ومضات السبط علیه السلام

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد

لسنة 2011 __ 159

الفتلاوی، علی، 1960 -     م.

ومضات السبط (ع): البعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام / تألیف علی الفتلاوی؛ تقدیم نبیل الحسنی - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1432ق. = 2011م.

2 ج. – (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 53)

المصادر.

1. الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. – الخطب – دراسة وتعریف. 2. الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. – نظریة فی العقائد . 3. الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. نظریة فی الأخلاق الإسلامیة. 4. واقعة کربلاء، 61ق. – أسباب ونتائج. 5. أهل البیت (ع) – فضائل. 6.الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. الخطب – اللغة. 7. الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. أصحاب. ألف. الحسنی، نبیل، 1965 -     م.، مقدم. ب. العنوان. ج.العنوان: البعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

 8و  2ف / 7 / 41 BP

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص: 1

الجزء الأول

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ومضات السبط

البعد العقائدی والأخلاقی

فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

تألیف الشیخ علی الفتلاوی

الجزء الأول

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

ص: 4

الطبعة الأولی

1433ه_ __ 2012م

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

العراق: کربلاء المقدسة __ العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة __ هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

مقدمة الشعبة الدراسات والبحوث

الحمد لله علی ما أنعم وله الشکر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن والاها، جم عن الاحصاء عددها ونأی عن الجزاء أمدها وتفاوت عن الإدراک أبدها.

والصلاة والسلام علی خیر الأنام وکاشف الظلام وعلی آله الهداة إلی الإسلام وسلم تسلیماً کثیراً.

وبعد:

لم یزل الإمام الحسین علیه السلام منهلاً عذباً لأصحاب الفکر والتأمل ومورداً خصباً لأهل البحث والتدقیق والدراسة، تحل فی فناء روضته العلماء وتغدوا إلی درسه الأجلاء، فهم بین مستمع ومفکر ومتعلم قد تزاحمت رکبهم فی محضره وتناسقت الأنفاس بمجلسه حتی کأن الطیر علی رؤوسهم.

من هنا:

نلمس ان عطاء المعین النبوی لا ینفد والفکر الحسینی لا یتوقف حتی کان الناظر إلی هذا العطاء یخال نفسه واقفاً أمام نواة الحیاة ومشدوداً إلی سخاء الشمس ونورها، فما طعم العیش والمرء معصوب العینین عن کلام ابن بنت سید النبیین وأبو الأئمة المیامین.

ص: 6

من هنا أیضاً:

انبری سماحة حجة الإسلام الشیخ علی الفتلاوی دام توفیقه إلی الارتحال إلی معین أبی الأئمة ومرفئ العلم، ومنبع الدمعة لترسو به الوسیلة إلی بحر من بحور النبوة لیغرف من لئالئ بحر الخلق النبوی وجواهر بحر التوحید العلوی فیضعها فی کتابه الموسوم «ومضات السبط علیه السلام» کی یزدان بها المؤمن ویختزنها المتأمل ویتزودها المتقی.

فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوَی

وسیجد القارئ أن الکتاب مشبع بالأحادیث الشریفة والآیات الکریمة، والنکت العلمیة الظریفة، ففضیلة الشیخ یمیل إلی بهذا اللون من الکتابة الذی یعتمد سلاسلة العبارة وغزارة المعلومة ومخاطبة کل الفئات حتی کأنک تخال نفسک فی واحة من ریاحین علوم آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

إذ لا یخفی علی اللبیب ما للبعد الأخلاقی والعقائدی من الریادة فی المکتبة الإسلامیة وما له من الحظوة عند علماء الإمامیة حتی ملئوا المکتبات بهذا النتاج الفکری.

نسأل الله القبول والخلف علی باذل هذا الجهد فإنه خیر زاد لیوم المعاد.

السید نبیل الحسنی

مسؤول شعبة الدراسات والبحوث الإسلامیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 7

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الذی رزقنا موالاة محمد وآل محمد والذی دلنا علی هداهم فأنعم علینا بنعمة ولایتهم، وأنار عقولنا بنور کلامهم، وطمأن نفوسنا بإتباع نهجهم، والصلاة والسلام علی السراج المنیر والبشیر النذیر وعلی آله الأخیار والأئمة الأبرار لاسیما سفینة النجاة ومصباح الهدی سید الشهداء ورمز الفداء الإمام الحسین علیه السلام.

أما بعد:

لقد أطلعنا علی کتب کثیرة تعنی بشخص الإمام السبط علیه السلام وصفاته وثورته وجهاده ومواقفه وکلامه ورسائله وخطبه وکتبه ونصائحه، إلا أننا لم نعثر بعد تفتیش وفحص دقیقین علی شروح تتناسب وکثرة ما تفوه به سید شباب أهل الجنة علیه السلام إلا أن هناک بعض المؤلفات التی تعد علی أصابع الید الواحدة قد سلطت الضوء علی بعض أقواله بشکل موجز ونافع، فرأینا من الواجب علینا أن نضیف تألیفا علی ما سبق من المؤلفات، کما ندعوا أن یتصدی غیرنا لإضافة تألیفات أخری لیتناسب ذلک مع ما صدر من کلام لإمامنا الحسین علیه السلام، سیما أن المکتبة الإسلامیة بحاجة إلی إصدارات تشرح خطب ومواعظ الإمام السبط علیه السلام وتسلط الأضواء علی الأبعاد الفقهیة والعقائدیة والأخلاقیة فضلا عن الأبعاد الأخری فی کلامه الشریف.

ص: 8

ومن هذا المنطلق أخذنا علی عاتقنا بیان البعدین العقائدی والأخلاقی فی خطبه فقط دون سائر أقواله، وبیان المعنی اللغوی فی هذه الخطب لیتسنی لمن یرید الاستفادة منها منبریا أو ثقافیا.

ولکی تسهل الإحاطة بنصوص الخطبة ومعانیها، وتیسیر الاطلاع علی البعدین العقائدی والأخلاقی فیها ارتأینا أن نذکر نص الخطبة أولا ثم نبدأ شرح الخطبة ببیان المعنی اللغوی لکل فقرة تحتاج إلی بیان ثم نتعرض إلی بیان البعد العقائدی فی الخطبة ویتلو ذلک بیان البعد الأخلاقی فیها.

الشیخ علی الفتلاوی

ص: 9

الخطبة الأولی: فی التوحید

اشارة

ص: 10

ص: 11

نص الخطبة

اشارة

«أیّها النّاس، اتَّقُوا هؤُلاءِ المارِقَةَ الَّذِینَ یُشَبِّهُوَن اللهَ بِأنْفُسِهمْ، یُضاهِئونَ(1) قَولَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أهلِ الکِتابِ، بَلْ هُوَ اللهُ لَیسَ کَمِثْلِهِ شَیءٌ، وَهُوَ السَّمِیعُ البَصیرُ، لا تُدْرِکُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأبْصارَ، وَهُوَ اللَّطِیفُ وَهُوَ الخَبِیرُ.

استّخلصَ الوَحدانِیَّةَ والجَبَرُوتَ، وأمضَی المَشِیئَةَ والإرادَةَ والقُدرَةَ والعِلمَ بما هُوَ کائِنٌ، لا مُنازِعَ لَهُ فی شَیءٍ مِنْ أمرِه، ولا کُفءَ لَهُ یُعادِلُهُ، وَلا ضِدَّ لَهُ یُنازِعُهُ، ولا سَمِّی لَهُ یُشابِهُهُ، ولا مِثْلَ لَهُ یُشاکِلُهُ، لا تَتَداولُهُ الأُمورُ، ولا تَجرِی عَلَیهِ الأحْوالُ، ولا تَنزِلُ عَلَیهِ الأحْداثُ، ولا یَقدِرُ الواصِفُونَ کُنْهَ عَظَمَتِه، ولا یَخطُرُ عَلی القُلُوبِ مَبلَغُ جَبَرُوتِهِ، لأنَّه لَیسَ لَهُ فی الأشْیاءِ عَدِیلٌ، ولا تُدرِکُهُ العُلَماءُ بِأَلبابِها، ولا أهلُ التَّفکِیرِ بِتَفکِیرِهِمْ إلاّ بِالتَّحقِیقِ(2) إیقاناً بِالغَیبِ، لأّنَّهُ لا یُوصَفُ بِشَیءٍ مِن صَفاتِ المَخلوُقِینَ، وَهُوَ الواحِدُ الصّمَدُ، ما تَصَوَّرَ فی الأوهامِ فَهُوَ خِلافُهُ، لَیسَ بِرَبٍّ مَنْ طُرِحَ تَحْتَ البَلاغِ، وَمَعْبُودٍ مَن وجِدَ فی هواءٍ أو غَیرِ هَواءٍ، هُوَ فی الأشْیاءِ کائِنٌ لا کَینُونَةَ مَحظُورٍ(3) بِها عَلَیهِ، وَمِنَ الأَشْیاءِ بائنٌ لا بَینُونَةَ


1- ضاهأه: شابهه، وفعل مثل فعله.
2- اللّبُّ: العقل. والتحقیق: التصدیق.
3- المحظور: الممنوع.

ص: 12

غائبٍ عَنها، لَیسَ بِقادِرٍ مَن قارَنَهُ ضِدٌّ أوْ ساواهُ نِدٌّ، لَیسَ عَن الدَّهرِ قِدَمُهُ ولا بِالنّاحِیةِ أمَمُهُ(1)، احتَجَبَ عَنِ العُقُولِ کَمَا احتَجَبَ عَنِ الأبصار، وعَمَّنْ فی السَّماءِ احِتجابُهُ کَمَنْ فی الأرضِ، قُربُهُ کَرامَتُهُ وبُعده أهانَتُهُ، لا تُحلّهُ (فی) ولا تُوَقِّتُهُ (إذ) ولا تُؤامِرُهُ (إنْ)، عُلُوُّهُ مِنْ غَیرِ تَوَقُّلٍ(2)، وَمَجِیئُهُ مِنْ غَیرِ تَنَقُّلٍ، یُوجِدُ المفقُودَ ویُفْقِدُ المَوجُودَ، ولا تَجتمِعُ لِغَیرِهِ الصِّفَتانِ فی وَقتٍ، یُصِیبُ الفِکرُ مِنْهُ الإیمانَ به مَوجُوداً وَوُجُودُ الإیمانِ لا وُجُودُ صفةٍ، بِه تُوصَفُ الصِّفاتُ لا بِها یُوصَفُ، وبِه تُعرَفُ المعَارِفُ لا بِها یُعرَفُ، فَذلِکَ اللهُ لا سَمِیَّ لَهُ، سُبحانَهُ لَیسَ کَمِثْلِه شَیءٌ، وَهُوَ السَّمِیعُ البصیرُ».

المعنی العام

(أیّها النّاس، اتَّقُوا هؤُلاءِ المارِقَةَ الَّذِینَ یُشَبِّهُوَن اللهَ بِأنْفُسِهمْ، یُضاهِئونَ قَولَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أهلِ الکِتابِ).

وجه الإمام الحسین علیه السلام خطابه إلی عامة الناس سواء کانوا موالین أو غیر موالین، أرشدهم فیه إلی التحرز والتحذر من فئة خرجت من الدین کما خرج السهم من الرمیة (أی مرقت) خرجت بسرعة کما یمرق السهم من القوس، وما کان هذا التحذیر إلا لانحرافهم عن التوحید حیث إنهم یشبهون ویمثلون الله تعالی بخلقه، فقولهم هذا یشابه قول الکافرین من أهل الکتاب.

(بَلْ هُوَ اللهُ لَیسَ کَمِثْلِهِ شَیءٌ، وَهُوَ السَّمِیعُ البَصیرُ، لا تُدْرِکُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأبْصارَ، وَهُوَ اللَّطِیفُ وَهُوَ الخَبِیرُ).

ویردف الإمام علیه السلام قوله بقوله إن الله تعالی الذی احتارت فیه عقول العقلاء لا یمکن أن یشابه شیئا من خلقه، فهو محیط بالأسماع والمسموعات والأبصار


1- النّد: المثل والنظیر. وأممه: قصده.
2- تّوَقَّلَ فی الجبل: صعد فیه.

ص: 13

والمبصرات، وممتنع علی إدراک وإحاطة أبصار خلقه، وهو (اللطیف) الرفیق بعباده (الخبیر) والعالم والعارف بکل صغیرة وکبیرة من خلقه.

(استّخلصَ الوَحدانِیَّةَ والجَبَرُوتَ، وأمضَی المَشِیئَةَ والإرادَةَ والقُدرَةَ العِلمَ بما هُوَ کائِنٌ).

اختص الله سبحانه بأنه قاهر منفرد بقهاریته، وأنفذ الحکم والقدرة والعلم بالأشیاء.

(لا مُنازِعَ لَهُُ فی شَیءٍ مِنْ أمرِه، ولا کُفءَ لَهُ یُعادِلُهُ، وَلا ضِدَّ لَهُ یُنازِعُهُ، ولا سَمِّی لَهُ یُشابِهُهُ، ولا مِثْلَ لَهُ یُشاکِلُهُ).

لا معطل ولا مفسد ولا مخاصم لما أراد هو سبحانه فی خلقه، ولا نظیر له ولا مساوی یعادله، ولا مخالف له یخالفه أو یخاصمه ویمنعه، ولا یوجد من اسمه اسم الله تعالی لعدم انطباق الاسم علی المسمی فی المخلوق، ولا نظیر له یماثله ویشابهه.

(لا تَتَداولُهُ الأُمورُ، ولا تَجرِی عَلَیهِ الأحْوالُ، ولا تَنزِلُ عَلَیهِ الأحْداثُ، ولا یَقدِرُ الواصِفُونَ کُنْهَ عَظَمَتِه، ولا یَخطُرُ عَلی القُلُوبِ مَبلَغُ جَبَرُوتِهِ، لأنَّه لَیسَ لَهُ فی الأشْیاءِ عَدِیلٌ، ولا تُدرِکُهُ العُلَماءُ بِأَلبابِها، ولا أهلُ التَّفکِیرِ بِتَفکِیرِهِمْ إلاّ بِالتَّحقِیقِ إیقاناً بِالغَیبِ، لأّنَّهُ لا یُوصَفُ بِشَیءٍ مِن صَفاتِ المَخلوُقِینَ، وَهُوَ الواحِدُ الصّمَدُ، ما تُصُوِّرَ فی الأوهامِ فَهُوَ خِلافُهُ).

لا تحوّله الأحوال من حال إلی حال، ولا تقع أو تتوالی علیه الأحوال والتغیرات، ولا تهبط أو تهطل علیه الأمطار، ولا یحیط الواصفون بقدر عظمته ولا یقع أو یمر فی القلوب منتهی قاهریته وقدرته، لأن لیس له فی الخلق مثیل أو نظیر، ولا تعرفه أو تعقله العلماء بعقولها وبصائرها، ولا یحیط به الذین یفکرون أی الذین یحلون العقل فی المعلوم لیصلوا إلی المجهول وهم أهل النظر والتأمل إلا أنهم یعرفونه من خلال

ص: 14

التصدیق بالغیب والإیقان به، لأنه لا ینعت بنعوت المخلوقین، وهو الفرد الذی یقصد فی الحاجات دون سواه، وما تشبه من صورة وما وقع فی الذهن من خاطر فهو خلافه ولیس من الحقیقة بشیء.

(لَیسَ بِرَبٍّ مَنْ طُرِحَ تَحْتَ البَلاغِ، وَمَعْبُودٍ مَن وجِدَ فی هواءٍ أو غَیرِ هَواءٍ).

لیس بمدبر ومربی للخلائق من ألقی أو وضع تحت الشجر، ولیس له حق العبادة من وجد فی ریح أو غیره.

(هُوَ فی الأشْیاءِ کائِنٌ لا کَینُونَةَ مَحظُورٍ بِها عَلَیهِ، وَمِنَ الأَشْیاءِ بائنٌ لا بَینُونَةَ غائبٍ عَنها، لَیسَ بِقادِرٍ مَن قارَنَهُ ضِدٌّ أوْ ساواهُ نِدٌّ).

أی أنه سبحانه موجود وحاضر فی الأشیاء دون أن یکون حادثا بحدث کما فی الخلائق لامتناع ذلک علیه ولجریانه فی الممکنات فقط، وهو مبتعد ومنفصل عن الأشیاء لا ابتعاد غائب عنها کما فی الممکنات، ولیس بقادر من کان له قرین یخالفه أو نظیر یساویه.

(لَیسَ عَن الدَّهرِ قِدَمُهُ ولا بِالنّاحِیةِ أمَمُهُ، احتَجبَ عَنِ العُقُولِ کَمَا احتَجَبَ عَنِ الأبصار، وعَمَّنْ فی السَّماءِ احِتجابُهُ کَمَنْ فی الأرضِ، قُربُهُ کَرامَتُهُ وبُعده أهانَتُهُ، لا تُحلّهُ (فی) ولا تُوَقِّتُهُ (إذ) ولا تُؤامِرُهُ (إنْ)).

استتر عن العیون النواظر، واستتر عن أهل السماء کما عن أهل الأرض، دنوه من العبد یظهر فی إکرامه له ونأبه وبعده یظهر فی احتقاره أو استضعافه، واستخدم الإمام علیه السلام أدوات لغویة، (فی) تشیر إلی رفض حلوله فی الأشیاء أی غیر متحد مع شیء أو داخل فیه، (وإذ) تشیر إلی رفض جریان الزمن علیه، (وإن) إشارة إلی امتناع کونه مأمورا.

(عُلُوُّهُ مِنْ غَیرِ تَوَقُّلٍ، وَمَجِیئُهُ مِنْ غَیرِ تَنَقُّلٍ، یُوجِدُ المفقُودَ ویُفْقِدُ المَوجُودَ، ولا تَجتمِعُ لِغَیرِهِ الصِّفَتانِ فی وَقتٍ). 

ص: 15

ارتفاعه من غیر صعود، واقدامه وإتیانه من غیر حرکة وانتقال، یخلق ما لم یکن، ویفنی ما کان، وهاتان الصفتان لا یأتی بها أحد فی آن واحد إلا الله تعالی.

(یُصِیبُ الفِکرُ مِنْهُ الإیمانَ به مَوجُوداً وَوُجُودُ الإیمانِ لا وُجُودُ صفةٍ).

لا یحصل الفکر منه إلا الإیمان به موجودا حاضرا شاهدا وهذا الإیمان الموجود فی الفکر حقیقة لا شک فیها.

(بِه تُوصَفُ الصِّفاتُ لا بِها یُوصَفُ، وبِه تُعرَفُ المعَارِفُ لا بِها یُعرَفُ، فَذلِکَ اللهُ لا سَمِیَّ لَهُ، سُبحانَهُ لَیسَ کَمِثْلِه شَیءٌ، وَهُوَ السَّمِیعُ البصیرُ).

بالله تعالی تنعت النعوت ولیست هی التی تثبت له نعتا، وبه تعالی تعرف العلوم والمعارف ولیست هی التی تعرّفه وتشبه، فهذا الموجود المحیر للعقول الذی تکلمت عنه هو الله تعالی الذی ینفرد بهذا الاسم والذی ینطبق فی اسمه الاسم علی المسمی، تنزه عن کل نقص لیس له نظیر یشابهه، وهو المحیط بالمسموعات والمبصرات.

التحذیر من الفکر المنحرف

(أیّها النّاس، اتَّقُوا هؤُلاءِ المارِقَةَ الَّذِینَ یُشَبِّهُوَن اللهَ بِأنْفُسِهمْ، یُضاهِئونَ(1) قَولَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أهلِ الکِتابِ).

حذر الإمام المعصوم علیه السلام الأمة من الانجرار وراء الأفکار الضالة البعیدة عن سبیل الله تعالی وأرشد إلی التحرز من ترویجها وبثها وتبنیها بل حث الأمة علی رفض أصحاب هذه الأفکار ومقتهم وعدم مخالطتهم والاقتراب منهم لخطورة ما ینطقون به من ترهات إذ إنهم یجعلون الله تعالی کأحدهم من خلال تشبیهه تعالی بأنفسهم ومن خلال فهمهم الخاطئ والقاصر لآیات القرآن الکریم والجمود علی ظواهر


1- ضاهأه: شابهه، وفعل مثل فعله.

ص: 16

هذه الآیات وتعطیل دور العقل فی الوصول إلی الحقائق، فنراهم یقولون بالرؤیة البصریة ویقولون بوجود ید لله تعالی أو رجل أو صورة ویجعلون له أبعاداً من طول وعرض وحجم وکتلة فی الوقت الذی یرفض القرآن الکریم هذا الفهم الخاطئ کما فی قوله تعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ) (1).

وقوله تعالی:

(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ) (2).

الشبه بین المارقین وبین الکافرین

بعد أن أوردنا جهل وکفر أهل الکتاب الذین شبهوا الله تعالی بأنفسهم، صار لزوما علینا أن نبیّن وجه الشبه بین قول المارقة الذین ذمهم الإمام علیه السلام وبین قول الکافرین من أهل الکتاب الذین کفروا لتشبیههم الله تعالی بخلقه، ولکی یتضح هذا الأمر نورد هذا التشابه فی أقوال الفریقین:

__ ورد فی التوراة فی سفار الملوک الأول: الإصحاح الثانی والعشرون /19:

(قد رأیت الربّ جالساً علی کرسیّه وکلّ جند السماء وقوفٌ لدیه عن یمینه وعن یساره، فقال الربّ من یغوی أخآب فیصعد ویسقط فی راموت جلعاد...)(3).

__ وورد فی إنجیل یوحنا: الإصحاح العاشر /38:

(إن کنت لست أعمل أعمال أبی فلا تؤمنوا بی، ولکن إن کنت أعمل فإن لم تؤمنوا بی فآمنوا بالأعمال لکی تعرفوا وتؤمنوا أن الأب فیّ وأنا فیه...).


1- سورة الأنعام، الآیة: 103.
2- سورة الشوری، الآیة: 11.
3- الفوائد البهیة: ص134.

ص: 17

__ وورد فی صحیح البخاری:

حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ رَفَعَهُ وَأَکْثَرُ مَا کَانَ یُوقِفُهُ أَبُو سُفْیَانَ: (یُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ فَیَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَکَ وَتَعَالَی قَدَمَهُ عَلَیْهَا فَتَقُولُ قَطِ قَطِ)(1).

وورد أیضا فی صحیح البخاری:

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِیِّ __ صلی الله علیه وآله وسلم __ قَالَ: (یُلْقَی فِی النَّارِ).

وَقَالَ لِی خَلِیفَةُ حَدَّثَنَا یَزِیدُ بْنُ زُرَیْعٍ حَدَّثَنَا سَعِیدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أَبِی عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِیِّ __ صلی الله علیه وآله وسلم __ قَالَ:

(لاَ یَزَالُ یُلْقَی فِیهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ، حَتَّی یَضَعَ فِیهَا رَبُّ الْعَالَمِینَ قَدَمَهُ فَیَنْزَوِی بَعْضُهَا إِلَی بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ قَدْ قَدْ بِعِزَّتِکَ وَکَرَمِکَ، وَلاَ تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّی یُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَیُسْکِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ)(2).

وورد أیضا:

حَدَّثَنَا أَبِی، عَنْ صَالِحِ بْنِ کَیْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ، عَنِ النَّبِیِّ __ صلی الله علیه وآله وسلم __ قَالَ:

(اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَی رَبِّهِمَا فَقَالَتِ الْجَنَّةُ یَا رَبِّ مَا لَهَا لاَ یَدْخُلُهَا إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَقَالَتِ النَّارُ __ یَعْنِی __ أُوثِرْتُ بِالْمُتَکَبِّرِینَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِی، وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِی أُصِیبُ بِکِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِکُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْکُمَا


1- صحیح البخاری: ج16، ص153، ح4849.
2- صحیح البخاری: ج24، ص216، ح7384

ص: 18

مِلْؤُهَا __ قَالَ __ فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ یَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ یُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ یَشَاءُ فَیُلْقَوْنَ فِیهَا فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ، ثَلاَثًا، حَتَّی یَضَعَ فِیهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَیُرَدَّ بَعْضُهَا إِلَی بَعْضٍ وَتَقُولَ قَطْ قَطْ قَطْ)(1).

فبعد هذا التشابه بین أقوال الذین کفروا من أهل الکتاب وبین أقوال الشبه المارقین تبین ضرورة الحیطة والحذر التی أمر بها الإمام علیه السلام الناس من الوقوع تحت تأثیر هؤلاء المارقة.

ما هو التشبیه؟

التشبیه فی اللغة: التمثیل، تشابه الشیئان أشبه کل منها الآخر(2).

التشبیه فی الاصطلاح: هو تشبیه ذات الله تعالی بشیء من مخلوقاته.

نشأت فکرة التشبیه عند ظهور أحادیث التشبیه التی بدأت فی عهد عمر بن الخطّاب واشتد انتشارها فی عهد الدولة الأمویة لأغراض سیاسیة إذ إنها لم تکن فی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفی عهد أبی بکر بدلیل الروایات الآتیة:

(ورد فی تنبیه الخاطر: روی عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب یوما _ وعنده کعب الأحبار _ إذ قال عمر: یا کعب! أحافظ أنت للتوراة؟

قال کعب: إنی لأحفظ منها کثیرا، فقال رجل من جنبه: یا أمیر المؤمنین! سله أین.

کان الله جل جلاله قبل أن یخلق عرشه؟ ومم خلق الماء الذی جعل علیه عرشه؟ فقال عمر: یا کعب! هل عندک من هذا علم؟


1- صحیح البخاری: ج24، ص301، ح7449.
2- المعجم الوسیط: ص471.

ص: 19

فقال کعب: نعم یا أمیر المؤمنین! نجد فی الأصل الحکیم أن الله تبارک وتعالی کان قدیما قبل خلق العرش، وکان علی صخرة بیت المقدس فی الهواء، فلما أراد أن یخلق عرشه تفل تفلة کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التی کانت تحته، وآخر ما بقی منها لمسجد قدسه.

قال ابن عباس: وکان علی بن أبی طالب علیه السلام حاضرا.. فعظم ربه وقام علی قدیمه، ونفض ثیابه، فأقسم علیه عمر عاد إلی مجلسه، ففعل.

قال عمر: غص علیها یا غواص، ما یقول أبو حسن فما علمتک إلا مفجرا للغم؟ فالتفت علی علیه السلام إلی کعب فقال:

«غلط أصحابک وحرفوا کتب الله، وقبحوا الفریة علیه، یا کعب! ویحک! إن الصخرة التی زعمت لا تحوی جلاله، ولا تسع عظمته، والهواء الذی ذکرت لا یجوز أقطاره، ولو کانت الصخرة والهواء قدیمین معه لکانت لهما قدمته، وعز الله وجل أن یقال له مکان یومی إلیه، والله لیس کما یقول الملحدون، ولا کما یظن الجاهلون، ولکن کان ولا مکان بحیث لا تبلغه الأذهان.

وقولی: (کان) لتعریف کونه، وهو مما علم من البیان، یقول الله عزّ وجل:

(خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَیَانَ) (1).

فقولی له کان مما علمنی البیان لأنطق بحجة عظمة المنان، ولم یزل ربنا مقتدرا علی ما یشاء، محیطا بکل الأشیاء، ثم کون ما أراد بلا فکرة حادثة له أصاب، ولا بشبهة دخلت علیه فیما أراد، وإنه عز وجل خلق نورا ابتدعه من غیر شیء، ثم خلق منه ظلمة وکان قدیرا أن یخلق الظلمة لا من شیء، کما خلق النور من غیر شیء، ثم خلق من الظلمة نورا وخلق من النور یاقوتة غلظها


1- سورة الرحمن، الآیتان: 3 و4.

ص: 20

کغلظ سبع سماوات وسبع أرضین، ثم زجر الیاقوتة فما عت لهیبته فصارت مارا مرتعدا، ولا یزال مرتعدا إلی یوم القیامة، ثم خلق عرشه من نوره، وجعله علی الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان یسبح الله کل لسان منها بعشرة آلاف، لیس فیها لغة تشبه الأخری، وکان العرش علی الماء من دونه حجب الضباب، وذلک قوله:

(وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (1).

یا کعب! ویحک! إن من کانت البحار تفلته _ علی قولک _ کان أعظم من أن تحویه صخرة بیت المقدس، أو یحویه الهواء الذی أشرت إلیه أنه حل فیه..»

فضحک عمر بن الخطاب، وقال: هذا هو الامر، وهکذا یکون العلم لا کعلمک یا کعب، لا عشت إلی زمان لا أری فیه أبا حسن)(2).

ففی هذه الروایة یظهر أن عمر بن الخطاب هو من سمح لأفکار الیهود أن تدخل إلی الأمة الإسلامیة من خلال روایة کعب الأحبار عما فی التوراة، کما أن اعتراض أم المؤمنین عائشة علی من یقول برؤیة الله تعالی فیه دلالة علی أن الثقافة السائدة لم تکن تؤمن برؤیة الله تعالی بل أن ثقافة الرؤیة لم تکن سائدة أو منتشرة فی عصر النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو فی خلافة أبی بکر وإلاّ لسمحت بها أم المؤمنین عائشة ولتبنت فکرتها ودافعت عنها، ولکن ما یظهر من الروایة الآتیة لا یشیر إلی ذلک.

جاء فی صحیح البخاری ( حدّثنا عبدان، عن أبی حمزة، عن الأعمش، عن سعید بن جبیر، عن أبی عبد الرحمن السلمی، عن أبی موسی الأشعری قال: قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:


1- سورة هود، الآیة: 7.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج36، ص222، ح6.

ص: 21

«ما أحد أصبر علی أذی سمعه من الله، یدعون له الولد، ثمّ یعافیهم ویرزقهم»)(1).

أن التشبیه والتجسیم انتشر فی الشام بل عملت الشام بقوة علی نشره، ومما یدل علی ذلک هذه الروایة التی یذکرها الشیخ الصدوق فی کتاب التوحید.

عن أسد بن سعید النخعی، قال: (أخبرنی عمرو بن شِمْر، عن جابر بن یزید الجُعْفی، قال: قال محمّد بن علیّ الباقر علیهما السلام:

«یا جابر ما أعظم فِرْیة أهل الشام علی الله عزّ وجلّ، یزعُمون أنّ الله تبارک وتعالی حیث صعد إلی السماء وضع قدمه علی صَخْرَة بیت المَقْدِس(2) ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه علی حَجَرَة(3) فأمرنا الله تبارک وتعالی أن نتّخذه مصلّی یا جابر إنّ الله تبارک وتعالی لا نظیر له ولا شبیه، تعالی عن صفة الواصفین، وجلّ عن أوهام المتوهّمین، واحتجب عن أعین الناظرین لا یزول مع الزائلین، ولا یأفل مع الآفلین، لیس کمثله شیء وهو السمیع العلیم»)(4).

التشبیه محال عقلاً

یتفق العقل مع الشرع علی رفض التشبیه وإبطال التجسیم لما فیهما من جرأة علی خالق الخلق ومدبر الأکوان ورب الأرباب، ولما فیهما من تحدید اللامحدود وافقار للغنی المطلق، وجعل واجب الوجود ممکنا ضعیفا تعتریه الحوادث والمتغیرات وتحیط به الأماکن والأبعاد، وحیث إننا نرید أن نظل علی قول العقل فی تشبیه المخلوق بالخالق وتشبیه الممکن بالواجب وتحویل الإله الغنی المطلق إلی فقیر محتاج.


1- صحیح البخاری: ج6، ص2687، باب قول الله تعالی: (إنّ الله هو الرزاق ذو القوة المتین)، ح6943.
2- المقدّم والتالی کلاهما مزعومهم الباطل.
3- هو إبراهیم النبیّ علی نبیّنا وآله وعلیه السلام وضع قدمه علی حجرة فی مکّة حین تفقد عن ابنه اسماعیل لتغسلها زوجته فبقی فیها نقش منها، وهی الآن فی المحلّ المعروف بمقام إبراهیم علیه السلام قرب الکعبة، وقصّته طویلة تطلب من مظانّها.
4- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص174 __ 175، ح13.

ص: 22

فنقول: اتفق أهل الاختصاص علی أن العقل یدرک أن المعقول إمّا أن یصح اتصافه بالوجود الخارجی أو لا، والذی یصح اتصافه بالوجود إمّا واجب أو لا، فالذی لا یصح اتصافه بالوجود الخارجی هو ممتنع الوجود، والذی یصح اتصافه بالوجود الخارجی یکون علی قسمین: واجب الوجود وممکن الوجود، وواجب الوجود ما کان وجوده واجبا بذاته لذاته أی لا یحتاج فی وجوده إلی غیره بل أن وجوده من ذاته بذاته وهذا هو الله تعالی لا غیر، وأمّا ممکن الوجود من کان وجوده بغیره، أی یحتاج فی وجوده إلی غیره فیکون حینئذ وجوده متساوی النسبة إلی الوجود والعدم فیحتاج إلی موجود یوجده فإمّا أن یکون الموجد للمکن نفسه فیلزم الدور وإمّا یکون غیره فننتقل إلی ذلک الغیر فیتسلسل الأمر وحیث إن التسلسل باطل ثبت أن الموجد للمکن لابد أن یکون واجب الوجود، فیظهر مما تقدم أن واجب الوجود غنی مطلق وما سواه فقیر محتاج مطلق، فلذا صار أن یتصف کل منهما بصفات تلیق به، فإذا قلنا إن واجب الوجود یشبه ممکن الوجود فی بعض الصفات التی یتصف بها الممکن الفقیر المحتاج المحدود الحادث الفانی یلزم من قولنا انقلاب واجب الوجود الغنی مطلقا إلی الممکن وهو لا یزال واجب الوجود وهذا محال لاجتماع النقیضین، أی ما فرضناه غنیا لا یحتاج إلی غیره مطلقا انقلب فقیراً محتاجا مع وجوب وجوده وهذا محال.

التشبیه لا یصح ولا یجوز فی القرآن الکریم

حثنا القرآن الکریم علی التدبر فی آیاته الکریمة لنفهم ما یمکن فهمه ونرد ما یصعب فهمه إلی أهله الذین خوطبوا به، ففی کل آیة ظاهر أنیق وباطن عمیق، ولکل آیة تفسیر وتأویل ولکن لا یعلم تأویله إلا الله تعالی وعباده الراسخون فی العلم إلاّ أن هذا لا یمنع أن نفهم ما یظهر من آیاته التی تشیر إلی عدم صحة وجواز التشبیه کما فی الآیات الآتیة:

ص: 23

1__ قوله تعالی:

(وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَی الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ یُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَکُونَ) (1).

یظهر هنا أن الیهود والنصاری نسبت إلیه تعالی الأبوّة فجعلت عزیز وعیسی ولداً له تعالی، هذا قول یلزم منه مفاسد کثیرة تدل علی جرأة قائله وجهله بمقام ربه، ففی هذا القول الباطل یشیرون إلی أن الله تعالی یشبه خلقه فی حاجته للولد، ویشبهه فی التناسل والتوالد تعالی عن ذلک علواً کبیراً فهو تعالی کما وصف نفسه:

(لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ)

وهو تعالی منزه عن کل صفات المخلوقین من حیث الحاجة والمحدودیة والتجسیم والمکان والزمان وکل نقص، فلا یصح ولا یجوز ولا یمکن أن نجعل له ولداً أو امرأة ولا یمکن أن یکون له شبهٌ وهذا ما أکده قوله تعالی:

(بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّی یَکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ) (2).

فکیف بعزیر وعیسی أن یکونا ولدین لله تعالی وهو الإله الغنی المطلق اللامحدود؟ وکیف یکون الولد الفقیر المحتاج المحدود الممکن المرکب العاجز الحادث شبیها لله تعالی الکامل المطلق؟ فهذا محال لانتفاء الشبه بین الولد المدعی وبین الله تعالی الأب کما یدعون، فإذا انتفی الشبه انتفت البنوّة والأبوّة معاً، بل لا شبیه له فی الوجود إذ إنه تعالی الخالق وما سواه مخلوق حادث فقیر محتاج.


1- سورة التوبة: 30.
2- سورة الأنعام، الآیة: 101.

ص: 24

2__ قوله تعالی:

(لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ وَقَالَ الْمَسِیحُ یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّی وَرَبَّکُمْ إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ أَنْصَارٍ) (1).

تؤکد هذه الآیة الکریمة أن الله تعالی الذی خلق الخلق وبرأ النسمة وفطر السموات والأرض ودبر الکون واستوی علی العرش، لا یمکن أن یکون رجلاً فقیراً محتاجا مولوداً من رحم امرأة، کما لا یمکن أن یکون هذا المولود الحادث الذی هو مسبوق بوجود أمه، والمحتاج إلی رعایتها إلاّ غنیا أزلیا قدیما له کل صفات الکمال، بل یلزم من هذا القول الباطل الانقلاب الحال.

3__ قوله تعالی:

(وَجَعَلُوا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ) (2).

تستنکر هاتان الآیتان الکریمتان أن یکون لله تعالی نسب کما لغیره من المخلوقات، وتؤکد أن علی من یقول هذا القول فهو ممن یثبت الشبه بین الله تعالی الذی لیس کمثله شیء وبین خلقه الذی ینسب إلی غیره، فالجن ینتسب إلی الجن للتشابه بینهم، والإنسان ینسب إلی نوعه للتشابه بین أفراد النوع الواحد، وهکذا المخلوقات الأخری تنتسب إلی جنسها ونوعها لاشتراکها فی صفات واحدة، وهذا مما لا ینطبق علی الله تعالی إذ لا شبه بینه وبین أحد من مخلوقاته کما تقدم أعلاه.

4__ وهناک آیات أخری تنفی التشبیه بین الله المثال وبین خلقه، فآیة تنفی رؤیته


1- سورة المائدة، الآیة: 72.
2- سورة الصافات، الآیتان: 158 و159.

ص: 25

بالبصر کما فی قوله تعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (1).

وقوله تعالی:

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَخَرَّ مُوسَی صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ) (2).

وأخری تنفی الحاجة التی هی من صفات المخلوق کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ) (3).

وثالثة تنفی فناءه إذ کل مخلوق فان کما فی قوله تعالی:

(کُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ (26) وَیَبْقَی وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِکْرَامِ) (4).

بعد هذه الآیات الکریمة وغیرها کیف یتسنی لأحد أن یشبه الله تعالی الغنی بخلقه الفقیر؟

التشبیه لا یجوز ولا یصح نقلا فی السنة النبویة

بلغنا ما نقر بصحته من الروایات التی وردت عن أهل بیت العصمة علیهم السلام ما یؤکد حکم العقل الذی یقول باستحالة التشبیه بین الخالق والمخلوق وبین


1- سورة الأنعام، الآیة: 103.
2- سورة الأعراف، الآیة: 143.
3- سورة فاطر، الآیة: 15.
4- سورة الرحمن، الآیتان: 26 و27.

ص: 26

الواجب والممکن، وحیث إن النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الأطهار هم عیبة علم الله تعالی ومنابع المعرفة الحقة وخزائن الحکمة ومصادر التشریع صار لزاما علینا أن نقف علی روایاتهم وخطبهم وأقوالهم فی هذا الموضع لتتضح لنا کیفیة وصف الحق سبحانه.

1__ النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم یصف ربه تعالی وصفاً یلیق به سبحانه، یؤکد فیه علی نفی التشبیه.

عن إسحاق بن غالب، عن أبی عبد الله، عن أبیه علیهما السلام قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض خطبه:

الحمد لله الذی کان فی أوّلیّته وحدانیّاً، وفی أزلیّته متعظما بالإلهیة، متکبرا بکبریائه وجبروته ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق علی غیر مثالٍ کان سبق بشیءٍ ممّا خلق»(1).

ویشیر الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن المشبهة یجهلون مقام ربهم سبحانه کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ما عرف الله من شبّهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إلیه ذنوب عباده...»(2).

2__ أمیر المؤمنین علیه السلام وسید البلغاء بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم یصدح بخطبته التی یوحد الله تعالی بها وینزهه عن صفات المخلوقین ویؤکد علی أن الله تعالی لا یشبه خلقه ولا أحد من الخلق یشبه، بل یصرح بجهل من شبه الله تعالی بخلقه، ویشیر أیضاً إلی عدم توحید من یقول بالتشبیه، ولکی نترک القارئ الکریم یطلع علی


1- کتاب التوحید للصدوق: ص45، ح4.
2- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص48، ح10.

ص: 27

نهج أمیر المؤمنین علیه السلام وفکره ویقف علی معرفته بربه تعالی نورد إلیه هذه الخطبة البلیغة الملیئة بالعلم والحکمة والتوحید الحقیقی.

عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: (سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«بینا أمیر المؤمنین علیه السلام یخطب علی المنبر بالکوفة إذ قام إلیه رجل فقال:

یا أمیر المؤمنین صف لنا ربّک تبارک وتعالی لنزداد له حبّاً وبه معرفة، فغضب أمیر المؤمنین علیه السلام ونادی الصلاةَ جامعة فاجتمع الناس حتّی غصّ المسجد بأهله، ثمّ قام متغیّر اللون فقال:

الحمد لله الّذی لا یَفِرُه المنع، ولا یُکْدیه الإعطاء إذ کلّ معطٍ منتقصٌ سواه، الملیء بفوائد النعم وعوائد المزید، وبجوده ضَمِنَ عیالة الخلق؛ فأنهج سبیل الطلب للراغبین إلیه، فلیس بما سئل أجود منه بما لم یُسأل، وما اختلف علیه دهر فیختلف منه الحال، ولو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال وضحکت عنه أصداف البحار من فِلَذِ اللُجَیْن وسبائک العِقْیان ونضائد المرجان لبعض عبیده، لما أثّر ذلک فی وجوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولکان عنده من ذخائر الإفصال مالا ینفَدُه مطالب السؤّال ولا یخطر لکثرته علی بالٍ، لأنّه الجواد الّذی لا تنقصه المواهب، ولا ینحله إلحاح الملحّین (وإنّما أمره إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون) الّذی عجزت الملائکة علی قربهم من کرسیّ کرامته، وطول وَلَههم إلیه، وتعظیم جلال عزّه، وقربهم من غیب ملکوته أن یعلموا من أمره إلاّ ما أعلمهم، وهم من ملکوت القدس بحیث هم من معرفته علی ما فطرهم علیه أن قالوا: (سبحانک لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّک أنت العلیم الحکیم)»)(1)


1- کتاب التوحید للصدوق: ص49 __ 50، ح13.

ص: 28

3__ وحیث إن الأئمة المعصومین علیهم السلام هم نور واحد وقول واحد ومنهج واحد نطمئن أن وصفهم لربهم سبحانه لا یختلفون فیه فقول کل واحد منهم هو قول جدهم المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأخیه المرتضی علیه السلام وخیر دلیل علی ذلک ما قاله الإمام الرضا علیه السلام الذی هو ثامن الأئمة المعصومین علیهم السلام.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید، قال: حدّثنا محمّد بن عمرو الکاتب، عن محمّد بن زیاد القلزمی، عن محمد بن أبی زیاد الجُدی صاحب الصلاة بجُدّة، قال: (حدّثنی محمّد بن یحیی بن عمر بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام یتکلّم بهذا الکلام عند المأمون فی التوحید، قال ابن أبی زیاد: ورواه لی أیضا أحمد بن عبد الله العلوی مولی لهم وخالٌ لبعضهم عن القاسم بن أیّوب العلوی أنّ المأمون لمّا أراد أن یستعمل الرضا علیه السلام علی هذا الأمر جمع بنی هاشم فقال: إنی أرید أن استعمل الرضا علی هذا الأمر من بعدی، فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولّی رجلاً جاهلاً لیس له بصر بتدبیر الخلافة؟! فابعث إلیه رجلاً یأتنا فنری من جهله ما یستدلّ به علیه، فبعث إلیه فأتاه، فقال له بنو هاشم: یا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله علیه، فصعد علیه السلام المنبر، فقعد ملیّاً لا یتکلّم مطرقا، ثمّ انتفض انتفاضة واستوی قائماً، وحمد الله وأثنی علیه، وصلّی علی نبیّه وأهل بیته، ثمّ قال:

«أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحیده، ونظام توحید الله نفی الصفات عنه لشهادة العقول أنّ کلّ صفة وموصوف مخلوق وشهادة کلّ مخلوقٍ أنّ له خالقا لیس بصفة ولا موصوف، وشهادة کلّ صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع عن الأزل الممتنع من الحدث، فلیس الله عرف من عرف بالتشبیه ذاته، ولا إیّاه وحدّ من اکتنهه ولا حقیقته أصاب

ص: 29

من مثّله، ولا به صدّق من نّهاه ولا صمد صمده من أشار إلیه ولا إیّاه عنی من شبّهه، ولا له تذلّل من بّعَضه، ولا إیّاه أراد من توهّمه، کلّ معروفٍ بنفسه مصنوع وکلّ قائم فی سواه معلول، بصنع الله یستدلّ علیه، وبالعقول یعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجّته خلق الله حجابٌ بینه وبینهم ومباینته إیّاهم مفارقته إنّیتهم، وابتداؤه إیّاهم دلیلهم علی أن لا ابتداء له لعجز کلّ مبتدئٍ عن ابتداء غیره، وأدْوُه إیّاهم دلیل علی أن لا أداة فیه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدّین وأسماؤه تعبیر، وأفعاله تفهیم، وذاته حقیقة، وکنهه تفریق بینه وبین خلقه، وغُبُوره تحدید لما سواه فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعدّاه من اشتمله وقد أخطأه من اکتنهه، ومن قال: کیف فقد شبّهه، ومن قال: لم فقد علّله، ومن قال: متی فقد وقّته، ومن قال: فیمَ فقد ضمّنه، ومن قال: إلی مَ فقد نهاه، ومن قال: حتّی م فقد غیّاه ومن غیّاه فقد غایاه، ومن غایاه، فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فیه، لا یتغیّر الله بانغیار المخلوق، کما لا یتحدّد بتحدید المحدود، أحدٌ لا بتأویل عددٍ ظاهرُ لا بتأویل المباشرة، متجلّ لا باستهلال رؤیة، باطن لا بمزایلة، مبائنٌ لا بمسافة، قریب لا بمداناة، لطیف لا بتجسّم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدّر لا بحول فکرة مدبّر لا بحرکة، مرید لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرک لا بمجسّة سمیع لا بآلة، بصیر لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمّنه الأماکن، ولا تأخذه السِنات ولا تحدّه الصفات، ولا تقیّده الأدوات سبق الأوقات کَوْنُه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعیره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهیره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادّته بین الأشیاء عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بین الأمور عرف أن لا قرین له، ضادّ النور بالظلمة، والجلایة بالبُهْم، والجَسو بالبلل والصرد بالحرور، مؤلّف بین متعادیاتها،

ص: 30

مفرّق بین متدانیاتها، دالّة بتفریقها علی مفرّقها، وبتألیفها علی مؤلّفها، ذلک قوله عزّ وجلّ:

(وَمِنْ کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ) (1).

ففرّق بها بین قبل وبعد لیعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غریزة لمغرّزها، دالّة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها مخبرة بتوقیتها أن لا وقت لموقّتها، حجب بعضها عن بعض لیعلم أن لا حجاب بینه وبینها غیرها له معنی الربوبیّة إذ لا مربوب وحقیقة الإلهیّة إذ لا مألوه ومعنی العالم ولا معلوم، ومعنی الخالق ولا مخلوق، وتأویل السمع ولا مسموع لیس منذ خلق استحقّ معنی الخالق، ولا بإحداثه البرایا استفاد معنی البارئیّة کیف ولا تغیّبه مذ، ولا تدنیه قد، ولا تحجبه لعلّ، ولا توقّته متی، ولا تشمله حین، ولا تقارنه مع، إنّما تحدّ الأدوات أنفسها، وتشیر الآلة إلی نظائرها وفی الأشیاء یوجد فعالها منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلیة، وجنّبتها لولا التکملة افترقت فدلّت علی مفرّقها، وتباینت فأعربت عن مباینها لما تجلّی صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤیة، وإلیهاتحاکم الأوهام، وفیها أثبت غیره ومنها أنیط الدلیل وبها عرّفها الإقرار، وبالعقول یعتقد التصدیق بالله، وبالإقرار یکمل الإیمان به، ولا دیانة إلاّ بعد المعرفة، ولا معرفة إلاّ بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبیه، ولا نفی مع إثبات الصفات للتشبیه فکلّ ما فی الخلق لا یوجد فی خالقه، وکلّ ما یمکن فیه یمتنع من صانعه، لا تجری علیه الحرکة والسکون، وکیف یجری علیه ما هو أجراه، أو یعود إلیه ما هو ابتدأه إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزّأ کنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما کان للبارئ معنی غیر المبروء، ولو حدّ له وراء إذاً حدّ له أمام ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان،


1- سورة الذاریات، الآیة: 49.

ص: 31

کیف یستحقّ الأزل من لا یمتنع من الحدث، وکیف ینشئ الأشیاء من لا یمتنع من الإنشاء، إذاً لقامت فیه آیة المصنوع، ولتحوّل دلیلاً بعد ما کان مدلولاً علیه، لیس فی محال القول حجّة ولا فی المسألة عنه جواب، ولا فی معناه له تعظیم، ولا فی إبانته عن الخلق ضیم، إلاّ بامتناع الأزلیّ أن یثنّی وما لا بدأ له أن یبدأ، لا إله إلاّ الله العلیّ العظیم، کذب العادلون بالله، وضلّوا ضلالا بعیدا، وخسروا خسرانا مبینا، وصلّی الله علی محمدٍ النبی وآله الطیبین الطاهرین»)(1).

ولکی نؤکد علی عدم جواز تشبیه الله تعالی بخلقه نورد حدیثین عن الأئمة المعصومین علیهم السلام یبینان حال من یشبه الله تعالی بخلقه وهل أن الله له شیئا من الإیمان؟

1__ یشیر الإمام أبو عبد الله الصادق علیه السلام إلی أن المشبهة لا إیمان لهم بقوله:

«مَنْ شبّه الله بخلقه فهو مشرک، ومن أنکر قدرته فهو کافر»(2).

2__ ویؤکد ولده الإمام الرضا علیه السلام ذلک بقوله:

«من شبّه الله بخلقه فهو مشرک، ومن وصفه بالمکان فهو کافر، ومن نسب إلیه ما نهی عنه فهو کاذب».

ثمّ تلا هذه الآیة:

(إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِآَیَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْکَاذِبُونَ) (3)»(4).

فبهذا المقدار نکتفی من بیان عدم صحة القول بالتشبیه وعدم جواز ذلک.


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص35 __ 42، ح2.
2- کتاب التوحید للصدوق: ص74، ح31.
3- سورة النحل، الآیة: 105.
4- التوحید للصدوق: ص67، ح25.

ص: 32

هل أن الله تعالی شیء؟

تمتنع الکلمات من الانتقاش علی سطورها وجلة کونها ترجمان المباحث العقائدیة لاسیما فی البحوث التی تتکلم عن بارئها، فکیف لی أن أبدأ الجواب علی هذا السؤال؟ هل أن الله تعالی شیء؟ لمعرفتی أن الفطرة تقر بوجود خالق الخلق، والقلب ملیء بالیقین والتصدیق، والجوارح مذعنة معترفة بقدرته وإحاطته، فلذا أقول بلسان صریح أن الله تعالی موجود، وأنه تعالی شیء لما جاء فی کتب اللغة من أن الشیء هو الموجود(1).

فلذا یصح أن نطلق کلمة (شیء) علی الله تعالی مع الاحتفاظ بقیود الآیات والروایات الشریفة التی صرحت بأنه تعالی (لیس کمثله شیء) ولکی یتاح لی أن أجیب علی هذا السؤال بطریقة علمیة لابد أن أسلسل الجواب وفق النقاط التالیة:

1__ لا شک فی وجود الله تعالی بالدلیل العقلی کبرهان الإمکان وبرهان العلة والمعلول وبرهان المحدودیة وبرهان الأثر والمؤثر التی ذکرها أهل الاختصاص فی محلها.

2__ لا شک فی وجود الله تعالی بالدلیل النقلی کما فی قوله تعالی:

(أَفِی اللَّهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (2).

وقوله تعالی:

(مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَکُونُوا مِنَ الْمُشْرِکِینَ) (3).


1- المعجم الوسیط: ص502.
2- سورة إبراهیم، الآیة: 10.
3- سورة الروم، الآیة: 31.

ص: 33

وقال عزّ وجل:

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ) (1).

وهناک أکثر من آیة تصرح بأن الله تعالی موجود لخلقه الخلق وتدبیره الأمر.

کما أن الکثیر من الروایات التی تشیر إلی وجوده تعالی کما جاء عن الإمام الصادق علیه السلام فی حواره مع السائلین والمستفهمین ومع المشککین والملحدین، وقد أشار مولانا الإمام الصادق علیه السلام إلی دلیل الفطرة الذی یظهر عند الشدائد، (قال له رجل: یابن رسول الله دُلنی علی الله ما هو؟ فقد أکثر علیَّ المجادلون وحیّرونی.

فقال الإمام علیه السلام:

«یا عبد الله هل رکبتَ سفینة قطّ؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل کُسرتْ بک حیث لا سفینة تنجّیک ولا سباحة تغنیک؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل تعلّق قلبُکَ هنالک أنّ شیئاً من الأشیاء قادرٌ علی أن یخلّصک من ورطتک؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فذلک الشیء هو الله القادر علی الإنجاء حیث لا منجی وعلی الإغاثة حیث لا مغیث»)(2).


1- سورة العنکبوت، الآیة: 61.
2- الفوائد البهیة فی شرح عقائد الإمامیة، محمد جمیل حمّود: ج1، ص88. بحار الأنوار: ج3، ص41

ص: 34

3__ ثبت عند أهل الحکمة وکثیر من المتکلمین أن الشیئیة تساوق الوجود والعدم لا شیئیة له أی أن کل ما له الوجود له الشیئیة، وکل ما له الشیئیة له الوجود(1).

4__ ثبت فی لسان النقل أن الله تعالی شیء ولکن لیس کمثله شیء کما فی قوله تعالی:

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ) (2).

وما ورد عن أهل بیت العصمة علیهم السلام صریح فی جواز إطلاق (شیء) علی الله تعالی ولکن دون أن ننفی وجوده أو ننفی صفاته، ودون أن نشبهه بصفات خلقه کما فی قول الإمام الجواد علیه السلام: (عن الحسین بن سعید قال: سُئِلَ أبو جعفر الثانی علیه السلام: یجوز أن یقال لله: إنّه شیءٌ؟ قالَ __ علیه السلام __:

«نَعم یُخرِجُهُ مِنَ الحَدَّیْنِ: حَدِّ التَّعْطیلِ وَحَدِّ التَشْبیهِ»)(3).

وروایات أخری تبیّن أنه تعالی شیء لا کالأشیاء فی ذاته وصفاته بل هو تعالی فوق الإدراک والأوهام وهذا ما صرح به الإمام الباقر علیه السلام: (عن محمد بن عیسی، عن عبد الرحمن بن أبی نجران قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عَنِ التّوحیدِ فَقُلتُ: أتَوَهَّمُ شَیئاً؟ فَقالَ __ علیه السلام __:

«نَعَمْ، غَیْرَ مَعْقُولٍ وَلا مَحْدُودٍ، فَما وَقَعَ وَهْمُکَ عَلَیْهِ مِنْ شَیءٍ فَهوَ خِلافُهُ، لا یُشبِهُهُ شَیءٌ ولا تُدرِکُهُ الأوْهامُ، کَیفَ تُدْرِکُهُ الأوهام وهوَ خلاف ما یُعقَلُ وخلاف ما یتصوَّرُ فی الأوْهامِ؟! إنّما یتوهّم شیءٌ غَیرُ مَعْقُولٍ ولا مَحدودٍ»)(4).


1- بدایة الحکمة: ص165.
2- سورة الشوری، الآیة: 11.
3- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص104، باب إطلاق القول بأنّه شیء، ح2.
4- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص104، باب إطلاق القول بأنّه شیء، ح1.

ص: 35

وما نورده من الروایات الشریفة الآتیة صریح فی إطلاق الشیئیة علیه تعالی مع الاحتفاظ بشروطها کما فیما یلی:

1__ عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی، عن أبیه، عن النضر بن سوید، عن یحیی الحلبی، عن ابن مسکان، عن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«إنّ اللهَ خِلو من خلقه وخلقه خلو منه وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله فهو مخلوق والله خالق کل شیء تبارک الذی لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر»(1).

2__ عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن علی بن عطیة، عن خیثمة، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«إنّ الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله تعالی فهو مخلوق والله خالق کل شیء»(2).

3__ عن العباس بن عمرو الفقیمی، عن هشام بن الحکم، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال للزّندیق حین سأله: ما هو؟

قال:

«هو شیء بخلاف الأشیاء ارجع بقولی إلی إثبات معنی وأنه شیء بحقیقة الشیئیة غیر أنه لا جسم ولا صورة ولا یحسّ ولا یجسّ ولا یدرک بالحواس الخمس، لا تدرکه الأوهام ولا تنقصه الدّهور ولا تغیّره الأزمان»(3).


1- أصول الکافی: ج1، ص105، باب إطلاق القول بأنّه شیء، ح4.
2- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص105، ح5.
3- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص105، باب إطلاق القول بأنّه شیء، ح6.

ص: 36

السمیع البصیر اسمان من أسمائه تعالی

إن صفتی السمع والبصر مما یتصف بهما الله تعالی دون أن یمس هذا الاتصاف عظمة الحق سبحانه، ومن غیر أن یشترک معه السامعون والمبصرون لجلاله عن آلتی السمع والبصر، فهو سمیع بغیر آلة وبصیر بغیر جارحة، ولذا أشتق اسما السمیع والبصیر من هذا الاتصاف، ولکی نقف علی حقیقة هاتین الصفتین لابد أن نطلع علی ما قیل فی تفسیرهما وانطباقهما علی الله تعالی.

1__ إنّ سمعَهُ وبصرَهُ سبحانه لیسا وصفین یغایران وصف العلم، بل هما من شُعَب علمه بالمسموعات والمبصرات، فلأجل علمه بهما صار یطلق علیه تعالی أنّه سمیعٌ بصیر.

2__ إنّهما وصفان حسّیان، وإدراکان نظیر الموجود فی الإنسان.

3__ إنّ السّمع والبصر یغایران مطلق العلم مفهوماً، ولکنهما علمان مخصوصان وراء علمه المطلق من دون تکثر فی الذات ومن دون أن یستلزم ذلک التوصیف تجسماً، وما هذا إلاّ حضور الهویّات المسموعة والمبصرة عنده سبحانه، فشهود المسموعات سمع، وشهود المبصرات بصر، وهو غیر علمه المطلق بالأشیاء العامة، غیر المسموعة والمبصرة(1).

ولبیان صحة هذه الأقوال الثلاثة التی وردت عن أهل العلم نقول:

ألف: إن السمع والبصر فی الله تعالی لا یمکن أن یکونا حسیین لتنزهه عن صفات الممکنات، ولجلاله عن الحاجة والترکیب، فلذا لا صحة للقول الثانی لاستحالة انطباقه علی الله تعالی.

باء: بما أنه تعالی یحیط بکل شیء علما فهو تعالی عالم بالمسموعات والمبصرات ولذا یصح إطلاق اسمی السمیع والبصیر علیه تعالی.


1- الإلهیات للشیخ جعفر السبحانی: ج1، ص159.

ص: 37

الوصفان فی القرآن الکریم
السمیع

تتجلی العظمة الإلهیة من خلال الخلق لمن ینظر إلیها من نافذة الممکنات، ویشهدها بقلبه حینما یتأمل صفات الحق سبحانه، وخیر مَن وصف البارئ عزّ وجل هو کتابه الکریم بآیات ملیئة بالحکمة والعلم، وبکلمات تحوی بطونا سبعة لا یعلمها إلا أهلها، ولکی نقف علی هذه الصفة (السمع) التی إذا اتصف بها فاعلها سمّی بالسمیع لابد أن نطلع علی ما جاء فی ذکر هذا الاسم وهذه الصفة فی الآیات الکریمة من القرآن الکریم:

1__ کونه تعالی واجب الوجود وخالق الخلق ومدبّر الأمور یقتضی ذلک أن یکون محیطا بکل شیء، لا تخفی علیه الأصوات ولا تفوته الخفایا والأسرار، فهو لکل صوت سمیع وبکل سر علیم فلذا قال تعالی:

(إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (1).

2__ کونه تعالی رؤوفاً بالعباد لطیفاً بالخلق رحیماً بالمؤمنین یقتضی ذلک أن یجیبهم إذا سألوا ویحمیهم إذا لجأوا ویغیثهم إذا استغاثوا فلذا نجده سبحانه یصف نفسه تعالی بأنه سمیع لدعاء عباده کما فی قوله تعالی:

(هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ)(2).

رغم أن دعاء زکریا کان خفیا کما حکی لنا ذلک القرآن الکریم فی قوله تعالی:

(إِذْ نَادَی رَبَّهُ نِدَاءً خَفِیًّا) (3).


1- سورة البقرة، الآیة: 181.
2- سورة آل عمران، الآیة: 38.
3- سورة مریم، الآیة: 3.

ص: 38

فهو یسمع الدعاء ویسمع النداء ویعلم الاستغاثة سواء کان ذلک فی الجهر أو الإخفاء.

3__ لا شک فی أن یکون خالق الخلق والمحیط بکل شیء قریباً من عباده لا قرب مکان ولا قرب زمان لأنه تنزه عن مجانسة مخلوقاته وإنما هو مقتضی إحاطته لذا یصف نفسه بقوله تعالی:

(إِنَّهُ سَمِیعٌ قَرِیبٌ) (1).

مداراة لعقولنا التی آنست بالأبعاد المادیة الدنیویة وإلاّ فهو تعالی أسمی فی قربه من أن ندرکه فلذا یخاطبنا بقوله:

(أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَی وَرُسُلُنَا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ) (2).

4__ وصف الله سبحانه نفسه بأنه یسمع دون أن تؤثر فیه الأصوات ودون أن تؤثر علی سمعه الأماکن فهو یسمع من فی السموات کما یسمع من فی الأرض وفی آن واحد وبمستوی واحد کما فی قوله تعالی:

(قَالَ رَبِّی یَعْلَمُ الْقَوْلَ فِی السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ) (3).

وقوله تعالی:

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ) (4).

5__ لو تتبعنا کل آیة ورد فیها اسم السمیع لطال بناء المقام فلذا اکتفینا بذکر بعضها علما أن اسم السمیع أو کلمة سمیع وردت فی کثیر من الآیات.


1- سورة سبأ، الآیة: 50.
2- سورة الزخرف، الآیة: 80.
3- سورة الأنبیاء: 4.
4- سورة الشعراء، الآیة: 220.

ص: 39

البصیر

علْمنا بأنه تعالی یری ویسمع یجعلنا فی حیاء دائم لاسیما عندما تقع من بعضنا الآثام ویقترف بعضنا الذنوب، فنعیش فی دائرة التقصیر مستغفرین تائبین، کیف لا یکون ذلک ونحن نقرأ هذه الآیات الکریمة؟

1__ آیة تشیر أنه تعالی مطلع علی ظواهرنا وبواطننا بغیر جارحة أو آلة للبصر کما فی قوله تعالی:

(فَسَتَذْکُرُونَ مَا أَقُولُ لَکُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِی إِلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ) (1).

2__ آیة تصرح بأن ما نقترف من سیئات ونرتکب من ذنوب فی أعمالنا وأقوالنا ونیاتنا تحت مراقبته کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ) (2).

3__ عندما نتأمل ونتدبر قوله تعالی:

(إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ بَصِیرٌ) (3).

نعتقد بأن بصره لیس کبصرنا وإبصاره لیس کإبصارنا، فبصره لابد أن یکون منزهاً عن الحدود والأماکن والأزمان، ولابد أن یکون بصره واسعاً سعة تلیق به تعالی ولیس ذلک إلاّ علمه بالمبصرات وإحاطته بها.

4__ حیث إننا نعلم أن کلمة (البصیر __ بصیر) وردت فی أکثر من آیة فی القرآن الکریم وکلها تشیر إلی اتصافه تعالی بالبصر وتسمیته بالبصیر نکتفی بما تقدم ونتدبر فی


1- سورة غافر، الآیة: 44.
2- سورة البقرة، الآیة: 110.
3- سورة الملک، الآیة: 19.

ص: 40

الآیات التی ذکرت هذه الصفة لنعرف شیئا من عظمة ربنا سبحانه وتعالی.

وقوله علیه السلام:

«احتجب عن العقول کما احتجب عن الأبصار، وعمن فی السماء احتجابه کمن فی الأرض».

تقدمت الأبحاث التی أثبتت عدم الرؤیة البصریة بل أثبتنا عدم إحاطة العقل به سبحانه لمحدودیة العقل وعجزه عن أن یحیط بالله تعالی، وأدرجنا الروایات التی تشیر إلی عجز الأوهام والأفهام عن الإحاطة به تعالی، ولکی نذکر القارئ الکریم نقول باختصار:

الله تعالی هو واجب الوجود ومن صفات واجب الوجود وکماله أنه منزه عن الحدود والأوصاف الناقصة، ومنزه عن کل صفات الممکن، ولذا فهو تعالی فوق العقول المحدودة وخارج إدراکها، کما أنه تعالی منزه عن الجسم والجسمانیة فیکون أیضا خارجا عن الرؤیة البصریة، وهو تعالی خالق الخلق ومحیط بکل شیء فلا شیء یحیط به، فاحتجب عن خلقه لا بحجاب أو ساتر، وإنما احتجب بذاته وصفاته ووجوب وجوده.

ولکی نؤکد قولنا ونربط بین قول الإمام الحسین علیه السلام وأبیه أمیر المؤمنین علیه السلام نورد هذه الخطبة عن أمیر المؤمنین علیه السلام التی تبین بوضوح ما أراده الإمام الحسین علیه السلام، فلقد جاء فی خطبة أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الحمد لله الذی لا تدرکه الشواهد، ولا تحویه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال علی قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه علی وجوده، وباشتباههم علی أن لا شبه له، الذی صدق فی میعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط فی خلقه، وعدل علیهم فی حکمه، مستشهد بحدوث الأشیاء علی أزلیته، وبما وسمها به من العجز علی قدرته، وبما اضطرها إلیه من الفناء علی دوامه، واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة، وتشهد له

ص: 41

المرائی لا بمحاضرة، لم تحط به الأوهام بل تجلی لها بها، وبها امتنع منها، وإلیها حاکمها، لیس بذی کبر امتدت به النهایات فکبرته تجسیما، ولا بذی عظم تناهت به الغایات فعظمته تجسیدا، بل کبر شأنا، وعظم سلطانا»(1).

وهناک روایات تذکر علة احتجاب الله عزّ وجلّ عن خلقه.

عن محمد بن بندار، عن محمد بن علی ، عن محمد بن عبد الله الخراسانی __ خادم الرضا علیه السلام __ قال: (قال بعض الزنادقة لأبی الحسن علیه السلام:

لِمَ احتجب الله؟ فقال أبو الحسن علیه السلام:

«إن الحجاب عن الخلق لکثرة ذنوبهم فأما هو فلا تخفی علیه خافیة فی آناء اللیل والنهار».

قال: فلِمَ لا تدرکه حاسة البصر؟ قال __ علیه السلام __:

«للفرق بینه وبین خلقه الذین تدرکهم حاسة الأبصار، ثم هو أجل من أن تدرکه الأبصار أو یحیط به وهم أو یضبطه عقل».

قال: فحده لی، قال __ علیه السلام __:

«إنه لا یحد».

قال: لِمَ؟ قال __ علیه السلام __:

«لأن کل محدود متناه إلی حد فإذا احتمل التحدید احتمل الزیادة، وإذا احتمل الزیادة احتمل النقصان، فهو غیر محدود ولا متزائد ولا متجز ولا متوهم»)(2).

وجاء عن القاسم بن محمد، عن حمدان بن الحسین، عن الحسین بن الولید، عن عبد الله بن سنان، عن أبی حمزة الثمالی قال: (قلت لعلی بن الحسین علیهما السلام:


1- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة للعلامة حبیب الله الهاشمی: ج11، ص5، الخطبة 184.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسی رحمه الله: ج3، ص16، ح1.

ص: 42

لأی علة حجب الله عز وجل الخلق عن نفسه؟ قال __ علیه السلام __:

«لان الله تبارک وتعالی بناهم بنیة علی الجهل فلو أنهم کانوا ینظرون إلی الله عز وجل لما کانوا بالذین یهابونه ولا یعظمونه، نظیر ذلک أحدکم إذا نظر إلی بیت الله الحرام أول مرة عظمه فإذا أتت علیه أیام وهو یراه لا یکاد أن ینظر إلیه إذا مر به ولا یعظمه ذلک التعظیم»(1).

__ وقوله علیه السلام:

«قربه کرامته وبعده إهانته».

أشار الإمام علیه السلام إلی القرب الإلهی وبین أنه قرب معنوی لا قرب مادی فلذا یقول إن قرب الله تعالی من العبد یظهر من خلال إکرامه لهذا العبد وأن بعد الله تعالی عن العبد یظهر من خلال سخطه وعدم رضاه وإهانته لهذا العبد، فیظهر من قول الإمام علیه السلام أن الله تعالی لا یحویه مکان ولا یحیط به موضع فلذا لا یکون له قرب وبعد مادی، وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«ولا کان فی مکان فیجوز علیه الانتقال»(2).

__ وقوله علیه السلام:

(عُلُوُّهُ مِنْ غَیرِ تَوَقُّلٍ، وَمَجِیئُهُ مِنْ غَیرِ تَنَقُّلٍ، یُوجِدُ المفقُودَ ویُفْقِدُ المَوجُودَ، ولا تَجتمِعُ لِغَیرِهِ الصِّفَتانِ فی وَقتٍ).

أشار الإمام علیه السلام إلی أربعة أبحاث نوجزها فی النقاط التالیة:

1__ إن الله تعالی عال علواً معنویاً، وما کان علوّه ناشئاً عن صعود سلّم أو ارتقاء منبر، أو طیران طائر بل هو علو خارج عن صفات المادة والجسمیة.


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج3، ص16، ح2.س
2- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ص130، الخطبة 91.

ص: 43

2__ ورد فی القرآن الکریم قوله تعالی:

(وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا) (1).

وقوله تعالی:

(إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَبَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ) (2).

فأراد الإمام الحسین علیه السلام أن یبیّن أن مجیئ الله تعالی له معنی غیر مادی لیس معتمداً علی الحرکة والانتقال.

3__ بیّن الإمام علیه السلام أن الله تعالی هو الذی أوحد الأشیاء وهو الذی یفنیها.

4__ إن الله تعالی قادر علی أن یجمع بین الصفتین المتضادتین فی آن واحد، کالإحیاء والإماتة، وکالرازق وغیر الرازق، وقادر علی الجمع بین صفة الحلم والکرم مثلا فی آن واحد دون أن تتأخر إحداهما عن الأخری.

الوصفان فی حدیث أهل البیت علیهم السلام
السمیع

وصف أهل البیت علیهم السلام یتقدمهم جدّهم المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ربّهم بصفة السمع وأطلقوا علیه اسم السمیع کما أطلق هو تعالی علی نفسه، إلاّ أنهم بیّنوا فی أحادیث متفرقة کیفیة هذا السمع فتارة یسمع الأصوات المرتفعة کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا سامع الأصوات، یا عالم الخفیات، یا دافع البلیات»(3).


1- سورة الفجر، الآیة: 22.
2- سورة یوسف، الآیة: 100.
3- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص265، ح4706.

ص: 44

وأخری یسمع الأصوات الضعیفة التی یصدرها الضعفاء من العباد عندما یأنون من آلامهم کما ورد ذلک فی دعاء النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا من یعلم مراد المریدین، یا من یعلم ضمیر الصامتین، یا من یسمع أنین الواهنین، یا من یری بکاء الخائفین»(1).

وورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام ما یبیّن سعة سمعه وکیفیته، فهو تعالی یسمع الأصوات الصغیرة والکبیرة علی حد سواء والقریبة والبعیدة کذلک کما جاء ذلک فی قوله علیه السلام:

«کل سمیع غیره یصم عن لطیف الأصوات، ویصمه کبیرها، ویذهب عنه ما بعد منها»(2).

ویشیر الإمام زین العابدین علیه السلام إلی سعة سمعه أیضا بقوله:

«اللهم أنت الملک الذی لا یملک، والواحد الذی لا شریک لک، یا سامع السر والنجوی»(3).

وفی موضوع آخر یدعو فیقول:

«یا موضع کل شکوی، ویا سامع کل نجوی، وشاهد کل ملا، وعالم کل خفیة»(4).

وأمّا الإمام الصادق علیه السلام فیوضح لنا علة تسمیته تعالی بالسمیع من خلال بیان سعته وقوته بقوله:

« إنما سمی سمیعا؛ لأنه ما یکون من نجوی ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو


1- موسوعة العقائد الإسلامیة، محمد الریشهری: ج4، ص266، ح4707.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص266، ح4709.
3- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص266، ح4710.
4- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص266، ح4711.

ص: 45

سادسهم، ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلا هو معهم أینما کانوا، یسمع النجوی، ودبیب النمل علی الصفا، وخفقان الطیر فی الهواء، لا تخفی علیه خافیة ولا شیء مما أدرکته الأسماع والأبصار، وما لا تدرکه الأسماع والأبصار، ما جل من ذلک وما دق، وما صغر وما کبر، ولم نقل سمیعا بصیرا کالسمع المعقول من الخلق»(1).

ویؤکد الإمام الکاظم علیه السلام أن الله تعالی سمیع دون أن یشک بصحة سمعه ودقته فیقول:

«اللهم.... أنت..... سمیع لا یشک»(2).

ویؤکد أیضا أنه تعالی یسمع الأصوات القویة دون أن تؤثر علیه کما تؤثر علی سمع المخلوق فیهم منها، ویسمع الخفیة التی لا یستطیع أن یسمعها غیر صاحبها، ویوضح أن سمعه واسع شامل لجمیع اللغات المختلفة التی تصدرها المخلوقات بل هو رقیب علی کل ما یصدر من خلقه ویری الإمام الرضا علیه السلام أن الله سبحانه یسمع کل صوت یصدر من خلقه دون أن یشتبه بأحد منها کما فی قوله:

« اللهم إنی أسألک، یا سامع کل صوت، ویا بارئ النفوس بعد الموت، ویا من لا تغشاه الظلمات، ولا تتشابه علیه الأصوات، ولا تغلطه الحاجات»(3).

وینفی الإمام الرضا علیه السلام أن یکون سمع الله تعالی بآلة سمع مثقوبة کما هو فی خلقه فیقول:

« سمی ربنا سمیعا لا بخرت فیه یسمع به الصوت ولا یبصر به، کما أن خرتنا الذی به نسمع لا نقوی به علی البصر، ولکنه أخبر أنه لا یخفی علیه شیء من


1- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص266 __ 267، ح4713.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص267، ح4716.
3- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص267 __ 268، ح4718.

ص: 46

الأصوات، لیس علی حد ما سمینا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسمع واختلف المعنی»(1).

ویبیّن الإمام الرضا علیه السلام سعة سمعه ودقته فی موضع آخر (لما سأله رجل: أخبرنی عن قولکم: إنه لطیف وسمیع...: قلنا:

«إنّه سمیع لا یخفی علیه أصوات خلقه ما بین العرش إلی الثری من الذرة إلی أکبر منها فی برها وبحرها، ولا یشتبه علیه لغاتها، فقلنا عند ذلک: إنّه سمیع لا بأذن»(2).

سمعه لا کسمعنا

ورد علی لسان أهل البیت علیهم السلام أن سمع الله تعالی منزه عن صفات سمع المخلوق کما جاء ذلک عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی أکثر من حدیث کقوله:

«السمیع لا بأداة، سمیع لا بآلة، السمیع لا بتفریق آلة، سمیع للأصوات المختلفة، بلا جوارح مؤتلفة».

وورد عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«ولم نقل سمیعا بصیرا کالسمع المعقول من الخلق».

وفی قول آخر یقول:

«هو سمیع بصیر، سمیع بغیر جارحه، بصیر بغیر آلة، بل یسمع بنفسه ویبصر بنفسه».

وورد عن الإمام الرضا علیه السلام قوله:

«قلنا: سمیع لا مثل سمع السامعین».

وجاء عن ولده الإمام الجواد علیه السلام قوله:

«ولم نصفه بالسمع المعقول فی الرأس».


1- موسوعة العقائد الإسلامیة للریشهری: ج4، ص268، ح4719.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص268، ح4720.

ص: 47

البصیر

وصف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الأطهار علیهم السلام ربّهم بصفة البصر المنزهة عن الشبه، وأطلقوا علیه اسم البصیر تبعا لما ورد فی القرآن الکریم إلا أنهم بیّنوا أموراً تتعلق بهذه الصفة وهذا الاسم وهی کالآتی:

__ إنّ الله تعالی یری الأشیاء ویبصرها دون أن یحول بینه وبینها حاجب سواء کان سمیکا أو شفافاً، کبیراً أو صغیراً وهذا ما ورد علی لسان سید المرسلین صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«یا من لا یحجبه شیء عن شیء».

__ إن البصیر من المخلوقات لا یستطیع أن یری الألوان الخفیة، والأجسام الدقیقة الصغیرة إلا أن الله سبحانه بصیر بذلک مطلع علیه وهذا ما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«کل بصیر غیره یعمی عن خفی الألوان، ولطیف الأجسام».

__ إنما سمی الله تعالی البصیر، لأنه یری ویبصر ما تدرکه الأبصار وما لا تدرکه من مخلوقات صغیرة أو کبیرة، حقیرة أو عظیمة وهذا ما أجاب به الإمام الصادق علیه السلام لما سأله الزندیق (أفرأیت قوله: سمیع بصیر عالم؟ قال:

«إنّما سمّی __ تبارک وتعالی __ بهذه الأسماء لأنه لا یخفی علیه شیء مما لا تدرکه الأبصار امن شخص صغیر أو کبیر، أو دقیق أو جلیل»).

__ إنه تعالی بصیر لا یشک ولا یشتبه ولا تلتبس علیه اللوابس کما فی دعاء الإمام الکاظم علیه السلام:

«سبحانک اللهم وبحمدک... أنت.... بصیر لا یرتاب».

__ إن الله تعالی یوصف بالبصیر دون أن یشبه بغیره من الخلق فلذلک ورد عن

ص: 48

الإمام الصادق علیه السلام:

«ولا نصفه بصیرا بلحظ عین کالمخلوق».

وأکد ذلک الإمام الرضا علیه السلام بقوله:

«إنه بصیر لا کبصر خلقه».

وفی قوله علیه السلام:

«وهکذا البصر لا بخرت منه أبصر، کما أن نبصر بخرت منا لا ننتفع به فی غیره».

وهذا الوصف صرح به أیضا الإمام الجواد علیه السلام بقوله:

«ولم نصفه ببصر لحظة العین».

__ وقوله علیه السلام:

(عُلُوُّهُ مِنْ غَیرِ تَوَقُّلٍ، وَمَجِیئُهُ مِنْ غَیرِ تَنَقُّلٍ).

__ تقدم فی الأبحاث السابقة أن الله تعالی لا یتصف بصفة من صفات الممکنات ولا تحده الحدود الزمانیة والمکانیة ولا یتکیف بکیف ولا یسری علیه ما یسری علی خلقه، ومما ینزه عنه سبحانه هو العلوّ المکانی، فلله تعالی علوٌّ حقیقی عن کل ما سواه لأنه واجب الوجود وخالق الخلق وبارئ المکان والزمان ومحیط بکل شیء ولا یحیط به شیء إلاّ أنه تعالی رغم علوّه وارتفاعه عن خلقه فهو أقرب إلیهم من حبل الورید بل یحول بین المرء وقلبه وما هذا القرب إلاّ لإحاطته وقیومیته، ولو تأملنا فی الآیات الکریمة کقوله تعالی:

(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ) (1).


1- سورة الشوری، الآیة: 11.

ص: 49

وقوله تعالی:

(وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ) (1).

وقوله تعالی:

(اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ) (2).

لاتضح لنا عدم صحة نعته بصفة من صفات الممکنات وعدم جواز وصفه بصفة الأجسام، وعلی هذا لابد من تفسیر علوّه سبحانه بامتناع اتصافه بصفات خلقه وارتفاعه عن کل صفات المخلوقات واستغنائه عن العلوّ والسفل التی هی من ملازمات المکان، فعلوّه هو نزاهته عن کل نقص، وعلوّه هو ربوبیته لما سواه، وعلوّه هو غناه عن کل شیء، وعلوّه هو إحاطته بکل شیء، وعلوّه هو قیومیته علی خلقه وغیر ذلک من صفات الکمال اللائق به تعالی.

__ وأمّا تفسیر مجیئه تعالی یتضح مما تقدم أنه مجیء أمره تعالی لجلاله عن المجیء والحرکة والانتقال، وهذا ما أکدته الروایة الشریفة عن الإمام الرضا علیه السلام عن قول الله تعالی:

(وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا)

قال:

«إنّ الله عزّ وجل لا یوصف بالمجیء والذهاب، تعالی عن الانتقال وإنما یعنی به وجاء أمر ربک والملک صفا صفا»(3).

وهناک معنی آخر للمجیء ذکره العلامة الطباطبائی صاحب تفسیر المیزان هو (أن


1- سورة فاطر، الآیة: 15.
2- سورة الرعد، الآیة: 16.
3- التوحید للصدوق: ص162، ح1.

ص: 50

المجیء یعنی حصول القرب وارتفاع المانع والحاجز بین الشیئین)(1).

__ وقوله علیه السلام:

(یُوجِدُ المفقُودَ ویُفْقِدُ المَوجُودَ).

__ أوجد الله الشیء: أنشأه من غیر سبق مثال، وفلانا أغناه، یقال: الحمد لله الذی أوجدنی بعد فقر.

الواجد: من أسماء الله تعالی، وهو الغنی الذی لا یفتقر(2).

__ فقد الشیء __ فقداً، الکتاب و__ المال ونحوه: خسره وعدمه(3).

لا شک أن الله تعالی علی کل شیء قدیر، ووسعت قدرته کل ما ینطبق علیه مفهوم الشیء، فهو تعالی قادر علی غیر المحال إذ إن المحال باطل محض لعدم انطباق مفهوم الشیئیة علیه، وحیث إن الله تعالی هو خالق کل شیء فهو تعالی قد أبدع خلقه وأنشأه من غیر أن یقیس ذلک علی مثال سابق لغناه عن ذلک، فلقد ورد فی الروایات ما یشیر إلی ذلک کقول الإمام الصادق علیه السلام:

«لا یکوّن الشیء لا من شیء إلا الله، ولا ینقل الشیء من جوهریته إلی جوهر آخر إلا الله...»(4).

وأمّا بالنسبة لفناء الأشیاء فلقد صرح تعالی بقوله:

(کُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ) (5).


1- تفسیر المیزان للسید الطباطبائی: ج2، ص104.
2- المعجم الوسیط: ص1013.
3- المعجم الوسیط: ص696.
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسی رحمه الله: ج4، ص148، ح2.
5- سورة الرحمن، الآیة: 26.

ص: 51

وفی هذا إشارة إلی القانون الإلهی الذی یحکم بانقطاع أمد هذه النشأة الدنیویة وولادة نشأة أخری بعد التأمل فی النشأة الأولی التی هی الدنیا ومادیاتها والنشأة الأخری التی هی الآخرة ومعنویاتها تظهر نتیجة واضحة أن الله تعالی هو الذی أوجد ما کان فی العدم وعدم ما هو فی الوجود، وهذا ماصرح به الإمام الصادق علیه السلام:

«ولا ینقل الشیء من الوجود إلی العدم إلا الله»(1).

__ وقوله علیه السلام:

(ولا تَجتمِعُ لِغَیرِهِ الصِّفَتانِ فی وَقتٍ).

ثبت فی محله أن لله تعالی نوعین من الصفات هما الصفات الثبوتیة والتی تسمی بصفات الکمال والصفات السلبیة والتی تسمی بصفات الجلال، والصفات الثبوتیة تنقسم إلی قسمین هما: الصفات الذاتیة وهی التی تنتزع من الذات فقط، والصفات الفعلیة وهی التی تنتزع من مقام الفعل کالخالفیة والرازقیة.

وثبت أیضا أن صفات الذات هی عین الذات کالحیاة والعلم والقدرة، أی أن قدرته هی حیاته وحیاته هی قدرته فهو حی من حیث هو قادر وقادر من حیث هو حی، فبهذا اللحاظ نستطیع أن نقول أن أکثر من صفة اجتمعت له تعالی وفی وقت واحد.

وهناک معنی آخر کاجتماع الصفتین له تعالی فی وقت کاتصافه بأنه یخلق ولا یخلق أو یرزق ولا یَرزق أو یرحم ولا یَرحم، إذ أن هذه الصفات هی من صفات الفعل ولیس من صفات الذات.

ولکی یتضح البحث نورد باقة من الروایات الشریفة التی تشیر إلی هذا المعنی:

1__ عن هشام بن الحکم فی حدیث الزّندیق الذی سأل أبا عبد الله علیه السلام فکان من سؤاله أن قال له: (فله رضاً وسخط؟ فقال أبو عبدالله علیه السلام:


1- بحار الأنوار للمجلسی: ج4، ص148، ح2.

ص: 52

«نعم ولکن لیس ذلک علی ما یوجد من المخلوقین، وذلک أن الرضا حال تدخل علیه فتنقله من حال إلی حال؛ لأن المخلوق أجوف معتمل مرکب، للأشیاء فیه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشیاء فیه لأنه واحد واحدی الذات واحدی المعنی، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه من غیر شیء یتداخله فیهیجه وینقله من حال إلی حال، لأن ذلک من صفة المخلوقین العاجزین المحتاجین»)(1).

هذه الروایة تشیر إلی اجتماع الرضا للمؤمنین والسخط علی الکافرین فی وقت واحد.

2__ عن حریز، عن محمد بن مسلم، (عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال فی صفة القدیم:

«إنّه واحد صمد أحدی المعنی لیس بمعانٍ کثیرة مختلفة».

قال: قلت: جعلت فداک یزعم قوم من أهل العراق أنه یسمع بغیر الذی یبصر ویبصر بغیر الذی یسمع، قال: فقال __ علیه السلام __:

«کذّبوا وألحدوا وشبهوا تعالی الله عن ذلک، إنه سمیع بصیر یسمع بما یبصر ویبصر بما یسمع».

قال: قلت: یزعمون أنه بصیر علی مایعقلونه، قال: فقال __ علیه السلام __:

«تعالی الله إنما یعقل ماکان بصفة المخلوق ولیس الله کذلک»)(2).

وهناک معنی آخر هو أنه تعالی یوجد المفقود ویفقد الموجود فی وقت لا یشغله الإیجاد عن الافقاد ولا الافقاد عن الإیجاد، ولا یشغله أمر عن أمر ولا سمع عن سمع ولا صوت عن صوت.


1- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص64، ح6.
2- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص63، ح1.

ص: 53

هل هما من صفات الذات؟

بیّنا أن هاتین الصفتین قد اتصف بهما الله سبحانه وتعالی، وأنهما بمعنی علمه بالمسموعات والمبصرات، وأن ذکرهما قد ورد فی القرآن الکریم وعلی لسان أهل بیت العصمة علیهم السلام.

وکذلک بیّنا سعة هاتین الصفتین ودقتهما وأنهما فی الله تعالی لیس کما فی خلقه، وأن إطلاق اسمی السمیع البصیر علیه تعالی لا یشابه إطلاقه علی غیره.

بعد هذا البیان لنا أن نسأل عن هاتین الصفتین هل هما من صفات الذات أم من الصفات الفعلیة؟

الجواب عن ذلک سیعرف من خلال وقوفنا علی الأحادیث التی وردت عن أهل البیت علیهم السلام إذ إنها تبین لنا نوع هاتین الصفتین وهی کما یلی:

فی السمع

__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قوله:

«سمیعا إذ لا مسموع».

__ ورد عن الإمام الباقر علیه السلام قوله:

«یسمع بما یبصر ویبصر بما یسمع».

__ وقال علیه السلام:

«والسمع ذاته ولا مسموع».

__ ورد عن الإمام الرضا علیه السلام قوله:

«إنه یسمع بما یبصر ویری بما یسمع».

ص: 54

البصر

__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قوله:

«بصیر إذ لا منظور إلیه من خلقه».

__ ورد عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«لم یزل الله عزّ وجل ربنا... والبصر ذاته ولا مبصر... فلما أحدث الأشیاء وقع البصر علی المبصر».

__ ورد عن الإمام الرضا علیه السلام قوله:

«إنه یسمع بما یبصر ویری بما یسمع»(1).

من خلال التمعن فی هذه الأحادیث الشریفة نجد قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«سمیعا إذ لا مسموع».

یثبت أن الله تعالی متصف بالسمع والبصر قبل أن یخلق المسموعات والمبصرات وهذا یدل علی أن هاتین الصفتین من صفات الذات.

ولو نظرنا أقوال الإمامین الباقر والرضا علیهما السلام:

«یسمع بما یبصر ویبصر بما یسمع».

یتضح لنا أن هاتین الصفتین لا یمکن أن تکونا هکذا إلا إذا کانتا عین الذات فیلزم أنهما من صفات الذات، وتصریح الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«والسمع ذاته ولا مسموع».

لا یحتاج إلی توضیح وبیان کما أن قول الإمام الصادق علیه السلام:

«والبصر ذاته ولا مبصر فلما أحدث الأشیاء وقع البصر علی المبصر».

یصرح بأن البصر صفة ذات یتصف الله تعالی بها منذ الأزل.


1- التوحید للشیخ الصدوق: ص65.

ص: 55

وهاتان الصفتان لا یخرجا عن علمه فلذلک قال الإمام الصادق علیه السلام:

«وقع البصر علی المبصر».

أی وقع العلم الذاتی علی المعلوم.

سؤال مهم
اشارة

السؤال: هل یصح أن نطلق علیه أنه شام أو ذائق أو لامس لعلمه بالمذوقات والمشمومات والملموسات؟

الجواب:

ألف

لا نصف ربنا إلاّ بما وصف به نفسه ونقف عند ذلک دون أن نخوض فی غیره استحسانا أو اجتهاداً وقیاساً وهذا ما أشار إلیه الإمام الرضا علیه السلام فی حدیث طویل فیقول:

«سبحانه ما عرفوک ولا وحدوک ومن أجل ذلک وصفوک، سبحانک لو عرفوک لوصفوک بما وصفت به نفسک، سبحانک کیف طاوعتهم أنفسهم أن شبّهوک بغیرک إلهی لا أصفک إلاّ بما وصفت به نفسک، ولا أشبّهک بخلقک، أنت أهل لکلّ خیر فلا تجعلنی من القوم الظالمین»(1).

وجاء عن محمد بن سلیمان، عن علی بن إبرهیم الجعفری، عن عبد الله بن سنان، (عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال:

«إنّ الله عظیم، رفیع، لا یقدر العباد علی صفته، ولا یبلغون کنه عظمته، لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر، ولا یوصف بکیف


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص110، ح13.

ص: 56

ولا أین ولا حَیث فکیف أصفه بکیف وهو الذی کیّف الکیف حتّی صار کیفاً، فعرفت الکیف بما کیّف لنا من الکیف، أم کیف أصفه بأین وهو الذی أیّن الأین حتّی صار أیناً، فعرفت الأین بما أیّن لنا من الأین، أم کیف أصفه بحیث وهو الذی حیّث الحیث حتّی صار حیثاً، فعرفت الحیث بماحیّث لنا من الحیث، فالله تبارک وتعالی داخل فی کلّ مکان، وخارج من کلّ شیء، لا تدرکه الأبصار، وهو یدرک الأبصار، لا إله إلاّ هو العلیّ العظیم، وهو اللطیف الخبیر»(1).

باء

هناک قول لأهل العلم لا یصح إطلاق الشام أو الذائق علیه تعالی للزوم صفات المادة فیقول: (یجب أن یکون سمیعا بصیراً، لأنه حی لا آفة به، وفائدة السمیع البصیر أنه علی صفة یجب فیها أن یسمع المسموعات، ویبصر المبصرات، وذلک یرجع إلی کونه حیاً لا آفة به، ولا یوصف بأنه سمیع بصیر، والمعلوم خلاف ذلک.

وأمّا سامع مبصر فمعناهما أنه مدرک للمسموعات والمبصرات، وذلک یقتضی وجود المسموعات والمبصرات فلذلک لا یوصف بهما فی الأزل، فأمّا شام وذائق فلیس المراد بهما کونه مدرکاً بل المستفاد بالشام أنه قرب الجسم المشموم إلی حاسة شمه، والذائق أنه قرب الجسم المذوق إلی حاسة ذوقه، ولذلک (یقولون شممته فلم أجد له رائحة، وذقته فلم أجد له طعماً ولا) یقولون: أدرکته فلم أدرکه لأنه مناقضه وجری مجری قوله أصغیت له فلم أسمعه فهما بأن یکونا سبب الإدراک علی وجه دون أن یکونا نفس الإدراک)(2).


1- التوحید للصدوق: ص111 __ 112، ح14.
2- الاقتصاد فیما یتعلق بالاعتقاد للشیخ محمد بن الحسن الطوسی: ص57 __ 58.

ص: 57

لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار
امتناع الرؤیة

استشهد القرآن الناطق الإمام المعصوم علیه السلام بآیة من القرآن الکریم فی خطبته الشریفة لیقول بلسان فصیح وقول صریح أن الحق سبحانه أجل وأکبر وأعظم من أن تناله الأبصار أو تدرکه الأفهام، امتنع علیها بوجوب وجوده وعجزت عن إدراکه بإمکان وجودها، وتعالی بکماله اللامتناهی عن نقصها المحض، وارتفع بغناه المطلق عن فقرها اللامحدود، فلذا صارت محالاً رؤیته، سمت فوق العقول ذاته، فلا یعرفه إلا بصفته ولا یری إلا بالبصیرة، فهو تعالی أکبر من أن یقال شیء عن رؤیته ولذا نقسم القوم إلی ثلاث فرق:

1__ قالت العدلیة بعدم رؤیته تعالی بالبصر سواء کانت الرؤیة فی الدنیا أو فی الآخرة.

2__ جوّز المجسمة رؤیته تعالی بالبصر فی الدارین.

3__ قال بعض الأشاعرة برؤیته تعالی یوم القیامة وإنه سینکشف إلیهم کانکشاف القمر لیلة البدر، وحیث إن قول المجسمة یستلزم شروطاً للرؤیة، فلابد أن نذکرها کما یلی:

1__ یستلزم تحقق الرؤیة أن یکون المرئی فی جهة معینة.

2__ یستلزم تحقق الرؤیة أن یکون المرئی مقابلا للرائی أو ما فی حکم المقابل کما فی المرآة.

3__ یستلزم تحقق الرؤیة أن تنعکس صورة المرئی علی العین.

4__ أو أن تکون الرؤیة بواسطة خروج شعاع مخروطی الشکل فیقع علی المرئی.

ص: 58

وبناء علی ما تقدم من الأقوال جمیعاً یلزم أن یکون المرئی جسماً محدوداً ذا أبعاد مختلفة کالطول والعرض والعمق، کما یلزم منها أن یکون واجب الوجود ممکنا له کل صفات الممکنات، فینتفی الکمال المطلق له تعالی ویتصف بالنقص تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً.

وبعد أن حکم العقل السلیم بعدم صحة القول برؤیته تعالی بالبصر لابد أن نؤید حکم العقل بما جاء فی الکتاب الکریم، وبما صرح به لسان العصمة من أحادیث محمد وآل محمد صلوات الله علیه وسلم تسلیماً کثیراً.

الآیات الکریمة

قال الله تبارک وتعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (1).

وقوله تعالی:

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَخَرَّ مُوسَی صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ) (2).

وقال سبحانه وتعالی:

(یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا) (3).


1- سورة الأنعام، الآیة: 103.
2- سورة الأعراف، الآیة: 143.
3- سورة البقرة، الآیة: 255.

ص: 59

وقوله تعالی:

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ) (1).

وبهذه الباقة العطرة من الآیات الکریمة التی تفند مدعی الرؤیة البصریة نکتفی بالرد علی من یقول بجواز رؤیته تعالی بالبصر.

الأحادیث الشریفة

ما نطق به لسان أهل الذکر، وما صرحت به کلماتهم علیهم السلام یرشدنا إلی صحة ما حکم به العقل من رفض التجسیم لله تعالی ورفض الرؤیة البصریة التی تستلزم التجسیم، ولکی تنشرح الصدور بأحادیثهم النورانیة نذکرها کالآتی:

1__ ورد عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام: (کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالساً فی مسجده إذ دخل علیه رجل من الیهود فقال: یا محمّد ما تدعو؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«إلی شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّی رسول الله».

قال: یا محمّد أخبرنی عن هذا الربّ الّذی تدعو إلی وحدانیّته وتزعم أنّک رسوله کیف هو، قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«یا یهودیُّ إنّ ربّی لا یوصف بالکیف لأنّ الکیف مخلوق وهو مکیّفه».

قال: فأین هو؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«إنّ ربّی لا یوصف بالأین لأنّ الأین مخلوق وهو أیّنه».


1- سورة الشوری، الآیة: 11.

ص: 60

قال: فهل رأیته یا محمّد؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«إنّه لا یری بالأبصار ولا یدرک بالأوهام».

قال: فبأیّ شیء نعلم أنّه موجود؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«بآیاته وأعلامه».

قال: فهل یحمِل العرش أم العرش یحمله؟ فقال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«یا یهودی إنّ ربّی لیس بحالٍّ ولا محلّ».

قال: فکیف خروج الأمر منه؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«بإحداث الخطاب فی المحالّ».

قال: یا محمّد ألیس الخلق کلّه له؟! قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«بلی».

قال: فبأیّ شیء اصطفی منهم قوماً لرسالته؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«بسبقهم إلی الإقرار بربوبیّته».

قال: فَلِمَ زعمت أنّک أفضلهم؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«لأنّی أسبقهم إلی الإقرار بربّی عزّ وجلّ».

قال: فأخبرنی عن ربّک هل یفعل الظلم؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«لا».

قال: ولِمَ؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«لعلمه بقبحه واستغنائه عنه».

قال: فهل أنزل علیک فی ذلک قرآناً یتلی؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«نعم: إنّه یقول عزّ وجلّ: 

ص: 61

(وَمَا رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ) (1).

ویقول __ تبارک وتعالی __:

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئًا وَلَکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ) (2).

ویقول __ سبحانه وتعالی __:

(وَمَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِینَ) (3).

ویقول __ عزّ وجلّ __:

(وَمَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ) (4)».

قال الیهودی: یا محمّد فإن زعمت أن ربّک لا یظلم فکیف أغرق قوم نوح علیه السلام وفیهم الأطفال؟ فقال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«یا یهودی إنّ الله عزّ وجلّ أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعین عاماً فأغرقهم حین أغرقهم ولا طفل فیهم، وما کان الله لیهلک الذرّیة بذنوب آبائهم، تعالی عن الظلم والجور علوّاً کبیراً».

قال الیهودی: فإن کان ربّک لا یظلم فکیف یخلّد فی النار أبد الآبدین من لم یعصه إلاّ أیّاماً معدودة؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«یخلّده علی نیّته، فمن علم الله نیّته أنّه لو بقی فی الدنیا إلی انقضائها کان یعصی الله عزّ وجلّ یخلّده فی ناره علی نیّته، ونیّته فی ذلک شرّ من عمله، وکذلک یخلّد من یخلّد فی الجنّة بأنّه ینوی أنّه لو بقی فی الدنیا أیّامها لأطاع الله أبداً، ونیّته خیر من


1- سورة فصلت، الآیة: 46.
2- سورة یونس، الآیة: 44.
3- سورة آل عمران، الآیة: 108.
4- سورة غافر، الآیة: 31.

ص: 62

عمله، فبالنیّات یخلّد أهل الجنّة فی الجنّة وأهل النار فی النار، والله عزّ وجلّ یقول:

(قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَی سَبِیلًا) (1)».

قال الیهودی: یا محمّد إنّی أجد فی التوراة أنّه لم یکن لله عزّ وجلّ نبیّ إلاّ کان له وصیّ من أمّته فمن وصیّک؟ قال __ صلی الله علیه وآله وسلم __:

«یا یهودی وصیّی علیّ بن أبی طالب علیه السلام واسمه فی التوراة ألیا وفی الإنجیل حیدار، وهو أفضل أمّتی وأعلمهم بربّی، وهو منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی، وأنّه لسیّد الأوصیاء کما أنّی سیّد الأنبیاء».

فقال الیهودی: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّک رسول الله وأنّ علیّ بن أبی طالب وصیّک حقّاً، والله إنّی لأجد فی التوراة کلُّ ما ذکرت فی جواب مسائلی، وإنّی لأجد فیها صفتک وصفة وصیّک، وأنّه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وأنّه أبو سبطیک وولدیک شبراً وشبیراً سیّدی شباب أهل الجنة)(2).

2__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (جاء حِبْرٌ إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: یا أمیر المؤمنین هل رأیت ربّک حین عبدته؟ فقال __ علیه السلام __:

«ویلک ما کنت أعبد ربّاً لم أره».

قال: وکیف رأیته؟ قال __ علیه السلام __:

«ویلک لا تدرکه العیون فی مشاهدة الأبصار ولکن رأته القلوب بحقائق الإیمان»)(3).

3__ ومن الروایات التی تبین أن القول بالرؤیة البصریة یجر إلی التشبیه المحال


1- سورة الإسراء، الآیة: 84.
2- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص386 __ 387 فی الهامش.
3- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص106، ح6.

ص: 63

والباطل قول الإمام أبی الحسن الثالث علیه السلام: (عن أحمد بن إسحاق، قال: کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن الرؤیة وما فیه الناس فکتب علیه السلام:

«لا تجوز الرؤیة ما لم یکن بین الرائی والمرئیّ هواء ینفُذه البصر، فإذا انقطع الهواء وعدم الضیاء بین الرائی والمرئیّ لم تصحّ الرؤیة وکان فی ذلک الاشتباه لأنّ الرائی متی ساوی المرئیّ فی السبب الموجب بینهما فی الرؤیة وجب الاشتباه وکان فی ذلک التشبیه، لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات»).

4__ وهذه الروایة تکذّب من افتری علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأنه رأی ربه بالبصر فیقول: (عن ابن فضّال، عن أبی جمیلة، عن محمّد بن علیّ الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله عزّ وجلّ:

(یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ) (1).

قال:

«تبارک الجبّار».

ثمّ أشار إلی ساقه فکشف عنها الإزار، قال:

«ویدعون إلی السجود فلا یستطیعون».

قال:

«أُفحِم القوم ودخلتهم الهَیْبَة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون»)(2).

وهناک الکثیر من الروایات التی ترکناها لتجنب الوقوع فی الإطالة.


1- سورة القلم، الآیة: 42.
2- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص149 __ 150.

ص: 64

الرؤیة القلبیة

لا تخلو الرؤیة من أحد المعنیین، المعنی الحقیقی أو المعنی المجازی لها، فإن کان مرادنا من الرؤیة المعنی الحقیقی لها فهی بمعنی الإدراک الحسّی أی الرؤیة البصریة، وإن کان مرادنا المعنی المجازی لها فهی بمعنی الإدراک العلمی التام أی الرؤیة بالبصیرة أو ما یسمی بالرؤیة القلبیة، وقد تقدم بطلان الرؤیة بالمعنی الأول عقلاً ونقلاً، فتنحصر الرؤیة بالمعنی الثانی ولهذا نقول:

إن عظمة الحق سبحانه تتجلی فی ذاته وصفاته وأفعاله، وحیث إن الذات الإلهیة لا یحاط بها لإحاطتها بکل شیء فلذا عجز المخلوق مهما ارتفعت رتبته وعلت مکانته وسمی فوق غیره من أن ینال الذات الإلهیة أو یعرف کنهها وهذا ما أکده الإمام أبو جعفر علیه السلام بقوله: (عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زیاد، عن الحسن بن محبوب، عن علی بن رئاب، عن أبی بصیر، قال: قال أبو جعفر علیه السلام:

«تَکَلَّمُوا فِی خَلْقِ اللهِ وَلاَ تَتَکلّمُوا فِی اللهِ فَإنَّ الکَلامَ فِی اللهِ لا یَزْدادُ صاحِبُهُ إلاّ تَحَیُّراً».

وفی روایة أخری عن حَریزٍ، قال علیه السلام:

«تَکَلَّمُوا فِی کُلِّ شَیْءٍ وَلاَ تَتَکَلَّمُوا فِی ذاتِ اللهِ»)(1).

والنظر فی ذات الله تعالی یؤدی إلی وقوع الناظر فی التیه والضلال والاضطراب کما فی هذا الحدیث:

(عن محمد بن حُمران، عن أبی عبیدة الحذاء قال: قال أبو جعفر علیه السلام:

«یا زِیادُ، إیّاکَ وَالخُصُوماتِ فَإنَّها تُورِثُ الشَّکَّ وَتُحْبِطُ العَمَلَ وَتُرْدِی صاحِبَها وَعَسی أنْ یَتَکَلَّمَ بِالشَّیْءِ فَلا یُغْفَرُ لَهُ، إنَّهُ کانَ فِیما مَضی قَوْمٌ تَرَکُوا عِلْمَ ما


1- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص114، باب النّهی عنِ الکلام فی الکیفیة، ح1.

ص: 65

وُکِلُوا بِهِ وَطَلَبُوا عِلْمَ ما کُفُوهُ حَتَّی انْتَهی کَلامُهُمْ إلَی اللهِ فَتَحَیَّرُوا حَتّی أنْ کانَ الرَّجُلُ لَیُدْعی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ فَیُجِیبُ مِنْ خَلْفِهُ وَیُدْعی مِنْ خَلْفِهِ فَیُجِیبُ مْنْ بَیْنِ یَدَیْهِ».

وفی روایةٍ أخری:

«حَتّی تاهُوا فی الأرضِ»)(1).

بل إن المفکر فی ذات الله تعالی الذی یبغی الإحاطة بها جاهل محض وعاجز ضعیف وسیقوده تفکیره فی ذلک إلی عاقبة سیئة کما فی قول الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام:

«مَنْ نَظَرَ فِی اللهِ کَیْفَ هُوَ، هَلَکَ»(2).

فلذا أبی الإمام أبو جعفر علیه السلام إلا أن یرشدنا وینصحنا رعایة منه لنا ورحمة منه بنا بقوله:

«إیّاکُمْ وَالتَّفَکُّرَ فِی اللهِ وَلکِنْ إذا أرَدْتُمْ أنْ تَنْظُرُوا إلی عَظَمَتِهِ فَانْظُرُوا إلی عَظیمِ خَلْقِهِ»(3).

وبعد هذه الجولة فی أحادیث أهل العصمة والطهارة علیهم السلام صار لابد لنا أن نتأمل فیها بإمعان ونستلهمها بقوة ونسترشد بها بدقة لکی نصل إلی اطمئنان القلب وسکون النفس وخضوع الجوارح ونسلم بأن رؤیة الله تعالی لا تتم من خلال الحواس، ولا تتحقق رؤیة الذات الإلهیة إلا من خلال النظر فی عظمتها وصفاتها، فبناء علی ما تقدم لا تکون الرؤیة إلا بالبصیرة، ولا تتحقق إلا الرؤیة القلبیة وهذا ما تؤکده الأحادیث والروایات الشریفة التی سنقف علی مضامینها الآتیة:


1- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص115، باب النّهی عنِ الکلام فی الکیفیة، ح4.
2- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص115، باب النهی عن الکلام فی الکیفیة، ح5.
3- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص116، باب النهی عن الکلام فی الکیفیة، ح7.

ص: 66

1__ فی هذا الحدیث الشریف یؤکد الإمام علیه السلام علی عدم إمکان تحقق الرؤیة البصریة لجلال الله تعالی عن صفات الأجسام، کما یؤکد علی حصول الرؤیة القلبیة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیقول:

«إنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی أری رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ما أحَبَّ»(1).

2__ وحدیث الإمام أبی جعفر علیه السلام یشیر إلی أن الرؤیة القلبیة تتحقق لکل مؤمن عالم عارف بربّه من خلال نظره فی آیات الله تعالی الأنفسیة والآفاقیة، فیقول: (عن علی بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبیه قال: حضرت أبا جعفر علیه السلام فدخلَ علیه رجلٌ من الخوارج فقال له: یا أبا جعفر، أیّ شیء تعبد؟ قال __ علیه السلام __:

«الله تعالی».

قال: رأیته؟ قال __ علیه السلام __:

«بَلْ لم تَرَهُ العیونُ بمشاهدة الأبصار ولکن رأته القلوب بحقائق الإیمان، لا یعرف بالقیاس ولا یدرک بالحواس، ولا یشبه بالناس، موصوف بالآیات، معروف بالعلامات، لا یجور فی حکمه، ذلک الله لا إله إلا هو».

قال: فخرج الرجل وهو یقول: الله أعلم حیث یجعل رسالته)(2).

3__ بیّن الإمام أبو الحسن الرضا علیه السلام أن رؤیة الذات الإلهیة لا یمکن تتحققها بالبصر ولا بالبصیرة معاً لمحدودیة الرائی وقصوره عن إدراک الذات اللامتناهیة، فلذا قال: (عن أحمد بن محمد، عن أبی هاشم الجعفری، قال سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام: عنِ الله یوصفُ؟ قال __ علیه السلام __:

«أما تَقرَأ القرآن؟».


1- أصول الکافی للکلینی: ج1، ص114، بابٌ فی إبطال الرّؤیة، ح1.
2- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص119، باب فی إبطال الرؤیة، ح5.

ص: 67

قُلتُ: بَلی، قال __ علیه السلام __:

«أما تقرأ قوله تعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ)

قلت: بلی، قال __ علیه السلام __:

«فتعرفون الأبصار؟».

قلتُ: بلی، قال __ علیه السلام __:

«ما هی؟».

قلت: أبصار العیون، فقال __ علیه السلام __:

«إنّ أوهام القلوب أکبر من أبصار العیون فهو لا تدرکه الأوهام وهو یدرک الأوهام»)(1).

وهناک الکثیر من الروایات التی تؤکد هذا المعنی لجمنا عنها قلمنا لکی لا نقع فی الإطالة.

ما هو سبب شبهة الرؤیة؟

إن الذین قالوا بجواز رؤیته تعالی بالبصر وقعوا فی شبهة التجسیم بسبب فهمهم الخاطئ للآیات الکریمة، وبسبب ابتعادهم عن نهج العترة الطاهرة والثقل الأصغر، فقادهم هذا الابتعاد إلی التعامل مع الآیات الکریمة بسطحیة وبساطة فی الفهم، ودفعهم إلی الجمود علی ظواهر الآیات الکریمة وهذا بدوره أدی إلی صدور أفکار مخالفة للعقل وأقوال تتقاطع مع النصوص الصریحة فی تنزیه الحق سبحانه کقوله تعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (2).


1- أصول الکافی: ج1، ص120، باب فی قوله تعالی: (لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار)، ح10.
2- سورة الأنعام، الآیة: 103.

ص: 68

وقوله تعالی:

(یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا) (1).

وقال سبحانه وتعالی:

(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ) (2).

وقد ترک هذا الفهم السطحی والخاطئ ترکة فکریة ثقیلة علی عقول بعض طوائف المسلمین وهذا ما نلمسه من الحدیث الآتی:

(عن أحمد بن إدریس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن یحیی قال: سألنی أبو قرّة المحدث أن أدخله علی أبی الحسن الرضا علیه السلام فاستأذنته فی ذلک فأذن لی فدخل علیه فسأله عن الحلال والحرام والأحکام حتّی بلغ سؤاله إلی التوحید فقال أبو قرّة: إنا روینا أنّ اللهَ قسم الرؤیة والکلام بین نبیّین، فقسم الکلام لموسی ولمحمد الرؤیة، فقال أبو الحسن علیه السلام:

«فمن المبلغ عن الله إلی الثقلین من الجن والإنس:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ)، و(وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا) ، و (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ).

ألیس محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟».

قال: بلی. قال علیه السلام:

«کیف یجیء رجل إلی الخَلقِ جمیعا فیخبرُهُمْ أنّه جاء من عند الله وأنّه یدعوهم إلی الله بأمر الله فَیقولُ: (لا تدرکه الأبصار)، و(لا یحیطون به علما)، و(لیس کمثله شیء)، ثمّ یقول: أنا رأیته بعینی وأحطت به علما وهو علی صورة البشر، أما


1- سورة طه، الآیة: 110.
2- سورة الشوری، الآیة: 11.

ص: 69

تستحونَ؟ ما قدَرَتِ الزَّنادقة أن ترمیه بهذا أن یکون یأتی من عند الله بشیء ثمّ یأتی بخلافه من وجه آخر».

قال أبو قرّة: فإنّه یقول:

(وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَی) (1).

فقال أبو الحسن علیه السلام:

«إنّ بعد هذه الآیة ما یدلّ علی ما رأی حیث قال:

(مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی)

یقول: ما کذب فؤادُ محمّد ما رأتْ عَیناهُ، ثمّ أخبر بما رأی فقال:

(لَقَدْ رَأَی مِنْ آَیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی) (2).

فآیات اللهِ غیر اللهِ وقد قال الله:

(وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا).

فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة».

فقال أبو قرّة: فتُکَذِّبُ بالرّوایات؟ فقال أبو الحسن علیه السلام:

«إذا کانَتِ الرّوایات مخالفة للقرآن کذّبْتُها، وما أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَیهِ أنّه لا یُحاط به عِلْماً ولا تُدْرِکُهُ الأبْصارُ وَلَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیءٌ»)(3).

فمن هذا الحدیث الذی سقناه إلیکم تظهر بعض الإرشادات التی أفاض بها الإمام علیه السلام علی السائل لکی یضع قدمه علی الصراط المستقیم، ویرتفع اللبس عن عقله وتنار ظلمة أفکاره بنور الإمام علیه السلام وهی کما یلی:


1- سورة النجم، الآیة: 13.
2- سورة النجم، الآیة: 18.
3- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج1، ص117 __ 118، باب فی إبطال الرّؤیة، ح2.

ص: 70

1__ فی حالة وجود تقاطع مع کلام الله تعالی یقدم کلام الله تعالی علی غیره من الکلام وإن کان منسوباً إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

2__ یؤکد الإمام علیه السلام للسائل أن حدیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا یناقض القرآن الکریم کون مصدرهما واحداً وهو نفس النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

3__ ثم یفسر الإمام علیه السلام الآیات تفسیرا یدفع شبهة الرؤیة البصریة عن نهم السائل الذی أوسر عقله بفهم خاطئ للآیة.

معنی الإدراک الإلهی

ورد قوله تعالی:

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ) (1).

کعبارة علی لسان الإمام الحسن علیه السلام یصف بها ربه سبحانه، ولکی نقف علی معنی هذه العبارة لابد أن نعرف معنی الإدراک.

الإدراک فی اللغة: أدرک الشیء: بلغ علمه أقصی الشیء(2).

الإدراک فی الاصطلاح: هو علمه تعالی بالمدرکات والإحاطة بها.

إذا اطلع الإنسان علی أمر ما فی الواقع الخارجی یدرکه بأحد حواسه الخمس، أمّا من خلال البصر أو السمع أو الذائقة أو اللمس أو الشم فیستطیع أن یصفه بحسب علمه الحسی لذلک الشیء المحسوسیّ، لکن الإدراک بالنسبة لله تعالی لا یمکن أن یکون کذلک لتنزّهه تعالی عن الحواس، فیکون إدراکه تعالی للأشیاء المدرکة هو علمه بها دون اشتباه أو التباس أو خطأ، وکیف لا یدرک المحسوسات وغیرهاوهو الذی أحاط بکل شیء علما؟


1- سورة الأنعام، الآیة: 103.
2- المعجم الوسیط: ص281.

ص: 71

وهو اللطیف الخبیر
اللطیف

للطیف معنیان هما:

اللطیف: (من أسماء الله الحسنی البر بعباده الرفیق بهم والعالم بخفایا الأمور ودقائقها.

اللطیف: الصغیر، الرقیق، ألطف فلانا بکذا: أتحفه وبرّه.

استلطف الشیء: قربه منه وألصقه بجنبه.

اللّطّف: الرفق، الهدیة، یقال: أهدی إلیه لطفا، وما أکثر تحفه وألطافه.

اللطف: من قبل الله تعالی: التوفیق العصمة)(1).

فلو تأملنا هذه المعانی لکلمة (اللطیف، اللطف) لانطبقت بعضها علی صفته تعالی، فهو الرفیق بعباده الحنّان الذی یرأف بعبده أکثر من رأفة الوالدین بالصغیر، وهو الذی یغدق علی عبده بعطایاه ومنحه ونعمه، ویتقرب إلی صالحهم ویوفقه ویحول بینه وبین الآثام والخطایا رحمة وحباً وتفضلاً.

فالله تعالی لطیف بالمعنی الذی یلیق بشأنه سبحانه، کما أنه تعالی منزه عن معنی الصغیر أو الرقیق التی هی من معانی صفات الممکنات المحدودة العاجزة.

وهناک معنی آخر یتضح من خلاله اسم اللطیف: وهو أن الله تعالی خلق خلقاً فی غایة الصغر والدقة واللطافة وقد أحاط به علما فلذا سمی باللطیف وهذا ما تؤکده الروایات الشریفة:

__ ورد عنه علیه السلام:

«إن الله سبحانه وتعالی لا یخفی علیه ما العباد مقرّفون فی لیلهم ونهارهم، لطف به خیرا وأحاط به علما».


1- المعجم الوسیط: ص826.

ص: 72

__ ورد عنه علیه السلام:

«لا إله إلا الله اللطیف بمن شرد عنه من مسرفی عباده لیرجع عن عتوه وعناده».

__ عن الإمام الحسن علیه السلام:

«ربنا اللطیف بلطف ربوبیته».

__ عن الإمام الصادق علیه السلام:

«سمیناه، لطیفا للخلق اللطیف ولعله بالشیء اللطیف ما خلق من البعوض والذرة، وما هو أصغر منها لا یکاد تدرکه الأبصار والعقول، لصغر خلقه من عینه وسمعه وصورته، لا یعرف من ذلک لصغر الذکر من الأنثی، ولا الحدیث المولود من القدیم الوالد، فلما رأینا لطف ذلک فی صغره وموضع العقل فیه والشهوة للفساد، والهرب من الموت، والحدب علی نسله من ولده، ومعرفة بعضها بعضا، وما کان منها فی لجج البحار، وأعنان السماء، والمفاوز والقفار، وما هو معنا فی منزلنا، ویفهم بعضهم بعضا من منطقهم، وما یفهم من أولادها ونقلها الطعام إلیها والماء، علمنا أن خالقها لطیف، وإنه لطیف بخلق اللطیف».

__ عن الإمام الرضا علیه السلام:

«وأمّا اللطیف فلیس علی قلة وقضافة (دقة) وصغر، ولکن ذلک علی النفاذ فی الأشیاء، والامتناع من أن یدرک، کقولک للرجل لطف عنی هذا الأمر ولطف فلان فی مذهبه، وقوله یخبرک أنه غمض فیه العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا یدرکه الوهم، فکذلک لطف الله تبارک وتعالی عن أن یدرکه بحد أو یحد بوصف، واللطافة منا الصغر والقلة، فقد جمعنا الاسم  واختلف المعنی».

وهناک الکثیر من الروایات التی تؤکد نفس المعنی لکلمة اللطیف الذی ورد فی الروایات المبینة أعلاه.

ص: 73

الخبیر

جاء المعنی اللغوی لاسم الخبیر بمعنی: اسم من أسماء الله عز وجل، وهو العالم بما کان وما یکون، وذو الخبرة الذی یخبر الشیء بعلمه وفی التنزیل العزیز (فاسأل به خبیرا)(1).

فالله تعالی هو واجب الوجود الذی اتصف بصفات کمالیة مطلقة کالعلم والإحاطة بکل شیء، وهو الذی لا یعزب عنه شیء ولا یفوته مهما دق وصغر واختفی، وهو الذی یعلم السر وأخفی، مما یدل علی إحاطة علمه بحقیقة الأشیاء وبظاهرها وباطنها وهذا ما أکده الإمام الرضا علیه السلام بقوله:

«وأمّا الخبیر فالذی لا یعزب عنه شئ ولا یفوته، لیس للتجربة ولا للاعتبار بالأشیاء، وأمّا فی بعض المصادر: فتفیده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم؛ لأن من کان کذلک کان جاهلا، والله تعالی لم یزل خبیرا بما یخلق، والخبیر من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنی»(2).

وعنه أیضا علیه السلام:

«لم یکن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالإقرار منهم بعلیم خبیر، یعلم السر وأخفی، آمر بالصلاح، ناه عن الفساد»(3).

وتشیر الأحادیث التی سبق ذکرها إلی خبرته التی هی بمعنی الإحاطة التامة بما خلق لا عن تجربة أو اعتبار کما یحصل ذلک فی البشر، کما أن خبرته لم تکن عن تعلم لرفع جهل أو تدریب لصقل موهبة.


1- المعجم الوسیط: ص215.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج4، ص201، ح4554.
3- المصدر السابق: ح4555.

ص: 74

استخلص الوحدانیة والجبروت

عند الوقوف علی هذه العبارات الحسینیة التی نطق بها لسان العصمة، وصرح بها عقل الإمامة تلمس المعانی الملکوتیة التی تسمو بسامعها إلی سحاب الحکمة وشمس الحقیقة الإلهیة التی تحار العقول فی معرفة کنهها وتعجز الألباب عن الإحاطة بها، وأنی لغیر عنوان العصمة وسلیل النبوة ومعدن العلم أن یقف علی عمق هذه المفردات؟ إلاّ أن ذلک لا یمنع عن بیان ما وصلت إلیه الأفهام وأدرکته العقول فأقول:

تقدم بیان المعنی اللغوی لمفردة الوحدانیة فی شرح المعنی العام، فلذا نعطف الکلام علی بیان المعنی الاصطلاحی للمفردة فتأتی الوحدانیة بعدة معانی کلها تنطبق علی الذات المقدسة، فتارة بمعنی لا نظیر له ولا شبیه، وأخری بمعنی الذات البسیطة التی لا ترکیب فیها ولا أجزاء لها، وثالثة بمعنی المعبود الذی لا معبود سواه، ویترسخ معنی الوحدانیة فی عقولنا.

عندما نتأمل هذا الکون الفسیح وهذه الموجودات الممکنة التی تنصور کأنها مجموعة واحدة لما فیها من ارتباط وتناسب وهذا بدوره یدل علی أن صانعها ومدبرها واحد لا أحد سواه، وعند التفکر والنظر فی معنی الإله لا یظهر لنا إلا معنی واحداً وهو أن الإله هو الموجود الغنی مطلقاً، وهذا المعنی ینفی بدوره تعدد الإله، ولکی ندرک المعنی لابد من توضیح البرهانین فنقول: (وجدت فی هذا الکون موجودات مرتبطة بعضها ببعض أی لا تستطیع الاستغناء عن بعضها البعض فلو ضربنا مثلا نقول: لکی یتغذی الإنسان لابد من وجود نبات مثمر وهذا النبات یحتاج إلی أرض وماء وهواء وعوامل أخری لکی یعطی ثماره وإلا لو فقد عامل من هذه العوامل لما وجد النبات ولما تغذی الإنسان ولما تحققت غایة الخلقة التی هی العبادة لله الواحد الأحد (وما خلقت الجن والإنسان إلا لیعبدون) فیظهر مما تقدم لابد من وجود ترابط بین الموجودات بل هو من سماتها دل هذا بدوره علی أن صانعها ومدبرها واحد لا أحد

ص: 75

سواه تعالی، وإلا للزم التعارض والتدافع والفساد کما فی قوله تعالی:

(قُلْ لَوْ کَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ کَمَا یَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا) (1).

وقوله تعالی:

(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ) (2).

وأمّا لبیان البرهان الثانی نقول: لو فرضنا تعدد الآلهة للزم من فرضنا وجود جهات اختلاف بینهم، أی یتصف أحدهم بصفة غیر موجودة عند غیرهم فیلزم من ذلک الحاجة ویلزم من الحاجة الفقر وهذا خلاف صفات الإله الذی هو غنی مطلق، ومن جهة أخری لو قلنا بتعدد الآلهة للزم وجود الفواصل بینهم وهذا یؤدی بدوره إلی تعدد القدماء إذ إن الإله یتصف بالقدم فیلزم أن یکون الفاصل بینه وبین الإله الآخر قدیماً أیضا فیتعدد القدماء ویتسلسل الفواصل وحیث إن التسلسل باطل کما هو ثابت فی محله إذن یلزم من ذلک عدم التعدد ومن عدم التعدد یلزم القول بالوحدانیة.

ویؤید ما تقدم من بیان ما جاء فی القرآن الکریم من آیات کریمة نذکرها کما یلی:

1__ قال الله تبارک وتعالی:

(وَإِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ) (3).

2__ قال الباری عزّ وجل:

(وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ) (4).


1- سورة الإسراء، الآیة: 42.
2- سورة الأنبیاء، الآیة: 22.
3- سورة البقرة، الآیة: 163.
4- سورة النحل، الآیة: 51.

ص: 76

3__ قال الله سبحانه وتعالی:

(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ) (1).

4__ قال الله تبارک وتعالی:

(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ) (2).

5__ قال الله عزّ وجل:

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (3).

کما یؤکد ذلک ما ورد فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام وهی کما یلی:

1__ عن إسحاق بن غالب، (عن أبی عبد الله علیه السلام، عن أبیه علیه السلام قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض خطبه:

الحمد لله الذی کان فی أوّلیّته وَحْدانیّاً، وفی أزلیّته متعظّماً بالإلهیّة، متکبّراً بکبریائه وجبروته ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق علی غیر مثالٍ کان سبق بشیءٍ ممّا خلق، ربّنا القدیم بلطف ربوبیّته وبعلم خُبره فتق وبإحکام قدرته خلق جمیع ما خلق، وبنور الإصباح فلق، فلا مبدّل لخلقه، ولا مغیّر لصنعه، ولا معقّب لحکمه، ولا رادّ لأمره، ولا مستراح عن دعوته ولا زوال لمُلکه، ولا انقطاع لمدّته، وهو الکَیْنون أوّلاً والدَیموم أبداً، المحتجب بنوره دون خلقه فی الأفق الطامح، والعزّ الشامخ والملک الباذخ، فوق کلّ شیءٍ علا، ومن کلّ شیءٍ دنا، فتجلّی لخلقه من غیر أن یکون یُری، وهو بالمنظر الأعلی، فأحبّ الاختصاص


1- سورة الشعراء، الآیة: 213.
2- سورة الأنبیاء، الآیة: 22.
3- سورة التوحید، الآیة: 1.

ص: 77

بالتوحید إذ احتجب بنوره، وسما فی علوّه، واستتر عن خلقه، وبعث إلیهم الرسل لتکون له الحجّة البالغة علی خلقه ویکون رسله إلیهم شهداء علیهم، وابتعث فیهم النبییّن مبشّرین ومنذرین لیهلک من هلک عن بیّنة ویحیی من حیّ عن بیّنة، ولیعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه فیعرفوه بربوبیّته بعد ما أنکروا ویوحّدوه بالإلهیّة بعد ما عضدوا»)(1).

2__ وصیّة من الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام لولده الإمام الحسن علیه السلام عند إنصرافه من صفّین، وقد جاء فیها:

«... واعلم یا بنیّ! أنّه لو کان لربّک شریک لأتَتْک رسله، ولرأیت آثار ملکه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته.

ولکنّه إله واحد کما وصف نفسه، لا یضادّه فی ملکه أحد، ولا یزول أبداً، أوّل قبل الأشیاء بلا أوّلیة، وآخر بعد الأشیاء بلا نهایة...»(2))(3).

3__ حدّثنا أبی؛ وعبد الواحد بن محمّد بن عَبْدوس العطّار رحمهما الله، قالا: حدّثنا علیّ بن محمّد بن قُتَیبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن أبی عمیر، قال: (دخلت علی سیّدی موسی بن جعفر علیه السلام فقلت له: یا بن رسول الله علّمنی التوحید فقال __ علیه السلام __:

«یا أبا أحمد لا تتجاوز فی التوحید ما ذکره الله تعالی ذکره فی کتابه فتهلک واعلم أنّ الله تعالی واحد، أحد، صمد، لم یلد فیورث، ولم یولد فیشارک، ولم یتّخذ صاحبة ولا ولداً ولا شریکاً، وإنّه الحیّ الّذی لا یموت، والقادر الّذی لا یعجَز، والقاهر الّذی لا یغلب، والحلیم الّذی لا یعجل، والدائم الّذی لا یَبید، والباقی


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص45 __ 46، ح4.
2- نهج البلاغة: قسم الرسائل، ص49، الوصیة رقم 31.
3- العقائد الحقّة للسید علی الحسینی الصدر: ص48، ح2.

ص: 78

الّذی لا یَفْنی، والثابت الّذی لا یزول، والغنیّ الّذی لا یفتقر، والعزیز الّذی لا یذلّ، والعالم الّذی لا یجهل، والعدل الّذی لا یجور، والجواد الّذی لا یبخل، وإنّه لا تقدّره العقول، ولا تقع علیه الأوهام، ولا تحیط به الأقطار، ولا یحویه مکان، ولا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر، ولیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر (ما یکون من نجوی ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادهم ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلاّ هو معهم أینما کانوا) وهو الأوّل الّذی لا شیء قبله، والآخر الّذی لا شیء بعده، وهو القدیم وما سواه مخلوق محدث، تعالی عن صفات المخلوقین علوّاً کبیراً»)(1).

4__ عن أبی هاشم الجعفری، قال: سألت أبا جعفر الثانی علیه السلام ما معنی الواحد؟ قال __ علیه السلام __:

«الّذی اجتماع الألسن علیه بالتوحید، کما قال الله عزّ وجلّ:

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ) (2)»(3).

5__ حدّثنا محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی رضی الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن سعید بن یحیی البُزُوری، قال: حدّثنا إبراهیم بن الهیثم البلدیّ، قال: حدّثنا أبی، عن المعافی بن عمران، عن إسرائیل، عن المقدام بن شُرَیْح بن هانئ، عن أبیه، قال: (إنّ أعرابیّاً قام یوم الجمل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام، فقال: یا أمیر المؤمنین أتقول إنّ الله واحد؟ قال: فحمل الناس علیه، قالوا: یا أعرابی أما تری ما فیه أمیر المؤمنین من تقسّم القلب، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص74، ح32.
2- سورة لقمان، الآیة: 25.
3- کتاب التوحید للصدوق: ص80، ح2.

ص: 79

«دعوه، فإنّ الّذی یریده الأعرابی هو الّذی نریده من القوم».

ثمّ قال __ علیه السلام __:

«یا أعرابی إنّ القول فی أنّ الله واحد علی أربعة أقسام: فوجهان منها لا یجوزان علی الله عزّ وجلّ، ووجهان یثبتان فیه، فأمّا اللذان لا یجوزان علیه، فقول القائل: واحد یقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا یجوز، لأنّ مالا ثانی له لا یدخل فی باب الأعداد، أما تری أنّه کفر من قال: ثالث ثلاثة، وقول القائل: هو أحد من الناس، یرید به النوع من الجنس، فهذا ما لا یجوز علیه لأنّه تشبیه، وجلّ ربّنا عن ذلک وتعالی، وأمّا اللذان الوجهان یثبتان فیه فقول القائل: (هو واحد لیس له فی الأشیاء شبه، کذلک ربّنا، وقول القائل: إنّه عزّ وجل أحدی المعنی، یعنی به أنّه لا ینقسم فی وجوه ولا عقل ولا وهم کذلک ربّنا عزّ وجل)»)(1).

معنی الجبروت

جاء المعنی اللغوی للجبروت بمعنی القهر(2)، والقهر یعنی الغلبة، والقهار اسم من أسماء الله الحسنی: الغالب لا یحد غلبته شیء(3)، والتأمل فی هذه المعانی اللغویة یقودنا إلی معرفة أن الله تعالی غالب مهیمن له السلطة المطلقة لا ند ولا ضد له فی ذلک، إذ لا معنی أن یکون قهاراً ولقاهریته حدود أو یکون ذا جبروت ولجبروته انقطاع وتقهقر بجبروت آخر وقاهریة أخری، وحیث إننا نعلم أن القاهر صفة یمکن انطباقها علی المخلوق فیشعر ذلک باشتراک الخالق والمخلوق فی صفة القاهریة إلا أن القرآن الکریم نفی هذا الشعور کما فی قوله تعالی:


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص81، ح3.
2- المعجم الوسیط: ص105.
3- المعجم الوسیط: ص764.

ص: 80

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ لَا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمَی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَکَاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (1).

وقوله سبحانه وتعالی:

(وَآَخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفَادِ) (2).

وغیرها من الآیات الکریمة الأخری التی تؤکد أن الله تعالی هو قاهر کل قاهر ومتسلط علی جمیع القاهرین وقاطع لقاهریة کل قاهر فلذا وصف بصفة المبالغة (القهّار) التی تقدم معناها فی أول البحث، کما أن الآیات التی تشیر إلی فقر الموجودات وحاجتها تؤکد أن هذه القاهریة التی یتصف بها الموجود هی قاهریة غیر حقیقیة لأنها ناشئة من أقدار الله تعالی وتمکینه لهذا المخلوق القاهر، أی أن صفة القاهریة فی المخلوق جاءت من غیره ولیس بالاستقلال بذاته، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الکریمة:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ) (3).

وقال سبحانه وتعالی:

(هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَمَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِیُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَیْرَکُمْ ثُمَّ لَا یَکُونُوا أَمْثَالَکُمْ) (4).


1- سورة الرعد، الآیة: 16.
2- سورة ص، الآیة: 38.
3- سورة فاطر، الآیة: 15.
4- سورة محمد، الآیة: 38.

ص: 81

بل أن الآیات الکریمة تبیّن أن هذا الإنسان القاهر یحتاج إلی ربه فی قاهریته حدوثا واستمراریة کما فی قوله تعالی:

(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا یَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ)(1).

وقال الباری عزّ وجل:

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) (2).

فمعنی (القیوم) فی الآیتین هو القائم بذاته والمقوّم لغیره، فهو تعالی الذی أوجد الأشیاء ودبرها وأدام بقاءها.

(وقد أثبت الله تعالی أصل القیام بأمور خلقه لنفسه فی کلمه حیث قال تعالی:

(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَی کُلِّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ) (3).

وقال تعالی __ وهو أشمل من الآیة السابقة __:

(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِکَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ) (4).

فأفاد أنه قائم علی الموجودات بالعدل فلا یعطی ولا یمنع شیئاً فی الوجود (ولیس الوجود إلاّ الإعطاء والمنع) إلاّ بالعدل بإعطاء کل شیء ما یستحقه ثم بین أن


1- سورة البقرة، الآیة: 255.
2- سورة طه، الآیة: 111.
3- سورة الرعد، الآیة: 33.
4- سورة آل عمران، الآیة: 18.

ص: 82

هذا القیام بالعدل مقتضی اسمیه الکریمین العزیز الحکیم، فبعزته یقوم علی کل شیء وبحکمته یعدل فیه.

وبالجملة لما کان تعالی هو المبدأ الذی یبتدئ منه وجود کل شیء وأوصافه وآثاره لا مبدأ سواه إلاّ وهو ینتهی إلیه، فهو القائم علی کل شیء من کل جهة بحقیقة القیام الذی لا یشوبه فتور وخلل، ولیس ذلک لغیره قط إلاّ بإذنه بوجه، فلیس له تعالی إلاّ القیام من غیر ضعف وفتور، ولیس لغیره إلاّ أن یقوم به، فهناک حصران: حصر القیام علیه، وحصره علی القیام، وأول الحصرین هو الذی یدل علیه کون القیوم فی الآیة خبرا بعد خبر لله (الله القیوم)، والحصر الثانی هو الذی تدل علیه الجملة التالیة أعنی قوله:

(سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) (1))(2).

فیظهر مما تقدم أن القاهریة الحقیقیة صفة لله تعالی وحده لا شریک له، أی أن الجبروت منحصر به تعالی قد استخلصه لنفسه، وما یؤید ذلک أیضا عجز المخلوقات ومحدودیتها وفناؤها، کما فی قوله تعالی:

(کُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ) (3).

المشیئة والإرادة

__ وقوله علیه السلام:

(وأمضَی المَشِیئَةَ والإرادَةَ والقُدرَةَ العِلمَ بما هُوَ کائِنٌ).

خلق الله تعالی الخلق لغایة ذکرها فی کتابه الکریم کما فی قوله عز وجل:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ) (4).


1- سورة البقرة، الآیة: 255.
2- تفسیر المیزان للسید الطباطبائی: ج2، ص335.
3- سورة الرحمن، الآیة: 26.
4- سورة الذاریات، الآیة: 56.

ص: 83

ودبر شؤون خلقه ونهج لهم المناهج وشرع لهم الشرائع وأغدق علیهم البرکات بإرادته ومشیئته وبقدرته وعلمه، ولکی نقف علی معنی قول الإمام الحسین علیه السلام (وأمضَی المَشِیئَةَ والإرادَةَ والقُدرَةَ العِلمَ بما هُوَ کائِنٌ) لابد من معرفة معانی هذه المفردات ومفاهیمها.

الإمضاء فی اللغة: أمض الحکم والأمر: أنفذه(1).

الإرادة والمشیئة: کلمتان لمعنی واحد کما ورد فی المعجم الوسیط(2).

القدرة: الطاقة: القوة علی الشیء والتمکن منه(3).

العلم: إدراک الشیء بحقیقته و__ الیقین __ نور یقذفه الله فی قلب من یحب(4).

ولبیان المعنی التام لقوله علیه السلام نقول:

ثبت فی محله أن الله تعالی مرید والإرادة من صفاته إلا أن هذه الإرادة تختلف عن الإرادة فی الإنسان لأنه تعالی لیس کمثله شیء ولکی یتضح الفرق بین إرادة الإنسان وبین إرادة الله تعالی لابد من استعراض الأقوال فی معنی الإرادة فی الإنسان قبل ذلک.

الإرادة: کیفیة نفسانیة تشتمل علیها النفس البشریة کغیرها من الکیفیات النفسانیة والأقوال فیها ما یلی:

1__ یری المعتزلة أن الإرادة هی اعتقاد النفع، ویلاحظ علی هذا القول عدم تمامیته لأن مجرد الاعتقاد بالنفع لا یکفی أن یکون داعیا للفعل لما نلاحظ من کثرة من یعتقد النفع ولا یریده.

2__ وهناک قول آخر بأن الإرادة شوق نفسانی یقع فی النفس بعد الاعتقاد بالنفع،


1- المعجم الوسیط: ص875.
2- المعجم الوسیط: ص502.
3- المعجم الوسیط: ص718.
4- المعجم الوسیط: ص624.

ص: 84

وهذا القول لا یمکن الالتزام به لأننا نری من یرید شیئا ویحققه دون أن یکون لدیه شوق إزاءه.

3__ وقول ثالث یشیر إلی أن الإرادة کیفیة نفسانیة ولکن لیست هی الاعتقاد فقط أو هی الشوق کما تقدم بل هی القصد والعزم(1).

وما ورد من الأقوال فی تفسیر الإرادة لا یمکن انطباقه علی إرادة الله تعالی لتنزهه عن الکیفیات النفسانیة حیث إنها من صفات الممکن لا من صفات الواجب سبحانه ولکی یتضح الأمر نقول ما یلی:

لو قلنا إن الإرادة هی مجرد الاعتقاد بالنفع للزم من هذا القول أن الإرادة هی العلم والقطع بالنفع والحال أننا نجد أن هناک شیئا یدفعنا إلی الفعل لیس هو العلم بالنفع فقط، ونجد کذلک أننا نعتقد بالنفع ولکن لا نترک إزاء تحصیله لعدم وجود إرادة لذلک وتفسیر الإرادة بالشوق محال علی الله تعالی لمعرفتنا أن الشوق من مقولة الانفعال التی تعالی الله عنها، وأمّا القول الثالث بأنها قصد وعزم یلزم منه الحدوث بعد العدم ویلزم من هذا التغییر فی الذات الإلهیة المقدسة التی تنزهت عن صفات الممکن.

حقیقة الإرادة الإلهیة

بعد أن اتضح أن الإرادة بمعانیها التی تقدمت لا تنطبق علی إرادة الله تعالی صار لابد لنا من بیان حقیقة الإرادة الإلهیة التی لا تشبه إرادة المخلوق فنقول:

وردت أقوال عدیدة لأهل العلم فی معنی الإرادة نذکرها باختصار دفعاً للتوسع:

ألف: إرادته سبحانه علمه بالنظام الأصلح:

أی أن علمه بالنظام الأتم والأکمل هو عین إرادته فیلزم من هذا أن تکون الإرادة هی عین العلم بالنظام ولیس شیئا غیره وهذا العلم هو الداعی للفعل لا شیء آخر.


1- الإلهیات للشیخ جعفر السبحانی: ص166.

ص: 85

باء: إرادته سبحانه ابتهاجه بفعله:

أی أنه تعالی خیر محض فهو مبتهج بذاته ولأنه کذلک فهو مبتهج فی مرحلة الفعل لأنه من أحب شیئاً أحب آثاره ولوازمه.

جیم: إرادته سبحانه إعمال القدرة والسلطة:

المقصود من هذا أن إعمال القدرة والسلطة علی خلقه هی بعینها إرادته.

دال: إرادته سبحانه نسبة تمامیة السبب إلی الفعل:

المقصود من هذا هو أن الفعل یکون مراداً له تعالی إذا اکتملت علله ومقتضیاته(1).

هذه الأقوال هی أقوال الفریق الأول وما یراه الفریق الثانی فهو: (أن الإرادة من الصفات الذاتیة وتجری علیه سبحانه مع تجردها من صفات النقص والإمکان کالحدوث والطروء والتدرج... الخ)(2).

(ومعنی کونه مریداً أی فاعلاً مختاراً فی مقابل کونه فاعلاً مضطراً)(3).

وأمّا لسان الروایات فإن إرادته تعالی هی فعله لیس إلاّ کما دلّت علی ذلک الأحادیث الشریفة:

ألف: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید، قال: حدّثنا الحسین بن أبان، عن الحسین بن سعید، عن النضر بن سوید، عن عاصم بن حُمَیْد، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: (قلت له: لم یزل الله مریداً؟ فقال _ علیه السلام __:

«إنّ المرید لا یکون إلا لمرادٍ معه، بل لم یزل عالماً قادراً ثمّ أراد»)(4).


1- کتاب الإلهیات للشیخ جعفر السبحانی: ص168 __ 173.
2- کتاب الإلهیات، جعفر السبحانی: ص174.
3- المصدر السابق.
4- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص141، ح15.

ص: 86

باء: حدّثنا الحسین بن أحمد بن إدریس، عن أبیه، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن یحیی، قال: (قلت لأبی الحسن علیه السلام: أخبرنی عن الإرادة من الله ومن المخلوق، فقال __ علیه السلام __:

«الإرادة من المخلوق الضمیر وما یبدو له بعد ذلک من الفعل، وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غیر ذلک لأنّه لا یروّی، ولا یهمّ، ولا یتفکّر، وهذه الصفات منفیّة عنه، وهی من صفات الخلق، فإرادة الله هی الفعل لا غیر ذلک یقول له: کن فیکون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفکّر، ولا کیفَ لذلک کما أنّه بلا کیفٍ»)(1).

أسئلة مهمة فی الإرادة

السؤال: ما هو الفرق بین إرادة العبد وإرادة الله تعالی؟

الجواب:

1__ إرادة العبد یسبقها تفکیر وترویّ وهم، وإرادة الله تعالی منزهة عن ذلک بل هی فعله.

2__ إرادة العبد سابقة علی الفعل، وإرادة الله تعالی فی مقام الفعل هی عین الفعل.

وهذا ما تؤکد الروایة الشریفة:

قال أبو الحسن علیه السلام:

«الإرادة من المخلوق الضمیر وما یبدو له بعد ذلک من الفعل، وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غیر ذلک لأنّه لا یروّی، ولا یهمّ، ولا یتفکّر، وهذه


1- کتاب التوحید للصدوق: ص142، ح17.

ص: 87

الصفات منفیّة عنه، وهی من صفات الخلق، فإرادة الله هی الفعل لا غیر ذلک یقول له: کن فیکون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفکّر، ولا کیفَ لذلک کما أنّه بلا کیفٍ»(1).

السؤال: هل أن إرادة الله تعالی تلغی إرادة العبد واختیاره؟

الجواب: أن إرادة الله تعالی لا تلغی إرادة العبد ولا تمنع اختیاره وللتوضیح أقول:

إنه تعالی جعل العبد مستطیعا فأمره فیما أمره ونهاه عما لیس فوق طاقته وهذا ما أشارت له الروایات الشریفة:

عن عبید بن زرارة، قال: حدّثنی حمزة بن حُمران، قال: (سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الاستطاعة فلم یجبنی، فدخلت علیه دخلة أخری فقلت: أصلحک الله إنّه قد وقع فی قلبی منها شیء لا یخرجه إلاّ شیء أسمعه منک.

قال __ علیه السلام __:

«فإنّه لا یضرّک ما کان فی قلبک».

قلت: أصلحک الله فإنّی أقول: إنّ الله تبارک وتعالی لم یکلّف العباد إلاّ ما یستطیعون وإلاّ ما یطیقون، فإنّهم لا یصنعون شیئاً من ذلک إلاّ بإرادة الله ومشیئته وقضائه وقَدَره؛ قال __ علیه السلام __:

«هذا دین الله الّذی أنا علیه وآبائی أو کما قال»)(2).

کما أن العدل الإلهی یقتضی أن یکون المکلف مستطیعا لما کلف به وإلاّ یلزم التکلیف بما لا یطلق فیلزم من ذلک الظلم، والله تعالی عادل لا یجور ولا یظلم.


1- کتاب التوحید: ص142، ح17.
2- کتاب التوحید للصدوق: ص337، ح3.

ص: 88

قال الله تبارک وتعالی:

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَکُ حَسَنَةً یُضَاعِفْهَا وَیُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِیمًا) (1).

وقال تعالی:

(ذَلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیکُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ) (2).

السؤال: کیف نفسّر ما یصیب العبد من الأذی هل بإرادة الله تعالی أم بإرادة العبد؟

الجواب:

هناک أسباب ودواعٍ لوقوع الأذی علی العبد نذکرها کالآتی:

1__ قد یصیب العبد الأذی بسبب سوء فعله فیجزی بذلک کما صرحت الآیات والروایات کقوله تعالی:

(وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِینَ یَکْسِبُونَ الْإِثْمَ سَیُجْزَوْنَ بِمَا کَانُوا یَقْتَرِفُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ) (4).


1- سورة النساء، الآیة: 40.
2- سورة الأنفال، الآیة: 51.
3- سورة الأنعام، الآیة: 120.
4- سورة فصلت، الآیة: 17.

ص: 89

وقال تعالی:

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ) (1).

وقال الباری عزّ وجل فی سورة الشوری:

(وَمَا أَصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیرٍ) (2).

وهناک الکثیر من الآیات التی تشیر إلی أن بعض الأذی التی یصیب الإنسان هو بسبب فعله السیئ، وهذا لا یخرج عن إرادة الله تعالی.

وهناک الکثیر من الروایات التی تؤکد أن بعض الآلام أو الآثار المؤذیة هی بسبب سوء فعل الإنسان کما فی الروایات الآتیة:

__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أوحی الله تعالی إلی أیوب هل تدری ما ذنبک إلیّ حین أصابک البلاء؟ قال: لا.

قال: إنّک دخلت علی فرعون فداهنت فی کلمتین»(3).

__ وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یجنی علی المرء إلا یده»(4).

2__ هناک بعض الأذی قد یصیب العبد دون أن یکون لإرادته دخل فی ذلک، کإصابته بمرض دون تقصیر منه أو غیر ذلک من الأمثلة الکثیرة، بل قد یتعرض العبد لأنواع من الألم لا یتحملها إلا من صبر واحتسب، وهذا یتم بلحاظین:


1- سورة الروم، الآیة: 41.
2- سورة الشوری، الآیة: 30.
3- الدعات للراوندی: 123/304. أنظر المداهنة: باب 1275. میزان الحکمة: ج1، ص400، ح1912.
4- نور الثقلین: 4/209/77. میزان الحکمة: ج1، ص402، ح1913.

ص: 90

ألف: إمّا أن ذلک الأذی ابتلاء للعبد وإن کان تعالی عالما بما یؤول إلیه الأمر إلاّ أن ذلک الابتلاء لکی تکون الحجة البالغة لله تعالی علی الناس کما فی قوله تعالی:

(الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ) (1).

وقوله تعالی:

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ) (2).

وورد أیضا فی الروایات الشریفة ما یشیر إلی ذلک کما فی قول أبی عبد الله علیه السلام:

«ما من قبض ولا بسط إلاّ ولله فیه المنّ والابتلاء»(3).

وجاء فی کتاب التوحید أیضا عن علی بن إبراهیم بن هشان، عن محمد بن عیسی بن عبید، عن یونس بن عبد الرحمن، عن حمزة بن محمد الطیّار، (عن أبی عبد الله علیه السلام:

«ما من قبض ولا بسط إلاّ ولله فیه مشیّة وقضاء وابتلاء»(4).

ولقد جاء هذا الابتلاء لکی یقع ما یعلمه الله تعالی من العبد وباختیاره فیجزئ کل عامل بعمله ولا شک أن هذا الابتلاء یصنع فئة مؤمنة صابرة تکون قدوة لغیرها کما یحکی ذلک القرآن الکریم فی قصة نبی الله أیوب علیه السلام.

باء: قد یصاب العبد بأذی وآلام لا لذنب اقترفه ولا للابتلاء والامتحان بل لکی ینال درجة ورتبة عالیة عند ربه کما حصل ذلک للإمام الحسین علیه السلام حیث


1- سورة الملک، الآیة: 2.
2- سورة الأنعام، الآیة: 149.
3- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص344، باب الابتلاء والاختیار، ح1.
4- التوحید للصدوق: ص344 __ 345، ح2.

ص: 91

أصابه من الألم والأذی ما لا یستطیع أحد تحمله إلاّ المعصوم لکی ینال درجة ادخرها الله تعالی له کما فی حدیث جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم:

«حبیبی یا حسین إن أباک وأمک وأخاک قدموا علیّ وهم مشتاقون إلیک ، وإن لک فی الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة»(1).

وهذا ما تؤکده الروایات الشریفة کما فی قول هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال:

«إن أشد الناس بلاءً الأنبیاء، ثم الذین یلونهم ثم الأمثل فالأمثل».

وروایة سلمان بن خالد عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«إنه لیکون للعبد منزلة عند الله فما ینالها إلا بإحدی خصلتین، إما بذهاب ماله أوببلیة فی جسده»(2).

فیظهر من هاتین الروایتین وغیرهما أن هذا البلاء هو لطف إلهی یمنّ به الله تعالی علی عباده لیوصلهم إلی مقاماتهم المحمودة السامیة.

وللبلایا فوائد کثیرة منها:

ألف: أن تکون المصائب دافعاً لتحرک القابلیات ونهوض الهمم.

باء: أن تکون المصائب هزة لإیقاظ الغافلین المنغمسین فی لذائذ الدنیا لکی یرجعوا إلی بارئهم الحق سبحانه.

جیم: أن تکون المصائب سببا فی معرفة النعم وشکرها وتعظیمها کالعافیة لا تعرف قیمتها إلا بعد الإصابة بالمرض وهکذا.

وخلاصة القول: إن أفعال العباد أمر بین الأمرین بین الجبر والتفویض الباطلین


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج44، ص328.
2- الکافی للکلینی: ج2، ص257، ح23؛ وسائل الشیعة: ج3، ص262، ح3587.

ص: 92

أی أن الله تعالی جعل الاختیار لعباده فی الفعل والترک مع قدرته علی منعهم عما یختارون وعلی جبرهم فیما یترکون، کما أنه أقدرهم علی أفعالهم ولکن حد لهم الحدود ونهاهم عن القبائح، وبناء علی هذا فإن إرادة العبد فی طول إرادة الله تعالی لا فی قبالها.

وأمّا إرادته فی الطاعات فهی الأمر بها والرضا لها والمعاونة علیها، وإرادته فی المعاصی النهی عنها والسخط لها والخذلان علیها.

قدرة الله تعالی
اشارة

تعریف القدرة: هی الطاقة، القوة علی الشیء والتمکن منه(1).

القدیر: ذو القدرة، وهو الفاعل لما یشاء علی قدر ما تقتضی الحکمة لا زائداً علیه ولا ناقصاً عنه، ولذلک لا یوصف به إلاّ الله تعالی.

تعریفها اصطلاحا: هی المکنة علی الفعل أو الترک، مع الاختیار والإرادة(2).

وهناک تعاریف أخری لا تخرج عما ذکرناه لا حاجة لذکرها.

وإن القدرة التی یتصف بها الحق سبحانه لابد أن تلازم الاختیار وإلاّ انقلب القادر إلی موجَب أی مجبور علی الفعل أو مجبور علی الترک ولکی یتضح معنی القادر ومعنی الموجب لابد من ذکر الفارق بینهما:

ألف: للقادر أن یفعل إذا شاء ذلک، وله أن یترک إذا شاء ذلک فی آن واحد وبالنسبة لشیء واحد، وأمّا الموجَب لیس له أن یفعل إذا وجب علیه أن یترک، ولیس له أن یترک إذا وجب علیه أن یفعل.

باء: للقادر العلم بما یقدم علیه قبل الإقدام وأثناءه، ولیس للموجب ذلک.


1- المعجم الوسیط: ص718.
2- بدایة المعرفة: ص101.

ص: 93

جیم: فعل القادر یجوز أن یتأخر عن فاعله وجوداً، ولیس للموجب ذلک حیث إن فعله لا ینفک عنه کالإحراق بالنسبة للنار.

وحیث إن من صفاته تعالی أنه قدیر لابد لنا من معرفة الدلیل علی ذلک، ومعرفة صحة هذه القدرة، وهل هی من صفات الذات أم الفعل؟ وهذا ما سنتعرض له فی بحثنا هذا بحسب الحاجة لذلک فنقول:

1__ أمّا بالنسبة للدلیل علی قدرته تعالی فلدینا دلیل عقلی وآخر نقلی نوردهما کالآتی:

__ الدلیل العقلی وهو کما یلی:

ألف: دلیل الفطرة

تشهد الفطرة السلیمة علی أن هناک قدرة علیا نلجأ إلیها عند وقوعنا فی شدة أو أزمة لاسیما عند نفاد الأسباب أو فقدانها، وهذا ما تلمسه النفس البشریة دون تعلیم أو توجیه، فلذا نجد أن هناک میلاً وانجذابا فی النفس تجاه قوة قاهرة تستطیع إنقاذنا من الهلکة کما فی حدیث الإمام الصادق علیه السلام مع رجل یبحث عن وجود الله تعالی(1).

قال رجل: (یا ابن رسول الله دُلنی علی الله ما هو؟ فقد أکثر علیّ المجادلون وحیّرونی، فقال الإمام علیه السلام:

«یا عبد الله هل رکبتَ سفینة قطّ؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل کُسرتْ بک حیث لا سفینة تنجّیک ولا سباحة تغنیک؟».


1- الفوائد البهیة: ص88؛ لیل رکوب السفینة فی ص65 من الکتاب.

ص: 94

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل تعلّق قلبُک هنالک أنّ شیئاً من الأشیاء قادرٌ علی أن یخلّصک من ورطتک؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فذلک الشیء هو الله القادر علی الإنجاء حیث لا منجی وعلی الإغاثة حیث لا مغیث»)(1).

باء: دلیل النظام فی الخلقة

یشیر هذا الدلیل إلی أن لهذا الوجود خالقا قادراً مختاراً استطاع أن یوجده بهذه الهیئة وبهذا الجمال من حیث الدقة والتنظیم والتناسب والإبداع.

قال الإمام أمیر المؤمنین فی خطبة له:

«أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رویة أجالها،  ولا تجربة استفادها، ولا حرکة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فیها، أحال الأشیاء لأوقاتها، ولأم بین مختلفاتها، وغرز غرائزها وألزمها أشباحها عالما بها قبل ابتدائها محیطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها وأحنائها، ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الارجاء وسکائک الهواء، فأجری فیها ماء متلاطما تیاره متراکما زخاره، حمله علی متن الریح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها علی شده، وقرنها إلی حده، الهواء من تحتها فتیق، والماء من فوقها دفیق، ثم أنشأ سبحانه ریحا اعتقم مهبها وأدام مربها، وأعصف مجراها وأبعد منشاها، فأمرها بتصفیق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلی آخره، وساجیه إلی


1- الفوائد البهیة فی شرح عقائد الإمامیة، الشیخ محمد جمیل: ص88.

ص: 95

مائره، حتی عب عبابه، ورمی بالزبد رکامه فرفعه فی هواء منفتق، وجو منفهق، فسوی منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مکفوفا وعلیاهن سقفا محفوظا، وسمکا مرفوعا، بغیر عمد یدعمها، ولا دسار ینظمها، ثم زینها بزینة الکواکب، وضیاء الثواقب، وأجری فیها سراجا مستطیرا، وقمرا منیرا، فی فلک دائر، وسقف سائر، ورقیم مائر»(1).

جیم: قدرة المخلوق دلیل علی قدرة الخالق

إننا من خلال معرفتنا بأن المخلوقات الحیة قادرة والقدرة کمال لها، نعرف أن مفیض هذا الکمال لابد أن یکون واجداً له غیر فاقد لأن فاقد الشیء لا یمکن أن یعطیه، وما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«کیف احتجب عنک من أراک قدرته فی نفسک»(2).

فیه إشارة صریحة إلی قدرة الله تعالی التی تتجلی فی هذه النفس البشریة من خلال جمال هذه الخلقة ومن خلال القدرة التی أودعت فیها.

الدلیل النقلی علی وجود القدرة الإلهیة:

الآیات الکریمة الآتیة تشیر إلی وجود القدرة الإلهیة:

قوله تعالی:

(أَوَلَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَی وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِیمُ) (3).


1- نهج البلاغة، خطب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: الخطبة الأولی، ص16 __ 18.
2- التوحید للصدوق: ص123.
3- سورة یس، الآیة: 81.

ص: 96

وقال سبحانه وتعالی:

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْکَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَی ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)(1).

وقوله عزّ وجلّ:

(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ) (2).

وقال الله تبارک وتعالی:

(یَکَادُ الْبَرْقُ یَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ کُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِیهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَیْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ) (3).

وقوله سبحانه وتعالی:

(أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَی قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَی عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّی یُحْیِی هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَی طَعَامِکَ وَشَرَابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَی حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آَیَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَی الْعِظَامِ کَیْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَکْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ) (4).

وغیرها من الآیات الکثیرة.

ألف: ورد عن الإمام الصادق علیه السلام إذ یقول:

«لم یزل الله عزّ وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته


1- سورة المؤمنون، الآیة: 18.
2- سورة المعارج، الآیة: 40.
3- سورة البقرة، الآیة: 20.
4- سورة البقرة، الآیة: 259.

ص: 97

ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور»(1).

باء: قیل لأمیر المؤمنین علیه السلام، هل یقدر ربّک أن یدخل الدنیا فی بیضة من غیر أن یصغر الدنیا أو یکبّر البیضة؟ فقال علیه السلام:

«إنّ الله تبارک وتعالی لا ینسب إلی العجز»(2).

وفی روایة أخری قال علیه السلام:

«ویلک، إنّ الله لا یوصف بالعجز ومن أقدر ممّن یلطّف الأرض ویعظّم البیضة»(3).

وهناک أحادیث کثیرة تدل علی قدرة الله تعالی راجع کتاب التوحید باب القدرة.

2__ أمّا بالنسبة إلی سعة هذه القدرة نقول:

حکم العقل السلیم بأن واجب الوجود له الصفات الکمالیة ومن صفاته الکمالیة أن یکون قادراً قدرة لا حد لها ولا نهایة وإلا یلزم النقص والعجز والانقلاب إلی ممکن فقیر محتاج، ولذا یجب الإذعان بعموم قدرته سبحانه وسعتها لکل ما هو ممکن، وهذا ما أیدته الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة المتقدمة، ولا بأس بالإشارة إلی غیرها من الآیات والروایات کقوله تعالی:

(وَکَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرًا) (4).

وقوله تعالی:

(وَکَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ مُقْتَدِرًا) (5).


1- کتاب الکافی للکلینی: ج1، ص128، ح1.
2- کتاب التوحید للصدوق: ص126، ح9.
3- کتاب التوحید للصدوق: ص126، ح10.
4- سورة الأحزاب، الآیة: 27.
5- سورة الکهف، الآیة: 45.

ص: 98

وقال سبحانه وتعالی:

(وَمَا کَانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْءٍ فِی السَّمَاوَاتِ وَلَا فِی الْأَرْضِ إِنَّهُ کَانَ عَلِیمًا قَدِیرًا)(1).

وکقول الإمام الصادق علیه السلام:

«والأشیاء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملکا وإحاطة»(2).

وقول الإمام موسی بن جعفر علیه السلام:

«هو القادر الذی لا یعجز»(3).

3__ أمّا بالنسبة إلی قدرته هل هی من صفات الذات أم الفعل؟ فنقول:

اجتمعت کلمة الإلهیین علی أن القدرة من صفات الله تعالی الذاتیة الکمالیة کالعلم والحیاة ولا یختلف اثنان علی ذلک، ولا بأس بتوضیح بسیط لهذا، فنقول: یحکم العقل السلیم باستحالة أن یصنع الصانع هذا الکون دون أن یتصف بالقدرة، ویحکم کذلک بأن العجز نقص، ومحال أن یتصف به واجب الوجود لوجوب کماله، فیلزم من هذا أن القدرة صفة کمالیة ذاتیة، ومما یؤید قولنا لهذا ما ورد عن أهل بیت العصمة علیهم السلام کقول الإمام أبی جعفر علیه السلام:

عن علی بن أبی حمزة، عن أبی بصیر قال: (جاء رجل إلی أبی جعفر علیه السلام فقال له: یا أبا جعفر أخبرنی عن ربّک متی کان؟ فقال:

«ویلک، إنّما یقال لشیء لم یکن فکان: متی کان، إنّ ربّی تبارک وتعالی کان لم یزل حیّاً بلا کیف، ولم یکن له کان ولا کان


1- سورة فاطر، الآیة: 44.
2- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص129.
3- کتاب التوحید للصدوق: ص17.

ص: 99

لکونه کیف، ولا کان له أین، ولا کان فی شیء، ولا کان علی شیء، ولا ابتدع لکونه مکاناً ولا قوی بعد ما کوّن شیئاً، ولاکان ضعیفاً قبل أن یکوّن شیئاً، ولا کان مستوحشاً قبل أن یبتدع شیئاً، ولا یشبه شیئاً مکوِّناً، ولا کان خِلْواً من [القدرة علی] المُلک قبل إنشائه، ولا یکون منه خلواً بعد ذهابه، لم یزل حیّاً بلا حیاة، وملکاً قادراً قبل أن ینشئ شیئاً، ومَلِکاً جبّاراً بعد إنشائه للکون، فلیس لکونه کیف، ولا له أین، ولا له حدّ، ولا یعرف بشیء یشبهه، ولا یَهْرَم لطول البقاء، ولا یَصْعَق لشیء، ولا یُخوفه شیء، تصعق الأشیاء کلّها من خیفته، کان حیّاً بلا حیاةٍ عاریةٍ ولاکونٍ موصوف، ولا کیفٍ محدود، ولا أثر مقفوّ ولا مکان جاوَر شیئاً، بل حیّ یعرف، ومَلِک لم یزل له القدرة والمُلْک، أنشأ ما شاء کیف شاء بمشیّته، لا یحدّ ولا یبعّض، ولا یفنی، کان أوّلاً بلا کیف، ویکون آخراً بلا أین، وکلّ شیء هالک إلاّ وجهه، له الخلق والأمر تبارک الله ربّ العالمین، ویلک أیّها السائل، إنّ ربّی لا تغشّاه الأوهام، ولا تنزل به الشبهات، ولا یجار من شیء ولا یجاوره شیء ولا تنزل به الأحداث، ولا یسأل عن شیء یفعله، ولا یقع علی شیء، ولا تأخذه سنة ولا نوم، له ما فی السموات وما فی الأرض وما بینهما وما تحت الثری»)(1).

وقول الإمام الرضا علیه السلام، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدّثنا الحسین بن الحسن قال: (حدّثنا محمّد بن عیسی، عن محمد بن عرفة، قال: قلت للرضا علیه السلام خلق الله الأشیاء بالقدرة أم بغیر القدرة؟ فقال __ علیه السلام __:

«لا یجوز أن یکون خلق الأشیاء بالقدرة لأنّک إذا قلت: خلق الأشیاء بالقدرة فکأنّک قد جعلت القدرة شیئاً غیره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشیاء،


1- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص168 __ 169، ح2.

ص: 100

وهذا شرک، وإذا قلت: خلق الأشیاء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار علیها وقدرة، ولکن لیس هو بضعیف ولا عاجز ولا محتاج إلی غیره»)(1).

أسئلة فی القدرة

بعد أن عرفنا أن قدرته من صفات الذات وهی عین ذاته، کما عرفنا أن الذات الإلهیة ذات لا نقص فیها ولا عجز ووقفنا علی سعة قدرته صار لابد أن نسمع أسئلة السائلین ونجیب علیها إضافة لما تقدم:

السؤال: هل یقدر الله تعالی أن یخلق مثله؟

الجواب: المثل إمّا یکون واجباً أیضا أو ممکنا، فإن کان واجبا یلزم اجتماع الضدین لأن ما فرضناه واجباً لابد أن یکون قدیما وهذا المثل مخلوق فهو حادث فیلزم أن یکون هذا المثل واجبا وحادثاً فی آن واحد ویتفرع علی هذا أن یکون واجباً وممکناً لأنه خلق من قبل غیره، فإذن المثل محال والمحال باطل لیس بشیء والله تعالی تتعلق قدرته بالأشیاء.

السؤال: هل أنه تعالی قادر علی أن یدخل الدنیا فی البیضة دون أن تکبر البیضة وأن نصغر الدنیا؟

الجواب: یلزم من هذا القول أن یکون الظرف الکبیر فی مظروف صغیر، وهذا مرفوض بالبداهة لأن العقل السلیم یحکم ببداهة وجوب کبر الظرف عن المظروف لکی یتحقق الاحتواء، ویلزم أیضا أن یکون المظروف الکبیر فی داخل الظرف الصغیر فیحصل اجتماع النقیضین، أی یکون المظروف الکبیر صغیراً فی آن واحد، ویکون الظرف الصغیر کبیراً فی آن واحد وهذا محال وقد تقدم عدم تعلق قدرة الله تعالی بما هو محال لبطلانه وعدم شیئیته.


1- کتاب التوحید للصدوق: ص126، ح12.

ص: 101

السؤال: هل لله القدرة علی إیجاد شیء لا یقدر علی إفنائه؟

الجواب: أیضا هذا من المحال لأن کل ممکن حادث وهو قابل للفناء، فکیف یکون حادثا ممکناً قابلاً للفناء وغیر قابل للفناء، ویلزم من عدم فنائه انقلابه إلی واجب فیلزم المحال من ذلک.

وهناک الکثیر من الأسئلة التی یجاب عنها بهذه الطریقة الواضحة.

__ وقوله علیه السلام:

(لا تَتَداولُهُ الأُمورُ، ولا تَجرِی عَلَیهِ الأحْوالُ، ولا تَنزِلُ عَلَیهِ الأحْداثُ، ولا یَقدِرُ الواصِفُونَ کُنْهَ عَظَمَتِه).

لا یکون الواجب إلاّ کاملا ولا کمال إلاّ ینفی النقص عمن اتصف بالکمال وعلی هذا نقول:

لا یلیق بالإله الذی خلق ودبر وربی إلاّ أن یکون واجداً لصفات الکمال ومنزّهاً عن کل نقص وقبیح، ومما یجب أن ینزه عنه تعالی هو أن لا یکون محتاجا إلی الغیر لا فی ذاته ولا فی صفاته، ولا یحتاج إلی المکان والزمان والکیفیة والأدوات والآلات، فهو الغنی المطلق والحق المبین لاحتیاج کل ما سواه إلیه واستغنائه عن کل شیء، فالکمال ذاته وبالغنی ألوهیته وربوبیته وتدبیره، وحیث إن واجب الوجود غنی کامل له الصفات العلیا والأسماء الحسنی فهو منزه عن الأجزاء والترکیب لما فیها من نقص وفقر وحاجة، ومنزه عن کونه محلاً للتغییرات والحوادث کالنوم والیقظة أو الحرکة والسکون أو القیام والقعود أو الکهولة والصبا أو الشباب والشیب أو القوة والضعف أو النشاط والکسل أوالفرح والحزن أو الرضا والسخط لما فی ذلک من نقص وقبح وعجز وحاجة وفقر وحدوث، ومنزه عن الحلول والاتحاد فلا یحل بغیره ولا یتحد به لما فی ذلک من حاجة إلی المحل وافتقار إلی الغیر، ومنزه عن الجسم والجسمانیة والأبعاد والکثافات والحجم

ص: 102

والکتلة والخفة والثقل والطول والعرض والعمق والسطح.

فکیف یکون محتاجا وذاته الغنی؟ وکیف یکون مرکبا، والترکیب نقص؟ وکیف یکون محلاً للحوادث وهو الله الذی لا إله إلا هو الحی القیوم الذی لا تأخذه سنة ولا نوم؟ وکیف یکون فی محل ومکان والمحل والمکان من خلقه وهو بکل شیء محیط؟ وکیف یکون له عمرٌ وسن وهو الذی خلق الزمان؟ وکیف یتحد بغیره ولا غیر فی الوجود سواه؟ وکیف یتحد مع غیره وهو لا شریک له فی الوجود ولا مثیل ولا ند ولا ضد ولا منازع ولا شبیه؟ وکیف یکون جسما والجسم حادث تعتریه التغیرات وتحده الحدود وتراه العیون؟ فلا وصف له إلاّ ما وصف به نفسه ولا إحاطة بکنهه ولا علم بذاته إلاّ إحاطته وعلمه فتعالی الله عن کل صفة صفته وسمی ربنا عن المربوب وتجلی عن المخلوقات.

وما ورد علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام خیر ما یدل علی جلال الله تعالی وعلوه عن صفات الخلق کقوله:

«أول الدین معرفته، وکمال معرفته التصدیق به، وکمال التصدیق به توحیده، وکمال توحیده الإخلاص له، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن أشار إلیه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فیم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلی منه، کائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع کل شیء لا بمقارنة، وغیر کل شیء لا بمزایلة، فاعل لا بمعنی الحرکات والآلة، بصیر إذ لا منظور إلیه من خلقه، متوحد إذ لا سکن یستأنس به ولا یستوحش لفقده، أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء بلا رویة أجالها ولا تجربة استفادها

ص: 103

ولا حرکة أحدثها ولا همامة نفس اضطرب فهیا، أحال الأشیاء لأوقاتها ولاءم بین مختلفاتها وغرز غرائزها وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محیطاً بحدودها وانتهائها عارفاً بقرائنها وأحنائها»)(1).

 __ وقوله علیه السلام:

(لا یَخطُرُ عَلی القُلُوبِ مَبلَغُ جَبَروتِهِ، لأنَّه لَیسَ لَهُ فی الأشْیاءِ عَدِیلٌ).

اعلم أن المخلوق لا قدرة له ولا سبیل إلی معرفة کنه الخالق ولا علم ولا إحاطة بحقیقته جل شأنه لاستحالة إحاطة المحدود باللامحدود والممکن بالواجب، ولجلاله تعالی عن أن یحد أو یحاط به، وهذا ما أکده قوله تعالی:

(وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا) (2).

وقوله تعالی:

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (3).

کما أن الروایات کثیرة فی هذا المضمون کقول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«اللهُ مَعْناهُ المَعْبُودُ الّذِی یَأْلَهُ فِیْهِ الْخَلْقُ وَیُؤْلَهُ إلَیْهِ، وَاللهُ هُوَ المَسْتُورُ عَنْ دَرْکِ الأبْصَارِ، المَحْجُوبُ عَنِ الأوْهَامِ وَالخَطَرَاتِ»(4).

وقال الإمام الباقر علیه السلام:

«اللهُ مَعْنَاهُ المَعْبُودُ الّذِی ألِهَ الخَلْقُ عَنْ دَرْکِ مَاهِیَّتِهِ والإحَاطَةِ بِکَیْفِیَّتِهِ»(5).


1- حق الیقین، السید عبد الله شبر: ص67.
2- سورة طه، الآیة: 110.
3- سورة الأنعام، الآیة: 91.
4- میزان الحکمة، محمد الریشهری: ج1، ص124، ح658.
5- میزان الحکمة، الریشهری: ج1، ص124، ح689.

ص: 104

ومما أشار إلیه الإمام الحسین علیه السلام هو بیان علة عدم الإحاطة به تعالی والوقوف علی کنه ذاته، فقال علیه السلام:

«لأن لیس له فی الأشیاء عدیل».

وکأنما أراد الإمام علیه السلام أن یقول أمراً وهو أن بعض التصورات والأفکار التی تجول فی ذهن الإنسان منتزعة من الوجودات الخارجیة کمعرفتنا مثلاً للشجرة التی وقع علیها الحس، أو کمعرفتنا للأرض والسماء، وأمّا ما لیس له وجودٌ مرئیٌ فلا یمکن تصوره ووصفه، وحیث إن الله تعالی لیس له فی الأشیاء مثیل لا نستطیع تصوره أو وصفه إلاّ بما وصف به نفسه تعالی، ویمکن تفسیر قوله علیه السلام لأن لیس له فی الأشیاء عدیل أی لا یوجد من له القدرة والإحاطة بغایة جبروته لأن لا شبیه ولا عدیل لجبروته حتی نستطیع أن نقف علی جبروت الله تعالی ونعرف کنهه، کما أن الإمام علیه السلام ینفی أن یکون لله تعالی شبیه أو مثل فکیف نستطیع من خلال معرفة الشبیه أن نعرف الأصل وهو الله تعالی کنه ذات الله تعالی ممتنعة علی مخلوقاته لمحدودیة المخلوق وتناهیه، ولإحاطة الخالق وکبره عن أن یوصف وخیر من أشار إلی ذلک الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله،

ورد فی التوحید (عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة الوسیلة:

«الحمد لله الذی أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول عن أن تتخیل ذاته فی امتناعها من الشبه والشکل، بل هو الذی لم یتفاوت فی ذاته ولم یتبعض بتجزیة العدد فی کماله، فارق الأشیاء لا علی اختلاف الأمکان، وتمکن منها لا علی الممازجة، وعلم بها لا بأداة لا یکون العلم إلا بها ولیس بینه وبین معلومه علم غیره، إن قیل کان فعلی تأویل أزلیة الوجود وإن قیل لم یزل، فعلی تأویل نفی العدم»(1).


1- حق الیقین: ص66.

ص: 105

وقال علیه السلام:

«لم تحط به الأوهام بل تجلی لها بها، وبها امتنع منها وإلیها حاکمها، لیس بذی کبر امتدت به النهایات فکبرته تجسیماً، ولا بذی عظم تناهت به الغایات فعظمته تجسیداً، بل کبر شأناً وعظم سلطاناً».

__ وقوله علیه السلام:

«لا تُدرِکُهُ العُلَماءُ بِأَلبابِها، ولا أهلُ التَّفکِیرِ بِتَفکِیرِهِمْ إلاّ بِالتَّحقِیقِ(1) إیقاناً بِالغَیبِ».

أشار الإمام الحسین علیه السلام بقوله هذا إلی قصور إدراک العلماء فضلاً عن غیرهم، وعجز عقولهم مع ما لهم من العلم والمعرفة وقوة الملاحظة وتوقد الذهن وسعة الفطنة، وعجز الألباب وحیرة الفکر فی ذات الله تعالی وکنهه ناشئ من امتناعه علی الألباب لوجوب وجوده، ومحدودیة الألباب لأنها ممکنه، فلذا نهانا أمیر المؤمنین علیه السلام من الخوض فی هذا الأمر بقوله:

«لا تقدر عظمة الله علی قدر عقلک فتکون من الهالکین».

وأکد الإمام علیه السلام أن إدراک وجود الله تعالی وعظمته تتم من خلال الآثار والصفات التی تجلّت فی عالم الوجود، ویحصل الیقین بوجوده تعالی وعظمته من خلال الأخبار التی وردت علی لسان خاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الطاهرین سلام الله علیهم أجمعین وهو من الإیمان بالغیب.

ومما یؤکد عجز العلماء والمفکرین فی إدراک الحق سبحانه قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«محرم علی بوارع ثاقبات الفطن تحدیده، وعوامق ناقبات الفکر تکییفه، وعلی


1- اللّبُّ: العقل. والتحقیق: التصدیق.

ص: 106

غوائص سابحات النظر تصویره، لا تحویه الأماکن لعظمته، ولا تذرعه المقادیر لجلاله، ولا تقطعه المقاییس لکبریائه، ممتنع عن الأوهام أن تکتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثله، قد یئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الإشارة إلیه بالاکتناه بحارة العلوم، ورجعت بالصغر عن السمو إلی وصف قدرته لطائف الخصوم.

واحد لا من عدد ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد، لیس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتعارضه الأشباح، ولا کالأشیاء فتقع علیه الصفات، قد ضلت العقول فی أمواج تیار إدراکه، وتحیرت الأوهام عن إحاطة ذکر أزلیته، وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان فی لجج أفلاک ملکوته، مقتدر بالآلاء وممتنع بالکبریاء ومتملک علی الأشیاء، فلا دهر یخلقه ولا وصف یحیط به، قد خضعت له ثوابت الصعاب فی محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب فی منتهی شواهق أقطارها، مستشهد بکلیة الأجناس علی ربوبیته، ویعجزها علی قدرته، وبفطورها علی قدمته، وبزوالها علی بقائه، فلا لها محیص عن إدراکه إیاها، ولا خروج عن إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع عن قدرته علیها، کفی باتقان الصنع لها آیة وبمرکب الطبع علیها دلالة وبحدوث الفطر علیها قدمه وبإحکام الصنعة لها عبره، فلا إلیه حد منسوب ولا له مثل مضروب ولا شیء عنه بمحجوب، تعالی عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علواً کبیراً»(1).

__ وقوله علیه السلام:

«لأّنَّهُ لا یُوصَفُ بِشَیءٍ مِن صَفاتِ المَخلوُقِینَ».


1- حق الیقین، السید عبد الله شبر: ص66 __ 67، الباب الثالث: معرفة الذات والصفات.

ص: 107

ثبت فی محله أن فی الوجود واجب الوجود وممکن الوجود، وثبت أن الواجب هو عین الغنی، والممکن عین الفقر والحاجة, وثبت أیضا أن الواجب یتصف بکل صفات الکمال ومنزه عن کل نقص وقبح، بینما یتصف الممکن بالنقص والحاجة، ولکی یتضح قول الإمام الحسین علیه نقول:

یتصف المخلوق بصفات حسنة وکاملة بالنسبة إلیه إلاّ أنها نقص وقبح وفقر بالنسبة لخالقه، فلو قلنا إن المخلوق یتصف بصفة العلم أو القدرة أو الإدرک فهی صفات کمال بالنسبة للمخلوق ولکن هذه الصفات لو نسبناها إلی الله تعالی بحدودها ومقدارها وشروطها لصارت نقصا وحاجة، لأنه تعالی سیکون عالما بعلم محدود وقادراً بقدرة محدودة ومدرکاً بإدراک محدود وهکذا، فلذا لا یصح أن یوصف بصفات المخلوقین، ومحال أن یکون کالمخلوق لأن (لیس کمثله شیء)، کما أنه تعالی منزه عن کل صفات المخلوقین من الترکیب والمکان والزمان والحدوث والاتحاد والفناء... الخ.

وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ولکی لا یقع الإنسان فی محذور التشبیه الذی حذر منه الإمام الحسین علیه السلام نورد بعض فقرات الأدعیة التی جاءت علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام التی تؤکد أن ذات الله تعالی لا یحیط بها العالم أو المفکر فضلاً عن عامة الناس، فلقد ورد فی دعاء المشلول المروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«یا من لا یعلم ما هو ولا کیف هو ولا أین هو ولا حیث هو إلاّ هو».

وفی دعاء الإمام السجاد علیه السلام دلیل واضح علی عجز المخلوق فی معرفة الله تعالی کقوله:

«ولم تجعل للخلق طریقا إلی معرفتک إلاّ بالعجز عن معرفتک»(1).


1- مفاتیح الجنان: مناجاة العارفین.

ص: 108

(وهو الواحد الصمد)
معنی الواحد

کل شیء یدل علی وحدانیته کما دل علی وجوده، وکل جارحة تشهد علی أن خالقها واحد ومدبرها واحد وفانیها واحد، فالقلب یتوجه إلی الله تعالی عندما یلم به الخطر، والضمیر یفزع إلیه عندما یضطر إلی حاجته، والوجدان لا یستعین ولا یستغیث إلا به تعالی، وهذا مما یکشف عن أن القلب والعقل لا یعرفان إلا هو تعالی بالفطرة قبل الدلیل، ولکی یتضح ما تقدم ننقل محاورة الإمام الصادق علیه السلام مع رجل سأله عن الدلالة علی الله تعالی:

قال رجل: (یا بن رسول الله دُلنی علی الله ما هو؟ فقد أکثر علیّ المجادلون وحیّرونی، فقال الإمام علیه السلام:

«یا عبد الله هل رکبتَ سفینة قطّ؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل کُسرتْ بک حیث لا سفینة تنجّیک ولا سباحة تغنیک؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فهل تعلّق قلبُک هنالک أنّ شیئاً من الأشیاء قادرٌ علی أن یخلّصک من ورطتک؟».

قال: نعم، فقال علیه السلام:

«فذلک الشیء هو الله القادر علی الإنجاء حیث لا منجی وعلی الإغاثة حیث لا مغیث»)(1).


1- الفوائد البهیة فی شرح عقائد الإمامیة، الشیخ محمد جمیل: ص88.

ص: 109

فبعد هذه المحاورة یتضح لنا أن الإمام الصادق علیه السلام أشار إلی وحدانیة الله تعالی فضلاً عن وجوده فی قوله (فهل تعلق قلبک هنالک أن شیئا من الأشیاء قادر علی أن یخلصک من ورطتک)؟

فقوله (أن شیئا) وقوله (قادر) فیه دلالة علی وحدانیة الله تعالی لأن الإمام علیه السلام لو کان یعتقد أن مع الله تعالی إلها آخر لما قال للرجل (أن شیئا) و(قادر) بصیغة المفرد، فمن هذا یتضح أن وحدانیة الله تعالی ترتکز فی فطرة الإنسان وهذا ما أکده الرجل بقوله (نعم) أی أن قلبی تعلق بشیء واحد وقادر واحد ولم یقل (کلا) لقد تعلق قلبی بأکثر من شیء.

فبهذه المقدمة تبین من خلال الفطرة أن الله تعالی واحد لا شریک له، وأمّا ما دل علی وحدانیته فی مقام الذات والصفات والأفعال فلقد تقدم الحدیث عن ذلک فی بحثنا (استخلص الوحدانیة والجبروت).

معنی الصمد

وأمّا عن قوله علیه السلام (الصمد) نقول:

الصمد فی اللغة: المقصود لقضاء الحاجات، اسم من أسماء الله الحسنی، ویقال شیء صمد: مصمت لا جوف له(1).

الصمد فی الاصطلاح: السید المعظم الذی یصمد إلیه فی الحوائج، أی یقصد، وقیل: هو السید الذی ینتهی إلیه السؤدد(2).

بعد التأمل فیما سبق من الآیات التی تطرقنا فیها إلی بیان صفات واجب الوجود یظهر لنا جلیاً أن اسم الصمد اسم لا یلیق إلا بالغنی المطلق والعالم والقادر


1- المعجم الوسیط: ص522.
2- مجمع البیان: ج10، ص544.

ص: 110

المطلق وهذا لا یصدق إلاّ علی الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فلا شک أن الله تعالی هو الذی برأ الخلق وأوجد کل ذی وجود بعلمه وقدرته، وهو الذی أعطی کل خلقه حاجته وأدام فیضه علی خلقه فلذا استحق أن یکون مقصوداً فی الحاجات، لأنه تعالی الغنی المطلق فهو یقصد ولا یقصد أحدا لافتقار کل ما سواه إلیه فلذا أورد قوله تعالی:

(وَأَنَّ إِلَی رَبِّکَ الْمُنْتَهَی) (1).

وإذا تأملنا المعنی اللغوی للصمد الذی هو مصمت لا جوف له، یظهر لنا عدم حاجته للأکل والشرب والنوم کما أنه لم یلد ولم یولد، وما ورد عن أهل البیت علیهم السلام فی تفسیر الصمد یدلنا علی معانی کثیرة نذکرها للفائدة الکبیرة.

قال الإمام الباقر علیه السلام:

«حدّثنی أبی زین العابدین علیه السلام، عن أبیه الحسین بن علی علیهما السلام أنه قال: (الصمد) الذی قد انتهی سؤدده، والصمد: الدائم الذی لم یزل ولا یزال، والصمد: الذی لا جوف له، والصمد: الذی لا یأکل ولا یشرب، والصمد: الذی لا ینام».

وقال أیضا علیه السلام:

«والصمد: السید المطاع الذی لیس فوقه آمر ولا ناه».

وسُئل الإمام علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام عن (الصمد) فقال:

«الصمد: الذی لا شریک له ولا یؤوده حفظ شیء، ولا یعزب عنه شیء».

وقال علیه السلام:

«الصمد: الذی إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون، والصمد: الذی أبدع


1- سورة النجم، الآیة: 42.

ص: 111

الأشیاء، فخلقها أضدادا وأصنافا، وأشکالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد، ولا شکل، ولا مثل، ولا ند».

قال وهب بن وهب: وحدثنی الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه الباقر علیه السلام، عن أبیه علیه السلام، أن أهل البصرة کتبوا إلی الحسین بن علی علیه السلام یسألونه عن الصمد، فکتب إلیهم:

«بسم الله الرحمن الرحیم، أمّا بعد: فلا تخوضوا فی القرآن، ولا تجادلوا فیه، ولا تتکلموا فیه بغیر علم، فقد سمعت جدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: من قال فی القرآن بغیر علم فلیتبوأ مقعده من النار، وإن الله قد فسر سبحانه الصمد.

 فقال:

(لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ (3) وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ) (1)»)(2).

(ما تَصَوَّرَ فی الأوهام فهو خلافه)

التصوّر فی اللغة: (تصوّر: تکونت له صورة وشکل __ والشیء __ تخیله واستحضر صورته فی ذهنه.

التصوّر فی علم النفس: استحضار صورة شیء محسوس فی العقل دون التصرف فیه.

التصوّر عند المناطقه: إدراک المفرد: أی معنی الماهیة من غیر أن یحکم علیها بنفی أو إثبات)(3).


1- سورة الإخلاص، الآیتان: 3 و4.
2- تفسیر مجمع البیان، الطبرسی: ج10، ص550.
3- المعجم الوسیط: ص528.

ص: 112

التصوّریة فی الفلسفة: المذهب القائل بأن الکلیات لا توجد إلا فی الذهن وهو یقابل مذهبی الواقعیة والأسمیة.

الوهم: ما یقع فی الذهن من الخاطر، وهم الشیء دار فی خاطره، توهّم الشیء: ظنه __ وتمثله وتخیله کان فی الوجود أو لم یکن(1).

التصور والتصدیق

التصور: هو علمک بالشیء دون أن تجزم أو تعتقد بمطابقة علمک للواقع.

التصدیق: هو علمک بالشیء مع مطابقة ذلک للواقع مما یدفع النفس للإذعان والتصدیق بالمطابقة.

ولکی یتضح المطلب نقول: إذا حصل فی ذهنک علم بشیء دون أن تصل إلی حد الجزم والاعتقاد به فهذا یسمی تصوراً مجرداً، وإذا قمت بالبرهنة والاستدلال علی ثبوته أو نفیه وحصل لک جزم واعتقاد بذلک فهذا یسمی تصدیقاً ولکی یکون المطلب أوضح نضرب مثلا لذلک:

(لو قلت لک أن قبة الإمام الحسین علیه السلام بیضویة الشکل مذهبة بذهب خالص حصل عندک تصور عما أخبرتک به، ولما ذهبت وتحققت من الخبر وثبت لک صحة ما قلت حصل لک تصدیق لمطابقة الخبر للواقع).

فالتصور مجرد علمک بشیء دون أن یستتبع ذلک التصور جزم واعتقاد، والتصدیق هو ترجیح أحد طرفی الخبر مع نفی احتمال الطرف الآخر وهذا هو (الیقین) أو مع وجود احتمال ضعیف للطرف الآخر وهذا یسمی (الظن) وهذا ما ینقسم إلیه التصدیق علی بعض الآراء.


1- المعجم الوسیط: ص1060.

ص: 113

الوهمیات

وهی القضایا الوهمیة الصرفة، وهی قضایا کاذبة(1)، ولکی نقف علی هذا المطلب نحتاج إلی مقدمة فنقول:

أخرج الله تعالی الإنسان من بطن أمه وهو لا یعلم شیئاً، إلا أنه یملک حواساً ظاهره کحاسة السمع والبصر والذوق واللمس فیستخدم هذه الحواس فی بیئته فیحس بالأشیاء ویتأثر بها ویحصل عنده علم نتیجة استخدامه لهذه الحواس، ویسمی (العلم الحسی) وهو أول درجات العلم وهذا ما یؤکده الله سبحانه وتعالی:

(وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) (2).

ثم یحفظ هذه الصورة التی أدرکها بالحس فی ذهنه فینسب بعضها إلی بعض کقوله (هذا أطول من ذاک) أو یؤلف بعضها مع بعض فتکون عنده صوراً لا واقع لها فی الخارج، فهذا الحفظ أو التألیف یسمی (العلم الخیالی) ثم یتجاوز إدراک المحسوسات إلی إدراک أمور لیست هی من جنس المحسوسات کحبّ الغیر له وحبه لغیره أو بغض الغیر له أو بغضه لغیره وهذا یسمی (بالعلم الوهمی) یحصل علیه الإنسان بقوة الوهم.

للوهم معنیان تارة یراد منه ما یقابل الظن وهو: أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه مع ترجیح الطرف الآخر، وأخری: یراد منه تصویر الأمور غیر المحسوسة تصویراً محسوساً فترتکز هذه الصور فی ذهنه حتی تستفحل وتتحول إلی قضایا ثابتة فی النفس لا یمکن رفضها حتّی مع قیام البرهان علی خلافها وقد تتحول إلی معتقدات یصعب زوالها، ولکی نوضح هذا الأمر بالمثال نقول: نجد الإنسان لا یقبل الاجتماع مع میت


1- منطق المظفر: ج3.
2- سورة النحل، الآیة: 78.

ص: 114

فی مکان مظلم رغم علمه أنه جماد لا یتحرک ولا یضر ولا ینفع، وإذا کان خوفه ناشئاً من عودة الحیاة إلی هذا المیت فالعقل یحکم بأنه سیرجع إنساناً سویا لا سیما إذا کان من الأحبة، ولکن الوهم والقوة الواهمة ترفض حکم العقل وتجعل صاحبها فی خوف دائم من المیت.

فالوهم تابع للحس ومنقاد له ولذا یطبق أحکام المحسوسات علی غیر المحسوس أیضا کتوهمه بأن الله تعالی فی مکان عالٍ وله هیئة کبیرة وإلخ من التوهمات فیقع فی التجسیم والتشبیه وهذا ما أشار إلیه الإمام الحسین علیه السلام بقوله أعلاه.

__ وقوله علیه السلام:

«لَیسَ بَربٌّ مَنْ طُرِحَ تَحْتَ البَلاغِ، وَمَعْبُودٍ مَن وجِدَ فی هواءٍ أو غَیرِ هَواءٍ».

من خلال معرفتنا لعظمة الله تعالی وغناه وتنزهه عن الحدود المکانیة والزمانیة یتضح لنا قول الإمام الحسین علیه السلام المتقدم ونراه یؤکد فیه أن الرب الذی یدبر شؤون مخلوقاته ویدیر أمر الممکنات لا یمکن أن یخضع للحدود، ولا یمکن أن یحده مکان أو یحیط به شیء مهما کانت سعته حتی لو کان هواءً أو غیره ممن هو أوسع من الهواء وأکثر مرونة منه، ولا یستحق المحدود والمتناهی العبودیة لانتفاء صفات المعبود فیه، إذ إننا نعلم أن من یستحق أن یعبد هو من لا شریک ولا ند ولا مثیل ولا شبیه ولا حاجة ولا کتلة ولا حجم ولا کثافة ولا وزن ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا صورة ولا جسم له بل ولا صفة من صفات العباد الکمالیة وغیرها، لأنه لیس کمثله شیء وتعالی من أن یحاط بأرض أو سماء أو ماء أو هواء، وما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة بقوله:

«قد علم السرائر وخیر الضمائر وله الإحاطة بکل شیء».

یؤکد هذا المعنی بل یترجم قوله تعالی:

ص: 115

(وَلِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ مُحِیطًا) (1).

__ وقوله علیه السلام:

«هُوَ فی الأشْیاءِ کائِنٌ لا کَینُونَةَ مَحظُورٍ بِها عَلَیهِ، وَمِنَ الأَشْیاءِ بائنٌ لا بَینُونَةَ غائبٍ عَنها».

تبین مما تقدم جلالة الله تعالی عن صفات الأجسام وقوانینها وآثارها فلذا لا یمکن أن نفسر قول الإمام الحسین علیه السلام بتفسیر یوحی بالجسمیة والمحدودیة والمادیة، بل لابد من بیان لقوله علیه السلام یؤکد نزاهة الله تعالی عن کل صفة من صفات المخلوقین وهذا ما سنتعرض له فنقول:

لا یصح أن نفسر قول الإمام علیه السلام (فی الأشیاء) بالدخول، وقوله (من الأشیاء) بالخروج لأنهما من صفات الأجسام وهو تعالی لیس بجسم، فضلا عن غناه المطلق عن کل شیء، فلو دخل فی الأشیاء کدخول الأجسام فی بعضها لزم افتقاره إلی المکان والمحدودیة وهذا من صفات الممکن وقد ثبت أنه تعالی واجب الوجود غنی مطلق، وکذلک لو قلنا بدخوله فی الأشیاء کدخول الأجسام یلزم من قولنا هذا وصفه بالنقص لأن الدخول إما أن یکون کاملاً له أو لا؟ فعلی الأول یلزم وصفه بنقص سابق فأراد أن یستکمل بالدخول، وعلی الثانی: یکون الدخول نقصا بذاته یتصف به الحق سبحانه وعلی الفرضین یقع التجسیم والوصف القبیح تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً، فلذا لابد من تفسیر قول الإمام علیه السلام بأنه سبحانه هو القیوم المحیط بکل شیء، وهذه الإحاطة التی یحیط الأشیاء بها هی إحاطة تامة للظاهر والباطن علی حد سواء، وهذا المعنی ورد فی أقوال أمیر المؤمنین علیه السلم فی أکثر من خطبة کما فی قوله علیه السلام:


1- سورة النساء، الآیة: 126.

ص: 116

«لیس فی الأشیاء بوالج ولا عنها بخارج»(1).

ولنزاهته تعالی عن الحدود والحلول والعجز نجد سید الموحدین علیه السلام یصفه فی خطبة أخری فیقول:

«لم یحلل فی الأشیاء فیقال هو فیها کائن، ولم ینأ عنها فیقال هو منها بائن»(2).

ولکی لا یفسر قربه وبُعده تعالی تفسیراً مادیاً بوجب التشبیه یقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لم یقرب من الأشیاء بالتصاق، ولم یبعد عنها بافتراق»(3).

وهکذا دیدن أهل البیت علیهم السلام فی وصفهم لخالقهم وربهم ومعبودهم، لا یختلف أمیر المؤمنین علیه السلام مع ولده الإمام الحسین علیه السلام ولا الإمام الحسین مع ذریته الأئمة المعصومین علیهم السلام فی وصفهم لله تعالی وتنزیهه وتسبیحه عما لا یلیق بکماله سبحانه، ومن ضمن هذه الروایات:

عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی، عن أبیه، عن النضر بن سوید، عن یحیی الحلبی، عن ابن مسکان، عن زرارة بن أعین قال: (سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«إنّ الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله فهو مخلوق والله خالق کل شیء، تبارک الذی:

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ) (4))(5).


1- نهج البلاغة: الخطبة 185.
2- نهج البلاغة: الخطبة 64.
3- نهج البلاغة: الخطبة 162.
4- سورة الشوری، الآیة: 11.
5- أصول الکافی: ج1، ص48 __ 49، ح4.

ص: 117

عن علی بن إبراهیم عن أبیه، عن أبی عمیر عن علی بن عطیة عن ثیثمة (عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«إنّ الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله تعالی فهو مخلوق والله خالق کل شیء»)(1).

__ وقوله علیه السلام:

(لَیسَ بِقادِرٍ مَن قارَنَهُ ضِدٌّ أوْ ساواهُ نِدٌّ).

أشار الإمام علیه السلام إلی حدود قدرة من له ضد، إذ إن کل ضدین یدفع أحدهما الآخر لتساوی قدرتهما ومحدودیتهما إزاء بعضهما البعض، ولذا لا یعد قادراً حقیقا من اتصف بالعجز أمام من هو ضده أو نده، وحیث إن الله تعالی قادر مطلق لا یعجزه شیء بل هو علی کل شیء قدیر لزم من هذا أن لا ضد ولا ند له.

__ وقوله علیه السلام:

(لَیسَ عَن الدَّهرِ قِدَمُهُ ولا بِالنّاحِیةِ أمَمُهُ، احتَجبَ عَنِ العُقُولِ کَمَا احتَجَبَ عَنِ الأبصار، وعَمَّنْ فی السَّماءِ احِتجابُهُ کَمَنْ فی الأرضِ، قُربُهُ کَرامَتُهُ وبُعده إهانَتُهُ، لا تُحلّهُ (فی) ولا تُوَقِّتُهُ (إذ) ولا تُؤامِرُهُ (إنْ)، عُلُوُّهُ مِنْ غَیرِ تَوَقُّلٍ، وَمَجِیئُهُ مِنْ غَیرِ تَنَقُّلٍ، یُوجِدُ المفقُودَ ویُفْقِدُ المَوجُودَ، ولا تَجتمِعُ لِغَیرِهِ الصِّفَتانِ فی وَقتٍ).

فی هذا المقطع الشریف یشیر الإمام الحسین علیه السلام إلی مجموعة أبحاث عقائدیة نتعرض لها باختصار:

قوله علیه السلام (لَیسَ عَن الدَّهرِ قِدَمُهُ ولا بِالنّاحِیةِ أمَمُهُ).

یشیر الإمام علیه السلام إلی صفة من صفات الله تعالی ألا وهی أزلیته وقدمه، فلقد أجمع أهل الإیمان والعلم علی نزاهة الله تعالی عن الزمان واتسامه فلا یصح


1- أصول الکافی: ج1، ص49، ح5.

ص: 118

توصیفه بالماضی أو الحاضر أو المستقبل لأنه هو خالق الزمان بل هو محیط بالزمان، فلذا لا یجوز تفسیر قدمه بمعنی وجود فی الماضی وإنما یفسر قدمه تعالی بأنه وجود غیر مسبوق بعدم لأنه واجب الوجود، وکذلک فهو تعالی منزه عن المکان والجهة لأنه هو خالق المکان والنواحی والجهات بل هو محیط بالمکان وجهاته.

وهکذا، وبناء علی ما تقدم یظهر أن الصورة أو المفهوم الذی یحصل فی ذهن الإنسان عن الله تعالی لیس إلا وهم مخالف للحقیقة.

ص: 119

الخطبة الثانیة: وفیها یوصی بتقوی الله، وینذر من عقابه

اشارة

ص: 120

ص: 121

نص الخطبة

اشارة

«أُوصیکم بِتَقوَی اللهِ، وأُحذِّرُکُمْ أیّامَهُ، وأرفَعُ لکُم أعلامَهُ، فَکَأَنَّ المَخُوفَ قَد أفِدَ بِمَهُولِ وُرودِه، ونکیرِ حُلولِه، وبَشِعِ مَذاقِهِ، فَاعتَلَقَ مُهَجَکم(1)، وحالَ بَیْنَ العَمَلِ وبَینَکم، فَبادِروا بِصِحَّةِ الأجسامِ فی مُدَّةِ الأعمارِ، کَأَنَّکُمِ بِبَغَتاتِ طَوارِقِه(2) فَتَنْقُلُکُم مِنْ ظَهرِ الأرضِ إلی بَطنِها، ومِنْ عُلوِها إلی سُفُلِها، ومِنْ أُنسِها إلی وَحشَتها، َمِنْ رَوحِها وضَوئِها إلی ظُلمَتِها، ومِنْ سَعَتِها إلی ضِیقِها، حیثُ لا یزارُ حَمیمٌ ولا یُعادُ سَقیمٌ ولا یُجابُ صَرِیخٌ، أعانَنَا اللهُ وإیّاکم علی أهْوالِ ذلِکَ الیَومِ، ونَجّانا وإیّاکُم مِنْ عِقابِهِ، وأوجَبَ لَنا وَلَکُم الجَزِیلَ مِنْ ثَوابِهِ.

عبادَ اللهِ فَلَوْ کانَ ذلِکَ قَصْرَ مَرماکُم ومَدی مَظْعَنِکُمْ(3) کانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً یَستَفرغْ عَلَیهِ أحزانَهُ، ویَذهَلُهُ عَن دُنیاهُ، ویُکثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنه، فکیفَ وَهُوَ بَعدَ ذلِکَ مُرتَهِنٌ بِاکتِسابِه، مُستَوقِفٌ علی حِسابِه، لا وَزِیرَ لَهُ یَمْنَعُه ولا ظَهِیرَ عَنهُ یَدفَعُهُ، ویَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ نَفْساً إیمانُها لَمْ تَکنُ آمَنَتْ مِنْ قَبلُ أو کَسَبَتْ فی إیمانِها خَیراً، قُلِ انتَظِروا إنّا مُنْتَظِروُن. 


1- أفِدَ: دنا وقرب. والمهول: المخیف. بشع: صار طعمه کریها. واعتلقه وبه: أحبه حبا شدیدا. والمهج: جمع مهجة: دم القلب والمراد نفس القلب.
2- البغتات: جمع بغتة أی فجأة.
3- الجزیل: الکثیر العظیم من کل شیء. والقصر: الغایة. والمرمی: ما ترمی إلیه السهام. والمدی: المسافة والغایة. والمظعن: المسیر.

ص: 122

أُوصیکُمْ بِتَقْوَی اللهِ فَإنَّ اللهَ قَد ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقاهُ أنْ یُحَوِّلَهُ عَمّا یَکرَهُ إلی ما یُحِبُّ ویَرزُقَهُ مِنْ حَیثُ لا یَحتَسِبُ، فَإیّاکَ أن تَکوُنَ مِمَّن یَخافُ عَلَی العِبادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَیَأمَنُ العُقَوبَةَ مِنْ ذَنبِه، فَإنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی لا یُخدَعُ عَن جَنَّتِهِ ولا یُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِه إنْ شاءَ اللهُ».

المعنی العام

(أُوصیکم بِتَقوَی اللهِ، وأُحذِّرُکُمْ أیّامَهُ، وأرفَعُ لکُم أعلامَهُ، فَکَأَنَّ المَخُوفَ قَد أفِدَ بِمَهُولِ وُرودِه، ونکیرِ حُلولِه، وبَشِعِ مَذاقِهِ، فَاعتَلَقَ مُهَجَکم، وحالَ بَیْنَ العَمَلِ وبَینَکم).

أطلب منکم الالتزام بالخشیة والخوف من الله تعالی، وأخوفکم وأطلب منکم التحرز من أیام الله تعالی التی تحدث عنها فی القرآن الکریم (یوم کألف سنة... الخ) (یوم التلاق...) وارفع لکم ما تهتدون به من هدی الله تعالی، فکأن الأمر الذی تخشونه قد دنا وقرب إلیکم بفزع ورعب وروده، وصعوبة نزوله، وکریه طعمه، فتعلق بقلوبکم تعلقاً شدیدا، وصار مانعا بینکم وبین العمل.

(فَبادِروا بِصِحَّةِ الأجسامِ فی مُدَّةِ الأعمارِ، کَأَنَّکُمِ بِبَغَتاتِ طَوارِقِه فَتَنْقُلُکُم مِنْ ظَهرِ الأرضِ إلی بَطنِها، ومِنْ عُلوِها إلی سُفُلِها، ومِنْ أُنسِها إلی وَحشَتها، َمِنْ رَوحِها وضَوئِها إلی ظُلمَتِها، ومِنْ سَعَتِها إلی ضِیقِها).

أسرعوا وعجلوا إلی اغتنام الصحة قبل السقم فی طاعة الله تعالی، وأنتم علی وشک أن تفاجئکم الدواهی التی تأتی لیلا فتحولکم من علی سطح الأرض إلی جوفها وباطنها، ومن ارتفاعها إلی أدنی نقطة فیها، ومن ما هو لطیف ومسر للنفس إلی ما هو ضد ذلک من النفور والکدورة، ومن الراحة والسعة وطیبة العیش إلی ذهاب نورها

ص: 123

وشدتها، ومن رحابتها ویسارها إلی شدتها.

(حیثُ لا یزارُ حَمیمٌ ولا یُعادُ سَقیمٌ ولا یُجابُ صَرِیخٌ).

یشیر الإمام علی علیه السلام إلی أن هذا المکان لا یحصل فیه اللقاء بین الأحبة ولا یفحص المریض ولا یطمئن علی صحة ولا یغاث ا لمستغیث.

(أعانَنَا اللهُ وإیّاکم علی أهْوالِ ذلِکَ الیَومِ، ونَجّانا وإیّاکُم مِنْ عِقابِهِ، وأوجَبَ لَنا وَلَکُم الجَزِیلَ مِنْ ثَوابِهِ).

ساعدنا الله تعالی وإیاکم علی رعب وخوف ذلک الیوم الذی هو یوم القیامة، وخلصنا الله وإیاکم من أذاه وآلامه، وجعل لنا ولکم الکثیر العظیم من العطاء وحسن الجزاء.

(عبادَ اللهِ فَلَوْ کانَ ذلِکَ قَصْرَ مَرماکُم ومَدی مَظْعَنِکُمْ کانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً یَستَفرغْ عَلَیهِ أحزانَهُ، ویَذهَلُهُ عَن دُنیاهُ، ویُکثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنه، فکیفَ وَهُوَ بَعدَ ذلِکَ مُرتَهِنٌ بِاکتِسابِه، مُستَوقِفٌ علی حِسابِه، لا وَزِیرَ لَهُ یَمْنَعُه ولا ظَهِیرَ عَنهُ یَدفَعُهُ، ویَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ نَفْساً إیمانُها لَمْ تَکنُ آمَنَتْ مِنْ قَبلُ أو کَسَبَتْ فی إیمانِها خَیراً، قُلِ انتَظِروا إنّا مُنْتَظِروُن).

یوجه الإمام علیه السلام نداءه إلی من هو مؤمن عابد لربه فیقول لو کان ذلک الأمر الذی سبق بیانه هو غایة هدفکم ومسافة وغایة مسیرکم کان کافیا لیشغل العامل منکم فی طاعة الله تعالی وکافیا لصب تمام غمه وهمه علیه، وکافیا لیشغله ویغفله عن زبارج الدنیا وزخارفها، ویکثر تعبه لنیل النجاة من أهوال ذلک الیوم، فکیف لا یذهل ویهتم بذلک الیوم الذی سیکون فیه حیث لا معین فیعینه ولا حامل لثقله أحد، ولا دافع عنه البلاء، وفی هذا الیوم لا یفید نفس إیمانها وهی لم تکن مؤمنة فی الدنیا وغیر عاملة فی طاعة ربها، فقل ترقبوا ونحن معکم نرقب.

ص: 124

(أُوصیکُمْ بِتَقْوَی اللهِ فَإنَّ اللهَ قَد ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقاهُ أنْ یُحَوِّلَهُ عَمّا یَکرَهُ إلی ما یُحِبُّ ویَرزُقَهُ مِنْ حَیثُ لا یَحتَسِبُ، فَإیّاکَ أن تَکوُنَ مِمَّن یَخافُ عَلَی العِبادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَیَأمَنُ العُقَوبَةَ مِنْ ذَنبِه، فَإنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی لا یُخدَعُ عَن جَنَّتِهِ ولا یُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِه إنْ شاءَ اللهُ).

تقدم فی بدایة الخطبة بیان قوله أوصیکم بتقوی الله، ویشیر الإمام الحسین بن علی علیهما السلام إلی أن الله تعالی تکفل لکل من یخافه ویخشاه أن ینقله عنما لا یریده وینفر منه إلی ما یرغبه ویحبه ثم یأتی برزقه من غیر الأسباب التی سعی فیها ومن حیث لا یحتمل، ثم یرشد الإمام علیه السلام أن تکون من الناس الذین یخشون علی مصر غیرهم بسبب ذنوبهم ولا یخافون علی مصایرهم وهم فی اطمئنان من نزول العقوبة علیهم مع وقوع الذنب منهم، ویقول الإمام علیه السلام إن الله تبارک وتعالی لا تخفی علیه الحیل ولا یستطیع أحد أن یمکر فیظهر مرة ویخفی مرة أخری لینال جنة الله تعالی فإن ذلک لا ینال إلا بالطاعة الخالصة.

بحث أخلاقی
التقوی میزان القرب الإلهی

کل ما یخرج من فم العصمة والطهارة لابد أن یکون مهما ومعصوما ولا یخالف العقل أو الشرع، ومما أکد علیه الإمام السبط علیه السلام فی خطبته الثانیة هو التمسک بهذا الأمر المهم الذی یعد میزانا لقرب العبد من مولاه وعلامة علی أفضلیته علی غیره ممن لم یتحلی به ألا وهو (التقوی).

التقوی لغة: هو الحذر الخوف والتجنب.

ص: 125

الخشیة والخوف وتقوی الله: خشیة وامتثال أوامره واجتناب نواهیه(1).

التقوی اصطلاحا: هو الامتثال لأمر الله تعالی والانتهاء عن نهیه خوفا منه وتجنبا لغضبه وعقوبته.

لهذه الصفة دلالات تدل علی من یتصف بها، کما أن لها آثاراً عظیمة تنعکس علی نفس صاحبها انعکاسا هو بأمس الحاجة إلیه فی الدنیا والآخرة فلذا نجد أن الإمام الحسین علیه السلام یقتفی أثر العِدل الأکبر (القرآن الکریم) فی الحرص علی الوصیة بهذه الصفة المهمة، ولکی نقف علی ما جاء فی الکتاب الکریم ونطلع علی لطف المولی جل وعلا بعباده لابد لنا من التأمل فی قوله تعالی:

(وَلِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّیْنَا الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَإِیَّاکُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَکَانَ اللَّهُ غَنِیًّا حَمِیدًا) (2).

وما کان هذا الأمر الإلهی بالتقوی إلا لکی ینتفع العبد بآثارها ویکسب السند المنیع والملجأ الحصین وینال البرکات فی الدنیا والرضا والشکر الإلهی فی الآخرة.

فإن التقوی هی خیر الوصایا وأفضل العواقب کما ورد ذلک علی لسان إمام المتقین علیه السلام بقوله:

«أُوصِیکُم عِبادَ اللهِ بتَقوَی اللهِ؛ فإنّها خَیرُ ما تَواصَی العِبادُ بِه، وخَیرُ عَواقِبِ الأُمورِ عِنْدَ اللهِ»(3).


1- المعجم الوسیط: ص1052.
2- سورة النساء، الآیة: 131.
3- میزان الحکمة: ج11، ص4810، ح22346.

ص: 126

ولأهمیة الوصیة بالتقوی حرص أمیر المؤمنین علیه السلام وأهل بیته الکرام علیهم السلام علی افتتاح خطبهم وکتبهم ورسائلهم بالوصیة بالتقوی وهذا ما تؤکده النصوص الآتیة:

1__ قال علیه السلام:

«أُوصِیکُم عِبادَ اللهِ بتَقوَی اللهِ الّذی ضَرَبَ الأمثالَ، ووَقَّتَ لَکُمُ الآجالَ»(1).

2__ قال علیه السلام:

«أُوصِیکَ بتَقوَی اللهِ __ أی بُنَیَّ __ ولُزومِ أمرِهِ، وعِمارَةِ قَلبِکَ بِذکرِهِ»(2).

3__ قال علیه السلام:

«أُوصِیکم عِبادَ اللهِ بتَقوَی اللهِ الّذی ألبَسَکُمْ الرِّیاشَ، وأسبَغَ علَیکُمُ المَعَاشَ»(3).

4__ عنه علیه السلام:

«أُوصِیکم عِبادَ اللهِ بتَقوَی اللهِ، وأُحَذِّرُکُم أهلَ النِّفَاقِ»(4).

5__ عنه علیه السلام:

«أُوصِیکُم عِبادَ اللهِ بتَقوَی اللهِ، وأُحَذِّرُکُم الدُّنیا»(5).

وهناک المزید من هذه الوصایا ترکناها للاختصار.


1- میزان الحکمة: ج11، ص4810، ح22347.
2- نهج البلاغة: الخطبة 31. میزان الحکمة: ج11، ص4811، ح22349.
3- نهج البلاغة: الخطبة 182. میزان الحکمة: ج11، ص4811، ح22350.
4- نهج البلاغة: الخطبة 194. میزان الحکمة: ج11، ص4811، ح22351.
5- نهج البلاغة: الخطبة 196. میزان الحکمة: ج11، ص4811، ح22353.

ص: 127

آثار التقوی فی الدنیا

نذکر هذه الآثار وفق هذا التبویب لتسهیل حفظها من قبل القارئ، فلذا تجنبنا شرحها ولکی لا ندخل فی الإسهاب والإطالة وإلا فإن لکل أثر من آثارها شرحاً طویلاً یحتاج إلی صفحات کثیرة.

1__ إنها تورث البرکة کما فی قوله تعالی:

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَی آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ) (1).

2__ إنها تورث الفلاح کما فی قوله تعالی:

(ذَلِکَ الْکِتَابُ لَا رَیْبَ فِیهِ هُدًی لِلْمُتَّقِینَ (2) الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (4) أُولَئِکَ عَلَی هُدًی مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (2).

3__ إنها تشبه بأخلاق الأنبیاء کما ورد فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«علَیکَ بالتُّقی؛ فإنَّه خُلقُ الأنبیاءِ»(3).

4__ إنها تورث خیر الدنیا والآخرة کما ورد فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن رُزِقَ تُقیً فَقَد رُزِقَ خَیرَ الدُّنیا والآخِرَةِ»(4).


1- سورة الأعراف، الآیة: 96.
2- سورة البقرة، الآیات: 2 __ 5.
3- غرر الحکم: 6086. میزان الحکمة: ج11، ص4808، ح22331.
4- کنز العمّال: 5641. میزان الحکمة: ج11، ص4808، ح22332.

ص: 128

5__ إنها سبب فی دفع الهلاک وحفظ ما یزرع العبد من زرع معنوی أو مادی، کما ورد فی قوله علیه السلام:

«لا یَهلِکُ علَی التَّقوی سِنخُ أصلٍ، ولا یَظمَأُ علَیها زَرعُ قَومٍ»(1).

6__ إنها سبب فی نجاة الهاربین من الظلم، وسبب فی نیل المطالب، وسبب فی النصر علی الأعداء الظالمین کما أنها حرز وعز لمن یتحلی بها وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إنّ التَّقوی أفضَلُ کَنزٍ، وأحرَزُ حِرزٍ، وأعَزُّ عِزٍّ، فیهِ نَجاةُ کُلِّ هارِبٍ، ودَرکُ کُلِّ طالِبٍ، وظَفَرُ کُلِّ غالِبٍ»(2).

7__ إنها سلامة من الخسارة والتلف وهذا ما أشار إلیه الإمام أبو جعفر علیه السلام لسعد الخیر:

«أُوصِیکَ بِتَوَی اللهِ؛ فإنّ فیها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ والغَنیمَةَ فی المُنقَلَبِ»(3).

8__ إنها حرز وصیانة من إغواء الفجار وقوة لحفظ النفس أمام إغراء الشهوات واللذات، وحرز من الضلال ولذا قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنّ مَن فَارقَ التَّقوی أُغرِیَ باللَّذّاتِ والشَّهواتِ، ووَقَعَ فی تِیهِ السَّیِّئاتِ، ولَزِمَهُ کَبیرُ التَّبِعاتِ»(4).

9__ إنها تدفع وساوس الشیطان وتفتح البصیرة والبصر کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (5).


1- نهج البلاغة: الخطبة 16. میزان الحکمة: ج11، ص4809، ح22336.
2- بحار الأنوار: ج77، ص374، ح36. میزان الحکمة: ج11، ص4809، ح22338.
3- الکافی: ج8، ص52، ح16. میزان الحکمة: ج11، ص4809، ح22339.
4- غرر الحکم: 3625. میزان الحکمة: ج11، ص4809، ح22342.
5- سورة الأعراف، الآیة: 201.

ص: 129

10__ إنها تکسب صاحبها الشرف کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«التَّقوی ظاهِرهُ شَرَفُ الدُّنیا، وباطِنهُ شَرَفُ الآخِرَةِ»(1).

11__ إنها توجب الغنی والعز والأنس کما جاء عن الإمام الصادق علیه السلام:

«ما نَقَلَ اللهُ عَزَّ وجلَّ عَبداً مِن ذُلِّ المَعاصی إلی عِزِّ التَّقوی إلاّ أغناهُ مِن غَیرِ مالٍ، وأعَزهُ مِن غَیرِ عَشیرَةٍ، وآنَسَهُ مِن غَیرِ بَشَرٍ»(2).

12__ إنها شفاء لأمراض القلوب والأجساد معاً، ونور للعقول، وطهارة للنفوس، وهذا ما أرشد إلیه الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنَّ تَقوَی اللهِ دَواءُ دَاءِقُلوبِکُم، وبَصَرُ عَمی أفئدتِکُم، وشِفاءُ مَرَضِ أجسادِکُم، وصَلاحُ فَسادِ صُدورِکُم، وطَهورُ دَنَسِ أنفُسِکُم، وجَلاءُ عَشا أبصارِکُمِ، وأمنُ فَزَعِ جَأشِکُم، وضِیاءُ سَوادِ ظُلمَتِکُم»(3).

13__ هی خلاص من المآزق والشدائد، وهی سبب فی تحصیل الأرزاق من حیث لا نحتسب کما فی قوله تعالی:

(وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لَا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْرًا) (4).

14__ هی نجاة من الفتن وخلاص من الحیرة کما ورد عن إمام المتقین أمیر المؤمنین علی علیه السلام:

«اعلَموا أنّهُ (وَمَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) مِن الفِتَنِ، ونُوراً مِن الظُّلَمِ»(5).


1- غرر الحکم: 1990. میزان الحکمة: ج11، ص4818، ح22405.
2- بحار الأنوار: ج70، ص282، ح1. میزان الحکمة: ج11، ص4818، ح22409.
3- غرر الحکم: 5154. میزان الحکمة: ج11، ص4819، ح22411.
4- سورة الطلاق، الآیة: 3.
5- نهج البلاغة: الخطبة 183. میزان الحکمة: ج11، ص4823، ح22436.

ص: 130

15__ هی سبب فی کشف الهموم کما ورد عن إمام المتقین أمیر المؤمنین علی علیه السلام:

«مَنِ اتَقی اللهَ سبحانَهُ جَعَلَ لَهُ مَن کُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِن کُلِّ ضِیقٍ مَخرَجاً»(1).

آثار التقوی فی الآخرة

لاشک فی أن للتقوی آثاراً عظیمة لا یستغنی عنها عباد الله تعالی بشیء سواها ومن هذه الآثار:

1__ إنها توجب شکر المولی عز وجل لعبده فی آخرته کما فی قوله تعالی:

(وَلَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) (2).

2__ إنها توجب رحمة المولی عز وجل بعبده کما فی قوله تعالی:

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُلٍ مِنْکُمْ لِیُنْذِرَکُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ) (3).

3__ إنها توجب الفوز فی الآخرة، کما قال الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام:

«التَّقوی غایَةٌ لا یَهلِکُ مَنِ اتَّبَعَها، ولا یَندَمُ مَن عَمِلَ بِها؛ لأنّ بالتَّقوی فازَ الفائزونَ، وبالمَعصِیَةِ خَسِرَ الخاسِرونَ»(4).

4__ إنها توجب تقربک من الله تعالی وتحتفظ من العذاب، حیث قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام:


1- غرر الحکم: 8847. میزان الحکمة: ج11، ص4822، ح22431.
2- سورة آل عمران، الآیة: 123.
3- سورة الأعراف، الآیة: 63.
4- کنز العمال: 44216. میزان الحکمة: ج11، ص4809، ح22340.

ص: 131

«التَّقوی آکَدُ سَبَبٍ بَینَکَ وبینَ اللهِ إن أخَذتَ بِه، وجُنَّةٌ مِن عَذابٍ ألِیمٍ»(1).

5__ إنها سبب فی قبول الأعمال کما فی قوله تعالی:

(وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ) (2).

6__ إنها تسدد العبد فی دنیاه فیکون من الفائزین فی أخراه، وهی کنز مذخور لیوم الفقر والفاقة، یوم القیامة کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنّ تَقوَی اللهِ مِفتاحُ سَدادٍ، وذَخیرَةُ مَعادٍ»(3).

7__ إنها توجب التنعم فی الجنان والأنهار بل هی سبب فی قرب العبد من ربه کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ) (4).

التقوی ضرورة لابد منها

إذا لم یتلبس الإنسان بالتقوی صار إنساناً میتاً بحسب الباطن والمعنی، وإذا سلب الإنسان وصف الحیاة خرج عن عنوان الإنسانیة، فیصبح مخلوقاً مسخاً ینافس الوحوش والأنعام فی صفاتها، فیغدو لا یهمه إلا ما یهم البهائم من طعام وشراب وتناسل بل قد یصل إلی أسوأ من ذلک فتتحول وداعته وألفته إلی غلظة ووحشیة یفوق بها وحشیة الوحوش الأخری.

أمّا عدم إمکان وصف فاقد التقوی بالحی لقول أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- غرر الحکم: 2079. میزان الحکمة: ج11، ص4819، ح22414.
2- سورة المائدة، الآیة: 27.
3- نهج البلاغة: الخطبة 230. میزان الحکمة: ج11، ص4815، ح22386.
4- سورة القمر، الآیتان: 54 و55.

ص: 132

«لا حیاة إلا بالدین، ولا موت إلا بجود الیقین»(1).

وأمّا النبی صلی الله علیه وآله وسلم فیصرح بأن بعض الناس تراهم إحیاء بحسب الظاهر والمادة إلا أنهم أموات کما فی قوله علیه السلام:

«لیس من مات واستراح بمیت، إنما المیت میت الأحیاء»(2).

وهناک من اتصف بصفة الکذب التی تجانب التقوی فصار میتا بنظر الإمام علی علیه السلام وهذا ما جاء فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الکذاب والمیت سواء، فإن فضیلة الحی علی المیت الثقة به، فإذا لم یوثق بکلامه فقد بطلت حیاته»(3).

أمّا کون الإنسان الذی سلب الحیاة بسبب ترکه للتقوی لیس بإنسان بل هو حیوان فی باطنه لقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حیوان، لا یعرف باب الهدی فیتجه ولا باب العمی فیصد عنه وذلک میت الأحیاء»(4).

وأمّا انقلابه إلی بهیمة همها علفها وشرابها وتناسلها بل تحوله إلی وحش کاسر یفوق الوحوش البریة یرشد إلیه قوله تعالی:

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا)(5).


1- میزان الحکمة: ج11، ص922.
2- بحار الأنوار: ج79، ص175، ح13.
3- شرح أصول الکافی، محمد صالح المازندرانی: ج1، ص184.
4- میزان الحکمة، ج3، ص2082، ح2867
5- سورة الفرقان، الآیة: 44.

ص: 133

ولکی لا یصل الإنسان العاقل إلی هذه المرتبة الخسیسة ولکی یعیش حیاة حقیقیة ویبقی محافظاً علی خلقته وصفته الإنسانیة لابد له من التلبس بالتقوی التی هی الإیمان القلبی والعمل الصالح الذی هو روح الدین الحنیف.

وبعد التأمل فی آثار التقوی دنیویا وأخرویا أصبحت التقوی ضرورة لا غنی عنها بل هی الحیاة والسعادة والنجاة والشفاء والفلاح والحصانة والحرز والغنی والعز والشرف والأنس، وأخرویا هی الشکر والرحمة والقرب الإلهی وهی الفوز والکنز المذخور لیوم القیامة.

رفع التوهم
اشارة

عندما یعمل العبد عملاً صحیحا من حیث المقدمات والأجزاء والشروط الفقهیة یقع فی توهم أن هذا العمل سیقربه من الله تعالی ویغفل عن الشرط الذی یجعل العمل مقبولاً ومقربا من الله تعالی، ولذا نجد أن القرآن الکریم یبین بوضوح هذه الصورة فی قوله تعالی:

(وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ) (1).

فالله تعالی لا یقبل العمل إلا من المتقی الذی لا یهمه تمام العمل وصحته فحسب بل الذی یهمه قبول العمل ولذا أکد النبی صلی الله علیه وآله وسلم هذا المعنی فی وصیته لأبی ذر:

«یا أبا ذرٍّ، کُن لِلعَمَلِ بالتَّقوی أشَدَّ اهتِماماً مِنکَ بالعَمَلِ»(2).


1- سورة المائدة، الآیة: 27.
2- کنز العمال: 8501. میزان الحکمة: ج11، ص4820، ح22418.

ص: 134

وصرح أمیر المؤمنین علیه السلام أن صفتی التقی والإخلاص سر قبول الأعمال بقوله:

«صِفَتانِ لا یَقبَلُ اللهُ سبحانهُ الأعمالَ إلاّ بِهِما: التُّقی والإخلاصُ»(1).

وهناک دور آخر للتقوی ألا وهو حفظ العمل الصالح من النقصان أو الزوال وهذا ما أشار إلیه الإمام علیه السلام بقوله:

«جِدُّو واجتَهِدوا، وإن لَم تَعمَلوا فلا تَعصُوا؛ فإنَّ مَن یَبنی ولا یَهدِمُ یَرتَفِعُ بِناؤهُ وإن کانَ یَسیراً، وإنَّ مَن یَبنی ویَهدِمُ یوُشِکُ أن لا یَرتَفِعَ بِناؤهُ»(2).

بل ینظر للعمل القلیل المقبول بأنه عمل کثیر یرفع بناء العامل کما تقدم فی الحدیث، ویؤکد ذلک قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لا یَقِلُّ عَمَلٌ مَع تَقوی، وکَیفَ یَقِلُّ ما یُتَقَبَّلُ؟!»(3).

وبمعرفة هذه النکتة العلمیة یرتفع التوهم الذی یحصل لکثیر من المؤمنین لاسیما من یهمه قبول العمل ومن لا یعرف ذلک أو لا یهتم بقبول العمل فلا فائدة من عمله الصحیح وهذا ما رد به السید الخوئی قدس سره الشریف علی أحد السائلین عن الحج وقبوله

مسألة: منزلة المتقین وصفاتهم

إن للمتقین منزلة عظیمة ورتبة عالیة عند الله سبحانه وتعالی وکما أن لهم منزلة ورتبة شریفة عند أهل الدنیا، وبمجرد الوقوف علی الآیات الکریمة التی وردت لبیان منزلتهم ومقامهم یغنینا عن الشرح والإطالة وهی کما یلی:


1- غرر الحکم: 5887. میزان الحکمة: ج11، ص4821، ح22422.
2- بحار الأنوار: ج70، ص286، ح8. میزان الحکمة: ج11، ص4821، ح22424.
3- الکافی: ج2، ص75، ح5. میزان الحکمة: ج11، ص4820، ح22421.

ص: 135

1__ المتقی ولی لله تعالی کما فی قوله:

(وَمَا لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا کَانُوا أَوْلِیَاءَهُ إِنْ أَوْلِیَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لَا یَعْلَمُونَ) (1).

(وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ إِنِّی آَتِیکُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ) (2).

2__ الله تعالی ناصرهم وسندهم کما فی قوله تعالی:

(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَی عَلَیْکُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ) (3).

3__ المتقون محبوبون لله تعالی:

(بَلَی مَنْ أَوْفَی بِعَهْدِهِ وَاتَّقَی فَإِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ) (4).

4__ حسن العاقبة للمتقین کما فی قوله تعالی:

(تِلْکَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیهَا إِلَیْکَ مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ) (5).

(هَذَا ذِکْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآَبٍ) (6).

5__ بأنهم سکان الجنة کما فی قوله تعالی:


1- سورة الأنفال، الآیة: 34.
2- سورة الدخان، الآیة: 19.
3- سورة البقرة، الآیة: 194.
4- سورة آل عمران، الآیة: 76.
5- سورة هود، الآیة: 49.
6- سورة ص، الآیة: 49.

ص: 136

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ) (1).

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ) (2).

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ) (3).

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَنَعِیمٍ) (4).

6__ إنهم فی مقام أمین کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقَامٍ أَمِینٍ) (5).

7__ هم أهل الهدی کما فی قوله تعالی:

(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِی لَکُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِینَ) (6).

8__ هم أهل القرآن کما فی قوله تعالی:

(هَذَا بَیَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًی وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِینَ) (7).

9__ هم الوارثون کما فی قوله تعالی:

(قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ) (8).


1- سورة الحجر، الآیة: 45.
2- سورة الشعراء، الآیة: 90.
3- سورة الذاریات، الآیة: 15.
4- سورة الطور، الآیة: 17.
5- سورة الدخان، الآیة: 51.
6- سورة الزمر، الآیة: 57.
7- سورة آل عمران، الآیة: 138.
8- سورة الأعراف، الآیة: 128.

ص: 137

10__ هم وفد الرحمن کما فی قوله تعالی:

(یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمَنِ وَفْدًا) (1).

11__ هم أهل الصدق کما فی قوله تعالی:

(وَالَّذِی جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (2).

ولرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته المعصومین علیهم السلام وصف رائع للمتقین وبیان یأخذ شفاف القلوب القلوب وتوقظ به العقول وتقر به الأعین وتسر به النفوس:

1__ إن المتقین عباد ملکوا شهواتهم ولم یرزحوا تحت عبودیتها وعاشوا أحراراً فصارت لهم السیادة علیها وبذلوا أنفسهم وآثروا غیرهم علیها فجادوا ومن جاد ساد فلذا ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«المُتَّقونَ سادَةٌ، والفُقَهاءُ قادَةٌ، والجُلوسُ إلَیهِم عِبادَةٌ»(3).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«المُتَّقونَ سادَةٌ، العُلَماءُ والفُقَهاءُ قادَةٌ، أُخِذَ علَیهِم أداءُ مَواثِیقِ العِلمِ والجُلوسُ إلَیهِم بَرَکةٌ، والنَّظَرُ إلَیهِم نُورٌ»(4).

2__ من أخلاق المتقین قناعتهم بما رزقهم الله تعالی فاستشعروا الغنی واتصفوا به، وتجنبوا أن یعیشوا حیاة الباذخین بإسراف وترف فوق حد الضرورة، وعشرتهم ملیئة بالفوائد والبرکة والطهارة وهذا ما یؤکده الإمام الباقر علیه السلام:


1- سورة مریم، الآیة: 85.
2- سورة الزمر، الآیة: 33.
3- أمالی الطوسی: ص225، ح392. میزان الحکمة: ج11، ص4823، ح22437.
4- کنز العمال: 5653. میزان الحکمة: ج11، ص4832، ح22438.

ص: 138

«أنّ أهلَ التَّقوی هُمُ الأغنِیاءُ، أغناهُمُ القَلیلُ مِن الدُّنیا، فَمَؤونَتُهُم یَسیرَةٌ، إن نَسِیتَ الخَیرَ ذَکَّروکَ، وإن عَمِلت بهِ أعانُوکَ، أخَّرُوا شَهَواتِهِم ولَذّاتِهِم خَلفَهُم، وقَدَّمُوا طاعَةَ رَبِّهِم أمامَهُم، ونَظَروا إلی سَبیلِ الخَیرِ وإلی وَلایَةِ أحِبّاءِ اللهِ فأحِبُّوهُم، وتَولَّوهُم واتَّبَعُوهُم»(1).

3__ ورد عن الإمام الباقر علیه السلام أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یصفهم بصفات یحبها أهل الأرض وأهل السماء ویطمئن إلیهم کل من یعاشرهم لصدقهم وأمانتهم ووفائهم ولذا جاء عنه علیه السلام:

«کانَ أمیرُ المؤمنینَ علیه السلام یقولُ: إنّ لأِهلِ التَّقوی عَلاماتٍ یُعرَفونَ بِها: صِدقُ الحَدیثِ، وأداءُ الأمانَةِ، والوَفاءُ بالعَهدِ... وقِلَّةُ المُؤاتاةِ لِلنِّساءِ، وبَذلُ المَعرُوفِ، وحُسنُ الخُلقِ، وسَعَةُ الحِلمِ، واتِّباعُ العِلمِ فیما یُقَرِّبُ إلَی اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(2).

4__ لا تفارق التقوی الإخلاص فإذا اتصف أحد بها لابد من الاتصاف به، کما لا یعیش المتقی حیاة الآملین بآمال الدنیا وأمنیاتها فیؤخذ بطوی الأمل ویغفل عن الأجل، ومن صفاته النباهة والفطنة فلا تفوته فرصة خیر إلا واغتنمها شعوراً منه بقرب الأجل فلذا ذکر الإمام الباقر علیه السلام ذلک بقوله:

«لِلمُتَّقی ثَلاث عَلاماتٍ: إخلاصُ العَمَلِ، وقِصَرُ الأمَلِ، واغتِنامُ المَهَلِ»(3).

5__ وما ذکره أمیر المؤمنین علیه السلام من صفاتهم فی خطبته التی ألقاها تلبیة لرغبة أحد أصحابه الذی ألح علیه فیها وهی المشهورة باسم هذا الرجل وهو (همام) فیها الکثیر من صفاتهم الرائعة ولذا نذکر بعض المقتطفات تجنباً للإطالة:


1- بحار الأنوار: ج67، ص166، ح2. میزان الحکمة: ج11، ص4825، ح22442.
2- الخصال: ص483، ح56. میزان الحکمة: ج11، ص4825، ح22444.
3- غرر الحکم: 7370. میزان الحکمة: ج11، ص4825، ح22445.

ص: 139

«فالمُتَّقونَ فیها هُم أهلُ الفَضائلِ: مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ، ومَلبَسُهُمُ الاقتِصادُ، ومَشیُهُمُ التَّواضُعُ، غَضُّوا أبصارَهُم عَمّا حَرَّمَ علَیهِم، ووَقَفوا أسماعَهُم علَی العِلمِ النّافِعِ لَهُم، نُزِّلَت أنفُسُهُم مِنهُم فی البَلاءِ کالّتی نُزِّلَت فی الرَّخاءِ، ولَولا الأجَلُ الّذی کَتَبَ اللهُ علَیهم(1) لَم تَستَقِرَّ أرواحُهُم فی أجسادِهِم طَرفَةَ عَینٍ؛ شَوقاً إلَی الثَّوابِ، وخَوفاً مِن العِقابِ.

عَظُمَ الخالِقُ فی أنفُسِهِم فصَغُرَ ما دُونَهُ فی أعیُنِهِم، فَهُم والجَنَّةُ کَمَن قَد رَآها فَهُم فِیها مُنَعَّمونَ، وهُم والنّارُ کَمَن قَد رَآها فَهُم فِیها مُعّذَّبونَ، قُلوبُهُم مَحزونَةً، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ، وأجسادُهُم نَحیفَةٌ، وحاجاتُهُم خَفیفَةٌ، وأنفُسُهُم عَفیفَةٌ، صَبَروا أیّاماً قَصیرَةً أعقَبَتهُم راحَةً طَویلَةً، تِجارَةٌ مَربِحَةٌ یَسَّرَها لَهُم رَبُّهم، أرادَتهُمُ الدُّنیا فَلم یُریدوها، وأسَرَتهُم فَفَدَوا أنفُسَهُم مِنها.

فمِن عَلامَةِ أحَدِهِم أنَّکَ تَری لَهُ قُوَّةً فی دِینٍ، وحَزماً فی لِینٍ، وإیماناً فی یَقینٍ، وحِرصاً فی عِلمٍ، وعِلماً فی حِلمٍ، وقَصداً فی غِنی، وخُشوعاً فی عِبادَةٍ، وتَجَمُّلاً فی فاقَةٍ، وصَبراً فی شِدَّةٍ، وطَلَباً فی حَلالٍ، ونَشاطاً فی هُدیً، وتَحَرُّجاً عَن طَمَعٍ، یَعمَلُ الأعمالَ الصّالِحَةَ وهُو علی وَجَلٍ، یُمسی وَهَمُّهُ الشُّکرُ، ویُصبِحُ وَهَمُّهُ الذِّکرُ، یَبِیتُ حَذِراً، ویُصبِحُ فَرِحاً؛ حَذِراً لِما حُذِّرَ مِن الغَفلَةِ، وفَرِحاً بما أصابَ مِن الفَضلِ والرَّحمَةِ»(2).

الطرق الموصلة إلی التقوی

هذه الرتبة العالیة الشریفة التی یطمع فیها کل العقلاء لن ینالها أحد إلا من خلال التمسک بمنهجیة مرسومة من قبل الشارع المقدس ولذا نری أن نبوّب هذه الطرق لتسهل معرفتها والأخذ بها:


1- ورد فی نهج البلاغة: الذی کُتب لهم.
2- میزان الحکمة: ج11، ص4826 __ 4827.

ص: 140

1__ الالتزام بالاستقامة فی کل مفردات الحیاة قولاً وعملاً والابتعاد عن الأفکار والطرق المنحرفة التی تبتعد بصاحبها عن القرب الإلهی وعن رتبة المتقین وهذا ما نلمسه فی قوله تعالی:

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِیلِهِ ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ) (1).

2__ التمسک بالدین الإسلامی الحنیف والتلبس بواجباته والانتهاء عن نواهیه فلذا ورد فی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«التَّقوی ثَمَرَةُ الدِّینِ، وأمارَةُ الیَقینِ»(2).

3__ أن یصوم صوماً حقیقیا، ویبتعد عن کل ما یفسد الصوم سواء کان علی مستوی الجوارح أو الابتعاد عن المفطرات الفقهیة وهذا ما تریده الآیة الشریفة کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ)(3).

4__ أن یحتاط العبد من الوقوع فی الشبهات فضلاً عن الحرام الصریح والباطل الواضح وهذا ما أرشدنا إلیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«إنَّ المُتَّقینَ الّذینَ یَتَّقونَ اللهَ مِن الشّیءِ الّذی لا یُتَّقی مِنهُ خَوفاً مِن الدُّخولِ فی الشُّبهَةِ»(4).


1- سورة الأنعام، الآیة: 153.
2- غرر الحکم: 1714. میزان الحکمة: ج11، ص4828، ح22447.
3- سورة البقرة، الآیة: 183.
4- تنبیه الخواطر: ج2، ص62. میزان الحکمة: ج11، ص4829، ح22449.

ص: 141

5__ لابد للعبد الذی یطمع أن یکون من المتقین أن یحاسب ویراقب نفسه ویتأکد من حلیة ضروریاته، وهو الذی صرح به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصیّته لأبی ذر:

«یا أبا ذرٍّ، لا یکونُ الرّجُلُ مِن المُتَّقینَ حتّی یُحاسِبَ نفسَهُ أشَدَّ مِن مُحاسَبَةِ الشَّریکِ لِشَریکِهِ، فیَعلَمَ مِن أینَ مَطعَمُهُ، ومِن أینَ مَشرَبُهُ، ومِن أینَ مَلبَسُهُ؟ أمِن حِلٍّ ذلکَ، أم مِن حَرامٍ؟»(1).

ما یمنع التقوی

کما أن للتقوی وسائلا یصل بها الإنسان إلی رتبة المتقین التی هی رتبة الأنبیاء والأولیاء والعباد الصالحین کذلک هناک ما یمنع الاتصاف بهذه الصفة وما یحول بین المرء وبین هذه الرتبة ونذکرها علی النحو الآتی:

1__ إذا انغمس الإنسان فی زخرف الدنیا وانبهر بزبرجدها یتعلق قلبه بها ویعشقها إلی درجة الوله، فیستولی علیه حب الدنیا فیغلق الباب بوجه التقوی فلا تستطیع الدخول إلی هذا القلب المغرور فضلاً عن الاستقرار فیه، وهذا یتضح من قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«حَرامٌ علی کُلِّ قَلبٍ مُتَوَلِّهٍ بالدُّنیا أن تَسکُنَهُ التَّقوی»(2).

2__ لا ینسجم بل لا یصح أن یکون المتقی طامعاً بما فی أیدی الناس من حطام الدنیا وقذارتها، ولا یکون المتقی خالیا من الحیاء فلذا قال الإمام العسکری علیه السلام:

«مَن لَم یَتَّقِ وُجوهَ النّاسِ لَم یَتَّقِ اللهَ»(3).


1- کنز العمال: 8501. میزان الحکمة: ج11، ص4829، ح22450.
2- غرر الحکم: 4904. میزان الحکمة: ج11، ص4829، ح22453.
3- بحار الأنوار: ج78، ص377، ح3. میزان الحکمة: ج11، ص4829، ح22454.

ص: 142

3__ إذا أراد العبد أن یتصف بالتقوی وأن یلمس آثارها وفوائدها لابد له من حفظ لسانه عما حرم الله تعالی، ولأهمیة هذا الشرط نجد الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یقسم بالله تعالی فیقول:

«واللهِ، ما أری عَبداً یَتَّقی تَقویً تَنفَعُهُ حتّی یَخزِنَ لِسانَهُ»(1).

4__ هناک إحدی الصفات الذمیمة التی لا تلیق بالمؤمن، بل قد تبعده عن طاعة الله تعالی حذر منها الإمام المعصوم بقوله:

«ولا یَستَطیعُ أن یَتَّقِیَ اللهَ مَن خاصَمَ»(2).

أسئلة مهمة

نعلم أن الصفات الحسنة والفضائل الکریمة لها درجات متفاوتة بحسب من یتصف بها، فلذا نجد أن من الناس من له رتبة المتقین إلا أنه لا یمکن أن یکون فی رتبة إمام المتقین علیه السلام ولذا نری من المهم أن نطرح هذه الأسئلة لکی نجیب علیها بأجوبة أهل بیت العصمة علیهم السلام.

السؤال: ما هو معنی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(3).

فکیف نتقی الله حق تقاته؟

الجواب: ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ: أن یُطاعَ فلا یُعصی، وأن یُذکَرَ فلا یُنسی»(4).


1- نهج البلاغة: الخطة 176. میزان الحکمة: ج11، ص4830، ح22455.
2- نهج البلاغة: الخطبة 298. میزان الحکمة: ج11، ص4830، ح22456.
3- سورة آل عمران، الآیة: 102.
4- الدرّ المنثور: ج2، ص282. میزان الحکمة: ج11، ص4830، ح22457.

ص: 143

وقد أضاف الإمام الصادق علیه السلام علی قول جده صلی الله علیه وآله وسلم (ویُشکر فلا یُکفر).

ولکی نقف علی نوع هذه التقوی نعرض هذه الأحادیث الشریفة لتبین لنا کیفیتها وهی کما روی علیه السلام:

«اتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَقِیَّةَ ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفکُّرَ قَلبَهُ، وأنصَبَ الخَوفُ بَدَنَهُ، وأسهَرَ التَّهَجُّدُ غِرارَ نَومِهِ، وأظمَأَ الرَّجاءُ هَواجِزَ یَومِهِ، وظَلَفَ الزُّهدُ شَهَواتِهِ»(1).

وقال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«اتَّقُوا الله َ عِبادَ اللهِ تَقِیَّةَ مَن شَغَلَ بِالفِکرِ قَلبَهُ، وأوجَفَ الذِّکرَ بِلسانِهِ، وقَدَّمَ الخَوفَ لأمانِهِ»(2).

السؤال: ما هو تفسیر التقوی فی نظر أهل البیت علیهم السلام؟

الجواب:

التقوی أن تجتنب الحرام وتعصم نفسک من الوقوع فیه وهذا ظاهر فی قولهم علیهم السلام:

«التَّقوی اجتِنابُ»(3).

«بالتَّقوی قُرِنَتِ العِصمَةُ»(4).

«التَّقوی أن یَتَّقِیَ المَرءُ کُلَّ ما یُؤثِمُهُ»(5).


1- نهج البلاغة: الخطبة 83. میزان الحکمة: ج11، ص4831، ح22464.
2- غرر الحکم: 6600. میزان الحکمة: ج11، ص4831، ح22467.
3- غرر الحکم: 188. میزان الحکمة: ج11، ص4831، ح22468.
4- غرر الحکم: 4316. میزان الحکمة: ج11، ص4831، ح22469.
5- غرر الحکم: 1871. میزان الحکمة: ج11، ص4832، ح22471.

ص: 144

بحث أخلاقی
النصیحة علامة المحب

إذا أحب الإنسان غیره لابد أن یکون ناصحا معه أو له لکی یؤکد حبه له وإلاّ یلزم من خلاف ذلک عدم صدق المدعی، فلذا خاطب القرآن الکریم الناس بلسان أحد أنبیاء الله تعالی بأنه من الناصحین لهم لما جاء لهم من رسالات الله تعالی التی تقودهم إلی کمالهم ومصالحهم وهذا ما صرح به القرآن الکریم فی قوله تعالی:

(أُبَلِّغُکُمْ رِسَالَاتِ رَبِّی وَأَنْصَحُ لَکُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (1).

(أُبَلِّغُکُمْ رِسَالَاتِ رَبِّی وَأَنَا لَکُمْ نَاصِحٌ أَمِینٌ) (2).

ولابد لنا من الوقوف علی معنی النصیحة لکی یتسنی لنا معرفة أهمیتها فنقول:

النصیحة لغة: هی الخالص من العمل، ناصح مناصحة (نصح نفسه بالتوبة: أخلصها، نصح الشیء نصحاً: خلص.

النصیحة اصطلاحاً: أن تخلص الإرشاد من یستحقه.

ولکی لا یلتبس المعنی علی البعض عندما یقرأ (نصح لله، النصیحة لله ولرسوله .... الخ) فنقول:

المراد هنا نصح معه: أی أخلص معه فی طاعته وانقیاده وامتثال أوامره والانتهاء عن نواهیه.

وأمّا النصیحة للمسلمین هی الإخلاص فی الإرشاد أو فی التعامل معهم.

فإذا وزنا سلوک الإنسان مع ربه ومع أخیه المؤمن نجد أن هذا الإخلاص فی فعله


1- سورة الأعراف، الآیة: 62.
2- سورة الأعراف، الآیة: 68.

ص: 145

وقوله ما هو إلا دلالة علی حبه لربه أو لأخیه، فمن کان محباً کان ناصحاً ومن کان ناصحاً کان محباً ولذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ما أخلَصَ المَوَدَّة مَن لَم یَنصَحْ»(1).

وإذا أراد الإنسان أن ینال محبة الطرف الآخر فما علیه إلا أن یکون ناصحاً له فی کل ما تصح فیه النصیحة، وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«النَّصیحَةُ تُثمِرُ الوُدِّ»(2).

النصیحة لمن؟

بعد أن عرفنا النصیحة وعرفنا دلالاتها علی المحبة، بل وتثمر المحبة أیضا، صار لابد من معرفة من له الحق علینا فی النصیحة، وهذا ما سنقدمه فی العرض الآتی:

1__ النصیحة لله تعالی:

قلنا إن النصیحة لله تعالی هی الإخلاص له فی الطاعة والانقیاد، وإتیان ما یحب واجتناب ما یکره، وهذه النصیحة لا تعود علی الله تعالی بالنفع والفائدة لغناه عن طاعة من أطاعه، إلا أننا نجد أن الله تعالی یؤکد علی هذه النصیحة بل یجعلها من أحب العبادات إلیه تعالی کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أحَبُّ مَا تَعَبَّدَ لی بِهِ عَبدی، النُّصحُ لی»(3).

وما هذا التأکید إلا لکی ینتفع العبد الناصح بذلک فإن دل علی شیء فإنما یدل علی لطف الله تعالی ورحمته بعباده.


1- مستدرک الوسائل، المیرزا النوری: ج12، ص433، ح14540. میزان الحکمة: ج10، ص4323، ح20137. غرر الحکم: ح9580.
2- غرر الحکم: 844. میزان الحکمة: ج10، ص4323، ح20143.
3- الترغیب والترهیب: ج2، ص577، ح16. میزان الحکمة: ج10، ص4322، ح20131.

ص: 146

2__ النصیحة لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم:

ومعنی النصیحة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الالتزام بشریعته بعد الإیمان به والتصدیق بما جاء به من عند الله العظیم، والحفاظ علی دینه والدفاع عن بیضة هذا الدین، والمودة والمولاة لآله الطاهرین علیهم السلام والسیر بهداهم، وهذا ما أشار إلیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن یَضْمَنُ لی خَمساً أضمَن لَهُ الجَنَّةَ: النَّصیحَة للهِ عَزَّ وجَلَّ، والنَّصیحَة لرَسولِهِ، والنَّصیحَةُ لِکتابِ اللهِ، والنَّصیحَةُ لدِینِ اللهِ، والنَّصیحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمینَ»(1).

3__ النصیحة لکتاب الله تعالی:

وهذا یتجسد فی تلاوته والالتزام بأحکامه وعدم هجره تلاوة وعملا، والتدبر فیه والتبرک بالنظر إلیه، وتطهیر الألسن والنفوس بآیاته وعبره وحکمه وأمثاله وقصصه.

وهذا أیضا ورد فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«والنَّصیحَةُ لِکتابِ اللهِ، والنَّصیحَةُ لدِینِ اللهِ، والنَّصیحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمینَ»(2).

4__ النصیحة للإمام بالحق:

التولی للإمام ولأولیائه والتبری من أعدائه، والاقتداء بهدیه وسمته، والإقرار بحجته والدفاع عنه والاستشهاد بین یدیه إذا استلزم الأمر ذلک هو عین النصیحة له، ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن لا یَهتَمَّ بأمرِ المُسلِمینَ فلَیسَ مِنهُم، ومَن لَم یُصبِحْ ویُمسِ ناصِحاً للهِ ولرَسولِهِ ولکِتابِهِ ولإمامِه ولعامَّةِ المسلِمینَ فلَیسَ مِنهُم»(3).


1- مشکاة الأنوار: ص310.
2- میزان الحکمة: ج10، ص4322، ح20135.
3- الترغیب والترهیب: ج2، ص577، ح17. میزان الحکمة: ج10، ص4322، ح20132.

ص: 147

5__ النصیحة لعامة المسلمین:

مؤازرتهم ومعاونتهم وإرشادهم ومعاشرتهم بالمعروف والاهتمام بأمرهم والدفاع عن مظلومهم هو ما أرشد إلیه الحدیث الوارد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«والنَّصیحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمینَ».

فوائد
اشارة

إذا وجدت فی شخص بعض هذه الصفات التی سنذکرها الآن فخذ بنصیحته إذا قدمها إلیک وهی:

ألف: إذا أراد أن یحکم بین طرفین لا یحکم إلا بالحق دون أن یتأثر بنسب أو مال أو رابطة معینة کالدیانة أو المذهبیة أو الوطنیة.

باء: إذا کان لغیره علیه حقٌ لا یتوانی فی إعطائه من نفسه.

جیم: لا یرضی لنفسه شیئا دون غیره ولا یرضی لغیره إلا ما یرضاه لنفسه.

دال: لا یبغی ولا یظلم ولا یتجاوز حدود الله تعالی.

هذه الصفات ذکرها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أمّا علامَةُ النّاصِحِ فأربَعةٌ: یَقضی بالحَقِّ، ویُعطی الحَقِّ، ویُعطی الحَقَّ مِن نَفسِهِ، ویَرضی للنّاسِ ما یَرضاهُ لنَفسِهِ، ولا یَعتدی علی أحَدٍ»(1).

__ لا تنتظر من البخیل اللئیم والحاسد البغیض نصیحة ولا تعاتبهم علی ذلک لعدم فائدة العتاب معهم، فإن هذین الصنفین من الناس لا یحرکهما إلا الطمع أو الخوف وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:


1- تحف العقول: ص20. میزان الحکمة: ج10، ص4324، ح20155.

ص: 148

«لاَ یَنصَحُ اللَّئیمُ أحَداً إلاّ عن رَغبَةٍ أو رَهبَةٍ، فإذا زالَتِ الرَّغبَةُ والرَّهبَةُ عادَ إلی جَوهَرِهِ»(1).

وأشار إلی الصنف الثانی (الحاسد) إمامنا الصادق علیه السلام بقوله:

«النَّصیحَةُ مِن الحاسِدِ مُحالٌ»(2).

__ قد یتلبس بعض السعادة النمامین والمفرقین بین الناس بلباس الناصحین وهم أکثر الناس غشاً فاحذرهم وهذا هو معنی قول أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتابه وعهده لمالک الأشتر رضی الله عنه فجاء:

«ولا تَعجَلَنَّ إلی تَصدیقِ ساعٍ، فإنَّ السّاعیَ غاشٌّ وإن تَشَبَّهَ بالنّاصِحینَ»(3).

__ لا تنسی نفسک

تقدم الکلام أن النصیحة الحقة التی لا غش فیها ولا تلکأ ولا غایة فاسدة هی ما کانت لله تعالی ولرسوله ولکتابه وللإمام الحق ولعامة المسلمین، ولکی تصدر النصیحة من العبد لما ذکرنا لابد أن یکون صاحب النصیحة ذا نفس مؤمنة مطیعة منقادة لله تعالی ولرسوله وهذا لا یتم إلا من رجل ینصح نفسه قبل غیره کما صرح بذلک أمیر المؤمنین بقوله:

«مَن نَصَحَ نَفسَهُ کانَ جَدیراً بِنُصحِ غَیرِهِ، مَن غَشَّ نَفسَهُ کانَ أغَشَّ لِغَیرِهِ»(4).

ولکی یتضح هذا الترابط بین النصیحة وبین العبد المطیع لربه نذکر قول الإمام


1- غرر الحکم: ص10910. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20158.
2- بحار الأنوار: ج78، ص194، ح9. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20157.
3- نهج البلاغة: الکتاب 31. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20161.
4- غرر الحکم: 9043، 9044. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20165.

ص: 149

أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنّ أنصَحَ النّاسِ أنصَحُهُم لِنَفسِهِ، وأطوَعُهُم لِرَبِّهِ»(1).

فمن أراد أن یکون ناصحاً لنفسه لابد أن یکون من المطیعین، فالمطیع هو الناصح الحقیقی والعاصی هو الغاش لنفسه کما ورد فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنّ أنصَحَ النّاسِ لِنَفسِهِ أطوَعُهُم لِرَبِّهِ، وإنّ أغَشَّهُم لِنفسِهِ أعصاهُم لِرَبِّهِ»(2).

ومن کان ناصحاً لله تعالی ولرسوله ولنفسه رزقه الله تعالی القناعة والرضا بما ناله من هذه الدنیا الفانیة، ورزقه فی الآخرة برضوان ینجیه من عذابها ولذا ذکر الإمام الصادق علیه السلام قوله هذا:

«ما ناصَحَ اللهَ عبدٌ مُسلِمٌ فی نَفسِهِ، فأعطَی الحَقَّ مِنها وأخَذَ الحَقَّ لَها، إلاّ أُعطِیَ خَصلَتَینِ: رِزقاً مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ یَقنَعُ بهِ ورِضیً عنِ اللهِ یُنجیهِ»(3).

__ أسئلة مهمة

السؤال: من هو الذی لا ینتفع بالنصیحة؟

الجواب: ذکر الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أصنافاً من الناس لا تهمهم النصیحة ولا ینتفعوا بها:

ألف: الفاسد الذی یلتذ بفضیحته ولا یهتم بما قیل فیه وهذا ما أشار إلیه الإمام علیه السلام بقوله:

«کیفَ یَنتَفِعُ بالنَّصیحَةِ مَن یَلتَذُّ بالفَضیحَةِ»(4).


1- غرر الحکم: 3515. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20162.
2- نهج البلاغة: الخطبة 86. میزان الحکمة: ج10، ص4325، ح20163.
3- الخصال: 46 __ 47. میزان الحکمة: ج10، ص4325 __ 4326، ح20166.
4- غرر الحکم: 7008. میزان الحکمة: ج10، ص4326، ح20169.

ص: 150

باء: من لا عقد له سواء کان مجنوناً أو أحمقَ أو جاهلاً جهلا مرکبا، فلذا قال الإمام السجاد علیه السلام عن الأحمق الذی لا یهتم بالنصیحة:

«إن تکلم فضحه حمقه، وإن سکت قصر به عیه، وإن عمل أفسد، وان استرعی أضاع، لأعلمه من نفسه یغنیه، ولا علم غیره ینفعه، ولا یطیع ناصحه، ولا یستریح مقارنه، تود أمه أنها ثکلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجلیسه الوحدة من مجالسته، إن کان أصغر من فی المجلس أعی من فوقه، وإن کان أکبرهم أفسد من دونه»(1).

وتکلم الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یصف الجاهل بالجهل المرکب الذی لا یقبل قولاً ولا موعظة ولا نصیحة فقال:

«إن الجاهل من عدّ نفسه بما جهل من معرفة العلم عالماً وبرأیه مکتفیا فما یزال من العلماء مباعداً وعلیهم زاریا ولمن خالفه مخطّئاً ولمن لم یعرف من الأمور مضلّلاً وإذا ورد علیه من الأمر ما لا یعرفه أنکره وکذّب به وقال بجهالته: ما أعرف هذا، وما أراه کان، وما أظن أن یکون، وإنی کان، ولا أعرف ذلک لثقته برأیه وقلّة معرفته بجهالته»(2).

السؤال: ممن نأخذ النصیحة؟

الجواب: نصحنا الإمام علیه السلام أن نأخذها مما یلی:

ألف: إن أفضل ناصح وأکمل نصیحة هی نصیحة الله تعالی لعبده فلذا قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أیُّها النّاسُ، إنَّهُ مَنِ استَنصَحَ اللهَ وُفِّقَ»(3).


1- الأمالی للشیخ الطوسی: ص614، ح1268/4.
2- الآداب والأخلاق الإسلامی لعبد الله الهاشمی: ص695.
3- نهج البلاغة: الخطبة 147. میزان الحکمة: ج10، ص4326، ح20172.

ص: 151

باء: وأن کتاب الله تعالی القرآن الکریم هو خیر ناصح لا یغش ویظل وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«اتّعِظوا بمَواعِظِ اللهِ، واقبَلوا نَصیحَةَ اللهِ... واعلَموا أنّ هذا القرآنَ هُو النّاصِحُ الّذی لا یَغُشُّ... واستَنصِحوه علی أنفُسِکُم، واتَّهِموا علَیهِ آراءکُم، واستَغِشُّوا فیهِ أهواءکُم»(1).

جیم: هناک من یمنّ علینا بمبادرة منه فیهب لنا نصیحته لنتدبرها بعقولنا ثم نعمل بها بعد التأکد من صوابها وهذا ما أشار إلیه مولی المتقین علیه السلام بقوله:

«اِسمَعوا النَّصیحَةَ مِمَّن أهداها إلَیکُم، واعقِلوها علی أنفُسِکُم»(2).

ورد أیضا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أن:

«لا تأخذ النصیحة ممن لا عقل له ولا أصل.... الخ».

السؤال: ما هی آثار قبول النصیحة أو عدم قبولها؟

الجواب: ألف/ إن لقبول النصیحة آثارا جمیلة أوردها أمیر المؤمنین علیه السلام بالأحادیث الآتیة:

1__ قال الإمام علی علیه السلام:

«مَن نَصَحَکَ فَقَد أنجَدکَ»(3).

2__ وعنه علیه السلام:

«مَن قَبِلَ النَّصیحَةَ أمِنَ مِن الفَضیحَةِ»(4).


1- نهج البلاغة: الخطبة 176. میزان الحکمة: ج10، ص4326، ح20171.
2- غرر الحکم: 2494. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20174.
3- غرر الحکم: 7767. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20181.
4- غرر الحکم: 8344. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20182.

ص: 152

3__ وعنه علیه السلام:

«مِن أکبَرِ التَّوفیقِ الأخذُ بالنَّصیحَةِ»(1).

4__ وعنه علیه السلام:

«مَن أقبَلَ علّی النَّصیحِ أعرَضَ عنِ القَبیحِ، مَنِ استَغَشَّ النَّصیحَ غَشِیَةُ القَبیحُ»(2).

__ وقفة وتأمل

لنتأمل فی هذه الدرر التی فاض بها علینا سید الأوصیاء علیه السلام فنجده یؤکد علی قبول نصیحة الناصح لما فیها من نجاة وخلاص من براثن الشیطان وعثرات النفس، ولما فیها من دفع للفضیحة بین الناس التی ستلحق الضرر الکبیر بسمعتنا ومنزلتنا فی الدنیا وتحجب عنا رضا ربنا ورضوانه فی الآخرة.

باء/ ومن ترک التمسک بالنصیحة ظل وهوی، وأدخل السرور علی أعدائه والحزن علی أحبائه، فلذا قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَن خالَفَ النُّصحَ هَلَکَ»(3).

وعنه علیه السلام:

«مَن عَصی نَصیحَهُ نَصَرَ ضِدَّهُ»(4).

وعنه علیه السلام:

«مَن أعرَضَ عَن نَصیحَةِ النّاصِحِ أُحرِقَ بِمَکیدَةِ الکاشِحِ»(5).


1- غرر الحکم: 9305. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20183.
2- غرر الحکم: 8683. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20185.
3- غرر الحکم: 7743. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20179.
4- غرر الحکم: 8355. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20180.
5- غرر الحکم: 8697. میزان الحکمة: ج10، ص4327، ح20186.

ص: 153

بحث عقائدی
الحیاة البرزخیة

بعد أن أوصی الإمام الحسین علیه السلام بالتقوی وحذر الناس من أیام الله تعالی نحا بخطبته علی بیان نزول ریب المنون ومرارته واستیلائه علی مهج القلوب ووقوفه حاجبا بین العمل وبین صاحبه فینقطع العبد عن الدنیا لیبدأ یومه الأول فی آخرته فیأخذ بقوانین النشأة الأخری، وأدلی مراحل هذه النشأة هی الحیاة البرزخیة.

قبل أن نخوض فی تفصیلات هذه الحیاة لابد لنا من معرفة البرزخ لغة واصطلاحاً.

البرزخ فی اللغة: الحاجز بین شیئین(1).

البرزخ فی الاصطلاح: جاء عن الجرجانی(2)، البرزخ: هو العالم المشهور بین عالم المعانی المجردة والأجسام المادیة، وعرفه أهل البیت علیهم السلام بأنه أمر بین أمرین کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

ورد فی تفسیر نور الثقلین عن علی بن إبراهیم: البَرْزَخُ هُو أمرٌ بَینَ أمرَینِ، وهُو الثَّوابُ والعِقابُ بین الدُّنیا والآخِرَةِ، وهُو قولُ الصّادقِ علیه السلام:

«واللهِ، ما أخافُ علَیکُم إلاّ البَرزَخَ»(3).

وحدده الإمام الصادق علیه السلام بکلام صریح بقوله:

«والله، أتَخَوَّفُ علَیکُم فی البَرزَخِ!

قلتُ: وما البَرْزخُ؟ فقالَ:

القَبرُ، مُنذُ حینِ مَوتِهِ إلی یومِ القیامةِ».


1- المعجم الوسیط: ص49.
2- التعریفات للجرجانی: ص31.
3- تفسیر نور الثقلین: ج3، ص553، ح120. میزان الحکمة: ج1، ص336، ح1681.

ص: 154

أحوال البرزخ

تقدم الحدیث أن البرزخ هو ما سیکون علیه العبد فی القبر الذی یضمه منذ موته إلی حین نشوره وقیامته، فإذا نزل العبد فی ذلک المکان الموحش المظلم الضیق انقطع عن عالم الدنیا وما فیها من الأحبة والأموال والمناصب والعناوین الوقتیة والجاه العریض، فیصرح دون أن یسمعه أحد، وینادی فلا یجیبه مجیب، فتبدأ أحوال القبر من ضمة القبر إذ إن القبر یضم صاحبه إذا کان عاصیا ضمة فتتلاقی أضلاعه کما ورد ذلک فی الروایات الشریفة فلقد جاء فی کتاب الأمالی للشیخ الصدوق عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«أتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقیل له: إن سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقام أصحابه معه.

فأمر بغسل سعد وهو قائم علی عضادة الباب، فلما أن حنط وکفن وحمل علی سریره تبعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بلا حذاء ولا رداء.

ثم کان یأخذ یمنة السریر مرة ویسرة السریر مرة حتی انتهی به إلی القبر، فنزل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی لحده وسوی اللبن علیه، وجعل یقول: ناولونی حجراً، ناولونی تراباً رطباً یسد به ما بین اللبن.

فلما أن فرغ وحثا التراب علیه وسوی قبره، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إنی لأعلم أنه سیبلی ویصل البلی إلیه؛ ولکن الله یحب عبداً إذا عمل عملا أحکمه، فلما أن سوی التربة علیه قالت أم سعد: یا سعد هنیئاً لک الجنة، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: یا أم سعد! مه، لا تجزمی علی ربک، فإن سعداً قد أصابته ضمة.

قال: فرجع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورجع الناس؛ فقالوا له: یا رسول الله

ص: 155

لقد رأیناک صنعت علی سعد ما لم تصنعه علی أحد، إنک تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء، فقال صلی الله علیه وآله وسلم إن الملائکة کانت بلا رداء ولا حذاء فتأسیت بها.

فقالوا: وکنت تأخذ یمنة السریر مرة ویسرة السریر مرة، قال: کانت یدی فی ید جبرئیل آخذ حیث یأخذ، قالوا: أمرت بغسله وصلیت علی جنازته ولحدته فی قبره ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمة! قال: فقال صلی الله علیه وآله وسلم: نعم إنه کان فی خلقه مع أهله سوء»(1).

فإن هذه الضمة التی تصیب المیت هی تطهیر له لکی یخرج إلی القیامة نظیفا من بعض الذنوب کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام، عن علی علیه السلام قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ضغطة القبر للمؤمن کفارة لما کان من تضییع النعم»(2).

ثم یلی ضمة القبر سؤال منکر ونکیر فیسألان العبد أسئلة عدیدة فیکون بعدها إمّا فائزا أو هو من الخاسرین نتیجة لأجوبته  وهذا ما ذکره لنا صاحب الأمالی فقال:

عن موسی بن جعفر، عن أبیه علیهما السلام قال:

«إذا مات المؤمن شیعه سبعون ألف ملک إلی قبره، فإذا أدخل قبره أتاه منکر ونکیر فیقعدانه ویقولان له: من ربک؟ وما دینک؟ ومن نبیک؟ فیقول: ربی الله، ومحمد نبیی، والإسلام دینی، فیفسحان له فی قبره مد بصره، ویأتیانه بالطعام من الجنة، ویدخلان علیه الروح والریحان، وذلک قوله عزّ وجل: 


1- تسلیة الفؤاد فی بیان الموت والمعاد، السید عبد الله شبر: ص85 __ 86.
2- تسلیة الفؤاد لعبد الله شبر: ص86.

ص: 156

(فَأَمَّا إِنْ کَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ (88) فَرَوْحٌ وَرَیْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِیمٍ) (1).

یعنی فی قبره.

(وَجَنَّةُ نَعِیمٍ) (2).

یعنی فی الآخرة.

ثم قال علیه السلام:

إذا مات الکافر شیعه سبعون ألفاً من الزبانیة إلی قبره، وإنه لیناشد حاملیه بصوت یسمعه کل شیء إلا الثقلان ویقول: لو أن لی کرة فأکون من المؤمنین، ویقول: ارجعون لعلی أعمل صالحاً فیما ترکت، فتجیبه الزبانیة: کلا إنها کلمة أنت قائلها، وینادیهم ملک: لو رد لعاد لما نهی عنه، فإذا أدخل قبره وفارقه الناس أتاه منکر ونکیر فی أهول صورة؛ فیقیمانه ثم یقولان له: من ربک؟ وما دینک؟ ومن نبیک؟ فیتلجلج لسانه ولا یقدر علی الجواب، فیضربانه ضربة من عذاب الله یذعر لها کل شیء، ثم یقولان له:

من ربک؟ وما دینک؟ ومن نبیک؟ فیقول: لا أدری، فیقولان له: لا دریت ولا هدیت ولا أفلحت، ثم یفتحان له باباً إلی النار وینزلان إلیه الحمیم من جهنم وذلک قول الله عزّ وجل:

(وَأَمَّا إِنْ کَانَ مِنَ الْمُکَذِّبِینَ الضَّالِّینَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِیمٍ) (3).

یعنی فی القبر.

(وَتَصْلِیَةُ جَحِیمٍ) (4).


1- سورة الواقعة، الآیتان: 88 و89.
2- سورة الواقعة، الآیة: 89.
3- سورة الواقعة، الآیتان: 92 و93.
4- سورة الواقعة، الآیة: 94.

ص: 157

یعنی فی الآخرة»(1).

هذه الحالة التی یمر فیها المیت هی مرحلة سابقة لمرحلة البرزخ، أی عندما یودّع الإنسان هذه الدنیا وینتقل إلی عالم الآخرة یکون فی یومه الآخر من أیام الدنیا والأول من أیام الآخرة فیتجسم له ما کان مهتما به أشد الاهتمام ألا وهو المال والأولاد والعمل فعندها تحصل المحاورة التی تزلزل القلوب وتدمع العیون ویطیر لها اللب، وهذا ما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی الکافی مسنداً عن سوید بن غفلة قال: قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه:

«إن ابن آدم إذا کان فی آخر یوم من أیام الدنیا وأول یوم من أیام الآخرة مثل له ماله وولده وعمله فیلتفت إلی ماله فیقول: والله إنی کنت علیک حریصاً شحیحاً فما لی عندک؟ فیقول: خذ منی کفنک.

قال: فیلتفت إلی ولده فیقول: والله إنی کنت لکم محباً وإنی کنت علیکم محامیاً فماذا لی عندکم؟ فیقولون: نؤدیک إلی حفرتک نواریک فیها.

قال: فیلتفت إلی عمله فیقول: والله إنی کنت فیک لزاهداً وإن کنت علی لثقیلا فماذا لی عندک، فیقول: أنا قرینک فی قبرک ویوم نشرک حتی أعرض أنا وأنت علی ربک.

قال: فإن کان لله ولیاً أتاه أطیب الناس ریحاً وأحسنهم منظراً وأحسنهم ریاشاً، فقال: أبشر بروح وریحان وجنة نعیم ومقدمک خیر مقدم، فیقول له: من أنت؟ فیقول: أنا عملک الصالح ارتحل من الدنیا إلی الجنة وإنه لیعرف غاسله ویناشد حامله أن یعجله»(2).


1- أمالی الصدوق: ص174. تسلیة الفؤاد، لعبد الله شبر: ص87 __ 88.
2- الکافی: ج3، ص231. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص89 __ 90.

ص: 158

ففی هذه الروایة یکون العمل مجملا لصاحبه.

وهناک ما یدل علی تجسم الأعمال تفصیلیا، أی أن الصلاة تتجسم بصورة والصوم بصورة أخری والزکاة بصورة ثالثة وهکذا فلذا ذکر فی المحاسن عن أبی بصیر عن أحدهما علیهما السلام قال:

«إذا مات العبد المؤمن دخلت معه فی قبره ست صور، فیهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هیئة، وأطیبهن ریحاً وأنظفهن صورة، قال: فتقف صورة عن یمینه وأخری عن یساره وأخری بین یدیه وأخری خلفه وأخری عند رجله، وتقف التی هی أحسنهن فوق رأسه، فإن أتی عن یمینه منعته التی عن یمینه، ثم کذلک إلی أن یؤتی من الجهات الست، قال: فتقول أحسنهن صورة: من أنتم جزاکم الله عنی خیراً؟ فتقول التی عن یمین العبد: أنا الصلاة، وتقول التی عن یساره، أنا الزکاة، وتقول التی بین یدیه: أنا الصیام وتقول التی خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التی عند رجلیه: أنا بر من وصلت من إخوانک، ثم یقلن: من أنت، فأنت أحسننا وجهاً وأطیبنا ریحاً وأبهانا هیئة؟ فتقول: أنا الولایة لآل محمد صلوات الله علیهم أجمعین»(1).

عندما تقرأ الروایات التی تتحدث عن أحوال البرزخ تقف مذهولا فهناک روایة تشیر إلی أن المؤمن مهما بلغ إیمانه ودرجته لابد له من ضمة القبر لمعصیة لم یتب منها وهذا ما حصل لسعد بن معاذ کما جاء فی الروایة السابقة الذکر ففی هذه الروایة نجد أن سعداً شیعته الملائکة وعلی رأسهم جبرئیل علیه السلام وحمله سید الکائنات صلی الله علیه وآله وسلم علی عاتقه الشریف وتولی أمر تنزیله فی القبر ووضعه فی محلودة قبره وسوی علیه التراب بیده الشریفة إلا أنه لم ینجُ من ضمة القبر بسبب غلظة مع أهله.


1- المحاسن: ص288. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص93.

ص: 159

أسئلة مهمة

السؤال: هل هناک من ینجو من ضغطة القبر؟

الجواب: ورد فی الروایات أن الناجین من ضغطة القبر قلیلون جداً وهذا ما أکده الإمام الصادق علیه السلام فی الکافی عن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام:

أیفلت من ضغطة القبر أحد؟، قال، فقال علیه السلام:

«نعوذ بالله منها، ما أقل من یفلت من ضغطة القبر، إن رقیة لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی قبرها، فرفع رأسه إل السماء فدمعت عیناه وقال للناس:

إنی ذکرت هذه وما لقیت فرققت لها واستوهبتها من ضمة القبر، قال: فقال اللهم هب لی رقیة من ضمة القبر؛ فوهبها الله له»(1).

وهم کالآتی:

ألف: من شفع فیهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو أحد الأئمة علیهم السلام کما فی تکملة الروایة السابقة فیقول:

إن رقیة لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی قبرها، فرفع رأسه إلی السماء فدمعت عیناه وقال للناس:

إنی ذکرت هذه وما لقیت فرفقت لها واستوهبتها من ضمة القبر، قال: فقال اللهم هب لی رقیة من ضمة القبر؛ فوهبها الله له»(2).

باء: من مات فی وقت شریف من أیام الأسبوع وهو یوم الجمعة ینجو من هذه


1- الکافی: ج3، ص263. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص94.
2- الکافی: ج3، ص263. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص94 __ 95.

ص: 160

الضغطة المخیفة کما فی الروایة الآتیة، فی محاسن البرقی عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«من مات یوم الجمعة کتب الله له براءة من ضغطة القبر»(1).

بل فی روایة أخری هناک توسعة فی الوقت مما أشارت إلیه الروایة السابقة وهذا ما أشارت إلیه الروایة:

«من مات ما بین زوال الشمس یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعة من المؤمنین أعاذه الله من ضغطة القبر»(2).

وفی روایة ثالثة أن للیلة الجمعة أو یومها دوراً کبیراً فی رفع عذاب القبر کله بما فیه ضغطة القبر وهذا ما ذکره الإمام أبو جعفر علیه السلام بقوله:

«بلغنی أن النبی قال: من مات یوم الجمعة أو لیلة الجمعة دفع عنه عذاب القبر»

جیم: وسنذکر بعض الأعمال التی تساعد علی النجاة من ضغطة القبر وهی کما یلی:

(الأول: رُوی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«مَنْ قرأ سورة النساء فی کل جمعة أومِنَ مِنْ ضغطة القبر»(3).

الثانی: رُوی:

«مَنْ أدْمَنَ قراءة (حم) الزخرف آمنه الله فی قبرهِ منْ هَوامِّ الأرض وضغطة القبر»(4).

الثالث: رُوی:


1- المحاسن: ص58. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص91 __ 92.
2- أمالی الصدوق: ص169، تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص86.
3- ثواب الأعمال للصدوق: ص131. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص62.
4- ثواب الأعمال للصدوق: ص141. نقله فی البحار: ج87، ص2، ح3.

ص: 161

«مَنْ قرأ سورة (ن) والقلم فی فریضة أو نافلة... أعاذه الله إذا مات مِنْ ضمة القبر»(1).

الرابع: رُوی عن الإمام الصادق علیه السلام:

«مَنْ مات ما بین زوال الشمس من یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعة أعاذه الله مِنْ ضغطة القبر»(2).

الخامس: رُوی عن الإمام الرضا علیه السلام أنهّ قال:

«علیکم بصلاة اللیل، فما من عبد یقوم آخر اللیل فیصلی ثمان رکعات، ورکعتی الشفع، ورکعة الوتر، واستغفر الله فی قنوته سبعین مرّةً إلاّ أجیر مِنْ عذاب القبر ومِن عذاب النار، ومُدَّ فی عمره، ووسع علیه فی معیشته»(3).

السادس: روی عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن قرأ ألهاکم التکاثر عند النوم وقی مِنْ فتنة القبر»(4).

السابع: قراءة دعاء:

(أعددتُ لکل هول لا إله إلا الله...).

الثامن: الدفن فی النجف الأشرف، فمن خواص هذه التربة الشریفة أنّها تُسقط عذاب القبر وحساب منکر ونکیر عَنْ مَنْ یدفن فیها(5).

التاسع: من الأمور النافعة لرفع عذاب القبر وضع جریدتین رطبتین مع المیت.


1- ثواب الأعمال: ص147. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص63.
2- الأمالی للصدوق: ص231. بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج6، ص221، ح17.
3- روضة الواعظین للنیسابوری: ج2، ص320. بحار الأنوار: ج87، ص161.
4- ثواب الأعمال للصدوق: ص153. بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج76، ص200، ح14.
5- إرشاد القلوب للشیخ الدیلمی: ص439. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص64.

ص: 162

وروی: أنه یتجافی عنه العذاب ما دامت رطبة.

وروی أیضا:

(مر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی قبر یُعَذَّب صاحبه، فدعا بجریدة فشقها نصفین، فجعل واحدةً عند رأسه، والأخری عند رجلیه، وأنّه قیل له: لم وضعتها؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّه یخفف عنه العذاب ما کانتا خضراوین»(1).

ومن النافع أیضاً صبّ الماء علی القبر لما ورد أن العذاب یرفع عن المیت ما دام القبر رطباً(2).

العاشر: فی أول یوم من رجب.

(تصلّی عشر رکعات تقرأ فی کل رکعة فاتحة الکتاب مرّة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات... وقاک الله فتنة القبر وعذاب یوم القیامة)(3).

(ویصلی فی اللیلة الأولی من رجب بعد صلاة المغرب عشرین رکعة بالحمد والتوحید، فإنّها نافعة فی رفع عذاب القبر)(4).

الحادی عشر: أن تصوم أربعة أیّام من شهر رجب(5).

وکذلک صوم اثنی عشر یوماً من شعبان(6).

الثانی عشر: ومن الأمور الموجبة للنجاة من عذاب القبر قراءة سورة الملک فوق


1- الفقیه: ج1، ص144، ح402. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص66.
2- الکافی: ج3، ص200، ح6.
3- الإقبال لابن طاوس: ص637.
4- الإقبال لابن طاوس: ص629.
5- ثواب الأعمال للصدوق: ص79. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص67.
6- ثواب الأعمال للصدوق: ص87. الأمالی للصدوق: ص30.

ص: 163

قبر المیت کما روی ذلک القطب الراوندی عن ابن عباس قال:

(إن رجلا ضرب خباءه علی قبر ولم یعلم أنّه قبر، فقرأ تبارک الذی بیده الملک، فسمع صائحاً یقول: هی المنجیة.

فذکر ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال:

«هی المنجیة من عذاب القبر»(1).

وروی الشیخ الکلینی عن الإمام محمد الباقر علیه السلام أنه قال:

«سورة الملک هی المانعة تمنع من عذاب القبر»(2).

الثالث عشر: فی دعوات الراوندی نقل عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:

«ما من أحد یقول عند قبر میت إذا دفن ثلاث مرّات: (اللهم إنّی أسألُکَ بحق محمدٍ وآل محمدٍ أنْ لا تُعَذِّبَ هذا المَیِتَ) إلاّ دفع الله عنه العذاب إلی یوم ینفخ فی الصور»(3).

الرابع عشر: روی الشیخ الطوسی فی (مصباح المتهجد) عن الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:

«مَنْ صَلّی لیلة الجمعة رکعتین یقرأ فیهما بفاتحة الکتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرّة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال یوم القیامة»(4).

الخامس عشر: ومن النافع فعله لرفع عذاب القبر صلاة ثلاثین رکعة فی لیلة


1- الدعوات للقطب الراوندی: ص279، ح817.س
2- الکافی: ج2، ص633، ح26. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص68.
3- الدعوات للقطب الراوندی: ص270، ح770. بحار الأنوار: ج82، ص54، ح43.
4- مصباح المتهجد: ص228.

ص: 164

النصف مِن رجب یقرأ فی کل رکعة الحمد مرّة والتوحید عشر مرّات(1).

وکذلک فی اللیلة السادسة عشرة(2) واللیلة السابعة عشرة(3) من رجب.

وکذلک أن یصلی فی اللیلة الأولی مِنْ شعبان مائة رکعة بالحمد والتوحید، وبعد أن یفرغ من الصلاة یقرأ التوحید خمسین مرّة(4).

وکذلک یصلی فی اللیلة الرابعة والعشرین من شعبان رکعتین یقرأ فی کل رکعة الحمد مرّة، وإذا جاء نصر الله عشر مرات(5).

وورد لیوم النصف من رجب صلاة خمسین رکعة بالحمد والتوحید والفلق والناس، فإنّها نافعة لرفع عذاب القبر(6).

ومثلها صلاة مائة رکعة لیلة عاشوراء(7))(8).

السؤال: هل یعذب المصلوب عذاب القبر لاسیما ضغطة القبر؟

الجواب: أجاب علی ذلک الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

روی علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسی، عن یونس قال: سألته عن المصلوب یعذب عذاب القبر؟ قال: فقال:

«نعم إن الله عز وجل یأمر الهواء أن یضغطه»(9).


1- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص652.
2- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص664.
3- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص665.
4- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص683.منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص69.
5- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص722.
6- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص658. منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص70.
7- إقبال الأعمال لابن طاوس: ص555 __ 556.
8- منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص62 __ 70.
9- الکافی للکلینی: ج3، ص241، برقم 4728 __ 16.

ص: 165

وفی روایة أخری، سئل أبو عبد الله علیه السلام عن المصلوب یصیبه عذاب القبر فقال:

«إن رب الأرض هو رب الهواء فیوحی الله عز وجل إلی الهواء فیضغطه ضغطة أشد من ضغطة القبر»(1).

ویستشف من هذه الروایة أن المیت یتعذب بعذاب القبر وإن لم یکن له قبر ترابی بحسب الظاهر، ولا یقتصر العذاب علی ضغطة القبر بل یتعداه إلی غیره بدلیل أن السائل الذی سأل الإمام علیه السلام عن عذاب القبر مطلقاً فلم ینفِ الإمام علیهم السلام العذاب عن المیت المصلوب وإنما أشار إلی الضغطة من باب ذکر مصداق من مصادیق العذاب، أو لعل الإمام علیه السلام دفع إشکالاً مقدراً فی ذهن السائل وهو (کیف یضغط المصلوب ولم یکن له قبر من تراب) فرد علیه بأنه یضغط بالهواء.

السؤال: من هو الذی یتعرض لسؤال منکر ونکیر، أجمیع الناس یسألون أم هناک فئة دون أخری؟

الجواب: هناک ثلاثة أصناف من الناس، صنف محض الإیمان محضاً أی کان مؤمناً فی أعلی درجات الإیمان وأرقی رتب المؤمنین، وصنف آخر محض الکفر، وصنف ثالث هو الصنف الذی بین هؤلاء وأولئک، وکذلک الحال مع المستضعفین والبلهاء والأطفال وأبناء المسلمین الذین لم یبلغوا سن الرشد.

فلذا لا یُسأل إلا الصنف الأول والثانی فقط ولُغی عن الصنف الثالث وهذا ما أکدته الکثیر من الروایات کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

ورد فی الکافی عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

«لا یسأل فی القبر إلا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً»(2).


1- المصدر السابق: برقم 4729 __ 17.
2- الکافی: ج3، ص236. تسلیة الفؤاد، السید عبد الله شبر: ص101.

ص: 166

وعن أبی بکر الحضرمی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

«لا یسأل فی القبر إلا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، والآخرون یلهون عنهم»(1).

وعن ابن بکیر عن أبی جعفر علیه السلام، وعن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله علیه السلام قالا:

«إنما یسأل فی قبره من محض الإیمان محضاً أو الکفر محضاً، وأمّا ما سوی ذلک فیلهی عنهم»(2).

وعن أبی بکر الحضرمی قال: (قلت لأبی جعفر علیه السلام: من المسؤولون فی قبورهم؟ قال:

«من محض الإیمان ومن محض الکفر».

قال: قلت: فبقیة هذا الخلق؟ قال:

«یلهی والله عنهم ما یعبأ بهم»)(3).

وینسجم هذا القول مع قوله تعالی:

(وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (4).

السؤال: هل أن أرواح المؤمنین والکفار تزور أهلها بعد الموت؟

الجواب: ورد فی الکافی أن المؤمنین والکفار علی حد سواء یزورون أهلهم فی أوقات معینة وبصورة العصفور أو أقل منه فیرون أهلهم، فأمّا المؤمنون یرجعون فی فرح


1- الکافی: ج3، ص235.
2- المصدر السابق.
3- الکافی: ج3، ص237. تسلیة الفؤاد، السید عبد الله شبر: ص101 __ 102.
4- سورة التوبة، الآیة: 106.

ص: 167

وسرور لما رأوا من حسن حال دین أهلهم، وأما الکفار فإنهم یرون أهلهم ویرجعون إمّا بحسرة عندما یرون أن أهلهم یعملون بالصالحات وإما فی حزن عندما یرونهم بشر وحاجة، ویزور الأموات أهلیهم عند زوال الشمس، ولکن المؤمنین یؤذن لهم بالزیارة أکثر من مرة فی الأسبوع وعلی قدر فضلهم وهذا ما أشارت إلیه الروایات الآتیة:

روی ثقة الإسلام فی الکافی بإسناده (عن الصادق علیه السلام قال:

«إنّ المؤمن لیزور أهله فیری ما یحب ویستر عنه ما یکره، وإن الکافر لیزور أهله فیری ما یکره ویستر عنه ما یحب.

قال:

ومنهم من یزور کل جمعة، ومنهم من یزور علی قدر عمله»(1).

وعن أبی بصیر، عن الصادق علیه السلام قال:

«ما من مؤمن ولا کافر إلا وهو یأتی أهله عند زوال الشمس، فإذا رأی أهله یعملون بالصالحات حمد الله علی ذلک، وإذا رأی الکافر أهله یعملون بالصالحات کانت علیه حسرة»(2).

وعن إسحاق بن عمار، عن أبی الحسن الأول علیه السلام قال: سألته عن المیت یزور أهله؟ فقال:

«نعم.

فقلت: فی کم یزور؟ قال:

فی الجمعة وفی الشهر وفی السنة علی قدر منزلته.

فقلت: فی أی صورة یأتیهم، قال:


1- الکافی: ج3، ص230.
2- المصدر السابق.

ص: 168

فی صورة طائر لطیف یسقط علی دارهم ویشرف علیهم فإن رآهم بخیر فرح وإن رآهم بشر وحاجة وحزن اغتم»(1).

وعن عبد الرحیم القصیر قال: قلت له: المؤمن یزور أهله؟ قال:

«نعم، یستأذن ربه فیأذن له فیبعث معه ملکین فیأتیهم فی بعض صور الطیر یقع فی داره ینظر إلیهم ویسمع کلامهم»(2).

عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی الحسن علیه السلام: یزور المؤمن أهله؟ فقال:

«نعم.

فقلت: فی کم؟ قال:

علی قدر فضائلهم، منهم من یزور فی کل یوم؛ ومنهم من یزور فی کل یومین، ومنهم من یزور فی کل ثلاثة أیام.

قال: ثم رأیت فی مجری کلامه یقول:

أدناهم منزلة یزور کل جمعة.

قال: قلت فی أی ساعة؟ قال:

عند زوال الشمس ومثل ذلک.

قال: قلت فی أی صورة؟ قال:

فی صورة العصفور وأصغر من ذلک، ویبعث الله عز وجل معه ملکاً فیریه ما یسره ویستر عنه ما یکره، فیری ما یسره ویرجع إلی قرة عین»(3)).


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- الکافی: ج3، ص231. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص114 __ 115.

ص: 169

تذکیر

لا أظن أن القارئ الکریم قد یغفل عن تکلیفه بعدما قرأ هذه الروایات إلا أن الذکری تنفع المؤمنین.

فأقول:

1__ لیجتهد المؤمن فی إدخال السرور علی روح أمواته من خلال طاعته لله تعالی وتلبسه بالإیمان والعمل الصالح فی آناء اللیل وأطراف النهار ولیکون سببا فی إدخال السرور علی المؤمن وینال بذلک ثواب من أدخل السرور علی المؤمنین.

2__ لا ینسی المؤمن أن یتحف أمواته بشیء من الثواب لیرجع المیت إلی قبره بهدیته فرحاً کما ورد فی الروایة الشریفة:

جاء عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«ما تصدرت لمیت فیأخذها ملک فی طبق من نور ساطع ضوؤها یبلغ سبع سماوات ثم یقوم علی شفیر الخندق (القبر) فنادی:

السلام علیکم یا أهل القبور، أهلکم أهدوا إلیکم بهذه الهدیة فیأخذها ویدخل بها فی قبره فتوسع علیه مضاجعة»(1).

کما روی بسند صحیح عن الإمام الصادق علیه السلام:

(قال الراوی: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: یصلّی عن المیت؟ فقال:

«نعم حتی أنه لیکون فی ضیق فیوسع الله علیه ذلک الضیق، ثم یؤتی فیقال له: خفف عنک هذا الضیق بصلاة فلان أخیک عنک».

قال: فقلت له: فأشرکُ بین رجلین فی رکعتین؟ قال:

«نعم...». 


1- منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص73.

ص: 170

ثم قال علیه السلام:

«إن المیت لیفرح بالترحم علیه والإستغفار له کما یفرح الحی بالهدیة تهدی إلیه»)(1).

3__ لا یتوهم المؤمن بأن الثواب الذی یهدیه إلی المیت هو ناشئ عن إطعام الطعام أو الصدقة المادیة فقط، وإنما هناک أنواع کثیرة من الثواب تأتی من جراء أعمال سهلة لا مؤنة فیها کإهداء ثواب (الصلوات علی محمد وآله) وزیارة الأئمة المعصومین علیهم السلام أو تلاوة القرآن أو الکلمة الطیبة مع الناس بل کل أعمال البر والخیر والمعروف یمکن إهداء ثوابها إلی الموتی.

4__ رکعتان خفیفتان أحب إلی المیت من البکاء والنوح علیه کما ورد ذلک عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: مرّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقبر دفن فیه بالأمس إنسان وأهله یبکون فقال:

«رکعتان خفیفتان مما تحتقرون أحب إلی صاحب هذا القبر من دنیاکم کلها»(2).

السؤال: ما هی المعاصی التی توجب عذاب القبر؟

الجواب:

ذکرت الروایات مجموعة من المعاصی توجب عذاب القبر للمؤمن، کالنمیمة وسوء الخلق مع الأهل وعدم النزه من البول.... الخ، وهذا ما تدلنا علیه الروایات الآتیة:


1- منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص74؛ من لا یحضره الفقیه: ج1، ص183، وفیه بدل ثم قال: فقال.... .
2- تنبیه الخواطر: ج2، ص225.

ص: 171

1__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه»(1).

2__ عن الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام:

«عذاب القبر یکون من النمیمة والبول وعزب الرجل عن أهله»(2).

السؤال: ما هی الأعمال التی تدفع هول منکر ونکیر؟

الجواب: جاء فی الروایات أن الصورة التی یأتی فیها الملکان لصورة مهولة مرعبة ترتعد منها الفرائص وتخرس الألسن وتشبح العیون خائفة ویطیر لها اللب، وهذا ما یصفه النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«إذا أقبر المیت أتاه ملکان أسودان أزرقان، یقال لأحدهما منکر وللآخر نکیر یقولان: ما کنت تقول فی هذا الرجل؟ فإن کان مؤمنا فیقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فیقولان: قد کنا نعلم أنک تقول هذا، ثم یفسح فی قبره سبعون ذراعا فی سبعین ذراعا، ثم ینور له فیه، ثم یقال له: نم، فیقول: أرجع إلی أهلی فأخبرهم؟ فیقولان: نم کنومة العروس الذی لا یوقظه إلا أحب أهله، حتی یبعثه الله من مضجعة ذلک، وإن کان منافقا قال: سمعت الناس یقولون فقلت مثله، لا أدری!

فیقولان: قد کنا نعلم أنک تقول ذلک، فیقال للأرض: التئمی علیه، فتلتئم علیه فتختلف أضلاعه، فلا یزال فیه معذبا حتی یبعثه الله من مضجعه ذلک»(3).

وروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام قوله:


1- بحار الأنوار: ج6، ص275. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص108.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج72، ص265، ح10.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج6، ص276. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص110.

ص: 172

«فإذا أدخل قبره أتاه ملکا القبر یجران أشعارهما ویخدان الأرض بأقدامهما، أصواتهما کالرعد القاصف، وأبصارهما کالبرق الخاطف فیقولان له: من ربک؟ وما دینک؟ ومن نبیک؟ فیقول: 

الله ربی ودینی الإسلام، ونبیی محمد (صلی الله علیه وآله)، فیقولان له:

ثبتک الله فیما تحب وترضی، وهو قول الله عز وجل:

(یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآَخِرَةِ) (1).

ثم یفسحان له فی قبره مد بصره ثم یفتحان له بابا إلی الجنة، ثم یقولان له: نم قریر العین، نوم الشاب الناعم، فإن الله عز وجل یقول:

(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِیلًا) (2).

قال : وإن کان لربه عدوا فإنه یأتیه أقبح من خلق الله زیا ورؤیا وأنتنه ریحا فیقول له: أبشر بنزل من حمیم وتصلیة جحیم وإنه لیعرف غاسله ویناشد حملته أن یحبسوه فإذا أدخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقیا عنه أکفانه ثم یقولان له: من ربک وما دینک؟ ومن نبیک؟،فیقول: لا أدری فیقولان: لا دریت ولا هدیت، فیضربان یافوخه بمرزبة معهما ضربة ما خلق الله عز وجل من دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلین ثم یفتحان له بابا إلی النار.

ثم یقولان له: نم بشر حال فیه من الضیق مثل ما فیه القنا من الزج حتی أن دماغه لیخرج من بین ظفره ولحمه ویسلط الله علیه حیات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتی یبعثه الله من قبره وإنه لیتمنی قیام الساعة فیما هو فیه من الشر»(3).


1- سورة إبراهیم، الآیة: 27.
2- سورة الفرقان، الآیة: 24.
3- الکافی للشیخ الکلینی: ج3، ص233، 4708__1. تسلیة الفؤاد، عبد الله شبر: ص90.

ص: 173

فبعد أن اطلعت علی وصف الملکین وهولهما لابد من الاطلاع علی الأعمال التی تنجی منهما ومن سؤالهما وهی کما یلی:

1__ أن یلقن المیت بعد دفنه من قبل أحد أقربائه الشهادتین والعقائد الحقة والولایة لأهل البیت علیهم السلام والاعتراف بإمامتهم والإقرار بالغیب.

2__ أداء الصلاة والزکاة والصبر بأنواعه تدافع عن صاحبها أشد الدفاع مع منکر ونکیر.

3__ صیام شهر شعبان بل من صام تسعة أیام منه عطف علیه منکر ونکیر.

4__ إحیاء لیلة الثلاث والعشرین من شهر رمضان بالعبادة والصلاة مئة رکعة فیها.

5__ الدفن فی تربة النجف(1).


1- منازل الآخرة للشیخ عباس القمی: ص70 __ 75.

ص: 174

ص: 175

الخطبة الثالثة: فی مکارم الأخلاق

اشارة

ص: 176

ص: 177

نص الخطبة

اشارة

«یا أیُّهَا النّاسُ، نافِسُوا فی الْمَکارِمِ، وَسارِعُوا فی المَغانِمِ، وَلا تَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تُعَجِّلوا، وَاکْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَلا تَکْتَسِبُوا بِالْمَطَلِ ذمّاً: فَمَهْما یَکُنْ لأحَدٍ عِنْدَ صَنیعَة(1) لهُ رَأی أنَّهُ لا یَقُومُ بِشُکرِها فَاللهُ لَهُ بِمُکافأتِهِ، فَإنَّهُ أجزَلُ عَطاءً وَأَعْظَمُ أجْراً.

وَاعْلَمُوا أنَّ حَوائِجَ النّاسِ إلَیْکُمْ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَیْکُمْ، فَلا تَملّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً.

وَاعْلَمُوا أنَّ المَعروُفَ مُکْسِبٌ حَمْداً، وَمُعقِبٌ أَجْراً، فَلَوْ رَأَیْتُمْ الْمَعْرُوفَ رَجُلاً رَأیْتُمُوهُ حَسَناً جَمِیلاً یَسُرُّ النّاظِرینَ، وَلَوْ رَأیْتُمُ اللَّؤمَ رَأیْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وتُغَضُّ دُونَهُ الأبْصارُ.

أیُّها النّاسُ مَنْ جادَ سادَ، وَمَنْ بَخِلَ رُذِلَ، وَإنَّ أجْوَدَ النّاسِ مَنْ أعْطی مَنْ لاَ یَرْجُوهُ، وَإنَّ أعْف النّاسِ مَنْ عَفا عَنْ قُدْرَةٍ، وَإنَّ أوْصَلَ النّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَالأصُولُ عَلی مَغارِسِها بِفُروعِها تَسْمُو، فَمَنْ تَعَجَّلَ لأَخیه خَیْراً وَجَدَهُ إذا قَدِمَ عَلَیْهِ غَداً، وَمَنْ أرادَ الله تَبارَکَ وَتَعالی


1- المطل: تأجیل موعد الوفاء بحقه مرة بعد أخری. والصنیعة: کل ما عمل من خیر أو إحسان.

ص: 178

بِالصَّنیعَةِ إلی أخیهِ کافَأه بِها فی وَقْتِ حاجَتِهِ، وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلاءِ الدُّنْیا ما هُوَ أکْثَرُ مِنْهُ، وَمَنْ نَفَّسَ کُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ کُرَبَ الدُّنْیا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ أحسَنَ أحْسَنَ اللهُ إلَیْهِ، وَاللهُ یُحِبُّ المُحْسِنینَ».

المعنی العام

(یا أیُّهَا النّاسُ، نافِسُوا فی الْمَکارِمِ، وَسارِعُوا فی المَغانِمِ، وَلا تَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تُعَجِّلوا، وَاکْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَلا تَکْتَسِبُوا بِالْمَطَلِ ذمّاً: فَمَهْما یَکُنْ لأحَدٍ عِنْدَ صَنیعَة لهُ رَأی أنَّهُ لا یَقُومُ بِشُکرِها فَاللهُ لَهُ بِمُکافأتِهِ، فَإنَّهُ أجزَلُ عَطاءً وَأَعْظَمُ أجْراً.).

أیها الناس تسابقوا وتباروا فی فعل الخیرات، وعجلوا فی تحصیل الربح والنفع، ولا تکشفوا بمعروف لم تسارعوا فی فعله، واطلبوا واربحوا الثناء الجمیل بالنجاح والفوز، ولا تطلبوا بتأخیر فعل المعروف الملامة والإعایة، وإذا عمل أحد العباد خیرا ومعروفا لأخیه دون أن ینال شکرا منه، فالله تعالی هو ا لذی یجزیه ویشکره، فهو کثیر وعظیم النوال والثواب لمن شاء.

(وَاعْلَمُوا أنَّ حَوائِجَ النّاسِ إلَیْکُمْ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَیْکُمْ، فَلا تَملّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً).

أی علیکم أن تعرفوا وتتیقنوا أن طلبات وضروریات الناس وافتقارهم إلیکم من منن الله وفضله علیکم، فلا تسأموا ولا تضجروا هذه النعم فترجع بلاء وعقوبة.

(وَاعْلَمُوا أنَّ المَعروُفَ مُکْسِبٌ حَمْداً، وَمُعقِبٌ أَجْراً، فَلَوْ رَأَیْتُمْ الْمَعْرُوفَ رَجُلاً رَأیْتُمُوهُ حَسَناً جَمِیلاً یَسُرُّ النّاظِرینَ، وَلَوْ رَأیْتُمُ اللَّؤمَ رَأیْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وتُغَضُّ دُونَهُ الأبْصارُ). 

ص: 179

أدرکوا وتیقنوا أن العمل الحسن یورث الثناء والشکر، وتارک ثوابا، فلو تمثل عمل الخیر بهیئة رجل لکان رجلا ذا هیئة بهیة تدخل الفرح علی من یراها، ولو شاهدتم الشمة والدناء لشاهدتم رجلا قبیحا غیر سوی تعرض عنه القلوب وتترکه، وتکف عنه العیون.

(أیُّها النّاسُ مَنْ جادَ سادَ، وَمَنْ بَخِلَ رُذِلَ، وَإنَّ أجْوَدَ النّاسِ مَنْ أعْطی مَنْ لاَ یَرْجُوهُ، وَإنَّ أعْف النّاسِ مَنْ عَفا عَنْ قُدْرَةٍ، وَإنَّ أوْصَلَ النّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَالأصُولُ عَلی مَغارِسِها بِفُروعِها تَسْمُو، فَمَنْ تَعَجَّلَ لأَخیه خَیْراً وَجَدَهُ إذا قَدِمَ عَلَیْهِ غَداً، وَمَنْ أرادَ الله تَبارَکَ وَتَعالی بِالصَّنیعَةِ إلی أخیهِ کافَأه بِها فی وَقْتِ حاجَتِهِ، وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلاءِ الدُّنْیا ما هُوَ أکْثَرُ مِنْهُ، وَمَنْ نَفَّسَ کُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ کُرَبَ الدُّنْیا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ أحسَنَ أحْسَنَ اللهُ إلَیْهِ، وَاللهُ یُحِبُّ المُحْسِنینَ).

أیها الناس من اختار أو أتی بالحسن من القول والعمل صار من أهل الشرف والمجد، ومن شح وقتر صار ردیئا غیر فاضل، وإن أکرم الناس وأسخاهم من بذل إلی من لا ینتظر منه جزاءً ولا شکورا، وإن من أکثر الناس مسامحة وصفحا من صفح عن قدرة واستطاعة، وإن من أرحم الناس وأعطفهم من ترحم وتعطف علی قاطع الرحم وعاقها وهاجرها، والمنابت حسب الأرض التی غرست فیها فهی ترتفع وتعلو إذا کان المغرس طیبا، فمن بادر لصنع المعروف وأسداه إلی أخیه یجد أن هذا الصنیع محفوظ له عند أخیه، ومن کان صنیعه لوجه الله تعالی سیدخرها له عند حاجته إلیها، ویرد عنه من آلام الدنیا وهمومها، ومن لطف أو فرج مشقة أو حزناً أو همّاً عن أخیه المؤمن وسع الله علیه کل شدة فی الدنیا والآخرة، ومن فعل معروفا یجزیه الله تعالی والله یحب أهل الإحسان.

ص: 180

بحث أخلاقی
صنع المعروف

لابد للتعایش الإنسانی الناجح من طریقة راقیة مؤطرة بإرشاد الشریعة وتعالمیها ومزیّنة بجمال العرف وحسنه، وملیئة بأریحیة المجتمع وتآلفه، ولا شک فی أن الجامع لکل هذه الشروط هو المعروف الذی یمثل الجمال والعدل والإحسان والحق والإیثار، فلذا نجد الآیات الشریفة تؤکد علی هذا المعنی الشریف فی کل مفردات الحیاة، بل الظاهر من النصوص القرآنیة الکریمة والأحادیث الشریفة أن الحیاة معروف والمعروف هو الحیاة الحقیقیة __ والتی __ بخلافها لا یکون الإنسان إنسانا، لا نقصد بالمعروف وهو الإحسان فقط دون المعانی الأخری التی سبق ذکرها بل هو المعروف الذی جمع کل المعانی العالیة، ولکی نطمئن من صحة ما تقدم لابد أن نقف علی المعنی اللغوی والاصطلاحی للمعروف.

المعروف فی اللغة: هو الخیر، الإحسان(1)، المعروف: اسم لکل فعل یعرف حسنه بالعقل أو الشرع: وهو خلاف المنکر، هو الصنیعة التی یسدیها المرء إلی غیره(2).

المعروف فی الاصطلاح: هو کل خیر وکل فعل حسن عقلا وشرعا.

تناولت الآیات الکریمة هذه الکلمة فی مواضع عدیدة تشیر من خلالها إلی القول الطیب والفعل الحسن کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصَاصُ فِی الْقَتْلَی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَی بِالْأُنْثَی فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَیْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِکَ تَخْفِیفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَی بَعْدَ ذَلِکَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِیمٌ) (3).


1- المنجد النجدی: ص
2- المعجم الوسیط: ص595.
3- سورة البقرة، الآیة: 178.

ص: 181

وقال تعالی:

(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئًا إِلَّا أَنْ یَخَافَا أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(1).

وقال سبحانه وتعالی:

(وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ) (2).

وفی قوله عزّ وجل:

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُهَا أَذًی وَاللَّهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ) (3).

وقال الله سبحانه وتعالی فی سورة النساء:

(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی حَتَّی إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْکُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ یَکْبَرُوا وَمَنْ کَانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ وَمَنْ کَانَ فَقِیرًا فَلْیَأْکُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَیْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَیْهِمْ وَکَفَی بِاللَّهِ حَسِیبًا) (4).

وقال عزّ وجل:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَیْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ


1- سورة البقرة، الآیة: 229.
2- سورة البقرة، الآیة: 241.
3- سورة البقرة، الآیة: 263.
4- سورة النساء، الآیة: 6.

ص: 182

کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَی أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا) (1).

وقال الباری عزّ وجل فی سورة الممتحنة:

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا جَاءَکَ الْمُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أَنْ لَا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئًا وَلَا یَسْرِقْنَ وَلَا یَزْنِینَ وَلَا یَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا یَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبَایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (2).

وقال سبحانه وتعالی فی سورة آل عمران:

(کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْکِتَابِ لَکَانَ خَیْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَکْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (3).

وحثت الأحادیث الشریفة علی فعل المعروف من خلال وصفها له بصفات عدیدة، فتارة یصفه الحدیث أنه عین السیادة کما فی قول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«المَعروفُ سِیادةٌ»(4).

وأخری هو الحسب کما فی قوله علیه السلام:

«المَعروفُ حَسَبٌ»(5).


1- سورة النساء، الآیة: 19.
2- سورة الممتحنة، الآیة: 12.
3- سورة آل عمران، الآیة: 110.
4- غرر الحکم: ص32. میزان الحکمة: ج6، ص2558، ح12590.
5- غرر الحکم: ص80. میزان الحکمة: ج6، ص2558، ح12592.

ص: 183

وفی ثالثة هو وسیلة لتحصیل المدح والثناء فی الدنیا والثواب والجزاء الحسن فی الآخرة وهذا ما أشار إلیه الإمام الحسین علیه السلام بقوله:

«اعلَموا أنَّ المَعروفَ مُکِسبٌ حَمداً، ومُعقِبُ أجراً، فلَو رَأیْتُمُ المَعروفَ رَجُلاً لَرَأیتُموهُ حَسَناً جَمیلاً یَسُرُّ النّاظِرینَ ویَفوقُ العالَمینَ، ولَو رَأیتُمُ اللُّؤمَ رَأیتُموهُ سمجحاً قَبیحاً مُشَوَّهاً تَنفِرُ مِنهُ القُلوبُ وتُغَضُّ دُونَهُ الأبصارُ»(1).

بل أن الإمام الصادق علیه السلام لا یری شیئا أفضل من المعروف إلا الأجر الإلهی بقوله:

«رَأیتُ المَعروفَ کَاسمِهِ، ولَیسَ شِیءٌ أفضَلَ مِنَ المَعروفِ إلاّ ثَوابُهُ وذلکَ یُرادُ مِنهُ»(2).

ولأهمیة المعروف للفرد والمجتمع معا نجد أمیر المؤمنین علیه السلام یدعونا إلی صنعه ولو ببذل أقصی الجهود بقوله:

«اصطَنِعوا المَعروفَ بِما قَدَرتُم عَلَی اصطِناعِه»(3).

ویقول الإمام الجواد علیه السلام بأن الذین یصنعون المعروف هم أول من یستفید من هذا المعروف بقوله:

«أهلُ المَعروفِ إلَی اصطِناعِه أحوَجُ مِن أهلِ الحاجَةِ إلَیهِ؛ لأِنَّ لَهُم أجرَهُ وفَخرَهُ، فمَهما اصطَنَعَ الرَّجُلُ مِن مَعروفٍ فإنَّما یَبدأ فیهِ بِنَفسِهِ، فلا یَطلُبَنَّ شُکرَ ما صَنَعَ إلی نَفسِهِ مِن غَیرِهِ»(4).


1- مستدرک الوسائل: ج12، ص343، ح14242. میزان الحکمة: ج6، ص2558، ح12595.
2- الکافی: ج4، ص26، ح3. میزان الحکمة: ج6، ص2559، ح12596.
3- الخصال: ص617، ح10. میزان الحکمة: ج6، ص2559، ح12600.
4- کشف الغمّة: ج3، ص137. میزان الحکمة: ج6، ص2559، ح12603.

ص: 184

لمن یبذل المعروف؟

بعد أن عرفنا أن المعروف جمیل بذاته ینبغی أن نعلم أن بذله أجمل لما فیه من تجلی صور الرحمة والحنو والرأفة والمروءة، فلذا جاءت الروایات الشریفة تحث علی بذله إلی البر والفاجر من الناس، بل وصلت بحثها علی بذله إلی الحیوانات.

إن فعل المعروف خیر، وکل ما هو خیر لا یصح البخل به علی إنسان دون آخر، فلذا صارت فضیلته فوق کل فضیلة وجزاؤه فوق کل جزاء، وهذا ما أشار إلیه مولی الموحدین بقوله علیه السلام:

«ابذُلْ مَعروفَکَ لِلنّاسِ کافَّةً؛ فإنَّ فَضیلَةَ فِعلِ المَعروفِ لا یَعدِلُها عِندَ اللهِ سُبحانَهُ شِیءٌ»(1).

ولکی نطلع بدقة علی ما حثت علیه الروایات الشریفة نذکرها علی النحو الآتی:

1__ حث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المسلمین علی فعل المعروف إلی العالمین دون أن یمیزوا بین من یستحق ومن لا یستحق بقوله:

«رَاسُ العَقلِ بَعدَ الدِّینِ التَّوَدُّدُ إلَی النّاسِ، واصطِناعُ الخَیرِ إلی کُلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ»(2).

وعند تأمل هذا الحدیث الشریف نستنتج منه ما یلی:

ألف: إن المعروف لا یقتصر علی بذل المال أو ما هو مادی فقط بل یتعداه إلی الخلق الحسن والقول الطیب وهذا ما أشار إلیه قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«رأس العقل بعد الدین التودد إلی الناس».

باء: بما أن الخیر فعل حسن لا ضرر فیه یحتاجه کل مخلوق فی حیاته، صار بذله


1- غرر الحکم: 2470. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12623.
2- بحار الأنوار: ج74، ص401، ح44. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12624.

ص: 185

جمیلاً إلی الإنسان الصالح والطالح علی السواء کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«واصطناع الخیر إلی کل برّ وفاجر».

ولکی لا یقع المؤمن فی التباس من أمره فیقول کیف أصنع الخیر للفاجر وهو فاجر عاصی لله تعالی؟

فأقول: ورد من جهة أخری، إذا علمت بأن معروفک سیکون عوناً علی الإثم ویستعین به الفاجر علی معصیة الله تعالی لا یصح لک أن تعینه علی ذلک لقوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْیَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوکُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوَی وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ) (1).

2__ حث أهل بیت العصمة  علیهم السلام  علی بذل المعروف إلی الحیوانات أیضا، مما یدل علی سعة رحمة الله تعالی، ورعایته لمخلوقاته فلذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لمن یستعمله علی الصدقات:

«ثُمَّ احدُرْ(2) إلَینا ما اجتَمَعَ عِندَکَ نُصَیِّرُهُ حَیثُ أمَرَ اللهُ بِهِ فإذا أخَذَها أمینُکَ فأوعِزْ إلَیهِ ألاّ یَحولَ بَیْنَ ناقَةٍ وبَینَ فَصیلِها(3)، ولا یَمْصُر(4) لَبَنَها فیَضُرَّ ذلکَ بِوَلَدِها، ولا یجهَدَنَّها رُکوباً، ولْیَعْدِل بَینَ صَواحِباتِها فی ذلکَ وبَینَها، ولْیُرَفِّهْ عَلَی اللاغِبِ(5)


1- سورة المائدة الآیة: 2.
2- أی سُق إلینا سریعاً.
3- فصیل الناقة: ولدها وهو رضیع.
4- مَصْر اللبن: حلب ما فی الضرع جمعیه.
5- أی لِیُرِیح ما ألغِب أی أعیاه التعب.

ص: 186

ولْیَستَأْنِ(1) بالنَّقِبِ(2) والظّالِعِ(3)، ولْیُورِدْها ما تَمُرُّ بِهِ مِنَ الغُدُرِ(4)، ولا یَعدِلْ بِها عَن نَبتِ الأرضِ إلی جَوادِّ الطُرُقِ(5)، ولْیُرَوِّحْها فی السّاعاتِ، ولْیُمهِلْها عِندَ النِّطافِ(6) والأعشابِ، حتّی تَأتیَنا بإذنِ اللهِ بُدَّناً(7) مُنْقِیاتٍ(8) غَیرَ مُتعَباتٍ ولا مَجْهُودَاتٍ(9)»(10).

إشکال وتوجیه

سبق أن بینا أن الأحادیث الشریفة السابقة تحث المؤمن علی فعل المعروف لجمیع الناس برهم وفاجرهم، وسواء کان من أهل المعروف أو لم یکن کذلک کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«اصطَنِعِ الخَیرَ إلی مَن هُوَ أهلُهُ، وإلی مَن هُوَ غَیرُ أهلِهِ، فإن لَم تُصِبْ مَن هُوَ أهلُهُ فأنتَ أهلُهُ»(11).

إلا أننا نجد فی مکان آخر أحادیث تحت عنوان ترک بذل المعروف إلی من لا یستحقه وهی کما یلی:

1__ قال الإمام علی علیه السلام:


1- لیستأنِ: أی یَرفق، من الأناة بمعنی الرِّفق.
2- النَّقِب __ بفتح فکسر __ ما نَقِبَ خفّه __ کفَرِح __: أی تخرّق.
3- ظَلَعَ البعیرُ: غمز فی مشیته.
4- الغُدُر __ جمع غدیر __: ما غادره السیل من المیاه.
5- أی الطرق التی لا مرعی فیها.
6- النِّطاف __ جمع نُطفة __: المیاه القلیلة، أی یجعل لها مُهلة لتشرب وتأکل.
7- البُدَّن __ بضم الباء وتشدید الدال __: السمینة.
8- المُنقِیات: اسم فاعل من أنقت الإبل إذا سَمِنَت.
9- مجهودات: بلغ منها الجَهد والعناء مبلغاً  عظیماً.
10- نهج البلاغة: الکتاب 25. میزان الحکمة: ج6، ص2563 __ 2564، ح12632.
11- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص35، ص76. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12626.

ص: 187

«لا تَصلُحُ الصَّنیعَةُ إلاّ عِندَ ذی حَسَبٍ أو دِینٍ»(1).

2__ قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لَیسَ لِواضِعِ المَعروفِ فی غَیرِ حَقِّهِ وعِندَ غَیرِ أهلِهِ مِنَ الحَظِّ فیما أتی إلاّ مَحمَدَةُ اللّئامِ، وثَناءُ الأشرار. ومَقالَةُ الجُهّالِ ما دامَ مَنعِماً عَلَیهِم: ما أجوَدَ یَدَهُ! وهوَ عَن ذاتِ اللهِ بَخیلٌ»(2).

3__ وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«أوحَی اللهُ تَعالی إلی موسی علیه السلام: کما تَدینُ تُدانُ، وکما تَعمَلً کذلک تُجزی، مَن یَصنَعِ المَعروفَ إلَی أمرِئِ السَّوءِ یُجزی شَرّاً»(3).

4__ ورد فی الأمالی للمفید عن کَعب الأحبار:

مَن صَنَعَ مَعروفاً إلی أحمَقَ فَهِیَ خَطیئَةٌ تُکتَبُ عَلَیهِ(4).

5__ قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ظَلَمَ المَعروفَ مَن وَضَعَهُ فی غَیرِ أهلِهِ»(5).

6__ عن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام قال:

«مَن أسدی مَعروفاً إلی غَیرِ أهلِهِ ظَلَمَ مَعروفَهُ»(6).

وبعد تأمل هذین النوعین من الأحادیث الشریفة نلمس تناقضا ظاهراً بینهما،


1- الخصال: ص620، ح10.
2- نهج البلاغة: الخطبة 142. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی: ج9، ص74. میزان الحکمة: ج6، ص2566، ح12643.
3- بحار الأنوار: ج74، ص412، ح26. میزان الحکمة: ج6، ص2566، ح12644.
4- أمالی المفید: 137، ح7. میزان الحکمة: ج6، ص2566، ح12645.
5- غرر الحکم: 6063. میزان الحکمة: ج6، ص2566، ح12650.
6- غرر الحکم: 8547. میزان الحکمة: ج6، ص2566، ح12651.

ص: 188

ولکی لا یقع القارئ الکریم فی التباس بین الحث علی بذل المعروف وبین النهی عن ذلک لابد من توجیه الأحادیث التی حثت علی ترک بذل المعروف وتبدأ کما یلی:

ألف: لا تنهی الأحادیث عن فعل المعروف إلی غیر أهله وإنما ترشد إلی ذلک من باب النهی الإرشادی.

باء: ترید الأحادیث أن تبیّن أن الباذل للمعروف إلی غیر أهله لا ینتظر منهم جزاءً ولا شکورا، ولذا فلیکن بذله للمعروف لله تعالی ولجمال وحسن البذل.

جیم: تشیر الأحادیث إلی ترک بذل المعروف لمن کان مجربا بنکران الجمیل أو من لا یشکر المعروف بدلیل القول الذی ورد فی الحدیث أعلاه وهو:

قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لَیسَ لِواضِعِ المَعروفِ فی غَیرِ حَقِّهِ وعِندَ غَیرِ أهلِهِ مِنَ الحَظِّ فیما أتی إلاّ مَحمَدَةُ اللّئامِ، وثَناءُ الأشرار. ومَقالَةُ الجُهّالِ ما دامَ مَنعِماً عَلَیهِم: ما أجوَدَ یَدَهُ! وهوَ عَن ذاتِ اللهِ بَخیلٌ».

دال: وردت أحادیث تتضمن إرشادات تنهی عن صنف اتصف بالحمق دون غیره من الصفات.

خلاصة القول:

1__ إن بذل المعروف لأهله أی لمن یفعل المعروف من باب رد الجمیل، ولغیر أهله الذین یحبون فعل المعروف ولکن لا یستطیعون ذلک.

2__ إذا فعلت المعروف لا تنتظر من أحد جزاءً ولا شکورا.

3__ إن بعض أنواع المعروف کبذل الحکمة لا تضعها إلا عند أهلها، وأمّا مایصدر منک من خیر دون أن یترتب علیه ضرر فابذله لمن شأت.

ص: 189

آثار فعل المعروف

وردت الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة بکثرة مبینة الآثار الطیبة لفعل المعروف سواء کان ذلک فی الحیاة الدنیا أو فی الآخرة ولکی یتضح الموضوع أکثر نبوّب هذه الآثار کالآتی:

__ الآثار فی الدنیا __

1__ لکی تنال الجاه وتحظی بالتقدم علی الغیر وتنال الطاعة والاحترام لابد لک من فعل المعروف، وهذا ما أکده الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«المعروف سیادة».

وقول الإمام الصادق علیه السلام:

«عَجِبتُ مِمَّن یَشتَری المَمالیکَ بِمالِهِ، کَیفَ لا یَشتَری الأحرارَ بِمَعروفِه فَیملِکَهُم»(1).

2__ ضمن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام لفاعل المعروف ربحا ونماءً نتیجة بذله للمعروف بقوله علیه السلام:

«إنما المعروف زرع من أنمی الزرع، وکنز من أفضل الکنوز»(2).

3__ بذل المعروف یحافظ علی النعم ویدفع عنها خطر السلب فیکون مصداقاً للدعاء الشریف: (اللهم أعوذ بک من الذنوب التی تسلب النعم).

وهذا ما أشار إلیه الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«المعروف زکاة النعم، وما أدیت زکاته فهو مأمون السلب»(3).


1- تحف العقول: ص204. میزان الحکمة: ج6، ص2559، ح12602.
2- جامع أحادیث الشیعة، السید البروجردی: ج14، ص476، ح3144(15).
3- میزان الحکمة: ج3، ص1931.

ص: 190

4__ بذل المعروف یؤدی إلی أن ینال فاعله شکراً ومدحاً من أناس لم یصبهم هذا المعروف، ولکن لحبهم وإنصافهم یشکرون الباذل للمعروف، وهذا ما نستشفعه من قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فإنه قد یشکرک علیه من یسمع منک فیه»(1).

5__ فعل المعروف یرد علی صاحبه بکل ما هو جمیل فلذا ورد عن الإمام علی علیه السلام:

«مَن عامَلَ النّاسَ بِالجَمیلِ کافَؤوهُ بِهِ»(2).

6__ یفضل باذل المعروف بکثرة علی غیره ممن لم یفعل المعروف، ویقر له جمیع الناس بالأفضلیة کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَن کَثُرَ جَمیلُهُ أجمَعَ النّاسُ عَلی تَفضیلِهِ»(3).

7__ من أراد أن ینال قاعدة جماهیریة، وتتسع سمعته الحسنة فما علیه إلا أن یکثر من بذل المعروف مع جمیع الناس ولا یقتصر فعله علی فئة دون أخری أو شخص دون آخر وهذا لعله المراد من قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَن کَثُرَت عَوارِفُهُ کَثُرَت مَعارِفُهُ»(4).

الآثار فی الآخرة

1__ إذا بذل المعروف للمؤمن ینقذ باذله من الدخول إلی نار جهنم کما ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق علیه السلام:


1- میزان الحکمة: ج3، ص1930.
2- غرر الحکم: 8716. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12619.
3- غرر الحکم: 8407. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12620.
4- غرر الحکم: 8164. میزان الحکمة: ج6، ص2562، ح12621.

ص: 191

«إنَّ المُؤمِنَ مِنکمُ یَومَ القِیامَةِ لَیُمَرُّ عَلَیهِ بِالرَّجُلِ وقَد أمِرَ بِهِ إلَی النّارِ، فیَقولُ لَهُ: یا فُلانُ أغِثْنی، فقَد کُنتُ أصنَعُ إلَیکَ المَعروفَ فی الدّنیا، فیَقولُ المُؤمِنُ لِلمَلَکِ: خَلِّ سَبیلَهُ فیَأمُرُ اللهُ المَلَکَ أن أجِزْ قَولَ المُؤمِنِ، فیُخَلّی المَلَکُ سَبیلَهُ»(1).

2__ أمرنا الله سبحانه بالاستعداد للموت والتزود بالبضاعة الحسنة للمعاد یوم لا ینفع مال ولا بنون، فلذا لابد من صنع المعروف لخلق الله تعالی لکی نذهب بزاد نافع وهذا ما یشیر إلیه الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«عَلَیکُم بِصَنائعِ المَعروفِ؛ فإنَّها نِعمَ الزّادِ إلَی المَعادِ»(2).

3__ وعد الله تعالی المؤمنین العاملین بالجنة، وخلق الله تعالی لهذه الجنة أبواباً وجعل بعضاً من هذه الأبواب باسم بعض المؤمنین کباب الریان للصائمین وباب المعروف لأهل المعروف کما ورد ذلک فی الحدیث الشریف عن أبی هاشم: (سَمِعت أبا محمد یقول:

«إنَّ فی الجَنَّةِ باباً یُقالُ لَهُ: المَعروفُ، لا یَدخُلُهُ إلاّ أهلُ المَعروفِ.

فحَمِدتُ اللهَ تَعالی فی نَفسی وفَرِحتُ مِمّا أتَکَلَّفُهُ مَن حَوائِجِ النّاسِ، فنَظَرَ إلیَّ أبو مُحَمَّدٍ علیه السلام فقالَ:

نَعَم قَد عَمِلت ما أنتَ عَلَیهِ؛ وإنَّ أهلَ المَعروفِ فی الدّنیا أهلُ المَعروفِ فی الآخِرَةِ، جَعَلَکَ اللهُ مِنهُم یا أبا هاشمٍ ورَحِمَکَ»(3))(4).

4__ الباذل للمعروف ولو بقی الماء ورعایة الخلق لاسیما العجماوات (الحیوانات) سیجعله الله تعالی تحت ظله الذی لا یستغنی عنه أحد فی یوم شدید لا ظل فیه کما ورد


1- المحاسن: ج1، ص294، ح589. میزان الحکمة: ج6، ص2560، ح12609.
2- غرر الحکم: 6166. میزان الحکمة: ج6، ص2560، ح12610.
3- المناقب لابن شهر آشوب: ج4، ص432.
4- میزان الحکمة: ج6، ص2561، ح12617.

ص: 192

فی الحدیث الشریف عن الإمام الباقر علیه السلام:

«إنَّ اللهَ تَبارَکَ وتَعالی یُحِبُّ إبرادَ الکَبدِ الحَرّی، ومَن سَقی کَبداً حَرّی مِن بَهیمَةٍ أو غَیرِها أظَلَّهُ اللهُ یَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ»(1).

5__ لا یحتاج أهل المعروف إلی حسناتهم یوم القیامة لاستغنائهم عنها بفضل الله تعالی ومنّه، وسیتبرعون بها إلی من هو بحاجة إلیها کما جاء ذلک فی حدیث الإمام الصادق علیه السلام:

«أهلُ المَعروفِ فی الدّنیا هُم أهلُ المَعروفِ فی الآخِرَةِ؛ لأِنَّهُم فی الآخِرَةِ تَرجَحُ لَهُمُ الحَسَناتُ، فیَجودونَ بِها عَلی أهلِ المَعاصی»(2).

فوائد

1__ لا یمنعک من فعل المعروف وبذله إلی خلق الله تعالی الناکرون والجاحدون فإنک تبذله لله تعالی وهو الذی یشکرک علیه وهذا ما صرح به أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«فَلا یُزَهِّدَنَّکَ فی المَعروفِ کُفرُ مَن کَفَرَهُ، ولا جُحودُ مَن جَحَدَهُ؛ فإنَّهُ قَد یَشکُرُکَ عَلَیهِ مَن یَسمَعُ مِنکَ فیهِ»(3).

2__ أنت لمعروفک أحوج من أهل الحاجة إلیه کما فیه ثواب کبیر وذکر دائم وسمعة حسنة.

3__ لا تتردد فی أن تکون وسیلة لإیصال الخیر إلی الآخرین وإن لم تکن أنت باذله، فإن لک کأجر الباذل کما أکد ذلک الإمام الصادق علیه السلام بقوله:


1- الکافی: ج8، ص58، ح6. میزان الحکمة: ج6، ص2563، ح12631.
2- أمالی الطوسی: ص304، ح610. میزان الحکمة: ج6، ص2561، ح12615.
3- مستدرک الوسائل: ج12، ص340، ح14229. میزان الحکمة: ج6، ص2559، ح12597.

ص: 193

«لو جَرَی المَعروفُ عَلی ثَمانینَ کَفّاً لأجِروا کُلُّهُم فیهِ، مِن غَیرِ أن یُنقَصَ صاحِبُهُ مِن أجرِهِ شَیئاً»(1).

4__ لا تعطِ الخیر ناقصا ولا تفعل المعروف إلاّ بتمامه إذا کنت قادراً علی ذلک وهذا ما أشار إلیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«استتمام المعروف أفضل من ابتدائه»(2).

وما أرشدنا إلیه وصیه الأول أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«جمال المعروف إتمامه»(3).

5__ إذا وفقت لبذل المعروف علیک الالتزام بخواصه الثلاث التی تجعله معروفا کاملاً نافعاً فی الدنیا والآخرة، فلابد حینئذ من استقلاله (تصغیره)، وکتمه وسریته، والإسراع به إلی من هو بحاجة إلیه وکن لقول أمامک الصادق علیه السلام مطبقا إذ یقول:

«رأیتُ المَعروفَ لا یَصلُحُ إلاّ بِثَلاثِ خِصالٍ: تَصغیرِهِ، وتَستیرِهِ، وتَعجیلِهِ؛ فإنَّکَ إذا صَغَّرتَهُ عَظَّمتَهُ عِندَ مَن تَصنَعُهُ إلَیهِ، وإذا سَتَرتَهُ تَمَّمتَهُ، وإذا عَجَّلتَهُ هَنَّأتَهُ، وإن کانَ غَیرَ ذلکَ سَخَّفتَهُ ونَکَّدتَهُ»(4).

6__ أن تأتی متأخراً خیرٌ من أن لا تأتی، وأن تبذل المعروف وإن کان قلیلا فهو نافع لاسیما فی وقت الحاجة إلیه فلذا قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا تُحَقِّرَنَّ شَیئاً مِنَ المَعروفِ، ولَو أن تَلقی أخاکَ ووَجهُکَ مَبسوطٌ إلَیهِ»(5).


1- الکافی: ج2، ص18، ح2. میزان الحکمة: ج6، ص2565، ح12638.
2- میزان الحکمة: ج3، ص1936، ح2679.
3- میزان الحکمة: ج3، ص1936، ح2679.
4- الکافی: ج4، ص30، ح1. میزان الحکمة: ج6، ص2567، ح12662.
5- کنز الفوائد للکراجکی: ج1، ص212. میزان الحکمة: ج6، ص2568، ح12665.

ص: 194

7__ إذا أردت أن تعلم أنک مقبولا عند الله تعالی وأن معروفک سیجلب لک الثواب الجزیل، أنظر إلی موضعه فإذا أصاب معروفک مواضعه فهو لا شک من الأعمال المقبولة عند الله تعالی وهذا ما أراد الإمام الصادق علیه السلام قوله:

لما سئل عن علامة قبول العبد عند الله __:

«عَلامَةُ قَبولِ العَبدِ عِندَ اللهِ أن یُصیبَ بِمَعروفِهِ مَواضِعَهُ، فإن لَم یَکُن کذلکَ فلَیسَ کذلکَ»(1).

صفات أهل الفضل

ورد فی مواقع متعددة من القرآن الکریم ما یشیر إلی الأفضلیة والتفاضل کما فی قوله تعالی:

(انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَکْبَرُ تَفْضِیلًا) (2).

وقوله تعالی:

(تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَلَکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَکِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ) (3).

وقوله تعالی:

(وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلًّا فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ) (4).


1- بحار الأنوار: ج74، ص419، ح47. میزان الحکمة: ج6، ص2568، ح12667.
2- سورة الإسراء، الآیة: 21.
3- سورة البقرة، الآیة: 253.
4- سورة الأنعام، الآیة: 86.

ص: 195

وما جاءت الآیات الکریمة إلا لتبین أن هناک رجحات لشخص علی آخر هی سر التفاضل بین الأنبیاء والمرسلین.

فالفضیلة کما جاء فی اللغة هی الدرجة الرفیعة فی حسن الخلق(1).

وتفاضل القوم: تنافسوا فی الفضل أی فیما هو رفیع وشریف وعالٍ.

حث الأئمة الأطهار علیهم السلام علی التحلی بالفضائل لما لها من آثار وفوائد عالیة وهذا ما نلمسه فی قول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فخر المرء بفضله لا بأصله»(2).

ولکی نطّلع علی صفات أهل الفضل لابد من الوقوف علی موجبات الفضیلة التی تعد سلما للرفعة والعلو:

1__ الإیثار الذی هو تقدیم مصلحة الغیر علی مصلحة النفس یوجب الفضیلة لقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«من آثر علی نفسه استحق اسم الفضیلة»(3).

2__ عدم العجب بالنفس وعدم الترفع علی الآخر مما یجعل المرء فاضلا کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«کفی بالمرء فضیلة أن یُنقّص نفسه»(4).

3__ الصفح والتسامح والعفو عند القدرة صفات أهل الفضل کما ورد عنه علیه السلام:

«الفضل أنک إذا قدرت عفوت»(5).


1- المعجم الوسیط: ص693.
2- جامع أحادیث أهل البیت علیهم السلام، الشیخ هادی النجفی: ج8، ص475، ح10453.
3- میزان الحکمة: ج1، ص18، ح4 منزلة الإیثار.
4- میزان الحکمة: ج3، ص2433، ح3212 ما به فضیلة الإنسان.
5- المصدر السابق.

ص: 196

4__ الإحسان والابتداء به یقود إلی الفضل کما فی قوله علیه السلام:

«الفضل مع الإحسان»(1).

5__ الورع والطاعة والانقیاد لله تعالی تجسد التقوی فی صاحبها فیکسب بذلک أن یکون من أهل الفضل کما فی وصف أمیر المؤمنین علیه السلام للمتقین:

«فالمتقون فیها هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد»(2).

وهناک کثیر من الفضائل التی تصبغ صاحبها بالفضیلة کالمروءة وبث المعروف والإحسان وأداء المفروضات والنوافل والابتعاد عن الشبهات وهذا ما أشارت إلیه مجموعة من الأحادیث الشریفة ترکناها للاختصار، ومن شاء الإطلاع علیها فلیطلبها من مظانها(3).

وما جاء عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم یبیّن منزلة أهل الفضل ومقامهم فی یوم القیامة کما یبیّن الأعمال التی جعلتهم هکذا کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا جُمِعَ الخلائقُ یَومَ القِیامَةِ نادی مُنادٍ: أینَ أهلُ الفَضلِ؟ فَیَقومُ أُناسٌ وهُم یَسِیرٌ فَیَنطَلِقُونَ سِراعاً إلَی الجَنَّةِ، فَتَلَقّاهُم المَلائکةُ فیَقولونَ: إنّا نَراکُم سِراعاً إلَی الجَنَّةِ! فیَقولونَ: نَحنُ أهلُ الفَضلِ، فیقولونَ: ما کانَ فَضلُکُم؟ فیقولونَ: کُنّا إذا ظُلِمنا غَفَرنا، وإذا أُسِیءَ إلَینا عَفَونا، وإذا جُهِلَ علَینا حَلُمنا، فیقالُ لَهُم: ادخُلُوا الجَنَّةَ فَنِعمَ أجرُ العامِلینَ»(4).


1- المصدر السابق.
2- میزان الحکمة: ج3، ص2433، ح3212 أفضل الفضائل.
3- میزان الحکمة: ج8، ص3218 __ 3219.
4- تنبیه الخواطر: ج1، ص124. میزان الحکمة: ج8، ص3219 __ 3220، ح15963.

ص: 197

الخطبة الرابعة: فی مکارم الأخلاق

اشارة

ص: 198

ص: 199

نص الخطبة

اشارة

(إنَّ الحِلْمَ زینَةٌ، وَالوَفاءَ مُرُوءَةٌ، والصِّلَةَ نِعْمَةٌ، والاسْتِکْبارَ صَلَفٌ، والْعَجَلَةَ سَفَهٌ، وَالسَفَهَ ضَعْفٌ، وَالغُلُوَّ وَرْطَةٌ، وَمُجالَسَةَ أهْلِ الدَّناءَةِ شَرٌّ، وَمُجالَسَةَ أهلِ الفِسْقِ رِیبَةٌ).

إن الأناة وضبط النفس وکظم الغضب حسن وجمال، والصدق بالوعد والعدد کمال الرجولة، والرحمة والتواصل وعدم الهجران منّة وفضل من الله تعالی، والتعالی والتعاظم وعدم قبول الحق عجب وتکبر، والتسرع خفة وطیش وجهل، وهذه الخفة والطیش هی قلة فطنة وضعف فؤاد، وتجاوز الحد والإفراط أمر یتعسر النجاة منه، والقعود مع الأراذل والاختلاط بهم سوء وفساد ومغالطة، والقعود مع أهل العصیان تهمة وظن وشک.

بحث أخلاقی
مکارم الأخلاق شیمة المؤمنین

منذ أن وطئ الإنسان بقدمیه تراب هذه الأرض وطئها وهو مزودٌ بالأخلاق الفاضلة وعارفٌ للأخلاق الفاسدة ومأمورٌ من قبل الله تعالی بالتحلی بکلّ الفضائل لکی یصل إلی غایته التی خلق من أجلها ألا وهی عبادة الله سبحانه وتعالی کما فی قوله تعالی:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ) (1).


1- سورة الذاریات، الآیة: 56.

ص: 200

فصارت مکارم الأخلاق من لوازم الحیاة الصحیحة علی الأرض ومن لوازم الأمم التی تنشد الرفعة والطهارة، فأخذت الشرائع السماویة کمال الإنسان غایة لها وبدأ الأنبیاء علیهم السلام بالإرشاد والتربیة والتزکیة لهذه النفوس الجامحة التی تمیل بطبعها للراحة الدعة، وتوالت الأنبیاء علیهم السلام علی قیادة البشریة إلی الکمال حتی وصلت إلی خاتمها وسید رسلها محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی صرح بکلمته الخالدة:

«إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق»(1).

وورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«حُسنُ الخُلقِ مِن أفضَلِ القِسَمِ وأحْسَنِ الشِیَمْ»(2).

ولکی نقف علی معنی الأخلاق وحسنها وما یترتب علیها لابد من الحدیث عن العنوانین المختلفة فی ذلک.

الخلق وعاء الدین

تقدم بیان علاقة الدین بالأخلاق الفاضلة، وعرفنا حرص الأنبیاء علیهم السلام علی تزوید أممهم بالمکارم والسمو ولکی یتضح العنوان لابد من معرفة مفهومه فی اللغة والاصطلاح:

الخلق فی اللغة: حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خیر أو شر من غیر حاجة إلی فکر أو رویة، ومجموعها أخلاق(3).

الخلق فی الاصطلاح: سلوک یسلکه الإنسان فی میدان الفضائل أو الرذائل


1- میزان الحکمة: ج1، ص804، ح1111.
2- غرر الحکم: 4842. میزان الحکمة: ج3، ص1073، ح5000.
3- المعجم الوسیط: ص252.

ص: 201

ویصبغ صاحبه بالحسن أو القبح.

والسلوک أو الحال الذی یتصف به الإنسان له ثلاث مراتب:

المرتبة الأولی: هی الاتصاف بصفة علی وجه السرعة وفقدانها بذات السرعة وهذا ما یسمی (بالحال) کما فی حمرة الخجل أو صفرة الوجل التی تحصل للمرء عند وجود السبب لها وترتفع بارتفاعه.

المرتبة الثانیة: هی الاتصاف بصفة ما ببطء وتکرار حتی ترسخ فی النفس إلی درجة (الملکة) فتصدر عن صاحبها بسهولة وسرعة دون تأمل أو رویة.

المرتبة الثالثة: هی اتصاف الإنسان بصفة وصلت إلی حد (الاتحاد) مع ذاته ولا تزول إلا بزوال الذات.

فالحالة الأولی لا یمکن أن نطلق علیها بأنها خلق لسرعة الاتصاف بها وسرعة زوالها، وأمّا الحالة الثانیة والثالثة هی المعنیّة بذلک وهی التی یصدق علیها بأنها (خلق) فالاتصاف بالخلق الفاضل هو الدین أو من الدین وهذا ما أکده النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«جاءَ رجُلٌ إلی رسولِ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم مِن بَینِ یَدیهِ فقالَ: یا رسولَ اللهِ، ما الدِّینُ؟ فقالَ:

حُسنُ الخُلقِ.

ثُمَّ أتاهُ عن یَمینِهِ فقالَ: ما الدِّینُ؟ فقالَ:

حُسنُ الخُلقِ.

ثُمَّ أتاهُ مِن قِبَلِ شِمالِهِ فقالَ: ما الدِّینُ؟ فقالَ:

حُسنُ الخُلقِ.

ثُمَّ أتاهُ مِن وَرائهِ فقالَ: ما الدِّینُ؟ فالْتَفَتَ إلَیهِ وقالَ:

ص: 202

أمَا تَفْقَهُ؟! الدِّینُ هُو أنْ لا تَغْضَبَ»(1).

فلذا صار الخلق وعاءً ومکانا مناسبا للدین وهذا ما اتصف به النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم الذی أفاض الله تعالی علیه نعمة النبوة وحباه بالوحی دون غیره لخلقه الرفیع الذی وصل إلی درجة أن ینال مدح الله تعالی وثناء المولی علی العبد بقوله:

(وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) (2).

مکارم الأخلاق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

مکارم الأخلاق هبة یهدیها الله تعالی لخلقه ترتفع بصاحبها إلی الدرجات العلیا والمراتب الرفیعة، وهی درع واقیة ضد الآثام والدنس فلذا أکثر أهل البیت علیهم السلام من الحث علیها بأنواعه الآتیة:

1__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«عَلَیکُم بمَکارِمِ الأخْلاقِ، فإنّ اللهَ عزّ وجلّ بَعثَنی بها، وإنَّ مِن مَکارِمِ الأخْلاقِ أنْ یَعْفُوَ الرّجُلُ عَمَّنْ ظَلمَهُ، ویُعْطیَ مَن حَرمَهُ، ویَصِلَ مَن قَطعَهُ، وأنْ یَعودَ مَن لا یَعودُهُ»(3).

2__ وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«جَعلَ اللهُ سُبحانَهُ مَکارِمَ الأخْلاقِ صِلَةً بَینَهُ وبَینَ عِبادِهِ، فحَسْبُ أحَدِکُم أنْ یَتَمسّکَ بخُلقٍ مُتَّصِلٍ باللهِ»(4).


1- تنبیه الخواطر: ص89. میزان الحکمة: ج3، ص1076، ح5030.
2- سورة القلم، الآیة: 4.
3- أمالی الطوسی: ص478، ح1042. میزان الحکمة: ج3، ص1081 __ 1082، ح5061.س
4- تنبیه الخواطر: ج2، ص122. میزان الحکمة: ج3، ص1082، ح5063.

ص: 203

3__ وعن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فَهَبْ أنّهُ لا ثَوابَ یُرجی ولا عِقابَ یُتَّقی، أفَتَزْهَدونَ فی مَکارِمِ الأخْلاقِ؟!»(1).

4__ وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«ثابِروا علی اقْتِناءِ المَکارِمِ»(2).

وهناک الکثیر من الأحادیث التی حثت البشریة علی التحلی بهذه المکارم التی لا غنی عنها لعاقل متبصر ولا لأمة تنشد الحیاة الحقیقیة، ولکی یتضح الأمر ویسعی المرء لنیل هذه المکارم لابد من الاطلاع علیها ومعرفتها، فلقد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام حدیثان جمع فیهما أغلب مکارم الأخلاق وهما کما یلی:

1__ قال الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ اللهَ تبارکَ وتعالی خَصَّ رسولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم بمَکارِمِ الأخْلاقِ، فامْتَحِنوا أنفسَکُم؛ فإن کانتْ فِیکُم فاحْمَدوا اللهَ عزّ وجلّ وارغَبوا إلَیهِ فی الزّیادَةِ مِنها.

فذکَرَها عَشرَةٌ:الیَقینُ، والقَناعَةُ، والصَّبرُ، والشُّکرُ، والحِلْمُ، وحُسنُ الخُلقِ، والسَّخاءُ، والغَیرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُروءَةُ»(3).

2__ وعنه علیه السلام:

«المَکاِمُ عَشْرٌ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تکونَ فیکَ فَلْتَکُنْ، فإنّها تَکونُ فی الرّجُلِ ولا تکونُ فی ولدِهِ، وتکونُ فی ولدِهِ ولا تکونُ فی أبیهِ، وتکونُ فی العَبدِ ولا تکونُ فی الحُرِّ: صِدْقُ البَأسِ، وصِدْقُ اللِّسانِ، وأداءُ الأمانَةِ، وصِلَةُ


1- غرر الحکم: 6278. میزان الحکمة: ج3، ص1081، ح5060.
2- غرر الحکم: 4712. میزان الحکمة: ج3، ص1079، ح5046.
3- أمالی الصدوق: ص184، ح8. میزان الحکمة: ج3، ص1080، ح5052.

ص: 204

الرَّحِمِ، وإقْراءُ الضَّیفِ، وإطْعامُ السّائلِ، والمُکافأةُ علی الصَنائِعِ، والتَّذَمُّمُ للجارِ، والتّذَمُمُ للصاحِبِ، ورأسُهُنَّ الحَیاءُ»(1).

وعند التأمل فی هذین الحدیثین نجد الإمام علیه السلام یحث علی رفض الشک باطناً وظاهراً، والرضا بما قسم الله تعالی، والتحلی بعدم الجزع ونبذ الجزع ونبذ الشعور بالملل لاسیما فی الطاعات، والعرفان بالجمیل ومکافأة المنعم، والتحلی بضبط النفس عند الغضب، والعشرة بالمعروف والتلبس بالآداب الجمیلة، والکرم والبذل ابتداءً أو عند السؤال، والحرص علی الدین والمعرض والمقدسات، ورد العادی والثبات له، والفتوة والشیمة، وقول الحقیقة، والحفاظ علی أمانات الناس وإرجاعها، والتواصل مع القربی، وإکرام الضیف وحسن الجوار، والخجل من الله تعالی ومن الناس عند الإقدام علی ما یخدش الحیاء.

کما أن هناک صفات أخری عدّها الأئمة علیهم السلام من مکارم الأخلاق کالعفو عن الظالم، ومواساة الرجل أخاه فی ماله، وذکر الله تعالی کثیرا.

__ نصائح

1__ هناک تلازم بین الخلق الحسن والعقل، وبین الخلق السیئ والجهل وهذا ما یحث علی طلب الالهی لبناء (کما هو فی الأصل)

العقل وکماله لکی یتصف صاحبه بالخلق الحسن فلذا نجد أمیر المؤمنین علیه السلام یؤکد علی ذلک بقوله:

«الخُلقُ المَحمودُ مِن ثِمارِ العقلِ، الخُلقُ المَذمومُ مِن ثِمارِ الجَهلِ»(2).

2__ إذا کانت صورة المؤمن جمیلة فلیحافظ علی جمالها بحسن الخلق، یقولون


1- الخصال: ص431، ح11.
2- غرر الحکم: 1280 __1281. میزان الحکمة: ج3، ص1072، ح4993.

ص: 205

جمیلا فی الظاهر والباطن کما ورد ذلک فی سفینة البحار عن جریر بن عبد الله قال: قالَ لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّکَ امْرءٌ قَد أحْسَنَ اللهُ خَلْقَکَ فأحْسِنْ خُلقَکَ»(1).

3__ إذا ادعی شخص الإیمان فانظر إلی ما یستند علیه هذا لإیمان فإن کان له خلق حسن فنعم السند وإلا فلا، وهذا أشار إلیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«لَمّا خَلقَ اللهُ تعالی الإیمانَ قالَ: اللّهُمَّ قَوِّنی، فَقَوّاهُ بحُسنِ الخُلقِ والسَّخاءِ ولَمّا خَلقَ اللهُ الکُفرَ قالَ: أللّهُمَّ قَوِّنی، فَقَوّاهُ بالبُخلِ وسُوءِ الخُلقِ»(2).

4__ إذا رغبت فی ثواب القائمین والصائمین علیک بالخلق الحسن لتنال درجتهم وهذا ما أشار إلیه نبی الرحمة صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن حَسَّنَ خُلقَهُ بَلّغَهُ اللهُ درَجَةَ الصّائمِ القائمِ»(3).

5__ إذا ضعفت نفسک عن العبادة ولم تتوفر لک مستلزماتها کصحة البدن وعدم الغفلة والنشاط البدنی والإقبال القلبی، لیس لک دواء لدائک إلاّ حسن الخلق فلذا اسمع قول سید المرسلین فی ذلک إذ یقول:

«إنّ العَبدَ لَیَبلُغُ بحُسنِ خُلقِهِ عَظیمَ دَرَجاتِ الآخِرَةِ وشَرَفَ المَنازِل، وإنَّهُ لَضَعیفُ العِبادَةِ»(4).

6__ إذا أردت لمیزانک أن یکون ثقیلا یوم توضع الموازین علیک بالتحلی بالخلق الحسن، وهذا ما صرح به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«ما مِن شَیءٍ أثقَلُ ما یُوضَعُ فی المِیزانِ مِن خُلقٍ حَسنٍ»(5).


1- سفینة البحار: ج1، ص410. میزان الحکمة: ج3، ص1073، ح4998.
2- المحجّة البیضاء: ج5، ص90. میزان الحکمة: ج3، ص1072، ح4986.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص71، ح328. میزان الحکمة: ج3، ص1074، ح5009.
4- المحجّة البیضاء: ج5، ص93. میزان الحکمة: ج3، ص1074، ح5010.
5- میزان الحکمة: ج3، ص1074، ح5016. بحار الأنوار: ج71، ص383، ح17.

ص: 206

أسئلة مهمة

السؤال الأول: ما هی الصفات التی اتصف بها النبی صلی الله علیه وآله وسلم لکی ینال المدح الإلهی بقوله تعالی (وإنک لعلی خلق عظیم)؟.

الجواب: کان خلق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الانقیاد والطاعة والعبودیة التامة لربه سبحانه، وهذا ما ذکره الإمام الباقر علیه السلام فی قوله تعالی:

(وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) (1).

«هو الإسلامُ»(2).

وکان خلقه القرآن کما ذکر ذلک الحسن البصری وقبله عائشة.

السؤال الثانی: من هو الذی سیجلس قریبا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم القیامة ویکون محبوباً إلیه؟

الجواب: هذا ما أجاب عنه النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«إنّ أحَبَکُم إلَیَّ وأقرَبَکُم مِنّی یَومَ القِیامَةِ مَجلِساً أحْسَنُکُم خُلقاً وأشَدُّکُم تَواضُعاً»(3).

السؤال الثالث: ما هو تفسیر حسن الخلق؟

الجواب: 1__ أن تکون متواضعا لطیفا ذا رفق ورحمة، وأن لا تتکلم إلا بما یرضی الله تعالی ولیقع کلامک فی قلوب مستمعیک، وأن تعلو وجهک طلاقة وسماحة، فإن هذه الصفات هی التی یتجسد فیها حسن الخلق کما أخبر بذلک الإمام الصادق علیه السلام لَمّا سُئلَ عن حَدّ حُسنِ الخُلقِ قال:


1- سورة القلم، الآیة: 4.
2- معانی الأخبار: ص188، ح1. میزان الحکمة: ج3، ص1075، ح5019.
3- بحار الأنوار: ج71، ص385، ح26.

ص: 207

«تَلینُ جانِبَکَ، وتُطیِّبُ کلامَکَ، وتَلْقی أخاکَ ببِشْرٍ حَسَنٍ»(1).

2__ الرضا بعطاء الله تعالی والقناعة به، وعدم الغضب والانفعال عند عدم الحصول علی الدنیا، هکذا فسر الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم حسن الخلق بقوله:

«إنّما تفسیرُ حُسنِ الخُلقِ: ما أصابَ الدُّنیا یَرْضی، وإنْ لَم یُصِبْهُ لَم یَسْخَطْ»(2).

3__ التنزه عن المعاصی وترک الانغماس فیها، والسعی فی طلب الرزق الحلال الطیب، وإکرام الزوجة والأولاد أو من تجب علیک إعالته، هذا مما عدّه أمیر المؤمنین من حسن الخلق بقوله:

«حُسنُ الخُلقِ فی ثَلاثٍ: اجْتِنابُ المَحارِمِ، وطَلَبُ الحَلالِ، والتَّوَسُّعُ علی العِیالِ»(3).

السؤال الرابع: ما هو الممیز بین الفضائل والرذائل؟

الجواب: عدم الإفراط أو التفریط هو الذی یسبغ الأفعال والأقوال بالصیغة الحسنة، وبعکسه یقع القبح وتتشوه الصورة، ولا بأس أن نبین ذلک من خلال المثال:

إذا أردت أن تنفق فإن زاد عن حده فهو إسراف وإن قصر عن حده فهو بخل، وهکذا تجری القاعدة فی الأمور الأخری، وخیر ما یؤکد ذلک قول الإمام العسکری علیه السلام إذ یقول:

«إنّ للسَّخاءِ مِقْداراً فإنْ زادَ علَیهِ فهُو سَرَفٌ، وللحَزْمِ مِقْداراً فإنْ زادَ عَلَیهِ فهُو جُبْنٌ، وللاقْتِصادِ مِقْداراً فإنْ زادَ علیه فهُو بُخْلٌ، وللشَّجاعَةِ مِقْداراً فإنْ زادَ علَیهِ فهُو تَهوُّرٌ»(4).


1- معانی الأخبار: ص253، ح1. میزان الحکمة: ج3، ص1076، ح5027.
2- کنز العمّال: 5229. میزان الحکمة: ج3، ص1076، ح5028.
3- بحار الأنوار: ج71، ص394، ح63. میزان الحکمة: ج3، ص1076، ح5029.
4- بحار الأنوار: 69، ص407، ح115.

ص: 208

السؤال الخامس: کیف نحکم علی من نعاشر؟

الجواب: 1__ ینصح أمیر المؤمنین علیه السلام من یرید أن یکوّن رأیاً عن صاحبه أن ینظر إلی أفعاله وصفاته فإن وجد صفة جیدة فلینظر إلی الصفات الأخری هل ستکون بجانبها وهذا ما أشار إلیه الإمام علیه السلام بقوله:

«إذا کانَ فی رَجُلٍ خَلّةٌ رائقَةٌ فانْتَظِروا أخَواتِها»(1).

2__ إذا لمست بخلاً وسوء خلق من صاحبک فاحکم ببعده عن الإیمان، وذلک ما صرح به رسول الإنسانیة صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«خَصْلَتانِ لا تجْتَمعانِ فی مؤمنٍ: البُخلُ وسُوءُ الخُلقِ»(2).

ثمرات حسن الخلق
اشارة

ما حثت الشرائع وما صدع الأنبیاء علیهم السلام بحسن الخلق إلا لما فیه من فوائد جمة علی مستوی الدنیا والآخرة، ولقد تقدم بیان ثماره فی الآخرة فی أحادیث متفرقة: کبلوغ صاحب الخلق الحسن درجة الصائمین والقائمین، والقرب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مجلسا یوم القیامة، وثقل المیزان بالحسنات والثواب الجزیل.

وأمّا ثماره فی الدنیا فهی کالآتی:

1__ ینال صاحبه سعة فی رزقه ویکثر أصدقاؤه کما قال ذلک الإمام علی علیه السلام:

«حُسنُ الخُلقِ یَزیدُ فی الرِّزقِ، ویُؤْنِسُ الرِّفاقَ»(3).


1- نهج البلاغة: الحکمة 445. میزان الحکمة: ج3، ص1088، ح5123.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج6، ص337. میزان الحکمة: ج3، ص1085، ح5097.
3- غرر الحکم: 4856. میزان الحکمة: ج3، ص1083، ح5076.

ص: 209

2__ قالوا إن دار الظالم خراب، وأقول إن دار سیئ الخلق مثله، ولکن دار من حسن خلقه عامرة بأهلها وبنائها، وعمر سیئ الخلق قصیر مبتور، وعمر حسن الخلق طویل فی طاعة الله تعالی، ولذا نجد الإمام الصادق علیه السلام یقول:

«إنَّ البِرَّ وحُسنَ الخُلقِ یَعْمُرانِ الدِّیارَ، ویَزیدانِ فی الأعْمارِ»(1).

3__ إذا سر العاقل أن یکون محبوبا ومحترما عند الناس، فما علیه إلا أن یکون ملتزما بحسن الخلق، فإن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول:

«حُسنُ الخُلقِ یُثَبِّتُ المَودَّةَ»(2).

__ سوء الخلق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

تقدم الکلام عن حسن الخلق ومکارمه فی نظر أهل البیت علیهم السلام فکان کلاما یسر العقول ویشنف الأسماع ویقوی القلوب ویبعث علی التنافس فی المکارم، فحسن الخلق طیب یتعطر به المؤمنون، وتاج یتزین به العقلاء، ودرع یتوقی بها مجاهدوا النفوس، ووسیلة یتقرب بها المتقربون، وجلباب یتجلبب به أهل الحیاء، ودرجة یرتقی بها أهل العلو والرفعة، وفضل یمنّ به المحسنون، وعدل یحکم به الحاکمون، وبر یبذله أهل المعروف، ورضا تقنع به النفوس، واطمئنان تتحلی به القلوب، وأنس یأنس به الأصحاب.

وأمّا سوء الخلق! مرض یصیب الجاهلین، ونتانة یفر منها أهل الذوق، ودناءة للنفوس، وتسافل فی الدرجات، وفساد للعمل الصالح، وقرین مانع للخیر، ووحشة للأهل والأحباب، وحاجب عن التوبة، وغم لا ینجلی، وهم لا ینکشف، وعذاب لا یزول إلا بزوال صاحبه، ونکد للعیش، وبعد عن الله تعالی، وجفوة للدین، ومخالفة لسید المرسلین صلی الله علیه وآله وسلم، وترک لسیرة المعصومین علیهم السلام وسبیل إلی النار.


1- بحار الأنوار: ج71، ص395، ح73. میزان الحکمة: ج3، ص1083، ح5077.
2- بحار الأنوار: ج77، ص148، ح71. میزان الحکمة: ج3، ص1084، ح5080.

ص: 210

آثار سوء الخلق
اشارة

بعد هذا الوصف الذی وصف أهل البیت علیهم السلام فیه سوء الخلق نجد أنفسنا فی غنی عن ذکر آثاره ولکن لیطمئن قلب القارئ بذکر بعض أحادیث أهل بیت العصمة علیهم السلام الذین حذروا من سوء الخلق وبینّوا سوء عواقبه:

1__ ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ العَبدَ لَیَبلُغُ من سُوءِ خُلقِهِ أسْفَلَ دَرَکِ جَهنَّمَ»(1).

2__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألا أُخبِرُکُم بأبعَدِکُم مِنّی شَبَهاً؟

قالوا: بلی یا رسولَ اللهِ، قال:

الفاحِشُ المُتَفَحِّشُ البَذیءُ، البَخیلُ، المُخْتالُ، الحَقودُ، الحَسودُ، القاسِی القَلبَ، البَعیدُ مِن کُلِّ خَیرٍ یُرجی، غَیرُ المَأمونِ مِن کُلِّ شَرٍّ یُتَّقی»(2).

3__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:

«الخُلقُ السَّیِّئُ یُفسِدُ العَملَ کما یُفسِدُ الخَلُّ العسَلَ»(3).

4__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَن ساءَ خُلقُهُ أعْوَزَهُ الصَّدیقُ والرَّفیقُ»(4).

وقال علیه السلام:

«مَن ساءَ خُلقُهُ ضاقَ رِزْقُهُ»(5).


1- المحجّة البیضاء: ج5، ص93. میزان الحکمة: ج3، ص1086، ح5101.
2- الکافی: ج2، 291، ح9. میزان الحکمة: ج3، ص1086 __ 1087، ح5110.
3- الکافی: ج2، 321، ح1. میزان الحکمة: ج3، ص1084، ح5086.
4- غرر الحکم: 9187. میزان الحکمة: ج3، ص1086، ح5105.
5- غرر الحکم: 8023. میزان الحکمة: ج3، ص1086، ح5106.

ص: 211

5__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«سُوءُ الخُلقِ شَرُّ قَرینٍ»(1).

وعنه علیه السلام:

«سُوءُ الخُلقِ نَکَدُ العَیْشِ وعذابُ النَّفْسِ»(2).

وقال علیه السلام أیضا:

«سُوءُ الخُلقِ یُوحِشُ النَّفسَ، ویَرفَعُ الأُنْسَ»(3).

6__ ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«مَن ساءَ خُلقُهُ عَذّبَ نَفْسَهُ»(4).

__ الحلم

أشار الإمام الحسین علیه السلام إلی صفة لا غنی عنها فی الحیاة الدنیا لاسیما عند معاشرة اللؤماء والجاهلین، فهذه الصفة تظهر بتمامها فی اسم الحلیم الذی هو من أسماء الله تعالی الحسنی، إلا أن تفسیر هذه الصفة التی یتصف بها الله تعالی غیر تفسیرها عندما یتصف بها العبد، ولکی یتضح الأمر بدرجة أکثر لابد من التعرض لمعرفة مفهوم الحلم لغة واصطلاحا.

الحلم فی اللغة: هو ترک العجلة، الصفح والستر، هو الأناة وضبط النفس، حَلُم: تأنی وسکن عند غضب أو مکروه مع قدرة وقوة(5).


1- غرر الحکم: 5567. میزان الحکمة: ج3، ص1085، ح5089.
2- غرر الحکم: 5639. میزان الحکمة: ج3، ص1085، ح5090.
3- غرر الحکم: 5640. میزان الحکمة: ج3، ص1085، ح5091.
4- بحار الأنوار: 78، ص246، ح62. میزان الحکمة: ج3، ص1086، ح5102.
5- المعجم الوسیط: ص194.

ص: 212

الحلم فی الاصطلاح: هو السیطرة علی النفس عند هیجان الغضب وضبطها عن الانتقام مع القدرة علیه دون أن یستلزم ذلک الذل والهوان.

وصف أهل البیت علیهم السلام الحلم بأنه من الفضائل التی یتجمل به صاحبه، ویتخذ منه واقیاً من الإصابة بالبلایا والعواقب الوخیمة، بل هو من لوازم الإیمان وکمال العقول، وهو علامة الاتزان، وسبب تکوّن العشیرة، ودلالة علی عبادة صاحبه، ووسیلة لسیادته علی غیره، وطریقة للانتصار علی العدو، ورد للسفیه، ومدعاة للسلم.

بحث عقائدی
غضب وحلم الله تعالی

تقدم الکلام عن أن الحلم هو الأناة وضبط النفس والسکن عند الغضب، فلذا ورد فی الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة ما یصرح بأن الله سبحانه یتصف بالحلم ویتسمی بالحلیم کما فی قوله تعالی:

(وَلَا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّکُمْ سَتَذْکُرُونَهُنَّ وَلَکِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکَاحِ حَتَّی یَبْلُغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی أَنْفُسِکُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ) (1).

وفی قوله تعالی:

(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا یُضَاعِفْهُ لَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللَّهُ شَکُورٌ حَلِیمٌ)(2).


1- سورة البقرة، الآیة: 235.
2- سورة التغابن، الآیة: 17.

ص: 213

وهناک الکثیر من الآیات الأخری التی تصرح بذلک، کما ورد أیضا فی الأحادیث الشریفة، عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، من دعائه فی یوم الأحزاب:

«إلهی أنت الحلیم الذی لا یجهل»(1).

وورد أیضا عن الإمام الکاظم علیه السلام فی صفة الله تعالی قوله:

«الحلیم الذی لا یعجل»(2).

ومما لا شک فیه أن الاتصاف بالحلم لا یأتی إلا بعد غضب یعتری الساکن فیهیج بسببه فیبادر إلی رد فعل عنیف أو یحاول ضبط نفسه والسیطرة علی سلوکه، فیلزم من ذلک حدوث تغیر فی حاله، ولکن لا تجری هذه التغیرات فی الله سبحانه لاستحالة قیام الحوادث وطرئها علی ذاته سبحانه لأنه واجب الوجود، ولکی یتضح الأمر جلیا لابد من الوقوف علی معنی الغضب الإلهی سوالحلم الإلهی.

قبل الاطلاع علی معنی الغضب الإلهی لابد أن نعرف أن الله تعالی یغضب علی عباده العصاة کما ورد ذلک فی کثیر من الآیات الشریفة کما فی قوله تعالی:

(ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ أَیْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الْمَسْکَنَةُ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَانُوا یَکْفُرُونَ بِآَیَاتِ اللَّهِ وَیَقْتُلُونَ الْأَنْبِیَاءَ بِغَیْرِ حَقٍّ ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ) (3).

وفی قوله تعالی:

(وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِیمًا) (4).


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج91، ص212، ح7.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة، محمد الریشهری: ج4، ص152، ح4443.
3- سورة آل عمران، الآیة: 112.
4- سورة النساء، الآیة: 93.

ص: 214

وقوله تعالی:

(کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی وَمَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوَی) (1).

وهناک الکثیر من الآیات الأخری التی تصرح بذلک فراجع.

ورد فی الحدیث الشریف عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ما یؤکد ذلک کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم لما سأله رجل: أُحِبُّ أن أکُونَ آمِناً مِن سَخَطِ اللهِ __ قال:

«لا تَغضَبْ علی أحَدٍ تَأمَنْ غَضَبَ اللهِ وسَخَطَهُ»(2).

وورد عن الإمام الباقر علیه السلام أن الغضب  مذکور فی التوراة أیضا کما فی قوله علیه السلام:

«مَکتوبٌ فی التَّوراةِ...: یا موسی، أمسِکْ غَضَبَکَ عَمَّن مَلَّکتُکَ علَیهِ، أکُفَّ عنکَ غَضَبِی»(3).

وما ذکره السید المسیح علیه السلام یؤکد أن الأدیان السماویة تشیر إلی أن الله تعالی یغضب ویحل غضبه علی من یستحقه کما فی قوله علیه السلام:

(لَمّا سألَهُ الحَوارِیُّونَ: أیُّ الأشیاءِ أشَدُّ؟__: أشَدُّ الأشیاءِ غَضَبُ اللهِ.

قالوا: فیما یُتَّقی غَضَبُ اللهِ؟، قال: بأن لا تَغضَبُوا)(4).

بعد أن عرفنا بموجب الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة أن الله تعالی یغضب


1- سورة طه، الآیة: 81.
2- کنز العمّال: 44154. میزان الحکمة: ج7، ص3009، ح15052.
3- الکافی: ج2، ص303، ح7. میزان الحکمة: ج7، ص3008، ح15050.
4- مشکاة الأنوار: ص219. میزان الحکمة: ج7، ص3008، ح15051.

ص: 215

علی من یستحق الغضب وینزل غضبه علی ذلک العاصی المستحق لهذا الغضب وعرفنا من خلال الآیات التی تقدم ذکرها فی ذکر صفة الحلم بأنه تعالی یتصف بالحلم ویصف نفسه سبحانه بالحلیم، فبعد هذا صار من الضروری أن نعرف المعنی الحقیقی لغضب الله تعالی وحلمه علی عباده فنقول:

عرف أهل اللغة الغضب بأنه: البغض وحب الانتقام من المبغوض(1).

وجاء فی المعجم الوسیط، غضب علیه غضبا: سخط علیه وأراد الانتقام منه، الغضب: استجابة لانفعال تتمیز بالمیل إلی الاعتداء(2).

الغضب فی الاصطلاح: هو هیاج یعتری الإنسان یدفعه إلی رد فعل عنیف.

ولو تأملنا ما تقدم من معان للغضب لا نجدها تصلح للإنطباق علی الغضب الإلهی لما فیها من فساد عقائدی فلم یبقَ لنا إلا أن نطرق باب أهل بیت العصمة علیهم السلام لیعرفونا المعنی الحقیقی لغضب الله تعالی.

لقد ورد من محاورة بین رجل یدعی (عمرو بن عبید) والإمام الصادق علیه السلام فی ذلک وهی کالآتی:

قال عمرو بن عبید: أخبرنی (جعلت فداک) عن قوله جل ذکره:

(وَمَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوَی) (3).

ما غضب الله؟

فقال أبو جعفر علیه السلام:

«غضب الله عقابه یا عمرو، ومن ظن أن الله یغیره شیء فقد کفر».


1- المنجد الأبجدی: ص737.
2- المعجم الوسیط: ص654.
3- سورة طه، الآیة: 81.

ص: 216

وورد فی توحید الصدوق: (أن أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علی السکری، قال: حدثنا محمد بن زکریا الجوهری، عن جعفر بن عمارة، عن أبیه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد علیه السلام فقلت له: یابن رسول الله أخبرنی عن الله عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال:

«نعم ولیس ذلک علی ما یوجد فی المخلوقین ولکن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه»)(1).

وعند التأمل فی هذین الحدیثین الشریفین یتضح لنا المعنی الحقیقی ل_(غضب الله تعالی) ولیس هو إلا عقابه أو عذابه ولیس ثورة وهیاجاً وتغییراً لاستحالة ذلک فی الذات الإلهیة.

وأمّا المعنی الحقیقی لحلم الله تعالی هو الغض عن معاصی العباد، وأنه لا یعجل فی مؤاخذتهم، بل یمهل ولا یهمل أی یرجئ العقوبة إلی حین آخر بحکمته، وهذا ما أکده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أوصی الله عز وجل إلی أخی العزیز.. لا تأمن مکری حتی تدخل جنتی، فاهتز عزیز یبکی، فأوصی الله إلیه لا تبک یا عزیز، فإن عصیتنی بجهلک غفرت لک بحلمی، لأنی کریم لا أعجل بالعقوبة علی عبادی وأنا أرحم الراحمین»(2).

خلاصة الکلام: أن الغضب الإلهی هو العقاب والعذاب ولیس هیاجا أو فورة دم تعالی الله عن ذلک علوا کبیرا، وأمّا الحلم فهو تأخیر العقوبة وإرجاؤها إلی حین ولیس سکنا وهدوءاً وضبط نفس لاستحالة اتصافه بذلک لأنه تعالی لیس محلا لطروء الحوادث أو التغیر.


1- کتاب التوحید للصدوق: ص170.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج2، ص151.

ص: 217

الحلم فی نظر أهل البیت علیهم السلام
اشارة

الحلم هذه الصفة التی لا یستغنی عنها العقلاء فسرها أهل البیت علیهم السلام بأنها الربط الشدید لفوهة النفس لکی لا یخرج غضبها والسیطرة والاستیلاء علی القلب عندما تعصف به فورة الدم ولذلک قال الإمام الحسن علیه السلام وقد سئل عن الحلم:

«کظم الغیظ وملک النفس»(1).

ویری الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام الحلم بأنه القدرة علی الاحتمال بقوله:

«کمال العلم الحلم، وکمال الحلم کثرة الاحتمال والکظم»(2).

بل یدعو الإمام إلی أن یترجم الحلیم حلمه إلی تجلد وسکوت کما فی قوله علیه السلام:

«الحلم کالصبر والصمت»(3).

ویشیر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی زاویة أخری لیعرف لنا الحلم بالعشرة الهادئة التی یضطر إلیها الإنسان عند ابتلائه بلئیم أو أحمق أو سیئ العشرة ولذا نجده یقول صلی الله علیه وآله وسلم:

«لَیسَ بِحَلیمٍ مَن لَم یُعاشِرْ بالمَعروفِ مَن لابُدَّ لَهُ مِن مُعاشَرَتِهِ حَتّی یَجعَلَ اللهُ لَهُ مِن ذلک مَخرَجاً»(4).

ویری الإمام الباقر علیه السلام أن دفع الشر والضرر من أفراد الحلم الذی یحتاج عند الابتلاء بذلک کما فی قوله علیه السلام:

«لَیسَ الحَلیمُ الّذی لا یَتّقی أحَداً فی مکانِ التَّقوی»(5).


1- تحف العقول لابن شعبة الحرانی: ص225.
2- موسوعة العقائد الإسلامیة: ج2، ص412، 2913.
3- المصدر السابق.
4- کنز العمّال: 5815. میزان الحکمة: ج2، ص910، ح4348.
5- الکافی: ج8، ص55، ح16. میزان الحکمة: ج2، ص910، ح4350.

ص: 218

__ آثار الحلم

لا شک أن لکل فضیلة یتصف بها الإنسان من ثمرات دنیویة وأخرویة جزاءً لما اتصف به ومن تلک الفضائل فضیلة الحلم التی تعود علی صاحبها بثمرات لا غنی عنها لمن أراد الرفعة والمودة کما یلی:

1__ التحلی بالحلم یوجب السیادة والتقدم علی الآخرین کما جاء ذلک علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«مَنْ حَلُمَ سادَ»(1).

2__ ومن ینشد السلامة والابتعاد عن الدخول فی الاختلافات التی توقع الضرر فلیتصف بالحلم عند تعامله مع الآخرین کما دل علی ذلک قول إمام الموحدین علیه السلام:

«السِّلْمُ ثمرة الحلمِ»(2).

3__ إذا دخل المرء فی أزمة مع غیره إلی درجة العداء وکان راغبا فی الانتصار علیه فلیتحلی بالحلم لینال مبتغاه کما أشار إلی ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«مَن حَلُمَ عن عَدُوِّهِ ظَفِرَ بهِ»(3).

4__ ومن أراد الأمان والاطمئنان فی الآخرة من غضب الله تعالی فلیلتزم بالحلم عندما یغضب فی الدنیا وهذا ما أکده إمام المتقین علیه السلام بقوله:

«الحِلمُ عِندَ شِدَّةِ الغَضَبِ یُؤمِنُ غَضَبَ الجَبّارِ»(4).


1- بحار الأنوار: ج77، ص208، ح1. میزان الحکمة: ج2، ص909، ح4334.
2- غرر الحکم: 901. میزان الحکمة: ج2، ص909، ح4335.
3- کنز الفوائد: ج1، ص319. میزان الحکمة: ج2، ص909، ح4338.
4- غرر الحکم: 1776. میزان الحکمة: ج2، ص910، ح4346.

ص: 219

__ أسئلة مهمة

السؤال: إذا کنت معتادا علی الغضب ولم أستطع أن أملک نفسی فما هو العلاج؟

الجواب: ینصح الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بتدریب النفس علی الحلم حتی یصل صاحبها إلی الاتصاف بالحلم وهذا ما صرح به الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إنْ لَم تَکُن حَلیماً فَتَحَلَّمْ؛ فإنَّهُ قَلَّ مَن تَشبَّهَ بقَومٍ إلاّ أوْشَکَ أنْ یکونَ مِنهُم»(1).

السؤال: وصف القرآن الکریم إبراهیم بأنه حلیم فی قوله تعالی:

(إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُنِیبٌ) (2).

ووصف الله تعالی بأنه حلیم أیضا فی قوله تعالی:

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ) (3).

فکیف یصح تسمیة إبراهیم علیه السلام باسم من الأسماء الحسنی المختصة بالله تعالی؟

الجواب: 1__ إن الله تعالی متصف بالحلم بمعنی تأخیر العقوبة دون حدوث انفعال فی ذاته المقدسة، بینما یتصف إبراهیم علیه السلام بالحلم بعد حدوث انفعال فی ذاته.

2__ الله تعالی حلیم بالاستقلال دون تعلم أو تربیة تلقاهما من أحد، وأمّا إبراهیم علیه السلام فهو حلیم بتأدیب الله تعالی له.


1- نهج البلاغة: الحکمة 207. میزان الحکمة: ج2، ص907، ح4318.
2- سورة هود، الآیة: 75.
3- سورة البقرة، الآیة: 235.

ص: 220

السؤال: کیف نمیّز بین الحلیم والجبان؟

الجواب: إذا اقترن السکون وضبط النفس بالقدرة علی الرد والانتقام فصاحبه حلیم وإذا فقد القدرة علی الرد فهو عجز وجبن وذل.

السؤال: ورد فی القرآن الکریم قوله تعالی:

(وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (1).

فهل هناک علاقة بین العلم والحلم؟

الجواب: لا نستطیع أن نتصور عالماً لا یتحلی بالفضائل لاسیما بفضیلة الحلم لما لهذه الفضیلة من أهمیة فی حیاة العلماء الذین أخذوا علی أنفسهم تعلیم الجاهلین والصبر علی إرشادهم وتحمل نزفهم وهذا لا یتم إلا بالتحلی بصفة الحلم، وما جاء عن أهل البیت علیهم السلام ما أکد هذا المعنی کقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«والّذی نَفْسی بِیَدِهِ، ما جُمِعَ شَیءٌ إلی شَیءٍ أفضَلَ مِن حِلمٍ إلی عِلمٍ»(2).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام الذی یشیر إلی أن العلم لا یعطی فائدة ترجی إلا إذا ازدوج مع الحلم کما فی هذا الحدیث الشریف:

«لَن یُثْمِرَ العِلمُ حتّی یُقارِنَهُ الحِلمُ»(3).

وأکد الإمام الباقر علیه السلام أن اللباس الذی یلبسه العلماء هو الحلم فلذلک یقول:

«الحِلمُ لِباسُ العالِمِ، فلا تَعْرَیَنَّ مِنهُ»(4).


1- سورة النساء، الآیة: 12.
2- کنز العمال: 5829. میزان الحکمة: ج2، ص911، ح4362.
3- غرر الحکم: ص7411. میزان الحکمة: ج2، ص911، ح4358.
4- الکافی: ج8، ص55، ح16. میزان الحکمة: ج2، ص911، ح4356.

ص: 221

__ الوفاء

الوفاء فضیلة وعلامة تدل علی أن صاحبها من أهل المعروف والرفعة والعلو لما فیها من آثار حمیدة فی الدنیا والآخرة، والاتصاف بالوفاء یتم عن نفس عزیزة تحترم عهودها وأقوالها وعقودها وشروطها، وهی لباس المؤمنین قبل غیرهم فلذا نجد القرآن الکریم فی آیات متعددة أکد علی ضرورة الاتصاف بالوفاء بل أمر بذلک کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا یُتْلَی عَلَیْکُمْ غَیْرَ مُحِلِّی الصَّیْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ مَا یُرِیدُ) (1).

وقوله تعالی:

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولًا) (2).

ولکی یطّلع القارئ الکریم علی مفهوم الوفاء لابد من معرفة معنی الوفاء لغة واصطلاحاً:

الوفاء فی اللغة: وفی فلان نذره: آداه، وفی بعهده: عمل به، وفی فلانا حقه: أوفاه إیاه(3).

الوفاء فی الاصطلاح: هو حفظ العهد وعدم نقضه، والالتزام بالوعد وتحقیقه وامضاء العقود وعدم الرجوع فیها دون مسوّغ.

إذن الوفاء وسیلة لدرء صفة الغدر القبیحة، وعلامة علی إیمان المؤمن، وردع


1- سورة المائدة، الآیة: 1.
2- سورة الإسراء، الآیة: 34.
3- المعجم الوسیط: ص1047.

ص: 222

لدفع الازدراء والانتقاص، وجمال یزین الأخوّة، ورفعة بین الناس، وأحد الأسس الدینیة، ورکن من الأرکان الأخلاقیة، وعنوان للمودّة، وقرین للصدق.

لقد حثت الشریعة الإسلامیة علی ضرورة الوفاء بالعهد والعقد والشرط والوعد، وأشارت الأحادیث الشریفة إلی هذه الفضیلة وسموها کما فی الأحادیث الآتیة:

1__ قال الإمام علی علیه السلام:

«الکَرَمُ فَضلٌ، الوَفاءُ نُبلٌ»(1).

2__ وعنه علیه السلام:

«الوَفاءُ تَوأمُ الصِّدقِ»(2).

3__ وعنه علیه السلام:

«بِحُسنِ الوفاءِ یُعرَفُ الأبرارُ»(3).

وهناک بعض الأحادیث التی تشیر إلی منزلة صاحب هذه الفضیلة کما فی قول رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم:

«أقرَبُکُم غَداً مِنّی فی المَوقِفِ أصدَقُکُم لِلحَدیثِ، وأدَّاکُم لِلأمانَةِ، وأوفاکُم بالعَهدِ، وأحسَنُکُم خُلقاً، وأقرَبُکُم مِن النّاسِ»(4).

وحدیث آخر یصرح أن الوفاء سببٌ فی جعل صاحبه من المصطفین عند الله تعالی وعند الناس کما فی قوله أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَنْ أحْسَنَ الوَفَاءَ اسْتَحَقَّ الاصْطِفَاءَ»(5).


1- غرر الحکم: 13. میزان الحکمة: ج11، ص4796، ح22276.
2- غرر الحکم: 271. میزان الحکمة: ج11، ص4796، ح22274.
3- غرر الحکم: 4331. میزان الحکمة: ج11، ص4797، ح22281.
4- بحار الأنوار: ج75، ص94، ح12. میزان الحکمة: ج11، ص4795 __ 4796، ح22263.
5- غرر الحکم: 8690. میزان الحکمة: ج11، ص4797، ح22283.

ص: 223

__ سؤال مهم

السؤال: إذا لزم من الوفاء تفویت مصلحة ما، فهل یجوز لنا ترکه؟

الجواب: لا یجوز ذلک أخلاقیا وفقهیا حسب ما ورد عن العلماء الأعلام.

وقفة
اشارة

أخبرنا القرآن الکریم أن الله تعالی لا یخلف المیعاد کما جاء فی قوله تعالی:

(إِنَّ اللَّهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیعَادَ) (1).

وقوله تعالی:

(رَبَّنَا إِنَّکَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لَا رَیْبَ فِیهِ إِنَّ اللَّهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیعَادَ) (2).

وسیفی لمن وعده بالثواب علی عمله الصالح وهذا ما وهذا ما صرح به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن وَعَدَهُ اللهُ علی عَمَلٍ ثَواباً فهُو مُنجِزُهُ لَهُ، ومَن أوعَدَهُ علی عَمَلٍ عِقاباً فهُو فِیهِ بالخِیارِ»(3).

وأکد هذا القول أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«أفِیضُوا فی ذِکرِ اللهِ فإنَّهُ أحسَنُ الذِکرِ، وارغَبوا فیما وَعَدَ المُتَّقینَ فإنَّ وَعدَهُ أصدَقُ الوَعدِ»(4).

وما هذا الالتزام بتحقیق الوعد إلا وفاء لما وعدنا به، وفی هذه الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة تربیة لنا علی ضرورة الوفاء بالوعد، إن الوعد دین فی ذمة صاحبه،


1- سورة الرعد، الآیة: 31.
2- سورة آل عمران، الآیة: 9.
3- التوحید: ص406، ح3. میزان الحکمة: ج11، ص4734، ح21949.
4- نهج البلاغة: الخطبة 110. میزان الحکمة: ج11، ص4734، ح21951.

ص: 224

وحق یجب الوفاء به کما أمر بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«العدة دین ویل لمن وعد ثم أخلف، ویل لمن وعد ثم أخلف ویل لمن وعد ثم أخلف».

وما هذا التشدید علی الوفاء بالوعد إلا علامة علی سمو ورفعة الأخلاق الإسلامیة.

ولکی نری عظمة الإسلام من خلال هذه الفضیلة لابد أن نطلع علی ما قاله أئمة المسلمین علیهم السلام بالحق فهذا أمیر المؤمنین علیه السلام یصور لنا حاله عند إعطائه وعداً لأحد الناس بقوله:

«ما باتَ لِرجُلٍ عِندی مَوعِدٌ قَطُّ فباتَ یَتَمَلْمَلُ علی فِراشِهِ لِیَغدوَ بالظَّفَرِ بحاجَتِهِ، أشَدَّ مِن تَمَلمُلی علی فِراشی حِرصاً علَی الخُروجِ إلَیهِ مِن دَینِ عِدَتِهِ، وخَوفاً مِن عائقٍ یُوجِبُ الخُلفَ؛ فإنّ خُلفَ الوَعدِ لَیسَ مِن أخلاقِ الکِرامِ»(1).

ونردف قول أمیر المؤمنین علیه السلام بقول الإمام الصادق علیه السلام الذی ینقل لنا ما أصاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من جراء التزامه بوعد قطعه لرجل فیقول:

«إنّ رسولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم واعَدَ رجُلاً إلَی الصَّخرَةِ فقالَ: أنا لکَ ها هُنا حتّی تَأتیَ، قالَ: فاشتَدَّتِ الشَّمسُ علَیهِ.

فقالَ لَهُ أصحابُهُ: یا رسولَ اللهِ، لو أنَّکَ تَحَوَّلتَ إلَی الظِّلِّ! قالَ:

وَعَدتُهُ إلی هاهُنا وإن لَم یَجِئْ کانَ مِنهُ المَحشَرُ»(2).

فیتضح مما تقدم ضرورة الالتزام بالوعد والوفاء به حتی لو لحق بصاحبه الضرر.


1- غرر الحکم: 9692. میزان الحکمة: ج11، ص4735، ح21959.
2- مکارم الأخلاق: ج1، ص64، ح63. میزان الحکمة: ج11، ص4736، ح21971.س

ص: 225

__ نصیحة معصومیة

یعلم أهل بیت العصمة علیهم السلام أن بعض الناس قد یخلف الوعد ویترک الوفاء به اضطرارا دون إرادته بسبب عدم قدرته علی إنجاز الوعد فلذا أکدوا علی ترک الوعد عند العلم بعدم القدرة علی الوفاء به کما فی الأحادیث الآتیة:

قال الإمام علی علیه السلام:

«لا تَعِدَنَّ عِدَةً لا تَثِقُ مِن نَفسِکَ بإنجازِها»(1).

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«لا تَعِدَنَّ أخاکَ وَعداً لَیسَ فی یَدِکَ وَفاؤُهُ»(2).

وعن الإمام الکاظم علیه السلام قال لِرجلٍ قالَ لَهُ: عِدْنی __:

«کَیفَ أعِدُکَ وأنا لِما لا أرجو أرجی مِنّی لِما أرجو؟!»(3).

الاستکبار
اشارة

هذه الصفة من الصفات العجیبة إذ إنها رذیلة من جهة وکمال من جهة أخری، فهی رذیلة بلحاظ العبد وکمال بلحاظ المولی جل وعلا، فالکبر رداء الله تعالی فلا یحق لغیره منزاعته رداءه والتشبه به، بل أن العبد بذاته الفقیرة المحتاجة لا یلیق به أن یکون مستکبرا، فإن فعل ذلک فهو ناشئ من جهله وحماقته، وهذا ما فعله إبلیس فاستحق علی أثره الطرد والتصغیر کما فی قوله تعالی:

(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیهَا فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ)(4).


1- غرر الحکم: 10297. میزان الحکمة: ج11، ص4737، ح21973.سس
2- بحار الأنوار: ج78، ص250، ح94. میزان الحکمة: ج11، ص4737، ح21974.
3- کتاب الفقیه: ج3، ص165، ح3610. میزان الحکمة: ج11، ص4737، ح21975.
4- سورة الأعراف، الآیة: 13.

ص: 226

ولذا لابد من معرفة هذه الصفة الذهبیة لغة واصطلاحا:

استکبر فی اللغة: امتنع عن قبول الحق معاندة وتکبرا، والکبر: العظمة والتجبر(1).

الاستکبار فی الاصطلاح: هو التعالی علی الآخرین وإعطاء قدرٍ لنفسه فوق قدر الغیر.

فالتکبر خلق إبلیس الذی کان سببا فی طرده من رحمة الله تعالی، فلا یصح لعاقل أن یتصف بهذه الصفة الذمیمة لما لها من عاقبة وخیمة وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إیّاکَ والکِبَر؛ فإنّهُ أعظَمُ الذُّنوبِ وألأمُ العُیوبِ، وهُو حِلیَةُ إبلیسَ»(2).

وهذه الصفة الذمیمة لها آثار وخیمة ندرجها کما یلی:

1__ التکبر یوجب ضیاع الأعمال الصالحة کما فی قول سید المتقین علیه السلام:

«فاعتَبِرُوا بما کانَ مِن فِعلِ اللهِ بإبلیسَ، إذ أحبَطَ عَمَلَهُ الطَّویلَ وجَهدَهُ الجَهیدَ... عن کِبْرِ ساعَةٍ واحِدَةٍ! فَمن ذا بَعدَ إبلیسَ یَسلَمُ علَی اللهِ بمثلِ مَعصیَتِهِ؟!»(3).

2__ التکبر یوجب نقصان العقل کما فی قول الإمام الباقر علیه السلام:

«ما دَخَلَ قَلبَ امرِئٍ شیءٌ مِن الکِبرِ إلاّ نَقَصَ مِن عَقلِهِ مِثلُ ما دَخَلَهُ مِن ذلکَ، قَلَّ ذلک أو کَثُرَ»(4).

3__ عاقبة التکبر ویکتب صاحبه فی سجل الطغاة الظلمة کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:


1- لسان العرب: ج5، ص126.
2- غرر الحکم: 2652. میزان الحکمة: ج8، ص3508، ح17206.
3- نهج البلاغة: الخطبة 192. میزان الحکمة: ج8، ص3508، ح17208.
4- بحار الأنوار: ج78، ص186، ح163. میزان الحکمة: ج8، ص3509، ح17214.

ص: 227

«لا یَزالُ الرجُلُ یَتکَبَّرُ ویَذهَبُ بنَفسِهِ حتّی یُکتَبَ فی الجَبّارِینَ، فَیُصِیبُهُ ما أصابَهُم»(1).

4__ یُبعد صاحبه عن دار النعیم کما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا أبا ذَرٍّ، مَن ماتَ وفی قَلبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن کِبرٍ لم یَجِدْ رائحَةَ الجَنَّةِ إلاّ أن یَتوبَ قبلَ ذلکَ»(2).

__ فوائد

عند تأمل الأحادیث الشریفة التی وردت عن أهل البیت علیهم السلام تظهر لنا بعض الفوائد العلمیة فیما یرتبط بالتکبر وهی کما یلی:

1__ إن التکبر صفة قد تصیب حتی الفقیر المعدم إذا کان ذا قلب خالٍ من الخیر کما صرح بذلک الإمام الصادق علیه السلام:

«الکِبرُ قد یکونُ فی شِرارِ الناسِ مِن کُلِّ جِنسٍ.. إنَّ رسولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم مَرَّ فی بَعضِ طُرُقِ المَدینَةِ، وسَوداءُ تَلقُطُ السرقِینَ، فقیلَ لها: تَنَحِّی عن طریقِ رَسولِ اللهِ، فقالَت: إنّ الطَّریقَ لمَعرضُ، فَهَمَّ بها بعضُ القَومِ أن یَتَناوَلَها، فقالَ رسولُ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم: دَعُوها، فإنَّها جَبّارَةٌ»(3).

2__ قد یکون تباعد بعض الناس عمن تباعد عنه تکبرا ولکن هناک من یتباعد عمن هو متباعد عنه احتراما لنفسه ورفعا لها عن الابتذال کما أشار إلیه الإمام علی علیه السلام فی قوله فی صِفةِ المُتَّقینَ __:


1- کنز العمّال: 7749. میزان الحکمة: ج8، ص3509، ح17221.
2- بحار الأنوار: ج77، ص90، ح3. میزان الحکمة: ج8، ص3511 __ 3512، ح17233.
3- بحار الأنوار: ج73، ص209، ح2. میزان الحکمة: ج8، ص3508، ح17213.

ص: 228

«بُعدُهُ عمَّن تَباعَدَ عَنهُ زُهدٌ ونَزاهَةٌ، ودُنُوُّهُ مِمَّن دَنا مِنهُ لِینٌ ورَحمَةٌ، لیسَ تَباعُدُهُ بکِبرٍ وعَظَمةٍ، ولا دُنُوُّهُ بمَکرٍ وخَدیعَةٍ»(1).

3__ لم یسمح الله تعالی لأحد بالتکبر لأن الکبریاء لباسه وحده الذی لا یلیق إلا به سبحانه کما فی قول إمام المتقین علیه السلام:

«الحَمدُ للهِ الذی لَبِسَ العِزَّ والکِبریاءَ، واختارَهُما لنَفسِهِ دونَ خَلقِهِ، وجَعَلَهُما حِمًی وحَرَماً علی غیرِهِ واصطَفاهُما لِجَلالِهِ»(2).

4__ إذا کان قلب المرء عارفا بالله تعالی ولکنه محبٌ للجمال فیتظاهر به فلیس هذا من التکبر بشیء وهذا ما دل علیه قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یَدخُلُ الجَنَّةَ مَن کانَ فی قَلبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن کِبرٍ، فقالَ رَجلٌ: إنّ الرجُلَ یُحِبُّ أن یکونَ ثَوبُهُ حَسَناً ونَعلُهُ حَسَنةً! قالَ: إنَّ اللهَ جَمیلٌ یُحِبُّ الجَمالَ، الکِبرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ الناسِ»(3).

5__ إن للکبر ظاهراً وباطناً فأمّا الظاهر ما ظهر علی الجوارح وأمّا الباطن ما کان فی قلبه أنه یری نفسه فوق الغیر.

6__ کل متکبر لا یتکبر إلا بسبب شعوره بالنقص کما دل علی ذلک قول الإمام الصادق علیه السلام:

«مَا مِن رَجُلٍ تَکَبَّرَ أو تَجَبَّرَ إلا لِذِلَّةٍ وَجَدَها فی نفسِهِ»(4).


1- نهج البلاغة: الخطبة 193. میزان الحکمة: ج8، ص3510، ح17222.
2- نهج البلاغة: الخطبة 192. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج13، ص127. میزان الحکمة: ج8، ص3510، ح17227.
3- الترغیب والترهیب: ج3، ص567، ح31. میزان الحکمة: ج8، ص3512، ح17234.
4- الکافی: ج2، ص312، ح17. میزان الحکمة: ج8، ص3517، ح17262.

ص: 229

7__ من أراد معالجة هذه الصفة الذمیمة فعلیه أن ینظر إلی عظمة الله تعالی ویحقر نفسه أمام عظمة ربه بالطاعات والعبادات کما أرشد إلی ذلک الإمام الحسن علیه السلام بقوله:

«لا یَنبغی لِمَن عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أن یَتَعاظَمَ، فإنّ رِفعَةَ الذینَ یَعلَمونَ عَظَمَةَ اللهِ أن یَتَواضَعُوا، و(عِزَّ) الذینَ یَعرِفُونَ ما جَلالُ اللهِ أن یَتَذَلَّلُوا (لَهُ)»(1).

8__ ومن معالجة الکبر ممارسة الحاجات بالید دون الاعتماد علی خادم أو غلام أو أحد أفراد الأسرة فإن ذلک مما یخرج الکبر من النفس وهذا ما نص علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«مَن حَلَبَ شاتَهُ ورَقَعَ قَمیصَهُ وخَصَفَ نَعلَهُ وواکَلَ خادِمَهُ وحَمَلَ مِن سُوقِهِ، فَقَد بَرِئَ مِن الکِبرِ»(2).

9__ إذا أردت العلو والرفعة فعلیک بالتواضع هذا ما أمر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن تَواضَعَ للهِ دَرجَةً یَرفَعْهُ اللهُ دَرَجَةً حتّی یَجعَلَهُ اللهُ فی أعلی عِلِّیِّینَ، ومَن تکبَّرَ علَی اللهِ دَرَجَةً یَضَعْهُ اللهُ دَرجَةً حتّی یَجعَلَهُ فی أسفلِ سافِلینَ»(3).

10__ تذکر أن المتکبر لا یحشر کما یحشر الناس بل سیکون أصغر شیء حتی یسحق بأقدام أهل المحشر کما ورد ذلک فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یُحشَرُ الجَبّارُونَ المُتَکَبِّرُونَ یَومَ القِیامَةِ فی صُوَرِ الذَّرِّ، یَطَؤهُم الناسُ لِهَوانِهِم علَی اللهِ تعالی»(4).


1- بحار الأنوار: ج78، ص104، ح3.
2- کنز العمال: 7794. میزان الحکمة: ج8، ص3520، ح17277.
3- الترغیب والترهیب: ج3، ص560، ح6. میزان الحکمة: ج8، ص3523، ح17300.
4- المحجّة البیضاء: ج6، ص215. میزان الحکمة: ج8، ص3523، ح17302.

ص: 230

__ السفه

کل جمیل فی باطنه یرغب أن یکون ذا ظاهر جمیل أیضا فیسعی لنیل الفضائل ویجاهد نفسه لیتحلی بها، ومن هذه الفضائل التی یتمنی المرء التحلی بها الوقار والاتزان والتعقل وهذه الفضائل لا تجتمع مع السفه فی حال من الأحوال لاسیما إذا عرفنا أن السفه کما ورد فی کتب اللغة:

الخفة والطیش والجهل وعدم الحلم ورداءة الخلق(1).

وأمّا ما اصطلح علیه فالسفه: هو سلوک بعید عن العقل والعلم والاحترام یسقط صاحبه من أعین الناس، فلذلک صار سببا فی نفرة الأصدقاء والأحبة کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إیّاکّ والسَّفَهَ؛ فإنّهُ یُوحِشُ الرِّفاقَ»(2).

بل قد یکون مدعاة لشتم صاحبه وإلحاق الضرر به کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«السَّفَهُ مِفتاحُ السِّبابِ»(3).

وفی قول آخر:

«السَّفَهُ یَجلِبُ الشرَّ»(4).

بل للسفه آثار وخیمة تدعو العاقل للهروب من هذه الصفة القبیحة.


1- المعجم الوسیط: ص343. المنجد الأبجدی: ص552.
2- غرر الحکم: 2655. میزان الحکمة: ج4، ص1754، ح8642.
3- غرر الحکم: 313. میزان الحکمة: ج4، ص1754، ح8643.
4- غرر الحکم: 834. میزان الحکمة: ج4، ص1754، ح8644.

ص: 231

أسئلة مهمة

السؤال: ما هو معنی  السفه فی نظر أهل البیت علیهم السلام؟.

الجواب: وصف أهل البیت علیهم السلام بعض الناس الذین یسلکون سلوکا مشینا من خلال معاشرة الوضیع والدونی، أو من یرتکب جریمة شرب المسکر کما فی قول الإمامین الحسن والباقر علیهما السلام إذ یقول الإمام الحسن علیه السلام، لما سئل عن السفه:

«اتِّباعُ الدُّناةِ ومُصاحَبَةُ الغُواةِ»(1).

وقال الإمام الباقر علیه السلام فی قوله تعالی:

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَکُمُ (2).

«کُلُّ مَن یَشرَبُ المُسکِرَ فَهُوَ سَفِیهٌ»(3).

السؤال: ما هی علامة السفیه؟.

الجواب: للسفیه علامات یعرف من خلالها وهی کما یلی:

1__ یتجاوز علی من هو أقل رتبة أو مقاما، وینقاد ویطیع لمن هو أعلی منه رتبة ومقاما کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ السَّفَهَ خُلقٌ لَئِیمٌ،یَستَطِیلُ علی مَن (هو) دُونَهُ، ویَخْضَعُ لِمَن (هو) فَوقَهُ»(4).

2__ السفیه من یبذر الأموال ویجهل التصرف بها کما دل علی ذلک قول الإمام أبی عبد الله علیه السلام عندما سأله سنان: وما السَّفیهُ؟


1- بحار الأنوار: ج78، ص104، ح2. میزان الحکمة: ج4، ص1755، ح8653.
2- سورة النساء، الآیة: 5.
3- تفسیر العیّاشی: ج1، ص220، ح22. میزان الحکمة: ج4، ص1755، ح8654.
4- الکافی: ج2، ص322، ح1. میزان الحکمة: ج4، ص1755، ح8655.

ص: 232

فقال علیه السلام:

«الذی یَشتَرِی الدِّرهَمَ بِأضعافِهِ»(1).

السؤال: کیف نتعامل مع السفیه؟.

الجواب: هناک مجموعة إرشادات وآداب للتعامل مع السفیه صدرت عن أهل البیت علیهم السلام وهی کالآتی:

1__ قابل السفیه بسعة الصدر وعدم الوقوع فی الغضب کما قال الإمام علی علیه السلام:

«مَن غاظَکَ بِقُبحِ السَّفَةِ عَلَیْکَ، فَغِظهُ بِحُسنِ الحِلمِ عَنهُ»(2).

2__ ترک الرد علی مخاطبة السفیه وترک العتب معه لما فیه من ضرر کبیر، وهذا ما أشار إلیه الإمام علی علیه السلام:

«مَن عَذَلَ سَفیهاً فقد عَرَّضَ للسَّبِّ نَفسَهُ»(3).

بحث عقائدی
__ الغلو

الغلو انحراف عقائدی وزلل أخلاقی یذهب بصاحبه إلی حیث الابتعاد عن الإنصاف ومجانبة الحقیقة، بل یسلک بقلب من ابتلی به فی طریق الدنس والقذارة ویسیر بعقل المتوهم فی طریق الاعوجاج والتعثر، فلذا نجد القرآن الکریم حذر أهل الکتاب من هذا البلاء الفاقر للعقل والدین بقوله تعالی:

(یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لَا تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا


1- تهذیب الأحکام: ج9، ص182، ح731. میزان الحکمة: ج4، ص1755، ح8656.
2- غرر الحکم: 8620. میزان الحکمة: ج4، ص1755، ح8658.
3- غرر الحکم: 9171. میزان الحکمة: ج4، ص1756، ح8660.

ص: 233

الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَکَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَی مَرْیَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَیْرًا لَکُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ یَکُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَکَفَی بِاللَّهِ وَکِیلًا) (1).

أی لا تضعوا عیسی بن مریم فوق ما وضعه ربه ولا تصفوه بغیر ما وصفه فإن فعلکم هذا خلاف الدین الذی أراده الله تعالی لکم، فجعلکم المسیح علیه السلام إلها یعبد مع الله تعالی هو عین الزیغ لاسیما وأنتم تعلمون أن المسیح علیه السلام بشر محتاج یأکل الطعام ویمشی فی الأسواق فکیف یرتقی إلی الغنی المطلق وهذا المعنی أکده القرآن الکریم بقوله تعالی:

(مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُؤْتِیَهُ اللَّهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِبَادًا لِی مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ کُونُوا رَبَّانِیِّینَ بِمَا کُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْکِتَابَ وَبِمَا کُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا یَأْمُرَکُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِکَةَ وَالنَّبِیِّینَ أَرْبَابًا أَیَأْمُرُکُمْ بِالْکُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (2).

الإمام الحسین علیه السلام یحذر من الغلو

وصف الإمام الحسین علیه السلام الغلو بأنه مشکلة عویصة لا حل لها إلا بالتخلص من أسبابه فلذا نجده علیه السلام یقول:

«والغلوّ ورطة».

ولکی یتضح لنا معنی قول الإمام علیه السلام لابد من معرفة مفهوم الغلو لغة واصطلاحا:


1- سورة النساء، الآیة: 171.
2- سورة آل عمران، الآیتان: 79 و80.

ص: 234

الغلو لغة: الزیادة والارتفاع ومجاوزة الحد، وغلو المرء فی الدین تشدد وجاوز الحد وأفرط(1).

الغلو اصطلاحا: تجاوز الحد الذی بینته الشریعة وفرضه العقل فی العقائد والتکالیف الدینیة.

فالغلو یجعل العقیدة فاسدة ویخیب أمل صاحبه إذ یتوهم أنه ینال القرب الإلهی من خلال اعتقاده بهذه الطریقة، ولأن الاعتقاد أو التخلق بصفة ما لابد أن یکون بعیدا عن الإفراط والتفریط جاءت الأحادیث الشریفة تتری لتبیّن انحراف المرء الذی یغالی فی عقیدته أو فی أخلاقه کما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«رَجُلانِ لا تَنالُهُما شَفاعَتی: صاحِبُ سُلطانٍ عَسوفٌ غَشومٌ، وغالٍ فی الدِّینِ مارِقٌ»(2).

ثم رکزت الأحادیث التی صدرت عن النبی وأهل بیته الکرام صلوات الله علیهم علی الغلو کونه خروجاً عن الجادة المستقیمة والرأی الصائب، بل هو ابتعاد عن الإسلام کما صرح بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«صِنْفَانِ مِن أمَّتِی لاَ نَصِیبَ لَهُمَا فی الإسْلاَمِ: الغُلاَةُ وَالقَدَرِیَّةُ»(3).

__ الشیعة براء من الغلو

اتهم الکثیرون الشیعة بأنهم یغالون فی عقیدتهم بإمامة أهل البیت علیهم السلام وبدأوا بإطلاق الأحکام الجائرة علیهم فتارة یصفونهم بالکفر وأخری بالیهود وثالثة بالشرک کما جاء ذلک فی بعض کتب القوم کقول:


1- المعجم الوسیط: ص66.
2- بحار الأنوار: ج25، ص269، ح13. میزان الحکمة: ج7، ص3042، ح15250.
3- بحار الأنوار: ج25، ص270، ح14. میزان الحکمة: ج7، ص3042، ح15251.

ص: 235

الدکتور الشعیبی (وأول هذه الفکرة __ فکرة الغلو __ نادی بها أصحاب حجر بن عدی الذین قتلوا صبرا بسبب تکفیرهم للخلیفة عثمان، وامتناعهم عن البراءة من الإمام علی علیه السلام. ویقول صاحب الملل (والغلاة من الشیعة مذهبهم الحلول)(1).

إلا أن الشیعة براء من ذلک، بل أنهم ملتزمون بأوامر أهل البیت علیهم السلام التی تنهی عن الغلو وتصف المغالین بالکفر کما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام:

«الغلاة کفار والمفوضة مشرکون...»(2).

__ سؤال مهم

السؤال: هناک روایات فی کتب معینة تصوّر أمیر المؤمنین علیه السلام بأنه یمارس دور الإله سبحانه کالتصویر فی الأرحام أو توزیع الأرزاق أو غیر ذلک مما هو معروف بالصفات الأفعالیة، فما هو قولکم؟

الجواب: رد أهل البیت علیهم السلام علی من یقول مثل ذلک القول بالأحادیث الآتیة:

1__ عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«یَهلِکُ فِیَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ مُفرِطٌ یُقَرِّظُنی بما لیسَ لی، ومُبغِضٌ یَحمِلُهُ شَنَآنی علی أن یَبهَتَنی»(3).

2__ عن الإمام الرضا علیه السلام أنه قال:

«مَن تَجاوَزَ بأمیرِ المؤمنینَ علیه السلام العُبودیَّةَ فهُو مِن المَغضوبِ علَیهِم ومِنَ الضالِّینَ»(4).


1- الملل والنحل، الشهرستانی: ج1، ص108.
2- عیون أخبار الرضا للصدوق: ج1، ص219، ح4.
3- بحار الأنوار: ج25، ص285، ح37. میزان الحکمة: ج7، ص3043، ح15256.
4- بحار الأنوار: ج25، ح274، ح20. میزان الحکمة: ج7، ص3044، ح15265.

ص: 236

3__ وعن الإمام الصادق علیه السلام عندما سأله أبو بصیر، قال: عن أبی بصیر قال: قلتُ لأبی عبدِ اللهِ علَیهِ الصَّلاةُ والسلامُ: إنّهم یقولونَ! قال علیه السلام:

«وما یَقولونَ؟».

قلتُ: یقولونَ: یَعلَمُ قَطْرَ المَطَرِ، وعَدَدَ النُّجومِ ووَرَقَ الشَّجَرِ، ووَزنَ ما فی البَحرِ، وعَددَ التُّرابِ، فَرَفَعَ یَدَهُ إلَی السَّماءِ وقالَ علیه السلام:

«سبحانَ اللهِ سبحانَ اللهِ، لا واللهِ ما یَعلمُ هذا إلاّ اللهُ»)(1).

إلا أننا نری أن فضل أهل البیت علیهم السلام لا یدانیه فضل بعد جدهم المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم فلذلک قالوا بعض الأحادیث التی تخرج الإنسان عن حد الإفراط والتفریط کقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إیّاکُم والغُلُوَّ فِینا، قُولُوا إنّا عَبِیدٌ مَربُوبُونَ، وقُولوا فی فَضلِنا ما شِئتُم»(2).

وقوله علیه السلام:

«لا تَتَجاوَزوا بنا العُبودِیَّةَ ثُمّ قُولوا ما شِئتُم ولن تَبلُغُوا، وإیّاکُم والغُلُوَّ کَغُلُوِّ النَّصاری؛ فإنّی بَریءٌ مِن الغالِینَ»(3).

وقول الإمام المهدی علیه السلام لمحمّد بن هلالٍ الکرخی:

«یا محمّدُ بنَ علیٍّ، تعالَی اللهُ عَزَّ وجلَّ عمّا یَصِفُونَ، سبحانَهُ وبِحَمدِهِ، لیسَ نَحنُ شُرَکاءَهُ فی عِلمِهِ، ولا فی قُدرَتِهِ»(4).

هذا الحدیث الشریف یؤکد عدم جواز القول بألوهیة أهل البیت علیهم السلام أو أداء أفعال الله تعالی.


1- بحار الأنوار: ج25، ص294، 52. میزان الحکمة: ج7، ص3045، ح15271.
2- الخصال: ص614، ح10. میزان الحکمة: ج7، ص3045، ح15267.
3- بحار الأنوار: ج25، ص274، ح20. میزان الحکمة: ج7، ص3045، ح15268.
4- بحار الأنوار: ج25، ص266، ح9. میزان الحکمة: ج7، ص3045، ح15273.

ص: 237

بحث أخلاقی
الفِسق
اشارة

ورد ذکر هذه الدنیة فی الکتاب الکریم بأنها ارتکاب المنکر وفعل المحرمات وتجاوز الحدود وترک حکم الحق سبحانه وظلم العباد وإفساد البلاد وإنکار الکتب السماویة وعدم الإیمان بالأنبیاء والرسل، ولکی نقف علی بعض الآیات الکریمة التی ذکر فیها الفسق وصفا لعمل الحرام وذم الغاسقین لانحرافهم عن الشریعة الحقة فلابد أن نبوّب هذه الآیة الکریمة کالآتی:

1__ ذکر الفسق وصفا لفعل الحرام کما فی قوله تعالی:

(حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّیَةُ وَالنَّطِیحَةُ وَمَا أَکَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَکَّیْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِکُمْ فِسْقٌ الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ دِینِکُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِی مَخْمَصَةٍ غَیْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (1).

2__ ذکر الفسق وصفا لآکلی اللحم غیر المذکی کما فی قوله تعالی:

(وَلَا تَأْکُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْکَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّیَاطِینَ لَیُوحُونَ إِلَی أَوْلِیَائِهِمْ لِیُجَادِلُوکُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّکُمْ لَمُشْرِکُونَ) (2).

3__ ذکر الفسق وصفا للقذارات والنجاسات التی یجب التنزه عنها کما فی قوله تعالی:

(قُلْ لَا أَجِدُ فِی مَا أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلَی طَاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَمًا


1- سورة المائدة، الآیة: 3.
2- سورة الأنعام، الآیة: 121.

ص: 238

مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ)(1).

4__ ذکر الفسق وصفا للذین لم یؤمنوا بما جاء به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما فی قوله تعالی:

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ آَیَاتٍ بَیِّنَاتٍ وَمَا یَکْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ)(2).

5__ ذکر الفسق وصفا للذین لم یحکموا بالشریعة الإسلامیة کما فی قوله تعالی:

(وَلْیَحْکُمْ أَهْلُ الْإِنْجِیلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(3).

6__ ذکر الفسق وصفا للمنافقین فی قوله تعالی:

(کَیْفَ وَإِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ لَا یَرْقُبُوا فِیکُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً یُرْضُونَکُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَی قُلُوبُهُمْ وَأَکْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)(4).

وقال الله عزّ وجل:

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمُنْکَرِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَیَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(5).

7__ ذکر الفسق وصفا للذین لم یؤمنوا بالله ورسوله فی قوله تعالی:


1- سورة الأنعام، الآیة: 145.                                   
2- سورة البقرة، الآیة: 99.
3- سورة المائدة، الآیة: 47.
4- سورة التوبة، الآیة: 8.
5- سورة التوبة، الآیة: 67.

ص: 239

(وَلَا تُصَلِّ عَلَی أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)(1).

وهناک الکثیر من الآیات الکریمة التی یضیق بذکرها المقام ترکناها للاختصار.

__ الفسق والفاسق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

الحدیث عن الفسق والفاسقین فی القرآن الکریم کثیر بعدد الفاسقین فی الأرض إلا أننا نرید أن نطلع علی حدیث العدل الثانی للقرآن ألا وهم أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام، فلقد جاء عن الإمام الصادق علیه السلام بیانٌ لمفهوم الفسق وتوضیحٌ لصفة الفاسق کما فی قوله علیه السلام:

«ومَعنَی الفِسقِ: فَکُلُّ مَعصیَةٍ مِنَ المَعاصِی الکِبارِ فَعَلَها فاعِلٌ، أو دَخَلَ فیها داخِلٌ بِجِهَةِ اللذَّةِ والشَّهوَةِ والشَّوقِ الغالِبِ، فهُو فِسقٌ وفاعِلُهُ فاسِقٌ خارِجٌ مِن الإیمان بجِهَةِ الفِسقِ، فإن دامَ فی ذلکَ حتّی یَدخُلَ فی حَدِّ التَّهاوُنِ والاستِخفافِ، فقد وَجَبَ أن یکونَ بِتَهاوُنِهِ واستِخفافِهِ کافِراً»(2).

وورد عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم قول یدل علی الفاسق ویشیر إلیه، فهو الإنسان الذی یلهو بما حرم الله تعالی والذی یتعاطی الکلام المحرم کالغناء أوالخوض فی الباطل، والذی یتجاوز حدود الله تعالی ویعتدی علی عباده ظلما وطغیانا، والذی یکیل التهم الباطلة لغیره کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أمّا علامَةُ الفاسِقِ فأربَعةٌ: اللهوُ واللغوُ والعُدوانُ والبُهتانُ»(3).

وحذر أمیر المؤمنین علیه السلام من الانقیاد والامتثال لأوامر المتکبرین وإن کانوا


1- سورة التوبة، الآیة: 84.
2- بحار الأنوار: ج68، ص278، ح31. میزان الحکمة: ج8، ص3210، ح15913.
3- تحف العقول: ص22. میزان الحکمة: ج8، ص3211، ح15914.

ص: 240

من سادة وقادة القوم لما فی ذلک من أثر سیئ کما فی قوله علیه السلام:

«ألا فالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِکُم وکُبَرائکُمُ الذینَ تَکَبَّروا عَن حَسَبِهِم، وتَرَفَّعُوا فَوقَ نَسَبِهِم... فإنَّهُم قَواعِدُ أساسِ العَصبیَّةِ، ودَعائمُ أرکانِ الفِتنَةِ... وهُم أساسُ الفُسُوقِ، وأحلاسُ العُقوقِ»(1).

ووصف الإمام علی علیه السلام الفاسق بأنه یفعل الحرام برغبة ومحبة دون نفور وتردد بل یبقی ملازما للحرام حتی یصیبه الوهن وتعطله الشیخوخة کما قال علیه السلام:

«آثَرُوا عاجِلاً وأخَّروا آجِلاً، وتَرَکُوا صافِیاً وشَرِبُوا آجِناً، کَأنِّی أنظُرُ إلی فاسِقِهم وقد صَحِبَ المُنکَرَ فَألِفَهُ، وبَسِئَ بهِ ووافَقَهُ، حتّی شابَت علَیهِ مَفارِقُهُ، وصُبِغَت بهِ خلائقُهُ»(2).

__ آثار الفسق

عند تأمل الآیات الکریمة فی القرآن الکریم نقف علی العواقب السیئة للفسق، وهی کما یلی:

1__ الفسق یوجب هلاک الأمم وعذاب الدنیا قبل الآخرة کما فی قوله تعالی:

(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیرًا)(3).

2__ الفسق یوجب الدخول فی جهنم کما فی قوله تعالی:

(وَأَمَّا الَّذِینَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ کُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِیدُوا فِیهَا وَقِیلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ)(4).


1- نهج البلاغة: الخطبة 192. میزان الحکمة: ج8، ص3211، ح15915.
2- نهج البلاغة: الخطبة 144. میزان الحکمة: ج8، ص3211، ح15916.
3- سورة الإسراء، الآیة: 16.
4- سورة السجدة، الآیة: 20.

ص: 241

3__ الفسق یوجب العذاب الشدید الذی یجعل الطغاة والجبابرة أذلاء کما فی قوله تعالی:

(وَیَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِکُمْ فِی حَیَاتِکُمُ الدُّنْیَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَبِمَا کُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)(1).

4__ الفسق یوجب سقوط العذاب من السماء علی الفاسقین کما فی قوله تعالی:

(فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ)(2).

5__ الفسق یوجب عدم الثقة بصاحبه کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَی مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ)(3).

6__ الفسق یوجب الضلال وعدم الهدایة والإیمان کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَسْتَحْیِی أَنْ یَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِینَ آَمَنُوا فَیَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا فَیَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا یُضِلُّ بِهِ کَثِیرًا وَیَهْدِی بِهِ کَثِیرًا وَمَا یُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِینَ)(4).

وقوله تعالی:

(ذَلِکَ أَدْنَی أَنْ یَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَی وَجْهِهَا أَوْ یَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَیْمَانٌ بَعْدَ أَیْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ


1- سورة الأحقاف، الآیة: 20.
2- سورة البقرة، الآیة: 59.
3- سورة الحجرات، الآیة: 6.
4- سورة البقرة، الآیة: 26.

ص: 242

وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفَاسِقِینَ)(1).

7__ الفسق یوجب عدم قبول الأعمال کما فی قوله تعالی:

(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ کَرْهًا لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْکُمْ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِینَ)(2).

8__ الفسق یوجب عدم رضی الله تعالی عن الفاسقین:

(یَحْلِفُونَ لَکُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا یَرْضَی عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ)(3).

9__ یکون الفاسق بمنزلة فرعون وقومه کما فی قوله تعالی:

(اسْلُکْ یَدَکَ فِی جَیْبِکَ تَخْرُجْ بَیْضَاء مِنْ غَیْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَیْکَ جَنَاحَکَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِکَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّکَ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ کَانُوا قَوْمًا فَاسِقِینَ)(4).

10__ الفسق یوجب الخزی یوم القیامة کما فی قوله تعالی:

(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَکْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَی أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِیُخْزِیَ الْفَاسِقِینَ)(5).

11__ الفسق یوجب زیغ القلوب وانحرافها عن الحق کما فی قوله تعالی:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفَاسِقِینَ)(6).


1- سورة المائدة، الآیة: 108.
2- سورة التوبة، الآیة: 53.
3- سورة التوبة، الآیة: 96.
4- سورة القصص، الآیة: 32.
5- سورة الحشر، الآیة: 5.
6- سورة الصف، الآیة: 5.

ص: 243

الخطبة الخامسة: وفیها یذمّ الدّنیا ویحذّر منها

اشارة

ص: 244

ص: 245

خطبها غداة الیوم الذی استشهد فیه، حمدَ الله تعالی وأثنی علیه، ثم قال:

نص الخطبة

اشارة

(یا عِبَادَ اللهِ، اتّقُوا اللهَ، وکُونُوا مِن الدُّنْیا عَلی حَذَرٍ، فإنَّ الدُّنْیا لو بقِیَتْ عَلی أحَدٍ أو بَقی علیها أحَدٌ لَکانَتِ الأنْبیاءُ أحَقَّ بالبَقاِء، وَأوْلَی بالرِّضاء، وَأرْضی بالقَضاءِ؛ غیرَ أنَّ الله تعالی خَلَقَ الدُّنیا للفَناءِ، فَجَدیدُها بالٍ، وَنَعِیمُها مُضْمَحِلٌّ، وَسُرُورُها مُکْفَهرٌّ، والمَنْزِلُ تَلْعَةٌ، والدَّارُ قُلْعَة، فَتَزَوَّدُوا فإنَّ خیرَ الزادِ التَّقْوَی، وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلّکُمْ تُفْلِحُون).

المعنی العام

یا أیها الخاضعون والمنقادون والمملوکون لله تعالی، اخشوا الله تعالی، کونوا من الدنیا متیقظین ومحترزین، إن الدنیا لو دامت وثبتت لأحد أو دام وثبت علیها أحد لکانت مجموعة الأنبیاء أحق من غیرهم بالدوام والخلود، وأجدر بالقبول والاختیار، وأشد قبولا بالحکم، إلا أن الله تعالی صنع الدنیا وأبدعها للانتهاء والإبادة، فالحدیث أو الطری من الدنیا یصبح قدیما وعتیقا ویعفی علیه الزمن، وطبب عیشها ورفاهیتها قلیل متلاشٍ، وفرصها منقبض کالح لا یری فیه أثر بشر ومکان النزول عمیق مخیف والدار دار ارتحال وعدم استقرار، اتخذوا زاداً لمعادکم وأن أفضل الزاد هی خشیة الله تعالی وطاعته، وبهذا الزاد تصلون إلی الفوز والنجاح.

ص: 246

بحث أخلاقی
ذم الدنیا

عندما نتأمل الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة نشعر بأن لسانها لسان ذم واستصغار، ونلمس فی کثرتها شدة التحذیر من الاغترار بها والانتماء فی شهواتها والافتتان بزبرجدها، فهذه الدنیا لا تساوی عند الله تعالی جزءً من مخلوق ضعیف کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لو أنّ الدنیا کانَت تَعدِلُ عند اللهِ عَزَّ وجلَّ جَناحَ بَعوضَةٍ ما سَقَی الکافِرَ والفاجرَ مِنها شَربَةً مِن ماءٍ»(1).

فلذا یتوجب علی العقلاء أن یحتقروا هذه الدنیا الدنیة التی صارت میدانا لمعصیة المولی المنعم جل ذکره والتی قطع فی حبها رأس نبی الله یحیی بن زکریا علیه السلام ورأس سید شباب أهل الجنة علیه السلام فداروا به فی البلدان، ولهذه الدنیا المذمومة مجموعة خصائص تمیزها عن الدنیا المباحة التی لا ینالها لسان الذم والتحذیر وهی کما یلی:

1__ إذا کانت توجب الاغترار.

2__ إذا کانت توجب الخسران.

3__ إذا کانت توجب الخروج عن سلوک العقلاء.

4__ إذا کانت توجب عدم الصفاء والاستقرار.

5__ إذا کانت توجب الشر والباطل.

6__ إذا کانت توجب الذل والهوان.


1- أمالی الطوسی: ص531، ح1162. میزان الحکمة: ج3، ص1224، ح5954.

ص: 247

وهناک الکثیر من الخصائص أو الآثار السلبیة التی تمتاز بها الدنیا المذمومة فلذا جاءت الأحادیث الشریفة تتری لتبین سوء عاقبة من یتعلق بزخارفها وزبرجدها کما ورد عن أهل بیت العصمة علیهم السلام:

__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«حُبُّ الدُّنیا أصلُ کل مَعصِیَة وَأوّلُ کُل ذَنب»(1).

__ وعن الإمام علی علیه السلام أنه قال:

«إنّ الدُّنیا لمُفسِدَة الدّینِ ومُسلّبةُ الیَقینِ، وإنّها لَرأسُ الفِتَنِ وأصلُ المِحَنْ»(2).

__ وعن الإمام زین العابدین علیه السلام قال:

«ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم أفضل من بغض الدنیا، فإن لذلک لشعبا کثیرة، وللمعاصی شعب، فأول ما عُصی الله به الکبر معصیة إبلیس حین:

(أَبَی وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ)(3).

ثم الحرص وهی معصیة آدم وحوا علیهما السلام حین قال الله عزّ وجل لهما:

(وَکُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَیْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ)(4).

فأخذا ما لا حاجة بهما إلیه، فدخل ذلک علی ذریتهما إلی یوم القیامة، وذلک أن أکثر ما یطلب ابن آدم ما لا حاجة به إلیه.

ثم الحسد وهی معصیة ابن آدم حیث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلک حب


1- تنبیه الخواطر: ج2، ص122. میزان الحکمة: ج2، ص896، برقم 1221، حب الدنیا رأس کل خطیئة.
2- غرر الحکم: 4870. میزان الحکمة: ج2، ص896، برقم 1221، حب الدنیا رأس کل خطیئة.
3- سورة البقرة، الآیة: 34.
4- سورة البقرة، الآیة: 35.

ص: 248

النساء، وحب الدنیا، وحب الریاسة، وحب الراحة، وحب الکلام، وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن کلهن فی حب الدنیا فقالت الأنبیاء والعلماء بعد معرفة ذلک: حب الدنیا رأس کل خطیئة، والدنیا دنیاءان دنیا بلاغ ودنیا ملعونة»(1).

__ وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«إن أول ما عُصی الله به ست: حب الدنیا، وحب الریاسة، وحب الطعام، وحب النساء، وحب النوم، وحب الراحة»(2).

أسئلة مهمة
اشارة

السؤال: هل أن بغض الدنیا یعنی عدم جواز التمتع بلذائذها؟

الجواب: کلا: إن بغض الدنیا یختص بالدنیا التی تکون سببا للوقوع فی الحرام، وکذلک یعنی بغضا للذاتها التی حرمها الله تعالی وهذا ما أشارت إلیه الآیات الکریمة التالیة:

قال الله تبارک وتعالی:

(زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَیَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِینَ آَمَنُوا وَالَّذِینَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَاللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ)(3).

وقال سبحانه وتعالی:

(زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج7، ص19، ح9.
2- المحاسن للبرقی: ج1، ص295، ح459.
3- سورة البقرة، الآیة: 212.

ص: 249

الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)(1).

وقال عزّ وجل:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَتَبَیَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَی إِلَیْکُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ کَثِیرَةٌ کَذَلِکَ کُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَیْکُمْ فَتَبَیَّنُوا إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرًا)(2).

وقال تبارک وتعالی:

(وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(3).

وهناک الکثیر من الآیات التی یستشعر منها ذم الدنیا.

السؤال: متی یجوز حب الدنیا؟

الجواب: عندما تکون وسیلة للقرب الإلهی، وتکون میداناً للعمل الصالح، وهذا ما تشیر إلیه الآیات الکریمة والروایات الآتیة:

قال تعالی:

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیَاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ


1- سورة آل عمران، الآیة: 14.
2- سورة النساء، الآیة: 94.
3- سورة الأنعام، الآیة: 32.

ص: 250

بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ (98) إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(1).

2__ وردت أحادیث شریفة تؤکد أن الدنیا مزرعة الآخرة کما فی قول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«الدنیا مَزرَعةُ الآخِرَةِ»(2).

وورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«بالدنیا تُحرَزُ الآخِرَةُ»(3).

إن الدنیا المبغوضة هی التی تمنع الإنسان عن بلوغ درجة الکمال وذلک من خلال حبها والتعلق بها إلی درجة نسیان الآخرة، وهذا ما ورد فی الأحادیث الشریفة الآتیة:

__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّهُ ما سَکَنَ حبُّ الدنیا قلبَ عبدٍ إلاّ الْتاطَ فیها بثلاث: شُغلٍ لا یَنفَدُ عَناؤهُ، وفَقرٍ لا یُدرِکُ غِناهُ، وأمَلٍ لا یُنالُ مُنتَهاهُ»(4).

__ وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«مَن تَعَلَّقَ قلبُهُ بالدنیا تَعَلَّقَ قلبُهُ بثلاثِ خصالٍ: هَمٍّ لا یَفنی، وأمَلٍ لا یُدرَکُ، ورجاءٍ لا یُنالُ»(5).

__ وعن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام قال:


1- سورة النحل، الآیات: 97 و98 و99.
2- عوالی اللآلی: ج1، ص267، ح66. میزان الحکمة: ج3، ص1193، ح5747.
3- نهج البلاغة: الخطبة 156. میزان الحکمة: ج3، ص1193، ح5746.
4- بحار الأنوار: ج77، ص188، ح38. میزان الحکمة: ج3، ص1203، ح5833.
5- الکافی: ج2، ص320، ح17. میزان الحکمة: ج3، ص1203، ح5831.

ص: 251

«مَن کانت الدنیا هِمَّتَهُ اشتَدَّتْ حَسرَتُهُ عِند فِراقِها»(1).

__ التمتع بلذائذ الدنیا لیس حراما إذا کان مما یصلح شأن العبد بل لا یعد حبا للدنیا بدلیل قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لَیْسَ مِن حُبِّ الدنیا طَلَبُ ما یُصْلِحُکَ»(2).

ویظهر من الروایات الشریفة أن هناک شروطا تجعل التمتع بلذائذ الدنیا مقبولاً عند أهل البیت علهیم السلام بدلیل قول الإمام الکاظم علیه السلام:

«اجعَلوا لأِنفُسِکُم حظّاً مِن الدنیا بِإعطائها ماتَشتَهی مِن الحلالِ وما لا یَثلِمُ المُروّةَ وما لا سَرَفَ فیهِ، واستَعِینوا بذلکَ علی أمورِ الدِّینِ، فإنّهُ رُوِیَ: لیسَ مِنّا مَن تَرَکَ دُنیاهُ لِدینِه، أو تَرَکَ دِینَهُ لِدُنیاهُ»(3).

1__ أن لا تتجاوز الضرورة والحاجة، بدلیل قول الإمام الکاظم علیه السلام:

«لیسَ مِنّا مَن تَرَکَ دُنیاهُ لِدینِه، أو تَرَکَ دِینَهُ لِدُنیاهُ». 

2__ أن لا تسبب ضررا لصاحبها أو لغیره، بدلیل وصیة لقمان الحکیم لابنه:

(یا بُنَیَّ، لا تَدخُلْ فی الدنیا دُخولاً یَضُرُّ بآخِرَتِکَ، ولا تَترُکْها تَرْکاً تکونُ کَلاًّ عَلَی النَاسِ)(4).

السؤال: لماذا أکد أهل بیت العصمة علیهم السلام علی ضرورة ترک ما تجاوز الحاجة من الدنیا؟

الجواب: لا یشک عاقل أن لنفسه علیه حقا ینبغی أن یعطیها إیاه، فإذا أعطی


1- بحار الأنوار: ج71، ص181، ح34. میزان الحکمة: ج3، ص1203، ح5835.
2- کنز العمال: 5439. میزان الحکمة: ج3، ص1202، ح5824.
3- بحار الأنوار: ج78، ص321، ح18. میزان الحکمة: ج3، ص1231، ح6002.
4- بحار الأنوار: ج73، ص124، ح112. میزان الحکمة: ج3، ص1231، ح6004.

ص: 252

نفسه حقها سلم من الدخول فی عنوان الظالمین بل دخل فی ربقة المنصفین ونجا من مکائد الشیطان، ولکی یتضح الأمر حلیا نقف علی أحادیث أهل البیت علیهم السلام لیعرفونا أسباب تأکیدهم علی ذلک:

1__ یؤکد أمیر المؤمنین علیه السلام علی أن ما زاد عن الحاجة فی هذه الدنیا لیس من نصیب صاحبه کما فی قوله علیه السلام لرجلٍ شکا إلیه الحاجةَ:

«اِعلَم أنّ کلَّ شیءٍ تُصیبُهُ مِن الدنیا فوقَ قُوتِکَ فإنّما أنتَ فیهِ خازنٌ لِغَیرِکَ»(1).

2__ إن الاهتمام بتحصیل ما هو فائض عن الحاجة یؤدی إلی خسران العمر ودنو الأجل کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«هَؤلاءِ أنبیاءُ اللهِ وأصفیاؤُهُ تَنَزَّهوا عنِ الدنیا... ثُمَّ اقتَصَّ الصالحونَ آثارَهُم... وأنزَلُوا الدنیا مِن أنفسِهِم کالمِیتَةِ التی لا یَحِلُّ لأِحَدٍ أن یَشبَعَ منها إلاّ فی حال الضرورة إلَیها، وأکَلُوا مِنها بقَدرِ ما أبقَی لَهُم النَّفسَ وأمسَکَ الرُّوحَ، وجَعَلُوها بمنزلةِ الجِیفةِ التی اشتَدَّ نَتنُها، فَکُلُّ مَن مَرَّ بها أمسَکَ علی فِیهِ، فَهُم یَتَبَلَّغُونَ بأدنَی البلاغِ...»(2).

3__ الاکتفاء بالضرورة مما ینجی من شدة العذاب کما صرح بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«فِرُّوا مِن فُضولِ الدنیا کما تَفِرُّونَ مِن الحرامِ، وهَوِّنوا علی أنفسِکُم الدنیا کما تُهَوِّنُونَ الجیفةَ، وتُوبُوا إلی اللهِ مِن فُضولِ الدنیا وسیّئاتِ أعمالِکُم، تَنجُوا مِن شِدَّةِ العذابِ»(3).


1- بحار الأنوار: ج73، ص90، ح61. میزان الحکمة: ج3، ص1195، ح5760.
2- بحار الأنوار: ج73، ص110، ح109، میزان الحکمة: ج3، ص1196، ح5769.
3- مستدرک الوسائل: ج12، ص54، ح13496. میزان الحکمة: ج3، ص1197، ح5775.

ص: 253

السؤال: ما هو المراد من الزهد فی الدنیا؟

الجواب: قبل الخوض فی جواب هذا السؤال الذی یصلح أن یکون کتابا خاصا بالزهد، لابد أن أوضح أمراً فی غایة الأهمیة فأقول:

لا شک أننا نحب درجة الزاهدین ونتمنی منزلتهم فی الآخرة، وقد یبادر بعضنا للإتصاف بالزهد ولکن دون جدوی، لأن مجرد حب درجة الزاهدین وتمنیها لا یفی بالغرض بل لابد من مجاهدة النفس وتخلیصها من علائق الدنیا وحبائلها قولا وفعلا، وأود أن أضیف أیضا أن التکلم عن الزهد والزاهدین دون التلبس به عملیا أمر مخجل جدا إلا إذا قصدنا تحصیل الثواب من تذکیر المؤمنین به وحثهم علیه من باب حب لغیرک ما تحب لنفسک.

بعد هذه المقدمة البسیطة والصادقة والصریحة نعطف البحث إلی معنی الزهد فی نظر أهل بیت العصمة والطهارة علیه السلام فأقول:

1__ الزهد هو الثقة بالله تعالی والرغبة فی عطایاه کما ورد ذلک فی حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الزَّهادَةُ فی الدُّنیا لَیسَت بِتَحرِیمِ الحَلالِ ولا إضاعَةِ المالِ، ولکنَّ الزَّهادَةَ فی الدنیا أن لا تکونَ بما فی یَدَیکَ أوثَقَ مِنکَ بما فی یَدِ اللهِ، وأن تکونَ فی ثَوابِ المُصیبَةِ إذا أنتَ أصِبتَ بها أرغَب مِنکَ فیها لو أنَّها أُبقِیَتْ لَکَ»(1).

2__ الزهد هو أن  لا نتعامل مع مفردات الحیاة الدنیا کما یتعامل معها أهل الدنیا فلا تفرح إلی درجة البطر بما نناله منها ولا نحزن إلی درجة الجزع لما فقدناه منها وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«الزُّهدُ کُلُّهُ فی کَلِمَتَینِ مِنَ القُرآنِ، قالَ اللهُ تعالی: 


1- کنز العمال: 6059. میزان الحکمة: ج4، ص1567، ح7703.

ص: 254

(لِکَیْلَا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاکُمْ)(1).

فَمَن لم یَأسَ عَلَی الماضِی ولم یَفرَحْ بالآتی فهُو الزاهِدُ»(2).

3__ الزهد هو أن نعیش ذکر الموت دائما، ولا نغرق فی الأمانی والطموحات التی تنسینا زیارة ملک الموت المفاجئة لنا، وأن نؤدی حقوق الله تعالی من خلال الابتعاد عن المعاصی وأداء الواجبات أما خوفا أو طمعا أو شکراً وهذا ما صرح به الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«الزُّهدُ فی الدنیا قَصرُ الأمَلِ، وشُکرُ کُلِّ نِعمَةٍ، والوَرَعُ عن کُلِّ ما حَرَّمَ اللهُ»(3).

4__ الزهد هو التنزه عن حب الظهور والمدح، وعدم الانشغال عن الکمال وتزکیة النفس من أوساخ الدنیا وهجر کل ما هو لعب ولهو وزینة وتفاخر وتکاثر، وترفع عن الشهوات المحرمة وهذا ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«الزُّهدُ مِفتاحُ بابِ الآخِرَةِ، والبَراءَةِ مِنَ النّارِ، وهُو تَرکُکَ کُلَّ شیءٍ یَشغَلُکَ عنِ اللهِ، مِن غَیرِ تَأسُّفٍ علی فَوتِها، ولا إعجابٍ فی تَرکِها، ولا انتِظارِ فَرَجٍ مِنها، ولا طَلَبِ مَحمَدَةٍ علَیها، ولا عِوَضٍ مِنها، بل تَری فَوتَها راحَةً وکَونَها آفَةً، وتکونُ أبداً هارِباً مِنَ الآفَةِ، مُعتَصِماً بِالرّاحَةِ»(4).

السؤال: ما هو مراد القرآن الکریم (اعلموا إنما الحیاة الدنیا لهو ولعب وزینة وتفاخر بینکم)؟


1- سورة الحدید، الآیة: 23.
2- بحار الأنوار: ج78، ص70، ح27. میزان الحکمة: ج4، ص1566، ح7695.
3- تحف العقول: ص58. میزان الحکمة: ج4، ص1567، ح7700.
4- بحار الأنوار: ج70، ص315، ح20.

ص: 255

الجواب: لا نرید أن نفسر هذه الآیة الکریمة ولکن لنا أن نقول ما یلی:

إن الله تعالی حکیم خلق الخلق لغرض وهدف سام کما فی قوله تعالی:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ)(1).

فیعلم من هذه الآیة الکریمة سر وجود الإنسان علی هذه الأرض، إذ وجد الإنسان لکی یصل إلی کماله وقربه الإلهی وهذا لا یتم إلا من خلال ما شرعه الله تعالی من شرائع،، ونهجه من مناهج، وسنه من سنن، فالالتزام بهذا کله یؤدی إلی الغایة السامیة ویحقق الغرض الحکیم، فإذا اتضح هذا یتضح أن الابتعاد عن الشرائع والسنن والاشتغال بغیرها هو عین اللهو واللعب لخلوه من الغرض والنفع الحقیقی فیکون مثل المنشغل بأمور الدنیا کمثل الطفل الذی یلعب مع أقرانه لمجرد التسلیة واللعب ثم یرجع بعدها إلی بیته یبحث عمّا ینفعه من طعام وشراب ومأوی، فإذن یمکن أن نُسمی الأفعال الخالیة من الأغراض السامیة والأهداف النبیلة لعبا، ونطلق علی کل ما یشغلنا عما خلقنا لأجله بأنه لهو، ونعدّ ما نتظاهر به من صلاح وحب للخیر دون أن یکون له وجود فی باطننا زینة، ویلزم من تباهینا فی الأحساب والأنساب والثروة والمناصب دون التقوی تفاخر لا قیمة له عند الله تعالی.

فلذا ینبغی للعقلاء أن یجعلوا لأفعالهم أغراضا نبیلة ترضی الله تعالی وتقربهم إلیه لکی لا ینطبق علیهم عنوان اللاعبین، وأن ینتبهوا إلی ذکر الله تعالی فلا یشغلهم تجارة ولا بیع ولا أولاد عن ذلک فیخرجوا عن مصداق أهل اللهو، وأن یطابق ظاهرهم باطنهم فی الصلاح فتکون زینتهم أخرویة ولیست زینة دنیویة، وأن یبتعدوا عن التعالی بالقشور کالأحساب والشهرة والمال والمناصب ویتحلوا بالتقوی فینالوا الکرامة الإلهیة.


1- سورة الذاریات، الآیة: 56.

ص: 256

السؤال: کیف نفسر عبادة الناس للدنیا وما هی صفات عبید الدنیا؟

الجواب: الإنسان مفطور علی الإسلام والتسلیم والانقیاد لله تعالی، فإذا صان فطرته وحفظها من الانحراف دامت سلامتها وظل عبداً صالحا، وإذا تغیرت هذه الفطرة بالأفکار السقیمة وعصفت بها وساوس الشیطان وغلبة الهوی صار صاحبها عبداً للدنیا دون الله تعالی ولذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قوله:

«مَن أحَبَّ الدِّینارَ والدِّرهَمَ فهو عَبدُ الدُّنیا»(1).

وورد عنه أیضا قوله علیه السلام:

«قد خَرقَتِ الشَّهَواتُ عقلَهُ، وأماتَتِ الدنیا قَلبَهُ، ووَلَهَتْ علَیها نَفسُهُ فهو عَبدٌ لها ولِمَنْ فی یَدَیهِ شیءٌ مِنها، حیثُما زالَتْ زالَ إلَیها، وحیثُما أقبَلَتْ أقبَلَ عَلَیها»(2).

وأمّا صفات عبید الدنیا فقد جاء فی حدیث المعراج بیان ذلک:

(أهلُ الدنیا مَن کَثُرَ أکلُهُ وضِحکُهُ ونَومُهُ وغَضَبُهُ، قلیلُ الرِّضا، لا یَعتَذِرُ إلی مَن أساءَ إلَیهِ، ولا یَقبَلُ مَعذِرَةَ مَنِ اعتَذَرَ إلَیهِ، کَسلانُ عِندَ الطاعَةِ، شُجاعٌ عِندَ المَعصِیَةِ، أمَلُهُ بعیدٌ، وأجلُهُ قریبٌ، لا یُحاسِبُ نفسَهُ، قلیلُ المَنفَعَةِ، کثیرُ الکلامِ، قلیلُ الخَوفِ، کثیرُ الفَرَحِ عِندَ الطَّعامِ.

وإنَّ أهلَ الدنیا لا یَشکُرُونَ عِندَ الرِّخاءِ، ولا یَصبِرُونَ عِندَ البلاءِ، کثیرُ الناسِ عِندَهُم قلیلٌ، یَحمَدُونَ أنفسَهُم بما لا یَفعَلونَ، ویَدَّعونَ بما لَیس لَهُم، ویَتَکَلَّمونَ بما یَتَمَنَّونَ، ویَذکُرونَ مَساویَ الناسِ ویُخفُونَ حَسَناتِهِم.

قالَ: یا ربِّ هَل یکونُ سِوَی هذا العَیبِ فی أهلِ الدنیا؟ قالَ: یا أحمدُ، إنَّ عَیبَ أهلِ الدنیا کثیرٌ، فیهِمُ الجَهلُ والحُمقُ، لا یَتواضَعونَ لِمَن یَتَعَلَّمونَ مِنهُ، وهُم عِندَ


1- الخصال: ص113، ح91. میزان الحکمة: ج3، ص1220، ح5926.
2- نهج البلاغة: الخطبة 109. میزان الحکمة: ج3، ص1220، ح5929.

ص: 257

أنفُسِهِم عُقَلاءُ وعِندَ العارِفینَ حُمَقاءُ)(1).

السؤال: ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر»(2).

کیف صارت کذلک؟

الجواب: ذکر العلماء عدة أوجه لتفسیر هذا الحدیث الشریف وهی کما یلی:

عن المحدث الحر العاملی (عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر».

وهذا الحدیث مستفیض من طرق العامة والخاصة، والإشکال فیه: أن کثیراً من المؤمنین حالهم فی الدنیا فی نهایة الاستقامة والسعة؛ وکثیرتً من الکفار حالهم فی الدنیا فی نهایة الضیق والعسر؛ ویمکن دفع هذا الإشکال بوجوه.

الأول: إن المؤمن وإن کان حاله فی الدنیا فی سعة ویسر إلا أنه بالنسبة إلی حاله فی الآخرة ومحله فیها سجن فی الدنیا والکافر بعکس ذلک، وهذا الجواب مروی عن أبی محمد الحسن علیه السلام حین اعترض علیه الیهودی فأجابه بهذا الجواب.

الثانی: أن یکون محمولا علی الأغلبیة بالنسبة إلی جمیع المؤمنین وجمیع الکفار والبناء علی الغالب جائز فی سائر المقامات.

الثالث: إن المؤمن فی الدنیا لما کان لم یزل فی ملاحظة الطاعات والاتیان بالواجبات والمستحبات فی جمیع الأوقات وفی اجتناب المحرمات والمکروهات ولم یزل یتأمل فی العواقب، ویتذکر النار والحساب والعقاب، فهو من حیث ملاحظة هذه الأمور وعدم مفارقته لها فی سجن.


1- بحار الأنوار: ج77، ص23، ح6. میزان الحکمة: ج3، ص1220 __ 1221، ح5930.
2- دعائم الإسلام، القاضی النعمان المغربی: ج1، ص47.

ص: 258

والکافر لما کان دائماً فی الانهماک فی المعاصی واللذات ولا یخطر بباله جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب فالدنیا جنّة له.

الرابع: أن یکون المراد الدنیا سجن للمؤمن الکامل فی الإیمان وجنة للکافر الکامل فی الکفر، کما روی أن أشد الناس بلاء فی الدنیا الأنبیاء ثم الأوصیاء ثم الأمثل فالأمثل.

الخامس: أن یکون خبراً بمعنی الأمر أی ینبغی للمؤمن أن یجعل الدنیا علی نفسه بمنزلة السجن کما أن المحبوس فی السجن لا یرید تناول ما زاد علی أقل الکفایة کسد الرمق وفکره مصروف إلی أسباب الخروج، وهذا المعنی فی بقیة الحدیث لا یخلو عن بُعد، ویمکن أن یوجه بأنه بالنسبة إلی الکافر علی وجه التهدید والوعید کقوله تعالی:

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)(1).

أو المعنی: یحق للکافر أن یتخذ الدنیا جنة له فإنه لیس له فی الآخرة نصیب إلا العذاب والعقاب.

السادس: أن یکون المعنی أن المؤمن یعدّ الدنیا علی نفسه سجنا فلا یرغب إلیها ولا یمیل إلی لذاتها ویخشی من غوائلها وإن کان متنعما فیها ظاهراً والکافر بعکس ذلک)(2).

ویمکن لنا أن نضیف وجها آخر بلحاظ الزمان إذ إن السجن یتصف بفترة زمنیة معینة ثم تنتهی فیتحرر صاحبه من قیوده فکذلک الدنیا لابد لها من نهایة فیتحرر صاحبها مِن وطأة شهواتها ولذائذها الفانیة فیذهب إلی دار لا لغو فیها ولا تأثیم، وإن کان کافرا فلا یغتر بجنته فهو خارج منها إلی الآخرة حیث العذاب والألم الشدید.


1- سورة فصلت، الآیة: 40.
2- مصابیح الأنوار، السید عبد الله شبر: ج2، ص23 __ 24.

ص: 259

__ نصیحة معصومیة

وردت الکثیر من الأحادیث الشریفة التی تبیّن أن الدنیا ملعونة وذو عاقبة وخیمة إذا اتخذها الإنسان هماً دون الآخرة وهی کما یلی:

1__ عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«مَن أصبَحَ والدنیا أکبَرُ همِّه فَلَیسَ مِنَ اللهِ فی شیءٍ وألزَمَ قلبَهُ أربَعَ خِصالٍ: هَمّاً لا یَنقَطِعُ عَنهُ أبداً، وشُغلاً لا یَنفَرِجُ مِنهُ أبداً، وفَقراً لا یَبلُغُ غِناهُ أبداً، وأملاً لا یبلُغُ مُنتَهاهُ أبداً».(1)

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«مَن أصبَحَ وأمسی والدنیا أکبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللهُ تعالی الفَقرَ بینَ عَینَیهِ وشتّتَ أمرَهُ ولم یَنَلْ مِن الدنیا إلاّ ما قَسَمَ اللهُ له، ومَن أصبَحَ وأمسی والآخرةُ أکبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللهُ تعالی الغِنی فی قلبِهِ وجَمَعَ لَهُ أمرَهُ»(2).

2__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الدنیا ملعونةٌ وملعونٌ ما فیها، إلاّ ما ابتُغِیَ به وَجه اللهِ عَزَّ وجلَّ»(3).

وعن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ألا إنَّ الدنیا دارُ لا یُسلَمُ منها إلاّ فیها (بالزُّهدِ)، ولا یُنْجی بشیءٍ کانَ لها، ابتُلِیَ الناسُ بِها فِتنةً فما أخَذُوهُ منها لها اُخِرجوا مِنه وحوسِبوا علَیهِ، وما أخَذُوهُ مِنها لِغَیرِها قَدِموا علَیهِ وأقاموا فیهِ»(4).

وعن الإمام الصادق علیه السلام __ فی زیارة الحسین علیه السلام عند الوَداع __ قال:


1- تنبیه الخواطر: ج1، ص130. میزان الحکمة: ج3، ص1222، ح5942.
2- الکافی: ج2، ص319، ح15. میزان الحکمة: ج3، ص1222، ح5939.
3- کنز العمال: 6088. میزان الحکمة: ج3، ص1194، ح5755.
4- نهج البلاغة: الخطبة 63. میزان الحکمة: ج3، ص1194، 5758.

ص: 260

«ولا تَشغَلْنی عن ذِکرِکَ بِإِکثارٍ عَلَیَّ مِن الدنیا تُلهینِی عجائبُ بَهجَتِها وتَفْتِنِّی زهراتُ زینتِها، ولا بِإِقلالٍ یُضِرُّ بعَمَلِی کَدُّهُ ویَملأُ صَدری هَمُّهُ، أعطِنی مِن ذلکَ غِنیً عن أشرارِ خلقِکَ، وبَلاغاً أنالُ بهِ رِضاک»(1).

وعن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«فَارفِضِ الدنیا، فإنّ حُبَّ الدنیا یُعمِی ویُصِمُّ ویُبکِمُ ویُذِلُّ الرِّقابَ»(2).

وعنه علیه السلام قال:

«حُبُّ الدنیا یُفسِدُ العقلَ، ویُصِمُّ(3) القلبَ عن سَماعِ الحکمةِ، ویوجِبُ ألیمَ العِقابِ»(4).

3__ حبها یورث البعد عن الله تعالی ویحرم القلب اللذات المعنویة کما جاء فی حدیث المعراج:

(قال الله تبارک وتعالی: یا أحمدُ، لو صَلَّی العبدُ صلاةَ أهلِ السماءِ والأرضِ، ویصومُ صیامَ أهلِ السماءِ والأرضِ، ویَطوِی عنِ الطَّعامِ مِثلَ الملائکةِ، ولَبِسَ لباسَ العابِدینَ، ثُمَّ أری فی قلبِهِ مِن حُبِّ الدنیا ذَرَّةً، أو سُمْعَتِها، أو رئاسَتِها، أو صِیتِها، أو زِینَتِها، لا یُجاوِرُنی فی دَارِی، ولأَنزِعَنَّ مِن قلبِهِ مَحَبَّتی (ولأُظلِمَنَّ قلبَهُ حتّی یَنسانِی، ولا اُذِقُهُ حَلاوَةَ مَحَبَّتی))(5).

4__ یحذر أهل البیت علیهم السلام العقلاء من الاغترار بالدنیا لما فی ذلک من آثار وعواقب وخیمة کما فی قوله علیه السلام:


1- بحار الأنوار: ج101، ص281، ح1. میزان الحکمة: ج3، ص1194، ح5759.
2- الکافی: ج2، ص136، ح23. میزان الحکمة: ج3، ص1202، ح5826.
3- فی المصدر (ویُهِمُّ) والصحیح ما أثبتناه کما فی طبعة النجف وبیروت.
4- غرر الحکم: 4878. میزان الحکمة: ج3، ص1202، ح5827.
5- مستدرک الوسائل: ج12، ص36، ح13446. میزان الحکمة: ج3، ص1204، ح5845.

ص: 261

          «أُحَذّرَکُمُ الدنیا، فإنّها دارُ شُخُوصٍ، ومَحَلَّةُ تَنغِیصٍ، ساکِنُها ظاعِنٌ، وقاطِنُها بائنٌ»(1).

وعنه علیه السلام قال:

«احذَرُوا الدنیا فإنَّ فی حلالِها حِساب_(_اً)، وفی حَرامِها عقاب_(_اً)، وأوّلُها عَناءٌ، وآخِرُها فَناءٌ»(2).

وعن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام أیضا:

«احذَروا الدنیا الحَذَرَ کُلَّهُ، وضَعُوا عَنکُم ثِقْلَ هُمُومِها لِما تَیَقَّنتُم لِوَشْکِ زَوالِها، وکونوا أسَرَّ ما تَکونونَ فیها، أحذَرَ ما تَکونُونَ لَها»(3).

وهناک الکثیر من الأحادیث فی هذا الباب فراجع.

5__ للجهل آثار وخیمة تفسد الدنیا وتوجب عذاب الآخرة ومن هذه الآثار الاغترار بالدنیا کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الرُّکونُ إلی الدنیا مَع ما یُعایَنُ مِن سُوءِ تَقَلُّبِها جَهلٌ»(4).

6__ یبرئ الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام الدنیا من مسؤولیة الاغترار بها ویلقی اللوم علی المغرور فیها بقوله:

«حَقّاً أقولُ: ما الدنیا غَرَّتکَ، ولکنْ بها اغتَرَرتَ، ولقَد کاشَفَتکَ العِظاتِ وآذَنَتکَ عَلی سَواءٍ، ولَهِیَ بما تَعِدُکَ مِن نُزولِ البلاءِ بِجِسمِکَ والنَّقضِ (النَقص) فی قُوَّتِکَ أصدَقُ وأوفَی مِن أن تَکْذِبَکَ أو تَغُرَّکَ»(5).


1- نهج البلاغة: الخطبة 196. میزان الحکمة: ج3، ص1210، ح5867.
2- بحار الأنوار: ج78، ص23، ح88. میزان الحکمة: ج3، ص1210، ح5869.
3- بحار الأنوار: ج73، ص109، ح109. میزان الحکمة: ج3، ص1210، ح5872.
4- غرر الحکم: 2037. میزان الحکمة: ج3، ص1214، ح5895.
5- نهج البلاغة: الخطبة 223. میزان الحکمة: ج3، ص1215، ح5902.

ص: 262

7__ یرشد الإمام علی علیه السلام أهل النظر الثاقب والنباهة والکیاسة إلی ضرورة التحلی بصفات الزاهدین عندما ینظرون إلی الدنیا فیقول:

«أُوصِیکُم بالرَّفضِ لهذِهِ الدنیا التارِکَةِ لَکُم، وإن لَم تُحِبُّوا تَرْکَها... فلا تَنافَسُوا فی عِزِّ الدنیا وفَخرِها، ولا تَعجَبُوا بزینَتِها ونعیمِها، ولا تَجزَعوا مِن ضَرَّائها وبُؤسِها، فإنّ عِزَّها وفَخرَها إلی انقِطاعٍ، وإنَّ زینَتَها ونعیمَها إلی زوالٍ، وضَرّاءَها وبُؤسَها إلی نَفادٍ (نفاذٍ)»(1).

8__ حقّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الدنیا فینبغی الاقتداء به فی رؤیته الحکیمة لندة القذارة لاسیما بعد الاطلاع علی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا بنَ جُندَبٍ، إن أحبَبتَ أن تُجاوِرَ الجلیلَ فی دارِهِ وتَسکُنَ الفِردَوسَ فی جِوارِهِ فلتَهُنْ عَلَیکَ الدنیا»(2).

9__ نهی النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم عن تعظیم الآخرین لما لدیهم من مال أو جاه أو منصب طمعا فیما لا یهم بل لابد أن یکون التوقیر والتعظیم للتقوی والأخوة فی الله تعالی فلذا ورد عنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَن عَظَّمَ صاحِبَ دنیا وأحَبَّهُ لِطَمَعِ دُنیاهُ سَخِطَ اللهُ علَیهِ»(3).

10__ أکد أهل البیت علیهم السلام علی الصبر عندما یصاب المرء بما یلاقیه من ألم الدنیا فإنه قد خور له فی الآخرة وهذا ما یدل علیه قول أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول:

«مَرارَةُ الدنیا حَلاَوَةُ الآخِرَةِ»(4).


1- نهج البلاغة: الخطبة 99. میزان الحکمة: ج3، ص1217، ح5915.
2- بحار الأنوار: ج78، ص282، ح1. میزان الحکمة: ج3، ص1225، ح5964.
3- بحار الأنوار: ج76، ص360، ح30. میزان الحکمة: ج3، ص1226، ح5965.
4- غرر الحکم: 9793. میزان الحکمة: ج3، ص1227، ح5983.

ص: 263

صور حواریة ومواعظ

خلق الله تعالی الخلق وهو غنی عن طاعتهم ومنیع عن ضرر معصیتهم لما یتصف به من صفات الألوهیة إلا أنه سبحانه لم یدع خلقه هملاً دون إرشاد وشریعة ومنهاج بل سن لهم السنن ونهج لهم المناهج لیصلوا إلی کمالهم، ومما أرشد إلیه مدبر الأمور وخالق الخلق سبحانه أن نزهد فی هذه الدنیا الدنیة ونرفض زخرفها ونبتعد عن زبرجها وهذا ما التزم به سادة الخلق وقادة العباد محمد وآله الأطهار صلوات الله علیهم وسلم تسلیما کثیرا الصورة الأولی فعندما نتأمل هذه الصورة الرائعة التی نقلها عمر بن الخطاب بقوله:

(استَأذَنتُ علی رسولِ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم فَدَخَلتُ عَلیهِ فی مَشرَبةِ أُمِّ إبراهیمَ، وإنّهُ لَمُضطَجِعٌ علی خَصْفَةٍ وإنّ بَعضَهُ علی التُّرابِ وتَحتَ رأسِهِ وِسادةٌ مَحشُوَّةٌ لِیفاً، فسَلَّمتُ علَیهِ ثُمَّ جَلَستُ فقُلتُ: یا رسولَ اللهِ، أنتَ نبیُّ اللهِ وصَفوتُهُ وخِیرَتُهُ من خَلقِهِ، وکِسری وقیصرُ علی سُرُرِ الذَّهبِ وفُرُشِ الدِّیباجِ والحریرِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم:

«أولئکَ قومٌ عُجِّلَت طَیِّباتُهُم وهِی وَشیکَةُ الانقِطاعِ، وإنّما أُخِّرَت لنا طَیِّباتُنا»)(1).

نجد عبرا ومواعظ تسر القلوب وتقر بها الأعین وهی کالآتی:

1__ إن اضطجاع النبی الکریم صلی الله علیه وآله وسلم (علی خصفة) أی فراش من سعف النخیل دون أن یکون علیها شیء یحمی جسده الشریف من غظلتها دلیل علی تجسد التواضع فی هذا الوجود المقدس، وبرهان علی افتخار الزهد إذ صار لباسا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

2__ وقول عمر (وإن بعضه علی التراب...) یشیر إلی علاقة المقدسین بأصلهم إذ


1- مجمع البیان: ج9، ص133. میزان الحکمة: ج3، ص1228، ح5990.

ص: 264

یرون أن أجسادهم من التراب وعلی التراب وإلی التراب رغم أن أرواحهم فی علیین، فلا یرون ترفعا عن التراب ولا یشعرون بالتقذر منه کما یفعل المتکبرون الجهلة ذلک.

3__ وقوله (وتحت رأسه وسادة محشوة لیفا) ألا یدل ذلک علی عدم استخدام النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم لولایته التکوینیة فی مثل هذه الأمور التافهة؟ وإلا لو شاء لتصرف بهذه الوسادة وجعلها من حریر ودیباج دون تعب أو نصب إلا أنه آثر أن یعیش وفق الأسباب والمسببات، ولعله أراد أن یعطی رسالة لعمر أو لغیره بأن الدنیا لا تستحق أن تکون هما نعیشه کل یوم، ولا تستحق أن یعصی الله تعالی لأجلها.

4__ وردّ النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم علی عمر بقوله (أولئک قوم عجلت طیباتهم وهی وشیکة الانقطاع، وإنما أخرت لنا طیباتنا) فیه الکثیر من الحکم والمواعظ:

منها: أن من أخذ نصیبه فی الدنیا لیس له نصیب فی الآخرة.

منها: أن العباد الصالحین لا یتأملوا من الدنیا راحة وسعادة لخلانهم معها ولأنهم لم یتخذوها أماً لهم کما أنها لم تعتبرهم أولادا لها.

منها: أن الدنیا بما فیها من اللذائذ والحلاوة لابد أن تنتهی فی یوم ما فیلاقی أولادها ما ینغصم ویذیقهم المرارة بدل الحلاوة التی یتلذذون بها.

منها: أن الطیبات الفانیة لیست لذیذة وإنما اللذة فی الطیبات الباقیة.

الصورة الثانیة

فاطمة الزهراء علیها السلام وما أدراک ما فاطمة هی بضعة النبی المصطفی وروحه التی بین جنبیه وهی لحمه ودمه وجزء لا یتجزأ منه فلذا نجدها لا تختلف عن أبیها بصفة من صفاته، فلقد جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاری رضی الله عنه أنه قال:

ص: 265

(رَأی النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم فاطمةَ علیها الصلاة والسلام وعلَیها کِساءٌ مِن أجلّةِ الإبلِ وهی تَطحَنُ بِیدَیها وتُرضِعُ ولدَها، فَدَمَعَتْ عَینا رسولِ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم فقالَ:

«یا بِنتاهُ، تَعجَّلی مَرارَةَ الدنیا بحَلاوَةِ الآخرةِ».

فقالت:

«یا رسولَ اللهِ، الحَمدُ للهِ علی نَعمائِه والشکرُ للهِ علی آلائهِ».

فأنزَلَ اللهُ:

(وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی)(1))(2).

أرجو إعادة القراءة لهذه الروایة وأرجو أن تتصورها فی خیالک لتدمع عیناک کما دمعت عین الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم وبعد تأمل هذه الصورة تخرج بالمواعظ التالیة:

منها: فاطمة سیدة نساء العالمین تلبس کساءً من أحلّة الإبل لتعطی رسالة لکل النساء الواعیات أن لا یلهثن وراء الأزیاء والمودیلات، وأن لا یکلفن أزواجهن فوق طاقتهم لکی یلبسن ما غلا ثمنه، فالبساطة فی العیش لا تعد نقصا کما لا یحق لأحد أن یسخر من صاحبه لاسیما فی مجتمع النساء.

منها: أن هذه السیدة الکبری والصدیقة الطاهرة هی بنت سید الکائنات وزوجة سید الأوصیاء وأم سیدی شباب أهل الجنة ومع ذلک تطحن بیدیها لأسرتها وتعین بعلها علی شظف العیش، وتقول لنا لابد من التکافل بین الرجل والمرأة لتسیر الحیاة الزوجیة بهدوء وطمأنینة وسعادة، وتقول للنساء لا تبحثن عن الشأنیة مع أزواجکن


1- سورة الضحی، الآیة: 5.
2- نور الثقلین: ج5، ص594، ح10، أنظر أیضا: ص595، ح11. میزان الحکمة: ج3، ص1228، ح5991.

ص: 266

طالما رضیتن بهم أزواجا، فأنا بنت سید الکائنات وخاتم الأنبیاء والرسل ولا أستنکف من العمل فی بیتی وخدمة أسرتی.

منها: عند رضاعتها ولدها ترشدنا إلی ضرورة رضاعة الأم لولدها لما فی ذلک من فائدة صحیة لهذا الولید إذ إن حلیب الأم یغذی الولد مادیا ومعنویا، وتبیّن بأن هذه الرضاعة لهذا الطفل الصغیر عمل صالح تنال الأم به ثواب الله عز وجل.

منها: قول رسول الله لابنته (یابنتاه تعجلی مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة) لا یختلف عما بینه فی الصورة الأولی من أن الدنیا فانیة ومرارتها منتهیة والآخرة باقیة وحلاوتها ولذتها دائمة.

منها: وقولها علیها السلام (یا رسول الله الحمد لله علی نعمائه، والشکر لله علی آلائه....) دلیل علی الرضا التام بعطاء الله تعالی، وتصریح بأن هذه البساطة من العیش هی نعمة إلهیة تحتاج إلی شکر المنعم علیها، کما أنها أکدت علی عدم جواز التبرم من هذه الحیاة البسیطة.

الصورة الثالثة

عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (عندما سأله یزید بن سلام: لما سُمّیَت الدنیا دُنیا؟ قال:

«لأنّ الدنیا دَنِیَّةٌ خُلِقَت مِن دُونِ الآخِرةِ، ولو خُلِقَت مع الآخِرَةِ لم یَفنَ أهلُها کما لا یَفنی أهلُ الآخرةِ».

قال: فأخبِرنی لِمَ سُمّیَتِ الآخرةُ آخرة؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم:

«لأنّها متأخِّرةٌ تَجِیءُ من بعدِ الدنیا، لا توصَفُ سِنینُها، ولا تُحصی أیّامُها، ولا یموتُ سُکّانُها»)(1).


1- بحار الأنوار: ج57، ص356، ح2. میزان الحکمة: ج3، ص1192، ح5740.

ص: 267

هذه الصورة تبین مرتبة الدنیا وکونها فانیة بحلوها أو بمرها فإذا کانت حلوة بحسب الظاهر فلا تبطر فیها فتکون سببا لدخولک النار، وإن کانت مرة فاغتنم مرارتها لتکون سببا فی دخولک الجنة.

الصورة الرابعة

عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام (عندما رأی جابر بن عبد الله، وقد تنفّسَ الصُعَداء فقال:

«یا جابرُ، عَلاَمَ تَنفُّسًکَ؟ أعَلَی الدنیا؟!».

فقال جابرُ: نعم، فقالَ له الإمام علیه السلام:

«یا جابرُ، مَلاَذُّ الدنیا سَبعةٌ: المأکولُ، والمَشروبُ، والمَلبوسُ، والمَنکوحُ والمَرکوبُ، والمَشمومُ، والمَسمُوعُ.

فَألَذُّ المَأکولاتِ العَسَلُ وهو بَصقٌ من ذُبابةٍ، وأحْلَی المَشروباتِ الماءُ وکَفَی بإباحَتِهِ وسِباحَتِهِ عَلَی وَجهِ الأرضِ، وأعلَی المَلبوساتِ الدِّیباجُ وهُوَ مِن لُعابُ دُودَةٍ، وأعلَی المَنکوحاتِ النِّساءُ وهو مَبالٌ فی مَبالٍ ومِثالٌ لِمثالٍ، وإنَّما یُرادُ أحسَنُ ما فی المرأةِ لأِقبَحَ ما فیها، وأعلَی المَرکوباتِ الخَیلُ وهُو قواتِلُ، وأجَلُّ المَشموماتِ المِسْکُ وهو دَمٌ مِن سُرَّةِ دابّةٍ، وأجَلُّ المَسموعاتِ الغِناءً والتَّرنُّمُ وهو إثمٌ، فما هذِهِ صِفَتهُ لَم یَتَنَفَّس علَیهِ عاقِلٌ».

قال جابر بن عبد الله: فو الله ما خطرت الدنیا بعدها علی قلبی)(1).

أراد الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أن یوصل لنا رسالة واضحة عن أصل لذائذ هذه الدنیا التی یتنافس بل یتقاتل علیها أهلها، فأکد أن هذه اللذائذ التی ترونها جمیلة فهی کخضراء الدمن فی منبت السوء فلا یغتر أحد بها ولا یتهافت عاقل علی نیلها.


1- بحار الأنوار: ج78، ص11، ح69. میزان الحکمة: ج3، ص1209، ح5863.

ص: 268

الصورة الخامسة

عن سُوَید بن غفلة قال: (دخلت علی أمیر المؤمنین علیه السلام بعدَما بُویِعَ بالخلافةِ وهو جالسٌ علی حَصیرٍ صغیرٍ ولَیس فی البیتِ غَیرُهُ، فقلتُ: یا أمیرَ المؤمنینَ، بیدِکَ بیتُ المالِ ولَستُ أری فی بیتِکَ شیئاً ممّا یَحتاجُ إلَیهِ البیتُ؟! فقالَ علیه السلام:

«یا بنَ غَفلةَ، إنّ اللَّبیبَ لا یَتَأثَّثُ فی دارِ النُّقلَةِ، ولَنا دارُ أمْنٍ قد نَقَلْنا إلیها خیرَ مَتاعِنا، وإنّا عن قلیلٍ إلَیها صائرونَ»)(1).

یا لها من صورة ملیئة بالعبر والمواعظ، فإذا تأملها العاقل لابد أن یری ما یلی:

1__ إن المنصب هو خدمة للناس ولیس وسیلة للثراء والرفاه والاستحواذ.

2__ الإمام علیه السلام لم یضع فی البیت ما هو ضروری فضلا عن الکمالیات.

3__ یتعامل الإمام علیه السلام مع الدنیا تحت عنوان (نجا المخفون) فلم یثقل نفسه بحطام الدنیا ولم یملأ بیته من زبرجدها.

4__ یشیر بقوله (وإنا عن قلیل إلیها صائرون) إلی فناء الدنیا وقلة مدتها.

بحث عقائدی
الرضا بقضاء الله تعالی

من نعم الله تعالی أن منحنا عقلا نزن به الأشیاء ونمیّز به بین الحق والباطل ونستدل من خلاله علی الخیر فنفعله وعلی الشر فتجتنبه، وبهذه النعمة الإلهیة التی لا تضاهیها نعمة إلا الإیمان نعرف أن الله تعالی هو خالقنا ومدبر أمرنا ورحیم بنا أرحم من أمهاتنا بل أرحم من أنفسنا بأنفسنا، وهو الحکیم الذی لا خطأ ولا خلل فی فعله، وهو العادل الذی لا یجورد فی قضائه، المعصوم الذی لا یخطأ فی تقدیره، والعالم المحیط


1- بحار الأنوار: ج70، ص321، ح38. میزان الحکمة: ج3، ص1219، ح5924.س

ص: 269

بکل شیء فلا یفوته شیء، یعلم بما ینفعنا وما یضرنا وما یصلحنا وما یفسدنا، والقادر المطلق الذی یفعل ما یشاء وهو علی کل شیء قدیر، فإذا عرفنا ذلک وأیقنت به أنفسنا وأقرت به عقولنا لابد لنا من التسلیم والانقیاد له والتوکل علیه فی جمیع ما یهمنا والرضا والقبول بکل ما یقضی ویقدر، إذ إن عدم الرضا بقضائه وقدره یدل علی جهلنا وعدم معرفتنا به ونقصان توحیدنا.

أسئلة مهمة
اشارة

السؤال: ما هو الرضا الذی ینبغی أن نعیشه فی حیاتنا؟

الجواب: الرضا: هو القبول بل التسلیم والانقیاد وعدم الاعتراض علی ما یقضی سبحانه ویقدر.

السؤال: ما هی فوائد وثمرات الرضا؟

الجواب: للرضا مجموعة من الآثار والفوائد والثمرات وهی کما یلی:

1__ یوجب القرب الإلهی کما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا أحَبَّ اللهُ عَبداً ابتَلاهُ، فإن صَبَرَ اجتَباهُ، وإن رَضِیَ اصطَفاهُ»(1).

2__ یوجب الأجر العظیم فی یوم لا ینفع فیه مال لا بنون وهذا ما أکده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أَعْطُوا اللهَ الرِّضا مِن قُلوبِکُم تَظفَرُوا بثَوابِ اللهِ تعالی یومَ فَقرِکُم والإفلاسِ»(2).

3__ یوجب القناعة والشعور بالکفایة کما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:


1- بحار الأنوار: ج82، ص142، ح26. میزان الحکمة: ج4، ص1476، ح7306.
2- مستدرک الوسائل: ج2، ص412، ح2331. میزان الحکمة: ج4، ص1476 __ 1477، 7307.

ص: 270

«مَن رَضِیَ مِن الدنیا بما یَکفِیهِ کانَ أیسَرُ ما فیها یَکفِیهِ»(1).

4__ یوجب استجابة الدعاء وتحقیق ما نتمنی کما ورد ذلک عن الإمام الحسن علیه السلام:

«أنا الضّامِنُ لِمَن لا یَهجِسُ فی قَلبِهِ إلاّ الرِّضا أن یَدعُوَ اللهَ فَیُستَجابَ لَهُ»(2).

5__ یوجب الشعور بالغنی والتنزه عما فی أیدی الناس کما قال الإمام الصادق علیه السلام:

«ارْضَ بِما قَسَمَ اللهُ لکَ تَکُنْ غَنِیّاً »(3).

6__ یوجب الشعور بالاطمئنان والراحة کما ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام:

«الرَّوحُ والرّاحَةُ فی الرِّضا والیَقینِ، والهَمُّ والحُزْنُ فی الشَّکِّ والسّخَطِ»(4).

7__ یمنع وقوع الحزن ویرفعه عن صاحبه کما ورد عن الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام:

«مَن رَضِیَ برِزقِ اللهِ، لَم یَحزَن علی ما فاتَهُ»(5).

وعنه علیه السلام أنه قال:

«الرِّضا یَنفِی الحُزْنَ»(6).

السؤال: ما هی الآثار السلبیة والنتائج الوخیمة لعدم الرضا؟


1- بحار الأنوار: ج77، ص169، ح6. میزان الحکمة: ج4، ص1477، ح7311.
2- بحار الأنوار: ج71، ص159، ح75. میزان الحکمة: ج4، ص1477، ح7308.
3- بحار الأنوار: ج69، ص368، ح4. میزان الحکمة: ج4، ص1477، ح7312.
4- بحار الأنوار: ج71، ص159، ح75. میزان الحکمة: ج4، ص1477، ح7316.
5- نهج البلاغة: الحکمة 349. میزان الحکمة: ج4، ص1478، ح7319.
6- غرر الحکم: 410. میزان الحکمة: ج4، ص1478، ح7320.

ص: 271

الجواب:

1__ من لم یرض بما أعطاه الله تعالی وقع فی فخ الشک ونسب الظلم إلی الله تعالی کما أکد ذلک الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«مَن لم یَرضَ بما قَسَمَ اللهُ عَزَّ وجلَّ، اتّهَمَ اللهَ تعالی فی قَضائهِ»(1).

2__ یؤدی عدم الرضا إلی صیرورة الأعمال هباء منثورا کما جاء عن الإمام الصادق علیه السلام فی قوله:

«مَن رَضِیَ القَضاءَ أتی علَیهِ القَضاءُ وهُو مَأجُورٌ ومَن سَخِطَ القَضاءَ أتی علَیهِ القَضاءُ وأحبَطَ اللهُ أجرَهُ»(2).

السؤال: هل أن الرضا یعنی ترک السعی فی الأسباب؟

الجواب: لا یقول بذلک أحد بل أن القول علی خلاف ذلک، إذ یحثنا الشرع علی السعی والسبب فی الأسباب کما فی قوله تعالی:

(هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَیْهِ النُّشُورُ)(3).

وقوله عزّ وجل:

(إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الْأَرْضِ وَآَتَیْنَاهُ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ سَبَبًا)(4).

وما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام صریح فی التسبب کما فی قوله علیه السلام:


1- بحار الأنوار: ج78، ص202، ح33. میزان الحکمة: ج4، ص1478، ح7324.
2- بحار الأنوار: ج71، ص139، ح26. میزان الحکمة: ج4، ص1478، ح7325.
3- سورة الملک، الآیة: 15.
4- سورة الکهف، الآیة: 84.

ص: 272

«أبَی اللهُ أن یُجرِیَ الأشیاءَ إلاّ بِأسبابٍ، فَجَعَلَ لِکُلِّ شَیءٍ سَبَباً وجَعَلَ لِکُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً، وجَعَلَ لِکُلِّ شَرْحٍ عِلْماً، وجَعَلَ لِکُلِّ عِلمٍ باباً ناطِقاً، عَرَفَهُ مَن عَرَفَهُ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ، ذاکَ رسولُ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم ونَحنُ»(1).

فإذا عرفنا هذا یتبین لنا أن الرضا هو التسلیم والقبول بکل ما یصیبنا بعد أن نؤدی تکلیفنا الشرعی ألا وهو السعی فی الأسباب الشرعیة المقبولة عند الله تعالی دون أسباب الشیطان، ولا شک فی الفرق بین سبل وأسباب الله تعالی وبین سبل وأسباب غیره المعوّجة المفضیة إلی عاقبة سیئة.

السؤال: کیف نمیّز بین سبل الله تعالی وأسبابه وبین سبل وأسباب غیره؟

الجواب: هذا أمر بدیهی لا لبس فیه، فکل ما هو موافق للشرع فهو سبب وسبیل إلهی وکل ما هو مخالف للشرع فهو غیر ذلک.

السؤال: کیف نمیّز أن المکروه الذی أصابنا من الله تعالی أو من غیره؟

الجواب: فی مقام الجواب عن هذا السؤال لابد من الوقوف علی ما یأتی:

1__ إذا أصابنا مکروه دون أن نتسبب به، کوقوع زلزال أو غیره من الکوارث فهو من الله تعالی ولا یرید به إلا نفعنا فلذا لا یحمد علی مکروه سواه.

2__ إذا أصابنا مکروه بسبب جئناه، فهو منّا والله تعالی بریء منه کما فی کثیر من الأسباب التی تؤدی إلی عواقب وخیمة فلذا قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«سَبَبُ فَسَادِ الیَقِینِ الطَّمَعُ»(2).

وقال علیه السلام:


1- الکافی: ج1، ص183، 7. میزان الحکمة: ج4، ص1652، ح8166.
2- غرر الحکم: 5513. میزان الحکمة: ج4، ص1652، ح8172.

ص: 273

«سَبَبُ فَسَادِ العَقْلِ الهَوی»(1).

وعنه علیه السلام:

«سَبَبُ الفِتَنِ الحِقْدُ»(2).

وقال علیه السلام:

«سَبَبُ الشَّحْنَاءِ کَثْرَةُ المِرَاءِ»(3).

وعنه علیه السلام أیضا:

«سَبَبُ الفَقْرِ الإِسْرَافُ»(4).

وقال علیه السلام:

«سَبَبُ الفِرْقَةِ الإِخْتِلاَفُ»(5).

وقال علیه السلام أیضا:

«سَبَبُ الفُجُورِ الخَلْوةُ»(6).

وعنه علیه السلام:

«سَبَبُ زَوَالِ النِّعَمِ الکُفْرانُ»(7).

وقال علیه السلام:

«سَبَبُ الهَلاَکِ الشِّرکُ»(8).


1- غرر الحکم: 5515. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8174.
2- غرر الحکم: 5522. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8181.
3- غرر الحکم: 5524. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8183.
4- غرر الحکم: 5529. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8188.
5- غرر الحکم: 5530. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8189.
6- غرر الحکم: 5532. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8192.
7- غرر الحکم: 5517. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8176.
8- غرر الحکم: 5541. میزان الحکمة: ج4، ص1653، ح8198.

ص: 274

__ نصیحة یجب أن تسمعها

إذا ادعی أحد أنه عبد لله تعالی یجب أن یصدق المدعی بالتلبس بثوب العبودیة وألا یلزم من دعواه الکذب والنفاق، ولیعلم العبد أن المولی لا یرید له إلا الخیر ولا راد لما یرید، وعلیه أن یعرف أن السبل غیر سبیل الله تعالی تؤدی إلی الفشل والتبع وعدم الاطمئنان بل قد تؤدی إلی ذل فی الدنیا، وحبط الأعمال وحرمان الثواب ووقوع الخزی والعذاب فی الآخرة، وهذا ما یمکن استنباطه من حدیث الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول:

«أوحی الله تعالی إلی داود علیه السلام: یا داود تُرِیدُ وأُرِیدُ، ولا یکونُ إلاّ مَا أُرِیدُ، فإن أسلَمتَ بِما أرید أعطَیْتُکَ ما تُرِید، وإن لَم تُسلِمْ لِما أرِیدُ أتعَبتُکَ فیما تُرِیدُ، ثُمَّ لا یکونُ إلاّ ما أُرِیدُ»(1).

__ التزود بالأعمال الصالحة

قرن الإیمان بالله تعالی وبأنبیائه ورسله وملائکته والیوم الآخر بالعمل الصالح ولولا هذا العمل الصالح لما صح أن یقال للإیمان إیمان لأن الإیمان هو العمل قبل کل شیء وهذا ما أکدته المحاورة بین الإمام الصادق علیه السلام والزبیری إذ سأله (عن أفضَل الأعمال عند الله: ما لا یقبل الله شیئا إلا به، قلت: وما هو؟ قال علیه السلام:

«الإیمانُ بِاللهِ الّذی لا إلهَ إلاّ هُوَ، أعلَی الأعمالِ دَرَجَةً وأشرَفُها مَنزِلَةً وأسناها حَظّاً».

قال، قلت: ألا تُخبرُنی عن الإیمان، أقولٌ هوَ وعملٌ، أم قولٌ بلا عمل؟ فقال علیه السلام:


1- التوحید للصدوق: ص337. میزان الحکمة: ج4، ص1478، ح7327.

ص: 275

«الإیمانُ عَمَلٌ کُلُّهُ، والقَولُ بَعضُ ذلِکَ العَمَلِ»)(1).

فمن هذا اتضح أن الإیمان والعمل متحدان لا ینفک أحدهما عن الآخر وإلا لفسدا وفقدا عنوانهما الحقیقی، وعند إحصاء وتأمل الآیات الکریمة التی ورد فیها الإیمان مقروناً بالعمل الصالح یظهر لنا مدی أهمیة العمل الصالح ونتیقن أن الإیمان لا فائدة فیه بل لا یتقوم إلا بالعمل الصالح، فلذا جاءت موعظة الإمام الحسین علیه السلام فی خطبة:

«فتزودوا فإن خیر الزاد التقوی».

وتتالت الأحادیث الشریفة التی تؤکد علی أهمیة القول الصالح وعلی دوره فی حیاة الإنسان وآخرته، إذ إن الإیمان والعمل الصالح بمثابة الجناحین اللذین یعرج بهما المؤمن إلی لقاء الله تعالی.

__ العمل مفتاح السعادة

کلنا ینشد السعادة ویعمل لنیلها، وکلنا یتمنی الحیاة الطیبة الخالیة من الهم والغم والحزن، إلا أن ذلک لا ینال إلا بالعمل الصالح المقرون بالإیمان التام المبنی علی العلم والمعرفة، فمن رام الدرجات الرفیعة وحلم بالسعادة الدنیویة فلیؤمن ویعمل صالحا، ومن رغب بما عند الله تعالی من الرضا والرضوان والفوز بالجنان فلیؤمن ویعمل صالحا، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الکریمة فی قوله تعالی:

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیَاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ)(2).


1- الکافی: ج2، ص33، ح1. میزان الحکمة: ج7، ص2826، ح14328.
2- سورة النحل، الآیة: 97.

ص: 276

وصرحت به الآیة الأخری فی قوله تعالی:

(وَمَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِکَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا)(1).

ولکی یتضح لنا کیف یکون العمل الصالح مفتاحا للسعادة لابد من الوقوف علی آثاره الدنیویة والأخرویة.

آثار وثمرات العمل الصالح فی الدنیا
اشارة

1__ العمل الصالح یوجب الرفعة والدرجة الراقیة التی تجعل صاحبها سیداً فی الدنیا والآخرة، کما أکد ذلک أمیر المؤمنین بقوله:

«الشَّرَفُ عِندَ اللهِ سُبحانَهُ بِحُسنِ الأعمالِ، لا بحُسنِ الأقوالِ»(2).

2__ یصل بک العمل الصالح إلی هدفک السامی کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«العِلْمُ یُرْشِدُکَ، وَالعَمَلُ یَبْلُغُ بِکَ الغایَةَ»(3).

3__ یوجب مدح الناس وثناءهم کما صرح بذلک سید المتقین وأمیر المؤمنین بقوله:

«إنَّما یُسْتَدَلُّ عَلَی الصّالِحینَ بِما یُجْرِی اللهُ لَهُم عَلی ألسُنِ عِبادِهِ، فَلْیَکُنْ أحَبَّ الذَّخائِرَ إلَیکَ ذَخِیرَةُ العَمَلِ الصّالِحِ»(4).

4__ للعمل الصالح أثر صالح علی عامله وعلی ذریته، وحفظ له ولمن حوله من الناس کما بیّن ذلک الإمام الصادق علیه السلام بقوله:


1- سورة طه، الآیة: 75.
2- غرر الحکم: 1924. میزان الحکمة: ج7، ص2816، ح14260.
3- غرر الحکم: 2060. میزان الحکمة: ج7، ص2816، ح14261.
4- نهج البلاغة: الکتاب 53. میزان الحکمة: ج7، ص2817، ح14277.

ص: 277

«إنَّ اللهَ لَیُصْلِحُ بِصَلاَحِ الرَّجُلِ المُؤْمِنِ وُلْدَهُ، وَوُلْدَ وُلْدِهِ، وَیَحْفَظُهُ فی دُوَیْرَتِهِ، ودُوَیْراتٍ حَوْلَهُ، فَلاَ یَزالونَ فی حِفْظِ اللهِ لِکَرامَتِهِ عَلَی اللهِ، ثُمَّ ذَکَرَ الغُلاَمَیْنِ، فَقالَ:

(وَکَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)(1).

ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ شَکَرَ صَلاَحَ أبَوَیْهِما لَهُما؟!»(2).

5__ العمل الصالح یوجب القوة فی البدن والنفس کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَنْ یَعْمَلْ یَزْدَدُ قُوَّةً، مَنْ یُقَصَِّرْ فی العَمَلِ یَزْدَدْ فَتْرَةً»(3).

6__ العمل الصالح یؤدی أن یصلح الله دین العبد کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«مَنْ عَمِلَ لِدینِهِ کَفاهُ الله أَمْرَ دُنْیاهُ»(4).

__ آثار العمل الصالح فی الآخرة

1__ به ینال ما عند الله تعالی من الأجر کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«بِالْعَمَلِ یَحْصُلُ الثَّوَابُ لاَ بِالْکَسَلِ»(5).

2__ من خلال العمل الصالح نشعر بقیمة العلم ونلمس فائدته وهذا ما أشار إلیه الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:


1- سورة الکهف، الآیة: 82.
2- تفسیر العیّاشی: ج2، ص337، ح63. میزان الحکمة: ج7، ص2833، ح14370.
3- غرر الحکم: 7990 __ 7991. میزان الحکمة: ج7، ص2716، ح14259.
4- نهج البلاغة: الحکمة 423. میزان الحکمة: ج7، ص2834، ح14380.
5- غرر الحکم: 4295. میزان الحکمة: ج7، ص2816، ح14262.

ص: 278

«بِحُسْنِ الْعَمَلِ تُجْنی ثَمَرَةُ الْعِلْمِ لاَ بِحُسْنِ الْقَوْلِ»(1).

3__ یرفد صاحبه بالنعم الوفیرة کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«اعمَلوا قَلیلاً تنعَمُوا کَثیراً»(2).

4__ یوجب حب الله تعالی ومن أحب الله فلا خوف علیه ولا یحزن من شیء وهو ما ذکره الإمام زین العابدین بقوله:

«إنَّ أَحَبَّکُمْ إلی اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أحْسَنُکُمْ عَمَلاً، وإنَّ أعظَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ عَمَلاً أعْظَمُکُمْ فیما عِنْدَ اللهِ رَغْبَةً».

5__ العمل الصالح یهیئ لصاحبه المکان المریح والحیاة الهنیئة کما ذکر ذلک الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«إنَّ العَمَلَ الصّالِحَ یَذْهَبُ إلی الجَنَّةِ فَیُمَهِّدُ لِصاحِبِهِ کَما یَبْعَثُ الرَّجُلُ غُلاَمَهُ فَیَفْرُشُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:

(مَن کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ)(3)»(4).

6__ یرفد صاحبه بالثواب بعد وفاته وهذا ما أکدته الأحادیث الکثیرة کقول النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«سَبْعَةُ أسْبابٍ یُکْتَبُ لِلْعَبْدِ ثَوابُها بَعْدَ وَفاتِهِ: رَجُلٌ غَرَسَ نَخْلاً، أو حَفَرَ بِئْراً، أو أجْری نَهْراً، أو بَنی مَسْجِداً، أو کَتَبَ مُصْحَفاً، أو وَرَّثَ عِلْماً، أو خَلَّفَ وَلَداً صالِحاً یَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ وَفاتِهِ»(5)


1- غرر الحکم: 4296. میزان الحکمة: ج7، ص2817، ح14268.
2- تنبیه الخواطر: ج2، ص183. میزان الحکمة: ج7، ص2817، ح14272.
3- سورة الروم، الآیة: 44.
4- بحار الأنوار: ج71، ص185، 46. میزان الحکمة: ج7، ص2821، ح14286.
5- تنبیه الخواطر: ج2، ص110. میزان الحکمة: ج7، ص2821 __ 2822، ح14288.

ص: 279

__ نصائح

1__ لا تنال الآخرة ولا ینجو العبد إلا بالعمل الصالح وإن کان ذا مال ومنصب کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ لأِحَدِکُمْ ثَلاَثَةَ أخِلاّءَ: مِنْهُمْ مَنْ یُمَتِّعُهُ بِما سَألَهُ فَذلِکَ مالُهُ، ومِنْهُم خَلیلٌ یَنطَلِقُ مَعَهُ حَتّی یَلِجَ القَبْرَ ولاَ یُعْطِیَهُ شَیْئاً ولاَ یَصْحَبُهُ بَعْدَ ذلِکَ فأولئِکَ قَریبُهُ، ومِنْهُمْ خَلیلُ یَقولُ: وَاللهِ أنا ذاهِبٌ مَعَکَ حَیثُ ذَهَبْتَ ولَسْتُ مُفارِقَکَ! فذلِکَ عَمَلُهُ، إنْ کانَ خَیراً وإنْ کانَ شَرّاً»(1).

أو کان ذا نسب وحسب وهذا بعینه ما ذکره الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

»مَنْ أبْطأ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ یُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ (حَسَبُه)»(2).

2__ ضرورة الاستمرار علی عمل الخیر وإن کان قلیلا لما فی ذلک من أجر عظیم وفائدة کبری، هذا ما ذکرته الأحادیث الشریفة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«المُداوَمَةُ عَلَی العَمَلِ فی اتِّباعِ الآثارِ والسُّنَنِ وإنْ قَلَّ، أرْضی للهِ وأنفَعُ عِنْدَهُ فی العاقِبَةِ مِنَ الاجْتِهادِ فی البِدَعِ واتٍّباعِ الأهْواءِ»(3).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«المُداوَمَةُ المُداوَمَة! فإنَّ اللهَ لَمْ یَجْعَلْ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنینَ غایَةً إلاّ الْمَوْتَ»(4)


1- کنز العمال: 42759. میزان الحکمة: ج7، ص2821، ح14284.
2- نهج البلاغة: الحکمة 23، 389. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی: ج18، ص134. میزان الحکمة: ج7، ص2816، ح14263.
3- الکافی: ج8، ص8، ح1. میزان الحکمة: ج7، ص2822، ح14293.
4- مستدرک الوسائل: ج1، ص130، ح177. میزان الحکمة: ج7، ص2822، ح14292.

ص: 280

وعن الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«أحَبُّ الأعْمالِ إلی اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ما داوَمَ عَلَیْهِ العَبْدُ، وَإنْ قَلَّ»(1).

3__ للمداومة علی فعل الخیر آثار حسنة یحتاجها الفرد والمجتمع هذا ما أکده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أمّا المُداوَمَةُ عَلی الخَیْرِ فَیَتَشَعَّبُ مِنْهُ: تَرْکُ الفَواحِشِ، والبُعْدُ مِنَ الطَّیْشِ، والتَّحَرُّجُ، وَالیَقینُ، وَحُبُّ النَّجاةِ، وطاعَةُ الرَّحْمنِ، وتَعْظیمُ البُرْهانِ، وَاجْتِنابُ الشَّیْطانِ، وَالإجابَةُ لِلْعَدْلِ، وَقَوْلُ الحَقِّ، فَهذا ما أصابَ العاقِلَ بِمُداوَمَةِ الخَیْرِ»(2).

4__ العمل الصالح القلیل أفضل من العمل الکثیر الذی لا تطیقه النفس وتمل منه القلوب فلذا أرشدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی ذلک بقوله:

«إنَّ النَّفْسَ مَلولة، وإنَّ أحَدَکُم لا یَدری ما قَدْرُ المُدَّةِ، فَلْیَنظُرْ مِنَ العِبادَةِ ما یُطیقُ، ثُمَّ لِیُداوِمْ عَلَیْهِ، فإنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلَی اللهِ ما دیمَ عَلَیْهِ وإنْ قَلَّ»(3).

5_ انتبه إلی عملک وأحرص أن تکون له عاقبة حسنة ولذة دائمة، وهذا ما نبهنا إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«شَتّانَ ما بَیْنَ عَمَلَیْنِ: عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقی تَبِعَتُهُ، وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤونَتُهُ وَیَبْقی أجْرُهُ»(4)


1- بحار الأنوار: ج71، ص219، ح25. میزان الحکمة: ج7، ص2822، ح14295.
2- تحف العقول: ص17. میزان الحکمة: ج7، ص2824، ح14306.
3- کنز العمال: 5312. میزان الحکمة: ج7، ص2824، ح14307.
4- نهج البلاغة: الحکمة 121. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج18، ص310. میزان الحکمة: ج7، ص2834، ح14375.

ص: 281

__ أسئلة مهمة

السؤال: لمَ نری أن الجزاء علی العمل أکبر وأضخم من العمل؟

الجواب: هناک بحث فی بیان مدی الترابط بین العمل والجزاء وملخصه:

قبل بیان هذا الترابط لابد من توضیح السؤال أو الإشکال الوارد علی العدل الإلهی ثم یتسنی لنا الجواب عنه.

الإشکال: إن الجزاء الأخروی فی مقام العقاب لا یتناسب مع ا لذنب الذی یصدر عن العبد وهذا یدل علی عدم عدل الله سبحانه وتعالی عن ذلک علواً کبیراً، فمثلا:

لو عبث إنسان فی طریق العامة وأحدث فیه ما یعیبه لابد له من عقوبة جزاءً لما فعل، إلا أن هذه العقوبة خروج عن العدالة ومخالفة لها.

وهکذا لو صدرت عن الإنسان غیبة مثلا فمات دون أن یتوب عنها لابد أن تکون لها عقوبة ولکن هذه العقوبة لابد أن تتناسب مع الفعل الحرام، إلا أننا نری أن عقوبة فاعل الغیبة هی أن یکون طعاما لکلاب النار، ألیس هذه العقوبة قاسیة وشدیدة، ومن هذا المنطلق نری أن العقوبة لا تناسب الذنب وهذا ما یخالف العدل الإلهی؟

الجواب: ورد الجواب عند أهل الاختصاص من خلال هذه المقدمات وهی کما یلی:

1__ إن الآخرة عالم لا یشبه عالم الدنیا فی کثیر من قوانینه، وعلی سبیل المثال:

ألف: فی عالم الدنیا یحصل التغییر والانتقال من مرحلة إلی أخری کالإنسان یبدأ طفلاً رضیعا ثم یکون صبیا ثم یصبح شابا ثم یعرّج علی الکهولة فالشیخوخة، أمّا فی عالم الآخرة لا طفولة ولا کهولة ولا شیخوخة بل لا موت ولا فناء.

ص: 282

باء: هذا العالم هو عالم الزراعة والآخرة عالم الحصاد وتحصیل الثمار، أی أن العمل هنا دون حساب، وهناک الحساب والجزاء فقط، کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فَإنَّ الیَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسابٌ، وإنَّ غَداً حِسابٌ وَلاَ عَملٌ»(1).

جیم: فی هذا العالم تستطیع أن تصحح الخطأ وتتوب عن الذنوب أمّا فی الآخرة لیس لک الحق فی ذلک.

2__ إننا نؤمن أن ما یفعله الإنسان هنا هو الذی یحدد نوع المصیر هناک وهذا ما أکده رسولنا الکریم صلی الله علیه وآله وسلم بهذه الأحادیث الشریفة التی لو تأملها المنصف یجد الجواب علی سؤاله والحل لإشکاله وهی کما یلی:

جاء فی حدیث عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«لَمّا دَخَلْتُ الجَتَّةَ فی لَیْلَةِ المِعْراجِ شاهَدْتُ مَلاَئِکَةً یَبْنُونَ بُیوتاً: بَعْضٌ مِنْ ذَهَبٍ وَآخَرٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَأحْیانأً یَتَوَقَّفونَ عَنِ العَمَلِ، فَسألتُهُمْ لِماذا تَعْمَلونَ أحْیاناً وَتَقِفونَ عَنِ العَمَلِ أحْیاناً؟ فأجابوا، حَتّی تَصِلَنا إمْداداتُ صاحِبِ البِناءِ.

فسألتُ وَما تَقْصُدونَ بالإمْدادات؟ قالوا: ذِکْرُ المُؤمِنِ فی الدُنْیا قولُ سُبْحانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ ولاَ إلهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أکبرْ.

فَفی کُلِّ وَقْتٍ یَقولُ نَحْنُ نَبنی وفی کُلِّ وَقْتٍ یَتَوَقَّفُ نَحْنُ أیْضاً نَتَوَقَّفُ»(2).

وجاء فی حدیث آخر عن الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم:

«کُلُّ مَنْ یَقُولُ سُبْحانَ اللهِ یُغْرِسُ اللهُ لَهُ فی الجَنَّةِ شَجَرَةً، وکُلُّ مَنْ یَقولُ الحَمْدُ


1- موسوعة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ، محمد الریشهری: ج4، ص122، ح1351.
2- وسائل الشیعة: ج4، ص1208. العدل الإلهی، الشهید مرتضی المطهری: ص254.

ص: 283

للهِ یُغْرِسُ اللهُ لَهُ فی الجَنَّةِ شِجَرَةُ، وکُلُّ مَن یَقولُ لاَ إلهَ إلاّ اللهُ یُغْرِسُ لَهُ اللهُ شَجَرَةً فی الجَنَّةِ، وکُلُّ مَنْ یَقولُ اللهُ أکْبَرُ یُغْرِسُ اللهُ لَهُ شَجَرَةً فی الجَنَّةِ.

فقال لَهُ رَجُلٌ مِن قُرَیْشٍ: إذَنْ أشْجارُنا فی الجَنَّةِ کَثیرَة، فأجابَ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم:

نَعَمْ، وَلکِنْ حاذِروا أن تَبْعَثوا إلَیها ناراً تُحْرِقُها عَنْ بَکْرَةِ أبیها، وکَما قالَ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ)(1))(2).

مما تقدم نخلص إلی جواب وهو أن الأعمال تتجسم فی الآخرة وکما یدل علی ذلک قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تَأْکُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ).

وقوله تعالی:

(وَوُضِعَ الْکِتَابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَا وَیْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْکِتَابِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةً وَلَا کَبِیرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَدًا)(3).

وهناک إضافة إلی ما تقدم من الجزاء هو أثر للعمل فلا یقال لماذا لا یتناسب الأثر مع العمل القبیح فمثلا: لو شرب رجل سما فی خمس دقائق وبسهولة ودون أن یؤذی أحدا فإنه یموت فلا یقال لماذا مات؟


1- سورة محمد، الآیة: 33.
2- العدل الإلهی للشهید مرتضی المطهری: ص254.
3- سورة الکهف، الآیة: 49.

ص: 284

وإذا زنی أحد وأصیب بمرض زهری مدی حیاته فلا یقال لماذا لا یوجد تناسب بین الفعل الذی لم یستغرق إلا ساعة وبین نتیجة الفعل التی امتدت طوال عمر الفاعل، فإن هذه آثار لتلک الأعمال وهکذا فی الآخرة فإن للأفعال آثارا لا تناسب الفعل.

السؤال: ما هی العوامل التی تساعد علی قبول الأعمال؟

الجواب: ذکرت الأحادیث الشریفة خصالاً کثیرة ینبغی أن یتصف بها العامل لکی یقبل عمله وهی کما یلی:

1__ التقوی: ینبغی أن یتصف العامل بالتقوی والتلبس بالطاعات لأن الله تعالی لا یتقبل إلا من المتقین کما فی قوله تعالی:

(إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ)(1).

وأکد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصیته للصحابی الجلیل أبی ذر رضی الله عنه علی أن التقوی سبب فی قبول العمل وإن کان قلیلا:

«یا أبا ذرٍّ، کُنْ بِالعَمَلِ بِالتَّقْوی أشَدَّ اهتِماماً مِنْکَ بِالعَمَلِ؛ فَإنَّهُ لاَ یَقِلُّ عَمَلٌ بِالتَّقْوی، وکَیفَ یَقِلُّ عَمَلٌ یُتَقَبَّلُ؟! یَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:

(إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ))(2).

2__ العقل: هو الملاک الذی یمتاز به المکلف عن غیره والمیزان الذی توزن به الأمور، والقوة التی تدرک بها العلوم والأشیاء فلذا ورد عن الإمام الکاظم علیه السلام:

«قَلیلُ العَمَلِ مِنَ العاقِلِ مَقْبولٌ مُضاعَفٌ، وَکَثیرُ العَمَلِ مِنْ أهلِ الهَوی وَالجَهْلِ مَردودٌ»(3)


1- سورة المائدة، الآیة: 27.
2- مکارم الأخلاق: ج2، ص375، ح2661. میزان الحکمة: ج7، ص2827، ح14333.
3- تحف العقول: ص387. میزان الحکمة: ج7، ص2827، ح14334.

ص: 285

3__ الإخلاص: کل عمل لا یتصف بالإخلاص فهو ریاء ومردود علی صاحبه لأنه لم یرد به وجه الله تعالی یکله إلی من عمل له فإذا کان عمله لسمعة بین الناس أو تحصیل فائدة منهم فلیأخذ أجره ممن عمل له وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إنَّکَ لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْ عَمَلِکَ إلاّ ما أَخْلَصْتَ فیهِ»(1).

السؤال: ما هی الموانع التی تمنع قبول الأعمال؟

الجواب: تقدم ذکر العوامل التی تساعد علی قبول الأعمال والآن لابد أن نحذر المؤمنین من موانع قبول الأعمال وهی کما یلی:

1__ عدم الاتصاف بالورع عن المعاصی وافتقاد العامل للخلق الحسن الذی یعاشر به الناس وسرعة الانفعال والغضب هی ما تمنع قبول الأعمال کما فی قول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«ثَلاثٌ مَنْ لَم تَکُنْ فیهِ لَمْ یَقُمْ لَهُ عَمَلٌ: وَرَعٌ یَحْجُزُهُ عَنِ مَعاصی اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخُلْقٌ یُداری بِهِ النّاسَ، وَحِلْمٌ یَرُدُّ بِهِ جهلَ الجاهِلِ»(2).

2__ الاختلال فی العقائد وانکار أصول الدین سبب مهم فی منع قبول العمل، سوء الخلق مع الوالدین والتقصیر معهما حاجبا لمنع العمل، والخیانة والهروب عند الجهاد مانع ثالث بمنع قبول الأعمال کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ثَلاَثَةٌ لاَ یَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ: الشِّرکُ بِاللهِ، وعُقوقُ الوالِدَینِ، والفِرارُ مِنَ الزَّحَفِ»(3)


1- غرر الحکم: 3787. میزان الحکمة: ج7، ص2828، ح14335.
2- الخصال: ص125، ح121. میزان الحکمة: ج7، ص2828، ح14337.
3- کنز العمال: 43824، 43937. میزان الحکمة: ج7، ص2828، ح14341.

ص: 286

3__ إطلاق اللسان فیما حرم الله تعالی من الغیبة والنمیمة والفحش بالقول والبذاءة والغناء وقذف المؤمنین وهجائهم والسخریة والاستهزاء بهم وغیر ذلک من زلات اللسان لهو من أکبر الموانع لقبول العمل بل هو ینسف العمل نسفا کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ما عَمِلَ مَنْ لَمْ یَحْفَظْ لِسانَهُ»(1).

وکما فی قول الإمام الصادق علیه السلام لعَبّاد بن کثیر البصری الصوفی:

«وَیْحَکَ یا عَبّادُ! غَرَّکَ أنْ عَفَّ بَطْنُکَ وَفَرْجُکَ؟! إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ یَقولُ فی کِتابِهِ:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِیدًا (70) یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ)(2).

اعْلَمْ أنَّهُ لاَ یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنْکَ شَیْئاً حَتّی تَقولَ قَولاً عَدْلاً»(3).

4__ إخفاء الحقد والضغائن فی القلب علی المؤمنین سبب آخر یمنع قبول الأعمال کما ورد ذلک عن الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«لاَ یَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُؤْمِنٍ عَمَلاً وَهُوَ مُضْمِرٌ عَلی أخِیْهِ المُؤْمِنِ سُوءاً»(4).

5__ الاستمرار علی المعصیة بإصرار یعد من الکبائر التی لا یقبل معها أی طاعة کما ورد ذلک عن الإمام الصادق علیه السلام:

(لاَ وَاللهِ لاَ یَقْبَلُ اللهُ شَیْئاً مِنْ طَاعَتِهِ عَلی الإصْرارِ عَلی شَیْءٍ مِنْ مَعاصیهِ»(5).

السؤال: کیف نشخص العمل السیئ عند إلتباس الحق بالباطل؟


1- بحار الأنوار: ج77، ص85. میزان الحکمة: ج7، ص2828، ح14342.
2- سورة الأحزاب، الآیتان: 70 و71.
3- الکافی: ج8، ص107، ح81. میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14343.
4- الکافی: ج2، ص361، ح8. میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14347.
5- الکافی: ج2، ص288، ح3. میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14346.

ص: 287

الجواب:

لاشک أن الأعمال الصالحة معروفة واضحة وکذلک الأعمال السیئة إلاّ أن هناک میزانا نوزن به العمل نعرف من خلاله قبح العمل أو حسنه، ویمکن تلخیص ذلک من خلال هذه النقاط المهمة:

1__ إذا کان العمل مخجلا یستحی منه فهو قبیح، کما هو فی قول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«احْذَرْ کُلَّ عَمَلٍ یُعْمَلُ بِهِ فی السِّرِّ، ویُسْتَحی مِنْهُ فی العَلاَنیَّةِ»(1).

2__ إذا کان العمل یدعو للاعتذار فهو قبیح، کما ورد فی قول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«احْذَرْ کُلَّ عَمَلٍ إذا سُئِلَ عَنْهُ صاحِبُهُ أنْکَرَهُ أوِ اعْتَذَرَ مِنْهُ»(2).

3__ إذا کان العمل مما ینکره صاحبه فهو قبیح، حیث قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إیّاکَ وَکُلَّ عَمَلٍ إذا ذُکِرَ لِصاحِبِهِ أنْکَرَهُ»(3).

4__ إذا کان العمل سببا فی تفرق الناس عنک أو یحط من مقامک، أو یوقع علیک ضرراً فی الدنیا وإثما فی الآخرة، حیث ورد فی قول الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام:

«إیّاکَ وَکُلَّ عَمَلٍ یُنَفِّرُ عَنْکَ حُرّاً، أو یُذِلَّ لَکَ قَدْراً، یَجْلِبُ عَلَیْکَ شَرّاً، أو تَحْمِلُ بِهِ إلَی القِیامَةِ وِزْراً»(4)


1- نهج البلاغة: الکتاب 69. میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14356.
2- میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14357.
3- بحار الأنوار: ج71، ص369، ح19. میزان الحکمة: ج7، ص2829، ح14358.
4- غرر الحکم: 2727. میزان الحکمة: ج7، ص2831، ح14359.

ص: 288

__ نصائح ضروریة

دأب الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الأطهار علیهم السلام علی إسداء النصائح إلی المؤمنین وإرشاد الأمة إلی طریق السعادة الدنیویة والأخرویة، ومما یدخل تحت هذا العنوان ما ورد عنهم (صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین) من أحادیث تعد من نعم الله تعالی علینا وهی کما یلی:

1__ أوصی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصحابه بالتمسک بالعلم واتخاذه فی کل عمل یریدون عمله کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصیته لابن مسعود:

«یا بْنَ مَسْعودٍ، إذا عَمِلْتَ عَمَلاً فَاعْمَلْ بِعِلْمٍ وَعَقْلٍ، وإیّاکَ وأن تَعْمَلَ عَمَلاً بِغَیْرِ تَدَ بُّرٍ وعِلْمٍ؛ فإنَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ یَقولُ:

(وَلَا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکَاثًا)(1)»(2).

2__ علی کل من یعمل عملا لابد أن یضع نصب عینیه الثواب والعقاب لکی تستقیم أعماله وتکون عند الله تعالی مرضیة مقبولة کما أکد ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«اعْمَلْ عَمَلَ مَنْ یَعْلَمُ أنَّ اللهَ مَجازیهِ بِإساءَتِهِ وإحْسانِهِ»(3)


1- سورة النحل، الآیة: 92.
2- مکارم الأخلاق: ج3، ص361، ح2660. میزان الحکمة: ج7، ص2831، ح14360.
3- غرر الحکم: 2352. میزان الحکمة: ج7، ص2831، ح14361.

ص: 289

الخطبة السادسة: وفیها یُذکّر بفضائل أهل البیت علیهم السلام ویأمر باتّباعهم

اشارة

ص: 290

ص: 291

حمدَ الله وأثنی علیه، وصلّی علی النّبی فقال:

نص الخطبة

اشارة

(نَحْنُ حِزْبُ الله الْغالِبُونَ، وَعِتْرَةُ رَسُولِ الله صَلّی اللهُ عَلَیهِ وَآلهِ وَسَلّم الأَقْرَبُونَ، وَأهْلُ بَیْتِهِ الطَّیِّبونَ، وَأحَدُ الثَّقَلَینِ الَّذَیْنِ جَعَلْنا رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیهِ وَآلهِ وَسَلّم ثانِیَ کِتابِ اللهِ تَبارَکَ وَتَعالی، الّذی فیهِ تَفْصِیلُ کُلِّ شَیءٍ، لا یَأتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَیْنا فی تَفْسیرِهِ، لا یُبْطِئُنا تَأْوِیلُهُ، بَلْ نَتَّبعُ حَقائِقَهُ، فَأَطیعُونا فَإِنَّ طاعَتَنا مَفْرُوضَةٌ، أنْ کانَتْ بطاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ مَقْرُونَةٌ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(1).

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:

(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّیْطَانَ إِلَّا قَلِیلًا)(2).

وَأحَذِّرُکُمْ الْإِصْغَاءَ إِلی هَتُوفِ الشَّیْطانِ بِکُمْ فَإِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبینٌ، فَتَکُونُوا


1- سورة النساء، الآیة: 59.
2- سورة النساء، الآیة: 83.

ص: 292

کَأوْلِیائِهِ الَّذینَ قالَ لَهُمْ:

(لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ)(1).

فَتُلْقُوْنَ لِلسُّیُوفِ ضَرْباً، وَلِلرِّماحِ وِرْداً، وَلِلْعُمُدِ حَطْماً، وَلِلسِّهامِ غَرَضاً، ثُمّ لا یُقْبَلُ مِنْ نَفْسٍ إیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ فی إیمانِها خَیْراً).

(نَحْنُ حِزْبُ الله الْغالِبُونَ، وَعِتْرَةُ رَسُولِ الله صَلّی اللهُ عَلَیهِ وَآلهِ وَسَلّم الأَقْرَبُونَ، وَأهْلُ بَیْتِهِ الطَّیِّبونَ، وَأحَدُ الثَّقَلَینِ الَّذَیْنِ جَعَلْنا رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیهِ وَآلهِ وَسَلّم ثانِیَ کِتابِ اللهِ تَبارَکَ وَتَعالی، الّذی فیهِ تَفْصِیلُ کُلِّ شَیءٍ، لا یَأتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَیْنا فی تَفْسیرِهِ، لا یُبْطِئُنا تَأْوِیلُهُ، بَلْ نَتَّبعُ حَقائِقَهُ، فَأَطیعُونا فَإِنَّ طاعَتَنا مَفْرُوضَةٌ، أنْ کانَتْ بطاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ مَقْرُونَةٌ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ: 

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ).

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:

(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ...).

یشیر بضمیر الجمع إلی أهل بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم ویعرفهم بأنهم الجماعة القویة الصلبة القاهرة والفائزة التی ترتبط بالله تعالی، ونسل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعشیرته الأقربون، وأهل بیته الأزکیاء الطاهرون أو أحد الشیئین


1- سورة الأنفال، الآیة: 48.

ص: 293

العظیمین النفیسین الّذین جعلهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجهة المقابلة للقرآن الکریم، هذا الکتاب الذی فیه بیان أجزاء کل شیء، لا یأتیه الباطل أی لا یقع منه ما یخالف الحق أو ما یخالف الصحیح من أمامه أو من وراء ظهره، والمعتمد علینا فی توضیح وشرح القرآن الکریم، ولا یتأخر علینا إرجاعه إلی أصله وحقیقته وباطنه، بل نطلب خالصه وکنهه، فانقادوا لنا فإن الانقیاد لنا أمر واجب من الله تعالی، لأن طاعتنا ملازمة ومصاحبة لطاعة الله تعالی ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال الله عز وجل:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (1).

(وَأحَذِّرُکُمْ الْإِصْغَاءَ إِلی هَتُوفِ الشَّیْطانِ بِکُمْ فَإِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبینٌ، فَتَکُونُوا کَأوْلِیائِهِ الَّذینَ قالَ لَهُمْ:

(لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ) (2).

فَتُلْقُوْنَ لِلسُّیُوفِ ضَرْباً، وَلِلرِّماحِ وِرْداً، وَلِلْعُمُدِ حَطْماً، وَلِلسِّهامِ غَرَضاً، ثُمَ لا یَقْبَلُ مِنْ نَفْسٍ إیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ فی إیمانِها خَیْراً).

وأخوفکم من الاستماع إلی صیاح الشیطان بکم فإنه لکم عدو ظاهر، فإذا استمتعتم إلی هتوفه ستکونوا کأتباعه فتطرحون للسیوف الصوارم لتصیبکم، وتکونون مکانا لدخول الرماح، مکانا لتحطم وتکسر الأعمدة، وهدفا لرمی السهام، ثم بعد ذلک لا یرضی عنکم إذا لم تکونوا مؤمنین قبل هذا الیوم أو أنکم مؤمنون غیر عاملین بالخیر والمعروف.


1- سورة النساء، الآیة: 59.
2- سورة الأنفال، الآیة: 48.

ص: 294

__ فضل أهل البیت علیهم السلام

تختلف مقامات البشر ورتبهم تبعا لاختلاف ذواتهم من حیث الخصائص والصفات الذاتیة والمؤهلات النفسیة، وحیث إن بعض هذه الصفات والمؤهلات ما هو ظاهر فیعرف بها صاحبها، وبعضا منها یبقی باطنا فلا یحیط بها إلاّ خالقها سبحانه، ولذا صار المدح دلیلا علی مقام الممدوح وعلو رتبته، والذم دلیلا علی دنو رتبته وتسافله، إلاّ أننا نواجه سؤالا مهما فی طرحنا هذا وهو: مَنْ له الحق فی تقییم البشر وإعطائهم الرتبة التی تناسب خصائصهم ومؤهلاتهم؟ ومن البدیهی أن یکون الجواب کالآتی:

أن من له القدرة علی معرفة الخصائص والمؤهلات معرفة تامة دون الوقوع فی الاشتباه أو الالتباس هو صاحب الحق فی تقییم هؤلاء، وهذا لا ینطبق إلاّ علی المعصوم فی الرؤیا والتقییم، وهذا لا یکون إلا ممن له إحاطة تامة بهؤلاء البشر وهو لیس إلاّ خالقهم سبحانه بناء علی أن العلّة عالمة بمعلولها.

فإذا تبین أن الله تعالی هو من له الحق فی تقییم خلقه یلزم منه أن ما صدر من مدح إلهی فی حق فرد أو مجموعة هو المعیار فی تقدیم وتفضیل هذا الفرد أو هذه المجموعة علی غیرهم وهذا ما صرح به القرآن الکریم فی قوله تعالی:

(وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ)(1).

فهو مدح إلهی صریح لفرد من أفراد البشر وهو الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم کما مدح غیره من الأنبیاء فی آیات کثیرة، وقوله تعالی:

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)(2).


1- سورة القلم، الآیة: 4.
2- سورة الأحزاب، الآیة: 33.

ص: 295

هو أیضا مدح صریح لمجموعة من الأفراد وهم أهل بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولهذا صار لأهل بیت العصمة علیهم السلام فضل علی غیرهم فضلهم الله تعالی به، وهناک أحادیث کثیرة وردت عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذی لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی، فنقف علیها لیتضح فضلهم وحقهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین علی الناس.

__ فضلهم فی القرآن الکریم

وردت الآیات الکریمة الکثیرة التی تبین فضل أهل البیت علیهم السلام عن طریق مصادر أهل السنة وهی کما یلی:

1__ آیة تبین طهارة وعصمة أهل البیت علیهم السلام کما فی قوله تعالی:

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا).

ورد فی صحیح مسلم (فی کتاب فضائل الصحابة، فی باب فضائل أهل بیت النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم بسنده عن صفیة بنت شیبة قالت:

قالت عائشة: خرج رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم غداة وعلیه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علی فأدخله ثم جاء الحسین فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علی فأدخله ثم قال:

«إنّما یرید الله لیذهب عنکم الرجس ویطهرکم تطهیراً»)(1)


1- فضائل الخمسة: ج1، ص270. (أقول) ورواه الحاکم أیضا فی مستدرک الصحیحین: ج3، ص147، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین. ورواه البیهقی أیضا فی سننه: ج2، ص149. ورواه ابن جریر أیضاً فی تفسیره: ج22، ص5، عن عائشة. وذکره السیوطی أیضا فی الدر المنثور فی تفسیر آیة التطهیر فی سورة الأحزاب وقال: أخرجه ابن أبی شیبة وأحمد وابن أبی حاتم، وذکره الزمخشری فی الکشاف فی تفسیر آیة المباهلة بمناسبة وهکذا الفخر الرازی، وقال: واعلم أن هذه الروایة کالمتفق علی صحتها بین أهل التفسیر والحدیث (انتهی).

ص: 296

وجاء فی سنن الترمذی (روی بسنده عن عمرو بن أبی سلمة ربیب النبی صلی الله علیه __ وآله وسلم قال: لمّا نزلت هذه الآیة علی النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا) (1).

فی بیت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسیناً فجللهم بکساء وعلی علیه السلام خلف ظهره فجللهم بکساء ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بیتی فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا».

قالت أم سلمة: وأنا معهم یا نبی الله؟ قال:

«أنت علی مکانک وأنت علی خیر»)(2).

2__ آیة المباهلة التی تبین عصمة أهل البیت علیهم السلام علی النصاری فضلا عن الأمة الإسلامیة کما فی قوله تعالی:

(فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ)(3).

ورد فی سنن الترمذی (روی بسنده عن عامر بن سعد بن أبی وقاص، عن أبیه، قال: لمّا أنزل الله هذه الآیة (ندع أبناءنا وأبناءکم) دعا رسول الله صلی الله علیه __ وآله


1- سورة الأحزاب، الآیة: 33.
2- فضائل الخمسة: ج1، ص271. سنن الترمذی: ج2، ص209. (أقول) ورواه أیضا فی: ج2، ص308، ثم قال: وفی الباب عن أم سلمة ومعقل بن یسار وأبی الحمراء وأنس. ورواه الطحاوی أیضا فی مشکل الآثار: ج1، ص335. ورواه ابن الأثیر الجزری أیضاً فی أسد الغابة: ج2، ص12. ورواه ابن جریر الطبری أیضاً فی تفسیره: ج22، ص6 __ 7، وقال عم أم سلمة.
3- سورة آل عمران، الآیة: 61.

ص: 297

__ وسلم علیاً وفاطمة وحسناً وحسیناً فقال:

«اللهم هؤلاء أهلی»)(1).

وروی الزمخشری فی الکشاف والفخر الرازی فی تفسیره الکبیر، فی ذیل تفسیر آیة المباهلة فی سورة آل عمران، والشبلنجی فی نور الأبصار واللفظ للأخیر قال:

قال المفسرون: لمّا قرأ رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم هذه الآیة علی وفد نجران ودعاهم إلی المباهلة قالوا: حتی نرجع وننظر فی أمرنا ثم نأتیک غداً فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب __ وکان کبیرهم وصاحب رأیهم __ ما تری یا عبد المسیح؟ قال: لقد عرفتم یا معشر النصاری أن محمداً نبی مرسل ولئن فعلتم ذلک لنهلکن (وفی روایة) قال لهم: والله ما لاعن قوم قط نبیاً إلا هلکوا عن آخرهم، فإن أبیتم إلا الإقامة علی ما أنتم علیه من القول فی صاحبکم فودعوا الرجل وانصرفوا إلی بلادکم، فأتوا رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم وقد احتضن الحسن علیه السلام وأخذ بید الحسین علیه السلام وفاطمة علیها السلام تمشی خلفه، وعلی علیه السلام یمشی خلفها، والنبی صلی الله علیه __ وأله __ وسلم یقول لهم:

«إذا دعوت فأمنوا».

فلما رآهم أسقف نجران قال: یا معشر النصاری إنی لأری وجوهاً لو سألوا الله أن یزیل جبلا من مکانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلکوا ولا یبقی علی وجه الأرض نصرانی إلی یوم القیامة، فقالوا: یا أبا القاسم قد رأینا أن لا نباهلک وأن نترکک علی دینک وتترکنا علی دیننا، فقال لهم رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

«فإن أبیتم المباهلة فأسلموا یکن لکم ما للمسلم وعلیکم ما علیهم» 


1- فضائل الخمسة: ج1، ص291. سنن الترمذی: ج2، ص166. (أقول) ورواه الحاکم أیضا فی مستدرک الصحیحین: ج3، ص150، وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین. ورواه البیهقی أیضا فی سننه: ج7، ص63.

ص: 298

فأبوا ذلک فقال:

«إنی أنابذکم».

فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولکنا نصالحک علی أن لا تغزونا ولا تخیفنا ولا تردنا عن دیننا، وأن نؤدی إلیک فی کل سنة ألفی حلة، ألفاً فی صفر وألفاً فی رجب (قال: وزاد فی روایة) وثلاثاً وثلاثین درعاً عادیة وثلاثةً وثلاثین بعیراً وأربعةً وثلاثین فرساً غازیة فصالحهم رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم علی ذلک، وقال:

«والذی نفسی بیده إن العذاب تدلی علی أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازیر ولاضطرم علیهم الوادی ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتی الطیر علی الشجر، وما حال الحول علی النصاری کلهم حتی هلکوا».

(قال) أخرجه الخازن وغیره)(1).

3__ سورة هل أتی تبین مقام ورتبة أهل البیت علیهم السلام عند ربهم کما فی:

(وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزَاءً وَلَا شُکُورًا)(2).

ورد فی أسد الغابة لابن الأثیر الجزری (فی ترجمة فضة النوبیة، روی بسنده عن مجاهد، عن ابن عباس قال: فی قوله تعالی:

(یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَیَخَافُونَ یَوْمًا کَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیرًا (7) وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا)(3).

قال: مرض الحسن والحسین علیهما السلام فعادهما جدهما رسول الله صلی الله


1- فضائل الخمسة: ج1، ص291 __ 292. نور الأبصار، الشبلنجی: ص100.
2- سورة الإنسان، الآیتان: 8 و9.
3- سورة الإنسان، الآیتان: 7 و8.

ص: 299

علیه __ وآله __ وسلم وعادهما عامة العرب، فقالوا: یا أبا الحسن لو نذرت علی ولدک نذراً، فقال علی علیه السلام:

«إن برئا مما بهما صمت لله عزّ وجل ثلاثة أیام شکراً».

وقالت فاطمة علیها السلام کذلک، وقالت جاریة __ یقال لها فضة نوبیة __ إن برئا سیدای صمت لله عزّ وجل شکراً فألب الغلامان العافیة ولیس عند آل محمد قلیل ولا کثیر.

فانطلق علی علیه السلام إلی شمعون الخیبری فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعیر فجاء بها فوضعها فقامت فاطمة علیها السلام إلی صاع فطحنته واختبزته وصلی علی علیه السلام مع رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ثم أتی المنزل فوضع الطعام بین یدیه إذ أتاهم مسکین فوقف بالباب فقال: السلام علیکم أهل بیت محمد، مسکین من أولاد المسلمین أطعمونی أطعمکم الله عزّ وجل علی موائد الجنة، فسمعه علی علیه السلام فأمرهم فأعطوه الطعام ومکثوا یومهم ولیلتهم لم یذوقوا إلاّ الماء.

فلما کان الیوم الثانی قامت فاطمة علیها السلام إلی صاع وخبزته وصلی علی علیه السلام مع النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ووضع الطعام بین یدیه إذ أتاهم یتیم فوقف بالباب وقال: السلام علیکم أهل بیت محمد یتیم بالباب من أولاد المهاجرین استشهد والدی أطعمونی فأعطوه الطعام فمکثوا یومین لم یذوقوا إلا الماء.

فلما کان الیوم الثالث قامت فاطمة علیها السلام إلی الصاع الباقی فطحنته واختبزته فصلی علی علیه السلام مع النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ووضع الطعام بین یدیه إذ أتاهم أسیر فوقف بالباب وقال: السلام علیکم أهل بیت النبوة تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا، أطعمونی فإنی أسیر فأعطوه الطعام ومکثوا ثلاثة أیام ولیالیها لم یذوقوا إلا الماء، فأتاهم رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم فرأی ما

ص: 300

بهم من الجوع فأنزل الله تعالی:

(هَلْ أَتَی عَلَی الْإِنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِیهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِیعًا بَصِیرًا (2) إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِیرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُورًا (5) عَیْنًا یَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفْجِیرًا (6) یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَیَخَافُونَ یَوْمًا کَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیرًا (7) وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزَاءً وَلَا شُکُورًا)(1).

ثم قال: أخرجها أبو موسی)(2).

وذکر الواحدی فی أسباب النزول (فی بیان نزول قوله تعالی:

(وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا).

فی سورة هل أتی قال: قال عطاء عن ابن عباس، وذلک أن علی بن أبی طالب علیه السلام نوبة آجر نفسه یسقی نخلاً بشیء من شعیر لیلة حتی أصبح وقبض الشعیر وطحن ثلثه فجعلوا منه شیئا لیأکلوه یقال له الحریرة فلما تم إنضاجه أتی مسکین فأخرجوا إلیه الطعام، ثم عمل الثلث الثانی فلما تم إنضاجه أتی یتیم فسأله فأطعموه إیاه، ثم عمل الثلث الباقی فلما تم إنضاجه أتی أسیر من المشرکین فأطعموه وطووا، یومهم ذلک، فأنزلت فیه هذه الآیة)(3).


1- سورة الإنسان، الآیات: 1 إلی 9.
2- فضائل الخمسة للسید مرتضی الفیروز آبادی: ص301 __ 302. أسد الغابة لابن أثیر: ج5، ص530.
3- فضائل الخمسة للسید مرتضی الفیروز آبادی: ج1، ص302 __ 303. أسباب النزول، الواحدی: ص331. (أقول) وذکره المحب الطبری أیضاً فی الریاض النضرة: ج2، ص227، وقال فیه: یقال له الحریرة دقیق بلا دهن وقال: هذا قول الحسن وقتادة إن الأسیر کان من المشرکین، وقال سعید ابن جبیر: الأسیر المحبوس من أهل القبلة. وذکره أیضا فی ذخائره: ص102.

ص: 301

4__ آیة المودة التی دعا الله تعالی فیها الأمة الإسلامیة إلی محبة واحترام أهل البیت علیهم السلام، یفهم من هذه الآیة الکریمة ما لهؤلاء الأطهار علیهم السلام من منزلة عند الله تعالی وعند رسوله صلی الله علیه وآله وسلم:

(قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ)(1).

ورد فی تفسیر ابن جریر الطبری:

(روی بسنده عن أبی إسحاق قال: سألت عمرة بن شعیب عن قول الله عزّ وجل:

(قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی).

قال: قربی النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم)(2).

ورد عن السیوطی فی الدر المنثور (وأخرج ابن مردویه من طریق ابن المبارک عن ابن عباس فی قوله: (إلا المودة فی القربی) قال __ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم __:

«تحفظونی فی قرابتی»)(3).

ورد أیضا عن السیوطی فی الدر المنثور (وأخرج أبو نعیم والدیلمی عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

«(لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی) أن تحفظونی فی أهل بیتی وتودوهم بی)»(4)


1- سورة الشوری، الآیة: 23.
2- فضائل الخمسة، السید مرتضی الفیروز آبادی: ج1، ص306. تفسیر الطبری: ج25، ص17.
3- فضائل الخمسة، السید مرتضی الفیروز آبادی: ج1، ص307. الدر المنثور للسیوطی.
4- المصدر السابق.

ص: 302

__ فضلهم علیهم السلام فی السنة النبویة

بعد أن بیّنا فضلهم علیهم السلام فی القرآن الکریم عن طریق مصادر أهل السنة صار من المناسب أن نقرن ذلک الذی بینا ببیان ما جاء فی فضلهم علیهم السلام علی لسان النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وعن ذات الطریق لیکون حجة لنا علی غیرنا وهو کالآتی:

1__ حدیث الثقلین الذی یصرح بفضل أهل البیت علیهم السلام ودورهم فی قیادة الأمة ویبین حاجتها لهم کحاجتها لکتاب الله تعالی کما ورد ذلک فی سنن الترمذی:

(حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ الْمُنْذِرِ __ کُوفِیٌّ __ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَیْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَطِیَّةَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ وَالأَعْمَشُ عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ __ صلی الله علیه __ وآله __ وسلم __:

«إِنِّی تَارِکٌ فِیکُمْ مَا إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِی أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ کِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الأَرْضِ وَعِتْرَتِی أَهْلُ بَیْتِی وَلَنْ یَتَفَرَّقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا کَیْفَ تَخْلُفُونِی فِیهِمَا».

قَالَ هَذَا حَدِیثٌ حَسَنٌ غَرِیبٌ)(1).

2__ وما ذکره صاحب مستدرک الصحیحین فیه بیان أن أهل البیت علیهم السلام هم المراجع الذی ترجع إلیه الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: وهم الذین یرفعون الاختلاف الذی یقع فیها:

(عن سلیمان الأعمش قال: ثنا حبیب بن أبی ثابت، عن أبی الطفیل، عن زید بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل


1- سنن الترمذی: ج13، ص409، ح4157.

ص: 303

غدیر خم أمر بدوحات فقمن، فقال:

«کأنی قد دعیت فأجبت، إنی قد ترکت فیکم الثقلین: أحدهما أکبر من الآخر، کتاب الله تعالی، وعترتی، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، فإنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض»)(1).

3__ الروایات التی تذکر أن نسب أهل البیت علیهم السلام وحسبهم فوق کل نسب وحسب وأفضل من کل نسب وحسب فی الدنیا والآخرة کثیرة نذکر منها:

جاس فی الجامع الصغیر للسیوطی:

«کل نسب وصهر ینقطع یوم القیامة إلا نسبی وصهری»(2).

وجاء فی مسند أحمد: (عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ عَنِ الْمِسْوَرِ قَالَ: بَعَثَ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ إِلَی الْمِسْوَرِ یَخْطُبُ بِنْتًا لَهُ قَالَ لَهُ تُوَافِینِی فِی الْعَتَمَةِ فَلَقِیَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ الْمِسْوَرُ فَقَالَ مَا مِنْ سَبَبٍ وَلا نَسَبٍ وَلاَ صِهْرٍ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ نَسَبِکُمْ وَصِهْرِکُمْ وَلَکِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ __ وآله __ وَسَلَّمَ قَالَ:

«فَاطِمَةُ شُجْنَةٌ مِنِّی یَبْسُطُنِی مَا بَسَطَهَا وَیَقْبِضُنِی مَا قَبَضَهَا وَإِنَّهُ یَنْقَطِعُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ الأَنْسَابُ وَالأَسْبَابُ إِلاّ نَسَبِی وَسَبَبِی».

وَتَحْتَکَ ابْنَتُهَا وَلَوْ زَوَّجْتُکَ قَبَضَهَا ذَلِکَ فَذَهَبَ عَاذِرًا لَهُ)(3).

4__ هناک روایات متفرقة تشیر إلی فضائل متعددة یقف المرء مذهولا أمامها وهی کالآتی:


1- المستدرک علی الصحیحین للنیسابوری: ج10، ص377، ح4553، وج11، ص18، ح4694، باختلاف بسیط (إنی تارک فیکم الثقلین، کتاب الله، وأهل بیتی، وإنما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض).
2- الجامع الصغیر لجلال الدین السیوطی: ج2، ص288، ح6361.
3- مسند أحمد بن حنبل: ج38، ص392، ح18167.

ص: 304

عن النبی صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

«یا أیها الناس إنی فرط لکم وإنکم واردون علیَّ الحوضَ حوض أعرض ما بین صنعاء وبصری فیه عدد النجوم قدحان من فضة وإنی سائلکم حین تردون علی عن الثقلین فانظروا کیف تخلفونی فیهما الثقل الأکبر کتاب الله سبب طرفه بید الله وطرفه بأیدیکم فاستمسکوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا عترتی أهل بیتی فإنه قد نبأنی اللطیف الخبیر أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوضَ».

الطبرانی ، وأبو نعیم فی الحلیة ، والخطیب عن أبی الطفیل عن حذیفة بن أسید)(1).

وجاء فی مسند أحمد بن حنبل: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِیُّ عَنْ شَدَّادٍ أَبِی عَمَّارٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَذَکَرُوا عَلِیًّا فَلَمَّا قَامُوا قَالَ لِی أَلا أُخْبِرُکَ بِمَا رَأَیْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ __ وآله __ وَسَلَّمَ قُلْتُ بَلَی قَالَ أَتَیْتُ فَاطِمَةَ رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهَا أَسْأَلُهَا عَنْ عَلِیٍّ قَالَتْ:

«تَوَجَّهَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ __ وآله __ وَسَلَّمَ».

فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّی جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ __ وآله __ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِیٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَیْنٌ رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُمْ آخِذٌ کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِیَدِهِ حَتَّی دَخَلَ فَأَدْنَی عَلِیًّا وَفَاطِمَةَ فَأَجْلَسَهُمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَأَجْلَسَ حَسَنًا وَحُسَیْنًا کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی فَخِذِهِ ثُمَّ لَفَّ عَلَیْهِمْ ثَوْبَهُ أَوْ قَالَ کِسَاءً ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآیَةَ:

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)(2).

وَقَالَ:


1- الجامع الکبیر للسیوطی: ج1، ص26788، ح677.
2- سورة الأحزاب، الآیة: 33.

ص: 305

«اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَیْتِی وَأَهْلُ بَیْتِی أَحَقُّ»)(1).

نکتفی بهذا المقدار لعلمنا أنه کاف لکل ذی لب، علما أن هناک فضائل لا یحیط بها أحد من الناس إلا الراسخون فی العلم.

__ بحث عقائدی
__ العدل الثانی

الحدیث عن القرآن والوقوف علی حقائقه وبواطنه لا یتسنی إلا للمعصوم الذی سدده الله تعالی لیکون حجة علی الناس، وهذا أمر لا جدال فیه کما فی القرآن الکریم من غرائب وعجائب وعلوم وحکم عبر وأمثال محکم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وبلاغة وبیان وفصاحة وتحدی وانتصار وغیب وشهود وأدب وأخلاق وعقائد وسنن، ولخص کل ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بوصفه للقرآن عندما قال:

«ترد علی أحدهم القضیة فی حکم من الأحکام، فیحکم فیها برأیه، ثم ترد تلک القضیة بعینها علی غیره، فیحکم فیها بخلاف قوله، ثم یجتمع القضاة بذلک عند الإمام الذی استقضاهم، فیصوب آراءهم جمیعا وإلههم واحد، ونبیهم  واحد، وکتابهم واحد. أفأمرهم الله بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله سبحانه دیناً ناقصا فاستعان بهم علی إتمامه، أم کانوا شرکاء له، فلهم أن یقولوا وعلیه أن یرضی، أم أنزل الله سبحانه دینا تاما فقصر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم عن تبلیغه وأدائه، والله سبحانه یقول:

(مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ)(2).


1- مسند أحمد بن حنبل: ج34، ص350، ح16374.
2- سورة الأنعام، الآیة: 38.

ص: 306

وفیه تبیان کل شیء، وذکر أن الکتاب یصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فیه، فقال سبحانه وتعالی:

(وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلَافًا کَثِیرًا)(1).

وإن القرآن ظاهره أنیق وباطنه عمیق»(2).

ولابد أن یکون القرآن الکریم هکذا لکی یصلح أن یکون منهاجاً البشر إلی الکمال والفوز والسعادة فی الدنیا والآخرة.

ولکی نسلط الضوء علی وصف القرآن الکریم لابد أن نطّلع علی أقوال محمد وآل محمد صلوات الله علیهم فی وصف کتاب الله العظیم:

1__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا قیل له: أمَّتُکَ سَتُفتَنُ: ما المَخرَجُ مِن ذلک، قال:

«کِتابُ اللهِ العَزیزُ، الذی لاَ یَأتیهِ الباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزیلٌ مِنْ حَکیمٍ حَمیدٍ، مَنِ ابْتَغی العِلْمَ فی غَیْرِهِ أضَلَّهُ اللهُ»(3).

2__ عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی صفة القرآن قال:

«جَعَلَهُ اللهُ ریّاً لِعَطَشِ العُلَماءِ، وَرَبیعاً لِقُلوبِ الفُقَهاءِ، وَمَحاجّ لِطُرُقِ الصُّلَحاءِ، وَدَواءً لیسَ بَعْدَهُ داءٌ، ونوراً لیسَ مَعَهُ ظَلمَةٌ»(4).

وعنه علیه السلام أیضا:

«اعْلَموا أنَّ هذا القرآنَ هُوَ النّاصِحُ الذی لاَ یَغُشُّ، والهادی الذی لاَ یَضِلُّ،


1- سورة النساء، الآیة: 82.
2- نهج البلاغة، الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: ج1، ص54 __ 55، ح18.
3- تفسیر العیاشی: ج1، ص6، ح11. میزان الحکمة: ج8، ص3325، ح16411.
4- نهج البلاغة: الخطبة 198. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج10، ص199. میزان الحکمة: ج8، ص3325، ح16412.

ص: 307

والمُحَدِّثُ الذی لاَ یَکْذِبُ، وما جالَسَ هذا القرآنَ أحَدٌ إلاّ قامَ عَنْهُ بِزِیادَةٍ أو نُقْصانٍ، زیادَةٍ فی هُدًی، أو نُقْصانٍ مِن عَمًی»(1).

3__ عن الإمام الحسن علیه السلام قال:

«إنّ هذا القرآنَ فیهِ مَصابیحُ النُّورِ وشِفاءُ الصُّدورِ، فَلْیَجلُ جالٍ بِضَوئِهِ، ولیُلجمِ الصِّفَةَ قَلبَهُ فإنَّ التَّفکیرَ حَیاةُ القَلبِ البَصیرِ کما یَمشی المُستَنیرُ فی الظُّلُماتِ بالنّورِ»(2).

4__ عن الإمام الصادق علیه السلام لمّا سُئل: ما بالُ القرآن لا یَزدادُ عَلی النَّشرِ والدَّرس إلاّ غَضاضَةً؟، قال:

«لأنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی لَمْ یَجْعَلْهُ لِزَمانٍ دونَ زَمانٍ، ولاَ لِناسٍ دونَ ناسٍ، فَهُوَ فی کُلِّ زَمانٍ جَدیدٌ، وعِنْدَ کُلِّ قَوْمٍ غَضٌّ إلی یَومِ القِیامَةِ»(3).

5__ عن الإمام الرضا علیه السلام فی صفة القرآن قال:

«هُوَ حَبْلُ اللهِ المَتینُ، وَعُرْوَتُهُ الوُثْقی، وَطَریقَتُهُ المُثلی، المُؤَدِّی إلَی الجَنَّةِ، والمُنجی مِنَ النّارِ، لاَ یَخْلُقُ عَلی الأزْمِنَةِ، ولاَ یَغِثّ علی الألْسِنَةِ، لأنَّهُ لَمْ یُجْعَلْ لِزَمانٍ دونَ زَمانٍ، بَلْ جُعِلَ دَلیلَ البُرْهانِ، والحُجَّةَ عَلی کُلِّ إنسانٍ، لاَ یَأتیهِ الباطِلُ مِنْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزیلٌ مِنْ حَکیمٍ حَمیدٍ»(4).

بعد أن عرفنا وصف القرآن عن أهله صار تأکید النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم علی التمسک به هادیاً ولازما للأمة التی تبغی النجاة فی الدنیا والسعادة فی الآخرة.


1- نهج البلاغة: الخطبة 176. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج10، ص18. میزان الحکمة: ج8، ص3325 __ 3326، ح16413.
2- کشف الغمّة: ج2، ص199. میزان الحکمة: ج8، ص3329 __ 3330، ح16438.
3- بحار الأنوار: ج92، ص15، ح8 وح9. میزان الحکمة: ج8، ص3328، ح16435.س
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص130، ح9. میزان الحکمة: ج8، ص3329، ح16436.

ص: 308

ولکی نصل إلی معرفة من له القدرة علی فهم القرآن الکریم لابد أن نقف علی حقیقتهم:

1__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«ما أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آیَةً إلاّ لَها ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وکُلُّ حَرْفٍ حَدٌّ، وکُلُّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ»(1).

2__ عن الإمام زینُ العابدین علیه السلام قال:

«کِتابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ علی أرْبَعَةِ أشْیاءَ: عَلی العِبارَةِ، وَالإشارَةِ، واللَّطائِفِ، وَالحَقائِقِ، فَالعِبارَةُ لِلْعَوامِّ، وَالإشارَةُ لِلْخَواصِّ، واللَّطائِفُ لِلأَوْلِیاءِ، وَالحَقائِقُ لِلأَنْبِیاءِ»(2).

3__ عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«إنَّ لِلْقُرآنِ بَطْناً، ولِلْبَطْنِ بَطْناً، ولَهُ ظَهْرٌ، ولِلظَّهْرِ ظَهْرٌ... وَلَیْسَ شیءٌ أبْعَدَ مِنْ عُقولِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسیرِ القرآنِ، إنَّ الآیَةَ لَتَکُونُ أوَّلُها فی شَیء وَآخِرُها فی شیءٍ، وهُوَ کَلامٌ مُ_تَّصِلٌ یَتَصرَّفُ عَلی وُجوهٍ»(3).

وبعد معرفة حقیقته اتضح لنا نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وآله الطاهرین علیهم السلام عن تفسیر القرآن الکریم بالفهم الخاص والرأی والجهل کما فی قولهم (صلوات الله علیهم).

1__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«قالَ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ: ما آمَنَ بی مَنْ فَسَّرَ بِرَأیِهِ کَلامی»(4)


1- کنز العمال: 2461. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16570.
2- بحار الأنوار: ج92، ص20، ح18. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16571.
3- بحار الأنوار: ج92، ص95، ص48. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16572.
4- بحار الأنوار: ج92، ص107، ح1. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16575.

ص: 309

2__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«مَنْ قالَ فی القرآنِ بِغَیْرِ عِلْمٍ فَلْیَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ»(1).

3__ عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«مَنْ تَکَلَّمَ فی القُرآنِ بِرَأیْهِ فَأَصابَ فَقَدْ أخْطَأَ»(2).

4__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أکْثَرُ ما أخافُ علی أُمَّتِی مِنْ بَعْدی رَجُلٌ یَتَأوَّلُ القُرْآنَ یَضَعُهُ عَلی غَیْرِ مَواضِعِهِ»(3).

5__ عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«مَنْ فَسَّر القُرآنَ بِرَأْیِهِ فَأَصابَ لَمْ یُؤْجَرْ، وَإنْ أخْطَأَ کانَ إثْمُهُ عَلَیْهِ»(4).

6__ قال الإمام الباقر علیه السلام لِقَتادةَ بنِ دِعامة:

«یا قَتادَةُ، أنْتَ فَقیهُ أهْلِ البَصْرَةِ؟».

فقالَ: هکَذا یَزْعُمونَ، فقالَ أبو جَعْفَرٍ علیه السلام:

«بَلَغَنی أنَّکَ تُفَسِّرُ القُرآنَ».

قالَ لَهُ قَتادةُ: نَعَمْ، فقالَ أبو جَعْفَرٍ علیه السلام:

بِعِلْمٍ تُفَسِّرُهُ أمْ بِجَهْلٍ؟».

قال: لا، بِعِلْمٍ __ إلی أن قالَ __:

«یا قَتادَةُ إنّما یَعْرِفُ القُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ»(5)


1- کنز العمال: 2958. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16577.
2- بحار الأنوار: ج92، ص111، ح20. میزان الحکمة: ج8، ص3350، ح16578.
3- منیة المرید: ص369. میزان الحکمة: ج8، ص3350، ح16580.
4- بحار الأنوار: ج92، ص110، ح11. میزان الحکمة: ج8، ص3349، ح16576.
5- الکافی: ج8، ص311، ح485. میزان الحکة: ج8، ص3350، ح16582.

ص: 310

وبما تقدم من هذه الروایات الشریفة نصل إلی أن القرآن الکریم أهلاً یبینونه کما أمرهم الله تعالی ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم، ولیس أولئک إلاّ عترة النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم یتقدمهم أبوهم أمیر المؤمنین علیه السلام، وبمجرد الوقوف علی قول أمیر المؤمنین علیه السلام فی حق القرآن الکریم یتضح صدق دعوانا أن علیا وأولاده هم القادرون علی حمل القرآن الکریم وفهمه ومعرفته __ فیقول أمیر المؤمنین:

«إنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی أَنْزَلَ القُرْآنَ عَلی سَبْعَةِ أَقْسامٍ، کُلٌّ مِنْها شافٍ کافٍ، وَهی: أَمْرٌ، وَزَجْرٌ، وَتَرْغیبٌ، وَتَرْهیبٌ، وَجَدَلٌ، وَمَثَلٌ، وَقُصَصٌ.

وَفی القُرْآنِ ناسِخٌ ومَنْسُوخٌ وَمُحْکَمٌ وَمُتَشابِهٌ، وَخاصٌّ وَعامٌ، وَمُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَعَزائِمُ وَرُخَصٌ، وَحَلاَلٌ وَحَرامٌ، وَفَرائِضُ وَأحْکامٌ، وَمُنْقَطِعٌ وَمَعْطوفٌ، وَمُنْقَطِعٌ غَیْرُ مَعْطوفٍ، وَحَرْفٌ مَکانَ حَرْفٍ.

وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ خاصٌّ، وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ عامٌ مُحْتَمِلُ العُمُومِ، وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ واحِدٌ وَمَعْناهُ جَمْعٌ، وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ جَمْعٌ وَمَعْناهُ واحِدٌ، وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ ماضٍ وَمَعْناهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَمِنْهُ ما لَفْظُهُ عَلی الخَبَرِ وَمَعْناهُ حِکایَةٌ عَنْ قَوْمٍ آخَرَ، وَمِنْهُ ما هُوَ باقٍ مُحَرَّفٌ عَنْ جِهَتِهِ، وَمِنْهُ ما هُوَ عَلی خِلاَفِ تَنزیلِهِ، وَمِنْهُ ما تَأویلُهُ فی تَنْزیلِهِ، وَمِنْهُ ما تَأویلُهُ قَبْلَ تَنْزیلِهِ، وَمِنْهُ ما تَأویلُهُ بَعْدَ تَنْزیلِهِ.

وَمِنْهُ آیاتٌ بَعْضُها فی سُورَةٍ وَتَمامُها فی سُورَةٍ أخری، وَمِنْهُ آیاتٌ نِصْفُها مَنْسُوخٌ وَنِصْفُها مَتْروکٌ عَلی حالِهِ، وَمِنْهُ آیاتٌ مُخْتَلِفَةُ اللَّفْظِ مُتَّفِقَةُ المَعْنی، وَمِنْهُ آیاتٌ مُتَّفِقَةُ اللَّفْظِ مُخْتَلِفَةُ المَعْنی، وَمِنْهُ آیاتٌ فیها رُخْصَةٌ وَإطْلاَقٌ بَعْدَ العَزیمَةِ، لأَِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ یُحِبُّ أَنْ یُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ کَما یُؤْخَذُ بِعَزائِمِهِ.

وَمِنْهُ رُخْصَةُ صاحِبِها فیها بِالْخِیارِ إنْ شاءَ أَخَذَ وَإِنْ شاءَ تَرَکَها، وَمِنْهُ رُخْصَةٌ

ص: 311

ظاهِرُها خِلاَفُ باطِنِها یُعْمَلُ بِظاهِرِها عِنْدَ التَّقیَّةِ وَلاَ یُعْمَلُ بِباطِنِها مَعَ التَّقِیَّةِ، وَمِنْهُ مُخاطَبَةٌ لِقَومٍ وَالمَعْنی لآِخَرینَ، وَمِنْهُ مُخاطَبَةٌ للنَّبی (صلی الله علیه وآله) وَمَعْناهُ واقِعٌ عَلی أمَّتِهِ، وَمِنْهُ لاَ یُعْرَفُ تحریمُهُ إلاَّ بِتَحْلیلِهِ، وَمِنْهُ ما تألیفُهُ وَتَنْزیلُهُ عَلی غَیْرِ مَعنی ما أُنْزِلَ فِیه.

وَمِنْهُ رَدٌّ مِنَ اللهِ تَعالی وَاحْتِجاجٌ عَلی جَمیعِ المُلْحِدینَ وَالزَّنادِقَةِ وَالدَّهْریَّةِ وَالثَّنَوِیَّةِ وّالقَدَرِیَّةِ وَالمُجَبِّرَةِ وَعَبَدَةِ الأَوْثانِ وَعَبِدِةِ النِّیرانِ، وَمِنْهُ احْتِجاجٌ عَلی النَّصاری فی المَسیحِ (علیه السلام)، وَمِنْهُ الرَّدُ عَلی الیَهُودِ، وَمِنْهُ الرَّدُ عَلی مَنْ زعَمَ أنَّ الإِیمانَ لاَ یَزیدُ وَلاَ یَنْقُصُ وَأَنَّ الکُفْرَ کَذلِکَ، وَمِنْهُ رَدٌ عَلی مَنْ زعَمَ أَنَّ لَیْسَ بَعْدَ المَوْتِ وَقَبْلَ القِیامَةِ ثَوابٌ وَعِقابٌ»(1).

فالابتعاد عن أمیر المؤمنین علیه السلام وعترة النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم فی فهم القرآن الکریم یقود إلی الهلاک وهذا ما صرح به الإمام علی علیه السلام لمّا سئل عن تفسیر المحکم والمتشابه من کتاب الله عز وجل:

«أمّا المُحْکَمُ الذی لَمْ یَنْسَخْهُ شَیءٌ مِنَ القُرْآنِ فَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:

(هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ مِنْهُ آَیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(2).

وإنَّما هَلَکَ النّاسُ فی المُتَشابِهِ لأَِنَّهُمْ لَمْ یَقِفُوا عَلی مَعْناهُ وَلَمْ یَعْرِفوا حَقیقَتَهُ، فَوَضَعوا لَهُ تَأویلاَتٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بِآرائِهِم واسْتَغْنَوا بِذلِکَ عَنْ مَسْأَلَةِ الأَوْصِیاءِ... .

وَأمّا المُتَشابِهِ مِنَ القُرْآنِ فَهُوَ الّذی انْحَرَفَ مِنْهُ، مُتَّفِقُ اللَّفْظِ مُخْتَلِفُ المَعْنی، مِثلُ قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: 


1- بحار الأنوار: ج93، ص4. میزان الحکمة: ج8، ص3351 __ 3352، ح16588
2- سورة آل عمران، الآیة: 7.

ص: 312

(یُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ)(1).

فَنَسَبَ الضَّلاَلَةَ إلی نَفْسِهِ فی هَذا المَوْضِعِ، وَهَذا ضَلالُهُمْ عَنْ طَریقِ الجَنَّةِ بِفِعْلِهِمْ، وَنَسَبَهُ إلی الکُفّارِ فی مَوْضِعٍ آخَرَ وَنَسَبَهُ إلی الأصْنامِ فی آیَةٍ أخْری»(2).

ولکی نخلص إلی وجوب الابتعاد عن الضلال والهلاک علینا التمسک بعترة النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذین هم العدل الثانی للقرآن الکریم کما جاء ذلک فی حدیث الثقلین الذی رواه جمع کبیر من الصحابة.

وتأکیدا لصحة الحدیث عند شیعة أهل البیت علیهم السلام نذکر الحدیث من مصادر أهل السنة وهی کما یلی:

1_ صحیح الترمذی

2980_ عن زید بن أرقم قال: قال رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم:

«إنی تارک فیکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا بعدی أحدهما أعظم من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی ولن یتفرقا حتی یردا علیّ الحوض فانظروا کیف تخلفونی فیهما»(3).

2_ القاموس المحیط

ومنه الحدیث:

«إنّی تارکُ فیکُمُ الثَّقَلَیْنِ: کتابَ اللهِ وعِتْرَتی»(4)


1- سورة المدثر، الآیة: 31.
2- بحار الأنوار: ج93، ص11، أنظر تمام الکلام. میزان الحکمة: ج8، ص3352 __ 3353، ح16589.
3- صحیح الترمذی: ج3، ص227، ح2980.
4- القاموس المحیط للفیروز آبادی: ج3، ص63.

ص: 313

3_ مسند أحمد

10707_ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ یَعْنِی ابْنَ طَلْحَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَطِیَّةَ الْعَوْفِیِّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ عَنْ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ _ وآله _ وَسَلَّمَ قَالَ:

إِنِّی أُوشِکُ أَنْ أُدْعَی فَأُجِیبَ وَإِنِّی تَارِکٌ فِیکُمْ الثَّقَلَیْنِ کِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِی کِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَی الأَرْضِ وَعِتْرَتِی أَهْلُ بَیْتِی وَإِنَّ اللَّطِیفَ الْخَبِیرَ أَخْبَرَنِی أَنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُونِی بِمَ تَخْلُفُونِی فِیهِمَا»(1).

4_ الطبقات الکبری لابن سعد

أخبرنا هاشم بن القاسم الکنانی، أخبرنا محمد بن طلحة عن الأعمش عن عطیة عن أبی سعید الخدری عن النبی، صلی الله علیه _ وآله _ وسلم، قال:

«إنی أوشک أن أدعی فأجیب وإنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی، کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض، وعترتی أهل بیتی، وإن اللطیف الخبیر أخبرنی أنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض، فانظروا کیف تخلفونی فیهما»(2).

5_ المعجم الکبیر للطبرانی

4969_ حدثنا محمد بن حیان المازنی حدثنا کثیر بن یحیی ثنا أبو کثیر بن یحیی ثنا أبو عوانة وسعید بن عبد الکریم بن سلیط الحنفی عن الأعمش عن حبیب بن أبی ثابت عن عمرو بن واثلة عن زید بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم من حجة الوداع ونزل غدیر خم أمر بدوحات فقمت ثم قال فقال:


1- مسند أحمد بن حنبل: ج22، ص252، ح10707.
2- الطبقات الکبری لابن سعد: ج2، ص194.

ص: 314

«کأنی قد دعیت فأجبت إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله وعترتی أهل بیتی فانظروا کیف تحلفونی فیهما؟ فانهما لن یتفرعا حتی یردا علی علی الحوض».

ثم قال:

«إن الله مولای وأنا ولی کل مؤمن».

ثم أخذ بید علی فقال:

«من کنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

فقلت لزید: أنت سمعته من رسول الله؟ فقال: ما کان فی الدوحات أحد إلا قد راه بعینیه وسمعه بأذنیه(1).

6_ جامع الأصول

6708_ یزید بن حیان، قال: انطلقْتُ أنا وحُصینُ بنُ سَبْرةَ وعمرُ بنُ مسلم إلی زید بن أرقم، فلما جلسنا إلیه قال له حُصین: لقد لقیتَ یا زیدُ خیرا کثیرا رأیتَ رسولَ الله _ صلی الله علیه (وآله) وسلم _، وسمعتَ حدیثَه، حدِّثْنا یا زیدُ ما سمعتَ من رسولِ الله _ صلی الله علیه (وآله) وسلم _، قال: یا ابنَ أخی، فما حدَّثتُکم فاقْبلوا، ومالا فلا تُکلِّفونیه، ثم قال:

قام رسولُ الله _ صلی الله علیه (وآله) وسلم _ یوما فینا خطیبا بماء یُدعی: خُمّا، بین مکةَ والمدینةِ، فَحمِد الله وأثنی علیه، ووعظ وذکَّر، ثم قال:

«أما بعدُ، ألا أیُّها الناس، إنما أنا بشر، یُوشِکُ أن یأتیَ رسولُ ربی فأُجیبَ، وإنی تارِک فیکم ثَقَلَیْن، أولُهما: کتابُ الله، فیه الهدی والنور، فخذوا بکتاب الله، واستمسکوا به». 


1- المعجم الکبیر للطبرانی: ج5، ص166، ح4969.

ص: 315

فحثَّ علی کتاب الله، ورغَّب فیه، ثم قال:

«وأهلُ بیتی، أُذَکِّرُکُم الله فی أهل بیتی، أُذَکِّرکم الله فی أهل بیتی، (أذکِّرکم الله فی أهل بیتی)».

فقال له حصین: ومَن أهلُ بیته یا زید؟ ألیس نساؤه من أهل بیته؟ قال: نساؤه من أهل بیته، ولکن أهلُ بیته مَن حُرِمَ الصدقةَ بعدَه، قال: ومَن هم؟ قال: هم آلُ علیّ، وآلُ عقیل، وآلُ جعفر، وآلُ عباس، قال: کلُّ هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟ قال: نعم).

زاد فی روایة «کتابُ الله، فیه الهدی والنور، مَن اسمتسک _ به _ وأخذ به کان علی الهدی، ومن أخطأه ضلّ»(1).

7_ مسند عبد بن حمید

267_ عن یزید بن حیان، قال: سمعت زید بن أرقم، یقول: قام فینا رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم فحمد الله وأثنی علیه ثم قال:

«أما بعد أیها الناس فإنما أنا بشر یوشک أن یأتینی رسول ربی فأجیبه، وإنی تارک فیکم الثقلین أولهما کتاب الله فیه الهدی والنور فتمسکوا بکتاب الله وخذوا به».

فحث علی کتاب الله، ورغب فیه، ثم قال:

«وأهل بیتی؛ أذکرکم الله فی أهل بیتی ثلاث مرات».

فقال حصین: یا زید، ومن أهل بیته؟ ألیست نساؤه من أهل بیته؟.

قال: بلی، إن نساءه من أهل بیته، ولکن أهل بیته من حرم الصدقة بعده.

قال: ومن هم؟ قال: آل علی، وآل جعفر، وآل عقیل، وآل العباس.


1- جامع الأصول من أحادیث الرسول لابن الأثیر: ج9، ص6708، ح6708.

ص: 316

قال: کل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم(1).

8_ الدر المنثور

وأخرج أحمد عن زید بن ثابت قال: قال رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم:

«إنی تارک فیکم خلیفتین: کتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بین السماء والأرض، وعترتی وأهل بیتی، وإنهما لن یتفرقا حتی یردا علیّ الحوض»(2).

9_ الجامع الصغیر

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«أما بعد ألا أیها الناس! فإنما أنا بشر یوشک أن یأتینی رسول ربی فأجیب وأنا تارک فیکم ثقلین أولهما کتاب الله فیه الهدی والنور من استمسک به وأخذ به کان علی الهدی ومن أخطأه ضل فخذوا بکتاب الله تعالی واستمسکوا به وأهل بیتی أذکرکم الله فی أهل بیتی أذکرکم الله فی أهل بیتی».

10_ مصنف ابن أبی شیبة

30081_ حدثنا زکریا قال حدثنا عطیة عن أبی سعید الخدری أن النبی صلی الله علیه _ وآله _ وسلم قال:

«إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض»(3)


1- مسند عبد بن حمید: ج1، ص286، ح267.
2- الدر المنثور للسیوطی: ج2، ص401.
3- مصنف ابن أبی شیبة: ج6، ص133، ح30081.

ص: 317

11 _ المستدرک علی الصحیحین

4553_ حدثنا أبو الحسین محمد بن أحمد بن تمیم الحنظلی، ثنا أبو قلابة عبد الملک بن محمد الرقاشی، ثنا یحیی بن حماد، وحدثنی أبو بکر محمد بن بالویه، وأبو بکر أحمد بن جعفر البزار قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا یحیی بن حماد، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادی، ثنا خلف بن سالم المخرمی، ثنا یحیی بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سلیمان الأعمش قال: ثنا حبیب بن أبی ثابت، عن أبی الطفیل، عن زید بن أرقم قال:

لما رجع رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم من حجة الوداع ونزل غدیر خم أمر بدوحات فقمن، فقال:

«کأنی قد دعیت فأجبت، إنی قد ترکت فیکم الثقلین: أحدهما أکبر من الآخر، کتاب الله تعالی، وعترتی، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، فإنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض(1)»(2).

12_ کتاب السنة

1335_ (حدثنا أبو مسعود الرازی، حدثنا زید بن عوف، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبیب بن أبی ثابت، عن أبی الطفیل، عن زید بن أرقم، قال:

لما رجع رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم من حجة الوداع کان بغدیر خم، قال:

«کأنی قد دعیت فأجبت، وإنی تارک فیکم الثقلین، أحدهما أکبر من الآخر: کتاب الله، وعترتی، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، ولن یتفرقا حتی یردا علی الحوض، وإن الله مولای، وأنا ولی المؤمنین». 


1- الحوض: نهر الکوثر.
2- المستدرک علی الصحیحین للحاکم النیسابوری: ج10، ص377، ح4553.

ص: 318

ثم أخذ بید علی رضی الله عنهما، فقال:

«من کنت ولیه فعلی ولیه(1)».

فقال: أنت سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم؟ فقال: ما کان فی الرکاب إلا قد سمعه بأذنیه ورآه بعینیه.

قال الأعمش: فحدثنا عطیة، عن أبی سعید، بمثل ذلک)(2).

13_ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

14962_ (عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله صلی الله علیه _ وآله _ وسلم:

«إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر: کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وإنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض».

رواه الطبرانی فی الأوسط وفی إسناده رجال مختلف فیهم)(3).

الجامع الصغیر بشرح المناوی

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنی تارک فیکم».

بعد موتی.

«خلیفتین». 


1- الولی والمولی: من المشترک اللفظی الذی یطلق علی عدة معان منها الرّبّ، والسید والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحلیف، والعقید، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم علیه وکل من ولی أمرا أو قام به فهو ولیه ومولاه.
2- السنة لابن أبی عاصم: ج4، ص72، ح1335.
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهیثمی: ج9، ص257، ح14962.

ص: 319

زاد فی روایة، أحدهما أکبر من الآخر.

«کتاب الله».

القرآن.

«حبل».

أی هو حبل.

«ممدود ما».

زائدة.

«بین السماء والأرض».

قیل أراد به عهده وقیل أراد به السبب الموصل لرضاه.

«وعترتی».

بمثناة فوقیة.

«أهل بیتی».

تفصیل بعد إجمال بدلاً أو بیاناً وهم أصحاب الکساء یعنی أن علمتم بالقرآن واهتدیتم بهدی عترتی العلماء لم تضلوا.

«وإنهما لن یفترقا».

أی الکتاب والعترة.

«حتی یردا علیّ الحوض».

الکوثر یوم القیامة وقیل أراد به بعترته العلماء العاملین لأنهم الذین لا یفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فلا وإنما ینظر للأصل والعنصر عند التحلی بالفضائل والتخلی عن الرذائل فکما أن کتاب الله فیه الناسخ والمنسوخ المرتفع الحکم فکذا ترتفع القدوة بالمخذولین منهم.

ص: 320

فیض القدیر

2631_ قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنی تارک فیکم».

بعد وفاتی.

«خلیفتین».

زاد فی روایة أحدهما أکبر من الآخر وفی روایة بدل خلیفتین ثقلین سماهما به لعظم شأنهما.

«کتاب الله».

القرآن.

«حبل».

أی هو حبل.

«ممدود ما بین السماء والأرض».

قیل أراد به عهده وقیل السبب الموصل إلی رضاه.

«وعترتی».

بمثناة فوقیة.

«أهل بیتی».

تفصیل بعد إجمال بدلا أو بیانا وهم أصحاب الکساء الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا.

وقیل من حرمت علیه الزکاة ورجحه القرطبی یعنی إن ائتمرتم بأوامر کتابه وانتهیتم بنواهیه واهتدیتم بهدی عترتی واقتدیتم بسیرتهم اهتدیتم فلم تضلوا.

قال القرطبی: وهذه الوصیة وهذا التأکید العظیم یقتضی وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقیرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤکدة التی لا عذر لأحد فی التخلف

ص: 321

عنها هذا مع ما علم من خصوصیتهم بالنبی صلی الله علیه وعلی آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التی نشأ عنها وفروعه التی نشأوا عنه کما قال:

«فاطمة بضعة منی».

ومع ذلک فقابل بنو أمیة عظیم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفکوا من أهل البیت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا دیارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفی صلی الله علیه _ وآله _ وسلم فی وصیته وقابلوه بنقیض مقصوده وأمنیته فوا خجلهم إذا وقفوا بین یدیه ویا فضیحتهم یوم یعرضون علیه:

«وإنهما».

أی والحال أنهما وفی روایة أن اللطیف أخبرنی أنهما.

«لن یفترقا».

أی الکتاب والعترة أی یستمرا متلازمین.

«حتی یردا علیّ الحوض».

أی الکوثر یوم القیامة.

زاد فی روایة کهاتین وأشار بأصبعیه وفی هذا مع قوله أولا إنی تارک فیکم تلویح بل تصریح بأنهما کتوأمین خلفهما ووصی أمته بحسن معاملتهما وإیثار حقهما علی أنفسهما واستمساک بهما فی الدین أما الکتاب فلأنه معدن العلوم الدینیة والأسرار والحکم الشرعیة وکنوز الحقائق وخفایا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان علی فهم الدین فطیب العنصر یؤدی إلی حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدی إلی صفاء القلب ونزاهته وطهارته)(1).


1- فیض القدیر للمناوی: ج3، ص14، ح2631.

ص: 322

رواة حدیث الثقلین (الصحابة)

1__ أمیر المؤمنین علیه السلام.

2__ الحسن السبط علیه السلام.

3__ أبو ذر الغفاری.

4__ سلمان الفارسی.

5__ جابر بن عبد الله الأنصاری.

6__ أبو الهیثم بن التیهان.

7__ حذیفة بن الیمان.

8__ حذیفة بن أسید.

9__ أبو سعید الخدری.

10__ خزیمة بن ثابت.

11__ عبد الرحمن بن عون.

12__ طلحة.

13__ أبو هریرة.

14__ سعد بن أبی وقاص.

15__ أبو أیوب الأنصاری.

16__ عمرو بن العاص.

17__ فاطمة الزهراء علیها السلام.

18__ أم سلمة أم المؤمنین.

19__ زید بن ثابت.

20__ أم هانئ بنت أبی طالب.

ص: 323

رواة حدیث الثقلین (التابعین)

1__ سعید بن مسروق الثوری.

2__ سلیمان بن مهران الأعمش.

3__ محمد بن إسحاق، صاحب السیرة.

4__ محمد بن سعد، صاحب الطبقات.

5__ أبو بکر بن أبی شیبة، صاحب المصنف.

6__ ابن راهویه، صاحب المسند.

7__ أحمد بن حنبل، صاحب المسند.

8__ عبد بن حمید، صاحب المسند.

9__ مسلم بن الحجاج، صاحب الصحیح.

10__ ابن ماجة القزوینی، صاحب السنن.

11_ أبو داود السجستانی، صاحب السنن.

12__ الترمذی، صاحب السنن.

13__ ابن أبی عاصم، صاحب کتاب السنة.

14__ أبو بکر البزاز، صاحب المسند.

15__ النسائی، صاحب السنن.

16__ أبو یعلی الموصلی، صاحب المسند.

17__ محمد بن جریر الطبری، صاحب التاریخ والتفسیر.

18__ أبو القاسم الطبرانی، صاحب المعاجم.

ص: 324

19__ أبو الحسن الدارقطنی البغدادی.

20__ الحاکم النیسابوری، صاحب المستدرک.

21__ أبو نعیم الإصفهانی.

22_ أبو بکر البیهقی، صاحب السنن.

23__ ابن عبد البر، صاحب الاستیعاب.

24__ الخطیب البغدادی، تاریخ بغداد.

25__ محیی السنة البغوی، مصابیح السنة.

26__ رزین العبدری، الجمع بین الصحاح الستة.

27__ القاضی عیاض، کتاب الشفاء.

28__ ابن عساکر الدمشقی، تاریخ دمشق.

29__ ابن الأثیر الجزری، أسد الغابة.

30__ الفخر الرازی، التفسیر الکبیر.

31__ الضیاء المقدسی، کتاب المختارة.

32__ أبو بکر زکریا النووی، صاحب شرح صحیح مسلم.

33__ أبو الحجاج المزی، تهذیب الکمال.

34__ شمس الدین الذهبی، صاحب تاریخ الإسلام _ میزان الاعتدال.

35__ ابن کثیر الدمشقی، التاریخ والتفسیر.

36__ نور الدین الهیثمی، مجمع الزوائد.

37__ جلال الدین السیوطی، صاحب الدر المنثور.

ص: 325

38__ شهاب الدین القسطلانی، رثا البخاری.

39__ شمس الدین الصالحی الدمشقی.

40__ ابن حجر العسقلانی.

41__ ابن طولوان الدمشقی.

42__ ابن حجر المکی، صاحب الصواعق.

43__ صاحب کنز العمال.

44__ علی القاری الهروی، الأوقات فی شرح المکان.

45__ المناوی، الجامع.

46__ا لحلبی، السیرة.

47__ دحلان، صاحب السیرة.

48__ منصور علی ناصف، صاحب التاج.

49__ النبهانی.

50__ المبارک، شارح صحیح الترمذی.

طاعة الشیطان
اشارة

قوله علیه السلام:

(وَأحَذِّرُکُمْ الإِصْغَاءَ إِلی هَتُوفِ الشَّیْطانِ بِکُمْ فَإِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبینٌ، فَتَکُونُوا کَأوْلِیائِهِ الَّذینَ قالَ لَهُمْ).

(لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ)(1).


1- سورة الأنفال، الآیة: 48.

ص: 326

فَتُلْقُوْنَ لِلسُّیُوفِ ضَرْباً، وَلِلرِّماحِ وِرْداً، وَلِلْعُمُدِ حَطْماً، وَلِلسِّهامِ غَرَضاً، ثُممَ لا یَقْبَلُ مِنْ نَفْسٍ إیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ فی إیمانِها خَیْراً).

لا یحتاج المؤمن إلی بیان عداوة الشیطان ولا یحتاج إلی معرفة طرق النجاة منه بعد أن صرح القرآن الکریم بذلک ما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا یَدْعُو حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِیرِ)(1).

وقوله تعالی:

(قَالَ یَا بُنَیَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْیَاکَ عَلَی إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْدًا إِنَّ الشَّیْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ)(2).

وقوله تعالی:

(وَقُلْ لِعِبَادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطَانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ إِنَّ الشَّیْطَانَ کَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِینًا)(3).

ولکن لا بأس فی التذکیر بعداوة الشیطان والتحذیر من حبائله لاسیما إذا عرفنا أن لإبلیس طرقا خفیة ومکائداً کثیرة وأفخاخا متعددة یصطاد بها من یغفل عنه، ولکی نقف علی تحذیرات أهل البیت علیهم السلام ونواهیهم عن اتباع الشیطان لابد من ذکر ما ورد عنهم (صلوات الله علیهم أجمعین):

1__ ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما یبین أن الشیطان عدو لا صلح معه ولا هدنه حینما یعظ ابن مسعود یقول:


1- سورة فاطر، الآیة: 6.
2- سورة یوسف، الآیة: 5.
3- سورة الإسراء، الآیة: 53.

ص: 327

«یا بنَ مَسْعودٍ، اتَخِذِ الشَّیْطانَ عَدُوّاً؛ فَإنَّ اللهَ تَعالی یَقولُ:

(إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ)(1)»(2).

2__ وحذر أمیر المؤمنین علیه السلام من الشیطان لما له من قدرة علی اقتحام قلوب المؤمنین:

«احْذَرُوا عَدُوّاً نَفَذَ فی الصُّدورِ خَفِیّاً، ونَفَثَ فی الآذانِ نَجِیّاً»(3).

3__ جاء عن الإمام الصادق علیه السلام ما یؤکد أن للشیطان أفخاخاً ومکائدَ کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لَقَدْ نَصَبَ إبْلیسُ حَبائِلَهُ فی دارِ الغُرورِ، فَما یَقْصِدُ فیها إلاّ أوْلِیاءَنا»(4).

4__ حذر أمیر المؤمنین علیه السلام من فتن الشیطان دونک من خلال بیان هذه الفتن:

«الفِتَنُ ثَلاَثٌ: حُبُّ النِّساءِ وَهُوَ سَیْفُ الشَّیْطانِ، وشُرْبُ الخَمْرِ وَهُوَ فَخُّ الشَّیْطانِ، وحُبُّ الدِّینارِ والدِّرْهَمِ وهُوَ سَهْمُ الشَّیْطانِ»(5).

5__ ولشدة تأثیر الشیطان علی الإنسان یعلمنا الإمام السجاد علیه السلام فی مناجاته کیف ندعو الله تعالی لینجینا منه کما فی قوله علیه السلام:

«إلهی أشْکُو إلَیْکَ عَدُوّاً یُضِلُّنی، وَشَیْطاناً یُغْوینی، قَدْ مَلأَ بِالوَسْواسِ صَدْری، وأحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبی، یُعاضِدُ لی الهَوی، ویُزَیِّنُ لی حُبَّ الدُّنیا، وَیَحولُ بَیْنی وَبَیْنَ الطّاعَةِ وَالزُّلْفی»(6)


1- سورة فاطر، الآیة: 6.
2- مکارم الأخلاق: ج2، 2354، ح2660. میزان الحکمة: ج5، ص1919 __ 1920، ح9369.
3- غرر الحکم: 2623. میزان الحکمة: ج5، ص1920، ح9371.
4- تحف العقول: ص301. میزان الحکمة: ج5، ص1920، ح9375.
5- کنز العمال: 30883. میزان الحکمة: ج5، ص1921، ح9376.س
6- بحار الأنوار: ج94، ص143، ح21. میزان الحکمة: ج5، ص1920، ح9372.

ص: 328

بعد أن عرفنا مکائد الشیطان وحبائله وفتنه صار لزاما علینا مجاهدة هذا المخلوق الذی لا هم له إلا إیقاعنا فی معصیة الله تعالی، وهذا ما أکده الإمام الکاظم علیه السلام بقوله لمّا سُئِلَ عن أوجب الأعداء مجاهدة:

«أقْرَبُهُمْ إلَیْکَ وَأعَداهُمْ لَکَ... وَمَنْ یُحَرِّضُ أعْداءَکَ عَلَیْکَ، وَهُوَ إبلیسُ»(1).

فعدم الابتعاد عن الشیطان یوجب الوقوع فی معصیة الله تعالی بل یوجب الوقوع فی شرک الطاعة وهذا الشرک هو أحد أنواع الشرک الذی قالت عنه الآیة الکریمة:

(إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)(2).

ولنوضّح الأمر نقول: إن الأوامر تصدر من الله تعالی أو من قبل أنبیائه ورسله وأولیائه فلذلک قال تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ)(3).

وهذه الأوامر لا شک أنها تصب فی مصلحة الإنسان فی الدنیا وتکسبه الجنان فی الآخرة، إلا أن هناک طرفاً آخر یصدر أوامراً مخالفة للأوامر الإلهیة بل یزین ویسوّل لنا لنطیعه فی هذه الأوامر ألا وهو إبلیس، فإن أطعناه فی أوامره هذه وأطعنا الله تعالی فی أوامر أخری تکون قد أشرکنا فی طاعة الله تعالی أمرا آخر وخرجنا عن عنوان التوحید فی الطاعة فلذا الحذر الحذر من الوقوع فی الشرک، وهذا لا یتم إلا من خلال مخالفة الشیطان والابتعاد عن المقدمات التی تفضی إلی معصیة الله تعالی فضلا عن نفس المعصیة والتمسک بأوامر الله تعالی ونواهیه.


1- تحف العقول: ص399. میزان الحکة: ج5، ص1920، ح9370.
2- سورة لقمان، الآیة: 13.
3- سورة النساء، الآیة: 59.

ص: 329

__ آثار طاعة الشیطان

لکل عمل أثر وضعی أو غیر وضعی، وهکذا طاعة الشیطان فإن لها آثاراً وخیمة وضعیة أو غیر وضعیة کما فی الزنا (علی سبیل المثال) الذی یقع فیه الإنسان نتیجة وسوسة الشیطان وتزیّنه للزانی والزانیة، نلاحظ أن الأثر الوضعی هو فساد الحرث والنسل والسقوط عن أعین الناس وغیرها من الآثار الوخیمة وأمّا الأثر الشرعی فهو الجلد لغیر المحصن والرجم للمحصن وغیر ذلک من الأمثلة التی لها آثار وضعیة أو شرعیة أو غیر ذلک.

ولکی یتضح الأمر جلیا لابد من التأمل فیما ورد عن أهل بیت الحکمة والعصمة علیهم السلام.

قبل أن أشیر إلی آثار طاعة الشیطان التی وردت فی الروایات أرید أن ألخص ذلک فی هذه العبارة المستقاة من الآیات والروایات ألا وهی (أن طاعة الشیطان توجب سخط الرحمن ودخول النیران فی الآخرة، وضنک العیش وعدم راحة القلب والشقاء فی الدنیا) وباختصار أکثر (طاعة الشیطان شقاء الدنیا والآخرة) ولکی نؤکد هذا المعنی لا بأس بالاطلاع علی الآیات والروایات التی أشارت إلیه وهی کما یلی:

1__ قوله تعالی:

(یَا بَنِی آَدَمَ لَا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطَانُ کَمَا أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ یَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أَوْلِیَاءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ)(1).

یبین لنا ما حصل لأبوینا رغم أنهما لم یطیعوه فی معصیة، إذ إنهما خالفا الأمر الإرشادی الذی أمرهما الله تعالی به إلا أن طاعة الشیطان أخرجتهما عن الجنة وما فیها


1- سورة الأعراف، الآیة: 27.

ص: 330

من روح وریحان إلی دنیا الألم والعذاب والکد والتعب.

2__ قوله تعالی:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ (3) کُتِبَ عَلَیْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ یُضِلُّهُ وَیَهْدِیهِ إِلَی عَذَابِ السَّعِیرِ)(1).

یوضح أن اتباع الشیطان یوصل إلی الضلال بل الهلاک فی عذاب جهنم فی الدنیا والآخرة.

3__ قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ وَمَنْ یَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَکَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَکِنَّ اللَّهَ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(2).

یؤکد علی أن الشیطان لا یرید للإنسان إلا أن یعیش قبیحا نجسا بعیداً عن کل ألوان الطهارة والحسن والجمال.

4__ قوله تعالی:

(کَمَثَلِ الشَّیْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ إِنِّی أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِینَ)(3).

تشیر هذه الآیة الکریمة إلی خذلان الشیطان للإنسان الذی وقع فی إغرائه، وتصرح بأن طاعته قد تؤدی إلی الخروج عن الدین فی بعض الأحیان.


1- سورة الحج، الآیتان: 3 و4.
2- سورة النور، الآیة: 21
3- سورة الحشر، الآیة: 16.

ص: 331

5__ طاعة الشیطان توجب الوقوع فی الزلل والخوض فی الباطل، بل تلغی شخصیة المؤمن ویحل إبلیس بدلا عنها فی أفعالها وأقوالها وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام فی ذَمِّ أتْباعِ الشَّیْطانٍ:

«اتَخِذُوا الشَّیْطانَ لأمْرِهِمْ مِلاَکاً، واتَّخَذَهُمْ لَهُ أشْراکاً، فَباضَ وفَرَّخَ فی صُدُورِهِم، وَدَبَّ وَدَرَجَ فی حُجُورِهِم، فَنَظَرَ بِأعْیُنِهِم، وَنَطَقَ بِألْسِنَتِهِم، فَرَکِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَیَّنَ لَهُمْ الخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِکَهُ الشَّیْطانُ فی سُلطانِهِ، وَنَطَقَ بِالباطِلِ عَلی لِسانِهِ!»(1).

6__ طاعة إبلیس توجب الوقوع فی الجرائم والکبائر حتی تصل إلی درجة الکفر کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«إنَّ رَجُلاً کانَ یَتَعَبَّدُ فی صَوْمِعَةٍ، وإنَّ امرأةً کانَ لَها إخْوَةٌ فَعَرَضَ لَها شَیْءٌ فَأتَوهُ بِها، فَزَیَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ فَوَقَعَ عَلَیها، فَجاءَهُ الشَّیْطانُ فَقالَ: أقْتُلْها فَإنَّهُم إنْ ظَهَرُوا عَلَیْکَ افْتَضَحْتَ، فَقَتَلَها ودَفَنَها، فَجاؤوهُ فَأخَذُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ، فَبَینَما هُم یَمْشونَ إذْ جاءَهُ الشَّیْطانُ فقالَ: إنّی أنا الذی زَیَّنْتُ لَکَ فاسْجُدْ لی سَجْدَةً أُنْجِیکَ، فَسَجَدَ لَهُ، فذلِکَ قَولُهُ:

(کَمَثَلِ الشَّیْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ إِنِّی أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِینَ) (2)»(3).

7__ طاعة إبلیس توجب الاتصاف بکل رذیلة کالتکبر والحسد والبغی کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:


1- نهج البلاغة: الخطبة 7. میزان الحکمة: ج5، ص1922، ح9381.
2- سورة الحشر، الآیة: 16.
3- الدرّ المنثور: ج8، ص116. میزان الحکمة: ج5، ص1922 __ 1923، ح9383.

ص: 332

«یَقُولُ إِبْلیسُ لِجُنُودِهِ: ألقُوا بَیْنَهُمْ الحَسَدَ وَالبَغْیَ؛ فَإِنَّهُما یَعْدِلانِ عِنْدَ اللهِ الشِّرْکَ»(1).

8__ أخطر ما یقع فیه الإنسان بعد طاعته للشیطان هو نسیان ربه ثم الوقوع فی الخسران المبین کما فی قوله تعالی:

(اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِکْرَ اللَّهِ أُولَئِکَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(2).

9__ اتباع الشیطان یوجب ضرورة التابع من أولیائه وحزبه فینالهم الخوف کما فی قوله تعالی:

(إِنَّمَا ذَلِکُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)(3).

__ أسئلة مهمة

السؤال: ما مقدار حدود سلطة الشیطان علی الإنسان؟

الجواب: لیس للشیطان سلطة أکثر من التزیین والتسویل والوسوسة والنزغ، أی لا یجبر الإنسان علی ارتکاب المعاصی ولا یسلبه الاختیار فی الأفعال وهذا ما جاء فی لسان الآیات والأحادیث التالیة:

1__ آیة تشیر إلی النزغ أی الإغراء بین الناس وحمل بعضهم علی بعض کما فی قوله تعالی:

(وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(4).


1- الکافی: ج2، ص327، ح2. میزان الحکمة: ج5، ص1927، ح9393.
2- سورة المجادلة، الآیة: 19.
3- سورة آل عمران، الآیة: 175.
4- سورة الأعراف، الآیة: 200.

ص: 333

2__ آیة تشیر إلی إظهار القبیح حسنا فیتصوره الإنسان نفعا فیقع فیه کما فی قوله تعالی:

(وَإِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَرَی مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّی أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِیدُ الْعِقَابِ)(1).

3__ آیة تشیر إلی الوسوسة وأثرها القبیح کما فی قوله تعالی:

(إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ إِنَّکَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًی)(2).

4__ آیة تشیر إلی التسویل کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی الشَّیْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَی لَهُمْ)(3).

السؤال: ما هی الوسائل التی یتخذها الشیطان لإیقاع الإنسان فی المعاصی أو الکفر؟

الجواب: الوسائل کثیرة وقد ذکر منها أمیر المؤمنین علیه السلام ثلاث فتن هی بمثابة أصول الفتن لیفتتن بها الإنسان فیقع فی معصیة الله تعالی:

«الفِتَنُ ثَلاَثٌ: حُبُّ النِّساءِ وَهُوَ سَیْفُ الشَّیْطانِ، وشُرْبُ الخَمْرِ وَهُوَ فَخُّ الشَّیْطانِ، وحُبُّ الدِّینارِ والدِّرْهَمِ وهُوَ سَهْمُ الشَّیْطانِ»(4).

السؤال: ما هو ردنا علی الذی یلقی باللوم علی الشیطان عند وقوعه فی المعصیة؟


1- سورة الأنفال، الآیة: 48.
2- سورة طه، الآیة: 12.
3- سورة محمد، الآیة: 25.
4- کنز العمال: 30883. میزان الحکمة: ج5، ص1921، ح9376.

ص: 334

الجواب: إن إلقاء اللوم علی الشیطان هو هروب من المسؤولیة وعدم الاعتراف بالتقصیر، لما تقدم من أن إبلیس لیس له إلا التزیین والوسوسة دون الإجبار علی الفعل کما أن الشیطان یتبرأ من فعل الإنسان السیئ ویلقی باللائمة علیه کما فی قوله تعالی:

(وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلَا تَلُومُونِی وَلُومُوا أَنْفُسَکُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)(1).

وردّ أمیر المؤمنین علیه السلام علی من یلعن الشیطان الذی أوقعه فی المعاصی بقوله:

«لاَ تَسِبَّنَ إبلیس (الشَّیْطانَ) فی العَلَنِ وَأنْتَ صَدیقُهُ فی السِّرِ»(2).

السؤال: ما هو ردنا علی من یقول أن شیطانه تغلب علیه فأوقعه فی المعصیة؟

الجواب: هذا تبریر یدل علی التنصل من المسؤولیة ودفع التقصیر عن النفس حیث إن الشیطان لا قدرة له علی المؤمن القوی لسببین هما:

ألف. ضعف کید الشیطان کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا کَثِیرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبًا)(3).


1- سورة إبراهیم، الآیة: 22.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج20، ص329، ح767.
3- سورة النساء، الآیة: 1.

ص: 335

باء. إن المؤمن القوی هو الذی یجاهد الشیطان فینتصر علیه، وأمّا من یضعف أمام الشیطان ویستسلم له لا یعد من المؤمنین الأقویاء (والمؤمن القوی خیر من المؤمن الضعیف) ولذلک ینصحنا الإمام الکاظم علیه السلام فی وصیّته لِهشام:

«فَلَهُ (أی لإبلیس) فَلْتَشْتَدّ عَداوَتکَ، وَلاَ یَکُونَنَّ أصْبَرَ عَلی مَجاهَدَتِهِ لِهَلَکَتِکَ مِنْکَ عَلی صَبْرِکَ لِمُجاهَدَتِهِ؛ فَإنَّهُ أضْعَفُ مِنْکَ رُکناً فی قُوَّتِهِ، وَأقَلُّ مِنْکَ ضَرَراً فی کَثْرَةِ شَرِّهِ، إذا أنْتَ اعْتَصَمْتَ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیتَ إلی صِراطٍ مُسْتَقیمٍ»(1).

وفی روایة عن الإمام الکاظم علیه السلام لمّا سُئِلَ عن أوجب الأعداء مجاهدة قال:

«أقْرَبُهُمْ إلَیْکَ وَأعَداهُمْ لَکَ... وَمَنْ یُحَرِّضُ أعْداءَکَ عَلَیْکَ، وَهُوَ إبلیسُ»(2).

السؤال: لماذا ترک الله تعالی الشیطان یعبث بعباده؟

الجواب: نعلم أن هذه الدنیا هی دار امتحان واختبار ولکی یتحقق الثواب والعقاب فلابد من فتنة یفتتن بها المؤمن لکی یستحق أحد الأمرین من الثواب أو العقاب وهذا هو عین العدل الإلهی کما فی قوله تعالی:

(وَمَا کَانَ لَهُ عَلَیْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِی شَکٍّ وَرَبُّکَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ حَفِیظٌ)(3).

السؤال: ما هی الطریقة المثلی للتخلص من فتن الشیطان؟


1- تحف العقول: ص400. میزان الحکمة: ج5، ص1925، ح9387.
2- تحف العقول: ص399. میزان الحکة: ج5، ص1920، ح9370.
3- سورة سبأ، الآیة: 21.

ص: 336

الجواب: الأمر واضح لکل ذی لب وهو أن الالتجاء إلی الله تعالی والتمسک بحبله والاستعاذة به خیر الطرق المنجیة من الشیطان الرجیم کما فی قوله تعالی:

(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّیَاطِینِ (97) وَأَعُوذُ بِکَ رَبِّ أَنْ یَحْضُرُونِ)(1).

وقوله تعالی:

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ)(2).

وقوله تعالی:

(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثَی وَإِنِّی سَمَّیْتُهَا مَرْیَمَ وَإِنِّی أُعِیذُهَا بِکَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ)(3).

وقوله تعالی:

(وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(4).

وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«أحْمَدُ اللهَ وَأسْتَعِینُهُ علی مَداحِرِ الشَّیْطانِ وَمَزَاجِرِهِ (مَزاحِرِهِ)، وَالاعْتِصامِ مِنْ حَبائِلِهِ وَمَخاتِلِهِ»(5).

السؤال: من هو الذی ینجو من إبلیس؟

الجواب: لا ینجو منه إلا العباد الذین یخشون الله تعالی ویعبدونه کأنما یرونه وهذا ما أشار إلیه قوله تعالی:


1- سورة المؤمنون، الآیتان: 97 و98.
2- سورة النحل، الآیة: 98.
3- سورة آل عمران، الآیة: 36.
4- سورة الأعراف، الآیة: 200.
5- نهج البلاغة: الخطبة 151.

ص: 337

(إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ)(2).

وهذه العبادة التی یجب أن یتصف بها من یرید النجاة من إبلیس بینها الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«قالَ إبْلیسُ: خَمْسَةُ (أشْیاءَ) لَیْسَ لی فیهِنَّ حِیلَةٌ وَسائِرُ النّاسِ فی قَبْضَتی: مَنِ اعْتَصَمَ بِاللهِ عَنْ نِیَّةٍ صادِقَةٍ وَاتَّکَلَ عَلَیْهِ فی جَمیعِ أمُورِهِ، وَمَنْ کَثُرَ تَسبیحُهُ فی لَیلِهِ وَنَهارِهِ، وَمَنْ رَضِیَ لأَخِیهِ المؤْمِنِ بِما یَرْضاهُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَمْ یَجْزَعْ عَلی المُصیبَةِ حینَ تُصِیبُهُ، وَمَنْ رَضِیَ بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ وَلَم یَهْتَمَّ لِرِزْقِهِ»(3).

وکما أشار الإمام الباقر علیه السلام إلی ضرورة الخوف من الله تعالی خوفا حقیقیا بقوله:

«تَحَرَّزْ مِنْ إبْلیسَ بِالخَوْفِ الصّادِقِ»(4).

وهناک طریقة سهلة یتبعها العبد لیسلم من براثن إبلیس أشار إلیها الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«أکْثِرِ الدُّعاءَ تَسْلَمْ مِنْ سَوْرَةِ الشَّیْطانِ»(5).

السؤال: إذا لم یکن لإبلیس سلطانٌ علی الذین آمنوا کما تصرح به الآیة الکریمة:


1- سورة النحل، الآیة: 99.
2- سورة الحجر، الآیة: 42.
3- الخصال: ص285، ح37. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9401.
4- بحار الأنوار: ج78، ص164، ح1. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9402.
5- بحار الأنوار: ج78، ص9، ح64. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9403.

ص: 338

(إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ) (1).

کیف نفسر تعرض بعض المؤمنین لأضرار إبلیس؟

الجواب:

إن سلطة إبلیس محصورة بالجانب المادی أی لا یستطیع أن یلحق الضرر إلا بالجنبة المادیة من الإنسان دون الجنبة المعنویة، أی أن دینه وعقائده مصونة من قبل الله سبحانه وتعالی وهذا ما یصرح به الإمام الصادق علیه السلام:

«یُسَلَّطُ وَاللهِ مِنَ المؤْمِنِ عَلی بَدَنِهِ وَلاَ یُسَلَّطُ عَلی دِینِهِ، قَدْ سُلِّطَ عَلی أیُّوبَ علیه السلام فَشَوَّه خَلْقَهُ وَلَمْ یُسَلَّطْ عَلی دِینِهِ»(2).

__ وقفة تأمل

أمرنا الله سبحانه أن نتدبر القرآن الکریم لکی نقف علی روائعه الأدبیة وحقائقه العلمیة وبواطنه وأسراره الغیبیة، وبما أننا غیر معصومین من الخطأ أو الاشتباه لابد أن نستعین بمن هو معصوم من ذلک لکی یدلنا علی ما هو صائب وصحیح، ولذا عند تأملنا وتدبرنا لقوله تعالی:

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ) (3).

لابد أن نستعین بقول الإمام الصادق علیه السلام لنقف علی حدود سلطان الشیطان علی الإنسان فیقول الإمام علیه السلام:

«یُسَلطُ وَاللهِ مِنَ المؤْمِنِ عَلی بَدَنِهِ وَلاَ یُسَلطُ عَلی دِینِهِ، قَدْ سُلِّطَ عَلی أیُّوبَ علیه السلام فَشَوَّه خَلْقَهُ وَلَمْ یُسَلَّطْ عَلی دِینِهِ». 


1- سورة النحل، الآیة: 99.
2- الکافی: ج8، ص288، ح433. میزان الحکمة: ج5، ص1929، ح9405.
3- سورة الحجر، الآیة: 42.

ص: 339

وبعد معرفة حدود سلطة الشیطان یتضح لنا أن الشیطان لا یتسلط إلاّ علی الجانب المادی للمؤمن بإذن الله تعالی لحکمة یریدها سبحانه، وأمّا الجانب المعنوی لا یصل إلیه إبلیس.

فلذا أقول:... الخ.

إن العباد علی رتب متفاوتة فی العبودیة فمنهم من هو خطاء ومنهم من هو معصوم، والمعصومون فضل بعضهم علی بعض کما فی قوله تعالی:

(وَرَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَآَتَیْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)(1).

فلا سلطة لإبلیس علی المعصومین مطلقا، کما لا سلطة له إلاّ علی بعض العباد الذین اتبعوه باختیارهم، فزاد فی غوایتهم بتسلطه علیهم فصاروا أتباعا له بل صار بعضهم من جنده الذین یستخدمهم لإغواء الناس، وهناک شرح مفصل موکول إلی کتب التفسیر فراجع.


1- سورة الإسراء، الآیة: 55.

ص: 340

ص: 341

الخطبة السابعة

اشارة

ص: 342

ص: 343

وفیها یصف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ویوبّخ معاویة، ویستنکر علیه ظلمه، ویدحض أباطیله، ویحذّره سوء منقلبه.

نص الخطبة

اشارة

(أمّا بَعْدُ، یا مُعاوِیَةُ! فَلَنْ یُؤَدِّی الْقائِلُ وَإنْ أطْنَبَ فی صِفَةِ الرَّسُولِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم مِنْ جَمیعٍ جُزْءاً، وَقَدْ فَهِمْتُ ما لَبِسْتَ بِهِ الْخَلَفَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ مِنْ إیجازِ الصِّفَةِ وَالتَّنْکُّبِ عَنْ إسْتبْلاغِ الْبَیْعَةِ، وَهَیْهاتَ هَیْهاتَ یا مُعاوِیَةُ! فَضَحَ الصُّبْحُ فَحْمَةَ الدُّجی وَبَهَرَتِ الشَّمْسُ أنْوارَ السُّرُجِ، وَلَقَدْ فَضَّلْتَ حَتّی أفْرَطْتَ، وَاسْتَأثَرْتَ حَتّی أجْحَفْتَ، وَمَنَعْتَ حَتّی بَخِلْتَ، وَجُرْتَ حَتّی جاوَزْتَ، ما بَذَلْتَ لِذی حَقٍّ مِنْ أتَمِّ حَقِّهِ بِنَصیبٍ حَتّی أخَذَ الشَّیْطانُ حَظَّهُ الأوْفَرِ، وَنَصیْبَهُ الأکْمَلِ، وَفَهِمْتُ ما ذَکَرْتَهُ عَنْ یَزیدَ مِنْ اکْتِمالِهِ وَسِیاسَتِهِ لأمَّةِ مُحَمَّدٍ، تُریدُ أنْ تُوهِمَ النّاسَ فی یَزیدَ، کأنَّکَ تَصِفُ مَحجُوباً، أوْ تَنْعَتُ غائِباً، أوْ تُخْبِرُ عَمّا کانَ مِمّا احْتَوَیْتَهُ بِعِلْمٍ خاصٍّ وَقَدْ دَلَّ یَزید مِنْ نَفْسِهِ عَلی مَوْقِعِ رَأْیِهِ، فَخُذْ لِیَزیدَ فیما أخَذَ بِهِ مِنْ اسْتِقْرائِهِ الْکِلابَ الْمُهارَشَةَ عِنْدَ

ص: 344

التَحارُشِ، وَالْحَمامِ السِّبْقِ لأِتْرابِهِنْ، وَالقِیناتِ ذَواتِ الْمَعازِفِ، وَضُرُوبِ الْمَلاهی، تَجِدُهُ ناصِراً، وَدَعْ عَنْکَ ما تُحاوِلُ.

فَما أغناکَ أنْ تَلْقی الله جَورَ هذَا الْخَلْقِ بِأکْثَرَ مِمّا أنْتَ لاقِیهِ، فَوَ اللهِ ما بَرِحْتَ تُقَدِّرُ باطِلاً فی جَوْرٍ، وَحَنَقَاً فی ظُلْمٍ، حَتّی مَلأتَ الأسقِیَةَ، وَما بَیِنَکَ وَبَیْنَ الْمَوتِ إلاَّ غَمْضَةٌ، فَتَقْدِمَ عَلی عَمَلٍ مَحفوظٍ فی یَوْمٍ مَشِهُودٍ، وَلاتَ حینَ مَناص، وَرَأیْتُکَ عَرَضْتَ بِنا بَعْدَ هذا الأمْرِ، وَمَنَعْتَنا عَنْ آبائِناً، وَلَقَدْ لَعَمْرُ اللهِ أوْرَثَنا الرَّسُولُ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وِلادَةً، وَجِئْتَ لَنا بِما حَجَجْتُم بِهِ القائِمَ عِنْدِ مَوْتِ الرسولِ، فَأذْعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِکَ، وَرَدَّهُ الإیمانُ إلَی النِّصْفِ، فَرَکِبْتُمُ الأعالِیلَ، وَفَعَلْتُمُ الأفاعیلَ، وَقُلْتُمْ: کانَ وَیَکُونُ، حَتّی أتاکَ الأمْرُ یا مُعاوِیَةُ مِنْ طَریقٍ کانَ قَصْدُها لِغَیرِکَ، فَهُناکَ فَاعْتَبِرُوا یا أولِی الأبْصارِ، وَذَکَرْتَ قِیادَةَ الرَّجُلِ الْقَوْمَ بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وَتَأمِیرَهُ لَهُ، وَقَدْ کانَ ذلِکَ، وَلِعَمْرِو بْنِ العاصِ یَوْمَئِذٍ فَضیلَةٌ بِصُحْبَةِ الْرَّسُولِ وَبَیْعَتِهِ لَهُ، وَما صارَ لِعَمْروٍ یَوْمَئذٍ حَتّی أنِفَ الْقَوْمُ إمْرَتَهُ، وَکَرهُوا تَقْدیمَهُ، وَعَدُّوا عَلَیْهِ أفْعالَهُ فَقالَ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: لا جَرَمَ مَعْشَرَ المُهاجِرینَ لا یَعْمَلُ عَلَیْکُم بَعدْ الیَوْمِ غَیْرِی.

فَکَیْفَ تَحْتَجُّ بِالْمَنْسُوخِ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ فی أوْکَدِ الأحْوالِ وَأوْلاها بِالْمُجْمَعِ عَلَیْهِ مِنَ الصَّوابِ؟ أمْ کَیْفَ صاحَبْتَ بِصاحِبٍ تابعٍ وَحَوْلُکُ مَنْ لا یُؤْمِنُ فی صُحْبَتِهِ، وَلا یُعْتَمَدُ فی دینِهِ وَقَرابَتِهِ، وَتَتَخَطّاهُم إلی مُسْرِفٍ مَفْتُونٍ، تُریدُ أنْ تَلْبِسَ الناسَ شُبْهَةً یَسعَدُ بِهَا الْباقِی فی دُنْیاهُ، وَتشقی بِها فی آخِرَتِکَ، إنَّ هذا لَهُوَ الْخًسْرانُ الْمُبینُ، وأستَغْفِرُ اللهَ لی وَلَکُمْ). 

ص: 345

المعنی العام

 (أمّا بَعْدُ، یا مُعاوِیَةُ! فَلَنْ یُؤَدِّی الْقائِلُ وَإنْ أطْنَبَ فی صِفَةِ الرَّسُولِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم مِنْ جَمیعٍ جُزْءاً، وَقَدْ فَهِمْتُ ما لَبِسْتَ بِهِ الْخَلَفَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ مِنْ إیجازِ الصِّفَةِ وَالتَّنْکُّبِ عَنْ اسْتبْلاغِ الْبَیْعَةِ، وَهَیْهاتَ هَیْهاتَ یا مُعاوِیَةُ! فَضَحَ الصُّبْحُ فَحْمَةَ الدُّجی وَبَهَرَتِ الشَّمْسُ أنْوارَ السُّرُجِ، وَلَقَدْ فَضَّلْتَ حَتّی أفْرَطْتَ، وَاسْتَأثَرْتَ حَتّی أجْحَفْتَ، وَمَنَعْتَ حَتّی بَخِلْتَ، وَجُرْتَ حَتّی جاوَزْتَ، ما بَذَلْتَ لِذی حَقٍّ مِنْ أتَمِّ حَقِّهِ بِنَصیبٍ حَتّی أخَذَ الشَّیْطانُ حَظَّهُ الأوْفَرِ، وَنَصیْبَهُ الأکْمَلِ، وَفَهِمْتُ ما ذَکَرْتَهُ عَنْ یَزیدَ مِنْ اکْتِمالِهِ وَسِیاسَتِهِ لأمَّةِ مُحَمَّدٍ، تُریدُ أنْ تُوهِمَ النّاسَ فی یَزیدَ، کأنَّکَ تَصِفُ مَحجُوباً، أوْ تَنْعَتُ غائِباً، أوْ تُخْبِرُ عَمّا کانَ مِمّا احْتَوَیْتَهُ بِعِلْمٍ خاصٍّ وَقَدْ دَلَّ یَزید مِنْ نَفْسِهِ عَلی مَوْقِعِ رَأْیِهِ، فَخُذْ لِیَزیدَ فیما أخَذَ بِهِ مِنْ اسْتِقْرائِهِ الْکِلابَ الْمُهارَشَةَ عِنْدَ التَحارُشِ، وَالْحَمامِ السِّبْقِ لأِتْرابِهِنْ، وَالقِیناتِ ذَواتِ الْمَعازِفِ، وَضُرُوبِ الْمَلاهی، تَجِدُهُ ناصِراً، وَدَعْ عَنْکَ ما تُحاوِلُ).

أما بعد: أمر یقال فی الخطبة.

یا معاویة: اسم لکلبة عوت، فلن یوصل الواصف وإن بالغ وأکثر فی نعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جزءا من صفاته، وقد علمت وعرفت ما سترت به یزید من اختصار النعت والتنحی عن إیصال البیعة، هیهات هیهات یا معاویة، کشف الصبح سواد اللیل وظلمته، وأضاءت الشمس أنوار المصابیح، ولقد رجحت حتی جاوزت الحد، وخصصت نفسک دون غیرک حتی أوقعت الضرر الشدید یغیرک، وحرمت حتی حرصت أن لا تنفق، وظلمت حتی تعدیت الحدود، وما أعطیت لصاحب حق حقه وحصته حتی أخذ الشیطان نصیبه الأکبر، وحصته الأکثر وعرفت ما ذکرته

ص: 346

عن یزید من کماله وقابلیته وإدارته وتدبیره لأمة محمد، ترید أن تشبه علی الناس فی یزید، کأنک تنعت شخصا غیر ظاهر، أو تصف غیر حاضر، أو تخبر عن شخص أحطته بعلم خاص وقد أظهر یزید من نفسه علی مکانة عقله وقوة رأیه، فخذ لیزید فیما أخذ به من تتبعه الکلاب المقاتلة عند التهیج، والحمام التی تسابق مثیلاتهن، والجواری ذوات الدفوف والطبول وأنواع اللهو، تجده جدیراً بذلک، واترک محاولة تجمیله وإظهاره بالمظهر اللائق للخلافة.

(فَما أغناکَ أنْ تَلْقی الله جَورَ هذَا الْخَلْقِ بِأکْثَرَ مِمّا أنْتَ لاقِیهِ، فَوَ اللهِ ما بَرِحْتَ تُقَدِّرُ باطِلاً فی جَوْرٍ، وَحَنَقَاً فی ظُلْمٍ، حَتّی مَلَأتَ الأسقِیَةَ، وَما بَیِنَکَ وَبَیْنَ الْمَوتِ إلاَّ غَمْضَةٌ، فَتَقْدِمَ عَلی عَمَلٍ مَحفوظٍ فی یَوْمٍ مَشِهُودٍ، وَلاتَ حینَ مَناص، وَرَأیْتُکَ عَرَضْتَ بِنا بَعْدَ هذا الأمْرِ، وَمَنَعْتَنا عَنْ آبائِناً، وَلَقَدْ لَعَمْرُ اللهِ أوْرَثَنا الرَّسُولُ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وِلادَةً، وَجِئْتَ لَنا بِها ما حَجَجْتُم بِهِ القائِمَ عِنْدِ مَوْتِ الرسولِ، فَأذعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِکَ، وَرَدَّهُ الإیمانُ إلَی النِّصْفِ، فَرَکِبْتُمُ الأعالِیلَ، وَفَعَلْتُمُ الأفاعیلَ، وَقُلْتُمْ: کانَ وَیَکُونُ، حَتّی أتاکَ الأمْرُ یا مُعاوِیَةُ مِنْ طَریقٍ کانَ قَصْدُها لِغَیرِکَ، فَهُناکَ فَاعْتَبِرُوا یا أولِی الأبْصارِ، وَذَکَرْتَ قِیادَةَ الرَّجُلِ الْقَوْمَ بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وَتَأمِیرَهُ لَهُ، وَقَدْ کانَ ذلِکَ، وَلِعَمْرِو بْنِ العاصِ یَوْمَئِذٍ فَضیلَةٌ بِصُحْبَةِ الْرَّسُولِ وَبَیْعَتِهِ لَهُ، وَما صارَ لِعَمْروٍ یَوْمَئذٍ حَتّی أنِفَ الْقَوْمُ إمْرَتَهُ، وَکَرهُوا تَقْدیمَهُ، وَعَدُّوا عَلَیْهِ أفْعالَهُ فَقالَ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: لا جَرَمَ مَعْشَرَ المُهاجِرینَ لا یَعْمَلُ عَلَیْکُم بَعدْ الیَوْمِ غَیْرِی).

وأنت غنی عن أن تلقی الله تعالی بظلم هذه الأمة أکثر مما أنت فیه من الظلم، فیقسم الإمام علیه السلام بالله تعالی ویقول إنک ظللت تُهیّء ما هو غیر صحیح أصلا فی میل عن العدل، وغیظا شدیدا فی ظلم، حتی ملأت آوانی السقی کنایة عن أکل

ص: 347

الحرام، وما یفصلک عن الموت إلا انطباق الجفن، فتأتی یوم القیامة مع عملک المحفوظ والموثّق، ولا ملجأ ولا مفر حینئذ من قباحة الأعمال، ویخاطب الإمام علیه السلام معاویة قائلا: إنک ظهرت بنا أی قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ماذا قال؟ ومع ذلک حجبتنا عن وراثة أبینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی نسبنا إلیه ولادة فسمانا أبنیه.

__ صفات الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم

لا یمکن للقلم أن یوصف کمال وجمال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا یمکن للعقل أن یدرک مقام ورتبة من کان قاب قوسین أو أدنی من ربه، لقد وصفه القرآن الکریم بصفة لا یحاط بها ولا یجدها أحد فقال عز من قائل:

(وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ)(1).

إلا أننا لا نستغنی عن ذکر کمال وجمال وجلال  رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خلال ذکر ما ورد فی حقه من الآیات الکریمة والروایات الشریفة وباختصار شدید لما لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حضور وظهور ووضوح وبیان:

الآیات الکریمة

1__ أیة کریمة تؤکد أن محمداً صلی الله علیه وآله وسلم هو سفیر الله تعالی وواسطة فیضة کما فی قوله تعالی:

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعًا سُجَّدًا یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِیمَاهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجِیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَی عَلَی سُوقِهِ یُعْجِبُ


1- سورة القلم، الآیة: 4.

ص: 348

الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا)(1).

2__ آیة أخری تبین صفات الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم التی فضل بها علی غیره من البشر کما فی قوله تعالی:

(لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَءُوفٌ رَحِیمٌ)(2).

3__ آیة ثالثة ترشد إلی أن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم لیس إلهاً، بل هو بشر رکبت فیه الغرائز والشهوات والعقل والروح إلا أنه رسمی وارتفع حتی صار حبیبا لربه وخلیلا لخالقه عز وجل کما ورد ذلک فی قوله تعالی:

(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحَی إِلَیَّ أَنَّمَا إِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ کَانَ یَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا یُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(3).

4__ آیة رابعة تشیر إلی أن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم له من المؤهلات بما جعله شاهداً علی الناس مطلعاً علی أعمالهم وأقوالهم ونیاتهم، ثم مارس دورا آخراً ألا وهو دور من یدخل السرور علی قلب البشر ودور من یزرع الخوف فی ذلک القلب فقالت الآیة:

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِیرًا)(4).

5__ آیة خامسة دلت وأیدت علی أن هذا الوجود المقدس الذی اسمه (محمد)


1- سورة الفتح، الآیة: 29.
2- سورة التوبة، الآیة: 128.
3- سورة الکهف، الآیة: 110.
4- سورة الأحزاب، الآیة: 45.

ص: 349

صلی الله علیه وآله وسلم هو الداعی بالحق إلی الله تعالی بدلیل قوله (بإذنه) وهو النور الذی یستعان به فی ظلمات الجهل والشرک والکفر فقالت:

(وَدَاعِیًا إِلَی اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِیرًا)(1).

وهناک آیات کثیرة لا یسمح المقام بذکرها.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصف نفسه

1__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

أنا أشْبَهُ النّاسِ بِآدَمَ، وَإبْراهیمُ أشْبَهُ النّاسِ بی خَلْقُهُ وَخُلُقُهُ، وَسَمّانیَ اللهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ عَشْرِةَ أسْماءٍ، وَبَیَّنَ اللهُ وَصْفی، وبَشَّرَنی عَلی لِسانِ کُلِّ رَسولٍ بَعَثَهُ اللهُ إلی قَوْمِهِ، وسَمّانی وَنَشَرَ فی التَّوْراةِ اسمی، وَبَثَّ ذِکْری فی أهلِ التَّوْراةِ والإنْجیلِ، وَعَلَّمَنی کِتابَهُ، وَرَفَعَنی فی سَمائِهِ، وَشَقَّ لی اسماً مِنْ أسمائِهِ، فَسَمّانی مُحَمَّداً وَهُوَ مَحْمودُ، وأخْرَجَنی فی خَیْرِ قَرْنٍ مِنْ أمَّتی، وَجَعَلَ اسمی فی التَّوْراةِ أُحَیْدٌ(2)، فَبالتَّوْحِیدِ حَرَّمَ أجْسادَ أُمَّتی علَی النّارِ.

وَسَمّانی فی الإنجیلِ أحمَدَ، فأنا مَحْمودٌ فی أهلِ السَّماءِ، وجَعَلَ أُمَّتی الحامِدینَ، وَجَعَلَ اسمی فی الزَّبورِ ماحی، مَحا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بی مِنَ الأرْضِ عِبادَةَ الأوْثانِ، وَجَعَلَ اسمی فی القُرْآنِ مُحَمَّداً، فَأنا مَحْمُودٌ فی جَمیعِ القِیامَةِ(3) فی فَصلِ القَضاءِ، لاَ یَشْفَعُ أحَدٌ غَیْری. 


1- سورة الأحزاب، الآیة: 46.
2- قال شارح الشّفاء للقاضی عیاض: أُحَید بضمّ الهمزة، وفتح المهملة، وسکون التحتیّة، فدال مهملة، وقیل: بفتح الهمزة، وسکون المهملة، وفتح التحتیة، قال: سُمّیت أحید لأنی أحیدُ بأمّتی عن نار جهنّم، أی أعدِلُ بِهِم، انتهی. بحار الأنوار: ج16، ص93، ح27.
3- فی معانی الأخبار: ص50، ح1، جمیع أهل القیامة.

ص: 350

وَسَمّانی فی القِیامَةِ حاشِراً، یُحْشَرُ النّاسُ علی قَدَمی، وسَمّانی الموقِفَ، أُوقِفُ النّاسَ بَیْنَ یَدَیِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وسَمّانی العاقِبَ، أنا عَقِبُ النَّبییِّینَ لَیْسَ بَعْدی رَسولٌ، وَجَعَلَنی رَسولَ الرَّحْمَةِ ورَسولَ التَّوْبَةِ ورَسولَ المَلاحِمِ والمُقتَفیَ(1)، قَفَّیتُ النَّبییِّنَ جَماعَةً، وأنا المُقِیمُ الکامِلُ الجامِعُ.

ومَنَّ علَیَّ رَبِّی وَقالَ لی: یا مُحَمَّدُ صَلّی اللهُ عَلَیکَ فَقَدْ أرسَلتُ کُلَّ رَسولٍ إلی أمّتِهِ بِلِسانِها، وأرسَلْتُکَ إلی کُلِّ أحْمَرَ وأسْوَدَ مِنْ خَلْقی، ونَصَرْتُکَ بالرُّعْبِ الّذی لَمْ أنْصُرْ بِهِ أحَداً، وأحْلَلْتُ لَکَ الغَنیمَةَ ولَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلَکَ، وأعطَیْتُکَ لَکَ ولأُمّتِکَ کَنْزاً مِنْ کُنوزِ عَرْشی: فاتِحَةَ الکِتابِ، وخاتِمَةَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وجَعَلْتُ لَکَ ولأُمّتِکَ الأرضَ کُلَّها مَسجِداً وتُرابَها طَهُوراً، وأعْطَیْتُ لَکَ ولأُمَّتِکَ التَّکْبیرَ، وقَرَنْتَ ذِکْرَکَ بِذِکْری حَتّی لاَ یَذْکُرَنی أحَدٌ مِنْ أمّتِکَ إلاّ ذَکَرَکَ مَعَ ذِکْری، فَطُوبی لَکَ یا مُحَمَّدُ ولأُمّتِکَ»(2).

2__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا سأله یهودی عن وجه تسمیته بمحمد وأحمد وأبی القاسم وبشیر ونذیر وداع قال:

«أمّا مُحَمَّدٌ فإنّی مَحْمُودٌ فی الأرْضِ، وأمّا أحْمَدُ فَإنّی مَحْمُودٌ فی السَّماءِ، وأمّا أبو القاسِمِ فإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ یَقْسِمُ یَوْمَ القِیامَةِ قِسْمَةَ النّارِ؛ فَمَنْ کَفَرَ بی مِنَ الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ فَفی النّارِ، ویَقْسِمُ قِسمَةَ الجَنَّةِ؛ فَمَنْ آمَنَ بی وأقَرَّ بِنُبُوَّتی فَفی الجَنَّةِ.

وأمّا الدّاعی فّإنّی أدعُوَ النّاسَ إلی دِینِ رَبّی عَزَّ وَجَلَّ، وأمّا النَّذیرُ فَإنّی أُنْذِرُ بِالنّارِ مَنْ عَصانی، وأمّا البَشیرُ فَإنّی أُبَشِّرُ بِالجَنَّةِ مَنْ أطاعَنی»(3)


1- فی معانی الأخبار: ص50، ح1، المقفّی.
2- علل الشرائع: ص127، ح3. میزان الحکمة: ج10، ص4198 __ 4199، ح19741.
3- معانی الأخبار: ص52، ح2. میزان الحکمة: ج10، ص4199، ح19742.

ص: 351

3__ قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«أنا أدیبُ اللهِ وَعَلیٌّ أدِیبی»(1).

وعن الإمام علی علیه السلام أنه قال:

«قیلَ للنَّبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم: هَلْ عَبَدْتَ وَثَناً قَطُّ؟ قالَ: لا، قالوا: فَهَلْ شَرِبْتَ خَمْراً قَطُّ؟ قالَ: لا، وما زِلتُ أعْرِفُ أنّ الّذی هُمْ عَلَیْهِ کُفْرٌ وَما کُنْتُ أدْری ما الکِ_تابُ وَلاَ الإیمانُ»(2).

فلا یسعنی أن أعلق علی ما ورد عنه فی نفسه الکریمة صلی الله علیه وآله وسلم.

أمیر المؤمنین علیه السلام
اشارة

وصف أمیر المؤمنین أخاه صلی الله علیه وآله وسلم وصفا یدل علی جمال الظاهر بقوله:

«کانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم أبْیَضَ اللّونِ مُشْرَباً حُمْرَةً، أدْعَجَ العَیْنِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، کَثَّ اللِّحْیَةِ، سَهْلَ الخَدِّ، ذا وَفْرَةٍ، دَقیقَ المَسْرُبَةِ، کَأنَّ عُنُقَهُ إبْریقُ فِضَّةٍ، لَهُ شَعْرٌ مِنْ لَبَّتِهِ إلی سُرَّتِهِ یَجْری کالقَضیبِ، لَیْسَ فی بَطْنِهِ وَلاَ صَدْرِهِ شَعرٌ غَیْرُهُ، شَثْنُ الکَفِّ والقَدَمِ، إذا مَشی کَأنَّما یَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وإذا قامَ کَأنَّما یَنْقَلِعُ مِنْ صَخْرٍ، إذا التَفَتَ، التَفَتَ جَمیعاً، کَأنَّ عَرَقَهُ فی وَجْهِهِ اللُّؤلؤُ، ولَریحُ عَرَقِهِ أطْیَبُ مِنَ المِسْکِ الأذْفَرِ، لَیْسَ بالقَصیرِ ولا بالطَّویلِ، وَلاَ بالعاجِزِ ولاَ اللَّئیمِ، لَمْ أرَ قَبْلَهُ ولاَ بَعْدَهَ مِثْلَهُ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلهِ وَسَلَّم»(3)


1- مکارم الأخلاق: ج1، ص51، ح19. میزان الحکمة: ج10، ص4221، ح19786.
2- کنز العمال: 35439. میزان الحکمة: ج10، ص4224، ح19818.
3- الطبقات الکبری: ج1، ص410. میزان الحکمة: ج10، ص4224، ح19821.

ص: 352

ووصفه وصفا آخر یدل علی کمال الباطن بقوله علیه السلام:

«طَبیبٌ دَوّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أحْکَمَ مَراهِمَهُ، وَأحْمی (أمْضی) مَواسِمَهُ، یَضَعُ ذلِکَ حَیْثُ الحاجَةُ إلَیْهِ، مِنْ قُلوبٍ عُمیٍ، وآذانٍ صُمٍّ، وألْسِنَةٍ بُکْمٍ، مُتَتبِّعٌ بِدَوائِهِ مَواضِعَ الغَفْلَةِ ومَواطِنَ الحَیْرَةِ، لَمْ یَسْتَضیئُوا بِأضْواءِ الحِکْمَةِ، ولَمْ یَقْدَحوا بِزِنادِ العُلومِ الثّاقِبَةِ، فَهُمْ فی ذلِکَ کالأنْعامِ السّائِمَةِ، والصُّخُورِ القاسِیَةِ»(1).

__ بعض کمالاته

1__ ذکر صاحب المناقب بعضاً من کمالات النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال:

(کانَ النَّبیّ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ المَبْعَثِ مَوْصوفاً بِعِشْرینَ خِصْلَةٍ مِنْ خِصالِ الأنْبِیاءِ، لَوْ انْفَرَدَ واحِدٌ بِأحَدِها لَدَلَّ عَلی جَلاَلِهِ، فَکَیفَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فیهِ؟! کانَ نَبِیّاً أمیناً، صادِقاً، حاذِقاً، أَصیلاً، نَبیلاً، مَکیناً، فَصیحاً، نَصیحاً، عاقِلاً، فاضِلاً، عابِداً، زاهِداً، سَخِیّاً، کَمِیّاً، قانِعاً، مُتَواضِعاً، حَلیماً، رَحیماً، غَیوراً، صَبوراً، مُوافِقاً، مُرافِقاً، لَمْ یُخالِط مُنَجِّماً ولاَ کاهِناً، ولا عَیّافاً)(2).

2__ ذکر صاحب الطبقات الکبری عن عائشة لمّا سُئِلَت عَن خُلقِ النبی صلّی اللهُ علَیه وآله وسلّم فی بَیتِهِ قالت:

(کانَ أحْسَنَ النّاسِ خُلُقاً، لَمْ یَکُنْ فاحِشاً ولاَ مُتَفَحِّشاً، ولاَ صَخّاباً فی الأسْواقِ، ولا یَجزی بِالسَّیّئَةِ مِثْلَها، وَلکِنْ یَعْفو وَیَصْفَحُ)(3).


1- نهج البلاغة: الخطبة 108. میزان الحکمة: ج10، ص4228، ح19835. ذکر السید عبد الله شبر فی کتابه (الأخلاق) وصفا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مأخوذا من لسان الحدیث فمن أراد المزید فلیراجع، ص22__ 25.
2- المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص123. میزان الحکمة: ج10، ص4245، ح19897.
3- الطبقات الکبری: ج1، ص365. میزان الحکمة: ج10، ص4245، ح19899.

ص: 353

3__ ذکر صاحب الغارات عن إبراهیم بن محمد مِن وُلدِ علی علیه السلام قال:

(کانَ علیٌّ علیهِ السّلامُ إذا نَعَتَ النَّبیَّ صلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قالَ:

«هُوَ خاتَمُ النَّبییّنَ، أجْوَدُ النّاسِ کَفّا، وأجْرَأُ النّاسِ صَدْراً، وأصْدَقُ النّاسِ لَهْجَةً وَأوْفَی النّاسِ ذِمَّةً، وَألْیَنهُمْ عَریکَةً، وَأکْرَمُهُمْ عِشْرَةً، (مَنْ رَآهُ بَدیهَةً هابَهُ، ومَنْ خالَطَهُ مَعْرِفَةً أحَبَّهُ، یَقولُ ناعِتُهُ: لَمْ أرَ قَبْلَهُ ولاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ)»(1).

معاویة

(أمّا بَعْدُ، یا مُعاوِیَةُ! فَلَنْ یُؤَدِّی الْقائِلُ وَإنْ أطْنَبَ فی صِفَةِ الرَّسُولِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم مِنْ جَمیعٍ جُزْءاً، وَقَدْ فَهِمْتُ ما لَبِسْتَ بِهِ الْخَلَفَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ مِنْ إیجازِ الصِّفَةِ وَالتَّنْکُّبِ عَنْ اسْتبْلاغِ الْبَیْعَةِ، وَهَیْهاتَ هَیْهاتَ یا مُعاوِیَةُ! فَضَحَ الصُّبْحُ فَحْمَةَ الدُّجی وَبَهَرَتِ الشَّمْسُ أنْوارَ السُّرُجِ، وَلَقَدْ فَضَّلْتَ حَتّی أفْرَطْتَ، وَاسْتَأثَرْتَ حَتّی أجْحَفْتَ، وَمَنَعْتَ حَتّی بَخِلْتَ، وَجُرْتَ حَتّی جاوَزْتَ، ما بَذَلْتَ لِذی حَقٍّ مِنْ أتَمِّ حَقِّهِ بِنَصیبٍ حَتّی أخَذَ الشَّیْطانُ حَظَّهُ الأوْفَرِ، وَنَصیْبَهُ الأکْمَلِ، وَفَهِمْتُ ما ذَکَرْتَهُ عَنْ یَزیدَ مِنْ اکْتِمالِهِ وَسِیاسَتِهِ لأمَّةِ مُحَمَّدٍ، تُریدُ أنْ تُوهِمَ النّاسَ فی یَزیدَ، کأنَّکَ تَصِفُ مَحجُوباً، أوْ تَنْعَتُ غائِباً، أوْ تُخْبِرُ عَمّا کانَ مِمّا احْتَوَیْتَهُ بِعِلْمٍ خاصٍّ وَقَدْ دَلَّ یَزید مِنْ نَفْسِهِ عَلی مَوْقِعِ رَأْیِهِ، فَخُذْ لِیَزیدَ فیما أخَذَ بِهِ مِنْ اسْتِقْرائِهِ الْکِلابَ الْمُهارَشَةَ عِنْدَ التَحارُشِ، وَالْحَمامِ السِّبْقِ لأِتْرابِهِنْ، وَالقِیناتِ ذَواتِ الْمَعازِفِ، وَضُرُوبِ الْمَلاهی، تَجِدُهُ ناصِراً، وَدَعْ عَنْکَ ما تُحاوِلُ).

قبل الخوض فی شخصیة معاویة لا بأس أن نشیر إلی بعض العوامل المحیطة بهذه


1- الغارات: ج1، ص364. میزان الحکمة: ج10، ص4246، ح19903.

ص: 354

الشخصیة التی شقت الأمة شقتین، شق بقی ثابتا مرابطا علی الحق صابرا علی إیذاء أصحاب الباطل، مستیقظا لألاعیبهم ومکائدهم، وشق انطلت علیه تلک الحیل والألاعیب فانساق وراء الباطل رغم وضوحه وترک الحق الذی لا ریب فیه.

ومن العوامل التی کان لها الأثر الکبیر فی صنع هذه الشخصیة القبیحة ما یلی:

أولا: العامل التربوی
اشارة

ورث معاویة من أبیه أبی سفیان الحقد والعداء للإسلام الذی أطاح بعروش المشرکین وسیادة الجاهلیة الأولی، وورث من أمه هند التحریض والدعوة إلی قتل النبی وبنی هاشم بل إلی قتل جمیع المسلمین، ونشأ معاویة بین أحضان أسرة رجالها جردوا سیوفهم وألبوا الرجال علی قتل النبی صلی الله علیه وآله وسلم ونساؤها حملت الحطب ودقت الدفوف للتحریض والمحاربة لنبی الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم ونهجه.

ولکی نضع الأمور جلیة بین یدی القارئ الکریم لابد أن نعرض بعض الصور القبیحة لأسرة معاویة التی کان لها الأثر الأکبر علی نشأته:

قال أبو سفیان: (یا بنی أمیة تلاقفوها تلقف الکرة، فو الذی یحلف به أبو سفیان ما من جنة ولا نار).

انطلق أبو سفیان إلی قبر سید الشهداء حمزة، فرکله برجله وقال: یا أبا عمارة، إن الأمر الذی اجتلدنا علیه بالسیف أمس فی ید غلماننا یتلعبون به)(1).

هند

یکفیها عارا أنها آکلة الأکباد، والمحرضة علی الإسلام.


1- معاویة أمام محکمة الجزاء، الشیخ مهدی القریشی: ص29 __ 30.

ص: 355

أم جمیل

هی حمالة الحطب التی لعنها القرآن الکریم وبقیت ملعونة إلی یوم یبعثون.

الحکم بن أبی العاص

یقول حویطب فی حدیث له مع مروان بن الحکم: (والله لقد ههمت بالإسلام غیر مرة، کل ذلک یعوقنی أبوک یقول: تضع شرفک، وتدع دین آبائک لدین محدث وتصیرنا بعار).

أبو جهل

یقول:

(تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، حتی إذا تجانبنا علی الرکب، وکنا کفرسی رهان، قالوا: منا نبی یأتیه الوحی من السماء فمتی ندرک مثل هذه، والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه)(1).

عتبة والولید

قتلا بسیف الإسلام وترکا هندا ناقمة حاقدة علی الإسلام وعلی نبیه صلی الله علیه وآله وسلم.

ثانیا: العامل الاقتصادی

کان للعامل الاقتصادی السقیم دور فی بناء شخصیة معاویة إذ کانت الحیاة الاقتصادیة قائمة علی الربا والغزو الاستغلال، فللربا دور کبیر فی سیادة بعض الأسر القرشیة والتی منها أسرة معاویة.


1- تفسیر المیزان للسید الطباطبائی: ج13، ص125. الدر المنثور للسیوطی: ج4، ص187.

ص: 356

فلذا جاء فی التاریخ (أن معاویة باع سقایة من ذهب أو فضة بأکثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینهی عن مثل هذا، إلا مثلاً بمثل، فقال معاویة: ما أری بمثل هذا بأساً، فاستاء أبو الدرداء من جراءته علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورده لحکم من أحکام الإسلام، فاندفع یقول: من یعذرنی من معاویة أنا أخبره عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویخبرنی عن رأیه، لا ساکنتک بأرض أنت بها، ثم ترک الشام وانصرف إلی یثرب)(1).

ثالثا: العامل الأخلاقی
اشارة

من العوامل الرئیسیة فی تکوین شخصیة الإنسان هو العامل الأخلاقی، فلقد کانت الحیاة الأخلاقیة فی العصر الجاهلی لاسیما فی مکة فی غایة السوء والابتعاد عن الطهارة والفضیلة لانتشار المنکر والفحشاء وتعاطی الخمر وإباحة الزنی والعدوان والظلم وإلی غیر ذلک من الفساد مما لا یخفی علی أحد، وفی هذه الأجواء نشأ معاویة فی أسرة لا تتورع عن مثل هذه الأمور کما هو مشهور عن أبی سفیان فی تعاطیه الزنا مع سمیة أم زیاد وغیرها بل أن هناک روایات تاریخیة تشیر إلی زنا هند أم معاویة، وهذا مما لا یخفی علی قارئ منصف للتاریخ(2).

بعد هذا العرض الذی قدمناه بین یدی القارئ الکریم والذی تظهر من خلاله خسة هذه الشخصیة الفاسدة التی غیرت الإسلام وشوهت صورته الناصعة نرغب فی بیان رأی سید المرسلین محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی لا ینطق عن الهوی لکی نزداد بصیرة فی شخصیة معاویة.


1- حیاة الإمام الحسن علیه السلام: ج2، ص150. بحار الأنوار: ج34، ص383. السنن الکبری للبیهقی: ج5، ص280.
2- معاویة أمام محکمة الجزاء، الشیخ مهدی القریشی: ص243.

ص: 357

__ القول القاصم

لا یختلف اثنان فی کون محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا یشک امرء فی أن هذا الرسول الکریم لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی، فقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو قول الله سبحانه وتعالی وحکمه حکم الله تعالی ومدحه وذمه هو مدح الله تعالی وذمه، ومن نال ذماً من الله تعالی ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم لا شک فی هلاکه وخلوده فی نار جهنم، ولکی نقف علی رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقوله فی معاویة نطلع علی ما یلی:

1__ رأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم أبا سفیان مقبلا علی حمار، ومعاویة یقوده، ویزید ابنه یسوقه، فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«لعن الله القائد والراکب والسائق»(1).

2__ أقبلت امرأة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أرادت التزویج بمعاویة فنهاها صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک وقال لها:

«إنه صعلوک»(2).

3__ قال صلی الله علیه وآله وسلم لأصحابه:

«إنه یطلع من هذا الفج رجل یحشر علی غیر ملتی، فتشوق إلیه المسلمون، وإذا بمعاویة قد طلع منه»(3).

4__ دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی معاویة وابن العاص فقال:

«اللهم ارکسهم فی الفتنة رکسا، اللهم دعهم إلی النار دعّاً»(4)


1- معاویة أمام محکمة الجزاء، الشیخ مهدی القریشی: ص18. تاریخ الطبری: ج11، ص357.
2- تاریخ الخمیس: ج2، ص296.
3- تاریخ الطبری: ج11، ص357.
4- معاویة أمام محکمة الجزاء، الشیخ مهدی القریشی: ص18. وقعة صفین: ص246. مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص421.

ص: 358

5__ وهناک قول مشهور للنبی صلی الله علیه وآله وسلم قال فیه:

«إذا رأیتم معاویة یخطب علی منبری فاضربوا عنقه»(1).

إلا أنّ، أهل التحریف والوضع حرّفوا الحدیث إلی قوله صلی الله علیه وآله وسلم: (إنه مأمون أمین) ولا شک فی سخافة هذا التحریف وما أسهل الرد علیهم وهو کما یلی:

ألف: إن شخصیة معاویة ومساوئها تکذب أنه أمین مأمون.

باء: محاربته لأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام تکذب هذا الحدیث.

جیم: لا یوجد داع أو مناسبة لکی یمدح النبی صلی الله علیه وآله وسلم معاویة، کما أن هناک من الصحابة من هو مأمون حقا وأمین صدقا وقد خطب فی الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کأبی ذر أو عمار ولم یقل فی حقهما شیئا من ذلک.

دال: کیف یناقض قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعضه بعضا، لقد تقدم ذم النبی صلی الله علیه وآله وسلم لمعاویة وهو ذم لا یقبل التغییر، فکیف یغیر النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم قوله فیمتدح معاویة؟

تدلیس معاویة

قول الإمام الحسین علیه السلام:

«تُریدُ أنْ تُوهِمَ النّاسَ فی یَزیدَ، کأنَّکَ تَصِفُ مَحجُوباً، أوْ تَنْعَتُ غائِباً، أوْ تُخْبِرُ عَمّا کانَ مِمّا احْتَوَیْتَهُ بِعِلْمٍ خاصٍّ وَقَدْ دَلَّ یَزید مِنْ نَفْسِهِ عَلی مَوْقِعِ رَأْیِهِ، فَخُذْ لِیَزیدَ فیما أخَذَ بِهِ مِنْ اسْتِقْرائِهِ الْکِلابَ الْمُهارَشَةَ عِنْدَ التَحارُشِ، وَالْحَمامِ السِّبْقِ لأِتْرابِهِنْ، وَالقِیناتِ ذَواتِ الْمَعازِفِ، وَضُرُوبِ الْمَلاهی، تَجِدُهُ ناصِراً، وَدَعْ


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج33، ص187. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی: ج4، ص32.

ص: 359

عَنْکَ ما تُحاوِلُ».

یدل دلالة صریحة علی تدلیس معاویة بإظهار یزید بمظهر حسن لکی ینال بذلک رضا الناس ومن ثم ینتزع بیعتهم له، إلا أن هذا التدلیس لا یرفع من مقام یزید شیئا لما فی یزید من خصال قبیحة ورذائل یندی منها جبین الإنسانیة وهذا ما ورد فی قول الإمام الحسین علیه السلام إذ یقول:

«وَقَدْ دَلَّ یَزید مِنْ نَفْسِهِ عَلی مَوْقِعِ رَأْیِهِ، فَخُذْ لِیَزیدَ فیما أخَذَ بِهِ مِنْ اسْتِقْرائِهِ الْکِلابَ الْمُهارَشَةَ عِنْدَ التَحارُشِ، وَالْحَمامِ السِّبْقِ لأِتْرابِهِنْ، وَالقِیناتِ ذَواتِ الْمَعازِفِ، وَضُرُوبِ الْمَلاهی، تَجِدُهُ ناصِراً، وَدَعْ عَنْکَ ما تُحاوِلُ».

یا لها من صفعة شدیدة علی فم معاویة الذی أراد تزکیة یزید وتزویقه، ویا له من قطع لسان لکل من تسول له نفسه أن یمتدح الفاسقین الظلمة یدلس علی الناس حقیقتهم وقذارتهم.

عمرو بن العاص

أراد معاویة أن یرفع من عمرو بن العاص ویعطیه شأنا فالتجأ إلی ذکر صحبته مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبیعته له، إلا أن الإمام علیه السلام قطع علیه الطریق بذکر ما حصل من شکوی ضد هذا الوزغ فجاء رد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سریعا إذ قال للأنصار:

«لا جرم معشر المهاجرین لا یعمل علیکم بعد الیوم غیری».

ولکی نرفد القارئ الکریم بحقیقة عمرو بن العاص لابد أن نطلع علی هذه الشخصیة الانتهازیة المتذبذبة حسب مصالحها ومنافعها من خلال هذه الصور:

1__ هذه الروایة التاریخیة تبین أن عمرو بن العاص یبحث عن الدنیا وحب الظهور ولا یرید أن یکون أحد المسلمین بل یری نفسه فوق ذلک.

ص: 360

(وقال جویریة بن أسماء: حدثنی عبد الوهاب بن یحیی بن عبد الله بن الزبیر: ثنا أشیاخنا أن الفتنة وقعت، وما رجل من قریش له نباهة أعمی فیها من عمرو بن العاص، وقال: ما زال معتصماً بمکة لیس فی شیء مما فیه الناس، حتی کانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلی ولدیه عبد الله ومحمد، فقال: إنی قد رأیت رأیاً، ولستما باللذین تردانی عن رأیی، ولکن أشیرا علیَّ، إنّی رأیت العرب صاروا عیرین یضطربان، وأنا طارح نفسی بین جداری مکة، ولست أرضی بهذه المنزلة، فإلی أی الفریقین أعمد؟ قال عبد الله: إن کنت لابد فاعلا، فإلی علیّ، قال: إنی إن أتیت علیّاً قال: إنما أنت رجل من المسلمین، وإن أتیت معاویة یخلطنی بنفسه، ویشرکنی فی أمره فأتی معاویة)(1).

2__ هذه الروایة فیها تصریح من عمرو بحب الدنیا والمصالح الخاصة.

(ثم إنّ عمراً قال: یا معاویة، أحرقت کبدی بقصصک، أتری أنّا خالفنا علیاً لفضل منا علیه، لا والله، إن هی إلا الدنیا نتکالب علیها، وأیم الله لتقطعن لی قطعة من دنیاک، أو لأنابذنک، قال: فأعطاه مصر، یعطی أهلها عطاءهم، وما بقی فله)(2).

3__ حوار یکشف خباثة عمرو بن العاص ودوره فی فتنة عثمان.

(قال جویریة بن أسماء أن عمرواً قال لابن عباس: یا بنی هاشم، أما والله لقد تقلدتم لقتل عثمان قرم الإماء العوارک، أطعتم فساق أهل العراق فی عتبة، وأجزرتموه مراق أهل مصر، وآویتم قتلته، فقال ابن عباس: إنما تکلم لمعاویة، وإنما تکلم عن رأیک، وإن أحق الناس أن لا یتکلم فی أمر عثمان لأنتما، أمّا أنت یا معاویة، فزینت له ما کان یصنع، حتی إذا حُصر طلب منک نصرک، فأبطأت عنه، وأحببت قتله وتربصت


1- تاریخ الإسلام، الذهبی: ج2، ص267.
2- المصدر السابق.

ص: 361

به، وأمّا أنت یا عمرو، فأضرمت المدینة علیه، وهربت إلی فلسطین تسأل عن أبنائه، فلما أتاک قتله أضافتک عداوة علیّ أن لحقت بمعاویة، فبعت دینک منه بمصر، فقال معاویة: حسبک یرحمک الله، عرضنی لک عمرو، وعرض نفسه)(1).

4__ تصریحه بأنه من العصاة الذین ماتوا بأوزارهم:

(قال الزهری: عن حمید بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال حین احتضر: اللهم أمرت بأمور ونهیت عن أمور، ترکنا کثیراً مما أمرت، ووقعنا فی کثیر مما نهیت)(2).

5__ عاقبة عمرو بن العاص سیئة کبدایته وهذا ما یظهر الحوار التالی:

(قال الطحاوی: ثنا المزنی: سمعت الشافعی یقول: دخل ابن عباس علی عمرو بن العاص وهو مریض، فقال: کیف أصبحت؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنیای قلیلاً، وأفسدت من دینی کثیراً، فلو کان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو کان ینفعنی أن أطلب طلبت، ولو کان ینجینی أن أهرب هربت)(3).

6__ عمرو ینجو بکشف عورته أمام سید أهل الحیاء والمعروف أمیر المؤمنین علیه السلام.

(فلما سمع عمروٌ شعره قال: والله لو علمت أنِّی أموتُ ألف مَوتَةٍ لَبارزتُ علیّاً فی أوَّلِ ما ألقاه، فلما بارزه طعنه علیٌّ فصرَعه، واتَّقاه عمروٌ بعَورته، فانصرف علیٌّ عنه.

وقال علیٌّ حین بدت له عورةُ عمروٍ فصرف وجهَهُ عنه(4):


1- تاریخ الإسلام، الذهبی: ج2، ص268.
2- تاریخ الإسلام، الذهبی: ج2، ص269.
3- تاریخ الإسلام، الذهبی: ج2، ص269.
4- وقعة صفین، نصبر بن مزاحم المنقری: ص424.

ص: 362

ضربی ثُبِی الأبطال فی المَشَاغِبُ(1)

ضربُ الغلام البطلِ المُلاعِبِ

أین الضِّراب فی العَجاجِ الثائبِ

حین احمرار الحَدَقِ الثواقبِ

بالسَّیْفِ فی تَهتهة الکتائب(2)

والصبر فیه الحمدُ للعواقب

وهناک الکثیر من الصور القبیحة التی تبین شخصیة عمرو بن العاص ترکناها للاختصار.

عاقبة الظالمین
اشارة

قول الإمام الحسین علیه السلام:

(فَما أغناکَ أنْ تَلْقی الله جَورَ هذَا الْخَلْقِ بِأکْثَرَ مِمّا أنْتَ لاقِیهِ، فَوَ اللهِ ما بَرِحْتَ تُقَدِّرُ باطِلاً فی جَوْرٍ، وَحَنَقَاً فی ظُلْمٍ، حَتّی مَلَأتَ الأسقِیَةَ، وَما بَیِنَکَ وَبَیْنَ الْمَوتِ إلاَّ غَمْضَةٌ، فَتَقْدِمَ عَلی عَمَلٍ مَحفوظٍ فی یَوْمٍ مَشِهُودٍ، وَلاتَ حینَ مَناص، وَرَأیْتُکَ عَرَضْتَ بِنا بَعْدَ هذا الأمْرِ، وَمَنَعْتَنا عَنْ آبائِنا، وَلَقَدْ لَعَمْرُ اللهِ أوْرَثَنا الرَّسُولُ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وِلادَةً، وَجِئْتَ لَنا بِما حَجَجْتُم بِهِ القائِمَ عِنْدِ مَوْتِ الرسولِ، فَأذْعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِکَ، وَرَدَّهُ الإیمانُ إلَی النِّصْفِ، فَرَکِبْتُمُ الأعالِیلَ، وَفَعَلْتُمُ الأفاعیلَ، وَقُلْتُمْ: کانَ وَیَکُونُ، حَتّی أتاکَ الأمْرُ یا مُعاوِیَةُ مِنْ طَریقٍ کانَ قَصْدُها لِغَیرِکَ، فَهُناکَ فَاعْتَبِرُوا یا أولِی الأبْصارِ، وَذَکَرْتَ قِیادَةَ الرَّجُلِ الْقَوْمَ بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وَتَأمِیرَهُ لَهُ، وَقَدْ کانَ ذلِکَ، وَلِعَمْرِو بْنِ العاصِ یَوْمَئِذٍ فَضیلَةٌ بِصُحْبَةِ الْرَّسُولِ وَبَیْعَتِهِ لَهُ، وَما صارَ لِعَمْروٍ یَوْمَئذٍ


1- الثبة: الجماعة، والعصبة من الفرسان. وثبی: هی تبین جمع ثبة، مع الجمع الملحق بالسالم، کمزین وعضین، وحذفت النون للإضافة: وفی الأصل: (ضرب ثبا)، والوجه ما أثبت.
2- التهتهة: مصدر قولهم تهته فی الشیء __ بالبناء للمفعول: أی ردد فیه، وقد تکون: (نهنهة) بنونین، وهو الکف والزجر.

ص: 363

حَتّی أنِفَ الْقَوْمُ إمْرَتَهُ، وَکَرهُوا تَقْدیمَهُ، وَعَدُّوا عَلَیْهِ أفْعالَهُ فَقالَ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: لا جَرَمَ مَعْشَرَ المُهاجِرینَ لا یَعْمَلُ عَلَیْکُم بَعدْ الیَوْمِ غَیْرِی.

فَکَیْفَ تَحْتَجُّ بِالْمَنْسُوخِ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ فی أوْکَدِ الأحْوالِ (الأحْکام) وَأوْلاها بِالْمُجْمَعِ عَلَیْهِ مِنَ الصَّوابِ؟ أمْ کَیْفَ صاحَبْتَ بِصاحِبٍ تابعٍ وَحَوْلُکُ مَنْ لا یُؤْمِنُ فی صُحْبَتِهِ، وَلا یُعْتَمَدُ فی دینِهِ وَقَرابَتِهِ، وَتَتَخَطّاهُم إلی مُسْرِفٍ مَفْتُونٍ، تُریدُ أنْ تَلْبِسَ الناسَ شُبْهَةً یَسعَدُ بِهَا الْباقِی فی دُنْیاهُ، وَتشقی بِها فی آخِرَتِکَ، إنَّ هذا لَهُوَ الْخًسْرانُ الْمُبینُ).

الظلم کلمة واضحة المفهوم والمعنی نظریا وعملیا لکثرة من یتعاطها ولکثرة وقوعها یومیا، فلذا لا حاجة لنا فی بیان معناها إلا أننا لابد أن نبین عاقبة الظلم وعاقبة الظالمین من خلال الآیات الکریمة والروایات الشریفة الآتیة:

1__ قوله تعالی:

(أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِی حَاجَّ إِبْرَاهِیمَ فِی رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْکَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّیَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا أُحْیِی وَأُمِیتُ قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَإِنَّ اللَّهَ یَأْتِی بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ وَاللَّهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ)(1).

یشیر إلی أن الظالم لا ینال شیئا من هدی الله تعالی وتوفیقاته بل یبقی فی عماه وغیه.

2__ قوله تعالی:

(وَأَمَّا الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ)(2).


1- سورة البقرة، الآیة: 258.
2- سورة آل عمران، الآیة: 57.

ص: 364

یشیر إلی أن الظالمین حرموا من محبة الله تعالی الذی بیده کل شیء ومنه الخیر الحقیقی والفوز الصادق.

3__ قوله تعالی:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللَّهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآَیَاتِهِ إِنَّهُ لَا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(1).

یشیر بصراحة إلی عاقبة الظالمین التی هی الخسران المبین وإن کانوا بحسب الظاهر فائزین.

4__ قوله تعالی:

(لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِیدٍ)(2).

یشیر إلی أن الظالمین فی شقاق بعید.

5__ قوله تعالی:

(وَقِیلَ یَا أَرْضُ ابْلَعِی مَاءَکِ وَیَا سَمَاءُ أَقْلِعِی وَغِیضَ الْمَاءُ وَقُضِیَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَی الْجُودِیِّ وَقِیلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ)(3).

__ آثار الظلم فی الدنیا

ورد فی الروایات والأحادیث الشریفة ما یشیر إلی آثار الظلم وما یحل بالظالمین فی الحیاة الدنیا قبل الحیاة الآخرة نذکر منها ما یلی:

1__ الظلم یوجب الخسران وضیاع الجهد سدی لقول أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- سورة الأنعام الآیة: 21.
2- سورة الحج، الآیة: 53.
3- سورة هود، الآیة: 44.

ص: 365

«الظُّلْمُ فی الدُّنْیا بَوارٌ، وَفی الآخِرَةِ دَمارٌ»(1).

2__ الظلم یؤدی إلی الانزلاق إلی الهاویة والوقوع فی الباطل ویزیل العطاء الإلهی ویقضی علی الأمم مهما کانت قویة وشدیدة کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«الظُّلْمُ یُزِلُّ القَدَمَ، وَیَسْلُبُ النِّعَمَ وَیُهْلِکُ الأُمَمَ»(2).

3__ الظلم یؤدی إلی مقت الناس وکراهیتم ولعنتهم لأیام الظالم ولیالیه کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إیّاکَ وَالظُّلْمَ؛ فَمَنْ ظَلَمَ کَرُهَتْ أیّامُهُ»(3).

4__ یؤدی الظلم إلی فساد القلوب وقساوتها کما صرح بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«إیّاکُمْ وَالظُّلْمَ؛ فَإنَّهُ یُخْرِبُ قلُوبَکُمْ»(4).

5__ یوجب الظلم ارتفاع النعم ونزول النقم بالظالم فلا یهنأ ولا یستقر کما ورد ذلک فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لَیْسَ شَیْءٌ أدْعی إلی تَغْییرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِیلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إقامَةٍ عَلی ظُلْمٍ؛ فَإنَّ اللهَ سَمیعُ دَعْوَةِ المُضْطَهِدِینَ (المَظْلومِینَ)، وهُوَ للظالِمِینَ بِالمِرصادِ»(5).

6__ یؤدی إلی قصر العمر وسرعة الموت کما صرح بذلک سید المتقین علیه السلام بقوله:


1- غرر الحکم: 1707. میزان الحکمة: ج6، ص2334، ح11374.
2- غرر الحکم: 1734. میزان الحکمة: ج6، ص2334، ح11375.
3- غرر الحکم: 2638. میزان الحکمة: ج6، ص2335، ح11388.
4- کنز العمّال: 7639. میزان الحکمة: ج6، ص2336، ح11392.
5- نهج البلاغة: الکتاب 52. غرر الحکم: 7523. میزان الحکمة: ج6، ص2336، ح11395.

ص: 366

«مَنْ ظَلَمَ قُصِمَ عُمْرُهُ»(1).

7 __ الظلم یکون مرآة عاکسة لعیوب الظالم فیفتضح عند تتبع عیوبه وهذا ما أکده الإمام علی علیه السلام بقوله:

«إنَّ البَغْیَ وَالزُّورَ یُوتِغانِ المَرْءَ فی دِینِهِ ودُنْیاهُ، ویُبْدِیانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ یَعِیبُهُ»(2).

8 __ الظلم یوجب لعنة الله تعالی للظالم فی حالات عبادة الظالم علی وجه الخصوص کما صرح بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أوْحَی اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَیَّ: یا أخا المُرْسَلِینَ، یا أخا المُنْذِرِینَ، أنْذِرْ قَوْمَکَ أنْ لاَ یَدْخُلُوا بَیْتاً من بیوتی إلاّ بِقُلوبٍ سَلِیمَةٍ وَألْسُنٍ صادِقَةٍ، وأیْدٍ نَقِیَّةٍ، وَفُروجٍ طاهِرَةٍ، ولاَ یَدْخُلُوا بَیْتاً مِنْ بُیوتِی ولأَِحَدٍ مِنْ عِبادِی عِنْدَ أحَدٍ مِنْهُم ظُلاَمَةٌ فَإنِّی ألْعَنُهُ ما دامَ قائماً بَیْنَ یَدَیَّ یُصَلِّی حَتَّی یَرُدَّ تلک الظُّلامَةَ إلی أهْلِها»(3).

__ آثار الظلم فی الآخرة

1__ إذا حشر الله تعالی عباده سیحشر منهم علی نورهم وفی نورهم فیبصرون فلا یکونوا من العمی، وهناک من یحشر فی ظلمة لا یری الحقیقة فلذا حذر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الظلم لأنه یؤدی إلی العمی والظلمة فقال لِرَجُلٍ یُحِبُّ أنْ یُحْشَرَ یَوْمَ القِیامَةِ فی النّورِ:

«اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإنَّهُ ظُلُماتٌ یَوْمَ القِیامَةِ»(4).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:


1- غرر الحکم: 7940. میزان الحکمة: ج6، ص2336، ح11396.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج17، ص12.
3- کنز العمال: 43600. میزان الحکمة: ج6، ص2343 __ 2344، ح11443.
4- الکافی: ج2، ص332، ح11. میزان الحکمة: ج6، ص2337، ح11406.

ص: 367

«لاَ تَظْلِمْ أحَداً، تُحْشَرْ یَوْمَ القِیامَةِ فی النّورِ»(1).

2__ عند الحساب ووضع الموازین ونشر الصحف تظهر ثلاث حالات من الظلم، ظلم لا یغفر، وظلم لا یترک، وظلم یغفر وهذا ما أکده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقول:

«الدَّواوینُ عِنْدَ اللهِ ثَلاثةٌ: دِیوانٌ لاَ یَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَیْئاً، ودِیوانٌ لا یَتْرُکُ اللهُ مِنْهُ شَیْئاً، ودِیوانٌ لا یَغْفِرُهُ اللهُ، فأمّا الدِّیوانُ الذی لا یَغْفِرُهُ اللهُ فالشِّرْکُ، قالَ اللهُ تعالی:

(لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ وَقَالَ الْمَسِیحُ یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّی وَرَبَّکُمْ إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ أَنْصَارٍ)(2).

وَأمّا الدّیوانُ الذی لاَ یَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَیْئاً فَظُلْمُ العَبْدِ نَفْسَهُ فیما بَیْنَهُ وَبَیْنَ رَبِّهِ، مِنْ صَوْمِ یومٍ تَرَکَهُ، أو صَلاةً تَرَکَها، فإنَّ اللهَ یَغْفِرُ ذلکَ وَیَتَجاوَزُ إنْ شاءَ اللهُ.

وأمّا الدِّیوانُ الذی لا یَتْرُکُ اللهُ مِنْهُ شَیْئاً فَظُلْمُ العِبْادِ بَعْضَهُم بَعْضاً، القِصاصُ لاَ مَحالَةَ»(3).

3__ یؤکد الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أن ظلم الناس له عاقبة وخیمة لا یتحملها الإنسان کما جاء ذلک عنه علیه السلام بقوله:

أمّا الظُّلْمُ الذی لاَ یُتْرَکُ فَظُلْمُ العِبادِ بَعْضَهُمْ بَعْضاً، القِصاصُ هُناکَ شَدِیدٌ، لَیْسَ هُوَ جَرْحاً بِالمُدی، ولاَ ضَرْباً بِالسِّیاطِ، ولکِنَّهُ ما یُسْتَصْغَرُ ذلِکَ مَعَهُ»(4)


1- الکافی: ج2، ص332، ح11. میزان الحکمة: ج6، ص2337، ح11409.
2- سورة المائدة، الآیة: 72.
3- میزان الحکمة: ج6، ص2339، ح11414. مسند أحمد: ج6، ص240. مستدرک الحاکم: ج4، ص576.
4- میزان الحکمة: ج6، ص2339 _ 2340. نهج البلاغة: ج2، ص95. مستدرک الوسائل: ج12، ص104.

ص: 368

4__ یعیش الظالم یوم القیامة حسرة شدیدة وندامة مرة تصل إلی حد أنه یعبر عنها بفعل حسی کما ورد ذلک فی قوله تعالی:

(وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَی یَدَیْهِ یَقُولُ یَا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا)(1).

وأکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«للظالِمِ غَداً یَکْفِیهِ عَضُّهُ یَدَیْهِ»(2)


1- سورة الفرقان، الآیة: 27.
2- بحار الأنوار: ج77، ص397، ح18. میزان الحکمة: ج6، ص2344، ح11446.

ص: 369

المحتویات

مقدمة الشعبة الدراسات والبحوث

مقدمة المؤلف

الخطبة الأولی فی التوحید

نص الخطبة

المعنی العام

التحذیر من الفکر المنحرف

الشبه بین المارقین وبین الکافرین

ما هو التشبیه؟

التشبیه محال عقلاً

التشبیه لا یصح ولا یجوز فی القرآن الکریم

التشبیه لا یجوز ولا یصح نقلا فی السنة النبویة

هل أن الله تعالی شیء؟

السمیع البصیر اسمان من أسمائه تعالی

الوصفان فی القرآن الکریم

السمیع

البصیر

الوصفان فی حدیث أهل البیت علیهم السلام

السمیع

سمعه لا کسمعنا

البصیر

هل هما من صفات الذات؟

ص: 370

فی السمع

البصر

سؤال مهم

ألف

باء

لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار

امتناع الرؤیة

الآیات الکریمة

الأحادیث الشریفة

الرؤیة القلبیة

ما هو سبب شبهة الرؤیة؟

معنی الإدراک الإلهی

وهو اللطیف الخبیر

اللطیف

الخبیر

استخلص الوحدانیة والجبروت

معنی الجبروت

المشیئة والإرادة

حقیقة الإرادة الإلهیة

أسئلة مهمة فی الإرادة

قدرة الله تعالی

ألف: دلیل الفطرة

باء: دلیل النظام فی الخلقة

جیم: قدرة المخلوق دلیل علی قدرة الخالق

أسئلة فی القدرة

(وهو الواحد الصمد)

معنی الواحد

معنی الصمد

التصور والتصدیق

الوهمیات

ص: 371

الخطبة الثانیة: وفیها یوصی بتقوی الله، وینذر من عقابه 

نص الخطبة

المعنی العام

بحث أخلاقی

التقوی میزان القرب الإلهی

آثار التقوی فی الدنیا

آثار التقوی فی الآخرة

التقوی ضرورة لابد منها

رفع التوهم

مسألة: منزلة المتقین وصفاتهم

الطرق الموصلة إلی التقوی

ما یمنع التقوی

أسئلة مهمة

بحث أخلاقی

النصیحة علامة المحب

النصیحة لمن؟

فوائد

__ لا تنسی نفسک

__ أسئلة مهمة

__ وقفة وتأمل

بحث عقائدی

الحیاة البرزخیة

أحوال البرزخ

أسئلة مهمة

تذکیر

ص: 372

الخطبة الثالثة: فی مکارم الأخلاق 

نص الخطبة

المعنی العام

بحث أخلاقی

صنع المعروف

لمن یبذل المعروف؟

إشکال وتوجیه

آثار فعل المعروف

الآثار فی الآخرة

فوائد

صفات أهل الفضل

الخطبة الرابعة: فی مکارم الأخلاق 

نص الخطبة

بحث أخلاقی

مکارم الأخلاق شیمة المؤمنین

الخلق وعاء الدین

مکارم الأخلاق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

__ نصائح

أسئلة مهمة

ثمرات حسن الخلق

ص: 373

__ سوء الخلق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

آثار سوء الخلق

__ الحلم

بحث عقائدی

غضب وحلم الله تعالی

الحلم فی نظر أهل البیت علیهم السلام

__ آثار الحلم

__ أسئلة مهمة

__ الوفاء

__ سؤال مهم

وقفة

__ نصیحة معصومیة

الاستکبار

__ فوائد

__ السفه

أسئلة مهمة

بحث عقائدی

__ الغلو

الإمام الحسین علیه السلام یحذر من الغلو

__ الشیعة براء من الغلو

__ سؤال مهم

بحث أخلاقی

الفِسق

__ الفسق والفاسق فی نظر أهل البیت علیهم السلام

__ آثار الفسق

ص: 374

الخطبة الخامسة: وفیها یذمّ الدّنیا ویحذّر منها

نص الخطبة

المعنی العام

بحث أخلاقی

ذم الدنیا

أسئلة مهمة

__ نصیحة معصومیة

صور حواریة ومواعظ

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

الصورة الخامسة

بحث عقائدی

الرضا بقضاء الله تعالی

أسئلة مهمة

__ نصیحة یجب أن تسمعها

__ التزود بالأعمال الصالحة

__ العمل مفتاح السعادة

آثار وثمرات العمل الصالح فی الدنیا

__ آثار العمل الصالح فی الآخرة

__ نصائح

__ أسئلة مهمة

__ نصائح ضروریة

ص: 375

الخطبة السادسة: وفیها یُذکّر بفضائل أهل البیت علیهم السلام ویأمر باتّباعهم 

نص الخطبة

__ فضل أهل البیت علیهم السلام

__ فضلهم فی القرآن الکریم

__ فضلهم علیهم السلام فی السنة النبویة

__ بحث عقائدی

__ العدل الثانی

1 _ صحیح الترمذی

2 _ القاموس المحیط

3 _ مسند أحمد

4 _ الطبقات الکبری لابن سعد

5 _ المعجم الکبیر للطبرانی

6 _ جامع الأصول

7 _ مسند عبد بن حمید

8 _ الدر المنثور

9 _ الجامع الصغیر

10 _ مصنف ابن أبی شیبة

11 _ المستدرک علی الصحیحین

12 _ کتاب السنة

13 _ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

الجامع الصغیر بشرح المناوی

فیض القدیر

رواة حدیث الثقلین (الصحابة)

رواة حدیث الثقلین (التابعین)

طاعة الشیطان

__ آثار طاعة الشیطان

__ أسئلة مهمة

__ وقفة تأمل

ص: 376

الخطبة السابعة 

نص الخطبة

المعنی العام

__ صفات الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم

الآیات الکریمة

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصف نفسه

أمیر المؤمنین علیه السلام

__ بعض کمالاته

معاویة

أولا: العامل التربوی

هند

أم جمیل

الحکم بن أبی العاص

أبو جهل

عتبة والولید

ثانیا: العامل الاقتصادی

ثالثا: العامل الأخلاقی

__ القول القاصم

تدلیس معاویة

عمرو بن العاص

عاقبة الظالمین

__ آثار الظلم فی الدنیا

__ آثار الظلم فی الآخرة

الجزء الثانی

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ومضات السبط

البعد العقائدی والأخلاقی

فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

تألیف الشیخ علی الفتلاوی

الجزء الثانی

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

ص: 4

الطبعة الأولی

1433ه_ __ 2012م

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

العراق: کربلاء المقدسة __ العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة __ هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

الخطبة الثامنة: خطبها فی مکّة لمّا عزم علی الخروج إلی العراق

اشارة

ص: 6

ص: 7

وفیها ینعی نفسه:

نص الخطبة

اشارة

(الحَمْدُ للهِ ما شاءَ الله، وَلا قوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، وَصَلَّی اللهُ عَلی رَسُولِهِ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلی وُلْدِ آدَمَ مَخَطِّ الْقِلادَةِ عَلی جیدِ الْفَتاةِ، وَما أوْلَهَنی إلی أسْلافی اشْتِیاقُ یَعْقُوبَ إلی یُوسُفَ، وَخُیِّرَ لی مَصْرَعٌ أنَا لاقِیهِ، کَأنّی بِأوْصالی تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَیْنَ النَّواویسِ وَکَرْبَلاءَ، فَیَمْلأَنَّ مِنّی أکْراشاً جَوْفاء وَأجْرِبَةً سَغْبَی، لا مَحیصَ عَنْ یَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَی اللهِ رِضانا أهْلُ الْبَیْتِ، نَصْبِرُ عَلی بَلائِهِ وَیُوَفِّینا أجْرَ الصّابرینَ، لَنْ تَشِذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم لُحْمَتُهُ، وَهِیَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فی حَظیرَةِ القُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَیْنُهُ وَیُنْجِزُ بِهِمْ وَعْدَهُ، مَنْ کانَ باذِلاً فینا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلی لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْیَرْحَلْ مَعَنا فإنَّنی راحِلٌ مُصْبحاً إنْ شاء اللهُ تَعالی).

المعنی العام

الثناء لله تعالی والشکر کما یرید هو سبحانه، ولا طاقة ولا قدرة إلا بالله تعالی، وترحم الله تعالی علی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم، رسم علامة أی أن الموت فرض علی بنی آدم کما ثبت أثر القلادة علی عنق الفتاة، إشارة إلی حتمیة الموت، وما أشوقنی وأشد حنینا إلی آبائی ومن تقدمنی منهم، وشوقی هذا شوق وحنین النبی

ص: 8

یعقوب لولده یوسف علیهما السلام، وانتقی لی مقتل أنا لاقیه باختیاری، وإنی أعلم أن عظامی ومفاصلی وأجزائی تقطعها الذئاب التی تسکن الصحاری المقفرة بین النواویس وکربلاء، فیملأن منی بطونا خالیة وأوعیة جائعة تعبه من الجوع، لا فرصة ولا مفر عن یوم کتب بالقلم، قبول الله تعالی متوقف علی رضانا أهل البیت علیهم السلام، نتحمل اختبار الله تعالی وامتحانه لنا فیعطینا أجر الصابرین، لن تنفرد ولن تخالف قرابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وهی معه فی جنة الخلد یفرح بها، ثم یخاطب الناس فیقول من وطن نفسه علی أن یجود بنفسه ودمه لیلقی الله تعالی فلیأتِ معنا فإننی مسافر فی الصباح إن شاء الله.

بحث عقائدی أخلاقی
__ حتمیة الموت ووصفه

قوله علیه السلام:

«خُطَّ الْمَوْتُ عَلی وُلْدِ آدَمَ مَخَطِّ الْقِلادَةِ عَلی جیدِ الْفَتاةِ... الخ».

الموت: هو مفارقة الروح البدن فیبقی الإنسان جثة هامدة وهو أمر حتمی لا مفر منه کما فی قوله تعالی:

( کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )(1).

وأکد ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بأقواله:

«لِکُلِّ حَیٍّ مَوْتٌ»(2).


1- سورة آل عمران، الآیة: 185.
2- غرر الحکم: 7286. میزان الحکمة: ج9، ص3906، ح19053.

ص: 9

وقال علیه السلام:

«المَوْتُ أوَّلُ عَدْلِ الآخِرَةِ»(1).

وقال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث:

«بِالمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْیا»(2).

وعنه علیه السلام:

«المَوْتُ بابُ الآخِرَةِ»(3).

وبعد أن صرحت الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة بحقیقة الموت وکونه أمراً لا شک فیه ولا مفر منه لا یسعنی إلا أن أعرض المراحل التی یمر بها الإنسان حتی یصل إلی نهایة خروج الروح، فأقول:

ذکرت الآیات الکریمة أن الذی یتوفی الأنفس هو ملک بإذن الله تعالی وأمره کما فی قوله تعالی:

(قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ)(4).

وهذه الآیة تشیر إلی ملک الموت عزرائیل فی حین أن هناک آیات أخری تشیر إلی أن الذی یتوفی هم مجموعة من الملائکة کما فی قوله تعالی:

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَی إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(5).


1- غرر الحکم: 1435. میزان الحکمة: ج9، ص3906، ح19054.
2- نهج البلاغة: الخطبة 156. میزان الحکمة: ج9، ص3906، ح19055.
3- غرر الحکم: 319. میزان الحکمة: ج9، ص3906، ح19056.
4- سورة السجدة، الآیة: 11.
5- سورة النحل، الآیة: 28.

ص: 10

وقوله تعالی:

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَیْکُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(1).

وسواء کان الذی یتوفی الناس هو ملک الموت أو أعوانه لا یخرج هذا الأمر عن أمر الله تعالی وإذنه بدلیل قوله تعالی:

(اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا وَالَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنَامِهَا فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضَی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَیُرْسِلُ الْأُخْرَی إِلَی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآَیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ)(2).

ولکی لا نقع فی التباس وشبهة لابد من بیان الأمر التالی:

إن الآیات التی أشارت إلی أن الذی یتوفی الناس هو ملک الموت أو الملائکة الذین هم أعوان لذلک الملک کما یقول الإمام الصادق علیه السلام فی بیان الآیات:

«إنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی جَعَلَ لمَلَکِ المَوْتِ أعْواناً مِنْ المَلائِکَةِ یَقْبِضونَ الأرْواحَ، بِمَنْزِلَةِ صاحِبِ الشّرطَةِ لَهُ أعْوانٌ مِنْ الإنْسِ ویَبْعَثهم فی حَوائِجِهِ فَتَتَوَفّاهُمُ المَلائِکَةُ، وَیَتَوَفّاهُم مَلَکُ المَوْتِ مِنَ الْمَلائِکَةِ مَعَ ما یَقْبِضُ هُوَ، وَیَتَوَفّاها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَلَکِ المَوْتِ»(3).

إنما یقومون بهذا العمل امتثالا لأمر الله سبحانه الذی تنزه عن مباشرة هذا الأمر بنفسه کما جاء ذلک عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یقول:


1- سورة النحل، الآیة: 32.
2- سورة الزمر، الآیة: 42.
3- من لا یحضره الفقیه: ج1، ص136، ح368. میزان الحکمة: ج9، ص3920، ح19134.

ص: 11

(اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا) (1).

(یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ)(2).

(تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)(3).

(تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ طَیِّبِینَ)(4).

(تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ)(5).

فَهُوَ تَبارَکَ وَتَعالی أجَلُّ وَأعْظَمُ مِنْ أنْ یَتَوَلّی ذلِکَ بِنَفْسِهِ، وفِعْلُ رُسُلِهِ ومَلائِکَتِهِ فِعْلُهُ، لأنَّهُم بِأمْرِهِ یَعْمَلونَ... فَمَنْ کانَ مِنْ أهلِ الطّاعَةِ تَوَلَّتْ قَبْضَ رُوحِهِ مَلائِکَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَنْ کانَ مِنْ أهْلِ المَعْصِیَةِ تَوَلّت قَبْضَ رُوحِهِ مَلائِکَةُ النِّقْمَةِ، ولِمَلَکِ المَوْتِ أعْوانٌ مِنْ مَلائِکَةِ الرَّحْمَةِ وَالنِّقْمَةِ یَصْدُرونَ عَنْ أمْرِهِ، وفِعْلُهُمْ فِعْلُهُ، وکُلُّ ما یَأتُونَهُ مَنْسوبٌ إلَیهِ، وإذاً کانَ فِعْلُهُم فِعْلَ مَلَکِ المَوْتِ، ففِعْلُ مَلَکِ المَوْتِ فِعْلُ اللهِ، لأنَّهُ یَتَوَفَّی الأنْفُسَ عَلی یَدِ مَنْ یَشاءُ»(6).

فلذا یتضح مما تقدم أن الذی یتوفی حقیقة هو الله تعالی ولا یشترک معه أحد من خلقه وما یفعله ملک الموت أو الملائکة هو فی طول قدرة الله تعالی أی أن الله تعالی هو الذی أقدر ملک الموت وأذن له وأمره بذلک ولا استقلالیة لملک الموت أو الملائکة فی ذلک.


1- سورة الزمر، الآیة: 42.
2- سورة السجدة، الآیة: 11.
3- سورة الأنعام، الآیة: 61.
4- سورة النحل، الآیة: 32.
5- سورة النحل، الآیة: 28.
6- بحار الأنوار: ج6، ص140، ح1.

ص: 12

وبعد هذه الإشارة العقائدیة نعرّج علی بیان صورة ملک الموت وسکرات الموت التی یمر بها المرء فلقد جاء فی الروایات أن لملک الموت صورة رهیبة عند قبض روح الفاجر کما ورد ذلک فی کتاب السید عبد الله شبر إذ یقول:

فی جامع الأخبار (قال إبراهیم الخلیل علیه السلام لملک الموت __ علیه السلام __:

«هل تستطیع أن ترینی صورتک التی تقبض فیها روح الفاجر؟».

قال ملک الموت __ علیه السلام __:

«لا تطیق ذلک».

قال:

بلی.

قال:

«فأعرض عنی».

فأعرض عنه ثم التفت فإذا هو برجل أسود، قائم الشعر، منتن الریح، أسود الثیاب، یخرج من فیه ومناخره لهیب النار والدخان، فغشی علی إبراهیم ثم أفاق.

فقال:

«لو لم یلق الفاجر عند موته إلا صورة وجهک لکان حسبه»(1).

وهناک صورة من سکرات الموت ونزوله بالإنسان یصورها لنا الإمام العسکری علیه السلام عندما قیل له:

صف لنا الموت، قال علیه السلام:

«للمؤمن کأطیب ریح یشمه فینعس بطیبه وینقطع التعب والألم کله عنه، وللکافر کلسع الأفاعی ولدغ العقارب أو أشد».


1- تسلیة الفؤاد، السید عبد الله شبر: ص39 __ 40. جامع الأخبار: ص198.

ص: 13

قیل: فإن قوماً یقولون إنه أشد من نشر بالمناشیر، وقرض بالمقاریض، ورضخ بالأحجار، وتدویر قطب الأرحیة علی الأحداق؟، قال __ علیه السلام __:

«کذلک هو علی بعض الکافرین والفاجرین، ألا ترون منهم من یعاین تلک الشدائد؟ فذلکم الذی هو أشد من هذا إلا من عذاب الآخرة فإنه أشد من عذاب الدنیا».

قیل: فما بالنا نری کافراً یسهل علیه النزع فینطفئ وهو یحدث ویضحک ویتکلم، وفی المؤمنین أیضاً من یکون کذلک، وفی المؤمنین والکافرین من یقاسی عند سکرات الموت هذه الشدائد؟، فقال:

«ما کان من راحة للمؤمن هناک فهو عاجل ثوابه، وما کان من شدیدة فتمحیصه من ذنوبه، لیرد الآخرة نقیاً نظیفاً مستحقاً لثواب الأبد، لا مانع له من دونه، وما کان من سهولة هناک علی الکافر فلیوفی أجر حسناته فی الدنیا لیرد الآخرة ولیس له إلا ما یوجب علیه العذاب، وما کان من شدة علی الکافر هناک فهو ابتداءُ عذاب الله له بعد نفاد حسناته، وذلک لأن الله عدل لا یجور»)(1).

وهناک وصف آخر یقف له شعر رأس العاقل ویطیر لبه ویتلعثم لسانه وهو ما ذکره أمیر المؤمنین علیه السلام:

(ورد فی نهج البلاغة:

«لا ینزجر من الله بزاجر، ولا یتعظ منه بواعظ، وهو یری المأخوذین علی الغرة حیث لا إقالة ولا رجعة، کیف نزل بهم ما کانوا یجهلون، وجاءهم من فراق الدنیا ما کانوا یأمنون، وقدموا من الآخرة علی ما کانوا یوعدون، فغیر


1- تسلیة الفؤاد، السید عبد الله شبر: ص43. بحار الأنوار: ج6، ص152، نقلا عن العیون.

ص: 14

موصوف ما نزل بهم، اجتمعت علیهم سکرة الموت وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغیّرت لها ألوانهم، ثم ازداد الموت فیهم ولوجاً فحیل بین أحدهم وبین منطقه، وأنه لبین أهله ینظر ببصره ویسمع بأذنه علی صحة من عقله وبقاء من لبه، ویفکر فیم أفنی عمره؟ وفیم أذهب دهره؟ ویتذکر أموالا جمعها أغمض فی مطالبها وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها قد لزمته تبعات جمعها وأشرف علی فراقها، تبقی لمن وراءه ینعمون بها، فیکون المهنأ لغیره والعبء علی ظهره، والمرء قد غلقت رهونه بها، یعض یده ندامة علی ما اصحر له عند الموت من أمره؛ ویزهد فیما کان یرغب فیه أیام عمره، ویتمنی أن الذی کان یغبطه بها ویحسده علیها قد حازها دونه، فلم یزل الموت یبالغ فی جسده حتی خالط لسانه سمعه، فصار بین أهله لا ینطق بلسانه ولا یسمع بسمعه، یردد طرفه بالنظر فی وجوههم، یری حرکات ألسنتهم ولا یسمع رجع کلامهم، ثم ازداد الموت التیاطأ فقبض بصره کما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده فصار جیفة بین أهله، قد أوحشوا من جانبه وتباعدوا من قربه، لا یسعد باکیاً ولا یجیب داعیاً؛ ثم حملوه إلی مخط الأرض وأسلموه فیه إلی عمله؛ وانقطعوا عن زورته حتی إذا بلغ الکتاب أجله»(1).

__ بحث عقائدی
الإمام علیه السلام مخیّر فی قتله

الأجل أو الموت یقین لا شک فیه یطرد الإنسان ویلحقه أینما یحل ولو فی بروج مشیدة، قال الله تبارک وتعالی:

(أَیْنَمَا تَکُونُوا یُدْرِکُکُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کُنْتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ)(2).


1- تسلیة الفؤاد، السید عبد الله شبر: ص48 __ 49. نهج البلاغة: ج1، ص211، الخطبة 105.
2- سورة النساء، الآیة: 78.

ص: 15

ومما یطرده الموت الرسول أو الإمام رغم علاقته الوطیدة بالله تعالی بدلیل قوله تعالی:

(إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(2).

فلذا نعتقد أن للرسول أجلاً وللإمام أجلاً لا یخطیه وهذا ما تؤکده الروایات الکثیرة والتی منها وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لولده الحسن إذ یقول:

«اعْلَمْ یا بُنَیَّ إنَّکَ إنّما خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْیا، ولِلْفَناءِ لاَ لِلبَقاءِ، ولِلمَوتِ لاَ لِلحَیاةِ، وأنَّکَ فی قُلْعَةٍ وَدارِ بُلْغَةٍ وَطَریقٍ إلَی الآخِرَةِ، وأنَّکَ طَریدُ المَوْتِ الّذی لاَ یَنجو مِنْهُ هارِبُهُ، وَلاَ یَفُوتُهُ طالِبُهُ، ولابُدَّ أنَّهُ مُدْرِکُهُ، فَکُنْ مِنْهُ عَلی حَذَرٍ أنْ یُدْرِکَکَ وَأنْتَ عَلی حالٍ سَیِّئَةٍ، قَدْ کُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَکَ مِنْها بِالتَّوْبَةِ فَیَحولُ بَیْنَکَ وَبَیْنَ ذلِکَ، فَإذا أنْتَ قَدْ أهْلَکْتَ نَفْسَکَ»(3).

وکذلک الإمام الحسین علیه السلام له أجل لابد أن یلاقیه، إلا أننا نعتقد أن الإمام الحسین علیه السلام قد ادخر الله تعالی له درجة عنده لن ینالها إلا بالشهادة وهذا ما ورد عن جدّه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم إذ یقول له:

«بأبی أنت، کأنی أراک مرملا بدمک بین عصابة من هذه الأمة، یرجون شفاعتی، مالهم عند الله من خلاق، یا بنی إنک قادم علی أبیک وأمک وأخیک، وهم مشتاقون إلیک، وإن لک فی الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة»(4).

فیظهر من قوله هذا أن له أجلا ولکن قد یکون موتا بالسم أو قد یکون قتلاً فی


1- سورة الزمر، الآیة: 30.
2- سورة آل عمران، الآیة: 144.
3- نهج البلاغة: الکتاب 31. میزان الحکمة: ج9، ص3911، ح19079.
4- الأمالی للشیخ الصدوق: ص216 _ 217.

ص: 16

سبیل الله تعالی فلذا خیّره الله تعالی بین أن یصحی فی سبیله فینال درجته التی ادخرها له وبین أن یموت مسموماً بناء علی قولهم علیهم السلام:

«ما منّا إلا مسموم أو مقتول»(1).

فاختار المصرع الذی یریده الله تعالی ویحبه، وهذا الاختیار یدفع الشبهة القائلة بأن الإمام لا یعلم موته وکیفیته ومکانه أو زمانه، ولأن الإمام علیه السلام سید شباب أهل الجنة ومحبوب لله تعالی أخبره الله تعالی علی لسان جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأبیه المرتضی علیه السلام أنه سیقتل فی کربلاء إذا کان یرید ما یحبه الله تعالی له.

__ بحث عقائدی
علم الإمام علیه السلام

قال الإمام الحسین علیه السلام:

«کَأنّی بِأوْصالی تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَیْنَ النَّواویسِ وَکَرْبَلاءَ، فَیَمْلأَنَّ مِنّی أکْراشاً جَوْفاء وَأجْرِبَةً سَغْبَی، لا مَحیصَ عَنْ یَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَی اللهِ رِضانا أهْلُ الْبَیْتِ، نَصْبِرُ عَلی بَلائِهِ وَیُوَفِّینا أجْرَ الصّابرینَ، لَنْ تَشِذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم لُحْمَتُهُ، وَهِیَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فی حَظیرَةِ القُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَیْنُهُ وَیُنْجِزُ بِهِمْ وَعْدَهُ، مَنْ کانَ باذِلاً فینا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلی لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْیَرْحَلْ مَعَنا فإنَّنی راحِلٌ مُصْبحاً إنْ شاء اللهُ تَعالی».

لکی لا نصاب بالدهشة، ولا نقع فی المغالاة، ولکی تتضح الحقائق وتعرف المواقع لابد من الإشارة إلی مفهوم الإمامة والوقوف علی معناها الحقیقی، ولا یتم هذا إلا من خلال التأمل فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام الذین عرفونا الإمامة بأحلی صورها وأکمل معانیها وصرحوا بضرورة الإیمان بها.


1- کفایة الأثر، الخزاز القمی: ص227. بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج27، ص217، ح19.

ص: 17

__ ملاحظة مهمة: ترکنا التعرض إلی الروایات التی تتحدث عن رتبة الإمامة، ووجوب معرفة الإمام، ودور الإمام فی الأرض، ودعوة کل أمة بإمامهم، وفائدة معرفة الإمام وضرر عدم معرفته، وشرائط الإمامة وخصائص الإمام وغیر ذلک ممّا یتضمن الکثیر من المواضیع لکی لا یخرج البحث عن عنوانه وهو علم الإمام بالرغم من أن کل هذه المواضیع ذات صلة من بعید أو قریب بالموضوع الذی نحن بصدده.

1__ ورد عنهم علیهم السلام ما یوافق العقل إذ یقولون أن من العدل الإلهی أن لا یدع الله تعالی الناس فی حیرة من أمرهم بعد رحیل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلابد من هاد یهدیهم لما یرید الله تعالی ولابد من عالم یعرف الناس الحق من الباطل ولابد من حجة لله علی الناس لکی لا یکون لأحد حجة علی الله تعالی ونکون الحجة البالغة له عز وجل، وهذا المعنی نجده فی قول الإمام الصادق علیه السلام إذ یقول:

«إنّا لَمّا أثْبَتْنا أنَّ لَنا خالِقاً صانِعاً مُتَعالِیاً عَنّا وَعَنْ، جَمیعِ ما خَلَقَ... ثُمَّ ثَبَتَ ذلِکَ فی کُلِّ دَهْرٍ وَزَمانٍ مِمّا أتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالأنْبِیاءُ مِنَ الدَّلاَئِلِ وَالبَراهینِ، لِکَیْ لاَ تَخْلُوَ أرضُ اللهِ مِنْ حُجَّةٍ یَکونُ مَعَهُ عِلْمٌ یَدُلُّ عَلی صِدْقِ مَقالَتِهِ وَجَوازِ عَدالَتِهِ»(1).

وعنه علیه السلام:

«إنَّ الأرْضَ لاَ تَخْلُو إلاّ وَفیها إمامٌ، کَیْما إنْ زادَ المُؤْمِنونَ شَیْئاً رَدَّهُمْ، وإنْ نَقَصُوا شَیْئاً أتَمَّهُ لَهُمْ»(2).


1- الکافی: ج1، ص168، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص151، ح804.
2- الکافی: ج1، ص1، ص178، ح2. میزان الحکمة: ج1، ص151، ح805.

ص: 18

وقال الإمام الباقر علیه السلام:

«إنَّ اللهَ لَمْ یَدَعِ الأرْضَ بِغَیْرِ عالِمٍ، وَلَولا ذلِکَ لَمْ یُعْرَفِ الحَقُّ مِنَ الباطِلِ»(1).

2__ وهناک تصریح ورد عن الإمام الصادق علیه السلام یقول فیه أن الإمام لابد أن یکون عالما لکی یرجع إلیه الناس فیعلم الحلال والحرام دون الوقوع فی الخطأ، ولابد أن یکون هذا الإمام العالم مستغنیاً عن الناس فی هذا الأمر:

«إنَّ الأرْضَ لاَ تُتْرَکُ إلاّ بِعالِمٍ یَحْتاجُ النّاسُ إلَیْهِ ولاَ یَحْتاجُ إلی النّاسِ، یَعْلَمُ الحَرامَ وَالحَلالَ»(2).

وهناک الکثیر من الروایات التی تشیر إلی ضرورة وجود الإمام تطلب من مصادرها.

3__ عرف أهل البیت علیهم السلام الإمامة بأنها من تمام الدین کما فی قول الإمام الرضا علیه السلام:

«وَأنْزَلَ فی حِجَّةِ الوَداعِ وَهِیَ آخِرُ عُمْرِهِ صلی الله علیه وآله وسلم.

(الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ...)(3).

وَأمْرُ الإمامَةِ مِنْ تَمامِ الدِّینِ»(4).

وهی القاعدة التی یستند علیها الإسلام الحقیقی کما فی قوله علیه السلام:

«إنَّ الإمامَةَ أُسُّ الإسْلامِ النّامی وَفَرْعُهُ السّامی»(5).


1- الکافی: ج1، ص178، ح5. میزان الحکمة: ج1، ص151، ح806.
2- بحار الأنوار: ج23، ص50، ح100.
3- سورة المائدة، الآیة: 3.
4- نور الثقلین: ج1، ص589، ح33. میزان الحکمة: ج1، ص146، ح781.
5- الدر المنثور: ج3، ص19. میزان الحکمة: ج1، ص147، ح784.

ص: 19

ولکی نطلع علی حقیقة الإمامة لنتأمل حدیث الإمام الرضا علیه السلام فیما أراد أن یرحل من نیسابور إلی المأمون اجتمع إلیه أصحاب الحدیث فقالوا:

(یا بن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحدیث نستفیده منک __ وکان قد قعد فی العماریة فاطلع رأسه __  وقال:

«سمعت أبی موسی بن جعفر یقول سمعت أبی جعفر بن محمد یقول سمعت أبی محمد بن علی یقول سمعت أبی علی بن الحسین یقول سمعت أبی الحسین بن علی یقول سمعت أبی علی بن أبی طالب یقول سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول سمعت جبرئیل یقول سمعت الله عز وجل یقول: لا إله إلا الله حصنی فمن دخل حصنی أمن من عذابی».

فلما مرت الراحلة نادی __ علیه السلام __:

«بشروطها وأنا من شروطها»)(1).

وبعد الوقوف علی هذا المعنی الرفیع للإمامة الذی صوره الإمام الرضا علیه السلام لنا نستطیع أن نقول: یجب أن یکون الإمام ذا علم واسع لا یعلو علیه إلا الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم بدلیل قول الإمام الرضا علیه السلام:

«إنَّ العَبْدَ إذا اختارَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأمورِ عِبادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِکَ، وأوْدَعَ قَلْبَهُ یَنابیعَ الحِکْمَةِ، وألْهَمَهُ العِلْمَ إلهاماً، فَلَمْ یَعْیَ بَعْدَهُ بِجَوابٍ ولاَ یَحْیرُ فیهِ عَنِ الصَّوابِ»(2).

وهذه باقة من الروایات التی تتحدث عن علم الإمام وسعته وهی مما یوافق العقل والحکمة:

عن الإمام علی علیه السلام أنه قال:


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام للصدوق: ج1، ص144، ح4.
2- الکافی: ج1، ص202، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص177، ح948.

ص: 20

«لاَ یَحْمِلُ هذا الأمْرَ إلاّ أهْلُ الصَّبْرِ والبَصَرِ وَالعِلْمِ بِمَواقِعِ الأمْرِ»(1).

وقال الإمام الرضا علیه السلام فی صِفَةِ الإمام:

«مَضْطَلِعٌ بِالإمامَةِ، عالِمٌ بالسِّیاسَةِ»(2).

وجاء عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«یَحْتاجُ الإمامُ إلی قَلبٍ عَقُولٍ، وَلِسانٍ قَؤولٍ، وجَنانٍ عَلی إقامَةِ الحَقِّ صَؤولٍ»(3).

وعنه علیه السلام أیضا فی وَصْفِ الأئِمَةِ:

«عَقَلوا الدِّینَ عَقْلَ وِعایَةٍ وَرِعایَةٍ، لاَ عَقْلَ سَماعٍ وَرِوایَةٍ، فَإنَّ رُواةَ العِلْمِ کَثیرٌ وَرُعاتََهُ قَلیلٌ»(4).

وجاء عنه علیه السلام أیضا:

«إنَّ أوْلی النّاسِ بِأمْرِ هذِهِ الأُمَّةِ قَدیماً وَحَدیثاً أقْرَبُها مِنَ الرَّسولِ وَأعْلَمُها بِالکِتابِ وأفْقَهُها فی الدِّینِ، أوَّّلُها إسلاَماً وَأفْضَلُها جِهاداً وأشَدُّها بِما تَحْمِلُهُ الأئِمّةُ مِنْ أمْرِ الأُمَّةِ اضْطِلاعاً»(5).

وعن الإمام الحسین علیه السلام فی کتابه إلی أهلِ الکوفة قال:

«فَلَعَمْری، ما الإمامُ إلاّ الحاکِمُ بِالکِتابِ، القائِمُ بِالقِسْطِ، الدائِنُ بِدِینِ الحَقِّ، الحابِسُ نَفْسَهُ عَلی ذاتِ اللهِ»(6).

وقال الإمام الرضا علیه السلام:


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج7، ص36. میزان الحکمة: ج1، ص157، ص846.
2- الکافی: ج1، ص202، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص1، ص157، ح847.
3- غرر الحکم: 11010. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح848.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج13، ص317. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح849.
5- نهج البلاغة: ج3، ص210. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح854.
6- الإرشاد: ج2، ص39. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح856.

ص: 21

«للإمامِ عَلاماتٌ: (أنْ) یَکونَ أعْلَمَ النّاسِ، وأحْکَمَ النّاسِ، وَأتْقی النّاسِ، وأحْلَمَ النّاسِ، وأشْجَعَ النّاسِ، وأسْخی النّاسِ، وأعْبَدَ النّاسِ»(1).

وجاء عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنَّ أحقَّ النّاسِ بِهذا الأمْرِ أقْواهُمْ عَلَیْهِ وَأعْلَمُهُمْ بِأمرِ اللهِ فیهِ، فَإنْ شَغَبَ شاغِبٌ اسْتُعْتِبَ، فَإنْ أبی قُوتِلَ»(2).

وعنه علیه السلام:

«الإمامُ المُسْتَحِقُّ لِلإمامَةِ لَهُ عَلاَماتُ، فَمِنْها: أنْ یُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الذُنوبِ کُلِّها صَغیرِها وکَبیرِها، لاَ یَزِلُّ فی الفُتْیا ولا یُخْطئُ فی الجَوابِ، وَلاَ یَسْهو ولا یَنْسی، ولاَ یَلْهو بِشَیءٍ مِنْ أمْرِ الدُّنْیا.

والثّانی: أنْ یَکُونَ أعْلَمَ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ وضُرُوبِ أحْکامِهِ وأمْرِهِ ونَهْیِهِ وَجَمیعِ ما یَحْتاجُ إلَیهِ النّاسُ، (فَیَحْتاجُ النّاسُ إلَیْهِ) وَیَسْتَغْنی عَنْهُمْ»(3).

وجاء عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«کِبارُ حُدودِ وَلاَیَةِ الإمامِ المَفْروضِ الطّاعَةِ أنْ یُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الخَطأِ والزَّلَلِ والعَمْدِ، ومِنَ الذُّنوبِ کُلِّها صَغیرِها وکَبیرِها، لا یَزِلُّ ولا یُخْطئُ، ولاَ یَلْهو بِشَیءٍ مِنَ الأمورِ المُوبِقَةِ للدِّینِ، ولا بِشَیءٍ مِنَ المَلاهی، وأنَّهُ أعْلَمُ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ، وفَرائِضِهِ وسُنَنِهِ وأحْکامِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ جَمیعِ العالَمِ، وغَیْرُهُ مُحْتاجٌ إلَیْهِ، وأنَّهُ أسْخی النّاسِ وأشْجَعُ النّاسِ»(4).


1- معانی الأخبار: ص102، ح4. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح857.
2- نهج البلاغة: ج9، ص328. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح859.
3- بحار الأنوار: ج25، ص164. میزان الحکمة: ج1، ص158 __ 159، ح861.
4- بحار الأنوار: ج68، ص389، ح39. میزان الحکمة: ج1، ص159، ح862.

ص: 22

سؤال مهم

السؤال: سلمنا أن الإمام یجب أن یکون ذا علم واسع ولکن ما دلیلکم علی انطباق ذلک علی أهل البیت بما فیهم الإمام الحسین علیه السلام؟

الجواب: یتلخص الجواب فیما یلی:

1__ الأحادیث التی وردت عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حق أهل البیت علیهم السلام کحدیث الثقلین وحدیث السفینة وغیرها من الأحادیث فراجع.

2__ ما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن أهل البیت علیهم السلام هم العدل وبهم یقام العدل وتؤلف القلوب إذ یقول وهو یصِفُ لعلیٍّ علیه السلام أهل الفِتْنَةِ:

یَعْمَهونَ فیْهَا إلی أن یُدْرِکَهُمُ العَدْلُ، فقلتُ: یا رسولَ اللهِ، العدلُ مِنّا أمْ مِنْ غَیْرِنا؟ فَقالَ: بَلْ مِنّا، بِنا یَفْتَحُ اللهُ، وَبِنا یَخْتِمُ، وَبِنا ألَّفَ اللهُ بَیْنَ القُلوبِ بَعْدَ الشِّرْکِ»(1).

3__ قول النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حق أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام یدل علی أن علیاً هو الحجة لله تعالی علی الناس وهذا لا یتم إلا لمن کان ذا علم ومعرفة وحکمة، ولکی نطلع علی ما قاله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلنستمع إلیه:

ألف: عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَهِدَ إلیَّ فی عَلیِّ بنِ أبی طالبٍ علیه السلام عَهْداً، قُلْتُ: یا رَبِّ بَیِّنْهُ لی.

قالَ: اسْمَعْ، قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ، قالَ: إنَّ عَلِیّاً رایَةُ الهُدی وإمامُ أولِیائی ونورُ مَنْ


1- أمالی المفید: ص289، ح7. میزان الحکمة: ج1، ص175، ح935.

ص: 23

أطاعَنی، وهُوَ الکَلِمَةُ الّتی ألْزَمْتُها المُتَّقینَ، مَنْ أحَبَّهُ أحَبَّنی، ومَنْ أطاعَهُ أطاعَنی»(1).

فی هذا الحدیث یشیر النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن علیا یهدی غیره وهذا لا یکون إلا لمن کان ذا علم ومعرفة.

باء: لا یصح من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یجعل له خلیفة جاهلاً بأمور الدین والدنیا، وحیث إن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم معصوم من الزلل جعل علیا خلیفة من بعده لعلمه أن علیا ذو علم ومعرفة واسعة ویصلح لأن یکون خلیفته ووزیره ووصیه کما ورد ذلک عنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ أخی وَوَصِیّ وَوَزیری وخَلیفَتی فی أهْلی عَلیُّ بنُ أبی طالبٍ، یَقْضی دَیْنی، وَیُنْجِزُ مَوْعِدی یا بنی هاشمٍ»(2).

جیم: ذکر النبی صلی الله علیه وآله وسلم أن علیا علیه السلام حائز علی علم نبوی لا یضاهیه أحد فی ذلک کما ورد عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم إذ یقول:

«أنا مَدِینَةُ العِلْمِ وَعَلِیٌّ بابُها، فَمَنْ أرادَ العِلْمَ فَلْیَأْتِ البابَ»(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم مشیراً إلی علیٍّ علیه السلام:

«أنا مَدِینَةُ العِلْمِ وَعَلِیٌّ بابُها، فَمَنْ أرادَ العِلْمَ فَلْیَأتِهِ مِنْ بابِهِ»(4).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«أنا دارُ الحِکْمَةِ وَعَلِیٌّ بابُها»(5).


1- نور الثقلین: ج5، ص73، ح74. میزان الحکمة: ج1، ص181، ح961.
2- أمالی الطوسی: ص602. ح1244. میزان الحکمة: ج1، ص181، ح963.
3- کنز العمال: 32890. میزان الحکمة: ج1، ص185، ح984.
4- کنز العمال: 32979. میزان الحکمة: ج1، ص185، ح985.
5- کنز العمال: 32889. میزان الحکمة: ج1، ص185، ح987.

ص: 24

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«عَلیٌّ بابُ عِلْمی، وَمُبَیِّنٌ لأمَّتی ما أُرْسِلْتُ بِهِ، مِنْ بَعْدی»(1).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«أعْلَمُ أُمَّتی مِنْ بَعْدی عَلیُّ بنُ أبی طالبٍ»(2).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا علیُّ أنتَ..... وارثُ عِلْمی»(3).

4__ إن أمیر المؤمنین علیه السلام ذا العلم الأکثر والحکمة التی لا یقاس بها أحد أوصی إلی ولده الإمام الحسن علیه السلام لیقوم مقامه وأوصی الإمام الحسن علیه السلام إلی أخیه الإمام الحسین علیه السلام لیقوم مقامه فی هدایة الأمة وتعریف الحق من الباطل وتعلیمها الحلال والحرام، وما یدل علی هذا أولا: الخبر المشهور عن النبی صلی الله علیه آله وسلم إذ یقول:

«ابنای هذان إمامان قاما أو قعدا»(4).

ثانیا: ما ورد فی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام فی الکافی عن سُلیمِ بنِ قیس قال:

«شَهِدْتُ وَصِیّةَ أمیرِ المؤمِنینَ علیه السلام حینَ أوصی إلی ابْنِهِ الحسنِ علیه السلام وأشْهَدَ عَلی وَصِیّتِهِ الحسینَ علیه السلام ومُحَمَّداً وَجَمیعَ وُلْدِهِ وَرُؤَساءَ شیعَتِهِ وأهْلَ بیتِهِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَیْهِ الکِتابَ والسِّلاحَ»(5).


1- کنز العمال: 32981. میزان الحکمة: ج1، ص185، ح988.
2- کنز العمال: 32977. میزان الحکمة: ج1، ص186، ح989.
3- ینابیع المودّة: ج1، ص397، ح17. میزان الحکمة: ج1، ص186، ح992.
4- الإرشاد للشیخ المفید: ج2، ص31.
5- الکافی: ج1، ص297، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص206، ح1119.

ص: 25

ثالثا: ما ورد فی وصیة الإمام الحسن علیه السلام إلی الإمام الحسین علیه السلام:

«إنَّ الحُسَیْنَ بنَ عَلیٍّ علیه السلام، بَعْدَ وَفاةِ نَفْسی وَمُفارَقَةِ رُوحی جِسْمی، إمامٌ مِنْ بَعْدی، وعِنْدَ اللهِ جلَّ اسْمُهُ فی الکِتابِ، وِراثة مِنْ النّبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم أضافَها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فی وِراثَةِ أبیهِ وأمِّهِ، فَعَلِمَ اللهُ أنَّکُمْ خِیَرةُ خَلْقِهِ، فاصْطَفی مِنْکُمْ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم، واختارَ مُحَمَّدٌ عَلِیّاً علیه السلام، واختارَنی علیٌّ علیه السلام بالإمامَةِ، واخْتَرْتُ أنا الحُسَیْنَ علیه السلام»(1).

فورث الإمام الحسین علیه السلام علمه عن جده وأبیه لکی یمارس دور حجة الله تعالی علی الناس، وهو یعلم مقتله ومقتل أهل بیته بل یعلم الزمان والمکان لهذا القتل إذ یقول: (ولم تکد أمّ سلمة أن تنتظر نبوءة السماء تخبرها بقتل الحسین علیه السلام، ولم تصطبر أن یأتیها عزمه علی السفر الطویل الذی لا لقاء بعده، حتّی أجهشت بالبکاء، وتوسّلت إلیه بالعدول قائلةً:

لا تحزنی بخروجک إلی العراق، فإنّی سمعت جدّک رسول الله یقول: یُقتل ولدی الحسین بأرض العراق فی أرض یقال لها کربلاء، وعندی تربتک فی قارورة دفعها إلیّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

فقال الحسین علیه السلام:


1- الکافی: ج1، ص301، ح2. میزان الحکمة: ج1، ص210، ح1126.

ص: 26

«یا أمّاه، وأنا أعلم أنّی مقتول مذبوح ظلماً وعدواناً، وقد شاء عزّ وجلّ أن یری حرمی ورهطی مشرّدین، وأطفالی مذبوحین مأسورین مقیّدین، وهم یستغیثون فلا یجدون ناصراً».

قالت أمّ سلمة: واعجباً، فأنّی تذهب وأنت مقتول؟!. قال علیه السلام:

«یا أمّاه، إنْ لم أذهب الیوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب فی غد ذهبت بعد غد، وما من الموت __ والله __ بدّ، وإنّی لأعرف الیوم الذی أقتل فیه، والساعة التی أقتل فیها، والحفرة التی أدفن فیها، کما أعرفک، وأنظر إلیها کما أنظر إلیک، وإن أحببت یا أمّاه أن أریک مضجعی ومکان أصحابی».

فطلبت منه ذلک، فأراها تربة أصحابه، ثمّ أعطاها من تلک التربة، وأمرها أن تحتفظ بها فی قارورة، فإذا رأتها تفور دماً تیقّنت قتله! وفی الیوم العاشر بعد الظهر نظرت إلی القارورة فإذا هی تفور دماً)(1).

__ صفات الأنصار
اشارة

(مَنْ کانَ باذِلاً فینا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلی لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْیَرْحَلْ مَعَنا فإنَّنی راحِلٌ مُصْبحاً إنْ شاء اللهُ تَعالی).

الحدیث عن أنصار الإمام الحسین علیه السلام هو حدیث عن أفضل الأنصار رتبة وأسماهم مقاماً لا لأنهم قتلوا فی سبیل الله تعالی بل لأنهم قتلوا فی مقطع زمنی قل فیه الناصر وتهافت فیه الناس علی الدنیا ولأنهم کانوا غرباء لا یخالطهم أحد ولا یوافقهم علی نهجهم من ذلک الجمع فرد یخاف الله تعالی، ولقد امتاز أنصار الإمام الحسین علیه السلام دون غیرهم من الأنصار بأنهم کانوا یعلمون بشهادتهم ومتیقنین من عدم بقائهم فی الحیاة ومع ذلک ذهبوا مع إمامهم موطنین أنفسهم علی لقاء الله تعالی، متدرعین بالقلوب فوق الدروع مستبشرین بما ادخر الله تعالی لهم یتسابقون علی الشهادة، ویوصی بعضهم بعضا بإمامهم علیه السلام یتمنون لو أن لهم أکثر من جسد وروح لیبذلوا ذلک فی سبیل الدفاع عن إمام صادق الیقین وعن دین سفکت من أجله الدماء وبذلت المهج وسهرت العیون وتعبت الأجساد.


1- أنصار الحسین علیه السلام الثورة والثوار، السید محمد علی الحلو: ص43.

ص: 27

ولکی تتضح صورة هؤلاء الأبطال نستشهد بقول الإمام الحسین علیه السلام فی حقهم إذ یقول:

«والله ما رأیت أصحابا کأصحابی».

یقسم الإمام بالله تعالی وهو لا یقول کذبا ولا یقسم باطلاً ولا ینطق عاطفة ولا یلقی الکلام جزافا لکونه الإمام المعصوم الذی جعله الله تعالی حجة علی الناس بعد أبیه وأخیه، فبیّن الإمام الحسین علیه السلام رتبة هؤلاء الأصحاب رغم علمه بأصحاب جده المصطفی وأبیه المرتضی وأخیه المجتبی، وما قال ما قال إلا لأنه رأی أصحابا باعوا الدنیا بشراء الآخرة، وبذلوا المهج لنجاة الدین، وفارقوا الأحبة من الأهل والولد لنیل رضا المحبوب الحقیقی، وعانقوا الرمال کعناقهم للحور العین، وتوضأوا بالدماء لأداء الصلاة، وصافحوا السیوف بوجوه مستبشرة، وجابهوا السهام بنحور مشرقة وأرواح ثابتة وأقدام راسخة.

أنصار الإمام الحسین علیه السلام یعنی الشهامة والعلو والرفعة والسمو، ونفوس طاهرة وأجساد مطهرة وقلوب خاشعة وعیون دامعة، وضمائر حیّة وأفکار سلیمة وإیمان قوی وجأش رابط وثبات دائم وعزیمة قویة وفروسیة وصدق وإخلاص ووفاء وإیثار وسخاء ومولاة وبراءة، وبصر وبصیرة، وتواضع وشرف وزهد وعبادة، فهم السابقون السابقون، أنصار الإمام الحسین علیه السلام وصفهم العدو قبل الصدیق (بأنهم أهل البصائر وفرسان المصر).

فیقول: (صاح عمرو بن الحجّاج بأصحابه: أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستمیتین، لا یبرز إلیهم أحد منکم إلاّ قتلوه علی قِلَّتهم، والله! لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم)(1).


1- أنصار الحسین علیه السلام الثورة والثوّار، السید محمد علی الحلو: ص48.

ص: 28

ووصفهم الإمام المعصوم بأنهم أصحاب الأقدام الثابتة علی الصدق والإخلاص بقوله:

«اللهم ثبت لی قدم صدق عندک مع الحسین وأصحاب الحسین الذین بذلوا مهجهم دون الحسین علیه السلام»(1).

فهم الأبرار الأخیار الذین جاء وصفهم علی لسان إمامهم الحسین علیه السلام إذ یقول:

«فإنی لا أعلم أصحابا أوفی ولا خیرا من أصحابی، ولا أهل بیت أبر ولا أوصل من أهل بیتی».

فهو بهذا الوصف ینفی أن یکون مثل أصحابه أصحاب لا فی الماضی أو الحاضر ولا حتی فی المستقبل.

أنصار الإمام الحسین علیه السلام ضربوا مثلا فی الشجاعة لا یرقی إلیه أحد فلذا یقول أحد الأعداء: (عضضتَ بالجندل، أنّک لو شهدتَ ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علینا عصابة أیدیها علی مقابض سیوفها، کالأسود الضاریة، تحطّم الفرسان یمیناً وشمالاً، تُلقی نفسها علی الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب بالمال، ولا یحول حائل بینها وبین المنیة أو الاستیلاء علی الملک، فلو کففنا عنها رویداً لأتت علی نفوس العسکر بحذافیرها، فما کنّا فاعلین، لا أمّ لک)(2).

وکان، کما قال إمامهم الحسین علیه السلام بأنهم وطنوا أنفسهم علی بذل المهج وقتل الأنفس ویظهر هذا من خلال خطبهم التی أدلوا بها بین یدی سید الشهداء علیه السلام وهی کالآتی:


1- زیارة عاشورا: ذکر السجدة بعد الزیارة.
2- أنصار الحسین علیه السلام الثورة والثوّار، السید محمد علی الحلو: ص50 __ 51.

ص: 29

1__ العباس علیه السلام

قال العبّاس __ علیه السلام __ ممثّلاً آل علیّ من إخوته وبنی أخیه:

(لِمَ نفعل ذلک؟ لنبقی بعدک؟! لا أرانا الله ذلک أبداً).

ویلتفت الحسین علیه السلام إلی بنی عقیل قائلاً:

«حسبکم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذِنتُ لکم».

فقالوا:

فَماذا یَقولُ النّاسُ لَنا، وَماذا نَقُولُ لَهُم؟ إنّا تَرَکْنا شَیْخَنا وَکَبِیرَنا وَسَیِّدَنا وإمامَنا وابْنَ بِنْتِ نَبِیِّنا، لَمْ نَرْمِ مَعَهُ بِسَهْمٍ، وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُ بِرُمْحٍ، وَلَمْ نَضْرِبْ مَعَهُ بِسَیْفٍ، لاَ وَاللهِ یَا بْنَ رَسُولِ اللهِ لاَ نُفارِقُکَ أبَداً، وَلکِنّا نَقِیکَ بِأنْفُسِنا حَتّی نُقْتَلَ بَیْنَ یَدَیْکَ، ونَرِدَ مَوْرِدَکَ، فَقَبَّحَ اللهُ الْعَیْشَ بَعْدَکَ)(1).

2__ سعید بن عبد الله الحنفی __ رضی الله عنه __

قال سعید بن عبد الله الحنفی: (لا نُخلّیک حتّی یعلم الله أنّا قد حفظنا غیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیک، والله! لو علمت أنّی أُقتل، ثمّ أحیا، ثمّ أُحرق، ثمّ أُذری، یفعل بی ذلک سبعین مرّة ما فارقتک حتّی ألقی حمامی دونک، فکیف لا أفعل ذلک وإنّما هی قتلة واحدة، ثمّ الکرامة التی لا انقضاء لها أبداً)(2).

3__ زهیر بن القین __ رضی الله عنه __

ویجیبه زهیر بن القین بمثل ذلک قائلاً: (والله! لوددت أنّی قُتلت، ثُمّ نُشرت، ثمّ قُتلت حتّی أُقتل علی هذه ألف مرّة، وأنّ الله یدفع بذلک القتل عن نفسک وعن أنفس هؤلاء الفتیة من أهل بیتک.


1- المصدر السابق: ص55 __ 56.
2- المصدر السابق: ص55.

ص: 30

وقام زهیر یسمعه جمیع أصحابه، ومَن حضر من أهل بیت الحسین علیه السلام فقال:

لَقَدْ سَمِعْنا یَا بْنَ رَسُولِ اللهِ مَقالَتَکَ، وَلَو کانَتِ الدُّنْیا باقِیَةً وَکُنّا فِیها مُخَلَّدِینَ لآثَرْنَا النُّهوضَ مَعَکَ عَلَی الإقامَةِ فِیها)(1).

4__ بریر __ رضی الله عنه __

وشیخ قرّاء الکوفة وفقیهها ینبری هاتفاً علی بصیرةٍ من أمره وأمر أصحابه:

(یَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ مَنَّ اللهُ بِکَ عَلَیْنا أنْ نُقاتِلَ بَیْنَ یَدَیْکَ فَتُقَطَّعَ فِیکَ أعْضاؤُنا، ثُمَّ یَکُونَ جَدُّکَ شَفِیعَنا یَوْمَ الْقِیامَةِ)(2).


1- المصدر السابق: ص57.
2- أنصار الحسین علیه السلام الثورة والثوّار، السید محمد علی الحلو: ص57 __ 58.

ص: 31

الخطبة التاسعة: خطبها عند مسیره إلی کربلاء وفیها یذمّ الدنیا ویحذر منها

اشارة

ص: 32

ص: 33

نص الخطبة

اشارة

(إنّ هذِهِ الدُّنْیا قَد تَغَیَّرَت وَتَنَکَّرَتْ وأدْبَرَ مَعرُوفُها، فَلَمْ یَبْقَ مِنْها إلاَّ صُبابَةٌ کَصُبابَةِ الإناءِ، وَخَسِیسُ عَیْشٍ کَالمَرعَی الوَبِیلِ، ألا تَرَوْنَ أنَّ الحَقَّ لا یُعْمَلُ بِه، وَأنَّ الباطِلَ لا یُتناهی عَنهَ، لِیَرْغَبْ المُؤْمِنُ فی لِقاءِ اللهِ مُحِقّاً فَإنِّی لا أرَی الْمَوتَ إلاّ سَعادَةً، وَلاَ الحَیاةَ مَعَ الظَّالِمینَ إلاّ بَرَماً.

إنَّ النّاسَ عَبِیدُ الدُّنْیا وَالدِّینُ لَعِقٌ عَلی ألسِنَتهم، یَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّیّانُونَ).

المعنی العام
اشارة

یشیر الإمام علیه السلام إلی الدنیا بأنها لم تبقَ علی حالها السابق من تعظیم وتقدیر واحترام أهل البیت علیه السلام أو من آداب وسلوک أهلها فیما بینهم، فإنها تبدلت وتغیر حالها السابق وظهرت بمظهر آخر، وذهب خیرها ومعروفها، فلم یبق إلا قلیلا کما یبقی فی إناء الماء، وقلیل تافه کالمرعی الوخیم، ألا ترون أن الحق لا یفعل به وأن المخالف والمغایر للصحیح لا یترک ولا ینهی فاعله، لیحب المؤمن لقاء الله وهو علی صواب وحسن فعل وإیمان قلب، فإنی لا أری الموت إلا راحة وسروراً، ولا الحیاة مع الظالمین إلا ضجراً وسئماً.

ص: 34

(إنَّ النّاسَ عَبِیدُ الدُّنْیا وَالدِّینُ لَعِقٌ عَلی ألسِنَتهم، یَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّیّانُونَ).

یؤکد الإمام علیه السلام أن غیر المؤمنین من الناس یعبدون الدنیا بما فیها من مال ونساء وجاه وهوی وشهوات وأمّا الدین والإیمان لیس إلا لحسة علی الألسن لیس لها قرار ودوام یحفظونها ما کثرت وتیسرت أرزاقهم فإذا امتحنوا بالامتحان ترک الدین وتهافت من تلبس به.

__ سبب خروج الإمام علیه السلام

لا یشک عاقل فی أن خروج الإمام الحسین علیه السلام إلی العراق هو وفق الموازین الشرعیة وضمن الإطار الإنسانی والدینی، ولا یحکم منصف بأن حرکة الإمام علیه السلام تارکاً موطنه ومرابع طفولته من أجل الدنیا وإصابة المناصب والاستیلاء علی الحکم، وعند تصفحنا لسیرة الإمام علیه السلام وقراءة التاریخ بعین مجردة من التعصب والحقد والنفس الطائفی نلمس بوضوح دوافع خروج الإمام علیه السلام ونقف علی سببه الجوهری.

ولکی یطلع القارئ الکریم علی السبب الرئیسی لخروج الإمام علیه السلام لابد من قراءة النصوص التاریخیة التی ذکرت الأحداث فی المدینة بعد وفاة معاویة، والاطلاع علی الأجواء السیاسیة التی أحاطت بالإمام علیه السلام، والتأمل فی خطبته الشریفة کرد وحوار تحاور به الإمام علیه السلام مع الصور السیاسیة المختلفة: __

1_ فی الفتوح: ج2، ص77 _ 78: (وأقبل عبدالله بن الزبیر علی الحسین بن علی، فقلا: یا أبا عبد الله، إن هذه ساعة لم یکن الولید بن عتبة یجلس فیها للنّاس، وإنی قد أنکرت ذلک، وبعثه فی هذه الساعة إلینا، ودعاءه إیانا بمثل هذا الوقت، أتری فی أی أمر طلبنا؟

ص: 35

فقال له الحسین:

«إذن أخبرک أیا بکر، إنی أظن بأن معاویة قد مات، وذلک أنی رأیت البارحة فی منامی کأن منبر معاویة منکوس، ورأیتُ داره تشتعل ناراً، فأولتُ ذلک فی نفسه أنه مات».

فقال له ابن الزبیر: فاعلم یا بن علی أن ذلک کذلک، فما تری أن تصنع إن دعیت إلی بیعة یزید أبا عبد الله؟

قال:

«أصنع، أنی لا أبایع أبداً، لأن الأمر إنما کان لی من بعد أخی الحسن، فصنع معاویة ما صنع، وحلف لأخی الحسن أنه لا یجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده، وأن یردها إلیّ إن کنت حیاً، فإن کان معاویة قد خرج من دنیاه، ولم یف لی، ولا لأخی الحسن بما کان ضمِنْ، فقد والله أتاناما لا قوام لنا به، أنظر أبا بکر أنی أبایع لیزید، یزید رجل فاسق معلن بالفسق، یشرب الخمر، ویلعب بالکلاب والفهود، ویبغض بقیة آل الرسول؟ لا والله لا یکون ذلک أبداً»)(1).

2_ وفی روایة أخری: أقبل الحسین علی الولید بن عتبة وقال:

«أیّها الأمیر، إنا أهل بیت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائکة ومحل الرحمة، وبنا فتح الله، وبنا ختم، ویزید رجل فاسق شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلی لا یبایع لمثله، ولکن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أینا أحق بالخلافة والبیعة»(2).


1- النهضة الحسینیة للسید محمد حسن ترحینی العاملی: ص137، برقم 2.
2- النهضة الحسینیة للترحینی: ص144.

ص: 36

3_ وفی روایة أخری:

فی الفتوح: ج2، ص84 _ 85: (فخرج الحسنی بن علی من منزله ذات لیلة، وأتی إلی قبر جدّه صلی الله علیه وآله وسلم، فقال:

«السلام علیک یا رسول الله، أنا الحسین بن فاطمة، أنا فرخک وسبطاً فی الخلف الذی خلفت علی أمتّک _ کذا فی المصدر، وفی مقتل الحسین للخوارزمی: ج1، ص186؛ وسبطک والثّقل الذی خلّفته فی أمتّک _ فاشهد علیهم یا نبی الله، إنهم قد خذلونی وضیّعونی، وإنهم لم یحفظونی، وهذه شکوای إلیک، حتی ألقاک صلی الله علیک وسلم».

ثم وَثَبَ قائماً، وصفّ قدمیه، ولم یزل راکعاً وساجداً.

وأرسل الولید بن عتبة إلی منزل الحسین لینظر هل خرج من المدینة أم لا، فلم یصبه فی منزله، فقال: الحمد لله الذی لم یطالبنی الله عزّ وجل بدمه، وظنّ أنه خرج من المدینة.

ورجع الحسین إلی منزله مع الصبح، فلما کانت اللّیلة الثانیة خرج إلی القبر أیضاً فصلّی رکعتین، فلما فرغ من صلاته جعل یقول:

«أللّهم إنّ هذا قبر نبیک محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقدحضرنی من الأمر ما قد علمت، أللّهم وإنی أحب المعروفة وأکره المنکر، وأنا أسألک یا ذا الجلالة والإکرام بحق هذا القبر ومَنْ فیه إلا ما اخترت من أمری هذا ما هو لک رضاً».

ثم جعل الحسین یبکی، حتی إذا کان فی بیاض الصبح وضع رأسه علی القبر فأغفی ساعة، فرأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم قد أقبل فی کبکبة من الملائکة عن یمینه وعن شماله، ومن بین یدیه ومن خلفه، حتی ضمّ الحسین إلی صدره، وقبّل بین

ص: 37

عینیه، وقال:

«یا بُنیّ، یا حسین، کأنک عن قریب أراک مقتولاً مذبوحاً بأرض کربٍ وبلاء، من عصابةٍ من أمتی، وأنت فی ذلک عطشان لا تُسقی، وظمآن لا تُروی، وهم فی ذلک یرجون شفاعتی، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتی یوم القیامة، فما لهم عند الله من خَلاق، حبیبی _ یا حسین _ إن أباک وأمک قد قدموا علیّ وهم إلیک مشتاقون، وإن لک فی الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة».

فجعل الحسین ینظر فی منامه إلی جده صلی الله علیه وآله وسلم، ویسمع کلامه وهو یقول:

«یا جداه، لا حاجة لی فی الرجوع إلی الدنیا أبداً، فخذنی إلیک، واجعلنی معک إلی منزلتک».

فقال له النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا حسین، إنّه لابد لک من الرجوع إلی الدّنیا، حتی ترزق الشهادة، وما کتب الله لک فیها من الثواب العظیم، فأنت وأبوک وأخوک وعمک، وهم أبیک، تحشرون یوم القیامة فی زمرة واحدة حتی تدخلوا الجنة».

فانتبه الحسین من نوعه فَزِعاً مذعوراً، فقصّ علی أهل بیته، وبنی  عبد المطلب، فلم یکن ذلک الیوم فی شرقٍ ولا غربٍ أشدّ غماً من أهل بیت الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، ولا أکثر منه باکیاً وباکیة)(1).

4_ وفی روایة أخری: (ثم دعا الحسین بدواة وبیضاء، وکتب فیها:

«بسم الله الرحمن الرحیم: هذا ما أوصی به الحسین بن علی بن أبی طالب لأخیه محمد، المعروفة بابن الحنفیة، ولد علی بن أبی طالب. 


1- النهضة الحسینیة للترحینی: ص162 _ 163.

ص: 38

إن الحسین بن علی یشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنّة حق والنار حق، وأن الساعة آتیة لا ریب فیها، وأن الله یبعث من فی القبور، _ سورة الحج آیة: 7 _ وأنی لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب النّجاح والصّلاح فی أمّة جدی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، أرید أن آمر بالمعروفة وأنهی عن المنکر، وأسیر بسیرة جدی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وسیرة أبی علی بن أبی طالب، وسیرة الخلفاء الراشدین المهدیین، فمن قبلنی بقبول الحق فالله أولی بالحق، ومن ردّ علیّ هذا أصبر، حتی یقضی الله بینی وبین القوم بالحق، ویحکم بینی وبینهم، وهو خی الحاکمین»)(1).

5_ وجاء فی روایة أخری:

(وفی مدینة المعاجز للسید هاشم البحرانی: ج2، ص274 _ 285، عن ثاقب المناقب عن الباقر علیه السلام:

«لما أراد الحسین علیه السلام الخروج إلی العراق بعثت إلیه أم سلمة، وهی کانت تربیه، وکان أحب النّاس إلیها، وکان أرق الناس لها، وکانت تربة الحسین عندها فی قارورة، دفعها إلیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقالت: یا بنیّ إلی أین ترید أن تخرج؟ فقال لها: یا أمّاه، أرید أن أخرج إلی العراق، ثم قال: ولِمَ ذاک یا أمّاه؟

قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: یقتل الحسین بالعراق، وعندی تربتک فی قارورة مختومة، ودفها إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

فقال: یا أمّاه _ والله _ إنی لمقتول، وإنی لا أفرّ من القدر المقدور، والقضاء لله المحتوم،


1- النهضة الحسینیة للترحینی: ص171 _ 172.

ص: 39

والأمر الواجب من الله تعالی»)(1).

بعد التأمل فی هذه الروایات التاریخیة یظهر السبب الجوهری لخروج الإمام الحسین علیه السلام وهو ما یلی:

1__ سبب خروجه بحسب الظاهر هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والإصلاح فی أمة جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ورفض الظلم والظالمین وهذا ما یظهر من الروایتین الأولی والثانیة، ومن وصیته لأخیه محمد بن الحنفیة، وهذا السبب مدخل للسبب الثانی.

2__ السبب الجوهری هو الامتثال لما یرید الله تعالی له من المنزلة الرفیعة والدرجة العالیة والتی لا تحصل إلاّ بخروجه وأمره بالمعروف ونهیه عن المنکر والشهادة فی سبیل ذلک بدلیل أن الإمام علیه السلام قد أخبر عن اختیاره فی موته وأنه مخیر فی مقتله فاختار ما أراده الله تعالی له.

__ وصف أهل الدنیا

تقدم الحدیث عن الدنیا وأنواعها وعن التحذیر منها والافتتان بزبارجها والانبهار بزخرفها، وتعرضنا إلی آثار حبها وخطر التعلق بها وغیر ذلک من الأبحاث، إلا أننا لم نتعرض إلی ذکر صفات عبیدها وأهلها، ولکی نؤکد صحة تسمیة أهلها بعبیدها لابد من التأمل فی أحادیث أهل بیت العصمة لنری وصفهم علیهم السلام لأهلها ونعتهم لمحبیها:

1__ یری الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أن من یحب المال لذاته هو عبد محض للدنیا کما فی قوله علیه السلام:

«مَنْ أحَبَّ الدِّینارَ وَالدِّرْهَمَ فَهُوَ عَبْدُ الدُّنْیا»(2).


1- النهضة الحسینیة للترحینی: ص180 _ 181.
2- الخصال: ص113، ح91. میزان الحکمة: ج3، ص1220، ح5926.

ص: 40

2__ ویری الإمام الحسین علیه السلام أن الإنسان محب للدنیا ولا خیر فی ذلک إذا فاق حبه للدنیا حبه للدین فهذا مما لا یرضاه الله تعالی ورسوله والأئمة الطاهرون، کما أنه یری أن المرء المحب للدنیا إذا تعرض للاختبار والابتلاء ینسی دینه ویبقی حریصا علی دنیاه فیتنازل عن شعارته ومدعیاته الدینیة ویقع فریسة الحرص علی الدنیا کما ورد ذلک فی قوله علیه السلام:

«إنَّ النّاسَ عَبیدُ الدُّنْیا والدِّینُ لَعِقٌ عَلی ألْسِنَتِهِمْ یَحوطُونَهُ ما دََرَّتْ مَعائشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدِّیّانُونَ»(1).

ومن هذه الروایات الشریفة نستشف مدی تعلق الإنسان ذی الإیمان الضعیف فضلا عن الکافر بهذه الدنیا الدنیة فیصل بتعلقه هذا إلی درجة أن یکون عبدا للدنیا ومؤثرا لها علی دینه.

وهناک روایات أخری توصف لنا هؤلاء العبید لکی لا نقع فیما وقعوا ولا نصل إلی ما وصلوا إلیه، فهذا أمیر المؤمنین علیه السلام یصف لنا عبد الدنیا بأنه فاقد العقل میت القلب، ولهان حیران أسرته شهواته واستخفته ملذاته فیقول:

«قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَواتُ عَقْلَهُ، وأماتَتِ الدُّنْیا قَلْبَهُ، ووَلَهَتْ عَلَیْها نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَها، ولِمَنْ فی یَدَیْهِ شَیءٌ مِنْها، حَیْثُما زالَتْ زالَ إلَیْها، وَحَیْثُما أقْبَلَتْ أقْبَلَ عَلَیْها»(2).

وجاء عن حدیث المعراج أن الإنسان الذی یخرج عن التوازن فی أکله ونومه ولهوه هو من عبید الدنیا، والإنسان الذی لا حلم له ولا قناعة لدیه فهو من أولادها وعبیدها، والإنسان الذی یتصف بالجرأة الوقحة والاعتداء علی الناس دون أن یشعر بالخجل من ذلک هو من سجنائها، والإنسان الذی یتصف باللؤم وعدم النشاط فی


1- تحف العقول: ص245. میزان الحکمة: ج3، ص1219، ح5925.
2- نهج البلاغة: الخطبة 109. میزان الحکمة: ج3، ص1220، ح5929.

ص: 41

طاعة الله تعالی هو ممن تلبس بحبها، ولکی لا نکرر ما جاء فی الحدیث نعرض لکم حدیث المعراج بنصه الواضح لتطلعوا علی صفات عبید الدنیا وأهلها، فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«أهْلُ الدُّنْیا مَنْ کَثُرَ أکْلُهُ وَضِحْکُهُ وَنَوْمُهُ وَغَضَبُهُ، قَلیلُ الرِّضا، لاَ یَعْتَذِرُ إلی مَنْ أساءَ إلَیْهِ، وَلاَ یَقْبَلُ مَعْذِرَةَ مَنِ اعْتَذَرَ إلَیْهِ، کشلان عِنْدَ الطاعَةِ، شُجاعٌ عِنْدَ المَعْصِیَةِ، أمَلُهُ بَعیدٌ، وأجَلُهُ قَریبٌ، لاَ یُحاسِبُ نَفْسَهُ، قَلیلُ المَنْفَعَةِ، کَثیرُ الکَلامِ، قَلیلُ الخَوْفِ، کَثیرُ الفَرَحِ عِنْدَ الطَّعامِ.

وإنَّ أهْلَ الدُّنْیا لاَ یَشْکُرُونَ عِنْدَ الرَّخاءِ، وَلاَ یَصْبِرُونَ عِنْدَ البَلاءِ، کَثیرُ النّاسِ عِنْدَهُمْ قَلیلٌ، یَحْمَدُونَ أنْفُسَهُمْ بِما لاَ یَفْعَلونَ، وَیَدَّعُونَ بِما لَیْسَ لَهُم، وَیَتَکَلَّمونَ بِما یَتَمَنَّوْنَ، وَیَذْکُرونَ مساوئ النّاسِ ویُخْفُونَ حَسَناتِهِمْ.

قالَ: یا رَبِّ، هَلْ یَکُونُ سِوَی هذا العَیْبِ فی أهْلِ الدَّنْیا؟ قالَ: یا أحْمَدُ، إنَّ عَیْبَ أهْلِ الدُّنْیا کَثیرٌ، فیهِمُ الجَهْلُ والحُمْقُ، لاَ یَتَواضَعونَ لِمَنْ یَتَعَلَّمونَ مِنْهُ، وَهُمْ عِنْدَ أنْفُسِهِمْ عُقَلاءُ وَعِنْدَ العارِفینَ حُمَقاءُ»(1).

__ سعادة فی الموت

(فَإنِّی لا أرَی الْمَوتَ إلاّ سَعادَةً، وَلاَ الحَیاةَ مَعَ الظَّالِمینَ إلاّ بَرَماً).

قد یندهش المرء لأول وهلة من عنواننا هذا ویستفهم کیف تتواجد السعادة فی الموت الذی یفر منه أغلب الناس؟ وکیف یکون الموت الذی هو من وسائل الرعب وسیلة للسعادة؟ وکیف یصیر ما هو مرحلوا؟ ولکی یتضح الجواب علی هذه الأسئلة وغیرها لابد من التعرض إلی ذکر روایات وأحادیث أهل العصمة والطهارة فی هذا الأمر لنتعرف علی نظرهم الشریف فی تفسیر الموت بالسعادة.


1- بحار الأنوار: ج77، ص23، ح6. میزان الحکمة: ج3، ص1220 __ 1221، ح5930.

ص: 42

إلا أننا قبل التعرض إلی ذکر هذه الروایات والأحادیث نقول:

إن الیقین بأن الموت أمر حتمی یقود إلی الاستعداد له والتهیأ لما یلیه، وأن تفسیر الموت بأنه انتقال من دار فانیة إلی دار باقیة یدفعنا إلی التزود بالزاد الذی نحتاج إلیه فی تلک الدار، وأن تفسیرنا للموت بأنه اغتسال وتنظف من قذارة هذه الدنیا، وتحرر من قیود شهواتها، وإخراج من سجنها یشعرنا بالتوق إلیه والانتظار لمجیئه بقلب مطمئن ونفس مستقرة.

وأن معرفتنا للموت بأنه لقاء الله تعالی ورسله وأنبیائه والأئمة الطاهرین، تجعلنا نشتاق إلی ذلک اللقاء وننتظره بلهفة.

ففی هذا تکمن السعادة، والآن لابد أن نستعرض الروایات والأحادیث الشریفة التی تشیر إلی تفسیر الموت، وکونه فی نفع المؤمن:

__ الروایات التی تفسر الموت

1__ قال الإمام علیه السلام وقد سُئِلَ عَنْ تَفْسیرِ المَوْتِ:

«عَلَی الخَبیرِ سَقَطْتُمْ، هُوَ أحَدُ ثَلاَثَةِ أُمورٍ یَرِدُ عَلَیْهِ: إمّا بِشارةُ بِنَعیمِ الأبَدْ، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تَحْزینٌ وَتَهْویلٌ وَأمر(ه) مُبْهَمٌ، لاَ یَدْری مِنْ أیِّ الفِرَقِ هُوَ...»(1).

2__ عن الإمام الحسن علیه السلام أنه قال:

«أعْظَمُ سُرورٍ یَرِدُ عَلی الْمُؤْمِنینَ إذْ نُقِلوا عنْ دارِ النَّکَدِ إلی نَعیم الأبَدِ، وَأعْظَمُ ثُبورٍ یَرِدُ عَلی الکافِرینَ إذْ نُقِلوا عَنْ جَنَّتِهِمْ إلی نارٍ لاَ تَبیدُ وَلاَ تَنْفَدُ»(2).


1- معانی الأخبار: ص288، ح2. میزان الحکمة: ج9، ص3913، ح19104.
2- معانی الأخبار: ص288، ح3. میزان الحکمة: ج9، ص3913، ح19105.

ص: 43

3__ قال الإمام زین العابدین علیه السلام لمّا سُئِلَ عَنِ المَوْتِ:

«لِلْمُؤْمِنِ کَنَزْعِ ثِیابٍ وَسِخَةٍ قَمِلَةٍ، وَفَکِّ قُیودٍ وأغْلاَلٍ ثَقیلَةٍ، والاسْتِبْدالِ بِأفْخَرِ الثِّیابِ وأطْیَبِها رَوائِحَ، وَأوْطَأِ المَراکِبِ، وآنَسِ المَنازِلِ؛ ولِلْکافِرِ کَخَلْعِ ثِیابٍ فاخِرَةٍ وَالنَّقْلِ عَنْ مَنازِلَ أنیسَةٍ، والاستِبْدالِ بِأوْسَخِ الثِّیابِ وَأخْشَنِها، وأوْحَشِ المَنازِلِ، وأعْظَمِ العَذابِ»(1).

4__ عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«لِلْمُؤْمِنِ کَأطْیَبِ ریحٍ یَشِمُّهُ فَیَنْعَسُ لِطیبِهِ وَیَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَالألَمُ کُلُّهُ عَنْهُ، ولِلْکافِرِ کَلَسْعِ الأفاعی ولَدْغِ العَقارِبِ أو أشَدَّ!»(2).

قیلَ: فَإنّ قَوْماً یَقولونَ: إنَّهُ أشَدُّ مِنْ نَشْرٍ بِالمَناشیرِ، وَقَرْضٍ بِالمَقاریضِ، ورَضخٍ بِالأحْجارِ، وتَدْویرِ قُطْبِ الأرحِیَةِ علَی الأحْداقِ! قالَ علیه السلام:

«کَذلِکَ هُوَ عَلی بَعْضِ الکافِرینَ والفاجِرینَ...»(3).

5__ عن الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام فی عِیادَةِ رجُلٍ من أصحابه قال:

«کَیفَ تَجِدُکَ؟».

قال: لَقِیتُ المَوْتَ بَعْدَکَ! __ یُریدُ ما لَقِیَهُ مِنْ شِدَّةِ مَرَضِهِ __ فقالَ علیه السلام:

«کَیْفَ لَقِیتَهُ؟».

فقال: ألیماً شدیداً، فقالَ علیه السلام:

«ما لَقِیتَهُ، إنّما لَقِیتَ ما یُنْذِرُکَ بِهِ وَیُعرِّفُکَ بَعْضَ حالِهِ...»(4)


1- معانی الأخبار: ص289، ح4. میزان الحکمة: ج9، ص3914، ح19107.
2- معانی الأخبار: ص287.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج1، ص274، ح9. میزان الحکمة: ج9، ص3914، ح19109.
4- معانی الأخبار: ص289، ح7. میزان الحکمة: ج9، ص3915، ح19111.

ص: 44

6__ قال الإمام الجواد علیه السلام لمّا سُئلَ عن عِلّةِ کَراهِةِ المَوتِ:

«لأَنَّهُمْ جَهِلوهُ فَکَرِهُوهُ، وَلَوْ عَرَفُوهُ وَکانوا مِنْ أوْلِیاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَحَبُّوهُ، وَلَعَلِموا أنَّ الآخِرَةَ خَیْرٌ لَهُمْ مِنَ الدُّنْیا».

ثمّ قالَ علیه السلام:

«یا أَبا عَبْدِ اللهِ، ما بالُ الصَّبیِّ وَالمَجْنونِ یَمْتَنِعُ مِنْ الدَّواءِ المُنقّی لِبّدَنِهِ والنّافی للألَمِ عَنْهُ؟».

قال: لِجَهْلِهِمْ بِنَفْعِ الدَّواءِ. قال علیه السلام:

وَالّذی بَعَثَ مُحَمّداً بِالحَقِّ نَبِیّاً إنَّ مَنِ اسْتَعَدَّ لِلْمَوْتِ حَقَّ الاسْتِعْدادِ فَهُوَ أنْفَعُ لَهُ مِنْ هذا الدَّواءِ لِهذا المُتعالِجِ، أما إنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا ما یُؤدّی إلَیهِ المَوْتُ مِنَ النَّعیمِ لاسْتدْعَوْهُ وَأحَبُّوهُ أشَدَّ ما یَسْتَدعی العاقِلُ الحازِمُ لِدَفْعِ الآفاتِ واجْتِلابِ السَّلاماتِ»((1).

__ الروایات التی تصف موت المؤمن

1__ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ أشَدَّ شیعَتِنا لَنا حُبّاً یَکونُ خُروجُ نَفْسِهِ کَشُرْبِ أحَدِکُمْ فی یَوْمِ الصَّیْفِ الماءَ البارِدَ الّذی تَنتَقِعُ بِهِ القُلوبُ، وإنَّ سائِرَهُمْ لَیَموتُ کَما یُغبَطُ أحَدُکُمْ عَلی فِراشِهِ کأقَرَّ ما کانَتْ عَینُهُ بِمَوْتِهِ»(2).

2__ جاء عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث المعراج:

«وإذا کانَ العَبْدُ فی حالَةِ المَوْتِ یَقومُ علی رَأسِهِ مَلائِکَةٌ، بِیَدِ کُلِّ مَلَکٍ کَأسٌ مِنْ ماءِ الکَوثَرِ وکَأسٌ مِنْ الخَمْرِ یَسْقُونَ رُوحَهُ حَتّی تَذْهَبَ


1- ()معانی الأخبار: ص290، ح8. میزان الحکمة: ج9، ص3915، ح19112.
2- بحار الأنوار: ج6، ص162، ح30. میزان الحکمة: ج9، ص3917، ح19119.

ص: 45

سَکْرَتُهُ وَمَرارَتُهُ، ویُبَشِّرونَهُ بِالبِشارَةِ العُظمی وَیَقولونَ لَهُ: طِبْتَ وطابَ مَثْواکَ، إنَّکَ تَقدِمُ عَلی العَزیزِ الحَکیمِ الحَبیبِ القَریبِ»(1).

3__ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«أوَّلُ ما یُبَشِّرُ بِهِ المُؤْمِنُ: رَوْحٌ وَرَیْحانٌ وَجَنَّةُ نَعیمٍ، وَأوَّلُ ما یُبَشَّرُ بِهِ المُؤْمِنُ أنْ یُقالَ لَهُ: أبْشِرْ وَلیَّ اللهِ بِرِضاهُ وَالجَنَّةِ! قَدِمْتَ خَیْرَ مَقْدَمٍ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لِمَنْ شَیَّعَکَ، واستَجابَ لِمَنْ استَغْفَرَ لَکَ، وقَبِلَ مَنْ شَهِدَ لَکَ»(2).

4__ وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«المَوْتُ رَیْحانَةُ المُؤْمِنِ»(3).

5__ وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«تُحْفَةُ المُؤْمِنِ المَوْتُ»(4).

بعد هذه الباقة العطرة من الروایات والأحادیث الشریفة اتضح لنا أن سعادة المؤمن فی الموت، وأن روحه وریحانه وأمنه وأمانه، واستقراره واطمئنانه فی الموت.

__ المتظاهرون بالدین

(إنَّ النّاسَ عَبِیدُ الدُّنْیا وَالدِّینُ لَعِقٌ عَلی ألسِنَتهم، یَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّیّانُونَ).

هذا المقطع الشریف من خطبة الإمام الحسین علیه السلام یصور لنا الفریق الذی یتظاهر بالدین ویطلق الشعارات وینادی بالاستقامة والانقیاد لله تعالی، فإذا تعرض


1- بحار الأنوار: ج77، ص27، ح6، أنظر تمام الحدیث. میزان الحکمة: ج9، ص3917، ح19120.
2- کنز العمال: 42355. میزان الحکمة: ج9، ص3917، ح19121.
3- کنز العمال: 42136. میزان الحکمة: ج9، ص3917، ح19122.
4- کنز العمال: 42110. میزان الحکمة: ج9، ص3917، ح19123.

ص: 46

للاختبار فی طاعة ما نراه یتکاسل أو یتهرب مبررا ذلک بتبریرات کثیرة، وإذا فتن بمعصیة ما سرعان ما یسقط فیها متناسیا الورع والتقوی، یخالف قوله عمله ویأمر الناس بالبر وینسی نفسه.

وقد حذّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الناس من التلبس بالدین لتحصیل الدنیا، فیظهرون بصورة المؤمنین الخائفین الذین إذا تکلموا أحبهم الناس فیقول:

«وَیْلٌ لِلّذینَ یَجْتَلِبُونَ الدُّنْیا بِالدّینِ، یَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلودَ الضَّأنِ مِنْ لِینِ ألْسِنَتِهِمْ، کَلامُهُمْ أحْلی مِنَ العَسَلِ وَقُلوبُهُمْ قُلوبُ الذِّئابِ، یَقولُ اللهُ تعالی: أبی یَغْتَرُّونَ؟!»(1).

کما صرّح الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بکلام یفضح هؤلاء المرائین فیقول:

«وَمِنْهُمْ __ أیْ مِنَ النّاسِ __ مَنْ یَطْلُبُ الدُّنْیا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَلاَ یَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْیا، قَدْ طامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلأمانَةِ واتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِیعَةً إلی المَعْصِیَةِ»(2).

ولذا حثّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الناس علی الحفاظ علی الدین وأمرهم أن یقووه بأموالهم وأنفسهم کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنْ عَرَضَ لَکَ بَلاءٌ فاجْعَل مالَکَ دونَ دَمِکَ، فَإنْ تَجاوَزَکَ البَلاءُ فاجْعَلْ مالَکَ وَدَمَکَ دونَ دِینِکَ، فَإنَّ المَسْلوبَ مَنْ سُلِبَ مَنْ سُلِبَ دِینُهُ، والمَخْروبَ مَنْ خَرِبَ دِینُهُ»(3).


1- أعلام الدین: ص292. میزان الحکمة: ج4، ص1371، ح6776.
2- نهج البلاغة: الخطبة 32. میزان الحکمة: ج4، ص3171، ح6777.
3- کنز العمال: 43601. میزان الحکمة: ج3، ص1272، ح6243.

ص: 47

ویظهر من الآیات الکریمة الأحادیث والروایات الشریفة أن الذین یؤثرون الدنیا علی الدین ستکون عاقبتهم وخیمة کما ورد ذلک فی قوله تعالی:

(الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا کَانُوا بِآَیَاتِنَا یَجْحَدُونَ)(1).

وقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إیّاکُمْ وَالتَّهاوُنَ بِأمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإنَّهُ مَنْ تَهاوَنَ بِأمْرِ اللهِ أهانَهُ اللهُ یَوْمَ القِیامَةِ»(2).


1- سورة الأعراف، الآیة: 51.
2- بحار الأنوار: ج72، ص227، ح3.

ص: 48

ص: 49

الخطبة العاشرة

اشارة

ص: 50

ص: 51

وفیها یعظ الناس، ویهدیهم من ضلالتهم، ویأمرهم بالمعروف، وینهاهم عن المنکر، ویصف فیها السلطان الجائر، خطبها بالبیضة، حمد الله وأثنی علیه، ثم قال:

نص الخطبة

اشارة

(أیُّها الناسُ، إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم قال: مَنْ رَأی سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِ اللهِ بالإثْمِ والعُدوان، فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفعْلٍ ولا قَوْلٍ، کان حَقّاً علی الله أنْ یُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ.

ألاَ وَإنَّ هؤلاءِ قَدْ لزِمُوا طاعَةَ الشَّیطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَأظْهَرُوا الفَسادَ، وَعَطَّلُوا الحُدُودَ، واسْتَأثَرُوا بِالْفَیْءِ، وَأحَلُّوا حَرامَ اللهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ، وَأنا أحقُّ مَنْ غیری لقرابتی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، قد أتَتْنِی کُتُبُکُمْ، وقَدِمَتْ علیّ رُسُلُکُمْ ببَیْعَتِکُمْ؛ أنَّکُمْ لا تُسْلِموُنِی ولا تَخْذُلُونی، فَإنْ تَمَمْتُم عَلی بَیْعَتِکُم تُصِیبُوا رُشْدَکُمْ.

فأنا الحسینُ بنُ علیّ، وابنُ فاطمةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم نَفْسِی مع أنْفُسکُمْ، وَأهْلِی مَعَ أهْلِکُمْ، فَلَکُمْ فِیَّ أسْوَةٌ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَکُمْ، وَخَلَعْتُمْ بَیْعَتِی مِنْ أعْناقِکُم، فَلَعَمْری مَاهِی لَکُمُ بنُکْرٍ، لقد فَعَلتُموها بِأبِی وَأخِی وابْنِ عَمِّی مُسْلِمٍ، والمَغْرُور مِنْ اغَتَرَّ بِکُمْ، فَحَظَّکُمْ أخْطَأتُمْ، وَنَصیبَکُمْ ضَیَّعْتُمْ، وَمَنْ نَکَثَ فَإنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ، وَسَیُغْنِی اللهُ عَنْکُمْ، وَالسَّلامُ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ). 

ص: 52

المعنی العام

 (أیُّها الناسُ، إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم قال: مَنْ رَأی سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِ اللهِ بالإثْمِ والعُدوان، فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفعْلٍ ولا قَوْلٍ، کان حَقّاً علی الله أنْ یُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ).

یتعرض الإمام علیه السلام لبیان التزامه بنهج جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وذلک من خلال الاحتجاج بحدیثه الشریف حیث قال صلی الله علیه وآله وسلم من رأی حاکماً ظالما أجاز ارتکاب الحرام وانتهاک الحرمات والمقدسات، وناقضا ونابذا لمیثاق الله تعالی ومعاکسا لشریعة رسول الله، ویتعامل مع عباد الله تعالی بما حرم الله تعالی، ومن لم یتصدَ له بقول أو فعل ویمنعه من ذلک لیتحول إلی المعروف استحق أن یکون معه یوم القیامة.

(ألاَ وَإنَّ هؤلاءِ قَدْ لزِمُوا طاعَةَ الشَّیطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَأظْهَرُوا الفَسادَ، وَعَطَّلُوا الحُدُودَ، واسْتَأثَرُوا بِالْفَیْءِ، وَأحَلُّوا حَرامَ اللهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ، وَأنا أحقُّ مَنْ غیری لقرابتی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، قد أتَتْنِی کُتُبُکُمْ، وقَدِمَتْ علیّ رُسُلُکُمْ ببَیْعَتِکُمْ؛ أنَّکُمْ لا تُسْلِموُنِی ولا تَخْذُلُونی، فَإنْ تَمَمْتُم عَلی بَیْعَتِکُم تُصِیبُوا رُشْدَکُمْ).

ویشیر الإمام علیه السلام إلی بنی أمیة ومن لف لفهم أنهم من عبدة الشیطان فانقادوا له وترکوا عبادة الله تعالی ذی الرحمة الواسعة، وأعلنوا ما هو نتن وقذر وترکوا العمل بحدود الله تعالی، واختصوا بالغنیمة والخراج، وأجازوا کل ما هو ممنوع من قبل الشریعة، ومنعوا کل ما هو مباح ومرخص، وأنا أول من ردع هؤلاء وحولهم إلی ما هو صواب، قد جاءتنی رسائلکم، ودخلت علیّ رسلکم ببیعتکم أنکم لا تدفعونی منقادا ولا تترکون نصرتی وعونی، فإن أنجزتم بیعتکم نلتم وأدرکتم هداکم وتوفیقکم.

ص: 53

(فأنا الحسینُ بنُ علیّ، وابنُ فاطمةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم نَفْسِی مع أنْفُسکُمْ، وَأهْلِی مَعَ أهْلِکُمْ، فَلَکُمْ فِیَّ أسْوَةٌ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَکُمْ، وَخَلَعْتُمْ بَیْعَتِی مِنْ أعْناقِکُم، فَلَعَمْری مَاهِی لَکُمُ بنُکْرٍ، لقد فَعَلتُموها بِأبِی وَأخِی وابْنِ عَمِّی مُسْلِمٍ، والمَغْرُور مِنْ اغَتَرَّ بِکُمْ، فَحَظَّکُمْ أخْطَأتُمْ، وَنَصیبَکُمْ ضَیَّعْتُمْ، وَمَنْ نَکَثَ فَإنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ، وَسَیُغْنِی اللهُ عَنْکُمْ، وَالسَّلامُ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ).

یعرّف الإمام علیه السلام نفسه ونسبه لکی یلقی الحجة علیهم، ویؤکد أنه لا یمتاز علیهم ولا یترکهم ویواسیهم بنفسه وأهله، ویقول لهم إنی لکم قدوة ومثل، وإن لم تعلموا هذا ونکثتم میثاقکم، ونزعتم بیعتی من رقابکم، فلعمری للقسم ما هذه الفعلة بجدیدة علیکم أو بأمر مجهول حیث لکم فی ذلک سابقة، إذ فعلتم هذا النکث بأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب أبی وبالحسن بن علی أخی وبمسلم بن عقیل ابن عمی، والجاهل أو المخدوع من انخدع بکم أو غفل عنکم، فنصیبکم أخطأتم وحصتکم أذهبتم، ومن نقض فإنما ینقض علی نفسه حیث سیأخذ به یوم القیامة، وسیعوضنی الله تعالی بغیرکم ویرفع حاجتی إلیکم، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.

__ الجهاد فی سبیل الله تعالی
اشارة

الجهاد: کلمة مأخوذة من (الجهد) أی التعب والمشقة أو من (الجُهد) أی بذل الوسع والطاقة، ومن خلال مزج المعنیین یکون المعنی التام للجهاد: بذل الوسع والطاقة وتحمل التعب والمشقة فی سبیل إعلاء کلمة الله تعالی وحفظ رایة الإسلام والدفاع عن الحق والعدل.

لقد حثت الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة علی التمسک بهذا الفرض الکریم

ص: 54

الذی یعد من الأسس التی بنی علیها الإسلام کما فی الآیات الکریمة التالیة:

1__ قال الله عزّ وجل:

(وَجَاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْرَاهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَفِی هَذَا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیْکُمْ وَتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ فَأَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّکَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَی وَنِعْمَ النَّصِیرُ)(1).

2__ قال تبارک وتعالی:

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَی مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِیلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَی بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بَایَعْتُمْ بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ)(2).

3__ قال الله سبحانه وتعالی:

(فَلْیُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یَشْرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ یُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیُقْتَلْ أَوْ یَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا (74) وَمَا لَکُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْکَ نَصِیرًا)(3).


1- سورة الحج، الآیة: 78.
2- سورة التوبة، الآیة: 111.
3- سورة النساء، الآیتان: 74 و75.

ص: 55

4__ قال الله تبارک وتعالی:

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لَا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ)(1).

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتَالِ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَإِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِئَةٌ یَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا یَفْقَهُونَ)(2).

وما ورد من الحث علی الجهاد فی الروایات والأحادیث نذکر منها:

1__ قال الإمام علی علیه السلام:

«إنَّ الجِهادَ بابٌ مِنْ أبْوابِ الجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخاصَّةِ أوْلِیائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوی، ودِرْعُ اللهِ الحَصینَةُ، وَجُنَّتُهُ الوَثیقَةُ»(3).

2__ وعنه علیه السلام قال:

«الجِهادُ عِمادُ الدّینِ، وَمِنْهاجُ السُّعَداءِ»(4).

3__ عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«الجِهَادُ أفْضَلُ الأشْیاءِ بَعْدَ الفَرائِضِ»(5).

4__ قال الإمام علی علیه السلام:


1- سورة الأنفال، الآیة: 39.
2- سورة الأنفال، الآیة: 65.
3- نهج البلاغة: الخطبة 27. میزان الحکمة: ج2، ص584، ح2665.
4- غرر الحکم: 1346. میزان الحکمة: ج2، ص584، ح2666.
5- مشکاة الأنوار: 154. میزان الحکمة: ج2، ص584، ح2668.

ص: 56

«إنَّ اللهَ فَرَضَ الجِهَادَ وَعَظَّمَهُ وَجَعَلَهُ نَصْرَهُ وناصِرَهُ، وَاللهِ، ما صَلُحَتْ دُنْیا وَلاَ دِینٌ إلاّ بِهِ»(1).

5__ وعنه علیه السلام:

«إنَّ الجِهادَ أشْرَفُ الأعْمالِ بَعْدَ الإسْلامِ، وهُوَ قِوامُ الدِّینِ، والأجْرُ فیهِ عَظیمٌ مَعَ العِزَّةِ والمَنْعَةِ، وَهُوَ الکَرَّةُ، فِیهِ الحَسَناتُ وَالبُشْری بِالجَنَّةِ بَعْدَ الشَّهادَةِ»(2).

6__ جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام:

«الجِهادُ واجِبٌ مَعَ إمامٍ عادِلٍ»(3).

ومن خلال بعض الآیات الکریمة وبعض الروایات الشریفة یظهر أن للجهاد أنواعاً متعددة وهی کما یلی:

الأول: جهاد النفس

وهو محاربة وقتال الهوی والاستیلاء والسیطرة علی الشهوات والرغبات وجعلها تصب فی مضمار الحق والرخص التی رخص بها الله تعالی لعباده لکی یصل بنفسه إلی القرب الإلهی.

ولهذا أرشدتنا الآیات الکریمة کما فی قوله تعالی:

(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَوَی (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوَی)(4).

إلی ضرورة الالتزام بالطاعة ونبذ المعصیة ومصارعة الهوی، کما أکدت الروایات الشریفة علی هذا المعنی وورد فی الأحادیث الشریفة التالیة:


1- وسائل الشیعة: ج11، ص9، ح15. میزان الحکمة: ج2، ص584، ح2671.
2- نور الثقلین: ج1، ص408، ح429. میزان الحکمة: ج2، ص585، ح2675.
3- وسائل الشیعة: ج11، ص35، ح9. میزان الحکمة: ج2، ص585، ح2678.
4- سورة النازعات، الآیتان: 40 و41.

ص: 57

1__ قال الإمام علی علیه السلام:

«إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِیَّةً، فَلَمّا رَجَعوا قالَ: مَرْحَباً بِقَوْمٍ قضوا الجِهادَ الأصْغَرَ وَبَقیَ عَلَیْهِمُ الجِهادُ الأکْبَرُ.

قیلَ: (یا رَسُولَ اللهِ، وما الجِهادُ الأکْبَرُ؟ قالَ:

جِهادُ النَّفْس»)(1).

2__ وقال علیه السلام:

«أفْضَلُ الجِهادِ مَن جاهَدَ نَفْسَهُ الّتی بَیْنَ جَنْبَیْهِ»(2).

3__ ورد فی مستدرک الوسائل عن فقه الرضا علیه السلام قال:

نَرْوی أنَّ سَیّدَنا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم رأی بَعْضَ أصْحابِهِ مُنْصَرِفاً مِنْ بَعْثٍ کانَ بَعَثَهُ، فیه وَقَدِ انْصَرَفَ بِشَعْثِهِ وغُبارِ سَفَرِهِ، وسِلاحُهُ (عَلَیْهِ) یُرِیدُ مَنْزِلَهُ، فقالَ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

انصرفتَ مِن الجِهادِ الأصغرِ إلی الجهادِ الأکبرِ.

فقیلَ له: أوَجِهادٌ فوقَ الجهاد بالسّیفِ؟

قال:

نعم، جهاد المرء نفسه»)(3).

4__ عن الإمام علی علیه السلام:

«أفْضَلُ الجِهادِ جِهادُ النَّفْسِ عَنِ الهَوی، وفِطامُها عَنْ لَذّاتِ الدُّنْیا»(4).


1- معانی الأخبار: ص160، ح1. میزان الحکمة: ج2، ص596، ح2742.
2- المصدر السابق.
3- مستدرک الوسائل: ج11، ص140، ح12651. میزان الحکمة: ج2، ص596، ح2743.
4- غرر الحکم: 3232. میزان الحکمة: ج2، ص596، ح2744.

ص: 58

5__ وعنه علیه السلام:

«غایَةُ المُجاهَدَةِ أنْ یُجاهِدَ المَرْءُ نَفْسَهُ»(1).

ومن بعد التأمل فی هذه الروایات الشریفة یظهر لنا:

ألف: أن سقوط الألم علی البدن عند الاشتباک مع العدو أخف وطأة من الألم الناتج عن محاربة الهوی.

باء: أن محاربة الهوی وقتال النفس الأمارة بالسوء حالة مستمرة لا نهایة لها إلا بالخروج من رتبة النفس الأمارة إلی رتبة النفس المطمئنة فلذا یعیش صاحبها ألماً دائماً وهذا ما یؤکده حدیث المعراج الشریف فی صفةِ أهلِ الخیْرِ وَأهْلِ الآخِرَةِ:

«یَمُوتُ النّاسُ مَرّةً، وَیَموتُ أحَدُهُمْ فی کُلِّ یومٍ سَبْعینَ مَرّةً مِنْ مُجاهَدَةِ أنْفُسِهُم وَمُخالَفَةِ هَواهُمْ والشَّیْطانِ الّذی یَجْری فی عُروقِهِمْ»(2).

فهذا الحدیث یشیر أیضا إلی أن الموت والقتال مع النفس متکرر لا ینتهی بمرة واحد فیرتاح صاحبها بعدها بل هو فی ألم وصراع دائم.

جیم: أن ثواب وأجر مجاهد النفس أکثر من ثواب وأجر المجاهد فی میدان المعرکة وهذا ما أکدته الروایات السابقة فی المقاطع (فقیل له: أو جهاد فوق الجهاد بالسیف؟ قال:

«نَعْم، جِهَادُ المَرْءِ نفْسَهُ».

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام فی الروایة السابقة:

«أفْضَلُ الجِهَادِ جِهَادُ النفْسِ عَنِ الهَوی...». 


1- غرر الحکم: 6370. میزان الحکمة: ج2، ص596، ح2746.
2- بحار الأنوار: ج77، ص24، ح6. میزان الحکمة: ج2، ص598، ح2756.

ص: 59

الثانی: جهاد وقتال الکفار المشرکین

مجاهدة ومحاربة عبدة الأوثان الذین یشرکون مع الله إلها آخراً، والملحدین الذین لا یؤمنون بوجود الله تعالی لکی تکون کلمة الله تعالی هی العلیا ولکی لا یعبد إلا هو سبحانه حقیقة العبادة، وهذا ما أکدته الآیات الکریمة حیث قال تعالی:

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لَا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَی الظَّالِمِینَ)(1).

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِی کِتَابِ اللَّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِکِینَ کَافَّةً کَمَا یُقَاتِلُونَکُمْ کَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ)(2).

ولکن قبل أن یقع السیف بین هؤلاء وبین المسلمین لابد من توجیه الدعوة لهم للدخول فی الإسلام الذی یکفل لهم ولغیرهم سعادة الدنیا والآخرة بالحکمة والموعظة الحسنة وإفحامهم بالحجة البالغة حتی یصلوا إلی معرفة الحق، فإن أبوا بعد ذلک إلا جحوداً وجب قتالهم وجهادهم حتی یسلموا أو یستسلموا فیری الإمام العادل والحاکم الشرعی وولی الأمر رأیه فیهم حسب ما تقتضیه المصلحة الإسلامیة وهذا متروک الخوض فیه إلی کتب الفقه.

الثالث: جهاد وقتال أهل الکتاب

یطلق علی الیهود والنصاری والمجوس والصابئة بأنهم أهل الکتاب، ولا یجب قتالهم ومجاهدتهم إلا إذا حاربوا الإسلام والمسلمین أو الذین لا یلتزمون بذمة وعهد مع المسلمین الذین یعیشون معهم وهذا ما تشیر إلیه الآیة الشریفة:


1- سورة الأنفال، الآیة: 39.
2- سورة التوبة، الآیة: 36.

ص: 60

(قَاتِلُوا الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْیَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(1).

فیلزم من هذا الحکم الإلهی مقاتلة هؤلاء إلی أن یدخلوا فی الإسلام أو یعطوا الجزیة لدولة الإسلام ویلتزموا مع المسلمین بعهد وذمة، وهذا الأمر یترک تفصیله إلی کتب الفقه أیضا لضیق المقام ولخروجه عن البحث.

الرابع: الجهاد دفاعاً عن الإسلام والمسلمین

وهذا هو الجهاد الدفاعی الذی یختلف عما سبق من الأنواع أو أنه یجب علی کافة المسلمین الذین تتعرض بلادهم لعدوان من قبل الکفار أو المرتدین الذین یریدون النیل من بیضة الإسلام وطمس أصول الدین وانتهاک فروعه ومنع شعائره وطقوسه وهذا ما أشار إلیه الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«... وإنْ خافَ عَلَی بَیضَةِ الإسْلامِ وَالمُسْلِمِینَ قَاتلَ، فَیَکونُ قِتالُهُ لِنفسِهِ لَیْسَ لِلسّلْطانِ لأنّ فی دُروسِ الإسلامِ دُروسِ ذِکرِ محمد صلی الله علیه وآله وسلم»(2).

الخامس: جهاد وقتال أهل البغی

وهؤلاء الذین یجب جهادهم هم الذین یخرجون علی نظام الحکم الإسلامی الصحیح ویحاربون الحاکم الإسلامی العادل للإطاحة به لتحقیق أغراضهم الشخصیة وأهدافهم الدنیویة، أو لفرض اجتهاداتهم وآرائهم الخاصة علی الحاکم.

ولکی یتضح الأمر جلیا سنتعرض لبیان من یجب جهادهم وقتالهم.


1- سورة التوبة، الآیة: 29.
2- وسائل الشیعة، الحر العاملی: ج11، ص20، ح2.

ص: 61

الفئات الباغیة التی یجب جهادها
الفئة الأولی

یجب جهاد وقتال کل من یبغی علی الحاکم الإسلامی العادل الذی یحکم بما أنزل الله سبحانه، والذین یعملون ضد نظام الحکم الإسلامی الصحیح لأغراض شخصیة وأهداف دنیویة کما حصل ذلک مع أمیر المؤمنین علیه السلام عندما خرج علیه طلحة والزبیر وعائشة فی معرکة الجمل، ومعاویة فی صفین والخوارج فی النهروان.

الفئة الثانیة

هی الفئة التی تأبی الصلح والالتزام بالحکم الشرعی، ویکون ذلک فی حالة اقتتال فئتین من المسلمین بسبب الخلافات فیتدخل الحاکم الشرعی أو المسلمون للإصلاح فتأبی إحدی الفئتین ذلک، فتستخدم القوة لفرض موقفها أو رأیها.

الفئة الثالثة

بغی الحاکم علی الأمة والاستبداد برأیه وفرض الباطل والمنکر علیها بالقوة والقهر، فیجب مقاتلة هذا الباغی ومنعه من الظلم والعدوان والفسق والفجور وهذا ما قام به الإمام الحسین علیه السلام مع یزید الفاسق فی واقعة کربلاء.

وبعد هذا العرض الموجز اتضح لنا مدی أهمیة هذا الفرض الإسلامی ودوره فی رفع کلمة الله تعالی وجعلها العلیا ودحض کلمة الباطل وجعلها السفلی.

__ صفات أتباع الشیطان

منذ أن خلق الله تعالی الخلیقة حذر من الاغترار بمخادع الشیطان ومکره وبیّن عداوة الشیطان وحسده للإنسان، وتکبره علیه وهذا ما توضحه الآیات الکریمة التی تسرد لنا أسباب تکبر إبلیس وحسده وانتقامه من الإنسان وإیقاعه فی المعاصی کما فی

ص: 62

قوله تعالی:

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاکُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ لَمْ یَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ (11) قَالَ مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قَالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیهَا فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِی إِلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَیْتَنِی لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَکَ الْمُسْتَقِیمَ (16) ثُمَّ لَآَتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَیْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شَاکِرِینَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکُمْ أَجْمَعِینَ (18) وَیَا آَدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ فَکُلَا مِنْ حَیْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطَانُ لِیُبْدِیَ لَهُمَا مَا وُورِیَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاکُمَا رَبُّکُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَکُونَا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونَا مِنَ الْخَالِدِینَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّی لَکُمَا لَمِنَ النَّاصِحِینَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا یَخْصِفَانِ عَلَیْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَکُمَا عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَکُمَا إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمَا عَدُوٌّ مُبِینٌ)(1).

إلا أن هذا التحذیر لم یلق الأذن الصاغیة عند کثیر من البشر فلذا نجدهم سقطوا فی براثن الشیطان ومکائده وتلوثوا بالمعاصی والذنوب وهذا ما أکدته الآیات الکریمة التالیة:

1__ آیة تشیر إلی وقوع البشر فی الزلل کما فی قوله تعالی:

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَی حِینٍ)(2).


1- سورة الأعراف، الآیات: 11 إلی 22.
2- سورة البقرة، الآیة: 36.

ص: 63

2__ آیة تشیر إلی اغترار البشر بتسویل الشیطان فوقعوا فی الردة کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی الشَّیْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَی لَهُمْ)(1).

3__ آیة تشیر إلی تزیین الشیطان للإنسان أعماله السیئة فابتعد بسبب ذلک عن الطریق الصحیح کما فی قوله تعالی:

(وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لَا یَهْتَدُونَ)(2).

4__ آیة تشیر إلی سیطرة الشیطان علی عقول بعض الناس إلی درجة أنهم نسوا ربهم الذی خلقهم وأنهم علیهم کما فی قوله تعالی:

(اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِکْرَ اللَّهِ أُولَئِکَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(3).

فصار هؤلاء من حزب الشیطان وأتباعه الذین اتصفوا بصفات قبیحة ذکرها القرآن الکریم وأهل بیت العصمة علیهم السلام فی أحادیثهم الشریفة نذکر منها:

1__ اتصف هؤلاء بأنهم شرکاء الشیطان فی أفعاله القبیحة إذ قاموا بتطبیق ما أمرهم به من سلوکیات قذرة وأقوال بذیئة فاحشة ونظرات خائفة، فلذا یذمهم أمیر المؤمنین علیه السلام فیقول:

«اتَّخَذُوا الشَّیْطانَ لأَِمَرِهِمْ مِلاَکاً، واتَّخَذَهُمْ لَهُ أشْراکاً، فَباضَ وَفَرَّخَ فی


1- سورة محمد، الآیة: 25.
2- سورة النمل، الآیة: 24.
3- سورة المجادلة، الآیة: 19.

ص: 64

صُدُورِهِمْ، ودَبَّ ودَرَجَ فی حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأعْیُنِهِمْ، ونَطَقَ بِألْسِنَتِهِمْ، فَرَکِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَیَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ، فِعْلَ، مَنْ قَدْ شَرِکَهُ الشَّیِطانُ فی سُلْطانِهِ، وَنَطَقَ بِالباطِلِ عَلی لِسانِهِ!»(1).

2__ اتصف أتباع الشیطان بالترف الباطل المذموم الذی یبعد صاحبه عن الله تعالی وهو لا یشعر بقباحة ما یفعل لما أصابه من الشیطان بل تحول هذا المترف إلی شیطان من شیاطین الإنس کما أکد ذلک قول الإمام علی علیه السلام فی کتابه إلی معاویة إذ یقول:

«فَإنَّکَ مُتْرَفٌ قَدْ أخَذَ الشَّیْطانُ مِنْکَ مَأخَذَهُ، وَبَلَغَ فیکَ أمَلَهُ، وَجَری مِنْکَ مَجْرَی الرُّوحِ وَالدَّمِ»(2).

3__ اتصف أتباع الشیطان باتباع الهوی والابتعاد عن العقل والبصیرة والانکباب علی الدنیا ونسیان ذکر الله تعالی وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إنّما بَدءُ وُقُوعِ الفِتَنِ أهْواءٌ تُتَّبَعُ... فَهُنالِکَ یَسْتَوْلی الشَّیْطانُ عَلی أوْلِیائِهِ، وَیَنْجُو الذینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الحُسْنَی»(3).

4__ اتصف أتباع الشیطان بأنهم یجادلون بجهل ومکابرة کما فی قوله تعالی:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ)(4).

5__ اتصف أتباع الشیطان بأنهم یروجون للفحشاء ویأمرون بالمنکر کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ وَمَنْ یَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ


1- نهج البلاغة: الخطبة 7. میزان الحکمة: ج5، ص1922، ح9381.
2- نهج البلاغة: الکتاب 10. میزان الحکمة: ج5، ص1922، ح9382.
3- نهج البلاغة: الخطبة 50. میزان الحکمة: ج5، ص1929، ح9406.
4- سورة الحج، الآیة: 3.

ص: 65

بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَکَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَکِنَّ اللَّهَ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(1).

ولکی نجمع صفاتهم فنقول: أتباع الشیطان هم أهل الرذائل والمنکرات.

__ لماذا یعرّف الإمام علیه السلام نفسه؟

قوله علیه السلام:

(فأنا الحسینُ بنُ علیّ، وابنُ فاطمةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم نَفْسِی مع أنْفُسکُمْ، وَأهْلِی مَعَ أهْلِکُمْ، فَلَکُمْ فِیَّ أسْوَةٌ).

لم یکن الإمام الحسین علیه السلام مجهولاً عند سامعیه، ولم یکن بحاجة إلی أن یذکر أباه وأمه عند تعریفه نفسه إنما فعل ذلک لحکمة هو أدری بها، ولکننا نستطیع أن نفهم من تعریفه هذا ما یلی:

1__ ذکر الإمام علیه السلام اسمه الشریف لما له من منزلة فی الأمة الإسلامیة أسسها جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بأقواله الشریفة:

«حسین منی وأنا من حسین».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الحسن والحسین إمامان قاما أو قعدا».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة».

وغیرها من الأحادیث الشریفة التی رکزت مقام ورتبة الإمام علیه السلام فی نفوس المسلمین، ولعله أراد تذکیر الأمة بمنزلته وإلقاء الحجة علیها لکی لا تجرأ علی


1- سورة النور، الآیة: 21.

ص: 66

التعدی علیه أو لکی لا تخذله عند مجابهة الظالمین.

2__ عرّف الإمام نفسه بأنه ابن علی وفاطمة علیهما السلام لیکون ذلک دافع یدفع الأمة لنصرته، ویمنعها من خذلانه أو حربه، إذ إن لعلی علیه السلام حقاً علی الأمة الإسلامیة التی اهتدت بدین المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم والذی صرح بدوره بأن أحد أسباب قیام هذا الدین هو سیف علی علیه السلام وجهاده وصبره بدلیل القول المشهور الذی نودی به فی معرکة أحد: (لا فتی إلا علی ولا سیف إلا ذو الفقار).

کما أن لعلی علیه السلام أدواراً کثیرة فی الدفاع عن الدین فکریا وعملیا ولهذا ینبغی بالأمة أن ترد هذا الجمیل من خلال حفظ المرء فی ولده، وهذا أیضا یجری فی سبب ذکر السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام بأنها بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی بلّغ وأخبر الأمة بأن أجره علی الرسالة هو مودة القربی واحترام وتوقیر علی وفاطمة علیهما السلام، وإدخال السرور علیهما بنصرة الإمام الحسین علیه السلام هو جزء من المودة المطلوبة.

3__ أراد الإمام الحسین علیه السلام بتعریفه هذا أن یبین للأمة أن منزلتی هذه ورتبتی ومقامی فداء للإسلام فلا یجوز للأمة أن تتردد فی الدفاع عن الإسلام من خلال نصرتی ومعاونتی علی مجاهدة الحاکم الجائر الباغی علیهم.

4__ أراد الإمام الحسین علیه السلام بقوله: (نفسی مع أنفسکم، وأهلی مع أهلکم...)، أن یقول إننی لم أطلب تعریض نفسی وأهلی إلی الضرر المحتمل، لأن هذا مخالف للشرع إلا إذا کان فی سبیل الله تعالی، إذ إن طالب الدنیا یحرص علی سلامته وسلامة أهله لکی یتمتع بمتاعها، وهذا لیس هو هدف الإمام علیه السلام.

5__ وقوله علیه السلام (فلکم فیّ أسوة...)، تأکید علی مراد الإمام علیه السلام

ص: 67

الذی هو إقامة الحق وبسط العدل، وهذا لا یتم إلا بالتضحیة بالغالی والنفیس ولا یدعو لهذا إلاّ من وطّن نفسه علی التضحیة وبادر إلیها قبل غیره بناء علی القاعدة الأخلاقیة التی أشار إلیها أمیر المؤمنین علیه السلام:

«من أراد أن یکون معلما للناس فلیبدأ بتعلیم نفسه قبل غیره».

__ نقض العهد

(وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَکُمْ، وَخَلَعْتُمْ بَیْعَتِی مِنْ أعْناقِکُم، فَلَعَمْری مَاهِی لَکُمُ بنُکْرٍ، لقد فَعَلتُموها بِأبِی وَأخِی وابْنِ عَمِّی مُسْلِمٍ، والمَغْرُور مِنْ اغَتَرَّ بِکُمْ، فَحَظَّکُمْ أخْطَأتُمْ، وَنَصیبَکُمْ ضَیَّعْتُمْ، وَمَنْ نَکَثَ فَإنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ، وَسَیُغْنِی اللهُ عَنْکُمْ، وَالسَّلامُ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ).

ورد ذکر الوفاء بالعهد فی القرآن الکریم وجاء بعنوان صفة لعباد الله تعالی الصالحین کما فی قوله تعالی:

(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)(1).

کما ذکرت آیات أخری العهد بمفردات تدل معناها علیه کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا یُتْلَی عَلَیْکُمْ غَیْرَ مُحِلِّی الصَّیْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ مَا یُرِیدُ)(2).

أو قوله تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِکَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِینَ آَمَنُوا وَلَمْ یُهَاجِرُوا مَا لَکُمْ مِنْ وَلَایَتِهِمْ


1- سورة البقرة، الآیة: 177.
2- سورة المائدة، الآیة: 1.

ص: 68

مِنْ شَیْءٍ حَتَّی یُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَی قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ مِیثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ)(1).

ولقد أکد ذلک الإمام الصادق علیه السلام (لَمّا سُئِلَ عَنْ قولِهِ تعالی:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2).

بقوله: «العهود»)(3).

ووردت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحادیث کثیرة تحثّ علی وجوب الالتزام بالعهد کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لاَ دِینَ لِمَن لاَ عَهْدَ لَهُ»(4).

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث آخر:

«حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإیمانِ»(5).

وأشار أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الالتزام بالعهد والوفاء به فهو مما یقرب العبد إلی ربه ومما یُنجی یوم القیامة، وأمّا نقض العهد فیؤدی إلی عاقبة وخیمة فی الدنیا والآخرة کما فی قوله علیه السلام:

«إنَّ العُهودَ قَلاَئِدُ فی الأعْناقِ إلی یَوْمِ القِیامَةِ، فَمَنْ وَصَلَها وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ نَقَضَها خَذَلَهُ اللهُ، وَمَنْ استَخَفَّ بِها خاصَمَتَهُ إلَی الّذی أکَّدَها وأخَذَ خَلْقَهُ بِحِفْظِها»(6).


1- سورة الأنفال، الآیة: 72.
2- سورة المائدة، الآیة: 1.
3- تفسیر العیاشی: ج1، ص289، ح5. میزان الحکمة: ج7، ص2848، ح14410.
4- نوادر الراوندیّ: ص5. میزان الحکمة: ج7، ص2850، ح14424.
5- کنز العمال: 10937. میزان الحکمة: ج7، ص2850، ح14425.
6- غرر الحکم: 3650. میزان الحکمة: ج7، ص2848، ح14417.

ص: 69

وعهد أمیر المؤمنین علیه السلام إلی العامل علی مصر مالک الأشتر مشهور ولا ینسی، فلقد ذکر فیه وجوب الوفاء بقوله: (فُحطْ عهدک بالوفاء.... الخ)، وحیث إن العهد یتجسد فی العقد والذمة بین شخص وآخر نجد أمیر المؤمنین علیه السلام یؤکد علی ذلک بقوله:

«وإنْ عَقَدْتَ بَیْنَکَ وبَیْنَ عَدُوِّکَ عُقْدَةً، أوْ ألْبَسْتَهُ مِنْکَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَکَ بِالوَفاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَکَ بِالأمانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَکَ جُنَّةً دونَ ما أعْطَیْتَ؛ فَإنَّهُ لَیْسَ مِنْ فَرائِضِ اللهِ شَیْءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَیْهِ اجتِماعاً __ مَعَ تَفَرُّقِ أهْوائِهِم، وتَشَتُّتِ آرائِهِمْ __ مِنْ تَعْظیمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ.

وَقَدْ لَزِمَ ذلِکَ المُشْرِکُونَ فیما بَیْنَهُمْ دونَ المُسْلِمینَ لِما استَوْبَلوا مِنْ عَواقِبِ الغَدْرِ، فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِکَ، وَلاَ تَخِیسَنَّ بِعَهْدِکَ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّکَ»(1).

فإن لنقض العهد عواقب سیئة فی الدنیا وهی السقوط فی الذلة والخسران أمام الأعداء کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذَا نَقَضوا العَهْدَ سَلَّطَ اللهُ عَلَیْهِمْ عَدُوَّهُمْ»(2).

وعواقب وخیمة فی الآخرة وهی أن یکون خصماً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم القیامة فیخصم کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعاهَداً، أوِ انْتَقَصَهُ، أو کَلَّفَهُ فَوْقَ طاقَتِهِ، أو أخَذَ مِنْهُ شَیْئاً بِغَیْرِ طِیبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَأنا حَجیجُه یَوْمَ القِیامَةِ»(3).


1- نهج البلاغة: الکتاب 53. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج17، ص106. میزان الحکمة: ج7، ص2849، ح14419.
2- بحار الأنوار: ج100، ص46، ح3.میزان الحکمة: ج7، ص2849، ح14420.
3- کنز العمال: 10924. میزان الحکمة: ج7، ص2849، ح14422.

ص: 70

وعهد الله تعالی أولی بالوفاء وأولی بالصیانة من أی شیء آخر فلذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام ذمٌّ لمن لم یصن عهد الله تعالی ولم یف به کما فی قوله علیه السلام:

«ما أیْقَنَ بِاللهِ مَنْ لَمْ یَرْعَ عُهودَهُ وَذِمَّتَهُ»(1).

وکذلک جاء علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام مدحٌ لمن وفی بعهده أو أن هذا الوفاء من الخصال الجیدة والفضائل الرشیدة کما صرح به فی قوله:

«واعِیاً لِوَحْیِکَ، حافِظاً لِعَهْدِکَ، ماضِیاً عَلی نَفاذِ أمْرِکَ»(2).

ولأن الوفاء بالعهد من القیم الأخلاقیة العالیة والفضائل العظیمة صار لابد من الدفاع عنها وإلاّ استحق من لم یدافع عنها اللوم والذم کما استحقه بعض أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام کما فی قوله علیه السلام:

«وَقَدْ تَرَوْنَ عُهودَ اللهِ مَنْقُوضَةً، فَلاَ تَغْضَبونَ، وَأنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبائِکُمْ تَأنَفُونَ!»(3).

وفی هذا الحدیث حث علی الوفاء بالعهد حتی لغیر المسلمین بل حتی لمن کان عاصیاً فاجراً.

قال الإمام الباقر علیه السلام:

«ثَلاثٌ لَمْ یَجْعَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَحَدٍ فیهِنَّ رُخْصَة: أداءُ الأمانَةِ إلَی البَرِّ وَالفاجِرِ، والوَفاءُ بِالعَهْدِ لِلبَرِّ وَالفاجِرِ، وبِرُّ الوالِدَیْنِ بَرَّیْنِ کانا أو فاجِرَیْنِ»(4).


1- غرر الحکم: 9577. میزان الحکمة: ج7، ص2850، ح14428. فی مستدرک الوسائل (وذِمَمَهُ): ج11، ص201.
2- نهج البلاغة: الخطبة 72. میزان الحکمة: ج7، ص2850، ح14429.
3- نهج البلاغة: الخطبة 106. میزان الحکمة: ج7، ص2851، ح14431.
4- بحار الأنوار: ج74، ص56، ح15. میزان الحکمة: ج11، ص4885، ح22682.

ص: 71

الخطبة الحادیة عشرة: وفیها یصف فضائل أهل البیت، ویذکر حقّهم، ویذمّ بنی أمیّة

اشارة

ص: 72

ص: 73

لمّا کان وقت العصر أمر الحسین بن علی علیهما السلام أن یتهیَّؤوا للرحیل ففعلوا، ثم أمر منادیه فنادی بالعصر وأقام، فاستقام الحسین علیه السلام فصلّی بالقوم ثم سلّم وانصرف إلیهم بوجهه، فحمدَ الله وأثنی علیه، ثم قال:

نص الخطبة

اشارة

(أمَّا بَعْدُ، أیُّها الناسُ، فَإنَّکُمْ إنْ تَتَّقُوا اللهَ وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لأِهْلِهِ یَکُنْ أرْضَی للهِ عَنْکُمْ، وَنَحْنُ أهْلُ بَیْتِ مُحَمَّدٍ، وَأوْلی بوِلایَةِ هذا الأمْرِ عَلَیْکُمْ مِنْ هؤلاءِ الْمُّدَعِینَ مَا لَیْسَ لَهُمْ، وَالسَائِرینَ فِیکُمْ بالجَوْرِ وَالعُدْوان؛ وَإنْ أبَیْتُمْ إلاّ کَرَهِیَّةً لَنا وَالجَهلَ بِحَقِّنَا، فَکانَ رَأیُکُم الآنَ غَیْرَ ما أتَتْنِی بِهِ کُتُبُکُمْ وقَدِمَتْ بِهِ عَلیَّ رُسُلُکُمْ، انْصَرَفْتُ عَنْکُمْ).

المعنی العام

أیها الناس إن تخافوا الله وتخشوه وتفهموا أن الحق لنا یکن هذا الفعل منکم مرضیا لله تعالی، فنحن أهل بیت محمد صلی الله علیه وآله وسلم أحق من یملک هذا الأمر ویقوم به من هؤلاء الظالمین لحق غیرهم، والحاکمین فیکم بالظلم والتجاوز، وإن رفضتم إلا کرهنا وترک حقنا عمدا، فکان رأیکم الآن غیر ما جاءت به رسائلکم ورسلکم، ذهبت عنکم.

ص: 74

ولایة أهل البیت علیهم السلام
اشارة

قوله علیه السلام:

(وَنَحْنُ أهْلُ بَیْتِ مُحَمَّدٍ، وَأوْلی بوِلایَةِ هذا الأمْرِ عَلَیْکُمْ مِنْ هؤلاءِ الْمُّدَعِینَ مَا لَیْسَ لَهُمْ...).

ولایة أهل البیت علیهم السلام رکن من أرکان الإسلام الخمسة بل هی أهم الأرکان وأعظمها لما فیها من طاعةٍ لله تعالی وامتثالٍ لأوامر رسوله الکریم صلی الله علیه وآله وسلم فلذا جاء فی القرآن الکریم:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِیلًا)(1).

ففی هذه الآیة الکریمة بیان منزلة أولی الأمر وبیان رتبة طاعتهم وضرورة الحاجة إلیهم، فمن أراد طاعة الله تعالی ورسوله فعلیه بطاعة أولی الأمر الذین عصمهم الله تعالی من الزلل وطهرهم من الدنس وسما بهم عن سفاسف الأمور وجعلهم الأمناء علی وصیه والحافظین لدینه والسائرین بنهجه والمقیمین لسننه والعاملین بشرعه، ولیس لهذا الوصف مصداق إلا محمد وآل محمد علیهم أفضل الصلاة والسلام.

وهذا ما أشار إلیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم عندما سأله الصحابی الجلیل جابر الأنصاری:

فقد ورد فی تفسیر نور الثقلین (عن جابر بن عبد الله الأنصاری رضی الله عنه:

لَمّا أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلی نَبِیَِّهِ مُحَمَّد صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ).


1- سورة النساء، الآیة: 59.

ص: 75

قُلْتُ: یا رَسُولَ اللهِ، عَرَفْنا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَمَنْ أُولو الأمْرِ الّذینَ قَرَنَ اللهُ طاعَتَهُمْ بِطاعَتِکَ؟

فَقالَ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

«هُمْ خُلَفائی یا جابِرُ، وأئِمَّةُ المُسْلِمینَ مِنْ بَعْدی، أوَّلُهُمْ علیُّ بنُ أبی طالِبٍ، ثُمَّ الحَسَنُ، ثُمَّ الحُسَیْنُ، ثُمَّ عَلیُّ بنُ الحُسَیْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدْ بنُ علیٍّ المَعْروفُ فی التَوْراةِ بِالباقِرِ، وسَتُدْرِکُهُ یا جابِرُ فَإذا لَقِیتَهُ فَأقْرِئْهُ مِنّی السَّلامَ، ثُمَّ الصّادِقُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ موسَی بنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلیُّ بنُ مُوسَی، ثُمَّ مُحَمَّدُ بن عَلیّ، ثُمَّ عَلیُّ بنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الحَسَنُ بنُ علیٍّ، ثُمَّ سَمِیِّی وکَنِیِّی حُجَّةُ اللهِ فی أرْضِهِ وَبَقِیَّتُهُ فی عِبادِهِ ابنُ الحَسَنِ بنِ علیٍّ، ذاکَ الّذی یَفْتَحُ اللهُ __ تَعالی ذِکرُهُ __ عَلی یَدَیْهِ مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها، ذاکَ الّذی یَغیبُ عَنْ شِیعَتِهِ وَأوْلِیائِهِ غَیْبَةً لاَ یَثْبُتُ فیها عَلَی القَوْلِ بِإمامَتِهِ إلاّ مَنِ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإیمان».

قالَ جابِرٌ: فقلتُ: یا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ یَنْتَفِعُ الشِّیعَةُ بِهِ فی غَیْبَتِهِ؟ فقالَ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

«إی والّذی بَعَثَنی بِالنُّبُوَّةِ، إنَّهُمْ یَنْتَفِعونَ بِهِ وَیَسْتَضیئون بِنُورِ وَلایَتِهِ فی غَیْبَتِهِ کانْتِفاعِ النّاسِ بالشَّمْسِ وإنْ تَجَلاّها السَّحابُ، یا جابِرُ، هذا مِنْ مَکْنُونِ سِرِّ اللهِ وَمَخْزونِ عِلْمِهِ فاکْتُمْهُ إلاّ عَنْ أهْلِهِ»)(1).

وللإحاطة بهذا الموضوع أی (ولایة أهل البیت علیهم السلام) لابد أن یصاغ علی صیغة الأسئلة والأجوبة لکی یسهل علی القارئ الکریم الإلهام به وسنتعرض إلی هذا الموضوع کالآتی:

السؤال الأول: ما هو مفهوم الولایة؟


1- تفسیر نور الثقلین: ج1، ص499، ح331. میزان الحکمة: ج11، ص4898 __ 4899، ح22767.

ص: 76

الجواب: الولایة لغة: الولایة بالکسر: السلطان، والولایة: النُصرة، یقال: هم علی ولایة أی مجتمعون فی النصرة(1)، هذه الهیمنة والسلطة والحاکمیة، وللتوسع راجع مصادر اللغة.

الولایة اصطلاحا: هی أن تکون للمعصوم السلطة والحاکمیة علی من یتولی علیه، وله حق الطاعة علی أتباعه.

السؤال الثانی: ما هو مفهوم الولایة التشریعیة والولایة التکوینیة؟

الجواب: الولایة التشریعیة هی حق التشریع وتقنین الأحکام کما أرادها الله تعالی لعباده.

الولایة التکوینیة: قدرة الولی علی تسخیر الممکنات والتصرف فیها بإذن الله تعالی بما تحتاجه حجیة الولی علی غیره.

__ صفات الحاکم النموذجی

إن للحاکم النموذجی صفاتٍ ینبغی الاتصاف بها لکی یستطیع أن یسوس البلاد ویقود العباد ذکرها أهل الاختصاص فی محلها سنعرض لها لاحقا، إلا أننا لابد أن نشیر إلی أمر مهم فی شخصیة الحاکم ألا وهو تقوی الحاکم وزهده فی الرئاسة وابتعاده عن طلب العلوّ والرفعة وحرصه علی عمارة الآخرة وصلاحها وهذا ما یؤکده قوله تعالی:

(تِلْکَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ)(2).

فکل حاکم یطلب الرئاسة لغرض الدنیا لا یکون أمینا ولا صادقا وهو ما أشار إلیه الإمام الصادق علیه السلام:


1- الصحاح للجوهری: ج6، ص2530.
2- سورة القصص، الآیة: 83.

ص: 77

«إنَّ شِرارَکُمْ مَنْ أحَبَّ أنْ یُوطَأ عَقِبُهُ، إنَّهُ لابُدَّ مِنْ کَذَّابٍ أوْ عاجِزِ الرَّأیِ»(1).

کما صرح فی حدیث آخر فقال: (ولا لملوک وفاء) کما ورد فی قوله علیه السلام:

«خَمْسُ هُنَّ کَما أقُولُ: لَیْسَتْ لِبَخِیلٍ راحَةٌ، ولاَ لِحَسُودٍ لَذَّةُ، ولاَ لِمُلُوکٍ وَفاءٌ، ولاَ لِکَذّابٍ مُرُوءةٌ، وَلاَ یَسُودُ سَفَیهٌ»(2).

إذن یظهر مما تقدم أن طالب الرئاسة للدنیا لا یصلح أن یقود العباد إلی ما فیه صلاحهم ولا یستطیع أن یسوس البلاد بما ینفع الناس، وذلک لحرصه علی مصالحه الخاصة ومصالح حاشیته التی تحمی منصبه من الطامعین أد المعارضین، فیلجأ إلی الظلم والاعتداء علی من یعارضه، ویحارب من یرفضه ویبغضه، ولذا قال الإمام الحسین علیه السلام: (والسائرین فیکم بالجور والعدوان).

فإذن لابد للناس من حاکم مؤمن یتصف بصفات القیادة والحکومة الناجحة.

__ الدین والحکومة

إذا کان تعریف الدین: هو نظام أو قانون شرعه الله تعالی لیکفل للناس سعادة الدنیا والآخرة، لابد حینئذ أن تسیر الحیاة وفق القانون الذی شرعه الله تعالی وللأسباب التالیة:

1__ إن المشرع هو خالق الخلق والعالم بما ینفعهم وما یضرهم.

2__ إن المشرع معصوم من الخطأ فلا یحتمل فی تشریعه خلل أو نقص أو اضطراب أو تناقض أو جهل بالمصالح والمفاسد.


1- الخصال: ص330، ح27. میزان الحکمة: ج4، ص1359، ح6716.
2- الخصال: ص271، ح10. میزان الحکمة: ج4، ص1360، ح6729.

ص: 78

3__ إن المشرع حکیم مطلق وعالم مطلق وقادر مطلق وجواد مطلق، فلابد أن یکون عادلاً ومحسناً ورحیما بخلْقه الذین شرع لهم شرعه.

4__ إن المشرع غنی مطلق لا یحتاج من وراء حکمه حاجة تسد نقصاً أو تزیده کمالاً.

5__ إن المشرع له الصفات العلیا والأسماء الحسنی.

فإذا عرفنا صفات المشرع لابد لنا من التسلیم لشرعه الذی شرعه لنا والالتزام بقانونه وحکمه لکی نصل إلی سعادة الدنیا والآخرة، وهذا لا یتم إلا من خلال تطبیق شرعه ودینه الذی ارتضاه لنا.

وفی خلاف ذلک سنقع فی ظلم وعدوان واضطراب وفوضی ونکون مصداقاً لقوله تعالی:

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2).

وقوله تعالی:

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(3).

فتبین مما تقدم أن الحاکم النموذجی هو الذی یحکم بما أنزل الله تعالی لکی یصل بالناس إلی سعادة الدنیا والآخرة.


1- سورة المائدة، الآیة: 44.
2- سورة المائدة، الآیة: 45.
3- سورة المائدة، الآیة: 47.

ص: 79

__ المعصوم هو الحاکم النموذجی

خلق الله تعالی الناس لغایة عالیة ألا وهی القرب الإلهی الذی تعبر عنه الآیة الکریمة بالعبادة کما فی قوله تعالی:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ)(1).

وبما أن هذه الکلمة (العبادة) تعنی الإیمان والعمل الصالح، أی المعرفة والتطبیق أو العقل النظری والعقل العملی کما یسمونها أهل الحکمة، صار لازما فی العدل الإلهی أن یخلق الله تعالی إنساناً له القدرة علی قیادة الناس إلی هذا الکمال وهذا ما نراه متجسداً فی بعث الأنبیاء وإرسال الرسل الذین یمارسون دور الخلافة الإلهیة ودور القدوة والأسوة کما تشیر إلیه الآیات الکریمة:

قال الله تبارک وتعالی:

(وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(2). (یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الْحِسَابِ) (3). (لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(4). (لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِیهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ یَرْجُو اللَّهَ وَالْیَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ)(5).


1- سورة الذاریات، الآیة: 56.
2- سورة البقرة، الآیة: 30.
3- سورة ص، الآیة: 26.
4- سورة الأحزاب، الآیة: 21.
5- سورة الممتحنة، الآیة: 6.

ص: 80

ویتبین من الآیات السابقة أن هذا الخلیفة هو خلیفة لله تعالی فی الأرض ولا یمکن أن یکون خلیفة إلهیا دون أن یکون معصوماً لعدم انطباق العنوان علی المعنون إذن لابد من عصمته واتصافه بصفات کمالیة لا یرتقی إلیها مخلوق ولا یقاس بصاحبها أحد، ولکی یستطیع هذا الخلیفة أن یحکم بین الناس بالعدل وأن یمارس دور الأسوة والقدوة ویقود الناس إلی القرب الإلهی لابد أن یکون معصوماً من الخطأ والاشتباه والسهو والنسیان وإلا لوقعت الکثیر من المفاسد ولحصل التناقض والاضطراب وشاع الخلل والظلم والطغیان، فتحصّل مما تقدم ضرورة أن یکون الحاکم معصوماً أو تحت إشراف معصوم یرعاه ویسدده ویدله ویعضده ویؤیده ویکون شاهدا علیه وحجة فوقه.

ولذلک أشار الإمام الحسین علیه السلام بقوله:

(أیُّها الناسُ، فَإنَّکُمْ إنْ تَتَّقُوا اللهَ وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لأِهْلِهِ یَکُنْ أرْضَی للهِ عَنْکُمْ، وَنَحْنُ أهْلُ بَیْتِ مُحَمَّدٍ، وَأوْلی بوِلایَةِ هذا الأمْرِ عَلَیْکُمْ مِنْ هؤلاءِ الْمُّدَعِینَ مَا لَیْسَ لَهُمْ).

__ صفات الحاکم الإسلامی
اشارة

کل امرء یراد له أن یؤدی وظیفة ما لابد من اتصافه بصفات تؤهله لأداء هذه الوظیفة، ولا فرق فی ذلک بین الرئیس أو المرؤوس، والحاکم والمحکوم ولذا ذکر أهل الاختصاص صفاتٍ لابد من وجودها فی الحاکم الذی یستحق الحکومة:

1__ الورع والتقوی

بعد أن سلمنا أن الحاکم مؤمن بالله تعالی وبرسله وکتبه إیمانا خالصاً ومعتقدٌ عقیدة حقة لابد لهذا الحاکم أن یتصف بمانع یمنعه عن الوقوع فی المعاصی والتهافت أمام الشهوات واللذائذ ولیس ذلک إلا الورع فلذا ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

ص: 81

«لا تصلح الإمامة إلا لرجل فیه ثلاث خصال: ورع یحجزه عن معاصی الله، وحلم یملک به غضبه، وحسن الولایة علی من یلی حتی یکون لهم کالوالد الرحیم. وفی روایة أخری حتی یکون للرعیة کالأب الرحیم»(1).

ویستشف من الآیة الکریمة وجوب تقوی الذی یرید أن یکون إماما للناس الأتقیاء کما فی قوله تعالی:

(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِینَ إِمَامًا)(2).

وحیث إن التقوی لها دخل فی کل أمر فلابد أن یکون الحاکم تقیا وهذا ما وصی به النبی صلی الله علیه وآله وسلم أباذر فی قوله:

«علیک بتقوی الله، فإنه رأس الأمر کله»(3).

2__ الکفاءة فی القیادة والولایة

وهذا ما أشار إلیه النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم عندما ذکر خصال الإمام إذ یقول:

«لا تصلح الإمامة إلا لرجل فیه ثلاث خصال: ورع یحجزه عن معاصی الله، وحلم یملک به غضبه، وحسن الولایة علی من یلی حتی یکون کالولد (وفی روایة کالأب) الرحیم)».

وما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام أکثر دلالة علی هذه الصفة إذ یقول:

«أیها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقومهم وأعلمهم بأمر الله...»(4)


1- الکافی، الشیخ الکلینی: ج1، ص407، ح8.
2- سورة الفرقان، الآیة: 74.
3- میزان الحکمة، الریشهری: ج4، ص3624.
4- نهج البلاغة: ج2، ص86، الخطبة 173.

ص: 82

3__ سعة أفقه السیاسی

إن الاتصاف بالورع والتقوی وحسن التدبیر والولایة من الصفات الضروریة التی یجب أن یتصف بها الحاکم إلا أن ذلک غیر کافٍ لنجاح الحاکم فی حکومته والقائد فی قیادته فلابد من أن یکون متصفا بالفهم السیاسی وله القدرة علی التحلیل والاستنباط وقراءة المواقف والصور السیاسیة لکی یسهل علیه اتخاذ القرار المناسب دون أن یغلب علی رأیه، ودون أن یکون ممتثلا لمن یملی علیه ذلک وهذا ما نستفیده من قول الإمام الصادق علیه السلام:

«العالم بزمانه لا تهجم علیه اللوابس....»(1).

إذن لابد لمن یرید سیاسة الأمة وقیادتها وإدارة البلاد والعباد أن یکون علی بصیرة من أمره وإلا وقع فی المتاهات والفشل الذریع والبعد عن الحق وهذا ما أکده الإمام الصادق علیه السلام:

«العامل علی غیر بصیرة کالسائر علی غیر الطریق لا تزیده سرعة السیر من الطریق إلا بعداً»(2).

4__ أن یکون عادلا

لیس هناک صفة ألصق بالحکم من صفة العدل، ولیس هناک علاقة أقوی وأوسع من علاقة الحکم بالعدل بل یکاد أن یتحد العدل بالحکم، لما للعدل من أهمیة فی سیر الحکومات وتطبیق الأحکام بل له الأهمیة القصوی فی حفظ الملک وإدامة الحکم وهذا ما تعرضت له الروایات والأحادیث الشریفة، نذکر منها:

ألف: یشیر الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام إلی کون العدل صفة تقوم علیها


1- الکافی، الشیخ الکلینی: ج1، ص27، ح29.
2- الکافی، الشیخ الکلینی: ج1، ص43، ح1.

ص: 83

الحیاة کما فی قوله علیه السلام:

«العدل أساس به قوام العالم»(1).

باء: ویؤکد الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بأن الحکومات التی ترید لنفسها البقاء والاستمرار لابد لها من اتخاذ العدل کدرع واق ضد الأزمات والانقلابات کما یظهر هذا فی قوله علیه السلام:

«العدل جُنّة الدول»(2).

جیم: یبیّن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صفات الحاکم العادل من خلال قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَنْ عامَلَ النّاسَ فَلمْ یَظْلِمْهُمْ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ یَکْذِبْهُمْ، ووَعَدَهُمْ فَلَمْ یُخْلِفْهُمْ، فَهُوَ مِمَّنْ کَمُلَتْ مُروءَتُهُ، وظَهَرَتْ عَدالَتُهُ، وَوَجَبَتْ أخُوَّتُهُ، وَحَرُمَتْ غِیبَتُهُ»(3).

دال: ویرشد النبی صلی الله علیه وآله وسلم الحکام الذین یرغبون بالاتصاف بالعدل فیقول:

«ما کَرِهْتَهُ لِنَفْسِکَ فَاکْرَهْ لِغَیْرِکَ، وما أحْبَبْتَهُ لِنَفْسِکَ فَأحْبِبْهُ لأخیکَ؛ تَکُنْ عادِلاً فی حُکْمِکَ، مُقْسِطاً فی عَدْلِکَ، مُحَبّاً فی أهْلِ السَّماءِ، مَودوداً فی صُدورِ أهْلِ الأرْضِ»(4).

هاء: وحذّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الأمراء والحکام الذین لم یعدلوا مع الرعیة بقوله:

«أوَّلُ مَنْ یَدْخُلُ النّارَ أمیرٌ مُتَسَلِّطٌ لَمْ یَعْدِلْ، وَذو ثَرْوَةٍ مِنَ المالِ لَمْ یُعْطِ المالَ حَقَّهُ،


1- میزان الحکمة: ج6، ص2424.
2- نفس المصدر السابق.
3- الخصال: ص208، ح28. میزان الحکمة: ج6، ص2429، ح12002.
4- تحف العقول: ص14. میزان الحکمة: ج6، ص2430، ح12005.

ص: 84

وَفَقیرٌ فَخورٌ»(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«لاَ تَنالُ شَفاعَتی ذا سُلْطانٍ جائِرٍ غَشومٍ»(2).

وجاء عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث آخر:

«مَنْ وَلِیَ عَشْرَةً فَلَمْ یَعْدِلْ فیهِمْ جاءَ یَوْمَ القِیامَةِ وَیَداهُ وَرِجْلاهُ ورَأسُهُ فی ثَقْبِ فَأسٍ»(3).

__ وجوب الخروج للإصلاح

صدور الفعل من المعصوم حجة علی من یؤمن بإمامته ویعتقد بعصمته، وأن قول المعصوم وفعله یدلنا علی نوع التکلیف الشرعی، فما قام به سید الشهداء علیه السلام من تصدٍّ للطغمة الحاکمة المعلنة بالفسق والفجور یدلنا علی وجوب التصدی ووجوب الخروج لأجل الاصلاح فلذا نراه یخاطب الناس (أیها الناس إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«من رأی سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناکثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله، یعمل فی عباد الله بالإثم والعدوان فلم یغیر علیه بفعل ولا قول، کان حقا علی الله أن یدخله مدخله...».

هذه الخطبة تبین أسباب خروج الإمام علیه السلام ضد الحاکم، إلا أننا لا نعلم أفی عنوان الوجوب یدخل خروج الإمام __ علیه السلام __ أم فی عنوان الاستحباب، وما ینبغی أن یعمل؟


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص28، ح20. میزان الحکمة: ج6، ص2433، ح12024.
2- مستدرک الوسائل: ج12، ص99، ح13627. میزان الحکمة: ج6، ص2433، ح12025.
3- ثواب الأعمال: ص309، ح1. میزان الحکمة: ج6، ص2433، ح12027.

ص: 85

عند تأملنا خطبة الإمام علیه السلام التی ذکرت فی أعلاه إضافةً إلی قوله علیه السلام:

(ألاَ وَإنَّ هؤلاءِ قَدْ لزِمُوا طاعَةَ الشَّیطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَأظْهَرُوا الفَسادَ...).

نقف علی ما یلی:

1__ إن الإمام الحسین علیه السلام امتثل لأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی تضمنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم السابق:

(«إنَّ رَحی الإسْلاَمِ سَتَدُورُ، فَحَیْثُ ما دارَ القُرْآنُ فُدوروا بِهِ، یُوشِکُ السُّلْطانُ وَالقُرْآنُ أنْ یَقْتَتِلاَ ویَتَفَرَّقا، إنَّهُ سَیَکُونُ عَلَیْکُمْ مُلوکٌ یَحْکُمونَ لَکُمْ بِحُکْمٍ، وَلَهُمْ بَغَیْرِهِ، فَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ أضَلُّوکُمْ، وإنْ عَصَیْتُموهُمْ قَتَلوکُمْ.

قالوا: یَا رَسولَ اللهِ، فَکَیْفَ بِنا إنْ أدْرَکْنا ذلِکَ؟ قالَ:

تَکُونُونَ کَأصْحابِ عیسی: نُشِروا بِالمَناشِیرِ وَرُفِعوا علی الخَشَبِ، مَوْتٌ فی طاعَةٍ خَیْرٌ مِنْ حَیاةٍ فی مَعْصِیَةٍ»)(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«سَیَکونُ عَلَیْکُمْ أئِمَّةٌ یَمْلِکونَ أرْزاقَکُمْ، یُحَدِّثونَکُمْ فَیَکْذِبونَکُمْ، وَیَعْمَلونَ فَیُسیئُونَ العَمَلَ، لاَ یَرْضَوْنَ مِنْکُمْ حَتّی تُحَسِّنوا قَبیحَهُمْ، وتُصَدِّقوا کِذْبَهُمْ، فَأعْطُوهُمُ الحَقَّ ما رَضُوا بِهِ، فَإذا تَجاوَزوا فَمَنْ قُتِلَ علی ذلِکَ فَهُوَ شَهیدٌ»(2).

وتجسیدا لما صرحت به الآیة الکریمة:


1- الدرّ المنثور: ج3، ص125. میزان الحکمة: ج1، ص167، ح908.
2- کنز العمال: 14876. میزان الحکمة: ج1، ص167، ح910.

ص: 86

(وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).

وحدیث أبیه أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول:

«أیُّها المُؤْمِنُونَ، إنَّهُ مَنْ رَأی عُدْواناً یُعْمَلُ بِهِ وَمُنْکَراً یُدْعی إلَیْهِ فَأنْکَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وبَرِئَ، وَمَنْ أنْکَرَهُ بِلِسانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أفْضَلُ مِنْ صاحِبِهِ، وَمَنْ أنْکَرَهُ بِالسَّیْفِ __ لِتَکونَ کَلِمَةُ اللهِ هِیَ العُلْیا، وکَلِمَةُ الظّالِمینَ هِیَ السُّفْلی __ فَذلِکَ الّذی أصابَ سَبیلَ الهُدی وَقامَ عَلَی الطّریقِ وَنَوَّرَ فی قَلْبِهِ الیَقینُ»(2).

2__ إن دفع الضرر واجب، وما ورد فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«فلم یغیر علیه بفعل ولا قول، کان حقا علی الله أن یدخله مدخله».

صریح فی وقوع الضرر فی الدنیا والآخرة فصار لابد من القیام بالتغییر لدفع الضرر، ووردت أحادیث کثیرة بذلک من ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا تَرَکَتْ أمَّتیَ الأمْرَ بِالمَعْروفِ والنَّهْیَ عَنِ المُنْکَرِ فَلْیُؤْذَنْ بِوِقاعٍ مِنَ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ»(3).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«لَتَأمُرُنَّ بِالمَعْروفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ المُنْکَرِ، أو لَیَعُمَّنَّکُمْ عَذابُ اللهِ»(4).


1- سورة آل عمران، الآیة: 104.
2- نهج البلاغة الحکمة 373. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج19، ص305. میزان الحکمة: ج6، ص2589 __ 2590، ح12788.
3- بحار الأنوار: ج100، ص78، ح33. میزان الحکمة: ج6، ص2580، ح12733.
4- وسائل الشیعة: ج11، ص407، ح12. میزان الحکمة: ج6، ص2580، ح12734.

ص: 87

وجاء فی حدیث للنبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ النّاسَ إذا رأوُا الظّالِمَ فَلَمْ یأخُذوا عَلی یَدَیْهِ، أوشَکَ أنْ یَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقابٍ مِنْهُ»(1).

3__ إن من وظائف الإمام الحفاظ علی الدین الإسلامی وبیضته، وهذا لا یتم إلا من خلال التصدی لمن أراد أن یطمس الدین ویغیره، فتعین وجوب الخروج مع الإمام ضد الطغاة.

ومما یؤکد ذلک قول الإمام الصادق علیه السلام:

«الجهاد واجب مع إمام عادل».

فإذا کان الجهاد واجبا علی الأمة مع الإمام العادل فهو أوجب فی حق الإمام الذی من مسؤولیته حفظ الدین، وهذا ما أکده قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَنْ أمَرَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهی عَنِ المُنْکَرِ فَهُوَ خَلیفَةُ اللهِ فی الأرْضِ، وَخَلیفَةُ رَسُولِهِ»(2).

4__ سکوت الإمام الحق والخلیفة الإلهی عن فعل الحاکم الجائر یغرر بالأمة ویمنعها من مجاهدة أئمة الضلال اقتداء بإمامها، فضلاً عما یترکه سکوت الإمام من تفسیرات سیئة تصب فی مصلحة الحاکم الجائر.

5__ بما أن الإمام الحسین علیه السلام الذی هو الخلیفة الإلهی والإمام الحق قد وجد الأنصار لمحاربة أئمة الجور صار لابد من محاربتهم امتثالاً لقوله تعالی:


1- کنز العمال: 5575، أقول: فی معناه أحادیث کثیرة، راجع: کنز العمال: ج3، ص66 إلی آخر الباب. میزان الحکمة: ج6، ص2580، ح12735.
2- مستدرک الوسائل: ج12، ص179، ح13817. میزان الحکمة: ج6، ص2572، ح12686.

ص: 88

(وَإِنْ نَکَثُوا أَیْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِی دِینِکُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَیْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ)(1).

وامتثالاً لقول أبیه أمیر المؤمنین علیه السلام عند وصیته للحسنین علیهما السلام:

«کونا للظالم خصما وللمظلوم عونا»(2).

__ دفع شبهة
اشارة

الشبهة الأولی: إن الإمام الحسین علیه السلام قام بشق عصا الأمة وعمل علی تفریق الجماعة وعصا إمام زمانه أو خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بخروجه علی یزید بن معاویة، ولذا لا یحق لأحد أن یعدّ الإمام مظلوماً شهیداً کما لا یحق لأحد أن یعدّ یزید ظالماً ومعتدیا؛ لأحقیته بدفع الخطر عن الحکومة الإسلامیة، ولأن وظیفة الخلیفة أن یخمد الفتنة التی تعصف بالأمة.

الجواب: لکی یتضح الجواب ویسهل إدراکه من قبل القارئ الکریم نبین النقاط التالیة:

أولا: لا مقارنة بین الإمام الحسین علیه السلام وبین یزید من حیث النسب أو المنزلة، ومن حیث التقوی والطهارة فلذا لا یصح أن یکون یزید إماماً علی الحسین علیه السلام، کما لا یصح أن یکون یزید خلیفة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعدم اتصافه بصفات خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ثانیا: وردت فی حق الإمام الحسین علیه السلام أحادیث کثیرة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نذکر منها ما یتطلبه الجواب:


1- سورة التوبة، الآیة: 12.
2- نهج البلاغة، خطب الإمام علیه السلام: ج3، ص76، ح47.

ص: 89

ألف/ قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة»(1).

لاشک فی إجماع المسلمین علی صحة هذا الحدیث الشریف، وبأدنی تأمل فی هذا الحدیث یتضح لنا أن الإمام الحسین علیه السلام معصوم من الزلل ومن الخطأ ومن الظلم ومن التعدی علی حقوق الغیر، وإلا لا یصح أن یکون سید شباب أهل الجنة ظالماً فی الدنیا لغیره أو لنفسه أو عاصیاً لربه ولرسوله أو خارجاً علی إمام زمانه کما یدعون، وإلیک عزیزی القارئ توضیح ذلک بما یلی:

1__ إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أخبر ذلک عن الله تعالی؛ لأنه لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی.

2__ إن هذا الخبر یدل علی أن الحسین علیه السلام سوف یموت وهو فی مرضاة الله تعالی، ولا یعصی الله تعالی قد أنمله ولا أقل من ذلک طول حیاته، وإلا لزم تفضیل المفضول علی الفاضل وهو محال فی العدل الإلهی.

3__ إن کل ما یقوله الإمام الحسین علیه السلام أو یفعله هو طاعة لله ولرسوله وإلاّ یلزم دخول العاصی الذی لم یتب عن معصیته الکبیرة إلی الجنة أسوة بالمطیع المؤمن، وهذا خلاف العدل الإلهی لما ورد فی القرآن الکریم والسنة النبویة من امتناع ذلک:

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجَّارِ)(2).


1- الأمالی للشیخ الصدوق: ص187، ح196/7. صراط النجاة، المیرزا جواد التبریزی: ج2، ص455، س1425. دعائم الإسلام، القاضی النعمان المغربی: ج1، ص37. الاحتجاج، الشیخ الطبرسی: ج1، ص87. مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص4. سنن ابن ماجه: ج1، ص44، ح118. سنن الترمذی: ج5، ص322، ح3856. المستدرک علی الصحیحین، النیسابوری: ج3، ص167.
2- سورة ص، الآیة: 28.

ص: 90

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ کَالْمُجْرِمِینَ)(1).

(تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ کَانَ تَقِیًّا)(2).

قال الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ اللهَ تَبارَکَ وَتَعالی آلی عَلی نَفْسِهِ أنْ لاَ یُسْکِنَ جَنَّتَهُ أصْنافاً ثَلاَثةً: رادٌّ عَلی اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أوْ رادٌّ عَلی إمامِ هُدیً، أوْ مَنْ حَبَسَ حَقَّ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ»(3).

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لاَ یَدْخُلُ الجَنَّةَ جَبّارٌ وَلاَ بَخِیلٌ وَلاَ سَیّئ المَلَکَةِ»(4).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«مَنِ اسْتَرْعی رَعِیَّةً فَغَشَّها حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ الجَنَّةَ»(5).

ورد فی الکافی عن علی بن أسباط عن الأئمة علیهم السلام، فیما وعظ اللهُ به عیسی علیه السلام:

«هِی (یعنی النّارَ) دارُ الجَبّارِینَ وَالعُتاةِ الظّالِمینَ، وکُلِّ فَظٍّ غَلیظٍ، وکُلِّ مُخْتالٍ فَخورٍ»(6).

تبیّن مما تقدم أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذی لا ینطق عن الهوی شهد لولده الحسین علیه السلام بالاستقامة والطاعة لله تعالی ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم طول حیاته وإنه سیموت علی ذلک فیدخل الجنة وسیکون سیدها فیلزم من هذا


1- سورة القلم، الآیة: 35.
2- سورة مریم، الآیة: 63.
3- الخصال: ص151، ح185. میزان الحکمة: ج2، ص566، ح2592.
4- تنبیه الخواطر: ج1، ص198. میزان الحکمة: ج2، ص566، ح2593
5- تنبیه الخواطر: ج2، ص227. میزان الحکمة: ج2، ص566، ح2594.
6- الکافی: ج8، ص136، ح103. میزان الحکمة: ج2، ص626، ح2926.

ص: 91

أن کل ما قام به الإمام الحسین علیه السلام هو طاعة لله ولرسوله.

باء/ ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«ابنای هذان إمامان قاما أو قعدا»(1).

هذا الحدیث الشریف صریح فی إمامة الإمام الحسین علیه السلام وصریح فی وجوب طاعته وهذا یُظهِر ما یلی:

1__ إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا یخبر بذلک عاطفیا بل امتثالاً لأمر الله تعالی؛ لما تقدم من آیة:

(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَی)(2).

وإلا یلزم نقض الغرض من البعثة.

2__ لا یمتدح النبی صلی الله علیه وآله وسلم أئمة الکفر أو الضلال ولا یعترف بإمامتهم وإلا یلزم تفض الغرض من البعثة وهذا ما یؤکده قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لأُعَذِّبَنَّ کُلَّ رَعِیَّةٍ فی الإسْلامِ أطاعَتْ إماماً جائِراً لَیْسَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وإنْ کانَتِ الرَّعِیَّةُ فی أعْمالِها بَرَّةً تَقِیّةً»(3).

جیم/ ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«حسین منی وأنا من حسین، أحب الله من أحب حسینا، حسین سبط من الأسباط»(4).


1- الحدائق الناضرة، المحقق البحرانی: ج22، ص217. الإرشاد للشیخ المفید: ج2، ص30. شرح إحقاق الحق، السید المرعشی: ج7، ص482. میزان الحکمة، محمد الریشهری: ج1، ص153، ح202.
2- سورة النجم، الآیتان: 3 و4.
3- بحار الأنوار: ج25، ص110، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص162، ح882.
4- میزان الحکمة، محمد الریشهری: ج1، ص158، ح208. کامل الزیارات، لابن قولویه: ص116، ح(126)11. شرح الأخبار، القاضی النعمان المغربی: ج3، ص88، ح(1015). الإرشاد للشیخ المفید: ج2، ص128، باب طرف من فضائل الحسین علیه السلام. مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص172. سنن ابن ماجه: ج1، ص51، ح144. المعجم الکبیر للطبرانی: ج3، ص32، ح2589. الجامع الصغیر للسیوطی: ج1، ص576، ح3727. تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر: ج14، ص149. البدایة والنهایة لابن کثیر: ج8، ص224.

ص: 92

صرح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحبه للحسین علیه السلام، لعلمه بأنه یستحق ذلک؛ لاستحالة أن یحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شخصاً ظالماً أو عاصیاً لله تعالی ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم بل طلب من الأمة أن تحب الحسین علیه السلام؛ لأن فی حب الحسین رضا الله تعالی وحبه لمن أحبه.

ثالثا: الآیات الکریمة التی نزلت فی حق الإمام الحسین علیه السلام تؤکد أن الإمام الحسین علیه السلام هو الحق وما سواه باطل وهی کما یلی:

1__ آیة التطهیر

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)(1).

هذه الآیة الکریمة شملت الإمام الحسین علیه السلام وشهدت له بالطهارة والعصمة فی عمره کله، وإلاّ یلزم أن الله تعالی یمتدح الحسین وهو یعلم به أنه سیکون عاصیاً لإمام زمانه وخارجاً علی خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وهذا محال، أو أن الله تعالی امتدح الحسین علیه السلام وهو لا یعلم ما ستؤول إلیه عاقبته وهذا محال أیضا، فیلزم مما تقدم أن الإمام الحسین علیه السلام هو الحق وفعله طاعة وما سواه باطل وقتله معصیة بل جریمة کبری.

2__ آیة المودة

(قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی)(2).


1- سورة الأحزاب، الآیة: 33.
2- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 93

افترض الله تعالی فی هذه الآیة مودة قربی النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی الأمة صغیرها وکبیرها حرها وعبدها أمیرها ومأمورها حاکمها ومحکومها أسودها وأبیضها، وهؤلاء القربی الذین فرضت مودتهم علی الأمة هم (علی وفاطمة والحسن والحسین والأئمة المعصومون من ذریة الحسین علیهم السلام) فیلزم من هذا علی الأمة أن تحب الإمام الحسین علیه السلام وتعظمه وتوقره، فکیف یأم ر الله تعالی بمودة الحسین علیه السلام وهو یعلم أنه سیخرج علی إمام زمانه ویقاتله؟! فتبین مما تقدم فی هذه الآیة أن الله تعالی فرض المودة للإمام الحسین علیه السلام لعلمه باستقامته وطاعته وصحة فعله وقوله ولعلمه تعالی بأن الحسین علیه السلام سیموت فی طاعة الله وطاعة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وفعله حق لا ریب فیه.

3__ هناک آیات کثیرة لم نذکرها روما للاختصار تدل علی أحقیة الإمام الحسین علیه السلام فی الإمامة وبطلان إمامة غیره.

(وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزَاءً وَلَا شُکُورًا)(1).

(فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ)(2).

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِیلًا)(3).


1- سورة الإنسان، الآیتان: 8 و9.
2- سورة آل عمران، الآیة: 61.
3- سورة النساء، الآیة: 59.

ص: 94

ص: 95

الخطبة الثانیة عشرة: وفیها یذمّ الدنیا ویحذّر منها

اشارة

ص: 96

ص: 97

نص الخطبة

اشارة

«الحَمْدُ لله الّذی خَلَقَ الدُّنْیا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وَزَوالٍ، مُتَصرِّفَةً بِأَهْلِها حالاً بَعْدَ حالٍ، فَالْمَغْرُورْ مَنْ غَرَّتْهُ، والشَّقٍیُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلا تَغُرَّنَّکُمْ هذِهِ الدُّنْیا، فَإنَّها تَقْطَعُ رَجاءَ مَنْ رَکَنَ إلَیْها، وَتُخَیِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فیها، وأراکُمْ قَدْ اِجْتَمَعْتُمْ علی أمْرٍ قَدْ أسْخَطْتُمُ الله فیه عَلَیْکُمْ، وَأعْرَضَ بوَجْهِهِ الکَریمِ عَنْکُمْ، وَأَحَلَّ بِکُمْ نِقْمَتَهُ، وَجَنَّبَکُمْ رَحْمَتَهُ، فَنِعْمَ الرَّبُ رَبُّنا، وَبِئسَ العَبیدَ أنْتُمْ، أقْرَرْتُم بِالطّاعَةِ، وَآمَنْتُمْ بِالرّسُولِ محَمَّدٍ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ثُمَّ إنَّکُمْ زَحَفْتُمْ إلی ذُریَتِهِ وَعِتْرَتِهِ(1) تُریدُونَ قَتْلَهُمْ، لَقَدِ اسْتَحوَذَ عَلَیْکُمُ الشّیْطانُ، فَأنْساکُمْ ذِکْرَ اللهِ العَظیمٍ، فَتَبّاً(2) لَکُمْ وَلِما تُریدُونَ، إنّا لله وَإنّا إلَیْهِ راجِعُونَ، هؤُلاءِ قَوْمٌ کَفَرُوا بَعْدَ إیمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمینَ».

المعنی العام
اشارة

الثناء والشکر لله الذی ابتدع وصنع الدنیا فجعلها سکناً یتبعه نهایة وإبادة وتفرق وانفصال، مدبّرة لأهلها وقتا بعد وقت وصفة بعد صفة، الجاهل المخدوع من ینخدع فیها، التعیس وغیر السعید من وقع فی إغرائها وانبهر بها، فلا تخدعکم هذه الدنیا، فإنها تبعد وتنهی وتفرق بین الأمل وبین من مال وسکن إلیها، وتحرم وتمنع من رغب بها،


1- العترةُ: نسلُ الرّجُلِ ورَهْطُهُ وَعَشِیَرتُهُ.
2- تَبّ فُلانٌ: خَسِرَ وهَلَک.

ص: 98

وأراکم قد انضم بعضکم إلی بعض علی شأن قد أغضبتم الله فیه علیکم، وأشاح بوجهه أی لم یقبل علیکم، وأنزل بکم عقوبته، وأبعدکم من خیره ونعمه ولطفه، فنعم المدبر والمربی ربنا، وبئس المملوکون أنتم، إذ عنتّم واعترفتم بالخضوع والانقیاد، وآمنتم بالرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم ثم إنکم مشیتم بثقلکم وکثرتکم إلی نسله ورهطه وعشیرته تریدون قتلهم وفناءهم، لقد غلبکم واستولی علیکم الشیطان فاعنف لکم عن ذکر الله ذی القوة والکبریاء، ثم دعا علیهم الإمام علیه السلام بالهلاک والخسران بقوله: «فتبّاً لکم ولما تریدون من زخرف الدنیا»، إنا مملوکون لله تعالی وإلیه إیابنا، فهؤلاء قوم انحرفوا عن الاستقامة، فسحقا للقوم الجائرین والمائلین عن الحق.

__ تغیر الدنیا وتقلبها

یدرک کل عاقل أن هذه الدنیا فانیة زائلة، ویلمس بوضوح تغیرها وتقلب أیامها من فرح إلی حزن ومن سعادة إلی شقاء ومن انشراح ونشوة إلی هم وغم فیحذرها ولا یطمئن فیها إلا بذکر الله تعالی، فهی دار الغرور ودار اللعب واللهو لمن غفل عن ذکر الله تعالی فلذا جاءت الآیات الکریمة تقر بیان هذا المعنی کما فی قوله تعالی:

(کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(1).

وقوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ وَاخْشَوْا یَوْمًا لَا یَجْزِی وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَیْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَلَا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(2).


1- سورة آل عمران، الآیة: 185.
2- سورة لقمان، الآیة: 33.

ص: 99

وقوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَلَا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(1).

وهناک الکثیر من الآیات التی تؤکد هذا المعنی، کما أن أهل البیت علیهم السلام وصفوها تارة بالماکرة المتقلبة التی لا ثبات لها ولا اطمئنان لحالها کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ألا وإنَّ الدُّنْیا دارٌ غَرّارةٌ خُدَّاعَةٌ، تَنْکِحُ فی کُلِّ یَوْمٍ بَعْلاً، وَتَقْتُلُ فی کُلِّ لَیْلَةٍ أهْلاً، وتُفَرِّقُ فی کُلِّ ساعَةٍ شَمْلاً»(2).

وتارة أخری بالمؤذیة المزعجة کما فی قوله علیه السلام أیضا:

«إتَّقُوا غُرورَ الدُّنْیا، فَإنَّها تَسْتَرْجِعُ أبَداً ما خَدَعَتْ بِهِ مِنَ المَحاسِنِ، وتَزْعَجُ المُطْمَئِنَّ إلَیْها والقاطِنَ»(3).

وتارة بأنها بخیلة شحیحة مع من تزود منها، فلذا نجد تحذیر أمیر المؤمنین علیه السلام جلیا فی قوله:

«فَلاَ یَغُرَّنَّکُمْ کَثْرَةُ ما یُعْجِبُکُمْ فیها لِقِلَّةِ ما یَصْحَبُکُمْ مِنْها»(4).

ولشدة حرص أمیر المؤمنین علیه السلام علی دفع الضرر عن المؤمنین، وکونه الخبیر الذی لا یقاس به أحد فی فهم تقلبات الدنیا وغرورها نجده یقدم النصیحة للغافلین عن ذلک بقوله علیه السلام:

«ما قَدَّمْتَ فَهُوَ لِلمالِکینَ، وَما أخَّرْتَ فَهُوَ لِلوارِثینَ، وما مَعَکَ فَما لَکَ عَلَیْهِ سَبیلٌ


1- سورة فاطر، الآیة: 5.
2- نهج السعادة: ج3، ص174. میزان الحکمة: ج3، ص1212، ح5879.
3- غرر الحکم: 2562. میزان الحکمة: ج3، ص1212، ح5881.
4- بحار الأنوار: ج73، ص118، ح109. میزان الحکمة: ج3، ص1212، ح5880.

ص: 100

سِوَی الغُرورِ بِهِ»(1).

وبیّن الآثار السلبیة التی تصیب المغرور بهذه الدنیا بقوله:

«إنَّ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْیا بِمُحالِ الآمالِ وخَدَعَتْهُ بِزُورِ الأمانِیِّ أوْرَثَتْهُ کَمَهاً، وألْبَسَتْهُ عَمیً، وَقَطَعَتْهُ عَنِ الأخْری، وأوْرَدَتْه مَوارِدَ الرَّدی»(2).

فبعد هذه النصائح والتحذیرات من تقلب الدنیا وغرورها لا یصح الاطمئنان إلیها والرکون إلی لذائذها والانغماس فی شهواتها المحرجة، بل إن الاطمئنان إلیها یثیر العجب والاستغراب عند أهل البیت علیهم السلام کما جاء ذلک علی لسان سید الشهداء الإمام الحسین بن علی علیهما السلام:

«وُجِدَ لَوْحٌ تَحْتَ حائِطِ مَدینَةٍ مِنَ المَدائِنِ فیهِ مَکْتُوبٌ: أنا اللهُ لاَ إلهَ إلاّ أنا وَمُحَمَّدٌ نَبِیِّی... عَجِبْتُ لِمَنِ اخْتَبَرَ الدُّنْیا کَیْف یَطْمَئِنُّ؟!»(3).

کما أن الإمام الصادق علیه السلام لشدة تعجبه ممن یغتر بالدنیا ویطمئن إلیها یستفهم استفهاماً استنکاریاً کما فی قوله:

«إنْ کانَتِ الدُّنْیا فانِیَةً فَالطُّمَأنینَةُ إلَیْها لِماذا؟!»(4).

فلذا صار واضحا وجوب الحذر منها وعدم الاطمئنان لحالها، ولا یترک الحذر منها إلاّ من کان جاهلاً أحمق کما فی هذه الأحادیث الشریفة التی صدرت عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام:

«الرُّکونُ إلی الدُّنْیا مَعَ ما یُعایَنُ مِنْ غِیَرِهاجَهْلٌ»(5).


1- بحار الأنوار: ج71، ص356، ح17. میزان الحکمة: ج3، ص1213، ح5886.
2- غرر الحکم: 3532. میزان الحکمة: ج3، ص1213، ح5885.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص44، ح158. میزان الحکمة: ج3، ص1215، ح5904.
4- بحار الأنوار: ج73، ص88، ح54. میزان الحکمة: ج3، ص1215، ح5903.
5- غرر الحکم: 1979. میزان الحکمة: ج3، ص1214، ح5894.

ص: 101

وعنه علیه السلام قال:

«الرُّکُونُ إلی الدُّنْیا مَعَ ما یُعایَنُ مِنْ سُوءِ تَقَلُّبِها جَهْلٌ»(1).

وورد عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«العاجِلَةُ غُرورُ الحَمْقی»(2)

«الفَرَحُ بِالدُّنْیا حُمْقٌ»(3).

__ الغضب المذموم والممدوح

رکّب فی الإنسان قوی متعددة أولها القوة العاقلة ثم القوة الغضبیة والقوة الشهویة والقوة الشیطانیة، ولکی نقف علی تفصیل القوة الغضبیة لابد لنا من معرفة الغضب فی اللغة والاصطلاح لکی یتسنی لنا الدخول فی معرفة غضب الله تعالی.

الغضب فی اللغة: غضب علیه غضبا: سخط علیه وأراد الانتقام منه، فهو غضب وهی غضبة، اغضبه، حمله علی الغضب، غاضب فلان فلاناً: اغضب کل منهما الآخر __ وفلانا: هجره وتباعد عنه(4).

الغضب: استجابة لانفعال، یتمیز بالمیل إلی الاعتداء.

الغضب فی الاصطلاح: هو کیفیة نفسانیة موجبة لحرکة الروح من الداخل إلی الخارج للغلبة، ومبدئه شهوة الانتقام(5).

الغضب المذموم جمرة من الشیطان تستعر فی قلب الغاضب ثم تظهر علی الجوارح عندما تثور حمیة الجاهلیة فیکون المرء قد وقع فی الافراط الذی یخرجه عن


1- غرر الحکم: 2037. میزان الحکمة: ج3، ص1214، ح5895.
2- غرر الحکم: 896. میزان الحکمة: ج3، ص1214، ح5897.
3- غرر الحکم: 454، میزان الحکمة: ج3، ص1214، ح5898.
4- القاموس الفقهی: ص275.
5- جامع السعادات: ج1، ص320.

ص: 102

طاعة الله تعالی وحدود العقل، وأما الغضب الذی تستخرجه حمیة الإیمان للدفاع عن الدین فهو غضب ممدوح ومطلوب فهذا النوع من الغضب هو من باب دفع الضرر قبل وقوعه.

وفی قبال الغضب الممدوح عدم الغضب الذی یصل إلی درجة الضعف والخوار والاستسلام، فهذا ما یسمی بالجبن أو هو من قبیل عدم الغیرة والحمیة فیضیع ما یجب الحفاظ علیه کالدین والعرض والأولاد والأموال أو کل عزیز ینبغی الغضب لأجله، ولذا ورد فی القرآن الکریم ما یبین آثار الغضب الممدوح کقوله تعالی:

(أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ)(1).

وقوله تعالی:

(وَاغْلُظْ عَلَیْهِمْ)(2).

فهذه المقاطع من الآیات الکریمة یفهم منها مدح الشدة علی الکفار المعتدین والغلظة علیهم وهذا المدح یؤول إلی مدح الغضب لله تعالی الذی أمرت به الأحادیث الشریفة کقول أمیر المؤمنین علیه السلام لأصحابه:

«وَقَدْ تَرَوْنَ عُهودَ اللهِ مَنْقوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ، وأنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبائِکُمْ تَأنَفُونَ!»(3).

وعنه علیه السلام قال:

«مَنْ شَنِئَ الفاسِقینَ وَغَضِبَ للهِ، غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأرْضاهُ یَوْمَ القِیامَةِ»(4).


1- سورة الفتح، الآیة: 29.
2- سورة التوبة، الآیة: 73.
3- نهج البلاغة: الخطبة 106. میزان الحکمة: ج7، ص3011، ح15066.
4- نهج البلاغة: الحکمة: 31. میزان الحکمة: ج7، ص3011، ح15069.

ص: 103

_ غضب الله _ تعالی _ ونقمته
غضب الله _ تعالی _

کل ما تقدم بیانه عن الغضب من تعریفه الاصطلاحی أو بیان قسمیه المذموم والممدوح لا یجری إلاّ فی الإنسان، وأما جریان ذلک فی الله تعالی فهو محال لأنه واجب الوجود ولیس ممکنا.

ما ورد فی القرآن الکریم عن غضب الله تعالی کقوله تعالی:

(ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ أَیْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الْمَسْکَنَةُ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَانُوا یَکْفُرُونَ بِآَیَاتِ اللَّهِ وَیَقْتُلُونَ الْأَنْبِیَاءَ بِغَیْرِ حَقٍّ ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْهَا إِنْ کَانَ مِنَ الصَّادِقِینَ)(2).

وقوله تعالی:

(کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی وَمَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوَی)(3).

وما ورد فی الأحادیث الشریفة کقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَنْ شَنِئَ الفاسِقینَ وَغَضِبَ للهِ، غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأرْضاهُ یَوْمَ القِیامَةِ».

لا یعنی أن غضب الله تعالی هو کیفیة نفسانیة أیضا ولا یعنی أن غضبه تعالی


1- سورة آل عمران، الآیة: 112.
2- سورة النور، الآیة: 9.
3- سورة طه، الآیة: 81.

ص: 104

یهیج ویسکن کما فی الإنسان، کما لا یعنی أن غضبه تعالی ناشئ من شهوة الانتقام أو هو من باب دفع الضرر لأنه محال لجریان ذلک فی المخلوق دون الخالق وفی المتغیّر بالأحوال دون الذی لا تعتریه الحوادث ولا یتغیر ولا ینفعل، فهو تعالی قد تنزه عن کل الصفات التی یتصف بها المخلوق کما أنه تعالی لیس محلاً لقیام الحوادث بذاته.

إذن بعد هذه المقدمة نبین المراد من معنی غضب الله تعالی، فنقول: إن غضب الله تعالی هو اللعنة والعقاب کما ورد فی مجمع البیان:

(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)(1).

أی رجعوا بغضب الله الذی هو عتابه ولعنه(2).

ومما یؤید ذلک قول العلامة الطباطبائی فی تفسیر المیزان إذ یقول: (فیمتنع أن یکون صفة من الصفات القائمة بذاته لتنزهه تعالی عن أن یکون محلاً للحوادث فما نسب إلیه تعالی من الرضا صفة فعل قائم بفعله منتزع عنه کالرحمة والغضب... الخ).

فغضب الله تعالی لیس کغضب الإنسان وإنما غضبه فعله وقد یکون فعلاً تکوینیا أو فعلاً تشریعیا لانقسام فعله تعالی إلیها وهذا ما أشار إلیه العلاّمة فی تفسیر المیزان أیضا إذ یقول: (وإذ کان فعله قسمین تکوینی وتشریعی انقسم الرضا منه أیضا إلی تکوینی وتشریعی... الخ)(3).

إذن تبین مما سبق أن الغضب الإلهی هو الفعل التکوینی الذی أوجده الله تعالی وهو العقاب أو العذاب الساقط علی من یستحقه.


1- سورة البقرة، الآیة: 61.
2- مجمع البیان: ج2، ص294.
3- تفسیر المیزان للسید الطباطبائی: ج17، ص242.

ص: 105

__ انتقام الله تعالی

الانتقام فی اللغة: نقم منه نقماً: عاقبه، انتقم منه: عاقبه، النقمة: العقوبة.

الانتقام فی الاصطلاح: هو العقوبة التی تذیقها غیرک بمقدار ما أذاقک منها أو أکثر من ذلک وهی صادرة عن التشفی غالبا.

فالانتقام من الغیر قد یکون عادلاً وقد یخرج عن الإنصاف إلاّ أن هذا الانتقام صادر عن التشفی بالغیر وعن فورة الغضب بسببه، فهذا الانتقام مختص بالمخلوق فقط حیث لا یمکن صدوره عن الله تعالی لتنزهه عن التشفی والغضب البشری، بل إن الانتقام الإلهی لیس إلاّ مجازاة المسیء علی إساءته فقط، لأن الله تعالی وعد أهل الحق بالخیر وأهل الباطل بالشر والعذاب.

فلذا ورد قوله تعالی:

(لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَیَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی)(1).

ولکی یتضح المطلب أکثر نقول:

إن الانتقام یمکن أن یلحظ بلحاظات متعددة، تارة نلحظه من جهة المنتقم فیکون علی قسمین: الانتقام الفردی وهو ما تقدم فی التعریف الاصطلاحی للانتقام، والانتقام الاجتماعی وهو ما ینزله المجتمع من عقوبات ومؤاخذات علی من یسیء للحق الاجتماعی أو علی من یوجد الخلل فی النظام العام وهذا لا یصدر عن التشفی أو الغضب وإنما لأجل الحفاظ علی النظام والحمایة العامة أو الفردیة، فهذا النوع من الانتقام هو حق من حقوق المجتمع لما له من غایة سامیة ألا وهی حفظ النظام وهذا الانتقام هو مصداق من مصادیق الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فلذا ورد عن الإمام الحسین علیه السلام قوله:


1- سورة النجم، الآیة: 31.

ص: 106

«اعْتَبِروا أیُّها النّاسُ بِما وَعَظَ اللهُ بِهِ أوْلِیاءَهُ مِنْ سوءِ ثَنائِهِ عَلَی الأحْبارِ؛ إذْ یَقولُ:

(لَوْلَا یَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِیُّونَ)(1).

وقالَ:

(لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ)(2).

وإنَّما عابَ اللهُ ذلِکَ عَلَیْهِمْ لأنَّهُم کانوا یَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الّذینَ بَیْنَ أظْهُرِهِمْ المُنْکَرَ وَالفَسادَ فَلاَ ینْهَوْنَهُمْ عَنْ ذلِکَ، رَغْبَةً فیما کانوا یَنالونَ مِنْهُمُ، وَرَهْبَةً مِمّا یَحْذَرُونَ، واللهُ یقول:

(فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(3)»(4).

فإذا اتضح هذا یتضح ما ینسب إلی الله تعالی من مفهوم الانتقام فیکون حینئذ انتقام الله تعالی عقوبة ینزلها الله تعالی لحفظ النظام والدین والمجتمع وهی ردع لکل ظالم أخذته العزّة بالإثم وهذا ما یفهم من الآیات الکریمة کقوله تعالی:

(وَاللَّهُ عَزِیزٌ ذُو انْتِقَامٍ)(5).

وقوله تعالی:

(أَلَیْسَ اللَّهُ بِعَزِیزٍ ذِی انْتِقَامٍ)(6).

وتارة یلحظ الانتقام من جهة ذات الانتقام وهو لیس محل البحث.


1- سورة المائدة، الآیة: 63.
2- سورة المائدة، الآیة: 78.
3- سورة المائدة، الآیة: 44.
4- تحف العقول: ص237. میزان الحکمة: ج6، ص2576، ح12709.
5- سورة آل عمران، الآیة: 4.
6- سورة الزمر، الآیة: 37.

ص: 107

__ الانقلاب بعد الإیمان

الإیمان فضیلة تدل علی رجاحة عقل صاحبها، بل هو زینة یتزین بها العقلاء، وتاج یعلو رؤوس النبلاء، ورداء یرتدیه الفضلاء، فهو العفة والإخلاص والصبر والسماحة والصدق والشکر والسخاء والتسلیم لله تعالی والرضا بقضائه وقدره والقناعة والحب فی الله تعالی والبغض فیه تعالی وهو الخوف والرجاء، وهو معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأرکان، فإذن الإیمان هو أصل الفضائل وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«الإیمانُ أصْلُ الحَقِّ، وَالحَقُّ سَبیلُ الهُدی، وَسَیْفُهُ جامِعُ الحِلْیَةِ، قَدیمُ العُدِّةِ، الدُّنْیا مِضْمارُهُ»(1).

فلذا نجد الآیة الکریمة التی تشیر إلی فضل الله تعالی وکرمه إذ تقول:

(وَلَکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمَانَ وَزَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ)(2).

لما له من دور فی بناء شخصیة الإنسان وعلوه وسموه، وحیث إن البحث یهتم بالانقلاب بعد الإیمان لابد من التعرض إلی بیان بعض النقاط التی من خلالها یتضح لنا أسباب الانقلاب والانحراف، وهی کما یلی:

1__ الإیمان لیس هو الإسلام لقوله تعالی:

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ وَإِنْ تُطِیعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا یَلِتْکُمْ مِنْ أَعْمَالِکُمْ شَیْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ)(3).

فیظهر من هذه الآیة أن هناک فرقاً بین الإسلام وبین الإیمان فیُعرف منه الفرق


1- کنز العمال: 44216. میزان الحکمة: ج1، ص250، ح1250.
2- سورة الحجرات، الآیة: 7.
3- سورة الحجرات، الآیة: 14.

ص: 108

بین المؤمنین والمسلمین، فالإیمان حقیقة محلها القلوب وتصدقها الأعمال، والإسلام محله اللسان وهذا ما ورد علی لسان النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«لَیْسَ الإیمانُ بِالتَّحَلّی وَلاَ بالتَّمَنّی، ولکِنَّ الإیمانَ ما خَلَصَ فی القَلْبِ وَصَدَّقَهُ الأعْمالُ»(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«الإیمانُ مَعْرِفَةٌ بِالقَلْبِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسانِ، وعَمَلٌ بِالأرْکانِ»(2).

وما ورد عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام فیه بیان جلی للفرق بین الإیمان والإسلام فلذا یقول علیه السلام:

«قالَ لی رَسُولُ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ: یا عَلیُّ أُکْتُبْ، فَقُلْتُ: ما أکْتُبُ؟ فَقالَ: أکْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ، الإیمانُ ما وَقَرَ فی القُلوبِ وَصَدَّقَتْهُ الأعْمالُ، والإسْلامُ ما جَری علی اللِّسانِ وحَلَّتْ بِهِ المُناکَحَةُ»(3).

2__ الإیمان لا یقتصر علی المعرفة القلبیة أو الإقرار باللسان بل لابد من ترجمة ذلک إلی العمل والتطبیق وهذا ما یفهم من قوله تعالی:

(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِی خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(4).

أو قوله تعالی:

(وَبَشِّرِ الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ


1- بحار الأنوار: ج69، ص72، ح26. کنز العمال: 11 نحوه. میزان الحکمة: ج1، ص251، ح1261.
2- کنز العمال: 2. میزان الحکمة: ج1، ص251، ح1262.
3- بحار الأنوار: ج5، ص208، ح22. میزان الحکمة: ج1، ص250، ح1253.
4- سورة العصر، الآیات: 1 و2 و3.

ص: 109

کُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِی رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِیهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِیهَا خَالِدُونَ)(1).

وهناک ما یقارب خمسین آیة تربط بین الإیمان والعمل؛ إذ لا فائدة لإیمان دون عمل أو لعمل دون إیمان، بل هما الجناحان الوحیدان اللذان یطیر بهما المؤمن ویعرج بهما إلی ربه تعالی.

وما ورد فی الأحادیث أعلاه یؤکد علی ضرورة العمل المقرون بالإیمان، بل إن هناک أحادیثَ صریحة بذلک نورد بعضا منها:

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الإیمانُ وَالعَمَلُ أخَوانِ شَریکانِ فی قَرَنٍ، لاَ یَقْبَلُ اللهُ أحَدَهُما إلاّ بِصاحِبِهِ»(2).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«لاَ یُقْبَلُ إیمانٌ بِلاَ عَمَلٍ، وَلاَ عَمَلٌ بِلاَ إیمانٍ»(3).

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«لَوْ أنَّ العِبادَ وَصَفوا الحَقَّ وَعَمِلوا بِهِ وَلَمْ تُعْقَدْ قُلوبُهُمْ عَلی أنَّهُ الحَقُّ ما انْتَفَعوا»(4).

3__ لابد للمؤمن أن یتصف بنصرة الحق ودحض الباطل، وأن یکون میزانه فی التعامل والمواقف رضا الله تعالی دون سواه، وإن أدی ذلک إلی ضرره أو عدم نفعه، وهذا ما صرح به النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم والإمام الصادق علیه السلام،


1- سورة البقرة، الآیة: 25.
2- کنز العمال: 59. میزان الحکمة: ج1، ص255، ح1289.
3- کنز العمال: 260. میزان الحکمة: ج1، ص255، ح1290.
4- نور الثقلین: ج3، ص546، ح87. میزان الحکمة: ج1، ص255 __ 256، ح1295.

ص: 110

فعن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«لاَ یَحُقُّ العَبْدُ حَقیقَةَ الإیمانِ حَتّی یَغْضَبَ للهِ وَیَرْضی للهِ، فَإذا فَعَلَ ذلِکَ فَقَدِ اسْتَحَقَّ حَقیقَةَ الإیمانِ»(1).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«إنّ مِنْ حَقیقَةِ الإیمانِ أنْ تؤثِرَ الحَقّ وإنْ ضَرّکَ عَلی الباطِلِ وإنْ نَفَعَکَ».

4__ قد یؤمن المرء، ردحاً من الزمن ثم یخرج من الإیمان لأسباب منها الطمع فی الدنیا کما فی هذا الحدیث الشریف عن الإمام الصادق علیه السلام وقد سُئلَ عما یُثَبِّتُ الإیمانَ فی العَبْدِ:

«الّذی یُثَّبّتُهُ فیهِ الوَرَعُ، والّذی یُخْرِجُهُ مِنْهُ الطَّمَعُ»(2).

ومنها نیل الشهوات الحرام والشرک کما فی الأحادیث الآتیة:

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَنْ کانَ أکْثَرُ هَمِّهِ نَیْلَ الشَّهَواتِ نُزِعَ مِنْ قَلْبِهِ حَلاوَةُ الإیمانِ»(3).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«قَدْ یَخْرُجُ [العَبْدُ] مِنَ الإیمانِ بِخَمْسِ جِهاتٍ مِنَ الفِعْلِ کُلُّها مُتَشابِهاتٌ مَعْروفاتٌ: الکُفْرُ، وَالشِّرْکُ، وَالضَّلالُ، وَالفِسْقُ، وَرُکوبُ الکَبائِرِ»(4).

وعنه علیه السلام قال:


1- کنز العمال: 99. میزان الحکمة: ج1، ص254، ح1280.
2- الخصال: ج9، ص29. میزان الحکمة: ج1، ص266، ح1359.
3- تنبیه الخواطر: ج2، ص116. میزان الحکمة: ج1، ص268، ح1374.
4- تحف العقول: 330، أنظر تمام الحدیث. میزان الحکمة: ج1، ص268، ح1379.

ص: 111

«أدْنی ما یَخْرُجُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الإیمانِ أنْ یُواخِیَ الرَّجُلَ عَلی دِینِهِ فَیُحْصیَ عَلَیْهِ عَثَراتِهِ وَزَلاّتِهِ لِیُعَنِّفَهُ (لِیُعَیِّرَهُ) بِها یَوْماً (مّا)»(1).

بعد هذه المقدمة التی بیناها نستطیع القول: إن الذین ینقلبون علی أعقابهم علی أربعة أقسام:

ألف: هم من لم یدخل الإیمان فی قلوبهم، أو من دخل الإیمان فی قلبه دون أن یصدّقه بالعمل.

باء: ومن الذین ینقلبون بعد إیمانهم هم من خذلوا الحق ونصروا الباطل.

جیم: من کانت أقوالهم وأعمالهم مخالفة لرضا الله تعالی وموافقة لرضا المخلوق العاصی.

دال: الذین انقلبوا عبید شهواتهم وأطماعهم بعد أن خلقهم الله تعالی أحرارا.

استحواذ الشیطان

الشیطان فی اللغة: روح شریرة مغوٍ، کل متمرد فاسد، یقال فی تقبیح الشیء، کأنه وجه شیطان أو رأس شیطان، وفی التنزیل العزیز فی وصف شجرة جهنم:

(طَلْعُهَا کَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّیَاطِینِ)(2).

ویقال رکبه شیطانه: غضب ولم یعبأ بالعاقبة.

الشیطان: مخلوق من الجان تمرد علی الأمر الإلهی لعجب أصابه وغرور أعماه.

فإذا عرف القارئ الکریم ما تقدم یلزم الحذر الشدید من طاعة الشیطان الذی لا هم له إلا أن یکید لبنی آدم، ولو تأملنا المعنی اللغوی فقط للشیطان لکفانا ذلک للابتعاد


1- معانی الأخبار: ص394، ح48. میزان الحکمة: ج1، ص269، ح1380.
2- سورة الصافات، الآیة: 65.

ص: 112

عن هذا المخلوق المخیف الذی یتربص بنا الدوائر ویترصدنا فی کل حرکة وسکنة لیستزلنا عن الطریق المستقیم کما استزل غیرنا کما فی الآیة الشریفة:

(إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطَانُ بِبَعْضِ مَا کَسَبُوا)(1).

فلذا لابد من الاستعاذة بالله تعالی منه قولا وعملا، أی إذا قلت (أعوذ بالله من الشیطان الرجیم) ینبغی أن تحضر فی قلبک عداوة الشیطان، وأن تبتعد عن کل ما یحبه، وأن تأتی کل ما یریده الله تعالی منک وتعمل کل ما یحبه بارئک، وهذا لا یکون إلاّ من خلال هجر الشهوات التی حرمها الله تعالی، وإتیان الفرائض التی أوجبها تعالی علیک، ولابد أن تتسلح بکل ما یقوی صوت الرحمن فی قلبک ویضعف صوت الشیطان الذی یهجم علیک بتسویلاته ووساوسه، وهذا یتم من خلال معرفتک ألاعیب الشیطان وطرقه وحیله وإغوائه، ولکی لا تقع فی شراکه وتقیدک حباله علیک أن تقف علی معنی الخیر والشر وعاقبة کل واحد منهما,

ولکی نعرف أسباب استحواذ الشیطان علی الإنسان لابد من ملاحظة ما یأتی:

1__ من یعش بعیداً عن ذکر الله تعالی یسقط فی براثن الشیطان کما فی قوله تعالی:

(وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمَنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ)(2).

2__ إتباع الشهوات والسعی وراء تحصیلها بما لا یرضی الله تعالی کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- سورة آل عمران، الآیة: 155.
2- سورة الزخرف، الآیة: 36.

ص: 113

«الفِتَنُ ثَلاثٌ: حُبُّ النِّساءِ وَهُوَ سَیْفُ الشَّیْطانِ، وشُرْبُ الخَمْرِ وَهُوَ فَخُّ الشَّیْطانِ، وَحُبُّ الدِّینارِ والدِّرْهَمِ وَهُوَ سَهْمُ الشَّیْطانِ»(1).

3__ الاتصاف ببعض الرذائل وممارستها تؤدی بصاحبها إلی الانقیاد لإبلیس کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«یَقولُ إبْلیسُ لِجُنُودِهِ: ألْقُوا بَیْنَهُمُ الحَسَدَ وَالبَغْیَ؛ فَإنَّهُما یَعْدِلانِ عِنْدَ اللهِ الشِّرْکَ»(2).

4__ إتیان الذنوب والإصرار علیها یؤدّیان إلی نزول الشیاطین علی فاعلهما کما فی قوله تعالی:

(هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلَی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیَاطِینُ)(3).

5__ العجب بالنفس سبب فی استحواذ الشیطان کما ورد ذلک عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«بَیْنَما موسی علیه السلام جالِساً إذْ أقْبَلَ إبْلیسُ... قالَ موسی: فَأخْبِرْنی بِالذَّنْبِ الذی إذا أذْنَبَهُ ابنُ آدَمَ استَحْوَذْتَ عَلَیْهِ، قالَ: إذا أعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، واسْتَکْثَرَ عَمَلَهُ، وَصَغُرَ فی عَیْنِهِ ذَنْبُهُ»(4).

6__ معاشرة أهل السوء ومخالطتهم تقود إلی طاعة الشیطان، وهذا ما أکده أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مُجالَسَةُ أهْلِ الهَوی مَنساةٌ للإیمانِ وَمَحْضَرَةٌ للشَّیْطانِ»(5).


1- الخصال: ص113، ح91. میزان الحکمة: ج5، ص1921، ح9376.
2- الکافی: ج2، ص327، ح2. میزان الحکمة: ج5، ص1927، ح9393.
3- سورة الشعراء، الآیة: 221.
4- الکافی: ج2، ص314، ح8. میزان الحکمة: ج5، ص1930، ح9407.
5- نهج البلاغة: الخطبة 86. میزان الحکمة: ج5، ص1930، ح9408.

ص: 114

7__ عدم احترام الذات والاتصاف بالقبائح وإتیانها تجعل صاحبها شیطانا کما فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«مَنْ لَمْ یُبالِ ما قالَ وَما قِیلَ فیهِ فَهُوَ شِرکُ شَیْطانٍ، وَمَنْ لَمْ یُبالِ أنْ یَراهُ النّاسُ مُسِیئاً فَهُوَ شِرکُ شَیْطانٍ، وَمَنِ اغْتابَ أخاهُ المُؤْمِنَ مِنْ غَیْرِ تِرَةٍ بَیْنَهُما فَهُوَ شِرْکُ شَیْطانٍ، وَمَنْ شُغِفَ بِمَحَبَّةِ الحَرامِ وَشَهْوَةِ الزِّنا فَهُوَ شِرکُ شَیْطانٍ»(1).

__ أسئلة مهمة

السؤال الأول: ما هو السبب المهم الذی طرد بسببه إبلیس من مرتبته عند الله تعالی؟

الجواب: لکی لا نقع فیما وقع فیه إبلیس من خسران، ولکی لا نطرد من رحمة الله تعالی لابد من الاعتبار مما حصل له وهذا من خلال معرفة أسباب خسرانه وطرده وهی کما یلی:

ألف: التکبر علی أمر الله تعالی کما یؤکد ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«فَاعْتَبِرُوا بِما کانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإبْلیسَ؛ إذْ أحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّویلَ وَجَهَدَهُ الجَهِیدَ (الجمیلَ) وَکانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلافِ سَنَةٍ، لاَ یُدْری أمِنْ سِنی الدُّنْیا أمْ مِنْ سِنی الآخِرَةِ عَنْ کِبْرِ ساعَةٍ واحِدَةٍ»(2).

باء: العجب بالنفس وتفضیل النفس علی الغیر دون استحقاق وهذا ما تشیر إلیه الآیة الکریمة:

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاکُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ لَمْ یَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ (11) قَالَ مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قَالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ


1- الخصال: ص216، ح40. میزان الحکمة: ج5، ص1932، ح9417.
2- نهج البلاغة: الخطبة 192. میزان الحکمة: ج5، ص1918، ح9365.

ص: 115

خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ)(1).

جیم: عبادة الله تعالی من حیث ترید النفس، لا من حیث یرید الله تعالی کما بیّن ذلک الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«أمَرَ اللهُ إبْلیسَ بالسُّجودِ لآدَمَ، فقالَ: یا رَبِّ وَعِزَّتِکَ إنْ أعْفَیْتَنی مِنَ السُّجودِ لآدَمَ لأعْبُدَنَّکَ عِبادَةً ما عَبَدَکَ أحَدٌ قَطُّ مِثْلَها، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنّی أُحِبُّ أنْ أُطاعَ مِنْ حَیثُ أُرِیدُ»(2).

__ السؤال الثانی: ألف/ ما هی حدود الشیطان وسلطته؟ باء/ وعلی من یتسلط؟

الجواب:

ألف: إن سلطة الشیطان لا تتعدی التزیین أو التسویل أو الوسوسة أو الإغواء ولا تصل إلی حد إجبار العبد علی الفعل کما فی الآیات الکریمة الآتیة:

1__ آیات تبین تزیین الشیطان کقوله تعالی:

(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَکِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(وَإِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَرَی مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّی أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِیدُ الْعِقَابِ)(4).


1- سورة الأعراف، الآیتان: 11 و12.
2- بحار الأنوار: ج63، ص250، ح110. میزان الحکمة: ج5، ص1918، ح9366.
3- سورة الأنعام، الآیة: 43.
4- سورة الأنفال، الآیة: 48.

ص: 116

وقوله تعالی:

(أَمَّنْ یَهْدِیکُمْ فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْرًا بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ)(1).

وهناک الکثیر من الآیات التی تشیر إلی ذلک.

2__ آیات تشیر إلی التسویل کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی الشَّیْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَی لَهُمْ)(2).

3__ آیات تشیر إلی الوسوسة کما فی قوله تعالی:

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطَانُ لِیُبْدِیَ لَهُمَا مَا وُورِیَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاکُمَا رَبُّکُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَکُونَا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونَا مِنَ الْخَالِدِینَ)(3).

وقوله تعالی:

(فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطَانُ قَالَ یَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّکَ عَلَی شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْکٍ لَا یَبْلَی)(4).

وقوله تعالی:

(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِی یُوَسْوِسُ فِی صُدُورِ النَّاسِ)(5).


1- سورة النمل، الآیة: 63.
2- سورة محمد، الآیة: 25.
3- سورة الأعراف، الآیة: 20.
4- سورة طه، الآیة: 120.
5- سورة الناس، الآیتان: 4 و5.

ص: 117

4__ آیات تشیر إلی الإغواء کما فی قوله تعالی:

(قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (82) إِلَّا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ)(1).

وقوله تعالی:

(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَلَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (39) إِلَّا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ)(2).

وأما ما یؤکد أن سلطة الشیطان لا تصل إلی حد الإجبار علی العمل بل لیس له دخل فی وقوع المعاصی إلا ما تقدم من التزیین والتسویل والوسوسة والإغواء فهو قوله تعالی:

(وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلَا تَلُومُونِی وَلُومُوا أَنْفُسَکُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)(3).

وأما ما یدل علی عدم إجباره لبنی آدم علی المعصیة فهو ضعفه وعجزه عن ذلک کما فی قوله تعالی:

(الَّذِینَ آَمَنُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِیَاءَ الشَّیْطَانِ إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطَانِ کَانَ ضَعِیفًا)(4).


1- سورة ص، الآیتان: 82 و83.
2- سورة الحجر، الآیتان: 39 و40.
3- سورة إبراهیم، الآیة: 22.
4- سورة النساء، الآیة: 76.

ص: 118

وقول الإمام الکاظم علیه السلام فی وصیّته لهشام:

«فَلَهُ [أی لإبْلیسَ] فَلْتَشْتَدَّ عَداوَتُکَ، وَلاَ یَکُونَنَّ أصْبَرَ عَلی مُجاهَدَتِهِ لِهَلَکَتِکَ مِنْکَ عَلی صَبْرِکَ لِمُجاهَدَتِهِ؛ فَإنَّهُ أضْعَفُ مِنْکَ رُکْناً فی قُوَّتِهِ، وأقَلُّ مِنْکَ ضَرَراً فی کَثْرَةِ شَرِّهِ، إذا أنتَ اعْتَصَمْتَ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیتَ إلی صِراطٍ مُسْتَقیمٍ»(1).

باء: إضافة لما تقدم من أسباب الاستحواذ نبین أن سلطة إبلیس لا تکون إلاّ علی مَن لهم هذه الصفات:

1__ الذین یتولونه کما فی قوله تعالی:

(إِنَّمَا ذَلِکُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)(2).

2__ الغاوین کما فی قوله تعالی:

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ)(3).

3__ إتباع الهوی وأهل الفتن کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنَّما بَدْءُ وُقُوعِ الفِتَنِ أهْواءٌ تُتَّبَعُ... فَهُنالِکَ یَسْتَولِی الشَّیْطانُ عَلی أوْلِیائِهِ، وَیَنْجُو الذینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الحُسْنی»(4).

السؤال الخامس: ما هی الوسائل التی تعصم الإنسان من السقوط تحت سلطنة الشیطان؟

الجواب:


1- تحف العقول: ص400. میزان الحکمة: ج5، ص1925، ح9387.
2- سورة آل عمران، الآیة: 175.
3- سورة الحجر، الآیة: 42.
4- نهج البلاغة: الخطبة 50. میزان الحکمة: ج5، ص1929، ح9406.

ص: 119

ألف: الإیمان الحقیقی الذی حصل نتیجة المعرفة یقود إلی التوکل، وإلی التحلی بالفضائل التی من شأنها حمایة الإنسان من السقوط فی براثن الشیطان کما فی قوله تعالی:

(إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(1).

ولکی یحقق الإیمان أهدافه لابد من اقترانه بالعمل الصالح، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الکریمة فی قوله تعالی:

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ)(2).

باء: ذکر أهل الحکمة والموعظة، وخزانة العلم فی أحادیثهم الشریفة مجموعة من الوسائل التی تنجی من الوقوع فی شراک الشیطان وهی کما یلی:

1__ نفتح الجواب عن هذا السؤال بنصیحة سید الرسل وخاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم حیث یقول:

«ألا أُخْبِرُکُمْ بِشَیْءٍ إنْ أنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَباعَدَ الشَّیْطانُ مِنْکُم تَباعُدَ المَشْرِقِ مِنَ المَغْرِبِ؟

قالوا: بَلی، قالَ:

الصَّوْمُ یُسَوِّدُ وَجْهَهُ، والصَّدَقَةُ تَکْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فی اللهِ وَالمُوازَرَةُ عَلی العَمَلِ الصّالِحِ یَقْطَعانِ دابِرَهُ، والاسْتِغْفارُ یَقْطَعُ وَتِینَهُ»(3).

2__ أشار أمیر المؤمنین علیه السلام إلی اللجوء إلی الله تعالی والاعتصام به من خلال الدعاء والتوسل کما فی قوله علیه السلام:


1- سورة النحل، الآیة: 99.
2- سورة الحجر، الآیة: 42.
3- أمالی الصدوق: ص59، ح1. میزان الحکمة: ج5، ص1930، ح9412.

ص: 120

«أکْثِرِ الدُّعاءَ تَسْلَمْ مِنْ سَوْرَةِ الشَّیْطانِ»(1).

3__ ذکر الإمام الباقر علیه السلام أن التلبس بالخوف والخشیة من الله تعالی ظاهراً وباطناً وفی السر والعلن کفیل بحمایة العدید من مکائد الشیطان کما فی قوله علیه السلام:

«تَحَرَّزْ مِنْ إبْلیسَ بِالخَوْفِ الصّادِقِ»(2).

وقوله علیه السلام:

«عَلَیْکُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَبَکِّرُوا بِها؛ فَإنَّها تُسَوِّدُ وَجْهَ إبْلیسَ»(3).

4__ أرشدنا الإمام الصادق علیه السلام إلی الوقوف علی اعتراف إبلیس بالعجز إزاء خمسة أشیاء لو التزم بها المؤمن لا یصل إلیه شر إبلیس ولا یناله شیء من حیله ومکائده کما فی قوله علیه السلام:

«قالَ إبْلیسُ: خَمْسَةُ (أشْیاءَ) لَیْسَ لی فیهِنَّ حِیلَةٌ وسائِرُ النّاسِ فی قَبْضَتی: مَنِ اعْتَصَمَ بِاللهِ عَنْ نِیّةٍ صادِقَةٍ واتَّکَلَ عَلَیْهِ فی جَمیعِ أمُورِهِ، وَمَنْ کَثُرَ تَسْبیحُهُ فی لَیْلِهِ وَنَهارِهِ، وَمَنْ رَضِیَ لأخِیهِ المُؤْمِنِ بِما یَرْضاهُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَمْ یَجْزَعْ عَلی المُصیبَةِ حینَ تُصِیبُهُ، وَمَنْ رَضِیَ بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ وَلَم یَهْتَمَّ لِرِزْقِهِ»(4).

السؤال السادس: هل یؤثر الشیطان علی المعصومین؟

الجواب: لا یمکن أن یؤثر علیهم الشیطان لعصمتهم التی ثبتت فی محلها بالأدلة العقلیة والنقلیة، وقد تقدم ذکر صفات من یستحوذ علیهم الشیطان، وذکر أسباب استحواذه علی البشر التی تنزه عنها المعصومون، وأما ما ورد من آیات فیها إشارة إلی


1- بحار الأنوار: ج78، ص9، ح64. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9403.
2- بحار الأنوار: ج78، ص164، ح1. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9402.
3- تحف العقول: ص298. میزان الحکمة: ج5، ص1930، ح9413.
4- الخصال: ص285، ح37. میزان الحکمة: ج5، ص1928، ح9401.

ص: 121

تسلط الشیطان علی الأنبیاء کقوله تعالی:

(وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أَیُّوبَ إِذْ نَادَی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)(1).

وقوله تعالی:

(قَالَ أَرَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنَا إِلَی الصَّخْرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِیهُ إِلَّا الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَبًا)(2).

فتفسر بأن للشیطان قدرة التأثیر علی أجسام الأنبیاء دون نفوسهم وعقولهم لعصمتهم.


1- سورة ص، الآیة: 41.
2- سورة الکهف، الآیة: 63.

ص: 122

ص: 123

الخطبة الثالثة عشرة: وفیها یذمّ بنی أمیّة، ثمّ ینبّه علی حقه

اشارة

ص: 124

ص: 125

نص الخطبة

اشارة

«إنّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَزِمُوا طاعَةَ الشّیطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرّحمنِ، فَأظْهَرُوا الفَسادَ، وَعَطَّلُوا الحُدُودَ، واسْتَأثَرُوا بالفَیءِ، وَأنا أحَقُّ مَنْ غَیّرَ، وَقَدْ أتَتْنی کُتُبُکُمْ، وَقِدمَتْ عَلیَّ رُسُلُکُمْ، فَإنْ تُتِمُّوا عَلَیَّ بَیْعَتَکُمْ تُصِیبُوا رُشْدَکُمْ».

المعنی العام

أشار الإمام الحسین علیه السلام إلی الجماعة التی ثبتت ودامت علی الانقیاد والخضوع لإبلیس، وتخلوا عن الانقیاد والخضوع لله تعالی فأعلنوا الانحراف واللهو واللعب والضرر، ترکوا وضیعوا الحواجز التی وضعها الله تعالی دون المعاصی أو التی فرضها علی العصاة، وخصوا أنفسهم بالخراج وغنیمة المسلمین، وأنا أولی من یحول دون ذلک ویمنع هؤلاء ویردهم إلی الصواب، وقد جاءتنی رسائلکم ووردت علیّ رسلکم، فإن تکملوا بیعتکم بالتزامکم معی تنالوا هدیکم وتوفیقکم.

الشجرة الملعونة

ورد ذکر الشجرة الملعونة فی القرآن الکریم فی قوله تعالی:

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآَنِ)(1).


1- سورة الإسراء، الآیة: 60.

ص: 126

کما ورد ذکر الشجرة الطیبة فی قوله تعالی:

(أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ (24) تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَیَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (25) وَمَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)(1).

جاءت المقارنة بین الشجرة الطیبة والخبیثة لبیان الفارق بین الحق والباطل وبین الغنی المعنوی والفقر المعنوی، وبین الإیمان والکفر، وبین ما له أصل وما لا أصل له، وبین من هو ثابت لا یغیره شیء وبین ما هو متمیّز ومتهاوٍ، وبین ینبوع البرکات وما لا برکه ترجی منه أو فیه، وبین الطریق المستقیم والأعوج، وبین المعطاء الخصب والجشع الجدب، وبین المؤمن والکافر بل بین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأعدائه، أی بین الشجرة الإلهیة والشجرة الشیطانیة، الشجرة المثمرة والعقیم التی لا ثمر فیها.

ومما یدل علی انطباق هذه الآیات علی بنی أمیة ما ورد فی التفاسیر المعتبرة لآیة الشجرة الملعونة کما جاء فی تفسیر مجمع البیان (إن ذلک رؤیا رآها النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی منامه أن قروداً تصعد منبره وتنزل، فساءه ذلک، واغتم به)(2).

وکما جاء فی تفسیر الأمثل (تحدث مجموعة من المفسرین مثل الطبرسی فی (مجمع البیان) والفخر الرازی فی (التفسیر الکبیر) وآخرون، فی شأن نزول هذه الآیات، فقالوا: إنها نزلت فی مجموعة من المشرکین کانوا یؤذون النبی صلی الله علیه وآله وسلم باللیل إذا تلا القرآن وصلی عند الکعبة، وکانوا یرمونه بالحجارة ویمنعونه عن دعوة الناس إلی الدین، فحال الله سبحانه بینه وبینهم حتی لا یؤذوه.


1- سورة إبراهیم، الآیات: 24 و25 و26.
2- تفسیر مجمع البیان، الشیخ الطبرسی: ج6، ص266.

ص: 127

وقد احتمل الطبرسی أن یکون الله منع المشرکین عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن طریق إلقاء الخوف والرعب فی قلوبهم.

أما الرازی فیقول فی ذلک: (إن هذه الآیة نزلت فی قوم کانوا یؤذون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا قرأ القرآن علی الناس، روی أنه علیه الصلاة والسلام کان کلما قرأ القرآن قام عن یمینه رجلان وعن یساره آخران من ولد قصی یصفقون ویصفرون ویخلطون علیه بالأشعار).

وتفسیر المیزان (یؤید جمیع ما تقدم ما ورد من طرق أهل السنة واتفقت علیه أحادیث أئمة أهل البیت علیهم السلام أن المراد بالرؤیا فی الآیة هی رؤیا رآها النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی بنی أمیة والشجرة شجرتهم)(1).

وورد فی تفاسیر القوم ما یؤید ذلک کما فی الدر المنثور:

وما ورد أیضا فی التفاسیر لآیات الشجرة الطیبة والخبیثة کما فی تفسیر الأمثل: (الشجرة الطیبة والشجرة الخبیثة!

هنا مشهد آخر فی تجسیم الحق والباطل، الکفر والإیمان، الطیب والخبیث ضمن مثال واحد جمیل وعمیق المعنی... یکمل البحوث السابقة فی هذا الباب.

یقول تعالی أولا: ألم تر کیف ضرب الله مثلا کلمة طیبة کشجرة طیبة ثم یشیر إلی خصائص هذه الشجرة الطیبة فی جمیع أبعادها ضمن عبارات قصیرة.

ولکن قبل أن نستعرض هذه الخصائص یجب أن نعرف ما المقصود من (الکلمة الطیبة)؟

قال بعض المفسرین: إنها کلمة التوحید (لا إله إلا الله).

وقال آخرون: إنها تشیر إلی الأوامر الإلهیة.


1- تفسیر المیزان، السید الطباطبائی: ج13، ص137.

ص: 128

وقال البعض الآخر: إنه الإیمان الذی محتواه ومفهومه (لا إله إلا الله).

وقال آخرون فی تفسیرها: إنها شخص المؤمن.

وأخیرا قال بعضهم: إنها الطریقة والبرامج العملیة.

ولکن بالنظر إلی سعة مفهوم الکلمة الطیبة ومحتواها نستطیع أن نقول: إنها تشمل جمیع هذه الأقوال، لأن (الکلمة) فی معناها الواسع تشمل جمیع الموجودات، ولهذا السبب یقال للمخلوقات (کلمة الله)، و(الطیب) کل طاهر ونظیف، فالنتیجة من هذا المثال أنه یشمل کل سنة ودستور وبرنامج وطریقة، وکل عمل، وکل إنسان.. والخلاصة: کل موجود طاهر ونظیف وذی برکة، وجمیعها کشجرة طیبة فیها الخصائص التالیة:

1__ کائن یمتلک الحرکة والنمو، ولیس جامدا ولا خاملا، بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرین ولنفسه (التعبیر ب_(الشجرة) بیان لهذه الحقیقة).

2__ هذه الشجرة طیبة، ولکن من أیة جهة؟ بما أنه لم یُذکر لها قسم خاص بها، فإنها طیبة من کل جهة.. منظرها، ثمارها، أزهارها، ظلالها، ونسیمها بل جمیعها طیب وطاهر.

3__ لهذه الشجرة نظام دقیق، لها جذور وأغصان، وکل واحد له وظیفته الخاصة، فوجود الأصل والفرع فیها دلیل علی سیادة النظام الدقیق علیها.

4__ أصلها ثابت محکم بشکل لا یمکن أن یقلعها الطوفان ولا العواصف.

وباستطاعتها أن تحفظ أغصانها العالیة فی الفضاء وتحت نور الشمس، لأن الغصن کلما کان عالیا یحتاج إلی جذور قویة أصلها ثابت.

5__ إن أغصان هذه الشجرة الطیبة لیست فی محیط ضیق ولا ردیء، بل مقرها فی عنان السماء، وهذه الأغصان والفروع تشق الهواء وتصعد فیه عالیا وفرعها فی السماء.

ص: 129

ومن الواضح أن الأغصان کلما کانت عالیة وسامقة تکون بعیدة عن التلوث والغبار وتصبح ثمارها نظیفة، وتستفید أکثر من نور الشمس والهواء الطلق، فتکون ثمارها طیبة جدا.

6__ هذه الشجرة کثیرة الثمر لا کالأشجار الذابلة العدیمة الثمر، ولذلک فهی کثیرة العطاء تؤتی أکلها.

7__ وثمارها لیست فصلیة، بل فی کل فصل وزمان، فإذا أردنا أن نمد یدنا إلی أغصانها فی أی وقت لم نرجع خائبین کل حین.

8__ إن إنتاجها من الثمار یکون وفق قوانین الخلقة والسنن الإلهیة ولیس بدون حساب بإذن ربها.

والآن یجب أن نفتش، أین نجد هذه الخصائص والبرکات؟

نجدها بالتأکید فی کلمة التوحید ومحتواها، وفی الإنسان الموحد ذی المعرفة، وفی البرامج الحیة النظیفة، وجمیعها نامیة ومتحرکة ولها أصول ثابتة ومحکمة وفروع کثیرة وعالیة بعیدة عن التلوث بالأدران الجسدیة والدنیویة، وکلها مثمرة وفیاضة.

وما من أحد یأتی إلیها ویمد یده إلی فروعها إلا ویستفید من ثمارها اللذیذة العطرة؟ وتتحقق فیه الخصال المذکورة، فعواصف الأحداث الصعبة والمشاکل الکبیرة لا تزحزحه من مکانه، ولا یتحدد، وافق تفکیره فی هذه الدنیا الصغیرة، بل یشق حجب الزمان والمکان ویسیر نحو المطلق اللامتناهی.

سلوکهم وبرامجهم لیست تابعة للهوی والهوس، بل طبقا للأوامر الإلهیة وبإذن ربهم، وهذا هو مصدر الحرکة والنمو فی حرکتهم.

الرجال العظام من المؤمنین هم کلمة الله الطیبة، وحیاتهم أصل البرکة، دعوتهم توجب الحرکة، آثارهم وکلماتهم وأقوالهم وکتبهم وتلامیذهم وتاریخهم.. وحتی

ص: 130

قبورهم جمیعها ملهمة وحیة ومربیة.

نعم ویضرب الله الأمثال للناس لعلهم یتذکرون.

وهناک سؤال مطروح بین المفسرین وهو: هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجی؟

یعتقد البعض بوجودها وهی النخلة، ولذلک اضطروا إلی أن یفسروا کل حین بستة أشهر.

ولکن لا حاجة إلی الإصرار فی وجود مثل هذه الشجرة، بل هناک تشبیهات کثیرة ولیس لها وجود خارجی أصلا.

وعلی أیة حال، فالهدف من التشبیه هو تجسیم الحقائق والمسائل العقلیة وصبها فی قالب الحواس، وهذه الأمثال لیس فیها أی إبهام، بل هی مقبولة ومؤثرة وجذابة.

وفی عین الحال هناک أشجار فی هذه الدنیا ثمارها لا تنقطع علی طول السنة، وقد رأینا بعض الأشجار فی المناطق الحارة وکانت مثمرة وفی نفس الوقت لها أزهار جدیدة للثمار المقبلة!

وبما أن أحد أفضل الطرق لتوضیح المسائل هو الاستفادة من طریق المقابلة والمقایسة، فقد جعلت النقطة المقابلة للشجرة الطیبة، الشجرة الخبیثة ومثل کلمة خبیثة کشجرة خبیثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

والکلمة (الخبیثة) هی کلمة الکفر والشرک، وهی القول السیئ والردیء، وهی البرنامج الضال والمنحرف، والناس الخبثاء، والخلاصة: هی کل خبیث ونجس.

ومن البدیهی أن مثل هذه الشجرة لیس لها أصل، ولا نمو ولا تکامل ولا ثمار ولا ظل ولا ثبات ولا استقرار، بل هی قطعة خشبیة لا تصلح إلا للاشتعال... بل أکثر من ذلک هی قاطعة للطریق وتزاحم السائرین وأحیانا تؤذی الناس!

ص: 131

ومن الطریف أن القرآن الکریم فصل الحدیث فی وصف الشجرة الطیبة بینما اکتفی فی وصف الشجرة الخبیثة بجملة قصیرة واحدة (جتثت من فوق الأرض وما لها من قرار) وهذا نوع من لطافة البیان أن یتابع الإنسان جمیع خصوصیات ذکر (المحبوب) بینما یمر بسرعة فی جملة واحدة بذکر (المبغوض)!

ومرة أخری نجد المفسرین اختلفوا فی تفسیر الشجرة الخبیثة، وهل لها واقع خارجی؟

قال البعض: إنها شجرة (الحنظل) والتی لها ثمار مرة وردیئة.

واعتقد آخرون أنها (الکشوت) وهی نوع من الأعشاب المعقدة التی تنبت فی الصحراء ولها أشواک قصیرة تلتف حولها ولیس لها جذر ولا أوراق.

وکما قلنا فی تفسیر الشجرة الطیبة، لیس من اللازم أن یکون للشجرة الخبیثة وجود خارجی فی جمیع صفاتها، بل الهدف هو تجسیم الوجه الحقیقی لکلمة الشرک والبرامج المنحرفة والناس الخبثاء، وهؤلاء کالشجرة الخبیثة لیس لها ثمار ولا فائدة... إلا المتاعب والمشاکل، مضافا إلی أن الأشجار والنباتات الخبیثة التی قلعتها الأعاصیر لیست قلیلة.

وبما أن الآیات السابقة جسدت حال الإیمان والکفر، الطیب والخبیث من خلال مثالین صریحین، فإن الآیة الأخیرة تبحث نتیجة عملهم ومصیرهم النهائی، یقول تعالی:

(یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآَخِرَةِ)(1).

لأن إیمانهم لم یکن إیمانا سطحیا وشخصیتهم لم تکن کاذبة ومتلونة، بل کانت شجرة طیبة أصلها ثابت وفرعها فی السماء، وبما أن لیس هناک من لا یحتاج إلی اللطف الإلهی، وبعبارة أخری: کل المواهب تعود لذاته المقدسة، فالمؤمنون المخلصون الثابتون بالاستناد إلی اللطف الإلهی یستقیمون کالجبال فی مقابل أیة حادثة، والله تعالی یحفظهم


1- سورة إبراهیم، الآیة: 27.

ص: 132

من الزلات التی تعتریهم فی حیاتهم، ومن الشیاطین الذین یوسوسون لهم زخرف الحیاة لیزلوهم عن الطریق.

وکذلک فالله تعالی یثبتهم أمام القوی الجهنمیة للظالمین القساة، الذین یسعون لإخضاعهم بأنواع التهدید والوعید.

ومن الطریف أن هذا الحفظ والتثبت الإلهیین یستوعبان کل حیاتهم فی هذه الدنیا وفی الآخرة، فهنا یثبتون بالإیمان ویبرؤون من الذنوب، وهناک یخلدون فی النعیم المقیم.

ثم یشیر إلی النقطة المقابلة لهم ویضل الله الظالمین ویفعل الله ما یشاء.

قلنا مرارا: إن الهدایة والضلال التی تنسب إلی الله عز وجل لا تتحققان إلا بأن یرفع الإنسان القدم الأولی لها، فالله عز وجل عندما یسلب المواهب والنعم من العبد أو یمنحها له یکون ذلک بسبب استحقاقه أو عدم استحقاقه.

ووصف (الظالمین) بعد جملة (یضل الله) أفضل قرینة لهذا الموضوع، یعنی ما دام الإنسان غیر ملوث بالظلم لا تسلب الهدایة منه، أما إذا تلوث بالظلم وعمت وجوده الذنوب، فسوف یخرج من قلبه نور الهدایة الإلهیة، وهذه عین الإرادة الحرة، وبالطبع إذا غیر مسیره بسرعة فطریق النجاة مفتوح له، ولکن إذا استحکم الذنب فإن طریق العودة یکون صعبا جدا.

__ هل القصد من الآخرة فی الآیة هو القبر؟

نقرأ فی روایات متعددة أن الله یثبت الإنسان علی خط الإیمان عندما یواجه أسئلة الملائکة فی القبر، وهذا معنی الآیة:

(یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآَخِرَةِ).

ولقد وردت کلمة (القبر) بصراحة فی بعض هذه الروایات.

ص: 133

ولکن هناک روایة شریفة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«إن الشیطان لیأتی الرجل من أولیائنا عند موته عن یمینه وعن شماله لیضله عما هو علیه، فیأبی الله عز وجل له ذلک، وهو قول الله عز وجل:

(یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآَخِرَةِ) (1)»(2).

وأکثر المفسرین یمیلون إلی هذا التفسیر، طبقا لما نقله المفسر الکبیر العلامة الطبرسی فی مجمع البیان ولعل ذلک یعود إلی أن الآخرة لیست محلا للأعمال ولا للانحراف، بل هی محل الحصول علی النتائج فحسب ولکن عند وقوع الموت وحتی فی البرزخ (الذی هو عالم بین الدنیا والآخرة) قد تحصل بعض الهفوات، فهنا یکون اللطف الإلهی عاملا فی حفظ الإنسان وثباته.

__ دور الثبات والاستقامة

من بین جمیع الصفات التی ذکرتها الآیات أعلاه للشجرة الطیبة والخبیثة، وردت مسألة الثبات وعدم الثبات بشکل أکثر، وحتی فی بیان ثمار هذه الشجرة یقول تعالی: یثبت الله الذین آمنوا، وبهذا الترتیب تتضح لنا أهمیة الثبات ودوره فی حیاة الإنسان.

فکثیر من الأشخاص من ذوی القابلیات المتوسطة، إلا أنهم ینالون انتصارات کبیرة فی حیاتهم، ثم إذا حققنا فی الأمر لم نجد دلیلا إلا الثبات والاستقامة لدیهم.

ومن جهة اجتماعیة لا یتحقق أی تقدم فی البرامج إلا فی ظل الثبات، ولهذا السبب نجد المخربین یسعون فی تدمیر الاستقامة، ولا نعرف المؤمنین الصادقین إلا من خلال استقامتهم وثباتهم فی مقابل الحوادث الصعبة.


1- سورة إبراهیم، الآیة: 27.
2- من لا یحضره الفقیه للصدوق: ج1، ص134، 360.

ص: 134

الشجرة الطیبة والخبیثة فی الروایات الإسلامیة

کما قلنا أعلاه فإن کلمة (الطیبة) و(الخبیثة) التی شبهت الشجرتان بها، لها مفهوم واسع بحیث تشمل کل شخص وبرنامج ومبدأ وفکر وعلم وقول وعمل، ولکن وردت فی بعض الروایات فی موارد خاصة ولکن لا تنحصر بها.

ومن جملتها ما ورد فی الکافی (عن الإمام الصادق علیه السلام فی تفسیر الآیة:

(کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ)(1).

قال:

«رسول الله أصلها وأمیر المؤمنین فرعها، والأئمة من ذریتهما أغصانها، وعلم الأئمة ثمرها، وشیعتهم المؤمنون ورقها، هل فیها فضل؟

( أی هل یبقی شیء ) قال قلت: لا والله، قال:

والله إن المؤمن لیولد فتورق ورقة فیها، وإن المؤمن لیموت فتسقط ورقة منها»)(2).

إمامة المعصوم وطاعته نجاة

العصمة: هی التنزه عن الوقوع فی المعصیة خطأ ونسیاناً ولهواً، وهی أیضا عدم النسیان والخطأ والسهو فیما یخص حجیة المعصوم علی الخلق.

المعصوم: هو الشخص الذی طهر باطنه وظاهره وقوله وفعله وهو أعم من النبی والإمام.

الإمامة: هی الخلافة الإلهیة التی یجعلها الله تعالی لعباده الذین اصطفی.


1- سورة إبراهیم، الآیة: 26.
2- الأمثل فی تفسیر القرآن، الشیخ ناصر مکارم الشیرازی: ج7، ص502 إلی 509.

ص: 135

فالإمامة کما ورد فی کثیر من الروایات هی نظام الأمة وزمام الدین وصلاح الدنیا وعزّ المؤمنین ونظام المسلمین، فلابد لمن اتصف بها أن یکون مصداقاً لها ولابد أن یتصف بصفات تؤهله أن یکون خلیفة الله تعالی فی الأرض وحجته علی خلقه وإلاّ لساخت الأرض بأهلها ولاضطربت الحیاة وفسد الناس واستولی الباطل علی الحق وعمت الفوضی وانتشر الضلال وساد الجهل وهلک الحرث والنسل، ولهذا جاءت الأحادیث الشریفة تبین لنا صفات الإمام ومؤهلاته.

1__ الإمام لابد أن یکون أعلم أهل زمانه ولابد أن یتصف بالصبر کما ورد فی الحدیث:

قال الإمام علی علیه السلام:

«لاَ یَحْمِلُ هذا الأمْرَ إلاّ أهْلُ الصَّبْرِ وَالبَصَرِ والعِلْمِ بِمَواقِعِ الأمْرِ»(1).

2__ لابد أن یکون حاذقاً فی فن إدارة البلاد وسیاسة العباد کما جاء ذلک فی قول الإمام الرضا علیه السلام فی صفة الإمامِ:

«مُضْطَلِعٌ بالإمامَةِ، عالِمٌ بِالسِیاسَةِ»(2).

3__ لابد أن یکون ذا بصیرة وذا لسان بلیغ وقلب شجاع مقدام وهذا ما ذکره أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«یَحْتاجُ الإمامُ إلی قَلْبٍ عَقُولٍ، ولِسانٍ قَؤولٍ، وَجَنانٍ علی إقامَةِ الحَقِّ صَؤولٍ»(3).

4__ لابد أن یکون منزهاً عن المداهنة والتملق والجشع کما أکد علی ذلک الإمام علی علیه السلام بقوله:


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج7، ص36. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح846.
2- الکافی: ج1، ص202، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح847.
3- غرر الحکم: 11010. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح848.

ص: 136

«لا یُقیمُ أمْرَ اللهِ سُبْحانَهُ إلاّ مَنْ لاَ یُصانِعُ وَلاَ یُضارِعُ وَلاَ یَتَّبِعُ المَطامِعَ»(1).

5__ لابد أن یکون فوق الشبهات وفوق الاتهامات وهذا ما أشار إلیه الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«إنَّ الإمامَ لاَ یَسْتَطیعُ أحَدٌ أنْ یَطْعَنَ عَلَیْهِ فی فَمٍ ولاَ بَطْنٍ وَلاَ فَرْجٍ، فَیُقالَ: کَذّابٌ، وَیَأکُلُ أمْوالَ النّاسِ، وما أشْبَهَ هذا»(2).

6__ لابد أن یکون منحدراً من أصلاب طاهرة وأرحام مطهرة، وأن یتصف بالجد والوقار وهذا ما صرح به الإمام الباقر علیه السلام بقوله فی تبیین علامة الإمام:

«طَهارَةُ الوِلادَةِ وَحُسْنُ المَنْشأ، وَلاَ یَلْهو، وَلاَ یَلْعَبُ»(3).

7__ لابد أن یتخذ القرآن دستوراً والعدل سیرة ولا تأخذه فی الله لومة لائم وهو ما أرشدنا إلیه الإمام الحسین علیه السلام فی کتابه إلی أهل الکوفة بقوله:

«فَلَعَمْری، ما الإمامُ إلاّ الحاکِمُ بِالکِتابِ، القائِمُ بِالقِسْطِ، الدّائِنُ بِدینِ الحَقِّ، الحابِسُ نَفْسَهُ عَلی ذاتِ اللهِ»(4).

8__ لابد أن یکون أفضل أهل زمانه فی الصفات الکمالیة وهو ما صرح به الإمام الرضا علیه السلام بقوله:

«لِلْإمامِ عَلاَماتٌ: (أنْ) یَکونَ أعْلَمَ النّاسِ، وأحْکَمَ النّاسِ، وأتْقی النّاسِ، وأحْلَمَ النّاسِ، وأشْجَعَ النّاسِ، وأسْخی النّاسِ، وأعْبَدَ النّاسِ»(5).


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج18، ص220. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح851.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج18، ص274. میزان الحکمة: ج1، ص157، ح852.
3- الکافی: ج1، ص284، ح3. میزان الحکمة: ج1، ص157 __ 158، ح853.
4- الإرشاد للشیخ المفید: ج2، ص39. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح856.
5- معانی الأخبار: ص102، ح4. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح857.

ص: 137

9__ لابد أن یکون معصوماً من الخطأ والسهو والنسیان کما أکد ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«الإمامُ المُسْتَحِقُّ للإمامَةِ لَهُ عَلاَماتٌ، فَمِنْها: أنْ یُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الذُّنوبِ کُلِّها صَغیرِها وکَبیرِها، لاَ یَزِلُّ فی الفُتْیا، ولا یُخْطئُ فی الجَوابِ، وَلاَ یَسْهو وَلاَ یَنْسی، وَلاَ یَلْهو بِشَیءٍ مِنْ أمْرِ الدُّنْیا».

والثّانی: أنْ یَکُونَ أعْلَمَ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ وضُرُوبِ أحْکامِهِ وأمْرِهِ ونَهْیِهِ وَجَمیعِ ما یَحْتاجُ إلَیهِ النّاسُ، (فَیَحْتاجُ النّاسُ إلَیْهِ) وَیَسْتَغْنی عَنْهُمْ»(1).

وفی قول آخر:

«کِبارُ حُدودِ وَلاَیَةِ الإمامِ المَفْروضِ الطّاعَةِ أنْ یُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الخَطأِ والزَّلَلِ والعَمْدِ، ومِنَ الذُّنوبِ کُلِّها صَغیرِها وکَبیرِها، لا یَزِلُّ ولا یُخْطئُ، ولاَ یَلْهو بِشَیءٍ مِنَ الأمورِ المُوبِقَةِ للدِّینِ، ولا بِشَیءٍ مِنَ المَلاهی، وأنَّهُ أعْلَمُ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ، وفَرائِضِهِ وسُنَنِهِ وأحْکامِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ جَمیعِ العالَمِ، وغَیْرُهُ مُحْتاجٌ إلَیْهِ، وأنَّهُ أسْخی النّاسِ وأشْجَعُ النّاسِ»(2).

10__ أن یعیش الإمام وسط الناس مواسیاً لهم، رحیما بهم، قدوة یحتذی به الفقراء وهذا ما ورد فی الأحادیث الشریفة عن أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول:

«ثَلاَثَةٌ مَنْ کُنَّ فیهِ مِنَ الأئِمَّةِ صَلُحَ أنْ یَکونَ إماماً اضْطَلَعَ بِأمانَتِهِ: إذا عَدَلَ فی حُکْمِهِ، وَلَمْ یَحْتَجِبْ دُونَ رَعِیَّتِهِ، وَأقامَ کِتابَ اللهِ تَعالی فی القَریبِ، وَالبَعیدِ»(3).


1- بحار الأنوار: ج25، ص164. میزان الحکمة: ج1، ص158 __ 159، ح861.
2- بحار الأنوار: ج68، ص389، ح39. میزان الحکمة: ج1، ص159، ح862.
3- کنز العمال: 14315. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح855.

ص: 138

وعن الإمام الباقر علیه السلام:

«وحسن الخلافة علی من ولیَ حتی یکون له کالوالد الرحیم»(1).

وما یؤکد علی ضرورة أن یکون للفقراء قدوة قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«  هَجَم َ بِهِمُ العِلْمُ عَلی حَقیقَةِ البَصیرَةِ، وَباشَروا رُوحَ الیَقینِ، واستلانوا ما اسْتوعره المترفون... أولئک خلفاء الله فی أرضه»(2).

بعد معرفة هذه الصفات الکمالیة للمعصوم صار لابد لنا أن ننظر بعین البصیرة إلی من اتصف بهذه الصفات لنختاره إماماً لنا کی نصل إلی غایتنا وهی النجاة فی الدنیا والآخرة، وهذا ما أمر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ یقول:

«إنَّ أئِمَّتَکُمْ وَفْدُکُمْ إلی اللهِ، فانْظُروا مَنْ تُوفِدونُ فی دِینِکُمْ وَصَلاتِکُم»(3).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«إنَّ أئِمَّتُکُمْ قادَتُکُمْ إلی اللهِ، فانْظُروا بِمَنْ تَقْتَدونَ فی دِینِکُمْ وَصَلاتِکُمْ»(4).

ولا شک أن إمام الدین أعم من إمام الصلاة وغیرها، وبخلاف ذلک سننال سخطا من الله تعالی وعذابا ألیما فلذا ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لأُعَذِّبَنَّ کُلَّ رَعِیَّةٍ فی الإسْلامِ أطاعَتْ إماماً جائِراً لَیْسَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإنْ کانَتِ الرَّعِیَّةُ فی أعْمالِها بَرَّةً تَقِیّةً»(5).


1- الخصال للشیخ الصدوق: ص116، ح97.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج18، ص347. میزان الحکمة: ج1، ص158، ح860.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج11، ص88. میزان الحکمة: ج1، ص162، ح878.
4- بحار الأنوار: ج23، ص30، ح46. میزان الحکمة: ج1، ص162، ح879.
5- بحار الأنوار: ج25، ص110، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص162، ح882.

ص: 139

الخطبة الرابعة عشرة: وفیها یُذکّر الناس بما کتبوا إلیه

اشارة

ص: 140

ص: 141

حمد الله وأثنی علیه، ثم قال:

نص الخطبة

اشارة

«أیُّها النّاسُ، إنَّها مَعْذِرَةٌ إلی الله عَزَّ وَجَلَّ وَإلَیْکُمْ؛ إنِّی لَمْ آتِکُمْ حَتَّی أتتنی کُتُبُکُمْ، وَقَدِمَتْ عَلَیَّ رُسُلُکُمْ أنْ أقْدِمْ عَلَیْنا، فإنّه لَیْسَ لَنا إمامٌ لَعَلَّ الله یَجْمَعَنَا بِکَ عَلَی الهُدَی، فَإنَ کُنْتُمْ عَلَی ذلِکَ فَقَدْ جِئْتُکُم، فَإنْ تَعْطُونِی ما أطمَئِنُّ إلَیْهِ مِنْ عُهُودِکُمْ وَمَواثیقُکُمْ أقْدِمْ مِصْرَکُمْ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَکُنْتُمْ لِمَقْدَمِی کارِهِینَ انَصرفْتُ عَنْکُمْ إلی المَکانِ الَّذی أقْبَلْتُ مِنْهُ إلَیْکُمْ».

المعنی العام

خاطب الإمام علیه السلام الناس بأن مجیئه إلیهم بناء علی طلبهم، ولهذا أراد أن یلقی الحجة علیهم ویرفع اللوم عن نفسه أمام الله تعالی وأمامهم، فذکرهم أنه لم یجئ إلا بعد أن جاءت رسائلهم ووصلت إلیه رسلهم، وکان مضمون هذه الرسائل أن أقبل علینا، فإنه لیس لنا رئیس أو خلیفة أو قائد غیرک، فنرجو من الله تعالی أن یضمنا إلیک علی الرشد والإیمان والاستقامة فإن ثبتم علی ذلک سأقدم إلیکم، وإن تمنحونی ما تسکن إلیه نفسی من التزاماتکم وحفظکم لاتفاقاتکم أحضر إلی ولایتکم ومدینتکم، وإن لم تفعلوا وکنتم لمجیئی باغضین ذهبت عنکم إلی مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أو إلی المکان الذی أتیت منه إلیکم.

ص: 142

إلقاء الحجة

ینطلق الإمام الحسین علیه السلام فی بیان سبب قدومه إلی العراق من کونه حجة الله علی العباد وخلیفته فی الأرض، فألقی علی سامعیه الحجة لکی لا تکون لأحد حجة علیه ولکی لا یقع الناس فی اللبس والطمس للحقائق الذی مارسه الأمویون وأتباعهم من نشر الإشاعات بین الناس وإخفاء الحقیقة کقولهم: إن الإمام الحسین علیه السلام جاء إلی العراق طالبا للحکم وراغبا فی السلطة، فهو بذلک یطلب الدنیا ویحرص علیها، وکقولهم: إن الإمام الحسین علیه السلام شق عصا الأمة، وأراد الفرقة دون سبب وجیه أو تبریر مقنع، فأعلن لهم عن سبب قدومه، هذا من جهة، ومن جهة أخری أراد الإمام الحسین علیه السلام بهذا الطرح أن یسد الباب علی من یدعی رفض الظلم ویرغب فی محاربته، لو وجد القائد الذی ینشر رایة الحق ویتصدی للظلم والظالمین، فوطن نفسه وبذل مهجته وأعلن حربه ضد الظالمین بنصره للمظلومین، ومن جهة ثالثة عمل الإمام بتکلیفه الشرعی الذی یراه واجبا، لاسیما بعد أن استصرخته الأمة، واستغاثت به، ودعته لذلک فخرج ملبیا دعوة الحق التی دعا إلیها الله سبحانه فی کتابه الکریم کما فی قوله تعالی:

(الَّذِینَ آَمَنُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِیَاءَ الشَّیْطَانِ إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطَانِ کَانَ ضَعِیفًا)(1).

وقوله تعالی:

(قَاتِلُوا الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْیَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(2).


1- سورة النساء، ألآیة: 76.
2- سورة التوبة، الآیة: 29.

ص: 143

وغیرهما من الآیات الکریمة التی تحث علی دفع الظلم وبسط العدل ونصرة المظلومین کقوله تعالی:

(وَالَّذِینَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ رُسُلًا إِلَی قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَیِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِینَ أَجْرَمُوا وَکَانَ حَقًّا عَلَیْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ)(2).

فبخروجه علی الظالمین وتلبیته لدعوة المظلومین ألقی الحجة علی کل ذی لب وبصیرة، وامتثل لقول أبیه أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول:

«وَلَعَمْری، ما عَلَیَّ مِنْ قِتالِ مَنْ خالَفَ الحَقَّ وخابَطَ الغَیَّ مِنْ إدهانٍ وَلاَ إیْهانٍ، فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وفِرّوا إلی اللهِ مِنَ اللهِ، وامْضوا فی الّذی نَهَجَهُ لَکُمْ، وَقوموا بِما عَصَبهُ بِکُمْ، فَعلیٌّ ضامِنٌ لِفَلْجِکُمْ آجِلاً إنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عاجِلاً»(3).

__ هل یجوز للإمام الرجوع؟

ورد عنه علیه السلام فی خطبته قوله: (فَإنَ کُنْتُمْ عَلَی ذلِکَ فَقَدْ جِئْتُکُم، فَإنْ تَعْطُونِی ما أطمَئِنُّ إلَیْهِ مِنْ عُهُودِکُمْ ومواثیقکم أقْدِمْ مِصْرَکُمْ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَکُنْتُمْ لِمَقْدَمِی کارِهِینَ انَصرفْتُ عَنْکُمْ إلی المَکانِ الَّذی أقْبَلْتُ مِنْهُ إلَیْکُمْ).

عند التأمل فی هذا المقطع من الخطبة المبارکة یظهر لنا أن الإمام الحسین علیه السلام یشیر إلی إمکان تبدیل موقفه والرجوع إلی بلده وکأنّ شیئا لم یکن، فتقع فی قلب أهل الجهل والتعصب أسئلة کثیرة:


1- سورة الشوری، الآیة: 39.
2- سورة الروم، الآیة: 47.
3- نهج البلاغة: الخطبة 24. میزان الحکمة: ج2، ص744، ح3470.

ص: 144

1__ هل یصح فی حق إمام معصوم أن یدخل مدخلا دون التأکد من سلامته وعواقبه، فیسأل الناس بعد أن طوی مراحل کثیرة فی مسیرته ووصل ما وصل إلیه الآن، ألا ینبغی أن یتأکد من ذلک قبل قدومه؟

2__ ألم یکن خروج الإمام علیه السلام ضد الظالمین ثورة لا یصح التراجع عنها؟

3__ هل یصح للإمام علیه السلام أن یضع قراراته المصیریة بین أیدی الناس، إما أن یقدم أو یرجع؟

4__ إذا کان خروج الإمام علیه السلام ضد الظالمین تکلیفا شرعیا فهل یجوز له ترک التکلیف؟

5__ إذا رجع الإمام علیه السلام عن موقفه فلا ضیر علیه من قبل السلطة الحاکمة؛ لما یتمتع به من منزلة عظیمة فی الأمة تمنحه الحصانة التامة، ولکن ما هو مصیر من خرج مع الإمام علیه السلام؟ ألم یقع فی حرج وخوف؟

6__ ألا یَعُدّ هذا التراجع خذلانا للحق وللمظلومین؟

7__ ألا یَعُدّ هذا التراجع تأکیدا علی حب السلامة والنجاة وهذا بدوره یعد حرصا علی الدنیا؟

8__ ألا یَعُدّ هذا التراجع تأکیدا لمدعی من یتهم الإمام بحب السلطة والحکم، ولیس إقامة العدل والاصلاح کما هو شعار الإمام علیه السلام؟

ولعل هناک أسئلة أخری تجول فی خواطر الآخرین، لاسیما المشککین والنواصب والجاهلین بمقام الإمامة.

ولکی یتضح الجواب علی هذه الأسئلة وغیرها نورد بعض الالتفاتات نلفت إلیها نظر المنصفین:

1__ إن الإمام الحسین علیه السلام إمام معصوم بنص آیة التطهیر وآیات أخر کآیة

ص: 145

المودة وغیرها.

2__ إن الإمام الحسین علیه السلام إمام معصوم بنص حدیث الثقلین وأحادیث أخری کحدیث الإمامة وحدیث السیادة فی الجنة وغیرها، وهذا یؤکد أن الإمام علیه السلام إنما ألقی هذا الخطاب لحکمة هو أعرف بها فضلا عن إلقاء الحجة علیهم.

3__ اتضح من سیرة الإمام الحسین علیه السلام أنه حکیم فی فعله وقوله وقراراته فلا یقدم علی أمر بهذه الخطورة دون حکمة أو هدف سامٍ.

4__ لم یکن علم الإمام الحسین علیه السلام بحقیقة العواقب ودرایته بمصیره مانعا عن إلقاء الحجة علی هؤلاء القوم لکی لا یکون لأحد علیه حجة.

5__ نعتقد أن الإمام المعصوم لا یقوم ولا یقعد إلاّ بحساب، فیلزم من هذا أنه علیه السلام ما قال ذلک إلاّ وهو یعلم أن هذا القول لا یخرج عن مرضاة الله تعالی، ولا یترتب علیه مفسدة أو خلل أو نقص، فلذا لا یمکن أن ترد هذه التشکیکات حول حکمة الإمام وصحة قوله ودقة موقفه.

6__ من یقف علی سیرة الإمام الحسین علیه السلام وحرکته من المدینة إلی العراق یتضح له موقف الإمام الحاسم الذی لا تردد فیه، فحینئذ یفسر قوله هذا بأنه إلقاء الحجة علیهم من خلال دعوتهم إلی نصرته أو ترکهم إیاه یرجع إلی مکانه.

ص: 146

ص: 147

الخطبة الخامسة عشرة: وفیها یُقرّع أهل الکوفة

اشارة

الخطبة الخامسة عشرة: وفیها یُقرّع أهل الکوفة(1)


1- الکوفة: المصر المشهور بأرض باب من سواد العراق، ویسمّیها قوم خدّ العذراء. معجم البلدان: 4، 490.

ص: 148

ص: 149

نص الخطبة

اشارة

«أمّا بَعْدُ فَتَبّاً لکمُ أیّتُهَا الجَماعَةُ وتَرَحاً، حینَ اسْتَصْرَخْتُمونا وَلِهِینَ، فَأصرَخْناکم مُوجِفین(1) سَلَلتُم عَلَیْنا سَیْفاً کان فی أیْمانِنا، وحَشَشْتُمْ عَلَیْنا ناراً اقْتَدَحْناها علی عدوّنا وعدوّکم، فَأصْبَحْتُمْ إلباً(2) علی أوْلیائِکُمْ وَیَداً لأعدائِکُمْ، بِغَیرِ عَدْلٍ أفشَوْهُ فیکُمْ, وَلا أمَلٍ أصْبَحَ لکُمْ فیهم، ومِنْ غَیْرِ حَدَثٍ کانَ مِنَّا، ولا رَأیٍ تَفَیَّلَ(3) مِنّا، فَهَلاّ - لَکُمُ الوَیْلاتُ - تَرَکْتُموُنا وَالسَّیفُ مَشِیمٌ، وَالجَأشُ طامِنٌ، والرَّأیُ لَمَّا یُسْتَحْصَفْ، ولکِنْ أسْرَعْتُمْ إلیها کَتَطائرِ الدَّبی، وَتَهافَتُّمَ عَلَیْها کَتَهافُتِ الفّراشِ(4).

فَسُحْقاً وبُعْداً لِطَواغیتِ الأمَّةِ، وَشُذَّاذِ الأحزابِ، وَنَبَذَةِ الکِتابِ، وَنَفَثَةٍ الشَّیْطانِ، وَمُحَرِّفی الکَلامِ، وَمُطْفِئُ السُّنَنِ، ومُلْحِقی العُهّارَ بالنّسَبِ، المُسْتَهْزِئینَ الّذینَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِینَ. 


1- تبّ فلان: خَسِرَ وهَلَک. وتَرِح یَتْرحُ تَرَحاً: حَزِن وقَلّ ضیره. استصرخه: استغاث به، وَلَهَ فلان، یَلِهُ وَلَهاً: اشتدّ حزنُه حتی ذهب عقله، وَجَف: أسرع.
2- استلّ السیف: انتزعه من غِمْدِه. حشّ النار: جمع لها الوقودَ وحرّکها لتتَّقد. قَدَح النارَ من الزّند: أخرجها منه. الإلّبُ: القوم یجتمعون علی عداوة إنسان.
3- فَیّلَ رَأیَهُ: ضَعّفّهُ وخطّأه.
4- شام السیفَ شَیْماً: سَلّه وأغمده، وهو من الاضداد. الجَأش: النفس أو القلب. طامن: سکن بعد انزعاج ولم یقلق. استحصف الشیءُ: جاد واستحکم. الدّبی: الجّراد قبل أن یطیر، والنحلُ. تهافُتِ الفَراشُ: علی النور أو فی النار. وتهافَتَ القومُ: تساقَطوا مَوتی. الفراش: جنس حشرات.

ص: 150

أجَلْ وَاللهِ غَدْرٌ فیکمْ قَدِیمٌ، وقد وَشَجَتْ عَلَیْهِ عُروقُکُمْ، وتَأزّرَتْ عَلَیهِ أُصولُکُمْ، فَکنْتُم أخَبَثَ ثَمَرَةِ شَجَرٍ للنّاظِرِ وَأَکْلَةٍ لِلغاصِبِ، ألا فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَی النّاکِثینَ الذّین یَنقُضُونَ الأیمانَ بَعدَ تَوْکیدِها، وقَدْ جَعَلُوا اللهَ عَلَیْهِمْ کَفیلاً.

ألا وإنَّ الدَّعیَّ ابنَ الدَّعیْ قَدْ رَکَزَ بَیْنَ اثْنَتَیَنِ: بَیْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَیْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ(1)، یأبَی اللهُ ذلِکَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ وحُجُورٌ طابَتْ وَأنُوفٌ حَمیَّةٌ ونُفُوسٌ أبیَّةٌ، أنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ.

ألا وإنّی زاحِفٌ إلَیْکم بهذهِ الأُسرَةِ علی کَلَبِ العَدُوِّ وقِلَّةِ العَدَدِ وخُذلان النّاصِر.

أمَا وَاللهِ لا تَلْبَثُونَ بَعْدَها إلاّ کَرَیْثَما یُرَکَبُ الفَرَسُ حَتّی تَدوُرَ بِکُم دَورَ الرَّحی، وَتَقْلَقَ بِکُمْ قَلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إلَیَّ أبی عَن جَدِّی، فأجَمِعُوا أمَرَکُمْ وَشُرَکاءَکُمْ ثُمَّ کیدُونِ فلا تُنظِرونَ، إنّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللهِ رَبِّی وَرَبِّکُمْ، ما مِنْ دابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إنَّ ربِّی عَلی صِراطٍ مُستَقیمٍ».

المعنی العام
اشارة

(أمّا بَعْدُ فَتَبّاً لکمُ أیّتُهَا الجَماعَةُ وتَرَحاً، حینَ اسْتَصْرَخْتُمونا وَلِهِینَ، فَأصرَخْناکم مُوجِفین سَلَلتُم عَلَیْنا سَیْفاً کان فی أیْمانِنا، وحَشَشْتُمْ عَلَیْنا ناراً اقْتَدَحْناها علی عدوّنا وعدوّکم، فَأصْبَحْتُمْ إلباً علی أوْلیائِکُمْ وَیَداً لأعضدائِکُمْ، بِغَیرِ عَدْلٍ أفشَوْهُ فیکُمْ, وَلا أمَلٍ أصْبَحَ لکُمْ فیهم، ومِنْ غَیْرِ حَدَثٍ کانَ مِنَّا، ولا رَأیٍ تَفَیَّلَ مِنّا، فَهَلاّ __ لَکُمُ الوَیْلاتُ __ تَرَکْتُموُنا وَالسَّیفُ مَشِیمٌ، وَالجَأشُ طامِنٌ،


1- السِّلّةُ: المرّة من السِّلِّ، یقال: أتیناهم عند السِّلَّة: أی عند استلال السیوف، والمراد: الحرب. والذّلّةُ: الانقیاد والخضوع، والمراد البیعة لیزید.

ص: 151

والرَّأیُ لَمَّا یُسْتَحْصَفْ، ولکِنِ أسْرَعْتُمْ إلیها کَتَطائرِ الدَّبی، وَتَهافَتُّمَ عَلَیْها کَتَهافِتْ الفّراشِ).

أما بعد، فهلاکا وخسرانا لکم أیتها الطائفة من الناس وحزنا، فی الوقت الذی استغثتم بنا وأنتم علی حالة من الحزن الشدید کأنما ذهبت عقولکم، فأغثناکم مسرعین، انتزعتم السیف من غمده علینا وهو کان لنا، وحرکتم علینا النار وجمعتم لها وقودها وجعلتموها علینا ولقد أخرجناها لعدونا وعدوکم، فأصبحتم بعملکم هذا أعداء مجتمعین علی أنصارکم وأحبابکم ومن هو مولاکم وقوة لأعدائکم بغیر قسط وإنصاف نثروه بینکم، ولا رجاء لکم فیهم، ومن غیر تغیر أو تحول کان منا ولا رأی ضعیف أو خطأ منا، فالآن لکم العذاب ترکتمونا والسیف مسلول علینا والقلب أو النفس ساکن ومستقر، والرأی لما یجد ویستحکم، ولکن عجلتم إلی الفتنة کما تتحرک مجامیع الجراد الصغیر، وتساقطتم علیها کتهافت الفراش علی النور.

فهلاکا وفناءً لظلمة الأمة ومنحرفیها، وغرباء الناس الذین مع قوم لیس منهم، وتارکی القرآن الکریم وراء ظهورهم ولم یعملوا به ونفخة الشیطان، ومغیری الکلم عن مواقعه، والذین أخمدوا نور الشرائع، والذین ألحقوا الفجار وأبناء الزنی بالنسب، الساخرین الذین جعلوا القرآن، أجزاء متفرقة وکذبوا ببعضه.

(أجَلْ وَاللهِ غَدْرٌ فیکمْ قَدِیمٌ، وقد وَشَجَتْ عَلَیْهِ عُروقُکُمْ، وتَأزّرَتْ عَلَیهِ أُصولُکُمْ، فَکنْتُم أخَبَثَ ثَمَرَةِ شَجَرٍ للنّاظِرِ وَأَکْلَةٍ لِلغاصِبِ، ألا فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَی النّاکِثینَ الذّین یَنقُضُونَ الأیمانَ بَعدَ تَوْکیدِها، وقَدْ جَعَلُوا اللهَ عَلَیْهِمْ کَفیلاً).

یؤکد الإمام علیه السلام بالقسم أن فیکم عدم وفاء ونقض عهد قدیمین، وقد تشابکت والتفت علیه جذورکم، وتعاونت وأحاطت به أنسابکم وأسلافکم، فکنتم

ص: 152

أردأ ما حملته الأشجار للناظر إلیها فلا تسرّه وأخبث لقمة للظالم القاهر الذی اخذ ما لیس له، فإننا ندعو الله تعالی أن یطردکم من رحمته أیها الناقضون للعهد والحانثون بالیمین الذی أدوه، والمخالفون الله تعالی الذین جعلوه علیهم ظامنا.

(ألا وإنَّ الدَّعیَّ ابنَ الدَّعیْ قَدْ رَکَزَ بَیْنَ اثْنَتَیَنِ: بَیْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَیْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ، یأبَی اللهُ ذلِکَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ وحُجُورٌ طابَتْ وَأنُوفٌ حَمیَّةٌ ونُفُوسٌ أبیَّةٌ، أنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ).

إن المتهم فی نسبه والمنسوب إلی غیر أبیه قد أثبت بین اثنتین: بین سل السیوف وامتشاقها وبین الهوان والخضوع والضعف والمراد بیعة یزید، ومحال منا الخضوع والهوان یرفض الله تعالی ورسوله والمؤمنون وأحضان حسنت وطابت، وأنوف لا تقبل ولا تحتمل الضیم، ونفوس رافضة کارهة مستعصیة علی الضیم، أن نفضل الانقیاد لغیر الکرام وذی الأصول الدنیّة علی مقاتل الفضلاء الذین یجودون بالنفس من أجل مبادئهم.

(ألا وإنّی زاحِفٌ إلَیْکم بهذهِ الأُسرَةِ علی کَلَبِ العَدُوِّ وقِلَّةِ العَدَدِ وخُذلان النّاصِر).

إننی ماشٍ إلیکم بهذه الجماعة التی هی أهلی وعشیرتی علی قلتها مع تواثب العدو وجرأته علی قتالی وتجاهره بالعداء، ومع نقص العدد وندرته، ومع تخلی المعین عن العون والنصر.

(أمَا وَاللهِ لا تَلْبَثُونَ بَعْدَها إلاّ کَرَیْثَما یُرَکَبُ الفَرَسُ حَتّی تَدوُرَ بِکُم دَورَ الرَّحی، وتَقْلَقَ بِکُمْ قَلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إلَیَّ أبی عَن جَدِّی، فأجَمِعُوا أمَرَکُمْ وَشُرَِکاءَکُمْ ثُمَّ کیدُونِ فلا تُنظِرونِ، إنّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللهِ رَبِّی وَرَبِّکُمْ، ما مِنْ دابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَّتِها إنَّ ربِّی عَلی صِراطٍ مُستَقیمٍ). 

ص: 153

یقسم الإمام علیه السلام بالله تعالی فیقول لا تمکثون ولا تقیمون بعد هذه الفعلة السیئة إلا بمقدار رکبة فرس حتی تطوف بکم وتتحرک کحرکة الرحی __ الآلة الحجریة لطحن الحبوب __، ویضطرب العود الذی تدور علیه البکرة، ومیثاق ووعد وعدنی به أبی عن جدی، ضمّوا شرکاءکم إلیکم واتفقوا علی حال وشأن واحد ثم حاربونی فلا تمهلونی أو تؤخرونی، إنی اعتمدت علی الله ربی وربکم، ما من متحرکة علی الأرض إلا هو الله تعالی ماسکها بمقدمتها أی أن أمرها بیده تعالی إن ربی علی طریق لا عوج فیه.

الغدر

الغدر هو نقض العهد وترک الوفاء به(1)، فهو صفة ذمیمة لا یتلبس بها إلا لئام الناس، بل هی صفة وحوش الحیوان کالذئاب، وصفة من لا دین له ولا مروءة، وصفة لا یتصف بها إلاّ من کان حقیراً بین الناس ذیلاً لرؤوسهم، عبداً لأحرارهم، فهی من الرذائل المهلکة، والشهوات الخبیثة التی ینفر منها العقلاء عند ذکرها، ویترفع عنها النبلاء عند التمکن منها لما لها من عاقبة وخیمة فی الدنیا والآخرة، ففی الدنیا صاحبها مطلوب مکروه وفی الآخرة صاحبها مأخوذ بعذاب الله تعالی، وحیث أن الغدر هو نقض العهد وخلف الوعد نجد أمیر المؤمنین علیه السلام فی عهده لمالک الأشتر یؤکد علی قباحة الغدر فیقول:

«ولا تدفعن صلحا دعاک إلیه عدوک ولله فیه رضی، فإن فی الصلح دعة لجنودک وراحة من همومک وأمنا لبلادک، ولکن الحذر کل الحذر من عدوک بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب لیتغفل، فخذ بالحزم واتهم فی ذلک حسن الظن. 


1- المعجم الوسیط: ص645.

ص: 154

وإن عقدت بینک وبین عدوک عقدة أو ألبسته منک ذمة فحط عهدک بالوفاء، وارع ذمتک بالأمانة، واجعل نفسک جنة دون ما أعطیت فإنه لیس من فرائض الله شیء الناس أشد علیه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظیم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلک المشرکون فیما بینهم دون المسلمین لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتک، ولا تخیسن بعهدک، ولا تختلن عدوک، فإنه لا یجترئ علی الله إلا جاهل شقی.

وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بین العباد برحمته وحریما یسکنون إلی منعته ویستفیضون إلی جواره، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فیه، ولا تعقد عقدا تجوز فیه العلل، ولا تعولن علی لحن قول بعد التأکید والتوثقة، ولا یدعونک ضیق أمر لزمک فیه عهد الله إلی طلب انفساخه بغیر الحق، فإن صبرک علی ضیق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خیر من غدر تخاف تبعته وأن تحیط بک من الله فیه طلبة فلا تستقیل فیها دنیاک ولا آخرتک»(1).

آثار الغدر

مما لا شک فیه أن للذنوب آثاراً فی الدنیا وجزاء فی الآخرة، فیکون الغادر ممن خسر الدنیا والآخرة معا وهو الخسران الأکبر، ولقد ذکرت الأحادیث الشریفة الآثار القبیحة لهذه الصفة:

1__ إذا عمل الإنسان سیئة، تسجل فی سجل أعماله سیئة واحدة إلاّ أن بعض الأعمال هی سیئة بذاتها ولها أثر أقبح منها ألا وهو مضاعفة السیئات کصفة الغدر وهذا ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- نهج البلاغة، خطب الإمام علی علیه السلام: ج3، ص107.

ص: 155

«الغَدْرُ یُضاعِفُ السَّیِّئاتِ»(1).

وعنه علیه السلام:

«الغَدْرُ یُعَظِّمُ الوِزْرَ، وَیُزِرِی بِالقَدْرِ»(2).

2__ أن الإنسان الغادر یفقد قیمته عند الناس وتناله المهانة من الله تعالی وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین بقوله:

«جانِبُوا الغَدْرَ؛ فَإنَّهُ مُجانِبُ القُرآنِ»(3).

وعنه علیه السلام قال:

«إیّاکَ وَالغَدْرَ؛ فَإنَّهُ أقْبَحُ الخِیانَةِ، وَإنَّ الغَدُورَ لَمُهانٌ عِنْدَ اللهِ»(4).

3__ وأرشد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمته من خلال وصیته لأمیر المؤمنین علیه السلام أن لا تغدر وتنتهک أمان الله تعالی بین عباده، وحثها علی أن الصبر فی الشدة والبلاء وضیق الأمور خیر لها من أن تغدر فتنال العاقبة الوخیمة وهذا ما صرح به فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلی فیما عَهِدَ إلیه:

«وَإیّاکَ وَالغَدْرَ بِعَهْدِ اللهِ وَالإخْفارَ لِذِمَّتِهِ؛ فَإنَّ اللهَ جَعَلَ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أماناً أمْضاهُ بَیْنَ العِبادِ بِرَحْمَتِهِ، وَالصَّبْرُ عَلی ضِیقٍ ترجو انْفِراجَهُ خَیْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخافُ أوْزارَهُ وَتَبِعاتِهِ وَسُوءَ عاقِبَتِهِ»(5).

4__ سیقف الناس یوم القیامة بین یدی الحکم العدل ألا وهو الله سبحانه فیحکم بینهم، ویقف الخصم أمام خصمه ویدلی بشهادته ومطالبه فیحکم الله تعالی للمظلوم


1- غرر الحکم: 643. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14809.
2- غرر الحکم: 2191. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14810.
3- غرر الحکم: 4741. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14811.
4- غرر الحکم: 2664. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14812.
5- مستدرک الوسائل: ج11، ص47، ح12396. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14816.

ص: 156

علی الظالم، ولکن بالنسبة للغادر سیکون الخصم معه لیس المغدور فحسب بل الله تعالی هو الخصم، أی یکون الحکم هو الخصم وهذا من أشد المواقف علی الغادر فلذا ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله:

«قالَ اللهُ تَعالی: ثَلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ یَوْمَ القِیامَةِ: رَجُلٌ أعْطی بی ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ باعَ حُرّاً فَاکَلَ ثَمَنُهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجِیراُ فَاسْتَوفی مِنْهُ العَمَلَ وَلَمْ یُوَفِّهِ أجْرَهُ»(1).

نصائح لابد منها

1__ رغم قباحة الغدر إلاّ أنه یشتد قباحة عندما یکون مع أصحاب القوة والحکم لما له من آثار وخیمة علی الغادر وهذا ما صرح به أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«الغَدْرُ بِکُلِّ أحَدٍ قَبیحٌ، وَهُوَ بِذَوی(2) القُدْرَةِ وَالسُّلْطانِ أقْبَحُ»(3).

2__ إذا ائتمنک أخوک سراً لا یحق لک نشره والإعلان به؛ لأن ذلک نوع من أنواع الغدر، وهو الخیانة المقیتة فلذا ورد عن الإمام علی علیه السلام:

«أقْبَحُ الغَدْرِ إذاعَةُ السِّرِّ»(4).

3__ الغادر لمهانته علی الله تعالی لم یجعل الله تعالی له حرمة، ولم یکن له ذمام ولا یستحق الوفاء رغم أن الوفاء فضیلة ومنقبة لمن تحلی به، بل أن رد غدر الغادر بغدر مثله یعد من الوفاء؛ لأنه من المکر بالماکر وهذا ما یفهم من قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الوَفاءُ لأهلِ الغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللهِ، وَالغَدْرُ بِأهْلِ الغَدْرِ وَفاءٌ عِنْدَ اللهِ»(5)


1- الترغیب والترهیب: ج4، ص10، ح19. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14817.
2- فی المصدر (بذو) والصحیح ما أثبتناه کما فی بعض النسخ.
3- غرر الحکم: 1864. میزان الحکمة: ج7، ص2957، ح14819.
4- غرر الحکم: 3005. میزان الحکمة: ج7، ص2957، ح14820.
5- نهج البلاغة: الحکمة 251. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج19، ص102. میزان الحکمة: ج7، ص2956، ح14821.

ص: 157

4__ تحث الأحادیث الشریفة علی تسمیة الأشیاء بأسمائها، کما دعت الناس إلی عدم الاشتباه فی تغییر الحقائق، فلذا لا یحق للمؤمن أن یعدّ الغدر سلوکا عقلانیا، وأن لا یسمیه ذکاءً وحذاقة، وحثت المؤمن علی ذکر الله تعالی والالتزام بأوامره والانتهاء عن تواهیه وإن کان قادراً علی فعل الحرام، وبخلاف ذلک یصبح المؤمن فاسقاً لا دین له، وهذا هو مضمون حدیث أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أیُّها النّاسُ، إنَّ الوَفاءَ تَوْأمُ الصِّدیقِ، وَلاَ أعْلَمُ جُنَّةً أوْقی مِنْهُ، وَما یَغْدِرُ مَنْ یَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ کَیْفَ المَرْجِعُ، وَلَقَدْ أصْبَحْنا فی زَمانٍ قَدِ اتَّخَذَ أکْثَرُ أهْلِهِ الغَدْرَ کَیْساً، وَنَسَبَهُمْ أهْلُ الجَهْلِ فیهِ إلی حُسْنِ الحِیلَةِ، ما لَهُمْ، قاتَلَهُمْ اللهُ؟! قَدْ یَرَی الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحِیلَةِ وَدُونَها مانِعٌ مِنْ أمْرِ اللهِ وَنَهْیِهِ، فَیَدَعُها رَأیَ عَیْنٍ بَعْدَ القُدْرَةِ عَلَیْها، ویَنْتَهِزُ فُرْصَتَها مَنْ لاَ حَرِیجَةَ لَهُ فی الدِّینِ»(1).

وعنه علیه السلام قال:

«وَاللهِ ما مُعاوِیَةُ بِأدْهی مِنّی وَلکِنَّهُ یَغْدِرُ وَیَفْجُرُ، وَلَولاَ کَراهِیَةُ الغَدْرِ لَکُنْتُ مِنْ أدْهی النّاسِ، وَلکِنْ کُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرةٍ، وَکُلُّ فُجَرَةٍ کُفَرَةٍ، وَلِکُلِّ غادِرٍ لِواءٌ یُعْرَفُ بِهِ یَوْمَ القِیامَةِ، وَاللهِ ما أُستَغْفَلُ بِالمَکِیدَةِ، ولاَ أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدیدَةِ»(2).

5__ إیاک والفضیحة علی رؤوس الأشهاد، فلقد ورد فی الأحادیث الشریفة أن أهل الغدر سترفع لهم ألویة یعرفون من خلالها ویفتضحون بین أهل الحشر، فیعرف الغادر ومقدار غدرته وهذا ما أشارت إلیه الأحادیث الشریفة:

قال النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:


1- نهج البلاغة: الخطبة 41. میزان الحکمة: ج7، ص2958، ح14822.
2- نهج البلاغة: الخطبة 200. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج10، ص211. میزان الحکمة: ج7، ص2958، ح14823.

ص: 158

«إنَّ لِکُلِّ غادِرٍ لِواءً یُعْرَفُ بِهِ یَوْمَ القِیامَةِ»(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«إذا جَمَعَ اللهُ الأوَّلینَ وَالآخِرینَ یَوْمَ القِیامَةِ یُرْفَعُ لِکُلِّ غادِرٍ لِواءٌ، فَقیلَ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ ابنِ فُلانِ!»(2).

وجاء عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألا إنَّهُ یُنْصَبُ لِکُلِّ غادِرٍ لِواءٌ یَوْمَ القِیامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ»(3).

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«لِکُلِّ غادِرٍ لِواءٌ یَوْمَ القِیامَةِ یُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، ألا وَلاَ غادِرَ أعْظَمُ غَدْراً مِنْ أمیرِ عامّةٍ»(4).

نسب الدعیّ (عبید الله بن زیاد)

قال الإمام الحسین علیه السلام:

(ألا وإنَّ الدَّعیَّ ابنَ الدَّعیْ قَدْ رَکَزَ بَیْنَ اثْنَتَیَنِ: بَیْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَیْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ(5)، یأبَی اللهُ ذلِکَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ وحُجُورٌ طابَتْ وَأنُوفٌ حَمیَّةٌ ونُفُوسٌ أبیَّةٌ، أنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ).

تنفطر القلوب وتقترح العیون وتتصدع الأصلاب عندما یضطر الکریم إلی مخاطبة اللئام، وتخرج الزفرات حسرة عندما یخاطب العالم جاهلاً لبیان قیمة العلم والعلماء،


1- کنز العمال: 7681. میزان الحکمة: ج7، ص2985، ح14825.
2- کنز العمال: 7682. میزان الحکمة: ج7، ص2985، ح14826.
3- کنز العمال: 7683. میزان الحکمة: ج7، ص2985، ح14827.
4- کنز العمال: 7684. میزان الحکمة: ج7، ص2985، ح14828.
5- السَّلَّةُ: المرّة من السَّلِّ، یقال: أتیناهم عند السَّلَّة: أی عند استلال السیوف، والمراد الحرب. والذّلّةُ: الانقیاد والخضوع، والمراد البیعة لیزید.

ص: 159

وتکاد السموات أن تقع علی الأرض عندما ینزل العالی بالحق لبیان حقه عند الدانی المتسافل، ألیس من الظلم أن یحکم ابن العاهرة علی ابن سیدة نساء العالمین؟ ألیس من الجریمة أن یخیّر ابن القذارة ابن الطهارة بین الاستسلام أو القتل؟ ألیس من العار علی الأمة أن یکون الدعیّ وابن الدعیّ إماماً لها وتترک ابن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة؟ ألیس من السوء أن تلتف الشجرة الخبیثة علی الشجرة الطیبة؟ ألم یقل المفسرون أن الشجرة الملعونة فی القرآن هی بنو أمیة؟ فکیف هی منزلة اللصیق بهذه الشجرة؟ ولکی نوقف القارئ الکریم علی حقیقة قول الإمام الحسین علیه السلام فی بیان نسب ابن زیاد لابد من معرفة ما ذکره التاریخ وسطره أصحاب التراجم.

__ صورة عن أبیه زیاد
اشارة

عند الوقوف علی جانب من جوانب حیاة زیاد تجد مسخاً قذراً لا یهمه إلا الدنیا والحکم فیها والتسلط والظهور بمظهر أهل الشرف والرفعة، وما ذلک إلاّ لنقص فی شخصه وخسة فی باطنه وذلّ یعیشه فی نفسه لمعرفته بنفسه الوضیعة التی ولدت من صلب قذر ورحم نجس، ولکی یتضح للقارئ الکریم ما قلناه فلیتأمل ما جاء فی التاریخ، کتب الرجال، وخیر ما یدل علی ذلک ما ورد فی نهج البلاغة من کتب وجهها أمیر المؤمنین علیه السلام إلی زیاد یظهر منها قباحة زیاد وخروجه علی تعلیمات الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وهی کما یلی:

نهج البلاغة __ خطب الإمام علی علیه السلام __ ج3 __ ص19 إلی 20

(ومن کتاب له علیه السلام إلی زیاد بن أبیه) وهو خلیفة عامله عبد الله بن عباس علی البصرة وعبد الله عامل أمیر المؤمنین یومئذ علیها وعلی کور الأهواز وفارس وکرمان: (وإنی أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغنی أنک خنت من فی المسلمین شیئا صغیراً أو کبیراً لأشدن علیک شدة تدعک قلیل الوفر ثقیل الظهر ضئیل الأمر).

ص: 160

(ومن کتاب له علیه السلام إلیه أیضا) (فدع الإسراف مقتصدا، واذکر فی الیوم غدا، وأمسک من المال بقدر ضرورتک، وقدم الفضل لیوم حاجتک أترجو أن یعطیک الله أجر المتواضعین وأنت عنده من المتکبرین، وتطمع وأنت متمرغ فی النعیم تمنعه الضعیف والأرملة أن یوجب لک ثواب المتصدقین، وإنما المرء مجزی بما أسلف، وقادم علی ما قدم، والسلام).

مصباح البلاغة (مستدرک نهج البلاغة) __ المیرجهانی __ ج4 __ ص111 إلی 112

قال فی المعادن أیضا ص197 فلما بلغ أمیر المؤمنین علیه السلام ما عرج (أی زیاد بن أبیه) علیه من القسوة والجفوة أخرج إلیه سعدا مولاه یحثه علی حمل مال البصرة إلی الکوفة فکانت بینه وبین سعد منازعة فی ذلک فرجع سعد وشکاه من شنیع ما أتی به هنالک فکتب أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فی ما کتب إلیه یلومه علی ما جری لعله یذکر أو یخشی أما بعد فإن سعدا ذکر أنک شتمته ظلما وتهددته (هددته) وجبهته تجبرا وتکبرا فما دعاک إلی التکبر وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الکبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه وقد أخبرنی أنک تکثر من الألوان المختلفة فی الطعام فی الیوم الواحد وتدهن کل یوم فما علیک لو صمت لله أیاما وتصدقت ببعض ما عندک محتسبا وأکلت طعامک مرارا قفارا، فإن ذلک شعار الصالحین أتطمع وأنت متمرغ فی النعیم تستأثر به علی الجار والمسکین والضعیف والفقیر والأرملة والیتیم أن یحسب لک أجر المتصدقین؟! وأخبرنی أنک تتکلم بکلام الأبرار وتعمل عمل الخاطئین، فإن کنت تفعل ذلک فنفسک ظلمت وعملک أحبطت فتب إلی ربک یصلح لک عملک واقتصد فی أمرک وقدم الفضل لیوم حاجتک وأدهن غبا فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول أدهنوا غبا ولا تدهنوا دفقا.

ص: 161

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص925 إلی 933

قصة استلحاق معاویة زیادا قال الرضی __ رضوان الله علیه __ فی نهج البلاغة فی باب المختار من کتبه علیه السلام ما نصه: (ومن کتاب له علیه السلام إلی زیاد بن أبیه وقد بلغه أن معاویة کتب إلیه یرید خدیعته باستلحاقه: (وقد عرفت أن معاویة کتب إلیک یستزل بک، ویستفل غربک، فاحذره فإنما هو الشیطان یأتی المرء من بین یدیه ومن خلفه وعن یمینه وعن شماله لیقتحم غفلته ویستلب غرته، وقد کان من أبی سفیان فی زمن عمر بن الخطاب فلتة من حدیث النفس، ونزعة من نزعات الشیطان لا یثبت بها نسب، ولا یستحق بها إرث والمتعلق بها کالواغل المدفع والنوط المذبذب).

فلما قرأ زیاد الکتاب قال: شهد بها ورب الکعبة، ولم تزل فی نفسه حتی ادعاه معاویة).

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه بعد تفسیر جملاته ما لفظه: (فأما زیاد فهو زیاد بن عبید فمن الناس من یقول عبید بن فلان وینسبه إلی ثقیف، والأکثرون یقولون: إن عبیدا کان عبدا وإنه بقی إلی أیام زیاد فابتاعه وأعتقه، وسنذکر ما ورد فی ذلک، ونسبة زیاد لغیر أبیه لخمول أبیه والدعوة التی استلحق بها، فقیل تارة: زیاد بن سمیة وهی أمه، وکانت أمة للحارث بن کلدة بن عمرو بن علاج الثقفی طبیب العرب وکانت تحت عبید، وقیل تارة، زیاد بن أبیه، وقیل تارة: زیاد بن أمه، ولما استلحق قال له أکثر الناس: زیاد بن أبی سفیان، لأن الناس مع الملوک الذین هم مظنة الرهبة والرغبة، ولیس أتباع الدین بالنسبة إلی أتباع الملوک إلا کالقطرة فی البحر المحیط، فأما ما کان یدعی به قبل الاستلحاق فزیاد بن عبید ولا یشک فی ذلک أحد.

وروی أبو عمر بن عبد البر فی کتاب الاستیعاب عن هشام بن محمد بن السائب الکلبی عن أبیه عن أبی صالح عن ابن عباس: أن عمر بعث زیاداً فی إصلاح فساد واقع

ص: 162

بالیمن فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم یسمع مثلها وأبو سفیان حاضر وعلی علیه السلام وعمرو بن العاص، فقال عمرو بن العاص: لله أبو هذا الغلام لو کان قرشیا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفیان: إنه لقرشی وإنی لأعرف الذی وضعه فی رحم أمه.

فقال علی علیه السلام:

«ومن هو»؟

قال: أنا.

فقال علیه السلام:

«مهلا یا أبا سفیان».

فقال أبو سفیان:

أما والله لولا خوف شخص

یرانی یا علی من الأعادی

لأظهر أمره صخر بن حرب

ولم یخف المقالة فی زیاد

وقد طالت مجاملتی ثقیفا

وترکی فیهم ثمر الفؤاد

عنی بقوله: (لولا خوف شخص) عمر بن الخطاب.

وروی أحمد بن یحیی البلاذری قال: تکلم زیاد وهو غلام حدث بحضرة عمر کلاما أعجب الحاضرین فقال عمرو بن العاص: لله أبوه لو کان قرشیا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفیان: أما والله إنه لقرشی ولو عرفته لعرفت أنه خیر من أهلک، فقال: ومن أبوه؟، قال: أنا والله وضعته فی رحم أمه، فقال: فهلا تستلحقه؟ قال: أخاف هذا العیر الجالس أن یخرق علی إهابی.

وروی محمد بن عمر الواقدی قال: قال أبو سفیان وهو جالس عند عمر وعلی

ص: 163

هناک وقد تکلم زیاد فأحسن: أبت المناقب إلا أن تظهر فی شمائل زیاد فقال علی علیه السلام: من أی بنی عبد مناف هو؟ قال: ابنی.

قال: کیف؟ قال: أتیت أمه فی الجاهلیة سفاحا، فقال علی علیه السلام:

«مه یا أبا سفیان فإن عمر إلی المساءة سریع».

قال: فعرف زیاد ما دار بینهما فکانت فی نفسه.

وروی علی بن محمد المدائنی قال: لما کان زمن علی علیه السلام ولی زیادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا، وجبا خراجها وحماها، وعرف ذلک معاویة فکتب إلیه: أما بعد فإنه غرتک قلاع تأوی إلیها لیلا کما تأوی الطیر إلی وکرها، وأیم الله لولا انتظاری بک ما الله أعلم به لکان لک منی ما قال العبد الصالح: فلنأتینهم بجنود لا قبل لهم (الآیة) وکتب فی أسفل الکتاب شعراً من جملته:

تنسی أباک وقد شالت نعامته

إذ یخطب الناس والوالی لهم عمر

فلما ورد الکتاب علی زیاد قام فخطب الناس وقال: العجب من ابن آکلة __ الأکباد ورأس النفاق یهددنی وبینی وبینه ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وزوج سیدة نساء العالمین، وأبو السبطین، وصاحب الولایة والمنزلة والإخاء فی مائة ألف من المهاجرین والأنصار والتابعین لهم بإحسان.

أما والله لو تخطی هؤلاء أجمعین إلی لوجدنی أحمر محبا ضرابا بالسیف، ثم کتب إلی علی علیه السلام، وبعث بکتاب __ معاویة فی کتابه، فکتب إلیه علی علیه السلام وبعث بکتابه: (أما بعد، فإنی قد ولیتک ما ولیتک وأنا أراک لذلک أهلا، وإنه کانت من أبی سفیان فلتة فی أیام عمر من أمانی التیه وکذب النفس لم تستوجب بها میراثا ولم تستحق بها نسبا، وإن معاویة کالشیطان الرجیم یأتی المرء من بین یدیه ومن خلفه وعن یمینه وعن شماله، فاحذره، ثم احذره، ثم احذره والسلام).

ص: 164

وروی أبو جعفر محمد بن حبیب قال: کان علی علیه السلام قد ولی زیادا قطعة من أعمال فارس واصطنعه لنفسه، فلما قتل علی علیه السلام بقی زیاد فی عمله، وخاف معاویة جانبه وعلم صعوبة ناحیته وأشفق من ممالاته الحسن بن علی علیه السلام، فکتب إلیه: من أمیر المؤمنین معاویة بن أبی سفیان إلی زیاد بن عبید أما بعد فإنک عبد قد کفرت النعمة واستدعیت النقمة، ولقد کان الشکر أولی بک من الکفر، وإن الشجرة لتضرب بعرقها وتتفرع من أصلها، إنک لا أم لک بل لا أب لک قد هلکت وأهلکت، وظننت أنک تخرج من قبضتی، ولا ینالک سلطانی؟ هیهات ما کل ذی لب یصیب رأیه، ولا کل ذی رأی ینصح فی مشورته، أمس عبد والیوم أمیر؟..! خطة ما ارتقاها مثلک یا ابن سمیة، وإذا أتاک کتابی هذا فخذ الناس بالطاعة والبیعة وأسرع الإجابة فإنک إن تفعل فدمک حقنت ونفسک تدارکت، وإلا اختطفتک بأضعف ریش، ونلتک بأهون سعی، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتی بک إلا فی زمارة، تمشی حافیا من أرض فارس إلی الشام حتی أقیمک فی السوق وأبیعک عبدا وأردک إلی حیث کنت فیه وخرجت منه، والسلام.

فلما ورد الکتاب علی زیاد غضب غضبا شدیدا، وجمع الناس وصعد المنبر فحمد الله ثم قال: ابن آکلة الأکباد، وقاتلة أسد الله، ومظهر الخلاف، ومسر النفاق، ورئیس __ الأحزاب، ومن أنفق ماله فی إطفاء نور الله کتب إلی یرعد ویبرق عن سحابة جفل لا ماء فیها، وعما قلیل تصیرها الریاح قزعا، والذی یدلنی علی ضعفه تهدده قبل القدرة أفمن إشفاق علی تنذر وتعذر کلا ولکن ذهب إلی غیر مذهب، وقعقع لمن روی بین صواعق تهامة، کیف أرهبه؟ وبینی وبینه ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وابن ابن عمه فی مائة ألف من المهاجرین والأنصار، والله لو أذن لی فیه أو ندبنی إلیه لأرینه الکواکب نهارا ولأسعطنه ماء الخردل دونه، الکلام الیوم والجمع إذا، والمشورة بعد ذلک إن شاء الله.

ص: 165

ثم نزل، وکتب إلی معاویة: أما بعد فقد وصل إلی کتابک یا معاویة وفهمت ما فیه فوجدتک کالغریق یغطیه الموج فیتشبث بالطحلب، ویتعلق بأرجل الضفادع طمعا فی الحیاة، إنما یکفر النعم ویستدعی النقم من حاد الله ورسوله وسعی فی الأرض فسادا، فأما سبک لی فلولا حلم ینهانی عنک وخوفی أن أدعی سفیها لاثرت لک مخازی لا یغسلها الماء، وأما تعبیرک لی بسمیة فإن کنت ابن سمیة فأنت ابن جماعة، وأما زعمک أنک تختطفنی بأضعف ریش وتتناولنی بأهون سعی فهل رأیت بازیا یفزعه صغیر القنابر؟! أم هل سمعت بذئب أکله خروف؟! فامض الآن لطیتک واجتهد جهدک فلست أنزل إلا بحیث تکره، ولا أجتهد إلا فیما یسوءک، وستعلم أینا الخاضع لصاحبه: الطالع إلیه، والسلام.

فلما ورد کتاب زیاد علی معاویة غمه وأحزنه، وبعث إلی المغیرة بن شعبة فخلا به وقال: یا مغیرة إنی أرید مشاورتک فی أمر أهمنی فانصحنی فیه وأشر علی برأی المجتهد، وکن لی أکن لک، فقد خصصتک بسری وآثرتک علی ولدی، قال المغیرة: فما ذاک؟ والله لتجدنی فی طاعتک أمضی من الماء فی الحدود من ذی الرونق فی کف البطل الشجاع.

قال: یا مغیرة إن زیادا قد أقام بفارس یکش لنا کشیش الأفاعی، وهو رجل ثاقب الرأی ماضی العزیمة جوال الفکر مصیب إذا رمی، وقد خفت منه الآن ما کنت آمنه إذ کان صاحبه حیا، وأخشی ممالاته حسنا فکیف السبیل إلیه؟ وما الحیلة فی إصلاح رأیه؟ __ قال المغیرة: أنا له إن لم أمت، إن زیادا رجل یحب الشرف والذکر وصعود المنابر فلو لاطفته المسألة وألنت له الکتاب لکان لک أمیل وبک أوثق، فاکتب إلیه وأنا الرسول.

فکتب معاویة إلیه: من أمیر المؤمنین معاویة بن أبی سفیان إلی زیاد بن أبی

ص: 166

سفیان: أما بعد فإن المرء ربما طرحه الهوی فی مطارح العطب وإنک للمرء المضروب به المثل قاطع الرحم وواصل العدو، وحملک سوء ظنک بی وبغضک لی علی أن عققت قرابتی وقطعت رحمی وبتت نسبی وحرمتی حتی کأنک لست أخی ولیس صخر بن حرب أباک وأبی، وشتان ما بینی وبینک أطلب بدم ابن أبی العاص وأنت تقاتلنی، ولکن أدرکک عرق الرخاوة من قبل النساء.

فکنت کتارکة بیضها بالعراء

وملحفة بیض أخری جناحا

وقد رأیت أن أعطف علیک ولا أؤاخذک بسوء سعیک وأن أصل رحمک، وأبتغی الثواب من أمرک.

فاعلم أبا المغیرة أنک لو خضت البحر فی طاعة القوم فتضرب بالسیف حتی ینقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فإن بنی عبد شمس أبغض إلی بنی هاشم من الشفرة إلی الثور الصریع وقد أوثق للذبح، فأرجع رحمک الله إلی أصلک واتصل بقومک ولا تکن کالموصول یطیر بریش غیره، فقد أصبحت ضال النسب، ولعمری ما فعل بک ذلک إلا اللجاج، فدعه عنک فقد أصبحت علی بینة من أمرک ووضوح من حجتک، فإن أحببت جانبی ووثقت بی فإمرة بإمرة، وإن کرهت جانبی ولم تثق بقولی ففعل جمیل لا علی ولا لی والسلام.

فرحل المغیرة بالکتاب حتی قدم فارس فلما رآه زیاد قربه وأدناه ولطف به فدفع إلیه الکتاب فجعل یتأمله ویضحک، فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه، ثم قال: حسبک یا مغیرة فإنی أطلع علی ما فی ضمیرک وقد قدمت من سفرة بعیدة فقم وأرح رکابک، قال: أجل فدع عنک اللجاج یرحمک الله وارجع إلی قومک وصلْ أخاک وانظر لنفسک ولا تقطع رحمک، قال زیاد: إنی رجل صاحب أناة ولی فی أمری رویة فلا تعجل علی ولا تبدأنی بشیء حتی أبدأک، ثم جمع الناس بعد یومین أو ثلاثة فصعد المنبر

ص: 167

فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: أیها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنکم، وارغبوا إلی الله فی دوام العافیة لکم فقد نظرت فی أمور الناس منذ قتل عثمان وفکرت فیهم فوجدتهم کالأضاحی فی کل عید یذبحون، ولقد أفنی هذان الیومان یوم الجمل وصفین ما ینیف علی مائة ألف کلهم یزعم أنه طالب حق وتابع إمام وعلی بصیرة من أمره، فإن کان الأمر هکذا فالقاتل والمقتول فی الجنة، کلا لیس کذلک ولکن أشکل الأمر والتبس علی القوم، وإنی لخائف أن یرجع الأمر کما بدأ فکیف لا مرئ بسلامة دینه...! وقد نظرت فی أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتین العافیة، وسأعمل فی أمورکم ما تحمدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتکم إن شاء الله ثم نزل.

وکتب جواب الکتاب: أما بعد فقد وصل کتابک یا معاویة مع المغیرة بن شعبة وفهمت ما فیه، فالحمد لله الذی عرفک الحق وردک إلی الصلة، ولست ممن یجهل معروفا ولا یغفل حسبا، ولو أردت أن أجیبک بما أوجبته الحجة واحتمله الجواب لطال الکتاب وکثر الخطاب ولکنک إن کتبت کتابک هذا عن عقد صحیح ونیة حسنة وأردت بذلک برا فستزرع فی قلبی مودة وقبولا، وإن کنت إنما أردت مکیدة ومکرا وفساد نیة فإن النفس تأبی ما فیه العطب، ولقد قمت یوم قرأت کتابک مقاما یعبأ به الخطیب المدره، فترکت من حضر لا أهل ورد ولا صدر کالمتحیرین بمهمه ضل بهم الدلیل وأنا علی أمثال ذلک قدیر، وکتب فی أسفل الکتاب:

إذا معشری لم ینصفونی وجدتنی

أدافع عنی الضیم ما دمت باقیا

وکم معشر أعیت قناتی علیهم

فلاموا وألفونی لدی العزم ماضیا

وهمّ به ضاقت صدور فرجته

وکنت بطبی للرجال مداویا

أدافع بالحلم الجهول مکیدة

وأخفی له تحت العضاه الدواهیا

فإن تدن منی أدن منک وإن تبن

تجدنی إذا لم تدن منی نائیا

ص: 168

فأعطاه معاویة جمیع ما سأله وکتب إلیه بخط یده ما وثق به فدخل إلیه الشام فقربه وأدناه، وأقره علی ولایته ثم استعمله علی العراق.

وروی علی بن محمد المدائنی قال: لما أراد معاویة استلحاق زیاد وقد قدم علیه الشام جمع الناس وصعد المنبر وأصعد زیادا معه فأجلسه بین یدیه علی المرقاة التی تحت مرقاته وحمد الله وأثنی علیه ثم قال: أیها الناس إنی قد عرفت نسبنا أهل البیت فی زیاد فمن کان عنده شهادة فلیقم بها، فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبی سفیان وأنهم سمعوا ما أقرّبه قبل موته، فقام أبو مریم السلولی فکان خمارا فی الجاهلیة فقال: أشهد یا أمیر المؤمنین أن أبا سفیان قدم علینا بالطائف فأتانی فاشتریت له لحما وخمرا وطعاما، فلما أکل قال: یا أبا مریم أصب لی بغیا فخرجت فأتیت بسمیة فقلت لها: إن أبا سفیان ممن قد عرفت شرفه وجوده وقد أمرنی أن أصیب له بغیا فهل لک؟ فقالت: نعم یجیء الآن عبید بغنمه وکان راعیا فإذا تعشی ووضع رأسه أتیته، فرجعت إلی أبی سفیان فأعلمته فلم تلبث أن جاءت تجر ذیلها فدخلت معه فلم تزل عنده حتی أصبحت فقلت له لما انصرفت: کیف رأیت صاحبتک؟ قال: خیر صاحبة لولا ذفر فی إبطیها، فقال زیاد من فوق المنبر: یا أبا مریم لا تشتم أمهات الرجال، فتشتم أمک، فلما انقضی کلام معاویة ومناشدته قام زیاد وأنصت الناس فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: أیها الناس إن معاویة والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدری حق هذا من باطله وهو والشهود أعلم بما قالوا وإنما عبید أب مبرور ووال مشکور، ثم نزل.

وروی شیخنا أبو عثمان: أن زیادا مر وهو والی البصرة بأبی العریان العدوی وکان شیخا مکفوفا ذا لسن وعارضة شدیدة، فقال أبو العریان: ما هذه الجلبة؟ قالوا: زیاد بن أبی سفیان، قال: والله ما ترک أبو سفیان إلا یزید ومعاویة وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا فمن أین جاء زیاد؟! فبلغ الکلام زیادا وقال له قائل: لو سددت عنک فهم هذا الکلب، فأرسل إلیه بمائتی دینار، فقال له رسول زیاد: إن ابن __ عمک زیادا

ص: 169

الأمیر قد أرسل إلیک مائتی دینار لتنفقها، فقال: وصلته رحم إی والله ابن عمی حقا، ثم مر به زیاد من الغد فی موکبه فوقف علیه فسلم وبکی أبو العریان فقیل له: ما یبکیک؟ قال: عرفت صوت أبی سفیان فی صوت زیاد فبلغ ذلک معاویة فکتب إلی أبی العریان:

ما البثتک الدنانیر التی بعثت

أن لونتک أبا العریان ألوانا

أمسی إلیک زیاد فی أرومته

نکرا فأصبح ما أنکرت عرفانا

لله در زیاد لو تعجلها

کانت له دون ما یخشاه قربانا

فلما قرأ کتاب معاویة علی أبی العریان قال: اکتب جوابه یا غلام:

أحدث لنا صلة تحیا النفوس بها

قد کدت یا ابن أبی سفیان تنسانا

أما زیاد فقد صحت مناسبه

عندی فلا أبتغی فی الحق بهتانا

من یسد خیرا یصبه حین یفعله

أو یسد شرا یصبه حیثما کانا

وروی أبو عثمان أیضا قال: کتب زیاد إلی معاویة لیستأذنه فی الحج فکتب إلیه أنی قد أذنت لک واستعملتک علی الموسم وأجزتک بألف ألف درهم، فبینا هو یتجهز إذ بلغ ذلک أبا بکرة أخاه وکان مصارما له منذ لجلج فی الشهادة علی المغیرة بن شعبة أیام عمر لا یکلمه، قد لزمته أیمان عظیمة أن لا یکمله أبدا، فأقبل أبو بکرة یدخل القصر یرید زیادا فبصر به الحاجب فأسرع إلی زیاد قائلا:

أیها الأمیر هذا أخوک أبو بکرة قد دخل القصر قال: ویحک أنت رأیته؟ __ قال: ها هوذا قد طلع وفی حجر زیاد بنی یلاعبه وجاء أبو بکرة حتی وقف علیه فقال للغلام: کیف أنت یا غلام؟ إن أباک رکب فی الإسلام عظیما زنی أمه وانتفی من أبیه ولا والله ما علمت سمیة رأت أبا سفیان قط، ثم أبوک یرید أن یرکب ما هو أعظم من

ص: 170

ذلک یوافی الموسم غدا ویوافی أم حبیبة بنت أبی سفیان وهی من أمهات المؤمنین فإن جاء أن یستأذن علیها فأذنت له فأعظم بها فریة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومصیبة، وإن هی منعته فأعظم بها علی أبیک فضیحة، ثم انصرف.

فقال: جزاک الله یا أخی عن النصیحة خیرا ساخطا کنت أو راضیا، ثم کتب إلی معاویة: إنی قد اعتللت عن الموسم فلیوجه إلیه أمیر المؤمنین من أحب، فوجه عتبة بن أبی سفیان، وأما أبو عمر بن عبد البر فإنه قال فی کتاب الاستیعاب: لما أدعی معاویة زیادا فی سنة أربع وأربعین وألحقه به أخا زوج ابنته من ابنه محمد بن زیاد لیؤکد بذلک صحة الاستلحاق، وکان أبو بکرة أخا زیاد لأمه، أمهما جمیعا سمیة فحلف أن لا یکلم زیادا أبدا، وقال: هذا زنی أمه وانتفی من أبیه ولا والله ما علمت سمیة رأت أبا سفیان قط، ویله ما یصنع بأم حبیبة أیرید أن یراها؟ فإن حجبته فضحته، وإن رآها فیا لها مصیبة تهتک من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرمة عظیمة.

وحج زیاد مع معاویة ودخل المدینة فأراد الدخول علی أم حبیبة ثم ذکر قول أبی بکرة فانصرف عن ذلک، وقیل: إن أم حبیبة حجبته ولم تأذن له فی الدخول علیها، وقیل: إنه حج ولم یرد المدینة من أجل قول أبی بکرة، وأنه قال: جزی الله أبا بکرة خیرا فما یدع النصیحة فی حال علی).

الأمالی __ الشیخ الطوسی __ ص620 إلی 621

أبو المنذر، قال: حدثنی یحیی بن ثعلبة أبو المقوم الأنصاری، عن أمه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب، عن أبیها، قال: جمع زیاد بن أبیه شیوخ أهل الکوفة وأشرافهم فی مسجد الرحبة لیحملهم علی سب أمیر المؤمنین علیه السلام والبراءة منه، وکنت فیهم، فکان الناس من ذلک فی أمر عظیم، فغلبتنی عینای فنمت، فرأیت فی النوم شیئا طویلا، طویل العنق، أهدل، أهدب فقلت: من أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو

ص: 171

الرقبة، قلت: وما النقاد؟ قال: طاعون بعثت إلی صاحب هذا القصر لاجتثه من جدید الأرض، کما عتا وحاول ما لیس له بحق.

قال: فانتبهت فزعا، وأنا فی جماعة من قومی، فقلت: هل رأیتم ما رأیت؟ فقال رجلان منهم، رأینا کیت وکیت بالصفة، وقال الباقون: ما رأینا شیئا، فما کان بأسرع من أن خرج خارج من دار زیاد، فقال: یا هؤلاء انصرفوا، فإن الأمیر عنکم مشغول، فسألناه عن خبره، فخبرنا أنه طعن فی ذلک الوقت، فما تفرقنا حتی سمعنا الواعیة علیه، فأنشأت أقول فی ذلک:

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم حین ناداهم إلی الرحبة

یدعو علی ناصر الاسلام حین یری

له علی المشرکین الطول والغلبة

ما کان منتهیا عما أراد بنا

حتی تناوله النقاد ذو الرقبة

فأسقط الشق منه ضربة عجبا

کماتناول ظلما صاحب الرحبة

مناقب آل أبی طالب __ ابن شهر آشوب __ ج3 __ ص174

استغاث الناس من زیاد إلی الحسن بن علی علیهما السلام فرفع یده وقال:

«أللهم خذ لنا ولشیعتنا من زیاد بن أبیه وأرنا فیه نکالا عاجلا إنک علی کل شیء قدیر».

قال: فخرج خراج فی إبهام یمینه، یقال لها السلعة، وورم إلی عنقه فمات.

کتاب المحبر __ محمد بن حبیب البغدادی __ ص479

وصلب زیاد بن أبیه (مسلم) بن زیمر، و(عبد الله) بن نجی الحضرمیین علی أبوابهما أیاما بالکوفة وکانا شیعیین وذلک بأمر معاویة وقد عدهما الحسین بن علی رضی الله عنهما علی معاویة فی کتابه إلیه، ألست صاحب حجر والحضرمیین اللذین

ص: 172

کتب إلیک ابن سمیة أنهما علی دین علی ورأیه فکتبت إلیه من کان علی دین علی ورأیه فاقتله ومثّل به فقتلهما ومثل بأمرک بهما؟ ودین علی وابن عم علی الذی کان یضرب علیه أباک __ یضربه علیه أبوک __ أجلسک مجلسک الذی أنت فیه ولولا ذلک کان أفضل شرفک وشرف أبیک تجشم الرحلتین اللتین بنا من الله علیک بوضعهما عنکم...، فی کتاب طویل یوبخه فیه وبادعائه زیادا وتولیته إیاه العراقین.

السرائر __ ابن إدریس الحلی __ ج3 __ ص435

کان أبو بکرة رجلا صالحا من خیار الصحابة، ویعد فی موالی رسول الله علیه السلام واسمه نفیع، وأخوه نافع بن الحرث بن کلدة الثقفی، طبیب العرب، وأخوهما زیاد، کلهم من سمیة، وکل منهم ینسب إلی رجل.

وقال یزید بن مفرغ الحمیری، جد السید الحمیری یهجو زیادا:

إن زیادا ونافعا وأبا

بکرة عندی من أعجب العجب

إن رجالا ثلاثة خلقوا

فی رحم أنثی وکلهم لأب

ذا قرشی کما یقول وذا

مولی وهذا بزعمه عربی

إذا شهد أربعة رجال علی رجل بالزنی، فردت شهادة واحد منهم، فإن ردت بأمر ظاهر لا یخفی علی أحد، فإنه یجب علی الأربعة حد القذف، وإن ردت بأمر خفی لا یقف علیه إلا الآحاد، فإنه یقام علی المردود الشهادة الحد، والثلاثة لا یقام علیهم الحد، لأن الأصل براءة الذمة، وأیضا فإنهم غیر مفرطین فی إقامتها، فإن أحدا لا یقف علی بواطن النّاس، فکان عذرا فی إقامتها فلهذا لا حد، ویفارق إذا کان الرد بأمر الظاهر، لأن التفریط کان منهم، فلهذا حدوا.

ص: 173

الإیضاح __ الفضل بن شاذان الأزدی __ ص549 إلی 552

کان سعید بن سرح مولی کریز بن حبیب بن عبد شمس من شیعة علی بن أبی طالب رضی الله عنه فلما قدم زیاد بن أبیه الکوفة والیا علیها أضافه وطلبه فأتی المدینة فنزل علی الحسن بن علی رضی الله عنه فقال له الحسن: ما السبب الذی أشخصک وأزعجک؟ فذکر له قصته وصنیع زیاد به فکتب إلیه الحسن:

(أما بعد فإنک عمدت إلی رجل من المسلمین له ما لهم وعلیه ما علیهم فهدمت علیه داره وأخذت ماله وعیاله فإذا أتاک کتابی هذا فابن له داره واردد علیه ماله وعیاله فإنی قد أجرته فشفعنی فیه).

فکتب إلیه زیاد: من زیاد بن أبی سفیان إلی الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتانی کتابک تبدأ فیه باسمک قبل اسمی وأنت طالب للحاجة وأنا سلطان وأنت سوقة وکتابک إلی فی فاسق لا یأویه إلا فاسق مثله وشر من ذلک تولیه أباک وقد آویته إقامة منک علی سوء الرأی ورضی بذلک وأیم الله لا یسبقنی إلیه ولو کان بین جلدک ولحمک فإن أحب لحم إلی أن آکله للحم أنت منه فأسلمه بجریرته إلی من هو أولی به منک فإن عفوت عنه لم أکن شفعتک وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه أباک، فلما قرأ الحسن رضی الله عنه الکتاب کتب إلی معاویة یذکر له حال ابن سرح وکتابه إلی زیاد فیه وإجابة زیاد إیاه ولف کتابه فی کتابه وبعث به إلیه وکتب الحسن إلی زیاد: من الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم إلی زیاد بن سمیة عبد بنی ثقیف الولد للفراش وللعاهر الحجر، فلما قرأ معاویة کتاب الحسن رضی الله عنه ضاقت به الشام وکتب إلی زیاد:

أما بعد فإن الحسن بن علی بن أبی طالب رضی الله عنهما بعث إلی بکتابک جواب کتابه إلیک فی ابن سرح فأکثرت التعجب منه وعلمت أن لک رأیین أحدهما من

ص: 174

أبی سفیان وآخر من سمیة، فأما الذی من أبی سفیان فحلم وحزم، وأما الذی من سمیة فکما یکون رأی مثلها ومن ذلک کتابک إلی الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمری لأنت أولی بالفسق من الحسن ولأبوک إذ کنت تنسب إلی عبید أولی بالفسق من أبیه، فإن کان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عنک فإن ذلک لم یضعک وأما تشفیعه فیما شفع إلیک فیه فحظ دفعته عن نفسک إلی من هو أولی به منک، فإذا قدم علیک کتابی هذا فخل ما فی یدک لسعید بن سرح وابن له داره ولا تغدر به وأردد علیه ماله فقد کتبت إلی الحسن أن یخبر صاحبه بذلک فإن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلی بلده، فلیس لک علیه سلطان بید ولا لسان، وأما کتابک إلی الحسن باسمه واسم أمه ولا تنسبه إلی أبیه فإن الحسین ویلک ممن لا یرمی به الرجوان أفاستصغرت أباه وهو علی بن أبی طالب أم إلی أمه وکلته لا أم لک فهی فاطمة بنت رسول الله __ صلی الله علیه __ وآله __ وسلم فتلک أفخر له إن کنت تعقل والسلام.

وقال قتادة: قال زیاد لبنیه وقد احتضر لیت أباکم کان راعیا فی أدناها وأقصاها ولم یقع بالذی وقع فیه، قلت: فبهذا الطریق کان ینظم ابن مفرغ هذه الأشعار فی زیاد وبنیه ویقول: إنهم أدعیاء حتی قال فی زیاد وأبی بکرة ونافع أولاد سمیة:

إن زیادا ونافعا وأبا

بکرة عندی من أعجب العجب

إن رجالا ثلاثة خلقوا

فی رحم أنثی وکلهم لأب

ذا قرشی کما یقول وذا

مولی وهذا بزعمه عربی

وهذه الأبیات تحتاج إلی زیادة إیضاح فأقول: قال أهل العلم بالأخبار: إن الحارث بن کلدة بن عمرو بن علاج بن أبی سلمة بن عبد العزی بن غیرة بن عوف بن قسی وهو ثقیف هکذا ساق النسب ابن الکلبی فی کتاب الجمهرة وهو طبیب العرب المشهور ومات فی أول الإسلام ولیس یصح إسلامه.

ص: 175

وروی أن رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم أمر سعد بن أبی وقاص أن یأتی الحارث بن کلدة یستوصفه فی مرض نزل به فدل ذلک علی أنه جائز أن یشاور أهل الکفر فی الطب إذا کانوا من أهله وکان ولده الحارث بن الحارث من المؤلفة قلوبهم وهو معدود فی جملة الصحابة رضی الله تعالی عنهم ویقال: إن الحارث بن کلدة کان رجلا عقیما لا یولد له وإنه مات فی خلافة عمر ولما حاصر رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم الطائف قال:

أیما عبد تدلی إلی فهو حر فنزل أبو بکرة عنه من الحصن فی بکرة (قلت: وهی فتح الباء الموحدة وسکون الکاف وبعدها راء ثم هاء وهی التی تکون علی البئر وفیها الحبل یستقی به والناس یسمونها بکرة بفتح الکاف وهو غلط إلا أن صاحب کتاب العین حکاها بالفتح أیضا وهی لغة ضعیفة لم یحکها غیره) قال: فکناه رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم أبا بکرة لذلک وکان یقول: أنا مولی رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم وأراد أخوه نافع أن یدلی نفسه فی البکرة أیضا فقال له الحارث بن کلدة: أنت ابنی فأقم، فأقام ونسب إلی الحارث، وکان أبو بکرة قبل أن یحسن إسلامه ینسب إلی الحارث أیضا فلما حسن إسلامه ترک الانتساب إلیه ولما هلک الحارث بن کلدة لم یقبض أبو بکرة من میراثه شیئا تورعا، هذا عند من یقول:

إن الحارث أسلم وإلا فهو محروم من المیراث لاختلاف الدین فلهذا قال ابن مفرغ الأبیات الثلاثة البائیة لأن زیادا ادعی أنه قرشی باستلحاق معاویة له، وأبو بکرة اعترف بولاء رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، ونافع کان یقول: إنه ابن الحارث بن کلدة الثقفی وأمهم واحدة وهی سمیة المذکورة وهذا سبب نظم البیتین فی آل أبی بکرة کما تقدم ذکره، وعلاج جد الحارث بن کلدة کما ذکرته، هذه قصة زیاد وأولاده ذکرته مختصرة.

ص: 176

قلت: إلا أن قول ابن مفرغ فی البیت الثانی وکلهم لأب لیس بجید فإن زیادا ما نسبه أحدا إلی الحارث بن کلدة بل هو ولد عبید لأنه ولد علی فراشه، أما أبو بکرة ونافع فقد نسبا إلی الحارث فکیف یقول: وکلهم لأب فتأمله، وذکر ابن الندیم فی کتابه الذی سماه الفهرست: إن أول من ألّف کتابا فی المثالب زیاد بن أبیه فإنه لما طعن علیه وعلی نسبه عمل ذلک لولده وقال لهم: استظهروا به علی العرب فإنه یکفون عنکم.

شرح نهج البلاغة __ ابن أبی الحدید __ ج16 __ ص189 إلی 193

دخل بنو أمیة وفیهم عبد الرحمن بن الحکم علی معاویة أیام ما استلحق زیادا، فقال له عبد الرحمن: یا معاویة لو لم تجد إلا الزنج لاستکثرت بهم علینا قلة وذلة یعنی __ علی بنی أبی العاص، فأقبل معاویة علی مروان وقال: أخرج عنا هذا الخلیع فقال مروان: أی والله إنه لخلیع ما یطاق: فقال معاویة والله لولا حلمی وتجاوزی لعلمت أنه یطاق، ألم یبلغنی شعره فی وفی زیاد!

ثم قال مروان: أسمعنیه، فأنشد:

ألا أبلغ معاویة بن حرب

لقد ضاقت بما یأتی الیدان

أتغضب أن یقال أبوک عف

وترضی أن یقال أبوک زان!

فأشهد أن رحمک من زیاد

کرحم الفیل من ولد الأتان

وأشهد أنها حملت زیادا

وصخر من سمیة غیر دان

ثم قال: والله لا أرضی عنه حتی یأتی زیادا فیترضاه ویعتذر إلیه، فجاء عبد الرحمن إلی زیاد معتذرا یستأذن علیه، فلم یأذن له فأقبلت قریش إلی زیاد تکلمه فی أمر عبد الرحمن، فلما دخل سلم، فتشاوس له زیاد بعینه __ وکان یکسر عینه __ فقال له زیاد: أنت القائل ما قلت؟ قال عبد الرحمن: ما الذی قلت؟ قال: قلت ما لا یقال

ص: 177

قال، أصلح الله الأمیر! إنه لا ذنب لمن أعتب، وإنما الصفح عمن أذنب فاسمع منی ما أقول، قال: هات، فأنشده:

إلیک أبا المغیرة تبت مما

جری بالشام من خطل اللسان

وأغضبت الخلیفة فیک حتی

دعاه فرط غیظ أن هجانی

وقلت لمن لحانی فی اعتذاری

إلیک اذهب فشأنک غیر شانی

عرفت الحق بعد ضلال رأیی

وبعد الغی من زیغ الجنان

زیاد من أبی سفیان غصن

تهادی ناضرا بین الجنان

أراک أخا وعما وابن عم

فما أدری بعیب ما ترانی

وإن زیادة فی آل حرب

أحب إلیّ من وسطی بنانی

ألا أبلغ معاویة بن حرب

فقد ظفرت بما تأتی الیدان

فقال زیاد: أراک أحمق صرفا شاعرا صنع اللسان، یسوغ لک ریقک ساخطا ومسخوطا، ولکنا قد سمعنا شعرک، وقبلنا عذرک، فهات حاجتک؟ قال: تکتب إلی أمیر المؤمنین بالرضا عنی، قال: نعم، ثم دعا کاتبه فکتب له بالرضا عنه، فأخذ کتابه ومضی حتی دخل علی معاویة، فلما قرأه قال:

لحا الله زیادا لم یتنبه لقوله

وإن زیادة فی آل حرب

ثم رضی عن عبد الرحمن ورده إلی حالته، وأما أشعار یزید بن مفرغ الحمیری وهجاؤه عبید الله وعبادا، ابنی زیاد بالدعوة فکثیرة مشهورة، نحو قوله:

أعباد ما للؤم عنک تحول

ولا لک أم من قریش ولا أبُ

وقل لعبید الله ما لک والد

بحق ولا یدری امرؤ کیف تنسبُ

ص: 178

ونحو قوله:

شهدت بأن أمک لم تباشر

أبا سفیان واضعة القناع

ولکن کان أمر فیه لبس

علی حذر شدید وارتیاع

إذا أودی معاویة بن حرب

فبشر شعب قعبک بانصداع

ونحو قوله:

إن زیادا ونافعا وأبا بکرة

عندی من أعجب العجب

هم رجال ثلاثة خلقوا

فی رحم أنثی وکلهم لأب

ذا قرشی کما تقول وذا

مولی وهذا بزعمه عربی

کان عبید الله بن زیاد یقول:

بما شجیت بشیء أشد علی من قول ابن مفرغ:

فکر ففی ذاک إن فکرت معتبر

هل نلت مکرمة إلا بتأمیر!

عاشت سمیة ما عاشت وما علمتْ

أن ابنها من قریش فی الجماهیر

ویقال: إن الأبیات النونیة المنسوبة إلی عبد الرحمن بن أم الحکم لیزید بن مفرغ وأن أولها:

ألا أبلغ معاویة بن حرب

مغلغلة من الرجل الیمانی

ونحو قوله: وقد باع برد غلامه لما حبسه عباد بن زیاد بسجستان:

یا برد ما مسنا دهر أضرّ بنا

من قبل هذا ولا بعنا له ولدا

لامتنی النفس فی برد فقلت لها

لا تهلکی إثر برد هکذا کمدا

لولا الدعی ولولا ما تعرض بی

من الحوادث ما فارقته أبدا

ص: 179

ونحو قوله:

أبلغ لدیک بنی قحطان مالکة

عضت بأیر أبیها سادة الیمن

أضحی دعی زیاد فقع قرقرة

یا للعجائب یلهو بابن ذی یزن!

وروی ابن الکلبی أن عبادا استلحقه زیاد کما استلحق معاویة زیادا، کلاهما لدعوة، قال: لما أذن لزیاد فی الحج تجهز، فبینا هو یتجهز وأصحاب القرب یعرضون علیه قربهم، إذ تقدم عباد __ وکان خرازا __ فصار یعرض علیه ویحاوره ویجیبه، فقال زیاد: ویحک، من أنت؟ قال: أنا ابنک، قال: ویحک: وأی بنی؟ قال: قد وقعت علی أمی فلانة، وکانت من بنی کذا، فولدتنی، وکنت فی بنی قیس بن ثعلبة وأنا مملوک لهم، فقال: صدقت والله، إنی لأعرف ما تقول، فبعث فاشتراه، وادعاه وألحقه، وکان یتعهد بنی قیس بن ثعلبة بسببه ویصلهم وعظم أمر عباد حتی ولاه معاویة سجستان بعد موت زیاد، وولی أخاه عبید الله البصرة، فتزوج عباد الستیرة ابنه أنیف بن زیاد الکلبی، فقال الشاعر یخاطب أنیفا __ وکان سید کلب فی زمانه:

أبلغ لدیک أباتر کان مألکة

أنائما کنت أم بالسمع من صمم!

أنکحت عبد بنی قیس مهذبة

آباؤها من علیم معدن الکرم

أکنت تجهل عبادا ومحتده

لا در درک أم أنکحت من عدم

أبعد آل أبی سفیان تجعله

صهرا وبعد بنی مروان والحکم!

أعظم علیک بذا عارا ومنقصة

ما دمت حیا وبعد الموت فی الرحم

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص809 إلی 810

لما قدم زیاد بن أبی سفیان والیا علی الکوفة دعا بحجر بن عدی فقال: تعلم أنی أعرفک، وقد کنت أنا وإیاک علی ما قد علمت، یعنی من حب علی بن أبی طالب، وأنه قد

ص: 180

جاء غیر ذلک وأنی أنشدک الله أن تقطر لی من دمک قطرة فأستفرغه کله أملک علیک لسانک ولیسعک منزلک، وهذا سریری فهو مجلسک وحوائجک مقضیة لدی فاکفنی نفسک فإنی أعرف عجلتک فأنشدک الله یا أبا عبد الرحمن فی نفسک، وإیاک وهذه السفلة هؤلاء أن یستزلوک عن رأیک فإنک لو هنت علی أو استخففت بحقک لم أخصک بهذا من نفسی.

فقال حجر: قد فهمت ثم انصرف إلی منزله فأتاه إخوانه من الشیعة فقالوا: ما قال لک الأمیر؟ قال: قال لی: کذا وکذا، قالوا: ما نصح لک، فأقام وفیه بعض الاعتراض، وکانت الشیعة یختلفون إلیه ویقولون: إنک شیخنا وأحق الناس بإنکار هذا الأمر، وکان إذا جاء إلی المسجد مشوا معه، فأرسل إلیه عمرو بن حریث وهو یومئذ خلیفة زیاد علی الکوفة وزیاد بالبصرة: أبا عبد الرحمن ما هذه الجماعة وقد أعطیت الأمیر من نفسک ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنکرون ما أنتم فیه؟! إلیک، وراءک أوسع لک، فکتب عمرو بن حریث بذلک إلی زیاد وکتب إلیه: إن کانت لک حاجة بالکوفة فالعجل، فأغذ زیاد السیر حتی قدم الکوفة، فأرسل إلی عدی بن حاتم وجریر بن عبد الله البجلی، وخالد بن عرفطة العذری حلیف بنی زهرة، وإلی عدة من أشراف أهل الکوفة فأرسلهم إلی حجر بن عدی لیعذر إلیه وینهاه عن هذه الجماعة وأن یکف لسانه عما یتکلم به، فأتوه فلم یجبهم إلی شیء ولم یکلم أحداً منهم.

وجعل یقول: یا غلام أعلف البکر، قال وبکر فی ناحیة الدار فقال له عدی بن حاتم: أمجنون أنت؟ أکلمک بما أکلمک به وأنت تقول: یا غلام اعلف البکر؟، فقال عدی لأصحابه: ما کنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف کل ما أری، فنهض القوم عنه وأتوا زیادا فأخبروه ببعض وخزنوا بعضا وحسنوا أمره، وسألوا زیادا الرفق به، فقال: لست إذا لأبی سفیان، فأرسل إلیه الشرط والبخاریة فقاتلهم بمن معه ثم انفضوا عنه وأتی به زیاد وبأصحابه فقال له: ویلک مالک؟ فقال: إنی علی بیعتی لمعاویة لا أقیلها ولا أستقیلها، فجمع زیاد سبعین من وجوه أهل الکوفة فقال: اکتبوا شهادتکم علی حجر

ص: 181

وأصحابه، ففعلوا، ثم وفدهم علی معاویة وبعث بحجر وأصحابه إلیه، وبلغ عائشة الخبر فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومی إلی معاویة تسأله أن یخلی سبیلهم، فقال عبد الرحمن بن عثمان الثقفی: یا أمیر المؤمنین جدادها ألا تعن بعد العام أبرا. فقال معاویة: لا أحب أن أراهم ولکن أعرضوا علی کتاب زیاد فقرئ علیه الکتاب وجاء الشهود فشهدوا، فقال معاویة بن أبی سفیان: أخرجوهم إلی عذری فاقتلوهم هنالک.

مستدرکات علم رجال الحدیث __ الشیخ علی النمازی الشاهرودی __ ج3 __ ص447 إلی 448

قال العلامة المامقانی: زیاد بن أبی سفیان هو زیاد بن أبیه، ویقال له: زیاد بن سمیة، وزیاد بن عبید الثقفی وکل ذلک قبل الاستلحاق بأبی سفیان، ولإلحاق نسبه بأبی سفیان حکایة مشهورة، ولد بالطائف عام الفتح، وقیل عام الهجرة وقیل یوم بدر کنیته أبو المغیرة ولیس له صحبة ولا رؤیة، کان مع أمیر المؤمنین علیه السلام فی جمیع مشاهده ومع الحسن علیه السلام إلی زمان صلحه مع معاویة، ولحق معاویة، ومثالبه أشهر من أن یذکر، وقد هلک بالکوفة فی شهر رمضان سنة 53، وهو ابن ست وخمسین، وقیل غیر ذلک.

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص304

قال ابن شحنة الحنفی فی الروضة: فی سنة 44 استلحق معاویة زیادا وأثبت نسبه من أبی سفیان بشهادة أبی مریم الحمار إنه زنی بسمیة البغی وحملت منه وکان زیاد ثابت النسب من عبید الرومی وشق ذلک علی بنی أمیة، ثم ولاه معاویة البصرة والکوفة وخراسان وسمنان والهند والبحرین وعمان، وظلم وفجر وقویت به شوکة معاویة وکان معاویة وعماله یسبون علیا علیه السلام علی المنابر، وکان من عادة حجر بن عدی إذا سبوا علیا عارضهم وأثنی علیه ففعل کذلک فی إمرة زیاد بالکوفة فأمسکه وأرسل به مع جماعة من أصحابه إلی معاویة فأمر بقتله وثمانیة من جماعته فقتلوا بقریة عذراء وعظم ذلک علی المسلمین انتهی.

ص: 182

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص419

وله (ابن مفرغ) أیضا فی هجاء زیاد:

فاشهد أن أمک لم تباشر

أبا سفیان واضعة القناع

ولکن کان أمر فیه لبس

علی وجل شدید وامتناع

وله فی هجاء عبید الله بن زیاد:

وق لعبید الله ما لک والد

بحق ولا یدری امرؤ کیف ینسب

إلزام النواصب __ مفلح بن راشد __ ص170 إلی 171

فقد قتل الدعی وعبد کلب

بأرض الطف أولاد النبی

أراد ب_: الدعی: عبید الله بن زیاد، فإن أباه زیاد بن سمیة، کانت أمه سمیة مشهورة بالزنی، وولد علی فراش أبی عبید عبد بنی علاج من ثقیف، فادعی معاویة أن أبا سفیان زنی بأم زیاد فأولدها زیادا، وأنه أخوه، فصار اسمه: الدعی، فکانت عائشة تسمیه: زیاد بن أبیه، أو ابن أمهِ، لأنه لیس له أب معروف.

عبید الله
التقیة __ الشیخ الأنصاری __ ص69

قال علی بن أبی طالب علیه السلام:

«یا میثم کیف أنت إذا دعاک دعی بنی أمیة عبید الله بن زیاد إلی البراءة منی؟».

فقلت: یا أمیر المؤمنین أنا والله لا أبرأ منک، قال علیه السلام:

«إذا والله یقتلک ویصلبک». 

ص: 183

العقد المنیر __ السید موسی الحسینی المازندرانی __ ص66

ویقال إن أول من غش الدراهم وضربها زیوفا عبید الله بن زیاد حین فر من البصرة فی سنة 64 من الهجرة.

واقع التقیة عند المذاهب والفرق الإسلامیة من غیر الشیعة الإمامیة __ ثامر هاشم حبیب العمیدی __ ص127

عندما أدخل هانئ بن عروة رحمه الله علی عبید الله بن زیاد والی الکوفة سنة 60ه_ طالبه بمسلم بن عقیل بن أبی طالب علیه السلام، وکان فی داره ثم انتهی الأمر إلی أن هشم ابن زیاد وجه هانئ رحمه الله بعمود من حدید وأودعه السجن.

سبل السلام __ محمد بن إسماعیل الکحلانی __ ج4 __ ص190

إن عبید الله بن زیاد عاد معقل بن یسار فی مرضه الذی مات فیه، وکان عبید الله عاملا علی البصرة فی إمارة معاویة وولده یزید أخرجه الطبرانی فی الکبیر من وجه آخر عن الحسن قال: قدم إلینا عبید الله بن زیاد أمیرا أمره علینا معاویة غلاما سفیها یسفک الدماء سفکا شدیدا وفیها معقل المزنی فدخل علیه ذات یوم فقال له: انته عما أراک تصنع، فقال له: وما أنت وذاک ثم خرج إلی المسجد فقال له: ما کنت تصنع بکلام هذا السفیه علی رؤوس الناس؟ فقال:

إنّه کان عندی علم فأحببت أن لا أموت حتی أقول به علی رؤوس الناس، ثم مرض فدخل علیه عبید الله یعوده فقال له معقل بن یسار: إنی أحدثک حدیثا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، قال: ما من عبد یسترعیه الله رعیة فلم یحظها بنصیحة لم یرح رائحة الجنة ولفظ روایة المصنف وأخرج مسلم ما من أمیر یلی أمر المسلمین لا یجتهد معهم ولا ینصح لهم إلا لم یدخل معهم الجنة ورواه الطبرانی وزاد: کنصحه لنفسه.

ص: 184

نیل الأوطار __ الشوکانی __ ج8 __ ص47

إنّ عبید الله بن زیاد لما أفرط فی سفک الدماء وکان معقل بن یسار حینئذ مریضا مرضه الذی مات فیه، فأتی عبید الله یعوده فقال له معقل: إنی محدثک حدیثا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فذکره.

وفی مسلم أنه لما حدثه بذلک قال: ألا کنت حدثتنی قبل هذا الیوم؟ قال: لم أکن لأحدثک قبل سبب ذلک، والمراد بهذا السبب هو ما کان یقع منه من سفک الدماء، ووقع فی روایة الاسماعیلی من الوجه الذی أخرجه مسلم: لولا أنی میت ما حدثتک، فکأنه کان یخشی بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن یکف بعض شره عن المسلمین.

مستدرکات علم رجال الحدیث __ الشیخ علی النمازی الشاهرودی __ ج8 __ ص581

سمیة: أم زیاد بن أبیه، هی أول بغیة، وحفیدها عبید الله بن زیاد.

تاریخ ابن معین، الدوری __ یحیی بن معین __ ج2 __ ص369

یقول ابن مرجانة هو عبید الله بن زیاد.

سیر أعلام النبلاء __ الذهبی __ ج3 __ ص543 إلی 549

روی السری بن یحیی عن الحسن قال: قدم علینا عبید الله، أمره معاویة، غلاما سفیها، سفک الدماء سفکا شدیدا، فدخل علیه عبد الله بن مغفل فقال: انته (عما أراک تصنع) فإن شر الرعاء الحطمة.

قال: ما أنت وذاک؟ إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، قال: وهل کان فیهم حثالة لا أم لک، قال: فمرض ابن مغفل، فجاءه الأمیر عبید الله عائدا فقال: أتعهد إلینا شیئا؟ قال: لا تصل علیّ، ولا تقم علی قبری.

ص: 185

قال الحسن: وکان عبید الله جبانا، فرأی الناس فی السکک، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل، وقیل: الذی خاطبه هو عائذ بن عمرو المزنی کما فی صحیح مسلم، فلعلّها واقعتان، وقد جرت لعبید الله خطوب، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسین رضی الله عنه، فلما جاء نعی یزید، هرب بعد أن کاد یؤسر، واخترق البریة إلی الشام، وانضم إلی مروان، ثم سار فی جیش کثیف، وعمل المصاف برأس عین.

قال أبو الیقظان: قتل عبید الله بن زیاد یوم عاشوراء سنة سبع وستین، قال یزید بن أبی زیاد: عن أبی الطفیل، قال: عزلنا سبعة أرؤس، وغطینا منها رأس حصین بن نمیر، وعبید الله بن زیاد، فجئت، فکشفتها فإذا حیة فی رأس عبید الله تأکل، وصح من حدیث عمارة بن عمیر، قال: جیء برأس عبید الله بن زیاد وأصحابه، فأتیناهم وهم یقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حیة تخلل الرؤوس حتی دخلت فی منخر عبید الله، فمکثت هنیة ثم خرجت، وغابت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلک مرتین أو ثلاثا، قلت: الشیعی لا یطیب عیشه حتی بلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم فی الله، ونبرأ منهم ولا نلعنهم، وأمرهم إلی الله.

شیخ المضیرة أبو هریرة __ محمود أبو ریة __ ص179

وقال الدکتور طه حسین بعد تفصیل رائع مؤثر لما حدث: والرواة یزعمون أن یزید تبرأ من قتل الحسین علی هذا النحو! وألقی عبء هذا الاثم علی ابن مرجانة عبید الله بن زیاد، ولکنا لا نراه لام ابن زیاد، ولا عاقبه، ولا عزله عن عمله کله أو بعضه __ ومن قبله قتل معاویة حجر بن عدی وأصحابه ثم ألقی عبء قتلهم علی زیاد وقال: حملنی ابن سمیة فاحتملت...، وفی مقاتل الطالبیین للأصفهانی: وحمل خولی بن یزید رأسه إلی عبید الله بن زیاد، وأمر ابن زیاد أن یوطأ صدر الحسین وظهره وجنبه ووجهه

ص: 186

فأجریت الخیل علیه، وبقتل هؤلاء الاقطاب الثلاثة الکبار، خلا الجو لبنی أمیة وامتد سلطانهم علی البلاد الإسلامیة کلها یستمتعون بحکمها، ویتوارثون هذا الحکم فیما بینهم، بلا منازع ولا معارض، یحکمون حکما استبدادیا أمویا قبلیا، أساسه الرهبة والضغط والقهر، مستبدلین إیاه بحکم الشوری الإسلامی العادل متبعین فی ذلک سنن من کان قبلهم من الأکاسرة والقیاصرة.

المعارف __ ابن قتیبة __ ص347 إلی 348

فأما عبید الله بن زیاد فکان یکنی أبا حفص وکان أرقط وکان زیاد زوج أمه مرجانة من شیرویه الأسواری ودفع إلیها عبید الله فنشأ بالأساورة فکانت فیه لکنة فولی لمعاویة خراسان ثم ولی العراقَین بعد أبیه ثمانی سنین خمسا منها علی البصرة وحدها وثلاثا علی العراقَین فلما مات یزید خرج علیه أهل البصرة فأخرجوه عن داره فاستجار بمسعود بن عمرو الأزدی فلما قتل مسعود سار إلی الشام فکان مع مروان بن الحکم وکان یوم المرج علی إحدی مجنبتیه فلما ظفر مروان رده علی العراق فلما قرب من الکوفة وجه إلیه المختار إبراهیم بن الأشتر النخعی فالتقوا بقرب الزاب فقتل عبید الله ولا عقب له وکان قتله یوم عاشوراء سنة سبع وستین.

معجم البلدان __ الحمودی __ ج1 __ ص530

إنه لما بنی البیضاء أمر أصحابه أن یستمعوا ما یقول الناس، فجاؤوه برجل فقیل له إن هذا قرأ وهو ینظر إلیها: أتبنون بکل ریع آیة تعبثون وتتخذون مصانع لعلکم تخلدون؟ فقال له: ما دعاک إلی هذا؟ فقال: آیة من کتاب الله عرضت لی، فقال: والله لأعملن بک بالآیة الثالثة: وإذا بطشتم بطشتم جبارین، ثم أمر فبنی علیه رکن من أرکان القصر.

ص: 187

بلاغات النساء __ ابن طیفور __ ص140

قال المدائنی: أتی عبید الله بن زیاد بامرأة من الخوارج فقطع رجلها وقال لها کیف ترین فقالت إن فی الفکر فی هول المطلع لشغلا عن حدیدتکم هذه ثم قطع رجلها الأخری وجذبها فوضعت یدها علی فرجها فقال لتسترینه فقالت لکن سمیة أمک لم تکن تستره.

تاریخ الکوفة __ السید البراقی __ ص73 إلی 74

فمن الجبابرة الذین ابتلاهم الله بشاغل فیها زیاد، وقد جمع الناس فی المسجد لیلعن علیا صلوات الله علیه فخرج الحاجب وقال: انصرفوا فإن الأمیر مشغول، وقد أصابه الفالج فی هذه الساعة، وابنه عبید الله بن زیاد وقد أصابه الجذام، والحجاج بن یوسف وقد تولدت الحیات فی بطنه حتی هلک، وعمر بن هبیرة وابنه یوسف وقد أصابهما البرص.

مستدرکات أعیان الشیعة __ حسن الأمین __ ج1 __ ص286

عرفوه علیهم والیا مستبدا طاغیا ظالما یقیم الحکم فیهم بالارهاب والسعایة والوشایة وبالسجن والقتل والتعذیب، ذلک هو عبید الله بن زیاد، کان ذلک ولآل زیاد فی الأمصار کلها، صیت یثیر فی نفوس الجماهیر صورا شتی یقترن بکل واحدة منها معنی أقل شأنه إنه یبعث السخر والابتسام، أو یبعث الحقد والسخط، أو یبعث الذعر والهلع، وکان آل زیاد یعرفون هذا کله فی الجماهیر، فیخشون نقمتها أو انفجار نقمتها، إذ یکبتونها بالارهاب من کل نوع وکل أسلوب، وکان أخشی ما یخشونه، ألسنة الشعراء، ولاسیما الهجائین منهم وذوی الخلاعة والمجانة، فان مثل هؤلاء یکشفون للناس من العیوب والمساوئ ما کان آل زیاد یتحامون أن ینکشف، أو أن تتحدث به الجماهیر فی حین یعلمون أن عند هذه الجماهیر أنباء یتناقلونها عن آل زیاد، سواء أصدقت هذه الأنباء أم کانت من الأکاذیب والأراجیف.

ص: 188

أعیان الشیعة __ السید محسن الأمین __ ج1 __ ص585

ومع التفاوت الذی بلغ أقصی ما یتصور بین فئته القلیلة وجیش ابن زیاد فی العدد والمدد قد کان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحیر الألباب ولا عهد للبشر بمثلها کما کانت دناءة أخصامه لا شبیه لها، وما سمع منذ خلق العالم ولن یسمع حتی یفنی أفظع من ضرب ابن مرجانة من ابن سمیة بقضیب ثغر ابن بنت رسول الله ورأسه بین یدیه بعد أن کان سید الخلق علیه السلام یلثمه، ومن آثار العدل الإلهی قتل عبید الله بن زیاد یوم عاشوراء کما قتل الحسین یوم عاشوراء وأن یبعث برأسه إلی علی بن الحسین کما بعث برأس الحسین إلی ابن زیاد.

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص301 إلی 303

ابن زیاد: هو عبید الله بن مرجانة الزانیة التی أشار إلیها أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله لمیثم التمار: لیأخذنک العتل الزنیم ابن الأمة الفاجرة عبید الله بن زیاد، وأبوه زیاد یقال له زیاد بن أمة وتارة زیاد بن سمیة ومرة زیاد بن أبیه ولما استلحقه معاویة یقال له زیاد بن أبی سفیان.

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص558 إلی 561

قال أبو غسان: بنی عبید الله بن زیاد __ لعنه الله __ مساجد بالبصرة تقوم علی بغض علی علیه السلام والوقیعة فیه، مسجد بنی عدی، ومسجد بنی مجاشع، ومسجد کان فی العلافین علی فرضة البصرة، ومسجد فی الأزد.

قال: وکان بالکوفة من فقهائها أهل  عداوة له وبغض قد خذلوا عنه وخرجوا من طاعته مع غلبة التشیع علی الکوفة فمنهم مرة الهمدانی، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن یزید، وأبو وائل شقیق بن سلمة، وشریح بن الحارث القاضی، وأبو بردة

ص: 189

بن أبی موسی الأشعری، واسمه عامر بن عبد الله بن قیس، وعبد الله بن قیس قد هرب إلی مکة یخذل الناس عنه، وأبو عبد الرحمن السلمی، وعبد الله بن عکیم، وقیس بن أبی حازم وسهم بن طریف، والزهری والشعبی بعد هؤلاء.

ولکی یتضح للقارئ الکریم مدی بغض عبید الله بن زیاد لأمیر المؤمنین ومقدار جرأته علی الصحابة نورد قوله الآتی:

عن فطر بن خلیفة قال: سمعت مرة یقول: لأن یکون علی جملا یستقی علیه أهله خیر له مما کان علیه.

وکان مرة یقول: أما علی فسبقنا بحسناته، وابتلینا نحن بسیئاته.

العزة للمؤمنین
اشارة

العزّة: هی القوة والغلبة والحمیة، عزّ فلان: قویَ وبرئ من الذل، وأعزّه: قواه وأحبه وأکرمه وجعله عزیزا(1).

فالعزّة: هی الارتفاع بالنفس تعظیما عن مواضع الهوان والإهانة والدنو دون الاستعلاء أو الخیلاء.

هذه الصفة الرائعة هی صفة الحق جل وعلا فبها تسمّی بالعزیز، بل هی من الصفات التی تقتضیها الذات المقدسة، ولأهمیتها وضرورتها وهبها الله تعالی لأنبیائه وعباده الصالحین فقال تعالی:

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ)(2).

بل إن الله تعالی أدب أنبیاءه وأولیاءه وعباده الصالحین بالعزّة وألزمهم بالتحلی


1- المعجم الوسیط: ص598.
2- سورة المنافقون، الآیة: 8.

ص: 190

بها ولم یرخّص لهم ترک هذه الصفة النبیلة وهذا ما أشار إلیه الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ اللهَ فَوَّضَ إلَی المُؤْمِنِ أُمورَهُ کُلَّها، وَلَمْ یُفَوِّضْ إلَیْهِ أنْ یَکونَ ذَلیلاً، أمَا تَسْمَعُ اللهَ تَعالی یَقولُ:

(ﮔ  ﮕ...)؟!

فَالمُؤْمِنُ یَکونُ عَزیزاً وَلاَ یَکونُ ذَلیلاً، إنَّ المُؤْمِنَ أعَزُّ مِنَ الجَبَلِ؛ لأَنَّ الجَبَلَ یُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالمَعاوِلِ، وَالمُؤْمِنُ لاَ یُسْتَقَلُّ مِنْ دینِهِ بِشَیءٍ»(1).

ولذا نجد لسان الآیات الکریمة ومضامین الأحادیث الشریفة تؤکد أن العزّة صفة إلهیة یجب التخلق بها کما فی قوله تعالی:

(مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعًا إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ وَالَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ وَمَکْرُ أُولَئِکَ هُوَ یَبُورُ)(2).

بل لا یحق للمؤمن أن یتصف بغیرها کما بیّنه الحدیث السابق؛ لما لهذه الصفة من دور فی حفظ حالة الإیمان فی قلب المؤمن ولما لها من دور فی سمو المؤمن ورفعته.

نصائح لمن أراد العز

ورد فی لسان الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة ما یرشد إلی الطرق التی توصل المرء إلی العزّ والرفعة وهی کما یلی:

1__ أن یؤمن بالله تعالی ویتمسک بحبله ویسلّم له کما فی قوله تعالی:

(مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعًا إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ


1- التهذیب: ج6، ص179، ح367. میزان الحکمة: ج6، ص2596، ح12823.
2- سورة فاطر، الآیة: 10.

ص: 191

یَرْفَعُهُ وَالَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ وَمَکْرُ أُولَئِکَ هُوَ یَبُورُ) (1).

وقوله تعالی:

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِیَدِکَ الْخَیْرُ إِنَّکَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ)(2).

2__ أن تهجر جمیع العوامل التی تؤدی إلی عزّتک من دون الله تعالی؛ لما لها من مردود خطیر وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«مَنِ اعْتَزَّ بِغَیْرِ اللهِ أهْلَکَهُ العِزُّ»(3).

وعنه علیه السلام قال:

«العَزیزُ بِغَیْرِ اللهِ ذَلیلٌ»(4).

3__ تشیر الأحادیث الشریفة إلی أن عزّ الدنیا واهن فانٍفإن لا قیمة له کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«أُوصیکُمْ بِالرَّفْضِ لِهذِهِ الدُّنْیا التّارِکَةِ لَکُمْ وَإنْ لَمْ تُحِبّوا تَرْکَها... فَلاَ تَنافَسوا فی عِزِّ الدُّنْیا وَفَخْرِها... فَإنَّ عِزَّها وَفَخْرَها إلی انْقِطاعٍ»(5).

4__ علیک الالتزام بالحق والانتصار له والاذعان به حتی لو دعا ذلک إلی ذلٍّ ظاهر وهذا ما أکده الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«العزُّ أنْ تَذِلَّ لِلحَقِ إذا لَزِمَکَ»(6)


1- سورة فاطر، الآیة: 10.
2- سورة آل عمران، الآیة: 26.
3- غرر الحکم: 8217. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12825.
4- بحار الأنوار: ج78، ص10، ح67. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12826.
5- نهج البلاغة: الخطبة 99. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12829.
6- بحار الأنوار: ج78، ص228، ح105. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12831.

ص: 192

5__ اتخاذ الصدق صفة ثابتة فی قولک وفعلک، وأن تحرص علی التزود بالعلم؛ لما ورد عن إمامنا الصادق علیه السلام إذ یقول:

«الصّدق عِزٌّ، وَالجَهْلُ ذُلٌّ»(1).

6__ التحلی باحترام الخلق وعدم العدوان علیهم کما جاء فی حدیث الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام حیث یقول:

«شَرَفُ المُؤْمِنِ صَلاَتُهُ بِاللّیلِ، وَعِزُّهُ کَفُّ الأذی عَنِ النّاسِ»(2).

7__ التحلی بالأخلاق الحمیدة والترفع عن الثرثرة والخوض فی الباطل والتنزه عن اللغو یوجب العز کما ورد ذلک عن أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«حُسْنُ خُلْقِ المُؤْمِنِ مِنَ التَّواضُعِ...، وَعِزُّهُ تَرْکُ القالِ وَالقیلِ»(3).

8 __ ضبط النفس وتجرع الغیظ یؤدی إلی العز کما أکد ذلک الإمام علی علیه السلام بقوله:

«لاَ عِزَّ أرْفَعُ مِنَ الحِلْمِ»(4).

9__ هجر المعاصی والتلبس بالطاعات یوجب عزاً لیس کمثله عز کما أکد ذلک الأئمة الأطهار علیهم السلام فی أقوالهم:

«مَنْ أرادَ عِزّاً بِلا عَشیرَةٍ، وغِنًی بِلا مالٍ، وهَیْبَةً بِلا سُلطانٍ، فَلْیُنْقَلْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِیَةِ اللهِ إلی عِزِّ طاعَتِهِ»(5)


1- تحف العقول: ص356. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12833.
2- الخصال: ص6، ص18. میزان الحکمة: ج6، ص2598، ح12834.
3- بحار الأنوار: ج77، ص268، ح1. میزان الحکمة: ج6، ص2599، ح12835.
4- بحار الأنوار: ج71، ص414، ح32. میزان الحکمة: ج6، ص2599، ح12836.
5- الخصال: ص169، ح222. میزان الحکمة: ج6، ص2599، ح12840.

ص: 193

وقال الإمام علی علیه السلام:

«مَنْ أرادَ الغِنی بِلا مالٍ، والعِزَّ بِلا عَشیرَةٍ، وَالطّاعَةَ بِلا سُلْطانٍ، فَلْیَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِیَةِ اللهِ إلی عِزِّ طاعَتِهِ؛ فَإنَّهُ واجِدٌ ذلِکَ کُلَّهُ»(1).

10__ الشعور بالمملوکیة الحقة لله تعالی، والاعتقاد بأنه تعالی هو من یدیر أمورک ویدبر شؤونک ویعطیک عزاً وفخراً، وهذا ما صرح به أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«إلهی کَفی بی عِزّاً أنْ أکونَ لَکَ عَبْداً، وَکَفی بی فَخْراً أنْ تَکونُ لی رَبّاً»(2).

11__ إلزام النفس وتأدیبها علی الاستغناء عما فی أیدی الناس یحقق العزّ الحقیقی، وهذا ما نلمسه فی قول إمامنا الصادق علیه السلام إذ یقول:

«لاَ یَزالُ العِزُّ قَلِقاً حتّی یَأتِیَ داراً قَدِ اسْتَشْعَرَ أهْلُها الیَأسَ مِمّا فی أیْدی النّاسِ فَیوطِنَها»(3).

12__ عندما تکون طرفا فی جدال أو نزاع أو غیر ذلک لا تکابر ولا تأخذک العزة بالإثم بل علیک قبول الحق وإنصاف الناس من نفسک فإن ذلک یلبسک عزاً لا مثیل له وهذا ما نصحنا به أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«ألا إنَّهُ مَنْ یُنْصِفُ النّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ یَزِدْهُ اللهُ إلاّ عِزّاً»(4).

13__ التسامح والعفو یحتاج إلی نفس مملوءة بالإیمان تحرص علی النجاة فی الآخرة، فلذا من طلب النجاة من ذل الدنیا والآخرة فلیعفُ، وهذا أرشدنا إلیه سید المرسلین صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:


1- تنبیه الخواطر: ج1، ص51. میزان الحکمة: ج6، ص2599، ح12841.
2- الخصال: ص420، ح14. میزان الحکمة: ج6، ص2600، ح12852.
3- کشف الغمّة: ج2، ص417. میزان الحکمة: ج6، ص2600 __ 2601، ح12854.
4- الکافی: ج2، ص144، ح4. میزان الحکمة: ج6، ص2601، ح12858.

ص: 194

«مَنْ عَفا مِنْ مَظْلَمَةٍ أبْدَلَهُ اللهُ بِها عِزّاً فی الدُّنْیا وَالآخِرَةِ»(1).

14__ إذا کنت تری الاستعلاء سمواً والاعتداد بالنفس مع الله تعالی علواً، وتحصیل الحرام مکسبا فإنک مخطئ مخالف لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ یقول:

«ثَلاثَةُ لاَ یَزیدُ اللهُ بِهِنَّ إلاّ خَیْراً: التَّواضُعُ لاَ یَزیدُ اللهُ بِهِ إلاّ ارتِفاعاً، وذِلُّ النَّفْسِ لاَ یَزیدُ اللهُ بِهِ إلاّ عِزّاً، والتَّعَفُّفُ لاَ یَزیدُ اللهُ بِهِ إلاّ غِنًی»(2).

15__ اللسان یطیح بصاحبها ویورده الهلکة وتلبسه الذلة إلا إذا صانه من الزلل والخنا والفحش والبذاءة ومن کل قول سیئ وهذا ما أوصی به الإمام الکاظم علیه السلام رجلاً طلب منه الوصیة فی دینه فقال:

«إِحْفَظْ لِسانَکَ تَعِزَّ، ولاَتُمَکِّنِ النّاسَ مِنْ قِیادِکَ فَتَذِلَّ رَقَبَتُکَ»(3).

16__ إذا عصفت بک البلایا وأصابتک المصائب فتحلی بالصبر فإن فیه عزاً یدخلک الجنة، وهو ما أمر به الإمام الباقر علیه السلام إذ یقول:

«مَنْ صَبَرَ عَلی مُصیبَةٍ زادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِزّاً عَلی عِزِّهِ، وأدْخَلَهُ جَنَّتَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَیْتِهِ»(4).

17__ ورد فی الحدیث أن القناعة کنز لا یفنی؛ لما فیها من رفض لعبودیة الشهوات ورفض لذل الطمع والجشع، فلذا جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَنْ قَنَعَتْ نَفْسُهُ عَزَّ مُعْسِراً، مَنْ شَرِهَتْ نَفْسُهُ ذَلَّ موسِراً»(5)


1- بحار الأنوار: ج77، ص121، ح20. میزان الحکمة: ج6، ص2601، ح12860.
2- بحار الأنوار: ج75، ص123، ح22. میزان الحکمة: ج6، ص2601، ح12861.
3- الکافی: ج2، ص113، ح4. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12863.
4- بحار الأنوار: ج82، ص128، ح3. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12867.
5- غرر الحکم: 8439، 8440. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12872.

ص: 195

18__ التفرقة والتشتت علامة الفشل وذهاب الریح، والألفة والتوحد علامة النجاح وقوة المجموعة، وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«والعَرَبُ الیَوْمَ وَإنْ کانوا قَلیلاً، فَهُمْ کَثیرونَ بِالإسْلامِ، عَزیزونَ بِالاجتِماعِ»(1).

19__ ثبت فی محله أن غیر المعصومین علیهم السلام لیس بمعصوم عن الخطأ وعن السهو والنسیان، وهذا یعنی أن کثیراً من الناس قد یقع منه الخطأ فی تخطیطه أو تفکیره أو قوله أو فعله مما یدعو إلی ضرورة اللجوء إلی الدعاء للتسدید والنجاح، فمثلا هناک من یفکر ویضع الخطط الکثیرة لینال السلطة أو الجاه أو العظمة أو المال إلاّ أنه یفشل فشلاً ذریعاً بسبب خطئه فی تخطیطه أو تفکیره فیبقی حائراً ماذا یصنع، وهناک من یری أن الأسباب الظاهریة هی التی تکسبه العزة والعظمة لکنه لا یصل إلی مبتغاه لسلوکه الأسباب الواهیة، فإذن لابد من اللجوء والاستعانة بالله تعالی الذی هو بکل شیء محیط وعلی کل شیء قدیر؛ لیسددنا ویرفعنا وهذا ما أشارت إلیه الأدعیة الشریفة کما فی  إقبال الأعمال __ فی الدّعاء یوم العشرین من شهر رمضان المبارک __:

«اللّهُمَّ وفی صُدورِ الکافِرینَ فَعَظِّمْنی، وَفی أعْیُنِ المُؤْمِنینَ فَجَلِّلْنی، وَفی نَفْسی وأهْلِ بَیْتی فَذَلِّلْنی»(2).

وجاء فی إقبال الأعمال أیضا:

«وفی نَفْسی فَذَلِّلْنی وَفی أعْیُنِ النّاسِ فَعَظِّمْنی»(3).

20__ لکی نحافظ علی العزة التی وهبها الله تعالی لنا لابد من التحلی بالتواضع والتذلل الباطنی لله تعالی والشعور بالفقر والحاجة الدائمة للغنی المطلق جل وعلا وهذا


1- نهج البلاغة: الخطبة: 146. میزان الحکمة: ج6، ص2603، ح12876.
2- إقبال الأعمال: ج1، ص355. بحار الأنوار: ج98، ص51. میزان الحکمة: ج6، ص2603، ح12877.
3- إقبال الأعمال: ج1، ص306. بحار الأنوار: ج98، ص47. میزان الحکمة: ج6، ص2603، ح12878.

ص: 196

ما ورد فی أدعیة أهل البیت علیهم السلام:

«وَذَلِّلْنی بَیْنَ یَدَیْکَ، وأعْزَّنی عِنْدَ خَلْقِکَ، وَضَعْنی إذا خَلَوْتُ بِکَ، وَارْفَعْنی بَیْنَ عِبادِکَ، وأغْنِنی عَمَّنْ هوَ غَنیّ عَنی، وَزِدْنی إلَیْکَ فاقَةً وَفَقْراً»(1).

__ الإمام وعلم الغیب
اشارة

العِلم فی اللغة: هو إدراک الشیء بحقیقته، والیقین، نور یقذفه الله فی قلب من یحب ویطلق العلم علی مجموع المسائل والأصول الکلیة جمعها جهة واحدة(2).

الغیب فی اللغة: هو إدراک حقیقة الأشیاء الغائبة عن الإنسان أو غیره من المخلوقات.

وردت آیات کریمة کثیرة تشیر إلی أن علم الغیب علم مختص بالله تعالی یهبه إلی عباده الذین ارتضی لهم ذلک لحکمة هو یعلمها کما جاء ذلک فی قوله تعالی:

(قُلْ لَا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(تِلْکَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیهَا إِلَیْکَ مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ)(4).

وقوله سبحانه وتعالی:

(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا


1- الصحیفة السجادیة: ص198، الدعاء 47. میزان الحکمة: ج6، ص2603 __ 2604، ح12880.
2- المعجم الوسیط: ص624.
3- سورة النمل، الآیة: 65.
4- سورة هود، الآیة: 49.

ص: 197

تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا یَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی کِتَابٍ مُبِینٍ)((1).

وقوله تعالی:

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)(2).

ووردت آیات کریمة أخری تشیر إلی وقوع بعض الحوادث والأمور فی الزمن المستقبل کما فی قوله تعالی:

(الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِی أَدْنَی الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ (3) فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَیَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ یَنْصُرُ مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِینَ مُحَلِّقِینَ رُءُوسَکُمْ وَمُقَصِّرِینَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِکَ فَتْحًا قَرِیبًا)(4).

کما وردت أحادیث شریفة تشیر إلی وقوع حوادث وأمور مستقبلیة کما فی کلام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لِنِسائِهِ وهُنَّ عِنْدَهُ جَمیعاً:


1- ()سورة الأنعام، الآیة: 59.
2- سورة الجن، الآیتان: 26 و27.
3- سورة الروم، الآیات: 1 إلی 6.
4- سورة الفتح، الآیةک 27.

ص: 198

«لَیْتَ شِعْری! أیَّتُکُنَّ صاحِبَةُ الجَمَلِ الأدبَبِ(1) تَنبَحُها کِلابُ الحَوأبِ، یُقْتَلُ عَنْ یَمِینِها وَشِمالِها قَتلی کَثیرَةٌ کُلُّهُمْ فی النّارِ، وَتَنْجُو بَعْدَ ما کادَتْ؟!»(2).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم (قال لأزواجه:

«أیَّتُکُنَّ التی تَنْبَحُها کِلابُ الحَوأبِ؟!».

فَلَمّا مَرَّت عائِشَةِ نَبَحَتِْ الکِلابُ، فَسَألَتْ عَنْهُ فَقیلَ لها: هذا ماءُ الحَوأبِ، قالت: ما أظُنُّنی إلاّ راجِعَةً، قیلَ لها: یا أُمَّ المُؤْمِنینَ، إنّما تُصْلِحینَ بینَ النّاسِ!)(3).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم __ لَمّا لَقِیَ عَلیّاً علیه السلام والزُّبَیرَ فی سَقیفَةِ بنی ساعِدَةَ:

«أتُحِبُّهُ یا زُبَیرُ؟

قالَ: وَما یَمْنَعُنی؟! قال:

فَکَیْفَ بِکَ إذا قاتَلْتَهُ وَأنْتَ ظالِمٌ لَهُ؟!»(4).

وجاء فی کنز العمال (عن حذیفة: علیکم بالفئة التی فیها ابن سمیة؛ فإنّی سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم یقول:

«تَقْتُلُهُ الفِئَةُ الباغِیَةُ»)(5).

وجاء أیضا فی کنز العمال (عن أمّ سَلَمة: دَخَلَ الحُسَیْنُ عَلَیْهِ السَّلاَمُ عَلَی النَّبیِّ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأنا جالِسَةٌ عَلَی البابِ، فَتَطَلَّعْتُ فَرَأیْتُ فی کَفِّ النَّبیِّ صَلّی


1- الأدبب: الکثیر الشّعر (کما فی هامش المصدر).
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج9، ص311. میزان الحکمة: ج7، ص3070، ح15397
3- التشریف بالمنن: ص76، ح18. میزان الحکمة: ج7، ص3070 __ 3071، ح15399.
4- کنز العمال: 31651. میزان الحکمة: ج7، ص3071، ح15400.
5- کنز العمال: 31719، والظاهر أن الأخبار فی هذا المعنی متواترة، فراجع کنز العمال: ج11، ص723 __ 728. میزان الحکمة: ج7، ص3071، ح15402.

ص: 199

اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَیْئاً یُقَلِّبُهُ وَهُوَ نائِمٌ عَلی بَطْنِهِ، فَقُلْتُ: یا رَسولَ اللهِ، تَطَلَّعْتُ فَرَأیْتُکَ تُقَلِّبُ شَیْئاً فی کَفِّکَ والصَّبیُّ نائِمٌ عَلی بَطْنِکَ ودُموعُکَ تَسِیلُ! فَقالَ:

«إنَّ جِبْرائیلَ أتانی بالتُّرْبَةِ التی یُقْتَلُ عَلَیْها فَأخْبَرَنی أنَّ أُمَّتی یَقْتُلُونَهُ»)(1).

وهناک الکثیر من الأحادیث الشریفة التی تؤکد أن کثیراً من الأمور الغائبة عن الناس ستحدث مستقبلاً وهذا یدل علی أن الله تعالی أطلع نبیه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم علی هذا الغیب لإکمال حجته علی الناس ولحکمة أخری لا یعلمها إلا الله تعالی ورسوله وأهل بیته الطاهرون علیهم السلام.

ولکی یتضح المطلب لابد من الوقوف علی النقاط التالیة:

1__ أن علم الغیب مختص بالله تعالی کما فی قوله تعالی:

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا)(2).

2__ أن الله تعالی یطلع أنبیاءه ورسله علی ذلک الغیب کما فی قوله تعالی:

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)(3).

3__ أن الله تعالی أطلع نبیه علی الغیب وحسب ما تقتضیه الحکمة کما فی قوله تعالی:

(تِلْکَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیهَا إِلَیْکَ مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ)(4).


1- کنز العمال: 37668. میزان الحکمة: ج7، ص3071، ح15405.
2- سورة الجن، الآیة: 26.
3- سورة الجن، الآیتان: 26 و27.
4- سورة هود، الآیة: 49.

ص: 200

(الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِی أَدْنَی الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ (3) فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَیَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ یَنْصُرُ مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ)(1).

4__ أن الله تعالی أطلع نبیه علی الغیب وحسب ما تقتضیه الحکمة کما فی الأحادیث الشریفة.

قال الإمام الصادق علیه السلام:

(«إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ضَلَّتْ ناقَتُهُ، فَقالَ النّاسُ فیها: یُخْبِرُنا عَنِ السَّماءِ وَلاَ یُخْبِرُنا عَنْ ناقَتِهِ! فَهَبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئیلُ فَقالَ: یا مُحَمَّدُ، ناقَتُکَ فی وادِی کَذا وکَذا، مَلفوفٌ خِطامُها بِشَجَرَةِ کَذا وکَذا.

قالَ: فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنی عَلَیْهِ وَقالَ:

یا أیّها النّاسُ، أکْثَرْتُمْ عَلَیَّ فی ناقَتی، ألا وَما أعْطانیَ اللهُ خَیْراً مِمّا أخَذَ مِنّی، ألا وإنَّ ناقَتی فی وادِی کَذا وکَذا، مَلفوفٌ خِطامُها بِشَجَرَةِ کَذا وکَذا.

فَابتَدَرَها النّاسُ فَوَجَدوها کما قالَ رَسولُ اللهِ»)(2).

وقال علیه السلام:

«ضَلَّتْ ناقَةُ رَسولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فی غزْوَةِ تَبوکَ، فَقالَ المُنافِقونَ: یُحَدِّثُنا عَنِ الغَیْبِ وَلاَ یعْلَمُ مَکانَ ناقَتِهِ! فَأتاهُ جَبْرَئیلُ عَلَیْهِ السَّلامُ فَأخْبَرَهُ بِما قالوا، وَقالَ: إنَّ ناقَتَکَ فی شِعْبِ کَذا، مُتَعَلِّقٌ زِمامُها بِشَجَرَةِ بَحْرٍ، فَنادی رَسولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةَ جامِعَةً، قالَ: فاجْتَمَعَ النّاسُ، فقالَ: أیُّها


1- سورة الروم، الآیات: 1 إلی 6.
2- بحار الأنوار: ج18، ص129، ح38. میزان الحکمة: ج7، ص3083، ح15457.

ص: 201

النّاسُ، إنَّ ناقَتی بِشِعْبِ کَذا، فَبادَرُوا إلَیْها حتّی أتَوها»(1).

5__ أن الله تعالی أطلع النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأوصیاءه علی الغیب وحسب ما تقتضیه الحکمة والحاجة کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أخْبَرَنی الصّادِقُ المَصْدوقُ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنّی أمُوتُ حَتّی أُضْرَبَ عَلی هذِهِ __ وَأشارَ إلی مُقَدَّمِ رَأسِهِ الأیْسَرِ __ فَتُخْضَبُ هذِهِ مِنْها بِدَمٍ»(2).

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا علیُّ، إنَّکُمْ سَتُقاتِلونَ بَنی الأصْفَرِ، ویُقاتِلونَهُمُ الذینَ مِنْ بَعْدِکُمْ، حَتّی، یَخْرُجَ إلَیْهِمْ رَوْقَةُ الإسْلامِ أهْلُ الحِجازِ الذینَ لاَ یَخافونَ فی اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَیَفْتَتِحُونَ القُسْطَنطینیَّةَ بِالتَّسْبیحِ وَالتَّکْبیرِ، فَیُصیبُونَ غَنائِمَ لَمْ یُصِیبُوا مِثْلَها»(3).

6__ الإمام یعلم ما غاب عن الناس بتعلیم من الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، کما أکد ذلک الإمام علی علیه السلام بقوله:

«یا أخا کَلْبٍ، لَیْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَیْبٍ، وَإنَّما هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِی عِلْمٍ، وَإنَّما عِلْمُ الغَیْبِ عِلْمُ السّاعَةِ، وَما عَدَّدَهُ اللهُ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ:

(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْأَرْحَامِ)(4).

فَیَعْلَمُ اللهُ سُبْحانَهُ ما فی الأرْحامِ مِنْ ذَکَرٍ أوْ أنثی، وَقَبیحٍ أوْ جَمیلٍ، وَسَخیٍّ أوْ بَخیلٍ، وَشَقیٍّ أوْ سَعیدٍ، وَمَنْ یَکونُ فی النّارِ حَطباً، أوْ فی الجِنانِ للنَّبیِّینَ مُرافِقاً،


1- قصص الأنبیاء: ص308، ح408. میزان الحکمة: ج7، ص3083، ح15459.
2- کنز العمال: ح36571، وأنظر أیضا: ح35576، ح36577، ح36580، ح36587، ح36590 ومنه، ج13، ص192 وما بعدها، وأیضاً: تاریخ دمشق (ترجمة الإمام علی علیه السلام): ج3، ص266 __ 268، وص278، وص286 __ 289. میزان الحکمة: ج7، ص3072، ح15407.
3- کنز العمال: 38419. میزان الحکمة: ج7، ص3072، ح15408.
4- سورة لقمان، الآیة: 34.

ص: 202

فهذا عِلْمُ الغَیْبِ الذی لاَ یَعْلَمُهُ أحَدٌ إلاّ اللهُ، وَما سِوی ذلِکَ فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبِیَّهُ فَعَلَّمَنیهِ، ودَعا لِی بِأنْ یَعِیَهُ صَدْرِی، وَتَضطَمَّ عَلَیْهِ جَوانِحی»(1).

7__ الإمام یعلم ما غاب عن الناس بتعلیم من الله تعالی وهذا ما أکده الإمام الصادق علیه السلام بقوله لمّا سُئلَ: هل یعلَمُ الإمامُ بالغَیب؟ قال:

«لاَ، وَلکِنْ إذا أرادَ أنْ یَعْلَمَ الشیءَ أعْلَمَهُ اللهُ ذلک»(2).

8__ الإمام یعلم ما غاب عن الناس إذا علمه الله تعالی وإذا منع ذلک فلا یعلم من دون الله تعالی کما أشار إلی ذلک الإمام الکاظم علیه السلام بقوله، لَمّا سأله رجُلٌ مِنْ أهْلِ فارِسَ: أتَعْلَمُونَ الغَیْبَ؟:

«یُبْسَطُ لَنا العِلْمُ فَنَعْلَمُ، وَیُقْبَضُ عَنّا فَلاَ نَعْلَمُ، وَقالَ سِرُّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أسَرَّهُ إلی جَبْرَئیلَ عَلَیْهِ السَّلامُ، وَأسَرَّهُ جَبْرَئیلُ عَلَیْهِ السَّلاَمُ إلی مُحَمَّدٍ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأسَرَّهُ مُحَمَّدٌ إلی مَنْ شاءَ اللهُ»(3).

فتحصل لما تقدم أن الإمام یعلم الغیب بتعلیم من الله تعالی ومن رسوله صلی الله علیه وآله وسلم حسب ما تقتضیه الحکمة والحاجة.

سؤال مهم

السؤال: لماذا یجب أن یکون الإمام أعلم الناس؟ ولماذا یعلم الأمور الغائبة عن الناس؟

الجواب: 1__ لا یصح أن یکون الجاهل إماما علی الناس لمخالفة ذلک للعقل والنقل، فمن جهة العقل یحکم بوجوب تقدیم الفاضل علی المفضول والعالم هو الفاضل والجاهل مفضول فلا یصح أن یتقدم علی العالم،


1- نهج البلاغة، الخطبة: 128. میزان الحکمة: ج7، ص3084، ح15460.
2- الکافی: ج1، ص257، ح4. میزان الحکمة: ج7، ص3084، ح15461.
3- الکافی: ج1، ص256، ح1. میزان الحکمة: ج7، ص3084، ح15462.

ص: 203

فی قوله تعالی:

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(1).

کما أن العقل یحکم بوجوب رجوع الجاهل إلی العالم لا بالعکس:

(قَالَ قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُمَا فَاسْتَقِیمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِیلَ الَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ)(2).

وأما من جهة النقل فالآیات الکریمة والأحادیث الشریفة تمنع ذلک کما فی قوله تعالی:

(قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ إِنَّمَا یَتَذَکَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(3).

وقوله تعالی:

(یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ)(4).

2__ ورد عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:

«أنْ یَکونَ أعْلَمَ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ وَضُرُوبِ أحْکامِهِ وَأمْرِهِ وَنَهْیِهِ وَجَمیعِ ما یَحْتاجُ إلَیْهِ النّاسُ، (فَیَحْتاجُ النّاسُ إلَیْهِ) وَیَسْتَغْنی عَنْهُمْ»(5).

ففی هذا الحدیث تصریح بوجوب أعلمیة الإمام علی الناس لحاجة الناس إلیه فی کل شؤون الحیاة ولاستغنائه عنهم، وإلا یلزم عجزه عن علمه بما یحتاج إلیه الناس کما یلزم منه أن یکون فی الناس من هو أفضل منه فلا یستحق حینها الإمامة علی الناس، کما لا یکون له حجة علیهم.


1- سورة النحل، الآیة: 43.
2- سورة یونس، الآیة: 89.
3- سورة الزمر، الآیة: 9.
4- سورة المجادلة، الآیة: 11.
5- بحار الأنوار: ج25، ص164. میزان الحکمة: ج7، ص159، ح861.

ص: 204

__ علم الغیب وفوائده

قبل التعرض إلی هذا البحث العقائدی الذی ارتکز علیه إیمان الفرد من خلال تسلیمه لما جاءت به الرسل عن الغیب الإلهی کالإیمان بالملائکة والعرش والکرسی والبعث والنشور والجنة والنار، نرید أن نقف علی المعنی اللغوی ل_(الغیب) وکذلک المعنی الاصطلاحی:

الغیب فی اللغة: غاب: غیبا وغیبة وغیبوبة وغیاباً: خلاف شهد وحضر، یقال غاب فلان: بَعُدَ، وغاب فلان عن بلده: سافر، وغابت الشمس: غربت واستترت عن العین، ویقال غاب الشیء فی الشیء: تواری فیه، غاب عنه الأمر: خفی، غیبوبة: فقد وعیه أو حسد، الغِیبَة: ذکر عیوب المرء المستورة من ورائه ویسوؤه ذکرها.

الغیب: کل ما غاب عن الإنسان سواء أکان مُحصَّلاً فی القلوب أم غیر محصّل(1).

الغیب فی الاصطلاح: هو کل ما خفی خبره من أسرار قصص الماضی کالتی تحدث عنها القرآن الکریم کقصص الأنبیاء السابقین کما فی قوله تعالی:

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِینَ)(2).

أو هو کل ما لم یستطیع الإنسان معرفته من الغیب الإلهی کالکرسی والعرش والبعث والنشور والجنة والنار وغیر ذلک وهذا ما أشارت إلیه الآیة الشریفة فی قوله تعالی:


1- المعجم الوسیط: ص667.
2- سورة یوسف، الآیة: 3.

ص: 205

قال الله تبارک وتعالی:

(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا یَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ)(1).

وقال عزّ وجل أیضا:

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ)(2).

وقال تعالی:

(وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِیَةٌ لَا رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ)(3).

قال الله تبارک وتعالی:

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا یَخْلُقُونَ شَیْئًا وَهُمْ یُخْلَقُونَ وَلَا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا یَمْلِکُونَ مَوْتًا وَلَا حَیَاةً وَلَا نُشُورًا)(4).

وقوله تعالی:

(الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)(5).


1- سورة البقرة، الآیة: 255.
2- سورة التوبة، الآیة: 129.
3- سورة الحج، الآیة: 7.
4- سورة الفرقان، الآیة: 3.
5- سورة الأنبیاء، الآیة: 49.

ص: 206

هذه الآیات المتقدمة هی من الغیب الذی یجب أن یؤمن به الإنسان فلذا أشار الله تبارک وتعالی إلیه فی الآیة الکریمة:

(الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ)(1).

وغیر ذلک.

وحیث إن الإنسان خلق لغایة سامیة إلا وهی معرفة الله تعالی وعبادته وطاعته والتسلیم إلیه کما فی قوله تعالی:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ)(2).

لینال بذلک سعادته وفوزه فی الدنیا والآخرة کما فی قوله تعالی:

(تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ)(3).

وقوله تعالی:

(یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَمَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِیمًا)(4).

وغیرها من الآیات الکریمة التی تؤکد هذا المعنی، فصار لابد له من معرفة مبدئه ومعاده وهذا لا یتم إلا من خلال الإیمان بما جاءت به رسل الله تعالی کما أشارت إلی ذلک الآیات الکریمة فی سورة البقرة:


1- سورة البقرة، الآیة: 3.
2- سورة الذاریات، الآیة: 56.
3- سورة النساء، الآیة: 13.
4- سورة الأحزاب، الآیة: 71.

ص: 207

(الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (4) أُولَئِکَ عَلَی هُدًی مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).

فوائد الإیمان بالغیب

إن للإیمان بالغیب دوراً مهما فی عقیدة المؤمن بل لا إیمان للإنسان دون ذلک، ولذا أصبح الحدیث عن الغیب وعلاقته بإیمان الفرد من الضروریات التی لا یستغنی عنها مؤمن یهتم بإیمانه، والذی یتأمل ویتدبر الآیات الکریمة التی تتحدث عن الغیب یقف علی أهمیة هذا الأمر وفائدته وتأثیره فی نفوس العقلاء الذین ینشدون الحقیقة، ولکی نقف علی بعض الفوائد التی تظهر من الآیات الکریمة التی تذکر لنا ما غاب عنا من أخبار الماضین ونشیر إلی ما فیها من فوائد باختصار.

ألف: الآیات التی تذکر أخبار ما غاب عنّا من قصص الأمم السالفة:

1_ (وَکَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْیَةٍ کَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِینَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا یَرْکُضُونَ (12) لَا تَرْکُضُوا وَارْجِعُوا إِلَی مَا أُتْرِفْتُمْ فِیهِ وَمَسَاکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا یَاوَیْلَنَا إِنَّا کُنَّا ظَالِمِینَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّی جَعَلْنَاهُمْ حَصِیدًا خَامِدِینَ)(2).

2_ (وَلَقَدْ آَتَیْنَا إِبْرَاهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا بِهِ عَالِمِینَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِینَ (53) قَالَ


1- سورة البقرة، الآیات: 3 و4 و5.
2- سورة الأنبیاء، الآیات: 11 إلی 15.

ص: 208

لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُکُمْ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِینَ (55) قَالَ بَل رَبُّکُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَی ذَلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنَامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا کَبِیرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَیْهِ یَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِینَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًی یَذْکُرُهُمْ یُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِیمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَی أَعْیُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا یَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَی أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُکِسُوا عَلَی رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ یَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا یَنْفَعُکُمْ شَیْئًا وَلَا یَضُرُّکُمْ (66) أُفٍّ لَکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فَاعِلِینَ (68) قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ)(1).

3_ (وَأُوحِیَ إِلَی نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا کَانُوا یَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْکَ بِأَعْیُنِنَا وَوَحْیِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَیَصْنَعُ الْفُلْکَ وَکُلَّمَا مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ کَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ یَأْتِیهِ عَذَابٌ یُخْزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیْهِ عَذَابٌ مُقِیمٌ (39) حَتَّی إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِیهَا مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَأَهْلَکَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا


1- سورة الأنبیاء، الآیات: 51 إلی 69.

ص: 209

قَلِیلٌ (40) وَقَالَ ارْکَبُوا فِیهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (41) وَهِیَ تَجْرِی بِهِمْ فِی مَوْجٍ کَالْجِبَالِ وَنَادَی نُوحٌ ابْنَهُ وَکَانَ فِی مَعْزِلٍ یَا بُنَیَّ ارْکَبْ مَعَنَا وَلَا تَکُنْ مَعَ الْکَافِرِینَ (42) قَالَ سَآَوِی إِلَی جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ فَکَانَ مِنَ الْمُغْرَقِینَ (43) وَقِیلَ یَا أَرْضُ ابْلَعِی مَاءَکِ وَیَا سَمَاءُ أَقْلِعِی وَغِیضَ الْمَاءُ وَقُضِیَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَی الْجُودِیِّ وَقِیلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (44) وَنَادَی نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَإِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْکَمُ الْحَاکِمِینَ (45) قَالَ یَا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْأَلَکَ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِی وَتَرْحَمْنِی أَکُنْ مِنَ الْخَاسِرِینَ (47) قِیلَ یَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَکَاتٍ عَلَیْکَ وَعَلَی أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِیمٌ (48) تِلْکَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیهَا إِلَیْکَ مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ)(1).

4_ (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَی وَهَارُونَ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَیَاتِنَا فَاسْتَکْبَرُوا وَکَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِینَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِینٌ (76) قَالَ مُوسَی أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَکُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا یُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آَبَاءَنَا وَتَکُونَ لَکُمَا الْکِبْرِیَاءُ فِی الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَکُمَا بِمُؤْمِنِینَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِی بِکُلِّ سَاحِرٍ عَلِیمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ


1- سورة هود، الآیات: 36 إلی 49.

ص: 210

قَالَ لَهُمْ مُوسَی أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَی مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَیُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ (81) وَیُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آَمَنَ لِمُوسَی إِلَّا ذُرِّیَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَی خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ یَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِی الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِینَ (83) وَقَالَ مُوسَی یَا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَکَّلُوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ (84) فَقَالُوا عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِکَ مِنَ الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ (86) وَأَوْحَیْنَا إِلَی مُوسَی وَأَخِیهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِکُمَا بِمِصْرَ بُیُوتًا وَاجْعَلُوا بُیُوتَکُمْ قِبْلَةً وَأَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ (87) وَقَالَ مُوسَی رَبَّنَا إِنَّکَ آَتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِینَةً وَأَمْوَالًا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا رَبَّنَا لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِکَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَی أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَلَا یُؤْمِنُوا حَتَّی یَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِیمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُمَا فَاسْتَقِیمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِیلَ الَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ (89) وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْیًا وَعَدْوًا حَتَّی إِذَا أَدْرَکَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِی آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِیلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَکُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (91) فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ آَیَةً وَإِنَّ کَثِیرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَیَاتِنَا لَغَافِلُونَ)(1).

5_ (وَإِلَی عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) یَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَیَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ


1- سورة یونس، الآیات: 75 إلی 92.

ص: 211

مِدْرَارًا وَیَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلَی قُوَّتِکُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ (52) قَالُوا یَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَیِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِکِی آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِکَ وَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاکَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِی جَمِیعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللَّهِ رَبِّی وَرَبِّکُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِیَتِهَا إِنَّ رَبِّی عَلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَیْکُمْ وَیَسْتَخْلِفُ رَبِّی قَوْمًا غَیْرَکُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَیْئًا إِنَّ رَبِّی عَلَی کُلِّ شَیْءٍ حَفِیظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّیْنَا هُودًا وَالَّذِینَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّیْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِیظٍ (58) وَتِلْکَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَیَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ کُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا لَعْنَةً وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا کَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)(1).

6_ (وَإِلَی ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَکُمْ فِیهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ إِنَّ رَبِّی قَرِیبٌ مُجِیبٌ (61) قَالُوا یَا صَالِحُ قَدْ کُنْتَ فِینَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا یَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَیْهِ مُرِیبٍ (62) قَالَ یَا قَوْمِ أَرَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَآَتَانِی مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ یَنْصُرُنِی مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَیْتُهُ فَمَا تَزِیدُونَنِی غَیْرَ تَخْسِیرٍ (63) وَیَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَکُمْ آَیَةً فَذَرُوهَا تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذَابٌ قَرِیبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِی دَارِکُمْ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ ذَلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّیْنَا صَالِحًا وَالَّذِینَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا


1- سورة هود، الآیات: 50 إلی 60.

ص: 212

وَمِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِیُّ الْعَزِیزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیَارِهِمْ جَاثِمِینَ (67) کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ کَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ)(1).

الباقة العطرة الأولی: (سورة الأنبیاء، الآیات: 11__15)

فوائد

1__ فی هذه الآیات الکریمة تصریح بقمع المجامیع الضالة واستبدالهم بمن هم عادلون وحسنو السیرة والسلوک، قال الله سبحانه وتعالی:

(وَکَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْیَةٍ کَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِینَ)(2).

2__ یظهر أن بعض الناس لا یرجع عن غیه إلا بعد أن یشعر بقرب الردع والتأدیب، قال الله تعالی:

(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا یَرْکُضُونَ)(3).

3__ فیها إشارة إلی أن الترف سبب من أسباب الظلم أحیاناً فلینتبه المترفون ویسخروا ما لدیهم من نعمة فی طاعة الله تعالی.

(لَا تَرْکُضُوا وَارْجِعُوا إِلَی مَا أُتْرِفْتُمْ فِیهِ وَمَسَاکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ)(4).

4__ الإقرار بالظلم دون الإقلاع عنه لا یدفع العذاب عن الظالمین، قال الله تبارک وتعالی:


1- سورة هود، الآیات: 61 إلی 68.
2- سورة الأنبیاء، الآیة: 11.
3- سورة الأنبیاء، الآیة: 12.
4- سورة الأنبیاء، الآیة: 13.

ص: 213

(قَالُوا یَاوَیْلَنَا إِنَّا کُنَّا ظَالِمِینَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّی جَعَلْنَاهُمْ حَصِیدًا خَامِدِینَ)(1).

الباقة العطرة الثانیة (سورة إبراهیم، الآیات: 51 __ 69)

فوائد

1__ لا یصلح لقیادة الأمة إلا الراشد حسب الموازین الشرعیة، قال الله تبارک وتعالی:

(وَلَقَدْ آَتَیْنَا إِبْرَاهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا بِهِ عَالِمِینَ)(2).

2__ فی هذه الآیة الکریمة:

(إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ)(3).

إشارة إلی:

ألف: لا یمنع أن یکون الولد حجة علی أبیه أو عمه أو من هو أکبر منه سنا طالما یمتلک الأهلیة لذلک.

باء: إن هذه الأصنام ما هی إلاّ تماثیل مثّلها صانعوها فهی مخلوقة حادثة عاجزة لا تضر ولا تنفع بل لا تدفع عن نفسها ضرراً أو تجلب لنفسها نفعاً، وکل مَنْ هذه صفته لا یستحق أن یکون معبوداً لغیره.

جیم: فی هذه الآیة شعور بالاستغراب والتعجب من قوم یلتزمون بعبادة تماثیل بالرغم من عدم نفعها.


1- سورة الأنبیاء، الآیتان: 14 و15.
2- سورة إبراهیم، الآیة: 51.
3- سورة إبراهیم، الآیة: 52.

ص: 214

3__ فی هذه الآیة تصریح بالتقلید الأعمی الذی یرفضه الشرع المقدس.

(قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِینَ)(1).

4__ فی هذه الآیة:

(قَالَ لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُکُمْ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ)(2).

إشارة إلی:

ألف: أن ضلال الآباء اکتسبه الأبناء مما یدل علی تأثیر الآباء فی الأبناء، فلذا ینبغی بالآباء أن یکونوا قدوة صالحة للأبناء.

باء: وقوع الأبناء فی الضلال لا یبرره شیء، فلذا یستحقون العقوبة علی ذلک.

جیم: لم یکن وقوعهم فی الضلال نتیجة رؤیة ضبابیة أو شبهة غیر واضحة بل هو انحراف واضح ظاهر.

5__ فی هذه الآیة:

(قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِینَ)(3).

إشارة إلی:

ألف: عدم صحة نقض الأفکار الباطلة بمثلها، بل لابد من نقضها بأفکار صحیحة تجسد الحق الذی لا ریب فیه.

باء: عدم صحة اللعب فی الأمور المهمة کبیان العقائد الحقة.

جیم: ذم اللعب بالباطل.


1- سورة إبراهیم، الآیة: 53.
2- سورة إبراهیم، الآیة: 54.
3- سورة إبراهیم، الآیة: 55.

ص: 215

6__ فی هذه الآیة:

(قَالَ بَل رَبُّکُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَی ذَلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ)(1).

إشارة إلی:

ألف: إرشاد إلی مدبر المخلوقات ألا وهو الله سبحانه، بل هو تعالی رب هذه التماثیل کما هو رب عبّادها ورب السماوات والأرضین.

باء: شهادة إبراهیم علیه السلام شهادة بصیرة وبصر، وشهادة ظاهر وباطن، وشهادة قول وفعل.

7__ فی هذه الآیة یؤکد إبراهیم علیه السلام ضعف هذه الأصنام وعجزها، فهی لا تدفع عن نفسها ضرراً لو خلیت ونفسها دون أن یجمعها أحد.

(وَتَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنَامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ)(2).

8 __ فی هذه الآیة أکد إبراهیم علیه السلام عملیا عجز هذه الأصنام وعدم أهلیتها للألوهیة.

(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا کَبِیرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَیْهِ یَرْجِعُونَ)(3).

9__ فی الآیات الکریمة (59 __ 69):

(قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِینَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًی یَذْکُرُهُمْ یُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِیمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَی أَعْیُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُونَ (61) قَالُوا


1- سورة إبراهیم، الآیة: 56.
2- سورة إبراهیم، الآیة: 57.
3- سورة إبراهیم، الآیة: 58.

ص: 216

أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا یَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَی أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُکِسُوا عَلَی رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ یَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا یَنْفَعُکُمْ شَیْئًا وَلَا یَضُرُّکُمْ (66) أُفٍّ لَکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فَاعِلِینَ (68) قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ)(1).

نستفید منها ما یلی:

ألف: أن إبراهیم علیه السلام نبیّ رغم کونه فی عمر الفتوة، فیظهر من هذه الآیة ومن غیرها أن العمر الزمنی لا یکون حائلا بین النبوّة وصاحبها طالما تتوفر فیه المؤهلات لذلک.

باء: لم یقدموا علی معاقبة إبراهیم علیه السلام قبل أن یحاکموه وبحضور شهود علیه.

جیم: کان جواب إبراهیم علیه السلام تأکیداً لعجز هذه الأصنام عن فعل أی شیء وقوله.

دال: لم یکن رد إبراهیم علیه السلام کذباً بل کان قوله صدقا. (أنظر الاحتجاج)

هاء: إذا کانت المحاججة بین مشرک ومسلم بهذه الطریقة الجیدة، فالأولی أن تکون بین أصحاب الدین الواحد عند اختلافهم فی بعض المسائل العقائدیة أو الفقهیة دون اللجوء إلی التکفیر أو الإقصاء والسخریة.


1- سورة إبراهیم، الآیات: 59 إلی 69.

ص: 217

الخطبة السادسة عشرة

اشارة

ص: 218

ص: 219

وفیها یذکر منزلته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم یصف أهل بیته وأصحابه، قال علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام:

دنوتُ منه لأسمع ما یقول لهم، فسمعتُ أبی یقول لأصحابه:

نص الخطبة

اشارة

«أُثْنِی عَلَی اللهِ أحْسَنَ الثَّناءِ، وَأَحْمَدُهُ عَلَی السَّرَاءِ، اللهُمَّ إنِّی أحْمَدُکَ عَلَی أنْ أکْرَمْتَنا بالنُّبُوَّةِ وَعَلَّمْتَنا القُرآنَ وَفَقَّهْتَنا فی الدِّینِ، وَجَعَلْتَ لَنا أسْماعاً وَأبصاراً وَأفْئِدَةً، فَاجْعَلْنا مِنَ الشاکِرینَ.

أمّا بَعْدُ، فَإنّی لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَی وَلا خَیْراً مِنْ أصْحابی، وَلا أهْلَ بَیْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَیْتِی، فَجَزاکُمْ اللهُ عَنِّی خَیْراً، ألا وَإنِّی لأظُنُّ أنَّهُ آخِرُ یَوْمٍ لَنا مِنْ هَؤُلاءِ، ألا وَإنِّی قَدْ أذِنْتُ لَکُمْ، فَانْطَلِقُوا جَمیعاً فی حِلٍّ لَیْسَ عَلَیْکُمْ مِنِّی ذمامٌ(1)، هذا اللیل قَدْ غَشِیَکُمْ فَاتَّخِذُوه جَمَلاً».

المعنی العام

أطری وأمدح ربی خیر مدح وإطراء، وأشکره فی الرخاء والشدة والیسر والعسر، اللهم إنی أشکرک علی النعمة التی جدت بها علینا إذ جعلت منا النبی وعرفتنا القرآن وفهمتنا وعرفتنا فی الشریعة التی أنزلتها، ووهبتنا أذانا نسمع بها الأصوات وأعینا نبصر


1- الحلّ: المباح. والذمام: العهد والأمان والکفالة والحق والحرمة.

ص: 220

بها الأشیاء وقلوباً وبصائراً، فاجعلنا من الشاکرین الحامدین لک علی هذه النعم.

إنی لا أعرف مرافقین وأتباعاً أکثر التزاما بأداء عهدهم ولا أحسن صدقا فی وعدهم من أصحابی ولا أهل بیت وأسرة أشفق والطف وأطوع من أهل بیتی، ولا أکثر عطاءً منهم، فأثابکم الله نیابة عنی حسن الدنیا والآخرة، ألا وإنی لأعتقد أن هذا الیوم هو آخر یوم من المهلة التی أمهلنا إیاها هؤلاء الأعداء، ألا وإنی قد رخصت لکم وسمحت لکم فاذهبوا کلکم فی إجازة وإباحة لکم لیس علیکم منی عهد وحق وحرمة، وهذا اللیل قد غطاکم فاتخذوه جملا أی سیروا فیه واستغلوا ظلمته.

شکر المنعم
اشارة

الشکر: هو عرفان النعمة وإظهارها والثناء بها(1)، لقد حکم العقل بوجوب شکر المنعم کما حث القرآن الکریم علی ذلک تأییداً لحکم العقل الذی لا یتقاطع مع الشرع المقدس، وکذلک حثت الأحادیث الشریفة علی هذا الفعل الحسن الذی یثمر الزیادة فی النعمة.

قبل الخوض فی هذا الموضوع لابد لنا من الوقوف علی حقیقة الشکر الذی ینبغی التعبد به:

فأقول: الشکر هو أن یعرف العبد النعمة والمنعم لکی یعطیها حقها من الشکر وهذا ما أشار إلیه الإمام العسکری علیه السلام بقوله:

«لاَ یَعْرِفُ النِّعْمَةَ إلاّ الشاکِرُ، وَلاَ یَشْکُرُ النِّعْمَةَ إلاّ العارِفُ»(2).

وهذه المعرفة تتم من خلال الإقرار بأن النعمة من الله تعالی وحده لا شریک له، وهو ما صرح به الإمام الصادق علیه السلام:


1- المعجم الوسیط: ص490.
2- أعلام الدین: ص313. میزان الحکمة: ج5، ص1970، ح9586.

ص: 221

«أوْحَی اللهُ تَعالی إلی موسی عَلَیْهِ السّلام یا موسی، اشْکُرْنی حَقَّ شُکْرِی، فَقالَ: یا رَبِّ کَیْفَ أشْکُرُکَ حَقَّ شُکْرِکَ، وَلَیْسَ مِنْ شُکْرٍ أشْکُرُکَ بِهِ إلاّ وَأنْتَ أنْعَمْتَ بِهِ عَلَیَّ؟! فَقالَ: یا موسی شَکَرْتَنی حَقَّ شُکْرِی حینَ عَلِمْتَ أنَّ ذلِکَ مِنّی»(1).

فإذا غفل العباد عن النعم التی أنعم الله تعالی بها علیهم وقعوا فی الجحود وکفران النعمة، فلذا لابد من معرفة النعم لکی یتسنی للعباد شکر المنعم الذی أنعم بها علیهم، وإلا لخرجوا من عنوان الإنسانیة إلی عنوان الحیوانیة کما أشار الإمام زین العابدین علیه السلام إلی ذلک بقوله:

«الحَمْدُ للهِ الذی لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلی ما أبْلاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ، وأسْبَغَ عَلَیْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا فی مِنَنِهِ فَلَمْ یَحْمَدُوهُ، وَتَوَسَّعُوا فی رِزْقِهِ فَلَمْ یَشْکُرُوهُ، وَلَوْ کانوا کَذلِکَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدودِ الإنْسانیّةِ إلی حَدِّ البَهِیمِیَّةِ، فَکانوا کَما وَصَفَ فی مُحْکَمِ کِتابِهِ:

(إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا)(2)»(3).

__ أسئلة حول الشکر

السؤال: أواجب شکر المنعم أم مستحب؟

الجواب: إن شکر المنعم واجب لاتفاق العقلاء علی ذلک، إذ إن العقلاء اتفقوا علی مدح الشاکر وذم التارک لذلک، وما یؤید هذا القول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لَوْ لَمْ یَتَواعَدِ اللهُ عِبادَهُ عَلی مَعْصِیَتِهِ، لَکانَ الواجِبَ ألاّ یُعْصی شُکراً


1- قصص الأنبیاء للراوندیّ: ص161، ح178. میزان الحکمة: ج5، ص1973، ح9603.
2- سورة الفرقان، الآیة: 44.
3- الصحیفة السجادیة: ص20، الدعاء1. میزان الحکمة: ج5، ص1968، ح9571.

ص: 222

لِنِعَمِهِ»(1).

السؤال: کیف یتم شکر المنعم؟

الجواب: 1__ یجب شکر المنعم بما یناسب حاله لا بما یراه الشاکر، فیلزم من هذا وجوب معرفة المنعم أولاً، ومعرفة نوع الشکر الذی یریده فنأتی به کما یرید، فإن کان طاعة فطاعة وإن کان ترکاً لمعصیة فترک المعصیة، وهذا ما أشار إلیه الإمام علی علیه السلام بقوله:

«شُکْرُ المُؤْمِنِ یَظْهَرُ فی عَمَلِهِ، وشُکْرُ المُنافِقِ لاَ یَتَجاوَزُ لِسانَهُ»(2).

وقوله علیه السلام:

«شُکْرُ کُلِّ نِعْمَةٍ الوَرَعُ عَنْ مَحارِمِ اللهِ»(3).

2__ تقدم الکلام بوجوب معرفة النعمة أنها من الله تعالی فقط کما جاء ذلک فی قول الإمام الصادق علیه السلام لَمّا سُئِلَ عَن شُمولِ قَولِهِ تعالی:

(لَئِنْ شَکَرْتُمْ...)(4).

«لِلشُّکْرِ عَلی النِّعْمَةِ الظاهِرَةِ: نَعَمْ، مَنْ حَمِدَ اللهَ عَلی نِعَمِهِ وَشَکَرَهُ، وَعَلِمَ أنَّ ذلِکَ مِنْهُ لاَ مِنْ غَیْرِهِ (زادَ اللهُ نِعَمَهُ)»(5)


1- بحار الأنوار: ج78، ص69، ح21. ومن هنا أخذ القائل __ وقیل إنّها لأمیر المؤمنین علیه السلام __: هَبِ البعثَ لَمْ تأتِنا رُسْلُهُ وجاحِمَةَ النّارِ لم تُضْرَمِ ألَیْسَ مِنْ الواجِبِ المُسْتَحِقِّ حَیاءُ العِبادِ مِنْ المُنْعِمِ؟!
2- غرر الحکم: 5661، 5662. میزان الحکمة: ج5، ص1974، ح9605.
3- مشکاة الأنوار: ص35. میزان الحکمة: ج5، ص1974، ح9608.
4- سورة إبراهیم، الآیة: 7.
5- تفسیر العیاشی: ج2، ص222، ح5. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9590.

ص: 223

وقوله علیه السلام:

«مَنْ أنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ بِنِعْمَةٍ فَعَرَفَها بِقَلْبِهِ، فَقَد أدّی شُکْرَها»(1).

وعنه علیه السلام قال:

«ما مِنْ عَبْدٍ أنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ نِعْمَةً فَعَرَفَ أنَّها مِنْ عِنْدِ اللهِ، إلاّ غَفَرَ اللهُ لَهُ قَبْلَ أنْ یَحْمَدَهُ»(2).

3__ ینبغی أن یشکر العبد نعمة الله تعالی قلبا ولساناً، وهذا ما یؤکده قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ما أنْعَمَ اللهُ عَلَی عَبْدٍ نِعْمَةً فَشَکَرَها بِقَلْبِهِ، إلاّ اسْتَوْجَبَ المَزِیدَ فیها قَبْلَ أنْ یُظْهِرَ شُکْرَها عَلی لِسانِهِ»(3).

وعنه علیه السلام قال:

«مَنْ شَکَرَ النِّعَمَ بِجَنانِهِ اسْتَحَقَّ المَزیدَ قَبْلَ أنْ یَظْهَرَ عَلَی لِسانِهِ»(4).

4__ التحلی ببعض الصفات تعد شکراً لله تعالی علی نعمه، وکما یلی:

ألف: العفو والمسامحة وترک الانتقام کما فی قول الإمام علی علیه السلام:

«إذا قَدَرْتَ عَلی عَدُوِّکَ فَاجْعَلْ العَفْوَ عَنْهُ شُکْراً لِلقُدْرَةِ عَلَیْهِ»(5).

باء: النظر إلی من هو أدنی منک کما فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام مِنْ کتابٍ لَهُ إلی الحارث الهمدانی:


1- الکافی: ج2، ص96، ح15. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9613.
2- الکافی: ج2، ص427، ح8. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9614.
3- أمالی الطوسی: ص580، ص1197. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9592.
4- غرر الحکم: 9102. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9597.
5- نهج البلاغة: الحکمة 11. میزان الحکمة: ج5، ص1974، ح9612.

ص: 224

«وَأکْثِرْ أنْ تَنْظُرَ إلی مَنْ فضِّلْتَ عَلَیْهِ؛ فَإنَّ ذلِکَ مِنْ أبْوابِ الشُّکْرِ»(1).

جیم: التحلی بالقناعة والرضا بعطاء الله تعالی والتخلی عن الطمع والحرص، کما أکد ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أشْکَرُ النّاسِ أقْنَعُهُمْ، وأکْفَرُهُمْ لِلنِّعَمِ أجْشَعُهُمْ»(2).

دال: شکر المخلوقین من أبواب شکر الله تعالی، هذا ما صرح به الإمام زین العابدین علیه السلام بقوله:

«أشْکَرُکُمْ للهِ أشْکَرُکُمْ لِلنّاسِ»(3).

وقوله علیه السلام:

«یَقولُ اللهُ تَبارَکَ وَتَعالی لِعَبْدٍ مِنْ عَبِیدِهِ یَوْمَ القِیامَةِ: أشَکَرْتَ فُلاناً؟ فَیَقُولُ: بَلْ شَکَرْتُکَ یا رَبِّ، فَیَقُولُ: لَمْ تَشْکُرْنی إذْ لَمْ تَشْکُرْهُ»(4).

هاء: الاعتقاد بالله تعالی والموالاة لأهل البیت علیهم السلام وإعانة المؤمنین هو باب من أبواب الشکر، کما جاء ذلک فی قول الإمام الرضا علیه السلام:

اعْلَمُوا أنَّکُمْ لاَ تَشْکُرونَ اللهَ تَعالی بِشَیْءٍ __ بَعْدَ الإیمانِ بِاللهِ، وَبَعْدَ الاعتِرافِ بِحُقُوقِ أوْلِیاءِ اللهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحَبَّ إلَیْهِ مِنْ مُعاوَنَتِکُمْ لإِخْوانِکُمُ المُؤْمِنینَ عَلی دُنْیاهُمْ»(5).

واو: المواظبة علی شکر النعم من خلال سجدة الشکر ووضع الخد علی التراب لتتعظ النفس وهی مستحبة عند حدوث کل نعمة أو تجددها أو عند ذکرها وقد فات


1- نهج البلاغة: الکتاب 69. میزان الحکمة: ج5، ص1974، ح9611.
2- الإرشاد: ج1، ص304. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9619.
3- الکافی: ج2، ص99، ح30. میزان الحکمة: ج5، ص1976، ح9620.
4- الکافی: ج2، ص99، ح30. میزان الحکمة: ج5، ص1979، ح9637.
5- عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2، ص169. میزان الحکمة: ج5، ص1976، ح9621.

ص: 225

شکرها وهذا ما أشارت إلیه الأحادیث الشریفة:

«إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ کانَ فی سَفَرٍ یَسِیرُ عَلی ناقَةٍ لَهُ، إذْ نَزَلَ فَسَجَدَ خَمْسَ سَجَداتٍ، فَلَّمّا أنْ رَکِبَ قالوا: یا رَسُولَ اللهِ، إنّا رَأیْناکَ صَنَعْتَ شَیْئاً لَمْ تَصْنَعْهُ! فَقالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبَلَنی جَبْرَئیلُ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فَبَشَّرَنی بِبِشاراتٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدْتُ للهِ شُکْراً لِکُلِّ بُشْری سَجْدَةً»(1).

وجاء فی الکافی عن هشام بن أحمر:

(کُنْتُ أسیرُ مَعَ أبی الحَسَنَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فی بَعْضِ أطْرافِ المَدینَةِ إذْ ثَنی رِجْلَهُ عَنْ دابَّتِهِ فَخَرَّ ساجِداً، فَأطالَ وَأطالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَرَکِبَ دابَّتَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِداکَ، قَدْ أطَلْتَ السُّجودَ؟! فَقالَ:

«إنَّنی ذَکَرْتُ نِعْمَةً أنْعَمَ اللهُ بِها عَلَیَّ فَأحْبَبْتُ أنْ أشْکُرَ رَبّی»)(2).

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«إذا ذَکَرَ أحَدُکُمْ نِعْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْیَضَعْ خَدَّهُ عَلی التُّرابِ شُکْراً للهِ، فَإنْ کانَ راکِباً فَلْیَنْزِلْ فَلْیَضَعْ خَدَّهُ عَلَی التُّرابِ، وَإنْ لَمْ یَکُنْ یَقْدِرُ عَلی النُّزولِ للشُّهْرَةِ فَلْیَضَعْ خَدَّهُ عَلَی قَرَبُوسِهِ، وَإنْ لَمْ یَقْدِرْ فَلْیَضَعْ خَدَّهُ عَلی کَفِّهِ، ثُمَّ لِیَحْمَدِ اللهَ عَلی ما أنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِ»(3).

زای: إن ترد علی من أنعم علیک بأکثر مما أنعم علیک ولیس بمقدار ما أنعم علیک، وهذا ما صرح به الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صُنْعَ إلَیْهِ فَإنّما کافَأ، وَمَنْ أضْعَفَ کانَ شاکِراً»(4).


1- الکافی: ج2، ص98، ح24. میزان الحکمة: ج5، ص1976، ح9622.
2- الکافی: ج2، ص98، ح26. میزان الحکمة: ج5، ص1976، ح9623.
3- الکافی: ج2، ص98، ح25. میزان الحکمة: ج5، ص1976، ح9624.
4- معانی الأخبار: ص141، ح1. میزان الحکمة: ج5، ص1979، ح9636.

ص: 226

حاء: الثناء علی الله تعالی المنعم باللسان وهذا ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«ما أنْعَمَ اللهُ عَلی عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ صَغُرَتْ أوْ کَبُرَتْ فَقالَ: الحَمْدُ للهِ، إلاّ أدّی شُکْرَها»(1).

طاء: یجب شکر الله تعالی باللسان والقلب معاً فی السراء والضراء وهذا ما ذکره الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

«کانَ رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إذا وَرَدَ عَلَیْهِ أمْرٌ یَسُرُّهُ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلی هذِهِ النِّعْمَةِ، وَإذا وَرَدَ عَلََیْهِ أمْرٌ یَغْتَمُّ بِهِ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلی کُلِّ حالٍ»(2).

یاء: ورد فی مفاتیح الجنان مناجاة الشاکرین للإمام زین العابدین علیه السلام یستحب قراءتها من باب شکر المنعم کما یستحب؟

وورد أیضا فی نفس الکتاب أن من قال: (الحمد لله علی کل نعمة کانت أو هی کائنة) سبع مرات یکون ممن أدی شکر ما مضی من النعم وما هو حاضر وما هو آت.

کاف: إخراج الحقوق من المال هو شکر علی نعمة المال وأجاب الإمام الصادق علیه السلام (لمّا سأله أبو بصیر: هَل لِلشُّکْرِ حَدٌّ إذا فَعَلَهُ العَبْدُ کانَ شاکِراً؟ فقال:

«نعم».

قُلْتُ: ما هُوَ؟ قالَ __ عَلَیْهِ السَّلاَمُ __:

«یَحْمَدُ اللهَ عَلی کُلِّ نِعْمَةٍ عَلَیْهِ فی أهْلٍ وَمالٍ، وَإنْ کانَ فیما أنْعَمَ عَلَیْهِ فی مالِهِ حَقٌّ أدّاهُ، وَمِنْهُ قَولُهُ جَلَّ وَعَزَّ: 


1- الکافی: ج2، ص96، ح14. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9616.
2- الکافی: ج2، ص97، ح19. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9617.

ص: 227

(سُبحَانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ)(1)»)(2).

السؤال: ما هی فوائد الشکر؟

الجواب: لا یختلف العقلاء ولا یشکّون فی وجود فوائد للشکر إلاّ أننا نرید أن نجیب عن هذا السؤال من خلال ما ورد من آیات کریمة وأحادیث شریفة عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام:

1__ إن شکر النعم هو امتثال لأمر الله تعالی وکسبا لرضاه، وهذا ما دل علیه قوله تعالی:

(فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلَا تَکْفُرُونِ)(3).

وقوله تعالی:

(قَالَ یَا مُوسَی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسَالَاتِی وَبِکَلَامِی فَخُذْ مَا آَتَیْتُکَ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ)(4).

2__ إن الشکر یعود نفعه للشاکر فی الدنیا والآخرة، وهو ما صرحت به الآیات الکریمة کما فی قوله تعالی:

(قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آَتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَأَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ)(5).


1- سورة الزخرف، الآیة: 13.
2- الکافی: ج2، ص96، ح12. میزان الحکمة: ج5، ص1975، ح9615.
3- سورة البقرة، الآیة: 152.
4- سورة الأعراف، الآیة: 144.
5- سورة النمل، الآیة: 40.

ص: 228

وقوله تعالی:

(وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ)(1).

3__ الشکر ینجی من الحیرة أو الابتلاء وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الشُّکْرُ عِصْمَةٌ مِنْ الفِتْنَةِ»(2).

4__ الشکر یدفع الضرر والأذی وهو ما صرح به أمیر المؤمنین علیه السلام:

«شُکْرُ النِّعْمَةِ أمانٌ مِنْ حُلُولِ النِّقْمَةِ»(3).

5__ الشکر یوجب الزیادة فی النعمة التی شکرتها، وهذا ذکر فی قوله تعالی:

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ)(4).

وقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ما فَتَحَ اللهُ عَلی عَبْدٍ بابَ شُکْرٍ فَخَزَنَ عَنْهُ بابَ الزِّیادَةِ»(5).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ما أنْعَمَ اللهُ عَلی عَبْدٍ نِعْمةً فَشَکَرَها بِقَلْبِهِ، إلاّ اسْتَوْجَبَ المَزیدَ فیها قَبْلَ أنْ یُظْهِرَ شُکْرَها عَلی لِسانِهِ»(6).


1- سورة لقمان، الآیة: 12.
2- بحار الأنوار: ج78، ص53، ح86. میزان الحکمة: ج5، ص1968، ح9573.
3- غرر الحکم: 5666. میزان الحکمة: ج5، ص1968، ح9574.
4- سورة إبراهیم، الآیة: 7.
5- الکافی: ج2، ص94، ح2. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9593.
6- أمالی الطوسی: ص580، ح1197. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9592.

ص: 229

وجاء عن الإمام الصادق علیه السلام (لمّا سُئلَ عَنْ شُمولِ قَوْلِهِ تعالی:

(لَئِنْ شَکَرْتُمْ...).

للشکر علی النّعمة الظاهرة، قال:

«نَعَمْ، مَنْ حَمِدَ اللهَ عَلی نِعَمِهِ وَشَکَرَهُ، وَعَلِمَ أنَّ ذلِکَ مِنْهُ لاَ مِنْ غَیْرِهِ (زادَ اللهُ نِعَمَهُ)»)(1).

6__ الشکر یوجب السمعة الحسنة بین الناس کما دل علی ذلک قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أحْسَنُ السُّمْعَةِ شُکْرٌ یُنْشَرُ»(2).

وهناک تفسیر آخر لهذه العبارة وهو انتشار الشکر الذی یأتیک من الناس، أی انتشار المدح والثناء لک بین الناس.

السؤال: ما هو ضرر ترک الشکر؟

الجواب: 1__ اتفق العقلاء علی ذم تارک الشکر وأیدهم فی ذلک الشارع المقدس کما فی قوله تعالی:

(اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَشْکُرُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(وَمَا ظَنُّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی


1- تفسیر العیاشی: ج2، ص222، ح5. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9590.
2- غرر الحکم: 3013. میزان الحکمة: ج5، ص1978، ح9627.
3- سورة غافر، الآیة: 61.

ص: 230

النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لَا یَشْکُرُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(ثُمَّ لَآَتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَیْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شَاکِرِینَ)(2).

2__ عدم الشکر یوجب الحرمان من الزیادة، وهذا ما صرح به الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«لاَ یَنْقَطِعُ المَزیدُ مِنَ اللهِ حَتّی یَنْقَطِعَ الشُّکْرُ مِنَ العِبادِ»(3).

3__ عدم الشکر یوجب انقلاب النعمة إلی نقمة وبلاء کما فی قول الصادق علیه السلام:

«إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أنْعَمَ عَلی قَوْمٍ بِالمَواهِبِ فَلَمْ یَشْکُرُوا فَصارَتْ عَلَیْهِمْ وَبالاً، وابْتَلی قَوْماً بِالمَصائِبِ فَصَبَرُوا فَصارَتْ عَلَیْهِمْ نِعْمَةً»(4).

4__ أنزل الإمام الجواد علیه السلام عدم شکر النعمة منزلة السیئة کما فی قوله علیه السلام:

«نِعْمَةٌ لاَ تُشْکَرُ کَسَیِّئَةٍ لاَ تُغْفَرُ»(5).

5__ تارک الشکر یتلبس بصفة رذیلة وهی صفة اللؤم وهذا ما أورده الإمام الحسن علیه السلام:


1- سورة یونس، الآیة: 60.
2- سورة الأعراف، الآیة: 17.
3- بحار الأنوار: ج71، ص56، ح86. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9595.
4- أمالی الصدوق: ص249، ح4. میزان الحکمة: ج5، ص1972، ح9599.
5- أعلام الدین: ص309. میزان الحکمة: ج5، ص1973، ح9600.

ص: 231

«اللّؤْمُ أنْ لاَ تشْکُرَ النعْمَة»(1).

6__ تارک الشکر یکون ممن تسبب بقطع المعروف فاستحق بذلک لعنة الله تعالی، کما صرح بذلک الإمام الصادق علیه السلام:

«لَعَنَ اللهُ قاطِعِی سَبیلِ المَعْرُوفِ، وَهُوَ الرَّجُلُ یُصْنَعُ إلَیْهِ المَعْروفُ فَیَکْفُرُهُ، فَیَمْنَعُ صاحِبَهُ مِنْ أنْ یَصْنَعَ ذلِکَ إلی غَیْرِهِ»(2).

السؤال: ما هی منزلة الشاکرین؟

الجواب: اختلف الناس فی مراتبهم ومنازلهم عند الله تعالی تبعا لعلاقتهم به وطاعتهم له، وممن خصوا بمنزلة عالیة هم الشاکرون، إذ جعلهم الله تعالی من الصفوة القلة کما صرح بذلک أمیر المؤمنین بقوله:

«أوصِیکُمْ بِتَقْوی اللهِ... فَما أقَلَّ مَنْ قَبِلَها، وَحَمَلَها حَقَّ حَمْلِها! أولئِکَ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحانَهُ إذْ یَقولُ:

(وَقَلِیلٌ مِنْ عِبَادِیَ الشَّکُورُ)(3)»(4).

الشاکر ممن نال خیر الدنیا والآخرة وهذا ما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«مَنْ أوتیَ قَلْباً شاکِراً، ولِساناً ذاکِراً وَزَوجَة مُؤْمِنَة تُعینُهُ عَلی أمرِ دُنْیاهُ وَأُخْراه، فَقَدْ أوتیَ فی الدُّنْیا حَسَنَةً وَفی الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَوُقیَ عَذابَ النّارِ»(5).


1- تحف العقول: ص233. میزان الحکمة: ج5، ص1978، ح9630.
2- الاختصاص: ص241. میزان الحکمة: ج5، ص1980، ح9645.
3- سورة سبأ، الآیة: 13.
4- نهج البلاغة: الخطبة 191. میزان الحکمة: ج5، ص1971، ح9589.
5- مئة موضوع أخلاقی، آیة الله العظمی مکارم الشیرازی: ص369. تفسیر مجمع البیان: ج1، ص298.

ص: 232

__ نصیحة

إذا أردت أن تشکر من أنعم علیک سرا وعلانیة فعلیک أن تشیر إلی صانع المعروف وتذکر معروفه علیک بین الناس وتتحدث عنه بما هو حسن من الحدیث، وتحبه لذلک وهذا ما ورد علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام وولده الإمام زین العابدین علیهما السلام بقولهما:

«حَقٌّ عَلی مَنْ أنْعِمَ عَلَیْهِ أنْ یُحْسِنَ مُکافَأةَ المُنْعِمِ، فَإنْ قَصُرَ عَنْ ذلِکَ وُسْعُهُ فَعَلَیْهِ أنْ یُحْسِنَ الثَّناءَ، فَإنْ کَلَّ لِسانُهُ فَعَلَیْهِ بِمَعْرِفَةِ النِّعْمَةِ وَمَحَبَّةِ المُنْعِمِ بِها، فَإنْ قَصُرَ عَنْ ذلِکَ فَلَیْسَ للنِّعْمَةِ بِأهْلٍ»(1).

وقال الإمام زین العابدین علیه السلام:

«أمّا حَقُّ ذِی المَعْروفِ عَلَیْکَ فَأنْ تَشْکُرَهُ وَتَذْکُرَ مَعْروفَهُ، وَتُکْسِبَهُ المَقالَةَ الحَسَنَةَ، وَتُخْلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فیما بَیْنَکَ وَبَیْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإذا فَعَلْتَ ذلِکَ کُنْتَ قَدْ شَکَرْتَهُ سِرّاً وَعَلانِیَةً، ثُمَّ إنْ قَدَرْتَ عَلی مُکافَأتِهِ یَوْماً کافَیْتَهُ»(2).

__ شهادة لا تُرد

(أمّا بَعْدُ، فَإنّی لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَی وَلا خَیْراً مِنْ أصْحابی، وَلا أهْلَ بَیْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَیْتِی، فَجَزاکُمْ اللهُ عَنِّی خَیْراً، ألا وَإنِّی لأظُنُّ أنَّهُ آخِرُ یَوْمٍ لَنا مِنْ هَؤُلاءِ، ألا وَإنِّی قَدْ أذِنْتُ لَکُمْ، فَانْطَلِقُوا جَمیعاً فی حِلٍّ لَیْسَ عَلَیْکُمْ مِنِّی ذمامٌ، هذا اللیل قَدْ غَشِیَکُمْ فَاتَّخِذُوه جَمَلاً).

عندما یشهد المؤمن الصالح الثقة شهادة حق تکون شهادته حجة علی من یسمعها، ویکون لها الأثر الکبیر فی إحقاق الحق ودحض الباطل، وهذا ما أشارت إلیه


1- أمالی الطوسی: ص501، ح1097. میزان الحکمة: ج5، ص1978 __ 1979، ح9634.
2- الخصال: ص568، ح1. میزان الحکمة: ج5، ص1978، ح9633.

ص: 233

الأحادیث الشریفة:

ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إعْلَمْ أنَّ المُسْلِمینَ عُدولٌ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ، إلاّ مَجْلوداً فی حَدٍّ لَمْ یَتُبْ مِنْهُ، أوْ مَعْروفاً بِشَهادَةِ الزُّورِ، أوْ ظَنِیناً»(1).

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«مَنْ صَلّی خَمْسَ صَلَواتٍ فی الیَوْمِ وَاللَّیْلَةِ فی جَماعَةٍ فَظُنُّوا بِهِ خَیْراً وَأجِیزُوا شَهادَتَه»(2).

وجاء عن الإمام علی بن موسی الرضا علیهما السلام:

«کُلُّ مَنْ وُلِدَ عَلی الفِطْرَةِ وَعُرِفَ بِصَلاحٍ فی نَفْسِهِ جازَتْ شَهادَتُهُ»(3).

وبناء علی ما تقدم لو شهد رجل مؤمن صالح ثقة بأن أصحابه أوفی وأفضل من أصحاب غیره لأجزنا شهادته وقبلناها قبولاً حسناً، فکیف إذا کان هذا الشاهد هو حجة الله تعالی فی زمانه وسید شباب أهل الجنة وإماماً معصوماً وبضعة من النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم؟

ولکی نعلم أن شهادة الإمام الحسین علیه السلام لأصحابه شهادة حق لا شک فیها لابد من الوقوف عند الآتی:

1__ شهد القرآن الکریم بعصمة الإمام الحسین علیه السلام کما فی آیة التطهیر:

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)(4).


1- من لا یحضره الفقیه: ج3، ص15، ح3243. میزان الحکمة: ج5، ص1997، ح9723.
2- أمالی الصدوق: ص278، ح23. میزان الحکمة: ج5، ص1998، ح9724.
3- من لا یحضره الفقیه: ج3، ص46، ح3298. میزان الحکمة: ج5، ص1998، ح9726.
4- سورة الأحزاب، الآیة: 33.

ص: 234

وهذا یدل علی صدق قول الإمام علیه السلام، ودقته کما یدل علی أن شهادته شهادة حق لا زور فیها.

2__ أمر الله تعالی الأمة بمودة الإمام الحسین علیه السلام کما فی آیة المودة:

(قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی)(1).

دون أن یقید ذلک بزمان أو مکان، وهذا یدل علی أن الإمام الحسین علیه السلام لا یخرج عن مرضاة الله تعالی بقول أو فعل حتی یلقی الله تعالی وهو عنه راضٍ، وإلاّ یلزم أن یتعبد الله تعالی الأمة بمودة رجل لا صدق ولا دقة فی قوله وهذا محال.

3__ شهد الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم لولده الإمام الحسین علیه السلام بصدق القول ودقته وصحة الفعل وعصمته من حدیث السیادة فی الجنة، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة»(2).

وحدیث المحبة، قال النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«أللهم إنی أحبهما فأحبهما»، «أللهم إنی أحبه فأحب من یحبه»(3).

وفی حدیث آخر یقول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«من أحبهما فقد أحبنی ومن أحبنی فقد أحب الله، ومن أبغضهما فقد أبغضنی ومن أبغضنی فقد أبغض الله».

وحدیث الإمامة، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:


1- سورة الشوری، الآیة: 23.
2- مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص4.
3- الشفا بتعریف حقوق المصطفی، القاضی عیاض: ج2، ص26.

ص: 235

«الحسن والحسین إبنای هذان إمامان قاما أو قعدا»(1).

وحدیث حسین منی، قال النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«حسین منی وأنا من حسین، أحب الله من أحب حسینا، حسین سبط من الأسباط»(2).

وإلاّ لو لم یکن کذلک لانخدشت هذه الأحادیث وللزم أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم یمدح باطلاً حاشاه عن ذلک أو یتکلم عن الهوی والعاطفة وهذا مخالف لصریح القرآن الکریم:

(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی)(3).

4__ لاشک أن الإمام الحسین علیه السلام محیط بمنزلة أصحاب جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأبیه المرتضی وأخیه المجتبی علیهما السلام، ومع ذلک صرح بهذا التصریح فی حق أصحابه، وشهد لهم هذه الشهادة التی هی فخر وزینة لهم فی الدنیا والآخرة.

فیتضح مما تقدم أن صفة الشهادة تجعل أصحاب الحسین علیه السلام أفضل من أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین والحسن علیهما السلام وهی شهادة لا ترد.

__ أصحاب الإمام الحسین علیه السلام
اشارة

لقد ثبت فی محله أن الإمام الحسین علیه السلام جزء لا یتجزأ من جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم فهو بضعة منه، دمه دمه ولحمه لحمه وحربه حربه وسلمه سلمه بل هما نور واحد وفکر واحد ونهج واحد، وهذا ما یؤکده قول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم الذی لا ینطق عن الهوی ولا عن العاطفة والمیل المتعارف؛


1- جامع الخلاف والوفاق، علی بن محمد القمی: ص404.
2- البدایة والنهایة لابن کثیر: ج8، ص225.
3- سورة النجم، الآیة: 3.

ص: 236

بل أن کلامه وحی بوحی کما فی قوله تعالی:

(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی).

فلقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حق ولده الإمام الحسین علیه السلام:

«حسین منی وأنا من حسین»(1).

وورد فی مسند احمد بن حنبل (عن قابوس بن المخارق عن أم الفضل قالت: رأیت کأن فی بیتی عضواً من أعضاء رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم قالت: فخرجت من ذلک فأتیت رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم فذکرت ذلک له فقال:

«خیراً رأیت، تلد فاطمة غلاماً فتکفلینه بلبن ابنک قثم».

قال: فولدت حسناً فأعطیته فأرضعته (الحدیث))(2).

وروی الحاکم فی المستدرک بسنده (عن أم الفضل بنت الحارث إنها دخلت علی رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم فقالت: یا رسول الله إنی رأیت حلماً منکراً اللیلة قال:

«وما هو؟».

قالت: إنه شدید، قال:

«وما هو؟».


1- فضائل الخمسة: ج3، ص321.
2- فضائل الخمسة للفیروز آبادی: ج3، ص223. مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص399. ورواه بطریق آخر أیضا مثله، ورواه ابن الأثیر أیضا فی أسد الغابة: ج2، ص10. وذکره ابن حجر أیضا فی إصابته: ج5، ص231. وقال: أخرجه البغوی.

ص: 237

قالت: رأیت کأن قطعة من جسدک قطعت ووضعت فی حجری، فقال رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

«رأیت خیرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فیکون فی حجرک».

فولدت فاطمة علیها السلام الحسین علیه السلام فکان فی حجری کما قال رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم (الحدیث))(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«علی بن أبی طالب قائد البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، الشاک فی علی هو الشاک فی الإسلام، وخیر من أخلف بعدی وخیر أصحابی علی، لحمه لحمی ودمه دمی وأبو سبطی، ومن صلب الحسین یخرج الأئمة التسعة، ومنهم مهدی هذه الأمة».

وهذه الأقوال والشهادات التی صدرت عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم تدل علی أن الإمام الحسین علیه السلام له ما للنبی صلی الله علیه وآله وسلم إلا النبوّة، فله من الطهارة والعصمة ما لجده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وله من الصدق فی القول والفعل ما لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکذلک له من الفضائل الأخری ما لخاتم الرسل صلی الله علیه وآله وسلم ویظهر من هذه الأحادیث وغیرها الذی لا نحتاج إلی ذکرها أن الإمام الحسین علیه السلام صادق القول والفعل ولا یتحدث عن هوی أو مزاج أو عاطفة أو انفعال وتأثر، ولا یمکن أن یلقی الکلام جزافاً دون حکمة أو درایة، فإذن لابد من التسلیم له والتصدیق بقوله علیه السلام.

فإذا عرفت ذلک فنقول: إن الإمام الحسین علیه السلام قال بعصمته وطهارته وسیادته علی شباب الجنة قولاً فی أصحابه وهو:


1- فضائل الخمسة للفیروز آبادی: ج3، ص224. المستدرک علی الصحیحین: ج3، ص176.

ص: 238

(أمّا بَعْدُ، فَإنّی لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَی وَلا خَیْراً مِنْ أصْحابی، وَلا أهْلَ بَیْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَیْتِی، فَجَزاکُمْ اللهُ عَنِّی خَیْراً، ألا وَإنِّی لأظُنُّ أنَّهُ آخِرُ یَوْمٍ لَنا مِنْ هَؤُلاءِ، ألا وَإنِّی قَدْ أذِنْتُ لَکُمْ، فَانْطَلِقُوا جَمیعاً فی حِلٍّ لَیْسَ عَلَیْکُمْ مِنِّی ذمامٌ، هذا اللیل قَدْ غَشِیَکُمْ فَاتَّخِذُوه جَمَلاً).

فیا لها من شهادة صادرة من إمام معصوم مطهر لا ریب فیها ولا خلل.

وقبل الخوض فی إثبات أن أصحاب الإمام الحسین علیه السلام خیر من غیرهم لابد من التعرض لبعض النقاط التی تنفع فی المقام:

معنی الصحابة

الصحبة فی اللغة: هی الرفقة، صاحبه: رافقه، الصاحب: الرافق، مالک الشیء، القائم علی الشیء.

الصحابی: هو من لقی النبی صلی الله علیه وآله وسلم، مؤمنا به ومات علی الإسلام(1).

صحب فلانا: یصحبه صَحابة وصِحابة وصُحبة عاشره ورافقه ملازماً له(2).

الصحابی: منسوب إلی الصحابة وهو فی العرف من رأی النبی من المسلمین وطالت صحبته معه وإن لم یرو عنه وقیل غیر ذلک(3).

وهناک فی کتب اللغة یأتی معنی صاحبَ: عاثر، رافق، جالس، انقاد، تابع.

الصحابة فی الاصطلاح:


1- المعجم الوسیط: ص506__507.
2- البستان معجم لغوی مطول: ص592.
3- البستان معجم لغوی مطول: ص593.

ص: 239

الصحابی عند ابن حجر العسقلانی: هو من لقی النبی صلی الله علیه وآله وسلم مؤمنا به ومات علی الإسلام(1).

الصحابی عند البخاری: هو من صحب النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو رآه من المسلمین فهو من أصحابه(2).

ولا نرید التعرض لهذا المبحث لکثرة تفریعاته ولعدم الحاجة إلیه فإذا شئت المزید فراجع کتاب عدالة الصحابة للمؤلف أحمد حسین یعقوب(3).

وبناء علی ما تقدم فإن من لقی الإمام علیه السلام مؤمنا به ومات علی الإیمان فهو من أصحابه.

__ نظریة عدالة جمیع الصحابة
اشارة

إن من یتبنی هذه النظریة یقول: إن جمیع الصحابة عدول ولا یجوز جرح أحدهم أو الطعن فی أفعاله ولو کانت هذه الأفعال أفعالاً منکرة، فیظهر من هذا (أن الطبقة الأدهی من بنی أمیة کأبی سفیان وأولاده والمروانیین بما فیهم طرید رسول الله)(4) وغیرهم عدول لا یجوز المساس بهم أو انتقاد أفعالهم وسلوکهم.

ولکی یقف القارئ الکریم علی صحة هذه النظریة أو عدم صحتها ننقل له باختصار ما ورد فی کتب التاریخ من صور تبیّن عدم صحة نظریة عدالة جمیع الصحابة، ولکن لابد من الإشارة إلی أننا لا نرید أن نتعرض إلی الصحابة بالقدح أو الانتقاص بقدر ما نرید أن نبیّن أن الصحبة بذاتها غیر کافیة للأفضلیة أو لترجیح أحد


1- الإصابة فی معرفة الصحابة: ج1، ص158.
2- صحیح البخاری:ج10، ص365، ح2897.
3- عدالة الصحابة، أحمد حسین یعقوب: ص11 __ 18.
4- عدالة الصحابة: ص20.

ص: 240

علی آخر، بل أن هذا المدعی (عدالة جمیع الصحابة) لا ینسجم مع ما شهد به القرآن الکریم من وجود تفاوت بین الصلحاء من الصحابة فلذا قال تعالی:

(إِنَّ الَّذِینَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِکَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِینَ آَمَنُوا وَلَمْ یُهَاجِرُوا مَا لَکُمْ مِنْ وَلَایَتِهِمْ مِنْ شَیْءٍ حَتَّی یُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَی قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ مِیثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ)(1).

وقوله تعالی:

(لَا یَسْتَوِی الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِینَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَی الْقَاعِدِینَ دَرَجَةً وَکُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَی وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِینَ عَلَی الْقَاعِدِینَ أَجْرًا عَظِیمًا)(2).

وشهد القرآن الکریم بأن بعض الصحابة الذین ینطبق علیهم معنی الصحبة حسب تعریف البخاری أو غیره للصحابی لم یلتزموا بما یحفظ عدالتهم کما فی قوله تعالی:

(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(3).

وقوله تعالی:

(أَفَمَنْ کَانَ مُؤْمِنًا کَمَنْ کَانَ فَاسِقًا لَا یَسْتَوُونَ)(4).


1- سورة الأنفال، الآیة: 72.
2- سورة النساء، الآیة: 95.
3- سورة التوبة، الآیتان: 75 و76.
4- سورة السجدة، الآیة: 18.

ص: 241

وأما ما جاء فی القرآن الکریم فیمن رأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وجلس معه وسمع عنه وهو لا یزال منافقا فذلک لا حاجة للإشارة إلیه لوجود سورة المنافقین وآیات عدیدة تتکلم عنهم فی سور أخری، کقوله تعالی:

(یَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِی قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّمَا کُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَیَاتِهِ وَرَسُولِهِ کُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمَانِکُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْکُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ کَانُوا مُجْرِمِینَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمُنْکَرِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَیَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْکُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا هِیَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ)(1).

وعند الوقوف عند کتب التاریخ والسیرة تری بوضوح بعض الصحابة الذین وقعوا فی مخالفة الشرع بل مخالفة ما أمر به الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، لاسیما لما أوصی به فی حفظ عترته الکریمة، وهذا ما نلمسه فی الإساءة إلی أمیر المؤمنین وإلی سیدة نساء العالمین علیهما السلام وإلی سیدی شباب أهل الجنة الحسن والحسین علیهما السلام.

وإلیک بعض الصور السیئة لمواقف بعض صحابة النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:


1- سورة التوبة، الآیات: 64 و65 و66 و67 و68.

ص: 242

1__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی علی علیه السلام

(وقعة الجمل) قالوا: (ولما قضی الزبیر وطلحة وعائشة حجهم تآمروا فی مقتل عثمان، فقال الزبیر وطلحة لعائشة: (إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان)، قالت: (وممن تطلبون دمه؟)، قالا: (إنهم قوم معروفون، وإنهم بطانة علی ورؤساء أصحابه، فاخرجی معنا حتی نأتی البصرة فیمن تبعنا من أهل الحجاز، وإن أهل البصرة لو قد رأوک لکانوا جمیعا یدا واحدة معک).

فأجابتهم إلی الخروج، فسارت والناس حولها یمینا وشمالا، ولما فصل علی من المدینة نحو الکوفة بلغه خبر الزبیر وطلحة وعائشة، فقال لأصحابه:

«(إن هؤلاء القوم قد خرجوا یؤمون البصرة) لما دبروه بینهم، فسیروا بنا علی أثرهم، لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم، فإنهم لو قد وافوها لمال معهم جمیع أهلها».

قالوا: (سر بنا یا أمیر المؤمنین)، فسار حتی وافی ذاقار، فأتاه الخبر بموافاة القوم البصرة، ومبایعة أهل البصرة لهم إلا بنی سعد، فإنهم لم یدخلوا فیما دخل فیه الناس، وقالوا لأهل البصرة: (لا نکون معکم ولا علیکم).

ولما بلغ طلحة والزبیر ورود علی رضی الله عنه بالجیوش، وقد أقبل حتی نزل (الخریبة) فعباهم طلحة والزبیر، وکتباهم کتائب، وعقدا الألویة، فجعلا علی الخیل محمد بن طلحة، وعلی الرجالة عبد الله بن الزبیر، ودفعا اللواء الأعظم إلی عبد الله بن حرام بن خویلد، ودفعا لواء الأزد إلی کعب بن سور، وولیاه المیمنة، وولیا قریشا وکنانة عبد الرحمن بن عتاب بن أسید، وولیا أمر المیسرة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو الذی قالت عائشة فیه: (وددت لو قعدت فی بیتی ولم أخرج فی هذا الوجه لکان ذلک أحب إلی من عشرة أولاد، لو رزقتهن من رسول الله صلی الله علیه __ وآله وسلم __ علی فضل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعقله وزهده).

وولیا علی قیس مجاشع بن مسعود، وعلی تیم الرباب عمرو بن یثربی، وعلی

ص: 243

قیس والأنصار وثقیف عبد الله بن عامر بن کریز، وعلی خزاعة عبد الله بن خلف الخزاعی، وعلی قضاعة عبد الرحمن بن جابر الراسی، وعلی مذحج الربیع بن زیاد الحارثی، وعلی ربیعة عبد الله بن مالک.

قالوا: وأقام علی رضی الله عنه ثلاثة أیام یبعث رسله إلی أهل البصرة، فیدعوهم إلی الرجوع إلی الطاعة والدخول فی الجماعة، فلم یجد عند القوم إجابة، فزحف نحوهم یوم الخمیس لعشر مضین من جمادی الآخر، وعلی میمنته الأشتر، وعلی میسرته عمار بن یاسر، والرایة العظمی فی ید ابنه محمد بن الحنفیة، ثم سار نحو القوم حتی دنا بصفوفه من صفوفهم، فواقفهم من صلاة الغداة إلی صلاة الظهر، یدعوهم ویناشدهم، وأهل البصرة وقوف تحت رایتهم، وعائشة فی هودجها أمام القوم.

قالوا: وإن الزبیر لما علم أن عمارا مع علی رضی الله عنه ارتاب بما کان فیه، لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الحق مع عمار، وتقتلک الفئة الباغیة»(1).

قالوا: ثم إن علیا دنا من صفوف أهل البصرة، وأرسل إلی الزبیر یسأله، لیدنو، فیکلمه بما یرید، وأقبل الزبیر حتی دنا من علی رضی الله عنه، فوقفا جمیعا بین الصفین حتی اختلفت أعناق فرسیهما، فقال له علی:

«ناشدتک الله یا أبا عبد الله، هل تذکر یوما مررنا أنا وأنت برسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ویدی فی یدک، فقال لک رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم: أتحبه؟، قلت: نعم، یا رسول الله، فقال لک: أما إنک تقاتله، وأنت له ظالم...؟».

فقال الزبیر: (نعم، أنا ذاکر له)، ثم انصرف علی إلی قومه)(2).


1- الأخبار الطوال، الدینوری: ص147.
2- الأخبار الطوال، الدینوری: ص144 __ 149.

ص: 244

2__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة علیها السلام

(حدثنا عیسی بن عبد الله بن محمد بن علی بن أبی طالب علیه السلام عن أبیه عن جده عن علی علیه السلام قال:

«جاءت فاطمة علیها السلام إلی أبی بکر وقالت: إن أبی أعطانی فدک وعلی وأم أیمن یشهدان».

فقال: ما کنت لتقولی علی أبیک إلا الحق قد أعطیتکها ودعا بصحیفة من أدم فکتب لها فیها فخرجت فلقیت عمر، فقال: من أین جئت یا فاطمة؟ قالت:

«جئت من عند أبی بکر أخبرته أن رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم أعطانی فدک وأن علیا وأم أیمن یشهدان لی بذلک فأعطانیها  وکتب لی بها».

فأخذ عمر منها الکتاب ثم رجع إلی أبی بکر فقال: أعطیت فاطمة فدک وکتبت بها لها؟ قال: نعم، فقال: إن علیا یجر إلی نفسه وأم أیمن امرأة، وبصق فی الکتاب فمحاه وخرقه)(1).

(وفی کلام سبط ابن الجوزی رحمه الله أنه رضی الله تعالی عنه کتب لها بفدک ودخل علیه عمر رضی الله تعالی عنه فقال: ما هذا فقال کتاب کتبته فاطمة بمیراثها من أبیها، فقال: مماذا تنفق علی المسلمین وقد حاربتک العرب کما تری، ثم أخذ عمر الکتاب فشقه)(2).

(فقال عمر لأبی بکر، رضی الله عنهما، انطلق بنا إلی فاطمة، فإنا أغضبناها، فانطلقا جمیعا، فاستأذنا علی فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتیا علیا فکلماه، فأدخلهما


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی: ج16، ص274.
2- السیرة الحلبیة، الحلبی: ج3، ص488.

ص: 245

علیها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلی الحائط، فسلما علیها، فلم ترد علیهما السلام، فتکلم أبو بکر فقال:

یا حبیبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلی من قرابتی، وإنک لأحب إلی من عائشة ابنتی، ولوددت یوم مات أبوک أنی مت، ولا أبقی بعده، أفترانی أعرفک وأعرف فضلک وشرفک وأمنعک حقک ومیراثک من رسول الله إلا أنی سمعت أباک رسول الله صلی الله علیه __ وأله __ وسلم یقول: لا نورث، ما ترکنا فهو صدقة، فقالت:

«أرأیتکما إن حدثتکما حدیثاً عن رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم تعرفانه وتفعلان به؟».

قالا: نعم، فقالت:

«نشدتکما الله ألم تسمعا رسول الله یقول: رضا فاطمة من رضای، وسخط فاطمة من سخطی، فمن أحب فاطمة ابنتی فقد أحبنی، ومن أرضی فاطمة فقد أرضانی، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنی؟».

قالا نعم: سمعناه من رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، قالت:

«فإنی أشهد الله وملائکته أنکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی، ولئن لقیت النبی لأشکونکما إلیه».

فقال أبو بکر: أنا عائذ بالله تعالی من سخطه وسخطک یا فاطمة، ثم انتحب أبو بکر یبکی، حتی کادت نفسه أن تزهق، وهی تقول:

«والله لأدعون الله علیک فی کل صلاة أصلیها».

ثم خرج باکیا)(1).


1- الإمامة والسیاسة، ابن قتیبة الدینوری: ج1، ص20.

ص: 246

3__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الحسن علیه السلام

(لم یکن فی الإسلام یوم فی مشاجرة قوم اجتمعوا فی محفل أکثر ضجیجا ولا أعلی کلاما ولا أشد مبالغة فی قول من یوم الاحتجاج اجتمع فیه عند معاویة بن أبی سفیان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبی سفیان والولید بن عقبة بن أبی معیط والمغیرة بن أبی شعبة وقد تواطأوا علی أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاویة ألا تبعث إلی الحسن بن علی فتحضره فقد أحیا سنة أبیه وخفقت النعال خلفه إن أمر فأطیع وقال فصدق وهذان یرفعان به إلی ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إلیه فقصرنا به وبأبیه وسببناه وسببنا أباه وصغرنا بقدره وقدر أبیه وقعدنا لذلک حتی صدق لک فیه، فقال لهم معاویة إنی أخاف أن یقلدکم قلائد یبقی علیکم عارها حتی یدخلکم قبورکم، والله ما رأیته قط إلا کرهت جنابه وهبت عتابه وإنی إن بعثت إلیه لأنصفنه منکم قال عمرو بن العاص: أتخاف أن یتسامی باطله علی حقنا ومرضه علی صحتنا؟ قال: لا قال: فابعث إذا إلیه فقال عتبة هذا رأی لا أعرفه والله ما تستطیعون أن تلقوه بأکثر ولا أعظم مما فی أنفسکم علیه ولا یلقاکم بأعظم مما فی نفسه علیکم وإنه لأهل بیت خصم جدل فبعثوا إلی الحسن فلما أتاه الرسول قال له یدعوک معاویة قال:

«ومن عنده».

قال الرسول: عنده فلان وفلان وسمی کلا منهم باسمه فقال الحسن علیه السلام:

«ما لهم خر علیهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حیث لا یشعرون».

ثم قال:

«یا جاریة أبلغینی ثیابی».

ص: 247

ثم قال:

«أللهم إنی أدرأ بک فی نحورهم وأعوذ بک من شرورهم وأستعین بک علیهم فاکفنیهم بما شئت وأنی شئت من حولک وقوتک یا أرحم الراحمین».

وقال للرسول:

«هذا کلام الفرج».

فلما أتی معاویة رحب به وحیاه وصافحه، فقال الحسن:

«إن الذی حییت به سلامة والمصافحة أمن».

فقال معاویة: أجل إن هؤلاء بعثوا إلیک وعصونی لیقروک أن عثمان قتل مظلوما وأن أباک قتله فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما یکلمونک فلا یمنعک مکانی من جوابهم، فقال الحسن:

«سبحان الله البیت بیتک والإذن فیه إلیک والله لئن أجبتهم إلی ما أرادوا إنی لأستحیی لک من الفحش وإن کانوا غلبوک علی ماترید إنی لأستحیی لک من الضعف فبأیهما تقر ومن أیهما تعتذر وأما إنی لو علمت بمکانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بنی هاشم مع أنی مع وحدتی هم أوحش منی من جمعهم فإن الله عز وجل لولیی الیوم وفیما بعد الیوم فمرهم فلیقولوا فاسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم».

فتکلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال ما سمعت کالیوم إن بقی من بنی عبد المطلب علی وجه الأرض من أحد بعد قتل الخلیفة عثمان بن عفان وکان ابن أختهم والفاضل فی الإسلام منزلة الخاص برسول الله إثرة فبئس کرامة الله حتی سفکوا دمه اعتداء وطلبا للفتنة وحسدا ونفاسة وطلب ما لیسوا بآهلین لذلک مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الإسلام فیا ذلاه أن یکون حسن وسائر بنی عبد المطلب قتلة

ص: 248

عثمان أحیاء یمشون علی مناکب الأرض وعثمان بدمه مضرج مع أن لنا فیکم تسعة عشر دما بقتلی بنی أمیة ببدر.

ثم تکلَّم عمرو بن العاص فحمد الله وأثنی علیه ثم قال أی ابن أبی تراب بعثنا إلیک لنقررک أن أباک سم أبا بکر الصدیق واشترک فی قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذی النورین مظلوما وادعی ما لیس له حق ووقع فیه وذکر الفتنة وعیره بشأنها ثم قال إنکم یا بنی عبد المطلب لم یکن الله لیعطیکم الملک فترکبون فیه ما لا یحل لکم ثم أنت یا حسن تحدث نفسک بأنک کائن أمیر المؤمنین ولیس عندک عقل ذلک ولا رأیه وکیف وقد سلبته وترکت أحمق فی قریش وذلک لسوء عمل أبیک وإنما دعوناک لنسبک وأباک ثم إنک لا تستطیع أن تعیب علینا ولا أن تکذبنا به فإن کنت تری أن کذبناک فی شیء وتقولنا علیک بالباطل وادعینا علیک خلاف الحق فتکلم وإلا فاعلم أنک وأباک من شر خلق الله فأما أبوک فقد کفانا الله قتله وتفرد به وأما أنت فإنک فی أیدینا نتخیر فیک والله أن لو قتلناک ما کان فی قتلک إثم عند الله ولا عیب عند الناس.

ثم تکلم عتبة بن أبی سفیان فکان أول ما ابتدأ به أن قال یا حسن إن أباک کان شر قریش لقریش أقطعه لأرحامها وأسفکه لدمائها وإنک لمن قتلة عثمان وإن فی الحق أن نقتلک به وإن علیک القود فی کتاب الله عز وجل وإنا قاتلوک به وأما أبوک فقد تفرد الله بقتله فکفانا أمره وأما رجاؤک الخلافة فلست فیها لا فی قدحة زندک ولا فی رجحة میزانک.

ثم تکلم الولید بن عقبة بن أبی معیط بنحو من کلام أصحابه فقال یا معشر بنی هاشم کنتم أول من دب بعیب عثمان وجمع الناس علیه حتی قتلتموه حرصا علی الملک وقطیعة للرحم واستهلاک الأمة وسفک دمائها حرصا علی الملک وطلبا للدنیا الخبیثة وحبا لها وکان عثمان خالکم فنعم الخال کان لکم وکان صهرکم فکان نعم الصهر لکم قد کنتم أول من حسده وطعن علیه ثم ولیتم قتله فکیف رأیتم صنع الله بکم.

ص: 249

ثم تکلم المغیرة بن شعبة فکان کلامه وقوله کله وقوعا فی علی علیه السلام ثم قال یا حسن إن عثمان قتل مظلوما فلم یکن لأبیک فی ذلک عذر بریء ولا اعتذار مذنب غیر أنا یا حسن قد ظننا لأبیک فی ضمه قتلة عثمان وإیوائه لهم وذبه عنهم أنه یقتله راض وکان والله طویل السیف واللسان یقتل الحی ویعیب المیت وبنو أمیة خیر لبنی هاشم من بنی هاشم لبنی أمیة ومعاویة خیر لک یا حسن منک لمعاویة وقد کان أبوک ناصب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حیاته وأجلب علیه قبل موته وأراد قتله فعلم ذلک من أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم کره أن یبایع أبا بکر حتی أتی به قودا ثم دس علیه فسقاه سما فقتله ثم نازع عمر حتی هم أن یضرب رقبته فعمد فی قتله ثم طعن علی عثمان حتی قتله کل هؤلاء قد شرک فی دمهم فأی منزلة له من الله یا حسن وقد جعل الله السلطان لولی المقتول فی کتابه المنزل فمعاویة ولی المقتول بغیر حق فکان من الحق لو قتلناک وأخاک والله ما دم علی بأخطر من دم عثمان وما کان الله لیجمع فیکم یا بنی عبد المطلب الملک والنبوة ثم سکت.

فتکلم أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام فقال:

«الحمد لله الذی هدی أولکم بأولنا وآخرکم بآخرنا وصلی الله علی جدی محمد النبی وآله وسلم، اسمعوا منی مقالتی وأعیرونی فهمکم وبک أبدأ یا معاویة إنه لعمر الله یا أزرق ما شتمنی غیرک وما هؤلاء شتمونی ولا سبنی غیرک وما هؤلاء سبونی ولکن شتمتنی وسببتنی فحشا منک وسوء رأی وبغیا وعدوانا وحسدا علینا وعداوة لمحمد صلی الله علیه وآله وسلم قدیما وحدیثا وإنه والله لو کنت أنا وهؤلاء یا أزرق مشاورین فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن یتکلموا به ولا استقبلونی بما استقبلونی به فاسمعوا منی أیها الملأ المجتمعون المتعاونون علیّ ولا تکتموا حقا علمتموه ولا

ص: 250

تصدقوا بباطل إن نطقت به وسأبدأ بک یا معاویة ولا أقول فیک إلا دون ما فیک أنشدکم بالله هل تعلمون أن الرجل الذی شتمتموه صلی القبلتین کلتیهما وأنت تراهما جمیعا وأنت فی ضلالة تعبد اللات والعزی وبایع البیعتین کلتیهما بیعة الرضوان وبیعة الفتح وأنت یامعاویة بالأولی کافر وبالأخری ناکث ثم قال أنشدکم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا إنه لقیکم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر ومعه رایة النبی صلی الله علیه وآله وسلم والمؤمنین ومعک یا معاویة رایة المشرکین وأنت تعبد اللات والعزی وتری حرب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فرضا واجبا ولقیکم یوم أحد ومعه رایة النبی ومعک یا معاویة رایة المشرکین ولقیکم یوم الأحزاب ومعه رایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومعک یا معاویة رایة المشرکین کل ذلک یفلج الله حجته ویحق دعوته ویصدق أحدوثته وینصر رایته وکل ذلک رسول الله عنه راضیا فی المواطن کلها ساخطا علیک ثم أنشدکم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حاصر بنی قریظة وبنی النظیر ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه رایة المهاجرین وسعد بن معاذ ومعه رایة الأنصار فأما سعد بن معاذ فخرج وحمل جریحا وأما عمر فرجع هاربا وهو یجبن أصحابه ویجبنه أصحابه فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأعطین الرایة غدا رجلا یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله کرار غیر فرار ثم لا یرجع حتی یفتح الله علی یدیه فتعرض لها أبو بکر وعمر وغیرهما من المهاجرین والأنصار وعلی یومئذ أرمد شدید الرمد فدعاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتفل فی عینه فبرأ من رمده وأعطاه الرایة فمضی ولم یئن حتی فتح الله علیه بمنه)(1)


1- الاحتجاج، الطبرسی: ج1، ص271 __ 273.

ص: 251

4__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الحسین علیه السلام

(قال مروان بن الحکم یوما للحسین بن علی علیه السلام لولا فخرکم بفاطمة بم کنتم تفتخرون علینا فوثب الحسین علیه السلام وکان علیه السلام شدید القبضة فقبض علی حلقه فعصره ولوی عمامته علی عنقه حتی غشی علیه ثم ترکه وأقبل الحسین علیه السلام علی جماعة من قریش فقال:

«أنشدکم بالله إلا صدقتمونی إن صدقت أتعلمون أن فی الأرض حبیبین کانا أحب إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منی ومن أخی أو علی ظهر الأرض ابن بنت نبی غیری وغیر أخی».

قالوا: اللهم لا، قال:

«وإنی لا أعلم أن فی الأرض ملعون ابن ملعون غیر هذا وأبیه طریدی رسول الله والله ما بین جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ینتحل الإسلام أعدی لله ولرسوله ولأهل بیته منک ومن أبیک إذا کان وعلامة قولی فیک أنک إذا غضبت سقط رداؤک عن منکبک».

قال: فو الله ما قام مروان من مجلسه حتی غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه)(1).

5__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم لبعضهم

ورد فی کتاب شذرات الذهب: (وفیها: قتل خالد بن الولید: مالک بن نویرة فی رهط من قومه بنی حنظلة ممن منع الزکاة، وکان مالک من دهاة العرب، وکان عرض علی خالد الصلاة دون الزکاة، فقال خالد: لا نقبل واحدة دون الأخری، فقال مالک: کذلک کان یقول صاحبک.


1- الاحتجاج، الطبرسی: ج2، ص229 __ 300.

ص: 252

قال خالد: وما نراه لک صاحباً، والله لقد هممت أن أضرب عنقک، ثم تجادلا فی الکلام، فقال خالد: إنی قاتلک، قال: أو کذلک أمر صاحبک، قال خالد: وهذه ثانیة بعد تلک، والله لأقتلنک، فکلمه عبد الله بن عمر، وأبو قتادة فی استبقائه فأبی، فقال له مالک: فابعثنی إلی أبی بکر فیکون هو الذی یحکم فیّ.

فقال خالد یا ضرار قم فاضرب عنقه، فقام فضرب عنقه واشتری زوجه من الفیء، وتزوجها، فأنکر علیه والصحابة، وسأل عمر أبا بکر قتل خالد بمالک، أو حده فی زواج زوجته، فقال أبو بکر: إنه تأول فأخطأ، فسأله عزله، فقال: ما کنت لأشیم سیفاً(1) سله الله علیهم أبداً)(2).

(وأقبل طلحة والزبیر حتی دخلا علی عثمان، ثم تقدم إلیه الزبیر وقال: یا عثمان! ألم یکن فی وصیة عمر بن الخطاب رضی الله عنه أن لا تحمل آل بنی معیط علی رقاب الناس إن ولیت هذا الأمر؟ قال عثمان: بلی، قال الزبیر: فلم استعملت الولید بن عقبة علی الکوفة؟ قال عثمان: استعملته کما استعمل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص والمغیرة بن شعبة، فلما عصی الله وفعل ما فعل عزلته واستعملت غیره علی عمله.

قال: فلم استعملت معاویة علی الشام؟ فقال عثمان: لرأی عمر بن الخطاب فیه، قال: فلم تشتم أصحاب رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ولست بخیر منهم؟ قال عثمان: أما أنت فلست أشتمک، ومن شتمته فما کان به عجز عن شتمی، فقال مالک ولعبد الله بن مسعود هجرت قراءته وأمرت بدوس بطنه، فهو فی بیته لما به وقد أقرأه رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، فقال عثمان: إن الذی بلغنی من ابن مسعود أکثر مما بلغت منه، وذاک أنه قال: وددت أنی وعثمان برمل عالج یحث علی وأحث علیه حتی یموت الأعجز منا.


1- لأشیم: لأغمد.
2- شذرات الذهب فی أخبار من ذهب لشهاب الدین الحنبلی: ج1، ص27، أحداث السنة الحادیة عشرة.

ص: 253

قال: فما لک ولعمار بن یاسر أمرت بدوس بطنه حتی أصابه الفتق؟ فقال: لأنه أراد أن یغری الناس بقتلی، قال: فما لک ولأبی ذر حبیب رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، سیرته حتی مات غریبا طریدا؟ قال: لما قد علمت أنه قد أفسد علی الناس ورمانی بکل عیب، قال: فما لک وللأشتر وأصحابه نفیتهم إلی الشام وفرقت بینهم وبین أهالیهم وأولادهم؟ فقال: لأن الأشتر أغری الناس بعاملی سعید بن العاص وأضرم الکوفة علیّ نارا.

فقال الزبیر: یا عثمان! إن هذه الأحداث التی عددتها علیک هی أقل أحداثک، ولو شئت أن أرد علیک جمیع ما تحتج به لفعلت، وأراک تقرأ صحیفتک من حیث ترید، وأخاف علیک یوما له ما بعده من الأیام.

قال: وتقدم إلیه طلحة بن عبید الله فقال: یا عثمان! أهلکک بنو أمیة وأطمعک فینا آل أبی معیط، وعند غب الصدر یحمد الورد أو یذم، وأنا لک کما کنت لنا، فإذا لم تکن لنا کنا علیک، ثم خرجوا من عنده)(1).

(تکاتب أهل مصر وأهل الکوفة وأهل البصرة، وتراسلوا، وزورت کتب علی لسان الصحابة الذین بالمدینة وعلی لسان طلحة (بعد ما بلغهم خبر مروان وغضب علی علی عثمان بسببه) وطلحة والزبیر یدعون الناس إلی قتل عثمان ونصر الدین وأنه أکبر الجهاد الیوم.

فإن کتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غیرت، وأحکام الخلیفتین قد بدلت، فننشد الله من قرأ کتابنا من بقیة أصحاب رسول الله والتابعین بإحسان، إلا أقبل إلینا، وأخذ الحق لنا، وأعطاناه، فأقبلوا إلینا إن کنتم تؤمنون بالله والیوم الآخر، وأقیموا الحق علی المنهاج الواضح الذی فارقتم علیه نبیکم، وفارقکم علیه الخلفاء، غلبنا علی


1- کتاب الفتوح، بن أعثم الکوفی: ج2، ص393 __ 394.

ص: 254

حقنا واستولی علی فیئنا، وحیل بیننا وبین أمرنا، وکان الخلافة بعد نبینا خلافة نبوة ورحمة، وهی الیوم ملک عضوض، من غلب علی شیء أکله، ألیس هذا کتابکم إلینا؟ فبکی طلحة، فقال الأشتر: لما حضرنا أقبلتم تعصرون أعینکم، والله لا نفارقه حتی نقتله، وانصرف.)(1).

(لما قبض النبی صلی الله علیه وآله وسلم جاء مالک لینظر من قام مقامه فرأی أبا بکر یخطب فقال أخو تیم قالوا نعم قال فوصی رسول الله الذی أمرنی بموالاته قالوا الأمر یحدث بعده الأمر قال تالله ما حدث شیء ولکنکم خنتم الله ورسوله ونظر إلیه شزرا وتقدم وقال ما أرقاک هذا المنبر ووصی رسول الله جالس فأمر قنفذا وخالدا بإخراجه فدفعاه کرها فرکب راحتله وقال:

أطعنا رسول الله ما کان بیننا

فیا قوم ما شأنی وشأن أبی بکر

إذا مات بکر قام بکر مقامه

فتلک وبیت الله قاصمة الظهر

یدت وتغشاه العثار کأنما

یجاهد حمی ویقوم علی جمر

فلو قام فینا من قریش عصابة

أقمنا ولو کان المقام علی الجمر

فبعث أبو بکر خالدا بجیش لقتله فجاء فلم یجد فیهم مؤذنا فقال: ارتددتم عن الإسلام فقالوا بل ذهب المؤذن إلی امتیار فلم یسمع وصافهم الحرب وکان مالک یعد بألف فارس فخافه خالد فنظر مالک إلی امرأته وهی تنظر الحرب وتستر وجهها بذراعیها فقال إن قتلنی أحد فأنت فوقعت فی نفس خالد فأعطاه الأمان فاستوثق منه فطرح سلاحه وأخذه وقتله وعرس بامرأته من لیلته وطبخ علی رأسه لحم جزور لولیمته، فخرج متمم أخو مالک فاستعدی أبا بکر علی خالد واستعان بعمر فقال عمر لأبی بکر اقتل خالدا بمالک فقال ما کنت لأقتل صحابیا بأعرابی فی رده عمیاء قال عمر


1- البدایة، ابن کثیر: ج7، ص173.

ص: 255

لم یرتد بل حمله علی ذلک جمال امرأته فتشاتما فقال عمر لو ملکت أمرا لقتله به فلما ولی عمر جاءه متمم وقال قد وعدتنی بقتله فقال ما کنت لأغیر شیئا فعله صاحب رسول الله)(1).

(بعث رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم خالد بن الولید بن المغیرة المخزومی علی سریة ومعه فی السریة عمار بن یاسر، قال: فخرجوا حتی أتوا قریبا من القوم الذین أرادوا أن یصبحوهم، فنزلوا فی بعض اللیل، قال: وجاء القوم النذیر فهربوا حیث بلغهم، فأقام رجل منهم کان قد أسلم هو وأهل بیته فأمر أهله فتحملوا وقال: قفوا حتی آتیکم، ثم جاء حتی دخل علی عمار، فقال یا أبا الیقظان: إنی قد أسلمت وأهل بیتی فهل ذلک نافعی إن أنا أقمت؟ فأنّ قومی قد هربوا حیث سمعوا بکم.

قال فقال له عمار فأقم، فأنت آمن فانصرف الرجل هو وأهله، قال فصبح خالد القوم فوجدهم قد ذهبوا فاخذ الرجل هو وأهله، فقال له عمار: إنه لا سبیل لک علی الرجل، قد أسلم، قال وما أنت وذاک؟ أتجیر علیّ وأنا الأمیر؟ قال: نعم أجیر علیک وأنت الأمیر، إن الرجل قد آمن، ولو شاء لذهب کما ذهب أصحابه، فأمرته بالمقام لاسلامه، فتنازعا فی ذلک حتی تشاتما.

فلما قدما المدینة اجتمعا عند رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، فذکر عمار الرجل وما صنع، فأجاز رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم أمان عمار، ونهی یومئذ أن یجیز أحد علی أمیر فتشاتما عند رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم، فقال خالد یا رسول الله: أیشتمنی هذا العبد عندک؟ أما والله لولاک ما شتمنی فقال نبی الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:


1- الصراط المستقیم، علی البیضانی: ج2، ص282.

ص: 256

«کف یا خالد عن عمار، فإنه من یبغض عمارا یبغضه الله عزّ وجل، ومن یلعن عمارا یلعنه الله عز وجل».

ثم قام عمار فولی واتبعه خالد بن الولید حتی أخذ بثوبه، فلم یزل یترضاه حتی رضی عنه)(1).

6__ إساءة بعض أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام إلیه

(ذِکْرُ الحکمین: قال: ثم اجتمع قراء أهل العراق وقراء أهل الشام بین العسکرین ومعهم المصحف، فنظروا فیه وتدارسوه واجتمعوا علی ما فیه أن یحیوا ما أحیا القرآن وأن یمیتوا ما أمات القرآن.

قال: فرضی الفریقان جمیعا بالحکمین، وجعلوا المدة فیما بین ذلک إلی سنة کاملة، فقال أهل الشام: قد رضینا بعمرو بن العاص، وقال الأشعث بن قیس والذین صاروا خوارج بعد ذلک: فإننا قد رضینا بأبی موسی الأشعری، فإنه وافد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الیمن، وصاحب مقاسم أبی بکر وعامل عمر بن الخطاب.

فقال علی رضی الله عنه:

«ولکنی لا أرضی أبا موسی ولا أولیه هذا الأمر».

فقال الأشعث بن قیس وزید بن حصن ومسعر بن فدکی وعبد الله بن الکواء: فإننا لا نرضی إلا به، لأنه قد کان حذرنا ما وقعنا فیه، فقال علی رضی الله عنه:

«فإنه لیس لی برضا وقد کان فارقنی وخذل الناس عنی، ثم هرب حتی آمنته بعد أشهر، ولکن هذا عبد الله بن عباس قد جعلته حکما لی».


1- کنز العمال، المتقی الهندی: ج2، ص394 __ 395.

ص: 257

فقال القوم: والله لا نبالی أنت کنت أو ابن عباس، إلا أننا لا نرید رجلا هو منک وأنت منه، فقال علی رضی الله عنه:

«فأنا أجعل الأشتر حکما».

فقال الأشعث: وهل سعر الأرض علینا إلا الأشتر! فقال الأشعث: حکمه أن یضرب الناس بعضهم بعضا بالسیوف حتی یکون ما أردت وما أراد، فقال له الأشتر: أنت إنما تقول هذا القول لأن أمیر المؤمنین عزلک عن الرئاسة ولم یرک أهلا لها.

فقال الأشعث: والله ما فرحت بتلک الرئاسة ولا حزنت لذلک العزل، فقال علی رضی الله عنه:

«ویحکم! إن معاویة لم یکن لیختار لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأیه ونظره إلا عمرو بن العاص، وإنه لا یصلح للقرشی (إلا مثله)، وهذا عبد الله بن عباس فارموه به، فإن عمرا لا یعقد عقدة إلا حلها، ولا یبرم أمرا إلا نقضه، ولا ینقض أمرا إلا أبرمه».

فقال الأشعث ومن معه: لا والله لا یحکم فینا مضریان أبدا حتی تقوم الساعة! ولکن یکون رجل من مضر ورجل من الیمن، فقال علی رضی الله عنه:

«إنی أخاف أن یخدع یمانیکم، فإن عمرو بن العاص لیس من الله فی شیء».

فقال الأشعث: والله لأن یحکما ببعض ما نکره وأحدهما من الیمن أحب إلینا من أن یکون ما نحب وهما مضریان، فقال علی رضی الله عنه:

«وقد أبیتم إلا أبا موسی؟».

قالوا: نعم، قال علیه السلام:

«فاصنعوا ما أردتم، اللهم إنی أبرأ إلیک من صنیعهم!»)(1)


1- کتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الکوفی: ج4، ص197 __ 199.

ص: 258

7__ إساءة بعض أصحاب الإمام الحسن علیه السلام إلیه

(خرج الحسن بن علی حتی أتی ساباط المدائن، فأقام بها أیاما، فلما أراد الرحیل قام فی الناس خطیبا، فحمد الله وأثنی علیه، ثم قال:

«أیها الناس! إنکم بایعتمونی علی أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، والله لقد أصبحت وما أنا محتمل علی أحد من هذه الأمة ضغنة فی شرق ولا غرب ولما تکرهون فی الجاهلیة، والألفة والأمن وصلاح ذات البین خیر مما تحبون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة __ والسلام __».

قال: فلما سمع الناس هذا الکلام من الحسن کأنه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه من الخلافة ومسلم الأمر لمعاویة، فغضبوا لذلک، ثم بادروا إلیه من کل ناحیة، فقطعوا علیه الکلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثیابه، وأخذوا مطرفا کان علیه، وأخذوا أیضا جاریة کانت معه، وتفرقت عنه عامة أصحابه.

فقال الحسن علیه السلام:

«لا حول ولا قوة إلا بالله».

قال: فدعا بفرسه فرکب، وسار وهو مغموم لما قد نزل به من کلامه، وأقبل رجل من بنی أسد یقال له سنان بن الجراح حتی وقف فی مظلم ساباط المدائن، فلما مر به الحسن بادر إلیه فجرحه بمعول کان معه جراحة کادت تأتی علیه.

قال: فصاح الحسن صیحة وخر عن فرسه مغشیا علیه، وابتدر الناس إلی ذلک الأسدی فقتلوه.

قال: وأفاق الحسن من غشائه وقد ضعف، فعصبوا جراحه وأقبلوا به إلی المدائن، قال: وعامل المدائن یومئذ سعد بن مسعود الثقفی عم المختار بن أبی عبید، قال: فأنزل الحسن فی القصر الأبیض، وأرسل إلی الأطباء فنظروا إلی جراحته وقالوا:

ص: 259

لیس علیک بأسه یا أمیر المؤمنین، قال: فأقام الحسن بالمدائن یداوی)(1).

(لما صالح الحسن معاویة لما ناله من أهل الکوفة وما نزل به أشار عمرو بن العاص علی معاویة __ وذلک بالکوفة __ أن یأمر الحسن فیقوم فیخطب الناس، فکره ذلک معاویة، وقال: ما أرید أن یخطب بالناس، قال عمرو: لکنی أرید أن یبدو عیه فی الناس بأنه یتکلم فی أمور لا یدْرِی ما هی، ولم یزل به حتی أطاعه؟

فخرج معاویة فخطب الناس، وأمر رجلاً أن ینادی بالحسن بن علی، فقام إلیه، فقال: قم یا حسن فکلم الناس؛ فقام فتشهد فی بدیهته.

ثم قال:

«أما بعد أیها الناس، فإن الله هداکم بأولنا، وحَقَنَ دماءکم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنیا دُوَلٌ، قال الله عزّ وجل لنبیّه محمد صلی الله علیه __ وآله __ وسلم:

(وَإِنْ أَدْرِی أَقَرِیبٌ أَمْ بَعِیدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ یَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَیَعْلَمُ مَا تَکْتُمُونَ)(2).

ثم قال فی کلامه ذلک:

یا أهل الکوفة، لو لم تُذْهَلْ نفسی عنکم إلا لثلاث خصال لذُهِلت: مَقْتَکم لأبی، وسلبکم ثقلی، وطعنکم فی بطنی، وإنی قد بایعت معاویة، فاسمعوا له وأطیعوا».

وقد کان أهل الکوفة انتهبوا سُرَادل الحسن وَرَحْله، وطعنوا بالخنجر فی جوفه، فلما تیقن ما نزل به انقاد إلی الصلح)(3).


1- کتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الکوفی: ج4، ص286 __ 288.
2- سورة الأنبیاء، الآیات: 109 و110 و111.
3- مروج الذهب، المسعودی: ج1، ص348.

ص: 260

__ أفضلیة أصحاب الحسین علیه السلام

قبل الخوض فی هذا الموضوع نود أن نبیّن أن المقارنة لا تتم إلاّ بین أصحاب أهل الحق فقط دون أصحاب أهل الباطل فنقول: رغم کفایة شهادة الإمام المعصوم الحسین بن علی علیهما السلام وحجة الله فی زمانه وسید شباب أهل الجنة علی أفضلیة أصحابه، إلاّ أن المقارنة بین مواقف أصحاب الإمام الحسین علیه السلام وبین مواقف بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبعض أصحاب أمیر المؤمنین والإمام الحسن علیهما السلام تظهر لنا مدی صدق أصحاب الإمام الحسین علیه السلام وإخلاصهم له، وعند تأملک لما أطلعت علیه من تلک المواقف لأصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین والإمام الحسن علیه السلام ومقارنة ذلک مع ما سنطلعک علیه من مواقف أصحاب الإمام الحسین علیه السلام ستحکم بأفضلیة أصحاب الإمام الحسین علیه السلام إذا نظرت بعین الانصاف:

__ المعصوم یشهد

قال أبو مخنف: (وحدّثنی أیضا الحارث بن حصیرة عن عبد الله بن شریک العامری عن علی بن الحسین قالا: جمع الحسین وأصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلک عند قرب المساء قال علی بن الحسین:

«فدنوت منه لأسمع وأنا مریض فسمعت أبی وهو یقول لأصحابه: أثنی علی الله تبارک وتعالی أحسن الثناء وأحمده علی السراء والضراء، اللهم إنی أحمدک علی أن أکرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن وفقهتنا فی الدین وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشرکین أما بعد فإنی لا أعلم أصحابا أولی ولا خیرا من أصحابی ولا أهل بیت أبر ولا أوصل من أهل بیتی فجزاکم الله عنی جمیعا خیراً ألا وإنی أظن یومنا من هؤلاء الأعداء غدا ألا وإنی قد رأیت لکم فانطلقوا جمیعاً

ص: 261

فی حل لیس علیکم منی ذمام هذا لیل قد غشیکم فاتخذوه جملاً»)(1).

ففی هذه الصورة یتجلی نکران الذات من الإمام الحسین علیه السلام إذا سمح لأصحابه بالنجاة بعد أن انطبق علمه علی الواقع من جهة إصرار الجیش الأموی علی قتاله، کما أنه شهد لهم بالأفضلیة علی غیرهم من الأصحاب الذین علم بصحبتهم سواء کانوا أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو أمیر المؤمنین أو الإمام الحسن بل نستطیع القول إنهم أفضل من أصحاب الأنبیاء علیهم السلام الذین ترددوا فی نصرة الأنبیاء علیهم السلام أو الذین خذلوهم أو شککوا بهم، إذ إن الإمام الحسین علیه السلام معصوم لا یقول باطلا فهذه شهادة حق لا شک فیها تؤکد أفضلیة أصحابه علی غیرهم.

__ مواقف الأصحاب

بعد أن أذن الإمام علیه السلام لأصحابه بالنجاة واتخاذ اللیل وسیلة للتخلص من المصیر المر ألا وهو سفک المهج وقتل النفوس، رد الأصحاب علی قول إمامهم بردود تؤکد وصف الإمام لهم بأنهم أولی وخیر من غیرهم کما جاء ذلک فی تاریخ الطبری.

(فلما کان اللیل قال __ علیه السلام __:

«هذا اللیل قد غشیکم فاتخذوه جملاً، ثم لیأخذ کل رجل منکم بید رجل من أهل بیتی تفرقوا فی سوادکم ومدائنکم حتی یفرج الله فإن القوم إنما یطلبونی، ولو قد أصابونی لهوا عن طلب غیری».

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخیه وابنا عبد الله بن جعفر: لمَ نفعل لنبقی بعدک لا أرانا الله ذلک أبداً، بدأهم بهذا القول العباس بن علی علیهما السلام ثم إنهم تکلموا


1- تاریخ الطبری، لمحمد بن جریر الطبری: ج3، ص1038.

ص: 262

بهذا ونحوه فقال الحسین __ علیه السلام __:

«یا بنی عقیل، حسبکم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لکم».

قالوا: فما یقول الناس؟ یقولون: إنا ترکنا شیخنا وسیدنا وبنی عمومتنا خیر الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسیف، ولا ندری ما صنعوا لا والله لا نفعل ولکن تفدیک أنفسنا، وأموالنا وأهلونا ونقاتل معک حتی نرد موردک فقبح الله العیش بعدک!

قال أبو محنف: حدثنی عبد الله بن عاصم عن الضحاک بن عبد الله المشرقی قال: فقام إلیه مسلم بن عوسجة الأسدی فقال: أنحن نخلی عنک؛ ولما نعذر إلی الله فی أداء حقک أما والله حتی أکسر فی صدورهم رمحی وأضربهم بسیفی ما ثبت قائمه فی یدی ولا أفارقک ولو لم یکن معی سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونک حتی أموت معک، قال:

وقال سعید بن عبد الله الحنفی: والله لا نخلیک حتی یعلم الله أنا حفظنا غیبة رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم فیک والله لو علمت أنی أقتل ثم أحیا! ثم أحرق حیاً! ثم أذر یفعل ذلک بی سبعین مرة ما فارقتک حتی ألقی حمامی دونک! لا أفعل ذلک! وإنما هی قتلة واحدة، ثم هی الکرامة التی لا انقضاء لها أبداً.

قال: وقال زهیر بن القین: والله لوددت أنی قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتی أقتل کذا ألف قتلة، وأن الله یدفع بذلک القتل عن نفسک وعن أنفس هؤلاء الفتیة من أهل بیتک.

قال: وتکلم جماعة أصحابه بکلام یشبه بعضه بعضاً فی وجه واحد فقالوا: والله لا نفارقک، ولکن أنفسنا لک الفداء نقیک بنحورنا وجباهنا وأیدینا فإذا نحن قتلنا کنا وفینا، وقضینا ما علینا)(1).


1- تاریخ الطبری، لمحمد بن جریر الطبری: ج3، ص1039.

ص: 263

وفضلا علی هذه الردود التی تبین حقیقة رجحانهم علی غیرهم من الأصحاب الذین سبقوهم هناک نقاط نقف علیها تؤکد هذا الفضل وهی کما یلی:

1__ کان إقدام أصحاب الإمام الحسین علیه السلام نحو نصرته نتیجة الإیمان والیقین بما علیه الإمام علیه السلام دون تردد أو شک.

2__ کان أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحاب أمیر المؤمنین والحسن علیهما السلام عند قتالهم بین یدیّ صاحبهم یشعرون بوجود نسبة من النجاة أما أصحاب الإمام الحسین علیه السلام قاتلوا بین یدیه رغم یقینهم بعدم النجاة.

3__ إن الإمام الحسین علیه السلام سرح أصحابه وجعلهم فی حلٍ من بیعته إلاّ أنهم لم یترکوه ولم یخذلوه وهذا لم یحصل مع أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو أمیر المؤمنین أو الإمام الحسن علیهما السلام بل حصل العکس من ذلک، فقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین والإمام الحسن علیهما السلام یحثون أصحابهم علی الجهاد ولم یرخصوا لهم ترکه إلاّ أننا نجد أن أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم ترکوه فی حنین إلا عشرة أفراد کما ورد ذلک فی کتب التاریخ.

جاء فی تاریخ الطبری أنه (حدثنا ابن حمید، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبی بکر قال: ثم خرج رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ومعه ألفان من أهل مکة مع عشرة آلاف من أصحابه الذین فتح الله بهم مکة فکانوا اثنی عشر ألفاً، واستعمل رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة بن عبد شمس علی مکة أمیراً علی من غاب عنه من الناس، ثم مضی علی وجهه یرید لقاء هوازن).

(حدثنا ابن حمید، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبیه، قال: لما استقبلنا وادی حنین انحدرنا فی واد

ص: 264

من أودیة تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فیه انحداراً، قال: وفی عَمایة الصبح، وکان القوم قد سبقوا إلی الوادی فکمنوا لنا فی شعابه، وأحنائه، ومضایقه؛ قد أجمعوا وتهیؤوا وأعدوا فو الله ما راعنا، ونحن منحطون إلا الکتائب قد شدّت علینا شدة رجل واحد، وانهزم الناس أجمعون فانشمروا لا یلوی أحد علی أحد؛ وانحاز رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم ذات الیمین، ثم قال:

« أین أیها الناس؟ هلم إلی أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله».

قال: فلا شیء احتملت الإبل بعضها بعضاً، فانطلق الناس إلا أنه قد بقی مع رسول الله صلی الله علیه __ وآله __ وسلم نفر من المهاجرین والأنصار وأهل بیته)(1).


1- تاریخ الطبری: ج2، ص463 __ 464.

ص: 265

الخطبة السابعة عشرة: ومن خطبة له علیه السلام

اشارة

الخطبة السابعة عشرة: ومن خطبة له علیه السلام(1)


1- تاریخ الطبری: 5، 424. ارشاد المفید: 2، 97 - 98. إعلام الوری: 1، 458.مقتل الحسین - علیه السلام - للخوارزمی: 1، 253. روضة الواعظین: 1، 185. الکامل فی التاریخ: 4، 61. مثیر الأحزان: 51. الملهوف: 145. استشهاد الحسین - علیه السلام - لابن کثیر: 83. جواهر المطالب: 2، 285. البدایة والنهایة: 8، 178. جمهرة خطب العرب: 2، 52.

ص: 266

ص: 267

خطبها فی کربلاء، وهی من أفصح کلامه علیه السلام، وفیها یعظ الناس ویهدیهم من ضلالهم، ویذکّرهم بمنزلته وقربه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فدعا براحلته فرکبها ونادی بأعلی صوته: «یا أهلَ العراقِ» __ وَجُلُّهُمْ یَسْمَعُونَ __ فقال:

نص الخطبة

اشارة

«أیُّها النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِی وَلا تَعْجلُون حَتَّی أَعِظَکُمْ بِما یَحِقُّ لَکُمْ عَلَیَّ وَحَتَّی أُعْذِرَ إلَیْکُمْ، فَإنْ أعْطَیْتُمُونِی النَّصَفَ کَنْتُمْ بِذلِکَ أسْعَدَ، وَإنْ لَمْ تُعطُونِی النَصَفَ مِنْ أنْفُسِکُمْ فَأجْمِعُوا رَأیَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أمْرُکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إلیَّ ولا تُنْظِرُون، إنَّ وَلیِّیَ اللهُ الّذِی نَزَّلَ الکِتابَ وَهُوَ یَتَوَلَّی الصَالِحینَ».

ثم حمدَ الله وأثنی علیه وذکرَ الله بما هو أهله، وصلّی علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وعلی ملائکة الله وأنبیائه، فلم یُسمع متکلّمٌ قطُّ قبله ولا بعده أبلغ فی منطقٍ منه، ثمّ قال:

«أمَّا بَعْدُ، فَانْسِبُونِی فَانْظُرُوا مَنْ أنا، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَی أنْفُسِکُمْ وَعاتِبُوها، فَانْظُرُوا هَلْ یَصْلُحُ لَکُمْ قَتْلِی وانْتِهاکُ حُرْمَتِی؟.

ألَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِیِّکُمْ، وابْنَ وَصِیّهِ وابْنِ عَمِّهِ وَأوَّلِ المؤْمِنِینَ المُصَدِّقِ لِرَسُولِ اللهِ بما جاءَ بهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّه؟ أوَلَیْسَ حَمْزَةُ سَیِّدُ الشُهَداءِ عَمَّ أبِی(1)؟


1- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عمارة، من قریش: عمّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأحد صنادید قریش وساداتهم فی الجاهلیة والإسلام. ولد ونشأ بمکة. وکان أعزّ قریش وأشدها شکیمة. ولما علم أن أبا جهل تعرّض للنبی صلی الله علیه وآله وسلم ونال منه، فقصده حمزة وضربه وأظهر إسلامه، فقالت العرب: الیوم عز محمد وإن حمزة سیمنعه. وکفوا عن بعض ما کانوا یسیئون به إلی المسلمین. وهاجر حمزة مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة، وحضر وقعة بدر وغیرها. وأول لواء عقده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان لحمزة. وکان شعار حمزة فی الحرب ریشة نعامة یضعها علی صدره، ولما کان یوم بدر قاتل بسیفین، وفعل الأفاعیل. وقتل یوم أحد (سنة 3ه_) فدفنه المسلمون فی المدینة، وانقرض عقبه. الإصابة: 2، 105/183. سیر أعلام النبلاء: 1، 171/15. الأعلام: 2، 278.

ص: 268

أوَلَیْسَ جَعْفَرُ الطّیارُ(1) فی الجَنَّةِ بِجَناحَیْنِ عَمِّی؟

أوَلَمْ یَبْلُغْکُمْ ما قال رسول الله لی ولأخی: «هذانِ سَیِّدا شَبابِ أهْلِ الجَنَّةِ»(2)؟!.

فَإنْ صَدَّقْتُمُونی بِما أقُولُ وهُوَ الحَقُّ، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ کَذْباً مُنْذُ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ یَمْقُتُ علیه أهْلَهُ، وَإنْ کَذَّبْتُمُونِی فَإنّ فِیکُمْ مَنْ لَوْ سَألْتمُوُهُ عَنْ ذلِکَ أخْبَرکُمْ، سَلُوا جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأنْصاری(3) وَأبا سَعِیدٍ الخُدْری(4) وسَهْلَ بْنَ


1- جعفر بن أبی طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم: صحابی هاشمی. من شجعانهم. یقال له «جعفر الطیار» وهو أخو أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام. وکان أسن من علی بعشر سنین. وهو من السابقین إلی الإسلام، أسلم قبل أن یدخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دار الأرقم ویدعو فیها، وهاجر إلی الحبشة فی الهجرة الثانیة، فلم یزل هنالک إلی أن هاجر النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة، فقدم علیه جعفر، وهو بخیبر (سنة7ه_) وحضر وقعة مؤتة بالبلقاء (من أرض الشام) فنزل عن فرسه وقاتل، ثم حمل الرایة وتقدّم صفوق المسلمین، فقطعت یمناه، فحمل الرایة بالیسری، فقطعت أیضاً، فاحتضن الرایة إلی صدره، وصبر، حتی وقع شهیداً (سنة 8ه_) وفی جسمه نحو تسعین طعنة ورمیة، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ الله عوّضه عن یدیه جناحین فی الجنّة. الإصابة: 1، 592/1169. سیر أعلام النبلاء: 1، 206/34. الأعلام: 2، 125.
2- احقاق الحق: 9، 229.
3- جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجی الأنصاری السلمی: صحابی، من المکثرین فی الروایة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وروی عنه جماعة من الصحابة. له ولأبیه صحبة. غزا تسع عشرة غزوة. وکانت له فی أواخر أیامه حلقة فی المسجد النبوی یؤخذ عنه العلم، أدرک الإمام محمد الباقر علیه السلام وأبلغه وصیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیه مات سنة (78ه_). الإصابة: 1، 546/1028. سیر أعلام النبلاء: 3، 189/38. الأعلام: 2، 104.
4- أبو سعید الخُدری: سعد بن مالک بن سنان الخدری الأنصاری الخزرجی، أبو سعید: صحابی، کان من ملازمی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وروی عنه أحادیث کثیرة. غزا اثنتی عشرة غزوة. توفی فی المدینة سنة (74ه_) الإصابة: 3، 65/3204. سیر أعلام النبلاء: 3، 168/28. الأعلام: 3، 87.

ص: 269

سَعَد السَاعِدِی(1) وزَیْدَ بْنَ أرْقَم(2) وَأنَسَ بْنَ مالِک(3)، یُخْبِرُوکُمْ أنَّهُمْ سَمِعُوا هذِهِ المَقالَةَ مِنْ رَسْولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم لی وَلأخِی، أمَا فی هذا حاجزٌ لَکُمْ عَنْ سَفْکِ دَمِی؟!».

فقال له شمر بن ذی الجوشن(4): هو یعبد الله علی حرف إن کان یدری ما تقول، فقال له حبیب بن مُظَهَّر(5):

والله إنّی لأراک تَعْبُدُ الله علی سبعین حرفاً، وأنا أشهدُ أنّک صادقٌ ما تدری ما یقول، قد طبَعَ اللهُ علی قلبک. 


1- سهل بن سعد الخزرجی الأنصاری، من بنی ساعدة: صحابی، عاش نحو مائة سنة توفی سنة (91ه_). الإصابة: 3، 167/ 3546. سیر أعلام النبلاء: 3، 422/ 72. الأعلام: 3، 143.
2- زید بن أرقم الخزرجی الأنصاری: صحابی. غزا مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم سبع عشرة غزوة، وشهد صفین مع علی علیه السلام، ومات بالکوفة (سنة68ه_). الإصابة: 2، 487/2880. سیر أعلام النبلاء: 3، 165/27. الأعلام: 3، 56.
3- أنس بن مالک بن النضر بن ضمضم النجاری الخزرجی الأنصاری، أبو ثمامة أو أبو حمزة. صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخادمه. مولده بالمدینة وأسلم صغیراً وخدم النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن قبض. ثم رحل إلی دمشق ومنها إلی البصرة، فمات فیها سنة 93 ه_ وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة. الإصابة: 1، 275/277. سیر أعلام النبلاء: 3، 395/62. الأعلام: 2، 24.
4- شمر بن ذی الجوشن، (واسمه شرحبیل) ابن قرط الضبابی الکلابی، أبو السابغة: من کبار قتلة الحسین علیه السلام. کان فی أول أمره من ذوی الرئاسة فی «هوازن» موصوفاً بالشجاعة، وشهد یوم «صفین» مع علی علیه السلام. ثم أقام فی الکوفة، إلی أن کانت الفاجعة بمقتل الحسین فکان من قتلته. وأرسله عبید الله بن زیاد مع آخرین إلی یزید بن معاویة فی الشام، یحملون رأس الشهید، قتله أصحاب المختار فی «الکلتانیة» من قری خوزستان - بین السوس والصیمرة - وألقیت جثته للکلاب (سنة 66ه_). لسان المیزان: 3، 152. الأعلام: 3، 175.
5- حبیب بن مُظهّر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طریف بن عمرو بن قیس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد، أبو القاسم الأسدی الفقعسی. کان صحابیاً رأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وقیل تابعیاً، ذکره ابن الکلبی، وقال أهل السیر: إنّ حبیباً نزل الکوفة، وصحب علیاً فی حروبه کلّها، وکان من خاصته وحملة علومه. وکان ممن کاتب الحسین علیه السلام. ولما وصل الحسین علیه السلام إلی کربلاء التحق حبیب برکبه واستُشْهِد بین یدیه (سنة 61ه_). إبصار العین: 100. أعیان الشیعة: 4، 553. الأعلام: 2، 166.

ص: 270

ثمّ قال لهم الحسین علیه السلام:

«فَإنْ کُنْتُمْ فی شَکّ مِنْ هذا، أفَتَشُکُّونَ أنِّی ابن بنت نبیکم فو الله ما بین المشر والمغرب ابْنُ بنْتِ نَبیٍّ غَیْری فِیکُمْ وَلا فی غَیْرِکُمْ، وَیْحَکُمْ أتَطْلُبُونِی بِقَتْلٍ مِنْکُمْ قَتَلْتُهُ، أوْ مالٍ لَکُمُ استَهلَکْتُهُ، أوْ بِقصاصِ جِراحَةٍ؟!».

فَأخَذوا لا یکلِّمونَه، فنادی:

«یا شَبَثُ بْنُ ربْعی، یا حَجّارُ بْنُ أبْجَرِ(1)، یا قَیْسُ بْنُ الأشْعَث(2)، یا یَزیدُ بْنُ الحارِثِ(3)، ألَمْ تَکْتُبُوا إلیَّ أنْ أیْنَعَتْ الثِمارُ واخْضَرَّ الجَنابُ(4)، وَإنّما تَقْدِمُ عَلَی جُنْدٍ لَکَ مُجَنَّدَةٍ؟!».

فقال له قیس بن الأشعث: ما ندری ما تقول، ولکن أنزل علی حکم بنی عمّک، فإنّهم لن یُرُوْک إلاّ ما تُحبُّ. فقال له الحسین __ علیه السلام __:

«لا وَاللهِ لا أُعْطِیکُمْ بیَدی إعْطاءَ الذَّلیلَ، ولا أفِرُّ فرارَ العبید».

ثم نادی:

«یا عِبادَ الله، إنّی عُذْتُ برَبِّی وَرَبِّکُمْ أنْ تَرْجَمُونِ، أعُوذُ برَبِّی وَرَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الحِساب».

ثمّ إنّه أناخَ راحلته).


1- شبث بن ربعی التمیمی الیربوعی، أبو عبد القدوس: شیخ مضر وأهل الکوفة، فی أیامه. أدرک عصر النبوة، ولحق بسجاح المتنبئة، ثم عاد إلی الإسلام، وثار علی عثمان. وکان ممن قاتل الحسین علیه السلام. ثم ولی شرطة الکوفة، وخرج مع المختار الثقفی، ثم انقلب علیه، وأبلی فی قتاله بلاءً حسناً. وتوفی بالکوفة (سنة 70ه_). الأعلام: 3، 154. حجار بن أبجر.... لم أعثر علی ترجمته.
2- قیس بن الأشعث... لم أعثر علی ترجمته.
3- یزید بن الحارث... لم أعثر علی ترجمته.
4- أینع الثمر: أدرک وطاب وحان قطافه. والجناب: فلان رحبُ الجناب، وخصیبُ الجناب: سخیّ.

ص: 271

المعنی العام

(أیُّها النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِی وَلا تَعْجَلُونِ حَتَّی أَعِظَکُمْ بِما یَحِقُّ لَکُمْ عَلَیَّ وَحَتَّی أعْذَرَ إلَیْکُمْ، فَإنْ أعْطَیْتُمُونِی النَّصَفَ کَنْتُمْ بِذلِکَ أسْعَدَ، وَإنْ لَمْ تُعطُونِی النَصَفَ مِنْ أنْفُسِکُمْ فَأجْمِعُوا رَأیَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أمْرُکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إلیَّ ولا تُنْظِرُونِ، إنَّ وَلیِّیَ اللهُ الّذِی نَزَّلّ الکِتابَ وَهُوَ یَتَوَلَّی الصَالِحینَ).

أیها الناس أصغوا إلی حدیثی ولا تسرعوا إلی قتلی حتی أرشدکم وأنصحکم بما هو واجب ثابت لکم علیّ وحتی أصیر معذوراً إلیکم لا حجة لکم علیّ، فإن منحتمونی العدل والإنصاف فستکونوا بذلک العدل علی خیر وسرور، وإن لم تمنحونی هذا العدل من ذواتکم فاتفقوا علی رأی واحد ثم لا یکن حالکم علیکم مبهماً مخفیا ثم أدّوا وانهوا أمرکم ولا تتأخروا، إن ناصری ومتولی أمری هو الله الذی نزل القرآن وهو الذی یملک ویدبّر وضع الأخیار الذین صلحوا فی طاعتهم لله تعالی.

(«أمَّا بَعْدُ، فَانْسِبُونِی فَانْظُرُوا مَنْ أنا، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَی أنْفُسِکُمْ وَعاتِبُوها، فَانْظُرُوا هَلْ یَصْلُحُ لَکُمْ قَتْلِی وانْتِهاکُ حُرْمَتِی؟.

ألَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِیِّکُمْ، وابْنَ وَصِیّهِ وابْنِ عَمِّهِ وَأوَّلِ المؤْمِنِینَ المُصَدِّقِ لِرَسُولِ اللهِ بما جاءَ بهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّه؟

أوَلَیْسَ حَمْزَةُ سَیِّدُ الشُهَداءِ عَمَّ أبِی؟

أوَلَیْسَ جَعْفَرُ الطّیارُ فی الجَنَّةِ بِجَناحَیْنِ عَمِّی؟

أوَلَمْ یَبْلُغْکُمْ ما قال رسول الله لی ولأخی: «هذانِ سَیِّدا شَبابِ أهْلِ الجَنَّةِ»)؟!.

أما بعد ردونی إلی أصلی وتأملوا من أنا، ثم أوبوا وثوبوا إلی ذواتکم وخاطبوها وذکّروها، وتفکروا هل ینفعکم قتلی وهل یجوز لکم التجاوز علی مقامی

ص: 272

وما حرم علیکم منی؟

أو لست ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم محمد نبیکم، وابن علی بن أبی طالب الذی قام مقام النبی فی قیادة الأمة وابن عمه وأول من أسلم وآمن وصدق بالرسول الذی بعثه الله تعالی بشریعة الإسلام وکتابه القرآن؟

أولیس حمزة بن عبد المطلب عم النبی صلی الله علیه وآله وسلم وسید الشهداء هو عم أبی أمیر المؤمنین علیه السلام؟

أولیس جعفر بن أبی طالب الذی قطعت یداه فی الحرب وأبدله الله تعالی بجناحین یطیر بهما فی الجنة هو عمی وشقیق أبی علی بن أبی طالب؟

ألم یصل إلیکم ما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لی ولأخی:

هذان، (أی الحسنان) سیدا شباب أهل الجنة؟

(فَإنْ صَدَّقْتُمُونی بِما أقُولُ وهُوَ الحَقُّ، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ کَذْباً مُنْذُ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ یَمْقُتُ علیه أهْلَهُ، وَإنْ کَذَّبْتُمُونِی فَإنّ فِیکُمْ مَنْ لَوْ سَألْتمُوُهُ عَنْ ذلِکَ أخْبَرکُمْ، سَلُوا جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأنْصاری وَأبا سَعِیدٍ الخُدْری وسَهْلَ بْنَ سَعْد السَاعِدِی وزَیْدَ بْنَ أرْقَم وَأنَسَ بْنَ مالِک، یُخْبِرُوکُمْ أنَّهُمْ سَمِعُوا هذِهِ المَقالَةَ مِنْ رَسْولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم لی وَلأخِی، أمَا فی هذا حاجزٌ لَکُمْ عَنْ سَفْکِ دَمِی؟!).

فإن اعترفتم وتیقنتم قولی وهو الواقع الثابت الذی لا کذب فیه، والله ما قصدت أن أخبر بخلاف ما هو واقع وصحیح منذ أن عرفت أن الله تعالی یکره الکذب وأهله، وإن أنکرتم قولی ولم تصدقونی فإن فی أمتکم من لو سألتموه عما حدثتکم به لأخبرکم بصدق قولی وصحته، ومن هؤلاء جابر بن

ص: 273

عبد الله الأنصاری، وأبو سعید الخدری، وسهل بن سعد الساعدی، وزید بن أرقم، وأنس بن مالک، فهؤلاء ممن سمع مقالة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لی ولأخی وسیخبرونکم ویزیدونکم بما قال فی حقنا، ألا یکفی هذا فی ردعکم عن قتلی أو یکون حاجباً ومانعا من إراقة دمی؟

(فَإنْ کُنْتُمْ فی شَکّ مِنْ هذا، أفَتَشُکُّونَ أنِّی ابْنُ بنْتِ نَبیٍّ غَیْری فِیکُمْ وَلا فی غَیْرِکُمْ، وَیْحَکُمْ أتَطْلُبُونِی بِقَتْلٍ مِنْکُمْ قَتَلْتُهُ، أوْ مالٍ لَکُمْ استَهلَکْتُهُ، أوْ بِقصاصِ جِراحَةٍ؟!).

فإن کنتم فی ریب من قولی ولا تصدقونی فی ذلک، أترتابون فی أنی ابن فاطمة الزهراء بنت نبیکم محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ فو الله ما علی وجه الأرض ابن بنت نبیّ غیری فیکم ولا فی غیرکم من الأمم، ویل لکم أتریدونی لتقتصوا منی فی قتل منکم قتلته أو أهلکته، أو مالٍ لکم أنفقته وأنفدته، أو تطلبونی بجنایة جرح أوقعتها علی أحد منکم؟

(یا شَبَثُ بْنُ ربْعی، یا حَجّارُ بْنُ أبْجَرِ، یا قَیْسُ بْنُ الأشْعَث، یا یَزیدُ بْنُ الحارِثِ، ألَمْ تَکْتُبُوا إلیَّ أنْ أیْنَعَتْ الثِمارُ واخْضَرَّ الجَنابُ، وَإنّما تَقْدِمُ عَلَی جُنْدٍ لَکَ مُجَنَّدَةٍ؟!).

ألم تراسلونی وتخبرونی بأنه حان وقت قطاف الثمار، وصارت الأرض أو الناحیة التی نحن فیها شدیدة الخضرة __ کنایة عن تهیئة الأمور وتمامها __  وإذا جئت ستجیء علی أنصار وأعوان حاضرة ومستعدة.

«لا وَاللهِ لا أُعْطِیکُمْ بیَدی إعْطاءَ الذَّلیلِ، ولا أفِرُّ فرارَ العبید».

یقسم الإمام علیه السلام إنه لا ینقاد إلیهم کما ینقاد الخاضع والخانع، ولا یهرب منهم کما یهرب المملوک من سیده.

ص: 274

(یا عِبادَ الله، إنّی عُذْتُ برَبِّی وَرَبِّکُمْ أنْ تَرْجُمُونِ، أعُوذُ برَبِّی وَرَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الحِساب).

یا من هم ملک لله تعالی إنی أعتصم بالله وألجأ إلیه فی أن ترمونی بالحجارة، وأعتصم بالله تعالی من کل جاحد قاهر لا یعترف بیوم القیامة.

__ فی الإنصاف سعادة

«فَإنْ أعْطَیْتُمُونِی النَّصَفَ کَنْتُمْ بِذلِکَ أسْعَدَ... الخ».

أنصف الشیء: عدل، أنصف فلانا: عامله بالعدل، أعطی له حقه(1).

الإنصاف: هو أن تعدل مع الآخرین ولا تبخسهم حقهم وإن کان من نفسک وما یؤید ذلک قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«العَدْلُ الإنْصافُ»(2).

حثت الأحادیث الشریفة علی ضرورة التحلی بهذه الفضیلة التی لا یتصف بها إلاّ أهل الإیمان والصلاح، ولا یتزین بها إلاّ الأشراف من الناس فلذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الإنْصافُ شیمَةُ الأشْرافِ»(3).

فللإنصاف آثار رائعة نلمس من خلالها السعادة التی یعیشها المنصف وهذا ما ذکره أمیر المؤمنین علیه السلام فی الأحادیث الآتیة:

1_ الإنصاف یوجب المثوبة العظیمة کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:


1- المعجم الوسیط: ص926.
2- تفسیر العیّاشی: ج2، ص267، ح61. میزان الحکمة: ج6، ص2427، ح11991.
3- غرر الحکم: 570. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20199.

ص: 275

«إنَّ أعْظَمَ المَثوبَةِ مَثوبَةُ الإنْصافِ»(1).

2__ إذا حرص المرء علی إدامة العلاقة مع الناس بالمودة والمحبة فلیتصف بالإنصاف وهذا ما أکده قوله علیه السلام:

«الإنْصافُ یَسْتَدیمُ المَحَبَّةَ»(2).

3__ الإنصاف یوجب الوحدة والأخوّة ویمنع التنازع والخصومة کما ورد فی قول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الإنْصافُ یَرْفَعُ الخِلاَفَ، وَیُوجِبُ الایتِلاَفَ»(3).

4__ الإنصاف وسیلة للتلاقی والاستمراریة فی العلاقات کما فی قوله علیه السلام:

«بالنَّصفَةِ یَکْثُرُ المُواصِلونَ»(4).

5__ الإنصاف یوجب توسیع الرقعة الاجتماعیة للفرد إذ جاء عن الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام:

«المُنْصِفُ کَثیرُ الأوْلِیاءِ والأوِدّاءِ»(5).

6__ الإنصاف یورث الاستقرار والطمأنینة وعدم التعب کما ورد عنه علیه السلام:

«الإنْصافُ راحَةٌ»(6)


1- غرر الحکم: 3387. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20194.
2- غرر الحکم: 1076. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20196.
3- غرر الحکم: 1702. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20198.
4- نهج البلاغة: الحکمة: 224. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20205.
5- غرر الحکم: 2116. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20206.
6- غرر الحکم: 16. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20200.

ص: 276

7__ الإنصاف یخلع علی المنصف الجمال المعنوی، قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«تاجُ الرَّجُلِ عَفافُهُ، وَزَینُهُ إنْصافُهُ»(1).

8__ الإنصاف یدل علی سخاء وجود صاحبه، حیث قال علیه السلام:

«المُنْصِفُ کَریمٌ، الظّالِمُ لَئیمٌ»(2).

9__ الإنصاف یدفع عنک السوء والضرر، بل قد یدفع عن غیرک ممن أنت معهم، کما جاء فی قول النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم فی وصّیته لابن مسعود:

«یا بنَ مَسْعودٍ، أنْصِفِ النّاسَ مِنْ نَفْسِکَ، وانْصَحِ الأُمَّةَ وارْحَمْهُمْ، فَإذا کُنْتَ کَذلِکَ وَغَضِبَ اللهُ عَلی أهْلِ بَلدَةٍ أنْتَ فیها وأرادَ أنْ یُنْزِلَ عَلَیْهِمُ العَذابَ نَظَرَ إلَیْکَ فَرَحِمَهُمْ بِکَ، یَقُولُ اللهُ تَعالی:

(وَمَا کَانَ رَبُّکَ لِیُهْلِکَ الْقُرَی بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(3)»(4).

10__ من أراد العزة والابتعاد عن الذلة فلیکن منصفا کما قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ألاَ إنَّهُ مَنْ یُنْصِفِ النّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ یَزِدْهُ اللهُ إلاّ عِزّاً»(5).

وبعد التأمل فی الآثار الرائعة التی یورثها الإنصاف نجد أن المنصف یعیش السعادة الحقیقیة ولکی یتضح العنوان (فی الإنصاف سعادة) نجری هذا التألیف بین أحادیث أهل البیت علیهم السلام وکما یلی:


1- غرر الحکم: 4495. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20201.
2- غرر الحکم: 54. میزان الحکمة: ج10، ص4330، ح20207.
3- سورة هود، الآیة: 117.
4- مکارم الأخلاق: ج2، ص360، ح2660. میزان الحکمة: ج10، ص4332، ح20226.
5- الکافی: ج2، ص144، ح4. میزان الحکمة: ج10، ص4332، ح20228.

ص: 277

1__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام أن للمنصف محبة ومودة فی قلوب الناس بدلیل قوله علیه السلام:

«المنصف کثیر الأولیاء والأودّاء».

والمنصف الذی یتخذ الإنصاف صفة یتعامل بها مع الناس ینال محبتهم وتواصلهم وهذا مضمون قوله علیه السلام:

«الإنصاف یدیم المحبة».

وقوله علیه السلام:

«بالنصفة یکثر المواصلون».

فلا شک فی أن من اتصف بالإنصاف ینال ثناء الناس ومدحهم وإلاّ کیف یتواصلون معه وکیف یکنّون له المودّة دون أن یکون لهم فی قلوبهم منزلة؟

2__ ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«عُنْوانُ صَحیفَةِ السَّعیدِ حُسْنُ الثَّناءِ عَلَیْهِ»(1).

وبضم هذا الحدیث مع الأحادیث أعلاه یتضح أن المنصف هو من نال ثناء الناس وحبهم، وأن من نال ثناء الناس وحبهم فهو السعید، فصار المنصف سعیداً.

3__ قلنا فی عنوان البحث (فی الإنصاف سعادة) وحیث إن الإنصاف هو الالتزام بالحق قولاً ومنهجا فهذا یؤدی بدوره إلی السعادة، إذن فی الإنصاف سعادة ومما یؤکد ذلک أیضا قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فی لُزومِ الحَقِّ تَکونُ السَّعادَةُ»(2).

وبهذا المقدار نکتفی لبیان عنوان البحث.


1- کشف الغمة: ج3، ص137. میزان الحکمة: ج4، ص1737، ح8537.
2- غرر الحکم: 6489. میزان الحکمة: ج4، ص1738، ح8545.

ص: 278

__ نصائح فی الإنصاف

1__ لیکن الإنصاف خلقاً تتعامل به مع عامة الناس ولکن لابد من إکرام المؤمن بما هو أفضل من الإنصاف وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام:

«عامِلْ سائِرِ النّاسِ بِالإنْصافِ، وَعامِلِ المُؤْمِنینَ بِالإیثارِ»(1).

2__ إذا حرصت علی إدامة الأخوّة بینک وبین غیرک من أخوانک فلا تبخل علیهم بالإنصاف ولکن من دون أن تطالبهم به کما جاء عن الإمام الصادق علیه السلام:

«لَیْسَ مِنَ الإنْصافِ مُطالَبَةُ الإخْوانِ بِالإنْصافِ»(2).

3__ لکی تکون أفضل من غیرک لابد أن تمتاز علیه بشیء، فلذا أنت مطالب بإنصاف من لم ینصفک بل من ظلمک وهو ما صرح به أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذین الحدیثین:

«المُؤْمِنُ یُنْصِفُ مَنْ لاَ یُنْصِفُهُ»(3).

وعنه علیه السلام قال:

«أعْدَلُ النّاسِ مَنْ أنْصَفَ مَنْ ظَلَمَهُ»(4).

4__ الانتصار علی النفس وسیلة من وسائل التزکیة والسلوک إلی الله تعالی فلذا ورد فی الأحادیث التالیة:

قال الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام:


1- غرر الحکم: 6342. میزان الحکمة: ج10، ص4331، ح20210.
2- أمالی الطوسی: ص280، ح537. میزان الحکمة: ج10، ص4331، ح20214.
3- غرر الحکم: 1410. میزان الحکمة: ج10، ص4331، ح20215.
4- غرر الحکم: 3186. میزان الحکمة: ج10، ص4331، ح20216.

ص: 279

«إنَّ أفْضَلَ الإیمانِ إنْصافُ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ»(1).

وعنه علیه السلام قال:

«أنْصَفُ النّاسِ مَنْ أنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَیْرِ حاکِمٍ عَلَیْهِ»(2).

وعنه علیه السلام أیضا:

«إنَّکَ إنْ أنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِکَ أزْلَفَکَ اللهُ»(3).

__ بحث عقائدی
هل یکذب الإمام سهواً أو نسیاناً؟

بعد أن عرّف الإمام نفسه للذین أعمی الله تعالی أبصارهم وبصائرهم، لکی یلقی علیهم الحجة انتقل إلی فقرة أخری فقال:

«فَإنْ صَدَّقْتُمُونی بِما أقُولُ وهُوَ الحَقُّ، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ کَذِباً مُنْذُ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ یَمْقُتُ علیه أهْلَهُ... ».

قبل التعرض إلی معرفة هذه الرذیلة وآثارها السیئة نرید أن نقف علی أمر مهم وهو کالآتی:

قال الإمام الحسین علیه السلام فقرة تستوقف المشککین وغیر العارفین بمقام الإمام علیه السلام ألا وهی:

« وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ کَذِباً مُنْذُ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ یَمْقُتُ علیه أهْلَهُ... ».

فینتج منها تساؤل وهو:


1- غرر الحکم: 3439. میزان الحکمة: ج10، ص4332، ح20220.
2- غرر الحکم: 3345. میزان الحکمة: ج10، ص4332، ح20221.
3- غرر الحکم: 3803. میزان الحکمة: ج10، ص4332، ح20224.

ص: 280

س: هل یفهم من قوله علیه السلام أنه لم یتعمد الکذب فقط، لکن یحتمل صدور الکذب منه سهواً أو نسیاناً؟

سؤال: قوله علیه السلام (منذ علمت أن الله یمقت علیه أهله) هل أن الکذب صدر عن الإمام قبل علمه بأن الله تعالی یمقت الکاذبین؟

وسنجیب عن هذه الأسئلة بما یلی:

الجواب الأول:

1__ إن عصمة الإمام التی ثبتت فی محلها تمنعه من الوقوع فی الکذب عمداً وسهواً ونسیاناً وإلاّ انتقض الغرض من الإمامة.

2__ یفهم من قوله (ما تعمدت) الآتی:

ألف: ربما یکون إشارة إلی أن قول الکذب عمداً یعد ذنباً وما صدر من کذب نسیاناً أو اشتباهاً لا یعد کذلک، فلذا أراد الإمام أن یوصل رسالة للمخاطبین أنه معصوم من الذنب عمداً فهو أولی بالخلافة والنصرة من الفاسقین العاصین.

باء: لعله علیه السلام أراد بقوله (ما تعمدت) مداراة عقول المخاطبین الذین یرون الإمام إنساناً کعامة الناس یصیب یُخطئ، وهذا تجسید لقول النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنا معاشر الأنبیاء أمرنا أن نکلم الناس علی قدر عقولهم»(1).

جیم: لعله أراد بقوله (ما تعمدت کذبا...) إستغناءه عن الکذب؛ إذ لا یحتاج إلی الکذب إلاّ من آثر رضا نفسه علی رضا ربه وانقاد وراء مصالحه، وهو لم ولن یکون هکذا أبدا.


1- الکافی للکلینی: ج1، ص23، ح15.

ص: 281

دال: لعله علیه السلام أراد أن یقول إن الکذب یصدر عمداً أو نسیاناً أو سهواً، ولا یؤاخذ العبد بالکذب الذی صدر عنه سهواً أو نسیاناً، فلذا أراد أن یشیر إلی أن تعمد الکذب من دون النسیان أو السهو، هو ما یمقته الله تعالی وأما ما صدر سهواً أو نسیاناً فلا مقت علی أهله لیتضح للناس یسر الدین الإسلامی وخلوه من الحرج.

هاء: ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«من کذب علیّ متعمداً فلیتبوأ مقعده من النار»(1).

وما نقله الإمام الحسین علیه السلام من حدیث عن جده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حقه وحق أخیه لیس کذبا، ولذا علی الأمة أن ترتب الأثر علی مضمون هذا الحدیث وهو حفظ دم الحسین علیه السلام کونه أحد السیدین لأهل الجنة.

وفی خاتمة الجواب لا یسعنا إلا أن نقول إن الإمام المعصوم علیه السلام أدری بمراده وأعلم بما یقول، وما قولنا المتقدم إلا مقدار ما فهمناه من قوله علیه السلام.

الجواب الثانی: فی مقام الجواب علی السؤال الثانی الذی تقدم یکون علی شکل نقاط نتسلسله وهو کما یلی:

1__ إن الإمام الحسین علیه السلام من أهل البیت علیهم السلام الذین شملتهم آیة التطهیر.

2__ یلزم من هذا أن یکون الإمام معصوماً عن الوقوع فی الحرام بتسدید من الله تعالی دون أن یکون مجبراً علی العصمة، وما استحق الإمام هذا التسدید الإلهی إلا لعلم الله تعالی بأنه سیختار الورع عن المعصیة کما أشار الإمام الباقر علیه السلام إلی ذلک بقوله:


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام للشیخ الصدوق: ج1، ص212.

ص: 282

«إذا عَلِمَ اللهُ تَعالی حُسْنَ نِیَّةٍ مِنْ أحَدٍ اکْتَنَفَهُ بِالعِصْمَةِ»(1).

3__ إتیان الطاعة وترک المعصیة لابد أن یکون مسبوقاً بعلم، لأن لا طاعة إلا بمعرفة فیلزم من هذا أن الإمام علمَ بقباحة الکذب منذ أن اختاره الله تعالی لأمور عباده وهذا ما یؤکده الإمام الرضا علیه السلام بقوله:

«إنَّ العَبْدَ إذا اخْتارَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأمورِ عِبادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِکَ، وَأوْدَعَ قَلْبَهُ یَنابِیعَ الحِکْمَةِ، وَألْهَمَهُ العِلْمَ إلهاماً، فَلَمْ یَعْیَ بَعْدَهُ بِجَوابٍ وَلا یَحیرُ فیهِ عَنِ الصَّوابِ»(2).

فیظهر من حدیث الإمام الرضا علیه السلام أن الإمام أُلهِم العلم بالفضائل والرذائل منذ اختیار الله تعالی له لیکون إماماً، وهذا قبل وجوده الدنیوی کما سیأتی فی النقطة اللاحقة.

4__ اختار الله تعالی أهل البیت علیهم السلام قبل عالم الدنیا، وعلی هذا فالإمام عالم بقباحة الکذب، وعارف بأن الله تعالی یمقت الکاذبین قبل عالم الدنیا والدلیل علی ذلک ما جاء عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی الأحادیث التالیة:

جاء فی کتاب المحتضر للحسن بن سلیمان: من کتاب السید حسن بن کبش ممّا أخذه من المقتضب، ووجد فی المقتضب أیضاً مسنداً عن سلمان الفارسی رحمه الله قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا سلمان خلقنی الله من صفوة نوره فدعانی فأطعته وخلق من نوری علیّاً فدعاه (إلی طاعته) فأطاعه، وخلق من نوری ونور علیّ فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق منّی ومن علیّ و(من) فاطمة(3) الحسن والحسین فدعاهما فأطاعاه فسمّانا


1- بحار الأنوار: ج78، ص188، ح41. میزان الحکمة: ج6، ص2645، ح13078.
2- الکافی: ج1، ص202، ح1. میزان الحکمة: ج1، ص177، ح948.
3- ورد فی کتاب مصباح الشریعة المنسوب للإمام الصادق علیه السلام: ص64، باب: فی معرفة الأئمة، «من نوری ونور علی وفاطمة».

ص: 283

الله (عَزَّ وَجَلَّ) بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمّد والله العلیّ(1) وهذا علی، والله فاطر وهذه فاطمة والله الإحسان(2) وهذا الحسن والله المحسن(3) وهذا الحسین علیهم السلام، ثمّ خلق [منا] ومن نور الحسین علیه السلام تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه قبل أن یخلق الله [عزّ وجلّ] سماءً مبنیّة، أو أرضاً مدحیّة، أو هواءً أو ماءً أو ملکاً، أو بشراً، وکنّا بعلمه أنوارا نسبّحه ونسمع له ونطیع»(4).

وورد فی کتاب کنز الفوائد عن ابن مسعود قال: قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا بن مسعود إنّ الله تعالی خلقنی وخلق علیّا والحسن والحسین علیهم السلام من نور قدسه، فلمّا أراد أن ینشئ خلقه(5) فتق نوری وخلق منه السماوات والأرض، وأنا والله أجلّ من السماوات والأرض، وفتق نور علیّ وخلق منه العرش والکرسیّ وعلیّ والله أجلّ من العرش والکرسیّ، وفتق نور الحسن علیه السلام وخلق منه الحور العین والملائکة والحسن والله أجلّ من الحور العین والملائکة، وفتق نور الحسین علیه السلام وخلق منه اللوح والقلم والحسین والله أجلّ من اللوح والقلم»(6)


1- ورد فی کتاب المحتضر لحسن بن سلیمان الحلی: ص267، باب: النص علی الأئمة الإثنی عشر، «الأعلی».
2- ورد فی کتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جریر الطبری (الشیعی): ص448، باب: معرفة وجود القائم علیه السلام، «والله ذو الإحسان».
3- ورد فی بحار الأنوار للمجلسی: ج15، ص10، باب 1، «والله المحسن».
4- عوالم العلوم والمعارف والأحوال، الشیخ عبد الله البحرانی: ج17، ص5 __ 6، ح1. بحار الأنوار: ج53، ص142، ح162.
5- فی المصدر: ینشئ الصنعة.
6- عوالم العلوم والمعارف والأحوال، الشیخ عبد الله البحرانی: ج17، ص6، ح2. بحار الأنوار: ج36، ص73.

ص: 284

__ الکذب وآثاره

الکذب: فی اللغة هو الإخبار عن الشیء بخلاف ما هو علیه فی الواقع(1).

الکذب عند علماء الأخلاق، هو خلق نفسانی رذیل من رذائل التی توافق مجال الکذب.

إن الکذب قد یحصل فی أمور منها:

ألف: الکذب فی القول: وهو الأخبار عن الأشیاء بما لا یوافق الواقع.

باء: الکذب فی النیة: وهو أن یکون الباعث علی العمل شیء آخر مع الله تعالی.

جیم: الکذب فی الظاهر: وهو أن یکون ظاهره لا یوافق باطنه.

دال: الکذب فی الدین: وهو أن یکون راجیا ولکن لا یعمل عمل الراجین، أو خائفا ولا یعمل عمل الخائفین.

فالکذب أقبح الذنوب وأخبثها فلذا ورد عن الإمام العسکری علیه السلام:

«جُعِلَتِ الخَبائِثُ فی بَیْتٍ وَجُعِلَ مِفْتاحُهُ الکَذِبَ»(2).

ولا شک فی وضاعة صاحبه وخسة قدره، وإلاّ لما حذر منه أمیر المؤمنین بقوله:

«تَحَفَّظُوا مِنَ الکِذْبِ؛ فَإنَّهُ مِنْ أدْنَی الأخْلاقِ قَدْراً، وهو نَوْعٌ مِنْ الفُحْشِ وَضَرْبٌ مِنَ الدَّناءَةِ»(3).

وقد أکدت الآیات الکریمة علی أن الکذب والافتراء من أخلاق الکافرین والمنافقین کما فی قوله تعالی:


1- المعجم الوسیط: ص780.
2- الدرّة الباهرة: ص43. میزان الحکمة: ج8، ص3542، ح17410.
3- بحار الأنوار: ج78، ص64، ح157. میزان الحکمة: ج8، ص3540، ح17393.

ص: 285

(إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِآَیَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْکَاذِبُونَ)(1).

وقوله تعالی:

(أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُیُوبِ)(2).

وما ذکره علماء الأخلاق هو أن الکذب یوقع المخاطب فی الجهل ویلحق به الضرر وهذا مما حرمه الله تعالی(3).

__ آثار الکذب

لا شک فی أن لکل رذیلة آثاراً ونتائجاً قبیحة یحب الحذر منها، وهذا ما جاء فی لسان الأحادیث والروایات الشریفة وهی کما یلی:

1__ الکذب یوجب الابتعاد عن حالة الإیمان وهو ما أشار إلیه الإمام الباقر علیه السلام:

«إنَّ الکِذْبَ هُوَ خَرابُ الإیمانِ»(4).

2__ الکذب یُزیل جمال الإنسان ویجعل وجهه کالحاً کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«کَثْرَةُ الکَذِبِ تَذْهَبُ بِالبَهاءِ»(5)


1- سورة النحل، الآیة: 105.
2- سورة التوبة، الآیة: 78.
3- جامع السعادات: ج2، ص324.
4- بحار الأنوار: ج72، ص247، ح8. میزان الحکمة: ج8، ص3541، ح17406.
5- بحار الأنوار: ج72، ص259، ح22. میزان الحکمة: ج8، ص3541، ح17407.

ص: 286

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ الکِذْبَ یُسَوِّدُ الوَجْهَ»(1).

3__ الکذب یوجب الدخول فی النار وهو ما صرح به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حینما سأله رجل عن عملِ الجَنَّةِ قال:

«الصِّدْقُ، إذا صَدَقَ العَبْدُ بَرَّ، وإذا بَرَّ آمَنَ، وَإذا آمَنَ دَخَلَ الجَنَّةَ.

قالَ یا رَسُولَ اللهِ، وما عَمَلُ النّارِ؟ قالَ:

الکِذْبُ، إذا کَذَبَ العَبْدُ فَجَرَ، وَإذا فَجَرَ کَفَرَ، وَإذا کَفَرَ، یَعْنی دَخَلَ النّارَ»(2).

4__ الکذب یورث الحسرة والندم فلذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیّة لابنهِ الحسن علیه السلام:

«عاقِبَةُ الکَذِبِ النَّدَمُ»(3).

5__ الکذب طریق إلی النفاق وهو ما أکده الإمام علی علیه السلام بقوله:

«الکِذْبُ یُؤَدِّی إلَی النِّفاقِ»(4).

6__ الکذب یجعل صاحبه من الأموات وهو ما حذر منه الإمام علی علیه السلام:

«الکَذّابُ وَالمَیِّتُ سَواءٌ، فَإنَّ فَضیلَةَ الحَیِّ عَلی المَیِّتِ الثِّقَةُ بِهِ، فَإذا لَمْ یُوثَقُ بِکَلامِهِ بَطَلَتْ حَیاتُهُ»(5)


1- الترغیب والترهیب: ج3، ص596، ح28. میزان الحکمة: ج8، ص3546، ح17441.
2- الترغیب والترهیب: ج3، ص592، ح13. میزان الحکمة: ج8، ص3541، ح17408.
3- بحار الأنوار: ج77، ص211، ح1. میزان الحکمة: ج8، ص3546، ح17446.
4- غرر الحکم: 1181. میزان الحکمة: ج8، ص3546، ح17449.
5- غرر الحکم: 2104. میزان الحکمة: ج8، ص3547، ح17457.

ص: 287

7__ الکذب یوجب الجرأة علی الکبائر وهو ما نبه علیه الإمام زین العابدین علیه السلام ولده بقوله:

«اتَّقُوا الکَذِبَ الصَّغیرَ مِنْهُ وَالکَبیرَ، فی کُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ، فَإنَّ الرَّجُلَ إذا کَذِبَ فی الصَّغیرِ اجْتَرَأَ عَلی الکَبیرِ»(1).

8__ الکذب یؤدی إلی عدم التوفیق کما ورد ذلک عن الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ الرَّجُلَ لَیَکْذِبُ الکِذْبَةَ فَیُحْرَمُ بِها صَلاَةَ اللَّیْلِ»(2).

9__ الکذب یؤدی إلی نقصان البرکة والرزق وهو ما أشار إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الکِذْبُ یُنقِصُ الرِّزْقَ»(3).

10__ الکذب یؤدی إلی عدم الثقة به من قبل الناس کما ورد ذلک عن الإمام الصادق علیه السلام:

«مَنْ عُرِفَ بِالکِذْبِ قَلَّتِ الثِّقَةُ بِهِ، مَنْ تَجَنَّبَ الکِذْبَ صُدِّقَتْ أقْوالُهُ»(4).

__ نصائح
النصیحة الأولی

قد یختلج فی ذهن المؤمن أن الکذب فی المزاح هو کذب أبیض لخلوّه من الضرر، أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام حذروا من هذا الاشتباه لکی لا یقع المؤمن فی هذه المعصیة.


1- بحار الأنوار: ج72، ص235، ح2. میزان الحکمة: ج8، ص3543، ح17417.
2- بحار الأنوار: ج72، ص260، ح29. میزان الحکمة: ج8، ص3547، ح17462.
3- الترغیب والترهیب: ج3، ص596، ح29. میزان الحکمة: ج8، ص3547، ح17463.
4- غرر الحکم: 8888، 9181. میزان الحکمة: ج8، ص3547، ح17454.

ص: 288

ولذا ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ الکِذْبَ لاَ یَصْلَحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلاَ هَزْلٌ، وَلاَ أنْ یَعِدَ الرَّجُلُ ابنَهُ ثُمَّ لاَ یُنْجِزَ لَهُ، إنَّ الصِّدْقَ یَهْدی إلَی البِرِّ، وَإنَّ البِرَّ یَهْدی إلَی الجَنَّةِ، وَإنَّ الکِذْبَ یَهْدی إلَی الفُجورِ، وَإنَّ الفُجورَ یَهْدی إلَی النّارِ»(1).

وأکد أمیر المؤمنین علیه السلام ذلک بقوله:

«لاَ یَصْلَحُ منَ الکِذْبِ جِدٌ وَلاَ هَزْلٌ، وَلاَ أنْ یَعِدَ أحَدُکُمْ صَبِیَّهُ ثُمَّ لاَ یَفِیَ لَهُ، إنَّ الکِذْبَ یَهْدی إلَی الفُجورِ، وَالفُجورَ یَهْدی إلَی النّارِ»(2).

النصیحة الثانیة

إن علاقة الأب بابنه علاقة رحم ودم وعِشرة ومودّة ورحمة، فهذه العلاقة تجعل الأب یتعامل مع ولده معاملة خالیة من التعقید أو الرسمیات فیقع فی بعض المحذورات جراء ذلک، فیری نفسه معفیا عن التجاوزات أو التقصیرات إزاء ولده فلا یُسأل عما یفعل مع ولده ولا یری حرجا فی ذلک کأن یعد الرجل ولده ولا یفی بوعده مثلاً:

أن أئمة الخلق؛ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام یرفضون هذا الشعور ویذمون هذا التقصیر ویحذرون منه کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المتقدم:

«إن الکذب لا یصلح منه جد ولا هزل، ولا أن یعد الرجل ابنه ثم لا ینجز له...».

فإن هذا الفعل فضلا عن کونه عدم وفاء بالموعد یعد کذبا لا یلیق بالمؤمن لاسیما أمام ولده وأهل بیته.


1- کنز العمال: 8217. میزان الحکمة: ج8، ص3542 __ 3543، ح17415.
2- أمالی الصدوق: ص342، ح9. میزان الحکمة: ج8، ص3543، ح17416.

ص: 289

النصیحة الثالثة

عندما یعیش الإنسان فی مجتمعه یحتاج إلی طریقة مثلی فی التعامل مع أفراد المجتمع لکی یکون فاضلاً مهذبا فی مجتمعه فیتکلم عندما یحتاج إلی الکلام ویفعل عندما یحتاج إلی الفعل، إلاّ أن علیه أن یجتنب الکذب فی القول والفعل لینال احترام المجتمع وتوقیره، وهذا أمر لا یختلف فیه عاقلان إلاّ أن بعض الناس یقع فی اشتباه آخر وهو أن یقول قولاً یخالف ما فی سریرته دون اضطرار لذلک من تقیة أو نحوها، فعلی سبیل المثال:

ألف: عندما یُکرم المرء بشیء یشتهیه، یرد: إننی لا أشتهی ذلک تأدباً أو لعدم رغبة فی مجاملة الآخر أو لغایة أخری فیقع فی الکذب دون حاجة لذلک وهذا مما حذر منه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما ورد ذلک فی بحار الأنوار، (عن أسماء بنتِ عُمَیْس:

کُنْتُ صاحِبَةَ عائِشَةَ التی هَیَّأتُها وَأدْخَلْتُها علی رَسولِ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمَعی نِسْوَةٌ، فَوَ اللهِ ما وَجَدْنا عِنْدَهُ قُوتاً إلاّ قَدَحاً مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ ناوَلَهُ عائِشَةَ __ قالَتْ: __ فاسْتَحْیَیَتِ الجارِیَةُ، فَقُلْتُ: لاَ تَرُدِّینَ یَدَ رَسُولِ اللهِ، خُذی مِنْهُ، __ قالَتْ: __ فَأخَذَتْهُ عَلی حَیاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قالَ:

«ناوِلی صَواحِبَکِ».

فَقُلْنَ: لاَ نَشْتَهیهِ، فقالَ:

«لاَ تَجْمَعْنَ جُوعاً وَکِذْباً».

__ قالَتْ: __ فَقُلْتُ: یا رَسولَ اللهِ، إنْ قالَتْ إحدانا لِشَیءٍ، تَشْتَهیهِ: لاَ نَشْتَهیهِ، أیُعَدُّ ذلِکَ کِذْباً؟ قال:

«إنَّ الکِذْبَ لَیُکْتَبُ حَتّی یُکْتَبَ الکُذَیْبَةُ کُذَیْبَةً»)(1)


1- بحار الأنوار: ج72، ص258، ح20. میزان الحکمة: ج8، ص3543، ح17419.

ص: 290

باء: عندما یتعامل الأبوان مع ولدهما الصغیر بغیر الصدق ظنا منهما أن هذه التعامل جائز مع الصغار فهذا کذب صریح وهو ما تبینه لنا هذه الروایة:

ورد فی الترغیب والترهیب (عن عبد الله بن عامِرٍ:

دَعَتْنی أمِّی یوماً وَرَسولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قاعِدٌ فی بَیْتِنا، فَقالَتْ: ها تَعالَ أُعْطِکَ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

«مَا أرَدْتِ أنْ تُعطِیَهُ؟».

قالت: أرَدْتُ أنْ أعطِیَهُ تَمْراً:

فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

«أما إنَّکِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَیْئاً کُتِبَتْ عَلَیْکِ کِذْبَةٌ»(1).

فیظهر مما تقدم أن ما نعتقده أمراً بسیطا وکذبا صغیرا لا إشکال فیه، هو اعتقاد خاطئ ووهم کبیر وهذا ما یؤکده قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا سألتهُ أسماء بنت عُمیس: إن قالَت إحدانا لِشیءٍ تَشْتَهیهِ: لاَ أشْتَهیهِ یُعَدُّ کِذْباًَ، قال:

«إنَّ الکِذْبَ لَیُکْتَبُ حَتّی یُکْتَبَ الکُذَیْبَةُ کُذَیْبَةً»(2).

النصیحة الرابعة

ورد فی القرآن الکریم آیات کثیرة تنهی عن القول والفعل الکاذب، وتشیر إلی عاقبة الکذب کما فی قوله تعالی:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللَّهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآَیَاتِهِ إِنَّهُ لَا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(3).

وقوله تعالی:


1- الترغیب والترهیب: ج3، ص598، ح34. میزان الحکمة: ج8، ص3543 __ 3544، ح17421.
2- الترغیب والترهیب: ج3، ص597، ح32. میزان الحکمة: ج8، ص3543، ح17420.
3- سورة الأنعام، الآیة: 21.

ص: 291

(وَکَذَّبَ بِالْحُسْنَی)(1).

وقوله تعالی:

(وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ)(2).

وهناک آیات کثیرة فی ذلک، کما أن هناک الکثیر من الروایات التی تحذر من السقوط فی هذه الرذیلة المقیتة کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«کَبُرَتْ خِیانَةً أنْ تُحَدِّثَ أخاکَ حَدیثاً هُوَ لَکَ مُصَدِّقٌ وَأنْتَ بِهِ کاذِبٌ»(3).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«أعْظَمُ الخَطایا عِنْدَ اللهِ اللِّسانُ الکَذوبُ»(4).

ومن الأسباب التی توقع الإنسان فی الکذب هو أن یتحدث بکل ما یسمع وهذا ما أشار إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«کَفی بِالمَرْءِ مِنَ الکِذْبِ أنْ یُحَدِّثَ بِکُلِّ ما سَمِعَ»(5).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام من کتابٍ له إلی الحارثِ الهمدانی:

«وَلاَ تُحَدِّثِ النّاسَ بِکُلِّ ما سَمِعْتَ بِهِ، فَکَفی بِذلِکَ کَذِباً»(6).

فیظهر مما تقدم أن العاقل لا ینقل کل ما سمعه لغیره لکی لا یقع فی الکذب.


1- سورة اللیل، الآیة: 9.
2- سورة المرسلات، الآیة: 15.
3- تنبیه الخواطر: ج1، ص114. میزان الحکمة: ج8، ص3538، ح17373.
4- کنز العمال: 8203. میزان الحکمة: ج8، ص3538، ح17377.
5- کنز العمال: 8208، 8209. میزان الحکمة: ج8، ص3544، ح17422.
6- نهج البلاغة: الکتاب 69. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج18، ص41. میزان الحکمة: ج8، ص3544، ح17424.

ص: 292

النصیحة الخامسة

إن کذبت مرة أو عدداً من المرات فلا یسعک إلا أن تستغفر وتترک ما أنت فیه من المعصیة لکی لا تکتب عند الله من الکاذبین وهذا ما أکده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«ما یَزالُ العَبْدُ یَکْذِبُ حَتّی یَکْتبَهُ اللهُ کَذّاباً»(1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ما یَزالُ العَبْدُ یَکْذِبُ وَیَتَحَرّی الکَذِبَ حَتّی یُکْتَبَ عِنْدَ اللهِ کَذّاباً»(2).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ما یَزالُ أحَدُکُمْ یَکْذِبُ حَتّی لاَ یَبْقی فی قَلْبِهِ مَوْضِعُ إبْرَةِ صِدْقٍ، فَیُسَمّی عِنْدَ اللهِ کَذّاباً»(3).

النصیحة السادسة

لابد للمرء من مخالطة الناس ومعاشرتهم إلاّ من حذّر منه أهل البیت علیهم السلام وهم البخیل والأحمق والفاجر والکذاب، ولأن الکذاب هو محل حدیثنا نورد هذا التحذیر الذی ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«لاَ تَسْتَعِنْ بِکَذّابٍ... فَإنَّ الکَذّابَ یُقَرِّبُ لَکَ البَعیدَ، وَیُبَعِّدُ لَکَ القَریبَ»(4).

ولکی تجمع النصائح کلها وتعیش حلاوة الفضیلة وتنال خیر الدنیا والآخرة ما علیک إلا أن تترک الکذب مع الله تعالی ومع رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام ومع نفسک ومع الناس أجمعین.


1- الکافی: ج2، ص338، ح2. میزان الحکمة: ج8، ص3545، ح17433.
2- تنبیه الخواطر: ج1، ص114. میزان الحکمة: ج8، ص3545، ح17434.
3- بحار الأنوار: ج72، ص259، ح24. میزان الحکمة: ج8، ص3545، ح17432.
4- بحار الأنوار: 78، ص230، ح13. میزان الحکمة: ج8، ص3547، ح17459.

ص: 293

__ إباء الإمام الحسین علیه السلام
اشارة

أبی __ إباءً وإباءة، أبی الشیء: رفضه، لم یرضه، کرهه، الإباء: الرفض، النفر، عزة النفس والأنفة(1). الإباء: هو الامتناع عن الوقوع فی أمر یذل النفس، أو قبول أمر یأتی منه صغر النفس وذلها.

فعلوّ النفس وسموها لا یتحقق إلاّ بعد اتصاف النفس بصفات فاضلة کالزهد فی الدنیا والصبر علی البلوی والسخاء والجود والشجاعة والغیرة علی الدین والعِرْض، کما أن للصفات الفاضلة الأخری دخلاً کبیراً فی عزة النفس ورفعتها.

وعند التأمل فی شخصیة الإمام الحسین علیه السلام ومقامها وصفاتها لا نرضی له إلاّ أن یکون سیداً فی کل صفة فاضلة، ولا نتخیّل أن نراه علی خلاف ذلک، فلابد أن یکون الإمام الحسین علیه السلام أبیّاً عزیزاً سامیاً عالیا من جهة کونه أحد المطهرین الذین أذهب الله تعالی عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا، ومن جهة أخری کونه سید شباب أهل الجنة، ومن جهة ثالثة فإنه إمام مفروض الطاعة:

«الحسن والحسین إمامان قاما أو قعدا».

ولابد للإمام أن یکون قدوة لغیره فی کل فضیلة وخلق رفیع. ولکی نقف علی حقیقة الإباء لابد من معرفة الصفات التی تعد منشأ لهذه الصفة النبیلة وهی کما یلی:

العزّة

هذه الفضیلة هی ضد رذیلة الذل فلذا جاء فی کتب اللغة: عزَّ عزاً: قوِی وبری من الذل، والعِزّة: القوة والغلبة، الحمیّة والأنفة(2).

فالعزة من صفات المؤمنین فضلا عن الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام فلابد من


1- المنجد الأبجدی: ص4.
2- المعجم الوسیط: ص598.

ص: 294

الاتصاف بها، ولا شک فی اتصاف المعصوم علیه السلام بهذه الصفة؛ لأنها من کمالاته التی تتصف بها شخصیته کونه أفضل أهل زمانه هذا من جهة ومن جهة أخری لا یجوز للمؤمن فضلا عن المعصوم أن یذل نفسه مهما بلغت الأسباب والدواعی وهذا ما نلمسه فی قول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنَّ اللهَ فَوَّضَ إلَی المُؤْمِنِ أُمورَهُ کُلَّها، وَلَمْ یُفَوِّضْ إلَیْهِ أنْ یَکونَ ذَلیلاً، أمَا تَسْمَعُ اللهَ تَعالی یَقولُ:

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَا یَعْلَمُونَ)(1).

فَالمُؤْمِنُ یَکونُ عَزیزاً وَلاَ یَکونُ ذَلیلاً، إنَّ المُؤْمِنَ أعَزُّ مِنَ الجَبَلِ؛ لأَنَّ الجَبَلَ یُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالمَعاوِلِ، وَالمُؤْمِنُ لاَ یُسْتَقَلُّ مِنْ دینِهِ بِشَیْءٍ»(2).

وهذا ما أشار إلیه القرآن الکریم فی قوله تعالی:

(یَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَا یَعْلَمُونَ)(3).

وترجم الإمام الحسین علیه السلام هذه الآیة فی دعاء عرفة بقوله:

«یا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَأوْلِیاؤُهُ بِعِزِّهِ یَعْتَزّونَ، یا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ المُلوکُ نِیرَ المَذَلَّةِ عَلی أعْناقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفونَ»(4).

فیتضح سبب صلابة الإمام الحسین علیه السلام وکبر نفسه وإبائها، فلذا تجسدت العزّة فی شخصه المقدس یوم عاشوراء، ولکی تقف علی عزة الإمام الحسین علیه السلام نحیلک إلی ما تقدم فی بیان صفة العزة فی الخطبة الخامسة عشرة ونکتفی بذلک.


1- سورة المنافقون، الآیة: 8.
2- التهذیب: ج6، ص179، ح367. میزان الحکمة: ج6، ص2597، ح12823.
3- سورة المنافقون، الآیة: 8.
4- بحار الأنوار: ج98، ص220. میزان الحکمة: ج6، ص2596، ح12820.

ص: 295

الشجاعة

من الصفات التی أسهمت فی نشوء صفة الإباء هی الشجاعة وهی من الفضائل التی یتحلی بها المعصوم، فلا شک فی أن شجاعة الإمام الحسین علیه السلام لا یرتقی إلیها أحد فی زمانه کونه أفضل أهل زمانه فی کل فضیلة ولکی نقف علی معرفة العلاقة بین صفة الشجاعة وصفة الإباء لابد من معرفة هذه الفضیلة بشیء من التفصیل:

الشجاعة فی اللغة: هی قوة القلب والشدة عند البأس، والشجاع: الجریء المقدام.

الشجاعة فی الاصطلاح:

هی ملکة فضیلة تقع بین التهور والجبن، فهی سلوک یسلکه الإنسان من غیر الإقدام علی المهلکات بما ینافی العقل والشرع، وخالی من الخنوع والرضوخ للظالمین، فهی بین الإفراط والتفریط.

فالشجاعة صفة وصفها أهلها الذین اتصفوا بها خیر اتصاف کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«الشجاعة عز حاضر».

وأشار الإمام الحسن علیه السلام إلی أنها مقاتلة الأبطال والثبات عند لقائهم فی قوله علیه السلام:

«مُواقَفَةُ الأقْرانِ، والصَّبْرُ عِنْدَ الطِّعانِ»(1).

وبیّن الإمام علی علیه السلام أن الشجاعة لها علاقة کبیرة بالإباء من خلال قوله علیه السلام:


1- بحار الأنوار: ج78، ص104، ح2. میزان الحکمة: ج5، ص1876، ح9159.

ص: 296

«جُبِلَتِ الشَّجاعةُ عَلی ثَلاثِ طَبائِعَ، لِکُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَضیلَةٌ لَیْسَتْ لِلأُخْری: السَّخاءُ بِالنَّفْسِ، والأنَفَةُ مِنَ الذُّلِّ، وطَلَبُ الذِّکْرِ، فَإنْ تَکامَلَتْ فی الشُّجاعِ کانَ البَطَلَ الّذی لاَ یُقامُ لِسَبِیلِهِ، وَالمَوْسومَ بِالإقْدامِ فی عَصْرِهِ، وَإنْ تَفاضَلَتْ فیهِ بَعْضُها عَلی بَعْضٍ کانَتْ شَجاعَتُهُ فی ذلِکَ الذی تَفاضَلَتْ فیهِ أکْثَرَ وَأشَدَّ إقْداماً»(1).

فشجاعة الرجل تقاس علی أساس حمیته وإبائه وهذا ما یصرح به أشجع الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«شَجاعَةُ الرَّجُلِ علی قَدْرِ هِمَّتِهِ، وَغَیْرَتُهُ عَلی قَدْرِ حَمِیَّتِهِ»(2).

وعنه علیه السلام قال:

«عَلی قَدْرِ الحَمِیَّةِ تَکونُ الشَّجاعَةُ»(3).

فلا یشک عاقل فی شجاعة الإمام الحسین علیه السلام الذی ورث هذه الصفة من جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم کونه بضعة منه کما فی قوله:

«حسین منی وأنا من حسین».

وأبیه المرتضی علیه السلام حتی شهد بذلک أعداؤه بقوله (أن روح أبیه بین جنبیه) (المقتل).

الغیرة والحمیة

تقدم أن الإمام الحسین علیه السلام إمام معصوم یتصف بکل الفضائل والکمالات ومما اتصف به الإمام علیه السلام الغیرة والحمیة التی هی من ملازمات


1- بحار الأنوار: ج78، ص236، ح66. میزان الحکمة: ج5، ص1876 __ 1877، ح9160.
2- غرر الحکم: 5763. میزان الحکمة: ج5، ص1877، ح9162.
3- غرر الحکم: 6180. میزان الحکمة: ج5، ص1877، ح9163.

ص: 297

الشجاعة وأسبابها، وثبت أن الإمام الحسین علیه السلام شجاعٌ مقدامٌ فهو __ لا شک __ ذو غیرة وحمیة وما تقدم ذکره من قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

 «علی قدر الحمیة تکون الشجاعة».

یشیر إلی هذه الملازمة بین الحمیة والشجاعة، کما أن قوله علیه السلام:

«شجاعة الرجل علی قدر همته، وغیرته علی قدر حمیته».

یشیر إلی العلاقة بین الغیرة والحمیة، وحیث إن الإمام الحسین علیه السلام سید المؤمنین فهو __ لا شک __ یتصف بالغیرة والحمیة وهذا ما یؤکده قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ الغَیْرَةَ مِنَ الإیمانِ»(1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«کانَ إبْراهیمُ أبی غَیوراً وَأنا أغْیَرُ مِنْهُ، وَأرْغَمَ اللهُ أنْفَ مَنْ لاَ یَغارُ مِنْ المُؤْمِنینَ»(2).

بل إن الإمام الحسین علیه السلام غیرة تجسدت فی رجل وهذا ما أشارت إلیه بعض نصوص المقاتل(3).

فلذا نجد أن الإمام الحسین علیه السلام محبوب عند الله تعالی؛ لاتصافه بالغیرة والفضائل الأخری لما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ اللهَ تَعالی یُحِبُّ مِنْ عِبادِهِ الغَیورَ»(4)


1- من لا یحضره الفقیه للصدوق: ج3، ص444، ح4541. میزان الحکمة: ج7، ص3107، ح15549.
2- بحار الأنوار: ج103، ص248، ح33. میزان الحکمة: ج7، ص3107، ح15554.
3- أبو مخنف: ص143 _ 144. مقتل الحسین علیه السلام للمقرم: ص288 _ 289.
4- کنز العمال: 7070. میزان الحکمة: ج7، ص3107، ح15560.

ص: 298

الکمالات الأخری

لقد تعرضنا إلی ذکر الصفات الرئیسة التی تُسهم فی وجود الإباء والأنفة ألا وهی العزة والشجاعة والغیرة والحمیة، ولکی نقف علی دور الصفات الأخری فی ظهور تلک الصفات الرئیسة التی اتصف بها الإمام الحسین علیه السلام نقول:

1__ إن الإمام الحسین علیه السلام یتصف بالإنصاف والعدل لعصمته فهو __ لا شک __ متصف بالعزة لما للإنصاف من رابطة بینه وبین العزة، وهذا ما یؤکده قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

«ألاَ إنَّهُ مَنْ یُنْصِفُ النّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ یَزِدْهُ اللهُ إلاّ عِزّاً»(1).

2__ إن العمل بالحق یؤدی إلی عزة العامل به وهذا ما یؤکده الإمام العسکری علیه السلام بقوله:

«ما تَرَکَ الحَقَّ عزیزٌ إلاّ ذَلَّ، وَلاَ أخَذَ بِهِ ذَلیلٌ إلاّ عَزَّ»(2).

3__ التوکل من موجبات العزة کما یشیر إلی ذلک الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«الغَناءُ وَالعِزُّ یَجولاَنِ فی قَلْبِ المُؤْمِنِ، فَإذا وَصَلاَ إلی مَکانٍ فیهِ التَّوَکُّلُ أوْطَناهُ»(3).

4__ الصفح والصلة مما یورث العزة کما جاء ذلک عن الإمام الباقر علیه السلام:

«ثَلاثٌ لاَ یَزیدُ اللهُ بِهِنَّ المَرْءَ المُسْلِمَ إلاّ عِزّاً: الصَّفْحُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وإعْطاءُ مَنْ حَرَمَهُ، وَالصِّلَةُ لِمَنْ قَطَعَهُ»(4)


1- الکافی: ج2، ص144، ح4. میزان الحکمة: ج6، ص2601، ح12858.
2- بحار الأنوار: 78، ص374، ح24. میزان الحکمة: ج6، ص2601، ح12859.
3- کشف الغمّة: ج2، ص359. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12862.
4- الکافی: ج2، ص109، ح10. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12864.

ص: 299

5__ القناعة وترک الطمع تؤدی إلی العزة وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام:

«القَناعَةُ تُؤَدّی إلَی العِزِّ»(1).

6__ کظم الغیظ یوجب العزة فی الدنیا والآخرة کما صرح به الإمام الصادق علیه السلام:

«ما مِنْ عَبْدٍ کَظَمَ غَیْظاً إلاّ زادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِزّاً فی الدُّنْیا وَالآخِرَةِ»(2).

7__ الصبر علی النوائب یتوج صاحبه تاج العزة کما فی قول الإمام الباقر علیه السلام:

«مَنْ صَبَرَ عَلی مُصیبَةٍ زادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِزّاً عَلی عِزِّهِ، وَأدْخَلَهُ جَنَّتَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَیْتِهِ صَلّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»(3).

8__ الزهد فی الدنیا یزیّن صاحبه بالعز وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام:

«مَنْ سَلا عَنْ مَواهِبِ الدُّنْیا عَزَّ»(4).

فالإمام الحسین علیه السلام __ لا شک __ یتحلی بهذه الفضائل وغیرها، فلذا نجده عزیزا منیعا أبیا أنفا لا یعطی بیده إعطاء الذلیل ولا یفر فرار العبید.

9__ ومما یوجد الشجاعة فی الرجل صفة السخاء وهذا ما صرح به الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:

«أشْجَعَ النّاسِ أسْخاهُمْ»(5)


1- غرر الحکم: 1123. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12871.
2- الکافی: ج2، ص110، ح5. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12866.
3- بحار الأنوار: ج82، ص128، ح3. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12867.
4- غرر الحکم: 9184. میزان الحکمة: ج6، ص2602، ح12870.
5- غرر الحکم: 2899. میزان الحکمة: ج5، ص1877، ح9164.

ص: 300

فالإمام الحسین علیه السلام هو عین السخاء والجود وهذا ما تعرضت له کتب السیرة، فهو __ لا شک __ یتصف بالشجاعة لسخائه وجوده، ولا بأس من ذکر صور جود الإمام الحسین علیه السلام وسخائه.

10__ وتقدم أن للإیمان دوراً کبیراً فی اتصاف الرجل بالغیرة والحمیة کما فی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إن الغیرة من الإیمان».

وکما تعلم عزیزی القارئ لا یعدل بإیمان الإمام الحسین علیه السلام إیمان أحد وهذا مما لا یختلف فیه اثنان إلاّ من نصب العداء لأهل البیت علیهم السلام.

فنخلص مما تقدم أن الصفات التی جعلت الإمام الحسین علیه السلام أبیّا وذا أنفة ومنعة هی العزة والشجاعة والغیرة والحمیة، وما اتصف الإمام الحسین علیه السلام بهذه الصفات إلا لاتصافه بالإنصاف والعدل، والعمل بالحق والتوکل علی الله تعالی حق التوکل، وتحلّیه بالصفح والعفو والقناعة والزهد وکظم الغیظ والصبر وبغیرها من الفضائل التی یجمعها الإیمان بالله ورسوله وکتبه وملائکته.

کما أن السخاء الذی یرتبط مع الشجاعة له دور کبیر فی إبائه وأنفته.

ص: 301

فهرس المصادر

1. القرآن الکریم.

2. نهج البلاغة __ خطب ورسائل وحکم الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام __ الطبعة الأولی __ دار الذخائر، قم __ سنة 1412ه_/ 1991م.

3. مصباح الشریعة __ المنسوب للإمام الصادق علیه السلام __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1400ه_/1980م.

4. مفاتیح الجنان __ الشیخ عباس القمی رحمه الله __ منشورات الرضا، بیروت.

5. إبصار العین فی أنصار الحسین __ محمد بن الشیخ طاهر السماوی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة البلاغ/ دار سلونی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

6. الإحتجاج __ الشیخ أبو منصور أحمد بن علی الطبرسی __ الطبعة السادسة __ دار الأسوة، قم __ سنة 1425ه_/ 2004م.

7. الأخبار الطوال __ أحمد بن داود الدینوری __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

8. الاختصاص __ أبو عبد الله محمد بن محمد المفید __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1402ه_/ 1981م.

9. الأخلاق __ السید عبد الله شبر __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1412ه_/ 1991م.

10. الأخلاق والآداب الإسلامیة __ عبد الله الهاشمی __ دار القاری.

ص: 302

11. إرشاد القلوب __ الشیخ أبی محمد الحسن بن محمد الدیلمی الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

12. الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد __ الشیخ المفید أبو عبد الله محمد بن محمد بن نعمان __ الطبعة الأولی __ المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید، قم __ سنة 1413ه_/ 1992م.

13. أسباب النزول __ أبو الحسن علی بن أحمد الواحدی النیسابوری __ الطبعة الأولی __ المکتبة العصریة، بیروت __ سنة 1427ه_/ 2006م.

14. أسد الغابة __ عز الدین بن بن الأثیر أبی الحسن علی بن محمد الجزری __ الطبعة الثانیة __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1424ه_/ 2003م.

15. أصول الکافی __ الشیخ الکلینی رحمه الله __ ثقة الإسلام محمد بن یعقوب الکلینی __ دار التعارف، بیروت __ سنة1411ه_/ 1990م.

16. الأعلام __ خیر الدین الزرکلی __ الطبعة السادسة عشرة __ دار العلم للملایین، بیروت __ سنة 1426ه_/ 2005م.

17. أعلام الدین فی صفات المؤمنین __ الحسن بن أبی الحسن الدیلمی __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم __ سنة 1414ه_/ 1993م.

18. أعیان الشیعة __ السید محسن الأمین __ دار التعارف للمطبوعات، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

19. إقبال الأعمال __ أبو القاسم بن جعفر بن محمد ابن طاووس __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1417ه_/ 1996م.

20. الاقتصاد فیما یتعلق بالاعتقاد __ الشیخ محمد بن الحسن الطوسی __ الطبعة الثانیة __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1406ه_/ 1986م.

21. الإلهیات __ محاضرات الشیخ جعفر السبحانی، بقلم الشیخ حسن محمد مکی العاملی __ الطبعة الخامسة __ مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم __ سنة 1423ه_/ 2002م.

ص: 303

22. الأمالی __ أبی جعفر محمد بن علی الصدوق __ الطبعة الأولی __ مکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة __ سنة 1417ه_/ 1992م.

23. الأمالی __ أبی عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالشیخ المفید __ الطبعة الثانیة __ دار المفید، بیروت __ سنة 1414ه_/ 1993م.

24. الأمالی __ الشیخ أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی __ الطبعة الأولی __ دار الثقافة، قم __ سنة 1414ه_/ 1993م.

25. الإمامة والسیاسة __ أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتیبة __ مؤسسة الحلبی.

26. الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل __ الشیخ ناصر مکارم الشیرازی __ الطبعة الأولی __ الأمیرة، بیروت __ سنة 1426ه_/ 2005م.

27. أنصار الحسین علیه السلام الثورة والثوار __ السید محمد علی الحلو __ الطبعة الأولی __ مؤسسة السبطین العالمیة، قم __ سنة 1425ه_/ 2007م.

28. بحار الأنوار __ العلامة المجلسی رحمه الله __ الطبعة الثانیة المصححة __ مؤسسة الوفاء، بیروت __ سنة 1403ه_/1983م.

29. بدایة الحکمة __ العلامة السید محمد حسین الطباطبائی __ الطبعة الواحدة والعشرون __ مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ سنة 1424ه_/ 2003م.

30. بدایة المعرفة __ الشیخ حسن مکی العاملی __ الطبعة الأولی __ دار الکتاب العربی، قم __ سنة 1425ه_/ 2004م.

31. البدایة والنهایة __ ابن کثیر __ بیت الأفکار الدولیة، بیروت __ سنة 1425ه_/ 2004.

32. البستان معجم لغوی مطول __ الشیخ عبد الله البستانی __ الطبعة الأولی __ مکتبة لبنان، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

33. تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام __ محمد بن أحمد الذهبی __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1426ه_/ 2005م.

ص: 304

34. تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس نفیس __ الشیخ حسین بن محمد الدیاربکری __ دار صادر، بیروت.

35. تاریخ الطبری __ أبی جعفر محمد بن جریر الطبری __ الطبعة الأولی __ دار مکتبة الهلال __ سنة 1424ه_/ 2003م.

36. تاریخ مدینة دمشق __ ابن عساکر __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

37. تحف العقول عن آل الرسول __ الحسن بن علی بن شعبة الحرانی __ الطبعة السابعة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1423ه_/ 2002م.

38.  الترغیب والترهیب زکی الدین عبد العظیم بن عبد القوی المنذری __ الطبعة الثالثة __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1424ه_/ 2003م .

39. تسلیة الفؤاد فی بیان الموت والمعاد __ السید عبد الله شبر __ الطبعة الخامسة __ مؤسسة الوفاء، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

40. التعریفات __ أبو الحسن علی بن محمد بن علی الجرجانی __ الطبعة الأولی __ دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد.

41. تفسیر الطبری __ أبو جعفر محمد بن جریر الطبری __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

42. تفسیر العیاشی __ أبی النظر محمد بن مسعود بن عیاش السلمی السمرقندی المعروف بالعیاشی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1411ه_/ 1990م.

43. تفسیر مجمع البیان __ الشیخ أبی علی الفضل بن الحسن الطبرسی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1415ه_/ 1995م.

44. تفسیر نور الثقلین __ المحدث الجلیل العلامة الخبیر الشیخ عبد علی بن جمعة العروسی الحویزی __ الطبعة الرابعة __ مؤسسة إسماعیلیان، قم __ سنة 1412ه_/1991م.

ص: 305

45. تنبیه الخواطر ونزهة النواظر __ أبی الحسین ورام بن أبی فراس المالکی الأشتری __ مؤسسة الأعلمی، بیروت.

46. تهذیب الأحکام __ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی __ دار التعارف، بیروت __ سنة 1412ه_/ 1991م.

47. تهذیب التهذیب __ ابن حجر العسقلانی __ الطبعة الأولی __ دار صادر، بیروت __ سنة 1325ه_/ 1904م.

48. التوحید __ الشیخ الصدوق رحمه الله __ تحقیق: السید هاشم الحسینی الطهرانی __ الطبعة الثامنة __ مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ سنة 1423ه_/ 2002م.

49. ثواب الأعمال __ الشیخ أبو جعفر محمد بن علی الصدوق __ الطبعة الرابعة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1410ه_/ 1989م.

50. جامع أحادیث الشیعة __ آیة الله السید البروجردی __ المطبعة العلمیة، قم __ سنة 1399ه_/ 1987م.

51. جامع أحادیث أهل البیت علیهم السلام __ الشیخ هادی النجفی __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1423ه_/ 2002م.

52. جامع الأخبار، أو معارج الیقین فی أصول الدین __ الشیخ محمد بن محمد السبزواری __ من أعلام القرن السابع الهجری __ الطبعة الأولی __ مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم __ سنة 1414ه_/ 1993م.

53. جامع الأصول فی أحادیث الرسول __ المبارک بن محمد ابن الأثیر الجزری __ دار الفکر، بیروت __ سنة 1420ه_/ 1999م.

54. جامع الخلاف والوفاق بین الإمامیة وبین أئمة الحجاز والعراق __ علی بن محمد بن محمد القمی السبزواری __ الطبعة الأولی __ سنة 1421ه_/ 2000م.

55. جامع السعادات __ محمد مهدی النراقی __ الطبعة السابعة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

ص: 306

56. الجامع الصغیر __ جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی __ الطبعة الأولی __ دار الفکر، بیروت __ سنة 1401ه_/ 1981م.

57. الجامع الکبیر __ جلال الدین عبد الرحمن السیوطی __ _

58. الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة __ المحقق یوسف البحرانی __ الطبعة الثالثة __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

59. حق الیقین __ السید عبد الله شبر __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1418ه_/ 1997م.

60. حیاة الإمام الحسن علیه السلام __ فاطمة محمود مقلد __ الطبعة الأولی __ دار الهادی، بیروت __ سنة 1423ه_/ 2002م.

61. الخصال __ الشیخ الصدوق أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی __ منشورات جماعة المدرسین، الحوزة العلمیة، قم __ سنة 1403ه_/ 1992م.

62. الدر المنثور فی التفسیر المأثور __ عبد الرحمن جلال الدین السیوطی __ دار الفکر، بیروت __ سنة 1423ه_/ 2002م.

63. الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة __ محمد جمال الدین مکی العاملی __ الطبعة الأولی __ دار الأعراف، بیروت __ سنة 1413ه_/ 1992م.

64. دعائم الإسلام __ النعمان بن محمد التمیمی المغربی __ الطبعة الأولی __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1416ه_/ 1995م.

65. الدعوات __ قطب الدین الراوندی __ الطبعة الأولی __ مدرسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، قم __ سنة 1407ه_/ 1986م.

66. دلائل الإمامة __ محمد بن جریر بن رستم الطبری __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1408ه_/ 1987م.

67. روضة الواعظین __ محمد بن الفتال النیسابوری __ الطبعة الأولی __ مؤسسة دلیل ما، قم __ سنة 1423ه_/ 2002م.

ص: 307

68. الریاض النضرة __ أحمد بن عبد الله المحب الطبری __ الطبعة الثانیة __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1424ه_/ 2003م.

69. سفینة البحار __ الشیخ عباس القمی __ الطبعة الثالثة __ دار الأسوة، إیران __ سنة 1422ه_/ 2001م.

70. السنة __ أبو بکر أحمد بن عمرو ابن أبی عاصم __ الطبعة الثالثة __ دار الصمیعی، الریاض __ سنة 1426ه_/ 2005م.

71. سنن ابن ماجه __ أبو عبد الله محمد بن یزید القزوینی ابن ماجه __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

72. سنن الترمذی __ أبی عیسی محمد بن عیسی بن سورة الترمذی __ الطبعة الثانیة __ دار الفکر، بیروت __ سنة 1403ه_/ 1983م.

73. السنن الکبری __ أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی __ الطبعة الثالثة __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1424ه_/ 2003م.

74. سیر أعلام النبلاء __ شمس الدین الذهبی __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1425ه_/ 2004م.

75. السیرة الحلبی __ أبو الفرج نور الدین علی بن إبراهیم الحلبی الشافعی __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

76. شذرات الذهب فی أخبار من ذهب __ أبو الفلاح عبد الحی بن أحمد بن محمد ابن العماد الحنبلی __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1419ه_/1998م.

77. شرح إحقاق الحق __ آیة الله العظمی السید المرعشی __ منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی، قم.

78. شرح أصول الکافی __ مولی محمد صالح المازندرانی __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000.

ص: 308

79. شرح الأخبار فی فضائل الأئمة الأطهار __ أبو حنیفة النعمان بن محمد التمیمی المغربی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ سنة 1409ه_/ 1988م.

80. شرح نهج البلاغة __ ابن أبی الحدید المعتزلی __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء الکتب العربیة __ سنة 1378ه_/ 1959م.

81. الشفا بتعریف حقوق المصطفی وبذیله مزیل الخفاء عن ألفاظ الشفا __ أبو الفضل عیاض الیحصبی __ الطبعة الأولی __ المکتبة العصریة، بیروت __ سنة 1425ه_/ 2004م.

82. الصحاح / تاج اللغة وصحاح العربیة __ أبو نصر إسماعیل بن حماد الجوهری __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1420ه_/ 1999م.

83. صحیح البخاری __ أبی عبد الله محمد بن إسماعیل البخاری __ دار الفکر __ سنة 1401ه_/ 1981م.

84. صحیح الترمذی __ الترمذی __ دار الفکر، بیروت.

85. الصحیفة السجادیة __ الإمام علی بن الحسین زین العابدین علیهما السلام __ الطبعة الأولی __ منشورات دلیل ما، قم __ سنة 1422ه_/ 2001م.

86. صراط النجاة فی أجوبة الاستفتاءات __ آیة الله العظمی الشیخ المیرزا جواد التبریزی __ الطبعة الأولی __ دار الصدیقة الشهیدة، قم __ سنة 1426ه_/ 2005م.

87. الطبقات الکبری __ ابن سعد __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1418ه_/ 1997م.

88. العدل الإلهی __ الشیخ مرتضی المطهری __ الطبعة الأولی __ دار الفقه، إیران __ سنة 1417ه_/ 1996م.

89. العقائد الحقة __ السید علی الحسینی الصدر __ الطبعة الأولی __ دار العلوم، بیروت __ سنة 1426ه_/ 2005م.

ص: 309

90. علل الشرائع __ أبو جعفر محمد بن علی الصدوق __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1408ه_/ 1987م.

91. عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآیات والأخبار والأقوال __ عبد الله البحرانی الاصفهانی __ الطبعة الأولی __ مدرسة الإمام المهدی علیه السلام، قم __ سنة 1405ه_/1984م.

92. عوالی اللآلی __ محمد بن علی بن إبراهیم الأحسائی المعروف بابن أبی جمهور __ الطبعة الأولی __ مطبعة سید الشهداء، قم __ سنة 1403ه_/ 1983م.

93. عیون أخبار الرضا علیه السلام __ أبی جعف محمد بن علی القمی الصدوق __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1404ه_/ 1983م.

94. الغارات أو الاستنفار والغارات __ ابی اسحاق إبراهیم بن محمد بن سعید بن هلال الثقفی __ الطبعة الأولی __ دار الکتاب الإسلامی، بیروت __ سنة 1410ه_/ 1989م.

95. غرر الحکم __ مجموعة من کلمات وحکم الإمام علی علیه السلام __ عبد الواحد الآمدی التمیمی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1407ه_/ 1987م.

96. فضائل الخمسة __ السید مرتضی الحسینی الیزدی الفیروز آبادی __ الطبعة السابعة __ مکتبة الفیروز آبادی، قم __ سنة 1413ه_/ 1992م.

97. الفوائد البهیة فی شرح عقائد الإمامیة __ الشیخ محمد جمیل حمود __ الطبعة الأولی __ دار الفقه __ سنة 1425ه_/ 2004م.

98. فیض القدیر شرح الجامع الصغیر من أحادیث البشیر النذیر __ محمد عبد الرؤوف المناوی __ الطبعة الأولی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1427ه_/ 2006م.

99. القاموس الفقهی لغة واصطلاحا __ سعدی أبو حبیب __ الطبعة الثانیة __ دار الفکر، دمشق __ سنة 1408ه_/ 1988م.

100. القاموس المحیط __ الشیخ مجد الدین محمد بن یعقوب الفیروز آبادی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة النوری، دمشق __ سنة 1408ه_/ 1987م.

ص: 310

101. قصص الأنبیاء __ قطب الدین الراوندی __ الطبعة الأولی __ دار الانتصار، قم __ سنة 1426ه_/ 2006م.

102. کامل الزیارات __ أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه __ الطبعة الأولی __ مؤسسة النشر الإسلامی.

103. کتاب الفتوح __ أبی محمد أحمد بن أعثم الکوفی __ الطبعة الأولی __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1411ه_/ 1990م.

104. الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون أقاویل فی وجوه التأویل __ محمود بن عمر الزمخشری __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1424ه_/2003م.

105. کشف الغمة __ علی بن عیسی بن أبی الفتح الأربلی __ الطبعة الأولی __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

106. کفایة الأثر __ القاسم علی بن محمد بن علی الخزاز القمی الرازی __ الطبعة الأولی __ دلیل ما، قم __ سنة 1430ه_/ 2009م.

107. کنز العمال __ علی بن حسام الدین المتقی الهندی __ مؤسسة الرسالة، بیروت __ سنة 1989م.

108. کنز الفوائد __ محمد بن علی بن عثمان الکراجکی __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1405ه_/ 1984م.

109. لسان العرب __ ابن منظور الإفریقی المصری __ نشر أدب الحوزة، قم __ سنة 1405ه_/1984م.

110. لسان المیزان شهاب الدین بن حجر العسقلانی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1416ه_/ 1995م.

111. مئة موضوع أخلاقی فی القرآن والحدیث __ الشیخ مکارم الشیرازی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة فقاهت، قم __ سنة 1421ه_/ 2000م.

ص: 311

112. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد __ نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1408ه_/ 1988م.

113. المحاسن __ الشیخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقی __ المطبعة الحیدریة، النجف __ سنة 1384ه_/ 1963م.

114. المحتضر فی تحقیق معاینة المحتضر للنبی والأئمة علیهم السلام __ أبو محمد الحسن بن سلیمان الحلی العاملی __ الطبعة الأولی __ مکتبة العلامة المجلسی، قم __ سنة 1430ه_/ 2009م.

115. المحجة البیضاء __ محمد بن مرتضی المولی محسن الکاشانی __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1403ه_/ 1982م.

116. مروج الذهب ومعدن الجوهر __ ابی الحسن علی بن الحسین بن علی المسعودی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1421ه_/ 2000م.

117. مستدرک الوسائل __ المیرزا حسین النوری الطبرسی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة آل البیت علیهم السلام، بیروت __ سنة 1408ه_/ 1987.

118. المستدرک علی الصحیحین __ أبو عبد الله محمد بن عبد الله النیسابوری __ الطبعة الثانیة __ دار الکتب العلمیة، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

119. المسند __ أحمد بن محمد بن حنبل __ مکتبة التراث الإسلامی، القاهرة.

120. مسند عبد بن حمید أبی محمد عبد بن حمید الکشی __ الطبعة الأولی __ شرکة دار النیل، استنبول __ سنة 1427ه_/ 2006م.

121. مشکاة الأنوار __ ثقة الإسلام أبی الفضل علی الطبرسی __ الطبعة الأولی __ دار الحدیث __ سنة 1418ه_/ 1997م.

122. مشکل الآثار __ أبو جعفر الطحاوی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة الرسالة __ سنة 1415ه_/ 1994م.

ص: 312

123. مصابیح الأنوار __ السید عبد الله شبر _

124. مصباح المتهجد أبی جعفر محمد الطوسی __ مؤسسة الأعلمی، بیروت __ سنة 1425ه_/ 2004م.

125. المصنف فی الأحادیث والآثار __ عبد الله بن محمد بن أبی شیبة الکوفی العبسی __ الطبعة الأولی __ دار الفکر، بیروت __ سنة 1429ه_/ 2008م.

126. معانی الأخبار __ أبو جعفر محمد بن علی الصدوق __ المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف __ سنة 1391ه_/ 1970م.

127. معاویة أمام محکمة الجزاء __ الشیخ مهدی القرشی __ الطبعة الأولی __ دار المحجة البیضاء، بیروت __ سنة 1418ه_/ 1997م.

128. المعجم الکبیر __ أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی __ الطبعة الأولی __ دار العربیة للطباعة، بغداد __ سنة 1319ه_/ 1898م.

129. المعجم الوسیط __ أحمد مصطفی، أحمد حسن الزیات، حامد عبد القادر، محمد علی النجار __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة الصادق علیه السلام للطباعة والنشر __ سنة 1420ه_/ 1999م.

130. مقتل الحسین علیه السلام __ السید عبد الرزاق المقرّم __ الطبعة الرابعة __ دار الأضواء، بیروت __ سنة 1424ه_/ 2003م.

131. مقتل الحسین علیه السلام ومصرع أهل بیته وأصحابه فی کربلاء __ أبو مخنف __ المکتبة الحیدریة، قم.

132. مکارم الأخلاق __ الشیخ رضی الدین أبی نصر الحسن بن الفضل الطبرسی __ الطبعة السادسة __ منشورات الشریف الرضی __ سنة 1392ه_/ 1972م.

133. الملل والنحل __ أبی الفتح الشهرستانی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة ناصر للثقافة _ بیروت __ سنة 1402ه_/ 1981م.

ص: 313

134. من لا یحضره الفقیه __ الشیخ أبو جعفر الصدوق محمد بن علی بن بابویه القمی __ الطبعة الثانیة __ دار التعارف، بیروت __ سنة 1414ه_/ 1993م.

135. منازل الآخرة __ الشیخ عباس القمی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة البلاغ، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

136. مناقب آل أبی طالب __ ابن شهر آشوب __ الطبعة الأولی __ مرکز الأبحاث العقائدیة، قم __ سنة 1421ه_/ 2000م.

137. المنجد الأبجدی __ دار المشرق، بیروت __ سنة 1397ه_/ 1976م.

138. المنطق __ الشیخ محمد رضا المظفر __ مؤسسة النشر الإسلامی، قم.

139. منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة __ العلامة المیرزا حبیب الله الهاشمی الخوئی __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1429ه_/ 2008م.

140. منیة المرید فی أدب المفید والمستفید __ الشیخ زین الدین بن علی العاملی __ الطبعة الخامسة __ مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، قم __ سنة 1422ه_/2001م.

141. موسوعة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ __ محمد الریشهری __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ سنة 1421ه_/2000م.

142. موسوعة العقائد الإسلامیة __ محمد الریشهری __ دار الحدیث، قم __ سنة 1425ه_/2004م.

143. میزان الحکمة __ محمد الریشهری __ الطبعة الأولی __ دار إحیاء تراث العربی، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

144. المیزان فی تفسیر القرآن __ العلامة السید محمد حسین الطباطبائی __ الطبعة الأولی المحققة __ مؤسسة الأعلمی __ بیروت __ سنة 1417ه_ / 1997م.

ص: 314

145. نظریة عدالة الصحابة والمرجعیة السیاسیة فی الإسلام __ أحمد حسین یعقوب __ الطبعة الأولی __ الدار الإسلامیة، بیروت __ سنة 1420ه_/ 1999م.

146. نهج البلاغة __ شرح محمد عبده __ الطبعة التاسعة __ دار البلاغة __ سنة 1425ه_/2005م.

147. نهج السعادة __ الشیخ محمد باقر المحمودی __ الطبعة الأولی __ مطبعة النعمان، النجف __ سنة 1385ه_/ 1964.

148. النهضة الحسینیة __ السید محمد حسن ترحینی العاملی __ الطبعة الأولی __ دار الهادی، بیروت __ سنة 1422ه_/ 2001م.

149. النوادر __ ضیاء الدین أبی الرضا فضل الله الحسینی الراوندی __ الطبعة الأولی __ مؤسسة دار الحدیث الثقافیة، قم.

150. نور الأبصار فی مناقب آل النبی المختار __ مؤمن بن حسین مؤمن الشبلنجی __ الطبعة الأولی __ ذوی القربی، قم __ سنة 1426ه_/ _

151. وسائل الشیعة __ الشیخ محمد بن الحسن الحر العاملی __ الطبعة الثانیة __ مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم __ سنة 1414ه_/ 1993م.

152. وقعة صفین __ نصر بن مزاحم المنقری __ الطبعة الثالثة __ مکتبة السید المرعشی النجفی __ سنة 1418ه_/ 1997م.

153. ینابیع المودة لذوی القربی __ الشیخ سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی __ دار الأسوة، قم __ سنة 1422ه_/ 2001م.

ص: 315

فهرس الآیات

السورة/الآیة

رقم الآیة

رقم الصفحه

--------------------------------------------------

سورة البقرة

(ذَلِکَ الْکِتَابُ لَا رَیْبَ فِیهِ هُدًی لِلْمُتَّقِینَ (2) الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ...)

2-5

ج1، 127 و ج2، 206،207

(یَکَادُ الْبَرْقُ یَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ کُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِیهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَیْهِمْ قَامُوا...)

20

ج1، 96

(وَبَشِّرِ الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...)

25

ج2، 108

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَسْتَحْیِی أَنْ یَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا...)

26

ج1، 241

(وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً...)

30

ج2، 79

(أَبَی وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ)

34

ج1، 249

(وَکُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَیْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ)

35

ج1، 249

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ...)

36

ج2، 62

(فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ...)

59

ج1، 241

(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)

61

ج2، 104

ص: 316

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَیْکَ آَیَاتٍ بَیِّنَاتٍ وَمَا یَکْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ)

99

ج1، 238

(إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ)

110

ج1، 39

(فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلَا تَکْفُرُونِ)

152

ج2، 227

(وَإِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ)

163

ج1، 75

(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)

177

ج2، 67

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصَاصُ فِی الْقَتْلَی...)

178

ج1-180

(إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)

181

ج1، 37

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ...)

183

ج1، 140

(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ...)

194

ج1، 135

(زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَیَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِینَ آَمَنُوا وَالَّذِینَ اتَّقَوْا...)

212

ج1، 250

(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ...)

229

ج1، 181

(وَلَا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ...)

235

ج1، 212، 219

(وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ)

241

ج1، 181

(تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللَّهُ...)

253

ج1، 194

(یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا)

255

ج1، 58، 81، 82، ج2، 205

(أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِی حَاجَّ إِبْرَاهِیمَ فِی رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْکَ...)

258

ج1، 365

(أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَی قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَی عُرُوشِهَا...)

259

ج1، 96

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُهَا أَذًی وَاللَّهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ)

263

ج1، 181

--------------------------------------------------

ص: 317

سورة آل عمران

(وَاللَّهُ عَزِیزٌ ذُو انْتِقَامٍ)

4

ج2، 106

(هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ مِنْهُ آَیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)

7

ج1، 313

(رَبَّنَا إِنَّکَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لَا رَیْبَ فِیهِ إِنَّ اللَّهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیعَادَ)

9

ج1، 223

(زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ...)

14

ج1، 250

(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِکَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ...)

18

ج1، 81

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشَاءُ...)

26

ج2، 191

(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)

36

ج1، 338

(هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً...)

38

ج1، 37

(وَأَمَّا الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ)

57

ج1، 365

(فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ...)

61

ج1، 298، ج2، 93

(بَلَی مَنْ أَوْفَی بِعَهْدِهِ وَاتَّقَی فَإِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ)

76

ج1، 135

(مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُؤْتِیَهُ اللَّهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ...)

79-80

ج1، 233

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

102

ج1، 142

(وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ...)

104

ج2، 86

(وَمَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِینَ)

108

ج1، 61

(کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ...)

110

ج1، 182

(ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ أَیْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ...)

112

ج1، 213، ج2، 103

ص: 318

(وَلَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ)

123

ج1، 130

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً...)

130

ج1، 285

(هَذَا بَیَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًی وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِینَ)

138

ج1، 136

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...)

144

ج2، 15

(إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعَانِ...)

155

ج2، 112

(إِنَّمَا ذَلِکُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)

175

ج1، 234، ج2، 118

(کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ...)

185

ج1، 374، ج2، 98

--------------------------------------------------

سورة النساء

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...)

1

ج1، 336

(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَکُمُ)

5

ج1، 231

(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی حَتَّی إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...)

6

ج1، 181

(وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ)

12

ج1، 220

(تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...)

13

ج2، 206

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا...)

19

ج1، 181

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ...)

40

ج1، 88

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ...)

59

ج1، 293، 294، 295، 330، ج2، 74، 93

(فَلْیُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یَشْرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا...)

74-75

ج2، 54

ص: 319

(الَّذِینَ آَمَنُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ الطَّاغُوتِ...)

76

ج2، 117، 142

(أَیْنَمَا تَکُونُوا یُدْرِکُکُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کُنْتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ)

78

ج2، 14

(وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلَافًا کَثِیرًا)

82

ج1، 308

(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ...)

83

ج1، 293، 294

(وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا...)

93

ج1، 213

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَتَبَیَّنُوا وَلَا...)

94

ج1، 251

(لَا یَسْتَوِی الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ...)

95

ج2، 240

(وَلِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ مُحِیطًا)

126

ج1، 115

(وَلِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ...)

131

ج1، 125

(یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لَا تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ...)

171

ج1، 232

--------------------------------------------------

سورة المائدة

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...)

1

ج1، 221، ج2، 67، 68

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْیَ وَلَا...)

2

ج1، 185

(حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ...)

3

ج1، 237، ج2، 18

(وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا...)

27

ج1، 131، 133، 286

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ)

44

ج2، 78، 206

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

45

ج2، 78

ص: 320

(وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

47

ج1، 238، ج2، 78

(لَوْلَا یَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِیُّونَ)

63

ج2، 106

(لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ وَقَالَ الْمَسِیحُ...)

72

ج1، 24، ج2، 369

(لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ)

78

ج2، 106

(ذَلِکَ أَدْنَی أَنْ یَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَی وَجْهِهَا أَوْ یَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَیْمَانٌ بَعْدَ أَیْمَانِهِمْ...)

108

ج1، 242

--------------------------------------------------

سورة الأنعام

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللَّهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآَیَاتِهِ إِنَّهُ لَا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)

21

ج1، 366، ج2، 290

(وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)

32

ج1، 251

(مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ)

38

ج1، 307

(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَکِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ...)

43

ج2، 115

(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...)

59

ج2، 196

(تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)

61

ج2، 11

(وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلًّا فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ)

86

ج1، 194

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)

91

ج1، 103

(بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّی یَکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ...)

101

ج1، 23

(لَا تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ)

103

ج1، 16، 25، 58، 67، 70

(وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ...)

120

ج1، 88

ص: 321

(وَلَا تَأْکُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْکَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ...)

121

ج1، 237

(قُلْ لَا أَجِدُ فِی مَا أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلَی طَاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً ...)

145

ج1، 238

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ)

149

ج1، 90

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ...)

153

ج1، 140

--------------------------------------------------

سورة الأعراف

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاکُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ)

11-22

ج1، 225، ج2، 16، 114، 116، 230

(یَا بَنِی آَدَمَ لَا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطَانُ کَمَا أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ...)

27

ج1، 331

(الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا)

51

ج2، 47

(أُبَلِّغُکُمْ رِسَالَاتِ رَبِّی وَأَنْصَحُ لَکُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

62

ج1، 144

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُلٍ مِنْکُمْ لِیُنْذِرَکُمْ...)

63

ج1، 130

(أُبَلِّغُکُمْ رِسَالَاتِ رَبِّی وَأَنَا لَکُمْ نَاصِحٌ أَمِینٌ)

68

ج1، 144

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَی آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ...)

96

ج1، 127

(قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا...)

128

ج1، 136

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ...)

143

ج1، 25، 58

(قَالَ یَا مُوسَی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسَالَاتِی وَبِکَلَامِی...)

144

ج2، 227

(وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)

200

ج1، 234، 238

(إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا...)

201

ج1، 128

--------------------------------------------------

ص: 322

سورة الأنفال

(وَمَا لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...)

34

ج1، 135

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لَا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ...)

39

ج2، 55، 59

(لَا غَالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّی جَارٌ لَکُمْ...)

48

ج1، 294، 295، 327، 335، ج2، 115

(ذَلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیکُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ)

51

ج1، 88

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتَالِ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ...)

65

ج2، 55

(إِنَّ الَّذِینَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ...)

72

ج2، 67، 240

--------------------------------------------------

سورة التوبة

(کَیْفَ وَإِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ لَا یَرْقُبُوا فِیکُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً...)

8

ج1، 238

(وَإِنْ نَکَثُوا أَیْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ...)

12

ج2، 88

(قَاتِلُوا الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْیَوْمِ الْآَخِرِ...)

29

ج2، 60، 142

(وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَی الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ...)

30

ج1، 23

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِی کِتَابِ اللَّهِ یَوْمَ...)

36

ج2، 59

(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ کَرْهًا لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْکُمْ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِینَ)

53

ج1، 242

(یَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِی قُلُوبِهِمْ...)

64-68

ج1، 238، ج2، 241

(وَاغْلُظْ عَلَیْهِمْ)

73

ج2، 102

(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ...)

75-76

ج2، 240

ص: 323

(أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُیُوبِ)

78

ج2، 285

(وَلَا تُصَلِّ عَلَی أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَی قَبْرِهِ...)

84

ج1، 239

(یَحْلِفُونَ لَکُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ...)

96

ج1، 242

(وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ)

106

ج1، 166

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَی مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...)

111

ج2، 54

(لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ...)

128

ج1، 350

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ...)

129

ج2، 205

--------------------------------------------------

سورة یونس

(إِنَّ اللَّهَ لَا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئًا وَلَکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)

44

ج1، 61

(وَمَا ظَنُّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ...)

60

ج2، 229

(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَی وَهَارُونَ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَیَاتِنَا...)

92-75

ج2، 203، 209

--------------------------------------------------

سورة هود

(وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

7

ج1، 20

(وَأُوحِیَ إِلَی نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ...)

49-36

ج1، 135، 366، ج2، 196، 199، 208

(وَإِلَی عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ...)

60-50

ج2، 210

(وَإِلَی ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ...)

68-61

ج2، 211

ص: 324

(إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُنِیبٌ)

75

ج1، 219

(وَمَا کَانَ رَبُّکَ لِیُهْلِکَ الْقُرَی بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

117

ج2، 276

--------------------------------------------------

سورة یوسف

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ هَذَا الْقُرْآَنَ...)

3

ج2، 204

(إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ)

100

ج1، 43

--------------------------------------------------

سورة الرعد

(اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ)

16

ج1، 49، 80

(إِنَّ اللَّهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیعَادَ)

31

ج1، 223

(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَی کُلِّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ)

33

ج1، 81

--------------------------------------------------

سورة إبراهیم

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ...)

7

ج2، 222، 228، 229

(أَفِی اللَّهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

10

ج1، 32

(وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ...)

22

ج1، 336، ج2، 117

(أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ...)

26-24

ج2، 126، 134

(یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآَخِرَةِ)

27

ج1، 172، ج2، 131، 132، 133

(وَلَقَدْ آَتَیْنَا إِبْرَاهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا بِهِ عَالِمِینَ)

51

ج2، 213

(إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ)

52

ج2، 213

(قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِینَ)

53

ج2، 214

--------------------------------------------------

ص: 325

سورة الحجر

(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَلَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ...)

39-40

ج2، 117

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِینَ)

42

ج1، 339، 340، ج2، 118، 119

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ)

45

ج1، 126

--------------------------------------------------

سورة النحل

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ...)

28

ج2، 9، 11

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَیْکُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ...)

32

ج2، 10، 11

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ...)

43

ج2، 203

(وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ)

51

ج1، 75

(وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَیْئًا...)

78

ج1، 113

(وَلَا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکَاثًا)

92

ج1، 290

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ ...)

97-99

ج1، 251، 277، 338، 339، 340، ج2، 119

(إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)

99

ج2، 119

(إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِآَیَاتِ اللَّهِ...)

105

ج1، 31، ج2، 285

--------------------------------------------------

سورة الإسراء

(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیرًا)

16

ج1، 240

(انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَکْبَرُ تَفْضِیلًا)

21

ج1، 194

ص: 326

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ...)

34

ج1، 221

(قُلْ لَوْ کَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ کَمَا یَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا)

42

ج1، 75

(وَقُلْ لِعِبَادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطَانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ...)

53

ج1، 328

(وَرَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ...)

55

ج1، 341

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآَنِ)

60

ج2، 125

(قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَی سَبِیلًا)

84

ج1، 62

--------------------------------------------------

سورة الکهف

(وَکَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ مُقْتَدِرًا)

45

ج1، 97

(وَوُضِعَ الْکِتَابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَا وَیْلَتَنَا...)

49

ج1، 285

(قَالَ أَرَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنَا إِلَی الصَّخْرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِیهُ...)

63

ج2، 121

(وَکَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)

82

ج1، 279

(إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الْأَرْضِ وَآَتَیْنَاهُ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ سَبَبًا)

84

ج1، 273

(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحَی إِلَیَّ أَنَّمَا إِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ کَانَ یَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ...)

110

ج1، 350

--------------------------------------------------

سورة مریم

(إِذْ نَادَی رَبَّهُ نِدَاءً خَفِیًّا)

3

ج1، 37

(تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ کَانَ تَقِیًّا)

63

ج2، 90

(یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمَنِ وَفْدًا)

85

ج1، 137

--------------------------------------------------

ص: 327

سورة طه

(إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ إِنَّکَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًی)

12

ج1، 335

(وَمَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِکَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا)

75

ج1، 278

(کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی...)

81

ج1، 214، 215، ج2، 103

(یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا)

110

ج1، 68، 69، 103

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)

111

ج1، 81

(فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطَانُ قَالَ یَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّکَ عَلَی شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْکٍ لَا یَبْلَی)

120

ج2، 116

--------------------------------------------------

سورة الأنبیاء

(قَالَ رَبِّی یَعْلَمُ الْقَوْلَ فِی السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ)

4

ج1، 38

(وَکَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْیَةٍ کَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِینَ...)

11-15

ج2، 207، 212

(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ)

22

ج1، 75، 76

(الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)

49

ج2، 205

(وَلَقَدْ آَتَیْنَا إِبْرَاهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا بِهِ عَالِمِینَ...)

51-69

ج2، 207، 213، 214، 215

(وَإِنْ أَدْرِی أَقَرِیبٌ أَمْ بَعِیدٌ مَا تُوعَدُونَ...)

109-111

ج2، 259

--------------------------------------------------

سورة الحج

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ...)

3-4

ج1، 332، ج2، 64

ص: 328

(وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِیَةٌ لَا رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ)

7

ج2، 205

(لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ...)

53

ج1، 366

(وَجَاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ...)

78

ج2، 54

--------------------------------------------------

سورة المؤمنون

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْکَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَی ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)

18

ج1، 96

(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّیَاطِینِ (97) وَأَعُوذُ بِکَ رَبِّ...)

97-98

ج1، 338

--------------------------------------------------

سورة النور

(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْهَا إِنْ کَانَ مِنَ الصَّادِقِینَ)

9

ج2، 103

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ...)

21

ج1، 332، ج2، 64

--------------------------------------------------

سورة الفرقان

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا یَخْلُقُونَ شَیْئًا وَهُمْ یُخْلَقُونَ...)

3

ج2، 205

(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِیلًا)

24

ج1، 172

(وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَی یَدَیْهِ یَقُولُ یَا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا)

27

ج2، 370

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ...)

44

ج1، 132، ج2، 221

(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِینَ إِمَامًا)

74

ج2، 81

--------------------------------------------------

ص: 329

سورة الشعراء

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ)

90

ج1، 136

(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ)

213

ج1، 76

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ)

220

ج1، 38

(هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلَی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیَاطِینُ)

221

ج2، 113

--------------------------------------------------

سورة النمل

(وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ...)

24

ج2، 63

(قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آَتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ...)

40

ج2، 227

(أَمَّنْ یَهْدِیکُمْ فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...)

63

ج2، 116

(قُلْ لَا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ)

65ج2، 196

--------------------------------------------------

سورة القصص

(اسْلُکْ یَدَکَ فِی جَیْبِکَ تَخْرُجْ بَیْضَاء مِنْ غَیْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَیْکَ جَنَاحَکَ...)

32

ج1، 242

(تِلْکَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا...)

83

ج2، 76

--------------------------------------------------

سورة العنکبوت

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ...)

61

ج1، 33

--------------------------------------------------

ص: 330

سورة الروم

(الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ...)

1-6

ج2، 197، 200

(مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَکُونُوا مِنَ الْمُشْرِکِینَ)

31

ج1، 32

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ...)

41

ج1، 89

(مَن کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ)

44

ج1، 280

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ رُسُلًا إِلَی قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَیِّنَاتِ...)

47

ج2، 143

--------------------------------------------------

سورة لقمان

(وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ...)

12

ج2، 228

(إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)

13

ج1، 330

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ)

25

ج1، 78

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ وَاخْشَوْا یَوْمًا لَا یَجْزِی وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ...)

33

ج2، 98

(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْأَرْحَامِ)

34

ج2، 201

--------------------------------------------------

سورة السجدة

(قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ)

11

ج2، 9، 11

(أَفَمَنْ کَانَ مُؤْمِنًا کَمَنْ کَانَ فَاسِقًا لَا یَسْتَوُونَ)

18

ج2، 240

(وَأَمَّا الَّذِینَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ کُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِیدُوا فِیهَا...)

20

ج1، 241

--------------------------------------------------

ص: 331

سورة الأحزاب

(لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)

21

ج2، 450

(وَکَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرًا)

27

ج1، 97

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)

33

ج1، 296،297،298، 306، ج2، 92، 233

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِیرًا)

45

ج1، 350

(وَدَاعِیًا إِلَی اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِیرًا)

46

ج1، 351

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِیدًا (70) یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ)

70-71

ج1، 288، ج2، 206

--------------------------------------------------

سورة سبأ

(وَقَلِیلٌ مِنْ عِبَادِیَ الشَّکُورُ)

13

ج2، 231

(وَمَا کَانَ لَهُ عَلَیْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ...)

21

ج1، 337

(إِنَّهُ سَمِیعٌ قَرِیبٌ)

50

ج1، 38

--------------------------------------------------

سورة فاطر

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا...)

5

ج2، 99

(إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا یَدْعُو حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِیرِ)

6

ج1، 328، 329

(مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعًا إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ...)

10

ج2، 190، 191

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ)

15

ج1، 25، 49، 80

(وَمَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ)

31

ج1، 61

(وَمَا کَانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْءٍ فِی السَّمَاوَاتِ وَلَا فِی الْأَرْضِ...)

44

ج1، 98

--------------------------------------------------

ص: 332

سورة یس

(أَوَلَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ...)

81

ج1، 95

--------------------------------------------------

سورة الصافات

(طَلْعُهَا کَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّیَاطِینِ)

65

ج2، 111

(وَجَعَلُوا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ...)

158-159

ج1، 24

--------------------------------------------------

سورة ص

(یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...)

26

ج2، 79

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ...)

28

ج2، 89

(وَآَخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفَادِ)

38

ج1، 80

(وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أَیُّوبَ إِذْ نَادَی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)

41

ج2، 121

(هَذَا ذِکْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآَبٍ)

49

ج1، 135

(قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (82) إِلَّا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ)

82-83

ج2، 117

--------------------------------------------------

سورة الزمر

(قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ إِنَّمَا یَتَذَکَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

9

ج2، 203

(إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ)

30

ج2، 15

(وَالَّذِی جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

33

ج1، 137

(أَلَیْسَ اللَّهُ بِعَزِیزٍ ذِی انْتِقَامٍ)

37

ج2، 106

ص: 333

(اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا وَالَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنَامِهَا...)

42

ج2، 10، 11

(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِی لَکُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِینَ)

57

ج1، 136

--------------------------------------------------

سورة غافر

(فَسَتَذْکُرُونَ مَا أَقُولُ لَکُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِی إِلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ)

44

ج1، 39

(اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا...)

61

ج2، 229

--------------------------------------------------

سورة فصلت

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی...)

17

ج1، 88

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)

40

ج1، 260

(وَمَا رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ)

46

ج1، 61

--------------------------------------------------

سورة الشوری

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا...)

11

ج1، 16، 34، 48، 59، 68، 116

(قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ...)

23

ج1، 303، ج2، 92، 234

(وَمَا أَصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیرٍ)

30

ج1، 89

(وَالَّذِینَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ)

39

ج2، 143

--------------------------------------------------

ص: 334

سورة الزخرف

(سُبحَانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ)

13

ج2، 227

(وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمَنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ)

36

ج2، 112

(أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَی وَرُسُلُنَا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ)

80

ج1، 38

--------------------------------------------------

سورة الدخان

(وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ إِنِّی آَتِیکُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ)

19

ج1، 135

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقَامٍ أَمِینٍ)

51

ج1، 136

--------------------------------------------------

سورة الأحقاف

(وَیَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِکُمْ فِی حَیَاتِکُمُ الدُّنْیَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا...)

20

ج1، 241

--------------------------------------------------

سورة محمد

(إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا...)

25

ج1، 235، ج2، 63، 116

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ)

33

ج1، 285

(هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ...)

38

ج1، 80

--------------------------------------------------

ص: 335

سورة الفتح

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیَا بِالْحَقِّ...)

27

ج2، 197

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَیْنَهُمْ...)

29

ج1، 349، ج2، 102

--------------------------------------------------

سورة الحجرات

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا...)

6

ج1، 241

(وَلَکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمَانَ وَزَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ)

7

ج2، 107

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا...)

14

ج2، 107

--------------------------------------------------

سورة الذاریات

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ)

15

ج1، 126

(وَمِنْ کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ)

49

ج1، 30

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ)

56

ج1، 82، 199، 257، ج2، 79، 206

--------------------------------------------------

سورة الطور

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَنَعِیمٍ)

17

ج1، 136

--------------------------------------------------

ص: 336

سورة النجم

(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَی)

3-4

ج2، 91، 235، 236

(مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی)

11

ج1، 69

(وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَی)

13

ج1، 69

(لَقَدْ رَأَی مِنْ آَیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی)

18

ج1، 69

(لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَیَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی)

31

ج2، 105

(وَأَنَّ إِلَی رَبِّکَ الْمُنْتَهَی)

42

ج1، 110

--------------------------------------------------

سورة القمر

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ)

54-55

ج1، 131

--------------------------------------------------

سورة الرحمن

(خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَیَانَ)

3-4

ج1، 19

(کُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ (26) وَیَبْقَی وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِکْرَامِ)

26-27

ج1، 25، 50، 82

--------------------------------------------------

سورة الواقعة

(فَأَمَّا إِنْ کَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ (88) فَرَوْحٌ وَرَیْحَانٌ...)

88-89

ج1، 156

(وَأَمَّا إِنْ کَانَ مِنَ الْمُکَذِّبِینَ الضَّالِّینَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِیمٍ)

92-93

ج1، 156

(وَتَصْلِیَةُ جَحِیمٍ)

94

ج1، 156

--------------------------------------------------

ص: 337

سورة الحدید

(لِکَیْلَا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاکُمْ)

23

ج1، 256

--------------------------------------------------

سورة المجادلة

(یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ)

11

ج2، 203

(اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِکْرَ اللَّهِ أُولَئِکَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ...)

19

ج1، 334، ج2، 63

--------------------------------------------------

سورة الحشر

(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَکْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَی أُصُولِهَا...)

5

ج1، 242

(کَمَثَلِ الشَّیْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ...)

16

ج1، 232، 233

--------------------------------------------------

سورة الممتحنة

(لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِیهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ یَرْجُو اللَّهَ وَالْیَوْمَ الْآَخِرَ...)

6

ج2، 79

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا جَاءَکَ الْمُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أَنْ لَا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئًا...)

12

ج1، 182

--------------------------------------------------

سورة الصف

(وَإِذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ ...)

5

ج1، 243

--------------------------------------------------

ص: 338

سورة المنافقون

(یَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ...)

8

ج2، 189، 190، 294

--------------------------------------------------

سورة التغابن

(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا یُضَاعِفْهُ لَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللَّهُ شَکُورٌ حَلِیمٌ)

17

ج1، 212

--------------------------------------------------

سورة الطلاق

(وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لَا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...)

3

ج1، 129

--------------------------------------------------

سورة الملک

(الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ)

2

ج1، 90

(هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَیْهِ النُّشُورُ)

15

ج1، 273

(إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ بَصِیرٌ)

19

ج1، 39

--------------------------------------------------

سورة القلم

(وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ)

4

ج1، 202، 206، 296، 349

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ کَالْمُجْرِمِینَ)

35

ج2، 90

(یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ)

42

ج1، 63

--------------------------------------------------

ص: 339

سورة المعارج

(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ)

40

ج1، 96

--------------------------------------------------

سورة الجن

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا...)

27-26

ج2، 197، 199

--------------------------------------------------

سورة المدثر

(یُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ)

31

ج1، 314

--------------------------------------------------

سورة الإنسان

(هَلْ أَتَی عَلَی الْإِنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُورًا ...)

1-9

ج1، 300، 302، ج2، 93

--------------------------------------------------

سورة المرسلات

(وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ)

15

ج2، 291

--------------------------------------------------

سورة النازعات

(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَوَی (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوَی)

41-40

ج2، 56

--------------------------------------------------

ص: 340

سورة الفجر

(وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا)

22

ج1، 43، 49

--------------------------------------------------

سورة اللیل

(وَکَذَّبَ بِالْحُسْنَی)

9

ج2، 291

--------------------------------------------------

سورة الضحی

(وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی)

5

ج1، 267

--------------------------------------------------

سورة العصر

(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِی خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

3-1

ج2، 108

--------------------------------------------------

سورة التوحید

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)

1

ج1، 76

(لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ)

3

ج1، 23، 111

--------------------------------------------------

سورة الناس

(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِی یُوَسْوِسُ فِی صُدُورِ النَّاسِ)

5-4

ج2، 116

ص: 341

لم نورد فهرست الأحادیث الشریفة حرصاً علی اختصار

النفقات واکتفینا بوجودها فی الهامش.

ص: 342

المحتویات

الخطبة الثامنة: خطبها فی مکّة لمّا عزم علی الخروج إلی العراق

نص الخطبة

المعنی العام

بحث عقائدی أخلاقی

__ حتمیة الموت ووصفه

__ بحث عقائدی

الإمام علیه السلام مخیّر فی قتله

__ بحث عقائدی

علم الإمام علیه السلام

سؤال مهم

__ صفات الأنصار

1__ العباس علیه السلام

2__ سعید بن عبد الله الحنفی __ رضی الله عنه __

3__ زهیر بن القین __ رضی الله عنه __

4__ بریر __ رضی الله عنه __

ص: 343

الخطبة التاسعة: خطبها عند مسیره إلی کربلاء وفیها یذمّ الدنیا ویحذر منها

نص الخطبة

المعنی العام

__ سبب خروج الإمام علیه السلام

__ وصف أهل الدنیا

__ سعادة فی الموت

__ الروایات التی تفسر الموت

__ الروایات التی تصف موت المؤمن

__ المتظاهرون بالدین

الخطبة العاشرة

نص الخطبة

المعنی العام

__ الجهاد فی سبیل الله تعالی

الأول: جهاد النفس

الثانی: جهاد وقتال الکفار المشرکین

الثالث: جهاد وقتال أهل الکتاب

الرابع: الجهاد دفاعاً عن الإسلام والمسلمین

الخامس: جهاد وقتال أهل البغی

الفئات الباغیة التی یجب جهادها

الفئة الأولی

الفئة الثانیة

الفئة الثالثة

__ صفات أتباع الشیطان

__ لماذا یعرّف الإمام علیه السلام نفسه؟

__ نقض العهد

ص: 344

الخطبة الحادیة عشرة: وفیها یصف فضائل أهل البیت، ویذکر حقّهم، ویذمّ بنی أمیّة

نص الخطبة

المعنی العام

ولایة أهل البیت علیهم السلام

__ صفات الحاکم النموذجی

__ الدین والحکومة

__ المعصوم هو الحاکم النموذجی

__ صفات الحاکم الإسلامی

1__ الورع والتقوی

2__ الکفاءة فی القیادة والولایة

3__ سعة أفقه السیاسی

4__ أن یکون عادلا

__ وجوب الخروج للإصلاح

__ دفع شبهة

1__ آیة التطهیر

2__ آیة المودة

الخطبة الثانیة عشرة: وفیها یذمّ الدنیا ویحذّر منها

نص الخطبة

المعنی العام

__ تغیر الدنیا وتقلبها

__ الغضب المذموم والممدوح

ص: 345

_ غضب الله _ تعالی _ ونقمته

غضب الله _ تعالی _

__ انتقام الله تعالی

__ الانقلاب بعد الإیمان

استحواذ الشیطان

__ أسئلة مهمة

الخطبة الثالثة عشرة: وفیها یذمّ بنی أمیّة، ثمّ ینبّه علی حقه

نص الخطبة

المعنی العام

الشجرة الملعونة

__ هل القصد من الآخرة فی الآیة هو القبر؟

__ دور الثبات والاستقامة

الشجرة الطیبة والخبیثة فی الروایات الإسلامیة

إمامة المعصوم وطاعته نجاة

الخطبة الرابعة عشرة: وفیها یُذکّر الناس بما کتبوا إلیه

نص الخطبة

المعنی العام

إلقاء الحجة

__ هل یجوز للإمام الرجوع؟

ص: 346

الخطبة الخامسة عشرة: وفیها یُقرّع أهل الکوفة

نص الخطبة

المعنی العام

الغدر

آثار الغدر

نصائح لابد منها

نسب الدعیّ (عبید الله بن زیاد)

__ صورة عن أبیه زیاد

نهج البلاغة __ خطب الإمام علی علیه السلام __ ج3 __ ص19 إلی 20

مصباح البلاغة (مستدرک نهج البلاغة) __ المیرجهانی __ ج4 __ ص111 إلی 112

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص925 إلی 933

الأمالی __ الشیخ الطوسی __ ص620 إلی 621

مناقب آل أبی طالب __ ابن شهر آشوب __ ج3 __ ص174

کتاب المحبر __ محمد بن حبیب البغدادی __ ص479

السرائر __ ابن إدریس الحلی __ ج3 __ ص435

الإیضاح __ الفضل بن شاذان الأزدی __ ص549 إلی 552

شرح نهج البلاغة __ ابن أبی الحدید __ ج16 __ ص189 إلی 193

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص809 إلی 810

مستدرکات علم رجال الحدیث __ الشیخ علی النمازی الشاهرودی __ ج3 __ ص447 إلی 448

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص304

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص419

إلزام النواصب __ مفلح بن راشد __ ص170 إلی 171

عبید الله

التقیة __ الشیخ الأنصاری __ ص69

العقد المنیر __ السید موسی الحسینی المازندرانی __ ص66

واقع التقیة عند المذاهب والفرق الإسلامیة من غیر الشیعة الإمامیة __ ثامر هاشم حبیب العمیدی __ ص127

سبل السلام __ محمد بن إسماعیل الکحلانی __ ج4 __ ص190

نیل الأوطار __ الشوکانی __ ج8 __ ص47

ص: 347

مستدرکات علم رجال الحدیث __ الشیخ علی النمازی الشاهرودی __ ج8 __ ص581

تاریخ ابن معین، الدوری __ یحیی بن معین __ ج2 __ ص369

سیر أعلام النبلاء __ الذهبی __ ج3 __ ص543 إلی 549

شیخ المضیرة أبو هریرة __ محمود أبو ریة __ ص179

المعارف __ ابن قتیبة __ ص347 إلی 348

معجم البلدان __ الحمودی __ ج1 __ ص530

بلاغات النساء __ ابن طیفور __ ص140

تاریخ الکوفة __ السید البراقی __ ص73 إلی 74

مستدرکات أعیان الشیعة __ حسن الأمین __ ج1 __ ص286

أعیان الشیعة __ السید محسن الأمین __ ج1 __ ص585

الکنی والألقاب __ الشیخ عباس القمی __ ج1 __ ص301 إلی 303

الغارات __ إبراهیم بن محمد الثقفی __ ج2 __ ص558 إلی 561

العزة للمؤمنین

نصائح لمن أراد العز

__ الإمام وعلم الغیب

سؤال مهم

__ علم الغیب وفوائده

فوائد الإیمان بالغیب

فوائد

فوائد

الخطبة السادسة عشرة

نص الخطبة

المعنی العام

شکر المنعم

__ أسئلة حول الشکر

__ نصیحة

__ شهادة لا تُرد

__ أصحاب الإمام الحسین علیه السلام

ص: 348

معنی الصحابة

__ نظریة عدالة جمیع الصحابة

1__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی علی علیه السلام

2__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة علیها السلام

3__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الحسن علیه السلام

4__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الحسین علیه السلام

5__ إساءة بعض أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم لبعضهم

6__ إساءة بعض أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام إلیه

7__ إساءة بعض أصحاب الإمام الحسن علیه السلام إلیه

__ أفضلیة أصحاب الحسین علیه السلام

__ المعصوم یشهد

__ مواقف الأصحاب

الخطبة السابعة عشرة: ومن خطبة له علیه السلام

الخطبة السابعة عشرة: ومن خطبة له علیه السلام

نص الخطبة

المعنی العام

__ فی الإنصاف سعادة

__ نصائح فی الإنصاف

__ بحث عقائدی

هل یکذب الإمام سهواً أو نسیاناً؟

__ الکذب وآثاره

__ آثار الکذب

__ نصائح

النصیحة الأولی

النصیحة الثانیة

النصیحة الثالثة

ص: 349

النصیحة الرابعة

النصیحة الخامسة

النصیحة السادسة

__ إباء الإمام الحسین علیه السلام

العزّة

الشجاعة

__ الغیرة والحمیة

الکمالات الأخری

فهرس المصادر

فهرس الآیات

المحتویات

ص: 350

اصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

إبکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبدالله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

ص: 351

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج1

21

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج2

22

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج3

23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

ص: 352

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمدعلی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبدالکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمدعلی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.