل بعضهم .

وعلی کل حال هذه الروایة بحسب ظاهرها معارضة لما دل علی اعتبار العلم فی الشهادة من الادلة السابقة ، وقد ذکر السید صاحب الریاض وغیره ان التعارض بینهما بنحو العموم والخصوص من وجه ، باعتبار ان هذه الصحیحة وان کانت مختصة بصورة وجود ثقتین مخبرین ووجود الخط ، الا انها عامة لصورتی حصول العلم من ذلک وعدم حصوله ، ولیس هناک غرابة فی حصول العلم من الخط والکتابة وشهادة الثقتین ، إذ کثیراً ما یحصل العلم من هذه الاشیاء ، ومختصة بصورة وجود النقش والکتابة ووجود ثقتین یخبران بذلک، واما الادلة الدالة علی اعتبار العلم فهی وان کانت مختصة بصورة حصول العلم کما هو واضح لانها تدل علی اعتبار العلم لکنها عامة من ناحیة وجود النقش وعدم وجوده ووجود الخاتم وعدم وجوده ووجود الثقة وعدم وجوده ، وبهذا تکون النسبة بینهما العموم والخصوص من وجه ومادة التعارض والاجتماع هی صورة وجود الخاتم والنقش ووجود ثقة مع فرض عدم حصول العلم ، فمقتضی الصحیحة جواز الشهادة ، ولکن مقتضی ماتقدم من الادلة علی اشتراط العلم فی الشهادة عدم جواز الشهادة فی هذه الحالة .

ص: 172

السید صاحب الریاض وکذا صاحب المستند بذلوا جهداً لاثبات ان الادلة العامة الدالة علی اعتبار العلم تتقدم علی هذه الصحیحة ، وحینئذٍ لایمکن العمل بهذه الصحیحة فلابد من اعتبار العلم ولایمکن الاستناد فی الشهادة الی قول ثقتین .

وأقول : ماذکروه من الوجوه ان تمت فهو والا فعلی اسوء التقادیر یحصل التعارض بینهما ، فیتساقطان فی مادة الاجتماع ، وحینئذٍ نرجع فیها الی ما یقتضیه الاصل ، والاصل فی حالة الشک فی نفوذ شهادة وعدمه یقتضی عدم النفوذ ، إذ نفوذ الشهادة قضائیاً یحتاج الی دلیل ومع عدمه فالاصل عدم النفوذ ، أی عدم ترتب أی اثر علی تلک الشهادة ، وبهذا نصل الی نفس النتیجة وهی ان الشهادة المستندة الی قول الثقتین لیست معتبرة قضائیاً .

هذا تمام الکلام بالنسبة الی هذه المسألة .

قال (قده) : مسألة 97 : یثبت النسب بالاستفاضة المفیدة للعلم عادة ویکفی فیها الاشتهار فی البلد ، وتجوز الشهادة به مستندة إلیها . وأما غیر النسب : کالوقف والنکاح والملک وغیرها ، فهی وإن کانت تثبت بالاستفاضة إلا أنه لا تجوز الشهادة استنادا إلیها وإنما تجوز الشهادة بالاستفاضة .

...................

ظاهر کلمات الفقهاء بعد فراغهم عن عدم جواز الشهادة المستندة الی غیر الحس انهم استثنوا من ذلک موارد قالوا بعدم اشتراط العلم الحسی فی جواز الشهادة فیها بل یمکن الشهادة فی هذه الموارد استنادا الی الاستفاضة والشیاع ، وقد اختلفوا فی هذه الموارد ولکن القدر المتیقن منها هو النسب فقد اتفقوا علی ان النسب من هذه الموارد فتجوز الشهادة علیه مستندةً الی الاستفاضة ، واما فی غیره فقد اختلفوا کالوقف والنکاح والملک المطلق والموت .

ص: 173

والذی یبدو من کلماتهم ان مرادهم من الاستفاضة هی عبارة عن الشیاع الموجب للظن المتآخم للعلم ، وهو المعبر عنه بالاطمئنان او بالعلم العادی .

وقد علل عدم اشتراط استناد الشهادة فی هذه الموارد الی العلم الحسی فی کلماتهم ان العلم الحسی فی هذه الموارد لیس متاحاً ، فأنه کیف یحصل الأحساس بالنسب لانه لایوجد هناک احساس بالولادة وانما هو شیء تعلم به الام وینتقل بواسطتها بالشیاع ، وکذا الموت ، فان اسبابه متعددة ولایشاهد الموت عادةً وانما یثبت الموت استنادا الی الشیاع بان فلان مات ، ولذا انتقل الی الاستفاضة والشیاع .

وما نعلق به علی ماذکر :

انه لاینبغی الخلط بین امرین ، إذ تارة نتکلم عن موقف المکلف تجاه القضیة التی قامت علیها الاستفاضة والشیاع ، بمعنی انه لو قامت الاستفاضة علی وقفیة هذه الدار ، فهل یجب علی المکلف ترتیب أثار ثبوت الوقفیة علیها عند قیام الاستفاضة کما یجب علیه ترتیب اثارها عند قیام العلم علی الوقفیة ، وهل یجب علیه ترتیب اثار النسب لو قام الشیاع علیه کما یجب علیه ذلک عند العلم به ، وهذه المسألة لیس لها علاقة بالشهادة ، بل هی قضیة ینظر فیها لتحدید کیفیة تعامل المکلف فی هذه الموارد لو قامت علیها الاستفاضة ، والظاهر انه لایفرق فیها بین الموارد التی ذکروها وبین غیرها من الموارد ، بمعنی ان الشیاع لو اوجب حصول الاطمئنان لدی المکلف ، فلا اشکال فی لزوم ترتیب اثار الثبوت الواقعی لتلک الواقعة علیه ، بعد وضوح حجیة الاطمئنان ببناء العقلاء .وأما لو فرضنا عدم حصول الاطمئنان من الشیاع وانما غایة ما اوجبه الظن فهنا لایجوز له ترتیب اثار الثبوت الواقعی علی ذلک .إذ لایوجد لدینا دلیل یقول ان الشیاع حجة تعبداً، وانما هو حجة حیث یفید الاطمئنان .

ص: 174

والحاصل انه فی کلتا الحالتین أی سواء کان الشیاع مفید للأطمئنان او لا ، لایوجد فرق بین الموارد التی ذکروها وبین غیرها فیما لو کانت المسألة ترتیب الاثار علی ذلک الشیء الذی قام علیه الشیاع .

وتارةً اخری نتکلم عن حکم الشهادة المستندة الی الشیاع ، وحجیة الشهادة فی باب القضاء المستندة الی الشیاع ، ونفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع فی باب القضاء ، ونفوذ حکم الحاکم اذا استند فی حکمه الی شهادة مستندة الی الشیاع ، ومحل کلامنا هو هذه المسألة .

وعلی ضوء ماتقدم سابقاً من اعتبار العلم الحسی فی نفوذ الشهادة ونفوذ حکم الحاکم المستند الیها ، ینبغی ان نقول ان هذه الشهادة لیست نافذة ولیست حجة ولاینفذ حکم الحاکم المستند الیها لوضوح عدم وجود العلم الحسی بالمشهود به وان کان هناک علم حسی بنفس الاستفاضة والشیاع من دون فرق بین الموارد التی ذکروها وبین غیرها ، ففی جمیع هذه الموارد الشهادة المستندة الی الشیاع والاستفاضة لیست حجة ، هذا مقتضی ما تقدم .

نعم ، من یقول بنفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع علیه اقامة الدلیل علی ذلک .

وهل یوجد دلیل علی نفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع هذا ما سیأتی بحثه ان شاء ا.. تعالی

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأحد 22 رجب بحث الفقه

کان الکلام فی جواز الشهادة المستندة الی الاستفاضة او الشیاع فی بعض الموارد أستثناءاً من القاعدة التی أسست علی ضوء الادلة وهی أشتراط العلم الحسی فی قبول الشهادة ونفوذها ، علی اختلاف من قبل الفقهاء فی تحدیدهم لهذه الموارد کما ذکرنا، وتقدم ان هناک امران لاینبغی الخلط بینهما ، احدهما موقف المکلف تجاه القضیة التی قام علیها الشیاع ، والثانی هو جواز وحجیة الشهادة المستندة الی الشیاع او الاستفاضة فی بعض الموارد کالانساب (إذ هو القدر المتیقن من قبول الشهادة المستندة الی الشیاع ) ، وهذا هو محل الکلام .

ص: 175

وقد تقدم ان قلنا : انه لاضیر فی حجیة الشیاع فی اثبات ما یتعلق به ، اذا افاد الاطمئنان لان الاطمئنان مما قامت السیرة العقلائیة علی اعتباره والاعتماد علیه ، بحیث یمکن للانسان ترتیب اثار الثبوت الواقعی للشیء فیما اذا افاده الشیاع اطمئناناً ، وقلنا انه لافرق هنا بین الموارد التی ذکروها وبین غیرها ، ففی کل شیء قامت علیه الحجة یجب علی المکلف ترتیب اثار الثبوت الواقعی علیه ، نعم یحتمل ان للنسب خصوصیة فی هذه المسألة ، وهو ان المستفاد من الادلة فیه حجیة الشیاع مطلقاً وان لم یفد الاطمئنان ، ولاتنخرم القاعدة اعلاه بهذا ، لان الشیاع اذا افاد الظن لادلیل علی حجیته ، ولکن یدّعی ان الشیاع غیر المفید للاطمئنان حجة فی خصوص النسب .

هذا کله فی الامر الاول .

وأما بالنسبة الی الامر الثانی وهو محل الکلام ، فقد تقدم ایضاً انه لادلیل علی جواز ونفوذ الشهادة غیر المستندة الی العلم الحسی بمقتضی الادلة التی استدل بها علی اعتبار العلم الحسی فی نفوذ الشهادة ، والشهادة المستندة الی الاستفاضة لیس فیها علم حسی فکیف یمکن الالتزام بنفوذها .

اذاً مقتضی القاعدة عدم نفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع وان افادت الاطمئنان .

نعم ، ادعی وجود ادلة تدل علی نفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع فی جمیع الموارد او فی بعضها علی اختلاف الادلة ، فلابد من استعراض هذه الادلة لنری هل بالامکان الاعتماد علیها فی القول بنفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع او لا؟

الدلیل الاول : هو ان یقال بنفوذ الشهادة المستندة الی الشیاع او الاستفاضة اذا افاد الاطمئنان قیاساً لها بالشهادة المستندة الی التواتر التی تقدم نفوذها ، إذ ان کلٍ منهما شهادة غیر محسوسة ، وانما هما عبارة عن شهادة بشیء استناداً الی اخبار جماعة ، وغایة الفرق بینهما انه فی باب التواتر ان من یستند الی اخباره فی الشهادة جماعة کثیرة یمتنع تواطؤهم علی الکذب ، وأما فی باب الاستفاضة او الشیاع فالعدد أقل مما فی التواتر ولکن قولهم یفید العلم العادی ، فکما ان الشهادة المستندة الی التواتر الحقت بالشهادة الحسیة وقلنا بنفوذها وحجیتها فی باب القضاء فکذلک الشهادة المستندة الی الاستفاضة او الشیاع المفید للاطمئنان ایضاً تکون ملحقة بالشهادة الحسیة وتکون نافذة .

ص: 176

هذا هو الدلیل الاول .

ولکن هذا الدلیل بحاجة الی شیء ، وهو ان نری الوجه الذی بموجبه الحقنا الشهادة المستندة الی التواتر بالشهادة الحسیة ، فإن وجد فی الشهادة المستندة الی الشیاع او الاستفاضة المفید للعلم العادی فلا مانع من ألحاق هذه الشهادة بالشهادة الحسیة فی النفوذ والقبول وألا فلا یمکن الالحاق.

والوجه الذی بموجبه الحقت الشهادة المستندة الی التواتر بالشهادة الحسیة هو قوة الملازمة بین التواتر وبین ثبوت الواقعة بحیث لاینفک أحدهما عن الاخر ، بل قلنا ان التواتر هو من نتائج حصول الواقعة ، فإن الواقعة عندما تکون متحققة یحصل التواتر ، فهذه الملازمة هی التی سمحت لنا بالقول ان الذی یدرک التواتر حساً یقال عرفاً انه یدرک ما یلازمه ولاینفک عنه حساً ایضاً ، هذا هو الاساس فی الحاق الشهادة المستندة الی التواتر بالشهادة الحسیة فی القبول .

هذا ولکن فی محل الکلام الملازمة أضعف والتفکیک ممکن ، بل إفادتْ الاستفاضة والشیاع للاطمئنان لیس دائماً ولذا حینما یذکرون الشیاع فی کلماتهم یقیدوه بإفادته للأطمئنان ، وهذا یعنی انه قد یفید وقد لایفید ، فالملازمة بین الشیاع _______ _وان افاد الاطمئنان _________ وبین ثبوت الواقعة لیست بتلک المثابة الموجودة فی التواتر بحیث یسمح لنا القول بان من احس بالاستفاضة او الشیاع یقال له عرفاً انه احس بالواقعة حتی تلحق شهادته بالشهادة الحسیة فی القبول .

والحاصل ان الوجه الذی بموجبه الحقت الشهادة المستندة الی التواتر بالشهادة الحسیة غیر موجود بشکل واضح فی الشیاع او الاستفاضة ، وبالتالی یصعب الحاق الشهادة المستندة الی الشیاع المفید للاطمئنان بالشهادة الحسیة .

الدلیل الثانی : ________ وقد ذکر فی کلمات الفقهاء ومنهم السید الماتن (قده) ________ وهو التمسک بمرسلة یونس بن عبد الرحمن المرویة فی الباب 22 من ابواب کیفیة الحکم ((محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : سألته عن البینة إذا أقیمت علی الحق ، أیحل للقاضی أن یقضی بقول البینة ( إذا لم یعرفهم من غیر مسألة ) ؟ فقال : خمسة أشیاء یجب علی الناس أن یأخذوا فیها بظاهر الحکم : الولایات ، والتناکح ، والمواریث والذبائح ، والشهادات ، فإذا کان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا یسأل عن باطنه ))، ورواها کل من الصدوق فی الفقیه والشیخ فی التهذیب .

ص: 177

وهذه الروایة ذکرها الفقهاء فی مقام الاستدلال علی نفوذ الشهادة المستندة الی الاستفاضة والشیاع فی الانساب ومنهم السید الماتن حیث ذکرها فی مقام التأیید ولعله لضعف السند بالارسال .

وأقول : الاستدلال بهذه الروایة فی محل الکلام غیر واضح إطلاقاً بقطع النظر عن الضعف السندی للروایة .

اولاً: ان مفردة الانساب لیست موجودة لا فی نقل الکلینی ولا فی نقل الشیخ ، حتی یظهر منها ان الشهادة فی الانساب لایشترط ان تکون عن حس بل یکفی فیها الاستناد الی ظاهر الحال المستفاد من الشیاع او الاستفاضة ، نعم هی موجودة فی نقل الصدوق ، إذ انه ابدل المواریث المذکورة فی نقل الکلینی والشیخ بالانساب .

وثانیاً: _______ وهو المهم _______ ان الروایة اجنبیة عن محل الکلام ، فهی بحسب صدرها وذیلها الظاهر انها ناظرة الی مسألة قبول وعدم قبول شهادة الشاهد من جهة شخص الشاهد وانه لادلیل علی عدالته وانما الموجود هو ظاهر الحال اذا کان ظاهره مأموناً وعدم وجوب التفتیش والفحص عن باطنه ، وهو المعبر عنه فی کلمات البعض بأصالة العدالة ( اذا کان الظاهر من الشخص الصلاح فهو کافٍ فی قبول شهادته وثبوت عدالته ما لم یثبت فسقه ) والامام (ع) یقول یکفی فی جواز شهادته ظاهر حاله اذا کان مأموناً .

وأین هذا من محل الکلام ، إذ کلامنا فی ان الشهادة المستندة الی الشیاع او الاستفاضة هل هی نافذة قضائیاً او لا ؟ وماهو مورد الروایة لیس فیه دلالة علی جواز ونفوذ شهادة الشاهد المستندة الی الشیاع ، بل لو فرضنا عدم القول بذلک وفرضنا ان العلم الحسی فقط هو المجوز للشهادة ایضاً تأتی هذه المسألة أی ان الذی یشهد بعلم حسی هل یکفی فیه ظاهر الحال او لایکفی ؟

ص: 178

والحاصل ، جواز الشهادة المستندة الی الشیاع مسألة وجواز الشهادة بلحاظ الشهاد نفسه وانه لیس عند الحاکم الا ظاهر حاله مسألة اخری .

ویؤید هذا الفهم بالنسبة لهذه الروایة ان صاحب الوسائل عندما ذکر هذه الروایة فی الباب 41 من ابواب الشهادات فی ذیل الحدیث الرابع علق علیها بقوله ( قد عمل الشیخ وجماعة بظاهره وظاهر امثاله وحکموا بعدم وجوب التفتیش ) وفی ذیل العبارة یذکر انهم عملوا بأصالة العدالة ، ومن الواضح بأنه فهم من الروایة انها ناظرة الی مسألة اصالة العدالة وعدم وجوب التفتیش عن الشاهد عندما لایکون معه الا ظاهر الحال .

وعلیه ، فالروایة من الصعب جداً الاستدلال بها فی المقام ، بل من الصعب جداً جعلها مؤیدة بغض النظر عن سندها .

الدلیل الثالث : ________ وقد ذکره السید الماتن أیضاً _______ هو الاستدلال بالسیرة المنعقدة علی قبول الشهادة المستندة الی الاستفاضة او الشیاع فی باب النسب .

وفی الحقیقة یمکن توضیح هذه السیرة بهذا الشکل _______کما هو(قده) وضحها ایضاً _______ انه لاینبغی الشک فی ان الشهادة بالانساب متحققة فی الخارج بین المتشرعة کسائر الامور الاخری ، وهذه الشهادة فی باب الانساب المتحققة خارجاً جرت السیرة علی قبولها .

وعلیه ، فلابد من القول بقبول الشهادة المستندة الی الشیاع فی الانساب ، لان الشهادة بالانساب لایمکن ان تکون محسوسة ، باعتبار ان الشاهد لیس حاضراً مجلس الولادة حتی یحس بالنسب ، وانما ینقل النسب عن النساء والرجال الذین یقولون ان فلان ولد لفلان وحینئذٍ هو یشهد بالنسب ،وبهذ یثبت ان هناک سیرة من قبل المتشرعة علی قبول الشهادة بالانساب المستندة الی الاستفاضة ونفوذها ، حالها فی ذلک حال الشهادة بالملک وغیره غایة الفرق ان الشهادة بالملک یمکن ان تکون محسوسة والشهادة فی باب الانساب یتعین ان تکون مستندة الی الاستفاضة والشیاع ، وهذه السیرة تکون کاشفة بالطرق المعروفة عن رأی الشارع فتکون حجة ومعتبرة .

ص: 179

هذا حاصل الدلیل الثالث .

والسید الماتن صرح باختصاص هذا الدلیل بالانساب ، ولذا افتی بقبول هذه الشهادة فقط فی باب الانساب معتمداً علی هذا الدلیل واما الدلیل الاول الذی ذکره وهو المرسلة فهی ضعیفة سنداً .

ولکن قد یقال : لماذا یختص هذا الدلیل فی باب الانساب ؟ أذ تمام الملاک فی تمامیة هذا الدلیل فی الانساب هو ان الشهادة الحسیة فی باب الانساب امر متعذر او متعسر ، وهذا لایوجب الاختصاص بالانساب ، إذ یمکن افتراض کون الشهادة الحسیة فی مورد اخر تکون متعذرة او متعسرة وتوجد سیرة قائمة فی مثله علی الاخذ بالشهادة کما ذکرت الروایة ذلک فی الذبائح ، فلابد ان تکون هذه الشهادة مستندة الی الشیاع .

وعلی کل حال امکن التعمیم او لم یمکن ، تمامیة الدلیل تتوقف _____ کما هو واضح _______ علی اثبات انعقاد سیرة من قبل المتشرعة علی قبول هذه الشهادة المستندة الی الاستفاضة قضائیاً ، لان هذا هو محل کلامنا ، بحیث تکون هذه السیرة مانعة من صلاحیة الادلة المتقدمة فی اشتراط قبول الشهادة بالعلم الحسی للردع عنها ، والا لو کانت صالحة للردع عنها لما جرت السیرة علی نفوذ هذه الشهادة عندهم وهم متشرعة متقیدون بالشریعة .

ولکن انعقاد سیرة للمتشرعة بهذا المقدار لیس واضحاً ، بمعنی ان المتشرعة الذین یرتدعون بردع الائمة (ع) هم الشیعة الملتزمین بروایات الأئمة (ع) ومن الواضح عدم وجود سیرة عند الشیعة علی قبول الشهادة المستندة الی الشیاع فی باب الانساب ، لان الذی یقبل الشهادة او لایقبلها هو القاضی والحاکم والا فالانسان العادی لیس له علاقة فی باب القضاء بقبول هذه الشهادة او عدم قبولها ، والقضاة نوعاً فی زمن النص الی زماننا هذا هم ممن لایرتدعون بردع الائمة (ع) .

ص: 180

وعلیه ، فأنعقاد السیرة بهذا الشکل بحیث یستکشف منه الدلیل الشرعی غیر المردوع عنه صعب جداً فی محل الکلام إذ الروایات التی دلت علی اعتبار العلم الحسی فی قبول الشهادة رادعة عن مثل هذه السیرة لو سلم وجودها .

الادلة التی ادعی دلالتها علی جواز الشهادة المستندة الی الشیاع بحث الفقه

الموض_وع : الادلة التی ادعی دلالتها علی جواز الشهادة المستندة الی الشیاع

کان الکلام فی الادلة التی ادعی دلالتها علی جواز الشهادة المستندة الی الشیاع والاستفاضة فی موارد خاصة کالنسب ونحوه ، وذکرنا ثلاثة منها .

الدلیل الرابع : ______ وهو ما یستفاد من کلمات الاصحاب _____ وحاصله ، دعوی ان الانساب وغیرها من الموارد التی ذکروها لایمکن فیها عادةً الشهادة الحسیة ، فلو أُشترطت فیها الشهادة الحسیة ، لأدی ذلک الی تعطیل الشهادة فی هذه الموارد ، وکأنهم یرون ان تعطیل الشهادة فی هذه الموارد یمثل محذوراً فی حد رأسه ، وحینئذٍ لابد من التنزل عن اشتراط الشهادة الحسیة فی هذه الموارد ، والقبول بالشهادة المستندة الی الشیاع .

وهذا الدلیل غیر الدلیل الثالث الذی ذکره السید الماتن (قده) والذی کان یعتمد علی السیرة فی اثبات جواز الاعتماد علی الشهادة المستندة الی الشیاع ، لانه بقطع النظر عن السیرة یدل علی قبول الشهادة المستندة الی الشیاع وعدم اعتبار الحس فی هذه الموارد .

وأقول : ان الموافقة علی هذا الدلیل صعباً ، باعتبار ان ماذکروه من محذور تعطل الشهادة فی الشیاع ، نعم ما ینبغی ان یکون محذوراً هو عدم امکان اثبات النسب وغیره قضائیاً ألا بالشهادة المستندة الی الشیاع ، هذا هو الذی ینفعنا فی تمامیة هذا الدلیل ، ولکن فی المقام یمکن لنا اثبات النسب وغیره قضائیاً من النکول والیمین ورد الیمین .

ص: 181

وعلیه فما ذکروه من المحذور لیس بهذه المثابة ، ومما یؤید کونه لیس محذوراً ، ذهاب کثیر من علماؤنا الی عدم قبول هذه الشهادة حتی فی النسب ومع ذلک لم یروه محذوراً ، لان النسب یمکن اثباته قضائیاً اذا ادعاه المدعی بطرق اخری غیر الشهادة .

والحاصل ان هذا الدلیل لیس تاماً .

الدلیل الخامس : دعوی الاجماع فی باب النسب علی قبول الشهادة المستندة الی الشیاع .

هذا مایمکن جمعه من کلماتهم من الادلة علی قبول هذه الشهادة ، والظاهر عدم امکان الاعتماد علیها فی تجاوز الادلة السابقة الدالة علی اعتبار الشهادة الحسیة فی قبول الشهادة ، نعم یبقی ما أشرنا الیه سابقاً وهو اذا تمکنا من الحاق الشهادة المستندة الی الاستفاضة بالشهادة المستندة الی التواتر بدعوی ان الوجه الموجب لألحاق الشهادة المستندة الی التواتر بالشهادة الحسیة هو بنفسه موجوداً فی الشهادة المستندة الی الاستفاضة ، فلابأس به ، ولکن تقدم الاشکال فیه وانه امراً لیس واضحاً .

هذا تمام الکلام فی هذه المسألة .

قال (قده) :( مسألة 98 ) : یثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة أربعة رجال ویثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین أیضا وکذلک یثبت بشهادة رجلین وأربع نساء ، إلا أنه لا یثبت بها الرجم ، بل یثبت بها الجلد فحسب ولا یثبت شئ من ذلک بشهادة رجلین عدلین وهذا بخلاف غیرها من الجنایات الموجبة للحد : کالسرقة وشرب الخمر ونحوهما ولا یثبت شئ من ذلک بشهادة عدل وامرأتین ولا بشاهد ویمین ، ولا بشهادة للنساء منفردات .

فی هذه المسألة فروع تبحث وهی:

ص: 182

أما ثبوت الزنا واللواط والسحق بشهادة اربعة من الرجال فهذا مما لا أشکال فیه بینهم ، فقد ذکر الفقهاء عندما قسموا الحقوق الی حقوق الله وحقوق الادمی ، ان حقوق الله فیها ما لایثبت الا بأربعة شهود من الرجال بلا خلاف ولا اشکال ، ومقصودهم من هذه الحقوق التی لاتثبت الا بشهادة اربعة من الرجال هی الزنا واللواط والسحق .

أما الزنا فثبوته بشهادة اربعة رجال فهو من المسلمات ومما لا أشکال فیها کتاباً وسنةً ، کقوله تعالی ﴿ وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِینَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (1) وقوله تعالی ﴿ وَاللَّاتِی یَأْتِینَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِکُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْکُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِکُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ یَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلًا ﴾ بناءاً علی ان المراد من الفاحشة هنا الاعم من الزنا وغیره ، وکذا قوله تعالی ﴿إِنَّ الَّذِینَ جَآءُوا بِالإِفْکِ عُصْبَةٌ مِّنْکُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّکُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَّکُمْ لِکُلِّ امْرِیءٍ مِّنْهُمْ مَّا اکْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِی تَوَلَّی کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِیمٌ * لَّوْلاإِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَیْراً وَقَالُواْ هَاذَآ إِفْکٌ مُّبِینٌ * لَّوْلاَ جَآءُو عَلَیْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَائِکَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْکَاذِبُونَ﴾ (2) وهی واضحة فی ان الزنا یثبت باربعة شهداء من الرجال ، وأما الروایات الدالة علی ثبوت الزنا بشهادة اربعة من الرجال فکثیرة من قبیل صحیحة محمد بن غیث الواردة فی زنا المحصن فی الباب 12 من ابواب حد الزنا ،ح2 :

ص: 183


1- (1) سورة النور، الآیة4.
2- (2) سورة النور، الآیة11.

عن محمد بن یعقوب عن محمد بن یحیی ، عن أحمد ، وعن علی ، عن أبیه جمیعا ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : قال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : لا یرجم رجل ولا امرأة حتی یشهد علیه أربعة شهود علی الایلاج والاخراج (1) (2) .

والروایة تامة سنداً ، وکذا صحیحة الحلبی :

محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، وعن علی بن إبراهیم ، عن أبیه جمیعا ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) ، قال : حد الرجم أن یشهد أربعة أنهم رأوه یدخل ویخرج. (3)

وواضح فیها ان الزنا یتحقق بأربعة شهود من الرجال .

وأما اللواط فثبوته بشهادة أربعة من الرجال أیضاً مسلم ومما لا أشکال فیه ، بل سیأتی ان الطریق الوحید لاثبات اللواط والسحق هو شهادة أربعة رجال .

ولکن الکلام فی انه هل یوجد لدینا دلیل واضح علی ذلک ؟

الشیخ صاحب الجواهر صرح بانه لم نعثر من النصوص علی مایدل علی اعتبار الاربعة فی اللواط والسحق ، نعم أشار الی دلیل حیث قال « نعم فیها (النصوص) ثبوت اللواط بالاقرار أربعاً » (4) ، والظاهر انه اشار الی دلیل ذکره السید الماتن مفصلاً وحاصله :

ص: 184


1- (3) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج28، ص95، أبواب حد الزنا، ب12، ح2، ط آل البیت.
2- (4) الأصول من الکافی، الشیخ الکلینی، ج7، ص184، ط دار الکتب الاسلامیة.
3- (5) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج28، ص94، أبواب حد الزنا، ب12، ح1، ط آل البیت.
4- (6) جواهر الکلام، محمد حسن الجواهری، ج41، ص154.

هو انه مقتضی الجمع بی روایتین معتبرتین أحداهما تدل علی ان الاقرار شهادة والثانیة یدل علی ان اللواط لایثبت الا بالاقرار اربعاً ، والنتیجة ان اللواط لایثبت الا باربع شهادات ، هذا فی اللواط ، وأما فی السحق فیقول ان ثبت هذا فی اللواط فنتعدی الی السحق عن طریق عدم القول بالفصل .

اما الروایة الاولی التی یستفاد منها ان الاقرار یعد شهادة هو صحیحة الاصبغ بن نباتة مرویة فی الباب 16 من مقدمات الحدود ح 6 ، والظاهر انها معتبرة سنداً لان طریق الصدوق فی المشیخة الی سعد بن طریف عن الاصبغ لاغبار علیه :

فی الفقیه قال : وروی سعد بن طریف عن الأصبغ بن نباتة قال : " أتی رجل أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فقال : یا أمیر المؤمنین إنی زنیت فطهرنی فأعرض أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) بوجهه عنه ، ثم قال له : اجلس قأقبل علی ( علیه السلام ) علی القوم فقال : أیعجز أحدکم إذا قارف هذه السیئة أن یستر علی نفسه کما ستر الله علیه ، فقام الرجل فقال : یا أمیر المؤمنین إنی زنیت فطهرنی ، فقال : وما دعاک إلی ما قلت ؟ قال : طلب الطهارة ، قال : وأی الطهارة أفضل من التوبة ، ثم أقبل علی أصحابه یحدثهم فقام الرجل فقال : یا أمیر المؤمنین إنی زنیت فطهرنی فقال له : أتقرأ شیئا من القرآن ؟ قال : نعم ، فقال : إقرأ فقرأ فأصاب فقال له : أتعرف ما یلزمک من حقوق الله عز وجل فی صلاتک و زکاتک فقال : نعم فسأله فأصاب ، فقال له : هل بک من مرض یعروک أو تجد وجعا فی رأسک أو شیئا فی بدنک أو غما فی صدرک ؟ فقال : یا أمیر المؤمنین لا ، فقال : ویحک اذهب حتی نسأل عنک فی السر کما سألناک فی العلانیة ، فإن لم تعد إلینا لم نطلبک (1)

ص: 185


1- (7) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج14، ص101، أبواب مقدمات الحدود، ب16، ح6، ط آل البیت.

وفی ذیلها مامضونه ان الله اوجب علیک الحد لانک اقررت اربع فثبت علیک الحد باربع شهادات ، فانه یجعل مقابل کل اقرار شهادة .

وأما الروایة الثانیة فهی مالک بن عطیة المرویة فی الباب 5 من ابواب حد اللواط ح1 ،وهی تامة سنداً :

محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن محبوب ، ابن رئاب ( عن مالک بن عطیة ) ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : بینما أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فی ملاء من أصحابه ، إذ أتاه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) إنی أوقبت علی غلام فطهرنی ، فقال له : یا هذا امض إلی منزلک لعل مرارا هاج بک ، فلما کان من غد عاد إلیه ، فقال له : یا أمیر المؤمنین إنی أوقبت علی غلام فطهرنی فقال له : اذهب إلی منزلک لعل مرارا هاج بک ، حتی فعل ذلک ثلاثا بعد مرته الأولی ، فلما کان فی الرابعة قال له : یا هذا إن رسول الله ( صلی اله علیه وآله ) حکم فی مثلک بثلاثة أحکام فاختر أیهن شئت ، قال : وما هن یا أمیر المؤمنین ؟ قال : ضربة بالسیف فی عنقک بالغة ما بلغت ، أو إهداب من جبل مشدود الیدین والرجلین ، أو إحراق بالنار ، قال : یا أمیر المؤمنین أیهن أشد علی ؟ قال : الاحراق بالنار ، قال : فانی قد اخترتها یا أمیر المؤمنین فقال : خذ لذلک أهبتک ، فقال : نعم ، قال : فصلی رکعتین ، ثم جلس فی تشهده ، فقال : اللهم إنی قد أتیت من الذنب ما قد علمته ، وإنی تخوفت من ذلک فأتیت إلی وصی رسولک وابن عم نبیک فسألته أن یطهرنی ، فخیرنی ثلاثة أصناف من العذاب ، اللهم فانی اخترت أشدهن ، اللهم فانی أسألک أن تجعل ذلک کفارة لذنوبی ، وأن لا تحرقنی بنارک فی آخرتی ، ثم قام - وهو باک - حتی دخل الحفیرة التی حفرها له أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) وهو یری النار تتأجج حوله ، قال : فبکی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) وبکی أصحابه جمیعا ، فقال له أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : قم یا هذا فقد أبکیت ملائکة السماء وملائکة الأرض ، فان الله قد تاب علیک ، فقم ولا تعاودن شیئا مما فعلت (1) .

ص: 186


1- (8) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج14، ص101، أبواب حد اللواط، ب5، ح1، ط آل البیت.

وفیها دلالة علی ان فی باب اللواط لایثبت الا باربع اقرارات وذلک لان الامام (ع) لم یفعل له شیء لافی الاقرار الاول ولا فی الثانی ولا فی الثالث نعم بعد الاقرار الرابع قال له ان الله حکم علیک بکذا .

وبما ان الروایة الاولی مفادها ان کل اقرار یعد شهادة ، فیثبت اللواط باربع شهادات ، ثم ذکر السید الماتن بان نتعدی الی السحق بعدم القول بالفصل بین اللواط وبین السحق ، وذکر ان مایؤید هذا انه ورد فی بعض الروایات الضعیفة ان المساحقة فی النساء کاللواط فی الرجال ، فیثبت فیها مایثبت فی اللواط .

هذا هو الدلیل الاول الذی ذکره السید الماتن

وذکر دلیل اخر علی هذا المطلب فی باب اللواط والمساحقة وقد ذکره فی البیان (1) فی تفسیر القران وهو الاستدلال بقوله تعالی ﴿ واللاتی یأتین الفاحشة من نسائکم ، فأستشهدوا علیهن اربعة من رجالکم ...﴾ (2) قال: ان المراد من الفاحشة اما المساحقة او لا أقل من شمولها للمساحقة ولا موجب لتخصیصها بالزنا ، وعلیه فالمساحقة لاتثبت الا باربع شهادات ، واذا ضممنا الیها الایة التی بعدها من سورة النور مباشرة وهی قوله تعالی ﴿ واللذان یأتیانها منکم ﴾ (3) یقول المراد بها اللواط ، فتکون الایة الاولی اشارة الی المساحقة والایة الثانیة اشارة الی اللواط ، والطریق لاثبات المساحقة ذکر فی الایة الاولی وهو اربع شهادات من القوم ، واما الطریق لاثبات اللواط فلم یذکر فی الایة الثانیة أکتفاءً بالطریق الاول ، فیکون الطریق الاول لاثبات المساحقة طریقاً لاثبات اللواط ، وبهذا یثبت ان کلاً من اللواط والمساحقة لایثبتان الا باربع شهادات .

ص: 187


1- (9) تفسیر مجمع البیان، الشیخ الطبرسی، ج3، ص40.
2- (10) سورة النساء، الآیة15.
3- (11) سورة النساء، الآیة16.

هذا هو الدلیل الثانی .

ویبدو ان القضیة مسلمة بین المسلمین ولاأشکال فیها ولم یناقش فیها احد وهذا المقدار یکفی لاثبات هذا الحکم ، والدلیل الثانی الذی ذکره مبنی علی ان الفاحشة فی الایة الاولی یراد بها ما یعم المساحقة ، واما اذا قلنا بإختصاصها بالزنا فلا یتم هذا الدلیل ، والمراد بالایة الثانیة هو اللواط ، وهذا غیر واضح لانه ربما یراد به نفس الفاحشة السابقة ولا قرینة علی ارادت اللواط منها .

وعلی کل حال ، الدلیل الاول لابأس به .

الادلة تثبت الزنا واللواط والسحق بحث الفقه

الموضوع: الادلة تثبت الزنا واللواط والسحق

فرغنا فیما سبق من ان الزنا واللواط والسحق تثبت بشهود اربع من الرجال ، بل ظاهر الادلة ان اللواط والسحق لایثبتان الا بذلک ، ومن جملة الادلة علی ذلک ما نقلناه عن السید الماتن من الاستدلال بالایتین الشریفتین الواردتین فی سورة النساء وهما قوله تعالی ﴿وَاللَّاتِی یَأْتِینَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِکُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْکُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِکُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ یَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلًا ﴾ (1) ، وقوله تعلی من نفس السورة ﴿وَاللَّذَانِ یَأْتِیَانِهَا مِنْکُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ کَانَ تَوَّابًا رَحِیمًا ﴾ (2) .

وحاصل الاستدلال : ان الایة الاولی ناظرة الی ان المراد من الفاحشة فیها المساحقة ، والمراد من ضمیرها فی الایة الثانیة اللواط ، والقرینة علی الحمل الاخیر هو ان المراد من الموصول ﴿اللذان﴾ یعود الی نفس المقصود بقوله منکم ، فیکون خطاب للرجال ، أی یأتیان الفاحشة من الرجال ، فیکون المقصود بها اللواط ، وبهذا تخلص من مشکلة موجودة فی الایة ، وهی حیث انه (قده) یری عدم وجود نسخ فی القرأن ، فلو کان المقصود من الضمیر فی قوله تعالی ﴿یأتیانها﴾ الزنا فلابد من الالتزام بالنسخ - کما علیه عامة المفسرین أستناداً الی روایات الطرفین وان کانت من طرقنا ضعیفة سنداً، ولکن فیها دلالة علی النسخ - وذلک لان عقوبة من یقترفن الفاحشة فی الایة الاولی هی قوله تعالی ﴿َأَمْسِکُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ یَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلًا﴾ (3) والعقوبة فی الایة الثانیة ﴿فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ کَانَ تَوَّابًا رَحِیمًا﴾ (4) ، وعلی تقدیر ان یکون المراد من الفاحشة فی الایتین هو الزنا فیثبت انه منسوخاً بقوله تعالی فی سورة النور﴿لزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْکُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِی دِینِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآَخِرِ وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ﴾ (5) ، ومن هنا قال ان المراد من الفاحشة فی الایة الأولی الزنا وفی الایة الثانیة اللواط ، واضاف ان الامساک فی البیوت للمرأة اذا أرتکبت المساحقة لیس هو العقوبة والحد فلا ینافی الوارد بان عقوبة المساحقة کذا مثلاً ، کما ان الایذاء فی الایة الثانیة لاینافی وجود عقوبة اخری للواط .

ص: 188


1- (1) سورة النساء، الآیة15.
2- (2) سورة النساء، الآیة16.
3- (3) سورة النساء، الآیة15.
4- (4) سورة النساء، الآیة16.
5- (5) سورة النور، الآیة2.

هذا ولکن، ماذهب الیه (قده) خلاف المشهور من محققی المفسرین حیث یرون ان المراد من الفاحشة فی الایتین هو الزنا غایة الفرق بینهما کما هو المعروف بینهم ویختاره صاحب المیزان ان الفاحشة فی الایة الاولی هو الزنا من ذوات الازواج لان قوله تعالی ﴿من نسائکم﴾ معناه من أزواجکم فیکون مخصوص بالزنا الصادر من ذات البعل ، والظاهر من قوله تعالی﴿یأتیانها﴾ هو نفس الفاحشة المتقدمة ولکن یراد منها الاعم من المحصن وغیره والمحصنة وغیرها ، وان لزم منهما القول بالنسخ .

والحاصل ان هذا الدلیل لیس واضحاً عندنا .

ثم بعد ذلک یقول (قده) : یثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاث رجال وامرأتین أیضاً ، أی الزنا یتمیز عن اللواط والمساحقة بانه کما یثبت بشهادة اربع من الرجال کذلک یثبت بشهادة ثلاث رجال وامرأتین ، وجعل هذا هو الفارق بین الزنا وبین اللواط والمساحقة من دون فرق بین الرجم والجلد ، بمعنی ان الزنا یثبت بشهادة ثلاث رجال وامرأتین مطلقاً ولکن مع الاحصان یثبت الرجم ومع عدم الاحصان یثبت الجلد ، ویدل علی ذلک الروایات المعتبرة ، من قبیل مثلاً ما ورد فی ابواب کیفیة الحکم ، باب 24 ، ح3 :

وبالاسناد عن الحلبی ، عن أبی عبدالله ( علیه السلام ) قال: سألته عن شهادة النساء فی الرجم ، فقال : اذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، واذا کان رجلان واربع نسوة لم تجز فی الرجم (1)

وهو ظاهر فی کفایة شهادة ثلاثة رجال وامرأتین فی الرجم مع الاحصان ، ومعتبرة عبد الله بن سنان فی نفس الباب ح10،

ص: 189


1- (6) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص351، أبواب کیفیة الحکم، ب12، ح3، ط آل البیت.

وبالاسناد عن یونس ، عن عبدالله بن سنان ، قال: سمعت ابا عبد الله (ع) یقول : لا تجوز شهادة النساء فی رؤیة الهلال ، ولا یجوز فی الرجم شهادة رجلین وأربع نسوة ، ویجوز فی ذلک ثلاثة رجال وامرأتان (1)

فإنها صریحة فی ان الرجم یثبت بشهادة ثلاث رجال وامرتین .

هذه هی الادلة علی هذا المطلب ، نعم لایفهم من الروایة ثبوت ذلک فی الجلد لان ظاهرها ان موردها الرجم ولم تتعرض الی الجلد ، لکن یمکن الاستدلال علی ثبوت الجلد بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین ، بأعتبار ان کفایة شهادة ثلاثة رجال وامرأتین فی ثبوت الزنا الموجب للرجم مع الاحصان تکفی أیضاً لثبوت الزنا مع عدم الاحصان وبالتالی ثبوت الجلد أیضاً لعدم أحتمال الفرق بینهما من هذه الجهة ، بل لعله أولی وذلک لان المرکوز فی أذهان المتشرعة ان ما یثبت فی موارد الاحصان الذی هو اشد یثبت فی موارد عدم الاحصان ، فالذی یثبت الزنا الموجب للرجم یکون مثبتاً للزنا الموجب للجلد أیضاً ، او یقال: ان مایفهم من هذا الحدیث ان شهادة ثلاثة رجال وامرأتین طریق لاثبات الزنا کما ان شهادة اربعة رجال طریق لذلک أیضاً ، وحینئذٍ مع الاحصان یثبت الرجم ومع عدم الاحصان یثبت الجلد ، فلا ینبغی التشکیک فی ثبوت هذا الحکم وأستفادته من هذه الروایات بهذا الاعتبار .

وهاتان الروایتان لاتخلوان من أشعار -کما یعبر صاحب الجواهر- من ان شهادة رجلین واربع نسوة مقبول فی الجلد (2) ، لان الروایة الثانیة تقول : ولایجوز فی الرجم شهادة رجلین واربع نسوة ،وکأن تخصیص هذا الحکم فی الرجم یفهم منه ثبوته فی الجلد ، ویفهم من الحدیث الاخر( سألته عن شهادة النساء فی الرجم فقال: اذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، واذا کان رجلان واربع نسوة لم تجز فی الرجم ) انها تجوز فی الجلد .

ص: 190


1- (7) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص353، أبواب کیفیة الحکم، ب12، ح10، ط آل البیت.
2- (8) جواهر الکلام، محمد حسن الجواهری، ج41، ص156.

ولکن لایمکن الاعتماد علی هذه الاشارة نعم ، هناک روایة صحیحة یمکن الاستدلال بها علی کفایة شهادة رجلین واربع نسوة فی الجلد وهی صحیحة الحلبی المرویة فی ابواب حد الزنا ،الباب 30 ، ح1.

محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن ابن محبوب ، عن أبان ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد علیه ثلاثة رجال وامرأتان قال : فقال : وجب علیه الرجم ، وإن شهد علیه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا یرجم ولکن یضرب حد الزانی (1)

وظاهرها کفایة شهادة رجلین واربع نسوة فی ثبوت حد الزانی حتی المحصن ولایثبت علیه الرجم ، ومن هنا نفهم ان الزنا یثبت بالجملة بشهادة اربعة رجال وثلاثة رجال وامرأتین ورجلین واربع نسوة ، لکن ما یثبت فی الاول والثانی هو الزنا الموجب للرجم والزنا الموجب للجلد ومایثبت فی الثالث فهو الجلد دون الرجم .

هذا ولکن مع ذلک فقد نسب الی جماعة من علماؤنا کالصدوق وابی الصلاح والعلامة فی المختلف القول بعدم ثبوت الجلد بشهادة رجلین واربع نسوة وانما حاله حال الرجم ، وحیث ان الرجم لایثبت به أیضاً فلا یثبت علیه الحد أی ان ازنا لایثبت بشهادة رجلین واربع نسوة ، واستدلو علی ذلک

اولاً: بان مقتضی الاصل عدم ثوت الزنا بشهادة رجلین واربع نسوة الا بما یدل الدلیل علی ثبوته به .

وثانیاً: ان ثبوت الزنا بشهادة رجلین واربع نسوة مقتضاه ثبوت الرجم مع الاحصان ایضاً والتالی باطل للاخبار الکثیرة الدالة علی عدم ثبوت الرجم بشهادة رجلین واربع نسوة ، فالمقدم باطلٌ ایضاً أی عدم ثبوت الزنا بشهادة رجلین واربع نسوة .

ص: 191


1- (9) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص353، أبواب حد الزنا، ب30، ح1، ط آل البیت.

والمناقشة فی هذین الدلیلین واضحة ، إذ لامعنی للإستدلال بالاصل مع وجود صحیحة الحلبی المتقدمة الدالة علی ثبوت الزنا الموجب للحد بهذه الشهادة ، والثانی هو اشبه بالاجتهاد مقابل النص کما قالوا ، وبعبارة ان هذا رفع للید عن دلیل معتبر وصحیح ولامحذور من العمل به لمجرد مخالفته للاجتهاد .

أذاً مع شهادة رجلین واربع نسوة یجلد الزانی سواء کان محصناً او کان غیره ولایرجم ، ومع شهادة ثلاثة رجال وامرأتین یرجم الزانی مع الإحصان ویجلد مع عدم الإحصان نعم، هنا حکی عن بعض علمائنا کالمفید وسلّار المخالفة حیث ذهبوا الی عدم ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین بل یتعین فی الرجم شهادة اربعة رجال ، ودلیلهم علی ذلک هو ان الصحیحتین المتقدمتین الدالتین علی ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین یعارضهما صحیحة محمد بن مسلم الدالة علی عدم ثبوت الرجم بشهاد ثلاثة رجال وامرأتین المرویة فی الباب 24 من ابواب الشهادات ح28

یرویه الشیخ باسناده عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن ربعی ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم یجز فی الرجم ولا تجوز شهادة النساء فی القتل (1)

والحدیث معتبر السند ، وظاهرها عدم جواز الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین ، وقد قالوا اذا وقع التعارض فی هذه الروایات فمع عدم وجود المرجح تتساقط ومعه یرجع اما الی الاصل وهو یقتضی فی حالة الشک فی ان الرجم یثبت بشهادة ثلاثة رجال وامراتین او لایثبت عدم الثبوت ، واما ان نرجع الی الایة الشریفة التی تدل علی ان طریق اثبات الزنا هو شهادة اربعة رجال ، وحینئذٍ یثبت ان الرجم لایثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین .

ص: 192


1- (10) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص353، أبواب الشهادات، ب24، ح28، ط آل البیت.

هذا ولکن الشیخ فی التهذیب حمل صحیحة محمد بن مسلم علی التقیة أو فقد شرط من شروط هذه الشهادة فتبقی الروایات السابقة الدالة علی الثبوت بلا معارض ، فیعمل بها .

وما ذکره نوقش فیه بأن حمل الروایة علی فقدها لشرط من الشروط المعتبرة فی الشهادة خلاف الظاهر جداً ،إذ ظاهر الروایة الحدیث عن هذه الشهادة المعتبرة والجامعة للشرائط ، ولکن یرید القول ان هذه الشهادة لایثبت بها الرجم ، وأما بالنسبة للحمل علی التقیة ، فهو یقتضی ان صحیحة محمد بن مسلم موافقة للعامة بینما تلک الروایات الدالة علی ثبوت الرجم بهکذا شهادة مخالفة للعامة فتقدم هذه الروایات المخالفة علی صحیحة محمد بم مسلم الموافقة .

ولکن تقدم منّا مراراً من ان هناک ترتیب فی مرجحات باب التعارض ولیس کلها فی عرض واحد والرتبة الاولی هی للترجیح بموافقة الکتاب فیقدم الدلیل الموافق للکتاب علی الدلیل المخالف للکتاب وان کان الموافق للکتاب موافقاً للعامة والاخر المطروح مخالفاً للعامة ، وفی محل الکلام یقال ان ماذکره الشیخ لایمکن المصیر الیه لانه یوجب فی المقام مرجح متقدم علی مرجح مخالفة العامة وهو الترجیح بموافقة الکتاب وهذا یعنی تقدیم صحیحة محمد بن مسلم الدالة علی عدم ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین لانه موافق لظاهر الکتاب .

ولکن یمکن الخدش بما ذکر بعد التأمل فی ایات الکتاب الدالة علی ماذکر والتامل فی هذه الصحیحة ، حیث ان الایات الشریفة فی مقام تحدید طریق ثبوت الزنا ، وحاصلها انه لایثبت الا بشهادة اربعة رجال وهذا یعنی عدم ثبوته بشهادة ثلاثة رجال ، واما صحیحة محمد بن مسلم فهی تقول ان الرجم لایثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین او بعبارة اخری ان الرجم لایثبت الا بشهادة اربعة رجال ، وهاتان مسألتان مختلفتان .نعم، قد یکون بینهما ملازمة ولکن هذا الاختلاف بینهما لایسمح لنا القول بان صحیحة محمد بن مسلم مقدمة لانها موافقة للکتاب إذ مورد الایات الشریفة غیر مورد الصحیحة ، وإذا تم ماذکرنا یمکن ترجیح تلک الروایات علی صحیحة محمد بن مسلم علی اساس انها مخالفة للعامة ، والظاهر ان من المسلم عند العامة عدم ثبوت الرجم الا بشهادة اربعة رجال .

ص: 193

لا یثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة رجلین عدلین بحث الفقه

الموضوع : لا یثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة رجلین عدلین

کان الکلام فی المسألة 99 وقد تقدم الکلام فی صدر المسألة وانتهی الکلام فی قوله فی هذه المسألة « ولا یثبت بشیء من ذلک بشهادة رجلین عدلین » والمقصود من «ذلک» هو الاشارة الی ماتقدم من الامور الثلاثة الزنا واللواط والسحق ، حیث تقدم انها تثبت بشهادة اربعة رجال بلا اشکال ، وخصوص الزنا یثبت بذلک ویثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین علی ماتقدم سابقاً ، بل الجلد یثبت بشهادة رجلین واربع نسوة ، ولکن هذه الثلاثة لاتثبت بشهادة رجلین عدلین ، والظاهر ان هذا من الامور المسلمة ، أما اللواط والسحق فقد تقدم انحصار ثبوتها بشهادة اربعة رجال ، وأما فی الزنا فقد تقدم ان غایة ماذکر فی الروایات هو الاکتفاء بشهادة رجلین وارعة نسوة فی خصوص الجلد ، ولیس فیها مایدل علی الاکتفاء بأثبات الزنا بشهادة رجلین عدلین .

ثم یقول(قده):« وهذا بخلاف غیرها من الجنیات الموجبة للحد کالسرقة وشرب الخمر ونحوهما » والظاهر ان ثبوت غیر الثلاثة مما یوجب الحد من الجنیات بشهادة عدلین مما لاخلاف فیه ولاأشکال ، ویدل علی قیول البینة فی غیر الموارد الثلاثة السابقة هو أطلاق ما دل علی اعتبار البینة ، فان مقتضی اطلاق اعتبار البینة هو شمولها لهذه الامور وانما رفعنا الید عن هذا الاطلاق فیما تقدم باعتبار الادلة الخاصة الدالة علی ان الزنا واللواط والسحق لایثبت الا بما یزید علی شهادة عدلین ،بل یدل علی ذلک روایتین ذکرها الفقهاء

الاولی: وهی مرویة فی الباب 49 من ابواب الشهادات ح1.

ص: 194

محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن إسماعیل بن أبی حنیفة قال : قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : کیف صار القتل یجوز فیه شاهدان والزنا لا یجوز فیه إلا أربعة شهود والقتل أشد من الزنا ؟ فقال : لأن القتل فعل واحد والزنا فعلان ، فمن ثم لا یجوز إلا أربعة شهود : علی الرجل شاهدان ، وعلی المرأة شاهدان (1)

وهذه الروایة یمکن ان یستفاد منها ان الشیء اذا تمثل فی الفعل الواحد فانه یکفی فیه شهادة عدلین وانما وجب الاربعة فی الزنا وفی اللواط والسحق لانه فعلان بمقتضی التعلیل الوارد فی هذه الروایة وکل منهما یحتاج الی بینة فلابد من اربعة شهود بینما القتل فعل واحد یصدر من شخص واحد .

وأقول : هذا یمکن تعمیمه لکل الجنیات غیر الثلاثة السابقة فشرب الخمر فعل واحد الارتداد فعل واحد وهکذا .

وعلی کل حال مقتضی هذه الروایة ان الفعل الواحد یکفی فیه البینة الواحدة .

الثانیة: مرسلة الکلینی حیث قال بعد نقله الروایة السابقة.

قال الکلینی : ورواه بعض أصحابنا عنه قال : فقال لی : ما عندکم یا أبا حنیفة ؟ فقلت : ما عندنا فیه إلا حدیث عمر أن الله أخذ فی الشهادة کلمتین علی العباد ، قال : فقال لی : لیس کذلک یا أبا حنیفة ولکن الزنا فیه حدان ، ولا یجوز إلا أن یشهد کل اثنین علی واحد ، لان الرجل والمرأة جمیعا علیهما الحد والقتل إنما یقام علی القاتل ، ویدفع عن المقتول. (2)

ص: 195


1- (1) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص408، أبواب الشهادات، ب49، ح1، ط آل البیت.
2- (2) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص409، أبواب الشهادات، ب49، ح2، ط آل البیت.

وهذا ایضاً نفس المفاد السابق وهو ان الجنایة المتمثلة بالفعل الواحد یکفی فیها البینة .

وایضاً یدل علی ذلک الاخبار الخاصة وهی واردة فی موارد تدخل فی الجنیات الموجبة للحد غیر الثلاثة المتقدمة مثلاً توجد روایات واردة فی الزندقة باعتبار انها من موجبات الحد ، وتوجد روایات واردة فی السحر وهو ایضاً من موجبات الحد ، وتوجد روایات واردة فی السرقة ، وهذه الروایات واردة فی موارد متفرقة ودالة علی قبول شهادة العدلین فی هذه الموارد .

هناک روایتان مرویتان فی الباب 51 من ابواب الشهادات

الاولی: وهی الحدیث الاول فی الباب.

یرویها الکلینی عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زیاد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) ، أن أمیر المؤمنین( علیه السلام ) کان یحکم فی زندیق إذا شهد علیه رجلان عدلان مرضیان وشهد له ألف بالبراءة یجیز شهادة الرجلین ویبطل شهادة الألف ، لأنه دین مکتوم . (1)

وهی ضعیفة السند کما هو واضح إذ فیها سهل وهو محل کلام بین الاصحاب ومحمد بن الحسن بن شمون فان الظاهر عدم ثبوت وثاقته ، ولکن الروایة فیها دلالة علی کفایة شهادة العدلین المرضین لاثبات الزندقة التی هی موجبة للحد .

الثانیة: وهی الحدیث الثانی فی الباب.

ویرویها الشیخ فی التهذیب باسناده عن أحمد بن محمد بن عیسی ،عن أبی الجوزاء ، عن الحسین بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن أبیه ، عن آبائه ( علیهم السلام ) قال : سئل رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) عن الساحر ، فقال : إذا جاء رجلان عدلان فیشهدان علیه فقد حل دمه.

ص: 196


1- (3) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص410، أبواب الشهادات، ب51، ح1، ط آل البیت.

وسندها لابأس به ظاهراً وذلک لان الراوی المباشر هو عمرو بن خالد وهو ینصرف الی عمرو بن خالد أبی خالد الواسطی بقرینة روایته الکثیرة وفی موارد عدیدة عن زید بن علی وقد نص السید الماتن علی ذلک فی المعجم وهو المنصوص علی وثاقته بالرغم من کونه زیدیاً ، وأما ابو الجوزاء الذی یروی عنه محمد بن عیسی فقد ورد فی اسانید روایات کثیرة جداً لعلها معظمها او کلها یرویها عن الحسین بن علوان ،واسم ابی الجوزاء منبّه بن عبد الله التمیمی ، وقد قال عنه النجاشی انه صحیح الحدیث ،والسید الماتن أستفاد من هذه العبارة وثاقته ، بل من المحتمل ان العلامة حینما وثقه مع عدم وجود مستند متداول بالتوثیق الصریح أستفاد ذلک من عبارة النجاشی المتقدمة .

وهذه العبارة یوجد فیها کلام فی امکانیة استفادة التوثیق منها أو لا وانما فیها دلالة فقط علی ان احادیثه التی یرویها صحیحة ومطابقة للموازین .

هذا ولکن الظاهر ان الثمرة العملیة غیر واضحة لان هذا الحدیث ثبت بدلیل معتبر انه رواه وبالتالی فهو استناداً الی عبارة النجاشی المتقمة صحیح وقد ذکرنا مراراً استبعاد ان یکون الحکم بالصحة مستنداً الی اصالة العدالة ، بل الظاهر ان الحکم بصحة احادیث شخص او راوی مبنی علی کونه ثقة ،هذا ما نستفیده فی جملة من الموارد ،والظاهر کما یقول السید الماتن ان الرجل یمکن الاعتماد علی روایاته ،واما باقی السند فلیس فیه من یخدش فیه لان الروایة یرویها الشیخ عن احمد بنمحمد بن عیسی وسنده الیه معتبر وهو رجل معتبر أیضاً عن ابی الجوزاء وقد عرفت حاله عن الحسین بن علوان والظاهر انه ثقة وقد ذکرنا البحث عن وثاقته فی المباحث السابقة ،فالروایة معتبرة نوزید ابن علی راوی من الروایات وهو یروی عن الامام السجاد (ع) ، ودلالتها واضحة فی أنه یکفی لاثبات السحر الموجب للحد شهادة رجلان عدلان یشهدان به .

ص: 197

وعلی کل حال هناک روایات متفرقة یمکن العثور علیها فیها دلالة علی ان الجنیات الموجبة للحد غیر الثلاثة السابقة یکفی فیها شهادة رجلین عدلین .

ثم بعد ذلک قال (ولایثبت شیء من ذلک بشهادة عدل وامراتین ولابشاهد ویمین ولا بشهادة النساء منفردات ) ومقصوده من ذلک هو الجنایات الموجدة للحدود غیر الثلاثة السابقة لاتثبت یغیر العدلین .

واستدل علی ذلک بالاصل حیث قالوا ان مقتضی الاصل هو عدم ثبوت تلک الجنایة لان الثبوت یحتاج الی دلیل وحیث لانملک دلیل علی ثبوت هذه الجنایات فمقتضی الاصل هو عدم الثبوت بهذه الامور الثلاثة المذکورة .نعم قام الدلیل علی حجیة الشاهد والیمین وحجیة الشاهد العدل الواحد وامراتین وقبول شهادة النساء منفردات ولکن کل ذلک فی موارد خاصة کما سیأتی قریباً ، ولکن مانحن فیه لم یقم علیه دلیل حیث اننا نتکلم عن الجنایات الموجبة للحدود غیر الثلاثة السابقة ، ویضاف الی ذلک بعض الادلة السابقة ، لکن فی خصوص شهادة النساء منفردات ، حیث یمکن استفادة عدم قبول شهادتهن منفردات فی الجنایات فی الحدود من بعض الادلة الخاصة .وهذه الروایات مرویات فی الباب 24 من ابواب الشهادات :

الاولی: روایة السکونی وهی ح 42.

ویرویها الشیخ فی التهذیب باسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن بنان بن محمد ، عن أبیه عن ابن المغیرة ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه عن علی ( علیهم السلام ) أنه کان یقول : شهادة النساء لا تجوز فی طلاق ولا نکاح ولا فی حدود ، إلا فی الدیون وما لا یستطیع الرجال النظر إلیه . (1)

ص: 198


1- (4) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص363، أبواب الشهادات، ب24، ح42، ط آل البیت.

وهذا الاستثناء فیه قرینة علی شمول المستثنی منه الی محل الکلام او قل فیه قرینة علی عموم المستثنی منه لانه لم یستثنی منه الا اثنین الدیون وما لایستطیع الرجال النظر الیه ، فشهادة النساء لاتکون مقبولة فیما عدا هذین الامرین .

وهذه الروایة السید الماتن عبر عنها بالمعتبرة مع ان فیها بنان بن محمد وهو عبد الله بن محمد بن عیسی الذی هو اخو احمد بن محمد بن عیسی وهذا الرجل لم یوثق فهو مجهول ولا اعرف لماذا عبر عنها السید الماتن بالموثقة ومتردد من وجوده فی اسانید کامل الزیارات او لا .

وعلی کل حال فحتی لو وجد فی اسانید کامل الزیارة فالظاهر ان بن قولویه لایروی عنه مباشرة کما هو واضح من الطبقة ، والسید الماتن (قده) بعد رجوعه انه لایری وثاقة کل من ورد اسمه فی اسانید کامل الزیارة ، نعم هناک وجه لایؤمن به السید الماتن یمکن ان یستفاد منه فی المقام لاثبات وثاقته وهو مبنی علی مسألة من وقع فی کتاب نوادر الحکمة لمحمد بن احمد بن یحیی ولم یستثنه بن الولید فهو ثقة ، فانه بناءاً علی هذا یمکن ان نقول فی المقام ان محمد بن احمد بن یحیی الذی هو صاحب نوادر الحکمة یروی عن بنان بن محمد فإذا لم یستثنه بن الولید فقد یقال ان هذا دلیل علی وثاقته .

هذه الروایة الاولی .

الثانیة: وهی صحیحة العلاء المرویة فی الباب 24 من ابواب الشهادات ح18.

ویرویها الشیخ فی التهذیب باسناده عن الحسین بن سعید عن صفوان ، وفضالة ، عن العلاء ، عن أحدهما ( علیهما السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ،وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء. (1)

ص: 199


1- (5) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص356، أبواب الشهادات، ب24، ح18، ط آل البیت.

والروایة معتبرة سنداً ، والروایة واضحة فی ان ماعدا هذین الامرین لاتجوز شهادتهن وحدهن ، فیمکن الاستدلال بها علی عدم جواز شهادتهن منفردات فی محل الکلام .

الثالثة: صحیحة محمد بن مسلم المرویة فی نفس الباب ح 19.

وعنه عن حماد ، عن حریز ، عن محمد بن مسلم قال : سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء . (1)

والروایة معتبرة سنداً .

الرابعة: صحیحة محمد بن مسلم المرویة فی نفس الباب ح 8

وعن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أبی أیوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال : قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ولا فی الطلاق وقال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء. (2)

فهذه الروایات مضمونها واضح وظاهرها عدم قبول شهادة النساء منفردات فی غیر العذرة والنفساء

الخامسة: صحیحة جمیل ومحمد بن حمران المرویة فی نفس الباب ح 1.

محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر عن جمیل بن دراج ، ومحمد بن حمران ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء فی الحدود ؟ فقال : فی القتل وحده ، إن علیا ( علیه السلام ) کان یقول : لا یبطل دم امرئ مسلم. (3)

ص: 200


1- (6) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص356، أبواب الشهادات، ب24، ح19، ط آل البیت.
2- (7) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص353، أبواب الشهادات، ب24، ح8، ط آل البیت.
3- (8) وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج27، ص350، أبواب الشهادات، ب24، ح1، ط آل البیت.

وظاهر الروایة قبول شهادة النساء فی القتل فقط واما فی غیره فلا تقبل ، وقتضی اطلاق هذه الروایة هو عدم قبول شهادتهن لامنفردات ولا منضمات ، نعم لابد من رفع الید عن هذا الاطلاق فیما اذا دل دلیل علی قبول شهادتهن منضمات کما فی الزنا کما تقدم الاکتفاء بشهادة ثلاثة رجال وامراتین وبشهادة رجلین واربع نسوة .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأحد 29 رجب بحث الفقه

یوجد تعلیق علی روایة اسماعیل بن ابی حنیفة التی رواها الوسائل نقلاً عن الکافی والظاهر ان فی النقل اشتباه إذ الموجود فی الوسائل عن اسماعیل بن ابی حنیفة عن ابی عبد الله بینما الموجود فی الکافی عن اسماعیل بن ابی حنیفة عن ابی حنیفة عن ابی عبد الله ، فالمتکلم مع الصادق (ع) هو ابی حنیفة کما یشهد علیه المرسلة التی ذکرها الکلینی بعد ذلک مباشرة قال ورواه بعض اصحابنا عنه ومن العبارة المتقدمة یظهر ان اسماعیل بن ابی حنیفة لیس من اصحابنا وبهذا تکون الروایة ساقطة سندا والا لو کان اسماعیل بم ابی حنیفة الذی هو مجهول یروی مباشرة عن الامام (ع) یمکن اثبات وثاقته بروایة البزنطی عنه

وبالنسبة الی بنان فقد قلنا انه لم تثبت وثاقته ولکن الوحید وغیره نص علی انه ممن روی عنه محمد بن احمد بن یحیی صاحب کتاب نوادر الحکمة ولم یستثنه بن الولید فمن یبنی علی کفایة مثل هذا فی وثاقة الشخص فحینئذٍ یدخل بنان فی عداد الموثقین .

ثم اننا انتهینا الی الروایات التی یستدل بها علی عدم ثبوت الحدود بشهادة النساء منفردات غیر الزنا واللواط والسحق بل تثبت بشهادة عدلین فقط .

ص: 201

السادسة : معتبرة غیاث بن ابراهیم الواردة فی نفس الباب ح 29 ویرویها الشیخ باسناده عن أبی القاسم بن قولویه ، عن أبیه ، عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی ، عن أبیه ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن جعفر بن محمد عن أبیه ، عن علی ( علیهم السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی الحدود ، ولا فی القود )) ودلالتها واضحة علی عدم جواز شهادة النساء فی الحدود .

ومقتضی اطلاق هذه الروایات وبالخصوص الروایتین المتاخرتین عدم قبول شهادة النساء فی الحدود سواء کن منفردات او منضمات وهذا الاطلاق لایرفع الید عنه الا بدلیل کما فی باب الزنا فقد دل الدلیل علی قبول شهادة النساء منضمات کما تقدم سابقا واما فی غیر الزنا فلا یوجد دلیل علی قبول شهادتهن ، وحینئذٍ یتمسک بهذا اللاطلاق لاثبات عدم قبول شهادة النساء فی الحدود.

ولکن فی مقابل اطلاق هذه الروایات هناک روایة تدل علی جواز قبول شهادة النساء فی الحدود منضمات الی الرجال فتکون حینئذٍ منافیة لما تقدم وهی معتبرة عبد الرحمن بن ابی عبد الله وهی ح 21 فی الباب نفسه ویرویها الشیخ فی التهذیب باسناده عن الحسین بن سعید عن القاسم ، عن عبد الرحمن .

هذا ولکن الموجود فی التهذیب ان من یروی عنه القاسم هو ابان بن عثمان وابان یروی عن عبد الرحمن والذی یقصد به عبد الرحمن بن ابی عبد الله ، والظاهر حصول سقط او اشتباه ((قال : سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن المرأة یحضرها الموت ولیس عندها إلا امرأة تجوز شهادتها ؟ قال : تجوز شهادة النساء فی العذرة والمنفوس ، وقال : تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجال)) بینما الروایات المتقدمة التی ذکرناها تدل علی عدم جواز شهادة النساء مطلقا .

ص: 202

السید الماتن (قده) اجاب عن هذه الروایة :

اولا: بانها شاذة لاقائل بها ولاعامل منّا بهذا المضمون فتطرح ویبقی القول بعدم قبول شهادتهن فی الحدود سالما عن المعارض

وثانیا: بان محل الشاهد منها وهو (وقال : تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجال) انما هو موجود فیما رواه الشیخ عن الحسین بن سعید عن القاسم عن ابان کما ذکرنا ،ولکنه غیر موجود فیما رواه الشیخ فی التهذیب عن الحسین بن سعید عن فضالة عن ابان عن عبد الله بن سنان او عبد الله بن سلیمان فی الاستبصار وهو الحدیث 24 من نفس الباب ((ویرویها الشیخ عن الحسین بن سعید عن فضالة ، عن أبان ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألته عن امرأة حضرها الموت ولیس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها ؟ فقال : لا تجوز شهادتها إلا فی المنفوس والعذرة )).وواضح عدم وجود الذیل المتقدم فیها .

ثم یقول (قده) وهذا الذیل غیر موجود ایضا فیما رواه الکلینی بسنده المعتبر عن ابان عن عبد الرحمن وهو الحدیث14 من نفس الباب ((وعن الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : سألته عن المرأة یحضرها الموت ولیس عندها إلا امرأة ، أتجوز شهادتها ؟ أم لا تجوز ؟ فقال : تجوز شهادة النساء فی المنفوس والعذرة)) .

ویقول حیث ان متن الروایة واحد کما لاحظنا فیدور الامر بین النقص والزیادة إذ من البعید ان روایة واحدة یرویها ابان عن عبد الرحمن تارةً وعن عبد الله بن سنان تارةً اخری فیرویها مع الزیادة مرةً وبلا زیادة مرةً اخری ، وبناءً علیه فلا تثبت الزیادة .

ص: 203

وحینئذٍ لاتوجد مشکلة إذ الروایات السابقة تبقی علی حالها وبدون معارض لان الروایة التی قیل انهامعارضة بوجود زیادة فیها تدل علی قبول شهادة النساء منضمات قد تعارض النقل فیها لهذه الزیادة .

ثم یضیف ویقول ان الکلینی اضبط فی الروایة من الشیخ لاسیما ان روایته مؤیدة بروایة الشیخ نفسه .

واقول: ان من الواضح بناء هذا الکلام علی وحدة الروایة ،وأما إذا قلنا ان الروایة متعددة فلا توجد مشکلة إذ ان الصادر من الامام اولاً الروایة الخالیة من الزیادة ثم صدرت منه الروایة المشتملة علی الزیادة وحینئذٍ لایوجد تعارض بین النقلین بل کل منهما یکون صحیحاً ویؤخذ بکلا النقلین ولکن النقل الذی لیس فیه الزیادة یؤخذ فیه بمقداره والنقل الذی فیه الزیادة یؤخذ فیه کله .

ولکن لو قسنا هذه الروایة بما یذکره الشیخ فی موضع اخر من التهذیب لایتم البناء علی وحدة الروایة لان بالامکان تعدد الروایة باعتبار ان هذه الروایة یرویها ابان عن عبد الرحمن بن ابی عبد الله بینما الروایة التی ذکرناها یرویها الشیخ عن ابان عن عبد الله بن سنان إذ لامحذور من البناء علی ان الامام تکلم مع عبد الله بن سنان بحکم شرعی ولم یذکر هذا الحکم الاخیر بینما تکلم مع عبد الرحمن بن ابی عبد الله بنفس الحکم السابق ولکن اضاف الیه هذه الزیادة إذ المسألة محل ابتلاء فیسأل عنها مرتین بواسطة اثنین من الرواة فیجیب الامام عن هذه المسألة بجواب واحد ولکن فی احد الجوابین یضیف شیء وفی الجواب الاخر لایضیف شیئاً .

إذاً لایوجد محذور فی تعدد الروایة ،نعم ما ذکره له وجه فیما إذا لاحظنا مایرویه الشیخ بالزیادة مع ما یرویه الکلینی فی الکافی لان الکلینی روایته عن ابان عن عبد الرحمن بن ابی عبد الله ، فتکون روایتان کل منهما ینقل فیها ابان عن عبد الرحمن بن ابی عبد الله عن الامام (ع) ومتنهما واحد فیستبعد ان یکون عبد الرحمن سمع من الامام هذا الحکم مرتین مرة بالزیادة ومرة بدون الزیادة ونقله ابان تارةً مع الزیادة واخری بدون زیادة .

ص: 204

ولکن سند الروایة التی یرویها الکلینی فیه مشکلة _ وان کان السید الماتن عبر عنه انه روی بسند معتبر _ حیث فیه معلّی بن محمد وهو لم تثبت وثاقته ، وانما وثقه السید الماتن اما لورود اسمه فی کامل الزیارات او فی تفسیر علی بن ابراهیم القمی وهو لیس من المشیاخ المباشرین الذین یروی عنهم علی بن ابراهیم او بن قولویه ، وقد تقدم منّا عدم الموافقة علی وثاقة کل من ورد اسمه فی هذین الکتابین ، وقد عبر عنه النجاشی بانه مضطرب الحدیث .

وعلیه فإذا بنینا علی هذا الاشکال السندی فی نقل الکلینی فلا یعارض الروایة الصحیحة التی یرویها الشیخ عن عبد الرحمن بن ابی عبد الله الذی یذکر فیه هذه الزیادة ،وحینئذٍ لامانع من العمل بهذه الزیادة .

وبناءً علی ماتقدم یظهر ان الروایة التی فیها الزیادة معتبرة سنداً .

وفی الحقیقة نسبة هذه الروایة الی الروایات السابقة التی تدل علی عدم جواز شهادة النساء فی الحدود هی نسبة الخاص الی العام وبعبارة اکثر وضوحاً ان الروایات السابقة التی استدللنا بها علی عدم قبول شهادة النساء فی الحدود هی اما مختصة بشهادة النساء منفردات کما هو الحال فی صحیحة محمد بن مسلم التی هی الحدیث 19 ((قال : سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء)) فیفهم منها ان فی غیر العذرة والنساء لاتجوز شهادتهن وحدهن حتی فی الحدود وهذا لاینافی روایة عبد الرحمن بن ابی عبد الله التی تقول تقبل شهادة النساء فی الحدود مع الرجال لتعدد الموضوع کما هو واضح وکذلک الحدیث 18 ((سألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال : نعم فی العذر والنفساء )) والحدیث8 وهو صحیحة اخری لمحمد بن مسلم ((قال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء )) وهو وان لم یقید بقوله وحدهن ولکن واضح من الاستدراک ان المقصود شهادتهن وحدهن .

ص: 205

وهناک روایات ذکرناها سابقاً تشمل المنع من شهادة النساء منضمات بالاطلاق لا انها واردة فی محل الکلام حتی تکون منافیة لهذه الروایة ومن قبیل صحیحة جمیل ومحمد بن حمران التی هی الحدیث الاول ((قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء فی الحدود ؟ فقال : فی القتل وحده ، إن علیا ( علیه السلام ) کان یقول : لا یبطل دم امرئ مسلم )). فمقتضی اطلاقها عدم قبول شهادتهن لامنضمات ولامنفردات واما روایة عبد الرحمن بن ابی عبد الله تقول تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجال وکذلک الحدیث 29 فی نفس الباب وهی معتبرة غیاث بن ابراهیم المتقدمة وهکذا الحدیث 30 فی نفس الباب ((عن موسی بن إسماعیل بن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی ( علیهم السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی الحدود ولا قود )).

وواضح ان نسبتها الی تلک الروایة نسبة الخاص الی العام فمقتضی القاعدة التخصیص بمعنی انه نلتزم بعدم قبول شهادة النساء فی الحدود منفردات ونلتزم بقبول شهادتهن فی الحدود منضمات .

وهذا المضمون یمکن اللالتزام به ان تم ماذکره السید الماتن من ان الروایة شاذة ولاعامل بها من الاصحاب ونلتزم باطلاق الروایات السابقة الدالة علی عدم جواز شهادة النساء مطلقاً فی باب الحدود ،وأما إذا لم یتم ماذکره السید الماتن فمقتضی الصناعة هو التقیید والألتزام بقبول شهادة النساء فی الحدود منضمات الی الرجال .

وبعضهم حاول الجمع بین الروایات السابقة وبین هذه الروایة فحمل صحیحة عبد الرحمن بن ابی عبد الله علی حد الزنا وقد تقدم ان فی حد الزنا تقبل شهادة النساء منضمات الی الرجال وحینئذٍ لاتکون منافیة للروایات السابقة .

ص: 206

ولکن هذا الحمل بلا قرینة لان الروایة تتحدث عن الحدود مضافاً الی ان صحیحة عبد الرحمن بن ابی عبد الله فی المصدر غیر ماینقله صاحب الوسائل حیث ان صاحب الوسائل نقلها بعبارة ((مع الرجال )) واما فی المصدر فالموجود ((مع الرجل)) وحینذٍ حملها علی الزنا یکون صعباً لان فی الزنا لم نقبل بشهادة رجل واحد وامرأتین وانما قبلنا بشهادة رجلین واربع نسوة وثلاثة رجال وامراتین ، فالظاهر ان الروایة ((مع الرجل)) وحینئذٍ کلام السید الماتن یکون مقبول ظاهراً بمعنی ان هذه الروایة لاعامل بها وشاذة وان ذکرها فی المتن بعنوان الرجال ولم یشر الی ان الموجود فی المصدر رجل لانها تقول بقبول شهادة النساء مع الرجل ولا احد یقول بقبول شهادة النساء مع الرجل أی رجل وامراتین لافی الزنا ولا فی غیر الزنا ولکن لو کانت العبارة الرجال فغیر واضح وجود اتفاق بین الاصحاب علی عدم قبول شهادة النساء منضمات الی الرجال فی الجنیات الموجبة للحد غیر الجنیات الثلاثة المتقدمة .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الإثنین 30 رجب بحث الفقه

انتهی الکلام الی ان صحیحة عبد الرحمن بن ابی عبد الله المعارضة للروایات السابقة نقلت بعدة نقول ، والنقل الاول للروایة لیس له ما یعارضه فی التهذیب لانه ینقل الروایة الخالیة عن الذیل عن شخص اخر وقد قلنا لااستبعاد فی تعدد الروایة، احداهما خالیة من الذیل والاخری مشتملة علیه ،وکذلک لایعارضه ماموجود فی الکافی وان کان فی کل منهما ینقل ابان عن عبد الرحمن بن ابی عبد الله لان سند الکلینی لیس تاماً ، وهذه الروایة کما اشرنا رویت بنحوین :

الاول: ((تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجال )) کما هو موجود فی الاستبصار.

ص: 207

الثانی:((تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجل)) کما هو فی التهذیب .

وقد قلنا انه مع کون المروی ((مع الرجال)) یمکن حمل الروایة علی حد الزنا لانه فی حد الزنا یجوز شهادة النساء منضمات الی الرجال ، ولکن لوکان المروی هو ((مع الرجل)) بناءً علی ان المراد منه الرجل الواحد فلا یمکن حمله حتی علی حد الزنا لانه فی حد الزنا لایقبل شهادة الرجل الواحد حتی اذا انضمت له النساء .

وعلی کل حال یبدو ان الروایة کما یقول السید الماتن لاعامل بها علی کلا التقدیرین ، اما اذا کانت الروایة ((مع الرجل)) فواضح جدا لانه لاقائل به اطلاقاً ، فهی إذاً روایة شاذة بلا اشکال ، واما علی تقدیر ((مع الرجال)) فهنا لایبعد عدم وجود القائل _کما یقول السید الماتن _ بقبول شهادة النساء منضمات فی مطلق الحدود نعم هی فی الزنا مقبولة .

وعلیه فیتعین الاخذ بالروایات السابقة ومقتضی بعضها عدم قبول شهادة النساء فی الحدود مطلقاً أی لامنفردات ولامنضمات. نعم، نخرج عن هذا الاطلاق فقط فی باب حد الزنا لقیام الادلة کما تقدم علی قبول شهادة النساء منضمات الی الرجال .

هذا مایرتبط بالمسالة 99 .

قال (قده): مسألة(100): لا یثبت الطلاق والخلع والحدود والوصیّة إلیه والنسب ورؤیة الأهلّة والوکالة وما شاکل ذلک فی غیر ما یأتی إلاّ بشاهدین عدلین ، ولا یثبت بشهادة النساء لا منضمّات ولا منفردات، ولا بشاهد ویمین.

................

هذه المسألة ذکرت فی کتب المتون الفقهیة کالشرائع وقد سمی الامور التی ذکرها السید الماتن بحقوق الادمی حیث انهم قسموا الحقوق الی حقوق الله ویقصدون بها الجنیات الموجبة للحد والی حقوق الادمی وهی هذه الامور .

ص: 208

وحقوق الادمی قسمها المحقق فی الشرائع الی ثلاثة اقسام :

الاول : ما لایثبت الا بشاهدین عدلین .

الثانی : مایثبت بشاهدین عدلین وبشاهد وامراتین وبشاهد ویمین .

الثالث: ما یثبت بالرجال وبالنساء منضمات .

فهذه ثلاثة اقسام فی حقوق الادمی .

أما القسم الاول وهو الذی تختص مسألتنا به أی ما لایثبت الا بشاهدین عدلین ، فقد ذکر المحقق فی الشرائع امثلة ومصادیق له کالطلاق والخلع والوکالة والوصیة الیه والنسب ورؤیة الاهلّة وتردد فی العتق والنکاح والقصاص ثم قال : أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتین ، فأستظهر ثبوت العتق والنکاح والقصاص بشاهد وامراتین بخلاف الباقی فانه لایثبت الا بشاهدین عادلین ،وهذه الامثلة التی جزم فیها المحقق بعدم ثبوتها الا بشاهدین عدلین هو نفس ماذکره السید الماتن فی هذه المسألة ، وقد نقل عن الدروس للشهید الاول ان الضابط فی هذا القسم الاول هو کونه من حقوق الناس، لیس مالاً ولایکون المقصود منه المال ، وفی کشف اللثام جعل الضابط هو کونها مما لایطّلع علیه الرجال غالبا _ أی خرج القسم الثالث وهو الذی تقبل فیه شهادة النساء منفردات ومنضمات کالعذرة ونحوها مما یختص بالنساء _ ولایکون مالاً ولا المقصود منه المال ، فقد خرج بذلک القسم الثانی الذی تقبل فیه شهادة العادلین وشهادة شاهد ویمین وشاهد وامراتین وهو الامور المالیة کما سیأتی .

وفی الحقیقة البحث ینبغی ان یکون بشکل یتعرض فیه لکل واحد من هذه الامور لنری هل هناک أدلة تدل بشکل واضح علی ان هذا لایثبت الا بشاهدین عدلین أی لایثبت بشاهد ویمین ولایثبت بشاهد وامراتین ولایثبت بشهادة النساء منفردات ولایکفی اقامة الادلة علی ان هذا یثبت بشاهدین عدلین والا ثبوته بشاهدین عدلین من الامور الواضحات قی کل الاقسام کما ان الدلیل علیه واضح وهوماتقدم مرارا من اطلاق مادل علی حجیة البینة ، ومقتضی اطلاقها شمولها لهذه الموارد فتدل علی ثبوت هذه الامور بشاهدین عدلین .

ص: 209

إذاً المهم هو الجانب السلبی أی لایثبت بغیر الشاهدین العادلین .

وأول شیء ذکره السید الماتن هو الطلاق وهو مانص علیه الفقهاء والظاهر انه هو المشهور بینهم ، والادلة علی علیه هی عبارة عن روایات :

الاولی : هی صحیحة حماد بن عثمان وهی الحدیث 17 من الباب 24،ج27 ((ویرویها الشیخ باسناده عن الحسین بن سعید عن حماد بن عیسی ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال ، ولا یقبل فی الهلال إلا رجلان عدلان))، والروایة معتبرة سنداً ، ثم یقول صاحب الوسائل ((وبالاسناد مثله إلا أنه قال : ولا فی الطلاق إلا رجلان عدلان )) یعنی کما لایقبل فی الهلال الا رجلان عدلان فی سند اخر یقول لایقبل فی الطلاق الا رجلان عدلان ، والاستدلال بهذه الروایة بهذه الفقرة وهی تثبت ان الطلاق لایثبت الابشهادة رجلین عادلین .

والاستدلال بهذا الدلیل لیس واضحاً إذ الموجود فی التهذیب لایشتمل علی العبارة محل الاستدلال بل الموجود هو ما فی الهلال فقط ولم یذکر مسألة الطلاق اطلاقاً ولم نعرف مستند صاحب الوسائل فی قوله وبالاسناد مثله ...الخ والامر یحتاج الی مزید تحقیق ومتابعة ،

وعلیه فلا یصح الاستدلال بها فی محل الکلام لانه یبدو انه قد یشکک فی ثبوت روایة بهذا الشکل فی التهذیب .

الثانیة : روایة داود بن الحصین وهی الحدیث 35 من نفس الباب ,ج27 (( ویرویه الشیخ باسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد وعلی بن حدید ، عن علی بن النعمان ، عن داود بن الحصین ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : سألته عن شهادة النساء فی النکاح بلا رجل معهن إذا کانت المرأة منکرة ، فقال : لا بأس به ، ثم قال : ما یقول فی ذلک فقهاؤکم ؟ قلت : یقولون : لا تجوز إلا شهادة رجلین عدلین ، فقال : کذبوا - لعنهم الله - هونوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه ،وشددوا وعظموا ما هون الله ، إن الله أمر فی الطلاق بشهادة رجلین عدلین ، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنکاح لم یجئ عن الله فی تحریمه ، فسن رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) فی ذلک الشاهدین تأدیبا ونظرا لئلا ینکر الولد والمیراث ، وقد ثبتت عقدة النکاح واستحل الفروج ولا أن یشهد ، وکان أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یجیز شهادة المرأتین فی النکاح عند الانکار ، ولا یجیز فی الطلاق إلا شاهدین عدلین ، فقلت : فأنی ذکر الله تعالی قوله : * ( فرجل وامرأتان ) * فقال : ذلک فی الدین ، إذا لم یکن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ویمین المدعی إذا لم یکن امرأتان ، قضی بذلک رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) وأمیر المؤمنین ( علیه السلام ) بعده عندکم)). والروایة معتبرة سنداً إذ لایوجد فی السند من یقدح فیه الا علی بن حدید علی کلام فیه ولکن لایهم فی المقام من جهة انه یروی هنا فی عرض محمد بن خالد البرقی الثقة ، ومحل الاستدلال هو قوله (ع): ولایجیز فی الطلاق الا شاهدین عدلین، والظاهر من هذه الروایة انها اشارة الی مقام التداعی والانکارفأن امیر المؤمنین (ع) کان یجیز شهادة المرأتین فی النکاح عند الانکار واما فی الطلاق فلا یجیز الا شاهدین عدلین .

ص: 210

الثالثة : صحیحة محمد بن مسلم ، وهی الحدیث 8 من نفس الباب ((ویرویها الکلینی عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أبی أیوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال : قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ولا فی الطلاق وقال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء )) ، والروایة صریحة بانه کان لایجیز شهادة النساء فی الطلاق ، ومقتضی اطلاقها انه لایجیزها فی الطلاق لامنفردات ولامنضمات ، فیکون فیها دلالة علی عدم قبول شهادة رجل وامرأتین وعدم قبول شهادة النساء منفردات ، فیبقی من الثلاثة التی یجب ان ننفیها لثبوت انحصار الشهادة علی الطلاق بشهادة عادلین شهادة شاهد ویمین ، وهذه الروایة لیس فیها دلالة علی عدم قبول شهادة شاهد ویمین فی الطلاق لانها ناظرة الی نفی ثبوت الطلاق بشهادة النساء ومقتضی اطلاق نفی قبول شهادتهن علی الطلاق هو عدم قبول شهادتهن منفردات ومنضمات ومعنی منفردات هو احد الثلاثة التی یجب نفیهن ومنضمات ینتفی به ثبوت الطلاق بشاهد وامرأتین .

لکنها تنفع فی عدم قبول شهادة شاهد وامراتبن وشهادة النساء فی باب الطلاق .

هذه هی الادلة فیما یرتبط بباب الطلاق ، ویکفینا دلیل واحد وهی معتبرة داود بن الحصین وظاهرها انحصار ثبوت الطلاق بشهادة عدلین ، مضافا الی ان ذلک من الاشیاء المتفق علیها.

هذا هو العنوان الاول

العنوان الثانی هو الخلع

وهو یمکن ادراجه فی الحقیقة فی الطلاق ، والمشهور ذهب الی انه کالطلاق فی اعتبار الشاهدین ، وقالوا : انه وان کان المدعی به هو الزوج فانه لایثبت الا بشهادة شاهدین عدلین ، وانما نصوا علی هذا لانه عندما یدعی الزوج الخلع یکون المقصود من ذلک المال ومع ذلک قالوا انه لایثبت الخلع وان ادعاه الزوج وان تضمن مالاً لان المقصود هو الطلاق والبینونة وهذا انما یقصد بالتبع ولیس الاعتبار بالقصد التبعی ولو کان المقصود بالذات المال لدخل فی القسم الثانی وهذا لیس کذلک .

ص: 211

وعلیه فنفس الادلة الدالة علی عدم ثبوت الطلاق الا بشهادة عدلین تدل علی عدم ثبوت الخلع کطلاق الا بذلک .

العنوان الثالث : وهو رؤیة الهلال

فهناک مایمکن ان یستدل به لعدم ثبوته الا بشاهدین عدلین وهو:

الروایة الاولی : معتبرة حماد بن عثمان المتقدمة لانه کما قلنا ان الموجود فی التهذیب هو الهلال ،ولو شککنا بما یقوله صاحب الوسائل من وجود نسخة اخری او روایة اخری بنفس السند السابق والمذکور فیها هو عبارة عن الطلاق فحینئذٍ لایمکن الاعتماد علی روایة الهلال لانه یؤدی الی التعارض وان ماصدر عن الامام (ع) هل هو الطلاق او هو الهلال ؟ والا اذا شککنا فی اصل عدم ثبوتها من طریق غیره او قلنا انها روایة اخری وفی احدی الروایتین ذکر الهلال وفی الروایة الاخری ذکر الطلاق فلا مانع من الاستدلال بها وسیأتی بعض الحدیث فی هذه الروایة .

الروایة الثانیة : صحیحة العلاء المتقدمة وهی الحدیث 18 فی نفس الباب ((قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال )) ومقتضی اطلاقها هو عدم جواز شهادة النساء فی الهلال لامنفردات ولامنضمات أی لاتقبل شهادة الرجل الواحد مع امراتین ویبقی الشاهد والیمین والروایة لیست ناظرة الیه .

الروایة الثالثة : صحیحة داود بن الحصین وهی الحدیث 36 من الباب نفسه(( ویریها الشیخ بالاسناد _ای نفس الاسناد فی الروایة السابقة وهوی الحدیث 35 _عن داود بن الحصین ، وعن سعد ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، والهیثم بن أبی مسروق النهدی ، عن علی بن النعمان ، عن داود بن الحصین ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) - فی حدیث طویل - قال : لا تجوز شهادة النساء فی الفطر إلا شهادة رجلین عدلین ، ولا بأس فی الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة )) والسند الثانی معتبر ایضاً کما هو السند الاول ، کما ان دلالة الروایة واضحة علی اعتبار شهادة العدلین فی رؤیة الهلال ولاتجوز شهادة النساء فیه .

ص: 212

هذا ولکن ذیل الروایة یقول ولابأس فی الصوم بشهادة النساء ولو امراة واحدة فیفرق بین ثبوت هلال العید وهلال شهر رمضان ، وهو لایمکن العمل به لعدم الفرق بین الهلالین ولانه مع وجود الادلة الکثیرة التی تفید عدم قبول رؤیة الهلال الا بشهادة رجلین عادلین .

وقد وجه الشیخ المقصود به ان یصوم الانسان بشهادة النساء احتیاطاً واستظهاراً دون ان یکون ذلک واجباً أی دون ان یثبت شهر رمضان ویتریتب علیه وجوب الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة ، وحینئذٍ یمکن الاستدلال بصدر الروایة الظاهر فی ان رؤیة الهلال مطلقا لاتثبت الا بشهادة عدلین .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الثلاثاء 1 شعبان بحث الفقه

کان الکلام فی الرویات الدالة علی اعتبار شهادة عادلین فی ثبوت الهلال ،وتقدم ذکر ثلاث رویات ،احداهن معتبرة حماد بن عثمان وقد قلنا ان الاستدلال بها فی محل الکلام مبنی علی ان المنقول فی التهذیب هو الهلال وبعد المراجعة وجدنا ان المنقول فی التهذیب هو کما فی الوسائل ((قال : لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال ، ولا یقبل فی الهلال إلا رجلان عدلان)) وحینئذٍ لایسعنا الاستدلال بها فی باب الطلاق وانما یسعنا الاستدلال بها فی باب الهلال ، ولکن الشیخ فی الاستبصار ینقلها بهذا الشکل ((لاتقبل شهادة النساء فس رؤیة الهلال ولا فی الطلاق الا رجلان عدلان )) ، وحینئذٍ یمکن الاستدلال بها فی کل من الموردین ، وعلی کلا التقدیرین یصح الاستدلال بها فی الهلال . نعم فی الطلاق الاستدلال بها موقوف علی ثبوت مایذکره الشیخ فی الاستبصار .

هذا ولکن الذی یظهر من الفقهاء انهم یعتمدون علی المذکور فی التهذیب من الاختصاص بالهلال .

ص: 213

هذا ما یرتبط برؤیة الهلال .

وأما الحدود التی ادرجها السید الماتن فی محل الکلام _وان کان حسب تقسیم المحقق الذی ذکرناه فی الدرس السابق عدم ادراج الحدود فی هذا الباب لانها تدخل فی حقوق الله والمحقق کلامه فی ما سماه بحقوق الادمی بخلاف السید الماتن لان کلامه لیس مبنیاً علی تقسیم المحقق وغیره_ فقد تقدم الکلام فیها فی المسألة السابقة مفصلاً وتبین بان الحدود اذا کانت من قبیل حد الزنا او اللواط او المساحقة فهی لاتثبت الا بشهادة اربعة رجال وفی خصوص الزنا یمکن ان تثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتین او شهادة رجلین واربع نسوة فی خصوص الجلد دون الرجم وفیما عدا هذه الجنایات الموجبة للحد فلاتثبت الا بشهادة عادلین وقد تقدم ذکر الروایات الدالة علیه .

وأما باقی الامور التی ذکرها السید الماتن من قبیل النسب والوکالة والوصیة الیه ، فالظاهر ان تحصیل دلیل یدل بالخصوص علی انها لاتثبت الا بشهادة عادلین صعب جداً ، خصوصاً بعد ان عطف علیها السید الماتن قوله ((ماشاکل ذلک فی غیر مایأتی)) ای فی غیر الموارد التی سیذکر فیها انه یکتفی فیها بشاهد ویمین او بشاهد واحد وامرأتین او بشهادة النساء منفردات فی غیر هذه الموارد ایضاً لاتثبت الا بشهادة عادلین ،فلابد من التفکیر بطریق اخر للاستدلال علی ذلک . ویفهم من کلماتهم الاستدلال علی ذلک بما حاصله مع التوضیح منّا :

ان معنی عدم ثبوت هذه الامور الا بشهادة عادلین ، عدم ثبوتها بشهادة النساء منفردات وعدم ثبوتها بشهادة رجل واحد وامرأتین وعدم ثبوتها بشاهد ویمین ، فإن تمکنّا من تحصیل دلیل ینفی ثبوت هذه الامور بهذه الشهادات فقد حصل مابه الکفایة من اثبات ان هذه الامور لاتثبت الا بشهادة عادلین ، وهذه الطریقة هی التی ینبغی سلوکها لاثبات المرام ، وذلک بان یقال انه یمکن الاستدلال علی عدم ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منفردات او بشاهد ویمین او بشهادة رجل وامراتین بملاحظة مایلی :

ص: 214

اولاً : لدینا من الادلة ما یدل بإطلاقه علی عدم قبول شهادة النساء الا فی موارد خاصة ، وحیث ان ما نحن فیه لیس من تلک الموارد الخاصة ، فهو مشمول لإطلاق هذه الروایات .

هذا الدلیل إن کان فیه إطلاق یشمل شهادة النساء منفردات ومنضمات فهو نعم الدلیل لنفی ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منفردات ونفی ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منضمات الی الرجل ، لانه یقول ان شهادة النساء مطلقاً لایثبت بها الا هذه الامور وما عدا هذه الامور مقتضی اطلاق الروایة عدم ثبوتها بشهادة النساء لامنفردات ولا منضمات .

فمثلاً صحیحة محمد بن مسلم وهی الحدیث 8 من الباب 24 ((قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ولا فی الطلاق وقال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء )).ومن الواضح ان شهادة النساء مطلقاً لاتقبل الا فی العذرة والنفساء ، وبعبارة اخری ان شهادة النساء فی العذرة وفی النفساء تقبل مطلقاً أی منفردات ومنضمات ، وعندئذٍ یکون المنفی فی المفهوم شهادتهن مطلقاً ، ففیما عدا هذین الامرین مقتضی ظاهر الروایة عدم قبول شهادة النساء لامنضمات لامنفردات وهو یشمل بإطلاقه محل الکلام أی النسب والوکالة والوصیة الیه ونحوها الامایخرجه الدلیل وهو ینفی ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منفردات وینفی ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منضمات الی الرجل وهو المطلوب .

ثانیاً : التمسک بإطلاق ما دل علی عدم قبول شهادة النساء منفردات الا فی العذرة والنفساء حیث توجد روایات اخری یسأل فیها الامام (ع) عن جواز شهادة النساء وحدهنّ وهی غیر ناظرة الی شهادة النساء منضمات فیجیب الامام بعدم قبول شهادة النساء وحدهن الا فی العذرة والنفساء ،وهذه تنفعنا لنفی ثبوت مانتحدث عنه بشهادة النساء منفردات بنفس البیان السابق من قبیل مثلاً صحیحة العلاء وهی الحدیث 18 من نفس الباب ((وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال: نعم فی العذرة والنفساء )) ویفهم منها بالمفهوم ان فیما عدا هذین الموردین لاتقبل شهادة النساء وحدهن وهو بإطلاقه یشمل محل الکلام فینفعنا فی ان هذه الامور لاتثبت بشهادة النساء منفردات .

ص: 215

ثالثاً : مادل علی اختصاص قبول الشاهد والیمین بموارد خاصة وهذا یفهم من بعض الادلة وحینئذٍ یمکن التمسک بإطلاق مفهومه لإثبات ان ما نحن فیه غیر الداخل فی الموارد الخاصة لایثبت بشاهد ویمین ، من قبیل مثلاً روایتین تقدم الحدیث عنهما فی باب القضاء وهما موجدتان فی الباب 14 من ابواب کیفیة الحکم ، الحدیث 5 ، والحدیث 10 .

اما الحدیث الخامس فهو معتبرة لإبی بصیر (( قال : سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل یکون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد قال: فقال : کان رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) یقضی بشاهد واحد ویمین صاحب الحق وذلک فی الدین )) وقد تقدم ان هذا هو منشأ القول ان الشاهد والیمین لایثبت به الا الدیون او تقدم التعرض للتعمیم لکل الاموال ، وبالنتیجة یوجد مورد خاص لاینفع الشاهد والیمین الا فی اثباته وما عدا هذا المورد الذی هو الدین لایثبت بشاهد ویمین .

وأما الحدیث العاشر : وهی روایة القاسم بن سلیمان ((قال : سمعت ابا عبد الله (ع) یقول: قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله ) بشهادة رجل مع یمین الطالب فی الدین وحده )) وهی ایضاً تنفع فی نفی ثبوت ماعدا الدین بشاهد ویمین الطالب وحده . ولکن القاسم بن سلیمان یوجد فیه کلام .

والحاصل ان مجموع هذه الامور التی ذکرت یثبت ان مانحن فیه من النسب والوکالة والوصیة الیه وحتی الطلاق وغیره من الامور التی ذکرت سابقا وقامت الادلة علیها لاتثبت لابشهادة النساء منفردات ولا بشهادة الرجل ومراتین ولا بشاهد ویمین أی ان هذه الشهادات لاتثبت بها الا موارد خاصة کما یقول السید الماتن .

ص: 216

وعلیه ، کل مالم یکن من تلک الموارد یمکن التمسک بإطلاق هذه الادلة لإعتبار ان یکون ثبوته بشاهدین عادلین وهذا هو المطلوب فی المقام .

ولو فرضنا عدم امکان اثبات هذا الدلیل ، فإنه یکفینا لاثبات المطلوب الاصل فی المقام ، ففی النسب مثلاً لاندری انه یکتفی فیه بشاهد ویمین اولا؟ او بشهادة النساء منفردات او لا ؟ بشاهد وامراتبن اولا؟ فالقاعدة تقتضی عدم النفوذ ومعنی هذا ان النسب لایثبت الا بشهادة عادلین لوجود الدلیل علی ثبوته بشاهدین عدلین وهو إطلاقات ادلة قبول البینة .

والحاصل ان هذه الامور لاتثبت الا بشهادة عدلین ، بل الذی یفهم من مجموع هذه الادلة ان الاصل فی ثبوت الاشیاء هو شاهدین عادلین وان غیره وضع کبدائل اضطراریة فی بعض الحالات ولذا فی باب النساء دائماً تحسب کل امرأتین بشاهد واحد ، وکل بدل اضطراری یحتاج ثبوته الی دلیل وعن عدم هذا الدلیل نرجع الی القاعدة الاولیة .

هذا هو الدلیل علی ماذکره السید الماتن .

وفی مقابل هذا قد تذکر بعض الادلة المعاکسة له أی یمکن اثبات هذه الامور بغیر شهادة عادلین ، وهی امور:

الاول : قد یتمسک بروایة منصور بن حازم فی الباب 15 من ابواب کیفیة الحکم ، ح1 ((محمد بن علی بن الحسین باسناده عن منصور بن حازم أن أبا الحسن موسی بن جعفر ( علیه السلام ) قال : إذا شهد لطالب الحق امرأتان ویمینه ، فهو جائز))، فتدل علی کفایة شهادة امراتین مع یمین طالب الحق فی اثبات الحق وحیث ان صاحب الحق مطلق فیشمل من یدعی الوصیة الیه لانه طالب حق وهکذا مدعی الوکالة وغیره فتکون الروایة دلیل علی ان الموارد التی نتکلم عنها لایشترط فی ثبوتها شهادة عادلین بل یکفی شهادة امراتین مع الیمین .

ص: 217

ولکن هذه الروایة وان عبر عنها فی بعض الکلمات بالصحیحة ولکنها لاتخلو عن مشکلة فی السند ، فالروایة وان رواها المشایخ الثلاثة ولکن فی جمیع الاسانید التی ذکروها مشکلة ، اما الصدوق فقد رواها باسناده عن منصور بن حازم ولکن طریقه الیه فی المشیخة فیه محمد بن علی ماجلّویه وهو ممن لم ینص علی وثاقته بل لم یعرف الا بروایة الصدوق عنه ووجوده فی باقی الروایات قلیل ، وعلی هذا الاساس ردت روایة الصدوق ،واما الکلینی فأنه رواها مرسلةً عن بعض اصحابنا حیث قال (( وعن بعض اصحابنا عن محمد بن عبد الحمید عن سیف بن عمیرة عن منصور بن حازم قال : حدثنی الثقة عن ابی الحسن (ع) قال : اذا شهد لصاحب الحق امراتان ویمینه فهو جائز )) فهی اولا مرسلة من قبل الکلینی وثانیاً فیها قوله حدثنی الثقة ، ویوجد کلام فی کفایة هذا المقدار فی التوثبق او عدم کفایته ، وان کان الصحیح انه یکفی فی الاعتماد علیه ، فلولا الارسال فی الروایة لکانت الروایة معتبرة فی تصورنا ، واما الشیخ فقد روی الروایة بإسناده عن محمد بن عبد الحمید وفی سنده الی محمد بن عبد الحمید ابن بطة الذی هو ابو جعفر المؤذن القمی وهو مجهول وابو المفضل الشیبانی وقد نص علی ضعفه جماعة کما ذکر ذلک الشیخ الطوسی والعلامة وغیرهما .

نعم قد یقال بامکان تصحیح طریق الصدوق للروایة بإثبات امکان الاعتماد علی محمد بن علی ماجلّویه بإعتبار ان الشیخ الصدوق قد أکثر الرویة عنه مباشرةً فی الفقیه وغیره وفی المشیخة ذکره فی طریقه الی مایزید علی خمسین رجل کما یقول السید الماتن وقد ترضی وترحم علیه فی کل مورد ذکره فیه ، فان مجموع هذه الامور قد یقال بکفایته للاعتماد علی هذا الرجل مع ملاحظة انه لم یضعف وانما لم یرد فیه توثیق ، فیمکن الاعتماد علی هذه القرائن لاثبات الاعتماد علیه وبالتالی تکون الروایة معتبرة .

ص: 218

وعلی تقدیر ضعف الروایة او اعتبارها ، فدلالة الروایة بنحو تکون منافیة لماتقدم غیر تامة ،وذلک لان الظاهر ان المراد بالحق فی هذه الروایة بل فی کل الروایات هو عبارة عن الدین او علی ابعد احتمال المال مطلقا واما غیر الدین او المال فهو خلاف الظاهر جداً .

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - الأربعاء 2 شعبان بحث الفقه

کان الکلام فی الادلة التی اقیمت علی ان الوکالة والوصیة الیه والنسب ونحوها لاتثبت الا بشهادة عادلین ، وقلنا ان فی مقابل هذه الادلة قد یتمسک بادلة اخری تفید ان المذکورات یمکن ان تثبت بغیر شهادة العدلین وکان الدلیل الاول هو روایة منصور بن حازم .

الثانی : التمسک بمرسلة یونس التی تقدمت مراراً الواردة فی الباب 15 من ابواب کیفیة الحکم:محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس عمن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلین عدلین ، فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان ، فإن لم تکن امرأتان فرجل ویمین المدعی ، فإن لم یکن شاهد ، فالیمین علی المدعی علیه (1) .

ویدعی بان الروایة ظاهرة فی قبول الشهادة لمدعی الحق سواء کانت بشهادة عدلین أو بشهادة رجل وامرأتین ، فإذا لم یوجد شاهدان عدلان حینئذٍ یمکن ان یحضر رجل واحد وامرأتین ، وهذا یشمل المقام .

وفیه :

اولاً : ان الروایة ضعیفة سنداً بالارسال من جهة یونس .

وثانیاً : انها روایة مقطوعة لانه یقول :قال: استخراج الحقوق ، ولم یتضح القائل من هو .

ص: 219


1- (1) وسائل الشیعة (آل البیت ) ،ج27 ،ص271 ،ح2

بالاضافة الی انها منافیة لما تقدم من الادلة علی عدم جواز شهادة النساء منفردات ومنضمات الا فی موارد خاصة والمقام لیس منها ، فالروایة إذاً منافیة من هذه الجهة لتلک الروایات الموافقة للقاعدة والاصل فتکون اوجه من هذه الروایة لو أغمض النظر عن سندها

الثالث : صحیحة محمد بن مسلم المرویة فی باب 14: ویرویها الشیخ باسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن عبید الله بن أحمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : لو کان الأمر إلینا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خیر ، مع یمین الخصم فی حقوق الناس ، فأما ما کان من حقوق الله عز وجل أو رؤیة الهلال فلا (1) .

وفیها دلالة علی قبول شهادة الرجل مع یمین المدعی (الخصم) فی حقوق الناس ،ویدعی ان حقوق الناس تشمل محل الکلام ، فتنافی ماتقدم .

وهذه الروایة تقدم الکلام عنها وعن الروایات الاخری المعارضة لها فی المسألة 37 وانتهینا الی ان المراد بحقوق الله فی هذه الروایة هو عبارة عن الاموال وما شابه لامطلق حقوق الله بحیث تشمل محل الکلام من النسب وأمثاله ، نعم لم نلتزم هناک بان شهادة الشاهد والیمین تقبل فقط فی خصوص الدین کما هو المعروف ، کما اننا لم نلتزم بما ذهب الیه السید الماتن من ان شهادة الشاهد والیمین یثبت بها مطلق حقوق الناس ، وانما انتهینا الی نتیجة وسط بینهما وهی ان شهادة الشاهد والیمین تثبت بها الاموال اعم من یکون دیناً او یکون عیناً .

ص: 220


1- (2) وسائل الشیعة (آل البیت) ،ج27 ، ص268 ، ح12

هذا ولکن السید الماتن (قده) حیث انه انتهی هناک کما ذکرنا الی ان الشاهد والیمین یثبت مطلق حقوق الناس وسیأتی هنا قریبا تصریحه بان الاقرب هو ثبوت حقوق الناس بشاهد ویمین ، وحینئذٍ کان علیه ان یقتصر فی نفی ثبوت هذه الامور فی المتن علی ذکر شهادة النساء منفردات ومنضمات لا ان یضیف الی ذلک الشاهد والیمین لانه ینافی ما ذهب الیه من ثبوت حقوق الناس بشاهد ویمین ، لکن نحن حینما نقتصر علی الاموال فقط ،او المشهور حینما یقتصر علی الدین لایواجه هذه المشکلة لان حقوق الناس لاتثبت عنده حتی بشاهد ویمین .

قال (قده) : مسألة 101 :تثبت الدیون والنکاح والدیة بشهادة رجل وامرأتین واما الغصب والوصیة الیه والاموال والمعاوضات والرهن فالمشهور انها تثبت بها وکذلک الوقف والعتق علی قول جماعة ، ولکن الجمیع لایخلو عن اشکال ، والاقرب عدم الثبوت .

ونتکلم فی کل واحد من هذه الامور التی ذکرها :

الاول : الدیون

وثبوت الدیون بشهادة رجل وامرأتین یستدل علیه بالایة الشریفة (( فان لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء )) (1) وهذه الایة واردة بعد قوله تعالی (( یا أیها الذین امنوا إذا تداینتم بدین فاکتبوه ... واستشهدوا بشهیدین من رجالکم فان لم یکونا رجلین فرجل وامرأتین ممن ترضون من الشهداء )) (2) .

والاستدلال بها بالرغم من ان موردها هو تحمل الشهادة لا اداء الشهادة لکنه یمکن ان یستفاد من قوله تعالی بعد ذلک (( ولایأب الشهداء اذا ما دعو )) (3) قبول هذه الشهادة التی امرت الایة بتحملها ، وحیث ان الشهادة فی الایة لم تقتصر علی الرجلین فقط بل ذکرت رجل وامرأتان فهذا یعنی ان شهادة الرجل والمراتین مقبولة فی الدیون .

ص: 221


1- (3) البقرة: 282
2- (4) البقرة : 282
3- (5) البقرة : 282

ولکن قد یناقش فیه من هذا لایدل علی اکثر من وجوب أداء الشهادة ، واما قبول الشهادة ونفوذها فهو لایستفاد من هذه الایة وان کان هناک ظهور عرفی یمکن التمسک به لإثبات قبول هذه الشهادة التی تحملوها .

هذا ولکن الادلة وافرة علی ثبوت الدین بشهادة رجل وامراتین ومما یدل علی ذلک صحیحة داود بن الحصین ، باب 24 من ابواب الشهادات ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : سألته عن شهادة النساء فی النکاح بلا رجل معهن إذا کانت المرأة منکرة ، فقال : لا بأس به ، ثم قال : ما یقول فی ذلک فقهاؤکم ؟ قلت : یقولون : لا تجوز إلا شهادة رجلین عدلین ، فقال : کذبوا - لعنهم الله - هونوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه ، وشددوا وعظموا ما هون الله ، إن الله أمر فی الطلاق بشهادة رجلین عدلین ،فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنکاح لم یجئ عن الله فی تحریمه ، فسن رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) فی ذلک الشاهدین تأدیبا ونظرا لئلا ینکر الولد والمیراث ، وقد ثبتت عقدة النکاح ( واستحل الفروج ) ولا أن یشهد ، وکان أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یجیز شهادة المرأتین فی النکاح عند الانکار ، ولا یجیز فی الطلاق إلا شاهدین عدلین ، فقلت : فأنی ذکر الله تعالی قوله : * ( فرجل وامرأتان ) * فقال : ذلک فی الدین ، إذا لم یکن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ویمین المدعی إذا لم یکن امرأتان ، قضی بذلک رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) وأمیر المؤمنین ( علیه السلام ) بعده عندکم (1) .

ص: 222


1- (6) وسائل الشیعة ج 27 ، ص 360 ، ح 35

فان ذیلها یدل علی قبول شهادة رجل وامراتین فی الدین ، کما انها فیها اشارة الی ان الایة تدل علی قبول شهادة الرجل الواحد والامرأتان فی الدین .

وصحیحة الحلبی الواردة فی نفس الباب ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) أنه سئل عن شهادة النساء فی النکاح فقال : تجوز إذا کان معهن رجل ، وکان علی ( علیه السلام ) یقول : لا أجیزها فی الطلاق ، قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل فی الدین ؟ قال : نعم (1) .

والحاصل ان قبول شهادة الرجل الواحد والامراتین فی الدین مسلمة عند الاصحاب وتدل علیها هذه الادلة او بعضها .

الثانی : النکاح

ویدل علی ثبوته بشاهد وامراتین صحیحة الحلبی التی ذکرناها فی الدین حیث ذکر فی صدرها السؤال عن شهادة النساء فی النکاح فقال الامام (ع) تجوز اذا کان معهن رجل .

ومعتبرة محمد بن الفضیل الواردة فی نفس الباب ،قال : سألت أبا الحسن الرضا ( علیه السلام ) قلت له : تجوز شهادة النساء فی نکاح أو طلاق أو رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فیما لا تستطیع الرجال أن ینظروا إلیه ولیس معهن رجل ، وتجوز شهادتهن فی النکاح إذا کان معهن رجل ، وتجوز شهادتهن فی حد الزنا إذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلین وأربع نسوة فی الزنا والرجم ، ولا تجوز شهادتهن فی الطلاق ، ولا فی الدم (2) .

ص: 223


1- (7) وسائل الشیعة (آل البیت ) ج27 ، ص 350 ، ح2
2- (8) وسائل الشیعة ( آل البیت ) ج 27 ، ص 352 ،ح 7

وصحیحة ابی بصیر الواردة فی ج27 ، ص 351 ، ح4 من نفس الباب ویرویه الکلینی عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر قال : سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن علی ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه ، وتجوز شهادة النساء فی النکاح إذا کان معهن رجل (1) .

والسند وان کان فیه علی بن ابی حمزة لکن نحن لانتوقف فیه خلافاً للسید الماتن .

هذه هی الروایات الدالة ثبوت النکاح بشهادة رجل وامراتین ، نعم هذه الروایات کلها لاتصرح بامراتین کعدد وانما هی تدل علی ثبوت النکاح بشهادة النساء اذا کان معهن رجل ، ولکن مافهمه منها الفقهاء وهو المرتکز فی الذهن هو کفایة امراتین ولانحتاج الی اربع نساء تنضم الی الرجل لان المفهوم من الادلة ان المعادل للرجل امراتان فاذا قیل یکتفی بشهادة الرجل فی باب النکاح منضماً الی النساء یفهم منه ان المقصود من النساء هو الامراتان ، ولذا رتب الفقهاء علی هذه الروایات ثبوت النکاح بشهادة الرجل الواحد والامراتین ، وبهذه الروایات قیدوا ما یدل علی عدم قبول شهادة النساء مطلقاً فی باب النکاح .

والظاهر ان الدلیل المذکور فی کلماتهم لاثبات اطلاق عدم قبول شهادة النساء هو عبارة عن روایة السکونی المتقدمة مراراً وهی واردة فی نفس الباب وباسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن بنان بن محمد ، عن أبیه عن ابن المغیرة ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه عن علی ( علیهم السلام ) أنه کان یقول : شهادة النساء لا تجوز فی طلاق ولا نکاح ولا فی حدود ، إلا فی الدیون وما لا یستطیع الرجال النظر إلیه (2)

ص: 224


1- (9) وسائل الشیعة (آل البیت) ج27 ، ص351 ،ح4
2- (10) وسائل الشیعة (آل البیت) ج27 ، ص362 ، ح42

وتقدم ان فی سنده مشکلة باعتبار وجود بنان بن محمد ، ولکن قلنا بامکان الاعتماد علیه من جهة ان محمد بن احمد بن یحیی یروی عنه فی کتاب نوادر الحکمة ولم یستثنه بن الولید کما نبه علی ذلک الوحید البهبهانی .والروایة مطلقة فی عدم جواز شهادة النساء فی الطلاق والنکاح والحدود منفردات ولامنضمات ، فتقید بالروایات السابقة ، وتحمل هذه الروایة علی شهادتهن منفردات فهی لاتجوز فی باب النکاح .

والحاصل ان الروایات الدالة علی قبول شهادة النساء المنضمات الی الرجل فی باب النکاح مقیدة لما دل علی عدم قبول شهادتهن مطلقاً ومقیدة ایضاً لما یدل علی قبول شهادتهن فی النکاح مطلقاً .

ولکن هل یوجد دلیل لدینا علی قبول شهادتهن مطلقاً فی النکاح او لا؟ ربما یقال ان روایة زرارة الواردة فی نفس الباب تدل علی ذلک وهی :عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن ابن أبی نجران عن مثنی الحناط ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) عن شهادة النساء تجوز فی النکاح ؟ قال : نعم (1) .

فهی من حیث الدلالة تدل علی قبول شهادتهن مطلقاً ولکن سندها ضعیف بسهل بن زیاد، نعم یظهر من معتبرة داود بن الحصین المتقدمة قبول شهادة النساء فی النکاح بلا رجل معهن لانه یقول فی صدر الروایة : قال : سألته عن شهادة النساء فی النکاح بلا رجل معهن إذا کانت المرأة منکرة ، فقال : لا بأس به.

فهی منافیة لماتقدم من ان قبول شهادتهن بصورة انضمامهن الی الرجل فی باب النکاح واما لو کن منفردات فلا تقبل شهادتهن .

ص: 225


1- (11) وسائل اشیعة (آل البیت) ج27 ،ص354 ، ح11

هذا ولکن حمل بعضهم صدر الروایة هذا علی صورة تحمل الشهادة دون اداءها وتخلص من المشکلة بهذه الطریقة .

ولکن هذا ینافی قول السائل : اذا کانت المراة منکرة فانه یناسب اداء الشهادة ، ولو فرضنا ان الروایة تدل علی تحمل الشهادة فلا یمکن العمل بها لانها شاذة ولاعامل منّا بهذا المضمون کما قال السید الماتن ، وسیأتی بعض الکلام عن هذه الروایة ان شاء ا... تعالی.

متن الدرس بحث الفقه الأستاذ الشیخ آل راضی - السبت 5 شعبان بحث الفقه

کان الکلام فی المسألة 101 وقد ذکر السید الماتن (قده) ان بعض الامور تثبت بشاهد واحد وامراتین وذکر ان الذی یثبت بذلک هو عبارة عن الدیون والنکاح والدیة ، خلافاً الی القاعدة التی تقدم الاشارة الیها سابقاً ، واستشکل بثبوت امور اخری بذلک ثم قال بان الاقرب عدم الثبوت فی مثل الغصب والوصیة الیه والاموال والمعاوضات والرهن والوقف والعتق ، وقد تکلمنا عن الدیون والنکاح ، وبقی الکلام عن الدیة فی انها تثبت بشاهد وامراتین او لا؟

وأقول : الظاهر ان هذه المسالة محل خلاف بین فقهائنا ، ویفهم من کلماتهم ان محل الخلاف لیس هو فی قبول شهادة النساء منفردات ، بل یظهر منهم عدم الخلاف فی عدم قبول شهادتهن منفردات فی هذه الامور وهذا خارج عن محل الکلام ، وان نسب الخلاف فی ذلک الی بعض علمائنا المتقدمین وهو ابو الصلاح الحلبی حیث ذهب الی قبول شهادة امراتین فی نصف الدیة وقبول شهادة المراة الواحدة فی ربع الدیة ، ولکنه قول شاذ لم یعتنوا به .

کما ان الظاهر منهم الاتفاق علی قبول شهادتهن منضمات الی الرجل فی القتل الخطأ الذی لایوجب الا الدیة ، وانما اختلفوا فیما لایوجب الا القصاص بالاصالة وهو القتل العمدی ، نعم ان تنازل الطرف الاخر عن القصاص یستطیع المطالبة بالدیة ، فالدیة لاتجب فی القتل العمدی الا بالتبع .

ص: 226

فجماعة ذهبوا الی ان القصاص یثبت بشهادة رجل وامراتین ، ومنهم المحقق فی الشرائع وذهب جماعة اخری الی انه لایثبت بها فی القتل العمدی الاالدیة دون القصاص ، وجماعة اخری ذهبوا الی عدم ثبوت شیء بها .

ومن هنا یظهر ان الکلام لیس فی شهادة النساء منفردات کما ان البحث لایترکز علی القتل الخطأ الذی لاتجب فیه الا الدیة إذ یظهر منهم الاتفاق علی ثبوت الدیة بشهادة رجل وامراتین فی القتل الخطأ ، وانما الکلام فیما لایوجب الا القصاص بالاصالة ، هذا هل یثبت بشهادة رجل وامراتین او لا ؟ او فقل بعبارة اخری ماذا یثبت بشهادة رجل وامراتین ؟ هل یثبت القصاص او لایثبت القصاص وانما تثبت الدیة فقط او لایثبت شیء بهما ؟ هذه هی اقوال الفقهاء فی هذه المسالة .

والرویات التی ترتبط بمسالة ثبوت الدیة بشهادة رجل وامراتین مختلفة ، ویمکن تقسیمها الی ثلاثة طوائف :

الطائفة الاولی : هی الروایات الدالة علی عدم قبول شهادة النساء فی القتل :

الاولی : صحیحة ربعی: ویرویها الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید عن حماد ، عن ربعی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی القتل (1) .

ومقتضی اطلاقها انه لاتجوز مطلقاً منفردات ومنضمات .

الثانیة: صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم یجز فی الرجم ولا تجوز شهادة النساء فی القتل (2) .

ص: 227


1- (1) الوسائل (آل البیت) ج 27 ،الباب 24 ، ح 27 ،ص358
2- (2) الوسائل(آل البیت) ج27 ،الباب 24 ،ح28 ،ص 358

وهی مطلقة ایضاً ، فلا تقبل شهادة النساء فی القتل مطلقاً .

الثالثة : روایة محمد بن الفضیل ، عن محمد بن الفضیل قال : سألت أبا الحسن الرضا ( علیه السلام ) قلت له : تجوز شهادة النساء فی نکاح أو طلاق أو رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فیما لا تستطیع الرجال أن ینظروا إلیه ولیس معهن رجل ، وتجوز شهادتهن فی النکاح إذا کان معهن رجل ، وتجوز شهادتهن فی حد الزنا إذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلین وأربع نسوة فی الزنا والرجم ، ولا تجوز شهادتهن فی الطلاق ، ولا فی الدم (1) .

فان قوله(ولا تجوز شهادتهن فی الطلاق ، ولا فی الدم ) ، ومقتضی اطلاقها شمولها لانضمامها مع الرجل کما هو محل الکلام ، کما ان مقتضی اطلاق الدم فیها شموله للشهادة علی القتل بل لعله هو الظاهر منها .

الرابعة : معتبرة ابی بصیر ، عن أبی بصیر قال : سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن علی ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه ، وتجوز شهادة النساء فی النکاح إذا کان معهن رجل ، ولا تجوز فی الطلاق ، ولا فی الدم غیر أنها تجوز شهادتها فی حد الزنا إذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلین وأربع نسوة (2) .

ومضمونها نفس مضمون الروایة السابقة .

الخامسة: روایة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) عن شهادة النساء تجوز فی النکاح ؟ قال : نعم ، ولا تجوز فی الطلاق ، قال : وقال علی ( علیه السلام ) : تجوز شهادة النساء فی الرجم إذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا کان أربع نسوة ورجلان فلا یجوز الرجم ،قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجال فی الدم ؟ قال : لا (3) .

ص: 228


1- (3) الوسائل(آل البیت) ج27،باب 24 ،ح7،ص352
2- (4) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ح4،ص351
3- (5) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ح11،ص354

وهذه الروایة خاصة بمحل الکلام وهی شهادة النساء مع الرجل فی القتل .

إذاً الطائفة الاولی مفادها عدم قبول شهادة النساء ولو منضمات فی القتل کما هو ظاهر بعض الروایات او فی الدم کما هو ظاهر اخری .

هذه هی الطائفة المانعة .

الطائفة الثانیة :وهی المجوزة

وفیها روایة واحدة وهی صحیحة جمیل بن دراج ومحمد بن حمران ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء فی الحدود ؟ فقال : فی القتل وحده ، إن علیا ( علیه السلام ) کان یقول : لا یبطل دم امرئ مسلم (1) .

وظاهرها جواز شهادة النساء فی القتل ، والقدر المتیقن من قبول شهادتهن هو شهادتهن منضمات الی الرجل علی اقل تقدیر .

ولعله لاتوجد روایة اخری لهذه الطائفة حسب ما فحصت .

الطائفة الثالثة : مادل علی عدم قبول شهادتهن فی القصاص من قبیل معتبرة غیاث بن ابراهیم ، عن جعفر بن محمد عن أبیه ، عن علی ( علیهم السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی الحدود ، ولا فی القود (2) .

بمعنی ان القود والقصاص لایثبت بشهادة النساء ، ومقتضی اطلاقها عدم ثبوته بشهادة النساء لامنفردات ولامنضمات ، فیشمل محل الکلام.

إذاً الشهادة علی القتل واثباته بشهادة رجل وامراتین توجد فیه روایات متعارضة ،إذ الطائفة الاولی منها مفادها عدم قبول هذه الشهادة بإطلاقها ،والطائفة الثانیة مفادها قبول هذه الشهادة مطلقاً ، والطائفة الثالثة لاتقبل هذه الشهادة لاثبات القصاص .

ص: 229


1- (6) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ح1،ص350
2- (7) الوسائل(آل البیت) ج27،باب 24،ح29،ص358

والقائلون بثوت القصاص بشهادة رجل وامراتین استدلوا بالطائفة الثانیة أی صحیحة جمیل ومحمد بن حمران ، والقائلون بعدم ثبوته بشهادة رجل وامراتین استدلوا بالطائفة الاولی ، والقائلون بثبوت الدیة دون القصاص استدلوا بالطائفة الثالثة ، لانهم اعتبروها وجه جمع بین الطائفتین المتقدمتین فحملوا الطائفة الاولی علی عدم قبول شهادتهن لاثبات القصاص والقود وحملوا الطائفة الثانیة الدالة علی قبول شهادة النساء فی القتل علی قبول شهادتهن لاثبات الدیة .

هذا وجه جمع بین الادلة وقد اختاره جمع من فقهائنا المتقدمین وتبعهم السید الماتن (قده) ولذا التزم بان مایثبت بشهادة رجل وامراتین هو الدیة فقط فی مقابل القصاص .

وفی مقابله وجه اخر للجمع بین هذه الروایات المتعارضة وهو حمل الروایات المانعة علی صورة شهادتهن منفردات وتحمل الطائفة الثانیة الدالة علی قبول شهادة النساء فی القتل علی شهادتهن منضمات ، وبالنتیجة شهادة النساء منضمات مقبولة فی القتل حتی لاثبات القصاص ، فنصل الی نتیجة معاکسة لما وصلنا الیه من الجمع الاول.

ولکن یبدو ان الجمع الاول اقرب الی کونه جمعاً عرفیاً من الثانی ، ولعل السر فی هذا هو ان الجمع الثانی ینافی ظاهر الاخبار المانعة إذ مقتضاه حمل الاخبار المانعة علی شهادتهن منفردات وهو خلاف ظاهرها جداً .مثلاً الحدیث الرابع من اخبار هذه الطائفة ((سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن علی ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه ، وتجوز شهادة النساء فی النکاح إذا کان معهن رجل ، ولا تجوز فی الطلاق ، ولا فی الدم غیر أنها تجوز شهادتها فی حد الزنا إذا کان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلین وأربع نسوة )).

ص: 230

فان قوله : ولا تجوز فی الطلاق ، ولا فی الدم معطوف علی ماقبله وهو قوله اذا کان معهن رجل ، فحملها علی شهادتهن منفردات خلاف ظاهر الروایة جداً خصوصاً ان الامام ذکر فی صدر الروایة شهادة النساء وحدهن وهنا ذکر شهادتهن مع الرجل ولو کان مقصوده لاتقبل شهادتهن وحدهن لکان من المناسب التنبیه علی ذلک لانه فی هذا المقام .وکذلک روایة محمد بن الفضیل .

والحاصل ان الجمع الاول هو الاقرب فی محل الکلام ، وحینئذٍ یظهر ان ما ذکره السید الماتن تبعاً لجماعة کثیرین وهو ان شهادة النساء منضمات الی الرجل فی القتل لایثبت به الا الدیة هو الاحری بالقبول .

هذا هو حکم الدیون والنکاح والدیة .

واما غیره مما ذکره فی المتن کالغصب وغیره واستشکل فی ثبوتها بشهادة رجل وامراتین ، فقد استدل علیه بالاصل أی اصالة عدم نفوذ هذه الشهادة عند الشک فی ثبوت هذه الامور بشهادة رجل وامراتین اولاً وبالاطلاقات الدالة علی عدم قبول شهادة النساء ثانیاً وأوضح مثل علی ذلک هو صحیحة محمد بن مسلم ، قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ولا فی الطلاق وقال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء (1) .

وقد استفدنا منه سابقاً ان مفهومه عدم قبول شهادة النساء فیما عدا هذین الموردین وهو باطلاقه یشمل عدم قبول شهادة النساء فی الامور التی ذکرها السید الماتن فی المتن لامنفردات ولامنضمات .

ونحن یمکننا ان نضیف الی ذلک ان القاعدة المستفادة من هذه الادلة فی محل الکلام هو ان الاصل فی الشهادة ان تکون بشهادة عادلین ولانرفع الید عن هذه القاعدة الا بدلیل وحیث لادلیل فنتمسک بعدم قبول شهادة رجل مع امراتین فی ثبوت هذه الامور وهذا شیء غیر الاصل ،إذ الاصل عبارة عن اصالة عدم ترتب الاثر علی هذه الشهادة ، واما ماذکرنا فهو الاصل فی الشهادة ان تکون بالبینة کما یستفاد من الاخبار ونص علی ذلک فقهاؤنا ، نعم قد یستدل علی قبول شهادة النساء منضمات الی الرجل بالایة الشریفة ((فان لم یکونا رجلین فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء )) (2) .

ص: 231


1- (8) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ح8،ص353
2- (9) البقرة 282

وهذه الایة وان کان موردها الدین ولکن یمکن الغاء خصوصیة الدین والتعدی لمحل الکلام بدعوی ان الایة فی مقام بیان ان الرجل الواحد تقوم مقامه امراتان ولاخصوصیة لهذا فی الدین ، وحینئذٍ یمکن تطبیق هذا الشیء فی کل مورد ومنه المقام ونکتفی بشهادة رجل واحد وامرتین .

ولکن من الصعب جداً التعدی عن مورد الایة الشریفة :

اولاً : لصحیحة داود بن الحصین وهی واردة فی الدین وصریحة فی اختصاص قبول شهادة الرجل والامراتین فی الدین .

وثانیاً: ان من الصعب جداً الجزم بعدم الخصوصیة والتعدی یحتاج الی الجزم بعدم الخصوصیة ، إذ من المحتمل وجود خصوصیة للدین سوغت ان یقوم الرجل والمراتین مقام البینة واما فی غیره فلا یوجد مثل هذا الشیء.

فالصحیح ماذکره السید الماتن من ان ثبوت هذه الامور بشهادة رجل واحد وامراتین مشکل والاقرب عدم الثبوت .

ثبوت الاموال بشاهد ویمین بحث الفقه

الموضوع: ثبوت الاموال بشاهد ویمین

قال (قده): مسألة 102 تثبت الأموال من الدیون والأعیان بشاهد ویمین ، وأمّا ثبوت غیرها

من الحقوق بهما فمحلّ إشکال وإن کان الأقرب الثبوت کما تقدّم فی القضاء ، وکذلک

تثبت الدیون بشهادة امرأتین ویمین.

قد تقدم فی القضاء ان السید الماتن (قده) انتهی الی ان الشاهد والیمین کما تثبت بها الاموال کذلک تثبت بها سائر حقوق الناس ، وقد انتهینا فی بحث المسالة 37 الی ان شهادة الشاهد والیمین تثبت فی مطلق الاموال من الدیون او من الاعیان لکنها لاتثبت بها حقوق الناس خلافاً للسید الماتن ، وقد تقدم بحث هذا مفصلاً فلا داعی للتکرار .

ص: 232

وعلیه فالصحیح ان الاقرب عدم ثبوت حقوق الناس بشاهد ویمین ما عدا الاموال اعم من کونها دیناً او عیناً فانها تثبت بشاهد ویمین .

واما الدیون فقال :انها تثبت بشهادة امراتین ویمین کما تثبت بشهادة شاهد ویمین واما مطلق الاموال فاستشکل بثبوتها بشهادة امراتین ویمین ، وعدم الثبوت اقرب .

ولاخلاف عندهم بان الدیون تثبت بشهادة رجلین عادلین وکذلک تثبت بشهادة رجل وامراتین کما فی قوله تعالی ((فرجل وامرتان ممن ترضون من الشهداء)) (1) وبشهادة رجل ویمین المدعی ، وانما الکلام فی ثبوتها بشهادة امراتین ویمین المدعی ، والظاهر ان ثبوتها محل اتفاق بشهادة امراتین ویمین المدعی ، ویدل علی ذلک صحیحة الحلبی فی وعن علی بن ابراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ): أن رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) أجاز شهادة النساء مع یمین الطالب فی الدین ، یحلف بالله أن حقه لحق (2) .

أی یحلف بالله ان دینه لحق ،وهذا من موارد استعمال الحق وارادة الدین ، والروایة صریحة فی قبول شهادة النساء ویمین المدعی لاثبات الدین ، والسید الماتن علق علی الروایة بقوله ان المقصود من شهادة النساء شهادة امراتین ، وهو الصحیح فی المقام . نعم هناک صحیحة اخری للحلبی ،عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) أجاز شهادة النساء فی الدین ولیس معهن رجل (3) .

ص: 233


1- (1) البقرة 282
2- (2) الوسائل(آل البیت) ج27 الباب 15 من ابواب کیفیة القضاء ،ص 271 ،الحدیث 3
3- (3) الوسائل(آل البیت) ج27 ، باب 24 ،ص356 ،ح20

وقد یوتهم انها مطلقة ومقتضی اطلاقها عدم الحاجة الی الیمین .

ولکن هذا الاطلاق کما هو واضح لابد من رفع الید عنه وتقییده بالصحیحة الاولی الصریحة فی حاجة شهادة النساء فی الدین الی یمین الطالب حتی تکون مقبولة .

ثم قال (قده) : وأمّا ثبوت مطلق الأموال بهما فمحلّ إشکال ، وعدم الثبوت أقرب .

هذا الذی ذهب الیه السید الماتن هو خلاف المشهور علی ماقالوا من ان المشهور یری ثبوت مطلق الاموال لاخصوص الدیون بشهادة امراتین ویمین المدعی واستدل لقول المشهور بروایة منصور بن حازم قال : حدثنی الثقة عن أبی الحسن ( علیه السلام ) قال : إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ویمینه ، فهو جائز (1) .

والاستدلال بها مبنی علی ان یکون المراد من الحق اعم من الدیون فتشمل مطلق الاموال فغیر الدیون من الاموال التی یطالب بها یطلق علیه انه صاحب حق ، واذا شهد لصاحب الحق امراتان ویمینه تقبل هذه الشهادة بحسب ظاهر الروایة ویثبت بها هذا الحق اعم من ان یکون دینا او یکون عیناً .

وقد تقدم ان السید الماتن اشکل علی هذه الروایة سنداً لانها وان رواها المشیاخ الثلاثة علی ماقلناه ، ولکن فی جمیع الطرق مشکلة ، ففی طریق الصدوق محمد بن علی ماجلویه وهو لم یوثق ، وفی طریق الشیخ ابن بطة وابو المفضل الشیبانی والاول لم تثبت وثاقته والثانی نص علی ضعفه ، والکلینی رواها مرسلة ، ولکن نحن قلنا بامکان تصحیح الروایة بطریق الصدوق باعتبار ان ماجلویه وان لم یرد فی حقه توثیق ولکن لم یرد فی حقه تضعیف ویمکن الاعتماد علیه باعتبار اکثار الصدوق الروایة عنه فی الفقیه وغیره مترحما ومترضیاً علیه لاسیما اذا ضممنا الیه ماذکره الصدوق فی بدایة الفقیه من انه لایروی فیه الا مایکون حجة بینه وبین ربه ، فهذا یساعد علی امکان الاعتماد علی هذا الرجل ، فیمکن الالتزام بصحة هذه الروایة سنداً .

ص: 234


1- (4) الوسائل(آل البیت) ج27، باب 15 ،ص271،ح 4

ولکن الکلام فی دلالتها علی ماذهب الیه المشهور من ان مطلق الاموال تثبت بشهادة امراتین ویمین المدعی ،باعتبار ان الحق لایفهم منه اکثر من الدین کما تقدم فی الروایة السابقة ،وکثیراً مایطلق الحق علی الدین وهذا یمنعنا من التمسک باطلاق الحق وشموله لغیر الدین من الاموال ویضاف الی ذلک مادل علی عدم قبول شهادة النساء مطلقاً الا فی موارد معینة وهو باطلاقه یشمل محل الکلام ،فالاستدلال بالروایة علی ماذهب الیه المشهور لایخلو من شیء .

وعلیه فماذکره السید الماتن صحیح بمعنی ان الدیون تثبت بشهادة امراتین ویمین المدعی وان غیر الدیون من الاموال لاتثبت بشهادة امراتین ویمین المدعی نعم الاموال غیر الدیون تثبت بشاهد ویمین مطلقاً وان لم تکن من الدیون .

هذا تمام الکلام فی هذه المسالة

قال (قده) مسالة 103 : تثبت العذرة وعیوب النساء الباطنة وکلّ ما لا یجوز للرجال النظر إلیه والرضاع بشهادة أربع نسوة منفردات.

ثبوت هذه الاربعة بشهادة النسوة منفردات الظاهر انه لاخلاف فیه .

وفی العذرة: تدل علی ذلک اکثر من روایة علی ماتقدم سابقاً من قبیل صحیحة العلاء عن العلاء ، عن أحدهما ( علیهما السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء فی الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال : نعم فی العذر والنفساء (1) .

والروایة صریحة فی جواز شهادة النساء وحدهن فی العذرة .

وکذلک صحیحة محمد بن مسلم ،قال : سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ؟ قال : نعم فی العذرة والنفساء (2) .

ص: 235


1- (5) الوسائل(آل البیت) ج27،باب 24،ص 356 ،ح18
2- (6) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ص356،ح19

ویکفینا هاتان الصحیحتان لاثبات قبول شهادة النساء منفردات فی العذرة .

واما عیوب النساء الباطنة: فهناک معتبرة لعبد الله بن بکیر ویرویها الکلینی عن علی بن ابراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس ، عن ( عبد الله بن بکیر ) ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : تجوز شهادة النساء فی العذرة ، وکل عیب لا یراه الرجل (1) .

ویقصد بکل عیب لایراه الرجل العیوب الباطنة للنساء فی مقابل العیوب الظاهرة کالعرج ونحوه فانه لاتقبل فیه شهادة النساء وحدهن ، ولکن العیوب الباطنة تثبت بشهادة النساء منفردات .

ویمکن الاستدلال لذلک بروایات اخری من قبیل صحیحة عبد الله بن سنان: قال : سمعت أبا عبد الله ( علیه السلام ) یقول : لا تجوز شهادة النساء فی رؤیةالهلال ، ولا یجوز فی الرجم شهادة رجلین وأربع نسوة ، ویجوز فی ذلک ثلاثة رجال وامرأتان ، وقال : تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال فی کل ما لا یجوز للرجال النظر إلیه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها فی المنفوس (2) .

حیث ان العیوب الباطنة لایجوز للرجال النظر الیها وبالتالی یجوز شهادة النساء فیها منفردات وهکذا معتبرة السکونی: ، عن جعفر ، عن أبیه عن علی ( علیهم السلام ) أنه کان یقول : شهادة النساء لا تجوز فی طلاق ولا نکاح ولا فی حدود ، إلا فی الدیون وما لا یستطیع الرجال النظر إلیه (3) .

ص: 236


1- (7) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ص353 ،ح9
2- (8) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ص353 ،ح10
3- (9) الوسائل(آل البیت) ج27،باب24،ص362 ،ح42

وهی دالة باطلاقها علی جواز شهادة النساء فی العذرة والعیوب الباطنة باعتبار انها مما لایمکن للرجال النظر الیها .

هذه الروایات تکفی لاثبات هذه العناوین وان لم ترد فی کل عنوان روایات خاصة .

واما الرضاع :فیمکن ادراجه فی صحیحة عبد الله بن سنان باعتبار انها تدل علی اعتبار شهادة النساء وحدهن بلا رجال فی کل ما لایجوز للرجال النظر الیه وهکذا معتبرة السکونی لان الوارد فیها النظر والرجل یحرم علیه النظر الی جسم المرأة لیری انها هل ارضعت او لا ؟ وحینئذٍ تقبل فی الرضاع شهادة النساء منفردات .

هذا هو الدلیل علی قبول شهادة النساء منفردات فی هذه الامور .

ولکن هناک کلام فی انه هل تثبت هذه الامور الاربعة بشهادة النساء منضمات الی الرجل او لاتثبت ؟ من قبیل شهادة شاهد واحد وامراتین .

ویبدو ان هذا محل کلام فیما بینهم .

قد یدعی ثبوت هذه الامور بشهادة رجل وامراتین

بتقریب: ان الظاهر من الروایات المتقدمة هو ان قبول شهادة النساء منفردات فی هذه الامور المتقدمة انما هو من باب الطریقیة والتسهیل والتخفیف بلحاظ ان الادلة المعتبرة للبینة فی باب القضاء یصعب الالتزام بها واقامة شهادة عادلین فی هذه الامور ومن باب التخفیف اکتفی بشهادة النساء منفردات ، اذا فهمنا هذا من الادلة حینئذٍ یقال انه لاخصوصیة لشهادة النساء منفردات ، فکما تثبت هذه الامور بشهادة النساء منفردات تثبت ایضاً بشهادة النساء منضمات لانه من باب التخفیف اعتبر شهادة اربع نساء منفردات وانما الغرض اثبات اصل المطلب ، وحینئذٍ یمکن الغاء الخصوصیة والتعدی الی شهادة رجل واحد وامراتین .

ص: 237

واما اذا ناقشنا فی هذا الفهم وقلنا ان الذی یظهر من الروایات هو تعین شهادة النساء منفردات لاثبات هذه الامور ولو باعتبار عدم جواز نظر الرجال الی هذه الامور الذی یستلزم جواز النظر الی مایحرم علیه النظر الیه او باعتبار عدم اطلاع الرجال بحسب العادة والغالب الی هذه الامور ،فحینئذٍ التعدی الی شهادة النساء منضمات یکون مشکلاً لان المفهوم من الادلة حینئذ تعین ان یکون الشاهد من النساء لان المراة بامکانها الاطلاع والرجل یصعب علیه ذلک فلا تقبل شهادة الرجل فی هذه الموارد.

وهذا الفرع لم یتعرض له السید الماتن فی کلامه .

قال (قده): ( مسألة 104 ) : المرأة تُصدّق فی دعواها أنّها خلیّة وأنّ عدّتها قد انقضت ،ولکنّها إذا ادّعت ذلک وکانت دعواها مخالفة للعادة الجاریة بین النساء ، کما إذا ادّعت أنّها حاضت فی شهر واحد ثلاث مرّات ، فإنّها لا تصدّق ، ولکن إذا شهدت النساء من بطانتها بأنّ عادتها کذلک قبلت .

هذه المسالة بحکمیها اللذین ذکرا فیها هی فی الحقیقة مستفادة من الروایات فهناک روایتان یفهم منهما ماذکر ومرویتان فی الباب 47 من کتاب الطهارة من ابواب الحیض .

الاولی : صحیحة زرارة ویرویها الکلینی عن علی بن ابراهیم محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن زرارة ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : العدة والحیض للنساء إذا ادعت صدقت (1) .

وهکذا فی روایات اخری ان العدة والحیض للنساء فاذا ادعت المرأة ما یرتبط بالحیض او العدة صدقت ومنه ادعاء انقضاء العدة لان المقصود من انها تصدق فی العدة انها تصدق فی کل ما یرتبط بالعدة بقاءً واستمراراً .

ص: 238


1- (10) الوسائل(آل البیت) ج2،باب47 من ابواب الحیض،ص358 ،ح1

الثانیة : معتبرة إسماعیل بن أبی زیاد(السکونی) عن جعفر ، عن أبیه ( علیهما السلام ) أن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) قال فی امرأة ادعت أنها حاضت فی شهر واحد ثلاث حیض ، فقال کلفوا نسوة من بطانتها ان حیضها کان فیما مضی علی ما ادعت ؟ فإن شهدن صدقت وإلا فهی کاذبة (1) .

وهذا یعنی ان شرط قبول شهادة المرأة فیما یرتبط فی العدة هو ان لاتکون متهمة أی لاتدعی شیئاً خلاف العادة الجاریة بین النساء ،فالحکم واضح ولیس فیه مزید کلام .

المسألة 105 بحث الفقه

موضوع الدرس:المسألة 105

هناک تنبیهان یرتبطان بالدرس السابق :

الاول : ویرتبط بمسالة العذرة حیث تقدم ان هناک روایات تدل علی ثبوت العذرة بشهادة النساء منفردات ، وذکرنا ان من هذه الروایات صحیحة العلاء وصحیحة محمد بن مسلم ، والملفت للنظر ان هذه الروایات لم تحدد عدد النساء اللواتی یشهدن باربع نسوة بل ذکرت النساء مطلقاً .

ولکن الفقهاء ، قالوا ان المرتکز فی اذهان المتشرعة ،الحاصل من الخطابات الشرعیة هو ان شهادة المراتین تعادل شهادة رجل واحد وهذه القضیة متفق علیها بینهم ، ویؤید هذا الارتکاز ماسیأتی فی المسالة القادمة مسالة التقسیط فی باب الوصیة وفی باب الارث عندما تشهد المرأة الواحدة فی الوصیة تثبت ربع الوصیة ، واذا شهدت امراتان تثبت نصف الوصیة ، واذا شهدت القابلة بأستهلال المولود یثبت له ربع الارث وکذا فی الدیة ، وهذا التقسیط قرینة واضحة علی ان المراة تحسب شهادتها نصف شهادة الرجل الواحد وان المراتین تحسب شهادتهما بشهادة الرجل الواحد .

ص: 239


1- (11) الوسائل(آل البیت) ج2،باب47 من ابواب الحیض،ص358 ،ح3

وهذا الارتکاز هو الذی یکون قرینة متصلة فی المقام بحیث یفهم من قبول شهادة النساء فی العذرة ما یعادل شهادة رجلین ، وهذا معناه شهادة اربع نسوة .

نعم حکی عن المفید وغیره کسلّار قبول شهادة امراتین مسلمتین مستورتین فی هذه الموارد ومنها العذرة وسائر الموارد المتقدمة مما لایجوز للرجل النظر الیه ثم ترقی اکثر کما حکی عنه فقال اذا لم توجد الا امراة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فی هذه الموارد ، ومعناه انه لایشترط شهادة اربع نساء فیکون مخالفاً لما هو المشهور من ان هذه الامور لاتثبت باقل من شهادة اربع نساء ، کما ان العلامة فی التحریر نقل عنه شیء مشابه لذلک وظاهره الاکتفاء بشهادة امراة واحدة فی العذرة .

وهذا الرای المخالف للمشهور قد یستدل له ببعض الروایات من قبیل روایة عبد الله بن سنان اوعبد الله بن سلیمان فی بعض النسخ ، قال : سألته عن امرأة حضرها الموت ولیس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها ؟ فقال : لا تجوز شهادتها إلا فی المنفوس والعذرة (1) .

باعتبار ان الروایة ظاهرة فی ان شهادة المراة الواحدة لاتکفی فی الوصیة وانما یکتفی فیها فی العذرة والمنفوس .

وهذه الروایة قلنا ان فی بعض النسخ مرویة عن عبد الله بن سلیمان وهو لم تثبت وثاقته ، وبقطع النظر عن الاشکال السندی توجد مشکلة فی عدم قبول شهادة المراة الواحدة فی الوصیة المستفاد من هذه الروایة حیث انه سیأتی فی المسالة اللاحقة ان شهادة المراة الواحدة تقبل فی الوصیة ولکن بمقدار ربع الوصیة ، فلابد من حملها علی عدم قبول شهادة المرأة الواحدة فی جمیع الوصیة .

ص: 240


1- (1) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص ،باب 24 ،ح24

والاستدلال بالروایة مبنی علی افتراض ان قول السائل فی الروایة (ولیس عندها الا امراة ) محمول علی النکرة ، فتفید الوحدة إذ تنوین التنکیر یفهم منه الوحدة .

وأما اذا حملنا امرأة علی ارادة الجنس فیکون معنی ولیس عندها الاامراة لیس عندها رجل ، وحینئذٍ لایکون فیها دلالة علی قبول شهادة المراة الواحدة فی العذرة وانما المراد منها ان جنس المراة تقبل شهادتها فی العذرة وهذا لایمنع من اشتراط التعدد فی النساء عند الشهادة ، وحینئذٍ لایصح الاستدلال بالروایة علی کفایة المراة الواحدة فی الشهادة علی العذرة .

واما ماهو المفهوم من الروایة هل هو النکرة او الجنس ؟

فنقول علی اسوء التقادیر یکون المفهوم منها النکرة فتدل علی الوحدة وحینئذ تکون منافیة للروایات السابقة التی ظاهرها اشتراط اربع نسوة فی ثبوت العذرة علی ان سند الروایة فیه مشکلة کما ذکرنا .

وقد یستدل له ایضاً بصحیحة الحلبی عن ابی عبد الله (ع) : وسألته عن شهادة القابلة فی الولادة ، قال : تجوز شهادة الواحدة (1) .

وظاهرها کفایة شهادة القابلة الواحدة وترتیب جمیع الاثار علیها .

هذا ولکن الفقهاء لم یرتضوا بهذه الدلالة وحملوها علی قبول شهادتها فی الجملة فی مقابل رفض شهادتها بمعنی قبول شهادتها فی ربع المیراث ولا یثبت تمام المیراث الا بشهادة اربع نساء قابلات مثلاً ، فلیس فیه دلالة علی قبول شهادة القابلة الواحدة لاثبات الولادة علی نحو یترتب علیه تمام المیراث ، والشاهد علی هذا الحمل الروایة الاتیة فانها صریحة فی ان القابلة الواحدة لایثبت بها الا ربع المیراث .

ص: 241


1- (2) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص351 ،باب24،ح2

هذا بالنسبة الی التنبیه الاول.

الثانی : ان العذرة والرضاع وعیوب النساء الباطنة وما لایجوز للرجال النظر الیه قلنا ان المشهور والصحیح فی ثبوتها شهادة اربع نساء منفردات ، وقد طرحنا مسالة لم یتعرض لها الماتن وحاصلها ان هذه الامور هل یشترط فی ثبوتها شهادة اربع نساء منفردات وان شهادة النساء منضمات الی الرجال لاتنفع فی ثبوتها او ان المسالة هو الاکتفاء فی ثبوت هذه الامور بشهادة اربع نسوة منفردات وحینئذٍ لامانع من قبول شهادة النساء منضمات الی الرجال ، وقد قلنا ان استظهار الاحتمال الاخیر یعتمد علی ان المفهوم من الادلة انها فی مقام التخفیف والتسهیل علی المکلفین باعتبار ان ما هو الاصل فی الشهادة هو شهادة عادلین وحیث یصعب اقامة مثل هذه الشهادة فی هذه الامور فخفف علیهم واکتفی بشهادة اربع نساء وحینئذٍ یجوز التعدی من شهادة نساء اربع منفردات الی شهادتهن منضمات مع الرجال .

واما اذا قلنا ان المفهوم من هذه الادلة هو تعین اثبات هذه الامور بشهادة اربع نسوة منفردات ولاتثبت بشهادة النساء منضمات الی الرجال فحینئذٍ لایجوز التعدی .

ولکن الفقهاء ذهبوا الی عدم اختصاص ثبوت هذه الامور بشهادة النساء منفردات بل تثبت بشهادة الرجال ایضاً وما یمکن ان یکون دلیلاً فی هذا المجال هو مسالة التمسک بالعمومات حیث انها تدل علی قبول شهادة الرجلین العادلین فی کل شیء لانها الاصل فی الشهادة کما تقدم ، والروایات الواردة فی باب العذرة وامثالها لیس لسانها لسان الاشتراط وانما لسانها لسان الاکتفاء فان فی جمیع الروایات ورد (أتجوز) وما بمعناها وهذا اللسان لایفهم منه تعین اثبات هذه الامور بشهادة النساء منفردات وانما یفهم منه الاکتفاء بذلک وهذا الاکتفاء لاینافی التمسک بعمومات حجیة البینة وحجیة شهادة الرجل والامراتین لاثبات الجواز فی محل الکلام .

ص: 242

واما ان هذا یلازم النظر من الرجل الی ما لایحل له فهو شیء اخر غیر المسألة المبحوث عنها مع امکان حصول الشهادة من الرجل فی هذه الامور مع عدم ترتب محذور فیها کما لو کان الرجل قد شاهد هذه الامور وکان غافلاً او کان فی مورد الضرورة او کان زوجاً للمراة ونحو ذلک .

وعلیه فلا یبعد ان یکون ماذهب الیه الفقهاء من قبول شهادة الرجلین العادلین ونحوها فی اثبات هذه الامور هو الصحیح .

قال(قده) : ( مسألة 105 ) : یثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الموصی به للموصی له ،کما یثبت ربع المیراث للولد بشهادة القابلة باستهلاله، بل بشهادة مطلق المرأة وإن لم تکن قابلة .وإذا شهدت اثنتان ثبت النصف ، وإذا شهدت ثلاث نسوة ثبت ثلاثة أرباعه ، وإذا شهدت أربع نسوة ثبت الجمیع ، وفی ثبوت ربع الدیة بشهادة المرأة الواحدة فی القتل ، ونصفها بشهادة امرأتین ، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث ، إشکال وإن کان الأقرب الثبوت .ولا یثبت بشهادة النساء غیر ذلک .

وفی هذه المسالة فروع نتعرض لها انشاء ا... تعالی

الفرع الاول :ثبوت ربع الموصی به للموصی له بشهادة المراة الواحدة .

وهو مما لم ینقل الخلاف فیه عن احد من الاصحاب ، ویدل علیها النصوص الکثیرة المعتبرة وهی :

1. صحیحة ربعی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی شهادة امرأة حضرت رجلا یوصی فقال : یجوز فی ربع ما أوصی بحساب شهادتها (1) .

وفیها اشارة الی الارتکاز الذی ذکرناه فی ان شهادة المراة تعادل نصف شهادة الرجل فاذا شهدت یثبت الربع لان الرجل اذا شهد یثبت النصف .

ص: 243


1- (3) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص355،باب24،ح16

2.صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : قضی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فی وصیة لم یشهدها إلا امرأة ، فقضی أن تجاز شهادة المرأة فی ربع الوصیة (1) .

وواضح ان المقصود من المراة هنا المراة الواحدة وان الامام (ع) اجاز شهادتها فی ر بع الوصیة .

3. صحیحة محمد بن قیس قال : قال أبو جعفر (علیه السلام ) : قضی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فی وصیة لم یشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة المرأة فی ربع الوصیة إذا کانت مسلمة غیر مریبة فی دینها (2) .

ولعلها نفس الروایة السابقة .

فإذاً الروایات صحیحة ومعتبرة سنداً وواضحة الدلالة .

نعم فی مقابل ذلک ذکر الفقهاء انه توجد بعض النصوص التی قد تکون مخالفة لما ذکر من قبیل صحیحة عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن المرأة یحضرها الموت ولیس عندها إلا امرأة تجوز شهادتها ؟ قال : تجوز شهادة النساء فی العذرة والمنفوس ، وقال : تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجل (3) .

والمراد من عبد الرحمن ، عبد الرحمن بن ابی عبد الله ، وقد یقال ان السؤال وقع عن الوصیة التملیکیة وجواز شهادة النساء فیها ، فقال الامام (ع) تجوز شهادة النساء فی العذرة والمنفوس ومعنی هذا عدم جواز شهادة النساء فی الوصیة وحیث انها مطلقة فیکون المراد عدم جواز شهادتها مطلقاً ، فلو کانت امراة واحدة _کما لعله یفهم من الروایة _ لاتقبل شهادتها فی الوصیة حتی لاثبات ربع الوصیة .

ص: 244


1- (4) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27 ،ص355،باب24،ح15
2- (5) وسائل الشیعة(آل البیت) ج19،ص317،باب 22 من ابواب الوصایا،ح3
3- (6) وسائل الشیعة(آل البیت) ج19،ص318،باب22 من ابواب الوصایا ،ح6

ولکن هذه الروایة فی الحقیقة لاتشکل مانع من الاخذ بالروایات السابقة لان غایة ما فیها الاطلاق علی عدم قبول شهادة المراة الواحدة لاثبات ربع الوصیة ،وحینئذٍ یقید هذا الاطلاق بالروایات السابقة الصریحة الدالة علی قبول شهادة المراة الواحدة فی ربع الوصیة . وبعبارة اخری نحملها علی عدم قبول شهادة المراة الواحدة فی الوصیة فی الجملة او لاثبات تمام الوصیة .

4.روایة ابراهیم بن محمد الهمدانی قال : کتب أحمد بن هلال إلی أبی الحسن ( علیه السلام ) : امرأة شهدت علی وصیة رجل لم یشهدها غیرها ، وفی الورثة من یصدقها ، ومنهم من یتهمها ، فکتب : لا الا أن یکون رجل وامرأتان ، ولیس بواجب أن تنفذ شهادتها (1) .

وهذه الروایة من حیث السند الظاهر انها تامة لانه لیس فیها من یخدش فیه الا ابراهیم بن محمد الهمدانی والسید الماتن رد الروایة به لانه لم ینص علی وثاقته ، واما احمد بن هلال فلیس له دور الا الکتابة وانما الروایة نقلها ابراهیم بن محمد الهمدانی لانه شاهد الکتاب بخط الامام(ع) ، ومن المظنون قویاً ان کتابة احمد بن هلال العبرتائی کانت قبل انحرافه وصدور اللعن فی حقه .

ولکن الظاهر وا... العلم ان الهمدانی محل اعتماد وذلک لانه من وکلاء الامام (ع) فی قم او الری ،والوکالة لاتختص به بل ابوه وجده بل توارثوا الوکالة اباً عن جد ،ونحن نری ان الوکیل للامام(ع) فی منطقة یلازم الاعتماد علیه وهو یلازم الوثاقة باعتبار انها تستلزم تبلیغ المؤمنین باوامر الامام والاحکام الشرعیة لانها فی العادة تصل الیهم من طریق الوکیل ومن البعید جداً وضع شخص وکیلاً من دون ان یکون بالغاً حد الوثاقة ، وان کان السید الماتن لایرضی بذلک حیث یقول ان الوکالة لیس فیها دلالة علی التوثیق .

ص: 245


1- (7) وسائل الشیعة(آل البیت) ج19،ص319،باب 22 من ابواب الوصایا ،ح8

وعلیه فالروایة معتبرة سنداً.

مسألة 105 بحث الفقه

الموضوع: مسألة 105

الفرع الثانی : ثبوت ربع المیراث للولد بشهادة القابلة.

وهذه المسالة حسب الظاهر مما لاخلاف فیها وتدل علیها النصوص ایضاً ،مثل صحیحة عمر بن یزید قال : سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن رجل مات وترک امرأته وهی حامل ، فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع إلی الأرض ، فشهدت المرأة التی قبلتها أنه استهل وصاح حین وقع إلی الأرض ، ثم مات ، قال : علی الإمام أن یجیز شهادتها فی ربع میراث الغلام (1) .

ومعتبرة سماعة قال :قال : القابلة تجوز شهادتها فی الولد علی قدر شهادة امرأة واحدة (2) .

فاذا شهدت انه ولد حیاً فانه یثبت بها ماتثبته شهادة امراة واحدة وهویشیر الی الارتکاز الذی ذکرناه مراراً من ان شهادة امراة واحدة تعادل نصف شهادة الرجل وحیث ان تمام المیراث یثبت بشهادة رجلین ، فما یثبت بشهادتها هو عبارة عن ربع المیراث .

وفی مقابل ذلک قد یدعی دلالة روایات علی ان شهادة القابلة الواحدة یثبت بها تمام الارث من قبیل صحیحة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله ( علیه السلام ) یقول : لا تجوز شهادة النساء فی رؤیة الهلال ، ولا یجوز فی الرجم شهادة رجلین وأربع نسوة ، ویجوز فی ذلک ثلاثة رجال وامرأتان ، وقال : تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال فی کل ما لا یجوز للرجال النظر إلیه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها فی المنفوس (3) .

ص: 246


1- (1) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص352،باب24،ح6
2- (2) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص357،باب24،ح23
3- (3) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص354،باب24،ح10

فقد یفهم منها ان الولادة حیاً لهذا المنفوس تثبت بشهادة القابلة الواحدة ویترتب علیها استحقاقه لتمام الارث .

وهذه الروایة وان کانت تامة سنداً ، لکن غایة ماتدل علیه هو قبول شهادة القابلة الواحدة فی المنفوس فی الجملة فی مقابل منع شهدتها بالمرة وهذا لایمکن انکاره ولکن هل هی صریحة فی ثبوت تمام الارث بشهادة القابلة الواحدة ؟ والظاهر انها لیست صریحة فی ذلک بل لیست بذلک الظهور الواضح الذی ینافس ظهور تلک الروایات فی ان مایثبت بشهادتها هو ربع المیراث.وحینئذٍ لاتکون معارضة للروایات السابقة ، بل الظاهر تعین حمل هذه الروایة علی قبول شهادتها فی ربع المیراث باعتبار صراحة الروایات المتقدمة الدالة علی ذلک .

والروایة الاخری صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ):وسألته عن شهادة القابلة فی الولادة ، قال : تجوز شهادة الواحدة (1) .

وقد یفهم مها ان شهادة القابلة الواحدة تکفی لاثبات ان هذا المولود ولد حیاً ویترتب علیه انه یرث تمام الارث .

ویجاب عنها بنفس الجواب السابق ،بان هذه الروایة لیست صریحة بان تمام الارث یثبت بشهادة القابلة الواحدة ، وغایة مایفهم منها ان شهادة القابلة الواحدة فی الولادة جائزة فی مقابل عدم جوازها وهذا لااشکال فیه ونحن نقول به .ولو کانت ظاهرة فی ان شهادة القابلة الواحدة فی الولادة یثبت بها تمام الارث فلابد من حملها علی ان مایثبت بها هو ربع المیراث جمعاً بینها وبین الروایات المتقدمة التی تکاد تکون صریحة بان مایثبت بشهادة القابلة الواحدة هو ربع المیراث .

الفرع الثالث :هل یشترط فی ثبوت ربع المیراث ان تکون الشهادة من خصوص القابلة ام یکفی فیها مطلق المرأة وان لم تکن قابلة .

ص: 247


1- (4) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص315،باب24،ح2

والظاهر انه لاخلاف بینهم فی عدم اشتراط ان تکون من تشهد قابلة ، ویدل علی ذلک أولاً: اطلاق مادل علی قبول شهادة النساء فی المنفوس من قبیل صحیحة العلاء وصحیحة محمد بن مسلم المتقدمة مراراً ومقتضاه قبول شهادة النساء فی المنفوس وان لم تکن قابلة ، فاذا شهدت اربع نساء علی المنفوس یثبت به تمام المیراث .

وعلیه فلا داعی للتقیّد بان ما یثبت ربع المیراث هو خصوص شهادة المراة اذا کانت قابلة .

وثانیاً: یدل علیه اطلاق ما دل علی قبول شهادة النساء فی کل ما لایجوز للرجال النظر الیه ، لان الولادة وشوؤنها مما لایجوز للرجال النظر الیه.

وثالثاً: یدل علیه صحیحة لعبد الله بن سنان قال :سمعت أبا عبد الله ( علیه السلام ) یقول : تجوز شهادة القابلة فی المولود إذا استهل وصاح فی المیراث ، ویورث الربع من المیراث بقدر شهادة امرأة واحدة ، قلت : فان کانت امرأتین ؟ قال : تجوز شهادتهما فی النصف من المیراث (1) .

والاستدلال بقول السائل (فان کانت امرأتین) ولعل عدول السائل عن التعبیر باثنتین لو کان مقصوده قابلتین الی قوله امرأتین یفهم منه انه اشارة الی عدم اشتراط ان تکون المرأة قابلة .

ورابعاً : معتبرة ابی بصیرعن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : تجوز شهادة امرأتین فی استهلال (2) .

فانه لم یقیدها بان تکون قابلة .

الفرع الرابع:إذاشهدت اثنتان ثبت النصف ،وإذا شهدت ثلاث نسوة ثبت ثلاث رباع المیراث ،وإذا شهدت اربع نساء ثبت تمام المیراث .

ص: 248


1- (5) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص364،باب24،ح45
2- (6) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص362،باب24،ح 41

وهذا ایضاً مما لاخلاف فیه بینهم ولااشکال کما یظهر من مراجعة کلماتهم ویدل علی ذلک فی الجملة صحیحة عبد الله بن سنان:ویورث الربع من المیراث بقدر شهادة امرأة واحدة ، قلت : فان کانت امرأتین ؟ قال : تجوز شهادتهم (1) .

وتوجد روایات یفهم منها هذا المعنی من قبیل معتبرة سماعة المتقدمة: قال : القابلة تجوز شهادتها فی الولد علی قدر شهادة امرأة واحدة .

وصحیحة ربعی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی شهادة امرأة حضرت رجلا یوصی فقال : یجوز فی ربع ما أوصی بحساب شهادتها .

ویفهم منها ان حساب شهادة المرأة هو ربع البینة او قل نصف شهادة الرجل الواحد ، وحینئذٍ یقال اذا کانت شهادة المرأة الواحدة هی عبارة عن نصف شهادة الرجل الواحد ویثبت بها ربع المیراث کما هو منصوص علیه فی الروایات فبشهادة اثنتین یثبت النصف وبشهادة ثلاث نسوة یثبت ثلاثة ارباع المیراث واذا شهدت اربع نسوة یثبت تمام المیراث .

وهناک روایة ذکرها صاحب الوسائل فی ختام هذا الباب ینقلها عن الشیخ الصدوق فی الفقیه انه بعد ان ذکر روایة قال : وفی روایة أخری : إن کانت امرأتین تجوز شهادتهما فی نصف المیراث ، وإن کن ثلاثة نسوة جازت شهادتهن فی ثلاثة أرباع المیراث ، وإن کن أربعا جازت شهادتهن فی المیراث کله (2) .

وهی صریحة فی هذا التفصیل ، لکنها مرسلة للشیخ الصدوق ، فهی مؤیدة لما ذکرناه سابقاً.

وقد تقدم سابقاً من انه یوجد فی النصوص ما یخالف ذلک من قبیل صحیحة الحلبی المتقدمة ( وسألته عن شهادة القابلة فی الولادة ، قال : تجوز شهادة الواحدة ) فقد یفهم منها انها یثبت بها تمام المیراث وکذلک معتبرة ابی بصیر المتقدمة ،ولکن تقدم تعین حمل هذه الروایات علی ثبوت ربع المیراث کما فی صحیحة الحلبی او نصف المیراث کما فی معتبرة ابی بصیر لان مقتضی الجمع بینها وبین الروایات الصریحة المفصلة الناصة علی ان مایثبت بشهادة امرأة واحدة هو ربع المیراث وما یثبت بشهادة امراتین هو نصف المیراث هو ان امکن حمل الروایات علی الثبوت فی الجملة فی مقابل رفض شهادة القابلة مطلقاً فهو وألا فیتعین حملها علی هذا المحمل جمعاً بینها وبین الروایات الصریحة فی ان مایثبت بشهادة القابلة الواحدة انما هو عبارة عن ربع المیراث .

ص: 249


1- (7) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص364،باب24،ح45
2- (8) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27 ،ص365،باب24،ح48

الفرع الخامس:هل ان الدیة حالها حال استهلال المولود من ان شهادة المرأة الواحد بالقتل یثبت بها ربع الدیة او لا؟

وهو محل کلام ، والذی یبدو ان المشهور لایری ذلک ، وتقدم فی بحث موجبات الحدود ان فی ما یوجب ثبوت القتل روایات متعارضة وکانت نتیجة الجمع بین الروایات هو التفصیل بان شهادة رجل وامرأتین تقبل فی القتل لکن لاثبات الدیة لا لاثبات القصاص لوجود روایات تصرح بعدم قبول شهادة النساء فی القود والقصاص ، وهذا الکلام کان فی شهادة النساء منضمات .

واما الآن فکلامنا فی شهادتهن منفردات ،والمشهور یقول بعدم قبول شهادتهن منفردات أی ان الواحدة لاتثبت بها ربع الدیة والاثنین لایثبت بها نصف الدیة والثلاث لایثبت بها ثلاثة ارباع الدیة والاربع لایثبت بها تمام الدیة .

نعم المخالف فی هذه المسألة هو ابو الصلاح الحلبی کما صرحوا ، ونسب الیه القول بقبول شهادة المرأتین فی نصف الدیة والمرأة الواحدة فی الربع وکأنه جعلها من قبیل شهادتها فی الوصیة وشهادتها فی استهلال المولود .

وهذا القول المخالف للمشهور یوجد علیه دلیل وهو روایة معتبرة سنداً ظاهرها هو القول الذی یقول به ابو الصلاح الحلبی ویرویها الشیخ باسناده عن الحسین بن سعید عن النضر ، عن عاصم ، عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : قضی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فی غلام شهدت علیه امرأة أنه دفع غلاما فی بئر فقتله ، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة (1) .

وهی علی غرار الروایات السابقة فی ان بشهادة المراة الواحدة یثبت الربع من الدیة .

ص: 250


1- (9) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص357،باب24،ح26

ویمکن ان تجعل روایة اخری مؤیدة لها لانها غیر تامة سنداً ویرویها الشیخ باسناده عن عن محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن حسان ، ( عن ابن أبی عمیر ) وفی نسخة اخری عن بن ابی عمران ، عن عبد الله بن الحکم قال : سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن امرأة شهدت علی رجل أنه دفع صبیا فی بئر فمات ، قال : علی الرجل ربع دیة الصبی بشهادة المرأة (1) .

وفی سندها محمد بن حسان وهومجهول وعبد الله بن الحکم وهو ضعیف کما نص علیه النجاشی ، ومن هنا لاینفع روایة بن ابی عمیر عنه علی تقدیر ان یکون الراوی عنه بن ابی عمیر لان فی مثل هذه الحالة یقدم التضعیف المنصوص علیه علی التوثیق العام لروایة المشایخ الثلاثة عن شخص . فالروایة غیر معتبرة من جهة السند فتصلح للتأیید .

هذا وقد یستشکل فی روایة محمد بن قیس المعتبرة سنداً بان الشیخ الصدوق رواها باسناده الی قضایا امیر المؤمنین وله سند معروف الی قضایا امیر المؤمنین (ع) من دون قوله (بحساب شهادة المرأة) فتکون الروایة (فأجاز شهادة المرأة) .

وعلیه ، قد یقال ان هذا الذیل لما لم یکن موجوداً فی روایة الصدوق تسقط الروایة عن صلاحیتها للاستدلال .

ولکن الظاهر ان الروایة لاتسقط عن الاستدلال بذلک اما بناءً علی تعدد الروایة فالامر واضح ، واما بناءً علی وحدة الروایة فیمکن ان یقال ان الامر حینئذٍ یدور بین الزیادة وعدم الزیادة والاصل عدم الزیادة لان اصالة عدم الزیادة مقدمة علی اصالة عدم النقیصة لوجوه تذکر فی محلها منها ان احتمال النقیصة وسقوط شیء من الروایة اقرب من احتمال ان یزید الراوی فی الروایة شیئاً ، وحینئذٍ یثبت مارواه الشیخ الطوسی .

ص: 251


1- (10) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص359،باب24،ح33

ولو تنزلنا وقلنا ان هذه الزیادة لیست موجودة وقدمنا مانقله الشیخ الصدوق علی مانقله الشیخ الطوسی ، فایضاً لایضر بالاستدلال بالروایة لان غایة ماتدل علیه ان الامام (ع) اجاز شهادة المراة فی الدیة فی الجملة ولانقول هذا لوجود روایات تدل علی ان شهادة المراة الواحدة فی القتل یثبت بها ربع الدیة لعدم وجود هکذا روایات وانما باعتبار عدم امکان الالتزام بثبوت تمام الدیة بشهادة امرأة واحدة لانه لم یعهد من احد انه افتی بذلک ،وحینئذٍ لابد من حمل الروایة علی ان المقصود بها هو ان الامام(ع) اجاز شهادة المراة فی ربع الدیة .

مسالة 105 بحث الفقه

الموضوع: مسالة 105

ذکرنا فی مسألة ثبوت ربع الدیة بشهادة المرأة الواحدة فی القتل ان هناک نصوص معتبرة تدل علیها والمقصود هو صحیحة محمد بن قیس ومؤیدة بروایة عبد الله بن الحکم ، وقلنا ان هذه الروایة رغم روایة الصدوق لها بسند صحیح خالیةً من الذیل وهو (بحساب شهادة المرأة) لان کل مایبدء به فی الفقیه بقضایا امیر المؤمنین له سند صحیح ذکره فی المشیخة ، ولذا هذه الروایة تکون ایضاً صحیحة ومن هنا نش_أ احتمال التعارض بین الروایتین بلحاظ وجود الذیل وعدمه ، وقلنا ان هذا لایؤثر کما فی الدرس السابق ، فلابد من حملها -لو فرض وجود الذیل- علی قبول شهادة المرأة فی ربع الدیة لانه فقهیاً لایمکن الالتزام بثبوت تمام الدیة فی القتل بشهادة المرأة الواحدة ویضاف الی هذا ان الارتکاز قائم علی معادلة شهادة المرأة لنصف شهادة الرجل وبالتالی لایثبت بها الا ربع الدیة وهو یشکل قرینة علی ان المراد بتقبل شهادة المرأة الواحدة فی الدیة لیس المقصود منه قبولها فی تمام الدیة وانما تقبل بمقدارها وحسبها کما صرح به فی روایة الشیخ الطوسی .

ص: 252

وإذا ثبت ذهاب المشهور الی خلاف ذلک بمعنی عدم عملهم بصحیحة محمد بن قیس وبالتالی تحقق اعراضهم عنها فیشکل العمل بها ، ومن هنا یکون الاحتیاط فی محله لان الشهرة لیست واضحة عندنا بهذا الشکل .

ثم یقول (قده) : (ولایثبت بشهادة النساء غیر ذلک )

بمعنی ان مایثبت بشهادة النساء هو الامور المتقدمة وهو ثبوت ربع المیراث بشهادة القابلة ،وربع الوصیة بشهادة المرأة الواحدة فی الوصیة ، وربع الدیة بشهادة المرأة الواحدة فی باب القتل ، هذه الامور قامت الادلة علیها، فیقبل بشهادة النساء منفردات فیهاب بمعنی ان الواحدة یثبت بها ربع الامر والاثنین یثبت بها النصف وهکذا ،ولکن هذا لایثبت فی غیر هذه الموارد .

وهذا هو الصحیح باعتبار ان النصوص المتقدمة دلت علی عدم قبول شهادة النساء مطلقاً ، ولانخرج عن هذا الاطلاق الا إذا دل الدلیل علی قبول شهادتهن منفردات ، واما حیث لادلیل کما هو الحال فی غیر هذه الموارد ،فان مقتضی اطلاق تلک النصوص الدالة علی عدم قبول شهادة النساء منفردات هو عدم قبول شهادتهن فی غیر الموارد الثلاثة المتقدمة .

قال (قده): ( مسألة 106 ) : لا یعتبر الإشهاد فی شیء من العقود والإیقاعات إلاّ فی الطلاق والظهار.

...............................

تتعرض هذه المسألة الی اعتبار الإشهاد فی باب العقود والایقاعات او عدم اعتباره .ومن الواضح ان اعتبار الاشهاد فیها یحتاج الی دلیل ، لان اعتبار الاشهاد یعنی ان ذلک العقد او الایقاع مشروط صحته بالاشهاد فحیث لادلیل علی الاشهاد فحینئذٍ یکون مقتضی اطلاق ادلة هذه العقود والایقاعات عدم اعتبار الاشهاد فیها عند الشک فی اعتباره ولو کان هذا الاطلاق اطلاقاً مقامیاً .

ص: 253

ثم قال(قده): الا فی الطلاق

.............

اعتبار الاشهاد فی الطلاق مما لااشکال فیه عندنا ولاخلاف ، بل لعله یکاد یصل الی مرحلة ضروریات المذهب ، وتدل علیه الایة الشریفة (وَأَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ (1) )الواردة فی خصوص الطلاق ، وکذلک تدل علیه الروایات الکثیرة ، ومنها صحیحة الفضلاء الواردة فی الباب 10 من مقدمات الطلاق ح3، ص26 ج22 عن زرارة ومحمد بن مسلم وبکیر وبرید وفضیل وإسماعیل الأزرق ومعمر بن یحیی ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهما السلام فی حدیث أنه قال : وإن طلقها فی استقبال عدتها طاهرا من غیر جماع ولم یشهد علی ذلک رجلین عدلین فلیس طلاقه إیاها بطلاق (2) .

فالطلاق وان کان مستکملاً لجمیع الشرائط الا انه لفقدانه شهادة عدلین لم یکن عند الامام (ع) بطلاق وکذلک صحیحة البزنطی ، قال : سألت أبا الحسن ( علیه السلام ) عن رجل طلق امرأته بعد ما غشیها بشهادة عدلین قال : لیس هذا طلاقا ، قلت : فکیف طلاق السنة ؟ فقال : یطلقها إذا طهرت من حیضها قبل أن یغشیها بشاهدین عدلین کما قال الله عز وجل فی کتابه فان خالف ذلک رد إلی کتاب الله (3) .

ثم یقول(قده): والظهار.

...............

فکما یعتبر الاشهاد فی الطلاق کذلک یعتبر فی الظهار ، وهو ایضاً بحسب الظاهر مما لاخلاف فیه بین علمائنا وان کان لایصل الی حد الوضوح الموجود فی باب الطلاق ، لکن الروایات تدل علیه وهی من قبیل معتبرة حمران بن اعین فی حدیث قال: قال أبو جعفر ( علیه السلام ) : لا یکون ظهار فی یمین ولا فی إضرار ولا فی غضب ، ولا یکون ظهار إلا فی طهر من غیر جماع بشهادة شاهدین مسلمین (4) .

ص: 254


1- (1) الطلاق 2
2- (2) وسائل الشیعة(آل البیت) ج22 ، ص26 ،باب 10 من مقدمات الطلاق، ح3
3- (3) وسائل الشیعة(آل البیت) ج22 ،ص27 ،باب 10 من مقدمات الطلاق ح4
4- (4) وسائل الشیعة(آل البیت) ج22،ص307،باب 2 من ابواب الظهار، ح1

والروایة صریحة فی اعتبار الشهادة فی الظهار .

وکذلک معتبرة حمران عن حمران عن أبی جعفر ( علیه السلام ) فی حدیث قال : لا یکون ظهار إلا علی طهر بغیر جماع بشهادة شاهدین مسلمین (1) .

وربما کانت هذه الروایة نفس الروایة الاولی .

ثم یقول (قده):نعم یستحب الاشهاد فی النکاح

ومن العبارة یفهم عدم اعتبار الاشهاد فی باب النکاح وتصدت الروایات الواردة من طرقنا عن اهل البیت (ع) لذلک فی قبال المخالفین الذین اعتبروا الاشهاد فی النکاح من قبیل صحیحة زرارة قال : سئل أبو عبد الله ( علیه السلام ) عن الرجل یتزوج المرأة بغیر شهود ، فقال : لا بأس بتزویج البتة فیما بینة وبین الله ، إنما جعل الشهود فی تزویج البتة من أجل الولد ، لولا ذلک لم یکن به بأس (2) .

وکذلک صحیحة حفص عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی الرجل یتزوج بغیر بینة ، قال : لا بأس (3) .

ومعتبرة داود بن الحصین التی ذکرناها مراراً فی الباب 24 من ابواب الشهادات ح35 .

نعم قد یستدل لاعتبار الاشهاد فی النکاح کما هو الحال فی الطلاق بروایة للمعلّی بن خنیس ویرویه الشیخ الطوسی باسناده عن الحسین بن سعید عن صفوان عن بن مسکان عن المعلّی بن خنیس ، والروایة معتبرة بناءً علی اعتبار المعلّی کما هو الصحیح قال :قلت لابی عبد الله(ع) ج21،ص65، قلت لأبی عبد الله ( علیه السلام ) : ما یجزی فی المتعة من الشهود ؟ فقال : رجل وامرأتان یشهدهما قلت : أرأیت ان لم یجد واحدا قال : إنه لا یعوزهم ، قلت : أرأیت إن أشفق ان یعلم بهم أحد ، أیجزیهم رجل واحد ؟ قال : نعم ، قال : قلت : جعلت فداک ، کان المسلمون علی عهد رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) یتزوجون بغیر بینة ؟ قال : لا (4) .

ص: 255


1- (5) نفس المصدر ج22 ،ص308 ، من نفس الباب ،ح4
2- (6) وسائل الشیعة(آل البیت) ج20،ص98،باب43،ح3
3- (7) نفس المصدر ،ح4
4- (8) نفس المصدر ، ج21،ص65،باب 31 من ابواب المتعة ،ح3

وهذه الروایة وان کانت تامة سنداً لکن دلالتها لیست واضحة باعتبار ان لیس فیها مایشیر الی اشتراط الاشهاد فی باب النکاح حتی فی المتعة بل لیس ظاهرة فی ذلک فضلاً عن ان تکون نص وصریحة فی ذلک لانه یقول ما یجزی فی المتعة من الشهود ؟ فقال : رجل وامرأتان یشهدهما ولیس فیه دلالة علی الاشتراط خصوصاً فی باب النکاح وان کان فی باب المتعة ربما توجد اوامر ولکن یجزی رجل وامراتان ولذا بعد ذلک یقول: قلت : أرأیت ان لم یجد واحدا قال : إنه لا یعوزهم ، قلت : أرأیت إن أشفق ان یعلم بهم أحد ، أیجزیهم رجل واحد ؟ قال : نعم.

مع ان الرجل الواحد لایشکل بینة .

وکذلک قوله: جعلت فداک ، کان المسلمون علی عهد رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) یتزوجون بغیر بینة ؟ قال : لا .

وهو ایضاً لیس فیه دلالة علی اعتبار البینة فی باب النکاح نعم جرت عادتهم علی ان لایتزوجون الا ببینة ، وعلی تقدیر التأمل فی هذه المناقشة تکون الروایة دالة علی الاعتبار ، فحملها الشیخ الطوسی وغیره علی الاستحباب لا علی الوجوب جمعاً بینها وبین الروایات الصریحة فی عدم اعتبار الاشهاد فی باب النکاح وخصوصاً الروایات التی هی بصدد مخالفتنا لما علیه العامة لانهم عکسوا ذلک والتزموا بما لم یامر به الله تعالی وهونوا ما امر الله تعالی به کما تقدم فی معتبرة داود بن الحصین .

وروایة المهلب الدلال ، انه کتب إلی أبی الحسن ( علیه السلام ) : ان امرأة کانت معی فی الدار ، ثم إنها زوجتنی نفسها ، وأشهدت الله وملائکته علی ذلک ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر ، فما تقول ؟ فکتب ( علیه السلام ) : التزویج الدائم لا یکون إلا بولی وشاهدین (1) .

ص: 256


1- (9) وسائل الشیعة(آل البیت) ج21، ص34 ،باب 11 من ابواب المتعة ح11

وهی صریحة فی دلالتها علی اعتبار الاشهاد فی النکاح الدائم الا انه مضافاً الی ضعف سندها هی معرضة بالروایات السابقة .

نعم، استحباب الاشهاد لایبعد استفادته من الروایات السابقة خصوصاً من معتبرة داود بن الحصین إذ ان باقی الروایات قد یقال انها تأمر بالاشهاد لکن لیس من باب الحکم المولوی التأسیسی وانما هو اشبه بالارشاد الی عدم ترتب اللوازم التی تترتب علی عدم الاشهاد حتی یمکن استفادت الاستحباب الشرعی ،إذ استفادت الاستحباب یحصل من کلام المولی بما هو مولی ، فیأمر بشیء الزاماً او لا علی نحو الالزام فیستفاد الوجوب او الاستحباب .

واما معتبرة داود المتقدمة فلایبعد استفادة الاستحباب منها لانه (ع) قال : فسن رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) فی ذلک الشاهدین تأدیبا ونظرا لئلا ینکر الولد والمیراث (1) .

ثم قال (قده) : والمشهور انه یستحب فی البیع والدین ونحو ذلک ایضاً

أی ان الاشهاد کما یستحب فی النکاح یستحب فی الدین والبیع ، واستدل علی ذلک بالایة الشریفة وهو قوله تعالی (واستشهدوا شهیدین من رجالکم ) (2) وهی واردة فی باب الدین ، وفی باب البیع یقول تعالی (وأشهدوا اذا تبایعتم ) (3) ، فان الوارد فی الایتین وان کان بصیغة الامر بالاشهاد وهو ظاهر فی الوجوب ، ولکن حیث لایمکن الالتزام بالوجوب باعتبار وضوح عدم وجوب الاشهاد فی باب البیع لوجود ضرورة قائمة علی ذلک فی باب البیع وکذلک وجود سیرة متشرعیة علی عدم الاشهاد فی سائر المعاملات فلابد من حملها علی الاستحباب .

ص: 257


1- (10) وسائل الشیعة(آل البیت)ج27،ص360 ،باب 24 ،ح35
2- (11) البقرة 282
3- (12) البقرة 282

وایضاً استدل علی ذلک مضافاً الی الایات الشریفة ببعض الروایات الواردة فی ابواب الدعاء منها معتبرة جعفر بن ابراهیم عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : أربعة لا یستجاب لهم دعوة : الرجل جالس فی بیته یقول : اللهم ارزقنی ، فیقال له : ألم آمرک بالطلب ؟ ! ورجل کانت له امرأة فدعا علیها ، فیقال له : ألم أجعل أمرها إلیک ؟ ! ورجل کان له مال فأفسده فیقول : اللهم ارزقنی ، فیقال له : ألم آمرک بالاقتصاد ؟ ! ألم آمرک بالاصلاح ؟ ! ثم قال : ( والذین إذا أنفقوا لم یسرفوا ولم یقتروا وکان بین ذلک قواما ) ، ورجل کان له مال فأدانه بغیر بینة ، فیقال له : ألم آمرک بالشهادة ؟ ! (1)

ومعتبرة مسعدة بن زیاد عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) : أصناف لا یستجاب لهم ، منهم : من أدان رجلا دینا إلی أجل فلم یکتب علیه کتابا ولم یشهد علیه شهودا. (2)

هذا ولکن السید الماتن (قده) استشکل فی دلالة هذه الادلة علی الاستحباب الشرعی وذکر ان الایتین وکل الروایات هی فی مقام الارشاد الی ترتب محاذیر علی عدم الاشهاد فی جمیع المعاملات ولیست فی مقام التأسیس والمولویة حتی یستفاد منها الاستحباب الشرعی .

وهذا الکلام لاباس به فی الروایات اما کون الایة هکذا فانه لایخلو من شیءٍ .

ص: 258


1- (13) وسائل الشیعة(آل البیت) ج7،ص124 ،باب 50 من ابواب الدعاء ،ح1
2- (14) نفس المصدر ج7 ،ص127، نفس الباب ،ح7

هذا تمام الکلام فی هذه المسألة .

قال (قده): ( مسألة 107 ) : لا خلاف فی وجوب أداء الشهادة بعد تحمّلها مع الطلب إذا لم یکن فیه ضرر علیه.

..............

اذا دعی الی أداء الشهادة وکان متحملاً لها فهل یجب علیه اداء هذه الشهادة او لا؟

السید الماتن یقول لاخلاف فی وجوب اداء الشهادة بشرطین ، الاول ان یکون قد تحملها ، الثانی ان لایکون فی اداءها ضرراً علیه .

وأقول: المناسب ان تبحث مسألة تحمل الشهادة قبل مسألة الاداء وان کان السید الماتن فعل عکس هذا .

واستدل السید الماتن علی وجوب اداء الشهادة بهذین الشرطین بعد طلب الاداء منه بالایة الشریفة (لا یأب الشهداء إذا ما دعو) (1) بناءً علی ان هذه الایة ناظرة الی مسالة الاداء أی اذا ما دعو الی اداء الشهادة لا اذا مادعو الی تحمل الشهادة ، واستدل علی ذلک ایضاً ببعض الروایات التی دلت علی حرمة کتمان الشهادة بل بالایة الشریفة (ومن یکتمها فإنه آثم قلبه ) (2) الواردة فی الشهادة . فذا کان کتمان الشهادة حرام وجب اظهار الشهادة عند طلبها منه ،وکذلک الروایات الواردة فی تفسیر هذه الایة الشریفة حیث فسرتها بانه بعد تحمل الشهادة لایجوز کتمان الشهادة .

المسألة 107 بحث الفقه

الموضوع:المسألة 107

الکلام فی المسالة 107 وقلنا ان السید الماتن تعرض فی هذه المسالة الی اداء الشهادة وانه واجب او لا ، ومتی یکون واجباً ، وان وجوبه هل هو وجوب عینی او وجوب کفائی ؟

ص: 259


1- (15) البقرة 282
2- (16) البقرة 283

ولکن قلنا ان المنهجیة تقتضی البحث عن تحمل الشهادة قبل البحث عن اداء الشهادة ، والسید الماتن اخر البحث عن تحمل الشهادة الی المسألة 110 ونحن نتکلم الآن عن مسألة تحمل الشهادة قبل الدخول فی البحث عن حکم اداء الشهادة .

والمعروف والمشهور شهرة عظیمة کما فی الجواهر هو وجوب تحمل الشهادة ، بمعنی انه إذا دعی من له اهلیة تحمل الشهادة الی تحمل الشهادة وجب علیه ذلک ، وقید هذا فی کلمات المشهور بعدم خوف الضرر ، وفی المقابل نسب الخلاف الی الشیخ بن ادریس فی السرائر ،وقیل انه ذهب الی عدم وجوب تحمل الشهادة اذا دعی الیها .

واستدل للقول المشهور - وجوب تحمل الشهادة من الکتاب بقوله تعالی ((ولایأب الشهداء إذا مادعو)) (1) ومن السنة بالروایات الآتیة الظاهرة فی وجوب تحمل الشهادة ،وقالوا بان دلالة الایة علی الوجوب واضحة لان المستفاد من قوله تعالی (ولایأب الشهداء اذا مادعو) هو حرمة الآباء عند الدعوة الی الشهادة وهذا یساوق وجوب الاستجابة ووجوب تحمل الشهادة ، واما الکلام فی ان متعلق هذا الوجوب هل هو تحمل الشهادة او اداء الشهادة فی الایة ؟ بمعنی ان الایة هل هی ناظرة الی وجوب تحمل الشهادة وحرمة الاباء عنها ؟ او هی ناظرة الی وجوب اداء الشهادة وحرمة الاباء عنها ؟ فهو محل کلام والا فالوجوب امر مسلم فیه عندهم باعتبار انه ملازم لحرمة الاباء عن التحمل ان کانت الایة ناظرة الیه او انه ملازم لحرمة الاباء عن الاداء ان کانت الایة ناظرة الیه .

والاستدلال بالایة علی وجوب التحمل تارة بلحاظ نفس الایة مع قطع النظر عن الروایات ، فیقال ان الایة ظاهرة فی وجوب التحمل لا وجوب الاداء ، واخری یستدل بالایة بمعونة الروایات الواردة فی تفسیرها .

ص: 260


1- (1) البقرة 282

أما بالنسبة الی الاستدلال بالایة بقطع النظر عن الروایات ، فقد قالوا ان ظاهر الایة هو نظرها الی تحمل الشهادة ، والوجه فی ذلک ان سیاق ایة282 من سورة البقرة والتی ورد فیها قوله تعالی ((ولایأب الشهداء إذا مادعو)) یشیر الی انها ناظرة الی تحمل الشهادة ، باعتبار ان الایة الشریفة فی صدرها امرت بکتابة الدین بعد ان قالت (إذا تداینتم بدین فإکتبوه) ، ثم ذکرت مایرتبط بکتابة الدین (ولیکتب بینکم کاتب بالعدل ) ثم بعد ذلک قالت (واستشهدوا شهیدین من رجالکم فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) ، وهنا قالوا ان الظاهر من الایة الشریفة انها ناظرة الی الاشهاد علی الدین کضمان اخر غیر مسألة کتابة الدین فیحضر شاهدان او رجل وامراتان علی الدین ولیس الایة ناظرة الی اداء الشهادة علی الدین ، ثم بلا فاصل الایة الشریفة تقول (ولایأب الشهداء إذا ما دعو ) وظاهرها ان المقصود من الشهداء هو أولئک الشهداء الذین تحملوا الشهادة علی الدین ، بمعنی ان الایة تخاطب هؤلاء انه اذا دعیتم الی تحمل الشهادة لایجوز لکم ترک التحمل ، وبهذا تکون الایة الشریفة ناظرة الی محل الکلام ، وسیاق الایات ایضاً یساعد علی ذلک باعتبار ان الایة الشریفة امرت فی صدرها بکتابة الدین ثم عقبت ذلک ب(ولایأب کاتب ان یکتب کما علمه الله ) والمقصود من لایأب کاتب نفس الکاتب الذی امرت الایة بان یکتب الدین اذا دعی الی الکتابة ثم جاءت الایة محل الکلام عقیب قوله تعالی (واستشهدوا شهیدین من رجالکم فان لم یکونا رجلین فرجل وامرتان ممن ترضون من الشهداء ) هؤلاء الشهود الذین دعوا الی تحمل الشهادة حسب الفرض یخاطبهم القرأن کما خاطب الکاتب انه اذا دعی الی الکتابة وجب علیه الکتابة کذلک الشهداء اذا دعوا الی تحمل الشهادة یجب علیهم تحملها ، فتکون الایة سیاقاً واستظهاراً ناظرة الی تحمل الشهادة .

ص: 261

ولیس فی قبال ذلک الا ما أدعاه بن إدریس من ان الایة ناظرة الی مقام أداء الشهادة ، وناقش فی کون الایة ناظرة الی مقام التحمل ، کون الظاهر من اطلاق الشهداء انه لایصح بنحو الحقیقة الا بعد التحمل وحینئذٍ یصدق الشهید علیه بنحو الحقیقة ، وهذا معناه ان الایة ناظرة الی مرحلة مابعد تحمل الشهادة والتی هی مرحلة الاداء ،واما قبل تحمل الشهادة فهؤلاء لیس شهداء ، فلا مانع من ان یقال حینئذٍ (فلایأب الشهداء اذا مادعو ) .

ولکن ماذکر لایمنع من الاستظهار السابق إذا ما تم ،إذ اطلاق الشهید علی من لم یتحمل الشهادة بعد ، له علاقة مصححة باعتبار ان الایة فرضت تحمل هؤلاء للشهادة وعبر عنهم بالشهداء باعتبار انهم سیکونون شهداء ویتحملون الشهادة ، والایة التی قبلها استعملت نفس التعبیر عندما قالت (ولایأب کاتب ان یکتب کما علمه الله ) فبعد ان امرته بان یکتب عبرت عنه بانه کاتب فی قوله تعالی (ولایأب کاتب) مع انه لم یکتب بعد ، وذلک باعتبار انه فرض فی الایة انه سیکتب .

وعلیه لایوجد محذور فی ان الشهداء یراد بهم الاشخاص الذین طلب منهم تحمل الشهادة ، فتکون الایة ناظرة الی حرمة الاباء بالنسبة الی من یدعی الی تحمل الشهادة کما نهت الکاتب من الامتناع عن الکتابة اذا دعی الیها .

وعلی کل حال ،هذا الاستظهار ان تم فی الایة وهو غیر بعید کما ذکرنا فیمکن الاستدلال بالایة نفسها علی وجوب التحمل مع افتراض صحة ماذکروا من ان الایة دالة علی الوجوب وهذا ما سیأتی الکلام فیه ، وان لم تتم هذه القرائن او شککنا فی تمامیتها ولو باعتبار ما یقوله بن إدریس فحینئذٍ ننتقل الی المرحلة الثانیة وهو الاستدلال بالایة بمعونة الروایات المفسرة وهی بحمد الله وافیة وکثیرة وظاهرة فی ان الایة ناظرة الی مقام التحمل لا الی مقام الاداء ، بل هی تکاد تکون صریحة فی ذلک إذ هی واردة فی مقام تفسیر الایة الشریفة .

ص: 262

وهذه الروایات مرویة فی الباب الاول من ابواب الشهادات :

منها- صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی قول الله عز وجل : ( ولا یأب الشهداء ) قال : قبل الشهادة ، وقوله : (ومن یکتمها فإنه آثم قلبه )قال : بعد الشهادة (1) .

أی بعد تحمل الشهادة فتکون الایة الثانیة ناظرة الی اداء الشهادة بینما الایة الاولی ناظرة الی تحمل الشهادة .

ومنها- معتبرة ابی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی قوله تعالی : ( ولا یأب الشهداء إذا ما دعوا ) قال : لا ینبغی لأحد إذا دعی إلی شهادة لیشهد علیها أن یقول : لا أشهد لکم علیها (2) .

وواضح ان الروایة تفسر الایة بتحمل الشهادة .

ومنها- موثقة سماعة عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی قول الله عزوجل (ولا یأب الشهداء إذا ما دعوا ) فقال : لا ینبغی لأحد إذا دعی إلی شهادة لیشهد علیها أن یقول : لا أشهد لکم (3) .

ومنها-معتبرة محمد بن الفضیل عن أبی الحسن ( علیه السلام ) فی قول الله عز وجل : ( ولا یأب الشهداء إذا ما دعوا ) فقال : إذا دعاک الرجل لتشهد له علی دین أو حق لم ینبغ لک أن تقاعس عنه (4) .

ص: 263


1- (2) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص309،باب1 ،ح1
2- (3) نفس المصدرح2
3- (4) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص310،باب1،ح5
4- (5) نفس المصدر ص311 ،باب1،ح7

ومنها- صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی قول الله عز وجل : ( ولا یأب الشهداء إذا ما دعوا ) قال : قبل الشهادة (1) .

وغیر هذه الرویات التی قد یناقش فی سندها .

إلی هنا یظهر ان الدلیل علی القول الاول المشهور تام وواضح.

ومنه یظهر ضعف القول الاخر الذی ذهب الیه بن إدریس خاصة کما عبروا- إشارة الی انه لم یوافقه احد من المتقدمین بعد ظهور الایة وتواتر النصوص علی انها فی مقام النظر الی تحمل الشهادة .

نعم استدل بن إدریس (قده) بالاصل اولاً وان هذه الاخبار هی اخبار احاد لاتوجب علماً ولاعملاً -کما یبنی علیه- وان الایة لیس ناظرة الی مقام التحمل بل هی ناظرة الی مقام الاداء ،وهذا یعنی عدم وجود الدلیل علی وجوب تحمل الشهادة إذ مقتضی الاصل عند الشک فی وجوب تحمل الشهادة وعدمه هو عدم الوجوب .

ویرد علیه :

اما الایة فقد تقدم ظهورها فی وجوب تحمل الشهادة ولو بمعونة الروایات المقبولة واما الاصل فانه یرفع الید عنه بالدلیل فلاتصل النوبة الیه .

ومنه یظهر ان المناقشة فی الایة الشریفة والروایات لیست تامة .

نعم هناک مناقشة ذکرها الشیخ صاحب الجواهر فی اصل استفادة الوجوب من جمیع هذه الادلة من الایة والروایات .

اما الایة الشریفة فقد یناقش فی دلالتها علی الوجوب بانه لو سلم ان الایة الشریفة (ولایأب الشهداء اذا مادعوا) -بعد افتراض انها ناظرة الی التحمل تدل علی حرمة الاباء وهو یساوق وجوب التحمل ، فان سیاق الایات قبلها وبعدها ناظر الی اداب ومستحبات لایمکن الالتزام بوجوبها ، وهذا السیاق قد یؤثر علی ظهور الایة الشریفة فی الوجوب ،إذ قوله تعالی (لایأب کاتب ان یکتب کما علمه الله ) لااحد یلتزم بان الکتابة واجبة علی الکاتب ، والمتعین حملها علی الاستحباب ، وبنفس التعبیر جاءت الایة محل البحث ، وکذا قوله تعالی (ولاتسأموا ان تکتبوه صغیراً کان او کبیراً الی اجله) فلا احد یقول ان النهی هنا الزامی ، فهی إذاً اداب ، وهذا یورث الظن القوی لکون الایة محل البحث من جملة الاداب .

ص: 264


1- (6) نفس المصدر ج27،ص311،باب1،ح8

واما بالنسبة الی الروایات فالملاحظ فیها ان معظمها تعبر بلاینبغی ما عدا روایة واحدة فقط تامر بذلک -کما سیاتی- وحیث ان لا ینبغی یوجد فیها کلام فی استفادة الطلب الالزامی منها ولو باعتبار الاصطلاح ، فلایستفاد من الروایات الوجوب .

ثم ذکر قرینة اخری وهی شدة التوعد علی کتمان الشهادة حیث قال تعالی(ومن یکتمها فانه آثم قلبه) وعدم مثل ذلک التوعد فی تحمل الشهادة وهذا یعنی ان التحمل لیس واجباً وانما هو من الاداب والمستحبات بخلاف الاداء الذی هو واجب لشدة التوعد علی ترکه .

وما یمکن ان یقال فی المقام انه : لااشکال فی ان (لایأب الشهداء اذا ما دعو) فیها ظهور فی الوجوب بحسب الظهور الاولی لکلمة (لایأب).

فإذا کان ماذکره من مجموع القرائن یشکل قرینة علی صرف هذا الظهور عن الوجوب وجعله ظاهر فی الاستحباب فهو .

واما إذا لم یشکل قرینة فهل یمنع من انعقاد هذا الظهور فی الوجوب او لا؟

قد یقال: انه حینئذ یکون من الکلام المکتنف بما یصلح للقرینة وقد اعتمد علیه المتکلم فی مقام ارادة خلاف الظاهر من الکلام وحینئذٍ یمنع من انعقاد ظهور للکلام فی الوجوب ، واما إذا لم تکن فیها هذه الصلاحیة ، فلایؤثر فی انعقاد الظهور فی الوجوب ، وبعبارة اخری انه لایصلح ان یکون قرینة یعتمد علیها فی مقام ارادة خلاف ظاهر الکلام وحینئذٍ لایمنع من انعقاد ظهور للکلام فی الوجوب .

هذا بالنسبة الی الایة .

واما بالنسبة الی الروایات فان ( لاینبغی ) فیها کلام من انها هل هی ظاهرة فی الطلب غیر الالزامی او لا؟

ص: 265

یوجد رأی انها ظاهرة فی الطلب غیر الالزامی بل هی تعبر عن المکروهات کما فی الاصطلاح فلا یستفاد منها الوجوب .

ولکن (لاینبغی) فی حد نفسها الظاهر ان معناها اللغوی هو عدم المناسبة أی هو شیء لایناسب ولایلیق فان قوله تعالی( وما علمناه السعر وماینبغی له (1) ) بمعنی انه لایناسبه ولایلیق به ، فالمعنی اللغوی لها هو ان المسلم لایناسبه هذا الشیء فهو إذاً معنی کنائی عن بیان طلب ترک ذلک الشیء .

فهو تعبیر عن الحکم الشرعی بلسان لاینبغی لک .

ولکن الکلام فی ان هذا المعنی هل یعم الاحکام الالزامیة وغیرها او لا؟

وبعبارة اخری هل ان ترک الواجبات فقط لایناسب المسلم او ان ترک المکروهات ایضاً لایناسب المسلم إذ المناسب للمسلم ان یلتزم بکل مرادات الشارع سواء کانت مرادات الزامیة او غیر الزامیة ؟

ولعل الثانی هو الأظهر أی لوبقینا نحن وهذه الکلمة فلایمکن استفادة الاستحباب منها کما لایمکن استفادة الوجوب إذ کل منهما لاینبغی للانسان المسلم .

وعلیه (لاینبغی) لاتنافی الوجوب حیث یدل الدلیل علیه ، نعم حیث لایوجد دلیل علی الوجوب یأتی هذا التشکیک فی ان لها ظهور فی الوجوب او لیس لها ظهور فی الوجوب .

مسألة 107 بحث الفقه

الموضوع: مسألة 107

خلاصة ما تقدم فی الدرس السابق ان الایة المبارکة ظاهرة فی وجوب التحمل ولو بمعونة الروایات الکثیرة التی فسرتها بالتحمل علی مابیناه فی الدرس السابق، والتعبیر بلاینبغی فی الروایات لاینافی الوجوب ،فإذا دل علی الوجوب دلیل یؤخذ به من دون محذور فی ذلک ویضاف الی هذا ان الوجوب محل اتفاق علمائنا ولم یخالف فی ذلک الا الشیخ بن ادریس باعتبار انه لایری العمل بالاخبار وان الایة ظاهرة فی الاداء لافی التحمل ، لکن من یعمل بالاخبار لابد من ان یحمل الایة علی التحمل وقلنا ان الایة لها ظهور ابتدائی فی الوجوب فلایرفع الید عنه بلا مبرر ، ویؤید ذلک روایة جراح المدائنی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إذا دعیت إلی الشهادة فأجب (2) .

ص: 266


1- (7) یس 69
2- (1) وسائل الشیعة(آل البیت) ج27،ص310، باب1من ابواب الشهادات ،ح3

فانه لیس فیها التعبیر بلا ینبغی حتی یستشکل فی ظهورها فی الوجوب وانما هی امر بصیغة افعل وهی ظاهرة فی الوجوب ،وانما قلنا یؤید ذلک باعتبار ان الروایة غیر تامة سنداً لان جراح المدائنی لم تثبت وثاقته .

ثم بعد ذلک یقول الماتن (قده) : مع عدم الضرر .

قید وجوب تحمل الشهادة اذا دعی الیها بعدم الضرر ،فمع عدم الضرر یجب التحمل واما إذا لزم من تحمله الشهادة الضرر فلایجب علیه ، وهذا القول ذکره غیره من الفقهاء تطبیقا للقواعد العامة باعتبار ان قاعدة لاضرر تقتضی عدم وجوب التحمل عندما یلزم منه الضرر.

ثم ان الفقهاء بعد اتفاقهم علی وجوب التحمل ، أختلفوا فی ان هذا الوجوب هل هو وجوب عینی او وجوب کفائی ؟

ذهب المتأخرون کافة کما ذکروا ذلک الی انه وجوب کفائی وحکی هذا القول عن الشیخ فی المبسوط والنهایة والفاضلین والشهیدین والصیمری وغیرهم ، وحکی القول الاخر عن المفید وابی الصلاح الحلبی وابن البراج والدیلمی سلاّر وابن زهرة ، والذی یفهم من کلماتهم ان المراد بالعینیة هو ان من یدعی الی الشهادة یجب علیه القبول والتحمل حتی إذا دعی الیها من یتحملها وکان به الکفایة ،فإذا فرض ان شخصاً ما دعی الی الشهادة رجلین عادلین او دعی رجل وامراتین وهؤلاء بهم الکفایة فی باب الشهادة ودعی ایضاً رجل اخر فیجب علیه القبول وتحمل الشهادة .

وبطبیعة الحال یقابله الوجوب الکفائی الذی یری ان من به الکفایة إذا دعی الی التحمل وتحمل الشهادة فلا یجب علی غیره القبول والتحمل إذا دعی الیها لان الوجوب کفائیاً وقد قام به الغیر فیسقط عن الاخر .

ص: 267

ولکن یفهم من کلام السید الماتن انه یفسر العینیة بتفسیر اخر- إذ انه یذهب الی کون الوجوب عینیاً وهو ان من یدعی الی الشهادة یجب علیه القبول حتی إذا کان هناک من یمکن اشهاده واما إذا دعی غیره الی تحمل الشهادة وتحقق تحمل الشهادة من هذا الغیر فلا یجب علیه القبول ، ویظهر الفرق بین التفسرین فی حالة ماإذا دعی من له اهلیة تحمل الشهادة وتحمل الشهادة ثم دعی شخصاً ثالثاً ، فعلی التفسیر الاول للعینیة یجب علیه القبول ،واما علی التفسیر الثانی للعینیة فلایجب علیه القبول فی هذه الحالة . هذا ولکن الذی یظهر من کلمات الفقهاء الذین اختاروا العینیة هو التفسیر الاول بمعنی انه إذا دعی الی الشهادة یجب علیه القبول مطلقاً سواء کان هناک من له اهلیة تحمل الشهادة او لم یکن وسواء تحملها من به الکفایة او لم یتحملها .

ویدل علی ان المستفاد من کلمات الفقهاء هو هذا المعنی من العینیة هو ان من الادلة التی استدل بها القائلون بالکفائیة الأولویة ومقصودهم من الأولویة هو ان أداء الشهادة بالاتفاق واجب کفائی ، وإذا کان أداء الشهادة واجب کفائی فتحملها اولی ان یکون واجبا کفائیاً ، وقد اجاب عن هذا الدلیل القائل بالعینیة بالمنع من قیاس مقام التحمل بمقام الاداء وأقامة الشهادة بأعتبار ان أداء الشهادة یحصل الغرض منه بمجرد أقامة الشهادة من قبل عادلین او من قبل رجل وامراتین فی موارد قبول ذلک واقامة الشهادة من قبل غیرهما لایترتب علیه أی أثر فعندما یقیم من به الکفایة للشهادة یسقط عن الباقی أداء الشهادة ، وأما فی محل تحمل الشهادة فإنه یمکن تصور فائدة لتحمل الشهادة بالرغم من تحمل من به الکفایة لها وهو انه یحتمل ان یعرض الموت او الفسق او الغیبة لمن تحمل الشهادة فیقوم غیره مقامه ممن تحملوا الشهادة ، وهذا الکلام ظاهر فی ان مقصودهم من العینیة خلاف ما یقوله السید الماتن فان المقصود ان الشخص إذا دعی الی تحمل الشهادة یجب علیه القبول حتی إذا تحمل الشهادة من به الکفایة لإحتمال ان یموت احد الشاهدین او یغیب ، ولیس مقصودهم انه یجب علیه القبول فی صورة إذا کان هناک من له أهلیة تحمل الشهادة .

ص: 268

واما ما هو الصحیح منهما فنؤخر الکلام فیه الی مابعد استعراض الادلة .

واما ان وجوب التحمل هل هو عینیاً و کفائیاً؟ فالظاهر ان الکل یسلمون ان الظهور الاولی من الادلة کتاباً وسنةً هو ان الوجوب عینیاً کما هو الحال فی سائر الاوامر فان الاصل فیها ان تکون عینیة لاکفائیة ،فالادلة التی تأمر بتحمل الشهادة مقتضاها ان یکون الوجوب عینیاً فکل من دعی الی تحمل الشهادة لاینبغی له ان یقول لاأشهد کما ذکرت الروایات ، وهکذا الحال فی الایة الشریفة (ولایأب الشهداء إذا مادعو) فانه یجب علی الانسان القبول إذا دعی الی التحمل بناءً علی تفسیر الایة بالتحمل -کما تقدم - وهذا مقتضاه ان الوجوب عینیاً سواء تحملها من به الکفایة او لم یتحملها من به الکفایة .

إذاً الظهور الاولی للادلة هو ان الوجوب عینیاً لاکفائییاً.

وقد اعترف بهذا الظهور بعض من یقول بالکفائیة کالسید فی الریاض لکنه ذکر بان اطباق المتأخرین علی الکفائیة یرجحه أی یرجح القول بالکفائیة بالرغم من ان الظهور الاولی للادلة تقتضی العینیة ، واستدل له بالأولویة کما اشرنا الیه من قبل .

وأقول : انه لایخفی بعد الاعتراف بان مقتضی الادلة کتاباً وسنةً هو العینیة لا الکفائیة فلا مجال لرفع الید عن هذا لظهور بإطباق المتأخرین علی الکفائیة مع ذهاب جماعة من المتقدمین کما نقلنا الی العینیة ،وأما الأولویة فقد تقدم الجواب عنها .

هذا ولکن المحقق النراقی فی المستند استدل بدلیل اخر کما ذکر فی الریاض فقال : الاحسن ان یستدل علی انه واجب کفائی بغیر ماتقدم وحاصل ماذکره : التمسک بظاهر الایة الشریفة (ولایأب الشهداء إذا ما دعو ) باعتبار ان ظاهر الایة ان الله سبحانه وتعالی أمر اولاً بإستشهاد شهیدین من رجالکم فإن لم یکونا رجلین فرجل وامراتان ثم قال (ولایأب الشهداء إذا ما دعو) وقیل ان اللام فی الشهداء للعهد الذکری وحینئذٍ یکون المعنی ولایأب الرجلان او الرجل وامراتان عن الاجابة فالنهی عن الاباء الذی یستفاد منه وجوب القبول انما هو للرجلین او للرجل والمراتین لا لکل احدٍ ،وحینئذٍ إذا اجاب هؤلاء وتحملوا الشهادة فلا یکون هناک مایدعوا الاخرین الی تحمل الشهادة إذ لایوجد نهی عن اباءهم حتی یستکشف وجوب التحمل بالنسبة الی الیهم .

ص: 269

فیکون ظاهر الایة ایضاً کون الوجوب کفائیاً لاعینیاً .

ولکن یمکن التأمل فی ماذکره من ان اللام فی قوله تعالی (الشهداء ) للعهد الذکری ،إذ یحتمل ان تکون اللام فی الایة للجنس أی لایأب جنس من له قابلیة تحمل الشهادة عن القبول وهو عام للرجلین وغیرهم فلا داعی لتخصیص الشهادة بهؤلاء بدعوی ان اللام للعهد الذکری .

ولو تنزلنا وقلنا ان اللام للعهد الذکری ولکن یمکن ان یقال ان المعهود لیس هما الرجلان او الرجل والمراتان بل یمکن ان یکون المعهود هو الشهداء المذکور قبل الایة مباشرةً لان الایة تقول(فان لم یکونا رجلین فررجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء ولایأب الشهداء إذا ما دعو) فانه أقرب ومن الممکن ان یکون الشهداء عهداً ذکریاً والظاهر ان المراد من الشهداء فی قوله تعالی (ممن ترضون من الشهداء ) لیس هو خصوص الرجلین او الرجل وامراتین بل هو معنی عام لان من للتبعیض بحسب الظاهر فیراد به مایشمل الرجلین وغیرهم أی من له قابلیة تحمل الشهادة ثم تقول الایة ان هؤلاء الذین لهم قابلیة تحمل الشهادة لایأبوا عن تحملها إذا مادعو الیها فلا یختص النهی بخصوص الرجلین او بالرجل وامراتین .

وعلی کل حال یبدو انما ذکره المحقق النراقی لایمکن التعویل علیه للقول بان دلالة الایة ظاهرة فی الوجوب الکفائی .

ومن هنا یکون ماذهب الیه جماعة من المتقدمین وجماعة من المتأخرین جداً کالسید الماتن وغیره من ان وجوب التحمل عینیاً هو الصحیح .

هذا ولکن هذه النتیجة یوجد قبلها امران لابد من التحقق منهما حتی یمکن الالتزام بالعینیة :

الاول: ما قیل من ان البناء علی العینیة یستلزم وجوب البناء علی ان المائة او المئتین إذا دعو الی التحمل یجب علیهم الاجابة وهو بعید .

ص: 270

الثانی : وقد ذکره السید الماتن وهو ان المفهوم من الایة الشریفة وجوب الاجابة علی من دعی الی تحمل الشهادة عند الاستشهاد وهو مختص بحسب ظاهر الایة بالرجلین او الرجل والمراتین المذکورین فی صدر الایة، فکأنه قال الرجلان الذین استشهدا یجب علیهم تحمل الشهادة او الرجل والمراتان کذلک ، واما غیرهم فالایة لیس فیها دلالة علی وجوب قبولهم للشهادة .فنصل الی نفس النتیجة التی وصل الیها المحقق النراقی غایة الامر ان الوجوب عنده کان کفائیاً واما السید الماتن یقول انه لیس کفائیا بل هو عینیاً ولیس المراد من الوجوب العینی ان کل من دعی الی تحمل الشهادة یجب علیه القبول وانما معناه ان من دعی الی تحمل الشهادة یجب علیه القبول حتی إذا کان هناک من له قابلیة تحمل الشهادة واما إذا تحملها من به الکفایة فلا یجب علی غیره تحملها .

المسألة 110 بحث الفقه

الموضوع: المسألة 110

کان الکلام فی تحمل الشهادة ،وقلنا انهم اتفقوا علی وجوبه ، لکنهم اختلفوا فی ان وجوبه عینیاً او کفائیاً؟

وقلنا ان المشهور بینهم انه کفائی بمعنی عند قیام من به الکفایة لتحمل الشهادة یسقط وجوب تحمل الشهادة عن الغیر فی مقابل العینیة التی تعنی عدم سقوط الوجوب بقیام من به الکفایة بتحمل الشهادة .

هذا ولکن السید الماتن (قده) ذهب الی العینیة ولکن یفسرها بتفسیر اخر وهو عند قیام من به الکفایة بتحمل الشهادة بعد دعوته یسقط الوجوب عن الغیر وهو نفس معنی الکفائیة التی قال بها المشهور ولکن لم یسمه بالکفائی وذلک للفرق بینهما فی صورة العلم بوجود من له اهلیة تحمل الشهادة فان وجوب التحمل لایسقط عنده فسمی هذا الوجوب بالعینی ، والفرق بین القول بالعینیة علی غیر المعنی الذی اختاره السید الماتن والقول بالکفائیة علی المشهور فی صورة اذا تحمل من به الکفایة الشهادة کرجلین عادلین فانه علی القول بالکفائیة یسقط الوجوب وعلی القول بالعینیة لایسقط .

ص: 271

وقد قربنا العینیة بالمعنی المعروف تمسکاً باطلاقات الادلة من الکتاب والسنة ،إذ هی بمضمون واحد وهو وجوب تحمل الشهادة علی من دعی الی تحملها ولایجوز له ان یقول لاأشهد سواء تحمل الشهادة غیره او لم یتحملها وهذا هو مقتضی إطلاق کل واجب من الحمل علی العینیة دون الکفائیة ، ولایمنع من الاخذ بإطلاق الادلة الا دعوی عدم الفائدة من بقاء وجوب التحمل وعدم سقوطه .

وقد اجبنا علیه وقلنا ان الفائدة موجودة وذلک لان الغرض الاصلی للتحمل قد لایتحقق من اشهاد عادلین فقط لاحتمال الموانع التی قد تطرء علی هذین الشاهدین من الموت او الغیبة او الفسق ونحو ذلک فلا ضیر من ان یشهد صاحب الحق اکثر من شاهدین احتیاطاً لئلا یضیع حقه .

فإذاً یمکن تصور فائدة من وجوب التحمل حتی مع قیام من به الکفایة بتحمل الشهادة ، وعلیه لامانع من القول بالوجوب العینی لتحمل الشهادة بمعنی وجوب الاستجابة علی من دعی الی تحمل الشهادة حتی لو تحملها عادلان .

نعم ، قلنا ان هذا یؤدی الی شیء قد لایمکن الإلتزام به -کما ذکر بعض الفقهاء- من وجوب الاجابة علی المائة والمائتین إذا دعو الی تحمل الشهادة ،وهذا من الصعب الالتزام به.

ولکن یمکن ان یقال مادامنا نحتمل عدم تحقق الغرض من الاشهاد فلا مانع من الإلتزام بالوجوب العینی للتحمل لوضوح ان التحمل طریق الی أداء الشهادة ولیس علی نحو الموضوعیة فصاحب الحق نظره الی اقامة الشهادة وهو غرضه الاصلی من الاشهاد ولذا لو تحمل اثنین الشهادة لایسقط الغرض إذ الغرض لیس فی نفس التحمل وانما الغرض هو الاداء وفی مقام الاداء قد یموت واحد منهما او یغیب فلا یتحقق الغرض من الاشهاد .

ص: 272

واما إذا علمنا تحقق الغرض من الاشهاد کما إذا قطعنا بشهادة عادلین فی مقام أداء الشهادة فحینئذٍ لاداعی للإلتزام بوجوب تحمل الشهادة علی مازاد علی هذا المقدار وهذا من قبیل ما سیأتی فی اداء الشهادة من انه إذا ادی الشهادة من به الکفایة فلا اشکال فی سقوط الوجوب عن الباقین بالاتفاق لتحقق الغرض من الاداء .

فدعوة المائة والمائتین تدخل فی هذا الباب لانه لااشکال من تحقق الغرض من التحمل بعدد اقل من هذا المقدار یضمن بها أداء الشهادة عند طلبها وحینئذٍ یسقط الوجوب عن الباقین فلا یجب علیهم الاستجابة الی الاشهاد لو دعو، وهذا لایمکن تحدیده بضابط معین وانما یختلف باختلاف الحالات .

وعلیه ، فالإلتزام بعینیة وجوب التحمل لایعنی انه إذا دعی الالف او الالفین الی تحمل الشهادة یجب علیهم جمیعاً الاجابة .

هذا ، ولکن السید الماتن حیث التزم بان وجوب التحمل عینی ولکن فسر العینیة بما یرجع فی روحه الی الکفائیة التی التزم بها المشهور والإلتزام بالکفائیة علی خلاف إطلاقات الادلة من الکتاب والسنة إذ ان مقتضاها العینیة إدعی وجود قرینة علی تقیید إطلاقات الادلة وحاصلها :

ان الواجب هو تحمل الشهادة عند الاستشهاد ، والاستشهاد المأمور به فی الایة یختص باستشهاد رجلین ورجل وامراتین کما تقول الایة (واستشهدوا شهیدین من رجالکم فان لم یکونا رجلین فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء) (1) بمعنی عند استشهاد رجلین یجب علی هذین الرجلین الاجابة فقط واما ماعداهما فلا یجب علیه التحمل ، ولذا التزم (قده) بعدم وجوب التحمل علی الغیر لو تحمل من به الکفایة الشهادة وفاقاً الی المشهور وان سمی مثل هذا الوجوب بالعینی لان جهة الملاحظة متعددة بینه وبین المشهور لکنهما یتفقان علی انه عند قیام من به الکفایة بتحمل الشهادة فان الوجوب یسقط عن الباقین .

ص: 273


1- (1) البقرة282

وهذا الکلام منه(قده) یرجع فی روحه الی مانقلناه عن المحقق النراقی مع تغییر فی الاستدلال .

هذا ، ولکن الظاهر ان النهی عن الاباء فی قوله تعالی (ولایأب الشهداء ) الذی یلازم وجوب التحمل منوط فی الایة المبارکة بقوله (إذا ما دعو) وقد تقدم ان الشهداء لایراد بها العهد الذکری کما ذکر صاحب المستند فلایراد بها الاشارة الی الرجلین او الرجل والمراتین وانما یحتمل ان المراد به الجنس أی کل من له قابلیة الشهادة .

ویضاف الی هذا انه حتی لو التزمنا بان هذا صحیح فی الایة المبارکة باعتبار ان موردها هو الرجلان او الرجل والامراتان ، ولکن هذا لایمنع من التمسک بإطلاق الادلة الاخری التی لیس فیها الاشارة الی خصوص الشهداء الذین ذکرتهم الایة ، فان مضمونها انه لایجوز لاحدٍ ان یقول لاأشهد إذا دعی الی الشهادة ،وحینئذٍ لامانع من القول بوجوب التحمل علی غیر الرجلین والرجل والامراتین ، هذا إذا سلمنا ان الایة فیها هذه الدلالة التی ادعوها ، واما إذا لم نسلم ذلک فتکون الایة والنصوص متوافقة علی وجوب التحمل علی الغیر حتی لو قام به من به الکفایة بالمقدار الذی اشرنا الیه لامطلقاً .

هذا تمام الکلام فی مسألة 110 وبعد ذلک یقع الکلام فی المسألة 107

قال(قده): مسألة 107: لاخلاف فی وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم یکن فیه ضرر علیه.

.............

وواضح ان الکلام عن وجوب إقامة الشهادة لایکون الا بعد تحملها والا من لم یتحمل الشهادة لیس فقط لایجب علیه أداء الشهادة بل لایجوز له إقامة الشهادة ، ومن نتکلم عنه فی وجوب أداء الشهادة هو العالم بالواقع أی تحمل الشهادة ، وحینئذٍ یقع الکلام فی انه هل یجب علیه أداء الشهادة او لایجب علیه ذلک ؟

ص: 274

وهنا ذکر الفقهاء بان تحمل الشهادة علی نحوین :

الاول: ان یکون تحمل الشهادة بطلب من المشهود له .

الثانی : ان لایکون التحمل بطلب من المشهود له وانما هو تحمل تبرعی او حصل من باب الاتفاق والصدفة .

والکلام فی النحو الاول منهما وهو تحمل الشهادة بطلب من المشهود له وبعد تحمله للشهادة فهل یجب علیه إقامة الشهادة او لا؟

والظاهر انه لااشکال عندهم فی وجوب إقامة الشهادة فی هذا النحو وقد حکی الاجماع علیه مستفیظاً من قبل جماعة من الفقهاء ، واستدل علی ذلک:

اولاً : بقوله تعالی (ولاتکتموا الشهادة ومن یکتمها فإنّه آثم قلبه ) (1) فان فیها تنبیه علی الاثم الذی یترتب علی کتمان الشهادة ، وهی ناظرة الی مقام الاداء لا الی مقام التحمل لان قوله تعالی (ولاتکتموا الشهادة) یستبطن تحمل الشهادة ،ونهی عن کتمانها وهذا لایکون الا فی مقام الاداء ، مضافاً الی الروایات الصریحة الدالة علی ان هذه الایة ناظرة الی مقام الاداء عکس الایة (ولایأب الشهداء إذا مادعو) فانها ناظرة الی مقام التحمل کصحیحة هشام بن سالم عن ابی عبد الله (ع) فی قول الله عزوجل (ولایأب الشهداء إذا ما دعو) قال: قبل الشهادة ، وقوله (ومن یکتمها فإنه آثم قلبه) قال: بعد الشهادة (2) .

فان المقصود بالاول تحمل الشهادة والثانی إقامة الشهادة بعد تحملها مضافاً الی ماقلناه ان نفس النهی عن کتمان الشهادة یستبطن تحمل الشهادة فان الذی لم یتحمل الشهادة لامعنی لان ینهی عن کتمانها .

ص: 275


1- (2) البقرة 282
2- (3) الوسائل ج27، ص309،باب 1 من ابواب الشهادات ،ح1

فإذاً الایة الشریفة ناظرة الی مقام الاداء .

ویبقی شیء لتتمیم الاستدلال بالایة فی محل الکلام ،إذ کلامنا فی وجوب إقامة الشهادة بطلب من المشهود له ،فهل الایة ناظرة الی هذا؟

السید الماتن یذهب الی ان الایة ناظرة الی وجوب إقامة الشهادة بعد تحملها بالاستدعاء ، لان الایة واردة بعد الامر باستشهاد رجلین او رجل وامراتین وبعد الامر بتحمل الشهادة عند الدعوة فتکون ظاهرة فی وجوب الاداء وحرمة کتمان تلک الشهادة التی تحملها بطلب من المدعی إذ قوله تعالی (واستشهدوا شهیدین من رجالکم او رجل وامرتین) (1) هذا خطاب موجه الی من یرید ان یقرض مالاً الی الغیر ، وبعد ذلک الایة تقول (ومن یکتمها فإنّه آثم قلبه) أی بعد فرض التحمل وانه بالاستدعاء قالت انه یحرم علیه کتمان الشهادة .

وأقول: ماذکره السید الماتن کلام وجیه أی یمکن ان یستفاد من الایة ذلک ، وعلی تقدیر ان لا یکون مورد الایة هو تحمل الشهادة بالاستدعاء فتکون الایة مطلقة وحینئذٍ تکون شاملة محل الکلام بالاطلاق ،أی لو کانت مختصة بالاستدعاء او کانت غیر مختصة بالاستدعاء أی من تحمل الشهادة مطلقاً یجب علیه اداؤها فهو ایضاً ینفعنا فی مقام الاستدلال بها فی النحو الاول .

هذا ، وهناک روایات ذکرها الفقهاء ومعظمها لیس تاماً من حیث السند بل لعل کلها کذلک کروایة جابر عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه وآله ) : من کتم شهادة أو شهد بها لیهدر بها دم امرئ مسلم أو لیزوی بها مال امرئ مسلم أتی یوم القیامة ولوجهه ظلمة مد البصر وفی وجهه کدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادة حق لیحیی بها حق امرئ مسلم أتی یوم القیامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر ( علیه السلام ) : ألا تری أن الله عز وجل یقول : ( وأقیموا الشهادة لله ) (2) .

ص: 276


1- (4) البقرة 282
2- (5) الوسائل ج27،ص312 ،باب 2 من ابواب الشهادات ،ح2

وفی سندها مشکلة ولکنها مرویة بعدة طرق کما یذکر صاحب الوسائل فی الکافی وفی الفقیه وعقاب الاعمال والامالی .

وروایة الحسین بن زید عن الصادق عن آبائه ( علیهم السلام ) عن النبی ( صلی الله علیه وآله ) فی حدیث المناهی - أنه نهی عن کتمان الشهادة وقال : ومن کتمها أطعمه الله لحمه علی رؤوس الخلائق وهو قول الله عز وجل : ( ولا تکتموا الشهادة ومن یکتمها فإنه آثم قلبه ) (1) .

وکذا الحدیث الخامس والسادس فی نفس الباب ، فان فیها دلالة علی وجوب اداء الشهادة ،ولو نوقش فیها من جهة السند یکفینا الاستدلال بالایة الشریفة فی المقام .

مسألة 108 بحث الفقه

الموضوع: مسألة 108

قال(قده):( مسألة 108 ) : الظاهر أنّ أداء الشهادة واجب عینی ، ولیس للشاهد أن یکتم شهادته وإن علم أنّ المشهود له یتوصّل إلی إثبات مدّعاه بطریق آخر . نعم ، إذا ثبت الحقّ بطریق شرعی سقط الوجوب .

ذکر هذه المسألة بعد مسالة 107 وقبل مسالة 109 التی یتعرض فیها الی النحو الثانی لتحمل الشهادة وهو تحمل الشهادة من دون إستدعاء وطلب کأنّه یشعر بان النزاع فی ان وجوب أداء الشهادة هل هو عینی او کفائی؟ یختص بالوجوب فی النحو الاول من تحمل الشهادة ، بینما هو لایختص بذلک ، بمعنی ان الکلام فی وجوب اداء الشهادة فی النحوین لو قلنا بالوجوب فی النحو الثانی کما هو احد الاقوال فی المسالة کما سیأتی ، بل الکلام فی مطلق وجوب أداء الشهادة هل هو عینی او کفائی؟

ص: 277


1- (6) الوسائل ج27،ص313،باب 2 من ابواب الشهادات ،ح4

وعلی کل حال فالظاهر أتفاق الفقهاء علی أن أداء الشهادة واجب کفائی ، بل حکی الاجماع علیه فی کلماتهم من قبل جماعة من الفقهاء ، لکن السید الماتن یقول هو واجب عینی ، وفسر العینیة بانه لیس للشاهد ان یکتم شهادته وان علم ان المشهود له یتمکن من اثبات مدعاه بطریق اخر فمثل هذا لایسقط عنه الوجوب ولذا صار وجوب اداء الشهادة وجوباً عینیاً ، وأما إذا ثبت مدعی المشهود له بان شهد له فعلاً عادلان فهنا یسقط الوجوب والمشهور یتفق معه علی ذلک ، ولکن المشهور سمّی هذا بالواجب الکفائی لانه إذا قام به الغیر سقط عن الباقین لانه لاحظ الاداء (الذی هو الواجب) بالقیاس الی صدوره من الغیر وعدم صدوره ولاحظ ان وجوب اداء الشهادة یسقط بلا اشکال عند صدوره من الغیر ، والسید الماتن وافق علی هذه النتیجة فیقول یسقط الوجوب بقیام الغیر باداء الشهادة وثبوت المدعی ، لکنه سماه عینی لانه لاحظ الاداء الواجب لیس بالنسبة الی صدوره من الغیر وعدم صدوره ، وانما لاحظه بالنسبة الی العلم بتمکن الغیر من اثبات مدعاه بطریق اخر وعدم العلم بذلک ، وحینما لاحظ بان الاداء واجب بالرغم من التمکن من اثبات المدعی بطریق اخر سماه بالواجب العینی .

إذاً الجهة الملحوظة فی تسمیة هذا الواجب بالعینی او الکفائی یبدو انها مختلفة فیما بین السید الماتن والمشهور.

ومن هنا یمکن ان یقال انه لاخلاف حقیقی بینهما ، بمعنی ان کل منهما یتفق علی سقوط الوجوب عند صدور الاداء من الغیر وکل منهما یتفق علی عدم سقوط الوجوب بمجرد العلم من اثبات مدعاه بطریق اخر غایة الامر انهما یختلفان فی التسمیة فأحدهما یسمیه بالواجب العینی والاخر یسمیه بالواجب الکفائی .

ص: 278

ویبدو ان تسمیة المشهور هی الاصح ، بإعتبار ان المتعارف فی تقسییم الواجب الی عینی او کفائی هو ملاحظة الواجب بالقیاس الی صدوره من الغیر او عدم صدوره ، فیقال ان الصلاة او الصوم او غیرهما واجبات عینیة لان الواجب لایسقط فی حال صدوره من الغیر ، وبعبارة اخری لیس الغرض قائم بذات الفعل وتحققه بالخارج فقط ، بل الغرض صدور الفعل من الفاعل مع توجه الخطاب الی جمیع المکلفین ،واما لو کان الغرض الداعی الی الوجوب هو تحقق الفعل من أی فاعل کان فهذا الوجوب یسقط بتحقق غرضه عند قیام احد الاشخاص بالاتیان بالعمل وهذا هو الواجب الکفائی ، فالملحوظ فی الواجب العینی والواجب الکفائی هو الفعل بالنسبة الی صدوره من الغیر وعدم صدوره من الغیر .

وتطبیق هذا المیزان فی محل الکلام یجعل کلام المشهور صحیحاً لان الأداء الواجب بالاضافة الی صدوره من الغیر وعدم صدوره یسقط بافتراض صدوره من الغیر مما یعنی انه واجب کفائی لاواجب عینی ، وهذا بخلاف التحمل الذی استقربنا انه واجب عینی تمسکاً بإطلااقات أدلته إذ هو لایسقط بقیام من به الکفایة به ، ودعوی لابدیة سقوط الوجوب فیه بتحقق غرضه مدفوعة -کما ذکرنا - بان مجرد تحمل اثنان للشهادة لایورث علماً بتحقق الغرض لاحتمال طرو احد الموانع من قبیل الموت والمرض ونحوهما ، فلامانع من الاحتیاط بإشهاد اکثر من اثنین ممن به الکفایة لکی یحقق غرضه من ضمان اداء الشهادة فی وقتها فلا مانع من الالتزام بالوجوب العینی للتحمل بمعنی انه لایسقط بمجرد قیام من به الکفایة .

وعلی کل حال ، إنّ وجوب الاداء لایسقط بمجرد العلم بان المشهود له یتمکن من اثبات مدعاه بطریق اخر کما ذکر السید الماتن وهذا لاأشکال فیه عند الطرفین، کما انه لاأشکال من سقوط الوجوب عند قیام من به الکفایة باداء الشهادة وثبوت المدعی بها .

ص: 279

قال(قده):( مسألة 109 ) : یختصّ وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد ، ومع عدم الإشهاد ، فهو بالخیار إن شاء شهد وإن شاء لم یشهد. نعم ، إذا کان أحد طرفی الدعوی ظالماً للآخر وجب أداء الشهادة لدفع الظلم وإن لم یکن إشهاد.

................

مشهور المتأخرین ذهبوا الی وجوب أداء الشهادة ولم یفرقوا بین نحوی تحمل الشهادة ، بمعنی انه یجب علی من تحمل الشهادة ولو من دون إستدعاءٍ ان یؤدی الشهادة ، وفی المقابل ذهب جماعة من القدماء علی ماحکی عنهم الی عدم الوجوب کالاسکافی والشیخ فی النهایة وظاهر الحلبی والقاضی وبن حمزة وبن زهرة والکلینی والصدوق فان المفهوم من کلمات هؤلاء انهم یرون عدم وجوب الاداء حتی فی النحو الثانی .

ومن هنا وجد استفهام عن منشأ هذا التضارب فی الکلمات مع ان الروایات کثیرة وصریحة وصحیحة علی عدم الوجوب إذ مضمونها انه بالخیار بیین ان یشهد او ان لایشهد .

ویدل علی عدم الوجوب روایات عدیدة مرویة فی الباب الخامس من ابواب الشهادات:

منها: صحیحة محمد بن مسلم عن ابی جعفر ( علیه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها ، فهو بالخیار إن شاء شهد ، وإن شاء سکت (1) .

ومنها: صحیحة هشام بن سالم عن ابی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها ، فهو بالخیار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سکت ، وقال : إذا أشهد لم یکن له إلا أن یشهد (2) .

ص: 280


1- (1) الوسائل (آل البیت) ج27،ص317،ح1
2- (2) الوسائل(آل البیت) ج27،ص318،ح2

ومنها: صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر ( علیه السلام )قال: إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها ، فهو بالخیار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سکت (1) .

ومنها: صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر الباقر ( علیه السلام ) فی الرجل یشهد حساب الرجلین ، ثم یدعی إلی الشهادة قال : إن شاء شهد ، وإن شاء لم یشهد (2) .

ومنها: روایة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) عن الرجل یحضر حساب الرجلین فیطلبان منه الشهادة علی ما سمع منهما ، قال : ذلک إلیه إن شاء شهد ، وإن شاء لم یشهد ، وإن شهد شهد بحق قد سمعه ، وإن لم یشهد فلا شئ ، لأنهما لم یشهداه (3) .

والمراد من(فیطلبان منه الشهادة) هو طلب أداء الشهادة .

وهذه الروایات علی کثرتها تردد المتاخرون فی الاخذ بمضمونها ،وقد علل الشهید الثانی ذلک بعموم الادلة علی إقامة الشهادة وبإنها امانة حصلت عنده فوجب علیه الخروج منها کما ان الأمانات المالیة تارةً تحصل عنده بقبولها کالودیعة وتارةً بغیره کتطیّر الریح وما نحن فیه من هذا القبیل وعل کلا التقدیرین یجب علیه أداؤها .

وهذا الکلام لایسعنا الموافقة علیه.

أما الاول فواضح ، فإنّ عموم ادلة إقامة الشهادة یخصص بما دل من الروایات علی التخییر فی النحو الثانی من التحمل .

وأما الثانی ، فإنّه مجرد استحسان خصوصاً مع وجود هذه اروایات الصحیحة التی تفصل بین النحوین من التحمل .

ص: 281


1- (3) الوسائل(آل البیت) ج27،ص318،ح3
2- (4) الوسائل(آل البیت) ج27،ص319،ح6
3- (5) الوسائل(آل البیت) ج27،ص319،ح5

وعلی کل حال ، یبدو ان الصحیح ماعلیه المتقدمین من الذهاب الی عدم الوجوب نعم ، لابد من تقیید عدم الوجوب فی النحو الثانی بما إذا لم یکن احد الطرفین ظالماً للأخر ، واما إذا کان أحدهما ظالماً للأخر بحسب تشخیص من تحمل الشهادة فیجب علیه أداء الشهادة ، وقد صرح بها الاستدراک بعض المتقدمین الذین ذهبوا الی عدم الوجوب کالشیخ فی النهایة والصدوق ، ودلت علیه أکثر من روایة معتبرة والعمدة هی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها ، فهو بالخیار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سکت ، إلا إذا علم من الظالم فیشهد ، ولا یحل له إلا أن یشهد (1) .

ومرسلة یونس عن بعض رجاله عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها ، فهو بالخیار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سکت ، إلا إذا علم من الظالم فیشهد ، ولا یحل له أن لا یشهد (2) .

فان الخدش فیها من جهة الارسال من قبل یونس فقط واما باقی رجال السند لابأس بهم .

وعلیه ، فماذکروه من الاستدراک صحیح ولابد من لالتزام به لقیام الروایة الصحیحة علیه .

والظاهر ان المراد من الظالم هو مطلق من یأخذ حق الغیر ولو لم یکن عن علم وعمد فیجب علی من تحمل الشهادة أداء الشهادة حینئذٍ وان کان الآخذ یعتقد ان ماأخذه هو حق له .

ص: 282


1- (6) الوسائل(آل البیت) ج27،ص318،من نفس الباب ،ح4
2- (7) الوسائل(آل البیت) ج27،ص320،ح10

مسألة 111 بحث الفقه

الموضوع : مسألة 111

قال(قده) :( مسألة 111 ) : تقبل الشهادة علی الشهادة فی حقوق الناس ، کالقصاص والطلاق والنسب والعتق والمعاملة والمال وما شابه ذلک ولا تُقبل فی الحدود ، سواء أکانت لله محضاً أم کانت مشترکة ، کحدّ القذف والسرقة ونحوهما

الشهادة علی الشهادة هی التی تسمی بشهادة الفرع ، وقبول الشهادة علی الشهادة فی حقوق الناس -کما عبر السید الماتن- کالقصاص والطلاق والنسب والعتق والمال مورد أتفاق وادعی عدم الخلاف والاجماع فی کلمات جماعة علیه .

والظاهر هو عدم الفرق فیما تقبل فیه الشهادة علی الشهادة فی حقوق الناس بین ان یکون عقوبة کالقصاص وان یکون غیر عقوبة کالطلاق والنسب والنکاح ومن دون فرق بین ان یکون من المال کالقرض والمضاربة وبین سائر المعاوضات ، وبین ان یکون مما یطلع علیه سائر الرجال وبین مالایطلع علیه الرجال کالولادة والاستهلال وعیوب النساء ،ففی کل هذه الحالات ظاهر کلامهم ان الشهادة علی الشهادة تکون مقبولة ومسموعة .

ویستدل علی قبول الشهادة علی الشهادة فی حقوق الناس :

أولاً : إطلاق أدلة قبول الشهادة ، فکل دلیل یدل علی قبول الشهادة واعتبارها کما یشمل نفس الواقعة المشهود بها کذلک یشمل الشهادة ،کما لو جاء عادلان وشهدا علی نفس الواقعة تکون شهادتهما مقبولة فکذلک إذا جاء عادلان وشهدا علی شهادة شخص علی تلک الواقعة تکون مقبولة ایضاً ، فان الاصل الذی شاهد الواقعة قد لایتمکن من الحضور امام الحاکم ، فیأتی شاهدان عادلان یشهدان بشهادته فیثبت عند الحاکم شهادة الاصل ، فإذا شهد نفس العادلین او غیرهما بشهادة شخص اخر أمام الحاکم فحینئذٍ تثبت البینة علی الواقعة عند الحاکم ، هذا هو مقتضی إطلاق أدلة قبول الشهادة وهوعدم الفرق بین ان یشهد بنفس الواقعة او یشهد علی الشهادة بان فلان شهد بالواقعة ، فالشهادة بالواقعة ایضاً تثبت بالبینة ، أی تثبت بشهادة الفرع ، فلا داعی لتقیید أدلة اعتبار البینة بخصوص الشهادة بنفس الواقعة.

ص: 283

الثانی والثالث : هما عبارة عن موثقتین أستدل بهما علی ذلک ، وهما موجدتان فی الباب 44 من ابواب الشهادة :

الاولی: موثقة طلحة بن زید عن أبی عبد الله ، عن علی ( علیهم السلام ) أنه کان لا یجیز شهادة رجل علی رجل إلا شهادة رجلین علی رجل (1) .

وجمیع رجال السند لابأس بهم ،ولکن حیث ان طلحة بن زید لیس من أصحابنا سمیت الروایة بالموثقة .

وهی ظاهرة الدلالة فی ان شهادة رجل واحد لاتثبت بها شهادة الاصل ، بل شهادة رجلین تثبت بها شهادة الاصل .

الثانیة: موثقة غیاث بن ابراهیم عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ( علیهما السلام ) ، أن علیا ( علیه السلام ) کان لا یجیز شهادة رجل علی شهادة رجل إلا شهادة رجلین علی شهادة رجل (2) .

ویرویها الشیخ بسند معتبر الی غیاث بن ابراهیم وهو عامی موثق .

هذه هی الادلة علی قبول الشهادة علی الشهادة فی هذه الموارد . نعم، هناک موثقة لنفس غیاث بن ابراهیم قد تخالف ما تقدم وهی الحدیث الثالث فی نفس الباب عن جعفر ، عن أبیه ، أن علیا ( علیه السلام ) قال : لا أقبل شهادة رجل علی رجل حی وإن کان بالیمن (وفی نسخة اخری وان کان بالیمین) (3) .

وقد تفسر کلمة الرجل فی الموثقة بانها للجنس أی لاتقبل شهادة رجل علی رجل ، وحینئذٍ تکون منافیة لما تقدم من قبول شهادة الرجل کجنس علی شهادة الاصل .

ص: 284


1- (1) الوسائل(آل البیت) ج27،ص403 ،باب 44 من ابواب الشهادة ،ح2
2- (2) الوسائل(آل البیت) ج27،ص403 ،باب44،ح4
3- (3) الوسائل(آل البیت) ج27، ص 403،باب44،ح3

ولکن یمکن حمل الروایة علی ان المقصود بالرجل فیها الرجل الواحد أی الرجل الواحد لاتقبل به شهادة الاصل وانما القضیة تحتاج الی شهادة رجلین ، وهذا هو نفس مضمون الروایات السابقة من ان علی(ع) کان لایجیز شهادة رجل علی رجل الا شهادة رجلین علی رجل .

ولذا لاحاجة لحملها علی التقیة کما فعله الشیخ ، بل لایبعد ان ظاهرها هو عدم قبول شهادة الرجل الواحد علی شهادة الاصل بل لابد من رجلین .

وعلی کل حال مقتضی اطلاق هذه الادلة هو قبول شهادة الفرع من دون فرق بین الموارد ، وهذا الاطلاق ینفعنا فی کل مورد نشک فیه فی قبول شهادة الفرع علی شهادة الاصل فنرجع الة هذه المطلقات لاثبات قبول هذه الشهادة .نعم، إذا دل دلیل علی عدم قبول شهادة الفرع فی مورد خاص فلابد من الالتزام به ونقید تلک المطلقات بهذا الدلیل الخاص .

والظاهر ان هناک دلیل علی عدم قبول شهادة الفرع فی الحدود ولذا استثناها السید الماتن .

والحدود قسمت کما هو المعروف الی قسمین : ما کان من حقوق الله محضاً من قبیل حد الزنا واللواط والسحق وشرب الخمر وامثالها مما لاترتبط بأشخاص أخرین ، وما کان مشترکاً بین الله وبین الناس من قبیل حد السرقة وحد القذف وأمثالهما .

والظاهر عدم قبول الشهادة علی الشهادة فی موارد القسم الاول ، وأستدلوا علی عدم القبول فی هذا القسم بموثقتین لنفس الراویین المتقدمین ،طلحة بن زید وغیاث بن ابراهیم ، وهما مرویتان فی الباب 45 من ابواب الشهادات .

الاولی: موثقة طلحة بن زید عن أبی عبد الله ، عن أبیه ، عن علی ( علیه السلام ) أنه کان لا یجیز شهادة علی شهادة فی حد (1) .

ص: 285


1- (4) الوسائل(آل البیت) ج27،ص404،باب45،ح1

فطلحة بن زید بعد ان روی الروایة السابقة بان علیاً(ع) کان یجیز شهادة رجلین علی رجل روی ان علیاً (ع) کان لایجیز شهادة علی شهادة فی حدٍ .

الثانیة: موثقة غیاث بن ابراهیم عن جعفر عن أبیه قال : قال علی ( علیه السلام ) : لا تجوز شهادة علی شهادة فی حد ، ولا کفالة فی حد (1) .

وهاتان الموثقتان واضحتان فی عدم قبول شهادة علی شهادة فی الحدود ، وبهما نخرج عن إطلاقات الادلة الدالة علی قبول الشهادة علی الشهادة مطلقاً فتکون مخصصة لتلک المطلقات .

ولکن الملاحظ ان هاتین الموثقتین تدلان علی عدم قبول الشهادة علی الشهادة فی مطلق الحدود من دون فرقٍ بین ما یکون من حدود الله محضاً وبین ما یکون مشترکاً کحد السرقة وحد القذف وأمثالهما لانهما مطلقتان .

وهذا هو المناسب لما هو المعروف بینهم والمستفاد من الادلة من ان الحدود تدرء بالشبهات ، وهذه شهادة علی شهادة فیدرء بها الحد .نعم ، عدم القبول فی الحدود المشترکة لیس موضع اتفاق الفقهاء، فهناک من یری عدم قبول الشهادة علی الشهادة فیها وبالتالی الحقها بالقسم الاول الذی لاخلاف فی عدم قبول الشهادة علی الشهادة فیه وهناک من یری قبول الشهادة علی الشهادة فیها .

ففی المسالک یذکر الشهید الثانی سبباً لقبول شهادة الفرع فی الحقوق المشترکة بقوله: لعدم دلیل صالح للتخصیص بعد ضعف الخبرین المزبورین .

وکأنّه یرید القول بالرجوع الی المطلقات المتقدمة الدالة علی قبول الشهادة علی الشهادة ، والخروج عن المطلقات انما کان بالموثقتین الاخیرتین وهو یری ضعف سندهما ، فیتعین الرجوع الی مطلقات أدلة اعتبار البینة والشهادة ومقتضاها قبول الشهادة علی الشهادة فی الحدود المشترکة .

ص: 286


1- (5) الوسائل(آل البیت) ج27،ص404،نفس الباب،ح2

وأما ماکان من حقوق الله محضاً فقد أتفقوا علی عدم القبول فیها ولعل الشهید الثانی -وان لم یصرح بذلک- یبنی علی عدم القبول فیها من باب انها خرجت عن الاطلاقات بالاتفاق والاجماع .

ولکن ، الظاهر ان الروایتان معتبرتان ویمکن التعویل علیهما للخروج عن المطلقات السابقة ، وتدلان علی ان الشهادة علی الشهادة فی الحدود لیست مقبولة ومقتضی إطلاقهما انه لافرق بین الحدود التی هی من حقوق الله محضاً وبین الحدود المشترکة ، ففی جمیع الحدود الشهادة علی الشهادة لیست مقبولة ، ویؤیده مسالة ان الحدود تدرء بالشبهات .

وعلیه ، فالصحیح ماذکره السید الماتن

قال (قده) : ( مسألة 112 ) : فی قبول الشهادة علی الشهادة علی الشهادة فصاعداً إشکال ، والأظهر القبول .

.....................

المعروف والمشهور بین الفقهاء ان قبول شهادة الفرع یختص بشهادته علی شهادة الاصل ، ولاتقبل شهادة الفرع علی شهادة الفرع خلافاً لما یقوله السید الماتن ، واستدل علیه :

أولاً : بدعوی انصراف الموثقتین الاولیین الدالتین علی قبول شهادة الفرع الی شهادة الفرع علی شهادة الاصل فلا تشمل شهادة الفرع علی شهادة الفرع .

وثانیاً: روایة عن عمرو بن جمیع ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه ( علیهما السلام ) قال : اشهد علی شهادتک من ینصحک ، قالوا : کیف ؟ یزید وینقص قال : لا ولکن من یحفظها علیک ، ولا تجوز شهادة علی شهادة علی شهادة (1) .

وأقول: أما الدلیل الاول فعلی تقدیر التسلیم بالانصراف فی الموثقتین ، فانه لایضر المستدل لان قبول الشهادة علی الشهادة لیس علی خلاف القاعدة بل هو موافق للقاعدة المستفادة من إطلاق ادلة اعتبار البینة وهو قبول البینة سواء شهدت علی الواقعة او علی الشهادة او علی الشهادة علی الشهادة علی الشهادة ، فکل شیء یمکن اثباته بشاهدین عادلین .

ص: 287


1- (6) الوسائل(آل البیت) ج27،ص404 ،باب44،ح6

وأما الدلیل الثانی فالروایة ضعیفة سنداً ، فان عمرو بن جمیع ضعیف فهو قاضی للری -کما یقال- عامی منصوص علی ضعفه مضافاً الی ان طریق الشیخ الصدوق الیه ضعیف ، وحینئذٍ إذا لم یثبت إجماع علی عدم قبول الشهادة علی الشهادة علی الشهادة ،فالظاهر ان مقتضی الادلة هو قبول الشهادة علی الشهادة علی الشهادة

فالصحیح ما ذکره السید الماتن .

قال (قده): (مسألة 113 ) : لو شهد رجلان عادلان علی شهادة عدول أربعة بالزنا لم یثبت الحدّ . وفی ثبوت غیره من الأحکام ، کنشر الحرمة بالنسبة إلی ابن الزانی أو أبیه ، خلاف ، والأظهر هو الثبوت .

...............

تقدم سابقاً ان الشهادة علی الشهادة لیست مقبولة فی الحدود ، لکنه إذا فرضنا ان المشهود به یشتمل علی حد وغیره من الاحکام کما مثل السید الماتن ،ویمکن التمثیل باللواط باعتبار انه یترتب علیه حرمة ام الموطوء وأخته وابنته علی الواطیء ، وحیئذٍ یقال هل یکون حال هذه الاحکام حال الحد من عدم الثبوت بالشهادة علی الشهادة او یمکن التفریق بینهما فنلتزم بان الحد لایثبت واما الاحکام فتثبت بالشهادة علی الشهادة ؟

ذهب جماعة منهم المحقق والعلامة والشهیدان علی ماحکی عنهما الی التفریق بینهما وکذا السید الماتن ، فالحد لایثبت بالشهادة علی الشهادة واما الاحکام فتثبت بها ، ویستدل لهذا التفریق بإطلاق أدلة قبول الشهادة علی الشهادة التی هی عبارة عن الموثقتین السابقتین الدالتین علی قبول الشهادة علی الشهادة ، وقد خرج عن هذا الاطلاق الحد للادلة السابقة ، وحینئذٍ یبقی الباقی تحت الاطلاق .

هذا هو دلیل من یفرق بین الحد وبین الاحکام من ألتزامهم بقبول الشهادة علی الشهادة فی الاحام دون الحدود .

ص: 288

وأما الطرف المقابل الذی یری ان الاحکام لاتثبت کما لایثبت الحد ، یستدل له بدعوی التلازم بین الحد وبین هذه الاحکام باعتبار ان کل منهما معلول لعلة واحدة ، فان اللواط اما ان یثبت بالشهادة علی الشهادة او لایثبت ، فان ثبت فلابد من ثبوت أحکامه بالشهادة علی الشهادة وان لم یثبت هو بالشهادة علی الشهادة فلا تثبت أحکامه . والتفریق بینهما خلاف التلازم بینهما .

والجواب واضح عن هذا التلازم ، إذ هو لیس تلازماً عقلیاً بحیث یستحیل الانفکاک بینهما بل هو مستفاد من الادلة الدالة علی ترتب الحد وهذه الاحکام علی اللواط ،فإذا فرضنا وجود دلیل علی ان الحد لایترتب علی اللواط الثابت بالشهادة علی الشهادة فیلتزم به ، واما فی الاحکام فلم یأتی دلیل علی عدم ترتبها باللواط الثابت بالشهادة علی الشهادة ، ومقتضی إطلاق الادلة ترتب هذه الاحکام علی اللواط الثابت بالشهادة علی الشهادة .

وعلیه، فالظاهر صحة ماذکره السید الماتن .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.