العقد النفضید و الدر الفرید فی فضائل امیرالمومنین و اهل بیت النبی علیهم السلام

اشارة

سرشناسه : قمی، محمدبن حسن، قرن ق 8

عنوان و نام پدیدآور : العقد النفضید و الدر الفرید فی فضائل امیرالمومنین و اهل بیت النبی علیهم السلام/ محمدبن الحسن القمی؛ تحقیق علی اوسط الناطقی

مشخصات نشر : قم: دار الحدیث، 1423ق. = 1381.

مشخصات ظاهری : ص 244

شابک : 964-7489-24-215000ریال ؛ 964-7489-24-215000ریال

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه: ص. 229 - 225؛ همچنین به صورت زیرنویس

موضوع : علی بن ابی طالب(ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضایل -- احادیث

موضوع : چهارده معصوم -- فضایل

موضوع : احادیث شیعه -- قرن ق 8

شناسه افزوده : ناطقی، علی اوسط، 1322 - ، مصحح

رده بندی کنگره : BP37/4/ق 85ع 7

رده بندی دیویی : 297/951

شماره کتابشناسی ملی : م 81-36990

ص: 1

تصدیر

ص :2

ص :3

ص :4

الحمد للّه ربّ العالمین ، والصلاة والسلام علی رسول اللّه محمّد وآله الطیّبین الطاهرین .

وبعد ، فلا غَرْوَ أنّ الحدیث الشریف من أهمّ مصادر المعرفة الإسلامیّة ؛ لأنّه یُعَدّ أوسعَ وأغنی مصدر بعد القرآن الکریم للأحکام والقوانین التشریعیّة . هذا من جهة ، ومن جهة أُخری فإنّ البحوث والدراسات الحدیثیة لها حصة الأسد من التراث ، قد اختصّت بالحدیث الشریف روایةً وحملاً ونقدا وجمعا وترتیبا وتبویبا .

ورغم الأوامر التی فُرِضتْ بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله بمنع نقل الحدیث وتدوینه ، _ خصوصا أحادیث فضائل أمیر المؤمنین وأهل بیت النبیّ علیهم السلام _ ، ورغم الجهود التی بذلت لمحو آثار أهل البیت وإطفاء نورهم من قبل خلفاء الجور بنی أُمیّة وبنی العباس ، فإنّ « اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِی وَ لَوْ کَرِهَ الْکَ_فِرُونَ » ؛ لذا نهض کثیرٌ من العلماء وأئمّة الحدیث بمهمّة جمع أحادیث الفضائل ، وأفردوا لها رسائل وکتبا تعرف ب_ «کتب الفضائل» أو «المناقب» . وقد وصل إلینا قسم منها وفُقد الکثیر . ومن التی وصلت وبقیت مهجورة وتراکم علیها غبار الزمن فی رفوف المکتبات

ص :5

هذا الکتاب الذی بین یدیک ، والموسوم ب_ (العقد النضید والدرّ الفرید) فی فضائل أمیر المؤمنین وأهل بیت النبی علیهم السلام .

والیوم یسرّ مرکز البحوث فی دار الحدیث أن یصدر هذا السفر القیّم والتراث الخالد ، ویقدّمه هدیةً لمکتبة أهل البیت علیهم السلام .

ولقد اضطلع بتحقیقه وتصحیحه الأخ الکریم حجة الإسلام علیّ أوسط الناطقی . نسأل البارئ عز و جل أن یجعل هذا الجهد ذخرا لنا یوم لا ینفع مال ولا بنون ، إنّه سمیع الدعاء .

قسم إحیاء التراث

مرکز بحوث دار الحدیث

شعبان المعظم 1422

ص :6

مقدمة التحقیق

المؤلّف

هو الفاضل المحدّث محمّد بن الحسن القمّی (1) .

حیاته

لم یُعرف شیء عن حیاة المؤلّف ؛ ذلک أنّ المصادر التی بأیدینا لم تذکره ، إلاّ ما ورد فی «أعیان الشیعة _ المستدرکات» حیث اقتصر علی ذکر اسمه والتعریف بالمخطوطة ، فقال :

محمّد بن الحسن القمّی من أعلام القرن السابع أو ما بعده ، وله کتاب «العقد النضید والدرّ الفرید» فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ، محذوفة الأسانید ، رأیته عند زمیلنا السیّد محمّد علیّ الروضاتی الأصفهانی ، والنسخة من نسخ القرن التاسع ناقصة الآخر ، صرّح المؤلف باسمه فی أوّله (2) .

محتوی المخطوطة

تحتوی المخطوطة علی أحادیث وقصص وحکایات ملتقطة من کتب شتّی محذوفة الأسانید ، وقد صرّح المصنّف فی بعضها تارة باسم المصدر وتارة باسم صاحب المصدر . وکان عددها أربعة وعشرین ومائة حدیث مرتّبة وفق التسلسل الذی أورده .

ص :7


1- صرّح بهذا الاسم فی أوّل کتابه ، فقال : وکتب العبد المتوسّل بالنبی الأُمیّ محمّد بن الحسن القمیّ.
2- الرجال لابن داود ص 177 الرقم 1439 ، والرقم 1441 ؛ نقد الرجال ، ج 4 ، ص 239 و240 ، الرقم 457 .

مصادر الکتاب

فیما یلی أسماء بعض المصنّفین وأسماء مصنّفاتهم التی اعتمدها المؤلف :

1 . الشیخ الحافظ المفید أبو محمّد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسین الخزاعی الرازیالنیشابوری ، المتوفّی بحدود (510 ق) ، تلمیذ السیّدین الرضی والمرتضی ، والشیخ الطوسی ، وسلاّر ، وابن البرّاج ، والکراجکی .

من مصنّفاته : «الأمالی» ؛ «سفینة النجاة» ؛ «مناقب أهل البیت» ؛ «العلویّات» ؛ «الرضویّات» ؛ «مختصرات شتّی فی المواعظ» ؛ «عیون الأخبار» ؛ «کتاب الأربعین عن الأربعین» .

ومن المؤسف حقّا أنّ هذه المصادر فُقدت جمیعها إلاّ کتاب «الأربعین عن الأربعین» .

وقد وردت ترجمته وآثاره فی المصادر التالیة:

«الذریعة إلی تصانیف الشیعة» ج 2/311 ، 11/240 ؛ «أعیان الشیعة» 7/464 ؛ «أمل الآمل» 2/147 ؛ «روضات الجنّات» 4/315 ؛ «ریحانة الأدب» 5/360 ؛ «طبقات أعلام الشیعة» _ القرن الخامس ، 104 ؛ «الکنی والألقاب» 3/199 .

نقل المصنّف عنه الأحادیث 53 ، 54 ، 55 ، 115 . مصرّحا باسمه .

2 . الإمام الشهید محمّد بن أحمد بن الفتّال الفارسی النیشابوری (القرن السادس) ، من مشایخ أبی علیّ الطوسی ابن شهرآشوب (المتوفّی 588 ق) صاحب المناقب ، والشیخ منتجب الدین (المتوفّی 585 ق) ، وهو من تلامیذ ابن الشیخ الطوسی .

من تألیفاته : «روضة الواعظین وتبصرة المتّعظین» ؛ «التنویر فی معانی التفسیر» ، ونسب المصنّف إلیه کتاب «حلیة الأولیاء» فی الحدیث 45 .

وردت ترجمته فی المصادر التالیة:

«أمل الآمل» 2/260 ؛ «الذریعة» 11/305 ، 4/469 ؛ «روضات الجنّات» 6/253 ؛ «ریحانة الأدب» 4/291 ؛ «الکنی والألقاب» 3/13 ؛ «معالم العلماء» 116 ؛ «معجم

ص :8

المؤلفین» 9/200 ؛ «بحار الأنوار» 1/9 .

نقل عنه المصنّف الحدیثین 45 ، 88 مصرّحا باسمه .

3 . أبو بکر محمّد بن مؤمن الشیرازی _ أو _ النیشابوری (قبل القرن السادس) .

ذکره منتجب الدین وابن شهرآشوب .

له کتاب «ما نزل من القرآن فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام» .

ونقل عنه السید ابن طاووس فی «کتاب الیقین» والمجلسی فی «بحار الأنوار» .

نقل عنه المصنّف الحدیث 54 مصرّحا باسمه .

4 . أبو بکر أحمد بن موسی بن مردُویه الأصفهانی(410 ق) .

من تألیفاته : «تأریخ أصفهان» ؛ «تفسیر المسند للقرآن» ؛ «الجامع المختصر فی الطب» ، «مناقب الطالبیّین» .

انظر ترجمته فی المصادر التالیة :

«هدیة العارفین» 1/71 ؛ «ریحانة الأدب» 8/200 ؛ «الکنی والألقاب» 1/406 ؛ «معالم العلماء» 128 ؛ «معجم المؤلّفین» 1/316 .

نقل عنه المصنّف الحدیثین 44 ، 92 .

5 . أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان الشیخ المفید (413 ق) .

نقل عنه المصنّف الأحادیث 108 _ 118 .

6 . أبو المؤیّد ، الموفّق بن أحمد المکّی الخوارزمی (568 ق) .

من تألیفاته:

«مناقب الإمام الأعظم أبی حنیفة» ؛ «مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام» ؛ «مقتل الحسین علیه السلام» .

وردت ترجمته فی المصادر التالیة :

«الأعلام» 8/289 ؛ «ریحانة الأدب» 1/87 ؛ «الکنی والألقاب» 2/15 ؛ «لغت نامه _ دهخدا» أخطب ؛ «معجم المؤلفین» 3/940 .

نقل عنه المصنّف الأحادیث 57 _ 80 ، 122 _ 124 .

ص :9

نسخة التحقیق

إنّ النسخة الفریدة التی وصلت إلینا هی نسخة الأُستاذ الحجّة السیّد محمّد علی الروضاتی الأصفهانی حفظه اللّه ، وهی من نَسْخ القرن التاسع ، وهی ناقصة الآخر ، وقد سقط منها مقدار لا یعلم ، والتحریف والتصحیف یشکّلان ظاهرة ممیّزة فیها .

لذا کثّفنا البحث للعثور علی نسخة أُخری تسعفنا فی التحقیق ، فکانت لنا جولة واسعة فی فهارس مخطوطات المکتبات العامّة والخاصّة داخل الجمهوریة الإسلامیة وخارجها ، فلم نعثر علی بارقة أمل . ولذا اعتمدنا هذه النسخة علی ما فیها .

فکان عملنا شاقّاً وطریقنا وعرا لإحیاء هذا الکتاب الذی یثبت الحقائق ویکشف عن مناقب أمیر المؤمنین وأهل البیت الطاهرین علیهم السلام .

مراحل العمل

المرحلة الأُولی : کتابة النسخة ومقابلتها ؛ لنحصل علی نصّ صحیح .

المرحلة الثانیة : تخریج الأحادیث والأخبار والأشعار من المصادر الروائیة والتأریخیة وکتب التراجم والفضائل والمناقب والمثالب ، وقد استعنّا بالوسائل الحدیثة (الحاسوب) للعثور علی النصوص المعتمدة ، خاصّة أحادیث الأئمّة المعصومین علیهم السلام . واستغرقت منّا هذه المرحلة وقتا طویلاً . لکن رغم کلّ المحاولات المبذولة لم نعثر _ وللأسف الشدید _ علی مصادر بعض الأحادیث والأخبار والأشعار . والسبب فی ذلک یعود إلی أنّ بعض المصادر التی اعتمدها المؤلّف قد فقدت من المکتبات .

المرحلة الثالثة : تقویم النصّ وتنزیل الهوامش .

لقد کان همّنا هو تثبیت الکتابة الصحیحة للنسخة . وفی موارد الاختلاف بین النسخة والمصادر أثبتنا الموجود فی النسخة وأشرنا فی الهامش إلی ما ذکر فی المصدر . وفی حالة وجود سقط فی النسخة أتممناه من المصدر وأشرنا إلیه فی الهامش . وفی حالة وجود زیادة فی المصدر وضعنا الزیادة بین قوسین معقوفین .

ص :10

هذا وقد بذلنا جهدنا لتقدیم متن یمکن الاعتماد علیه والاطمئنان إلیه ، وقد أشرنا فی الحاشیة أیضا إلی أکثر من مصدر لهذا الغرض .

وأستمیح العلماء والمحقّقین الکرام عذرا ممّا قد فاتنی التنّبه إلیه أو غفلت عنه فی غضون هذا العمل المتواضع آملاً منهم إبداء آرائهم وإرشاداتهم القیّمة ، ولهم منّا سلفا جزیل الشکر والتقدیر .

وفی الختام أتقدّم بالشکر الجزیل والثناء الجمیل إلی کلّ من أعاننی علی إنجاز العمل ، وأخصّ منهم بالذکر فضیلة حجّة الاسلام والمسلمین الشیخ مهدی المهریزی مسؤول مرکز البحوث فی دار الحدیث ، والأُستاذ محمّد علیّ الروضاتی الأصفهانی ، حیث وضع النسخة الفریدة للکتاب تحت أیدینا ، والأخوین الشیخ فرج اللّه کریم زادة والسیّد هاشم الشهرستانی لمساعدتهما فی قراءة النسخة ومراجعة جهاز (الحاسوب) ، والأخ لطیف الفرادی لمساعدته ومراجعته الأخیرة للنسخة .

أسأل اللّه لهم التوفیق لخدمة تراث أهل البیت علیهم السلام ، وأن یجعل هذا الجهد ذخرا لنا فی یوم لا ینفع مال ولا بنون ، وأُقدّم ثوابه إلی روح المرحوم والدی . والحمد للّه رب العالمین ، وصلّی اللّه علی سیّدنا محمّد وآله الطاهرین .

علیّ أوسط عبد العلیزادة

المعروف ب «الناطقی»

قم المقدّسة ، ربیع الثانی سنة 1422

ص :11

ص :12

هذه أحادیث ملتقطة من کتب شتّی فی فضائل أمیر المؤمنین وأهل بیت النبیّ علیهم السلام ، نقلتها محذوفة الأسانید اختصارا ، معتقدا لمکان صحّتها، متوافقا فی خیر الاحتمال فی بعضها، مفوِّضا صدقها إلی الرواة والنقلة الثقات .

وکتب العبد المتوسّل بالنبیّ الأمّی محمّد بن الحسن القمّی وفّقه اللّه لمراضیه :

الحدیث الأوّل

عن وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد الصادق [ عن أبیه ]، عن آبائه علیهم السلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال :«ما خلق اللّه تعالی خلقا أکثر من الملائکة ، وإ نّه لینزل من السماء کلّ مساءٍ سبعون ألف ملک ، یطوفون بالبیت لیلتهم ، حتّی إذا طلع الفجر انصرفوا إلی قبر النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم فیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون [ إلی ] قبر أمیر المؤمنین علیه السلام فیسلّمونَ علیه ، ثمّ یأتون قبر الحسین [ بن علی ] علیه السلامفیسلّمون علیه ، ثمّ یعرجون إلی السماء قبل أن تطلع الشمس .

ثمّ تنزل ملائکة النهار سبعون ألف ملک ، فیطوفون بالبیت الحرام نهارهم ، حتّی إذا غربت الشمس انصرفوا إلی قبر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، فیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون قبر أمیر

ص :13

المؤمنین علیه السلام فیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون قبر الحسن علیه السلامفیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون قبر الحسین علیه السلامفیسلّمون علیه ، ثمّ یعرجون إلی السماء قبل أن تغیب الشمس ؛ والذی نفسی بیده، إنّ حول قبره أربعة ألف ألف (1) ملک شعثا غبرا یبکون علیه إلی یوم القیامة» .

وفی روایة أُخری : «قد وکّل اللّه بالحسین علیه السلام سبعین ألف ملک شعثا غبرا، یصلّون علیه کلّ یوم ، ویدعون لمن زاره ، ورئیسهم ملک یقال له : منصور ، فلا یزوره زائرٌ إلاّ استقبلوه ، ولا یودّعه مودّع إلاّ شیّعوه ، ولا یمرض إلاّ عادوه ، ولا یموت إلاّ صلّوا علی جنازته واستغفروا له بعد موته» (2) .

الحدیث الثانی

عن سلمان الفارسی رضی الله عنه قال :کنّا عند رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إذ جاء أعرابیٌّ فوقف علینا _ ونحن جماعة _ وسلّم ، فرددنا علیه السلام ، فقال : أیّکم [ البدر التمام ومصباح الظلام ] محمّد بن عبد اللّه رسول اللّه [ الملک العلاّم ] أهذا هو الصبیح الوجه؟ _ وأومأَ بیده إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ فقال النبی : «أنا رسول اللّه ، اجلس یا أعرابی» فجلس ، فقال [ له ] : یا محمّد ، آمنت بک ولم أرَکَ ، وصدّقتک قبل أن ألقاک ، غیر أ نّه بلغنی عنک أمر ، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «وأیّ شیءٍ بلغک عنّی؟».

فقال : دعوتنا إلی شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّک محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأجبناک ، ثمّ دعوتنا إلی الصلاة والصیام والزکاة والحجّ والجهاد فأجبناک ، ثمّ لم ترضَ عنّا حتّی دعوتنا إلی موالاة [ ابن عمّک ]علیّ بن أبی طالب ومحبّته ، أفأنت افترضت علینا من

ص :14


1- فی المصدر «آلاف».
2- روی مثله ابن طاووس فی کتاب الیقین : 298 ، الباب 89 وص 400 الباب 145، عن أربعین ابن أبی الفوارس ؛ عنه البحار 98 : 62 ، باب 26 ، ح 40.

الأرض أم اللّه افترضه علینا من السماء؟

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «بل اللّه تعالی افترضه [ فی السماوات ]علی أهل السماوات والأرض» .

قال الأعرابی : الرضا بما أمر اللّه تعالی وأمرت یا رسول اللّه ؛ فإنّه الحقّ [ من عند ربّنا ] .

فقال النبی صلی الله علیه و آله وسلم : «یا أعرابی ، أُعطیتُ فی علیّ خمس خصال ، الواحدة منهنَّ خیر من الدنیا وما فیها ، ألا أُنبّئک [ بها ] یا أعرابی؟» قال : بلی یا رسول اللّه .

قال : «الأُولی : کنتُ جالسا یوم بدر، فقد انقضت عنّا الغزاة، هبط جبرائیل علیه السلاموقال لی : إنّ اللّه یقرئک السلام ویقول لک : یا محمّد، آلیت علی نفسی بنفسی وأقسمت علیَّ بی أنّی لا أُلهِم حبّ علیّ إلاّ من أحببته أنا ، فمن أحببته ألهمته حبّ علیّ علیه السلام» .

ثمّ قال : «ألا أُنبّئک بالثانیة؟» قال : بلی یا رسول اللّه .

فقال صلی الله علیه و آله وسلم : «[کنت جالسا ] وقد فرغت من جهاز عمّی حمزة إذ أتی جبرئیل _ وقد هبط علَیَّ _ وقال : یا محمّد ، إنّ اللّه یقرأُ علیک السلام ویقول لک : قد افترضتُ الصلاة ووضعتها عن المعتلّ ، وافترضت الصوم ووضعته عن المسافر ، وافترضت الحجّ ووضعته عن المقلّ (1) ، وافترضت الزکاة ووضعتها عن المعدم ، وافترضت حبّ علیّ بن أبی طالب علی أهل السماواتِ والأرض فلم أُعطِ فیه رخصة» .

[ ثمّ قال صلی الله علیه و آله وسلم :] «یا أعرابی ألا أُنبّئک بالثالثة؟» قال : بلی یا رسول اللّه .

قال : «ما خلق اللّه شیئا (2) إلاّ وجعل له سیّدا ؛ فالنسْر سیّد الطیور ، والثور سیّد البهائم ، والأسد سیّد السباع ، والجمعة سیّد الأیّام ، ورمضان سیّد الشهور ، وإسرافیل سیّد الملائکة ، وآدم سیّد البشر ، وأنا سیّد الأنبیاء ، وعلیّ سیّد الأوصیاء» .

ص :15


1- فی البحار «المعتلّ».
2- فی الفضائل : «خلقا».

[ ثمّ قال : ] «ألا أُنبّئک بالرابعة؟» قال : نعم یا رسول اللّه .

قال : «حبُّ علیّ [ بن أبی طالب ] شجرة أَصلها فی الجنّة وأغصانها فی الدنیا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها [ فی الدنیا ] أورده (1) الجنّة ؛ وبغض علیّ[ بن أبی طالب ] شجرة أصلها فی النار [ وأغصانها فی الدنیا ] ، فمن تعلّق بغصنٍ من أغصانها ، أوردهُ (2) النار» .

[ ثمّ قال : ] «یا أعرابی ، ألا أُنبّئک بالخامسة؟» قال : نعم یا رسول اللّه .

قال : «إذا کان یوم القیامة ، ینصب لی منبرٌ عن یمین العرش ، ثمّ ینصب لإبراهیم علیه السلام منبر بحذاء منبری عن یمین العرش ، ثمّ یؤتی بکرسیّ عالٍ مشرق زاهرٍ یعرف بکرسیّ الکرامة ، فینصبُ بینهما ، فأنا علی منبری ، وإبراهیم علی منبره ، وعلیّ علی کرسیّ الکرامة، فما رأت عینای من حبیب بأحسن من حبیب بین خلیلین» .

[ ثمّ قال : ] «یا أعرابی ، أحِبَّ علیّا حقّ حبّه ؛ [ فإنّ اللّه تعالی یحبّ محبّیه ، وعلیّ علیه السلام معی فی قصر واحد» .

فعند ذلک ] قال الأعرابیّ : سمعنا وأطعنا یا رسول اللّه (3) .

الحدیث الثالث

عن سلمة ، عن زید بن علی علیه السلام أ نّه قال :جاء رجل من أهل البصرة إلی أبی، سیّد العابدین علیّ بن الحسین علیهماالسلام فقال : یا علیّ بن الحسین ، إنّ جدّک علیّ بن أبی طالب قتل المؤمنین!

فهملت عینا علیّ بن الحسین علیهماالسلام دموعا حتّی ملأَ کفّیه [ منها ]، ثمّ ضرب

ص :16


1- 2 . فی الفضائل : «أدخله».
2-
3- روی مثله شاذان بن جبرئیل فی الفضائل 154 _ 156 ، وعنه بحار الأنوار : 4 : 46 / 83 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الرابع عشر ؛ والروضة فی المعجزات والفضائل : 144. وما بین المعقوفات من المصدر.

بها الحصی، فواللّه لرأیت یبلّ القضبان الأربعة علی الحصی من دموع علیّ بن الحسین علیهماالسلام.

ثمّ قال : «یا أهل البصرة ، لا والله ما قَتَلَ عَلیٌّ مؤمنا ولا قَتل مسلما ، وما أسلم القوم ، ولکن استسلموا وکتموا الکفر وأظهروا الإسلام ، فلمّا وجدوا علی الکفر أعوانا أظهروه ، وقد علمت صاحبة الخدر (1) والمستحفظون من آل محمّد أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّین [ وأصحاب النهروان ] لُعِنوا علی لسان النبیّ الأُمّیّ ، وقد خاب من افتری (2) .

وسمعت أبی سیّد الشهداء علیه السلام أ نّه قال : جاءت امرأةٌ شنیعة إلی أمیر المؤمنین علیه السلام[ وهو ] علی المنبر وقد قتل أخاها وأباها ، فقالت : هذا قاتل الأحبّة!

فنظر إلیها أمیر المؤمنین فقال [ لها ] : یا سَلْفع یا جریئة یا بذیّة یا منکّرة ، التی لا تحیض کما تحیض النساء ، یا التی علی هَنها شیء بیّن مدلّی!

قال : فمضت، وتبعها عمرو بن حریث [ وکان عثمانیّا ] فقال[ لها ] : أیّتها المرأة ، مایزال هذا الرجل یسمعنا العجائب ، فما ندری حقّها من باطلها ، وهذه داری فادخلی إلیها فإنّ لی فیها أُمّهات أولاد ؛ حتّی تنظرن أحقّا قال أم باطلاً وأَهَب لک شیئا . فدخلت ، فأمر أُمّهات أولاده فنظرن فإذا شیء علی رکبها مدلّی ، فقالت : یا ویلها ! اطّلع علیّ بن أبی طالب علی شیءٍ لم تطّلع علیه إلاّ أُمّی أو قابلتی . قال : فوهب لها عمرو بن حریث شیئا» (3) .

ص :17


1- کذا فی النسخة وفی الاحتجاج «الجذب» وفی البحار «الجمل».
2- إلی هنا رواه الطبرسی فی الاحتجاج ، 2 : 310 ، الحدیث 2 من باب احتجاج الإمام علیّ بن الحسین ؛ وعنه البحار 32 : 343 ، الحدیث 327.
3- الاختصاص : 303 _ 304 ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ؛ ورواه فی بصائر الدرجات : 358 _ 359 ، الباب 16 من الجزء السابع ، ح 16 ، عن الأصبغ بن نباتة ؛ وبحار الأنوار 34 : 256 ، ح 1003 عن الاختصاص ؛ والروضة فی المعجزات والفضائل : 146 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث السادس عشر.

الحدیث الرابع

اشاره

عن أبی هریرة قال :مرّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام بنفر من قریش فی المسجد فتغامزوا علیه ، فدخل علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وشکاهم [ إلیه ] ، فخرج النبیّ صلی الله علیه و آله وسلمغضبان ، فقال [ لهم ] :

«یا أیّها الناس ، ما لکم إذا ذکر إبراهیم [ وآل إبراهیم ] أشرقت وجوهکم وطابت نفوسکم ، وإذا ذکر محمّد وآل محمّد قست قلوبکم وعبست وجوهکم؟! والذی نفسی بیده، لو عمل أحدکم عمل سبعین نبیّا ما دخل الجنّة حتّی یحبّ هذا وولده» وأشار إلی علیّ بن أبی طالب ، ثمّ قال : «إنّ للّه حقّا لا یعلمه إلاّ أنا وهو، وإنّ لی حقّا لا یعلمه إلاّ اللّه وهو، وإنّ لعلیّ حقّا لا یعلمه إلاّ اللّه وأنا» (1) .

1 . أنّه لن یدخل الجنّة أحد حتّی یحبّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام وولده.

عن الفضیل بن یسار ، عن الباقر ، عن أبیه ، عن جدّه الحسین علیهم السلام أ نّه قال :«لمّا رجع علیّ علیه السلام من قتال أهل النَهروان أخذ علی النهروانات وأعمال العراق ، ولم یکن یومئذٍ بُنِیَت بغداد (2) ، فلمّا وافی ناحیة «براثا» (3) صلّی بالناس الظهر فرحلوا ودخلوا إلی أوائل أرض بابل وقد وجبت صلاة العصر ، فصاح المسلمون : یا أمیر المؤمنین ، هذا وقت العصر قد دخل، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : هذه أرض مخسوف بها قد خسف اللّه بها ثلاثا ویخشی علیها تمام الرابعة ، ولا یحلّ لنبیّ أو لوصیّ أن یصلّی فیها ، فمن أراد منکم أن یصلّی فلیصلِّ . فقال المنافقون :

ص :18


1- المسترشد لابن جریر : 616 ؛ بشارة المصطفی : 81 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث السابع عشر ؛ وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 27 : 196/56 عن الفضائل والروضة.
2- فی الفضائل «بنی بیت ببغداد».
3- فی مراصد الاطلاع : براثا _ بالمثلّثة والقصر _ : محلّة کانت فی طرف بغداد فی قبلی الکرخ ، وبنی بها جامع کانت تجتمع فیه الشیعة ویسبّون الصحابة فیه ، فأخذ الراضی من وجد فیه وهدمه ، ثمّ أعاده بحلم وسعة...

هو لا یصلّی فنحن لا نصلّی (1) .

قال جویریة بن مِسهر العبدی (2) : فتبعته فی مائة فارس وقلت : واللّه لا أُصلّی أو یصلّی هو، ولأُقلّدنّه صلاتی الیوم ، قال : فسارع أمیر المؤمنین علیه السلام إلی أن أقطع [ أرض ] بابل وقد تدلّت الشمس للغروب ، ثمّ غابت واحمرَّ الأُفق ، قال : فالتَفَتَ إلیّ وقال : یا جویریة ، هاتِ الماء. قال : فقدّمت إلیه الإداوة (3) فتوضّأَ، ثمّ قال لی : أذِّن یا جویریة، فقلت : یا أمیر المؤمنین، ما وجب العشاء بعد! قال علیه السلام : أذِّن للعصر، [ فقلت فی نفسی : کیف یقول أذِّن للعصر ] وقد غربت الشمس! ولکن علیَ الطاعة ، فأذَّنتُ ، فقال لی : أَقم ، ففعلت ، وإذا أَنا فی الإقامة إذ تحرّکت شفتاه بکلام کأنّه منطق الخطاطیف لا یُفهم ، فرجعت الشمس بصریر عظیم ، ووقفت فی مرکزها من العصر ، فقام علیه السلام وکبّر [ وصلّی ] وصلّینا وراءه ، فلمّا فرغ من صلاته وقعت[ الشمس ] کأنّها سِراج فی طست، وغابت واشتبکت النجوم [ وأزهرت ] ، فالتَفَتَ إلیّ وقال : أَذِّنِ الآن للعشاءِ یا ضعیف الیقین!» (4) .

وفی روایة أُخری : «أنّها انقضّت کما ینقضّ الکوکب» .

وروی : أنّ الشمس ردّت له فی حیاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بمکة ، وقد کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قد غشیه الوحی، فوضع رأسه فی حجر علیّ بن أبی طالب وحضر

ص :19


1- فی الفضائل : «فقال المنافقون منهم : نعم هو لا یصلّی ویقتل من یصلّی ! یعنون بذلک أهل النهروان».
2- جویریة بن مسهر العبدیّ الکوفی ، من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام، وکان الإمام یحبّه حبّا شدیدا ، قال له یوما : « یا جویریّة لیقتلنّک العُتلّ الزنیم ، ولیقطعنّ یدک ورجلک، ثمّ إنّه لیصلبنّک»، ثمّ مضی دهر حتّی ولی زیاد بن أبیه فی أیّام معاویة ، فقطع یده ورجله ثمّ صلبه. [ تنقیح المقال 1 : 238 ، رجال الطوسی : 37 ، رجال ابن داود : 67 ، أعیان الشیعة 17 : 195. ]
3- فی الفضائل «الإناء».
4- روی نحوه شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 68 ، وما بین المعقوفین منه .

وقت العصر ، فلم یبرح من مکانه ومنزله حتّی [ غربت الشمس]، فاستیقظ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلموقال: «اللّهمّ، إنّ علیّا کان فی طاعتک، فردّ علیه الشمس لیصلّی العصر»، فردّها اللّه تعالی علیه بیضاء نقیّة حتّی صلّی، ثمّ غربت (1) .

وذکر هذا الخبر الإمام المطّلبی محمّد بن إدریس الشافعی (2) فی کتابه المعروف ب_ «التبیان فی الإیمان» قال : أخبرنا أبو بکر بن یحیی الأزدی ، قال : حدّثنا العلکی، عن الحرمازی ، عن شیخ من بنی تمیم _ وکان الشیخ صدوقا _ إ نّه لمّا رجع أمیر المؤمنین علیه السلام من قتال أهل النهروان . . .

الحدیث السادس

عن أبان [ بن ]تغلب الکندی ، عن جعفر بن محمّد الصادق ، عن أبیه ، عن جده الحسین علیهم السلامقال :«کان أمیر المؤمنین علیه السلام یخطب فی یوم الجمعة علی منبر الکوفة إذ سمع وَجْبَةً عظیمة وعدو الرجال یتواقعون بعضهم علی بعض ، فقال لهم : ما لکم؟ قالوا : یا أمیرالمؤمنین ، ثعبان عظیم قد دخل من باب المسجد ، ونفزع منه فنرید أن نقتله . فقال علیه السلام : «لا تقربنّه أحد منکم ، طرِّقوا له فإنّه رسولٌ جاء فی حاجة» [ فطرَّقوا له ] فمازال یتخلّل حتّی صعد المنبر ، فوضع فاه (3) فی أُذن أمیر المؤمنین علیه السلام فنقّ فی أُذنه

ص :20


1- الفضائل لشاذان بن جبرئیل : 69 ، أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الثامن عشر ؛ ورواه الشریف الرضی فی خصائص الأئمّة : 56 ؛ المناقب للخوارزمی : 306 و307 ، ح 301 و302. مناقب الإمام أمیر المؤمنین لمحمّد بن سلیمان 2 : 516 ، باب ذکر ردّ الشمس . وفی النسخة : «...فردّ علینا الشمس حتی أُصلّی أنا وعلیّ العصر، فردّها اللّه علیهما...حتّی صلّیا...» وصحّحناه کما فی المصادر ، وقد ورد الحدیث بطرق کثیرة فراجع تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر (ترجمة الإمام علی علیه السلام) ج 2 ، ص 281 _ 306 مع التعلیقات ؛ وبحار الأنوار 41 : 166 ، باب ردّ الشمس له.
2- هو الإمام محمّد بن إدریس بن العباس أبو عبد اللّه الشافعی (150 _ 204 ق) ولم نعثر علی کتابه .
3- فی الفضائل : «فمه» .

نقیقا وتطاول وأمیر المؤمنین یحرّک رأسه ، ثمّ نقّ أمیر المؤمنین له بمثل نقیقه ونزل عن المنبر وسار (1) بین الجماعة ، فالتفتوا فلم یروه ، فقالوا : یا أمیر المؤمنین ، ما هذا الثعبان؟ فقال علیه السلام : هذا درجان بن مالک ، خلیفتی علی الجنّ المسلمین ، وذلک أنّهم اختلفوا فی أشیاء فأنفذوه علیّ ، وقد جاء وسألنی عنها ، وأخبرته بجواب مسائله فرجع» (2) .

ولهذا أهل الکوفة یسمّون الباب الذی دخل منه الثعبان : باب الثعبان . فأراد بنوأُمیّة إطفاء هذه الفضیلة ، فنصبوا علی ذلک الباب فیلاً مدّة طویلة حتّی سمّی باب الفیل .

الحدیث السابع

عن عبد الرحمن بن عوف قال :قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«لمّا أُسری بی إلی السماءِ أُمِرَ بعَرْض الجنّة والنار علیَّ فرأیتها جمیعا ، رأیت الجنّة وألوان نعیمها ، ورأیت النار وألوان عذابها ، فلمّا رجعت قال لی جبرئیل علیه السلام : هل قرأت یا رسول اللّه ما کان مکتوبا علی أبواب الجنّة وما کان مکتوبا علی أبواب النار؟ فقلت : لا یا جبرئیل . قال : إنّ للجنّة ثمانیة أبواب ، علی کلّ باب منها أربع کلمات ، کلّ کلمة خیر من الدنیا وما فیها لمن تعلّمها واستعملها ، وإنّ للنار سبعة أبواب ، علی کلّ باب منها ثلاثُ کلمات ، کلُّ کلمة خیرٌ من الدنیا وما فیها لمن تعلّمها وعرفها .

فقلت : یا جبرئیل، ارجع معی لأقرأها ، فرجع جبرئیل علیه السلام ، فقرأنا أبواب الجنّة ، فإذا علی الباب الأوّل منها [ مکتوب ] : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ، لکلّ شیءٍ حلیة وحلیة العیش أربع خصالٍ : القناعة ، ونبذ الحقد ، وترک الحسد ، ومجالسة أهل الخیر .

ص :21


1- فی الفضائل : «فانساب».
2- روی نحوه شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 71 مرسلاً . وعنه بحار الأنوار 39 : 171 / 11.

وعلی الباب الثانی منها [ مکتوب ] : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّاللّه ، لکلّ شیءٍ حلیة وحلیة السرور فی الآخرة أربع خصال : مسح رؤوس الیتامی ، والتعطّف علی الأرامل ، والسعی فی حوائج المسلمین ، وتفقّد الفقراء والمساکین .

وعلی الباب الثالث مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ؛ لکلّ شیءٍ حلیة وحلیة الصحّة فی الدنیا أربع خصال : قلّة الکلام ، وقلّة المنام ، وقلّة المشی ، وقلّة الطعام .

وعلی الباب الرابع منها مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ؛ من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلیکرم جاره ، من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلیکرم ضیفه ، من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلیبرّ والدیه ، من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلیقل خیرا أو یسکت .

وعلی الباب الخامس منها مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّاللّه ؛ من أراد أن لا یُذَلَّ فلا یُذِلَّ ، من أراد أن لا یُشْتَمَ فلایَشْتِمْ ، من أراد أن لا یُظْلَمَ فلا یَظْلِمْ ، من أراد أن یستمسک بالعروة الوثقی فی الدنیا [ والآخرة ] فلیستمسک بقول : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه .

وعلی الباب السادس مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّدٌ رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ؛ من أحبّ أن یکون قبره واسعا فسیحا فلینَقِّ المساجد ، ومن أحبّ أن لا یأکله الدیدان تحت الأرض فلیکنس المساجد ، ومن أحبّ أن یبقی طریّا تحت الأرض ولا یبلی جسده فلیشرِ بسط المساجد ، ومن أحبّ أن یری موضعه من الجنّة قبل موته فلیسکن المساجد .

وعلی الباب السابع منها مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ؛ بیاض القلب فی أربع خصال : عیادة المریض ، واتّباع الجنائز ، وشری الأکفان للموتی ، ودفع القرض .

وعلی الباب الثامن منها مکتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علیٌّ ولیّ اللّه ؛

ص :22

من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانیة فلیستمسک بأربع خصال : بالصدقة ، والسخاء ، وحسن الأخلاق ، وکفّ الأذی عن عباد اللّه .

ثمّ جئنا إلی أبواب جهنّم فإذا علی الباب الأوّل مکتوب ثلاث کلمات : (لعن اللّه الکذّابین ، لعن اللّه الباخلین ، لعن اللّه الظالمین ) (1) . من رجا اللّه سعد ، ومن خاف اللّه أمن ، والهالک المغرور من رجا سوی اللّه وخاف غیره .

وعلی الباب الثانی مکتوب ثلاث کلمات : من أراد أن لا یکون عریانا فی القیامة فلیکْسُ الجلود العاریة فی الدنیا ، ومن أراد أن لا یکون جائعا فی الآخرة فلیطعم البطون الجائعة فی الدنیا ، ومن أراد أن لا یکون عطشانا فی القیامة فلیسْقِ العطاش فی الدنیا .

وعلی الباب الثالث مکتوب ثلاث کلمات : لعن اللّه الکذّابین (2) ، لعن اللّه الباخلین ، لعن اللّه الظالمین .

وعلی الباب الرابع منها مکتوب ثلاث کلمات : أذلّ اللّه من أهان الإسلام ، أذلّ اللّه من أهان أهل بیت نبیّ اللّه ، أذلّ (3) اللّه من أعان الظالمین علی ظلمهم المخلوقین .

وعلی الباب الخامس منها مکتوب ثلاث کلمات : لا تتّبع الهوی فإنّ الهوی مجانب الإیمان ، ولا تکثر منطقک فیما لا یعنیک فتسقط (4) من رحمة ربّک ، ولا تکن عونا للظالمین فإنّ الجنّة لم تخلق للظالمین .

وعلی الباب السادس مکتوب : أنا حرام علی المجتهدین (5) ، أنا حرام علی المتصدّقین ، أنا حرام علی الصائمین .

ص :23


1- ما بین القوسین زائدة ، لأنّها کرّرت فی الفقرة الثالثة الآتیة.
2- فی بعض المصادر : «الکاذبین».
3- فی الفضائل : «لعن اللّه ».
4- فی الفضائل : «فتقنط».
5- فی الفضائل : «المتهجدین».

وعلی الباب السابع مکتوب ثلاث کلمات : حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا ، ووبّخوا أنفسکم قبل أن توبّخوا ، وادعوا اللّه عز و جل قبل أن تُرَدّوا علیه، ولا تقدرون علی ذلک» (1) .

الحدیث الثامن

عن مکحول ، عن عیاض بن غنم وعن عبداللّه بن عباس أنّهما قالا :لمّا رجعنا من حجّة الوداع مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله جلسنا مع النبی فی مسجده، ظهر الوحی علیه ، فتبسّم تبسّما شدیدا [ حتّی ] بانت ثنایاه ، فقلنا : یا رسول اللّه ، ممّ تبسّمت؟

فقال : «من إبلیس ؛ مرّ بنفرٍ یتناولون علیّا ، فوقف أَمامهم ، فقال القوم : من الذی وقف أمامنا؟ فقال : أنا أبو مرّة ، فقالوا : وتسمع کلامنا؟ فقال : نعم ، سوأة لکم! أتسبّون مولاکم علیّ بن أبی طالب؟!

فقالوا [ له ] : یا أبا مرّة من أین علمت أ نّه مولانا؟ فقال : لقول نبیّکم بالأمس : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه [ اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ] .

فقالوا : یا أبا مرّة ، فأنت من شیعته أو من موالیه؟ فقال : ما أنا من شیعته ولا من موالیه ، ولکنّی أُحبّه ؛ لأنّه ومایبغضه أحد منکم إلاّ شارکته فی المال والولد ، وذلک قول اللّه تعالی أسمع «وَ شَارِکْهُمْ فِی الْأَمْوَ لِ وَ الْأَوْلَ_دِ» (2) .

فقالوا : یا أبا مرّة ، فتقول فی علیّ شیئا؟ قال : نعم ، اسمعوا منّی : عبدتُ اللّه عز و جلفی الجانّ اثنی عشر ألف سنة ، فلمّا أهلک اللّه الجانّ شکوت إلی اللّه عز و جل الوحدة ،

ص :24


1- رواه فی الفضائل : 150 ، شاذان بن جبرئیل عن ابن مسعود ، بتفاوت فی أوّل الحدیث ، ورواه الحموینی فی فرائد السمطین 1 : 238 _ 241/186 الباب السابع والأربعون ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الثانی والعشرون ، و بحار الأنوار 8 : 144 / 67.
2- الإسراء (17) : 64.

فأُوتی بی إلی السماء الدنیا ، فعبدت اللّه فیها اثنی عشر ألف سنة أُخری [ مع الملائکة ] ، فبینا نحن کذلک نسبّح اللّه تعالی ونقدّسه إذ مرّ بنا نور شعشعانیٌّ ، فخرّت الملائکة لذلک سجّدا فقالوا : نور نبیّ مرسل أو ملک مقرّب ، فإذا النداء من قبل اللّه تعالی : لا نور نبیّ مرسل ولا ملک مقرّب ، هذا نور طینة علیّ بن أبی طالب ابن عمّ محمّد صلی الله علیه و آله وسلم» (1) .

الحدیث التاسع

اشاره

عن أُمّ سلمة رضی اللّه عنها ، قالت :سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول :

«ما من قوم اجتمعوا یذکرون فضل محمّد وآل محمّد إلاّ هبطت [ علیهم ] ملائکة من السماء حتّی تحفّ بهم وتأنس بحدیثهم ، فإذا تفرّقوا عرجت الملائکة إلی السماء ، فتقول لهم الملائکة : إنّا نشمّ منکم رائحة ما شممنا رائحة أطیب منها ، فیقولون : کنّا عند قوم یذکرون محمّدا وأهل بیته فعلق فینا من ریحهم فتعطّرنا .

[ فیقولون : اهبطوا بنا إلیهم ، فیقولون: تفرّقوا ومضی کلّ واحد منهم إلی منزله ، فیقولون : ] اهبطوا بنا إلی المکان الذی کانوا فیه [ حتّی نتعطّر بذلک المکان ]» (2) .

أنّ الملائکة تهبط من السماء لتحفّ بالذاکرین لفضائل محمّد وآله علیهم السلام

روی عن جمیع بن عمیر قال :دخلت علی أُمّ المؤمنین عائشة مع أُمّی وأنا غلام ، فَذَکَرتْ لها علیّا علیه السلام ، فقالت :

ص :25


1- روی مثله الصدوق فی علل الشرایع 1 : 172 ، ح 9 ، باب 120 ، فی أنّ علّة محبّة أهل البیت علیهم السلامطیب الولادة ، عن سلمان ؛ والأمالی : 284 ، ح 6 ، المجلس الخامس والخمسون ؛ وعنهما البحار 39 : 162/1 ؛ الفضائل : 158 ؛ الروضة فی المعجزات والفضائل : 151 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الثامن والعشرون.
2- روی نحوه الفتّال النیشابوری فی روضة الواعظین : 151 ؛ وعنه بحار الأنوار 38 : 199/7 ؛ ومستدرک الوسائل 12 : 392/14387.

ما رأیت رجلاً قطّ أحبّ إلی رسول اللّه منه ، وامرأةً أحبّ إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلممن امرأته . وقالت له فاطمة یوما وأنا حاضرة : «فدتک نفسی یا رسول اللّه ، صلّی اللّه علیک ! أیّ شیءٍ رأیت لی؟» فقال : «یا فاطمة ، أنتِ خیر نساء البریّة ، وأنتِ سیّدة نساء الجنّة» قالت : «فما ابن عمّک علیّ؟» فقال : «علیّ لا یقاس به أحد من الناس» قالت : «والحسن والحسین؟» قال : «هما ولدای وسبطای وریحانای أیّام حیاتی ومماتی» .

فأتی علیّ فقال : «فداک أبی وأُمّی یا رسول اللّه ، أیّ شیء رأیت لی؟».

فقال : «یا علیّ ، أنا وأنتَ وفاطمة والحسن والحسین فی غرفة من درّة ؛ أساسها من رحمة اللّه ، وأطرافها من رضوان اللّه ، وهی تحت عرش اللّه .

یا بن أبی طالب ، بینک وبین نور اللّه باب فتنظر إلیه وینظر إلیک ، وذلک وقت ألجم الناسَ العرقُ ، علی رأسک تاج من نور قد أضاء نوره ما بین المشرق والمغرب ، وأنت ترفل فی حلیتین : حلّة حمراء ، وحلّة وردیّة ، خُلِقتُ وخُلِقْتُم وخُلِقَ محبّونا من طینة تحت العرش ، وخُلِق مبغضونا من طینة الخبال» (1) .

الحدیث الحادی عشر

عن سعد بن عبادة الأنصاری رحمه الله قال :قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«لمّا عُرِج بی إلی السماء فکنت من ربّی بقاب قوسین أو أدنی ، سمعت النداء من قبل اللّه عز و جل: یا محمّد، مَنْ تحبُّ ممّن معک فی الأرض؟ فقلت: [ یا ربّ ]أُحبّ مَنْ یحبّه العزیز ویأمرنی بحبّه ، فسمعت النداء من اللّه تعالی : یا محمّد ، أَحِبَّ علیّا فإنّی أُحبّه وأُحبّ من یحبّه .

ص :26


1- روی نحوه شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 68 ؛ وعنه البحار 37 : 78 ، ح 47 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الثانی والثلاثون. وروی شطرا منه أحمد بن شعیب النسائی فی خصائص أمیر المؤمنین : 155 _ 157 ، ح 111 و112.

فرجعت إلی السماء الرابعة، فلقینی جبرئیل علیه السلام فقال لی : یا رسول اللّه ، ما قال لک العزیز وما قلتَ له؟ فقلت : حبیبی جبرئیل سمعت النداء من قبل اللّه تعالی : یا محمّد ، مَنْ تحبّ ممّن معک فی الأرض؟ فقلت : أُحبّ من یحبّه العزیز ومن یأمرنی بحبّه ، فبکی جبرئیل حتّی علا منه النحیب وقال : والذی بعثک بالحقّ نبیّا، لو أنَّ أهل الأرض کلّهم یحبّون علیّا کما یحبّه أهل السماء لما خلق اللّه نارا یعذّب بها [ أحدا ]» (1) .

الحدیث الثانی عشر

عن نافع ، عن عبد اللّه بن عمر قال :سألت النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام، فغضب [ وقال : ] «ما بال أقوام یذکرون من له منزلة [ عند اللّه کمنزلتی ] ؟!

ألا ومن أحبّ علیّا فقد أحبّنی ، ومن أحبّنی رضی اللّه عنه ، ومن رضی اللّه عنه کافأه الجنّة .

ألا ومن أحبّ علیّا تقبّل اللّه صلاته وصیامه وقیامه، واستجاب اللّه دعاءه .

ألا ومن أحبّ علیّا استغفرت له الملائکة وفتحت له أبواب الجنّة (2) ، یدخل من أیّ باب شاء من غیر حساب .

ألا ومن أحبّ علیّا لا یخرج من الدنیا حتّی یشرب من الکوثر ویأکل من شجرة طوبی ویری مکانه من الجنّة .

ألا ومن أحبّ علیّا هوّن اللّه علیه سکرات الموت ، وجعل قبره روضة من ریاض الجنّة .

ص :27


1- الروضة فی المعجزات والفضائل : 156 ؛ أربعون حدیثا لابن أبی الفوارس ، الحدیث الثالث والثلاثون ؛ وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 39 : 248 ، ح 11 عن الروضة والفضائل.
2- فی تأویل الآیات : «الجنّة الثمانیة».

ألا ومن أحبّ علیّا أعطاه اللّه فی الجنّة بعدد کلِّ عرق فی بدنه حورا، ویشفع فی ثمانین ألفا من أهل بیته ، وله بکلّ شعرة فی بدنه مدینة فی الجنّة .

ألا ومن أحبّ علیّا بعث اللّه إلیه ملک الموت برفق (1) ، ودفع [ اللّه ] عنه سکرات (2) منکر ونکیر ، ونوّر قبره، وبیّض وجهه .

ألا ومن أحبّ علیّا أظلّه اللّه فی ظلّ عرشه مع الصدّیقین والشهداء .

[ ألا ومن أحبّ علیّا نجّاه اللّه من النار ] (3) .

ألا ومن أحبّ علیّا تقبّل اللّه منه حسناته ، وتجاوز عن سیّئاته ، وکان فی الجنّة رفیق حمزة سیّد الشهداء .

ألا ومن أحبّ علیّا أثبت اللّه الحکمة فی قلبه ، وأجری علی لسانه الصواب ، وفتح اللّه له أبواب الرحمة .

ألا ومن أحبّ علیّا سمّی فی السماوات : أسیر اللّه فی أرضه .

ألا ومن أحبّ علیّا ناداه ملک من تحت العرش : أن یا عبد اللّه ، استأنف العمل فقد غفر اللّه لک الذنوب کلّها .

ألا ومن أحبّ علیّا جاء یوم القیامة ووجهه کالقمر لیلة البدر .

ألا ومن أحبّ علیّا وضع اللّه علی رأسه تاج [ الملک، وألبسه حلّة العزّ ] والکرامة .

ألا ومن أحبّ علیّا مرّ علی الصراط کالبرق الخاطف .

ألا ومن أحبّ علیّا وتولاّه کتب اللّه له براءة من النار وجوازا علی الصراط وأمانا من العذاب .

ألا ومن أحبّ علیّا لا ینشر له دیوان، ولا ینصب له میزان ، ویقال له : ادخل الجنّة

ص :28


1- فی تأویل الآیات زیادة : «کما یبعثه للأنبیاء».
2- فی کتاب الأربعین عن الأربعین: « هول منکر ونکیر».
3- الزیادة من کتاب الأربعین عن الأربعین.

بغیر حساب .

ألا ومن أحبّ آل محمّد أَمِنَ من الحساب والمیزان والصراط .

ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد صافحته الملائکة، وزاره الأنبیاء، وقضی اللّه له کلّ حاجة له عند اللّه عز و جل .

ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد فأنا کفیله بالجنّة» قالها ثلاثا (1) .

قال قتیبة بن سعید بن رجاء : کان حمّاد بن زید یفتخر بهذا الحدیث ویقول : هو الأصل لمن یقرّ به (2) .

الحدیث الثالث عشر

عن الزهری ، عن أنس بن مالک أ نّه قال :کنّا قعودا عند رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وحوله أصحابه إذ ضحک رسول اللّه ، فقالوا : یا رسول اللّه ، أضحکت، زادک اللّه سرورا ؟ قال :

«إنّ جبرئیل أتانی فبشّرنی ببشارة لم یبشّرنی بمثلها فیما مضی ، أخبرنی أنّ من فتیان بنی هاشم سبعا لم یخلق اللّه مثلهم فیما مضی ، ولم یخلق مثلهم فیما بقی : أنا محمّد رسول اللّه سیّد الأنبیاء ، وعلیٌّ وصیّی سیّد الأوصیاء ، وحمزة عمّی سیّدالشهداء ، وجعفر ابن عمّی الطیّار فی الجنّة ، وابنای الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة ، ومنّا القائم الذی یصلّی خلفه عیسی بن مریم، وهو المهدی ؛ وجهه کالکوکب الدرّی ، اللّون لون عربی والجسم جسم إسرائیلیّ ، علی خدّه الأیمن

ص :29


1- فی المصادر _ غیرالأربعین _ زیادة : «ألا ومن أبغض آل محمّد جاء یوم القیامة مکتوب بین عینیه : آیس من رحمة اللّه . ألا ومن مات علی بغض آل محمّد مات کافرا ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد لم یشمّ رائحة الجنّة».
2- فضائل الشیعة : 2 ، ح 1 ؛ مائة منقبة : 64 ، المنقبة 37 ؛ تأویل الآیات 2 : 863 ، ح 1 ، خاتمة الکتاب ؛ کتاب الأربعین عن الأربعین : 30 ، الحدیث الأوّل. والحدیث مطابق لما فی الأربعین. ورواه الطبری فی بشارة المصطفی : 36 ؛ وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 27 : 114/89 و39 : 277/55 و7 : 221/133.

خال ، یرضی بخلافته أهل الأرض والسماء والطیر فی الهواء» (1) .

الحدیث الرابع عشر

اشاره

عن أبی هریرة قال :قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ والمجلس غاصّ ببنی هاشم وغیرهم _ :

«من أحبّ علیّا وتولاّه قرّبه اللّه وأدناه ، ومن أبغض علیّا وعاداه أبعده اللّه وأخّره . سبقت رحمة ربّی لمن أحبّ علیّا وتولاّه ، ووجبت لعنة ربّی لمن أبغض علیّا وعاداه» .

حدیث المحبّة بروایة أبی هریرة : من أحبّ علیّا وتولاّه قرّبه اللّه تعالی .

عن الإمام علیّ بن موسی الرضا ، عن آبائه علیهم السلام :«أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یخطب علی منبر الکوفة _ وهی الخطبة المعروفة بالغرّاء _ وقال فیها :

أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه وزوج ابنته وأبو السبطین ، أنا یعسوب الدین ، أنا مولی المؤمنین ، أنا إمام المتّقین ، أنا الشفیع لشیعتی فی یوم الدین ، أنا قسیم الجنّة والنار ، أنا حامل اللواء یوم القیامة ، أنا صاحب الحوض والشفاعة ، أنا حامل مفاتیح الجنّة .

فقام إلیه المنذر بن الجارود وقال : یا أمیر المؤمنین ، أنت بالمکان الذی تذکر وأبوک معذّب فی النار؟!

فقال : مهلاً ، فضّ اللّه فاک!! قال : أبی یعذّب فی النار وأنا ابنه قسیم الجنّة والنار؟! واللّه لو شفع أبی لکلِّ مذنب علی وجه الأرض لأجابه اللّه ، وإنّ نور أبی لیطفئ نور الخلائق یوم القیامة ما خلا نور الأنبیاء والأئمّة علیهم السلام ، وسمعت حبیبی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

ص :30


1- نحوه فی الکافی 8 ، ح 10 ؛ مناقب الإمام أمیر المؤمنین ، محمّد بن سلیمان الکوفی 1 : 543/484 ؛ الصراط المستقیم 2 : 241 ؛ الطرائف : 178 ؛ بحار الأنوار 51 : 80 تاریخ الإمام الثانی عشر.

أ نّه قال : مَثَل عمّی أبی طالب فی هذه الأُمّة کمَثَل أصحاب الکهف فی بنی إسرائیل ؛ أسرّوا الإیمان وأظهروا الکفر ، فآتاهم أجرهم مرّتین» (1) .

الحدیث السادس عشر

اشاره

عن أنس بن مالک _ مرسلاً _ عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال :«لیلة أسری بی ربّی عز و جل رأیت فی بطنان العرش ملکا بیده سیف من نور یلعب به کما یلعب علیّ بن أبی طالب بذی الفقار ، وأنّ الملائکة إذا اشتاقوا إلی علیّ بن أبی طالب نظروا إلی وجه ذلک الملک ، فقلت : یا ربّ، هذا أخی علیّ بن أبی طالب وابن عمّی؟ فقال : یا محمّد ، هذا ملک خلقته علی صورة علیّ یعبدنی فی بطنان عرشی ، تکتب حسناته وتسبیحه وتقدیسه لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام إلی یوم القیامة» (2) .

أنّ اللّه تعالی خَلَقَ فی بطنان العرش ملکا بصورة علیّ بن أبی طالب ، یکتب أجر عبادته له علیه السلام إلی یوم القیامة.

عن عبد السلام بن صالح الهروی ، قال :[ لمّا ] خرج علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلاممن نیسابور إلی المأمون فبلغ قرب قریة الحمراء ، قیل له : یا بن رسول اللّه ، قد زالت الشمس أَوَلا تصلّی؟ فنزل علیه السلامفقال : «ائتونی بماءٍ؟» فقیل : ما مَعَنا ماءٌ ، فبحث[ علیه السلام ] بیده الأرض فنبع منها الماء فتوضّأ به هو ومن معه . وأثره باقٍ إلی الیوم .

فلمّا دخل سناباذ [ استَنَد ] إلی الجبل الذی ینحت منه القدور ، فقال : «اللهمّ انفع به، وبارک فیما یُجعل فیه وفیما یُنحت منه». ثمّ أمر علیه السلام فَنُحِتَ له قُدُور من الجَبَل وقال : «لا یُطبَخ ما آکله إلاّ فیها». وکان علیه السلام خفیفَ الأکل ، قلیلَ الطعام ، فاهتدی الناس

ص :31


1- روی نحوه الطبرسی فی الاحتجاج 1 : 230 ، وعنه البحار 35 : 69/3 عن الصادق علیه السلام ، و35 : 11/39 بالإسناد عن الکراجکی ، باختلاف ؛ الحجّة علی إیمان أبی طالب : 321 و262 ؛ روضة الواعظین : 139 ؛ مائة منقبة : 174 المنقبة الثامنة والتسعون. أمالی الطوسی : 305 المجلس الحادی عشر ، ح 612/59 ، و701 المجلس الأربعون ، ح 1499/2.
2- رواه الصدوق فی العیون 2 : 139/15 عن الحسین بن علیّ بن محمّد بن علیّ بن موسی عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ؛ وعنه البحار 18 : 353/65 و39 : 109/14.

إلیه من ذلک الیوم ، وظهرت برکة دعائه[ علیه السلام ] فیه .

ثمّ دخل دار حمید بن قحطَبَة الطائیّ ، ودخل القُبَّةَ التی فیها قبر هارون الرشید ، ثمّ خطَّ بیده إلی جانبه، ثمّ قال : «هذه تربتی وفیها أُدفَنُ ، وسیجعل اللّه هذا المکان مُختَلَفَ شیعتی وأهل محبّتی ، واللّه ما زارنی منهم زائر ولا یُسَلِّمُ علیَّ [ منهم ]مُسَلِّمٌ إلاّ أوجب اللّه له غفرانه ورحمته وشفاعتنا أهل البیت» .

ثمّ استقبل القبلة فصلّی أربع رکعات ودعا بدعوات ، فلمّا فرغ سجد سجدة طال مکثه فیها ، فأحصینا له فیها خمسمائة تسبیحة ، ثمّ انصرف علیه السلام (1) .

الحدیث الثامن عشر

اشاره

عن أبی الصلت عبد السلام بن صالح الهَرَویّ قال :سمعت الرضا علیه السلام یقول :

«واللّه ما منّا إلاّ مقتول شهید»

فقیل له : ومن یَقْتُلُک یا بن رسول اللّه ؟

قال : «شرّ خلق اللّه فی زمانی ، یقتُلُنی بالسمِّ ، ثمّ یدفننی فی دار مضیعة وبلاد غربةٍ ؛ ألا فمن زارنی فی غربتی کتب اللّه [ تعالی ]له أجر مائة ألف مجاهد ومائة ألف شهید ومائة ألف صدّیق ومائة ألف حاجّ ومعتمر ، وحُشِر فی زمرتنا ، وجُعِل فی الدرجات العُلی فی الجنّة رفیقنا» (2) .

إخبار علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام بکیفیّة استشهاده وموضع دفنه. وفضیلة زیارة تربته.

عن الصادق عن آبائه عن النبی صلّی اللّه علیهم ، قال :«ستدفن بضعة منّی بأرض خراسان لا یزورها مؤمن إلاّ أوجب اللّهُ له الجنَّةَ

ص :32


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 147 ، ب 39 ، ح 1 ؛ عنه البحار 49 : 125/1 ، ب 12.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 287 ، ب 66 ، ح 9 ؛ روضة الواعظین 1 : 233 ؛ ورواه الصدوق أیضا فی الأمالی : 61 المجلس الخامس عشر ، ح 8 ؛ عنه بحار الأنوار 49 : 283/2.

وحرّم جسده علی النار» (1) .

الحدیث العشرون

اشاره

عن الصادق عن آبائه عن النبی صلی الله علیه و آله قال :«ستدفن بضعة منّی بخراسان ، ما زارها مکروب إلاّ نفَّس اللّه کربَتَه، ولا مذنِب إلاّ غفر اللّه له» (2) .

کذلک إخباره صلی الله علیه و آله بمدفن الرضا علیه السلام وفضیلة زیارة تربته.

عن النعمان بن سعد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال :«سیقتل رجل من ولدی بأرض خراسان بالسمِّ ظلما ، اسمه اسمی واسم أبیه اسم موسی بن عمران[ علیه السلام ] ، ألا فمن زاره فی غربته غفر اللّه ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ولو کانت مثل عدد النجوم وقَطرِ الأمطارِ وورق الأشجار» (3) .

الحدیث الحادی والعشرون

عن محمّد بن إبراهیم بن موسی بن جعفر علیهماالسلام عن آبائه عن النبی صلی الله علیه و آله أ نّه قال :«إنّ اللّه عز و جل طَهّر ثلاث بقاع من الأرض، وأمر الملائکة أن یطوفوا بها ویحوطوا من یحضر فیها» .

قلت : جعلت فداک، فأیّ البقاع هی؟ قال : «ظهر الکوفة، وکربلاء، وسناباذ» .

ص :33


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 286 ب 66 ، ح 4 ؛ أمالی الصدوق : 60 المجلس الخامس عشر ، ح 6 ؛ روضة الواعظین 1 : 233 ؛ بحار الأنوار 49 : 284/3.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 288 ، ب 66 ، ح 14 ؛ روضة الواعظین 1 : 234 ؛ ورواه الصدوق أیضا فی الأمالی : 104 المجلس الخامس والعشرون ، ح 2.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام2 : 289 ، ب 66 ، ح 17 ؛ أمالی الصدوق : 104 المجلس الخامس 25 ؛ ح5 ، روضة الواعظین 1 : 234.

قلت : منذ کم؟ قال : «من قبل أن یخلق اللّه آدم بأربعة عشر ألف سنة» (1) .

الحدیث الثالث والعشرون

اشاره

عن سلیمان بن الحفص المروزی قال :سمعت الإمام أبا الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام یقول :

«من زار قبرَ ولدی علیّ کان له عند اللّه سبعون حجَّةً مبرورةً» . قلت : سبعون حجّة مبرورة؟! قال : «ربّ حجّة لا تُقبَل، من زاره أو بات عنده لیلةً کان کمن زار أهل السماوات ، وإذا کان یوم القیامة وجد معنا زوّارا سمتنا أهل البیت ، وأعلاهم درجة وأقربهم حُبْوَةً زوّار ولدی علیّ علیه السلام» (2) .

إخبار الإمام موسی بن جعفر علیهماالسلام بفضیلة زیارة قبر علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام .

عن أحمد بن [ محمّد بن ] صالح [ الرازی ، عن حمدان الدیوانی ] قال :قال الرضا علیه السلام :

«من زارنی علی بعد داری أَتَیْتُه یومَ القیامة فی ثلاثة مواطن حتّی أُخَلِّصَه من أهوالها : إذا تطایرت الکتب یمینا وشمالاً ، وعند الصراط ، وعند المیزان» (3) .

ص :34


1- روضة الواعظین 1 : 234.
2- الکافی 4 : 572، باب فضل زیارة أبی الحسن الرضا علیه السلام، عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 290 ، ب 66 ، ح 20 ، وفیه زیادة ؛ روضة الواعظین 1 : 234 ؛ ورواه الصدوق فی الأمالی : 105 ، المجلس الخامس والعشرون ، ح 6 عن یحیی بن سلیمان المازنی .
3- رواه الصدوق فی الخصال 1 : 167/220 ؛ وعیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 285 ، ب 66 ، ح 2 ؛ ورواه الفتّال النیشابوری فی روضة الواعظین 1 : 235 ؛ ورواه أیضا الصدوق فی الأمالی : 106 المجلس 25 ، ح 9 ؛ کامل الزیارات : 304 باب 101 ؛ جامع الأخبار : 31 الفصل 14.

الحدیث الخامس والعشرون

اشاره

عن علیّ بن الحسن بن فضّال ، عن أبیه قال :سمعت الرضا علیه السلام یقول :

«إنّی مقتول ومسموم ومدفون بأرض غُربة ، أَعلَمُ ذلک بعهدٍ عهده إلیَّ أبی عن أبیه ، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . ألا فمن زارنی فی غربتی کنْتُ أنا وآبائی شفعاءه یَومَ القیامة ، ومن کنّا شفعاءه نجا ولو کان علیه مثلُ وِزْرِ الثَّقَلَین» (1) .

إخباره علیه السلام أیضا بأنّه وآباءه علیهم السلامیشفعون لمن زاره فی یوم القیامة.

عن عکرمة ، عن عبد اللّه بن عبّاس ، عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال :«أتانی جبرئیل علیه السلام وهو فَرِح مستبشر ، فقلت : حبیبی! مع ما أنت فرح مستبشر؟ ما منزلة أخی وابن عمّی علیّ بن أبی طالب عند ربّه؟ _ وجاء فی روایة أُخری : مع ما أنت فیه من الفرح؟ _ (2) .

قال : والذی بعثک بالنبوّة واصطفاک بالرسالة ، ما هبطت فی وقتی هذا إلاّ لهذا . یا محمّد ، اللّه [ العلیّ ] الأعلی یقرئک السلام ویقول : محمّد نبیُّ رحمتی ، وعلیّ مقیم حجّتی ، أقسمت بعزّتی لا أُعذّب من والاه وإن عصانی ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعنی .

ثمّ قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا کان یوم القیامة یأتینی جبرئیل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر، وأنا علی کرسیّ من کراسیِّ الرضوان وفوق منبر من منابر النور من أنوار القدس ، فآخذه وأدفعه إلی علیّ بن أبی طالب» .

ص :35


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 293 ، ب 66 ، ح 33 ؛ أمالی الصدوق : 489 المجلس التاسع والثمانون ، ح 8 .
2- فی روضة الواعظین : 109.

فوثب عمر بن الخطاب فقال : یا رسول اللّه ، کیف یطیق علی حمل اللّواء وقد ذکرت أ نّه سبعون شقّة ؛ الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر؟!

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «یا عمر ، إذا کان یوم القیامة یعطی اللّه علیّا من القوّة مثل قوّة جبرئیل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال یوسف ، ومن الصوت مایدانی صوت داود ، ولولا أن یکون داود خطیبا فی الجنان لأُعطی مثل صوته ، وإنّ علیّا أوّل من یشرب من السلسبیل والزنجبیل ، لا یجوز لعلیٍّ قدم علی الصراط إلاّ وثبتت له مکانها أُخری ، وإنّ لعلیٍّ وشیعته من اللّه مکانا یغبطه به الأوّلون والآخرون» (1) .

فطوبی لعلیّ ثمّ طوبی لشیعته !

الحدیث السابع والعشرون

عن عمرو بن الحمق رضی الله عنه قال :کنت جالسا عند رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «یا عمرو» قلت : لبّیک یا رسول اللّه ، قال : «أتحبّ أن اُریک آیة الجنّة یأکل الطعام ویشرب [ الشراب ]ویمشی فی الأسواق؟» قلت : بلی فداک أبی وأُمّی ، قال : «هذا وقومه» وأشار إلی علیّ بن أبی طالب ، ثمّ قال : «أتحبّ أن أُریک آیة النار یأکل الطعام ویشرب الشراب ویمشی فی الأسواق؟» قلت : بلی بأبی أنت وأُمّی ، قال : «هذا وقومه آیة النار» وأشار إلی معاویة . فلمّا وقعت الفتنة بین علیّ ومعاویة ذکرت قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، فبرزت من آیة النار إلی آیة الجنّة . . . واللّه لو کنت فی حَجَرٍ فی جوف حَجَرٍ لاستخرجنی . . . حدّثنی بذلک رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . إنّ رأسی أوّل رأس یُنحَر فی الإسلام ویُنقَل من بلدٍ إلی بلد (2) .

ص :36


1- رواه الصدوق فی الخصال 2 : 582/7 عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ؛ وفی روضة الواعظین : 109 _ 110 مرسلاً.
2- روی نحوه المفید فی الاختصاص : 15 وقریبا منه الطوسی فی الأمالی نقلاً عن حذیفة الیمانی ؛ عنه البحار 34 : 277/1022 ، وج 41 : 339 ، ح 59. عن شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید.

الحدیث الثامن والعشرون

عن أنس بن مالک قال :کنّا فی مسجد النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم والجماعة یذکرون الشجعان والأبطالِ وضرْبَهم وطعْنَهم حتّی وصلوا إلی ذکر أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، فقالوا : لا یُذکَر مع علی شجاع ، فقال بعض العرب : لو رأیتم عمارة النخعی بالنخع وشجاعته! مقبل إلی ألف فارس بطل ، تقع جرأته وهیبته فی قلوبهم!

فقام علی علیه السلام وقال : «یا رسول اللّه ، أسألک أن تأذن لی أن أمضی وأُبصره ، لعلّ اللّه أن یهدیه إلی الإسلام» فقال النبی صلی الله علیه و آله وسلم : «یا علیّ ، إنّها طریق فَرْعة مسبعة» فقعد . ثمّ قام ثانیة وقال : «یا رسول اللّه ، أسألک أن تأذن لی أن أمضی» فأذن له .

فقام أبو بکر الصدّیق وقال : اِیذن لی یا رسول اللّه أن أمضی مع علیّ فإنّی أعرف الطریق، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «جزاک اللّه یا أبا بکر خیرا» .

فخرجا إلی أن وصلا النخع ، فقال أبو بکر : هذه الشجرة التی یقعد عمارة عندها ، وهی شجرة یظلّ تحتها کثیر من الناس ، فجلسا .

وأقبل عمارة فسلّم علی أبی بکر ونظر إلی وجه علیٍّ فقال : یا بن أبی قحافة ، قطعک عنّی الصابی الکذّاب؟! فقال : قل : النبیّ العربیّ الهاشمیّ . فقال عمارة : وأری هذا الفتی النجابة بین عینیه ، قال : هذا ابن عمّ رسول اللّه ؛ علیّ بن أبی طالب ، جاء حتّی ینظرَ شجاعتک . فقال : کَبرَت سنّی ودقّ عظمی ، ومضت علیَّ التسعون ، ثمّ عمد إلی ناقة فشدّ یدیها ورجلیها وأخذها فی وسط کفّه ، فقال : أحسنت! عندک أکثر من هذا؟ فغضب عمارة وأخذ أغصان الشجرة کلّ غصن لا یحمله رجُلان ، فکسرها بیده ورمی بها حتی بقیت عریانة .

فقال علیّ علیه السلام : «أحسنت! فهل عندک غیر هذا شیءٌ؟» فقال عمارة : وما یکون غیر هذا؟ قال : «نعم _ قال : _ تقلع ساق الشجرة ما لا ینقطع لها عرق» فقال عمارة : ومن

ص :37

یقدر علی ذلک؟ فقال: «أنا» فقال : إن فعلت ذلک فأنا عبدک، قال : «بل تؤمن بربّی وبوحدانیّته وحده لا شریک له ، وبنبوّة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم».

فقال عمارة : یا صاحباه! فحضر أهل النخع ، فقال أبو بکر : فکنتُ أرعد وأفزع ، فرفع علیّ یده إلی أن بدا بیاض إبطیه ، ودمدم بین شفتیه ورفع الشجرة فقلعها ولم ینقطع لها عرق ؛ کما تُسَلّ الشعرة من العجین ، فلهذا سمّی قالع الشجرة .

الحدیث التاسع والعشرون

اشاره

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاری أ نّه قال :کان لی ولد وقد اعتلّ علّة صعبة ، فسألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن یدعو له، فقال : «سل علیّا فهو منّی وأنا منه» فتداخلنی قلیل ریب ، وقیل لی : إنّ علیّا علیه السلام بالجبّانة ، فجئته وهو یصلّی ، فلمّا فرغ من صلاته سلّمت علیه وحدّثته ما کان من حدیث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال لی : «نعم» ثمّ قام ودنا من نخلة کانت هناک وقال : «أیّتها النخلة، من أنا؟». فسمعت منها أنینا کأنین النساء الحوامل إذا أرادت أن تضع الولد ، ثمّ سمعتها تقول : یا أنزع ، یا بطین ، أنت أمیر المؤمنین ، ووصیّ رسول ربّ العالمین ، أنت الآیة الکبری وأنت الحجّة العظمی [ وسکتت ] .

قال جابر رضی الله عنه : فالتفت إلیّ أمیر المؤمنین علیه السلام وقال : «قد زال الآن الشکّ من قلبک وصفا ذهنک ، اکتم ما سمعت ورأیتَ من غیر أهله» (1) الحدیث .

شهادة النخلة بأنّ علیّ بن أبی طالب هو أمیر المؤمنین ووصیّ رسول ربّ العالمین بروایة جابر بن عبد اللّه الأنصاری.

عن أنس بن مالک قال :إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام بلغه عن عمر بن الخطّاب شیءٌ، فأرسل إلیه سلمان الفارسی رضی الله عنه وقال : «[ قل له : ] قد بلغنی عنک کیت وکیت ،

ص :38


1- نوادر المعجزات لابن جریر الطبری الشیعی : 48 ؛ وروی نحوه السید هاشم البحرانی فی مدینة المعاجز 2 : 51.

وکرهت أن أعتب علیک فی وجهک ، فینبغی أن لا تذکر فیّ إلاّ الحقّ ، أفقد أغضیت علی القذی إلی أن یبلغ الکتاب أجله» .

فنهض إلیه سلمان رضی الله عنه وأبلغه ذلک وعاتبه ، ثمّ ذکّره مناقب أمیر المؤمنین علیه السلامفوصف فضله وبراهینه .

فقال عمر : عندی الکثیر من عجائب علیّ ولست بمنکر فضله ، إلاّ أ نّه یتنفّس الصعداء ویظهر (1) البغضاء .

فقال له سلمان : یا أمیر المؤمنین ، حدِّثنی بشیءٍ ممّا رأیت من علیّ.

فقال عمر : یا أبا عبد اللّه ، نعم ، خلوت ذات یومٍ بابن أبی طالب فی شیءٍ من أمر الجیش (2) ، فقطع حدیثی وقام من عندی وقال : «مکانک حتّی أعود إلیک ، فقد عرضت لی حاجة» فخرج فما کان بأسرع من أن رجع [ علیّ ثانیة ]وعلی ثیابه وعمامته غبار کثیر ، فقلت له : ما شأنک؟ فقال : «أقبل نفرٌ من الملائکة وفیهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله یریدون مدینة بالمشرق یقال لها صیحون فخرجت لأُسلّم علیه وهذه الغبرة رکبتنی من سرعة المشی» .

[ قال عمر : ] فضحکت متعجّبا حتّی استلقیت علی ظهری! وقلت له : رجل مات وبلی وأنت تزعم أنّک لقیته الساعة وسلّمت علیه ؟! هذا من العجائب وممّا لا یکون، فغضب ونظر إلیّ وقال : «أتکذّبنی یا ابن الخطّاب؟!» فقلت له : لا تغضب، وعُدْ إلی ما کنّا فیه فإنّ هذا ممّا لا یکون أبدا! قال : «فإن أرأیتکه حتّی لا تنکر منه شیئا استغفرت اللّه ممّا قُلْتَ وأضمرت، وأحدثتَ توبة ممّا أنت علیه [ وترکت لی حقّا ]؟» قلت : نعم .

فقال : «قم معی» فخرجت معه إلی طرف المدینة ، فقال : «أغمض عینیک» فغمضتهما، فمسحهما بیده ثلاث مرّات ، ثمّ قال : «افتحهما» فإذا أنا واللّه یا أبا عبد اللّه

ص :39


1- فی الفضائل «ویبغض».
2- فی الفضائل : «الخمس».

برسول اللّه فی نفر من الملائکة ، لم أنکر منهم شیئا ، فصرت متحیّرا أنظر إلیه ، فلمّا أطلت [ النظر ]قال لی : «هل رأیته؟» فقلت : نعم ، فقال : «أغمض عینیک» فغمضتهما ، ثمّ قال : «افتحهما» فإذا لا عین ولا أثر !

قال سلمان : فقلت له : یا أمیر المؤمنین ، هل رأیت من علیّ غیر ذلک؟

قال : نعم ، لا أکتم عنک خصوصا ، إنّه استقبلنی یوما وأخذ بیدی ومضی [ بی ] إلی الجبّانة ، وکنّا نتحدّث فی الطریق وکان بیده قوس ، فلمّا صرنا بالجبّانة رمی بقوسه من یده فصار ثعبانا عظیما مثل ثعبان موسی علیه السلام، ففغر فاه (1)

وأقبل نحوی لیبتلعنی ، فلمّا رأیت [ ذلک ] طار روحی (2) من الخوف وتنحّیت وضحکت فی وجه علیّ وقلت : الأمان [ یا علیّ بن أبی طالب ] ، واذکر ما کان بینی وبینک من الجمیل ! فلمّا سمع منّی هذا القول استفرغ ضاحکا فقال : «لطفت فی الکلام، فإنّا أهل بیت نشکر القلیل» فضرب بیده إلی الثعبان وأخذه فإذا هو قوسه الذی کان بیده !

ثمّ قال [ عمر : یا سلمان ، إنّی کتمت ذلک عن کلّ أحد وأخبرتک به ] ، یا أبا عبد اللّه ، إنّهم أهل بیت یتوارثون هذه الأُعجوبة کابرا عن کابر ، ولقد کان [ إبراهیم یأتی بمثل ذلک، وکان ] عبد اللّه وأبو طالب یأتیان بأمثال ذلک فی الجاهلیّة ، وأنا لا أُنکر فضل علیّ وسابقته ونجدته وکثرة علمه ، فارجع إلیه ، واعتذر عنّی إلیه ، وأثنِ عنّی علیه الجمیل (3) .

الحدیث الحادی والثلاثون

عن سفیان بن عیینة ، عن الزهری ، عن عبد اللّه بن عباس أ نّه قال :إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان جالسا فی المسجد إذ دخل علیه رجلان فاختصما إلیه،

ص :40


1- فی الفضائل : «ففتح فاه».
2- فی الفضائل : «قلبی».
3- الفضائل لشاذان بن جبرئیل : 63 _ 64 ، وما بین المعقوفین منه.

وکان أحدهما من الخوارج ، فتوجّه الحکم علی الخارجیّ فحکم علیه أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال له الخارجی : واللّه ما حکمت بالسویّة ولا عدلت فی الرعیّة (1)

، وما قضیّتک عند اللّه تعالی بمرضیّة !

فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام _ وأومأ بیده إلیه _ : «اِخسأ یا عدوّ اللّه !» فاستحال کلبا أسود!

فقال ابن عباس (2) : فواللّه لقد رأینا تطایر ثیابه عنه فی الهواء ، وجعل یتبصبص لأمیر المؤمنین علیه السلام ، ودمعت عیناه فی وجهه ، ورأینا أمیر المؤمنین قد رقَّ له ، فلحظ السماء وحرَّک شفتیه بکلام ، فواللّه لقد رأیناه وقد عاد إلی حال الإنسانیّة ، وتراجعت ثیابه من الهواء حتّی سقطت علی کتفیه ، فرأیناه وقد خرج من المسجد وأنّ رجلیه لیضطربان!! فبهتنا ننظر إلی أمیر المؤمنین[ علیه السلام ] فقال [ لنا ] : «ما بالکم تنظرون وتتعجّبون؟!» فقلنا : یا أمیر المؤمنین ، کیف لا نتعجّب وقد صنعتَ ما صنعتَ؟!

فقال : «أما تعلمونَ أنَّ آصف بن برخیا وصیّ سلیمان بن داود علیه السلام قد صنع ما هو قریب من هذا الأمر ، فقصّ اللّه عز و جل قصّته حیثُ یقول : « أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ * قَالَ عِفْرِیتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِیکَ بِهِی قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِکَ * قَالَ الَّذِی عِندَهُو عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَ_بِ أَنَا ءَاتِیکَ بِهِی قَبْلَ أَن یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُو قَالَ هَ_ذَا مِن فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی ءَأَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ . . .» (3) إلی آخر الآیة ، فأیّهما أکرم علی اللّه تعالی : نبیُّکم أم سلیمان؟».

قالوا : إنّ نبیَّنا صلی الله علیه و آله وسلم أکرم یا أمیر المؤمنین .

قال : «فوصِیُّ نبیِّکم أکرم من وصیِّ سلیمان ، وإنّما کان عند وصیّ سلیمان من

ص :41


1- فی المصدر «القضیّة».
2- فی المصدر : «فقال من حضره».
3- النمل (27) : 38 _ 40.

اسم اللّه الأعظم حرف واحد ، فسأل اللّه عز و جل فخسف له الأرض ما بین أرض (1) بلقیس وبینه، وتناوله فی أقلّ من طَرْفِ العَین ، وعندنا من اسم اللّه الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند اللّه تعالی استأثر به دون خلقه» .

فقلنا (2) له : یا أمیر المؤمنین ، فإذا کان هذا عندک ما حاجتک إلی الأنصار فی قتالِ معاویة واستنفارک الناس إلی حربه ثانیة؟!

فقال : « «عِبَادٌ مُّکْرَمُونَ * لاَ یَسْبِقُونَهُو بِالْقَوْلِ وَ هُم بِأَمْرِهِی یَعْمَلُونَ» (3) إنّما أدعو هؤلاء القوم إلی قتاله لثبوت الحجّة ، وکمال المحنة ، ولو أذن [ لی ] فی إهلاکه لما تأخّر ، لکنّ اللّه تعالی یمتحن خلقه بما شاء» .

[ قالوا : ] فنهضنا من عنده ونحن نعظّم ما أتی به علیه السلام . (4)

وروی هذا الخبر عن عمّار بن یاسر أیضا، قال : إنّه لمّا دخل أمیر المؤمنین الکوفة ، أَمرنی أن أُنادی فی الناس أنّ أمیر المؤمنین یجلس فی القضاء ، فنادیت فلم یبقَ فی الکوفة أحد ممّن تقدر علی الحرکة إلاّ حضر ، حتّی رأیت الناس قد تکدّس بعضهم علی بعض ، وامتلأ المسجد الجامع ولم یکن فیه موضع خالٍ .

قال عمّار : فتقدّم إلیه رجلان یختصمان ، فقضی لأحدهما علی الآخر ، فقال الذی قضی علیه : یا بن أبی طالب ، واللّه ما قضیت بالسویّة، ولا عدلت فی الرعیّة، ولا حکمت بالکتاب، فحسبک اللّه عز و جل !

قال عمّار : فنظرت إلی أمیر المؤمنین وقد تغیّر لونه وامتلأ غیظا ، ثمّ قال للرجل :

ص :42


1- فی المصدر: «سریر».
2- فی المصدر : «فقالوا».
3- الأنبیاء (21) : 26 و 27.
4- رواه الشریف الرضی فی خصائص الأئمّة : 46 ، من أعلامه ودلائله ؛ وقریب منه فی البحار 41 : 203/17 عن الخرائج والجرائح : 86 ؛ ومشارق أنوار الیقین : 76 ؛ مدینة المعاجز 1 : 310 ؛ ینابیع المودّة : 34.

«إن کنت کاذبا فی قولک فمسخک اللّه کلبا» .

قال عمّار : فواللّه الذی بعث بالحقّ نبیّا ، ما استتمّ علیٌّ الکلام حتّی تطایرت أثوابه عنه ونحن ننظر إلیه ، فمسخه اللّه کلبا ، فنظر الناس بعضهم إلی بعض وقالوا : ألا ترون ما أتانا به علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین علیه السلام ؟!

ثمّ رأیته وقد قام ومَدَّ یده إلی السماء ودعا بدعواتٍ دعا بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حین أخرجه إلی حرب عمرو بن عبد ودّ ، فردّ اللّه الرجل کما کان منکسا رأسه وهو یقول : أنا تائب إلی اللّه فیما قلتُه یا أمیر المؤمنین .

قال عمّار : فواللّه ما جسر أحدٌ یتقدّم إلیه ، فتقدّمت إلیه فقلت : یا أمیر المؤمنین، لک مثل هذه من المقدرة عند اللّه وأنت تستنهض الناس إلی حرب معاویة بن هند؟

فنظر إلیَّ شرزا ثمّ قال : «إلیَّ یا عمّار لعلّه قد ضعف یقینک!» فقلت له : یا أمیر المؤمنین، ما ضعف یقینی .

فقال لی : «یا عمّار ، أیّهما أَخْیَر وأکرم عند اللّه : محمّد أو سلیمان بن داود؟» فقلت : لا ، بل محمّد . فقال : «فأیّهما أخیر وأکرم عند اللّه : وصیّ محمّد وأخوه وزوج ابنته وأبو سبطیه وابن عمّه ، أم وصیّ سلیمان؟» فقلت : بل أنت یا أمیر المؤمنین ، فقال لی : «لیس سلیمان کلّمه الهدهد فقال له ما قال من أمر المرأة وعرشها ، فقال سلیمان : «أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ * قَالَ عِفْرِیتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِیکَ بِهِی قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِکَ وَ إِنِّی عَلَیْهِ لَقَوِیٌّ أَمِینٌ» (1) ، فقال آصف بن برخیا ، وهو الذی ذکره اللّه تعالی فی کتابه : «قَالَ الَّذِی عِندَهُو عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَ_بِ أَنَا ءَاتِیکَ بِهِی قَبْلَ أَن یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ» . (2) ؟! فکان ذلک وصیّ سلیمان وأنا وصیّ محمّد» .

قال عمّار : ثمّ نظرتُ إلیه وقد غضب غضبا شدیدا، ثمَّ قال لی : «یا عمّار، إنّ اللّه تعالی یأمرکم بمجاهدة الکفّار [ والمنافقین ]والناکثین والقاسطین والمارقین ، واللّه

ص :43


1-
2- النمل (27) : 38 _ 40.

لو شئت لمددت یدی هذه القصیرة فی أرضکم هذه الطویلة وضربت بها صدر معاویة بالشام وأخذت من شاربه!» [ أو قال : من لحیته ] ، فمدَّ یده علیه السلام وردَّها وفیها شعرات کثیرة ، فقاموا وتعجّبوا من ذلک . ثمّ اتّصل الخبر بعد مدّة بأنّ معاویة سقط من سریره فی الیوم الذی کان أمیر المؤمنین علیه السلام مدّ یده فیه ، وغشی علیه ثمّ أفاق وافتقد من شاربه شعرات کثیرة (1) .

الحدیث الثانی والثلاثون

قریب ممّا مرّ ، یروی عن سیّدنا الصادق، عن أبیه الباقر ، عن أبیه السجّاد[ علیهم السلام ]قال:

«حدّثنی جابر بن عبد اللّه الأنصاری فی بعض الأیّام بعد مضیّ أمیر المؤمنین علیه السلام، قال :أُحدّثک یا سیّدی بحدیثٍ رأیت من أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب وسمعته ، قال : کنت جالسا فی بعض الأیّام [ مع ] جندب بن جنادة الغفاری سیّد بنی غفار وأبی الهیثم بن التیّهان وعمّار بن یاسر وأبی الأسود وجماعة من أصحابه علیه السلامفی زقاق الحبشة بالکوفة فی صیف شدید الحرّ ، فاجتاز بنا أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی تلک الساعة مارّا نحو البادیة بلا حذاءٍ ولا رداءٍ ، مکشوف الرأس ، وإنّ المبین من ورائه مثل النعامة البیضاء ، قال : فما کلَّمَنا ومضی .

قال بعضنا لبعض : هذا رجل قد وتر الدنیا ورماها عن کبد قوس واحدة وهو مارّ بین هذه القبائل بلا سیف ولا عترة ولیس نأمن علیه من بعض جهّال هذه القبائل أن یعتریه بما لا یتلافاه ، فهل لکم أن نحتملَ علی أسیافنا ونلحقه؟ فأجمع رأینا علی ذلک وانصرفنا إلی منازلنا واتبعناه علیه السلام ، فلمّا صار فی الصحراء التفت فنظر إلینا، فدعانی إلیه وقبض علی یدی وسار وسرت معه ، فلمّا صار فی الصحراء رأیت علوّ نفسه وظهر فیه من الانکسار ، فتنفّستُ الصعداء ، فقال : «علامَ تنفّست یا جابر؟»

ص :44


1- ینابیع المودّة : 34.

فقلت : علی الدنیا .

فقال : «لذّات الدنیا سبعة : مأکولٌ، ومشروبٌ، ومشمومٌ، وملبوسٌ، ومنکوحٌ، ومرکوبٌ، ومسموعٌ . وألذّ المأکولات العَسَل وهو من ذبابة ، وألذّ الملبوسات الحریر وهو لعاب دودة ، وألذّ المشمومات المسک وهو من دم فأرة ، وألذّ المرکوبات الخیل وهی من القواتل ، وألذّ المسموعات الغناء والترنّم وهو إثم ، وألذّ المشروبات الماء وحسبک خیره وإباحته ، وألذّ المنکوحات النساء _ وإنّما یراد أحسن ما فی المرأة لا قبح حال فیها _ فعلی ما هذا وزنه من الدنیا فتنفّست الصعداء!» (1) .

قال جابر : فأمسیت من أزهد الناس فی الدنیا ، وسرنا والشمس قد قامت فی أُفق السماء ، وإذا بشخص قد أقبل فی البریّة ما رأیت أقبح منه منظرا ولا أوحش منه وجها یجرّ لحیته فی الأرض ، إذ وثب علی أمیر المؤمنین فقبض علی جِرِبّانه (2) . فقال : یا بن أبی طالب ، قتلت الرجال وأیتمت الأولاد ، آللّه أذن لک بهذا أم علی اللّه تفترون؟!

قال : فتفل أمیر المؤمنین علیه السلام تفلة عظیمة وقال : «اِخسأ فتأفّف!» فواللّه لقد رأیته فقد مسخ فصار بین الکلب والثعلب ، له عواء ما رأیت أقبح منه ولا سمعت .

فقلت : یا أمیر المؤمنین ، لک مثل هذا المحلّ وابن هند آکلة الأکباد یضرب وجهک بالسیف؟! قال : فقبض یده علی الهواء قبضة، فرأیت معاویة فی یده وقد جمع بین جِربّانه وذیله، وقال : «هو» قلنا : هذا هو الملعون !

فقال أمیر المؤمنین : «نحن عباد مکرمون لا نسبق مولانا بالقول ، ونحن بأمره نعمل» ثمّ زحّ به فغاب عن أعیننا ، ثمّ قال : «إلی وقته» .

وحکی لنا جماعة من أهل الشام ممّن کان بحضرة معاویة فی ذلک الوقت أنّهم

ص :45


1- نحوه مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول : 233 فی الحکم والأمثال ؛ وأخرجه فی بحار الأنوار 75 : 11 ، ح 69 ، ونحوه أیضا : بحار الأنوار 61 : 240 باختلاف فی الألفاظ ، وبتقدیم وتأخیر.
2- الجِرِبّان والجُرُبّان من القمیص : طوقه .

قالوا : رأیناه وقد اختطف من بین أعیننا، فطارت قلوبنا وشخصت أبصارنا إلی الهواء إلی أن غاب ، ثمّ عاد إلی موضعه وغشی علیه حتّی فاتته صلاتان ، فلمّا أفاق قال : یا أسحر بنی عبد المطلب ! واللّه لقد أخذنی علیّ بن أبی طالب فی تلک الساعة فی یده ، أفرأیتم أعجب من هذا السحر ؟!

الحدیث الثالث والثلاثون

عن مفضّل بن عمر :کان الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیهماالسلام جالسا وطعام بین یدیه وکلب رابض بین یدیه ، فقال له :

«یا کلب ، ما جعل اللّه لک من الحقّ والحرمة شیئا ، وإنّما نطعمک استحیاء من عینیک ، وإن جاحد و . . .؟ عند اللّه شرما لا منک» .

فقام إلیه أبو نصیر وصفوان الجمّال ، فقالا : جعلنا اللّه فداک، دلّنا علی شیعتکم.

فقال علیه السلام : «یعرف شیعتنا بخصالٍ شتّی».

فقلت : جعلت فداک ، بماذا یُعرفون؟

قال : «بالسخاء والبذل للإخوان ، ومعاونتهم فی العسر والیسر ، وبصلاة الإحدی والخمسین ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحیم ، والتخّتم فی الیمین ، وتعفیر الجبین ، وزیارة الأربعین ، ولا یهرّون هریر الکلب ، ولا یطمعون طمع الغراب ، ولا یجاورون لنا عدوّا ، ولا یسألون لنا مبغضا وإن ماتوا جوعا ، شیعتنا لا یأکلون الجرّیّ ، ولایمسحون علی الخفّین ، [ ویحافظون علی الزوال ]، ولا یشربون مسکرا» .

فقلت : جعلنی اللّه فداک ، فأین أطلبهم؟

قال : «فی رؤوس الجبال ، وأطراف المدن والأقطار» .

قلت : إذا دخلت مدینة لا أعرف منهم أحدا؟

قال : «سل عمّن لا یجاورهم ولا یجاورونه فهو مؤمن ، کما قال تعالی : «وَ جَآءَ

ص :46

مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَی» (1) ، واللّه لقد جاءت حبیب النجار ، فحمد اللّه وحده» (2) .

فقلتُ : جعلت فداک ، إنّا قلیلون .

فقال : «لو طلب فی القبر منهم رجلان ما قدر علیهما» .

وفی روایة : «لو طلب فی الجنّة _ أو _ لو طلب فیالنار منکم واحدٌ ما قدر علیه ، وذلک قوله تعالی : «وَ قَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَی رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ» (3) ، واللّه إنّکم عند اللّه لمن المصطفین الأخیار» .

الحدیث الرابع والثلاثون

حدّث أبو محمّد قیس بن أحمد بن إدریس البغدادیّ قال :حدّثنی الحسن بن ذکردان الفارسی الکندی صاحب أمیر المؤمنین علیه السلامفی سلخ سنة ثلاث عشرة وستّمائة (4) بقریة «أبرهیم» من سواد الجامدة والبطیحة ، وهو مصعد إلی حضرة المقتدر (5) ببغداد .

وابن ذکردان هذا قد ولد بعد مبعث النبیّ بسنة واحدة ، ونشأ علی دین المجوسیّة، وما أدرک النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ لحقته السعادة فهاجر إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وأسلم علی یدیه ، وسمّاه باسم ولده الحسن ، وأقام بعد علیّ فی العین، وکان یُحدِّث عنه ، وکان سنّ الشیخ ثلاثمائة وخمسا وعشرین سنة إلی أن أنهی إلی المقتدر بخبره ،

ص :47


1- یس (36) : 20.
2- نحوه فی تحف العقول : 220 ؛ وعنه البحار 75 : 281 ، باب وصایا الصادق علیه السلامح 1 وصیّته علیه السلام لعبد اللّه بن جندب ؛ وبحار الأنوار 36 : 152.
3- ص (38) : 62.
4- کذا فی النسخة ، ولعلّ الصحیح : «ثلاثمائة» بقرینة وقوعه فی زمن خلافة المقتدر باللّه وفی نسب الراوی اختلاف بین المصادر ، ففی بعضها _ کما فی المتن وبحار الأنوار _ الحسن بن ذکردان، وفی بعضها : الحسن بن ذکوان الفارسی. راجع أعیان الشیعة 5 : 64».
5- هو المقتدر باللّه من خلفاء بنی العباس. کانت خلافته من ذی القعدة سنة خمس وتسعین ومائتین إلی شهر شوال سنة عشرین وثلاثمائة. انظر مروج الذهب 4 : 310.

فبعث أمیر عمان باستحضاره إلی الیمن من طریق البصرة .

فحدّث هذا الشیخ قال : کنت مع أمیر المؤمنین علیه السلام بالکوفة وقد شکا الناس إلیه أمر الفرات وأ نّه قد أتی بما لا یحتمله ، وقالوا : نخافُ یا أمیر المؤمنین أن تهلک ضیاعنا ومزارعنا ، فقال : «ما تحبّون؟» قالوا : تسأل اللّه تعالی أن ینقصه عنّا، فقال : «حبّا وکرامة» .

ثمّ وثب أمیر المؤمنین قائما ودخل حجرته والناس بعضهم جلوس وبعضهم وقوف ینتظرونه ، فلم یلبث إذ خرج وعلیه جبّةُ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وعمامتُه ورداؤه وإزارُه ونعلُه وخاتمُه، وبیده قضیبه ، وهو أشبه الناس برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فدعا بفرس ورکبه وسار وأولاده معه وجمیع الناس عن یمینه ویساره حتّی وردوا إلی الفرات ، فنزل وأتی علی رکعتین خفیفتین ، فقام وأخذ القضیب ومشی علی الجسر والناس ینظرون إلیه ، ولیس معه علی الجسر غیر الحسن والحسین وأنا ، فقال : «هکذا» وأهوی إلی الماء بالقضیب ، فنقص الفرات ذراعا والناس ینظرون ، فقال : «معاشر الناس ، أنجزتکم؟» فقالوا : زیادة یا أمیر المؤمنین. فقام قائما ثمّ جلس وأهوی بالقضیب إلی الماء ، فنقص الفرات ذراعا آخر ، فقال : «أنجزتکم؟» قالوا : حسبک یا أمیر المؤمنین ؛ فإنّه إن نقص أکثر من هذا أضرّ بنا .

فقام ورکب فرسه وأقبل علی الناس وقال : «والذی نفس محمّدٍ بیده ، لو سألتمونی أن أنقص الفراتَ لنقصته حتّی أُریکم حیتانه وما فی قعره!» .

فقال قوم : صدقت یا أمیر المؤمنین ، وقال آخرون : أسِحْر هذا أم کهانة؟ فبلغ أمیر المؤمنین علیه السلام ، فلمّا کان یوم الجمعة ، خطب الخطبة وذکر فیها : «إنّ أُناسا قالوا: أسِحرٌ ما أتیته؟! کذبوا وایم اللّه ! إنّا أُناس اختصّنا اللّه لنفسه وأوجب حقوقنا علی خلقه ، ما سألناه قطّ حاجة إلاّ قضاها ، ولا دعوناه علی عدوّ إلاّ کفانا» (1) .

ص :48


1- لم نعثر علی نصّه فی المصادر المتوفرة لدینا ، ولکن روی نحوه ابن طاووس فی کتاب الیقین : 416 ، الباب 155 عن أبی بصیر ، ورواه أیضا فی کشف الغمّة 1 : 275 ؛ والفضائل 1 : 119 ؛ وأخرجه فی بحار الأنوار 41 : 236 ، باب 111 ، ح 8 ، عن الیقین ؛ وص 269 ذیل الحدیث 24 عن ابن ذکردان الفارسیّ الکندیّ.

الحدیث الخامس والثلاثون

عن عمّار بن یاسر رضی الله عنه أ نّه قال :کان مولای أمیر المؤمنین علیه السلام جالسا فی دکّة القضاء، فنهض إلیه رجل یقال له صفوان بن الأکحل ، وقال : یا أمیر المؤمنین ، أنا رجل من شیعتک ، وعلیَّ ذنبٌ عظیم ، فأُرید أن تطهّرنی منها فی الدنیا لأَصِلَ إلی الآخرة وما علیَّ ذنبٌ!

فقال علیه السلام : «قل لی أعظم ذنوبک ما هی؟».

فقال : کنتُ ألوطُ بالصبیان!!

فبکی أمیر المؤمنین علیه السلام ونظر ملیّا ثمّ قال : «أیّما أحبّ إلیک : ضربة بذی الفقار ، أو أقلب علیک جدارا ، أو أضرم إلیک نارا؟ فإنّ ذلک جزاء من ارتکب ما ارتکبتَه؟».

قال : یا أمیر المؤمنین، فأیّ هذه الثلاثة أشدّ فی العقوبة؟ قال : «الإحراق بالنار» .

قال : یا مولای، احرقنی بالنار [ لأنجو من نار الآخرة ] .

فقال علیه السلام : «یا عمّار ، اِجمع له ألف حرْزَة (1) قصب ، فأنا أضرمه غدا بالنار» . فقال للرجل : «امضِ» فمضی وأوصی بما لَه وعلیه (2) ، وقسّم ماله بین أولاده ، وأعطی کلَّ ذی حقٍّ حقّه ، ثمّ جاء وبات علی باب حجرة أمیر المؤمنین علیه السلام[ فی ] بیت نوح شرقیّ جامع الکوفة ، فلمّا صلّی أمیر المؤمنین علیه السلاموصلّی الرجل خلفه قال : «یا عمّار ، نادِ بالکوفة أن اخرجوا وانظروا کیف یحرق علیٌّ رجلاً من شیعته بالنار!» .

فقال جماعة من المنافقین : ألیس قالوا : إنّ شیعة علیّ ومحبّیه لا تأکلهم النار ، و هذا رجلٌ من شیعته یحرقه بالنار ؟! بطلت إمامته! فسمع ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام .

ص :49


1- فی الفضائل : «حزمة».
2- فی الفضائل : «انهض وأوصِ لما لَک وبما علیک».

فقال عمّار : فأخرج الإمام الرجل وبنی علیه ألف حَرْزَة قصب ، فقال الرجل : یا أمیر المؤمنین ، أنظرنی أن أُصلّی رکعتین.

قال : فلمّا صلّی وفرغ من صلاته رفع یدیه إلی السماء وقال : یا ربّ، إنّی أتیت فاحشة ممّا نهیت عنها، وجئت إلی ولیّک وخلیفة رسولک فأخبرتُه بذلک وسألته أن یطهّرنی منها ، فقال : «اِختر إحدی الثلاثة : إمّا ضربة بالسیف ، أو هدم حائطٍ ، وإمّا الإحراق بالنار» فسألته: أیّ شیءٍ أشدّ فی العقوبة لأَتخلّص من نار القیامة ؟ قال : «الإحراق بالنار» فاخترته .

ثمّ أعطاه أمیر المؤمنین مقدحة وکبریتا وقال : «اِقدح واحرق نفسک ، فإن کنت من شیعة علیٍّ وعارِفیهِ ما تَمَسُّک النار ، وإن کنت من المنافقین المکذّبین فالنار تأکل لحمک وتکسر عظمک» .

قال : فقدح النار علی نفسه واحترق القصب ، وعلی الرجل ثیاب کتان بیض ، فلم تعلقها النار ولم یقربها الدخان!

فقال له أمیر المؤمنین : «اِذهب فقد غفر اللّه لک» ثمّ قال علیه السلام : «کذب المنافقون وضلّوا ضلالاً بعیدا وخسروا خسرانا مبینا ، أنا قسیم الجنّة والنار ، شهد لی بذلک رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم [ فی مواطن کثیرة ]» وخلّ الرجل سبیله . وهذا من غرائب الأخبار (1) .

الحدیث السادس والثلاثون

عن قیس الهلالی قال :لمّا کان یوم أحُد ضُرِب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالسیف ستّین ضربة _ وعلیه یومئذٍ درعان _ وکسرت رباعیّته وشجّ فی وجهه ، وفرّ الناس غیر علیّ بن أبی طالب وسبعة من بنی هاشم و عصابة من الأنصار ، و کان أحدهم یقول : بأبی أنت و أُمّی یا رسول اللّه ،

ص :50


1- روی مثله شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 75 ؛ عنه بحار الأنوار 42 : 43/16 ، بتفاوت یسیر.

وجهی لوجهک الوفاء ونفسی لنفسک الفداء ، أستودعک اللّه وأقرأ علیک السلام ، وکان یقول بعضهم : یا نبیّ اللّه ، اُدعُ علیهم!

فقال : «اللهمّ اهدِ قومی فإنّهم لا یعلمون» .

وکان علیّ بن أبی طالب یجادل القوم ثمّ یرجع إلی المنهزمة فیصیح بهم ویعود إلی القتال ، ثمّ إنّه وقف فی وجوه القوم المشرکین و[ معه ] جماعة من الأنصار ، فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «ما وقوفک یا علی وقد ذهب الناس؟!» فقال : «یا رسول اللّه ، أحمل علی هؤلاء القوم» فحمل علیٌّ یذبّ دونه حتی فرجهم وکشفهم ، فقال جبرئیل علیه السلامعند ذلک : یا محمّد، هذه هی المواساة . فقال : «بلی [ و ]اللّه إنّه منّی وأنا منه» فقال جبرئیل عند ذلک : یا محمّد، وأنا منکما (1) .

الحدیث السابع والثلاثون

عن مالک بن دینار قال :سمعت أبا وائل (2) یقول :

بینما أنا أمشی مع عمر بن الخطّاب إذ حانت منه التفاتة فجعل یشتدّ فی مشیه ، فقلت : یا أمیر المؤمنین، أراک تشتدّ فی مشیک؟ فقال لی : ویلک! ما تنظر إلی ذلک الهزبر المقتّل ، الضرّاب الأَیْهَم ، الشدید علی من طغی وظلم ، ذی السیفین والرایة ؟! فالتفتُّ فإذا هو علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

ثمّ قال : أما أُحدِّثک عنه ما یعجز الخلق؟ فقلت: بلی .

قال : إنّا بایعنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یوم أُحد علی أن لا نفِرَّ ومن فَرَّ منّا کان ضالاًّ ، ومن قتل منّا کان شهیدا والنبیّ زعیمه ، إذ حمل علینا مائة صندید ، تحت کلّ رجل جماعة کثیفة ، فأزعجونا عن طاحونتنا ، ففررنا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ولم یبقَ معه غیر علیّ

ص :51


1- مناقب الإمام أمیر المؤمنین للحافظ محمّد بن سلیمان الکوفی 1 : 475 ، ح 380 ، بحار الأنوار 20 : 107/34 ؛ کنز العمّال 13 : 144 ، ح 36449.
2- فی تفسیر القمی والبحار: «أبا واثلة»، وعلّق مصحّح البحار بقوله : «والصحیح أبی وائل».

ورجال من الأنصار ، فرأیت علیّا کاللّیث یتّقی الزرق (1) ، فأخذ کفّا من حصی الأرض فرمی فی أقفیتنا ، ثمّ قال : «إلی أین تفرّون، إلی أین تفرّون؟! إلی النار ، إلی النار؟!» ثمّ أخذ کفّا آخر فرمی به فی وجوهنا ثمّ قال : «بایعتم ونکثتم وفررتم ، شاهت الوجوه!» ثمّ مضی مصلتا سیفه علی المشرکین فأزلّهم ، ثمّ کرّ نحونا ثانیة وفی کفّه صفیحة یقطر منها دماء الموت ، وعیناه کالقدحین المملوءین دما یتوقّدان نارا ، وجعل یقول : «إلی أین، إلی أین؟! إلی النار، إلی النار؟! واللّه لأنتم بالقتل أولی ممّن أقتل» .

فقلت له من بینهم : یا أبا الحسن ، اللّه اللّه ، إنّ العرب تکرّ وتفرّ وإنّ الکرّ یمحو الفرّ ، ولم أزل به حتّی سکن حرده وسکن روْعُه وانصرف عنّا ، فواللّه لأجد رعب ذلک الیوم فی صدری إلی الیوم (2) .

الحدیث الثامن والثلاثون

عن جابر [ بن عبد اللّه ] قال :قام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعرفات وعلیٌّ تجاهه وأومأ إلی علیّ وقال : «ادنُ منّی» فدنا منه فقال : «ضع خمسک فی خمسی» فوضعها ، فقال : «هذه مبایعة لک ، إنّ مَنْ مات وهو لا یتولاّک مات میتة الجاهلیة» ثمّ قال :

«یا علیّ ، خلقتُ أنا وأنت من شجرة واحدةٍ ، أنا أصلها وأنتَ فرعها والحسن والحسین أغصانها ، فمن تعلّق بغصن منها دخل الجنّة . یا علیّ ، لولا أنّ أُمّتی صاموا حتّی یکونوا کالحنایا ، وصلّوا حتّی یکونوا کالأوتاد، وبغضوک؛ لأکبّهم اللّه فی النار [ علی وجوههم ]» (3) .

ص :52


1- فی التفسیر «الذرّ».
2- روی نحوه فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمی 1 : 122 ؛ وعنه البحار 20 : 52 ، ح 3 ؛ الفضائل لشاذان بن جبرئیل : 171 ؛ وبحار الأنوار 41 : 72 _ 73/3.
3- أمالی الطوسی : 611 ، المجلس 28 ، ح 1263/11 ؛ وعنه البحار 65 : 69/125.

الحدیث التاسع والثلاثون

عن ابن عمر قال :بینما أنا مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی نخل المدینة وهو یطلب علیّا إذ انتهی إلی حائط فاطّلع فیه فنظر إلی علیّ [ وهو یعمل فی الأرض وقد اغبارّ، فقال له : «ما ألوم الناس إن یکنُّوک بأبی تراب» .

قال ابن عمر : فلقد رأیت علیّا تمعّر وجهه وتغیّر لونه واشتدّ ذلک علیه ، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ] : «ألا أُرضیک یا علیّ؟» قال : «بلی یا رسول اللّه ، صلّی اللّه علیک» فقال :

«أنت أخی ووزیری وخلیفتی [ بعدی ] فی أهلی ، تقضی دینی وتبرئ ذمّتی ، من أحبّک فی حیاتی فقد قضی اللّه [ له ] بالجنّة ، ومن أحبّک فی حیاة منک بعدی فقد ختم [ اللّه ] له بالأمن والأمان ، ومن أحبّک بعدک ولم یرَکَ ختم اللّه له بالأمن والإیمان وآمنه یوم الفزع الأکبر ، ومن مات وهو باغضک مات میتة جاهلیّة ، یهودیّا أو نصرانیّا ، لا یحاسبه اللّه بما عمل فی الإسلام» (1) .

و هذا الخبر یعضد الأوّل . ومن العجب أنّ ابن عمر یروی مثل ذلک ویمتنع من البیعة لأمیر المؤمنین علیه السلام ، ثمّ یدخل إلی الحجّاج لیلاً ویقول له : سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : «من مات ولم یعرف له إماما مات میتة الجاهلیّة» قد جئت لأُبایعک لعبد الملک بن مروان!!

فتشاغل الحجّاج ودفع إلیه رجلیه وقال : یدی مشغولة ورجلی یبایعک! استهانة منه بما أتی به ، ثمّ قال : یا أهل المدینة، هذا أزهد أهل زمانکم قعد عن بیعة علیّ بن أبی طالب بیده وجاء یبایع لعبد الملک برجل الحجّاج .

ص :53


1- رواه الصدوق فی علل الشرایع 1 : 188 ، باب 125 العلّة التی من أجلها کنّی أبا تراب ، ح 4 ، وعنه البحار 35 : 49 _ 50/2 ، الباب الثانی: أسماؤه... ؛ ومناقب أمیر المؤمنین لمحمد بن سلیمان الکوفی 1 : 320 الباب السابع والعشرون ، ح 242.

نعوذ بالله من الضلال بعد الهدی، وما أصدق ما قال الرسول : «الحبّ یتوارث والبغض یتوارث» (1) .

الحدیث الأربعون

اشاره

عن الفضل بن الزبیر عن أخی بریدة ، قال :قلت له : إنّی سمعتک تتذکّر أنّ أخاک حدّثک بحدیث وأمرک أن لا تحدّث به أحدا حتّی یحضرک الموت ، وقد حضرک _ وکان به ذات الجنب _ .

فقال : نعم ، حدّثنی أخی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعثه سابع سبعة من قریش : أبو بکر وعمر وطلحة والزبیر وعبد الرحمن وعثمان وأنا سابعهم ، فقال : «سلّموا علی علیّ بإمرة المؤمنین» فقال أبو بکر : من اللّه ورسوله؟ فقال رسول اللّه : «من اللّه ورسوله ، وأیم اللّه لئن رجعتم من بعدی لترجعنّ کفارا» .

فقال رجل من القوم : لا واللّه لا تجتمع النبوّة والخلافة فی أهل بیت أبدا! فأنزل اللّه تعالی : «أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوَیهُم بَلَی وَ رُسُلُنَا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ» (2) .

قال : فقلت لأخی: ممّن الرجل؟ قال : قم عنّی یا غلام وقد عذّبتنی ، هو الأعرابی (3) .

حدیث التسلیم لعلی علیه السلام بإمرة المؤمنین ، بروایة أخی بریدة.

عن جابر بن یزید الجعفی ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث ، عن أبیه ، عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام قال :

ص :54


1- الصراط المستقیم 3 : 118.
2- الزخرف (43) : 80.
3- أخرج نحوه المجلسی فی بحار الأنوار 36 : 157/1361 عن کنز الکراجکی . والمقصود بالأعرابی : عمر بن الخطّاب؛ لأنّ الزهراء علیهاالسلام قالت قبل وفاتها : «لا یصلِّ علیّ الأعرابیّان».

«دخلت علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وعنده أبو بکر وعمر وعائشة، فجلست بین رسول اللّه وبین عائشة ، فقالت [ لی ]عائشة : ما وجدت مجلسا غیر فخذی!

فقال رسول اللّه : [ مه ] یا عائشة ، لا تؤذینی فی أخی فإنّه أمیر المؤمنین ، وسیّد المسلمین ، وقائد الغرِّ المحجّلین ، یقعده اللّه یوم القیامة علی الصراط ، فیُدخل أعداءَه النار ، ویدخل أولیاءه الجنّة» (1) .

الحدیث الثانی والأربعون

عن عبد اللّه بن مسعود قال :خرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله من بیت زینب بنت جحش وأتی بیت أُم سلمة وکان یومها من رسول اللّه ، فلم یلبث أن جاء علیّ فدقّ الباب دقّا خفیفا ، فأثبت رسول اللّه الدقّ وأنکرته أُم سلمة، فقال لها رسول اللّه : «قومی وافتحی له الباب» فقالت : یا رسول اللّه ، مَنْ هذا الذی بلغ من خطره أن أفتح له الباب ، وأتلقّاه بمعاصمی وقد نزلت فیّ آیة من کتاب اللّه تعالی بالأمس؟

فقال لها رسول اللّه صلی الله علیه و آله کالمغضب : «إنّ طاعة الرسول طاعة اللّه عز و جل ، ومن عصی أمر الرسول فقد عصی اللهَ أمره ، وإنّ بالباب رجلاً لیس بالنزق ولا بالخرق (2) ، یحبّ اللّه ورسوله ، ویحبّه اللّه ورسوله ، وإ نّه لا یدخل حتّی ینقطع الوط ء» .

قالت : فقمت وأنا أختال فی مشیتی وأقول : بخٍ بخٍ ، من ذا الذی یحبّ اللّه ورسوله ویحبّه اللّه ورسوله ، ففتحت له الباب فأخذ بعضادتی الباب حتّی إذا لم یسمع حسّا ولا حرکة وصرت إلی حذری ، استأذن ودخل .

ص :55


1- رواه الطوسی فی الأمالی : 290 ، المجلس الحادی عشر ، ح 562/9 و602 ، ح 1246/3 ؛ والعلاّمة فی کشف الیقین : 291، الحدیث 337 عن مناقب ابن مردویه؛ بحار الأنوار 7 : 339/32 بتفاوت یسیر، و39 : 194/4.
2- النزق : خفّة فی کلّ أمر، وعجلة فی جهل وحمق ؛ والخُرق _ بالضمّ _ : الجهل والحمق ، ومنه الحدیث : الرفق یمن والخرق شؤم.

فقال رسول اللّه : «یا أُمّ سلمة أتعرفینه؟» قالت : قلت : نعم هذا علیّ بن أبی طالب . قال : «صدقتِ ، سَجیّته من سَجیّتی ، ولحمه من لحمی ، ودمه من دمی ، وهو عیبة علمی ، وهو وصیّی فی أهلی ، وخلیفتی فی أُمّتی ، اسمعی واشهدی ، هو قاتل الناکثین والقاسطین والمارقین من بعدی ، اسمعی واشهدی ، لو أنّ عبدا عبد اللّه ألف عام بین الرکن والمقام ثمّ لقی اللّه مبغضا لعلیّ وعترتی لکبّه اللّه یوم القیامة علی منخریه فی نار جهنّم» (1) .

الحدیث الثالث والأربعون

عن نافع مولی عائشة قال :کنت غلاما أخدم عائشة ، وکنت إذا کان رسول اللّه عندها أکون قریبا منه أُعاطیه ، قال : کان رسول اللّه عندها إذ جاء جاءٍ فدقّ الباب ، فخرجت إلیه إذ جاریة سوداء معها إناء مغطّی ، فرجعت إلی عائشة فأخبرتها ، فقالت : أدخِلْها ، فأدخلتها ، [ فوضعت ] الإناء بین یدی عائشة ، فوضعتها [ عائشة ]بین یدی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فجعل یتناول منه ویأکل ، وخرجت الجاریة ، فقال رسول اللّه : «یا لیت أمیر المؤمنین وسیّد المسلمین وإمام المتقین یجیء فیأکل معی!» .

فقالت عائشة : ومن هو أمیر المؤمنین؟ فسکت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ أعادت [ عائشة ] فسألت مرّة أُخری، فسکت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فجاء جاءٍ فدقّ الباب ، فخرجتُ فإذا هو أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فقلت : علی الباب علیٌّ ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «یدخل» فدخل ، فقال له رسول اللّه : «مرحبا وأهلاً ، لقد تمنّیتک مرّتین حتّی لو أبطأت علیّ لسألت اللّه عز و جل أن یأتینی بک» فجلس یأکل معه ، فقال

ص :56


1- المناقب للخوارزمی : 86/77 ؛ تاریخ مدینة دمشق (ترجمة الإمام علی علیه السلام)3 : 267/1215 ؛ فرائد السمطین 1 : 331/ح 257 ؛ ورواه ابن طاووس فی کتاب التحصین ، الباب 21 عن ابن عباس باختلاف یسیر ، وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 39 : 267 ذیل ح 42 عن کشف الغمّة.

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «قاتَلَ اللّه [ من ] قاتَلَک، وعادی من عاداک» .

فقالت عائشة : من یقاتله ومن یعادیه؟ قال : «أنتِ ومن مَعَک ، أنتِ ومن معک ، أنتِ ومن معک!» ثلاثا (1) .

الحدیث الرابع والأربعون

عن سلیم بن قیس ، عن أُمّ سلمة قالت :سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی مرضة الذی قبض فیه یقول : «ادعوا لی خلیلی» فقامت عائشة ودعت أباها ، فلمّا دخل نظر إلیه رسول اللّه وسکت . ثمّ قال : «ادعوا لی حبیبی» فقامت حفصة فدعت أباها ، فلمّا دخل نظر إلیه رسول اللّه وسکت .

ثمّ قال : «ادعوا لی حبیبی» فقالت أُمّ سلمة : قلت : ویحکم! ألستم تعلمون أنّ خلیله ووصیّه ووزیره وخلیفته فی أُمّته وخیر من ینزله بعده ابنُ عمّه وأبو سبطیه علیّ بن أبی طالب ؟! فدعی أمیر المؤمنین مستعجلاً فجاء حتّی دخل علی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فلمّا نظر إلیه رسول اللّه رفع رأسه وتبسّم فی وجهه وقال : «مرحبا بأحبّ خلق اللّه إلی اللّه وإلی رسوله ، ادنُ منّی یا أخی» .

قالت [ أُمّ سلمة ] : فدنا منه فأقعده بجنبه ووضع [ رأسه ]علی حجره وقال : «هاک یا أخی رأسی ، فإنّک أحقّ بی وأولی بی فی الدنیا والآخرة ، وإنّک خلیفتی فی أُمّتی ووصیّی فی أهلی» ثمّ أوصی إلیه بالعلم والإیمان والإسلام ، ثمّ أدخلا رأسیهما تحت إزار فطالت مناجاتهما ، وأوصی إلیه باسم اللّه الأعظم ، وقال له : «یا أخی ، أبشر وبشّر شیعتک وأصحابک المنتجبین ، إنّک منّی بمنزلة هارون من موسی ، فبلّغ

ص :57


1- رواه ابن مردویه فی کتاب المناقب کما فی کتاب الیقین للسید ابن طاووس فی الباب التاسع ، ص 139 ؛ وکتاب التحصین ، القسم الأوّل ، الباب 28 ، والعلاّمة فی کشف الیقین : 292 ، ح 338 ؛ ورواه ابن الأثیر فی أُسد الغابة 2 : 154 ، فی ترجمة نافع ، والمجلسی فی بحار الأنوار 32 : 281 ، ح 229 ؛ وما فی المصادر متفاوت قلیلاً مع ما فی المتن.

رسالاتی من بعدی ، وابدر وصیّتی بتأویل القرآن وما لا یعلمون ، وأنت خلیفتی علی أُمّتی ووصیّی علی أهلی من بعدی ، من والاک یا أخی فقد والانی، ومن عاداک فقد عادانی ، ومن أطاعک فقد أطاعنی ، ومن عصاک فقد عصانی ، یا علیّ إذا متُّ وفرغتَ من غسلی وتکفینی لا تلبس رداک حتّی تؤلّف کتاب اللّه کما وألّف داود الزبور ، حتّی لا یزید فیه الشیطان شیئا ولا ینقص» .

[ ثمّ قال : ] «یا علی، ناولنی السیف» فقال : «أیّ سیف ترید یا رسول اللّه _ صلّی اللّه علیک _؟» قال : «ذا الفقار» فسلّه علیّ عن غمده وناوله ، فلمّا نظر إلیه رسول اللّه فی یدِ علیّ فاضت عیناه ، ثمّ قال : «أیّها السیف المطیع» قال : فأنطقه اللّه تعالی ، فقال : لبّیک یا رسول اللّه ، حتّی قالها ثلاثا ، فقال رسول اللّه : «من خلقک أیّها السیف؟» قال : اللّه الذی فی السماء قدرته وفی الأرض سلطانه وفی البحار سبیله وفی الجنّة ثوابه وفی النار عقابه . فقال : «من أنا؟» فقال : أنت محمّد رسول اللّه حقّا حقّا ، قال : «ما اسمک؟» قال : ذو الفقار .

قالت [ أُمّ سلمة ] : ففرح رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمیر المؤمنین وفرح من کان بالحضرة من الأولیاء .

ثمّ قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «خذه یا علیّ» فأخذه بیده ، ثمّ قال : «ادعه باسمه فإنّه یجیبک کما أجابنی» فدعاه فأجابه السیف وقال : لبّیک یا أخا رسول اللّه ، لبّیک یا وصیَّ رسول اللّه .

ثمّ قال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «یا أیّها السیف ، إنّی آمرک بالسمع والطاعة لعلیّ بعدی کما کنتَ تطیعه فی حیاتی، فاسمع وأطع» .

فقال السیف : سمعا وطاعة لک یا رسول اللّه ، والذی بعثک بالحقّ نبیّا لا أهرقت دَمَ مؤمنٍ ممتحنٍ ولا مسلمٍ ولا مستبصرٍ ، فأسمع وأُطیع کما أطعته فی حیاتک .

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم عند ذلک : «یا علی، اغمد السیف» .

قالت أُمّ سلمة : وفی البیت یومئذٍ فاطمة والحسن والحسین وجمیع نسائه

ص :58

وأبو بکر وعمر وعائشة وحفصة .

ثمّ قال رسول اللّه : «یا أُمّ سلمة ، لا یؤذی أخی علیّا أحدٌ من خلق اللّه إلاّ أکبّه اللّه فی نارِ جهنّم خالدا مخلّدا ، ولا یقبل اللّه عنه صرفا ولا عدلاً ولو قُتل فی سبیل اللّه سبعین مرّة . یا أُمّ سلمة ، إنّه سیّد الوصیّین وإمام المتّقین ، وإنّه قسیم النار والجنّة ، یقعده اللّه عز و جل یوم القیامة علی الصراط ، فیدخل أولیاءه الجنّة وأعداءه النار . یا أُمّ سلمة، إنّک من حزبه وإنّک من المنتجبات ، الموالیه لأولیاء اللّه والمعادیة لأعداء اللّه ، وإنّه سیقاتل بعدی ثلاث فرق ، قاتلهم اللّه ، کلّهم فی النار :

سیقاتل الناکثین شیعة الجمل ، وجند المرأة وجند الجمل ، الملعون قائده ، الملعون سائقه ، الملعون ناصره ؛ وإیّاک أن تکونی صاحبة الجمل ! فإنّ نظیرها فی الخلق عاقر ناقة صالح» ثمّ قال : «لستِ صاحبة الجمل ، أبشری وبشِّری ، فإذا رأیتِ ذلک فالزمی بیتک ، واذکری ربّک ، وجاهدی بلسانک وقلبک ، وقرّی فی بیتک ، ولاتبرّجی تبرّج الجاهلیّة الأُولی .

یا أُمَّ سلمة ، سیقاتل القاسطین ، قوم لا خلاق لهم ولا دین ، لعنهم اللّه ، وهم حطب جهنّم .

ثمّ یقاتل المارقین ، أصحاب النهروان، قتلهم اللّه ، أما إنّهم کلاب النار» .

هذا حدیث صحیح أخرجه أبو نعیم الحافظ الأصفهانی وابن مردویه ودعلج من طرق عن سلیم بن قیس (1) .

الحدیث الخامس والأربعون

فی حلیة الأولیاء (2) تصنیف الإمام الشهید محمّد بن أحمد الفتّال النیشابوری عن محمّد بن عبد اللّه بن نافع ، عن أُمّه ، عن جدّه قال :فی حلیة الأولیاء (3) تصنیف الإمام الشهید محمّد بن أحمد الفتّال النیشابوری عن محمّد بن عبد اللّه بن نافع ، عن أُمّه ، عن جدّه قال :

ص :59


1- مناقب ابن مردویه، مخطوط.
2- کذا فی النسخة، ولم نعثر علی کتاب «حلیة الأولیاء» منسوبا إلی الفتّال. ولعلّ النسبة من سهو القلم.
3- کذا فی النسخة، ولم نعثر علی کتاب «حلیة الأولیاء» منسوبا إلی الفتّال. ولعلّ النسبة من سهو القلم.

کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذات یوم جالسا فی محفلٍ مع أصحابه ، إذ هبط جبرئیل علیه السلامومعه طاس من الجنّة یکاد نوره یخطف البصر ، فیه شراب أشدّ بیاضا من اللبن ، قال : فناول رسولَ اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الطاس ، فلمّا صار فی کفّه سبّح اللّه وهلّله ، ثمّ شرب ودفع إلی علیٍّ فسبّح الطاس فی ید علیّ وهلّل، ثمّ شرب ودفع إلی الحسن فسبّح الطاس فی یده وهلّل، وشربه ودفع إلی الحسین فسبّح الطاس فی یده وهلّل، وشربه ، ثمّ وثب الطاس من ید الحسین کأنّه طائر قد أنبت اللّه له جناحین وأصحاب الرسول ینظرونه ، ثمّ غاب فی الجوّ.

فقال أبو بکر وعمر : یا رسول اللّه ، لو وثبت لشربنا من هذا الشراب کما شرب علیٌّ والحسن والحسین! قال : فسمعوا صوتا کالرعد أُزعجت له القلوب وهو یقول : هذا شراب لا یشربه إلاّ نبیّ أو وصیّ أو ابن نبیّ .

قال : فتفرّق أصحابه بالحدیث وقال بعضهم لبعض : سحر مستمرّ .

الحدیث السادس والأربعون

عن الحسن بن الحسین السامری قال :کنت أنا ویحیی بن أحمد (1) بن جریح البغدادیّ فتنازعنا فی ابن الخطّاب ، فاشتبه علینا أمره ، فقصدنا أحمد بن إسحاق القمّی صاحب الإمام أبی محمّد الحسن بن علیّ العسکری علیهماالسلامبمدینة قم ، فقرعنا الباب علیه، فخرجت علینا صبیّة من داره _ عراقیة _ فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعیاله فإنّه یوم عید ، فقلنا : سبحان اللّه ! إنّما الأعیاد للشیعة أربعة : الفطر ، والأضحی ، والغدیر ، والجمعة.

قالت : فإنّ أحمد بن إسحاق یروی عن سیّده أبی الحسن [ علیّ بن محمد العسکری علیهماالسلام ] أنّ هذا الیوم یوم عید، وهو أفضل الأعیاد عند أهل البیت علیهم السلاموعند

ص :60


1- فی البحار : «محمّد».

موالیهم . قلنا : فاستأذنی لنا بالدخول علیه وعرّفیه مکاننا .

قالا : فدخلتْ علیه وعرّفته مکاننا ، فخرج علینا وهو متّزر بمئزر له [ یفوح مسکا ] یحتبی بکسائه ویمسح وجهه ، فأنکرنا ذلک علیه ، فقال : لا علیکما، فإنّی قد کنت اغتسلت للعید ، قلنا : أوَهذا یوم عید؟ _ وکان یوم التاسع من شهر ربیع الأوّل _ قالا جمیعا : فأدخلنا داره وأجلسنا علی سریر له .

ثمّ قال : إنّی قصدت مولای أبا الحسن العسکری علیه السلام مع جماعة إخوانی _ کما قصدتمانی _ بسرّ من رأی ، فاستأذنّا الدخول علیه فی مثل هذا الیوم _ وهو یوم التاسع من ربیع الأوّل _ فرأینا سیّدنا علیه السلامقد أوعز إلی کلّ واحدٍ من خدمه أن یلبسوا ما یمکنهم من الثیاب الجُدُد ، وکان بین یدیه مجمرة یحرق العود [ فیها ]بنفسه ، فقلنا له : بآبائنا أنت وأُمّهاتنا [ یا ابن رسول اللّه ]، هل تجدّد لأهل البیت فی هذا الیوم فرح؟

فقال علیه السلام : «و أیّ یوم أعظم حرمة عند أهل البیت من هذا الیوم؟! ولقد حدّثنی أبی علیه السلام أنّ حذیفة الیمانی دخل فی مثل هذا الیوم علی جدّی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال حذیفة : رأیت سیّدی أمیر المؤمنین علیه السلام مع ولدیه الحسن والحسین علیهماالسلام یأکلون مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو یتبسّم فی وجوههم ویقول لولدیه الحسن والحسین علیهماالسلام : کُلا هنیئا لکما برکة هذا الیوم وسعادته؛ [ فإنّه الیوم الذی یهلک اللّه فیه عدوّه وعدوّ جدّکما ] ، وإنّه الیوم الذی یقبل اللّه فیه أعمال شیعتکما ومحبّیکما ، کُلا فإنّه الیوم الذی صدق فیه قول اللّه تعالی : «فَتِلْکَ بُیُوتُهُمْ خَاوِیَةَم بِمَا ظَ_لَمُواْ» (1) کُلا فإنّه الیوم الذی یکسر فیه شوکة مبغض جدّکما وناصر عدوّکما ، [ کُلا ]فإنّه الیوم الذی نسف فیه فرعون أهل بیتی وظالمهم وغاصب حقّهم ، کُلا فإنّه الیوم الذی یعمد اللّه فیه إلی ما عملوا من عمل فیجعله هباءً منثورا ، کلا فإنّه الیوم الذی یفرح فیه قلبکما .

قال حذیفة : فقلت : یا رسول اللّه ، وفی أُمّتِک وأصحابک من یهتک الحرمة؟ (2)

ص :61


1- النمل (27) : 52.
2- فی البحار: «هذه المحارم».

فقال رسول اللّه : یا حذیفة ، جِبْتٌ من المنافقین یترأّس علیهم ویستعمل فی أُمّتی الریاء ، ویحمل علی کتفه درّة الخزی ، ویصدّ الناس عن سبیل اللّه ، ویحرّف کتابه ، ویغیّر سنّتی ، ویستحلّ أموال اللّه من غیر حلّه ، وینفقها فی غیر طاعته ، ویشتمل علی إرث ولدی ، وینصب نفسه علما ، ویتطاول علی الإمامة من بعدی ، [ ویکذّبنی ]، ویکذّب أخی ووزیری ، ویحسد ابنتی عن حقّها فتدعو اللّه علیه ، فیستجیب اللّه دعاءها فیه فی مثل هذا الیوم .

قال حذیفة : یا رسول اللّه ، فادعُ ربّک لیهلکه فی حیاتک؟

قال صلی الله علیه و آله وسلم : یا حذیفة ، لا أُحبُّ أن أجترئ علی قضاء اللّه ما قد سبق فی علمه ، لکنّی سألت اللّه أن یجعل الیوم الذی یقبضه فیه إلیه فضیلة علی سائر الأیّام ، لیکون ذلک سنّة یستنُّ بها أحبّائی وشیعة أهل بیتی ومحبّوهم ، فأوحی اللّه إلیَّ جلّ ذکره :

یا محمّد، إنّه کان فی سابق علمی أن تَمسَّک وأهلَ بیتک مِحَنُ الدنیا وبلاؤها وظلم المنافقین والغاصبین من عبادی ، ممَّنْ نَصَحْتَهم وخانوک ، ومحضتهم وغشّوک ، وصافیتهم وکاشحوک ، وأوصیتهم وخالفوک ، وأوعدتهم وکذبوک ، وجنّبتهم وسلّموک ، فإنّی أولی بحقّی ، وحولی وقوّتی وسلطانی لأفتحنّ علی روح من یغصب بعدک علیّا وصیَّک حقَّه ألفَ باب من العذاب الألیم ، ولأصلینَّه وأصحابه سقرا یشرف علیه إبلیس فیلعنه ، ولأجعلنّ ذلک المنافق عبرة فی القیامة کفراعنة الأنبیاء وأعداء الدین فی المحشر ، ولأحشرنّهم وأولیاءهم وجمیع الظلمة والمنافقین إلی نار جهنّم زُرقا کالحین ، أذلّة خزایا (1) نادمین ، ولأُدخلنّهم فیها أبد الآبدین .

یا محمّد ، لن یرافقک وصیّک فی منزلتک إلاّ بما یمسّه من البلوی من فرعونه وغاصبیه الذی یجترئ علیّ، ویبدّل کلامی، ویشرک بی ، ویصدّ الناس عن سبیلی ، وینصب نفسه عجلاً لأُمّتک ، ویکفر بی فی عرشی ، إنّی قد أمرت أهل سبع سماواتی

ص :62


1- فی البحار : «حیاری».

من شیعتکم ومحبّیکم أن یعیّدوا فی هذا الیوم الذی أقبضته إلیّ ، وأمرتهم أن ینصبوا کرسیّ کرامتی بإزاء البیت المعمور ، ویثنوا علیَّ ویستغفروا لشیعتکم ومحبّیکم من ولد آدم .

یا محمّد ، وأمرت الکرام الکاتبین أن یرفعوا القلم عن الخلق ثلاثة أیّامٍ من ذلک الیوم ، ولا یکتبون علیهم شیئا من خطایاهم ؛ کرامةً لک ولوصیّک (1) !

یا محمّد، إنّی قد جعلت ذلک الیوم وأمثال ذلک الیوم عیدا لک ولأهل بیتک، وعیدا لمن یتبعهم من المؤمنین من شیعتهم ، وآلیت علی نفسی، بعزّتی وجلالی وعلوّی فی مکانی ، لأحبونّ من یعیّد فی ذلک الیوم محتسبا ثواب الخافقین، [ ولأُشفعنّه ] فی أقربائه وذوی رحمه ، ولأزیدنّ فی ماله إن أوسع علی نفسه وعیاله فیه ، ولأُعتقنّ من النار فی کلّ حولٍ فی مثل ذلک الیوم ألفا من موالیکم وشیعتکم ومحبّیکم ، ولأجعلنّ سعیهم مشکورا، وذنبهم مغفورا ، وأعمالهم مقبولة .

قال حذیفة : ثمّ قام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فدخل إلی منزل أُمّ سلمة ، ورجعت عنه وأنا غیر شاکّ فی أمر الشیخ الثانی حتّی ترأّس بعد وفاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأُتیح [ له ]الشرّ، وعاود الکفر، وارتدَّ عن الدین ، وشمّر للملک ، وحرّف القرآن ، وأحرق بیت الوحی ، وأبدع السنن ، وغیّر الملّة ، وبدّل السنّة ، وردّ شهادة أمیر المؤمنین ، وکذَّب فاطمة سیّدة نساء العالمین، واغتصب فدک منها، وأرضی المجوس والیهود والنصاری ، وأشجی قرّة عین المصطفی ولم یرضها ، وغیّر السنن کلّها ، ودبّر علی قتل أمیر المؤمنین ، وأظهر الجور ، وحرّم ما أحلّ اللّه ، وأحلّ ما حرّم اللّه ، وأبقی الناس أن یتّخذوا من جلود الإبل الدنانیر ، ولطم وجه الزکیة علیهاالسلام ، وصعد منبر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمغصبا وظلما ، وافتری علی أمیر المؤمنین وعانده وسفّه رأیه .

قال حذیفة : فاستجاب اللّه دعاء مولاتی علیهاالسلام علی ذلک المنافق ، وأجری قتله علی

ص :63


1- کذا ؛ وذلک لمخالفته للأُصول المسلّمة عند الشیعة الإمامیّة والآیات الکریمة المنزلة علی رسوله مردود؟!

یدی قاتله رحمه الله .

قال حذیفة : فدخلت علی أمیر المؤمنین علیه السلام أُهنّئه بقتله ورجوعه إلی دار الانتقام ، فقال لی : یا حذیفة ، أتذکر الیوم الذی دخلتَ فیه علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنا وسبطاه نأکل معه فدلّک علی فضل ذلک الیوم الذی دخلت علیه فیه؟ قلت: بلی یا أخا رسول اللّه ، فقال : هو واللّه هذا الیوم ، أقرّ اللّه فیه عیون آلِ الرسول به ، وأنا أعرف لهذا الیوم اثنین وسبعین اسما .

فقلت : إنّی أُحبّ أن تُسْمِعنی أسامی هذا الیوم. فعدّ أمیر المؤمنین وکان یوم التاسع من شهر ربیع الأوّل.

قال حذیفة : فقمت من عنده فقلت فی نفسی : لو لم أدرک من أفعال الخیر وما أرجو به الثواب إلاّ فَضْل هذا الیوم لکان منای» .

قال الفقیه الحسن بن یحیی بن الجریح : فقام کلّ واحد منّا فقبّل رأس أحمد بن إسحاق وقلنا له : الحمد للّه الذی ما قبضنا حتّی شرّفنا بفضل هذا الیوم المبارک، والحمد للّه ربّ العالمین (1) .

وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاری قال : لمّا ظفر أبو لؤلؤة علی ابن الخطّاب أخذوه فجاؤُوا به إلیه ، فقال له ابن الخطّاب : یا عدوّ اللّه ! ما حملک علی قتلی ومن دسّک علیّ؟ قال : اجعل بینی وبینک حَکما حتی أتکلّم ، فقال له ابن الخطّاب : بمن ترضی؟ قال : بعلیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فلمّا جاء علیٌّ لأبی لؤلؤة تکلّم _ فقد حضر حَکَم عَدْل _ أنت أمرتنی ، أنت أمرتنی بقتلک یا عمر! قال : کیف؟! قال : سمعتک تخطب علی منبر الرسول وتقول : لقد کانت بیعتنا لأبی بکر فلتةً وقانا اللّه شرّها ، فمن

ص :64


1- بحار الأنوار ج 95 : 351 باب 13 فضل یوم التاسع من ربیع الأوّل ، عن کتاب زوائد الفوائد للسیّد ابن طاووس وج31 : 120 _ 129 ، مقتل عمر وکیفیّة قتله ، أخرجه عن کتاب زوائد الفوائد لابن طاووس ، والمحتضر للشیخ حسن ، ص 44 _ 55 .

عاد إلی مثلها فاقتلوه .

قال : فغشی علیه وجعل یخور فأُغمی علیه وخرجت روحه (1) .

الحدیث السابع والأربعون

اشاره

عن أبی ذر الغفاری قال :قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام :

«مَنْ أَحَبَّک أَحَبَّهُ اللّهُ وهَدَاهُ وعافاهُ وکفاه ، ومَنْ أبْغَضَک أَبْغَضَهُ اللّهُ وأَعْماهُ ولَعَنَهُ وأَخْزاهُ ؛ سَبَقَتْ رَحْمَةُ رَبّی لِمَنْ أَحَبَّ عَلیّا ووالاهُ، وسَبَقَتْ لَعْنَتُهُ عَلی مَنْ أَبْغَضَ عَلیّا وعَاداهُ» .

قالت عائشة : یا رسول اللّه ، إنّنی وأبی محبّان لعلیّ .

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إِنْ کنْت صادِقَةً فَلَکما الرَّحمَةُ ، وإِنْ کنْتِ کاذِبَةً فَعَلَیْکما اللعْنَةُ» .

قالت عائشة : إنّی أُعیذک باللّه یا رسول اللّه أن تقول لی ولأبی مثل ذلک ! فضرب رسول اللّه یده علی منکبها وقال : «کیْفَ یا حمیراء وأَبُوک أَوَّلُ مَنْ یَظْلِمُه حقّه وأنْتِ أوّلُ مَنْ تُقاتِلِینَه؟!» .

حدیث المحبّة ، بروایة أبی ذرّ الغفاری رحمه الله.

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاری أ نّه قال :کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم جالسا فی المسجد إذ أقبل علیّ بن أبی طالب والحسن والحسین عن یمینه وشماله ، فقام النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فقبّل علیّا والتزمه [ إلی صدره ] ، وقبّل الحسن وأجلسه علی فخذه الأیمن ، وقبّل الحسین وأجلسه علی فخذه الأیسر ، ثمّ

ص :65


1- راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 : 29 حدیث السقیفة ، و20 : 21 ؛ والمناقب لابن شهرآشوب 4 : 315 ، فصل فی علمه ؛ وتاریخ الطبری 3 : 200 . وانظر بحار الأنوار 30 : 443 ، الطعن الرابع ، مع التعلیقات.

جعل یقبّلهما ویرشف ثنایاهما (1) ویقول لهما : «بِأَبِی أَبُوکما وبأُمّی أُمُّکما» .

ثمّ قال : «أیُّهَا الناسُ، إنّ اللّهَ تَعالی یُباهِی بِهِما وبأَبیهِما وبأُمّهما وبالأبرار من ولدهما الملائکةَ فی کلّ یوم مرارا ، مثلهم کمثل التابوت فی بنی إسرائیل . اللهمّ من أطاعنی فیهم وحفظ وصیَّتی اجْعَلْهُ معی فی درجتی ، اللهمّ من عصانی فیهم فاحْرِمْهُ رَوْحَک ورحمتک ، اللهمّ إنّهم أهلی والقِوام لِدِیْنی (2) والمحیون لسنّتی ، التالون لکتاب ربّی ، طاعتهم طاعتی ومعصیتهم معصیتی» (3)

.

الحدیث التاسع والأربعون

اشاره

عن جابر بن عبد اللّه عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال :«خرجت أنا ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی صحراء المدینة ، فلمّا صرنا فی الحدائق بین النخل صاحت نخلة بنخلة : «هذا النبیُّ المصطفی وذا علیّ المرتضی» ، ثمّ صاحت ثالثة برابعة : «هذا موسی وذا هارون» ثمّ صاحت خامسة بسادسة : «هذا خاتم النبیّین ، وذا خاتم الوصیّین» فنظر [ إلیَّ ] رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم متبسّما ، فقال : یا أبا الحسن ، أَمَا تسمع؟ قلت : بلی یا رسول اللّه ، قال : ما تُسمِّی هذا النخیل ، قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : نُسَمِّیهِ الصَّیْحانیّ؛ فقد صاحت بفضلی وفضلک [ یا علی ]» (4) .

حدیث النخل الصیحانی وأنّها صاحت بفضل النبیّ صلی الله علیه و آله والوصی.

ذکر أخطب خوارزم فی فضائل علیّ :عن علقمة بن قیس والأسود بن یزید

ص :66


1- کذا فی النسخة، وفی المصدر : « یرشف شفتیهما» وهو الصحیح.
2- فی البحار : « والقوّامون بدینی».
3- بحار الأنوار 27 : 104 باب 4 ، ح 74 ، عن الروضة والفضائل.
4- الفضائل لشاذان بن جبرئیل : 144 ، وعنه البحار 40 : 48/84؛ المناقب للخوارزمی : 312 ح 313 ؛ مائة منقبة : 149/82 ؛ فرائد السمطین 1 : 137.

قالا : أتینا أبا أیّوب الأنصاری فقلنا له : یا أبا أیّوب ، إنّ اللّه أکرمک بنبیّه صلی الله علیه و آله وسلم إذ أوحی إلی راحلته فبرکت علی باب دارک، وکان رسول اللّه [ صلی الله علیه و آله وسلم ] ضیفا لک فضیلة من اللّه فضّلک بها ، فأخبرنا بمخرجک مع علیٍّ تقاتل أهل لا إله إلا اللّه ؟

فقال أبو أیّوب : فإنّی أُقسم لکما باللّه لقد کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم معی فی هذا البیت الذی أنتما فیه ، وما فی البیت غیر رسول اللّه [ صلی الله علیه و آله وسلم ] وعلیّ جالس عن یمینه [ وأنا عن یساره ] وأنس [ بن مالک ] قائم بین یدیه ، إذ حرّک الباب ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«یا أنس ، انظر من فی الباب» فنظر ثمّ رجع فقال : یا رسول اللّه ، هذا عمّار بن یاسر ، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «افتح لعمّار الطیّب المطیّب» ففتح أنس الباب ودخل عمّار فسلّم علی النبیّ ، فرَحّب به ثمّ قال :

«یا عمّار ، إنّه سیکون فی أُمّتی من بعدی هنات حتّی یختلف السیف فیما بینهم ، وحتّی یقتل بعضهم بعضا، وحتّی یبرأ بعضهم من بعض ، فإذا رأیت ذلک فعلیک بهذا [ الأصلع ] _ یعنی علیّ بن أبی طالب _ فإن سلک الناس کلّهم وادیا وسلک علیّ وادیا فاسلک وادی علیّ وخلِّ عن الناس ، یا عمّار ، إنّ علیّا لا یَرُدُّک عن هدی ولا یدلّک علی ردی ، یا عمّار ، طاعة علیٍّ کطاعتی وطاعتی کطاعة اللّه ». (1)

الحدیث الحادی والخمسون

عن الحسین بن زید بن علیٍّ ، عن أبی عبد اللّه ، عن علیٍّ علیهم السلام قال :«قال رسول اللّه صلوات اللّه علیه وآله : یأتی یوم القیامة أقوام وجوههم أضْوَأ من القمر لیلة البدر ، یغبطهم الأوّلون والآخرون لمنزلتهم .

فقال جندب بن جنادة الغفاری : بأبی أنت وأُمّی یا رسول اللّه ، من هؤلاء الذین أخبرتنا بعلوّ مکانهم ومنزلتهم؟ أنبیاء هم؟

ص :67


1- المناقب للخوارزمی : 193/232 باختلاف فی بعض الکلمات ؛ ورواه منتخب الدین فی الأربعون حدیثا : 59 _ 60 ، الحدیث الثلاثون ؛ وبحار الأنوار 33 : 16 ، ح 13.

قال : لیس بأنبیاء .

قال : شهداء؟

قال : لیس هم شهداء ولکنّهم بمنزلة الشهداء، ولیس هم منهم .

قال : بأبی أنت وأُمّی ، من أهل السماء أو من أهل الأرض؟ نبّئناهم؟

قال : ما قلت ، ألا لأُنبّئکم بهم ، أَلا إنّهم شیعة هذا وهو إمامهم ، وأخذ بکفّ علیٍّ علیه السلام وهو إلی جانبه وقال : هذا یعسوب المؤمنین وولیّهم بعدی ، وهو أخی ووصیّی ، وهو منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أ نّه لیس بعدی نبیّ» (1) .

قال أبو عبد اللّه علیه السلام : «وأخبرنی أبو جعفر محمّد الباقر علیه السلام ، قال : لمّا حدّثنا أبی هذا الحدیث کان نفرٌ من شیعته من أهل العراق حاضرا ، فأقبل علیه قاسم بن عوف _ وکان من صالحیهم _ فاستعادهم الحدیث إعجابا به ، وأعاد أبی علیه السلام ، فقال : یا بن رسول اللّه ، أمّا شیعتکم عندنا فهم قبائل مشهورة ، ومنهم قوم أهل ورع وأمانة ودین ، ولهم فی کلّ صالحة رجحان ، إلاّ أنّ طائفة تزعم أنّها لکم شیعة فإنّهم لیقولون علی ذلک أقوالاً لا تستطاع .

فقال له علیّ بن الحسین علیهماالسلام: مَنْ جاءکم عَنّا بما یصدِّقه القرآنُ فنحن أهلُهُ وأولی به ، وما جاءَکم عنّا بما یکذّبه القرآن فهو أولی به ونحن منه براء ، ومن بَرِئْنا منه برئ منه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن برئَ منه رسول اللّه فاللّه منه بریءٌ .

وأخبرک علی ذلک ، فقد قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وعلیٌّ أمیر المؤمنین له شیعة علی منهاج إبراهیم صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ کذلک الأمر فی المؤمنین حقّا کلّهم شیعة علیّ علیه السلامإلی أن یرث اللّه الأرض ومن علیها .

ثمّ قال علیه السلام : هل تدرون مَنْ المؤمن؟ إنّما المؤمن فی الدنیا کالغریب ، رأس ماله دینه ، والعقل دلیله ، والعلم خلیله ، والحلم وزیره ، والعبادة شأنه ، والصِّدق لسانه ،

ص :68


1- أخرج نحوه المجلسی فی بحار الأنوار 7 : 179 ح 18 عن فضائل الشیعة : 68، ح 25.

والوفاءُ لباسه ، والسخاءُ طباعه ، والسکینة دثاره ، والرفق شعاره ، وحسن الخلق عماده ، والحیاء لباسه ، والحقّ حسابه ، والکیاسة فطنته ، والشکر ظهاره ، والعفو شیمته ، والرحمة لِلْوری سجیّته ، والبرّ غنیمته ، واللین والده ، والحزم معتمده ، والتواضع درعه ، وباللّه أُنسه ، إن صاحَبْتَه سلمتَ وإن خالطته غنمت ، ظاهر الوفاء ، کریم الحیاء ، إن استطعمته أطعم ، وإن استکتمته کتم ، وإن کان فوقک تواضع ، وإن کان دونک اتّضع ، یحاسب لنفسه ، ویخاذل لشیطانه ، ناظر فی عیوبه ، یخاف علی نفسه وإن کان فاضلاً ، ولا یأمن مکر اللّه وإن کان محسنا ، کثیر عمله ، عظیم حلمه ، سهل أمره ، حزین قلبه ، قامع شهوته ، کاظم غیظه ، لیِّن الجانب ، وقور فی الهزاهز ، صبور فی البلاء ، لا یظلم الأعداء ، ولا یتحامل للأصدقاء ، کأنّ فی قلبه عینا ینظر بها إلی صنع ربّه فی عباده ، فهو فی الناس کالنحلة ، یأکل من طیّب الأشجار ، ویطعم الصغار والکبار .

قال : فلمّا أتی علیّ بن الحسین علیهماالسلام علی کلامه هذا قال : یا أخا أهل العراق ، هذه صفة شیعتنا ، وودائع مودّتنا ، وهؤلاء أخفی من الکبریت الأحمر ، فهل رأی الکبریت الأحمر أحد منکم؟!» (1) .

الحدیث الثانی والخمسون

عن الأصبغ بن نباتة قال :لمّا ضرب أمیر المؤمنین علیه السلام الضربة التی کانت فیها وفاته ، اجتمع الناس بباب القصر کلّ یرید قتل ابن ملجم لعنه اللّه ، فخرج الحسین [ الحسن خ ] علیه السلام فقال : «معاشر الناس ، إنّ أمیر المؤمنین قد أوصانی أن أترک أمره إلی وفاته ، وإن کان إلی حیاة کان الناظر فی حقّه ، فانصرفوا رحمکم اللّه » .

ص :69


1- لم نعثر علی نصّ الحدیث فی المصادر المتوفّرة لدینا . ولکن فقراته وردت فی خطب أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، متفرّقة . مثل خطبته لهمام وغیرها .

[ قال : ] فانصرف الناس [ ولم أنصرف ] ، فخرج ثانیة وقال : «یا أصبغ، أما سمعت قولی عن أمیر المؤمنین؟» قلت : بلی ولکن رأیته فی حاله فأحببت أن أُردّد من النظر إلیه وأستمع منه حدیثا ، فاستأذن لی إلیه یرحمک اللّه ! فدخل ولم یلبث أن خرج فقال لی : «ادخل» فدخلت فإذا أمیر المؤمنین علیه السلام متعصّب بعمامة صفراء قد علت صفرة وجهه علی صفرة العمامة ، فإذا هو یقلع فخذا ویضع أُخری لشدّة الضربة وموضع السمّ ، فقال لی : «یا أصبغ، أما سمعت قول الحسین [ الحسن خ ]عن مقالی؟» .

قلت : بلی یا أمیر المؤمنین ، ولکن رأیتک فی حالٍ فأحببت إلیک النظر و[ أن ] أسمع منک حدیثا .

فقال لی : «اقعد فما أراک تسمع منّی بعد یومک هذا حدیثا ، یا أصبغ ، أتیت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عائدا کما جئتنی عائدا ، فقال لی : اخرج یا أبا الحسن فنادِ فی الناس : الصلاة جامعة ، واصعد منبری وقم دون مقامی بمرقاة ، وقل [ للناس ] : ألا إنّه من عقّ والدیه فلعنة اللّه [ علیه ] ، ألا إنّه من ظلم أجیرا أجره فلعنة اللّه [ علیه ] .

فخرجت ففعلت ما أمرنی به رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقام رجل من أقصی المسجد وقال : یا أبا الحسن ، تکلّمت بثلاث کلمات وأوجزتهنّ فاشرحهنّ لنا. فلم أردّ جوابا حتّی أَتیت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقلت له ما کان من أمر الرجل» .

قال [ الأصبغ ] : ثمّ أقبل علیّ أمیر المؤمنین فقال : «ابسط یدک یا أصبغ» فبسطت یدی فتناول إصبعا من أصابعی ثمّ قال : «یا أصبغ کذا تناول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إصبعا من أصابعی کما تناولت إصبعا من أصابعک ، ثمّ قال : یا أبا الحسن ، ألا وإنّی وأنت أبوا هذه الأُمّة ، فمن عقَّنا فلعنة اللّه [ علیه ] ، قل : آمین ، قلت : آمین . ثمَّ قال : یا أبا الحسن ، ألا وإنّی وأنت مولیا هذه الأُمّة ، فمن أبق منّا فلعنة اللّه [ علیه ] قل : آمین ، قلت : آمین ، أَلا وإنّی وأنت أجیرا هذه الأُمّة ، فمن ظلمنا أَجرنا فلعنة اللّه [ علیه ]قل : آمین ، فقلت : آمین» .

ص :70

قال [ الأصبغ ] : ثمّ أُغمی علی أمیر المؤمنین ، فلمّا أَفاق قال : «أقاعِدٌ أنت یا أصبغ بعد؟» قلت : بلی [ یا مولای ] ، قال : «أزِیْدُک حدیثا آخر؟» قلت : نعم یا أمیر المؤمنین، زادک اللّه مزید کلّ الخیر .

فقال : «لقینی رسول اللّه فی بعض طرق المدینة وأنا مغموم قد تبیّن الغمّ فی وجهی ، فقال لی : یا أبا الحسن، أراک مغموما! ألا أُحدّثک حدیثا لا تغتمّ بعد یومک هذا؟ قلت : نعم .

قال : إنّه إذا کان یوم القیامة نصب اللّه عز و جل منبرا یعلو منابر النبیّین والشهداء ، ثمّ یأمرنی اللّه عز و جل فأصعد فوقه ، ثمّ یأمرک فتصعد دونی بمرقاةٍ ، ثمّ یأمر اللّه ملکا یقف دونک بمرقاةٍ ، ثمّ یأمر اللّه ملکا آخر یقوم دون الملک بمرقاةٍ ، فإذا استقللنا علی المنبر لا یبقی أَحدٌ من الأوّلین والآخرین إلاّ ویَرانا ، فینادی المَلَک الذی دونک بمرقاةٍ : معاشر الناس، ألا من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا [ أُعرّفه بنفسی ، أنا ] رضوان خازِنُ الجنان ، أَلا إنّ اللّه بفضله وجلاله أمرنی أن أدفع مفاتیح الجنّة إلی محمّد ، وإنّ محمّدا أمرنی أن أدفعها إلی علیّ، هاک ، فاشهدوا لی علیه .

ثمّ یقوم الملک الآخر فینادی نداءً یسمعه أهل الموقف : معاشر الناس، من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا [ أُعرّفه بنفسی ، أنا ] مالک خازن جهنّم ، ألا إنّ اللّه بمنّه وفضله [ وکرمه ]وجلاله أمرنی أن أدفع مفاتیح جهنّم إلی محمّد ، وإنّ محمّدا قد أمرنی أن أدفعها إلی علیّ، هاک ، فاشهدوا لی علیه ، فآخذ بمفاتیح الجنّة والنار ، وتأخذ بِحُجْزتِی ، وأهل بیتک بحجزتک ، وشیعتک یأخذون بحجزة أهل بیتک .

قال : فصفقت کلتا یدیّ وقلت : إلی الجنّة یا رسول اللّه ؟

قال : إی وربّ الکعبة» .

قال أصبغ : فلم أسمع من أمیر المؤمنین علیه السلام بعد هذین الحدیثین حدیثا . (1)

ص :71


1- بحار الأنوار 40 : 44 ، ح 82 ، باب 91 ، عن الروضة ؛ والأنوار البهیّة : 66 _ 68 ؛ والروضة فی المعجزات والفضائل : 140 (مع اختلاف یسیر) .

الحدیث الثالث والخمسون

عن الشیخ المفید أبی محمّد عبد الرحمن النیسابوری ، بإسناده إلی عکرمة ، عن ابن عبّاس قال :صلّی بنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم صلاة الظهر ، فلمّا رکع فی الرابعة طال رکوعه ، فظننّا أنَّ خبرا أُنزل علیه ، فلمّا کان بعد ساعة استوی، ثمّ سجد ثمّ تشهّد ثمّ سلّم، ثمّ قال :

«یا أصحابی ، مَا لِی ما أری فیکم ابن عمّی وأخی علیّ بن أبی طالب؟!» فناداه من الصف الأخیر : «لَبَّیْک یا رسول اللّه » فقال [ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ] : «أما حضرت الجماعة؟» فقال : «یا رسول اللّه ، أَذَّن بلال وکنْتُ علی غیر وضوءٍ ، فذهبت أن أتطهّر ، فنادیت : یا حسن یا حسین، فما أجابنی أَحَدٌ ، فلمّا الْتَفَتُّ رَأَیْتُ خلفِی سطلاً من الذهب مغطّیً بمندیل أخضر ، فرفعت المندیل فإذا فی السطل ماءٌ أَبیض من اللبن وأَحْلی من العسل [ و ] أطیب من رائحة المسک ، فتوضّیت وتمسّحت ولا أری مخلوقا ، فلمّا تمسّحت وضعت المندیل فلم أرَ السطل ولا المندیل» .

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «والذی بعثنی بالحقّ نبیّا إنَّ السطل کان من الجنّة ، والماء من الکوثر ، والمندیل من استبرق الجنّة ، وما وضع لک السطل إلاّ جبرئیل ، وما ناولک المندیل إلاّ میکائیل ، ولا زال إسرافیل أخذ کفّی علی رکبتی لا یدعنی أن أستوی حتّی تمسَّحتَ وجئتَ ولحقتَ مع الجماعة ، وأعطاک اللّه ثواب ذلک ، أفیَلُومنی الناس علی حبّک واللّه تعالی وملائکته یحبّونک من فوق السماء؟!» (1) .

ص :72


1- روی نحوه ابن طاووس فی الطرائف : 85 ؛ وأخطب خوارزم فی المناقب : 304/300 عن حمید الطویل عن أنس ؛ وعنه البحار 39 : 116/4.

الحدیث الرابع والخمسون

اشاره

بإسناد الشیخ المفید أیضا عن بشیر الدهّان قال :قلت لأبی جعفر علیه السلام : جعلت فداک ، أیّ الفصوص أفضل لاُرکّبه علی خاتمی؟ فقال :

«یا بشیر ، أین أنت عن العقیق الأحمر والعقیق الأصفر والعقیق الأبیض ، فإنّها ثلاثة جبال فی الجنّة : فأمّا الأحمر فمطلّ (1) علی دار رسول اللّه ، وأمّا الأصفر فمطلّ علی دار [ فاطمة علیهاالسلام ]، [ وأمّا الأبیض فمطلّ علی دار ] أمیر المؤمنین علیه السلام ، والدور کلّها واحدة تخرج منها ثلاثة أنهارٍ ، من تحت کلّ جبل نهر أشدُّ بَرْدا من الثلج، وأحلی من العسل ، وأشدّ بیاضا من اللبن ، لا یشرب منها إلاّ محمّدٌ وآله وشیعتهم ، ومصبّها کلّها واحد، ومجراها من الکوثر ، وإنّ هذه الثلاثة جبال تسبّح اللّه وتقدّسه وتمجّده ، وتستغفر لمحبّی آل محمد علیهم السلام ، فمن تختّم بشیء منها من شیعة آل محمد لم یَرَ إلاّ الخیر والحسنی، والسعة فی رزقه، والسلامة من جمیع أنواع البلاء ، وهو [ فی ] أمان من السلطان الجائر، ومن کلّ ما یخافه الإنسان ویحذره» (2) .

فی فضیلة التختّم بالعقیق

وبإسناده أیضا إلی إسحاق السبیعیّ قال :. دخلنا علی مسروق بن الأجدع ، فإذا عنده ضیف لا نعرفه ، وهما یطعمان من طعامٍ لهما ، فقال الضیف :

کنتُ مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بحنین _ فلمّا قالها عرفنا أ نّه کانت له صحبة مع النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم _ قال : فجاءت صفیّة بنت حُیَی بن أخطب إلی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : یا رسول اللّه ، إنّی لست کأحدٍ من نسائک ، قتلت الأب والأخ والعمّ ، فإن حدث بک حدث فإلی من؟

ص :73


1- أی مشرف.
2- أمالی الطوسی : 38 ، المجلس الثانی ، ح 41/10 ؛ وعنه بحار الأنوار 37 : 42/17.

فقال لها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إلی هذا» وأَشار إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

ثمّ قال : ألا أُحدّثکم بما حدّثنی به الحارث الأعور؟ قال : قلنا : بلی ، قال : دخلت علی علیّ بن أبی طالب علیه السلام فقال : «ما جاء بک یا أعور؟» قال : قلت : حبّک یا أمیر المؤمنین ، قال : «اللّه ؟» قلت : اللّه ؛ فناشدنی ثلاثا ، ثمّ قال : «أما إنّه لیس عبد من عباد اللّه ممّن امتحن اللّه قلبه للإیمان إلاّ وهو یجد مودّتنا علی قلبه فهو یحبّنا ، ولیس عبد من عباد اللّه ممّن سخط اللّه علیه إلاّ وهو یجد بغضنا علی قلبه فهو یبغضنا ، فأصبح محبّنا ینتظر الرحمة ، وکأنّ أبواب الرحمة قد فتحت له ، وأصبح مبغضنا علی شفا جرفٍ هارٍ فانهار به فی نار جهنّم ، فهنیئا لأهل الرحمة رحمتهم ! وتعسا لأهل النار مثواهم!» (1) .

الحدیث السادس والخمسون

أورد أبو بکر محمّد بن مؤمن (2) الشیرازی فی کتابِ «ما نزل من القرآن فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام» فی تفسیر قوله تعالی فی سورة النساء :. أورد أبو بکر محمّد بن مؤمن (3) الشیرازی فی کتابِ «ما نزل من القرآن فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام» فی تفسیر قوله تعالی فی سورة النساء : «وَمَن یُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَ_ل_ءِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِم مِّنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّ__لِحِینَ . . .» (4) عن عبد اللّه بن عباس قال : یعنی من یطع اللّه فی فرائضه والرسول فی سنّته . «فَأُوْلَ_ل_ءِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِم مِّنَ النَّبِیِّینَ»: یعنی محمّدا صلی الله علیه و آله وسلم .

«وَالصِّدِّیقِینَ»: یعنی علیّ بن أبی طالب، وکان أوّل من صدّق برسول اللّه . «وَالشُّهَدَآءِ»: یعنی علیّ بن أبی طالب، وحمزة، وجعفر الطیّار، والحسن،

ص :74


1- أمالی المفید : 270 ، المجلس الثانی والثلاثون ، ح 2 ؛ ورواه الطوسی فی الأمالی : 33 ، المجلس الثانی ، ح 34/3 عن المفید.
2- فی النسخة: محمّد بن عبد المؤمن ، ولم أعثر علی ترجمته ولا کتابه. انظر الذریعة 24 : 106 و4 : 313 ، وقد ذکر کتابه هذا ب «نزول القرآن فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام ».
3- فی النسخة: محمّد بن عبد المؤمن ، ولم أعثر علی ترجمته ولا کتابه. انظر الذریعة 24 : 106 و4 : 313 ، وقد ذکر کتابه هذا ب «نزول القرآن فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام ».
4- النساء (4) : 69.

والحسین ؛ هؤلاء سادات الشهداء .

«وَالصَّ__لِحِینَ»: یعنی سلمان الفارسی ، وأبا ذر الغفاری ، وعمّار بن یاسر ، وبلال بن حمامة ، وخبّاب بن الأرتّ . «وَحَسُنَ أُوْلَ_ل_ءِکَ رَفِیقًا» : یعنی فی الجنّة .

«ذَ لِکَ الْفَضْلُ» _ : یعنی هذا الجزاء من اللّه _ «وَکَفَی بِاللَّهِ عَلِیمًا» (1) .

إنّ منزل علیّ بن أبی طالب وفاطمة والحسن والحسین ومنزل رسول اللّه صلوات علیهم أجمعین فی الجنّة واحد (2) .

حدّثنا حرزادین بالأهواز قال : حدّثنا سلیمان بن مطر قال : حدّثنا سفیان بن عیینة عن ابن شهاب عن الأعوج عن أبی هریرة قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یوما لعمر بن خطاب :

«یا عمر، إنَّ فی الجنّة شجرة ما فی الجنّة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلاّ وفیه غصن من أغصان تلک الشجرة ، وأصل تلک الشجرة فی دار علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام» .

قال عمر: قلتَ ذلک الیوم: إنّ أصل تلک الشجرة فی داری، والیوم قلتَ: فی دار علیّ؟!

فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «یا عمر، ما علمت أنّ منزلی ومنزل أمیر المؤمنین فی الجنّة واحد؟!» .

فقال عمر : یا رسول اللّه ، فإذا همّ أَحدکم بجماع أهله کیف یصنع؟

قال : «یا عُمَرُ، یصنع اللّه بیننا بحجاب من النور إلی أن یفرغ من حاجته ثمّ یرفع عنّا ، فنحن إخوان علی سُرُرٍ متقابلین» .

إلی هاهنا کلام أبی بکر محمّد بن مؤمن الشیرازی فی تفسیره .

ص :75


1- النساء (4) : 70 .
2- روی نحوه ابن شهرآشوب فی المناقب 3 : 89 ؛ وعنه البحار 35 : 389/8 ؛ والبرهان فی تفسیر القرآن 2 : 127 ، ح 2549/8.

الحدیث السابع والخمسون

أورد أخطب خوارزم فی کتاب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام بإسناده إلی عبد الرحمن بن أبی لیلی ، قال أبی :. دفع النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم الرایة یوم خیبر إلی علیّ بن أبی طالب[ علیه السلام ] ففتح اللّه [ تعالی ] علیه ، وأوقفه یوم غدیر خمّ فأعلم الناس أنَّه مَوْلی کلّ مُؤمِنٍ ومؤمنة.

وقال له : «أنت منّی وأنا منک».

وقال له : «تقاتل علی التأویل کما قاتلت علی التنزیل».

وقال له : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی».

وقال له : «أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت».

وقال له : «أنت العروة الوثقی».

وقال له : «أنت تبیّن لهم ما اشتبه علیهم بعدی».

وقال له : «أنت إمام کلّ مؤمن ومؤمنة ، وولیّ کلّ مؤمن ومؤمنة بعدی».

وقال له : «أنت الذی أنزل اللّه فیه: «وَأذان مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِی إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الأَْکْبَرِ . . .»» (1) .

وقال له : «أنت الآخذ بسنّتی ، والذابّ عن ملَّتی».

وقال له : «أَنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأنت معی».

وقال له : «أنا عند الحوض، وأنت معی».

وقال له : «أنا أوّل من یدخل الجنّة، وأنت معی تدخلها والحسن والحسین وفاطمة علیهم السلام» .

وقال له : «إنّ اللّه تعالی قد أوحی إلیّ بأن أقُومَ بفضلک، فقمت به فی الناس

ص :76


1- التوبة (9) : 3.

وبلّغتهم ما أمرنی اللّه بتبلیغه» .

وقال له : «اتّقِ الضغائن التی [ لک ] فی صدور من لا یظهرها إلاّ بعد موتی ، أُولئک یلعنهم اللّه ویلعنهم اللاّعنون» .

ثمّ بکی صلی الله علیه و آله وسلم ، فقیل : ممّ بکاؤک یا رسول اللّه ؟

قال : «أخبرنی جبرئیل علیه السلام أنّهم یظلمونه ، ویمنعونه حقّه ، ویقاتلونه ویقتلون ولده ویظلمونهم بعده ؛ وأخبرنی جبرئیل عن اللّه تعالی أنّ ذلک الظلم یزول إذا قام قائمهم ، وعلت کلمتهم ، واجتمعت الأُمّة علی محبّتهم ، وکان الشانئ لهم قلیلاً والکاره لهم ذلیلاً ، وکثر المادح لهم ؛ وذلک حین تغیّر البلاد وضعف العباد وإیاس من الفرج ، فعند ذلک یظهر القائم فیهم» .

قال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «اسمه کاسمی ، واسم أبیه کاسم أبی (1) ، وهو من ولد ابنتی [ فاطمة ] ، یظهر اللّه الحقّ بهم ویخمد الباطل بأسیافهم ، ویتّبعهم الناس راغبا إلیهم وخائفا منهم» .

قال : وسکن البکاء عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال : «معاشر المؤمنین (2) ، أبشروا بالفرج؛ فإنّ وعد اللّه لا یخلف وقضاءه لا یردّ وهو الحکیم الخبیر ، وإنّ فتح اللّه قریب . اللّهمّ إنّهم أهلی ، فأذهِب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهیرا ، اللّهمّ اکلأهم وارعهم، وکن لهم وانصرهم ، وأعزّهم ولا تذلّهم ، واخلفنی فیهم ، إنّک علی ما تشاء قدیر» (3) .

ص :77


1- کذا فی النسخة والمصدر ، وعلّق مصحّح المناقب بقوله : هذه الزیادة لم ترد فی أکثر الروایات ، فمعظم روایات الثقات والحفاظ تنتهی عند قوله : اسمه اسمی ، وعلی تقدیر وجوده فلنقل : الصحیح فیه : اسم أبیه اسم ابنی ؛ أی الحسن ، فصحّف إلی «أبی» أو إنّ الصحیح کان : اسم ابنه اسم ابنیّ، فصحّف ، ویؤیّده ما ورد فی بعض الروایات : کنیته کنیتی.
2- فی المصدر : «الناس».
3- المناقب للخوارزمی : 61 ، الفصل الخامس ، فی بیان أ نّه من أهل البیت ، الحدیث 31.

الحدیث الثامن والخمسون

اشاره

بإسناده إلی الحسن البصری ، عن عبد اللّه قال :. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«إذا کان یوم القیامة یقعد أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علی الفردوس _ وهو جبل قد علا فی الجنّة وفوقه عرش ربّ العالمین ، ومن سفحه تتفجّر أنهار الجنّة وتتفرّق فی الجنان _ وهو جالس علی کرسیّ من نور یجری بین یدیه التسنیم ؛ لا یجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولایته وولایة أهل بیته ، یشرف علی الجنّة ، فیدخل محبّیه الجنّة ومبغضیه النّار» (1) .

أنّه لا یجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولایة علیّ بن أبی طالب وولایة أهل بیته علیهم السلام.

بإسناده إلی أبی القاسم بن جعفر بن محمّد بن أبی عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، عن أبیه جعفر بن محمّد الصادق ، عن أبیه محمّد بن علی الباقر ، عن أبیه، عن جدّه الحسین علیهم السلام قال :.

«سمعت جدّی رسول اللّه صلی الله علیه و آله یقول : من أحبّ أن یحیا حیاتی ویموت میتتی ویدخل الجنّة التی وعدنی ربّی، فلیتولَّ علیّ بن أبی طالب وذرّیّته الطاهرین ، أئمّة الهدی ومصابیح الدجی من بعده؛ فإنّهم لن یخرجوکم من باب الهدی إلی باب الضلالة» (2) .

ص :78


1- المناقب للخوارزمی : 71 ، الفصل السادس فی محبّة الرسول صلی الله علیه و آلهإیّاه... ، ح 48 ؛ ورواه الترمذی 5 : 645 ؛ فضائل الصحابة 2 : 609 و655 ؛ مناقب ابن المغازلی : 122 ؛ أُسد الغابة 4 : 26.
2- المناقب للخوارزمی : 75/55 الفصل السادس : فی محبّة الرسول صلی الله علیه و آله إیّاه ؛ ورواه أبو نعیم فیحلیة الأولیاء 1 : 86 ، والحاکم فی المستدرک 3 : 128 ؛ ومنتخب الدین فی الأربعون حدیثا : 31 _ 32 الحدیث العاشر.

الحدیث الستّون

اشاره

بإسناده أیضا عن عبد اللّه بن الحارث عن علیّ علیه السلام قال :.

«وجعت وجعا فأتیت النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم، فأنامَنی فی مکانه وقام یصلّی ، فألقی عَلَیَّ طرف ثوبه فصلّی ما شاء اللّه ، ثمّ قال : یا بن أبی طالب، قد برأت فلا بأس علیک ، ما سألت اللّه شیئا إلاّ سألت لک مثله ، ولا سألت اللّه شیئا إلاّ أَعطانیه ، إلاّ أ نّه قال : لا نبیّ بعدی» (1) .

الرسول صلی الله علیه و آله یسأل اللّه تعالی لعلیّ علیه السلام کما یسأل لنفسه.

بإسناده عن شهردار بن شیرویه الدیلمی ، بإسناده _ بهذا اللفظ _ عن الخالص الحسن بن علیّ بن محمّد بن علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الناصح علیّ بن محمّد بن علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الثقة محمّد بن علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الرضا علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الأمین موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الصادق جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الباقر محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن الزکی زین العابدین علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن البرّ الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، عن المرتضی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، عن المصطفی محمّد الأمین ، سیّد الأوّلین والآخرین، صلّی اللّه علیهم أجمعین، أ نّه قال لعلیّ بن

ص :79


1- المناقب للخوارزمی : 110/117 ؛ خصائص النسائی : 263/147 ؛ أنساب الأشراف 2 : 112 ؛ ورواه ابن المغازلی فی المناقب : 135/178.

أبی طالب علیه السلام :.

«یا أبا الحسن ، کلِّم الشّمس فإنّها تکلّمک» .

قال علیّ علیه السلام : «السلام علیک یا أیّها العبد المطیع للّه ».

فقالت الشمس : وعلیک السلام یا أمیر المؤمنین وإمام المتّقین وقائد الغرّ المحجّلین ، یا علیّ، أنت وشیعتک فی الجنّة ، یا علیّ، أوّل من تشقّ عنه الأرض محمّد ثمّ أنت ، [ وأوّل من یُحبی محمّد ثمّ أنت ، وأوّل من یُکسی محمّد ثمّ أنت ] ، فانکبّ علیّ ساجدا وعیناه تذرفان بالدموع ، فانکبّ علیه النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم وقال : «یا أخی وحبیبی ، ارفع رأسک فقد باهَی اللّه بک أهل سبع سماوات» (1) .

الحدیث الثانی والستّون

بإسناده أیضا إلی عبد اللّه بن مسعود قال :.

کنت مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقد أضجر (2) وتنفّس الصعداء ، فقلت : یا رسول اللّه ، ما لک تنفَّسُ؟ قال : «یابن مسعود ، نُعیت إلیّ نفسی» قلت : استخلفْ یا رسول اللّه . قال : «من؟» قلت : أبا بکر ، فسکت ثمّ تنفّس ، فقلت : ما لی أراک تنفَّسُ یا رسول اللّه ؟ قال : «نعیت إلیّ نفسی» قلت : استخلف یا رسول اللّه . قال : «من؟» قلت : عمر بن الخطاب ، فسکت ثمّ تنفّس ، فقلت : ما لی أراک تنفّس یا رسول اللّه ؟ قال : «نعیت إلیّ نفسی» قلت : یا رسول اللّه استخلف. قال : «من؟» قلت : علیّ بن أبی طالب ، قال : «أوه! ولن تفعلوا إذا أبدا، واللّه لئن فعلتموه لیدخلنّکم الجنّة» (3) .

ص :80


1- المناقب للخوارزمی : 113/123 الفصل التاسع فی بیان أ نّه أفضل الأصحاب ، و306 _ 307 / 301 و302؛ فرائد السمطین 1 : 184/147، وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 41 : 166 باب ردّ الشمس له وتکلّم الشمس معه علیه السلام ، فراجع.
2- کذا فی النسخة والمناقب والحدیث 209 من فرائد السمطین، ولکن فی الحدیث 212 منه : «کنّا مع النبیّ صلی الله علیه و آلهلیلة وفد الجنّ».
3- المناقب : 114/124 الفصل التاسع فی بیان أ نّه أفضل الأصحاب ؛ مائة منقبة لابن شاذان : 29/10. فرائد السمطین 1 : 267/209 و273/212 حلیة الأولیاء للأصفهانی 1 : 64.

الحدیث الثالث والستّون

اشاره

بإسناده عن علیّ علیه السلام قال :.

لمّا کان لیلة بدر قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من یستقی لنا من الماء؟ فأحجم الناس فقام علیّ علیه السلام فاعتصم بالقربة ثمّ أتی بئرا بعیدة القعر مظلمة فانحدر فیها ، فأوحی اللّه تعالی إلی جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل علیهم السلام: تأهّبوا (1) لنصر محمّد صلی الله علیه و آله وسلم وحزبه ، فنزلوا من السماء [ و ] لهم لغط یذعر (2) مَنْ سمعه ، فلمّا مرّوا بالبئر سلّموا علیه من أوّلهم إلی آخرهم إکراما وتبجیلاً (3) .

حدیث استقاء أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة بدر ونزول الملائکة لنصرته ، وتسلیمهم علیه ، إکراما وتبجیلاً.

بإسناده عن جابر بن عبد اللّه قال :. سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول :

«أوّل من یدخل الجنّة من النبیّین والصدّیقین علیّ بن أبی طالب» .

فقام إلیه أبو دجانة فقال : ألم تخبرنا عن اللّه سبحانه أ نّه أخبرک أنّ الجنّة محرّمة علی الأنبیاء حتّی تدخلها أنت ، وعلی الأُمم حتّی تدخلها أُمّتک؟!

قال : «بلی ، ولکن أما علمت أنّ حامل لواء الحمد أمامهم؟! وعلیّ بن أبی طالب حامل لواء الحمد یوم القیامة بین یدیّ ؛ یدخل الجنّة وأنا علی أثره» .

فقام علیّ علیه السلام وقد أشرق وجهه سرورا وهو یقول : «الحمد للّه الذی شرّفنا بک یا رسول اللّه » (4) .

ص :81


1- تأهّب : استعدّ.
2- اللغط : الأصوات المبهمة المختلطة ، والذعر : الخوف والفزع.
3- المناقب للخوارزمی : 308/303 الفصل التاسع عشر فی فضائل له شتّی ؛ فضائل الصحابة 2 : 613 ؛ تاریخمدینة دمشق (ترجمة الإمام علی علیه السلام) 2 : 359/861 ؛ فرائد السمطین 1 : 230/179 ، الفصل التاسع عشر فی فضائل له شتّی.
4- المناقب للخوارزمی : 317/318 ، الفصل التاسع عشر فی فضائل له شتّی ؛ مائة منقبة : 81/49.

الحدیث الخامس والستّون

اشاره

بإسناده أیضا عن عبد اللّه بن مسعود قال :. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«لمّا أن خلق اللّه تعالی آدم ونفخ فیه من روحه ، عطس آدم فقال : الحمد للّه ، فأوحی اللّه تعالی : حمدنی عبدی ، وعزّتی وجلالی لولا عبدان أُرید أن أَخلُقَهُما فی دار الدنیا ما خلقتک . قال : إلهی! فیکون منّی؟ قال : نعم یا آدم ، ارفع رأسک وانظر ، فرفع رأسه فإذا مکتوب علی العرش : لا إلهَ إلاّ اللّه ، محمّد نبیُّ الرحمةِ ، وعلیّ مقیم الحجّة ، من عرف حقَّ علیٍّ زکا وطابَ ، ومن أنکر حقَّهُ لُعن وخاب . أقسمت بعزّتی أَنْ أُدْخِلَ الجنّةَ مَنْ أطاعَهُ وإن عصانی ، وأَقسَمْتُ بعزّتی أُدْخِلُ النار مَنْ عصاه وإن أطاعَنِی» (1) .

أنّه مکتوب علی العرش :

بإسناده إلی زید بن علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علیّ بن أبی طالب[ علیهم السلام ] قال :.

«قال النبیّ صلی الله علیه و آله یوم فتحت خیبر : لولا أن تقول فیک طوائف من أُمّتی ما قالت النصاری فی عیسی بن مریم ، لقلت فیک الیوم مقالاً لا تمرُّ علی ملأ من المسلمین إلاّ أَخذوا من تراب رجلیک وفضل طهورک یستشفون به ، ولکن حسبک أن تکون منّی [ وأنا منک ، وترثنی وأرثک ، وأنت منّی ]بمنزلة هارون من موسی إلاّ أ نّه لا نبیَّ بعدی . أنت تؤَدّی دینی وتقاتل علی سنّتی ، وأنت فی الآخرة أقرب الناس منّی ، وأنت غدا علی الحوض خلیفتی ، تذود عنه المنافقین ، وأنت أَوَّل من یرد علیّ الحوض ، وأنت أوّل داخلٍ الجنّة من أُمّتی . وإنَّ شیعتک علی منابر من نور رواء

ص :82


1- المناقب للخوارزمی : 318/320 ، الفصل التاسع عشر فی فضائل له شتّی ؛ مائة منقبة : 82/50.

مرویّین ، مُبیضّة وجُوهُهُم حولی ، أشفع لهم فیکونون غدا فی الجنّةِ جیرانی ، وإنّ أعداءک غدا ظماء مظمئین ، مسودّة وجوههم مقمحین . حربک حربی ، وسلمک سلمی ، وسرّک سرّی ، وعلانیتک علانیتی ، وسریرة صدرک کسریرة صدری ، وأنت باب علمی ، وإنّ ولدک ولدی ، ولحمک لحمی ، ودمک دمی ، وإنّ الحقّ معک ، والحقّ علی لسانک وفی قلبک وبین عینیک ، والإیمان مخالط لحمک ودمک کما خالط لحمی ودمی ، وإنّ اللّه أَمرنی أَن أُبشّرک أنّک وعترتک فی الجنّة ، وأنّ عدوّک فی النار ، لا یرد علیّ الحوض مبغض لک ، ولا یغیب عنه محبٌّ لک» .

قال : قال علیٌّ : «فخررت له سبحانه وتعالی ساجدا وأحمده علی ما أَنعم به علیّ من الإسلام والقرآن ، وحبّبنی إلی خاتم النبیّین وسیّد المرسلین صلی الله علیه و آله وسلم» (1) .

الحدیث السابع والستّون

بإسناده إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام قال :.

«قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لمّا دخلت الجنّة رأَیت شجرة تحمل الحلیّ والحلل ، أسفلها خیل بلق ، وأوسطها حورٌ عین ، وفی أعلاها الرضوان . قلت : یا جبرئیل ، لمن هذه الشجرة؟ قال : هذه لابن عمّک أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ؛ إذا أمر اللّه الخلیقة بالدخول إلی الجنّة یُؤتی بشیعة علیّ حتّی یُنتهی بهم إلی هذه الشجرة ، فیلبسون الحلیَّ والحلل ، ویرکبون الخیل البلق ، وینادی منادٍ : هؤلاء شیعة علیّ بن أبی طالب ، صبروا فی الدنیا علی الأذی فحُبوا الیوم» (2) .

ص :83


1- المناقب للخوارزمی : 128 _ 129/143 ؛ الفصل الثالث عشر فی بیان رسوخ الإیمان فی قلبه ؛ ورواه ابن المغازلی فی مناقبه : 237 ؛ وروضة الواعظین 1 : 112 عن جابر بن عبد اللّه ؛ بحار الأنوار37 : 272 ذیل الحدیث 41 ، عن کنز الکراجکی.
2- المناقب للخوارزمی : 73/52 الفصل السادس فی محبّة الرسول صلی الله علیه و آله إیّاه ؛ مائة منقبة 171/96.

الحدیث الثامن والستّون

اشاره

بإسناده إلی عبد اللّه بن مسعود قال :. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«أَوّل من اتّخذ علیّ بن أبی طالب أخا من أهل السماء : إسرافیل ، ثمّ میکائیل ، ثمّ جبرئیل ، وأوّل من أحبّه من أهل السماء : حملة العرش ، ثمّ رضوان خازن الجنان ، ثمّ ملک الموت . وإنّ ملک الموت یترحّم علی محبّی علیّ بن أبی طالب کما یترحّم علی الأنبیاء علیهم السلام» (1) .

أوّل من اتّخذ علیّ بن أبی طالب أخا من أهل السماء إسرافیل ، ثمّ وأنّ ملک الموت یترحّم علی محبّیه کما یترحّم علی الأنبیاء علیهم السلام.

بإسناده عن أنس قال :. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ یعنی فی النوم _ :

«یا أنس، ما حملک علی أن لا تؤدّی ما سمعت منّی فی علیّ بن أبی طالب حتّی أدرکتک العقوبة؟! ولولا استغفار علیّ بن أبی طالب علیه السلام لک ، ما شممت رائحة الجنّة أبدا ، ولکن انشر فی بقیّة عمرک : أنّ علیّا وذرّیّته ومحبّیهم السابقون الأوّلون إلی الجنّة ، وهم جیران اللّه وأولیاء اللّه : حمزة وجعفر والحسن والحسین ، وأَمّا علیٌّ فهو الصدّیق الأکبر لا یخشی یوم القیامة من أحبّه» (2) .

الحدیث التاسع والستّون

بإسناده إلی جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن علیٍّ علیهم السلام قال :.

«قال النبیُّ صلی الله علیه و آله وسلم : لمّا أُسری بی إلی السماء ثمّ من السماء إلی السماء إلی سدرة المنتهی ووقفت بین یدی ربّی عز و جل فقال لی : یا محمّد ، قلت : لبّیک وسعدیک ، قال : قد بلوت خلقی ، فأیّهم رأیت أطوع لک؟

ص :84


1- المناقب للخوارزمی : 71 _ 72/49 الفصل السادس فی محبّة الرسول صلی الله علیه و آله إیّاه ؛ مائة منقبة : 132/64.
2- المناقب للخوارزمی : 72/50 الفصل السادس فی محبّة الرسول إیّاه ؛ مائة منقبة : 164/89 .

قال : قلت : ربِّ علیّا .

قال : صدقت یا محمّد ، فهل اتَّخذت لنفسک خلیفة یؤدّی عنک ویعلّم عبادی من کتابی ما لا یعلمون؟

قال : قلت : اِختر لی فإنّ خیرتک خیرتی .

قال : قد اخترت لک علیّا؛ فاتّخذه لنفسک خلیفةً ووصیّا ، ونحلته علمی وحلمی، وهو أمیر المؤمنین حقّا ، لم ینلها أحدٌ قبله ولیس لأحدٍ بعده . یا محمّد ، علیٌّ رایة الهدی، وإمام مَنْ أطاعنی ، ونور أولیائی ، وهو الکلمة الّتی ألزمتها المتَّقین ، من أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أَبغضه فقد أبغضنی ، فبشِّرهُ بذاک یا محمّد .

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : قلت : ربِّ قد بشّرته ، فقال علیٌّ علیه السلام : أنا عبد اللّه وفی قبضته ، إن یعاقبنی فبذنوبی؛ لم یظلمنی شیئا ، وإن تمّم لی وعدی فاللّه مولای . قال : أجل .

[ قال : قلت : یا ربّ ] واجعل ربیعة الإیمان به ، قال : قد جعلت به ذلک یا محمّد ، غیر أنّی مختصّه بشیءٍ من البلاء لم أخصَّ به أحدا من أولیائی . قال : قلت : ربّی ، أخی وصاحبی؟ قال : وقد سبق فی علمی أ نّه مبتلی ، ولولا علیٌّ لم یعرف حزبی ولا أولیائی» (1) .

الحدیث الحادی والسبعون

بإسناده إلی حبّة العرنی ، قال :. لمّا نزل علیٌّ صلوات اللّه علیه _ متوجّها إلی صفین _ بمکان یقال له «البلیخ» (2) علی جانبِ الفُراتِ ، نَزَلَ راهبٌ من صومعته فقال لعلیٍّ علیه السلام :

ص :85


1- المناقب : 303/299 فی فضائل له شتّی ؛ ورواه الحموینی فی فرائد السمطین 1 : 268 / 210 ؛ أمالی الطوسی 343 ، المجلس 12 ، ح 705 / 45 ، وص 353 / ح 733 / 73 باختلاف یسیر.
2- البلیخ : اسم نهرٍ بالرقّة یجتمع فیه الماء من عیون... ویتشعّب من ذلک الموضع أنهار تسقی بساتین وقری ، ثمّ تصبّ فی الفرات تحت الرقّة بمیل. معجم البلدان 1 : 293.

إنّ عندنا کتابا توارثناه عن آبائنا ، کتَبَهُ أصحابُ عیسی علیه السلام ، أعرضه علیک؟

قال علیّ علیه السلام : نعم ، فما هو؟

قال الراهب :

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم

الذی قضی فیما قضی ، وسطَّر فیما کتب : أ نّه باعث فی الأُمّیّین رسولاً منهم یعلّمهم الکتاب والحکمة ویدلُّهُمْ علی سبیل اللّه ، لا فظّ ولا غلیظ ولا صخّابٌ (1) فی الأسواق ، ولا یجزی بالسیّئة السیّئة ولکن یعفو ویصفح ، أُمّتهُ الحمّادون الذین یحمدون اللّه تعالی علی کلّ نشزٍ (2) ، وفی کلّ صعود وهبوط (3) ، تذلّ (4) ألسنتهم بالتهلیل والتکبیر ، وینصره اللّه علی کلِّ من ناواه فإذا توفّاه اللّهُ اختلفت أُمَّته ثمّ اجتمعت فلبث بذلک ما شاء اللّه ، ثمّ اختلفت ، ثمّ یَمُرُّ رَجُلٌ من أُمّتِهِ بشاطئ هذا الفرات یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر، ویقضی بالحقّ ، ولا یوکس (5) الحکم ، الدنیا أهون علیه [ من الرماد فی یوم عصفت به الریح ، والموت أهون علیه ] من شرب الماء علی الظماء ، یخاف اللّه فی السرّ وینصح له فی العلانیة ، لا یخاف فی اللّه لَوْمَة لائم ، فمن أدرک ذلک النبی من أهل هذه البلاد فآمَنَ به کان ثوابه رضوان والجنّة ، ومن أَدْرَک ذلک العبد الصالح فلینصره فإنّ القتل معه شهادة .

قال : فبکی علیٌّ علیه السلام ثمّ قال : «الحمد للّه الذی لم یجعلنی عنده منسیّا ، الحمد للّه الذی ذکرنی عنده فی کتب الأبرار» .

فمضی الراهب معه وکان _ فیما ذکروا _ یتفدّی مع أمیر المؤمنین ویتعشّی حتّی

ص :86


1- الصخّاب : الشدید الصیاح.
2- النشز _ بالفتح والتحریک _ : المتن المرتفع من الأرض.
3- الصعود والهبوط: ما ارتفع وما انخفض من الأرض.
4- تذلّ : من الذلّ _ بالکسر والضمّ _ : اللین.
5- الوکس: النقص، وفی بعض نسخ المناقب: «لا یرکس الحکم» والرکس: ردّ الشیء مقلوبا.

أُصِیبَ بصفّین ، فلمّا خرج الناس یدفنون قتلاهم قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «اطلبوه» فلمّا وجدوه صلّی علیه ودفنه وقال : «هذا منّا أهل البیت» واستغفر له مِرارا (1) .

الحدیث الثانی والسبعون

وروی أنَّ أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام أرسل إلی معاویة رسله :. الطرمّاح وجریر بن عبد اللّه البجلی وغیرهما قبل مسیره إلی صفّین ، وکتب إلیه مرّة بعد أُخری یحتجّ علیه ببیعة أهل الحرمین له ، وسوابقه فی الإسلام ؛ لئلاّ یکون بین أهل العراق وأهل الشام محاربة ، ومعاویة یعتلّ بدم عثمان ویستغوی بذلک جُهّال أهل الشام وأجلاف العرب ، ویستمیل طلبة الدنیا بالأموال والولایات ، وکان یشاور فی أثناء ذلک ثقاته وأهل مودّته وعشیرته فی قتال علیٍّ علیه السلام .

فقال له أخوه عتبة : هذا أمر عظیم ، لا یتمّ إلاّ بعمرو بن العاص؛ فإنّه قریع زمانه فی الدهاء والمکر ، یَخْدَع ولا یُخْدَع ، وقلوب أهل الشام مائلة إلیه ، فقال له معاویة : صدقت [ واللّه ] ، ولکنّه یحبُّ علیّا فأخاف أن لا یجیبنی ، فقال : اخدعه بالأموال ومصر .

فکتب إلیه معاویة :

من معاویة بن أبی سفیان خلیفة عثمان بن عفّان _ إمام المسلمین وخلیفة رسول ربِّ العالمین ، ذی النورین ، ختن المصطفی علی ابنتیه ، وصاحب جیش العسرة ، وبئر رومة ، المعدوم الناصر ، الکثیر الخاذل ، المحصور فی منزله ، المقتول عطشا وظلما فی محرابه ، المعذَّب بأسیاف الفسقة _ إلی عمرو بن العاص ، صاحب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وثقته، وأمیر عسکره بذات السلاسل ، المعطّم رأیه ، المفخّم تدبیره .

ص :87


1- المناقب للخوارزمی : 242 ، فی قتاله أهل الشام ؛ وقعة صفین : 147.

أمّا بعد ، فلن یخفی علیک احتراق قلوب المؤمنین وما أُصیبوا به من الفجیعة بقتل عثمان، وما ارتکب به جاره حسدا وبغیا _ بامتناعه عن نصرته، وخذلانه إیّاه، وإشلائه الغارة علیه حتّی قتلوه فی محرابه _ فیا لها من مصیبة عمّت جمیع المسلمین ، وفرضت علیهم طلب دمه ممّن قتله ، وأنا أدعوک إلی الحظّ الأجزلِ من الثواب ، والنصیب الأَوفَرِ من حسن المآب بقتالِ من آوی قتلة عثمان ، رضی اللّه عنه وأرضاه ، وأسکنه جنّة المأوی .

فکتب إلیه عمرو بن العاص :

من عمرو بن العاص ، صاحب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی معاویة بن أبی سفیان . أمّا بعد ، فقد وصل کتابک فقرأته وفهمته ، فأمّا ما دعوتنی إلیه من خلع ربقة الإسلام من عنقی، والتهوّر فی الضلالة معک ، وإعانتی إیّاک علی الباطل ، واختراط السیف علی وجه علیّ بن أبی طالب وهو أخو رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، ووصیّه، ووارثه، وقاضی دینه ، ومنجز وعده ، وزوج ابنته سیّدة نساء أهل الجنّة ، وأبو السبطین : الحسن والحسین سیّدی شباب أهل الجنّة ، فلن یکن .

وأمّا ما قلت : إنّک خلیفة عثمان فقد صدقت ، ولکن تبیّن الیوم عزلک عن خلافته ، وقد بویع لغیرک ، فزالت خلافتک .

وأمّا ما عظّمتنی به ونسبتنی إلیه من صحبة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنّی صاحب جیشه ، فلا أغترُّ بالتزکیة ، ولا أَمِیلُ بها عن الملّة .

وأمّا ما نسبت [ أبا الحسن ] أخا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ووصیّه إلی الحسد والبغی علی عثمان ، وسمّیت الصحابة فسقة ، وزعمت أ نّه أشلاهم علی قتله ، فهذا کذبٌ وغوایة .

وَیْحَک یا معاویة ! أما علمت أنّ أبا الحسن بَذَلَ نفسه بین یدی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، و بات علی فراشه ، و هو صاحب السبق إلی الإسلام و الهجرة ؟! و قد قال فیه رسول اللّه :

«هو منِّی وأنا منه ، وهو مِنّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أ نّه لا نبیّ بعدی».

ص :88

وقد قال یوم غدیر خم : «ألا من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وهو الذی قال فیه علیه السلام یوم خیبر : «لأُعطینَّ الرایة غدا رجلاً یحبّ اللّهَ ورسوله ویُحِبُّه اللّهُ ورسوله».

وهُوَ الذی قال فیه یوم الطیر : «اللهمّ آتینی بأحبِّ خلقک إلیک» فلمّا دخل علیه قال : «إلیَّ ، إلیَّ».

وقال فیه یوم النضیر : «علیٌّ إمام البررة، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله».

وقد قال فیه : «علیٌّ ولیّکم بعدی».

وأکَّد القول عَلیَّ وعلیک وعلی جمیع المسلمین وقال :

«إنّی مخلف فیکم الثقلین : کتاب اللّه وعترتی».

وقد قال : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها» .

وقد علمت یا معاویة ، ما أنزل اللّه تعالی فی کتابه من الآیات المتلوّات فی فضائله التی لا یشرکه فیها أحد ، کقوله : «یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ یَخَافُونَ یَوْمًا کَانَ شَرُّهُو مُسْتَطِیرًا» (1) ، و «إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُو وَالَّذِینَ ءَامَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَوةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَوةَ وَهُمْ رَ کِعُونَ» (2) ، و «أَفَمَن کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِی وَ یَتْلُوهُ شَاهِدٌ» (3) ، و «مِّنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَ_هَدُواْ اللَّهَ عَلَیْهِ» (4) ، وقد قال تعالی لرسوله صلی الله علیه و آله وسلم : «قُل لاَّ أَسْ_?لُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی» (5) .

ص :89


1- الإنسان (76) : 7.
2- المائدة (5) : 55.
3- هود (11) : 17.
4- الأحزاب (33) : 23.
5- الشوری (42) : 23.

وقد قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أما ترضی أَن یکون سلمک سلمی وحربک حربی وتکون أخی وولیّی فی الدنیا والآخرة ؟! یا أبا الحسن ، من أحبّک فقد أحبّنی ، ومن أَبغضک فقد أَبغضنی ، ومن أَحبّک أدخله اللّه الجنّة ، ومن أبغضک أدخله اللّه النار» .

وکتابک _ یا معاویة _ الذی هذا جوابه لیس ممّا ینخدع من له عقل أو دین . والسلام .

ثمّ کتب إلیه معاویة یعرض علیه الأموال والولایات ، وکتَبَ فی آخر کتابه :

جهلتَ ولم تعلَمْ محلَّکَ عندنافأرسلتَ شیئا من خطابٍ وما تدری

فثقْ بالذی عندی لک الیوم آنقامن العزّ والإکرام والجاه والقدر

فأکتب عهدا ترتضیه موکّداوأُشفِعه بالبذل منّی وبالبرّ

فکتب إلیه عمرو بن العاص :

أبی الْقَلْبُ مِنِّی أن أُخادعَ بالمکر بقتل ابن عفّان أُجرّ إلی الکفرِ

وإنّی لَعمرو ذو دهاءٍ وفِطنةٍ ولستُ أبیعُ الدینَ بالربحِ والدفرِ

فلو کنتُ ذا عقلٍ ورأیٍ وحیلةٍ لقلتُ لهذا الشیخ إن خاضَ فی الأمرِ

تحیّةَ منشورٍ جلیلٍ مکرّمٍ بخطٍّ صحیح ذی بیانٍ علی مصرِ

ألیس صغیرا ملکُ مصر ببیعةٍهی العارُ فی الدنیا علی العقبِ من عمرو

فإن کنت ذا میلٍ شدیدٍ إلی العُلی وإمرةِ أهلِ الدین مثل أبی بکرِ

فاشرکْ أخا رأیٍ وعزمٍ وحیلةٍمعاویَ فی أمرٍ جلیلٍ من الذکرِ

فإنَّ دواءَ اللیث صعبٌ علی الوری وإن غابَ عمرو زید شرٌّ إلی شرٍّ

فکتب معاویة منشور مصر ، ونفذه إلیه .

وبقی عمرو متفکّرا لا یدری ما یصنع حتّی ذهب عنه النوم وقال :

ص :90

تطاول لیلی بالهمومِ الطوارقِفصافحتُ من دهری وجوه البوائقِ

أ أخدعه والخدع فیه سجیّةأم أعطِیه من نفسی نصیحةَ وامقِ

أم أقعد فی بیتی وفی ذاک راحةٌلشیخ یخاف الموتَ فی کلِّ شارق

فلمّا أصبح دعا مولاه وردان _ وکان عاقلاً _ فشاوره فی ذلک .

فقال وردان : إنّ مع علیٍّ آخرةً ولا دنیا معه ، [ وهی التی تبقی لک وتبقی لها ] ، و مع معاویة دنیا ولا آخرة معه ، وهی التی لا تبقی علی أحد ، فانظر لنفسک أیّهما تختار؟

فتبسّم عمرو وقال :

یا قاتَلَ الله وردانا وفطنتَهُلقد أصابَ الذی فی القلبِ وردانُ

لمّا تعرّضت الدنیا عرضت لها بحرص نفسی وفی الأطباع إدهانُ

نفسی تعفّ وأُخری الحرص یغلبهاوالمرءُ یأکلُ تبنا وهو غرثانُ

أمّا علیٌّ فدین لیس تشرِکُهدنیا وذاک له دنیا وسلطانُ

فاخترت من طمعی دنیا علی بصری وما معی بالذی أختارُ برهانُ

إنّی لأعرف ما فیها وأُبصره وفیَّ أَیضا لما أهواه ألوانُ

لکنّ نفسی تُحِبُّ العیشَ فی شرفٍولیس یرضی بذلّ النفسِ إنسانُ

ثمّ إنّ عمرا رحل إلی معاویة، فمنعه ابنه عبد اللّه ووردان فلم یسمع ، فلمّا بلغ مفرق الطریقین : طریق العراق وطریق الشام ، قال له وردان : طریق العراق طریق الآخرة ، وطریق الشام طریق الدنیا ، فأیّهما تسلک؟ قال : طریق الشام (1) .

الحدیث الثالث والسبعون

بإسناده إلی واثلة بن الأسقع قال :. لمّا جمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علیّا وفاطمة والحسن

ص :91


1- المناقب للخوارزمی: 198_202، فیقتاله أهل الشام؛ وروی نحوه نصر بن مزاحم فی وقعة صفّین:34 وما بعدها.

والحسین علیهم السلام تحت ثوبه قال :

«اللهمّ قد جعلت صلواتک ورحمتک ومغفرتک ورضوانک علی إبراهیم وآل إبراهیم ، اللهمّ إنّهم منّی وأنا منهم ، فاجعل صلواتک ورحمتک ومغفرتک ورضوانک علیّ وعلیهم» .

فقال واثلة : وکنت واقفا علی الباب ، فقلت : وعلیَّ یا رسول اللّه ، بأبی أنت وأُمّی! قال : «اللهمّ وعلی واثلة» (1) .

الحدیث الرابع والسبعون

اشاره

بإسناده إلی علقمة والأسود عن عائشة قالت :.

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ وهو فی بیتی لمّا حضره الموت _ : «ادْعُوا لی حبیبی» فدعوت أبا بکر ، فنظر إلیه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ وضع رأسه، ثمّ قال : «ادْعُوا لی حبیبی» فقلت : ویلکم! ادعوا له علیّ بن أبی طالب فواللّه ما یرید غیره ، فلمّا رآه [ استوی جالسا ]وفرّج الثوب الذی کان علیه ، ثمّ أدخله فیه فلم یزل یحتضنه حتّی قبض ویده علیه (2) .

فی قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وهو یحتضن أمیر المؤمنین علیه السلام ، بروایة عائشة.

بإسناده إلی أبیعلقمة مولی بنی هاشم قال :. صلّی بنا الرسول صلی الله علیه و آله وسلم الصبح ، ثمّ التفت إلینا فقال :

«معاشر أصحابی ، رأیت البارِحَةَ عمّی حمزة بن عبد المطّلب وأخی جعفر بن أبی طالب ، وبین أیدیهما طبق من النِبْق (3) ، فأکلا ساعة ، ثمّ تحوّل النبق عنبا فأکلا

ص :92


1- المناقب للخوارزمی : 63/32 الفصل الخامس فی بیان أ نّه من أهل البیت ، ورواه الحموینی فی فرائد السمطین 1 : 33 / 12.
2- المناقب للخوارزمی : 68/41 فی محبّة الرسول إیّاه ؛ أمالی الطوسی : 332 ، ح 665/5.
3- النِبْق والنَبَقُ : ثمرة السدر.

ساعة ، فتحوّل العنب رُطَبا فأکلا ساعة ، فدنوت منهما ، فقلت : بأبی أنتما وأُمّی ، أیّ الأعمال وجدتما أفضل؟ قالا : فدیناک بالآباءِ والأُمَّهاتِ ، وَجَدْنا أفضل الأعمال : الصلاة علیک ، وسقی الماء ، وحبَّ علیّ بن أبی طالب» (1) .

الحدیث السادس والسبعون

اشاره

بإسناده إلی أنس بن مالک قال :. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

«یا أنس ، اسکب لی وضوءا» ثمّ قام فصلّی رکعتین، ثمّ قال : «یا أنس ، أَوّل من یدخل علیک من هذا الباب أمیر المؤمنین، وسیّد المسلمین، وقائد الغرّ المحجّلین، وخاتم الوصیّین» .

قال [ أنس ] : قلت : اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار _ وکتمته _ إذ جاء علیّ ، فقال : «من هذا یا أنس؟» فقلت : علیّ بن أبی طالب ، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثمّ جعل یمسح عرق وجهه [ ویمسح عرق وجه ] علیٍّ عن وجهه .

فقال علیٌّ : «یا رسول اللّه ، لقد رأیتک صنعت شیئا ما صنعته بی [ من ] قبل!».

قال : «وما یمنعنی وأنت تؤدّی عنّی، وتسمعهم صوتی ، وتبیّن لهم ما اختلفوا فیه من بعدی؟!» (2) .

حدیث الوصایة بروایة أنس بن مالک.

بإسناده عن زرّ بن حبیش قال :. قرأت القرآن من أوّله إلی آخره فی مسجد الجامع بالکوفة علی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام، فلمّا بلغت «الحوامیم» قال لی أمیر المؤمنین : «قد بلغت عرائس القرآن» فلمّا بلغت رأس العشرین من

ص :93


1- المناقب للخوارزمی : 73 _ 74/53 فی محبة الرسول إیّاه.
2- المناقب للخوارزمی : 85/75 ، فی بیان غزارة علمه ؛ حلیة الأولیاء لأبی نعیم الأصفهانی1 : 63 ؛ ورواه أیضا الحموینی فی فرائد السمطین 1 : 145 / 113 ؛ ومناقب محمّد بن سلیمان 1 : 391 / 313 وص 430 / 335.

سورة «حم عسق» «وَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فِی رَوْضَ_اتِ الْجَنَّ_اتِ لَهُم مَّا یَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَ لِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ» (1) بکی [ حتّی ارتفع نحیبه ] ، ثمّ رفع رأسه إلی السماء وقال : «یا زرّ ، أمِّن علیّ دعائی» ثمّ قال :

«اللهمّ إنّی أسألک إخبات المخبتین ، وإخلاص الموقنین ، ومرافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإیمان ، والغنیمة من کلّ برّ ، والسلامة من کلّ إثمٍ ، ووجوب رحمتک ، وعزائم مغفرتک ، والفوز بالجنّة ، والنجاة من النار . یا زرّ ، إذا ختمت القرآن فادعُ بهذا ، فإنّ حبیبی رسول اللّه صلی الله علیه و آله أمرنی أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن» (2) .

الحدیث الثامن والسبعون

بإسناده إلی ابن نافع ، عن أبی مطر قال :. خرجت من المسجد ، فإذا رجلٌ ینادی :

«اِرفع إزارک فإنّه أنقی من ثوبک [ لک ] (3) وخذ من رأسک إن کنت مسلما» .

فمشیت خلفه وهو مؤزّر بإزار ، مرتدٍ برداءٍ ، ومعه الدِرّة ، کأنّه أعرابیٌّ بدویٌّ .

فقلت : من هذا؟ فقال لی رجل : أراک غریبا بهذا البلد ! قلت : أجل ، رجل من أهل البصرة . قال : هذا علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین علیه السلام .

فسار حتّی انتهی إلی دار بنی أبی معیط _ وهو سوق الإبل _ فقال : «بیعوا ولا تحلفوا ؛ فإنّ الیمین تنفِّق السلعة ، وتمحق البرکة».

ثمّ أتی أصحاب التمر فإذا خادمة تبکی ، فقال : «ما یبکیک؟» قالت : باعنی هذا الرجل تمرا بدرهم ، فردّه مولای وأبی أن یقبله ، فقال : «خذ تمرک وأعطها درهمها؛ فإنّها خادمة لیس لها أمر» فدفعه .

فقلت : أَتدری من هذا؟ قال : لا. قلت : هذا علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، فصبّ تمره

ص :94


1- الشوری (42) : 22.
2- المناقب : 85 _ 86/76 ، فی بیان غزارة علمه ؛ وأورده السیوطی فی الدرّ المنثور 6 : 5.
3- فی أکثر المصادر : «فإنّه أنقی لثوبک وأتقی لک».

وأعطاها درهمها وقال : یا مولای، أُحبّ أن ترضی عنّی ! قال : «ما أرضانی عنک إذا أوفیتهم حقّهم!» .

ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التمر فقال : «یا أصحاب التمر ، أطعموا المساکین فیربو کسبکم» .

ثمّ مرّ مجتازا ومعه المسلمون حتّی أتی أصحاب السمک فقال : «لا یباع فی سوقنا طافی» (1) .

ثمّ أتی دار فرات _ وهو سوق الکراریس _ فقال لشیخ : «یا شیخ ، أحسن بیعی فی قمیصی بثلاثة دراهم» فلمّا عرفه لم یشترِ منه شیئا ، ثمّ أتی آخر ، فلمّا عرفه لم یشترِ منه ، فأتی غلاما حدثا ، فاشتری منه قمیصا بثلاثة دراهم، ولبسه ما بین الرسغین (2) إلی الکعبین ، فقال حین لبسه : «الحمد للّه الذی رزقنی من الریاش ما أتجمّل به فی الناس ، وأُواری به عورتی» .

فقیل له : یا أمیر المؤمنین ، هذا شیءٌ ترویه عن نفسک أو شیءٌ سمعته من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم؟

[ قال : «بلی شیءٌ سمعته من رسول اللّه صلی الله علیه و آلهیقوله عند الکسوة» ] .

فجاء أبو الغلام صاحب الثوب ، فقیل : یا فلان قد باع ابنک الیوم من أمیر المؤمنین قمیصا بثلاثة دراهم ! قال : أفلا أخذتَ منه درهمین؟ فأخذ أبوه درهما وجاء به إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وهو جالس علی باب الرحبة ومعه المسلمون ، فقال : أمسِک هذا الدرهم یا أمیر المؤمنین ، فقال : «ما شأن هذا الدرهم؟» قال : کان ثمن القمیص درهمین ، فقال : «باعنی برضای وأخذه برضاه» (3) .

ص :95


1- الطافی : السمک الذی یموت فی الماء ثمّ یعلو فوق وجهه.
2- الرسغ من الإنسان : مفصل ما بین الساعد والکفّ ، والساق والقدم.
3- المناقب للخوارزمی : 121/136 فی بیان زهده وقناعته ؛ ورواه أحمد فی فضائل الصحابة 1 : 528 ؛ مناقب أمیرالمؤمنین علیه السلام لمحمد بن سلیمان 2 : 60/547 و2 : 603/1103؛ بحار الأنوار 40 :332_333/14.

الحدیث التاسع والسبعون

اشاره

بإسناده إلی سعید بن جبیر ، عن عبد اللّه بن عبّاس قال :.

کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم [ علیلاً ] فی بیته، فغدا علیه علیّ بن أبی طالب علیه السلامالغداة ، وکان یحبّ أن لا یسبقه إلیه أحد ، فدخل فإذا النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم نائم فی صحن الدار ورأسه فی حجر دحیة بن خلیفة الکلبی ، فقال : «السلام علیک ، کیف أصبح رسول اللّه ؟» قال [ دحیة ] : بخیر یا أخا رسول اللّه ، فقال له علیّ علیه السلام : «جزاک اللّه عنّا أهل البیت خیرا».

قال له دحیة : إنّی أُحبّک وإنّ لک عندی مدحة أزفّها إلیک : أنت أمیر المؤمنین وقائد الغرّ المحجّلین ، وأنت سیّد ولد آدم یوم القیامة ما خلا النبیّین والمرسلین ، [ و ] لواء الحمد بیدک یوم القیامة ، تزفّ أنت وشیعتک مع محمّد وحزبه إلی الجنان [ زفّا زفّا ] ، قد أفلح من تولاّک وخسر من عاداک ، بحبّ محمّد أحبّوک ، ومبغضوک لن تنالهم شفاعة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، اُدنُ منّی صفوة اللّه . فأخذ رأس النبیّ صلی الله علیه و آلهفوضعه فی حجره وغاب .

فانتبه النبیّ صلی الله علیه و آله فقال : «ما هذه الهمهمة؟» فأُخبر الحدیث ، فقال : «[ یا علیّ ] لم یکن دحیة الکلبی ، کان جبرئیل علیه السلام ، سمّاک باسمٍ سمّاک اللّه به ، وهو ألقی محبّتک فی صدور المؤمنین ، وهیبتَک (1) فی صدور الکافرین» (2) .

حدیث دحیة الکلبی وذکره لفضائل أمیر المؤمنین علیه السلام حین غدا علی رسول اللّه صلی الله علیه و آلهوکان علیلاً.

بإسناده إلی ابن مسعود قال :. قال رسول اللّه [ صلی الله علیه و آله ] :

«علیّ بن أبی طالب حلقة معلّقة بباب الجنّة ؛ من تعلّق بها دخل الجنّة» (3) .

ص :96


1- فی المصدر : «رهبک».
2- المناقب للخوارزمی : 322 _ 323/329 فی فضائل له شتّی ؛ أمالی الطوسی : 604 ، المجلس 27 ، ح1250/7 ؛ ورواه منتخب الدین فی الأربعون حدیثا : 28 الحدیث الثامن ، باختلاف فی بعض الألفاظ ؛ وابن طاووس فی کتاب الیقین : 44 ، الباب 167 .
3- المناقب للخوارزمی: 324/331 فی فضائل له شتّی؛ ورواه أیضا الحموینیفیفرائد السمطین1 : 180/143.

الحدیث الحادی والثمانون

عن إدریس بن هشام قال :. کنت أغدو إلی جامع الکوفة . . . وذلک بعد مضیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، فإذا أنا برجل قائم یصلّی إلی أُسطوانة فی الجامع وهو یبکی ویتضرّع ویقول : مشهورا فی السماء ، مشهورا فی الأرض ، جهد الخلائق فی إطفاء نورک وإخمال ذکرک ، فأبی اللّه لنورک إلاّ ضیاءً ، ولذکرک إلاّ علوّا !

فدنوت منه وقلت : من أنت؟ ومن هذا الذی تصفه بهذا الوصف؟ فقال : أمّا أنا فعبد اللّه ، وأمّا من أصفه فعلیّ بن أبی طالب علیه السلام .

قلت : إنّ الذی تصفه لعظیم ، فأیّ شیءٍ دلیله عندک؟ وما الذی دعاک أن تقول فیه هذا القول؟

فقال : ما أُبالی ما طرقنی بعده من طوارق الدهر وحوادثه إذ کان لا مندوحة عنه ولا عوض منه . فقلت له : أخبرنی بما عندک لأعلمه . فقال : أوَیغیضُک ذلک أو یرضیک؟ فقلت : بل یرضینی ، فقال : إنّی محدّثک فکن بأیّ حالٍ شئت :

اعلم أنّی رجل من أهل الدسکرة ، وأنّی کنت یهودیّا أحمل من الدسکرة طعاما وأبیعه بالکوفة ، وأنّی حملت فی بعض الأیّام طعاما فلمّا صرت بالنخیلة من الکوفة لیلاً هبّت ریحٌ عظیمة ، فجلست موضعی لتزول الریح وأسیر إلی الکوفة ، فبقیت علی ذلک حتّی هدأت الریح ، فقمت أطلب دوابّی فلم أقف لها علی أثر ، فأیقنت أنّها قد اختلست ، فأقبلت حتّی دخلت الکوفة لیلاً ، وکنت قد قرأت فی التوراة : أ نّه یکون لمحمّد علیه السلام ابن عمّ یسمّی علیّا وأَنه ینزل الکوفة ویردّ الضالّة ، فقلت : واللّه لأقصدنّ الجامع ، فإن یکن هناک ، أستغیث به .

فأتیت الجامع فوجدته فی هذا الموضع قائما یصلّی ، فقلت فی نفسی : کیف أُخرجه من صلاته؟ فلمّا فرغ وبصر بی قال : «ما شأنک یا أخا الیهود؟ هلک طعامک و دوابّک؟» قلت : نعم یا سیّدی ، فقال : «فی النخیلة؟» قلت : نعم ، قال : «امضِ»

ص :97

فخرج وخرجت ، فجعل یمشی وأنا علی أثره حتّی أتی النخیلة ، فوقف هناک ملیّا ثمّ تکلّم ، فسمعت صراخا وضجیجا واستغاثة وقائلاً یقول : لم نعلم یا أمیر المؤمنین ، ولا نعاود إلی مثل ذلک! فقلت : لا شکّ أ نّه یخاطب الجنّ ، فبینا أنا کذلک إذ أبصرت إلی الدوابّ والطعام علیها بحاله .

فقال لی : «سق» فجعلت أسوق وهو بین یدیّ حتّی وافی الکوفة ولم ینفجر الصبح ، فلمّا صرت إلی سوق الطعام قال : «حطّ هاهنا وارتقبنی ولا تبع شیئا حتّی أُوافیک» وترکنی ومضی .

فأصبح الناس وأُقیمت سوق الطعام ، وامتنع الناس عن الشری والبیع ولم یقلب أحد شیئا ممّا فی السوق من الطعام ، واجتمع الناس علیَّ یقولون لی : افتح طعامک وبع حتّی نشتری ، فأقول : لیس لی حاجة إلی البیع ، فیقولون : إنّا لا نشتری شیئا ممّا فی الأسواق ولا یبیع أحد شیئا حتّی تبیع طعامک ، فأقول : إنّ لی شریکا قد أنتظره لیحضر ، فبینا نحن کذلک حتّی أقبل أمیر المؤمنین ، فقام القوم إلیه وأثنوا علیه وقالوا : هل من حاجة؟ قال لهم : «خیرا».

ثمّ قال لی : «أحلل طعامک واجلس ، فإنْ أحببت أکیل أنا وتزن أنت ، وإن أحببت أزن أنا وتکیل أنت» فقلت : لا ، بل تزن أنت وأکیل أنا ، فجعل یزن وأنا أکیل حتّی اکتفی سائر من کان فی السوق من التجّار وغیرهم ، ولم یبع أحد فی ذلک الیوم شیئا من الطعام .

ثمّ إنّ أمیر المؤمنین جمع المال وحمله علی بعض الدوابّ، وکان مقداره ستّین ألف درهم ، والطعام مقدار کرّین .

فقلت له : یا سیّدی ، تأخذ منه شطره فقد جعل اللّه فیه برکة عظیمة ما جعلها لأحد ، فقال : «خذه لک ، فإنّا لا نأخذ علی فعلٍ جزاء».

فرجعت إلی الدسکرة وقد شغلنی قلبی فکره وما رأیت منه .

ثمّ اتّجه لی خروج إلی الشام ، فخرجت بتجارة ، فلمّا دخلت إلی الشام کنت أبیع

ص :98

بها ما معی من المتاع، فإذا جری بینی وبین أحد خلاف قلت : حلفت بحقّ أمیر المؤمنین علیّ ، فلمّا أن رأوا منّی ذلک أهل الشام أدّوه إلی معاویة ، فأرسل إلیّ وقبض علیّ وعلی ما کان معی من المتاع وحبسنی ، فلمّا کان فی اللیل دعانی وقال لی : ویلک! أنت یهودیّ من دسکرة الکوفة ، فأیّ شیءٍ أسداه إلیک علیّ بن أبی طالب حتّی لهجت به وتذکره؟ فقصصت علیه قصّته .

فقال : بلغ کذبکم علی اللّه وادّعاؤکم علیه وکذبکم علی موسی علیه السلام واتّخاذکم العجل من بعده حتّی عدلتم إلی علیّ بن أبی طالب تدّعون له الربوبیّة!!

فقلت له : یا معاویة ، الذی تقوله هزل، إلاّ أنّ ما قلته فی علیّ بن أبی طالب فإنّه جدّ . وقال : وتلک کذلک؟ فقلت : أجل .

فقال لحاجبه : خذه وقیّده وغلّه وأودعه السجن ، ولیکن فی أضیق موضع ، ویعلم أنّ علیّ بن أبی طالب لیس هو کما یصف .

فأخذنی الحاجب وقیّدنی وغلّ یدی إلی عنقی وأودعنی السجن ، فأقمت به لیلتی ، فلمّا کان من الغد دخل علیّ حاجبه فقال لی : إنّ أمیر المؤمنین معاویة یقول لک : اکتب إلی علیٍّ حتّی یخرجک من حبسک کما ردّ علیک ضالّتک!!

فقلت له : إنّک لتقول باطلاً ، ما للمؤمنین أمیر سوی علیّ بن أبی طالب ، فخرج ولم یلبث فرجع وقال للسجّان : خذ ما فی عنقه ورجله من الحدید!

فقلت له : ألیس قد تواعدتنی عن معاویة أ نّه بعثک إلیّ یقول لی : اکتب إلی علیّ بن أبی طالب حتّی یخرجک من السجن کما ردَّ علیک ضالّتک بالکوفة؟!

قال : بعثنی الآن لأُحضرک بین یدیه . فقلت له : أیرید قتلی؟ فقال : لا علم لی .

فخرجت من السجن وأنا أظنّ أنّ معاویة یرید قتلی ، فدخلت علیه فی قصره وإذا له ضجیج وصیاح عظیم ، وهو یدور فی قصره ، وعلیه عوذ بعنقه کبیرة .

فلمّا بصرنی قال : یا یهودیّ ، لک أمانی وقضاء کلّ حاجة تسألنی إن أزلت عنّی ما أجده! فقلت : وما تجد؟ [ قال : ] عسر البول منذ أمرتُ بک إلی السجن!

ص :99

ولم أکن سمعت بشیءٍ یصلح لعسر البول ، فبقیت لا أدری ما أقول ، فقال لی معاویة : عجِّل عَلَیَّ! فقلت لخادم له قائم قد أخذه بیده وهو متّکئ علیه : بُلْ ، یا خادم فی إناءٍ واسْقِ مولاک ، فإنّه یزول!

فقال معاویة للخادم : عجِّل علیّ بما قال ، فلیس هذا من طبّه ، ولا هذا إلاّ من تلقین علیّ بن أبی طالب له ، ولا واللّه ما سمعت هذا الذی قلته من أحد ، وإنّما أردت أن أُکلّمه بما احتجر به عنه ، وأومأ إلی الخادم إلی إناء فضّةٍ وبال فیه وناوله معاویة فشربه ، وإنّه ما استتمّ شرب ذلک حتّی بدر بوله علی أفخاذه وفی ثیابه! فقال : یا لها من فضیحة وشهرة من علیّ بن أبی طالب ، کم أعهد أنّی لا أعرض إلی أحد یذکر علیّا ثمّ أُخالف ذلک! وشاع ذلک فی قصره .

فقال لی معاویة : سل حوائجک وأضف إلیها ما أحببت ، وأنا أسألک أن لا یجری ممّا جری شیءٌ فی العراق علی لسانک ، وإن سألک علیٌّ عن شیءٍ من ذلک فاکتمه .

فقلت له : لم أَرَ رَأیا أعجب من هذا الرأی! یقول: هذا لیس من طبّک ولا هذا إلاّ من فضائح علیّ بن أبی طالب لک وترجع فی ساعتک تقول : لا تبدِ لعلیّ بن أبی طالب من ذلک شیئا ، وهو واللّه یا معاویة أعلم بما جری بینی وبینک منّی ومنک ! فقال معاویة : هو کما قلت یا یهودیّ .

ثمّ إنّه أمر أن یدفع إلیّ ما کان معی من المتاع ووصلنی بعشرین ألف درهم .

فقال أهل الشام ومن بحضرته من بنی أُمیّة : ما رأینا مثل هذا الیهودیّ قدم من العراق إلی الشام إلاّ لیسقی معاویة من بول خادمه ، ویأخذ عشرین ألف درهم ، ویرجع بها ویصیر أُحدوثة بها فی العراق !!

ثمّ إنّ معاویة وکّل بی فأُخرجت من دمشق ، فلمّا دخلت [ کوفة ] ذهبت إلی باب أمیر المؤمنین علیه السلام ، فشرفت بلقائه فی المسجد والناس محدقون به ، فقال لی صلوات اللّه علیه : «من دمشق وافیت؟» قلت : نعم یا أمیر المؤمنین ، فقال : «سقیت معاویة بول خادمه وأخذت جائزته علی ذلک عشرین ألف درهم ، وقد کان عزم

ص :100

علی إیداعک السجن إلی أن تکتب إلیّ فی خلاصک من السجن کما رددتُ إلیک ضالَّتَک» .

فقلت : واللّه یا مولای أنت أعلم بما کان منِّی ومنه !!

فقال : «امضِ إلی أهلک لا أرغم اللّه إلاّ بأنفه» .

فشاع ذلک بالکوفة، وکان الناس یأْتونی ویسألونی عن حدیثه ، فأُخبرهم به .

ثمّ اتّفق لی سفرا إلی البصرة ، فأتیت إلی أمیر المؤمنین فقال لی :

«إِنَّک لتمضی إِلی البصرة، فیکون منک کیْتَ وکیت ، ویجری علیک کیت وکیت ، وأَعظمها محنةً أَنَّک لا تری علیّا بعد وقتک هذا» .

فقلت : یا سیّدی ، لأیّ سخط حال منک علیَّ؟ أم لماذا؟

فقال علیه السلام : «لا سخط علیک ، بل رحلة وغیبة إلی أَجلٍ» .

فقلت : یا سیّدی ، فأمتنع عن قصدی لأشهدک فی ذلک الوقت؛ فهو أسرّ إلی قلبی وأبرّ عندی .

فقال علیه السلام : «امضِ لشأنک موفّقا» .

وقد کان شرح لی أُمورا یطولُ شرحها ، عاینتها ووجدتها کما قال علیه السلام ، ما أخلّ منها شیءٌ !

فلمّا کان من سفری مدّة ستّة أَشْهُرٍ ، قیل بالبصرة : قُتل علیّ بن أبی طالب .

فقلت : إنّ علیّا لا یُقتل ! فدخلت الکوفة وبها کل خارج وخارجة ، فسلّمت جمیع ما حوته یدی إلی أهلی وولدی ، وخرجت عنهم ودخلت الجامع ، وآلیت أن لا أبرح من عند هذه الأُسطوانة حتّی ألحق به ، أفتعنّفنی بما سمعت منِّی ؟!

فقلت له : ما أُعنّفک ، وترکته وانصرفت . فلمّا کان فی الیوم الثالث سمعت النداء : مات فلان الیهودیّ مولی علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فحضرت فیمن حضر ، وصلّی علیه جمیع أهل الکوفة ، ثمّ دفن رحمه الله .

ص :101

الحدیث الثانی والثمانون

عن عبد الواحد بن زید المصری _ رجل من أهل الشیعة _ قال :. کنتُ حاجّا إلی بیت اللّه الحرام [ و ] زائرا لقبر النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فبینا أنا ذات یوم بمدینة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فإذا أنا بجاریة علی نجیب أحمر فی هودج أخضر وهی تقول لأُختها : یا أُختاه ، لا وحقّ العادل فی الرعیّة ، والمعطی بالسویّة ، والناظر فی القضیّة ، بعل فاطمة المرضیّة ، ما کان کیت وکیت .

قال عبد الواحد بن زید : قلت : یا جاریة ، ناشدتک اللّه ، ألا تعلمینی من هذا الفتی؟ قالت : أتشکّ فی فضله؟ قلت : اللهمّ لا .

قالت : واللّهِ وتاللّهِ ، وأیّ فتیً! عظیم التوکل ، شدید القوی ، یقول فصلاً ، ویحکم عدلاً ، وینطق فضلاً ، ینفجر العلم من فیه ، وینطق الحقّ من نواحیه ، عَلَم الأعلام ، ومنار الإیمان ، وإمام الأُمّة ، وراهب الأئمّة ، فاق المسیح ، وعلا ذکره علی کلّ مدیح، هادم الأصنام ، والمتبتّل للصیام ، وکان _ صلوات اللّه علیه _ ذا شرفٍ وکرم، یعجبه من الثیاب قصیره ، ومن الطعام شعیره ، ومن الصیام هجیره ، ومن اللّیل قریره ، وباللّه أحلف علی ما أشرح ، لقد أبصرته فی بعض مواقفه وقد أسدل اللیل ظلامه وغارت نجومه ، وهو قائمٌ فی محرابه قابضٌ علی شیبته وقد خضبها بعبرته ، وهو یتململ کما یتململ السلیم ویتضرّع کما یتضرّع السقیم ، ویعاتب دنیاه فیقول:

«یا دنیا ، غُرّی غیری ، إلیَّ تشوّقت ؟! أم إلیّ تعرّضتِ؟! لا حاجة لی فیکِ ولا طمع لکِ فیَّ . ألا یا طالبَ الدنیا ، قلیلاً قلیلاً ، مهلاً مهلاً ! [ فی ] حلالها واللّهِ حِسابٌ ، و[ فی ] حَرامها عقابٌ . أَما والذی إِلیه یصیر الکلِمُ الطیّب والعَملُ الصّالِحُ یرفعه ، لأصدفنَّ عنکِ أیّ صدوفٍ ، ولأطْوِیَنَّکِ طیّ الصُّحُفِ!» .

قال عبد الواحد بن زید : فوکفتْ دموعی علی خدِّی وقلت : ناشدتُک یا جاریة إلاّ ما أخبرتنی من هذا الفتی؟

قالت : واللّه ذلک لیث بنی غالب الإمام علیّ بن أبی طالب ، صلوات اللّه علیه .

ص :102

قال عبد الواحد بن زید : فقلت لها : یا جاریة ، بمَ استأهل منک هذا الإمامُ مدیحک؟

قالت : کان أبی رجلاً من أصحابه ، قتل یوم صفّین بین یدیه ، فلمّا کانَ ذات یومٍ قال لوالدتی : «کیف أصبحت یا أُمّ الأیتام؟» قالت : بخیر یا أمیر المؤمنین ، فأخرجنا إلیه أنا وأُختی فألحّ بالنظر إلینا وکان قد رکبنا من الجدریّ (1) أمر عظیم ، فلمّا رآنا علیه السلامأنّ لنا وشکا وتمثّل وقال :

وما تأوّهتُ من شیءٍ رُزِئتُ به کما تأوّهتُ للأیتام فی الصِغَر

قد مات والدُهم مَنْ کان یکفُلهم فی النائبات وفی الأسفار والحضر

ثمّ قال : «أدنیهما منّی یا عجوز» فقرّبتنا والدتی إلیه وقد کان واللّه أذهب الجدریّ ببصر عینیّ جمیعا ، فلمّا رآنی مدّ یده علی عینیّ وتفل فیهما ، فوهبهما اللّه لی فشفانی! یا شیخ ، إنّی لأُبصر الجمل الشارد فی اللیلة الظلماء فی البریّة القفراء ، علی مسیر فرسخ أو فرسخین .

قال عبد الواحد بن زید ، فضربت بیدی إلی کمِّی وأخرجتُ شیئا من الذهب والفضّة ، وقلت یا جاریة : استعینی بهذا علی وقتک ، فقالت : إلیک عنّا یا رجل! قد خلّفنا واللّه أکرم سلفٍ علی أفضل خلف .

فقلت : فمن السلف والخلف؟

فقالت : خلّفنا أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علی ولده أبی محمّد الحسن بن علی علیهماالسلام ، ومن کان فی ضیافة الحسن لا یأخذ ممّا فی أیدی الناس !

ثمّ ولّت ، فسألت أُختها عنها ، فقالت : أنا وهی ابنتا عمّار بن یاسر العبسی _ رضوان اللّه علیه _ صاحب رایة رسول اللّه وصاحب أمیر المؤمنین علیهماالسلام (2) .

ص :103


1- الجدریّ _ بضمّ الجیم وفتحها _ : مرض یسبّب بثورا حمرا ببعض الرؤوس ، تنتشر فی البدن وتتقیّح سریعا ، وهو شدید العدوی.
2- روی نحوه منتخب الدین فیالأربعون حدیثا : 76 ، الحکایة الأُولی ؛ وابن شهرآشوب فی المناقب 2 : 334 ؛ وفی بحار الأنوار 33 : 47/392 ، و41 : 220/32 ، عن بشارة المصطفی : 86 _ 87 .

الحدیث الثالث والثمانون

قال سلیم بن قیس :. وحدّثنی أبو ذرّ وسلمان والمقداد ، _ ثمّ سمعته من علیٍّ علیه السلام _ قالوا : إنّ رجلاً فاخر علیّا علیه السلام، فقالَ رسولُ اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعلی علیه السلام:

«یا أخِی ، فاخِرِ العرب ؛ فأنت [ أکرمهم ] ابن عمٍّ، وأکرمهم أبا ، و[ أکرمهم أخا ] ، وأکرمهم نفسا ، وأکرمهم نسبا ، وأکرمهم زوجةً ، وأکرمهم ولدا ، وأکرمهم عمّا ، وأعظمهم غناءً بنفسک ومالک ، وأتمّهم حلما ، وأَقدَمهم سلما ، وأکثرهم علما ، وأنت أقرأهم لکتاب اللّه ، وأَعلمهم بسنن (1) رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأشجعهم قلبا (2) ، وأجودهم کفّا ، [ وأزهدهم فی الدنیا ، وأشدّهم اجتهادا ، وأحسنهم خلقا ] ، وأصدقهم لسانا ، وأحبّهم إلی اللّه عز و جلوإلیَّ .

وستبقی بعدی ثلاثین سنة تعبد اللّه وتصبر علی ظلم قریش ، ثمّ تجاهد فی سبیل اللّهِ إذا وجدت أَعوانا ؛ تقاتل علی القرآن _ کما قاتلت [ معی ] علی تنزیله _ [ الناکثین والقاسطین والمارقین من هذه الأُمّة ] ، ثمّ تقتل شهیدا ، تخضب لحیتک من دم رأسک ، قاتِلُک یعدل عاقر الناقة فی البغض [ إلی اللّه ] والبعد من اللّه ومنّی ، ویعدل قاتلَ یحیی بن زکریّا ، وفرعونَ ذا الأوتاد» .

قال أبان : وحدّثت بهذا الحدیث الحسن البصری عن أبی ذرّ وسلمان ، فقال : صدق سلمان وصدق أبو ذرّ ، لعلی بن أبی طالب علیه السلامالسابقة فی الدین والعلم و[ الحکمة والفقه ، وفی الرأی والصحبة ، وفی الفضل ، وفی البسطة ، وفی العشیرة ، وفی الصهر ، وفی النجدة ، وفی الحرب ، وفی الجود ، وفی الماعون ، وفی العلم بالقضاء ، وفی القرابة ، وفی حسن ] (3) البلاء فی الإسلام، إنّ علیّا علیه السلامکان فی کلّ فنٍّ

ص :104


1- فی المصدر : «سنن اللّه ».
2- فی المصدر زیادة: «فی لقاء یوم الهیج».
3- الزیادة من المصدر.

عالما ؛ فرحم اللّه علیّا وصلّی علیه . [ ثمّ بکی حتّی بلّ لحیته ] .

[ قال : ] فقلت له : یا أبا سعید ، أتقول لأحدٍ غیر النبیّ : «صلّی اللّه علیه» إذا ذکرته؟

فقال : ترحّم علی المسلمین إذ ذکرتهم ، وصلِّ علی محمّد وآل محمّد ، وإنّ علیّا خیر آلِ محمّدٍ .

فقلت : یا أبا سعید ، خیر من حمزة ومن جعفر ومن فاطمة ومن الحسن والحسین؟

قال : أی واللّه ، إنّه لخیر منهم ، ومَن یشکّ فی أ نّه خیر منهم؟!

فقلت : بماذا؟

قال : [ إنّه لم یجرِ علیه اسم شرک ولا کفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر ، وعلیّ خیر منهم ]بالسبق إلی الإسلام ، والعلم بکتاب اللّه وسنّة نبیّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة :«زوَّجتُک خیر أُمّتی» ؛ فلو کان فی الأُمَّةِ خیر منه لاستثناه ، وإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم آخی بین أصحابه وآخی بین علیّ ونفسه ؛ فرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم خیرهم نفسا وخیرهم أخا .

ونصبه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بغدیر خمّ ، [ وأوجب له من الولایة علی الناس مثل ما أوجب لنفسه ؛ فقال : «من کنت مولاه فعلّی مولاه»] ، وقال : «أنْتَ منّی بمنزلة هارون من موسی» ولم یقل لِأحدٍ من أهل بیته ولا لأحدٍ من أُمّته غیرِه ، وله سوابق کثیرة ومناقب لیس لأحد من الناس مثلها .

قال : فقلت له : مَنْ خیر هذه الأُمّة بعد علیّ؟ قال : زَوْجتُهُ وابْنَاهما (1) .

قلت : ثمّ مَنْ؟ قال : ثمّ جعفر وحمزة ، وخیر الناس أصحاب الکساء الذین نزلَتْ فیهم آیة التطهیر ؛ ضمّ فیها نَفْسه و علیّا و فاطمة و الْحَسَن و الحسین صلوات اللّه

ص :105


1- فی المصدر : «وابناه».

علیهم أجمعین ، ثمّ قال : «هؤلاء ثقْلِی و أهل بَیْتِی و عِتْرَتی ، اللّهمّ فأذْهِبْ عَنْهُم الرِّجْسَ و طهِّرْهُمْ تطهیرا» . فقالت أُمّ سلمة : أدخِلنی معک و معهم فی الکساء! فقال لها : «یا أُمّ سلمة، أنتِ إلی خیر وبخیر ، وإنّما نَزلَتْ هذه الآیة فیَّ وفی هؤلاء خاصّة».

قلت : فما الذی یروی عنک فی علیٍّ علیه السلام وما سمعتک تقول فیه؟!

قال : یا أخی [ أحقن بذلک دمی من الجبابرة الظلمة لعنهم اللّهُ ، یا أخی ] لولا ذلک لقد شالت بی الخشب ، ولکنّی أقول ما سمعت فیبلغهم ذلک فیکفُّونَ عَنّی . وقال : إنّما أعنی ببغض علیّ غیر علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فیحسبون أنّی لهم ولیّ ، قال اللّه عز و جل : «ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ» (1) یعنی التقیّة (2) .

ویقال : إنّ الحسن لمّا سمع بقتل الحسین علیه السلام بکی وقال : واذلاّه لأُمّة قتل ابن دعیّها ابن بنتها !

الحدیث الرابع والثمانون

عن محمّد بن أحمد عن جدّه علی قال :. کان المتوکّل أحضر رجلاً یعمل الشعبذة ، فقال للفتح بن خاقان : أرسِل إلی أبی الحسن علی العسکری فأحضِره فإنّه سیمضی لنا معه یوم طیّب ، فأرسل إلی علیّ بن محمّد بن الرضا علیه السلام ، فلمّا حضر قال له الفتح : إنّ ابن عمّک یسألک أن تقیم عنده الیوم حتّی تتغذّی معه ویفرح بک.

فقال علیه السلام : «أُحبّ أن یعفینی » قال : لا یحسن هذا ولا یجوز .

فأقام أبو الحسن ، وخرج المتوکّل فجلس فی مجلسه ، ودعا بطعامٍ وشراب ، ووسّد علیَّ [ ابن ]الرضا مِخَدَّةً میسانیةً علیها صورة سبع ، وصاحب الشعبذة قائم ، فلمّا ضرب أبو الحسن یده إلی رقاقة تکلّم صاحب الشعبذة بکلام فطارت

ص :106


1- المؤمنون (23) : 96 _ فصّلت (41) : 34.
2- کتاب سلیم بن قیس : الحدیث السادس ؛ وعنه البحار 40 : 93 ، الحدیث 115 ؛ ورواه شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 145 ؛ والطبرسی فی الاحتجاج 1 : 229.

الرقاقة من ید ابن الرضا علیه السلام ، فلحظه بمؤخّر عینه وأمسک ، ثمّ ضرب بیده إلی رقاقة ثانیة ففعل بها المشعبذ مثل ما فعل فی الأُولی فطارت من ید ابن الرضا علیه السلام ، فلحظه بمؤخّر عینیه وأمسک ، ثمّ ضرب بیده إلی رقاقة ثالثة ففعل المشعبذ فیها مثل ما فعل فطارت الرقاقة من ید ابن الرضا علیه السلام ؛ فضرب أبو الحسن علی علیه السلام بیده إلی الأسد المنسوخ علی المخدّة وقال : «خُذْهُ!» فوثب الأسد فی صورة أسد حیٍّ فابتلع المشعبذ وعاد فی المخدّة کما کان !! وتحیّر من کان هناک من غلمان المتوکّل وغیرهم ، ونال المتوکل من الرعدة أمر عظیم ، وبادر فدخل من ذلک المکان إلی حجرة ودعا بالفتح بن خاقان وقال له : قل لابن عمِّی : قد وقع منّا خطأٌ فأُحبُّ أن تردّ الرجل؟ فقال الفتح لعلیٍّ علیه السلامذلک .

فقال له : « قَدْ کنْتُ کارها للمُقام فأبیتم ، فقل له : إن کانت عصا موسی علیه السلامردَّتْ ما تلقف ، فسنردُّ هذه» .

فدخل الفتح إلی المتوکّل وأعاد علیه القول ، فقال له : اصرفه ، فخرج الفتح إلی أبی الحسن فقال : یا سیّدی ، إذا شئت فقم ، فقام وانصرف إلی منزله (1) .

الحدیث الخامس والثمانون

عن عبد اللّه بن عمرو بن . . .الخزاعی رحمه الله عن هند بنت الجون الخزاعیّة قالت :.

لمّا نزل بنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ لخیمة خالتها _ أُمِّ معبد الخزاعیّة _ هو وأصحابه ، فکان من أمره فی الشاة ما قد علمه الناس ، فقال (2) فی الخیمة هو وأصحابه حتّی أبردوا (3) ، وکان یوما قائظا شدیدا حرُّه .

ص :107


1- أورد نحوه المجلسی فی بحار الأنوار 50 : 146/30 عن الخرائج والجرائح ، وج 50 : 211/24 عن مشارق أنوار الیقین ، ص 99 الفصل الثانی عشر .
2- من القیلولة.
3- فی مقتل الخوارزمی والبحار : «أبرد».

فلمّا قام من رقدته دعا بماءٍ ، فغسل یدیه [ فأنقاهما ] ، ثمّ تمضمض بماء (1) ومجّه علی عوسجة (2) کانت إلی جنب خیمة خالیة ثلاث مرّاتٍ ، واستنشق ثلاث مرّات ، ثمّ غسل وجهه وذراعیه (ثمّ مسح برأسه مرّة واحدة ، ثمّ غسل رجلیه ظاهرهما و باطنهما ، و ذلک قبل أن تنزل المائدة ، قالت : و اللّه ما عاینت أحدا فعل ذلک قبله) (3) ، ثمّ فعل من کان معه من أصحابه مثل ذلک ، ثمّ قام و صلّی رکعتین _ فعجبت أنا و فتیات الحیِّ من العرب من ذلک ، و ما کان عهدنا بالصلاة و لا رأیت مصلّیا قبله _ ثمّ ارتحل .

فلمّا کان فی غدٍ أصبحنا وقد علت العوسجة حتّی صارت کأعظم دوحة عالیة رأیتها ، وقد أخضرّ شوکها وساخت عروقها ، وکثرت أفنانها واخضرَّ ورقها ، ثمّ أثمرت بعد ذلک وأینعت بثمر کأعظم ما یکون من الکمأة فی لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد ، فواللّه ما أکل منها جائع إلاّ شبع ، [ ولا ظمآن إلاّ روی، ولا سقیم إلاّ برأ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنی ] (4) ، ولا أکل من ورقها بعیر ولا شاة ولا ناقة إلاّ درّ لبنها ، فرأینا البرکة والنموَّ [ فی أموالنا ] منذ یوم نزل بنا رسول اللّه ، وأخصبت بلادنا وأمرعت (5) .

فکنّا نسمِّی تلک الشجرة : «المبارکة» ، وکان یأتینا من حولنا من أهل البوادی یستشفون بها ، ویتزوَّدون من ورقها فی الأسفار ، ویحملون معهم فی الأرض القفار ، فیقوم لهم مقام الطعام والشرب .

فلم نزل کذلک وعلی ذلک حتّی أصبحنا ذات یوم وقد تساقط ثمارها واصفرَّ ورقها ، فأحزننا ذلک وفزعنا له (6) ، فما کان إلاّ قلیل حتّی جاءنا نعی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ،

ص :108


1- فی البحار : «ثمّ مضمض فاه».
2- العوسج : من شجر الشوک له جناة حمراء ویکون غالبا فی السباخ ، الواحدة عوسجة.
3- کذا فی النسخة ومقتل الحسین ، وفی البحار : «ثمّ مسح برأسه ورجلیه ، وقال : لهذه العوسجة شأن».
4- الزیادة من مقتل الحسین والبحار.
5- یقال : أمرع المکان : أی أخصب .
6- فی البحار : «وفرقنا له».

فإذا هو قد قبض فی ذلک الیوم!! فکانت بعد ذلک تثمر ثمرا دون ذلک فی العِظَم والطعم والرائحة ، فأقامت ذلک [ نحو ] ثلاثین سنة ، فلمّا کانت ذات یوم أصبحنا فإذا بها قد تشوّکت من أوّلها إلی آخرها ، وذهبت نضارة عیدآنها، وتساقطت جمیع ثمراتها ، فما کان إلاّ یسیر حتّی وافانا خبر مقتل أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام!!

فما أثمرت بعد ذلک لا قلیلاً ولا کثیرا ، وانقطع ثمرها ، فلم نزل نحن ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوی به مرضانا ونستشفی به من أسقامنا ، فدامت علی ذلک برهة ومدّة طویلة ، فأصبحنا ذات یوم فإذا بها قد انبعث من ساقها دما عبیطا یجری وأوراقها ذابلة تقطر ماءً (1) کماءِ اللّحم!!!

فقلنا: حدثت حادثة عظیمة ، فبتنا لیلتنا فزعین مهمومین نتوقّع الداهیة ، فلمّا أظلم اللیل علینا سمعنا بکاءً و عویلاً من تحتها و جلبةً شدیدة و رجّةً ، و سمعنا صوت باکیة تقول :

یا بن النبیّ ویا بن الوصیّ وابن البتول ویا بقیّة السادات الأکرمینا (2)

ثمّ کثرت الرنّات والأصوات ، فلم نفهم کثیرا ممّا کانوا یقولون ، فأتانا بعد ذلک مقتل حسین بن علی علیهماالسلام ، فَیَبُسَتِ الشَجَرَةُ وجفَّت ، فکسرتها الرّیاح والأمطار ، فذهبت واندرس أثرها .

قال أبو محمّد عبد اللّه بن عمر (3) : فلقیت دعبل بن علیّ الخزاعی بمدینة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فحدّثتُه بهذا الحدیث فلم ینکره ، وقال دعبل بن علیّ : حدّثنی أبی عن أبیه عن جدّی عن أُمّه سعدی (4) بنت مالک الخزاعی أنّها أدرکت تلک الشجرة فأکلت

ص :109


1- فی مقتل الحسین والبحار : «دما».
2- فی مقتل الحسین والبحار : «أیا بن النبیّ ویا بن الوصی ویا من بقیّة ساداتنا الأکرمینا».
3- فی مقتل الحسین والبحار : «قال : عبد اللّه بن محمّد الأنصاری».
4- فی البحار : «سعیدة».

من ثمرها علی عهد أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، وأنّها سمعت فی تلک اللیلة نوح الجنّ ، فحفظت من قول جنّیةٍ منهنَّ هذهِ الأشعار :

یابن الشهید ویا شهیدا عمّه خیر العمومة جعفرُ الطیّار

عجبا لمصقول أصابک حدُّه فی الوجه منک وقد علاهُ غبارُ

قال دعبل بن علیّ : فقلت فی قصیدة لی وأخذت ذلک منها وهی :

زُر خیر قبر بالعراق یزارواعصِ الحمار فمن نهاک حمارُ

لم لا أَزورک یا حسین لک الفداقَومی ومَنْ عَطَفت علیه نزارُ

ولک المودّة من قلوب ذوی النهیوعلی عدوّک مقتة ودمار

یابن الشهید ویا شهیدا عمُّهُخیر العمومة جعفر الطیّار (1)

داروا الیدین إلیک وجه مشرقحتّی رماک بسهمه المقدار

لم یؤمنوا بأبیک یابن محمّدوعلی القبیح من الرزیة داروا

کسبوا المأثم فی الحیاة وسبّةوإلی ألیم عذاب ربِّک صاروا

وإلی الجلیل سما بروحک طائرٌوإلی الجنان تحفّک الأبرار

ولقد لقیت وکنت أکرم صابرصبروا وحولک عسکرٌ جرّار

فی فتیة لا یبلغون هنیدة فی العذر لو طلبوا النجاة لجاروا

وذوو أبیک ذوو بصائر حولهم صرعی کأنّ وجوههم أقمار

عجبا لمصقولٍ أصابک حرّهفی الوجه منک وقد علاه غبار

. . . . . . . ت_فدیک بین ح_رائر یا دین جدّک والدموع غرار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . ..والسیف منک وعفت به الأوتار (2)

ص :110


1- إلی هنا رواه الخوارزمی فی مقتل الحسین 2 : 98 : الفصل الثانی عشر فی بیان عقوبة قاتل الحسین علیه السلام.
2- وأخرج نحوه المجلسی فی بحار الأنوار 45 : 233 ، ح 1 باب نوح الجنّ علیه عن بعض کتب المناقب.

الحدیث السادس والثمانون

عن سلیم بن قیس [ قال :. ] شهدت أبا ذرّ فی مرضه (1) علی عهد عمر فی إمارته ، فدخل علیه عمر یعوده وعنده علیّ بن أبی طالب وسلمان والمقداد ، وقد أوصی أبو ذرّ إلی علیّ علیه السلام ، وکتب وأشهد .

فلمّا خرج عمر ، قال له رجل من غفار من بنی عمّ أبی ذرّ (2) : یا أبا ذر ، ما منعک أن توصی إلی أمیر المؤمنین عمر؟

قال : قد أوصیت إلی أمیر المؤمنین علیه السلام حقّا حقّا ، أمرنا بذلک رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمونحن أربعون (3) رجلاً من العرب وأربعون من العجم ، فسلّمنا علی علیٍّ بإمرة المؤمنین ، وفینا هذا القائم الذی سمّیته أمیر المؤمنین ! فما فینا أحدٌ من العرب والعجم والموالی راجَعَ رسول اللّه صلی الله علیه و آله [ إلاّ هذا ] وصوَیْحبه الذی استخلفه ، فإنّهما قالا : [ أحقٌّ من اللّه ورسوله؟ فغضب رسول اللّه صلی الله علیه و آلهوقال : «اللهمّ نعم ] حقٌّ من اللّه ورسوله ، أمرنی بذلک وأمرتکم به» .

[ قال سلیم : فقلت : یا أبا الحسن وأنت یا سلمان وأنت یا مقداد ، أتقولون کما قال أبو ذرّ؟ قالوا : نعم ، صدق . قلت : أربعة عدول ، ولو لم یحدّثنی غیر واحد ما شککت فی صدقه ، ولکنّ أربعتکم أشدّ لنفسی وبصیرتی ] .

قال : [ قلت : ] أتسمّون الثمانین کلّهم ؛ من العرب والموالی؟ فسمّاهم سلمان رجلاً رجلاً ، [ فقال علیّ علیه السلام وأبو ذر والمقداد : صدق سلمان ] .

فکان ممن سمّی : أبو بکر وعمر وطلحة والزبیر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبی وقّاص وسعد بن عبادة ومعاذ بن جبل ، والنقباء من أصحاب العقبة

ص :111


1- فی المصدر : «شهدت أبا ذر مرض مرضا».
2- فی المصدر : «من أهل أبی ذرّ من بنی عمّه بنی غفار».
3- فی نسخة من المصدر : «ثمانون».

وأبیّ بن کعب والمقداد وأبو ذرّ ، وبقیّةٌ جلّهم وأعظمهم من أهل بدر ، ومن الأنصار فیهم : أبو الهیثم بن التیهان ، وأبو أیّوب خالد بن زید (1) ، وأُسید بن حضین (2) ، وبشیر بن سعد .

قال سلیم : فلقیت (3) عامّتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلاً رجلاً ، فمنهم من کتم وسکت عنّی ولم یجبنی ، ومنهم من حدّثنی فقال : أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأبصارنا وأسماعنا ؛ وذلک لمّا ادّعی أبو بکر أ نّه سمع من رسول اللّه صلی الله علیه و آله یقول : «إنّا أهل بیت أکرمنا اللّهُ واختار لنا الآخرة علی الدنیا ، وإنّ الله لم یجمع لنا أهل البیت النبوّة والخلافة!» فاحتجّ بذلک أبو بکر علی علیّ علیه السلامحین جیءَ به للبیعة ، فصدّقه وشهد له أربعة کانوا عندنا خیارا غیر متّهمین : عمر ، وأبو عبیدة ، وسالم ، ومعاذ ، وظننّا أنّهم قد صدقوا . . . .

فلمّا بلغ علیّا (4) علیه السلام قال : إنّ نبیّ اللّه أخبره أنّ هؤلاء الجماعة (5) کتبوا بینهم کتابا ، وتعاهدوا فی جوف الکعبة (6) إنْ قُتِل محمّد أو مات أن یتظاهروا علی علیٍّ ، فیزیلوها عنه» (7)

، واستشهد علی ذلک أربعة : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبیر ، فشهدوا بعدما وجبت فی أعناقهم بیعة أبیبکر، فعلمنا أنّ علیّا علیه السلاملم یکن یروی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آلهباطلاً ، وشهدوا له الأخیار والصحابة الثقات .

فقال رجل (8) ممّن قال هذه المقالة منهم : إنّا قد تدبّرنا الأمر بعد ذلک ، فذکرنا قول

ص :112


1- فی المصدر : «خالد بن زید وأبو أیّوب».
2- فی المصدر : «أسید بن حضیر».
3- فی المصدر : «فأظنّ أنّی قد لقیت».
4- فی المصدر : «بایع علیّ علیه السلام».
5- فی المصدر : «الخمسة».
6- فی المصدر : «تعاهدوا فیه وتعاقدوا فی ظلّ الکعبة».
7- فی المصدر : «فیزووا عنه هذا الأمر».
8- فی المصدر : «جلّ من قال».

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه أمرنی بحبّ الأربعة (1) ، وإنّ الجنّة تشتاق إلی أربعة» فقلنا : من هم یا رسول اللّه ؟ قال : « أخی ووزیری ووارثی وخلیفتی فی أُمَّتی ومولی کلّ مؤمن بعدی ، علیّ [ بن أبی طالب علیه السلام ] ، وسلمان [ الفارسی ] ، وأبو ذر ، والمقداد [ بن الأسود ] ».

فإنّا نستغفر اللّه ونتوب إلیه ممّا رکبناه وأتیناه ، وقد سمعنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قولاً ما نعلم تأویله ومعناه إلاّ خیرا ، قد سمعناه یقول : « لیردنَّ علیَّ الحوض أقوام من أُمّتی ممّن صحبنی من أهل المکانة [ منّی ] والمنزلة عندی ، حتّی إذا وقفوا علی .مراتبهم ورأونی اختلسوا دونی فأخذت بهم النار ذات الشمال ، فأقول : یا ربّ أصحابی ، أصحابی! فیقال لی : یا محمّد ، إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک ، إنّهم لن یزالوا مرتدّین علی أدبارهم القهقری منذ فارقتهم » .

ولعمری لو أنّا حین قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سلّمنا الأمر لعلیٍّ وأطعناه وبایعناه لاهتدینا وأُرشدنا ووفّقنا ، ولکنّ اللّه علم الاختلاف منّا والفرقة والبلاء ، وکان منّا ما قد علم اللّه [ وقضی وقدّر ] (2) .

قال سلیم : قال أبو ذر : أمرنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : « أن سَلِّمُواْ عَلی أَخِی [ ووزیری ] ووارثِی وخلیفتِی فی أُمّتی وولیّ کلّ مؤمن بعدی بالإمرة ؛ فإنّه أمیر المؤمنین ، وإنّه زرّ (3) الأرض الذی تسکن إلیه الأرض ، ولو قد فقدتموه لأنکرتکم الأرض ومن علیها وأهلها » .

قال أبو ذر : فرأیت عجل هذه الأُمّة وسامریّها راجَعا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقالا : أحقٌّ من اللّه ورسوله؟ فغضب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وقال : « نعَمْ ، حَقٌّ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ ،

ص :113


1- فی المصدر : «إنّ اللّه یحبّ أربعة من أصحابی وأمرنی بحبّهم».
2- کتاب سلیم بن قیس الهلالی ، الحدیث التاسع عشر ؛ ورواه ابن طاووس فی کتاب «الیقین» الباب 12 عن مناقب ابن مردویه ؛ والبحار 28 : 124 _ 127/7 باختلاف فی بعض الألفاظ.
3- زرّ الشیء : ما یقوم به.

أَمَرَنی اللّه بِذلِک » .

فلمّا سلّمنا علیه أقبلا علی أصحابهما معاذ وسالم وأبی عبیدة _ حین خرجا من بیت علیِّ بن أبی طالب علیه السلام ، بعدما سلّمنا علیه _ فقالا لهم : ما بال هذا الرجل؟ إنّه [ ما زال ] یرفع خسیسة ابن عمّه! وقال أحدهما : إنّه لیحسن أمر ابن عمّه ، وقالا جمیعا : ما لنا عنده من خیر ما بقی علیّ!

قال سلیم : فقلت : یا أبا ذر ، هذا التسلیم بعد حجّة الوداع أو قبلها؟

[ فقال : أمّا التسلیمة الأُولی فقبل حجّة الوداع ، وأمّا التسلیمة الأُخری فبعد حجّة الوداع .

قلت : فمعاقدة هؤلاء الخمسة متی کانت؟ قال : فی حجّة الوداع ] .

قلت : فأخبرنی عن الاثنی عشر أصحاب العقبة المنافقین (1) الذین أرادوا أن ینفّروا برسول اللّه [ الناقة ] ، متی کانت؟

قال : بغدیر خمّ ؛ مقبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من حجّة الوداع .

قال : قلت : وتعرفهم؟ قال : إی واللّه کلّهم .

قلت : من أین تعرفهم وقد أسرَّهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی حذیفة؟!

قال : وکان عمّار بن یاسر قائده وحذیفة سائقه ، فأمر حذیفة بالکتمانِ ولم یأمر عمّارا بذلک .

قلت : تسمِّیهم لی؟ قال : الخمسة أصحاب الکتاب (2) ، والخمسة أصحاب الشوری ، واثنان : معاویة وعمرو بن العاص . (3)

ص :114


1- فی المصدر : «المتلثّمین».
2- فی المصدر : «الصحیفة».
3- فهُم : أبو بکر وعمر وأبو عبیدة الجرّاح ومعاذ بن جبل وسالم مولی أبیحذیفة ، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبی وقّاص وطلحة والزبیر ، ومعاویة وعمرو بن العاص.

قلت : وکیف تردّد عمّار وحذیفة فی أمرهما (1) بعدما قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آلهحتّی تولّیاهما؟

قال : إنّهما أظهرا بعد ذلک التوبة والندامة ، وادّعی عجلُهم منزلةً وشهد لهم سامریّهم والثلاثة معهم بأنّهم سمعوا ذلک من رسول اللّه وقالوا : هذا أمر قد حدث بعد الأوّل ، فشکّا فیمن شکّ منهم ، إلاّ أنّهما قد تابا وندما وعرفا وسلّما لأمیر المؤمنین علیه السلام .

قال سلیم : فلقیت عمّارا فی خلافة عثمان بعدما مات أبو ذر رحمه الله فأخبرته بما قال أبو ذر لی ، فقال : صدق [ أخی ] أبو ذر ، [ إنّه لأبرّ وأصدق من أن یحدّث عن عمّار بما لا یسمع منه .

فقلت : أصلحک اللّه ، أتصدّق أبا ذرّ؟ قال : أشهد لقد سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمیقول : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذرّ ولا أبرّ » . قلت : یا نبیّ اللّه ، ولا أهل بیتک؟ قال : « إنّما أعنی غیرهم من الناس» ] .

ثمّ لقیت حذیفة بالمدینة (2) _ ورحلت إلیه من الکوفة _ فذکرت ذلک له وما قال أبو ذرّ ، فقال : سبحان اللّه ! أبو ذرّ أصدق وأبرُّ من أن یحدّث عن عمّار ما لم یسمعه منه .

فقلت له : أصلحک اللّه : أتصدّق أبا ذر؟ قال : أشهد أنّی سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمیقول : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء [ علی ذی لهجة ]أصدق ولا أبرّ من أبی ذر الغفاری » . فقلت أنا _ وعمّار یسمع _ : یا نبی اللّه ولا أهل بیتک؟ فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّما أعنی فی ذلک [غیرهم] من الناس» (3) .

ص :115


1- فی المصدر _ فی الموارد الثلاثة _ : «هم» بضمیر الجمع.
2- فی المصدر : «بالمدائن».
3- کتاب سلیم بن قیس ، الحدیث العشرون ؛ وروی شطرا منه المفید فی الإرشاد ج 1 ، ص 47 عن معاویة بن ثعلبة ؛ وعنهما فی بحار الأنوار 28 : 127 ذیل الحدیث 7 و38 : 331/68 .

الحدیث السابع والثمانون

عن صعصعة بن صوحان العبدی ، عن سهل بن حنیف الأنصاری قال :.

أقبلنا مع خالد بن الولید فانتهینا إلی دیر فیما بین الشام والعراق ، فأشرف علینا منه دیرانیٌّ وقال : من أنتم؟ قلنا : نحن المسلمون العرب من أُمّة محمّد علیه السلام ، وکان الدیرانیّ شیخا کبیرا ، [ فنزل إلینا فقال : أین صاحبکم؟ فأتینا به إلی خالد بن الولید ، فسلّم علی خالد ، فردّ علیه السلام ] ، فقال له خالد : کمْ أتی علیک من السنین؟ فقال : مائتان وثمانون سنة (1)

.

قال : مُنْذُ کمْ سکنت فی دیرک هذا؟ قال : منذ ستّین سنة .

قال : [ هل ] لَقِیْتَ (2) ممّن لقی عیسی علیه السلام؟ قال : [ نعم ]لقیت رجلین .

قال : فما قالا لک؟ قال : قال [ لی ] أحدهما : إنّ عیسی عبد اللّه ورسوله وروح اللّه وکلمته ألقاها إلی مریم أَمته ، وإنّ عیسی مخلوق لیس بخالق (3) ، فقبلت منه وصدّقته ، وقال [ لی ] الآخر : إنّ عیسی هو ربّه ، فکذّبته ولعنته .

قال خالد : [ إنّ ] هذا لعجبٌ ، کیف اختلفا وقد لقیا عیسی بن مریم جمیعا؟!

قال الدیرانیّ : اتّبع هذا هواه وزیّن له الشیطان سوء عمله ، واتّبع ذلک الحقّ وهداه اللّه تعالی .

قال له خالد : هل قرأت الإِنجیل؟ قال : نعم ، وآمنتُ بعیسی.

قال : [ هل ] قرأتَ التوراة؟ قال : نعم ، [ قال خالد : ] وآمنتَ بموسی؟ قال : نعم .

قال خالد : فهل لک فی الإسلام أن تشهد أن لا إله وحده لا شریک له ، وأنّ محمّدا رسول اللّه عبده ، وتؤمِن به وبما جاء به؟ قال الدیرانیّ : قد آمنت بمحمّد قبل

ص :116


1- فی إرشاد القلوب : «مائتان وثلاثون سنة» .
2- فی الإرشاد : زیادة «أحدا».
3- فی الإرشاد : «غیر خالق».

أن تؤمِنَ به وبما جاء به ، وإن کنت [ لم أسمعه و ] لم أره .

قال : فقال له خالد : فأنت الساعة تؤمن به وبما جاء به؟ قال : کیف لا أُومن وقد قرأت اسمه فی التوراة والإنجیل وبشّرنی به موسی وعیسی علیهماالسلام .

قال : فما مُقامک فی هذا الدیر؟ قال : فأین أذهب وأنا شیخ کبیر وما بقی لی نهضة (1) ، وبلغنی مجیؤکم ، وکنت أنتظر لُقیاکم فأُلقی إلیکم إسلامی ، وأُخبرکم أنّی منکم ، وأستعلم ما فعل نبیّکم .

قال خالد : توفّی [ صلی الله علیه و آله وسلم ] .

قال : وأنت وصیّه؟ قال : لا ، ولکنّی من عشیرته [ و ] ممّن صحبه .

قال : فمن بعثک إلی هاهنا؟ [ وصیّه؟ ] قال : الخلیفة . [ قال : غیر وصیّه؟ قال : نعم . قال : فوصیّه حیّ؟ قال : نعم . قال : فکیف ذلک؟ قال : اجتمع الناس علی هذا الرجل ، وهو رجل من عشیرته ومن صالح الصحابة ] .

قال له الدیرانیّ : فما أراک إلاّ عجبت من الرجلین اللذین التقیا بعیسی بن مریم علیه السلام (2) ، وقد لقیاه وسمعا منه ، وأمّا أنتم فقد خالفتم نبیّکم ، وفعلتم مثل ما فعل ذلک الرجل!!؟

(فقال له خالد : صدقت أیّها الشیخ) (3) . ثمّ التفت خالد إلی من یلیه فقال : هو واللّه ذلک ؛ اتّبعنا أهْواءنا (4) ، (ولا سواهم کفروا باللّه) (5) ، ونحن جعلنا رجلاً مکان رجل ، ولولا ما کان بینی وبین علیّ بن أبی طالب من الخشونة علی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله وسلمما ملأت (6) علیه أحدا .

ص :117


1- کذا فی النسخة ، وفی المصدر : «ولم یکن لی أمر أنهض به».
2- فی المصدر : «اختلفا فی عیسی» .
3- بین القوسین لم یرد فی المصدر.
4- فی المصدر : « هوانا».
5- بین القوسین لم یرد فی المصدر.
6- فی المصدر : «مالأت».

فقال له [ الأشتر النخعی ] _ مالک بن الحارث _ : ولِمَ کان بینک وبینه خشونة؟ (1)

قال خالد : المنافسة فی الشجاعة (2) ، وکان له من السوابق والقرابة ما لم یکن لی ، فداخلنی حمیّة قریش فکان ذلک ، ولقد عاتبتنی فی ذلک أُمّ سلمة _ وکانت هی ناصحة _ فلن (3) أقبل منها!

ثمّ عطف علی الدیرانیّ فقال له : هلمّ حدیثک وما نحن فیه (4) . فقال : أُخبرک ؛ إنّی کنْتُ من أهل دین کان جدیدا فخلق حتّی لم یبقَ [ منهم ]من [ أهل ] الحقّ إلاّ رجلان أو ثلاثة ، [ ویخلق دینکم حتّی لا یبقی منه إلاّ الرجلان أو الثلاثة ] ، وأنتم بموت نبیّکم قد نزلتم من الإسلام درجة ، وستنزلون بموت وصیّه درجة أُخری ، (ثمّ ستنزلون من الإسلام درجة أُخری) (5) ، [ حتّی ] إذا لم یبقَ من (6) رأی نبیّکم صلی الله علیه و آله وسلمأو صحبه ، وسیخلق دینکم حتّی تفقد (7) صلاتکم وصومکم وحجّکم وغزوکم ، وترتفع الأمانة [ والزکاة ] منکم، ولم یزل (8) فیکم بقیّة ما بقی [ کتاب ربّکم عز و جل فیکم وما بقی ]فیکم [ أحد ] من أهل [ بیت ]نبیّکم ، فإذا رفع ذلک منکم لم یبقَ [ من ]دینکم إلاّ الشهادتان: شهادة التوحید وشهادة أنّ محمّدا صلی الله علیه و آله وسلمرسول اللّه، فعند ذلک تقوم قیامتکم وقیامة غیرکم ویأتیکم ما توعدون . ولن تقوم الساعة إلاّ علیکم ؛ لأنّکم آخر الأُمم ، بِکمْ تختم الدنیا ، [ وعلیکم تقوم الساعة ] .

فقال له خالد : أخبَرَنا بذلک نبیُّنا صلی الله علیه و آله وسلم ، فأَخبِرنا بأعجب شیءٍ رأیته منذ سکنتَ

ص :118


1- فی المصدر : «ولم کان ذلک بینک وبین علیّ ما کان».
2- فی المصدر : «نافسته فی...ونافسنی فیها».
3- کذا ، وفی المصدر : «فلم».
4- فی المصدر : «وما تخبر».
5- مابین القوسین لم یرد فی المصدر.
6- فی المصدر : «أحد».
7- فی المصدر : «تفسد».
8- فی المصدر : «ولن یزال».

دَیرک هذا وقبل أن تَسْکنه . قال : لقد رأیت [ ما لا أُحصی ]من العجب ، وأفنیت ما لا أُحصی من الأُمم (1) .

قال خالد : فحدِّثنا بعض ما تذکره.

قال له : نعم ، کنت أخرج [ بین اللیالی ] إلی غدیر ماء کان فی سفح الجبل أتوضّأُ منه وأتزوّد من الماء وأصعد إلی دیری ، وکنت أستریحُ فی نزولی إلیه بین العشاءین ، وإنّی عنده ذات لیلة إذا أنا برجل قد أقبل وسلّم ، فردَدْتُ علیه السلام ، فقال : هل مرّ بکم غنم والراعی؟ (2) قلت : لا . قال : إنّ قوما من العرب مرّوا بغنم لی وفیها عبد (3) لی یرعاها ، فاستاقوها وذهبوا بالعبد معها .

قلت له : ومن أنت؟ قال : رجل من بنی إسرائیل . قال : فمن أنت؟ قلت : رجل من بنی إسرائیل أیضا . قال : فما دینک؟ قلت : النصرانیّة . فقلت له : ما دینک أیضا؟ قال : الیهودیّة . فأعرضت عنه بوجهی ، قال [ لی ] : ما لَک؟ [ إنّکم ] أنتم رکبتم الخطأ ودخلتم فیه وترکتم الصواب ! ولم یزل یحاورنی ، فقلتُ : هل لک أن نرفع أیدینا فنبتهل إلی اللّه عز و جل ، فأیّنا کان علی الباطل دعونا علیه لینزل اللّه علیه نارا من السماء تحرقه! فرفعنا أیدینا، فما استتممنا (4) الکلام حتّی نظرت إلیه یلتهب وما تحته من الأرض فهو فیها .

فلم ألبث إذ أقبل رجل فسلّم ، فرددت علیه السلام ، فقال : یا عبد اللّه، هل رأیت رجلاً من صفته کیت وکیت؟ قلت : نعم، وحدّثته بالحدیث . فقال : کذبت، ولکن قتلت أخی یا عدوّ اللّه ! فجعل یشتمنی وأنا أردّه بالحجارة ، وهو یشتمنی ویشتم المسیح ومن هو علی دین المسیح ، فبینما هو کذلک إذ نظرت یحترق وقد أخذته

ص :119


1- فی المصدر : «الخلق».
2- فی المصدر : «هل مرّ بک قوم معهم غنم وراعی أو حسستم؟».
3- فی المصدر : «مملوک».
4- فی المصدر : «استتمّ».

النار التی أخذت أخاه ، ثمّ هوت به النار إلی الأرض!

فبینما أنا قائم حذاءه أتعجّبُ إذ أَقْبَلَ رجل ثالث فسلّم ، فرددت علیه السلام ، فقال : هل رأیت رجلین من حالهما وصفتهما کیت وکیت؟ قلت : نعم ، وکرهت أن أُخبره کما أخبرتُ أخاه ، بل قلت : ترید أن أُریک أخاک؟ قال : نعم ، فأتیت به إلی موضعهما ، فنظر إلی الأرض والنار یخرج الدخان منها ، فقال : ما هذا؟ فحدّثته بحدیثهما .

فقال : [ واللّه ] لئن أجابنی أخوای بتصدیقک لأتّبعنّ (1) دینک ، وإن کانَ غیر هذا لأقتُلنَّک أو تقتلنی! ثمَّ صاح : یا دانیال ، یا دانیالُ ، أهو کما یقول هذا الرجل؟ قال : نعم یا هارون ، فصدِّقه . (ثمّ أقبل إلی الآخر فهتف به وقال : یا یوحنّا ، یا یوحنّا ، أَحقّا یقول هذا الرجل؟ قال : نعم یا هارون ، فصدِّقه) (2) ، فقال : أشهدُ أَن لا إله إلا اللّه ، وأنّ عیسی روح اللّه وکلمته وعبده ورسوله . قلت : الحمد للّهِ الذی هداک .

قال : فإنّی قد أجبتک فی اللّهِ تعالی ، إلاّ أنّ لی أهلاً ووَلَدا وغنما ، ولولاهُم لسحت معک فی الأرض ، ولکن بقیای[مفارقتی ن _ خ] علیهم شدیدة وأرجو أن أکون بهم فی القیامة سعیدا (3) ، ولعلِّی أنطلق بهم فأکون بالقرب منک .

فانطلق فغاب عنّی لیالٍ ، ثمّ أتانی فی بعض اللیل فهتف بی ، فنزلت إلیه فإذا به قد أتی بأهله وغنمه ، وضرب خیمة هاهنا بالقرب منّی ، فلم أزل أنزل إلیه فی أطراف اللیل وأتعاهده وألقاه ، وکان أخا صدقٍ فی اللّه عز و جل ، فقال لی ذات یوم : یا هلقود (4) ، إنّی قد قرأت فی التوراة فإذا فیها صفة محمّد : [ النبیّ الأمین ] علیه السلام ، فقلت : وأنا قرأت [ صفته ] فی الإنجیل والتوراة ، فآمنّا بالنبیّ صلی الله علیه و آله وسلموأحببناه [ وتمنّینا ]لقاءه .

ص :120


1- کذا ، وفی المصدر : «لأتبعک».
2- ما بین القوسین لم یرد فی المصدر.
3- فی المصدر : «مأجورا».
4- فی المصدر : «یا هذا».

[ قال : ] ومکثنا کذلک زمانا ، وکان أفضل مَنْ لقیت ، وکنت آنس به ، وکان من فضله أن یخرج بغنمه یرعی وینزل بالمکان الجدب (1) فیصیر ما حوالیه أخضر ! وکان إذا جاء المطر جعل غنمه حوله وصنع مثل الإکلیل (2) فلم یصب خیمته وغنمه شیء من الأذی ! وإذا جاء الصیف کان علی رأسه أینما توجّه سحابة تظلُّه ! وکان بیّن الفضل ، کثیر الصوم والصلاة .

[ قال : ] فحضرته الوفاة [ فدعیت إلیه ] فقلت له : ما سبب مرضک ولم أعلم به؟ قال : ذکرت خطیئة کنت أتیتها فی حداثة سنّی ، فغشی علیّ وأورثنی ذلک ما تراه من المرض ، وإنّی موصیک ومستودعک إن لقیت محمّدا نبیّ الرحمة فأَقْرِئه مِنِّی السلام ، وإن لقیتَ وَصِیَّهُ فأبلغه سلامی ، ومات إلی رحمة اللّه تعالی . [ قال الدیرانیّ : ] وإنّی موصیکم (3) إلی وصیِّ أحمد مِنِّی ومن صاحبی السلام .

قال سهل بن حنیف : فلمّا رجعنا إلی المدینة أَتَیْتُ علیّا علیه السلام وأخبرته خبر الدیرانیّ وما جری لنا معه وخبر خالد ، وما حملنا الدیرانیّ إلیه منه وعن صاحبه .

[ قال : ] فَقَالَ : «وَعَلَیْهِمَا السلام ، وعَلَیْک یا سَهْلُ السّلامُ» وما رَأَیْته أکثَرْتَ بما أَخْبَرته مِنْ خالِدِ بنِ الوَلِیدِ وما قَالَ ، ومَا رَدَّ عَلَیْهِ فِیهِ شَیْئا ، إلاّ أ نّه قَالَ : «یا سَهْلُ ، إِن اللّهَ تَبارَک وتَعالی بَعَثَ مُحَمَّدا صلی الله علیه و آله وسلم فَلَمْ یَبْقَ بَیْنَ السَّماءِ والْأَرْضِ شَیْءٌ إِلاّ عَلِمَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وسلم إلاّ أَشْقَی الثَّقَلَیْن وعُماتهما ، وَلَمْ یَبْقَ فَوْق الأرض شیءٌ إلاّ عَلِمَ أنّی وَصِیُّ رسول اللّه وأخوه إلاّ أشقی الثقلین وعُصاتهما» .

قال سهل : فعبرنا زمانا ونسیت ذلک ، فلمّا کان من أمر علیّ بن أبی طالب علیه السلاموما کان من معاویة ورجعنا من صفّین نزلنا أرضا قفرا لیس بها ماء ، فشکونا ذلک إلی أمیر المؤمنین ، فانطلق یمشی علی قدمیه فانتهی إلی موضع کأنّه یعرفه ، فقال :

ص :121


1- المِجْداب : الأرض التی لا تکاد تخصِب .
2- فی المصدر : «فیصیر حول غنمه وخیمته مثل الإکلیل من أثر المطر».
3- فی المصدر : «مودّعکم».

احفروا هاهنا ، فحفرناه فإذا صخرة [ صمّاء ] عظیمة ، قال : « اقْلعُوهَا» قال : فجهدنا (1) علی قلعها فلم نقدر . قال : فتبسّم من عجزنا عنها ، ثمّ أهوی بیدیه [ جمیعا ]فکأنّما کانت فی یده کرة ، فإذا تحتها عین بیضاء کأنّهَا من شدّة بیاضها اللّجین الناب (2) . قال : «دونکم فاشربوا واسقوا وتزوّدوا ثمّ آذنونی بها» . قال : ففعلنا ذلک ثمّ زدناه (3) ، فأقبل یمشی إلیها بغیر رداءٍ ولا حذاءٍ ، فتناول الصخرة بیمینه ، ثمّ دحا[ بها ]الهوی فوقعت علی العین فکأنّها ما زالت عنها ، ثمّ حثنا علیها التراب .

[ وکان ذلک بعین الدیرانیّ ] وکان بالقرب منّا بحیث یرانا... [ ویسمع کلامنا ] .

[ قال : ] فلمّا عاین ذلک نزل إلینا وقال : أین صاحبکم؟ فانطلقنا به إلی علیٍّ علیه السلامفقال : أشهد أن لا إلهَ إلاّ اللّه وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّک وصیّ محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، ولقد کنت أرسلت إلیک بالسلام عنِّی وعن صاحبٍ لی مات _ کان أوْصانی بذلک _ مع جیش [ لکم منذ کذا وکذا ]أمرنی فی سنة من السنین .

قال سهل بن حنیف : فقلت : یا أمیر المؤمنین ، هذا الدیرانیُّ الذی قلتُ لک عنه وحدّثتُک حدیثه وأبلغتُک سلامَه وسلامَ صاحبه .

فقال [ له ]علیٌّ علیه السلام : «وکیْفَ عَِلمْت أَنِّی وَصِیُّ مُحَمَّد صلی الله علیه و آله وسلم؟» .

قال : حدّثنی (4) أبی _ وقد أتی علیه من العمر ما أتی علیَّ _ عن أبیه عن جدّه ، عمّن قاتَلَ مَعَ یُوشَع بن نون _ وصیّ موسی علیه السلام _ حین قاتل الجبّارین بعد موسی بأربعین سنة ، أنّهم مرّوا بهذا المکان وأنّ أصحابه عطشوا ، فشکوا إلیه العطش ، فقال : أما إنّ بقربکم عینا أنزلها اللّه تعالی من جنّة عدن ، استخرجها آدم علیه السلام ، فقام

ص :122


1- فی النسخة: «فجعلنا» ، والمثبت کما فی المصدر.
2- فی المصدر : «اللجین المجلو».
3- فی المصدر : «أتینا».
4- فی المصدر : «أخبرنی».

[ إلیها ]یوشع بن نون فنزع الصخرة عنها فشرب أصحابه وسقوا وتزوّدوا ، ثمّ أقلب الصخرة علیها وقال لأصحابه : «ما یَقْلَعُها إلاّ نبیّ أو وَصِیّ نبیٍّ» .

[ قال : ] فتخلّف من بعده جماعة من أصحابه اجتهدوا أن یجدوا الموضع فما وجدوه . وإنّما بنی هذا الدیر علی هذه العین وبرکتها ، فعلمت حین استخرجتَها أنّک وصیّ النبیّ . . .أحمد نبیّ الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم ، الذی کنت أطلب ، وقد أحببت الجهاد معک .

[ قال : ] فحمله علیٌّ علیه السلام معه ، وأعْطاهُ سلاحا وسار به ، وکان ممّن استشهد یوم النهروان .

قال صعصعة بن صوحان : وأنا رأیت الدیرانیّ یوم نزل إلینا حین قلّب علیٌّ [ علیه السلام ] الصَخْرَةَ عن العین ، سمعت حدیثه له ، وکان سهل بن حنیف حدّثنی ما جری بینه وبین خالد بن الولید . (1)

الحدیث الثامن والثمانون

أورد الإمام الشهید محمّد بن أحمد بن الفتّال النیسابوری رحمه الله بإسناده _ مرفوعا _ إلی محمّد بن إدریس الشافعی ، عنه إلی رجاء بن حبوة الکندی یقول :. إنّ عمرو بن العاص السهمی سأل معاویة حاجة کبُرَ علیه قضاؤها ، فقضاها لعمرو من ساعته ، فقال له عمرو : جزاک اللّه خیرا ، فما أعمّ إحسانک ، وأبین فضلک وأتمَّ برّک یا أمیر المؤمنین !

فقال له معاویة : لو شکرتنی علی إحسانی إلیک وإیثاری لک وعطفی علیک لشغلک ذلک عن أجلّ أُمورک ، ولکنَّک لا تشکر إلاّ یسیرا من کثیر ما اصطنعته إلیک ، وخصصتک به دون غیرک ، فاعرف حقّنا ولا تنکر فضلنا !

فتغیّر وجه عمرو ، ورفع من صوته وقال : فکّرت فی أصغر بذلی عندک فوجدته

ص :123


1- رواه الدیلمی فی إرشاد القلوب 2 : 245 _ 252 ، خبر الراهب مع خالد بن الولید ؛ وعنه البحار 10 : 62/5. وما بین المعقوفین من المصدر.

یعلو الأیادی التی ذکرتها!

فقال معاویة : وکیف ذلک؟

قال : لأنّی طمست لک الشمس بالطین نهارا ، والقمر بالعهن المنفوش لیلاً ، وأبطلت حقّا وحقّقتُ باطلاً حتّی سحرتُ أعین الناظرین وآذان السامعین فی إخفاء أودک وإطفاء نور غیرک ، فهل رأیت حقّا کان أحقّ من علیٍّ _ الهمام الهزبر الضرغام اللیث المقدام ، السیّد الإمام والبدر التمام _ قرابة وشجاعة ونسبا وعلما وحسبا وفضلاً وصلاةً وصیاما وعدلاً وطهارة وجودا وکرما وآثارا حسنة فی الإسلام ؟!

وهل رأیت باطلاً أبطل منک أوّلاً وآخرا ، اللعین ابن اللعین ، والطلیق ابن الطلیق ، وثن ابن وثن ، متردّدا فیالطلقاء ، ومن أبناء الطلقاء ، جمیع الآثار القبیحة لک ولأبیک ولسلفک فی الإسلام ، حتّی خِفتُ أنّی لو لقیت ربّی تبارک وتعالی بأحسن أعمال العاملین مع فعلی مع أهل البیت الطاهرین لم أنجُ من النار قطّ ؟!

فکیف تمنّ علیّ بإحسانک إلیّ؟! وأنا فرشت لک الخلافة ، وشددت الخیبة ، وصرعت أعلم الناس وسیّد العرب ومن معه لک ، وأنت فی قعر جبٍّ یابس ، آیسا من کلّ خیر ، متوقّعا کلّ شرٍّ ، فدفعتک بلطیف حیلتی فإذا أنت فی أعلاه ، ثمّ دفعتک أُخری فإذا أنت فی قُلّة الفخر والسلطان ؛ ینفذ قولک فی القریب وخاتمک فی البعید ، وأنا أخاف علی نفسی أن أموت بالمقت والخسران ولم یرحمنی ربّی برحمته، واللّهُ یقول فی کتابه: «سَلَ_مٌ عَلَی إِلْ یَاسِینَ * إِنَّا کَذَ لِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ» (1) .

ورأیت النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم یخطب الناس ویقول : «أنا وعلیٌّ من طینة واحدة طیّبة إلی آدم ، ولم یدخلنا شیءٌ من نکاح الجاهلیّة» .

وسمعت رسول اللّه یقول : «الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خیر منهما ، وأُمّهما سیّدة نساءِ العالمین» . ثمّ بکی عمرو .

ص :124


1- الصافّات (37) : 130 _ 131.

فقال معاویة : یا عمرو ، ما ترکت بابا مغلقا إلاّ فتحته ، ولا وعاءً مشدودا إلاّ حللته ، ولا خبئة إلاّ استخرجتها ، الویل لعدوّک منک یا عمرو ! وموتک راحة العدوّ ، وسرورٌ للولیّ .

فقال عمرو : إذا کان بعد موتک یا معاویة ، فهو عیدٌ من الأعیاد . قال : اللهمّ افعل ذلک .

فقام معاویة فقال : إمّا أن تنهض وإمّا أن ننهض ، فدخل معاویة بیتا ، وخرج عمرو وهو یقول :

معاویة الخیر لا تنسَ لی وعن سنَن الحقِّ لا تعدِلِ

أتنسی محاورة الأشعریّ ونحن علی دَومَةِ الجَنْدلِ

فألمظُه عسلاً باردا وأَمزج فی ذاک بالحنظل

ألین فیطمع فی غِرّتی وقد غاب سهمی فی المفصل

ورقّیتک المنبر المشخر بلا حدّ سیف ولا منصل

وأخلعتها منهم بالخداع کخلع النعال من الأرجل

وثبّتها فیک لمّا یئست کلبس الخواتیم فی الأنمل

فلمّا ملکت ومات الهمام وألقت عصاها ید الأفضل

منحت لغیری وزن الجبال وأعطیتنی زنة الخردل

فإن کان فی ذاک نلت المنی ففی عنقی علق الجلجل

وما دمُ عثمان منجٍ لنا من النار والحسب الأطولِ

وإنّ علیّا غدا خصمنا کذاک البتول مع المرسل

فماذا جوابک فیها غدا إذا کان خصمک فیها علیّ (1)

ص :125


1- حکی صدر الحدیث عن الفتّال النیشابوری فی الصراط المستقیم 3 : 179 ، وأشعاره عن قصیدة الجلجلیّة لعمرو بن العاص نقلها الأمینی فی الغدیر 2 : 113 _ 117 ، باختلاف فی بعض الألفاظ والأبیات.

الحدیث التاسع والثمانون

اشاره

عن ابن دأب قال :. دخل عمرو بن العاص ذات یوم علی معاویة ، فلمّا رآه معاویة استضحک منه ضحکا شدیدا .

فقال له عمرو : أضحک اللّه سنّک وأدام سرورک ، یا أمیر المؤمنین ممّ ضحکت؟

قال : یا عمرو ، ذکرت حملة أبی الحسن علیّ بن أبی طالب علیک یوم صفِّین ، وأ نّه لمّا غشیک طرحت نفسک عن فرسک واستقبلت سوءتک حتّی صرف وجهه عنک ، فواقفت واللّه هاشمیّا ، فکثر تعجّبی منک کیف أدرکت ذهنک حتّی فعلت ما فعلت!

فقال عمرو : أمّا أنا یا أمیر المؤمنین ، فإنّی فررت ممّن لا یستحی الفرار منه ، واحتلت نفسی کما تحتال الرجال ، أما واللّه لو بدا له من صفحتک الذی بدا له من صفحتی لأوجع قذالک ، وأیتم عیالک وأنهب مالک ، وأعدمک سلطانک ، غیر أنّک تحرّزت منه بالرجال ، أما إنّی قد کنت عن یمینک یوم دعاک إلی مبارزته ، فأحولّت عیناک ، وأربد شدقاک ، وانتفخ جنباک ، وبدا لک من أسفلک ما أکره ذکره لک !

قال معاویة : لم نرد کلّ هذا منک یا عمرو . قال : فمن نفسک یا أمیر المؤمنین فاضحک ، ومنها فتعجّب! (1)

معاویة یسخر من ابن العاص بکشف عورته یوم صفّین لإنقاذ نفسه من ضربة أمیر المؤمنین علیه السلام .

عن عبد اللّه بن مسعود قال :. مرّ علینا کعب الأحبار ونحن جلوس عند عمر بن الخطاب فی خلافته وعلیّ بن أبی طالب علیه السلامجالس معنا ، قال : فجلس إلینا کعب ، فقال له عمر : یا کعب ، حدّثنا بشیءٍ جاء فی التوراة فی هذا الأُمّة.

ص :126


1- المحاسن والمساوئ 1 : 53 ؛ الغدیر 2 : 163 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبیالحدید 6 : 307 بشارة المصطفی : 415 ، الجزء 10 ح 20 ؛ أمالی الطوسی : 134 ح 217 / 30.

فقال له کعب : یا أمیر المؤمنین ، أیّها أحبّ إلیک ، أُخبرک بالحقّ أو أسکت؟

فقال : أخبر بالحقّ بما یصدّقک القرآن .

فقال کعب : لا یدخل الجنّة من أُمّة محمّد إلاّ القلیل الذین أحدثوا من بعده .

فأقبل علیٌّ علیه السلام فقال : «یا کعب _ ویلک ! _ أتدری ما قلت؟» قال : نعم ، فقال له علیٌّ : «وَلِمَ لایَدْخُلُونَ الجنّة وهُمْ یَشْهَدُونَ أن لا إله إِلاّ اللّهُ ، ومُحَمَّدا رَسُولُ اللّه ، ویُصَلُّونَ ویَصُومُونَ ویَحجُّونَ البَیْتَ؟».

فقال کعب : إنّک لتعلم ذلک فی القرآن خیرا مِمّا أعْلَمُ ، وفی التوراة أیضا : إنّهم سیظلمون صدّیق هذه الأُمّة _ وعالمها الأکبر ، وخلیفة نبیّهم من بعده _ حقَّه ، وجدته واللّه فی التوراة هکذا .

ثمَّ رکب حماره وانطلق إلی منزله ، وکان منزله یومئذٍ ب «قُبا» ، فقال عند ذلک عمر : علَیَّ عهد اللّه ، إن لم یخرج کعب ممّا قال ویخرج لنا ذلک من التوراة لأضربنّ عنقه ! اِیتونی بکعب الساعة .

قال ابن مسعود : فأتبعناه فأخبرناه بما قال عمر فیه .

فقال کعب : واللّه إنّی إذا قلتُ الحقّ لا أُبالی نصرت أو ظلمت . ثمّ أقبل حتّی وقف علی عمر ، فقال له : ما قلت اخرج منه ، فقال : واللّه وجدته فی التوراة ، فإن تکفَّ عنّی أکتمه ولا أذکره ، وإن أشهیت أن أصدقک أبوح به .

فقال عمر : أصدقنی وتقول فیما بینی وبینک ، فقال : هو واللّه علیّ بن أبی طالب .

فقال له عمر : ویحک ! لقد ضلّت أُمّة محمّد وعمر ، وما حفظوا وصیّته فیه إذا .

وروی هذا فی سنن أبی مسعود ابن الفرات الرازی أیضا بإسناده .

الحدیث الحادی والتسعون

عن زید بن أسلم عن أبیه قال :. لمّا بویع أبو بکر فی سقیفة بنی ساعدة امتنع سعد بن عبادة لمّا امتنع علیّ بن أبی طالب والزبیر بن العوام والمقداد وأبو ذرّ

ص :127

وسلمان وغیرهم من أصحاب النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فلمّا خرج أبو بکر قال لسعد بن عبادة : لِمَ قعدت عن بیعتی؟

قال سعد : قد قعد عن بیعتک من هو خیر منّی ومنک ، ابن عمّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وزوج ابنته فاطمة ، وأبو ولدیه الحسن والحسین ، وما دعوت إلی نفسی إلاّ بعدما رأیتکم قد دفعتموها من أهل [ بیت ] نبیّکم ، فلمّا رأیت ذلک قلت : منّا أمیر ومنکم أمیر ، إذ دفعتم صاحب الحقّ عن حقّه ، وزعمت یا أبا بکر أنّ المسلمین اختاروک ، وایم اللّه ، لم یکن ثَمَّ اختیار ! وکیف یکون ثَمَّ اختیار وعلیّ بن أبی طالب قد قعد عن بیعتک؟! ألست تنظر یا أبا بکر أنّ الفضل فی کتاب اللّه لفی أربع خصالٍ لا خلاف فیها بین المسلمین ؟!

قال أبو بکر : وما تلک الخصال؟

قال : هی : السبق فی الإیمان ، والجهاد مع المشرکین ، والقرابة من النبیّ ، والعلم بما نطق به القرآن ، ألیس اللّه تعالی یقول : «وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَ_ل_ءِکَ الْمُقَرَّبُونَ» (1) ، ویقول : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِینَ وَالْأَنصَارِ» (2) ، ویقول : «أَفَمَن یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ یَهِدِّی إِلاَّ أَن یُهْدَی» (3) .

وقوله : «یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ ءَامَنُواْ مِنکُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَ_تٍ» (4) . وقوله تعالی : «قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لاَ یَعْلَمُونَ» (5) .

وقوله : «فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَ_هِدِینَ عَلَی الْقَ_عِدِینَ أَجْرًا عَظِیمًا» (6) .

وقوله : «لاَ یَسْتَوِی مِنکُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَ_تَلَ أُوْلَ_ل_ءِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ

ص :128


1- الواقعة (56) : 10 و11.
2- التوبة (9) : 100.
3- یونس (10) : 35.
4- المجادلة (58) : 11.
5- الزمر (93) : 9.
6- النساء (4) : 95.

الَّذِینَ أَنفَقُواْ مِنم بَعْدُ وَ قَ_تَلُواْ» (1) .

وقال : «قُل لاَّ أَسْ_?لُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی» (2) . وقال : «إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا» (3) .

وهذه وأمثالها أُنزلت فی علیٍّ وأهل بیته . واللّه أسألک یا أبا بکر ، أتفضّل علیّا! أو تفضّلک وتفضّل جمیع الأُمّة؟!

فقال أبو بکر : أترید أن تعتدی یا سعد؟ قال سعد : لا واللّه ، ما أُرید ذلک و[ لا ]یریده علیّ ، وإنّ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم عرّفه ذلک کلّه وأعلمه أ نّه سیکون بعده ما قد کان ، وأمَرَه بالجلوس .

فقال أبو بکر : جری هذا الأمر ولیس یمکن نقضه ، فجاملونی وکفُّوا أنفسکم عنّی کما کففتم أیدیکم .

فقال سعد : فصبر جمیل ، واللّه المستعان علی ما تصفون . یا أبا بکر ، علی ما بایعنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم؟

قال أبو بکر : فعلامَ بایعته یا سعد؟ قال : بایعنا معشر الأنصار علی أنّا ننصره وندفع الباطل ونعین المظلوم علی الظالم .

ثمّ تفرّقا علی هذا وفی قلب أبی بکر عن سعد ما فیه .

ثمّ بعد ذلک رمی باللیل بسهمین فقتلوه وقالوا : الجنّ قتله وناحوا علیه :

قد قتلنا سیّد الخزرج سعد بن عباده ورمیناه بسهمین فلم نخطئ فؤاده (4)

ص :129


1- الحدید (57) : 10.
2- الشوری (42) : 23.
3- الأحزاب (33) : 33.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 10 : 111 ، أشار إلی قصّة سعد بن عبادة مختصرا وفی آخره حکی البیتین ، وکذا فی الصراط المستقیم 3 : 109.

الحدیث الثانی والتسعون

فی کتاب مناقب الطالبیین من تصنیف ابن مردویه :. أنّ الأمیر أبا دلف العجلی رحمه اللهکان رجلاً فاضلاً معتقدا للحقّ ، موالیا لأمیر المؤمنین علیه السلام ، معادیا لأعدائه ، وکان یرکب کلّ یوم ویخرج یمینا وشمالاً ینتظر خروج المهدیّ من آلِ محمّد علیهم السلام ، وکان له دابّة اشتراها بثلاثة آلاف درهم ، وکانت مرتبطة ملجمة مسرجة ، وکان یسفک الدماء فی حبِّ آل محمّد . وأ نّه توفّی ، فلمّا أتی علی ذلک ثلاثة أیّام ، رأی فی المنام ابنه دلف بن أبی دلف کأنّ غلاما له قد أتاه وقال له : أجب الأمیر ، فقال دلف : أتیته وهو فی قصر له یسکنه ، وسلّمت علیه ، وقال : رأیت القصر ممتلئة بالرماد ، ورأیت علی الأمیر لباسا أسود ، ورأیته مغموما منکّسا رأسه .

قال : فلمّا سلّمت علیه رفع رأسه وقال: [ یا ] دلف! قلت : لبّیک أیّها الأمیر ، فقال:

خبّر أهلنا و لا تُخْفِ عنهمما لقینا فی البرزخ الخنّاق

قد سئلنا عن کلّ شیءٍ فعلناهفأبشر أهلنا بطول التلاق

قال دلف : فانتبهت من النّوم ذعرا (1) خائفا باکیا ، وبقیت یومی متفکّرا .

قال : فلما نمت اللیلة الثانیة رأیت فی المنام ذلک الغلام الذی أتانی البارحة قد أتانی وقال لی : أجب الأمیر .

قال : فأتیته وهو فی القصر علی الهیئة الأُولی فسلّمت علیه ، فرفع رأسه ، قال : دلف! قلت : لبّیک یا أمیر ، فقال :

فلو أ نّا إذا متنا تُرکنالکان الموت راحة کلّ حیّ

ولکنا إذا متنا بعثناویسأل ربّنا عن کلِّ شیء

ص :130


1- ذَعُر _ ذعرا : دهش.

قال : فانتبهت أیضا ترتعش فرائصی ممّا رأیته ، وبقیت یومی ما تناولت طعاما ولا شرابا .

فلمّا کانت اللیلة الثالثة ونمت ، رأیت فی المنام ذلک الغلام قد أتانی وقال : أجب الأمیر ، فأتیته وهو فی القصر ، فلمّا دخلت علیه رأیت القصر یتلألأ نورا ، ورأیت الریاحین من ألوان شتّی ، ورأیت الأمیر علی سریر من ذهب مرصّع بالدرّ والجواهر ، ورأیت علی الأمیر من الحریر والإستبرق ، ففرحت بذلک وسلّمت علیه ، فرفع رأسه وقال : دلف! قلت : لبّیک أیّها الأمیر عبدک ، فقال :

زعم الزاعمون أنّ علیّا لا ینجّی ولیّه من هنات

کذبوا والذی تساق إلیه البدن من حجّ راکبا عرفات

قد وربّی دخلت جنّة عدن ووقانی الإله عن سیِّئاتی

فابشروا أولیاء آل علیّ وتوالوا علیّا حتّی الممات (1)

فانتبهت فرحا مسرورا ، وتصدّقت علی الفقراء والمؤمنین بمالٍ عظیم ، وأردت بذلک موالاة أمیر المؤمنین علیه السلام ، ومعاداة لأعدائه .

الحدیث الثالث والتسعون

عن الشعبی ، عن عائشة ، أنّها سألت مسروق بن الأجدع عن قتل ذی الثُدَیَّةِ ، قال :. قتله علیّ بن أبی طالب .

قالت: قاتل اللّه عَمْرا! فإنّه أخبرنی أنّه قتله علی نیل مصر، وإنّی سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : «هم شرّ الخلق والخلیقة ، یقتلهم خیر الخلق والخلیقة» (2) .

ص :131


1- تضمین لشعر السید الحمیری ، انظر کشف الغمّة 2 : 40 ؛ بحار الأنوار 6 : 193 ، وج 39 : 241 ، و47 : 313.
2- رواه القاضی نعمان فی شرح الأخبار 1 : 141 _ 142 مع تفاوت فی الألفاظ ، وأخرجه المجلسی فی بحار الأنوار 38 : 15 / 24 عن شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید .

وأیضا عن أبی البشر (1) قال : دخلت علی عائشة ، فقالت : من قتل الخوارج؟ قلت : قتلهم علیّ بن أبی طالب . فقالت لی : کذبتَ! فمسکنا ساعة فدخل علیها مسروق بن الأجدع ، فقالت له : ما فعل الخوارج؟

فقال لها : قتلهم علیّ بن أبی طالب ، فقالت : إنّه ما یمنعنی ما فی نفسی علیه أن أقول فیه ما سمعت من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . فقلنا : ما سمعته یقول؟ فقالت : سمعته یقول : «یقتل الخوارج خیر أُمّتی» وسمعته یقول : «علیٌّ مع الحقّ والحقّ معه» (2) .

الحدیث الرابع والتسعون

عن عبد الرحمن بن زید بن أسلم، عن أبیه قال :. [ لمّا ] مرض الأعمش مرضه الذی مات فیه ، فدخل علیه ابن شبرمة وابن أبی لیلی وأبو حنیفة ، فقالوا : یا أبا محمّد ، هذا الیوم آخر یوم من الدنیا وأوّل یومٍ من الآخرة وقد کنت تحدّثنا عن علیّ بن أبی طالب بأحادیث لو أمسکت عنها لکان الرأی .

فقال : إلیّ تقولون هذا ؟! أسندونی، فسندوه ، فقال : حدّثنی [ أبو ] المتوکّل الناجی عن أبی سعید الخدری عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «إِذا کانَ یَوْمُ القِیامَةِ ، یَقُولُ اللهُ تَبارَک وتَعالَی لی ولعلیّ بن أبی طالب : أدخلا الجنّة من أَحبّکما ، وأَدخلا النار من أَبغضکما . فیجلس علیّ بن أبی طالب علی شفیر جهنّم فیقول : هذا لی وهذا لک ، وذلک قوله تعالی فی کتابه الکریم : «أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ» (3) ؛ «مَّنَّاعٍ لِّلْخَیْرِ

ص :132


1- فی بحار الأنوار «أبی البشیر» وفی کشف الغمّة «أبی البسر» .
2- رواه ابن طاووس فی الطرائف : 102 _ 103/150 ؛ ومناقب الإمام أمیر المؤمنین لمحمّد بن سلیمان 2 : 361 / 839 ، و2 : 534 / 1035 ؛ وأخرجه فی بحار الأنوار 38 : 15/24 ، 38 : 33 _ 34/10 ؛ وراجع مناقب علیّ بن أبی طالب لإبن مردویة: 170 _ 171 ، الأحادیث 229 _ 232.
3- ق (50) : 24.

مُعْتَدٍ أَثِیمٍ» (1) ؛ «الَّذِی جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَ_هًا ءَاخَرَ فَأَلْقِیَاهُ فِی الْعَذَابِ الشَّدِیدِ» (2) ».

فقال بعضهم لبعض : قوموا عنه لئلاّ یجیبنا بما هو أعظم من ذلک ، فخرجوا ، ومات الأعمش رحمه الله (3) .

الحدیث الخامس والتسعون

لمّا بایع الناس أبا بکر دخلت أُمّ سلمة علی فاطمة الزهراء صلوات اللّه علیها ، فقالت لها :. کیف أصبحت یا بنت المصطفی؟

فقالت : «أَصبَحْتُ بَیْنَ کمْد (4) و کرْبٍ : فَقْد النَبیِّ [ صلی الله علیه و آله وسلم ] وَظُلْم الْوَصِیِّ _ ثمّ قالت _ : هتک واللّهِ . . . حجبه ، فأصْبَحت إمامته وأحکامه مُقْتَضبَةٌ علی غیر ما شرعها اللّه فی التنزیل ، وسَنَّهَا النبِیُّ صلی الله علیه و آله وسلم فی التأویل ، ولکنّها أحقاد بدریّة ، وتِرات أُحدیّة ، کانت علیها قلوب النفاق [ مکتمنة ]لإمکان الوشاة ، فلمّا اُستُهدِفَ الأمر [ أُرسلت علینا شآبیب الآثار ]من مخیلة الشقاق ولیس _ [ علی ]ما وعد اللّه من حفظ الرسالة ، وکفالة المؤمنین _ أحرزوا عائدتهم من غرور الدنیا بعد انتصار ممّن فتک بآبائهم فی مواطن الکروب ومنازل الشهادات» (5) .

ص :133


1- القلم (68) : 12.
2- ق (50) : 26.
3- أمالی الطوسی : 628 المجلس الثلاثون ، ح 1294 / 7 ؛ ورواه ابن طاووس فی الطرائف : 82/115 عن کتاب المناقب لابن المغازلی عن شریک ، وعلّق علیه المصحّح بالقول : «غیر موجود فی المناقب المطبوع ، ورواه أبو الحسن الکلابی فی المسند المطبوع فی آخر کتاب المناقب : 427 فی الحدیث الثالث عن شریک» ؛ ورواه فی بشارة المصطفی : 49 ؛ وبحار الأنوار47 : 357 _ 358/66.
4- الکَمْد والکَمَد : الحزن والغمّ الشدید .
5- روی نحوه فی مناقب آل أبی طالب 2 : 234 ، فصل فی ظلامة أهل البیت علیهم السلام ؛ وعنه فی بحار الأنوار 43 : 156/5. وقال المجلسی : «أقول : کان الخبر فی المأخوذ منه مصحّفا محرّفا ، ولم أجده فی موضع آخر أُصحّحه به فأوردته علی ما وجدته» ؛ وعوالم العلوم 2 : 829 ، عن المناقب .

الحدیث السادس والتسعون

عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، قال :.

خرج معاویة ذات یوم إلی خارج دمشق راکبا علی بغلةٍ شهباء للتفرّج ، وعن یمینه أبو الأعور السلمی ، وعن شماله عمرو بن العاص ، وبین یدیه ولداه : خالد ویزید ، فلمّا أصحر إذا شیخ قد أقبل من صدر البریّة ، تبیّن شراسیف صدره من خرز ظهره ، وعلیه جبّة من الصوف قد مرّ نساجها وبقی لحامها ، وقد خرج من تحتها شعر صدرها کسَلَی النحل، وعلی رأسه شملة من الصوف، وفی وسطه حبل من لیف المُقْل.

فقال له معاویة : من أین أقبلت یا شیخ؟ فلم یتکلّم ، فأعاد القول ثانیة؟ فلم یتکلّم ، فأعاد القول ثالثة؟ فقال الشیخ : ویحک! ألم تسمع قول النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «تحیّة المؤمن قبل کلامه»؟!

فقال له معاویة : صدقت وأخطأنا یا شیخ ، السلام علیک ، فقال الشیخ : السلام علی من اتّبع الهدی ، وخشی عواقب الردی ، وأطاع الملک الأعلی .

فقال له : من أین أقبلت؟ قال : من أرض النجفیّة (1) .

قال : وأین ترید؟ قال : الأرض التی بورک فیها .

فقال معاویة : لعلّک أقبلتَ من الکوفة ترید البیت المقدّس؟ قال : أجل .

فقال له معاویة : کیف خلّفت أبا تراب؟ فقال الشیخ : فمن أبو تراب؟ قال : علیّ بن أبی طالب .

فقال : خف ، ولم لا تقول : المیزان الراجح ، والطریق الواضح ، والزناد القادح ، والشهاب اللائح ، صاحب بدر وحنین ، وأبو الحسن والحسین ، والمفرّق بین ولد الحلال والزنی ؟!

فقال معاویة : من ذکرته کیف خلّفته؟ قال : خلّفته معافیً فی دینه ودنیاه .

ص :134


1- فی البحار : «أتیت من العراق أُرید بیت المقدس».

قال معاویة : فما یصنع فی لیله؟ قال : یقسّمه ثلاثة أجزاءٍ : جزء مع نفسه ، وجزء یناجی ربّه ، وجزء یحرس فیه المسلمین .

قال : ما یصنع فی نهاره؟ قال : ینصف المظلوم من ظالمه ، ویعید الظالم بعدله إلی الحقّ .

قال : فمن علی بیت مال المسلمین؟ قال : ولده الحسن .

قال : فمن علی شرطها؟ قال : ولده الحسین .

قال معاویة : لقد أُشرب حُبَّ أبی تراب قلبُ هذا الشیخ ، فلو مات أبو تراب ما کنت تصنع؟

قال : ما کنت أتّهم فیه ربّی ولا أرجع بعده ضالاًّ ، وإنّه لا یموتُ حتّی یکون له وَلَدٌ وُلِدَ ، حتّی بقی الدهر ولا یبقی أحد .

فقال عمرو بن العاص : عرّفه نفسک لعلّه لا یعرفک .

فقال معاویة : هل تعرفنی یا شیخ؟ فقال الشیخ : لا اُفکّرک .

قال : أنا الشمعة المضیئة ، أنا الیَنْبُوعة (1) الزکیّة ، وأنا سیّد بنی أُمیّة .

قال الشیخ : لعلّک ابن الدعیّ ، وعدوّ النبیّ ، وابن آکلة کبد حمزة الزکیّ ، الطلیق ابن الطلیق؟

فقال له معاویة : یا شیخ ، قل خیرا فإنّک مقتول .

قال له الشیخ : لا أکره ذلک ، أنا عدوّک فی الدنیا وأکون غدا خصمک فی الآخرة .

قال له : یا شیخ ، هل شهدت [ یوم ] الدار؟ قال : وما [ یوم ] الدار؟ قال : لمّا قتل علیٌّ عثمان!!؟

فقال [ الشیخ ] : واللّه إنّ علیّا ما قتل عثمان ولا ملأ فی قتله .

قال معاویة : یا شیخ ، ما تقول فی اُمِّ المؤمنین عائشة؟

ص :135


1- فی البحار : أنا الشجرة الزکیّة. و«الیَنْبُوع» : عین الماء=الجدول الکثیر الماء .

قال : ما أقول فی امرأة أغضبت ربّها ، وخالفت بعلها ، وحاربت ولیّها !

قال : یا شیخ ، هل شهدت صفّین؟

قال : ولا غبت عنها ، ولقد کنت قطبها ورحاها ، وأنا صاحب السهمین اللذین قتلا جوادیک ، والسهم الذی أثّر هذا الأثر بین عینیک .

فقال له : یا شیخ ، قل خیرا فإنّک مقتول .

فقال : لا أکره ذلک ؛ أن أکون عدوّک فی الدنیا وأکون خصمک فی الآخرة .

فقال له معاویة : عد معنا إلی المنزل حتّی نعطیک شیئا من النفقة .

فقال الشیخ : لیس لی فیه حاجة ، معی بقیّة نفقة من إمام یعطی بلا إسراف ولا إقتار .

فرجع معاویة إلی منزله ومعه الشیخ وأحضر له الطعام وقال له : کلْ ، فقال الشیخ : لا آکل حتّی یأذن لی أصحابه .

فقال : ومن أصحابه؟ أوَلیس أنا صاحبه؟!

فقال : کلاّ، أصحابه الفقراء والیتامی والمساکین وابن السبیل والعاملون علیها (1) .

ثمّ نهض الشیخ وهو یقول :

أمعیّری فی حبّ آل محمّد حجر بفیک فدع ملامک أو رد

لو لم تکن فی حبِّ آل محمّد ثکلتک أُمّک غیر طیب المولد

الحدیث السابع والتسعون

جاء فی الآثار أ نّه لمّا خرجت عائشة نحو البصرة ومعها طلحة والزبیر ، کتبت إلی صعصعة بن صوحان العبدی :.

ص :136


1- روی نحوه شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 77 ؛ وعنه فی بحار الأنوار 33 : 247/523 بتفاوت.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

من عائشة بنت أبی بکر زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم إلی صعصعة بن صوحان : أیّها الولد ، فإنّی خرجت ومعی طلحة والزبیر قاصدین البصرة بطلب دم الخلیفة المظلوم عثمان بن عفّان ، فساعة تقف علی کتابی هذا فَاکسِرْ سیفک ، والزم بیتک ، ولا تخالف قولی أیّها الولد ، والسلام علیک ورحمة اللّه وبرکاته .

فکتب صعصعة الجواب :

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم

من صعصعة بن صوحان ، صاحب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی أُمّ المؤمنین عائشة :

أمّا بعد ، فقد أتانی کتابک أیّتها الأُمّ ، تأمُرینی فیه بما أمرک اللّه تعالی به من لزوم البیت وترک الجهاد ، لقوله تعالی : «یَا نِسَآءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِی مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ» (1) ، وتفعلین أنت ما أمرنی اللّه به من الجهاد ، وهذا عجیب! لأنّی لو قیل : من أعقل الناس؟ لما عدوتک ، فاتّقی اللّه أیّتها الأُمّ ، وارجعی إلی البیت الذی أمرک رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بلزومه ، فإنّی فی أثر کتابی هذا خارج نحو علیٍّ علیه السلامللبیعة التی فی عنقی ، والسلام علی من اتّبع الهدی (2) .

الحدیث الثامن والتسعون

عن عبد اللّه بن شرحبیل ، عن أبیه قال :. کنت جالسا بین یدی معاویة إذ دخل زید بن أرقم ومعه رجل أسود ، قال : یا أمیر المؤمنین ، هذا رجل بدویّ ومعه کتاب

ص :137


1- الأحزاب (33) : 32 _ 33.
2- رواه فی الصراط المستقیم 3 : 162 باختصار ، ونحو هذه المکاتبة وردت بین عائشة وزید بن صوحان ، راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 6 : 226 ، والعقد الفرید 4 : 317 .

من محمّد بن أبیبکر رضی الله عنه ، فأخذ معاویة وفتح وقرأ ، فضحک .

قلنا : یا أمیر المؤمنین ، أیّ شیءٍ أضحکک؟

قال : هذا الذی کتب إلیّ :

بسم اللّه الرحمن الرحیم

من محمّد بن أبی بکر إلی معاویة بن صخر : سلام علی من سلّم لأمر اللّه ، وعلی من أسلم لأهل ولایة اللّه ، فإنّ اللّه عز و جل خلق خلقه بلا عبث ولا ضعف ولا حاجة ، لکن خلقهم عبیدا ، فمنهم شقیٌّ وسعیدٌ وغویٌّ ورشیدٌ . واصطفی محمّدا وانتجب علیّا ، وکان أوّل من أجاب ووافق وصدّق هو ، من دونک ودون أبیک وشیعتک وأنصارک ، وقد کفرت بما جاء به محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، وأسأت الصحبة استیلاءً علی حقوق العترة علیهم السلام . والسلام .

فأجابه معاویة :

کتابی إلی الزاری علی أبیه والرادّ [ علیه ] محمّد بن أبی بکر ، أتانی کتابک ، وفیه لی ولأبیک تعنیف .

کتبت تذکر فضل علیٍّ ، فالحمد لِلّهِ الذی صرف الفضل عنک وصیّره فی غیرک وهو ابن عمّنا ، فإن کان ما نحن علیه حقّا فأبوک أوّله ، وإن یک باطلاً فأبوک أسّسه ، برأیه أخذنا ، وبهداه اقتدینا ، ولولا ما سبقنا إلیه أبوک لسلّمنا إلی علیّ بن أبی طالب ، فعِبْ أباک ما بدا لک ، أو فدع . والسلام (1) .

الحدیث التاسع والتسعون

روی عن الصدر السعید الوزیر شمس الدین نظام الإسلام ، أبی النجیب سعد بن محمد ب «ساوة» سنة سبع وخمسین وخمسمائة أ نّه قال :.

ص :138


1- وقعة صفین : 118 _ 120 ؛ الاحتجاج 1 : 183 _ 184 ، وعنه فی بحار الأنوار 33 : 575 باختلاف.

رأیت قبل الوزارة علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی المنام ویده فی ید شیخ لم أعرفه ، فقال لی : «یَا أَبَا النَجِیْبِ ، تَصِیرُ وَزِیرا ، اللّه کیْفَ تکونُ مَعَ شِیْعَتِی ، وهذا وَلَدِی إذ جاءَک فَأَعْطِهِ أَلْفَ دِینارٍ فَهُوَ مُسْتَحقٌّ لِذلِک» .

قال : فانتبهت من النوم فرحا مسرورا ، وحفظت ذلک عنه ، وأترقّب ورود هذا السیّد ، فلمّا تصدّرت للوزارة بعد مدّة جاء السیّد الإمام فخر الدین أبو الرضا الرویدشتی الأصفهانی وقال : لی حاجة مع الوزیر فلیخلّ لی الموضع ، فخلّیت فقلت له : ما حاجتک؟ فقال : بعثنی إلیک جدّی علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، وقد أحال لی بشیءٍ وقال لک : أعْطِ ولَدی هذا أَلْفَ دِینارٍ .

ففرحت بذلک فرحا شدیدا وقبّلتُ رأسه وقلت : سمعا وطاعةً ، لک عندی هذا کلّ سنة ولأولادک ما حییت ، لِما أمرنی به مولای أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام .

الحدیث المائة

عن منقذ بن الأبقع الأسدی أحد خواصِّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال :.

کنتُ مع أمیر المؤمنین علیه السلام فی النصف من شعبان وهو یرید موضعا کان له ، یأوی فیه باللیل ، وأنا معه ، حتّی أتی الموضع ، فنزل عن بغلته ، فَحَمْحَمَتِ البغلة ورفعت أُذنیها وجذبتنی ، فحسّ بذلک أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال : «ما وراءک؟» فقلت : فداک أبی وأُمّی ، البغلة تنظر شیئا ، وقد شَخَصَتْ [ إلیه ]وتَحَمْحَمَتْ (1) ، فلا أدری ماذا دهاها (2) ؟ فنظر أمیر المؤمنین[ علیه السلامإلی ] سواد ، فقال : «سَبُعٌ وربّ الکعبة» فقام من محرابه متقلّدا سیفه فجعل یخطو نحو السبع ، ثمّ قال صائحا به : «قِف» فجفّ السبع ووقف ، فعندها استقرّت البغلة ، فقال أمیر المؤمنین[ علیه السلام ] : «یا لَیْث ، أَمَا علمْتَ أَنّی اللیْثُ وأَنّی الضرغام والقَسْوَر (3) والحَیْدَرُ؟»

ص :139


1- تحمحم البرذون والفرس : ردّ صوته فی طلب علفٍ أو إذا رأی من یأنس به.
2- أی لا أعلم ماذا أصابه بداهیة ، وهی الأمر المنکر .
3- القسور _ والجمع: قسار وقساورة _ : العزیز ، الأسد = الغلام القویّ الشجاع .

ثمّ قال : «مَا جاءَ بِکَ أَیُّهَا اللَّیْثُ؟ _ ثمّ قال : _ اللّهمَّ أنطق لسانه» .

فقال السبع : یا أمیر المؤمنین ، ویا خیر الوصیّین ، ویا وارث علم النبیّین ، ویا مفرّقا بین الحقّ والباطل ، ما افترست منذ أُسبوع شیئا ، وقد أضَرَّ بی الجوع ، ورأیتکم من مسافة فرسخین ، فدنوت منکم وقلت : أذهب وأنظر ما هؤلاء القوم ومن هم؟ فإن کان لی بهم مقدرة [ و ]یکون لی فیهم فریسة [ أخذت نصیبی ] (1) .

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : أیّها اللیث ، أما علمت أَنّی علیٌّ أبو الأشبال الأحد عشر ، براثنی أمثل من مخالبک فإن أحببت أریتک . ثمّ امتدّ السبع [ بین یدیه ]وجعل یمسح [ یده ]علی حامّته ویقول : «ما جاء بک یا لیث؟ أنت کلب اللّه فی أرضه» .

قال : یا أمیر المؤمنین : الجوع ، الجوع .

فقال علیّ : «اللّهُمّ ائته برزقه _ بحقّ محمّد وأهل بیته _ [ من ]عندک» .

قال : فالتفتّ فإذا بالأسد یأکُلُ شیئا کهیئة الحَمَل ، فأَکَلَ حتّی أتی علی آخره . ثمّ قال : واللّه یا أمیر المؤمنین ، ما نأکل نحن معاشر السباع رجلاً یحبُّکَ ویحبّ عترتک ، ونحن أهل بیت ننتحل محبّة الهاشمیّین وعترتهم .

ثمّ قال أمیر المؤمنین[ علیه السلام ] : «أیّها السبع ، أین تأوی وأین تکون؟» .

فقال : یا أمیر المؤمنین ، إنّی مسلّط علی [ أعدائک ] (2) کلاب أهل الشام _ وکذلک أهل بیتی _ وهم فریستنا ، ونحن نأوی النیل .

قال : «فما جاء بِکَ إِلی الکوفَةِ؟» .

قال : یا أمیر المؤمنین ، أتیت الحجاز فلم أُصادفکَ ، وإنّی فی هذه البریّة والفیافی التی لا ماء فیها ولا خیر ، موضعی هذا (3) ، وإنّی لمنصرف من لیلتی هذه إلی رجل یقال

ص :140


1- الزیادة من الفضائل.
2- الزیادة من الفضائل.
3- فی کتاب الیقین : «أتیت الحجاز فلم أُصادف شیئا وأنا فی هذه البریّة» ، وفی الفضائل : «أتیت الکوفة أطلبک فلم أُصادفک فیها وقطعت الفیافی والقفار حتّی وقفت بک وبللت شوقی».

له سنان بن وابل ممّن انفلت من حرب صفّین ، ینزل القادسیّة ، وهو رزقی فی لیلتی هذه ، وإنّه من أهل الشام ، وأنا متوجّه إلیه . ثمّ قام من بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلاموذهب .

[ قال منقذ بن الأبقع : فعجبت من ذلک ] (1) ، فقال لی أمیر المؤمنین : «ممّ تعجّبت؟ هذا أعجب ، أمِ الشمس [ أعجب رجوعها ] (2) ، أمِ العین [ فی نبعها ] ، أم الکوکب [ فی انقضاضه ] ، أم سائر ذلک؟ فوالذی فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو أحببت أَنْ أُری الناسَ مِمّا عَلَّمنِی رَسُولُ اللّه صلی الله علیه و آله من الآیاتِ والعَجائِبِ ، لَکانُواْ یَرْجعُونَ کُفّارا» .

ثمّ رَجَعَ أمیر المؤمنین إلی مستقرّه ووجّهنی[ من ساعتی ]إلی القادسیّة [ فوافیت القادسیّة ]قبل أن یقیم المؤذّن الإقامة ، فسمعت الناس یقولون : افترس سنانا السبع ، فأتیت فیمن أتاه ینظر إلیه ، فما ترک السبع إلاّ رأسه وبعض أعضائه مثل أطراف الأصابع ، وأتی علی ما به ، فحمل رأسه إلی الکوفة ، [ فبقیت متعجّبا ] ، فحدّث النّاس ما کان من حدیث أمیر المؤمنین[ علیه السلام ]والسبع ، فجعل الناس یتبرّکون بتراب تحت قدمی أمیر المؤمنین[ علیه السلام ] ویستشفون (3) به . [ فلمّا رأی ذلک ]قام خطیبا فحمد اللّه وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«معاشر الناس ، ما أحبّنا رجلٌ فدخل النار ، وما أبغضنا رجل فدخل الجنّة ، وأَنَا القَسِیم ، أُقْسِمُ بَیْنَ الجَنَّةِ والنّارِ ، هذه إلی الجَنَّةِ یمینا [ وهم من یحبّنی ] ، وهذه إلی النار شمالاً [ وهم من یبغضنی ] ، أقول لجهنّم : هذا لی وهذا لک ، حتّی تجوز شیعتی علی الصراط کالبرق الخاطف والرعد العاصف والطیر المسرع والجواد السابق» .

فقام الناس إلیه بأجمعهم وهم یقولون : الحمد للّه الذی فضّلک علی کثیر من

ص :141


1- ما بین المعقوفین من الفضائل.
2- ما بین المعقوفین من الفضائل.
3- فی الفضائل : «ویتشرّفون».

خلقه تفضیلاً .

قال : ثمّ تلا أمیر المؤمنین[ علیه السلام ]هذه الآیة :

«الَّذِینَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِیمَ_نًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَکِیلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَ نَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ» (1) .

الحدیث الحادی والمائة

عن زرّ بن قدامة المکّی قال :. حدّثنا شهاب المدنی فی مسجد الرسول قال : کُنّا مع أمیر المؤمنین علیه السلام فی «بئر رومة» علی یمین الوادی ، إذ نادی لسلمان الفارسی وقال : «یا أبا عبد اللّه ، اصعد إلیَّ ، ولیصعد ثقاتی إلیّ» والعسکر فی الوادی وذلک عند عشاء الآخرة ، فصعد سلمان والنقباء ، وهم معروفون : سلمان ، وعمّار ، والمقداد ، وأبو ذرّ ، وأبو الدرداءِ ، وخزیمة بن ثابت ، وأبو الأعور السلمی ، ومالک بن الحارث الأشتر ، وحذیفة الیمانی ، وأبو الهیثم بن التیهان ، وأُسامة بن زید ، وخالد بن سعید .

وصعد نفر من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وإذا أمیر المؤمنین قاعد ، و[ . . . ]عند اشتباک الکواکب ، فقعدنا إلیه ، فجعل یحدّثنا ونحدّثه هینمة . ثمّ قام فأذّن للعشاء الآخرة وأقام وصلّی وصلّینا معه ، ثمّ التفت عن یمینه وتکلّم بکلام لم نفهمه ولم ندرِ عربیّة أو فارسیّة؟

فقلنا : فداک آباؤنا وأُمّهاتنا یا أمیر المؤمنین ، ما هذه الکلمات التی تکلّمت بهنّ؟

قال : «دعوت ربّی علی لسان نوح علیه السلام» فقلنا : وما ذاک؟ قال : «معناه بالعربیّة : قدّوس قدّسته السماوات والأرض ، سبّوح سبّحته الجبال والبحار ، عظیم عظّمته الخلائق بالتوحید ، جبّار جبر الخلق بالنعمة ، کریم سجد لوجهه جبرئیل ومیکائیل

ص :142


1- آل عمران (3) : 173 و 174 ، وروی الحدیث شاذان بن جبرئیل فی الفضائل : 167 ، خبر کلام السَبُع مع أمیر المؤمنین علیه السلام ؛ والسید ابن طاووس فی کتاب الیقین : 65 _ 67 ؛ وعنهما البحار 41 : 232/5 باب 111.

وإسرافیل».

فعند هذه الکلمات ، تدلّی نجم من الهواء کالکوکب الدرّی فقالت : صدّقتَ محمّدا ، من أنکرک فعلیه لعنة اللّه ولعنة اللاعنین والملائکة والناس أجمعین . إنّا معاشر الکواکب زُیّنَ بنا السماء ورُمی بنا الشیاطین ، وزُیّن بکم الکتاب والبلاد ، ورُمی الکفّار بکم حتّی رجعت الکلمة إلی کلمة الإخلاص .

قال : فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أیّها الکوکب ، وما کلمة الإخلاص؟» .

فقال الکوکب : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله حقّا ، وأنّ علیّا وصیّه صدقا ، بمحمّدٍ أصلح اللّه العباد والبلاد ، وبعلیٍّ عرف الناس الدین ، ونصر به [علی] أهل الشرک ، حتّی أقرّوا لِلّه بالوحدانیّة ، وخضعوا له بالربوبیّة ، وأقرّوا بأنّه الواحد الجبّار ، الذی لا شریک له فی أمره ، ولا یعادله أحد من خلقه ، ولا ینازعه وزیر ، ولا یقاسمه شریک ، وهو العلیّ الجبّار ، ومحمّد عبده ورسوله ، وعلیٌّ وصیّه وخلیله .

ثمّ ارتفع الکوکب وتعجّبنا ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «مِمَّ تعجّبتم؟ فلو رأیتم کلامی للشّمس یوم التلّ ، إذا لداخلکم النفاق!؟» .

فقلت : یا أمیر المؤمنین ، لا ینکرک إلاّ جاحدٌ ، ولا یبغضک إلاّ فاسق ، ولا یبغضک إلاّ فاجر ، ولا یحسدک إلاّ زندیق ، أنت الوصیّ الأمین ، وصلّی اللّه علیک وعلی ذریّتک .

قال : ثمّ قمنا وارتحلنا من سفرنا إلی متوجّهنا ، قلنا : فأعطانا اللّه بک یا أمیر المؤمنین الظفر ، ووهب لنا بک النصر ، وهو العزیز الحکیم .

الحدیث الثانی والمائة

عن محمّد بن عبد اللّه بن أبی رافع قال :. کنتُ جالسا عند أبی بکر بعدما بایعه الناس بأیّامٍ ، فطلع علیٌّ والعبّاس یختصمان فی تراث النبیّ ، وکانت بغلة خلّفها النبیّ

ص :143

_ صلوات اللّه علیه _ وسیفه وعمامته ؛ فأقبلا حتّی جلسا بین یدی أبی بکر ، فافتتح العباس الکلام .

فقال له أبو بکر : لا تعجل یا أبا الفضل ، فإنّی سائلک عن أمر لست أسألک إلاّ وأنا عالم به : أنشدک بالله! هل تعلم أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم جمع بنی عبد المطلب وأولادهم وأنت فیهم فقال : «یا بنی عبد المطلب ، إنّه لم یبعث اللّه نبیّا إلاّ وجعل له [ أخا و ]وزیرا ووارثا ووصیّا (من قومه) (1) وخلیفة من أهل بیته ، فمن یقوم منکم یبایعنی علی أ نّه یکون أخی ووزیری ووارثی (2) وخلیفتی فی أهلی» ، فلم یقم أحد منکم! فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «[ یا بنی عبد المطلب ]کونوا فی الإسلام رؤوسا ولا تکونوا أذنابا ، واللّه لیقومنّ قائمکم ولیکوننَّ فی غیرکم ، ثمّ لتندموا من بعد» ، فقام علیٌّ من بینکم فبایعه علی ما شرط له ودعاه إلیه ، تعلم أنّ هذا جری من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؟!

فقال له العباس : نعم ، والحجّة فی هذا علیک! وإلاّ فما أقعدک فی مجلسک هذا؟! ولِمَ تقدّمت وتأمّرت علیه ؟!

فأطرق أبو بکر وتشاغل بشیءٍ آخر ، ونهض علیّ آخذا بید العبّاس وهو یقرأ : «وَ إِنَّ کَثِیرًا مِّنَ الْخُلَطَ_آءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ» (3) إلی آخر الآیة .

وروی أنّهما قدما علی عمر بعدما صار الأمر إلیه ، فقال لهما عمر : اخرجا عنّی، فهمت یا بنی عبد المطّلب ؛ هذا الذی فعله العبّاس إنّما فعله توبیخا لأبی بکر و تهجینا له و تنبیها علی أ نّه غاصب حقّ علیّ علیه السلام ، و کان علیٌّ و العبّاس فی هذه الصورة مثل الخصمین اللذین دخلا علی داود ، و لا یخفی هذا علی من صحّ لبُّه و مال إلی الهدی ، و اللّه أعلم!

ص :144


1- لم یرد فی بشارة المصطفی.
2- فی بشارة المصطفی بدل «وارثی» «وصیّی» .
3- ص (37) : 24. والخبر رواه فی بشارة المصطفی : 220 باختصار ، وأخرج نحوه فی بحار الأنوار 29 : 67/1 عن الاحتجاج ومثله فی مناقب ابن شهرآشوب 3 : 49.

الحدیث الثالث والمائة

حدّث أبو الحسن علیّ بن حمّاد العبدی رحمه الله بالبصرة سنة إحدی وتسعین وثلاثمائة عن رجاله :. أ نّه لما فُتِحت المدائن وجُمِعت فی مسجد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمبالمدینة الغنائم ، وأحضر عمر جمیع المسلمین لیقسّموها علی ما أوجبه اللّه ، وعرضت السبایا علیهم وهنّ متابعات بینهم ، أُبرزت شهربان بنت یزدجرد وهی مختمرة وعلیها من ثیاب الملوک شملة ، فقال عمر : احبسوا عنها الخمار فلا حرمة إلاّ للإسلام .

فقال له علیّ علیه السلام : «یجب لبنات الملوک أن تتمیّزن عن غیرهنّ» .

فقال له عمر : أفیخرجن من السبی ویزول عنهنّ الرقّ؟ قال : « [ لا ] ولکن لا یهتک خمرهنّ ویجعل الاختیار إلیهنّ فیمن یملکهنّ» . فأجاز عمر ذلک وطیف بها علیهم _ وهم جلوس مجتمعون _ لیقع اختیارها علی من تملکها من المسلمین ، فلم تزل تتفحّصهم ، ثمّ أشارت إلی الحسین علیه السلام من بینهم ، فحصلت فی سهمه علی ما أوجب من الفرض له ، فولدت علیّ بن الحسین زین العابدین علیهماالسلام .

ثمّ حدّث أبو نصر مهیار بن أدبار _ وکان من رؤساء المتصرّفین وعلماء المجوس المتأدّبین _ عن رجاله ومن أسند من رواة الطائفة إلیه : أنّ شهربان حین طیف بها عند اقتسام الغنائم علی کافّة المسلمین فی المسجد لتختار من تکون من سهمه منهم ، وتسیر إلی من یحصل فی ملکه من جملتهم ، ووقع اختیارها علی الحسین علیه السلام ، وصارت فی قسمه ، وتقدّم لحملها إلی داره ، قال لها عمر : أخبرینی عنکِ : قد عرض علیک کافّة المسلمین ، وفیهم أنا وأنا أمیرهم ، وما یتعذّر وجود الکهول والصباح والشبّان والأوضاح فیهم ، وکیف اخترتِ هذا الفتی من بینهم؟

فقالت : الصدق أنجی وأرجی ، کنت حین طیف بی علی الجماعة _ فأنا ألحظهم لیقع اختیاری علی من یملکنی منهم _ لا أری أحدا إلاّ یرمقنی بطرف حدید ونظر

ص :145

شدید غیر هذا الکهل وابنیه _ وأشارت إلی علیٍّ علیه السلام _ فإنّهم ما لحظونی ولا التفتوا إلیّ ، فرأیت النزاهة وشرف الهمّة هناک ، فبیّنت إلیهم الاختیار ، وعلمت أنّ المروءة ملک لا یزول إذا زالت الممالک بنوائب (1) الدهر .

فقال لها : أفلا اخترتِ أباه فهو أفضل منه ، أو أخاه فهو کبیره؟

فقالت : نزعت نفسی إلی [ . . . ]سنّا لحداثته ، ورغبت مع الشرف والعفاف فیما یرغب فیه أمثالی! فأعجبه ذلک منها وأثنی هو والجماعة الخیر علیها (2) .

الحدیث الرابع والمائة

قال السیّد الإمام أبو البرکات محمّد بن إسماعیل الحسینی المشهدی الرضوی رحمه الله :. أخبرنا الشیخ الإمام أبو محمّد [ الحسن ]بن أحمد بن [ محمّد ] السمرقندی المحدّث ، [ قال] : أخبرنا أبو بکر محمّد بن أبی علیّ الصفّار ، [ قال :] أخبرنا العزیز بن محمّد بن عبد ربّه الشیرازی بمصر ، [ قال : ]أخبرنا عمر بن محمّد بن عمر ، [ قال : ]أخبرنا علیّ بن محمّد الشیروانی ، [ قال : ]أخبرنا علیّ بن أحمد الوشاء الکوفی ، قال :

خرجتُ من الکوفة إلی خراسان ، فقالت لی ابنتی : یا أبه ، خُذ هذه الحلّة فبِعْها واشترِ لی بثمنها فیروزجا .

قال : فأخذتها وشددتها فی بعض متاعی وقدمت «مرو» فنزلت فی بعض الفنادق ، فإذا غلمان علیّ بن موسی الرضا[ علیه السلام ]جاؤونی وقالوا : نُرِیدُ حلّة نکفّن فیها بعض غلماننا (3) ، فقلت : ما عندی ، فمضوا . ثمّ عادوا وقالوا : مولانا یقرأ علیک

ص :146


1- النوائب : الحوادث.
2- الکافی 1 : 466 _ 467 ، باب مولد علیّ بن الحسین علیهماالسلام ، ح 1 ، وقد أورد صدر الخبر فقط ، وفی إرشاد المفید2 : 137 أشار إلیه ؛ وأخرج المجلسی الخبر فی بحار الأنوار 46 : 7 _ 18 ، الأحادیث : 18 ، 19 ، 20 ، 21 ، 24 .
3- فی المصدر : «علمائنا».

السلام وهو یقول لک : «معک حلّة فی السفط الفلانی التی دفعتها إلیک ابنتک وقالت : اشترِ لی فیروزجا ، وهذا ثمنها!!» فدفعتها إلیهم وقلت : واللّه لأسألنّه عن مسائل ، فإن أجابنی عنها فهو هو . فکتبتها وغدوتُ إلی بابه فلم أصل إلیه من کثرة الزحام ، فبینما أنا جالسٌ إذ خرج خادم إلیَّ فقال لی : یا علیّ بن أحمد ، هذه جوابات مسائلک التی معک . فأخذتها منه ، فإذا هی جوابات مسائلی بعینها!! (1)

الحدیث الخامس والمائة

قال ربّانیّ هذه الأُمّة عبد اللّه بن عباس رضی الله عنه ، وقد سأله معاویة عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فقال :.

کان واللّه للقرآن تالیا ، وللشرّ قالیا ، وعن المین (2) نائیا ، وعن المنکرات ناهیا ، وعن الفحشاء ساهیا ، وبدینه عارفا ، ومن اللّه خائفا ، وعن الموبقات صارفا ، وباللیل قائما ، وبالنهار صائما ، ومن دنیاه سالما ، وعلی العدلِ فی البریّة ملازما ، وبالمعروف آمرا ، وعن المهلکات زاجرا ، وبنور اللّه ناظرا ، ولشهوته قاهرا ، فاق العالمین ورعا وکفافا وقناعة وعفافا ، وسادهم زهدا وأمانة وبرّا وحیاطةً .

کان واللّه حلیف الإسلام ، ومأوی الأیتام ، ومحلّ الإیمان ، ومنتهی الإحسان ، وملاذ الضعفاء ومعقل الحنفاء ، وکان للحقّ حصنا حصینا ، وللناس عونا مبینا ، وللدین نورا ، وللنعم شکورا ، وفی البلاء صبورا .

کان واللّه هجّادا بالأسحار ، کثیر الدموع عند ذکر النار ، دائم الفکرة فی اللیل والنهار ، نهّاضا إلی کلّ مکرمة ، سعّاء إلی کلّ منجیة ، فرّارا من کلِّ موبقة .

کان واللّه علم الهدی ، وکهف التقی ، ومحلّ الحجی ، وبحر الندی ، وطود النهی ، وکنف العلم للوری ، ونور السفر فی ظلم الدجی .

ص :147


1- إعلام الوری : 309 ، الفصل الثالث فی ذکر دلالاته ومعجزاته ؛ کشف الغمّة 3 : 106.
2- المَیْن : الکذب.

کان [ واللّه ]داعیا إلی المحجّة العظمی ، ومتمسّکا بالعروة الوثقی ، عالما بما فی الصحف الأُولی ، وعاملاً بطاعة الملک الأعلی ، وعارفا بالتأویل والذکری ، متعلّقا بأسباب الهدی ، حائدا عن طرقات الردی ، سامیا إلی المجد والعلی ، قائما بالدین والتقوی ، وتارکا للجور والعدوی ، وخیر من آمن واتّقی ، وسیّد من تقمّص وارتدی ، وأبرّ من انتعل وسعی ، وأصدق من تسربل واکتسی ، وأکرم من تنفّس وقری ، وأفضل من صام وصلّی ، وأفخر من ضحک وبکی ، وأخطب من مشی علی الثری ، وأفصح من نطق فی الوری بعد النبیّ المصطفی ، [ صلّی القبلتین ] .

فهل یساویه أحد وهو زوج خیر النسوان؟! (1) وهل یساویه بطل وهو أبو السبطین؟! فهل یدانیه خلق؟! و کان واللّه للأشدّاء قتّالاً ، وللحرب شعّالاً وفی الهزائز (2) جبالاً؟ (3)

وعن الأعمش قال : سئل عبد اللّه بن عباس أیضا عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، فقال : کیف أصف ربیب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأخاه وزوج ابنته سیّدة نساء العالمین ، وأبا سبطیه الحسن والحسین سیّدی شباب أهل الجنّة؟!

وکیف أَصِفُ من یقول له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أنت یوم القیامة قسیم النار والجنّة ، یقول للنار : هذا لی وهذا لک»؟!

أم کیف أصف من قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی شأنه : «أنت حبیب اللّه وحبیبی ، وخلیل اللّه وخلیلی ، وصفیّ اللّه وصفیّی ، وحجّة اللّه وحجّتی ، وباب اللّه وبابی» ؟!

أم کیف أصف من قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «نفس عَلِیٍّ کَنَفْسِی ، وطاعته کطاعتی ، ومعصیته کمعصیتی» ؟!

أم کیف أصف من سبق الناس إلی الإیمان بربّه عز و جل وإلی رسوله ، وأجهدهم

ص :148


1- فی المصدر : «خیر النساءِ».
2- الهزائز : الشدائد.
3- المسترشد : 306 _ 307 بتفاوت یسیر.

اجتهادا فی سبیله؟!

أم کیف أصف من ولیُّه ولِیُّ اللّه وعدوّه عدوّ اللّه ؟! إلیک أیّها السائل عنّی ! فلو کانت بحار الدنیا مدادا وأشجارها أقلاما ، وأهلها کُتّابا وکتبوا مناقبه وفضائله من یوم خلق اللّه تعالی الدنیا إلی أن یفنیها ما بلغوا عشر معشار ما آتاه اللّه تعالی !!

«ذَ لِکَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ» (1) .

الحدیث السادس والمائة

عن علیّ بن الحسن بن فضّال ، یرفعه إلی عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علیّ علیه السلام ، عن أبیه عن جدّه :. أنّ بلال بن حمامة مولی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أبی أن یبایع لأبی بکر ، وأنّ عمر بن الخطاب جاء حتّی أخذ بتلابیبه (2) وقال : یا بلال ، هذا جزاء أبی بکر منک ؟! إنّه أعتقک ؛ لا تجیءُ تبایعه وتبطئُ عن بیعته!!

فقال بلال : إن کان إنّما أعتقنی لِلّه عز و جل ، محتسبا باغیا فی ذلک الخیر ، فلیدعنی للذی أعتقنی له ، وإن کان إنّما أعتقنی لغیر اللّه وأعتقنی لنفسه ، فها أنا ذا !

وأمّا بیعته ، فما کنت لأُبایع أحدا لم یستخلفه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علی أُمّته ولا یقدّمه ، إنّ اللّه یقول : «یَ_أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِی» (3) . ولقد علمت یا أبا حفص أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عقد لابن عمّه علیّ عقدا هو فی أعناقنا إلی یوم القیامة ، وجعله مولانا من بعده (یوم الدوحات) (4) ، فأیّنا یستطیع أن یبایع علی مولاه ؟!

قال : فقال له عمر : فإن کنت غیر فاعل فلا تقم معنا ، لا أُمَّ لک ! فقال بلال :

ص :149


1- الحدید (75) : 21 ؛ الجمعة (62) : 4 ، وروی ذیل الحدیث فی أمالی الصدوق : 652 ؛ بحار الأنوار 40 : 7/17.
2- «التلابیب : ما فی موضع اللبب من الثیاب ، ویعرف بالطوق» المعجم الوسیط : 811 ، (ل.ب.ب).
3- الحجرات (49) : 1.
4- هو یوم الغدیر.

باللّه لا بأبی بکر نجوت ولو لا الله قامت علی أوصالی الضبع

الله بوّأنی خیرا وأکرمنیوإنّما الخیر عند الله متّبع

لا تلفینّی تبوعا کلّ مبتدعفلست مبتدعا مثل الذی ابتدعوا

قال : وخرج بلال إلی شام فأقام بها إلی أن مات ولم یبایع أبا بکر (1) .

الحدیث السابع والمائة

عن علیّ بن الحسن [ بن ]الفضّال ، یرفعه إلی معروف بن خرّبوذ قال :.

کان مِسطَحِ بن أَثاثة بن عبّاد بن المطّلب (2) بدریّا ، وکان لمّا قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلموبویع أبو بکر فی دارِ فاطمة مع بنی هاشم ، وکان الزبیر بن العوام یومئذٍ معهم وأبی أن یبایع أبا بکر . وکان مسطح یقول لعلیّ علیه السلام : یرحمک اللّه ، ألا تقاتل فنقاتل معک؟ فأعلمه علیّ علیه السلام : أ نّه لو قاتل ما حفّ (3) به أحد ، وقد کان واعده أربعون رجلاً یأتونه صباحا ، فما أتاه إلاّ ثلاثة ، وقیل : أربعة ، وهم : سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار رضی الله عنهم .

قال معروف : وحدّثنی جماعة من بنی هاشم قالوا : کان مِسْطَح بن أثاثة حسن الرأی والبصیرة فی علیٍّ علیه السلام ، وله قصیدة یستبطئ فیها علیّا علیه السلام ، وذلک قبل أن یواعده الأربعون ، وکان أیضا یعقوب بن شعیب یرویها عن جماعة من بنی هاشم ممّن له علم بأخبارهم ، منهم عبد الملک بن عتبة الهاشمیّ . قال یعقوب بن شعیب: وهی هذه :

بنی عمّی أُنادیکم فهبّوا وصحبی لو أجاب نِدای صَحْبُ

ص :150


1- بشارة المصطفی _ طبعة النجف _ : 208 ، التعلیقة.
2- هو مِسْطَحِ بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب بن عبد مناف : ابن خالة أبی بکر. انظر جمهرة أنساب العرب : 73 ؛ وسیر أعلام النبلاء 1 : 187.
3- یقال : «ما لَه حافّ ولا رافّ» أی ما له مَنْ یحفّ به ویعتنی بأمره .

وکم نادیت أحمد من قریب وکیف یجیب من واراهُ ترب

هو النجم الذی ما ظلّ فیناهوی والنجم یبدو ثمّ یخبو

سقی ذاک الضریح الله غیثاوروّی تربه الهطِلُ المُدِبّ

وصلّی الله باعثه علیهوبوّأه من الرحمن قرب

رضیتم أن یزیغ الأمر عنکمویصبح وهو بین الناس نَهْبُ

ویغصبکم بنو تیم بن مرّةوما فی الدین یا للّه غصب

أری المستضعف المظلوم منّاظلیما تحته سند وحدب

وإلا کالجنین به ندوبفأنّی یستهلّ وفیه ندب

وعرفانی به أسدا جریّاکمیّا والکمیّ لدیه کلب

وأنّ الموت طوع یدیه یعدوکأنّ یمینه للموت قُطب

ویدعی فی الوغا القَضِمَ المعلّیإذا ضمّته والشجعان حرب

ویدعی فی السماء فتی قریشبأُحْدٍ والجموع علیه إلْبُ

وقلّب فی القلیب الناس حتّیهوت تلک الجسوم وهنّ قلب

وفی کلّ المواطن غیر نکسولا سیف له فی الروع یَنْبو

أبا حسن لک الحسنی تدارکحوادث ما لهنّ سواک ربّ

فأنت خلیفة المبعوث فیناوکاهلنا وکلّ الناس عجب

ألم ترنی أروح ولی حَنینوحَشْوُ جوانحی همّ وکرب

فإن ترضی بما ترضاه نرضیوذو القربی إلی قرباه یصبو

وأنت بما تری فینا علیمخبیر بالذی یأتیه طبُّ

الحدیث الثامن والمائة

خبر الطفیل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف:.

بإسناد الشیخ المفید عن ابن عقدة مرفوعا إلی ابن فضّال ، إلی حسن بن جنادة

ص :151

السلولیّ قال :

کان الطفیل بن الحارث بن عبد المطلب لمّا قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالیمن، وکان بدریّا ، فلمّا بلغه بیعة الناس لأبی بکر قال : ما فعل بنو عمّنا بنو هاشم؟

قیل له : أمّا علیّ علیه السلام فجلس ببیته بعد أن دعوا إلی البیعة ومشوا إلیه فأبی أن یبایع . قال : ثمّ مه؟ قال : قیل له : اُخرِج کما یُخرجُ البعیر الأجرب ، وأُحرِق بابه ، وصفقَ علی یده (1) وهو کاره .

قال الطفیل : اللّهمّ سبحانک لا یعجزک شیءٌ ، لقد رأیتنا ندعوه فی حیاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بإمرة المؤمنین ، وما کنتُ أَظنُّ القوم صارفوا هذا الأمر عنه .

قال : فمَن اعتزل معه البیعة؟ قیل له : الزبیر والمقداد وسلمان وأبو ذرّ وجماعة لم یؤل أمرهم إلی شیءٍ ، ولقد وَکَّف لفاطمة حمارا (2) ، فأخرجها وطاف بها علی الناس کلّهم ونشدهم حقّها وحقّه ، فما أجابهما أحد .

قال : فبکی الطفیل فقال : ما فعل الرجلان : عبّاس وعقیل؟

قیل له : لم یعینا شیئا .

فقال الطفیل رحمه الله :

أهل مبلغٌ عنّی علی النأی هاشما مغلغلةً ضاقتْ بها حرج الصدر

أمرنا إلیکم ما أتی من ظلامة وفیکم وصیّ المصطفی صاحبُ الأمر

وقل لطلیقیهم عقیل وعمّه ألا تغسلا عارَیکما الیومَ فی بدر

ألا ترجعاها عودة بعد مدّة فما لکما ألاّ تجیبان من عذر

أمن قلّة فالقلّ قد یُبْتَغی به ولا عذر عند اللّه فی طلب الکثر

ولو أسد الله استمرّت حیاته لأغنی عباد الدین فی العسر والیسر

ولو ذو الجناحین الطویل نجادُه لها الأروع الرحب الوسیعة والصدر

ص :152


1- صَفَقَ علی یده ، وصَفَقَ یَدَه بالبیعة : ضرب یده علی یده ، وذلک علامة وجوب البیع.
2- وکَّفَ الحمارَ : وضع علیه الوکاف.

ولو کان . . . . . ابن سخیلة لأبصرته حامی الحقیقة ذا نکر

أخفضا إلی الدنیا بکم واستکانةأری أم قلوبا مانعین من الکفر

قال ابن فضّال : موافقٌ لما روی عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، وقد ذکرته ورویته لیکون شاهدا علی صدق قول الطفیل ، [ و ] کان من خاصّة أمیر المؤمنین ، ولم یفارقه حتّی شهد معه مشاهده کلّها .

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لو کان لی حمزة وجعفر حیّین ما سلّمت هذا الأمر أبدا ولا قَعَد أبو بکر علی أعوادها ، ولکنّی ابتلیت بجلفین حافیین : عقیل والعباس .

وقال الطفیل بن الحارث أیضا :

ألا من لقلب بات بالهمّ منصبا وعین غدا توکافها متسکّبا

وجفن أبی إلاّ اعتماضا علی القذی قریبا کما نادی المنادی ...

حلیف سهادٍ بات طاوٍ علی الأسی یقاسی جویً باقٍ وصبرا مغلّبا

وما ذاک إلا أنّ تیما وأُختها عَدِیّا أجالا فی الضلالِ فأوعبا

أزاحا وصیّ المصطفی عن مقامه وباءا علیه ضلّة وتکذبا

وبایعه قومٌ علینا أظنّةٌسراع إلی البأساء فینا تألّبا

ولم تأل منّا عصبة ذو حفیظة دفاعا ولا فعلاً حمیدا مجرّبا

جزی الله عنّا صالحا من جزائه أبا معبد المقداد والمرء جندبا

هما وفیا للّه فینا بعهده ولم یبغیا عن منهج الحقّ مذهبا

ولا یبعد الله الزبیر ابن أُختنا دفوعا عن الأحباب فینا مذببا

وسلمان مولی القوم من آل أحمد أطاع بنا الطهر الّتی المقرّبا

قال ابن فضّال _ بإسناد ذکره عن محمّد بن عبد اللّه بن أبی رافع عن أبیه ، وکان

ص :153

ابنه کاتب أمیر المؤمنین _ : إنّ الطفیل بن الحارث وأخاه الحصین بن حارث ممّن شهدا حروب علی علیه السلام _ فی حدیث طویل والتقطنا منه ما کنّا به محتاجین فی هذا الموضع _ قال : فأقبل کعب بن سور یوم الجمل فنادی : من یبارزنی؟ فقال رجلٌ من همدان : أنا أُبارزک ، فبرزا فقتل کعب بن سور الهمدانی ، ثمّ أخذ بِخطام الجمل ساعة وقال : من یبارزنی؟ فقال له الطفیل : علیک لعنة اللّه وعلی من یکنع عنک ! فقال له کعب : فابرز إذ شئت ، قال : واللّه ما أنت تخطر لی! ولکن قل للزبیر یبارزنی.

فقال کعب للزبیر ، فجاء الزبیر ، فقال : مَنْ ذا یبارزنی؟ فقال الطفیل : أتعرفنی؟ قال : وهل أُنکرک؟ قال له الطفیل : ألا تنکرنی فقد أنکرت الحقّ ومن هو خیر منّی!! قال : ومن ذاک؟ قال : ذاک الأصلع الأنزع مولاک ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة! قال : لمن کان کذلک؟ فلقد کنت له خیر أُمّتک ؛ لقد جئته متوفّی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وکنت معه ولم أُحدث بیعة ولم أمشِ فیما یکره حتّی بایع ، فلمّا بایع بایعت ، وأُنکره ؟! لتعرف ذلک یا طفیل حتّی تقول :

فلا یبعد الله الزبیر ابن أُختنا دفوعا عن الأحباب فینا مذبّبا

أطاع بنا الرحمن من دون قومنا ولم یطع الشیطان فینا ولا صبا

قال الطاطری : هذا البیت الأخیر زیادة لم یروه أبان بن تغلب .

رجع الحدیث :

فقال له الطفیل : فما بالک نصبت له الحرب وأنت تعرف له هذا؟! قال : فتلا الزبیر : «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَ_لَمُواْ مِنکُمْ خَآصَّةً» (1) هذه واللّه فینا وفیکم خاصّة نزلت؟

قال له الطفیل : بل فیک وفی أصحابک نزلت ، ارجع عنّی یا زبیر ، فإنّی أکره قتالک ، وکیف لا وأنت ابن خالی !؟ [ فقال الزبیر : ]أرجع لعلّ اللّه أن یصلح بین

ص :154


1- الأنفال (8) : 25.

هذین الفیلقین .

قال الطفیل : فما بالک قدت هذا الفیلق أنت وطلحة وخرجتما بأُمّ المؤمنین ، وعصیتما الرحمن ، ثمّ أنت الآن تتمنّی الأمانی فی إصلاح بینهما ؟!

قال : فقال له الزبیر : إنّ مع الخوف الطمع ، ارجع عنّی فلا تسألنی ، فواللّه إنّی لأخشی أن أکونَ من أهل هذه الآیة : «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» (1) وذکر .

الحدیث التاسع والمائة

خبر خالد بن سعید بن العاص وأبی سفیان:.

بإسناده عن ابن فضّال یرفعه إلی جابر بن عبد اللّه بن حزام الأنصاریّ قال :

رأیت أبا سفیان بن حرب یهدج (2) فی مشیته یوم قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حتّی أتی الباب والعبّاس بن عبد المطلب واقف یردّ الباب ، وعلیٌّ علیه السلامیغسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وکان أبو سفیان للعبّاس صدیقا ، فلمّا أتاه قال له : یا أبا الفضل ، تَزَحْزَحْ (3) لی أدخل إلی علیٍّ فأکون أوّل من یبایعه لهذا الأمر ، فهو صاحبه واللّه لما عقد له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال له العبّاس : إنّکَ لا تقدرُ علی ذلک ، وإنّه لمشغول بغسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال له أبو سفیان : ما کنت أظنُّکَ یا أبا الفضل تمنعنی هذا وأنت صاحبی وأنا صاحبک وبیننا من الأمر ما تعلم ! أترید أن تؤخّرنی عن أمرٍ أُحبّ أن أتقدّم فیه؟! أرأیت یابن بتیلة إلاّ عدوّی منذ الیوم؟

فقال له العبّاس : ألستُ صاحبک یوم الفتح؟!

قال : أتَمُنّ علیّ بأمر لم یکن لک فیه النعمة؟! ولو کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قاتلی لما

ص :155


1- الأنعام (6) : 98.
2- هَدَجَ : مشی مشیة الشیخ = مشی فی ارتعاش.
3- یقال : زحزحه عن مکانه فتزحزح : باعده .

أغنیت عنّی شیئا ، لا جرم لا أُکلّمک أبدا .

وجاء خالد بن سعید بن العاص ، وکان له رأی فی علیٍّ ، وسمع بعض کلامهما . وقال : اخفض صوتک یا أبا الفضل ، فإنّ أبا سفیان شیخ قریش . قال : إنّه کلّمنی وکلّمنی ، ولو أردت به سوءا فمن ذا کان یمنعه منّی !

قال خالد بن سعید : أنا واللّه أمنعه ورَغْما (1) وجدعا لمن أراده بسوءٍ! إنّما أراد الرجل أن یبایع علیّا .

ثمّ جلسا حتّی خرج إلیهما علیٌّ علیه السلام ، فقاما واکتنفاه .

قال جابر : وکنت معهم یومئذٍ ، فقال له خالد بن سعید : یا أبا الحسن ، أعلمت ما أحدث القوم من البیعة؟

قال : «لقد أُنبئتُ ذلک ، وأنا لفی شغل بمصابنا برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عمّا أحدثوه» .

قال له خالد بن سعید : قد علِمتَ انقطاعی إلیک _ دون بنی أبی _ ومحبّتی لک ، فمرنی بأمرک ، فأنت واللّه أحبّ الناس إلیّ .

وقال أبو سفیان بن حرب : یا علیّ ، ابسط یدک أُبایعک (2) ، فقد علمتنی فی الحرب لا أأبی وأتثبّط ، فإن تُرِد قتالاً فواللّه لأملأنّها علیهم خیلاً ورجلاً .

فقال علیّ علیه السلام لخالد خیرا کثیرا ودعا له بالخیر وقال : «لقد علمتک ناطقا سبّاقا إلی کلِّ خیر ، انصرف ننظر فی ذات بیننا ، فعندی من رسول اللّه عهد ، ولئن بایعنی رجال من المسلمین لأطأنّهم بسیفی ، وقلیل ما هم» .

قال أبو سفیان : اجعل ربقتها (3) یا علیّ فی عنقی .

قال علیٌّ علیه السلام : «امضِ یا أبا سفیان ، وما غناؤک والأمر لمّا یلتئم!» .

قال خالد بن سعید: فإنّا علی أثرک ونصب أمرک ؛ إن قعدت قعدنا وإن نهضت نهضنا.

ص :156


1- الرغم _ بالتثلیث _ : الکُره.
2- الکامل فی التاریخ 3 : 209 باختصار.
3- الرَبقة والرِبقة : العروة فی الحبل = یقال : «حلّ ربقته» أی فرج عنه کربته.

فقال أبو سفیان بن حرب :

بنو هاشم لا تُطمعوا الناس فیکم ولا سیّما تیم بن مرّة أو عدی

فما الأمر إلا فیکم وإلیکم ولیس لها إلاّ أبو حسن علیّ

أبا حسن فاشدد بها کَفَّ حازمٍ فإنّک بالأمر الذی یرتجی ملی (1)

وإنی امرؤ قومی قصیٌّ وراءهامنیع الحمی والناس من غالب قصی

[ و ] هذا البیت الرابع [ لیس ]من روایة الشیخ المفید أبی عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان .

وقال أبو سفیان أیضا فی ذلک :

بنی هاشم ما بال میراث أحمد ینقّل منکم فی لقیط وخامل

أعبد منافٍ کیف یرضون ما أری وفیکم عتیق المرهفات الفواصل

فدی لکم أُمّی...........وبالنصر منّا قبل موت المحامل

متی کانت الأحباب یعدوننا بکم متی قربت تیم بکم فی المحافل

یحازی بها تیم عدیّا وأنتم أحقّ وأولی بالأُمور الأوایل

البیت الخامس [ لیس ]من روایة الشیخ المفید أیضا .

قال جابر : فانصرفا وانصرفت معهما .

قال خالد بن سعید یشکر لأبی سفیان فیما کان منه فی ذلک :

صخر بن حرب حربت صالحة فأنت أهل لها ولم تزل

یا لک من کلمة نطقت بها لا یفضض اللّه فاک من رجل

ذهبتَ بالفضل من دعائک إذ تدعو إلی الأمر بالوصی علیّ

إن کنت فی الدین آخرا فلقد أبصرت ما قد عمی علی الأُول

وإن کفّک أعطیتَ بیعتها أبرأها ربّها من الشلل

بیعة حقّ لیست کبیعتهم تلک مضت ضلّة من الضلل

ص :157


1- الإرشاد 1 : 190 ؛ والفصول المختارة : 248.

الحدیث العاشر والمائة

اشاره

خبر الفضل بن عباس رحمه الله :.

بإسناده عن ابن فضّال رفعه إلی سعید بن المسیّب ، أ نّه لمّا عزم أبو بکر علی حرق منزل الزهراء علیهاالسلام خرج العبّاس والفضل بن العبّاس یشتدّان ، والفضل مصلّت بالسیف ، والعبّاس یقول : یا لها من عظیمة ما أتی إلینا فلان وفلان ! ونادی الفضل بن العبّاس : یا آل عبد المطّلب! فلقیهما المقداد بن عمرو ، فقالا : ما وراءک؟ فقال : هذا فلان وفلان وفلان _ وذکر أقواما لم یسمّهم سعید بن المسیّب _ یریدون أن یحرقوا علی علیٍّ علیه السلام وفاطمة علیهاالسلام بیتهما ، فقال المقداد : وقد وجأنی فلان فی عنقی ونال منّی ، فقلت : إن تنل منّی فإنّی أهون علیکما من فاطمة وعلیّ .

فقال الفضل : یا أبه ، ألا أقتله _ یعنی ذلک الرجل _ إن رأیته؟

فقال : یا بنیّ ، لقد أراد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قتله لیلة العقبة فلم یمنعه إلاّ ما رأیت من الأمر ، فدعه یکفیه عنه بعض الناس .

فجاء العباس والفضل ومعهما عتبة بن أبی لهب وعقیل بن أبی طالب ، وقد انصرف القوم بعلیّ بن أبی طالب یسوقونه إلی البیعة!

فقال الفضل فی ذلک :

ما لقومی لا یسمعون ندائیأصُمّوا أم هم رهون رماس

أم هم مخلدون بالخفض والنق__ض لعهدی أم من الإجلاس

أم أطاعوا الأعداء فینا فأصبحواعن مواساة حلیفی شماس

هل أحبوا لنا الوصیّ علیّاأم هم للوصی غیر خواس

علم اللّه أنّی أُدرک الوتروبالنفس أُسرتی قد أُواسی

غیر أنّی أطعت من غیر وهنواستکان مقالة العبّاس

ص :158

الخبر الحادی عشر والمائة

خبر بریدة بن الخصیب الأسلمیّ رحمه الله :.

بإسناده عن ابن فضّال یرفعه إلی أبی الطفیل عامر بن واثلة الکنانی ، أنّه لمّا بویع أبو بکر جاء بریدة الأسلمی فی نفر من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال : یا أبا بکر ، ألم یأمرک رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأصحابک أن تسلّموا علی عَلِیٍّ بإمرة المؤمنین (1) یوم سهیل بن عمرو وأنا تاسع القوم؟ فما بالک تأمَّرْتَ علی أمیر المؤمنین؟!

فقال عمر بن الخطّاب : یا بریدة ، إن ترید إلاّ أن تکون جبّارا فی الأرض وما ترید أن تکون من المصلحین! إذا رضی المهاجرون و الأنصار فأنت و أمثالک لهم تبع .

فقال بریدة : یابن الخطّاب ، کیف؟ وهؤلاءِ المهاجرون والأنصار یسمعون قولی ویقولون مثل مقالی!

فقام عمّار بن یاسر ، وأبو أیّوب ، وأبو ذر ، وسلمان ، وخالد بن سعید بن العاص ، والمقداد بن الأسود ، وخزیمة بن ثابت فی نفرِ من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمفشهدوا بذلک .

فلمّا أبصر بهم أبو بکر قطع خطبته ، وأُقیمت الصلاة ونزل عن المنبر ، فصلّوا ثمّ کثرت الکلمة ، فنادی الأرقم بن أبی الأرقم : أیّها الناس ، اُدخلوا بیوتکم ، فإنّ هذا العبد یرید أن یفتنکم عمّا أنتم علیه! یرید بذلک عمّار بن یاسر .

فقال له عمّار : ویلک ، أَمِثْلِی یفتن الأُمّة؟! واللّه ما أنت بأقدم هجرة منّی و لا إسلاما ، ولا تقدّما فی الخیر ، ولا أصابک فی اللّه ما أصابنی من البلاء! وکشف عمّار عن ظهره آثار عذاب المشرکین ، وما نالوا منه بمکّة .

فاجتمع الناس یبکون حول عمّار وقالوا للأرقم : واللّه ما أنت بخیر من عمّار ،

ص :159


1- روی الحدیث عن بُریدة فی المسترشد : 585 _ 586/256.

فدع عمّارا وما کلّف .

فقال عمّار : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قبض وفی أصحابه منافقون ، لو أشاء أُخبرکم لأخبرتکم ، وما هذا منهم ببعید _ یرید بذلک الأرقم _ واستبّ هو وعمّار ، وخرج الناس بینهما ، فنادی عمّار : أیّها الناس ، اشهدوا أنّی مع علیٍّ ، والحقّ مع علیٍّ حیثما زال زلت معه إلی یوم القیامة ، وأنّ علیّا صاحبی بعد ابن عمّه محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، فلیبلّغ شاهدکم غائبکم ، ومضی (1) .

قال بریدة الأسلمی فی أبی بکر وأصحابه :

ما بالُ عینک لا تنام ودمع عینکَ ساجمُ (2)

یا بیعةً هدموا بها أُسّا وجُثَّ (3) دعائمُ

أتکون بیعتهم هدی وتغیبُ عنها هاشمُ

ویکون رائد أهلها مولی حذیفة سالمُ

فلیصبحنّ وکلّهم أَسِفٌ علیها نادم

أمر النبیّ معاشرا هم أُسوة ولهازمُ (4)

إن یدخلوا ویسلّموا

تسلیم من هو عالم

إنّ الوصیّ له الإمامة

بعده والقائم

والعهد لا مخلولق

منه ولا متقادم (5)

ص :160


1- رواه فی بحار الأنوار37 : 308/39 عن بریدة بن حصین الأسلمی مع تفاوت.
2- سَجَمَ الدمع : سال قلیلاً أو کثیرا وانصبّ.
3- جثّ _ واجتث : قلعه من أصله.
4- لَهَازِم : عظم لائیّ فی اللحی تحت الأذن.
5- حَکی الأشعار عن بریدة الأسلمی فی الصراط المستقیم 3 : 110.

الحدیث الثانی عشر والمائة

خبر عدیّ بن حاتم رضی الله عنه :.

وبإسناده عن ابن فضّال یرفعه إلی عدیّ بن حاتم أ نّه قال : ما رحمت من خلق اللّه أحدا کرحمتی علی علیّ بن أبی طالب علیه السلام ؛ رأیته حین أُتی به إلی بیعة أبی بکر ، فلمّا نظر إلی القبر قال : «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکَادُواْ یَقْتُلُونَنِی» (1) .

فقالوا : بایع . قال : «فَإن لَمْ أَفْعَلْ؟» قالوا : نقتلکَ! (2)

فقال : «تَقْتُلُونَ إذا عَبْدَ اللّهِ وأخَا رَسُول اللّه!؟» فمسح القوم علی یده وأصابعه مضمومة ولم یستطیعوا بسطها ، وکان علیٌّ یشبه بالأسد ، کان ذراعه مستغلظا مثل عضده لم یکن بینهما فرق ، وکان إذا قبض قبضته لم یقدر أحد علی بسطها ، وکانت له دسیعة کدسیعة السبع ، عظیم مساس المنکبین ، إذا مشی کأنّه السبع یهمهم ، ولقد نادی یوم الجمل نداءً فصعق منه الناس .

ولقد سمعته بصفّین یخطب الناس ، فحمد اللّه وأثنی علیه ثمّ قال :

أیّها الناس ، امضوا علی بصیرتکم ، وقاتلوا علی نورکم ، واعلموا أنّکم لن تقاتلوا تحت رایةٍ أهدی من هذه الرایة ، ولا قوما أضّل من أهل الشام ، ألا تحبّون أن تلقوا اللّه ورسوله غدا وهما عنکم راضیان؟! تقاتلون مع ابن عمّ رسول اللّه ووصیّه وخلیفته علی أُمّته .

واللّه لقد رأیتنا نسلّم علیه باسم الخلافة فی حیاة رسول اللّه ، فماذا فی قتال معاویة وأصحابه !؟ وإنّما هم أشباه البهائم ، ثمّ أتی بهم معاویة لیوردهم النار و یشعرهم العار ، و إنّ فاطمة علیهاالسلام تنادی عُمَرَ : یابن السوداء ! و اللّه لولا أن یصیب البلاء من لا ذنب له لدعوت اللّه أن یطبق علیکم أحشا مکّة و المدینة ، و لوجدت اللّه سریع الإجابة .

ص :161


1- الأعراف (7) : 150.
2- کتاب سلیم بن قیس 2 : 593 مع تفاوت.

فقال الناس : فلا جزیتم عنّا خیرا یا أصحاب محمّد ، إنّکم شهدتم وغبنا ، فهلا أعلمتمونا؟

قال تمیم بن بجدل : وبدر الناس إلی عدیّ بن حاتم ، فخشی أن یتفرّق الناس عن علیٍّ علیه السلام ، فأمسک .

قلت لداود بن یزید : کیف خشی؟

قال : لأنّ علیّا علیه السلام کان یقاتل معاویة بشنعة . . . أبی بکر وعمر إلا أقلّهم ، فخشی عدیّ أن یتفرّق الناس عن علیٍّ ، فیرون أنّ أصحاب عدیّ بن حاتم _ الشاهدین مقالته یومئذٍ _ کانوا أصحاب البصائر ، وهم شرطة الخمیس .

فقیل له : هل قلت یوم بیعة أبی بکر شعرا؟ قال : نعم ، وأنشد شعرا :

أبا حسن صبرا وفی الصبر عصمة وفیه نجاة المرء فی السرّ والجهر

ألم تر أنّ الصبر أحجی بذی الحِجی وأن ابتدار الأمر شین علی الأمر

وقد لقی الأخیار قبلک ما لقوا وأُودَوا عباد الله فی سالف الدهر

وقال قیس بن سعد بن عبادة :

أیا صارفا عن مطلب الحقِّ رأیهبأیِّ سبیل ما سوی الحقّ تطلب

ألا کیف بالأمر الذی أنت تبتغی وأنت ضلیل والطریقة أنکب

فإن کنت بالقربی تناولت فصلها فإنّ ذوی القربی أحقّ وأقرب

وإن کنت بالشوری حججتَ خصیمهم فکیف أسدت والمشیرون غیّب؟

وإن کنت بالتقوی وبالفضل نلتها فإنَّ علیّا منک أزکی وأطیب

ولا یستوی من أصبح الرجس فیهم ومن عنهم الرحمن للرجس یذهب

وله أیضا فی مرثیة أبیه :

لقد علمت أبناء قیلة أنّنی غداة الفجاة سرّها ولباسها

ص :162

وإنّی متی أُظلم أمدّ لظالمی سماوات حلم مستهلاًّ سحابها

وقالوا دهی سعدا من الجنّ عارضغدا هالکا منه وذا لکذابها

أتغتصب الجنّ النفوس فمن رأیبعینیه میّت قد عراه اغتصابها (1)

ولکن عسی أن یعتری النفس حائلوإن کان عنها لیس یعنی سحابها

سأُصبر نفسی ما استطعت فإن أبتوجلّت رزایاها وحلّ مصابها

فلی بعلیّ أُسوة وبفاطمغداة محی بعد الکتاب کتابُها

ولأروی بنت الجریر بن عبد المطّلب یوم السقیفة حین بویع أبو بکر :

أفاطم قومی واندبی خیر هالک وأکرم ثاوٍ فی التراب مغیّب

وقولی صلاة اللّه یا أبتی اعتدت علیک وراحت من نبیّ مقرّب

جزاک عن الإسلام ربّک صالحا وعنّی جزاک الله بالخیر من أب

ولم تدرِ ماذا بعد فقدک أحدثت عدیّ وتیم عندنا من مکذب

یقولون لم یورث أبوک فَنَهْنِهیرویدک عنّا واقصری یا ابنة النبیّ

وقید علیّ نجوهم وهو کاره کمثل بعیر فی الأباعر أجرب

وظلّوا علیه ماسحین أکفّهم ولم یظفروا عنه الغداةَ بمطلب

لخالد بن یزید بن معاویة بن أبی سفیان :

نقمت علیَّ بنو أُمیّة أنّنی انعی النجاة وللنجاة أزید

أهوی علیّا والحسین وصنوه عهدی بذلک مبدئٌ ومُعیدُ

لو أنّنی یوم الحسین شهدته لنصرته ربّی بذاک شهید

یا لیت لم یکُ لی معاویة أبا فی العالمین ولا الشقیّ یزید

ص :163


1- الصراط المستقیم 3 : 109 وقد ذکر بیتین فقط.

واللّه یُخرِجُ من خبیثٍ طیّبا جاء القران بذاک وهو ولید

یا هاشم المبعوث فینا أحمدإنّ المُطیفَ ببعضکم لسعید

فی کلّ یوم خمسة مفروضةیعلو الأذان بذکرکم ویشید

ولکم مساکنه وأهل جوارهومرافقوه وحوضه المورود

وإذا تشاء سقیتم مَنْ شئتموعدوّکم عنه الغداة مرود

قال أبو بردة بن أبی موسی الأشعری :

أنا ابن مشتّتِ الإسلا م لمّا صیّر الحکما

أزلّ عن الوری علما وأنصبَ للوری صنما

ولم یخدع کما زعموا ولکن کان متّهما (1)

لمحمّد بن أبی بکر :

أنت لا شکَّ أبی أنت أبی (2) خاب من أنت أبوه وافتضح

إنّما أخرجنی منک الذیأخرج الدرّ من الماء الملح

یا بنی الزهراء أنتم عدّتیوبکم فی الحشر میزانی رجح

وإن أنصحت موالاتی لکملا أُبالی أیّ کلب قد نبح

قیل : لمّا سمع النابغة الجعدی اجتماع الناس فی السقیفة _ وکان قد کفّ بصره _ فلقی قیسَ بن صرمة وعمران بن حصین فقال لهما : ما وراءکما؟ فقال قیس بن صرمة :

أصبحت الأُمّة فی أمرٍ عجب والأمر فیهم قد غدا لمن غلب

فقلت قولاً صادقا غیرَ کذب إنّ غدا یهلک أعلامُ العرب

ص :164


1- حکاه عن أبی بردة فی الصراط المستقیم 3 : 177 .
2- فی حاشیة النسخة : «یا أبانا قد وجدنا ما صلح...خ».

ثمّ أخبراه ، فقال لهما : فما فعل علیّ بن أبی طالب؟ قالا : إنّه مشغولٌ بجهاز رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال : احملا لی هذه الرسالة وعرّفاه عذری فی التأخیر عنه . ثمّ قال :

قولا لأصلع هاشم إن أنتما لاقیتماه فقد حللت أُرومها

وإذا قریش بالفخار تساجلت کنتَ الجدیر بها وکنتَ زعیمها

وعلیک سلّمت الغداة بإمرة للمؤمنین فما رعت تسلیمها

یا خیر جملته بعد محمّد أنثی وأکرم هاشم وعظیمها

نکثت بنو تیم ابن مرّة عهده فتبوأت نیرانها وجحیمها

وتخاصمت یوم السقیفة والذیفیه الخصام غدا یکون خصیمها (1)

روی أنّ الکمیت بن زید قال : أنشدت لحضرة الباقر علیه السلام :

إنّ المصِرَّین علی ذنبیهما والمخفیا الفتنة فی قلبیهما

والخالعا العقدة من عنقیهما والحاملا الوزر علی ظهریهما

کالجبت والطاغوت فی مثلیهما فلعنة اللّه علی روحیهما

قال : فضحک الباقر علیه السلام وعلی آبائه الطاهرین . (2)

قال مالک بن الحارث الأشتر یوم الجمل لعائشة :

یا ربّة الهودج یا أُمّنا قتلتِ أولادکِ ما ذنبنا

هبک جعلناک إماما لنا فمن إذا حضت یصلّی بنا

وقال عبد اللّه بن العبّاس لعائشة یوم خرجت بالعسکر علی البغلة لقتال نعش الحسن بن علیّ علیهماالسلام حین وجّه إلی الروضة :

ص :165


1- تقریب المعارف : 135 _ 136.
2- الصراط المستقیم 3 : 29.

تجمّلتِ تبغّلتِ وإن عشتِ تفیّلتِ لکِ التسع من الثمن وبالکلِّ تملّکتِ (1)

وهذه أبیات تخلّلت ، ورجعنا إلی الأخبار والحکایات.

الحدیث الثالث عشر والمائة

عن سالم بن أبی الجعد ، عن ابن عبّاس قال :. بعثنی علیّ علیه السلام بعد إظهاره علی البصرة علی عائشة ، علیها ما یستحقّها یأمرها بالرحیل إلی بلادها ، فأتیتها ودخلت علیها ، فلم تضع لی شیئا أجلس علیه ، فتناولتُ وسادةً کانت فی رحلها فقعدت علیها ، فقالت : یابن عباس أخطأتَ السنّة ؛ قعدت علی وسادتنا فی بیتنا بغیر إذننا!

فقلت : ما هذا بیتکِ الذی أمرکِ اللّه تعالی أن تقرّی فیه ، ولو کنتِ فیه ما قعدتُ علی وسادتکِ إلاّ بإذنکِ ، إنّ أمیر المؤمنین علیه السلامبعثنی إلیکِ یأمرکِ بالرحیل إلی بلادکِ .

فقالت : وأین أمیر المؤمنین؟ ذاک عمر بن الخطّاب ، ذاک عثمان بن عفّان!

قال : قلت : ذاک علیّ بن أبی طالب . قالت : أبیت! أبیت!

فقلتُ : واللّه ما کان إباؤک إلاّ کحلب شاة حتّی لا تأمرین ولا تنهین ، ولاتأخذین ولا تعطین ، وما مَثلک إلاّ کقول بنی أسد :

ما زال إیماء الصغائر بیننا نثّ الحدیث وکثرة الألقاب

حتّی نزلت کأنّ صوتک بینهم فی کلِّ نائبة طنین ذباب

قال : فبکت حتّی کأنّی أسمع نحیبها من وراء الحجاب ، ثمّ قالت : إنّی معجّلة الرحیل إلی بلادی ، واللّه ما من بلد أبغض إلیَّ من بلد أنتم فیه .

قال : قلت : ولم ذاک؟ فواللّه لقد جعلناکِ للمؤمنین أُمّا وجعلنا أباک صدّیقا !

فقالت : ثکلتنی أُمّی یابن عبّاس ! أتمنّ علیَّ برسول اللّه [ صلی الله علیه و آله وسلم ] ؟!

فقلت : ما لی لا أَمُنُّ علیکِ بمن لو کان منکِ لمننتِ به علیَّ !

ص :166


1- حکاه فی الصوارم المهرقة : 159 عن ابن عباس ؛ والاحتجاج : 378 عن محمّد بن أبی بکر.

قال : فأتیت علیّا فأخبرته بقولی وقولها ، فقبّل بین عینی ، ثمّ قال : «ذُرِّیَّةَم بَعْضُهَا مِنم بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» (1) .

الحدیث الرابع عشر والمائة

فیه قصّة بئر[ ذات ] العلم :.

عن یحیی بن عبد اللّه الحارث ، عن [ أبیه ، عن ] ابن عبّاس قال :

لمّا توجّه رسول اللّه یوم الحدیبیة إلی مکّة ، أصاب الناس عطش شدید وحرّ شدید ، فنزل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الجحفة معطّشا والناس عطاشی ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «[ هل ] من رجل یمضی فی نفر من المسلمین معهم القربة ، فیردون بئر ذات العَلم ثمّ یعود ؛ یضمن له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الجنّة؟» .

فقام رجل من القوم فقال : أنا یا رسول اللّه ، فوجّهه رسول اللّه ووجّه معه السقاة .

قال : فأخبرنی سلمة بن الأکوع قال : کنت فی السقاة ، قال : فمضینا حتّی إذا دنونا من الشجر والبئر سمعنا من الشجر حسّا وحرکة شدیدة ، ورأینا نیرانا تتّقد بغیر حطب ، فأُرعب الرجل الذی کنّا معه رُعبا شدیدا فلم یقدر أن یجاوز موضعه ، ولم یملک أحد منّا نفسه ، فرجعنا ولم یقدر أن یتجاوز الشجر .

فقال له رسول اللّه : «ما لک رجعت؟» .

قال : بأبی أنت وأُمّی یا رسول اللّه ، إنّی لماضٍ إلی الوغل والشجر إذ سمعنا حرکة شدیدة ، ورأینا نیرانا تتّقد بغیر حطب فأُرعبنا رعبا شدیدا فلم نقدر أن نتجاوز موضعنا ، فرجعنا إلیک یا رسول اللّه .

فقال رسول اللّه : «تلک عصابة من الجنّ هوّلت علیک ، أما إنّکَ لو مضیت لوجهک وحیث أمرتک ما نالک منهم سوءٌ ولرأیت فیهم عبرة وعجبا» .

ص :167


1- آل عمران (3) : 34. وروی الحدیث ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 6 : 229 .

قال : ثمّ دعا رسول اللّه رجلاً من أصحابه فوجّهه نحو البئر ، وقد سمع کلام رسول اللّه للرجل الأوّل حیث قال : أما إنّک لو مضیت لوجهک وحیث أمرتک ما نالک منهم مکروه .

قال سلمة : ومضی الرجل نحو الماء وجعل یرتجز ویقول :

أمن عزیف الجن فی دوح السلم ینکل من وجّهه خیر الأُمم

من قبل أن یبلغ آبار العلم فیستقی واللّیل مبسوط الظلم

ویأمن الذمّ و توبیخ الکلم

ثمّ مضی حتّی إذا کان فی ذلک الموضع سمع وسمعنا من الشجر ذلک الحسّ وتلک الحرکة ، فذعرنا ذعرا شدیدا حتّی لم یستطع أحدنا أن یُکلّم صاحبه ، فرجعنا معه لم نملک أنفسنا .

فقال رسول اللّه للرجل : «ما هالَکَ؟» .

فقال : یا رسول اللّه ، والذی بعثک بالحقّ ، لقد ذعرت ذعرا شدیدا ما ذعرت مثله قَطّ ، وقلنا ذلک معه .

فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «تلک عصابة من الجنّ هوّلوا علیکم ، لو سرتَ حیث أمرتک لما رأیت إلاّ خیرا ، ولرأیت فیه عبرة ولم تر سوءا» .

قال : واشتدّ العطش بالمسلمین ، وکره رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن یهجم فی الشجر والوغل لیلاً ، فدعا علیّا علیه السلام ، فأقبل إلی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم فقال له : «سر مع هؤلاء السقاة حتّی ترد بئر ذات العلم فتستقی وتعود إن شاء اللّه تعالی» .

قال سلمة : فخرج علیّ أمامنا ونحن فی أثره والقراب فی أعناقنا وسیوفنا بأیدینا ، وإنّا لنسرع خلفه وما نلحقه ، وهو یقول :

أعوذ بالرحمن أن أمیلا من عزف جنّ أظهرت تهویلاً

وأوقدت نیرانها تغویلاً وقرَّعت مع عزفها طبولاً

قال : فسار ونحن معه ، فسمع تلک الحرکة وذلک الحسّ ، فدخَلَنا من الرعب

ص :168

مثل الذی کنّا نعرف ، وظننّا أنّ علیّا سیرجع کما رجع صاحباه . فالتفت [ علیّ علیه السلام ]إلینا وقال : «اتّبعوا أثری ولا یفزعنّکم ما ترون [ وتسمعون ] ؛ فلیس بضائرکم إن شاء اللّه تعالی» . ومرّ لا یلتفت ولا یأوی علی أحدٍ حتّی دخل بنا الشجر ، فإذا بنیران تضطرم بغیر حطب ، وبرؤوسٍ قد قطعت لها ضجّة ، ولألسنتها جلجلة شدیدة وأصوات هائلة ، فواللّه لقد أحسست برأسی قد انصرفت قمرته ووقعت شعرته ، ورجف قلبی حتّی لا أملک نفسی ، وعلیٌّ یتخطّی تلک الرؤوس ویقول : «اتّبعونی ولا خوف علیکم ، ولا یلتفت أحد منکم یمینا وشمالاً» . فجعلنا نتلو أثره حتّی جاوزنا الشجر ووردنا الماء، فاستقت السقاة ؛ ومعنا دلو واحد ، فأدلی البراء بن عازب [ الدلو ]فی البئر فاستقی دلوا أو دلوین ، ثمّ انقطع الدلو فوقع فی القلیب ، والقلیب ضیّق مظلم بعید القعر ، فسمعنا فی أسفل القلیب قهقهة وضحکا شدیدا [ . . . ] .

فقال علیٌّ علیه السلام : «من یرجع إلی عسکرنا فیأتینا بدلو ورشا؟» .

فقال أصحابه : ومن یستطیع أن یتجاوز الشجر مع ما رأینا وسمعنا؟!

قال علیٌّ علیه السلام : «إنّی نازل فی القلیب ، فإذا نزلت فدلّوا إلیّ قربکم» .

ثمّ ائتز بمئزرٍ ونزل فی القلیب ، وما تزداد القهقة إلاّ علوّا ، فوالذی نفس محمّد بیده ، إنّه لینزل وما فینا أحد إلاّ عضداه یهتزّان رعبا ، وجعل ینحدر فی مراقی القلیب إذ زلّت رجله فسقط فی القلیب ، فسمعنا وجبةً شدیدة ازددنا [ لها ] رعبا ، ونَسمع اضطرابا شدیدا وغطیطا کغطیط (1) المخنوق . ثمّ نادی علیٌّ : «اللّه أکبر ، اللّه أکبر ، أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، هلمّوا قربکم» ، فدلّیناها إلیه فأفعمها (2) وعصبها فی القلیب ثمّ أصعدها علی عنقه شیئا فشیئا عن آخرها ، ثمّ حمل قربتین وحملنا نحن قربة ، ومرّ بین أیدینا ولا یکلّمنا ولا نکلّمه ولا یذکر لنا شیئا إلاّ أنّا نسمع همهمة ، حتّی إذا صرنا بموضع الشجر فلم نرَ ممّا رأینا شیئا ولا سمعنا ممّا کنا نسمع ، حتّی إذا کدنا أن نجاوز

ص :169


1- الغطیط : النخیر.
2- أفعم الإناء : ملأه .

الشجر سمعنا صوتا منقطعا أبحّ وهو یقول شعرا :

أیّ فتی لیل أخی روعات وأیّ سبّاق إلی الغایاتِ

للّه درّ الغرر السادات من هاشم الهامات والقامات

مثل رسول الله ذی الآیاتِ وعمّه المقتول ذی السبقات

المرء ذی الحنات والروضات أو کعلیّ کاشف الکربات

کذا یکون المرء فی الحاجات والضرب للأبطال والهامات

قال سلمة : وعلیٌّ علیه السلام أمامنا یرتجز ویقول :

اللیل هول یرهب المهیبا ویذهل المشجّع اللبیبا

ولست فیه أرهب الترهیبا فإنّنی أهول منه ذیبا

ولست أخشی الروع والخطوبا ولا أُبالی الغول والکروبا

إذا هززت الصارم القضیبا أبصرت منه عجبا عجیبا

قال سلمة : وانتهی علیٌّ إلی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم وله زَجَل (1) ، فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «ماذا رأیت فی طریقک یا علیّ؟» فأخبره بما رأی ، فقال : «إنّ الذی رأیته مَثلٌ ضربه اللّه تعالی لی ولمن حضر معی فی وجهی هذا» .

قال علیٌّ : «بأبی أنت وأُمّی فاشرحه لنا یا رسول اللّه ؟» .

فقال صلی الله علیه و آله وسلم : «أمّا الرؤوس التی رأیتم ملجلجة بألسنتها لها أصوات هائلة وضجّة مفزعة ، فذلک مثل الناس یشهدون معی ویرون آیاتی ویسمعون کتاب ربّی ولا یؤمن قلوبهم ، والهاتف الذی هتف بک فذاک قاتل الجنّ ، وهو سلمقة بن عراف الذی قتل عدوّ اللّه مسعرا شیطان الأصنام ، الذی یکلّم قریشا منها ویشرع فی هجائی ، لعنه اللّه » (2) .

ص :170


1- زَجِلَ ، زجلاً : لعب وأجلب ورفع صوته.
2- روی نحوه ابن شهرآشوب فی المناقب 2 : 103 _ 104. عنه فی بحار الأنوار 41 : 70 _ 72/2.

الحدیث الخامس عشر والمائة

بإسناد الشیخ المفید عبد الرحمن بن أحمد بن الحسین النیسابوری إلی سهل بن عبد اللّه الدیباجی قال :. خرجت أسأل عمّن بالبصرة من أهل الأدب والعلم ، فعرفت أنّ بها علویا یعرف بمحمّد بن علیّ الأفوه ، ینزل فی بنی خمار ، یجمع العلم والشرف والأدب ، فقصدته فوجدته کما وصف لی ، فاستنشدته ، فأنشد لنفسه شعرا :

کفی حزنا أنّی جمعت مشتّتا وأحببت علی مجموعنا فتصدعا

معروف اللیالی بعد ما کان قوسنا إذا صدقتنا لم یجد فیه منزعا

أفی کلّ یومٍ أم بکلّ تنوفة أخو غربة منها یحاول مرجعا

کأنّا خلقنا للنوی وکأنّما حرام علی الأیّام أن نتجمّعا

قلت : یا سیّدی ، أُرید أن تحدّثنی عن آل محمّد علیهم السلام .

فحدّثنی عن زید بن علی بأحادیث .

فقلت : یا سیّدی ، أُرید أن تحدّثنی عن الباقر والصادق علیهماالسلام .

فقطب فی وجهی وأطرق إلی الأرض ملیّا وقال : المستعان ، فانحرفت منه حیاءً وخجلاً ، واجتاز به شابّ أحسن ما یکون من الشباب ، طویل القامة ، عبل الذراعین ، عریض ما بین المنکبین ، فقال : یا محمّد بن علیّ ، حدّث الرجل بما سمعته عن دعبل بن علی الخزاعی .

فقال : أُخبرک أنّی کنت بالری عند رجوع دعبل من الرضا علیه السلام ، قال : حدّثنی دعبل ، قال : بینما أنا فی بعض اللیالی أصوغ قصیدة [ وقد ذهب من اللیل شطره ]إذ طرق الباب طارق ، فقلت : من بالباب؟ فقال : أخ لک ، فبدرت إلی الباب وفتحته ، فرأیت رجلاً اقشعرّ منه جلدی وذهلت منه نفسی ، فجلس فی کسر البیت ، ثمّ قال : لا ترُعْ ؛ أنا أخوک من الجنّ ، ولدت فی اللیلة التی ولدت فیها ، ونشأت معک ، وإنّما جئت لأقوّی بصیرتک وأزیدک فی عزیمتک . فرجَعَت نفسی وثاب عقلی .

ص :171

فقال : [ یا دعبل ]أُخبرک أنّنی [ کنت ] من أشدّ الناس بغضا وعداوة لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام ، فلمّا کان فی بعض الأیّام خرجت فی نفر من الجنّ المردة نرید زوّار قبر الحسین علیه السلام ، فلمّا هممنا بهم فإذا ملائکة [ من ]السماء تزجرنا عنهم ، وملائکة فی الأرض تزجر عنهم هوامّها ، فعلمت أنّ ذلک لفضل من تقرّبوا إلی اللّه عز و جل بزیارته ، فأحدثت توبة و جدّدت النیّة وزرت مع القوم ، وحججت بحجّهم [ تلک السنة ] ، و زاروا [ قبر ]النبیّ [ صلی الله علیه و آله وسلم ] فزرت معهم ، و إذا أنا بحلقة عظیمة ، فسألت : من صاحبها؟ فقالوا : هذا جعفر بن محمّد الصادق ، فدنوت منه و قلت : السلام علیک یا بن رسول اللّه و رحمة اللّه و برکاته . قال : «و علیک السلام یا أخا الجنّ ، أتذکر لیلتک فی بطن کربلاء و ما رأیت من کرامة اللّه [ تعالی ]لأولیائنا؟ إنّ اللّه عز و جل قد غفر خطیئتک و قبلِ توبتک» .

قلت : الحمد للّه ، یا بن رسول اللّه من علّمک هذا؟

قال : «أعلمنی رسول اللّه فی منامی ، فهو کما ذکرت لک؟» قال : قلت : هو واللّه کما ذکرت! یا بن رسول اللّه ، حدِّثنی بحدیث أنصرف به إلی أهلی وقومی .

فقال : «حدّثنی أبی الباقر ، عن زین العابدین ، عن أبیه حسین بن علیّ ، عن أبیه أمیر المؤمنین علیهم السلامقال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : یا أبا الحسن ، الجنّة محرّمة [ علی الأنبیاء ]حتّی أدخلها أنا ، ومحرّمة علی الأوصیاء حتّی تدخلها أنت ، ومحرّمة علی الأُمم حتّی تدخلها أُمّتی ، ومحرّمة علی أُمّتی حتّی یقرّوا للّه عز و جل بولایتک ، ویتبرّؤوا إلی اللّه عز و جل من أعدائک» .

قال : قلت : الحمد لِلّه ، زدنی یا بن رسول اللّه .

قال : «قال رسول اللّه لعلیٍّ : یا أبا الحسن ، والذی نفسی بیده ، لا یدخل الجنة [ أحد ] إلاّ [ مَنْ ]أخذ منک بنَسَبٍ أو سبب» . خذها یا دعبل ، فلن تسمع بمثلها من مثلی . فالتفتّ فلم أره (1) .

ص :172


1- حکی نحوه فی بحار الأنوار 45 : 402 _ 403/12 عن دعبل بن علیّ الخزاعی ؛ وانظر الأغانی 18 : 39 ؛ والنبذة المختارة : 94 ؛ ومعاهد التنصیص 2 : 199 .

الحدیث السادس عشر والمائة

اشاره

عن القاسم بن عوف الشیبانی قال :. حدّثنا غیر واحدٍ من أهل مکّة قالوا : لمّا قتل الحسین علیه السلام ، [ کانوا ] یسمعون بمستغاث فی مکّة فی أنصاف اللیالی هاتفا لا یشبه صوته أصوات الإنس ، یقول بصوت عالی :

تصدّعت الجبال علی حسین وأنتم فی المجالس تضحکونا

ودانوا یتحدّثون ویسمرون باللیل فإذا أذعرهم الهاتف بصوته تفرّقوا .

قال القاسم بن عوف : فقدم علیّ بن الحسین مکّة معتمرا وأنا معه ، فسمع الهاتف لیلة یقول هذا القول ، فبکی واشتدّ بکاؤه حتّی کاد کبده أن یتصدّع ، وأُغمی علیه ، فلمّا أفاق من غشیته أسبغ وضوءا ثمّ ما زال فی مسجده أو المسجد الحرام حتّی طلع الفجر ، فصلّی المکتوبة ثمّ جعل یدعو ویذکر ابن زیاد فی دعائه علیه ، وکنت قریبا منه فسمعته یقول :

«اللّهمَّ قد أملیت لعدوّک حتّی لقد فَتَنَتْهُ نظرتک وأبطرتْه نعمتک ، اللهمَّ فتّ عضده ، وقلِّل عدده ، وهدَّ أرکانه ، واخذل أعوانه ، وزلزل قدمه ، وارعب قلبه ، وشتّت جمعه ، وأکبّه لمنخره ، وردّ کیده فی نحره ، واستدرجه من حیث لا یعلم ، وأْته من حیث لا یحتسب ، وعجّل هلکته ، وغمّه بالبلاء غمّا ، وقمّه به قمّا ، وبیّته بلیلة لا أُخت لها» .

قال القاسم : فلا واللّه ما کان إلاّ قدر مسافة الطریق من العراق إلی مکّة حتّی قدم علیه برأس ابن زیاد ، أنفذه إلیه المختار ، فذهبنا ننظر فإذا وقتُ قتل عدوّ اللّه ابن زیاد لعنه اللّه .

خبر استجابة دعاء علیّ بن الحسین علیهماالسلام علی عبید اللّه بن زیاد بمکّة

خبر أُمّ حبیب بنت أبی سفیان مع أخیها معاویة لمّا عزم علی قتال علیّ علیه السلام :.

روی عن أُمّ حبیب بنت أبی سفیان زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم أنّها قالت لأخیها معاویة

ص :173

لمّا أراد قتال علیٍّ علیه السلام : إنّ فی الأحقاد خذلان البصائر ، وتورّط الشبهات إلی أن .... مراجعه وکلّ مأثر ، فلا یحلفنّ علیک شرّ عار الجوون [ کذا ] واعتذار الأمانیّ ، وتمویه المعتدین ، وآمال الطامعین بمناصبة من لو أحکمت فیه الاستبصار ما سماک بغیر الاعتداء ، لأنّها دیانة لا تسترخص فیها الموبقات ، وإیمانها الأنفس فی قرار اللهب یوم المعاد ، فتوقَّ جزالة الشبهات ، فإنّکَ تعرف سبق هجرته ، ومواطن نصرته ، وثواقب حَسَبه ، وتقدیم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إیّاه ، وما عرفت للسابقات فضیلة إلاّ وعلیٌّ أحوی بتمامها ، فتلافَ هفوات التشرید بتسلیم طاعتک له ، تجد أضلاع القرابة علیک محبوّة متجافیة عمّا فرّط منک بفضل حلمه وتقدّم علمه ، ولا تجعل محمّدا صلی الله علیه و آله وسلمخصمک فی أمانة الدین وتشتّت المتّقین ، فإنّها شفقة الرحم ، فاقبل ذلک بسعة حلمک وإصابة رأیک تجد لوِرْدک صدَرا .

فقال : إنّها لن تکفینی آراء النساء ولا رویّة التقصیر عن نصرة الدین والطلب بدم الخلیفة المظلوم دون أن أقوم فیه مقاما لا یرم فیه الجدّة ، ولو کان من ذکرت محجونا عن التهم بصدق النّیة ، ما تأخّر عن إمامة وابتلاه ...... النفاق ، وله تقدّم الهجرة وسبق القرابة ، لکن أظهر حقدا فاسدا من کتب ، وقد کان أمنع جارا لو مدّ یداً وبسط لسانا ، ولکنّه انتهز ما کان یرصده .

فقالت له : إنّ اللّه تعالی حجب عنک السرائر ، وحکم علیک فی علیّ أ نّه البرّ الوصی الوفیّ التقیّ النقیّ ، لا ینکر ذلک إلاّ جاحد أوکافر . فهجرها معاویة ، فقالت :

إن کان غیّک فی علی مانعی منک المبرّة فاجتهد بسلام

لی فی الوصیّ وفی الحسین بعده والمرتضی حسن بنی الإسلام

عند الرسول بهم هنالک حظوة فاقصر عن اللغو فی الأقتام

ص :174

الحدیث الثامن عشر والمائة

خبر رجل من ولد محمّد بن الحنفیّة مع المتوکّل :.

روی عن البختریّ أ نّه قال : کنت بمَنْبِج بحضرة المتوکّل ، وقد دخل علیه رجل من أولادِ محمّد بن الحنفیّة قد قُرِف عنده بشیءٍ ، فوقف بین یدیه والمتوکّل مقبل علی الفتح بن خاقان یُحدِّثه .

فلمّا طال وقوف [ الفتی ]قال : یا أمیر المؤمنین ، إن کنتَ أحضرتنی لتأدیبی فلقد أسأتَ الأدب ، وإن کنتَ أحضرتنی لتعرِّف مَن بحضرتک من أوباش الناس استهانتَک بأهل هذا البیت ، فقد عرفوا !! وجلس .

فقال المتوکّل : واللّه یا حنفیّ ، لولا ما یثنینی علیک من تواصل الرحم ویعطفنی [ علیک ]من مواقع الحلم لانتزعت لسانک بیدی ، ولفرّقت بین رأسکَ وجسدک ، ولو کان بمکانک محمّد أبوک !

ثمّ أقبل علی الفتح بن خاقان [ وقال : ] أما تری ما نلقاه من آل أبی طالب؟! إمّا حَسنیٌّ یجذب إلی نفسه تاج عزّ نقله اللّه إلینا ، أو حُسینیٌّ یسعی [ فی نقض ما أنزل ] اللّه إلینا قبله ، أو حنفیٌّ یدلّ بجهله علینا ، فیحملنا علی سفک دمه !

فقام الحنفیّ وقال : وأیّ حلم؟ ترکت لک الخمور وإدمانها؟ أم العیدان وفتیانها؟ ومتی أعطفتک الرحم علی أهلی وقد ابتززتهم فدکا إرثهم من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فاقتطعتها أبا حرملة النبّاد ؟! وأمّا انتزاعک لسانی ، فواللّه ما هو أوّل دم سفکته ، ولا حرمة انتهکته أنت وسلفک ، یقول اللّه عز و جل : «قُل لاَّ أَسْ_?لُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی» (1) ، ولئن فعلت لیکونَنَّ کما قال تعالی : «ثُمَّ أَنتُمْ هَ_ؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَکُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِیقًا مِّنکُم مِّن دِیَ_رِهِمْ تَظَ_هَرُونَ عَلَیْهِم بِالاْءِثْمِ وَ الْعُدْوَ نِ» (2) ، وأمّا ذکرکَ

ص :175


1- الشوری (42) : 23.
2- البقرة (2) : 85.

محمّدا [ أبی ] فقد طفقت تضع من عزٍّ رفعه اللّه ورسوله ، وتطاول شرفا [ تقصر ]عنه ولا تطوله !! وأنت کما قال الشاعر :

فغضّ الطرف إنّکَ من نمیرفلا کعبا بلغت ولا کلابا

ثمّ ها أنت تشکو إلی علجک هذا ما تلقاه من الحسنیِّ والحسینیّ والحنفیِّ ، فلبئس المولی ولبئس العشیر !

ثمّ مَدَّ رجلیه [ ثمّ قال : ] هاتان قدمای لقیدک ، وهذه عنقی لسیفک ، إنّی أُرید أن تبوءَ بإثمی وإثمک وتحمل وزری ، فواللّه ما أحسب الشیء دعوته لقد عطلت بالمودّة علی غیر قرابته ، فعلی رسلک و[ . . . ] راحلة سفرک نعما قلبک ، سترد علیک [ . . . ] أبی ، وتحمی عن أسفائکَ جدّی ، ویذکّرک ما خلفته فی أهل بیته من تقطیع أرحامهم وتسفیه أخلاقهم وتشریدهم من بلادهم ودیارهم ، قال اللّه تعالی : «فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِن تَوَلَّیْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِی الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَکُمْ * أُوْلَ_ل_ءِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمَی أَبْصَ_رَهُمْ » (1) .

قال : فبکی المتوکّل ، ثمّ نهض إلی بعض حجر جواریه ، فلمّا کانَ مِنَ الغد خلع علیه وأجازه .

فهذه إحدی أُعجوبات المتوکّل (2)

.

الحدیث التاسع عشر والمائة

حدیث البساط

عن سلیمان بن مهران الأعمش ، عن سلمان الفارسی قال :.

کنتُ أمیرا علی أربعة أُمراء أمّرنی علیهم رسول اللّه قال : بینا نحن قعود عند رسول اللّه ، إذ أُهدی له بساط ، فأمر ببسطه ، ثمّ دعا بأبی بکر فأجلسه علی رکن

ص :176


1- محمّد (47) : 22 و 23.
2- أخرج نحوه المجلسی فی بحار الأنوار 50 : 213/25. عن کتاب الاستدراک ، عن ابن قولویه بتفاوت یسیر.

البساط عن یمین رسول اللّه ، ثمّ دعا بعمر فأجلسه علی الرکن الثانی عن یسار أبی بکر ، ثمّ دعا عثمان بن عفان فأجلسه علی الرکن الثالث عن یسار عمر ، ثمّ أجلسنی علی الرکن الرابع ، ثمّ دعا بعلیٍّ علیه السلامفأجلسه فی وسط البساط ، ثمَّ رفع رأسه إلی السماء یدعو فقال :

«اللّهمّ إنَّ أخی سلیمان دعاکَ وسألک أن تعطیه مُلْکا لا ینبغی لأحدٍ من بعده ، فاستجبت دعوته وأعطیته مسألته ، اللهمَّ إنّی عبدک ورسولک وأمینکَ وخیرتکَ من خلقکَ ، اللهمَّ فإنّی أسألک أن تأمر الریح یحمل هؤلاء إلی أصحاب الکهف» .

قال سلمان : فرفعت بنا الریح إلی أصحاب الکهف فی أسرع الأوقات ، فقلت لأصحابی : أتدرون أین أنتم؟ قالوا : لا ، فقلت : فإنّا عند أصحاب الکهف ، یا أبا بکر ، قم فسَلِّم . فقام أبو بکر فقال : السلام علیکم «فتیة آمنوا بربّهم» ، فلم أسمع لهم جوابا . فقلت لعمر : قم فسلِّم کسلام صاحبک ، فقام عمر [ وقال : ] السلام علیکم «فتیة آمنوا بربّهم» ، فلم أسمع لهم جوابا . فقلت لعثمان : قم فسلِّم ، فقام عثمان فقال : السلام علیکم «فتیة آمنوا بربّهم» ، فلم أسمع لهم جوابا . ثمّ قلت لعلیٍّ : یا أبا الحسن ، قم فسلِّم سلامَ أصحابک بهذا أُمرت ، فقام علیٌّ علیه السلام فقال : «السلام علیکم ، فتیةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هدی ، فسمعت لهم حسّا وهمهمة ودویّا کدویّ النحل ، ثمّ أجابوا فقالوا : وعلیک السلام یابن عمّ رسول اللّه ووصیّه وخلیفته من بعده . ثمَّ رجعنا إلی رسول اللّه فی أسرع الأوقات .

فقال النبیُّ صلی الله علیه و آله وسلم : «ما کان من أُمورکم یا سلمان؟» فأخبرتُ رسول اللّه الخبر ، فقال : «حجّة وربّ الکعبة لمن قبل . یا سلمان ، حدِّث بهذا الحدیث ولا تکتمه» (1) .

ص :177


1- روی نحوه الدیلمی فی إرشاد القلوب 2 : 100 ؛ عنه فی بحار الأنوار 39 : 144/5 ، ورواه ابن طاووس فی سعد السعود : 212 و213 بطریقین ؛ وأخرج المجلسی الحدیث عن مصادره فراجع بحار الأنوار 39 : 137 _ 150 باب أنّ اللّه أقدره علی سیر الآفاق...

الحدیث العشرون والمائة

اشاره

عن محمّد بن عبد اللّه بن أبی رافع ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن ابن عبّاس قال :. سمعنا عمر بن الخطاب یقولُ :

لمّا قال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم یوم الغدیر _ حین نصب علیّا _ : «من کنت مولاه فهذا علیّ مولاه ، اللهمَّ والِ من والاه وعَادِ من عاداه وانْصُر مَنْ نَصَرَه ، واخْذُلْ من خَذَلَه» قال عمر : وکان إلی جانبی شابٌّ حَسَنُ الْوَجْه ، طیّب الرائحة ، فقال : یا عمر ، لَقَدْ عقد رسول اللّه عقدا فی هذا الیوم لا یحلّه إلاّ منافق ، فاحذر أن تکون أنت أوّل من تحلُّه ! فقلت : یا رسول اللّه ، حین قلت فی علیّ مقالک کان إلی جانبی شابّ حسن الوجه طیّب الرائحة فقال لی کذا وکذا .

قال : «نعم یا عمر ، أما إنّه لیس مَنْ وُلِد ولکن جبرئیل علیه السلام ، أراد أن یؤکّد علیکم ما قلت فی علیّ علیه السلام» (1) .

حدیث عمر بن الخطّاب حول یوم الغدیر وأنّ جبرئیل حذّره من حلّ عقد ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام .

فی کتاب المؤتلف والمختلف (2) مسندا إلی إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث قال :. فی کتاب المؤتلف والمختلف (3) مسندا إلی إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث قال :

دخل عبد اللّه بن الحارث مسجد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، فرأی عبد اللّه بن عمر بن الخطاب جالسا فی نفر من أصحابه ، فمال إلیه وسلّم علیه وجلس عنده ، فلم یحسن عبد اللّه مساءلته ولم یهشّ له ، فقال له : کأنَّکَ لم تثبتنی یا أبا عبد الرحمن؟ فقال : بلی ، ألست «ببّة»؟! قال : فما حملک علی ذکر اللّقب وتَرْکِ الاسم؟! قد کنت أحسب أنّ السنین أفادتکَ غیر ما کنت تُعرف به وتنسب إلیه ، فما أری الحداثة والسنّ متفاوتین ! واللّه المستعان ، ولئن کان شبه الأجداد والأخوالِ داعیا لأهل الوقع إلی

ص :178


1- روی نحوه فی تفسیر العیاشی 1 : 329/143 بسند آخر ومع تفاوت یسیر.
2- المؤتلف والمختلف للدارقطنی 1 : 268 ؛ باب ببّة ، وانظر تاریخ بغداد للخطیب1 : 225.
3- المؤتلف والمختلف للدارقطنی 1 : 268 ؛ باب ببّة ، وانظر تاریخ بغداد للخطیب1 : 225.

وقعهم ، لقد ورثتَ جدّک وخالک وفعلهما !

ثمّ أقبل علی القوم فقال : إنّ [ جدّ ]هذا _ الخطاب بن نفیل _ کان ابتاع رجلاً من تجّار الیمن خمرا علی جلد من ذهب ، فأتاه الیمانی یقبضه ، فعمد إلی جلد فکتب فیه : «ذهب فیه» حتّی ملأها ، ثمّ دفعها إلی الیمانی ، وهو یظنّ أنّ ذلک یعنی عنه ، فاستعدی الیمانی إلی عمّی الزبیر بن عبد المطّلب فأوجعه ضربا وأعرضه للیمانی ملأ الجلد ذهبا .

وأمّا خاله قدامة بن مظعون ، فشرب الخمر علی عهد عمر ، وأراد عمر أن یحدّه ، فقال : ألیس اللّه یقول : «لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ جُنَاحٌ فِیمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّ ءَامَنُواْ» (1) ؟! وهو یظنّ أ نّه یدرأُ عنه الحدّ بهذا ، فضربه الحدّ ، فلعمری یا بن عمر ، لقد ورثتهما بأشباه فعلهما !!

وکنت تجالس رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم صباحا ومساءً ، وأردت طلاق امرأتک فلم تحسن أن تطلّقها ، فطلّقتها طلاقا لم یره رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فردّها علیک!

ثمّ أتیت علیّ بن أبی طالب وهو فی قرابته من رسول اللّه وسابقته ، فبایعته غیر مکره ، ثمّ جئت إلیه فقلت : أقلنی بیعتی [ فأقالک ]!؟

ثمّ جئت بعد ذلک إلی طارق مولی عفّان تقرع علیه بابه وتقول له : بایعنی ، فإنّی سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : «من بات لیلة بغیر إمام ولیس فی عنقه بیعة ، فمات من لیلته مات میتة جاهلیّة» ، وما شکّ أنّ طارقا کان لغیر رشده ، ثمّ اضطرب الخیل بالناس تزعم أنّکَ لا تعرف حقّا فتنصر أهله ، ولا باطلاً فتقاتل أهله ، ولو أنَّکَ بعثتَ غلاما لک أعجمیّا إلی قوم اختلفوا بینهم لیعلم منهم علمهم فرجع إلیکَ وقال : ما أعرف ما کانوا فیه ، لأحسنت تأدیبه! (2)

ص :179


1- المائدة (5) : 93.
2- رواه ابن طاووس فی الطرائف : 209 _ 210. وروی قطعة منه فی بحار الأنوار 40 : 249/23 عن مناقب آل أبی طالب .

فقال عبد اللّه بن عمر : [ حسبک ]یا أبا محمّد ، فما أردت إلاّ خیرا ، وما کان ذکر لقبک إلاّ [ جهة ] .

وکلّم القومُ عبد اللّه بن الحارث فسألوه الکفّ عنه ، فقال : قد ترکتُ أشیاء هی أشدّ علیه وأنکأ له ، وسأترکها لکلامکم . فأمّا ذکر لقبه لی فواللّه لا أترکه :

اِعلموا أنّ الألقاب علی وجهین ، منها : ما یکون من الأُمّهات والضرّات ، ومنها ما یکون من فعل القبیح یفعله الرجل فیلزمه ذلک لقبا وعارا ، وإنّ لقبی بشیء لم أکتسبه ، کنت صبیّا فکنت إذا أردت أن أقول : «أبه» قلت : «ببه» ، فسمّتنی أُمّی «ببه» ، وکانت تبعثنی فتقول :

لاُنکحنّ ببّه جاریة خِدَبّة بین الصفا والکعبة

وإنّ لقبه هو أجلبه لنفسه ، وذلک أ نّه خرج یوما مع غلمانه یصطادون الضباب ، فرأوا ضبّا (1) فسبقوا لیأخذوه ، فسبقهم فدخل جحره ، فقالوا : لو کان لنا ظَرِبان (2) کان یضع دبره علی فم الجحر ، ولا یزال یفسو إلی أن یخرج الضبّ إذا ضَجِر؟ فقال : ها أنا ظَرِبانکم! فوضع دبره علی فم الجحر ، وما زال یفسوا حتّی ضَجِر الضبّ وخرج فأخذوه ، فلقّبوه ظَرِبانا .

ثمّ قال : ناشدتک اللّه یا بن عمر ، کان کذلک؟! فقال ابن عمر : إنّ أعظم الأمر توقیفک إیّای علی هذا وتناشدنی ، فقال لقومه : . . . فاجعلنی من مناشدتی فی حلّ (3) یا أبا عبد الرحمن .

فشاع الحدیث فی البلد وبلغ عبد اللّه بن أبی سفیان بن الحرب ، وکان یلقّب أبا الضباب ، فأنشأ یقول :

لعمری لقد لاقی الذی کان أهله أخا عدی فالجهالة قد تُردی

ص :180


1- الضبّ: یوان من الزحّافات شبیه بالحِرْذَون ، ذنبه کثیر العقد .
2- الظَرِبان : حیوان من اللواحم فی حجم القطّ ، أغبر اللون ، مائل إلی السواد ، رائحته کریهة منتنة.
3- فی حاشیة النسخة: «فی حلّ من مناشدتی [خ]».

من أصید من آل النبیّ معاودا لیطم العدی کاللیث فی حسه الورد

عداه تُبدّی أمره ما یسوؤهلدی الناس ممّا قد أسرّ وما یبدی

وقد کان عمّا قیل فیه بمعزلٍحقیق سلیس المقالة فی الردّ

فدونک فالبس حلّة قد کُسِیتَهامن العار لا تبلی علیک بلی البُرد

أ آل رسول اللّه یُجْحَد حقّهموکنت فطاما من قبیلة بردی

فنلتم به ما لم یمنّوا عشیرةوعدبوا وجوها بعد اقفیه بکد

الحدیث الثانی والعشرون والمائة

روی أخطب خوارزم فی کتاب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام بإسناده إلی سعید بن جبیر قال :. بلغ ابن عباس رضی الله عنه أنّ قوما یقعون فی علیّ علیه السلام ، فقال لابنه علیّ [ بن عبد اللّه ] : خذ بیدی فاذهب بی إلیهم ، فأخذ بیده حتّی انتهی إلیهم ، فقال : أیّکم السابّ لِلّهِ؟ فقالوا : سبحان اللّه ، من سبّ اللّه فقد أشرک! فقال : أیّکم السابّ لرسول اللّه ؟ فقالوا : من سبّ رسول اللّه فقد کفر! فقال : أیّکم السابّ لعلیٍّ؟ قالوا : قد کان ذاک! قال : فاشهدوا لقد سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ومن سبّنی فقد سبّ اللّه ، ومن سبّ اللّه کبّه اللّه علی وجهه فی النار» . ثمّ ولّی عنهم فقال لابنه علیّ : کیف رأیتهم؟ فأنشأ یقول :

نظروا إلیک بأعین محمرّة نظر التیوس إلی شفار الجازر

قال : زدنی فداک أبوک! قال :

خزر (1) الحواجب ناکسو أذقانهم نظر الذلیل إلی العزیز القاهر

فقال : زدنی فداک أبوک ! قال : ما أجد مزیدا ، قال : لکنّی أجدُ :

أحیاؤهم خزی علی أمواتهم والمیّتون فضیحة للغابر (2) .

ص :181


1- الخُزْر _ بضمّ الأوّل وسکون الوسط _ جمع الأخزر : هو الذی أقبلت حدقتاه إلی أنفیه .
2- المناقب للخوارزمی : 136 _ 137 / 154 عن مناقب ابن المغازلی : 394 ؛ کفایة الطالب : 82 ؛ ریاض النضرة2 : 166 فرائد السمطین 1 : 302 ؛ مروج الذهب 3 : 423 ؛ وأخرجه فی بحار الأنوار 39 : 311 عن أمالی الصدوق ؛ مناقب الإمام علیّ علیه السلام لمحمّد بن سلیمان 2 : 598.

الحدیث الثالث والعشرون والمائة

بإسناده إلی علیّ بن محمّد بن المنکدر ، عن أُمّ سلمة زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم _ وکانت ألطف نسائه وأشدّهنّ حبّا له _ قال :. وکان لها مولی یحضنها وربّاها ، وکان لا یصلّی صلاة إلاّ سبّ علیّا وشتمه! فقالت له : یا أبة ، ما حملک علی سبّ علیّ؟

قال : لأنّه قتل عثمان وشرک فی دمه .

قالت : أما إ نّه لولا أنّکَ مولای وربّیتنی وأنّک عندی بمنزلة والدی ما حدّثتک بسرّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ولکن اجلس حتّی أُحدّثک عن علیّ علیه السلام وما رأیته:

قد أقبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وکان یومی ، وإنّما کان نصیبی فی تسعة أیّام یوم واحد ، فدخل النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم وهو مخلّل أصابعه فی أصابع علیّ علیه السلام واضعا یده علیه ، فقال : «یا أُمَّ سلمة ، اُخرجی من البیت وأخلیه لنا» فخرجت وأقبلا یتناجیان ، فأسمع الکلام ولا أدری ما یقولان ، حتّی إذا أنا قلت : قد انتصف النهار وأقبلت فقلت : السلام علیکم ، ألج؟

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تلجی ، وارجعی مکانک» ثمّ تناجیا طویلاً حتّی قام عمود الظهر ، فقلت : ذهب یومی وشغله علیٌّ ، فأقبلت أمشی حتّی وقفت علی الباب ، فقلت : السلام علیکم ، ألج؟

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تلجی وارجعی مکانک» فرجعت فجلستُ مکانی ، حتّی إذا قلت : قد زالت الشمس ، الآن یخرج إلی الصلاة فیذهب یومی ، ولم أرَ قطّ أطول منه ، فأقبلت أمشی حتّی وقفت علی الباب فقلت : السلام علیکم ، ألج؟

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم: «نعم، فلجی» فدخلت وعلیٌّ واضع یده علی رُکبتی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قد أدنی فاه من أُذن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، وفم النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم علی أُذنِ علیّ

ص :182

[ وهما ]یتسارّان ، وعلیّ یقول : «أفأمضی وأفعل؟» والنبیّ صلی الله علیه و آله وسلم یقول : «نعم» فدخلت وعلیّ مُعرِض وجهه حتّی دخلت ، وخرج .

فأخذنی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم وأقعدنی فی حجره فالتزمنی ، فأصاب منّی ما یصیب الرجل من أهله من اللطف والاعتذار ، ثمّ قال :

«یا أُمّ سلمة ، لا تلومینی ، فإنّ جبرئیل أتانی من اللّه یأمر أن أُوصی به علیّا من بعدی ، وکنت بین جبرئیل وعلیّ ، وجبرئیل عن یمینی وعلیّ عن یساری ، فأمرنی جبرئیل أن آمُرَ علیّا بما هو کائن بعدی إلی یوم القیامة ، فاعذرینی ولا تلومینی ، إنّ اللّه عز و جل اختار من کلّ أُمّة نبیّا ، واختار لکلّ نبیّ وصیّا ، فأنا نبیّ هذه الأُمّة وعلیّ وصیّی فی عترتی وأهل بیتی وأُمّتی من بعدی» .

فهذا ما شهدت من علیّ ، الآن یا أبتا فسبّه أو دعه !

فأقبل أبوها یناجی اللیل والنهار ویقول : اللهمّ اغفر لی ما جهلت من أمر علیّ علیه السلامفإنّ ولیّی ولیّ علیّ وعدوّی عدوّ علیّ . فتاب المولی توبة نصوحا ، وأقبل فیما بقی من دهره یدعو اللّه أن یغفر له (1) .

الحدیث الرابع والعشرون والمائة

وبإسناده عن ابن عباس والحسن والشعبی والسدی قالوا فی حدیث المباهلة :.

إنّ وفد نجران أتوا النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ تقدّم الأسقف فقال : یا أبا القاسم ، موسی من أبوه؟ فقال : «عمران» . قال : فیوسف من أبوه؟ قال : «یعقوب» . قال : فأنت من أبوک؟ قال : «عبد اللّه بن عبد المطلّب» . قال : فعیسی من أبوه؟

قال : فسکت النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ینتظر الوحی ، فهبط جبرئیل علیه السلامبهذه الآیة : «إِنَّ مَثَلَ عِیسَی عِندَ اللَّهِ کَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُو مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُو کُن فَیَکُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّکَ

ص :183


1- المناقب : 146/171 ، الفصل الرابع عشر : فی أ نّه أقرب الناس إلی رسول اللّه ؛ ورواه فی کشف الغمّة 1 : 296 ؛ والطرائف 24 ؛ وفرائد السمطین 1 : 270 ، ح211؛ مناقب علیّ بن أبی طالب لابن مردویة: 150، ح117 .

فَلاَ تَکُن مِّنَ الْمُمْتَرِینَ » (1)

، فقال الأسقف : لا نَجدُ هذا فیما أُوحی إلینا ، فنزل : «فَمَنْ حَآجَّکَ فِیهِ مِنم بَعْدِ مَا جَآءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَکُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَکُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْکَ_ذِبِینَ» (2) .

قالوا : أنصفتنا یا أبا القاسم ، فمتی نباهلک؟

فقال: «غدا إن شاء اللّه » .

فانصرفوا وقالوا : انظروا إن خرج فی عدّة من أصحابه فباهلوه فإنّه کذّاب ، وإن خرج فی خاصّة من أهله فلا تباهلوه فإنّه نبیّ .

وقالت النصاری : واللّه ، إنّا لنعلم أ نّه النبیّ الذی کنّا ننتظره ، ولئن باهلناه لنهلکنّ ولا نرجع إلی أهل ولا مال .

[ و ] قالت الیهود والنصاری : فکیف نعمل؟ قال أبو الحارث الأسقف : رأیناه رجلاً کریما ؛ نغدو علیه فنسأله أن یقیلنا .

فلمّا أصبحوا بعث النبی صلی الله علیه و آله وسلم إلی أهل المدینة ومن حولها فلم تبقَ بکر لم تر الشمس إلاّ خرجت ، وخرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وعلیّ بین یدیه والحسن عن یمینه قابضا بیده ، والحسین عن شماله ، وفاطمة خلفه ، ثمّ قال : هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا : الحسن والحسین ، وهؤلاء أنفسنا : لعلیّ ونفسه ، وهذه نساؤنا : لفاطمة .

قال : فجعلوا یستترون بالأساطین ویستتر بعضهم ببعض ؛ تخوّفا أن یبدأهم بالملاعنة ، ثمّ أقبلوا حتّی برکوا بین یدیه وقالوا : أقلنا أقالک اللّه یا أبا القاسم!

قال : «أقلتکم» وصالحوه علی ألفی حلّة (3) .

ص :184


1- آل عمران (3) : 59.
2- آل عمران (3) : 61.
3- المناقب للخوارزمی : 159/189 الفصل الرابع عشر : فی أ نّه أقرب الناس إلی رسول اللّه ؛ ودلائل النبوّة للأصبهانی : 298 ؛ بحار الأنوار 21 : 344 _ 345 / 13.

ص :185

ص :186

ص :187

ص :188

ص :189

ص :190

ص :191

ص :192

ص :193

ص :194

ص :195

ص :196

ص :197

ص :198

ص :199

ص :200

ص :201

ص :202

ص :203

ص :204

ص :205

ص :206

ص :207

ص :208

ص :209

ص :210

ص :211

ص :212

ص :213

ص :214

ص :215

ص :216

ص :217

ص :218

ص :219

ص :220

ص :221

ص :222

ص :223

ص :224

فهرس مصادر التحقیق

1 . الإحتجاج ، أحمد بن علیّ الطبرسی ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات .

2 . الإختصاص ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی [الشیخ المفید ](413 ق) ، تصحیح : علیّ أکبر الغفّاری ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامی .

3 . أربعون حدیثا فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام : ابن أبی الفوارس (ق6)، مجموعة میراث حدیث شیعة/ 5، مرکز تحقیقات دار الحدیث.

4 . الأربعین عن الأربعین ، عبد الرحمان بن أحمد بن حسین النیشابوری ، مجمع إحیاء الآثار.

5 . إرشاد القلوب ، الحسن بن أبی الحسن الدیلمی (ق 8)، تحقیق: هاشم المیلانی، دار الاُسوة للطباعة والنشر، 1417 ق .

6 . إعلام الوری بأعلام الهدی ، الفضل بن حسن الطبرسی ، قم : مؤسّسة آل البیت علیهم السلاملإحیاء التراث.

7 . أعیان الشیعة ، محسن الأمین ، بیروت : دار التعارف .

8 . الأمالی ، محمّد بن الحسن الطوسی (460 ق) ، قسم الدراسات الإسلامیّة ، مؤسّسة البعثة ، 1414 ، الطبعة الاُولی .

9 . الأمالی ، محمّد بن النعمان العکبری البغدادی [الشیخ المفید] (413 ق) ، تحقیق : حسین استاد ولی _ علیّ أکبر الغفّاری ، قم : منشورات جماعة المدرّسین فی الحوزة العلمیّة ، 1403 ق .

10 . الأنوار البهیّة فی تواریخ الحجج الإلهیّة ، عباس القمّی، دار الذخائر ، 1412 ق.

11 . إیمان أبی طالب ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری [الشیخ المفید] ، مؤسّسة البعثة.

12 . بحار الأنوار ، محمّد باقر المجلسی (1111 ق) ، بیروت : مؤسّسة الوفاء ، 110 ج.

ص :225

13 . البرهان فی تفسیر القرآن ، هاشم بن سلیمان البحرانی ، قم : مؤسّسة البعثة .

14 . بشارة المصطفی لشیعة المرتضی ، محمّد بن علیّ الطبری (525 ق) ، النجف الأشرف : المکتبة الحیدریة.

15 . بصائر الدرجات ، محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار القمّی (290 ق) ، قم : منشورات مکتبة آیة اللّه العظمی المرعشی النجفی ، 1404 ق .

16 . تاریخ بغداد ، الخطیب البغدادی (463 ق) ، تحقیق : مصطفی عبد القادر ، بیروت : دار الکتب العلمیّة ، 1417 ق.

17 . تاریخ مدینة دمشق (حیاة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ) ، علیّ بن الحسن بن عساکر.

18 . تأویل الآیات الظاهرة ، علیّ الحسینی الاسترابادی ، قم: مدرسة الإمام المهدی علیه السلام .

19 . التحصین _ المطبوع مع تحف العقول _ ، ابن طاووس الحلّی ، ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامی.

20 . تحف العقول عن آل الرسول ، الحسن بن علیّ بن الحسین بن شعبة الحرّانی (ق 4) ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات ، 1417 ق .

21 . التمحیص _ ضمن تحف العقول _ ، الحسن بن علیّ بن الحسین بن شعبة الحرّانی رحمه اللهبیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات ، 1417 ق.

22 . تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات .

23 . تنقیح المقال فی علم الرجال ، عبد اللّه المامقانی ، قم: مؤسّسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث .

24 . جامع الأخبار ، محمّد بن محمّد الشعیری السبزواری ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات.

25 . جمهرة أنساب العرب ، علیّ بن أحمد بن حزم الأندلسی ، بیروت : دار الکتب العلمیّة .

26 . حلیة الأولیاء ، أبو نعیم الأصفهانی ، بیروت : دار الکتب العلمیّة .

27 . الخرائج والجرائح ، سعید بن هبة اللّه الراوندی ، قم : مؤسّسة الإمام المهدی علیه السلام .

28 . خصائص الأئمّة ، الشریف الرضی (406 ق) ، مجمع البحوث الإسلامیّة.

29 . خصائص أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، أحمد بن شعیب النسائی (303 ق) ، تحقیق : محمّد الکاظم ، مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیّة، 1419 ق ، الطبعة الاُولی.

30 . الدرّ المنثور ، عبد الرحمان بن أبی بکر السیوطی ، بیروت : دار الفکر.

ص :226

31 . الدرّ النظیم فی مناقب الأئمّة اللهامیم ، جمال الدین یوسف بن حاتم الشامی (ق 7) ، مؤسّسة النشر الإسلامی ، 1420 ق.

32 . دلائل الإمامة ، محمّد بن جریر الطبری ، منشورات الشریف الرضی.

33 . دلائل النبوّة ، أبو نعیم الأصفهانی(430 ق)، بیروت : عالم الکتب ، 1409 ق ، الطبعة الاُولی.

34 . رجال الطوسی ، محمّد بن الحسن الطوسی ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامی .

35 . الروضة فی المعجزات والفضائل ، أحد علماء الشیعة (کان حیّا سنة 651ق).

36 . روضة الواعظین ، محمّد بن حسن بن علیّ بن أحمد [الفتال النیشابوری الشهید] (508 ق) ، قم : منشورات الشریف الرضی ، 1368 ش، 532 ص.

37 . سنن الترمذی ، محمّد بن عیسی بن سورة الترمذی ، بیروت: دار الفکر .

38 . سیر أعلام النبلاء ، محمّد بن أحمد الذهبی ، بیروت : دار الفکر .

39 . شرح الأخبار ، القاضی نعمان.

40 . شرح نهج البلاغة ، ابن أبی الحدید المعتزلی ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات .

41 . الصراط المستقیم ، زین الدین علیّ بن یونس العاملی (877 ق ) ، المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة ، 1384 ق .

42 . الصواعق المحرقة ، شهاب الدین أحمد بن حجر الهیثمی (973 ق ).

43 . علل الشرایع ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی (381 ق)، مؤسّسة دار الحجّة للثقافة ، 1416 ق.

44 . العقد الفرید ، أحمد بن محمّد بن عبد ربّه ، بیروت : دار الکتاب العربی .

45 . عیون أخبار الرضا ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمیّ [ الصدوق ] (381 ق) ، بیروت : مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات، 1404 ق .

46 . عیون المعجزات ، حسین بن عبد الوهاب (ق 5) ، النجف الأشرف : المطبعة الحیدریة.

47 . الغدیر فی الکتاب والسنّة ، عبد الحسین أحمد الأمینی ، قم : مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیّة .

48 . فضائل الشیعة ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمیّ [ الصدوق ] ، تحقیق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1410 ق.

ص :227

49 . الکافی ، محمّد بن یعقوب الکلینی (329 ق)، دار الکتب الإسلامیّة ، 1388 ق.

50 . الکامل فی التاریخ (تاریخ ابن الأثیر) ، علیّ بن محمّد الشیبانی (630 ق) ، بیروت : دار صادر .

51 . کامل الزیارات ، جعفر بن محمّد بن قولویه القمّی (367 ق) ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق.

52 . کشف الغمّة فی معرفة الأئمّة ، علیّ بن عیسی الإربلی ، نشر أدب الحوزة.

53 . کشف الیقین ، العلاّمة الحلّی ، قم: مجمع إحیاء الثقافة .

54 . کتاب سلیم بن قیس الهلالی ، تحقیق : محمّد باقر الأنصاری الزنجانی ، نشر الهادی 1415 ق .

55 . کفایة الطالب ، محمّد بن یوسف القرشی الگنجی الشافعی ، طهران: دار إحیاء التراث .

56 . کمال الدین ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمیّ (381 ق) ، تصحیح : علیّ أکبر الغفّاری ، مکتبة الصدوق ، 1390 ق .

57 . کنز العمّال ، علیّ بن حسام الدین الهندی ، بیروت : مؤسّسة الرسالة .

58 . مراصد الاطلاع ، عبد المؤمن بن عبد الحقّ البغدادی ، بیروت : دار المعرفة .

59 . مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل ، المیرزا حسین النوری (1320 ق) ، قم : مؤسّسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

60 . مشارق أنوار الیقین ، الحافظ رجب البرسی ، قم: انتشارات المکتبة الحیدریة ، 1416 ق .

61 . مقتل الحسین ، أحمد بن محمّد المکّی الخوارزمی، قم : مکتبة المفید .

62 . المؤتلف والمختلف ، علیّ بن عمر الدارقطنی البغدادی (385 ق) ، تحقیق : موفق بن عبد اللّه ابن عبد القادر ، بیروت : دار الغرب الإسلامی ، 1406 ق، 4 ج مع الفهارس.

63 . المناقب ، أحمد بن محمّد المکّی الخوارزمی (568 ق)، تحقیق : مالک المحمودی ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامی ، 1411 ق .

64 . مائة منقبة ، محمّد بن أحمد بن حسن بن شاذان القمیّ ( کان حیّا سنة 412ق) .

65 . معجم البلدان ، یاقوت بن عبد اللّه الحموی ، بیروت : دار صادر .

66 . المسترشد فی إمامة أمیر المؤمنین ، محمّد بن جریر بن رستم الطبری (310 ق) ، کوشانبور : مؤسّسة فرهنک إسلامی.

ص :228

67 . مدینة المعاجز ، هاشم البحرانی (1107 ق) ، مؤسّسة المعارف الإسلامیّة ، 1413 ق.

68 . مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول ، کمال الدین محمّد بن طلحة الشافعی (652 ق) ، قم : مؤسّسة اُمّ القری للتحقیق والنشر ، 1420 ق .

69 . مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، محمّد بن سلیمان الکوفی القاضی (من أعلام ق3) ، تحقیق : محمّد باقر المحمودی ، قم: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیّة ، 1412 ق .

70 . مناقب الإمام علیّ علیه السلام ، علیّ بن محمّد بن المغازلی ، بیروت : دار الأضواء .

71 . مناقب آل أبی طالب ، ابن شهرآشوب المازندرانی (588 ق) ، النجف الأشرف : المطبعة الحیدریة ، 1376 ق.

72 . نوادر المعجزات فی مناقب الأئمّة الهداة ، محمّد بن جریر بن رستم الطبری (310 ق) ، قم : مؤسّسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1410 ق .

73 . وقعة صفّین ، نصر بن مزاحم المنقری ، قم : مکتبة آیة اللّه العظمی المرعشی النجفی رحمه الله .

74 . المحاسن والمساوئ ، إبراهیم بن محمّد البیهقی ، بیروت : دار الکتب العلمیّة .

75 . تقریب المعارف ، نجم الدین بن عبید اللّه الحلبی ، قم.

76 . أنساب الأشراف ، أحمد بن یحیی البلاذری ، القاهرة : دار المعارف .

77 . الأربعون حدیثا ، منتجب الدین علیّ بن عبید اللّه القمّی الرازی ، قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام .

78 . الطرائف ، علیّ بن موسی بن طاووس الحلّی (664 ق) ، قم : مکتبة الخیّام.

79 . رجال ابن داود، الحسن بن علیّبن داود الحلّی (740ق)، طهران: جامعة طهران، 1342ش.

80 . تفسیر العیّاشی ، محمّد بن مسعود بن عیّاش (م 320 ق) ، طهران: مکتبة العلمیّة الإسلامیة ، مجلّدان.

81 . الحجّة علی إیمان أبی طالب.

82 . ینابیع المودّة لذوی القربی ، سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی ، دار الاُسوة ، 1416 ق.

83 . الیقین ، علیّ بن طاووس الحلّی (م 664 ق) ، قم : مؤسّسة دار الکتاب ، 1413 ق.

ص :229

فهرس المطالب

تصدیر5

مقدمة التحقیق7

الحدیث الأوّل13

1 . أنّ الملائکة تنزل فی کلّ مساء ونهار للطواف بالبیت الحرام وزیارة قبر النبیّ و أمیر المؤمنین والحسنین صلوات اللّه علیهم أجمعین.13

2 . أنّ الملائکة الموکّلین بقبر الحسین علیه السلام یستقبلون زوّار قبر الحسین علیه السلام ویدعون لهم.13

الحدیث الثانی14

1 . فی سؤال الأعرابی من النبی صلی الله علیه و آله حول افتراض اللّه موالاة علیّ علیه السلام علی أهل السماوات والأرض.14

2 . ذکر الخصال الخمس التی أعطاها اللّه سبحانه لأمیر المؤمنین علیه السلام ، وأنّ الواحدة منهنّ خیر من الدنیا وما فیها.14

الحدیث الثالث16

1 . أنّ أصحاب الجمل وصفّین والنهروان ما أسلموا ولکن استسلموا وکتموا الکفر ، وأنّهم لعنوا علی لسان النبیّ صلی الله علیه و آله.16

2 . إخبار أمیر المؤمنین علیه السلام عن أسرار امرأة شنیعة من الخوارج ، لم یطّلع علیها إلاّ اُمّها أو قابلتها.16

ص :230

الحدیث الرابع18

1 . أنّه لن یدخل الجنّة أحد حتّی یحبّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام وولده.18

2 . أنّ لعلیّ علیه السلام حقّا لا یعلمه إلاّ اللّه ورسوله.18

الحدیث الخامس18

حدیث ردّ الشمس وقت العصر لأمیر المؤمنین علیه السلام بأرض بابل ، وفی حیاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله.18

الحدیث السادس20

قصّة الثعبان الذی تکلّم مع أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یخطب یوم الجمعة علی منبر الکوفة.20

الحدیث السابع21

فیما رآه النبیّ لیلة المعراج من أبواب الجنّة والنار ، وما کان مکتوبا علی أبواب الجنّة والنار.21

الحدیث الثامن24

مشارکة إبلیس فی المال والولد لکلّ من یبغض علیّا علیه السلام .24

والملائکة تخرّ سجّدا لنور طینة علیّ بن أبی طالب علیه السلام .24

الحدیث التاسع25

أنّ الملائکة تهبط من السماء لتحفّ بالذاکرین لفضائل محمّد وآله علیهم السلام25

الحدیث العاشر25

حدیث المحبّة بروایة عائشة ، ومقام أهل البیت علیهم السلامومحبّیهم عند اللّه تعالی.25

الحدیث الحادی عشر26

حدیث المحبّة بروایة سعد بن عبادة الأنصاری. وسماع النبیّ صلی الله علیه و آله النداء من اللّه لیلة المعراج : یا محمّد أحبّ علیّا فإنّی اُحبّه26

الحدیث الثانی عشر27

حدیث المحبّة بروایة عبد اللّه بن عمر ، وفیه تسع عشرة مکرمة لمن أحبّ علیّا وآل محمّد علیهم السلام.27

ص :231

الحدیث الثالث عشر29

بشارة جبرئیل علیه السلام بأنّ من فتیان بنی هاشم ، سبعا لم یخلق اللّه مثلهم فیما مضی ولم یخلق مثلهم فیما بقی . وکذلک بقیام القائم علیه السلام وذکر صفاته.29

الحدیث الرابع عشر30

حدیث المحبّة بروایة أبی هریرة : من أحبّ علیّا وتولاّه قرّبه اللّه تعالی .30

الحدیث الخامس عشر30

فی إیمان أبی طالب وأنّ مثله فی هذه الاُمّة کمثل أصحاب الکهف فی بنی إسرائیل.30

الحدیث السادس عشر31

أنّ اللّه تعالی خَلَقَ فی بطنان العرش ملکا بصورة علیّ بن أبی طالب ، یکتب أجر عبادته له علیه السلام إلی یوم القیامة.31

الحدیث السابع عشر31

خبر الماء الذی نبع بید علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام فی طریق سناباذ وإخبار علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام بمدفنه.31

الحدیث الثامن عشر32

إخبار علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام بکیفیّة استشهاده وموضع دفنه. وفضیلة زیارة تربته.32

الحدیث التاسع عشر32

إخبار النبیّ صلی الله علیه و آله بمدفن الرضا علیه السلام وفضیلة زیارة تربته.32

الحدیث العشرون33

کذلک إخباره صلی الله علیه و آله بمدفن الرضا علیه السلام وفضیلة زیارة تربته.33

الحدیث الحادی والعشرون33

إخبار أمیر المؤمنین علیه السلام بمقتل الرضا علیه السلام وفضیلة زیارة قبره.33

الحدیث الثانی والعشرون33

إخبار النبیّ صلی الله علیه و آله بأنّ اللّه طهّر ثلاث بقاع من الأرض : الکوفة وکربلاء وسناباذ ،

ص :232

وأمر الملائکة أن یطوفوا بها ویحوطوا من یحضر فیها.33

الحدیث الثالث والعشرون34

إخبار الإمام موسی بن جعفر علیهماالسلام بفضیلة زیارة قبر علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام .34

الحدیث الرابع والعشرون34

إخبار الإمام الرضا علیه السلام بأنّه یشفع لزوّاره وینقذهم من أهوال یوم القیامة .34

الحدیث الخامس والعشرون35

إخباره علیه السلام أیضا بأنّه وآباءه علیهم السلامیشفعون لمن زاره فی یوم القیامة.35

الحدیث السادس والعشرون35

إخبار النبیّ صلی الله علیه و آله بأنّ علیّ بن أبی طالب حامل لواء الحمد یوم القیامة وأنّ له علیه السلام یوم القیامة مکانا یغبطه الأوّلون والآخرون.35

الحدیث السابع والعشرون36

أنّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام آیة الجنّة ، ومعاویة بن أبی سفیان آیة النار.36

الحدیث الثامن والعشرون37

قصّة عمارة النخعی وشجاعته ، ولماذا لقّب علیّ بن أبی طالب ب_ «قالع الشجرة» .37

الحدیث التاسع والعشرون38

شهادة النخلة بأنّ علیّ بن أبی طالب هو أمیر المؤمنین ووصیّ رسول ربّ العالمین بروایة جابر بن عبد اللّه الأنصاری.38

الحدیث الثلاثون38

شهادة عمر بن الخطّاب بمعجزات لأمیر المؤمنین علیه السلام وعجائب ما رأی منه.38

الحدیث الحادی والثلاثون40

معجزة ذکر لأمیر المؤمنین علیه السلام واستحالة خارجیٍّ کلبا بدعائه. وأنّ عنده اسم اللّه الأعظم ، وأنّه علیه السلام أخیر وأکرم عند اللّه من وصیّ سلیمان ، بروایة ابن عبّاس وعمّار بن یاسر رضی اللّه عنهما.40

الحدیث الثانی والثلاثون44

ذکر معجزة اُخری له علیه السلام ، ودرر من کلامه فی لذّات الدنیا.44

ص :233

الحدیث الثالث والثلاثون46

ذکر خصال الشیعة وصفاتهم.46

الحدیث الرابع والثلاثون47

خبر طغیان الفرات فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام .47

الحدیث الخامس والثلاثون49

خبر إقامة أمیر المؤمنین علیه السلام الحدّ علی صفوان الأکحل _ من شیعته _ ووصفه علیه السلام نفسَه بأنّه «قسیم الجنّة والنار».49

الحدیث السادس والثلاثون50

فی ثبات أمیر المؤمنین علیه السلام یوم اُحد ، وقول النبی صلی الله علیه و آله : «واللّه إنّه منّی وأنا منه» .50

الحدیث السابع والثلاثون51

کذلک فی ذکر ثباته علیه السلام یوم اُحد بروایة عمر بن الخطّاب.51

الحدیث الثامن والثلاثون52

حدیث خلق الرسول وعلیّ علیهماالسلام من شجرة واحدة.52

الحدیث التاسع والثلاثون53

حدیث الاُخوّة والخلافة بروایة ابن عمر.53

الحدیث الأربعون54

حدیث التسلیم لعلی علیه السلام بإمرة المؤمنین ، بروایة أخی بریدة.54

الحدیث الحادی والأربعون54

أنّ علیّا علیه السلام یُدخل أعداءه النار ، ویُدخل أولیاءه الجنّة فی یوم القیامة.54

الحدیث الثانی والأربعون55

ذکر فضائل شتّی لأمیر المؤمنین علیه السلام بروایة عبد اللّه بن مسعود.55

الحدیث الثالث والأربعون56

حدیث المائدة التی اُهدیت إلی النبیّ صلی الله علیه و آله ، وتمنّیه مجیء علی علیه السلام .56

الحدیث الرابع والأربعون57

حدیث الوصایة بروایة اُمّ سلمة ، وفیه خبر تکلّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وعلیّ علیه السلام مع السیف.57

ص :234

الحدیث الخامس والأربعون59

خبر الطاس الذی جاء به جبرئیل من الجنّة إلی النبیّ صلی الله علیه و آله ، فشرب منه النبیّ و علیّ والحسنان علیهم السلام.59

الحدیث السادس والأربعون60

ذکر الیوم التاسع من شهر ربیع الأوّل ، وأ نّه یوم عید وهو أفضل الأعیاد عند أهل البیت علیهم السلام. وما وقع بین الخلیفة الثانی _ عند احتضاره _ وبین أبی لؤلؤة.60

الحدیث السابع والأربعون65

حدیث المحبّة ، بروایة أبی ذرّ الغفاری رحمه الله.65

الحدیث الثامن والأربعون65

حدیث منزلة أهل البیت عند اللّه ، وأنّ مثلهم کمثل التابوت فی بنی إسرائیل.65

الحدیث التاسع والأربعون66

حدیث النخل الصیحانی وأنّها صاحت بفضل النبیّ صلی الله علیه و آله والوصی.66

الحدیث الخمسون66

إخبار النبیّ صلی الله علیه و آله بقتل عمّار بن یاسر بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلام ، وما أوصی إلیه بالتزامه علیّ بن أبی طالب علیه السلام لأنّ طاعته کطاعة النبیّ ، بروایة أبی أیوب الأنصاری.66

الحدیث الحادی والخمسون67

یتضمّن أحادیث فی فضائل الشیعة وصفاتهم.67

الحدیث الثانی والخمسون69

حدیث الأصبغ بن نباتة فی آخر لقاء له مع أمیر المؤمنین علیه السلام بعد أن ضربه ابن ملجم لعنة اللّه علیه ، ویتضمّن أیضا دررا من کلام النبیّ صلی الله علیه و آله فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام .69

الحدیث الثالث والخمسون72

حدیث السطل الذی اُهدی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام لیتوضّأ ویحضر صلاة الجماعة بإمامة رسول اللّه صلی الله علیه و آله .72

ص :235

الحدیث الرابع والخمسون73

فی فضیلة التختّم بالعقیق73

الحدیث الخامس والخمسون73

حدیث صفیّة زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله وأنّ أمرها بعد النبیّ إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام .73

الحدیث السادس والخمسون74

نزول قوله تعالی : «ومن یطع اللّه والرسول فأُولئک مع الذین أنعم اللّه علیهم »الآیة فی شأن آل محمّد صلی الله علیه و آله.74

الحدیث السابع والخمسون76

موقف النبی صلی الله علیه و آله وکلماته فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام فی مقامات شتّی وأنّ الآیة الشریفة : «وأذان من اللّه ورسوله إلی الناس یوم الحجّ الأکبر» نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام .76

الحدیث الثامن والخمسون78

أنّه لا یجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولایة علیّ بن أبی طالب وولایة أهل بیته علیهم السلام.78

الحدیث التاسع والخمسون78

أنّ موالاة علیّ وأهل بیته باب هدی إلی الجنّة.78

الحدیث الستّون79

الرسول صلی الله علیه و آله یسأل اللّه تعالی لعلیّ علیه السلام کما یسأل لنفسه.79

الحدیث الحادی والستّون79

خبر تکلّم أمیر المؤمنین علیه السلام مع الشمس.79

الحدیث الثانی والستّون80

قول النبیّ صلی الله علیه و آله : «لو اتّفقوا علی إمامة أمیر المؤمنین بعد النبیّ لدخلوا الجنّة».80

الحدیث الثالث والستّون81

حدیث استقاء أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة بدر ونزول الملائکة لنصرته ، وتسلیمهم علیه ، إکراما وتبجیلاً.81

ص :236

الحدیث الرابع والستّون81

أنّ أوّل من یدخل الجنّة من النبیّین والصدّیقین علیُّ بن أبی طالب علیه السلام .81

الحدیث الخامس والستّون82

أنّه مکتوب علی العرش :82

الحدیث السادس والستّون82

حدیث المنزلة ، والنعم التی أنعم اللّه بها علی علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام .82

الحدیث السابع والستّون83

أنّ علیّا علیه السلام وشیعته یحْبُوهم اللّه عز و جل یوم القیامة بما یلیق بهم.83

الحدیث الثامن والستّون84

أوّل من اتّخذ علیّ بن أبی طالب أخا من أهل السماء إسرافیل ، ثمّ وأنّ ملک الموت یترحّم علی محبّیه کما یترحّم علی الأنبیاء علیهم السلام.84

الحدیث التاسع والستّون84

حدیث عقوبة أنس بن مالک لامتناعه عن ذکر فضائل علیّ بن أبی طالب وأهل البیت علیهم السلام.84

الحدیث السبعون84

فیما سمعه النبی صلی الله علیه و آله لیلة المعراج عند سدرة المنتهی من فضائل علیّ علیه السلام .84

الحدیث الحادی والسبعون85

ذکر بشارة کتاب أصحاب عیسی بنبوّة محمّد صلی الله علیه و آله وذکر فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام .85

الحدیث الثانی والسبعون87

فیما جری بین معاویة وعمرو بن العاص ، وما روی عمرو بن العاص من الفضائل والمناقب فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام .87

الحدیث الثالث والسبعون91

حدیث الکساء ودعاء النبیّ صلی الله علیه و آله لأصحاب الکساء ، بروایة واثلة بن الأسقع.91

ص :237

الحدیث الرابع والسبعون92

فی قبض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وهو یحتضن أمیر المؤمنین علیه السلام ، بروایة عائشة.92

الحدیث الخامس والسبعون92

أنّ أفضل الأعمال : الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، وسقی الماء ، وحبّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام .92

الحدیث السادس والسبعون93

حدیث الوصایة بروایة أنس بن مالک.93

الحدیث السابع والسبعون93

دعاء ختم القرآن لأمیر المؤمنین علیه السلام ، والذی علّمه إیّاه رسول اللّه صلی الله علیه و آله.93

الحدیث الثامن والسبعون94

أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یتفقّد الأسواق التجاریة فی الکوفة ، ویأمر التجّار بالمعروف وینهاهم عن المنکر ویحثّهم علی رعایة الإنصاف فی البیع.94

ودعاء رواه علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله عند الکسوة ، واشتراؤه قمیصا بثلاثة دراهم.94

الحدیث التاسع والسبعون96

حدیث دحیة الکلبی وذکره لفضائل أمیر المؤمنین علیه السلام حین غدا علی رسول اللّه صلی الله علیه و آلهوکان علیلاً.96

الحدیث الثمانون96

فی أنّ من تعلّق بعلیّ بن أبی طالب علیه السلام دخل الجنّة.96

الحدیث الحادی والثمانون97

خبر رجل یهودی من أهل دسکرة الکوفة ، وسبب حبّه لأمیر المؤمنین علیه السلام وما قصّه من معجزة لأمیر المؤمنین علیه السلام علی معاویة بن أبی سفیان لعنة اللّه علیه.97

الحدیث الثانی والثمانون102

ذکر فضائل لأمیر المؤمنین علیه السلام بروایة بنتی عمّار بن یاسر رضی الله عنه.102

الحدیث الثالث والثمانون104

أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام فخر العرب وبیان النبی صلی الله علیه و آله مفاخر علیّ علیه السلام .104

ص :238

الحدیث الرابع والثمانون106

ذکر معجزة الإمام علیّ الهادیّ علیه السلام التی أرعبت المتوکّل العبّاسیّ.106

الحدیث الخامس والثمانون107

قصّة شجرة العوسج التی توضّأ عندها رسول اللّه . وظهور برکتها وارتباط حیاتها بحیاة الرسول والأئمّة علیهم السلام.107

ونوح الجنّ علی قتل الحسین بن علیّ علیهماالسلام. وقصیدة دعبل الخزاعی فی عزاء الحسین علیه السلام .107

الحدیث السادس والثمانون111

حدیث وصیّة أبی ذرّ إلی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام وما نقله من أمر النبیّ صلی الله علیه و آلهبالتسلیم بإمرة المؤمنین لأمیر المؤمنین علیه السلام .111

الحدیث السابع والثمانون116

1 . خبر الدیرانی مع خالد بن الولید ، واعتراف خالد بأنّهم اتّبعوا أهواءهم بعد ارتحال رسول اللّه صلی الله علیه و آله.116

2 . خبر قلع أمیر المؤمنین علیه السلام الصخرة التی کانت علی عین الماء حین رجوعه من صفّین.116

الحدیث الثامن والثمانون123

معاویة یثیر حفیظة ابن العاص ، والأخیر یکشف الحقائق فیذکر فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام وأحقّیته بالخلافة. ودور ابن العاص فی قضیّة التحکیم.123

الحدیث التاسع والثمانون126

معاویة یسخر من ابن العاص بکشف عورته یوم صفّین لإنقاذ نفسه من ضربة أمیر المؤمنین علیه السلام .126

وابن العاص یذکّر معاویة بالفزع الذی أصابه یوم طلب أمیر المؤمنین علیه السلام مبارزته.126

الحدیث التسعون126

کعب الأحبار یکشف للخلیفة الثانی منزلة أمیر المؤمنین علیه السلام ، وظلم هذه الأُمّة له کما ورد فی التوراة.126

ص :239

الحدیث الحادی والتسعون127

امتناع سعد بن عبادة من بیعة أبی بکر ، ومحاجّته مع أبی بکر فی أحقّیة علیّ بن أبی طالب علیه السلام بالخلافة.127

الحدیث الثانی والتسعون130

خبر رؤیا الأمیر أبی دلف ، واعتقاده للحقّ وموالاته لأمیر المؤمنین علیه السلام وکون ذلک سببا لحسن عاقبته.130

الحدیث الثالث والتسعون131

حدیث : «علیّ خیر الأُمّة ، وعلیّ مع الحقّ والحقّ معه» بروایة عائشة131

الحدیث الرابع والتسعون132

حدیث أنّ أمر الجنّة والنار فی یوم القیامة إلی رسول اللّه وأمیر المؤمنین صلوات اللّه وسلامه علیهما.132

الحدیث الخامس والتسعون133

حدیث أُمّ سلمة مع الزهراء علیهاالسلام بعدما بایع الناس أبا بکر قائلةً لها : «کیف أصبحت یا بنت المصطفی؟».133

الحدیث السادس والتسعون134

قصّة معاویة مع شیخ من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام ومحاجّة الشیخ إیّاه فی أحقّیة أمیر المؤمنین علیه السلام .134

الحدیث السابع والتسعون136

صعصعة بن صوحان یردّ علی رسالة عائشة ویلتحق بأمیر المؤمنین علیه السلام .136

الحدیث الثامن والتسعون137

رسالة محمّد بن أبی بکر إلی معاویة ، وجواب معاویة له137

الحدیث التاسع والتسعون138

خبر رؤیا نظام الإسلام سعد بن محمّد لأمیر المؤمنین علیه السلام وما أوصاه إلیه فی حقّ أحد أولیائه علیه السلام .138

الحدیث المائة139

حدیث تکلّم أمیر المؤمنین علیه السلام مع السبع. وفیه ذکر غرائب من أمره علیه السلام .139

ص :240

الحدیث الحادی والمائة142

حدیث تکلّم أمیر المؤمنین علیه السلام مع النجم فی بئر رومة بحضرة نقباء أصحابه.142

الحدیث الثانی والمائة143

اختصام علیّ علیه السلام والعبّاس عند أبی بکر فی تراث النبی صلی الله علیه و آله واعتراف أبی بکر بأنّ علیّا علیه السلام وصیّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله.143

الحدیث الثالث والمائة145

قسمة الغنائم بین المسلمین بعد فتح بلاد الفرس ووقوع اختیار شهربان بنت یزدجرد علی الحسین علیه السلام ، لأنّها رأت فیه النزاهة والشرف.145

الحدیث الرابع والمائة146

الإمام علیّ بن موسی الرضا علیهماالسلام یجیب عن مسائل علیّ بن أحمد الوشاء الکوفی قبل أن یعرض علیه أسئلته.146

الحدیث الخامس والمائة147

ابن عبّاس یذکر بعض فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام عند معاویة.147

الحدیث السادس والمائة149

بلال بن حمامة یمتنع عن بیعته لأبی بکر ، لأنّه یجد فی عنقه عقد بیعة لولایة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الغدیر.149

الحدیث السابع والمائة150

امتناع مِسطَحِ بن أَثاثة _ من الصحابة _ عن بیعة أبی بکر ، وإنشاؤه قصیدة یستبطئ فیها علیّا علیه السلام .150

الحدیث الثامن والمائة151

خبر الطفیل بن الحارث بن عبد المطلب _ من الصحابة _ لمّا سمع ببیعة الناس لأبی بکر. وأ نّه لم یفارق أمیر المؤمنین علیه السلام حتّی شهد مشاهده کلَّها. واحتجاجه مع الزبیر بن العوّام فی أحقّیة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل.151

الحدیث التاسع والمائة155

خبر خالد بن سعید بن العاص وأبی سفیان ، وعرضهما البیعة لأمیر المؤمنین علیه السلام بعد وفاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله.155

ص :241

الحدیث العاشر والمائة158

خبر الفضل بن عبّاس وموقفه من أهل السقیفة لمّا عزموا علی حرق منزل الزهراء علیهاالسلام.158

الخبر الحادی عشر والمائة159

خبر بریدة بن الخصیب الأسلمی وموقفه من أهل السقیفة ، وخواصّ أمیر المؤمنین علیه السلام معه فی مسجد النبیّ صلی الله علیه و آله.159

الحدیث الثانی عشر والمائة161

خبر عدیّ بن حاتم رضی الله عنه وترحّمه علی أمیر المؤمنین علیه السلام حین أُتی به إلی بیعة أبی بکر. والخطبة التی خطبها بصفّین فی تشجیع أصحابه علی قتال أهل الشام.161

قصیدة لقیس بن سعد بن عبادة161

قصیدة لأروی بنت الجریر161

قصیدة لخالد بن یزید بن معاویة بن أبی سفیان161

شعر لأبی بردة بن أبی موسی الأشعری161

شعر لمحمد بن أبی بکر161

شعر لقیس بن حرمة161

الحدیث الثالث عشر والمائة166

خبر ابن عبّاس بعد انتصار أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل وأمر عائشة بالرحیل إلی المدینة.166

الحدیث الرابع عشر والمائة167

قصّة بئر ذات العلم167

الحدیث الخامس عشر والمائة171

قصّة دعبل الخزاعی ولقائه أحد أفراد الجنّ من زوّار قبر الحسین علیه السلام . وحدیث أبی عبد اللّه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله _ قوله لعلی بن أبی طالب علیه السلام _ : «یا أبا الحسن ، الجنّة محرّمة علی الأنبیاء حتی أدخلها أنا ومحرّمة علی الأوصیاء حتّی تدخلها أنت ».171

الحدیث السادس عشر والمائة173

خبر استجابة دعاء علیّ بن الحسین علیهماالسلام علی عبید اللّه بن زیاد بمکّة173

ص :242

الحدیث السابع عشر والمائة173

خبر أُمّ حبیب بنت أبی سفیان ، زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله ، وهی تنصح أخاها معاویة بالعدول عن منازلة أمیر المؤمنین علیه السلام وتذکّره بفضائله.173

الحدیث الثامن عشر والمائة175

خبر رجل من ولد محمّد بن الحنفیّة مع المتوکّل العبّاسی.175

الحدیث التاسع عشر والمائة176

حدیث البساط الذی أُهدی لرسول اللّه صلی الله علیه و آله ، بروایة سلمان الفارسی رضی الله عنه.176

الحدیث العشرون والمائة178

حدیث عمر بن الخطّاب حول یوم الغدیر وأنّ جبرئیل حذّره من حلّ عقد ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام .178

الحدیث الحادی والعشرون والمائة178

خبر عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطّلب یلقم عبد اللّه بن عمر بن خطّاب الحجر ویکیله الصاع بصاعین.178

الحدیث الثانی والعشرون والمائة181

حدیث ابن عباس عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی معاقبة اللّه من سبّ علیّا علیه السلام .181

الحدیث الثالث والعشرون والمائة182

خبر أُمّ سلمة زوجة النبیّ صلی الله علیه و آله وهی تنصح مولیً لها وتخبره بوصیّة رسول اللّه صلی الله علیه و آلهلعلی علیه السلام وإخباره بما سیقع بعده من الفتن والملاحم.182

الحدیث الرابع والعشرون والمائة183

حدیث المباهلة بروایة ابن عبّاس والحسن والشعبی والسدّی.183

ص :243

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.