الطفیات: المقوله والاجراء النقدی

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد لسنة 2011 __ 2193

الرقم الدولی: 9789933489106

المصلاوی، علی کاظم.

الطفیات: المقولة والإجراء النقدی / [تألیف] علی کاظم المصلاوی؛ [تقدیم محمد علی الحلو]. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1433ق. = 2012م.

ص248. – (جداول)، (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ 71).

المصادر: ص 233 - 243؛ وکذلک فی الحاشیة.

1 . واقعة کربلاء، 61ق. – شعر رثاء – دراسة وتحقیق. 2. الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61 ق. – شعر رثاء. 3 . الأربعة عشر معصوما – شعر . 4 . الشریف الرضی، محمد بن حسین، 359 – 406 ق. – شعر – دراسة وتعریف. 5. الکواز الحلی، صالح، 1818 – 1873م. – شعر – دراسة وتعریف. 6. أبو الحب، محسن، 1305 – 1369ق. – شعر – دراسة وتعریف. 7. الشعر المذهبی العربی. 8. شعراء الطف – القرن 4 – 14 ق. – نقد وتفسیر. 9. محمد بن الحسن (عج)، الإمام الثانی عشر، 255ق. – شعر. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 -   م.، مقدم. ب. العنوان.

7 ط   8 ص / 4870 PJA

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

الطفیات

المقولة والاجراء النقدی

د. علی کاظم المصلاوی

إصدار

 وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

 فی قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1433ه_ - 2012م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

البرید الالکترونی:  info@imamhussain-lib.com

ص: 5

مقدمة اللجنة العلمیة

إذا أردنا أن نقرأ الواقعة العاشورائیة علی أساس القضیة التاریخیة فإن ثمة وقائع تتوالی علی المخیلة البحثیة فتحیل الصورة إلی مشهد تصویری تتداعی فیه المواقف بین مشاهدات تراجیدیة تدفع بالهاجس الذاتی إلی شعور استلاب القدرة علی التحکم بالعواطف، فتنهمر المشاعر إلی إحالات تعجیزیة تقهر الإرادة علی التماسک والصمود... وهذا نوع إبداع یدفع بالواقعة الطفیة إلی تصدّر الجهود البحثیة التی راودت الجمیع، فبین مبدع فطری، وبین مخفق یندرج فی سلک الاخفاق السیاسی، أو الوهم الفکری المتعثر، ولم یقتصر هذا الإبداع البحثی علی الواقعة التاریخیة حتی أتبعه الإبداع الأدبی المنطلق من وجدانیات تعایش الحدث الکربلائی لتتکلل بإبداعات القصیدة الطفیة، ولعل تراکم الوجدانیات الطفیة للشاعر الحسینی تنامی حساً أدبیاً جدیداً یتعایش مع الأنساق الوجدانیة الممتلئة بالعاطفة لتحدث الصورة، المخیلة، النسق، الوحدة، الانبعاث، الرغبة ومن ثم الانطلاق إلی «لونٍ أدبیٍ تجسیدی» یحتفر الحادثة لیخرجها قصیدة، وتتصاعد امکانیة الأدیب إلی إمکانیات إبداعیة تولد القصیدة التی أطلق علیها الأستاذ الباحث «الطفیات» ولعل اختیار المصطلح ینطلق من إبداع آخر استثمره الباحث لتتولد فنیة الطفیات. فالطفیات غرض کربلائی یوظفه الشاعر

ص: 6

لدراساته والذی تکفله کتاب «الطفیات، المقولة والإجراء» للدکتور علی کاظم المصلاوی، الذی استعرض هذا اللون الأدبی لشعراء ثلاثة الشریف الرضی، والشیخ محسن ابو الحب، والشیخ صالح الکواز، فالأول من رواد الشعر للقرن الثالث للهجرة والثانی من رواده للقرن الثانی عشر للهجرة والثالث من رواد الشعر للقرن الثالث عشر، مما یعنی أن الباحث حاول أن یجمع فی مطاوی بحثه عینات طفیة متباعدة بعضها ومتقاربة أخری...

وقد أبدع الباحث فی إثارة مثل هذه الإثارات الأدبیة التی کانت تستقر فی حافظة الرواة أکثر من کونها تشکّل بحوثاً أدبیة بکراً تضیف للذاکرة الأدبیة نسقاً أدبیاً آخر، وللخزین الأدبی ثروة أدبیة جدیرة بالبحث کما هی جدیرة بالتقدیر.

السید محمد علی الحلو

النجف الأشرف

ص: 7

تقدیم الکتاب

إن العقلیة التنظیریة، أی القادرة علی صناعة مقولة أو نظریة جدیدة، لا تتمکنها جمیع الذوات، بل تتفرد بعضها بحیازتها؛ ذلک أنها تحتاج إلی جملة أمور أهمها مقدرة التأمل الفاعل، والنظر إلی المعلومة من زوایا لا یلتفت إلیها الآخرون، ولاسیما تلک التی توصف بالنضج أو الاکتمال.

وفی ظل معاناة المثقف العراقی تزداد مسافة التوتر بین قطبی الثبات علی المعلومة المتوافرة والحفر عن معلومة جدیدة، والمفترض أن القحط الذی نثرته الظروف علی قبعتنا الوطنیة تجعل من القطب الأول (التقلیدی) هو المتفشی فی أنساقنا الثقافیة، لکننا نفاجأ بوفرة المرکوزین فی القطب الثانی (غیر التقلیدی)؛ ولعل المعلل الرئیس المقنع لهذه الحالة الشاذة (المبدعة) هو المعلل الأناسی الذی یقول:

إن العمق الحضاری لذوات المعاصرة یؤثر فی إمکانات التفکیر ومعطیات التعامل الثقافی علی مسیرة حیاتها عبر الأجیال، فالعمق السومری والاکدی لا محالة یلقی بظلاله علی الذات العراقیة طیلة تناسلها السابق والآنی والآتی.

ولو رجعنا إلی مسوغ آخر مفاده إفرازات المعاناة لوجدنا داعماً آخر لانفلات المثقف العراقی من أزمة الثبات التی یحتمها الظرف، فالراسخ فی عقیدة الثقافة (أن الإبداع ابن المعاناة)، ویجمع الدعامتین السابقتین نصل إلی قناعة، ولو أولیة، لبروز

ص: 8

عقلیات عراقیة تنظیریة فی ظل مرحلة لم یرد لها أن تعطی هذه النتائج.

الأمثلة فی الواقع کثیرة وسنقف عندها فی فرص قابلة إن أتیحت، لکننی أردت الوقوف عند أطروحة مصطلحیة عراقیة ذات بُعد مفاهیمی انطلق من سیاق التقلید، فالراسخ فی عقیدة الثقافة العربیة والعراقیة منها علی وجه الخصوص أن (الطف) تلک الواقعة التاریخیة تستبطن العَبرة والعِبرة، بفتح العین مرة وکسرها أخری.

لکننا لم نجد منذ مدة مدیدة طرح مصطلحات جدیدة ولاسیما فی منظومة النقد الأدبی تنبثق من خصوصیة هذه الواقعة؛ ربما لغلبة العَبرة، بفتح العین.

لکننا قرأنا قبل مدة أطروحة (الطفّیّات) للأستاذ المساعد الدکتور علی المصلاوی التی جعلت من دخول أدب هذه الواقعة فی النقد الأدبی الحدیث دخولاً مرحباً به بعیداً عن القالبیة الجاهزة لتصنیف فریقها.

فالمهم هو تفریغ النص من حمولاته السیاقیة إلا الرابط التاریخی وشحنه بحمولات نصیّة یقدمها ما قیل من أدب آنذاک.

فالطفیات مصطلح جدید یعنی بدراسة أدب واقعة الطفّ وفقاً لبعدی المتن الرئیس (کل ما قیل فی الطفّ) والملازمات أو المصاحبات (أی ما یصاحبها من متون مجاورة تعمل علی کشف الدلالة القدیمة أو استضافتها لتولید دلالة جدیدة).

هذا المصطلح أراه نقلة نوعیة للسماح بتداول (أدب الطفّ) بعیداً عن الحساسیات العقائدیة التی تتولد عند الآخر؛ لأنه یعنی بالجمالیات وعناصر الإبداع الأدبی، وهی مستویات نقدیة یشترک فیها الجمیع.

بقلم الدکتور مشتاق عباس معن

ص: 9

المقدمة

لم یزل الشعر المتعلق بواقعة الطف یحتفظ بحرارة فی قلوب مستمعیه کلما تجددت ذکری هذه المأساة فی کل عام، وهذا دلیل علی انه شعر ملیء بالمشاعر والأحاسیس، فضلا عن الأفکار والأهداف السامیة التی یدعو لها ویرید ان یثبتها فی قلوب مستمعیه وعقولهم.

وما ترجو من شعر اخلص صاحبه فی إنتاجه وتسامی هدفه فی نظمه، وحشد کل طاقاته فی سبیل إخراجه بأبهی حلة لیکون سببا عن طریقه ینال الشفاعة فی الدار الآخرة ممن کانوا له عونا وسندا فی حیاته وملهما لقصیده وأشعاره: محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام وبابهم الواسعة الحسین سید الشهداء علیه السلام.

فارتفع هذا الشعر عن حضیض المادیات والنفعیات إلی مرتبة الإخلاص والصدق فی التعبیر عن قضیته لذا کان جدیرا ان یدرس وان یتمعن فی استکناه خصائصه الأسلوبیة والجمالیة لان صاحبه یحاول الخروج به من حیز التقلیدیة إلی حیز الإبداع والتفنن والتفرد، فهو لیس أمام سلطة ما بقدر ماهو أمام حالة من التأمل والتفاعل والاستشعار بقضیته والتعبیر عنها باللغة.

هذه المسالة أحسها الأعداء ووعوا علیها فحاولوا لسنین متطاولة ان یغمطوا حق هذا الشعر بالظهور والسطوع، فنعتوه بأوصاف دلَّت علی استحقاره والتهوین من شأنه، والمفارقة المحزنة انهم سمحوا لأنفسهم دون غیرهم بدراسة هذا الشعر وإصدار

ص: 10

الأحکام والمفتریات الکثیرة فی حقه؛ ولم یستطع احد إلی وقت قریب ان ینتصرلهذا الشعر أو ینتصف له، أو یأتی ببراهین تفند ما ذهبوا إلیه والی غیر ذلک..

من هنا تولَّدت عندی قضیة إعادة النظر فی هذا الشعر والتعامل معه علی أسس منهجیة بعیدا عن الاطروحات التی مسته أو حاولت المساس به، متخذا مدخلا جدیدا اشتققته من المصدر الرئیس له وهو واقعة الطف فأسمیته (الطفیات) لیسلط الضوء علی الشعر الذی خصَّ فی هذه الواقعة وأبعادها وما عرضته من صور البطولة والفداء والتضحیة.

ومشروع (الطفیات) هذا کان علی شکل خطی وئیدة، وکلما مشیت خطوة فیه فتح لی الباب واسعا أمام الخطوة الثانیة والی الآن..، وهذا الکتاب حصیلة تلک الخطی وثمرة أولی فی هذا المشروع الضخم الذی أدعو من خلاله جمیع الباحثین والمهتمین لیثوِّروه بمختلف الاتجاهات والرؤی، فلم یزل کثیر من الدواوین لشعراء کان لهم الأثر الکبیر فی مسیرة هذا الشعر لم تحقق، والتی حققت أو جمعت لم تدرس، والتی درست لم تستکمل جوانب الدراسة فیه، وغیر ذلک فضلا عن ظواهر عدة تتعلق ب_(الطفیات) وما یتفرع منها جدیرة بالدرس والبحث لم یسلط الضوء علیها إلی الآن وبخلدی ان ادرسها أو تکون مشاریع لطلبتنا فی الماجستیر أو الدکتوراه ان شاء الله تعالی.

و الجدیر بالذکر انه من خلال طرحی لمقولة (الطفیات) والإجراء علیها أردت تثبیت وتوجیه النظر إلی جملة من الأمور أهمها:

أولا: ان قصیدة الحسین علیه السلام التی نعتها ب_(الطفیة) قصیدة لها بناؤها الفنی الخاص الذی اکتسبته من خلال موضوعها المتعلق بواقعة الطف. والطفیة إفراز من قصیدة أوسع تعلقت بأهل البیت علیهم السلام؛ فالمعروف فی تطور هذا اللون من الشعر انه نشأ نتفاً ومقطعات ثم اندمج فی القصائد التی خصَّت أهل البیت علیهم

ص: 11

السلام، ثم بدا ینفرد بقصائد کالذی وجدناه فی شعر الشریف الرضی وهو ما حمله الإجراء الأول.

ثانیا: حاولت من خلال مقولة الطفیات والإجراء علیها ان أُدلل علی ان مدرسة شعراء الشیعة کان لها أصول ینطلقون منها، وکان أعظم وأقوی أصل هو قضیة الطف، إذ کانت محورا یلتقی عنده وفیه شعراء الشیعة ویتنافسون ویتبارون مهما تباعد الزمن بینهم لینظموا أفضل ما تجود به قریحتهم من إبداع، فالتفنن فی إنتاج القصیدة الطفیة عندهم جعلهم یصلون إلی نمط من الأداء لم یکن معروفا عند غیرهم من الشعراء.

ثالثا: أردت من خلال اختیاری شاعرین من حقبة القرن التاسع عشر ان أبرهن علی ان أدب تلک الحقبة عند شعراء الشیعة وأدبائهم ومثقفیهم لم تکن بالحقبة المظلمة کما نعتها بعضهم بل هی حقبة مضیئة یمکننا ان نفخر بها ونعتز لا ان ندیر وجوهنا عنها ضاربین بها عرض الحائط دون ان نکون علمیین موضوعیین ممسکین بقلم الذوق والخبرة فی سبیل الکشف الجمالی فی تلک النصوص التی لم تر الضوء منذ عشرات السنین. اما مصطلح (الحقبة المظلمة) فهو مصطلح ظالم أو غیر دقیق للنصوص الأدبیة الشیعیة علی وجه الخصوص.

رابعا: مثلت (القرآنیة) فی (الطفیات) إحدی الظواهر البارزة عند الشیخ صالح الکواز الحلی ومن خلالها استشفینا طبیعة تعامل الشاعر مع القران وتوظیفه فی بناء (الطفیات) وکان ذلک البناء مثیر للدهشة والاستغراب فضلا عن الانبهار والتعجب من هذا الأداء الغریب علی الشعر العربی بشکل عام، والذی انعکس علی بناء القصیدة بشکل کلی.

خامسا: ومن خلال الإجراء الأخیر علی دیوان الشیخ محسن (أبو الحب) الکبیر

ص: 12

فتح الباب أمام توسیع مقولة (الطفیات) نتیجة لامعان الشاعر بقضیة الطف ورجالاته وتفصیلات الأحداث التی وقعت، فتعدی الشاعر مرحلة نظم الطفیات العامة التی خصت الحسین علیه السلام ومن استشهد معه فی واقعة الطف وما جری بعدها من أحداث إلی طفیات خاصة برجالات الطف ک_: العباس علیه السلام وعلی الأکبر علیه السلام والحر الریاحی علیه السلام والشهداء عموما علیهم السلام... ونعتها ب_(المصاحبة للطفیات) وخصوصیتها متأتیة من إعطائها أبعادا جدیدة فی التعبیر عن واقعة الطف وألوانا زادت من وضوح ملامح الأحداث التی وقعت.

سادسا: ومن خلال الإجراء الأخیر أیضا کشف البحث عن تطور جدید اتجهت إلیه الطفیة وهو ما وسمته ب_(قصیدة الاستنهاض) التی نشأت من رحم (الطفیات) إذ کان الاستنهاض بذکر الإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف من الأمور الموضوعیة التی تذکر فی الطفیة ثم اخذ هذا الأمر بالتنامی والاستقلال علی ید مجموعة من شعراء حقبة القرن التاسع عشر وما بعده حتی أصبح ظاهرة ملفتة للنظر فی دواوینهم.

وتجدر الإشارة إلی ان مادة الکتاب اشتملت علی تمهید اوضحتُ فیه جذور المصطلح (الطفیات) اللغویة وسبب تبنیه وفکرته وعلاقته بمجموعة من المصطلحات المقاربة له. وتبع التمهید أربعة إجراءات تمثل الأول ب_(طفیات الشریف الرضی دراسة فی البنیة الفنیة)؛ والثانی ب_(طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی دراسة موضوعیة تحلیلیة) والثالث ب_(القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی) والرابع ب_(دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر دراسة فی الموضوع الشعری).

وهذه الإجراءات عبارة عن بحوث منشورة فی مجلات علمیة محکمة لم أُغیر بها شیئاً کثیراً إلا ما اضطررتُ له لأسباب إخراج الکتاب علی هذا النحو، لذا سیلحظ القارئ الکریم أعادة لتعریف مصطلح (الطفیات) فی الإجراءات الأربع وتعریفاً للشاعر

ص: 13

صالح الکواز الحلی فی إجراءین. وفضلاُ عن ذلک فأنی لم اکتب خاتمة للکتاب لأنی اکتفیت بما طرحته فی مقدمته وما حوته خواتیم الإجراءات المعمولة.

وینبغی التنویه إلی أن الإجراءین الثالث والرابع قد شارکنی بهما السیدة کریمة نوماس المدنی الأستاذ المساعد فی کلیة التربیة جامعة کربلاء إذ أعانتنی علی إکمالهما وشارکتنی أفکاری وما توصلتُ إلیه من نتائج فشکراً جزیلاً لها علی ما بذلته من جهد وفقها الله تعالی لکل خیر.

 بقی ان أقول ان مصطلح (الطفیات) مشرع ضخم یتمثل فی إعادة النظر فی الأدب الشیعی ورؤیته من زاویة جدیدة تلیق به وتکشف النقاب عما خفی منه.وأساس ذلک التعامل مع النصوص بصورة تحلیلیة مکتشفین ما بها من أبعاد أسلوبیة وجمالیة دون الترکیز علی خلفیات النص المذهبیة والعقائدیة والسیاسیة إلا بقدر تعلقها بالنص؛ فهذه الأمور تبعدنا کثیرا عن استکشاف طریقة الشاعر فی صیاغة موضوعه باللغة، وکیفیة إثارة المتلقی وشحذ ذهنه بمختلف الألوان والصور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.

ص: 14

التمهید

(الطفیات) الجذور والمقاربات

الطفیات تنتمی إلی الطف بالفتح والفاء المشددة، وهو فی اللغة ما أشرف من أرض العرب علی ریف العراق(1)، والطف ساحل البحر وفناء الدار(2) وقیل طف الفرات أی الشاطئ، والطفوف: جمع طف وهو ساحل البحر وجانب البر(3). والطف: أرض من ضاحیة الکوفة فی طریق البریة فیها مقتل الحسین بن علی علیه السلام، وهی أرض بادیة قریبة من الریف فیها عدة عیون ماء جاریة(4).

أما الطفیات علی صعید الاصطلاح، فهو مصطلح آثر الباحث نسبته إلی القصائد المتضمنة وصفاً لواقعة الطف وما جری فیها من فاجعة حلَّت بالحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه، ولا ریب فی انَّ هذا المصطلح یشمل جمیع القصائد أو الأشعار التی بکت الحسین وتفجَّعت بمقتله فی تلک الواقعة الألیمة منذ حلولها سنة


1- ینظر / معجم البلدان: 4 / 35 – 36، ولسان العرب: 9 / 221، وتاج العروس: 6 / 182، ومجمع البحرین: 3 / 52.
2- لسان العرب: 9 / 221.
3- م. ن، ومجمع البحرین: 3 / 52.
4- معجم البلدان: 4 / 35 – 36، وینظر / لسان العرب وتاج العروس ومجمع البحرین فی المواطن المتقدمة وقد أشارت جمیعها إلی استشهاد أو مقتل الحسین علیه السلام فی هذه الأرض.

ص: 15

إحدی وستین للهجرة وإلی الآن..

والذی جعل الباحث یستأثر بهذا المصطلح أمورٌ عدة أبرزها أنَّ واقعة الطف شکلت منعطفاً تاریخیا مهماً فی حیاة الشیعة بشکل خاص، وحیاة المسلمین بشکل عام، فقد کان یوم الطف دلیلاً دامغاً علی ظلم بنی أمیَّة لأهل بیت النبوة، وتوجوا ظلمهم بقتل الحسین علیه السلام ومن معه فی واقعة الطف الشهیرة، فکان هذا الیوم یوم ظلامة الشیعة الذین راحوا یستمدون قوتهم وصبرهم وتصدیهم لأعدائهم من ذلک الیوم الرهیب مستلهمین فیه قوة الحسین علیه السلام وصبره وتصدیه للظالمین.

أما الأمر الثانی الذی نراه هو أنه إذا ذکر الحسین علیه السلام ذکرت واقعة الطف، وإذا ذکر الطف ذکر الحسین علیه السلام شهیداً وبطلاً وقع علی أرضه، ومن هنا کانت العلاقة جدلیة بین الشخصیة والمکان لا تفترق بینهما فلا یذکر احدهما إلا ذکر الآخر.

وحین استقرا الباحث عددا من الدواوین الشعریة التی اهتمَّ شعراؤها بواقعة الطف، وکان لها الرصید الأوفر من قصائدهم وأشعارهم من أمثال السید حیدر الحلی، والسید جعفر الحلی، وابن کمونة، وجواد بدقت الأسدی والشیخ محسن أبو الحب الکبیر وغیرهم(1) وجدنا ثلاثة أمور تخص تلک الأشعار والقصائد، وهی:

أولاً: رتِّبت هذه القصائد فی عددا منها - أی الدواوین - من لدن محققیها علی أساس القافیة.

ثانیاً: أدرجت هذه القصائد فی باب الرثاء، وهذا الأمر لا یتنافی مع واقع الطفیات من حیث کونها أشعاراً رثائیة مخصصة فی استشهاد الحسین علیه السلام ونفر من أهل بیته وأصحابه فی واقعة الطف، ولکن إدراجها مع قصائد الرثاء الأخری لا


1- تنظر قائمة المصادر والمراجع فی التعریف بدواوین الشعراء ومحققیها.

ص: 16

یعطیها ذلک التخصص والأهمیة التی یجب أن ت_أخذها بوصفها قصائد لها امتیازات فنیة وموضوعیة معینة لا تمتلکها فی کثیر من الأحیان قصائد الرثاء الأخری علی الرغم من اشتراکها بالتفجع والرثاء علی الشخص المرثی.

وهذا الأمر یصدق أیضاً علی الأمر الأول، أی ترتیب تلک القصائد علی أساس القافیة فهو لا یعطیها تلک الأهمیة ولا ذاک التخصص والامتیاز علی الرغم من أنه سمت علمی ومعمول به أکادیمیاً.

ثالثاً: عنونة هذه القصائد ب_(العلویات)، وواضح أنَّ هذا العنوان لا یتوافق مع ما اندرج تحته، فالذی یتبادر إلی الذهن فور سماع هذا العنوان هو أنه ستکون تحته الأشعار أو القصائد التی قالها الشاعر فی حب الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام والمتضمنة وصفاً لمآثره وبطولاته التی حفل بها سجله التاریخی کما هو الحال فی (القصائد العلویات) لابن أبی الحدید المعتزلی (ت 656 ه_)(1).

ولکن جامع دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی أشفع العنوان بتعریف له بقوله: "وهی قصائده فی رثاء الحسین بن علی وبقیة الشهداء (علیهم السلام)..."(2).

ولنا هنا ان نتساءل عن سبب وضع هذا العنوان لهذه القصائد ؟ ألم یشعر جامع الدیوان بهذه المفارقة؟ أما کان الأوفق لو وسمها ب_(الحسینیات) نسبة إلی الحسین علیه السلام، وهذا ما له دلالة بینة علی محتواه؟

بدءاً نقول إنَّ جامع الدیوان هو الأدیب الشیخ محمد علی الیعقوبی الذی جمع وحقق کثیراً من دواوین حقبة القرن الثامن عشر والتاسع عشر قد أفرد هذه القصائد اعتزازاً منه بها، وتقدیراً فنیاً لها فعزلها عن مراثی الشاعر الأخری، ومن ثمَّ لم تکن


1- الروضة المختارة المتضمن شرحی: الهاشمیات للکمیت والعلویات السبع لابن أبی الحدید المعتزلی.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 15.

ص: 17

عنونته لها من دون قصد مسبق، وشعوره بالمفارقة وراء نسبة الحسین علیه السلام إلی أبیه الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی تعریفه (العلویات).

أما مصطلح العلویات فیرجع إلی لفظة (علوی) الذی یطلق علی الشخص المخلص فی حبه وانتمائه إلی الإمام علی ولفاطمة الزهراء(علیهما السلام) أو المنتسب إلیهما، وما الحسین علیه السلام إلا ممثل عنهما وامتداد حقیقی لهما، لذا کانت تسمیة الیعقوبی لهذه القصائد ب_(العلویات) من هذا المنطلق لکنَّه أحسَّ بالمفارقة التی تحدث فی نفس القارئ فوضع تعریفاً لها کی یذهب الالتباس عنه.

وهذا الافتراض مقبول لو لم یقم الشاعر نفسه أو أقرانه من شعراء أو أدباء فی تلک الحقبة بإطلاق هذا المصطلح علی هذه القصائد ووصوله إلی جامع الدیوان ومع ذلک فإنَّ الافتراضین یعودان إلی منطلق واحد کما أوضحنا.

أما مصطلح (الحسینیات) فإنه مصطلح معروف متداول، ولکن لا علی أمور الشعر وإنما علی الأماکن الخاصة التی یقام فیها مجالس العزاء علی أبی عبد الله علیه السلام ویقدم فیها الأکل والشرب والضیافة للزائرین فضلاً عن کونها جوامع تقام فیها الصلاة، ولتعانق هذا المصطلح مع هذه الأمور یصعب أن تنتقل دلالته إلی أمر آخر هو الشعر، وعلی الرغم من استقطاب بعض هذه الحسینیات للمهرجانات الشعریة التی کانت تقام فی المناسبات الدینیة الخاصة فی عاشوراء وغیرها.

وتجدر الإشارة إلی إطلاق الشیخ محسن (أبو الحب) الکبیر (ت 1305 ه_) وهو أحد شعراء کربلاء وخطبائها البارزین فی حقبته علی دیوان شعره تسمیة (الحائریات)(1) "یکاد یکون کله فی رثاء الحسین وآل الحسین علیهم السلام"(2). والحائریات هو المکان


1- معجم خطباء کربلاء: 245، وتاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 236، وتراث کربلاء: 155، والأمر المثیر للانتباه عدم تعریج محقق دیوانه إلی هذا الأمر علی الرغم من اشتهاره.
2- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر: 17 – 18.

ص: 18

الذی حار فیه الماء أی توقف وتجمع عندما فتح لإغراق قبر الحسین علیه السلام فی زمن المتوکل العباسی(1) وأصبح کل من ینزل قرب مرقد الحس_ین علیه السلام ینعت بالحائری، وهکذا نعت بیت (أبو الحب) بالحائری(2).

ومهما یکن من أمر فإنَّ واقعة الطف کانت المحرک الأساسی والباعث الرئیس فی إثارة الشعراء منذ حلولها إلی الآن، ومن ثمَّ لو وصفنا ما قیل من قصائد وأشعار فی هذه الواقعة ب_(الطفیات) لکان أعلق بالموضوع وأکثر ارتباطاً به من غیره من المصطلحات أو المسمیات.

ولا ریب أنَّ مصطلح (شعراء الطف) أو (أدب الطف) وما جاء علی شاکلتها کلها مؤدیة للغرض المرجو ولکن هذا المصطلح الذی آثرناه بهذا الوزن له جذوره ومقارباته، فقد جاء علی نسق من (هاشمیات) الکمیت، و(خمریات) أبی نواس، و(زهدیات) أبی العتاهیة، و(سیفیات) المتنبی و(کافوریاته)، و(رومیات) أبی فراس، و(حجازیات) الشریف الرضی، و(لزومیات) أبی العلاء المعری وغیرها مما تحفظه الذاکرة الأدبیة.

بقی أن نعرج علی مسألتین مهمتین الاولی: هی أن هناک من ذهب إلی وصف تلک القصائد أو الأشعار بانتسابها إلی الإمام الحسین علیه السلام، ولکنه یضطر إلی ت_أنیث اسم الحسین للنسبة فنجد: (القصائد الحسینیة) أو (القصیدة الحسینیة) أو (المراثی الحسینیة)، ونعت بعضهم قصائد الشاعر الحسینی الشعبی کاظم منظور الکربلائی ب_(المنظورات الحسینیة)(3)، وهذه المسمیات کسابقتها ذات دلالة وافیة ولکنها تحمل الإشکالات السابقة التی أوضحناها.


1- ینظر مقاتل الطالبیین: 395_396.
2- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر: 7، وتاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 236.
3- تنظر بطاقة الکتاب فی ثبت المصادر والمراجع.

ص: 19

اما المسالة الثانیة ان هناک من أدرج هذه القصائد تحت مصطلح (المدائح النبویة)، ولم یذکر مطلق المصطلح وهو الدکتور زکی مبارک طبیعة العلاقة بین المدائح النبویة التی خصت الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وبین قصائد الشریف الرضی فی صریع کربلاء کما نعتها هو، بل لم یذکر طبیعة العلاقة بین المدائح النبویة وبین القصائد التی خصت أهل البیت علیهم السلام ک_(هاشمیات) الکمیت وتائیة دعبل الخزاعی او تلک التی خصت احد رجالات أهل البیت وهو زین العابدین علیه السلام فی قصیدة الفرزدق الشهیرة.

فکان مصطلحه عام ادخل فیه ما یتعلق بالرسول صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام ولعله انطلق من فکرة ان أی أدب تعلق بأهل البیت بالضرورة یتعلق بالرسول الکریم.

ولکن التناقض حاصل بین ما اشترطه الدکتور زکی مبارک وبین هذه القصائد؛ فهو قد حدد طبیعة قصیدة المدح النبوی ومیزها من الرثاء بقوله معللا: "لان الرثاء یقصد به إعلان التحزن والتفجع،علی حین لا یراد بالمدائح النبویة الا التقرب إلی الله بنشر محاسن الدین، والثناء علی شمائل الرسول. صلی الله علیه وآله وسلم"(1)وهذا الأمر یتناقض مع القصائد التی اختارها کتائیة دعبل الخزاعی فی رثاء أهل البیت التی قال عنها الدکتور مبارک "وأهمیة هذه القصیدة ترجع إلی ما فیها من التحزن والتفجع، وهی لذلک خیر ما قیل فی الانتصار لأهل البیت،.."(2) وقال فی الشریف الرضی انه "لم یظهر توجع الشریف علی أهل البیت ظهورا قویا الا فی قصائده التی بکی بها الحسین،.."(3) وقال فی موضع


1- المدائح النبویة فی الأدب العربی: 11.
2- م.ن: 103.
3- م.ن: 109.

ص: 20

آخر مشیرا إلی حرص "الشریف علی إحیاء یوم عاشوراء من کل عام بقصیدة یبکی فیها الحسین".(1)

 إذا هی قصائد رثاء وفیها توجع وتحزن وبکاء بشهادته هو؛ فکیف تکون فی الوقت نفسه مدائح نبویة؟

فالذی یقرأ هذا المصطلح لا یتبادر إلی ذهنه انه سیجد قصائد رثائیة فی أهل البیت وانما یجد قصائد فی حب الرسول ورجاء شفاعته وما تحلی به من أخلاق وما قام به من أعمال وما اشتمل علیه من حسن السیرة وبهاء الطلعة وغیر ذلک مما تعلق بشخصیة الرسول وسیرته العطرة التی حفلت بها المدائح النبویة وسجلها الباحثون تحت هذه التسمیة.(2)

لذا فان من یقرأ بتمعن کتاب المدائح النبویة للدکتور زکی مبارک سیجد ان هذه القصائد المتعلقة بأهل البیت مقحمة فی هذا المصطلح وطارئة علیه، فلیس لها علاقة من حیث الموضوع بالمدائح النبویة المعروفة فی الأدب العربی وان تلمس الدکتور زکی مبارک هذه العلاقة وجعلها فی الصدق والوفاء والتصوف. (3)

ویمکن تعلیل ما ذهب إلیه الدکتور بأمرین محتملین الأول: انه أراد من القارئ ان یطلع علی نمط من القصائد لم یتح له الإطلاع علیها لسبب او لآخر فأراد ان یجلب النظر إلیها بتسلیط الضوء علیها، ولم یجد طریقة أفضل من نعتها ب_(المدائح النبویة) فهذا المصطلح یجعلها فی غطاء یمرَّر علی القارئ العادی والا فهی عند الناقد المتخصص قصائد رثاء وشعراؤها معروفون بوجهة انتمائهم؛ اما الثانی: هو ان المصریین کانوا


1- م.ن: 49.
2- ینظر علی سبیل المثال لا الحصر کتاب: المدائح النبویة فی أدب القرنین السادس والسابع للهجرة للدکتور ناظم رشید.
3- ینظر: المدائح النبویة فی الأدب العربی:41، 59، 109.

ص: 21

یحتفلون من کل عام بیوم عاشوراء(1) لذا لم یجد الدکتور مبارک أمرا مستغربا لو نعت هذه القصائد بالمدائح علی طریقة أهل مصر والا فهو احتفال تأبین بلا شک.

وأخیراً تبقی مسألة إطلاق المصطلح وتحدیده مسألة مهمة، ولکن الأهم منها هو أن یأخذ هذا المصطلح اعنی (الطفیات) مجراه فی حقله حتی یصبح ظاهرة لا یمکن تجاوزها، وذلک یتم باستعمال عدد من الباحثین والأدباء هذا المصطلح وترکیزه فی الذاکرة الأدبیة حتی لا ینسی أو یهمل، هذا طبعاً إذا استسیغ وتقبل بقبول حسن، وإلا فباب المترادفات لا یغلق.


1- ینظر: م.ن: 49.وفیها أشار الدکتور إلی ان أهل الریف فی مصر یحتفلون بذلک الیوم _ یعنی یوم عاشوراء _ احتفالهم بعید الأضحی من حیث التوسع فی المطاعم. وفی مصر نوع من الحلوی اسمه عاشوراء یؤکل فی ذلک الیوم ویتخیره ناس للفطور.....وفی الصفحة التی قبلها أشار إلی رؤیته موکب النوح علی الحسین علیه السلام فی القاهرة اذ کان الشیعة یطوفون حول مسجد الحسن علیه السلام وأجسامهم مخضبة بالدماء، ورأی الناس یبکون ویصرخون وهم یسمعون سیرة الحسین فی لیلة عاشوراء.

ص: 22

ص: 23

الإجراء الأول: طفیات الشریف الرضی- دراسة فی البِنیة الفنیَّة

اشارة

ص: 24

ص: 25

مقدمة الاجراء

الطفّیّات مصطلح آثر الباحث نسبته للقصائد المتضمِّنة وصفاً لواقعة الطف وما جری فیها من فاجعة حلَّتْ بالإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه.

ولا ریب فی أن هذا المصطلح یشمل جمیع القصائد التی بکت الحسین علیه السلام وتفجَّعت بمقتله فی تلک الواقعة الألیمة منذ حلولها سنة إحدی وستین للهجرة وإلی الآن.

وقد اقتصر الباحث علی طفیات الشریف الرضی(1) لتکون بادرة أولی لدراسة


1- الشریف الرضی: هو أبو الحسن محمد بن الحسین بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهیم بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام. وُلِدَ ببغداد سنة تسع وخمسین وثلاثمائة، وتوفی فیها سنة ستٍّ وأربعمائة للهجرة عن سبع وأربعین سنة. کان أبوه من سادة العلویین ومن کبار الکتّاب، وکان یترأس نقابة الطالبیین، والنظر فی المظالم والحج، وأمّا أمه فهی فاطمة بنت الحسین بن أحمد بن الحسن ملک بلاد الدیلم والجبل ونسب أمه أیضاً ینتهی إلی الحسین بن علی علیهما السلام. فنشأ الشریف فی بیت علم وریاسة. تتلمذ علی خیرة علماء عصره من أمثال: السیرافی(ت_368 ه_) وأبی علی الفارسی(ت_377 ه_) وابن جنی(ت_392 ه_) والشیخ المفید(ت_413 ه_). وضع مؤلفات عدة فی التفسیر والحدیث والتاریخ والأدب کان من أشهرها (حقائق التأویل فی متشابه التنزیل)، و(تلخیص البیان فی مجازات القرآن)، و(المجازات النبویة)، و(نهج البلاغة). شهد الرضی عهود ثلاثة خلفاء عباسیین، هم المطیع، والطائع، والقادر، وأدرک خمسة من ملوک البویهیین، والذی أتصل به منهم هو بهاء الدولة ومدحه وکان ملکاً علی العراق. وقد جعله نقیباً للأشراف العلویین ببغداد خلفاً لأبیه سنة 380 ه_. لُقِّبَ الشریف بعدة ألقاب کان أشهرها الشریف الرضی، وذا الحسبینِ أو ذا المنقبتینِ، والموسوی. تُنظر ترجمته فی: یتیمة الدهر: 3/136 – 156، وتاریخ بغداد: 2/ 246، والمنتظم: 7/ 176، ووفیات الأعیان: 4/ 419، وشذرات الذهب: 2/ 182، وتاریخ الأدب العربی: 2/ 62.

ص: 26

شعر الشعراء الذین نالهم حبُّ الحسین فرثوه بأحسن ما استطاعوا قولاً وما دبَّجوه من بیان. وقد کان الشریف الرضی هو الموحی للباحث بهذا المصطلح، إذ جاء علی شاکلة حجازیاته الشهیرة والتی سارت "علی نسق مع هاشمیات الکمیت، وخمریات أبی نؤاس، وزهدیات أبی العتاهیة"(1) والحجازیات کما هو معروف عنها "المقطعات الشعریة التی لها وجه اتصال بالحجاز مباشرة أو بالتأدیة إلیه"(2).

ویمکن أن أضیف سبباً آخر لدراسة الطفّیّات عند الشریف الرضی وهو نسبه الشریف المتَّصل بالحسین علیه السلام مما یضفی وقعاً خاصاً لبنیة القصیدة مما لو لم ینتسب حقیقة له.وفوق هذا وذاک فان الشریف الرضی شاعرٌ ممسک بإحکام أدواته الشعریة، فهو کما قال الثعالبی فیه: "إنه أشعر الطالبیین…. ولو قلت أنه أشعر قریش لم أبعد عن الصدق…"(3)، وقال فی مراثیه "ولستُ أدری فی شعراء العصر أحسن تصرفاً فی المراثی منه"(4) وقال فیه الدکتور زکی مبارک: "الشریف الرضی أفحل شاعر عرفته اللغة العربیة، وأعظم شاعر تنسَّم هواء العراق"(5) وقال فیه الدکتور البصیر: "انه


1- حجازیات الشریف الرضی: 25، د. مصطفی کامل الشیبیّ. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- م.ن.
3- یتیمة الدهر: 3/ 136.
4- م.ن.
5- عبقریة الشریف الرضی: 1/15.

ص: 27

فی طلیعة شعراء اللغة العربیة… وفارس حلبتی الرثاء والفخر وإمام الغزل العذری"(1) وقیل فیه: "… إذا قصد المراثی جاء سابقاً والشعراء منقطعة الأنفاس …"(2) دلالة علی عظم باعه ومقدرته وطول نفسه فی هذا المضمار. وقد نعَتَهُ الأدباء لرقة شعوره وکثرة مراثیه ب_(النائحة الثکلی)(3) فقد امتاز الشریف "برثائه البلیغ المفعم صفاءً ومودةً ووفاءً وإخلاصاً".(4)

والطفیات - بعد ذلک - قصائد رثائیة مخصصة فی استشهاد الحسین علیه السلام ونفرٍ من أهل بیته وأصحابه فی واقعة الطف.

وحین تصفح الباحث دیوان الشریف الرضی بطبعة دار صادر المتکونة من جزأین - وهی المعتمدة فی البحث - وجد خمس قصائد فی رثاء الحسین علیه السلام کانت موضوع الصفحات القادمة من البحث.

فدرس الباحث البُنی الهیکلیة والموضوعیة والداخلیة (اللغة الشعریة) معطیاً لکل بنیة منها مبحثا وقد تقدمها مدخل للدراسة. واتبع ذلک خاتمة ضمَّت أهمَّ النتائج التی توصل لها البحث تبعها ثبت المصادر والمراجع.

وابتعد الباحث ما أمکنه عن التاریخیات ومتعلقاتها السیاسیة والمذهبیة لیقترب من استکشاف طریقة صیاغة الشاعر لموضوعه وکیفیة تشکیله شعریاً.


1- فی الأدب العباسی: 433.
2- نهج البلاغة (شرح محمد عبده): 7 (مقدمة الشارح).
3- الوافی بالوفیات: 2/274.
4- فی الأدب العباسی: 421.

ص: 28

مدخل الإجراء

أ _ البنیة الهیکلیة

اشارة

إذا کان قوام الشعر العربی هو القصیدة (1)، فإن الحدیث عن بناء القصیدة ومراحل تکوینها لا ینصرف إلا إلی القصائد الطوال التی تتعدد فیها الموضوعات وتسیر علی نظام معین ونسقٍ موروث سنَّه القدماء منذ عهد متقدم فی الجاهلیة، وتبعه المتأخرون فی صدر الإسلام وسار علی نهجهم کثیر من شعراء العصر الأموی والعباسی علی تفاوت فی مقدار التبعیة والالتزام.(2) وحسبنا أن نقول ان هذا النظام لم یکن عشوائیاً وإنما کان منظماً ومرتباً ومراعیاً فی ذلک المستمع أو المتلقی. وهذه الأجزاء التی یتألف منها بناء القصیدة الهیکلی، والتی سنعرض لها بشکل موجز هی:

1 _ المطلع

لقد اهتم النقاد القدامی بالمطلع، فهو إلی جانب تمثله الناحیة الموسیقیة المتأتیة من "تصییر مقطع (آخر) المصراع الأول فی البیت الأول من القصیدة مثل قافیتها"(3) فانهم یعدونه ضرورة لازمة فی بناء القصیدة لأنه مذهب الشعراء المطبوعین المجددین، وکانوا


1- التوجیه الأدبی: 148.
2- ینظر: الشعر الجاهلی: 125 – 126.
3- نقد الشعر: 51.

ص: 29

یعدون الشعر قفلاً "أوله مفتاحه"(1) و"عولوا علی أهمیته فی مطلع القصیدة لأنه یمیِّز بین الابتداء وغیره، ویفهم منه قبل تمام البیت روی القصیدة وقافیتها. "(2) کما اشترطوا أن یکونَ حلواً سهلاً وفخماً جزلاً؛(3) فالمطلع یقع فی السمع من القصیدة، والدال علی ما بعده، المتنزل من القصیدة منزلة الوجه والغرة. فإنما کان بارعاً وحسناً بدیعاً وملیحاً رشیقاً، وصدر بما یکون فیه من تنبیه وإیقاظ لنفس السامع، أو أشرب بما یؤثر فیها انفعالاً ویثیر لها حالاً من تعجیب أو تهویل أو تشویق، کان داعیاً إلی الإصغاء والاستماع إلی ما بعده.(4) وکذلک لاحظوا مناسبة المطلع لموضوع القصیدة، فإذا کان المقام مقام حزن کان الأولی بالمطلع أن ینبئ بذلک من أول بیت وإذا کان المقام مقام تهنئة أو مدیح کرهوا الابتداء بما یتشاءم به،(5) أی تطبیق القاعدة البلاغیة مراعاة الکلام لمقتضی الحال.

أما المطلع غیر المصرع فقد سماه حازم القرطاجنی ب_(التجمیع) إذ یخلف ظنّ النفس فی القافیة(6)، وعُدّ أکثر عیباً من الإکفاء والسناد فی القوافی.(7)

وقد یلجأ الشاعر إلی التصریع الداخلی وهو أن یصرع أکثر من موطن فی القصیدة الواحدة، واصطلح علیه الدکتور یوسف حسین بکار ب_(تجدید المطلع) (8) وهو "دلیلٌ عل قوة الطبع، وکثرة المادة، إلا أنه إذا کثر فی القصیدة دلَّ علی تکلف…"(9)


1- العمدة: 1/218.
2- سر الفصاحة: 222.
3- ینظر: العمدة: 1/218.
4- ینظر: کتاب الصناعتین: 455 ومنهاج البلغاء 309 – 310.
5- ینظر: م.ن: 451 – 452، والعمدة: 1/222.
6- ینظر: منهاج البلغاء: 283.
7- ینظر: بناء القصیدة 174.
8- ینظر: م.ن.
9- العمدة: 1/174.

ص: 30

ولوحظ اهتمام الشریف الرضی بالتصریع والتصریع الداخلی فی شعره عامة، وهذا ینبئ عن تمسک الرضی واعتزازه بأصالة القصیدة العربیة واحترام خصوصیاتها ونزوعه نحو عفویة الأداء الشعری الذی تخلقه لحظة الإلهام الشعری الحرة.(1)

وإذا ما انتقلنا إلی ما بعد المطلع المصرع أو غیر المصرع نجد الشاعر یتسلسل إلی موضوعه فی مقدمة تمهیدیة لموضوعه الرئیس، وغالباً ما تبدأ بالدیار والوقوف علی الأطلال وبکائها والتأمل فیها، وهذا هو الأسلوب العام فی ابتداء المطولات فی الشعر الجاهلی.(2) وقد أخذ النقاد فی العصر العباسی ینظرون من خلال ترکیب بناء القصیدة الجاهلیة ولا یتعدونه، وکان علی رأس هؤلاء ابن قتیبة الذی رأی "أن لا مندوحة من المقدمة التی تتألف من الوقوف علی الأطلال والغزل ووصف الرحلة. هذا الشرط القسری یؤکده ابن رشیق حین یعیب الشعراء الذین یهجمون علی الغرض مکافحة، ویتناولونه مصافحة ولا یجعلون لکلامهم بسطاً من النسیب، ویسمی قصائدهم فی هذه الحال بتراء کالخطبة البتراء".(3)

ویعلل ابن قتیبة سبب الابتداء بالمقدمة الطللیة والغزلیة، فالأطلال لذکر أهلها الظاعنین، والغزل لاستمالة القلوب واستدعاء الأسماع،(4) وتابعه ابن رشیق فی هذا المنحی.(5)


1- ینظر: بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 209، د. عناد غزوان. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- إلی جانب المقدمات الغزلیة والطللیة ثمة مقدمات فی الشیب والطیف وغیرها، ینظر: صور أخری من المقدمات الجاهلیة – اتجاهات ومثل، د. یوسف خلیف، مجلة المجلة: 4 – 15، ومقدمة القصیدة العربیة فی العصر الجاهلی: د. حسین عطوان.
3- بناء القصیدة: 213.
4- ینظر: الشعر والشعراء: 1/75 – 76.
5- ینظر العمدة: 1/225.

ص: 31

إنَّ الالتزام الشکلی یعد قیداً علی الشاعر المحدث، وقد لا یتناسب مع کل الموضوعات والظروف التی تتهیأ القصیدة من خلالها لیؤطرها الشاعر بالإطار الذی یتناسب وتلک الظروف، وهذا ما ذهب إلیه ابن الأثیر الذی تململ من أسر القصیدة القدیمة وترک الحریة للشعراء فی أبتداءاتهم.(1)

2 _ التخلص

ویسمی براعة التخلص وحسن التخلص(2) الذی یؤلِّف معالم الارتباط الموضوعی والزمنی بین أغراض القصیدة­ الواحدة(3) والشاعر المجید هو الذی یحسن الانتقال، فیغادر موضوعه الأول إلی الذی یلیه دون خلل أو انقطاع، ویجعل معانیه تنساب إلی الموضوع الآخر انسیاباً بحیث لا یشعر قارئه بالنقلة، بل یجد نفسه فی موضوع جدید هو استمرار للأول وامتدادٌ له، وبین الموضوعین تمازجٌ والتئام وانسجام.(4) والتخلص بعد ذلک یدلُّ علی حذق الشاعر، وقوة تصرفه وقدرته وطول باعه،(5) ولم یکن القدماء یعنون به عنایة الشعراء المحدثین بل یذهب ابن طباطبا إلی أن حسن التخلص من مبتدعات المحدثین " لأن مذهب الأوائل فی ذلک واحد، وهو قولهم عند وصف الفیافی وقطعها بسیر النوق، وحکایة ما عانوا فی أسفارهم: انا تجشمنا ذلک إلی فلان یعنون الممدوح، کقول الأعشی:

إلی هوذةِ الوهَّابِ أُزْجِی مَطِیَّتی

أُرَجِّی عَطاءً صالِحاً مِنْ نَوالِکَا(6)


1- ینظر: بناء القصیدة: 214.
2- ینظر: معجم النقد العربی القدیم: 1/274.
3- ینظر: بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 218، د. عناد غزوان. ضمن کتاب الشر یف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
4- ینظر: الشعر الجاهلی: 137.
5- ینظر الجامع الکبیر: 181.
6- عیار الشعر: 115، والبیت فی دیوان الأعشی: 136. وروایة البیت فیه: إلی هوذةَ الوهاب أهدیت مدحتی             أرجِّی نوالا فاضلا من عطائکا

ص: 32

وکانوا یقولون عند الانتقال: "دع ذا" و"عد عن ذا"(1)

أما ذا لم یوفق الشاعر فی تخلصه وجاء علی غیر ما وصفه النقاد فهو اقتضاب أو الطفر أو الانقطاع إذ یقطع الشاعر کلامه ویستأنف کلاماً غیره من مدح أو هجاء ولا یکون للثانی علقة بالأول. وقد ذهبوا إلی أن هذا هو مذهب الشعراء المتقدمین من مثل امرئ القیس والنابغة الذبیانی وطرفة ومن تلاهم من طبقات الشعراء، أما المحدثون من مثل أبی تمام والمتنبی فقد تصرفوا فی المخالص وأبدعوا فیها(2)، ولا شک أن الشریف الرضی هو واحدٌ من أولئک المحدثین الذین تمیزوا بحسن تخلصهم والإجادة فیه وهذا ما ستخبرنا عنه طفیاته.

3 _ الخاتمة

مثلما اهتم القدماء بالمطالع اهتموا أیضاً بالمقاطع أو خواتم القصائد ونظروا إلیه من الزاویة نفسها التی نظروا إلیها للمطالع من حیث الاهتمام بالسامع أو المخاطب لأن ختام القصیدة فی عرفهم یمثل "قاعدة القصیدة، وآخر ما یبقی منها فی الأسماع، وسبیله أن یکون محکماً: لا تمکن الزیادة علیه، ولا یأتی بعده أحسن منه، وإذا کان أول الشعر مفتاحاً له وجب أن یکون الآخر قفلاً علیه."(3) وذهب حازم القرطاجنی إلی وجوب "أن یکون ما وقع فیها من الکلام کأحسن ما اندرج فی حشو القصیدة، وان یتحرَّز فیها من قطع الکلام علی لفظ کریه أو معنی منفِّر للنفس عمَّا قصدت إمالتها إلیه… وإنما وجب الاعتناء بهذا الموضع لأنه منقطع الکلام وخاتمته. فالإساءة فیه معفیة علی کثیر من تأثیر الإحسان المتقدم علیه فی النفس. ولا شیء أقبح من کدر بعد صفو…"(4)


1- ینظر: العمدة: 1/230، ومعجم النقد العربی القدیم: 1/274.
2- ینظر: بناء القصیدة: 228.
3- العمدة: 1/239.
4- منهاج البلغاء: 285.

ص: 33

ولذلک اشترط فیه أن یکون الاختتام فی کل غرض بما یناسبه فیکون بمعانٍ سارة فیما قصد بة التهانی والمدیح، وبمعانٍ مؤسیة فیما قصد به التعازی والرثاء، کذلک أوجب أن یکون اللفظ فیه مستعذباً والتألیف جزلاً متناسباً.(1)

واشترط أبو هلال العسکری فی الخواتیم، أن یکون أجود بیت فی القصیدة وأدخل فی المعنی الذی قصد له الشاعر فی نظمها… أو أن یتضمن حکمة أو مثلاً سائراً، أو تشبیهاً حسناً.(2)

وتجدر الإشارة إلی أن هناک نهایات تشعر أن المعنی مازال مستمراً إذ ینهی الشاعر قصیدته فجأة وعلی غیر ختام، ویبقی المعنی بحاجة إلی تکملة واستمرار.(3) ولعل ذلک عائدٌ إلی توقف الانثیال الشعری عند الشاعر لأی سبب کان أو نفاذه. مما یؤدی إلی استشعار القارئ أن للکلام بقیة لم تتم إذ لم ینسجم مع الذی قبله. وهذا الأمر حاصل إذا علمنا یقیناً أن القصیدة قد جاءت کاملة ولم یحذف أو یفتقد منها شیء.

ومهما یکن من أمر فإن الباحث عمد إلی جعل هذه المرتکزات (المطلع، التخلص، الخاتمة) ضمن البنیة الهیکلیة أو الخارجیة للقصیدة، وراح یتلمس هیکلة الشریف الرضی لطفیاته من المطلع وحتی الخاتمة وکیف انتقل من موضوعه الأول إلی موضوعه الثانی، وهل هناک وحدة ربط بین الموضوعین، أم أن الشریف لم یکن فی ذهنه إلا أن یجاری النمط القدیم من البناء، أم أنه تلمَّس البناء القدیم لیدخل فی بنیته شیئاً جدیداً مضافاً ابتدعه هو. وهذا ما سیعرضه الباحث فی موضعه من البحث.


1- م. ن: 306.
2- ینظر: کتاب الصناعتین: 463 – 465.
3- الشعر الجاهلی: 142.

ص: 34

ب _ البنیة الموضوعیة

لا شک فی أن القصیدة مهما کان نوع ابتداءاتها فإن لها موضوعاً رئیساً تتمحور علیه، بل إن الابتداء یتطوع لهذا الغرض کیما یناسبه ویتسلسل به حتی النهایة التی تأتی مکملة للموضوع، لذا کانت بنیة الموضوع ملخصة لفحوی الابتداء والانتهاء.

ولکل موضوع محاوره التی یدور حولها الشاعر، نافثاً أحاسیسه ومشاعره وأفکاره وهمومه، ومنفِّساً عن انفعالاته، طارحاً تأملاته فی الکون والحیاة الأشیاء. ولا ریب فی "أن القوة التی تصهر الأجزاء بعضها ببعض وتخلق التوازن بین الصفات المتضادة هی الخیال: القوة التی بواسطتها تستطیع صورة معینة أو إحساس واحد أن یهیمن علی عدة صور أو أحاسیس فی القصیدة فیحقق الوحدة فیما بینها بطریقة أشبه بالصهر.(1) ولعل معالجة أفکار الموضوع أو مضامینه إذا اقتربت من التجرید کانت عقیمة أو غیر ذات جدوی مما لو تعرضت للتصویر المجازی وکان ذلک بطریق الموضوعیة الأدبیة.(2)

ج _ البنیة الداخلیة (اللغة الشعریة)

تعدّ اللغة الشعریة أهم المرتکزات فی البناء الفنی للقصیدة وإذا ما اشترک الشاعر مع غیره فی البناء الخارجی فإنه یفترق فی طبیعة صیاغة البناء الداخلی، إذ إن اللغة الشعریة تمثل قدرة ومهارة متفردة فی صیاغة التجارب الشعوریة، کما أنها تعکس ثقافة الشاعر ومشاعره وأفکاره تجاه الکون والأشیاء وبتحلیل تلک اللغة یتم الکشف عن مواطن الجمال والإبداع فی العمل الأدبی وقیمه الفنیة.

"واللغة ظاهرة فنیة تأثرت بدورها بحرکات التطور والتجدید التی طرأت علی الشکل الفنی العام للقصیدة العربیة القدیمة وهی تنتقل من مرحلة حضاریة فنیة إلی


1- ینظر: بناء القصیدة الفنی: 16 – 17.
2- ینظر: م. ن: 59.

ص: 35

أخری، من العصر الجاهلی فالعصر الإسلامی فالأموی فالعباسی"(1)

ورأی نقادنا القدامی أن سلامة اللغة من شروط جمالیة القصیدة، کما کانوا یؤمنون بأن لغة أی قصیدة یجب أن تتناسب مع موضوعها. ویجب أن تکون متجانسة، ومن نوع واحد.(2) وتکمن أهمیة اللغة من أن من خلالها تنبعث الأفکار والصور والموسیقی ولا تعرف هذه العناصر إلا من خلال ترکیبات اللغة التی ندرسها فی القصیدة.(3)

واللغة الشعریة بعد ذلک "تنظیم متناسق مقصود للکلمات، یعبر عن انفعال نفسی حاول الشاعر استجلاءه بهذا التنظیم مما حملها بطاقات إیحائیة انبجست من تزاوج علاقة الحقیقة بالمجاز من جهة والبناء بالإیقاع من جهة أخری وأدت التأثیر المطلوب فی المتلقی."(4)

ومن خلال هذا التعریف نتبین ثلاثة مستویات فی تشکیل لغة شعر أی شاعر وهذه هی الألفاظ والصیاغة والإیقاع. وتجدر الإشارة إلی أنَّ هذه المستویات متواشجة منصهرة فیما بینها، تتذبذب قوة تأثیر کل منها فی الآخر. وما الفصل الذی اصطنعناه بینها إلا لأغراض الدرس الذی تستدعیه العملیة النقدیة التحلیلیة للنص الشعری.

و تجدر الإشارة ایضا إلی ان مکونات القصیدة (البنیة الخارجیة والموضوعیة والداخلیة) هی متلاحمة ومتآصرة فیما بینها متبادلة التأثیر بنسبة متفاوتة. ولم یکن الفصل الذی اصطنعناه إلا فصلاً منهجیاً لأغراض الدرس فحسب.


1- بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 203، د. عناد غزوان. ضمن کتاب دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- ینظر: بناء القصیدة: 145 - 147
3- ینظر: بناء القصیدة الفنی: 26
4- لغة شعر دیوان الهذلیین: 5، وینظر لغة الشعر الحدیث فی العراق: 30.

ص: 36

المبحث الأوّل: البنیة الهیکلیة للطفّیّات

لقد امتازت الطفیات المستقرأة من دیوان الشریف الرضی بالطول فانتظمت مکونات بنائها بصور کلیة، فقد بلغت أقصر قصیدة منها ستةً وعشرین بیتاً، وأطولها اثنینِ وستینَ بیتاً، مما یشیر إلی طول نفس الشریف الرضی فی التعبیر عن أحاسیسه ومشاعره تجاه موضوع التجربة الشعریة. کما تشیر إلی مسک الشاعر أدواته الشعریة بحیث لا یضیع علی المتلقی نشوته بالتحام القصیدة ووحدة مشاعرها من بدئها حتی نهایتها وکأنها بلا نهایة، وهذا الأمر لم یکن متعلقاً بالطفیات فحسب وإنما بأغلب شعره.(1)

وإذا کان الخط العام فی مقدمات المرثیة عموماً عند الشریف الرضی وهو أما أن "تبدو ذات مقدمة حماسیة أو فخر ذاتی وخیبة أمل وشکوی من الزمان مع احتفاظها بوحدتها المضمونیة الرائعة أوقد تکون مرثاة بلا أیة مقدمة أو تکون مرثاة مدینة متمیزة بمضمونها وأبعادها السیاسیة والأخلاقیة"(2) فإن الطفیات لم تبتعد عن هذا التقسیم


1- ینظر بناء القصیدة عند الشریف الرضی: د. عناد غزوان: 222. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- م. ن: 234.

ص: 37

کثیراً، فقد وردت أولی طفیات الشاعر والتی نظمها سنة (377ه_) أی عندما کان فی الثامنة عشرة من عمره، بلغ طولها الأربعین بیتاً، استهلها بمقدمة یفتخر بها بنفسه ویشکو من ظرف ألمَّ به:(1)

صاحت بذَوْدیَ بغدادٌ، فآنسَنی

تقلُّبی فی ظُهورِ الخیلِ والعیرِ

وکلّما هَجْهَجَتْ بیْ عَنْ منازِلِها

عارَضْتُها بجَنَانٍ غیرِ مذْعُورِ

أطْغی علی قاطنِیها غیرَ مُکْتَرِثٍ

وأفعلُ الفِعْلَ فیها غیرَ مأْمُورِ

خَطْبٌ یُهًدِّدُنی بالبُعدِ عنْ وَطَنی

ومَا خُلِقْتُ لغَیْرِ السّرْجِ والکُورِ

إنّیْ، وإنْ سامَنی ما لا أُقاوِمُهُ

فقدْ نجَوْتُ، وَقِدْحی غَیْرُ مَقْمورِ

عجْلانَ أُلبِسُ وجهی کلَّ داجِیَةٍ

والبرُّ عُریْانُ مِنْ ظبیٍ ویعفورِ

وقارئ هذه الأبیات یحس بعمق غضب الشاعر علی الأوضاع التی یواجهها کما یحس بعمق معاناته وحزنه الشدید من خلال افتخاره بنفسه ومبالغته فیه کرد فعل عکسی لما یصیبه ویواجهه.

وإذا رجعنا إلی هذه الحقبة من حیاته نجدها "مرحلة عناءٍ وشقاء، إذ صرف أبوه من النقابة، ثمّ اعتقل بعد سنتین اعتقله عضد الدولة، وسجنه فی قلعة بفارس من سنة 270ه_ إلی سنة 378ه_ قضی الرضی مع أخیه وأمه ثمانیة أعوام عجاف بالبؤس وعیش الکفاف، بما تبیعه أمه من أملاکها وحلیها… "(2) ومن الطبیعی أن تأتی قصائده متمثلة مشاعره أکمل تمثل، ولعل تمرده علی الوضع الذی هو فیه کان وراء تخلیه عن مرتکزین مهمین فی بناء القصیدة، وهو عدم تصریعه مطلع القصیدة وتخلیه عن المقدمة الطللیة، وهذا مصداق علی فکرة "أنَّ الشکل الفنی للقصیدة مرتبط بالنظام السیاسی والفکری لعصر الشاعر، فإن التمرد والخروج علیه یعنی تمرداً وخروجاً سیاسیاً وثقافیاً


1- دیوان الشریف الرضی: 1/487.
2- تاریخ آداب العرب: 172، وینظر: شرح نهج البلاغة: 1/ 14.

ص: 38

علی ذلک العصر…".(1)

ومهما یکن من أمر فإنّ الشاعر بعد هذه الأبیات الغاضبة یجرِّد من نفسه شخصیة القائلة التی راحت تصبِّره علی أحزانه(2):

وربَّ قائلةٍ، والهمُّ یُتْحفنی

بناظرٍ منْ نِطافِ الدمعِ ممطورِ

خفِّضْ علیکَ، فللأحزانِ آوِنةٌ

وما المُقیمُ علی حُزْنٍ بمَعْذورِ

فیجیبها بحزمٍ وقوةٍ:

فقُلْتُ: هَیْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ ج

لا یُفْهَمُ الحُزْنُ إلاَّ یومَ عاشورِ

ولا شکَّ أنَّ المرأة أقدر علی امتصاص حزن الشاعر وألمه، وأقدر علی إثارته بشتی الانفعالات والأحاسیس. کما أنَّ هذا الأسلوب (حوار العاذلة أو القائلة) کان متبعاً عند بعض شعراء الجاهلیة.(3) هذا من ناحیة ومن ناحیة أخری ربط الشاعر بحسن تخلصه موضوع حزنه وما ألمَّ به من مکاره وصعاب بموضوع واقعة الطف وما حدث فی یوم عاشوراء، وکأنَّ الأحزان التی مرَّتْ وتمرُّ به لیست حزناً قیاساً بما حدث یوم عاشوراء، بل إنَّ الحزن لا یفهم ولیس له معنی إلا فی ذلک الیوم العصیب فأجابها بقوله:

فقُلْتُ: هَیْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ

لا یُفْهَمُ الحُزْنُ إلاّ یومَ عاشورِ

إنَّ انتقالة الشاعر جاءت موفقة کل التوفیق، وطبیعیة منسابة بین مقدمة القصیدة وغرضها وکذا خاتمتها التی أنهاها الشاعر بها مخاطباً نفسه محرضاً إیاها علی المجد والرفعة وعدم التهاون ولکنه حزین یلقی الزمان بجرح غیر مندمل وبقلب غیرمسرور:(4)


1- بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 202، د. عناد غزوان. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- دیوان الشریف الرضی: 1/487 – 488.
3- ینظر: تاریخ الأدب العربی قبل الإسلام: 180 – 201.
4- دیوان الشریف الرضی: 1/489.

ص: 39

ما لیْ تَعَجَّبْتُ من همِّی ونفْرَتِهِ

والحزنُ جرحٌ بقلبیْ غیرُ مسْبورِ

بأیِّ طرْفٍ أری العلیاءَ إنْ نَضَبَتْ

عَیْنی، ولَجْلَجتُ عَنْها بالمعاذِیرِ

ألْقی الزمان بکَلْمٍ غیرِ مندملٍ

عُمْرَ الزمانِ، وقلْبٍ غیرِ مَسْرُورِ

ثم یخاطب جدَّه الحسین علیه السلام بنداء مفجع:

یا جدِّ لا زالَ لی همٌّ یحرِّضُنی جج

علی الدُّمُوعِ ووجْدٌ غیرُمقْهورِ

والدمعُ تحفزُهُ عیْنٌ مُؤَرّقةٌ

حَفْزَ الحنیّةِ عنْ نَزْعِ وتوْتیرِ

إنَّ السلوَّ لمَحظورٌ علی کَبِدِی

وما السلوُّ علی قلبٍ بمَحْظُورِ

وهذه النهایة جاءت استکمالاً للحلقة التی بدأها الشاعر فی مطلع قصیدته متخذاً من یوم الطف وواقعته نبراس تأسٍّ بالحسین وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام. لیکون دافعاً قویاً لاستکمال نضاله وتصبره علی ظروفه القاسیة وصولاً إلی مجده التلید.

أما طفیته الأخری فقد نظمها سنة 287ه_ أی لما کان عمره الثامنة والعشرینَ، وقد بلغ طولها اثنین وخمسین بیتاً، وقد استهلها بمقدمة حکمیة مصرّعة المطلع، بلغ طولها اثنی عشر بیتاً ثمَّ جاء البیت الذی تخلص به إلی غرضه.

وقد تعرض فی مقدمته لحتمیة الفناء للإنسان وکل الأشیاء، وإن الدنیا غدارةٌ بأهلها مع طول الأمل والفناء فیها، والأزهار ذابلة لا محالة، والیأس قاتل والأمل مقتول، وقد جرد من نفسه شخصیة وراح یخاطبها بقوله: (1)

راحلٌ أنتَ، واللیالیْ نُزولُ جج

ومضرٌّ بِکَ البَقاءُ الطویْلُ

لا شُجاعٌ یَب_ْقی فیعتنق البی___

_ضَ ولا آمِلٌ ولا مأمُولُ

غایةُ الناسِ فی الزَّمانِ فَناءٌ

وکذا غایَةُ الغُصُونِ الذُبُولُ

إنَّما المرْءُ للمنی__ََّ_ةِ مخْب__و

 ءٌ، وللط__عْنِ تُسْتَجَمُّ الخُی__ولُ

منْ مقیلٍ بینَ الضل__وعِ إلی طو ج

لِ عَناءٍ، وفی التُّرابِ مقیلُ


1- دیوان الشریف الرضی: 2/187.

ص: 40

فهو کالغیْمِ ألْقَتْهُ جَنوبٌ

یومَ دجْنٍ، ومزَّقَتهُ قبولُ

عادةٌ للزمانِ فی کلِّ یَوْمٍ

یتناءَی خِلٌّ، وتبکی طُلُولُ

فالیالی عونٌ علی_کَ مع البی___

_نِ، کم_ا ساعَ_دَ الزوابلَ ط__ولُ

ربما وافقَ الفتی مِنْ زمانٍ

فرحٌ، غیرُهُ به متْبولُ

هیَ دُنیا إنْ واصلَتْ ذا جَفَتْ ه__

جج

_ذا مَلالاً، کأنها عُطْبولُ

کلُّ باکٍ یُبْکی علیهِ، وإنْ ط___ا

لَ بَ_ق_اءٌ، وال_ث__اکلُ المَثک_ولُ

والأَمانیُّ حسْرَةٌ وعَناءٌ جججججج

للذیْ ظنَّ أنَّها تَعْلِیلُ

فی هذه المقدمة نلحظ أنّ الشاعر فیها کان أکثر اتزاناً کابحاً انفعالات الشباب الجامحة، وقوراً ینظر إلی الدنیا غیر ما ینظر إلیها المغترُّ بها کما جاء تصریعه المطلع مناسباً لطبیعة الشعور الذی طغی علیه… شعور المترفِّع العارف بدایات الأمور ونهایاتها. ولا ریب بعد ذلک أن تجیء مقدمة الشریف نابضة بالصدق وحسن التصویر لانفعالاته تجاه موضوعه إذ عرفنا الظروف القاهرة والحوادث المتقلبة التی مرَّ بها الشریف وأسرته وخرج منها قویاً متماسکاً ینظر لها بعین الحکیم العارف کنهها وأسرارها. ومن خاطر الحکیم أن یستعبر بغیره، وما أحسن الاستعبار والتأسی بما أصاب ابن فاطم کنایة عن الحسین علیه السلام من حوادث ألیمة قاسیة:(1)

ما یُبالی الحِمَامُ أینَ ترقّی

بعدما غالتِ ابنَ فاطمَ غولُ

فجاء تخلصه هذا مستحکماً استحکام الموت وقضائه الذی لا مهربَ منه ولامردَّ لهُ، فخل_َّفَ أوقعَ الأثر فی نفس المتلقی وأرهبه من هذه العاقبة الألیمة.

وبعد أن یعرض لما حلَّ بالحسین علیه السلام مظهراً تفجعه وحزنه علیه، طالباً بالثأر ممن قتله، عارضاً قوته وشجاعته، شاهراً سیفه، ورافعاً سنانه فی سبیل النیل من الطغاة الذین یتحکمون بالفضلاء من الناس وهم أوضع الخلق وأحقرهم لیتسلسل إلی


1- دیوان الشریف الرضی: 2/188.

ص: 41

خاتمة القصیدة بشکل طبیعی وهی فخره بانتسابه إلی أهل البیت وحبِّه لهم:(1)

صَبَغَ القلبَ حُبُّکمْ صبغةَ الش_ی__

_بِ وشیبی، لولا الرَّدی، لا یَحُولُ

أنا مولاکُمُ، وإنْ کنتُ منکمْ

والِدی حیْدَرٌ، وأُمّی البَتُولُ ج

وإذا الناس أدرَک_وا غایةَ الفخ__

ج

_رِ شآهم مَ__نْ قال َ جدّی الرسولُ

ثم یوصل هذا بافتخاره بنفسه وبشعره وحبه لمعالی الأمور:(2)

یفرحُ الناسُ بی لأنیَ فَضْلٌ

والأنامُ الذی أراهُ فضولُ ججج

فهم بیْ__نَ مُنْشِدٍ م__ا أقفی__

_ه سروراً، وسام__عٍ م_ا أقُولُ

لیتَ شعری، من لا ئمی فی مَقالٍ

ترتضیهِ خواطرٌ وعقولُ

أترکُ الشیءَ عاذری فیه ک_لَّ ال_

 _ناسِ من أَجْ_لِ أنْ لحانی عَ_ذولُ

هو سؤْلی إنْ أسْعدَ اللهُ جدِّی

ومعالی الأمورِ للذِّمرِ سُولُ

والشریف الرضی بفخره هذا یحسُّ بعلوه ومکانته المرموقة فی مجتمعه فکیف وجده الرسول ووالده حیدر کنایة عن علی بن أبی طالب وأمه البتول کنایة عن فاطمة بنت الرسول علیهم السلام، إنها رموز مقدسة ینحدر منها الشاعر، وتمثل قیماً أخلاقیةً ومعانی إنسانیة نبیلة.

أما الطفیة الثالثة والتی نضمها سنة 291ه_ والتی بلغ عدد أبیاتها الثمانیَة والخمسینَ بیتاً، استهلها بمقدمة طللیة مصرَّعة المطلع بلغت خمسة عشر بیتاً تضمنت مناداة المنازل وسکب الدموع فیها، وتبع ذلک تذکر منازل الأحبة، وأماکن تواجدهم، ومرابط خیلهم، وآثار الرماد….:(3)

هذی المَنازِلُ بالغَمیمِ، فنادِها

واسکُبْ سَخیَّ العَیْنِ بَعْدَ جَمادِها

إنْ کانَ دَیْنٌ للمُعالِمِ، فاقضِهِ

أوْ مُهْجَةٌ عِنْدَ الطُّلُولِ ففادِها


1- م. ن: 190.
2- م. ن. شآهم: سبقهم. الذمر: الشجاع. سول: کثیر السؤال.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/360 -361.

ص: 42

یا هَلْ تَبُلُّ مِنَ الغَلِیْلِ إلَیْهِمُ،

إشْرافَةٌ للرّکْبِ فَوْقَ نِجادِها

نُؤْیٌ کمُنْعَطِفِ الحَّنیَّةِ دُونَهُ

سُحْمُ الخُدودِ لهنَّ إرْثُ رمادِها

ومَناطُ أطْنابٍ وَمَقْعَدُ فِتْیَةٍ

تَخْبُو زِنادُ الحَیِّ غَیْرَ زِنادِها

ومَجَرُّ أرْسانِ الجِیادِ لغلْمَةٍ

سَجَفوا البُیُوتَ بشُقرِها ووِرَادِها

ثمَّ یذکر حبسه لعصابةٍ کانت متلهفةً لتلکَ الدیارِ وهی علی هذه الحالة فلم یستطیعوا أنْ یغادروها حتی کأن قوائم مطیِّهم مترکزة فی الأرض کالأوتاد، ولکنهم برغم ذلک انثنوا عنها وکان سلوهم البکاءَ والشجنَ. ثمَّ یخبرنا الشاعر أنَّ هذه العصابة متقلدة لحمائل سیوفها وإن دمعها عزیزٌ علیها لا ینزلُ إلا لأسباب عظیمة:(1)

ولقَدْ حَبَسْتٌ علی الدِّیارِ عِصابَةً

مَضْمومَةَ الأیدی إلی أکْبادِها

حَسْرَی تَجاوَبُ بالبُکاءِ عُیُونُها

وتَعَطّ بالزَّفَرَاتِ فی أبْرادِها

وقفُوا بها حتّی کأنَّ مطِیَّهُمْ

کانتْ قوائِمُهُنَّ مِنْ أوْتادِها

ثمَّ انثنَتْ، والدَّمعُ ماءُ مَزَادِها

ولواعِجُ الأشْجانِ مِنْ أزْوادها

مِنْ کُلِّ مُشْتَمِلٍ حَمایِلَ رَنَّةٍ

قَطْرُ المَدامِعِ مِنْ حُلیّ نِجادِها

ثمَّ یدعو الشاعر بتحیة للطلل وصاحبه من دیمةٍ تشفی السقیم إذا هطلتْ:(2)

حیّتکَ بلْ حَیَّتْ طُلُولکَ دیمةٌ

یشفی سَقِیمَ الربعِ نفثُ عهادها ج

وغدتْ علیک من الخمائل یِمنةً

تستامُ نافِقَةً علی رُوَّادِها

ثمَّ یتساءلُ الشاعرُ مستنکراً عن ماذا تطلبون من النواظر غیر العبرات والسهاد علی ما حلَّ بتلک الدیار، ثمَّ ینفی وجود الدمع ونزوله، إنْ العینَ جامدة وجافلة علی ما حلَّ بکم:(3)

هل تطلبُونَ مِنَ النوَاظِرِ بعدَکُمْ

شیئاً، سِوی عبراتِها وسُهادِها جججج


1- م. ن: 1/361.
2- م. ن.
3- م. ن.

ص: 43

لمْ یَبْقَ ذُخْرٌ للمدامِعِ عنکُمُ

کلا، ولا عَیْنٌ جَری لرُقادِها

ثمَّ یجیئ بیتُ التخلصِ متناسقاً مع ما ابتدأ به الشاعر ووصل إلیه فیخبر فیه أن الدموع متشاغلة بأمر أکبر من بکاء الدیار إنها مشغولة لبکاء فاطمة علی أولادها:(1)

شَغَلَ الدُّمُوعَ عنِ الدِیارِ بکاؤُنا ج

لِبُکاءِ فاطمةٍ علی أولادِها

وهنا یربط الشاعر بین موضوع متصور علی وجه الحقیقة، وهو بکاء فاطمة علی أولادها الذین سقطوا فی معرکة الطف، وحلَّ ما حلَّ ببناتها من بعد ذلک، وبین بکاء الدیار وأطلالها.

إن الشاعر عندما یقف علی الأطلال وهو فی قمة الحضارة العربیة فی العصر العباسی نقول إنه یستوحی النمط القدیم من القصیدة ویتمثله ویوظفه فی قصیدته وکأنما هو فعلاً قد وقف علی الطلل، وحینما یتخیل الشاعر أنَّ فاطمة علیها السلام تبکی علی أولادها إنما هو أیضاً یستوحی الحالة التی علیها فیما لو کانت موجودة علی قید الحیاة.

إنَّ هذا الاستحضار یوقع فی قلب المتلقی ویثیر عواطفه ویحرک دموعه ولعل الشاعر بفعله هذا یواسی فاطمة علیها السلام بکاءها ونحیبها علی أولادها، أملاً بشفاعتها یوم القیامة.

وإذا کان الشریف الرضی متمیزاً علی رأی أحد الباحثین "بنظرته الجدیدة المتمیزة إلی الطلل، فهو بیت مهجور، أو زمن متصرم أو امرأة معرضة أو شباب مولٍّ أو أمل ضائع"(2) فإننا نضیف إلی ذلک أرضاً مقدسة وقف بها الرضی وأناخ بها وتذکر ما جری علیها وبکی علی من سقطوا بها، وتحسَّر علی مجده المضاع فیها.


1- م. ن.
2- بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 304، د. عناد غزوان. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.

ص: 44

ومهما یکن من أمر فالباحث یری أن وقفة الشریف الطللیة لتوحی ببعدٍ ما خاصة وأنه قد ربطها بواقعة الطف، فالشاعر کان منطلقاً من بدء القصیدة من أن أرض الطف هی الطلل الذی ناداه، وما المنازل التی استحضرها إلا منازل الحسین وأهل بیته فی أرض الطف وما العصابة التی راح یتکلم عنها إلا أنصار الحسین وشیعة أبیه الطالبین بثأره، إنَّ هذا الأمر یعضده ما جاء قبیل نهایة القصیدة نفسها التی عاد الشاعر فیها إلی الوقوف بالطلل من جدید وحدده بالطف: (1)

قِفْ بی، ولوْ لَوْثَ الإزارِ، فإنَّما

هیَ مهجَةٌ عَلِقَ الجوی بفؤادِها

بالطَّفِ حیثُ غدا مُراقُ دمائِها

ومُناخُ أینقها لیومِ جلادِها

القفرُ مِنْ أوْراقِها، والطیْرُ منْ

طُرَّاقُها، والوحشُ مِنْ عُوَّادِها

تجری لها حَبَبُ الدُّمُوعِ، وإنَّما

حَبُّ القُلُوبِ یکنّ من أمْدادِها

یا یَوْمَ عاشُوراءَ کَمْ لکَ لَوْعَةً

تتَرَقّصُ الأحْشاءُ مِنْ إیقادِها

ما عُدْتَ إلا عادَ قَلْبی غلّةٌ

حرّی، ولَوْ بالَغْتُ فی إبْرادِها

مثْلُ السَّلیمِ مَضیضَةٌ آناؤُهُ

خُزْرُ العیونِ تَعُودُهُ بِعِدادِها

لقد طوّع الشاعر الموروث الشعری القدیم لیصوغ بنیة جدیدة وطللاً جدیداً هو أسمی وأعمق من طلل الجاهلی الذی وقف وبکی واستبکی وسأل الطلل ولم یجبه. فطلل الشرف الرضی طلل الروح السامیة إلی خالقها والمترفعة عن مباهج الدنیا الفانیة، وهو بعد ذلک ینطلق من تجربة شعوریة صادقة نابضة بالحیاة، مفعمة بالحبِّ المثالی کما هو متجلٍ فی طفیاته.

ثمَّ یتسلسل الشاعر إلی ختام قصیدته وذلک بنداء جدِّه الحسین علیه السلام کما فعل فی طفیته (صاحت بذودی بغداد) إلا أنه یسترسل فی وصفه لأهل البیت علیهم السلام، موضحاً أنَّ نظمه هو ثناءٌ لا یبلغ درجتهم السامیة، ولکنه برغم ذلک یختمها بقوله:


1- دیوان الشریف الرضی: 1/363.

ص: 45

أغنی طلُوعُ الشمْسِ عنْ أوْصافِها

بجلالها وضِیائها وبَعَادِها

فقد وجد فی الشمس ضالته فی مبلغ وصفه لأهل البیت دون أشیاء أخری عرَّجَ فی وصفها قبل نهایته هذه.

أما الطفیة الرابعة والتی نظمها سنة 395ه_، وقد بلغت ستةً وعشرینَ بیتاً بدأها بمقدمة ذاتیة حزینة، وقد جرَّد من نفسه شخصیة مهمومة شاکیة تقلبها بالرمل أیدی أحبتها وقد راح یرعی نجوم اللیل وطرفه موزع بین النجم والدمع، وما تغمض إلا لیعاودها خیال أحبتها البعداء وکانت أیضاً مصرعة المطلع:(1)

وراءَکَ عَنْ شاکٍ قلیلٍ العَوائدِ،

تُقَلِّبُهُ بالرَّمْلِ أیدی الأباعِدِ ج

یُراعی نُجُومَ اللیْلِ والهَمَّ، کُلَّما

مضَی صادِرٌ عنّی بآخَرَ وَارِدِ ج

توَزَّعَ بَیْنَ النَّجْمِ والدَّمْعِ طَرْفُهُ

بِمَطْروفَةٍ إنْسانُها غیرٌ راقِدِ ج

ومَا یَطّبیها الغُمْضُ إلا لأنهُ

طَریقٌ إلی طَیْفِ الخَیالِ المُعاوِدِ

ثمَّ یذکر الشاعر أحبته وإن ذکره لهم ذکر الصبا بعد عهده، وإنه متعلق بالمنی والمواعید، ثمَّ یصف نظرته إلی دارهم وقد حلَّتْ بها کثبان الرمل المتطاولة ویخبرنا أنّ شوقه القدیم لم ینقص لها وإن دمعه علیها لیس یجمد، وهو إلی جانب ذلک له کبد مقروحة مسقومة:(2)

ذکرْتُکُمُ ذِکْرَ الصِّبا بعد عهْدِهِ،

قَضی وَطَراً منّی وَلَیسَ بِعائِدِ

إذا جانَبُونی جانباً مِنْ وِصالِهِمْ

عَلِقْتُ بِأطْرافِ المُنی والمَوَاعِدِ

فیا نَظْرَةً لا تنْظُرُ الَعَیْنُ أُخْتَها

إلی الدّارِ مِنْ رَمْلِ اللِّوی المُتَقاوِدِ

هیَ الدّارُ لا شَوْقی القَدیْمُ بِناقِصٍ

إلَیْها، ولا دَمْعی علیها بجامِدِ

وَلی کَبِدٌ مَقْروحَةٌ لَوْ أضاعَها

مِنَ السُّقْمِ غیری ما بَغاها بناشِدِ


1- دیوان الشریف الرضی: 1/364 – 365. مطروفة: العین التی تدمع.
2- م. ن: 1/365.

ص: 46

ثمَّ یتساءل مستنکراً بقوله: (1)

أما فارقَ الأحْبابَ قَبْلِی مُفارِقٌ

ولا شَیَّعَ الأضْعانَ مثْلی بواجِدِ

ولکن داءَ الهمِّ قد عاوده ولم یزل بقلبه حتی عاد منه عائذُ فمهد بذلک للتخلص لموضوعه الرئیس (2):

تأوبُنی داءٌ مِنْ الهمِّ لمْ یَزَلْ

بِقَلْبیَ حتی عادَنیْ منْهُ عائدِی

تذکَّرْتُ یومَ السِبْطِ مِنْ آل هاشِمٍ

وما یَوْمُنا مِنْ آلِ حَرْبٍ بِواحِدِ

والملاحظ علی هذه المقدمة أنَّ الشاعر قد سیطر علیه شعورٌ بعدمِ الارتیاح، ولعله کان مرهقاً بسبب مسؤولیاته الکثیرة فی نقابة الطالبیین(3)، فانعکس ذلک علی بنیة القصیدة بانتقال الضمیر من المخاطب الغائب إلی المتکلم الحاضر، ثم العودة إلی الغائب ثمَّ العودة إلی المتکلم الحاضر، ثمَّ هذا التنقل فی الموضوعات وکأنها متفرقة غیر متلاحمة، علی عکس ما وجدناه فی مقدمات الطفیات المتقدمة. ثم إنّ ختام هذه الطفیة جاء غیر مریح للمتلقی وکأنَّ الشاعر أراد أنْ یتخلص منها وقد نفد انثیاله الشعری علی غیر عادته فکان قصیراً مقارنةً بقصائده الطفیة الأخری. ثمَّ أنَّ معالجة الموضوع لم تکن کما فی طفیاته الأخری، فقد اقتصر الشاعر علی ثلاثة أبیات من ضمنها بیت التخلص، ثم أخذ یندد بظلم الأمویین والعباسیین لأهل البیت إلی أن یختمها بقوله:(4)

کذبتُکَ، إنْ نازَعْتَنی الحقَّ ظالماً

إذا قلتُ یَوْماً إننی غیرُ واجِدِ

ولعل هذا التنقل متأتٍ من تأثره بالأسلوب القرآنی الذی تشیع فیه هذه الظاهرة لذا احتفظ الشریف الرضی بمقومات البناء الفنی لهذه الطفیة من مقدمة وحسن تخلص وخاتمة.


1- م. ن.
2- م. ن.
3- ینظر: فی الأدب العباسی: 412، 413.
4- دیوان الشریف الرضی: 1/ 366.

ص: 47

أما الطفیة الخامسة فقد نظمها فی أخریات حیاته، وهی أشهر وأطول طفیاته، إذ بلغت اثنین وستین بیتاً، جاء مطلعها مصرّعاً: (1)

کَرْبلا لا زِلْتِ کَرْباً وبلا

کَمْ لَقِی عنْدَکِ آلُ المُصْطَفی

وکثیراً ما کان الشاعر یلجأ إلی التصریع الداخلی أو ما یعرف ب_(تجدید المطلع)(2) فیها وذلک لیشد المستمع لما یطرحه، ویزید من انتباهه مع تمدد القصیدة بشکل واضح.

وهو والحالة هذه أشبه بمحطات استراحة ینطلق عقب کل محطة إلی مسافة شعوریة انفعالیة جدیدة. وهو إلی جانب ذلک استعمل مختلف الأسالیب الترکیبة والبیانیة والإیقاعیة مما یجعلها نشیداً متردداً علی طول الدهر، فلا زالت تقرأ هذه القصیدة، فتثیر مشاعر الحزن، وتستفز مکامن الدمع.

وقد بدأها الشاعر بنداء محذوف موجه إلی کربلاء المکان الذی حدثت فیه واقعة الطف، ثمَّ یسترسل عبر هذه النافذة لیسرد ما وقع فیها من حوادث قتل وسبی وانتهاک حرمات الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الذی لم یرعوا له رعیاً ولم یوفوا له عهداً، ویصوره الشاعر غاضباً أشد الغضب لفعلتهم النکراء شاکیاً إلی الله تعالی ما صنعوه بأهل بیته الکرام. ثم یختمها بقوله علی لسان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وهو یخاطب الله سبحانه وتعالی:(3)

ربِّ إنّی الیَوْمَ خَصْمٌ لهُمُ

جِئْتُ مظْلُوماً وذا یَوْمُ القَضا

إنها خاتمة حزینة یسلم بها المحزون ألمه وحزنه وشکواه إلی رب العالمین لیخفف عنه ما حلَّ به ویأخذ بیده، وینتقم من أعدائه ویحاسبهم علی ما فعلوه.


1- م. ن: 1/44.
2- بناء القصیدة: 375.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/48.

ص: 48

المبحث الثانی: البنیة الموضوعیّة للطفّیّات

الموضوع بالنسبة للشاعر غیر منفصل عن هیکله الخارجی ولاعن بنائه الداخلی وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، وحین متابعة الموضوع فی الطفیات نجده قد دار علی ثلاثة محاور رئیسة، فالأول مثّل الحسین علیه السلام ومصرعه فی أرض الطف وما مثّل من قیم دینیة وخلقیة مقدسة، وما أضفی علیه الشاعر من وصف لشجاعته وکرمه وظمئه، وهذا المحور فی الغالب ما یبدأ به الشاعر بعد بیت التخلص أو به. لذا رصد الباحث خلال هذا المحور مداخل الشاعر لموضوعه وکیفیة سلوکه به.

وتفرعت من هذا المحور محاور فرعیة متعلقة به ومستکملة وهی محور السبایا ورحلة الأسر، ومحور الدعاء بالسقیا لأرض الحسین علیه السلام.

أما المحور الرئیس الثانی، فقد تمثّل بقَتَلَةِ الحسین علیه السلام، إذ عرض الشاعر لظلمهم لأهل البیت علیهم السلام، ومجانبتهم وصایا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وقتلهم وسبیهم لأولاده وبناته.

وقد تفرع من هذا المحور محورٌ مهم دار حول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بوصفه نبی هذه الأمة ورسولها المنتجب الذی اصفحوا عن وصایاه ونقضوا عهده،

ص: 49

وقتلوا ابن بنته وسبوا بناته وعیاله بصورة غیر انسانیة.

أما المحور الرئیس الثالث فقد مثل الشاعر بکل أفراحه وآلامه وصبره وفخره وغضبه وتهدیده بالثأر من قتلة الحسین علیه السلام، وکان هذا المحور متواشجاً کلیّاً مع المحورین السابقین، فلم یفرده الباحث بل عمد علی مجاراة الشاعر فی انفعاله بحسب المواقف التی طرحها المحوران السابقان.

فعلی صعید المحور الأول قد اتخذ الشریف الرضی طرقاً للدخول إلی موضوع طفیاته أهمها التذکیر بیوم استشهاد الحسین علیه السلام وهو یوم عاشوراء، ثم یأخذ بالتحدث عما جری فیه، فکأنَّ ذکر الیوم هو الشرارة التی توقض أو تشغل انفعالات الشاعر ومشاعره لتکون مدخلاً أو نافذة للتنفیس عن ألمه وحزنه، فتراه یقول: (1)

فقُلْتُ: هَیْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ

لا یُفْهَمُ الحُزْنُ إلّا یومَ عاشورِ

یَوْمٌ حَدا الظَّعْنَ فیه لابنِ فاطِمَةٍ

سِنانُ مُطَّرِدٍ الکَعْبَیْنِ مَطْرورِ

وَخَرَّ للمَوْتِ لا کَفُّ تُقَلِّبُهُ

إلا بِوَطْءٍ مِنَ الجُرْدِ المَحاضِیرِ

ظَمْآنَ سًلّی نجیعُ الطّعنِ غُلّتَهُ

عَنْ باردٍ من عُبابِ الماءِ مَقْرورِ

کأنَّ بیضَ المَواضِی، وَهیَ تنْهَبُهُ!

نارٌ تَحَکّمُ فی جِسْمٍ مِنَ النّورِ

للهِ مُلْقًی علی الرَّمْضاءِ عضَّ بِهِ

فمُ الرَّدی بَیْنَ إقْدامٍ وتَشْمِیرِ

تَحْنو علیْهِ الرُّبی ظلاّ، وتَسْتُرُه

عَنِ النّواظِرِ أذیالُ الأعاصِیرِ

تَهابُهُ الوَحْشُ أنْ تَدْنُوا لمَصْرَعِهِ

وَقَدْ أقامَ ثلاثاً غیرَ مَقْبُورِ

لقد صور الشریف الرضی مصرع الحسین علیه السلام بصورة مباشرة، تارکاً تفاصیل نزوله وظعنه وأصحابه أرض کربلاء، والقصة الطویلة للمعرکة غیر المتکافئة بینه وبین أعدائه، مهتماً بلحظة وقوعه ووطء الخیول له وظمئه الذی سلی غلیله طعن المدی المتکاثف، وهو والحالة هذه یشبِّهُهُ الشاعر بجسم من النور تحکمت فیه النار،


1- دیوان الشریف الرضی: 1/488.

ص: 50

وتری الشاعر یتأوه علی ذلک الملقی علی الرمضاء وقد عضَّ فم الردی علیه، وما کانت الا الربی تحنو علیه ظلاً، وتستره عن النواظر الرمالُ المتطایرة التی ألمح إلیها الشاعر بقوله (أذیال الأعاصیر)، ولم تکن الوحوش العاتیة من الجرأة حتی تدنو من مصرع هذا النور المهاب الذی بقی ثلاثة أیام لم یدفن أو لم یوار فیکون له قبر.

ونجد الشاعر فی طفیة أخری یدخل إلی موضوعه من المدخل نفسه وذلک فی قوله: (1)

أیُّ یوْمٍ أدْمی المدامِعَ فیهِ

حادِثٌ رائعٌ وخطبٌ جلیلُ

یومُ عاشوراءَ الذی لا أعانَ الصْ_

_صَحْبَ فیهِ ولا أجارَ القبیلُ

ولکنه یذهب لغیر ما ذهب إلیه فی الطفیة المتقدمة، فهو بعد هذین البیتین یذکر وفاء الحسین علیه السلام لعهد الله الذی عاهده، ویذکر عدم إطاعة قتلته النبی صلی الله علیه وآله وسلم فیه بعدما أوصی بأهل بیته وهو منهم ولکنهم طلبوا الثارات القدیمة منه، وحاربوه بأعذار غیر مقبولة وراحوا یجلبون الحرب علیه:(2)

یا بْنَ بِنْتِ الرسُولِ ضیَّعَتِ العَه_

ْ_دَ رجالٌ، والحافِظَونَ قلیلُ

ما أَطاعُوا النبیَّ فیکَ، وقَ_دْ م_ا

 لَتْ بأَرْماحِ__هِمْ إلی__کَ الذُّحُولُ

وأحالُوا علی المقادِیرِ فی حَ__ر

جج

ْبِکَ لَوْ أنَّ عُذْرَهُ____مْ مَقْب_ُولُ

واسْتَقالوا منْ بعدِ ما أَجْلبوافی__

جج

_ه_ا أالآنَ أیُّه___ا المستَقِیْ_لُ

إنَّ أمْراً قّنَّعْتَ مِنْ دُونِ_هِ السی__

_فَ لمنْ حازَهُ لمرعیً وَبِیْلُ ج

ثمَّ یصف الشاعر شجاعة الحسین علیه السلام وبطولته الفائقة وخصاله الکریمة بوصف بدیع:

یا حُساماً فلَّ__تْ مضارِبُه ال__

ج

_هامَ وقد فلَّهُ الحس___امُ الصقیلُ


1- م. ن: 2/188.
2- م. ن. الذحول: الثارات.

ص: 51

یا جَواداً أدْمی الجَوادَ مِنْ الطَّ_عْ_

_نِ وولّی ونَحْ___رُهُ مبْل__ُولُ

حَجَلَ الخیْلُ مِنْ دِماءِ الأعادی

یَوْمَ یبْدو طَعْنٌ وتَخْفی حُجُولُ

وبعد ذلک یستنکر الشاعر علی نفسه فیقول: (1)

أترانی أُعِیْرُ وَجْهیَ صَوْناً

وعلی وَجْهِهِ تَجُولُ الخُیُولُ

أترانی ألذُّ ماءً، ولمّا

یروَ مِنْ مُهْجةِ الإِمامِ الغَلِیْلُ

قبلتْهُ الرِّماحُ وانتَضَ___لَتْ فی_

 __هِ المنایا وعانَق__َتْهُ النُصُولُ

وأنت تقرأ هذه الأبیات أو تسمعها لتسمع بکاء الشاعر المفجع ونحیبه لمصرع الحسین علیه السلام وقد راح یواسیه بهذا الاستفهام المؤلم الذی یذکِّر بأفضع اللحظات علی قلب الحسین علیه السلام وآلمها علیه. فجاء تعبیره مفعماً بالشعور الصادق المعبر، والإحساس النابض الحی عن تلک اللحظات الألیمة.

ونجد الشریف الرضیُّ - أیضاً - قد استعمل الدخول نفسه فی طفیته الأخری فتراه یقول:(2)

تذکرتُ یَوْ مَ السِبْطِ مِنْ آلِ هاشمٍ

وما یوْمُنا مِنْ آلِ حرْبٍ بواحدِ

وظامٍ یُریْغُ الماءَ قدْ حِیلَ دُوْنَهُ

سقَوْهُ ذباباتِ الرِّقاقِ البواردِ

أتاحُو لَهُ مُرَّ المَوارِدِ بالقنا

علی ما أباحُوا مِنْ عِذابِ الموارِدِ

فهو یذکر ظمأ الحسین علیه السلام وقد حیل بینه وبین الماء، وقام القوم بسقیاه ولکن بذبابات السیوف القواطع، وأتاحوا له مرَّ الموارد بالرماح بعدما أباحوا لأنفسهم دونه عذب الموارد.

أما الطفیتان الأخریتان ففی إحداهما سلک الشریف الرضی طریق الدخول إلی موضوعه بتشاغل عینه عن الدیار وأهلها لبکاء فاطمة علی أولادها، إذ أنهم لم یخلفوها


1- م. ن.
2- م. ن: 1/365.

ص: 52

فی الشهید إشارة إلی الحسین علیه السلام الذی رأی حقَّه وقد مثله الشاعر ب_(دُفَع الفرات) یمنع أو یذاد عن وروده لیندفع الشاعر للتعریض ببنی أمیة وجذور العداوة لأهل البیت - کما سنتناوله لاحقاً - قال الشریف الرضی:(1)

شَغَلَ الدموعَ عنِ الِّدیارِ بُکاؤنا

لبُکَاءِ فاطِمةٍ علی أوْلادِها ج

لمْ یَخْلِفُوها فی الشَّهیْدِ وقَدْ رَأی

دُفْعَ الفُراتِ یُذادُ عن أورادِها

أتَری دَرَتْ أنَّ الحُسیْنَ طَرِیدَةٌ

لقنا بَنی الطّرْداءِ عندَ وِلادِها

إنَّ هذا الاستثمار لاسم فاطمة علیها السلام الذی عمله الشاعر کان یومی من خلاله أنّ ظلامة فاطمة علیها السلام وغصب حقها فی میراث أبیها وما جری علیها من مأساة(2) کان ممتدّاً ومتواصلاً مع ما ألحق بالحسین علیه السلام من ظلم وقتل فیزید الشاعر من ألم الفجیعة ونارها کیما یحرق القلوب قبل العیون.

وقبل ختام القصیدة یلجأ الشاعر إلی مناداة یوم عاشوراء بغصة ولوعة تترقص الأحشاء من إیقادها: (3)

یا یَوْمَ عاشوراءَ کمْ لکَ لوْعَةً

تترقَّصُ الأحشاءُ مِنْ إیقادِهَا جج

ما عُدْتَ إلا عادَ قَلْبی غلّةٌ

حرّی، ولَوْ بالغْتُ فی إبْرادِها

مِثْلُ السَّلیمِ مَضیضَةٌ آناؤُهُ،

خُزْرُ العُیُونِ تَعُودُهُ بَعِدادِها

إنَّ هذا الیوم -یوم عاشوراء - مثل للشاعر منعطفاً مهماً فی تأریخ الإسلام والشیعة بوجه خاص -فهو لیس یوماً قتل فیه الحسین علیه السلام ونفرٌ من أهل بیته وأصحابه فحسب وإنما کان دلیلاً دامغاً علی فساد بنی أمیة وظلمهم لأهل بیت النبوة، ومجافاتهم لوصایا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فیهم، وتوّجوا ظلمهم بقتل الحسین علیه السلام ومن معه ولم یراعوا حرمة نسائه وعیاله بل سبوهن وساقوهن


1- م.ن: 1/361 – 362.دفع الفرات: الواحدة دفعة ویعنی دفقة المطر.
2- یُنظر: تذکرة الخواص: 317 – 328.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/ 364.

ص: 53

سوق الإماء. فکان هذا الیوم یوم ظلامة الشیعة الذین راحوا یستمدون قوتهم وصبرهم وتصدیهم من ذلک الیوم الرهیب مستلهمین فیه قوة الحسین علیه السلام وصبره وتصدیه لاعدائه. وإنَّ الأحداث السیاسیة التی کان یعیشها الشریف الرضی فی زمن العباسیین لم تکن بأحسن حال من أیام الأمویین بل کانت أشدَّ سوءاً، فالظلامة ازدادت بازدیاد القتل والتنکیل والتشرید بأئمة الشیعة وأعوانهم المخلصین وهذا ما نلحظه فی طفیاته.

أما الطفیة الأخیرة والتی لم تحوِ مقدمة ما إذ باشر الشاعر فیها غرضه وصافحه مصافحة، بدأ موضوعه بنداء محذوف موجه إلی کربلاء: (1)

کربلا لا زِلْتِ کرْباً وبلا

کَمْ لقی عندَکِ آلُ المصْطَفی

إنّ هذه الکلمات القلیلة البسیطة تتجدد فی کل حین بتجدد الذکری الألیمة فی کل عام.

وبعد هذا النداء المحذوف والسؤال الاستنکاری الصارخ یسترسل الشاعر فی عرض ما حدث فی أرض کربلاء لیثبت للسامع أنها أرض کرب وبلاء:(2)

کَمْ علی تُرْبِکِ لمّا صُرِّعوا

مِنْ دَمٍ سالَ ومِنْ دمْعٍ جَری

کَمْ حَصانِ الذَّیلِ یَرْوِی دَمعُها

خَدَّهاعنْدَ قَتیلٍ بالظّما

تَمْسَحُ التُّرْبَ علی إعْجالِها

عَنْ طُلی نَحْرٍ رَمیلٍ بالدّما

وَضُیوفٍ لفَلاةٍ قَفْرَةٍ

نَزَلُوا فِیْها علی غَیْرِ قِرَی

لمْ یَذوقوا الماءَ حتَّی اجْتَمَعوا

بِحدی السیفِ علی وِرْدِ الرَّدی

تَکْسِفُ الشمسُ شُموساً منْهُمُ

لا تُدانیها ضِیاءً وَعُلی

وَتَنُوشُ الوَحْشُ مِنْ أجسادِهِمْ

أرْجُلَ السَّبْقِ وَأَیمانَ النّدی

وَوُجُوهاً کالمصابیحِ، فَمِنْ

قَمَرٍ غابَ، ونَجْمٍ قَدْ هَوی

غَیَّرَتْهُنَّ اللیالی، وَغَدا

جایِرَ الحُکْمِ علیْهِنَّ البِلی


1- م.ن: 1/44.
2- م. ن.

ص: 54

والسامعُ لهذه الأبیات لیشهد إیماناً بأنَّ مثل هذه الأرض قلیلٌ لها أن تُوصفَ بالکرْبِ والبلاء إذ حلَّ ما حلَّ بها مِنْ قتل وتنکیل بالحسین علیه السلام وأصحابه المیامین.

وبعد أن یسترسل الشاعر فی عرض حال الحسین علیه السلام وأهل بیته لجده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخاطب الحسین وینادیه بهذا النداء:(1)

 یا قَتِیْلاً قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ

عُمُدَ الدِّینِ وأعْلامَ الهُدی جج

قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ

أنَّه خامِسُ أصْحابِ الکِسا

وَصَرِیعاً عَالَجَ المَوْتَ بِلا

شَدَّ لَحْیَیْنِ وَلا مَدَّ رِدا ج

غَسَلُوهُ بِدَمِ الطَّعْنِ، وَما

کَفَّنُوهُ غیْرَ بَوْغاءِ الثَّری

مُرْهَقاً یَدْعُو، وَلا غَوْثَ لَهُ

بأبٍ بَرٍّ وَجَدٍّ مُصْطَفی

وبِأُمٍّ رَفَعَ اللهُ لها

عَلَماً ما بینَ نُسْوَانِ الوَرَی

أیُّ جَدٍّ وأبٍ یَدْعُوهُما

جَدّ، یا جَدّ، أغِثنی یا أبا

فهنا یؤکد الشاعر علی منزلة الحسین علیه السلام وما یمثله للدین، فهو عُمُد الدین ورکن من أرکانه، وهو علم بارزٌ مِن أعلام الهدی، وهو خامس أصحاب الکساء الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً (2)، ثمَّ ینادیه بالصریع الذی لم یقم أحدٌ بشدِّ لحییه ویمد علیه الرداء کما یفعل مع کل من حضره الموت، ولکن القوم غسلوه بدم الطعن وترکوه فی أرض کفنته بحبات ثراها المتطایر.

ثمَّ یرجع الشاعر إلی اللحظات الحاسمة، لحظات النزع الأخیر للحسین علیه السلام فیصوره یدعو جده المصطفی وأباه علی بن أبی طالب وأمه فاطمة علیهم السلام کان یدعوهم لیغیثوه ولیسارعوا فی جلبه إلیهم فی علِّیین حیث الراحة کل الراحة والفوز کل الفوز فی الجنان مع النبیین والشهداء والصالحین.


1- م. ن: 1/45، 46.بوغاء الثری: الأرض الرخوة.
2- ینظر حدیث الکساء فی ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی: 31 – 34.

ص: 55

ولم ینس الشریف الرضی الدعاء بالسقیا لأرض الطفوف التی حوت جسد الحسین علیه السلام ونفر من أهل بیته وأصحابه، وهذا الدعاء من تقالید البادیة والشعر الجاهلی(1)، ظلَّ ملازماً للشریف الرضی فی کثیر من أشعاره الرثائیة(2) فتراه یخاطب الحسین علیه السلام ب_(یاغریب الدیار) کنایة عن غربة الحسین المکانیة، ویصف أحاسیسه الجیاشة وتمنیاته لو أنه فدی الحسین بروحه، وأضطجع بقبره، ووری بالتراب الذی وری به:(3)

یا غریبَ الدِّیارِ صبْری غَرِیْبٌ

وقَتِیلَ الأعْداءِ نَوْمی قَتِیلُ

بیْ نِزاعٌ یطغی إلیْکَ وَشَوْقٌ

وَغَرامٌ وزَفرَةٌ وَعَوِیلُ

لیتَ أنی ضجیعُ ق___برک لوْ أنْ

 نَ ثراه بم__دمعی مطْلُ___ولُ

ثمَّ یدعو بالسقیا بصورة روحیة شفافة إذ یقول:

لا أغبَّ الطفوف فی کلِّ یَوْمٍ

من طراقِ الأنواء غیثٌ هَطُولُ

مطرٌ ناعمٌ، وریحُ شمالٍ

ونسیمٌ غضٌّ، وظِلٌّ ظلیلُ ججج

وإذا کان هذا الدعاء یمثل "دعاء الخیر والبرکة والغیث لقبر المرثی" (4) کما یمثِّلُ الخیر والبرکة الشاملة للأرض التی یحل بها الفقید وتشیر إلی کرمهِ أیضاً (5) فإن الشریف یشیر بشکل غیر مباشر إلی أن هذه الأرض ومن حلَّ بها أساس الانطلاقة الصحیحة للحیاة الإنسانیة النبیلة، والحیاة الحقَّة الخالیة من الظلم والجور، کما تمثل الثورة ضد الطغاة والمستبدین والظالمین، وهنا تصبح أرض الطف القبس الذی ینیر درب الأحرار للعیش بحریة وسلام.


1- لغة الشعر بین جیلین: 26.
2- ینظر علی سبیل المثال لا الحصر دیوان الشریف الرضی: 1/29، 30، 113، 145، 151.
3- م.ن: 2/189.
4- الرثاء فی الشعر الجاهلی وصدر الإسلامِ: 196.
5- م. ن.

ص: 56

ویستکمل الشریف الرضی موضوع مصرع الحسین علیه السلام بذکر سبی نسائه وعیاله وأهل بیته علی أید الظالمین. وإذا کان الحسین علیه السلام ابن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فإن أخواته بنات الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وقد سبین وهذا واضح فی قول الشریف:(1)

تُسْبی بناتُ رَسُولِ اللهِ بَیْنَهُمْ ج

والدینُ غَضُّ المبادی غَیْرُ مستورِ

ویصور الشریف وضعهنَّ بصورة تستثیر الألم وتستجلب الدمع الغزیر فقد ارکبوهن علی النیاق المهزولة، وسُلِبْنَ قناعهن وتنقبن بأناملهن وکانت شکوتهن البکاء ونداؤهن العویل، وکنَّ تحتَ رحمة الحادی اللئیم بعد ما کنَّ معززات محشومات مکرمات محجوبات عن العیون:(2)

والسبایا علی النَّجائِبِ تُسْتا

قُ وقد نالَتِ الجیوبَ الذیولُ

مِنْ قُلُوبٍ یَدْمی لها ناظِرُ الوج__

ْ_دِ وم__ِنْ أدمُ_عٍ مَراها الهُمُولُ

قّدْ سَلَبْنَ القِناعَ عَنْ کلِّ وَجْهٍ

فیهِ للصونِ مِنْ قِناعٍ بدیلُ

وتَنقَّبْنَ بالأن___امِلِ، والدّمْ___

 __عُ علیک___لِّ ذی نِقابٍ دلیلُ

وتَشاکَیْنَ، والشکاةُ بُکاءٌ

وتَنادَیْنَ، والنِّداءُ عَویلُ

لا یغبُّ الحادی العنیفُ، ولا یف__

تُرُ عَنْ رنّ__هِ العَدیلِ العَدِی___لُ

إنها صورة رائعة رسمها الشریف الرضی وقد مثلت عمق ألمه وحزنه علی بنات الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وهن یسبین علی هذه الحالة المروعة. ولم تغب عن خیاله هذه الحالة فرسمها مرة أخری مضیفاً إلیها ألماً ولوعة أکبر وأکثر فتراه یقول مخبراً بما فعل آل أمیة بذریة الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:(3)


1- دیوان الشریف الرضی: 1/488.
2- م.ن: 2/ 188 – 189.
3- م.ن: 1/45.سنن الاوجه: دوائره. بهر السعی: انقطاع النفس من الاعیاء.

ص: 57

جَزَرُوا جَزْرَ الأضاحی نَسْلَهُ،

ثمَّ ساقوا أهْلَهُ سَوْقَ الإما

مُعْجَلاتٍ لا یُوارِینَ ضُحَی،

سُنَنَ الأوْجُهِ أوْ بِیْضَ الطُّلی جج

هاتِفاتٍ بِرَسُولِ اللهِ فی

بهَرِ السَّعْیِ، وعَثْراتِ الخُطَی

یَوْمَ لا کِسْرَ حِجابٍ مانِعٌ

بِذْلَةَ العَیْنِ ولا ظِلَّ خِبا

أدْرَکَ الکُفْرُ بِهِمْ ثاراتِهِ

وأُزِیْلَ الغَیّ مِنْهُمْ فاشتَفی

إن قتلة الحسین علیه السلام لم یراعوا حرمة له، وقد تصرفوا علی غیر ما أمر به الله والرسول؛ والشریف الرضی بعرضه لهذه القضیة لیؤکد علی ظلم آل أمیة الذی بلغ مداه لیطول حتی النساء والأطفال الذین لیس لهم أیُّ ذنب أو جرم فلم یکتفوا بقتلهم الحسین بل اسروا نسائه وسبوهنَّ وساقوهنَّ إلی الشام وهنَّ علی الحالة التی وصفها الشریف الرضی.

أما المحور الموضوعی الثانی والمسبب للمحور الأول وهو قتلة الحسین علیه السلام فقد جعل الشاعر لهم نصیباً کبیراً من ذاکرته مما انعکس علی شعره واضحاً، ولربما طغی علی موضوع المرثی نفسه. إذ نجده یهدد ویوعد الأمویین ویخبرهم أن الأسیاف لیست نائمة وأن الثأر واقع لا محالة:(1)

بنی أمیَّةَ ! ما الأسیافُ نائِمَةٌ

عن شاهرفی أقاص الأرض موتور

والبارقاتُ تَلَوّی فی مَغَامِدِها،

والسّابِقاتُ تَمَطّی فی المَضَامیرِ

إنّی لأرْقُبُ یَوْماً لا خَفاءَ لَهُ،

عُرْیانَ یَقْلَقُ مِنهُ کُلُّ مَغْرُورِ

وللصَّوارِمِ ما شاءَتْ مَضارِبُها

مِنَ الرِّقابِ شَرابٌ غیرُ مَنْزُورِ

إنّ الشاعر یهدد الأمویین بالیوم الموعود عند الشیعة الیوم الذی یظهر فیه صاحب الأمر محمد المهدی الإمام الثانی عشر عند الشیعة، إذ یثأر لجده الحسین علیه السلام ویأخذ بظلامته وظلامة شیعته ممن ظلموهم لحبهم الحسین علیه السلام والسیر


1- م. ن: 1/489.

ص: 58

علی منهاجه. وهذه الفکرة یؤکدها الرضی فی موطن آخر فی طفیاته، فهی من عقائد الشیعة الاثنی عشریة.(1)

وفی طفیته الأخری یخبر الشاعر أنّ ما کان بالعراق مآتمَ کان قبالته فی الشام أعیاداً:(2)

کانَتْ مآتِمُ بالعِراقِ تعدُّها

أمویة بالشامِ مِنْ أَعْیادِها

ثمَّ یذکر الشاعر أنّ بنی أمیة لم یراقبوا غضب النبی صلی الله علیه وآله وسلم وقد أصبح ما جاء به من هدی ورحمة هباءً منثوراً وقد عبَّرَ عنه الشاعر بالزرع الذی قلع وحصد من مکانه، لقد باعوا هداهم بضلالهم وشروا غیهم برشادهم وجعلوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خصماً لهم یوم القیامة، کیف لا وقد سبوا بناته وقتلوا ولده الحسین ورفعوا رأسه علی رماحهم:(3)

ما راقَبَتْ غَضَبَ النبیِّ، وقد غَدا

زرعُ النَّبیِّ مظَنَّةً لحصادها

باعَتْ بصائرَ دِینِها بضلالها

 وشرتْ معاطِ_بَ غیّ_ِها برَشَادِها

جَعَلَتْ رسُولَ اللهِ مِنْ خُصَمائِها

فلبِئْسَ ما ذَخَرَتْ لیومِ معادها

نسلُ النبیِّ علی صعابِ مطیَّها

ودمُ النبیِّ علی رُؤوسِ صعادِها

ویتحسر الشاعر لهذا الحدث الجلیل ویتألم لما حلَّ بالعصبة العلویة من ضیم بعدما کانت تملک العزة والفخار وکانت عصبة أمیة فی ذلٍّ ومهانة ووسم الذل علی جیادها:(4)

وا لهْفتاه لعصبةٍ علویةٍ

تَبِعَتْ أمیَّةَ بَعْدَ عِزِّ قیادِها

جعلَتْ عِرانَ الذُّلِّ فی آنافِها

وعِلاطَ وسمِ الضیْمِ فی أجیادِها


1- ینظر: م.ن: 1/47.
2- م.ن: 1/362.
3- م. ن.
4- م.ن.العران:عود یجعل فی انف البعیر. علاط: حبل یجعل فی عنقه.

ص: 59

ثم یحاجج الأمویین بقتلهم الحسین علیه السلام بقوله:(1)

زَعِمَتْ بأنَّ الدینَ سوَّغَ قتْلَها

أولیسَ هذا الدِّینُ عن أجدادِها

ولکن هذا المسوغ مفضوح، إذ انَّ الأمویین طلبوا تراث الجاهلیة وثاراتها من الحسین علیه السلام الذی مثَّل بنی هاشم زعماء مکة وقریش قبل الإسلام، ولما کان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم منهم اشتعلوا غیضاً وحسداً وغیلة علیهم خاصةً بعد حروب بدر وأُحد والخندق إذ قتل منهم ساداتهم، فتحینوا الفرص لأخذ الثأر منهم ولذلک أشار الشاعر فی قوله:(2)

طلبتْ تراثَ الجاهِلِیَّة عندَها

وشفَتْ قدِیمَ الغلِّ مِنْ أحْقادِها

واستأثرتْ بالأمرِ عَنْ غُیَّابِها

وقَضَتْ بما شاءَتْ علی شُهّادِها

ثمَّ یخبر الشاعر الأمویین أنَّ الله جلَّ وعلا سابقکم إلی أرواح من قتلتم ولکنکم کسبتم الآثام فی أجسادهم، ویخبرهم أیضاً إنْ هدمتم تلک القباب فإنَّ أعمدة الدین قد خرَّتْ قبل عمادها:(3)

اللهُ سابقکُمْ إلی أرواحِها

وکَسَبْتُمُ الآثامَ فی أجْسادِها ججج

إنْ قُوِّضَتْ تلکَ القُبابُ فإنمَّا

خرتْ عمادُ الدِینِ قَبْلَ عمادِها

إنّ الشاعر یشیر إلی ما فعله المتوکل العباسی من تهدیم قبر الحسین علیه السلام ومنع الزائرین وصوله(4) وفی هذه الإشارة یرمز الشاعر إلی امتداد الظلم والجور الی الحسین وشیعته حتی بعد أن قتل، وما بنوالعباس بأفضل أو أحسن من بنی أمیة، لذلک أوضح فکرته بصورة لا لبس فیها بقوله بعد هذین البیتین:(5)


1- م.ن.
2- م.ن.
3- م.ن.
4- تاریخ الخلفاء: 347.
5- دیوان الشریف الرضی: 1/362.

ص: 60

إنَّ الخِلافَةَ أصْبَحَتْ مزْوِیَّةً

عَنْ شَعْبِها بِبَیاضِها وسَوادِها

والسامع یفقه أن الشاعر یعرض بالأمویین بذکر شعارهم الأبیض، وبالعباسیین بذکر شعارهم الأسود وکلاهما قد اغتصب الخلافة مع علمهما بأنَّ الخلافة أحق بها من نصبه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خم وهو علی بن أبی طالب علیه السلام، والشیعة الاثناعشریة تذهب من بعده إلی ولدیه الحسن والحسین ثم التسعة المعصومین من ذریة الحسین علیه السلام وقد ذکرهم الشاعر بأسمائهم فی طفیته (کربلا لا زلت کرباً وبلا)(1) ویعتقد الشاعر بهم والشیعة بأنهم صفوة الله المختارة لإنقاذ البشریة:(2)

هیَ صَفْوَةُ اللهِ التی أوحی لها

وقضی أوامِرَهُ إلی أمجادِها

أخّذَتْ بأطْرافِ الفخارِ، فعاذرٌ

 أن یصبِحَ الثقَ__لانِ مِنْ حُسّادِها

الزُّهْدُ والأحلامُ فی فتّاکِها،

والفَتْکُ، لولا اللهُ، فی زُهَّادِها

ثمَّ یذکِّر بشجاعة البیت العلوی بصورة جمیلة حین یقول:(3)

عُصَبٌ یُقمطُ بالنجادِ ولیدُها

ومهودُ صبیتِها ظهورُ جیادِها

تروی مَناقِبَ فَضْلِها أعْداؤُها

أبَداً، وتُسْنِدُهُ إلی أضْدادِها

ثم یثور الشاعر علی هذا الظلم فیصرخ قائلاً:(4)

یا غیْرَةَ اللهِ اغضَبی لنبیِّهِ

وتزَحْزَحی بالبیْضِ عنْ أغْمادِها

من عُصْبَةٍ ضاعَتْ دماءُ محمَّدٍ

وبَنِیهِ بَیْنَ یزیدِها وَزِیادِها

إنَّ الشاعر لیشیر إلی رموز ظالمة یزید وزیاد وکأنه یطلقها علی کل ظالم عتید نصب العداوة لأهل البیت علیهم السلام، وبعدما یرجع إلی ذکر ظلاماتهم المفجعة


1- ینظر م.ن: 1/47.
2- م.ن: 1/362 – 363.
3- م.ن.
4- م.ن.

ص: 61

بصورة مؤلمة محزنة:(1)

صَفَداتُ مالِ اللهِ ملءُ أکُفِّهِا

وأکفُّ آلِ اللهِ فی أصفادِها

ضربوا بسیفِ محمَّدٍ أبناءهُ

ضَرْبَ الغرائِبِ عُدْنَ بعدَ ذیادِها

هکذا یصور الشاعر حزنه علی البیت العلوی الذی ینحدر منه ویصیر إلیه، إذ إنَّ هذا الظلم واقع علیه مثلما وقع علی أئمته، خاصة وأنَّ مسألة الخلافة کانت تشغل ذهنَهُ فلمْ "تکن مجرد رغبة، أو نزوة أو حلم عابر لشاعر ذی صبوات ورغبات وآمال، بل کانت دعوة علنیة وسریة، شغلت اهتمام الشاعر طوال حیاته، وشغلت العدید من الأتباع والمؤیدین"(2) لذلک کان إحساسه صادقاً قویاً منفعلاً ملؤه الإهاب والثورة، ونجده یشیر إلی هذه المعانی فی طفیة أخری إذ یقول:(3)

رَمَوْنا کما تُرْمی الظِماءُ عن الروا

یذودُونَنا عَنْ إرْثِ جدٍّ ووَالدِ

ثم یخبر أنّ الله علی ما أصابنا مطلع ولیس براقد وإن کان نصَّارنا راقدین:

لئِنْ رقَدَ النُّصّارُ عما أصابَنا

 فما اللهُ عمَّا نِیلَ منَّا براقِدِ

لقدْ عَلَقوها بالنبیِّ خصومةً

 إلی اللهِ تُغْنی عنْ یَمِیْنٍ وشاهِدِ

ثم یقرر أن الظلم وسلب الحق ممتدٌّ من الأولین ویعنی بهم الأمویین إلی الآخرین ویعنی بهم العباسیین:

ألا لیْسَ فعلُ الأوَّلینَ وإنْ علا

علی قبح فِعْلِ الآخرِینَ بزائِدِ

یُریدُونَ أنْ نَرْضی وَقَدْ مَنعُوا الرضی

 لسیر بَنی أعْمامِنا غیرُ قاصِدِ ج

کذبتک، إن نازعتنی الحقَّ ظالِماً

 إذا قلْتُ یوماً إنَّنی غیرُ واجِدِ

إنَّ إحساس الشاعر بذلک الأسی والظلم الواقع علی أئمته جعله حانقاً غضبانَا،


1- م.ن: 1/363.
2- الاغتراب فی حیاة وشعر الشریف الرضی: 68.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/ 365 – 366.

ص: 62

متسائلاً شاکیا، متعجباً من همه وحزنه فتراه یقول:(1)

أکُلَّ یَوْمٍ لآلٍ المًصطَفی قمَرٌ

یَهْوی بِوَقْعِ العَوالی والمَباتیرِ جج

وَکلَّ یَوْمٍ لَهُمْ بَیْضاءُ ضافیَةٌ

یَشُوبُها الدَّهْرُ مِنْ رَنْقٍ وتَکْدِیرِ

مِغْوارُ قَوْمٍ، یرُوعُ الموتُ مِنْ یَدِهِ

أمْسی وأصْبَحَ نَهْباً للمَغاوِیرِ

وأبیضُ الوَجْهِ مَشْهورٌ تَغَطْرُفُهُ

مَضی بِیَوْمٍ مِنَ الأیامِ مَشْهورِ

مالی تَعَجَّبْتُ مِنْ همِّی وَنَفْرَتِهِ،

والحُزْنُ جُرْحٌ بِقَلْبی غَیرُ مَسْبُورِ

بأیِّ طَرْفٍ أری العَلْیاءَ إنْ نَضَبَتْ

عَیْنی، وَلَجْلَجْتُ عَنْها بالمَعاذِیرِ

ألقی الزَّمان بِکَلْمٍ غَیْرِ مُنْدَمِلٍ

عُمرَ الزَّمانِ، وَقَلْبٍ غیرِ مَسْرورِ جج

ولکن علی الرغم من الأسی والحزن من النهایات المفجعة لأئمته لم تجعله یشعر بالاستسلام والیأس والقنوط بل جعلته أکثر تماسکاً وقوة وهو یسیر علی خطاهم یتأهب کل التأهب ویعد العدة لأخذ الثأر من أعدائهم، فهو ناقم أشدّ النقمة علی الطغاة، فتراه یقول مخاطباً بنی أحمد کنایة عن أحفاد نبینا محمد صلی الله علیه وآله وسلم من ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام: (2)

یا بَنی أحمَدَ إلی کمْ سِنانی

غائبٌ عنْ طعانِهِ مَمْطُولُ

وجِیادی مرْبُوطَةُ والمطایا

ومَقامی یروعُ عَنْهُ الدَّخیلُ

کمْ إلی کمْ تَعْلُو الطغاة وکمْ یَحْ__

_کُمُ فی ک__لِّ فاضِلٍ مفْضُ___ولُ

قد أذاع الغلیلُ قلبی وَلکِنْ

غیرُ بدعٍ إن استطبَّ العلیلُ

إنها أسئلة غاضبة حانقة علی الأوضاع السیاسیة وما یلقاه الشاعر من مضایقات، ویستمر الشاعر فی نفث أحاسیسه الجیاشة لهباً یوقد الثورة لیستحصل الثأر من قتلة الحسینِ علیه السلام متمنیاً أن یکون زمامها بیده:(3)


1- م.ن: 1/489.
2- م.ن: 2/189.
3- م.ن: 2/ 189 – 190.

ص: 63

لیْتَ أنّی أبْ_ق__ی، فأمترقَ النا

س وفی الکفِّ صارمٌ مسْل___ُولُ

وأجرُّ القنا لثاراتِ ی__َوْمِ الطْ_

_طفِّ یستلحقُ الرعی_لَ الرعی__لُ

وما فتئ الشاعر یلهج بحب أهل البیت مذکِّراً بإخلاصه التام لهم، وقد صبغ حبهم قلبه صبغة الشیب دلالة علی عظمه، وأنه لا یفارقه حتی بالموت، وهو عبدٌ لهم مطیع وإن کان ینحدر منهم، فوالده حیدرٌ کنیة الإمام علی بن أبی طالب وأمه البتول کنایة عن فاطمة علیها السلام.(1)

صبغَ القلبَ حبُّکُمْ صِبْغَةَ الش__ی_  

_بِ وشیبی لولا الردی لا یحُولُ

أنا مولاکمْ وإنْ کنتُ منکُمْ

والدی حیدرٌ وأمِّی البَتُولُ

ثمَّ یقول إنَّ الناس إذا أدرکوا غایة الفخر کان أسبقهم وأرفعهم منزلة من کان جده الرسول صلی الله علیه وآله وسلم:

وإذا الن_اس أدرکوا غای_ة الف_

_خر شآهم مَنْ قالَ جدِّی الرَّسُ_ولُ

وهو إلی جانب ذلک عظیم الفخر بأئمته کثیر الثناء علیهم فتراه یخاطبهم بعد أن عدد أسماءهم أو کنیاتهم بقوله:(2)

یا جِبالَ المجْدِ عزّاً وعُلی

وبدُورَ الأرْضِ نوراً وسَنا

جعل اللهُ الذی نابَکُمُ

سببَ الوَجْدِ طویلاً والبُکا

لا أری حُزْنَکُمُ یُنْسی ولا

رِزْءکم یُسْلی، وإنْ طال َ المَدی

قدْ مَضی الدَّهْرُ وعفَّی بعدِکُمْ

لا الجَّوی باخَ، ولا الدَّمْعُ رَقا

وهو یری أنَّ لهم قدراً ومنزلة عند الله لم یصلها غیرهم:

أنتُمُ الشَّافُونَ مِنْ داءِ العمی

وغداً ساقونَ مِنْ حوضِ الروا ج

نَزَلَ الدینُ علیکُمْ بیتکُمْ

وتَخَطَّی الناسَ طُرّاً وطوی


1- م.ن: 2/190.
2- م.ن: 1/47. باخ: سکن. رقا: انقطع جریانه.

ص: 64

ویستنکر الشاعر علی من ترکهم إلی غیرهم، وهم الأقربون من الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ومن یتمسک بهم فهو ناج لا محالة:

أیْنَ عنْکُمْ للذی یبْغی بِکُمْ

ظلَّ عدْن دُونَها حرُّ لظی

أیْنَ عنکُمْ لمُضلٍ طالبٍ

وضحَ السُّبلِ وأقْمارَ الدُّجی

أیْنَ عنْکمْ للذی یَرْجُو بِکُمْ

معْ رسولِ اللهِ فوزاً ونَجا

إنَّ هذه الأسئلة الإنکاریة المتتالیة فی بدء الأبیات الثلاثة قد أعطت معنی الاستعبار والتأمل للذی غفل عن ذکرهم وأشاح وجهه وفکره عنهم.

ومن المحاور المترابطة بما سبق والتی عرض لها الشریف الرضی هو الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وما یمثله من قیم خلقیة ودینیة وموقفه من هذه الواقعة الألیمة، فقد عمد الشاعر إلی إشراکه فی معاینة ما وقع فی أرض الطف، فناداه بقوله:(1)

یا رسُولَ اللهِ لوْ عایَنْتَهُمْ ج

وهمُ ما بیْنَ قَتْلی وسِبا ج

مِنْ رَمیضٍ یُمْنَعُ الظلَّ ومِنْ

عاطشٍ یُسْقی أنابیب القَنا

ومس_وقٍ ع__اثرٍ یسعی ب__هِ

خلفَ محم_ولٍ علی غی_رِ وط_ا

مُتْعَبٍ یَشْکُو أذی السیر علی

نَقبِ المَنْسمِ، مجْزُولِ المَطا

لرَأتْ عَیْناکَ مِنْهُمْ مَنْظَراً

للحَشی شجْواً، ولِلْعَیْنِ قّذی

ولا شکَّ أنَّ هذه المحاولة تزید من الأسی وتبعث علی النحیب والبکاء لما حلَّ بالحسین علیه السلام وأهل بیته، وتعطی بعداً جدیداً للفاجعة، متمثلاً باطلاع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم علی ما جری فی أرض الطف، علی الرغم من غیابه المادی.(2)

وما فتئ الشاعر یذکر أنّ ما أصاب الحسین علیه السلام وما حلَّ من بعده بأهل


1- م.ن: 1/44 – 45. نَقَبَ المَنْسَم: خُفُّ البعیر، مجزول المَطا: الظهر الیابس.
2- ینظر: ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی: 156 -158.

ص: 65

بیته من أسر وسبی ما هو إلا خیانة لوصیة الرسول فی حقِّ أهل بیته علیهم السلام.(1)

"لقد جری قتل أهل بیت الرسول بأیدی أناس کانوا یدَّعون الإسلام، وهذا ما أعطی للمأساة بعداً فجائعیاً لم یتکرر فی التاریخ، فلم یروِ أحدٌ فی جمیع مراحل التاریخ أن بشراً یقتلون أهل بیت نبیهم وباسم خلافة الدین! إلا فی مناسبة واحدة هی ملحمة عاشوراء."(2)

ویذکر الشاعر خصومة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لهذه الفئة، وقد حلَّ یوم القیامة، فیشیح وجهه عنهم ویشکوهم إلی الله جلّو علا فیما فعلوه:(3)

أیْنَ عنْکُمْ للذی یرجُو بِکُمْ

مع رسُولِ اللهِ فوزاً ونَجا

یومَ یَغْدوا وَجَهُهُ عنْ معْشَرٍ

مُعْرِضاً ممتِنِعاً عندَ اللِّقا

شاکیِاً مِنْهُمْ إلی اللهِ، وهلْ

یُفْلِحُ الجیلُ الذی منْهُ ش___کا

ثمَّ یعرض الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لله جلّ وعلا ما فعلوه بأهل بیته ودینه:

ربَّ ما حاموا، ولا آووا، ولا

نصُروا أهْلی، ولا أغْنوا غنا جج

بدَّلُوا دِیْنی، ونالوا أسْرَتی ج

بالعظیمات، ولمْ یرعوا ألی

لو وَلی ما قدْ وَلوُا مِنْ عتْرَتی

قائمُ الشِّرکِ، لأبقی ورعی ج

نقضوا عهْدی وَقَدْ أبْرَمْتُهُ

وَعُری الدِّیْنِ، فَما أبْقَوْا عُری

حُرمی مُسْتَرْدَفاتٌ، وبَنُو

بِنْتِیَ الأدْنَوْنَ ذِبْحٌ للعِدی

ثم یستنکر علیهم عدم حفظهم للجمیل الذی صنعه معهم بأن أخرجهم من الشرک والضلالة إلی النور والهدی والإسلام:

أُتُری لستُ لدَیْهِمْ کامرِئٍ

خلَفُوهُ بِجَمِیْلٍ إذْ مَضی


1- م. ن: 133.
2- الاغتراب فی حیاة وشعر الشریف الرضی: 17 – 18.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/48.

ص: 66

ثم یطلب من الله الحاکم العادل أن یقاضی المذنبین من أمته وأنه مظلوم منهم وخصم لهم:

ربِّ إنِّی الیَوْمَ خَصْمٌ لَهُمُ

جِئْتُ مظْلُوماً وذا یومُ القَضا

إنَّ هذا الإلحاح علی ذکر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی أکثر من موضع فی الطفیات یؤکد علی أن الحسین علیه السلام إمتدادٌ فعلی حقیقی للرسول صلی الله علیه وآله وسلم وعلی مختلف الأصعدة الدینیة والأخلاقیة کما یؤکد الشاعر به علی انحداره من نسله وارتباطه به أشدَّ الارتباط. وکأن مکانته التی هو علیها ما کانت وما کان لیصل إلیها لولا هذا الحبل المتین المقدس الذی یتواصل معه لیمده بالإیمان والقوة، ویدعم مکانته الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة کذلک الشعریة فتراه یقول مؤکداً هذا المعنی:(1)

وإذا الناسُ أدْرَکوا غایةَ الفخْ_ ج

_رِ شآهم مَنْ ق_الَ جدّی الرَّس_ولُ ج

یفرح الناس بیْ لأنِّی فضْلٌ

والأنامُ الذی أراهُ فُضُولُ ج

فهُمُ بَیْنَ مُنْشِ__دٍ م___ا أُقَفِّی_

_هِ سرُوراً وسامِعٌ ما أقُولُ

وهکذا یتضح بجلاء أثر واقعة الطف فی تجربة الشاعر الشعوریة وتجلی ذلک فی الصیاغة الموضوعیة لها.


1- م. ن: 2/ 190. شآهم: سبَقهم.

ص: 67

المبحث الثالث: البنیة الداخلیة (اللغة الشعریة)

1_ الألفاظ

لا شکَّ فی أن الألفاظ لیس لها قیمة کبری بعیداً عن معناها الموضوع لها، أو المعنی المتشکل فی السیاق الذی وضعها الشاعر فیه. وهی بذلک تختزن طاقات وجدانیة خیالیة موسیقیة تثیر الانطباعات والتداعیات المختلفة فی ذهن الإنسان خاصة إذا لم یستعملها فی سیاق مألوف أو متعارف علیه مما یفقدها لحظة الاصطدام بذهن المتلقی فتحدث فیه المفاجأة أو التأثیر المطلوب.

لم یکن شاعرنا الشریف بشاعر یجهل ما لقیمة الألفاظ من أثر فی تشکیل المعانی المرادة والدلالات التی تشع منها فهو إذ یضعها یتحسسها بحس شعری مرهف مکنته إیاه ثقافته الواسعة واطلاعه العمیق علی نتاجات العرب فی الجاهلیة حتی عصره عارفاً بتطور الأسالیب والعلامات المتمیزة فی مسیرة الشعر العربی فکان دقیقاً بصیراً فی صیاغته الشعریة، لم یبتعد عن أسالیب القدماء ولکنه کان یتخذ منها منطلقاً نحو حداثة هو مبتدعها ومشکِّل هویتها.(1)


1- ینظر الشریف الرضی بلاغیاً: 24، وبناء القصیدة عند الشریف الرضی: 205،، د. عناد غزوان. ضمن کتاب: الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.

ص: 68

وهو إذ یزاوج بین القدیم والجدید تظهر علی سطح نتاجاته بعض الألفاظ والتراکیب المنتمیة لغیر عصره، وربما کان وراء ذلک ثقافته اللغویة الشدیدة الارتباط بتراث العرب القدیم، فقد کان الشریف الرضی "علی حظٍ عجیب من المعجم الفصیح مما مکَّن اسلوبه من القوة وطوع التغیر، فجاء وسطاً بین تعقید المعری وترکیز المتنبی"(1). وهو إذ یصنع ذلک یشیر إلی نمطٍ مخلص لثقافة قومه وتأریخهم، فی وقت بدأ التنصل من تلک الثقافة وتأریخها یتخذ منحیً خطیراً خاصة وقد تقسمت الدولة الإسلامیة إلی دویلات وإمارات صغیرة، ودخل فی العرب من یرید أن یصنع الفتن من أقوام غاظها ما للعرب ولغتهم من أصالة عریقة.

ومهما یکن من أمرٍ فإن الطابع البدوی کان سمة لا تغادر شعر الشریف الرضی کله، مما أهَّلَه لأن یترأس مدرسة خاصة به کان إشعاعها ممتدّاً إلی عصرنا الحاضر.(2) وإذا ما تصفحنا طفیاته فإننا نجدها ملیئة بتلک الروح البدویة.

قال الشریف:(3)

هذی المَنازِلُ بالغَمیمِ، فنادِها

واسکُبْ سَخِیَّ العَیْنِ بَعْدَ جَمادِها

إنْ کانَ دَینٌ للمَعالِمِ، فاقْضِهِ،

أوْ مُهْجَةٌ عِنْدَ الطُّلُولِ فَفادِها

یا هلْ تَبُلُّ مِنَ الغَلیلِ إلیْهِمُ،

إشْرافَةٌ للرَّکْبِ فَوْقَ نِجادِها ج

نُؤْیٌ کُمُنْعَطِفِ الحَنِیَّةِ دُوْنَهُ

سُحْمٌ الخُدُودِ لهنَّ إْرثُ رَمادِها

ومَناطُ أطْنابٍ وَمَقْعَدُ فِتْیَةٍ،

تَخْبُو زِنَادُ الحیِّ غیرَ زِنادِها

ومَجَرُّ أرْسانِ الجِیادِ لِغلْمَةٍ

سجَفوا البُیُوتَ بشُقْرِها وَوِرادِها ج

وأنت تقرأ هذه الأبیات لا تحسُّ بأن شاعرها عاش فی قمة ازدهار الحضارة الإسلامیة ونشأ وترعرع فی عاصمتها بغداد، وإنما تحس أنه شاعرٌ بدوی یبتدئ کما


1- الشریف الرضی: 263
2- ینظر: لغة الشعر بین جیلین: 27، والقصائد الخالدات: 40.
3- دیوان الشریف الرضی: 1/360 - 361

ص: 69

ابتدأ الشعراء القدامی بالوقوف علی الطلل واستذکار مواضع الأحبة، وسکب الدمع علی ما حلَّ بهم، ویمعن النظر فیما ترکه الأحبة من رماد وأطناب وأماکن للوقود ونجد الشاعر فی طفیة أخری یقول:(1)

وراءَکَ عنْ شاکٍ قلیلِ العوائِدِ

تُقَلِّبُهُ بالرَّمْلِ أیْدی الأباعِدِ

یُراعی نُجُومَ اللیلِ والهمَّ، کلَّما

مضی صادرٌ عنی بآخِر وارِدِ

توَزَّع بیْنَ النَّجْمِ والدَّمْعِ طَرْفُهُ

بِمَطْرُوقَةٍ إنْسانُها غیرُ راقِدِ

إنها علائم البادیة، الرمال ونجوم اللیل الساطعة فی صحراء مترامیة الأطراف، وبعد ذلک ینظر إلی الدار وکله اشتیاق لها وهی هناک من رمل اللوی المتطاول:(2)

فیا نظرةَ لا تنظرُ العَیْنُ اخْتَها

إلی الدّارِ مِنْ رَمْلٍ اللوی المتَقاوِدِ ج

هیَ الدَّارُ لا شَوْقی القَدِیمِ بناقِصٍ

إلیها ولا دَمْعی علیها بجامِدِ

وتری هذا الحسَّ البدوی أیضاً فی قوله:(3)

صاحَتْ بِذَوْدیَ بَغْدادٌ فآنَسَنی

تَقَلُّبی فی ظُهُورِ الخَیْلِ والعِیْرِ جج

وکلَّما هجهجَتْ بی عنْ منازِلِها

عارضْتُها بِجَنانٍ غیرِ مَذْعُورِ جج

أطْغی علی قاطِنیها غیرَ مُکْتَرِثٍ

وأفعلُ الْفِعْلَ فیها غیرَ مأمُورِ

فنلحظ الألفاظ (ذودی، هجهجت) من الألفاظ القلیلة التداول، بدویة الحس، ولعل الشاعر لم یجد ما یعوض عنها دلالیاً أکثر منها لذلک جاء استخدامه لها. فالذود تأتی بمعنی(4) (الطرد والدفع) أی یصبح المعنی صاحت بدفعی أو طردی، ولو استخدم واحدة منها لما اختل المعنی والوزن، ولکنه استخدم (ذودی) فأشعرنا بقوة الطرد وعظم تلک الصیحة ووطأتها الشدیدة علیه، تمسّکاً منه بالقدیم واعتزازاً به.


1- م.ن: 1/364 - 365
2- م.ن.
3- م. ن: 1/ 487
4- مختار الصحاح: مادة (ذود)

ص: 70

نلحظ فی استخدامه (هجهجت) بتکرار حروفها قد أعطت معنی التردد والمعاودة فی الفعل مما أعطی بعداً دلالیاً صوتیاً أکبر مما لو استخدم کلمة أخری ترادفها فی معناها.

ونراه فی قوله أیضاً:(1)

ل__یتَ أنی أبْ_قی فأمْتَرِقُ الن_ا

سَ وفی الکَفِّ صارمٌ مَسْلُولُ

قد استخدم کلمة (امترق) ذات الطابع والحس البدوی التی یتقارب معناها من کلمة (اخترق)(2) ولکنه لم یستخدمها علی الرغم من عدم تعارضها أو إخلالها بالوزن الموسیقی للبیت.

ولعل إیثار الشاعر هذه اللفظة علی سواها من حیث توافر معنی السرعة والقوة، وهذا ما لم تعطه لفظة (اخترق) وکأن الاختراق یکون من الموضع الصعب القوی، والامتراق من الوضع السهل المتمکن الذی یطمح إلیه الشاعر. وهذا کله لا یعطیه المعجم ولکن الشاعر بحسه المرهف وعمق درجة تحسسه للألفاظ ومعانیها یضعها فی المکان المناسب ولا یضع غیرها وبهذا تکن المفاضلة بینَ الشعراء.

لقد جاء غریب الشریف الرضی طبیعیاً متناسقاً مع نفسه، قریباً إلی روحه وأکثر مساساً بتجربته الشعوریة والتعبیر عنها باللغة فلم یکن متکلفاً ولا وحشیاً مغرقاً بالبداوة. فدلَّ ذلک علی تمکنه من لغته وتشبهه بشعراء العرب وسلوکه مسالکهم من غیر وهن أو ضعفٍ، أو سوء تقلید فکان بارزاً فی مضماره لا یشقُّ له غبار.

وعلی الرغم من هذه النزعة البدویة التی تلون بها شعر الشریف عامة فإنَّ سمة الوضوح کانت أیضاً حاضرة فی شعره، فنجد السهولة والسلاسة فی الألفاظ، متحدة بقوة السبک والصیاغة فی شعره. وهذا یدلنا علی شیء أشار إلیه أحدُ الباحثین الکبار


1- دیوان الشریف الرضی: 2/ 189
2- مختار الصحاح: مادة (خرق)

ص: 71

وهو أنَّ الشریف الرضی "انتقائی فی بناء شعره لا یلتزم طریقة واحدة معینة، فهو بدوی حیناً، وهو یحاکی البحتری حیناً آخر".(1) ویعلل باحثٌ آخر هذه الانتقائیة بقوله أنَّ الشریف الرضی کان "یدعو إلی ابتکار الصورة الشعریة بعد تأمل عمیق وحس أصیل واستیعاب واعٍ لتجارب الآخرین"(2) ولربما کان وراء ذلک "ممارسته الدائمة للقرآن والحدیث وکلام الإمام علی قد أثرت فی لغته وأسلوبه أحسن تأثیر فصفت دیباجته ورقت حاشیته ووضحت عبارته وجمع بین جزالة اللفظ وفخامته ومتانة التعبیر وعذوبته وخلا شعره من الفضول والحشو فکان مصداق قوله:

لا یَفْضُلُ المَعْنی علی لفْظِهِ

شیْئاً ولا اللفْظُ علی المَعْنی (3) ج

ومن خلال هذا نتبین أنَّ الشریف الرضی کان واعیاً لاستخدامه ألفاظه وعباراته متخذاً بها أسلوباً خاصاً به یمیزه عن بقیة الشعراء من القدماء والمحدثین وکان ذلک واقعاً.

وقد حققت سمة الوضوح هذه أشیاء کان أبرزها استعمال الشاعر للأسماء، فإننا نجد أسماءً قد دللت علی معانٍ معینة مثَّلت قیماً خلقیة دینیة مقدسة وأخری مثَّلت قیماً مضادة لها، وکأنما یوحی الشاعر بنزاع أبدی بین هاتین الفئتین من الأسماء، فئة خیرة أخرویة وفئة ظالمة دنیویة.

وعلی رأس هذه الأسماء التی مثلت قیم الخیر الأخرویة اسم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أو ما یدلّ علیه من لقبٍ أو کنیة. فقد استثمره الشاعر فی بناء قصائده وجعله منطلقاً نحو دلالات عدة سبقت الإشارة إلیها فی مبحث البنیة الموضوعیة.


1- د. إحسان عباس. الشریف الرضی: 258
2- د. عناد غزوان، بناء القصیدة عند الشریف ارضی: 216. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
3- فی الأدب العباسی: 428. والبیت فی الدیوان: 2/ 555

ص: 72

أما الاسم الثانی الذی نراه یتردد فی حضوره فی طفیات الشریف الرضی هو اسم (فاطمة) علیها السلام، إذ کانت محوراً مهماً من محاور انطلاق الشاعر، وکأنه یوحی أنّ ظلامة فاطمة علیها السلام وغصب حقِّها فی میراث أبیها وما جری علیها من مأساة (1) کان ممتدّاً ومتواصلاً مع ما أُلحق بالحسین من ظلمٍ وقتلٍ فیزید الشاعر من ألم الفجیعة ونارها کیما یحرق القلوب قبل العیون. فهو یجعل فاطمة علیها السلام مرتکزاً انتقالیاً بین بدایة القصیدة وموضوعها فهو یقول:(2)

شَغَلَ الدُّمُوعَ عنِ الدِیارِ بکاؤُها

لِبُکاءِ فاطمةٍ علی أولادِها

لمْ یَخْلِفُوها فی الشَّهیْدِ وقَدْ رَأی

دَفْعَ الفُراتِ یُذادُ عن أورادِها

أتَری دَرَتْ أنَّ الحُسیْنَ طَرِیدَةٌ

لقنا بَنی الطّرْداءِ عندَ وِلادِها

وهو دائماً یُقرنُ فاطمة بأبیها فی محاولة منه للتأکید علی أنّ الحسین علیه السلام حفیدُ الرسول وابنه مع ربط مصیبة فاطمة علیها السلام بمصیبة الحسین لزیادة الأسی ومرارة الفاجعة فتراه یقول:(3)

ما یُبالی الحِمَامُ أینَ ترقّی

بعدما غالتِ ابنَ فاطمَ غولُ

وتراه یقول متأوِّهاً علی ما حلّ ببنی فاطمة:(4)

کمْ رِقابٍ مِنْ بنی فاطِمَةٍ

عُرِقَتْ ما بیْنَهُمْ عِرْقَ المُدَی ج

وهو یشرک فاطمة علیها السلام مع أبیها وبعلها علی فی البکاء علی میِّتِ الطفِّ:(5)

مَیِّتٌ تَبْکی لَهُ فاطِمَةٌ

وأَبُوها وعلیٌّ ذو العُلَی


1- ینظر: تذکرة الخواص: 317، 318.
2- دیوان الشریف الرضی: 1/361، 362.
3- م.ن: 2/188.
4- م.ن: 1/ 46.
5- م.ن: 1/47.

ص: 73

ونجده یفتخر بحبِّه لأل البیت ویصرح قائلاً:(1)

أنا مولاکُمُ، وإنْ کنتُ منکمْ

والِدی حیْدَرٌ، وأُمّی البَتُولُ

وإلی جانب اسم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وفاطمة علیها السلام نجده یردد اسم علی علیه السلام والأئمة الاثنی عشر علیهم السلام، إذ کانوا محلَّ افتخاره وتعظیمه، وهم لهم المکانة العلیا عند الله، وهم الصفوة المختارة علی العالمین، ومن تمسک بهم نجا، ومن تخلَّف عنهم هلک. وکان حظور هذه الاسماء وبدائها فی النسیج اللغوی داعیة إلی وضوحه واقترابه من التقریریة والمباشرة وابتعاده عن الشعریة، ولکن ذلک لم یغض من صدق العاطفة التی جاء بها الشاعر.(2)

أمّا اسم الحسین صلی الله علیه وآله وسلم فقد تکرر بطریق الکنیة ولم یقتصر علیها الشاعر، فقد انفتح ذهنه ومشاعره علی نعوت متنوعة أملتها علیه مشاعره الجیاشة تجاه ما حلَّ بالحسین فی واقعة الطفِّ الألیمة.

فنجده ینعته بالقتیل الذی قوض عمد الدین وأعلام الهدی، وأن الذین قتلوه کانوا یعلمون یقیناً بأنه خامس أصحاب الکسا.(3)

یا قَتِیْلاً قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ

عُمُدَ الدِّینِ وأعْلامَ الهُدی

قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ

أنَّه خامِسُ أصْحابِ الکِسا

ولکنه لم یکتف بهذا الوصف، فقد انفتحت مخیلته أو تداعت إلی مشهد مصرعه، فنعته بالصریع الذی لم تغمض عینه، ولم یربط لحییه ولم یمد الرداء علیه، وأن أعداءه غسلوه بدم الطعن وکفنوه ببوغاء الثری:(4)

وَصَرِیعاً عَالَجَ المَوْتَ بلا

شَدَّ لَحْیَیْنِ وَلا مَدَّ رِدّا


1- م.ن: 2/190.
2- ینظر هذه الأسماء فی دیوان الشریف الرضی 1/47.
3- م.ن: 1/45.
4- م.ن.

ص: 74

غَسَلُوهُ بِدَمِ الطَّعْنِ، وَما

کَفَّنُوهُ غیْرَ بَوْغاءِ الثَّری

وهو مفجوعٌ بیوم عاشوراء وتذکر ذلک الیوم العصیب علی الحسین علیه السلام إذ منعه الأعداءُ من شرب الماء حتی قتل ضامئاً بجنب الفرات العذب. فتری الشاعر یؤکد هذه الحالة فی أکثر من موضع من طفیاته، یقول الشریف الرضی: (1)

وظامٍ یُریْغُ الماءَ قدْ حِیلَ دُوْنَهُ

سقَوْهُ ذباباتِ الرِّقاقِ البواردِ ججج

وفی طفِّیّةٍ أخری یقول: (2)

ضَمْآن سلَّی نَجِیْعُ الطَّعْنِ غلَّتَهُ

عَنْ بَارِدٍ مِنْ عُبابِ الماءِ مَقْرُورِ

وفی أخری یقول مواسیاً الحسین علیه السلام بهذا الضمأ وأنه کیف یشرب الماء بالتذاذ وقد حرمت مهجة الإمام منه: (3)

أتُرانی ألَذُّ ماءً وَلَمَّا

یَرْوِ مِنْ مُهْجَةِ الإمامِ القَلیلُ

وهو ما فتئ ینعته بالحسام والجواد، ولکن أیُّ حسامٍ وأیُّ جوادٍ!!:(4)

یا حُساماً فلتْ مضارِبُه آل___ها

مَ وقد فله الحسامُ الصقیلُ

یا جَواداً أدْمی الجَ_وادَ مِنْ الطَّع

ْنِ وولّی ون__َحْرُهُ م_ب___ْلُولُ

حَجَلَ الخیْلُ مِنْ دِماءِ الأعادی

یَوْمَ یبْدو طَعْنٌ وتَخْفی حُجُولُ

وینادیه بعظیم النداء ب_(یا غریب الدیار) إذ یقول:(5)

یا غَرِیْبَ الدِّیارِ صَبْری غَرِیْبٌ

وقَتِیْلَ الأعْداءِ، نَوْمِیْ قَتِیْلُ

بِی نِزاعٌ یَطْغی إلیکَ وشَوْقٌ

وَغَرامٌ وزَفْرَةٌ وَعَویْلُ

لَیْتَ أنّی ضَ__جِیْعَ قَبْرِکَ لَوْ أن_

نَ ثَراهُ بِم__َدْمَعِی مَ__طْ_لُ_ولُ


1- م.ن: 1/365.
2- م.ن: 1/488.
3- م.ن: 2/188.
4- م.ن.
5- م.ن.

ص: 75

إنَّ هذه الغربة غربة الدیار لم تکن بأقسی من غربة الروح التی عاناها الحسین علیه السلام وأصحابه الأبرار، وکان الشاعر یحسُّ بذلک الاغتراب فینقله إلیه لیکون عوناً له فی غربته هو، فینطلق "الصوت الذی یسکن أعماقه الموحشة، ویرکب لسانه الذی لا یکف عن اللهج والتحسس، فتظلَّ المناداة الصارخة: یاغریب الدیار صبری عجیب مدخلاً لتفسیر اغتراب الشاعر وغربته التی تتجاوز فی المعنی کلَّ شقاء".(1)

إنَّ هذه الغربة تنسحب لدی الشاعر لینادی جدَّه الحسین علیه السلام لیصف معاناته فی غربته:(2)

یا جَدُّ لا زالَ لِیْ همٌّ یُحَرِّضُنی

علی الدُّمُوعِ ووَجْدٌ غَیْرُ مَقْهُورِ

والدَّمْعُ تحْفُزُهُ عَیْنٌ مُؤَرَّقةٌ

حَفْزَ الحَنیةِ عَنْ نَزْعٍ وَتَوْتیْرِ

إنَّ السُّلوَّ لَمَحْظُورٌ علی کَبِدِی

وما السُّلوُّ علی قَلْبٍ بِمَحْظُورِ

إنَّها غربة الشاعر السیاسیة والاجتماعیة وقد اختلطت بغربته فی التفرد والتمایز عن الآخرین، فتراه یقول فی طفیته الأخری:(3)

یا جَدُّ لا زالَتْ کتائِبُ حَسْرَةٍ

تَغْشی الضَّمِیْرَ بِکَرِّها وطِرَادِها

أبَداً عَلَیْکَ وأدْمُعٌ مَسْفُوحَةٌ

إنْ لَمْ یُراوِحُها البُکاءُ یُغَادِها

إنَّ هذا الاقتراب الروحی من الحسین صلی الله علیه وآله وسلم من قبل الشاعر لیدلنا علی أنه قد اتخذ منه مثالاً وقدوة فی حیاته، وهذا ما تلمسناه من خلال طفیاته.

ومما سبق نلحظ أنَّ اسم الحسین علیه السلام أو بدائله التی استعملها الشاعر کانت محاور انفلاته نحو التعبیر الخلاق المبدع الملیء بالشعریة والعاطفة والخیال، ولون النسیج الشعری بألوان زاهیة أبعدته عن التقریریة والمباشرة وأثرت فی المتلقی عظیم الأثر.


1- الاغتراب فی حیاة وشعر الشریف الرضی: 20
2- دیوان الشریف الرضی: 1/ 489، تحفزه: تدفعه، الحنیَّة: القوس، نزع: جذب.
3- م.ن: 1/ 364

ص: 76

أما علی صعید الأسماء التی مثَّلت قیم الشرّ الدنیویة فتجد: بنی أمیة، وآل حربٍ، ویزید وزیاد وبدائل هذه الأسماء إذ قابلت الأسماء المتقدمة وبدائلها، وفی بعضٍ منها تواشجت معها، خاصة اسم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وکانت هذه الأسماء محطَّ لعنة الشاعر وغضبه وانتقامه، کما کانت محل جدل ونقاشٍ حول ما اقترفته من آثامٍ فی حقِّ الرسول وأهل بیته علیهم السلام، وقد أدی ذلک إلی جعل النسیج الذی وردت فیه واضحاً مع اقترابه من التقریریة والمباشرة، وابتعاده عن الخیال والشعریة، إذ مثَّلت هذه الأسماء بواقعیتها المقیتة صخرة جثت علی خیال الحریة والسلام المتمثل بالنبی وأهل بیته علیهم السلام وظل یرزح تحتها الشاعر فما کان منه إلا أن یتعامل معها علی أساس خشونتها وصلابتها المقیتة. فنراه ینعتهم بأخشن الأوصاف قائلاً:(1)

أألله ! ما تَنْفَکُّ فی صَفَحاتِها

خُمُوشٌ لِکَلْبٍ مِنْ أُمَیَّةَ عاقِدِ

وتراه فی أخری یقول:(2)

طَمَسَتْ مَنابِرَها عُلُوجُ أمیةٍ

تَنْزُوا ذئابُهُمُ علی أعْوادِهَا

هکذا یعرض بهم عندما یذکرهم، أنهم أناسٌ متوحشون، لا یلیق بهم وصفاً إلا الکلب والمسعور والذئب المفترس.

2_ الصیاغة

من المعروف أنَّ الشاعر یستثمر اللغة وهی مادة خام فی تشکیل التعبیر الذی یتناسب وطبیعة الانفعال الذی یعیشه أثناء الکتابة ویرید أن ینقله لنا بصورة شعریة.

وما تنوع الأسالیب الصیاغیة إلا تنوع فی انفعالات الشاعر، والهدف الذی یرمی إلیه من خلال إیثار هذا الأسلوب علی سواه.


1- دیوان الشریف الرضی: 1/366، خموش: خدوش، عاقد: غلیظ.
2- م.ن: 1/362، علوج: مفردها عِلْج علی وزن عِجْل، الواحد من کفار العجم، تنزو: تثب.

ص: 77

وقد طالعتنا - أثناء العرض المتقدم لسمتی الوضوح والغرابة فی ألفاظ الشاعر وکیفیة تحققها - مجموعة من الأسالیب الترکیبیة التی استثمرها الشاعر فی إخراج تجربته الشعوریة ومن هذه الأسالیب البارزة فی الطفیات أسلوب النداء، وقد تخلل نسیجها لیزید من انتباه المتلقی أو المخاطب، ویهیِّئ الأذهان والأسماع إلی إذاعة أمر ما أو حقیقة ما، أو لتفصح عن انفعال مکبوت احتکرته ذات الشاعر طویلاً. وکان هذا الأسلوب متآصراً مع الأسالیب الأخر لیؤدی الوظیفة الإبلاغیة.

فنجد الشاعر قد نادی جدَّه الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لیکون شاهداً علی ما فعله الظالمون بالحسین علیه السلام وأهل بیته لیکون أکثر توجعاً وتحسراً علی ذلک المصاب:(1)

یا رسُولَ اللهِ لوْ عایَنْتَهُمْ

وهمُ ما بیْنَ قَتْلٍ وسِبا

مِنْ رَمیضٍ یُمْنَعُ الظلَّ ومِنْ

عاطشٍ یسقی أنابیبُ القَنا

ومَسُوقٍ عاثِرٍ یُسْعی بِهِ

خَلْفَ مَحْمُولٍ علی غَیْرِ وِطَا

مُتْعَبٌ یَشْکُو أذی السیر علی

نَقبِ المَنْسمِ، مجْزُولِ المَطا

لرَأتْ عَیْناکَ مِنْهُمْ مَنْظَراً

للحَشی شجْواً، ولِلْعَیْنِ قّذی

ونلحظ أن الشاعر استعان إلی جانب أسلوب النداء بأسلوب الشرط الذی فتحه الشاعر لیغلقه علی صورة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وهو یعاین أهل بیته وما جری علیهم فی طف کربلا وقد جاء الجواب المقترن ب_(اللام) بعد أربعة أبیات مما یعلم عن تمکن الشاعر من أدواته الشعریة وتحکمه بها لرسم الصورة المبتغاة - کما جعل هذا الأسلوب المتلقی فی شوق وتوقع حتی تنتهی الحلقة التی بدأها الشاعر بالأداة.

ومهما یکن من أمر فإنَّ الشاعر ما فتئ یستنهض الرسول وفاطمة وعلیاً علیهم السلام لیکونوا عوناً له فی عزائه الحسین علیه السلام.


1- دیوان الشریف الرضی: 1/ 44 - 45

ص: 78

کما نجد الشاعر یستعمل النداء للندبة واستظهار الغضب والتحسر علی أهل البیت، وقد أصبحوا فی رعیة بنی أمیة بعد أن کانوا قادة المجتمع والناس لهم تبع:(1)

والَهْفَتاهُ لِعُصْبَةٍ عَلَوِیَّةٍ

تَبِعَتْ أمیَّةَ بَعْدَ عزِّ قیادِها

ونراه یستخدم النداء فی بدایة أبیات له متتالیة لیعزز المعنی بتراکم الصور، ولیریح بعض الذی یکبتُ فی نفسه من ألم ولوعة علی ما أصاب الحسین علیه السلام. فتراه یخاطبه بأعلی صوته:(2)

یا حساماً فَلَّتْ مَضارِبَهُ الهامُ

وَقَدْ فَلَّهُ الحُسامُ الصَّقیلُ

یا جَواداً أدْمی الْجَوادَ مِنَ الطَّع__

_نِ، وَوَلَّی وَنَحْرَهُ مَبْلُولُ

وَمِنَ الأسالیب الأخر الظاهرة والمنتشرة فی الطفیات الاستفهام، وکما هو معروف ان الاستفهام عن شیء دلیل اهتمام الذات بالجواب وهی فی الوقت نفسه تعکس ما یدور من أحاسیس ومشاعر وأفکار، لذلک قد تسأل عن شیء معروف جوابه ولکن فیه ما یروح عن النفس وما تقمصها أو تسلط علیها من انفعال.

وقد استخدم الشاعر من الأدوات الاستفهامیة فی طفیاته الهمزة فکانت محوراً مهماً فی استظهار تفجع الشریف وحسرته وألمه وتوجعه مما حلَّ بالحسین علیه السلام وهو بأسئلته هذه یرید أن یشارک الحسین عظیم مصیبته فتراه یقول:(3)

أتُرانی أعیرُ وجْهیَ صَوْناً

وَعلی وَجْهِهِ تَجُولُ الخُیُولُ

أتُرانی ألَذُّ ماءً وَلَمَّا

یَرْوِ مِنْ مُهْجَةِ الإمامِ الغَلیلُ

فنلحظ تکرار الأداة مما یعنی تراکم الصور بتراکم الانفعال، کما یعطی أیضاً إیقاعاً موسیقیاً مضافاً إلی الصورة، ویجلب انتباه المتلقی إلیه.


1- م. ن: 1/362
2- م.ن: 2/188
3- م. ن.

ص: 79

کما یظهر تعجبه واستغرابه بهذه الأداة بقوله:(1)

أألله ! ما تَنْفَکُّ فی صَفَحاتِها

خُمُوشٌ لِکَلْبٍ مِنْ أُمَیَّةَ عاقِدِ

فالشاعر یتعجب مما ترکه الأمویون من حقد وجور وظلمٍ لأهل البیت ولا زالوا علی ذلک حتی نالهم مانالهم علی ید العباسیین. ونجده یتعجب من حال نفسه فی محاولة لتقلیل توجعها وألمها علی ما نزل به وحلَّ:(2)

أما فارَقَ الأحْبابَ قبْلی مُفارِقٌ

ولا شَیَّعَ الأضْعانَ مِثْلی بِواحِدِ

ویستخدم الشاعر الأداة (هل) فی بثِّ لواعجه وهمه وحسرته للمخاطب الجمعی:(3)

هل تطلبُونَ مِنَ النوَاظِرِ بعدکُمْ

شیئاً، سوی عبراتِهَا وسهادِهَا

ویستعمل الشاعر الأداة (أی) للتهویل فی قوله(4):

أیُّ یوْمٍ أدْمی المدامِعَ فیهِ

حادِثٌ رائعٌ وخطبٌ جلیلُ

وأی یوم أفضع من ذلک الیوم الذی یرزح الشاعر تحت وطأته وجمیع المسلمین وبالأخص الشیعة منهم.

ویستعمل الشاعر (أی) لبیان عظیم قدر جد الحسین وأبیه إذ یدعوهما(5):

أیُّ جَدٍّ وأبٍ یَدْعُوهُما،

جَدّ، یا جَدّ، أغِثْنی یا أبا

یستعمل الشاعر الأداة (ما) و(أی) لیوجه الأسئلة بالتتابع بهما إلی نفسه لینفس عن غضبه وأحاسیسه المتفجرة وأحزانه المتراکبة فی صدره وهمومه بالمجد والعلیاء(6):


1- م. ن: 1/366
2- م. ن: 1/365
3- م. ن: 1/361
4- م. ن: 2/188
5- م. ن: 1/46
6- م. ن: 1/489

ص: 80

ما لیْ تَعَجَّبْتُ من همِّی ونفرتِهِ

والحزن جرحٌ بقلبیْ غیرُ مسْبورِ

بأیِّ طرْفٍ أری العلیاءَ إنْ نَضَبَتْ ج

عَیْنی، ولَجْلَجتُ عَنْها بالمعاذِیرِ

ویستعمل الشاعر (أین) للسؤال لاعن المکان وإنما عن الذین لم یتبعوا أهل البیت علیهم السلام وکأنما یرید بهذا الأسلوب أن یشیر إلیهم ویُدِلَّ علیهم وعلی أحقیتهم ومشروعیتهم وأرثهم الذی ورثوه عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لیکون بذلک دلیلاً وداعیاً لهم علی نهج هذا السبیل(1):

أیْنَ عنْکُمْ للذی یبْغی بِکُمْ

ظلَّ عدْن دُونَها حرُّ لظی

أیْنَ عنکُمْ لمُضلٍ طالبٍ

وضحَ السُّبلِ وأقْمارَ الدُّجی

أیْنَ عنْکمْ للَّذی یَرْجُو بِکُمْ

معْ رَسُولِ اللهِ فوزاً ونَجا

ومن الأسالیب المتآصرة مع أسلوب النداء والاستفهام أسلوب النفی. إذ نجد له نصیباً کبیراً فی طفیاته. فنجد الشاعر یراکم من صوره بالنفی لیقطع الشک بالیقین الحتمی من تجرد الأمویین من أیّة قیمة انسانیة، فتراه یقول علی لسان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم (2):-

ربَّ ما حاموا، ولا آووا، ولا ج

نصُروا أهْلی، ولا أغْنوا غنا

بدَّلُوا دِیْنی، ونالوا أسْرَتی

بالعظیمات، ولمْ یرعوا ألی

نقضوا عهْدی وَقَدْ أبْرَمْتُهُ

وَعُری الدِّیْنِ، فَما أبْقَوْا عُری

ونراه یستعمل النفی لینکر علی الأمویین أن یکون فعلهم الشنیع بأهل بیته جزاءً لما فعله من کریم الفعال معهم(3):

لیسَ هذا لِرَسُولِ اللهِ یا

أمَّةَ الطُّغیانِ والْبَغْیِ جَزا ج

غارِسٌ لَمْ یَأْلُ فی الْغَرْسِ لَهُمْ

فإذاقُوا أهْلَهُ مرَّ الْجَنَی


1- م. ن: 1/ 47 - 48
2- م. ن: 1/48
3- م. ن: 1/45

ص: 81

ویکرر هذه الصورة فی طفیة أخری مستخدماً الأسلوب نفسه(1):

ما راقَبَتْ غَضَبَ النبیِّ، وقد غَدا

زرعُ النَّبیِّ مظَنَّةً لحصادها

وبهذا الأسلوب مع أسلوب العطف یکرر الشاعر النفی لیجعل بین الصورة الأولی المنفیة والصورة الثانیة فاصلاً إیقاعیاً یثیر المتلقی ویبعث فیه التأمل(2):

هیَ الدّارُ لا شَوْقی القَدیْمُ بِناقِصٍ

إلَیْها، ولا دَمْعی علیها بجامِدِ

وتراه یستعمل النفی فی إنشاء نوع من الحکمة التی استوحاها الشریف من واقعه المعاش فهو یقول مخاطباً نفسه(3):

خفِّضْ علیکَ، فللأحزانِ آوِنةٌ

وما المُقیمُ علی حُزْنٍ بمَعْذورِ

وفی بیت آخر یقول: «وَمَا خُلِقْت لِغَیْرِ السّرْجِ وَالْکُورِ»

وتراه یدفع عن نفسه الألم بالافتخار مستخدماً النفی إذ یقول(4):

ألْقی الزمان بکَلْمٍ غیرِ مندملٍ

عُمرَ الزمانِ، وقلْبٍ غیرِ مَسْرُورِ

وفی بیت آخر یقول: «والحزن جرحٌ بقلبیْ غیرُ مسْبورِ»

وفی طفیة أخری یقول مستعبراً(5):

لا شُج___اعٌ یَبْقی فیعتنق البی_

_ضَ ولا آم___ِلٌ ولا م___أمُولُ

ومن الأسالیب الأخری المشاعة فی الطفیات أسلوب الشرط، وغالباً ما استعمل الشاعر الأداة الشرطیة (لو) وهی أداة امتناع لامتناع کما یقول النحاة، فإن الصورة الأولی غیر حاصلة مما یؤدی إلی عدم حصول الصورة الثانیة التی تحصل لو حصلت الأولی.


1- م. ن: 1/362
2- م. ن: 1/365
3- م. ن: 1/487
4- م. ن: 1/489
5- م. ن: 2/187

ص: 82

ولکن الشاعر یستثیر بهذا الأسلوب مکامن الحزن والألم علی فقد الحسین علیه السلام فتراه یقول(1):

لو رَسُولُ اللهِ یَحْیا بَعدَهُ

قَعَدَ الیَوْمَ علیهِ لِلْعَزا

وکأنَّ هذا الشرط جاء لیؤکد ارتباط الرسولصلی الله علیه وآله وسلم بالحسین علیه السلام وأنه امتداده الدینی والأخلاقی.

ویستعمل الأسلوب نفسه فی بیان أنَّ الأمویین فعلوا فعلتهم النکراء التی لو حلَّ محلهم مشرک لما فعل فعلهم(2):

لو وَلی ما قدْ وَلوُا مِنْ عتْرَتی

قائمُ الشِّرکِ، لأبقی ورعی

ویکرر الصورة نفسها بصورة أخری بقوله(3):

لَوْ بِسِبْطَیْ قیْصَرٍ أوْ هِرْقَلٍ

فَعلوا فِعْلَ یَزیدٍ ما عَدا

إنَّ فعلتهم نکراء بغیضة غادرة.

و یستعمل الشرط فی بناء صورة متنوعة الانفعالات فتراه یقول یصف حاله فی بعاد من یحب(4):

إذا جانَبُونی جانباً مِنْ وِصالِهِمْ

عَلِقْتُ بِأطْرافِ المُنی والمَوَاعِدِ

وتراه یتوشح برداء التحسر ممزوجاً بالغضب لما یحل به وبالشیعة من امتهان وذل فیقول(5):

لئِنْ رقَدَ النُّصّارُ عما أصابَنا

فما اللهُ عمَّا نِیلَ منَّا براقِدِ

ویستعمل الشرط أیضاً فی إظهار حکمة استوحاها من ظروفه وتأریخ عائلته


1- م. ن: 1/47
2- م. ن: 1/48
3- م. ن: 1/46
4- م. ن: 365
5- م. ن:1/ 366

ص: 83

العلویة فهو یقول(1):

إنْ یَظْفَرِ المَوْتُ منَّا بابْنِ مُنْجِبَةٍ،

فطالما عادَ رَیَّانَ الأظَافیرِ

ونجد أنَّ الشاعر یکثر من استعمال الأداة (کم) الخبریة إذ یکررها فی بدایة بیتین متتالیین، وقد وجه خطابه إلی کربلاء لیظهر من خلاله ألمه وتفجعه علی ما حلَّ بها من قتلٍ وتنکیل وسبی(2):

کَمْ علی تُرْبِکِ لمّا صُرِّعوا

مِنْ دَمٍ سالَ ومِنْ دمْعٍ جَری

کَمْ حَصانِ الذَّیلِ یَرْوِی دَمعُها

خَدَّها عنْدَ قَتیلٍ بالظّما

ویستعمل الشاعر (کم) مرة أخری لإظهار غضبه ونقمته علی الطغاة الذین تحکموا فی فضلاء الناس(3):

کَمْ إلی کَمْ تَعْلُوا الطُّغاةُ، وَکَمْ

یَحْکُمُ فی کُلِّ فاضِلٍ مَفْضُولُ

إنَّ هذا التکرار یعکس کمیة الغضب والغیض التی یحملها الشاعر واستنکاره للأحوال التی یعیشها التی یسودها الظلم والغبن.

أما علی صعید التلوین البیانی فنجد الشاعر یستخدم التشبیه بالأداة فی تلوین صوره، ومنه ما جاء بذکر الأداة من نحو قول یصف وجوه أصحاب الحسین وأهل بیته، یقول(4):

وَوُجُوهاً کالمصابیحِ، فَمِنْ

قَمَرٍ غابَ، ونَجْمٍ قَدْ هَوی

والملاحظ علی هذا التشبیه أنه اعتیادی لا یثیر المتلقی، ولکن الشاعر عمل علی إضفاء صفة أعمق حین استخدم المجاز فی استکمال الصورة فأخرجها من تقلیدیتها بأن جعلهم أقماراً تغیب ونجوماً تهوی ولا شک أن صورة القمر الغائب والنجم الذی


1- م. ن: 1/ 488
2- م. ن: 1/44
3- م. ن: 2/189
4- م. ن: 1/44

ص: 84

یهوی تثیر فی المتلقی بواعث الحزن والکدر لهذا المنظر فکیف بأصحاب الحسین علیه السلام ؟! وهو بذلک ینقل الإحساس بالصورة الحسیة إلیهم.

ونجد من تشبیهاته البدویة قوله(1):

نُؤْیٌ کمُنْعَطِفِ الحَّنیَّةِ دُونَهُ

سُحْمُ الخُدودِ لهنَّ إرْثُ رمادِها

وکذلک قوله(2):

وقفُوا بها حتّی کأنَّ مطِیَّهُمْ

کانتْ قوائِمُهُنَّ مِنْ أوْتادِها

ولعل فی هذه الصورة نوع من المبالغة المصطنعة بالتشبیه للتدلیل علی ثبات وقوف هذه العصبة التی نزلت أو وقفت بهذه الأرض لشدّة حزنهم علی ما جری بها من حوادث.

ومن صوره البدویة الأخری قوله(3):

قدْ قُلْتُ للرَّکْبِ الطلاحِ کأنَّهمْ

ربدُ النُّسُورِ عَلی ذُری أطْوادِها

یِحْدُو بِعَوْجٍ کالْحَنیِّ أطاعَهُ

مُعْتاصُها، فَطَغی علی مُنْقادِها

حتّی تَخَیَّلُ مِنْ هبابِ رِقابِها

أعْناقَها فی السَّیر ِ مِنْ أعْدادِها

إنها صورة بدویة لا تثیر فی المتلقی کبیر أثر فیه ولکنها تدخل ضمن إطار الموروث الشعری للشاعر.

ونراه فی وصف الحسین علیه السلام حین تلاحقت السیوف وأخذت تتری علیه(4):


1- م. ن: 1/361
2- م. ن: 1/361
3- م. ن: 1/363. طلاح: من الطلح بمعنی الطلع، العوج: الواحدة عوجاء الناقة السیئة الخلق، الهباب: النشاط والسرعة، الأعداد: الواحدة عد الماء الجاری لا ینقطع، شبَّه مواصلتها لسیرها السریع بالماء الجاری الذی لا ینقطع.
4- م. ن: 1/488

ص: 85

کأنَّ بیضَ المَواضِی، وَهیَ تنْهَبُهُ!

نارٌ تَحَکّمُ فی جِسْمٍ مِنَ النّورِ

والواضح أن هذا التشبیه من مؤثرات الحضارة التی وصل لها عصر الشاعر وتأثر بها وهی من موحیات الفلسفة وعلم الکلام کما هو واضح من ألفاظ (النار) (والنور) التی تستعمل فی هذه العلوم.

ومن المعانی الفلسفیة التی تطالعنا عند الشریف الرضی قوله(1):

غایةُ الناسِ فی الزَّمانِ فَناءٌ

وکذا غایَةُ الغُصُونِ الذُبُولُ

عمل الشاعر علی تشبیه مصیر الإنسان ونهایته فی الحیاة الدنیا، بصورة حسیة ملموسة شفافة إلا أنها جارحة بواقعیتها حیث ذبول الغصون مهما کانت نضرة وزاهیة، هذا هو مصیر الإنسان الحتمی ولا مهرب له منه. وإلی جانب التشبیه بالأدوات نجد التشبیه البلیغ، ولا ریب أن وقعه یکون أقوی فی المتلقی وأکثر انطباعاً فی ذهنه. ومن هذه الصور قوله(2):

جَزَرُوا جَزْرَ الأضاحی نَسْلَهُ،

ثمَّ ساقوا أهْلَهُ سَوْقَ الإما

فنلحظ الشاعر قد عمل علی تأکید المشبه عن المشبه به حین حذف الأداة وأضاف إلی الصورة إیقاعاً موسیقیاً متأتٍ من تشقیق الفعلین (جزروا جزر، ساقوا.. سوق) مما أعطی حدة وقوة للفعل الشنیع الذی فعله الأمویون.

ومن الصورة الأخری التی سجلها الشاعر بهذا الأسلوب قوله(3):

إنَّ__ما المرْءُ للم__نیةِ مخْ_بو

ءٌ، وللط_عْنِ تُسْتَجَمُّ الخُ__یولُ

فالشاعر هنا یعقد موازنة بین صورتین بدون ذکر الأداة، فالصورة الأولی مثلت المرء وقد اختبأت له المنیة أو هو مخبوء لها فی کل رکن أو لحظة من لحظات حیاته وهو


1- م. ن: 2/187
2- م. ن: 1/45
3- م. ن: 2/187

ص: 86

ینعم رغداً فی هذه الدنیا. وحالة الإنسان علی هذا الوضع تشابه صورة حسیة أخری وهی أن الخیل تراح وتطعم وهی فی دعة وأمان حتی تقدم للحرب حیث الطعن ووقع الرماح والسیوف، فالخیل لم تکن تعلم أن وراءها یوماً ثقیلاً کیوم الحرب وکذلک الإنسان لا یعلم أو یتناسی أن وراءه یوماً أصعب من یوم الحرب علی الخیل.

ومهما یکن من أمر فإن الشریف استعمل التشبیه البلیغ فی طفیاته، مما یدل علی اهتمامه بهذا النوع من الأسالیب فی تلوین نسیجه اللغوی.(1)

ویلحظ الباحث جملة من المجازات والاستعارات استخدمها الشاعر خیر استخدام ووظفها توظیفاً حسناً ضاعف من روعة وجمال الصورة من ذلک قوله:(2)

عادةٌ للزمانِ فی کلِّ یَوْمٍ

یتناءَی خِلٌّ، وتبکی طُلُولُ

فالشاعر هنا أعطی لصورته بعداً عمیقاً إذ شخص الزمان وجعل له عادة فی کل یوم، وأضاف لها تشخیصاً ثانیاً جمیلاً حین جعل الطلول تبکی من حیث فراق الأحبة لها والخلان، أنها جدلیة عمیقة بین الحلِّ والارتحال یطرحها الشاعر بهذا التشخیص الجمیل.

أما الصورة الأخری التی یتحفنا بها الشریف فی قوله من القصیدة نفسها واصفاً مصرع الحسین علیه السلام(3):

قبلتْهُ الرِّم__احُ وانتَضَلَتْ فی__

_ة الم__نایا وع_انَقَتْهُ النُصُولُ

فنلحظ الشاعر قد ابتدع ثلاث صور کان الفاصل فیها واو العطف بما یعطی للمتلقی فرصة لأن یستوحی الصورة ویتأملها قبل أن ینقله إلی جوِّ الصورة الثانیة والتی بعدها یدخله فی الصورة الثالثة بواو العطف ومجموع الصور تمثل مصرع الحسین علیه


1- ینظر: م. ن: 1/363، و1/ 489، و2/190
2- م. ن: 2/187
3- م. ن: 2/188

ص: 87

السلام وقد دارت به الدوائر من کل حدبٍ وصوبٍ، وکأن هذه الصور بتلاحقها سارعت من شدِّ المتلقی للحظات الأخیرة لمصرع الحسین علیه السلام. وقوله فی طفیة أخری(1):

للهِ مُلْقًی علی الرَّمْضاءِ عضَّ بِهِ

فمُ الرَّدی بَیْنَ إقْدامٍ وتَشْمِیرِ

تَحْنو علیْهِ الرُّبی ظلّاً، وتَسْتُرُه

عَنِ النّواظِرِ أذیالُ الأعاصِیرِ

لعل حدة الانفعال التی تمثلها الشاعر فی مصرع الحسین علیه السلام کانت وراء انفتاح مخیلته علی صور متحرکة مشخصة «فمُ الرَّدی بَیْنَ إقْدامٍ وتَشْمِیرِ» و«تَحْنو علیْهِ الرُّبی ظلّاً، وتَسْتُرُه» یعجب بها المتلقی ویسرح ذهنه فی تأمل وإعجاب.

کما نلحظ مجموعة أخری من المجازات منتشرة فی الطفیات مما أدی إلی تلوین النسیج اللغوی بألوان ضاعفت من بهاء الصورة وتحرکها، وأعجبت المتلقی فراح یتأملها. ونمت عن مقدرة فنیة عالیة امتلکها الشاعر وقدرة علی الإبداع والتخیل نادرة. من تلک «والحزن جرحٌ بقلبیْ غیرُ مسْبورِ» «بنی أمیَّةَ! ما الأسیافُ نائِمَةٌ» و«أطراف الرماح» و«کتائب حسرة» «أطراف الفخار» «حیّتکَ بلْ حَیَّتْ طُلُولُکَ دیمةٌ» «یا جِبالَ المجْدِ غرّاً وعُلی».

ولا ننسی تشخیصه لکربلاء إذ وصفها الشاعر بالکرب والبلاء، وبتعجب خلفه التحسر یقول لها «کَمْ لَقِی عنْدَکِ آلُ المُصْطَفی» «کَمْ علی تُرْبِکِ... غَسَلُوهُ بِدَمِ الطَّعْنِ، وَما کَفَّنُوهُ غیْرَ بَوْغاءِ الثَّری».

ومن الأمثلة البدیعة التی أتحفنا بها الشریف قوله واصفاً شجاعة البیت العلوی(2):

عُصَبٌ یُقمطُ بالنجادِ ولیدُها

ومهودُ صبیتِها ظهورُ جیادِها


1- م. ن: 488
2- م. ن: 1/363

ص: 88

لقد نقل الشاعر لنا إحساسه الطاغی العمیق بقوة وشجاعة البیت العلوی بصورة ملونة منفعلة تلمس الوجدان وتثیر الخیال.

"إن الصورة عند الشریف قد مثلت تکافؤاً وتعادلاً بین المجاز والحقیقة بلغة انفعالیة رمزیة حین تبرز وتتجسد ظلالها لا تنسی الواقع الذی تمثله أو تسعی إلی تمثیله فی الأقل."(1)

أما علی صعید الکنایة، وهی عمل أکثر تعقیداً من التشبیه والاستعارة، فقد کان حاضراً فی الطفیات، وجاء استخدام الشاعر له بشکل یدعو إلی الإعجاب والتأمل والتفکیر. فتراه یقول فی شجاعة الحسین علیه السلام یوم عاشوراء متخذاً أسلوب الکنایة طریفاً لذلک(2):

حَجَلَ الخیْلُ مِنْ دِماءِ الأعادی

یَوْمَ یبْدو طَعْنٌ وتَخْفی حُجُولُ

فلم یقل الشریف إن الحسین علیه السلام قتل مقتلاً عظیماً من أعدائه وکانت دماؤهم تسیل من سیفه بغزارة کما هو معتاد فی تصویر تلک المشاهد الحربیة، ولکنه أشار إشارة لطیفة لذلک وهی أن الخیول احتجلت بدماء أعدائه أی بلغت ارتفاع الحجل من ساق الفتاة. ولم یکتف الشریف بهذه الکنایة فی صدر البیت فألحقها بأخری فی عجزه مستغلاً العلاقة اللغویة والموسیقیة بین (حجل) و(حجولُ). فلا یخفی فی عبارته (تخفی حجول) الکنایة عن النساء اللواتی یتسترن فی بیوتهن ولا یشترکن فی الحرب والقتال. وقد اسقط الشارع الإسلامی واجب الجهاد عن المرأة کما هو معروف. کما أعطی التجنیس بین (حجل) و(حجول) بین بدایة البیت ونهایته إیقاعاً موسیقیاً مضافاً لتعزیز وربط الصورتین معاً وکأنما أصبحتا قطعة واحدة.


1- بناء القصیدة عند الشریف الرضی: 214، د. عناد غزوان. ضمن کتاب الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة.
2- دیوان الشریف الرضی: 2/188

ص: 89

ومن الکنایات اللطیفة التی دبج بها طفیاته قوله واصفاً حال السبایا من أهل بیت الحسین علیه السلام(1):

وتَنقَّبْنَ بالأن___امِلِ، وال_دّمْ__

جج

_عُ ع__لی کلِّ ذی نِقابٍ دل__یلُ

فلم یقل الشریف أن حرم الحسین علیه السلام وأهل بیته الکرام قد سلبن وانتهکت من قبل الأعداء، فلم یجدن ما یستر وجوههن من أعین الأعداء إلا أناملهن یضعنها علی وجوههنَّ یتسترنَ بها، ولیکفکفن الأدمع المصبوبة علی عزهن الذی ذهب وعلی حماتهن الذین ذبحوا وقطعت رؤوسهم وحملت معهن.

کما کنی عن الإمام زین العابدین علیه السلام وهو الوحید الذی سلم من واقعة الطف وسیق مع النساء أسیراً ذلیلاً (2):

ومَسُوقٍ عاثِرٍ یُسْعی بِهِ

خَلْفَ مَحْمُولٍ علی غَیْرِ وِطَا

مُتْعَبٌ یَشْکُو أذی السیر علی

نَقبِ المَنْسمِ، مجْزُولِ المِطا

وهناک مجموعة من الکنایات منتشرة فی الطفیات ومتزاوجة من الأسالیب الأخری وقد مثلت مجموعة من الانفعالات کالشجاعة، وقوة البأس، والفخر بالذات.(3)

3_ الإیقاع

أما علی صعید الإیقاع فقد استعمل الشاعر هذا المفصل لتعضید المعنی فکان مکملاً له، ومعطیاً بعداً مضافاً للصورة یجعلها أکبر تأثیراً فی المتلقی وأکثر التصاقاً بذاکرته.

وأول ما یمکن الإشارة له هو أن الشریف عمل طفیاته علی الأبحر الشعریة المشهورة، فنجد (الطویل، والبسیط، والکامل، والخفیف، والرمل). والملاحظ علی هذه البحور أنها کثیرة المقاطع مما یستدعی ذلک طول النفس فی عملیة الإنشاد بما یتلاءم


1- م. ن: 2/189
2- م. ن: 1/45
3- ینظر:م. ن:1/46 البیت 11، 361 البیتین (4،8)، 362 البیت 14، 487 البیت 4 و2/188 البیت17.

ص: 90

وطبیعة الموضوع الشعری، وهذه من خصائص الوزن القدیم عموماً.(1) کما عمل الشریف الرضی علی اختیار قوافٍ ملائمة لأبحره فکانت عنده (الدال، والدال + الهاء المطلقة، والراء، واللام، والألف المقصورة) وکان الشاعر فیها موفقاً إلی حدٍّ بعید فی اختیاره الأبحر والقافیة لموضوعه.

أما من ناحیة المطلع والذی قیل عنه بأنه "أول مایقرع السمع به ویستدل علی ما عند الشاعر من أول وهلة " (2) فإن الشاعر قد حافظ علی تصریعه لمطالع طفیاته إلا فی واحدة منها لم یصرع. وربما وجد فی تصریعه لها عائقاً یمنعه من مجارات انفعاله والخوف من تبدده إذا ما شغل نفسه به. وفی الغالب لا یأتی التصریع مع الانفعال السریع المتفجر وإنما مع الانفعال المستقر المتزن.(3) وإذا ما علمنا عدم استقرار الأوضاع التی عاشها الشریف أثناء کتابته هذه الطفیة أدرکنا سرَّ عدم تصریعه لها.

ویمکن الإشارة إلی اهتمام الشریف بالتصریع الداخلی أو ما یعرف (بتجدید المطلع) (4) فی طفیته الشهیرة (کربلاء لا زلت کرباً وبلا) وقد عمل ذلک علی شدِّ المستمع لما یطرحه، ویزید من انتباهه مع تمدد القصیدة بشکل واضح. وهو والحالة هذه أشبه بمحطات استراحة ینطلق عقب کل محطة إلی مسافة شعوریة انفعالیة جدیدة.

ویلجأ الشریف إلی نمط من التنسیق الجمالی لعناصر النص الشعری وذلک بالتکرار، کأن یلح "علی جهة هامة من العبارة یعنی بها أکثر من عنایته بسواها"(5) لینقل صدی انفعالاته العاطفیة للمتلقی بشکل واضح، إذ یشترک المعنی والصوت فی تشکیل الصورة.


1- موسیقی الشعر: 212
2- العمدة: 1/218
3- ینظر: لغة شعر دیوان الهذلیین: 170
4- بناء القصیدة: 375.
5- قضایا الشعر المعاصر: 240.

ص: 91

فنراه یکرر الأدوات خاصة فی بدایة أبیاته مما یعطی نغماً إیقاعیاً مضافاً مع ما تبثه هذه الأدوات من أسئلة ونداءات تحمل عواطفَ وانفعالاتٍ صاخبة. وقد مرَّت بنا أمثلة منها نستغنی بذکرها هنا. ویدخل ضمن ضروب التکرار التجنیس وهو اتفاق الحروف کلیاً أو جزئیاً فی الألفاظ مما یفید تقویة النغم وتناسقه فی البیت ویعاضد المعنی الذی قصد إلیه الشاعر بما یثیر من تصورات موحیة فی مخیلة المتلقی.(1) وقوة الجناس متأتیة من "کونه یقرب مدلول اللفظ وصوته من جهة، وبین الوزن الموضوع فیه اللفظ من جهة أخری"(2).

وقد اهتم الشریف اهتماماً بالغاً بهذا المفصل ولکنه لم یتصنعه تصنعاً أو تکلفاً وإنما جاء عنده طبیعیاً خالیاً من التکلف والتعقید. وکان الجناس الاشتقاقی وهو تشابه جزئی فی عدد حروف الألفاظ أکثر بروزاً فی طفیاته. وقد أعطی وروده فی الأبیات تناغماً صوتیاً لذیذاً لدی السمع ومن ذلک(3):

تَکْسِفُ الشمسُ شُموساً منْهُمُ

لا تُدانیها ضِیاءً وَعُلی

وَتَنُوشُ الوَحْشُ مِنْ أجسادِهِمْ

أرْجُلَ السَّبْقِ وَأَیمانَ النّدی

فأنت تلحظ أنَّ الشاعر جانس بین (الشمس وشموساً) و(تنوش) الفعل مع فاعله (الوحش) مما أعطی دفقة شعریة ومدّاً انفعالیاً مضافاً للترکیب. مع جلب انتباه المتلقی له.

وقوله:(4)

جَزَرُوا جَزْرَ الأضاحی نَسْلَهُ،

ثمَّ ساقوا أهْلَهُ سَوْقَ الإما

فقد جانس بین (جزروا، جزر) و(ساقوا، سوق) مما أعطی توزیعاً صوتیاً متبادلاً بین صدر البیت وعجزه استطاع به أن یؤکد الصورة الألیمة التی صورها لمصرع الحسین


1- ینظر: جرس الألفاظ: 284
2- المرشد إلی فهم أشعار العرب: 2/234
3- دیوان الشریف الرضی: 1/44
4- م. ن: 1/45

ص: 92

علیه السلام وأهله وأصحابه ومن ثم سبی نسائه کالإماء. وقوله:(1)

شاکیِاً مِنْهُمْ إلی اللهِ، وهلْ

یُفْلِحُ الجیلُ الذی منْهُ شکا

فأنت تلحظ أنه جانس بین (شاکیاً) التی ابتدأ بها صدر البیت مع الکلمة الأخیرة من العجز (شکا) فأحکم بذلک حلقة الصورة التی بدأها وأعطی معنی مضافاً لها.

ولا یفوتنا أن نشیر إلی أن هذا الأسلوب من الأسالیب الإیقاعیة المشهورة التی أشار إلیها النقاد القدامی تحت مصطلح "رد الأعجاز علی الصدور"(2)

ومن أمثاله عند الشریف الرضی:(3)

لئِنْ رقَدَ النُّصّارُ عما أصابَنا

فما اللهُ عمَّا نِیلَ منَّا براقِدِ

وقوله:(4)

مِغْوارُ قَوْمٍ، یرُوعُ الموتُ مِنْ یَدِهِ

أمْسی وأصْبَحَ نَهْباً للمَغاوِیرِ

وأبیضُ الوَجْهِ مَشْهورٌ تَغَطْرُفُهُ

مَضی بِیَوْمٍ مِنَ الأیامِ مَشْهورِ

فقد جانس بین (مغوار ومغاویر) فی البیت الأول، وفی البیت الثانی جانس جناساً تاماً بین مشهور التی عنی ما شاع عنه، والثانی (مشهور) أی بمعنی معروف بارز.

کذلک فعل فی البیت الأخیر من القصیدة نفسها:(5)

إنَّ السلوَّ لمَحظورٌ علی کَبِدِی

وما السلوُّ علی قلبٍ بمَحْظُورِ

ومن الجناسات البدیعة عنده قوله(6):

یا حُساماً فلتْ مضارِبُه اله__ا

 مَ وقد ف__له الحسامُ الص__قیلُ

یا جَواداً أدْمی الجَوادَ مِنْ الطَّعْ_

_نِ وولی ونَحْرُهُ مبْلُولُ


1- م.ن: 1/48
2- کتاب الصناعتبن: 400 - 403
3- دیوان الشریف الرضی: 1/366
4- م. ن: 1/489
5- م. ن.
6- م. ن: 2/188

ص: 93

فنلحظ فی هذین البیتین تراکماً صوریاً إیقاعیاً یتجسد من خلال استعارة الشاعر کلمة(الحسام) المسبوقة بیاء النداء لوصف الحسین علیه السلام بالشجاعة والقوة والإقدام، أما (حسام) الثانیة جاءت بالمعنی المتعارف علیه، کما جانس بین (فلت، وفلة) و(الهام والحسام) المتوزعة علی الشطرین.

أما علی صعید البیت الثانی فقد جانس بین (جواد) المسبوقة بیاء النداء وقد استعارها لکرم الحسین علیه السلام وشرف منبته وأصالته، و(جواد) الثانیة لمعناها المتعارف (الحِصان) الأصیل، کما جانس بین (أدمی) و(ولی) المتوزعة علی الشطرین. إن هذا التراکم الإیقاعی الصوی إن صح التعبیر ولید الانفعال القوی الصادق مع إمکانیة التعبیر المتمیزة عند الشاعر الذی نقل انفعاله وإحساسه ذلک إلی المتلقی وأثر فیه عمیق الأثر.

وعمد الشریف الرضی إلی نوع آخر من الجناسات وهو المجانسة بین اللفظتین الأخیرتین من البیت الشعری، مما یعطی نغماً أقوی وأوقع فی السمع والقلب، خاصة وأن نهایة البیت تعنی قفل الصورة مع قفل الوزن، وفی الغالب ما یتآصران ویتحدان فیزید ذلک من التأثیر فی المتلقی.

قال الشریف الرضی(1):

أترانی أعِیْرُ وَجْهی صَوْناً

وعلی وَجْهِهِ تَجُولُ الخُیُولُ

وقوله أیضاً من القصیدة نفسها(2):

کلُّ ب_اکٍ یُبْکی ع_لیهِ، وإنْ ط_ا

لَ بَ_ق__اءٌ، والث_اکلُ المَثک_ولُ

وقوله فی طفیة أخری(3):


1- م. ن: 2/188
2- م. ن:187
3- م. ن: 1/363

ص: 94

من عُصْبَةٍ ضاعَتْ دماءُ محمَّدٍ

وبَنِیهِ بَیْنَ یزیدِها وَزِیادِها

إنَّ هذه النماذج وغیرها تأکد إمکانیة الشاعر فی تطویع هذا المفصل بإحکام فی بناء موسیقاها وتآصرها لتشکیل الصورة وأحداث الأثر المرجو فی المتلقی.

ومن المفاصل الإیقاعیة التی استعملها الشریف فی طفیاته هو التقطیع "وهو تجزئة الوزن الشعری إلی وحدات مکثّفة المعنی متساویة أو مختلفة الأطوال، متوازنة الصوت"(1) ومن شأن هذا التوازن أن "یضفی علی الکلام ویحسنه"(2) خاصة إذا کانت هذه الوحدات علی زنة واحدة وحرف واحد إذ یتحقق بها صورة التوازن بشکل کامل.(3)

وقد غزا هذا المغزی القدماء والمحدثون من شعراء العرب قبل الشریف الرضی.(4)

وإذا ما استقرأنا الطفیات وجدنا استعماله لهذا الأسلوب بشکل یدعو للالتفات. ومن هذه النماذج المستقرأة کانت وحداتها متنوعة علی عدد التفعیلات بدون زیادة أو نقصان فی الشطر الواحد.

قال الشریف:(5)

أغنی طلُوعُ الشمْسِ عنْ أوْصافِها

بجلالها وضِیائها وبَعَادها

فکلمات الشطر الثانی قد وزعها الشریف علی تفعیلات الشطر الثلاث بحیث إن کل کلمة قابلت تفعیلة منها (متفاعلن) ونجد ذلک فی قوله:(6)

بیْ نِزاعٌ یطغی إلیْکَ وَشَوْقٌ

وَغَرامٌ وزَمْزَةٌ وَعَوِیلُ

فتوزعت کلمات الشطر الثانی علی تفاعیل بحر الخفیف والتی هی (فاعلاتن،


1- لغة شعر دیوان الهذلیین: 206
2- الأسس الجمالیة فی النقد العربی: 226
3- م. ن: 224
4- ینظر: نقد الشعر: 46
5- دیوان الشریف الرضی: 1/364
6- م. ن: 2/189

ص: 95

مستفعلن، فاعلاتن) مع دخول زحاف الخبن علیها.

ونجد أیضاً التقطیع الجزئی الذی کان میل الشاعر له أقوی من سابقه لأن العمل الأول أصعب من الثانی خاصة وان تطویع المعنی «الصورة» للقالب الوزنی مع توزیعها إلی وحدات متساویة یکلف الشاعر جهداً، وربما أبعده عن غایته المرادة فی التعبیر.

والتقطیع الجزئی بعد ذلک لا یلتزم بتوافق التقطیع مع التفعیلات العروضیة للقالب الوزنی فیکون أکثر راحة فی التشکیل لدی الشاعر من ذلک قوله:(1)

وَوُجُوهاً کالمصابیحِ، فَمِنْ

قَمَرٍ غابَ، ونَجْمٍ قَدْ هَوی

وقوله:(2)

القفرُ مِنْ أوْراقِها، والطیْرُ منْ

طُرَّاقُها، والوحشُ مِنْ عُوَّادِها

وقوله:(3)

قبلتْهُ الرِّم__احُ وانتَضَلَتْ فی_

_هِ الم__نایا وعانَقَتْهُ النُص_ُولُ

وربما وازن الشاعر فی تقطیعه بین بدایة صدر البیت مع بدایة عجزه وبذلک یطیل من الزمن المستغرق بین التقطیعین ویحدث ارتداداً صوتیاً متناسقاً من ذلک قوله:(4)

وتَشاکَیْنَ، والشکاةُ بُکاءٌ

وتَنادَیْنَ، والنِّداءُ عَویلُ

وقوله:(5)

والْبارِقاتُ تَلَوَّی فی مَغامِدِها

والسَّابِقاتُ تَمَطَّی فی المَضامیرِ

ولربما انضمر التقطیع بزوال التسجیع وتباین أطوال الوحدات المقطعة مع تقاطعها عروضیاً، ولکن الشاعر یستثمر ما لقوالب الأداء من تماثل فیعزز به التوزیعات


1- م. ن: 1/44
2- م. ن: 1/363
3- م. ن:2/188
4- م. ن: 2/189
5- م. ن: 1/489

ص: 96

الإیقاعیة المتشکلة ضمن الوحدات المتکررة، وربما عضد العطف بالنفی أو النداء أو حروف أخری فیزید بذلک التقطیعات الموزونة فی البحر الشعری، مع اختلاف تمدداتها المستغرقة فی تراکیبها. من ذلک قوله:(1)

لا أری حُزْنَکُمُ یُنْسی ولا

رِزْءکم یُسْلی، وإنْ طال َ المَدی

وقوله:(2)

ربَّ ما حاموا، ولا آووا، ولا

نصُروا أهْلی، ولا أغْنوا غنا

وقوله:(3)

یا رَسُولَ اللهِ یا فاطِمَةٌ

یا أمیرَ المُؤْمنینَ المُرْتَضی

وقوله:(4)

مِنْ رَمیضٍ یُمْنَعُ الظلَّ ومِنْ

عاطشٍ یسقی أنابیبُ القَنا

وقوله:(5)

مطرٌ ناعمٌ، وریحُ شمالٍ

ونسیمٌ غضٌّ، وظِلٌّ ظلیلُ

ویظهر من هذه النماذج والنماذج التی سبقتها قیمة التقطیع الصوتی، وتآصره مع التکرار بما یحمل من وحدات متوازنة علی المستوی الدلالی والصوتی.

وقد بثَّ الشاعر خلالها أحاسیسه وانفعالاته بما یضفی علی المعنی حدة النبرة المتأتیة من قوة التوقیع الموسیقی لها. کما اتضحت إمکانیة الشریف فی مسک أدواته الموسیقیة بما یمکنه من تشکیل الصورة وإعطائها بعداً مضافاً ودلالة مؤکدة تثبت فی ذهن المتلقی وتثیر فیه التأمل والتفکیر.


1- م. ن: 1/47
2- م. ن: 48
3- م. ن: 46
4- م. ن: 1/44
5- م. ن: 2/189

ص: 97

نتائج الإجراء

ومن خلال المباحث الثلاثة یمکننا تسجیل مجموعة من النتائج وهی علی النحو الآتی:

1 . لقد اتخذ الشاعر من الحسین علیه السلام نبراساً ومثالاً فی حیاته، ومثلت واقعة الطف التداعی النفسی الذی یلجأ إلیه الشاعر فی أوقاته العصیبة لیتزوَّد منها التحدی والقوة والصبر علی المکاره والفداء فی غربة لذیذة العذاب.

2 . مثَّلت الطفیات منعطفاً شعریاً مهماً لدی الشاعر، فجاءت متکاملة البناء والنسج.

3 . أظهر الشریف الرضی تفرداً فی بنائه الشعری للطفیات فعلی الرغم من تمسکه بالمحاور البنائیة للقصیدة العربیة فإنه استطاع أن یضخَّ فی نسجه روحاً جدیدة تمثله هو.

4 . کانت وحدات البناء الهیکلی مترابطة بشکل کلِّی وهذا متأتٍ من وعیه بموضوع تجربته وصیاغتها باللغة.

5 . استطاع الشریف أن یؤثر فی متلقیه ویشحذ ذهنه بصورٍ ملونة وإیقاعات متناسقة کانت ثمرة لمخاض التجربة الشعوریة الصادقة التی مرَّ بها.

6 . کان الموروث الشعری واضحا فی طفیاته عن طریق وجود مفاصل موضوعیة وهیکلیة، من ذلک المقدمة الطللیة، وحوار العاذلة، وکذلک الدعاء بالسقیا لقبر المرثی.

7 . مثَّل الطلل للشریف الرضی فی طفیاته أرضا مقدسة وقف بها وأناخ، وتذکَّر ما جری بها، وبکی علی من سقطوا علیها، وتحسَّر علی مجده المضاع فیها، فصاغ بذلک

ص: 98

طللا جدیدا هو أسمی وأعمق من طلل الجاهلی الذی وقف وبکی واستبکی وسأل الطلل ولم یجبه.

8 . کان التذکیر بمصرع الحسین علیه السلام یوم عاشوراء طریقا یتخذه الشاعر للدخول فی موضوعه، إذ کان ذلک بمثابة الشرارة التی توقض أو تشعل انفعالات الشاعر ومشاعره لتکون مدخلا أو نافذة للتنفیس عن ألمه وحزنه.

9 . یمکننا استشفاف معنی عام أوحت به البنیتان الخارجبة والموضوعیة وهو ان أرض الطف وما حلَّ علیها کان أساس الانطلاقة الصحیحة للحیاة الإنسانیة النبیلة، والحیاة الحقَّة الخالیة من الظلم والجور، فضلا عن تمثلها الثورة الکبری ضدَّ الطغاة والمستبدین والظالمین فی کلِّ زمان ومکان.

10 . اما علی صعید البنیة الداخلیة فقد زاوج الشریف الرضی بین الألفاظ الغریبة والواضحة لإخراج صورة متناسبة مع الغرض وفی الوقت نفسه تلمح فیها الابتکار والجدة.

11 . ساعدت الأسالیب الترکیبة (النداء، الاستفهام، النفی، الشرط) والبیانیة (التشبیه، الاستعارة، المجاز، الکنایة) علی تلوین النسیج الشعری بألوان کانت ثمرة لانفعالات الشاعر وتنوعها، فجاءت الصور متنوعة تبعاً لذلک.

12 . استثمر الشاعر مفصل الإیقاع بکل تنوعاته لتعضید المعنی وتثبیته فی ذهن المتلقین وساعد علی إضفاء مسحة جمالیة مضافة للنص الشعری.

13 . نلخِّص ما تقدم انَّ الشریف الرضی کان ممسکاً بأحکام أدواته الشعریة، إذ برع فی استخدامه ألفاظه ومطابقتها للمعنی الذی یهدف إلیه، مستغلاً الإمکانات الترکیبیة والتلوینیة وکذلک الموسیقیة لتحقیق ورسم الصورة المبتغاة. وأثر فی متلقیه بصورة کبیرة واضحة.

ص: 99

الإجراء الثانی: طَفِّیَّات الشیخ صالح الکواز الحلی- دراسة موضوعیة تحلیلیة

اشارة

ص: 100

ص: 101

مقدمة الإجراء

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی من بعث رحمة للعالمین سیدنا محمد خیر خلق الله أجمعین، وعلی أهل بیته الطیبین الطاهرین، ومن تبعهم ووالاهم بیقین... وبعد:

فإنَّ الشعر أو الأدب - بشکل عام - المتعلق بواقعة الطف خاصة، وبأهل البیت (علیهم السلام) عامة کان أدباً محظوراً تناوله بالتحلیل والدرس فی الحقبة الماضیة، لذا کانت أغلب الدراسات المنجزة فی هذا الجانب دراسات لم یکتبها أصحاب الشأن الحقیقیون، أو أصحاب الأرض الحقیقیون، وهذا لا یعنی انتقاصاً مما کتبه الآخرون واجتهدوا فیه، ولکن الأولی ذلک وکما جاء فی المثل المشهور: (أهل مکة أدری بشعابها).

ولم یزل التراث الشیعی یحفل بکثیر من العطاء علی مر عصوره، وهو تراث ثرُّ معطاء، ویوجب انتماؤنا إلیه الوفاء له ویتم ذلک بإحیائه واستخراج کوامن الإبداع والتفرد فیه حتی یشخص أمام أعین الآخرین من المتربصین والأعداء، وحتی لا یقولوا أو یتقولوا علی هذا التراث ما شاء لهم القیل والقال، فقد بدأنا مرحلة جدیدة یتوجب علینا فیها ویتحتم أن ننهض بتراثنا وننفض الغبار عنه حتی یعود بأبهی حلة، وأجمل صورة.

ص: 102

ونسلط الیوم الضوء علی شاعر من شعراء الشیعة فی حقبة ملیئة بکبار الشعراء الذین تغنوا بحب أهل البیت والوفاء لهم، وهو الشیخ صالح الکواز الحلی والحقبة القرن التاسع عشر المیلادی الذی ضم مجموعة من الشعراء عاصروا شاعرنا وهم: السید حیدر الحلی والسید جعفر الحلی والشیخ محمد علی کمونة وجواد بدقت والشیخ محسن أبو الحب الکبیر وغیرهم من أعلام هذا القرن البارزین.

واشتهر شاعرنا الشیخ صالح الکواز الحلی بقصائده فی حب أهل البیت(علیهم السلام)، وقد نالت الإعجاب والاستحسان، فضلاً عن ذلک تجلت شاعریته وفنیته فیها، وإلیها أشار السید حیدر الحلی بقصیدته التی رثی بها شاعرنا رحمه الله بقوله(1):

ولک السائرات شرقاً وغرب_اً

جئن بعداً ففتن ما جاء قبلا

کنت أخلصت نیة القول فیه_ا

فجزاک الحسین عنهن فعلا

فهی (الصالحات) بعدک تبقی

بلسان الزمان للحشر تتل_ی

ووسم جامع دیوانه الشیخ محمد علی الیعقوبی هذه القصائد بعد أن أفردها ب_(العلویات)، وکان لنا نظر فی هذا المصطلح وغیره من المصطلحات التی تعلقت بأدب الطف بشکل عام، وقد أوضحنا ذلک فی تمهید الکتاب، وانصبت الدراسة علی هذه القصائد.

وتشکلت ملامح البحث من تمهید ضمَّ شیئا من حیاة الشاعر ومنزلته الأدبیة، وعقب التمهید ثلاثة محاور موضوعیة تقدمها فرش عن أهمیة موضوع القصیدة وترابط أجزاء بنائها بعضها بالبعض الآخر.

أما المحور الموضوعی الأول فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی فقد تناول الحسین علیه السلام ومصرعه علی أرض الطف، وما مثله من قیم دینیة وخلقیة مقدسة، وتعلق بهذا المحور محور ثانٍ وهو أصحاب الحسین علیه السلام ووصف


1- دیوان السید حیدر الحلی: 2 / 137.

ص: 103

مصرعهم وشجاعتهم ودفاعهم عن الحسین علیه السلام وتعاملنا معهما بوصفهما محورا موضوعیا واحدا مع الاحتفاظ بخصوصیة کل منهم_ا.

أما المحور الموضوعی الثانی فقد تناول زینب علیها السلام والسبایا، إذ کان محوراً موضوعیاً متمیزاً عند الشاعر.

أما المحور الموضوعی الثالث فقد تناول صوت الشاعر فی طفیاته، وقد تجلی فی مقدماتها وخواتیمها بشکل ملحوظ.

وتلا هذه المحاور الموضوعیة الثلاثة خاتمة ضمت أبرز النتائج التی توصل إلیها البحث.

ص: 104

التمهید

شیء من حیاته، ومنزلته الأدبیة

ینتسب شاعرنا أبو المهدی صالح بن مهدی بن حمزة آل نوح إلی قب__یلة (الخضیرات) إحدی عشائر شمَّر المعروفة فی نجد والعراق (1)، وأمه من أسرة آل العذاری المعروفة بالفضل والأدب(2)، وعرف بالکواز لأنها کانت مهنة أبیه إذ کان یعتاش علی بیع الکیزان والجرار والأوانی الخزفیة(3)، وکانت ولادته فی الحلة سنة 1233 ه_ الموافق لسنة 1846 م(4)، ونشأ وترعرع فیها، ولذلک لقب أیضاً بالحلی.

اشتهر صالح الکواز بورعه ونسکه وإحیائه الأیام واللیالی بالعبادة والتقرب إلی الله تعالی، وکان "یقیم الجماعة فی أحد مساجد (الجباویین) بالقرب من مرقد أبی الفضائل السید أحمد بن طاووس، وللناس به أتم وثوق فی الائتمام"(5) ولعل نسکه وضیق ذات یده وراء وصفه بأنه "رث الثیاب یزدریه الناظر إلیه"(6) وهو مع ذلک "یحمل


1- البابلیات: 2 / 87، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.
3- أدب الطف: 7 / 214 – 215، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 5.
4- البابلیات: 2 / 87، ومشاهیر شعراء الشیعة: 2 / 316، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.
5- مثیر الأحزان: 280، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 6.
6- أعیان الشیعة: 11 / 404.

ص: 105

بین جنبیه نفساً أبیة تفیض عفة وشرفاً وعزة وکرماً متعففاً عما فی أیدی الناس، قانعاً بما قدر لها من الرزق، مترفعاً عن الاستجداء بشعره"(1).

ووصف بأنه خفیف شعر العارضین، أسمر اللون(2)، ملیح النکتة(3) لطیف الحاضرة، یطابق اسمه مسماه(4)، وکان له أخ أصغر اسمه (حمادی) اشتهر بکونه شاعراً متمیزاً کأخیه الشیخ صالح، ولکن الفرق بینهما هو أن (حمادی) کان سلیقی النظم یقول فیعرب، ولا معرفة له بالنحو، فی حین کان المترجم له علی جانب عظیم من الفضل والتضلع فی علمی النحو والأدب(5)، فقد درس علوم اللغة العربیة، والشریعة الإسلامیة علی الشیخ علی العذاری والشیخ حسن الفلوجی والسید مهدی داود(6)، ومن أشهر أساتذته أیضاً السید مهدی القزوینی الذی له مدائح فیه، وفضلاً عن ذلک فإن المطالع فی دیوانه یلمس ثقافة وإطلاعا علی علوم العربیة والتاریخ والمنطق والفقه والعقائد بشکل واضح.

ویعد شاعرنا من المکثرین و"حدث أنه جمع المختار من شعره، وشعر أخیه فی دیوان سماه (الفرقدان) حرصت علیه زوجته بعد وفاته کل الحرص، ثمَّ لا یدری أین ذهب، وقیل أن ولده عبد الله جمع المختار من شعر والده فی دیوان رتبه علی الحروف الهجائیة استعیر منه ولم یعد إلیه"(7) فکان من النفائس الثمینة التی ضاعت فی ذلک العهد ولم یعثر علیها.


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 5.
2- أدب الطف: 7 / 215.
3- شعراء الحلة: 3 / 163.
4- البابلیات: 2 / 87.
5- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4، قال محقق الدیوان محمد علی الیعقوبی: «إن صاحب أعیان الشیعة اختلط علیه الأمر بین الأخوین (صالح وحمادی) من أن کلیهما سلیقی النظم یقول فیعرب ولا معرفة له بالنحو فی حین أن ذلک مخالف للحقیقة».
6- معجم الشعراء العراقیین: 180.
7- البابلیات: 2 / 90، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 13.

ص: 106

وقد نهض الشیخ محمد علی الیعقوبی لجمع ما تیسر له جمعه من شعر الرجل وإصداره فی دیوان وسمه ب_(دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی)، وقد وقع فی ألف وخمسمائة بیت شعری فضلاً عن ترجمة وافیة للشاعر ومنزلته الأدبیة فی ذلک العصر.

وإذا عرَّجنا علی منزلة الشاعر الأدبیة فإننا نجده قد تمتع بشهرة کبیرة فی أکثر محافظات العراق، وکان ذکره علی ألسنة الشعراء المعروفین فی ذلک الوقت أمثال السید حیدر الحلی وعبد الباقی العمری وعبد الغفار الأخرس(1) فضلاً عن اشتهار قصائده فی أهل البیت (علیهم السلام) فی المحافل الحسینیة وإنشاد الخطباء لها فی المناسبات الدینیة، فکانت منابر بغداد والحلة والنجف وکربلاء والبصرة تصدح بها، ومن تلک القصائد قصیدة أولها(2):

هل بعد موقفنا علی یبرین

أحیا بطرف بالدموع ضنین

قد عارضها مجموعة من الشعراء البارزین فی تلک الحقبة من أمثال جواد بدقت ومحسن أبو الحب الکبیر وحسن قفطان النجفی، وهذه المعارضة تدل علی تأثرهم الشدید بشعر الرجل واستحسانهم إیاه، وتدل أیضاً علی علو شأنه وإمکانیاته الفنیة والشعریة آنذاک (3).

أما وفاته - رحمه الله - فتخبرنا المصادر بأنها کانت سنة 1291ه_ وقیل 1290ه_ الموافق 1903م فی الحلة، ونقل جثمانه إلی النجف الأشرف، ودفن فی مقبرة وادی السلام(4)، وقد أقام مجلس العزاء علی روحه ثلاثة أیام العلامة السید مهدی القزوینی،


1- تنظر أخباره فی دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 12 – 13.
2- م.ن: 45.
3- ینظر م.ن: 10 – 12.
4- البابلیات: 2 / 87، وشعراء الحلة: 3 / 161، ومعارف الرجال: 376، ومشاهیر شعراء الشیعة: 2/ 316، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.

ص: 107

ورثاه مجموعة من شعراء عصره فی مقدمتهم السید حیدر الحلی الذی رثاه بقصیدة طویلة توجع فیها لفقده، واشاد بأخلاقه ونبله وحسن سیرته، فضلاً عن إشادته بحسن شعره واشتهاره، فنراه یقول(1):

ثکل أم القریض فیک عظی_م

ولأم الصلاح أعظم ثک__لا

قد لعمری أفنیت عمرک نسکاً

وشحنت الزمان فرضاً ونفلا

إن تعش عاطلاً فکم لک نظ_م

بات جید الزمان فیه مح_لا

ولک السائرات شرقاً وغرب_اً

جئن بعداً ففتن ما جاء قبلا

کم قرعن الأسماع بیتاً فبیت_اً

فأفضن العیون سجلاً فسجلا

إنها شهادة عظیمة من لدن شاعر کبیر وشخصیة دینیة مرموقة، کشفت من دون لبس عن صلاح الشیخ صالح الکواز واستقامته وحسن سیرته من جهة وحسن نظمه وبراعته واشتهاره من جهة أخری، ومن الجهتین یمکننا القول بأن الشیخ صالح الکواز کان رجل المبدأ والعقیدة فی حیاته وشعره..

المحاور الموضوعیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

یشکل موضوع القصیدة أهمیة کبری للشاعر من حیث ارتباطه بالابتداء الذی یمهد به الشاعر لموضوعه الأساسی ثم یتسلسل به حتی خاتمته التی تأتی مکملة له، "لذا کانت بنیة الموضوع ملخصة لفحوی الابتداء والانتهاء"(2) وعلی هذا یمکننا القول: إنَّ القصیدة التی ظهرت فیها ملامح البناء الفنی هی عبارة عن موضوعات عدَّة، فمن موضوع المقدمة والابتداء إلی الموضوع الرئیس فیها الذی یتفرع بدوره إلی مجموعة من الموضوعات المرتبطة به، إلی موضوع الخاتمة الذی ینهی به الشاعر قصیدته، علی أنَّ هذه الأجزاء التی یظهر علیها التفرق وربما التضاد وعدم التوازن یوحدها "الخیال: القوة


1- دیوان السید حیدر الحلی: 2 / 137.
2- طفیات الشریف الرضی دراسة فی البناء الهیکلی والموضوعی:13.

ص: 108

التی بواسطتها تستطیع صورة معینة أو إحساس واحد أن یهیمن علی عدة صور أو أحاسیس فی القصیدة فیحقق الوحدة فیما بینها بطریقة أشبه بالصهر"(1).

وعلی هذا الأساس نقول: إنَّ ما یری من تعدد فی الموضوعات فی دراستنا للقصائد (الطفیات) هو أمر اقتضاه طابع البحث ومنهجیته لیس إلا، هذا من جهة، من جهة أخری ننبه إلی أنَّ تعدد الموضوعات فی القصیدة العربیة بشکل عام لم یکن اعتباطیاً بل تجلَّت فیه سمة القصدیة، وسار الشعراء ویسیرون علی نظام معین، ونسق موروث سنة القدماء منذ عهد متقدم فی الجاهلیة مع تفاوتهم فی مقدار التبعیة والالتزام، وحین نقول: نظام معین، نعنی أنه لم یکن عشوائیاً وإنما کان منظماً ومرتباً ومراعیاً فی ذلک المستمع أو المتلقی(2).


1- ینظر بناء القصیدة الفنی: 16 – 17.
2- ینظر: الشعر الجاهلی خصائصه وفنونه: 125 – 126.

ص: 109

المحور الأول: الحسین علیه السلام وأصحابه

لعل أول محور من المحاور الموضوعیة التی دارت علیها (طفیات) صالح الکواز الحلی وکان عنصراً بارزا فیها هو الحسین علیه السلام ومصرعه علی أرض الطف، وما مثله من قیم دینیة وخلقیة مقدسة، وما أضفی علیه من وصف لشجاعته وکرمه وظمئه فی ذلک الیوم العصیب، وفی الغالب جاء هذا المحور متداخلاً مع محور موضوعی آخر مرتبطٍ معه وهو أصحاب الحسین (علیهم السلام) ووصف مصرعهم وشجاعتهم ودفاعهم عن الحسین علیه السلام وعن حرم آل الرسول، لذلک سنتناول هذین الموضوعین معاً آخذین بنظر الاعتبار خصوصیة الموضوع الواحد.

وتطالعنا أول تلک القصائد، وقد ابتدأها الشاعر باسم الحسین علیه السلام فنراه یقول(1):

باس___م الحسین دعا نعاءِ نعاءِِ

فنعی الحیاة لسائر الأحی__اءِ

وقضی الهلاک علی النفوس وإنما

بقیت لیبقی الحزن فی الأحشاء

یوم به الأحزان مازجت الحش_ی

مثل امتزاج الم_اء بالصهباء


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 17

ص: 110

لقد جعل الشاعر من هذه الأبیات الثلاثة مدخلاً أو مقدمة لموضوعه، فالحسین المنعی، والحسین الحزن الباقی فی الأحشاء والحسین الحیاة لسائر ألأحیاء، والحسین الحزن الممزوج بالحشی کما تمتزج الماء بالصهباء، وهذا التشبیه مکرر استعمله الشاعر لإثبات حالة المقارنة، ثم یبدأ موضوعه الرئیس بقوله:

لم أنس إذ ترک المدینة وارداً

لا ماء مدی__ن بل نجیع دماءِ

قد کان موسی والمنیة إذ دنت

جاءت__ه ماشیة علی استحیاء

وله تجلی الله جلَّ جلال___ه

من طور وادی الطف لا سیناء

فهناک خرَّ وکل عضو قد غدا

منه الکلی__م مکل_م الأحشاء

إنَّ هذه البدایة الموضوعیة تشیر إلی مسألة مهمة وهی أن بدایة واقعة الطف لیست فی یوم العاشر من عاشوراء، وإنما کانت منذ خروج الحسین علیه السلام من مدینة جده (المدینة المنورة) بعدما شعر بخطر الأعداء وتربصهم به، وهنا یستغل الشاعر الموروث الدینی والقصص القرآنی، فیربط بین خروج موسی علیه السلام من مصر خائفاً مترقباً إلی (مدین) حیث ماؤها العذب والتقاؤه ببنتی شعیب علیه السلام إذ جاءته إحداهما تمشی علی استحیاء إذ طلبت منه السقاء لأغنامهم(1)، ولکن هذا المشهد الجمیل بتفاصیله التی أوحی بها الشاعر مستغلاً معرفة المتلقی (السامع) بتفاصیلها لم یکن کذلک فیما وقع للحسین علیه السلام، فماء مدین الذی جاءه موسی علیه السلام قابله نجیع الدماء بکربلاء، وما بنت شعیب علیه السلام التی جاءت لموسی علیه السلام علی استحیاء إلا المنیة المحتومة والمصیر المقدر الذی لاقاه أبو الشهداء، وحیث تجلی الله جل جلاله لموسی فی طور سیناء تجلی للحسین فی طور وادی الطف، فهناک وقع الحسین علیه السلام ولم یکن فیه عضو لم تصله سیوف الأعداء ورماحهم وسهامهم الغادرة، ولم یکن من موسی الکلیم إلا أن یتألم


1- تنظر قصة ذلک فی سورة القصص: 25.

ص: 111

علی کل عضو مجروح فی ذلک الجسد الشریف.

ولا ریب فی أنَّ هذه الصورة التی اصطنعها الشاعر صورة فریدة فی بابها، مبهرة للسامع، مثیرة لخیاله علی إنَّ مثل هکذا مقارنات بین الإمام الحسین علیه السلام والأنبیاء المرسلین تعکس جملة من الأمور أهمها:

1 . الحسین علیه السلام هو الامتداد الحقیقی لرسالة السماء.

2 . الحسین علیه السلام یمثل ویجسد هؤلاء الأنبیاء لأنه واصل ما ابتدؤوه وأحیی سنتهم بإطارها العام وسنة جده خاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم بإطارها الخاص.

3 . إنَّ هذه المقارنات جاءت من قبیل إعلاء منزلة الحسین وعظیم ما افتدی به، وهی توضح طاعة الحسین علیه السلام لأمر الله ورسوله بوقوفه بوجه الطغاة والکافرین لإعلاء رایة التوحید التی بعث الله لها الأنبیاء، فإعلاء منزلة الحسین علیه السلام مقارنة بما فعله الأنبیاء وحدث لهم لم یکن إلا بدافع إبراز ذلک الموقف العظیم ولیس أمراً آخر.

4 . کان هذا اللون من المقارنات ما یمیز شعر الشاعر من بقیة الشعراء وقد أجاد فیه فی عموم شعره.

وللتأکید علی هذه الظاهرة فی شعره نجده یخاطب الحسین علیه السلام فی إحدی قصائده الطفیة بقوله(1):

فما أعابک قتلٌ کنت ترقب__ه

به لک الله جم الفضل قد جمعا

وما علیک هوان أن یشال علی

المیّاد منک محیاً للدجی صدعا

فهو یصور الحسین علیه السلام وقد ارتقب الیوم الذی یقتل فیه وقد علم أنَّ


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 31.

ص: 112

الله عز وجل قد جمع له کل الفضل وکل الشرف فی ذلک الیوم العظیم الذی حمل فیه رأسه علی الرمح وکان محیاه یتلألأ نوراً کأنه البدر وقد أشرق بالدجی، ثمَّ یقول واصفاً:

کأنَّ جسمک (موسی) مذ هوی صعقاً

وإنَّ رأسک (روح الله) مذ رفعا

وواضح من هذا التشبیه عقد المقارنة الموضوعیة، فالشاعر یری فی موضوع قصة موسی عندما خرَّ وصعق مما رأی وسمع(1) أنه یشابه جسد الحسین علیه السلام عندما خرَّ أو هوی علی تراب کربلاء وکأنَّ الشاعر یرید لنا أن نستحضر ما جری علی الحسین علیه السلام عندما کان علی هذه الحالة وبین موسی علیه السلام عندما کان فی حالته وبعدها عندما أفاق، فالموقفان علی ما بینهما من البون الشاسع یربط الشاعر بینهما برابط الوقوع السریع المفاجئ، وهذا الرباط ینقطع عندما یتداعی ذهن المستمع لیتذکر تفاصیل ما جری علی الحسین علیه السلام وما جری علی موسی علیه السلام.

أما الشطر الثانی فیعقد مقاربة موضوعیة کالتی فعلها فی الشطر الأول فیری فی رفع الله جلَّ شأنه لعیسی علیه السلام عندما صلبوه(2) کرأس الحسین علیه السلام عندما رفع فوق رؤوس الرماح، وهنا أیضاً الالتقاء الموضوعی بین التشبیهین هو الرفع، ولکن اختلفا اختلافاً شدیداً ما عدا ذلک بین رفع عیسی ورفع رأس الحسین علیه السلام.

وهذا البیت جعل الشیخ صالح الکواز الحلی أشعر من رثی الحسین علیه السلام فی نظر الحاج جواد بدقت وهو أحد شعراء کربلاء المشهورین فی حقبة شاعرنا عندما سئل عن أشعر من رثی الإمام الحسین علیه السلام، فقال: أشعرهم من شبه الحسین


1- الأعراف: 143.
2- النساء: 158، ومریم: 57.

ص: 113

بنبیین من أولی العزم فی بیت واحد(1)، وهذه النظرة تکشف عن تمیز ملحوظ فی أسلوب الشاعر تمتع به وجلب الأنظار إلیه.

وإذا ما عدنا إلی ما بعد هذا البیت فإن الشاعر یخبرنا بالحزن الذی عمَّ النبیین جمیعاً عندما أعلمهم الله جل شأنه بالیوم الذی یقتل فیه الحسین، فنراه یقول مخاطباً الحسین علیه السلام(2):

کفی بیومک حزناً أنه بکی__ت

له النبیون قدماً قبل أن یقع____ا

بکاک (آدم) حزناً یوم توبت___ه

وکنت نوراً بساق العرش قد سطعا

و(نوح) أبکیته شجواً وقلَّ بأن

یبکی بدمع حکی طوفانه دفع__ا

ونار فقدک فی قلب (الخلیل) به_ا

نیران نمرود عنه الله قد دفع__ا

کلمت قلب (کلیم الله) فانبجست

عیناه دمعاً دماً کالغیث منهمع____ا

ولو رآک بأرض الطف منفرداً

(عیسی) لما اختار أن ینجو ویرتفعا

ولا أحبَ حیاة بعد فقدک___م

وما أراد بغیر الطف مضطجع___ا

لا شک أنَّ هذا الأمر الذی یطرحه الشاعر نابع من إیمان حقیقی وولاء عمیق بحب الحسین علیه السلام وبحب محمد وأهل بیته الطاهرین (علیهم أفضل الصلاة والسلام) الذی فضلهم الله وشرفهم وأعلا منزلتهم علی جمیع الخلق وطهرهم تطهیرا، وهذا مثبت فی القرآن الکریم وسنة الرسول الأعظم محمد صلی الله علیه وآله وسلم(3)، والشاعر قد انطلق من هذا الاعتقاد الراسخ فی قلوب المؤمنین فهؤلاء الأنبیاء علی عظم شأنهم عند الله ومنزلتهم الکبیرة العالیة وهم عباده المخْلَصون یبکون علی ما أصاب الحسین علیه السلام الذی کان یوم ذاک نوراً بساق عرش الله


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 8.
2- م.ن : 31.
3- ینظر أخبار ذلک فی: ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی: 31 – 35.

ص: 114

ساطعاً منیراً(1)، ونراهم یتشفعون بالإمام لیکشف عنهم الضراء ولیتوب علیهم، والسامع من غیر الشیعة لیری فی هذا الکلام مغالاة وخروجاً عما هو واقع ولربما عدوه کفراً ولکن هذا الکفر هو إیمان فی قلب الشاعر واعتقاد راسخ فی ذهنه وشعوره وهو عین الحق وما دونه سراب.

ونجد الشاعر یصف الحسین علیه السلام وشجاعته فی ذلک الیوم العصیب بعدما قتل أصحابه وبقی وحیداً مفرداً وقد کنی عنه ب_(السبط) فقال(2):

وعدا السبط للعدی فوق طرف

خیل صقراً علی الحمائم حام_ا

فکأنَّ الریاح منه استع__ارت

یوم عاد عدواً فأضحت رمام_ا

فلق الهام بالمهنَّد حت____ی

منع الدم أن یثور القت_ام___ا

خضَّب الخیل بالدم_اء إلی أن

کان منها علی اللغام اللغام_ا

غادر الخیل والرجال رمام__ا

والقنا السمر والنصال حطام_ا

بطل کافح الألوف فری___داً

ولدیه الأملاک کانت قیام___ا

وأتی النصر طالب الإذن من_ه

والیه الزمان ألقی الزم__اما

فأبی أن یموت إلا شهی___داً

میتة فاقت الحیاة مقام____ا

فکأن الحمام کان حی____اة

وکأن الحیاة کانت حمام___ا

یصور الشاعر فی هذه الأبیات شجاعة الحسین علیه السلام الخارقة بما أضفی علیها من تشبیهات واستعارات لطیفة، ولکن الملفت للنظر علی الصعید الموضوعی مسألتان، أولهما: إیمان الشاعر بأن الحسین علیه السلام کان یملک الإمکانیة الغیبیة للتفوق علی أعدائه حتی إن النصر أتی إلیه طالباً الإذن منه کما ألقی الزمان زمامه إلیه، وهذا الاعتقاد لم یکن ولید فراغ، فالحسین سبط للرسول صلی الله علیه وآله وسلم


1- ینظر مناقب آل أبی طالب: 1/ 254 __ 255.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 43.

ص: 115

وابن فی الوقت نفسه وهو سید شباب أهل الجنة وهو الإمام إن قام وإن قعد إلی غیر ذلک من الأحادیث التی تؤکد علی منزلة الحسین الرفیعة عند الله جل وعلا التی تواترت عن الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم فکیف لا تکون الأملاک قیاماً بین یدیه(1).

أما المسألة الثانیة فهی إباء الحسین علیه السلام إلا أن یکون الفداء لدین جده وهذا الأمر لم یکن اعتیادیاً، فموت الحسین علیه السلام شهیداً قد فاق الحیاة مقاماً ورفعة ثمَّ أوضح الشاعر هذا المعنی بصورة جلیة مستعملاً أداة التشبیه (کأنَّ) فی بدایة الصدر والعجز فی قوله:

فکأنَّ الحمام کان حی____اة

وکأنَّ الحیاة کانت حمام__ا

وهکذا کان حال أبی عبد الله، فقد رأی بعین البصیرة أنَّ موته حیاة وأی حیاة، الحیاة الخالدة من خلال التضحیة والفداء بالنفس الغالیة بعد ما رأی أن بقاءه موت، وأی موت، الموت الذی یجلب العار ویهدم ما بناه جده الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فاختار الموت علی حیاة الذل والهوان.

ویخاطب الشاعر الحسین علیه السلام ب_(یا قتیلاً) بقوله(2):

یا قتیلاً شقت علیه المع__الی

جیبها واکتست ضناً وسقام_ا

إنَّ دهراً أخنی علیک لده__رٌ

عیَّرته الدهور عام_ا فعام__ا

بل ویوماً قتلت فیه لی___وم

قد کسا ثوب حزنه الأیام___ا

إنها العاطفة الصادقة والانفعال الحزین جسده الشاعر بألوان المجاز والاستعارة الجمیلة فی أبیاته، فقد جعل المعالی تشق ثوبها علی ما حلَّ بالحسین علیه السلام ویدرکها الوهن والسقم، وإن الدهر الذی ظلم الحسین علیه السلام وأخنی علیه هو


1- ینظر هذه الأحادیث وغیرها فی ینابیع المودة:1/11، 455، 462، 2/38.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 44.

ص: 116

دهر قد عیرته الدهور عاماً فعاما، بل إن الیوم الذی قتل فیه لیس یوماً اعتیادیاً فقد کسا الأیام ثوب حزن لا یبلی فهو متجدد أبد الدهر.

ونجد الشاعر فی طفیة أخری یدخل من باب ندب النساء لقتلاهن یوم الطف ثم یسترسل بوصفه شجاعتهم وبطولاتهم حتی قضوا علی رمال کربلاء، وذلک فی قوله(1):

یندبن قوماً ما هتفن بذکرهم

إلا تضعضع کل لیث عری_نِ

السالبین النفس أول ضربة

والملبسین الموت کل طعی_ن

لو کل طعنة فارس بأکفهم

لم یخلق المسبار للمطعون

لا عیب فیهم غیر قبضهم الل__وا

عند اشتباک السمر قبض ضنین

سلکوا بحاراً من دماء أمیَّة

بظهور خیل لا بطون سفی_ن

ما ساهموا الموت الزؤام ولا اشتکوا

نص__باً بیوم بالردی مقرون

إنهم أناس أفذاذ شجعان لا یقف أمامهم عدو إلا أهلکوه، وإن طعانهم لأعدائهم لم تسبره المسابیر کنایة عن عمقها وقوتها فی أجساد أعدائهم ثم یستعمل أسلوب المدح بما یشبه الذم لتصویر تمسکهم الشدید باللواء وقبضهم بقوة علیه عند النزال وهذه دلالة ترافق قوة إیمانهم وتمسکهم بما یؤمنون به فی قلوبهم وعقولهم، فاللواء یعنی المبدأ والاعتقاد بالنسبة إلیهم، وشبه الشاعر قبضهم للوائهم کقبض الضنین علی نقوده وحرصه علیها کل الحرص، ثمَّ یذکر ما فعلوه ببنی أمیة یوم الطف إذ ساروا بخیولهم وسط بحور من دماء بنی أمیة دلالة علی عظم قتلهم فیهم وهم ساروا بظهور خیولهم لفرط ما أراقوا من دم أعدائهم حتی ظن بانهم ساروا بسفن وهو تصویر فیه مبالغة لطیفة، وهم فوق ذلک لم یشتکوا تعباً ولم یسهموا الموت الزؤام فی ذلک الیوم المقرون بالردی لا محالة.


1- م.ن: 47.

ص: 117

ثمَّ یتحول الشاعر إلی وصف مقتلهم بقوله(1):

حتی إذا التقمتهم حوت القضا

وهی الأمانی دون خیر أمین

ففی هذا البیت تشخیص جمیل للقضاء المحتوم إذ جعله حوت یلتقمهم، ولکن هذا الموت - علی بشاعته - کان أمنیة لهم فهم یفدون به أمین الله علی خلقه کنایة عن الحسین علیه السلام، فکل شیء یهون فی مقابل ذلک، ثم یقول:

نبذتهم الهیجاء فوق تلاعها

کالنون ینبذ بالعری ذا النون

فتخال کلاً ثمَّ یونس فوقه

شجر القنا بدلاً عن الیقطین

وهنا یستعمل الشاعر الموروث الدینی لیوظفه فی تشبیهاته لیخرج لنا صورة جدیدة ذات أبعاد متعددة تثیر خیال المتلقی وتجلب انتباهه، فما دام قد ذکر حوت القضا ذکر معه النون وقد التقم یونس علیه السلام فی قصته المشهورة التی أوردها القرآن الکریم(2) فلما نبذه الحوت فی العراء نبذت الهیجاء أصحاب الحسین (علیهم السلام) فوق هضباتها، والالتقاء بین الصورتین (النبذ) ثم یأتی تشبیه الشاعر کالنون (أی الحوت) الذی نبذ بالعراء النبی یونس الذی کنی عنه (ذی النون)، ولکن الأمر لم ینته عند هذا الحد من المقاربة الصوریة الموضوعیة بین الطرفین فعقد الشاعر تشبیهاً جدیداً باستعمال الفعل (تخال) المسند إلی الضمیر المخاطب أی المتلقی لاتخاذ وضع المشارکة فی الصورة التی رسمها، فیونس عندما نبذه الحوت فی العراء أنبت الله جل وعلا شجرة من یقطین تظلل علیه من حر ومن برد لکن هذا المشهد الرحیم الودود لم یکن کذلک مع أصحاب الحسین علیهم السلام فعندما صرعوا فوق ثری الطف لم یظللهم شجر الیقطین وإنما ظللهم شجر القنا والرماح العواسل.


1- م.ن.
2- الصافات: 139 - 148.

ص: 118

ثمَّ یخاطب الشاعر المتلقی بقوله(1):

خذ فی ثنائهم الجمیل مقرِّضا

فالقوم قد جلوا عن التأبینِ

ه_م أفضل الشهداء والقتلی الأولی

مدحوا بوحی فی الکتاب مبی_ن

 فالشاعر یری أن الحسین وأصحابه (علیهم السلام) قد جلوا عن التأبین ویجب علینا مدحهم والثناء علیهم، فهم أفضل الشهداء والقتلی الأولی کیف لا وقد مدحهم الله تعالی فی کتابه المبین..

إن هذا التمهید لعقد مقاربات صوریة موضوعیة کان أسلوباً واضحاً فی طفیاته، فنراه یقول فی الحسین وأصحابه (علیهم السلام) فی واقعة الطف(2):

لی حزن یعقوب لا ینفک ذا لهبِ

لصرع نصب عینی لا الدم الکذبِ

وغلمة من بنی عدنان أرسله__ا

للجد والدها فی الحرب لا اللعب

فانطلق منذ البدایة لأخذ عینات موضوعیة من قصة یوسف علیه السلام وربطها بما جری فی واقعة الطف، فصرح فی البیت الأول أنَّ له حزناً کحزن یعقوب علیه السلام علی ولده یوسف علیه السلام ولکن الاختلاف بینه وبین حزن یعقوب هو أن حزنه علی صرعی حقیقیین ولم تکن الدماء التی سالت منهم دماء کاذبة کالتی اصطنعها إخوة یوسف عندما جاؤوا علی قمیصه بدم کذب وأروه لأبیهم فحزن علی یوسف علی الرغم من علمه بأن یوسف علیه السلام حی یرزق، ثم بدأ فی البیت الثانی ب_(وغلمة من بنی عدنان...) إشارة إلی ریعان شباب هؤلاء الفتیة وقد أرسلهم أبوهم إلی الحرب لا اللعب، وهذا الحدث یقابل إرسال یعقوب علیه السلام ولده یوسف علیه السلام مع إخوته لیرتع ویلعب مثلما أشارت إلی ذلک الآیة القرآنیة


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 47.
2- .م.ن: 24.

ص: 119

المبارکة(1)، ثمَّ یقول:

ومعشر راودتهم عن نفوسه__م

بیض الظبا غیر بیض الخرد العربِ

فهو یأخذ وینتقی من قصة یوسف مرة أخری موقفاً آخر یقابله بموقف أصحاب الحسین علیه السلام، فقابل بین مراودة (زلیخا) امرأة العزیز لیوسف علیه السلام وکادت أن تهم به ویهم بها ومراودة بیض الظبا لنفوسهم، ثم یقول:

فأنعموا بنفوس لا عدیل له__ا

حتی أسیلت علی الخرصان والقضبِ

فانظر لأجسادهم قد قدَّ من قبل

أعضاؤها لا إلی القمصان والأه_بِ

إن أصحاب الحسین علیه السلام لم یقد قمیصهم من دبر بل من قبل إشارة أو کنایة عن شجاعتهم وإقدامهم وعدم مهابتهم للعدو فضلاً عن مقابلة الموت وجهاً لوجه، أما فی حالة یوسف علیه السلام فکان قد القمیص فیه خلاف علی أثره کانت براءة یوسف إذ قد قمیصه من دبر، فتلحظ بهذه المقاربة البون الشاسع بین قصة یوسف علیه السلام وأحداثها وما جری علی الحسین علیه السلام وأصحابه النجباء، ویعقب الشاعر هذه المقاربة الموضوعیة بمقاربة أخری لطیفة، وهو قوله:

کل رأی ضر أیوب فما رکض_ت

رجل له غیر حوض الکوثر العذب

قامت لهم رحمة الباری تمرضهم

جرحی فلم تدعهم للحلف والغضب

إن هذه المقاربات تحتاج إلی قارئ له اطلاع غیر قلیل علی التاریخ والقصص الدینی حتی یتمکن من فهم مقصد الشاعر وإلا کانت صورة یلفها الغموض والإبهام وتثیر علامات التساؤل أکثر ما تثیر فی نفسه الإعجاب، ولعل هذه السمة کانت بارزة عند شاعرنا الشیخ صالح الکواز الحلی وقد نجح بشکل کبیر فی توظیف الموروث فی شعره لا علی سبیل التضمین والاقتباس فحسب بل علی إعادة بناء ذلک الموروث بصورة أملتها علیه تجربته الشعریة وإبداعه الخاص.


1- یوسف:12.

ص: 120

المحور الثانی: زینب علیها السلام والسبایا

لاریب انَّ لموقف زینب علیها السلام یوم الطف وبعده أثرا کبیرا وفعالا فی نجاح ثورة الحسین علیه السلام بکل أبعادها، ولما قاد الحسین علیه السلام ثورته بالسیف ضد یزید وأتباعه واصلتها زینب علیها السلام بسیف الکلام مع أخواتها من بیت الرسالة ومع الإمام العلیل زین العابدین علیه السلام، وخطبها، ومواقفها فی الکوفة ودمشق لتکشف عن صلابتها وقوة عزیمتها وإیمانها الصادق الحقیقی بما کتب الله جل وعلا علیها وعلی إخوتها من مصاب ألیم، واستطاعت أن تهزَّ عرش الأمویین وتقضَّ مضاجعهم وتنبه الناس الغافلین المخدوعین بما آل إلیه ذریة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم علی أیدی یزید وأتباعه، فکانت الامتداد الحقیقی للخطاب الثوری الذی انتهجه الحسین علیه السلام، ولربما فقدت ثورة الحسین علیه السلام جذوتها لولا أخته العقیلة زینب وهو ما أثبته التاریخ والواقع.

ولما نعرج علی ما قاله الشاعر فی زینب علیها السلام نجده قد وقف متألماً علیها وحالها وحال أخواتها وهنَّ ینظرن إلی الحسین علیه السلام مقتولاً مسلوباً مع أولاده وصحبه وقد سحقت صدورهم خیول الأعداء ثمَّ قاموا بحرق خیامهنَّ وسبیهنَّ بصورة یندی لها الجبین.

ص: 121

فیمثل الشاعر زینب علیها السلام بالعاتبة علی أخیها الحسین علیه السلام وهو لا یقوم بنصرتها ویخلصها من أیدی الأعداء، وأی عتب تعتبه علی من صار نهباً لسیوف أعدائه ورماحهم وقد توزعت أشلاؤه، إنه عتب لا یجدی ولکنه عتب ألیم وتذکره زینب وتذکر معه صفاته الرجولیة کسرعة الإجابة ونجدة المستغیث أو تذکره بأنها کانت فی الحرم المنیع مصانة مخدرة ولکنها الآن أصبحت بوضع آخر بعده، فیقول(1):

وتقول عاتبة علیه وما عسی

یجدی عت___اب موزع الأشلاءِ

قد کنت للبعداء أقرب منج__د

والیوم أبعدهم عن القرباء

أدعوک من کثب فلم أجد الدع_ا

إلا کما نادیت للمتنائی

قد کنت فی الحرم المنیع خبیئة

والیوم نقع الیعملات خبائ_ی

لقد استعمل الشاعر المقارنة بین حالین کان علیهما الحسین علیه السلام مع أخته زینب، فقد کان أقرب منجد للقرباء والبعداء، وصار الیوم بعیداً عنها وهی القریبة منه، بل أقرب القرباء وإنها لتدعوه إلی نجدتها ولکنه ذهب ونأی بعیداً عنها فأصبحت بحالة جدیدة من بعده بعد أن کانت بمعیته فی الحرم المنیع مصانة محفوظة لا یطلع علیها الغرباء، ثمَّ تأتی صیحتها الألیمة:

أسبی ومثلک من یحوط سرادقی

هذا لعمری أعظم البرحاء

ماذا أقول إذا التقیت بشامت

إنی سبیت وإخوتی بازائی

وتسلم زینب علیها السلام إلی الأمر الواقع وحکم الحمام لما هم علیه إخواتها من بلاء:

حکم الحمام علیکم أن تعرض_وا

عنی وإن طرق الهوان فنائ__ی

ولکنها تتعجی وتنکر علی إخوتها أن تهون علیهم وهی تسیر إلی أعدائهم من الطلقاء:


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 18.

ص: 122

ما کنت أحسب أن یهون علیک__م

ذلی وتسییری إلی الطلقاء

ثمَّ تخبرهم بالواقع الألیم لنساء الوحی والرسالة من بعدهم:

هذی یتام__اکم تلوذ ببعضه__ا

ولکم نساء تلتج__ی بنس___اء

وصورة العاتبة لم تنفک تبارح خیال الشاعر فنراه یصفها بقوله(1):

تعاتبهم وهی العلیمة أنه__م

بریئون مما یقتضی قول عاتبِ

وهنا یبرء الشاعر الحسین علیه السلام وإخوته من عدم إغاثتها فضلاً عن علمها بذلک، ثمَّ یقول:

ومذهولة فی الخطب حتی عن البک_ا

فتدعو بطرف جامد الدمع ناضبِ

فهو یصورها بالمذهولة التی جمد دمعها لهول المصاب وهی تخاطب عشائر مفقودیها لیقوموا بنجدتهم ویخلصوهم من هذا الوضع وهم من هم فی الشجاعة والنجدة فی النوائب ثم تعذرهم فتسلم إلی البکاء والشجن:

عذرتکم لم أتهمکم بجفوة

ولا ساورتکم غفلة فی النوائ_ب

شکت وارعوت إذ لم تجد من یجیبها

وما فی الحشی ما فی الحشی غیر ذاهب

ونلحظ الشاعر قد عمد إلی التکرار فی عجز البیت الثانی مما أضفی دفعاً حزیناً وثقلاً عتیداً علی هذا المصاب الذی لم ولن یبارح القلب والحشا، وهذه الصورة تتکرر عند الشاعر ولکن بتفاصیل أخری هدفها إبراز الحزن والأسی الذی أصاب العقیلة فنراه یقول(2):

وزینب تدعو والشجی ملء صدرها

بمن ملأت صدر الفضاء نوالها

ثمَّ تخاطب أخوتها خطاباً مراً ملؤه العتب والتحسر:

أیا إخوتی لا أبعد الله منکم

وجوهاً تود الشهب تمسی مثالها

نشدتکم هل ترجعون لحیکم

فتحیی عفاة أتلف الدهر حالها


1- م.ن: 21.
2- م.ن: 40 .

ص: 123

نشدتکم هل ترکزون رماحکم

بدار لها الوفاد شدَّت رحالها

وهل اسمعن تصهال خیلکم التی

یود بأن یمسی الهلال نعالها

وهل انظر البیض المحلاة بالدما

تقلدتموها وانتضیتم نصاله_ا

فیا لیت شعری هل أبیتنَّ لیلة

ببحبوحة تحمی وأنتم حمی لها

وتمسی دیاری مثل ما قد عهدتها

ملاذ دخیل ظلَّ یأوی حجالها

إنه اعتزاز الأخت بإخوتها الذین کانوا لها کهفاً وملجأ ولما ذهبوا ضاع ذلک العز وهتک ذلک الخدر، وإلحاحها علیهم بتکرار (نشدتکم) مفتتح بیتین متتالیین ثم استعمال أداة الاستفهام (هل) فی مفتتح البیتین التالیین تؤکد علی عمق الرابطة التی تجمعها بإخوتها وماذا یمثلون لها وکیف تنظر لهم نظرة الإجلال والاحترام والحب، فهم جدیرون بها، وهم أصحاب الوجوه النیرة، والرماح الطویلة، والشجاعة والکرم والنجدة، وبیتهم الملاذ الآمن لمن یأوی إلیه، وأبدع الشاعر حین جاء بالفعل (یود) الذی یظهر معنی الاشتیاق وتلهف وأسنده للهلال کی یکون نعالاً لا لإقدام إخوة زینب علیها السلام وإنما لخیلهم التی یرکبونها وهی مبالغة واضحة ولکنها مقبولة إذ جاءت علی لسان زینب التی تفدی إخوتها بکل غال ونفیس، فلا یبعد عنها أن تری فی کل ألأشیاء فی الکون مطاعة لإخوتها الأجلاء.

وإذا ما ترکنا صورة العاتبة الشجیة الباکیة نری الشاعر یصورها بصورة الواعظة لأعدائها وأعداء أخیها الحسین علیه السلام وإخوتها جمیعاً، فقال ممهداً لوعظها الألیم(1):

لم أنس زینب إذ تقول وقد

کضَّ المصاب فؤاده__ا کضا

لله رزء قد أصاب لن_ا

ندب__ا فعطَّل بعده الفرضا

ومضی بصحة دینن__ا فغدا

حتی المعاد یع__د فی المرضی

 


1- م.ن: 28.

ص: 124

إنه مصاب جلیل قد وقع علی هذا الدین حین قتل الحسین علیه السلام ولن یتعافی هذا الدین إلی المعاد فهو یبقی علامة أو ندباً واضحاً لا یمکن تجاوزه، ثمَّ یقول(1):

وترد تدعو القوم واعظ_ة

إذ لیس یسمع کاف_ر وعظ_ا

إن الأمر اللافت فی هذا البیت هو وعظ زینب علیها السلام لهؤلاء القوم علی الرغم من تیقنها من أنهم لا یسمعون وعظها، لأنهم کافرون، والکافر لا یسمع وعظ الکلام.

ثمَّ تخاطبهم علی الرغم من ذلک بقولها:

یا قوم قتلکم الحسین أم_____ا

یکفی_کم عن صدره الرض___ا

إنها متألمة علی حال أخیها الذی قضی ظامئاً بحد سیوفهم ثم هؤلاء یرضون صوره بخیولهم بعد قتلهم إیاه، ثم تواصل استفهاماتها الإنکاریة إذ تقول:

أو ما کفاکم نهبکم خیم النسوا

نِ عن ابراده__ا تنض_______ی

إنها تثیر بقایا الکرامة والغیرة العربیة علها موجودة فی قلوبهم القاسیة فتسألهم إذا کنتم نهبتم ما فی الخیام فلماذا تنضون النساء ملابسها التی تلبسها أما عندکم غیرة أو کرامة ولکن هذه التساؤلات قد ذهبت أدراج الریاح:

أبریتم أصواتن__ا جزع____ا

ولطالما هی تألف الغض_____ا

فهی تشیر إلی خدرها وخدر أخواتها من بنات الرسالة إذ لم ت_الف أن یسمع لها صوت من الأجنبی ولکنها الیوم لشدة جزعها وما أصابها قد علا صوتها وارتفع، ثم تخاطبهم قائلة:

أرقدتهم عین الضلال بن____ا

ومنعتم عین الهدی غمض____ا

لقد شخص الشاعر بهذا البیت علی لسان زینب علیها السلام عمق المصیبة التی


1- قافیة البیت مخالفة لروی القصیدة فاثبتناها کما وجدت فی الأصل.

ص: 125

حلت بقتل الحسین علیه السلام، فالحسین ابن الرسالة المحمدیة وهو الممثل الحقیقی لها (عین الهدی) التی حاول ألأعداء لرسالة الرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم أن یغمضوا هذه العین ویطفئوا نور الله جل وعلا فضلاً عن إشارة الشاعر فی صدر البیت إلی أن أهل بیت النبوة قد ارقدوا (عین الضلال) وهی إشارة إلی فضل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته فی إخراج العالم من ظلم الکفر والطغیان إلی نور الهدی والإیمان.

وهذا الأمر یسترسل به الشاعر فیقول متسائلاً علی لسان زینب علیها السلام:

ما کان ذنب محمد لک__م

حتی قتلتم آل____ه بغض__ا

ثم یقول (1):

بالأمس أبرمنا عهودک__م

والیوم أسرعتم لها نقض____ا

أکبادکم للغیظ أوعی_____ة

بالطف ألفیتم بها نفض_____ا

فلشد ماربضت کلابک_____م

حذر الأسود فلم تطق نهض__ا

جئتم بها شوهاء معضل___ة

لا تملکون لعارها رحض____ا

إنها تذکرهم بإبرامهم العهود مع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وقد سارعوا الیوم إلی نقضها بقتل ابن بنت نبیه سید شباب أهل الجنة وهم لم یکونوا صادقین فی ذلک فحقدهم وغیظهم منه قد بان فی الطف وفی ذلک إشارة إلی المثل المعروف (کل إناء ینضح بما فیه) ولکن الکلاب تخاف الأسود ولشد ما بقت فی مکانها مرتعبة من صولاتهم وهم الکلاب فالآن وجدوا الفرصة وقاموا بفعلتهم الشوهاء البغیضة التی بسببها سیلاحقهم العار ولا یستطیعون دحضها ونکرانها إلی أبد الدهور هکذا خاطبتهم العقیلة فی خطبها المرویة فی الکوفة والشام وقد استوحی الشاعر من خطبها تلک المعانی


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 29.

ص: 126

والصور(1).

ونجد الشاعر یمیل إلی المقارنة مستغلاً ثقافته التاریخیة خیر استغلال، فیقول(2):

ونال شجی من زینب لم ینل__ه من

(صفیة) إذ جاءت بدمع مدف__ق

فکم بین من للخدر عادة کریم__ة

ومن سیروها فی السبایا لجل___ق

فهو یصطنع مقارنة بین موقف زینب (علیها السلام فی واقعة الطف وکیف وقفت علی جسد أخیها وقد قطع إرباً إرباً وفصل رأسه الشریف وموقف (صفیة) اخت (حمزة) علیه السلام عم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وقد وقفت أیضاً علی جسد أخیها أسد الله ورسوله ورأته وقد مثلت به هند بنت عتبة، ولا شک فی أن الموقفین عظیمان جداً علیهما ولکن الحال اختلف بعد ذلک فصفیة قد عادت إلی خدرها معززة مکرمة مصانة بینما ذهبت زینب علیها السلام مع قاتلی أخیها سبیة تساق من بلد إلی بلد علی النیاق المهزولة لتصل إلی یزید بن معاویة الذی کنی عنه الشاعر ب_(جلق).

ویستعین الشاعر بالمعین التاریخی مرة أخری لرصد أبعاد الموقف العصیب علی أهل البیت (علیهم السلام)، اذ یقول(3):

لئن ثوی جسمه فی کربلاء لق__ی

فرأسه لنساه فی السباء رع_____ی

ثم یحول خطابه إلی الجمع المخاطب من الکرام لینجدوا هذه الکرائم من آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم:

نسیتم أو تناسیتم کرائمک_م

بعد الکرام علیها الذل قد وقعا

أتهجعون وهم أسری وجده__م

لعمه لیل بدر قط ما هجع_ا

فلیت شعری من (العباس) ارقه

أنینه کیف لو أصواتها سمعا


1- تنظر خطبتها فی: بلاغات النساء: 20.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 36.
3- م.ن: 32.

ص: 127

فهو یذکر موقف الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی معرکة بدر وقد أسر عمه (العباس) فلم یذق طعم النوم وکانت عینه ترنو إلی عمه خوفاً علیه وعطفاً ومحنَّة وقد سمع أنینه هذا وعمه لم یمس بسوء ولم یعتدی علیه وهو رجل فکیف بالرسول صلی الله علیه وآله وسلم لو سمع بناته فی لیلة الحادی عشر من محرم الحرام وقد قتل فیه من یدافع عنهم ضد أعدائهم الذین لم یرعوا لهم حرمة أو ذمار وقد أحرقت خیامهم وسلبوا.

ولم یکتف الشاعر بهذه المقارنة التاریخیة فألحقها بأخری لیزید من الحزن والألم ولیثیر القلوب والعیون، فقال(1):

وهادر الدم من (هبار) ساعة إذ

بالرمح هودج من تنمی له قرعا

ما کان یفعل مذ شیلت هوادجه_ا

قسراً علی کل صعب فی السری ظلعا

ما بین کل دعی لم یراع به__ا

من حرمة لا ولا حق النبی رع__ی

و(هبار) هذا کان شاعراً هجا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وأهدر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم دمه یوم فتح مکة لأنه روَّع زینب بنت رسول الله زوجة أبی العباس بن الربیع حین حملها حموها إلی المدینة لیلحقها بأبیها بعد وقعة بدر فتتبعها (هبار) وقرع هودجها بالرمح وکانت حاملا فأسقطت ما فی بطنها، فقال الرسول صلی الله علیه وآله وسلم: الإسلام یجب ما قبله (2)، فهذا الموقف یوظفه الشاعر بشکل لطیف لیصنع المفارقة فی المواقف موقف الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من (هبار) وکیف عفی عنه علی الرغم مما فعل وموقف یزید وأتباعه مع أهل بیت الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وما فعلوا فیهم، أرکبوهم علی ظهور النیاق المهزولة، وکانوا یضربونهن بالسیاط ویشتمونهن بسبب وبلا سبب کرهاً وبغضاً لآل


1- م.ن: 33.
2- سیرة النبی: 2 / 480.

ص: 128

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یرعوا عهداً ولم یبقوا له حرمة تستر هؤلاء الأدعیاء المجرمین.

إن هذا التلمیح والتصریح بالإشارات التأریخیة یکشف عن وعی الشاعر بحرکة التاریخ فضلاً عن استعمال هذه الإشارات بشکل متمیز وتوظیفها شعریاً ینبئ عن إمکانیة معلوماتیة فنیة واضحة، وهذا الأمر نجده أیضاً فی تعرضه إلی ما أصاب أم عبد الله الرضیع الذی قتل وهو یحمله الحسین علیه السلام لیطلب له الماء من أعدائه وجاءت هذه الأبیات بعد أبیات یصف فیها سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وهذه المرضعة هی واحدة من هذه السبایا، إذ قال (1):

وربَّ مرضعة منهنَّ قد نظ__رت

رضیعها فاحص الرجلین فی الت__ربِ

تشوط عنه وتأتیه مکاب_____دة

من حاله وظماه___ا أغظم الک__رب

فقل (بهاجر) (اسماعیل) أحزنها

متی تشط عنه من حر الظم__ا تؤب(2)

فقد قارن الشاعر بین أم إسماعیل (هاجر) علیهما السلام حین ترکت رضیعها (إسماعیل) لتبحث له عن ماء عندما ترکها إبراهیم علیه السلام فی واد غیر ذی زرع، ومن سعیها وراء السراب ظناً منها أنه ماء ثم عودتها إلی إسماعیل أصبح السعی بین الصفا والمروة وهو من الشعائر المعروف فی الحج، فقارن الشاعر بین هذه الأم وأم عبد الله الرضیع ولکن هذه الأم لم تستطع أن تأتی بالماء إلی ولدها وقد رأته یابس الشفتین فاحص الرجلین فی التراب ولکنها عمدت إلی فعل آخر قارنه الشاعر بصورة تاریخیة


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 25.
2- اشار القران الکریم اجمالا الی هذه القصة فی سورة ابراهیم الایة 37 اذ ورد علی لسان إبراهیم علیه السلام: (رَّبَّنَا إِنِّی أَسْکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِ__ندَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُق__ْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ). أما تفاصیل القصة التی اعتمدها الشاعر فکانت مرجعیاتها سنیَّة متمثلة بأحادیث الرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم ینظر علی سبیل المثال لا الحصر: قصص الأنبیاء: 203 – 205.

ص: 129

أخری بقوله:

وما حکتها ولا (أم الکلیم) أس__ی

غداة فی الیم ألقته من الطل__بِ(1)

ففعل أم الرضیع حین عمدت إلی أن تعطی ولدها لأبیه لیطلب له الماء من أعدائه بعد أن یئست ونشف منها حلیبها کفعل أم الکلیم حین عمدت إلی إلقائه فی الیم لیواجه خطر الماء، ولکن ذاک واجه الخطر مع الأعداء وأی أعداء لا یرحمون حتی الرضیع، ثم یبرز حال أم إسماعیل وحال أم الکلیم بقوله:

هذی إلیها ابنه__ا قد عاد مرتضعاً

وهذه قد سقی بالبارد الع_____ذبِ

ولکن حال أم عبد الله الرضیع اختلف وأی اختلاف:

فأین هاتان ممن قد قضی عطشا

رضیعها عنها أو نأی عنها ولم یؤبِ

بل آب مذ آب مقتولاً ومنت___هلاً

من نحره یوم کالغیث منسک___بِ

لقد عاد رضیعها مسقیاً بالدم منحوراً بید الأعداء، ثم قال(2):

شارکنه_ا بعموم الجنس وانفدت  

عنهنَّ فیما یخص النوع من نسبِ

کانت ترجی عزاءاً فیه بع___د أب

له فل_م تح__ظ بابن لا ولا ب_أب

هکذا هو حال أم عبد الله الرضیع، قتل ابنها وکان رجاءها وذخرها ولم یتوقع أن یقوم الأعداء بقتله فلیس له ذنب ولکنها فوق فقدها ابنها وبعلها سبیت مع سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وهکذا اختلفت هذه المرأة بما جری علیها من مصائب مع تلک النساء اللواتی التقت معهن بالولد الرضیع..

وفی إطار السبایا تناول الشاعر الباقی من ذریة الحسین علیه السلام وهو ابنه علی بن الحسین علیه السلام المشهور ب_(زین العابدین) الذی کان علیلاً ولم یستطع القتال فکان الوحید الناجی، وقد سیق مع النساء من آل محمد صلی الله علیه وآله


1- تنظر قصة ذلک فی سورة القصص: 7.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 25-26.

ص: 130

وسلم فیصفه الشاعر مقیداً فوق بعیر مهزول وهو یرنو إلی عماته وأخواته، فنراه یقول(1):

أضحی وکانت له الأملاک حاملة

مقی_داً فوق مهزول بلا قت___بِ

یرنو إلی الناشرات الدمع طاوی__ة

أض_لاعهنَّ علی جمرٍ من الن_وبِ

و (العادیات) من الفسطاط ضابحة

و(الموریات) زناد الحزن فی لهبِ

و (المرسلات) من الأجفانِ عبرتها

و(النازعات) بروداً فی ید السلبِ

و (الذاریات) تراب_اً فوق أرؤسها

حزناً لکل صریع بالعرا ت__ربِ

فنلحظ الشاعر قد وظف أسماء بعض السور القرآنیة وما یتجلی من آیاتها فی وصف هؤلاء النسوة، وجاءت صوره بشکل متقابل بین الصدر الممثل للصورة الأولی والعجز الممثل للصورة الثانیة علی مدی البیت الثالث والرابع، أما الخامس ابتدأ باسم سورة (الذاریات) ولکن صورته استمرت حتی نهایة العجز معرباً عن تخلیه عن هذا اللون من التقابل إلی غیره من الفنون.

ویکرر الشاعر هذا المشهد فی قصیدة أخری، فیقول(2):

وأمین الله فی الأرض بعدا

لسبطِ أضحی مقیَّداً مستضاما

تارة ینظ___ر النس__اء وطوراً

أرؤساً بالرماح تجلو الظلام_ا

کیف یسری بی_ن الأعادی أسی_را

من یغادر وج__ودها اعداما

قیدوه من حلمه بقی_ود

ربَّ حلم یقید الضرغاما

فنلحظ الشاعر یصف الإمام زین العابدین علیه السلام بأنه (أمین الله) فی ألأرض بعد أبیه السبط الحسین علیه السلام ولکنه مقید مستضام مغلوب علی أمره بین هؤلاء الأوباش الذین سبوا عماته وأخواته وقطعوا رأس أبیه وإخوته وعمومته


1- م.ن: 25.
2- م.ن: 44.

ص: 131

وأصحاب أبیه فتارة ینظر إلی النساء وتارة أخری إلی هذه الرؤوس النیرة التی تجلو الظلام، لقد قیَّد الأعداء حلمه، هذا الحلم النابع من اعتقاد راسخ بضرورة تفویض الأمور إلی الله تعالی، وإن الذی یجری فی ذات الله وتحت عینه فإن هذا الحلم سیصبح قیداً یقیده ولا یستطیع فکه.

هذه أبرز جوانب موضوع السبایا التی تناوله الشاعر، وهو موضوع حساس تعامل معه الشاعر بصورة تثیر المشاعر بالحزن والألم لما أصاب زینب علیها السلام والإمام زین العابدین علیه السلام وبقیة النساء بعد فقدهم الحسین علیه السلام ومن کانوا یحاموهم ویدافعوا عنهم وعکس هذا الموقف ظلم بنی أمیة لأهل البیت (علیهم السلام) وکیف أنهم لم یراعوا حرمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وعهوده ومواثیقه التی عاهدوه بها ونقضوها بفعلتهم النکراء فی واقعة الطف..

ص: 132

المحور الثالث: الشاعر

من المحاور الموضوعیة اللافتة للنظر فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی هو الشاعر نفسه، وقد تجلی صوت الشاعر بصورة ملحوظة فی مقدمات قصائده وخواتیمها، ولم یظهر فی وسطها إلا فی قصیدة واحدة سنأتی علیها تباعاً..

أما ظهوره فی مقدمات قصائده فتجلی ذلک فی خمس قصائد، إذ اتخذ من هذه المقدمات تمهیداً لموضوعه الرئیس وهو رثاء الحسین علیه السلام وأصحابه وما جری علی نسائه وعیاله من سبی وتشرید، تناول الباحث إحداها فی المحور الأول وقد بدا صوت الشاعر فی هذه المقدمات صوتاً حزیناً ملؤه الأسی والنحیب علی من تذکرهم وتلمس ورأی رسومهم وأطلالهم الشاخصة بعد أن رحلوا عنه وأصحروه وحیداً حزیناً متسائلاً، إذ قال(1):

رحلوا والأسی بقلب__ی أقاما

جیرة جارهم بهم لن یضاما

ذهبوا والندی فعاد المن_ادی

لا یری من ید الصروف اعتصاما

کم حبست الانضاء بالدار حتی

خلتها فی وقوفها آکاما

وسألت الرسوم عنهم فما أغنی

سؤالی وما شفی لی سقاما

وإذا ما سألتهنَّ أعادت

فی لسان الصداء منها الکلاما

وکأنی کنت المناشد عنهم

وهی کانت مناشداً مستهاما


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : ص42.

ص: 133

وبعد هذه الأبیات الطللیة الشجیة یدعو بدعاء السقیا لهذه الأرض بقوله:

یا سقی الله معهداً قد سقت____ه

سحب أجفانی الدموع السجام___ا

فدعاء السقیا من عادات أهل البادیة وهو دعاء الخیر والبرکة لأرض المرثی کما یمثل الخیر والبرکة الشاملة للأرض التی یحل بها الفقید وتشیر إلی کرمه أیضاً (1)، ولکن الشاعر هنا لم یخاطب السحب کی تهطل وإنما أشار إلی أن سحب دموعه قد سقت تلک الأرض قبل أن تسقیها السحب الحقیقیة، ثم یعقب ذلک بقوله:

خیل القلب لی به وهو خ_____ال

عرباً خیله__م تحوط الخیام___ا

من بنی غالب الألی فی المعال___ی

غلبوا کل غالب لن یسام____ی

فهو ینتقل إلی موضوعه عن طریق تخیل القلب الذی هو أساس العاطفة والحب وأیضاً البکاء والحزن تخیله عرباً قد أحاطت خیلهم الخیام فی ذلک المعهد علی الرغم من تیقنه بأنه خال إلا من الذکریات الألیمة، ثم یحدد فی البیت الذی یلیه من هم وأی شأن سام لهم فی المعالی، فهم بنو غالب أجداد الحسین علیه السلام المعروفون بعروبتهم وشجاعتهم وکرمهم ورعایتهم للذمار وحفاظهم علی العهود والأمانات فهو من نسل هؤلاء الأفذاذ، ثمَّ یعرض حقد أعدائهم علیهم وثورة الحسین علیه السلام ضدهم.

وبهذا فإن الطلل الذی تحدث عنه لم یکن سوی أرض الطف التی استحضرها الشاعر فی ذاکرته وخیاله وهذا واضح من انتقاله من مقدمته الطللیة إلی موضوعه الرئیس.

ونری وقفة الطلل فی قصیدته النونیة الشهیرة التی مطلعها(2):

هل بعد موقفنا علی یبرین

أحیا بطرف بالدموع ضنینِ

وادٍ إذا عاینت بین طلوله

أجریت عینی للحسان العی__ن

فتخال موسی فی انبجاس محاجری

مستسقیاً للقوم ماء جفونی


1- ینظر الرثاء فی الشعر الجاهلی وصدر الإسلام: 196.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 45.

ص: 134

فهو یتحدث عن وقفة فی ذلک الوادی وکیف أن دموعه أبت أن تنزل لفرط المصاب وهوله علیه، ولکنه علی الرغم من ذلک حین یعاین طلول ذلک الوادی تجری عینه لتلک الحسان التی تعجب العین ثم یستحضر المعین القرآنی فی قصة موسی علیه السلام فیوظفه بشکل جمیل لا یخلو من ابتکار الصورة، فعیون الماء الاثنتی عشر فی قصة موسی التی انبجست(1) لم تکن عند الشاعر سوی محاجره وماء جفونه التی استسقی به لقومه، ولعل فی هذه الصورة یکمن بعد آخر وهو عملیة الدعاء بالسقیا کما لاحظنا فی القصیدة المتقدمة یتطور إلی الاستعانة بالقصص القرآنی وتوظیفه فی إقامة هذه الشعیرة فی هذه القصیدة، ویری الشاعر أن فی عینیه من دموع وحزن هی أقوی وأکثر خیرا من تلک السحب وکأن هذه الدموع النازلة هی دموع تطهر القلب وتنعشه وتزید من إیمانه وتماسکه لیستمر مع صعوبات الحیاة وأحزانها..

ثم یقول:

طلل نظرت نؤیَّ_ه محجوب____ة

نظر الأهلة فی السح___اب الجون

إن هذه البقایا التی تکاد لا تری ینظر إلیها بإمعان کالذی ینظر الهلال فی سماء مملوءة بالسحب السوداء، ویخاطب فیها الحداة قائلاً:

قال الحداة وقد حبست مطیَّهم

من بعد ما أطلقت ماء شؤونی

ماذا وقوفک فی ملاعب خ__رَّدٍ

جدَّ العفاء بربعها المسکون

وقفوا معی حتی إذا ما استیئسو ا

خلصوا نجیاً بعدما ترکونی

فقد بقی وحیداً وترکه صحبه بعدما وجدوه مستسلماً لأحزانه تارکاً دموعه علی خدیه لا یسمع نداءهم فترکوه، ثم یشبه ترکهم إیاه بهذه الصورة الجمیلة:

فکأنَّ یوسف فی الدیار محک___م

وکأننی بصواع____ه اتهمون____ی


1- وردت قصة ذلک فی سورة الأعراف: 160.

ص: 135

لقد استعمل الشاعر الأداة (کأنَّ) فی تحدید ملامح صورته، وجاءت الأولی فی بدایة الصدر والأخری فی بدایة العجز، الأولی أوضحت تحکم یوسف علیه السلام بأرض مصر حین جعل علی خزائنها، فهذه الصورة تشبه تحکم أصحاب الشاعر به، ثم یأتی بالصورة الثانیة (وکأننی بصواعه اتهمونی)؛ فجریمة أخی یوسف علیه السلام عندما وضع فی رحله صواع الملک کذلک کان حاله معهم.

ثم یصل إلی قوله:

قلبی یقل من الهموم جبالها

وتسیخ عن حمل الرداء متونی

وأنا الذی لم أجزعن لرزیة

لولا رزایاکم بنی یاسی_ن

تلک الرزایا الباعثات لمهجتی

ما لیس یبعثه لظی سجی_ن

فهو یربط تحمل قلبه للهموم وعدم جزعه منها علی الرغم من انه یعجز عن حمل الرداء علی متونه، ولکن هذا الأمر لا یکون - أی تحمله للهموم - مع مصائب أهل بیت محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی کنی عنهم ب_(بنی یاسین) فأثرها فی قلبه ولظاها أقوی وأشد من سجین.

وعلی العموم فإن الشاعر فی هذه المقدمة الطللیة التی قدم بها لموضوعه لم یوضح أن الطلل الذی وقف وبکی رسومه وذکریاته فیه أنه أرض الطف بل ترکها هکذا مفتوحة یمکن قراءتها بالشکل الذی قرأنا به قصیدته السابقة.

ولکن وضوح الرؤیة الطللیة الطفیة نجدها عنده فی قصیدة أخری جاء فیها(1):

أغابات أسدٍ أم بروج کواکب

أم الطف فیه استشهدت آل غالب

ونشر الخزامی سار تحمله الصب_ا

أم الطیب من مثوی الکرام الأطائب

وقفت ب_ه رهن الحوادث انحن__ی

من الوجد حتی خلتن_ی قوس حاجب

تمثلت فی أکنافه رکب هاشم

تهاوت إلیه فیه خوص الرکائ__ب


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 20.

ص: 136

فهذه المقدمة علی قلة أبیاتها تکشف بوضوح معنی الطلل عند الشاعر وقد تجلی بأرض الطف وما جری فیها علی الحسین علیه السلام وأصحابه ونسائه من قتل وتشرید وسبی، والشاعر بهذه الحال قد طوَّع الموروث الشعری القدیم لیصوغ بنیة جحدیدة وطللاً جدیداً أسمی وأعمق من طلل الجاهلی الذی وقف وبکی واستبکی وسأل الطلل ولم یجبه، وهذا الأمر وجدناه قبلاً عند زعیم مدرسة الشیعة السید الشریف الرضی فی طفیاته التی رثی بها الإمام الحسین علیه السلام(1)، وهذا الأمر یجعلنا نعتقد بأن لشعراء الشیعة - حصراً - فهماً ووعیاً بالطلل لم یتناوله الشعراء الآخرون بسبب اختلاف الرؤیة والاعتقاد مما یجعل ذلک میزة لهم، وخصیصة فی أشعارهم وبخاصة عندما یتعلق الأمر بواقعة الطف.

ویطالعنا الشاعر بوقفة أخری تحدث عنها بشکل صریح قائلاً(2):

لم أنس وقعة کرب__لاء وإن

أنسَ الرزای___ا بعضها بعض_ا

من أین بعد السب__ط مفتق_د

فیکون عضب مصاب__ه أمضی

قالوا الحسین لأجلک__م کرما

شرب الحتوف فقلت لا أرض_ی

أرضی بأن أرد الجحی____م ولا

یرد الردی قتلا ولا قبضا

فوقفة الشاعر واضحة محددة، ومشاعره تجاه الحسین علیه السلام صادقة طافحة بالحب والفداء من أجله فهو لا یرضی بقتل الحسین علیه السلام ویرضی أن یرد الجحیم ولا یصاب الحسین بقتل أو قبض.

أما إذا تناولنا صوت الشاعر فی خواتیم قصائده الطفیة فإننا نجده صوتاً متوسلاً مستشفعاً بأهل بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم مخاطباً إیاهم بنعوت مختلفة یتقطر


1- طفیات الشریف الرضی دراسة فی البناء الهیکلی والموضوعی:19.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 28.

ص: 137

منها الوفاء والحزن علی ما أصابهم، فنراه یقول (1):

بنی علی وأنتم للنج__ا سب_ب_ی  

فی یوم لا سبب إلا وقد قطعا

ویوم لا نسب یبقی سوی نسب

لجدکم وأبیکم راح مرتجع_ا

ویخاطبهم بأخری بقوله(2):

یا بنی خیر والد لیت عین____ا

ما بکتکم تسهدت لن تنام__ا

وبأخری(3):

یا سادتی یا بنی الهادی ومن لهم

بثی وحزنی إذا ما ضاق دهری ب__ی

ویخاطب الحسین علیه السلام بشکل خاص بقوله(4):

یا ابن بنت النبی عذراً فإن___ی

قد رأیت الحیاة بع__دک ذنب____ا

أما توسله واستشفاعه بهم فاتخذ طریقاً فی المثوبة علی شعره وقصائده التی قالها فیهم فهو یجعل شعره فی حبهم ورثائهم هدیة یقدمها لهم کی ینال الشفاعة والأجر والمثوبة، فنراه یقول(5):

زففت إلیکم من حجال بدیهتی

عروس نظام دان أهل الحجی لها

فإن قبلت هانت عظائم عثرتی

وأیق_نت أن الله فیها أقالها

فما ضرَّ دیوانی سواد طروسه

إذا لقیت فی الحش__ر منکم صقالها

وما ضرَّ میزانی تقال جرائمی

إذا کنت فیه__ا مستخفاً ثفالها

ولا اختشی هولاً وإن کنت طالحاً

إذا قیل یوم الحشر صالح قالها

فالأبیات تکشف سر اعتناء الشاعر بقصائده هذه وماذا یرید من ورائها، ویجعل


1- م.ن: 33.
2- م.ن: 44.
3- م.ن: 27.
4- م.ن.
5- م.ن: 41.

ص: 138

مسألة قبولها ورفضها من أهل البیت (علیهم السلام) هو المقیاس الذی یتقبله الشاعر علی الرغم من افتخاره بشعره الذی نعته بالعروس التی زفها إلیهم، وهو بهذه القصائد لا یخشی من النار إن کان طالحاً ما دامت قصائده قد نالت القبول من أهل البیت (علیهم السلام).

ونراه یقول فی الأخری بعد أن یصور مشاعره الشجیة علی مصائبهم علیهم السلام (1):

والیکم من__ی خری_دة حسن

قلدت من جمان فکری نظاما

ابتغی منکم القبول وأرجو

جائزات تنیل_نی الإکراما

فاقبلوها یا سادت__ی وأنیلوا

فسوی نیل فضلکم لن یرام_ا

کان فیها عون الإله ابت_داءا

فاجعلوها منکم القبول اختتاما

فهو ینعت قصائده بخریدة الحسن المقلدة بجمان فکره، ویبتغی أن تتقبل منه کی ینال الجائزات، ثم یتوسل لهم بالقبول لیسأل فضلهم وشفاعتهم، وهو یخبر بأن عون الإله کان یرعاه ویعینه علی کتابة هذه الأشعار، فکما کان عون الإله فی البدایة یسألهم أن یجعلوا قبولهم لها ختاماً ومسکاً له، ولعل هذا اللون فی النهایات کان واضحاً ومقبولاً کأنه نهج مشی علیه الآخرون فإننا نجده عند الشریف الرضی فی طفیاته التی رثی بها الإمام الحسین علیه السلام، والشریف الرضی هو علم وزعیم لمدرسة شعراء الشیعة ولا عجب أن یتبعه الشعراء من المتأخرین فی ذلک حتی یصبح ظاهرة بارزة عندهم(2).


1- م.ن: 45.
2- ینظر: دیوان الشریف الرضی: 2 / 190، وعلی سبیل الإشارة لا الحصر ینظر دیوان ابن کمونة: 7، 13، 18، ودیوان محسن أبو الحب الکبیر: 29، 36، 43، ودیوان السید حیدر الحلی: 1 / 55، 70، 92.

ص: 139

ولهذا الأمر مرجعیات عقائدیة، فقد " کان الأئمة من آل محمد یشجعون الشعراء علی النظم فی هذا الغرض، ووعدوا من قال فیهم بیتاً من الشعر بیت فی الجنة"(1)، وکانت العلاقة بینهم وبین شعرائهم علاقة أخرویة أکثر مما هی دنیویة"(2).

ویذکر الشاعر فضل أهل البیت (علیهم السلام) طالبا أن یستجیبوا دعواه ویکشفوا ضره وبلواه لما لهم من منزلة عند الله رفیعة عظیمة(3):

ندبتکم فأجیبونی فلست أری

سواکم مستجیباً صوت منتدبِ

فانتم کاشفو البلوی وعندکم

صدق الامانی فلم تکذب ولم تخ_ب

ألست__م جعل الباری بی_منکم

رزق الخلائق من عجمٍ ومن عرب

بل أنتم سبب بالعرشِ متصل

لکل ذی سبب أو غیر ذی سب_ب

وهذا التوسل والاستشفاع یکشف عن ضیق ید الشاعر وابتلائه بالمصائب الدنیویة، ولم یجد أفضل وأعلی شأناً عند الله من أهل البیت (علیهم السلام) کی یکشفوا ضره وبلواه.

ونجده فی أخری أکثر تماسکاً مما یلم به، فنراه یقول(4):

لوما أنهنه وجدی فی ولایتکم

قذفت قلبی لما قاسیته قطعا

من حاز من نعم الب__اری محبتکم

فلا یبالی بشیء ضرَّ أو نفع_ا

فإنها النعمة العظم_ی التی رجح_ت

وزناً فلو وزنت بالدر لارتفع_ا

من لی بنفسٍ علی التقوی موطن__ة

لا تحفلنَّ بدهرٍ ضاق أو وسع_ا


1- الأدب العربی فی کربلاء: 174.
2- هذا الأمر یؤکده ما قاله الکمیت مخاطباً الإمام محمد الباقر علیه السلام: " والله ما أحببتکم للدنیا، ولو أردت الدنیا لأتیت من هی فی یدیه ولکنی أحببتکم للآخرة.. " ینظر / معاهد التنصیص علی شواهد التلخیص: 3 / 96.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی : 27.
4- م.ن: 33 .

ص: 140

فقد حاز قلبه محبة أهل البیت (علیهم السلام) فلم یبالِ بضرٍ أو نفعٍ، فهی النعمة العظمی التی لا تقارن ولا توزن بالدر وجعل ذلک أساس تقواه التی توطنت النفس معها حتی باتت لا تحفل بالدهر إن ضاق أو وسع، ونجد الصرامة والحزم فی مبالغة لطیفة فی البیت الأول الذی یدل علی مدی تمسک الشاعر بأهل البیت (علیهم السلام) حتی إنه مستعد أن یقذف قلبه قطعاً إذا مال إلی غیرهم، ونجد هذا المعنی فی نهایة أخری قال فیها(1):

عجباً لقلبی وهو یألف حبک_م

لم لا یذوب بحرق__ة الأرزاءِ

وعجبت من عینی وقد نظرت إلی

ماء الفرات فلم تسل فی الم_اء

وألوم نفسی فی امتداد بقائها

إذ لیس تفنی قبل یوم فن___اء

ما عذر من ذکر الطفوف فلم یمت

حزناً بذکر الطاء قبل الفاء

إنی رضیت من النواظر بالبکا

ومن الحشی بتن_فس الصعداء

ما قدر دمعی فی عظیم مصابکم

إلا کشک____ر الله فی الآلاء

وکلاهما لا ینهضان بواجب

أب___داً لدی الآلاء والأرزاء

إنها مشاعر صادقة مفعمة بالحب والحزن علی ما جری فی أرض الطف، فهو یجعل من عظیم دمعه فی مصائب أهل البیت کشکر الله فی الآلاء، وکلا الأمرین لا ینهضان بمعنی لا یستطیعان أن یصلا إلی استیفاء حقهم علی الإنسان لعظم قدرهم عند الله جل وعلا.

ونجد الشاعر فی خاتمة أخری أکثر ألماً وعاطفة تجاه الحسین علیه السلام وما حل به فی أرض الطفوف، فهو یقول مخاطباً الحسین علیه السلام (2):


1- م.ن: 19.
2- م.ن: 27. تعاملنا مع هذه الأبیات علی أنها خاتمة لقصیدة مفقودة لمشابهتها أسلوب الشاعر فی خواتیم قصائده الطفیة .

ص: 141

یا ابن بنت النبی عذراً فإن__ی

قد رأیت الحیاة بعدک ذنب__ا

من تراه أشد منی وقاح____ا

جعل الصبر بعد قتلک دأب__ا

فکأنی لم یأتنی خبر الط___ف

أو انی استسهلت ما کان صعبا

أین حبی إن لم أمت لک حزن_اً

أین حزنی إن لم أمت لک حبا

فهو یری حیاته بعد الحسین علیه السلام ذنباً لا یغفره لنفسه، وان صبره وقاحة قد دأبت نفسه علیه بعد أن قتل، ثم ینکر علی نفسه أنه لم یأته خبر الطف بل إنه استسهل الأمر العظیم الصعب، فتراه حانقاً علی نفسه غضبان علی فعله الشنیع، فحبه الحسین علیه السلام وحزنه علیه لا یفترقان فیه فهما حیاته وموته.

ونجد هذه الحرارة والشعور المتدفق الطافح بالحب والفداء وسط إحدی علویاته فتراه یقول(1):

لک الله مقتولاً بقتلی لک اله_وی  

أباح قدیماً قتلها وقتاله_ا

فلیت رماح_اً شجرتک صدورها

تلقیت فی أحشاء صدری طوالها

وبیض صفاح صافحتک فلیتن__ی

وقیتکها فی صفحتی صقاله__ا

وهذا الصوت الوحید الذی وجدناه عند الشاعر قد جاء فی وسط القصیدة، ففی الغالب یظهر الشاعر فی مقدماتها وخواتیمها، أما فی الوسط فیکون وصفاً ومعالجة للموضوع علی لسان شخصیاته مثلما مر بنا فی المحورین المتقدمین، ولعل ظهوره فی هذا الموضع یمثل انفلاتا عاطفیاً طغی علی شعوره فلم یستطع أن یواریه أو یکبحه فجاراه بهذه المجاراة اللطیفة الصادقة، فهو یتمنی أن یقی الحسین علیه السلام من رماح أعدائه وسیوفهم وأن یفتدیه وهذا أقل ما یستطیع تقدیمه للفدائی العظیم.

وتجدر الإشارة إلی ظهور صوت الشاعر فی مقطوعتین، الأولی تعاملنا معها علی


1- م.ن: 40.

ص: 142

أساس أنها خاتمة لقصیدة ضائعة إذ جاءت علی شاکلة خواتیمه، وقد مرَّ ذکرها، أما المقطوعة الأخری فقد جاء فیها صوت الشاعر مخلوطاً بالغضب والحنق علی أعداء أهل البیت (علیهم السلام) والحزن والبکاء علی ما أصابهم، إذ قال(1):

إذا أنا لا أبکی لمثلک ح____ق ل_ی

بکائی علی أنی لمثلک لا أبک__ی

وکیف یصان الدمع من بعد ما اجتروا

علی ح__رمات الله أعداک بالهتک

ثم یستنکر متعجباً لما جری فی یوم الطف من سفح وسفک:

أأنسی دموعاً أو دماءا تجاریا

من الآل یوم الطف بالسفح والسفک

وقال فیها:

فلم یجحدوا ذبح الحسین وما جری

علیه غداة الطف من أعظم الفتک

فتلک رزایا فی السماء إلی الث___ری

فمن ملک یبکی علیه ومن مل___ک

 ثم ینهیها بقوله:

کفی حزناً أن المحاری__ب أظلم__ت

غداة تواری فی الثری کوکب النس_ک

ونلحظ الشاعر إتیانه بالجناس التام بین (ملک) من الملائکة، وبین (ملک) بمعنی التملک والتسلط، وجاء بالاستعارة فی البیت الأخیر لیضفیها علی الحسین علیه السلام إذ جعله کوکباً للنسک وقد أظلمت المحاریب دونه..


1- م.ن : 37.

ص: 143

نتائج الإجراء

ومن خلال ما تقدم یمکن أن نخلص إلی أهم النتائج التی تمخض عنها البحث، وهی:

1 . لقد کان لواقعة الطف الأثر الواضح فی شعر صالح الکواز الحلی إذ أمدته بکثیر من الخیال والصور.

2 . لقد مثلت واقعة الطف المعین الروحی الذی یتزود منه الشاعر فی أوقاته العصیبة التحدی والصبر والقوة.

3 . کذلک مثلت واقعة الطف عند الشاعر الطریق الصحیح والحق الذی یجب أن یسلک حتی یضمن الإنسان النهایة الأخرویة السعیدة.

4 . استعان الشاعر بالمعین القرآنی وبخاصة فی عقد مقاربات موضوعیة صوریة بین الأنبیاء علیهم السلام والحسین علیه السلام أکد من خلالها أن الحسین علیه السلام هو الامتداد الحقیقی لرسالة السماء وهو المحیی سنن الأنبیاء عن طریق التضحیة والفداء.

5 . کذلک استعان الشاعر بالمعین التاریخی فی عقد مقاربات موضوعیة صوریة بین شخصیات ومواقف تاریخیة وما حدث للحسین علیه السلام وأصحابه وأهل بیته الکرام فی واقعة الطف.

ص: 144

6 . مثل الحسین علیه السلام عند الشاعر الفداء والتضحیة لدین جده الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم فوجب علینا التضحیة والفداء دونه وسلوک نهجه العظیم فی عدم الرضوخ والاستسلام للظالمین.

7 . أصحاب الحسین علیه السلام هم النخبة الخیرة التی وقفت مع الحسین علیه السلام وبذلت مهجتها دونه.

8 . کما کان لموقف زینب علیها السلام أثر کبیر فی نفس الشاعر فصورها بالعاتبة علی أخیها الحسین علیه السلام إذ لم یقم بنصرتها ویخلصها من ید ألأعداء الغاشمین الذین لم یرعوا حرمة لبنات الرسالة وخانوا وصایا الرسول فیهم، وکذلک صورها بالواعظة للقوم الذین أقدموا علی فعل أمر عظیم وهو قتل الحسین علیه السلام وسبی نسائه وعیاله.

9 . تجلی صوت الشاعر فی طفیاته فی مقدماته الطللیة، فقد استطاع أن یشکل طللاً جدیداً تمثل بأرض الطف، وراح یحاکیه ویستذکر ما وقع علیه فی ذلک الیوم العصیب.

10 . وتمثل صوت الشاعر فی خواتیم طفیاته التی جاء فیها متوسلاً متضرعاً طالبا الرضا والقبول من أهل البیت (علیهم السلام) کی یقبلوا بها لتکون شفیعاً عندهم، وبهذه الالتفاتة یتضح أن الشاعر یستغل فاجعة الطف أو مصیبة الحسین علیه السلام بشکل أعم لتکون له رصیداً یستشفع من خلاله بأهل البیت (علیهم السلام) لیکونوا له ذخراً وشافعین فی الیوم الأخروی وهذا الأمر له مرجعیاته العقائدیة التی آمن بها الشاعر وتحرک من خلالها.

11 . بقی أن نقول أن طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی تمتعت بتکامل البناء والنسج من جهة والعاطفة الصادقة والشعور الحی من جهة أخری فضلاً عن عمق

ص: 145

الخیال والصورة البدیعة التی جذبت ذهن المتلقی وشعوره إلیها، فکانت بحق من روائع الشعر الحسینی الذی یظل حیاً ما بقی ذکر الحسین علیه السلام.

وأخیراً نحمد الله العلی القدیر علی حسن معونته لإتمام هذا البحث الذی قصدنا فیه وجهه تعالی وأهدیناه تقرباً وتشفعاً إلی سیدی ومولای أبی عبد الله الحسین علیه السلام معتذرین فی الوقت نفسه عن أی هنة أو زلل وقعنا فیه، ولا ریب فإن فوق کل ذی علم علیم..

ومن الله التوفیق..

ص: 146

ص: 147

الإجراء الثالث: القرآنیة فی طفیات-الشیخ صالح الکوَّاز الحلی

اشارة

ص: 148

ص: 149

مقدمة الإجراء

الحمد لله رب العالمین، الذی نزَّل القرآن علی عبده هدیً ورحمةً للعالمین، والصلاة والسلام علی المبعوث والمخصوص بذلک الهدی، وبتلک الرحمة؛ محمد الصادق الأمین، وعلی من ترکهم حملة لذلک الهدی ولتلک الرحمة؛ أهل بیته الطیبین الطاهرین، وعلی المستقبلین لذلک الهدی ولتلک الرحمة؛ صحبه الأبرار المنتجبین، ومن تبعهم إلی یوم الدین... وبعد:

یعدُّ القرآن الکریم مرجعاً مهماً من مرجعیات الشاعر بصورة عامة، یلجأ إلیه لیتزوَّد منه کثیراً من تقنیات الأسلوب والصورة والألفاظ، ومن ثمَّ فإنَّ ظهور القرآن فی النصوص الإبداعیَّة، وتغلغله فیها أمرٌ یکاد لا یستثنی منه أی دیوان شعر عربی، منذ نزوله حتی الآن مع اختلاف نسبة تکثیفه فی هذا الدیوان أو ذاک.

وهذا الأمر ساعد المتلقی علی تفهّم خلفیَّة النص المرسَل؛ بوصف القرآن مرجعاً عاماً للمسلمین، وأتاح للشاعر تشکیل صورة منه بما یتوافق وتلک الخلفیَّة، مع احترازه من تجاوز المتلقی أو المرجع نفسه، وبما یحقق الإبداع وإشراک المتلقی فی اتساع أبعاد النص المنتج.

ومثَّلت (طفیات)(1) الشیخ صالح الکواز الحلی، وهی قصائده فی رثاء الحسین بن علی، وبقیَّة الشهداء (علیهم السلام)(2) منعطفاً مهماً فی توظیف الشاعر لآی القرآن


1- نعت جامع دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی الشیخ محمد علی الیعقوبی هذه القصائد ب_(العلویات) وکان لنا فی هذا المصطلح رأی أثبتناه فی البحث الموسوم: (طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی دراسة موضوعیة تحلیلیة).
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 16.

ص: 150

الکریم بما یجلب انتباه المتلقی، ویثیر فیه الإعجاب والتأمل، فقد کانت القرآنیة مهیمنة علی نصوصه، مستغلاً إیاها فی تشکیل صوره، وتحریکها بفعالیة عالیة، فهو یربط بین النصوص القرآنیة أحداثاً وشخوصاً وقصصاً، وما جری فی واقعة الطف الألیمة، وهذه السمة وما شابهها من التضمینات الأخری رصدها جامع دیوانه الشیخ محمد علی الیعقوبی، حین وصفه بقوله: "نجده یمتاز علی شعر غیره ممن عاصره أو تقدَّم علیه أو تأخر عنه فیما أودعه من التلمیح بل التصریح علی الأغلب إلی حوادث تاریخیة وقصص نبویَّة وأمثال سائرة لیتخلَّص منها إلی فاجعة الطف مما یحوج القارئ إلی الإلمام بکثیر من القضایا والوقائع ومراجعة الکتب التاریخیة.."(1).

وکان الاتکاء علی القرآن الکریم أحداثاً وشخوصاً وقصصاً هو الأبرز من حیث التوظیف، والأوضح الذی عمد إلیه الشاعر فی طفیاته، وجاء البحث لیکشف عن أبعاد هذه الظاهرة فی ضوء خطة کانت ثوابتها متکونة من تمهید تناولنا فیه نقطتین، الأولی: تعریف موجز بحیاة الشاعر صالح الکواز الحلی ومنزلته الأدبیة، والثانیة: تناولنا فیها مفهوم القرآنیة وأسباب تبنیه دون غیره من الاصطلاحات القریبة منه ک_(أثر القرآن) أو (التناص القرآنی)، وأعقب التمهید مبحثان، تضمن المبحث الأول البنائیة القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی، وأوضحنا فیه طبیعة توظیف الشاعر القرآنیة علی مستوی القصیدة وأثرها فی بنائها الفنی.

أما الثانی فتناولنا فیه التقنیات القرآنیة فی الطفیات، وکانت تقنیتین، الأولی: القرآنیة المباشرة غیر المحورة، والثانیة: القرآنیة المباشرة المحورة(2).

وأشفع المبحثان بخاتمة ضمَّت أبرز النتائج التی توصل إلیها البحث.


1- م.ن: 8.
2- أشار الدکتور مشتاق عباس معن مجترح مصطلح (القرآنیة) إلی تقنیة ثالثة وهی القرآنیة غیر المباشرة المحوَّرة، وهو ما لم یتوافر فی أنموذجه التطبیقی، وکذلک لم یتواجد فی أنموذجنا (الطفیات). ینظر: تأصیل النص: 183.

ص: 151

التمهید

1- ضوء علی حیاة الشیخ صالح الکواز الحلی ومنزلته الأدبیة

الکواز هو أبو المهدی صالح بن مهدی بن حمزة آل نوح من قبیلة الخضیرات إحدی عشائر شمَّر المعروفة فی نجد والعراق(1)، وشهرته بالکواز لأنها کانت مهنة أبیه، إذ کان یعتاش علی بیع الکیزان والجرار والأوانی الخزفیة(2)، وکانت ولادته فی الحلة سنة 1233ه_ الموافق 1846 م(3)، ونشأ فیها وترعرع لذلک لقب بالحلی.

اشتهر صالح الکواز بتدینه، وما تبع ذلک من ورع وتقوی وعبادة، حتی إنه کان یقیم الجماعة فی أحد مساجد الحلة مع وثوق الناس بالائتمام به(4)، مما یعنی ذلک السمعة الطیبة والأخلاق الإسلامیة التی تمتع بها أهَّلته لأن یکون رجل دین بارز فضلاً عن کونه شاعراً ملتزماً بخطه الإسلامی.

أما ثقافته فتخبرنا المصادر أنه علی جانب عظیم من الفضل والتضلع فی علمی النحو والأدب(5)، فقد درس علوم العربیة والشریعة الإسلامیة علی ید الشیخ علی


1- البابلیات: 2 / 87، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.
2- أدب الطف: 7 / 214 – 215،ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:5.
3- البابلیات: 2 / 87، ومشاهیر شعراء الشیعة: 2 / 316، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.
4- ینظر: مثیر الأحزان: 280، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 6.
5- ینظر: دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.

ص: 152

العذاری والشیخ حسن الفلوجی والسید مهدی داود(1)، ومن أشهر أساتذته أیضاً السید مهدی القزوینی الذی له مدائح فیه(2)، وفضلاً عن ذلک فإن المطالع فی دیوانه یلمس ثقافة واضطلاعا غیر قلیل علی علوم العربیة والتاریخ والمنطق والفقه والعقائد بشکل واضح، ولعلَّ هذه العلوم کانت من مستکملات رجل الدین والأدب وبخاصة إذا عرفنا عنه الضیق المادی الذی نعزوه لیس فقط إلی نفسه الأبیَّة وتعففه عما فی أیدی الناس(3) وإنما إلی انشغاله بالتعلم وربما التعلیم أیضاً وهذا واقع عقلاً ومقبول منطقاً من حیث استعمال المساجد للتدریس وتعلیم وهو أمر معروف فی تلک الحقبة التی عاشها الشاعر، ومن ثمَّ فإنَّ ما ذهب إلیه صاحب کتاب أعیان الشیعة من أن الشیخ صالح کأخیه الشیخ حمادی سلیقی النظم یقول فیعرب ولا معرفة له بالنحو(4) لا أساس لها من الصحة، وربما اختلط علیه الأمر فوصف الأخوین بوصف واحد(5).

وإذا ما نظرنا إلی ما قاله معاصره السید حیدر الحلی رجل الدین والأدب فی حقه لتبین لنا منزلة شاعرنا وما کان یتمتع به من مواهب وإبداع، فقد قال عنه فی تصدیره إحدی قصائد المترجم فی کتابه (دمیة القصر) المخطوط ما نصه: "أطول الشعراء باعاً فی الشعر وأثقبهم فکراً فی انتقاء لئالی النظم والنثر خطیب مجمعة الأدباء والمشار إلیه بالتفضیل علی سائر الشعراء"، وقال عنه أیضاً فی الکتاب المذکور وهو فی صدر التقدیم لإحدی قصائده: "فرید الدهر وواحد العصر الذی سجدت لعظیم بلاغته جباه أقلامه واعترفت بفصاحته فضلاء عصره وأیامه وفاق بترصیع نظامه وتطریز کلامه أرباب الأدب من ذوی الرتب ومن رایة فی النظم علی


1- معجم الشعراء العراقیین: 180.
2- ینظر: دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 51، 67، 68، 70، 98.
3- م. ن: 5.
4- ینظر: أعیان الشیعة: 11/404.
5- ینظر: دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.

ص: 153

کل رای أدیب راجح الشیخ صالح الحلی"(1).

والذی نستشفه من هذا الإطراء الکبیر أموراً عدَّة أهمها تقدم الشیخ صالح الکواز الحلی علی شعراء زمانه بما امتلک من إمکانیات فنیة ولغویة تمتع بها شعره مما أهله لأن یکون فرید دهره وواحد عصره، والأمر الآخر هو اعتراف أهل زمانه لیس بشاعریته فحسب وإنما بخطابته وفصاحته وتقدمه فی هذا المضمار أیضاً، ولعلَّ هذه الأمور أو الأوصاف لا تنطبق علی شخصیَّة أمیَّة بقدر ما تنطبق علی شخصیَّة لامعة بالشعر والخطابة ومشهورة بالعلم والفضل.

ومهما یکن من أمر فإن للمترجم صلات مع باقی شعراء عصره البارزین من أمثال السید حیدر الحلی وعبد الباقی العمری وعبد الغفار الأخرس فضلاً عن اشتهار قصائده وبخاصة (الطفیات) فی المحافل الحسینیة وإنشاد الخطباء لها فی المناسبات الدینیة، وکانت منابر بغداد والحلة والنجف وکربلاء والبصرة تصدح بها(2).

وکان الشاعر معدوداً من المکثرین، إلا أنَّ دیوانه لم یصل إلینا، والذی بقی منه جمعه الشیخ محمد علی الیعقوبی وأصدره فی دیوان وسمه ب_(دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی)، وقد وقع فی ألف وخمسمائة بیت شعری، فضلاً عن قیامه بترجمة وافیة له(3).

أما وفاته - رحمه الله - فأشارت المصادر إلی أنها فی سنة 1291ه_ وقیل 1290ه_ الموافق 1903م فی الحلة، ونقل جثمانه إلی النجف الأشرف ودفن هناک(4)، وأقیم له مجلس عزاء مهیب یلیق بهذه الشخصیة الحسینیة ورثاه جمع من شعراء عصره کان فی


1- م. ن: 7 – 8.
2- ینظر م. ن: 8، 12 – 13.
3- م. ن: 13 – 14.
4- البابلیات: 2 / 87، وشعراء الحلة: 3 / 161، ومعارف الرجال: 376، ومشاهیر شعراء الشیعة: 2 / 316، ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 4.

ص: 154

مقدمتهم السید حیدر الحلی الذی رثاه بقصیدة طویلة ملؤها الأسی والتأسف لفقده، وأشاد فیها بالسیرة الحسنة والأخلاق الحمیدة مع إشادته بحسن شعره واشتهاره فنراه یقول(1):

ثکل أم القریض فیک عظیم

ولأم الصلاح أعظم ثکلا

قد لعمری أفنی__ت عمرک نسکاً

وشحن_ت الزمان فرضاً ونفلاً

إن تعش عاطلاً فکم لک نظم

بات جید الزمان فیه محلی

ولک السائرات شرقاً وغ_رب_اً

جئ__ن بعداً ففتن ما جاء قبلا

کم قرعن الأسماع بیتاً فبیتاً

فأفضن العی_ون سجلاً فسجلا

وهکذا نتبین منزلة الشیخ صالح الکواز الحلی الأخلاقیة والدینیة والمنزلة الشعریة المرموقة التی نالها فی عصره، وأشاد بها معاصروه، فکان بحق " رجل المبدأ والعقیدة فی حیاته وشعره "(2).

2- مفهوم القرآنیة

من المفاهیم الإجرائیة الجدیدة علی الساحة النقدیة مفهوم (القرآنیة)، وقد اجترحه أحد الباحثین الأجلاء(3)، وعرَّفه بقوله: " آلیة من الآلیات التی یتوسل بها المبدع فی تشکیل نصوصه الإبداعیة من جهتی الرؤی والأنساق، بنیة وإیقاعاً، بحسب سیاق القرآن الکریم"(4).

وجاء اجتراحه هذا بعد أن وجد فیه دلالة أوفی من غیره من المصطلحات النقدیة المستعملة التی من أبرزها وأشهرها (أثر القرآن)، وکذلک مصطلح (التناص القرآنی)،


1- دیوان السید حیدر الحلی: 2 / 137.
2- طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی؛ دراسة موضوعیة تحلیلیة: 8.
3- هو الدکتور مشتاق عباس معن فی کتابه: تأصیل النص: 168 – 188.
4- تأصیل النص: 170.

ص: 155

فقد اعترض علی الأول بقوله: "سعی نقادنا القدامی وجملة من النقاد المحدثین إلی تمییز الأخذ من القرآن الکریم والإفادة منه بمصطلحات تدل علیه، کما اختلف القدامی فی تلک الاصطلاحات، فبعضهم میَّزه ب_(الاقتباس) أو (التضمین) فی حین أدخله بعضهم فی خانة (السرقة) ک_(أبی محمد عبد الله بن یحیی المعروف بابن کناسة ت 207 ه_) الذی ألَّف کتاباً بعنوان (سرقات الکمیت من القرآن وغیره)(1)، وجریاً علی ذاتیة التمییز تلک سعینا لاجتراح مصطلح (القرآنیة) لتمییز عملیة الأخذ والإفادة من القرآن من سواها"(2).

وهذا الأمر واضح من تعریف البلاغیین، فقولهم فی الاقتباس بأنه " تضمین الکلام نظماً کان أم نثراً شیئاً من القرآن والحدیث لا علی أنه منه، أی علی طریقة أن ذلک الشیء من القرآن والحدیث، یعنی علی وجه لا یکون فیه إشعار بأنه منه، کما یقال فی أثناء الکلام قال الله تعالی کذا "(3).

ومن خلال التعریف یتضح تداخل أمرین، الأول: الاقتباس والتضمین، والثانی: جعل الحدیث النبوی اقتباساً أو تضمیناً متداخلاً مع القرآن الکریم، وهذا ما حاول الباحث الابتعاد عنه باجتراحه مصطلح القرآنیة ذی الخصوصیة الواضحة من لفظ المصطلح.

أما فیما یتعلق بابن کناسة، وجعله الأخذ من القرآن سرقة یعاب علیها الشاعر، فهذه مسألة نادرة فی هذا الباب، ولعلَّ مرجعها موقف فقهی دینی، فإننا نجد من العلماء


1- ابن کناسة هو ابو یحیی محمد بن عبد الله بن عبد الأعلی الأسدی من أهل الکوفة انتقل إلی بغداد وأقام بها؛ اخذ عن جلة الکوفیین، ولقی رواة الشعراء وفصحاء بنی أسد، وکان شاعرا وله من الکتب: الأنواء،ومعانی الشعر، وسرقات الکمیت من القرآن وغیره.ولد سنة 123 ه_ وتوفی 207ه_. تنظر ترجمته فی: الفهرست:1/105.
2- تأصیل النص: 169.
3- مختصر المعانی: 450، والإیضاح: 6 / 137.

ص: 156

أو الفقهاء من أباحه (أی الاقتباس)، وقیَّده بعض منهم، وکرَّهه ثالث، وحرمه آخر، وقد "اشتهر عن المالکیَّة تحریمه وتشدید النکیر علی فاعله"(1)، ولعلَّ هذا الأمر وراء تسمیة ابن کناسة الاقتباس والتضمین القرآنی بالسرقة، فالسرقة تعنی الأخذ علی اختلاف وجوهه من القبول أو الرفض أو الاستهجان أو الطعن وغیرها.

أما اعتراضه علی المصطلح الآخر وهو (التناص القرآنی) فعلله بقوله: "یدل مصطلح (التناص) علی ثنائیة مفاهیمیة من جهة (الآخذ والمأخوذ)، الأمر الذی یحدث لبساً عند بعض المتلقین لو أضفناه إلی القرآن، إذ یدلل علی أن المأخوذ هو القرآن، کما یصح أن یکون الآخذ أیضاً، ولاستحالة الاتفاق مع الفرض الثانی، أعرضنا عن هذا الاصطلاح، وأن نستبدل به مصطلحاً جدیداً"(2).

إنَّ هذه الفروق الدقیقة فی استعمال المصطلح أو ذاک هی بلا شک ولیدة العلمیة الصارمة والبحث المعمق فی فهم تلک الاصطلاحات، وبیان الفوارق الدلالیة فیما بینها، نعم إنَّ إطلاق المصطلح مهم، ولکن الأهم منه التطابق الفعلی والحقیقی مع الظاهرة التی أطلق علیها أکثر من غیره، والأهم من ذلک کله استعمال المصطلح فی حقله الذی انطلق منه لیأخذ مکانه الطبیعی فی الحیاة والانتشار، والا تعرض للإهمال والنسیان.

ومن هنا جاء استعمالنا لهذا المصطلح، فضلاً عن آلیات تناوله البنائیة والتقنیة وکیفیاتها التی عززها مجترح المصطلح بأنموذج تطبیقی علی ما ذهب إلیه، ونحن بدورنا انتقینا أنموذجاً آخر یختلف عصراً، ومن ثمَّ یختلف بناء وتقنیة، لنعزز به حیاة المصطلح وانتشاره من جهة، ویحقق کشفاً جدیداً مضافاً لأنموذجنا التطبیقی علیه من جهة أخری.


1- الإتقان فی علوم القرآن: 1 / 11.
2- تأصیل النص: 169.

ص: 157

المبحث الأول: بنائیة (القرآنیة) فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

لا ریب فی أن أی نص إبداعی یحمل فی جذوره کثیراً من النصوص الأدبیة والمعرفیة التی سبقته، أو التی عاصرته مع اختلاف هیمنة أو سیادة هذا النص أو ذاک علی نتاجه، مما یعنی تأثیر ذلک النص علی الشاعر واستحضاره فی شعوره أکبر وأقوی من النصوص الأخری.

إنَّ هذه التأثریة تتم عند الشاعر بقصد أو من دون قصد للإفادة مما هو متوافر لدیه من مصادر ثقافیة متنوعة، تعینه علی تشکیل نصه الإبداعی باللغة.

ویعد القرآن الکریم واحداً من أکبر وأهم تلک المصادر التی یتوسل الشاعر بها فی صیاغة نصه الإبداعی، وإخراجه، مستفیداً منه فی الأسلوب والبناء والموضوع والفکرة، ولا ننکر اختلاف الشعراء فی طرائق ذلک التوسل فضلاً عن مدی کثافته فی النصوص الشعریة.

وإذا ما دققنا النظر فی (طفیات) الشیخ صالح الکواز الحلی، فإننا نجدها مترعة بالقرآنیة، فقد وظَّف الشاعر القرآن فی خدمة قضیته الحسینیة، وکان ینظر إلی القرآن من خلال قضیته تلک، لذا کانت القرآنیة مهیمنة علی نصوصه، ومن ثمَّ لم تتنافس معها

ص: 158

نصوص إبداعیة أخری، ویبدو أنَّ الشاعر وجد فی الحسین علیه السلام وأهل بیته وما جری علیهم فی تلک الواقعة أمراً لا یماثله أو یقارنه إلا ما وجد فی القرآن وحواه من نماذج سامیة یمکن التمثل بها، وإنَّ هذه القصدیة والإلحاح الواضحین عند قراءة الطفیات تدفعنا الی القول بان الشاعر کان یری فی الحسین القرآن، وفی القرآن الحسین، ولا غرو ان آمن الشاعر بهذا الاعتقاد وترسخ فی ضمیره ووجدانه، وبخاصة إذا علمنا مقولة الإمام علی علیه السلام: (أنا القرآن الناطق)(1)، فیتضح لنا أبعاد تعامل الشاعر مع النص القرآنی، فالحسین علیه السلام یمثل الامتداد الحقیقی لیس فقط لأبیه، بل لجده أیضاً(2)، ومن ثمَّ فهو الامتداد الحقیقی أیضاً لرسالة السماء؛ وکذلک آمن الشیعة بأئمتهم الاثنی عشر من حیث تمثلهم بالحجج الإلهیة علی الخلق أجمعین، والقرآن حجة علی الخلق أیضاً.

إنَّ رؤیة الشیعة والشاعر أحدهم فی الحسین علیه السلام وموقفه یوم عاشوراء علی أنه موقف قلَّ نظیره إن لم ینعدم فی تاریخ الإنسانیة، فالذی قدمه الحسین علیه السلام باستشهاده أحیی سنن الإله وشرائعه التی أنزلها علی أنبیائه جمیعاً، ومن ثمَّ کان الحسین علیه السلام ملخصاً لفحوی ما جاؤوا به، وبعثوا من أجله.

إنَّ هذا الفهم لطبیعة الاعتقاد عند الشاعر تجعلنا لا نستغرب او نتعجب مما جاء فی أشعاره، فالشاعر ینطلق من اعتقاد من أول القصیدة لیعود إلی اعتقاد آخر فی نهایتها لیستکمل حلقة الالتزام الفکری والعقائدی بصورة شعریة.

وتراوحت تبعاً لذلک کثافة القرآنیة من أول القصیدة إلی وسطها ومن ثمَّ نهایتها، ومن تلک الطفیات المشحونة بالقرآنیة فی بدایتها ووسطها وخاتمتها قصیدته التی یبدؤها بقوله(3):


1- ینابیع المودة لذوی القربی: 1 / 214.
2- تنظر الأحادیث النبویة فی: ینابیع المودة لذوی القربی: 1 / 11، 455، 462، و2 / 38.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 24.

ص: 159

لی حزن یعقوب لا ینفک ذا له_ب

 لصرع نصب عینی لا الدم الکذبِ

وغلمة من بنی عدنان أرسلها

للجد والده__ا فی الحرب لا اللع_ب

ومعش__ر راودتهم عن نفوسهم

بیض الضب_ا غیر بیض الخرد العرب

فانعموا بنف__وس لا عدی_ل لها

حتی أسیلت علی الخرص_ان والقضب

فانظر لأجساده_م قد قدَّ من قبل

أعضاؤها لا إلی القمصان والأهب

لقد استقطب الشاعر انتباه المتلقی منذ انطلاقته النصیة حین عمد إلی أخذ عینات موضوعیة من سورة یوسف علیه السلام وربطها بصور موضوعیة أخری حدثت فی واقعة الطف، وبدأ بتشبیه حزنه بحزن یعقوب علی یوسف (علیهما السلام)، حین جاء أخوته إلی أبیهم علی قمیصه بدم کذب لیأکدوا مصرعه علی ید الذئب، وهذا واضح فی قوله تعالی:

«وَجَآؤُوا عَلَی قَمِیصِهِ بِدَمٍ کَذِبٍ» (1).

وهذا المقطع القصصی وظفه الشاعر بصورة لطیفة حین قرنه بنفسه، فحزنه ذو لهب متجدد، وسببه مصرع سالت به دماء حقیقیة ولیس کالذی حدث مع یعقوب علیه السلام والجامع بین الصورتین (الحزن)، وعمد فی البیت الثانی إلی أخذ عینة أخری من سورة یوسف، إذ قال:

وغلمة من بنی عدن_ان أرسلها

للجد والده_ا فی الحرب لا اللع_ب

وأشار بلفظة (الغلمة) إلی ریعان شبابهم وقوتهم وقد أرسلهم والدهم کنایة عن الحسین علیه السلام إلی الحرب لا اللعب، وهذا الحدث قابل إرسال یعقوب علیه السلام ولده یوسف مع إخوته لیرتع ویلعب، وهذا ما أشارت إلیه الآیة القرآنیة علی لسان إخوة یوسف مخاطبین أباهم بشأنه:

«أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً یَرْتَعْ وَیَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(2).


1- یوسف: 18.
2- یوسف:12.

ص: 160

والمفارقة بین الموقفین، موقف الحسین علیه السلام وإرساله أولاده وإخوانه إلی الحرب، وبین إرسال یعقوب علیه السلام لیوسف وإخوته لیلعبوا ویصطادوا، وشتان ما بین اللعب والحرب، والجامع بین الصورتین (الإرسال).

ثم یعمد فی البیت الثالث إلی أخذ عینة أخری، فقال:

ومعش__ر راودتهم عن نفوسه__م

بیض الضب_ا غیر بیض الخرد العرب

وهنا یقابل بین أصحاب الحسین علیه السلام ومراودتهم السیوف یوم الطف، وبین مراودة زلیخا امرأة العزیز لیوسف علیه السلام، وکادت أن تهمَّ به ویهمَّ بها کما أشارت إلیه الآیة الکریمة:

«وَرَاوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ...»(1).

والجامع بین الصورتین (المراودة).

ثم یقول (2):

فانعموا بنف__وس لا عدی_ل لها

حتی أسیلت علی الخرص_ان والقضب

فانظر لأجساده_م قد قدَّ من قب__ل

أعضاؤها لا إلی القمصان والأه__ب

فهو یشیر فی البیت الثانی إلی الآیة القرآنیة من سورة یوسف:

«.... إِن کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الکَاذِبِینَ. وَإِنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَکَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِینَ»(3).

وهذه الصورة وظفها الشاعر لإظهار شجاعة أصحاب الحسین علیه السلام حین جعل قدَّ أعضائهم ولم یقل قمصانهم أو أهبهم من الإمام مما یدلل علی المقابلة الحقیقیة للموت وعدم مهابتهم له حتی صرعوا علی أرض کربلاء، أما فی قصة یوسف علیه


1- یوسف:23.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 24.
3- یوسف:26.

ص: 161

السلام فکان قد القمیص قضیة تعلقت بها براءة یوسف من عدمها، والجامع بین الصورتین (القدّ).

إنَّ هذا التوظیف للعینات المنتقاة من سورة یوسف علیه السلام من لدن الشاعر کان وراءه أمران:

الأول: استغلال معرفة شریحة کبیرة من المتلقین لهذه القصة بتفاصیلها مما یسهل عملیة انتقاء بعض تلک التفاصیل وبخاصة البارز منها.

الثانی: إدراک الشاعر المفارقة الکبیرة بین هذه العینات وما یقابلها من أحداث وقعت فی الطف، مما یثیر مشاعر المتلقین وأذهانهم، ویخلف صدمة المفارقة بإنتاجه معنی جدیداً یمکن أن نطلق علیه المعنی المعکوس الموازی للنص القرآنی، وسواء أکان المتلقی اعتیادی الثقافة أو علی قدر کبیر منها فإن الشاعر حقق مبتغاه باستعماله ذلک الأسلوب.

ومهما یکن من أمر فإنَّ الشاعر یتبع أبیاته المتقدمة بقوله(1):

کل رأی ضرَّ أی__وب فما رکضت

رجل له غیر حوض الکوثر العذب

فهو یلجأ إلی أخذ عینة من قصة أیوب علیه السلام المبثوثة فی القرآن لیوظفها فی تجسید مشاعره تجاه الحسین علیه السلام وأصحابه وما جری لهم فی واقعة الطف، فموقف أیوب علیه السلام الذی ذکره الله تعالی بقوله:

«وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أَیُّوبَ إِذْ نَادَی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ. ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ»(2).

فأیوب حین مسَّه الشیطان بضر دعا ربَّه لیذهب عنه هذا الضرّ فاستجاب لدعائه الله تعالی فوفر له مغتسلاً بارداً وشراباً، إن هذا الموقف الحمیم لم یکن مع الحسین علیه


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 24.
2- سورة(ص):41_42.

ص: 162

السلام وأصحابه، فلما أصابهم الضرّ لم یدعوا کما دعا أیوب لیکشف عنهم الضر، وإنما وجدوا فی ضرهم هذا تقرباً من الله، وفی سبیله.

ولا ریب فی أن هذه العینة المنتقاة من قصة أیوب لربما لم یطَّلع علیها کثیر من المتلقین مما یثیر فی أذهانهم مجموعة من التساؤلات أکثر مما یثار فی أنفسهم الإعجاب والتأمل، وبهذا فالنص سیکون بحاجة إلی قارئ متفحص للقصص القرآنی الدینی لیتمکن من فهم النص والاستمتاع فی قراءته.

ثمَّ یأخذ الشاعر عینات قرآنیة أخری، وهذه المرَّة من قصَّة موسی علیه السلام فیوظفها فی أحوال الحسین علیه السلام فی یوم الطف، فهو یقول (1):

 وأنسین من الهیج_اء ن_ار وغی

فی جانب الطف ترمی الشهب بالشهب

 فیمموه_ا وفی الإیمان بیض ضب_ا

وما لهم غیر نصر الله م___ن إرب

تهش فیه_ا علی آس_اد معرک__ة

هشَّ الکلی__م علی الأغنام للعش_ب

فالمقابلة واضحة فی البیت الأول مع الآیة القرآنیة فی قوله تعالی:

«فَلَمَّا قَضَی مُوسَی الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّی آتِیکُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّکُمْ تَصْطَلُونَ»(2).

وشتان ما بین النارین من الاستئناس والتقرب، وشتّان أیضاً بین هش الکلیم علی أغنامه وذلک فی قوله تعالی علی لسان موسی علیه السلام:

«قَالَ هِیَ عَصَایَ أَتَوَکَّأُ عَلَیْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَی غَنَمِی وَلِیَ فِیهَا مَآرِبُ أُخْرَی»(3).

وبین هش الحسین وأصحابه فی واقعة الطف بسیوفهم المشهورة علی أعدائهم.


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 24.
2- القصص: 29.
3- سورة (ص): 18.

ص: 163

ویتبع هذه القرآنیة بقرآنیة أخری، فنجده یقول بعد هذه الأبیات (1):

ومبتلین بنه_ر ما لوارده

 من الشهادة غیر البعد والحجب

فلن تُبُل ولا فی غرفة أبداً

منه غلیل فواد بالظما عط_ب

حتی قضوا فغدا کل بمصرعه

سکینة وسط تاب_وت من الکثب

فلیب_ک طالوت حزناً للبقیة من

قد نال داود فیه أعظم الغلب

فالشاعر یشیر إلی قصة طالوت وأصحابه عندما ابتلاهم الله تعالی بنهر، فقال تعالی:

«فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِیکُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَیْسَ مِنِّی وَمَن لَّمْ یَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّی إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِیَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِیلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِینَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ کَم مِّن فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ»(2).

فهذه القصة تشابهت أحداثها مع أحداث واقعة الطف من حیث ابتلاء الله للحسین علیه السلام وأصحابه بنهر، والنهر هنا الثبات علی العقیدة والتضحیة من أجل الدین ونصرة ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ولا ریب فی انهم نصروه وقضوا صرعی وکان کل منهم سکینة وسط تابوت من الکثب، وهذا التشبیه أیضاً کان إحدی علامات طالوت وقدومه، وذلک فی قوله تعالی:

«وَقَالَ لَهُمْ نِبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَن یَأْتِیَکُمُ التَّابُوتُ فِیهِ سَکِینَةٌ مِّن رَّبِّکُمْ وَبَقِیَّةٌ مِّمَّا تَرَکَ آلُ مُوسَی وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِکَةُ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ»(3)


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 25.
2- البقرة: 249.
3- البقرة:248.

ص: 164

ثمَّ یدعو الشاعر (طالوت) إلی الحزن علی البقیة من آل محمد والعترة الطاهرة إشارة إلی الإمام زین العابدین علی بن الحسین علیه السلام، وراح ینظر إلی عماته وأخواته وهنَّ علی تلک الحالة بعد قتل الحسین علیه السلام ومن معه، وقد صوَّر الشاعر هذا الأمر بطریقة قرآنیة فقال(1):

یرنو إلی (الناشرات) الدمع طاویة

أضلاعهن علی جمر من النوب

و(العادیات) من الفسطاط ضابحة

و(الموریات) زناد الحزن فی له_ب

و(المرسلات) من الأجفان عبرتها

و(النازعات) بروداً ف_ی ید السلب

و(الذاریات) تراباً فوق أرؤسها

حزناً لکل صری___ع بالعرا ترب

فالألفاظ (العادیات، المرسلات، النازعات، الذاریات) هی أسماء سور قرآنیة فضلاً عن (الناشرات، الموریات)(2) التی جاءت فی سیاق السور ذاتها، وقد جاءت کلها فی إطار القسم الإلهی الذی یؤکد أنَّ وعد الله واقع لا محالة فی یوم ترجف فیه الراجفة، ولکن الإنسان کنود کافر بنعم الله وبذلک الیوم، ومن هنا نلمح التقارب الدلالی فی البنیة المعمقة للنص وهو أنَّ الذی حدث مع نساء الوحی والرسالة فی واقعة الطف علی ید هؤلاء الظالمین لا یمر دون عقاب إلهی، ویوم العقاب الذی ترجف الراجفة فیه واقع بهم لا محالة. علی أن من الواضح فی البنیة السطحیة للنص تعامل الشاعر مع هذه الألفاظ بمعناها الظاهری من دون مرجعیاتها القرآنیة، ولکننا نمیل إلی البنیة المعمقة، لأنَّ تقنیات الشاعر فی الأداء، وبخاصة فی تعامله مع المرجعیة القرآنیة تجعلنا قول ذلک.

ومهما یکن من أمر، فإنَّ الشاعر ینتقی أنموذجاً نسائیاً من واقعة الطف وهو (أم الرضیع) لیقابله بأنموذجین نسائیین من القرآن الکریم؛ وورد الأنموذج الأول إشاریاً فی


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 25.
2- الناشرات فی قوله تعالی من سورة المرسلات (الآیة 3): (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً. وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً)، أما الموریات ففی قوله تعالی من سورة العادیات الآیة 2: (وَالْعَادِیَاتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِیَاتِ قَدْحاً).

ص: 165

القرآن وهو (أم إسماعیل)(1)، أما تفاصیله التی اعتمدها الشاعر فکانت مرجعیاتها سنیَّة متمثلة بأحادیث الرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم(2)، أما الثانی الذی وردت تفاصیله فی القرآن الکریم فکان (أم الکلیم)(3) کنایة عن (أم موسی)، فنراه یقول(4):

وربَّ مرضع_ة منهنَّ قد نظرت

رضیعها فاحص الرجلین فی الترب

تشوط عن_ه وتأتی_ه مکابدة

من حال_ه وظماه_ا أعظ_م الکرب

فقل (بهاجر) (إسماعیل) أحزنها

متی تش_ط عنه من حر الظما تؤب

وما حکته_ا ولا (أم الکلیم) أسی

غداة فی الی__م ألقت_ه من الطلب

فالشاعر یصف حال النساء الثلاث، وموقفهنَّ من أولادهنَّ ومشاعرهنَّ الحزینة علیهم، ولکن الأحداث تختلف مع کل واحدة منهنَّ، فهو یقول:

هذی إلیه__ا ابنها قد عاد مرتضع_اً

وهذه قد سق__ی بالبارد الع_ذب

فهو یصور النهایة السعیدة للنبیین الولیدین، ولکن الأحداث مع أم الرضیع لم تکن کذلک، فقال مبیناً ذلک:

فأی_ن هاتان ممن قد قض_ی عطشاً

رضیعه__ا ونأی عنه_ا ولم ی__ؤب

بل آبَ مذ آبَ مقت__ولاً ومنته__لاً

من نح__ره بدم کالغیث منسک___ب

ثمَّ یوضح طبیعة المشارکة بینها وبین تلک النساء یقول:

شارکن__ها بعموم الجن_س وانفردت

عنهنَّ فیما تخ_ص النوع من نس_ب

فالشاعر یحاول من بدایة القصیدة أن یجعل هوَّة دلالیَّة معکوسة بین القرآنیة وما


1- قال تعالی فی سورة إبراهیم الآیة 37 علی لسان إبراهیم علیه السلام: (رَّبَّنَا إِنِّی أَسْکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِ__ندَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُق__ْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ).
2- ینظر علی سبیل المثال لا الحصر: قصص الأنبیاء: 203 – 205.
3- القصص 10_13.
4- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 25.

ص: 166

جری فی واقعة الطف، وقد نجح فی ذلک، وأثار المتلقی فکراً وشعوراً، وأحدث فی نفسه صدمة المعنی المعکوس بصورة ملفتة.

ویتخذ صالح الکواز الحلی من الطرح القرآنی رمزاً امتدادیاً للمعادین لرسالة محمد صلی الله علیه وآله وسلم المتمثل ب_(حمالة الحطب)، فنراه یقول(1):

وصبی_ة من بنی الزه__راء مربقة

بالحبل بین بن_ی حمالة الحط_ب

فهؤلاء المعادون للامتداد الرسالی المتمثل بالصبیة من بنی الزهراء (علیهم السلام) هم الامتداد لبنی حمالة الحطب المشار إلیهم فی قوله تعالی:

«وامرأته حمّالةَ الحَطَبِ. فی جِیْدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدِ»(2).

ثمَّ یشیر إلی عمق امتداد الرسالی لبنی الزهراء فی القرآن الکریم، فنراه یسترسل قائلاً:

 لیت الألی أطعموا المسکی_ن قوتهم

وتالییه وهم فی غای__ة السغ__ب

حتی أتی (هل أتی) فی مدح فضلهم

من الإله لهم ف_ی أش_رف الکت__ب

فسورة (الإنسان) التی ابتدأها الله تعالی بقوله:

«هَلْ أَتَیْ عَلَیْ الإنْسَانِ...»(3).

قد نزلت فی البیت العلوی، وفیها یطعمون المسکین وتالییه الیتیم والأسیر ولم یدخل فی جوفهم طعام قط مدة ثلاثة أیام، فأثابهم الله تعالی علی ذلک بإنزاله سورة (الإنسان) أو (هل أتی) فی حقهم وبیان إکرامه لهم، فاستغل الشاعر هذا الأمر فی بیان ما حلَّ بأولادهم وأحفادهم علی ید أعدائهم المتمثلین ببنی حمالة الحطب، وبیَّن الفرق الامتدادی بصورة قرآنیة، وهذه الصورة المصطنعة بأسلوب المقارنة تبعث المتلقی علی الحزن والبکاء وأیضاً تبعثه علی الغضب والثورة علی من فعل مثل هذه الأفعال


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 27.
2- المسد: 4_5.
3- الإنسان:1.

ص: 167

الشنیعة بأهل بیت الرسالة، وقبیل نهایة قصیدته یوضح سبب قتل الحسین علیه السلام ومن معه فی واقعة الطف بضرب مثالین قرآنیین، فنراه یقول(1):

والقاتلی_ن لساداتٍ لهم حسداً

علی علا الشرف الوضاح والحسب

والفضل آف_ة أهلیَّة ویوسف فی

غیابة الجب لولا الفضل لم یغب

وصفوة الله لم یسجد له حسداً

إبلیس لمّا رأی من أشرف الرتب

فالسبب الحسد الذی أضمره هؤلاء للحسین علیه السلام لما امتلک من فضل منَّ الله به علیه کما منَّ علی یوسف علیه السلام وصفوة الله کنایة عن آدم علیه السلام، فکان دلیله دامغاً وحجة منطقیة مستوحاة من القرآن الکریم، ولا ریب فی ان هذین المثالین معروفان لدی المتلقی، فاستغلَّ الشاعر هذا الأمر فی إتیانه دلیلاً علی ما ذهب إلیه؛ وفی ختام قصیدته یخاطب سادته من بنی الهادی متوسلاً بهم بقوله:

یا سادتی یا بنی اله__ادی ومن لهم

بثی وحزنی إذا ما ضاق دهری ب__ی

ثمَّ یتسلسل فی دعائه وتوسله وبیان منزلتهم عند الله سبحانه وتعالی، وهذه الرؤی ذات مرجعیات سنیَّة (أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأفعاله) فضلاً عمّا أثر من أحادیث الأئمة الاثنی عشر (علیهم السلام) وتؤکد علو شأنهم ومنزلتهم السامیة عند الله تعالی، وکلامه المتقدم مستوحی من قوله تعالی علی لسان یعقوب علیه السلام:

«قَالَ إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»(2).

 وهکذا یتضح اعتماد الشاعر فی بناء قصیدته علی القرآنیة من بدایة قصیدته حتی نهایتها مما ینیئ عن وعی وقصدیة بهذه البنائیة، فضلاً عن تنوع استثماره القرآنی فوجدنا النص الموازی المعاکس للنص القرآنی، ووجدنا الرمز، وضرب المثال، وأیضاً الدعاء، وهذه الآلیات اعتمدها الشاعر فی صیاغة قصیدة تختلف بناءً وموضوعاً ولغة عن


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 27.
2- یوسف:124.

ص: 168

القصیدة العربیة المعروفة بمکونات بنائها الفنی، مما ینبئ عن اتجاه جدید فی تطور القصیدة العمودیة وإن کنا لا نعدم اعتماد کثیر من القصائد علی القرآنیة ولکن لیس بهذا الکیف وکذلک النوع والأداء، وهذا ما یحسب للشاعر صالح الکواز الحل__ی.

ومهما یکن من أمر فقد استغلَّ شاعرنا قرآنیة مرجعها قصة موسی علیه السلام، وقد مرَّ أنموذج منها، ومن تلک النماذج قوله فی إحدی مقدمات طفیاته وتحدیداً البیت الثالث منها قوله(1):

فتخال موس_ی فی انبجاس محاجری

مستسقیاً للق__وم ماء جفونی

فالقرآن الکریم یؤکد هذه القصة بالقول:

«وَأَوْحَیْنَا إِلَی مُوسَی إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاکَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً»(2)،

ولا ریب فی انَّ اتکاء الشاعر علی القرآنیة فی تشکیل صورة جدیدة متلونة الأبعاد عمیقة الرؤی تجلب نظر المتلقی وتثیر فیه لذة الإبداع هی آلیة أخری یعتمدها الشاعر. ویعید الشاعر إنتاج الصورة القرآنیة المتقدمة ولکن بأبعاد جدیدة وذلک فی قوله مبیناً أثر قتل الحسین فی موسی (علیهما السلام)(3):

کلمت قلب (کلیم الله) فانبجس_ت

عیناه دمع_اً دماً کالغی_ث منهمعا

وکذلک نراه فی قوله مشبهاً وقوع الحسین علی أرض معرکة الطف، ورفع رأسه علی الرمح بصورة قرآنیة تدعو إلی ألإعجاب والاندهاش، کقوله(4):

کأنَّ جسم_ک موسی مذ هوی صعقاً

وإنَّ رأس_ک (روح الله) مذ رفع__ا


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 45.
2- الأعراف:160.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 31.
4- م.ن.

ص: 169

فصدر البیت یرجع بنا إلی قوله تعالی:

«وَخَرَّ موسَی صَعِقاً»(1).

أما العجز فمرجعه إلی قوله تعالی فی عیسی علیه السلام:

«وَمَا قَتَلُوهُ یَقِیناً. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَیْهِ»(2).

علی أن مثل هکذا صور دقیقة الأبعاد تحتاج إلی متأمل ومتفحص حتی یدرک طبیعة التقارب والتشابه بین طرفی التشبیه ومدی التباعد المعمق فی هذا التقارب الظاهری، وعلیه فمتلقی هذه الصورة یعجب بها ومن ثمَّ یذهب ذهنه لیرصد طبیعة تحرکها فی داخله وما یثیره هذا التحرک من انفعال وما یجسده من شعور.

ویعمد الشاعر إلی ذکر أقوام ضرب بهم المثل فی القرآن وهم قوم (ثمود) وقوم (تبع) فجعلهم امتداداً رمزیاً للذین قتلوا الحسین علیه السلام وذلک فی قوله(3):

وتتبعت أشق__ی ثم__ود وتب__عٍ

وبنت علی تأسیس کل لعین

ویتبع هذا القول بمثال قرآنی علی عظم فضل الزهراء علیها السلام وولیدها الحسین علیه السلام بعد أن ذکر أشقی ثمود ومهَّد للمستمع بقوله(4):

ما کان ناق__ة صال_ح وفصیله__ا

بالفض_ل عند الله إلا دون______ی

فتعامل الشاعر مع النص القرآنی علی أساس الرمزیة وضرب المثال، فقدسیة ناقة صالح وفصیلها الوارد ذکره فی قوله تعالی:

«کذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا.إذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا. فقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْیَاهَا. فَکَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَیْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا. وَلا یَخَافُ عُقْبَاهَا»(5).


1- الأعراف:143.
2- النساء: 157 – 158.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 47.
4- م.ن:48.
5- الشمس: 11 – 15.

ص: 170

لم یکن بأفضل من الزهراء علیها السلام وولیدها الحسین الذی قتلوه ولم یراعوا حرمة انتسابه إلی الرسول الکریم محمد صلی الله علیه وآله وسلم، ویمکن توضیح البنیة المعمقة التی نستوضحها من أبیات الشاعر بمخطط دلالی:

ص: 171

وتجدر الإشارة إلی استعمال الأسماء (ثمود، تبع، عاد...) من لدن بعض الشعراء القدامی(1) لیضرب بهم المثل فی عدم البقاء وحتمیة الموت علی بنی الإنسان مهما شادوا أو عمَّروا فلا بدَّ أن یأتی الیوم الذی لا مهرب منه ولا محیص، ولکننا نجد شاعرنا صالح الکواز الحلی قد تعامل مع هذه المسمیات تعاملاً جدیداً اختلف عمّا تعاور الشعراء علیه، وهذا الأمر یبدو لنا جدیداً بعض الشیء، مما یمکن أن نحسبه خصیصة تمیَّز بها الشاعر الحلی.


1- من القدماء ممن نجد عنده هذه الطریقة وهی معروفة فی الرثاء الأسود بن یعفر النهشلی فی قصیدته التی مطلعها: نام الخلی وما أحس رقادی                 والهم محتضر لدی وسادی ینظر: دیوانه: 25. ونجدها أیضاً عند عدی بن زید العبادی فی قصیدته التی یبدؤها: أین أهل الدیار من قوم نوح                 ثم عاد من بعدهم وثمود ینظر: دیوانه: 122.  ونجدها عند أبی العتاهیة فی قصیدته التی یبدؤها: المنایا تجوس کل البلاد   والمنایا تفنی جمیع العباد ینظر: أبو العتاهیة أشعاره وأخباره: 112.

ص: 172

المبحث الثانی: تقنیات القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

اشارة

مما لا شک فیه هو اختلاف سبل الإفادة والتعامل مع القرآنیة علی صعید احتلالها جزءاً ما فی بنیة النص، فهی أیضاً تمثل لبنة من لبناته المهمة التی لا یمکن تجاوزها، وتبعاً لذلک یمکن تحدید تقنیات القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی بتقنیتین هما:

أولاً: القرآنیة المباشرة غیر المحوَّرة

اشارة

ویمکن تعریفها بأنها أخذ مباشر من القرآن الکریم من دون أن یحور الشاعر لفظاً أو دلالة منه، وهو ما عرف ب_(الاقتباس المباشر)(1)، یلجأ إلیه الشاعر- فی الغالب - لیدعم ما ذهب إلیه، ولیقرّب ما ابتعد، ولیوضح ما أغمض من صوره.

علی أنَّ هذه التقنیة مما یسهل رصدها فی النصوص الشعریة واکتشاف مرجعیتها، وبخاصة علی "المتلقین ذوی الثقافة المحدودة فضلاً علی تهوین عملیة فک الشفرة النصیة وإجراء المقاربة الدلالیة بین النص الجدید (الآخذ) والنص القدیم (المأخوذ) لتکون عملیة


1- ینظر: الأدب الأندلسی من الفتح حتی سقوط غرناطة: 108.

ص: 173

إبلاغ النص واستقباله هینة لینة علی المتلقین"(1).

من الشواهد الإجرائیة فی الطفیات قوله تعالی:

«عمَّ یتسَاْءَلُوْنَ عَنِ النَبَأ العَظِیْمِ»(2).

فقد وظَّف الشاعر (النبأ العظیم) فی شعره مخاطباً فیه الإمام علی علیه السلام وهو ما عرف عند الشیعة خاصة هذا اللقب(3)، فقال(4):

یا أیها النبأ العظیم إلیک فی

ابناک منی أعظم الأنباءِ

ومن الاقتباس النصی یختار الشاعر الآیة الکریمة لقوله تعالی:

«یَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ»(5).

فیقول متأثراً بواقعة الحسین علیه السلام فی العاشر من المحرَّم (6):

ولتذهل الیوم منکم کل مرضعة

فطفل__ه من دم_ا أوداجه رضع_ا

فیشبه یوم استشهاد الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه بیوم القیامة الذی أشار إلیه القرآن الکریم لهوله وعظمته تذهل کل مرضعة عن رضیعها.

ومن القرآنیة النصیَّة المباشرة قوله عز وجل فی سورة یوسف:

«فَلَمَّا اسْتَیْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِیّاً»(7).

ظف الشاعر (خلصوا نجیاً) فی قوله(8):


1- تأصیل النص: 182.
2- النبأ: 201.
3- المیزان فی تفسیر القرآن:20/163.
4- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 17.
5- الحج: 22.
6- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:32.
7- یوسف:80.
8- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:46.

ص: 174

وقفوا مع_ی حتی إذا ما استیأسوا

خلصوا نجی_اً بعد ما ترک_ونی

ومن التقنیة المباشرة غیر المحورة تتضح فی قوله (عز وجل):

«هَلْ أَتَی عَلَی الإنسَانِ حِینٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُن شَیْئاً مَّذْکُوراً»(1).

فی قول الشاعر(2):

حتی أت_ی (هل أت_ی) فی مدح فضله_م

من الإل_ه له__م فی أش_رف الکت_ب

ومن الشواهد الأخری علی هذه التقنیة ما ورد فی قوله تعالی:

«کلاّ إنَّ کتَاْبَ الفُجَّارِ لَفِیْ سِجِّیْن»(3).

فاستعار الشاعر لفظة (سجّین) ووظفها فی قوله(4):

تلک الرزای_ا الباعث_ات لمهجت__ی

ما لیس یبعث__ه لظی سجِّی___نِ

وفیما یأتی جدول بمواضع القرآنیة المباشرة غیر المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی:

جدول القرآنیة المباشرة غیر المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

النص المأخوذ (القرآن الکریم)

النص الآخذ (البیت الشعری)

رقم الصفحة فی الدیوان

تسلسل البیت فی الصفحة

«وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْیَنَ وَجَدَ عَلَیْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ یَسْقُونَ»  (القصص 23)

لم أنس إذ ترک المدینة وارداً

لا ماء مدین بل نجیع دم_اء

17

4

«عمَّ یتساءلون عَنِ النَّبَإِ الْعَظِیمِ»


1- الإنسان:1.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:26.
3- المطففین:7.
4- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:46.

ص: 175

(النبأ 1 - 2 )

یا أیها النبأ العظیم إلیک فی ابناک منی أعظم الأنب___اء

17

8

«قَالَ هِیَ رَاوَدَتْنِی عَن نَّفْسِی وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الکَاذِبِینَ»

(یوسف 26)

فانظر لأجساده_م قد قدَّ من قبل أعضاؤها لا إلی القمصان والأهب

24

7

«فالعاصِفَاْتِ عَصْفَاً. فالنَّاشِرَاتِ نَشْراً»

(المرسلات2 - 3)

یرنو إلی الناشرات الدمع طاویة أضلاعهنَّ علی جمر من النوب

25

7

«والعادِیَاتِ ضبْحًا. فالمُورِیَاتِ قدحًاْ»

 (العادیات 1 - 2)

والعادیات من الفسطاط ضابحة  والموریات زناد الحزن فی لهب

25

8

«والمرسلاتِ عرفاً»(المرسلات 1)

«والنازعاتِ غرقاً» (النازعات 1)

والمرسلات من الأجفان عبرتها والنازعات بروداً فی ید السلب

25

9

«والذاریات ذرواً» (الذاریات 1)

والذاریات تراباً فوق أرؤسه_ا

حزناً لکل صریع بالعرا ترب

25

10

«امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِی جِیدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ»

(المسد 4 - 5)

وصبیة من بنی الزهراء مربقة بالحبل بین بنی حمالة الحطب

26

3

«هَلْ أَتَی عَلَی الْإِنسَانِ حِینٌ مِّنَ الدَّهْرِ»  (الإنسان 1)

حتی أتی (هل أتی) فی مدح فضلهم من الإله لهم فی أشرف الکتب

26

6

«قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ یُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِی غَیَابَةِ الْجُبِّ»

 (یوسف 10)

والفضل آفة أهلیَّة ویوسف فی غیابة الجب لولا الفضل لم یغب

27

3

«قَالَ إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللّهِ»

 (یوسف 12)

یا سادتی یا بنی الهادی ومن له_م بثی وحزنی إذا ما ضاق دهری بی

27

6

ص: 176

«یَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ» (الحج 2)

ولتذهل الیوم منکم کل مرضعة فطفله من دما أوداجه رضع_ا

32

15

«فَلَمَّا اسْتَیْأَسُ_____واْ مِنْهُ خَلَصُ____واْ نَجِیّ_____اً»

(یوسف 80)

وقفوا معی حتی إذا ما استیأسوا خلصوا نجیاً بعد ما ترکونی

46

4

« کَلاّ إِنَّ کِتَابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ»

(المطففین 7)

تلک الرزایا الباعثات لمهجت_ی  ما لیس یبعثه لظی سجین

46

11

ثانیاً: القرآنیة المباشرة المحوَّرة

اشارة

یمکن تعریف هذه التقنیة بأنها أخذ من القرآن الکریم مع تحویره لفظیاً أو دلالیاً تبعاً لحاجة الشاعر، وهو ما عرف ب_(الاقتباس غیر المباشر، أو الإشاری)(1) وفی هذه التقنیة مجال أرحب للشاعر فی صوغ أفکاره ومشاعره ومقاربتها بالقرآنیة، فضلاً عن إمکانیة التحرک إیقاعیاً بصورة أکبر مما فی القرآنیة المباشرة غیر المحوَّرة، وتبعاً لطریقة التحویر وصیاغتها یکمن إبداع الشاعر أو إخفاقه.

ومن الشواهد علی القرآنیة المباشرة المحوَّرة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی قوله تعالی:

«لِکُلٍّ جَعَلْنَا مِنکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً»(2).

فأخذ الشاعر (شرعة ومنهاجاً) ووظفها فی قوله (3):

إن لم تسدوا الفضا نقعا فلم تجدوا

إلی العلا لکم من منهج شرع_ا

ویستعیر الشاعر أسماء بعض السور، ویحورها لتتلاءم مع ما یطرحه من تصویر، فنراه یأخذ اسم (المدثر) و(المزمل) وهما اسمان لسورتین قرآنیتین معروفتین، ویوظفهما


1- ینظر: الأدب الأندلسی من الفتح حتی سقوط غرناطة: 108.
2- المائدة:5.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:32.

ص: 177

بصورة لا تخلو من إبداع، فهو یقول واصفاً شهداء الطف (علیهم السلام)(1):

(مدَّثرین) بکربلا سلب القنا

(مزملین) علی الربی بدماء

ونراه یحور قوله تعالی:

«واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْبًا»(2).

 بصورة لطیفة عندما قال(3):

وإن سراج العیش حال انطفاؤه___ا

فقد أشعلت نار المشیب ذباله__ا

ونری الشاعر یوظف مجموعة من الآیات متمثلة بقصة النبی یونس علیه السلام الواردة فی قوله تعالی:

«وَإِنَّ یُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ. إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَکَانَ مِنْ الْمُدْحَضِینَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِیمٌ. فَلَوْلا أَنَّهُ کَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِینَ. لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ. فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِیمٌ. وَأَنبَتْنَا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِّن یَقْطِینٍ»(4).

فهو یعمد إلی هذه القصة ویقوم بتحویر النص القرآنی بما یتلاءم والصورة التی رسمها لشهداء الطف وهم علی أرضها مجدَّلین، واستغرقت منه أربعة أبیات، فنراه یقول فیها(5):

ما ساهموا الموت الزؤام ولا اشتکوا

نصباً بی____وم بالردی مقرون

حتی إذا التقمتهم حوت القضا

وهی الأم__انی دون خیر أمین


1- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:18.
2- مریم:4.
3- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی:38.
4- الصافات: 139 – 146.
5- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 47.

ص: 178

نبذته_م الهیجاء فوق تلاعها

کالن__ون ینبذ بالعرا ذا النون

فتخال کلاً ثمَّ یون__س فوقه

شج_ر القن_ا بدلاً عن الیقطین

وهذا التصویر لا ریب فی أنَّه یدل علی إمکانیة فنیة، وکذلک لغویة مکنته من هذا التصویر الذی یعجب المتلقی بتقابلاته المصطنعة.

ونجد له نصاً آخر لم یبتعد عن النص القرآنی کثیراً، ولربما اضطره الوزن إلی ذلک، وهو قوله تعالی فی قصة موسی علیه السلام:

«فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِی عَلَی اسْتِحْیَاء»(1).

فأخذه أخذاً لا یخلو من طرافة، إذ قال(2):

قد کان موسی والمنیَّة إذ دنت

جاءته ماشیة علی استحیاء

وفیما یأتی جدول بمواضع القرآنیة المباشرة المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی:

جدول القرآنیة المباشرة المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

النص المأخوذ (القرآن الکریم)

النص الآخذ (البیت الشعری)

رقم الصفحة فی الدیوان

تسلسل البیت فی الصفحة

 «فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِی عَلَی اسْتِحْیَاء»

(القصص 24)

قد کان موسی والمنیَّة إذ دن___ت

 جاءته ماشیة علی استحی___اء

17

5

 «وخرَّ مُوْسَی صَعِقاً» (الأعراف 143)

فهناک خرَّ وکل عضوٍ قد غدا

 منه الکلیم مکلم الأحش_اء

17

7

« یَا أَیُّهَا المدَّثِّر. قُمْ فَأَنْذِرْ» (المدثّر 1 - 2)


1- القصص: 24.
2- دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 18.

ص: 179

«یَاْ أَیُّهَا المزَّمِّلُ. قُمِ الَّلیْلَ إلاَّ قَلِیْلاَ»

 (المزمل 1 - 2)

مدثرین بکرب__لاء سلب القن_ا

مزملین علی الربی بدم__اء

18

3

«وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَ_کِن شُبِّهَ لَهُمْ»

(النساء 157)

کأنَّ علیه ألقی الشبح الذی

تشکل فیه شبه عیسی لصالب

23

3

«وَجَآؤُوا عَلَی قَمِیصِهِ بِدَمٍ کَذِبٍ»

 (یوسف 18)

لی حزن یعقوب لا ینفک ذا لهب

 لصرع نصب عینی لا الدم الکذب

24

3

«أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً یَرْتَعْ وَیَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»  (یوسف 12)

وغلمة من بنی عدنان أرسلها

 للجد والدها فی الحرب لا اللعب

24

4

«وَرَاوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِهَا عَن نَّفْسِهِ»

 (یوسف 23)

ومعشر راودتهم عن نفوسهم

بیض الضبا غیر بیض الخرد العرب

24

5

«ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ»

(ص 42)

کل رأی ضرَّ أیوب فما رکضت

 رجل له غیر حوض الکوثر العذب

24

8

«قَالَ هِیَ عَصَایَ أَتَوَکَّأُ عَلَیْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَی غَنَمِی وَلِیَ فِیهَا مَآرِبُ أُخْرَی» (طه 18)

تهش فیها علی آساد معرک_ة

 هش الکلیم علی الأغنام للعشب

24

12

«فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِیکُم بِنَهَرٍ»  (البقرة 249)

ومبتلین بنهر ما لوارده

 من الشهادة غیر البعد والحجب

25

2

«وَقَالَ لَهُمْ نِبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَن یَأْتِیَکُمُ التَّابُوتُ فِیهِ سَکِینَةٌ مِّن رَّبِّکُمْ» (البقرة 248)

حتی قضوا فغدا کل بمصرعه

 سکینة وسط تابوت من الکثب

25

4

«فَإِذَا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحْزَنِی» (القصص 7)

وما حکتها ولا (أم الکلیم) أسی

 غداة فی الیم ألقته من الطلب

25

14

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِکَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِیسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً» (الإسراء 61)

وصفوة الله لم یسجد له حسداً

 إبلیس لما رأی من أشرف الرتب

27

4

«وَطَبَعَ اللّهُ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ»

 (التوبة 93)

وتلکم شبهة قامت بها عصب

علی قلوبهم الشیطان قد طبعا

30

9

«وخرَّ موسی صَعِقاْ» (الأعراف 143)

«وَمَا قتَلُوهُ یقیناً. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَیْهِ»

 (النساء 157 - 158)

کأنَّ جسمک موسی مذ هوی صعقا

 وإنَّ رأسک روح الله مذ رفعا

31

8

ص: 180

«قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْداً وَسَلَاماً عَلَی إِبْرَاهِیمَ»

 (الأنبیاء 69)

ونار فقدک فی قلب الخلیل بها

 نیران نمرود عنه الله قد دفعا

31

12

«فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً» (الأعراف 160)

کلمت قلب کلیم الله فانبجست

 عیناه دمعاً دما کالغیث منهمعا

31

13

«بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَیْهِ وَکَانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً»

(النساء 158)

ولو رآک بأرض الطف منفرداً

 عیسی لما اختار أو ینجو ویرتفعا

31

14

«کُلٍّ جَعَلْنَا مِنکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً» (المائدة 5)

إن لم تسدوا الفضا نقعاً فلم تجدوا

 إلی العلا لکم من منهج شرع_ا

32

12

«واشتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباَ»(مریم 4)

وإن سراج العیش حان انطفاؤها

 فقد أشعلت نار المشیب ذبالها

38

8

«قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ» (یوسف 18)

وقوض بالصبر الجمیل فتی به

 فقدن حسان المکرمات جمالها

40

3

«فأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ. فَهُوَ فِی عِیشَةٍ رَّاضِیَةٍ. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ. فَأُمُّهُ هَاوِیَةٌ»

 (القارعة 6 - 9)

وما ضرَّ میزانی ثقال جرائمی

 إذا کنت فیها مستخفاً ثقالها

41

17

«وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِکُوا بِرِیحٍ صَرْصَرٍ عَاتِیَةٍ»

 (الحاقة 6)

فکأنَّ الریاح منه استعارت

یوم عاد عدوا فأضحت رماما

43

11

«أَوْحَیْنَا إِلَی مُوسَی إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاکَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً» (الأعراف 160)

فتخال موسی فی انبجاس محاجری

 مستسقیاً للقوم ماء جفونی

45

9

«قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِکِ» (یوسف 72)

فکان یوسف فی الدیار محکم

 وکأننی بصواعه اتهمونی

46

5

«وَإِنَّ یُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ. إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَکَانَ مِنْ الْمُدْحَضِینَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِیمٌ. فَلَوْلَا أَنَّهُ کَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِینَ. لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ. فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِیمٌ. وَأَنبَتْنَا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِّن یَقْطِینٍ»

ص: 181

(الصافات 139 - 146)

ما ساهموا الموت الزؤام ولا اشتکوا

نصباً بیوم بالردی مق_رون

حتی إذا التقمتهم حوت القضا

وهی الأمانی دون خیر أمین

نبذته_م الهیجاء فوق تلاعها

کالنون ینبذ بالعرا ذا الن_ون

فتخال کلاً ثمَّ یونس فوقه

شج_ر القنا بدلاً عن الیقطین

47

6

7

8

9

«کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا. إذِ انْبَعَثَ أشْقَاهَا»

(الشمس 11 - 12)

«وَأَصْحَابُ الْأَیْکَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ کُلٌّ کَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِیدِ» (ق 14)

وتتبعت أشقی ثمود وتب_ع

وبنت علی تأسیس کل لعی_ن

47

15

«فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْیَاهَا»

 (الشمس 13)

ما کان ناقة صالح وفصیلها

 بالفضل عند الله إلا دون_ی

48

8

ص: 182

الخاتمة

وفی نهایة المطاف نذکر أهم النتائج التی توصل إلیها البحث، وهی علی النحو الآتی:

1 . القرآنیة من المفاهیم الإجرائیة الجدیدة علی الساحة النقدیة، ولعلَّ مکمن الجدة فیه رصد تحرک القرآنیة علی مستوی بناء القصیدة الفنی، أو الرؤی والأنساق، وهذا الأمر ما لم یلتفت إلیه کثیر ممن خاضوا فی هذا المضمار.

2 . کانت البنائیة القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی واضحة بینة کشفت عن استثمار أمثل من لدن الشاعر.

3 . استطاع الشاعر أن ینشئ نصاً موازیاً للقرآنیة یقوم علیها، ولکنه یجری بعکس اتجاهها مما ینبئ عن قصدیة فی تشکیل القصیدة علی هذا النحو، فیتعدی ذلک مجرد الاقتباس إلی ما هو أبعد منه، وهو ما اصطلحنا علیه (النص الموازی المعاکس).

4 . تنوعت الآلیات القرآنیة فی الطفیات علی مستوی البناء، فمنها النص الموازی المعاکس الذی ألمحنا إلیه، ومنها الرمز، وضرب المثل، والدعاء، وابتکار الصورة، مما یشیر إلی إمکانیات فنیة کبیرة للشاعر فی استثمار تلک القرآنیة فی تصویر واقعة الطف أحداثاً وشخوصاً ومواقفاً.

ص: 183

5 . کان لتنوع الآلیات القرآنیة واستثمارها فی بناء القصیدة أثره فی تشکیل جدید للقصیدة اختلف عمّا هو معروف فی بنائها المعتاد، الأمر الذی نعده ملمحاً أو اتجاهاً تفرَّد به الشاعر الحلی.

6 . کان ضرب المثل بالأقوام البائدة ک_(عاد، وثمود، وتبع) فی موضوع الرثاء طریقاً اتخذه الشعراء القدامی، أما شاعرنا فقد تعامل معها تعاملاً اختلف عما تعاوروا علیه، إذ ضخَّ فیه روحاً جدیدة، مکنه منها ما طرحه القرآن الکریم وما طرحته واقعة الطف من تجلیات شعوریة وفکریة عند الشاعر.

7 . کانت القرآنیة المباشرة غیر المحورة فی الطفیات أقل من القرآنیة المباشرة المحورة مما یکشف عن تعامل الشاعر مع القرآن علی أساس حرکی أکثر مما هو سکونی، وهذا یتقابل مع ما حرکته فی داخله واقعة الطف فکراً وشعوراً وأنتج لنا هذه القرآنیة التی یمکن أن نطلق علیها أنها قرآنیة طفیَّة أو حسینیَّة.

وأخیراً، نحمد الله العلی القدیر علی حسن معونته لإتمام هذا البحث، الذی قصدنا به القربة منه، وإظهاراً لإمکانیات شاعر حسینی غیَّبته الأیام عن ذاکرة البحث والدراسة، فوجدنا أنفسنا مدینین له بالوفاء وحسن الذکر.

ص: 184

ص: 185

الإجراء الرابع: دیوان الشیخ (محسن أبو الحب الکبیر)- دراسة فی الموضوع الشعری

اشارة

ص: 186

ص: 187

مقدمة الإجراء

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی اشرف الأنبیاء والمرسلین أبی القاسم محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین وعلی صحبه الغر المیامین

وبعد...

لا ریب فی ان الأرض التی حوت خطباً تأریخیا جلیلاً کمدینة کربلاء قادرة علی إنجاب عمالقة فی مختلف المجالات یکونوا بمستوی الحدث الذی جری علیها.

ومن هنا فقد أنجبت کربلاء ولازالت کثیراً من فطاحلة العلم والأدب، وکانت بحق أرضا معطاء مبارکة منذ أن حلَّ جسد الحسین علیه السلام فیها.

وبرزت شخصیات منها کان همّها الوحید خدمة الحسین علیه السلام وقضیته التی بثها فی واقعة الطف الألیمة، فوظفوا کل إبداعاتهم لإحیائها وترسیخها فی النفوس.

ومن تلک الشخصیات التی لفتت عین عصرها الخطیب البارع والشاعر المبرز الشیخ محسن أبو الحب الکبیر الذی أوقف خطابته وشعره فی خدمة قضیة الحسین علیه السلام، وکان بحق علماً بارزاً فیهما.

وقد سلطنا الضوء علی شخصیته الشعریة التی أشاد بها کثیر من الباحثین

ص: 188

الأجلاء، سالکین فی دراستنا له منهجاً وصفیا رکزنا فیه علی موضوعات شعره التی طرقها لتکون بادرة أولی لتسلیط الضوء أکثر علی هذه الشخصیة ومعطیاتها الفنیة. وفی ضوء ذلک جاء تقسیمنا البحث علی تمهید ومحاور مثلت الموضوعات الشعریة فی الدیوان. ضم التمهید فقرتین الأولی: ملامح من حیاة الشاعر والثانیة منزلته الأدبیة. أما المحاور فقد راعینا فیها طبیعة شعر الشاعر وکثرة طرقه لهذا الموضوع أو ذاک فکان موضوع (الطفیات) ونقصد بها قصائده فی رثاء الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه الذین استشهدوا معه فی واقعة الطف أول تلک الموضوعات وأکثرها أهمیة وبروزاً فی دیوان الشاعر، ثم تلاه شعر المناسبات والاخوانیات، ومن ثم الرثاء بصورة عامة، ومن ثم (شعر الاستنهاض) وهی قصائد الشاعر فی استنهاض الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام، وتلاه المدیح، وأخیرا موضوعات أخری کالهجاء، والغزل، والوصف، والحکمة. وألحقنا بهذه المحاور جداولاً توضیحیة بالموضوعات الشعریة والقصائد والمقطعات والنتف الشعریة التی حواها الدیوان فضلاً عن البحر الشعری والقافیة والتصریع وعدمه لتلک القصائد أو المقطعات أو النتف، قاصدین إعطاء صورة متکاملة للموضوعات الشعریة ومدی حجمها فی دیوان الشاعر.وتلا هذه الجداول خاتمة ضمت أبرز النتائج التی توصل لها البحث.

 وأخیرا فان ما عملناه کان واجباً حتمه الإنتماء المتبادل والمنهج الحق فی التواصل الفکری والعقائدی، فضلاً عن انتماء الأرض، راجین أن نکون قد قدمنا صورة للشاعر وشعره واضحة تستحق الإعجاب ومن ثم تستحق الدراسة والبحث.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.

ص: 189

التمهید

1 . ملامح من حیاة الشاعر

 استقطبت کربلاء بما امتلکت من معانی روحیة سامیة، وقیم ومثل أخلاقیة قل نظیرها فی التاریخ العدید من الجموع الزاحفة نحوها بهدف الزیارة أو السکنی بجوار قبر الحسین علیه السلام فضلاً عن سعیهم للتزود العلمی والدینی أو الاثنین معاً، مما أدی عبر تاریخ کربلاء الحضاری إلی ظهور أسر علمیة بقی أفرادها بهذه المدینة جیلاً بعد جیل ینقلون معهم التراث الفکری والعطاء العلمی والأدبی للآباء والأجداد، ویحافظون علی طابع أسرهم العلمی ومسلکها الروحی عقباً بعد عقب(1).

ومن هذه الأسر أسرة أبی الحب التی استوطنت مدینة کربلاء فی القرن الثانی عشر الهجری، وهی تنتسب لقبیلة (آل خثعم) التی کانت تقطن الحویزة، واشتهر أفرادها بالفضل، والأدب، ونظم الشعر. ومن أعلامهم البارزین بالخطابة والشعر الشیخ محسن بن الحاج محمد أبو الحب الذی ولد فی کربلاء ونشأ بها ترعرع(2).

وقد اختلف فی سنة ولادته فمنهم من ذکر انها سنة 1235ه_(3)؛ وقیل أنها سنة


1- ینظر تاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 216، 217.
2- ینظر معجم خطباء کربلاء: 247، تاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 236، تراث کربلاء: 156. والبیوتات الأدبیة فی کربلاء: 27_28، ودیوان أبی الحب الشاعر العراقی الکبیر:7.
3- الحرکة العلمیة فی کربلاء: 236.

ص: 190

1245ه_(1)، وقد رجَّح محقق دیوانه وقریبه الدکتور جلیل أبو الحب أنها سنة 1225ه_ الموافق 1804م (2)؛ ویعود سبب تلقیبه ب_(أبو الحب) بفتح الحاء إلی انه ابتلی بمرض السعال وضیق الصدر، فعمل له بعض الأطباء حباً یهون علیه ما کان یجده من ألم المرض فکان یحمله معه ویعطی منه من ابتلی بذلک الداء فعرف ب_(أبو الحب) (3)؛ کما قیل علی سبیل الظن ان احد أجداد هذا الرجل کان من تجار الحبوب ومختص ببیع نوع معین منها مما أدی ذلک إلی اکتسابه هذا اللقب(4).

اما لقب (الکبیر) فأطلق علیه للتفریق بینه وبین حفیده الشاعر الشیخ محسن أبو الحب الصغیر، وهذا اللقب أطلق علیه بعد وفاته حینما بزغ نجم حفیده فی سماء الشعر والخطابة کجده الکبیر(5).

أما ما یتعلق بعلمه وأدبه فقد ترعرع المترجم فی کنف أبیه فأولاه رعایة وتوجیهاً الا أن ید المنون اختطفت أباه وهو ما یزال طفلاً صغیراً فنشأ یتیماً؛واختلف إلی مجالس العلم والأدب فی القرن الثالث عشر الهجری فی کربلاء لینهل من معینها الذی لا ینضب ویبصر بنفسه حماسة الشعراء والأدباء فی مساجلاتهم ومناظراتهم وصقل مواهبه بها... (6)ومن هؤلاء الشعراء محمد علی کمونة(ت1282ه_) والحاج جواد بدقت الأسدی (ت1281ه_) وآخرین غیرهم من الخطباء والوعاظ فما زال یختلف إلی أندیتهم ویقطف من أزهار أحادیثهم، ویجنی من ثمر علمهم، ویتلقف منهم ما ینثرون


1- البیوتات الأدبیة فی کربلاء: 27، ودیوان أبی الحب الشاعر العراقی الکبیر:7.
2- دیوان الشیخ محسن ابو الحب الکبیر: 13، 14.
3- م.ن: 11، 18.
4- ینظر الحرکة الأدبیة المعاصرة فی کربلاء: 4. والشعر القومی لدی محسن أبو الحب الصغیر، مجلة جامعة کربلاء: 254.
5- ینظر البیوتات الأدبیة فی کربلاء:27.
6- ینظر م.ن. ودیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:11.

ص: 191

حتی ناهز الثلاثین وإذا به قد نبغ فی الشعر وبرز فی الخطابة(1).

وللمترجم دیوان مخطوط بعنوان (الحائریات)(2)یقع فی (198صفحة) وثمان وتسعین ومائة صفحة من القطع المتوسط خطی موجود عند عائلته..(3)؛ وقام بتحقیقه الدکتور جلیل کریم أبو الحب وأصدره بطبعته الأولی سنة 1424ه_ الموافق سنة 2003م وهی المعتمدة فی دراستنا.

ویغلب علی شعر الشاعر الناحیة الدینیة ویکاد یکون جله فی رثاء الحسین علیه السلام وآل الحسین علیه السلامفهو یعد من أدب الحسین(4).

ومن روائعه التی حفظها المنبر الحسینی قصیدته التی رثا بها الإمام الحسین علیه السلام التی فیها هذا البیت الشهیر(5):

إن کان دین محم_د لم یست_قم

إلا بقت_لی یا سیوف خذی_نی

ولازال القراء وخطباء المنبر الحسینی یرددوه، فضلاً عن احتضان کثیر من اللافتات التی تعلق أیام عاشوراء له وقد ظن انه للإمام الحسین علیه السلام نفسه مما کشف عن براعة الشاعر فی تمثیل صوت الإمام وهو علی تلک الحالة فی یوم الطف.

أما وفاته فقد ذکر أنها کانت فی العشرین من شهر ذی القعدة لیلة الاثنین سنة 1305ه_ الموافق 1887م ودفن إلی جوار مرقد السید إبراهیم المجاب فی الروضة الحسینیة المطهرة، وعمره حین ذاک ثمانون سنة؛ وأعقب عدة أولاد أفضلهم الشیخ محمد حسن والد الشیخ محسن أبو الحب الصغیر(6).


1- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر: 11، 17، 18.
2- ینظر تراث کربلاء: 156، ومعجم خطباء کربلاء:245، وتاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 236.
3- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:18 – 19.
4- م.ن، وتاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: 136.
5- دیوان الشیخ محسن ابو الحب الکبیر: 169.
6- ینظر أعیان الشیعة: 43/202،وأدب الطف: 57، ومعارف الرجال: 182،ودیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:12، ودیوان أبی الحب الشاعر العراقی الکبیر:7.

ص: 192

2 . المنزلة الأدبیة للشاعر

اشارة

حظی شاعرنا بمنزلة أدبیة رفیعة فی عصره فقد ذکره کثیر من المؤلفین وأصحاب التراجم، واثنوا علی موهبته الشعریة والخطابیة فقد کان - رحمه الله - خطیباً وشاعراً متمکناً فی کلیهما. ذکره صاحب کتاب أعیان الشیعة بقوله: "..احد الأدباء الوعاظ الذاکرین للشهید فی کربلاء المشهورین وله قراءات مشهورة فی ذکر مصیبة الحسین علیه السلام..."(1)؛ ولعل لفظة (القراءات) تعنی أطوار النعی التی کان یستعملها فی مجالس العزاء الحسینی. وقال فیه صاحب معارف الرجال انه "کان فاضلاً أدیبا بحاثة ثقة جلیلا، ومن عیون الحفاظ المشهورین والخطباء البارعین، له القوة الواسعة فی الرثاء والوعظ والتاریخ،وکان راثیاً لآل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وشاعراً مجیداً، حضرت مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا ابلغ منه أدبا وشعراً"(2) وقال فیه صاحب البیوتات الأدبیة فی کربلاء ما نصه:"... شاعر شغل الأوساط الأدبیة صیته، وعم المجالس العلمیة ذکره، وطبقت أرجاء المدینة شهرته شاعر بارز وواعظ قدیر.."ثم قال فیه" انه شاعر المأساة، أوقف شاعریته علی تصویر معرکة الطف المشرقة تصویراً رائعاً ورهن نفسه علی ان یکون القیثارة الخالدة لان یرنم وقائع البطولة والبسالة التی کشفت عنها ارض الدماء الزکیة فقد راح المولعون بهذا النهج من خطباء وشعراء یتغنون بغرر قصائده ویعقدون الأندیة والمجالس رغبة منهم فی تردید هذه الألحان وتمجیداً بذکری أبی الشهداء وإعجابا بمعانی الفداء وستظل هذه القیثارة موئل عشاق الطفوف"(3). ووصفه صاحب معجم رجال الفکر والأدب بانه "فاضل أدیب وخطیب شهیر وشاعر لا یشق له غبار، احد شعراء کربلاء وحفاظها المشهورین فی عصره"(4).


1- أعیان الشیعة: 43 / 202.
2- معارف الرجال: 181 – 182.
3- البیوتات الأدبیة فی کربلاء:27.
4- معجم رجال الفکر والأدب فی کربلاء: 178.

ص: 193

ومما تقدم نلمس المنزلة الکبیرة المرموقة التی تمتع بها شاعرنا الشیخ محسن أبو الحب الکبیر بین أبناء عصره فکان خطیباً بارعاً وشاعراً مبدعاً وکشف ذلک عن امکانات لغویة وکذلک فکریة صقلت مواهبه ولفتت إلیه الأنظار، وکان قدوة خطابیة وقدوة شعریة فاثر فی معاصریه من الأدباء والخطباء تأثیرا کبیراً.

محاور الموضوعات الشعریة فی دیوان محسن (أبو الحب) الکبیر

لعل من نافلة القول ان لکل شاعر میلاً نحو موضوع شعری معین یجد نفسه فیه أکثر من سواه من الموضوعات، ولربما وظف جلَّ شعره فی موضوع واحد کان همه الشاغل ووکده الوحید مما یجلی الموضوعات الأخری من دائرة الضوء فی دیوانه الشعری؛ ولا یعنی هذا بالضرورة عدم إمکانیته النظم فی تلک الموضوعات بقدر ما هو اکتشاف الذات فی هذا الموضوع وتحقیق وجوده فیه فضلاً عما یراه من التزام مذهبی أو عقائدی فی هذا الغرض او ذاک.

وعند استقرائنا دیوان الشیخ محسن (أبو الحب) الکبیر وجدناه لم یحد عن هذه المقدمة، فقد وظف شعره فی خدمة قضیة الحسین علیه السلام کما وظف خطابته فیها، فکان موضوع الطف وما جری فیه من قتل وسبی للحسین وأهل بیته وأنصاره الموضوع الأبرز فی دیوانه، ومن ثم غطی موضوع الطف بقیة أغراض الشاعر التی جاءت بصورة اقل وضوحاً منها مما جعل بعض قارئی شعره ینعتونه بأنه شاعر المأساة الحسینیة وان جل شعره فی الحسین علیه السلام مما یعکس الصورة الواضحة التی اتجهها الشاعر فی رسم ملامحه الشعریة والموضوعیة. وفیما یأتی عرضاً للموضوعات الشعریة التی احتواها دیوانه ونبدؤها بالأکثر حضوراً ثم الأقل فالأقل وهی:

1_ الطفِّیَّات: نسبة إلی الطف وهی"القصائد المتضمنة وصفاً لواقعة الطف وما جری فیها من فاجعة حلت بالحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه ولاریب فی ان

ص: 194

هذا المصطلح یشمل جمیع القصائد التی بکت الحسین علیه السلام وتفجعت بمقتله فی تلک الواقعة الألیمة منذ حلولها سنة إحدی وستین للهجرة والی الآن"(1).

ونجد عند الشاعر محسن أبو الحب الکبیر فضلاً عن الطفیات مجموعة من قصائد الرثاء الخاصة برجالات الطف غیر الحسین علیه السلام کأخیه العباس علیه السلام وابنه علی الأکبر علیه السلام والحر الریاحی علیه السلام أو تلک التی خصت أصحاب الحسین علیه السلام بشکل عام مما یمکن إطلاق تسمیة القصائد المصاحبة للطفیات علیها.

ویمکن عد القصائد الخاصة بذکر مسلم بن عقیل علیه السلام منها، اذ یعد أیضا من رجالات الطف علی الرغم من عدم استشهاده فی ارض المعرکة، فهو بدایة الشرارة لانطلاق أحداث الطف، اذ انقلب أهل الکوفة علی الحسین علیه السلام وترجم هذا الانقلاب بقتل سفیره مسلم بن عقیل علیه السلام مما یمکن ان نقول بأنه أول شهید فی معرکة الطف.

ونلاحظ هذه المعانی والعلاقات قد طرقها شاعرنا محسن أبو الحب الکبیر إذ یقول فی قصیدة فی رثاء مسلم علیه السلام(2):

وأعظم ما ک_ان فی قلب__ه

من الهمّ ذکرُ الحسین النبی_لِ

وفیما یقول(3):

لأبکی مصابک سبط الرسول

وکان بکاه بعین الرس__ولِ


1- طفیات الشریف الرضی دراسة فی اللغة الشعریة، مجلة جامعة کربلاء:128 وینظر هذا المصطلح وتقعیده فی: طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی دراسة موضوعیة تحلیلیة، مجلة جامعة کربلاء:182__183.
2- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر: 116.
3- م.ن:117.

ص: 195

وقال(1):

ظمأت وآلی__ت ان لات__ع_ب

إلا م__ن الکوثر السلسب_یلِ

لعلمک ان اب__ن ب__نت النب_یّ

یلقی المنیة صادی الغل__یلِ

فکنت مواس__یة ق__تلاً بق__تل

وح__رّ غ__لیل بحرَّ غلیلِ

فالأبیات توضح بشکل جلی الترابط الاستشهادی بین الحسین علیه السلام ومسلم بن عقیل علیه السلام والمواساة الحقیقیة القائمة بینهما والترابط الروحی والعقائدی الغیبی بینهما.

ومهما کان من أمر فقد استقرأت القصائد الطفیة والمصاحبة لها فی دیوان الشیخ محسن (أبو الحب)، وبلغت ثلاث وثلاثین قصیدة شکلت أکثر من نصف قصائد الدیوان البالغة خمس وستین قصیدة؛وتمتعت هذه القصائد فی الغالب بتکامل البناء والنسج فضلاً عن اتضاح إمکانیة الشاعر اللغویة والفنیة فیها. وغلّفت هذه القصائد بغلاف الحزن والغضب، الحزن علی ما أصاب الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه من قتل وسبی، وتحسره علی انه لم یشارک فی تلک الأحداث ویستشهد بین یدی الحسین علیه السلام؛ والغضب علی أعداء الحسین علیه السلام الذین لم یراعوا حرمة رسول الله وخانوا وصایاه؛وکذلک نجد فی ختامها توسلاً بمن رثاهم بل قل مدحهم _ کما یری هو _ من أهل البیت علیهم السلام واستشفاعاً بهم وطلباً لقضاء حوائجه.

وهذه المحاور شکلت ابرز ملامح موضوع الطفیة عند الشیخ محسن (أبو الحب) الکبیر فنری حزنه یتخذ أبعادا وألوانا عدة تمثلت بوصفه مصرع الحسین علیه السلام وما مثله من قیم دینیة وخلقیة مقدسة،وما أضفی علیه من وصف لشجاعته وکرمه وظمئه فی ذلک الیوم العصیب، فنراه یقول فی أحدی طفیاته واصفاً یوم الطفوف بقوله(2):


1- م.ن.
2- م.ن: 42.

ص: 196

ی_وم الطفوف ولیس یوم غیره

یبدی العجائب فی الزمان ویعقبُ

یوم به بک__ت السماء تفجع_اً

ب_دم فها هی للزم_اجر تنحبُ

م__ا إن بکت إلا لأن م_قیمها

أض_حی یظفرهُ الردی وی_نیّبُ

انه یوم لیس کبقیة الأیام، یوم بکت السماء دماً وأبدت أنینها وصیاحها علیه.

وفیها یقول(1):

بأبی الذین جسومهم فوق الثری

رغماً بفیض دم المناحر تخضبُ

بأبی الذی_ن رؤوسهم فوق القنا

تُه_دی لأبناء السف__اح وتجلبُ

بأبی الذی_ن حریمهم فی کربلا

أضحت برغم ذوی الحمیة تسلبُ

هکذا الأحداث جرت علی الحسین وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام، انها مأساة حقیقیة یتفجر الشاعر فیها ألما وحزناً ویتضح ذلک من خلال تکراره (بابی الذین) فی بدایة الأبیات منطلقاً منها لعرض ما یوجعه ویألمه.

ویعید هذا المعنی بصورة أخری مبتدئا إحدی طفیاته بقوله(2):

 یا وقعة ما صاح صائح_ها

حت_ی سمعنا فی السما الندبا

قتل الحسین فجددوا ح_زناً

وت_جلببوا لم_ص_ابه ثوب_ا

من لم یذب من أجله کم_داً

فلقد أص_اب من الصفا قلب_ا

واری الصفا ینهد منصدعاً

هو ح_ین یذکر یومه الصعبا

یوم یج_دده الزم_ان ل_نا

فی_عود یابس حزن_نا رط_با

فالشاعر یعلن الحداد علی الحسین علیه السلام بعدما سمع ندب السماء وبکائها ویطلب تجدید الحزن علی مقتله والتوشح بالسواد، وما هذا العمل الا وفاء للصفا کنایة عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم المصطفی وهذا الیوم یجدده الزمان ولا یبلی بل


1- م.ن.
2- م.ن:40.

ص: 197

یجدد الدمع ویجدد الحزن ویجعله رطباً کالزرع الذی جاءه الربیع فاهتز وربی.

ونراه یذکر ذلک الیوم وحرارته فی القلوب بصورة رائعة أخری فهو یقول فی بیت تخلصه وبعده(1):

ل__ولا البقیة من أبن_اء فاطم_ة

م__ا کان یوماً لطلاب الندی أملُ

أحیوا رسوم الهدیمن بعدماطمست

آث__ارها ومحاها الحادث الج_للُ

لا ک__ان یومهم فی کرب_لاء ولا

ط_افت علیه به الرکبان والرس_لُ

ی__وم من الدهر لم تفتر نوائحه

ع__ن المناح ولم تب_رد لها غل_لُ

ی__وم به أس_لس الهدّار مقوده

واسترنب اللیث حتی اصطاده الوعلُ

أما تریالشمس تهوی نحو مغربها

حم__راء تحس__بها بالدمع تکتحلُ

ام__ا تری صفحات الجو مظلمة

کأن_ها برداء الح___زن تشت_ملُ

ن_عم وحقک ما فی الدهر من کبد

 الا ب__ه من بق__ایا ذکره شعلُ

فالشاعر یری فی الحسین علیه السلام ومن معه فی ذلک الیوم انهم قد قاموا بإحیاء الدین بعدما حاول الأعداء طمسه. وهذا الحادث الکربلائی تعالی فی الذکر بین الرکبان والرسلُ، ولم یهدأ الدهر من نوائحه ولم تبرد فیه الغلل العاطشة ثم یوضح صورة ذلک الیوم الذی اختلت فیه مقاییس الأشیاء والطباع حتی أصبح اللیث أرنبا یجری لیصطاد الوعل؛ ویأخذ بسؤال الآخر (الملتقی) لیضمن الإجابة الحقیقیة التی أعلنها؛ فقد رأی فی احمرار الشمس عند غروبها صورة الدمع والاکتحال به، ورأی فی ظلمة الجو رداءً حزینا تشتمل علیه صفات ذلک الجو، ثم یصل إلی مبتغاه مؤکداً إیاه بالقسم (وحقک) الموجه للملتقی اذ أعلن ان کل ما فی الدهر من کبد ومعاناة یرجع شررها من ذلک الیوم الرهیب؛ وفی طفیة أخری یعید إنتاج هذه الصورة ویعطیها ملامحاً أکثر أبعادا وألوانا فقال بعد ما رأی ان النواح والبکاء علی آل علی علیه السلام


1- م.ن: 119

ص: 198

من السنن التی ینبغی الإدمان علیها وشهادته علی ذلک اکبر ودلیله أبین وهو(1):

هذه أعین السم_اء وهذی

أعین الأرض ودمعها ما توانا

لم تبارح بکاؤها مذ درت

ان حسیناً ذاق الردی ظم__آنا

لا أری للفرات عذراً وان

غار مدی الدهر ماؤه غضبانا

م_ا سمعنا ولا رأینا قتیلاً

م_ات والم_اء حوله عطش_انا

فالشاعر یری کل الاشیاء التی من حوله تبکی حسیناً فمن الواجب ان لا یجفو الإنسان عن البکاء والحزن علی آل علی علیهم السلام والا کان أجفی الوری واعد الأعداء لهم فی نظر الشاعر، ولا ینکر لطافة المعانی التی طرقها وصورها فی هذه الأبیات.

ویعد الشاعر هلال محرم وأیام عاشور سببا للبکاء والحزن، بل ان قلبه مفتون بتجدید الأسی کلما هلّ محرم فنراه یقول(2):

جاءت تف_جِّر أکبدا وعیوناً

أیام عاشورا بکاً وحن_ینا

ما قیل هلّ محرم الا انثنی

قلبی بتجدید الأسی مفتونا

أو کان یوم منه الا کان لی

سبباً الی طول البکاء سنینا

ثم یخاطب محرماً بنبرة غاضبة وکأنه یحمله مسؤولیة هذا الحزن المتجدد فی کل عام:

لا مرحباً بک یا محرم لم تدع

قلباً علی بشرٍ به مأمونا

ونجده فی طفیة أخری یستغیث بوقعة کربلاء ویعدها أُما لکل محزونة وحزین(3):

غوثاه من ذکراک وقعة کربلا

یا أمَّ کلِّ حزینة وحزینِ

ثم یسترسل فی طرح عذاباته منها فیقول:


1- م.ن:160.
2- م.ن:159.
3- م.ن: 169.

ص: 199

لیس اللدیغ سوی لدیغک لا الذی

أمسی یک_ابد نهشة التن_ین

وعسی اللدیغ أصاب حیناً راقیاً

إلا ل_دیغک مال_ه من حین

حتی القیامة وهی دون عذابه

بلظی همومک لا لظی سجین

لاقی الحسین بک المنون واننی

لاقیت فیک عن الحسین منونی

هکذا یسوق الشاعر الدلیل علی حزنه وغضبه من تلک الواقعة الألیمة التی لاقی الحسین فیها المنون ومن ثم وجد الشاعر فی منون الحسین علیه السلام منوناً له وأی منون منون الحسرة والأسی والحزن علی سید الشهداء الذی یتحدث عن تضحیته فی ذلک الیوم قائلاً:

فی یوم ألقی للمهالک نفس_ه

کی_ما تکون وقایة للدین

وبیوم قال لنفسه من ب_عدما

أدی بها حق المعالی بینی

أعطیت ربی موثقاً لا ینقضی

الا بقتلی فاصعدی وذرینی

ان ک_ان دین محمد لم یستقم

الا بقتلی یا سیوف خذینی

هذا دمی فلترو صادیة الظبا

منه وهذا للرم_اح وتینی

ولاریب فی ان الشاعر تمازج روحیّاً مع موقف الحسین علیه السلام وذاب فیه الی درجة انه استنطق الموقف بعد ما قرأ الأحداث والظروف التی أحاطت بابی عبد الله فکان واقع حال متجسد،وصوت حق مرتفع مثّل صدی ما أراد الإمام بموقفه وأقواله التی رافقت ذلک. ومن القصائد المصاحبة للطفیات قصیدته فی رثاء أبی الفضل العباس علیه السلام، وفیما یصطنع الشاعر مقارنة تشبیهة جمیلة بینه وبین أبیه الإمام علی علیه السلام فقال(1):

اذا کان ساقی الناس فی الحشر حیدرٌ

فساقی عطاشی کربلاء أبو الفضل

ع_لی ان ساقی الناس فی الحشر قلبهُ

م_ریع وهذا بالظما قلب__هُ یغلی


1- م.ن:124_125.

ص: 200

فالمقارنة تقابلیه شرطیة فما دام هناک ساقی فی الحشر وهو حیدرٌ کنایة معروفة للإمام علی علیه السلام فهناک ساق لعطاشی کربلاء وهو أبو الفضل علیه السلام؛ ویستدرک الشاعر لیخبرنا ان قلب ساقی الحشر مریع متألم اما قلب ساقی عطاشی کربلا فهو متحرق بالظمأ ویغلی به وقد جعل الشاعر هذین البیتین بدایة مشحونة بالتوقع فمهد لأسباب ذلک العطش فیقف علیه وهو ماء الفرات لیسأله کما وقف الشاعر القدیم وسأل الطل ولم یجبه! ولکن ماء الفرات یجیبه علی معاتبته وأسئلته فقال(1):

وقفت علی ماء الفرات ولم أزل

أق_ول ل__ه والقول یحسنه مثلی

علام_ک تجری لا جریت الوارد

وأدرکت یوماً بعض عارک بالغسل

اما نشفت أکب__اد آل محم__د

ل__هیباً وما ابتلَّت بع_لّ لا نه_ل

من الحق ان تذوی غصونک ذبّلاً

أس_ی وحیاءً من شف__اهم الذبل

انها معاتبة مرة کشفت عن عمق حزن الشاعر وألمه لما أصاب آل الرسول من قتل وسبی وقد جاء عتابه کحزنه رقیقاً مؤلماً، ثم یجیب الفرات علی أسئلته وعتابه:

فقال استمع للقول ان کنت سامعاً

وکن قابلاً عذری ولا تکثرن عذلی

الا ان ذا دمعی الذی انت ناظ_ر

غ_داة جعلت النوح بعدهم شغ_لی

برغ_می أری مائی یلذّ سواهم

به وهم صرعی علی عطش حولی

جزی الله عنهم فی المؤاساة عمّهم

أبالفضل خیراً لو شهدت أبا الفضلِ

فلم یکن حال الفرات بأحسن حال من الشاعر علی ما أصاب آل محمد علیهم السلام، ولعل الشاعر کما أسلفنا منطلق من ان کل الوجود بما امتلک من صفاء ونقاء وخیر یبکی علی الحسین وأهل بیته لما أصابهم فی واقعة الطف فهم الخیر والنقاء والرحمة الالاهیة المبعوثة للوجود جمیعاً فلا عجب بعد ذلک ان یتألم ماء الفرات وینتحب لما أصابهم.


1- م.ن:125.

ص: 201

 ونجد الشاعر فی قصیدة مصاحبة أخری خصّ فیها ابن الإمام الحسین علی الأکبر علیه السلام قال فیها مستوحیاً موقف الحسین علیه السلام علی ما اصاب ابنه وخطابه لله سبحانه وتعالی بقوله(1):

أترضی الهی عن معاشر اجمعوا

علی قطع رحمی ثم قتلی حلّلوا

ف_کن شاهدی انی بعثت ل__هم

شبیه رسول الله من لیس یجهل

ش__بیه رسول الله ربی بعث_ته

فکن شاهدی یامن علیه أعول

ولعل تکرار (شبیه رسول الله) فی بیتین تدل علی خوف الحسین علیه السلام علی ابنه من أعدائه وحزنه علیه وهو محاط بهم، کما تدل علی التأکید علی الامتداد الرسالی بینه وبین جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وعدم مراعاة الأعداء علی الرغم من معرفتهم الشبه بینه وبین جده صلی الله علیه وآله وسلم وهذا الأمر مستوحی من قول الإمام الحسین علیه السلام یوم عاشوراء عندما خرج إلیهم ابنه علی الأکبر لقتالهم اذ قال: "اللهم اشهد انه قد برز إلیهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولک، وکنا إذا اشتقنا إلی نبیک نظرنا إلیه،.."(2)وفیها یصف شجاعة علی الأکبر فی المعرکة وکرّه علی الأعداء بقوله(3):

فکرَّ وکرّ الموت یعدو أمامه

علی عجلٍ والموت إذ ذاک أعجلُ

وناهی_ک قرمٌ عمّه وأبوه من

علمت فقل فی أمره کیف یعملُ

ففی البیت الأول صورة متحرکة للموت مشخصة اظهر من خلالها إقدام علی الأکبر علیه السلام وعدم مهابته الموت علی الرغم من عدوه أمامه، ثم یعرج علی شجاعته فهو بطل متمیز وکیف لا یکون ذلک وأبوه وعمّه مشهود لهما فی الإقدام فی


1- م.ن:131.
2- مقتل أبی مخنف:162.
3- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:131.

ص: 202

الحرب والطعن فی الأعداء.

 ونجد الشاعر یخاطب أصحاب الحسین علیه السلام وینعتهم بالحواریین لابن فاطمة علیها السلام محاولة منه لإعطاء أبعاد دینیه قرآنیة لهم بمقارنتهم بحواری ابن مریم عیسی علیهم السلام حیث نعتهم بحواری ابن فاطمة علیها السلام فنراه یقول(1):

أحبتی مال__کم حالفتم التُرُبَ_ا

لا طاب بعدکم عیشی ولا عذبا

انتم لعمری حواری ابن فاطمة

إذ لم یجبه سواکم ساعة انتدبا

أنف_قتم فی سبیل الله أنفسک_م

فن__لتم فوق ما أمَّ_لْتم رتبا

ثم یعمد إلی مقاربة أخری یصطنعها بینهم وبین فتیة الکهف ویجعلهم أعلی مرتبة وشرفاً منهم:

ما فتیة الکهف أعلی منکم شرفاً

أن_تم أشدُّ وأقوی من_هم سبباً

ناموا وما نم_تم لهفی کنوم_هم

أنی وقد قطِّعت أعضاؤکم إربا

فروا وم_ا قابلوا والله من أحد

وم_ا فررتم وقد قابلتم اللجبا

ک_ان الرقیم لهم کهفاً یضمهم

ول_م یکن کهفکم الا قناً وظبا

فهو یعمد لأخذ عینات موضوعیة من قصة أصحاب الکهف وربطها بصورة موضوعیة أخری حدثت فی واقعة الطف، وقد انتقی من تلک الأحداث ما کان علیه أصحاب الحسین یوم عاشوراء فوصفهم بالشدة والقوة فی الاعتقاد والتمسک بعقیدتهم، وناموا کما نام أصحاب الکهف ولکن نومهم جاء بعد ان قطعوا إربا فی سبیل الله تعالی وفی نصرة ابن بنت نبیه صلی الله علیه وآله وسلم ثم انهم لم یفروا وواجهوا عدوهم إلی ان قضوا فی حین فرّ أصحاب الکهف مما کان سیقع بهم من بطش أعدائهم ثم فرّوا إلی الرقیم لیحتموا به عن أعین أعدائهم بینما لم یفر أصحاب الحسین وکان کهفهم تلک القنا وتلک الظبا التی وقعت فی أجسادهم وعلیها.


1- م.ن:47.

ص: 203

ومن قصائده المصاحبة للطفیات قصیدته فی بطل من أبطال الطف وهو الحرّ الریاحی علیه السلام اذ قال فیه(1):

الا یا قتیلاً زعزع المجدُ قت__له

فأضحی عل_یه المجد ذا مقلة عبرا

لئن ساء ع__ینی تحجِّبک الغبرا

لقد سرَّ قلبی ان تصافحک الخضرا

وما لری__اح لا تهبَّ ریاح_ها

حواصب تستقصی لموتورها وترا

أما ش_ملتها بعد موت__ک ذلَّ_ة

نعم سلبتها بع__دک العزَّ والفخرا

لقد جاء الشاعر بصور متحرکة جمیلة استوفی بها موضوعه، فقد جعل للمجد عیناً باکیة علی الحر، ثم أوضح بصورة تقابلیة ما ساءه وما سره من موقفین موقف الحر وقد حجبته الغبراء عن عینه وهو موقف حزین باکی، اما موقفه الأخر فهو ما قدمه یوم الطف؛ ثم یعمد فی البیت الذی بعده إلی المجانسة التامة بین الریاح الحقیقیة وقبیلة الحر بنی ریاح الذی أراد منها ان تهب لقتیلها وتطلب ثارة من قتلته فقد شملتها الذلة من بعده وسلبت العز والفخر بعد مقتله.

3 . شعر المناسبات والاخوانیات

 یعبِّر هذا الشعر _ فی الغالب _ عن حالات انفعالیة معینة تفرضها طبیعة المناسبة وظرفها، وغالبا ما یأتی علی نتف او مقطعات قصیرة، مما یعنی سرعة إنتاجها وقلة العنایة الفنیة بها. وعند استقراء هذه الأشعار فی دیوان شاعرنا تبین اهتمامه بهذا الشعر وبإنتاجه، إذ تعلق فی اغلبه بمناسبات دینیة وأخری إنهاء أعمال بناء أو ترمیم فی احد مراقد أهل البیت علیهم السلام أو تهنئة أو رد علی من جادله أو عارضه، وتکون المناسبة محفزة علی المدیح أو الرثاء والإبتهاج أو الجدل العقائدی أو الوصف؛ ومن أهم أشعار المناسبات عنده احتفاؤه بیوم الغدیر فقد رصد له أربعة قصائد امتازت بالطول،


1- م.ن:79.

ص: 204

ویمکن إطلاق تسمیة (الغدیریات) علیها، قال فی إحداها مخاطباً أمیر المؤمنین بقوله(1):

بک یا أبا القم__رین کم من أُمَّ_ة

سع__دت وکم من أُمَّة لم تسع_دِ

یا بانی الإس__لام بل ی__ا هادم

الأصنام یا ضرغام یا ری الصدی

من یسع یسع کما سعیت إلی العلا

أولا فأحری أن یق___ال له اقعدِ

کم رام ان یردیک جمّ ع_دیده_م

هیه_ات من لعلاک نال هو الردی

وتلاک سب_طا احم__د وتلاه_ما

حج_ج المهیمن سیداً عن سی_ِّ_دِ

ورثوا مکارم__ک التی أورثت_ها

 فهموا بنوک وکلَّ_هم بک مقت__دِ

حم_لوا احتمالک فی الحیاة وکلهم

 وردوا حیاض_ک حبذا من موردِ

هم أنجم الدن__یا وهم أقم__ارها

وبحورها الف__عم التی لم ت_نفدِ

فالشاعر یذکر ان السعادة فی الدارین تتمثل فی إتباع الأمة لأبی القمرین کنایة عن الإمام علی والد الحسن والحسین علیهم السلام، فهو البانی للإسلام والهادم للأصنام وهو المثال الذی یجب ان یتخذ للسعی إلی العلا وکم حاول المتطاولون ان ینالوا منه ومن علاه ولکنهم فشلوا وذهب الله بهم وبکیدهم. ان هذه السنة التی تحدث عنها قد لزمها ولداه (سبطا احمد) کنایة عن الحسن والحسین من بعده ثم امتد إلی أئمة أهل البیت جمیعاً سیداً عن سید وتحملوا ما تحملوا من مصاعب الحیاة ومکارهها حتی وردوا حیاض الجنة التی وردها من قبلهم جدهم الإمام علی علیه السلام، ثم یصفهم بالأنجم والأقمار والأبحر الزاخرة المفعمة بالخیر والعطاء للبشریة جمعاء والتی لا تنفد أبدا.

 وقال فی أخری مخاطباً من ینکر ولایة الامام علی علیه السلام ومستنکراً(2):

أو لم یکن یوم الغدیر ألم یکن

جبریل فیه بالزواجر ینزلُ

أو لم یقل من کنت مولاه فذا

مولاه بعدی ویلکم لاتجهلوا

هذا هو الباب الذی من قبل ذا

کُلفتم ان تدخلوه فادخ__لوا


1- م.ن:73.
2- م.ن:127.

ص: 205

الأنبیاءُ جمی__عهم قبلی کذا

فعلوا فمالی بعدهم لا افعلُ

ولکل بیت فی الأنام دعام_ة

ودعامة الإسلام هذا فاعقلوا

والله ما أنا بالذی أم_َّ__رتَهُ

الله أمَّره علی___کم فاقبلوا

لقد جعل الشاعر الکلام یدور علی لسان النبی صلی الله علیه وآله وسلم وکیف أوصی المسلمین ان یلزموا علیاً فهو مولاهم من بعده، وهو الباب الذی یأخذ منه کل خیر منزل فلا تترکوه، ثم أعطی الأمر بعداً رسالیا من حیث ان الأنبیاء جمیعاً یعلمون بإمامته وآمنوا بها فما لاشک فیه ان یفعل فعلهم وهو أمر الله تعالی ولیس أمر بشر مهما کان، ثم ان الأمر أمر أمارته علیکم هو من الله لا دخل لی بها فالتزموا الأمر ولا ترفضوه وتتخلوا عنه، وأعطاهم ممهداً للأمر الأخیر دلیلاً عقلیاً حین قال ان لکل بیت دعامة ودعامة الإسلام (هذا) کنایة عن علی علیه السلام فاعقلوا الأمر ولا تتبعوا أهواءکم فتضلوا وتنقلبوا علی الأعقاب. ثم یوظف الشاعر مجموعة من الأحادیث النبویة المبارکة فضلاً عما جاء فی خطبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم الغدیر فی فضل علی ومولاته فنراه یقول علی لسان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم:

و أنا المدی__نة وابن عم بابها

هل من سوی الباب المدینة تدخ_لُ

أنا من علیٍّ وه_و منِّی ث_لما

هارون من موسی ف___لا تتعلَّلوا

یا ق_وم ان نبوَّتی م_ا لم تکن

فیها ولایة حی__در لا تکم___لُ

ان تسعدوه تسعدوا أوتنصرو

ه ت_نصروا أو ت_خذلوه ت_خذلوا

و أق__ول هذا والقلوب کأنها

تغ__لی علیّ من الحرارة مرجلُ

إیَّاک__م ان تجحدوا إیَّاک___م

ان تخ___ذلوا إیَّاک__م ان تنکلوا

هذا الکتاب وعترتی فتمس_کوا

به__ما وان لم تفع__لوا لم تقبلوا

والشاعر أراد من خلال هذا التوظیف ان یؤکد علی مشروعیة خلافة الإمام،

ص: 206

وانه الامتداد الحقیقی لرسالة السماء، وان لم تقبلوا هذا الأمر لم یقبل منکم أی عمل آخر لأنکم عصیتم الله حین عصیتم رسوله.

إن هذه (الغدیریات) اتخذت طابعاً عقائدیاً مذهبیاً لذلک التجأت إلی العرض التاریخی والی الأدلة النقلیة والعقلیة لبیان أحقیة خلافة الإمام (علی) علیه السلام، ومن ثم فان الکوارث التی وقعت بعد ذلک کان مرجعها إلی نکران هذا الأمر والتزام غیره، وما حلَّ علی أهل بیت الرسالة وهم عترة الرسول من مصائب ونکبات کانت دلیلاً دامغاً علی عدم رعایة وصایا الرسول فیهم ومن ثم عصیانه لأمر السماء.

ونجد عنده قصیدة متکونة من خمسة وخمسین بیتاً فی مناسب انتهاء العمل بالروضة الکاظمیة منها قوله(1):

هذی قصور جنان الخلد بارزة

للناظ_رین لیزدادوا بها عبرا

صبحاً ولیلاً إذا ما جئتها أبدا

تری النیّرین الشمس والقمرا

ثم یقول(2):

هذه منائ_ر لا بل ذی دعائ_م

للسبع الشداد فأمعن عندها النظرا

ان قلت ذی ارمٍ فاقت علی ارم

أو قلت جنة عدن لم تق_ل أشرا

والقبتان إذا ماشم__ت نورها

قلت الکلیم رأی نار الهدی سحرا

فالشاعر یصف انبهاره وتعجبه مما قد رأی من بناء متین وراح ینتقی له أوصافا قرآنیة، فالمنابر صارت دعائم للسبع الشداد، ثم ذکر إرَم التی وصفها القرآن بالعظمة(3) فهی أعظم من إرَم فهی جنة عدن علی هذه الأرض،وما القبتان اللتان بها الا نور اهتدی به موسی الکلیم وآنس به(4).


1- م.ن:96.
2- م.ن:97.
3- إشارة إلی قوله تعالی: (ارم ذات العماد * التی لم یخلق مثلها فی البلاد) الفجر:7_8.
4- إشارة إلی قوله تعالی: (إنِّی آنستُ نارا سآتیکم منها بخبرٍ) النمل:7.

ص: 207

وقال فی قصیدة أخری متکونة من أربعة وثلاثین بیتاً فی العلم الذی اهدی إلی الروضة العباسیة(1):

یا من رأی علمَ الإسلامِ منشورا

بدا فج___لَّل آفاق السما نورا

واخجل النیرین الزاه_رین معاً

فعاد نورهما فی الأفق دیجورا

أهداه ناصر دی_ن الله مب_تدئا

مازلت ناصر دین الله منصورا

ذی رایة العدل والتوحید یحملها

العباس فی کربلا أیام عاشورا

فهو ینطلق من هذه المناسبة لیمدح العباس ویذکر علو شأنه ومنزلته المرموقة فضلاً عن مدحه للذی أهدی هذا العلم ونصبه فی الروضة العباسیة وهو (ناصر الدین القاجاری).

 وله أربعة أبیات فی زفاف احمد کاظم الرشتی تعبر عن مجاملة واضحة من لدن الشاعر لهذه الشخصیة الدینیة(2):

اما تری القمریَّ فی سجعه

أجَّج نیران الهوی والغ_رامْ

وعندلیب الیمن فی لح__نه

أنعش نفسی بل واحیا الرمامْ

لخیر عرس یومه مق__مر

فلا ظلام بعد ه___ذا یشامْ

وساعة رب الوری شاء ان

تقترن الشمس ببدر التم__امْ

فالأبیات لطیفة تنم عن عاطفة صادقة، وان لم تخل من مبالغة تطلبها موقف المجاملة.

وله قصیدة لم یرو منها سوی بیت واحد فی تهنئة السید مرتضی سادن الروضة العباسیة بعدما اعیدت له السدانة عام 1298ه_ قال(3):

یا آخذی المفتاح من شبلها

ردوا الأمانات إلی أهلها


1- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:95.
2- م.ن: 137__ 138.
3- م.ن: 138. وعجز البیت مأخوذ من قوله تعالی: (إن الله یأمرکم أن تؤدُّوا الأماناتِ إلی أهلها) النساء:58.

ص: 208

وقال قصیدة بلغت الواحد وخمسین بیتاً فی زیارة السلطان ناصر الدین القاجاری لمرقد الإمام الحسین مطلعها(1):

کمل السرور فطبق الأمصارا

وأضاء حتی استوعب الاقطارا

وتهللت سحب السماء فأغدقت

مطراً نسینا بعده الأم___طارا

وقال ذاکراً هذه الزیارة:

هذا ملیک الأرض زار ملیکه

خیر البریة مرق_دا وم_زارا

لم ترضه الأرض البسیطة منزلاً

حتی بنی فوق المج_رة دارا

أرسی سلیمان البساط علی الهوی

ثم استزاد فس_خَّر الأط_یارا

ونراک سخَّ__رت البلاد وأهلها

وملکت دون عبیدها الأحرارا

ما ذاک الا ان ح__ذوت مثاله

وکسبت من م_قداره مقدارا

فالأبیات واضحة المبالغة فخمة الأسلوب ناسبت مقدار هذه الشخصیة التی استبشر الشاعر بها وجعل ما وصلت إلیه من عظمة وجاه مستمد من سیرها علی نهج الحسین علیه السلام وکسبت مقدارها ومنزلتها من مقدار الحسین علیه السلام ومنزلته السامیة.

ومن خلال ما تقدم وما استقرئ من أشعار فی هذا الموضوع الشعری یتبین لنا ان شعر المناسبات له أهمیته عند الشاعر ولم یکن طارئا او ثانویاً بدلیل تدبیجه القصائد الطوال فی هذه المناسبة او تلک واهتمامه بفخامة الأسلوب وجزالته.

4 . الرثاء

تطالعنا فی دیوان الشیخ محسن (أبو الحب) الکبیر مجموعة من القصائد الرثائیة بلغت عشرة قصائد ونتفتین متکونة کلاً منهما من أربعة أبیات. وتوزع الرثاء بین رثاء أهل البیت علیهم السلام، ورثاء مجموعة من الشخصیات العلمیة والأدبیة فی


1- م.ن:89.

ص: 209

عصره فضلاً عن رثاء والدته؛ وتمیز رثاؤه بشکل عام بصدق العاطفة والشعور، وإبداء الحزن واللوعة علی المرثی، من ذلک ما رثی به فاطمة الزهراء علیها السلام بقوله(1):

کم لیلة بات__ت ولیس

سوی الحنین لها حشیَّه

حتی اذا ماتت وم__ا

ماتت مکارمُ_ها السنیَّه

بأبی التی دفنت وعُفِّیَ

قب__رُها السامی تقیَّه

ثم یتوسل بها إلی الله ویرجو ان تغیثه من جور الزمان وغیره فیقول مخاطباً إیاها:

یا بنت خیر ال_عالمین

وصفوة الله الصفی_َّ_ه

أرج___وک لی غوثاً

إذا م_دَّ الزمان یداً إلیَّه

ولح__اجة أو ف__اقةٍ

لا یشمتُ الأع_داءُ فیَّه

هذا ما یریده الشاعر من وراء عرضه لظلامة فاطمة علیها السلام ورثائها؛ انه لا یرید کسباً مادیاً وانما یعالج قضیة رصد لها عمره وحیاته ولا یطلب من ورائها الا الشفاعة ودفع البلاء عنه فی دنیاه.

ونراه یرثی الامام علی علیه السلام ویخاطبه بقوله(2):

أ للإسلام بع_دک من محامٍ

إذا ما حلَّ ساحته اضطرابُ

أ للأیتام بع__دک من کفیل

إذا ما عضَّ__ها للدهر نابُ

لقد فقدوا أبا ب__راً رؤوفاً

بفق_دک یوم ساربک الرکابُ

أری شقَّ الثیاب علیک عاباً

ومثل__ک لا تشقُّ له الثیابُ

واقسم لو جمیع الناس ماتوا

بموتک لم یکن فی ذاک عابُ


1- م.ن:178.
2- م.ن:36.

ص: 210

انها مشاعر صادقة یسجلها الشاعر بلوعة وألم علی ما أصاب الإمام علی وأی فقد یصل بموته فهو للإسلام محامٍ وللأیتام کفیل وهو أب بر رؤوف للجمیع لذا لم یر عیباً ان تشق علیه الثیاب کعادة من یفقد شخصاً عزیزا علیه؛ ثم یقسم لو ان جمیع الناس یموتون بموته لم یکن عیباً علیهم.

إن رثاءه لأهل البیت یحمل فی جنباته قضیة مبدئیة عمادها الوفاء لهم وإحیاء لذکرهم وذماً لأعدائهم ومبغضیهم لذا فرثاؤه لهم یختلف عن رثائه للأشخاص الآخرین ومنهم والدته التی رثاها بقوله(1):

أشکو إلی الرحم_ن لوعتک التی

أودعتها فی ق__لبی الملسوعِ

ولقد کسانی الحزن بعدک مطرفاً

أب__د اللیالی لیس بالمنزوع

ما کنت أول ذاه_ب بین الملا

لکن صبری عنک غیر مطیعِ

فرثاؤه ظاهرة التفجع والتحسر علی ما أصابه من فقد أمه وقد ألبسه الحزن ثوباً لا ینزع، وصبره وتجلده لا یؤاتیه ولا یطیعه علی الرغم من محاولة تأسیه بقوله انها لم تکن بأول ذاهب یخطفه الموت،ولکن ألمه ولوعته کانتا اشد وطأة علیه بسبب عدم حضوره تشییعها اذ کان خارج البلاد لذلک قال:

غابت وغبت ولیت أنی لم اغب

أو لیتها طلعت علیَّ طلوعِ

ما م__رَّ یوم فراقها بی لی_لة

الا وفارق ناظریَّ هجوعی

وأشد ما فی القل__ب منها انها

عدمت غداة رحیلها تشییعی

ویل المحبِّ إذا نوی أحباب__ه

ظ_عناً وفاز سواه بالتودیعِ

ومن رثائه لبعض العلماء والشیوخ الذین توفوا فی عصره رثاؤه لشیخ العراقیین عبد الحسین الطهرانی(2) معظماً فقده، مبیناً ان موته کان خسارة کبیرة وحسرة عظیمة فی


1- م.ن:103.
2- هو مرجع دینی مجتهد، أنابه ناصر الدین شاه القاجاری لکی یشرف علی عمارة المشاهد فی کربلاء والکاظمیة وسامراء، توفی سنة 1286ه_ بالکاظمیة ونقل جثمانه الی کربلاء ودفن فی غرفة خاصة فی الصحن الحسینی الشریف.ینظر: تراث کربلاء: 276_278، ودیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:39.

ص: 211

الصدر فنراه یصفه بقوله (1):

أب_و المعالی إذا ما رمت تعرفه

ینبیک عنه لسان الطرس فی الکتبِ

أحی الندی بعد ما عادت معالمه

کالروض جانب عنه باکر السحبِ

ما أجدبت سن_ة الا وأخصبها

بصی_ّ_ب من ن_دا کفیه منسکبِ

وراح یخاطبه بقوله:

عبد الحسین وک_م عبد بطاعته

مولاه فاق علی الأبناء فی الرتبِ

عب_دٌ ولکن_ه ح__رٌّ لنسبته

إلی الحسین وهذا واضح النسبِِ

کف_اه أن عم_ود الدین ناصره

ح_باه مرتبة فاق_ت علی الرتبِ

 وقال فی رثاء الشیخ مرتضی الأنصاری(2) مشیداً بمنزلته العلمیة ومدی حزن الناس لیس فقط فی العراق بل امتد إلی إیران أیضا(3):

ما آیة الا وک__ان دلیل__ها

ما حجة الا وکان ب_یانها

لبست له ارض العراق سوادها

حتی کست بسوادها ایرانها

عجبت رعایاه علیة بالب___کا

حتی أراع عجیجها سلطانها

فقد أبدی الحسرة واللوعة علی هذه الشخصیة الدینیة التی امتد تأثیرها لیس علی العراق فحسب وانما امتد إلی إیران وقد عجت الناس بالبکاء والتفجع علیه حتی أراع ذلک ذوی السلطان والنفوذ.


1- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:38.
2- هو المرجع الأعلی یوم ذاک، ویعد مجددا ومعیدا لنظام الحوزة العلمیة، توفی سنة 1282ه_. ینظر: دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:167.
3- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:167.

ص: 212

5 . شعر الاستنهاض

والمقصود به تلک القصائد أو الأشعار الخاصة الموجهة إلی الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام لاستنهاضه والتعجیل بخروجه وطلب نصرته والانتقام من الظالمین الذین ملؤوا الأرض ظلماً وجوراً فیحل بهم القصاص العادل وینفذ إرادة السماء فیهم.

وقد أصبح استنهاض الإمام محمد المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف من المقصاد التی یتوخاها الشاعر الشیعی حینما یرثی الإمام الحسین علیه السلام بوجه خاص أو یذکر أئمة أهل البیت ومصائبهم بوجه عام ثم بدأ یستقل غرضاً قائماً بذاته أی تشکلت (قصیدة الاستنهاض) بمفاصلها البنائیة؛ ولاریب فی ان لذلک أسبابه ودواعیه التی من أهمها الواقع السیاسی السیئ الذی یعیشه الشاعر مما یتیح لتلک الأشعار ان تمثل رفضاً سیاسیاً واضحاً، فضلاً عن کونها تنفسیاً نفسیاً عما یصطرع فی نفسه من آمال وأحلام ورؤیة الواقع بأفضل ما یکون.

وقد شاعت فی حقبة الشاعر کثیر من تلک القصائد(1)، واستقرأت فی دیوانه خمس قصائد امتازت بالطول.

اما مضامین هذه القصائد فانها تمحورت علی عدة محاور أهمها الرفض السیاسی للواقع المعاش الذی اشرنا إلیه ونری الشاعر محسن ابو الحب یصرح بغضبه ونقمته علی الحکام الجائرین الذین یتحکمون فی مصائر الناس بدون حق فهو یقول(2):

أ فی ک_ل یوم فاجراً وابن فاجر

یح_کم ف_ینا بادیات معایبه

تروح بن__ا الدنیا وتغدو منیرة

ویملکها من لیس تخفی مثالبه


1- ینظر علی سبیل المثال لا الحصر دیوان السید حیدر الحلی:1/65، 73، 88،111،ودیوان الشیخ صالح الکواز الحلی: 112، ودیوان ابن کمونة:38.
2- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:52.

ص: 213

ویقول فی الأخری(1):

إلی الله نشکو الیوم فقد نب_ینا

وغیبتک اللاتی یضیق لها الصدرُ

عسی الله بعد الیوم یبدل عسرنا

بیسرک ان العس__ر یعقبه الیسرُ

أحاطت بنا الأعداء من کل جانب

و لا وزر ن_أوی إلی_ه ولا إزرُ

مل__لنا وملتنا بط__ول قراعها

فحتی متی نحن القطا وهم الصقرُ

فالشاعر یتمثل روح الجماعة وهو یخاطب الإمام الغائب ویشکو فقد النبیصلی الله علیه وآله وسلم وغیبته التی ضاق بها الصدر لطولها، وهو یدعو الله ویتمنی علیه ان یبدل العسر الذی نحن فیه إلی یسر وهو مصداق الآیة المبارکة:

«فانَّ مع العُسرِ یُسراً، إنَّ مع العُسرِ یُسراً»(2).

فهذا الأمر وهذه الدعوة متأتیة من واقع الأعداء المحیطین بنا من کل جانب ولم یبق مکان نلتجئ إلیه غیره، وقد مللنا مقارعة الأعداء ولم نزل نحن القطا الضعیفة أمامهم وهم الصقر الکاسر. ان هذه الأبیات لتکشف عن الواقع الألیم الذی یعیشه الشیعة فی کل مکان وفی کل زمن.

وقال مخاطبا الإمام الغائب طالبا منه الاستغاثة(3):

أ غثنا بالذی س_واک ش_رعاً

فقد بلغ العدو بنا الم_راما

أما وأبیک لا یرضی وترضی

إذا ما قمت منتضیا حساما

طغت حتی الکلاب الجرب لما

أطلت فداک أنفسنا المقاما

لقد شابت نواص_ینا انتظاراً

ولم نشدد لنصرکم جزاما


1- م.ن:82.
2- الشرح:5_6.
3- دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر:139.

ص: 214

إن ضیق الصدر وسوء الوضع العام یجعل الشاعر یضیق ذرعاً بالحکام الجائرین وینعتهم بالکلاب الجرب، فضلاً عن مشاعره الجائشة بالترقب والانتظار وطلب الاستغاثة.

 اما المحور الآخر الذی تضمنته قصائد الاستنهاض هو عرض مظلومیة أهل البیت علیهم السلام وقد خص منها مظلومیة فاطمة علیها السلام والإمام علی علیه السلام، ورکز الحدیث طویلاً فی الحسین علیه السلام وما جری علیه وعلی أولاده وصحبه علی صعید کربلا فنراه یخاطب الإمام بقوله(1):

أقص علیک الیوم أخبار ما جری

وأنت الذی لایعد عن علمک الذرُ

لمن أعین سالت نجیعاً بکرب_لا

زماناً وجفَّت ثمّ س_اعدها القطرُ

لمن جثث فوق الرمول تلاعبت

علیهاعوادی الخیل لاجازها العقرُ

لمن أرؤس فی کل مجلس ریبة

تل__ذ لمرآها لشارب_ها الخمرُ

هکذا یقص علی الإمام الغائب أحداث کربلاء وما جری علیها من فواجع، وهو باستذکاره هذا یحفز الإمام علی اخذ الثار ممن قتل الحسین علیه السلام وأهل بیته ونراه یؤکد هذا المعنی بقوله فی مفتتح قصیدته(2):

متی تدرک الثار الذی انت طالبه

متی تملک الأمر الذی أنت صاحبه

ویقول مخاطبا الإمام الغائب(3):

ودع عنک ما نال الحسین فان_َّه

أجلُّ وأعلی ان تعدَّ مصایب__ه

وماذا الذی أنسی وما أنا ذاک_ر

وهذا بأعلی العرش یزعق نادبه

ولا تسألن من بعده کیف أصبحت

حلای_له بین العدی ون__جایبه


1- م.ن:83.
2- م.ن:52.
3- م.ن:54.

ص: 215

إن الشاعر یعرض مصائب أهل البیت علیه لتکون مدعاة لخروجه وتعجیل ذلک فضلاً عن مواساته وتعزیته بما حلّ علی أجداده من مصائب یشیب لها الولیدُ.

اما المحور الآخر الذی رصد هو مشاعر الشاعر الصارخة وقد لمسناها فی المحورین المتقدمین ولکننا نراها أیضا فی خاتمة قصائده الاستنهاضیة وقد خفت حدة الانفعال وراح الشاعر یبث همومه ویطلب حوائجه من الإمام؛ فنراه یقول فی ختام إحدی قصائده الاستنهاضیة(1):

ذا بعض ما نالکم فانهض فداک أبی

کل الرزایا ب__کم ینجاب غیهبها

أن__ت البق___یة من قوم اکفَّهم

عمَّ البری___ة بالإحسان صیِّبها

ک_م نعم_ة لک لا اسطیع اشکرها

وکیف شکری ولا اسطیع احسبها

وح__اجة لی أخری سوف انزلها

بریع جودک فانظ_ر کیف توهبها

لابدّ من__ها فقد أمسیت فی ق_لق

منها وها أنا م__نک الیوم أطلبها

علی__ک منی سلام الله م__تصل

ما هبّ من نسمات الریح أطی_بها

فالشاعر یذکر ان نظمه لحاجة أقلقته ویطلب استیفاءها من الإمام، وکأن وراء نظمه هذه القصیدة او تلک من القصائد الاستنهاضیة وحتی الطفیة هی لحاجة عند الشاعر اما دنیویة او أخرویة کطلبه الشفاعة والعفو من النار وتخفیف الذنوب؛ ونراه یقول مخاطباً الإمام(2):

بابی أن_ت لا ترع_نی بخطب

ان_ا والله اضع_ف الناس حالا

جد بما ارتجیه أن_ت لعم_ری

أک_رم الناس للع__فاة ن_والا

واع__نِّی علی زم__انی أنی

لا أری غیرکم لنفسی ثم_الا

وسلامی علیک یتری مدی الده_

_ر وما هاجت الریاح الرمالا


1- م.ن:57.
2- م.ن:124.

ص: 216

وشبیه بهذه الخاتمة یختم الأخری بقوله(1):

فخ__ذ بیدی فقد ثقلت ذن_وبی

علیّ فلم أط___ق منها القیاما

وکن لی م_لجأ من کل خ_طب

وکن لی من ید البلوی عصاما

وکن بی راضیاً فی الحشر عبداً

 فانی ق_د رضیتک لی إم_اما

وبل_غک المهیمن ک_ل ی__وم

صلات_ی والتحی_ة والسلاما

ومهما یکن من امر فان قصیدة الاستنهاض أخذت ابعاد متعددة ناسبت طبیعة الأحداث التی یواجهها الشاعر والأخطار المحیطة به، فکانت تعبیراً عن صرخة سیاسیة عقائدیة فی إطار ذاتی نفسی.

6 . المدیح

 ومن الموضوعات الحاضرة فی الدیوان المدیح إذ بلغ أربع قصائد وخمس نتف، توجه فی معظمه لمدح الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام، وتوجه فی بعض منه لمدح بعض الشخصیات الدینیة والأدبیة فی عصره؛ اما قصیدته فی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فقد کانت خلیطاً من مدح ورثاء،وانتقل فیها لمدح سبطیه الحسن والحسین علیهما السلام وقد ابتدأها بقوله (2):

تج__ردت للمجد یا احمدُ

وجُرِّد جوهرک المفردُ

ولیس یجاریک غیر السحاب

فما أنت فی نیله أوحدُ

رضیناک دون الوری سیداً

کریماً ونح_ن له اعبدُ

وفیها یقول(3):

فمن أحرز السبق فی المکرمات

متی نار ضیفانه تخ_مدُ


1- م.ن:140.
2- م.ن:76.
3- م.ن:77.

ص: 217

فتی کان بی__ن جمیع الوری

حواری عیسی له تشهدُ

جری سیب__ه مرفداً للسحاب

بما کان من سیبه یرف_دُ

فیا وحشة الدهر من بع___ده

ویا سع__د لحد به یلحدُ

لروح الجنان سمت روح___ه

وقد ضمٌ جثت_ه المسجدُ

فالشاعر یری فی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم جمیع الخصال المثالیة التی اتسم بها منذ نعومة أظفاره حتی شب فتی یشهد له الجمیع بالمکرمات حتی المسیحیون قد شهدوا له بها فان سحاب خیره قد عم الجمیع؛ ثم یخبرنا بوحشة الدهر من بعده وقد سعد اللحد لانه یضم خیر الأنام والمرسلین وکانت روحه فی الجنان اما جسده الطاهر فقد حواه المسجد المبارک؛ ثم ینتقل إلی مدیح (البدرین) ویقصد بهما الحسن والحسین سبطا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال(1):

خذا ب_یدی وانصرانی ف_قد

جفانی نصیری والمنجدُ

ف_إنک_ما اعت_صام_ی إذا

تعاورنی الحدث الان_کدُ

وحاربنی الناس حتی القریب

فلا منجد ف__یه استنجدُ

إذا ما الأقارب ق__د باعدت

ف_ما بعدها یصنع الأبعدُ

فهذا لسانی احصدا ح__لوه

فحسن الثنا خیر ما یحصدُ

حلاً فاحصداه کحب الحصید

وغ__یرکما مره یحصد

ففی هذه الأبیات تستوضح طبیعة العلاقة بین الشاعر وأهل البیت علیهم السلام إنهم یمثلون له باباً من أبواب استجابة الدعاء عند الله تعالی، وانهم شفعاء له ینصروه فی دنیاه علی مکارهها وما یتعرض له من سوء،وفی أخراه حیث یخلصوه من نیران جهنم وجلیل وقوع المکاره فیها ولا بأس ان یذکر ان شعره فیه الحلو وفیه المر بمعنی فیه الجید وفیه الردیء ویطلب منهما ملتمسا ان یأخذا حلوه فالمر لغیرهم.


1- م.ن.

ص: 218

ومن قصائده المدحیة ما وجه للإمام علی علیه السلام فنراه یقول(1):

قصّر القومُ عن بلوغ مداکا

فلذا حاولوا انحطاط علاکا

لا ورب السماء لم یک فیما

ح_اولوه إلا ارتفاع ذراکا

کان دین النبی حقاً ول_کن

لم یکن واضح الهدی لولاکا

لم ت_زل ناصحاً له وأمینا

وأخا حیث دون__هم آخاکا

فالشاعر یعرض دور الإمام علی علیه السلام فی نصرة الإسلام ودحر الکافرین، ومحاولة المنافقین ان ینالوا من هذا الدور والحط منه، ثم یعرض أحقیته فی الخلافة من بعد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الذی أقامه علیهم وأشهدهم علی ذلک فی موقف طالما أکد علیه الشاعر هو (یوم الغدیر) وإنکار القوم لتلک البیعة فهو یقول:

کان إنکارهم لبیعتک الغ__را

ءَ خطباً یزعزع الافلاکا

ثم یقسم:

قسما بالذی اقامک دون ال_

خ_لق طراً لدینه سماکا

لو أطاعوک لارتقوا کلّ ع_الٍ

لم تؤمل له السها إدراکا

ثم یعرض ما قاساه الإمام علی علیه السلاممن الم وحسرة علی ما أصاب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وزوجته فاطمة وما واجهه من محن واصطبار علیها، ثم یخاطب الإمام علیه السلام قبیل نهایة قصیدته بقوله(2):

أنت أعلی قدراً واعظم صبراً

ولذا جل فی القلوب بلاکا

ثم یدعو أئمته علیه السلام کعادته فی القصائد الموجهة إلیهم:

بابی ان_تم وأمی ک__راماً

لا أری لی ب_غیرها استمساکا

خلصونی مما أخ_اف فانی

ع_دت ضعفاً اغالط المسواکا


1- م.ن:114.
2- م.ن:115.

ص: 219

واجعلونی من همکم یوم لایر

جو امرئ من عظیم هم فکاکا

لم نزل نستقی بح_ور نداکم

وک__ذلک الک_رام حقاً کذاکا

 ومن مدیحه ما نجده موجهاً إلی ابنی احد وجهاء کربلاء وعلمائها وهو السید کاظم الرشتی الحائری فنراه یقول مخاطبهما(1):

قصیرٌ عن مدیحکما لس_انی

ق__لیلٌ فی ثنائکم بیانی

ولو انی ملأت الأرض نظماً

بمدحکما ونثراً ما کفانی

إذا کان المعزُّ هوی خضوعاً

لعزِّکما لما مدح ابن هانی

فالملاحظ المبالغة فی هذا المدیح فلم ینظم الا من اجل المجاملة والتودد واستقطاب الآخر، فهذه القصیدة متوزعة بین غرضین وافق بینهما الشاعر بطریقة ملفته فابتدأها بالمدح ثم أعقبه رثاء والد المعنیین ثم رجع إلی التهنئة والمبارکة علی زواج احد أبناء السید کاظم الرشتی، وهذا یجعل الشاعر فی موقف حرج استطاع ان یتخلص منه بطریقة لطیفة فنراه ینتقل من الرثاء الی المدیح بقوله:

مضیت ولم تکن تمضی إلی ان

رأیت ب_نیک أولی بالمکانِِ

فرح_ت ولم تُرح الا شه_یداً

لما لاقیت من عصب الشنانِِ

ولاریب فی انها مقدرة فنیة امتلکها الشاعر واستطاع من خلالها ان یخرج لنا هذه القصیدة.

7 . موضوعات شعریة أخری

 من الموضوعات الأخری التی تطالعنا فی دیوان محسن (أبو الحب) الک_بیر اله__جاء،فن_جد عنده قصیدة متکونة من سبعة وعشرین بیتاً یهجو شخصیة یبدو أنها بارزة فی عصره وج__د فی_ها ام_تداداً للظالمین ال_ذین ظل_موا محمداً وآله علیهم السلام،


1- م.ن:162.

ص: 220

فنراه یخاطب تلک الشخصیة بقوله(1):

تبکی الحسین ولو شهدت قتاله

مزَّق___ت جثته بکل حسامِ

سلبت (حرملة) اللعین سهامه

وکفیته قتل الرض_یع الظامی

ویخاطبه فیها قائلا:

وأقول ان الهجو فی_ک عبادة

والمدح إثمٌ لیس ک___الآثامِ

وسکتُ عن أشیاء لو أبرزتها

غنَّت بها الأطیارُ فی الآجامِ

فهجاؤه لم یکن یقصد الشخصیة بقدر ما یعیب علیها مواقفها الفاضحة ولم تخل من تهجّم وسخریة واضحة.  

ونجد أیضا من الموضوعات الشعریة الأخری الغزل فنجد له بیتین مستقلین هما قوله(2):

حملت براحتها الشهاب لتهتدی

نهج السبیل ولی_تها لا تهتدی

أتقلُّ مصباحاً وضوء جب_ینها

یزری بضوء الکوکب المتوقدِ

فالبیتان اعتیادیان فی التصویر، فتشبیه جبین المرأة الحسناء بضوء الکوکب المتوقد من التشبیهات التی تعاورها الشعراء قدیماً، ومن أبیاته الغزلیة قوله(3):

لا تحسبوا انی کففت تعففاً

نَظری إلی___ها أو مخافة لائمِ

لکننی عاینت أسهم لحظها

تتری فخفت ع_لی حشای الهائمِ

فالملاحظ ان غزله هو تقلید فنی أکثر من کونه نابع من تجربة حقیقیة، وکذلک ما نجده فی بعض مقدمات قصائده من غزل، فهو یفتتح قصیدته النونیة فی رثاء الحسین علیه السلام بمقدمة غزلیة جاء فیها(4):


1- م.ن:151.
2- م.ن:76.
3- م.ن:141.
4- م.ن:168_169.

ص: 221

ان کنت مشفقة ع_لیَّ دعینی

ما زال لومک فی الهوی یغرینی

لا تحسبی انیِّ للوم_ک سامع

انی اذاً فی الح__بِّ غیر أمین

بینی وبین الحب ع_هد کلما

رام الع__واذل نقضه ترکونی

ألبسته ثوب الوق__ار تجملاً

کی لا تری بی ح_الة المجنون

ان جنَّ خل العامریة یاف_عاً

فلقد جننت ولم یح__ن تکوینی

 فحدیث اللائمة فی الحب وجنونه فی من یحب هو حدیث تمهیدی ناسب توجهه العقائدی فی رثاء الحسین علیه السلام ومن سقط علی صعید کربلاء، فالحب هنا حب عقائدی أخروی أکثر من کونه دنیوی،ثم یضرب لنا مثلا فی الحب مشهورا وهو مجنون لیلی العامریة.

ومن الموضوعات الأخری التی تطالعنا فی الدیوان الوصف والحکمة أذ تخللت قصائده، فنجد من الوصف قوله فی کتاب نهج البلاغة(1):

هذا الکتاب ک_تاب الله ان_زله

علی لسان علیٍّ أفصح العربِ

اخو الکتاب الذی جاء النبی به

کلاهما عن نبیٍّ او وصیِّ نبی

فالشاعر لا یجد فرقاً کبیرا ًبین کتاب الله ونهج البلاغة سوی ان الأول انزل علی نبی صلی الله علیه وآله وسلم وهذا علی (وصی النبی)؛ ولعل فی هذا القول مبالغة لا یستسیغها الا من آمن بأئمة أهل البیت وبعصمتهم علیهم السلام.

 ومن حکمیاته المبثوثة فی قصائده(2):

زعم الأولی ان السرور ثلاثة

الماءُ والخضراءُ والحسناءُ

صدقوا ولک_ن السرور ثلاثة

السیفُ والملساءُ والجرداءُ

تجنی بهنّ م_آثراً وم_آثراً

تبلی الدهور وما لهن بلاءُ


1- م.ن:55_56.
2- م.ن:27.

ص: 222

مثلت هذه الأبیات وجهة نظر الشاعر فی الحیاة وقد خالف وجهة نظر شاعر آخر.

ومن مقدمات قصائده الحکمیة(1):

اصبر لعل الذی ترجوه قد قربا

فقد ینال الفتی بالصبر م_ا طلبا

لا تبغین طیب عیش فی الزمان فقد

آل الزمان بأن یجفو وان صحبا

ان المعالی وان بانت مقاصدها

 فلیس ی_درکها الا الذی تعبا

أرفق بنفسک کی لا تفنها ضجراً

فلست تملکها نفعاً ولا ع__طبا

فقد جعل هذه الحکم التی وجهها للشخصیة التی جرَّدها من نفسه بدایة تمهیدیة لیضرب المثل علیها بأئمة أهل البیت الذین وصلوا إلی أعلی المراتب فی السمو والمجد علی الرغم مما قاسوه فی حیاتهم من ظلم وجور.


1- م.ن:32.

ص: 223

جداول الموضوعات الشعریة

1 . جدول الطفیات والمصاحبة للطفیات

التسلسل

رقم القصیدة فی الدیوان

عدد الأبیات

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

1

69

الکامل

دواءُ

مصرعة

2

3

34

البسیط

طلبا

مصرعة

3

7

25

الکامل

الندبا

غیر مصرعة

4

8

42

الکامل

یلعبُ

مصرعة

5

11

55

البسیط

عذبا

مصرعة

6

12

57

الطویل

الحوالبا

مصرعة

7

16

45

الطویل

مذاهبه

مصرعة

8

17

24

المتقارب

صاحِ

غیر مصرعة

9

18

39

الکامل

جراحها

مصرعة

10

19

41

الکامل

التجدیدُ

مصرعة

11

20

50

البسیط

مردودِ

مصرعة

12

21

77

الخفیف

حدیدا

مصرعة

13

23

24

الطویل

أجددُ

مصرعة

14

29

19

الطویل

زهرا

مصرعة

15

30

36

الطویل

شرارُها

مصرعة

16

32

53

الطویل

المقادرُ

مصرعة

17

40

37

الطویل

یعی

مصرعة

18

44

46

البسیط

نعا

مصرعة

ص: 224

19

52

51

المتقارب

مسیلِ

مصرعة

20

53

36

البسیط

الجَدَلُ

مصرعة

21

54

35

الکامل

الجمیلا

غیر مصرعة

22

56

35

الطویل

الفضْ_لِ

غیر مصرعة

23

58

61

الطویل

یقْ_تَلُ

مصرعة

24

59

21

الطویل

بمع_زَْلِ

غیر مصرعة

25

60

62

الکامل

حالی

مصرعة

26

66

50

الوافر

المرامِِ

مصرعة

27

72

56

البسیط

سَقَمِ

مصرعة

28

73

55

الخفیف

کلیمُ

مصرعة

29

74

27

الکامل

حنینا

مصرعة

30

75

31

الخفیف

فآنا

مصرعة

31

80

62

الکامل

یغرینی

مصرعة

32

81

87

الکامل

جثمانا

غیر مصرعة

33

84

78

البسیط

أحصیها

مصرعة

لنتائج الجدول:

1 . عدد أبیات الطفیات والمصاحب لها بلغ ألفا وخمسمائة وعشرین بیتاً. مما شکل نسبة 52 % من مجموع أشعار الدیوان.

2 . من بین ثلاث وثلاثین قصیدة ست قصائد فقط لم تصرع.

3 . بلغت عدد القصائد التی نظمها الشاعر علی بحر الکامل عشرة وکذلک الطویل عشرة، أما البسیط فسبع والخفیف ثلاث والمتقارب ثلاث والوافر قصیدة واحدة.

4 . بلغت عدد القصائد التی نظمها الشاعر علی قافیة اللام سبع والباء ست والدال أربع والنون أربع والراء ثلاث والمیم ثلاث والحاء اثنتین والعین اثنتین وأخیر الیاء بلغت واحدة.

5 . بلغت أطول طفیة لدیه سبع وثمانین بیتاً واقصرها تسع عشر بیتاً.

ص: 225

2 . جدول موضوع شعر المناسبات والاخوانیات

التسلسل

رقم القصیدة فی الدیوان

عدد الأبیات

المناسبة

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

10

28

هنأ بها بعض العلویین

الکامل

الطیبا

مصرعة

2

22

55

یوم الغدیر

الکامل

احمدِ

غیر مصرعة

3

24

13

عند زیارته الجوادین

البسیط

الهادی

مصرعة

4

34

51

زیارة ناصر الدین القاجاری

الکامل

الأقطارا

مصرعة

5

36

56

یوم الغدیر

الخفیف

بالأمیرِ

غیر مصرعة

6

37

34

فی العلم الذی اهدی إلی الروضة العباسیة

البسیط

نورا

مصرعة

7

38

55

انتهاء العمل فی الروضة الکاضمیة

البسیط

الشجرا

مصرعة

8

47

12

الانتهاء من عمل الجدار الشمالی للروضة الحسینیة

الرجز

خلوفها

مصرعة

9

57

78

یوم الغدیر

الکامل

المرسلُ

مصرعة

10

69

72

یوم الغدیر

البسیط

نقموا

غیر مصرعة

11

78

63

رداً علی احد النواصب

الطویل

مثلنا

غیر مصرعة

نتائج الجدول:

1- بلغ مجموع الأبیات خمسمائة وسبعة عشر بیتا مشکلة نسبة 18% من مجموع أشعار الدیوان.

2- اهتم الشاعر بمناسبة یوم الغدیر وأخذت حیزا من اهتمامه بلغ ثلاثة قصائد طویلة، اما بقیة قصائده فتوزعت بین تهنئة واستقبال وفرحة بانتهاء عمل، ورد عقائدی علی الظالمین.

ص: 226

3- جاءت أربع قصائد علی بحر البسیط وثلاث قصائد علی الکامل وجاءت ثلاث قصائد علی الأبحر: الخفیف والطویل والرجز.

4- جاءت أربع قصائد علی قافیة الراء وست قصائد توزعت علی القوافی الباء والدال والفاء واللام والمیم والنون.

5- جاءت سبع قصائد مصرعة وثلاث غیر مصرعة.

3 . جدول موضوع الرثاء

التسلسل

رقم القیصدة فی الدیوان

عدد الأبیات

المرثی

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

5

56

الإمام علی علیه السلام

الوافر

إیابُ

مصرعة

2

6

39

الشیخ عبد الحسین الطهرانی

البسیط

الکَرَبِ

مصرعة

3

33

33

فی بعض أحبته

الطویل

بدرُ

مصرعة

4

42

40

والدته

الکامل

ضلوعی

مصرعة

5

43

48

السید مهدی القزوینی

البسیط

دَعَا

مصرعة

6

46

27

الحاج جواد بدکت

الطویل

إلْفَا

غیر مصرعة

7

67

50

اهل البیت علیهم السلام

الکاما

هیامی

مصرعة

8

68

23

السید حسین المجاهد

الطویل

المقوَّما

مصرعة

9

79

25

الشیخ مرتضی الانصاری

الکامل

لسانها

مصرعة

10

83

52

الزهراء علیها السلام

الکامل

ریِّهْ

مصرعة

ص: 227

نتائج الجدول:

1 . بلغت مجموع القصائد الرثائیة ثلاثمائة وثلاثة تسعین بیتاً مشکلة نسبة 14% من أشعار الدیوان.

2 . شکلت ثلاث قصائد فی رثاء الإمام علی والزهراء وأهل البیت علیهم السلام، الاتجاه العقائدی فی الرثاء، وجاءت سبع قصائد لشخصیات دینیة وعلمیة وأدبیة فضلاً عن والدته مثلت رثاء الآخر.

3 . جاءت أربع قصائد علی الکامل وثلاث علی الطویل واثنان علی البسیط وواحدة علی الوافر.

4 . قصیدة رثائیة واحدة لم تصرع والبقیة مصرعة.

5 . اما القوافی فکانت قصیدتان لکل من الباء والعین والمیم وواحد لکل من الراء والفاء والنون والیاء.

4 . جدول بقصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف

التسلسل

رقم القصیدة فی الدیوان

عدد الأبیات

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

13

59

الطویل

صاحبُه

مصرعة

2

15

38

البسیط

یعقبُها

مصرعة

3

31

49

الطویل

الدهرُ

مصرعة

4

55

54

الوافر

الجبالا

مصرعة

5

64

56

الوافر

انسجاما

مصرعة

نتائج الجدول:

1- بلغ مجموع الأبیات مائتین وستة وخمسین بیتاً مشکلة نسبة 9% من أشعار الدیوان.

ص: 228

2- جاءت قصیدتان منها علی بحر الطویل وثلاث قصائد جاءت علی الأبحر البسیط والخفیف والوافر.

3- جاءت قصیدتان علی قافیة الباء وثلاث قصائد علی القوافی والراء واللام والمیم.

4- جاءت جمیع القصائد الاستنهاضیة مصرعة.

5 . جدول موضوع المدیح

تسلسل

رقم القصیدة فی الدیوان

عدد الأبیات

الممدوح

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

26

41

الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والحسن والحسین علیه السلام

المتقارب

المفردُ

مصرعة

2

49

15

أبو الفضل العباس علیه السلام

المتقارب

ترتقی

مصرعة

3

50

41

الإمام علی علیه السلام

الخفیف

علاکا

مصرعة

4

77

25

السید کاظم الرشتی

الوافر

بیانی

مصرعة

نتائج الجدول:

1 . بلغ مجموع أبیات المدیح مائة وسبعة وسبعین بیتا مشکلة نسبة 4 % من أشعار الدیوان.

2 . ضمت أربع قصائد مدحاً لشخصیات أهل البیت علیهم السلام، وقصیدة واحدة جاءت فی شخصیة علمیة دینیة.

3 . جاءت قصیدتان علی بحر المتقارب وقصیدة واحدة علی بحر الکامل والخفیف والوافر.

4 . استعمل الشاعر قافیة الدال فی قصیدتین واستعمل قافیة القاف والکاف والنون فی ثلاث قصائد.

5 . صرع الشاعر أربع قصائد مدحیة ولم یصرع فی واحدة.

ص: 229

6 . جدول قصائد الهجاء

تسلسل

رقم القصیدة فی الدیوان

عدد الأبیات

الممدوح

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

41

11

هجاء من عادی علیاً

الکامل

ضیاعها

غیر مصرعة

2

70

27

هجاء احد النواصب

الکامل

الإسلامِ

غیر مصرعة

نتائج الجدول:

1 . بلغ مجموع الأبیات ثمانیة وثلاثین مشکلة نسبة 1 % من أشعار الدیوان.

2 . القصیدتان جاءتا علی بحر الکامل.

3 . تنوعت القافیة بین العین والمیم.

4 . کلتا القصیدتین لم تصرعا.

7 . جدول بالمقطعات التی حواها الدیوان وأغراضه الشعریة

7 . جدول بالمقطعات* التی حواها الدیوان وأغراضه الشعریة

التسلسل

رقم المقطوعة فی الدیوان

عدد الأبیات

الموضوع الشعری

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

4

7

المدح

البسیط

الکتبُ

غیر مصرعة

2

48

9

المدح

البسیط

أخلاقا

مصرعة

3

51

6

الهجاء

الوافر

أقولُ

غیر مصرعة

4

71

5

اخوانیات

البسیط

الخیمِ

مصرعة

5

82

9

الهجاء

البسیط

تهواه

غیر مصرعة

* المقطوعة ما کانت متکونة من ستة أبیات إلی تسعة أبیات.

8 . جدول بالنتف التی حواها الدیوان وأغراضها الشعریة

8 . جدول بالنتف* التی حواها الدیوان وأغراضها الشعریة

التسلسل

رقم النتفة فی الدیوان

عدد الأبیات

الموضوع الشعری

البحر الشعری

القافیة

التصریع

عدم التصریع

1

2

2

المدح

الکامل

العلیاءُ

غیر مصرعة

2

9

4

الرثاء

المتقارب

منصبا

غیر مصرعة

3

14

2

الوصف

البسیط

العربِ

غیر مصرعة

ص: 230

4

25

2

الغزل

الکامل

تهتدی

مصرعة

5

27

2

المدح

الطویل

یقصدُ

غیر مصرعة

6

28

4

الهجاء

الطویل

النکرِ

غیر مصرعة

7

35

2

المدح

الطویل

عاذرا

غیر مصرعة

8

39

4

المدح

الرجز

الاوانسْ

غیر مصرعة

9

45

2

المدح

الکامل

اعرفُ

غیر مصرعة

10

61

4

الرثاء

الطویل

سائلِ

غیر مصرعة

11

62

4

الاخوانیات

السریع

الغرامْ

غیر مصرعة

12

63

1

الاخوانیات

السریع

أهلها

غیر مصرعة

13

65

2

الغزل

الکامل

لائمِ

غیر مصرعة

14

76

2

الوصف

الوافر

عنِّی

غیر مصرعة

* النتفة ما کان عدد أبیاتها الأربعة فما دون ذلک.

نتائج جدولی المقطعات والنتف الشعریة:

1_ بلغ مجموع أشعار المقطعات والنتف التی حواها الدیوان ثلاثة وسبعین بیتا مما شکل نسبة 2 % من مجموع أشعار الدیوان.

2_ تصدر موضوع المدح الجدولین وتلاه موضوعا الهجاء والاخوانیات ومن ثم الغزل والوصف والرثاء بنسب متفاوتة.

3_ تصدر البسیط الجدولین وتلاه الطویل والکامل، ومن ثم الوافر والسریع بنسب متساویة.

4_ بلغت المقطعات والنتف المصرعة ثلاثا، والبقیة غیر مصرعة.

5_ هناک إشارات من محقق الدیوان إلی ان بعض النتف هی جزء من قصیدة ضائعة، ینظر فی ذلک التسلسل: 2، 10، 11، 12، من جدول النتف فی دیوان الشاعر.

ص: 231

الخاتمة

من خلال مسیرة البحث یمکن تسجیل النتائج الآتیة:

_ وظف الشاعر محسن أبو الحب الکبیر جل شعره فی قضیة الحسین علیه السلام ومن استشهد معه فی معرکة الطف ومن سبی من أهل بیته علیهم السلام؛ وسواء أکان ذلک فی قصائده الطفیة أو فی قصائده الأخری المتعلقة بأهل البیت علیهم السلام أو قصائده الاستنهاضیة.

_ تمتعت قصائده الطفیة بشکل عام بحرارة العاطفة وصدق التصویر، وجاءت متکاملة البناء والنسج.

_ اهتم الشاعر بشعر المناسبات والاخوانیات؛ فوجدنا عنده القصیدة الطویلة، والعنایة الفنیة بتلک القصائد، وجاء اهتمامه بالغا بمناسبة یوم الغدیر ونعتنا قصائده تلک ب_(الغدیریات).

_ توزع الرثاء بین الرثاء العقائدی الذی خص به أئمة أهل البیت علیهم السلام، وبین رثاء الآخر من الشخصیات العلمیة والأدبیة فضلاً عن رثاء والدته.

_ اهتم الشاعر بشعر الاستنهاض الموجه إلی الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام ووجدنا له خمس قصائد متکاملة کانت محاورها متمثلة بالرفض السیاسی للواقع المعاش، وعرض مظلومیة أهل البیت وقصها علی الإمام الغائب،

ص: 232

وتمثل المحور الأخیر بانفعالات الشاعر تجاه الأحداث التی یعیشها وصبره فی غیبة الإمام وعرض حاجاته الدنیویة والأخرویة وطلب استیفائها من الإمام الغائب عجل الله تعالی فرجه الشریف.

_ کان المدیح فی معظمه موجهاً لأهل البیت علیهم السلام، وقد اختلط بموضوعات أخری أهمها الرثاء، والامتعاض ممن عادی أهل البیت وکان سبباً فی مصائبهم ومحنهم.

_ وجاءت الموضوعات الأخری اقل نسبةً من الموضوعات المتقدمة، فکان الهجاء والغزل والوصف والحکمة من الموضوعات التی طرقها الشاعر؛ وغالباً ما کانت نتفاً أو مقطوعات، أو متداخلة مع الأغراض المتقدمة لذا لم نفرد لها جدولاً للإیضاح سوی الهجاء الذی رصدت له قصیدتین.

وأخیرا نحمد الله العلی العزیز علی توفیقه لإتمام هذا البحث الذی رجونا به القربة منه، وخدمةً لشاعر کربلائی کبیر یستحق الدراسة والبحث راجین ان نکون قد وفقنا لذلک.

ص: 233

ثبت مصادر ومراجع الإجراءات

اشارة

1. القرآن الکریم.

2. أبو العتاهیة أشعاره وأخباره، تحقیق: د. شکری فیصل، مطبعة جامعة دمشق، 1384ه_ - 1965م.

3. الإتقان فی علوم القرآن،جلال الدین السیوطی، دار الندوة الجدیدة، بیروت، 1951م.

4. الأدب الأندلسی من الفتح حتی سقوط غرناطة، د. منجد مصطفی بهجت، مدیریة دار الکتب للطباعة والنشر - بغداد، 1988م. د.ط.

5. أدب الطف، أو شعراء الحسین علیه السلام من القرن الأول الهجری حتی القرن الرابع عشر، جواد شبر، ط1، مؤسسة التاریخ، بیروت، 1422 ه_ _ 2001 م.

6. الأدب العربی فی کربلاء من إعلان الدستور العثمانی إلی ثورة تموز 1958 م؛ اتجاهاته وخصائصه الفنیة، د. عبود جودی الحلی، منشورات مکتبة أهل البیت، کربلاء، 2005 م، د. ط.

ص: 234

7. الأسس الجمالیة فی النقد العربی، عرض وتفسیر ومقارنة، د. عز الدین إسماعیل، ط 3، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1986م.

8. أعیان الشیعة، السید محسن الأمین العاملی، تحقیق: حسن الأمین، ط5، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 1420 ه_ _ 2000 م.

9. الاغتراب فی حیاة وشعر الشریف الرضی، عزیز السید جاسم، ط2، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1987م.

10. الإیضاح فی علوم البلاغة، للخطیب القزوینی (ت_739ه_)، شرح وتعلیق وتنقیح: د. محمد عبد المنعم خفاجی، ط3، دار الجیل - بیروت، د. ت.

11. البابلیات، محمد علی الیعقوبی، ط2، دار البیان، مصر، 1951 م.

12. بلاغات النساء، أبو الفضل بن أبی طاهر المعروف بابن طیفور (ت 380 ه_)، منشورات مکتبة بصیرتی، قم، د. ت. ط.

13. بناء القصیدة الفنی فی النقد العربی القدیم والمعاصر، مرشد الزبیدی، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1994م، د.ط.

14. بناء القصیدة فی النقد العربی القدیم (فی ضوء النقد الحدیث)، د. یوسف حسین بکار، ط2، دار الأندلس، بیروت، 1403ه_ - 1983م.

15. البیوتات الأدبیة فی کربلاء، موسی إبراهیم الکرباسی، ساعدت نقابة المعلمین المرکزیة علی طبعه، 1387ه_ - 1968م.

16. تاج العروس من جواهر القاموس، السید محمد المرتضی الحسینی الزبیدی (ت 1025 ه_) منشورات مکتبة الحیاة، بیروت، د. ت. ط.

17. تاریخ آداب العرب فی عصر بنی العباس وعصور الأندلس والمغرب والدولة الترکیة فی العراق والشام ومصر، کمال إبراهیم ومحمد بهجت الأثری ومصطفی

ص: 235

جواد، 1972، د.ط.

18. تاریخ الأدب العربی قبل الإسلام، د.نوری حمودی القیسی، ود. عادل البیاتی ود. مصطفی عبد اللطیف، مطبعة التعلیم العالی بالموصل، 1410ه_ - 1989م، د. ط.

19. تاریخ بغداد، الخطیب البغدادی (أبو بکر أحمد بن علی ت463ه_)، مطبعة السعادة بمصر، 1931، د.ط.

20. تاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء، نور الدین الشاهرودی، ط1، دار العلوم، بیروت، 1410 ه_ _ 1990 م.

21. تاریخ الخلفاء، السیوطی (جلال الدین عبد الرحمن ت911ه_)، تح: محمد محی الدین عبد الحمید، ط3، مطبعة منیر، بغداد، 1987م.

22. تأصیل النص قراءة فی ایدیولوجیا التناص، د. مشتاق عباس معن،ط1،دار الکتب، صنعاء،1424ه_ _2003م.

23. تذکرة الخواص، السبط ابن الجوزی (أبو الفرج عبد الرحمن ت 654ه_)، قدم له السید محمد صادق بحر العلوم، منشورات المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف، 1383ه_ - 1964م، د.ط.

24. تراث کربلاء، سلمان هادی آلطعمة، ط2، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1403 ه_ - 1983 م.

25. التوجیه الأدبی، طه حسین وآخرون، مجهول مکان الطبع وتأریخه.

26. الجامع الکبیر فی صناعة المنظوم من الکلام والمنثور، ابن الأثیر (ضیاء الدین نصر الله بن الأثیر الجزری ت637ه_)، تحقیق: مصطفی جواد وجمیل سعید، مطبعة المجمع العلمی العراقی، بغداد، 1956م،.د.ط.

ص: 236

27. جرس الألفاظ ودلالتها فی البحث البلاغی والنقدی عند العرب، د. ماهر مهدی هلال، دار الرشید للنشر، سلسلة دراسات (195)، بغداد، 1980م، د.ط.

28. الحرکة الأدبیة المعاصرة فی کربلاء، السید صادق آلطعمة، ط1، مطبعة أهل البیت، کربلاء، 1388ه_ _ 1968م.

29. دیوان ابن کمونة، الحاج محمد علی آل کمونة الأسدی الحائری (ت 1282 ه_) جمعه وعلق علیه محمد کاظم الطریحی، مطبعة دار النشر والتألیف، النجف، 1367 ه_ - 1948 م، د. ط.

30. دیوان أبی الحب الشاعر العراقی الکبیر،العلامة الشیخ محسن أبو الحب خطیب کربلاء (الصغیر) 1305 - 1369ه_، تحقیق: سلمان هادی آلطعمة، مطبعة الآداب، النجف، 1385ه_ _ 1966م.

31. دیوان الأسود بن یعفر، صنعه د. نوری حمودی القیسی، مطبعة الجمهوریة - بغداد، 1390ه_ - 1970م.

32. دیوان الحاج جواد بدقت الأسدی (ت 1281 ه_)، تح_: سلمان هادی آل طعمة ط1، مؤسسة المواهب للطباعة والنشر، بیروت، 1419 ه_ - 1999 م.

33. دیوان السید جعفر الحلی المسمی (سحر بابل وسجع البلابل)، تح_: الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء، ط1، دار الأضواء، بیروت، 1423 ه_ - 2003 م.

34. دیوان السید حیدر الحلی، تحقیق: علی الخاقانی، ط4، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1404 ه_ - 1984 م.

35. دیوان الشریف الرضی، دار صادر ودار بیروت، د. ط.

36. دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی (1223 ه_ - 1290 م)، عنی بجمعه وشرحه وترجمة أعلامه وسرد الحوادث التاریخیة المذکورة فیه: محمد علی الیعقوبی، ط1،

ص: 237

منشورات مکتبة ومطبعة الحیدریة، النجف، 1384 ه_.

37. دیوان الشیخ محسن أبو الحب الکبیر (ت 1305 ه_ - 1887 م)، تحقیق: جلیل کریم أبو الحب، ط1، بیت العلم للنابهین، بیروت، 1424 ه_ - 2003 م

38. دیوان عدی بن زید العبادی، حققه وجمعه محمد جبار المعیبد، دار الجمهوریة للنشر والطبع، بغداد، 1965م.

39. ذخائر العقبی فی منازل ذوی القربی، محب الدین أحمد بن عبد الله الطبری (ت 694 ه_)، تقدیم ومراجعة: جمیل إبراهیم حبیب، منشورات مکتبة دار التربیة، بغداد، 1984 م، د. ط.

40. الرثاء فی الشعر الجاهلی وصدر الإسلام، بشری الخطیب، مطبعة الإدارة المحلیة، بغداد، 1977 م، د. ط.

41. الروضة المختارة المتضمن شرح القصائد الهاشمیات للکمیت بن زید الأسدی، وشرح القصائد العلویات السبع لابن أبی الحدید المعتزلی، تقدیم: صالح علی صالح، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1392ه_ _ 1972م.

42. سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجی (عبد الله محمد بن سعید ت 466ه_)، تحقیق: عبد المتعال الصعیدی، القاهرة، 1952، د.ط.

43. سیرة النبی صلی الله علیه وآله وسلم، ألفها أبو عبد الله محمد بن اسحق بن یسار المطلبی (ت 151 ه_) وهذبها أبو محمد عبد الملک بن هشام بن أیوب الحمیری (ت 218 ه_)، تحقیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، مکتبة محمد علی صبیح وأولاده بمصر، 1383 ه_ - 1963 م.

44. شذرات الذهب فی أخبار من ذهب، ابن العماد (أبو الفلاح عبد الحی الحنبلی ت1089ه_)، مکتبة القدسی، القاهرة، 1350ه_.

ص: 238

45. الشریف الرضی، د. إحسان عباس، دار صادر، بیروت، 1959م.

46. الشریف الرضی بلاغیاً، د. مناهل فخر الدین فلیح، ط1، دار الشؤون الثقافیة، الموسوعة الصغیرة (324)، بغداد، 1990م.

47. الشریف الرضی دراسات فی ذکراه الألفیة، مجموعة من الباحثین، آفاق عربیة، بغداد، رقم السلسلة (7)، 1985م، د.ط.

48. شعراء الحلة،علی الخاقانی، ط2، دار البیان، بغداد،1395ه_ _ 1975م.

49. الشعر الجاهلی خصائصه وفنونه، د. یحیی الجبوری، دار التربیة للطباعة والنشر، بغداد، د.ت ط.

50. الشعر والشعراء، ابن قتیبة (أبو محمد عبد الله بن مسلم ت 276ه_)، تحقیق: أحمد محمد شاکر، دار المعارف بمصر، 1966م، د.ط.

51. عبقریة الشریف الرضی، د. زکی مبارک، ط4، مطبعة حجازی، القاهرة، 1952م.

52. العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشیق القیراونی (أبو علی الحسن الأزدی ت456ه_)، تحقیق: محمد محی الدین عبد الحمید، ط4، دار الجیل، بیروت، 1972م.

53. عیار الشعر، ابن طباطبا العلوی (محمد بن أحمد ت322ه_)، شرح وتحقیق: عباس عبد الساتر، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، 402ه_ 1982م.

54. الفهرست، محمد بن إسحاق أبو الفرج الندیم ت_ 385ه_، دار المعرفة، بیروت، 1398ه_ _ 1978م، د.ط.

55. فی الأدب العباس، د. محمد مهدی البصیر، ط3، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1970م.

ص: 239

56. القصائد الخالدات فی حب أهل البیت، محمد عباس الدراجی، ط2، مکتبة الأمیر، بغداد، 1989م.

57. قصص الأنبیاء، لأبی الفداء إسماعیل بن کثیر 701_ 774ه_، تحقیق: مصطفی عبد الواحد، ط1، دار التألیف، مصر، 1388ه_ _ 1968م.

58. قضایا الشعر المعاصر، نازک الملائکة، ط1، منشورات دار الآداب، بیروت، 1962.

59. کتاب الصناعتین الکتابة والشعر، أبو هلال العسکری (الحسن بن عبد الله بن سهل ت395ه_) تحقیق: علی محمد البجاوی ومحمد أبو الفضل إبراهیم، ط2،دار الفکر العربی، د.ت.

60. لسان العرب، محمد بن مکرم بن علی المعروف بان منظور الإفریقی المصری (ن 711 ه_)، دار المعرفة.

61. لغة الشعر الحدیث فی العراق، د. عدنان حسین العوادی، دار الشؤون الثقافیة، بغداد، سلسلة دراسات (375)، 1985م. د.ط.

62. لغة الشعر بین جیلین، د. إبراهیم السامرائی، ط2، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، 1980م.

63. لغة شعر دیوان الهذلیین، علی کاظم محمد علی المصلاوی، رسالة ماجستیر مطبوعة علی الآلة الکاتبة، مقدمة إلی مجلس کلیة الآداب، جامعة الکوفة، 1420ه_ - 1999م.

64. مثیر الأحزان، الشیخ شریف الجواهری، ط1، دار المحجة البیضاء، بیروت، 1423 ه_ - 2002 م.

65. مجمع البحرین، فخر الدین الطریحی (ت 1085 ه_) تح_: أحمد الحسینی، مطبعة

ص: 240

الآداب، النجف الأشرف، 1961 م، د. ط.

66. مختار الصحاح، الرازی (محمد بن أبی بکر عبد القادر، ت666ه_)، دار الرسالة، الکویت، 1402ه_ - 1982م. د.ط.

67. مختصر المعانی، سعد الدین التفتازانی، مطبعة عبد الله أفندی، القاهرة، 1307ه_، د.ط.

68. المدائح النبویة فی الأدب العربی، الدکتور زکی مبارک، ط1، دار الجیل، بیروت 1412ه_ _ 1992م.

69. المدائح النبویة فی أدب القرنین السادس والسابع للهجرة، الدکتور ناظم رشید، ط1، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد،2002 م.

70. المرشد إلی فهم أشعار العرب وصناعتها، د.عبد الله الطیب المجذوب، ط1، مطبعة مصطفی البابی الحلبی، مصر، 1374ه_- 1955م.

71. مشاهیر شعراء الشیعة، عبد الحسین الشیشتری، ط1، ستارة، قم، 1421 ه_.

72. معارف الرجال فی تراجم العلماء والأدباء، الشیخ محمد حرز الدین، تعلیق حسین حرز الدین، مطبعة الولایة، قم، د.ت.ط.

73. معاهد التنصیص علی شواهد التلخیص، علی بن عبد الرحیم العباسی (ت 963 ه_)، تحقیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، بیروت، 1367 ه_، د. ط.

74. معجم البلدان، شهاب الدین أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموی الرومی البغدادی 626 ت ه_، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1399ه_ _ 1979م.

75. معجم خطباء کربلاء، سلمان هادی الطعمة، ط1، دار الصالحی، بیروت، 1419 ه_ - 1999 م.

ص: 241

76. معجم رجال الفکر والأدب فی کربلاء، سلمان هادی الطعمة ، ط1، دار المحجة البیضاء، بیروت، 1420ه_ _1999م.

77. معجم الشعراء العراقیین المتوفین فی العصر الحدیث ولهم دیوان مطبوع، جعفر صادق حمودی التمیمی، ط1، بغداد، 1991م.

78. معجم النقد العربی القدیم، د. أحمد مطلوب، ط1،دار الشؤون الثقافیة، بغداد، 1989م.

79. مقاتل الطالبیین، أبو الفرج الاصفهانی (ت356 ه_)،قدم له واشرف علی طبعه: کاظم المظفر، ط2، مؤسسة الکتاب للطباعة والنشر وومنشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها فی النجف،1385 ه_ _1965م.

80. مقتل الحسین علیه السلام المشهور ب_مقتل أبی مخنف، لوط ابن یحیی بن سعید بن مخنف بن مسلم الازدی الغامدی، من منشورات المکتبة العامة، المطبعة العلمیة، قم،1398ه_.

81. مقدمة القصیدة العربیة فی العصر الجاهلی، د. حسین عطوان، دار المعارف، مصر، 1974، د.ط.

82. مناقب آل أبی طالب، الإمام الحافظ ابن شهر آشوب (ت 588 ه_) قام بتصحیحه وشرحه ومقابلته علی عدة نسخ خطیة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحیدریة، النجف، 1376 ه_ - 1956 م، د.ط.

83. المنتظم فی تأریخ الملوک والأمم، لابن الجوزی (أبو الفرج عبد الرحمن بن علی ت 597ه_)، ط1، دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد، 1347 - 1359ه_.

84.  المنظورات الحسینیة، الشیخ کاظم منظور الکربلائی، أعاد ترتیبه: علاء الدین الأعلمی، ط1، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت 1427ه_ _ 2006م.

ص: 242

85. منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجنی ت 684ه_، تح: محمد الحبیب بن الخوجة، دار الکتب الشرقیة، تونس، 1966. د.ط.

86. موسیقی الشعر، د.إبراهیم أنیس، ط4، دار القلم بیروت، 1972.

87. المیزان فی تفسیر القرآن, محمد حسین الطباطبائی، ط3، منشورات الاعلمی للمطبوعات، بیروت،1984.

88. نقد الشعر، لأبی فرج قدامة بن جعفر ت337ه_، تح: کمال مصطفی، ط3، مکتبة الخانجی، القاهرة، 1979م.

89. نهج البلاغة، شرح الشیخ محمد عبده، منشورات مکتبة النهضة، بغداد، 1984م. د.ط.

90. الوافی بالوفیات، الصفدی (صلاح الدین خلیل بن أیبک ت764ه_)، مطبعة وزارة المعارف، استنبول، د.ط.

91. وفیات الأعیان، ابن خلکان (أبو العباس أحمد بن محمد ت681ه_)، تح: إحسان عباس، دار صادر، بیروت، د.ط.

92. یتیمة الدهر فی محاسن أهل العصر، لأبی منصور الثعالبی ت 429 ه_، تح: محمد محی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة بمصر،1377ه_، د.ط

93. ینابیع المودة لذوی القربی، الشیخ سلیمان بن ابراهیم القندوزی الحنفی ت_1294ه_، تحقیق: سید علی جمال اشرف الحسینی، ط2، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1416ه_.

ص: 243

البحوث والمجلات

94. الشعر القومی لدی أبی الحب الصغیر ونظرة فی تحقیق دیوانه، م.م عبد الأمیر کاظم عیسی، مجلة جامعة کربلاء _ العدد الخامس _ کانون الأول _2003م.

95. صور أخری من المقدمات الجاهلیة - اتجاهات ومثل، د. یوسف خلیف، مجلة المجلة، السنة (9)، العدد (104)، آب، 1965م.

96. طفیات الشریف الرضی، دراسة فی البناء الهیکلی والموضوعی، علی کاظم المصلاوی، مجلة بابل للعلوم الإنسانیة العدد العاشر، 2007م.

97.  طفیات الشریف الرضی دراسة فی اللغة الشعریة، د. علی کاظم محمد علی المصلاوی، مجلة جامعة کربلاء _ المجلد الثانی _ العدد العاشر _ مایس _ 2005م.

98. طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی دراسة موضوعیة تحلیلیة، د. علی کاظم محمد علی المصلاوی، مجلة جامعة کربلاء _ المجلد الخامس _ العدد الرابع _ کانون الأول _ 2007م.

ص: 244

ص: 245

المحتویات

مقدمة اللجنة العلمیة

تقدیم الکتاب

المقدمة

التمهید

(الطفیات) الجذور والمقاربات

الإجراء الأول: طفیات الشریف الرضی

دراسة فی البِنیة الفنیَّة

مقدمة الاجراء

مدخل الإجراء

أ _ البنیة الهیکلیة

1 _ المطلع

2 _ التخلص

3 _ الخاتمة

ب _ البنیة الموضوعیة

ص: 246

ج _ البنیة الداخلیة (اللغة الشعریة)

المبحث الأوّل: البنیة الهیکلیة للطفّیّات

المبحث الثانی

البنیة الموضوعیّة للطفّیّات

المبحث الثالث: البنیة الداخلیة (اللغة الشعریة)

1_ الألفاظ

2_ الصیاغة

3_ الإیقاع

نتائج الإجراء

الإجراء الثانی

طَفِّیَّات الشیخ صالح الکواز الحلی

- دراسة موضوعیة تحلیلیة -

مقدمة الإجراء

التمهید

شیء من حیاته، ومنزلته الأدبیة

المحاور الموضوعیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

المحور الأول: الحسین علیه السلام وأصحابه

المحور الثانی: زینب علیها السلام والسبایا

المحور الثالث: الشاعر

نتائج الإجراء

ص: 247

الإجراء الثالث

القرآنیة فی طفیات

الشیخ صالح الکوَّاز الحلی

مقدمة الإجراء

التمهید

1- ضوء علی حیاة الشیخ صالح الکواز الحلی ومنزلته الأدبیة

2- مفهوم القرآنیة

المبحث الأول: بنائیة (القرآنیة) فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

المبحث الثانی: تقنیات القرآنیة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

أولاً: القرآنیة المباشرة غیر المحوَّرة

جدول القرآنیة المباشرة غیر المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

ثانیاً: القرآنیة المباشرة المحوَّرة

جدول القرآنیة المباشرة المحورة فی طفیات الشیخ صالح الکواز الحلی

الخاتمة

الإجراء الرابع: دیوان الشیخ (محسن أبو الحب الکبیر)

دراسة فی الموضوع الشعری

مقدمة الإجراء

التمهید

1 . ملامح من حیاة الشاعر

ص: 248

2 . المنزلة الأدبیة للشاعر

محاور الموضوعات الشعریة فی دیوان محسن (أبو الحب) الکبیر

3 . شعر المناسبات والاخوانیات

4 . الرثاء

5 . شعر الاستنهاض

6 . المدیح

7 . موضوعات شعریة أخری

جداول الموضوعات الشعریة

1 . جدول الطفیات والمصاحبة للطفیات

2 . جدول موضوع شعر المناسبات والاخوانیات

3 . جدول موضوع الرثاء

4 . جدول بقصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف

5 . جدول موضوع المدیح

6 . جدول قصائد الهجاء

7 . جدول بالمقطعات* التی حواها الدیوان وأغراضه الشعریة

8 . جدول بالنتف* التی حواها الدیوان وأغراضها الشعریة

الخاتمة

ثبت مصادر ومراجع الإجراءات

البحوث والمجلات

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.