عاشورائيّات

اشارة

اسم الكتاب: ، دراسة في نهضة الإمام الحسين(ع)

المؤلف: السيّد عليّ الرضويّ

الناشر: دار الولاية للنشر

الطبعة: الأولي (1436ق _ 1394ش)

المطبعه:موسّسة العتبة الرضويّة المقدّسة للطباعة و النشر

الكميّة: 1000نسخة

الشابك: 0 _ 89 _ 6172 _ 964 _ 978

مراكزالتوزيع: ايران _ مشهد _ منشورات الولاية _ هاتف 00989151576003

قم _ شارع الصفايية _ مجتمع الإمام المهدي(عج)_ الطابق الارضي _ رقم 116

هاتف: 00982537833624

العراق _ النجف الاشرف _ نهاية شارع الرسول _ قرب مدرسة النضال

نقال: 08802450230 _ ارضي: 334072

--------------------

سرشناسه : رضوی، سیدعلی، 1356-

عنوان و نام پديدآور : عاشورائیات : بحوث حول نهضة الامام حسین علیه السلام

مشخصات نشر : مشهد : انتشارات ولایت، 1394.

مشخصات ظاهری : 112ص.؛ 5/14 × 5/21 س م.

شابک : 978-964-6172-89-0

وضعیت فهرست نویسی : فیپای مختصر

يادداشت : فهرستنويسی كامل اين اثر در نشانی: http://opac.nlai.ir قابل دسترسی است

یادداشت : کتابنامه .

شماره کتابشناسی ملی : 3848747

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

المقدمّة

ص: 7

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله لاسيّما الإمام المهديّ عجّل اللّه فرجه واللعن على أعدائهم أجمعين.

عن محمّد بن علي بن موسى، عن آبائه، عن الحسين بن علي: قال: دخلت على رسول اللّه9 وعنده أبيّ بن كعب، فقال لي رسول اللّه9: مرحباً بك يا أبا عبد اللّه يا زين السماوات والأرضين، فقال له أبيّ: وكيف يكون يا رسول اللّه زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال: يا أبيّ والذي بعثني بالحق نبيّاً إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، فإنّه لمكتوب عن يمين عرش اللّه: مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام غير وهن وعزّ وفخر [وبحر علم] وذخر الخبر .(1)


1- عيون أخبار الرضا 1: 59 ح29، بحار الأنوار ٣٦: ٢٠٤ ح8.

ص: 8

هناك حروب كثيرة في التاريخ ولكنّها نسيت ولم يبق لها ذكر إلّا للمؤرّخين فمهما كانت الحرب ضروسة وعاتية كالحروب العالمية فإنّها اضمحلّت وولّت، والدول التي خاضت الحروب الآن متحدة وهذا دليل على تناسيها للحروب الدائرة بينها.

أمّا عاشوراء فإنّها خالدة ولا تنسى إلى يوم القيامة فلاحظ:

قال رسول اللّه9: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (صلوات اللّه عليها) في لمّة من نسائها فيقال لها: أدخلي الجنّة. فتقول: لا أدخل حتّى أعلم ما صنع بولدي من بعدي؟ فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين (صلوات اللّه عليه) قائماً وليس عليه رأس، فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخنا، فيغضب اللّه عزّ وجلّ لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها: هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غمّ أبداً فيقال لها: التقطي قتلة الحسين (صلوات اللّه عليه) وحملة القرآن فتلتقطهم... .(1)


1- ثواب الأعمال: 217 ح368، بحارالأنوار ٤٣: ٢٢٢ ح8.

ص: 9

ذلك مع أنّ عاشوراء حدثت قبل أكثر من ألف عام، بل لعاشوراء من القوّة في التأثير ما يجعلها تبقى إلى أبد الآبدين فلاحظ؛ «أشهد أنّ دمك سكن الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش» فعاشوراء تبقى نبراساً حتّى في جنان الخلد ويبقى دم السبط الذبيح نوراً يمدّ الذين يسكنون الجنّة بالقيم والكرامات دهر الداهرين، فليست قضيّة وقعت في سنة احدى وستّين وانتهت، بل حادثة حدثت لها امتداد إلى قبل حدوثها _ كذكر اللّه تعالى لها والإشادة بها قبل وقوعها _ وبعد حدوثها إلى جنّات الخلد. وهذا الخلود والبقاء ليس اعتباطيّاً بل له واقع موضوعيّ، فبما أنّ عاشوراء لها القدرة على البقاء والتأثير في العالم فهي باقية فليس بقاءها بقاء تشريفيّاً بل خلود حقيقيّ وبقاء ببقاء قيمه التي تمتدّ إلى الجنان ومن يسكنها.

ومن الواضح أنّ قضيّة سيّد الشهداء(ع) عظيمة جدّاً فقبل حدوثها كان يسعى الأنبياء للاقتداء بها.

قال اللّه تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً) .(1)


1- مريم: 54.

ص: 10

ففي علل الشرائع مسنداً عن ابن أبي عمير ومحمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه(ع)، قال: إنّ إسماعيل الذي قال اللّه تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيّاً من الأنبياء، بعثه اللّه عزّ وجلّ إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك، فقال: إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين(ع) .(1)

ولذا لابدّ في تحليل واقعة الطف من قراءة التاريخ قراءة دقيقة للتعرّف على الواقع.

والذي يريد أن يعرف سرّ ذلك فعليه أن يقرأ زيارة الناحية التي يسلّم الإمام المهدي على جميع الأنبياء فيها مع أنّه يزور جدّه سيّدالشهداء(ع) فمن وضع هذه العبارات في جانب ما ورد عن عبداللّه بن الفضل الهاشمي قال: قلت لأبي عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق(ع): يا ابن رسول اللّه كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض منه رسول اللّه9 واليوم الذي ماتت فيه فاطمة3 واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين(ع) واليوم الذي قتل فيه الحسن(ع) بالسم؟


1- علل الشرائع 1: 77 ح2، بحارالأنوار 44: 227 ح7.

ص: 11

فقال: إنّ يوم قتل الحسين(ع) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام، وذلك أنّ أصحاب الكساء الذي كانوا أكرم الخلق على اللّه تعالى كانوا خمسة فلمّا مضى عنهم النبي9 بقي أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين: فكان فيهم للناس عزاء وسلوة. فلمّا مضت فاطمة3 كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة. فلمّا مضى منهم أميرالمؤمنين(ع) كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة. فلمّا مضى الحسن(ع) كان للناس في الحسين(ع) عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين(ع) لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم مصيبة(1) . يعرف أهميّتها فإنّ معركة عاشوراء كانت صراعاً بين جميع الأنبياء من جهة وبين الكفر الحقيقيّ من جهة أخرى فهي تجسيد لتعالي_م الأنبياء في أقلّ من ي_وم وهكذا معركة قليلة الوجود في التاريخ بل منفردة وهذا مضافاً إلى إرادة اللّه في بقائها بالإرادة الغيبيّة «ضمّن الأرض ومن


1- بحارالأنوار 44: 369 ح1 عن علل الشرائع: 225.

ص: 12

عليها دمك وثارك» .(1)

فيجدر بنا أن ندرس هذه الواقعة التاريخية في كلّ عام ويجب أن تتكرّر المحاولات لفهمها وينبغي السعي لاستنباط المعارف السامية منها كما أنّه لا بدّ من توجّه المحقّقين إليها أكثر من السابق فهي بحر زاخر يتموّج كلّ حين بالعلوم والمعارف والتعاليم السماويّة.

ولا يخشى المحقّقون من الوصول إلى نظريّات جديدة إذا كانت في إطار الفكر العامّ الشيعي فإنّ عاشوراء بحر لا ينتهي وعذب فرات يروّي الظمأ ويم_كن للباح_ث أن يستفي_د منها في كلّ يوم علماً جديداً ونوراً هادياً فإنّها لا تنتهي وتبقى حتّى في الجنان!

انظر إلى الإمام الحسين(ع) كيف يغمض الطرف عن جريح في المعركة مع أنّه جاء ذلك العدوّ لسبي النساء وقتل الأولياء، مع أنّه كان يحقّ للإمام الإجهاز عليه، فإنّ الإجهاز على الجريح والحرب قائمة مشروع ولكن عظمة الإمام تأبى إلّا أن تعين الجريح!


1- . كامل الزيارات: 386 عنه بحارالأنوار 98: 168 ح20.

ص: 13

لاحظ العباس(ع) مع شدّة عطشه امتنع من شرب الماء! فهل لا يدلّ ذلك على الإختيار وأنّ الإرادة حاكمة على جميع الدواعي؟!

فكربلاء مدرسة للأولياء ونبراس للعلماء وسيدالشهداء(ع) معلّم للبشريّة بعلوم الأنبياء ولا يمكن لطلّاب الحقيقة الإستغناء عن الارتشاف من هذا النبع الزخّار.

وهذه محاولة متواضعة لفهم أسباب خروج الإمام الحسين(ع) إلى أرض العراق والجهة التي بسببها اصطبغت كربلاء بدماء نحر سيّدالشهداء(ع) ودماء أهله وصحبه فهل أراد الإمام أن يقيم دولة تحكم بوحي السماء أم أنّه أراد الشهادة لأجل الأمر بالخروج للشهادة أم أنّه أراد إقامة الدولة ظاهراً وأراد الشهادة واقعاً أو غير ذلك.

ولابدّ من التحقيق في علم الإمام ومناشئه كلّ ذلك للإجابة عن الشبهة القائمة بعدم علم الإمام الحسين(ع) بمقتله وللإجابة أيضاً عن سبب خروجه(ع) مع أنّه كان عالماً بما يؤول إليه أمر خروجه وكيف أنّ ذلك لا يوجب الإلقاء في التهلكة.

ثمّ إنّه هل يمكن الإقتداء بسيّد الشهداء(ع) في نهضته أم أنّها قضيّة في واقعة وحكم خاصّ به.

ص: 14

وأصل هذه الأوراق دروس ألقيت على مجموعة من طلبة العلوم الدينيّة في مؤسسة «عالم آل محمّد» للمعارف في مدينة مشهد المقدّسة فارتأيت أن أقيّدها بالكتابة تذكرة لنفسي ولغيري وهذا هو القسم الأوّل منها وهو البحث عن «حقيقة نهضة الإمام الحسين(ع)».

مشهد المقدّسة

25/ربيع الثاني/1436

تنقيح موضوع البحث عن حقيقة نهضة الإمام الحسين(ع)

ص: 15

قال اللّه تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) .(1)

ممّا لا نزاع فيه بوجه من الوجوه أنّ عاشوراء أُرسيت على ركيزة الايمان باللّه تعالى.

في الخصال عن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن علي8: يا أبا عبد اللّه حدثني عن قوله تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). فقال: نحن وبنو أمية اختصمنا في اللّه تعالى قلنا صدق اللّه وقالوا كذب، فنحن الخصمان يوم القيامة .(2)


1- الحج: 19.
2- الخصال 1: 42 ح3.

ص: 16

فأساس نهضة الإمام الحسين(ع) مبتنية على رضى اللّه تعالى ولذا كان الإمام في كلّ حركاته وسكناته يرعى رضى اللّه تعالى فما كان همّه الوصول إلى الهدف وإن كان مقدّساً بكلّ وسيلة بل كان يطلب الهدف المقدّس بالوسيلة المقدّسة.

وفي البحار عن إرشاد الشيخ المفيد: رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين(ع) من ذلك، فقال له: دعني حتّى أرميه فإنّ الفاسق من أعداء اللّه وعظماء الجبارين، وقد أمكن اللّه منه، فقال له الحسين(ع): لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال .(1)

وقال أبو الفرج في المقاتل: قال هانئ لمسلم: إنّي لا أحب أن يقتل في داري، قال: فلمّا خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان: أمّا إحداهما فكراهيّة هانئ أن يقتل في داره، وأمّا الأخرى فحديث حدّثنيه الناس عن النبيّ9 أنّ الايمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن، فقال لها هانئ: أما واللّه لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً .(2)


1- بحار الانوار ٤٥: ٥.
2- مقاتل الطالبين: ٧١، بحارالأنوار 44: 344، الغارات 2: 794.

ص: 17

وطلب الأولياء لرضى اللّه تعالى ممّا لا غبار عليه ولكن بما أنّ نهضة الإمام نهضة عظيمة صرّح الإمام الحسين بذلك.

قال الإمام الحسين(ع): اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإنّ_كم [إلّا] تنصرونا وتنصف_ونا قوي الظلم__ة عل_يكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا اللّه وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير .(1)

وهذا الأصل والهدف الأسمى مشترك في جميع النظريّات فسواء أراد الإمام إقامة الحكومة أو الشهادة أو الشهادة السياسية أو أمراً آخر فإنّه كان لأجل اللّه تعالى والكلام أنّ الإمام بأيّ طريقة طلب رضاه.

ولابدّ أن ننوّه أنّنا غير ملزمين بالتحدّث بالمفاهيم المستحدثة والداخلة في الإسلام من الغرب كالحديث عن أنّ الإسلام هل هو دين عنفيّ أم دين لا عنفيّ إذ الإسلام دين عدليّ حتى وإن


1- تحف العقول: ١٦٨، بحار الأنوار ١٠٠: ٧٩ ح ٣٧.

ص: 18

كان فيه عنف كجلد الزانية والزاني (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(1) وقتل القاتل (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2) وغير ذلك من الأدلّة الدالّة على استخدام القوّة في الأحكام الشرعيّة _ كأكثر أبواب الحدود والقصاص _ فلا داعي للتورّط في المفاهيم المستحدثة الأجنبيّة عن الإسلام، وبناء على ذلك لا نرى الإنزلاق في تحليل نهضة الإمام الحسين(ع) إلى بيانها بالمفاهيم والاصطلاحات السياسيّة المستحدثة لنقول أنّ حركته كانت ثورة حمراء أم خضراء أم بيضاء أو أنّه خرج في عمليّة انتحاريّة ليفضح الأمويّين وغير ذلك من التعابير، فليس همّنا ذلك، بل عاشوراء أبعد غوراً من أن تنال بالأوصاف الغربيّة


1- النور: ٢.
2- المائدة: ٤٥.

ص: 19

والشرقيّة! إنّما همّنا في هذا التحقيق هو معرفة حقيقة نهضة سيّدالشهداء ومن دون التقيّد بأغلال الاصطلاحات فالكلام يدور حول الواقعيّات لا الاصطلاحات.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الأئمة كانوا يرون الحقّ لأنفسهم في التصدّي للحكومة والجلوس على مسند رسول اللّه9 وإن كانوا يتّقون في بعض الأحيان من المطالبة بهذا الحق حقناً للدماء أو حفظاً للمصالح العليا فلاحظ ما ورد عن سيّدالشهداء(ع):

ورد في رسالة الإمام الحسين(ع) لأهل العراق:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من حسين بن عليّ، إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم _ وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم _، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبل، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى والحق.

وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي [مسلم بن عقيل] وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم.

فإن كتب إليّ: أنّه قد أجمع رأي ملئكم، وذوي الفضل

ص: 20

والحجى منكم، على مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء اللّه، فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات اللّه، والسلام .(1)

وهذا الأم_ر (الأحقيّة بالخلافة) ظاهر في كلمات جميع الأئمّة:.

الآراء في حقيقة نهضة الإمام الحسين(ع)

١. الامتناع من البيعة


1- تاريخ الطبري ٣: ٢٧٨، الإرشاد: ٢٠٤، الكامل في التأريخ ٢: ٥٣٤ ورد فيه مختصراً، بحارالأنوار ٤٤: ٣٣٤.

ص: 21

إنّ الإمام(ع) ما قام ضدّ الأمويّين إنّما ما أحبّ أن يأيّد الظلم السائد بحومة آل أمية وإنّما خرج من المدينة حفظاً لدمه وخرج من مكّة كذلك إلى أن حوصر في كربلاء وقُتل وإلّا فإنّ الإمام كان عاكفاً على العبادة لا يريد إلّا التوجّه إلى اللّه بها ولم يكن من الثوّار .(1)

ويتوجه إليه أمور كثيرة:

منها: التصريحات الواردة بأنّ الإمام الحسين(ع) كان يرى على نفسه لزاماً مقاتلة الأمويّيين كقوله لابن عباس: «هذه كتبهم ورسلهم وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء اللّه» .(2)


1- علي بناه الإشتهاردي في كتابه «هفت ساله چرا صدا درآورد».
2- تذكرة الخواص لابن الجوزي ٢: ١٣٦.

ص: 22

ومنها: ماورد عنه(ع): «من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم اللّه ناكثاً لعهد اللّه مخالفاً لسنّة رسول اللّه9 يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غير» . (1)فإنّ هذا الكلام صريح في أنّ الإمام(ع) كان قاصداً إسقاط الحكومة الأمويّة وتغيير الوضع الفاسد آنذاك ولم يكن ما كان منه هروباً من مقارعة الأشرار حفظاً لنفسه أو الإمتناع من البيعة كي لا يدخل في حيّز المؤيّدين للأمويّين.

ومنها: التصريح بأنّ الأمويّين أماتوا السنّة وأحيوا البدعة فليرغب المؤمن للقاء اللّه. «ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقاً فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً» .(2) فإنّ الإمام يتحدّث عن الموت المقدّس (الشهادة) وعن لقاء اللّه بواسطة جهاد الأمويّين وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن


1- اريخ الطبري ٥: ٤٠٣، الكامل 4: 48.
2- . تاريخ الطبري ٥: ٤٠٤، تاريخ الاسلام 5: 12.

ص: 23

أن يرغب به فإنّه محقّ بذلك وأين هذا الكلام من الفرار من الموت؟! أو الإمتناع عن تأييد الظالمين من دون إرادة للتغيير؟!

ومنها: ما ورد عنه(ع): «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة، يأبى اللّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(1) فإنّ الإمام يبيّن أنّه لا يبايع أبداً حتّى وإن قتل فإنّ في البيعة لمثل يزيد مخالفة للّه وللرسول ولحجر فاطمة الطاهر التي وقفت في وجه أسّ الكفر ودافعت عن إمام زمانها أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، وأين هذا من الخروج من المدينة لحفظ النفس؟! بل هو زحف نحو الشهادة كما قالت أخته زينب «هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم» .(2)

ومنها: قوله(ع) «اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي»(3) فليت شعري ما كانت سيرتهما؟ ألم تكن على مقارعة الظالمين ومجاهدة المعاندين وتحكيم أحكام ربّ العالمين ليسود البلاد الخير والبركة ويعمّ العباد


1- اللهوف على قتلى الطفوف: 59.
2- اللهوف على قتلى الطفوف: 94.
3- بحارالأنوار 44: 329.

ص: 24

العدل وحسن السيرة؟

ومنها: ما ورد في جواب الفرزدق فلاحظ:

قال ابن الجوزي: وروي أنّ الإمام الحسين(ع) قال للفرزدق:

«يا فرزدق! إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى من قام بنصرة دين اللّه وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله، لتكون كلمة اللّه هي العليا». فأعرض عنه الفرزدق وسار .(1)

وغير ذلك من الأدلة المتكفّلة لبيان حقيقة نهضته المناقضة لهذا الكلام وأمثاله ممّا يجعل حركة سيّدالشهداء(ع) حركة انفعاليّة لا قياماً على التعدّي وورفضاً للظلم وعزماً لتحكيم أحكام جدّه المصطفى وإرساء ركائزه في الأرض.

٢. الشهادة العرفانيّة

بمعنى أنّ الإمام أراد الشهادة للوصول إلى الكرامات الأبديّة فإنّ الأولياء حينما يرون أنّ حياتهم تكوّن عائقاً من اتباع اللّه تعالى فإنّهم يطلبون الشهادة ويعرّضون أجسامهم للرماح


1- تذكرة الخواص: ٢١٧.

ص: 25

والسيوف كي يكون ذلك سبباً في إحياء القلوب. وغير مهمّ لنا التعرّف على قائل هذه النظريّة إذ ليس المراد من هذه الأوراق النظر إلى النقد بالنظر الموضوعيّ إنّما المراد منها التعرّف على النهضة المقدّسة، وأنت خبير بأنّ هذه النظرية ضعيفة ثبوتاً وإثباتاً؛ إذ حياة الإمام المعصوم لا تكون سبباً لإعراض الناس عن البارئ تعالى كيف وهو حياة القلوب وسبيل الرشاد ونور اللّه في الظلمات فكيف يمكن تصوّر أنّ حياة من به الحياة (بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك)(1) تكون سبباً لابتعاد العباد عن اللّه تعالى كي يكون موته سبباً لزوال العائق عن الهداية؟!

لا يقال: إنّ تضحيته بالسخاء عن نفسه في سبيل اللّه تعالى كان السبب في تعرّف الأمّة على الإسلام المزيّف الذي انتحله آل أميّة وهذا يثبت المطلوب.

لأنّه يقال: إنّ الإمام قصد بنهضته الإصلاح وبيّن ذلك بخطبه ومواقفه وأفعاله، فشهادته في سبيل اللّه كانت مصدّرة بالأقوال الرنّانة والمواقف الرشيدة ولذا لا يصحّ أن يقال بأنّ مقتله روحي فداه ومن دون ملاحظة المجموع سبّب في عود


1- بحارالأنوار 98: 342.

ص: 26

الأمّة لرشدها والانقلاع عن غيّها فلا بدّ من حمل مثل قولهم: «وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»(1) على هذا أو على غيره من المحامل العقلائيّة، لا أن يكون الإمام قاصداً الشهادة وحدها بعمليّة استشهاديّة فإنّ طريقة إدارة الإمام الحسين(ع) للنهضة من أوّلها إلى ما بعد استشهاده _ برسم المعالم التي لا بدّ لأهله وشيعته من الإتيان بها _ تدلّ على أنّ مجموع الحركات والسكنات صارت سبباً لهداية البشريّة، ولذا نرى أنّ الإمام كان يتعامل مع الأعداء معاملة من كان حريصاً على الأهل والصحب ولم يلق بهم في المهالك بل حافظ عليهم أشدّ المحافظة ورتّب معسكره بحيث أكثر من الضحايا في جيش الكفر ولم يسلّم نفسه لهم ولم يستسلم بل جاهد في سبيل اللّه وقاتل قتال الأبطال ونازل الجبابرة وقارع الأكاسرة حتى عجزوا عنه فحملوا عليه من كلّ صوب وبما يملكون حتى وقعت المصيبة الراتبة، فلم يعطهم بيده إعطاء الذليل ولم يفرّ منهم فرار العبيد، بل صمد صمود الجبال


1- بحارالأنوار 98: 177.

ص: 27

الراسيات في قبال الرياح العاتيات فأصبح نبراس العزم والصمود والإباء، فلو كانت الشهادة هي المطلوب الوحيد

ومن دون أيّ مقدمة، فلماذا كلّ هذا التدبير والإصرار

على إدارة الأمور؟!

وأمّا اثباتاً فالأدلّة قاصرة عن اثبات قصده للشهادة

لرفع الحيلولة بين الأمّة والهداية وهذا ظاهر لمن قرأ تاريخ النهضة الحسينيّة.

3. الشهادة التكليفيّة

بمعنى أنّ الإمام الحسين(ع) كان مأموراً بالخروج إلى العراق ليقتل في سبيل اللّه وذلك استناداً إلى قول الرسول الأكرم «يا حسين اخرج فإنّ اللّه قد شاء أن يراك قتيلاً» (1).

بناءً على هذه النظريّة لا يمكن الإقتداء بالإمام في مقارعته للظالمين إذ لم يكن ذلك إلّا حكماً خاصّاً به ولذا ذهب بعض فقهاء الطائفة إلى أنّ الإمام الحسين(ع) كان مكلّفاً بتكليف خاصّ(2) وقال آخرون بأنّ جهاد الإمام لا يدخل في الجهاد


1- اللهوف على قتلى الطفوف: ١٢٨، بحارالأنوار 44: 364.
2- جواهر الكلام ٢١: ٢٩٦.

ص: 28

العام الذي كلّف به جميع أهل الإسلام(1) وبذلك تندفع شبهة إلقائه بالتهلكة لنفسه إذ كان ذلك حكم خاصّ وليس من باب الإلقاء بالتهلكة.

وغير خفيّ عدم انطباق هذه النظريّة مع المقاصد المبيّنة في خطب الإمام الحسين(ع) وكذا مراسلاته مع أهل العراق فكيف يكون له حكم خاصّ إلهيّ وبمعزل عن الأحكام الإسلام الرئيسيّة ومع ذلك يبيّن في كلماته أنّه يريد المضيّ بخطاه وفق سيرة جدّه وأبيه؟ فهل سار من كان قبله وفق أحكام خاصّة شاذّة عن الأحكام العامّة الإسلاميّة!

ثم إنّه لا يمكن الإستدلال على هذا القول بما ورد في الأخبار من أنّ لكلّ إمام حكم من قبل اللّه وعليه أن يمضي عليه، إذ هذا الأمر مطّرد بالنسبة لجميع الأئمة: وهذا لا يمنع من كونهم ماضين وفق الأحكام العامّة كما لا يخفى.

ويرد على هذه النظريّة أيضاً أنّها تخصّص حجّية فعل الإمام الحسين(ع) وقد قامت الأدلّة على حجّية فعله عامّاً وخاصّاً؛ فالأدلّة الدالّة على لزوم اتباع الإمام قائمة على لزوم التأسّي به


1- جنة المأوى: ١٩٢.

ص: 29

والمشي على خطاه، كما أنّه دلّت أدلّة على لزوم اتباعه(ع) بالخصوص فلاحظ:

محمّد بن جعفر، عن خاله ابن أبي الخطاب، وحدّثني أبي وجماعة عن سعد ومحمّد العطار معاً عن ابن أبي الخطاب ، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعيد، عن عليّ بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه(ع) قال: قال عليّ للحسين: يا أبا عبد اللّه أسوة أنت قدما؟

فقال: جعلت فداك ما حالي؟

قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم، يا بنيّ اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك فوالذي نفسي بيده ليسفكن بنو أمية دمك ثمّ لا يريدونك عن دينك ، ولا ينسونك ذكر ربك.

فقال الحسين(ع): والذي نفسي بيده حسبي، وأقررت بما أنزل اللّه وأصدق نبي اللّه ولا أكذب قول أبي .(1)

وتخصيص عدم لزوم أو عدم جواز اتباعه في نهضته

يفتقر إلى إقامة الدليل، ونسأل اللّه تعالى التوفيق للبحث تفصيلاً في هذا المضمار عند بيان إمكان الإقتداء بنهضته

إن شاء اللّه تعالى.

٤. الشهادة السياسيّة


1- كامل الزيارات: 149 ح178، بحارالأنوار 44: 262 ح17.

ص: 30

بمعنى أنّ الإمام الحسين(ع) قام ليقتل في سبيل اللّه وبهذا الفعل يفضح الأمويّين ويبيّن زيفهم والسبب في ذلك أنّه ما كان يملك غير نفسه وأهله وخلّص صحبه فضحّى بكلّ ما يملك لفضح الظالمين وبذلك انتصر، إذ عرف زيف

النظام الحاكم ولذا لا يتماشى قصده مع إقامة حكومة تحكم بوحي السماء.

ويرد على ذلك عدم وفاء الدليل عليه بل الدليل على خلافه، إذ هناك عبارات في مكاتبات الإمام مع أهل العراق تدلّ على اهتمامه بوضع الأمّة الإسلاميّة وقصده اصلاحها بإقامة

دولة تحيي القرآن والسنن وتميت الضلال والبدع وستقف على ذلك قريباً.

ثمّ إنّ مواقف الإمام وخطاباته لا تناسب هذه النظريّة، إذ أنّه سعى لإدارة الأمور بطريقة تقلّل من الضحايا قدر الإمكان فلم يكن غرضه الوحيد الشهادة وإلّا كان يتمكّن من نيلها بطريقة أسهل فلاحظ.

٥. إقامة حكومة اسلاميّة وحيانيّة

ص: 31

لم يقصد الإمام(ع) الشهادة إنّما قصد الحكومة والثورة على النظام الحاكم آنذاك ولذا لا يمكن أن يقال أنّ الإمام كان عالماً بوقت الشهادة ومحلّها إذ مع ذلك لا يمكن أن يقصد إقامة الدولة وتغيير النظام الحاكم.

وأنت خبير بأنّ هذه النظريّة تتعارض مع المحكم من الأدلّة الصريحة الدالّة على علم الإمام بالأمور والفتن والملاحم وكذا ما دلّ على الإمام الحسين(ع) بمقتله وخصوصيات ذلك، وعليه لا يمكن قبول هذه النظرية لشذوذها عن الإطار العامّ للفكر الشيعيّ فلاحظ:

قال العلّامة المجلسيّ1: وجدت في بعض الكتب:

لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمة (رضى اللّه عنها) فقالت: يا بني! لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلاء».

فقال لها: «يا أمّاه! وأنا واللّه! أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بُدّ، وإنّي واللّه! لأعرف اليوم الذي

ص: 32

أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أمّاه! أريك حفرتي ومضجعي» .(1)

وروي أنّه(ع) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال:

«الحمد للّه وما شاء اللّه، ولا قوة إلّا باللّه، [وصلّى اللّه على رسوله]، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضى اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه9 لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحاً إن شاء اللّه» .(2)


1- بحارالأنوار ٤٤: ٣٣١، رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار 1: 207.
2- اللّهوف: ٢٦، كشف الغمة ٢: ٢٩، بحار الأنوار ٤٤: ٣٦٦، العوالم ١٧: ٢١٦.

ص: 33

وهكذا كان ردُّ الإمام الحسين(ع) على مَن حاول منعَه من الخروج أو عارضه _ كابن عباس وابن الزبير _: «إنّ رسول اللّه9 قد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه»(1) ، وقوله ليحيى وعبد اللّه بن جعفر ما يشبه ذلك، أو قوله لأخيه محمّد بن الحنفيّة: «...أتاني رسولُ اللّه9 بعدما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج، فإنّ اللّه قد شاء أن يراك قتيلاً»، فلمّا قال له محمّد بن الحنفية: فما معنى حَمْلِك هؤلاء النساءَ معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟! أجابه الحسين(ع): «إنّ اللّه قد شاء أن يراهنّ سبايا»(2) .

عن أبي عبداللّه الصادق(ع) قال: إنّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتاباً، لم يُنزَل على محمّد9 كتاب مختوم إلّا الوصية، فقال جبرئيل(ع): يا محمّد، هذه وصيّتك في أُمتك عند أهل بيتك.

فقال رسول اللّه9: أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟

قال: نجيب اللّه منهم وذريّته، ليرثك علم النبوّة كما ورثه إبراهيم(ع)، وميراثه لعليّ(ع) وذريّتُك من صلبه.

قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح عليّ(ع) الخاتم الأول


1- اللّهوف: 26، بحار الأنوار 44: 364.
2- بحار الأنوار: 44: 364، عوالم العلوم والمعارف الأحوال من آيات والأخبار والأقوال 17: 314.

ص: 34

ومضى لما فيها، ثمّ فتح الحسن(ع) الخاتم الثاني ومضى لما أُمر به فيها، فلمّا توفّي الحسن ومضى، فَتَح الحسين(ع) الخاتمَ الثالث، فوجد فيها أن قاتلْ فاقتلْ وتُقتَل، واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلّا معك، قال: ففعل(ع) .(1)

عن جابر بن عبداللّه2 قال: لمّا عزم الحسينُ بن عليّ8 على الخروج إلى العراق، أتيتُه فقلت له: أنت ولد رسول اللّه9 وأحد سبطيه، لا أرى إلّا أنّك تصالح كما صالح أخوك الحسن، فإنّه كان موفَّقاً راشداً، فقال لي: «يا جابر، قد فعل أخي ذلك بأمر اللّه وأمر رسوله، وإنّي أيضاً أفعل بأمر اللّه وأمر رسوله، أتريد أن أستشهد لك رسولَ اللّه9 وعليّاً وأخي الحسن بذلك الآن؟»

قال جابر: ثمّ نظرتُ فإذا السماء قد انفتح بابها، وإذا رسول اللّه وعلي والحسن وحمزة وجعفر وزيد نازلين عنها حتى استقروا على الأرض، فوثبتُ فَزِعاً مذعوراً، فقال لي رسولُ اللّه9: «يا جابر، ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين؛ لا تكون مؤمناً حتى تكون لأئمّتك مسلّماً ولا تكن معترضاً، أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد


1- الكافي 1: 280 (باب أنّ الأئمّة: لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلّا بعهدٍ من اللّه عزّ وجل وأمرٍ منه لا يتجاوزونه) ح 1، بحارالأنوار 48: 25.

ص: 35

قاتله (لعنه اللّه)؟» قلت: بلى يا رسول اللّه. فضرب برجله الأرض فانشقت وظهر بحر فانفلق، ثمّ ضرب فانشقت هكذا حتى انشقت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر، فرأيت من تحت ذلك كلّه النار، فيها سلسلة قُرِن فيها الوليد بن مغيرة وأبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد، وقرن بهم مردة الشياطين، فهم أشدّ أهل النار عذاباً، ثمّ قال9: «إرفع رأسك»، فرفعت، فإذا أبواب السماء متفتّحة، وإذا الجنّة أعلاها، ثمّ صعد رسول اللّه9 ومَن معه إلى السماء، فلمّا صار في الهواء صاح بالحسين: «يا بُنيَّ الحقني»، فلحقه الحسين(ع)، وصعدوا حتى رأيتهم دخلوا الجنّة من أعلاها، ثمّ نظر إلى من هناك رسول اللّه، وقبض على يد الحسين وقال: «يا جابر، هذا ولدي معي ها هنا، فسلِّم له أمره ولا تشكَّ لتكون مؤمناً»، قال جابر: فعَمِيَت عيناي إن لم أكن رأيتُ ما قلت من رسول اللّه9 .(1)

عن فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته أنّ أميرالمؤمنين(ع) قال: «سلوني قبل أن تفقدوني»، قال رجل: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر.

قال(ع): «إنّ على


1- الثاقب في المناقب:322، مدينة المعاجز 3: 75.

ص: 36

كلّ طاقة في رأسك ملك يلعنك، وعلى كلّ طاقة من لحيتك شيطان يستفزك، وإنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن رسول اللّه9، وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به، ولولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به»، وكان ابنه عمر يومئذ جابياً، وكان قتل الحسين(ع) على يده .(1)

قيل لأميرالمؤمنين(ع) عن خالد بن عرفطة: قد مات، فقال(ع): «إنّه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز»، فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أميرالمؤمنين واللّه إنّي لك شيعة، وإنّي لك لمحبّ، وأنا حبيب بن جماز، قال: «إيّاك أن تحملها، ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب» _ وأومأ بيده إلى باب الفيل _

فلمّا كان من أمر الحسين(ع) ما كان توجّه عمر بن سعد بن

أبي وقاص إلى قتاله، وكان خالد بن عرفطة على مقدمته

وحبيب بن جماز صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .(2)

عن إسماعيل بن زياد قال: إنّ عليّاً(ع) قال للبراء بن عازب: «يا براء يقتل ابني الحسين(ع) وأنت حيّ لا تنصره» فلمّا قتل


1- . بحار الأنوار 41: 313، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 2: 270.
2- بحار الأنوار 41: 313، مدينة المعاجز 2: 158.

ص: 37

الحسين(ع) كان البراء يقول: صدق واللّه أميرالمؤمنين(ع) وجعل يتلهّف .(1)

عن جويرية بن مسهّر العبديّ: لمّا دخل علي(ع) إلى

صفين وقف بطفوف كربلاء ونظر يميناً وشمالاً واستعبر،

ثمّ قال: «واللّه ينزلون هاهنا»، فلم يعرفوا تأويله إلّا وقت

قتل الحسين(ع) .(2)

قال نصر: وحدّثنا مصعب، قال: حدّثنا الأجلح بن عبداللّه الكندي عن أبي جحيفة، قال: جاء عروة البارقي إلى سعد بن وهب، فسأله فقال: حديث حدثتناه عن عليّ بن أبي طالب، قال: نعم بعثني مخنف بن سليم إلى عليّ عند توجّهه إلى صفّين، فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده، ويقول: «هاهنا، هاهنا!» فقال له رجل: وما ذاك يا أميرالمؤمنين؟

فقال: «ثقل لآل محمّد ينزل هاهنا، فويل لهم منكم، وويل لكم منهم!»

فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أميرالمؤمنين؟

قال: «ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم


1- بحار الأنوار 41: 315، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 2: 270.
2- بحار الأنوار 41: 315، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 2: 271.

ص: 38

اللّه بقتلهم النار» .(1)

قال نصر: وحدّثنا سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسن بن كثير، عن أبيه، أنّ علياً(ع) أتى كربلاء، فوقف بها، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، هذه كربلاء، فقال: «ذات كرب وبلاء»، ثمّ أومأ بيده إلى مكان، فقال: «هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم»، ثمّ أومأ بيده إلى مكان آخر، فقال: «هاهنا مراق دمائهم»، ثمّ مضى إلى ساباط .(2)

وغير ذلك من الأدلّة الخاصّة الدالّة على علم أهل البيت: بمقتل الإمام الحسين(ع) مضافاً على الأدلّة العامّة ومع ذلك كيف يمكن المصير إلى نفي علمه(ع) بالتقديرات الإلهيّة لتحكيم كونه طالباً للحكم وإقامة الدولة؟! وللتعرّف على علم أهل البيت راجع كتابنا «علم النبيّ وآله».

٦. علم الإمام الحسين بما يحصل من خروجه

إنّ الإمام الحسين كان عالماً بما يحصل وكذا سائر الأئمّة


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 281، بحارالأنوار 41: 338.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد :3: 281، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 15: 364.

ص: 39

إلّا أنّهم لا يعملون إلّا وفق الظاهر ولذا خرج الإمام لإقامة الحكم الإسلاميّ ولم يقصد الشهادة ولكنّه كان عالماً بما سيؤول إليه أمره فالأمر الواقعيّ أمر والمضيّ وفق المعطيات الطبيعيّة أمر آخر .(1)

أقول: الالتزام بأنّ مبنى الأئمّة: في الأمور هو على العمل وفق الظاهر بالرغم من العلم بالواقع يحتاج إلى دليل وقد يرد عليه بعض النقوض وهو وإن كان أفضل الآراء المذكورة ولكن لعلّ النظريّة الآتية أقرب منه إلى الواقع واللّه العالم.

٧. طلب الحكم مع العلم بالتقديرات الإلهيّة والعلم بإمكان البداء

يمكن أن يقال بأنّ خطب الإمام الحسين(ع) وكذا مراسلاته مع أهل العراق تدلّان دلالة واضحة على أنّ الإمام كان رافضاً للبيعة مع يزيد بن معاوية طالباً للحكم الظاهريّ ومريداً لإقصاء بني أُميّة، فممّا لا يمكن الارتياب فيه لمن أمعن النظر في تلك الأدلّة ما بيّناه.


1- العلّامة المجلسيّ في مرآة العقول ٣: ١٢٤ _ ١٢٥ وبحارالأنوار ٤٨: ٢٣٦، الشيخ الطوسي في التبيان ١: ٢٤٧ وتلخيص الشافي ٤: ١٨٨ _ ١٩٠.

ص: 40

نعم لا يمكن المصير إلى نفي علم الإمام بالتقديرات الإلهيّة مع أنّه حجّة اللّه وخليفته كيف وقد علم بمقتله بكربلاء حتى بعض الصحابة فما ترى يكون حاله(ع) بالنسبة إلى

مصيره ومصير أهله وصحبه! أفلا يكون عالماً بتعليم اللّه

وتعليم رسوله؟

نعم وقد ذكر ذلك مرّات وكرّات حتى عرف كلّ من كان حوله بأنّ الإمام الحسين(ع) يعلم ما قدّر اللّه تعالى وقضاه، فليس هناك سبيل لإنكار هذه الحقيقة التي وردت في خصوص سيّد الشهداء(ع) بالخصوص إضافة إلى الأدلّة الدالّة على علم الإمام التي منها علمه بمآل الأمور.

فمتى رام المحقّقون تحليل التاريخ فلابدّ لهم من ملاحظة الأُطر العامّة للفكر الشيعيّ التي منها علم الإمام فلا يسوغ لهم الإلتزام بما ينافي تلك الأُطر إلّا إذا أرادوا التخلّي عن التشيّع!

والكلام حين ذلك يكون في وجه الجمع بين ما دلّ

على طلب الإمام الحكم وما دلّ على علمه بمصيره ومصير أهله وصحبه.

ووجه الجمع هو أنّ الإمام الحسين(ع) مضى وفق

ص: 41

المعطيات الظاهريّة في مراسلة أهل العراق واستنجادهم به وطلبهم أن يخرج إليهم ليكون أميراً عليهم، فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل ليتحقّق من الأمر وراسلهم ولمّا رأى أنّ الأمور تسير وفق الظاهر خرج إلى العراق مع علمه بالتقديرات الإلهيّة من تخلّي أكثر أهل العراق عنه ومحاصرته بكربلاء ومقتله في يوم عاشوراء. والجمع بين المضيّ نحو العراق والمراسلات وعلمه بمقتله ليس إلّا بعلمه أيضاً أنّ اللّه على كلّ شيء قدير وأنّ له الأمر من قبل ومن بعد وأنّه قد يؤخّر ما قدّمه وقد يقدّم ما أخّره فإنّ له أن يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب. فليس كلّ مقدّر ماض على وجه اللزوم وليس كلّ غير مكتوب باق على حاله، بل للّه تعالى أن يغيّر ما كتبه سابقاً عن علم وكمال حرّية فلا إلزام عليه بإمضاء ما كتبه إلّا ما ألزمه على نفسه من عدم التغيير أو ما كان في التغيير ما ينافي حكمته أو عدله أو قدسه وسبّوحيّته.

وبعبارة أُخرى إنّ اللّه تعالى مبسوط اليدين ينفق كيف يشاء وله تقديم ما أخّر أو تأخير ما قدّم أو إثبات ما لم يكن أو إمحاء ما أثبت، فما لم يقع القضاء بالإمضاء خارجاً يمكن أن يبدو له عن كمال علم ومطلق حرّية، إذ لا تستقرّ الحكمة في أمر واحد

ص: 42

لزاماً بل قد تكون في أمور كثيرة جدّاً فله أن يختار أيّاً منها متى شاء وكيف شاء ولا اضطرار يدخل عليه في اختيار إحدى تلك الأمور بل له أن يختار منها ما شاء، وبعد الاختيار يبقى الحقّ ثابتاً له في أن يبدّل ما اختاره بمثيله أو غير ذلك ممّا لا ينافي حكمته فإنّه مبسوط اليدين ولم يفرغ من الأمر بل كلّ يوم هو في شأن وتفصيل الكلام حول ذلك في كتابنا تقريراً لأبحاث شيخنا العلّامة محمّدباقر علم الهدى «البداء آية عظمة اللّه».

وبعد ذلك نقول: أصل شهادة الإمام الحسين(ع) من الميعاد وإنّ اللّه لا يخلف الميعاد فالشرف كلّ الشرف أن يقتل المرء في سبيل اللّه وقد وعد اللّه بذلك كما وعد أميرالمؤمنين بالشهادة «ألم تعدني بالشهادة» وقد أنبأ اللّه أنبيائه بشهادة سبط الرسول الأكرم وقد أنبأ بعض الرسل أممهم بذلك ومن الواضح أنّ اللّه لا يكذّب رسله ولكن تفاصيل الشهادة من ناحية الزمان وطريقة الاستشهاد ممّا تقبل البداء، لإمكان ذلك عقلاً وعدم المانع فيه من ناحية مخالفة الوعد أو الحكمة أو غير ذلك، فلا ضير في أن يقال بأنّ الإمام الحسين(ع) وإن كان عالماً باستشهاده وزمانه وجميع التفاصيل المكتوبة إلّا أنّه عالم أيضاً بأنّ للّه تعالى التقديم والتأخير ولذا حينما خرج إلى

ص: 43

العراق خرج وهو عالم بكلى الأمرين؛ تقدير الشهادة وإمكان تغيير تفاصيل ذلك، ومن هنا صحّ له أن يطلب الحكم لمعرفته بقدرة اللّه تعالى على البداء وعدم ثبوت المانع فيه من جهة التفاصيل وقد أشار إلى ذلك في محادثته مع الفرزدق والطرّماح وسنوافيك بالروايتين عن قريب.

وإليك بيان الأدلّة على ذلك:

من الواضح أنّ الإمام الحسين(ع) رفض أن يبايع يزيداً وفي قبال ذلك أمر مسلم بن عقيل بأخذ البيعة له بالخلافة والإمارة، والبيعة لم تكن مجرّد عقد كالبيع والإجارة بل كانت رابطة بين الحاكم والمحكوم فلاحظ:

معنى البيعة

الظاهر أنّ البيعة كانت نوع معاقدة بين الناس والحاكم فعلى الحاكم أن يحمي الرعيّة في قبال اطاعتهم له ولذا لا يقال للمعاقدة بين شخص وبقّال بيعة.

قال اللّه تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَريباً) .(1)


1- الفتح: 18.

ص: 44

وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ) .(1)

وكانت البيعة سائدة قبل الإسلام وكذا بعد بزوغ نوره ولذا أخذ رسول اللّه9 البيعة من الناس كما أنّه أخذها على ولاية الإمام أميرالمؤمنين(ع) حتى من النساء ولكن بصورة خاصة مذكورة في التاريخ والأخبار.

وقد ورد أن الإمام عليّ(ع) أخذ البيعة من الناس على خلافته فلاحظ:

إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك للّه رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه اللّه ما تولّى ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمنّ أنّي


1- التوبة: 11.

ص: 45

كنت في عزلة عنه إلّا أن تتجنى فتجن ما بدا لك والسلام .(1)

وقال أيضاً:

وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم .(2)

ومن الواضح أنّ الأئمّة ما كانوا ليأخذون البيعة قسراً كما قال أميرالمؤمنين(ع): «وبايعني الناس غير مستكرهين» (3).

وقال لسعد بن أبي وقّاص حينما امتنع عن بيعته: «ما عليك منّي بأس» (4).

وقال(ع) عن ابن عمر حينما رفض البيعة: «دعوه فأنا كفيله»(5) .

إذا عرفت ذلك يتّضح لك أنّه لو رفض أحد البيعة يعدّ ذلك اعتراضاً وقياماً بالأخصّ إذا كان الرافض في رتبة سامية

ومكانة عالية.

ولذا قال يزيد في رسالة لوالي المدينة أن يقتل الإمام


1- نهج البلاغة: 376 الرسالة 6.
2- نهج البلاغة: 79 الخطبة34
3- . نهج البلاغة: 363 الرسالة 1.
4- بحارالأنوار 32: 7، الكامل 3: 191.
5- بحارالأنوار 32: 8، الكامل 3: 306.

ص: 46

الحسين(ع) بقوله: «فاضرب عنقه وابعث برأسه إليّ»(1) .

الإمام الحسين(ع) يرفض البيعة ليزيد

وممّا لا شكّ فيه أنّ الإمام الحسين(ع) بقي رافضاً لحكم يزيد حتى آخر أنفاسه المقدسة فلاحظ:

قال السيّد بن طاووس: كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين(ع) ويقول: إنّ أبى عليك فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين، فقال: إنّه لا يقبل، ولو كنت مكانك ضربت عنقه، فقال الوليد، ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.

ثمّ بعث إلى الحسين(ع) فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه _ وساق الكلام إلى أن قال _ : فغضب الحسين(ع) ثمّ قال: «ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت واللّه وأثمت».

ثمّ أقبل على الوليد فقال: «أيّها الأمير! إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح اللّه، وبنا ختم اللّه، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون،


1- مثير الأحزان: 13، بحارالأنوار 44: 324.

ص: 47

وننظر وتنظرون، أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة»، ثمّ خرج(ع) .(1)

وهذه العبارة تدلّ على أنّ من كان مقامه كمقامي فإنّه لا يبايع يزيد ومن عجائب هذا الخبر قوله(ع): «ومثلي لا يبايع مثله» فإنّ الخلاف ليس شخصيّاً، بل صراع مبادئ وقيم ومن هنا لا يصلح يزيد للبيعة ولا يبايعه كل من كان برتبة سيّد الشهداء(ع). ولذا قال: نصبح ونرى أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة فكان الإمام يرى الحقّ المطلق لنفسه بالحكم دون غيره.

وهذه من العبارات التي تدلّ على أنّ الإمام الحسين(ع) كان يرى الخلافة له دون يزيد.

قال ابن أعثم: وأصبح الحسين(ع) من الغد خرج من منزله ليستمع الأخبار، فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه، فقال: أبا عبد اللّه! إنّي لك ناصح، فأطعني ترشد تسدّد.

فقال الحسين(ع): «وما ذلك؟ قل حتّى أسمع».

فقال مروان: أقول إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد، فإنّه خير لك في دينك ودنياك!!

فاسترجع الحسين(ع) وقال: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد!!»


1- بحار الانوار ٤٤: ٣٢٤، الفتوح 5: 14.

ص: 48

ثمّ أقبل الحسين(ع) على مروان، وقال: «ويحك! أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق، لقد قلت شططاً من القول يا عظيم الزلل! لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الذي لعنك رسول اللّه9 وأنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص، فإنّ من لعنه رسول اللّه9 لا يمكن له ولا منه إلّا أن يدعو إلى بيعة يزيد».

ثمّ قال(ع): «إليك عنّي، يا عدوّ اللّه! فإنّا أهل بيت رسول اللّه9، والحقّ فينا وبالحقّ تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول اللّه9 يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فواللّه لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أمروا به، فابتلاهم اللّه بابنه يزيد، زاده اللّه في النار عذاباً»(1) .

وأقبل عبد اللّه بن الزبير على الحسين بن عليّ، فقال: يا أبا عبداللّه، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للنّاس، وإنّي قد أنكرت ذلك، وبعثه في هذه الساعة إلينا، ودعاءه إيّانا بمثل هذا الوقت، أترى في أيّ أمر طلبنا؟

فقال له الحسين: «إذن أخبرك أبا بكر، إنّي أظنّ بأنّ

معاوية قد مات، وذلك أنّي رأيت البارحة في منامي كأنّ


1- الفتوح ٥: ١٧، مقتل الحسين(ع) للخوارزمي ١: ١٨٤.

ص: 49

منبر معاوية منكوس، ورأيتُ داره تشتعل ناراً، فأولتُ ذلك

في نفسه أنّه مات».

فقال له ابن الزبير: فاعلم يا ابن عليّ أنّ ذلك كذلك، فما ترى أن تصنع إن دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبد اللّه؟

قال: «أصنع، أنّي لا أبايع أبداً، لأنّ الأمر إنّما كان لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع، وحلف لأخي الحسن أنّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده، وأن يردّها إليّ إن كنت حيّاً، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه، ولم يف لي، ولا لأخي الحسن بما كان ضمن، فقد واللّه أتانا ما لا قوام لنا به، أنظر أبا بكر أنّي أبايع ليزيد، يزيد رجل فاسق معلن بالفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويبغض بقيّة آل الرسول؟ لا واللّه لا يكون ذلك أبداً»(1) .

فالمستفاد من هذه الأخبار أنّ الإمام(ع) رفض حكم يزيد وقام ضدّه.

ولذا حارب جيش آل أميّة حتى أدخل العزاء في كلّ بيت من بيوتات الكوفة فكان جادّاً في الحرب ومثابراً في إقامة الحقّ وإبطال الباطل.

الضغوط على الإمام لقبول البيعة


1- الفتوح 5: 12.

ص: 50

قد كانت هناك ضغوط على الإمام الحسين(ع) كي يقبل البيعة ويرضخ لحكم آل أميّة فينتهي بذلك الصراع القائم بين الحيّين؛ حيّ بني هاشم وحيّ بني أميّة ولم تكن هذه الضغوط من قبل الأعداء فحسب بل أحياناً كانت تصدر حتى من الأصدقاء أو أقرباء الإمام(ع). واختلاف مناشئ هذه الضغوط ممّا لا شكّ فيه فأقرباء الإمام لم يطلبوا منه النزول عند رغبة بني معاوية من أجل إذلال الإمام بل طلبوا ذلك كي يحافظوا _ على حسب ظنّهم _ على حياة سيّد الشهداء بخلاف الأعداء الذين كانت نواياهم من الطلب إماتة الحقّ وإحياء الباطل، ومهما كانت الدواعي مختلفة فإنّها كانت تتّحد في إيراد الضغط على الإمام الحسين(ع) بتنازله عن مبدأه وتركه لمقاومة آل أبي سفيان ولكنّه(ع) صمد صمود الأبطال أمام هاتيك الرياح وبقى كالجبل بعزمه على إدحاض الباطل وإحقاق الحقّ، ويمكن تقسيم تلك المحاولات إلى ثلاثة أقسام رئيسيّة:

١. من قبل الأعداء كمروان وابن الزبير وقد مرّ ذكر ذلك.

٢. من قبل جيش ابن سعد بتضييق عرصة الحرب ومقاتلة الإمام بالطرق الغير معهودة آنذاك.

ص: 51

عن محمد بن أبي طالب: فرمى أصحابه كلّهم فما بقي من أصحاب الحسين(ع) إلّا أصابه من سهامهم، قيل: فلمّا رموهم هذه الرمية، قلّ أصحاب الحسين(ع) وقتل في هذه الحملة خمسون رجلاً، وقال السيّد: فقال(ع) لأصحابه: قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابدّ منه فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتى قتل من أصحاب الحسين(ع) جماعة، قال: فعندها ضرب الحسين(ع) يده على لحيته، وجعل يقول: «اشتد غضب اللّه على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم، أما واللّه لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتى ألقى اللّه تعالى، وأنا مخضّب بدمي» .(1)

وفي إرشاد المفيد:

فصار الحسين(ع) إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين(ع)، ثمّ قرأ كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال له الحسين(ع):


1- بحارالأنوار 45: 12، اللهوف: 60.

ص: 52

«إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى أبايعه جهراً، فيعرف الناس ذلك».

فقال الوليد له : أجل، فقال الحسين(ع): «فتصبح وترى رأيك في ذلك».

فقال له الوليد: انصرف على اسم اللّه حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: واللّه لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى يكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب عند ذلك الحسين(ع) وقال: «أنت _ يا ابن الزرقاء _ تقتلني أو هو؟! كذبت واللّه وأثمت» وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله» .(1)

والظاهر ممّا جرى أنّ البيعة كانت لأجل المشروعيّة فأبى الإمام ذلك.

ولذا نرى أنّ الأعداء قطعوا الماء على الإمام(ع) وقتلوا حتّى أطفاله كي يجعلوه يرضخ للبيعة ولكن سيّد الشهداء(ع) رفض حتّى قتل في سبيل اللّه محقّاً.

٣. من قبل الأقرباء:


1- الإرشاد 2: 33.

ص: 53

قال السيّد ابن طاووس:

حدّثني جماعة منهم من أشرت إليه بإسنادهم إلى عمر النسابة (رضوان اللّه عليه) فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جدّه محمّد بن عمر قال: سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب(ع) يحدث أخوالي آل عقيل قال: لمّا امتنع أخي الحسين(ع) عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خالياً، فقلت له: جعلت فداك يا أبا عبد اللّه! حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبيه8، ثمّ سبقتني الدمعة وعلا شهيقي، فضمّني إليه وقال: «حدّثك أنّي مقتول!»

فقلت: حوشيت يا ابن رسول اللّه!

فقال: «سألتك بحقّ أبيك! بقتلي خبّرك؟»

فقلت: نعم، فلولا ناولت وبايعت!

فقال: «حدثني أبي أنّ رسول اللّه9 أخبره بقتله وقتلي،

وأنّ تربتي تكون بقرب تربته! فتظنّ أنّك علمتَ ما لم أعلمه!؟ وإنّه لا أعطي الدنيّة من نفسي أبداً، ولتلقينّ فاطمة أباها

شاكية ما لقيت ذريّتها من أمّته، ولا يدخل الجنّة أحد آذاها

في ذريّتها» .(1)


1- اللّهوف: 27، مقتل الحسين للمقرم: ١٣٤.

ص: 54

قال ابن الحنفية للإمام ... فاقبل منّي ... فقال الإمام: «واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى ما بايعت واللّه يزيد... وانّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ... إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي ... أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين وهذه وصيّتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب».

فلاحظ أنّ الإمام يبيّن أنّ من قبله بقبول الحقّ أي قبله باعتبار أنّه يمثّل الحقّ فاللّه أولى بالحقّ وأمّا الرادّ عليّ فإنّ اللّه سيحكم بيني وبينه.

وهذه النصائح لا تخرج الناصحين عن الإيمان وإن كانت توجب الإختلاف في الدرجات بين من كان سلماً للإمام وبين من سعى لنصيحة الإمام فإن المسلّم له الأمر في درجة أعلى.

ومن الواضح أنّ الضغوط من الأقربين قد تأثّر أكثر على الشخص إلّا أنّ الإمام كان صامداً في قبال جميع التيارات المؤالفة والمخالفة.

المراسلات بين أهل العراق والإمام الحسين(ع)

الكتب من أهل الكوفة

ص: 55

1. ورد في الفتوح أنّه اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعيّ فلمّا تكاملوا في منزله قام فيهم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي9 وعلى أهل بيته، ثمّ ذكر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) فترحم عليه وذكر مناقبه الشريفة، ثمّ قال: يا معشر الشيعة! إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد صار إلى ربّه وقدم على عمله وسيجزيه اللّه تبارك وتعالى بما قدّم من خير أو شرّ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد _ زاده اللّه خزيا _ وهذا الحسين بن عليّ(ع) قد خالفه وصار إلى مكة خائفاً من طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من

ص: 56

قبله، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه.

فقال القوم: بل ننصره ونقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه حتى ينال حاجته.

فأخذ عليهم سليمان بن صرد بذلك ميثاقاً وعهداً أنّهم لا يغدرون ولا ينكثون. ثمّ قال: اكتبوا إليه الآن كتاباً من جماعتكم أنّكم له كما ذكرتم، وسلوه القدوم عليكم.

قالوا: أفلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟

قال: لا، بل يكتب جماعتكم.

قال: فكتب القوم إلى الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما.

بسم اللّه الرحمن الرحيم، إلى الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما، من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شداد وعبداللّه بن وال وجماعة شيعته من المؤمنين، أمّا بعد؛ فالحمد للّه الذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبلك الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي أبتر هذه الأمّة وعضاها وتأمّر عليها بغير رضاها، ثمّ قتل خيارها واستبقى

ص: 57

أشرارها، فبعداً له كما بعدت ثمود! ثمّ إنّه قد بلغنا أنّ ولده اللعين قد تأمّر على هذه الأمّة بلا مشورة ولا إجماع ولا علم من الأخبار، ونحن مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك فاقبل إليه فرحاً مسروراً مأموناً مباركاً سديداً وسيّداً أميراً مطاعاً إماماً خليفة علينا مهدياً، فإنه ليس عليك إمام ولا أمير إلّا النعمان بن بشير وهو في قصر الإمارة وحيد طريد، ليس يجتمع معه في جمعه ولا يخرج معه إلى عيد ولا يؤدّى إليه الخراج، يدعو فلا يجاب ويأمر فلا يطاع، ولو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه عنّا حتى يلحق بالشام، فاقدم إلينا فلعلّ اللّه عزّ وجلّ أن يجمعنا بك على الحقّ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته يا ابن رسول اللّه ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم.

ثمّ طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى عبد اللّه بن سبع الهمدانيّ وعبد اللّه بن مسمع البكري، ووجّهوا بهما إلى الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما. فقرأ الحسين كتاب أهل الكوفة فسكت ولم يجبهم بشيء .(1)


1- الفتوح ٥: ٢8.

ص: 58

2. وورد في الكتاب الثاني:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن عليّ أميرالمؤمنين من شيعته وشيعة أبيه، أمّا بعد [فحيهلا] فإنّ الناس منتظرون لا رأي لهم [في] غيرك، فالعجل العجل يا ابن بنت رسول اللّه9! قد اخضر[ت] الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار، فاقدم إذا شئت فإنّما تقدّم إلى جند لك مجنّد _ والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته وعلى أبيك من قبلك .(1)

3. ومن بين تلك الرسائل:

إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة، فأقدم علينا فنحن في مائة ألف سيف، فقد فشا فينا الجور، وعمل فينا بغير كتاب اللّه وسنّة نبيّه، ونرجوا أن يجمعنا اللّه بك على الحق، وينفي عنّا بك الظلم، فأنت أحق بهذا الأمر من يزيد وأبيه الذي غضب الأمّة، وشرب الخمور، ولعب بالقرود والطنابير، وتلاعب بالدين .(2)

4. وكتب جمهور أهل الكوفة الرسالة الآتية ووقّعوها

وهذا نصها:


1- الفتوح ٥: ٢٩، ونقلاً عن حياة الإمام الحسين للقرشي ٢: ٣٥٢.
2- حياة الإمام الحسين 2: 334 نقلاً عن تذكرة الخواص.

ص: 59

للحسين بن عليّ أميرالمؤمنين من شيعة أبيه(ع): أمّا بعد؛ فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك العجل العجل يا ابن رسول اللّه9 لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الحق ويؤيّد بك المسلمين والإسلام... بعد أجزل السلام وأتمه عليك ورحمة اللّه وبركاته .(1)

5. وكتب إليه جماعة هذه الرسالة الموجزة:

إنّا معك، ومعنا مائة ألف سيف .(2)

6_ وكانت آخر الرسائل التي وصلت إليه هذه الرسالة:

عجّل القدوم يا ابن رسول اللّه فإنّ لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا تتأخّر .(3)

وقد تتابعت عليه الرسائل ما ملا منها خرجين، ويقول المؤرّخون: إنّه اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب(4) ووردت إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف اسم يعربون


1- حياة الإمام الحسين 2: 335 نقلاً عن وسيلة المآل والفصول المهمة.
2- حياة الإمام الحسين 2: 335 نقلاً عن أنساب الأشراف.
3- حياة الإمام الحسين 2: 335 نقلاً عن بحارالأنوار.
4- حياة الإمام الحسين 2: 335 نقلاً عن اللهوف.

ص: 60

عن نصرتهم له حال ما يصلى إلى الكوفة كما وردت عليه في يوم واحد ستمائة كتاب .(1)

تحريض سليمان أهل البصرة لنصرة الإمام الحسين(ع)

قال السيّد ابن طاووس: وكان الحسين(ع) قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنّى أبارزين، يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته، منهم: يزيد بن مسعود النهشلي، والمنذر بن الجارود العبدي.

فجمع يزيد بن مسعود بني تميم(2) وبني حنظلة وبني سعد، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم! كيف ترون موضعي فيكم، وحسبي منكم؟

فقالوا: بخ بخ، أنت واللّه فقرة الظهر، ورأس الفخر، حللت في الشرف وسطاً، وتقدمت فيه فرطاً.


1- حياة الإمام الحسين 2: 336 نقلاً عن الوافي في المسألة الشرقية.
2- حياة الإمام الحسين 2: 336 نقلاً عن الدر المسلوك في أقوال الأنبياء والأوصياء.

ص: 61

قال: فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه، وأستعين بكم عليه.

فقالوا: إنّا واللّه نمنحك النصيحة، ونحمد لك الرأي، فقل حتى نسمع.

فقال: إنّ معاوية مات، فأهون به واللّه هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمراً ظن أنّه قد أحكمه، وهيهات والذي أراد، اجتهد واللّه ففشل، وشاور فخذل، وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور، يدعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم، مع قصر حلم، وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه.

فأقسم باللّه قسماً مبروراً! لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن عليّ، ابن بنت رسول اللّه9، ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته، يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير، فأكرم به راعي رعية، وإمام قوم وجبت للّه به الحجّة، وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحقّ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن

ص: 62

قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللّه ونصرته، واللّه! لا يقصر أحد عن نصرته إلّا أورثه اللّه الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وأدرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت، ومن يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم اللّه ردّ الجواب.

فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا: يا أبا خالد! نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، وإن غزوت بنا فتحت، لا تخوض واللّه غمرة إلّا خضناها، ولا تلقى واللّه شدّة إلّا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، ونقيك بأبداننا، إذا شئت فافعل.

وتكلّمت بنو سعد بن زيد، فقالوا: يا أبا خالد! إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال، فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا.

وتكلّمت بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد! نحن بنو عامر، بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت، ولا نقطن إن ظعنت، والأمر إليك فادعنا نجبك، وأمرنا نطعك، والأمر لك إذا شئت.

ص: 63

فقال: واللّه! يا بني سعد! لئن فعلتموها لا رفع اللّه السيف عنكم أبداً، ولا زال سيفكم فيكم.

ثمّ كتب إلى الحسين(ع):

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له، من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ اللّه لم يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة، وأنتم حجّة اللّه على خلقه، ووديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها، وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكضها، وقد ذللت لك [رقاب] بني سعد، وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.

فلمّا قرأ الحسين(ع) الكتاب قال: «ما لك آمنك اللّه يوم الخوف، وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر»(1) .

مضمون هذه الرسائل:


1- اللّهوف: ٣٨، مثير الأحزان: ٢٩، بحار الأنوار ٤٤: ٣٣٩، العوالم ١٧: ١٨٨، أعيان الشيعة ١: ٥٩٠.

ص: 64

١. يظهر من كلام سليمان بن صرد أنّ موضوع مخالفة الإمام الحسين(ع) ليزيد كان قد انتشر في البلاد وهذا الأمر أثار في الأمّة روح المقاومة وأحيى فيهم _ ولو لفترة قصيرة _ التوجّه إلى القيم، وبعد ذلك أطلقت الدعوة من سليمان لوقوف الشيعة مع الإمام الحسين(ع) وإعلامه بذلك وإلزامه الناس بأن يكتب كلّ واحد منهم كي تكون الحجّة أتمّ عليهم.

٢. يظهر من رسائل الكوفة أنّ أهلها غير راضين عن يزيد وعن والي الكوفة.

٣. طلب أهل الكوفة من الإمام الحسين(ع) أن يحلّ بهم أميراً مطاعاً وإماماً خليفة حتى أنّه لو عزم الإمام الخروج إليهم طردوا والي الكوفة.

٤. توطين أنفسهم على أن يكونوا حرباً لمن قرّر الإمام الحسين(ع) محاربته.

٥. بيان أنّ نصرتهم للإمام ليست نصرة قلبيّة بل إنها كنصرة الجند المجنّد المدرّب.

٦. نفي إمارة أيّ أحد سوى أبي عبد اللّه الحسين(ع).

ص: 65

٧. عرض مظلوميّتهم على الإمام(ع).

٨. مقاطعتهم للحكومة المحلّية بترك حضور الصلاة

مع الولاة.

٩. أنّهم يملكون مائة ألف سيف مقاتل وبذلك يستطيع الإمام الحسين(ع) الانتصار على بني أميّة.

١٠. تحريض سليمان لأهل البصرة على نصرة الإمام الحسين(ع) لتكون تلك توبة منهم على ما فرّطوا في حقّ أميرالمؤمنين(ع).

١١. يتبيّن من رسالة سليمان إلى الإمام(ع) أنّ الإمام استنصر سليمان ودعاه ليكون داعية لنصرته.

١٢. إخبار الإمام(ع) بأنّ بني تميم وبني سعد خضعوا للإمام(ع).

وحاصلها أنّ أهل العراق طلبوا النجدة من الإمام الحسين(ع) كي يقدم إليهم أميراً مطاعاً وخليفة حقّ وأنّهم سينصرون الإمام للوصول إلى الخلافة.

جواب الإمام الحسين(ع) لمناشدة أهل العراق

ص: 66

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن عليّ إلى من بلغه كتابي هذا من أوليائه وشيعته بالكوفة.

سلام عليكم، أمّا بعد فقد أتتني كتبكم، وفهمت ما ذكرتم من محبّتكم بقدومي عليكم، وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه أمركم، ويكتب إليّ بما يتبيّن له من اجتماعكم، فإن كان أمركم على ما أتتني به كتبكم وأخبرتني به رسلكم أسرعت القدوم عليكم، إن شاء اللّه، والسلام»(1) .

وتلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن أمر الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد اللّه الحنفي _ وكانا آخر الرسل _ :

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، من حسين بن عليّ، إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم _ وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم _، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبل، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.


1- شرح احقاق الحق ٢٧: ١٥٩.

ص: 67

وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي [مسلم بن عقيل] وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم.

فإن كتب إليّ: أنّه قد أجمع رأي ملئكم، وذوي الفضل والحجى منكم، على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء اللّه، فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات اللّه، والسلام»(1) .

وكتب(ع) أيضاً:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين، سلام عليكم، أمّا بعد، فإنّ هاني بن هاني، وسعيد بن عبد اللّه قدما عليّ بكتبكم فكانا آخر من قدم عليّ من عندكم، وقد فهمت الذي قد قصصتم وذكرتم ولست أقصر عمّا أحببتم، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رضي اللّه عنه)، وقد أمرته أن يكتب إليّ بحالكم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع): 379 نقلاً عن: تاريخ الطبري 3: 278، الإرشاد: 204، الكامل في التاريخ 2: 534 ورد فيه مختصراً؛ بحار الأنوار 44: 334، العوالم 17: 183.

ص: 68

منكم، وهو متوجّه إلى ما قبلكم إن شاء اللّه تعالى والسلام ولا قوّة إلّا باللّه، فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه!

فلعمري! ليس الإمام العامل بالكتاب والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحقّ ولا يهدي ولا يهتدي، جمعنا اللّه وإيّاكم على الهدى وألزمنا وإيّاكم كلمة التقوى، إنّه لطيف لما يشاء والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته»(1) .

كلامه مع مسلم8

ثمّ طوى الكتاب وختمه ودعا مسلم بن عقيل؛ فدفع إليه الكتاب وقال(ع) له:

«إنّي موجهك إلى أهل الكوفة، وهذه كتبهم إليّ، وسيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فأنزل عند أوثق أهلها، وادع الناس إلى طاعتي، واخذلهم عن آل أبي سفيان، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل لي بالخبر حتى أعمل على حسب ذلك إن شاء


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع): 379 عن: الفتوح 5: 35، مقتل الحسين(ع)للخوارزمي 1: 195.

ص: 69

اللّه تعالى». ثمّ عانقه وودّعه وبكيا جميعاً .(1)

وعن أبي إسحاق قال: لمّا بلغ أهل الكوفة نزول الحسين(ع) مكة وأنّه لم يبايع ليزيد، وفد إليه وفد منهم عليهم أبو عبداللّه الجدلي وكتب إليه شبث بن ربعي وسليمان بن صرد والمسيب بن نجية ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد فقال لهم: «ابعث معكم أخي وابن عمّي فإذا أخذ لي بيعتي وأتاني عنهم بمثل ما كتبوا به إليّ قدمت عليهم».

ودعى مسلم بن عقيل فقال: «اشخص إلى الكوفة فإن رأيت منهم اجتماعاً على ما كتبوا ورأيته أمراً ترى الخروج معه فاكتب إليّ برأيك». فقدم مسلم الكوفة .(2)

كتابه(ع) إلى أشراف البصرة

قال هشام: قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن أبي عثمان النهديّ، قال:

كتب حسين(ع) مع مولى لهم يقال له: سليمان، وكتب


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع): 380 نقلاً عن: الفتوح ٥: ٣٦، الإرشاد: ٢٠٤، مقتل الحسين(ع) للخوارزمي ١: ١٩٦، وقعة الطف: ٩٦.
2- مقاتل الطالبيين: ٦٣.

ص: 70

بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة، وإلى الأشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكريّ، وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عمرو، وإلى قيس بن الهيثم، وإلى عمرو بن عبيداللّه بن معمر، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها.

«أمّا بعد، فإنّ اللّه اصطفى محمّداً9 على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه اللّه إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به9 وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولّاه، وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحق، فرحمهم اللّه وغفر لنا ولهم.

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه9، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه» .(1)

مضمون أجوبة الإمام الحسين(ع) على مناشدة العراق


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع): 383 نقلاً عن: تاريخ الطبري ٣: ٢٨٠، مثير الأحزان: ٢٧، بحارالأنوار ٤٤: ٣٤٠ أشار المصدران إلى آخر الحديث فقط، أعيان الشيعة ١: ٥٩٠، وقعة الطف: ١٠٧.

ص: 71

١. أنّ الإمام فهم مطالب أهل العراق وأنّهم طلبوا منه أن يتأمّرهم فيطيعوه.

٢. بيّن الإمام(ع) بأنّه لا يتحرّك نحوهم إلّا بعد اختبارهم برسوله مسلم بن عقيل فإنّه حينذاك سيتوجّه اليهم.

٣. التصريح بأنّه لا تليق الخلافة إلّا للحاكم العامل بالكتاب والآخذ بالقسط ومن الواضح أنّ هذا الثوب لا يليق إلّا به كإمام منصوب من قبل اللّه تعالى.

٤. تحريض الناس على مبايعة مسلم بن عقيل كتوطيد لقدومه إليهم.

٥. أمر مسلم بن عقيل بأخذ البيعة له وتحريضهم على مختلفة بني سفيان.

٦. دعوة أهل البصرة بملازمته وبيان أنّه الخليفة الذي يستحقّ أن يكون أميراً مطاعاً.

ص: 72

دعوة الإمام الحسين(ع) لنفسه

اشارة

ص: 73

من الواضح على المتأمّل في تاريخ الإمام الحسين(ع) أنّ الإمام طلب البيعة لنفسه وحرّض الناس ضدّ بني أميّة وإليك بعض الشواهد على ذلك:

١. قال الإمام الحسين(ع) لمسلم بن عقيل: «إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة وهذه كتبهم إليّ، وسيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها وادع الناس إلى طاعتي وأخذلهم عن آل أبي سفيان، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل لي بالخبر حتى أعمل على حسب ذلك إن شاء اللّه تعالى»(1) .


1- الفتوح 5: 31.

ص: 74

هذا الخبر يدلّ على أنّ الإمام كان يدعو لنفسه بالبيعة والانتفاض على يزيد فإنّ الدعوة إلى طاعته مشفّعة بالدعوة إلى خذلان الناس عن يزيد وطاعته خير شاهد على ذلك.

٢. عن مصعب بن عبداللّه: لمّا استكف الناس بالحسين(ع) ركب فرسه، واستنصت الناس، وحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: «تبّاً لكم، أيّتها الجماعة! وترحاً وبؤساً لكم، حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منّا إليكم، فهلّا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكنّكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدُبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش، ثمّ نقضتموها سفها وضلّة، فبُعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمّة! وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ومطفئي السنن، ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الإمام، وملحقي العهرة بالنسب، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون أفهؤلاء

ص: 75

تعضدون، وعنّا تتخاذلون، أجل واللّه! خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم، واتزرت عليه عروقكم، فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر، وأكلة للغاصب، ألا لعنة اللّه على الظالمين الناكثين الذين ينقضون الإيمان بعد توكيدها وقد جعلوا اللّه عليهم كفيلاً.

ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك منّي! هيهات منّا الذلة! أبى اللّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد، وكثرة العدو، وخذلة الناصر».

ثمّ تمثل(ع) فقال:

فإن نهزم فهزّامون قدماً

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا

ولو بقي الكرام إذا بقينا (1)

أقول: يظهر من هذه الخطبة المباركة أنّ الأمّة بايعت الإمام الحسين(ع) فممّا لا يخفى أنّ البيعة لا تقع إلّا من طرفين؛ الحاكم والمحكوم فلمّا بيّن الإمام(ع) أنّ الأمّة بايعته ثمّ نكثت


1- بحارالأنوار 45: 83، اللهوف: 98.

ص: 76

يدلّ ذلك على قبوله البيعة منهم ولذا قال بأنّهم نكثوا،

فتأمّل مليّاً.

٣. مسلم ينبئ الإمام الحسين(ع) ببيعة أهل الكوفة

ومن خير الشواهد على طلب الإمام الحسين(ع) للحكومة ما ورد من أنّ مسلم بن عقيل أخذ للإمام البيعة من أهل

الكوفة فلاحظ:

فأقبل مسلم; حتى أتى المدينة، فصلّى في مسجد رسول اللّه9 وودّع من أحبّ من أهله، ثمّ أقبل حتى دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب، وأقبل الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين(ع) وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الحسين(ع) يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم.

قال الطبريّ: «وكان مسلم بن عقيل قد كان كتب إلى الحسين قبل أن يقتل لسبع وعشرين ليلة: أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، إنّ جمع أهل الكوفة معك. فأقبل حين تقرأ كتابي،

ص: 77

والسلام عليك»(1) . وزاد الطبري: «فإن الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى»(2) .

وفي البداية والنهاية: «فتسامع أهل الكوفة بقدومه فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثمّ تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهّدت له البيعة»(3) .

وغير ذلك من الشواهد التي ذكرناها في طيّ الصفحات الماضية _ كتحريضه سليمان بن صرد للدعوة إليه وكدعوة أهل البصرة لنصرته _ وما لم نذكره رعاية للاختصار وفيما ذكرنا كفاية لإثبات المدّعى.

وحاصل هذه المكاتبات أنّ أهل العراق استنجدوا بالإمام الحسين(ع) كما قال «استصرختمونا والهين» وقد استجاب الإمام الحسين لدعوتهم «فأصرخناكم موجفين» بعد أخذ


1- تاريخ الطبري 5: 395.
2- تاريخ الطبري 5: 375.
3- البداية والنهاية 12: 247.

ص: 78

الحيطة منها والتأكّد بإرسال ابن عمّه مسلم بن عقيل لأخذ البيعة له والتوطيد على محاربة بني سفيان ومن ذلك يعرف أنّ الإمام(ع) كان يرى لنفسه الحقّ في الحكومة وأنّ أهل العراق أرادوه أميراً مطاعاً ففهم مطلبهم واستجاب لهم كي ينجيهم من ظلم الظالمين ويخرجهم من الإضطهاد الأمويّ ولا أظنّ أنّ تدارس تاريخه الزاهر يعطينا غير هذه النتيجة الواضحة البيّنة.

نعم يبقى الكلام حول إمكان الجمع بين قصده إقامة حكومة وحيانيّة مع علمه بالتقديرات الإلهيّة بمقتله وحلّ ذلك لا يكون إلّا بالبداء وأنّ اللّه تعالى قادر على تغيير ما قدّره وإليك ما يدلّ على إمكان حدوث تغييرات في خصوصيّات الأمر دون أصله لأنّه من الميعاد وإنّ اللّه لا يخلف الميعاد مضافاً إلى لزوم حصول البداء في أصل الشهادة لتكذيب الأنبياء والرسل واللّه تعالى لا يفعل ذلك. أمّا الخصوصيّات كالتقدّم والتأخّر في موعد الشهادة أو بعض الخصوصيّات الأخرى فلا مانع عقلاً أو شرعاً من حصولها وإليك ما دلّ على إمكان البداء في خصوصيّات النهضة:

امكان البداء وعدمه في خصوصيّات واقعة الطفّ

ص: 79

قال الشيخ المفيد1: ثمّ سار حتى بلغ الصفاح، وروي عن الفرزدق أنّه قال: حججت بأمي في سنة ستّين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين(ع) خارجاً من مكّة، معه أسيافه وأتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن عليّ8، فأتيته وسلّمت عليه، وقلت له: أعطاك اللّه سؤلك وأملك فيما تحب، بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول اللّه! ما أعجلك عن الحجّ؟

قال: «لو لم أعجل لأخذت»، ثمّ قال لي: «من أنت؟»

قلت: امرؤ من العرب، فلا واللّه! ما فتّشني عن أكثر

من ذلك.

ثمّ قال لي: «أخبرني عن الناس خلفك؟»

فقلت: الخبير سألت، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، واللّه يفعل ما يشاء.

فقال: «صدقت، للّه الأمر [من قبل ومن بعد] وكلّ يوم (ربنا) هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ [ونرضى] فنحمد

ص: 80

اللّه على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقّ نيّته

والتقوى سريرته».

فقلت له: أجل بلغك اللّه ما تحب، وكفاك ما تحذر، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك، فأخبرني بها، وحرك راحلته وقال: «السلام عليك»، ثمّ افترقنا(1) .

قال أبو مخنف: حدّثني جميل بن مرثد، من بني معن، عن الطرماح بن عدي أنّه دنا من الحسين(ع) فقال له: إنّي واللّه! لأنظر فما أرى معك أحداً! ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت _ قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم _ ظهر الكوفة، وفيه من الناس ما لم تر عيناي _ في صعيد واحد _ جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم، فقيل: اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرحون إلى الحسين، فأنشدك إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبراً إلّا فعلت! فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك اللّه به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجأ، امتنعنا واللّه به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود


1- الإرشاد 2: 68.

ص: 81

والأحمر، واللّه! إن دخل علينا ذل قط! فأسير معك حتى

أنزلك القرية... .

فقال له الحسين(ع): «جزاك اللّه وقومك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه [عاقبة]!»(1) .

عن ابن نما: رويت أنّ الطرماح بن حكم قال: لقيت حسيناً وقد امترت لأهلي ميرة، فقلت: أذكرك في نفسك لا يغرنّك أهل الكوفة، فواللّه! لئن دخلتها لتقتلن، وإنّي لأخاف أن لا تصل إليها، فإن كنت مجمعاً على الحرب فانزل أجأ فإنه جبل منيع، واللّه! ما نالنا فيه ذل قط، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم.

فقال: «إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم، فإن يدفع اللّه عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإن يكن ما لابدّ منه ففوز وشهادة إن شاء اللّه».

ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم بأمورهم،

وخرجت أريد الحسين فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني


1- تاريخ الطبري 5: 406، وقعة الطف: ١٧٥.

ص: 82

بقتله، فرجعت (1).

وروي عن مولانا الصادق(ع) أنّه قال: سمعت أبي يقول: «لما التقى الحسين(ع) عمر بن سعد لعنه اللّه وقامت الحرب، أنزل اللّه تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين(ع)، ثمّ خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء اللّه، فاختار لقاء اللّه»(2) .

عن صالح بن عقبة الأسدي عن أبيه قال: قال لي أبو عبد اللّه(ع): يقولون بأمر ثمّ يكسرونه ويضعفونه، يزعمون أنّ اللّه احتجّ على خلقه برجل ثمّ يحجب عنه علم السماوات والأرض، لا واللّه لا واللّه لا واللّه.

قلت: فما كان من أمر هؤلاء الطواغيت وأمر الحسين بن عليّ8؟

فقال: لو أنّهم ألحّوا فيه على اللّه لأجابهم اللّه وكان يكون أهون من سلك فيه خرز انقطع فذهب، ولكن كيف؟ إنا إذا نريد غير ما أراد اللّه (3).

والظاهر من هذه الأخبار عدّة أمور:


1- مثير الأحزان: ٣٩، بحار الأنوار ٤٤: ٣٦٩.
2- اللّهوف: ٤٤.
3- بحارالأنوار 26: 152 ح32 عن الخرائج والجرائح 2: 871 ح88.

ص: 83

١. إنّ الإمام الحسين(ع) أقرّ مقالة فرزدق في قضيّة إمكان البداء قائلاً «صدقت للّه الأمر من قبل ومن بعد وكلّ يوم ربّنا هو في شأن» وبيّن بأنّه تعالى قد يغيّر المقدّرات اذ هو كلّ يوم في شأن وقد أشار الإمام الحسن المجتبى إلى نفس الأمر حينما قبل بالصلح مع معاوية قائلاً «يا حجر ليس كلّ الناس يحبّ ما تحبّ وما فعلت إلّا ابقاء عليك واللّه كلّ يوم هو في شان» إذ اللّه تعالى غير منعزل عن إدارة الأمور فإنّ الأمور وإن كانت مقدّرة بتقديره إلّا أنّ للّه تعالى تغييرها وهذا ما أشار إليه المجتبى(ع) لبعض خلّص أصحابه الراغبين في قتال معاوية لعنه اللّه، فالصلح في ذاك الوقت لا يعني انمياث فرص مقاتلة الطاغي إذ للّه تعالى الأمر من قبل ومن بعدُ.

٢. بيّن الإمام الحسين(ع) بأنّه بين أمرين؛ إمّا أن ينزل القضاء (النهائيّ) بالنصر وإمّا أن يحول القضاء دون الرجاء وهذا الكلام صدر من الإمام(ع) في مكّة المكرّمة ومن الواضح أنّه كان عالماً بالقضاء بالشهادة إلّا أنّ ذلك القضاء ليس قضاء حتماً لا يقبل التغيير ولذا صرّح الإمام(ع) بإمكان تقدير النصر.

٣. تصريحه للطرمّاح بأنّه «ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة» لا يدلّ على جهله بالتقديرات كيف وهو

ص: 84

حجّة اللّه وقد أنبأ أهل بيته وأصحابه بالشهادة إلّا أنّ ذلك لا يكون على سبيل الحتم، فالعاقبة قد تكون غير التقدير الأوّلي لإمكان وقوع البداء في خصوصيّات النهضة المباركة.

٤. رواية الإمام الصادق(ع) تدلّ دلالة صريحة على أنّ البداء كاد أن يحصل ليكون النصر مع الإمام الحسين(ع) حتى من الناحية العسكريّة ولكنّ الإمام اختار لقاء اللّه على النصر.

5. الرواية الأخيرة تدلّ على إمكان البداء في حقّهم ولكن لا يطلب أهل البيت: غير ما اختاره اللّه تعالى لهم.

وفي الخبر إشارة إلى أنّهم عالمون بما يجري ومع ذلك لا يطلبون غير ما قدّره اللّه تعالى لهم.

إلى هنا توصّلنا إلى هذه النتيجة بأنّ الإمام الحسين(ع) وإن كان عالماً بتقدير اللّه تعالى بالشهادة له ولأهله ولصحبه ولكن مع ذلك انتفض ضدّ آل أميّة وحرّض الناس عليهم وأخذ البيعة لنفسه بالخلافة والإمارة وقبل دعوة أهل العراق ليكون أميراً لهم وإماماً مطاعاً، ذلك أنّ التقدير قد يأخّر أو يقدّم ولا يوجب ذلك إلّا ثبوت القدرة للّه تعالى وأنّه كلّ يوم في شأن وأنّ يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، فلم يكن خروج الإمام الحسين(ع) إلى العراق _ وكلّ خطبه ورسائله ومواقفه _ خروج من كان آيساً

ص: 85

من الحياة ليقال أنّه عمل وفق الظاهر من استنجاد أهل العراق به مع علمه بمآل الأمور من الشهادة، إذ التقدير قد يتغيّر بتغيير اللّه تعالى القادر على التغير والتأخير والتقديم، فلا داعي لأن يلتزم بهذه المقالة من أنّ أهل البيت: كانوا يعملون وفق الظاهر مع العلم بالواقع كي يرد عليه ما أورده البعض من لزوم عدم تأثير علمهم في قراراتهم إذ أساس هذه النظريّة (العمل وفق الظاهر مع العلم بالواقع دائماً) لا يمكن المساعدة عليها. والحلّ لهذه المعضلة وغيرها يكون بالبداء وأنّ اللّه تعالى على كلّ شيء قدير فبالرغم من علمهم بالتقديرات إلّا أنّهم عالمون بأنّها قد تتغيّر ولذا يقصدون الأمور وفق الموازين العقلائيّة ويعملون وفق عمل العقلاء لا أن يكون عملهم تماشٍ مع المعطيات الظاهريّة وعلمهم خلاف ذلك واللّه العاصم.

ص: 86

أجوبة الإمام الحسين(ع) على من طلب منه عدم الخروج

اشارة

ص: 87

ثمّ إنّه قد يكون منشأ بعض التضارب في النظريّات المبيّنة لحقيقة نهضة الإمام الحسين(ع) بعض أجوبة الإمام(ع) التي قد يستفاد من كلّ واحد منها غير ما يستفاد من الآخر، ولكن حينما نضع جميع خطب الإمام ورسائله ومواقفه منضمّة إلى علمه وقضيّة البداء نستطيع أن نصل إلى الوجه الرافع للتعارض البدويّ المترائي من هذه الأخبار فإنّه من المعلوم أنّ الإمام(ع) لا يجيب الصديق بنفس جواب العدوّ، ولا يجيب القريب بنفس جواب البعيد، فالإختلاف إنّما نشأ لأجل اختلاف الأفهام والدواعي المقتضية للسؤال من الإمام عن علّة خروجه إلى العراق فأجاب الإمام(ع) كلّ واحد بحسب فهمه وبما يناسب المقام.

جواب عبد اللّه بن جعفر

ص: 88

انتقل الخبر بأهل المدينة أنّ الحسين بن عليّ8 يريد الخروج إلى العراق، فكتب إليه عبداللّه بن جعفر: بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن عليّ8 من عبداللّه بن جعفر، أمّا بعد! أنشدك اللّه أن لا تخرج عن مكّة، فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إن قتلت أخاف أن يطفئ نور الأرض، وأنت روح الهدى وأمير المؤمنين، فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإنّي آخذ لك الأمان من يزيد، وجميع بني أمية على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك، والسلام.(1)

قال: فكتب إليه الحسين بن عليّ8: «أمّا بعد! فإنّ كتابك ورد عليّ فقرأته وفهمت ما ذكرت، وأعلمك أنّي رأيت جدّي رسول اللّه9 في منامي فخبّرني بأمر وأنا ماض له، لي كان أو عليّ، واللّه، يا ابن عمّي! لو كنت في جحر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني ويقتلوني؛ واللّه، يا ابن عمّي! ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود على السبت، والسلام» .


1- وقعة الطف: 152، الكامل 4: 38.

ص: 89

قال الإمام الباقر(ع): «لمّا أراد الحسين صلوات اللّه عليه الخروج إلى العراق بعثت إليه أمّ سلمة رضي اللّه عنها، وهي التي كانت ربّته، وكان أحبّ الناس إليها، وكانت أرقّ الناس عليه، وكانت تربة الحسين عندها في قارورة دفعها إليها رسول اللّه9، فقالت: يا بنيّ! أتريد أن تخرج؟

فقال: لها: يا أمّه! أريد أن أخرج إلى العراق.

فقالت: إنّي أذكرك اللّه تعالى أن تخرج إلى العراق.

قال: ولم ذلك يا أمّه!

قالت: سمعت رسول اللّه9 يقول: يقتل ابني الحسين بالعراق، وعندي يا بنى تربتك في قارورة مختومة دفعها إليّ رسول اللّه9.

فقال: يا أمّاه، واللّه إنّي لمقتول، وإنّي لا أفرّ من القدر المقدور، والقضاء المحتوم، والأمر الواجب من اللّه تعالى.

فقالت: واعجباه، فأين تذهب وأنت مقتول؟!

فقال: يا أمّه! إن لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب غداً لذهبت بعد غد، وما من الموت _ واللّه يا أمّه! _ بدّ، وإنّي لأعرف اليوم والموضع الذي أقتل فيه، والساعة التي أقتل فيها، والحفرة التي أدفن فيها، كما أعرفك، وأنظر إليها كما أنظر إليك.

قالت: قد رأيتها!

ص: 90

قال: إن أحببت أن أريك مضجعي ومكاني ومكان أصحابي فعلت.

فقالت: قد شئتها!

فما زاد أن تكلّم بسم اللّه، فخفضت له الأرض حتى أراها مضجعه، ومكانه ومكان أصحابه، وأعطاها من تلك التربة، فخلطتها مع التربة التي كانت عندها، ثمّ خرج الحسين صلوات اللّه عليه، وقد قال لها: إنّي مقتول يوم عاشوراء»(1) .

وحكى المسعودي في مروج الذهب قال: لمّا همّ الحسين(ع) بالخروج إلى العراق أتاه عبداللّه بن عباس فقال: يا ابن عمّ قد بلغني أنّك تريد الخروج إلى العراق وأنّهم أهل غدر وإنّما بدعوتك إلى الحرب فلا تعجل فإن أبيت إلّا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن فإنها في عزلة ولك فيها أنصار وأعوان فأقم بها ومث دعاتك واكتب إلى أهل الكوفة وأهل العراق ليخرجوا أميرهم فإن قووا على ذلك ونفوه عنها ولم يبقى بها فنعم وأمّا أنا لغدرهم بآمن وإن لم يفعلوا أقمت مكانك إلى أن يأتي اللّه بأمره فإنّ فيها حصوناً وشعاباً.

فقال الحسين(ع): «يا ابن عمّ إنّي لأعلم أنّك لي ناصح


1- . الثاقب في المناقب: ٣٣٠، حلية الأبرار ١: ٦٠٠، مدينة المعاجز ٣: ٤٨٩، الخرائج والجرائح ١: ٢٥٣.

ص: 91

وعليّ شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إليّ باجتماع أهل الكوفة على نصرتي وبيعتي وقد أجمعت على المسير إليهم».

فقال: إنّهم من خبرت وجريت وهم أصحاب أبيك وأخيك وإنّك لو خرجت فبلغ ابن زياد خروجك لاستفزهم وكان الذين كتبوا إليك أشدّ، عليك من عدوك فإن عصيتني وأبيت إلّا الخروج فلا تُخرجنّ نسائك وولدك معك فواللّه إنّي لخائف أن تقتل ولولا يزرى بي وبك لأنشبت يدي في عنقك.

فكان الذي ردّ عليه أن قال: «واللّه لأن أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن نستحل بي مكّة» فآيس ابن عباس منه .(1)

جوابه(ع) لبعض الناصحين بعدم الخروج إلى العراق

كتب إليه [أي إلى الحسين9] المسور بن مخرمة: إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق ويقول لك ابن الزبير: إلحق بهم، فإنّهم ناصروك! إيّاك أن تبرح الحرم، فإنّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة.


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة:١٣٠، بحارالأنوار44: 185.

ص: 92

فجزّاه الحسين(ع) خيراً وقال: «أستخير اللّه في ذلك»(1) .

كلامه(ع) مع أبي بكر بن عبد الرحمن

وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقال: يا ابن عمّ! إنّ الترحّم نظارتي عليك وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟

قال: «يا أبا بكر! ما أنت ممّن يستغش ولا يتهم فقل».

قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا! فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك! ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره! فأذكرك اللّه في نفسك.

فقال له الحسين(ع): «جزاك اللّه يا ابن عمّ خيراً فقد اجتهدت رأيك، ومهما يقضي اللّه من أمر يكن».

فقال أبو بكر: إنا للّه! عند اللّه نحتسب أبا عبد اللّه!(2)

جوابه(ع) للناصحين


1- تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين(ع)): ٢٠٢.
2- تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين(ع)): ٢٠٢، أدب الحسين(ع) وحماسته: ١٢٣، مروج الذهب ٣: ٦٦.

ص: 93

يحيى بن سالم الأسديّ، قال: سمعت الشعبيّ يقول: كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه إلى العراق، فلحقه على مسير ليلتين _ أو ثلاث _ من المدينة فقال: أين تريد؟

قال: «العراق»، و [كان] معه طوامير وكتب.

فقال له: لا تأتهم.

فقال: «هذه كتبهم وبيعتهم».

فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنّكم بضعة من رسول اللّه9، واللّه! لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها اللّه عزوجل عنكم إلّا للذي هو خير لكم، فارجعوا.

فأبى وقال: «هذه كتبهم وبيعتهم».

قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللّه من قتيل .(1)

وفي تاريخ الطبري: ثمّ أقبل الحسين سيراً إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبداللّه بن مطيع


1- تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين(ع)): ١٩٢ ح ٢٤٦ ورواه بسند آخر أيضاً، ذخائر العقبى: ١٥٠، نظم درر السمطين: ٢١٤ مع اختلاف.

ص: 94

العدوي وهو نازل هاهنا فلمّا رأى الحسين قام إليه فقال: بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول اللّه ما أقدمك واحتمله فأنزله فقال له الحسين: «كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم»(1) .

سكوته(ع) عن ابن عمر

وقال ابن عمر للحسين: لا تخ_رج ف_إنّ رسول اللّه9 خيّره اللّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّك بضعة منه ولا تنالها _ يعني الدنيا _ ... .(2)

لا يمكن الهروب من التقدير الإلهي

عمرة عن عائشة أنّها سمعت رسول اللّه9 يقول: يقتل حسين بأرض بابل.

وقد كان جواب الإمام لعمرة إلزامها بما روت، فلمّا قرأ كتابها قال: فلابدّ إذن من مصرعي(3) .

المصادر


1- تاريخ الطبري 5: 395.
2- البداية والنهاية ٨: 163.
3- الطبقات الكبرى ١: ٤٤٦.

ص: 95

القرآن الكريم

نهج البلاغة

1. أدب الحسين وحماسته. الصابريّ الهمدانيّ، أحمد. قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلميّة. الطبعة الثالثة: 1415ق.

2. الإرشاد. المفيد، محمّد بن محمد (ت413ق). التحقيق: مؤسسة آل البيت: لاحياء التراث. قم: الموتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد. الطبعة الأولي: 1413 ق.

3. أعيان الشيعة. الأمين، السيد محسن (ت 1371 ق). التحقيق: حسن الأمين. بيروت: دارالتعارف للمطبوعات.

ص: 96

4. بحار الأنوار. المجلسيّ، محمّد باقر (ت 1110ق). بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ. الطبعة الثانية: 1403ق.

5. البداية والنهاية. الدمشقيّ، إسماعيل بن كثير (ت774ق). لبنان: دارإحياء التراث العربيّ. الطبعة الأولى: 1408ق.

6. ترجمة الإمام الحسين(ع) المعروف بتاريخ ابن عساكر. الشافعيّ، أبي القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللّه (ت571ق). قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية. الطبعة الثانية: 1414ق.

7. تاريخ الاسلام. الذهبي، أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان (ت748ق). لبنان: دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى: 1407ق.

8. تاريخ الطبريّ. الطبريّ، أبي جعفر محمّد بن جرير (ت310ق). لبنان: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات. الطبعة الرابعة: 1403ق.

ص: 97

9. التبيان في تفسير القرآن. الطوسيّ، أبي جعفر محمد بن الحسن (ت460ق). لبنان: مكتب الإعلام الإسلاميّ. الطبعة الأولى: 1409ق.

10. تحف العقول. الحرانيّ، حسن بن شعبه (القرن الرابع). قم: موسسة النشر الاسلامي. الطبعة: 1404ق.

11. تذكرة الخواص. سبط ابن الجوزي (ت654ق). قم: منشورات الشريف الرضي. الطبعة الأولى: 1418ق.

12. تلخيص الشافي. الطوسي، محمّد بن الحسن (ت460ق). قم: منشورات المحبين. الطبعة الأولى: 1382ش.

13. الثاقب في المناقب. الطوسي، عماد الدين أبي جعفر محمّد بن عليّ (ت560ق). قم: مؤسسة أنصاريان. الطبعة الثانية: 1412ق.

14. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: منشورات الرضي. الطبعة الثانية: 1368ش.

ص: 98

15. جنة المأوى. كاشف الغطاء، محمّد حسين (ت1373ق). بيروت: دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع. الطبعة الثانية.

16. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. النجفيّ، محمّد حسن (ت1266ق). طهران: دار الكتب الإسلاميّة. الطبعة الثالثة: 1367ش.

17. حلية الأبرار. البحرانيّ، السيّد هاشم (ت1107ق). قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة. الطبعة الأولى: 1411ق.

18. حياة الإمام الحسين(ع). شريف القرشيّ، باقر (ت1433ق). النجف الأشرف: مطبعة الآداب. الطبعة الأولى: 1394ق.

19. الخرائج والجرائح. الراوندي، قطب الدين (ت573ق). قم: مؤسسة الإمام المهدي. الطبعة الأولى: 1409ق.

20. الخصال. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة. الطبعة: 1403ق.

ص: 99

21. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة. المدنيّ، السيّد عليّ خان (ت1120ق). قم: منشورات مكتبة بصيرتي. الطبعة الثانية: 1397ق.

22. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى. الطبريّ، محبّ الدين أحمد بن عبد اللّه (ت694ق). القاهرة: مكتبة القدس. الطبعة: 1356ق.

23. رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار. الجزائري، نعمت اللّه (ت1112ق). بيروت: مؤسسة التاريخ العربي. الطبعة الأولى: 1427ق.

24. شرح احقاق الحق. المرعشيّ النجفي، السيّد شهاب الدين (ت1411ق). قم: منشورات مكتبة آية اللّه العظمى السيّد المرعشيّ.

25. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. ابن ابي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (ت 656ق). التحقيق: محمد ابوالفضل ابراهيم. قم: مكتبة آيت الله المرعشي النجفي. الطبعة الأولي: 1404ق.

ص: 100

26. الطبقات الكبرى. محمّد بن سعد (ت230ق). بيروت: دار صادر.

27. علل الشرائع. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). قم: منشورات مكتبة الداوريّ. الطبعة الأولي: 1385 ق.

28. عوالم العلوم والمعارف الأحوال من آيات والأخبار والأقوال. البحرانيّ الإصفهانيّ، عبداللّه (ت1130ق). قم: مدرسة الإمام المهديّ. الطبعة الأولى: 1407ق.

29. عيون أخبار الرضا(ع). ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). التحقيق: مهدي اللاجورديّ. طهران: منشورات جهان. الطبعة الأولي: 1378 ق.

30. الغارات. الثقفيّ الكوفيّ، أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد (ت283ق).

31. الفتوح. أعثم الك_وفي، أبو محمّد (ت314ق). التحقي__ق: عل_ي شيري. بي_روت: دار الأض_واء. الطبع_ة الأولى: 1411ق.

ص: 101

32. الكافي. الكلينيّ، محمّد بن يعقوب (ت 329ق). التحقيق: علي أكبر الغفاريّ. طهران: منشورات دارالكتب الاسلاميّة. الطبعة الرابعة: 1407ق.

33. كامل الزيارات. ابن قولويه، جعفر بن محمد (ت367ق) ، النجف الأشرف: منشورات مرتضويه. الطبعة الأولي: 1356ق.

34. الكامل في التاريخ. الشيبانيّ، عليّ بن أبي كرم المعروف بابن الأثير (ت630ق). بيروت: دار صادر _ دار بيروت. الطبعة: 1386ق.

35. كشف الغمة. الإربليّ، أبي الحسن عليّ بن عيسى (ت693ق). بيروت: دار الأضواء. الطبعة الثانية: 1405ق.

36. اللهوف في قتلى الطفوف. ابن طاووس، أبوالقاسم عليّ بن موسى (ت664ق). قم: أنوار الهدى. الطبعة الأولى: 1417.

37. مثير الأحزان. ابن نما الحلّي، نجم الدين محمّد بن جعفر (ت645ق). النجف الأشرف: مكتبة الحيدريّة. الطبعة: 1369ق.

ص: 102

38. مدينة المعاجز. البحرانيّ، السيّد هاشم (ت1107ق). قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة. الطبعة الأولى: 1413ق.

39. مرآة العقول. المجلسيّ، محمّد باقر (ت1110ق) ، طهران: دار الكتب الإسلاميّة. الطبعة الثانية: 1394ق.

40. مروج الذهب. المسعودي، أبو الحسن عليّ بن الحسين (ت346ق). تحقيق: أسعد داغر. قم: دار الهجرة. الطبعة الثانية: 1409ق.

41. مقاتل الطالبين. الأصفهاني، أبو الفرج (ت356ق). قم: مؤسّسة دار الكتاب. الطبعة الثانية: 1385ق.

42. مقتل الحسين(ع). المقرم، السيّد عبدالرزّاق (ت1391ق). النجف الأشرف: منشورات الشريف الرضي. الطبعة الأولى: 1391.

43. مقتل الحسين(ع). الخوارزمي، أبي المؤيّد الموفق بن أحمد المكي (أخطب خوارزم) (ت568ق). التحقيق: الشيخ محمّد السماوي. قم: مؤسسة أنوار الهدى. الطبعة الأولى: 1423ق.

ص: 103

44. مناقب آل أبي طالب. ابن شهرآشوب، محمد بن علي (ت588ق). النجف الأشرف: المكتبة الحيدرية. الطبعة: 1376ق.

45. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة. الهاشمي الخوئي، ميرزا حبيب اللّه (ت1324ق). التحقيق: إبراهيم ميانجي. طهران: مكتبة الإسلاميّة. الطبعة الرابعة: 1400ق.

46. موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع). لجنة الحديث في معهد باقر العلوم(ع). قم: دار المعروف. الطبعة الثالثة: 1416ق.

47. نظم درر السمطين. الزرنديّ الحنفيّ، جمال الدين محمّد بن يوسف (ت750ق). الطبعة الأولى: 1377ق.

48. وقعة الطف. أبو مخنف الكوفي، لوط بن يحيى (ت157ق). التحقيق: محمد هادي يوسفي الغروي. قم: مؤسسة النشر الإسلامي. الطبعة الثالثة: 1417ق.

ص: 104

ص: 105

ص: 106

ص: 107

ص: 108

ص: 109

چكيده

حادثه ى عاشورا واقعه اى بزرگ است كه توانست مسير تاريخ را دگرگون سازد. شناخت ماهيت اين قضيه ي عالمگير تأثير بسزايى در استفاده و فهم از عاشورا دارد. امروزه نيز عاشورا بر تارك بلنداي تاريخ همچون آفتاب عالمتاب مي درخشد و نور آن از خاك تا افلاك را فراگرفته نورافشاني مي كند، جايى نيست مگر اينكه خانه اى در آن به نام نامي سيدالشهدا حضرت حسين بن على8 بنا نشده باشد، تا عاشقان حضرتش فرصت بهره وري بيشتر از گفتار و كردار و انوار حسيني و خاندان و اصحاب پاكباخته اش را فراهم آورند لذا لازم است پژوهشگران بمقتضاى عظمت اين واقعه و اهميت آن هميشه در تكاپو براى بررسى و شناخت عميق تر و ابعاد بيشتر آن باشند تا توان تطبيق روزافزون آن تعاليم عاليه بر زندگى روزمره را بيابند.

اين نوشتار جستارهايى در راستاى درك زوايايي از اين واقعه عظيم و الهي است، باشد كه قدمي هرچند كوتاه در اين راه برداشته باشيم. من اللّه التوفيق وعليه التكلان.

_________________________________________________________

انتشارات ولايت

ايران _ مشهد مقدس _ بازار بزرگ

تلفن: 00989151162907 _ 00989151576003

ص: 110

عاشورا شناسى

سيد علي رضوي

انتشارات ولايت

1394 _ 1436

ص: 111

SYNOPSIS

The great tragedy of Ashura is one of the most significant incidents that has altered the course of history, and a momentous event which brings everyone to a must understanding of what it actually is.

And today, the light of Ashura illuminates like a shining sun and a lantern to guidance worldwide. In every place there a "Hussainiah" in which the sublime cause of Husain is revived, so that no thirst for truth is remained unquenched. Deciphering the secrets of Ashura provides the ultimate answer to the struggling humanity and reveals the path to prosperity both in this life and the Hereafter.

This book is an

assessment to some of the famous opinions regarding the main cause of this great event.

________________________________________________________

The publisher

Velayat publishers

Address: Iran, Mashhad, central bazaar, Velayat publisher.

Tel: 00989151576003 - 00989151162907

ص: 112

Ashura'eyat

Discussion on of Imam Hussein's Rising

Sayyed Ali Al-Radhawi

Velayat Publishers

2015 - 1394

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.